بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله كما يستحقه لذاته ويستوجبه بإحسانه إلى مخلوقاته ونشهد أن لا إله إلا هو كما دل عليه بواضح دلالاته وأنه بعث رسلا مشيدة بحججه وبيناته وأوضح الطريق إليه لئلا يكون لأحد حجة عليه.

وبعد فإني رجل من أهل الذمة ولي بذلك على أهل الإسلام ثبوت حرمة فيجب أن لا يعجلوا بذمي على ما أسطره بل يتفكروا في حقيقة ما أذكره فرب ملوم منا لا ذنب له.

وذلك إني مذ نشأت سمعت اختلاف أهل الملل في كل زمان فسافرت بنفسي وخاطري وناظري في العقائد والأديان لأحصل لنفسي السلامة وأفوز برضا الله ودار المقامة وأسلم من الندامة وخطر يوم القيامة.

وإنني عرفت ما بلغ إليه محمد ص ومن اتبعه على ملته فأحببت أن أقدم النظر فيما جاء به وفي حال أتباعه وشريعته فوجدت أكثر أهل الإسلام المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية وهم الأربعة المذاهب مذهب مالك ومذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة ومذهب أحمد بن حنبل ولم أرتب

ذكرهم ههنا على حسب ترتبهم في أزمانهم لأن المقصود غير ذلك.

فسألت : هل كان هؤلاء الأربعة من أصحاب نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وأهل زمانه؟ فقيل : لا. فقلت : هل كانوا جميعا من التابعين الذين لقوا أصحابه فسمعوا منهم ورووا عنهم؟ فقيل لا بل هؤلاء الأربعة تكلموا فيما بعد وتعلموا العلم وقلدهم أكثر المسلمين.

فقلت : هذا عجيب من هذه الأمة ، كيف تركوا أن يسموا أنفسهم محمدية وينسبوا إلى اسم نبيهم محمد صلى الله عليه وآله ، وكان ذلك أشرف لهم وأقرب إلى تعظيم نبوته وإظهار حرمته ، وليتهم جعلوا مذاهبهم باسم أحد من أهل بيته وعترته أو باسم أحد من صحابته أو باسم أحد شاهد آثارهم وأعلامهم فكيف عدلوا عن ذلك كله وسموا أنفسهم باتباع هؤلاء الأربعة الأنفس؟!

ثم سألت : هل كان هؤلاء الأربعة المذاهب في زمان واحد وعلى دين واحد؟ فقيل : لا بل كانوا في أزمان متفرقة وعلى عقائد مختلفة وبعضهم يكفر بعضا.

فقلت : هذا أيضا عجيب من هذه الأمة التي تذكر أن نبيهم أشرف الأنبياء وأن أمته أشرف الأمم ، فكيف اتفق أكثرهم على الاقتداء بأربعة أنفس على هذا الاختلاف الذي خرجوا به عن طريق نبيهم محمد صلى الله عليه وآله في الاتفاق والايتلاف وتباعدوا بذلك عما يذكرونه من قواعد (١) الأسلاف.

ثم سألت : عن معنى ما تضمنه كتابهم " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " (٢) فقالوا : هذه الآية نزلت على نبيهم في أواخر عمره حيث كمل الله دينه.

فقلت : كان دينه قد تكمل في حياته فما هذا الاختلاف العظيم بعد وفاته

__________________

(١) وفی نسخة اخرى «عوائد الاسلام».

(٢) المائدة : ٣٠.

مع قرب بعض هؤلاء الأربعة المذاهب من الصدر الأول.

فإن كان هذا الاختلاف من الرواة الذين رووا عنهم فقد شهدوا على رواة أحاديثهم بالكذب أو الغفلة أو الضلال وتبديل الإسلام فكيف يوثق بهم فيما نقلوه عنهم وإن كان هذا الاختلاف من هؤلاء الأربعة المذاهب لحاجة دعتهم إلى ذلك أو لطلب ما ضاع والتبس من شرع نبيهم فهذا يدل على أن هؤلاء الأربعة المذاهب قد شهدوا على أن دين نبيهم ما كان محفوظا ولا ترك لهم من يقوم مقامه ويحفظ شرعه ويحتج به عليهم فكيف يجوز الاقتداء بمن يشهد على ربه تعالى ونبيه وشريعته بمثل ذلك وإن كان قد كان تاما محفوظا فأي شيء ضاع منهم غير دينهم وشريعة نبيهم حتى فتشوا عليه واختلفوا لأجله هذا الاختلاف.

وإن كانوا اختلفوا من غير حاجة لهم إلى الاختلاف فقد قبحوا ذكر نبيهم وأساءوا سمعته وزهدوا الناس في اتباع شريعته وزادوا ونقصوا بذلك ما لم يكن في زمانه فكيف يجوز الاقتداء بمن يكون بهذه الصفات.

وإن كان هؤلاء الأربعة الأنفس يزعمون أو يزعم بعضهم أنهم أعرف بالشريعة من ربهم ونبيهم وأنهم يزيدون وينقصون بحسب اختيارهم وأنهم قد أتوا بما لم يأت به نبيهم من الهداية فهذا خلاف عقول العقلاء وضد مذاهب أمم الأنبياء.

ثم قلت لبعض أتباعهم إذا كانوا هؤلاء الأربعة الأنفس في أزمان متفرقة وعلى مذاهب مختلفة فلأي حال كانوا جميعا على صواب مع أن بعضهم يلعن بعضا ويكفر بعضهم بعضا وهلا كان بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل أو جميعهم على الباطل فيكون الحق مع من كان قبلهم من الصحابة والتابعين الذين لزموا بمحمد ص وشريعته وتبعوا طريقته التي هي طريقة واحدة.

ثم قلت لبعض أتباعهم كيف اقتصرتم على أربعة أنفس تقتدون بهم فهلا كان الذين يقتدون أكثر عددا أو أقل ومن حدد هذا التحديد وجعل رؤساء

المذاهب أربعة أنفس فحسب وليس هذا التحديد في كتابكم ولا شريعة نبيكم.

ثم ومن العجب أني رأيت في أتباع هؤلاء الأربعة من هو أعلم منهم بكثير. وما أدري كيف صار الاقتداء والاسم لأولئك الأربعة وهلا كان كل واحد من علماء الإسلام الذين مثل أولئك الأربعة أو أفضل منهم يكون قوله والاقتداء به مثل هؤلاء.

ثم أيها المسلمون إن كان أصحاب كل واحد من هؤلاء الأربعة ما اهتدوا إلا بهم ولا عرفوا الشريعة حتى ظهر الذي اقتدوا به فكيف كانت حال آبائهم وأسلافهم فيلزم أن يكون سلف هؤلاء الأتباع قد كانوا ضالين حيث لم يكن لهم واحد من هؤلاء الأربعة وإن كان قد كان لسلفهم مثل واحد من هؤلاء الأربعة أو أفضل فهلا كان اقتداء بأولئك الأوائل والاسم لهم.

ثم قد وقفت على ذم كل فرقة منهم لرئيس الفرقة الأخرى ولفتاويه ولوم جماعته بما أن لو ذكرته طال شرحه فلينظر ذلك في مواضعه ويسأل كل فرقة عن الأخرى.

ومما دل على أنهم تبعوا هؤلاء الأربعة الأئمة عندهم عصبية ومراقبة لطلب الخبز واللحم والوظائف التي في المدارس المنسوبة إليهم والربط قول الموصوف عندهم بأنه حجة الإسلام محمد بن محمد بن أحمد الغزالي في كتاب إلجام العوام عن علم الكلام وهو كتاب وجدته وأصله في وقف الزيدي ببغداد ويذكر أنه آخر كتاب صنفه الغزالي ولا شبهة بأنه آخر العمر وقرب الموت يكون الإنسان أقرب إلى الحق فقال في خطبته ما هذا لفظه اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني الصحابة والتابعين.

أولا تراه قد نبه على إسقاط الاقتداء بالأربعة المذاهب المذكورة.

ثم قلت لبعض المسلمين فهل هاهنا مذهب خامس أو أكثر فقيل بل

هاهنا مذاهب كثيرة فقلت من أكثرها عددا بعد هذه الأربعة المذاهب وأظهرها احتجاجا في الأصول والشريعة فقيل قوم يعرفون بالشيعة منتسبون إلى نبيهم محمد ص وأهل بيته خاصة إلا أن هؤلاء الأربعة المذاهب متفقون أو أكثرهم على بغض أهل هذا المذهب المذكور وعلى عداوتهم في أكثر الأمور.

فقلت والله أن تلزم أهل هذا المذهب المنسوب بنبيهم وأهل بيته أجمل على كل حال وأفضل وأوجب من التلزم بأولئك الأربعة الأنفس الذين ليسوا كذلك وأرى أهل هذا المذهب أقرب إلى الاحتياط في دينهم والاستظهار في معرفة نبيهم ومعرفة ما جاء به لأن خواص كل نبي لم يزالوا أعرف بدينه وشريعته وأقرب إلى الحق من أكثر أمته.

فتشوقت إلى تعجيل معرفة اعتقاد هذه الفرقة المعروف بالشيعة ثم أنظر بعد ذلك في اعتقاد كل واحد من الأربعة المذاهب وأختار لنفسي ما يكون أقرب إلى الصواب وأسلم لي عند الله في الدنيا ويوم الحساب إن شاء الله تعالى.

ولم يصرفني عن هذا العزم كثرة الأربعة المذاهب وكون هذه الفرقة قليلة لأني رأيت أن هذه الفرقة الشيعة وإن كانت ما هي أقل من كل واحد من أولئك الأربعة وإن كان كلهم أكثر منها ولكن ليس الاعتبار بمجرد الكثرة عند ذوي الألباب بل الاعتبار بالحق والصواب لأنه لو كان الاعتبار بالكثرة ما وجب اتباع الأنبياء ولا ثبت شرائعهم لأن كل نبي ظهر فإن الناس كانوا وقت ظهوره كلهم أو أكثرهم مجتمعين على مخالفته ولم يدل ذلك على بطلان نبوته ولما بايعه بعضهم فإن أكثرهم كانوا في أول الأمر مخالفين لهم في ذلك ولم يدل كثرة مخالفيهم على بطلان مذهب القليلين التابعين له.

ولأنني رأيت خيار كل شيء في الدنيا وجيده أقله حتى من كل صامت وناطق ورطب ويابس وإذا اعتبر العاقل ذلك وجده كما قلت.

ومما حملني على تقديم النظر في اعتقاد هذه الفرقة الشيعة إني ما رأيتهم أحدثوا لأنفسهم ولأديانهم من يقتدون به ، وإنما حفظوا الطريق الأول واقتدوا بنبيهم وخواص أهل بيته ، وقد استحسنت هذا الاختيار من الفرقة.

ولقد لقيت جماعة من علمائهم وسألتهم عن اعتقادهم ، فقالوا : ما نكلفك تقليدنا بغير حجة وقد حكمناك في حال إنصافك أن تنظر في كتبنا وتلقى من تقوم به الحجة من علمائنا ، فإن كتبنا المصنفة في أصول الدين وأصول الفقه وفي الشريعة وفي العبادات والآداب والدعوات واللغة والسير وتفاسير القرآن والأخبار وغير ذلك في سائر العلوم والآثار الدينية ما لا نقدر على حصرها لك بقلم ولا بلسان لافتراقها في البلدان وكثرة المصنفين لها في كل زمان. ولنا كتب مجلدة كبار فيها أسماء المصنفين من أصحابنا المتقدمين وعدد بعض تصانيفهم أو كلها وفيهم من له ألف مصنف وفيهم من له أقل أو أكثر ، وإذا كان أسماء مصنفي كتبنا مجلدات فكم يكون عدد تصانيفهم وعدد من لم يصنف من علمائهم ، فاطلب ما تريد من تلك التصانيف فإنك تجد فيها من الأدلة الواضحة والبراهين اللائحة ما يصونك عن خطر التقليد ويوجب لك الاعتقاد بها والعمل بها. فإننا رجعنا في الأمور العقلية الاستعانة بالله ونزهناها عن الأهواء المضلة والأغراض المزلة ومن حب المنشأ وتقليد الرجال وطلبنا الحق أين كان وعلى كل حال ، فظفرنا الله وله الحمد بالحق الذي يشهد ظاهره لباطنه ومفصله لمجمله ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله بألطافه المتواترة وعنايته المتظاهرة.

وأما ما كان من علم الشريعة المحمدية فإننا أخذناه عن نبينا وخواص أهل بيته الذين عرفنا حقيقة عصمتهم وطهارتهم وأمنا من غلطهم وسهوهم واختلافهم ، وأمرنا الله ورسوله بالقبول منهم والأخذ عنهم ، فأرشدونا إلى سبيل الصالح

وأوردونا على منهل الحق الواضح. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم(١).

وإن كان مقصودك الآن سؤالنا أن تسمع صورة اعتقادنا قبل النظر في دلائلنا ، فاعلم أننا نعتقد :

أن لنا ربا واجب الوجود بذاته ، متفردا في صفاته ، قادرا على كل مقدور مختارا في سائر الأمور ، عالما بكل معلوم ، سميعا بصيرا مدركا منزها عن الجسمية والتشبيه وعن ظلم العباد وعن الرضا بما يقع منهم من الفساد ، غنيا واحدا أبديا سرمديا حكيما لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب ، مريدا لما تقتضيه الحكمة والإحسان ، كارها لما تكره الحكمة والعدل من الظلم والكفر والعدوان متكلم بكلام أحدثه بقدرته وأنزله على ملائكته ورسله وأنبيائه وخاصته.

وإن أفعالنا صادرة عنا بحسب دواعينا وأن كل قبيح أو فساد أو نقص فإنه منا ، وإن ربنا جل جلاله منزه عن أفعالنا الذميمة وعما نختاره نحن من الاختيارات السقيمة ، وأننا مختارون ولسنا مكرهين ولا مضطرين ولا مقهورين. وإنه سبحانه خلقنا رحمة لنا وعناية بنا وجودا وتكرما علينا وإحسانا إلينا ، " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد " (٢).

وإنه جعل لنا عقولا سليمة تشهد عندنا بجملة ما كلفنا إياه وتدلنا على مسالك رضاه. وإنه بعث الأنبياء حجة على من أطاعه وعصاه ، حيث علم أن رسله أهل لتحمل رسالته وأداء أمانته ، وعلم أن عباده محتاجون إلى معرفة تفصيل مراد الله منهم ، فجعل رسله سفراء يأخذ عباده تلك التفاصيل عنهم ، ولئلا يقول الناس

__________________

(١) جمعة : ٤.

(٢) فصلت : ٤٦.

يوم القيامة " ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك " (١) ونكون من المؤمنين ونعتقد أن رسله ع معصومون من الخطإ والزلل ومأمون منهم وقوع السهو والخطإ بحيث تحصل الثقة بما يقولون أنه منه ولا يقع شك فيما يذكرونه عنه.

وأنه ما قبض رسولا حتى أمره أن يوصي إلى من يقوم مقامه في أمته وفيما يجب له في حفظ كتابه وشريعته وأن القائم مقامه على صفات نبيه في العصمة وكلما يجب له يجب للنائب من صفات الكمال ليوثق به في كل ما يتركه أو يفعله ويقتدى به فيه وفي سائر الأحوال لأن الله تعالى علم أن الخطأ جائز على رعية من يقوم مقام نبيه فلم يكن لهم بد من معصوم يرجعون إليه ويحتج به عليهم ويكون تماما للإحسان إليهم وهذا واجب في عدل الله وحكمته وجوده وكرمه ورحمته وهو من تمام التكليف ومن صفات المالك الرحيم اللطيف.

وكيف يريد سبحانه منا مثل مراده من صحابة نبيه ويجعل لهم كتابا ونبيا حافظا للكتاب والشريعة ومبينا لهما ويقتصر بنا على الكتاب وحده وهو محتمل للتأويلات وقد بلغ الاختلاف فيه إلى بعيد الغايات فيقتضي العدل والإنصاف أن يكون لنا مع الكتاب المجيد خليفة للنبي يقوم مقامه ويحفظ كتابه وشريعته وأحكامه.

ولما عرفنا أن نبينا محمد ص كان في ذاته وصفاته على غاية تامة من الدلالة على صدق نبوته وأن الله تعالى زاده تصديقا بالمعجزات الشاه د بثبوت رسالته وأننا رأينا مدة حياته قد أخرجنا الله به من الذل إلى العز ومن الفقر إلى الغنى ومن الهوان إلى الكرامة ومن الكفر إلى الإيمان ومن الخلود في النار إلى الخلود في نعيم دار القرار ومن كل شر كنا عليه إلى كل خير اهتدينا به إليه

__________________

(١) طه : ١٣٤.

وأنه عليه السلام آثرنا بالدنيا على نفسه الشريفة وعياله وأحسن إلينا إحسانا يعجز اللسان والبيان عن حصر أوصاف كماله وأنه كان من شفقته علينا وإحسانه إلينا إذا أراد سفرا أو بعث عسكرا عين لنا وأوصى بنا إلى من يخلفه في سفره ومن ينوبه في عسكره وأنه ما زال مدة حياته يوصي في كثير من أوقاته بعترته وذريته ويدلنا على أنهم خلفاؤه في أمته ووجدنا أسلافنا قد نقلوا إلينا ذلك خلفا عن سلف نقلا متواترا موجبا للعلم اليقين.

وأن نبينا محمدا ص لم يهمل أمور المسلمين كما يقول عنه بعض الجهال بل دل على من يقوم مقامه في الأنام كما يجب في العقول السليمة والعوائد المستقيمة فإن شئت أن نورد لك شيئا من أخبارنا في ذلك أوردنا منها طرفا فإنها أكثر من أن تحصى أو تستقصى لأمثالنا وإن شئت أن نورد لك بعض ما أورده ورواه مخالفونا من الأربعة المذاهب في كتبهم التي سموها صحاحا واعتمدوا عليها.

قال عبد المحمود بن داود مؤلف هذا الكتاب فقلت للشيعة ما أريد الأخبار التي أوردتموها من طريقكم لأني لا أقتنع أن تزكوا أنفسكم بأخباركم ولا أن يكون شاهدكم منكم بل أريد أن أسمع شيئا من الأخبار التي رواها لكم مخالفوكم من الأربعة المذاهب فإن شهادتهم لكم وروايتهم لتزكيتكم أبلغ في الحجة عليهم وأوضح في الحجة لكم.

فذكر القائل لذلك أن بعض شيعة أهل بيت نبيهم قد نقل في كتاب سماه العمدة (١) تسعمائة وثمانية عشر حديثا بحسب ما وصل إليه تصفحه من كتب

__________________

(١) للشيخ الجليل يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن البطريق. قال في أمل المطبوع بايران سنة ١٣٠٥ : كان عالماً فاضلا محدثاً محققاً ثقة صدوقاً له كتب منه العمدة ـ انتهى موضع الحاجة. وهذا الكتاب قد طبع بايران سنة ١٣٠٩.

صحاح المخالفين التي يعتمدون عليها وقال إنني أورد لك مما وقفت عليه شيئا يسيرا لأنه ذكر أن الذي وجد في كتبهم مما يحتج به عليهم شيئا كثيرا وقال ينبغي أن تعلم وتحقق أنه ما يلزمنا العمل بما انفردوا به عنا فزكوا به أنفسهم وشهدوا به لمذاهبهم كما أننا ما ألزمناهم ولا احتججنا عليهم بما انفردنا به عنهم.

قال عبد المحمود وسأذكر بعض ما حدثني به عن مشايخ هؤلاء الأربعة المذاهب الثقات عندهم من كتبهم الصحاح بينهم ومن شك في ذلك فلينظر في كتبهم وفي رواياتهم التي أشير إليها ولا ينبغي الشك في شيء منها فإنه أوقفني على كتبهم المتضمنة لما رواه الشيعي عنهم وحكاه فرأيت الأمر كما ذكره محققا إلا أحاديث يسيرة تختص بمناقبه حكاها عنهم صاحب كتاب العمدة التي تقدمت الإشارة إليها فربما ذكرت بعضها واعتمدت على أمانته والدرك فيما ضمن تحقيقه عليه.

وإن نظرت أيها المعتبر شيئا مما اعتمدنا فيه على المذكور ووجدت بعض نسخ أصل ذلك المسطور يخالف ما نقله فلا تعجل بسوء الظن به فلعل النسخة التي نقل منها أصح أو أتم من النسخة التي وقفت عليها فإنا تحققنا أن هذا الشيخ ما ظهر كتابه في حياته وتحدى بصحة ما نقله كل من وقف عليه ولكتابه نسخة بالنظامية ببغداد ويدلك على أن بعض النسخ تختلف أو يكون للناقلين عنها عذر في النقل ما ذكره الثقة عند الأربعة المذاهب أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مواضع كثيرة يطول ذكرها.

ولقد اتفق مطالعتي في مسند عبد الله بن مسعود لاعتبار هذا المعنى فوجدت فيه عدة مواضع فمن ذلك في الحديث الرابع والثلاثين من مسند عبد الله بن مسعود من المتفق عليه قال في آخر الحديث المذكور ما هذا لفظه : قَالَ

أبو مسعود في الأطراف في حديث عبد الواحد " ولقد رآه نزلة أخرى " (١) قال : قال النبي صلى الله عليه وآله رأيت جبرئيل في صورة له ستمائة جناح.

وليس ذلك فيما رأيناه من النسخ ولا ذكره البرقاني فيما أخرجه من الكتابين. قال عبد المحمود ألا ترى الحميدي قد جعل هذا من المتفق على صحته عند البخاري ومسلم في صحيحيهما ومع ذلك فإنه قال وليس فيما رأيناه من النسخ.

ومن ذلك ما ذكره الحميدي في أواخر الحديث السابع من مسند عبد الله بن مسعود من إفراد البخاري ما هذا لفظه ذكر هذا الحديث البرقاني وقال إن البخاري أخرجه وقال قال علقمة وأغفله صاحب الإطراف.

قال عبد المحمود ألا ترى قد أثبته في صحيح البخاري وجعله من إفراده ثم حكى أن صاحب الإطراف أغفله.

ومن ذلك ما ذكره الحميدي في الحديث العاشر من إفراد مسلم من مسند عبد الله بن مسعود قال في آخره ما هذا لفظه : عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثاً وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ ذكر ابن مسعود هذا الحديث في إفراد مسلم فحكى فيه ثم الذين يلونهم مرتين ولا تختلفوا فيختلف قلوبكم وليس ذلك في كتاب مسلم (٢).

قال عبد المحمود هذا اللفظ الذي ذكره الحميدي أفلا تراه قد اختلف حكايته عن كتاب مسلم وحكاية ابن مسعود.

ومن ذلك ما ذكره أيضا الحميدي في مسند عبد الله بن مسعود في أوسط

__________________

(١) النجم ١٣.

(٢) وكذلك غير موجود في المطبوع منه صحيح مسلم : ١ / ٣٢٣.

الحديث الثلاثين من إفراد مسلم : وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يُنْجِزُهُ الْوَعْدَ وكذا قال أبو مسعود الدمشقي (١) إن مسلما أخرج هذه الزيادة من هذا الحديث وليس ذلك فيما عندنا من كتاب مسلم هذا آخر لفظ الحميدي.

قال عبد المحمود فيكفي هذا في التنبيه على ما حكيناه وإذا كان هذا قد تجدد في نسخ صحيح البخاري ومسلم كما نقلناه وهم الأربعة المذاهب مصروفة إلى ضبطهما وحفظهما وكان الممكن أن البخاري ومسلما كانا يزيدان في النسخ بحسب ما يصح عندهما فيخرج عنهما نسخة ناقصة ثم يخرج نسخة تامة فكذا يجب أن يعتذر فيما نقله صاحب كتاب العمدة.

واعتمدنا على نقله عنهما وعن الثعلبي ومسند أحمد بن حنبل وابن المغازلي وغير ذلك مع أننا اعتبرنا أكثره فكان كما ذكره.

وما نقلناه مما تركناه مستدركا (٢) في صحة نقلنا عنهم وتحقيقنا منهم وذكر بعض ما رواه وأورده من طريق المخالفين له من الأربعة المذاهب والإشارة إلى الكتب التي يتضمن ذلك وهي من صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري ومن صحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ومن الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن نصر الحميدي ومن مسند أحمد بن حنبل ومن الجمع بين الصحاح الستة تأليف أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري السرقسطي الأندلسي وهو موطأ مالك بن الأنس الأصبحي وصحيح مسلم وصحيح البخاري وكتاب السنن لأبي داود السجستاني وصحيح الترمذي والنسخة الكبيرة من كتاب صحيح النسائي ومن رواية

__________________

(١) وفي النسخة المخطوطة «ابو سعيد الدمشقي».

(٢) وفي الترجمة «مختصر» والذاكر هو صاحب كتاب العمدة ولعل المثير هو أيضاً صاحب كتاب العمدة.

محمد بن سليمان بن داود النيسابوري الذي قال الخطيب في تاريخ بغداد إنه كان ثقة وإنه كان من الأولياء وإنه فاضل وإنه من المقبولين بمصر والحجاز والشام والعراقين ومن كتاب الولاية ومن رواية الشيخ المتفق على صدقه وورعه وحفظه أبي سعيد مسعود بن أبي ناصر بن أبي زيد السجستاني الحافظ ومن كتاب الفقيه الشافعي أبي الحسن علي بن محمد الخطيب الجلابي المعروف بابن المغازلي الواسطي ومن كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ومن كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي.

وقال إن أوردت أحاديث من غير هذه الكتب المذكورة فسوف أسمي الكتاب الذي فيه الحديث أو التاريخ وأحذف الأسانيد التي أرويها بها اختصارا ولأن المقصود لفظ الحديث دون إسناده فإن إسناده مذكور في الكتب التي أشرت إليها وسوف أبدأ بإيراد الحديث من أحد الكتب المذكورة وأذكر من واقف (١) منهم عليه أو على بعضه وإذا كان الحديث طويلا اقتصرت على المراد منه ونبهت على ما عدلت عنه.

قَوْلُهُ (ص)

(كُنْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ نُوراً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ)

ـ فمن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل مسنده عن زاذان عن سلمان قال : سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله تعالى

__________________

(١) في (خـ) وافق.

آدَمَ قَسَمَ ذَلِكَ النُّورَ جُزْءَيْنِ فَجُزْءٌ أَنَا وَجُزْءٌ عَلِيٌ : (١)

وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ (٢) لِابْنِ شِيرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيِّ وَرَوَاهُ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالْمَنَاقِبِ (٣)

قَالا فِيهِ فَلَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ رَكَّبَ ذَلِكَ النُّورَ فِي صُلْبِهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ حَتَّى افْتَرَقْنَا فِي صُلْبِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَفِيَّ النُّبُوَّةُ وَفِي عَلِيٍّ الْخِلَافَةُ :

وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ أَيْضاً فِي طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ص وَقَالَ فِي آخِرِهِ حَتَّى قَسَمَهَا جُزْءَيْنِ جُزْءاً فِي صُلْبِ عَبْدِ اللهِ وَجُزْءاً فِي صُلْبِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْرَجَنِي نَبِيّاً وَأَخْرَجَ عَلِيّاً وَصِيّاً (٤)

كيفية ولادة علي عليه السلام

وأنه عليه السلام لم يزل من حين ولادته مع رسول الله ص

حتى بعث نبيا

٢ : وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ فِي حَدِيثٍ يَرْفَعُهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام قَالَ كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي وَنَحْنُ زَائِرُونَ قَبْرَ جَدِّنَا ع وَهُنَاكَ نِسْوَانٌ كَثِيرَةٌ إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ فَقُلْتُ لَهَا مَنْ أَنْتِ يَرْحَمُكِ اللهُ قَالَتْ أَنَا زَيْدَةُ بِنْتُ قُرَيْبَةَ بْنِ الْعَجْلَانِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ فَقُلْتُ لَهَا فَهَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ تُحَدِّثِينَّا فَقَالَتْ إِي وَاللهِ حَدَّثَتْنِي أُمِّي

__________________

(١) رواه احمد بن حنبل في فضائل الصحابة ص ٢٠٥ المخطوط «على ما في احقاق الحق ٥ / ٢٤٣».

(٢) كتاب الفردوس في باب الخاء المخطوط «على ما في احقاق الحق ٤ / ٩٢»

(٣) المناقب ط طهران ص ٧٩.

(٤) رواه العلامة المجلسي عن الطرائف في البحار ٣٥ / ٢٤ ، وابن طريق في العمدة ٤٤.

أُمُّ عُمَارَةَ بِنْتُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ ذَاتَ يَوْمٍ فِي نِسَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو طَالِبٍ كَئِيباً حَزِيناً فَقُلْتُ لَهُ مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا طَالِبٍ قَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ فِي شِدَّةِ الْمَخَاضِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ مُحَمَّدٌ ص فَقَالَ لَهُ مَا شَأْنُكَ يَا عَمِّ فَقَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ تَشْتَكِي الْمَخَاضَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَجَاءَ وَهِيَ مَعَهُ فَجَاءَ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَجْلَسَهَا فِي الْكَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ اجْلِسِي عَلَى اسْمِ اللهِ قَالَتْ فَطَلِقَتْ طَلْقَةً فَوَلَدَتْ غُلَاماً مَسْرُوراً نَظِيفاً مُنَظَّفاً لَمْ أَرَ كَحُسْنِ وَجْهِهِ فَسَمَّاهُ أَبُو طَالِبٍ عَلِيّاً وَحَمَلَهُ النَّبِيُّ ص حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى مَنْزِلِهَا.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَوَ اللهِ مَا سَمِعْتُ بِشَيْءٍ قَطُّ إِلَّا وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ (١)

يريد بذلك أنه ما سمع بشيء في شرح ولادة علي ع إلا وهذا أحسن منه.

٣ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي كِتَابِ تَفْسِيرِهِ لِلْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) (٢) عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَمَا صَنَعَ اللهُ لَهُ وَزَادَهُ مِنَ الْخَيْرِ أَنَّ قُرَيْشاً أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ يَا عَبَّاسُ أَخُوكَ أَبُو طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ فَانْطَلِقْ بِنَا فَلْنُخَفِّفْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ آخِذاً أَنَا مِنْ بَيْتِهِ رَجُلاً وَتَأْخُذُ أَنْتَ مِنْ بَيْتِهِ رَجُلاً فَنَكْفِيهِمَا عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ قَالَ الْعَبَّاسُ نَعَمْ فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا طَالِبٍ فَقَالا لَهُ نُرِيدُ أَنْ نُخَفِّفَ عَنْكَ مِنْ

__________________

(١) المناقب ص ٦ والعمدة : ١٤.

(٢) التوبة : ١٠٠.

عِيَالِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ عَنِ النَّاسِ مَا هُمْ فِيهِ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ إِنْ تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلاً فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا فَأَخَذَ النَّبِيُّ ص عَلِيّاً ع فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَراً فَضَمَّهُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ ع مَعَ رَسُولِ اللهِ ص حَتَّى بَعَثَهُ اللهُ نَبِيّاً وَاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ ع فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرٌ عِنْدَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَسْلَمَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ (١)

إن عليا عليه السلام

(أول من أسلم وصلى)

٤ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ عَلِيّاً ع أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ (٢)

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ أَيْضاً وَرَوَاهُ أَيْضاً (٣) الشَّافِعِيُّ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ (٤) وَالثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ

٥ وَرَوَى أَيْضاً أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ ص عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (٥)

__________________

(١) الكشف والبيان المخطوط ، ورواه العلامة المجلسي عن الطرائف في البحار ٣٥ / ٢٤.

(٢) رواه أحمد بن حنبل في المناقب «مخطوط» (على ما في احقاق الحق ٧ / ٥٠١)

(٣) منها ما رواه في مسنده ج ٤ / ٣٨ ط مصر ، والبحار : ٣٨ / ٢٥٠ عن زيد بن أرقم قال أول من أسلم مع رسول الله «ص» على رضي الله تعالى عنه.

(٤) المناقب ص ١٥.

(١٥) رواه أحمد بن حنبل في المناقب «مخطوط» (على ما في احقاق الحق ٧ / ٥١٥) ، والبحار ٣٨ / ٢٥١ ، والنسائي في الخصائص : ٢.

٦ وَرَوَى أَيْضاً أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ص سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ أَحَدٌ (١) ٠

٧ وَرَوَى أَيْضاً الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص صَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيَّ وَعَلَى عَلِيٍّ ع سَبْعَ سِنِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مَعِي أَحَدٌ غَيْرُهُ (٢)

٨ وَرَوَاهُ أَيْضاً ابْنُ الْمَغَازِلِيِّ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص صَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيَّ وَعَلَى عَلِيٍّ ع سَبْعاً وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى السَّمَاءِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا مِنِّي وَمِنْهُ (٣)

٩ ـ وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ أَوَّلَ ذَكَرٍ آمَنَ بِالنَّبِيِّ ص وَصَدَّقَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام (٤)

قَالَ الثَّعْلَبِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْذِرِ (٥) وَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ وَأَبِي حَيَّانَ وَالْمُزَنِيِ

١ ، ١٤ ـ ١٠ رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لِعَلِيٍّ ع أَيْ بُنَيَّ مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ يَا أَبَتِ آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقْتُهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ وَصَلَّيْتُ مَعَهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ أَمَا إِنَّ مُحَمَّداً ص لَا يَدْعُو

__________________

(١) البحار ١٣٨ / ٢٥١. رواه المحب الطبري في ذخائر العقبى : ٦٠.

(٢) المناقب ص ١٤. البحار ٣٨ / ٢٥١.

(٣) نفس المصدر. وكذا البحار. والعيون والمحاسن ٢ / ٦٦. والارشاد للمفيد : ١٤.

(٤) البحار ٣٨ / ٢٥١. والعيون والمحاسن للمفيد ٢ / ٦٧ ط أولى نجف.

(٥) في (ط) محمد بن المنكدر وهو الصحيح.

إِلَّا إِلَى خَيْرٍ فَالْزَمْهُ (١).

١١ ـ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ ابْنُ الْمَغَازِلِيِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (٢) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَبَقَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى مُوسَى ع وَصَاحِبُ يس إِلَى عِيسَى وَسَبَقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله علیه وآله (٣)

١٢ ـ وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُولُ أَنَا عَبْدُ اللهِ وَأَخُو رَسُولِ اللهِ وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ لَا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلَّا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ صَلَّيْتُ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ (٤)

حديث يوم الدار

١٣ ـ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٥) يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) جَمَعَ رَسُولُ اللهِ ص بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلاً الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَأْكُلُ الْمُسِنَّةَ وَيَشْرَبُ الْعُسَّ فَأَمَرَ عَلِيّاً أَنْ يُدْخِلَ شَاةً فَأَدَمَهَا ثُمَّ قَالَ ادْنُوا بِسْمِ اللهِ فَدَنَا الْقَوْمُ عَشَرَةً عَشَرَةً فَأَكَلُوا

__________________

(١) البحار : ٣٨ / ٢٥١ ، وذخائر العقبى : ٦٠.

(٢) الواقعة : ١٠.

(٣) المناقب ص ٣٢٠ ، والبحار ٣٨ / ٢٥١.

(٤) الكشف والبيان «مخطوط» على ما في احقاق الحق ٣ / ٣٨٦ ، والبحار ٣٨ / ٢٥٣ ، وأحمد بن حنبل في فضائل الصحابة «مخطوط» (على ما في احقاق الحق ٤ / ٢٠٩).

(٥) الشعراء.

حَتَّى صَدَرُوا ثُمَّ دَعَا بِقَعْبٍ مِنْ لَبَنٍ فَجَرَعَ مِنْهُ جُرْعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُمُ اشْرَبُوا بِسْمِ اللهِ فَشَرِبُوا حَتَّى رَوُوا فَبَدَرَهُمْ أَبُو لَهَبٍ فَقَالَ هَذَا مَا سَحَرَكُمْ بِهِ الرَّجُلُ فَسَكَتَ النَّبِيُّ ص فَلَمْ يَتَكَلَّمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ مِنَ الْغَدِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ أَنْذَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ ص فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْبَشِيرُ بِمَا لَمْ يَجِئْ بِهِ أَحَدُكُمْ جِئْتُكُمْ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَأَسْلِمُوا وَأَطِيعُوا تَهْتَدُوا وَمَنْ يُؤَاخِينِي وَيُؤَازِرُنِي وَيَكُونُ وَلِيِّي وَوَصِيِّي بَعْدِي وَخَلِيفَتِي وَيَقْضِي دَيْنِي فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثاً كُلَّ ذَلِكَ يَسْكُتُ الْقَوْمُ وَيَقُولُ عَلِيٌّ ع أَنَا فَقَالَ أَنْتَ فَقَامَ الْقَوْمُ وَهُمْ يَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ ع أَطِعْ ابْنَكَ فَقَدْ أُمِّرَ عَلَيْكَ (١)

١٤ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَرَفَعَ الْحَدِيثَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) جَمَعَ النَّبِيُّ ص أَهْلَ بَيْتِهِ فَاجْتَمَعُوا ثَلَاثِينَ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مَنْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي [و] يَكُونُ خَلِيفَتِي وَيَكُونُ مَعِي فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ يُسَمِّهِ شَرِيكٌ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْتَ كُنْتَ تَجِدُ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ يَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ ع أَنَا فَقَالَ أَنْتَ : (٢)

__________________

(١) الکشف والبیان «مخطوط» على ما في احقاق الحق ٤ / ٦٢ نقله عن مناقب عبد الله الشافعي ص ٧٥ «مخطوط». والبحار ٣٨ / ٢٥١. والعمدة ص ٣٨.

(٢) المسند ١ / ١١١ ط مصر. وابن البطريق في العمدة ص ٤٢.

وَرَوَاهُ أَيْضاً أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ (١) وَالْفَقِيهُ ابْنُ الْمَغَازِلِيِ (٢)

(ظهور التسمية

لعلي علیه السلام بأنه وصي)

١٥ وَمِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَرْفَعُهُ إِلَى سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ وَصِيُّكَ فَقَالَ يَا سَلْمَانُ مَنْ كَانَ وَصِيَّ أَخِي مُوسَى قَالَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ قَالَ فَإِنَّ وَصِيِّي وَوَارِثِي وَمَنْ يَقْضِي دَيْنِي وَيُنْجِزُ مَوْعِدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام (٣)

١٦ وَمِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ تَأْلِيفِ الشَّافِعِيِّ ابْنِ الْمَغَازِلِيِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) يَرْفَعُهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِساً مَعَ فِتْيَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ النَّبِيِّ ص إِذَا انْقَضَّ كَوْكَبٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ص مَنِ انْقَضَّ هَذَا النَّجْمُ فِي مَنْزِلِهِ فَهُوَ الْوَصِيُّ مِنْ بَعْدِي قَالَ فَقَامَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَنَظَرُوا فَإِذَا الْكَوْكَبُ قَدْ انْقَضَّ فِي مَنْزِلِ عَلِيِّ بْنِ

__________________

(١) رواه فی مسنده ١ / ١٥٩ ط مصر : عن ربيعة بن ناجذ عن علي رضي الله عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وآله أو دعا رسول الله (ص) بنی عبد المطلب ، فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق ، قال فصنع لهم مدأ من طعام ، فأكلوا حتى شبعوا ، قال : وبقى الطعام كما هو كأنه لم يمس ، ثم دعا يغمر فشربوا حتى روووا وبقى الشراب كأنه لم يمس او لم يشرب ، فقال : يا بني عبد المطلب اني بعثت لكم خاصة والى الناس عامة ، وقد رأيتم اليه أحد. قال فقمت اليه وكنت أصغر القوم قال : فقال أجلس ، قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم اليه فيقول لي اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي.

(٢) لم نجده في المصدر المطبوع.

(٣) البحار : ٣٨ / ١٩ ، والعمدة : ٣٧.

أبي طالب فقالوا : يا رسول الله قد غويت في علي (١) ، فأنزل الله تعالى " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى " إلى قوله " وهو بالأفق الأعلى " (٢).

١٧ ـ ويدل على ظهور التسمية لعلي عليه السلام بأنه وصي ما ذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عائشة عن الأسود بن يزيد (٣) قال : ذكروا عند عائشة أن عليا عليه السلام كان وصيا.

وفي رواية أزهر أنهم قالوا : إنه وصي فلم تكذبهم ، بل ذكرت إنها ما سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وآله حين وفاته.

١٨ ـ ومن كتاب المناقب رواه ابن المغازلي عن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من ناصب عليا الخلافة بعدي فهو كافر ، وقد حارب الله ورسوله ، ومن شك في علي فهو كافر (٤).

١٩ ـ وروى ابن المغازلي عن عبد الله بن بريدة قال : سمعت رسول الله " ص " : لكل نبي وصي ووارث ، وأن وصيي ووارثي علي بن بن أبي طالب (٥).

٢٠ ـ ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن موسى بن مردويه في كتاب المناقب ، وهو من مخالفي أهل البيت بإسناده إلى عبد الله بن صامت عن أبي ذر قال : دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله فقلنا : من أحب أصحابك إليك ، فإن كان أمر كنا معه ، وإن كانت نائبة كنا من دونه. قال : هذا علي أقدمكم مسلما

__________________

(١) ـ في المصدر " حب علي " وفي البحار " حب ابن عمك ".

(٢) المناقب : ٣١٠ ، والبحار : ٣٥ / ٢٨٣ ، والعمدة : ٣٨.

(٣) وفي (خ‍) الأسود بن بريد.

(٤) المناقب : ٤٦ ، والبحار ٣٨ / ١٥٥.

(٥) المناقب : ٢٠١. وفي (ط) و (ت) من ناصبني وصيي ووارثي الخ.

وإسلاما (١).

٢١ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا أبو بكر بن مردويه في كتابه المشار إليه بإسناده إلى داود بن أبي عوف ، حدثني معاوية بن ثعلبة الليثي قال : ألا أحدثك بحديث لم يخلط؟ قلت : بلى. قال : مرض أبو ذر فأوصى إلى علي عليه السلام ، فقال بعض من يعوده : لو أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا أمير المؤمنين ، والله إنه البديع (٢) الذي يسكن إليه ، ولو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض قال : قلت : يا أبا ذر لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أحبهم إليك. قال : أجل. قلنا : فأيهم أحب إليك؟ قال : هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه يعني علي بن أبي طالب عليه السلام (٣). هذا آخر لفظ الحديث المذكور.

٢٢ ـ ومن رواية الحافظ أبي بكر بن موسى بن مردويه وهو الحجة عند الأربعة المذاهب ما رواه بهذا الإسناد ، قال أخبرنا أحمد بن محمد السري بن يحيى التميمي ، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، حدثنا أبي ، عن عمي الحسين ابن يوسف بن سعيد بن أبي الجهم ، حدثني أبي ، عن أبان بن تغلب ، عن علي ابن محمد بن المنكدر ، عن أم سلمة زوجة النبي (ص) وكانت من ألطف نسائه وأشدهن له حبا ، قال : وكان لها مولى يحضنها ورباها ، وكان لا يصلي صلاة إلا سب عليا وشتمه ، فقالت : يا أبة ما حملك على سب علي؟ قال : لأنه قتل عثمان وشرك في دمه. قالت له : لولا أنك مولاي وربيتني وأنك عندي

__________________

(١) ابن مردويه في المناقب (مخطوط) ، البحار : ٣٨ / ٢٥٢ ، والعلامة في كشف الحق ١٠١.

(٢) في (خ‍) الربيع.

(٣) كشف اليقين : ١٥.

بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول الله (ص) ، ولكن اجلس حتى أحدثك عن علي وما رأيته في حقه.

قالت : أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يومي ، وإنما كان يصيبني في تسعة أيام يوم واحد ، فدخل النبي وهو يخلل أصابعه في أصابع علي عليه السلام واضعا يده عليه ، فقال : يا أم سلمة أخرجي من البيت وأخليه لنا ، فخرجت وأقبلا يتناجيان وأسمع الكلام ولا أدري ما يقولان ، حتى إذا قلت قد انتصف النهار وأقبلت فقلت : السلام عليكم ألج؟ فقال النبي (ص) : لا تلجي وارجعي مكانك ، ثم تناجيا طويلا حتى قام عمود الظهر ، فقلت : ذهب يومي وشغله علي ، فأقبلت أمشي حتى وقفت على الباب ، فقلت : السلام عليكم ألج؟ فقال النبي : لا تلجي. فرجعت فجلست مكاني حتى إذا قلت : قد زالت الشمس ، الآن يخرج إلى الصلاة فيذهب يومي ، ولم أر قط يوما أطول منه، فأقبلت أمشي حتى وقفت فقلت : السلام عليكم ألج؟ فقال النبي (ص) : نعم تلجي ، فدخلت وعلي واضع يده على ركبتي رسول الله قد أدنى فاه من أذن النبي وفم النبي (ص) على أذن علي يتساران ، وعلي يقول : أفأمضي وأفعل؟ والنبي يقول : نعم ، فدخلت وعلي معرض وجهه حتى دخلت وخرج.

فأخذني النبي (ص) وأقعدني في حجره ، فأصاب مني ما يصيب الرجل من أهله من اللطف والاعتذار ، ثم قال : يا أم سلمة لا تلوميني فإن جبرئيل أتاني من الله بما هو كائن بعدي وأمرني أن أوصي به عليا من بعدي وكنت جالسا بين جبرئيل وعلي وجبرئيل عن يميني وعلي عن شمالي ، فأمرني جبرئيل أن آمر عليا بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة ، فاعذريني ولا تلوميني ، إن الله عز وجل اختار من كل أمة نبيا واختار لكل نبي وصيا ، فأنا نبي هذه الأمة وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي.

فهذا ما شهدت من علي الآن يا أبتاه فسبه أو فدعه فأقبل أبوها يناجي الليل والنهار ويقول : اللهم اغفر لي ما جهلت من أمر علي ، فإن وليي ولي علي وعدوي عدو علي ، وتاب المولى توبة نصوحا ، وأقبل فيما بقي من دهره يدعو الله تعالى أن يغفر له (١).

(قال عبد المحمود) : وهذه شهادة صريحة منهم بوصية علي عليه السلام وكمال لم يبلغ إليه أحد من القرابة والصحابة ، ولا ادعاه ولا أدعى له.

ورأيت في كتاب غريب قد احتوى على مجالس عجيبة للشيعة مع علماء من الأربعة المذاهب ، اسم الكتاب (العيون والمحاسن) (٢) ، وفيه أن شيخا من الأربعة المذاهب سأل مؤلف الكتاب ، لو كان النص على علي بن أبي طالب عليه السلام ظاهرا لاشتمل عليه شعر السيد الحميري فقال له الشيعي : قد ذكره الحميري في قصيدة رائيه يقول فيها :

الحمد لله حمدا كثيرا

ولي المحامد ربا غفورا

حتى انتهى إلى قوله رضي الله عنه :

وفيهم علي وصي النبي

بمحضرهم قد دعاه أميرا

وكان الخصيص به في الحياة * وصاهره واجتباه عشيرا

قال : أفلا ترى أنه قد أخبر في نظمه أن رسول الله (ص) دعا عليا " ع " في حياته بإمرة المؤمنين ، واحتج بذلك فيما ذكره من مناقبه. قال : فسكت الشيخ وكان منصفا

__________________

(١) إحقاق الحق ٤ / ٧٦ ، البحار عن الطرائف ٣٨ / ٣١٠ و ١٨ ، والخوارزمي في المناقب ٨٩.

(٢) للشيخ الفقيه المتكلم أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الشهير بالمفيد ط أولى : ٥.

ومما يدل على ظهور النص من النبي (ص) على علي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة بعده ، أن الحديث بذلك اشتهر حتى عرفت النساء واحتججن عند أعدائه عليه السلام.

فمن ذلك ما ذكره العلماء في تواريخهم وكتبهم من أخبار الوافدات على معاوية.

وقد ذكر ابن عبد ربه في الجزء الأول من كتاب العقد الفريد طرفا من ذلك ، فقال قصة دارمية الحجونية مع معاوية : أن معاوية قال لها : أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت : لا يعلم الغيب إلا الله. قال : بعثت إليك لأسألك علام أحببت عليا وأبغضتني وواليته وعاديتني؟ قالت : أو تعفيني؟ قال : لا أعفيك. قالت : أما إذا أبيت فإني أحببت عليا عليه السلام على عدله في الرعية وقسمته بالسوية وأبغضتك على قتالك من هو أولى بالأمر منك وطلبك ما ليس لك بحق ، وواليت عليا على ما عقد له رسول الله (ص) من الولاية وعلى حبه للمساكين وإعظامه لأهل الدين ، وعاديتك على سفكك الدماء وجورك في القضاء وحكمك في الهوى (١). هذا لفظها في المعنى المذكور.

ومن ذلك ما ذكره أيضا في حديث وقادة أم سنان بنت جشمة بن خرشة المذحجية: قالت في شعرها ما هذا لفظه تمدح علي بن أبي طالب " ع " :

أما هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحق تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريا

قد كنت بعد محمد خلفا لنا

أوصى إليك بنا فكنت وفيا

اليوم لا خلف يؤمل بعده

هيهات يؤمل بعده إنسيا (٢)

__________________

(١) العقد الفريد : ١ / ١١٥ ط مصر ١٣١٦.

(٢) المصدر : ١ / ١١٤.

فهذا تصريح منها بقولها جهارا بأن محمدا (ص) أوصى لعلي عليه السلام وكان علي وفيا بذلك وأنه كان بعد محمد خلفا منه.

ومن ذلك ما ذكره أيضا في وفود أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي على معاوية في شرح ما كانت تقوله في صفين في وصف علي بن أبي طالب عليه السلام : هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والوصي التقي والصديق الأكبر ، إنها أحن بدرية وأحقاد جاهلية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد الشمس (١).

ومن ذلك ما ذكرة أيضا في الجزء المذكور من كتاب العقد في وفود أروى بنت الحرث عبد المطلب على معاوية ، فقال لها : كيف كنت بعدنا؟ فقالت : (٢) بخير يا أمير المؤمنين ، لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا سابقة لك في الإسلام بعد أن كفرتم برسول الله (ص) فأتعس الله منكم الجدود وأضرع منكم الخدود ورد الحق إلى أهله ولو كره المشركون ، وكانت كلمتنا هي العليا ونبينا هو المنصور ، فوليتم علينا من بعده فأصبحتم تحتجون على سائر الناس بقرابتكم من رسول الله (ص) ونحن أقرب منكم وأولى بهذا منكم ، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي عليه السلام بعد نبينا (ص) بمنزلة هارون من موسى ، فغايتنا الجنة وغايتكم النار (٣).

ومما يدل على ظهور النص على علي بن أبي طالب عليه السلام واشتهاره ما ذكره جماعه أصحاب التواريخ والعلماء

__________________

(١) المصدر : ١ / ١١٦.

(٢) في الأصل فقالت : يا بن أخي.

(٣) العقد الفريد ١ / ١١٦.

وقد ذكرة أيضا أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني مما يدل على أنه بلغ ظهور العلم بالنص وتألم بني هاشم من المتقدمين على علي بن أبي طالب عليه السلام في الخلافة إلى أن صار ذلك يروى بمحضرهم رؤس الأشهاد ويروى ويستحسن من قائله ويتبع قوله.

وذكر أبو الفرج في الأغاني بإسناده قال : حدثني أبو سليمان التاجي ، قال : جلس المهدي يوما يعطي قريشا صلات أمر لهم بها وهو ولي عهد ، فبدأ ببني هاشم ثم بسائر قريش ، فجاء السيد الحميري فدفع إلى الربيع رقعة مختومة وقال : أن فيها نصيحة للأمير فأوصلها إليه ، فأوصلها فإذا فيها مكتوب :

قل لأبي عباس سمي محمد

لا تعطين بني عدي درهما

احرم بني تيم بن مرة أنهم

شر البرية آخرا ومقدما

إن تعطهم لا يشكروا لك نعمة

ويكافئوك بأن تذم وتشتما

وإن ائتمنتهم أو استعملتهم

خانوك واتخذوا خراجك مغنما

ولئن منعتهم لقد بدءوكم

بالمنع إذ ملكوا وكانوا أظلما

منعوا تراث محمد أعمامه

وبنيه وابنته عديلة مريما

وتأمروا من غير أن يستخلفوا

وكفى بما فعلوا هناك مأثما

لم يشكروا لمحمد إنعامه

أفيشكرون لغيره أن أنعما

والله من عليهم بمحمد

وهداهم وكسا الجنوب وأطعما

ثم انبروا لوصيه ووليه

بالمنكرات فجرعوه العلقما

قال وهي قصيدة طويلة حذفت باقيها لقبيح ما فيه قال فرمى بها إلى ابن عبيد الله الكاتب للمهدي ثم قال اقطع العطاء فقطعه وانصرف الناس ودخل

__________________

(١) في (خ) و (ط) مغرما.

(٢) في (خ) و (ط) الجلود.

السيد إليه ، فلما رآه ضحك وقال قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل ولم يعطهم شيئا (١)

(قال عبد المحمود) : أفما ترى هذا قد كان مشهورا بين بني هاشم وغيرهم.

ومما يدل على ظهور النص واشتهاره ما ذكره جماعه أصحاب التواريخ والعلماء أيضا ، وهو أن المأمون الخليفة العباسي جمع أربعين رجلا من علماء المخالفين لأهل البيت وناظرهم بعد أن أبسطهم ووثقهم من الإنصاف ، وأثبت عليهم الحجة بأن علي بن طالب وصي رسول الله (ص) وخليفته والمستحق للقيام مقامه في أمته ، وأورد نصوصا كثيرة قد نقلها المسلمون ، وتفصيلها في مناظرته ، فاعترف له الأربعون نفسا أن عليا عليه السلام هو المنصوص له بالخلافة (٢).

وللمأمون أبيات كثيرة في ذلك وسيأتي ذكر بعضها في هذا الكتاب مما ذكره الصولي في كتاب الأوراق من جملتها :

ألام على شكر (٣) الوصي أبا الحسن

وذلك عندي من عجائب ذا الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

وأما مناظرات آل أبي طالب وعلماء شيعتهم في مجالس الملوك والوزراء ومقالاتهم في النص من نبيهم على علي بن أبي طالب عليه السلام بخلافته ، فهو أمر لا يقدر الإنسان أن يحصر تفصيله ، ويكفى الإشارة إلى جملته.

وقد ذكر شيخ لهم اسمه المفيد محمد بن بن النعمان له تصانيف كثيرة مشتملة على ثبوت النص على علي بن أبي طالب بأمور عقلية ونقلية.

وكذلك ذكر رجل علوي من علمائهم اسمه علي بن الحسين ويعرف بالمرتضى الموسوي له تصانيف منها كتاب اسمه الشافي وغيره يتضمن ذلك أيضا.

__________________

(١) الأغاني ٧ / ٢٥٣ ، والغدير ٢ / ٢٥٥.

(٢) راجع العقد الفريد : ٣ / ٣٥ ، والغدير ١ / ٢١٠ وهي مناظرة طويلة.

(٣) في (خ) حب.

وكذلك ذكر رجل من علمائهم اسمه أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الاستيفاء (١) وغيره بثبوت النص بحجج قاهرة وأمور واضحه باهرة. فلينظر من هناك ومن غيرها كتبهم وتصانيفهم ومناظراتهم.

ولئن جحد أحد المخالفين لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ذلك أو بعضه فقد جحد ما نقلوه في صحاح أخبارهم ، وسيأتي طرف من ذلك.

ولو جحدوا ذلك ولم ينقلوه أصلا ما ضر ذلك أهل البيت وشيعتهم ، لأن أهل البيت ومن تمسك بهم قد ملؤا الشرق والغرب ، وببعضهم يقوم الحجة لله رب العالمين على كافه المسلمين ، كما لم يضر أهل الإسلام إنكار مخالفيهم لمعجزات نبيهم ونبوته وآياته ، وسيأتي طرف من النصوص من النبي (ص) بأنه استخلف علي بن أبي طالب عليه السلام في أمته وخاصته عند إيراد ما نقلوه عن النبي أن الحق مع علي بن أبي طالب عليه السلام يدور حيث ما دار ، وأنه لا يفارق القرآن ولا يفارق الحق حتى يرد عليه الحوض ، وعند ذكر ما أوردوه في صحاحهم وأخبار الثقلين ، وعندما أوردوه عند تفسير " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (٢) وعند أخبار يوم الغدير ، وأخبار اختصاص على بالنبي إلى حين وفاته.

ولو أوردنا كلما رواه رجال الأربعة المذاهب من الأمور الدالة على نص النبي (ص) على علي عليه السلام بالخلافة طال الكتاب ، ولكنهم عموا عنه وما أليق ما تضمنه كتابهم بهذا المعنى ، " فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " (٣).

__________________

(١) غير موجود في مصنفاته.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) البقرة : ٨٩.

قال الشيعي : ولو نظر المخالفون لأهل البيت بعقول صحيحة وقلوب سليمه إلى حال علي بن أبي طالب " ع " لعلموا قطعا أنه لو لم ينص النبي (ص) عليه بالخلافة لكانت ذاته الطاهرة وصفاته الباهرة ومناقبه العالية ومذاهبه الشافية قاضيه بأنها نصوص صريحة عليه بالخلافة.

ولقد بلغت خصائصه إلى أن التبس على خلق كثير العقلاء فاعتقدوا أنه فاطر السماوات والأرض وخالق الأموات والأحياء كما بلغ الأمر إلى عيسى عليه السلام ، وقد كان النبي (ص) قال : له أن فيك مثلا من عيسى. وسيأتي الرواية فيما بعد إن شاء الله.

ومن عجيب الأمر أنه ما التبس الحال بين رسول الله (ص) وبين الله جل جلاله وقد كان النبي الأصل فيما وصل علي عليه السلام إليه ، وللنبي الفضيلة عليه ، ومع هذا التبس الأمر في علي بن أبي طالب عليه السلام هل هو إله معبود أو عبد محدود؟ ولعل الله جل جلاله لما سبق في علمه ما يجري حاله عليه من كثرة الباغضين والمعاندين وما يبلغون إليه من مساواته بمن لا يجري مجراه كساه من حلل أنواره وجليل مناره ما يبلغ به حد يقوم به الحجة على الخلايق ولا يبقى عذر لمنافق أو مفارق.

ولبعض الشعراء أبيات في هذا المعنى ، وهي هذه :

تبا لنصابة الأنام لقد

تهافتوا في الضلال بل تاهوا

قاسوا عتيقا بحيدر سخنت

عيونهم بالذي به فاهوا

كم بين من شك في هدايته

وبين من قيل أنه الله

ولو أردنا ذكر ما رواه أهل البيت وشيعتهم لاحتاج إلى مجلدات وضاق عنه كثير من الأوقات ، ولكن كيف يستطرف من قوم كانوا في الجاهلية لا يفرقون بين الصنم والخشب والحجر ، بل يفضلون أصنامهم ويتعوضون بها عن الله

الذي كماله أشهر من كل مشتهر أن يجهلوا الفرق بين علي بن أبي طالب عليه السلام وبين أبي بكر وعثمان ، أو يفضلون على علي عليه السلام من هو دونه من البشر وذلك لأن معهم تلك العقول السقيمة ، فلا يستبعد أن توقعهم في المهالك الذميمة.

ومن يك ذا فم مر مريض

يجد مرا به الماء الزلالا

(مبيت علي عليه السلام

(في فراش رسول الله (ص)

ومن آيات الله ورسوله في علي بن أبي طالب عليه السلام التي انفرد بها عن سائر المسلمين وكانت سببا لانتظام الرسالة وبقاء الدين بمقتضى رواية رجال الأربعة المذاهب وروايتهم لحديث من يؤازرني وينصرني يكون وصيي ، وقد تقدم فإنه لم يقم بذلك أحد سواه.

ومن ذلك مبيته عليه السلام على فراش النبي الأمي (ص) يفديه بمهجته ولولا هذا المبيت وفكاكه من الأعداء ما تمكن من هجرته ولإتمام رسالته ، ومن المعلوم أن أتباع الأنبياء والرؤساء والأمراء متى انكسر الرئيس أو اندفع النبي أو هرب الأمير لم يبق لمن تبعه قوة على ثبوت قدم ولا رفع علم ويكلف ما عجز عنه رئيسه ومتقدمه ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام يقف ويبيت في الوقت الذي اندفع فيه رئيسه ونبيه ومتقدمه.

ثم العجب أنه حكى ما كان الأمر مقصورا على أنه يبيت في موضع النبي صلى الله عليه وآله بعض الليل أو كل الليل فحسب حتى يبعد النبي عن مكة ، فإنه لو كان الأمر كذلك كان أهون ولكنه تكلف أنه يفديه بنفسه ويصبح بين

الأعداء وقد جنى عليهم هذه الجناية وفوتهم من يعتقدون أنه أعدى عدو لهم ، وكان سبب هجرته وسلامته منهم.

ثم العجب أنه ما يكفيه إقامته حتى أصبح بينهم ظاهرا ساكنا ثابت الجنان مع خذلان البشر له وقلة الأعوان ، ويكون مع ذلك على صفة قوة القلب واللسان ، حتى أن الكفار لما هجموا عليه ولم يجدوا النبي (ص) وسألوه عنه فما قال ما أدري أين مشى كما يقوله المعتذر الخائف. بل قال في حفظ الله تعالى كأنه قصد إظهار العداوة لهم والقوة عليهم ثقة بالله وتثبيتا لمقام النبوة وكسر شوكة الكفار والرد عليهم في مثل ذلك الوقت الهائل ، أن هذا مما يتعجب منه كل عاقل.

ثم العجب أنه ما كفاه ذلك كله حتى يقيم ثلاثة أيام بمكة بعد النبي (ص) يرد الودائع ويقضي الديون ويجهز عياله ويسد مسده ويحمل حرمه إلى المدينة بقلب راسخ ورأي شامخ ، أن هذا مما يعجز عنه قوة الطباع البشرية إلا بمواد قوية من القدرة الإلهية. فسبحان من خص علي بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخصائص الإلهية ، فكل خير جاء بعد ذلك في الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين فهو ببركة تلك الفدية والمبيت على الفراش ، وحصلت لعلي عليه السلام فضيلة حفظ النبي (ص) والمشاركة في فوائد نبوته ورسالته وفي سعادة من اهتدى إلى يوم القيامة من أمته.

وهو أعجب من استسلام إسماعيل لذبح إبراهيم عليه السلام ، لأن إسماعيل استسلم الذبح لوالد شفيق كان يمكن أن ينظر الله إلى قلب والده فيعفيه من ذبحه كما جرى ، أو كان يجوز أن يموت أحدهما قبل ذبح إسماعيل ، أو كان يذبح بغير تألم إكراما لكون الذبح بأذنه على يد والد لولده ، وغير ذلك من أسباب تجويز السلامة إشفاقا من الله تعالى. وعلي بن أبي طالب عليه السلام استسلم للأعداء بعد وفاة والده أبي طالب وتفرق الأولياء ، فهل ترى كان يجوز

التقدم عليه بعد النبي (ص) في شئ من الأشياء ، وكم وقى النبي والإسلام وحفظ ذلك لما وهبه الله تعالى من العناية والإكرام. مثل يوم بدر وأحد وخيبر وحنين ويوم قتل عمرو بن عبد ود كما قال النبي (ص) برز الإيمان كله إلى الشرك كله ، وغيرها من المقامات التي ما قام أحد مقامه كتأدية سورة براءة وما يضيق الوقت عن ذكرة ونشره.

ولو أردنا ذكر ما رواه أهل البيت وشيعتهم من النصوص على علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من العترة النبوية لاحتاج ذلك إلى مجلدات وضاق عنه كثير من الأوقات ، وسأذكر طرفا من رواية رجال الأربعة المذاهب في هذا الموضع غير ما تقدم ذكره.

٢٣ ـ فمن ذلك ما رواه ابن المغازلي عن عبد الله بن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لكل نبي وصي ووارث ، وأن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب عليه السلام (١)

نزول قوله تعالى

(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)

في علي عليه السلام

٢٤ ـ ومن كتاب شواهد التنزيل بإسناده إلى عبد الله بن عباس في تأويل قوله تعالى " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " الآية ، قال : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله : من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي (٢).

__________________

(١) المناقب : ٢٠٠ ، والذخائر : ٧١.

(٢) شواهد التنزيل : ١ / ٢٠٦. والبحار : ٣٨ / ١٥٥.

٢٥ ـ ومن كتاب أبي عبد الله محمد بن علي السراج في تأويل هذه الآية بإسناده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال : قال النبي (ص) يا بن مسعود أنه قد أنزلت علي آية " واتقوا فتنة " (١) الآية ، وأنا مستودعكها ، ومسم لك خاصة الظلمة ، فكن لما أقول لك واعيا وعني له مؤديا ، من ظلم عليا مجلسي هذا كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي. فقال له الراوي : يا أبا عبد الرحمان أسمعت هذا من رسول الله (ص)؟ قال : نعم. قال قلت : فكيف وليت للظالمين؟ قال : لا جرم جلبت عقوبة عملي ، وذلك أني لم أستأذن إمامي كما استأذنه جندب وعمار وسلمان ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه (٢)

نزول قوله تعالى

(ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)

في علي عليه السلام

٢٦ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده في حديث طويل يرويه عن عمر بن ميمون يشتمل على عشرة مناقب لعلي بن أبي طالب عليه السلام شهد له بها النبي (ص) يقول في بعضه في تفسير قوله تعالى " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد " (٣) قال : وشرى علي نفسه لبس ثوب رسول الله (ص) ثم نام مكانه. قال : وكان المشركون يتوهمون أنه رسول الله ، ثم قال فيه : وجعل علي يرمي بالحجارة كما كان يرمي نبي الله وهو يتضور قد لف رأسه بالثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف رأسه فقالوا : لما كان صاحبك

__________________

(١) الأنفال : ٢٥.

(٢) البحار : ٣٨ / ١٥٦.

(٣) البقرة : ٢٠٧.

كنا نرميه بالحجارة فلا يتضور وقد استنكرنا ذلك (١).

٢٧ ـ وذكر الثعلبي في تفسير هذه الآية بإسناد رفعه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة لقضاء ديونه ورد ودائعه التي كانت عنده ، وأمره ليله خرج إلى الغار،وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه.

ثم قال الثعلبي بعد كلام ذكره : (٢) ففعل ذلك علي عليه السلام فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام : إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عز وجل إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، فقال جبرئيل : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله عز وجل على رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " الآية (٣).

وروى الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب حديث مبيت علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله مسندا أيضا (٤).

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٣٣١ ، والبحار : ٣٦ / ٤١ ، والعمدة : ١٢٣.

(٢) وهو (وقال له : اتشح ببردي الحضرمي الأخضر فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى).

(٣) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٦ / ٤٧٩ ، بحار : ٣٦ / ٤١ ، العمدة : ١٢٤.

(٤) لم نجده في المصدر المطبوع.

رد أبي بكر عن إبلاغ سورة التوبة

٢٨ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده من طرق جماعه ، فمنها عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة فلما بلغ إلى ذي الحليفة بعث إليه فرده فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ، فبعث عليا " ع " (١)

٢٩ ـ ومن مسند أحمد بن حنبل عن سماك عن حبيش يرفعه قال : لما نزلت عشر آيات من سورة براءة على النبي (ص) دعى النبي أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعى النبي عليا عليه السلام فقال له : أدرك أبا بكر فحيث ما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى مكة واقرأه عليهم. قال : فلحقه بالجحفة فأخذ الكتاب منه ، فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله نزل في شئ. فقال : لا ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك (٢).

٣٠ ـ وروى البخاري في صحيحه في نصف الجزء الخامس في باب " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله " حديث سورة براءة ، وزاد فيه : قال فأذن علي في أهل منى يوم النحر : ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (٣).

٣١ ـ ورواه أيضا في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني في تفسير سورة براءة من صحيح أبي داود وصحيح الترمذي في حديث ابن معاوية

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ٣ / ٢٨٣ ، وإحقاق الحق عن الفضائل لأحمد بن حنبل المخطوط : ٣ / ٤٢٨ ، والبحار ٣٥ / ٣٠٥ وفيه (لا يذهب بها) وذخائر العقبى : ٦٩.

(٢) رواه ابن كثير عن أحمد بن حنبل في تفسيره : ٢ / ٣٢٢ ، والبحار ٣٥ / ٣٠٥.

(٣) البحار : ٣٥ / ٣٠٦ ، والبخاري في صحيحه : ٥ / ٢٠٢.

يرفعونه إلى عبد الله بن عباس قال : بعث رسول الله (ص) أبا بكر وأمره أن ينادي في الموسم ببراءة ، ثم أردفه عليا عليه السلام ، فبينما أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (ص) العضباء ، فقام أبو بكر فزعا فظن أنه حدث أمر ، فدفع إليه على كتابا من رسول الله فيه أن عليا ينادي بهؤلاء الكلمات فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي. فانطلقا ، فقام علي (ع) أيام التشريق ينادي : ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك ، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت بعد اليوم عريان ، ولا ى دخل الجنة إلا نفس مؤمنة (١).

٣٢ ـ ورواه الثعلبي في تفسيره في تفسير سورة براءة ، وشرح الثعلبي كيف نقض المشركون العهد الذي عاهدهم النبي (ص) في الحديبية ، ثم قال الثعلبي في أواخر حديثه ما هذا لفظه : فبعث رسول الله (ص) أبا بكر في تلك السنة على الموسم ليقيم للناس الحج ، وبعث معه أربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلما سار دعا رسول الله (ص) عليا عليه السلام فقال : أخرج بهذه القصة واقرأ عليهم من صدر براءة ، وأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا ، فخرج علي على ناقة رسول الله (ص) العضباء حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذها منه ، فرجع أبو بكر إلى النبي (ص) فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شئ؟ فقال : لا ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني. ثم ذكر الثعلبي صورة نداء علي وإبلاغه لما أمره الله به ورسوله (٢).

__________________

(١) البحار : ٣٥ / ٣٠٦.

(٢) إحقاق الحق عن تفسير الثعلبي المخطوط : ٣ / ٤٣٠ ، والبحار : ٣٥ / ٣٠٧.

نزول آية النجوى

(في علي عليه السلام)

٣٣ ـ ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة في تفسير سورة المجادلة (١).

ورواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي (٢).

ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " (٣) فمن ذلك عن مجاهد قال : نهى عن مناجاة النبي (ص) حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب عليه السلام قدم دينارا فتصدق به ثم نزلت الرخصة ، وقال علي عليه السلام : إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة الآية وقال علي عليه السلام : بي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية فلم ينزل في أحد قبلي ولا ينزل في أحد بعدي (٤).

قال ابن عمر : كان لعلي عليه السلام ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلى من حمر النعم : تزويجه فاطمة عليها السلام ، وإعطاؤه الراية يوم الخيبر ، وآية النجوى.(٥)

__________________

(١) رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك ٢ / ٤٨١ عن مجاهد.

(٢) المناقب : ٣٢٥ رواه عن علي بن أبي طالب عليه السلام وعن مجاهد ورواه الحاكم

الحسكاني في شواهد التنزيل ٢ / ٢٣١ عن مجاهد.

(٣) المجادلة : ١٢.

(٤) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٣ / ١٣٢ و ١٤ / ٢٠٥ ، والعمدة : ٩٣.

(٥) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٤ / ٤٤٩ ، والمناقب للخوارزمي : ١٩٦ ط نجف.

٣٤ ـ ومن رواياتهم المشار إليها في الجمع بين الصحاح الستة ، قال أبو عبد الله البخاري : قوله تعالى " إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " نسختها آية " فإذ لم تفعلوا فتاب الله عليكم " قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ما عمل بهذه الآية غيري ، وبي خفف الله تعالى عن هذه الأمة أمر هذه الآية (١).

٣٥ ـ ووجدت في كتاب عتيق رواية أبي عمير الزاهد في تفسير كلام لعلي عليه السلام قال : لما نزلت آية الصدقة مع النجوى دعا النبي (ص) عليا عليه السلام فقال : ما تقدمون من الصدقة بين يدي النجوى؟ قال : يقدم أحدهم حبة من الحنطة فما فوق ذلك. قال : فقال له المصطفى : إنك لزهيد ـ أي فقير ـ فقال ابن عباس : فجاء علي في حاجة بعد ذلك الوقت والناس قد اجتمعوا ، فوضع دينارا ثم تكلم وما كان يملك غيره. قال: تخلى الناس ثم خفف عنهم برفع الصدقة (٢) ، فقال أبو العياش : فهذه القصة يستأدبها علي عليه السلام الخلق.

٣٦ ـ ومن ذلك ما رواه ابن مردويه في كتاب المناقب في تفسير آية النجوى من أربع طرق هذه أحدها يرفعه إلى سالم بن أبي الجعد عن علي عليه السلام قال : لما نزلت آية المناجاة قال : قال لي رسول الله (ص) ما تقول في دينار؟ قلت : ما يطيقونه. قال : فكم؟ قلت : شعيرة. قال : إنك لزهيد ، ونزلت " أأشفقتم " الآية ، قال علي عليه السلام: بي خفف الله تعالى عن هذه الأمة فلم تنزل في أحد قبلي ولا بعدي (٣).

__________________

(١) إحقاق الحق رواه عن الجمع بين الصحاح الستة : ٣ / ١٣٣ ، البحار : ٣٥ / ٣٧٩.

(٢) البحار : ٣٥ / ٣٧٩.

(٢) البحار : ٣٥ / ٣٧٨.

آية المباهلة

٣٧ ـ وقد ذكر الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير سورة آل عمران عند تفسير آية المباهلة فقال ما هذا لفظه : وروى أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر فنأتيك غدا ، فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فإن أبيتم إلا ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول الله (ص) وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا. فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ، فلا يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا. قال : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم. فأبوا قال : فإني أناجزكم. فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقه ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حله ألف في صفر وألف في رجب وثلاثين درعا عاديه من حديد ، فصالحهم النبي (ص) على ذلك وقال : والذي نفسي بيده أن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران

وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول النصارى كلهم حتى يهلكوا.

وعن عائشة أن رسول الله (ص) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة ثم علي ، ثم قال : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".

فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه ، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟

قلت : كان ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجر أعلى تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه ذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته أيضا بكذب خصمه حتى يهلكه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة ، وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنها حماة الحقائق ، وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها ، وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام. وفيه برهان واضح على صحه نبوة النبي (ص) لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك. هذا آخر كلام الزمخشري فانظر بعين الإنصاف تعرف منه أهل الصراط السوي (١).

٣٨ ـ قال (عبد المحمود) وقد ذكر النقاش في تفسيره شفاء الصدور ما هذا لفظه ، قوله عز وجل " قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم " (٢) قال أبو بكر :

__________________

(١) الكشاف : ١ / ٤٣٤.

(٢) آل عمران : ٦١.

جاءت الأخبار بأن رسول الله (ص) أخذ بيد الحسن وحمل الحسين عليهما السلام على صدره ، ويقال : بيده الأخرى وعلي عليه السلام معه وفاطمة عليها السلام من ورائهم ، فحصلت هذه الفضيلة للحسن والحسين من بين جميع أبناء أهل بيت رسول الله (ص) وأبناء أمته ، وحصلت هذه الفضيلة لفاطمة بنت رسول الله (ص) من بين بنات النبي وبنات أهل بيته وبنات أمته ، وحصلت هذه الفضيلة لأمير المؤمنين علي عليه السلام من بين أقارب رسول الله ومن أهل بيته وأمته بأن جعله رسول الله (ص) كنفسه ، يقول : " وأنفسنا وأنفسكم ".

جرير عن الأعمش قال : كانت المباهلة ليلة إحدى وعشرين من ذي الحجة ، وكان تزويج فاطمة لعلي بن أبي طالب عليهما السلام يوم خمسة وعشرين من ذي الحجة ، وكان يوم غدير خم يوم ثمانية عشر من ذي الحجة ، هذا آخر كلام النقاش. وقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد فضل أبي بكر محمد بن الحسن ابن زياد النقاش وكثرة رجاله وأن الدارقطني وغيره رووا عنه ، وذكر أنه قال عند موته" لمثل هذا فليعمل العاملون " ثم مات في الحال(١).

٣٩ ـ ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من طرق : فمنها في الجزء الرابع فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في ثالث كراس من أوله من الكتاب الذي نقل الحديث منه في تفسير قوله تعالى " فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " فرفع مسلم الحديث النبي (ص) وهو طويل يتضمن عدة فضائل لعلي بن أبي طالب عليه السلام خاصه ، يقول في آخره : ولما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (ص) عليا

__________________

(١) البحار : ٣٥ / ٣٦١.

وفاطمة وحسنا وحسينا وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي (١).

ورواه أيضا مسلم أواخر الجزء المذكور على حد كراسين من النسخة المنقول منها.

ورواه أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند سعد بن أبي وقاص في الحديث السادس من أفراد مسلم (٢).

٤٠ ـ ورواه الثعلبي في تفسير هذه الآية عن مقاتل والكلبي قال : لما قرأ رسول الله (ص) هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة ، قالوا له : حتى نرجع وننظر في أمرنا ونأتيك غدا ، فخلا بعضهم إلى بعض ، فقالوا للعاقب وكان ديانهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفضل من عند ربكم ، والله ما لاعن قوم قط نبيا فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم ذلك لتهلكن ، وأن أبيتم إلا ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله (ص) وقد غذا رسول الله محتضنا للحسن وآخذا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها ، وهو يقول لهم : إذا أنا دعوت فأمنوا ، فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله من مكانه ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا ، فقال رسول الله (ص) : إن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ، فأتوا ، فقال : فإني أنابذكم الحرب. فقالوا : ما لنا بحرب العرب

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧١ ، والبحار : ٣٥ / ٢٦١ ، وذخائر العقبى : ٢٥ والترمذي في جامعه : ٤ / ٨٢.

(٢) رواة الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٥٠ ، وأحمد بن حنبل في مسنده ١ / ١٨٥.

طاقة ، ولكنا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة : ألف في صفر وألف في رجب ، فصالحهم النبي (ص) على ذلك (١).

ورواه أيضا أبو بكر بن مردويه بأجمل من هذه الألفاظ والمعاني عن ابن عباس والحسن والشعبي والسدي.

وفي رواية الثعلبي زيادة في آخر حديثه وهي : قال والذي نفسي بيده أن العذاب قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر. ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا ، فأنزل الله تعالى (٢) : " إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين " (٣).

٣٨ ـ ورواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب عن الشعبي عن جابر ابن عبد الله قال : قدم وفد نجران على النبي (ص) العاقب والطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا : أسلمنا يا محمد قبلك. قال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام؟ قالا : هات ، قال : حب الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل الخنزير ، فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه أن يغادياه بالغدوة ، فغدا رسول الله (ص) وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم أرسل إليهما : فأبيا أن يجيبا فأقرا بالخراج ، فقال النبي (ص) : والذي بعثني بالحق نبيا لو فعلا لا مطر الله عليهما الوادي نارا. قال جابر : فيهم نزلت هذه الآية " ندع

__________________

(١) ابن بطريق في العمدة عن تفسير الثعلبي : ٩٥ ، والبحار : ٣٥ / ٢٦١.

(٢) آل عمران : ٦٢ ـ ٦٣.

(٣) العمدة عن الثعلبي : ٩٥ ، والبحار : ٣٥ / ٢٦١ ، وفخر الرازي في تفسيره : ٨ / ٨٥.

أبنائنا وأبنائكم " الآية. قال الشعبي : أبناؤنا الحسن والحسين ، ونساؤنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب عليهم السلام (١).

نزول آية " إنما وليكم الله "

في شأن علي عليه السلام

٣٩ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله " الآية (٢) قال : السدي وعتبة بن أبي الحكيم وغالب بن عبد الله : إنما عنى بهذه الآية علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه (٣).

ورواه أيضا الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير الآية (٤).

٤٠ ـ ورواه الثعلبي من عدة طرق : فمنها ما رفعه إلى عباية بن الربعي قال : بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول الله (ص) إذ أقبل رجل معتم بعمامة ، فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله إلا وقال الرجل قال رسول الله ، فقال ابن عباس : سألتك بالله من أنت. فكشف العمامة عن وجهه وقال : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (ص) بهاتين وإلا فصمتا ورأيته بهاتين وإلا فعميتا وهو يقول : علي قائد البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره ، مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول الله (ص) يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل

__________________

(١) المناقب : ٢٦٣ ، والبحار : ٣٥ / ٢٦٢ ، ودر المنثور : ٤ / ٣٨.

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) إحقاق الحق عنه : ٢ / ٤٠٢ والبحار ، ٣٥ / ١٩٥.

(٤) الكشاف : ١ / ٦٢٤.

في المسجد فلم يعطه أحد شيئا ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا ، وكان علي عليه السلام راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله (ص) ، فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إن موسى سألك فقال : " رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري " ، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " (١) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ، اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري.

قال أبو ذر : فما استتم رسول الله (ص) الكلمة حتى نزل جبرئيل عليه السلام من عند الله تعالى فقال : يا محمد إقرأ. قال : وما إقرأ؟ قال : إقرأ " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (٢).

٤١ ـ ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة من الجزء الثالث من آخر ثلثه في تفسير سورة المائدة قوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله " الآية ، من صحيح النسائي عن ابن سلام قال : أتيت رسول الله (ص) فقلت : إن قومنا حادونا لما صدقنا الله ورسوله ، وأقسموا لا يكلمونا ، فأنزل الله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ". ثم إذن بلال لصلاة الظهر ، فقام الناس يصلون فمن بين ساجد وراكع وسائل إذا سأل فأعطى علي عليه السلام خاتمه السائل وهو راكع ،

__________________

(١) القصص : ٣٥.

(٢) إحقاق الحق عنه : ٤ / ٥٩ ، والبحار : ٣٥ / ١٩٤.

رسول الله " إنما وليكم الله ورسوله " إلى قوله " الغالبون " (١).

٤٢ ـ ورواه الشافعي ابن المغازلي من خمس طرق : فمنها عن عبد الله ابن عباس قال: مر سائل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي يده خاتم قال : من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع ـ وكان علي عليه السلام يصلي ـ فقال : الحمد لله الذي جعلها في وفي أهل بيتي (٢).

٤٣ ـ ومن روايات الشافعي ابن المغازلي في المعنى يرفعه إلى علي بن عابس قال : دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء ، قال أبو مريم : حدث عليا بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر ابن عبد الله بن سلام ، قلت : جعلت فداك هذا ابن الذي عنده علم الكتاب. قال : لا ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب عليه السلام الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل " ومن عنده علم الكتاب " (٣) ، " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه " (٤) ، " إنما وليكم الله ورسوله " (٥) الآية.

وذكر السدي في تفسيره إن هذه الآية نزلت في علي (علیه السلام)

__________________

(١) إحقاق الحق مثله عن المختار في مناقب الأخيار : ١٤ / ٢٢ ، وذخائر العقبى : ١٠٢ ، وينابيع المودة : ٢١٨ ، والبحار : ٣٥ / ١٩٩.

(٢) المناقب : ٣٢١ وفيه زيادة وهي : (إنما وليكم الله ورسوله) وكان على خاتمه الذي تصدق به (سبحان من فخري بأني له عبد).

(٣) الرعد : ٤٣.

(٤) هود : ١٧.

(٥) المناقب : ٣١٤.

نزول قوله تعالى

" أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام "

٤٤ ـ ومن ذلك ما رواه كتاب الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني من صحيح النسائي في تفسير قوله تعالى " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله (١) عن محمد بن كعب القرظي ، قال: افتخر شيبة بن أبي طلحة (٢) ورجل ذكر اسمه (٣) وعلي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال شيبة بن أبي طلحة معي مفتاح البيت ولو أشاء بت فيه ، وقال ذلك الرجل : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد ، وقال علي (ع) : ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله تعالى : " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام " الآية (٤).

ورواه الثعلبي كذلك تفسير هذه الآية عن الحسن والشعبي ومحمد ابن كعب القرظي(٥).

ورواه الشافعي ابن المغازلي عن إسماعيل بن عامر وعن عبد الله بن عبيدة

__________________

(١) التوبة : ١٩.

(٢) وفي النسخ طلحة بن شيبة وهو مصحف والصحيح هو الذي ذكرناه راجع الإصابة : ١٦١ ط بيروت.

(٣) وهو عباس عم النبي (ص) قال العلامة المجلسي لعل السيد اتقى في عدم التصريح بذكر العباس من خلفاء زمانه.

(٤) رواه الطبري في جامع البيان : ١٠ / ٦٨ ط بيروت ، والبحار : ٣٦ / ٣٧ ، والدر المنثور : ٣ / ٢١٨.

(٥) العمدة عن الثعلبي : ٩٨ ، والفخر الرازي في تفسيره : ١٦ / ١١.

البريدي (١)

وإن عليا عليه السلام هو المشهود له بالفضل ، وهو المقصود بالإيمان واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله تعالى.

قول النبي صلى الله عليه وآله

" أنت مني بمنزلة هارون من موسى "

٤٥ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده من عدة طرق فمنها ما يرفعه إلى سعيد بن المسيب قال حدثنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد قال : دخلت على سعد فقلت : حديث حدثته عنك حدثنيه حين استخلف النبي (ص) عليا (ع) على المدينة. قال فغضب سعد وقال : من حدثك به؟ فكرهت أن أحدثه أن ابنه حدثنيه فيغضب عليه ، ثم قال : إن رسول الله حين خرج في غزوة تبوك استخلف عليا على المدينة ، فقال علي : يا رسول الله ما كنت أحب أن تخرج في وجه إلا وأنا معك. فقال : أو ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون موسى غير أنه لا نبي بعدي (٢). ومن بعض روايات أحمد ابن حنبل " إلا النبوة ".

وروى في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند سعد بن أبي وقاص في الحديث الثامن المتفق عليه من عدة طرق (٣).

٤٦ ـ ومن صحيح البخاري من الجزء الخامس في الكراس السادس وهو

__________________

(١) المناقب : ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٢) إحقاق الحق عن الفضائل لأحمد بن حنبل : ٥ / ١٥٧ ، والعمدة : ٦٢ ، والبحار : ٣٧ / ٢٦١.

(٣) رواه النسائي في الخصائص : ١٥ ، والخوارزمي في المناقب : ٨٣ ط نجف.

نصف الجزء من النسخة المنقول منها ، أن النبي (ص) خرج إلى تبوك واستخلف عليا ، فقال : أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي (١). ورواه البخاري أيضا في صحيحه في الجزء الرابع على حد ربعه الأخير من النسخة المنقول منها (٢).

٤٧ ـ ورواه مسلم في صحيحه في الجزء الرابع على حد كراسين من آخره من النسخة المنقول منها ، وأسنداه معا من عدة طرق ، وفي بعض روايتهما للحديث المذكور أن سعيد بن المسيب قال لسعد بن أبي وقاص : أنت سمعته من النبي (ص) يقول ذلك لعلي بن أبي طالب عليه السلام؟ فوضع أصبعيه في أذنيه فقال : نعم وإلا فاستكتا (٣).

٤٨ ـ ورواه أيضا مسلم في صحيحه في الجزء الرابع في أوله من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من عدة طرق ، وقيل للراوي : أنت سمعته ـ يعني من رسول الله ـ فقال : نعم وإلا فصمتا (٤).

٤٩ ـ ورواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب من أكثر من عشر طرق ، فمنها ما اتفق على لفظه هو وأحمد بن حنبل يرفعانه إلى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال : سأل رجل معاوية بن أبي سفيان عن مسألة فقال : سل عنها علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه أعلم. قال : يا معاوية قولك فيها أحب إلي من قول علي ، فقال : بئس ما قلت ، ولؤم ما جئت به ، كيف كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يغره بالعلم غرا ، ولقد قال له رسول الله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، ولقد كان عمر بن الخطاب

__________________

(١) البخاري في صحيحه ٥ / ١٢٩ والعمدة عن البخاري : ٦٣ ، وذخائر العقبى : ٦٣.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ٤ / ٢٠٨ ، وفي تاريخه : ١ / ١١٥.

(٣) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٠ و ١٨٧١.

(٤) مسلم في صحيحه ٢ / ١٩ ط محمد علي صبيح بمصر.

يسأله فيأخذ عنه ، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شئ قال هاهنا علي ، قم لا أقام الله رجليك.

وزاد ابن المغازلي قال : ومحى اسمه من الديوان (١).

وفي بعض روايات ابن المغازلي أن سعد بن أبي وقاص قيل له مرة : أسمعت هذا من رسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال : نعم ، لا مرة ولا مرتين ، يقول ذلك لعلي عليه السلام (٢).

ورواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث من أجزاء ثلاثة في ثلثه الأخير في باب مناقب أمير المؤمنين علي عليه السلام من صحيح أبي داود وصحيح الترمذي (٣).

٥٠ ـ ورواه أحمد بن حنبل عن النبي (ص) أنه قال لعلي أيضا يوم المؤاخاة أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (٤).

وقد صنف القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي ـ وهو من أعيان رجالهم ـ كتابا سماه " ذكر الروايات عن النبي أنه قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنت مني بمنزلة هارون من موسى من إلا أنه لا نبي بعدي وبيان طرقها واختلاف وجوهها ".

رأيت هذا الكتاب من نسخة نحو ثلاثين ورقة عتيقة عليها رواية ، تاريخ الرواية سنة خمس وأربعين وأربعمائة ، وروى التنوخي حديث النبي (ص)

__________________

(١) المناقب : ٣٤ ، وذخائر العقبى عن أحمد بن حنبل في المناقب : ٧٩.

(٢) المناقب : ٣٣.

(٣) الترمذي في صحيحه : ١٣ / ١٧٥ ط الصاوي مصر.

(٤) أحمد بن حنبل في مسنده : ٣ / ٣٢ و ٥٦ و ٧٤ و ٨٨ و ٩٤ و ٣٣٨ و ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ٢٣٠ و ٦ / ٤٣٨.

لعلي عليه السلام " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " ، عن عمر بن الخطاب وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وسعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عباس وجابر عبد الله الأنصار وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر بن سمرة ومالك بن حويرث والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبي رافع مولى رسول الله وعبد الله بن أبي أوفى وأخيه زيد بن أبي أوفى وأبي سريحة وحذيفة بن أسيد وأنس بن مالك وأبي بريدة الأسلمي وأبي أيوب الأنصاري وعقيل بن أبي طالب وحبشي بن جنادة السلولي ومعاوية بن أبي سفيان وأم سلمة زوجة النبي وأسماء بنت عميس وسعيد بن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين عليهم السلام وحبيب بن أبي ثابت وفاطمة بنت علي وشرحبيل بن سعد.

قال التنوخي : كلهم عن النبي (ص) ، ثم شرح الروايات بأسانيدها وطرقها محررا.

فصل

وقد ذكر الحاكم أبو نصر الحربي في كتاب " التحقيق لما احتج أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى " وهذا الحاكم المذكور من أعيان الأربعة المذاهب ، وقد كان أدرك حياة أبي العباس ابن عقده الحافظ ، وكان وفاة ابن عقدة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، فذكر أنه روى قول النبي (ص) في علي عليه السلام " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " عن خلق كثير ، ثم ذكر أنه رواه عن أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والحسن بن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وابن المنذر وأبي بن كعب وأبي اليقظان وعمار بن ياسر وجابر

ابن عبد الله الأنصاري وأبي سعيد الخدري ومالك بن حويرث وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأنس بن مالك وجابر بن سمرة وحبشي بن جنادة ومعاوية بن أبي سفيان وبريدة الأسلمي وفاطمة بنت رسول (ص) وفاطمة بنت حمزة وأسماء بنت عميس وأروى بنت الحارث بن عبد المطلب (١).

ما ظهر من فضله صلوات الله عليه

(في غزوة خيبر)

٥١ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده من أكثر من ثلاثة عشر طريقا ، فمن ذلك عن عبد الله بن بريدة قال : سمعت أبي يقول حضرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له ، ثم أخذها من الغد عمر فرجع ولم يفتح له ، ثم أخذها عثمان ولم يفتح له ، فأصاب الناس يومئذ شدة وجهد ، فقال رسول الله : إني دافع الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، ولا يرجع حتى يفتح الله له ، فبتنا طيبة أنفسنا إن الفتح غدا ، ثم قام قائما ودعا باللواء والناس على مصافهم فدعا عليا وهو أرمد ، فتفل في عينه ودفع إليه اللواء وفتح له (٢).

ورواه البخاري في صحيحه في أواخر الجزء الثالث منه عن سلمة بن الأكوع (٣) ورواه أيضا البخاري في الجزء المذكور عن سهل (٤).

__________________

(١) روى عن هؤلاء الرواة من كتب القوم في ذيل إحقاق الحق : ٥ / ١٣٢ إلى ٢٣٥ وفي تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب : ١ / ٢٨٢ إلى ٣٦٤.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده : ٥ / ٣٥٣.

(٣) البخاري في صحيحه : ٥ / ٧٦ ، والبحار : ٣٩ / ٧.

(٤) البخاري في صحيحه : ٥ / ٧٦ ـ ٧٧.

ورواه أيضا البخاري في الجزء الرابع في رابع كراس من النسخة المنقول منها (١).

ورواه أيضا في الجزء الرابع في ثلثه الأخير من صحيحه في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (٢).

ورواه أيضا البخاري في الجزء الخامس من صحيحه في رابع كراس من أوله من النسخة المنقول منها (٣).

ورواه مسلم في صحيحه في الجزء الرابع في نصف الكراس إلا ومن من النسخة المنقول منها (٤).

ورواه أيضا مسلم في صحيحه في آخر كراس من الجزء المذكور من النسخة المشار إليها (٥).

٥٢ ـ فمن رواية البخاري ومسلم في صحيحيهما من بعض طرقهما أن رسول الله (ص) قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجون أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال : فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله (ص) في عينيه ودعا له ، فبرئ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال : أنفذ على رسلك تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٥ / ٨ و ٤٧.

(٢) البخاري في صحيحه : ٤ / ٢٠٧ ، وكذا في تاريخه : ٤ / ٢٦٢.

(٣) البخاري في صحيحه : ٤ / ٤٧.

(٤) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧١.

(٥) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٢.

تعالى فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم(١).

ورواه في الجمع بين الصحاح الستة من الجزء الثالث في غزوة خيبر من صحيح الترمذي (٢).

ورواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند سهل بن سعد وفي مسند سعد بن أبي وقاص وفي مسند أبي هريرة وفي مسند سلمة بن الأكوع (٣).

٥٣ ـ ورواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي أيضا من طرق جماعة ، فمن روايات الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله (ص) أبا بكر إلى خيبر فلم يفتح عليه ، ثم بعث عمر فلم يفتح عليه ، فقال : لأعطين الراية رجلا كرار غير فرار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فدعا علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أرمد العين ، فتفل في عينيه ففتح عينيه كأنه لم يرمد قط ، فقال : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك. فخرج يهرول وأنا خلف أثره حتى ركز رايته في أصلهم تحت الحصن ، فاطلع رجل يهودي من رأس الحصن وقال : من أنت؟ قال علي بن أبي طالب ، فالتفت إلى أصحابه وقال : غلبتم والذي أنزل التوراة على موسى ، قال : فما رجع حتى فتح الله عليه (٤).

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٤ / ٢٠٧ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٥ / ٣٣٣ ، ومسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٢.

(٢) إحقاق الحق عن الجمع بين الصحاح : ٥ / ٣٧٤ ، والترمذي في صحيحه : ١٣ / ١٧١.

(٣) إحقاق الحق عن الجمع بين الصحيحين : ٥ / ٣٩٤.

(٤) المناقب : ١٨١.

٥٤ ـ ورواه علماء التاريخ مثل محمد بن يحيى الأزدي وابن جرير الطبري (١) والواقدي ومحمد بن إسحاق وأبي بكر البيهقي في دلائل النبوة (٢) وأبي نعيم في كتاب حلية الأولياء (٣) والأشبهي في الاعتقاد عن عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر برايته مع المهاجرين وهي راية بيضاء فعاد يؤنب قومه ويؤنبونه ، ثم بعث عمر بعده فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه حتى ساء ذلك " ص " فقال : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ، فأعطاها عليا ففتح على يديه(٤).

٥٥ ـ ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى : " ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا " (٥) وذلك في فتح خيبر قال : حاصر رسول الله " ص " أهل خيبر حتى أصابتنا مخمصة شديدة ، وإن النبي أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس ، فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه ورجعوا إلى رسول الله يجبنه أصحابه ويجبنهم ، وكان رسول الله (ص) قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس. فأخذ أبو بكر راية رسول الله ثم نهض فقاتل ، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل ثم رجع ، فأخبر بذلك رسول الله (ص) فقال : أما والله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة ،

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٩٣ ط بيروت.

(٢) رواه البيهقي في السنن الكبرى : ٩ / ١٠٦ ، وكذا في الاعتقاد : ١٥١.

(٣) حلية الأولياء : ١ / ٦٢ و ٤ / ٣٥٦ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك : ٣ / ٣٨.

(٤) محب الدين الطبري في ذخائر العقبى : ٨٢ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ٧٢.

(٥) الفتح : ٣.

وليس ثم علي ، فلما كان الغد تطاول إليها أبو بكر وعمر ورجال من قريش رجاء كل واحد منهم أن يكون هو صاحب ذلك ، فأرسل رسول الله " ص " سلمة ابن الأكوع إلى علي عليه السلام ، فجاءه على بعير له حتى أناخ قريبا من رسول الله (ص) وهو أرمد قد عصب عينيه بشقة برد قطري. قال سلمة : فجئت به أقوده إلى رسول الله ، فقال رسول الله : ما لك؟ قال : رمدت. قال : ادن مني. فدنا منه فتفل في عينيه ، فما شكا وجعهما بعد حتى مضى لسبيله ، ثم أعطاه الراية فنهض بالراية.

ثم ذكر الثعلبي صورة حال الحرب بين علي وبين مرحب ، وكان على رأسه مغفر مصفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، ثم قال : فاختلفا ضربتين فبدره علي عليه السلام بضربة فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس ، وأخذ المدينة وكان الفتح على يده (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : ورأيت في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في الموضع الذي تقدمت الإشارة إليه وهو في أواخر كراس من الجزء الرابع زيادة وهي : أن عمر بن الخطاب قال : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ ، فتشاوقت لها رجاء أن أدعى لها. قال : فدعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب فأعطاه الراية وقال : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. قال : فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت ، فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن فعلوا فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (٢).

__________________

(١) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٥ / ٣٧٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٥ / ٣٥٨ ، والخوارزمي في المناقب : ١٠٣ ط نجف.

(٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٢ ، والبحار : ٣٩ / ٩ ، وابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب : ١ / ١٥٦ ـ ٢٢٥.

ما ظهر من فضله صلوات الله عليه يوم الخندق

٥٦ ـ ومن ذلك ما ذكره أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل قال : أول من قال " جعلت فداك " علي ، لما دعا عمرو بن عبد ود إلى البراز يوم الخندق ولم يجبه أحد قال علي عليه السلام : جعلت فداك يا الله أتأذن لي؟ قال : أنه عمرو بن عبد ود. قال : وأنا علي بن أبي طالب ، فخرج إليه فقتله ، وأخذ الناس منه (١).

٥٧ ـ ومن غير كتاب الأوائل أن النبي (ص) لما أذن لعلي عليه السلام في لقاء عمرو بن عبد ود وخرج إليه قال النبي : برز الإيمان كله إلى الشرك كله (٢). ٥٨ ـ ومن كتاب صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم بإسناده أن النبي (ص) قال : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة(٣).

أن النبي (ص)

أمر بسد الأبواب إلا باب علي عليه السلام

٥٩ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده من طرق ، فمنها عن زيد بن أرقم قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله (ص) أبواب شارعة في المسجد ، فقال يوما : سدوا هذه الأبواب إلا باب علي. قال : فتكلم في

__________________

(١) البحار : ٣٩ / ١ ، وأخطب خوارزم في المناقب : ١٠٤.

(٢) نفس المصدر من البحار.

(٣) أخطب خوارزم في المناقب : ٥٨ ، وابن شيرويه في الفردوس (مخطوط).

ذلك الناس قال : فقام رسول الله (ص) فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد فأني أمرت بسد الأبواب إلا باب علي وقال فيه قائلكم ، وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشئ فاتبعته (١).

ورواه أيضا أحمد بن حنبل عن عمر بن الخطاب عن النبي (ص).

ورواه أيضا أحمد بن حنبل عن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) من عدة طرق (٢).

٦٠ ـ ورواه أبو زكريا بن مندة الأصفهاني الحافظ في مسانيد المأمون عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثني المأمون ، قال : حدثني الرشيد ، قال : حدثني المهدي ، قال : حدثني المنصور ، قال : حدثني أبي عن عبد الله ابن العباس قال : قال النبي (ص) لعلي " ع " أنت وارثي. وقال : إن موسى سأل الله تعالى أن يطهر له مسجدا لا يسكنه إلا موسى وهارون وابنا هارون ، وإني سألت الله تعالى أن يطهر مسجدا لك ولذريتك من بعدك. ثم أرسل إلى أبي بكر أن سد بابك ، فاسترجع وقال : فعل هذا بغيري؟ فقيل : لا ، فقال : سمعا وطاعة ، فسد بابه ، ثم أرسل إلى عمر فقال : سد بابك ، فاسترجع وقال : فعل هذا بغيري؟ فقيل : بأبي بكر ، فقال : إن في أبي بكر أسوة حسنة ، فسد بابه ، ثم ذكر رجلا آخر فسد بابه وذكر كلاما له ثم قال : فصعد رسول الله (ص) المنبر فقال : ما أنا سددت أبوابكم ولا أنا فتحت باب علي ولكن الله سد أبوابكم وفتح باب علي (٣).

٦١ ـ ورواه الشافعي ابن المغازلي من ثمانية طرق ، فمنها عن حذيفة ابن أسيد الغفاري قال : لما قدم النبي (ص) وأصحاب النبي المدينة لم يكن لهم بيوت يسكنون

__________________

(١) أحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٣٦٩ ، وكشف الغمة عنه : ٣٣١.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده : ٢ / ٢٦ وكذا رواه عن عمرو بن ميمون في مسنده : ١ / ٣٣٠.

(٣) البحار : ٣٩ / ٣٤.

فيها ، وكانوا يبيتون في المسجد ، فقال لهم النبي : لا تبيتوا في المسجد فتحتلموا ، ثم إن القوم بنوا بيوتا حول المسجد وجعلوا أبوابها إلى المسجد ، وإن النبي (ص) بعث إليهم معاذ بن جبل فنادى أبا بكر فقال : إن رسول الله (ص) يأمرك أن تخرج من المسجد وتسد بابك ، فقال : سمعا وطاعة ، فسد بابه وخرج من المسجد ، ثم أرسل إلى عمر فقال : إن رسول الله (ص) يأمرك أن تسد بابك الذي في المسجد وتخرج منه ، فقال : سمعا وطاعة لله ولرسوله غير أني أرغب إلى الله تعالى في خوخة في المسجد ، فأبلغه معاذ ما قاله عمر ، ثم أرسل إلى عثمان وعنده رقية ، فقال : سمعا وطاعة فسد بابه وخرج من المسجد ، ثم أرسل إلى حمزة رضي الله عنه فسد بابه وقال : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، وعلي عليه السلام على ذلك يتردد لا يدري أهو فيمن يقيم أو فيمن يخرج ، وكان النبي (ص) قد بنى له بيتا في المسجد بين أبياته فقال له النبي اسكن طاهرا ومطهرا فبلغ رجلا (١) سماه ابن المغازلي قول النبي (ص) لعلي فقال : يا رسول الله تخرجنا وتمسك غلمان بني عبد المطلب؟ فقال له نبي الله : لو كان الأمر لي ما جعلت من دونكم من أحد ، والله ما أعطاه إياه إلا الله وإنك لعلى خير من الله ورسوله ، أبشر ، فبشره النبي (ص) فقتل يوم أحد شهيدا ، ونفس ذلك رجال علي عليه السلام فوجدوا في أنفسهم ، وتبين فضله عليهم وعلى غيرهم من أصحاب النبي (ص) ، فبلغ ذلك النبي فقام خطيبا فقال : إن رجالا لا يجدون في أنفسهم في أن أسكنت عليا في المسجد ، والله ما أخرجتهم ولا أسكنته ، إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه " أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة (٢) وأمر موسى

__________________

(١) وهو حمزة على ما في المناقب.

(٢) يونس : ٨٧.

أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله إلا هارون وذريته ، وأن عليا مني بمنزلة هارون من موسى ، وهو أخي دون أهلي ، ولا يحل مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي وذريته ، فمن ساءه ههانا ـ وأومأ بيده نحو الشام (١).

إن عليا أخو النبي صلى الله عليه وآله

٦٢ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده من أكثر من ستة طرق فمنها عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي (ص) آخى بين الناس وترك عليا عليه السلام حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا ، فقال : يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني؟ قال : ولم تراني تركتك؟ إنما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك ، فإن ذاكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب (٢).

٦٣ ـ وروى أحمد بن حنبل أيضا عن زيد بن أبي أوفى من طريقين قال : قال رسول الله (ص) لعلي عليه السلام : والذي بعثني بالحق نبيا ما اخترتك إلا لنفسي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي (٣). تمام الخبر.

٦٤ ـ وروى أحمد بن حنبل وابن المغازلي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله قال : قال رسول الله : مكتوب على باب الجنة " محمد

__________________

(١) المناقب : ٢٥٣ ـ ٢٥٥ والعمدة : ٩١ ، وكشف الغمة : ١ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ ، والبحار : ٣٩ / ٣١ ـ ٣٢.

(٢) الطبري في الرياض النضرة عن مناقب أحمد بن حنبل : ٢ / ١٦٨.

(٣) ابن شهرآشوب في المناقب عن أحمد بن حنبل : ٢ / ١٨٦.

رسول الله على أخو رسول الله " قبل أن يخلق السماوات بألفي عام (١).

ورواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث في باب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من صحيح أبي داود وصحيح الترمذي (٢).

٦٥ ـ وروى الحافظ أبو بكر بن ثابت الخطيب ، قال : أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، قال حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن ميمونة الحلواني المؤدب ، قال حدثني محمد بن إسحاق المقري ، حدثنا علي بن حماد الخشاب ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا وكيع بن الخراج ، حدثنا سليمان بن مهربان ، حدثنا جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على باغضيهم لعنة الله (٣).

٦٦ ـ فمن ذلك عن ابن عمر قال : لما آخى النبي (ص) بين أصحابه ، جاء علي عليه السلام تدمع عيناه ، فقال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد من إخواني؟ قال : سمعت النبي يقول : أنت أخي في الدنيا والآخرة (٤).

ورواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي من أكثر من خمس طرق ، وزاد فيه تفضيلا لعلي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله. وسيأتي حديث في

__________________

(١) ابن المغازلي في المناقب : ٩١ ، والعمدة : ١٢١ ، وذخائر العقبى : ٦٦.

(٢) في مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب عن الترمذي : ٢ / ١٨٥.

(٣) الذهبي في ميزان الاعتدال : ٢ / ٢١٧.

(٤) رواه ابن المغازلي في المناقب : ٣٧ ، وابن الصباغ في الفصول المهمة : ٣٨

ط نجف.

المواخاة رواه حذيفة بن اليمان (١).

قوله صلى الله عليه وآله : علي مني وأنا منه

٦٧ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده أخبارا كثيرة في قول النبي " علي مني وأنا منه " منها عن عبد الله بن خطيب قال : قال رسول الله (ص) لوفد ثقيف حين جاؤوه : لتسلمن أو لأبعثن إليكم رجلا مني ـ أو قال : مثل نفسي ـ فليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم وليأخذن أموالكم؟ قال عمر : فوالله ما اشتهيت الإمارة إلا يومئذ ، فجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول هذا فالتفت إلى علي عليه السلام فأخذ بيده ثم قال : هو هذا ، هو هذا ـ مرتين (٢).

٦٨ ـ ورواه أحمد بن حنبل أيضا عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وزاد فيه : إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي (٣).

٦٩ ـ ورواه أيضا أحمد بن حنبل عن حبشي بن جنادة السلولي من طريقين يقول في أحدهما عن النبي (ص) أنه قال : علي مني وأنا منه ، لا يؤدي عني إلا أنا أو علي (٤).

ورواه الشافعي ابن المغازلي في كتابه بهذه الألفاظ (٥).

٧٠ ـ وروى أيضا أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي رافع عن أبيه عن جده قال : لما قتل علي عليه السلام أصحاب الألوية يوم أحد قال جبرئيل :

__________________

(١) المناقب : ٣٧ ـ ٣٩ ، رواها عن خمس طرق.

(٢) البحار : ٣٨ / ٣٢٥ ، وذخائر العقبى : ٦٤.

(٣) أحمد بن حنبل في المناقب على ما في إحقاق الحق : ٥ / ٢٩٣ ، والترمذي في صحيحه : ١٣ / ١٦٤.

(٤) أحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ١٦٥ و ١٤٥.

(٥) المناقب : ٢٢٢ ورواها عن عشر طرق فراجع.

يا رسول الله إن هذه لهي المواساة. فقال النبي (ص) : إنه مني وأنا منه ، قال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله (١). ورواه أيضا من طريق آخر.

٧١ ـ وروى أيضا أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : بعث رسول الله (ص) بعثين على أحدهما علي بن أبي طالب عليه السلام وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعلي على الناس وإذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده. فلقينا بني زيد من اليمن فاقتتلنا فظفر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى علي عليه السلام من السبي امرأة لنفسه. قال بريدة : وكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (ص) يخبره بذلك ، فلما أتيت النبي دفعت الكتاب إليه فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله ، فقلت : يا رسول الله هذا مكان العائذ بك ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلت ما أرسلت به. فقال رسول الله (ص) : يا بريدة لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي (٢).

٧٢ ـ وروى أبو بكر بن مردويه وهو من رؤساء المخالفين هذا الحديث من عدة طرق : وفي رواية بريدة له زيادة وهي : أن النبي (ص) قال لبريدة : إيه عنك يا بريدة ، فقد أكثرت الوقوع بعلي ، فوالله إنك لتقع برجل هو أولى الناس بكم بعدي. وفي الحديث زيادة أخرى : أن بريدة قال : يا رسول الله استغفر لي ، فقال النبي : حتى يأتي علي فلما جاء علي طلب بريدة أن يستغفر له ، فقال النبي لعلي إن تستغفر له أستغفر له فاستغفر له. وفي الحديث زيادة أخرى : إن بريدة امتنع من مبايعة أبي بكر بعد وفاة النبي (ص) وتبع عليا لأجل ما كان سمعه من نص النبي بالولاية بعده (٣).

__________________

(١) ذخائر العقبى عن أحمد بن حنبل في المناقب : ٦٨ ، والطبري في تاريخه ٣ / ١٧.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده ٥ / ٣٥٦ ، والبحار ٣٨ / ٣٢٥.

(٣) رواه النسائي في الخصائص ٣٣ ، وذخائر العقبى ٦٨.

٧٣ ـ ومن ذلك حديث الولاية رواية أبي سعيد مسعود بن ناصر في صحيح السجستاني وهو من المتفق على ثقته رواية بريدة هذا الحديث من عدة طرق ، وفي بعضها زيادات مهمات :

من ذلك أن بريدة قال : إن رسول الله (ص) لما سمع ذم علي غضب غضبا لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير ، فنظر إلي وقال : يا بريدة إن عليا وليكم بعدي فأحب عليا ، فقمت وما أحد من الناس أحب إلي منه.

ومن ذلك زيادة أخرى : قال عبد الله بن عطاء : حدث بذلك حرب بن سويد بن غفلة فقال : كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث : أن رسول الله (ص) قال : أنافقت بعدي يا بريدة؟

ومن ذلك زيادة أيضا معناها : إن خالد بن الوليد أمر بريدة فأخذ كتابه يقرأ على رسول الله (ص) ويقع في علي. قال بريدة : فجعلت أقرأ وأذكر عليا ، فتغير وجه رسول الله ، ثم قال : يا بريدة ويحك أما علمتم أن عليا وليكم بعدي؟ (١)

٧٤ ـ وروى البخاري في صحيحه في الجزء الرابع من أجزاء ثمانية في ثلثه الأخير في باب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن عمر بن الخطاب قال : توفى رسول الله (ص) وهو عنه راض ـ يعني علي ابن أبي طالب ـ وقال له رسول الله : أنت مني وأنا منك (٢).

ورواه أيضا البخاري في صحيحه في الجزء الخامس في رابع كراس من أوله من النسخة المنقول منها (٣).

__________________

(١) رواه النيشابوري في المستدرك : ٣ / ١١٠.

(٢) البخاري في صحيحه : ٤ / ٢٠٧.

(٣) البخاري في صحيحه : ٥ / ١٤١ ط الأميرية.

٧٥ ـ ورواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني من باب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من عده طرق ، فمنها عن أبي جنادة عن رسول الله (ص) أنه قال : علي مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا أنا أو علي (١).

٧٦ ـ ورواه الشافعي ابن المغازلي من عده طرق ، وزاد في مدائحه هذا المعنى على كثير من الروايات ، ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي من عده طرق بأسانيدها في كتابه بمعنى واحد ، فمنها قال قال النبي (ص) : علي مني مثل رأسي من بدني (٢).

اختصاص علي عليه السلام بمناقب جليلة

٧٧ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده وابن المغازلي الشافعي في كتابه أن النبي (ص) قال : يا علي إن الله جعل فيك مثلا من عيسى عليه السلام ، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه ، وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل (٣).

(قال عبد المحمود بن داود) : ولقد جرى لعلي عليه السلام ما يناسب هذا ، أبغضته الخوارج حتى بهتوه وهم أكرهوه ، وأحبته النصيرية حتى جعلوه إلها من دون الله.

٧٨ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند علي بن أبي طالب (ع) في الحديث

__________________

(١) إحقاق الحق عن الجمع بين الصحاح : ٥ / ٢٩٥ و ٣١٠.

(٢) المناقب : ٩٢ والخوارزمي في المناقب : ٨٧ ، والبحار : ٣٨ / ٣٢٧.

(٣) المناقب : ٧١ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ١٦٠.

التاسع من أفراد مسلم ورواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني على حد ثلثه في باب مناقب أمير المؤمنين علي (ع) من صحيح أبي داود ، ومن الباب المذكور أيضا من صحيح البخاري ، ويليه أيضا من صحيح أبي داود أن النبي (ص) قال لعلي عليه السلام : ولا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.

وفي بعض رواياتهم أبي سعيد الخدري : إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم عليا(١).

٧٩ ـ ومن مسند أحمد بن حنبل عن عمار بن ياسر أنه سمع النبي (ص) يقول لعلى : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك (٢).

٨٠ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي ليلى عن أبيه قال : قال رسول الله (ص) : الصديقون ثلاثة : حبيب بن موسى النجار وهو مؤمن آل يس ، وخربيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم.

ورواه أيضا ابن شيرويه في باب الصاد من كتاب الفردوس.

ورواه أيضا الشافعي ابن المغازلي في كتابه كما رواه أحمد بن حنبل وابن شيرويه سواء(٣).

٨١ ـ وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى " والسابقون السابقون * أولئك المقربون " (٤) عن عباد بن عبد الله قال : سمعت عليا (ع) يقول : أنا عبد الله

__________________

(١) أحمد بن حنبل في مسنده : ٦ / ٢٩٢ ، ومسلم في صحيحه : ١ / ٨٦ ، وذخائر العقبى : ٩١ ، والنسائي في خصائصه : ٢٧ ، وإحقاق الحق عن الجمع بين الصحيحين : ٧ / ٢٠٠.

(٢) رواه الطبري في الرياض النضرة : ٢١٥ ، والخطيب في تاريخه : ٩ / ٧١.

(٣) المناقب : ٢٤٦ ، وأخرج في ذيله عن مناقب أحمد بن حنبل.

(٤) الواقعة : ١٠.

وأخو رسول الله ، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر صليت قبل الناس بسبع سنين (١).

٨٢ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال : كنا جلوسا في المسجد فخرج إلينا رسول الله (ص) وعلي في بيت فاطمة عليها السلام فانقطع شسع نعل رسول الله (ص) فأعطاها عليا يصلحها ثم جاء به فقام علينا فقال : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله. قال: لا قال عمر : أنا هو يا رسول الله. قال : لا ولكنه خاصف النعل.

٨٣ ـ ومن حديث آخر من مسند أحمد بن حنبل : لتنتهين معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان يضرب رقابكم على الدين قيل : يا رسول الله أبو بكر قال : لا قيل : فعمر قال : لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة.

ورواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث في أواخره في باب ذكر غزوه الحديبية من سنن أبي داود وصحيح الترمذي (٢).

٨٤ ـ ومن ذلك من مسند أحمد بن حنبل عن زيد بن منيع قال : قال رسول الله (ص) : لتنتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا يمضي فيهم أمري يقتل المقاتلة ويسبي الذرية. قال : فقام أبو ذر فما راعني إلا برد كف عمر في حجرتي من خلفي قال : من تراه يعني؟ قلت : ما يعنيك به ولكن خاصف النعل ـ يعني عليا (٣).

__________________

(١) إحقاق الحق عنه : ٤ / ٢١١.

(٢) مسند أحمد بن حنبل : ٣ / ٣٣ ط الميمنية ، والنسائي في الخصائص : ٤٠.

(٣) البحار : ٣٨ / ٨٧ ، روى نحوها في المناقب للخوارزمي : ٨٦.

٨٥ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن مخدوج بن زيد الهذلي : إن رسول الله (ص) آخى بين المسلمين ثم قال : يا علي أنت أخي بمنزله هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي. ثم قال بعد كلام ذكره في وصف حال الأنبياء عليهم السلام يوم القيامة : ألا وإني أخبرك يا علي إن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة ثم أنت أول من يدعي بك لقرابتك ومنزلتك عندي ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد فتسير بين السماطين آدم وجميع خلق الله تعالى يستظلون به. ثم ذكر صفة اللواء ثم قال : فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم (ع) في ظلل العرش ثم تكسى حله خضراء من الجنة ثم ينادي مناد من تحت العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي أبشر يا علي أنك تكسى إذا كسيت وتدعى إذا دعيت وتحيى إذا حييت(١)

حديث الطائر

وإنه (ع) أحب الخلق إلى الله تعالى

٨٦ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده يرفعه إلى سفينة مولى رسول الله (ص) قال : أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين فقدمت إليه الطيرين فقال رسول الله : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك. فجاء علي (ع) فرفع صوته فقال رسول الله (ص) : من هذا؟ قلت : علي قال افتح له ففتحت له فأكل مع النبي حتى فنيا (٢).

__________________

(١) البحار : ٣٩ / ٣١٨ ، الرياض النضرة عن أحمد بن حنبل في المناقب ٢ / ٢٠١.

(٢) رواه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص عن أحمد بن حنبل : ٤٤ ، والبحار : ٣٨ / ٣٥٥.

٨٧ ـ ومما يدل على أن هذا المعنى قد تكرر من النبي (ص) في عدة أطيار وعدة مجالس ما رووه غير هذا الطريق في الجمع بين الصحاح الستة في باب مناقب أمير المؤمنين (ع) من صحيح أبي داود وهو كتاب السنن بإسناد متصل عن أنس بن مالك قال : كان عند النبي (ص) طائر قد طبخ له فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي ، فجاء علي (ع) فأكل معه منه (١).

٨٨ ـ ورواه الشافعي ابن المغازلي في كتابه من نحو أكثر من ثلاثين طريقا فمنها ما يدل على أن ذلك قد وقع من النبي (ص) في طائر آخر قال : بإسناده إلى الزبير بن عدي عن أنس قال : أهدي إلى رسول الله (ص) طير مشوي فلما وضع بين يديه قال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك حتى يأكل معي من هذا الطائر قال : فقلت في نفسي : اللهم اجعله رجلا من الأنصار. قال : فجاء علي (ع) فقرع الباب قرعا خفيفا فقلت : من هذا؟ فقال علي فقلت : إن رسول على حاجة. فانصرف قال : فرجعت إلى رسول الله (ص) وهو يقول الثانية : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. قال: فقلت في نفسي : اللهم اجعله رجلا من الأنصار. قال : فجاء علي (ع) فقرع الباب فقلت : ألم أخبرك أن رسول الله على حاجة؟ فانصرف قال : فرجعت إلى رسول الله (ص) وهو يقول الثالثة : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر. قال فجاء علي (ع) فضرب الباب ضربا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : افتح افتح افتح ثلاثا. قال : نظر إليه رسول الله (ص) قال : اللهم وإلي ، اللهم وإلي

__________________

(١) إحقاق الحق عن الجمع بين الصحاح : ٥ / ٣٢٠ ، والترمذي في صحيحه : ١٣ / ١٧٠.

اللهم وإلي قال فجلس مع رسول الله فأكل معه الطير (١).

وفي بعض الروايات عن ابن المغازلي أن النبي (ص) قال لعلي (ع) : ما أبطأك؟ قال : هذه ثالثة ويردني أنس قال النبي (ص) : يا أنس ما حملك على ما صنعت؟ قال : رجوت أن يكون رجلا من الأنصار فقال لي : يا أنس أوفي الأنصار خير من علي؟ أوفي الأنصار أفضل من علي (٢).

علم علي (ع) بالفتن وقوله سلوني قبل أن تفقدوني

٨٩ ـ ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه في أول كراس من جزء منه في النسخة المنقول منها في تأويل " غافر الذنب " أعني " حم تنزيل الكتاب (٣) " عن ابن عباس قال : كان علي (ع) يعرف بها الفتن قال وأراه زاد في الحديث : وكل جماعه كانت في الأرض ومن كل قرية كانت أو تكون في الأرض (٤).

٩٠ ـ وروي أن عليا (ع) قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن كتاب الله تعالى فما من آية إلا وأنا أعلم حيث نزلت بحضيض جبل أو سهل أرض وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها (٥) قال : وقد روي عنه نحو هذا كثير (٦)

وروى مسلم في صحيحه في الجزء الخامس منه (٧).

__________________

(١) المناقب : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، والبحار : ٣٨ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، والفصول المهمة : ٣٧.

(٢) المناقب : ١٦٦ ، والعمدة : ١٣٠ ، والخوارزمي في المناقب : ٥٩ ، وذخائر العقبى ٦١.

(٣) المؤمن : ١.

(٤) البحار : ٤٠ / ١٨٩.

(٥) رواه القندوزي في ينابيع المودة عن أحمد بن حنبل : ٧٤ ط نجف.

(٦) روى العسقلاني في الإصابة عن أبي الطفيل : ٢ / ٥٠٩.

(٧) روى الخوارزمي في المناقب : ٤٧ ط نجف.

٩١ ـ وروى أحمد بن حنبل في مسنده عن سعيد قال لم يكن أحد من أصحاب النبي (ص) يقول " سلوني " إلا علي بن أبي طالب (ع) (١).

ما جاء في فضائله علیه السلام

٩٢ ـ ومن ذلك ما رواه ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس في قافية الواو عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله " وقفوهم إنهم مسؤولون (٢) " عن ولاية علي بن أبي طالب (ع) (٣).

٩٣ ـ ومن مسند أحمد بن حنبل عن السدي عن أبي صالح قال : لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (٤).

٩٤ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب قال : قال رسول الله (ص) : إذا كان يوم القيامة يضرب الله لي عن يمين العرش قبة من ذهب حمراء ويضرب الله لأبي إبراهيم (ع) قبة من ذهب حمراء ويضرب لعلي (ع) قبة من زبرجد خضراء فما ظنك بحبيب بين خليلين؟ (٥).

٩٥ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده في حديث ليله بدر قال قال رسول الله (ص) من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس فقام علي (ع)

__________________

(١) روى الطبري في ذخائر العقبى عن مناقب أحمد بن حنبل : ٨٣ ، والاستيعاب : ٣ / ٤٠.

(٢) الصافات : ٢٤.

(٣) إحقاق الحق عن الديلمي في الفردوس : ٣ / ١٠٥ ، والعمدة : ١٥٧ ، والبحار : ٣٦ / ٧٨.

(٤) البحار : ٤٠ / ٦٨.

(٥) المناقب : ٢٢٠ ، والبحار : ٣٩ / ٢٣٤.

فاحتضن قربه ثم أتى بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحى الله تعالى إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل تأهبوا لنصره محمد وحزبه فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من سمعه فلما حاذوا البئر سلموا على علي (ع) من عند ربهم عن آخرهم إكراما وتبجيلا (١).

قوله صلى الله عليه وآله

" من آذى عليا فقد آذاني "

٩٦ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده والشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب من عدة طرق أن النبي (ص) قال يا أيها الناس من آذى عليا فقد آذاني وزاد فيه ابن المغازلي عن النبي (ص) : يا أيها الناس من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا. فقال جابر بن عبد الله الأنصاري : يا رسول الله وإن شهدوا أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله؟ فقال يا جابر كلمة يحتجزون بها أن لا تسفك دماؤهم وتؤخذ أموالهم وأن لا يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (٢).

٩٧ ـ وروى أحمد في مسنده بإسناده عن عمرو بن شاس الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال خرجنا مع علي (ع) إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت عليه في نفسي فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله فدخلت المسجد غداه غدا رسول الله (ص) في أناس من أصحابه فلما رآني حدد إلى النظر حتى إذا جلست قال يا عمرو

__________________

(١) البحار : ٣٩ / ١١٣.

(٢) مسند أحمد : ٣ / ٤٨٣ ، ومناقب ابن المغازلي : ٥٢.

أما والله لقد آذيتني فقلت أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله فقال بلى من آذى عليا آذاني(١).

تزويج علي (ع) بفاطمة عليها السلام وقول الرسول كل نسب منقطع

ما خلا نسبي وعده مناقب لعلي عليه السلام

٩٨ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده من عدة طرق فمنها عن عبد الله بن بريده عن أبيه أن أبا بكر وعمر خطبا إلى رسول الله (ص) فاطمة عليها السلام فقال إنها صغيرة فخطبها علي (ع) فزوجها منه (٢).

٩٩ ـ ومما يناسب ذلك ما رواه أحمد بن حنبل أيضا في مسنده بإسناده إلى المستطيل قال إن عمر بن الخطاب خطب إلى علي (ع) أم كلثوم فاعتل بصغرها فقال له: لم أكن أريد الباه ولكن سمعت رسول الله (ص) يقول : كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي وكل قوم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم (٣).

١٠٠ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي في كتابه بإسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي (ع) : إنك قسيم الجنة والنار وإنك تقرع باب الجنة وتدخلها بغير حساب(٤).

١٠١ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي أيضا في كتابه عن أنس وغيره

__________________

(١) مسند أحمد : ٣ / ٤٨٣ ، والمستدرك : ٣ / ١٢٢ ، والبحار : ٣٩ / ٣٣٤.

(٢) البحار : ٤٠ / ٦٨.

(٣) ذخائر العقبى عن مناقب أحمد : ١٢١ ، وابن المغازلي في المناقب : ١٠٨ ، البحار : ٤٢ / ٩٧.

(٤) المناقب : ٦٧ ، والبحار : ٣٩ / ٢٠٩.

قال كنت عند النبي (ص) فأتى علي عليه السلام مقبلا فقال أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة (١).

١٠٢ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا الشافعي ابن المغازلي بإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) : أتاني جبرئيل (ع) بدرنوك من درانيك الجنة فجلست عليه فلما صرت بين يدي ربي كلمني وناجاني فما علمني شيئا إلا وعلمت عليا فهو باب مدينة علمي ثم دعاه إليه فقال يا علي سلمك سلمي وحربك حربي وأنت العلم بيني وبين أمتي بعدي(٢).

١٠٣ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي أيضا في كتابه من عدة طرق بأسانيدها أن النبي (ص) قال لعلي عليه السلام : لو لاك ما عرف المؤمنون بعدي (٣).

١٠٤ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي الزبير قال قلت لجابر : كيف كان علي بن أبي طالب فيكم؟ قال ذاك من خير البشر ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم إياه (٤).

١٠٥ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين صحيح مسلم والبخاري في الحديث الحادي والعشرين من المتفق عليه من مسند سهل بن سعد أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد فقال هذا فلان أمير المدينة يذكر عليا (ع) عند المنبر. قال فيقول ماذا؟ قال يقول له أبو تراب فضحك وقال ما سماه به إلا النبي (ص) وما كان له اسم أحب إليه منه. فاستعظمت الحديث وقلت يا

__________________

(١) المناقب : ٤٥ و ١٩٧.

(٢) المناقب : ٥٠.

(٣) المناقب : ٧٠.

(٤) العمدة : ١١١.

أبا عباس كيف كان ذلك؟ قال دخل علي (ع) على فاطمة عليها السلام ثم خرج فاضطجع في المسجد فدخل رسول الله (ص) على ابنته فاطمة عليها السلام وقبل رأسها ونحرها وقال لها أين ابن عمك؟ قالت في المسجد. فخرج النبي (ص) فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلط التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول : اجلس أبا تراب ـ مرتين (١)

ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي من عدة طرق بأسانيده في كتابه بمعنى واحد فمنها : قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : علي مني مثل رأسي من بدني (٢).

آيات في شأن علي علیه السلام

١٠٦ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده يرفعه إلى عبد الله مسعود قال قال رسول الله (ص) : أنا دعوة أبي إبراهيم قال قلنا يا رسول الله كيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم (ع) " إني جاعلك للناس إماما " فاستخف الفرح قال يا رب ومن ذريتي أئمة مثلي؟ فأوحى الله تعالى إليه : أن يا إبراهيم إني لا أعطيك عهدا لا أفي لك به. قال يا رب ما العهد الذي لا تفي به؟ قال لا أعطيك لظالم من ذريتك عهدا. قال إبراهيم عندها : يا رب ومن الظالم من ذريتي؟ قال له: من يسجد للصنم من دوني يعبدها. قال إبراهيم عندها : " فاجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس " قال النبي (ص) فانتهت

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ١ / ١١٤ ، ومسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٤ ، والفصول المهمة : ٣٩ ، والاستيعاب : ٣ / ٥٤ ، والبحار : ٣٥ / ٦٤.

(٢) المناقب : ٣٨ / ٨٧ ، والخوارزمي في المناقب : ٨٧.

الدعوة إلي وإلى علي ، لم يسجد أحدنا لصنم قط ، فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا (١)

١٠٧ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسير قول تعالى " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " عن عباس قال لما نزلت هذه الآية ضرب رسول (ص) يده على صدره وقال أنا المنذر وأومأ بيده إلى صدر علي فقال وأنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي(٢).

١٠٨ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي من عدة طرق بأسانيدها عن النبي صلى الله عليه وآله ومعناها واحد أن النبي (ص) قال علي سيد العرب (٣).

١٠٩ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي بأسانيده عن مجاهد قال في تفسير قوله تعالى " والذي جاء بالصدق وصدق به " قال والذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وآله وصدق به علي (ع) (٤).

١١٠ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي في قوله تعالى " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه " قال رسول (ص) : أنا على بينة من ربه وعلى الشاهد منه (٥).

ورواه أيضا الثعلبي في تفسير قوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا "

١١١ ـ ومن ذلك ما رواه الفقيه ابن المغازلي في كتابه من عدة طرق بأسانيدها عن النبي (ص) أن النبي قال : إن ملكي علي بن أبي طالب ليفتخران على سائر الأملاك لكونهما مع علي لأنهما لم يصعدا إلى الله منه قط بشئ يسخطه (٦).

__________________

(١) المناقب : ٢٧٦.

(٢) إحقاق الحق عنه : ١٤ / ١٤٩ ، وتفسير الطبري ١٣ / ٦٣.

(٣) المناقب : ٢١٤.

(٤) المناقب : ٢٦٩ ، البحار : ٣٥ / ٤١٢.

(٥) المناقب : ٢٧٠ ، والبحار : ٣٥ / ٣٩٣.

(٦) المناقب : ١٢٧ ، وعلل الشرائع : ١٤.

١١٢ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي من عدة طرق بأسانيدها عن النبي (ص) أيضا معناه واحد أن النبي ناجى عليا يوم الطائف فطالت مناجاته إياه فقيل له : لقد طالت مناجاتك اليوم عليا؟ فقال ما أنا ناجيته ولكن الله ناجاه (١).

صعوده على منكب النبي (ص)

١١٣ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي في كتاب المناقب من جملته حديث عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) يوم فتح مكة لعلي : أما ترى هذا الصنم بأعلى الكعبة؟ قال بلى يا رسول الله قال فأحملك فتناوله قال بل أنا أحملك يا رسول الله. فقال لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا مني بضعة وأنا حي ما قدروا ولكن قف يا علي فضرب رسول الله (ص) بيده إلى ساقي علي فوق القربوس ثم اقتلعه من الأرض بيده فرفعه حتى تبين بياض إبطيه ثم قال له : ما ترى يا علي؟ قال أرى أن الله عز قد شرفني بك حتى لو أردت أن أمس السماء بيدي لمسستها. فقال له : تناول الصنم يا علي فتناوله ثم رمى به (٢).

وروى هذا الحديث الحافظ عندهم محمد بن موسى في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر في تفسير قوله تعالى " قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" (٣) يأتي من هذه الألفاظ والمعاني وأرجح في تعظيم علي بن أبي طالب (علیه السلام).

وذكر محمد بن علي المازندراني في كتاب البرهان في أسباب نزول

__________________

(١) المناقب : ١٢٤ ورواه عن خمسة طرق.

(٢) المناقب : ٢٠٢.

(٣) بني إسرائيل : ١٨.

القرآن : تخصيص النبي (ص) لعلي (علیه السلام) بحمله على ظهره ورميه الأصنام وتشريفه بذلك على غيره من سائر الأنام.

ورواه أحمد بن حنبل (١) وأبو يعلى (٢) الموصلي في مسنديهما وأبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد (٣) ومحمد بن صباح الزعفراني في الفضائل والحافظ أبو بكر البيهقي (٤) والقاضي أبو عمر وعثمان بن أحمد في كتابيهما والثعلبي في تفسيره (٥) وابن مردويه في المناقب وابن منده في المعرفة والطبري في الخصائص والخطيب الخوارزمي (٦) في الأربعين وأبو أحمد الجرجاني في التاريخ ورواه شعبة عن قتادة عن الحسن (٧) وقد صنف في صحته أبو عبد الله الجعل وأبو القاسم الحسكاني وأبو شاذان مصنفات (٨) واجتمع أهل البيت عليهم السلام على صحتها. هذا آخر لفظ ما ذكره محمد بن علي المازندراني في كتابه المذكور في هذا المعنى وجميع هؤلاء من علماء الأربعة المذاهب.

__________________

(١) في مسنده : ١ / ٨٤ و ١٥١.

(٢) كنز العمال عن أبي يعلى : ٦ / ٤٠٧.

(٣) تاريخ بغداد : ١٣ / ٣٠٢.

(٤) البيهقي في سننه : ٣ / ٢٤٧.

(٥) الكشف والبيان (مخطوط) في قوله تعالى (جاء الحق وزهق الباطل).

(٦) الخوارزمي في المناقب : ٧١.

(٧) الحسكاني في شواهد التنزيل : ١ / ٣٥٠.

(٨) ورواه النسائي في الخصائص : ٣١ ، والقندوزي في ينابيع المودة : ١٣٩ ط نجف وذخائر العقبى : ٨٥ ، والحاكم في المستدرك : ٢ / ٣٦٧.

ومن طريق الإمامية : ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ١٣٥ ، والعمدة : ١٩١ ، وأمالي الصدوق : ٣٣٠.

لا يجوز على الصراط أحد إلا بولاية علي عليه السلام

١١٤ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتابه من عدة طرق بأسانيدها عن النبي (ص) والمعنى متقارب فيها أن النبي قال إذا يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم لم يجز عليه إلا من معه كتاب بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام (١).

وفي بعض رواياتهم من عدة طرق بأسانيدها إلى النبي (ص) : لم يجز على الصراط إلا من معه جواز من علي بن أبي طالب (ع) (٢).

١١٥ ـ وروى أيضا ابن المغازلي في كتاب المناقب عن شريك قال لما مرض الأعمش مرضه الذي مات فيه دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة فقالوا يا محمد هذا آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة وقد كنت تحدث عن علي بن أبي طالب (ع) بأحاديث كان السلطان يعترضك عليها وفيها تعيير بني أمية ولو كنت اقتصرت لكان الرأي. فقال لهم : إلى تقولون هذا اسندوني فسندوه فقال حدثني أبو المتوكل التاجي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى لي ولعلي : ادخلا الجنة من أحبكما وادخلا النار من أبغضكما فيجلس علي (ع) على شفير جهنم فيقول هذا لي وهذا لك (٣).

__________________

(١) المناقب : ٢٤٢ ونظيره في ١٣١.

(٢) المناقب : ١١٩ ، ورواه الطبري في ذخائر العقبى : ٧١.

(٣) غير موجود في المناقب المطبوع ، ورواه أبو الحسن الكلابي في مسند المطبوع

في آخر كتاب المناقب لابن المغازلي ص ٤٢٧ في الحديث الثالث عن شريك مثل ما مر إلى قوله قال رسول الله (ص) : إذا كان يوم القيامة قال الله تبارك وتعالى لي ولعلي : ألقيا في ـ

حديث البساط والتسليم على أصحاب الكهف

١١٦ ـ ومن ذلك ما رواه الفقيه ابن المغازلي في كتاب المناقب والثعلبي في تفسيره عن أنس بن مالك قال أهدي لرسول الله (ص) بساط من بهندف فقال لي : يا أنس ابسطه فبسطته ثم قال ادع العشرة فدعوتهم فلما دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط ثم دعا عليا (ع) فناجاه طويلا ثم رجع علي فجلس على البساط ثم قال يا ريح احملينا فحملتنا الريح قال فإذا البساط يدف بنا دفا ثم قال يا ريح ضعينا ثم قال أتدرون في أي مكان أنتم؟ قلنا لا قال هذا موضع الكهف والرقيم قوموا فسلموا على إخوانكم. قال فقمنا رجلا رجلا فسلمنا فلم يردوا علينا فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال السلام عليكم يا معشر الصديقين والشهداء فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال فقلت ما بالهم ردوا عليك ولم يردوا علينا؟ فقال علي عليه السلام : ما بالكم لم تردوا على إخواني؟ فقالوا إنا معشر الصديقين والشهداء لا نكلم بعد الموت إلا نبيا أو وصيا. ثم قال يا ريح احملينا فحملتنا تدف بنا دفا ثم قال يا ريح ضعينا فوضعتنا فإذا نحن بالحرة قال فقال علي (ع) : ندرك النبي (ص) في آخر ركعة فتوضينا وأتينا وإذا النبي صلى الله عليه وآله يقرأ في آخر ركعة (١) " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " (٢).

__________________

ـ النار من أبغضكما وأدخلا في الجنة من أحبكما ، فذلك قوله تعالى (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد). قال : فقال أبو حنيفة : قوموا لا يجئ بشئ أشد من هذا.

(١) الكهف : ٩.

(٢) المناقب : ٢٣٢ ـ ٢٣٤.

وزاد الثعلبي في هذا الحديث علي ابن المغازلي : قال فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي (ع) فقال إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله عز وجل له ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة (١).

في رجوع الشمس له (علیه السلام)

١١٧ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي في كتاب المناقب أيضا بإسناده أن النبي (ص) كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله (ص) : يا رب إن عليا كان على طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غابت (٢).

١١٨ ـ وفي مناقب ابن المغازلي أيضا عن أبي رافع قال فردت الشمس على علي بعد ما غابت حتى رجعت لصلاة العصر في الوقت فقام علي عليه السلام فصلى العصر فلما قضى صلاة العصر غابت الشمس فإذا النجوم مشتبكة (٣).

وربما قال بعض الجاهلين بقدره الله : كيف تعاد الشمس وهذا ممكن من طرق كثيرة عند الله سبحانه وتعالى منها أن يخلق مثل الشمس في الموضع الذي أعادها إليه ابتداء أو يهبط بعض الأرض فتظهر الشمس أو يخلق مثل الشمس في صورتها ويجعل حكمها في صلاة علي كحكم تلك الشمس وغير ذلك من مقدوراته التي يعلمها سبحانه ورووا أيضا أن الشمس حبست لبعض الأنبياء فيما سلف.

__________________

(١) البحار : ٣٩ / ١٥٠ ، والعمدة : ١٩٥ ، وكذا البحار : ٥١ / ١٠٥.

(٢) المناقب : ٩٦.

(٣) المناقب : ٩٨ ، والبحار : ٤١ / ١٨٤ ، والخوارزمي في المناقب : ٢١٧ ط نجف والقندوزي في ينابيع المودة : ٢٨٧ ط نجف.

١١٩ ـ فمن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه في الحديث الحادي والسبعين بعد المائتين من مسند أبي هريرة قال قال النبي (ص) غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ولا أحد بني بيوتا ولم يرفع سقفها ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه (١).

نزول الماء لغسله (ع) من السماء

١٢٠ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي بإسناده إلى أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص) لأبي بكر وعمر : إمضيا إلى علي حتى يحدثكما ما كان منه في ليلته وأنا على أثركما. قال أنس : فمضيا ومضيت معهما فاستأذن أبو بكر وعمر على علي فخرج إليهما فقال يا أبا بكر حدث شئ؟ قال لا وما يحدث الأخير قال لي النبي (ص) ولعمر : إمضيا إلى علي يحدثكما ما كان منه في ليلته وجاء النبي (ص) وقال يا علي حدثهما ما كان منك في الليل. فقال أستحي يا رسول الله فقال حدثهما إن الله لا يستحيي من الحق فقال علي : أردت الماء وأصبحت للطهارة وخفت أن تفوتني الصلاة فوجهت الحسن في طريق والحسين في طريق في طلب الماء فأبطئا علي فأحزنني ذلك فرأيت السقف قد انشق ونزل علي منه سطل مغطى بمنديل فلما صار في الأرض نحيت المنديل عنه فإذا فيه ماء فتطهرت للصلاة واغتسلت وصليت ثم ارتفع السطل والمنديل والتام السقف فقال النبي (ص) لعلي (ع) : أما السطل فمن الجنة

__________________

(١) ذكر هذا الحديث مؤيدا للمقام ، رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٦٦.

وأما الماء فمن نهر الكوثر وأما المنديل فمن إستبرق الجنة من مثلك يا علي في ليلتك وجبرئيل يخدمك (١).

(قال عبد المحمود) لعل ابن المغازلي اختصر هذا الحديث وكان له عذر في إتمامه أو كان قد جرى المعنى لعلي بن أبي طالب مرة أخرى فأخبر أنس بالحالين وإلا فقد رواه صدر الأئمة عندهم أخطب خوارزم في المناقب فقال أنبأني مهذب الأئمة وأخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن أبي عثمان ويوسف الدقاق أخبرنا أبو المظفر هناد بن إبراهيم النسفي حدثني أبو الحسن علي بن يوسف بن محمد بن الحجاج الطبري بسارية طبرستان حدثني أبو عبد الله الحسين بن جعفر بن محمد الجرجاني أخبرني أبو عيسى إسماعيل بن إسحاق بن سليمان النصيبي حدثني محمد بن علي الكفرثوثي حدثني حميد بن زياد الطويل عن أنس بن مالك قال صلى بنا رسول الله (ص) صلاة العصر وأبطأ في ركوعه حتى ظننا أنه قد سها وغفل ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ثم أوجز في صلاته وسلم ثم أقبل علينا بوجهه كأنه القمر ليله البدر في وسط النجوم ثم جثا على ركبتيه وبسط قامته حتى تلألأ المسجد بنور وجهه ثم رمى بطرفه إلى الصف الأول يتفقد أصحابه رجلا رجلا ثم رمى بطرفه إلى الصف الثاني ثم رمى بطرفه إلى الصف الثالث يتفقدهم رجلا رجلا ثم كثرت الصفوف على رسول الله (ص) ثم قال ما لي لا أرى ابن عمي علي بن أبي طالب؟ فأجابه علي من آخر الصفوف وهو يقول لبيك لبيك يا رسول الله فنادى النبي (ص) بأعلى صوته : ادن مني يا علي فما زال علي يتخطى رقاب المهاجرين والأنصار حتى دنا المرتضى من المصطفى فقال له النبي (ص) : يا علي ما الذي خلفك عن الصف الأول؟

__________________

(١) المناقب ٩٤ ـ ٩٥.

قال شككت إني على غير طهر فأتيت منزل فاطمة عليها السلام فناديت : يا حسن يا حسين يا فضه فلم يجبني أحد فإذا بهاتف يهتف بي من ورائي وهو ينادي : يا أبا الحسن يا بن عم النبي التفت فالتفت فإذا أنا بسطل من ذهب وفيه ماء وعليه منديل فأخذت المنديل ووضعته على منكبي الأيمن وأومأت إلى الماء فإذا الماء يفيض على كفي فتطهرت وأسبغت الطهر ولقد وجدته في لين الزبد وطعم الشهد ورائحة المسك ثم التفت ولا أدري من وضع السطل والمنديل ولا أدري من أخذه فتبسم رسول الله (ص) في وجهه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم قال يا أبا ألا أبشرك؟ أن السطل من الجنة والماء والمنديل من الفردوس الأعلى والذي هياك للصلاة جبرئيل والذي مندلك ميكائيل والذي نفس محمد بيده ما زال إسرافيل قابضا على منكبي بيده حتى لحقت معي الصلاة وأدركت ثواب ذلك أفيلومني الناس على حبك؟ والله تعالى وملائكته يحبونك من فوق السماء (١).

علي (عليه السلام) خير البرية وخير البشر وخير الفتى

١٢١ ـ ومن ذلك ما رواه ابن مردويه بإسناده عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في علي (ع) " الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " (٢).

١٢٢ ـ ومن ذلك ما رواه ابن مردويه الفقيه عندهم في كتابه قال حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل وأحمد بن محمد بن عمر وبن سعيد إلا خمس قال

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ٢١٦ ط نجف ، والبحار : ٣٩ / ١١٦ ـ ١١٧.

(٢) إحقاق الحق عن ابن مردويه : ٣ / ٢٩٠ ، وشواهد التنزيل : ٢ / ٣٥٧ ، والآية في سورة البينة : ٧.

حدثنا عبيد بن كثير العامري قال حدثنا محمد بن علي الصيرفي قال حدثنا إبراهيم بن إسماعيل اليشكري عن شريك عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة اليماني رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص) : علي خير البشر فمن أبي فقد كفر (١).

١٢٣ ـ ومن ذلك ما رواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي أيضا في كتابه بإسناده إلى النبي (ص) أنه قال إن المنادي نادى يوم أحد : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي(٢).

وروى أيضا أن المنادي كان قد نادى بذلك يوم بدر.

١٢٤ ـ وروى أيضا بإسناده إلى محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال نادى ملك من السماء يوم بدر ويقال له رضوان : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (٣).

١٢٥ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى عبد الله ابن عباس رضوان الله عليه قال سمعت رسول الله (ص) يقول ليس من آية في القرآن " يا أيها الذين آمنوا " إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد (ص) في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير (٤).

١٢٦ ـ ومن ذلك ما روي عن عطية قال سئل جابر بن عبد الله الأنصاري عن علي (ع) قال ذاك خير البشر ولا يشك فيه إلا منافق (٥).

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ٦٦.

(٢) المناقب : ١٩٧.

(٣) المناقب : ١٩٩ ، والبحار : ٤٢ / ٤٦.

(٤) الرياض النظرة عن أحمد : ٢٠٧ ، وشواهد التنزيل : ١ / ٢١ ، ومناقب الخوارزمي ١٨٨ ، وينابيع المودة : ١٢٥.

(٥) إحقاق الحق عن مناقب ابن مردويه : ٤ / ٣٥٧.

ومن ذلك ما روي عن عطاء عن عائشة حيث سئلت عن علي (عليه السلام) فقالت علي خير البشر لا يشك فيه إلا كافر (١).

١٢٧ ـ ومن ذلك ما روي بإسناد محمد بن محمد النيسابوري بإسناد متصل إلى جعفر بن محمد الصادق يقول جعفر عن أبيه عن جده أن عليا كان في حلقه من رجال قريش ينشدون الأشعار ويتفاخرون حتى بلغوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا قل يا أمير المؤمنين فقد قال أصحابك فقال أمير المؤمنين :

اللهُ وَفَّقَنَا لِنَصْرِ مُحَمَّدٍ

وَبِنَا أَقَامَ دَعَائِمَ الْإِسْلَامِ

وَبِنَا أَعَزَّ نَبِيَّهُ وَكِتَابَهُ

وَأَعَزَّنَا بِالنَّصْرِ وَالْإِقْدَامِ

فِي كُلِّ مَعْرَكَةٍ تُطِيرُ سُيُوفُنَا

فِيهَا الْجَمَاجِمَ عَنْ فَرَاشِ الْهَامِ

يَنْتَابُنَا جِبْرِيلُ فِي أَبْيَاتِنَا

بِفَرَائِضِ الْإِسْلَامِ وَالْأَحْكَامِ

فَنَكُونُ أَوَّلَ مُسْتَحِلٍّ حِلَّهُ

وَمُحَرِّمٍ لِلَّهِ كُلَّ حَرَامٍ

نَحْنُ الْخِيَارُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ كُلِّهَا

وَإِمَامُهَا وَإِمَامُ كُلِّ إِمَامٍ

الْخَائِضُونَ غُمَارَ كُلِّ كَرِيهَةٍ

وَالضَّامِنُونَ حَوَادِثَ الْأَيَّامِ

إِنَّا لَنَمْنَعُ مَنْ أَرَدْنَا مَنْعَهُ

وَنَجُودُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِنْعَامِ

فقالوا يا أبا الحسن ما تركت شيئا إلا تقوله (٢).

ـ وعن عروة يرفعه إلى محمد بن علي عليه السلام يعني محمد بن الحنفية وكان في دمشق وسمع رجلا يقول هذا ابن أبي تراب فاستند ظهره إلى الجدار المحراب في جامع دمشق ثم قال اخسئوا ذريه النفاق وحشوه النيران وحصبه جهنم عن البدر الزاهر والنجم الثاقب واللسان الناقد وشهاب المؤمنين والصراط المستقيم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على

__________________

(١) رواه الكنجي في كفاية الطالب : ١١٩ ، والبحار : ٣٨ / ١٤.

(٢) البحار : ٨ / ٧٢٢ ط الكمباني.

أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا أتدرون أي عقبة تقتحمون أخو رسول الله تستهدفون ويعسوب الدين تلمزون فبأي سبيل رشاد بعد ذلك تسلكون وأي حرف (١) بعد ذلك تدفعون هيهات برز الله (٢) في السيف وفاز بالخصل واستولى على الغاية (٣) وأحرز الحظ وانحسرت عنه الأبصار وانقطعت دونه الرقاب وقوع (٤) الذروة العليا وكبرت والله من الأمة التبعة (٥) وعناه الطلب وإني لهم التناوش من مكان بعيد أقيلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم وسدوا المكان الذي سدوا وأبي يسد ثلمة أخيه رسول الله (ص) إذ سفعوا وشفيق نبيه إذ حصلوا ونديد هارون من موسى (ع) إذ مثلوا وذي قربى كبيرها إذا امتحنوا والمصلى للقبلتين إذا انحرفوا والمشهور (٦) له بالإيمان إذا كفروا والمدعو إلى الخير إذا نكلوا والمندوب لعهد المشركين إذا نكثوا والخليفة على المهاجرين إذا جزعوا والمستودع الأسرار ساعة الوداع إذا حجبوا :

هذا المكارم لا قعبان من لبن

شينا بماء فعادا بعد أبو

إلا وأبى يبعد من كل علاء وشناء.

وفيه كلام طويل ما هذا مكانه. ثم قال فبأي آلاء أمير المؤمنين تختبرون (٧) وعن أي أمر من حديثه تأثرون وربنا المستعان على ما تصفون والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) في خ : صرف.

(٢) لعل الصحيح لله.

(٣) في الترجمة : على الغايب.

(٤) في خ : وقرع.

(٥) في خ : السعي.

(٦) لعل الصحيح المشهود له.

(٧) في خ : تجترون.

(قال عبد المحمود) : فهذه قول محمد بن الحنفية في علي (ع) في بلاد الأعداء وفي محافل الحساد ذوي الاعتداء وأعداء الدين لا يقول مثله لمثلهم ما عرفوه وتحققوه وكان على اليقين أنه إذا قال ذلك أنهم صدقوه والخلافة إذ ذلك في يد أعداء الدين الذين يجاهرون بلعن أمير المؤمنين عليه السلام فهل تجد مثل هذه الأوصاف في أحد من القرابة والصحابة أو اجتمع مثلها لأحد بعد محمد (ص) فكيف عميت العيون وجهل الجاهلون لولا أنها قد عميت عن الله جل جلاله وهو أعظم من كل عظيم وعن رسوله وهو أشرف من كل رسول كريم.

١٢٩ ـ ومن ذلك ما ذكره الحاكم النيسابوري وهو من ثقات الأربعة المذاهب في تاريخ النيسابوري في ترجمة هارون الرشيد وبدا بذكر هارون الرشيد رفعه إلى ميمون الهاشمي إلى الرشيد قال جرى ذكر آل أبي طالب عند الرشيد فقال يتوهم على العوام إني أبغض عليا وولده والله ما ذلك كما يظنونه وأن الله تعالى يعلم شدة حبي لعلي والحسن والحسين عليهم السلام ومعرفتي بفضلهم ولكنا طلبنا بثأرهم حتى أفضى الله هذا الأمر إلينا فقربناهم وخلطناهم فحسدونا وطلبوا ما في أيدينا! وسعوا في فسادا! ولقد حدثني أبي عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس قال كنا ذات يوم مع رسول الله (ص) إذ أقبلت فاطمة وهي تبكي فقال لها : فداك أبوك يبكيك قالت إن الحسن والحسين عليهما السلام خرجا فما أدري أين باتا. فقال لها رسول الله (ص) : يا بنية الذي خلقهما هو ألطف بهما مني ومنك ثم رفع النبي رأسه ويده فقال اللهم إن كانا أخذا برا أو بحرا فاحفظهما وسلمهما فهبط جبرئيل (ع) فقال يا محمد لا تغتم ولا تحزن هما فاضلان في الدنيا والآخرة وأبوهما خير منهما وهما في حظيرة بني النجار نائمين وقد وكل الله تعالى ملكا لحفظهما.

فقام رسول الله (ص) ومعه أصحابه حتى أتوا الحظيرة فإذا الحسن معانق الحسين وإذا الملك الموكل بهما إحدى جناحيه تحتهما والأخرى فوقهما قد أظلهما فانكب رسول الله (ص) عليهما يقبلهما حتى انتبها من نومهما فجعل الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر وجبرئيل معه حتى خرجا من الحظيرة وقال النبي (ص) : والله لأشرفنكما كما أشرفكما الله تعالى فلقيه أبو بكر فقال يا رسول الله ناولني أحد الصبيين حتى أحملها فقال النبي (ص) : نعم المطي مطيهما ونعم الراكبان هما وأبوهما خير منهما حتى أتى المسجد وأمر بلالا فنادى بالناس واجتمع الناس في المسجد فقام رسول الله (ص) على قدميه وهما على عاتقه.

فقال يا معشر الناس ألا أدلكم على خير الناس جدا وجدة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين جدهما رسول الله سيد المرسلين وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة ألا أدلكم على خير الناس أبا وأما؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين أبوهما علي بن أبي طالب (ع) وأمهما فاطمة بنت خديجة سيدة نساء العالمين أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب أيها الناس ألا أخبركم بخير الناس خالا وخالة قالوا بلى يا رسول الله قال والحسين خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله ثم قال اللهم إنك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة وأباهما في وأمهما في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة وخالهما في الجنة وخالتهما في الجنة ومن أحبهما في الجنة ومن أبغضهما في النار.

قال سليمان : وكان هارون يحدثنا وعيناه تدمعان وتخنقه العبرة (١)

(قال عبد المحمود) : إذا كان الرشيد قد حدث فضل آل أبي طالب بهذا الحديث فهؤلاء المحسودون على هذا الفضل فكيف يحسدون على من لم يذكر عنه مثل هذا المدح وإنما لما عرف آل أبي طالب أن بني عمهم من بني العباس يمدحون أبا بكر وعمر وعثمان قالوا فهؤلاء الثلاثة الذين يمدحونهم لم يرونهم أهلا للخلافة والولاية فاحتجوا عليهم بذلك وإن عمر جعل عليا (ع) في الشورى ولم يجعل العباس فأرادوا منهم أن يكون الفضل لبني هاشم على بني تيم وعدي وبني أمية ودخل الحساد بينهم إلى البطالة ففرقوا شمل ألفتهم المرضية.

ما نزل من الآيات في شأن علي (عليه السلام)

١٣٠ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " وتعيها أذن واعية " (٢) قال رسول الله (ص) : سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي. قال علي عليه السلام : فما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنساه (٣).

وروى نحو ذلك ابن المغازلي في كتابه بإسناده إلى النبي (ص) (٤).

١٣١ ـ ومن ذلك ما رواه محمد بن مؤمن الشيرازي مما أورده في كتابه واستخرجه من تفاسير الاثني عشر وهو من علماء الأربعة المذاهب وثقاتهم في

__________________

(١) البحار : ٢٧ / ٩٤.

(٢) الحاقة : ١٢.

(٣) ابن بطريق في العمدة عن الثعلبي : ١٥١ ، والطبري في تفسيره : ٢٩ / ٣١.

(٤) المناقب : ٢٦٥ و ٣١٩ ، والخوارزمي في المناقب : ١٩٩.

تفسير قوله تعالى " فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (١) بإسناده إلى ابن عباس قال " فاسئلوا أهل الذكر " يعني أهل بيت محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام هم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان وهم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة والله ما سمى المؤمن مؤمنا إلا كرامة لأمير المؤمنين.

ورواه أيضا من طريق آخر عن سفيان الثوري عن السدي عن الحارث بأتم من هذه الألفاظ (٢).

١٣٢ ـ ومن ذلك ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن في كتابه المذكور في تفسير قوله تعالى " والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم " (٣) بإسناده عن قتادة عن ابن عباس " والذين آمنوا " يعني صدقوا " بالله " أنه واحد : علي بن أبي طالب (ع) وحمزة ابن عبد المطلب وجعفر الطيار " أولئك هم الصديقون " قال رسول الله (ص) صديق هذه الأمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم.

ثم قال " وشهداء عند ربهم " قال ابن عباس : فهم صديقون وهم شهداء الرسل على أنهم قد بلغوا الرسالة ثم قال " لهم أجرهم " يعني ثوابهم على التصديق بالنبوة والرسالة لمحمد " ونورهم " يعني على الصراط (٤).

١٣٣ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه المشار

__________________

(١) النحل : ٤٣.

(٢) رواه الشهيد التستري عن محمد بن مؤمن الشيرازي في إحقاق الحق : ٣ / ٤٨٢.

وشواهد التنزيل : ١ / ٣٣٥ ، وإحقاق الحق عن الثعلبي : ١٤ / ٣٧١ ، والبحار : ٣٦ / ١٦٧.

(٣) الحديد : ١٩.

(٤) البحار : ٣٥ / ٤١٣ ، وإحقاق الحق ٣ / ٢٤٣ ، وشواهد التنزيل : ٢ / ٢٢٣.

إليه في تفسير قوله تعالى " عم يتسائلون عن النبأ العظيم " بإسناده إلى السدي يرفعه قال أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال محمد هذا الأمر من بعدك لنا أم لمن؟ قال يا صخر الأمر من بعدي لمن هو مني بمنزله هارون من موسى فأنزل الله تعالى " عم يتسائلون " يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب (ع) " عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون " منهم المصدق بولايته وخلافته ومنهم المكذب بهما ثم قال " كلا " وهو رد عليهم " سيعلمون " أي سيعرفون خلافته بعدك أنها حق يكون " ثم كلا سيعلمون " يقول يعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا في غرب ولا في بر ولا في بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين (ع) بعد الموت يقولان للميت : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك (١).

١٣٤ ـ ومن ذلك ما رواه محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه المذكور في تفسير قوله تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة (١) " بإسناده عن علقمة عن ابن مسعود قال وقعت الخلافة من الله عز وجل في القرآن لثلاثة نفر : لآدم (ع) لقول الله تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض " يعني خالق في الأرض خليفة يعني آدم (ع) " قالوا أتجعل فيها " يعني أتخلق فيها " من يفسد فيها " يعني يعمل فيها بالمعاصي بعد ما صلحت بالطاعة نظيرها " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها (٣) " يعني لا تعملوا بالمعاصي بعد ما صلحت بالطاعة نظيرها " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها"(٤)

__________________

(١) إحقاق الحق : ٣ / ٤٨٥ ، والبحار : ٣٦ / ٢ ، وشواهد التنزيل : ٢ / ٣١٧.

(٢) البقرة : ٣٠.

(٣) الأعراف : ٨٥.

(٤) البقرة : ٢٠٥.

يعني ليعمل فيها بالمعاصي ويسفك الدماء يعني يهريقها بغير حلها " ونحن نسبح بحمدك " يعني نذكرك " ونقدس لك " يعني ونطهر الأرض لك " قال إني أعلم ما لا تعلمون " يعني سبق في علمي أن آدم وذريته سكان الأرض وأنتم سكان السماء.

والخليفة الثاني داود (ع) لقوله تعالى : " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " (١) يعني أرض بيت المقدس.

والخليفة الثالث علي بن طالب (ع) لقول الله تعالى في السورة التي يذكر فيها النور " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات " (٢) يعني علي بن أبي طالب (ع) " ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم " آدم وداود " وليمكنن لهم دينهم ـ يعني الإسلام ـ الذي ارتضى لهم " أي رضيه لهم " وليبدلنهم من بعد خوفهم " يعني من أهل مكة " أمنا " يعني في المدينة " يعبدونني " يوحدونني " لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد

ذلك " بولاية علي بن أبي طالب (ع) " فأولئك هم الفاسقون " يعني العاصين لله ولرسوله (ص) (٣).

١٣٥ ـ ومن ذلك ما رواه الحافظ عندهم محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه المشار إليه بإسناده إلى قتادة عن الحسن البصري قال كان يقرأ هذا الحرف " صراط علي مستقيم " فقلت للحسن : وما معناه؟ قال يقول هذا طريق علي بن أبي طالب (ع) ودينه طريق ودين مستقيم فاتبعوه وتمسكوا

__________________

(١) ص : ٢٦.

(٢) النور : ٥٥.

(٣) شواهد التنزيل : ١ / ٧٦ ، والبحار : ٣٦ / ٩٦.

به فإنه واضح لا عوج فيه (١).

١٣٦ ـ ومن ذلك ما رواه محمد بن مؤمن في كتابه المذكور في تفسير قوله تعالى " وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة (٢) " بإسناده إلى أنس بن مالك قال سألت رسول الله (ص) عن معنى قوله " وربك يخلق ما يشاء "؟ فقال إن الله عز وجل خلق آدم من طين كيف شاء ثم قال " ويختار " إن الله تعالى اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب (ع) الوصي ثم قال " ما كان لهم الخيرة " يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكني اختار من أشاء فإنا وأهل بيتي صفوته وخيرته من خلقه. ثم قال " سبحان الله عما يشركون " يعني الله منزه عما يشركون به كفار مكة. ثم قال " وربك يعلم " يعني يا محمد " ما تكن صدورهم " من بغض المنافقين لك ولأهل بيتك " وما يعلنون " بألسنتهم من الحب لك ولأهل بيتك (٣).

١٣٧ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسيره ورواه الواحدي في أسباب النزول عن البخاري ومسلم صاحبي كتاب الصحيحين عندهم في تفسير قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " (٤) الآية وفي روايتهم زيادة لبعض على بعض ومختصر ذلك أن حاطب بلتعة كتب مع سارة مولاة أبي عمرو بن صافي كتابا إلى أهل مكة يخبرهم بتوجه النبي إليهم ويحذرهم منه فعرفه جبرئيل (ع) عن الله تعالى بذلك قال:

__________________

(١) البحار : ٣٥ / ٣٧٣ ، وشواهد التنزيل : ١ / ٦٠ ، والبحار أيضا : ٣٦ / ١٦٧ ، وإحقاق الحق : ٣ / ٥٤٣.

(٢) القصص : ٦٧.

(٣) البحار : ٣٦ / ١٦٧ ، وإحقاق الحق : ٣ / ٥٦٤ ، والبحار : ٢٣ / ٧٤.

(٤) الممتحنة : ١.

فبعث عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود وأبا مرثد في ذلك وعرفهم ما عرفه الله تعالى به وإن الكتاب مع الجارية سارة فوجدوها في بطن خاخ على ما وصفه رسول الله (ص) لهم فحلفت أنه ليس معها كتاب ففتشوها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علي (ع) : والله ما كذبنا وسل سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلا والله لأجردنك ولأضربن عنقك فلما رأت الجد أخرجت الكتاب فأخذه فأتى به النبي (ص) (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك حال علي (ع) وحال عمر وطلحة والزبير الذين نازعوا عليا (ع) على الخلافة وتعجب من قول مسلم والبخاري على ما رواه الثعلبي والواحدي عنهما ، وقد شهد غيرهما ممن روى الحديث أن عمر وطلحة والزبير هموا بالرجوع. ليت شعري بأي وجه كانوا يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كذبوه وصدقوا امرأة ناقصة العقل والدين وبأي وجه كانوا يقدمون على الله تعالى وقد جعلوا خبر امرأة واحدة أصدق من خبره وهو قوله تعالى " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " وهل ترى لهؤلاء يقينا سليما أو دينا مستقيما وأما المقداد وعمار وأبو مرثد فقد روت الشيعة أنهم ما كانوا في هذه الواقعة وما كانوا يتقدمون على علي (ع) في شئ.

١٣٨ ـ ومن ذلك ما رواه من طريقهم برجالهم ما ذكره شيخ المحدثين ببغداد في تقديمه على تاريخ الخطيب في المجلد الثالث عشر عن محمد بن حماد الطهراني قال خيرني هشام بن عبد الملك من أرض الحجاز إلى أرض الشام فاخترت البلقاء فوجدت فيها جبلا أسود مكتوب عليه بالأندر ما هو من سلب آل عمران فسألت عمن يقرؤه فجاؤوا بشيخ قد كبرت سنه قال ما أعجب ما عليه

__________________

(١) أسباب النزول : ٣١٥ ، والبحار ٣٦ / ١٦٨ ، والبخاري في صحيحه ٦ / ٦٠.

بالعبراني مكتوب " باسمك اللهم جاء الحق من ربك بلسان عربي لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله وكتب موسى بن عمران بيده " (١).

١٣٩ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " فإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير " (٢) فقال قال رسول الله (ص): وصالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (٣).

ورواه الشافعي بن المغازلي في كتابه بإسناده (٤).

١٤٠ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (٥).

١٤١ ـ وروى الثعلبي من طريقين أن المراد بقوله تعالى ومن عنده علم الكتاب علي (ع) وقد تقدم نحو ذلك.

١٤٢ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي أيضا في تفسير قوله تعالى " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " (٧) فرواه الثعلبي بإسناده إلى ابن عباس قال كان عند علي بن أبي طالب (ع) أربعة دراهم لا يملك سواها فتصدق بدرهم

__________________

(١) البحار : ٣٨ / ٥٧.

(٢) التحريم : ٤.

(٣) إحقاق الحق : ٣ / ٣١١ ، والبحار : ٣٦ / ٣٠.

(٤) المناقب : ٢٦٩.

(٥) إحقاق الحق عنه : ٣ / ٢٨١.

(٦) نفس المصدر ، وينابيع المودة : ١٠٢ ـ ١٠٤.

(٧) البقرة : ٢٧٤.

سرا وبدرهم علانية وبدرهم ليلا وبدرهم نهارا فنزلت هذه الآية (١).

ورواه ابن المغازلي في كتابه المناقب بإسناده (٢).

١٤٣ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسيره رفعه إلى ابن عباس في قوله تعالى " طوبى لهم وحسن مآب " (٣) قال قال رسول الله (ص) طوبى شجر أصلها في دار علي بن أبي طالب وفي دار كل مؤمن منها غصن فقال " طوبى لهم وحسن مآب " يعني حسن مرجع(٤).

١٤٤ ـ ورواه الثعلبي أيضا في حديث آخر بإسناده إلى النبي (ص) أنه سئل عن قوله تعالى " طوبى لهم وحسن مآب "؟ فقال شجره في الجنة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة. فقيل له يا رسول الله سألناك عنها فقلت شجرة في الجنة أصلها في دار علي (ع) وفرعها على أهل الجنة؟ فقال إن داري ودار علي غدا واحدة في مكان واحد (٥)

وروى ابن المغازلي في كتابه نحو هذا (٦).

١٤٥ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسير تعالى " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " (٧) قال كانوا يتمنون الموت ـ يعني قريشا ـ من قبل أن يلقوا علي بن أبي طالب عليه السلام (٨).

__________________

(١) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٣ / ٢٤٧ ، والبحار : ٣٢ / ٦١.

(٢) المناقب : ٢٨٠ ، والخوارزمي في المناقب : ١٩٨.

(٣) الرعد : ٢٩.

(٤) إحقاق الحق : ٣ / ٤٤١. ١٣٢ ، وشواهد التنزيل : ١ / ٣٠٤.

(٦) المناقب : ٢٦٨ ، والبحار : ٣٦ / ٧٠.

(٧) آل عمران : ١٤٣.

(٨) البحار : ٣ / ٢٦.

١٤٦ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " (١) قال نزلت في علي (ع) والوليد بن عقبة ابن أبي معيط أخي عثمان لأمه وذلك أنه كان بينهما تنازع كلام في شئ فقال الوليد لعلي (ع) اسكت إنك صبي وأنا والله ابسط منك لسانا وأحد سنانا وأشجع جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة فقال له علي عليه السلام : اسكت فإنك فاسق فأنزل الله تعالى " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " يعني بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد (٢).

١٤٧ ـ ومن ذلك ما ذكره أبو نعيم المحدث في كتابه الذي استخرجه من كتاب الإستيعاب في تفسير قوله تعالى " واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " (٣) قال النبي (ص) ليله أسرى بي جمع الله بيني وبين الأنبياء عليهم السلام ثم قال يا محمد سلهم على ماذا بعثتم؟ قالوا بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب (ع) (٤).

في أنه (ع) مع الحق والحق معه

١٤٨ ـ ومن ذلك ما رواه أبو بكر محمد بن الحسن الآجري تلميذ أبي بكر والد أبي داود السجستاني في الجزء الثاني من كتاب الشريعة بإسناده

__________________

(١) السجدة : ١٨.

(٢) إحقاق الحق عن الثعلبي : ١٤ / ٣٠٨ ، والطبري في تفسيره : ٢١ / ٦١ ، والبحار : ٣٥ / ٣٤٣ ، والخوارزمي في المناقب : ١٩٧ ، وينابيع المودة : ٢١٢ ، وشواهد التنزيل : ١ / ٤٤٥ ، وابن المغازلي في المناقب : ٣٢٤.

(٣) الزخرف : ٤٥.

(٤) إحقاق الحق : ٣ / ١٤٤.

إلى علقمة بن قيس والأسود بن يزيد قالا أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا يا أبا أيوب إن الله تعالى أكرمك بمحمد إذ أوحى إلى راحلته فنزلت إلى بابك وكان رسول الله (ص) ضيفك فضيلة فضلك الله تعالى بها ثم خرجت تقاتل مع علي بن أبي طالب (ع) فقال مرحبا بكما وأهلا وسهلا إنني أقسم بالله لكما لقد كان رسول الله في هذا البيت الذي أنتما فيه وما في البيت غير رسول الله وعلي جالس عن يمينه وأنا قائم بين يديه وأنس إذ حرك الباب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أنس انظر من بالباب فخرج أنس فنظر ورجع فقال هذا عمار بن ياسر قال أبو أيوب سمعت رسول الله يقول يا أنس افتح لعمار الطيب المطيب ففتح أنس الباب فدخل عمار فسلم على رسول الله (ص) فرد عليه السلام ورحب به ثم قال له يا عمار سيكون في أمتي بعدي هنأه واختلاف حتى يختلف السيف فيما بينهم حتى يقتل بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني علي بن أبي طالب (ع) ـ فإن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل الناس طرا يا عمار إن عليا لا يزال على هدى يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله عز وجل (١).

١٤٩ ـ وروى العبدري في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث منه في مناقب المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من صحيح البخاري عن النبي (ص) قال رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار (٢).

١٥٠ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن موسى بن مردويه في كتاب المناقب

__________________

(١) البحار : ٣٨ / ٣٧ ، والخوارزمي في المناقب : ١٢٤.

(٢) الخوارزمي في المناقب : ٥٦ ، والبحار ٣٨ / ٣٨ ، وإحقاق الحق عن العبدري ٥ / ٦٢٦.

من عدة طرق فمنها بإسناده إلى محمد بن أبي بكر قال حدثتني عائشة إن رسول الله قال الحق علي وعلي مع الحق لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (١).

١٥١ ـ ومنها بإسناده إلى أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه إلى أصبغ ابن نباته قال لما إن أصيب زيد بن صوحان يوم الجمل أتاه علي عليه السلام وبه رمق فوقف عليه وهو يتألم لما به فقال رحمك الله يا زيد فوالله ما عرفتك إلا خفيف المؤنة كثير المعونة قال فرفع رأسه وقال وأنت مولاي يرحمك الله فوالله ما عرفتك إلا بالله عالما وبآياته عارفا والله ما قاتلت معك من جهل ولكني سمعت حذيفة بن اليمان يقول سمعت رسول الله (ص) يقول علي أمير البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره ومخذول خذله ألا وإن الحق معه ويتبعه ألا فميلوا معه (٢).

١٥٢ ـ ومنها في كتاب المناقب أيضا لابن مردويه بإسناده إلى ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله (ص) يقول علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض (٣).

١٥٣ ـ وذكر الخطيب في تاريخه ما يدل على أن علقمة والأسود كررا معاتبة أبي أيوب على نصرته لعلي (ع) فزادهما أيضا حال عذره بما كان سمعه من رسول الله (ص) فقال الخطيب إن علقمة والأسود أتيا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقالا له يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنزول محمد (ص) في بيتك وبمجئ ناقته تفضلا من الله تعالى وإكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس جميعا ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب أهل لا

__________________

(١) البحار : ٣٨ / ٣٨ ، وتاريخ ابن عساكر من ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ٣ / ١١٧ ، وإحقاق الحق عن مناقب ابن مردويه : ٥ / ٦٤٠.

(٢) الخوارزمي في المناقب : ١١١.

(٣) الكنجي في كفاية الطالب : ٢٥٣ ، وتاريخ ابن عساكر : ٢ / ١٢٠.

إله إلا الله فقال يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله إن رسول الله أمرنا بقتال ثلاثة مع علي عليه السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فأما الناكثون فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل وطلحة والزبير وأما القاسطون فهذا منصرفنا عنهم يعني معاوية وعمرو بن عاص وأما المارقون فهم أهل الطرفاوات وأهل السقيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات والله ما أدري أين هم ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله تعالى ثم قال سمعت رسول الله (ص) يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك يا عمار إن رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس كلهم واديا فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى يا عمار من تقلد سيفا وأعان به عليا على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ومن تقلد سيفا أعان به عدو علي قلده الله تعالى يوم القيامة وشاحين من نار قلنا يا هذا حسبك يرحمك الله حسبك يرحمك الله (١).

فيما أخبره رسول الله من قتاله وقتله

١٥٤ ـ وروى محمود الخوارزمي في كتاب الفائق في الأصول في باب ذكر سائر معجزاته ـ يعني معجزات النبي (ص) ـ قال وقال يعني النبي (ص) لعلي عليه السلام ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين فقاتل طلحة والزبير بعد ما نكثا بيعته وقاتل معاوية وهم القاسطون أي الظالمون وقاتل الخوارج وهم المارقون هذا لفظ الخوارزمي (٢).

١٥٥ ـ ومن ذلك ما رواه الخوارزمي محمود في كتاب الفائق المذكور في

__________________

(١) تاريخ بغداد : ١٣ / ١٨٦ ، والبخار : ٣٩ / ٣٧ ، وصحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٦.

(٢) البحار : ٨ / ٤٥٨ ط أمين الضرب.

باب ذكر سائر معجزاته (ص) في قصة ذي الثدية الذي قتل مع الخوارج (١) وقد رواها الحميدي في الحديث الرابع من المتفق عليه من مسند أبي سعيد الخدري في حديث ذي الثدية وأصحابه الذين قتلهم علي بن أبي (ع) بالنهروان قال قال رسول الله (ص) تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق وفي رواية الأوزاعي في صفة ذي الثدية إن إحدى ثدييه مثل البضعة تدر درا يخرجون على خير فرقة من المسلمين قال أبو سعيد الخدري فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله (ص) وأشهد أن علي بن أبي طالب (ع) قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله (ص) الذي نعت. هذا لفظ ما رواه الحميدي في حديثه (٢).

١٥٦ ـ ومن ذلك ما رواه الخوارزمي في كتاب الفائق أيضا في باب ذكر سائر معجزاته (ص) قال قال رسول الله (ص) لعلي (ع) ألا أخبرك بأشقى الناس رجلان حمير ثمود ومن يضربك يا علي على هذا ـ ووضع يده على قرنه ـ فيبتل منه هذا ـ وأخذ بلحيته ـ فكان كما أخبره هذا لفظ الخوارزمي وأحمير (٣) ثمود عاقر ناقة صالح وقاتل علي (ع) عبد الرحمن بن ملجم لعنة الله عليه (٤).

__________________

(١) الفائق : ٢ / ٢٤١.

(٢) البحار : ٨ / ٤٥٨ ط أمين الضرب ، صحيح البخاري ٤ / ٢٠٠ ، ذخائر العقبى : ١١٠.

(٣) وفي النسخ الموجودة هو احيم ـ وصحيح مسلم : ٢ / ٧٤٥.

(٤) نفس المصدر ، وتاريخ ابن عساكر : ٣ / ٢٨٥.

إنه (عليه السلام) إمام المتقين وقائد الغر المحجلين

١٥٧ ـ ومن ذلك ما ذكره الخطيب في تاريخه بإسناده إلى أبي جعفر بن ربيعة عن عكرمة عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله (ص) ما في القيامة راكب غيرنا نحن أربعة فقال له عمه العباس ومن هم يا رسول الله قال أما أنا فعلى البراق ووصفها بوصف طويل قال العباس ومن يا الله الله قال وأخي صالح على ناقة الله وسقياها التي عقرها قومه قال العباس ومن يا رسول الله قال وعمي حمزه أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء على ناقتي قال العباس ومن يا رسول الله قال : وأخي علي بن أبي طالب (ع) على ناقة من نوق الجنة زمامها من لؤلؤ رطب عليها محمل من ياقوت أحمر قضبانها من الدر الأبيض على رأسه تاج من نور لذلك التاج سبعون ركنا ما من ركن إلا وفيه ياقوته حمراء تضيئ للراكب المحث عليه حلتان خضراوان وبيده لواء الحمد وهو ينادي " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " فيقول الخلائق ما هذا إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو حامل عرش فينادي مناد من بطنان العرش ليس هذا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا حامل عرش هذا علي بن أبي طالب (ع) وصي رسول رب العالمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين (١).

١٥٨ ـ وروى الفقيه الشافعي ابن المغازلي من عدة طرق ومعناها واحد فمنها قال قال رسول الله (ص) يا علي إنك سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين (٢).

١٥٩ ـ ومن روايات ابن المغازلي في كتابه المذكور بإسناده إلى حذيفة

__________________

(١) البحار : ٣٩ / ٢٣٤.

(٢) المناقب ٦٥ و ١٠٤ ، والبحار : ٣٨ / ١٤٤.

بن اليمان قال آخى رسول الله (ص) بين المهاجرين فكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (ع) فقال هذا أخي قال حذيفة فرسول الله (ص) سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له شبيه ولا نظير وعلي أخوه (١).

نزول سوره هل أتى في شأنه (عليه السلام)

١٦٠ ـ ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسيره ورواه من عدة طرق في تفسير سوره " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " (٢) بأسانيدها ومن ذلك بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنه قال مرض الحسن والحسين عليهما السلام فعادهما جدهما رسول الله (ص) ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامه العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشئ فقال علي (ع) إن برئ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا لله عز وجل وقالت فاطمة وجاريتهم فضة مثل ذلك فألبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد (ص) قليل ولا كثير فانطلق علي (ع) إلى شمعون بن حانا الخيبري ـ وكان يهوديا ـ فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير. وفي حديث المزني عن مهران الباهلي فانطلق إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له شمعون بن حانا فقال له هل لك أن تعطيني جزه من صوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة عليها السلام بذلك فقبلت وأطاعت قالوا

__________________

(١) المناقب : ٣٩ ، والبحار : ٣٨ / ٣٤٦.

(٢) الدهر : ١.

فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص وصلى علي مع النبي (ص) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب وقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي (ع) فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام بأجمعه ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح فلما إن كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنته وأخبزته وصلى علي (ع) مع النبي (ص) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال السلام عليكم يا آل محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي (ع) فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام بأجمعه ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته وصلى علي (ع) مع النبي (ص) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسرونا ولا تطعمونا؟ فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه قال فأعطوه الطعام بأجمعه ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.

فلما إن كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم أخذ علي (ع) بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين وأقبل نحو رسول الله (ص) وهم يرتعشون كالفراخ شدة الجوع فلما بصر به النبي (ص) قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم؟ فانطلق بنا إلى منزل فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبي (ص) قال وا غوثاه بالله يا أهل بيت محمد تموتون جوعا؟ فهبط جبرئيل

فقال يا محمد خذ ما هناك الله في أهل بيتك قال وما آخذ يا جبرئيل؟ فاقرأه " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " إلى قوله " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " إلى آخر السورة.

وزاد محمد بن علي الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة أنهم عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام قال وحديث المائدة ونزولها عليهم مذكور في سائر الكتب.

(قال عبد المحمود بن داود) فسئل بعض رواه الحديث عن معنى قوله " إنه مذكور في سائر الكتب " فقال إنه إشارة إلى الكتب المعتبرة التي يعرفها سامع الحديث.

قال وقد روى حديث المائدة المسمى صدر الأئمة أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتابه وروى الواحدي وهو من أعيان العلماء الأربعة المذاهب في كتاب أسباب النزول أن سبب نزول الآية إيثار علي بن أبي طالب (ع) المسكين واليتيم والأسير وشرح ما رواه في خصوص ذلك (١).

١٦١ ـ ومن ذلك أيضا في تفسير هل أتى ما ذكره الزمخشري في كتابه الكشاف ما هذا لفظه وعن ابن عباس رضي الله عنه أن الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك وكل نذر ليس له وفاء فليس بنذر فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام شكرا لله تعالى فشفيا وما معهم شئ فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ١٨٨ ، والواحدي في أسباب النزول : ٣٣١ ، ورواه

ابن المغازلي في المناقب : ٢٧٢ ، وشواهد التنزيل : ٢ / ٣٠٣ والكنجي في كفاية الطالب : ٢٠١ ، وينابيع المودة : ٩٣ ، والبحار : ٣٥ / ٢٤٨.

فطحنت فاطمة عليها السلام صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (ص) فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرئيل وقال ها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فاقرأه السورة (١).

(قال عبد المحمود) : وهذا الزمخشري من أزهدهم وأعلم علمائهم ترك الدنيا عن قدره وجاور مكة وقد رواه عن ابن عباس خبر هذه الآية وقوله حجة على المفسرين ولا يجوز الطعن عليه أحد من المسلمين.

مناقب أصحاب الكساء وفضلهم عليهم السلام

١٦٢ ـ ومن طريف ما رواه رجالهم في فضل علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام ونسلهما ما ذكره شيخ المحدثين ببغداد في المجلد العاشر بإسناده عن أسماء بنت واثلة قالت سمعت أسماء بنت عميس تقول سمعت سيدتي فاطمة عليها السلام تقول ليله دخل بي علي (ع) أفزعني في فراشي قلت : بما أفزعك يا سيدة نساء العالمين؟ قالت سمعت الأرض تحدثه ويحدثها

__________________

(١) الكشاف : ٤ / ١٩٧.

فأصبحت وأنا فزعة فأخبرت والدي فسجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه وقال يا فاطمة أبشري بطيب النسل فإن الله فضل بعلك على سائر خلقه وأمر به الأرض أن يحدثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرقها إلى غربها (١).

(قال عبد المحمود) : هذا لفظه في كتابه.

١٦٣ ـ ومن طرائف ما وجدته في حديث سفيان الثوري تأليف سليمان بن أحمد الطبراني عن هشام بن عروة عن عائشة قالت كنت أرى رسول الله (ص) يفعل بفاطمة عليها السلام شيئا من التقبيل والألطاف فقلت يا رسول الله تفعل بفاطمة لم أرك تفعله قبل؟ فقال يا حميراء إنه لما كانت ليله أسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أر شجرة في الجنة أحسن منها حسنا ولا أنضر منها ورقا ولا أطيب منها ثمرا فتناولت ثمره من ثمرها فأكلتها فصارت نطفة في ظهري فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا إذا اشتقت إلى الجنة سمعت ريحها من فاطمة يا حميراء إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتللن ـ يعني به الحيض ـ (٢).

١٦٤ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده أن النبي (ص) أخذ بيد الحسن والحسين وقال من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة (٣).

١٦٥ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتابه بإسناده إلى جابر ابن الله الأنصاري قال قال رسول الله (ص) ذات يوم بعرفات وعلي عليه

__________________

(١) البحار : ٤١ / ٢٧١.

(٢) الخوارزمي في مقتل الحسين : ٦٣ ، وذخائر العقبى : ٣٦ ، والبحار : ٣٧ / ٦٥.

(٣) ذخائر العقبى : ١٢٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٧٧ ، وابن المغازلي في المناقب : ٣٧٠.

السلام تجاهه ادن مني يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة فأنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها فمن تعلق بغصن منها أدخله الله الجنة (١).

١٦٦ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال سئل النبي (ص) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عليه(٢).

١٦٧ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " (٣) قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودتهم؟ قال علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام (٤).

ورواه الثعلبي في تفسيره في تفسير هذه الآية بهذه الألفاظ والمعاني (٥).

١٦٨ ـ وروى البخاري في صحيحه في الجزء السادس على حد كراسين ونصف من أوله من النسخة المنقول منها في قوله تعالى " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " بإسناده إلى طاووس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " قال سعيد بن جبير قربى آل محمد (ص) (٦).

١٦٩ ـ وروى مسلم في صحيحه في الجزء الخامس على حد كراسين

__________________

(١) المناقب : ٢٩٧ و ٩٠.

(٢) المناقب : ٦٣ ، وينابيع المودة : ٩٧.

(٣) الشورى : ٢٣.

(٤) ذخائر العقبى عن أحمد : ٢٥ ، وابن المغازلي في المناقب : ٣٠٩.

(٥) إحقاق الحق عنه : ٩ / ٩٢.

(٦) البخاري في صحيحه : ٦ / ٣٧.

من أوله من النسخة المشار إليها في تفسير قوله تعالى " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " قال وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقال ابن جبير : قربى آل محمد (ص) ـ الخبر(١).

ورواه في الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني من أجزاء أربعة في تفسير حم من عدة طرق (٢).

١٧٠ ـ وروى الثعلبي في تفسير هذ الآية تعيين آل محمد عليهم السلام من عدة طرق فمنها عن أم سلمة عن رسول الله (ص) أنه قال لفاطمة عليها السلام : ايتني بزوجك وابنيك فأتت بهم فألقى عليهم كساء ثم رفع يديه عليهم فقال اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد فإنك حميد مجيد قالت فرفعت الكساء لأدخل معهم فاجتذبه وقال إنك على خير.

وسيأتي في تفسير قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " من رواية أحمد بن حنبل تعيين آل محمد (ص) أيضا وروى الثعلبي نحو ذلك عن مشايخه عن علي بن الحسين المعروف بزين العابدين عليه السلام وعن غيره (٣).

حديث الثقلين

١٧١ ـ ومن ذلك ما صرح النبي (ص) بالوصية الواضحة والدلالة المحققة على من يقوم مقامه بعده ويخلفه في أمته إلى يوم القيامة ولم يجعل لأحد عذرا في

__________________

(١) العمدة : ٢٥ ، والبحار : ٢٣ / ٢٥٠.

(٢) الطبري في تفسيره : ٢٥ / ١٥.

(٣) البحار : ٢٣ / ٢٥٠.

مخالفته فروى أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص) إني قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وأحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (١). وقد روى أن أبا بكر قال عترة النبي علي.

١٧٢ ـ ومن ذلك في المعنى ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى إسرائيل بن عثمان بن المغيرة بن ربيعة قال لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده فقلت له سمعت رسول الله يقول إني تارك فيكم الثقلين؟ قال نعم (٢).

١٧٣ ـ ومن ذلك في المعنى ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده إلى زيد بن ثابت قال قال رسول الله (ص) إني تارك فيكم الثقلين خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (٣).

١٧٤ ـ ومن ذلك في المعنى ما رواه مسلم في صحيحه من عدة طرق فمنها في الجزء الرابع منه من أجزاء ستة في آخر كراس الثانية من أوله من النسخة المنقول منها بإسناده إلى يزيد بن حيان قال انطلقت أنا وحصين بن سبره وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا عنده قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله (ص) وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول

__________________

(١) إحقاق الحق عن أحمد بن حنبل في المناقب : ٩ / ٣١١ ، والبحار : ٢٣ / ١٠٦.

(٢) نفس المصدر عنه : ٩ / ٣٢٢ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٣٧١ ، والبحار ٢٣ / ١٠٧ ، والعمدة : ٣٤.

(٣) أحمد بن حنبل في مسنده : ٥ / ١٨١ ، والبحار : ٢٣ / ١٠٧.

الله (ص) قال يا ابن أخي والله لقد كبر سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (ص) فما حدثتكم فاقبلوه وما لا أحدثكم فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله (ص) يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد أيها الناس فإنما أنا يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وتارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ـ الخبر (١).

ورواه أيضا مسلم في صحيحه بهذه المعاني في الجزء الرابع المذكور على حد ثانية عشر قائمة من أوله من تلك النسخة (٢)

١٧٥ ـ ومن ذلك في المعنى من كتاب الجمع بين الصحاح الستة من الجزء الثالث من أجزاء أربعة من صحيح أبي داود وهو كتاب السنن ومن صحيح الترمذي بإسنادهما عن رسول الله (ص) قال إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني في عترتي (٣).

١٧٦ ـ ومن ذلك في هذا المعنى ما رواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي عن عدة طرق في كتابه بأسانيدها فمنها قال : إن رسول الله (ص) قال إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود

__________________

(١) مسلم في صحيحه ٤ / ١٨٧٣ ، والبحار : ٢٣ / ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٢) راجع ص ١٨٧٤ ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٣٦٦.

(٣) الترمذي في صحيحه : ١٣ / ٢٠٠ ، والبحار : ٢٣ / ١٠٨ ، والعمدة : ٣٦

من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا ماذا تخلفوني فيهما (١).

(قال عبد المحمود) : لقد أثبت في عدة طرق وقد تركت من الحديث بالمعنى مقدار عشرين رواية لئلا يطول الكتاب بتكرارها مسنده من رجال الأربعة المذاهب المشهور حالهم بالعلم والزهد والدين.

(قال عبد المحمود) : كيف خفى عن الحاضرين مراد النبي بأهل بيته (ص) وقد جمعهم لما أنزلت آية الطهارة تحت الكساء وهم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس.

وقد وصف أهل بيته الذين قد جعلهم خلفا منه بعد وفاته مع كتاب الله تعالى بأنهم لا يفارقون كتاب الله تعالى حتى يردوا عليه الحوض فينظر من كان من العترة معصوما لا يفارق كتاب الله تعالى في سر ولا جهر ولا في غضب ولا رضى ولا غنى ولا فقر ولا خوف ولا أمن فأولئك الذين أشار إليهم جل جلاله.

١٧٧ ـ ومن ذلك بإسناده إلى ابن أبي الدنيا من كتاب فضائل القرآن قال قال رسول الله (ص) إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقرابتي. قال : آل عقيل وآل جعفر وآل عباس (٢).

١٧٨ ـ ومن ذلك بإسناده إلى علي بن ربيعة قال لقيت زيد بن أرقم وهو يريد أن يدخل على المختار فقلت بلغني عنك شئ فقال ما هو؟ قلت : سمعت رسول الله (ص) يقول إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي قال اللهم نعم (٣).

__________________

(١) المناقب : ٢٣٥ ، والبحار : ٢٣ / ١٠٨.

(٢) البحار : ٢٣ / ١٠٩.

(٣) نفس المصدر.

١٧٩ ـ ومن ذلك بإسناده أيضا قال قال رسول (ص) إني فرطكم على الحوض فأسألكم حين تلقوني عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما. فاعتل علينا لا ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين فقال يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما الثقلان؟ قال الأكبر منهما كتاب الله طرف بيد الله تعالى وطرف بأيديكم فتمسكوا به وتزلوا ولا تضلوا والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا تغزوهم فإني سألت اللطيف الخبير فأعطاني أن يردا علي الحوض كهاتين ـ وأشار بالمسبحة والوسطى ـ ناصرهما ناصري وخاذلهما خاذلي وعدوهما عدوي ألا وإنه لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها وتظاهر على نبيها وتقتل من يأمر بالقسط فيها (١).

(قال عبد المحمود) : فهذه عدة أحاديث برجال متفق على صحه أقوالهم يتضمن الكتاب والعترة ـ فانظروا وانصفوا هل جرى من التمسك بهما ما قد نص عليهما وهل اعتبر المسلمون من هؤلاء من أهل بيته الذين ما فارقوا الكتاب؟ وهل فكروا في الأحاديث المتضمنة إنهما خليفتان من بعده؟ وهل ظلم أهل بيت نبي من الأنبياء مثل ما ظلم أهل بيت محمد (ص) بعد هذه الأحاديث المذكورة المجمع على صحتها؟ وهل بالغ نبي أو خليفة أو ملك من ملوك الدنيا في النص على من يقوم مقامه بعد وفاته أبلغ مما اجتهد فيه محمد رسول الله؟ لكن له أسوة بمن خولف من الأنبياء قبله وله أسوة بالله الذي خولف في ربوبيته بعد هذه الأحاديث المذكورة المجمع على صحتها.

١٨٠ ـ ومن ذلك ما رواه عن المسمى عندهم جار الله فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري بإسناده إلى محمد بن علي بن شاذان قال حدثنا الحسن بن حمزه عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن

__________________

(١) البحار : ٢٣ / ١١٠.

محمد بن زياد عن حميد بن صالح يرفع الحديث بأسماء رواته وتركت ذلك اختصارا قال قال النبي (ص) : فاطمة بهجة قلبي وابناها ثمره فؤادي وبعلها نور بصري والأئمة من ولدها أمناء ربي وحبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوى. هذا لفظ الحديث المذكور (١).

١٨١ ـ ومن ذلك بإسناد الشيخ مسعود السجستاني أيضا في كتابه عن ابن زياد مطرف قال سمعت النبي (ص) يقول من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي بها وهي جنة الخلد فليتوال علي ابن أبي طالب وذريته من بعده فإنهم لن يخرجوهم من باب الهدى ولن يدخلوهم في باب ضلالة (٢).

١٨٢ ـ وفي رواية أخرى عن السجستاني إلى زيد بن أرقم عن النبي (ص) قال من أحب يتمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن فليتمسك بحب علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين (٣).

١٨٣ ـ ومن ذلك بإسناد الحافظ مسعود بن ناصر السجستاني عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان وهو في مسجد رسول الله (ص) فقال لي من الرجل؟ قلت ربيعة السعدي فقال لي : مرحبا مرحبا بأخ لي قد سمعت به ولم أر شخصه قبل اليوم حاجتك؟ قلت ما جئت في طلب غرض من الأغراض الدنيوية ولكني قدمت من العراق من عند قوم قد افترقوا خمس فرق فقال حذيفة : سبحان الله تعالى وما دعاهم إلى ذلك والأمر واضح بين وما يقولون؟

__________________

(١) البحار : ٢٣ / ١١٠.

(٢) البحار : ٢٣ / ١١٠.

(٣) البحار : ٢٣ / ١١١.

قال قلت فرقة تقول أبو بكر أحق بالأمر وأولى بالناس لأن رسول الله (ص) سماه الصديق وكان معه في الغار وفرقة تقول عمر بن الخطاب لأن رسول الله (ص) قال اللهم أعز الدين بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب. فقال حذيفة الله تعالى أعز الدين بمحمد ولم يعزه بغيره وقال فرقة : أبو ذر الغفاري رضي الله عنه لأن النبي قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر فقال حذيفة : إن رسول الله (ص) أصدق منه وخير وقد أظلته الخضراء وأقلته الغبراء وفرقة تقول سلمان الفارسي لأن رسول الله (ص) يقول فيه : أدرك العلم الأول وأدرك العلم الآخر وهو بحر لا ينزف وهو منا أهل البيت. ثم إني سكت فقال حذيفة : ما منعك من ذكر الفرقة الخامسة؟ قال قلت لأني منهم وإنما جئت مرتادا لهم وقد عاهدوا الله على أن لا يخالفوك وأن ينزلوا عند أمرك.

فقال لي يا ربيعة اسمع مني واعه واحفظه وقه وبلغ الناس عني إني رأيت رسول الله (ص) وقد أخذ الحسين بن علي ووضعه على منكبه وجعل يقي بعقبه وهو يقول أيها الناس إنه من استكمال حجتي على الأشقياء من بعدي التاركين ولاية علي بن أبي طالب (ع) إلا وأن التاركين ولاية علي بن أبي طالب هم المارقون من ديني أيها الناس هذا الحسين بن علي خير الناس جدا وجدة : جده رسول الله سيد ولد آدم وجدته خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبرسوله وهذا الحسين خير الناس أبا وأما أبوه علي بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين ووزيره وابن عمه وأمه فاطمة بنت محمد رسول الله وهذا الحسين خير الناس عما وعمة عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء وعمته أم هانئ بنت أبي طالب وهذا الحسين خير الناس خالا وخالة خاله القاسم بن رسول الله وخالته زينب بنت محمد رسول الله ثم وضعه عن منكبه ودرج بين

يديه ثم قال أيها الناس وهذا الحسين جده في الجنة وجدته في الجنة وأبوه في الجنة وأمه في الجنة وعمه في الجنة وخاله في الجنة وخالته في الجنة وهو في الجنة وأخوه في الجنة ثم قال : أيها الناس إنه لم يعط أحد من ذريه الأنبياء الماضين ما أعطي الحسين ولا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله ثم قال أيها الناس لجد الحسين خير من جد يوسف فلا تخالجنكم الأمور بأن الفضل والشرف والمنزلة والولاية ليست إلا لرسول (ص) وذريته وأهل بيته فلا يذهبن بكم الأباطيل.

قال الشيخ مسعود بن ناصر الحافظ السجستاني : هذا الحديث حسن (١)

(قال عبد المحمود) وقد وقفت على كتاب اسمه كتاب العمدة في الأصول اسم مصنفه محمد بن محمد بن النعمان ويلقب بالمفيد قد أورد فيه الاحتجاج على صحة الإمامة بحديث نبيهم محمد صلى الله عليه وآله " إني تارك فيكم الثقلين " وهذا لفظه : لا يكون شئ أبلغ من قول القائل : قد تركت فيكم فلانا كما يقول الأمير إذا خرج من بلده واستخلف من يقوم مقامه لأهل البلد قد تركت فيكم فلانا يرعاكم ويقوم فيكم مقامي وكما يقول من أراد الخروج عن أهله وأراد أن يوكل عليهم وكيلا يقوم بأمرهم قد تركت فيكم فلانا فاسمعوا له وأطيعوا.

فإذا كان ذلك كذلك هو النص الجلي الذي لا يحتمل غيره إذا خلف في جميع الخلق أهل بيته وأمرهم بطاعتهم والانقياد لهم بما أخبر به عنهم من العصمة وأنهم لا يفارقون الكتاب ولا يتعدون الحكم بالصواب هذا لفظه في المعنى ولعمري إنني أرى عقلي شاهدا إن من نعى نفسه إلى قومه وقال كما قال نبيهم إني بشر يوشك أن أدعى فأجيب ثم قال بعد ذلك " إني تارك

__________________

(١) البحار : ٢٣ / ١١١ ـ ١١٢.

فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي " كما رووه في كتبهم فإنه لا يشك عاقل أنه قصد إن كتاب الله وعترته الذين لا يفارقون كتابه يقومان مقامه بعد وفاته وإن التمسك بهم أمان من الضلال والله إنني قد قلت هذا المقال وليس لي غرض فاسد بحال وقد ذكروا أخبارا كثيرة بهذا المعنى.

١٨٤ ـ ومن ذلك في تصريح النص على علي (ع) بالخلافة بعده ما رواه أبو سعيد مسعود السجستاني واتفق عليه مسلم في صحيحه والبخاري وأحمد ابن حنبل في مسنده من عدة طرق بأسانيد متصلة إلى عبد الله بن عباس وإلى عائشة قال لما خرج النبي (ص) إلى حجة الوداع نزل بالجحفة فأتاه جبرئيل (ع) فأمره أن يقوم بعلي (ع) فقال (ص) أيها الناس ألستم تزعمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض أبغضه وانصر من نصره وأعز من أعزه وأعن من أعانه قال ابن عباس : وجبت والله في أعناق القوم (١).

١٨٥ ـ ومن ذلك ما رواه مسعود السجستاني بإسناده إلى عبد الله بن عباسأيضا قال أراد رسول (ص) أن يبلغ بولاية علي (ع) فأنزل الله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك الآية فلما كان يوم غدير خم فحمد الله وأثنى عليه وقال ألست إني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه تمام الحديث (٢).

ومن ذلك في المعنى ما رواه الثعلبي في تفسير سوره آل عمران في قوله

__________________

(١) الغدير عن السجستاني : ١ / ٥٢ ، والبحار : ٣٧ / ١٨٠.

(٢) البحار : ٣٧ / ١٠٨ ـ ١٨١.

تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " (١) بأسانيده فمنها قال قال رسول الله (ص) أيها الناس إني قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ـ أو قال إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (٢).

١٨٦ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في المعنى في الجمع بين الصحيحين في مسند زيد بن أرقم من عدة طرق فمنها : بإسناده إلى النبي (ص) قال قام رسول الله فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعد ووعظ وذكر ثم قال أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ـ فحث على كتاب الله ورغب فيه ـ ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي.

وفي إحدى روايات الحميدي فقلنا : من أهل بيته نساؤه؟ قال لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها الخبر (٣).

نزول آية التطهر في آل محمد

١٧٨ ـ ومن ذلك في تعيين النبي (ص) لأهل بيته المشار إليهم : فمن

__________________

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) ينابيع المودة عن الثعلبي : ٢٤١ و ١١٩ ، والبحار : ٢٣ / ١١٧.

(٣) البحار : ٢٣ / ١١٧ ، والعمدة : ٣٥ ، وإحقاق الحق عن الجمع بين الصحيحين ٩ / ٣٢٣ ، ومسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٤.

ذلك من صحيح البخاري في الجزء الرابع من ثمانية أجزاء ومن صحيح مسلم في الجزء الرابع منه أيضا من أجزاء ستة عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وآله غداه وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (١).

١٨٨ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده والثعلبي في تفسيره بإسنادهما إلى شداد بن عمار قال دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا فشتموه فشتمته معهم فلما قاموا قال لي لم شتمت هذا الرجل؟ قلت رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم فقال ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (ص) قلت بلى قال أتيت فاطمة أسألها عن علي عليه السلام فقالت توجه إلى رسول الله فجلست أنتظر حتى جاء رسول الله فجلس ومعه علي والحسن والحسين عليهم السلام أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه ـ أو قال كساءا ـ ثم تلا هذه الآية " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (٢) ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق (٣)

__________________

(١) صحيح مسلم : ٧ / ١٣٠ ، ولم نجده في صحيح البخاري ، ذخائر العقبى : ٢٤ والطبري في تفسيره : ٢٢ / ٥.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) أحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ١٠٧ ، وإحقاق الحق عن تفسير الثعلبي : ٩ / ٢

والبحار : ٣٥ / ٢١٧ ، وابن المغازلي في المناقب : ٣٠٥ ، والطبري في تفسير : ٢٢ / ٦ ، والحسكاني

في شواهد التنزيل : ٢ / ٤١ ـ ٤٢.

١٨٩ ـ ومن ذلك في المعنى ما يدل على أن واثلة بن الأسقع رأى ذلك من النبي (ص) عدة دفعات فمن أخرى رواية واثلة بن الأسقع في دفعة أخرى من مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى واثلة بن الأسقع قال طلبت عليا عليه السلام في منزلة فقالت فاطمة ذهب يأتي برسول الله (ص) قال فجاءا جميعا فدخلا ودخلت معهما فأجلس عليا عن يساره وفاطمة عن يمينه والحسن والحسين بين يديه ثم الالتقع عليهم بثوبه وقال " إنما يريد الله

ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (١)

١٩٠ ـ ومن ذلك في المعنى دفعة أخرى عن واثلة مما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى شداد بن عبد الله عن واثلة بن الأسقع قال رأيتني ذات يوم وقد جئت رسول الله (ص) وهو في بيت أم سلمة فجاء الحسن فأجلسه على فخذه الأيمن وقبله وجاء الحسين فأخذه وأجلسه على فخذه اليسرى وقبله وجاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ثم دعا عليا فجاء ثم أغدف عليهم كساءا خيبريا كأني انظر إليه ثم قال " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (٢).

١٩١ ـ ومن ذلك ما روته أم سلمة رضي الله عنها في تعيين أهل بيت محمد (ص) وإنه ذكر أسماءهم وحققهم لأمته في عدة مجالس وعدة أوقات فمن ذلك ما في مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى عطية الطفاوي عن أبيه أن أم سلمة حدثته قالت بينما رسول الله (ص) في بيتي يوما إذ قال الخادم إن عليا وفاطمة في السدة قالت فقال لي قومي فتنحى لي عن أهل بيتي. قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين

__________________

(١) ذخائر العقبى عن أحمد : ٢٣ ، والبحار : ٣٥ / ٢١٨.

(٢) ينابيع المودة عن أحمد : ١٢٩ ، والعمدة ، ١٧ ، والبحار : ٣٥ / ٢١٩ ، شواهد التنزيل : ٢ / ٤٤.

عليهم السلام وهما صبيان صغيران قالت فأخذ الصبيين فوضعهما حجره وقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى وقبل فاطمة وأغدف عليهم خميصة سوداء ثم قال اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي قالت فقلت فأنا يا رسول الله؟ قال وأنت على خير (١).

١٩٢ ـ ومن ذلك في المعنى من مسند أحمد بن حنبل عن أم سلمة دفعة أخرى عن عطاء بن أبي رياح قال حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي (ص) كان في بيتها فأتت فاطمة ببرمة فيها حريرة فدخلت بها عليه قال ادعى لي زوجك وابنيك قالت فجاء علي وحسن وحسين عليهم السلام فدخلوا وجلسوا يأكلون من تلك الحريرة وهو وهم على منامه له ولي وكان وتحته كساء خيبري. قالت وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه الآية " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " قالت فأخذ فضل الكساء وكساهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت فأدخلت رأسي البيت وقلت وأنا معكم يا رسول الله؟ قال إنك لعلى خير إنك لعلى خير (٢)

وروى الثعلبي هذا الحديث بهذه الألفاظ والمعاني في تفسير هذه الآية غير الرواية المتقدمة.

١٩٣ ـ ومن ذلك في مسند أحمد بن حنبل في المعنى قول النبي (ص) دفعة أخرى بإسناده إلى شهر بن حوشب عن أم سلمة أن رسول الله قال لفاطمة ايتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكيا قالت ثم وضع

__________________

(١) العمدة : ١٦. والبحار : ٣٥ / ٢١٩ ، وأحمد بن حنبل في مسنده ٦ / ٣٠٤ ، وذخائر العقبى : ٢٢.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده : ٦ / ٢٩٢ ، والبحار : ٣٥ / ٢٢٠ ، وشواهد التنزيل ٢ / ٨٣.

يده عليهم وقال اللهم إن هؤلاء آل محمد (ص) فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وآل محمد إنك حميد مجيد قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير (١).

١٩٤ ـ ومن ذلك قوله (ص) دفعة أخرى من مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى سهل قال قالت أم سلمة زوجة النبي (ص) حين جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق وقالت قتلوه قتلهم الله غروه وأذلوه لعنهم الله فإني رأيت رسول الله ص) وقد جاءته فاطمة غدوة ببرمة قد صنعت عصيدة تحملها في طبق حتى وضعتها بين يديه فقال لها أين ابن عمك؟ قالت هو في البيت قال اذهبي فادعيه وائتيني بابنيه قالت فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد وعلي يمشي في أثرهم حتى دخلوا على رسول فأجلسهما في حجره وجلس علي (ع) عن يمينه وجلست فاطمة عن يساره قالت أم سلمة فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا على المثابة في المدينة فلفه النبي وأخذ طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه عز وجل وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قلت يا رسول الله ا لست من أهلك؟ قال : بلى قالت فأدخلني في الكساء بعد ما قضى دعاؤه لابن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة عليهم السلام (٢).

أقول ورأيت في بعض رواية هذا الحديث عن أم سلمة وقالت : وكنا على منامه فلا أعلم أيها أصح منامه أو المثابة (٣)؟

__________________

(١) أحمد بن حنبل في مسنده : ٦ / ٢٩٦ ، والبحار : ٣٥ / ٢٢٠ ، والحسكاني في شواهد التنزيل : ٢ / ٧٨.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده : ٦ / ٢٩٨ ، والبحار : ٤٥ / ١٩٩ ، والطبري في تفسيره ٢ / ٧ ، وشواهد التنزيل : ٢ / ٦٩ و ٧٤ ، وذخائر العقبى : ٢٢.

(٣) اختار الأولى العلامة المجلسي حيث قال : وأقول : في أكثر نسخ الطرائف في حديث سهل : كان بساطا لنا على المثابة ، وفي بعضها : على المنامة ، وهو أظهر.

١٩٥ ـ ومن ذلك في المعنى في تفسير الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال نزلت الآية في خمسة في وفي علي وفي حسن وحسين وفاطمة عليهم السلام " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (١). ورواه أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في الجزء الرابع من التفسير الوسيط بين المقبوض والبسيط ـ وهو معتبر عندهم ـ عند تفسيره لآية الطهارة وهو من علماء المخالفين لأهل البيت (٢).

١٩٦ ـ ومن ذلك في المعنى أيضا من تفسير الثعلبي في تأويل هذه الآية أيضا بإسناده إلى مجمع من بني حارث بن تيم الله قال دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي قالت أرأيت خروجك يوم الجمل قالت إنه كان قدرا من الله تعالى فسألتها عن علي عليه السلام قالت سألتني عن أحب الناس كان إلى رسول الله (ص) لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقد جمع رسول الله يغدف عليهم ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٣).

١٩٧ ـ ومن ذلك في المعنى في تفسير الثعلبي في تأويل هذه الآية بإسناده إلى جعفر بن أبي طالب الطيار رضي الله عنه قال لما نظر رسول الله (ص) إلى الرحمة هابطة من السماء قال من؟ ـ يدعو مرتين ـ قالت زينب أنا يا رسول الله فقال ادعي لي عليا وفاطمة والحسن والحسين قال فجعل حسنا عن يمينه وحسينا عن شماله وعليا وفاطمة تجاهه ثم غشيهم كساء خيبريا

__________________

(١) الطبري في تفسيره : ٢٢ / ٥ ، وإحقاق الحق عن الثعلبي : ٩ / ٤٣.

(٢) رواه في أسباب النزول : ٢٦٦ ، وإحقاق الحق عنه في الوسيط : ١٤ / ٤٧.

(٣) إحقاق الحق عن تفسير الثعلبي : ٩ / ١٠ ، والبحار : ٣٥ / ٢٢٢ ، والحسكاني في شواهد التنزيل : ٢ / ٣٨ ـ ٣٩.

ثم قال اللهم إن لكل نبي أهلا وهؤلاء أهل بيتي فأنزل الله عز وجل " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " فقالت زينب يا رسول الله ألا أدخل معكم؟ فقال رسول الله : مكانك فإنك إلى خير إن شاء الله تعالى (١).

١٩٨ ـ ومن ذلك في المعنى من تفسير الثعلبي أيضا في تأويل هذه الآية بإسناده إلى أبي داود عن أبي الحمراء قال أقمت بالمدينة تسعة أشهر كيوم واحد وكان رسول الله (ص) يجئ في كل غداه فيقوم على باب علي وفاطمة عليهما السلام فيقول الصلاة " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (٢).

١٩٩ ـ ومن ذلك في المعنى من صحيح أبي داود ـ وهو من كتاب السنن ـ وموطأ مالك عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر لما نزلت هذه الآية قريبا من ستة أشهر يقول الصلاة يا أهل البيت " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (٣).

٢٠٠ ـ ومن ذلك في نحو هذا المعنى في مسند عائشة في الجمع بين الصحيحين للحميدي في الحديث الرابع والستين من أفراد مسلم من طريقين

__________________

(١) إحقاق الحق عن تفسير الثعلبي : ٩ / ٥٢ ، والبحار : ٣٥ / ٢٢٢ ، وشواهد التنزيل ٢ / ٣٢.

(٢) إحقاق الحق عن تفسير الثعلبي : ٩ / ٦٣ ، والبحار : ٣٥ / ٢٢٣ ، والطبري في تفسيره : ٢٢ / ٦.

(٣) أحمد بن حنبل في مسنده : ٣ / ٢٥٩ ، والطبري في تفسيره : ٢٢ / ٥ ـ ٦ ، والحسكاني في شواهد التنزيل : ٢ / ١١ و ١٢ ، والبحار : ٣٥ / ٢٢٢ ، والترمذي في صحيحه : ٢ / ٢٩ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٣ / ٢٥٢.

أحدهما أن النبي (ص) خرج ذات غداه وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها جاء علي فأدخله ثم قال " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (١).

٢٠١ ـ ومن ذلك في صحيح أبي داود في الجزء الثالث في باب مناقب الحسن والحسين (ع) بإسناده عن النبي (ص) مثل هذه الألفاظ والمعاني المنقولة في الجمع بين الصحيحين للحميدي سواء.

ومن ذلك في صحيح أبي داود في موضع آخر منه في تفسير قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " بإسناده إلى النبي (ص) مثل لفظه في الجمع بين الصحيحين للحميدي وزاد في آخره : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٢).

٢٠٢ ومن ذلك في صحيح مسلم في الجزء الرابع في ثالث كراس من أوله من النسخة المنقول منها في باب فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بإسناده سعد بن أبي وقاص يذكر في الحديث عن النبي (ص) عدة فضائل لعلي بن أبي طالب (ع) خاصه ويقول في أواخره : لما نزلت هذه الآية " فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " دعا رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي.

__________________

(١) إحقاق الحق عن الجمع بين الصحيحين : ٩ / ١٣ ، ومسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٨٢ ، والحسكاني في شواهد التنزيل : ٢ / ٣٣ ، وينابيع المودة : ١٠٧ ، والكشاف : ١ / ١٩٣.

(٢) ابن المغازلي في المناقب : ٣٠٢ ، وشواهد التنزيل : ٢ / ٩٢ ، والاستيعاب : ٢ / ٣٧.

ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه في الجزء الرابع أيضا أواخره في حد كراسين من النسخة المنقول منها قال : دعا رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي (١).

(قال عبد المحمود) : قال لي الشيعي عند هذا انظر إلى تصريح النبي (ص) في أخبار الثقلين التي اجتمع المسلمون تصحيحها أنه خلف لأمته بعد وفاته كتاب ربه وعترته وأهل بيته وأن أهل بيته لا يفارقون كتابه وأن التمسك بهم أمان من الضلال ثم انظر إلى تعيين النبي (ص) لأهل بيته في هذه الأحاديث التي أطبق علماء المسلمين كافه على تصديقها وأن أهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين (ع).

ثم انظر إلى علم المسلمين وإطباقهم واتفاقهم على أن فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام متفقون على أن إمامهم ورئيسهم والذي يوجبون الاقتداء به هو علي بن أبي طالب (ع) بلا خلاف بينهم فقد صارت هذه الأحاديث التي أطبق المسلمون على تصحيحها دالة دلالة صريحة على أن النبي (ص) عين لهم على استخلافه لعلي بن أبي طالب (ع) ووجوب التمسك به وبمن يعينه للخلافة من ذريته (ع) وظهرت الحجة للنبي (ص) على أمته.

فهل ترى النبي (ص) أبقى عذرا لمسلم في ترك خلافته وركوب مخالفته وقد تقدمت عدة أحاديث من صحيح البخاري وغيره يتضمن أن الحق مع

__________________

(١) الطبري في تفسيره : ٢٢ / ٧ ، والحسكاني في شواهد التنزيل : ٢ / ١٦ و ١٧ ، ومسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧١ ، والبحار : ٣٥ / ٢٢٧ ، والنسائي في الخصائص : ٤ ، وممن روى آية التطهير في أهل البيت القندوزي في ينابيع المودة : ١٠٧ ـ ١٠٩ ، والخوارزمي في المناقب : ٢٢ ـ ٢٥.

علي يدور معه حيث ما دار وأنه لا يفارق الحق ولا يفارق كتاب الله حتى يردا الحوض على رسول الله (ص) (١).

آية المودة واهدنا الصراط المستقيم

٢٠٣ ـ ومن ذلك في تصريح النبي (ص) بالدلالة على وجوب لزوم أهل بيته ما رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " بإسناده قال إن رسول الله نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم (٢).

٢٠٤ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي أيضا في تفسير " اهدنا الصراط المستقيم " (٣) قال قال مسلم بن حيان : سمعت أبا بريده يقول صراط محمد وآل محمد (٤).

الأئمة أمان لأهل الأرض

٢٠٥ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده قال : قال رسول الله (ص) النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض (٥).

ورواه أيضا المعروف عندهم بصدر الأئمة موفق بن أحمد المكي في كتابه بإسناده إلى علي (ع) وابن عباس عن النبي (ص) بهذه الألفاظ

__________________

(١) تقدم تحت الرقم : ١٤٥ ـ ١٥٠.

(٢) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٣ / ٦ ، والخوارزمي في المناقب : ٩١.

(٣) الفاتحة : ٦.

(٤) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٣ / ٥٣٤.

(٥) العمدة : ١٦١ ، والبحار ٢٧ / ٣١٠ ، وينابيع المودة : ٢٠ ، وذخائر العقبى : ١٧.

قوله (ص) مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح

٢٠٦ ـ ومن ذلك في تصريحه (ص) بوجوب التلزم بأهل بيته من كتاب المناقب للفقيه الشافعي ابن المغازلي في عدة أحاديث فمنها بإسناده إلى بشر ابن المفضل قال سمعت الرشيد يقول سمعت المهدي يقول سمعت المنصور يقول حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك (١).

٢٠٧ ـ ورواه ابن المغازلي أيضا بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(٢).

٢٠٨ ـ ومن ذلك رواية ابن المغازلي في كتابه أيضا في هذا المعنى بإسناده من طريقين إلى ابن المعتمر وإلى سعيد بن المسيب بروايات معا عن أبي ذر قال قال رسول الله (ص) مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (٣).

٢٠٩ ـ ومنها رواية ابن المغازلي بإسناده إلى سلمة بن الأكوع عن أبيه قال قال رسول الله (ص) مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا (٤).

__________________

(١) المناقب : ١٣٢ ، والبحار : ٢٣ / ١٢٤ ، والعمدة : ١٨٧.

(٢) المناقب : ١٣٤ ، وذخائر العقبى : ٢٠.

(٣) المناقب : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، وفي رواية ابن المسيب زيادة وهي : ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال.

(٤) المناقب : ١٣٢ ـ ١٣٣ ، ورواه القندوزي في ينابيع المودة : ٢٧ ـ ٢٨ ، والبحار : ٢٣ / ١٢٤.

قوله (ص) إن عليا وصيي ووزيري

ومن ذلك في تصريح النبي (ص) أن عليا وصيه ووزيره وقد تقدم طرف من ذلك عند ذكر ابتداء خلق النبي (ص) (١) وطرف منه أيضا عند تفسير قوله تعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين " (٢) وفي موضع قوله (ص) علي مني (٣) وغير ذلك مما تقدم ذكره.

٢١٠ ـ فمن ذلك من مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى أسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله (ص) يقول اللهم إني أقول كما قال أخي موسى : اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثير أو نذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا (٤).

٢١١ ـ ومن ذلك ما رواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي في المناقب بإسناده إلى نافع مولى ابن عمر قال : قلت لابن عمر : من خير الناس بعد رسول الله (ص) قال ما أنت وذاك لا أم لك ثم قال استغفر الله خيرهم بعده من كان يحل له ما يحل له ويحرم عليه ما يحرم عليه قلت من هو؟ قال علي بن أبي طالب (ع) سد أبواب المسجد وترك باب علي وقال له لك في هذا المسجد ما لي وعليك فيه ما علي وأنت وارثي ووصيي تقضي ديني وتنجز عداتي وتقتل على سنتي كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني (٥).

__________________

(١) تحت الرقم : ٢.

(٢) تحت الرقم : ١٣.

(٣) تحت الرقم : ٦٤.

(٤) إحقاق الحق عن أحمد في فضائل الصحابة : ٤ / ٥٦ ، والبحار : ٣٨ / ١٤٤ ، وذخائر العقبى : ٦٣.

(٥) المناقب : ٢٦١ ، والبحار : ٣٩ / ٣٣.

٢١٢ ـ ومن ذلك في المعنى ما رواه ابن المغازلي بإسناده أيضا في كتاب المناقب يرفعه إلى أيوب الأنصاري أن رسول الله (ص) مرض مرضه فدخلت عليه فاطمة عليها السلام تعوده وهو ناقة من مرضه فلما رأت ما برسول الله من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتى جرت دمعتها فقال لها : يا فاطمة إن الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار أباك فبعثه نبيا ثم اطلع إليها الثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا أما علمت أن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلما وأقدمهم سلما وأعلمهم علما؟ فسرت بذلك فاطمة عليها السلام واستبشرت ثم قال لها رسول الله (ص) يا فاطمة له ثمانية أضراس ثواقب إيمانه بالله ورسوله وحكمته وتزويجه فاطمة وسبطاه الحسن والحسين عليهما السلام وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقضاؤه بكتاب الله يا فاطمة إنا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين والآخرين قبلنا ـ أو قال الأنبياء ـ ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك ووصينا أفضل الأوصياء وهو بعلك وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزه عمك ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو جعفر ابن عمك ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة (١).

٢١٣ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي أيضا بإسناده قال دخل الأعمش على المنصور وهو جالس للمظالم فلما بصر به قال له يا سليمان تصدر؟ قال أنا صدر حيث جلست ثم قال حدثني الصادق عليه السلام قال حدثني الباقر (ع) قال حدثني السجاد عليه السلام قال حدثني الشهيد أبو عبد الله (ع) قال حدثني أبي وهو الوصي علي بن أبي طالب (عليه السلام)

__________________

(١) المناقب : ١٠١ ، والبحار : ٣٧ / ٦٥.

قال حدثني النبي (ص) قال أتاني جبرئيل آنفا فقال تختموا بالعقيق فإنه أول حجر شهد لله بالوحدانية ولمحمد بالنبوة ولعلي بالوصية ولولده بالإمامة ولشيعته بالجنة قال : فاستدار الناس بوجوههم نحوه فقيل له : تذكر قوما فتعلم من لا نعلم فقال الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والسجاد علي بن الحسين والشهيد الحسين بن علي والوصي وهو التقي علي بن أبي طالب عليه السلام (١).

قوله تعالى " كمشكاة فيها مصباح "

٢١٤ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي بإسناده قال : سألت أبا الحسن (ع) عن قوله عز وجل " كمشكاة فيها مصباح " الآية قال " المشكاة " فاطمة (ع) والمصباح الحسن والحسين والزجاجة كأنها كوكب دري قال كانت فاطمة كوكبا دريا من نساء العالمين " يوقد من شجرة مباركة " الشجرة المباركة إبراهيم " لا شرقية ولا غربية " لا يهودية ولا نصرانية " يكاد زيتها يضئ " قال فيها إمام بعد إمام " يهدي الله لنوره من يشاء " (٢) قال : يهدي الله لولايتنا من يشاء " (٣).

ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسير قوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " وقد تقدم طرق منه (٤).

__________________

(١) البحار : ٣٨ / ٩٤ ـ ٩٥ ، والمناقب : ٢٨١ ـ ٢٨٢.

(٢) النور : ٣٥.

(٣) المناقب : ٣١٧ ، والبحار : ٢٣ / ٤١٦.

(٤) تقدم تحت الرقم : ١٤١ ـ ١٤٤.

اعترافات في فضائل علي (عليه السلام)

٢١٥ ـ قال الثعلبي سمعت أبا منصور الجمشاذي يقول سمعت محمد بن عبد الله الحافظ يقول سمعت أبا الحسن علي بن الحسن يقول سمعت أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي يقول سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما جاء لعلي (ع) (١).

ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب المنقذ من الضلال ما هذا لفظه والعاقل يقتدي بسيد العقلاء علي عليه السلام حيث قال لا يعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله فشهد أن عليا سيد العقلاء وفي ذلك ما فيه.

ومن ذلك عن الغزالي في رسالة العلم اللدني قال ما هذا لفظه وقال أمير المؤمنين (ع) أن رسول الله (ص) أدخل لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم وفتح لي كل باب ألف باب وقال أيضا لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وأهل الفرقان بفرقانهم وهذه المرتبة لا تنال بمجرد التعلم بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم اللدني وكذا قال (ع) لما حكى عن عهد موسى (ع) إن شرح كتابه كان أربعين حملا : لو أذن الله تعالى ورسوله (ص) لأشرح في شرح الفاتحة حتى يبلغ أربعين وقرا.

قال الغزالي وهذه الكثرة والسعة والافتتاح في العلم لا يكون إلا من لدن إلهي سماوي.

أقول أنا : فهل كان ذلك لأحد من الصحابة أو القرابة أو بلغ إليه أحد من

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ٣ ، والاستيعاب : ٣ / ٥١.

علماء الإسلام وكيف في العقول والأفهام تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على علي (ع) لولا جهل الجاهلين وغلط القائلين (١).

(قال عبد المحمود) : رأيت كتابا كبيرا مجلدا في مناقب أهل البيت عليهم السلام تأليف أحمد بن حنبل فيه أحاديث جليلة قد صرح فيها نبيهم محمد (ص) بالنص على علي بن أبي طالب (ع) بالخلافة على الناس ليس فيها شبهة عند ذوي الإنصاف وهي حجة عليهم وفي خزانة مشهد علي بن أبي طالب (ع) بالغري من هذا الكتاب المذكور نسخة موقوفة من أراد الوقوف عليها فليطلبها من خزانته المعروفة.

ومن ذلك ما رواه أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري في كتاب الإستيعاب فإنه ذكر لعلي بن أبي طالب (ع) فضائل ونصوصا صريحة عليه من نبيهم بالخلافة والتفضيل على الأصحاب ثم اعترف بالعجز عن حصر فضائله وذكر فواضله (٢).

ومن ذلك ما رواه أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في كتابه كتاب المناقب من الأخبار الشاهدة تواترا وتصريحا بفضائل علي بن أبي طالب (ع) وتحقيق النص عليه ولقد تصفحت شيئا يسيرا من كتاب أبي بكر بن مردويه وهو من أعيان رجال الأربعة المذاهب فوجدت فيه مائة واثنين وثمانين منقبة رواها عن نبيهم محمد (ص) في علي بن أبي طالب (علیه السلام) فيها تصريح بالنص على خلافته وأنه القائم مقامه في أمته ثم ظفرت بأصل لكتاب المناقب لابن مردويه فوجدت ثلاث مجلدات وهي عندي ويتضمن نصوصا صريحة على مولانا علي بن أبي طالب (علیه السلام).

__________________

(١) راجع البحار : ٤٠ / ١٢٥.

(٢) الإستيعاب : ٣ / ٢٦ ـ ٦٧ المطبوع على هامش الإصابة.

ومن ذلك ما ذكره الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في الكتاب الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر وهو من رجال الأربعة المذاهب وعلمائهم وسيأتي التفاسير التي استخرجه منها (١) وقد ذكر في الكتاب المذكور تصريحاتهم من نبيهم محمد (ص) بالنص على علي بن أبي طالب (ع) بالخلافة وفضائل عظيمة.

ومن ذلك ذكره ما ذكره الأصفهاني أسعد بن عبد القاهر بن شفروه في كتاب الفائق فإنه تضمن نصوصا صريحة من نبيهم محمد (ص) على علي بن أبي طالب (ع) بالخلافة أيضا ومناقب جليلة وقد رأيت منه نسخة بخزانة مشهد علي بن أبي طالب (ع) بالغري.

ومن ذلك ما ذكره موفق بن أحمد الخوارزمي أخطب الخطباء وهو من أعيان علماء الأربعة المذاهب في كتاب الأربعين في مناقب أمير المؤمنين (ع) فإنه متضمن نصوصا من نبيهم (ص) على علي بن أبي طالب (ع) وفضائل عظيمة جليلة ولا يسع تسمية الكتب في ذلك والفضائل.

٢١٦ ـ ومن ذلك ما رواه المعروف بحجه الإسلام ناصر بن أبي المكارم المطرزي الخوارزمي ـ وهو من أعيان أهل السنة صاحب الكتاب المعروف (الغرب والمغرب) والإيضاح في شرح المقامات في شرح كتاب المناقب فقال في أول الكتاب ما هذا لفظه : ذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بل ذكر شئ منها إذ ذكر جميعها يقصر عنها باع الاحصاء بل

__________________

(١) وهي ١ ـ تفسير أبي يوسف. ٢ ـ تفسير ابن حجر. ٣ ـ تفسير مقاتل بن سليمان ٤ ـ تفسير وكيع. ٥ ـ تفسير القطان ٦ ـ تفسير قتادة ٧ ـ تفسير حرب الطائي ٨ ـ تفسير السدي ٩ ـ تفسير مجاهد ١٠ ـ تفسير مقاتل بن حيان ١١ ـ تفسير أبي صالح ١٢ ـ تفسير الشيرازي.

ذكر أكثرها يضيق عنه نطاق طاقه الاستقصاء يدل على صدق ما ذكرته ما أنبأني به صدر الحفاظ الحسن بن العطاء الهمداني رفعه إلى أن قال حدثنا صدر الأئمة أخطب الخطباء موفق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي قال أخبرني السيد الإمام المرتضى شرف الدين أبو الفضل الحسيني في كتابه إلي من مدينة الري جزاه الله عني خيرا أخبرنا السيد أبو الحسن علي بن أبي طالب الحسيني الشيباني بقراءتي عليه أخبرنا الشيخ العالم أبو النجم محمد بن عبد الوهاب ابن عيسى السمان الرازي أخبرنا الشيخ العالم أبو سعيد محمد بن أحمد بن الحسين النيسابوري أخبرنا محمد بن علي بن جعفر الأديب بقراءتي عليه حدثني المعافي بن زكريا أبو الفرج عن محمد بن أبي الثلج عن الحسن ابن محمد بن بهرام عن يوسف بن موسى القطان عن جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) : لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (ع) (١).

حديث الغدير

ومن ذلك ما ذكره النبي (ص) لعلي بن أبي طالب عليه السلام بمنى ويوم غدير خم من التصريح بالنص عليه والإرشاد إليه في مقام يشهد له بيان المقال ولسان الحال بأنه الخليفة والقائم مقامه في أمته.

وقد صنف العلماء بالأخبار كتبا كثيرة في حديث يوم الغدير ووقائعه في الحروب وذكر فضائل اختص بها من دون غيره وتصديق ما قلناه.

وممن صنف تفصيل ما حققناه أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ١ ـ ٢ ، والبحار : ٤٠ / ٧٣ ـ ٧٤ ـ ٧٥.

الحافظ المعروف بابن عقده وهو ثقة عند أرباب المذاهب وجعل ذلك كتابا محررا سماه " حديث الولاية " وذكر الأخبار عن النبي (ص) بذلك وأسماء الرواة من الصحابة والكتاب عندي وعليه خط الشيخ العالم الرباني أبي جعفر الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام لا يخفى صحة ما تضمنه على أهل الأفهام وقد أثنى على ابن عقدة الخطيب صاحب تاريخ بغداد وزكاه.

وهذه أسماء من روى عنهم حديث يوم الغدير ونص النبي (ص) على علي عليهما الصلاة والسلام والتحية والإكرام بالخلافة وإظهار ذلك عند الكافة ومنهم من هنأ بذلك :

أبو بكر عبد الله بن عثمان عمر بن الخطاب عثمان بن عفان علي بن أبي طالب (ع) طلحة بن عبيد الله الزبير بن العوام عبد الرحمن بن عوف سعيد بن مالك العباس بن عبد المطلب الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) الحسين بن علي بن أبي (ع) عبد الله بن عباس عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عبد الله بن مسعود عمار بن ياسر أبو ذر جندب

بن جنادة الغفاري سلمان الفارسي أسعد بن زرارة الأنصاري خزيمة بن ثابت الأنصاري أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري سهل بن حنيف الأنصاري حذيفة بن اليمان عبد الله بن عمر بن الخطاب البراء بن عمر بن عازب الأنصاري رفاعة بن رافع سمره بن جندب سلمة بن الأكوع الأسلمي زيد ثابت الأنصاري أبو ليلى الأنصاري أبو قدامة الأنصاري سهل بن سعد الأنصاري. عدي بن حاتم الطائي ثابت بن زيد بن وديعة كعب بن عجره الأنصاري أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري هاشم بن عتبه بن أبي وقاص الزهري المقداد بن عمرو الكندي عمر بن أبي سلمة عبد الله بن أبي عبد الأسد المخزومي عمران بن حصين الخزاعي يزيد بن الخصيب الأسلمي جبله

بن عمرو الأنصاري أبو هريرة الدوسي أبو برزة نضلة بن عتبة الأسلمي أبو سعيد الخدري جابر بن عبد الله الأنصاري حريز بن عبد الله زيد بن عبد الله زيد بن أرقم الأنصاري أبو رافع مولى رسول الله ص أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري أنس بن مالك الأنصاري ناجية بن عمرو الخزاعي أبو زينب بن عوف الأنصاري يعلى بن مرة الثقفي.

سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري حذيفة بن أسيد أبو شريحة الغفاري عمرو بن الحمق الخزاعي زيد بن حارثة الأنصاري ثابت بن وديعة الأنصاري مالك بن حويرث أبو سليمان جابر بن سمرة السواني عبد الله بن ثابت الأنصاري جيش بن جنادة السلولي ضميرة الأسدي عبد الله بن عازب الأنصاري عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي يزيد بن شراحيل الأنصاري عبد الله بن بشير المازني النعمان بن العجلان الأنصاري عبد الرحمن بن يعمر الديلمي أبو حمزة خادم رسول الله ص أبو الفضالة الأنصاري عطية بن بشير المازني عامر بن ليلى الغفاري أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري حسان بن ثابت الأنصاري سعد بن جنادة العوفي عامر بن عمير النميري عبد الله بن ياميل حبة بن جوين العرني عقبة بن عامر الجهني أبو ذؤيب الشاعر أبو شريح الخزاعي أبو جحيفة وهب بن عبد الله النسوي أبو أمامة الصدي بن عجلان الباهلي عامر بن ليلى بن جندب بن سفيان الغفلي البجلي أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي وحشي بن حرب قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري عبد الرحمن بن مديح حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي فاطمة بنت رسول الله ص عائشة بنت أبي بكر أم سلمة أم المؤمنين أم هاني بنت أبي طالب فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب أسماء بنت عميس الخثعمية.

ثم ذكر ابن عقدة ثمانية وعشرين رجلا من الصحابة لم يذكرهم ولم يذكر أسماءهم أيضا قال عبد المحمود وهذا أبلغ ما انتهى إليه من الأنبياء فيما بلغني مع أمته في الكشف عن خلافته ووصيته وسيأتي طرق من أخبار يوم الغدير وكان هذا المقام من نبيهم محمد ص في حجة الوداع وهي آخر ما كان له من المواقف والأسفار التي تضمنت الأخبار أن نبيهم ص أظهر فيه ما أمر الله تعالى بإظهاره ونعى إلى المسلمين نفسه الشريفة وعرفهم أنه قد قرب انتقاله إلى ربه فكان ذلك يوم ثامن عشر من ذي الحجة وقدم المدينة فأقام باقي ذي الحجة والمحرم وتوفي في صفر وقيل في ربيع الأول.

وقد روى الحديث في ذلك محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقا وأفرد له كتابا سماه حديث الولاية ورواه أيضا أبو عباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة بخبر يوم الغدير من مائة وخمس طرق وأفرد له كتابا سماه حديث الولاية وقد تقدم تسمية من روى عنهم وذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الإقتصاد وغيره أن قد روى خبر الغدير غير المذكورين من مائة وخمس وعشرين طريقا ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده أكثر من خمسة عشر طريقا ورواه الفقيه ابن المغازلي الشافعي في كتابه أكثر من اثني عشر طريقا قال ابن المغازلي الشافعي بعد رواياته خبر يوم الغدير هذا حديث صحيح عن رسول الله ص وقد روى حديث غدير خم نحو مائة نفس منهم العشرة وهو حديث ثابت لا أعرف له علة تفرد علي ع بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد هذا لفظ ابن المغازلي

٢١٧ ـ ومن روايات ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن

عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله (ص) بمنى وإني لأدناهم إليه في حجة الوداع حين قال : لا ألفينكم ترجعون بعدي يضرب بعضكم رقاب بعض وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت إلى خلفه فقال أو على أو على ثلاثا فرأينا أن جبرئيل غمزه وأنزل الله تعالى على أثر ذلك " فأما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " (١) بعلي بن أبي طالب أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون " (٢) ثم نزلت قل رب أما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين (٣) ثم نزلت فاستمسك بالذي أوحى إليك في أمر على أنك على صراط مستقيم (٤) وأن عليا لعلم للساعة وإنه لذكر لك ولقومك ولسوف تسألون (٥) عن علي بن أبي طالب (ع) (٦) هذا آخر الحديث كان اللفظ المنزل المذكور في ذلك على النبي (ص) (٧).

٢١٨ ـ ومن ذلك أيضا ما رواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن أرقم قال أقبل نبي الله (ص) من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير بين مكة والمدينة فأمر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك ثم نادى الصلاة جامعة فخرجنا إلى رسول الله (ص) في يوم شديد الحر وإن منا لمن يضع رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الحر حتى انتهينا إلى رسول الله (ص) فصلى بنا الظهر ثم انصرف إلينا بوجهه ثم ذكر تحميده لله وتوحيده وشهادته برسالته ثم قال :

__________________

(١و ٢) الزخرف : ٤١ ـ ٤٢.

(٣) المؤمنون : ٩٤.

(٤ و ٥) الزخرف : ٤٣ ـ ٤٤.

(٦) المناقب : ٢٧٥ ، والبحار : ٣٧ / ١٨٣.

(٧) بعضه قرآن وبعضه تأويل.

وقد روى السدي في كتاب تفسير القرآن قال في قوله تعالى (فأما تذهبن بسك ناما منتقمون) قال : بعلي بن أبي طالب عليه السلام.

أيها الناس إنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف عمر من قبله وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة وإني قد أسرعت في العشرين إلا وأني يوشك أن أفارقكم إلا وأني مسؤول وأنتم مسؤولون هل بلغتكم فما ذا أنتم قائلون؟

فقام من كل ناحية من القوم مجيب نشهد أنك عبد الله ورسوله قد بلغت رسالته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته؟

ثم تفصيل ما بلغ إليهم من الوحدانية والرسالة والنار وكتاب الله ثم قال إلا وأني فرطكم وأنتم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حين تلقوني ثقلي كيف خلفتموني فيهما قال فاعيل علينا ما ندري الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين فقال بأبي وأمي يا نبي الله ما الثقلان قال الأكبر منهما الله تعالى سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا ولا تزلوا ولا تشكوا ولا تضلوا والأصغر منهما عترتي ثم ذكر وصيته (ص) بعترته ثم قال فإني قد سألت لهما اللطيف الخبير فأعطاني ناصرهما لي ناصر وخاذلهما خاذل ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو ألا وإنها تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها وتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط منها ثم أخذ بيد علي أبي طالب (ع) فرفعها فقال من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قالها ثلاثا آخر الخطبة (١)

وقد تقدمت رواية ابن المغازلي عن جابر بن عبد الله فيما سمعه رسول الله (ص) في حجة الوداع بمنى

__________________

(١) المناقب : ١٦ ـ ١٨ ، والعمدة : ٥١ ـ ٥٢ ، والبحار : ٣٧ / ١٨٤.

٢١٩ ـ وذكر أيضا الفقيه ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري فيما حضره وسمعه من النبي (ص) يوم غدير خم في المعنى مما يمكن أن يكون قد وقع وتكرر من النبي (ص) في ذلك اليوم حين تنحى أصحابه عنه بعد فراغه عن تعيينه على علي (ع) بالإمامة بعده فخاف (ص) أن يكونوا كرهوا ذلك.

وسيأتي في رواية الثعلبي في تفسيره ما يدل على كراهة بعض من بلغه في حياه النبي (ص) فقال جابر إن رسول الله (ص) نزل بخم فتنحى الناس عنه ونزل معه علي بن أبي طالب فشق على النبي تأخر الناس فأمر عليا فجمعهم فلما اجتمعوا قام فيهم وهو متوسد على علي بن أبي طالب (ع) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد كرهت تخلفكم عني حتى خيل لي بأنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني ثم قال لكن علي ابن أبي طالب قد أنزله الله مني بمنزلتي منه فرضي الله عنه كما أنا عنه راض فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئا.

ثم رفع يديه وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فابتدر الناس إلى رسول الله (ص) يبكون ويتضرعون ويقولون يا رسول ما تنحينا عنك إلا كراهية أن نثقل عليك فنعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله فرضى رسول الله (ص) عنهم عند ذلك (١).

٢٢٠ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا الفقيه الشافعي ابن المغازلي بإسناده إلى عطية العوفي قال رأيت ابن أبي أوفى وهو في دهليز له بعد ما ذهب بصره فسألته عن حديث فقال إنكم يا أهله الكوفة فيكم ما فيكم قال قلت أصلحك الله إني لست منهم ليس عليك عار قال أي حديث قال : قلت

__________________

(١) المناقب : ٢٥ ـ ٢٦ ، والعمدة : ٥٣.

حديث علي يوم غدير خم قال خرج علينا رسول الله (ص) في حجته يوم غدير خم وهو آخذ بعضد علي (ع) فقال أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه (١).

٢٢١ ـ ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ عندهم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري أن النبي (ص) دعا الناس إلى علي في غدير خم أمر بما كانت تحت الشجرة من شوك فقم وذلك يوم الخميس ثم دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله (ص) ثم لم يتفرقا حتى نزلت هذه الآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ".

فقال رسول الله (ص) الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي ثم قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقال حسان بن ثابت : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول أبياتا فقال قل على بركة الله فقال حسان يا معشر مشيخة قريش اسمعوا شهادة رسول الله (ص) ثم أنشأ يقول :

يُنَادِيهِمْ يَوْمَ الْغَدِيرِ نَبِيُّهُمْ

بِخُمٍّ وَأَسْمِعْ بِالنَّبِيِّ مُنَادِياً

أَلَسْتُ أَنَا مَوْلَاكُمْ وَوَلِيَّكُمْ

فَقَالُوا وَلَمْ يَبْدُوا هُنَاكَ التَّعَامِيَا

إِلَهُكَ مَوْلَانَا وَأَنْتَ وَلِيُّنَا

وَلَا تَجِدَنْ فِي الْخَلْقِ لِلْأَمْرِ عَاصِياً

فَقَالَ لَهُ قُمْ يَا عَلِيُّ فَإِنَّنِي

رَضِيتُكَ مِنْ بَعْدِي إِمَاماً وَهَادِياً

قال فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال هنيئا لك يا بن أبي طالب

__________________

(١) المناقب : ٢٤ ، والبحار : ٣٧ / ١٨٥ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٣٦٨.

أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

ومن ذلك رواية الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني لهذا الحديث أيضا بألفاظه في أواخر الجزء الرابع من كتاب مرقاه الشعر إلى آخر الأبيات التي أنشدها حسان بن ثابت (٢).

٢٢٢ ـ ومن ذلك ما رواه ابن المغازلي في كتابه أيضا بإسناده إلى أبي هريرة قال من صام يوم ثماني عشره خلت من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي (ص) بيد علي بن أبي طالب (ع) فقال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن فأنزل الله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم"(٣).

ومن طرائف ما رووه في فضيلة يوم نزول آية اليوم أكملت لكم دينكم الآية ما ذكروه في صحاحهم وقد رواه مسلم في صحيحه أيضا في المجلد الثالث عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " نعلم اليوم الذي أنزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ـ الخبر (٤). (قال عبد المحمود) وكذا كان يجب على أهل الإسلام أن يكون ذلك اليوم عظيما عند الأنام فأضاعه المخالفون لأهل البيت (ع) أما

__________________

(١) الخوارزمي في مقتله : ١ / ٤٧ ، والمناقب : ٨٠ ، والغدير عن ابن مردويه : ٢ / ٣٥ وذيل إحقاق الحق : ٦ / ٢٧٥.

(٢) راجع الغدير : ٢ / ٣٤ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٢٨١.

(٣) المناقب : ١٩ ، والبحار : ٣٧ / ١٠٨.

(٤) مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٣١٣.

عداوة أو حسدا أو لغير ذلك وما رأيت من أهل الإسلام يحفظ ذلك ويعين السنة التي كان فيها ويعين الشهر والأسبوع واليوم المذكور إلا أهل البيت وشيعتهم التحقيق والله ولي التوفيق.

ومن ذلك ما ذكره أيضا الخطيب المخالف لأهل البيت في كتابه تاريخ بغداد بإسناده إلى أبي هريرة كما رواه ابن المغازلي لحديث يوم الغدير ونزول آية " أكملت لكم دينكم" (١).

٢٢٣ ـ ومن ذلك ما ذكره ابن المغازلي بإسناده إلى عميره بن سعد قال شهدت عليا (ع) على المنبر ناشدا أصحاب رسول الله (ص) يقول من سمع رسول الله (ص) يوم غدير يقول ما قال فليشهد فقام اثنا عشر رجلا منهم أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٢).

(قال عبد المحمود بن داود) مؤلف هذا الكتاب وقد تركت باقي الروايات عن الفقيه ابن المغازلي في يوم الغدير خوف الإطالة وقد روى روايات تدل على أن النبي (ص) قد يقرر هذا المعنى عند أصحابه قبل يوم الغدير بما يناسب هذه الألفاظ.

٢٢٤ ـ فمن روايات الفقيه الشافعي ابن المغازلي في ذلك في كتاب المناقب بإسناده إلى أنس بن مالك قال لما كان يوم المباهلة وآخى النبي (ص) بين أصحابه المهاجرين والأنصار وعلي واقف يراه ويعرف مكانه لم يواخ بينه وبين أحد فانصرف علي (ع) باكي العين فافتقده النبي (ص) فقال :

__________________

(١) تاريخ بغداد : ٨ / ٢٩٠.

(٢) المناقب : ٢٦ ، والبحار : ٣٧ / ١٨٦ ، والغدير : ١ / ١٨١.

ما فعل أبو الحسن؟ قالوا : انصرف باكي العين يا رسول الله قال يا بلال اذهب فأتني به فمضى بلال إلى علي (ع) وقد دخل إلى منزله باكي العين فقالت فاطمة ما يبكيك لا أبكي الله عينيك؟ قال : يا فاطمة آخى النبي (ص) بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني ولم يؤاخ بيني وبين أحد قالت لا يحزنك أنه لعله إنما أدخرك لنفسه قال بلال يا علي أجب النبي فأتى علي إلى النبي فقال النبي ما يبكيك يا أبا الحسن؟ قال آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تؤاخ بيني وبين أحد قال إنما ادخرتك لنفسي ألا يسرك أن تكون أخا نبيك؟ قال بلى يا رسول الله أنى لي بذلك؟ فأخذ بيده وأرقاه المنبر وقال اللهم هذا مني وأنا منه إلا أنه مني بمنزلة هارون من موسى ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه (١).

٢٢٥ ـ ومما يدل على ذلك ما اتفق على نقله أحمد بن حنبل في مسنده والفقيه ابن المغازلي في كتابه بإسنادهما إلى عبد الله بن عباس عن بريده قال غزوت مع (ع) اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله (ص) فذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله (ص) يتغير قال يا بريده ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه (٢).

٢٢٦ ـ وأما روايات أحمد بن حنبل في مسنده لحديث يوم الغدير فمنها ما اتفق على معناه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك " الآية بإسنادهما إلى البراء بن عازب قال أقبلنا مع رسول الله (ص)

__________________

(١) لم نجده في المناقب المطبوع. البحار : ٣٧ / ١٨٦ ، والعمدة : ٤٦.

(٢) المناقب : ٢٥ ، وذيل إحقاق الحق عن أحمد في المناقب ٦ / ٢٦١ ، والخوارزمي في المناقب : ٧٩.

في حجته التي حج فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله (ص) بين شجرتين فصلى بنا الظهر وأخذ بيد علي (ع) وقال ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال ألست أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بن الخطاب فقال هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

٢٢٧ ـ ومن روايات أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى زيد بن أرقم عن ميمون بن عبد الله قال قال زيد بن أرقم وأنا أسمع : نزلنا مع رسول الله (ص) بواد يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها قال فخطبنا وظلل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة من الشمس فقال النبي ألستم تعلمون؟ أولستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٢).

٢٢٨ ـ ومن روايات أبي ليلى الكندي من مسند أحمد بن حنبل أنه سأل زيد بن أرقم عن قول النبي النبي (ص) لعلي عليه السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه فقال زيد نعم قالها رسول الله أربع مرات (٣).

٢٢٩ ـ ومن روايات أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى شعبة عن أبي إسحاق قال إني سمعت عمر وزاد فيه : أن رسول الله (ص) قال اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأحب من أحبه وابغض من أبغضه (٤).

__________________

(١) أحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٢٨١ ، والبحار : ٣٧ / ١٤٩ ، والغدير : ١ / ١٨ و ٢٧٢.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٣٧٢ ، والعمدة : ٤٦ ، والغدير : ١ / ٣٠.

(٣) البحار : ٣٧ / ١٨٧.

(٤) البحار : ٣٧ / ١٨٧ ، وذخائر العقبى : ٦٧.

٢٣٠ ـ ومن روايات أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى سفيان عن أبي نجيح عن أبيه وربيعة الجرشى أنه ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص فقال سعد : أتذكر عليا؟ إن له مناقب أربعا لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلى من كذا وكذا ـ وذكر حمر النعم ـ قوله لأعطين الراية غدا وقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى وقوله من كنت مولاه فعلي مولاه ونسي سفيان واحدة (١).

٢٣١ ـ ومن روايات أحمد بن حنبل في مسنده إلى زاذان أبي عمر قال سمعت عليا (ع) في الرحبة وهو ينشد الناس : من سمع رسول الله (ص) وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله (ص) يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٢).

٢٣٢ ـ ومن روايات أحمد بن حنبل في مسند بإسناده إلى أبي الطفيل قال خطب علي الناس في الرحبة ثم قال أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (ص) يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون رجلا من الناس قال أبو نعيم فقام أناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره (٣).

(قال عبد المحمود) : وقد تركت باقي روايات أحمد بن حنبل في مسنده لخبر يوم الغدير ففي اليسير دلالة على الكثير.

٢٣٣ ـ ومن روايات الثعلبي في تفسيره لخبر يوم الغدير غير ما تقدمت الإشارة إليه في تأويل قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ أنزل إليك من ربك "

__________________

(١) البحار : ٣٧ / ١٨٨ ، والغدير : ١ / ٣٨.

(٢) العمدة : ٤٧ ، والبحار : ٣٧ / ٨٨ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٨٤.

(٣) البحار ٣٧ / ١٨٨ ، والعمدة : ٤٦ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ٤ / ٣٧٠.

الآية قال قال أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام معناه : بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب (ع) وفي رواية أخرى معناه : بلغ أنزل إليك في علي (ع) (١).

٢٣٤ ـ ومن ذلك بإسناد الثعلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب (ع) أمر النبي (ص) أن يبلغ فأخذ رسول الله بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (٢).

٢٣٥ ـ ومن ذلك بإسناد الثعلبي أيضا قال سئل سفيان بن عيينة عن قوله عز وجل " سأل سائل بعذاب واقع " فيمن نزلت؟ فقال للسائل لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم قال لما كان رسول الله (ص) بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي (ع) فقال من كنت مولاه فعلي مولاه فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله (ص) على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها ثم أتى النبي (ص) وهو في ملأ من أصحابه فقال يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله فقبلناه منك وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك وأمرتنا بالزكاة فقبلناه منك وأمرتنا نصوم شهرا فقبلناه منك وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شئ منك أم من الله؟ فقال والذي نفسي

__________________

(١) البحار : ٣٧ / ١٨٨ ، الغدير عن تفسير الثعلبي : ١ / ٢١٧.

(٢) البحار : ٣٧ / ١٨٩ ، الغدير عن تفسير الثعلبي : ١ / ٢١٨.

بيده ولا إله إلا هو أنه من أمر الله فولى الحرث بن النعمان إلى راحلته وهو يقول اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله فأنزل الله " سأل سائل بعذاب واقع " الآية (١).

٢٣٩ ـ ومن الروايات في صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن وصحيح الترمذي وهو في جزء الثالث من الجمع بين الصحاح الستة في باب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على حد ثلث الكتاب قال عن ابن سرحه وزيد بن أرقم أن رسول الله (ص) قال من كنت مولاه فعلي مولاه (٢).

ورواه في الكتاب المذكور من الصحاح الستة من الجزء الثالث المشار إليه حديث زيد بن أرقم المقدم ذكره في أحاديث وصية النبي بالثقلين يوم غدير خم وقد تقدم هناك أيضا بعض ما رواه مسلم في صحيحه والحميدي في الجمع بين الصحيحين في ذكر حديث يوم الغدير أيضا فلا حاجة إلى إعادته.

في أنه (ع) كان أقرب الناس برسول الله

ومن جملة الروايات الدالة على أن عليا (ع) كان المنصوص عليه بتخصيص النبي (ص) بأمور الأوصياء إلى حين لقاء الله تعالى.

٢٤٠ ـ فمن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده إلى أم سلمة أنها قالت والذي أحلف به إن عليا كان أقرب الناس عهدا برسول الله (ص) قالت

__________________

(١) الغدير عن تفسير الثعلبي : ١ / ٢٤٠ ، والحسكاني في شواهد التنزيل : ٢ / ٢٨٦.

(٢) الغدير عن الترمذي : في صحيحه : ١ / ٣٢ ، والترمذي في صحيحه ٢ / ٢٩٨ ، والبحار : ٣٧ / ١٨٩.

إني سمعت رسول الله غداه بعد غداه يقول جاء علي (ع) ـ مرارا ـ قالت فاطمة كان بعثه في حاجة قالت فجاء بعد قالت أم سلمة فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت أدناهم إلى الباب فأكب عليه علي (ع) وجعل يساره ويناجيه ثم قبض رسول الله من يومه ذلك فكان علي (ع) أقرب الناس به عهدا (١).

٢٤١ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه المخالف لأهل البيت في كتاب المناقب بإسناده إلى علقمة والأسود عن عائشة قالت قال رسول الله (ص) وهو في بيتي لما حضره الموت : ادعوا لي حبيبي فدعوت أبا بكر فنظر إليه رسول الله ثم وضع رأسه ثم قال ادعوا لي حبيبي فقلت ويلكم ادعوا له علي بن أبي طالب (ع) فوالله ما يريد غيره فلما رآه استوى جالسا وفرج الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه. هذا لفظ الحديث المذكور من كتاب ابن مردويه (٢).

وروى أيضا هذا الحديث جماعة من علمائهم منهم الطبري في كتابه الولاية والدار قطني في صحيحه والسمعاني في الفضائل وموفق بن أحمد خطيب خوارزم عن عبد الله بن عباس وعن أبي سعيد الخدري وعن عبد الله بن حارث وعن عائشة وروى بعضهم في الحديث : إن عمر دخل على النبي (ص) بعد دخول أبي بكر فلم يلتفت إليه النبي وفعل معه من الإعراض عنه كما فعل مع أبي بكر.

(قال عبد المحمود) : ثم نظرت فإذا هذه المحبة من النبي الله عليه وآله لعلي (ع) قد كانت عظيمة ووجدت أسبابها قديمة وإن هذا بأمر

__________________

(١) أحمد بن حنبل في مسنده : ٦ / ٣٠٠ ، والبحار : ٣٨ / ٣١١.

(٢) الخوارزمي عن ابن مردويه : ٢٩ ط نجف ، والبحار : ٣٨ / ٣١٢.

إلهي وسر رباني والاتحاد بين النبي (ص) وعلي قد كان سالفا مستمرا وآنفا ومن ذلك الأحاديث المتقدمة في أوائل هذا الكتاب إنهما كانا نورا واحدا قبل خلق آدم وروى أيضا هذا الحديث أحمد بن مردويه في كتاب المناقب من عدة طرق ومن ذلك حديث خيبر وأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله في مقام إن من كان قد هرب في خيبر لم يكن كذلك لأن الحديث ورد على هذه الواقعة ومن ذلك حديث الطائر وأنه أحب العباد إلى الله تعالى وأحبهم إلى رسول الله (ص) وقد تقدم وسيأتي من الأحاديث الدالة على هذا الاتحاد بين النبي (ص) والمحبة الخاصة بينهما ما لم يبلغ إليه أحد من رواه رجال الشيعة رحمهم الله.

٢٤٢ ـ ومن ذلك حديث الإسراء رواه رجال الأربعة المذاهب عن شيوخهم الصادقين عندهم فرواه صدر الأئمة موفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم عن المهذب قال أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمد بن علي بن زيرك المقرئ أخبرنا والدي أبو بكري محمد قال أخبرنا أبو علي عبد الرحمن ابن محمد بن محمد النيسابوري حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله النانجي البغدادي من حفظه بدينور حدثنا محمد بن جرير الطبري حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا العلاء بن الحسين الهمداني حدثنا أبو مخنف لوط ابن يحيى الأزدي عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله (ص) ـ وسئل بأي لغة خاطبك ربك ليله المعراج؟ قال خاطبني بلغة علي بن أبي طالب فألهمني إن قلت يا رب خاطبتني أنت أم علي. فقال يا أحمد أنا شئ لا كالأشياء لا أقاس بالناس ولا أو صف بالشبهات خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد في قلبك أحب إليك من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك (١).

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ٣٧ ، والمقتل : ٤٢ ط نجف ، والبحار : ٣٨ / ٣١٢ ، وينابيع المودة : ٨٣.

(قال عبد المحمود) : انظر إلى هذا الاتحاد بين النبي (ص) وعلي (عليه السلام) قبل الولادة إلى الوفاة فهل تجد أحدا من القرابة أو الصحابة قاربه أو داناه فقربهم من النبي على قدر هذه المضافات واستحقاقهم بخلافته بحسب حالهم عند الله تعالى وعند رسوله (ص) في حياه رسوله وإلى الوفاة.

إن حب علي (عليه السلام) نجاه من النار

٢٤٣ ـ ومن عجيب ما بلغ إليه رواه الأربعة المذاهب في حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأمر بذلك ما رواه أحمد بن مردويه الحافظ الثقة عندهم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن الحسين حدثنا عبد العزيز بن يحيى البصري أبو أحمد حدثنا مغيرة بن محمد المهلبي حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي حدثنا علي بن هاشم بن البريد حدثنا جابر الجعفي عن صالح ابن ميثم عن أبيه قال سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله (ص) يقول من لقي الله تعالى وهو جاحد ولاية علي بن أبي طالب (ع) لقي الله وهو عليه غضبان لا يقبل الله منه شيئا من أعماله فيوكل به سبعون ملكا يتفلون في وجهه ويحشره الله تعالى أسود الوجه أزرق العين قلنا يا بن عباس أينفع حب علي بن أبي طالب في الآخرة؟ قال قد تنازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في حبه سألنا رسول الله فقال دعوني حتى أسأل الوحي فلما هبط جبرئيل (ع) سأله فقال اسأل ربي عز وجل عن هذا فرجع إلى السماء ثم هبط إلى الأرض فقال يا محمد إن الله تعالى يقرأ عليك السلام وقال أحب عليا فمن أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني يا محمد حيث تكن يكن علي وحيث يكن علي يكن محبوه وإن اجترحوا (١). (قال عبد المحمود) فأي ذنب للشيعة في تمسكهم بعلي بن أبي طالب

__________________

(١) البحار : ٣٩ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

عليه السلام وقد صدقهم المسلمون كافه بما رووا في كتبهم من الأمر بولايته ومحبته ومتابعته وطاعته.

في أنه (عليه السلام) كان أخص الناس بالرسول

٢٤٤ ـ ومن ذلك ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى عائشة أنها سئلت : من كان أحب الناس إلى رسول الله (ص)؟ قالت فاطمة (ع) فقلت إنما سألتك عن الرجال؟ قالت زوجها وما يمنعه والله إن كان صواما قواما ولقد سألت نفس رسول الله (ص) في يده فردها إلى فيه (١). ٢٤٥ ـ ومن ذلك ما رواه الفقيه ابن المغازلي أيضا من عدة طرق معناها واحد بأسانيد متصلة فمنها عن أبي السائب بن يزيد قال قال رسول الله (ص) لا يحل لمسلم يرى مجردي ـ أو عورتي ـ إلا علي (٢).

٢٤٦ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) لقد أعطيت في علي خمس خصال هي أحب إلي من الدنيا وما فيها ثم ذكر ثلاثة وقال وأما الرابعة فساتر عورتي ومسلمي إلى ربي (٣).

(قال عبد المحمود بن داود) مؤلف هذا الكتاب : لما سمعت هذه الأحاديث ورأيت أصولها وثبت عندي أنها منقولة من كتب الأربعة المذاهب ومن رجالهم الذين يزكونهم ويشهدون بصدقهم ووجدت هذه الأحاديث تتضمن المدائح العظيمة والمناقب الجسيمة لبني هاشم والدلالة على تفضيلهم وعلى تخصيص

__________________

(١) البحار : ٣٨ / ٣١٣.

(٢) المناقب : ٩٣ ، والبحار : ٣٨ / ٣١٣.

(٣) البحار : ٢٨ / ٣١٣.

آل محمد بينهم وتعظيم شأنهم وتعيين من يقوم مقامه منهم بعد وفاته وتحققت أن هذه الأحاديث مصدقة وموافقة لما روته فرقة الشيعة عن رجالهم لم يبق عندي شبهة في صدق هذه الفرقة وصحة مقالتها وعرفت وتيقنت أن المسلمين الذين عدلوا عنهم إلى تيم وعدي وآل حرب وبني أمية كانوا إما قد ارتدوا عن الإسلام أو شكوا فيه أو باعوا الآخرة بالدنيا ورغبوا في الجاه وحطام الدنيا الفانية كما جرت عادة كثير من أمم الأنبياء.

وقد ساء ظني بما ينفرد بروايته وحكايته هؤلاء الأربعة المذاهب لأن من أقدم على مثل هذه المكابرة والبهت مع كونهم يشهدون بصدق رواة هذه الأخبار وما تدل عليه من جلالة بني هاشم وتعظيم آل محمد وتعيين من يقوم مقامه ثم يستحسنون لأنفسهم مخالفتها بالتمويه والمحال فلا يستبعد منهم الكذب والبهت والتغفل فيما ينفردون بروايته من الأقوال والأحوال ثم لا أدري كيف اشتبه على الأحياء منهم ضلال أمواتهم وكيف يقلدونهم فيما انفردوا من رواياتهم نعوذ بالله من العمى بعد الهدى إلى هذه الغاية.

وهذا من عجيب ما سمعناه ورأيناه وهؤلاء في تيههم وضلالهم أعجب من أهل الذمة لأن هؤلاء ابتلاهم الله بالتيه بغير اختيارهم عقوبة لهم وهؤلاء المسلمون قد أضلوا أنفسهم مع ظهور حجة الله ورسوله عليهم ومع كمال اختيارهم ثم وأهل الذمة كان تيههم أربعين سنة وهؤلاء قد زاد تيههم على مدة خمسمائة سنة.

وعند ذلك قال بعض علماء فرقة الشيعة هل ترى الآن علينا ملامة لأحد من المسلمين في تمسكنا باعتقادنا وكتاب ربنا وعترة نبينا وهل كان يسعنا أو يسع غيرنا من سائر المسلمين غير ما اعتقدناه وحققناه فنحن مستمرون على اعتقاد وجوب حفظ نبينا محمد في مخلفه وعترته من بني هاشم والوفاء لذلك الحق

اللازم والاعتراف بحقوق أياديه والاجتهاد في امتثال كلما تقدم به وأوصى فيه ونقول لهؤلاء الأربعة المذاهب : والله لو كان محمد ملكا من الملوك وقد أحسن إلينا كإحسانه لوجب أن نحفظه في عترته ونجازيه في بيته وجماعته وكيف وهو عندنا سبب النجاة في الدنيا والآخرة وحافظ نعم الله علينا الباطنة والظاهرة فبأي وجه يقدم هؤلاء الأربعة المذاهب على الله وعلى رسوله يوم القيامة وقد اعرضوا عن أمثال الأوامر الإلهية والوصايا المحمدية في العترة المباركة الهاشمية وقد تقدم من وصاياه بهم وتأكيدها ما لا ينكره ولا يهمله إلا جاهل أو غافل.

فيما أمر النبي من محبة أهل بيته (ع)

٢٤٧ ـ ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستة عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله (ص) : أحبوا الله تعالى لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله تعالى وأحبوا أهل بيتي لحبي (١).

٢٤٨ ـ ومن ذلك مما لم يتقدم ذكره ما رواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " بإسناده إلى جرير بن عبد الله البجلي قال سمعت رسول الله (ص) يقول من مات على حب آل مات مات شهيدا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة

__________________

(١) رواه ابن المغازلي في المناقب : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، وذخائر العقبى : ١٨ ، وينابيع المودة : ١٩٢ و ٢٧١.

ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة (١).

في كيفية الصلاة عليهم (عليهم السلام)

ومن طرائف ما انتهى إليه إعراضهم عن آل محمد أنهم يروون في صحاحهم وعن رجالهم أن النبي (ص) علمهم إذا صلوا عليه يصلون على آله معه إذا اعتبرت كتبهم المجلدات وما يجري على ألسنتهم في المحاورات رأيت أكثر ذلك قد اطرحوا فيه ذكر آل محمد فكيف استحسنوا لأنفسهم أن يبخلوا عليهم بهذا المقدار وهل يحسن أن يبلغ التعصب عليهم إلى هذه الغاية.

٢٤٩ ـ فمن الروايات الدالة على تعليم النبي (ص) لهم كيفية الصلاة عليهم ما رواه مسلم في صحيحه في أواسط الجزء الرابع بإسناده إلى كعب بن عجره قال قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا " اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " (٢)

٢٥٠ ـ ومن ذلك ما رواه البخاري في الجزء السادس في أول كراس من أوله بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف

__________________

(١) رواه الزمخشري في الكشاف : ٣ / ٤٦٧ ، والبحار : ٢٣ / ٢٣٣.

(٢) مسلم في صحيحه ١ / ٣٠٥ ، والبحار : ٢٧ / ٢٥٧ ، والعمدة : ٢٥.

فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا " اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم " قال أبو صالح : عن الليث " على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم " (١).

وروى البخاري نحو ذلك أيضا في هذا الموضع من الجزء المذكور عن كعب بن عجره عن النبي (ص) (٢).

ورواه أيضا البخاري في الجزء الرابع من صحيحه الكراس الرابع منه وكان الجزء تسع كراريس من النسخة المنقول منها (٣).

٢٥١ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الخامس من أفراد البخاري قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا " اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم" (٤).

٢٥٢ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري في الحديث الثاني من أفراد مسلم قال قال بشير : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم نسأله ثم قال قولوا " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٦ / ٢٧ ، وذخائر العقبى : ١٩.

(٢) البخاري في صحيحه : ٦ / ٢٧.

(٣) البخاري في صحيحه : ٤ / ١٤٦.

(٤) إحقاق الحق : ٩ / ٥٧٧ عن الجمع بين الصحيحين : ٢ / ٥٠٢ مخطوط ، والبحار : ٢٧ / ٢٥٧.

وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (١).

٢٥٣ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي بإسناده في تفسير قوله تعالى " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (٢) قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال قولوا " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " (٣).

(قال عبد المحمود بن داود) : ومن عجيب ما رأيت أنني وقفت على هذه الأحاديث في كتبهم المذكورة ولما ذكروا النبي (ص) قالوا صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا وآله! وهذا هو العناد القبيح والجهل الصريح وأما كتبهم فإني قد وقفت على شئ كثير من مجلداتهم وسمعت محاوراتهم فما رأيت في شئ مما وقفت عليه بخطوطهم ذكر الصلاة على آله عند الصلاة عليه إلا عند خاتمة المجلدات والمكاتبات في بعض دون بعض.

ومن طرائف أمورهم أنهم قد رووا مثل هذه الأحاديث وصحت عندهم وهي تتضمن أن محمدا (ص) قد أجرى آله مجرى نفسه في تعظيم الصلاة عليه وقال الشافعي في رواية التنوخي عنه : إن الصلاة على النبي وآله فريضة في الصلاة وقال أبو حنيفة : الصلاة على النبي وآله فريضة في الصلاة فأين

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣٠٥ ، والبحار : ٢٧ / ٢٥٨ ، ومالك في الموطأ : ١ / ١٣٨.

(٢) الأحزاب : ٥٦.

(٣) إحقاق الحق عن الثعلبي : ٩ / ٥٤٠ ، والبحار : ٢٧ / ٢٥٨ ، والطبري في تفسيره : ٢٢ / ٣١ و ٣٢.

الاهتمام بمعرفة هؤلاء آل محمد؟ وهل هذا التعظيم لجميعهم الصالح منهم والطالح أم لا؟ فإن كان المراد الصالحين منهم فأين التعرف بهم؟ والمعرفة لهم؟ والتعظيم لشأنهم؟ والتخلق بأخلاقهم؟ وإن إهمال هؤلاء الأربعة المذاهب لآل محمد نبيهم مع ما قد شهدوا لهم به من الطرائف العجيبة والغرائب المريبة.

في زيارة قبور أهل البيت عليهم السلام

ومن طرائف ما سمعت عن جماعة من مخالفي أهل البيت أنهم ينكرون زيارة قبور علماء أهل بيت نبيهم ويعيبون شيعتهم في تردادهم لزيارتها وقد رووا هؤلاء المنكرون في صحاحهم ضد ما أنكروه وخلاف ما أظهروه.

٢٥٤ ـ وروى مسلم في صحيحه في المجلد الثالث بإسناده عن أبي بريدة عن أبيه عن النبي (ص) قال نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم ـ الخبر (١).

ورواه أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند بريدة بن الخضيب في الحديث الأول من أفراد مسلم (٢).

(قال عبد المحمود) : كيف يحسن من قوم يروون عن نبيهم الأمر بزيارة كافه القبور ثم ينكرون على من زار قبور أهل بيت نبيه وهم لحم رسولهم ودمه وبضعه منه؟ وإن ادعى أحد منهم أنه ما ينكر زيارة قبورهم فعلام ينقطع عنها وينفر منها ويتردد إلى قبور أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ : ١ / ٣٢١ ط مصطفى الحلبي ، ومسلم في صحيحه : ٣ / ١٥٦٤.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٧٢.

وجماعة من أتباعهم وهؤلاء الأربعة أنفس قوم من عوام المسلمين لم يرووا عن نبيهم في تسميتهم وفضلهم خبرا مأثورا ولا وجدوا بذلك أثرا مسطورا وقد رووا في فضائل أهل البيت وتعظيمهم في الحياة وبعد الوفاة قد ذكرنا عنهم بعضه في كتابنا هذا من صحاح أخبارهم فهلا كان لعلماء أهل البيت وصلحائهم وأئمتهم أسوة بأحد الأربعة أنفس المشار إليهم؟ أما هذا لعداوة النبي أو لأهل بيته أو حسد لهم أو ميل وضلال من قوم قد بلغوا إلى هذه الغاية.

والعجب أنهم يقصدون محمدا نبيهم عند حجرته ويلوذون بتربته ومع ذلك يتجنبون قبور أهل بيته وعترته! أين هذا من الوفاء لما أثبت عليهم نبيهم من الإنعام ما كان هذا جزاؤه من أهل الإسلام.

(قال عبد المحمود بن داود) قال الشيعي : وأعجب من ذلك أنهم آثروا الدنيا الفانية المكدرة عليهم وعلى تأدية حق الله وحق رسوله فيهم وقدموا غيرهم عليهم وكانت عترة نبينا أحق بالتقديم وأبعدوهم عن مقامهم وخلافتهم وكانوا أحق بها وأهلها وأذلوهم وكانوا أحق بالعز واختاروا عليهم تيما وعديا وآل حرب وبني أمية وما كان هذا جزاء محمد (ص) من أهل الإسلام وما كان في بني هاشم نقص عن تيم وعدي وآل حرب وبني أمية وغيرهم من الأنام وما عرفنا بني هاشم إلا أعيان الناس في الجاهلية والإسلام.

وإني لأستطرف من الأربعة المذاهب إقدامهم تارة على ترك العمل بوصايا نبيهم محمد (ص) التي تضمنتها أخبارهم الصحاح المقدم ذكر بعضها وإقدامهم تارة أخرى على تقبيح ذكر نبيهم فيما نسبوه به صلوات الله عليه وآله إلى إهمال رعيته وأمته وإنه توفي وتركهم بغير وصية بالكلية.

٢٥٥ ـ وقد روى مسلم في صحيحه في الجزء الثالث من الأجزاء الستة في الثلث الأخير منه في كتاب الفرائض بإسناده إلى ابن شهاب عن أبيه أنه سمع

رسول الله (ص) يقول ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة (١).

وروى نحو ذلك من عدة طرق فكيف تقبل العقول أن النبي يقول ما لا يفعل؟ وقد تضمن كتاب الله تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " (٢).

وقال الله تعالى عمن هو دون محمد (ص) من الأنبياء " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " (٣).

فكيف يأمر نبينا (ص) بالوصية ولو في الشئ اليسير ويتركها هو في الأمر الكبير والجم الغفير؟ لا سيما وقد رووا أن الله تعالى عرفه ما يحدث في أمته من الاختلاف العظيم وسيأتي أخبارهم ببعض ذلك في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ما هكذا تقتضي صفات السياسة المرضية وعموم الرحمة الإلهية وثبوت الشفقة المحمدية وكيف يصدق عاقل أو جاهل أن محمدا (ص) يترك الأمة بأسرها كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها عالمها وجاهلها في ظلمة الحيرة والاختلاف والاهمال والضلال؟ لقد أعاذه الله من هذه الحال ولقد نسبوه إلى غير صفاته الشريفة وما عرفوا أو عرفوا وجحدوا حقوق ذاته المعظمة المنيفة.

ومن الحوادث التي حدثت بطريق ذلك القول وبطريق يلزم الأربعة المذاهب في الإمامة بالاختيار من بعض الأمة أن الناس لما أرادوا دفع بني هاشم عن حقوقهم ومقام نبيهم واطراح

وصايا النبي بهم تعصب قوم لآل حرب وبني

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٠ ، ورواه مالك عن عبد الله بن عمر مثله إلا أن فيه بدل ثلاث ليال (ليلتين) في الموطأ : ٢ / ١٣٠.

(٢) البقرة : ٤٤.

(٣) هود : ٨٨.

أمية واختاروا منهم خلفاء وبايعوهم وتأسوا في ذلك بمن جعل الخلافة بالاختيار فكان ذلك أيضا سبب وصول الخلافة إلى معاوية الذي قاتل خليفة المسلمين ووصي رسول رب العالمين وقاتل وجوه بني هاشم والصحابة والتابعين وفعل ما فعل وكان ذلك أيضا سبب وصول الخلافة إلى يزيد بن معاوية الذي قتل في أول خلافته الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله ص ولد رسول الله وأحد سيدي شباب أهل الجنة وقد تقدم في رواياتهم من كتبهم الصحاح بعض ما أثبتوه من وصايا النبي ص فيه وفي أخيه وأبيه وتعظيم الله لهم ودلالته عليهم ما لا حاجة إلى تكراره.

وبلغ يزيد بن معاوية إلى منع الحسين ع وحرمه على يد عمر بن سعد من شرب الماء وقتل خواصه وجماعة من أهل بيته ثم قتله ع بعدهم ونهب رحاله وسلب عياله وحمل رأسه على رماح أهل الإسلام وسير حرم رسول الله من العراق إلى الشام على الأقتاب مكشفات الوجوه بين الأعداء وبين أهل الارتياب وأتبع يزيد ذلك بنهب مدينة الرسول وقد رووا في صحاحهم في مسند أبي هريرة وغيره أن النبي ص لعن من يحدث في المدينة حدثا وجعلها حرما وكان ذلك على يد مسلم بن عقبة نائبه الذي نفذه إليهم وسبى أهل المدينة وبايعهم على أنهم عبيد قن ليزيد بن معاوية وأباحها ثلاثة أيام حتى ذكر جماعة من أصحاب التواريخ أنه ولد منهم في تلك المدة أربعة آلاف مولود لا يعرف لهم أب وكان في المدينة وجوه بني هاشم والصحابة والتابعين وحرم خلق كثير من المسلمين.

وأتبع يزيد ذلك في وصيته لمسلم بن عقبة بإنفاذ الحصين بن نمير السكوني لقتال عبد الله بن الزبير بمكة فرمى الكعبة بخرق الحيض والحجارة وهتك حرمة حرم الله تعالى وحرم رسوله ص وتجاهر بالفساد في العباد والبلاد

وكان ذلك الاختيار سبب وصول الخلافة إلى سفهاء بني أمية وإلى هرب بني هاشم منهم خوفا على أنفسهم وإلى قتل الصالحين والأخيار وإلى إحياء سنن الجبابرة والأشرار حتى وصل الأمر إلى خلافة الوليد بن يزيد الزنديق الذي تفال يوما بالمصحف فخرج فاله واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد (١) فرمى المصحف من يده وأمر أن يجعل هدفا ورماه بالنشاب! وأنشد يقول :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا رب مزقني الوليد

ولو كان المسلمون قد قنعوا باختيار الله ورسوله لهم وما نص النبي (ص) عليه من تعيين الخلافة في عترته ما وقع هذا الخلل والاختلاف في أمته وشريعته فصرنا نحن على موالاة بني هاشم ومواساتهم بأنفسنا ورأينا الذل بالوفاء لله ولرسوله معهم خيرا من العز بمخالفتهم والفقر بحفظ مخلفي نبينا (ص) خيرا من الغنى بإضاعتهم والخوف بقضاء حق إحسانه خيرا من الأمن بكفرانه والقتل معهم خيرا من الحياة مع أعداء الله وأعداء رسوله وأعدائهم ومضى أعمار سلفنا على هذا ونحن على ذلك الآن ولما وجد أسلافنا قدره على نصره بني هاشم أيام مروان وقضاء بعض حقوق الله تعالى فيهم وحقوق رسوله (ص) تعاهدنا على قتل النفوس في خدمتهم وهلاك أعدائهم وشفينا صدورهم من بني أمية ورددنا العز العترة الهاشمية.

فهل كان معنا أحد من رؤساء هؤلاء الأربعة المذاهب أو أتباعهم؟ لأن فيهم من تأخر زمانه أو تقدم أوانه فظفرنا نحن بهذه الفضيلة في خدمتهم ونصرتهم ولئن غلبنا أصحاب الأربعة المذاهب الآن بالكثرة واختصوا في الظاهر بتالف خلفاء بني هاشم لهم وصرنا نحن البعداء في ظاهر الأمر فلا تعتقد

__________________

(١) إبراهيم : ١٥.

أن ذلك لعزة أولئك عليهم ولا لهواننا عندهم بل مداراة للأربعة المذاهب وتآلفا لهم على عادة النبي (ص) مع المؤلفة قلوبهم الذين عرف ضعف دينهم وطلبهم للدنيا وكان يعطيهم الكثير ويعطي من يرتضيه اليسير.

ويدلك على أن ذلك تالف ومداراة من بني هاشم لهؤلاء المشار إليهم ما قد حكمت به الضرورة من أنهم يذكرون على المنابر في الجمع والأعياد بعد ذكر الله ورسوله (ص) بعض الخلفاء الذين تقدموا على بني هاشم وما كان ذكرهم مشروعا في زمن الصحابة والتابعين ولا زمن بني أمية وإنما أوجب اختلاف الأمة على بني هاشم ولزوم التقية تآلف أتباع أولئك الخلفاء بذكر أسمائهم على المنابر ولو كان ذكر الخلفاء مشروعا بعد ذكر الرسول (ص) لوجب ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام فإنه لا شبهة عند هؤلاء الأربعة المذاهب في ثبوت خلافته ثم كان يجب ذكر خلفاء بني أمية عند من يعتقد خلافتهم أو ذكر بني هاشم من السفاح إلى الآن فما بال خلفاء بني هاشم لا يذكر أمواتهم جميعا ولا بعض من مات منهم لولا ما ذكرناه.

تنصيص الرسول (ص)

على أن الخلفاء بعده اثنا عشر كلهم من قريش

ومن طرائف ما رأيت من مناقضات الأربعة المذاهب تجويزهم أن يكون الخلفاء من غير قريش.

٢٥٦ ـ وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما بإسنادهما إلى عبد الله بن عمر قال قال رسول الله (ص) : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من

الناس اثنان (١).

ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى وأنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون (٢).

٢٥٧ ـ وذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في المتفق عليه من مسند عبد الله بن عمر في الحديث التاسع وستين بعد المائة عن النبي (ص) أنه قال لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان (٣).

٢٥٨ ـ وروى الحميدي في عدة أحاديث عن النبي (ص) أنه قال الناس تبع لقريش(٤).

٢٥٩ ـ ومن طرائف ما رأيت من عداوتهم لقريش ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والعشرين بعد المأتين من مسند أبي هريرة قال قال النبي (ص) : يهلك الناس بهذا الحي من قريش قالوا فما تأمرنا؟ قال إن الناس اعتزلوهم (٥).

هذا لفظ الحديث فكيف يصدق عاقل إن النبي (ص) يأمر باعتزال قريش فكيف يبقى الإسلام؟ وأين ذلك من رواياتهم المتواترة بالوصايا في حقهم.

ومن طرائف ما رأيت من مناقضات هؤلاء الأربعة المذاهب ومكابراتهم وظلمهم لقريش إن خلقا كثيرا من المسلمين ينكرون على من يقول أنه يكون بعد نبيهم محمد (ص) اثنا عشر خليفة من قريش وفي بعضها اثنا عشر أميرا وقد رووا في كتبهم التي سموها صحاحا تصديق ما كذبوه

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٥٢ ، والبخاري في صحيحه : ٨ / ١٠٥.

(٢) الزخرف : ٤٤.

(٣) نفس المصدر من الصحيحين.

(٤) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٥١.

(٥) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٣٦.

وتحقيق ما أنكروه.

٢٦٠ ـ فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في الجزء الثاني من أجزاء ثمانية بإسناده إلى جابر بن سمره قال سمعت النبي (ص) يقول يكون من بعدي اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها قال أبي : أنه قال كلهم من قريش (١).

٢٦١ ـ ومن ذلك في حديث يرفعه البخاري في صحيحه بإسناده إلى ابن عيينة قال قال رسول الله (ص) لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي (ص) بكلمة خفيت علي فسألت أبي ماذا قال رسول الله (ص)؟ فقال كلهم من قريش (٢).

٢٦٢ ـ ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه في الجزء الرابع من أجزاء ستة قال عن النبي (ص) : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال ثم تكلم بكلام خفى علي فقلت ماذا قال؟ قال كلهم من قريش (٣).

ورواه مسلم في صحيحه من طريق آخر مثل رواية البخاري عن ابن عيينة بألفاظه ومعانيه (٤).

٢٦٣ ـ ومن ذلك ما رواه مسلم أيضا في صحيحه في رواية سماك بن حرب يرفعه إلى النبي (ص) قال لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ثم قال كلمة لم يفهمها الراوي فسأل عنها من سمع الحديث من النبي (ص)

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٨ / ١٢٧ ، ورواه أحمد في المسند : ٥ / ٩٢.

(٢) البخاري في صحيحه : ٩ / ٨١ ط أميرية ، ورواه أحمد في مسنده : ٥ / ٩٢.

(٣ ـ ٤) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٥٢.

فقال له : إن النبي قال : كلهم من قريش (١).

٢٦٤ ـ وفي رواية الشعبي من صحيح مسلم نحوه إلا أنه قال لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة (٢).

٢٦٥ ـ ومن ذلك في رواية سعد بن أبي وقاص من صحيح مسلم بإسناده أن النبي (ص) قال يوم جمعه عشيه رجم الأسلمي : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (٣).

وفي رواية عامر بن سعد من صحيح مسلم نحو هذه الرواية (٤).

٢٦٦ ـ ومن ذلك في الجمع بين الصحاح الستة في باب أن أكرمكم عند الله أتقاكم بإسناده أن النبي (ص) قال إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة قال كلهم من قريش (٥).

٢٦٧ ـ ومن ذلك في الجمع بين الصحاح الستة أيضا قال إن النبي (ص) قال لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش (٦).

٢٦٨ ـ ومن ذلك في صحيح أبي داود من الجزء الثاني من أجزاء اثنين بإسناده إلى النبي (ص) قال لا يزال هذا الدين ظاهرا حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (٧).

ومن ذلك رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين لهذه الأحاديث برواية عبد الملك بن عمير وطريق شعبة وطريق ابن عيينة وطريق عامر بن سعد وطريق سماك بن حرب وطريق عدي بن حاتم وطريق عامر بن الشعبي وطريق حصين بن عبد الرحمن وجميع هذه الطرق يتضمن أن عدتهم اثنا عشر

__________________

(١ ـ ٤) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٥٣ ـ ١٤٥٤. ورواه أحمد في مسنده : ٥ / ٩٠.

(٥ ـ ٦) إحقاق الحق عنه : ٧ / ٤٧٨.

(٧) رواه السجستاني في سننه ٤ / ١٥٠ ط السعادة مصر.

خليفة واثنا عشر أميرا وكلهم من قريش (١).

٢٦٩ ـ ومن كتاب تفسير القرآن للسدي ـ وهو من قدماء المفسرين عندهم ومن ثقاتهم ـ قال لما كرهت سارة مكان هاجر أوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل (ع) فقال انطلق بإسماعيل وأمه حتى تنزله ببيت التهامي ـ يعني مكة ـ فإني ناشر ذريته وجاعلهم ثقلا على كفر بي وجاعل منهم نبيا عظيما ومظهره على الأديان وجاعل من ذريته اثني عشر عظيما وجاعل ذريته عدد نجوم السماء (٢).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : وقد رأيت تصنيفا لأبي عبد الله محمد بن عبد بن عياش اسمه " كتاب مقتضب الأثر في إمامة الاثني عشر " وهو نحو من أربعين ورقة في النسخة التي رأيتها يذكر فيها أحاديث عن نبيهم محمد (ص) بإمامة الاثني عشر من قريش بأسمائهم.

في تنصيص الرسول على أسماء الأئمة الاثني عشر

٢٧٠ ـ ومن ذلك ما رواه المسمى عندهم صدر الأئمة أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتابه قال حدثنا فخر القضاة نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين البغدادي فيما كتب إلي من همدان قال أنبأنا إمام الأئمة محمد بن أحمد بن شاذان قال حدثنا أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله

__________________

(١) راجع إحقاق الحق : ١٣ / ٤٨.

(٢) رواه القاضي التستري عن تفسير السدي في إحقاق الحق : ٧ / ٤٧٨ ، والبحار ٣٦ / ٢١٤ ، والعمدة : ٢١٨ ـ ٢١٩.

الحافظ ، قال حدثنا علي بن شاذان الموصلي عن أحمد بن محمد بن صالح عن سليمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبد الرحمن عن زيد بن جابر عن سلامة عن أبي سليمان راعى رسول الله (ص) قال سمعت رسول الله يقول ليله أسرى بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " فقلت : " والمؤمنون " قال صدقت يا محمد من خلفت لأمتك؟ قلت خيرها. قال علي بن أبي طالب؟ قلت نعم يا رب قال يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعه فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وشققت اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والأئمة من ولد الحسين من شبح نور من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن جحدها كان عندي من الكافرين ، يا محمد لو أن عبدا من عبادي عبدني حتى ينقطع يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت : نعم يا رب فقال التفت عن يمين العرش فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون والمهدي في وسطهم كأنه كوكب دري بينهم وقال يا محمد هؤلاء الحجج وهذا الثائر من عترتك يا محمد وعزتي وجلالي أنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي (١).

٢٧١ ـ ومن ذلك ما رواه أخطب خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتابه

__________________

(١) ينابيع المودة عن الخوارزمي : ٣ / ١٦٠ ، ط بيروت ، والبحار : ٣٦ / ٢٦٢.

بإسناده عن الإمام محمد بن أحمد بن شاذان قال حدثنا محمد بن علي بن الفضل عن محمد بن قاسم عن عباد بن يعقوب عن موسى بن عثمان عن الأعمش قال حدثني أبو إسحاق بن الحارث وسعيد بن بشير عن علي بن أبي طالب (ع) قال قال رسول (ص) : أنا واردكم على الحوض وأنت يا علي الساقي والحسن الرائد والحسين الأمر وعلي بن الحسين الفارط ومحمد بن علي الناشر وجعفر بن محمد السائق وموسى ابن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين وعلي بن موسى مزين المؤمنين ومحمد بن علي منزل أهل الجنة درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلا لمن يشاء ويرضى(١).

٢٧٢ ـ ومن ذلك ما رواه الخطيب الخوارزمي في كتابه بإسناده عن ابن شاذان قال حدثني أبو محمد الحسن بن علي العلوي الطبري عن أحمد بن عبد الله حدثني جدي أحمد بن محمد عن أبيه عن حماد بن عيسى عن عمرو بن أذينة قال حدثني أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان المحمدي قال دخلت على النبي (ص) وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ويقول : أنت سيد ابن السيد أبو السادات أنت إمام ابن الإمام أبو الأئمة أنت حجة بن الحجة أبو الحجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم (٢).

(قال عبد المحمود) : فهذا تصريح عظيم بموافقة الشيعة في تعداد أئمتهم

__________________

(١) الخوارزمي في مقتل الحسين : ٩٤ ، والبحار : ٣٦ / ٢٧٠.

(٢) الخوارزمي في مقتله : ١٤٥ ، والبحار : ٣٦ / ٢٤١.

وتسميتهم وشهادة بتعيين النص عليهم من الله ورسوله فكيف حسنت المكابرة للشيعة والعداوة لهم وأول راضي سنة من يشيعها.

(قال عبد المحمود) : ورأيت أيضا كتابا تصنيف رجال الأربعة المذاهب ورواتهم اسم التصنيف المذكور " تاريخ أهل البيت من آل رسول الله " رواية نصر بن الجهضمي يتضمن تسمية الاثني عشر من آل محمد المشار إليهم.

(قال عبد المحمود) : ورأيت كتابا آخر من تصنيف رجال الأربعة المذاهب ورواتهم ترجمة الكتاب المذكور تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت وأين دفنوا رواية ابن الخشاب الحنبلي النحوي يتضمن تسمية الاثني عشر المشار إليهم والتنبيه عليهم.

(قال عبد المحمود) : ورأيت في كتبهم وتصانيفهم وروايتهم غير ذلك مما يطول تعداده يتضمن الشهادة للفرقة الشيعة بتعيين أئمتهم الاثني عشر وأسمائهم (عليهم السلام)

بشارة الرسول (ص) بالمهدي عليه السلام

(قال عبد المحمود) : قال لي الشيعي : واعلم أننا روينا نحن وأكثر أهل الإسلام أيضا أن نبينا محمدا (ص) قال لا بد من مهدي من ولد فاطمة ابنته (ع) يظهر فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا وقد روى أيضا جماعة من رجال الأربعة المذاهب في كتبهم وأجمع عليه أهل الإسلام.

٢٧٣ ـ فمن رواياتهم في ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستة بإسنادهم إلى أم سلمة قالت سمعت رسول الله (ص) يقول المهدي من عترتي من ولد

فاطمة (عليها السلام) (١).

وروى هذا الحديث بألفاظه ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس في باب الألف واللام ورواه أبو محمد حسين بن مسعود الفراء في كتاب المصابيح في باب أخبار المهدي(٢).

٢٧٤ ـ ومن ذلك من صحيح أبي داود بإسناده قال قال رسول الله (ص) : لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبعث الله رجلا أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (٣).

٢٧٥ ـ ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسير قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى بإسناده إلى أنس عن النبي (ص) أنه قال نحن ولد عبد المطلب ساده أهل الجنة وذكر نفسه الشريفة وخمسه سماهم من أهل بيته ثم قال والمهدي (عليه السلام) (٤).

٢٧٦ ـ ومن ذلك ما ذكره الثعلبي أيضا في تفسيره حمعسق بإسناده قال : السين سناء المهدي عليه السلام والقاف قوه عيسى (عليه السلام) حين ينزل فيقتل النصارى ويخرب البيع (٥).

٢٧٧ ـ ومن ذلك ما تقدم من رواية الثعلبي في تفسيره في قصة أصحاب الكهف ورواه عن النبي (ص) أن المهدي (عليه السلام) يسلم عليهم فيحييهم الله

__________________

(١) رواه أبو داود السجستاني في سننه : ٤ / ١٥١ ، والبحار : ٥١ / ١٠٢.

(٢) راجع البحار : ٣٦ / ٣٧٠ و ٥١ / ١٠٥ ورواه البخاري في تاريخه : ٤ / ٤٠٦

أبو داود السجستاني في سننه : ٤ / ١٥١ ، والعمدة : ٢٢٤ ، وراجع الفصول المهمة : ٢٩٤ فإنه روى الحديثين عنهم.

(٣) راجع البحار : ٣٦ / ٣٧٠ و ٥١ / ١٠٥ ورواه البخاري في تاريخه : ٤ / ٤٠٦ أبو داود السجستاني في سننه : ٤ / ١٥١ ، والعمدة : ٢٢٤ ، وراجع الفصول المهمة : ٢٩٤ فإنه روى الحديثين عنهم.

(٤) البحار عن الثعلبي : ٥١ / ١٠٣ ، وابن بطريق في المستدرك على ما في البحار : ٣٦ / ٣٦٩ ، وابن المغازلي في المناقب : ٤٨.

(٥) البحار عنه : ٥١ / ١٠٥.

عز وجل ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة (١).

٢٧٨ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا في الجمع بين الصحاح الستة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) : المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ويملك سبع سنين وفي رواية عن هشام تسع سنين وفي رواية الفراء في كتاب المصابيح مثل الحديث بهذه الألفاظ إلا أنه قال يملك تسع (٢).

٢٧٩ ـ ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستة عن أبي إسحاق قال علي (ع) ونظر إلى ابنه الحسين وقال إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله (ص) وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ عدلا (٣).

ومن ذلك ما رواه الفقيه ابن المغازلي في كتاب المناقب من عدة طرق بأسانيدها إلى النبي (ص) يتضمن البشارة بالمهدي (ع) وذكر فضائله ودولته (٤).

٢٨٠ ـ ومن ذلك ما ذكره أبو محمد ابن مسعود الفراء في كتاب المصابيح في حديث يرفعه إلى النبي (ص) أنه ذكر بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي أهل بيتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ملائكة السماء والأرض

__________________

(١) تقدم في حديث البساط والتسليم على أصحاب الكهف تحت الرقم : ١١١.

(٢) إحقاق الحق عنه : ١٣ / ١٣٣ و ١٤٠ ، وابن داود في سننه ، ٤ / ١٥٢ ، والعمدة : ٢٢٥.

(٣) العمدة عنه : ٢٢٥ ، والبحار : ٥١ / ١١٦.

(٤) غير موجود هذا الباب في المناقب المطبوع ، ولعل نسخة السيد كانت أتم من هذا المطبوع.

لا يدع السماء من قطرها شيئا إلا صبه مدرارا ولا يدع الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته حتى يتمنى الإحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو تسع سنين (١).

٢٨١ ـ ومن ذلك في كتاب المصابيح المقدم ذكره في قصة المهدي عليه السلام يرفعه إلى النبي (ص) أنه قال فيجئ الرجل فيقول يا مهدي أعطني أعطني فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله (٢).

٢٨٢ ـ ومن ذلك في كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي (ص) قال المهدي طاووس أهل الجنة (٣).

٢٨٣ ـ ومن ذلك في الكتاب المذكور بإسناده إلى حذيفة بن اليمان عن النبي (ص) أنه قال : المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدري واللون منه لون العربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى بخلافته أهل السماوات والأرض في الجو ويملك عشرين سنة (٤).

٢٨٤ ـ ومن ذلك في الكتاب المشار إليه بإسناده أيضا إلى النبي (ص) أنه قال المهدي منا أهل البيت يصلحه الله عز وجل في ليله (٥).

(قال عبد المحمود بن داود) : إن هذه الأحاديث بعض ما أورده رجال الأربعة المذاهب وعلماء الإسلام.

__________________

(١) البحار : ٥١ / ١٠٤ ، وينابيع المودة : ٤٣١ ، وابن حجر في الصواعق : ٩٧.

(٢) البحار : ٥١ / ١٠٤ ، وروى نحوه ابن صباغ في الفصول المهمة : ٢٩٧ ، والصواعق : ٩٩.

(٣) فصول المهمة عنه : ٢٩٣ ، والبحار : ٥١ / ١٠٥ ، وينابيع المودة : ١٨١.

(٤) فصول المهمة عنه : ٢٩٤ ، وذخائر العقبى : ١٣٦ ، وينابيع المودة : ١٨٨.

(٥) أحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٨٤ ، وينابيع المودة : ١٨٨.

وقد جمع الحافظ أبو نعيم كتابا في ذلك نحو ست وعشرين ورقة من أربعين حديثا وسماه كتاب ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وهذا من أعيان علماء الأربعة المذاهب.

وقد كان بعض العلماء من الشيعة قد صنف كتابا ووجدته ووقفت عليه وفيه أحاديث أحسن مما أوردناه وسماه كتاب كشف المخفي في مناقب المهدي (١) وروى فيه مائة وعشرة أحاديث من طرق رجال الأربعة المذاهب فتركت نقلها بأسانيدها وألفاظها كراهية التطويل ولئلا يمل ناظرها ولأن بعض ما أوردنا يغني عن زيادة التفصيل لأهل الإنصاف والعقل الجميل وسأذكر أسماء من روى المائة وعشرة أحاديث التي في كتاب المخفي عن أخبار المهدي (ع) لتعلم مواضعها على التحقيق وتزداد هدايه أهل التوفيق فمنها من صحيح البخاري ثلاثة أحاديث ومنها من صحيح مسلم أحد عشر حديثا ومنها من الجمع بين الصحيحين للحميدي حديثان ومنها من الجمع بين الصحاح الستة لرزين بن معاوية العبدري أحد عشر حديثا ومنها من كتاب فضائل الصحابة مما أخرجه الشيخ الحافظ عبد العزيز العكبري من مسند أحمد بن حنبل سبعة أحاديث ومنها من تفسير الثعلبي خمسة أحاديث ومنها من غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري ستة أحاديث ومنها من كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي أربعة أحاديث ومن كتاب مسند سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام تأليف الحافظ أبي الحسن على الدارقطني ستة أحاديث ومنها من كتاب الحافظ أيضا من مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثلاثة أحاديث ومن كتاب المبتدأ للكسائي حديثان يشتملان أيضا على ذكر المهدي عليه السلام

__________________

(١) وهو للشيخ يحيى بن الحسن بن بطريق صاحب العمدة والمستدرك وقد مضى ترجمته في أوائل الكتاب.

وذكر خروج السفياني والدجال ومنها من كتاب المصابيح لأبي الحسين بن مسعود الفراء خمسة أحاديث ومنها من كتاب الملاحم لأبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المناري أربعة وثلاثون حديثا ومنها من كتاب الحافظ محمد بن عبد الله الحضرمي المعروف بابن مطيق ثلاثة أحاديث ومنها من كتاب الرعاية لأمل الرواية لأبي الفتح محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الفرغاني ثلاثة أحاديث ومنها خبر سطيح رواية الحميدي أيضا ومنها من كتاب الإستيعاب لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري حديثان (١).

(قال عبد المحمود) : ووقفت على الجزء الثاني من كتاب السنن رواية محمد بن يزيد ماجة قد كتب في زمان مؤلفه تاريخ كتابته وبعض الإجازات عليه ما هذا لفظها :

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد أجزت ما في هذا الكتاب من أوله إلى آخره وهو آخر كتاب السنن لأبي عمرو محمد بن سلمة وجعفر والحسن ابني محمد بن سلمة حفظهم الله وهو سماعي من محمد بن يزيد ماجة نفعنا الله وإياكم به وكتب إبراهيم بن دينار بخطه وذلك في شهر شعبان سنة ثلاثمائة وقد عارضت به وصلى على محمد وسلم كثيرا.

وقد تضمن هذا الجزء المذكور الموصوف كثيرا من الملاحم فمنها باب خروج المهدي وروى في هذا الباب من هذه النسخة سبعة أحاديث بأسانيدها في خروج المهدي وإنه من ولد فاطمة (ع) وإنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وذكر كشف الحالة وفضلها يرفعها إلى النبي (ص)

و (قال عبد المحمود) : ووقفت أيضا على كتاب المقتص على محدثي الأعوام لنبأ ملاحم غابر الأيام تلخيص أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد

__________________

(١) ومن أراد الوقوف على أحاديث هؤلاء القوم فعليه بكتاب إحقاق الحق : ١٣.

المناري قد كتب في زمان مؤلفه في آخر النسخة التي وقفت عليها ما هذا لفظه فكان الفراغ من تأليفه سنة ثلاثمائة وثلاثين وعلى الكتاب إجازات وتجويزات تاريخ بعض إجازاته في ذي قعدة سنة ثمانين وأربعمائة من جملة هذا الكتاب ما هذا لفظه سيأتي بعض المأثور في المهدي ع وسيرته ثم روى ثمانية عشر حديثا بأسانيدها إلى النبي ص بتحقيق خروج المهدي ع وظهوره وأنه من ولد فاطمة ع وأنه يملأ الأرض عدلا وذكر كماله وسيرته وجلاله وولايته.

قال عبد المحمود وقد وقفت على كتاب قد ألفه ورواه وحرره أبو نعيم الحافظ واسمه أحمد بن أبي عبد الله بن أحمد وهذا المؤلف من أعيان رجال الأربعة المذاهب وله تصانيف وروايات كثيرة وقد سمى أبو نعيم الكتاب المشار إليه كتاب ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته ثم ذكر في صدر الكتاب تسعة وأربعين حديثا أسندها إلى النبي ص يتضمن البشارة بالمهدي ع وأنه من ولد فاطمة ع وأنه يملأ الأرض عدلا وأنه لا بد من ظهوره ثم ذكر بعد ذلك حديثا معنى بعد معنى وروى في كل معنى أحاديث بأسانيدها إلى النبي ص.

فقال أبو نعيم بعد رواية التسعة والأربعين حديثا مشارا إليها في حقيقة ذكر المهدي ونعوته وخروجه وثبوته ما هذا لفظه وبخروجه يرفع عن الناس تظاهر الفتن وتلاطم المحن ويمحق الهرج وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص اثنين وأربعين حديثا بأسانيدها.

ثم قال أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه إعلام النبي ص أن المهدي سيد من سادات أهل الجنة وروى عن النبي في صحة هذا المعنى ثلاثة أحاديث ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر جيشه وصورته وطول مدته وأيامه وروى

في صحة هذا المعنى عن النبي ص أحد عشر حديثا.

ثم ذكر ما هذا لفظه بالعدل وفي وبالمال سخي يحثوه حثوا ولا يعده عدا وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص بإسناده تسعة أحاديث.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر البيان عن الروايات الدالة على خروج المهدي وظهوره ثم روى عن النبي ص في صحة هذا المعنى أربعة أحاديث.

ثم ذكر ما هذا لفظه ذكر البيان في أن توطئة أمر المهدي وخلافته وجيشه من قبل المشرق فروى في هذا المعنى وصحته عن النبي ص حديثين.

ثم ذكر أبو نعيم الحافظ أيضا ما هذا لفظه ذكر بيان القرية التي يكون منها خروج المهدي وروى في صحة ذلك حديثين يرفعهما إلى النبي ص.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر بيان أن من تكرمة الله لهذه الأمة أن عيسى ابن مريم يصلي خلف المهدي ثم روى في صحة هذا المعنى ثمانية أحاديث عن النبي ص.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر ما ينزل الله عزوجل من الخسف والنكال على الجيش الذين يرمون الحرم تكرمة للمهدي ثم روى في صحة هذا المعنى خمسة أحاديث عن النبي ص بأسانيدها.

ثم ذكر أبو نعيم الحافظ ما هذا لفظه ذكر المهدي أنه من ولد الحسين / وذكر كنيته وموته حين يبعث وروى أبو نعيم في صحة هذا المعنى تسعة أحاديث عن النبي ص بأسانيدها.

ثم ذكر أبو نعيم أيضا ما هذا لفظه ذكر فتح المهدي المدينة الرومية ورد ما سبى ملكها من بني إسرائيل إلى بيت المقدس وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص خمسة أحاديث بأسانيدها.

ثم ذكر أبو نعيم الحافظ ما هذا لفظه ما يكون في زمان المهدي من الخصب والأمن والعدل وروى في صحة هذا المعنى عن النبي ص بإسناده سبعة أحاديث.

فجملة الأحاديث المذكورة في كتاب ذكر المهدي ع ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته المختصة بهذا المعنى المقدم ذكرها مائة وستة وخمسون حديثا وأما طرق هذه الأحاديث فهي كثيرة تركت ذكرها في هذا الكتاب كراهية الإكثار والإطناب.

قال عبد المحمود قال الشيعي وأما الذي ورد من طريق الشيعة وأهل البيت ع في ذلك مجملا ومفصلا لا يسعه إلا مجلدات وقد تضمن كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة تأليف أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ره طرفا جيدا من الروايات فمن أراد سلامة نفسه من الهلاك فلينظر أيضا ما هناك.

قال ونقل إلينا سلفنا نقلا متواترا أن المهدي ع المشار إليه ولد ولادة مستورة لأن حديث تملكه ودولته وظهوره على كافة الممالك والعباد والبلاد كان قد ظهر للناس فخيف عليه كما جرت الحال في ولادة إبراهيم وموسى ع وغيرهما ممن اقتضت المصلحة ستر ولادته وإن الشيعة عرفت ذلك لاختصاصها بآبائه ع وتلزمها بمحمد نبيهم وعترته فإن كل من تلزم بقوم كان أعرف بأحوالهم وأسرارهم من الأجانب كما أن أصحاب الشافعي أعرف من أصحاب غيره من رؤساء الأربعة المذاهب.

قال الشيعي وقد كان المهدي ع ظهر لجماعة كثيرة من أصحاب والده العسكري ونقلوا عنه أخبارا وأحكاما شرعية وأسبابا مرضية وكان له وكلاء ظاهرون في غيبته معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأوطانهم يخبرون عنه بالمعجزات والكرامات وجواب أمور المشكلات وبكثير مما ينقله عن آبائه

عن رسول الله (ص) عن الله تعالى من الغائبات منهم عثمان بن سعيد العمري المدفون بقطقطان من الجانب الغربي ببغداد ومنهم ولده أبو جعفر بن عثمان بن سعيد العمري ومنهم أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي ومنهم علي بن محمد السمري رضوان عليهم.

وقد ذكر نصر بن علي الجهضمي في تاريخ أهل البيت وقد تقدم ذكره قبل هذا الموضع برواية رجال الأربعة المذاهب حال هؤلاء الوكلاء وأسمائهم وإنهم كانوا وكلاء المهدي عليه السلام وأمرهم أشهر من أن يحتاج إلى الإطالة في هذا الكتاب وكان هؤلاء الوكلاء من أعيان الصالحين وخيار المسلمين وكان كلما قرب وفاة أحد منهم عين المهدي عليه السلام على من يقوم مقامه بآيات وكرامات شاهدة بتصديق ذلك ورواياتهم منقولة وأنسابهم وسيرتهم

وقبورهم معلومة ولو خالط هؤلاء الأربعة المذاهب علماء الشيعة واطلعوا على كتبهم ورواياتهم في المعنى علموا صحة ما قلنا ضرورة وتواترا.

ولما بلغ الأمر إلى علي بن محمد السمري ذكر أن المهدي (ع) قد عرفه أن ينتقل إلى الله وكشف له عن يوم وفاته وأنه قد تقدم إليه أن لا يوكل أحدا غيره وأن قد جاءت الغيبة التامة التي يمتحن فيها المؤمنون وهذه سنة من الله تعالى قد كان أمثالها في عباده وبلاده يشهد بها التواريخ وأخبار الأنبياء وقال سبحانه في كتابه ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين فتوفى علي محمد السمري رضي الله عنه في الوقت الذي أشار إليه.

ولقد لقي المهدي (ع) خلق كثير بعد ذلك من شيعته وغيرهم وظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم وعند من أخبروه أنه هو عليه وعلى

آبائه السلام ونقلوا عنه أخبارا متظاهرة وإذ كان (عليه السلام) غير ظاهر الآن لجميع شيعته فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه وينتفعون بمقاله وفعاله ويكتمونه كما جرى الأمر في جماعة من الأنبياء والأوصياء والملوك حيث غابوا عن كثير من الأمة لمصالح دينية أو دنيوية أوجبت ذلك.

وأما من يشك في هذا من مخالفينا ويقولون إنه ما ولد فلو خالطونا وسمعوا أخبارنا الصحيحة عن الثقات تحققوا ما نقلناه.

وأما استبعاد من استبعد منهم ذلك لطول عمره الشريف فما يمنع من ذلك إلا جاهل بالله وبقدرته وبأخبار نبينا وعترته أو عارف ويعاند بالجحود كما حكى الله تعالى عن قوم فقال : " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " (١).

فكيف يستبعد بطول الأعمار وقد تواتر كثير من الأخبار بطول عمر جماعة من الأنبياء وغيرهم من المعمرين وهذا الخضر (ع) باق على طول السنين وهو عبد صالح من بني آدم ليس بنبي ولا حافظ شريعة ولا بلطف في بقاء التكليف فكيف يستبعد طول حياه المهدي عليه السلام وهو حافظ شريعة جده محمد (ص) ولطف في بقاء التكليف وحجه في أحد الثقلين اللذين قال النبي (ص) فيهما : إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض والمنفعة ببقائه في حال ظهوره وخفائه أعظم من المنفعة بالخضر.

وكيف يستبعد طول عمره الشريف من يصدق بالقرآن وقد تضمن قصة أصحاب الكهف أعجب من هذا لأنه مضى لهم على ما تضمنه القرآن ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وهم أحياء كالنيام يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال لئلا تبلى جنوبهم بالأرض فهؤلاء محتاجون الطعام والشراب قد بقوا هذه المدة بنص القرآن بغير طعام ولا شراب مما يأكل الناس وبمقتضى ما تقدم من الخبر

__________________

(١) النمل : ١٤.

السالف عن ذكر قصة أصحاب الكهف إلى زمن محمد نبيهم ص حيث بعث الصحابة على البساط ليسلموا عليهم ويبقون كما رواه الثعلبي فيما سلف عنه إلى زمن المهدي ع على الصفة التي تضمنها القرآن والحياة بغير طعام ولا شراب فأيما أعجب هؤلاء أو بقاء المهدي ع وهو يأكل ويشرب وله مواد يصح معها استمرار البقاء فكيف استبعدت حياته نفوس السفهاء وعقول الجهلاء.

قال عبد المحمود رأيت تصنيفا لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني من أعيان الأربعة المذاهب سماه كتاب المعمرين وذكرهم بأسمائهم.

وبعد هذا فليس على أحد من الملوك والخلفاء وغيرهم من الأتباع والأقوياء والضعفاء ضررا في اعتقادنا هذا لأن المسلمين كافة متفقون على البشارة بالمهدي ع وإنما خالفونا في وقت ولادته وتعيين أبيه ولأننا نعتقد أن المهدي ع إذا أراد الله ظهوره نادى مناد من السماء باسمه ووجوب طاعته وحدث من الآيات ما يدل على فرض متابعته.

فممن روى أن الملك المنادي من السماء ينادي باسم المهدي ع أحمد بن المناوي في كتاب الملاحم وأبو نعيم الحافظ في كتاب أخبار المهدي وابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس وأبو العلاء الحافظ في كتاب الفتن وابن التميمي في كتاب الفتن أيضا وهؤلاء كلهم من أعيان رجال الأربعة المذاهب.

وأما رواية الشيعة بالملك الذي ينادي فهي كثيرة يضيق الكتاب عن ذكر مواضعها وعن تسمية رواتها وهذه معجزات إذا وقعت كما قلنا فما يمكن دفعها وربما لا يخالف أحد في العمل بها ممن يكون عارفا بها وموافقا لها.

ولقد قيل عنا كلام لبعض الخلفاء من بني هاشم يحملونه على أذيتنا فقال والله ما علينا من هؤلاء الشيعة ضرر لأن مذهبهم يقتضي تعظيم بني هاشم كافة

لما يروونه ويعملون به من وصايا النبي ص لهم ولأن الإمام الذي يشيرون إليه الآن هو المهدي الذي لا يخالف أحد من المسلمين في البشارة به وفي إمامته وظهوره ودولته وإنما الخلاف في وقت ولادته ولا يجيزون القدح في دولته وولايته فاتفق كافة أهل الإسلام على البشارة بإمامته ولا سل سيف قبل ظهوره لأن هؤلاء الشيعة يذكرون أنه ينادي مناد باسمه من السماء وأنه من ولد علي وفاطمة ع كما روى كافة المسلمين وإذا كان ذلك فما يمكن جحوده وهو ابن عمنا والدولة أيضا يكون لنا ونحن أحق بنصره وما يرى الشيعة في هذا الاعتقاد إلا على حكم الوفاء لنا وإنما أعداؤنا الذين يذكرون ويعتقدون أنه يجوز اختيار الأئمة والخلفاء في كل وقت ومن أي القبائل كان كما فعلوا أولا في إبعادنا عن خلافتنا وميراث نبينا ص فهؤلاء الذين يعتقدون ذلك هم أعداؤنا وأعداء ربنا ونبينا وأعداء ولينا ولا نؤمن ضررهم ولا يجوز رفع شأنهم.

قال الشيعي وسمعت أن جماعة من الأربعة المذاهب ينكرون علينا ترك المخالطة لهم والاقتداء بهم وما فعلنا ذلك ظلما ولا تعديا ولا عنادا وإنما قد عرفنا بعض ما أنعم الله به علينا من الهداية التي أمر الله ورسوله ص بالتمسك بهم فنحن بذلك متمسكون وبهم مقتدون ورأينا أن هؤلاء الأربعة المذاهب قد فارقوا رضى الله ورضى رسوله ص وعترته الذين أوصاهم بالتمسك بهم وابتدعوا لأنفسهم عقائد وسننا وأمورا ما كانت في زمان نبينا وكان ذلك سبب فراقنا لهم وكان الذنب منهم والعتب عليهم ولو عادوا إلى معرفة حق الله وحق رسوله وعترته ع كنا معهم كما أمرنا الله ورسوله ص.

وسمعت عنهم أنهم يقولون ما يحضرون معنا في الجماعات والجمعات في الصلوات وإذا نظر منصف في عقائدهم ومذاهبهم وما يقولون عن الله تعالى وعن رسوله ص وعن عترته ع وما يعتقدون في حقهم وما يعتقدونه

في الأنبياء ، ويروونه في تقبيح ذكر صحابه نبيهم ويشهدون به عليهم في كتبهم الصحاح عندهم عرف عند ذلك صحة عذرنا في التأخر عنهم وترك المخالطة لهم والاقتداء بهم.

وما يخفى أن الإنسان لو أراد يودع شيئا من ماله عند إنسان فإنه كان يسأل عن دينه وورعه وأمانته ولا يودعه إلا لمن يثق إليه ويعتمد إليه ، والمال حقير والضرر بضياعه يسير ، فكيف نقتدي نحن في صلواتنا التي هي من أعظم أركان الإسلام ونودع القراءة وأسرارها لقوم قد تحققنا أنهم على ما حكيناه عنهم ، وقد قال جل جلاله " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " وقال تعالى في معرض المدح " وما كنت متخذ المضلين عضدا " ، ولولا ذلك كنا قد زاحمناهم في الصف الأول ، لأننا نروي عن عترة نبينا " ص " في فضل صلاة الجماعة ووجوب صلاة الجمعة ما لعلهم لا يعرفونه ولا يروونه.

ومن طرائف ما رووا عن أئمتهم في ترك صلاة الجماعة وترك الجمعة بالكلية ما سيأتي ذكره ، فهلا كان للشيعة من الأعذار ما اعتذروا به لأئمتهم.

فمن ذلك ما رواه القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني في كتاب مختصر المعارف ونقلت روايته لذلك من نسخة عتيقة صحيحة تاريخ كتابتها في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، قال في أواخرها عند ذكر آخر التابعين ما هذا لفظه : مالك بن أنس بن أبي عامر من حمير وعداده من بني تيم بن مرة من قريش ، قال الواقدي : كان مالك يأتي المسجد ويشهد صلاة الجمعة والجنائز ويعود المرضى ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد ويجتمع إليه أصحابه ، ثم ترك الجلوس في المسجد وكان يصلي ثم ينصرف إلى منزله ، ثم ترك ذلك كله فلم يكن يصلي الصلاة في المسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحدا يعزيه ولا يقضي له حقا ، واحتمل له ذلك حتى مات عليه ، وكان ربما كلم في

ذلك فيقول : ليس كل أحد يقدر أن يتكلم بعذره (١)

وروى حديث مالك بن أنس وعزلته من الجماعة والجمعة وغيرها بهذه الألفاظ والمعاني أيضا الغزالي في كتاب الإحياء في كتاب العزلة في الباب الأول منه.

ومن ذلك ما رواه الغزالي في الكتاب المذكور أيضا من الباب المشار إليه : إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد لزما بيوتهما بالعقيق ولم يكونا يأتيان المدينة لجمعة وغيرها حتى ماتا بالعقيق ، هذا صورة لفظه (٢).

فهلا كان للشيعة أسوة بمالك إمام المالكية من الأربعة المذاهب ، وهلا كان للشيعة عذرا إذا اقتدوا بمثل سعد وسعيد وهما من الصحابة المعظمين عند الأربعة المذاهب.

ومن ذلك ما رواه الغزالي في كتاب الإحياء أيضا في كتاب الحلال والحرام في المجلد الأول من العبادات أن أحمد بن حنبل قيل له : ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاة ونحن بالعسكر؟ فقال حجتي الحسن البصري وإبراهيم التيمي. هذا لفظ الحديث من كتاب الغزالي (٣).

فهلا كان أيضا للشيعة أسوة عند الحنابلة إذا اقتدوا في ذلك بإمامهم أحمد بن حنبل ، بل لولا وسع للشيعة من العذر عند الأربعة المذاهب ما وسع من تقدم ذكره من أئمتهم وصحابة نبيهم " ص " في ترك صلاة الجمعة وصلاة الجماعة.

في مستطرفات وقعت من المخالفين

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : وقد وقفت على أشياء مستطرفة

__________________

(١) راجع ترجمة مالك في مقدمة كتاب الموطأ

(٢) إحياء العلوم ٢ / ٢٢٢.

(٣) إحياء العلوم : ٢ / ١٥٢.

وقعت من هؤلاء الأربعة المذاهب في حق أهل بيت نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع ما تقدمت به رواياتهم من وصاياه بالتمسك بهم والمحبة والاتباع لهم.

ومن طرائف ذلك أنهم رووا تقدم ذكره عن نبيهم " ص " أنه مخلف فيهم الثقلين كتاب الله وعترته ما إن تمسكوا بهما لن يضلوا ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ، وإن أهل بيته مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، وغير ذلك مما تقدم ذكر بعضه ، فاعرض الأربعة المذاهب عن ذلك جميعه حتى فارقوا العترة المذكورة وصاروا يتعلقون في المعنى بأذيال مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل مع شدة اختلاف هؤلاء الأربعة المذاهب في الأمور العقلية والنقلية ، ومع اتفاق علماء العترة المحمدية " ص " في المعقول والمنقول ، ومع ما يشهد به لسان الحال على هؤلاء الأربعة أنهم وجدوا شريعة نبيهم غير كاملة في حياته ، ويجحدون معنى ما تضمنه كتابهم " اليوم أكملت لكم دينكم " ويزعمون أنهم تمموها بالقياس والاستحسان بآرائهم بعد وفاته ، ومع أن علماء العترة قد تضمنت كتبهم النصوص والأخبار المروية عن جدهم محمد " ص " في جميع شريعته ، فيتركون العترة مع ذلك كله ويلتزمون بمن لم يثبت له قدم ولا يقوم لهم به حجة عند الله تعالى ولا عند رسوله.

ومن طرائف ما رأيت من التعصب على بيت نبيهم وشيعتهم أن جماعة من مخالفيهم قبلوا رواية من روى الطعن في الله تعالى وفي رسوله وفي أنبيائه وفي الصحابة كما تقدم ذكره ، وتركوا قبول أخبار زهاد شيعتهم الذين لم يجر لهم ما جرى للرواة الذين قبلوا أخبارهم.

ومما يدل على ذلك ما رواه جماعة سبب أطراحهم لأخبار أهل البيت وشيعتهم ، ورواه مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الأول بإسناده إلى الجراح بن

مليح قال : سمعت جابرا يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عليه السلام عن النبي كلها (١).

ثم ذكر مسلم في صحيحه بإسناده إلى محمد بن عمرو الرازي قال : سمعت جرير يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه كان يؤمن بالرجعة (٢).

وكذلك روى مسلم في الجزء المذكور بإسناده إلى عبد الله بن المبارك أنه يقول على رؤس الأشهاد : دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف (٣).

(قال عبد المحمود) : انظر رحمك كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم برواية أبي جعفر عليه السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم ، ثم وإن أكثر المسلمين أو كلهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا وحديث إحياء الله تعالى الأموات في القبور للمسألة وقد تقدمت روايتهم عن أصحاب الكهف وهذا كتابهم يتضمن " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (٤) والسبعين الذي أصابتهم الصاعقة مع موسى ، وحديث العزير ومن أحياه عيسى ، وحديث جريح الذي أجمع على صحته ، وحديث الذين يحييهم الله تعالى في القبور للمسألة ، فأي فرق بين هؤلاء الأربعة وبين ما رواه أهل البيت وشيعتهم من الرجعة ، فأي ذنب كان لجابر في ذلك حتى يسقط حديثه ، وهلا كان له ولعمرو بن ثابت أسوة بمن رووا عنهم ممن ظهرت العداوة منهم.

ومن طرائف ذلك أنهم يعدون أولئك الأربعة الأنفس من الفقهاء والعلماء ، بل يجعلونهم أئمة العلماء والفقهاء ، وعلماء العترة وفقهاؤها وعلماء شيعتهم

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ١ / ٢٠.

(٢) مسلم في صحيحه : ١ / ٢٠ ، والذهبي في ميزان الاعتدال : ١ / ١٧٦.

(٣) مسلم في صحيحه : ١ / ٦١.

(٤) البقرة : ٢٤٣.

وفقهاؤهم لا يجرونهم مجرى واحد من أولئك.

ومن طرائف ذلك أنهم يقولون كل مجتهد مصيب ، بل زادوا على ذلك فذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثالث من مسند عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله " ص " يقول : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر (١).

ففتحوا باب إباحة الخطأ والتطرق إلى نقض الشريعة ، ومع ذلك إذا وجدوا لبعض علماء العترة وفقهائها وفقهاء شيعتهم قولا في مسألة لا يجرونه مجرى أحد من أهل الاجتهاد ، ولا يثبت من الاعتذار ما يثبت ما ادعوه لعلمائهم وفقهائهم ، وهذا يدل على اختلاف عظيم ومناقضة قبيحة وسوء توفيق وعدم تحقيق.

ومن طرائف مناقضاتهم أنهم يروون وجوب العمل في الشريعة بأخبار الآحاد ، فإذا سمعوا الأخبار التي يأتي من جهة عترة نبيهم سواء كانت آحادا أو متواترة أعرضوا عنها ونفروا منها مع ما تقدم من شهادة نبيهم أن عترته لا يفارقون كتاب الله وأن المتمسك بهما لا يضل أبدا.

ومن طرائف ذلك أنهم لا يجرون أخبار علماء العترة مجرى أخبار جماعة من الصحابة والرواة الذين كفر بعضهم بعضا وسفك بعضهم دم بعض واستباحوا فيما بينهم المحارم وارتكبوا العظائم كما قدمناه ، فإن كان ذلك الاختلاف لا يضر فهلا كان لعلماء العترة وعلماء شيعتهم أسوة في ذلك ، وإن كان يضر ويكون فيهم مبطل ومحق فكيف قبلوا أخبار الجميع ورووها في جملة صحاحهم وحللوا بها وحرموا ، إن هذا تظاهر عظيم بعداوة أهل بيت نبيهم ومعاندة هائلة لنبيهم فيما أوصى فيه بأهل بيته وتكذيب لأنفسهم فيما رووه في صحاحهم وعن

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٤٢.

رجالهم من الوصية بالعترة ووجوب التلزم بهم والتعظيم لهم.

ومن طرائف ذلك أنني سألت جماعة من علماء الأربعة المذاهب عن سبب تركهم العمل بأخبار شيعة أهل بيت نبيهم فقالوا لأنهم يذمون جماعة من الصحابة ولأننا ما نثق بهم فقلت لهم أما اعتذاركم بأنهم يذمون بعض الصحابة فقد فعل الصحابة ذلك وذم بعضهم بعضا فكان يجب أن يترك العمل بأخبارهم كافة وأيضا فإنكم أنتم أيتها الأربعة المذاهب قد ذممتم كثيرا من أعيان الصحابة بل جماعة من الأنبياء وسأذكر بعض ما ذموا به الأنبياء والصحابة فكان يجب أن يتركوا أخباركم أيضا وأما قولكم أنكم ما تثقون بأخبار الشيعة فإن كان هذا العذر فقد عرفتكم أنه عذر غير صحيح بل تعلل قبيح لأنكم قد رويتم عمن يجوز الوثوق به وعن قوم يقدح بعضهم في عدالة بعض وقد سألت علماء منكم وقرأت كتبكم فما رأيت لكم عذرا في ترك العمل بأخبار شيعة أهل البيت إلا أن يكون عندكم عداوة لأهل البيت أو حسد أوجب ذلك عداوتكم لشيعتهم وترككم لأخبارهم وقد نظرت الاختلاف بينكم فرأيته ما ينقص في التكفير والتضليل عما بينكم وبين شيعة أهل بيت نبيكم فكيف صرتم أولياء فيما بينكم وأعداء لهذه الفرقة الشيعة إن ذلك من الطرائف.

ومن طرائف ما قلت لبعض علماء الأربعة المذاهب إذا كنتم تتركون العمل بأخبار شيعة أهل بيت نبيكم لأنكم ما تثقون بهم فكذا يقول لكم أهل الذمة إننا ما نثق بأخبار المسلمين فيما نقلوه من معجزات نبيهم وشريعته وكل شيء تجيبون به أهل الذمة فهو جواب الشيعة لكم.

ومن طرائف ما سمعت عن بعض علماء الأربعة المذاهب أنه قال لو تحققنا أن هذه الأخبار التي ترويها الشيعة عن أهل البيت صحيحة عملنا بها فقلت كذا يقولون لكم أهل الذمة لو وثقنا أو تحققنا أن نبيكم أتى بما تذكرون

من المعجزات والشرائع عملنا بها.

ثم وإذا لم يكن شيعة عترة نبيكم وخواصهم وأتباعهم أعرف برواياتهم ومذاهبهم وعقائدهم فكيف يعرف ذلك من أهل البيت البعداء عنهم والغرباء منهم ومعلوم أن كل فرقة فإن أتباع رئيسها أعرف بمذهبه ورواياته وعقائده ممن بعد عنه ونفر منه وأنتم تعلمون أن خواص أبي حنيفة أعرف بمذهبه ممن أعرض عنه وأصحاب الشافعي كذلك خواصه أعرف بمذهبه ممن أعرض عنه وأصحاب أحمد بن حنبل كذلك وسائر المذاهب.

ومن طرائف ما يقال لعلماء الأربعة المذاهب أنكم وغيركم من أهل المعرفة تعلمون بالتواتر أن هذه الفرقة الشيعة كانوا يخالطون أهل بيت نبيكم ويختصون بهم وهم على هذه العقائد ويروون عنهم في تلك الأحوال هذه الروايات وأهل البيت يعظمون الشيعة مع ذلك ويصفونهم بالهداية والورع والأمانات فهل يبقى شك عند عاقل ممن يعرف هذه الأحوال أن أهل بيت نبيكم كانوا موافقين لشيعتهم في العقائد وصواب الروايات والأقوال والأفعال.

ومن طرائف ما يقال لهم قد عرفتم أن البواطن لا طريق إليها إلا من عند علام الغيوب وإنما نوالي ونعادي على الظاهر من الاعتقادات والأعمال الصالحات وقد رأينا عبادات شيعة أهل بيت نبيكم ص واجتهادهم وورعهم وتنزههم عن الشبهات على أفضل ما يبلغ إليه أهل الديانات فإن كانوا مع ذلك متهمين فيما نقلوه أو قالوه أو كاذبين فكيف يكون حال من هو دونهم من المسلمين.

ولقد عرفت من ورع جماعة من شيعة أهل البيت ع ورواتهم ومن أماناتهم وعباداتهم ما لم أعرفه من سائر الرواة وقرأت في كتاب لا يتهم مصنفه أن صفوان بن يحيى من رجال علي بن موسى الرضا ع ومحمد بن علي الجواد ع روى عنهما وعن أربعين رجلا من أصحاب الصادق

عليه السلام وكان قد تعاهد هو وعبد الله بن جندب وعلي بن نعمان في بيت الله الحرام إن مات منهم يعمل من يبقى ما كان يعمله من مات مدة حياته فمات صاحباه وبقي صفوان فكان كلما حج أو أدى زكاة أو عبادة أو شيئا من الخير مدة حياته يعمل عمل صاحبيه ويعمل عنهما مثل الذي يعمل لنفسه إلى أن مات وهذا أبلغ ما عرفت من أمانات أهل الروايات.

وقرأت أيضا أن من جملة شيعة علي بن أبي طالب ع سبعين رجلا كانت بطون أكفهم قد صارت كثفنات البعير من كثرة صلواتهم وكانوا يعرفون بالمثفنين وقرأت أن علي بن مهزيار كانت جبهته مثل ركبة البعير وأمثال هؤلاء شيء كثير فكيف كان يحل ترك الرواية عن هؤلاء وترك العمل بما نقلوه وبأي عذر يعتذرون إلى الله تعالى ورسوله ص إذا لقوه إذا لم يرووا حديثهم ويقبلوه.

ويقال لعلماء الأربعة المذاهب ما أعتقد أن قد أوقعكم في هذه الشبهة إلا أنكم تركتم مخالطة أهل البيت ومخالطة شيعتهم فضللتم عن معرفة أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم ولو خالطتم القوم وجدتم من صفات العلم والورع والأمانة والصيانة ما يشهد به عندكم لسان الحال وبيان المقال أن القوم ممن يوثق بهم ويعتمد عليهم.

ومن طرائف ما بلغ إليه جماعة كثيرة من المسلمين من رجال الأربعة المذاهب أنهم رووا ما قدمنا بعضه وسيأتي منه طرف آخر في تعظيم أهل البيت ع وخاصة علي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام.

فأما علي ع فقد عرفت ما جرى عليه من الدفع عن خلافته ومنزلته وما بلغوا إليه من القصد لإحراقه بالنار وكسر حرمته.

وأما فاطمة ع فقد اشتهر ما ظهر من أذيتهم لها حتى هجرتهم إلى أن ماتت وسيأتي طرف من ذلك إن شاء الله تعالى.

العلة التي من أجلها صالح

الحسن عليه السلام معاوية

وأما الحسن عليه السلام فقد جرى عليه من خذلانه بعد قتل أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام حتى اضطر إلى صلح معاوية ، ثم بعد ذلك يتفق له من يلومه على صلح معاوية ، ويقال عن بعض جهالهم وسفهائهم أنه يقول : إن الحسن عليه السلام باع الخلافة.

والجواب عن صلحه عليه السلام لمعاوية من وجوه :

(أحدها) أنه ما أجاب هو به كما رواه عنه أبو سعيد عقيصا قال : قلت للحسن ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام : يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال : يا أبا سعيد ألست حجة الله على خلقه وإماما عليهم بعد أبي عليه السلام؟ قلت : بلى. قال : ألست الذي قال رسول الله " ص " لي ولأخي هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا؟ قلت : بلى قال : فأنا إذن إمام لو قمت وأنا أمام لو قعدت ، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله " ص " لبني ضمرة وبني إشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ، يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى لم يجز أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ، ألا ترى الخضر عليه السلام لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السلام فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى هكذا أنا ، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة ، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل (١).

__________________

(١) رواه الصدوق في علل الشرائع : ١ / ٢١١ ط نجف.

ولعل بعض من يقف على هذا الحديث يقول : فيكون الذين عابوا على الحسن معذورين كما كان موسى معذورا.

والجواب أن الخضر عليه السلام ما عذر لموسى عليه السلام فيما وقع منه ولذلك فارقه فلا عذر لمن عاب على الحسن عليه السلام أو أنه عذره ، ولكن ليس رعيه الحسن كموسى مع الخضر ولا الحسن مكلفا باتباع الخضر في قبوله لعذر موسى.

ومن الجواب أن موسى ما كان رعيه للخضر يجب عليه طاعته وإنما كان رفيقا وصاحبا موافقا وكان موسى نبيا والخضر غير نبي ، فكان للخضر أن يعمل بعلمه بباطن الحال وكان لموسى عليه السلام أن ينكر لأن الذي وقع في الظاهر كالمنكر فكانا معذورين ، فلعل موسى ما كان يعلم أن الخضر معصوما أيضا ، وأما رعية الحسن فلا عذر لهم في العيب عليه وسوء الظن به لأنهم مكلفون باتباعه إن صالح وإن حارب ، ومتى عابوا عليه أو خالفوه كان حكمهم حكم من خالف إمام عدل ، ولو لم يكن للحسن من العذر في صلح معاوية إلا أن

أكثر أصحابه كانوا بهذه الصفة في صحبته غير متفقين معه على سداد رأيه فكيف كان يحصل من هؤلاء نصرة على أعدائه.

ومن الجواب أن رجال الأربعة المذاهب رووا بإطباقهم واتفاقهم أن نبيهم ذكر أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فكيف يقع من أحدى سيدي شباب أهل الجنة ما يعاب به وفي الجنة من الشباب مثل عيسى بن مريم ويحيى ابن زكريا عليهم السلام وغيرهما مما لا يعاب من الأولياء.

ومن الجواب أنه لا يصح العيب على الحسن إلا بعد عيب النبي " ص " الذي أثنى عليه ، ولا يصح عيب النبي إلا بعد عيب الله الذي قال " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " (١).

__________________

(١) النجم : ٤.

ومن الجواب أنهم رووا في آية الطهارة أن الله قد طهره من الرجس ولو كان معيبا ما كان مطهرا. والله الذي شهد له بالطهارة كان عالما أنه سوف يصالح معاوية ، لأن صفات الحسن وأفعاله باطنها وظاهرها وأولها وآخرها كانت بالنسبة إلى علم الله كلها جميعها حاضرة ، فإذا حكم له بطهارة اقتضى ذلك طهارة الحسن باطنا وظاهرا وأولا وآخرا وحاضرا ومستقبلا.

ومن الجواب أنهم رووا في عدة من الروايات المتقدمة عدة مدائح له غير ما ذكرناه يدل على أنه من الكمال في الفعال والمقال إلى غاية لا يتطرق عليها نقصان في بيان ولا جنان ولا لسان.

ومن الجواب أنهم اتفقوا أن نبيهم محمدا " ص " الذي هو القدوة صالح بني قريظة وبني النضير (١) وهم كفار ، فلا عيب في صلح من يظهر الإسلام.

ومن الجواب أنهم اتفقوا على أن النبي " ص " صالح اليهود والنصارى وأخذ الجزية منهم وأقرهم على الكفر والضلال ولعنه ولعن المسلمين وعداوة الدين ، فلولده الحسن أسوة به في صلح معاوية كما تضمن كتابهم " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (٢).

ومن الجواب ما ذكره ابن دريد في كتاب المجتنى من خطبة لمولانا الحسن عليه السلام في عذره لصلحه معاوية ، فقال ما هذا لفظه في الكتاب المذكور : قام الحسن عليه السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام فقال بعد حمد الله تعالى : إنا ما بنا لأهل الإسلام شك ولا ندم ، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فشتت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في مبدئكم إلى الصفين دينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم اليوم دنياكم أمام دينكم ، ألا وإنا كنا لكم ولستم لنا

__________________

(١) راجع تاريخ الطبري : ٣ / ٣٨ و ٥٤.

(٢) الأحزاب : ٢١.

ثم أصبحتم بين قبيلتين قتيل بصفين يبكون له وقتيل بالنهروان يطلبون بثاره ، وأما الباكي فخاذل وأما الثائر فباغ وأن معاوية قد دعى إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة فإذا أردتم الموت رددناه وحكمنا إلى الله تعالى ، وإن أردتم الحياة قبلنا وأخذنا لكم الرضا ، فناداه القوم التقية التقية.

ومن الجواب أنهم أجمعوا أيضا أن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم صالح سهل بن عمر وكفار قريش ، ولما كتب الصلح يوافقوا حتى محي اسمه من ذكر الرسالة ، وهذا أبلغ من صلح الحسن عليه السلام لمعاوية ، وقد تقدم هذا في الحديث المروي عنه.

ومن الجواب أنهم رووا في كتبهم الصحاح عندهم ، ورواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكرة بقيع بن الحرث قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن علي عليهما السلام إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة أخرى ويقول : إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. هذا لفظ الحديث المذكور (١).

وقد تضمن أن نبيهم محمدا " ص " قال ما يدل على أنه أسند صلح الحسن إلى الله تعالى ، فإذا كان الله تعالى سبحانه هو الذي أصلح بين هاتين الفئتين على يد الحسن ، فكل من أعاب الحسن فإنما يعيب على الله تعالى.

ثم إن الحديث قد ورد مورد المدح للحسن عليه السلام على ذلك ، ولهذا ابتداه نبيهم بقوله " ابني " وقوله " إنه سيد " وغير ذلك مما يقتضيه معنى الحديث

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الصلح بعينه ٣ / ١٧٠ ، والنسائي في صحيحه ١ / ٢٠٨ ، وأبو داود السجستاني في صحيحه : ٢٩ / ١٧٣ ، والترمذي في صحيحه : ٢ / ٣٠٦ وأحمد في مسنده : ٥ / ٤٤ ، وذخائر العقبى : ١٢٥ ، والمغازلي في المناقب : ٣٧٢ ، وأحمد في كتاب الفضائل في ترجمة الحسين : ١١ ط إيران.

المذكور ، فأي عيب على الحسن في شئ من الأمور.

ومن الجواب أنهم يعيبون على الشيعة ويقولون : إنهم يذمون بعض السلف فكيف استعظموا ذم بعض السلف والحسن عليه السلام عندهم من الصحابة أو جاذم من قدمه نبيهم على من ذكروه من السلف في آية المباهلة وآية الطهارة وجميع ما تقدم من رواياتهم الدالة على تقديمه عليهم.

ومن الجواب أن الله تعالى لما باهل به كان عالما أنه يصالح معاوية فلو كان ممن يعاب ما باهل به وبجماعته وترك غيرهم من الشيوخ والشباب كما تقدم تمامه في آية الطهارة.

ومن الجواب أنه إن كان قد باع الخلافة كما تجاهل به بعض سفهائهم وله هذه المنزلة القريبة من الله ورسوله كما قد رووه ، فقد أوجبوا البيع للخلافات وصار بيعها أفضل من القيام بها ، وهذا خلاف المعقولات والمنقولات.

ومن الجواب أن الخلافة لا يصح عليها بيع لأنها اختيار من الله تعالى لبعض العباد وأنه نائبه في عباده وبلاده كما تقدمت الدلالة عليه ، وتلك الولاية لا يصح الخروج عنها سواء كان الخليفة مطاعا أو وحيدا ، ولو كان الله يعلم أنه ممن يبيع خلافته ما استخلفه تقتضيه حكمته.

ومن الجواب أن معاوية كان قد استغوى أهل الدنيا بالدنيا ، ولا ريب أن طالبي أضعاف طالبي الآخرة ، ولذلك رووا جميعا أن نبيهم قال : يفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة ، فكيف يقوم فرقة واحدة بجهاد اثنين وسبعين فرقة.

ومن الجواب أن معاوية أخذ هذا الأمر صلحا وبأيمان مغلظة أن لا يؤذي أحدا من أهل البيت وشيعتهم ، وفعل ما فعل من قتل شيعة علي عليه السلام ولعنه على المنابر ، فلو أخذه قهرا كيف يكون الحال.

ومن الجواب أن معاوية لو أخذه قهرا وقتل كافة أهل البيت وشيعتهم بطل

حكم الإسلام لما تقدم من رواياتهم والدلالة عليهم ، ولما كان صلحا بقي منهم من يقوم به الحجة على العباد والبلاد.

ومن الجواب أن قتل الحسين عليه السلام كان آية وحجة في عذر الحسين عليه السلام في صلح معاوية وبيانا لذلك.

فهذه جملة ما قالوه وفعلوه بالحسين عليه السلام وجملة من الجواب عنه.

فيما جاء في الحسين عليه السلام وأنه قتل مظلوما

وأما أخوه الحسين عليه السلام : فمن طرائف ما بلغوا إليه من عداوتهم أيضا لأهل البيت عليهم السلام أنهم قد رووا جميعا أن الحسين عليه السلام قتل مظلوما يوم عاشوراء قتلا فظيعا ، انهتكت به حرمة الإسلام والمسلمين وانكسرت به حرمة نبيهم وحرمة الدين ، وإن الحسين عليه السلام كان عظيما عند الله وعند جده محمد " ص " ، وقد تقدم بعض ما رووه في هذا المعنى وسيأتي إن شاء الله تعالى أيضا طرف من رواياتهم في ذلك وذكر الفقيه الشافعي ابن المغازلي عن نبيهم من المدائح له ولأخيه الحسن شيئا عظيما (١).

٢٨٨ ـ ورأيت في كتاب الجمع بين الصحاح الستة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله " ص " : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (٢).

ورووا في كتبهم أن الحسين عليه السلام كان يركبه نبيهم " ص " على كتفه (٣) وعلى صدره وإنه كان يركب على ظهر نبيهم في الصلاة فيبلغ به التعظيم للحسين

__________________

(١) راجع كتاب المناقب : ٣٧٠ إلى ٣٧٩.

(٢) رواه أحمد في مسنده : ٣ / ٣ و ٦٢ و ٦٤ و ٨٢ ، والترمذي في صحيحه ١٣ / ١٩١ ، والنسائي في الخصائص : ٣٦ ، وذخائر العقبى : ١٢٩ ، وأحمد في الفضائل : ١٦.

(٣) ذخائر العقبى : ١٣٢ ، وينابيع المودة : ٢٢٢.

عليه السلام إلى أن يطيل في صلاته السجود حتى ينزل عن ظهره باختياره (١).

٢٨٩ ـ وبلغوا في رواياتهم إلى أن روى بعض الحنابلة في كتاب سماه " نهاية الطلب وغاية السؤال " وذكر فيه بإسناده إلى سفيان الثوري ، عن قابوس ابن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبي " ص " وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا ، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام بوحي من رب العالمين ، فلما سرى عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي عز وجل فقال : يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول : لست أجمعهما لك فافد أحدهما بصاحبه ، فنظر النبي إلى إبراهيم فبكى ، ونظر إلى الحسين فبكى ، فقال : إن إبراهيم أمه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أوثر حزني على حزنهما ، يا جبرئيل تقبض إبراهيم فقد فديت الحسين به. قال : فقبض بعد ثلاثة أيام ، فكان النبي " ص " إذا رأى الحسين عليه السلام مقبلا قبله وضمه إلى صدره ورشف ثناياه وقال : فديت من فديته بابني إبراهيم (٢).

٢٩٠ ـ وذكر صاحب الكتاب المذكور بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أوحى الله عز وجل إلى محمد " ص " إني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا (٣).

٢٩١ ـ ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده : إن من دمعت عيناه

__________________

(١) رواه أحمد في مسنده : ٣ / ٤٩٣ ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٦٥.

(٢) رواه الخطيب البغدادي في تاريخه : ٢ / ٢٠٤ ، والبحار : ٢٢ / ١٥٣.

(٣) رواه الخطيب البغدادي في تاريخه : ١ / ١٤١ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٢٩٠ وذخائر العقبى : ١٥٠.

لقتل الحسين دمعة أو قطرت قطرة بوأه الله عز وجل الجنة (١).

٢٩٢ ـ ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحاح الستة في باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام قال : إن النبي رئي في المنام وهو يبكي فقيل له : ما يبكيك يا رسول الله؟ قال : قتل الحسين آنفا (٢).

٢٩٣ ـ ومن ذلك ما رواه في أول الجزء الخامس من صحيح مسلم في تفسير قوله تعالى " فما بكت عليهم السماء والأرض " (٣) قال : لما قتل الحسين ابن علي عليهما السلام بكت السماء وبكاؤها حمرتها (٤).

٢٩٤ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في كتابه في تفسير هذه الآية أن الحمرة التي مع الشفق لم يكن قبل قتل الحسين (٥).

٢٩٥ ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي أيضا يرفعه قال : مطرنا دما بأيام قتل الحسين عليه السلام (٦).

(قال عبد المحمود) : فهذه بعض رواياتهم ومقالاتهم في الحسين عليه السلام ، وقد رايتهم مع ذلك قد جعلوا يوم عاشوراء عيد وسرور وفرح وكحل أعينهم وتجملهم بالثياب والنفقات وأنواع المبرات ، وهذه الأحوال

__________________

(١) ذخائر العقبى عن أحمد : ١٩.

(٢) رواه الترمذي في صحيحه : ٢ / ٣٠٦ ، والحاكم في المستدرك : ٤ / ١٩ ، وذخائر العقبى : ١٤٨ ، والبحار : ٤٥ / ٢٣٢.

(٣) الدخان : ٢٩.

(٤) روى نحوه السيوطي في ذيل هذه الآية ، والبحار : ٤٥ / ٢١٧ ، والطبري في تفسيره : ٢٥ / ٧٤.

(٥) الخوارزمي في مقتله : ٢ / ٩٠ ، وينابيع المودة : ٣٢٢ ، والبحار : ٤٥ / ٢١٧.

(٦) الصواعق المحرقة عنه : ١١٦ ، وذخائر العقبى : ١٤٥ ، والخوارزمي في مقتله : ٢ / ٨٩.

التي تقع منهم في يوم عاشوراء يغنى فيها العيان الخبر وهي مناقضة لما رووه من وجوب الحزن عليه والمواساة لنبيهم والوفاء لعترته والاحترام لنبوته فهؤلاء الأربعة الأنفس علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام الذين رووا أن نبيهم جمعهم تحت الكساء وقال : هؤلاء أهل بيتي ، واجتهد في النص عليهم والوصية بهم قد جرى عليهم من الأذى والضرر ما قد ظهر واشتهر فكيف يستبعد من قوم فعلوا بابن بنت نبيهم مثل هذا أن يتركوا نقل كثير من النصوص عليهم بالخلافة ينقلوها كما رويناه عنهم ، ثم يتركوا العمل بها عنادا ، أو كيف يستبعد منهم نقل الخلافة عنهم.

ومن طرائف ما رأيت من اعتذار بعض من عاتبته على ذلك أنه قال : روى لنا تعظيم يوم عاشوراء وثواب صومه ، فقلت : لو نظرت في الحقائق عندكم لكان من جملة تعظيم يوم عاشوراء تعظيم الحزن على الحسين ، لأن تعظيم الأيام إنما يكون بقبول ما يقع فيها من القربات ويتضاعف به ثواب الحسنات ، وكان التقرب إلى ربكم ورسولكم بالحزن على ابن بنت نبيكم وعلى ما تجدد على الإسلام أولى وأوجب عند ذوي الأفهام ، وأما صومه فقد رويتم في كتبكم الصحاح أن صومه متروك.

٢٩٦ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس قال : ذكر عند النبي " ص " يوم عاشوراء فقال : ذلك يوم يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه (١).

٢٩٧ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه في مسند عبد الله بن مسعود في الحديث التاسع عشر عن الأشعث بن قيس قال : دخلت على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء فقال : قد كان يصام قبل أن

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٩٣ ، ومالك في موطأه : ١ / ٢١٩.

ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطرا فاطعم (١).

ورواه عبد الله بن عمر عن نبيهم (٢).

وجه تسميتهم بأهل السنة والجماعة

ومن طرائف أمورهم بعد هذا كله إنهم يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة ، وقد اختلفوا بينهم أشد اختلاف وكفر بعضهم بعضا وعملوا في شريعتهم بما أحدثوه من الآراء والقياسات ، وقد تقدم بعض ذلك فيما سلف من الروايات ، مع أنني رأيت في كتبهم ما يدل هذا الاسم وسببه.

فمن ذلك ما ذكره ابن بطة في كتابه المعروف بالإبانة أنه قال الحجاج سمى السنة الجماعة وكانت سنة أربعين لأن كان الاجتماع على معاوية.

ومن ذلك ما ذكره الكرابيسي وهو من أهل الظاهر فقال : إنما سمى هذا الاسم يزيد بن معاوية لما دخل رأس الحسين عليه السلام وكان كل من دخل من ذلك الباب سمي سنيا.

ومن ذلك ما ذكره الشيخ العسكري في كتاب الزواجر وهو من علماء السنة قال إن معاوية سمى العام عام السنة.

ومن ذلك ما ذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد قال : لما صالح الحسن معاوية سمى ذلك العام عام الجماعة (٣).

(قال عبد المحمود مؤلف الكتاب : إن كان هذا هذا أصل تسميتهم فبئس الأصل وغاية الجهل ، وإن كان لدعواهم أنهم ملتزمون بسنة نبيهم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٩٤.

(٢) نفس المصدر.

(٣) راجع الصراط المستقيم للبياظي.

فأين الالتزام مع هذا الاختلاف والافتراق وما يقع بينهم من مساوئ الأخلاق

في قبولهم رواية أعداء أهل البيت عليهم السلام

ومن طرائف أمورهم استكثارهم من قبول رواية أعداء أهل بيت نبيهم ثم قبول رواية أعداء أهل البيت فيما ينكرونه أهل البيت وقد منعت العقول والشرائع من قبول رواية العدو المبطل في كل ما يطعن به على عدوه المحق فكان يجب في العقول والاعتبار والشريعة أن كل من عرفت منه عداوة لأهل بيت نبيهم إما أن يسقطوا روايته على كل حال أو إذا لم يسقطوها على كل حال فكان يجب أن يسقطوها فيما يطعن به على أهل بيت نبيهم أو فيما يخالف أهل بيت نبيهم أو فيما يتضمن مدح أعدائهم أو مدح المفارقين لهم وأن يقبلوا رواية أعداء أهل البيت فيما كان منقبة لأهل البيت أو موافقا لمذهبهم أو منقصة لأعدائهم أو المفارقين لهم لأن التهمة من عدوهم في مثل ذلك مرتفعة فأما أعداء أهل البيت الذين تظاهروا بعداوتهم فكثيرون.

وسأذكر بعض من استكثروا في الرواية عنه وقبلوا كثيرا مما لم يجز قبوله منه.

الأول فمن أولئك عبد الله بن عمر بن الخطاب قد نقلوا عنه في صحاحهم على ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين مائتي حديث واثنين وثمانين حديثا أكثرها بطرق مختلفة وألفاظ متباعدة ومعان مضطربة مع ما تواتر وثبت عند المسلمين من انكشاف سره بعداوة علي بن أبي طالب وبني هاشم وقعوده من مبايعتهم ونصرتهم وما أوجبه الله ورسوله من التمسك بهم وهذا لا يحتاج إلى رواية لأنه لا خلاف بين المسلمين في قعود عبد الله بن عمر عن بيعة علي بن أبي طالب ع والحسن والحسين ع وعن نصرة بني هاشم.

ثم قد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من تلزمه ببيعة يزيد بن معاوية الذي قد تقدم نقص أفعاله المنكرة مما يتعجب منه العاقل ، فإنه ما يعتقد صحة مبايعة يزيد أو خلافته إلا سفيه أو جاهل أو معاند لأهل البيت عليهم السلام.

٣٠٠ ـ فمن ذلك في المتفق عليه من مسند عبد الله بن عمر في الحديث الحادي والثمانين عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ، جمع ابن عمر حشمه وولده وقال : إي سمعت رسول الله " ص " يقول : ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، لم ينصب له القتال وإني لا أعلم عذرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال ، وإني لا أعلم أحدا منكم خلفه ولا بايع في هذا الأمر ألا وإنه الفصل بيني وبينه. هذا لفظه ، فما كان علي بن أبي طالب وولده وأحد من بني هاشم يجرون مجرى يزيد في أن يبايعهم أو واحدا منهم ويفي لهم. إن هذا من الطرائف.

٣٠١ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ابن عمر في الحديث الخامس والخمسين من أفراد البخاري أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان أن يبايعه ، وأقر له بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت (١). وفي رواية من جملة الحديث المذكور وإن بني أقروا بمثل ذلك ، هذا لفظه.

فسبحان الله ما كان في واحد من بني هاشم مثل عبد الملك بن مروان الذي هو عند عقلاء المسلمين من الملوك المتغلبين ، إن ذلك من عجائب أمور الأربعة المذاهب.

٣٠٢ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ : ٢ / ٢٥٠ ، البخاري في صحيحه ٨ / ١٢٢.

عبد الله بن عمر بن الخطاب في الحديث الثالث من المتفق عليه قال : صلى بنا رسول الله " ص " ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد (١). هذا لفظ حديث عبد الله بن عمر.

(قال عبد المحمود) : كيف حسن هؤلاء القوم مثل هذا الحديث من عبد الله ابن عمر ، وكيف استجازوا روايته ، ومن المعلوم عندهم أن الخضر وغيره من الذين شهدت أخبارهم بأنهم عمروا من ذلك الوقت أكثر من مائة سنة.

٣٠٣ ـ ومما يدل على أن عبد الله بن عمر قد شهد على نفسه بالطعن فيما يرويه ما ذكره الحميدي في الحديث السابع والخمسين من أفراد البخاري من مسند ابن عمر قال : كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي " ص " خوفا أن ينزل فينا شئ فلما توفي النبي " ص " تكلمنا وانبسطنا (٢).

٣٠٤ ـ ومما يدل على طعنهم على عبد الله بن عمر وعائشة ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والستين بعد المائة من مسند عائشة من المتفق عليه ، عن عمرة أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول : إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة : يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ ، إنما مر رسول الله " ص " على يهورية يبكى عليها فقال : إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها (٣).

(قال عبد المحمود) : هذا حديث لا يخلو من الطعن على عبد الله بن عمر أو عائشة ، وعلى كل حال فإني أعجب من عائشة وإقدامها على الطعن على عبد الله

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه ٤ / ١٩٦٥.

(٢) البخاري في صحيحه : ٦ / ١٤٦.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٤٣ ، ومالك في الموطأ : ١ / ١٨٢.

ابن عمر ، ومن تصحيح البخاري ومسلم لذلك ، وأين عائشة من هذا المقام ، فإنما كانت امرأة من وراء حجاب ، فهلا جوزت أن يكون النبي " ص " قد قال ما قاله عبد الله بن عمر في وقت لم تحضر عائشة ولا بلغها ذلك ، فما كانت تدعي ولا يدعي لها عاقل أنها تحيط بجميع أقوال نبيهم.

ومن ذلك ما ذكره أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل طرفا من معتقدات عبد الله بن عمر ، فمن ذلك أنه ذكر عنه إنه كان إذا اغتسل من الجنابة غسل داخل عينيه حتى ذهب بصره ، وإذا توضأ للصلاة غسل يديه إلى منكبيه ، ودخل على بعض الأمراء فأحضر له بربطا وقال : أتعرف يا أبا عبد الرحمن؟ قال : نعم هذا مراني وجراني.

أقول : فانظر هذه الأحاديث واعترف الحق لأهله.

ومن طريف ما نقله أصحاب التواريخ في ذم عبد الله بن عمر ما ذكره ابن مسكويه في كتاب نديم الفريد فقال ما هذا لفظه : ومما يؤثر في الكلام الواقع موقعه شدة شكيمة المتكلم ما يحكى عن عبد الله بن الحرث المعروف ببته ، وذلك أنه دخل مسجد رسول الله " ص " فرأى عبد الله بن عمر جالسا في نفر من أصحابه ، فسلم عليه وجلس عنده فلم يهش له عبد الله ولا أحسن مسائلته ولا نهض إليه لما رآه ، قال : كأنك لم تثبتني يا أبا عبد الرحمن؟ فقال : بلى ألست ببته ، فقال : ما حملك على ذكر اللقب وترك الاسم. قد كنت أحسب أن السنين أفادتك رأيا غير ما كنت تعرف به وتنسب إليه ما اشبهت أباك أمير المؤمنين ولكنك ورثت جدك وخالك.

ثم أقبل على القوم فقال : إن جد هذا الخطاب ابتاع من رجل ذهبا ثم اقتضاه اليماني فعمد ابتاع من رجل خمرا على حلته ذهبا ، ثم اقتضاه اليماني فعمد فكتب فيه ذهب (١) حتى ملأها ثم دفعها إلى اليماني ، فاستعدى عليه عند

__________________

(١) وفي الترجمة : اذهب حتى املاأها.

الزبير بن عبد المطلب فضربه وأغرم. وأما خاله قدامة بن مظعون شرب الخمر على عهد عمر فلما أراد أن يجلده قال : أمسك فإن الله تعالى يقول " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " فظن عمر أن هذه الآية تبطل الحدود فورثتهما إشارة إلى هذا ، وكان أيضا يجالس النبي " ص " صباحا ومساءا ، فأراد أن يطلق امرأة فلم يحسن فردها رسول الله " ص " حتى يعلم طلاقها.

ثم أقبل عليه فقال له : أتيت علي بن أبي طالب وله قرابة وسابقة وفضائل عديدة فبايعته طائعا غير مكره قاصدا إليه ، ثم جئته فقلت : أقلني بيعتي فأقالك ثم أتيت تدق الباب على أصحاب الحجاج تقول : خذوا بيعتي فإني سمعت النبي " ص " يقول : من بات ليلة وليس في عنقه بيعة إمام مات ميتة جاهلية ، ثم اضطرب الحيل بالناس فزعمت أنك لا تعرف حقا فتنصره ولا باطلا فتقاتل أهله. فقال عبد الله بن عمر : حسبك يا أبا محمد فما أردت إلا خيرا وكلمته الجماعة أن يكف.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الحديث الثاني عشر بعد المائة من المتفق عليه من مسند عائشة عن عروة بن الزبير قال : كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة ، وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن ، قال فقلت : يا أبا عبد الرحمن اعتمر النبي " ص " في رجب؟ قال : نعم. فقلت لعائشة : أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت : وما يقول؟ قلت يقول : اعتمر النبي " ص " في رجب. فقالت : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، لعمري ما اعتمر في رجب ، وما اعتمر من عمرة إلا وأنا معه. قال : وابن عمر يسمع فما قال : لا ولا نعم ، سكت (١).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٩١٦.

وفي رواية مجاهد أن عائشة قالت : وما اعتمر في رجب قط.

(قال عبد المحمود) : فلعل نبيهم أعتمر في رجب قبل تزويجها في مدة مقامه بمكة ، فكيف قالت ما اعتمر قط في رجب ، وكيف قالت ما اعتمر إلا وأنا معه ، وهذا أيضا طعن أما عليها أو على ابن عمر.

الثاني ـ ومن أولئك أبو هريرة : وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عنه ستمائة حديث وسبعة أحاديث ، أكثرها تراه وهو حديث واحد بألفاظ مختلفة أو معان مضطربة ، أو طرق يكذب بعضها بعضا ، ومن المعلوم أن أبا هريرة فارق علي بن أبي طالب وبني هاشم وظهر عداوته لهم وانضمامه إلى معاوية ما لا يحتاج إلى رواية ، لظهوره في التواريخ وعند علماء الإسلام مع ما رووه في صحاحهم أن التهمة له بالكذب كانت معلومة بين الأصحاب.

٣٠٦ ـ فمن ذلك ما رواه الحميدي في الحديث السادس والستين بعد المائة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة عن أبي رزين قال : خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال : ألا أنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله " ص " ـ الخبر (١).

٣٠٧ ـ ومن ذلك في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عبد الله ابن عمر بن الخطاب في الحديث الرابع والعشرين بعد المائة من المتفق عليه ، إن رسول الله " ص " أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم ماشية فقيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول أو كلب زرع ، فقال ابن عمر : أن لأبي هريرة زرعا (٢).

٣٠٨ ـ ومن ذلك في الجمع بين الصحيحين في الحديث الستين بعد

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٠ ، وأبو رية في أبي هريرة : ١٥٢.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٠٠.

المائة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة أنه قيل لابن عمر أن أبا هريرة يقول سمعت رسول الله " ص " يقول من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر : لقد أكثر علينا أبو هريرة (١).

ومن ذلك في اعتذار أبي هريرة وروايتهم فيما يعد لكذبه في الاعتذار فروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع والخمسين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله " ص " ويقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله " ص " بمثل حديث أبي هريرة ، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله " ص " حتى ملئ بطني ، فاشهد إذا غابوا واحفظ إذا نسوا. ثم ذكر الأنصار بعد كلام له فقال : وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم فكنت امرءا مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون (٢).

وفي رواية سفيان : فما نسيت شيئا سمعت منه.

(قال عبد المحمود بن داود) : فاشهد أيها السامع على أبي هريرة أنه قد طعن في المهاجرين والأنصار بأنهم كانوا يشتغلون عن حديث رسولهم بالدنيا الفانية ، ثم اشهد عليه بأنه ما نسي شيئا قط.

٣١٠ ـ وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في المتفق عليه في الحديث التاسع والثمانين من مسند أبي هريرة عن النبي " ص " أنه قال : لا عدوي ولا صفر ولا هامة. فقال أعرابي : يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء ، فيجئ البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٥٣.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٤٠.

فمن أعدى الأول (١).

ثم روى الحميدي في جملة الحديث التاسع والثمانين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه عن أبي سلمة أن رسول الله " ص " قال لا عدوي ، ويحدث أن رسول الله " ص " قال: لا يورد ممرض على مصح وأنكر أبو هريرة حديثه الأول قلنا ألم تحدث أنه لا عدوي ، فوطن بالحبشة ، قال أبو سلمة : فما رأيته نسي حديثا غيره (٢).

ومن ذلك في جملة الحديث التاسع والثمانين المقدم ذكره أن أبا هريرة صمت عن حديث " لا عدوي " وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح (٣).

ثم روى الحميدي بعد ذلك في الحديث التاسع والثمانين المشار إليه من مسند أبي هريرة من رواية سهل أن رسول الله " ص " قال : لا عدوي ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد (٤).

٣١١ ـ ومن ذلك ما رووه من ملاعبه بالدين في الحديث الثاني والتسعين بعد المائة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة عن أبي حازم أنه قال : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة ، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه ، فقلت له يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال : يا بني فروخ أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء ، سمعت رسول الله " ص " يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء (٥).

__________________

(١) روى مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٤٢ ، والبخاري في صحيحه : ٨ / ١٩.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٤٣ ، والبخاري في صحيحه : ٨ / ٣١.

(٣) نفس المصدر من صحيح مسلم.

(٤) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٤٢ ـ ١٧٤٤.

(٥) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢١٩.

٣١٢ ـ وروى الحميدي في الحديث السادس والثلاثين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه : أن أبا هريرة دعا بتور من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطيه ، فقلت يا أبا هريرة ما هذا؟ فقال : إنني سمعت رسول الله " ص " قال : هو منتهى الحلية (١).

(قال عبد المحمود) : ما رأيت أحدا من المسلمين يتوضأ للصلاة ويغسل يديه إلى إبطيه ، فما هذا الحديث الذي قد صححوه عن نبيهم وكذبوا المسلمين كافة بقول أبي هريرة إن هذا الطرائف.

الثالث ـ ومن أولئك أنس بن مالك : وقد روى الحميدي عنه في الجمع بين الصحيحين ثلاثمائة واثنين وعشرين حديثا ، كما تقدم ذكر أكثرها ترى الحديث وهو واحد وروايته عن أنس بن مالك يكذب بعضها بعضا وأكثر الألفاظ مختلفة والمعاني مضطربة.

وهذا أنس قد روى من طريق شيعة أهل البيت : أن علي بن أبي طالب استشهده مرة في شئ كان قد سمعه من نبيهم " ص " من فضائل علي عليه السلام فلم يشهد فدعا عليه فأصابه برص ، ثم اعترف أنس بما كان كتمه من الفضيلة ، وكان يقول : هذا البرص بدعوة علي بن أبي طالب (٢).

وأما ما رواه رجال الأربعة المذاهب عن أنس بن مالك من الأمور التي يشهد كتابهم وشرائعهم بكذبها ، وجعلوها من صحاحهم.

٣١٣ ـ فمن ذلك في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس عشر بعد المائة من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك أن رجلا من أهل البادية

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٧ / ٦٥.

(٢) راجع رجال الكشي : ٤٦ ط نجف ، وفيه بعد ما برص : فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب ولا فضلا أبدا.

أتى النبي " ص " فقال : يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ قال : ويلك ما أعددت لها؟ قال : ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال : إنك مع من أحببت قال : ونحن كذلك. قال : نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا ، فمر غلام للمغيرة ابن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي : إن أخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة (١).

٣١٤ ـ وفي حديث آخر عن الحميدي في الموضع المشار إليه عن أنس أن رجلا سأل رسول الله " ص " : متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد ، فقال رسول الله : أن يعيش هذا الغلام ، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة (٢).

٣١٥ ـ وفي رواية أخرى عن أنس من موضع الحديث الخامس عشر بعد المائة أيضا من المتفق عليه عن أنس أن رجلا سأل النبي " ص " قال : متى تقوم الساعة؟ قال : فسكت رسول الله هنيئة ، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال : إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. قال : أنس ذلك الغلام من أقراني (٣).

(قال عبد المحمود) : وقد ذكر محمد بن سعد في كتاب الطبقات الكبير في الجزء العاشر عند ذكر أنس بن مالك أمورا تقتضي تهمة أنس بن مالك ومضايقة لملوك الدنيا له.

ومن ذلك بإسناده إلى أنس بن مالك قال : استعملني أبو بكر على الصدقات فقدمت وقد مات أبو بكر وجئت عند عمر فقال عمر : يا أنس أجئتنا بظهر. قال : قلت:

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٧٠.

(٢) نفس المصدر.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٦٩.

نعم قال جئنا بالظهر والمال لك قال قلت هو أكثر من ذلك قال وإن كان هو لك قال وكان المال أربعة آلاف دينار.

قال عبد المحمود انظر هذه المضايقة لأنس بأموال المسلمين ولم يسأله كم المال وقد عرفه أنس كثرة المال فأعطاه إياه.

ومن ذلك ما ذكر أيضا محمد بن سعد عن أنس بن مالك قال شهدت فتح تستر مع الأشعري فلم يصل صلاة الصبح حتى انتصف النهار ثم قال وما نشرى بتلك الصلاة الدنيا وما فيها.

قال عبد المحمود قد عرفنا أن شريعة الإسلام ما عذر أحدا من عقلاء القادرين في ترك الصلاة وما كفاه تركها حتى يدرج تركه لها وتأخرها إلى نصف النهار.

ومن ذلك ما ذكره محمد بن سعد أيضا إلى عبد السلام بن شداد قال رأيت على أنس عمامة من حرير وجبة من خز ومطرف ثوب خز فقال ما لك تنهانا عن الحرير وتلبسه أنت فقال إن أمراءنا يكون فيجب أن يرده علينا.

قال عبد المحمود إن كان كما ذكر عنه فقد بالغ في الطعن عليه أن يكون أنس يراعي نظر الأمراء أكثر من نظر الله إلى تحريمه عليه ونظر رسول الله ص.

ومن ذلك ما رواه محمد بن سعد أيضا إلى عبد الله بن عمر عن عبد الكريم قال رأيت أنس بن مالك يطوف بالبيت وعليه مطرف خز أصفر قال فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال أما إن السلف لو رأوه لأوجعوه.

ومن ذلك ما ذكره محمد بن سعد أيضا بإسناده إلى محمد بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك يقول إنا لنلبس الحرير وإنا لنعلم ما فيه ولوددنا أنه لم يخلق.

ومن ذلك ما رواه أيضا محمد بن سعد بإسناده عن سعيد بن بشير يذكر

عن قتادة قال : كنا نرى على خاتم أنس بن مالك صورة رجلين.

(قال عبد المحمود) : وما كان الصحابة يختارون الصور خواتيمهم وقد رووا تحريمها.

ومن ذلك ما رواه محمد بن سعد بإسناده إلى أبي القاسم قال : رأيت على أنس خاتما من ذهب.

(قال عبد المحمود) : فكيف أكثروا النقل عن أنس بن مالك وقد بلغوا من القول فيه إلى ما ذكرنا بعضه ، وليتهم حيث نقلوا كثرة أحاديثه تركوا نقل الطعن عليه أو حيث طعنوا عليه تركوا نقل كثرة أحاديثه ، ولقد صار نقل القدح فيه عندهم إذا أنصفوا طعنا فيما يرويه.

ومن طرائف ما قدمناه من طعنهم عليه حديثه الرجل الذي لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.

(قال عبد المحمود) : كيف يليق لعاقل أن يبلغ به حسن الظن بمن يجانب أهل البيت عليهم السلام إلى نقل مثل هذه الأحاديث التي يقتضي دين الإسلام كذب من رواها، لأن كتابهم يتضمن " يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * قل علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو " (١) وفي كتابهم أيضا " يسئلونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها " (٢) ولا شبهة عندهم أن الله تعالى سترها عن نبيهم وغيره.

فكيف حسن الإقدام على مثل هذه الأحاديث وكيف جعلوها في صحاحهم لا سيما وقد رووا نبيهم " ص " من الأخبار للمسلمين وتعريفهم بما يحدث بعده من الاختلاف في دولة بني أمية ودولة بني هاشم والمهدي عليه السلام

__________________

(١) الأعراف : ١٨٧.

(٢) النازعات : ٤٣ ـ ٤٤.

وغيره من الأمور التي تقتضي أن القيامة أبعد من أعمار كثيرة ، فكيف ينقلون أو يصدقون أو يصححون مثل هذا الحديث المتقدم ذكره.

أقول : وذكر أبو هلال في كتاب الأوائل عن أنس بن مالك أن الحجاج ولاه في سابور من أرض فارس ، فأقام بها سنين يقصر الصلاة ويفطر في شهر رمضان ويقول ما أدري كم مقامي ومتى يأتيني العزل ، وهذا أعجب ما يروى من الجهل بالشرائع.

الرابع ـ ومن أولئك عائشة بنت أبي بكر ، ومعلوم عداوتها لأهل بيت نبيهم ، وخروجها لمحاربة بني هاشم بالبصرة واجتهادها في استيصالهم ، وقد نقل الحميدي في الجمع بين الصحيحين عنها مائة وخمسة وتسعين حديثا في صحاحهم غير ما نقلوه عنها في غير تلك الكتب ، وأكثر أحاديثها كما قلت الحديث واحد ورواية تكذب بعضها بعضا وألفاظه مختلفة والمعاني مضطربة.

(قال عبد المحمود بن داود) : وقد اعتبرت ما نقلوه في الصحيحين عن نساء نبيهم محمد " ص " ، فرأيت قد ذكر الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين (مسلم والبخاري) فرووا عن زوجته أم سلمة البصرية عندهم التي امتثلت ما أمرت به في كتابهم في قوله " وقرن في بيوتكن " (١) وهي ممدوحة عند الجميع ثلاثة عشر حديثا متفقا عليها عندهم وثلاثة وعشرين مختلفا فيه ، ورووا عن حفصة زوجته ثلاثة أحاديث متفقا عليها وستة عشر أحاديث مختلفا فيها ورووا عن أم حبيبة زوجته حديثين متفقا عليهما وحديثين مختلفا فيهما ، وعن زوجته ميمونة بنت الحارث الهلالية سبعة أحاديث متفقا عليها وستة أحاديث مختلفا فيها وعن زينب بنت جحش التي زوجه الله بها عند المسلمين بقوله " فلما قضى زيد منها

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

وطرا زوجناكها " (١) حديثين متفقا عليهما ، وعن زوجته صفية بنت حي بن أخطب حديثا واحدا متفقا عليه ، وعن سودة بنت زمعة زوجته حديثا واحدا مختلفا فيه ، وعن ابنته فاطمة التي شهدوا لها بتلك المدائح التي تقدم ذكرها وأنها سيدة نساء العالمين التي صاحبت نبيهم من حين ولادتها إلى حين وفاته حديثين فحسب مع شهادتهم أن نبيهم كان يفضلها على نسائه وغيرهن ويختص بها مع كمال عقلها ، فكيف اختصوا بعائشة دون نساء نبيهم ورووا عنها واستمعوا منها واستكثروا في صحاحهم من رواياتها ، مع ما رووا من كون نبيهم كان قد استوعب أكثر أوقاته الرجال ، وكان ليلة عائشة كليلة غيرها وأوقاته في الليلة موزعة في غير ذلك.

٣١٦ ـ فروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في المتفق عليه في الحديث الثلاثين من مسند أبي سعيد الخدري قال : قالت النساء للنبي " ص " : غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك ، فوعدهن يوما لقاهن فيه فوعظهن وأمرهن هذا لفظ الحديث.

(قال عبد المحمود) : ثم قد رووا عنها أنها كانت من النقصان إلى حد أنها تلعب باللعب (٢) بحضرة نبيهم ، وتقف تتفرج على الحبشة إذا لعبوا بحرابهم (٣).

٣١٧ ـ فمن رواياتهم في ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني والثمانين من المتفق عليه من مسند عائشة قالت : كنت ألعب بالبنات (٤) رسول الله " ص " وكان لي صواحب يلعبن معي ، وكان

__________________

(١) الأحزاب : ٣٧.

(٢) قال : في أقرب الموارد : اللعبة بالضم اسم من اللعب ، يقال لمن اللعبة والتمثال وجرم ما يلعب به كالشطرنج ونحوه ـ انتهى موضع الحاجة.

(٣) راجع صحيح مسلم : ٢ / ٦٠٩.

(٤) قال في أقرب الموارد : البنات التماثيل الصغار تلعب بها الجواري ، وفي حديث عائشة " كنت ألعب مع الجواري بالبنات ".

رسول الله إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي (١).

وفي حديث جرير كنت ألعب بالبنات في بيته وهن اللعب (٢).

(قال عبد المحمود) : وقد رووا عنها في الحديث السادس من المتفق عليه من مسندها في عدة طرق إنكار نبيهم لعمل الصور والأمر بإبطالها والإنكار على من يدخرها أو يجعلها في منزله وإن الملائكة لا يدخل بيتا فيه صورة مجسمة أو تماثيل.

ورووا نحو ذلك في الحديث الثالث والتسعين من مسند عبد الله بن عباس.

٣١٨ ـ ورووا في مسند أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري في الحديث الأول من المتفق عليه قال : سمعت رسول الله " ص " يقول : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (٣).

وفي رواية : ولا تماثيل (٤).

٣١٩ ـ ورووا في الحديث العاشر من أفراد البخاري من مسند عبد الله بن عمر : أن جبرئيل قال للنبي " ص " : إنا لا ندخل بيتا فيه صور ولا كلب (٥).

٣٢٠ ـ ورووا في مسند أبي هريرة في الحديث التاسع والستين من أفراد البخاري عن النبي " ص " قال : لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير (٦).

فكيف استجازوا لأنفسهم أن ينقلوا حديث تلك اللعب عن عائشة ويجعلوه صحيحا ويصدقوها عن نبيهم ويكذبوا هؤلاء الرواة كلهم؟ وكيف استحسنت

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٩٠.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٩١.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٥ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ٦٤.

(٤) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٦.

(٥) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٦٦.

(٦) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٧٢ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ٦٦.

عائشة أن تناقض بين حديثها الثامن والثمانين من المتفق عليه من مسندها وبين حديثها السادس؟

ولم يدع أحد من المسلمين إن اللعب كانت مباحة نسخ تحليلها ، وأي فائدة أو مصلحة كانت لهم أو لنبيهم أو للإسلام في نقل ذلك والشهادة بصحته وكان يجب لو نقل هذا الخلق الكثير أن يكذبونهم ويسقطون رواياتهم ويقولون إن نبينا أجل من أن يقع ذلك عنده وفي بيته الذي قد أسس للعبادات وبني على إنكار المنكرات وهو محل نزول جبرئيل عليه السلام وغيره من الملائكة ، أو كان نبيهم يؤثر منع جبرئيل والملائكة من دخول بيته لما رووا عنه أنهم لا يدخلون بيتا فيه تماثيل أو تصاوير ويطلب بذلك كله رضا قلب عائشة.

٣٢١ ـ ومن العجب في ذلك أنهم رووا في الحديث التاسع عشر من أفراد البخاري من الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله أن النبي " ص " لما رأى الصور في الكعبة لم يدخل حتى أمر بمحيها فمحيت (١).

(قال عبد المحمود) : هذا يروونه عن نبيهم في امتناعه من دخول الكعبة حتى محيت منها التصاوير ولم يدخل لأنه بيت ربه ، ويحتمل ذلك لأجل عائشة مثلا ، فكيف يقال عن مثل هذا إنه كان يختار أن تلعب زوجته عائشة في بيته باللعبة ويجمع لها النساء يلعبن معها ، بئس الأمة أمة تقول نبيها مثل هذا.

٣٣٢ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والعشرين من المتفق عليه من مسند عائشة قالت : رأيت النبي " ص " يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ، فزجرهم عمر فقال النبي : آمنا يا بني أرفده ، يعني من الأمن.

ومن الحديث المذكور عن عروة عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها وعندها

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٧ / ٦٦.

جاريتان في أيام منى تدفان وتضربان والنبي " ص " يتغشى بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي وجهه دعهما فقال : يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى.

ومن الحديث المذكور عن عروة عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله " ص " وعندي جاريتان تغنيان بغناء ، فاضطجع رسول الله على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمار الشيطان عند النبي ، فأقبل عليه رسول الله فقال : دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا (١).

(قال عبد المحمود) : مؤلف هذا الكتاب : كيف حسن من هؤلاء المسلمين نقل مثل هذه الأحوال نبيهم وتصحيحهم وهم قد ذكروا عنه أنه أعقل العقلاء وأكمل الأنبياء ، وتالله إننا نحن نعلم أن نبيهم ما كان على صفة يرضى بمثل ما قد ذكرته عائشة عنه ، فإن كل عاقل يعلم أن مثل هذا اللعب واللهو والاشتغال عن الله لا يليق بمن يدعي صحبة نبي من الأنبياء. فكيف يروونه عمن يعتقد أنه أفضل الأنبياء.

ومن أعجب ما تضمنه بعض هذه الأحاديث أنه كان يفرج زوجته على الذين يلعبون ويطرق لنسائه وحرمه الانبساط في مثل هذه الروايات التي تقدح في الأماثل والأفاضل ، ولا سيما وقد ذكر أنه كان أعظم الناس غيرة ، ورووا في غيرته أخبارا تضمنها صحاحهم.

٣٢٤ ـ فمن ذلك في كتاب الحميدي في الحديث الثالث والستين من أفراد مسلم من مسند أبي هريرة قال : قال سعد بن عبادة : يا رسول الله " ص " لو وجدت مع أهلي رجلا ، لم أمسه حتى آتى بأربعة شهداء؟ قال رسول الله : نعم. قال : كلا ، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٠٨ ـ ٦٠٩ ، والبخاري في صحيحه : ٣ / ٢٢٨.

اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور ، وأنا أغير منه والله أغير مني (١).

٣٢٥ ـ ومن ذلك ما ذكره الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس من المتفق عليه من مسند المغيرة بن شعبة ، أنه قال عن نبيهم : أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ـ الخبر (١). وروى المسلمون في ذلك " شعرا " :

إن سعدا لغيور والنبي أغير منه

وإله العرش أوفى غيرة بالنقل عنه

فإذا ما بانت الغيرة من رأس فبنه

مستحل العانة تحصي العفو خوفا إن تخنه

خلق السيف لرأس خلت النخوة منه

فكيف هذه المناقضات في رواياتهم ومقالاتهم؟.

ومن طرائف ذلك أنهم ذكروا أن الحبشة كانوا يلعبون في المسجد ، وقد رووا أن نبيهم صان مسجده عن غير العبادات ، حتى أن رجلا ضلت له ضالة فنادى عليها في المسجد فأنكر عليه ذلك.

٣٢٦ ـ فمن ذلك ما ذكره الحميدي في الحديث السادس من أفراد مسلم من مسند بريدة بن الحصين أن رجلا نشد في المسجد فقال : من دعا إلى الجمل الأحمر : فقال النبي " ص " : لا وجدت ، إنما بنيت المساجد لما بنيت له (٢).

٣٢٧ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الحديث التاسع والستين بعد المائة من مسند أبي هريرة من أفراد البخاري قال رسول الله " ص " : من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه ٢ / ١١٣٥.

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ١١٣٦.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٤٩٧.

تبن لهذا (١).

٣٢٨ ـ ومن ذلك ما ذكره الحميدي أيضا في بعض الحديث الخامس والأربعين من مسند ابن مالك عن النبي " ص " قال : إن هذه المساجد إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن.

فمن أنكر إنشاد الضالة في مسجده والحديث في غير ذكر الله ، كيف ينسب إليه الرضا باللعب في المسجد وتفريج زوجته على ذلك.

ومن طرائف هذه الأحاديث أن أبا بكر وعمر ينكران عليه وعلى المغنيات ، وينكر عمر على الحبشة (٢) ، ويستقبحان له ذلك ، فيمنعهما عن الانكار ويستحسن هو لنفسه ولدينه ولزوجته مثل ذلك ، ثم إن كتابهم يتضمن " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار " (٣) فكيف يكون بيوت جعلها الله تعالى للارتفاع وذكر اسمه ، موضعا للمغنيات واللعب واللهو؟ ثم كيف يكون رجال قد وصفهم الله إن التجارة والبيع المباحين لا تلهيهم عن ذكره فكيف يقال عن نبيهم الذي هو سيد هؤلاء الرجال أنه يتلهى عن ذكر الله بسماع المغنيات وتفريج زوجته.

ومن طرائف ذلك أنه يكون أبو بكر وعمر يعتقدان نقص نبيهم محمد " ص " وأنهما أعرف منه بالآداب الدينية والدنيوية حيث أنكرا على المغنيات والحبشة ، وهلا اقتديا به وكان لهما فيه أسوة حسنة؟ فكانا يسكتان كما سكت وحيث لم يسكتا فهلا قالا يا رسول الله ما سبب سكوتك عن الانكار؟ وإن كانا لا يعرفان محل الأنبياء ولا ما يجب من التأدب معهم ، وكانا مثلا يعتقدانه ملكا من الملوك ، فأين الأدب مع الملوك؟ والتلطف في حسن صحبتهم؟

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣٩٧.

(٢) راجع صحيح مسلم : ٢ / ٦١٠ حديث : ٨٩٣.

(٣) النور : ٣٦ ـ ٣٧.

وإن كان المقصود من إنكارهما المشورة عليه بترك المغنيات وترك الرضا بذلك ، فكان يليق أن يقولا كما جرت عادة المشير علي من هو أعظم منه ، ولا يبدءا بالإنكار قبل المشورة ، ثم وأين هذا الانكار مما تضمن كتابهم " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " (١) أما هذا تقدم بين يدي الله ورسوله وتهجم عليهما واعتقاد لنقص تدبيرهما. والله لقد فضح هؤلاء المسلمون أنفسهم بهذه الروايات وقبحوا ذكر ما بلغوا في وصفه الغايات.

ومن طرائف رواياتهم أيضا عن عائشة ما يخالف فيه أهل بيت نبيهم.

٣٢٩ ـ ما ذكره الحميدي في الحديث الرابع بعد المائة من المتفق عليه من مسند عائشة من حديثها قالت : سحر رسول الله حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله ، وفي الحديث المذكور من حديث ابن عيينة قال : ومن طبه يعني سحره؟ قال : لبيد بن الأعصم رجل من زريق حليف اليهود وكان منافقا.

قال الحميدي : عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي " ص " سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشئ ولم يصنعه ، وفي رواية أبي أسامة عن هشام عن عروة عن عائشة مثل هذا أيضا (٢).

(قال عبد المحمود) : كيف استجازوا رواية مثل هذا الحديث؟ وكيف قبلوا شهادة عائشة على نبيهم بمثل ذلك؟ ثم وكيف صححوه وقد رووا في كتبهم أن نبيهم كان مصونا بالألطاف الربانية والعناية الإلهية عن تأثير السحر فيه ، وأيضا فقد رووا عنه " ص " أنه كان يعلم الناس كيف يحرسون أنفسهم من السحر ، فكيف يترك نفسه ويعلم غيره؟ وكيف يقال عنه أنه يقول ما لا يفعل؟ وكيف يمكن الله من سحر أنبيائه الذين يبلغون عنه؟ وما يؤمن أن يقع وهم مسحورون ما ينفر الناس عنهم ويوجب ترك القبول منهم ، وأن يزيدوا في شريعته أو ينقصوا

__________________

(١) الحجرات : ١.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧١٩ ـ ١٧٢١ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ٨٨.

منها شيئا وهم لا يعلمون.

ثم لو وقع ذلك كيف جاز تقبيح ذكر نبيهم وإساءة سمعة الإسلام بنقل مثل هذا وتصحيحه؟ ثم وكيف تقبل شهادة عائشة وهي امرأة ، وقد تقدم بعض أحوالها المنكرة ، في مثل هذا الأمر العظيم الذي يجرح به النبوة والإسلام ويقدح به في عناية الله بنبيهم وحراسته له؟ ثم وكيف يعارضون بهذا الحديث السخيف ما قد تضمنه كتابهم من أن الله كفاه شر من لم يؤمن به في قوله " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (١) ".

والله ما جاز أن يقولوا ذلك عن نبيهم ولا أن يجعلوا بذلك طريقا لأهل الذمة وأعداء الإسلام. ولله در القائل حيث يقول :

ما يبلغ الأعداء من جاهل

ما يبلغ الجاهل من نفسه

ومن طرائف روايات عائشة :

٣٣٠ ـ ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني والسبعين من المتفق عليه من مسند عائشة من حديث الزهري عن عبد الله بن مسعود عن عائشة زوج النبي " ص " قالت : لما ثقل النبي " ص " واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ، فأذن له ، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض ، بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر. وفي رواية بين الفضل بن عباس ورجل آخر. قال عبيد الله في الروايتين : فأخبرت عبد الله بن عباس بالذي قالت عائشة ، فقال أتدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال : قلت : لا ، قال ابن عباس : هو علي (٢).

__________________

(١) البقرة : ١٣٧.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣١٣ و ٤١٣ حديث : ٩١ و ٩٢ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ١٨.

٣٣١ ـ ثم روى الحميدي في مسند عائشة أيضا في الحديث الثالث والسبعين من المتفق عليه في رواية أبي أسامة ومحمد بن حرب عن عائشة قالت : كان رسول الله " ص " ليتفقد في مرضه يقول : أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطأ ليوم عائشة ، قالت : فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري (١).

(قال عبد المحمود) : أرى الحديث الأول يدل على أن انتقاله إلى بيتها ما كان في يومها وإن أزواجه آثروه بأيامهن ، وأرى الحديث الثاني يدل على انتقاله إلى بيتها كان في يومها ، وجميعه انتقال واحد ، فأي الحديثين كذب وأيهما صحيح فأراهما معا في الصحاح.

ومن طرائف رواياتها في الحديث الثاني والسبعين المقدم ذكره من مسند عائشة فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ما ادعته من صلاة أبيها أبي بكر بالناس في مرض نبيهم ، وفي هذا الحديث عدة طرائف تدل على أنه مجعول أو زائف.

٣٣٢ ـ فروى مسلم والبخاري من حديث موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال : دخلت على عائشة فقلت لها : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله " ص " قالت : بلي ، ثقل النبي فقال : أصلي الناس؟ قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله. قال : ضعوا لي ماء في المخضب ، ففعلنا ، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : أصلي الناس؟ قلنا لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. فقال : ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا ، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : أصلي الناس؟ قلنا: لا ، وهم ينتظرونك رسول الله. فقال : ضعوا لي ماء في المخضب ، ففعلنا ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : أصلي الناس : فقلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله. قالت : والناس عكوف

__________________

(١) رواه في صحيحه : ٤ / ١٨٩٣.

في المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء الآخرة. قالت : فأرسل رسول الله " ص " إلى أبي بكر أن يصلي بالناس ، فأتاه الرسول فقال : إن رسول الله يأمرك أن تصلي بالناس ، فقال أبو بكر وكان رجلا : رقيقا : يا عمر صل بالناس قال. فقال عمر : أنت أحق بذلك. قالت : فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام.

ثم إن رسول الله " ص " وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين ، أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر وقال لهما : أجلساني إلى جنبه ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر ، وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي والناس يصلون بصلاة أبي والنبي قاعد. هذا لفظ حديثيهما في صحيحيهما على ما ذكره الحميدي (١).

(قال عبد المحمود) : في هذا الحديث عدة طرائف ، فمن طرائف هذا الحديث أنه يدل على أن نبيهم محمدا صلى الله عليه وآله كان يكره أن يصلي بالناس غيره لما تضمنه من معالجته لمرضه ثلاث مرات ليخرج إليهم.

ومن طرائف هذا الحديث المذكور أن نبيهم محمدا صلى الله عليه وآله كان يسئ الظن بأصحابه ومعتقدا لإقدامهم على ترك مراقبته ، لأنه في كل مرة في معالجته يقول : أصلى الناس؟ فلو كان حسن ظنه بهم وأنهم ما يصلون إلا بإذنه ولا يقدمون إماما إلا برأيه ، ما قال كل مرة أصلى الناس؟ فيقال : لا.

ومن طرائف الحديث المذكور أن الحميدي ذكر في الحديث الثاني والسبعين المقدم ذكره من طريق آخر غير ما قدمناه ، وهي أن البخاري ومسلما أخرجا حديث الصلاة من حديث الأسود بن يزيد بن قيس النخعي عن عائشة : فذكرت أن نبيهم محمدا " ص " لما أذن بالصلاة قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي من نفسه خفة فخرج يتهادى بين رجلين

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣١١ ـ ٣١٢.

الخبر ولم يذكر معالجته للخروج ولا توقفا عن الأمر لأبيها بالصلاة.

ومن طرائف الحديث المذكور أنها ذكرت في الحديث المقدم أن أباها صلى بالناس أياما وفي حديث الأسود بن يزيد أن نبيهم محمدا ص خرج عقيب أمره لأبي بكر بالصلاة بما ذكرتها من فاء التعقيب ومضمون الحديث يقتضي أن أباها لم يكن دخل في الصلاة.

ومن طرائف الحديث المذكور أنها ذكرت في الحديث الأول أن النبي ص لما أمر لأبيها بالصلاة كان الناس عكوفا في المسجد وذكرت في الحديث الأسود بن يزيد أن النبي ص لما أمر لأبي بكر بالصلاة خرج يصلي فمفهوم ذلك أن أباها كان في المسجد ومفهوم هذا أن أباها كان عند النبي أو في داره.

ثم فهذا الرسول الذي كان بين نبيهم وبين أبي بكر يأمره بالصلاة من هو ومن أي القبائل فما نرى له اسما قط في شيء من هذه الروايات مع كونه عندهم من المهمات.

ومن طرائف الحديث المذكور أن أباها أتاه الرسول عن نبيهم ص بالصلاة فأشار إلى عمر أن يصلي بالناس وهذا يدل على أن أباها عرف أن الرسالة ما كانت عن النبي أو أنه علم أن التقدم في الصلاة لا فضيلة فيه وأن الناس في التقدم سواء أو أنه عرف فضيلة ذلك وكان يعتقد جواز مخالفة النبي فيما يأمر به أو كان يعتقد عدم جواز مخالفته وخالف معاندة فأي فائدة لأبيها في ذلك مع سوء هذه المسالك.

ومن طرائف الحديث المذكور أن عائشة هب أنها تحدث بما حضرته من قول نبيهم ومرضه وأمره بالصلاة فهذا الحديث الآخر الذي تجدد في المسجد بعد خروج النبي ص للصلاة عمن روته ولم تحضره فما هذا الاختلاط والإفراط.

ومن طرائف الحديث المذكور أنه لم يتضمن أن أحدا راجع النبي " ص " لما أمر أن يصلي أبوها بالناس.

٣٣٤ ـ وقد ذكر الحميدي في جملة الحديث الثاني والسبعين في رواية هشام بن عروة عن أبيه عنها أنها راجعت النبي " ص " وقالت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء (١).

٣٣٥ ـ وذكر الحميدي في جملة الحديث المذكور من رواية ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن عائشة قالت : وما حملني على كثره مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا (٢).

٣٣٦ ـ وذكر الحميدي في الحديث المذكور من رواية الزهري عن أبي حمزه بن عبد الله بن عمر ، عن عائشة أنها قالت : ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله " ص " (٣).

(قال عبد المحمود) : هذا عدة أعذار ومقالات تحتاج إلى عدة مقامات ، ولا خلاف بين أهل الصدق منهم أن مقام الأمر بالصلاة كان مقاما واحدا ، ففي أي ذلك صدقت عائشة ، فأرى الجميع قد صححوه.

ومن طرائف الحديث المذكور أن عائشة تعتقد أن رأيها لأبيها أصلح من رأي النبي " ص " له ، وتتهم النبي في الأمر له بالصلاة.

ومن طرائف الحديث المذكور الذي يضحك الناس أن يكون نبيهم لما خرج على تلك الضرورة يتهادى بين رجلين ليمنع أبا بكر أن يصلي بالناس ويصلي هو بهم ، فلما صلى نبيهم محمد " ص " كان أبو بكر وحده يصلي بصلاته

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣١٣ حديث : ٩٣.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ٥ / ١٤٠.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣١٣ حديث : ٩٤.

والناس كلهم يصلون بصلاة أبي بكر فإن العقل ما يقتضي أن مسلما عارفا يكون بين يديه النبي وأبو بكر فيقتدي بأبي بكر ويترك الاقتداء بالنبي ومن فعل ذلك من المسلمين فهو معدود من السفهاء الغافلين الذين لا يعتقد عاقل بايتمامهم وانفرادهم.

ومن طرائف ذلك شهادة عائشة ومن تابعها بأن المسلمين كانوا يقتدون في هذه الصلاة بأبي بكر وهذا الاقتداء راجع إلى نيات القلوب فمن أين عرفت عائشة وأتباعها بواطن المصلين ممن اقتدوا لما خرج نبيهم محمد ص للصلاة ثم إن تحكيم عائشة واتباعها في ذلك ودعواها للاطلاع على بواطن المصلين من أعظم طرائف هؤلاء المسلمين وإن المصدقين لها على صفات من الغفلات.

ومن طرائف الحديث المذكور أن كلما ذكره الحميدي في هذا الحديث من رواياتها يتضمن كتمانها لاسم علي بن طالب ع حيث خرج نبيهم محمد ص يتوكأ عليه وهذا تعصب عظيم عليه فما سبب الحقد منها على علي بن أبي طالب عليه السلام إن ذلك مما يقدح في روايتها عند ذوي البصائر والتجارب.

ومن طرائف الحديث المذكور أنها ذكرت أن نبيهم لما وجد في نفسه خفة خرج ليصلي بالناس وهذا من العجائب فإنه كيف جاز أن يقول عن نبيهم أو يصدقها أحد بأنه كان قد دخل وقت الصلاة وصلى أبو بكر والمسلمون ونبيهم لم يصل هو ولا العباس ولا الرجل الذي أخبر عبد الله بن العباس وغيره أنه علي بن أبي طالب أفترى أن عائشة وأتباعها يقولون إن نبيهم محمدا ص علم هو والذين كانوا معه قد دخل وقت الصلاة وصلى الناس ولم يصل بحسب حاله في مرضه ولا صلى العباس وعلي أو يقولون إن المسلمين لم يعرفوه

بوقت دخول الصلاة ولم يستأذنوه في صلاتهم وفي ذلك مناقضة لما تقدم من رواياتهم.

ومن طرائف الحديث المذكور قولهم إن النبي ص خرج ليصلي بالناس ثم قولهم إن الناس كانوا بعد خروجه يقتدون في صلاتهم بأبي بكر تراهم ما استصوبوا رأي نبيهم في الصلاة بهم أو اعتقدوا أن الصلاة خلف أبي بكر بعد خروج نبيهم أفضل من الصلاة خلف نبيهم أو عرفوا أن الواجب أو الأفضل الصلاة خلف نبيهم فتركوا ذلك عمدا واستخفافا بالإسلام إن هذا مما يستطرفه ذوي البصائر والأفهام وقد تقدم بعض معناه.

ومن طرائف الحديث المذكور أن تقبل شهادة عائشة برواية هذا الحديث وأمثاله وأعظم منه في إقامة حرمة أبيها وتعظيم شأنه وهي تجر الجاه وغيره بذلك إلى نفسها ويطعنون على شهادة علي بن أبي طالب والحسن والحسين لفاطمة ع بفدك والعوالي وقد شهدت رواياتهم بطهارتهم وعصمتهم ويكون أولئك ممن يجر النفع إلى نفسه ويتهم في روايته وشهادته وعائشة لا تتهم في روايتها ولا يطعن في شهادتها إن هذا من أعظم طرائف هؤلاء الطوائف.

ومن طرائف الحديث المذكور أنهم جعلوه من الأسباب الموجبة لتعظيم أبي بكر على الصحابة مع ما تضمنه من الاضطراب والمناقضة في الأسباب وربما جعلوه سببا لخلافته مع ما

يروون أن نبيهم محمدا ص قال صلوا خلف كل بر وفاجر ومع ما يذهبون إليه من كون شريعتهم يقضي الإذن العام من الله ورسوله لكل مسلم في التقدم للصلاة بالناس.

ومما يدل على أن الأمر بالصلاة خلف كل أحد من الصحابة لا يقتضي خلافة ولا إمارة ولا نحو ذلك أن النبي ص كان يخرج في الغزوات والأسفار ورووا

أنه ما خرج أبدا إلا وأمر من يصلي بالناس.

من ذلك ما رووا أن رسول الله ص خرج وعين للصلاة أبا لبابة المكنى بأبي منذر وكان يصلي بالناس حتى رجع رسول الله من غزاة بدر واستخلف عام الفتح ابن أم مكتوم الأعمى فلم يزل يصلي بالناس حتى رجع النبي واستخلف في غزاة أحد أبا ذر الغفاري واستخلف في غزاة الحديبية ساع بن عرقطة واستخلف في غزاة تبوك علي بن أبي طالب ع وأمر ابن أم مكتوم أن يصلي بهم واستخلف في غزاة وردان سعد بن عبادة واستخلف في غزاة نواط سعد بن معاذ وفي طلب كرب بن جابر الفهري زيد بن حارثة وفي غزاة الفترة أبا سلمة بن الأسد المخزومي وفي غزاة قينقاع أبا لبابة وفي غزاة المبلك ابن أم مكتوم وفي غزاة رادم عثمان بن عفان وفي غزاة البدر الموعد عبد الله بن رواحة فهل اقتضى ذلك خلافة أو إمارة ولو كان ذلك يقتضي خلافة أو إمارة لكان المسلمون يحكمون بالخلافات والإمارات لكل من أمره أن يكون إماما في الصلاة ولكانوا ما يرجعون عن ذلك إلا أن يقول لهم النبي ص ما قصدت بذلك ولو كان ذلك تقتضي خلافة أو إمارة لذكره أبو بكر يوم السقيفة أو ذكره أحد غيره فأي فضيلة تبقى في هذا الحديث لو صح وسلم من الخلل والفساد وكيف خفي عن أهل النظر والانتقاد.

ومن طرائف ما يدل على أن أولئك المسلمين ما كانوا يراعون إذن نبيهم ص في القيام مقامه في الصلاة بالناس أو أنهم كانوا يعتقدون ذلك ويقدمون على ترك إذنه ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في المتفق عليه من مسند المغيرة بن شعبة في الحديث الأول قال المغيرة برز رسول الله ص قبل الغائط فحملت معه إداوة قبل صلاة الفجر فلما رجع رسول الله توضأ للصلاة ووصف المغيرة الوضوء ثم قال المغيرة فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا

عبد الرحمن بن عوف يصلي بهم ، فأدرك رسول الله إحدى الركعتين ، فصلى ، مع الناس الركعة الآخرة ، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله " ص " فتمم صلاته ، فافزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح ـ الخبر (١).

٣٣٨ ـ وفي رواية أخرى من الحديث المذكور عن عروة بن المغيرة عن أبيه يذكر فيه انفراد رسول الله " ص " للتأهب للصلاة والوضوء ، إلى أن قال : ثم ركب وركبت معه فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة ـ الخبر.

وذكر الحميدي في هذا الحديث أيضا رواية الزهري إن هذه الحال تجددت بين المسلمين في غزاة تبوك (٢).

(قال عبد المحمود) : في هذا الحديث عدة طرائف :

فمن طرائف ما فيه أنه يشهد بتصديق الشيعة في كون أبي بكر ما كانت صلاته بالناس في مرض نبيهم بإذنه ، إذا صحت الرواية بذلك لأن من أقدموا على التقديم على النبي والقيام مقامة في محرابه وهو صحيح من المرض يخاف ويرجى ولم يترقبوه حتى يتوضأ للصلاة ، فلا يستبعد منهم بل هو الذي يليق عنهم أنهم وقت مرضه وعند اليأس منه يتقدمون في محرابه بغير إذنه. لا سيما وصورة الحال في خروجه على تلك الصفة من المرض تدل على أنه ما كان إذن في الصلاة بهم قبل خروجه.

ومن طرائف ما فيه عزل أولئك المسلمين لنبيهم عن مقام الصلاة وقلة الاحترام له وعدم التأدب معه.

ومن طرائف ما فيه أنه قد كان يمكن أن يكون تأخيره لما يقتضي نسخ تلك

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣١٧ ـ ٣١٨.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٣٠ ، ومالك في الموطأ : ١ / ٤٥.

الصلاة بالكلية أو تأخيرها أو تغيير بعض أوصافها فإن مثله لا يتهم أنه يتأخر عن الصلاة في محرابه ومقامه بعد دخول وقتها إلا لعذر واضح فهلا صبروا حتى يعلموا عذره واستكشفوا عن سبب تأخره.

ومن طرائف ما فيه أنه يشهد أنهم قد كانوا يعلمون أن ذلك لا يجوز وأقدموا عليه بدليل قولهم في الحديث فأفزع ذلك المسلمين.

ومن طرائف ما فيه أن يكون عبد الرحمن صلى بالنبي ص وبالمسلمين ولا يكون ذلك دالا على استحقاق الفضيلة على أبي بكر وعمر وغيره ولا سببا لخلافته بعد النبي ويكون شهادة عائشة لأبيها بالإذن في صلاة صلى أبوها بعضها وعزل عن بعض وكان الدعوى للإذن في الصلاة مظنونا وعزل نبيهم عن مقام الصلاة معلوما ثم يدل ذلك عندهم على فضيلة أبي بكر أو خلافته إن ذلك مما يتعجب العقلاء منه وينفرون عنه.

ومن طرائف ما فيه أنهم كانوا لا يفترقون بين فضيلة الايتمام بنبيهم وبين الايتمام بأبي بكر أو كانوا يفرقون ويتعمدون ترك ذلك وكلاهما قدح في صحابة نبيهم.

ومن طرائف ما فيه أنه يدل على ما تقدم من أنه لا يستبعد من أكثر الصحابة مخالفة نبيهم بعد وفاته في أوامره وتقدماته حيث أقدموا على إهماله في حياته.

ومن طرائف ما فيه أنه يشهد للشيعة أن ذلك لما وقع ما كان علي بن أبي طالب في جملة أولئك المسلمين لأنه لا خلاف بينهم أن نبيهم محمدا ص استخلفه في تلك الغزاة أعني غزاة تبوك وكان علي مقيما بالمدينة (١)

ومن طرائف ما يدل على أن أبا بكر خاصة ما كان يراعي أيضا إذن نبيهم

__________________

(١) وقد ذكر العلامة المجلسي " ره " وجوها أخر ، من أراد الوقوف عليها فليراجع البحار : ٢٨ / ١٣٠ إلى ١٧٤.

محمد " ص " في القيام مقامه في الصلاة ، ولا يجد في نفسة توقفا عن عزل نبيهم عن المقام الذي جعله الله لنبيهم ، ولا استحيى من الله ولا من نبيهم ولا من المسلمين ، ويقتضي أيضا أن إقدامه على ذلك يدل على أنه لا يستبعد منه التقدم في الصلاة في مرض نبيهم بغير إذن منه كما تقدم في حال عافيته بغير إذنه.

٣٣٩ ـ ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما يرفعانه إلى محمد بن عبد الله إلى أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي ، إن رسول الله ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال : أتصلي بالناس فأقيم؟ قال : نعم. قال : فصلى أبو بكر. فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المقدم ورجع أبو بكر القهقرى (١).

(قال عبد المحمود) : أما تفكر عاقل منصف في هذا الإقدام من أبي بكر على عزل رسولهم عن مقام صلاته ، وعن منزل نبوته ورسالته ، أما يعرف العقلاء أن منازل الأنبياء ومقاماتها لا ينزلها أحد ، ولا يقام فيها إلا بإذن الله ورسوله ، أما قرأوا في كتابهم " لا تقدموا بين يدي ورسوله "؟ فهل ترى في هذا الحديث الصحيح عندهم أن أبا بكر توقف عن التقدم؟ أو اعتذر وشاور المسلمين؟ أيستبعد منه بعد وفاة النبي أن يقدم على طلب الرياسة والملك العقيم بغير إذن من الله ورسوله وبغير استحقاق لذلك؟ أو يستبعد منه أن يقوم مقامه في الصلاة في مرضه بغير إذن من الله ورسوله وبغير استحقاق لذلك ، وقد تقدم في الطريفة التي قبل هذا من التعجب والاعتراض ما فيه تمام الأغراض وشفاء للعقول من الأمراض.

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ١ / ٣١٧.

ما شهد به العامة على أنهم خالفوا وصايا نبيهم

ومن طرائف أكثر المسلمين وما شهدوا به على أنفسهم من مخالفتهم لوصايا نبيهم " ص " بعترته وإقرارهم بما فعلوا من كسر حرمتهم وحرمته :

٣٤٠ ـ ما ذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في ثامن حديث من مسند عمر بن الخطاب يذكر فيه ما تجدد نبيهم محمد صلى الله عليه وآله في الخلافة ، يقول فيه عمر ما هذا لفظه : ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : لو مات عمر بايعت فلانا ، فلا يغترن امرء أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى المسلمين شرها إن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، ثم قال : بعد كلام لا حاجة إلى ذكره ، فقلت : يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، وذكر إتيانهم إليه.

وحكى في الحديث عمر عن أبي بكر أنه قال : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، قال عمر : فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا. ثم قال بعد كلام : فقال قائل من الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف ، فقلت أبسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، ثم قال عمر بعد كلام له : ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ، فقلت : قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر : إنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمرنا أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فأما بايعناهم على ما لا ترضى وأما نخالفهم فيكون فسادا ، فمن بايع رجلا

على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن قتلا (١).

(قال عبد المحمود) : حكى عمر بن شيبة في كتاب السقيفة عن أبي عبيدة أن قول عمر تغرة يقتلا ، يعني أرى في بيعتهما تغريرا لأنفسهما بالقتل.

٣٤١ ـ وروى الحميدي في سادس حديث من المتفق عليه من مسند أبي بكر قال : ومكثت فاطمة بعد رسول الله " ص " ستة أشهر ثم توفيت ، قالت عائشة : وكان لعلي وجهة بين الناس في حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي عليه السلام. وفي حديث عروة فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ، فقال : لا والله ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي. قال : فأرسل إلى أبي بكر : أأتنا ولا تأتنا معك أحد فكره أن يأتيه عمر لأنه علم من شدة عمر فقال عمر : لا تأتهم وحدك.

٣٤٢ ـ وذكر الطبري في تاريخه قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه (٣).

٣٤٣ ـ وذكر الواقدي : إن عمر جاء إلى علي في عصابة منهم أسيد بن

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : كتاب المحاربين أهل الكفر والردة باب رجم الحبلى في الزنا ٨ / ٢٥ ـ ٢٨ ، والطبري في تاريخه : ٣ / ٢٠٠ ، وابن أبي الحديد في الشرح : ٢ / ٢٤ ، والشهرستاني في الملل والنحل : ١ / ٢٤ ، وابن الأثير في النهاية : ٣ / ٤٦٧.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٨٠ ، والبخاري في صحيحه : ٥ / ١٣٩ ، وإحقاق الحق عنه : ٢ / ٣٦٩.

(٣) الطبري في تاريخه : ٣ / ١٩٨.

الحصين وسلمة بن سلامة الأشهلي فقال : أخرجوا أو لنحرقنها عليكم (١).

٣٤٤ ـ وذكر ابن جيرانة في غرره قال زيد بن أسلم : كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه ، قال : وفي البيت علي والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي ، فقالت فاطمة : أفتحرق على ولدي؟ فقال : إي والله أو ليخرجن وليبايعن (٢).

٣٤٥ ـ وروى ابن عبد ربه وهو رجل معتزلي من أعيان المخالفين وممن لا يتهم في روايته عن أبي بكر وعمر قال في الجزء الرابع في كتاب العقد الفريد عند ذكر أسماء جماعة تخلفوا عن بيعة أبي بكر فقال ما هذا لفظه : وأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال : له إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة (٣).

وروى مثل ذلك صاحب كتاب أنفاس المحامل ونفائس الجواهر عن ابن سهلوه وقد ذكر عمر بن شيبة وهو من أعيان علمائهم في كتابه الذي سماه كتاب السقيفة طرفا من القبائح العظام التي جرت على بني هاشم وعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام في ذلك المقام.

(قال عبد المحمود) : في هذه الأحاديث عدة طرائف :

فمن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم بصحة ما شهد به عمر من كون

__________________

(١) رواه الشهيد التستري في إحقاق الحق عنه : ٢ / ٣٧٠.

(٢) رواه الشهيد التستري في إحقاق الحق : ٢ / ٣٧٣.

(٣) العقد الفريد : ٣ / ٦٣ ط مصر ، وروى هذا الحديث ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١ / ١٩.

بيعة أبي بكر كانت فلتة بغير مشورة في المتفق عليه من صحيح مسلم والبخاري وإذا كانت قد وقعت فلتة بغير مشورة من المسلمين ولا اتفاق كما شهد عمر وكما تضمنه الأحاديث المذكورة ، فكيف صحت في مذهب القائلين بالاختيار؟ لولا عمى القلوب وفساد الاعتبار.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة ذم عمر لبيعة أبي بكر ووصفها بأنها كانت ذات شر ولكن الله وقى شرها ، وعمر هو الذي عقدها ، وتقدم رواياتهم لذلك.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة أن يكون بايع تلك البيعة يستحق القتل (١) والإنكار عليه ، ويكون عمر مصيبا مشكورا في مبايعته لأبي بكر.

ومن طرائف ذلك أن هذا كله لا يكون طعنا على أبي بكر ولا عمر ولا ذكر الصحابة بسوء ، ولو كان قد وقع هذا الكلام في حق أبي بكر من العباس أو علي عليه السلام أو بعض بني هاشم أو أتباعهم ، لحكموا بضلال من وقع ذلك منه وعداوته لأبي بكر وخروجه عن حكم الإسلام " ولله در القائل " :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم أن الأنصار خالفوه بأسرهم وعلي ع ومن معه ثم بايع عمر وحده لأبي بكر وتقدم على ذلك قبل حضور علي والزبير ومن معهما وقبل اتفاق الأنصار فكيف يكون ذلك صحيحا عند عاقل ليت شعري من جعل لعمر هذا الحكم والتقدم على المسلمين من غاب ومن حضر وأي بلاء جرى على الإسلام بهذه العجلة وأي ضرر وإن دعواهم بصحة بيعته من أعظم البهت الهائل عند كل عاقل.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم وتصديقهم أن الصحابة ضلوا بعد نبيهم محمد ص على ثلاث فرق أو ضل منهم فرقتان فليت شعري أيها

__________________

(١) إشارة إلى قوله حيث قال " فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ".

الضالة؟ الأنصار حين خالفوهم بأسرها أو عمر أو المهاجرون حين خالفوهم أو علي عليه السلام وبنو هاشم حين خالفوا وتأخروا البيعة ستة أشهر ، ولو كان قد عمل هاهنا بقول نبيهم في الثقلين والتمسك بهما وإن عترته لا تفارق كتابه وكان قد وافق بني هاشم كان قد حصل الأمان من الضلال وسلمت الأخبار الصحاح من الاختلاف والاختلال.

ومن العجب أنهم رووا في كتبهم المعتبرة أن نبيهم محمدا صلى الله عليه وآله قد شهد بضلال الفريقين المخالفين لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

٣٤٦ ـ فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه ، قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى التميمي ، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، حدثنا أبي ، حدثنا عمي الحسين بن سعيد بن أبي الجهم ، حدثني أبي عن أبان بن تغلب عن مسلم قال : سمعت أبا ذر والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي قالوا : كنا قعودا عند رسول الله " ص " ما معنا غيرنا ، إذ أقبل ثلاثة رهط من المهاجرين البدريين ، فقال رسول الله : تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق ، فرقة أهل حق لا يشوبونه بباطل مثلهم كمثل الذهب كلما فتنته بالنار ازداد جودة وطيبا وإمامهم هذا أحد الثلاثة وهو الذي أمر الله به في كتابه " إماما ورحمة " ، وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق مثلهم كمثل خبث الحديد كلما فتنته بالنار ازداد خبثا وأمامهم هذا أحد الثلاثة ، وفرقة أهل ضلالة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وإمامهم هذا أحد الثلاثة. فسألتهم عن أهل الحق وإمامهم. فقال : هذا علي أبي طالب إمام المتقين ، وأمسك عن الاثنين فجهدت أن يسميهما فلم يفعل (١).

وروى هذا الحديث أخطب خوارزم موفق بن أحمد ، ورواه أيضا أبو الفرج المعافا ابن زكريا وهو شيخ البخاري.

__________________

(١) رواه السيد عنه في اليقين : ١٨١ ـ ١٨٢.

(قال عبد المحمود) : فهل ترى نبيهم ترك لهم عذرا مقبولا في مخالفة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ وهل ترى أقبح من ضلالهم وسوء حالهم؟

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر ومن تابعه على الصحابة بأنهم كلهم على دين واحد ومجمعين على أمر واحد في عدم امتثال قول نبيهم " ص " في عترته عليهم السلام ولا كان فيهم مروة ولا حياء حيث سارعوا إلى تعجيل مخالفته وتغيير أقواله وشريعته.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر ومن صحح الحديث ، على أن الحاضرين في السقيفة كانوا يشهدون أن جميعهم مجمعون على أن الخلافة يستحقها غير أبي بكر ، وأنه لم يكن عندهم بمنزلة من يصلح للخلافة ولا يشاور فيها ، بدليل أنهم شرعوا فيها وجرى حديث عقدها لبعض من حضر منهم (١) ، ولم يبعثوا إلى أبي بكر يحضرونه ولا استشاروه ، وهذا يلزم من اعتقد أن مبايعتهم حجة وأنهم كانوا على صواب ، فإن كان إجماعهم وشهادتهم حقا فقد تقدمت إجماعهم وشهادتهم على أن الخليفة منهم وأن أبا بكر خارج عنهم ، وأن كان يصح أنهم يشهدون ويجمعون على محال فكذا يمكن أن يكون مبايعتهم على فساد واختلال ، فلا يكون إجماعهم حجة في شئ من الأحوال والأعمال.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر أنه لم يطلب له ولا لأبي بكر أحد ولا اختارهما ولا قصدهما ، وإنهما مضيا بأنفسهما يطلبان الملك والخلافة ويتوصلان فيهما ، ولو كانا ثقة من أنفسهما أنهما يصلحان للخلافة أو يوصلهما أحد لذلك للزما منازلهما حتى يأتيهما الناس كما فعل علي " ع " وبنو هاشم.

ومن طرائف الأحاديث شهادته وشهادة من يشهد بصحة الحديث أن أبا بكر وحده ابتدء باختيار خليفة إما عمر أو أبي عبيدة.

__________________

(١) وهو سعد بن عبادة حيث أجمع الأنصار كلهم على مبايعته.

ومن طرائف ذلك تعيين أبي بكر على عمر وأبي عبيدة واختياره لهما ثم موافقته لعمر على أن يرجع عنهما ويعتقد الخلافة لنفسه ، فليت شعري حيث اختارهما أما كان يعلم أنهما أصلح لأمة نبيهم " ص " وأقوم بالخلافة منه فإن كان اختارهما لأنهما أصلح للأمة منه فكيف خان الأمة وعدل عنهما وهما أصلح ، وإن كان اختارهما مع أنه يعلم أنه أصلح للأمة منهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين كيف اختار لهما غير الأصلح وعدل عن نفسه وقد كان يجب أن يسكت أو يحتج لنفسه بأنه أقوم للخلافة ولا يعين بالخلافة على عمر ولا على أبي عبيدة لأنه على بصيرة من باطنه ولا يعلم بباطن غيره ، فكيف رضوا بهذه المناقضة والاختلاف وشهدوا على خليفتهم بعدم الإنصاف وخيانة الله ورسوله والمسلمين.

ومن طرائف ذلك أن أبا بكر يختار لخلافة المسلمين عمر وأبا عبيدة ، فيرد عمر ومن وافقه على خلافة أبي بكر اختيار أبي بكر ويطعنون على اختياره لهم ويرون اختيارهم له أحسن من اختياره ، فكان طعنهم وردهم الاختيار لهم طعنا عليهم في اختيارهم له ، ويزيد ذلك بيانا إن الذين ذهبوا إلى أن سبب خلافة أبي بكر اختيار السقيفة له يلزمهم أنه إذا بطل اختيار أهل السقيفة أو كان فاسدا أن يفسد خلافة أبي بكر ، وقد أوضحت لك أن اختيارهم له كان خلاف اختياره لهم فكان ذلك مشهودا بسوء اختيارهم له وبسوء اختياره لهم حيث قبل اختيارهم ومبايعتهم له فبطل اختيارهم واختياره وبطل بذلك حكم خلافته ، وهذا واضح لمن اطلع على الحقيقة.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة إن الأنصار كرهت ذلك ولم تقنع إلا أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة أن عمر شهد أنه بايع أبا بكر خوفا من الاختلاف ، ولم يكن ذلك لأنه أحق ممن غاب أو حضر.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر على الأنصار بأنهم قد كانوا من الجهالة والضلالة إلى أنهم يجيزون أن يكون للناس إمامان في وقت واحد.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة أنهم يطفرون وينزون على سعد بن عبادة كفعل السفهاء والطغام ، وإن مجلسهم قد كان خاليا من آداب ذوي العقول والأحلام.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة دعاء عمر على سعد بن عبادة بالقتل وهو رجل مسلم من أعيان الصحابة ، وقد أمر الإسلام أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ويكره لأخيه ما يكره لنفسه.

٣٤٧ ـ ومع ما رواه الحميدي في الحديث الخامس والخمسين بعد المائة من مسند عبد الله بن عمر من المتفق عليه ، إن النبي " ص " سأل عن سعد بن عبادة وكان سعد مريضا وقال : كيف أخي سعد بن عبادة ، وإن النبي عاده في مرضه وبكى عليه وأبكى الصحابة (١).

فأين هذا الاكرام بسعد بن عبادة من النبي " ص " من استخفاف عمر به ودعائه عليه. ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة عمر وشهادة من صحح حديثه أن عمر كان يعلم أن الأنصار غير راضية بأبي بكر وأنه لو فارقهم خاف أن يبايعوا غيره ، وأنه لو بايعوا غيره ما كان راضيا بذلك ، فمن جعل له هذا الحكم على المسلمين وهذا الاختلاف مما لا يليق بالورع والدين.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم على الصحابة أنهم ما يعرفون حق علي ، أو كانوا يعرفون ولا يعملون بما أمرهم نبيهم محمد " ص " في تعظيمه ، وقد تقدمت بعض الروايات عنهم بتعظيم علي وبالغوا في ذلك ، ثم رووا ههنا أنهم كانوا يراقبونه لمكان جاه فاطمة فحسب ، وهذه شهادة عظيمة وإساءة جسيمة إليه.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم أن عليا عليه السلام وبني هاشم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٣٧.

ما بايعوا أبا بكر إلا عجزا عن الانتصار ومع عدم الأنصار من غير اتفاق ولا رضى بمبايعة أبي بكر.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم أن بني هاشم تأخروا ستة أشهر عن بيعته ، ولو كان تأخرهم لشبهة أو غير حق ما كان يبلغ التأخر إلى هذه المدة الطويلة التي يشهد لسان حالها أن بني هاشم كانوا يعتقدون ويتحققون أن الخلافة لهم وأنهم مظلومون وفيهم أحد الثقلين الذين أوصى نبيهم بالتمسك بهما.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادتهم أن بني هاشم كانوا كلهم عارفين أن الحق لعلي عليه السلام وموافقين له ، وأنهم ما بايعوا أبا بكر ولا واحد منهم حتى بايعه علي عليه السلام.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة إنفاذ علي إلى أبي بكر أن يأتيه ولم يكن عنده أهلا يمضي إليه ، ولو كان يعتقد خلافته لمضى إليه.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة شهادة البخاري ومسلم بما كان عند بني هاشم من سوء الاعتقاد في عمر وكراهيتهم لإمامته وإنه على خلاف أبي بكر وعلى خلافهم.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة خوف عمر على أبي بكر القتل وسوء الظن ببني هاشم وقوله لا تأتيهم وحدك ، فأي صفاء يدعيه أحد بين بني هاشم وأبي بكر وعمر وقد بلغ الأمر بينهم إلى هذه الأكدار والعداوة بشهادة البخاري ومسلم اللذين يتهمان عندهم في نقل الأخبار والآثار.

ومن طرائف الأحاديث المذكورة ما ذكره الطبري والواقدي وصاحب الغرر المقدم ذكرهم من القصد إلى بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام بالإحراق ، أين هذه الأفعال المنكرة من تلك الوصايا المتكررة من نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ وأين ما تقدم ذكره من رواياتهم في صحاحهم

ولا اعتقد أن أمة بلغت بعد نبيها في الاستخفاف بدينه وأهل بيته إلى ما بلغ هؤلاء القوم ، وأنا ما اعتقد نبيا بالغ في الوصية بأهل بيته ومدحهم أعظم مما بالغ فيه محمد " ص " نبيهم.

ومن أطرف الطرائف قصدهم لإحراق علي والعباس بالنار في قوله : فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما وقد كان في البيت فاطمة. وفي رواية أخرى إنه كان معهم في البيت الزبير والحسن والحسين عليهما السلام وجماعة من بني هاشم لأجل تأخرهم عن بيعة أبي بكر وطعنهم فيها ، أما ينظر أهل العقول الصحيحة من المسلمين أن محمدا " ص " كان أفضل الخلائق عندهم ونبوته أهم النبوات ومبايعته أوجب المبايعات ، ومع هذا فإنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام والأحجار وغيرهم من أصناف الملحدين والكفار ، وما سمعناه أنه استحل ولا استجاز ولا رضي أن يأمر بإحراق من تأخر عن نبوته وبيعته ، فكيف بلغت العداوة لأهل بيته والحسد لهم والاهمال لوصيته بهم إلى أن يواجهوا ويتهددوا أن يحرقوا بالنار ، وقد شهدت العقول أن بيعة كانت على هذه الصفات وأن إكراه الناس عليها بخلاف الشرائع والنبوات والعادات لبيعة محكوم بفساد أهلها ووجوب حلها ، فهل ترى يوم السقيفة وما جرى فيه كان من شيم الأبرار أو من مغالبة الجاهلية الأشرار.

ومن عجيب ما رووه من المناقضة لذلك ما رواه أحمد بن حنبل في الجزء الرابع من مسند عبد الله بن مسعود قال : كنا مع رسول الله " ص " فمررنا بقرية نمل فأحرقت فقال النبي : لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله تعالى.

(قال عبد المحمود) : وكيف كان أهل بيت النبوة أهون من النمل؟ وكيف ذكروا أنهم يعذبونهم بعذاب الله تعالى من الحريق بالنار؟ والله إن هذه الأمور من أعظم عجائب الدهور.

(قال عبد المحمود) : فهل يشك عاقل مع هذا أن بيعة أبي بكر كانت فلتة كما قال عمر ومغالبة ومنافسة في طلب الدنيا ، ولم يكن بمشاورة من المسلمين ولا مراعاة لأوامر الشرع والدين وما أقرب هذه الأحوال بما تضمنه كتابهم " وما محمد إلا رسول قد خلت قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " (١).

ومن طرائف ما يوضح أن ظلم عمر لأهل البيت قد كان محققا مشهورا بين الولي والعدو.

٣٤٨ ـ ما ذكره البلاذري في تاريخه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية " أما بعد : فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين ". فكتب إليه يزيد : " يا أحمق! فإنا جئنا إلى بيوت متخذة وفرش ممهدة ووسائد منضدة فقاتلنا عليها ، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا ، وإن يكن الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا وآثر واستأثر بالحق على أهله ".

فيما جرى على فاطمة عليها السلام من الأذى

والظلم ومنعها من فدك

ومن الطرائف العجيبة ما تجددت على فاطمة عليها السلام بنت محمد " ص " نبيهم من الأذى والظلم وكسر حرمتها وحرمة أبيها والاستخفاف بتعظيمه لها وتزكيتها ، كما تقدمت رواياتهم عنه في حقها من الشهادة بطهارتها وجلالتها وشرفها سائر النسوان وأنها سيدة نساء أهل الجنة.

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

فذكر أصحاب التواريخ في ذلك رسالة طويلة تتضمن صورة الحال أمر المأمون الخليفة العباسي بإنشائها وقراءتها في موسم الحج. وقد ذكرها صاحب التاريخ المعروف بالعباسي وأشار الروحي الفقيه صاحب التاريخ إلى ذلك في حوادث سنة ثماني عشرة ومائتين جملتها ، إن جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام رفعوا قصة إلى المأمون الخليفة العباسي من بني العباس يذكرون أن فدك والعوالي كانت لأمهم فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم ، وأن أبا بكر أخرج يدها عنها بغير حق ، وسألوا المأمون إنصافهم وكشف ظلامتهم ، فأحضر المأمون مائتي رجل من علماء الحجاز والعراق وغيرهم وهو يؤكد عليهم في أداء الأمانة واتباع الصدق ، وعرفهم ما ذكره ورثة فاطمة في قضيتهم وسألهم عما عندهم من الحديث الصحيح في ذلك.

فروى غير واحد منهم عن بشير بن الوليد والواقدي وبشر بن عتاب في أحاديث يرفعونها إلى محمد " ص " نبيهم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام بهذه الآية " وآت ذا القربى حقه " فقال محمد " ص " : ومن ذو القربى وما حقة؟ قال : فاطمة عليها السلام تدفع إليها فدك ، فدفع إليها فدك ثم أعطاها العوالي بعد ذلك ، فاستغلتها حتى توفي أبوها محمد " ص " فلما بويع أبو بكر منعها أبو بكر منها ، فكلمته فاطمة عليها السلام في رد فدك والعوالي عليها وقالت له : إنها لي وإن أبي دفعها إلى. فقال أبو بكر : ولا أمنعك ما دفع إليك أبوك.

فأراد أن يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال : إنها امرأة فادعها بالبينة على ما ادعت ، فأمر أبو بكر أن تفعل ، فجاءت بأم أيمن وأسماء بنت عميس مع علي بن أبي طالب عليه السلام فشهدوا لها جميعا بذلك ، فكتب لها أبو بكر ، فبلغ ذلك فأتاه فأخبره أبو بكر الخبر ، فأخذ الصحيفة فمحاها فقال : إن فاطمة امرأة وعلي بن أبي طالب زوجها وهو جار إلى نفسه ولا يكون

بشهادة امرأتين دون رجل.

فأرسل أبو بكر إلى فاطمة ع فأعلمها بذلك فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو أنهم ما شهدوا إلا بالحق فقال أبو بكر فلعل أن تكوني صادقة ولكن أحضري شاهدا لا يجر إلى نفسه فقالت فاطمة ألم تسمعا من أبي رسول الله ص يقول أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنة فقالا بلى فقالت امرأتان من الجنة تشهدان بباطل فانصرفت صارخة تنادي أباها وتقول قد أخبرني أبي بأني أول من يلحق به فو الله لأشكونهما فلم تلبث أن مرضت فأوصت عليا أن لا يصليا عليها وهجرتهما فلم تكلمهما حتى ماتت فدفنها علي ع والعباس ليلا.

فدفع المأمون الجماعة عن مجلسه ذلك اليوم ثم أحضر في اليوم الآخر ألف رجل من أهل الفقه والعلم وشرح لهم الحال وأمرهم بتقوى الله ومراقبته فتناظروا واستظهروا ثم افترقوا فرقتين فقالت طائفة منهم الزوج عندنا جار إلى نفسه فلا شهادة له ولكنا نرى يمين فاطمة قد أوجبت لها ما ادعت مع شهادة الامرأتين وقالت طائفة نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكما ولكن شهادة الزوج عندنا جائزة ولا نراه جارا إلى نفسه فقد وجب بشهادته مع شهادة الامرأتين لفاطمة ع ما ادعت فكان اختلاف الطائفتين إجماعا منهما على استحقاق فاطمة ع فدك والعوالي.

فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلي بن أبي طالب ع فذكروا منها طرفا جليلة قد تضمنه رسالة المأمون وسألهم عن فاطمة ع فرووا لها عن أبيها فضائل جميلة وسألهم عن أم أيمن وأسماء بنت عميس فرووا عن نبيهم محمد ص أنهما من أهل الجنة فقال المأمون أيجوز أن يقال أو يعتقد أن علي بن أبي طالب مع ورعه وزهده يشهد لفاطمة بغير حق وقد

شهد الله تعالى ورسوله بهذه الفضائل له ، أو يجوز مع علمه وفضله أن يقال إنه يمشي في شهادة وهو يجهل الحكم فيها؟ وهل يجوز أن يقال إن فاطمة مع طهارتها وعصمتها وإنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة كما رويتم تطلب شيئا ليس لها تظلم فيه جميع المسلمين وتقسم عليه بالله الذي لا إله إلا هو؟ أو يجوز أن يقال عن أم أيمن وأسماء بنت عميس إنهما شهدتا بالزور وهما من أهل الجنة؟ إن الطعن على فاطمة وشهودها طعن على كتاب الله وإلحاد في دين الله ، حاشا الله أن يكون ذلك كذلك.

ثم عارضهم المأمون بحديث رووه أن علي بن أبي طالب عليه السلام أقام مناديا بعد وفاة محمد " ص " نبيهم ينادي : من كان له على رسول الله " ص " دين أو عدة فليحضر ، فحضر جماعة فأعطاهم علي بن أبي طالب عليه السلام ما ذكروه بغير بينة ، وإن أبا بكر أمر مناديا ينادي بمثل ذلك فحضر جرير بن عبد الله وادعى على نبيهم عدة فأعطاها أبو بكر بغير بينة ، وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن نبيهم وعده أن يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين ، فلما قدم مال البحرين بعد وفاة نبيهم أعطاه أبو بكر الثلاث الحثوات بدعواه بغير بينة.

(قال عبد المحمود) : وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع من أفراد مسلم من مسند جابر وإن جابرا قال : فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال أبو بكر خذ مثليها (١).

قال رواة رسالة المأمون : فتعجب المأمون من ذلك وقال : أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى جرير بن عبد الله وجابر بن عبد الله ، ثم تقدم بسطر الرسالة المشار إليها وأمر أن تقرأ بالموسم على رؤوس الأشهاد ، وجعل فدك والعوالي في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٠٧.

طالب عليه السلام يعمرها ويستغلها ويقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمد " صلى الله عليه وآله وسلم" نبيهم.

ومن طرائف صحيح الأجوبة في ترك علي بن أبي طالب عليه السلام لاستعادة فدك لما بويع له بالخلافة.

٣٤٩ ـ ما ذكره ابن بابويه في أوائل كتاب العلل في باب العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين " ع " فدك ولي الناس بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام يعني جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال : قلت له لم لم يأخذ أمير المؤمنين عليه السلام فدك لما ولي الناس ولأي علة تركها؟ فقال : لأن الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله عز وجل ، وأثاب الله المظلومة وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوبة.

وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا آخر ، ورواه بإسناده إلى إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له : لأي علة ترك أمير المؤمنين فدك لما ولي الناس فقال : للاقتداء برسول الله " ص " لما فتح مكة وقد باع عقيل أبي طالب داره ، فقيل له : يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك؟ فقال " ص " وهل ترك عقيل لنا دارا ، إنا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما ، فلذلك لم يسترجع فدك لما ولي.

وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا ثالثا بإسناده إلى علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن يعني موسى بن الكاظم عليهما السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين لم لم يسترجع فدك لما ولي الناس؟ فقال : لأنا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو (يعني إلا الله) ونحن أولياء قوله المؤمنين إنما نحكم لهم

ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا (١).

(قال عبد المحمود) : ما زلت أسمع علماء أهل البيت عليهم السلام يتألمون من أبي بكر وعمر بأخذ فدك من أمهم وقد وقفت على كتب لهم وروايات كثيرة عن سلفهم حتى أنهم يراعون حفظ حدود فدك كما يراعي المظلوم حفظ حدود ضيعته وملكه إذا غصب منه.

٣٥٠ ـ ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط سئل أنه موسى بن جعفر عليه السلام عن حدود فدك فقال : حدها الأول عرش مصر والحد الثاني دومة الجندل والحد الثالث تيما والحد الرابع جبال أحد من المدينة (٢).

٣٥١ ـ ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط رفعه إلى الرضا عليه السلام أن رجلا من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا عليه السلام فقال له : ما تقول في أبي بكر؟ قال له : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فالح السائل عليه في كشف الجواب ، فقال عليه السلام : كانت لنا أم صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما.

(قال عبد المحمود) : وعلماء أهل البيت عليهم السلام لا يحصى عددهم وعدد شيعتهم إلا الله تعالى ، وما رأيت ولا سمعت عنهم أنهم يختلفون في أن أبا بكر وعمر ظلما أمهم فاطمة عليها السلام ظلما عظيما.

وذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الأوائل إن أول من رد فدكا على ورثة فاطمة عليها السلام عمر بن عبد العزيز ، وكان معاوية أقطعها لمروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية وجعلها بينهم أثلاثا ، ثم قبضت من ورثة فاطمة فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدي ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون كما تقدم شرحه.

__________________

(١) علل الشرائع : ١ / ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٢) راجع الكافي للكليني : ١ / ٤٥٦.

ومن غير كتاب أبي هلال العسكري بل في تواريخ متفرقة أنها قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ثم قبضت فردها عليهم المستعين ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ثم قبضت فردها المعتضد ثم قبضت فردها عليهم الراضي.

قال عبد المحمود ومن طريف ما رأيت من المناقضة في ذلك أن أبا بكر وعمر يردان شهادة علي بن أبي طالب ع ويقولان إنه يجر إلى نفسه وقد عرف أهل الملل والعارفون بأحوال الإسلام أن علي بن أبي طالب ع ما كان طالبا للدنيا ولا راغبا فيها ولا متكلا عليها كما فعل أبو بكر وعمر حتى يقال أنه يجر إلى نفسه.

ومن طريف ذلك أن يكون الله العالم بالسرائر يشهد لعلي بن أبي طالب ع على لسان رسولهم على ما ذكروه في صحاحهم وقد تقدم بعضه أن علي بن أبي طالب ع ممدوح مزكى في الحياة وبعد الوفاة وأنه أفضل الصحابة فإن جاز الشك في علي ع الموصوف بتلك الصفات فإنما هو شك فيمن أسندوا إليه تلك الروايات وتكذيب لأنفسهم فيما صححوه ونقص للإسلام الذي مدحوه.

ومن طريف ذلك أن تسقط شهادة علي ع بدعوى أنه يجر إلى نفسه ويشهد أبو بكر أن ميراث محمد ص للمسلمين فإذا كان أبو بكر من المسلمين فله في ميراثه حصة ولكل من وافقه في الشهادة بذلك فكيف لا يكونون جارين إلى أنفسهم وكيف لا يبطل شهادة أبي بكر وهو في تلك الحال يزعم أنه وكيل المسلمين وشاهد لهم وشاهد لنفسه ومدع لثبوت يده على فدك والعوالي ولا يكون بعض هذه الأمور القادحة في الشهادات مبطلا لشهادته ولا جارا إلى نفسه ولا مسقطا لروايته إن ذلك من طرائف ما ادعاه المسلمون

وعجائب السلف الماضين.

٣٥٢ ـ ومن طريف مناقضاتهم ما رووه في كتبهم الصحيحة عندهم برجالهم عن مشايخهم حتى أسندوه عن سيد الحفاظ يعنون ابن مردويه قال : أخبرنا محيي السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني إجازة قال : حدثنا القاضي أبو نصر شعيب بن علي قال : حدثنا موسى بن سعيد قال : حدثنا الوليد بن علي قال : حدثنا عباد بن يعقوب عن ابن عباس عن فضيل عن عطية عن أبي سعيد قال : لما نزلت هذه الآية " وآت ذا القربى حقه " (١) دعا رسول الله " ص " فاطمة فأعطاها فدكا (٢).

(قال عبد المحمود) : فهل ترى عذرا في منع فاطمة عليها السلام من فدك؟ وهل تراهم إلا قد شهدوا بتصديقها ثم منعوها وكذبوها؟ وهل ترى شكا فيما ترويه الشيعة من ظلمها ودفعها من حقها؟.

ومن طريف مناقضتهم أيضا في ذلك وإقرارهم بظهور حجة الله وحجة رسوله وحجة فاطمة عليهم ، ومبالغتهم في اعترافهم ببطلان أعذارهم في منع فاطمة من فدك.

٣٥٣ ـ ما ذكره المسمى صدر الأئمة عندهم فخر خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتابه قال ما هذا لفظه : ومما سمعت في المقادير بإسنادي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله " ص " : يا علي إن الله تعالى زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض ، فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراما (٣).

(قال عبد المحمود) : فإذا كان الأمر قالوه وإن الأرض صداقها

__________________

(١) الأسرى : ٢٦.

(٢) رواه الحسكاني في شواهد التنزيل : ١ / ٣٣٨ ، وينابيع المودة : ١١٩.

(٣) البحار : ٤٣ / ١٤١ ، والخوارزمي في المقتل : ٦٦.

أفما كان يحسن أن تعطى من جملة صداقها فدكا؟ وهل رواياتهم لمثل هذا إلا زيادة في الحجة عليهم؟ فإن من قد شهدتم إن الأرض صداقها فكيف جاز أن تكذب وتمنع من فدك ، إن هذا من عجائب ما نقلوه ومناقض ما قالوه.

ومن طريف مناقضتهم أيضا ما رواه أبو بكر بن مردويه في كتابه بإسناده قال : نابت أصحاب محمد " ص " نائبة فجمعهم عمر فقال لعلي عليه السلام تكلم فأنت خيرهم وأعلمهم هذا لفظ الحديث.

ومن طريف مناقضتهم أيضا في ذلك روايتهم في صحاحهم بأن عليا أقضاهم وأعلمهم.

٣٥٤ ـ وقد ذكر الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في الحديث الأول من أفراد البخاري في مسند أبي بن كعب طرفا من ذلك ورووا في كتبهم كان عمر يقول : لا عاش عمر لمعضلة ليس لها أبو الحسن ـ يعني عليا عليه السلام (١). وإن لولا علي لهلك عمر (٢).

فكيف يقال : عن علي عليه السلام وهو بهذا العلم وهذه الأوصاف وقد بلغ من الأمانة والورع والزهادة إلى الغايات ، بأنه يترك زوجته المعظمة في الإسلام تطلب حكما وشيئا لا يثبت لها ، ولا تقبل فيه شهادة شهودها ، وإنه ممن لا يقبل شهادته في ذلك ، ثم يشهد لها ثم يوافقها ويعاضدها في الحياة ويزكيها الوفاة.

ومن طريف الأمور الدالة على تهوينهم بفاطمة بنت نبيهم وبوصايا أبيها فيها وعدم طلبهم لمراضيها أنها تبقى ستة أشهر على ما تقدمت الرواية عنهم في صحاحهم هاجرة لأبي بكر فلا يقع توصل في رضاها ، وقد كان يمكن أبو بكر

__________________

(١) رواه في إحقاق الحق عنه : ٨ / ١٩٤ ، ونحوه الخوارزمي في المناقب : ٥١.

(٢) رواه القندوزي في ينابيع المودة : ٧٠ ، ورواه جمع من الرواة وهو مشهور.

إذا عجز عن كل شيء أن يهب لها ما يخصها من الحصة التي ادعاها بشهادة في ميراث أبيها ويستوهب لها باقي فدك والعوالي من المسلمين أو يشتري ذلك منهم أفما كان لحق أبيها وحقها ما يوجب عليه وعلى المسلمين أن يؤثروها بذلك أو يبعثوا من يشتري لها ذلك.

ومن طريف ما رأيت من اعتذارهم لأبي بكر في ظلم فاطمة ع بنت نبيهم أن محمودا الخوارزمي ذكر في كتاب الفائق في الأصول لما استدلوا عليه بأن فاطمة صادقة وأنها من أهل الجنة فكيف يجوز الشك في دعواها لفدك وكيف يجوز أن يقال عنها أنها أرادت ظلم جميع المسلمين وأصرت على ذلك إلى الوفاة فقال الخوارزمي ما هذا لفظه إن كون فاطمة صادقة في دعواها وأنها من أهل الجنة لا توجب العمل بما تدعيه إلا ببينة.

قال الخوارزمي وإن أصحابه يقولون لا يكون حالها أعلى من حال نبيهم محمد ص ولو ادعى نبيهم محمد مالا على ذمي وحكم حكما ما كان للحكم أن يحكم له لنبوته وكونه من أهل الجنة إلا ببينة.

قال عبد المحمود أما تضحك العقول الصحيحة من هذا الكلام كيف يعدون هؤلاء من أهل الإسلام ويزعمون أنهم قد صدقوا نبيهم في التحريم والتحليل والعطاء والمنع وكل شيء ذكره لنفسه أو لغيره ويكذبونه أو يشكون في صدقه في الدعوى على ذمي حتى يقوم ببينة إن هذا عقل ضعيف ودين سخيف.

ومن طريف ذلك أن البينة ما عرفوا ثبوتها وصحة العمل بها إلا من نبيهم ويكون ثبوت صدقه الآن في الدعوى على الذمي بالبينة.

ومن طريف ما تجدد في هذا المعنى أن فاطمة بنت نبيهم المشهود لها بالفضائل وأنها سيدة نساء أهل الجنة يكذبونها ويكذبون شهودها ويطعنون

فيهم وفيها مع ما تقدم في رواياتهم من مدائح الله ورسوله لهم ، ويدعي بنو صهيب مولى بني جزعان ببيتين وحجرة من بيوت نبيهم وحجراته ويطلبون ذلك بعد وفاته بمدة طويلة تقتضي إن لو كان لهم حق فيما ادعوه لظهر فيعطون ذلك بشهادة عبد الله بن عمر وحده ، ولا ينكر ذلك مسلم منهم ، ولا يجرى عند هؤلاء الأربعة المذاهب حال فاطمة وشهودها مجرى عبد الله بن عمر وحده.

وقد روى الحديث في ذلك جماعة.

٣٥٥ ـ ورواه الحميدي في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الثامن والستين من أفراد البخاري من كتاب الجمع بين الصحيحين بهذه الألفاظ : إن بني صهيب مولى بني جزعان ادعوا ببيتين وحجرة أن رسول الله " ص " أعطى ذلك صهيبا ، فقال مروان : من يشهد لكم على ذلك؟ قالوا : عبد الله ابن عمر ، فشهد لهم بذلك ، فقضى مروان بشهادته وحده لهم.

ومن طريف ما تجدد لفاطمة عليها السلام منهم أنها لما رأت تكذيبهم لها وشكهم فيها وفي شهودها بأن أباها وهبها ذلك في حياته أرسلت إلى أبي بكر ورووا أنها حضرت بنفسها تطلب فدكا بطريق ميراث أبيها ، لأن المسلمين لا يختلفون في أن فدكا كانت لأبيها محمد "ص" فمنعها أيضا أبو بكر من ميراثها وهان عليه ظلمها وتكذيبها ، وادعى في منعها قولا من أبيها لو كان قد قاله ما كان خفي عنها وعن جماعة من أهل الإسلام ، وأذاها وقبح ذكر صدقها وأساء الخلافة لأبيها فيها ، وطعن في تزكيته لها فهجرته حتى ماتت.

٣٥٦ ـ فمن الرواية في ذلك ما ذكره البخاري في صحيحه في الجزء الخامس من أجزاء ثمانية في رابع كراس من أوله من النسخة المنقول منها بإسناده عن عائشة أن فاطمة عليها السلام بنت رسول الله " ص " أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقي من

خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله " ص " قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله، فأبى أبو بكر أن يدفع فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي ـ الخبر (١).

٣٥٧ ـ ومن الرواية في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه في الجزء الثالث من أجزاء ستة في أواخره على نحو ثلاث كراريس من النسخة المنقول منها بإسناده أن فاطمة بنت رسول الله " ص " أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل رسول الله ، فأبى أبو بكر أن يدفع فاطمة شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ابن أبي طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي عليه السلام (٢).

(قال عبد المحمود) : في هذين الحديثين عدة طرائف :

فمن طريف ذلك أنهم نسبوا محمدا " ص " نبيهم إلى أنه أهمل أهل بيته

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٥ / ١٧٧.

(٢) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٨٠.

الذين قال الله تعالى عنهم " وأنذر عشيرتك الأقربين " (١) وقال في كتابهم " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " (٢) ومع هذا ينقلون أنه لم ينذر عشيرته ولا وقى أهله ولا عرفهم أنهم لا يرثونه ولا عرف عليا عليه السلام ولا العباس ولا أحدا من بني هاشم ولا أزواجه ولا سمعوا ولا أحد منهم بذلك مدة حياة نبيهم ولا بعد وفاته حتى خرج بعضهم يطلب ميراثه وبعضهم يرضى بذلك الطلب وتبذلوا وتبذلت ابنته فاطمة المعظمة سيدة نساء العالمين فطلبت على قولهم ظلم جميع المسلمين.

٣٥٨ ـ لا سيما وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكر من المتفق عليه في الحديث السادس إن فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله " ص " ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ـ الخبر (٣).

٣٥٩ ـ وروى أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند عائشة في الحديث الثالث والأربعين من المتفق عليه أنها قالت : إن أزواج النبي " ص " حين توفي رسول الله " ص " ، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر فيسألنه ميراثهن ـ الحديث (٤).

(قال عبد المحمود) : كيف يقبل العقول ويقتضي العوائد أن نبيهم يعلم أنه لا يورث ويكتم ذلك عن وراثه ونسائه وخاصته إن ذلك دليل واضح على أنه قد كان موروثا على اليقين ، وأنهم دفعوا فاطمة عليها السلام ووراثه بالمحال الذي لا يخفى على أهل البصائر والدين.

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) التحريم : ٦.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٨١.

(٤) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٧٩.

ومن طريف ذلك أن يكون بنو هاشم وأزواجه وابنته مشاركين لمحمد " ص " نبيهم في سره وجهره ومطلعين على أحواله ، ويستر عنهم أنهم لا يستحقون ميراثه ويعلم ذلك أبو بكر ومن وافقه من الأباعد ، وليس لهم ما لبني هاشم من الاختصاص به والمخالطة له ليلا ونهارا وسرا وجهرا ، إن ذلك من طرائف ما يقال عن هؤلاء القوم من ارتكاب المحال.

ومن طريف ذلك أن محمدا " ص " نبيهم يبلغ الغايات من الشفقة على الأباعد وقد تضمن كتابهم " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " (١) فيصفه الله بهذه الرأفة والرحمة ويشهدون بتصديق ذلك ، فكيف يقال عن هذا الشفيق الرؤف الرحيم أنه ترك الشفقة على مثل ابنته وعمه وأزواجه وبني هاشم ولم يعرفهم أنهم لا يستحقون ميراثه ويعرف بذلك الأباعد حتى يجري ما جرى ، إن ذلك من عجيب المناقضات وطريف المقالات.

ومن طريف ذلك أن أبا بكر قد أقسم في الحديثين المذكورين أنه لا يغير ما كان من ذلك على عهد رسول الله " ص ".

٣٦٠ ـ وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند جبير بن مطعم في الحديث الثالث من أفراد البخاري قال : جاء جبير بن مطعم وعثمان ابن عفان إلى النبي " ص " يكلمانه فيما فيه من خمس خيبر من بني هاشم وبني عبد المطلب ، فقالا : يا رسول الله قسمت لإخواننا بني عبد المطلب ولم تعطنا شيئا ، وقرابتنا مثل قرابتهم بهما ، فقال رسول الله : إنما أرى هاشما وعبد المطلب شيئا واحدا؟ قال جبير : ولم يقسم رسول الله لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس شيئا (٢).

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) البخاري بهذا المضمون في صحيحه : ٤ / ١٥٥.

وزاد حرملة عن ابن وهب عن يونس قال ابن شهاب : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم النبي " ص " غير أنه لم يكن يعطي قرابة رسول الله كما كان رسول الله يعطيهم. ثم رأيت في نسخة الحميدي وإن هذه صورتها ثم قال : أظنه كان يزيدهم ، قال ابن شهاب : وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده.

(قال عبد المحمود بن داود) : وقد استطرفت واستعظمت يمين أبي بكر ودفعه لفاطمة عليها السلام أنه يعمل في خمس خيبر كما عمل رسول الله " ص " وأنه لا يغير ذلك ، ثم شهادتهم على أبي بكر في الحديث الصحيح أنه غير ذلك وما كان يقسم خمس خيبر بعد نبيهم محمد في قرابته كما كان يقسمها نبيهم في حياته ، وهذا من عظائم الأمور التي تدل على سوء أحوال الفاعلين والراضين بالأمور المذكورة.

ومن طريف ذلك اعتذار الحميدي لأبي بكر وقوله " أظنه كان يزيدهم " ، فهب أنه كان يزيدهم أما ذلك خلاف ما كان يفعل رسول الله في خمس خيبر ، ثم إن كان لأبي بكر أن يفعل ذلك فهلا أعطى لفاطمة عليها السلام فدكا والعوالي بالحجة التي يزيد بها قرابة نبيهم بعد وفاته وغير ما ذكر أنه لا يغيره من عاداته ، أما لهؤلاء المسلمين عقول يفكرون في مناقضات المنقول.

ومن طريف الحديثين المذكورين وما رووه وصححوه في ضد ذلك.

٣٦١ ـ ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الحادي والثلاثين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عباس ، في جواب ما كتب إليه نجدة بن عامر الحروري وهو من رؤساء الخوارج ، قال : وكتبت تسألني عن الخمس لمن هو؟ وإنا كنا نقول : هو لنا، فأبى علينا قومنا ذلك (١).

(قال عبد المحمود) : فهذه شهادة عبد الله بن عباس فيما صححوه أن فاطمة

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٤٤.

وعليا والحسنين علي عم السلام قد منعوا من الخمس وفي ذلك ما فيه لمن كان له قلب عاقل ونظر فاضل.

ومن طريف الحديثين المذكورين أنهما قد تضمنا أن فاطمة بنت نبيهم هجرت أبا بكر وأنه أغضبها ، وتأذت بذلك وبقيت على هجرانها له ستة أشهر حتى ماتت.

٣٦٢ ـ وقد روى مسلم في صحيحه في الجزء الرابع في ثلثه الأخير بإسناده قال : قال رسول الله " ص " : إنما فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها (١).

٣٦٣ ـ وروى مسلم في صحيحه في الجزء الرابع على حد كراسين في آخره من باب مناقب فاطمة بإسناده أن رسول " ص " قال : فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني (٢).

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين هذين الحديثين بإسناده إلى نبيهم محمد " ص ".

٣٦٤ ـ وروى صاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث من أجزائه الثلاثة في باب مناقب فاطمة بإسناده عن نبيهم محمد " ص " قال : قال رسول الله " ص " : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. وأنه قال : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة (٣).

٣٦٥ ـ وروى صاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة أيضا في الجزء الثالث من جزئين من الكراس الخامس من النسخة المنقول منها من باب مناقب فاطمة من صحيح أبي داود بإسناده أن النبي " ص " أشار إلى فاطمة فقال

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٠٣.

(٢) البخاري في صحيحه : ٥ / ٣٦.

(٣) إحقاق الحق عنه : ١٠ / ٢١٥.

ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين ، قالت : يا أبة فأين مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون؟ فقال : مريم سيدة نساء عالمها وآسية سيدة نساء عالمها (١).

٣٦٦ ـ وروى البخاري في صحيحه في الجزء الرابع في مناقب فاطمة بإسناده قال : قال النبي " ص " : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة (٢).

٣٦٧ ـ وروى مسلم في صحيحه في الجزء الرابع على حد كراسين في آخره من النسخة المنقول منها بإسناده عائشة أن محمدا " ص " نبيهم قال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة (٣).

ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى " وإني سميتها مريم ".

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : إنني لأعجب ويحق لي أن أعجب من شهادة هؤلاء الأربعة المذاهب بصحة هذه الروايات ، ثم يهونون ما جرى على فاطمة عليها السلام من المظالم الهايلات! فليتهم حيث هان عندهم تألمها وظلمها كانوا تركوا الروايات بتزكيتها أوليتهم حيث صححوا رووه في تعظيمها في الدنيا والآخرة كانوا قد استعظموا ظلمها.

ومن طرائف ما رووه في حضورها بنفسها عند أبي بكر وتألمها وطلبها لحقها.

٣٦٨ ـ ما ذكره الشيخ أسعد بن سقروة في كتاب الفائق عن الأربعين عن الشيخ المعظم عندهم الحافظ الثقة بينهم أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني في كتاب المناقب قال : أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال : حدثنا الزيادي محمد بن زياد

__________________

(١) أبو داود في مسنده : ١٩٦ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء : ٢ / ٤٢.

(٢) البخاري في صحيحه : ٥ / ٣٦.

(٣) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٠٦.

قال : حدثنا شرفي بن قطامي عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت : لما بلغ فاطمة عليها السلام إن أبا بكر قد أظهر منعها فدك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء من قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله " ص " حتى دخلت على أبي وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ، ثم أمهلت هنيئة حتى سكنت فورتهم افتتحت كلامها بحمد الله وأثنت عليه ثم قالت :

لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم وأنا ابنته دون نسائكم وأخوه ابن عمي دون رجالكم ، فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثبجهم آخذا بأكظامهم وينكث الالهام ، يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وتمت كلمة الإخلاص وكنتم شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، نهزة الطامع ، ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان ، وموطأ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، أذلة خاسئين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم. حتى استنقذكم الله برسوله " ص " بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويطفئ عادية لهبها بسيفه ، مكدودا في ذات الله ، وأنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون ، حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه أطلع الشيطان رأسه فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ، تسرون حسوا في ارتغاء ، ونحن نصبر منكم على مثل حز المدى ، وأنتم الآن تزعمون ألا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ، يا بن أبي قحافة ، أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا ، فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ، ثم انكفأت إلى قبر أبيها عليه السلام فقالت :

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ

لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهَا لَمْ تَكْثُرِ الْخَطْبُ

إِنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وَابِلَهَا

وَاخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نُكِبُوا (١)

وفي بعض الروايات من المشار إليه زيادة هذه ألفاظها : أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول الله تعالى " وورث سليمان داود " (٢) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال " فهب ليس من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " ) وقال: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " (٤) وقال : " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (٥) ثم عطفت على قبر أبيها وبكت وتمثلت بقول صفية بنت أثاثة وقيل أنابه :

__________________

(١) إلى هنا رواه ابن أبي الحديد في الشرح : ١٦ ٢٤٩ ـ ٢٥١.

(٢) النمل : ١٦.

(٣) مريم : ٦.

(٤) الأنفال : ٧٥.

(٥) النساء : ١١.

وَكَانَ جِبْرِيلُ بِالْآيَاتِ يُؤْنِسُنَا

فَقَدْ فُقِدْتَ وَكُلُّ الْخَيْرِ مُحْتَجِبٌ

وَكُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضَاءُ بِهِ

عَلَيْكَ يَنْزِلُ مِنْ ذِي الْعِزَّةِ الْكُتُبُ

تَجَهَّمَتْنَا رِجَالٌ وَاسْتُخِفَّ بِنَا

لَمَّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الْأَرْضِ مُغْتَصَبٌ

أَبْدَتْ رِجَالٌ لَنَا فَحْوَى صُدُورِهِمْ

لَمَّا مَضَيْتَ وَحَالَتْ دُونَكَ التُّرْبُ

إِنَّا رُزِئْنَا بِمَا لَمْ يُرْزَ ذُو شَجَنٍ

مِنَ الْبَرِيَّةِ لَا عُجْمٌ وَلَا عَرَبٌ

وَسَوْفَ نَبْكِيكَ مَا عِشْنَا وَمَا بَقِيَتْ

مِنَّا الْعُيُونُ بِتِهْمَالٍ لَهَا سَكْبٌ (١)

قال عبد المحمود انظر رحمك الله وفكر فيما قد رووه عن رجالهم وثقاتهم من هذا التألم العظيم من فاطمة علیها السلام وما تقدم من روايتهم له في صحاحهم من هجرانها لأبي بكر ستة أشهر حتى ماتت فهل ترى هذا حديث من كان عندها شبهة في أنهم ظلموها عمدا وقصدا وهل ترى هذا الكلام منها كلام من قد قبلت لهم عذرا وهل ترى هذا حديث من لا يعرف صحة دعواها وثبوت حجتها وهل كان يحسن أن يسمع مثل هذا الكلام منها وتمنع مما طلبت أو العوض عنه ولو كانت قد وفدت بهذا الكلام والاسترحام على أعظم ملوك الكفار أما كان تشهد العقول أنه كان يرفع شأنها ويشرف مقامها ويحسن جائزتها أفيليق بمسلم أن يكون جواب هذا الكلام منعها وسوء معاملتها وتهوين حضورها وخطابها والقساوة عليها وترك التلطف بها على كل حال ما يقولون لو أن محمدا ص أباها رآها وهي تبكي وتقول مثل هذا الكلام أكان يغضب لغضبها كما رووه في صحاحهم أو كان يرضى عنهم إنما تشهد العقول أنه كان يشق عليه غضبها ويهجرهم بهجرانها ويستعظم إقدامهم على تكذيبهم لها وظلمها وكسرها وإسقاط منزلتها فاختر لنفسك أيها المشفق على

__________________

(١) رواه العلامة المجلسي في البحار : ٨ / ١٠٩ ط كمباني ، والطبرسي في الإحتجاج ١ / ١٣١ ، والإربلي عن كتاب السقيفة في كشف الغمة : ٢ / ٤٨٠.

نفسه ، هل توافق رسول الله في ذلك ويكون لك فيه أسوة حسنة ، أو تكون في زمرة من أغضبها وأغضبه.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : ومن طريف ما أكثر التعجب ويحق لي أن أعجب من شهادة هؤلاء الأربعة المذاهب بتصديق هذه الأحاديث وما تقدم منهم في مدح فاطمة عليها السلام وأنها سيدة نساء العالمين وإن من أغضبها فقد أغضب أباها محمدا " ص " ومن آذاها آذاه وكتابهم يتضمن " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " (١) ثم يشهدون ويصححون أن أبا بكر أغضبها وآذاها وهجرته ستة أشهر حتى ماتت ، ثم وكيف تصدق العقول أن سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة تدعي باطلا وتطلب محالا وتريد ظلم جميع المسلمين وتأخذ صدقتهم وتموت مصرة على ذلك ، ما يقبل هذا عقل صحيح ولا يعتقده ذو بصيرة.

وخاصة فإن علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيت نبيهم رووا عنه فيهم أنهم أحد الثقلين الذين لا يفارقون كتابه وأن من تمسك بهم وبالكتاب سلم من الضلالة ، تقدم بيان أن فاطمة عليها السلام منهم ، وإذا كان التمسك بها يؤمن من الضلالة فكيف يقول أبو بكر وأتباعه هي قد ضلت في دعواها ، وأما علي بن أبي طالب الذي هو إمام أهل بيت نبيهم فتارة يكون شاهدا لفاطمة عليها السلام كما تقدم وتارة موافقا لها على الغضب على أبي بكر ويدفنها ليلا ولا يعلم بها أبو بكر ، ثم لا يسترضيها في مدة هذه الستة الأشهر ويهون عليه غضبها وأذيتها وهي أذية للنبي " ص " كما رووه ، أن ذلك كله شهادة منهم صريحة بضلال خليفتهم أبي بكر وخروجه عن حدود الإسلام وفضيحته بين الأنام.

ومن طريف ذلك رواية من روى منهم " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما

__________________

(١) الأحزاب : ٥٧.

تركناه فهو صدقة " : وما يخفى على ذوي البصائر إن هذا حديث محال قالوه ليدفعوا به حق فاطمة عليها السلام عن ميراث أبيها ، وإلا فإن كتابهم يتضمن " وورث سليمان داود " (١) ويتضمن أن زكريا قال " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " (٢) فكيف استحسنوا لأنفسهم أن يبلغوا في الرد على كتاب ربهم ونبيهم إلى هذه الغاية من المكابرة.

ومن طريف ذلك قبول هذا ممن رواه ونقله في الأخبار ، وهذه كتب التواريخ وسير الأنبياء تشهد أن الأنبياء كانوا في المواريث أسوة لأمتهم فيما توجبه شرائعهم ، ولو قال قائل هذا الحديث عن نبيهم : أنا من دون الأنبياء لا أورث ما تركته فهو صدقة. كان فيه بعض الحيلة على منع فاطمة عليها السلام عن ميراثها وكان أقوى في التمويه والمحال ، ولعل البغي منهم عليها منعهم من هذا الحال.

ومن طريف ذلك أن كتابهم يتضمن " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وقد تقدمت رواياتهم أن فاطمة عليها السلام بنت نبيهم من جملة أهل البيت المشار إليهم ، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك ، ومن المعلوم عند كل عاقل أن هذه الآية تقتضي حصول إزالة الرجس عنها وتطهيرها وإلا ما كان يحصل بذلك لأهل البيت مزية غيرهم ، لأن الله تعالى يريد إذهاب الرجس عن جميع الخلايق وتطهير جمع الأمة.

ومن طريف ذلك أن نبيهم محمدا " ص " قال : من أغضبها فقد أغضبني ومن آذاها فقد آذاني كما تقدم ، وذلك يقتضي أن لا يقع منها ما يستحق به عقابا ولا عتابا ، لأنه لو جاز أن يقع منها ذلك أذيتها بالعقاب واجبة أو جائزة ويحصل بذلك غضبها وأذيتها اللذان هما غضب نبيهم وأذيته ، فثبت أنه لا يقع

__________________

(١) النمل : ١٦.

(٢) مريم : ٦.

منها معصية ، فكيف يقال عنها أنها تطلب محالا وتدعي باطلا.

ومن طريف ذلك أنه لا خلاف بين المسلمين أنه لو شهد واحد على فاطمة عليها السلام بما يوجب حدا تأديبا ، إنهم كانوا يبطلون شهادته ويكذبونه ، لأنه يكون قد شهد بتكذيب كتابهم في ذهاب الرجس عنها وفي تطهيرها وكان طعنا في شهادة نبيهم " ص " لها بأنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة ، فكيف خفي هذا على عقلاء المسلمين؟ وكيف استجازوا تكذيبها أو الشك فيها برواية من يجوز عليه الخطأ والعصيان والزور والبهتان؟

ومن طريف الجواب أيضا عن عفتها واصطفائها أن الروايات وردت من طريق الأربعة المذاهب وغيرهم أن فاطمة عليها السلام أفضل من مريم بنت عمران وقد قال الله تعالى عن مريم " إن الله اصطفاك وطهرك على نساء العالمين " (١) فإن مريم عليها السلام دون فاطمة عليها السلام في الاصطفاء والطهارة ، فكيف يكون اصطفاء الله لفاطمة عليها السلام ليس يكون أعظم وأبلغ بصريح هذه الإشارة.

ومن طريف الأمور الشاهدة بما جرى على فاطمة وعلي عليه السلام والعباس وبني هاشم من الظلم المشهور أن الأمر بلغ إلى أن فاطمة عليها السلام تحضر عند أبي بكر بنفسها والعباس معها يطلبان ميراث نبيهم محمد " ص " فيمنعها فتغضب عليه فاطمة وهجرته ستة أشهر كما تقدم ذكره في الصحيحين عندهم إلى أن ماتت ، فلما توفيت يعود العباس وعلي عليه السلام يحضران مجلسه ويطلبان ميراث نبيهم فيمنعهما فيموت أبو بكر ، فيحضر العباس وعلي عليه السلام يطلبان ميراث نبيهم من عمر ، فكيف تقبل العقول الصحيحة والقلوب السليمة أن مثل علي والعباس وفاطمة يبالغون في هذه المطالبة بأمر باطل أو يطلبون محالا يظلمون به جميع المسلمين ، ثم لو كانت فاطمة قد صدقت أبا بكر فيما دفعها به

__________________

(١) آل عمران : ٤٢.

عن ميراثها من أبيها أو عرفت أو جوزت أن له عذرا مقبولا أو شبهة عذر عقلا أو شرعا كانت قد عذرته وما هجرته.

ثم لو كان العباس وعلي عليه السلام قد صدقا أبا بكر فيما قاله لفاطمة عليها السلام من أن النبي " ص " لا يورث أو كانا قد عذراه ما عادا بعد وفاة فاطمة عليها السلام حضرا عنده وطالباه بذلك الميراث.

ثم لو كان العباس وعلي عليه السلام قد صدقا أبا بكر في اعتذاره إليهما أيضا ما كانا عادا حضرا عند عمر بعد وفاة أبي بكر يطلبان ذلك الميراث ، أما تشهد القلوب والعقول أن فاطمة والعباس وعليا ومن كان قد حفظ وصية محمد نبيهم كانوا جميعا يعلمون قطعا ويقينا أنهم منعوا ميراث نبيهم محمد " ص " ظلما وعدوانا ، وكانوا يراجعون المطالبة لعل من ظلمهم يتوب أو يرجع أو يقلع أو يخاف الله أو يستحيي منهم أو من الناس أو يحذر من النار أو العار ، فأبى الظالمون لهم إلا الاصرار فما أصبرهم على النار.

وأما حضور فاطمة والعباس عند أبي بكر فقد تقدمت الرواية بذلك من المتفق عليه من صحيح البخاري وصحيح مسلم كما ذكره الحميدي عنهما.

وأما حضور العباس وعلي عليه السلام عند أبي بكر بعد وفاتها وحضورهما بعد وفاة أبي بكر عند عمر.

٣٦٩ ـ فقد ذكره الحميدي في المتفق عليه وحذف من كلام عمر واستخفافه بالعباس وعلي عليه السلام كلمات عظيمة ، وها أنا أذكر المراد من صحيح البخاري وصحيح مسلم بألفاظهما روياه عن مالك بن أوس حيث ذكر ارتفاع العباس وعلي عليه السلام إلى فقال عمر للعباس وعلي عليه السلام ما هذا لفظه : فلما توفي رسول الله " ص " قال أبو بكر : أنا ولي رسول الله فجئتما تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ،

فقال أبو بكر : قال رسول الله : نحن معاشر الأنبياء لا نورث فما تركناه صدقة ، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر فقلت: أنا ولي رسول الله " ص " وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما: ادفعها إلينا ـ الخبر (١).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٧٨ في كتاب الجهاد ، وصدر الحديث : إن مالك بن أوس حدثه قال : أرسل إلي عمر بن الخطاب ، فجئته حين تعالى النهار قال : فوجدته في بيته جالسا على سرير ، مفضيا إلى رماله ، متكئا على وسادة من أدم ، فقال لي: يا مال! إنه قد دف أهل أبيات من قومك ، وقد أمرت فيهم برضخ فخذه فاقسمه بينهم. قال ، قلت : لو أمرت بهذا غيري؟ قال : خذه يا مال! فجاء يرفا ، فقال : هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن ابن عوف والزبير وسعد؟ فقال عمر : نعم فأذن لهم فدخلوا ، ثم جاء فقال : هل لك في عباس وعلي؟ قال نعم ، فأذن لهما ، فقال عباس: يا أمير المؤمنين! أقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن! فقال القوم أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهم وأرحهم (فقال مالك بن أوس : يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك) فقال عمر : اتئا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا نورث ، ما تركناه صدقة؟ قالوا : نعم ، ثم أقبل على العباس وعلي فقال : أنشدكما بالله الذي بأذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمان أن رسول الله قال : لا نورث ما تركناه صدقة؟ قالا : نعم. فقال عمر : إن الله جل وعز كان خص رسوله " ص " بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره. قال : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول (ما ـ

هذا المقصود من الحديث قد نقلناه بألفاظه.

(قال عبد المحمود) : كيف حسن من رجال الأربعة المذاهب وعلمائهم أن يشهدوا على خليفتهم عمر بمثل هذه الأفعال والأقوال في صحاح أخبارهم ، فإنك إذا نظرت إلى هذا الحديث بعقل صحيح وقلب سليم ظهر لك ما جرت الحال عليه وتحققت ما تقدمت الإشارة إليه. ثم تفكر في أمور تضمنها حديثهم هذا عنه ما كنت ذكرتها لك قبل.

منها قول عمر : إن أبا بكر قال : أنا ولي رسول الله " ص " سبحان الله من جعل لأبي بكر أن يقول مثل هذا القول؟ وكيف جاز له مثل هذه الدعوى العظيمة ويشهد لنفسه بهذا المقام يحتاج إلى تصديق من الله ورسوله؟ ومن شيم الأولياء أن لا يزكوا أنفسهم لما تضمنه كتابهم " ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " وهل أبو بكر إلا رجل مات رسولهم محمد " ص " وقد جعله رعية من جملة رعايا أسامة زيد ، وقد شهدوا على أبي بكر بأفعال وأقوال

__________________

ـ أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا). قال : فقسم رسول الله (ص) بينكم أموال بنى النضير ، فوالله ما استأثر عليكم ولا اخذها دونكم حتى بقى هذا المال ، فكان رسول الله (ص) يأخذ منه نفقه سنة ، ثم يجعل ما بقي أسوة المال ، ثم قال : أنشدكم بالله الذي باذنه تقوم السماء والارض أتعلمون ذلك؟ قالوا : نعم ، نشد عباساً وعلياً بمثل ما نشد به القوم : أتعلمان ذلك؟ قالا : نعم.

وأما بقية الحديث فقلت : ان شئتم دفعتها اليكما على ان عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله (ص) فأخذتماها بذلك ، قال : أكذلك؟ قالا : نعم. قال ثم جئتماني الاقضى بينكما ، ولا والله لا أقضى بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فان عجزتما عنها فرداها الي.

ورواه البخاري في صحيحه : ٨ / ١٤٦ ـ ١٤٧.

منكرة مستنكرة ، وقد تقدم ذكر بعضها عنهم ، فكيف لا يمنع جميعها أن يكون ولي رسول الله " ص ".

ومنها قوله في هذا الحديث للعباس : تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، أهكذا يعبر ممن هو عندهم خير الأنبياء ويسمى بهذه الألفاظ الوضيعة ويقال ابن أخيك وقد تقدم في كتابهم " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " (١).

ومنها قول عمر عن علي عليه السلام : ويطلب هذا ميراث امرأته ، أهكذا يقال عن فاطمة عليها السلام التي شهدوا في صحاحهم أنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة؟ أترى هذا الكلام الذي قد شهدوا به على خليفتهم عمر يصدر عن قلب يعترف بتعظيم الله تعالى واطلاعه على كلامه ومع هذا تهوين بذكر رسول الله " ص " أيضا أو يصدر هذا ممن عنده وفاء لنبيهم أو قضاء لحقوق صحبته أو مجازاة لإحسانه أو حياء من نعمته عليهم وشفقته إليهم.

ومنها اعتراف عمر أن العباس وعليا عليه السلام كان اعتقادهما في أبي بكر في حياته وبعد وفاته واعتقادهما في عمر أنهما كانا كاذبين آثمين غادرين خائنين ، وهذا كتابهم يتضمن " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون " (٢) ويتضمن " إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما " (٣) ويتضمن من التهديدات والوعيد بنقض العهود ما يدل على أن الغدر كالكفر.

أفتقبل العقول الصحيحة والقلوب السليمة أن هذين الرجلين العظيمين العباس وعليا عليه السلام اللذين أجمع المسلمون أن الله ورسوله شهدا لهما بالصدق والفضائل والمناقب ، يعتقدان في أبي بكر وعمر غير الحق ويقولان

__________________

(١) النور : ٦٣.

(٢) النحل : ١٠٥.

(٣) النساء : ١٠٧.

فيهما غير الصدق وهما أخص بنبيهم ص وأعرف بأسراره وأخباره ولا سيما إن البخاري ومسلما ذكرا في صحيحيهما أن هذا القول جرى من عمر للعباس وعلي ع بمحضر مالك بن أوس وعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وما عرفنا أن أحدا ذكر عن العباس وعلي ع أنهما اعتذرا إلى عمر من هذا القول ولا نقل من أحد من هؤلاء الجماعة الذين سمعوا من عمر أنهم اعتذروا لعلي والعباس من هذا الاعتقاد في أبي بكر وعمر وهذا من عجيب ما اعترف بصحته رجال أربعة المذاهب وقبحوا به ذكر خليفتيهم وشهدوا عليهما بالمطاعن والمعايب.

ومن طريف الأمور أن يدعي أحد من الأربعة المذاهب أن قد كان بين علي ع والعباس منازعة في ميراث نبيهم.

وأول ما يقال في ذلك أنه لا يجوز تصديق رجال الأربعة المذاهب في الطعن على بني هاشم ولا في ما يقتضي نقصا لهم ولا تفريقا بينهم لأن الأربعة المذاهب فارقوا التمسك بأهل البيت الذين رووا في صحاحهم أن رسولهم محمدا ص أمرهم بالتمسك بهم وتظاهروا بالبعد عنهم فلا يقبل العقل والنقل شهادة العدو المتهم على من يعاديه ظلما ويميل عليه تعديا.

وأما ثانيا فإن العلماء بالتواريخ وغيرهم رووا أن العباس وسائر بني هاشم كانوا مع علي ع بعد وفاة نبيهم ص كنفس واحدة وقد تقدم ذكر بعض ذلك من صحاحهم عند ذكر تأخرهم مع علي ع عن بيعة أبي بكر وعند ذكر اجتماعهم لما أراد أبو بكر وعمر تحريق علي والعباس بالنار.

وروى جماعة العلماء أن العباس سأل عليا ع أن يمد يده ليبايعه بالخلافة عقيب وفاة نبيهم فاعتذر إليه بقلة الناصر لهما وخوف ارتداد كثير من المسلمين وطمع الكفار في الإسلام وأن الله أمره بالصبر كما جرت عليه

سنة جماعة من الأنبياء والأوصياء حتى يجدوا أنصارا تقوم بهم الحجة.

وأما ثالثا فقد روى كثير من علماء الإسلام دوام اتحاد العباس مع علي ع حتى روى ابن سعد وهو من أعيان المخالفين لأهل البيت في كتابه المعروف بالطبقات أن عليا هو الذي غسل العباس وتولى أمره لما مات وقد كان من اختصاص علي بأولاد العباس قبل تمكنه في خلافته وبعد انبساط يده ومبايعته ما يدل على دوام الصفاء والوفاء وقد ذكر ذلك جماعة من علماء التاريخ حتى كانوا في خواصه في حروبه وولاياته وفي أسراره واحتجاجاته.

ما قاله المأمون العباسي من فضائل علي عليه السلام

وقد ذكر الصولي في كتاب الأوراق مديحا للمأمون الخليفة العباسي في علي بن أبي طالب ع يتضمن بعض ما ذكرناه وهو شعر

أُلامُ على شكر الوصي أَبَا الحسن

وذلك عندي من عجائب ذا الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضى وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالكرامة والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جودا على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زلت مربوطا بذا الشكر مرتهن (١)

ومن الطرائف المشهورة ما بلغ إليه المأمون في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وفي مدح أهل بيته عليهم السلام ذكره ابن مسكويه صاحب التاريخ بحوادث الإسلام في كتاب سماه نديم الفريد يقول فيه حيث

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٣٥٧.

ذكر كتابا كتبه بنو هاشم يسألون جوابهم (١) ما هذا لفظه :

فقال المأمون : " بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد على رغم أنف الراغمين.

أما بعد عرف المأمون كتابكم ، وتدبير أمركم ، ومخض زبدتكم ، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم ، وعرفكم مقبلين ومدبرين ، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم في مراوضة الباطل ، وصرف وجوه الحق عن مواضعها ونبذكم كتاب الله تعالى والآثار ، وكلما جاءكم به الصادق محمد " ص " حتى كأنكم من الأمم السالفة التي هلكت بالخسفة والغرق والريح والصيحة والصواعق والرجم ، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ، والذي هو أقرب إلى المأمون من حبل الوريد لولا أن يقول قائل : إن المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم من سوء أخلاقكم ، وقلة أخطاركم ، وركاكة عقولكم ، ومن سخافة ما تأوون إليه من آرائكم ، فليستمع مستمع فليبلغ شاهد غائبا.

أما بعد فإن الله تعالى بعث محمدا " ص " على فترة من الرسل ، وقريش في أنفسها وأموالها لا يرون أحدا يساميهم ولا يباريهم ، فكان نبينا " ص " أمينا من أوسطهم بيتا وأقلهم مالا ، وكان أول من آمنت به خديجة بنت خويلد فواسته بما لها ثم آمن به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن سبع سنين لم يشرك بالله شيئا طرفة عين ، ولم يعبد وثنا ولم يأكل ربا ، ولم يشاكل الجاهلية في جهالاتهم ، وكانت عمومة رسول الله " ص " أما مسلم مهين أو كافر معاند إلا حمزة فإنه لم يمتنع من الإسلام ولا يمتنع الإسلام منه ، فمضى لسبيله على بينة من ربه.

__________________

(١) وفي نسخة الترجمة زيادة وهي : ويسألونه البيعة مع ولده العباس بولاية العهد وعاتبوه على اتخاذه علي بن موسى الرضا ولي عهده فأجابهم ما هذا لفظه.

وأما أبو طالب فإنه كفله ورباه ، ولم يزل مدافعا عنه ومانعا منه ، فلما قبض الله أبا طالب هم القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه فهاجر إلى القوم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ، فلم يقم مع رسول الله " ص " أحد من المهاجرين كقيام علي ابن أبي طالب عليه السلام فإنه آزره ووقاه بنفسه ونام في مضجعه ، ثم لم يزل بعد متمسكا بأطراف الثغور وينازل الأبطال ، ولا ينكل عن قرن ، ولا يولي عن جيش منيع القلب ، يأمر على الجميع ولا يؤمر عليه أحد ، أشد الناس وطأة على المشركين وأعظمهم جهادا في الله ، وأفقههم في دين الله ، وأقرأهم لكتاب الله وأعرفهم بالحلال والحرام ، وهو صاحب الولاية في حديث خم ، وصاحب قوله " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ، وصاحب يوم الطائف.

وكان أحب الخلق إلى الله تعالى وإلى رسول الله " ص " ، وصاحب الباب فتح له وسد أبواب المسجد ، وهو صاحب الراية يوم خيبر ، وصاحب عمرو ابن عبد ود في المبارزة ، وأخو رسول الله حين آخى بين المسلمين ، وهو متبع جزيل (١) ، وهو صاحب آية " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " وهو زوج فاطمة سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة ، وهو ختن خديجة عليها السلام وهو ابن عم رسول الله " ص " رباه وكفله وهو ابن أبي طالب عليه السلام في نصرته وجهاده ، وهو نفس رسول الله في يوم المباهلة ، وهو الذي لم يكن أبو بكر وعمر ينفذان حكما حتى يسألانه عنه ، فما رأى إنفاذه انفذاه ، وما لم يره رداه. وهو دخل من بني هاشم في الشورى ، ولعمري لو

__________________

(١) وفي نسخة البحار : وهو منيع جزيل.

قدر أصحابه على دفعه عنه كما دفع العباس رضوان الله عليه ووجدوا إلى ذلك سبيلا لدفعوه.

فأما تقديمكم العباس عليه فإن الله تعالى يقول : " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله " (١) والله لو كان ما في أمير المؤمنين من المناقب والفضائل والآي المفسرة في القرآن خلة واحدة في رجل واحد من رجالهم أو غيره ، لكان مستأهلا متأهلا للخلافة ، مقدما على أصحاب رسول الله " ص " بتلك الخلة ، ثم لم يزل الأمور تتراقى به إلى أن ولي أمور المسلمين ، فلم يعن بأحد من بني هاشم إلا بعبد الله بن عباس تعظيما لحقه ، وصلة لرحمه وثقة به ، فكان من أمره الذي يغفر الله له ، ثم نحن وهم يد واحدة كما زعمتم حتى قضى الله تعالى بالأمر إلينا فأخفيناهم وضيقنا عليهم وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم ، ويحكم أن بني أمية إنما قتلوا منهم من سل سيفا وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملا فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت ، ولتسألن نفوس ألقيت في دجلة والفرات ونفوس دفنت ببغداد والكوفة إحياء ، هيهات إنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.

وأما ما وصفتم في أمر المخلوع : وما كان فيه من لبس فلعمري ما لبس عليه أحد غيركم إذ هويتم عليه النكث ، وزينتم له الغدر ، وقلتم له ما عسى أن يكون من أمر أخيك ، وهو رجل مغرب ، ومعك الأموال والرجال تبعث إليه فيؤتى فكذبتم ونسيتم قول الله تعالى " ثم بغى عليه لينصرنه الله " (٢).

وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا عليه

__________________

(١) التوبة : ١٩.

(٢) الحج : ٦٠.

السلام فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا ولا أظهر عفة ، ولا أورع ورعا ولا أزهد زهدا في الدنيا ، ولا أطلق نفسا ولا أرضى في الخاصة والعامة ، ولا أشد في ذات منه ، وإن البيعة له لموافقة رضى الرب عز وجل ، ولقد جهدت وما أجد في الله لومة لائم ، ولعمري إن لو كانت بيعتي معه محاباة لكان العباس ابني وسائر ولدي أحب إلى قلبي وأجلى في عيني ، ولكن أردت أمرا وأراد الله أمرا ، فلم يسبق أمري أمر الله.

وأما ما ذكرتم مما مسكم من الجفاء في ولايتي ، فلعمري كان ذلك إلا منكم بمظافرتكم عليه ، ومما يلتكم إياه ، فلما قتلته تفرقتم عباديد فطورا أتباعا لابن أبي خالد ، وطورا أتباعا لأعرابي ، وطورا أتباعا لابن شكلة ، ثم لكل من سل سيفا علي ، ولولا أن شيمتي العفو وطبيعتي التجاوز ما تركت على وجهها منكم أحدا ، فكلكم حلال الدم محل بنفسه.

وأما ما سألتم من البيعة للعباس ابني ، أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ويلكم إن العباس غلام حدث السن ، ولم يؤنس رشده ولم يمهل وحده ولم تحكمه التجارب ، تدبره النساء وتكفله الإماء ، ثم لم يتفقه في الدين ، ولم يعرف حلالا من حرام ، إلا معرفة لا تأتي به رعية ، وتقوم به حجة ، ولو كان مستأهلا قد أحكمته التجارب ، وتفقه في الدين ، وبلغ مبلغ أمير العدل في الزهد في الدنيا وصرف النفس عنها ما كان له عندي في الخلافة إلا ما كان لرجل من عك وحمير (١) فلا تكثروا في هذا المقال ، فإن لساني لم يزل مخزونا عن أمور

__________________

(١) قال العلامة المجلسي : والعكة : الإناء الذي يجعل فيه السمن والحمير : في بعض النسخ بالخاء المعجمة وهو الخبز البائت والذي يجعل في العجين. وقال بعض : هما قبيلتان من القحطانية.

وأنباء ، كراهية أن تخنث النفوس عندما تنكشف ، علما بأن الله بالغ أمره ، ومظهر قضاه يوما.

فإذا أبيتم إلا كشف الغطاء وقشر العظاء ، فالرشيد أخبرني آبائه وعما وجد في كتاب الدولة وغيرها أن السابع من ولد العباس لا تقوم لبني العباس بعده قائمة ولا تزال النعمة متعلقة عليهم بحياته ، فإذا أودعت فودعها ، فإذا أودع فودعاها ، وإذا فقدتم شخصي فاطلبوا لأنفسكم معقلا وهيهات ، ما لكم إلا السيف يأتيكم الحسني الثائر البائر ، فيحصدكم حصدا ، أو السفياني المرغم والقائم المهدي لا يحقن دمائكم إلا بحقها.

وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى بعد استحقاق منه لها في نفسه واختيار مني له ، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم ، والذائد عنكم باستدامة المودة بيننا وبينهم ، وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب ، ومواساتهم في الفيئ بيسير ما يصيبهم منه ، وإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة فإني في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم وأبنائكم من بعدكم ، وأنتم ساهون لاهون تائهون في غمرة تعمهون لا تعلمون ما يراد بكم ، وما أظللتم عليه من النقمة ، وابتزاز النعمة ، همة أحدكم أن يمسي مركوبا ويصبح مخمورا تباهون بالمعاصي ، وتبتهجون بها وآلهتكم البرابط مخنثون مؤنثون ، لا يتفكر متفكر منكم في إصلاح معيشة ولا استدامة نعمة ولا اصطناع مكرمة ، ولا كسب حسنة يمد بها عنقه يوم لا ينفع مال وبنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أضعتم الصلاة ، واتبعتم الشهوات ، وأكببتم على اللذات وأعرضتم عن الغنيمات فسوف تلقون غيا ، وأيم الله لربما أفكر في أمركم ، فلا أجد أمة من الأمم استحقوا العذاب حتى نزل بهم لخلة من الخلال إلا أصيب تلك الخلة

بعينها فيكم ، مع خلال كثيرة لم أكن أظن أن إبليس اهتدى إليها ولا أمر بالعمل عليها ، وقد أخبر الله في كتابه العزيز عن قوم صالح إنه كان فيهم تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون فأيكم ليس معه تسعة وتسعون من المفسدين في الأرض قد اتخذتموهم شعارا ودثارا استخفافا بالمعاد وقلة يقين بالحساب ، وأيكم له رأى يتبع أو روية تنفع فشاهت الوجوه وعفرت الخدود.

وأما ما ذكرتم من العثرة كانت في أبي الحسن عليه السلام نور الله وجهه فلعمري إنها عندي للنهضة والاستقلال الذي أرجو به قطع الصراط ، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الأكبر ، ولا أظن عملت عملا هو عندي أفضل من ذلك إلا أن أعود بمثلها إلى مثله ، وأين لي بذلك وأنى لكم بتلك السعادة. وأما قولكم إني سفهت آراء آبائكم وأحلام أسلافكم ، فكذلك قال مشركوا قريش " إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " (١) ويلكم إن الدين لا يؤخذ إلا من الأنبياء ، فافقهوا وما أراكم تعقلون.

وأما تعييركم إياي بسياسة المجوس إياكم فما أذهبكم الآنفة من ذلك ولو ساستكم القردة والخنازير ما أردتم إلا أمير المؤمنين ، ولعمري لقد كانوا مجوسا فأسلموا كآبائنا وأمهاتنا في القديم ، فهم المجوس أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدوا ، فمجوسي أسلم خير مسلم ارتد ، فهم يتناهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف ، ويتقربون من الخير ويتباعدون من الشر ، ويذبون عن حرم المسلمين ، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من النكر ، ويتباشرون بما نال الإسلام وأهله من الخير ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ، وليس منكم إلا لاعب بنفسه مافون (٢) في عقله وتدبيره ، إما مغن أو ضارب دف أو زامر.

__________________

(١) الزخرف : ٢٣.

(٢) قال العلامة المجلسي : والافن بالتحريك ضعف الرأي.

والله لو أن بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا فقيل لهم لا تأنفوا في معائب تنالونهم بها ، لما زادوا على ما صيرتموه لكم شعارا ودثارا وصناعة وأخلاقا. ليس فيكم إلا من إذا مسه الشر جزع وإذا مسه الخير منع ، ولا تأنفون ولا ترجعون إلا خشية.

وكيف يأنف من يبيت مركوبا ويصبح بإثمه معجبا كأنه قد اكتسب حمدا غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل أو ملك مقرب أحب الناس إليه من زين له معصية أو أعانه في فاحشة تنظفه المخمورة وتربده المطمورة ، فشتت الأحوال فإن ارتدعتم مما أنتم فيه من السيئات والفضائح ، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم ، وإلا فدونكم تعلموا بالحديد ولا قوه إلا بالله وعليه توكلي وهو حسبي (١).

في عدم الاختلاف بين العباس وعلي عليه السلام

وسائر بني هاشم

ومن طرائف ما رواه مصنف زهد علي بن أبي طالب إنه كان قبل وفاته بأيام يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن عباس (٢).

وروى ذلك أيضا المسمى عندهم صدر الأئمة أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي ، وأين موضع الاختلاف بينهم.

ولعل رجال الأربعة المذاهب وعلمائهم أرادوا أو أراد غيرهم من أعداء

__________________

(١) رواه العلامة المجلسي في البحار : ٤٩ / ٢٠٨ ـ ٢١٤. وقال من بعده أقول: كان هذا الخبر في بعض نسخ الطرائف ولم يكن في أكثرها وكانت النسخ سقيمة.

(٢) الخوارزمي في المناقب : ٢٨٣.

أهل البيت أن يجعلوا اختلافا بين العباس وعلي عليه السلام ليعتذروا لأبي بكر وعمر في مخالفة بني هاشم لهما ، ولو قدرنا إن قد كان بين بني هاشم خلاف في الظاهر في أمر يخص أحوالهم أما لشبهة أو لغير شبهة.

أليس قد كانوا مع ذلك كله مجمعين على أن أبا بكر وعمر ظالمان لهم كما تقدمت روايتهم واتفقوا عليه في صحاحهم ، وإجماع بني هاشم حجة لا يدفع لأن المسلمين كافة الذين يعتبر بهم رووا أن محمدا " ص " نبيهم جعل التمسك بأهل بيته حجة وأمانا من الضلال.

ومن طريف ما يشتبه على رجال الأربعة المذاهب إنهم يتوهمون أو يعتقدون إن العباس حضر مع فاطمة وعلي عليهما السلام عند طلب الميراث ويطلب ميراثا لنفسه ، وهذا غلط من قبل الأربعة المذاهب وإنما حضر العباس مع فاطمة عليها السلام إما ليصل جناحها فإنه كان كالوالد أو ليزيل حجة أبي بكر فيما يقوله إن العم يرث مع البنت ، وكذلك يكون حضوره مع علي عليه السلام يمكن أن يكون لهذا الحال والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

٣٧٠ ـ وقد ذكره الحميدي في مسند عمر في الحديث الثامن عشر من المتفق عليه في الصحيحين وإنه لما سلم عمر إلى العباس وعلي صدقات نبيهم الذي بالمدينة خاصة ، وكان علي والعباس قد طلباها من عمر بطريق الميراث من نبيهم. ولعل أبا بكر وأتباعه هم سموها صدقات ، فدفعها العباس إلى علي عليه السلام خاصة ، وكانت في يده ثم لما توفي علي عليه السلام كانت يد ولده الحسن ، ثم لما توفي الحسن كانت في يد أخيه الحسين ، ثم في يد علي بن الحسين ، قم كانت في يد الحسن بن الحسن ، ثم في يد زيد بن الحسن ، ثم بيد عبد الله بن الحسن بن الحسن

فهل يخفى على عاقل عارف مع هذا أن العباس إنما كان يطلب ميراث نبيهم

وصدقاته مساعدة لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقطعا لحجة أبي بكر. وربما ترى بعضهم يقول : إن عليا غلب العباس على صدقات نبيهم الذي سلمها عمر إليهما (١).

وهذا لا يخفى إنه غير صحيح لاستمرار يد علي عليه السلام وولده على صدقات نبيهم وترك منازعة بني العباس لهم ، مع أن العباس ما كان ضعيفا عن منازعة علي عليه السلام ولا كان أولاد العباس ضعفاء عن المنازعة لأولاد علي عليه السلام في الصدقات المذكورة.

ومما يقتضي أن منازعة العباس لعلي عليه السلام في الميراث كانت مساعدة لعلي عليه الإسلام ، ما رواه محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي وهو من أعيان المخالفين في مسند علي عليه السلام فيما رواه قثم بن عباس ما هذا لفظه رفع الحديث قال : قيل لقثم بن عباس كيف ورث علي عليه السلام رسول الله " ص " دون الناس؟ قال : لأنه أقدمنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا.

وروى الحضرمي المذكور رفع الحديث أنه قيل لعبد الله بن عباس ما شأن علي عليه السلام ورث رسول الله " ص " دون أبيك وهو عمه قال : لأنه كان أقدمنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا.

(قال عبد المحمود) : فهذا تصريح من قثم وعبد الله ابني العباس وهما أعرف بباطن حال ميراث نبيهم " ص " إن عليا عليه السلام ورثه دونهم ، وهذان الحديثان حجة على من منع عليا عليه السلام من ميراث نبيهم وحجة على من زعم أن العباس كان ينازع عليا في باطن الحال.

ومن طريف ما ذكره بعض الشيعة أن جارية قد وصفت للرشيد بأنها عالمة زكية ، وأحضر لها النظام وقال له الرشيد أقطعها ، فعجز النظام عن قطعها

__________________

(١) راجع صحيح مسلم ٣ / ١٣٨٢.

فأراد تنفير الرشيد عنها فقال لها ما تقولين أيما أفضل العباس أو علي فقالت الروح واحدة وإن اختلف الجسد فإن فضيلة هذا لهذا وفضيلة هذا لهذا فقال لها النظام كما يرويه أعداء أهل البيت فما تقولين في حكومتهما عند أبي بكر وعمر أيهما كان على الحق وأيهما كان على الباطل فقالت كانا كالملكين اللذين نزلا على داود يتحاكمان في الغنم وإنما أراد الملكان تعريف داود وجه الحكم فكذلك أراد العباس وعلي يعرفان أبا بكر وعمر أنهما ظالمان لهما بمنع ميراث نبيهما فهذا جواب امرأة لم يكن عندها عداوة لأهل البيت عرفت الحق واعتذرت عذرا جميلا فاستحسن الرشيد ذلك منها واشتراها بألوف كثيرة

في عدم مساعدتهم لفاطمة عليها السلام ومساعدتهم لعائشة

ومن طريف الأمور أن سيدتهم فاطمة ع المشهود لها بالطهارة والعصمة والفضائل التي لم يخلف نبيهم من ظهره ولدا في الدنيا سواها وكانت بقيته في المسلمين وتذكرته بين الصحابة والعارفين يجري عليها ما تقدم ذكر بعضه ثم إن الحال تحوجها إلى أن تخرج بنفسها والعباس معها كما تقدم في إحدى روايتي الحميدي وعلي بن أبي طالب ع كما تقدم في رسالة المأمون وأم أيمن وأسماء بنت عميس وتخاطب أبا بكر فلا يسعدها من جلساء أبي بكر وأتباعه من كان حاضرا منهم حين مخاطبتها ومن حضر بعد ذلك مسعد ولا ينطق بكلمة ولا ينقل أن أحدا منهم قال في مجلسه وقد كان مجلسا عاما كلمة تعضدها ولا مشورة تطيب قلبها ولا وساطة بخير أين نساء المهاجرين والأنصار وهلا كن جميعا في خدمتها وصحبتها ومعونتها وأين بقايا المهاجرين والأنصار وما بالهم لم يسعدوا بنت نبيهم ويرغبوا في الوفاء لخاتم الأنبياء وهلا استحيوا من حقوقه عليهم وإحسانه إليهم وهلا وصلوا جناحها أو عضدوا خطابتها فقد كان بين أبيها وبين مجلس أبي بكر خطوات يسيرة وهب أنهم

شكوا فيها أما كان في شهودها المشار إليهم حجة وعذر توجب عليهم المساعدة لها بقول أو فعل؟.

ومن طريف ذلك أن عائشة بنت أبي بكر تخرج من مكة إلى البصرة لقتال علي بن أبي طالب عليه السلام وقتل بني هاشم وسفك دماء جماعة من الصحابة والتابعين والصالحين، فيخرج لنصرتها وصحبتها وصلة جناحها ومساعدتها على الظلم والعدوان الخلق الكثير والجم الغفير ، مع ما تقدم ذكره من سوء أحوالها ومع ما كانوا يعلمون أن عائشة هتكت حجاب الله تعالى وحجاب رسوله في قوله تعالى " وقرن في بيوتكن وتبرجن " (١) فلم تقر في البيت وتبرجت ، ويعلم كل عاقل وكل أهل ملة أن الجهاد وإقامة الخلفاء لا يجوز الاقتداء فيه بالنساء.

٣٧١ ـ ومع روايتهم في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند أبي بكر أنه عرف ضلالة عائشة ومن اتبعها إلى البصرة بما رواه عن نبيهم أنه قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.

٣٧٢ ـ ومع ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في مسند عبد الله بن عباس أنه سأل عمر بن الخطاب فقال : من المرأتان من أزواج النبي " ص " اللتان قال الله عز وجل " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما (٢) فقال عمر : هما عائشة وحفصة (٣).

إن هذا الاتباع لعائشة والخذلان لفاطمة عليه السلام مما يتعجب منه ذووا الألباب ، ويدل على أن القوم العادلين عن بني هاشم كانوا على غاية من الضلال والارتياب.

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) التحريم : ٤.

(٣) رواه البخاري في صحيحه : ٦ / ٧٠ ـ ٧١.

ومن طريف تصديقهم لعائشة وعداوتهم لفاطمة.

٣٧٣ ـ إنه روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين وغيره أن نبيهم لما هاجر إلى المدينة أقام ببعض دور أهلها واستقرض مريدا (١) للثمن وكان لسهل وسهيل كانا يتيمين في حجر سعد بن زرارة ليشتريه فوهبها له ، وروى أنه اشتراه وبنى فيه مسجده وبنى فيه بيوتا ومساكن لنفسه ليسكن عياله وأزواجه فيها ، فرغت انتقل إليها.

٣٧٤ ـ وروى الحميدي في الحديث الرابع والثلاثين بعد المائة في المتفق عليه من مسند أنس بن مالك في موضع المسجد خاصة وفي رواية أخرى قال : إن النبي " ص " أراد أن يشتري موضع المسجد من قوم بني النجار ، فوهبوه وكان فيه نخل وقبور المشركين ، فقلع النخل وخربت القبور (٢)

وقد تضمن كتابهم إن البيوت لنبيهم في قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " (٣).

ومن المعلوم أن زوجته عائشة لم يكن لها دار بالمدينة ولا بيت ولا لأبيها ولا لقومها ، لأنهم كانوا مقيمين بمكة ولا روى أحد أنها بنت لنفسها دارا في المدينة ولا بنى لها أحد من قومها منزلا بها ، ومع كله فإنها ادعت حجرة نبيهم بعد وفاته التي دفن فيها ، فسلمها أبوها أبو بكر إليها بمجرد سكناها أو دعواها ، ويمنع فاطمة عليها السلام عن فدك والعوالي مع طهارتها وجلالتها وطهارة شهودها وشهادتهم بأن أباها وهبها ذلك في حياته ويمنع أيضا فاطمة عليها السلام من ميراثها مع عموم آيات قرآنهم وكتابهم في المواريث ، فإن كانت

__________________

(١) الظاهر كذا واستقرض لثمن مكان نخل كان الخ.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣٧٣.

(٣) الأحزاب : ٥٣.

عائشة ملكت الحجرة بالسكنى فقد مات نبيهم عن تسع زوجات في تسع بيوت فهلا ملك جميع نسائه جميع بيوته التي كانوا فيها ، وإن كان بالميراث فلأي حال ترث عائشة نبيهم " ص " ولا ترثه فاطمة عليها السلام؟ ثم كيف تفردت عائشة بالحجرة ولها تسع الثمن من ميراثه ومن قسم لها وخصصها بها؟ إن هذا من عجائب الأمور.

ومن طريف ذلك تهجم جماعة من المسلمين على حجرة نبيهم وترك الامتثال بقرآنهم في قوله تعالى " لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم " ودفنوا أمواتهم فيها ، فليت شعري من أذن للأموات وفاته في دخول حجرته وضرب المعاول عنده ونبش التراب حوله وأن يجعلوا داره مقبرة وإن كانت داره ميراثا كما تضمن كتابهم؟ فهلا استأذنوا جميع الورثة؟ فكيف يكون ميراثا عندهم وقد ادعوا أنه لا يورث؟ وإن كانت أمواله وتركته للمسلمين فهل استأذنوا جميع المسلمين من بعد منهم أو قرب؟ وإن كان ذلك تهيا فيه إذن جميع المسلمين فهل استأذنوا جميع المسلمين في تسليم فدك والعوالي إلى ابنته فاطمة عليها السلام فقد كان يجب لأبيها على المسلمين من الحقوق أعظم من ذلك.

ومن طريف ذلك أن أبو بكر قد سلم حجرة نبيهم إلى ابنته عائشة دون ورثته ودون المسلمين وكان يتمكن كثير من المسلمين من الانكار عليها وعليه فيداهنون ويتغافلون ، إنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن طريف ذلك أن بعض جهالهم معتقدا وقائلا إن البيت لعائشة ، لما لعله يجده من لفظ مجمل أو محتمل في تسمية بيوت نبيهم باسم نسائه ، فيتوهم أن ذلك يدل على أن البيوت ملك لنساء نبيهم ، ومن المعلوم للعقلاء أن لو كان البيوت ملكا لنسائه لكان نزيلا على نسائه بالمدينة وفي سكناهن. ولا خلاف بين المسلمين في تكذيب ذلك وإن نبيهم استأنف بيوته وعمرها بعد قدومه بالمدينة.

وقد تقدم ما يدل على أن عائشة لم يكن بيت تملكه بالمدينة ، وإذا كن الزوجات ساكنات في بيوت الأزواج فيقال للنساء على سبيل الاستعارة والمجاز أنها بيوتهن لأجل سكناهن بها كما يقال بيت النملة وبيت الدواب ونحو ذلك وإن كانت النملة ونحوها لا تملك بيتا ولا شيئا ، وقد تضمن كتابهم تصديق ذلك فقال : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " (١) ومعلوم أن البيوت كانت للأزواج ، فلو كانت البيوت للمطلقات ما جاز إخراجهن منها سواء أتين بفاحشة أو لم يأتين ، فبطل أن يكون البيوت لنساء نبيهم على كل حال ، وإن دعوى عائشة لذلك كان ظلما لا يحل بحبلة محتال.

٣٧٥ ـ وذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري عن النبي " ص " أنه قال : ما بين بيتي ومنبري روضة رياض الجنة (٢).

وما قال نبيهم : ما بين بيت عائشة ومنبري.

وروى الحميدي أيضا هذا الحديث بألفاظه عن نبيهم في مسند أبي هريرة في المتفق عليه في الحديث السابع عشر بعد المائة (٣).

(قال عبد المحمود) : ورأيت هذا الحديث في صحيح مسلم من نبيهم " ص " في المجلد الثاني بلفظ آخر وهو : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة. وفي جميع ذلك يقول : بيتي ولم يقل بيت عائشة ، أفتراهم لا يصدقونه في قوله إنه بيته أو يجعلون دعوى عائشة في البيت أصدق من قول نبيهم وأصدق من تزكية الله تعالى له.

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢ و ٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ١٠١٠ في كتاب الحج ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٥٧.

وقد ذكر صاحب كتاب الطبقات محمد بن سعد عن ابن عباس قال : لما فرغ من جهاز رسول الله " ص " وضع على سرير في بيته.

أقول فهذه شهادة ابن عباس بعد وفاته ولم يقل بيت عائشة.

وذكر الطبري في تاريخه أن النبي " ص " قال : إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ـ الخبر (١).

وما قال في بيت عائشة وهذا آخر عهده بالدنيا.

سوء أدب عائشة مع النبي " ص " وشدة حسدها وبخلها

ومن طرائف ما رأيت من تعصبهم لعائشة بالمحال حتى يختاروا نقص نبيهم ليشهدوا لها بالكمال.

٣٧٦ ـ ما رواه الغزالي في كتاب الإحياء في كتاب النكاح في الباب الثالث في ذكر حسن صحبة نبيهم لعائشة فقال : روى أنه " ص " كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما ، وسبقها في بعض الأيام ، فقال عليه السلام هذه بتلك (٢).

(قال عبد المحمود) : كيف يحسن من هذا الشيخ وغيره نقل هذا الحديث على وجه التصديق به ، وقد عرف أهل الملل والألباب والتجارب أن وقار النبوة وحرمة الرسالة والسكينة الإلهية على تضمنه كتابهم يمنع محمدا " ص " نبيهم أن يعدو مع عائشة برجله مثل الأطفال والجهال ، وأن العقل يشهد أن هذه الحكاية من جملة المحال ، لأن نبيهم إذا كان كما وصفوه من الجلال والنبوة والكمال فما يقع هذا منه ، ولا كان يجوز لهم تصديق عائشة ولا غيرها في نقل

__________________

(١) الطبري في تاريخه : ٣ / ١٩٣.

(٢) الغزالي في إحياء علوم الدين : ٢ / ٤٤ ، وأخرجه في ذيله عن أبي داود والنسائي وابن ماجة بسند صحيح.

ذلك عنه وإن كان غير نبي ، فما كان ينبغي حسن التدبير وحفظ منزلته أن تسقط حرمته بذلك العدو عند زوجته وصحابته ، ولو فعل ذلك من هو دونه من العقلاء سقطت منزلته بين الفضلاء ، فكيف استجاز هؤلاء القوم تصديق مثل هذا البهتان وتسهيل اللعب والباطل على الجهال بإيراد هذا الخبر لا يخفى أنه من الهذيان؟.

ومن طريف تعصبهم لعائشة بالكذب تعظيمهم لها بلسان الحال والمقال على خديجة زوجة نبيهم وسائر أزواجه ، ومن المعلوم المسلمين أن خديجة أول من آمن بنبيهم من النساء ، وأول من صلى منهن معه ، وأنها عاونته بمالها ونصرته حين خذله أكثر الناس وآنسته حين أوحشوه وصدقته حين كذبوه ، وجعل الله ذريته منها وشهد لها في حياتها وبعد وفاتها بالجنة ، وكان يكثر من مدحها ويثني عليها حتى حسدتها عائشة وعاتبته على ذلك فاعتذر إليها بإحسان خديجة إليه وحسن صحبتها له ، وجميع ذلك قد رووه في صحاحهم.

٣٧٧ ـ فمن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثمانين في المتفق عليه من مسند عائشة قالت : ما غرت أحد من نساء النبي " ص " ما غرت على خديجة ، وما رأيتها قط ، ولكن كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأنه لم تكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول " ص " : إنها كانت ، وكانت لي منها ولد ، وقالت عائشة : ولقد أمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة (١).

وأجمع المسلمون على أن خديجة من أهل الجنة وأن الشك في بشارة النبي

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٨٨ في فضائل خديجة ، ورواه البخاري في صحيحه : ٤ / ٢٣١.

" ص " لها بذلك كفر ، واختلف المسلمون في عائشة اختلافا عظيما فذهب كثير من المسلمين إلى تكفيرها بخروجها على بني هاشم وحربها لهم وطعنها في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام بعد صحة إمامته عند كافة المسلمين وثبوت مبايعته ، وقتلها بسبب ذلك الخروج نحو ستة عشر ألفا ما بين صحابي إلى مسلم ومؤمن ، ومع ما رووا أنها من جملة من أفشى سر رسول الله " ص " وآذاه وقد تضمن كتابهم في قوله تعالى " فإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " (١).

وقد تقدم في رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن عمر بن الخطاب خليفة أبيها قد شهد عليها بذلك.

وإذا كانت قد آذت نبيهم بإفشاء سره والتظاهر عليه فكيف يكون حالها مع ما تضمنه كتابهم " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " (٢)

وذكر الغزالي في كتاب النكاح من سوء صحبتها أشياء : منها أنه جرى بينه وبين عائشة كلام حتى أدخلا بينهما أبا بكر حكما واستشهده ، لها رسول الله " ص " : تكلمين أو أتكلم. فقالت : بل تكلم ولا تقل إلا حقا ـ الخبر (٣).

(قال عبد المحمود) : فهل يجوز أن يشك عاقل قد قرء الأخبار وعرف الأحوال في سقوط منزلة عائشة عن درجة خديجة بل عن درجات سائر نسائه؟ بل كيف يثبت قدم في مدحها بالإسلام. وأما رواية الغزالي فكيف يجوز أن تجيب نبيهم بهذا الجواب؟ وهل يقول نبيهم غير الحق؟ أما سمعوا في كتابهم

__________________

(١) التحريم : ٤.

(٢) الأحزاب : ٥٧.

(٣) الغزالي في إحياء علوم الدين : ٢ / ٤٣ ، وأخرجه في ذيله عن الطبراني في الأوسط والخطيب في التاريخ بسند ضعيف.

" لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " (١) أما سمعوا كتابهم يتضمن " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " أما تضمن كتابهم " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (٢) أما وجدت عائشة في نفسها حرجا؟ وأين تسليمها؟ وكيف يبقى لها إيمان مع مخالفتها؟ أما نهاها كتابها أن تتبرج؟ كما تقدم في قوله تعالى " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن " أما تبرجت وخرجت لحرب البصرة وقتل المسلمين وسفك دماء الصحابة والتابعين؟ أما قاتلت من قد أجمعوا على خلافته؟ أما ما أدخلت الشبهة على المستضعفين؟ وكانت سبب هلاكهم إلى يوم الدين؟

ولقد أعجبني حديث وقفت عليه في المعنى ، وهو أن امرأة من الكوفيات دخلت على عائشة فقالت : يا أم المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ولدها عمدا وهو مؤمن؟ فقالت : تكون كافرة لأن الله يقول " " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه وأعد له عذابا عظيما " (٣). فقالت لها الكوفية : فما تقولين في أم قتلت ستة عشر ألفا من أولادها المؤمنين؟ ففهمت عائشة أنها واقفتها على قتل من قتل بطريقها وحربها في البصرة من الأخيار والصالحين فقالت : أخرجوا عدوة الله عني.

ومما رووه في اعتراف عائشة ببعض ما فعلت :

ومما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس في جملة الحديث السادس من أفراد البخاري إن ابن الزبير دخل على

__________________

(١) الحجرات : ٢.

(٢) النساء : ٦٥.

(٣) النساء : ٩٣.

عائشة في مرضها فقالت له : إن فلانا ـ وسمت له القائل ـ دخل علي فأثنى علي وقال : ولوددت أني كنت نسيا منسيا.

فهل يجوز لعاقل عارف من المسلمين أن يساوي عائشة بخديجة أو بأدون نساء نبيهم؟ أو أن يجعل عائشة قريبة من منزلة خديجة؟ وهل يشك في سقوط منزلتها وسوء طريقتها إلا جاهل بالحق وجاحد للصدق؟.

وقد أنكر الجاحظ في كتاب الإنصاف غاية الانكار على من يساوي عائشة بخديجة أو يفضلها عليها.

ومن طرائف روايتهم الشاهدة بذم عائشة أيضا :

٣٧٩ ـ ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني بعد المائة من مسند عائشة في المتفق عليه قالت : إن النبي " ص " كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا ، قالت : فتواطيت أنا وحفصة ، إن أيتنا ما دخل عليها النبي فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له ، فقال : بل شربت عسلا زينب بنت جحش ولن أعود له ، فنزل : لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله إن تتوبا إلى الله لعائشة وحفصة فقد صغت قلوبكما ، وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا

لقوله بل شربت عسلا (١).

قال البخاري في صحيحه : وقال إبراهيم بن موسى عن هشام : ولن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا (٢).

(قال عبد المحمود) : أما يعجب العاقل من تصحيحهم لهذا الحديث في حق عائشة ثم يدعون تعظيمها؟ ما أقبح التعصب بالمحال وكيف ذلك بأهل

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ١١٠٠ في كتاب الطلاق.

(٢) البخاري في صحيحه : ٦ / ٦٨.

الكمال؟ ومما رووه في سقوط منزلتها.

٣٨٠ ـ ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع من أفراد البخاري في مسند مسور مخرمة إن عائشة حدثتنا أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة : والله لتنهين عائشة أو لأحجرن عليها ـ الخبر.

أما هذه شهادة من عبد الله بن الزبير واتفاق من الصحابة الذين سمعوا منه ولم ينكروا عليه إن عائشة قد وقع منها ما يبيح الحجر عليها كالسفيه والمجنون إن في روايتهم لذلك عدة عجائب وفنون.

ومن ذلك ما رووه في الدلالة على سوء صحبتها لابن عباس الذي هو من أعيان عترة نبيهم الذين أوصى بهم ومعرفة عبد الله بن عباس باستحقاقها للهجران وهجرانه لها.

٣٨١ ـ ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس عشر من المتفق عليه من مسند عائشة أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة أن عبد الله بن عباس قال : من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى بنحر الهدي وقد بعثت بهديي. فاكتبي إلي بأمرك. قالت عمرة : قالت عائشة : ليس كما قال ابن عباس ، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله " ص " بيدي ، ثم قلدها رسول الله بيده ، ثم بعث بها مع أبي ، فلم يحرم على رسول الله شئ أحله الله له حتى نحر الهدي (١).

(قال عبد المحمود) : ألا تعجب من جرأتها ابن عباس؟ ولعل زيادا أكذب عليه أو لم يفهم ما قال أو لعل ابن عباس قال ذلك عما يقوله المسلمون من أن من مرض وهو محرم أو حبس عن الحج ومحرم فلا يحل

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٢ / ٩٥٩.

له ما يحرم عليه حتى ينحر هديه ، فكيف أقدمت على تكذيب عبد الله بن عباس والرد عليه؟ دو هو أحق بالعلم ومن قومها ، وهلا اعتذرت له ، ومتى وصل أبوها مكة بعد الهجرة وقبلها أو إلى منى ولم يكن نبيها حاضرا حتى تقول إنه كان يبعث بها مع أبي ، ويؤمنها أن يكون الأمر كما قال زياد عن ابن عباس ويكون الأفضل إن من بعث هديا وهو غير محرم أنه يمتنع ما يمتنع منه المحرم أدبا ويكون لفظ يحرم بمعنى يكره كما يتداولون أمثال ذلك ، وهلا كانت رواية ابن عباس عن نبيهم إذا كان قد صححوها حجة في تكذيب عائشة.

٣٨٢ ـ ومن ذلك في هجران ابن عباس لها ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في جملة حديث السادس والأربعين من أفراد مسلم من مسند عائشة في أواخر الحديث المذكور المتضمن لصلاة رسول الله " ص " في وتره قال : فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها فقال : صدقت ، لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني به ، قال قلت : لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها (١).

(قال عبد المحمود) : في هذا الحديث عدة طرائف : أحدها ما يدل على سوء حالها بما يثبت عند مثل هذا العالم المجمع عليه ـ أعني عبد الله بن العباس ـ من استحقاقها الهجران وهجره لها.

ومن طرائف الحديث المذكور قول الراوي عن ابن عباس أنه كان يحضر عند عائشة لتشافهه بذلك.

٣٨٣ ـ وقد ذكر الحميدي في مسند عبد الله بن عباس في الحديث الثالث والأربعين من المتفق عليه أن عبد الله بن عباس بات عند نبيهم وشاهد صلاته في وتره. ورواها الناس عنه.

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ١ / ٥١٤.

أفكان عبد الله بن العباس شاهد صلاة الوتر مع نبيهم ويخبرها الناس ثم تحتاج إلى أن تشافهه عائشة بذلك ، إن هذا من البهتان والكذب على ابن عباس الذي لا يليق روايته وتصحيحه عند عقلاء الناس.

ومن طرائف الحديث المذكور تصديقهم لهذا الراوي وهو يقول لعبد الله ابن عباس : لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها ، وذلك يدل على تعلقه وميله مع عائشة على ابن عباس ولو كان موافقا عاقلا لقال : لو علمت أنك لا تدخل عليها ما قبلت حديثها ولا دخلت إليها.

٣٨٤ ـ ومن ذلك فيما رووه مما يحتمل تحذير الناس منها ومن أبيها في الحديث الثلاثين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عمر من كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي عن نافع عن ابن عمر قال : قام النبي " ص " خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة وقال : هاهنا الفتنة (ثلاثا) من حيث يطلع قرن الشيطان (١).

في إيمان أبي طالب رضي الله عنه

ومن طرائف ما بلغت إليه عداوة جماعة من المسلمين لأهل بيت نبيهم أنهم يوالون قوما قد حاربوهم واستحلوا دماءهم مثل هذه عائشة ، فإنها قد وقع في حق نبيهم منها ما قد تقدم بعضه وقالت عنه بعده ما لا يحل لأحد أن يقبله عمن هو دونه ، وقد تقدمت أيضا رواية بعضه ، وتظاهرت بحرب أهل بيته في حرب البصرة وسفكت دماء جماعة من الصحابة والتابعين وقد تضمن كتابهم " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٢٩ في كتاب الفتنة.

عذابا عظيما " (١).

ورووا في حقها مثل هذه الأخبار المتقدم ذكرها التي يحتمل الشهادة عليها بالذم.

(قال عبد المحمود) : إنني لأعجب ممن يدعي أن عائشة تائبة فيما جرى على يديها من سفك دماء من قتل في حرب البصرة ، وهذا المدعي يعلم يقينا أنها ما طافت على أولياء المقتولين والمظلومين بطريق المصانعة ، ولا أرسلت إليهم ولا التفتت إلى إبراء ذمتها مما جرت الحال عليه من تلف النفوس والأموال وخراب ما خرب من الأموال والمزارع.

أفهكذا تكون التوبة من الدماء والأنفس والأموال والحقوق الربانية وحقوق المسلمين؟ إن دعوى توبتها من الفضائح المظهرة للمعصية التي لا تليق بالعقل والدين ، وإنهم لم يلتفتوا إلى ذلك كله وشهدوا لها بالإيمان ومدحوها.

ثم تظاهروا بالشهادة على أبي طالب عليه السلام عم نبيهم وكفيله بأنه مات كافرا ، وكذبوا الأخبار الصحيحة المتضمنة لإيمانه ، وردوا شهادة عترة نبيهم صلوات الله عليهم الذين رووا أنهم لا يفارقون كتاب ربهم ، وإنني وجدت علماء هذه العترة مجمعين على إيمان أبي طالب عليه السلام ، وما رأيت هؤلاء الأربعة المذاهب كابروا فيمن قيل عنه أنه مسلم مثل هذه المكابرة ، وما زال الناس يشهدون بالإيمان لمن يخبر عنه مخبر بذلك ، أو يرى عليه صفة تقتضي الإيمان وسوف أورد لك بعض ما أوردوا في كتبهم برواية رجالهم من الأخبار الدالة لفظا أو معنى تصريحا أو تلويحا بإيمان أبي طالب عليه السلام ، ويظهر لك أن شهادتهم عليه بالكفر ليست إلا عداوة لولده علي بن أبي طالب عليه السلام أو لبني هاشم.

__________________

(١) النساء : ٩٣.

٣٨٥ ـ فمن ذلك ما ذكروه ورووه في كتاب أخبار أبي عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد الطبري اللغوي ، عن أبي العباس أحمد بن يحيى بن تغلب عن ابن الأعرابي ما هذا لفظه : وأخبرنا تغلب عن ابن الأعرابي قال : العور : الردئ من كل شئ ، والوعر : الموضع المخيف الوحش ، قال ابن الأعرابي : ومن العور خبر ابن عباس قال : لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال علي عليه السلام (وقال ابن عباس : كان النبي يربيه وعبق من سمته وكرمه وخلائقه ما أطاق) فقال " ص " لي : يا علي قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فاصنع لي طعاما واطبخ لي لحما ، قال علي عليه السلام : فعددتهم (بني هاشم بحتا) فكانوا أربعين ، قال : فصنعت الطعام طعاما يكفي لاثنين أو ثلاثة ، قال : فقال لي المصطفى " ص " هاته ، قال : فأخذ شظية من اللحم فشظاها بأسنانه وجعلها في الجفنة ، قال : وأعددت لهم عسا من لبن.

قال : ومضيت إلى القوم فأعلمتهم أنه قد دعاهم لطعام وشراب ، قال : فدخلوا وأكلوا ولم يستتموا نصف الطعام حتى تضلعوا ، قال ولعهدي بالواحد منهم يأكل مثل ذلك الطعام وحده ، قال : ثم أتيت باللبن ، قال : فشربوا حتى تضلعوا ، قال : ولعهدي بالواحد منهم وحده يشرب مثل ذلك اللبن ، قال : وما بلغوا نصف العس ، قال : ثم قام فلما أراد أن يتكلم اعترض عليه أبو لهب لعنة الله ، فقال : ألهذا دعوتنا؟ ثم أتبع كلامه بكلمة ثم قال: قوموا ، فقاموا وتفرقوا كلهم.

قال : فلما كان من الغد قال لي : يا علي اصنع لي مثل ذلك الطعام والشراب ، قال: فصنعته ومضيت إليهم برسالته ، قال : فأقبلوا إليه فلما أكلوا وشربوا قام رسول الله " ص " ليتكلم فاعترضه أبو لهب لعنه الله ، قال : فقال له أبو طالب رضي الله عنه : اسكت يا أعور ما أنت وهذا؟ قال : ثم قال أبو طالب رضي الله

عنه : لا يقومن أحد ، قال : فجلسوا ، ثم قال للنبي " ص " : قم يا سيدي فتكلم بما تحب وبلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق.

قال : فقال " ص " لهم : أرأيتم لو قلت لكم : إن وراء هذا الجبل جيشا يريد أن يغير عليكم أكنتم تصدقوني؟ قال : فقالوا كلهم : نعم إنك لأنت الأمين الصادق. قال : فقال لهم : فوحدوا الله الجبار واعبدوه وحده بالإخلاص واخلعوا هذه الأنداد الأنجاس وأقروا وأشهدوا بأني رسول الله إليكم وإلى الخلق فإني قد جئتكم بعز الدنيا والآخرة قال : فقاموا وانصرفوا كلهم وكان الموعظة قد عملت فيهم. هذا آخر لفظ حديث أبي عمرو الزاهد (١).

(قال عبد المحمود) : ولو لم يكن لأبي طالب رضي الله عنه إلا هذا الحديث وأنه سبب في تمكين النبي " ص " من تأدية رسالته وتصريحه بقوله : وبلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق ، لكفاه شاهدا بإيمانه وعظيم حقه على أهل الإسلام وجلالة أمره في الدنيا وفي دار المقام ، وما كان لنا حاجة إلى إيراد حديث سواه ، وإنما نورد الأحاديث استظهارا في الحجة لما ذكرناه.

٣٨٦ ـ فمن ذلك أيضا ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الثاني عشر من أفراد البخاري تعليقا قال : وقال عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه قال : ربما ذكرت قول الشاعر :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

وهو قول أبي طالب رضي الله عنه ، وقد أخرجه بالإسناد من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه قال : سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب حيث قال : ـ وذكر البيت ـ وهي قصيدة مشهورة بين الرواة لأبي طالب رضي الله عنه وهي هذه :

__________________

(١) نقله في البحار : ٣٥ / ١٤٤ ـ ١٤٥.

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

وأحببته حب الحبيب المواصل

وجدت بنفسي دونه فحميته

ودافعت عنه بالذرى والكواهل

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها

وشينا لمن عادى وزين المحافل

حليما رشيدا حازما غير طايش

يوالي إله الخلق ليس بما حل

فأيده رب العباد بنصره

وأظهر دينا حقة غير باطل

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا نرضى بدين الأباطل

وابيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

كذبتم والبيت نبرى محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل (١)

 ـ ومن ذلك ما رواه الثعلبي في تفسيره قال في تفسير قوله تعالى " وهم ينهون عنه وينؤن عنه وأن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون " (٢).

عن عبد الله بن عباس قال : اجتمعت قريش إلى أبي طالب رضي الله عنه وقالوا له : يا أبا طالب سلم إلينا محمدا فإنه قد أفسد أدياننا وسب آلهتنا ، وهذه أبناؤنا بين يديك تبن بأيهم شئت ، ثم دعوا بعمارة بن الوليد وكان مستحسنا فقال لهم : هل رأيتم ناقة حنت إلى غير فصيلها ، لا كان ذلك أبدا ، ثم نهض عنهم فدخل على النبي " ص " فرآه كئيبا وقد علم بمقالة قريش ، فقال رضي الله عنه : يا محمد لا تحزن ثم قال :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وأبشر وقر بذاك منك عيونا

__________________

(١) نقل بعضه الشهرستاني في الملل والنحل : ٢ / ٢٤٠.

(٢) الأنعام : ٢٦.

ودعوتني وذكرت أنك ناصحي

ولقد نصحت وكنت قبل أمينا

وذكرت دينا قد علمت بأنه

من خير أديان البرية دينا

وروى الثعلبي أنه قد اتفق على صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب مقاتل وعبد الله بن عباس والقسم بن محيصرة وعطاء بن دينار (١).

٣٨٨ ـ ومن ذلك ما رواه بإسناده في كتاب اسمه " نهاية الطلب وغاية السؤل في مناقب آل الرسول " رجل من فقهائهم وعلمائهم حنبلي المذهب اسمه : إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري يرفعه إلى الحسن بن علي بن أبي عبد الله الأزدي الفقيه ، قال : حدثنا محمد بن صالح قال : حدثني أبي عن عبد الكريم الجزري ، وقال الحسن بن علي المذكور : وحدثنا أيضا عبد الله بن عمر البرقي عن عبد الكريم الجزري عن طاووس عن ابن عباس والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة يقول فيه ـ أن النبي قال للعباس إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك؟ فقال له العباس : يا بن أخي تعلم أن قريشا أشد حسدا لولد أبيك ، وإن كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء والداهية العظماء ورمينا عن فوس واحدة وانتسفونا نسفا صلتا ، ولكن اقترب بنا إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك ، فإن لا ينصرك لا يخذلك ولا يسلمك.

فأتياه فلما رآهما أبو طالب قال : إن لكما لظنة وخبرا ، ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فعرفه العباس ما قال له النبي " ص " وما أجابه به العباس ، فنظر إليه أبو طالب رضي الله عنه وقال له : أخرج يا بن أخي فإنك المنيع كعبا والمنيع حزبا والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد واجتذبته سيوف حداد ، والله لتذللن لك العرب ذل البهم لحاضنها ، ولقد كان أبي يقرأ الكتاب

__________________

(١) رواه الأميني عنه وعن غيره في الغدير : ٧ / ٣٣٤ ، والبحار : ٣٥ / ١٤٦.

جميعا ، ولقد قال : إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به ، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.

ثم ذكر صفة إظهار نبيهم للرسالة عقيب كلام أبي طالب له وصورة شهادته وقد صلى وحده وجاءت خديجة فصلت معه ، ثم جاء علي فصلى معه (١).

وزاد الزمخشري في كتاب الاكتاب بيتا آخر رواه عن أبي طالب :

وعرضت دينا لا محالة أنه

من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذاري سبة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا (٢)

٣٨٩ ـ ومن ذلك ما ذكره الحنبلي صاحب الكتاب المذكور بإسناده إلى محمد بن إسحاق عن عبد الله بن مغيرة بن معقب قال : فقد أبو طالب رضي الله عنه رسول الله "ص" فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله ، فبعث إلى بني هاشم فقال : يا بني هاشم أظن بعض قريش اغتال محمدا فقتله ، فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة وليجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش ، فإذا قلت : أبغى محمدا فليقتل كل واحد منكم الرجل الذي إلى جانبه.

وبلغ رسول الله "ص" جمع أبي طالب وهو في بيت عند الصفا ، فأتى أبا طالب وهو في المسجد ، فلما رآه أبو طالب أخذ بيده ثم قال : يا معشر قريش فقدت محمدا فظننت أن بعضكم اغتاله ، فأمرت كل فتى من بني هاشم أن يأخذ حديدة ويجلس كل واحد منهم إلى عظيم منكم فإذا قلت : أبغى محمدا قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلى جنبه فاكشفوا لي عما في أيديكم يا بني هاشم فكشف بنو هاشم عما في أيديهم فنظرت قريش إلى ذلك ، فعندها هابت قريش رسول الله " ص " ثم أنشا أبو طالب يقول :

__________________

(١) رواه الأميني عنه في الغدير : ٧ / ٣٤٨ ، والبحار : ٣٥ / ١٤٧.

(٢) راجع الغدير : ٧ / ٣٣٤ ، والبحار : ٣٥ / ١٤٨.

أَلَا أَبْلِغْ قُرَيْشاً حَيْثُ حَلَّتْ

وَكُلُّ سَرَائِرٍ مِنْهَا غُرُورٌ

فَإِنِّي وَالضَّوَابِحِ غَادِيَاتٍ

وَمَا تَتْلُو السَّفَافِرَةُ الشُّهُورُ

لآِلِ مُحَمَّدٍ رَاعٍ حَفِيظٌ

وَوَدَّ الصَّدْرُ مِنِّي وَالضَّمِيرُ

فَلَسْتُ بِقَاطِعٍ رَحِمِي وَوُلْدِي

وَلَوْ جَرَّتْ مَظَالِمَهَا الْجَزُورُ

أَيَأْمُرُ جَمْعُهُمْ أَبْنَاءَ فِهْرٍ

بِقَتْلِ مُحَمَّدٍ وَالْأَمْرُ زُورٌ

فَلَا وَأَبِيكَ لَا ظَفِرَتْ قُرَيْشٌ

وَلَا لَقِيَتْ رَشَاداً إِذْ تُشِيرُ

بنِيَّ أَخِي وَنُوطَ الْقَلْبُ مِنِّي

وَأَبْيَضُ مَائِهِ غَدَقٌ كَثِيرٌ

وَيَشْرَبُ بَعْدَهُ الْوِلْدَانُ رَيّاً

وَأَحْمَدُ قَدْ تَضَمَّنَهُ الْقُبُورُ

أَيَا ابْنَ الْأَنْفِ أَنْفِ بَنِي قُصَيٍ

كَأَنَّ جَبِينَكَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ (١)

٣٩٠ ـ ومن ذلك ما رواه الحنبلي صاحب كتاب نهاية الطلب وغاية السؤال بإسناده قال : سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول : حدثني محمد ابن أخي ـ وكان والله صدوقا ـ قال : قلت له : بم بعثت يا محمد؟ قال : بصلة الأرحام وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة (٢).

٣٩١ ـ ومن ذلك ما رواه صاحب كتاب نهاية الطلب وغاية السؤل بإسناده إلى عروة بن عمر الثقفي قال : سمعت أبا طالب رضي الله عنه قال : سمعت ابن أخي الأمين يقول : اشكر ترزق ، ولا تكفر فتعذب (٣).

٣٩٢ ـ ومن ذلك ما رواه صاحب الكتاب المزبور بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أبا طالب مرض فعاده النبي " ص ".

__________________

(١) رواه الأميني عنه في الغدير : ٧ / ٣٤٩ ، والبحار : ٣٥ / ١٤٩.

(٢) راجع البحار : ٣٥ / ١٥١.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

٣٩٣ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا الحنبلي في الكتاب المشار إليه بإسناده إلى عطاء بن أبي رياح عن ابن عباس قال : عارض النبي " ص " جنازة أبي طالب قال : وصلتك رحم وجزاك الله يا عم خيرا (١).

٣٩٤ ـ ومن ذلك ما رواه بإسناده إلى ثابت البناني عن إسحاق بن عبد الله ابن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت : يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب؟ قال : كل خير أرجوه من ربي (٢).

٣٩٥ ـ ومن ذلك ما رواه أيضا صاحب الكتاب المذكور بإسناده إلى عائشة تذكر صفة سقيا نبيهم للأعرابي وزوال الغيث فقال فيه : وقال رسول الله " ص " : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانسحب السحاب عن المدينة كالإكليل فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه ، ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه ، من ينشدنا قوله؟ فقام علي عليه السلام فقال : يا رسول الله لعلك أردت :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

وأنشد الأبيات إلى آخرها (٣).

٣٩٦ ـ ومن ذلك ما ذكره أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل قال : أول صلاة صلاها رسول الله " ص " جماعة قال : مر أبو طالب ومعه جعفر ، على نبي الله وهو يصلي وعلي على يمينه ، فقال لجعفر : صل لجناح ابن عمك ، فتأخر علي وقام معه جعفر وتقدمهما رسول الله " ص " فأنشأ أبو طالب شعرا يقول :

إن عليا وجعفرا ثقتي

عند اخترام الزمان والكرب

__________________

(١) راجع البحار : ٣٥ / ١٥١.

(٢) نفس المصدر.

(٣) راجع نهاية ابن الأثير : ١ / ٤٦٤.

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخذل النبي ولا

يخذله من بني ذو حسب (١)

ومن عجيب ما بلغت إليه العصبية على أبي طالب من أعداء أهل البيت عليهم السلام أنهم زعموا أن المراد بقوله تعالى لنبيه "ص" "إنك لا تهدي من أحببت" (٢) أنها في أبي طالب رضي الله عنه.

وقد ذكر أبو المجد بن رشادة الواعظ الواسطي في مصنفه كتاب أسباب نزول القرآن ما هذا لفظه : قال : قال الحسن بن مفضل في قوله عز وجل " إنك لا تهدي من أحببت " كيف يقال إنها نزلت في أبي طالب رضي الله عنه وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن بالمدينة وأبو طالب مات في عنفوان الإسلام والنبي " ص " بمكة وإنما هذه الآية نزلت في الحارث بن نعمان بن عبد مناف وكان النبي يحب إسلامه ، فقال يوما للنبي : إنا نعلم أنك على الحق وأن الذي جئت به حق ولكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تتخطفنا من أرضنا لكثرتهم وقلتنا ولا طاقة لنا بهم ، فنزلت الآية ، وكان النبي يؤثر إسلامه لميله إليه.

(قال عبد المحمود) : فكيف استجاز أحد من المسلمين العارفين مع هذه الروايات ومضمون الأبيات أن ينكروا إيمان أبي طالب ، وقد تقدمت روايتهم لوصية أبي طالب أيضا لولده علي عليه السلام بملازمة محمد " ص " وقوله : إنه لا يدعو إلا إلى خير ، وقول نبيهم جزاك الله خيرا ، وقوله " ص " : لو كان حيا قرت عيناه. ولو لم يعلم نبيهم أن أبا طالب مات مؤمنا ما دعا له ، ولا كان يقر نبيهم عينه ولو لم يكن إلا شهادة عترة نبيهم له بالإيمان لوجب تصديقهم لما شهد نبيهم إنهم لا يفارقون كتاب الله ، ولا ريب أن العترة أعرف بباطن أبي طالب

__________________

(١) راجع الغدير : ٧ / ٣٥٦ ، والبحار : ٣٥ / ٦٨.

(٢) القصص : ٥٦.

من الأجانب ، وشيعة أهل البيت عليهم السلام مجمعون على ذلك ولهم فيه مصنفات ، وما رأينا ولا سمعنا أن مسلما أحوجوا فيه إلى مثل ما أحوجوا في إيمان أبي طالب ، والذي نعرفه منهم أنهم يثبتون إيمان الكافر بأدنى سبب وبأدنى خبر واحد وبالتلويح ، فقد بلغت عداوتهم لبني هاشم إلى إنكار إيمان أبي طالب مع ثبوت ذلك عليه بالحجج الثواقب ، إن هذا من جملة العجائب.

ومن طريف ما رووه في عناية أبي طالب نبيهم محمدا وإحسانه وثنائه عليه.

٣٩٧ ـ ما ذكره الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب قال : لما زوج أبو طالب النبي " ص " بخديجة خطب فقال : الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل وجعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوبا ، وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي ممن لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به برا وفضلا وكرما وعقلا ونبلا ، وإن كان في المال قلة فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة ، وله في خديجة بنت خويلد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، وما أحببتم من الصداق فهو علي (١).

تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المناقب : ٣٣٣.

بسم الرحمن الرحيم

بيان أقوال الطائفة المجبرة وردها

(قال عبد المحمود) : لما اعتبرت مقالة الفرقة الشيعة رأيت عقائدهم وقواعدهم موافقة للعقول المرضية والشرائع السالفة الإلهية ، وشرعت أنظر في ظواهر عقائد المذاهب الأربعة ، فرأيتها كما قالت الشيعة على صفات عجيبة ، أما أصحاب مالك وأصحاب الشافعي وأصحاب أحمد بن حنبل ومن وافقهم على اعتقاد المجبرة ، فإنهم اتفقوا جميعا على أن جميع ما في العالم من حركات

وسكنات ومكروهات ومحبوبات ومستحسنات ومستقبحات فإنها من فعل الله في العباد ، وقوم منهم ذكروا أن الله سبحانه قهرهم ومنعهم من الاختيار في كل مكروه أو مراد ، ويلحق بهؤلاء من كان منهم يقول : إن الله يخلق الأعمال والعبد يكتسبها منه الكسب عندهم لا يوجبها ولا يوجدها وإنما يوجبها ويوجدها على قولهم الله تعالى وهي صادرة عنه.

ويقال لهم : هل يقدر العبد على ترك الكسب؟ فإن قالوا : نعم فقد قالوا بالاختيار وحصل الوفاق ، وإن قالوا : لا يقدر على ترك الكسب ، فقد ساووا المجبرة في تصريحهم بأن العباد مجبورون ومقهورون.

ثم يقال لمن قال منهم إن العباد مجبرون : ما معنى قولكم إنهم مجبرون؟ فإن العقلاء ما يعرفون حقيقة الجبر للعبد إلا إذا كان العبد مختارا فجبره غيره ومنعه من اختياره ، وأنتم تزعمون أن العبد ما كان مختارا قط ولا كان له فعل على الحقيقة ، فما معنى قولكم إن العباد مجبرون؟ أفلا يتفكرون فيما يقولون؟ فما نراه إلا خلاف اصطلاح العقلاء وضد تحقيق الفضلاء.

وزاد عليهم من كان يذهب من اتباع أحمد بن حنبل إلى أن الله جسم مستقر على عرشه بجوارح بشرية ، وقال قوم منهم : إن الله تعالى ينزل إلى الأرض في صورة شاب ، ورووا في ذلك أخبارا يكذبها العقول الصحيحة.

فأما ذهبوا إلى أن الله جبر العباد وقهرهم على معصيته ومنعهم عن طاعته! وإن كلما ظهر أو وقع منهم فإنه منه وإنه لا فاعل سواه ، فما أدري كيف التبس عليهم أنهم فاعلون بالاختيار؟ وكل عاقل يعلم من نفسه بل من غيره أيضا ضرورة بديهية إنه فاعل بالإيثار ، وإذا جهل الإنسان هذا من نفسه وهو أوضح من جميع البديهيات فكيف يبقى له طريق إلى شئ من العلوم والدلالات. ويدل على أن الجاحدين لما قلناه مكابرون إن الإنسان إذا رماه إنسان بحجر

فإنه يذم الرامي متى علم منه القصد لاذاه ويذمه من علم ذلك منه من العقلاء ، ولو كان يعلم أحد العقلاء أو يجوز إن الله قد أكره الرامي على الرمي كما أن الحجر مكره على الرمي لكان الحجر والرامي سواء ، والمعلوم عند جميع العقلاء خلاف ذلك ، ويغلب الظن أن إبليس ما كان يطمع أن يبلغ هذه الغاية من إضلالهم والتلبيس عليهم ، ولا أعلم من أي طريق دخل عليهم ولأي ذنب أعمى أبصارهم وأفسد عقولهم حتى قالوا هذا واحتملوا ما لا يرضى أحد بقوله ويستبعد ممن يعتقد ذلك أو يلزم به قولا أن ينفعه دلالة أو هداية ، وإذا كان عقول هؤلاء قد بلغت من النقصان أو المرض إلى أنهم يعرفون من أنفسهم إن أفعالهم منهم أو يستحسنون المكابرة والجحود لذلك مع العلم به.

فبأي سبيل يفهمون أو يقبلون ما يقال لهم ، أو بأي دين يرجعون إلى الحق إذا ورد عليهم شبهة.

ومما يستدل به على اختلاف عقولهم أو مكابرتهم للحق ، أنه لو كان الأمر كما ذكروه من أنه لا فاعل في العالم سوى الله كان يلزمهم أن يكون الله قد أرسل الرسل إلى نفسه وأنزل الكتب على نفسه وكان كل وعد ووعيد وتهديد صدر على لسان الملائكة والأنبياء والرسل والأوصياء وفي كتبه فإنه يكون على قول المجبرة قد وعد بذلك نفسه وتوعد لنفسه وتهدد نفسه ، وهذا قول ما صرح به أحد من العقلاء وذوي الألباب.

وهذا الالزام يلزم المجبرة أكثر من سائر الالزامات لأنه إذا ما كان في العالم فاعل سوى الله تعالى ، فإلى من أرسل الرسل ، وعلى من أنزل الكتب ، ولمن تهدد ولمن وعد وتوعد ، ولمن يأمر وينهى ، فقد بان لك أن كل من قال بقول المجبرة واعتقده على غاية من الضلال واختلال الأحوال.

ثم إذا كان عندهم يجوز يضل العباد ويجبرهم على الفساد ويلبس عليهم

بالمحال ويصدق بالمعجزات الكذابين ويظهر الدلالات الباهرات على يد المبطلين فكيف يبقى لهم طريق إلى إثبات نبوة نبيهم وغيره من الأنبياء؟ ومن أين يعرفون صحة شريعته؟

(ولو أن العبد ليس له فعل فما معنى قوله تعالى " لم تكفرون بآيات الله " (١) " كيف تكفرون بالله " (٢) " لم تصدون عن سبيل الله " (٣) " لم تلبسون الحق بالباطل" (٤).

وعلى هذا فكفر الكافر موافق لرضا الله ومبرز لفعله ، والرضا بقضاء الله وقدره واجب ، ويلزم تعطيل الحدود والقصاص ، وإن المعاصي لا نهى عنها لا الزنا ولا اللواط ولا الشرب ولا القذف ولا السرقة ولا سفك الدماء ولا الطنبور والنرد وغيرها وكلها برضا الله وقدره.

وحكي أن سارقا من المجبرة أرادوا قطع يده فقال : أعوذ بالله من قضائه ، فقال العدلي : أخرجوه فإن قوله هذا أقبح من سرقته.

وكان ينبغي أن لا ينهى عن المنكر على مذهب الجبري ، وكان قول إبليس " رب بما أغويتني " صحيحا على مذهب الجبري).

ولقد رأيت بعضهم يعتذر عن هذا الطعن ويدعي أنهم يعلمون بالضرورة والبديهة أن معجزات نبيهم كانت حقا لتصديقه ، فقلت له : أيها الشيخ هذا من جملة البهت والمكابرة التي أقدمتم عليها ، وقلتم إنكم ما تعلمون أن أفعالكم منكم وإلا إذا كان الله تعالى يجوز أن يضل ويلبس ، بل تذكرون عنه إنه قد أضل ولبس ومنع من الإسلام والطاعات وقهر العباد على الضلال والمعاصي ،

__________________

(١) آل عمران : ٧٠ و ٩٨.

(٢) البقرة : ٢٨.

(٣) آل عمران : ٩٩.

(٤) البقرة : ٤٢ وآل عمران : ٧١.

فكيف يصح على قولكم أن يوثق منه إنه فعل المعجزات للتصديق؟ أو كيف يبقى لأحد منكم طريق إلى أن الله تعالى فعل شيئا من أفعاله سبحانه لغرض من الأغراض ، فما أقبح هذه المكابرة منكم.

ثم ولو قدرنا أنه يترجح في نفوسكم إن المعجزات للتصديق فمن أين لكم إن ذلك الترجح علم ضروري؟

أليس في مقدور الله تعالى أن يكون قد ركب في طبائعكم وعقولكم على ما قد وصفتموه به من الاضلال للعباد والتلبيس عليهم؟ وإذا كان عندكم أن التلبيس يقع منه فلا تأمنوا أن يجعل اعتقادكم الباطل كأنه علم ويكون قد أضلكم بذلك ، أولستم تجدون النائم يرى في منامه كان جسده في بلاد بعيدة وكأنه في مهمات ومسار وأكدار ويكون في حال نومه معتقدا لذلك حتى كأنه عالم علما ضروريا ، ثم لما استيقظ عرف أن ذلك ما كان علما ضروريا ولا ظنا صحيحا ولا ممكنا ، فلعلكم في الحياة نيام وكلما تعتقدونه يكون محالا وتلبيسا أو أضلكم الله به كما ذكرتم عنه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وهذا ما يلزم إلا من قال بقولكم واعتقد اعتقادكم ، وأما غيركم من المسلمين الذين يعتقدون أن الله على أكمل غاية من العدل والحكمة فإنهم يعلمون أن عدله وحكمته يقتضي عدم التلبيس على عباده ويمنعه سبحانه أن يظلمهم.

وأما أنتم أيها المجبرة وكل من وصف الله تعالى بذلك واعتقد فيه أنه يضل العباد ويلبس عليهم وعلم أنه سبحانه قادر على كل مقدور فإنه يلزم لهذا القائل المجبر ألا يثق بشئ من عقائده ولا أحواله وظنونه ولا شكوكه ، فقد ظهر لكل عاقل أن المجبرة لا طريق لهم إلى شئ من العلوم البديهية ولا المكتسبة ولا إلى معرفة الثواب ولا الشرائع ما داموا على اعتقادهم ، وأنهم إما ناقصوا

العقول أو مكابرون وأنهم لا دين لهم وإن الذي يظهرونه من الأديان إما تقية أو على غير قاعدة مرضية.

قال الخوارزمي : ـ وهو من أعيان علماء الإسلام ـ في كتابه الفائق : فأما المجبرة فإن شيوخنا كفروهم ، وإن قاضي القضاة حكى عن الشيخ أبي علي أنه قال : المجبر كافر ، ومن شك في كفرهم فهو كافر. ثم شرح تصديق القول وتحقيقه.

ومن طرائف ما تعتقده المجبرة إنهم يعتقدون إنه يجوز من الله في عقولهم مع عدله وحكمته أن يجمع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وعباده الصالحين فيخلدهم في الجحيم والعذاب الأليم أبد الأبدين ، ويجمع الكفار والملحدين والزنادقة والمنافقين والأباليس والشياطين ويخلدهم في الجنة والنعيم أبد الأبدين ، وزعموا أن ذلك يكون إنصافا منه وعدلا وركبوا في ذلك مكابرة وجهلا ، ولعل قد كان للمجبرة سلف في عقولهم نقص أوجب مثل هذا الاعتقاد وجاء الخلف مقلدا للسلف ومحبا للمنشأ وسنة الآباء ، فإن كان ذلك كذلك فأي عذر للمتأخرين من الأحباء والأبناء في اتباع السلف والآباء على الضلال في أمر لا يخفى على أدنى العقلاء.

وإن كانت المجبرة قصدت بقولها إن أفعالهم من فعل الله تعالى فيهم وأنهم بريئون منها بحيث لا يلومهم العقلاء على يقع منهم من القبائح والفضائح والظلم والعدوان وحتى يعذرهم الأنبياء في ترك القبول منهم ، فقد كان للمجبرة في غير الله متسع أن يعبدوا كل من أرادوه ، ما أحسن ما يقرؤنه في كتابهم " ما قدروا الله حق قدره " (١) ولا كان هذا قدر جلالته وعظمته ولا جزاء لإحسانه ونعمته.

__________________

(١) الأنعام : ٩١.

ومن طرائف ما رأيت في كتبهم وسمعته عنهم إن المجبرة قالوا : متى اعتقدوا إن أفعالهم منهم صار العباد شركاء الله تعالى فاقتضى التعظيم لله أن يكون الأفعال كلها من بني آدم وغيرهم من الله.

فأقول : أيها القوم سود الله وجوهكم كما سودتم وجه ما وهبكم الله من البصائر أي شركة يكون لعبد لم يكن شيئا مذكورا فأوجده الله بعد العدم ، وأي تعظيم لله في أن ينتسب خسائس العبيد ورذائلهم إليه ، ومتى كانت العقول تشهد أن الملك يتكمل بأن يكون همته كهمة عبده وتدبيره مثل تدبير عبده ، وأي نسبة بين جلالة الله وحقارة عبده حتى يتكمل سبحانه بنسبة أفعالهم القاصرة وتدبيراتهم الناقصة إليه.

ومن عجيب ما يفهمونه ويتفوهون به أن يقال لهم : عرفونا مرادكم بقولكم إن العبد يصير شريكا لله ، فإن أردتم ما ادعيتموه من الكسب فأنتم قد أثبتم الشركة على قولكم بين العبد وبين الله عند من ذهب منكم إلى ذلك ، فلأي حال عدلتم عن الانكار على أنفسكم وعدتم إلى قول من يقول أن العبد مستقل بالفعل ولم يجعل الفعل مشتركا بينه وبين الله تعالى ، وأما من ذهب منكم إلى أنه لا فاعل سوى الله تعالى فقد تقدم وسيأتي من الجواب له ما لا يقدر على دفعه بحجة أبدا.

وإن قصدتم بالرد على أهل العدل التمويه منكم بأنه إذا انفرد الله تعالى بأفعال نفسه وانفرد العباد بأفعالهم إن ذلك يكون شركة ، فما عرفنا أن العقل يقتضي أن مع الانفراد في الأحوال والأعمال يكون شركة في تلك الأفعال في حال انفراد كل فاعل بفعله ، ولولا سوء توفيقكم وفساد طريقكم ما كان هذا مما ينسبه عاقل إلى نفسه.

وإن كان مرادكم بطريق إن العبد يقع منه فعل الرب ، فلو فكرتم عرفتم أن

هذا لا يقع أبدا ، وكيف يكون فعل فاعل لذاته وهو الله سبحانه كفعل فاعل لغيره وهر العبد؟ ولو قدرنا وهو تقدير لا يقع أن العبد يقع منه فعل مثل فعل الله تعالى ما اقتضى كونه يفعل مثل فعل الله أن يكون شريكا لله تعالى ، فإن العقلاء المتفرقين والمنفردين والمتقاطعين نجد في أفعالهم مثل أفعال من فارقوه وقاطعوه وما اقتضى التماثل في الأفعال الشركة بينهم بحال من الأحوال ، عافاكم الله من هذا الاختلال.

ومن طرائف ما رأيت للمجبرة أنهم يذكرون أنه متى اعتقدوا إن العباد يقدرون أن يفعلوا شيئا باختيار هم كان ذلك دليلا على عجز الله حيث يقع منهم ما لا يريد المعاصي ، فأقول :

ما أحوجكم إلى طبيب يداوي ما أمرضتموه من عقولكم ، وإلى متى لا ينجلي هذه الظلمة عن بصائركم ، أي عجز يلحق بالمالك إذا كان عبده مختارا سواء فعل العبد ما يكره المولى أو ما يحب ، ومن المعلوم أنه لو أراد المولى قهر عبده قهره أو موته أماته فأي عجز هاهنا للمولى وأي مقاهرة أو مغالبة للعبد.

ومما يدل على غلطهم في ذلك أيضا إن كل عاقل يعلم أن سلطان الإسلام يؤثر أن يكون اليهودي الوحيد الضعيف مظهرا للإسلام ومع هذا فإن اليهودي على خلاف ما يريد السلطان ، ولا يدل ذلك على عجز سلطان الإسلام عن قهر اليهودي عن إظهار الإسلام ولا يعتقد عاقل أن السلطان عاجز لأجل بقاء ذلك اليهودي على إظهار كفره.

ومما يدل على غلطهم أيضا إن كل عاقل يعلم أن السلطان إذا أقطع مملوكا له أقطاعا وقال له : قد مكنتك في هذه الاقطاع والرعية مدة معلومة عندي فإن أحسنت إليهم جازيتك بالإحسان وإن أسأت إليهم عاقبتك ، فمضى المملوك إلى أقطاعه فظلم الرعية وسار فيهم بخلاف ما يريد السلطان أفيكون ذلك

دليلا على عجز السلطان عن عزل المملوك ومؤاخذته.

أو يشك عاقل أن صبر السلطان على ذلك حتى يأتي وقت المدة التي عينها للمجازاة على الاحسان أو المؤاخذة على العصيان مما يدل على قوة قدرة السلطان واتساع الامكان حيث أنه يقدر على تعجيل المؤاخذة والنقمة ويصبر مع القدرة ، فكيف جعلوا ما يدل على القوة وسعة القدرة دليلا لهم على العجز؟ أعاذنا الله وكل عاقل من مثل جهلهم السخيف النازل.

ومن طرائف أمر المجبرة أنهم يدعون الاعتراف بصدق نبيهم وثبوت كتابهم ، وقد اعتبرت القرآن فما رأيت إلا متضمنا لاعتذار الكفار والظالمين إلى الله يوم القيامة بأنهم أضلهم غير الله ، وما وجدت أحدا منهم اعتذر إلى الله تعالى وقال له : يا رب أنت قضيت علينا معصيتك وأنت منعتنا عن طاعتك ، فإنه في يوم القيامة ينكشف الأمور كشفا واضحا لا يبقى فيها شبهة ، وما نراهم إلا أنهم تارة أقروا أن المعاصي منهم فقالوا : " ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل " (١) وما قالوا : ربنا فارجعنا تعمل غير الذي كنت تعمل ، وقالوا وهم في النار " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " (٢) وما قالوا فإن عدت وقال بعضهم " رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت " (٣) وما قال لعلك تعمل صالحا فيما تركت أنت ، وقال " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين " (٤) وما قال ما فرطت في جنبي وإذا كان العباد ما فعلوا شيئا.

__________________

(١) الفاطر : ٣٧.

(٢) المؤمنون : ١٠٧.

(٣) المؤمنون : ١٠٠.

(٤) الزمر : ٥٦.

فممن هذا التحسر والتفريط والتقصير وعلى ماذا يندم النادمون ويبكي الباكون ، ومثل هذا في كتابهم كثير ، ومن العجب أن الشيطان يعترف لهم أنه أضلهم وغرهم ويشهد الله لهم عليه بذلك وينزهون الشيطان من اعترافه ولا يقبلون شهادة الله تعالى عليه.

أما اعتراف الشيطان فهو في مواضع كثيرة منها قوله " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " (١) وأما شهادة الله لهم عليه بذلك فهو في مواضع منها قوله تعالى " الشيطان سول وأملى لهم " (٢) فردوا على الله شهادته ونزهوا الشيطان عن اعترافه بضلالهم وغرورهم وقالوا : ما أضلهم إلا الله.

ومن طرائف أعذارهم يوم القيامة بما يدل على تنزيه الله من أفعال عباده قولهم " ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " (٣) فلو كان هؤلاء قد وجدوا يوم القيامة إن الذين أضلهم في الدنيا هو الله وحده ما كانوا اعترفوا به على أنفسهم ولا ادعوه على ساداتهم وكبرائهم ، ثم لو كانوا قد علموا أن الله تعالى هو المضل لهم فعلى من يدعون ومن يلعنون.

ومن طرائف أعذارهم الدالة تنزيه الله تعالى قولهم " ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " (٤) فإن

__________________

(١) إبراهيم : ٢٢.

(٢) محمد : ٢٥.

(٣) الأحزاب : ٦٧ و ٦٨.

(٤) فصلت : ٢٩.

كانوا قد علموا أن الله أضلهم فمن يجعلون تحت أقدامهم ، وعلى من هذا التظلم وممن هذا التألم.

ومن طرائف أعذارهم الدالة أيضا على تنزيه الله سبحانه عن أفعال عبيده قولهم " وما أضلنا إلا المجرمون " (١) فإذا كانت هذه أعذارهم وأقوالهم يوم يكشف الأسرار وتحقق الأخبار فهلا اعتذرت المجبرة في الدنيا بذلك وقالوا الآن من الأعذار ما يريدون أن يقولوه يوم القيامة ، ولو كانت أعمالهم من الله جل جلاله كانوا قد اعتذروا إليه سبحانه تعالى بذلك أو كان يعتذر به بعضهم ويقولون يا ربنا أنت منعتنا من الإيمان وخلقت فينا الظلم والعدوان ، فأي ذنب لنا ، فإن كتابكم يشهد أن بعض الخلائق يكابرون الله ويجحدونه حتى يقولوا " والله ربنا ما كنا مشركين " فقال " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " (٢) وقال في كتابهم " يحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ " (٣) فمن أقدم على هذه المكابرة لله بالكذب؟ لو كان يعلم أن الله تعالى فعل ذلك ، ما كان يحتاج إلى هذه المكابرة ، وكان يقدر أن يقول له يا رب أنت فعلت ونحن ما فعلنا شيئا.

ومن طرائف ذلك قوله تعالى " أنظر كيف كذبوا على أنفسهم " يدل على تعجبه منهم كيف أنكروا أنهم أشركوا ، فلو كان هو الذي فعل فيهم الشرك وقضاه عليهم فممن كان يتعجب ، وإن كان هو الذي قهرهم يوم القيامة على هذا الجحود والإنكار فهل كان يقع من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين أنه يتعجب منهم؟ وهو الذي فعله؟ وهل يكون التعجب على قولهم إلا من نفسه

__________________

(١) الشعراء : ٩٩

(٢) الأنعام : ٢٣ و ٢٤.

(٣) المجادلة : ١٨.

تعالى الله عما سلكته المجبرة من سوء المسالك وعظيم المهالك.

ومن طرائف ما يدل على بطلان قول المجبرة ما تضمنه كتابهم في قوله " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما " ) فإن كان هو الذي قتل المؤمن وقضاه وقهر عليه فعلى من يغضب ولمن يتهدد ويلعن ، وكذا قوله " فلما آسفونا انتقمنا منهم " (٢) يعني أغضبونا ، فلو كان هو الذي فعل أفعالهم لكان هو الذي أغضب نفسه وإلا فمن أغضبه وآسفه ، فما أقبح قول المجبرة وما أسخفه.

(قال عبد المحمود) : والله أيها المجبرة إني أستقبح لكم أن تجحدوا حقوق الله عليكم وإحسانه إليكم وتتركوا ما يلزمكم من التعظيم لإلهيته وما يجب من العبودية في خدمته ، وتنزهون أنفسكم والشيطان وساداتكم وكبراءكم ومن أضلكم من الجن والإنس والمجرمين وتبرئونهم من الكفر والمعاصي والرذائل وتنسبوها إلى الله جل جلاله ، لا تفعلوا واستحيوا من ربكم وتأدبوا معه وتوبوا إليه من هذا الاعتقاد قبل يوم المعاد فإنه يقبل التوبة عن عباده ويحب

التوابين ، فإنكم على خطر عظيم في الدنيا والدين.

وقد شمت بكم أهل الذمة وسائر من عرف حالكم من أهل الملل الشاهدة لله بالعدل وصرتم مضحكة لهم وزهدتم أعدائكم في الإسلام ، وصاروا يعتذرون إليكم بما ذكرتموه عن الله من كونه يضل عباده ويقولون لكم ما يخلينا ربكم نتبع ما تريدون ونقبل ما تشيرون ، وإذا خلا أهل الذمة وجماعة من أهل العدل في مجالسهم فكثيرا بكم يستهزؤن وعليكم يضحكون. ولله در ابن الحجاج حيث يقول :

__________________

(١) النساء : ٩٣.

(٢) الزخرف : ٥٥.

المجبرون يجادلون بباطل

وخلاف ما يجدونه في القرآن

كل مقالتها الإله أضلني

وأرادني ما كان عنه نهاني

أيقول ربك للخلائق آمنوا

جهرا ويجبرهم على العصيان

إن صح ذا فتعوذوا من ربكم

وذروا تعوذكم من الشيطان

ومن طرائف ما تكثر المجبرة الاحتجاج به لأنفسها قوله تعالى " لا يسئل عما يفعل وهم يسألون " ) وما أرى لهم في ذلك عذرا ولا حجة لأنه لا يسأل عما يفعل وكذلك يقول أهل العدل لأنهم يقولون إن الأفعال التي يفعلها سبحانه فإنه لا يسأل عنها ، فمن أين ثبت أن أفعال العباد المنكرة التي يقع منهم عيانا ومشاهدة أنها في ى باطن الحال واقعة من الله؟ وأن عباده منزهون عنها؟ حتى يحتجون لكفرهم وظلمهم وقبائحهم بقوله لا يسئل عما يفعل ثم وإلى من أشار بقوله وهم يسألون وعند المجبرة لا فاعل سواه ، فمن هم الذين يسألون؟

وهذا الكلام المحكم يشهد تصريحا وتحقيقا أن ما يختص به من الأفعال لا يسأل عنها ، وما تختص به عباده من الأفعال فإنهم يسألون عن ذلك ، ولو كان هو فاعلا لأفعال عباده كأفعال نفسه لكانت متساوية في أنها لا يسأل عما يفعل عن جميعها ، وهذا واضح لمن كان له أدنى عقل وسلم من ظلمة الجهل.

ومن طرائف أخبار المجبرة الشائع بينهم الذي يعتمد كثير منهم عليه ، وقد رووه وسبروه وسطروه عن نبيهم ويشهد العقل والاعتبار أن نبيهم ما قاله ولا سمعه منه أحد ، ولأن كان قاله ليكون له تأويل غير ما يذكرونه ، وهو أنهم ذكروا أن الله قبض من ظهر آدم ذريته وقال : هؤلاء إلى النار ولا أبالي ، وقبض قبضة أخرى وقال : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي.

وقد ذكر الغزالي الحديث في كتاب إحياء علوم الدين في عدة مواضع ،

__________________

(١) الأنبياء : ٢٣.

فمنها في الكتاب المذكور في كتاب الرجاء والخوف في أواخر قول الغزالي بيان أقسام الخوف بالإضافة إلى ما يخاف منه ، فقال الغزالي في تشبيه عدم رحمة الله بعباده وقسوته عليهم وقلة مبالاته بهلاكهم ما هذا لفظه : إن السبع يخاف لا لجناية سبقت إليه منك بل لصفته وبطشته وسطوته وكبره وهيبته ، ولأنه يفعل ما يفعل ولا يبالي ، فإن قتلك لم يرق قلبه ولا يتألم بقتلك وإن خلاك لم يخلك شفقة عليك وإبقاء على روحك بل أنت عنده أخس من أن يلتفت إليك حيا كنت أو ميتا ، بل إهلاك ألف مثلك وإهلاك نملة عنده على وتيرة واحدة، إذ لا يقدح ذلك في عالم سبعيته وما هو موصوف به من قدرته وسطوته ، ولله المثل الأعلى ، ولكن من عرفه عرف بالمشاهدة الباطنة التي هي أقوى وأوثق وأجلى من المشاهدة الظاهرة أنه صادق في قوله : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي ، ويكفيك من موجبات الهيبة والخوف المعرفة بالاستغناء وعدم المبالاة (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى هذا الخبر الذي قد تلقاه هذا الشيخ الموصوف بالعقل والفضل بالقبول ، ثم ما كفاه ذلك حتى ادعى أنه يعلم ذلك بالباطن ، وما أدري كيف التبس بطلان الخبر عليه وعلى هؤلاء الأربعة المذاهب وكل العقلاء مجمعون مع اختلاف مللهم وعقائدهم إن الله تعالى أرحم الراحمين ، وشهد المسلمون أن الأنبياء يشهدون أن الله أرحم الراحمين ، فمن ذلك في كتابهم قول موسى عليه السلام " رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين " (٢).

ومن ذلك قول يوسف عليه السلام " اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " (٣)

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ٤ / ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٢) الأعراف : ١٥١.

(٣) يوسف : ٩٢.

ومن ذلك قول أيوب عليه السلام " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " (١).

فكيف صدق هؤلاء الأربعة المذاهب أن نبيهم يأتي بهذه الصفة العظيمة في الرحمة عن الله ويقول عن أرحم الراحمين إنه خلق خلقا لم يعصوه فيما مضى ولا يعصونه فيما يستقبل ولم يجعل لهم اختيارا في أنفسهم كما زعمت المجبرة بل كلما يقع منهم فإنه منه ، ثم يحملهم إلى النار ليعذبهم على غير الذنب أبد الأبدين ويقول هؤلاء إلى النار ولا أبالي ، أن لا يليق ذكره من رحيم فكيف من أرحم الراحمين.

ويدل على بطلان هذا الخبر ما رواه هؤلاء القوم في صحاحهم عن ثقات رجالهم.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الحادي والعشرين من أفراد مسلم في مسند عمر بن الخطاب قال : قدم على رسول الله " ص " بسبي ، فإذا امرأة من السبي تسعى ، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا رسول الله " ص " : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا : لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه ، فقال رسول الله : الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها (٢).

(قال عبد المحمود) : من يروي مثل هذا الخبر في وصف الله تعالى بهذه الرأفة والرحمة كيف يصدق قائلا ينقل هؤلاء إلى النار ولا أبالي على ما فسروه.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس عشر من المتفق عليه من مسند أبي هريرة من حديث عطاء بن أبي رياح عن أبي هريرة عن النبي " ص " قال : إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة

__________________

(١) الأنبياء : ٨٣.

(٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٠٩ كتاب التوبة.

بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة (١).

(قال عبد المحمود) : فهل ترى أيها العاقل هذه صفة من يقول هؤلاء إلى النار ولا أبالي.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس والعشرين بعد المائة من أفراد مسلم من مسند أبي هريرة قال : قال رسول الله " ص " إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا بن آدم مرضت فلم تعدني ، قال : يا رب كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين. قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني.

قال : يا رب وكيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين. قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال : يا رب كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما علمت أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي (٢).

(قال عبد المحمود) : أنظر أيها العاقل كيف بلغت رحمة الله بعباده إلى أن جعل ما يصل إلى مريضهم وجائعهم وعطشانهم كأنه واصل إليه ، أما هذا من كمال رحمته لهم وعنايته بهم وشفقته عليهم ، أفيليق أن يقال عن هذا الرب الرحيم أنه قال هؤلاء إلى النار ولا أبالي.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع الصحيحين في الحديث الحادي

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٠٨.

(٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٩٠ كتاب البر والصلة.

والثلاثين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله " ص " يقول: لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته ، فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه ، فأنام حتى أموت ، فوضع رأسه على ساعده ليموت ، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته عنده عليها زاده (١).

ورواه أيضا الحميدي من مسند براء بن عازب في الحديث السادس من أفراد مسلم(٢).

وروى الحميدي أيضا نحو ذلك من مسند النعمان بن بشير في الحديث الأول من أفراد مسلم (٣).

وروى الحميدي أيضا نحو ذلك في الحديث الثالث بعد المائة من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك (٤).

(قال عبد المحمود) : فمن تبلغ رحمته إلى هذه الغاية كيف يقال عنه أنه قال : هؤلاء إلى النار ولا أبالي ، ما أقبح مناقضة هؤلاء الأربعة المذاهب في أقوالهم وما أطرف استمرارهم على ضلالهم.

ومن طرائف ما وقفت عليه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عمر بن الخطاب في الحديث الرابع من أفراد مسلم المتضمن أن أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني ، وأن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميدي لقيا عبد الله بن عمر بن الخطاب فسألاه فصدق المعبد الجهني.

وفي أواخر الحديث عن ابن عمر قال : حدثني عمر بن الخطاب أن

__________________

(١ ـ ٤) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٠٣ الباب الأول من كتاب التوبة.

رسول الله " ص " قال : التقى آدم وموسى فقال موسى : أنت يا آدم الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه وأنزل عليك التوراة. قال : نعم. فقال : فوجدت قدره علي قبل أن يخلقني فحج آدم موسى.

ورواه الحميدي من عدة طرق لهذا الحديث من مسند أبي هريرة في الحديث الخامس والتسعين (١).

(قال عبد المحمود) : قد استطرفت رواية عمر لهذا الحديث عن نبيهم ، لأنه ينقض بعضه بعضا ، ويشهد حال نبيهم أنه ما قال ذلك ، وأهل بيت نبيهم الذين أمر بالتمسك بهم ينكرون تصديق هذا الحديث لأنه إذا كانت الأفعال والأقوال عند آدم وموسى كما يقوله المجبرة من الله وحده وليس لأحد من عباده فيها شئ ، وأن آدم وموسى ما فعلا شيئا ، فكيف أنكر موسى على آدم؟ وكيف تكلف آدم جواب موسى؟ وكيف يقول محمد " ص " نبيهم فحج آدم وموسى ويستحسن محمد " ص " ذلك.

هذا لا يصدقه عارف بمحمد " ص " أنه قاله أو تحدث به ، لأنه إذا كان لا فاعل سوى الله فكلام آدم وفعله من الله وكلام موسى وفعله من الله تعالى ، فأي معنى لقولهم من نبيهم فحج آدم موسى.

وإنما يكون على قولهم قد حج الله نفسه وغلب نفسه ، وإن كانت المجبرة تتجاهل إلى أن تقول إن الله قهر الثلاثة الأنبياء آدم وموسى ومحمد " ص " ا عليهم السلام على ترك الرضا بقضائه وقدره ، وقهر محمدا " ص " على أن يقول فحج آدم موسى ، وما يكون قد حجه فقد أقدموا على تكذيب نبيهم وادعوا أن الله قهره على أن يقول غير الحق ، وكفى المجبرة بذلك فضيحة في الدنيا

__________________

(١) راجع صحيح مسلم : ٤ / ٢٠٤٢ كتاب القدر.

والآخرة ، وكفانا شماتة بهم بمثل هذا فثبت أن الحديث ما قاله نبيهم وإنه كذب عليه وكتابهم يتضمن " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " (١) فالكاذب عليه كاذب على الله ، وكتابهم يتضمن " ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة " (٢) وكيف حسن من هؤلاء الأربعة المذاهب الذين يصححون هذا الخبر أن يقولوا عن خليفتهم عمر مثل ذلك.

حكايات من المجبرة واحتجاجات عليهم

ومن طريف محاسن حكايات جرت لبعض أهل العدل ما روي عن شيخ الإسلام بعد نبيهم وسيفه أمته وحافظ ناموسه علي بن أبي طالب عليه السلام فيما حكاه في القضاء والعدل عنه الخوارزمي في كتاب الفائق ، وهذا الخوارزمي من جملة علماء الأربعة المذاهب قال : عن أصبغ بن نباتة قال : قام إلى علي بن أبي طالب عليه السلام شيخ بعد انصرافه من صفين ، فقال : أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره؟ قال علي عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر.

فقال الشيخ : عند الله احتسب عناي ، ما أرى لي من الأجر شيئا. فقال له : مه! أيها الشيخ ، بل الله أعظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في حال من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين.

فقال الشيخ وكيف والقضاء والقدر ساقنا؟ فقال : ويحك ظننت قضاء

__________________

(١) النجم ٣.

(٢) الزمر : ٦٠.

لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي، ولم يأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسئ ولا المسئ أولى بالذم من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها ، إن الله تعالى أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسرا ، ولم يكلف عسرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

فقال الشيخ : وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما. قال : هو الأمر من الله تعالى والحكم ، ثم تلا قوله " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " (١) فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن رضوانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه إحسانا (٢)

ومن الحكايات المذكورة ما رواه كثير من المسلمين عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام من عترة نبيهم أنه قال يوما لبعض المجبرة : هل يكون أحد أقبل للعذر الصحيح من الله؟ فقال : لا. فقال له : فما تقول فيمن قال ما أقدر وهو لا يقدر ، أيكون معذورا أم لا؟ فقال المجبر : يكون معذورا. قال له : فإذا كان الله يعلم من عباده أنهم ما قدروا على طاعته وقال لسان حالهم أو مقالهم لله يوم القيامة : يا رب ما قدرنا على طاعتك لأنك منعتنا منها ، أما يكون قولهم وعذرهم صحيحا على قول المجبرة؟ قال : بلى والله. قال : فيجب

__________________

(١) الإسراء : ٢٣.

(٢) نقله الصدوق في عيون أخبار الرضا : ١ / ١٣٩ ، والبحار : ٥ / ٧٥ عن الشافي.

على قولك إن الله يقبل هذا العذر الصحيح ولا يؤاخذ أحدا أبدا ، وهذا خلاف قول أهل الملل كلهم فتاب المجبرة من قوله بالجبر في الحال (١).

ومن الحكايات المشار إليها ما روي في كتب المسلمين أن أبا حنيفة صاحب المذهب اجتاز على موسى بن جعفر المعروف بالكاظم عليه السلام وهو من علماء عترة نبيهم وكان يكتب ، فأراد أبو حنيفة امتحانه فقال له : المعصية ممن؟ فقال له موسى عليه السلام : اجلس حتى أخبرك ، فجلس أبو حنيفة بين يديه : فقال موسى بن جعفر عليهما السلام : لا بد أن يكون المعصية من العبد أو من ربه تعالى أو منهما جميعا ، فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده الضعيف ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت المعصية منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت المعصية من العبد وحده فعليه وقع الأمر وإليه توجه النهي وله حق الثواب والعقاب ووجبت له الجنة أو النار. فقال أبو حنيفة : ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. وقد نظم بعض شعراء أهل البيت ذلك فقال :

لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها

إحدى ثلاث خصال حين نأتيها

أما تفرد بارينا بصنعتها

فيسقط اللوم عنا حين نبديها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما سوف يلحقنا من لائم

أولم يكن لإلهي في جنايتها

ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها (٢)

ومن الحكايات المشهورة المشار إليها ما روي عن بعض أهل العدل أن رجلا من المجبرة سأله عن آية في كتابهم ظاهرها أن الله أضلهم ، فقال له العدلي : إن تفصيل الجواب يطول عليك وربما لا تفهمه ولا تحفظه ، ولكن عرفني

__________________

(١) راجع البحار : ٥ / ٥٨.

(٢) نقل نحوه الصدوق في عيون أخبار الرضا : ١ / ١٣٨.

ما تعتقد أنت وسائر المسلمين إن القرآن الذي نزل عليكم حجة لمحمد " ص " نبيكم على الكافرين والعاصين. فقال : بلى. فقال العدلي : فلو كان باطن الآيات التي يتعلق بها المجبرة مثل ظاهره وإن الله تعالى منع الكفار من الإيمان والإسلام ومنع العصاة من الطاعة ، فكان يكون القرآن حجة للكفار والعصاة على محمد " ص " نبيكم ، وكانوا يستغنون بهذه الآيات عن محاربته وقتل أنفسهم ، ويقولون إن ربك الذي جئت برسالته وكتابك الذي جئت به يشهدان أن الله قد منعنا من الإسلام والطاعة ، فلا تظلمنا وقل لربك يتركنا أن نقبل منك ونسلم لك ، فكان القرآن حجة الكفار على المسلمين وعليه فتقطع حجته وهذا خلاف مذهب الإسلام ، فأذعن العقل أن لهذه الآيات معنى يليق بالعدل ويناسب الرحمة والإنعام ، فانقطع المجبر.

ومن الحكايات المشار إليها ما رواه جماعة من العلماء أن الحجاج بن يوسف كتب إلى الحسن البصري وإلى عمر وبن عبيد وإلى واصل بن عطاء وإلى عامر الشعبي ، أن يذكروا ما عندهم وما وصل إليهم في القضاء والقدر ، فكتب إليه الحسن البصري : إن أحسن ما سمعت من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : يا بن آدم أتظن أن الذي نهاك دهاك ، وإنما دهاك أسفلك وأعلاك والله برئ من ذلك. وكتب إليه عمرو بن عبيد : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول علي بن أبي طالب عليه السلام : لو كان الوزر في الأصل محتوما كان الموزور في القصاص مظلوما. وكتب إليه واصل بن عطاء : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : أيدلك على الطريق ويأخذ عليك المضيق. وكتب إليه الشعبي : أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : كلما

استغفرت الله تعالى منه فهو منك وكل ما حمدت الله تعالى فهو منه ، فلما وصلت كتبهم إلى الحجاج ووقف عليها قال : لقد أخذوها من عين صافية ، مع ما كان عند الحجاج معه من العداوة والأمور الواهية.

ومن الحكايات المشار إليها ما روي أن رجلا سأل جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن القضاء والقدر فقال : ما استطعت أن تلوم العبد عليه فهو منه ولم تستطع أن تلوم العبد عليه فهو من فعل الله ، يقول الله تعالى للعبد : لم عصيت؟ لم فسقت : لم شربت الخمر؟ لم زنيت؟ فهذا فعل العبد ، ولا يقول له : لم مرضت ، لم علوت؟ لم قصرت؟ لم ابيضضت؟ لم اسوددت؟ لأنه من فعل الله تعالى (١).

ومن الحكايات أيضا ما روي أن الفضل بن سهل سأل علي بن موسى الرضا عليه السلام بين يدي المأمون فقال : يا أبا الحسن الخلق مجبورون؟ فقال : الله أعدل من أن يجبر خلقه ثم يعذبهم ، قال : فمطلقون؟ قال : الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه (٢).

ومن الحكايات أيضا ما روي أنه قيل للمجبرة نرى الله تعالى قد استعظم في القرآن قول المشركين والكافرين فقال " تكاد السماوات يتفطرن وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا " (٣) ونحو ذلك مما استعظمه في الكتاب العزيز الذي لا يستطيع الجبرية له دفعا ولا ردا ، فإذا كان كل فعل وقول وقع منه وصدر عنه فكيف تقبل العقول السليمة والأذهان المستقيمة إنه جل جلاله يستعظم فعل نفسه على صورة الانكار والاستكبار ويبلغ إلى هذه الغاية من الاستعظام والاستكبار فلم يكن لأحدهم جوابا.

__________________

(١ ـ ٢) البحار : ٥ / ٥٩.

(٣) مريم : ٩٠.

ومن الحكاية في ذلك ما روي أن بعض أهل العدل وقف على جماعة من المجبرة فقال لهم ما معناه هذا : أنا ما أعرف المجادلة والإطالة ، لكني أسمع في القرآن قوله تعالى " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " (١) ومفهوم هذا الكلام عند كل عاقل أن الموقد للنار غير الله تعالى وأن المطفئ لها هو الله ، فكيف تقبل العقول أن الكل منه؟ وأن الموقد هو المطفئ لها. فانقطعوا ولم يردوا جوابا. ومن الحكايات أيضا أنه قيل للمجبرة : إننا نرى الله تعالى يقول " قد أفلح من زكها * وقد خاب من دسيها " من هذا الشخص الذي يكون مصداقا لقوله قد خاب؟ فما كان له جواب.

ومن الحكايات المأثورة ما يقال أن بعض أهل العدل اجتاز على بعض المجبرة والعدلي راكب ، فقال له الجبري : انزل حتى أسألك مسألة ، فقال له العدلي : أفتقدر أن تسألني؟ قال : لا. قال : أفأقدر أن أسألك أو أجيبك؟ قال لا. قال : فكيف يطلب نزولي من لا يقدر على سؤالي ولا أقدر على نزولي عنده ولا جوابه ، فانقطع الجبري.

ومن الحكايات المأثورة أن عدليا قال لمجبر : ممن الحق؟ قال : من الله فقال له : فمن هو المحق. قال : هو الله. قال له : فممن الباطل؟ قال : من الله. قال : فمن هو المبطل؟ فانقطع الجبري ولم يقدر على أن يقول إن الله تعالى هو المبطل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فكان يلزمه ذلك على رأي المجبرة.

ومن الحكايات المأثورة أن مجبرا وعدليا اجتمعا للمناظرة وجعلا بينهما حكما ، فقال العدلي للجبري : هل من شئ غير الله وما خلق؟ قال الجبري : لا. قال العدلي : فهل يعذب الكفار والعصاة على أنه خلقهم. قال الجبري : لا. قال : يعذبهم على أنه ما خلقهم؟ قال : لا. قال : فعلا م يعذبهم؟ قال :

__________________

(١) المائدة : ٦٤.

لمعصيتهم إياه. قال العدلي : فقد جعلت ههنا شيئا ثالثا وأنت قلت إنه ليس في الوجود شئ غير الله وما خلق فهذا قولك يعصى من هو العاصي ، فانقطع الجبري وحكم الحاكم بينهما بانقطاع الجبري.

ومن الحكايات المأثورة أن جماعة من اليهود اجتمعوا إلى أبي بحر الخاقاني وقالوا له ما معناه : أنت سلطان عادل ومنصف من المسلمين وفي بلدك المجبرة وهم الذين يعولون عليهم في الأقوال والأفعال. وهم يشهدون لنا أننا لا نقدر على الإسلام ولا على الإيمان ، فكيف تؤخذ الجزية من قوم لا يقدرون على الإسلام ولا الإيمان؟ فجمع المجبرة وقال لهم : ما تقولون فيما قد ذكره اليهود من احتجاجهم عليكم؟ فقالوا : كذا نقول وإنهم لا يقدرون على الإسلام والإيمان ، فطالبهم بالدليل على قولهم فلم يقدروا عليه ، فنفاهم (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : ومما يقال للمجبرة إنا نسمع الله جل جلاله قد طلب التوبة من العباد ، وقد تاب قوم وامتنع آخرون والقرآن والأخبار مملوءة من ذلك وشاهدة به ، فإن كانت الأفعال فلم يطلب التوبة من غيره؟ وإن كانت التوبة منه أو كان شريكا للعبد في الأفعال جل وعلا عن قول الظالمين فليت شعري مما ذا تاب؟ وإن لم يكن التوبة منه ولا من غيره من العباد فمن هذا التائب النادم؟ ومن هذا المصر الممتنع من التوبة؟ إنني أرى المجبرة على صفة عجيبة من الجهالة وغريبة عظيمة من الضلالة.

ومما يقال للمجبرة : قد رحمناكم لشدة غفلتكم ، وخاصة الذين يقولون منكم لا فاعل سوى الله تعالى ، ثم يقولون إن العبد غير مختار وإنه مضطر فيما يصدر عنه ، ويا لله والعجب من جهالاتكم إذا كان لا فاعل سوى الله تعالى وعندكم وعند كافة أهل الإسلام إن الله تعالى مختار غير مضطر ولا ملجأ ، وكيف صارت

__________________

(١) البحار : ٥ / ٦٠.

أفعاله الصادرة عن العباد في الصورة وهي صادرة عنه في التحقيق خارجة عن حكم اختياره وبطل على قولكم كونه مختارا وصرتم إلى مذهب الفلاسفة في أنه جل وعلا غير مختار.

ومما يقال : لمن قال إن الفعل مقضي على العباد تفسير المجبرة أوضح معنى قولك إنه مقضي ، أتريد أن الفعل من الله تعالى في التحقيق وقضاه على عبده أم لا؟ فإن أردت أن الله قضاه وهو فعل له سبحانه فإذا كان العبد ما استقل بالفعل ولا قام به وأن الله تعالى هو الفاعل له حقيقة ، فكيف يصير مقضيا لأنه ليس ههنا عبد فاعل عندهم أصلا حتى يكون فعل هذا العبد مقضيا عليه إلا هو عندهم فعل الله ، فليت شعري ومن قضى الفعل على الله حتى يسمى مقضيا وإن أردت أن الله ما انفرد بالفعل فقد تركت مذهبك وعدت إلى العدل والحمد لله ، وما يصير الفعل مقضيا بالتفسير يفسرونه ، لأنه لا يصح أن يقال إن العبد جعل نفسه مجبرا مقهورا في حال كونه مختارا وقضاه على نفسه ـ فسره المجبرة.

ومما يقال للمجبرة : وهو من طرائف ما يحتج به عليهم أنه لو كان الأمر كما تقول المجبرة من أن كلما في الوجود من الأفعال والأحوال الصادرة عن بني آدم أنها أفعال الله خاصة ما كان قد ورد في القرآن ولا في السنة لفظ ضلال أحد ولا كفره وفاحشة ولا منكر ولا فساد ولا ظلم ولا عناد ولا غير ذلك من أنواع النقائص والرذائل ، ولا كان يوجد كافر ولا جاحد ولا معاند ولا كان يقع في الكفار سب لله تعالى ولا لأنبيائه ، بل ما كان يقع بين اثنين والأكثر سباب ولا افتراق ولا منازعة ولا شقاق ، لأنه إذا كان كل ذلك من الله تعالى فكله هدى وإيمان وصلاح ووفاق وتمام واتفاق ولأنه ما كان الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا يسب نفسه ولا يجحد نفسه ولا يعاند نفسه ولا يعاقب نفسه ولا يخالف نفسه ولا يعادي

نفسه ولا ينازع نفسه ولا يذم نفسه ، لأنه إذا كان الكل منه فهذه المنازعات والمناقضات بين من ومن ولمن ، وإذا اعتبرت أفعال العباد وما جرى منها ويجري فيها من الفساد والنقائص والتضاد علمت على اليقين إنها ليست أفعال إله واحد وفاعل واحد قد أطبق العارفون به إنه أحكم الحاكمين فكيف التبس ذلك على من يقال إنه من عقلاء المسلمين.

ومن عجيب ما يقطع به المجبرة عن المناظرة أن يقال له : هذه المناظرة بيني وبينك في التحقيق أو بين الله تعالى وبين نفسه ، فإن كانت بيني وبينك فقد بطل ما تدعونه من أنه لا فاعل سوى الله تعالى ، وإن كانت المناظرة بين الله تعالى وبين نفسه فهل تقبل العقول إن الله تعالى يناظر نفسه ليغلب نفسه ويعجز نفسه ، ولأن المناظرين إذا كان أحدهما محقا والآخر مبطلا وأحدهما عالما والآخر جاهلا وكانت المناظرة كما زعموا بين الله تعالى ونفسه فكيف يتصور أن يكون الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا ، من جانب مبطلا ومن جانب محقا ومن جانب يوصف بجهل ومن جانب يوصف بعلم وهو عالم لذاته ، أن هذا قول المجبرة مما لا يقدم عليه عارف بالله تعالى وبذاته وبصفاته.

ومن عجيب ما يقطع المجبرة المذكورة به أن يقال لهم : هذه الشكوك والجهالات التي تحصل للعباد حتى تحوج المناظرة أو اليقين لا ريب أنها أفعال ، فإن كانت لنا ومنا فقد بطل ما تدعونه من أنه لا فاعل سوى الله تعالى فإن قلتم إنها من الله تعالى فيكون كفرا صريحا واختلاطا قبيحا.

ومن عجيب ما يقحم به المجبرة الذين يقولون إنه لا فاعل سوى الله تعالى وإن كل فعل يظهر عن العباد فهو فعل الله تعالى على التحقيق ، أن يقال لهم : إن كل إنسان يعلم من نفسه أنه يكون جاهلا ثم يصير عالما ثم يكون شاكا فيصير متيقنا ثم يكون ظانا فيصير عالما ، ولا شبهة عند العقلاء إن الجهل

والعلم والشك واليقين والظن والعلم أفعال ، فمن هذا الجاهل ومن هذا الشاك ومن هذا الظان؟ فإن قلتم إنه ربكم فقد كفرتم تحقيقا وصار كل منكم بهذا الاعتقاد زنديقا ، وإن قلتم إنه العبد ـ وهو الحق ـ فقد تركتم مذهبكم ورجعتم إلى الصدق.

ومن عجيب ما يقحم به المجبرة أن يقال لهم : قد أطبق أهل العقل والفضل من سائر أهل الملل على أن الوجود مشتمل على عبد ومعبود وأن العبد مشتق من التعبد والتذلل لمعبوده ، وإذا كان جميع الأعمال والعبادات من فعل الله تحقيقا فأين العبد أيها الجاهلون فلا يبقى على قولهم في الوجود سوى الله تعالى وفعله وذهبت بل استحال الحقيقة للعبد.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : ولعل بعض من يقف على المبالغة مني في الرد على المجبرة الذين يقولون إنه لا فاعل سوى الله تعالى ليقول أو يتوهم إن هذا الاعتقاد لا يعتقد أحد منهم أو يعتقد عوامهم ، وسوف أذكر ما ذكره أعظم علمائهم من الاعتقاد في بألفاظه.

فمن ذلك محمد الخطيب الرازي وهو من أعظم علمائهم مذهبه إنه لا يخرج إلى الوجود شئ إلا بقدرة الله تعالى وإن الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، وقد وقفت على ما وصل إلينا من تصانيفه فوجدتها جميعا تشهد بذلك وقد ذكر في كتاب الأربعين وكان قد صنفه لولده العزيز فقال فيه ما هذا لفظه : المسألة الثالثة والعشرون في أنه لا يخرج شئ من العدم إلى الوجود إلا بقدرة الله تعالى (١). هذا لفظه.

ثم شرع يتحدث في ذلك ويريد تصحيحه ولا ينكر في أنه على قوله يريد النقض على الله بالله والنقص على الله بالله سبحانه وتعالى ، لأنه شرع أن المسألة فيها

__________________

(١) الأربعين : ٢٣٧.

تنازع ، قوم يقولون بقول الرازي وذلك القول من الرازي من الله جل جلاله وقوم يقولون بخلاف قوله ويريدون نقض قوله ونقصانه وهذا النقض والنقصان عند الرازي أيضا من الله.

فعلى قوله هذا يكون الله تعالى قد نقض على نفسه بنفسه ونقص كماله وكمال حجته بنفسه ، ولو فكر فيما بنى عليه زال عن المعارضة لقول أحد ومذهب أحد واعتقاد أحد لأن ذلك عنده قول الله ومذهب الله واعتقاد الله ، ولكن الرازي ومن وافقه وتقدمه من القائلين بأنه لا فاعل سوى الله تعالى ربما يقولون في الجواب عما ذكرته الآن ما يريد النقض على الله بالله تعالى ولا يلزمه الزوال عن المعارضة ، لأنه يزعم أن الذي ينقض على نفسه وينقض نفسه ليس هو الرازي ولا من وافقه ولا من تقدمه من القائلين بقوله ، لأن الناقض والمنقوض به منه لأنها كلها أفعال والأفعال كلها منه.

وإذا بلغوا إلى هذه الغاية من أن الله تعالى ينقض على نفسه وينقص نفسه شهد ذلك عليهم بالخروج عن ملة الإسلام وإظهار الكفر والإلحاد والطعن على الله تعالى وعلى رسوله " ص " لأن رسول الله ما جاء رسولا عن رب ينقض على نفسه وينقص نفسه بغير خلاف عند أهل ملته والمصدقين برسالته ، فإن قال أحد منهم ينقض إحدى الدعويين بالأخرى ويثبت أحد إن هذا النقص ما يمكن أن يكون تاما وإن ذلك النقص كله لا يسمى نقصا ولا نقضا كابروا العيان وأثروا البهتان.

ومن ذلك قول الرازي أيضا في كتاب الأربعين ما هذا لفظه : المسألة الرابعة والعشرون في بيان أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات ، مذهب المعتزلة إن الإرادة توافق الأمر ، فكل ما أمر الله تعالى به فقد أراده وكل ما نهى عنه فقد كرهه ، ومذهبنا إن الإرادة توافق العلم ، فكل ما علم الله وقوعه فهو مراد

الوقوع وكل ما علم عدمه فهو مراد العدم ، فعلى هذا إيمان أبي جهل مأمور به وغير مراد وكفره منهي عنه وهو مراد. هذا لفظه وقد حكيناه بصورته (١).

(قال عبد المحمود) : لو صح ما قاله الرازي لكان أبو جهل غلب محمدا " ص " وأبطل رسالته إليه ، وكل كافر أيضا بأن يقولوا لمحمد ربك ما يريد منا الإسلام وأنت تريده ، واتباع إرادة ربك أوجب من اتباع إرادتك ، وكان قد انقطع محمد وبانقطاعه ينقطع حجة مرسله ، وإن كان الرازي المثكل يزعم أن محمدا " ص " ما يريد أيضا من الكفار الإيمان فتكون حجتهم قد ازدادت قوة ويقولون له إذا كان الله الذي أرسلك ما يريد الإيمان منا وأنت ما تريده منا فنحن أيضا ما نريد خلاف إرادتكما ، فعلام تحاربنا وتعادينا وقد وافقت إرادتنا إرادتك وإرادة من أرسلك ، فكان أبلغ في ظهور حجة الكفار عليه وانقطاع حجته وحجة مرسله.

وكان أهل الجاهلية أقل كفرا من هذا الاعتقاد ، والجاحدون لله والجاهلون به ما بلغوا إلى هذه الغاية من الكفر والفساد ، لأن أولئك ما عرفوه فما نسبوا إليه خيرا ولا شرا وهؤلاء المجبرة ادعوا معرفته ونسبوا كل شر وكفر وخير إليه ، فيعز على الله تعالى وعلى رسوله ما جنى هؤلاء عليه ، وكيف يقبل عقل الذين يعتقدون إن الله تعالى هو الفاعل لأفعال العباد أن يكون الله تعالى يبعث رسولا خلقه ويبعث معه ما يقيم أعذارهم في مخالفتهم فعل من أرسله وإنهم بريئون منها ، وهل كان يبقى للرسل حكم أو حجة.

ومن عجيب طرائف المجبرة إن كتبهم بالمهور والديون تتضمن أن المقرين أقروا طوعا في صحة من أمرهم غير مجبرين ولا مكرهين ويكتبون هذا الوصف للمقرين في شريعة الإسلام ومجلس قضائهم بشهادة معدليهم ، ثم يكتبون

__________________

(١) الأربعين : ٢٤٤.

في آخر كتب المهور أن هذا القادر صالح والقادر هو المختار ، ثم إذا جرى حديث عقيدتهم أنكروا ما قد أقروا به وجحدوا ما اعترفوا بإثباته وادعوا إن المقرين مجبرون ومكرهون وما لهم اختيار ولا فعل ، ولا يفكرون في هذه المناقضات ولا لهم من يغافلهم عليها.

ومن طرائف ما يلزم الرازي وأهل مذهبه القائلين بأنه لا فاعل سوى الله تعالى أن يكون قولهم مثل قول النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام والنصيرية في علي بن أبي طالب عليه السلام ، لأن عقلاء النصارى وعقلاء النصيرية ما كان يخفى عنهم إن لحم عيسى ولحم علي عليه السلام وعظمهما وجسدهما هو الله جل جلاله ، ولا أن الله تعالى صورة مجسمة ، بل لما رأوا الأعمال الصادرة عن عيسى وعلي عليه السلام الخارقة للعادات يستحيل وقوعها من نفس البشر وإنها أفعال إله قادر بالذات ، فنسبوا تلك الأفعال الصادرة من عيسى وعلي عليه السلام إلى أنها فعل الله تعالى ، فيلزمهم التصديق للنصارى والنصيرية في أن أفعال عيسى وأفعال علي عليه السلام فعل الله تعالى ولا فاعل سوى الله تعالى الذي يستحق العبادة.

فهل ترى قول الرازي وأهل مذهبه في أنه لا فاعل سوى الله إلا قول النصارى والنصيرية وإن حالهم كحالهم.

ومن عجيب ما بلغني أن محمد بن الخطيب الرازي المذكور تحدى يوما على علماء العالمين وأعجبته نفسه لحفظه للألفاظ وصياغته للمباني ، وما أدري أنه ليس كل من حفظ لفظا عرف معناه واستوفاه ، وقد سمى الله تعالى الذين حفظوا الألفاظ ولم يراعوا المعاني بالحمار فقال " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا " (١).

__________________

(١) الجمعة : ٥.

وما علم الرازي أيضا أنه ليس كل من صاغ حلية أو بني بناء عرف قيمة الجواهر وسائر آلات البناء ومن حررها ودبرها وبدأها بالإنشاء ، فلما تحدى الرازي العلماء بلغ ذلك إلى بعض الزهاد من لسان بعض تلامذة الرازي فقال له الزاهد للتلميذ استادك الرازي لا يعرف الله ، فثقل على التلميذ ذلك وقال للزاهد : عن إذنك أعرفه. فقال الزاهد : نعم ، فعرفه التلميذ الرازي فركب في جمعه ومماليكه وكان صاحب دنيا وسيعة وجاء إلى الزاهد فقال له : قد بلغني عنك أنك إنني لا أعرف الله تعالى.

فقال الزاهد : نعم قلت. فقال له الرازي من أين عرفت إنني لا أعرف الله تعالى؟ فقال له الزاهد : لأنك لو عرفته كما تدعي كمال المعرفة والتحقيق شغلتك معرفته وخدمته ومراقبته عن هذه الدنيا الفانية التي تعبدها من دونه ، فانقطع الرازي وعرف لزوم الحجة له.

قلت أنا : ومن وقف وصية الرازي عند موته إن كتبه التي صنفها جميعا ما اكتسب منها دينا ولا حصل منها يقينا زهده ذلك في ترك التعلم منها ووجب عليه الإعراض عنها.

ومن علماء المجبرة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي وهو من أعظم علمائهم ومن الذين صنفوا لهم في علم الكلام وعلم الجدل وعلم أصول الفقه وفي الفقه ، وكان له ثلاثمائة تلميذ ، وعاد وصنف في الزهد فقال في أعظم كتاب صنفه في ذلك وسماه كتاب (إحياء علوم الدين) في كتاب قواعد العقائد وهو الكتاب الثاني من كتاب إحياء علوم الدين في الأصل الثالث منه ما هذا لفظه : ولا يجري في الملك والملكوت طرفة عين ولا لفتة خاطر ولا فلتة ناظر إلا بقضاء الله وقدره وبإرادته ومشيته ، ومنه الخير والشر والنفع والضر والإسلام والكفر والعرفان والمنكر والفوز والخسران والغواية والرشد والطاعة والعصيان

والشرك والإيمان (١) هذا لفظ الغزالي.

وصنف في آخر عمره كتابا سماه منهاج العابدين وهو آخر كتاب صنفه وما خص به إلا خواص أصحابه ، فقال في أواخر الباب الأول منه ما هذا لفظه : ولا يكون في الملك والملكوت فلتة خاطر ولا لفتة ناظر إلا بقضاء الله وقدره ومشيته ، فمنه الخير والشر والنفع والضر والإيمان والكفر والعز والشكر والفوز والخسر والغواية والرشد والطاعة والعصيان والشرك والإيمان. هذا لفظه في المعنى.

(قال عبد المحمود) : وإذا اعتبرت كلام هذا الشيخ في كتب الزهد وخاصة كتاب الإحياء وجدته يشهد صريحا وتلويحا إنه يعلم من سريرته إن العباد مختارون وفاعلون وإنما غلب عليه حب المذهب والمنشأ فإنه في كتاب الإحياء يصف أسقام الدين ويذكر الترغيب والحث على استعمال الدواء والتحريص بذلك ويظهر أنه يعتقد كونهم مختارين فاعلين يقدرون على الفعل وعلى الترك ، فإن شككت فاعتبر مقالاته لأنك تجده يوافق أهل العدل فعلا وقولا ويخالفهم قولا غفلة وجهلا.

ومما يدل على ذلك منه قوله في العارض الثاني من الباب الرابع من كتاب منهاج العابدين ما هذا لفظه : فإن قيل : هل يكون المفوض مختارا؟ فاعلم أن الصحيح عند علمائنا أنه يكون مختارا ولا يقدح في تفويضه ذلك. هذا لفظه تصريح بالاختيار وتصديق لأهل العدل والاعتبار.

بل قد زاد على القائلين بالاختيار لأن المفوض معناه أن يعزل نفسه عن الاختيار ويجعل الاختيار لنفسه إلى الله ، فإذا كان من يعزل نفسه عن اختيارها ويجعل الاختيار لله يكون مختارا ، فيجب أن يكون من لم يفوض إلى الله تعالى

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ١ / ١١١.

مختارين قطعا على سائر الأسباب وهذا واضح لذوي الألباب.

وقال الغزالي في المجلد الثامن من الإحياء في كتاب النية والإخلاص ما هذا لفظه : بيان أن النية غير داخلة تحت الاختيار (١) ، ثم شرع يستدل على صحة هذا المقال وهذا موافقة لأهل العدل بغير إشكال.

وقال : في كتاب حماقة أهل الإباحة في الجواب عن شبهتهم الأولى ما هذا لفظه : فإن الله تعالى ما كلفنا لأجل أن ينتفع بذلك ، بل لأجل انتفاعنا نحن بذلك. وضرب الغزالي لذلك مثل الطبيب والمريض ، ثم قال : وكذا الرب تعالى أمرنا بالطاعة ونهانا عن المعصية للراحة لنا وفائدة راجعة إلينا وهو مقدس منزه عن أفعالنا طاعة كانت أو معصية.

أقول : أما تراه عند ترك المعصية كيف يشهد بتنزيه الجلالة الإلهية من أفعال العباد؟ وهذا واضح لمن ترك منهم سبيل المكابرة والعناد وكان من أهل السداد وقد تقدم من الرد أهل هذه الاعتقادات ما في بعضه كفاية وشفاء لأهل العقول والديانات فاعتبر ما قلناه وقدمناه واحفظ نفسك من تقليد المجبرة وغيرهم ممن ترك الحق والصدق والذي حققناه.

ومن مناظرات أهل العدل للمجبرة ما روي أن ثمامة كان في مجلس المأمون وأبو العتاهية حاضر فسأل أبو العتاهية المأمون أن يأذن له في مناظرة ثمامة والاحتجاج عليه فأذن له ، فحرك أبو العتاهية يده وكان مجبرا وقال : من حرك هذه؟ ثمامة : وكان يقول بالعدل : حركها من أمه زانية. فقال أبو العتاهية شتمني يا مأمون في مجلسك. فقال ثمامة : ترك مذهبه يا مأمون ، لأنه يزعم أن الله حركها فلأي سبب غضب أبو العتاهية وليس لله أم فانقطع أبو العتاهية. ومن عجيب ما تقحم به المجبرة الذين يقولون إنه لا فاعل سوى الله وإن

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ٤ / ٣٧٣.

كل فعل أو ترك يقع من العباد فإنه فعل الله على الجملة ، والتفصيل أن يقال لهم قد رحمناكم من شدة مصيبة هذا التفصيل ، ويحكم إن هذا الاعتقاد أقبح نكرا وأوضح كفرا من الذين اعتقدوا أن عيسى وعلي بن أبي طالب عليه السلام الاهان من دون الله ومن الذين عبدوا العجل والأصنام وغيرها من المعبودات لأن أولئك حيث عبدوها عظموها وقبلوا ما توهموا إنه منها وتركوا ما اعتقدوا أن يبعدهم عنها ، وأنتم إذا كنتم على هذا الاعتقاد الفاسد السخيف ، فكل قول أو أمر أو نهي يقع لكم من قوي أو ضعيف فهو أمر الله ونهيه ، فأين امتثالكم لأوامر بعضكم لبعض وترككم لمناهي بعضكم لبعض؟

فإن قلتم أيها المشككون فنحن أيضا إرادتنا وكراهتنا هي إرادة الله وكراهته وفعله ، فيقال لكم : إذا كان الأمر كذلك فسقطت العبادات والأوامر والنواهي وما بقي الوجود مأمور ومنهي ، لأنه كله على قولكم وجهلكم فعل إله واحد ورب واحد.

ومن عجيب ما يقال لهم أيضا : إذا كانت الأفعال كلها التي تقع منكم هي فعل الله على التحقيق ، فقد صار كلامكم وأمركم ونهيكم كالقرآن وكالوحي وكلام الله تعالى لموسى عليه السلام من الشجرة وكلام الأنبياء عن الله وما بينهم وبينكم فرق وحصل القدح في الرسل والطعن على الرسل.

ومن عجيب ما يقال لهم أيضا : إذا كان الأمر كما قلتموه من أن جميع أفعالكم فعل الله تعالى فيكم وليس لكم فعل تختصون به ، فكيف اشتمل الوجود على تابع ومتبوع ورئيس ومرؤوس ونبي وأمته وإمام ورعيته ، لأنه لا يصح أن يكون الله جل جلاله وذاته واحدة وأفعاله صادرة عنها منقسمة في نفسه وفي أفعاله كانقسام التابع والمتبوع والرئيس والمرؤوس والنبي والأمة والرعية ، ويجتمع في ذاته تابع ومتبوع ورئيس ومرؤوس ونبي وأمته وإمام ورعيته ، أما لكم من

ينظر في حالكم؟ فإن كنتم متعمدين للضلال أقام عليكم حدود النكال ، أو جاهلين أرشدكم وخلصكم من هذا الهلاك والاهمال ، أو مرضى حملكم إلى المارستان وداواكم من هذا المرض والاختلال.

ومن عجيب الآيات الصريحة في بطلان دعوى المجبرة إنه لا فاعل سوى الله تعالى قوله " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " (١).

وهذا كما ترى تصريح عظيم لا يحتمل التأويل بأن الطاغوت غير الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا والمجبرة تزعم أن الطاغوت هو الله تعالى.

ومن عجيب الآيات الصريحة بتكذيبهم والرد عليهم قوله تعالى " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون " (٢) وهذه دعوى المجبرة بعينها وقد كذبكم تكذيبا صريحا وقال : إن أنتم إلا تخرصون ، وقال الله تعالى " لو استطعنا لخرجنا معكم ثم قال الله يشهد إنهم لكاذبون " (٣) وقوله " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها فاعلون.

ومن عجيب جواب بعض العقلاء لما سئل من اعتقاد المجبرة في أنه يجوز أن يكلف الله العباد ما لا يطيقون. فقال العدلي : إذا كلف المولى عبده ما لا يطيق فقد بسط عذره في مخالفته.

ومن عجيب جواب بعض أهل العدل لبعض المجبرة إن المجبر قال له : أنت ما ترضى من خلق المعاصي أن يكون لك ربا فقال : لا والله ولا عبدا ، يعني لو كان لي عبد يخلق المعاصي ما رضيته يكون عبدي ولو عرض علي

__________________

(١) البقرة : ٢٥٧.

(٢) الأنعام : ١٤٨.

(٣) التوبة : ٤٢.

عبد يعمل المعاصي ويخلقها ما رضيت أن يكون في خدمتي ولا عندي.

(قال عبد المحمود) : ومن الحكايات المأثورة في ذلك ما رواه جماعة من علماء الإسلام عن نبيهم محمد " ص " أنه قال : لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا. قيل ومن القدرية يا رسول الله؟ فقال : قوم يزعمون أن الله سبحانه قدر عليهم المعاصي وعذبهم عليها(١).

ومن الحكايات المأثورة عن نبيهم محمد " ص " في ذلك ما رواه صاحب الفائق محمود الخوارزمي وغيره من علماء الإسلام عن محمد بن علي المكي بإسناده قال : إن رجلا قدم على النبي " ص " له النبي " ص " : أخبرني بأعجب شئ رأيت. قال : رأيت قوما ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم ، فإذا قيل لهم : لم تفعلون ذلك؟ قالوا : قضاه الله تعالى علينا وقدره ، فقال النبي : سيكون في أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم أولئك مجوس أمتي (٢).

ومن الحكايات المذكورة في ذلك ما ذكره صاحب كتاب الفائق أيضا وغيره من علماء الإسلام عن جابر بن عبد الله صاحب نبيهم أنه قال : يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي ويقولون إن الله تعالى قد قدرها عليهم ، الراد عليهم كالشاهر سيفه في سبيل الله (٣).

ومن الحكايات المذكورة في ذلك ما روي عن القاسم بن زياد الدمشقي أنه قال : كنت في حرس عمر بن عبد العزيز فدخل غيلان فقال : يا أمير المؤمنين إن أهل الشام يزعمون أن المعاصي قضاء الله تعالى وأنك تقول ذلك فقال : ويحك يا غيلان أولست تراني أسمي مظالم بني مروان ظلما وأردها ، أفتراني أسمي قضاء الله ظلما وأرده.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : فهذا آخر ما رأيت ذكره في هذا الباب.

__________________

(١ ـ ٣) نقله في البحار : ٥ / ٤٧.

في عقائد المجسمة وردها

وأما حكي عن أحمد بن حنبل الأصفهاني لا الشيباني وقيل إنه مذهب الشيباني أيضا ومن أتبعه وشابهه ممن قال إن الله تعالى جسم لا كالأجسام أو جسم وله جوارح مثل جوارح البشر ، فقد عرفت أن لهم كتابا تصنيف ابن الفراء الحنبلي يذكر جوارح ربهم على التفصيل ، فمن أراد الوقوف عليه فليطلبه من حيث أشرت إليه ، فإنني لا أقدم على شرح ذلك لعظم جرأتهم على الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وقد وقفت على كتاب في اعتقاداتهم اسمه كتاب الاعتقاد تأليف أبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الإخباري الهروي ، وهو يصرح فيه بأن اعتقادهم إن الله تعالى له جوارح كالبشر فقال ما هذا لفظه : إن الله عاب الأصنام " ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركائكم " (١) وقال حاكيا عن إبراهيم خليله إذ قال لقومه إذ حاجوه " قال هل يسمعونكم إذ تدعون " (٢) وقال لأبيه " لم تعبد ما لا يسمع ولا

__________________

(١) الأعراف : ١٩٥.

(٢) الشعراء : ٧٢.

يبصر ولا يغني عنك شيئا " (١) وقال عز وجل " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم " (٢) وقال إبراهيم لقومه " فاسئلوهم إن كانوا ينطقون " (٣) وعاب العجل فقال " ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا " (٤) وقال أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا " (٥) فلما عاب الطواغيت بعدم تلك الصفات تبين أنه يمدح بها نفسه وأنها حقائق فيه ، فهذا صورة لفظ صاحب الإعتقادات الحنبلي.

(قال عبد المحمود) : فهؤلاء قد بلغوا غاية عظيمة من الضلال وفارقوا العقول وكتابهم ونبيهم بكل حال ، أما العقول فإنها شاهدة إن كل مركب من الأعضاء فإنه لا بد له ممن يركبه ويؤلفه فيجب أن يكون المركب محدثا فيحتاج إلى صانع قديم أحدثه وألفه ، هكذا يشهد العقول الصحيحة بحدوث المركبات والمؤلفات والمحدودات بالحدودات أو بالجهات.

وأما كتابهم فإنه قال في وصف الله تعالى " ليس كمثله شئ " (٦) وغير ذلك من التنزيه التام ، فلو كان لله أعضاء كما ذكروا كانت لها أمثال كثيرة.

وأما نبيهم محمد صلى الله عليه وآله فلا يحصى أخباره بتنزيه الله وكذلك أخبار عترته المترجمون عنه. وقد تضمن كتاب نهج البلاغة من كلام علي بن أبي طالب عليه السلام طرفا بليغا في تنزيه الله عن صفات المحدثات.

وأما قول صاحب كتاب اعتقاد الحنابلة من أن الله تعالى عاب الطواغيت.

__________________

(١) مريم : ٤٢.

(٢) فاطر : ١٤.

(٣) الأنبياء : ٦٣.

(٤) الأعراف : ١٤٨.

(٥) طه : ٨٩.

(٦) الشورى : ١١.

فهذا عجيب منه ، لأن الله ليس حديثه في مع الأصنام ولا قصد تعيبها وإنما عاب من عبدها واتخذها آلهة وهي على صفات يستحيل معها أن تكون مستحقة للعبادة ، وكيف يعتقد عاقل أن هذا الكلام الذي ذكره صاحب الاعتقاد عن كتابهم دالا على أن لله رجلا ويدا وعينا وغير ذلك من الأعضاء؟ لأنه تعالى ليس بجسم وما هو مرأي في ذاته أصلا ولا ادعى عاقل أنه رأى الله بأعضاء وجوارح حتى يكون مراده أفلا يرون الطواغيت بغير جوارح وأنا لي جوارح وأعضاء ، ولا يخفى على العاقل إن هذا الكلام خرج على وجه الاستعظام لما فعلوه وقالوه من عبادة الأصنام.

وكيف اقتضت عقولهم أن يعدلوا عن الله مع ظهور دلالته وآياته وحيث عدلوا عن الله فلم يتعوضوا بمن ينفعهم أن عبدوه أو يضرهم إن لم يعبدوه ، ولا بينه وبين الإلهية نسبة ولا يقدر أن ينفع نفسه بيد يبطش بها ولا رجل يمشي بها أو جوارح ينتفع بها أو ينفع غيره ، وكان هذا موضع التعجب والاستعظام.

ومن طريف ما رأيت الذي قد ذكره الحنبلي صاحب كتاب الاعتقاد المشار إليه أنه قال ما هذا لفظه : ولا يقال إن الاسم غير المسمى فإن هذا القول من الالحاد.

(قال عبد المحمود) : إن كان هذا اعتقاد للحنابلة كلهم أو أكثرهم أو اعتقاد هذا المصنف وأتباعه وأمثاله فهذا قول من مريض العقل أو مكابر أو مجنون بالكلية ، لأنه ما يشتبه على أحد من أهل العقول الصحيحة أن الاسم غير المسمى فما أقبح هذه الأحوال وأوضح هذا الضلال.

ومن الطرائف ما وقفت عليه من أخبارهم التي نقلوها في كتبهم المعتبرة عندهم ونقلت بعضها كما وجدته.

فمن طريف ذلك ما ذكره الحميدي في مسند جابر بن عبد الله في الحديث

الثاني والخمسين من أفراد مسلم من كتاب الجمع بين الصحيحين (من صحيح مسلم والبخاري) عن ابن جريح عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود فقال : نجئ نحن يوم القيامة عن كذا وكذا أنظر أي ذلك فوق الناس قال : فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من تنظرون؟ فيقولون : ننظر ربنا. فيقول : أنا ربكم. فيقولون : حتى ننظر إليك. فيتجلى لهم بضحك. قال : فينطلق بهم ويتبعونه ، ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ، ثم يطفئ نور المنافقين ، ثم ينجو المؤمنين ـ الخبر(١).

(قال عبد المحمود) : كيف حسن من هؤلاء الذين يدعون أنهم مسلمون أن يرووا مثل هذا الحديث والضحك ربهم ، ثم يجعلونه صحيحا؟ وكيف قبلت عقولهم ذلك؟ والعجب أنهم ربما أسقطوا حديث بعض من يقولون أنه حكي عن فلان ما هو كذب ومع هذا فلا يسقط مثل هذا الحديث الذي يشهد العقول إنه كذب فيه على الله تعالى! وظاهر حالهم إنهم كذبوا على جابر ، فإن حاله في الإسلام كانت أفضل وأكمل من هذا النقصان ، وهذا تصريح منهم بأن الله جسم أو على صفات الأجسام.

ومن طريف هذا أنه قال : إنه يعطي المنافقين نورا ، الذي يشهد كتابهم أنهم في الدرك الأسفل من النار.

ومن طرائف روايتهم ما ذكره أيضا الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين من مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الثاني والعشرين من المتفق عليه ورواه عن نبيهم يذكر فيه كيفية تساقط الكفار في النار ، ثم ما هذا لفظه : حتى

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ١ / ١٧٧ ـ ١٧٨.

إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر ، أتاهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال : فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا : يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول : أنا ربكم فيقولون : نعوذ بالله منك نشرك بالله شيئا (مرتين أو ثلاثا) حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول : هل بينكم وبينه علامة فتعرفونه بها؟ فيقولون : نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا إذن الله له بالسجود ، ولا يبقى من كان يسجد آنفا أو رياءا إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون رؤسهم قد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة فيقول : أنا ربكم فيقولون : أنت ربنا ـ الخبر (١).

(قال عبد المحمود) : إني لأبكي على هذه العقول ثم أضحك منها وهو على مقتضى الحديث المتقدم في الإشارة إلى أن ربهم جسم وأنهم ينكرونه يوم القيامة ويتعوذون منه ، وهذا من العجائب التي يضحك منها أهل الملل كافة ويزهدون بطريقة الإسلام ، معاذ الله من قوم يصدقون ذلك.

ومن طرائف رواياتهم في ذلك ما ذكره محمد عمر الرازي صاحب كتاب نهاية العقول وهو أعظم علماء الأشعرية في كتاب تأسيس التقديس فقال : إنهم يروون أن الله ينزل كل ليلة جمعة لأهل جنة على كثيب من كافور.

ومن طرائف رواياتهم ما ذكره الرازي في الكتاب المذكور وذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع والتسعين من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك يروونه عن نبيهم ويشهد العقل بأنه ما قاله قالوا أنه قال : لا تزال جهنم تقول : هل من مزيد حتى يضع رب العرش ـ وفي رواية رب العزة ـ قدمه فتقول : قط قط وعزتك ، ويزوي بعضها إلى بعض (٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٧.

ومن كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في الحديث الثاني والثمانين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة رواه عن نبيهم قال فأما النار تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله فيها فتقول : قط قط فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ـ الخبر(١).

ومن كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في مسند أبي هريرة عن نبيهم قال: إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه ، وفي رواية فليتجنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته (٢).

(قال عبد المحمود) : أما تعجب العاقل من هذه الأحاديث التي قد نقلوها في صحاحهم ، ومن قوم يذكرون أنهم من المسلمين وقد بلغوا هذه الغاية من تقبيح ذكر رب العالمين ومن إساءة سمعة نبيهم ، وهل بلغ أعداؤهم من تقبيح ذكرهم النبي " ص " إلى ما قد بلغ هؤلاء؟ وما أحسن قول بعض العلماء : عدو عاقل خير من صديق جاهل.

والعجب ممن رأى فساد ظاهر هذه الأخبار لو أرجع الضمير في صورته إلى الله سبحانه كما ظاهرها فاعتذر بأن الضمير راجع إلى آدم وفساده ظاهر.

ومن طرائف رواياتهم ما ذكره الرازي عنهم كتاب في كتاب تأسيس التقديس وذكر أنه رواه صاحب شرح السنة ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين فيمن يخرجه الله من النار ، قالوا عن نبيهم أنه قال : فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول : أي رب أدخلنيها فيقول : يا بن آدم يرضيك أن أعطيك الدنيا وما فيها فيقول : أي رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين ـ وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي في بعض روايات هذا الحديث أتسخر بي أو تضحك بي

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) رواه مسلم في صحيحه ٤ / ٢٠١٧.

وأنت الملك ـ فضحك ابن مسعود وقال : ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا : مم تضحك؟ قال : هكذا ضحك رسول الله " ص " فقالوا : مم تضحك يا رسول الله؟ قال : من ضحك رب العالمين حين قال : أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول الله تعالى : أني لا أستهزئ منك وأنا ما أشاء قادر (١).

قال الرازي : وذكر حديثا طويلا عن أبي هريرة إلى أن قال : ثم يقول : أي أدخلني الجنة. فيقول : أو لست قد زعمت ألا تسألني غيرها ، ويلك يا بن آدم ما أغدرك وأمكرك ، فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فلا يزال يدعو حتى يضحك ، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول إلى الجنة.

(قال عبد المحمود) : ورأيت في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند أبي هريرة في الحديث الستين من المتفق عليه هذا الحديث بلفظ آخر قال : فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك الله منه ثم يأذن له بدخول الجنة.

وروى الحميدي أيضا في مسند أبي هريرة في الحديث الثالث والتسعين بعد المائتين إن الله يضحك لرجلين ـ الخبر (٢).

(قال عبد المحمود) : أما خاف الله من يذكر أنه من المسلمين في رواية هذه الأحاديث وشهادته بصحتها ، وهل كان يجوز أن تضاف هذه الأمور إلى أدنى عاقل؟ فكيف تضاف إلى الله عز وعلا ويوصف بهذه الصفات الشنيعة ، إن هذا لكما تضمنه كتابهم " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا " (٣).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٧٥.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٥٠٥.

(٣) مريم : ٩٠.

ومن طرائف روايتهم أيضا ما ذكره الرازي عنهم في كتابه المشار إليه : إن بعضهم قد ذهب إلى أن الله بكى على أهل طوفان نوح.

ومن ذلك ما ذكره أيضا الرازي عنهم في الكتاب المذكور : أنهم زعموا أن نبيهم محمدا " ص " قال : لما قضى الله بين خلقه استلقى قفاه ثم وضع إحدى رجليه على الأخرى ثم قال : لا ينبغي لأحد أن يجلس بهذه الكيفية.

(قال عبد المحمود) : يا لله ويا للعقول ممن يذكر أن رواة مثل هذا الحديث والمصدقين بها مسلمون أو عقلاء أو مستبصرون ، لقد قبحوا ذكر ربهم ونبيهم بما لم يبلغ إليه أعداؤهم ، فهل يقتدي بهؤلاء عاقل أو يثق بهم فاضل.

ومن ذلك ما ذكره الرازي أيضا عنهم في الكتاب المذكور : أن أعرابيا جاء إلى نبيهم فقال : يا رسول الله هلكت الأنفس وجاعت العيال وهلكت الأموال فاستسق لنا ربك ، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله. فقال : سبحان الله سبحان الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجهه أصحابه ، ثم قال : ويحك أتدري ما الله؟ الله شأنه أعظم من ذلك أنه لا يستشفع به على أحد ، إنه لفوق سماواته عرشه وإنه عليه لهكذا وأشار وقب بيده مثل القبة ، قال : الرازي وأشار أبو الأزهر أيضا يئط به أطيط بالراكب.

(قال عبد المحمود) : وروي في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند أبي هريرة في الحديث الثامن بعد الثلاث مائة من المتفق عليه قال أبو هريرة عن نبيهم : إن يد الله ملأ لا يغيضها نفقة سخاء الليل والنهار. وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع (١).

وروى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في المتفق عليه مسند

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٨ / ١٧٣. لا تغيضها : أي لا تنقصها.

عبد الله بن عمر في الحديث السادس بعد المائة رواه عن نبيهم أنه قال : إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه فلا يتنخع حيال وجهه في الصلاة (١).

وروى الحميدي أيضا في كتابه المذكور في الحديث السادس والخمسين من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك أنه قال عن نبيهم في حديث الشفاعة قال : فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤذن لي ، فإذا أنا رأيته وقعت ساجدا الخبر (٢).

وروى ابن مقاتل في كتاب الأسماء في حديث يرفعه وأسنده قال : قيل يا رسول الله "ص" : مم ربنا؟ قال : من ماء روي لا من أرض ولا من سماء ، خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نفسه من عرقها.

وذكر سليمان بن مقاتل في كتاب الأسماء أيضا فقال : روت جماعة تكثر عددهم وتوفر جمعهم عن رسول الله "ص" أنه قال : إن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا.

وذكر سليمان بن مقاتل في الكتاب المذكور عن بعضهم أنهم يروون عن نبيهم : إن ربهم رمدت عيناه فعادته الملائكة.

قال سليمان بن مقاتل : ومنهم من يذكر إن البحر من بزاق الله وإن على رأسه شعرا قططا.

(قال عبد المحمود) : أما حديث الخيل والعرق فكيف حسن من هؤلاء الذين يذكرون أنهم مسلمون أن ينقلوا مثل هذا عن نبيهم؟ وقد عرف أعداؤه أن نبيهم ما كان بصفة من يقول ذلك ، وكيف قبلوا هذا المحال عن ربهم؟ وكيف يجوز لعاقل أن يقتدي بهؤلاء؟ أو يثق بروايتهم.

سبحان الله يقولون في أول الحديث إن الله خلق خيلا ، ثم يقولون في

__________________

(١) روى نحوه مسلم في صحيحه : ١ / ٣٨٨.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٨١.

آخرة إنه خلق نفسه من عرقها ، ليت شعري من خلق الخيل التي أجراها ، فإن كان موجودا قبل خلق الخيل فأي شئ خلق عرقها؟ وإن كان غير موجود فكيف يصح في العقول أن يخلق المعدوم خيلا أو شيئا.

وأما الأحاديث الأخر فلا شبهة أنها من جملة الزور والبهتان المخالفة للعقول والأديان ، فكيف ينقلها أو يصدقها من يدعي أنه من أهل الإسلام والإيمان؟

وذكر سليمان بن مقاتل في كتاب الأسماء في حديث أسنده قال : قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال كان في غمام تحته هواء وفوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء.

(قال عبد المحمود) : إذا كان ربهم قد أحاط به الهوى فقد صار متحيزا وفي جهة دون جهة ، فيلزم أن يكون مخلوقا حادثا فإن العقول يشهد أن كل متحيز أو في جهة فإنه محتاج إلى من جعله في ذلك الحيز أو الجهة ، وإذا كان ربهم على قولهم محدثا ، فقد ساووا أصحاب الأصنام ورجعوا إلى ما كانوا قبل الإسلام وفارقوا العقول وكتابهم ورسولهم ، والحمد لله على السلامة من الاقتداء بهم والمنشأ فيهم والولادة بينهم.

وذكر محمد عمر الرازي وهو من أكبر علماء الأشعرية وأعظم علماء الأربعة المذاهب في كتاب تأسيس التقديس ما هذا لفظه : من أثبت كونه تعالى جسما متحيزا مختصا بجهة فإنه يكون المعتقد لذلك كافرا ، لأن كل من يكون مختصا بجهة وحيز فإنه مخلوق ومحدث وله إله أحدثه ، والقائلون بالجسمية والجهة أنكروا وجود موجود سوى هذه الأشياء التي يمكن الإشارة إليها ، فهم منكرون لذات الموجود الذي يعتقدون أنه الإله ، وإذا كانوا منكرين لذاته كانوا كفارا لا محالة.

قال : وهذا بخلاف المعتزلي فإنه يثبت موجودا وراء هذه الأشياء التي

يشار إليها بالحس إلا أنه يخالفنا في صفات ذلك الموجود ، والمجسمة يخالفون في إثبات ذلك المعبود المعبود ووجوده فكان هذا الخلاف أعظم ، ويلزمهم كونهم منكرين لذات المعبود الحق ولوجوده والمعتزلة في صفته لا في ذاته ، هذا لفظ الرازي.

فأي عاقل يرضى باتباع المجسمة والاقتداء بهم أو قبول روايتهم والعمل بمذاهبهم معاذ الله من ذلك.

وذكر الخوارزمي محمود في كتاب الفائق وهذا محمود من أعظم علماء المعتزلة وعلماء شيوخ الأربعة المذاهب قال ما هذا لفظه : وأما المشبهة من هذه الأمة المصرحون بأن الله تعالى جسم ذو أبعاد فقد اختلفوا في تكفيرهم فذهب شيوخنا إلى تكفيرهم.

(قال عبد المحمود) : وقد تقدم قول شيخ الأشعرية الشافعية في الحنابلة المشبهة ، وهذا قول شيوخ المعتزلة في تكفيرهم ، فهل يرغب ذو ملة أو بصيرة في مشاركتهم في ذلك الضلال؟ وهل يشتبه ضلالهم على أحد من أهل الكمال؟ وقد اقتصرت على تلك الأحاديث مع أن أحاديثهم في ذلك كثيرة ، وإنما خفت الله من استيفاء ذلك ، ويكفي العاقل بعض ما ذكرته مما ذكروه ففيه تنبيه ما أضمروه.

في جملة من اعتقادات الأربعة المذاهب في الأنبياء وخاصة نبينا

ومن طرائف ما وقفت عليه في شرح حال أحمد بن حنبل الشيباني الذي شهد الخليفة المعتصم من بني العباس وعلماء أيامه بالضلال وضربوه وحبسوه ، وقد تضمنت كتب التواريخ شرح ذلك ، وهو المدفون على شاطئ الجانب الغربي من بغداد عند الحربية ، وشرح حال أصحابه ما شهد عليه والراضي بالله أيضا

الخليفة من بني العباس المدفون بين يدي الرصافة المعروف ، وقد ذكر ذلك جماعة من أصحاب التواريخ فمنهم ثابت بن سنان ذكره في الجزء السابع من تاريخه الخبر في كثير من ربطهم ومدارسهم فقال ما هذا لفظه : وروي أن يوم السبت لعشر خلون من جمادى الآخرة ركب بدر الحرسي صاحب الشرطة فنادى في جانبي بغداد في أصحاب أبي محمد البربهازي الحنابلة لا يجتمع منهم نفسان في موضع واحد وحبس جماعة واستتر أبو البربهازي.

ووقع الخليفة الراضي بالله إلى الحنابلة توقيعا نسخته :

"بسم الله الرحمن الرحيم. من نافق بإظهار الدين وتوثب على المسلمين وأكل به أموال المعاهدين كان قريبا من سخط رب العالمين وغضب الله عليه وجعله من الضالين وقد تأمل الراضي بالله جماعتكم وكشفت له الخبرة عن مذهب صاحبكم فوجده كاللعين إبليس يزين لحزبه المحظور ويركب بهم صعاب الأمور ويدنى لهم حبل الغرور ، فمن ذلك تشاغلهم بالكلام في رب العزة تباركت أسماؤه وفي نبيه وفي عرشه وفي كرسيه ، وكطعنكم على خيار الأمة ونسبتكم شيعة أهل بيت نبيكم إلى الضلال وإرصادكم لهم بالمكابرة في الطرقات والمحال واستدعائكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن ولا يقتضيها فرائض الرحمن ، وإنكاركم لزيارة قبور الأئمة عليهم الإسلام وتشنيعكم على زوارها بالبدع وأنكم مع ذلك تتفقون وتجتمعون لقصد رجل من العامة ـ يعني أحمد بن حنبل ـ ليس بذي شرف ولا نسب برسول الله " ص " وتأمرون بزيارته والخشوع لدى تربته والخضوع حضرته ، فلعن الله رأيا حملكم على هذه المنكرات ما أرداه وشيطانا زينها لكم ما أغواه ، والراضي بالله يقسم بالله قسما بتة يلزمه الوفاء به لأن لم تنصرفوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقتكم ليوسعنكم

ضربا وتشريدا وقتلا وتبددا وتعذيرا ولتعملن السيوف في عواتقكم والنار في منازلكم ومحالكم فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ومن أعذر لنفسه لعاتب (لغائب خ ل) وما توفيق الراضي بالله إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب".

وأما أصحاب أبي حنيفة وأتباعه ومن تقدم منهم أو تأخر عنهم من المعتزلة فقد ذكر أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في فضايح المعتزلة وكتاب الفرق بين الفرق عنهم أمورا عظيمة ، فإن كانت كما ذكره فهي من أعظم الفضائح في الإسلام وأتم القبائح عند الله وعند الأنام.

وذكر الخطيب في تاريخ بغداد من طعون أبي حنيفة وفضائحه ما هتك مستورات مذهبه.

وذكر أيضا الجويني في كتاب مغيث الخلق في معرفة الأحق طعونا كثيرة على أبي حنيفة المذكور ، من أراد الوقوف عليها فليراجع الكتاب المذكور.

وأما أنا فلا أشهد بها جميعا ، لأنني وقفت على كتبهم ولقيت علماءهم فرأيتهم يذكرون من صفات الله وتوحيده وتنزيهه ما تشهد به العقول الصحيحة ، لكن ذكروا عن الأنبياء وأئمتهم أمورا قبيحة ، مع أني رأيت القائلين منهم بإثبات الجواهر والأعراض في العدم.

قد ذكروا في ذلك اعتقادا يقتضي موافقتهم للفلاسفة في قدم العالم وموافقتهم للمجبرة في بعض الوجوه في أن أفعالنا حركاتنا وسكناتنا ليست منا ، بل زادوا على الفلاسفة والمجبرة في سوء الاعتقاد وقبح القول ، لأن الفلاسفة قالت : إن الهيولي قديمة وأنها أصل العالم وإن الله ليس له في وجود الهيولي قدرة ولا أثر ، لأنهم ذكروا أنها لا أول لوجودها وهي عندهم مشاركة لله في القدم ، وقالوا : إن الله يصور منها الصور ، فليس له إلا التصوير فحسب ،

وقد بطل قولهم بما ثبت من حدوث العالم وحدوث كل ما سوى الله تعالى ، مع أن كلام الفلاسفة في ذلك ومرادهم مفهوم غير متناقض وإن كان باطلا.

وأما القائلون بثبوت الجواهر والأعراض في العدم فإنهم قالوا أنها ثابتة في العدم ولا أول لثبوتها وليس لله فيها إلا صفة الوجود ، ومن المعلوم أن هذا القول هذيان ومتناقض ، لأن الشئ إما ثابت موجود أو معدوم منفي ، فإن كانت الجواهر والأعراض معدومة فأي معنى لقولهم إنها ثابتة في العدم وإنها قديمة وإن كان معنى قولهم إنها ثابتة في العدم وقديمة أي أنها موجودة في القدم ومتحققة ومتعينة ولا أول لوجودها ، فأي شئ أوجدها الله إذا كان الثبوت هو الوجود قديما مع الله ومستغنيا عنه ، فقد ناقض قول هؤلاء في اللفظ والمعنى وصاروا أقبح قولا واعتقادا من الفلاسفة.

وأما كونهم أقبح قولا واعتقادا من المجبرة فلان المجبرة ادعت أن العالم وسائر حركاتنا وسكناتنا فإنها ليست منا وقالوا : إن ذلك جميعه من الله ، فأبطلنا قولهم بما تقدم ذكره وبغيره من الأدلة الأخر.

وأما الذين أثبتوا الجواهر والأعراض في العدم وأنها لا أول لثبوتها ، فإن كان الحركات والسكنات التي تقع منا تسمى شيئا فهي عندهم ثابتة في العدم قديمة فليست على قولهم من الله ولا منا ، ومن المعلوم أن أفعالنا وحركاتنا وسكناتنا تسمى شيئا فإن الإنسان وكل عاقل يقول : مثلا ما فعلت شيئا أو يقول : فعلت شيئا جيدا أو رديا ، وإن كانت أفعالنا ليست بشئ عندهم فما فعلنا على قولهم شيئا أبدا ، فقد صارت أفعالنا لا منا ولا من الله ، فكان قولهم أقبح من قول المجبرة وأخس من سوء اعتقادهم.

(قال عبد المحمود بن داود) مؤلف هذا الكتاب : لما وقفت على هذه الأحوال وعرفت اعتقادات الأربعة المذاهب مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة

ومذهب الشافعي وأحمد بن حنبل ، ورأيت ظهور ضلالتهم ومناقضاتهم واختلافهم واختلالهم تعوذت بالله من اتباعهم على تلك العقائد المذمومة وضرعت إلى الله سبحانه في دوام السلامة مما أوقعوا أنفسهم فيه من فضيحة الدنيا وهلاك يوم القيامة.

ثم رأيت هؤلاء الأربعة المذاهب قد اتفقوا وأجمعوا على أن الأنبياء عليهم السلام يصح أن يقع منهم الذنوب وأن يكون لهم عيوب ، وخالفوا عترة نبيهم الذين أمروا بالتمسك بهم فإن العترة وأتباعها مجمعون على تنزيه الأنبياء وعصمة رسل إله والسماء.

بل رأيت أولئك الأربعة المذاهب قد رووا في كتبهم المعتبرة إن قد وقعت من الأنبياء ذنوب عظيمة وعيوب ذميمة ، فزادني ذلك نفورا من اتباع هؤلاء الأربعة المذاهب ، واستعظمت تقبيحهم لذكر أنبياء الله ورسله وخاصته ، وقد تقدم من الكلام ما يدل على أن الأنبياء لو كانوا كذلك ما كانت تحصل الثقة بهم والتصديق لهم والطمأنينة إلى ما يقولون من الشرايع ويخبرون به من الله من مصالح الخلائق ، وكان يقع النفور عنهم والشك فيما يقع منهم ، وكيف يجوز في العقول أن يكون نواب الله المترجمون عنه على صفات توجب الشك فيما يقولون أنه منه.

ولقد قال هشام بن عبد الملك لغيلان : أنت الذي تزعم أن الله لم يولني ولم يرض ما أنا فيه؟ فقال له غيلان : وهل رأيت أمينا يولي الخائنين أمانته ، أم رأيت مصلحا يولي المفسدين إصلاحه ، أم رأيت كريما يدعو إلى أمر ثم يصد عنه أم رأيت حكيما يقضي بما يعيب أم يعيب بما يقضي ، أم رأيت حكيما يكلف فوق الطاقة؟ فصريح العقول يشهد أن رسل الله والمترجمين عنه يجب أن يكونوا معصومين منزهين عن الخطأ والسهو والغلط وكل منفر عنهم وحايل

بين الخلائق وبين القبول منهم

(قال عبد المحمود) : من جملة ما وقفت عليه من تقبيح هؤلاء الأربعة المذاهب لذكر رسل الله وأنبيائه أنهم ينسبون آدم وحوا إلى الشرك ، ورووا في ذلك أخبارا ذكروها في كتبهم وتواريخهم ونقلوا منها طرفا في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند أبي هريرة وغيره ، وذكروا في الجمع بين الصحيحين أخبارا في تقبيح ذكر الأنبياء عليهم السلام والرسل جملة وتفصيلا تنكرها عترة نبيهم ، بل تنكرها أعداء الإسلام من أهل الملل ويشهدون بتنزيههم عنها.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي هريرة في الحديث التاسع والثمانين بعد المائة من المتفق عليه إن ملك الموت لما جاء لقبض روح موسى لطمه موسى فقلع عينه. وأسنده البخاري ومسلم في صحيحيهما إلى نبيهم (١).

(قال عبد المحمود) : أفيجوز لذوي الألباب أن يعتقدوا في أنبياء الله ونوابه وخاصته وصفوته مثل هذا الاعتقاد ، ويصححون الأخبار بذلك؟ وهل يجوز أن يقال عن موسى عليه السلام مثل هذا؟ هكذا أدب الأنبياء مع رسل إله والسماء ، والله لو كان الرسول الذي جاء لموسى عليه السلام من بعض ملوك الدنيا أو من بعض رعيته ويعلم أن فيه مصلحته ، كما يعلم أن ملك الموت ما جاء إلا لمصلحته ما كان موسى عليه السلام يتلقى الرسول بقلع عينه وسوء الأدب معه ومع من أرسله إن عقول الذين يعتقدون بهذه الرواية سقيمة وأديانهم ذميمة. (وما يليق بالعقل هو ما روي عن موسى عليه السلام وذكره وهب بن منبه في كتاب المبتدأ فقال : لما فقد بنو إسرائيل موسى عليه السلام ، وتجسسوا عنه تجسسا شديدا واختلطوا واجتمعوا ، وما يدري من خلق الله أحد أين ذهب

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٤٢.

موسى عليه السلام وما صار أمره وما شأنه ، فبقوا في هذه الحالة ثلاثة أيام ، ثم أنشأ الله علا شأنه سحابا سمعوا منه أنه ينادي : مات موسى وأي نفس لا تموت فعلموا أن الله قبضه).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الحادي والعشرين بعد المأتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة يرويه عن نبيهم قال في صفة حال الخلق يوم القيامة : وأنهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة فيعتذر إليهم ، فيأتون نوحا فيعتذر إليهم ، فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ، أشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إبراهيم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات. قال الحميدي : فذكرها أبو كتان يحيى بن سعيد بن كناني في الحديث : نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري (١).

(قال عبد المحمود) : كيف جاز لهؤلاء الأربعة المذاهب أن يذكروا عن نبيهم مثل هذه ويصححوه؟ وقد ذكروا عنه أنه ما كان يقبح ذكر أحد من رعيته وأمته ويستر على الخلائق بجهده ، فكيف صدقوا عنه أنه يقول ذلك عن إبراهيم خليل الله ورسوله وجد محمد " ص " والذي أحال في كتابهم الإسلام إليه ، فقال " ملة أبيكم إبراهيم " (٢) ، ويقولون في توجههم : على ملة إبراهيم وقال في كتابهم " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم " (٣).

ومع ذلك تراهم قد بلغوا من الجهل إلى أن يقولوا على الله أنه أمرهم باتباع ملة إبراهيم والتأسي به فيما لفقوه عليه من الكذب ، أتراهم لو سمعوا

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٨٥.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) الممتحنة : ٤.

أحدا يقول عن أبي بكر وعمر أو أحد الصحابة أنه كذب ثلاث كذبات أما كانوا يكذبون الحديث في ذلك؟ ويقدحون في القائل؟ ويسقطون رواية من يرويه؟ فكيف استجازوا أن يصححوا عن الأنبياء ما يكذبونه عن بعض الصحابة؟ إن هذا من تناقضهم الهائل واختلافهم الباطل.

ومن ذلك في المعنى ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السابع والأربعين بعد المأتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة أن رسول الله " ص " قال : لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ثم شرحها أبو هريرة في حديثه عن نبيهم (١).

(قال عبد المحمود) : سوءة لمستمع الحديث هذا على وجه التصديق به ، وسوءة لراويه ومصححه ، والله ما كان نبيهم بهذه الصفات ، ولقد رأيت في كتابهم وأحاديثهم عنه أنه نهى عن ذم الدواب التي لا تعقل ، وأنه ما ذم طعاما قط ولو كان مذموما ، فكيف يقال عن من تنزه عن ذم طعام مذموم ونهى أصحابه عن الغيبة وعن ذم الدواب والناس ، أنه يصرح بالشهادة على إبراهيم أنه كذب معاذ الله من سوء عقائد هؤلاء الأربعة المذاهب.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن والخمسين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : إن النبي " ص " قال : نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : رب أرني كيف تحيي الموتى قال : أو لم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي ، قال ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي (٢).

(قال عبد المحمود) : وكيف يجوز لأهل الملة أن يصححوا عن نبيهم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٤٠.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٣٣ و ٤ / ١٨٣٩.

قدحه في الأنبياء وتقبيحه لذكرهم؟ وكيف يجوز تصديق من يروي مثل ذلك عنه؟ وكيف يجوز لعاقل أن يقتدي بقوم هذه صفاتهم أو يثق برواياتهم.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس والستين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : إن رسول الله " ص " قال : قرصت نملة نبيا من الأنبياء ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله تعالى إليه إن قد قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح (١).

(قال عبد المحمود) : هل يليق بعاقل يعرف سنة الأنبياء أن يصدق عن أحد منهم الطعن في بعضهم ، وخاصة من قد شهدوا أنه أكمل الأنبياء ، فكيف يصدق عن أكملهم أنه يجاهر بذمهم ويذكر لهم عيوبا وهو الذي صدقهم وزكاهم ومدحهم وعرف أمته بهم؟ وهل كان يقع من نبي مثل هذه الحركات التي لا تقع إلا من الملوك الجبارين؟ والذين لا يفكرون في سخط مالك يوم الدين حتى يقولوا عن نبيهم مثل هذه المقالة.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث السادس والخمسين من المتفق عليه وهو حديث طويل يتضمن ذم هؤلاء الأربعة المذاهب لجماعة من الأنبياء وغلطهم في ذلك على من وصفوه بأنه أكمل الأنبياء.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع والأربعين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : بينما الحبشة يلعبون عند النبي " ص " بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها ، فقال له رسول " ص " : دعهم يا عمر(٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٥٩.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦١٠.

وروى الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين حديثا في المعنى مثل هذا ، وهو أن محمدا نبيهم " ص " كان جالسا وعنده جوار يتغنين ويلعبن ، فجاء عمر فاستأذن فقال النبي " ص" : اسكتن فسكتن ، فدخل عمر فقضى حاجته ثم خرج ، فقال لهن محمد نبيهم : عدن إلى الغناء فعدن إلى الغناء ، فقلن : يا رسول الله " ص " من هذا الذي كل ما جاء قلت اسكتن وكلما خرج قلت عدن إلى الغناء ، فقالوا عن نبيهم محمد " ص " أنه قال : هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل ونحو ذلك.

ورووا في صحاحهم عدة أحاديث يتضمن أمثال ذلك تركنا ذكرها كراهية الإطالة.

وقد روى مسلم منها في صحيحه سبعة أحاديث في المجلد الأول بنحو هذه المعاني تنفر منها عقول العارفين بالأنبياء ولا يثبت مثلها عن أكمل العقلاء.

(قال عبد المحمود) : يا أهل العقول يا ذوي البصائر انظروا في عقول هؤلاء الذين رووا مثل هذا عن نبيهم وصدقوا قائله ، وتفكروا هل يجوز أن يقتدي عاقل بهم؟ أو يثق برواياتهم ، أو يسكن إلى بصائرهم؟ ويغلب الظن أنه ما حملهم على الكذب في ذلك على نبيهم إلا قصدهم لمدح عمر وكونه أنكر على النبي " ص " وأرشده إلى الصواب في هذه الأسباب.

ولئن كان عمر يعتقد في نفسه أو يعتقد له أحد منهم أنه أكمل من النبي المبعوث إليه فإنه كفر صريح من معتقد ذلك وتقبيح لذكر الله والإسلام وبهت للعقول والأفهام.

أبعد الله من رحمته قوما بلغوا من الجهل وتعمد الكذب إلى هذه الغاية وما سمعنا عن أمة من الأمم أنها تبلغ في حق نبيها وتقبيح ذكره إلى هذه المقالة السخيفة مع اعتقادهم لنبوته.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال : إن النبي

صلى الله عليه وآله صلى بالناس صلاة العصر ركعتين ، ودخل حجرته ثم خرج لبعض حوائجه فذكره بعض أصحابه فأتم الصلاة.

ومن كتاب الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السبعين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما وفي رواية هارون بن معروف وحرملة بن يحيى فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله " ص " فخرج إلينا رسول الله " ص " فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب ، فقال لنا : مكانكم.

وفي حديث محمد بن يوسف عن الأوزاعي فمكثنا على هيئتنا يعني قياما ثم رجع فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه تقطر فكبر وصلينا معه (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى هؤلاء القوم السفهاء كيف شهدوا لرجل أنه أكمل الأنبياء وأعقل العقلاء ، وإن عنده من الفطنة والبصيرة ما لم يبلغ إليه أحد ممن كان قبله ولا يأتي بعده مثله ، ثم يصدقون مثل هذه الغفلة عنه ويصححون أن ذلك وقع منه؟ ولو سمعوا مثل ذلك عن أبي بكر وعمر كذبوا قائله ولعنوا ناقله.

أحمد الله على السلامة من الاقتداء بهم والاتباع لهم ، ولا سيما عترة نبيهم الذين أمرهم الله بالتمسك بهم متفقون إن هذا ما جرى منه وإن نبيهم منزه عنه فلم تلتفت الأربعة المذاهب إلى من زكاه وصدقوا من ذمه ورووا عنه ما حكيناه. ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في الحديث الخامس والأربعين ، بعد المأتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة في حديث يزيد بن إبراهيم عن محمد أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله " ص " إحدى صلاتي العشي ـ قال محمد يعني ابن سيرين وأكثر ظني العصر ـ فسلم في ركعتين ،

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها مغضبا ، وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه ، وخرج سرعان الناس فقالوا أقصرت الصلاة؟ وهناك رجل يدعوه النبي ذا اليدين فقال : يا نبي الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال : لم أنس ولم تقصر الصلاة ، قال : بلى قد نسيت ، قال : صدق ذو اليدين ، فقام فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده وأطول ثم رفع رأسه وكبر (١).

ورووا نحوه في الحديث السابع من كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمران بن حصين (٢)

(قال عبد المحمود) : يا بشرى لمن فارق هؤلاء الأربعة المذاهب القائلين عن نبيهم مثل هذه المقالات المصدقين عنه لهذه الروايات.

ومن طريف هذا الحديث إن أبا بكر وعمر كانا ذاكرين أنه غلط وسهى ، ليت شعري من عرف من الرواة باطنهما حتى شهد لهما بذلك ، أو من شهد لهما بالعصمة حتى يصدقهما أنهما كانا أكمل من نبيهم وأحضر فكرا وأشد بصيرة ، وليت شعري من أين لهما أنه غلط وسهى وهلا جوزا أن يكون قد قصرت الصلاة وصارت ركعتين ونسخت منها ركعتان؟ وكيف استجازا سوء الظن به بما قالا فيه إنه سهى وغلط قبل أن يعترف به كما زعموا؟ وليت شعري كيف استحسن رواة هذا الحديث ومصححوه أن يذكروا عن نبيهم أنه غلط وسهى؟ ثم يذكرون أن أبا بكر وعمر من دون الصحابة ودون بني هاشم وعترة نبيهم على وجه التنزيه لهما بأنهما هاباه أن يكلماه ، يعني أنهما كانا منزهين في هذه عن السهو ، وليت شعري من يروي عنهما ما تقدم وما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى من الإقدام والإنكار على نبيهم في عدة مقامات ومقالات ، وكيف يستحسن أن يكذبوا

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٦٦ و ١ / ١٢٣.

أنفسهم وينافضوا ويباهتوا ويقولوا في هذه الرواية أنهما هاباه.

ومن طريف الحديث المذكور أنهم صدقوا أبا هريرة في أن نبيهم قال ما قصرت ولا سهوت ، وأن ذا اليدين كذبه ورد عليه ، وما أنكر على ذي اليدين منكر ، وأن نبيهم عاد وعرف أن ذا اليدين صادق في تكذيبه ، ما رأيت ولا سمعت عن قوم يقتدى بهم في الإسلام قد بلغوا من الاختلاط إلى هذه الغاية ، وليس العجب لهم فحسب بل العجب لمن يقتدي أو يثق بهم.

ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عمران بن حصين في الحديث الأول من المتفق عليه ما تضمن معناه لأن ألفاظه فيها تكرار وأسماء الرواة تطويل لا حاجة إلى ذكره ها هنا قال : إن النبي " ص " كان في سفر فنام هو وأصحابه في آخر الليل إلى أن طلعت الشمس ، فأول من استيقظ أبو بكر ثم عمر فكبر عمر تكبيرا عاليا وأيقظ رسول الله " ص " فأمرهم بالارتحال وسار غير بعيد ثم نزل وصلى الصبح قضاء.

وروى نحوه في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الثاني من أفراد البخاري من مسند أبي قتادة الحرث بن ربعي وروى نحوه أيضا في مسند أبي هريرة في الحديث الثاني من أفراد مسلم (١).

(قال عبد المحمود) : إذا نظرت أيها العاقل في وصفهم لعناية الله بنبيهم وأنه سبحانه جل وعلا لا يصح أن ينام وأن جبرئيل ما كان شفقته على نبيهم دون عناية عمر حتى كان يوقظه دون الله أو جبرئيل ، وإذا نظرت إلى رواياتهم عن نبيهم محمد " ص " أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه وتفسيرهم ذلك بأن نومه لا يمنعه من معرفة الأحوال ، ونظرت في رواياتهم بوجوب قضاء ما فات من الصلاة عقيب ذكره ، ثم يذكرون عنه في هذه الرواية أنه أخر القضاء إلى بعد الارتحال

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه ١ / ٤٧٥.

وأنه قد نام قلبه حتى لم يحس بخروج الوقت ، وكل ذلك يشهد عليهم بالمناقضة في رواياتهم وسوء مقالاتهم وتكذيب أنفسهم.

ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في الحديث الخامس من المتفق عليه من مسند جابر بن عبد الله أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس ، فجعل يسب كفار قريش وقال : يا رسول الله ما كدت أصلى العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي " ص " : ما صليتها : قال : فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب (١).

(قال عبد المحمود) : هل كان يحسن من مسلم أو من يتبع المسلمين أو من يلزم التقية المسلمين أو من يريد للإسلام خيرا أن يروي مثل الحديث ويصدق رواته ويصححه ومذهب المسلمين إن من تعذر عليه الصلاة على الاختيار فليصلها صلاة الخوف وصلاة شدة الخوف ، ولهم في أداء الصلاة وأنها لا تسقط مع بقاء التكليف بها تفصيلات طويلة حتى أن فيهم من يقول إنه تصلى عند اضطراب السيوف وذهاب الأرواح بالتسبيح فقط ، فكيف استجازوا مع ذلك أن يصدقوا عن نبيهم ويشهدوا عليه أنه ترك الصلاة بالكلية حتى خرج وقتها ، مع أن عمر ما تركها أما كان لعمر أسوة برسول الله " ص " في ترك الصلاة إن كان تركها ، وهذه رواية يكذبها عترة نبيهم وينكرها خاصة.

ومن ذلك ما رواه الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في الحديث الرابع والأربعين من أفراد مسلم من مسند عائشة قالت : دخل على رسول الله " ص " رجلان ، فكلماه بشئ لا أدري ما هو ، فأغضباه ، فلعنهما وسبهما ، فلما خرجا قلت : يا رسول الله ما أصاب أحد من الخير شيئا ما أصابه هذان ، قال :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٣٨.

وما ذاك؟ قلت : لعنتهما وسببتهما قال : أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاتا وأجرا (١).

(قال عبد المحمود) : اعتبروا رحمكم الله في هذا الحديث فإن فيه طرائف فمن طرائفه كونه يخالف كتابهم في وصف نبيهم بالرحمة والشفقة عليهم وأنه لعلى خلق عظيم ، وأنه ما فظا غليظ القلب ، فكيف جاز أن يصدقوا أو يصححوا يخالف كتابهم ويردوا على كتاب نبيهم بقول عائشة.

ومن طرائفه أن يكون لعن نبيهم وسبه مصلحة لمن يلعنه ويسبه وخيرا وزكاة ومعلوم أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فكيف قبلت عقولهم قول عائشة في ذلك ووصفوا نبيهم بهذه المقالات التي لا تليق به.

ومن طرائفه أنهم يشهدون لهما أنهما من المسلمين برواية عائشة ، وأنه يجوز مع ذلك أن يسبهما ويلعنهما وهذه أمور يستحي ذووا البصائر من تصحيحها عن أدنى العقلاء ، فكيف جاز أن ينسبوها إلى أكمل الأنبياء؟ لقد بلغ التعجب من هؤلاء القوم إلى أبعد الغايات ، ورحمتهم من شدة هذه الغفلات.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الرابع عشر من أفراد البخاري من مسند عبد الله بن عمر أنه كان يحدث عن رسول الله " ص " إنه لقي زيد بن عمر بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله " ص " فقدم إليه رسول الله سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ، ثم قال : إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه (٢).

(قال عبد المحمود) : انظروا رحمكم الله إلى هذه الرواية التي شهدوا بصحتها وأن نبيهم ممن يذبح على الأنصاب ويأكل منه ، وقد ذكروا في

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٠٠٧ في كتاب البر والصلة.

(٢) رواه البخاري في صحيحه ٦ / ٢٢٥.

كتبهم إن الله كان يتولى تربيته وتأديبه وجبرئيل يلازم تهذيبه ، وإنه ما كانت له متابعة للجاهلية ولا رضي شيئا من أمورهم ، فكيف كذبوا أنفسهم في ذلك كله وفي مدح الله تعالى له ومدحهم له لأول أمره وآخره وظاهره وباطنه ، ثم مع هذا يشهدون عليه أن زيد بن عمر بن نفيل كان أعرف بالله منه وأتم حفظا لجانب الله ، فكيف أقتدي أنا وغيري من العقلاء بقوم يروون مثل هذا ويصححونه ، ولقد سألت علماء أهل العترة من شيعتهم فرأيتهم ينكرون تصديق ذلك غاية الانكار.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث العشرين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال : قال رسول الله " ص " لبلال في صلاة الغداة : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة ، قال بلال : ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لم أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كنت أقدر أن أصلي (١).

(قال عبد المحمود) : قد تعجبت من تصديقهم وتصحيحهم أن بلالا سبق رسول الله " ص " إلى الجنة ودخلها قبل أن يدخلها ، ما هذا إلا اختلاط شنيع واضطراب بديع ، فأين رواياتهم أنه أول داخل إلى الجنة وأول شافع ، وأنه لا يدخلها أحد إلا بإذنه أو جواز منه؟ فكيف استحسنوا أن يرووا هاهنا إنه ما كان علم من بلال إنه قد سبقه إلى الجنة حتى سمع خشفة نعليه؟ وليت شعري أي حاجة لبلال إلى تلك النعلين اللتين توجهت الإشارة إليهما حتى يلبسهما في الجنة. إن هذا من المحال الذي لا يخفى على أهل الكمال.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس من المتفق عليه من مسند حذيفة بن اليمان قال : كنت مع النبي " ص "

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩١٠ فضائل بلال.

فانتهى إلى سباطة قوم ، فبال قائما فتنحيت فقال : ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ فمسح على خفيه. وفي رواية حتى فرغ (١).

(قال عبد المحمود) : انظر أيدك الله إلى قوم رووا في كتبهم إن نبيهم علم الناس الآداب في البول والخلاء وسائر الأمور الدينية والدنيوية ، وإنه لا يبول قائما كما يفعله السفهاء ويتباعد عن الناس وقت بوله ثم يصدقون ويصححون أنه بال قائما كما يفعل السفهاء والأراذل ، والله ما بلغ أعداؤهم إلى هذه الحال ، وإني سمعت جماعة من أهل الملل يشهدون أن محمدا " ص " ما كان بهذه الصفات ، وإنه كان مؤدبا منزها عن هذه الأمور المنقصات.

ثم العجب من هذا الحديث أن حذيفة يعلم أن الأدب في التباعد عن نبيهم فكيف يقال أن النبي " ص " أمره بالدنو منه عند عقيبه وأن يترك الأدب ، ثم وأي غرض يمكن أن يكون للنبي في الاطلاع عليه عند هذه الحال ، أما استحيى أما خاف أهل الإسلام في رواية هذا المحال.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الخامس والخمسين من أفراد البخاري من مسند أبي هريرة قال : وأتى النبي " ص " بني حارثة فقال أراكم يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم ، ثم التفت فقال : بل أنتم فيه (٢).

(قال عبد المحمود) : يا لله وللعقول كيف يقول هؤلاء عن رجل ذكروا أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ولو لم يأت في قرآنهم هذه الآية فإن نبيهم ما كان بصفة من يستعجل في أمر قبل تحقيقه ، فكيف صدقوا وصححوا أنه قال ما ليس بحق ثم رده على نفسه وكشف لهم عن غلطه؟ وهل كان يجوز

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٢٨.

(٢) البخاري في صحيحه ٢ / ٢٢١.

أن يقبل عليه في ذلك شهادة مسلم ، ولو أن مسلما ادعى عليه مثل هذا وجب أن يحكم عليه بالردة أو نحوها ويستتاب ، الحمد لله على التنزه مما حصل لهؤلاء في رسوله ، ونسأله أن يوفقنا لمراضيه.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث الثالث من أفراد مسلم من مسند رافع بن خديج قال : قدم نبي الله " ص " المدينة وهم يأبرون النخل فقال : ما تصنعون؟ قالوا : كنا نصنعه قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا منه ، فتركوه فنفضت أو فنقصت ثمارها قال : فذكروا ذلك له. فقال : إنما أنا بشر مثلكم إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشئ من رأى فإنما أنا بشر (١).

ومن مسند طلحة بن عبد الله في الحديث الثالث من أفراد مسلم قال : مررت مع رسول الله " ص " بقوم على رؤس النخل ، فقال ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا : يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فقال رسول الله " ص " : ما أظن يغني ذلك شيئا قال : فأخبروا بذلك فتركوه ، فأخبر بذلك رسول الله " ص " فقال : إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل (٢).

(قال عبد المحمود) : كيف صدقوا مثل هذا الحديث وصححوه وقد شهدوا في عدة مواضع أن نبيهم " ص " ما كان بصفة من يخفى عليه مثل هذا الأمر الذي ما يخفى على الصبيان والنساء ، وأنه ما تربى ولا عاش إلا مع قوم يعرفون عادة النخل في التلقيح ، ولو لم يكن تربى معهم فإن هذا ما هو من الأمور الخفية على الخلائق ، ولو كان ذلك قد خفى عليه ما كان بصفة من يستعجل السؤال والتحقيق ، وكيف يفعل ذلك من يتضمن كتابه إنه ما ينطق عن الهوى؟

__________________

(١ ـ ٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٣٥.

وكيف يقتدي عاقل بقوم هذه رواياتهم ومقالاتهم؟ لقد استحييت لهؤلاء الأربعة المذاهب من هذه الأمور العجائب.

(ومن طريف ما قبحوا به ذكر نبيهم بما لو ذكر أحد منهم أو من واحد من الصحابة كذبوه ، ما ذكره عبد الرحمن بن جوزي في كتاب مرآة من الجياد في باب السبق بالمصارعة قال ما هذا لفظه ورفعه إلى أبي عبد الله بن حرب قال : صارع رسول " ص " أبا دكانه في الجاهلية وكان شديدا شاة بشاة ، ودنى فصرعه النبي ثلاث مرات ، فقال أبو دكانه ما أقول لأهلي شاة أكله الذئب وشاة تسرق فما أقول للثلاث فقال " ص " ما كنا لنصرعك لنجمع عليك أن نصرعك ونغرمك ، خذ غنمك.

(قال عبد المحمود) : كيف تلزمونا أيها المسلمون إذا أنكرنا نبوة نبيكم. وأنتم تقولون عنه مثل هذه الروايات التي لا تليق بالفضلاء ولا بالعقلاء فكيف عن الأنبياء ، وهل بلغتم من الجهل إلى أن تقولوا أنه كان في الجاهلية مثل بعضهم في المصارعة واللعب وأحوال أهل السفه ، أعنت يا بن الجوزي على هدم الإسلام وبطلان النبوة وأشمت قلوب الأعداء وجعلت الحجة للزنادقة على مخالفة المسلمين ، فإن لم يكن لكم دين أما كان لك عقل يردك عن هذه الفضائح التي نسبتها إلى دين الإسلام).

(قال عبد المحمود) : فقد عرفتك طرفا مما ذكروه عن الأنبياء وعن نبيهم من الأمور التي ما كان يجوز تصديقها عنهم ، ولا كان يحل أن يقبلوا ممن ينقل ما يقتضي النفور منهم ، ومع هذا فقد قبلوا ونقلوا وصححوا فكيف يقتدي بقوم يصفون نبيهم بهذه الصفات ويصدقون عنه مثل هذه الروايات.

أخبار النبي " ص " عن ارتداد بعض أصحابه بعد وفاته

ومن طرائف ما رأيت من مناقضاتهم في نحو ذلك أني سمعت جماعة من هؤلاء الأربعة المذاهب ورأيت في كتبهم أنهم يستعظمون ذكر أحد من الصحابة

بسوء حتى أنهم لو علموا أن رجلا ذكر عن أبي بكر وعمر وأمثالهم نقصا أو روى لهم عيبا أو يلعنهم أو غلب على ظنهم أن أحدا نسب إلى أحد هؤلاء الصحابة خطيئة فإنهم يضللون القائل والناقل والمستمع ، ويبيح كثير منهم دم من يعتقد ذلك.

فمن اعتقاداتهم في ذلك ما ذكره أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي وهو من علماء الأربعة المذاهب في كتاب الاعتقاد ما هذا لفظه : إن الصحابة كلهم عدول رجالهم ونسائهم ، ثم قال عقيب ذلك : فمن تكلم فيهم بتهمة أو تكذيب فقد توثب على الإسلام بالإبطال.

ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب الإحياء في قواعد العقائد في الأصل التاسع قال : واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة (١).

(قال عبد المحمود) : سأذكر لك طرفا من ذمهم للصحابة فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ثم يا لله أما يجرون أحد الصحابة مجرى أحد الأنبياء ، كيف سهل عليهم ذم بعض الأنبياء وخاصة نبيهم الذي عندهم أكملهم ، وعظم عندهم ذم بعض الصحابة وقالوا كلهم عدول ، ثم كيف يجوز أن يرغب عاقل في دين قوم هذه رواياتهم وعقائدهم وهذه مقالاتهم عن نبيهم المشفق عليهم المحسن إليهم.

ومن طريف ما سمعت عن جماعة منهم بل رأيت أنهم يرجحون أهل الذمة على فرقة من المسلمين يسمونها الرافضة ، ومودتهم لأهل الذمة أكثر من مودتهم لهذه الفرقة لأنهم يعتقدون في هذه الفرقة أنها تعتقد بخطيئة بعض الصحابة أو ضلال بعضهم.

وهذا من طرائف هؤلاء وفضائحهم وسوء توفيقهم ، لأن هذه الفرقة المسماة عندهم بالرافضة أقصى ما رأيت منهم وسمعت عنهم ما حكيت من اعتقادهم لضلال بعض الصحابة ، وقد كان الصحابة يضلل بعضهم بعضا في حياتهم وقد

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ١ / ٩٣.

جرى بينهم من الاختلاف واستباحة بعضهم دم بعض وذم بعضهم بعضا ما قد عرفه أكثر أهل الملل ، وقد تقدمت رواياتهم عن نبيهم أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقاتلهم بأمر نبيهم وكانوا من الصحابة وسفكت الدماء بين الفريقين.

ومن طريف ما رأيت من المناقضة لهم شهادتهم بتزكية الصحابة جميعهم ثم شهادتهم بأن نبيهم أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين منهم.

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكر في الحديث الثامن من المتفق عليه قال عن النبي " ص " أنه : إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار(١).

(قال عبد المحمود) : فانظر رحمك الله في هذه المناقضات وأعجب وأبعد من اعتقاد أهل هذه المقالات ، ثم كيف لم يكن لهذه الفرقة الرافضة أسوة بالصحابة فيما فعلوا في أنفسهم؟ وكيف صار أهل الذمة أخف على قلوبهم وأقرب إليهم من هذه الفرقة؟ وأهل الذمة يقولون عن نبيهم وصحابته وأهل بيته وخاصته كل عظيمة ويرمونهم بكل قبيحة ، وإذا خلى الذمي مع مثله في أكثر أوقاته فلعله يلتذ بتقبيح ذكر نبيهم وصحابته وأهل ملته ويدينون بذلك ، ويعتقدون أنهم لو وجدوا من ينصرهم عليهم سفكوا دماءهم وتملكوا نساءهم وزالوا خلافتهم وممالكهم واستعبدوهم وجعلوهم تحت أقدامهم وانتقموا منهم لإحيائهم وأمواتهم.

فكيف صارت الرافضة باعتقاد خطأ بعض الصحابة أبعد إلى هؤلاء المسلمين من أهل الذمة؟ وكيف صار أهل الذمة أقرب إلى هؤلاء المسلمين من الرافضة ، لولا أن هؤلاء المعتقدين لذلك من هؤلاء الأربعة المذاهب معاندون أو جهال بالمعقول

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢١٤ كتاب الفتن.

والمنقول ، فلا يجوز لأحد أن يلتفت إليهم ولا يعول عليهم سواء قلوا أو كثروا ارتفعوا في الدنيا أو اتضعوا.

(قال عبد المحمود) : ومما رأيت من تكذيب هؤلاء الأربعة المذاهب لأنفسهم ودينهم ولكثير من صحابة نبيهم جملة وتفصيلا ، وشهادتهم أن نبيهم ذمهم وشهد عليهم بالضلال.

ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند سهل بن سعد في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال سمعت النبي " ص " يقول : أنا فرطكم على الحوض ، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم : فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث ، فقال : هكذا سمعت سهلا يقول؟ قال : فقلت : نعم قال : وأنا أشهد على سعيد أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول : إنهم أمتي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي وغير (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الستين من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عباس قال : ألا وأنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " (٢) قال : فيقال

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٩٣ ، والبخاري : ٢٨ / ٢٦ ، والبخاري في صحيحه ٧ / ٢٠٨.

(٢) مائدة : ١١٧ و ١١٨.

لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الحادي والثلاثين بعد المائة من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك قال : إن النبي " ص " قال : ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني ، حتى إذا رايتهم ورفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن : رب أصحابي أصحابي فليقالن لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (٢).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث السابع والستين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قال النبي " ص " : بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم فقلت : إلى أين؟ قال : إلى النار والله. قلت : ما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم. فقلت : إلى أين؟ فقال : إلى النار والله. قلت : ما شأنهم. قال : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (٣).

ورووا مثل ذلك من عدة طرق من مسند عائشة.

ورووا نحو ذلك من عدة طرق من مسند أسماء بنت أبي بكر.

ورووا نحو ذلك من عدة طرق من مسند أم سلمة.

ورووا نحو ذلك من مسند سعيد بن المسيب.

وجميع هذه الروايات في الجمع بين الصحيحين للحميدي.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٩٥ كتاب الجنة.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٠٠ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ٢٠٧.

(٣) رواه البخاري في صحيحه : ٧ / ٢٠٨.

ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسند عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله " ص " أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إلي رجال منكم ، حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني فأقول : أي رب أصحابي. فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (١).

وروى نحوه الحميدي في ميند؟ الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن مسعود.

وروى نحوه الحميدي أيضا في مسند حذيفة بن اليمان في الحديث السابع من المتفق عليه (٢).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأول من صحيح البخاري قالت أم الدرداء في الحديث : دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت : ما أغضبك؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمد " ص " شيئا إلا أنهم يضلون جميعا (٣).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث الأول من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك عن الزهري قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت.

وفي حديث آخر منه ما أعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله " ص " قيل الصلاة قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها (٤).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في مسند

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٢٥٣ و ٢٥٨.

(٢) راجع صحيح مسلم : ٤ / ١٧٩٦.

(٣) البخاري في صحيحه : كتاب الأذان رقم الحديث ٣١ : ١ / ١٥٩.

(٤) البخاري في صحيحه : كتاب المواقيت رقم الحديث ٧ : ١ / ١٣٤.

أبي مالك وأبي عامر كذا ذكره الحميدي بهذا اللفظ أن النبي " ص " قال : أول دينكم نبوة ورحمة ، ثم ملك ورحمة ، ثم ملك وجبرية ، ثم ملك عض يستحل فيه الخز والحرير.

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس بعد الثلاث مأة من المتفق عليه من مسند أبي هريرة قال عن النبي " ص " في أواخر الحديث المذكور : إن مثلي كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال : فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها(١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث العاشر من مسند ثوبان مولى رسول الله من حديث أبي الربيع عن الزهري عن النبي " ص " قال : إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأصنام والأوثان(٢).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع والأربعين من أفراد البخاري من مسند أبي هريرة أنه قال : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مآخذ القرون قبلها شبرا بشبر ، وذراعا بذراع فقيل له : يا رسول الله كفارس والروم؟ قال : من الناس إلا أولئك (٣).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٨٩ ، والبخاري في صحيحه : كتاب الأنبياء رقم ٤٠.

(٢) رواه جامع الأصول عنه : ١٢ / ٦٢.

(٣) رواه جامع الأصول عنه : ١٠ / ٤٠٩.

الحادي والعشرين من المتفق عليه من مسند أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله " ص " : لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا في جحر ضب لا تبعتموهم قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟ (١).

ومن ذلك ما ذكره صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (٢).

عن حذيفة عن النبي " ص " أنه قال : وأنتم أشبه الأمم سمتا ببني إسرائيل لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟ (٣).

(قال عبد المحمود) : هذه بعض أحاديثهم الصحاح مما ذكروه عن صحابة نبيهم وعن أمته ، وما يقع منهم من الضلال بعد وفاته ، وسأذكر فيما بعد طرفا من أحاديثهم الصحاح المتضمنة لمخالفتهم له وذمه لهم في حياته.

فإذا كان قد شهد نبيهم على جماعة من أصحابه بالضلال والهلاك ، وأنهم ممن كان يحسن ظنه بهم في حياته ، ولحسن ظنه بهم قال أي رب أصحابي ، ثم يكون ضلالهم قد بلغ إلى حد لا تقبل شفاعة نبيهم فيهم ويختلجون دونه وتارة يبلغ غضب نبيهم عليهم إلى أن يقول سحقا سحقا ، وتارة يقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ، وتارة يشهد عليهم أبو الدرداء وأنس بن مالك وهما من أعيان الصحابة عندهم بأنه ما بقي من شريعة محمد " ص " إلا الاجتماع في الصلاة ثم يقول أنس وقد ضيعوا الصلاة ، وتارة يشهد نبيهم أنه بعد وفاته

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٠٥٤ كتاب العلم.

(٢) المائدة : ٤٤.

(٣) الكشاف : ١ / ٦١٦ ، ورواه العلامة المجلسي عن صحيح الترمذي : ٢٨ / ٣٠.

يكون دينهم ملكا ورحمة وملكا وجبرية على عادة الملوك المتغلبين ففيهم الرحيم والمتجبر ، وتارة يشهد على قوم من الصحابة يشفق عليهم ويأخذ بحجزهم عن النار ، وينهاهم مرارا بلسان الحال والمقال فيغلبونه ويسقطون فيها ، وتارة يخاف على أمته من أئمة مضلين يولون عليهم ، وتارة يشهد عليهم باتباع ما أتى به القرون السالفة في الضلال واختلال الأحوال.

ثم قد أوردوا عنه بغير خلاف من المسلمين أن أمة موسى افترقت بعده إحدى وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار ، وأمة عيسى افترقت اثنتين وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار ، وأمته تفترق ثلاثا وسبعين فرقة واحدة ناجية واثنتان وسبعون في النار ، وقد تضمن كتابهم وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين " (١) فكيف يجوز لمسلم أن يرد شهادة الله وشهادة رسوله عندهم بضلال كثير من صحابة نبيهم ، وهلاك أكثر أمته واختلاف أمورهم بعد وفاته ، وهل يرد ذلك من المسلمين إلا من هو شاك في قول الله وقول نبيهم ، أو مكابر للعيان ، وكيف يلام أو يذم من صدق الله ورسوله في ذم بعض أصحابه وأكثر أمته أو اعتقاد ضلال بعضهم ، وكيف استحسنوا لأنفسهم أن يرووا مثل هذه الأخبار الصحاح ثم ينكروا على الفرقة المعروفة بالرافضة ما أقروا لهم بأعظم منه ، وكيف يرغب ذو بصيرة في اتباع هؤلاء الأربعة المذاهب ، وقد بلغوا إلى هذه الغايات من المناقضات واضطراب المقالات والروايات.

في أن النبي " ص " لم يترك أمته بغير وصية

ومن طرائف الأمور التي أقدم عليها هؤلاء الأربعة المذاهب وأمثالهم ،

__________________

(١) التوتة : ١٠١.

وكابروا فيها المعقول والمنقول ، وناقضوا بها العادات ، وما قدموه من الروايات التي أجمعوا على صحتها ، وإنهم مع قولهم إن نبيهم محمدا " ص " كان أعقل العقلاء وأفضل الأنبياء ، وأنه كان شفيقا على أمته ورحيما لأهل ملته ، وأنه ما كان يسافر عنهم حتى يجعل لهم من ينوبه فيهم وينظر في مصالحهم ، وأنه كان إذا نفذ سرية أو جيشا يقول إن قتل أميركم فالأمير فلان فإن قتل فلان ففلان الآخر عوضه ، ورووا في ذلك أخبارا في صحاحهم.

فمنها ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الخامس والخمسين من أفراد مسلم من مسند عبد الله بن عمر قال : أمر النبي " ص " في غزوة موتة زيد بن حارثة وقال : إن قتل زيد فجعفر ، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة.

وكل ذلك فعله نبيهم لئلا يقع بينهم اختلاف ولئلا ينشر أمرهم ، وإن شفقته عليهم بلغت إلى أنه أمرهم ألا يبيت أحد منهم إلا ووصيته تحت رأسه ، وأنه من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية ، ورووا في ذلك أخبارا.

فمنها في بعض ما ذكرناه ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن والستين بعد المائة من المتفق عليه من مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله " ص " قال : ما حق امرء مسلم له شئ يريد أن يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده. (١).

وقد تقدم من روايتهم عنه " ص " في صحاحهم أنه أوصى أن الأمر في قريش ، ثم عين على بني هاشم وأهل بيته ، وجعلهم خلفاء بعد وفاته ، وتقدم أيضا رواياتهم عنه في تعيينه علي بن أبي طالب عليه السلام في عدة مقامات بروايات متواترة.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٤٩.

وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثاني والسبعين من المتفق عليه من مسند عائشة قال : كانت عائشة تحدث إن النبي " ص " قال بعد ما دخل بيتي واشتد وجعه : أهريقوا علي من سبع قرب لم تحل أوكيتهن لعلي أن أعهد إلى الناس ، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوجة النبي " ص " ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن. قالت : ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم.

(قال عبد المحمود) : ومع هذا كله فإن الأربعة المذاهب كابروا وباهتوا وقالوا إن نبيهم ما أوصى بهم ، وإنه ترك أمته جميعا بغير وصية منه فيهم ، ولا اختار لهم أحدا يقوم مقامه ، ولا قال لهم اختاروا أنتم ، وأنه تركهم حتى اختلفوا بعده ، واختلط أمورهم غاية الاختلال وشهد بعضهم على بعض بالضلال.

(قال عبد المحمود) : لقد ركب القائلون بذلك مركبا عظيما من البهتان لا يجوز أن يستحسنه أحد من أهل العقول والأديان ، فإنه لو لم يصفوه بما وصفوه من الشفقة عليهم والإحسان إليهم ولا رووا ما رووا من وصاياه وكانوا لا يعرفون على الجملة ما جرت الحال عليه ، وجب أن يعتقدوا أنه أوصى وأنه لا يجوز وصفه أنه مات بغير وصية وقبل تعيين من يقوم مقامه سواء كان نبيا أو ملكا من الملوك ، فإننا ما عرفنا وما سمعنا أن نبيا قبله مات بغير وصية ، وما مات نبي إلا بعد أن عين على من يقوم مقامه ، وكذلك الملوك إذا لم يحل بينهم وبين وصيتهم حائل ، فكيف أقدموا على تقبيح ذكر نبيهم؟ ووصفوه بأنه ترك ما شهد بوجوبه كافة الأنبياء وأعقل العقلاء.

لا سيما وقد ذكروا عنه أنه ما مات فجأة وما مات إلا بعد أن ظهر له ولهم أنه يموت في ذلك المرض ، وقد كان يجب عليهم في حكم الوفاء له أنه إذا

أورد عليهم حديث يتضمن أنه أوصى بهم وعين لهم عالي من يقوم مقامه أن يفرحوا بذلك الحديث لموافقته للعقول السليمة والأديان المستقيمة والعوائد الصحيحة ، ولا يبدئوا قائله وناقله بالبهتان ويقابلوا الحديث بالهجران. فكيف وقد روت عترته الذين أمرهم بالتمسك بهم وصية نبيهم بالإسلام والمسلمين وتعيينه على من يقوم مقامه فيهم إلى يوم الدين ويصدقوا العترة في تلك الروايات بما تقدم ذكره من رواياتهم في صحاحهم.

ومن طريف بهتهم للمعقول والشرائع والعوائد أنهم يقولون لو كان نبيهم قد أوصى إلى أحد أو عين على من يقوم مقامه ما خالفه أحد من الصحابة ، وقد عرفوا وعرف أهل الملل أن أكثر أصحاب نبيهم خالفوه في حياته في حال الشدة وزمان الرخاء.

أما الشدة فإنهم فارقوه في غزوات جماعة وخذلوه واختاروا أنفسهم عليه ، فمنها غزاة حنين واحد وخيبر وغيرهن ، وقد تضمن كتابهم " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم يغن عنكم وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين " (١) وكانوا في تلك الحال نحو عشرة آلاف فلم يتخلف معه أحد إلا أقل من عشرة أنفس.

وروى سبعة أنفس فحسب وهم علي بن أبي طالب عليه السلام والعباس والفضل بن العباس وربيعة وأبو سفيان بن حرث بن عبد المطلب وأسامة بن زيد وعبيدة بن أم أيمن ، وروى أيمن بن أم أيمن ، وأسلمة الباقون للقتل وشماتة الأعداء وإبطال كثير من شريعته ، لأن هذه الغزوات كانت قبل إكمال شريعتهم كما يذكرون وآثروا الحياة الفانية على الحياة الباقية وعلى الله وعلى نبيهم وهو يراهم عيانا ولم يستحيوا منه ولا من الله ولا من العار.

__________________

(١) التوبة : ٢٥.

وأما مخالفة أصحابه له في الرخاء والأمن فقد تضمن كتابهم ذلك فقال " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين " (١) فكانوا كما روي إذا سمعوا بوصول تجارة تركوا الصلاة معه والحياء منه وتركوا المراقبة لله الذي يذكرون أنه أمرهم بالصلاة معه ، ولم يلتفتوا إلى حرمة ربهم ولا حرمة نبيهم ولا صلاتهم معه وباعوا ذلك كله بمشاهدة تجارة أو طمع في مكسب منها ، فكيف يستبعد من هؤلاء أن يخالفوه بعد وفاته في طلب الملك والخلافة والجاه والمال ، وقد انقطعت مشاهدته لهم وحياؤهم منه ، إن استبعاد مخالفتهم له من عجائب الأمور وطرائف الدهور.

ومن طرائف ما يدل على أن أكثر الصحابة لا يستبعد منهم مخالفة نبيهم بعد وفاته.

ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث الحادي عشر من المتفق عليه قال : إن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء ، فطفق رسول الله " ص " يعطي رجلا من قريش المائة من الإبل ، فقالوا : يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم.

وقال الحميدي في الحديث المذكور في حديث هاشم بن زيد عن أنس أن الأنصار قالت : إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا ، قال ابن شهاب عن أنس : فحدث ذلك رسول الله " ص " فعرفهم.

وفي حديث ذكره : أنه فعل ذلك تالفا لمن أعطاه ، ثم يقول في رواية الزهري عن أنس أن النبي " ص " قال للأنصار : إنكم ستجدون بعدي أثره شديدة ، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض قال أنس : فلم يصبروا

__________________

(١) الجمعة : ١١.

ومن ذلك ما رواه في صحاحهم باتفاقهم ، وقد ذكر مسلم في صحيحه أيضا في المجلد الثالث من حديث عائشة في قصة الإفك فقال فيه ما هذا لفظه قالت : فقام رسول الله " ص " على المنبر فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول قالت : فقال رسول الله " ص " وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهل بيتي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن اجتهلته الحمية. فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله.

فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : لعمر الله لنقتله فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله " ص " قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت ـ الخبر (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله نظر منصف في هذه الأحاديث المتفق على صحتها عندهم ، وفكر فيما بلغوا إليه من تقبيح ذكر الأنصار كافة ، وما ذكروه عنهم وشهدوا به عليهم من سوء معاملتهم ومصاحبتهم لنبيهم في حال حياته بمحضره وقلة احترامهم له وترك الموافقة في حالتي غضبه ورضاه ، ووقوفهم مع الحسد بنبيهم أو أغراض جاهلية وأحقاد دنيوية ، فكذلك يكون قد حضروا وحضر من حضر منهم يوم السقيفة بمثل هذه الآراء السقيمة والأغراض الذميمة ، واختلفوا فيمن يولونه منهم أو من غيرهم الإمارة حتى حضر أبو بكر وعمر

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٣٣ ـ ٢١٣٤ كتاب التوبة.

وأبو عبيدة واغتنموا اختلاف الأنصار ومن حضر السقيفة وتوسلوا إلى مبايعة أبي بكر ، وبالله عليك هل ترى يستبعد من هؤلاء الأنصار وأمثالهم أن يتركوا النص على علي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة حسدا له ولبني هاشم ويبايعوا أبا بكر لأغراض دنيوية ، وأنهم كانوا يطمعون من أبي بكر بما لا يرجون من علي ابن أبي طالب عليه السلام من التماس الولايات والأموال منه بغير حقها.

وانظر رحمك الله كيف أحوجوا نبيهم إلى أن قطع الخطبة ومنعوه مما كان قد شرع فيه من التألم من المنافق عبد الله بن أبي سلول ولم يتمكن من الانتصاف من رجل واحد ، حيث كان لهم أغراض فاسدة في منعه من ذلك واختلفوا عليه فاقتصر على الامساك ، فهلا كان حال علي عليه السلام معهم وحالهم معه كما جرت الحال مع نبيهم في اختلافهم واختلالهم.

(ومن طريف ما يدل على أن الصحابة يختارون الدنيا على الله والرسول قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقه " (١) ، وتقدم روايات الأربعة المذاهب بأن هذه الآية لم يعمل بها غير علي ابن أبي طالب عليه السلام ، فانظر مضمون تلك الروايات ومضمون قوله تعالى " أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات " (٢) وكيف لا يعلم بيقين من هذه الآيات إن هؤلاء اختاروا طلب المال الحقير الفاني على ما أتاهم ويأتيهم من معرفة دينهم وآخرتهم من المخاطبات معه صلوات الله عليه ، وكان قيمة دينهم وسعادة آخرتهم أقل من قيراط وأقل منه أن يصدقوا ويناجوا مع رسولهم ، فكيف يستبعد من هؤلاء الجماعة أن يخالفوا رسولهم بعد وفاته في طلب الملك العقيم والولايات وبلوغ الشهوات واللذات.

__________________

(١) المجادلة. ١٢.

(٢) المجادلة : ١٣.

ثم انظر قوله تعالى " وتاب الله عليكم " فهو يكشف لك أنه وقع منهم بالتأخر من المناجاة والبخل بالصدقات ما يقتضي الخيانات ويحتاج إلى أن يتوبوا حتى يتوب الله عليهم ، وهذا واضح من إيثارهم الدنيا على الله والرسول المحسن إليهم ، ثم ذكر الله تعالى إنه تاب عليهم شفقتا بهم لا لأنهم تابوا لأن التوبة له طرفان طرف من الله تعالى أن يفتح باب قبول التوبة وطرف من العبد بأن يتوب ألا ترى قوله تعالى أنه قال في موضع آخر " ثم تاب عليهم ليتوبوا ". وفي آية أخرى قوله تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" (١).

فانظر في قوله تعالى لنبيه أنهم أقسياء القلوب أن لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا ، ألا تعلم أن مضمونه يقتضي عقلا أن الباعث لجمعهم واجتماعهم لم يكن إلا لين جناح النبي صلى الله عليه وآله ولطفه معهم ، لا لا طاعة حكم النبوة وإطاعة حكم رسالته وقوله تعالى " لانفضوا من حولك " يوضح لك هذا المعنى أنه لو كان فظا وغليظ القلب لم يصبروا على نبوته " ص " ولم يقيموا على حكم رسالته ، وقوله تعالى " فاعف عنهم " يكشف لك أنهم كانوا على صفات مهلكة وجنايات مفضحة التي تحتاج إلى العفو عنهم ، وقوله تعالى " واستغفر لهم " يؤكد ذلك إلى نهاية الغاية.

وقوله تعالى " وشاورهم في الأمر " يدل على ضعف دينهم وأنهم كانوا مؤلفة يحتاجون إلى تأليف قلوبهم ، وقوله تعالى " فإذا عزمت " حيث جعل المدار على عزمه ولم يقل وإذا قالوا لك أو إذا عزموا كلها يدل بوضوح أن حالهم كان حال المؤلفة ، وكل واحد منها يشهد بضعف إيمانهم وسخافة رأيهم ، فكيف

__________________

(١) آل عمران : ١٥٩.

يليق بأحد منهم أن يقتدي به أهل الفهم أو يعتمد إلى حديثهم بعد هذا الإيضاح والإعلام وخاصة أنهم يزعمون أن الذين شاورهم محمد " ص " كان أبو بكر وعمر منهم وكانوا في حكم الإسلام.

وقال الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير قوله تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " قال : لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد منهم (١).

وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى " لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور " (٢) روى عن ابن جريح أنه قال : وقفوا لرسول الله " ص " على الثنية ليلة العقبة وهم اثنا عشر رجلا ليفتكوا به (٣).

وقال الزمخشري في تفسير قوله تعالى " وهموا بما لم ينالوا " (٤) وهو الفتك برسول الله صلى الله عليه وآله وذلك عند مرجعه من تبوك ، تواثق خمسة عشر منهم على أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل ، فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها ، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلاح فالتفت فإذا قوم متلثمون فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا) (٥).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في مسند أبي هريرة في الحديث الرابع والثمانين بعد المائة من أفراد مسلم أن النبي لما فتح مكة وقتل جماعة من

__________________

(١) الكشاف : ١ / ٤٧٤.

(٢) التوبة : ٤٨.

(٣) الكشاف : ٢ / ١٩٤.

(٤) التوبة : ٧٤.

(٥) الكشاف : ٢ / ٢٠٣.

أهلها ، فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن. فقالت الأنصار بعضهم لبعض : أما الرجل فأدركته رغبة في قومه ورأفة بعشيرته ، وفي رواية أخرى : أما فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في مسند عائشة الحديث التاسع عشر من المتفق عليه من عدة طرق قالت : إن النبي " ص " قال لها : يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية.

وفي رواية أخرى حديثو عهد بكفر ، وفي رواية حديثو عهد بشرك ، فأخاف أن تنكر قلوبهم ، لأمرت بالبيت فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه ، وألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا ، فبلغت به أساس إبراهيم (٢) وقد ذكروا أن كتابهم يتضمن وصف جماعة من صحابة نبيهم قال فيهم " ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ".

(قال عبد المحمود) : فإذا كانت الأنصار كلهم أو أكثرهم وهم من أعيان الصحابة يجاهرون في الشك بنبيهم وسوء الظن به لأجل قسمة غنيمة هوازن ، ويمنعونه من التألم من المنافق عبد الله بن أبي سلول ، ويتهمونه في العفو عن بعض قريش ، وكان نبيهم في تقية من قوم عائشة وهم من أعيان المهاجرين والصحابة ، ويخاف من سوء سرائرهم في هدم الكعبة وإصلاح بنائها ، وإن جماعة من صحابته يسخطهم المنع من الصدقات ويرضيهم وصول شئ منها

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٠٦ و ١٤٠٨ كتاب الجهاد.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٩٦٨ ـ ٩٧٣ كتاب الحج.

إليهم ، وهذا جميعه قد وقع منهم في حياة نبيهم ووقت المراقبة له والخوف منه والرجاء له ، فكيف يستبعد من هؤلاء أن يخالفوه بعد وفاته؟ بل كيف يثق عاقل من هؤلاء أنهم يتركون أغراضهم الدنيوية وأحقادهم وحسدهم لأهل الفضائل وطلبهم الدنيا بعد نبيهم ، ما يستبعد ذلك مع معرفته بهذه الأسباب إلا من لا يعد من ذوي الألباب.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص في الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم قال : إن النبي " ص " قال : إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف : نكون كما أمرنا الله فقال رسول الله ص " : تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ، وفي رواية ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين ، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض (١).

(قال عبد المحمود) : انظر رحمك الله إلى ما قد شهدوا به من ذم نبيهم لأصحابه ، فكيف يستبعد من قوم يكونون بهذه الصفات أن يخالفوا نبيهم في الحياة وبعد الوفاة.

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في مسند المسيب بن حزن بن أبي وهب من أفراد البخاري أن سعيد بن المسيب حدث أن جده حزنا قد قدم على النبي " ص " فقال : ما اسمك؟ قال : اسمي حزن ابن أبي وهب. قال بل أنت سهل. قال : لست أغير اسما سمانيه أبي. وفي رواية أخرى من الحديث المذكور لا أغير اسما سمانيه أبي. قال المسيب : فما زالت فينا الحزونة بعد (٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٧٤ كتاب الزهد.

(٢) البخاري في صحيحه : ٧ / ١١٧ وفيه " أباه " بدل جده.

(قال عبد المحمود) : انظر كيف شهدوا على هذا الصحابي بالمخالفة لرسولهم فيما لا يدخل عليه به ضرر بل فيه منفعة ، ثم اعتبر بذلك كيف كان الإقدام من الصحابة على مخالفة نبيهم لا يضر فكيف لا يخالفونه في الخلافة والملك العقيم.

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه المذكور في الحديث الرابع بعد المائتين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة من حديث مالك عن أبي الزياد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله " ص " قال : والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر أن يجمعوا حطبا ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا يؤم الناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا ما تأخر أن يشهد معنا العشاء(١).

(قال عبد المحمود) : انظر إلى ما في هذا الحديث من بلوغ ذم نبيهم لجماعة من أصحابه إلى هذه الغاية ، ثم تعجب من مخالفتهم له في هذا الأمر اليسير من الصلاة معه جماعة حتى بلغ الغضب من الله ومنه إلى هذا الحد ، فكيف يستبعد من هؤلاء المخالفة بعد الوفاة.

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في مسند حذيفة بن اليمان في الحديث السادس عشر عن يزيد بن زيد قال : كنا حذيفة فقال رجل : لو أدركت رسول الله " ص " قاتلت معه وأبليت. فقال حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رايتنا مع رسول الله ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر ، فقال رسول الله : ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد. ثم قال : ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٥١.

الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد.

فقال : قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ، فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي إلا أن أقوم. فقال : اذهب فاتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ، فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرمية فذكرت قول رسول الله " ص " ولا تذعرهم علي ولو رميته لأصبته ، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام ، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت ، قررت فألبسني رسول الله " ص " من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها ، فلم أزل نائما حتى أصبحت ، فلما أصبحت قال : فم يا نومان (١).

(قال عبد المحمود) : فهذه شهادة البخاري ومسلم في صحاحهما وشهادة من صدقهما على الصحابة بالخذلان والإعراض وقلة القبول منه وترك الحياء وترك المراقبة لله ، وإيثارهم الحياة الفانية على الله ورسوله والجهاد في سبيله فكيف يستبعد من هؤلاء المخالفة لنبيهم بعد وفاته وقد جاهروه بالمخالفة في حياته؟ وكيف يستبعد إهمال كثير من المسلمين لوصايا نبيهم وتركهم العمل بأقواله والاقتداء بأفعاله؟ وقد اختلفوا غاية الاختلاف في فرائض كانت مشهورة في زمانه وكان يكررها عليهم كالآذان والوضوء وتفصيل الصلوات ، وغيرها من الفرائض التي كانت تتكرر بينهم أكثر الأوقات ، فأضاعوها وفرطوا فيها حتى صار المعلوم مجهولا والصحيح معلولا.

عدم صلاحية الأمم لاختيار الخليفة

ومن طرائف أمرهم أنهم يقولون أو يعتقدون أن نبيهم ترك الوصية ولم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤١٤ كتاب الجهاد.

يعين على من يقوم مقامه في أمته ، وإن صلحاء الأمة وخيارهم يختارون من يقوم مقام نبيهم بتعيينهم ، وما أدري كيف استحسنوا لأنفسهم ودينهم ذلك مع تضمنه كتابهم وأخبارهم من كون جماعة من الأنبياء الذين ينظرون بنور النبوة وبصيرة الرسالة والمكاشفة الإلهية والمخالطة للملائكة ، ومع هذا كله فإنهم اختاروا رجالا من قومهم بعد الاختبار والتجربة والصحبة ، فظهر ضرر لهم اختيارهم وإن الصواب كان في خلاف اختيارهم.

فمنهم يعقوب عليه السلام اختار أولاده لحفظ ولده يوسف عليه السلام فظهر له ضرر اختياره.

ومن ذلك موسى عليه السلام أختار قومه وهم ألوف سبعين رجلا لميقات ربه فلما حضروا معه قالوا : أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ، وبلغ حالهم إلى أن ظهر له أنهم سفهاء فقال موسى عليه السلام : أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا.

ومن ذلك أن نبيهم اختار خالد بن الوليد ونفذه إلى بني جذيمة ليصلح أمرهم فقتلهم وأسرهم ، وقتل فيهم بأحقاد كانت بينه وبينهم في الجاهلية ، حتى بعث نبيهم علي بن أبي طالب عليه السلام فاستدرك ما فعل خالد وأرضاهم ، وقال نبيهم : اللهم إني أبرئ مما فعل خالد.

وقد روى حديث خالد الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثالث من أفراد البخاري من مسند ابن عمر قال : بعث رسول الله " ص " خالد ابن الوليد إلى بني جذيمة ، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ، فجعلوا يقولون صبانا صبانا ، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ، ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره ، فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره ، حتى قدمنا على رسول الله " ص " فذكرناه له فرفع يديه فقال : اللهم إني أبرئ إليك مما صنع خالد

مرتين (١).

(قال عبد المحمود) : فلو كان خالد معذورا فيما اعتذر به من قتلهم لما قال نبيهم : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ، ثم انظر إلى أقدام خالد على مخالفة نبيهم في حياته وما ظهر منه ، وكان الصواب ترك ولاية خالد ومحبته عند من يقول بصحة الخبر المذكور.

ومن ذلك ما تقدمت روايتهم في صحاحهم أن نبيهم اختار أبا بكر ونفذه إلى خيبر ، فرجع هاربا أو معتذرا وظهر ضرر اختياره له ، وفي رواية أخرى أنه اختار أيضا عمر بعد انكسار أبي بكر ، فرجع أيضا ولم يفتح له.

ومن ذلك ما تقدمت روايتهم في تأدية أبي بكر سورة البراءة عند من يقول إن إنفاذ نبيهم أبا بكر بالآيات من البراءة كان لحسن ظنه به ، وكيف رد الله اختياره وكشف أن الصواب في ترك إنفاذه.

(قال عبد المحمود) : فإذا كان الأنبياء مع كمالهم وعصمتهم قد ظهر ضرر اختيارهم لكثير من الرجال ، فكيف تحصل الثقة باختيار بعض الصحابة ممن يمكن أن يكونوا وقت اختيارهم في باطن حالهم غير صالحين ولا مأمونين؟ إن تفضيل اختيار قوم غير مقطوع على عصمتهم عندهم من الصحابة على اختيار الأنبياء المعصومين غلط هائل وتدبير آفل.

ومن طريف مناقضتهم في ذلك ما رواه الثعلبي وغيره في تفسير قوله تعالى " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " (١) فقال : إن عامر بن الطفيل جاء إلى النبي " ص " فقال : ما لي إن أسلمت؟ قال : لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم فقال : تجعل لي الأمر من بعدك؟ فقال : ليس ذلك إلى إنما ذلك إلى الله عز وجل يجعله حيث يشاء.

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٥ / ١٠٧.

(٢) الرعد : ١١.

(قال عبد المحمود) : فما أرى نبيهم قال لعامر بن الطفيل إن ذلك إلى اختيار الأمة ، فإذا كان الأمر في تعيين من يكون قائما مقام نبيهم إلى الله وحده يجعله حيث يشاء وإن ذلك ليس إلى غير الله ، فكيف انفردوا باختيارهم من يقوم مقامه؟ وجعلوا لأنفسهم ما لم يجعله الله لهم ولا لنبيهم؟ إن ذلك من عجائب المناقضات.

[(قال عبد المحمود) : واعلم أيضا أني اعتبرت كتبهم في الزهد في ذكر ترك العصبية، فرأيتهم موافقين مع الإمامية في أن اختيار الإمام من الله تعالى ، وإن كانوا مخالفين لهم في العلة وهي اعتقادهم أنهم مجبورون.

فمن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب منهاج العابدين عند التفويض قال : وأما التفويض فتأمل فيه في أصلين ، أحدهما أنك تعلم أن الاختيار لا يصلح إلا لمن كان عالما بالأمور بجميع جهاتها ظاهرها وباطنها وحالها وعاقبتها ، وإلا فلا يا من أن يختار الفساد والهلاك على ما فيه الخير والصلاح. ألا ترى أنك لو قلت لبدوي أو قروي أو راعى غنم أنقد لي هذه الدراهم وميز لي بين جيدها ورديها ، فإنه لا يهتدي لذلك بيقين وكذا لو قلت لسوقي غير صراف فربما هو أيضا لم يهتد ، فلا تأمن إلا أن تعرضه على صيرفي خبير بالذهب والفضة وما فيهما من الخواص والأسرار ، والعلم المحيط بجميع الوجوه لا يصلح إلا لله رب العالمين ، فلا يستحق أحد أن يكون له الخيرة والتدبير إلا الله وحده لا شريك له. فلذلك قال الله تعالى " وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة " (١)هذا لفظ الغزالي.

وهذا مذهب الإمامية كثرهم الله تعالى وبعض حجتهم في أن اختيار الأئمة عليهم السلام راجع إلى الله تعالى ، فكيف يحسن من هؤلاء الأربعة المذاهب

__________________

(١) القصص : ٦٨.

المناقضة في المقالات؟ والحال أنهم موافقون للإمامية بمثل هذا القول إلى هذا الحد].

في أن من لم يصلح لتدبير حرب ولا ولاية جيش

لا يصلح للخلافة

ومن طرائف الأمور أنهم اختاروا لخلافتهم أبا بكر ، وتقدمت رواياتهم أنه هرب يوم خيبر ويوم حنين وفي كثير من مواقف الحروب وكتابهم يتضمن " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " (١) فمن لم يصلح لتدبير حرب ولا ولاية جيش ولا لتدبير نفر يسير من المسلمين ولا لامتثال أمر الله ورسوله في الوقوف في الحروب التي هرب فيها مع حياة نبيهم وتسديده الأمة وخوفهم من مؤاخذته وحيائهم منه ، كيف صلح للخلافة المشتملة على سائر الحروب وجمع الجيوش وتدبير كافة العباد والبلاد بعد وفاة نبيهم " ص " ، إن ذلك من طرائف ما وقع منهم ونقل عنهم.

ومن طرائف أمرهم أيضا أنهم شهدوا كما تقدم في رواية أحمد بن حنبل وفي الجمع بين الصحاح الستة وفي تفسير الثعلبي وغير ذلك أن أبا بكر لم يصلح لتأدية سورة براءة ، مع أن نبيهم حي موجود من ورائه ، وأعاده من الطريق ونفذ علي بن أبي طالب عليه السلام عوضه ، وقال نبيهم إن الله أمره بإعادة أبي بكر وإنفاذ علي عليه السلام ، فكيف استصلحوا للخلافة جميعها من لم يستصلحه ورسوله للقيام ببعضها؟ وكيف صار أبو بكر بانفراده بعد النبي " ص "

__________________

(١) الأنفال : ١٦.

أقوم بالأمور كلها مع نقصه في حياته عن القيام ببعضها.

ومن طرائف ذلك أن الله تعالى يكون عالما أن أبا بكر لا يصلح لتأدية سورة براءة ، ثم يتركه يتورط في الطريق ويظهر للناس توجهه ، ثم يأمر نبيه بإعادته وعزله وإظهار أنه لا يصلح ، وقد كان يمكن قبل تسليم الآيات إليه أن يوحي إلى نبيهم فيقال له : أنفذها مع علي أبي طالب عليه السلام ، ولسان الحال يشهد أن في ترك الله لأبي بكر حتى يتوجه وإعادته من الطريق وإظهار أنه لا يصلح دليلا على أن الله أراد كشف حال أبي بكر ونقصه عن المراتب اليسيرة لئلا يستصلحه أحد للولاية الكبيرة وليحتج الله عليهم بذلك يوم الحساب ، فكيف خفى هذا عند ذوي الألباب.

ومن طرائف الأمور أنهم ذكروا أن نبيهم أعقل العقلاء وأفضل الأنبياء ، ومع ذلك ادعوا أنه ما اختار لهم من يقوم مقامه ، ولا قال لهم اختاروا أنتم كما تقدم ذكره عنهم ، والعقول تشهد أنه لو أراد أن يختاروا لأنفسهم لقال لهم ذلك ، ثم ما رأيناهم علموا هذا أيضا لأنا رأينا كتبهم التي يسمونها صحاحا تشهد عليهم أن جماعة من المهاجرين والأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة بالمدينة.

وقد ذكر ذلك الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عائشة من جملة الحديث الحادي والعشرين وقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، فحضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ومنعوهم من ذلك ، وقال أبو بكر في كلام للأنصار : نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن منذر : لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر : لا ولكنا الأمراء. وأنتم الوزراء. ثم بادر أبو بكر واختار هو وحده عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة الجراح ، وقال : بايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال عمر بل نبايعك ، فبايعه عمر وأبو عبيدة وعقد عمر وحده الخلافة لأبي بكر واختاره.

فيا لله والعجب أيها المسلمون وأيها العقلاء ، أنظروا إلى هذا الاختلاط والاختلاف ، تارة يقولون إن الاختيار إلى صلحاء الأمة وعلمائها وتارة يقنعون باختيار وحده لأبي بكر ، وتارة يروون أن أبا بكر اختار وحده عمر وأبا عبيدة في ذلك اليوم ، إن ذلك من عظائم الافراط وقبيح الاختلاط.

ومن طريف ذلك أن هذه الرواية التي قد شهدوا بصحتها تشهد أن أبا بكر توصل إلى الخلافة بخديعة للأنصار والمكر بهم والغرور والخيانة بهم ، وأطمعهم أنهم الوزراء ، فلما تمكن مما أراد غدر بهم وقدح في شهادته لهم باستحقاق الوزارة ودفعهم عنها ، ولم يستوزر أحدا منهم.

ومن طريف ذلك أن المعلوم من دين المسلمين أنه لا يجوز أن يكون لهم في وقت واحد إلا إمام واحد ، فتجب أن يكون المجتمعون في السقيفة الذين قالوا منا أمير ومنكم أمير والراضون بقولهم ضالين ، وإذا كانوا ضالين فكيف انعقدت بيعة أبي بكر بقوم ضالين ، وذلك لا يصح عند كافة المسلمين ، فإنهم كانوا بين قائل بذلك وبين تارك للإنكار إلى أن حدث من المكر بهم والمغالبة بهم.

مبادرة أبي بكر وعمر إلى طلب الخلافة قبل تجهيز نبيهم

ومن طرائف المتجدد في تلك الأوقات أن الخليفتين عندهم أبا بكر وعمر يتركان نبيهما ومن كان سببا فيما بلغا إليه من الدنيا ميتا بين بني هاشم ، ولم يصبرا لقضاء بعض حقوقه ولا مواساة بني هاشم ولا مشاركتهم في تجهيزه ، ويبادر الخليفتان المذكوران إلى طلب الدنيا الفانية قبل فراغ بني هاشم من تجهيز نبيهم ، ولا يكون عندهما من المراقبة لله والحياء من أهل بيت نبيهم وحسن الصحبة أن يصبروا عن طلب الخلافة حتى يدفن نبيهم ، إن هذا مما يتعجب منه أهل

الأديان والعقول وهو من طرائف آرائهم القبيحة المنقولة.

ومن الطرائف في ذلك الوقت ترك أبي بكر وعمر ومن وافقهما لمشاورة بني هاشم في الخلافة ، فهب أن بني هاشم ما كانوا يصلحون عند أبي بكر وعمر للخلافة أما كانوا يصلحون للمشاورة كبعض المسلمين ، وهب أنهم ما كانوا يصلحون جميعهم للمشاورة أما كان فيهم واحد يصلح للمشاورة ، وهب أن بني هاشم ما كانوا يقدرون على الحضور في السقيفة لاشتغالهم بتجهيز نبيهم " ص " أما كان يحسن مراسلتهم وتعريفهم ما قد عزموا عليه من البيعة في السقيفة واستعلام ما عند بني هاشم من الرأي في ذلك.

ليت شعري أي عذر للخليفتين وأتباعهما في عزل بني هاشم عن الخلافة وعن المشاورة والمراسلة في ذلك اليوم ، وقد كان في بني هاشم من قد استصلحه الله باتفاق المسلمين ورسوله للأمور الكبار العظام وشاركوه في أكثر الأحوال مثل علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن قد أجمع المسلمون على تعظيمه وتفضيله مثل العباس وعبد الله بن العباس والفضل بن العباس وعقيل بن أبي طالب وعبيد الله بن العباس.

ولا سيما وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عائشة قالت : قال رسول الله " ص " قال : لي جبرئيل عليه السلام : يا محمد قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد إنسانا أفضل من بني هاشم (١).

فهل بقي عدولهم عن بني هاشم إلا من جملة المصائب والعظائم.

ومن طريف الأمور ما ذكروه في رواياتهم من كون أبي بكر احتج يوم السقيفة على الأنصار بأن الأئمة من قريش لأنهم أقرب إلى نبيهم ، وقد روى

__________________

(١) رواه محب الطبري في ذخائر العقبى عنه : ١٤.

الحميدي في الحديث الثامن من مسند عمر ، فإذا كان القرب من الأنبياء هو سبب استحقاق الخلافة والإمامة ، فكيف استجازوا استخلاف أبي بكر وتركوا العباس وعليا وغيرهما من بني هاشم ، وبنو هاشم أقرب إلى نبيهم من بني تيم وعدي ، وقد تقدم في رواية أحمد بن حنبل وغيره أن بني هاشم أفضل ، فكيف صار الأقرب الأفضل أقل منزلة من الأبعد الأرذل.

ومن طرائف أمورهم ومناقضاتهم أن خليفتهم أبا بكر يظهر عنه وعن أتباعه أنهم يعتقدون إن رأيهم وتدبيرهم أكمل من رأي نبيهم وتدبيره ، لأنهم يذكرون أن نبيهم رأى المصلحة في ترك النص على خليفة المسلمين ، وأبو بكر وأتباعه رأوا أن المصلحة في النص على عمر وتعيين خلافته على المسلمين ، ثم إن خليفتهم حيث استصوب مخالفة نبيهم في ترك النص أقدم أيضا واستصوب مخالفة أتباعه في أن الإمامة باختيار الأمة ، وانفرد هو وحده باختيار عمر للخلافة ولم يلتفت إلى حصول اتفاق الأمة ، ثم تجاوز ذلك إلى أنه لم يلتفت أيضا إلى كراهة المسلمين بخلافة عمر على ما رواه المسلمون.

وقد ذكر المبرد في كتابه الكامل عن الرحمن بن عوف : قال دخلت على أبي بكر في علته التي مات فيها ، فقلت : أراك بارئا يا خليفة رسول الله ، فقال : أما إني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد على من وجعي ، إني وليت أموركم خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه. قال المبرد : معنى ورم أنفه أي امتلئ من ذلك غيظا.

وروى كراهتهم لخلافته عمر أيضا جماعة من العلماء ، وابن عبد ربه المغربي في الجزء الرابع من كتاب العقد ، فلم يلتفت أبو بكر إلى ذلك كله. فكيف صار اختياره وحده يقوم مقام اختيار علماء الأمة وصلحائها؟ وكيف صار راية في تعيين من يقوم مقام نبيهم أفضل من رأى نبيهم؟ وكيف صار كراهتهم لا تؤثر في رأيه وحده؟

إن هذا من أعجب الطرائف.

ومن الطرائف أن نبيهم مات وقد جعل عمر رعية لأسامة بن زيد محكوما عليه بلا خلاف بين المسلمين ، فيعكسون ذلك ويجعل أبو بكر عمر هو الوالي على أسامة وعلى جميع المسلمين ، ولا يلتفت إلى ما دبره نبيهم وارتضاه ، إن ذلك من طرائف ما عرفناه.

ومن طرائف ما رواه في سبب بيعة أبي بكر لعمر وذكره جماعة من أصحاب التواريخ وحكاه ابن عبد ربه في المجلد الرابع من كتاب العقد فقال ما هذا لفظه : إن أبا بكر حين حضرته الوفاة كتب عهده ، وبعث به مع عثمان بن عفان ورجل من الأنصار ليقرأه على الناس ، فلما اجتمع الناس قاما فقالا : هذا عهد أبي بكر فإن تقروا به نقرأه وإن تنكروه نرجعه ، فقال طلحة بن عبيد الله : اقرأه وإن كان فيه فقال له عمر : بما علمت ذلك فقال: وليته أمس وولاك اليوم (١).

(قال عبد المحمود) : فلم ينكر عمر هذا القول ولا أحد من الصحابة على طلحة فكأنه إجماع على سبب ولاية أبي بكر لعمر لأجل أنه ولاه يوم السقيفة ، وفي ذلك ما فيه من الشناعة.

في استقالة أبي بكر من الخلافة

ومن طرائف ما رأيت في كتبهم أن أبا بكر استقال من الخلافة فقال : أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم وعلى فيكم ، فيا لله ما أعجب ذلك ممن يكون مستقيلا منها في حياته كيف يقلدها غيره بعد وفاته وينص على عمر ، وقد كان يستصوب عمر غير ما يستصوبه أبو بكر ، فمن ذلك أنه اختار لعمر أو لأبي عبيدة الخلافة

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ٢٠٨ ط الأزهرية بمصر.

يوم السقيفة فرأى عمر أن الصواب في مخالفته وخلافته.

ومن ذلك أنهم رووا كما تقدم في خبر الصلاة أن أبا بكر لما جاءه رسول نبيهم يأمره بالصلاة في مرضه فقال أبو بكر لعمر : تقدم أنت فصل بالناس ، فاستصوب عمر مخالفة أبي بكر في ذلك ولم يتقدم.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن من أحاديث البخاري في عبد الله بن الزبير عن رسول الله " ص " قال : قدم ركب من بني تيم على النبي " ص " فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد بن زرارة ، فقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس ، قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، وقال عمر : ما أردت إلا خلافك قال : فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ـ الخبر (١).

فكيف تقلد أبو بكر خلافة عمر مع ما شاهده من اختلاف الآراء وما يجوز بعده من المناقضة في الأهواء ، إن ذلك من طرائف الأشياء وشهادتهم على أعيان خلفائهم أنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت نبيهم ويقدمون بين يديه وكتابهم يتضمن " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " ويتضمن " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ".

ومن طريف استقالة أبي من الخلافة أنه إن كان استقال منها وهو يعلم أنه أقوم بها وأصلح للمسلمين فقد خان الله ورسوله والأمة ، وإن كان استقال وهو يعلم أن غيره أصلح للأمة فهلا عين على الأصلح للأمة؟ وكيف دخل فيها وهو يعلم أن غيره أصلح للمسلمين ، وإن كان لا يعلم هل هو أصلح أو غيره فكيف يتقلد هذا الأمر مع شكه هل يصلح له أو لا يصلح ، إن هذا من أعجب ما شهدوا به على خليفتهم من الاضطراب والعدول عن الصواب.

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ٥ / ١١٦ تمام الخبر : فنزلت في ذلك " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " حتى انقضت.

في تخصيصهم أبا بكر بأسماء لا اختصاص له بها

ومن طرائف أمر جماعة من المسلمين أنهم سموا أبا بكر خليفة رسول الله ورأيت في بعض كتبهم أنهم خاطبوه أولا يا خليفة الله فاختار هو أن يقال له يا خليفة رسول الله " ص " ، وقد ذكر ذلك الحميدي ، فما أعجب حال هؤلاء فإنه قد تقدمت رواياتهم في شرح حال بيعته إنه ما دعاه أحد إلى الحضور وإنه توصل وحضر وبايعه عمر وأبو عبيدة قبل مشورة المسلمين ، فكيف صار خليفة رسولهم؟ ولو سمي خليفة عمر أقرب إلى الصدق لأنه هو بايعه على الخلافة في ذلك اليوم.

ثم لو أن المسلمين جعلوه خليفة كان يجب أن يقال خليفة المسلمين ، والعجب أنهم يقولون إن نبيهم مات ولم يخلف أحدا ، ثم مع ذلك تقدموا مكابرة وقالوا أبو بكر خليفة رسول الله " ص " فكيف استحسنوا لأنفسهم هذه المناقضة الظاهرة والأحوال المضطربة.

ومن طريف ذلك أنه لو جاز أن يسمى كل من يدخل في أمر من أمور الرسول خليفة ، فكان يجب أن يكون كل أمير وقاض ووال من قبل الرسول أمير رسول الله وقاضي رسول الله ووالي رسول الله ، فكيف اختص أبو بكر بهذا الاسم دون كافة من يستحق عندهم التسمية به.

ومن طريف ذلك أن يكون خلفاء بني أمية استخلفهم جماعة من المسلمين كما استخلفوا أبا بكر وما أراهم يجيزون تسمية واحد منهم ولا من غيرهم ممن استخلفه المسلمون أنه خليفة رسول الله.

ومن طريف ذلك أن عمر بن الخطاب خالف أبا بكر وخالف اتباعه في هذه التسمية وسمى نفسه أمير المؤمنين ، ووجد من تابعه على ذلك من المسلمين ،

ولم يعرفوا أن ذلك من جملة الاضطراب الشنيع والاختلاط البديع.

ومن طريف أمورهم أنهم رووا في صحاحهم أن نبيهم قال : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، ولم يرووا مثل لأحد من الصحابة ومع ذلك فلم يسموه صديقا ، وسمعت في كتابهم وصف جماعة بالصديقين فقال " أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " (١) ولم يسموا كل واحد من أولئك صديقا.

ورووا فيما تقدم من هذا الكتاب من أحمد بن حنبل وكتاب ابن شيرويه وكتاب ابن المغازلي عن نبيهم أن الصديقين ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل يس ، وخربيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم (٢).

وما تراهم خصصوا هؤلاء الثلاثة وأطلقوا عليهم أو على أحد منهم لفظ الصديق ، والعجب أن يكون علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل الصديقين ولا يسمونه صديقا ، ومع أنه كان أول من صدق نبيهم وآمن به كما تقدم في رواياتهم وأنه كان يقول على رؤس المنابر ومجمع الأشهاد كما رووا أنا الصديق الأكبر ، ولم يسموه مع ذلك الصديق وخصصوا هذه اللفظة بأبي بكر دون غيره سائر من سائر الصديقين ، إن هذا مما تنفر منه عقول المستبصرين.

في أن قولهم إن أبا بكر أغنى النبي " ص " بماله مكابرة

ومن طرائف بهت جماعة من المسلمين إن كتابهم يتضمن إن الله يقول لنبيهم " ووجدك عائلا فأغنى " (٣) فكابروا هذا القول وردوا عليه وقالوا : بل

__________________

(١) الحديد : ١٩.

(٢) المغازلي في المناقب : ٢٤٦ ، والبحار : ٣٥ / ٤١٢.

(٣) الضحى : ٨.

أغناه أبو بكر بماله ، وما استقبحوا لأنفسهم الرد على كتابهم ولا النقص لقرآنهم مع أن أصحاب التواريخ ذكروا أنه لم يكن لأبي بكر ثروة سالفة ولا رئاسة متقدمة ولا لأبيه ولا جده ، وأن محمدا " ص " نبيهم لم يزل قومه وجماعته أهل الثروة والرئاسة ، وأن محمدا " ص " لما كان بمكة كان له مع ماله ومال كفيله وعمه أبي طالب مال خديجة التي يضرب بكثرة مالها الأمثال ، ولما هاجر إلى المدينة فتحت عليه الفتوح والغنائم ، ففي أي الوقتين كان لأبي بكر مال يغنيه بماله.

ومن طريف ما يؤكد ذلك أن أباه أبا قحافة كان شديد الفقر حتى كان يؤجر نفسه للناس في أمور خسيسة ، فأين كان غناه وإيثاره مع سوء حال أبيه لولا البهتان الذي لا شبهة فيه.

فمن روايتهم في ذلك ما ذكره صاحب كتاب المثالب المنذر بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي وهو من علمائهم فقال في الكتاب المذكور ما هذا لفظه : ومن كان ينادي على طعام ابن جذعان سفيان بن عبد الأسد المخزومي ولده بمكة ، وأبو قحافة عثمان ابن عامر بن سعد بن تيم ولده بالمدينة ، وفيه يقول أمية بن أبي الصلت في مرثية عبد الله بن جذعان :

له داع بمكة مشمعل

وآخر فوق دارته ينادي

إلى ردح من الشيزى عليها

لباب البر على بالشهاد

فالمشمعل سفيان بن عبد الأسد والآخر أبو قحافة. هذا آخر لفظه.

فهل ترى لأبي قحافة آثار غنى أو ثروة؟ فمن أين انتقل الغناء إلى أبي بكر حتى صار يغني رسول الله " ص " بماله؟ ليطعن بذلك على الله تعالى شأنه.

ومن الطريف طعن عبد الله بن عباس على قولهم في ذلك ما روي عنه في تفسير قوله تعالى " ووجدك عائلا فأغنى " قال ابن عباس : أغناه بأن جعل دعوته مستجابة ، فلو شاء أن يصير الجبال ذهبا لصارت بإذن الله ، فمن يكون

كذلك كيف يحتاج إلى مال أبي بكر وكيف يقال إن أبا بكر أغناه.

ومن طريف مناقضتهم في ذلك ما يحتمل أن نبيهم كان يختبر أصحابه في مواساتهم له بمالهم فتجوع نفسه لذلك ، أو كان يريد أن يكونوا أسوته في الصبر على الضيق ، وكشف الحال في أن أبا بكر وعمر لم يكونا صاحبي ثروة ليواسياه ، ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثالث بعد المائة من أفراد مسلم في مسند أبي هريرة قال : خرج رسول الله " ص " ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا : الجوع يا رسول الله قال : وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ثم ذكر أن رجلا من الأنصار أطعمهم بسرا ورطبا (١).

(قال عبد المحمود) : فهل ترى لأبي بكر وعمر ثروة مع هذه الرواية التي شهدوا بصحتها وما يلتزم بها أحد من المسلمين إلا من رواها وصححها.

ومن طريف الأمر في الجواب عن ذلك أن علي بن أبي طالب عليه السلام يتصدق بخاتمه فينزل فيه " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " وقد تقدمت رواياتهم لذلك. ويتصدق أيضا علي وفاطمة عليها السلام بأقراص يسيرة على يتيم ومسكين وأسير فينزل فيهم سورة هل أتى كما تقدمت رواياتهم ، ويكون أبو بكر على قولهم قد أنفق مالا عظيما على نفس نبيهم فلم ينزل فيه آية ولا يشكره ربهم في كتابهم بكلمة أن هذا مما يدل على بطلان ما ادعوه وقبيح ما أبدعوه.

حديث الغار وعدم فضيلة في مجرد مصاحبة النبي " ص "

ومن طرائف مناقضتهم قولهم واعتقادهم أن أبا بكر صحب نبيهم إلى الغار

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٠٩ كتاب الأشربة.

وقد رووا في مسند أحمد بن حنبل في حديث ابن عباس وهو حديث يتضمن عشر خصال جليلة دل بها نبيهم على منزلة علي بن أبي طالب عليه السلام يقول في جملة الحديث المذكور وشرا علي نفسه لبس ثوب رسول الله " ص " ثم نام مكانه قال : وكان المشركون يتوهمون أنه رسول الله فجاء أبو بكر وعلي عليه السلام نائم ، قال أبو بكر : فحسبت أنه رسول الله فقال له علي : إن نبي الله قد انطلق إلى بئر ميمون فأدركه. قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار.

وقد ذكر محمد بن جرير الطبري وهو من أعيان رجال المخالفين لأهل البيت عليهم السلام نحو هذا في تاريخه في الجزء الثالث إن أبا بكر أتى عليا فسأله عن نبي الله " ص " فأخبره أنه لحق بالغار من ثور وقال إن كان لك فيه حاجة فالحقه فخرج أبو بكر مسرعا فلحق نبي الله " ص " في الطريق فسمع رسول الله جرس أبي بكر في ظلمة الليل فحسبه من المشركين فأسرع رسول الله المشي ، فانقطع قبال نعله ففلق إبهامه حجر فكثر دمها وأسرع السعي فخاف أبو بكر أن يشق على رسول الله فرفع صوته وتكلم ، فعرفه رسول الله فقام حتى أتاه فانطلقا ورجل رسول الله " ص " تستن دما حتى انتهى إلى الغار مع الصبح فدخلاه (١).

أقول : فأول دم سفك من رسول الله " ص " بعد الهجرة على هذه الرواية هذا الدم الذي قد خرج من قدمه الشريف بجناية أبي بكر عليه ، ولو كان توصل في إشارة يعرف بها رسول الله " ص " إنه صاحبه ما كان قد أسرع المشي ولا خاف منه ولا جرى دمه.

وقد رأيت جماعة قد ادعوا أن قوله تعالى " إذ يقول لصاحبه لا تحزن " (٢)

__________________

(١) الطبري في تاريخه : ٢ / ٢٤٥.

(٢) التوبة : ٤٠.

يقتضي تفضيل أبي بكر حيث سمي بلفظ لفظ الصحبة ، ولم أجد في ذلك فضيلة لأن القرآن قد تضمن تسمية الصحبة من الكفار للنبي " ص " ولغيره من الأنبياء بل ذكر المصاحبة مع الحيوان أيضا ولا ينافيه اللغة كما يقولون بئس الصاحب الحمار ، وفي الأخبار ذكرت صاحبات نوح ولوط ويوسف ، وقد ذكر الكافر مصاحبا للمؤمن قال الله تعالى " إذ قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا"(١).

ومن نظائره أنه قال " قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد (٢) وقال تعالى في صحبة الكفار للنبي " أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة " (٣). وإنما ذكرنا تصريح القرآن بصحبة الكفار للنبي " ص " لأننا وجدنا الاحتجاج بمثل هذا في كثير مما وقفنا عليه ، ألا ترى رواية الطبري وهو غير متهم على أبي بكر يتضمن أنه ما كان عنده علم من توجه النبي " ص " من مكة إلى المدينة وأن النبي " ص " ستر ذلك عنه كما ستره عن أعداء الإسلام وأنه ما عرف بتوجه النبي " ص " ولا موضع الاستتار إلا من علي بن أبي طالب عليه السلام ولم

يمكن المقام بمكة بعد النبي " ص " خوفا من الكفار.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : فهذا الحديث (٤) يشهد أن نبيهم " ص " ما عرف أبا بكر بأمره ولا اطلعه على سره ولا صحبه إلى الغار ولا كان اتباعه إلى الغار بإذنه ولا دخوله معه فيه بقوله ، فما أحسن هذه الرواية

__________________

(١) الكهف : ٣٧.

(٢) سبأ : ٤٦.

(٣) الأعراف : ١٨٤.

(٤) في الترجمة الحديثان وهو الصحيح وهما حديث أحمد والطبري.

عند الشيعة ، وأما قولهم فيها إن عليا عليه السلام أشار على أبي بكر بإدراكه فلا تصدق الشيعة ذلك وتروي خلاف هذا.

ومن طريف الروايات في أن النبي " ص " ما صحب أبا بكر إلى الغار خوفا منه أن يدل الكفار عليه ما ذكره أبو هاشم بن الصباغ في كتاب النور والبرهان فقال في باب ما أنزل الله تعالى على نبيه " ص " قم فأنذر " (١) وقوله تعالى " فاصدع بما تؤمر " (٢) وما ضمن رسول الله صلى الله عليه وآله لمن أجابه وصدقه ، رفع الحديث عن محمد بن إسحاق قال : قال حسان : قدمت مكة معتمرا وأناس من قريش يقذفون أصحاب رسول الله " ص " فقال ما هذا لفظه : فأمر رسول الله عليا عليه السلام فنام على فراشه ، وخشي ابن أبي قحافة أن يدل القوم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار.

وقال صاحب هذا الكتاب في باب هجرة النبي " ص " إلى المدينة رفعه إلى سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين عليه السلام قال في بعض هذا الحديث ما هذا لفظ لنظه : قال سعيد قلت لعلي بن الحسين عليه السلام قد كان أبو بكر مع رسول الله " ص " حين انتقل إلى المدينة فأين فارقة؟ فقال : إن أبا بكر لما قدم رسول الله " ص " إلى قبا فنزل بها ينتظر قدوم علي بن أبي طالب عليه السلام قال له أبو بكر انهض بنا إلى المدينة فإن القوم يستبشرون بقدومك وهم يسترهبون اقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر عليا فما أظنه يقدم عليك شهرا ولا دهرا فقال له رسول الله : كلا بفيك الحجر ، ما أسرعه يقدم ولا أزيل قدما عن قدم حتى يقدم علي بن أبي طالب ابن عمي وأخي في الله وأحب أهل بيتي إلي ، فقد وقاني بنفسه من المشركين وخفت غيره أن يدلهم علي ، فغضب

__________________

(١) المدثر : ٢.

(٢) الحجر : ٩٤.

عند ذلك أبو بكر واشمأز وجهه ودخله من ذلك حسد لعلي بن أبي طالب عليه السلام وكان أول عداوة بدت منه لرسول الله " ص " في علي وأول خلاف على رسول الله واسترها في نفسه حقدا ، فانطلق حتى دخل المدينة وحده وتخلف رسول الله ينتظر قدوم علي بن أبي طالب عليه السلام.

(قال عبد المحمود) : في هذا الحديث ما يكشف لك عن السرائر وينبهك عن الحق الباهر إن كنت من أهل البصائر وتخاف من يوم الآخر.

ومن طرائف مناقضاتهم أنهم يقولون لو كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعلم أنه أحق بالخلافة بعد نبيهم لنازع أبا بكر وأظهر كراهيته لبيعته ، وأنهم ينسون أو يتناسون ما تقدم بعضه من رواياتهم في صحاحهم أن علي بن أبي طالب عليه السلام بقي ممتنعا من مبايعة أبي بكر هو وسائر بني هاشم مدة ستة أشهر ، وجاهروا بالكراهة لبيعته والإنكار لمتابعته.

شكاية علي بن أبي طالب عليه السلام عمن تقدمه

وحديث الشورى

ومن طرائف ما رووه من طرقهم عن أعيان أئمتهم وثقات رجالهم في طعن علي بن أبي طالب عليه السلام على من تقدم عليه في الخلافة وإظهار أنه أحق بها ولم ينكر أحد ممن سمع ذلك منه.

ما رواه أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في كتابه وهو من أعيان أئمتهم ، ورواه أيضا المسمى عندهم صدر الأئمة أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي في كتاب الأربعين قال عن الإمام الطبراني حدثنا سعيد الرازي قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا زافر بن سليمان قال حدثنا الحرث ابن محمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : كنت على الباب يوم الشورى

فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليا عليه السلام يقول : بايع أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع القوم كفارا ويضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثم بايع أبا بكر لعمر وأنا أولى بالأمر منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا ، ثم أنم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع.

وفي رواية أخرى رواها ابن مردويه أيضا وساق قول علي بن أبي طالب عليه السلام عن مبايعتهم لأبي بكر وعمر كما ذكره في الرواية المتقدمة سواء إلا أنه قال في عثمان : ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلا في الصلاح ولا يعرفونه لي كأنما نحن فيه شرع سواء ، وأيم لو أشاء أن أتكلم لتكلمت ثم لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم ولا المعاهد منكم ولا المشرك رد خصلة منها ثم قال : أنشدكم الله أيها الخمسة أمنكم أخو رسول الله غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد له عم مثل عمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد له أخ مثل أخي المزين بالجناحين يطير مع الملائكة في الجنة؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله " ص " سيدة نساء هذه الأمة؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد له سبطان مثل ولدي الحسن والحسين سبطي هذه الأمة ابني رسول الله " ص " غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري : قالوا : لا قال : أمنكم أحد وحد الله قبلي؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد صلى إلى القبلتين غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد أمر الله بمودته غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد غسل رسول الله غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد سكن المسجد يمر فيه جنبا غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلى العصر غيري؟

قالوا : لا قال : أمنكم أحد قال رسول الله حين قرب إليه الطير فأعجبه : اللهم أأتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجئت وأنا لا أعلم ما كان من قوله فدخلت فقال : وإلي يا رب إلي يا رب غيري. قالوا : لا. قال : أمنكم أحد كان أقتل للمشركين عند كل شديدة تنزل برسول الله غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد كان أعظم غناء عن رسول الله مني حتى اضطجعت على فراشه ووقيته بنفسي وبذلت مهجتي غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير زوجتي فاطمة؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد كان له سهم في الخاص وسهم في العام غيري؟ قالوا : لا قال : أمنكم أحد يطهره كتاب الله غيري حتى سد النبي " ص " أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي إليه حتى قام إليه عماه حمزة والعباس فقالا : يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي فقال النبي : ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابكم بل الله فتح بابه وسد أبوابكم قالوا : لا قال : أمنكم أحد تمم الله نوره من السماء حين قال وآت ذي القربى حقه قالوا : اللهم لا قال : أمنكم أحد ناجى رسول الله " ص " ستة عشر مرة غيري؟ حين نزل جبرئيل " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " أعمل بها أحد غيري؟ قالوا : اللهم لا قال: أمنكم أحد ولي غمض رسول الله غيري؟ قالوا اللهم لا قال : أمنكم أحد آخر عهده برسوله " ص " حين وضعه في حفرته غيري؟ قالوا : لا (١).

(قال عبد المحمود) : وفي رواية أخرى عن صدر الأئمة عندهم موفق ابن أحمد المكي يرويها عن فخر خوارزم محمود الزمخشري بإسناده إلى أبي ذر زيادة في مناشدة علي بن أبي طالب عليه السلام لأهل الشورى

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ٢٢٤ ، والمغازلي في المناقب : ١١٢ ، والقندوزي في ينابيع المودة : ١١٤ ، والعلامة المجلسي في البحار : ٨ / ٣٤٤ ط قديم.

وهذا لفظها : ناشدتكم الله هل تعلمون معاشر المهاجرين والأنصار أن جبرئيل أتى النبي " ص " فقال : يا محمد لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي هل تعلمون كان هذا؟ قالوا : اللهم نعم قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي " ص " فقال : يا محمد إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تحب عليا وتحب من يحبه فإن الله يحب عليا ويحب من يحب عليا قالوا : اللهم نعم قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله قال : لما أسرى بي إلى السماء السابعة دفعت إلى رفاف من نور ثم دفعت إلى حجب من نور فوعد النبي " ص " الجبار لا إله إلا هو أشياء ، فلما رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجاب نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك على فاستوص به ، أتعلمون معاشر المهاجرين والأنصار كان هذا؟ فقال من بينهم : أبو محمد يعني عبد الرحمن ابن عوف سمعتها من رسول الله " ص " وإلا فصمتا قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن أحدا كان يدخل المسجد جنبا غيري؟ اللهم قالوا : لا قال فأنشدكم الله هل تعلمون أن أبواب المسجد سدها وترك بابي؟ قالوا : اللهم نعم قال : هل تعلمون أني كنت إذا قاتلت عن يمين رسول الله قال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ قالوا : اللهم نعم قال : فهل تعلمون أن رسول الله حين أخذ الحسن والحسين جعل يقول هي يا حسن فقالت فاطمة : إن الحسين أصغر وأضعف ركنا منه فقال لها رسول الله : ألا ترضين أن أقول أنا هي يا حسن ويقول جبرئيل هي يا حسين فهل لأحد منكم مثل هذه المنزلة؟ نحن الصابرون ليقضي الله في هذه البيعة أمرا كان مفعولا.

ثم قال : وقد علم موضعي من رسول الله " ص " والقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد فضمني إلى صدره ويلفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرقه ، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه ، وما وجد لي

كذبة في قول ولا خطأ في فعل ، ولقد قرن (١) الله به من لدن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به سبيل المكارم ومحاسن الأخلاق العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع كل يوم لي علما من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاوز في كل سنة بحرا فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله " ص " وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنة الشيطان حتى نزل الوحي عليه فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير ، ولقد كنت معه " ص " لما أتاه الملأ من قريش فقالوا له : يا محمد إنك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك ونحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه وأريتناه ، علمنا أنك نبي ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب فقال لهم " ص " : وما تسألون؟ قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك فقال " ص " إن الله على كل شئ قدير فإن فعل الله ذلك لكم تؤمنون وتشهدون بالحق؟ قالوا : نعم فقال " ص " : سأريكم ما تطلبون وإني لا علم أنكم ما تفيئون إلى خير وإن فيكم من يطرح في القليب ومن يحزب الأحزاب ، ثم قال : يا أيتها الشجرة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلمين أني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله ، فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي عظيم شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله " ص " وألقت بعضها الأعلى على رسول الله وبعض أغصانها على منكبي وكنت عن يمينه ، نظر القوم إلى ذلك قالوا : علوا واستكبارا فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها كأعجب

__________________

(١) وفي الترجمة قرني الله به من لدن كنت فطيما مع أعظم ملك من ملائكته يسلك بي ـ الخ.

إقبال وأشد دويا وكادت تلطف (١) برسول الله قالوا كفرا وعتوا : فمر هذا النصف يرجع إلى نصفه كما كان فأمره رسول الله فرجع فقلت أنا : لا إله إلا الله إني أول مؤمن آمن بك يا رسول الله وأول من آمن بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك وإجلالا لكلمتك ، فقال القوم كلهم : بل ساحر كذاب عجيب السحر حقيق به ، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا يعنوني وإني لمن القوم الذين لا يأخذهم في الله لومة لائم ، سيماهم سيما الصديقين وكلامهم كلام الأبرار عماد الليل ومنار النهار متمسكون بحبل الله القرآن يحبون سنن الله وسنن رسوله لا يستكبرون ولا يقلبون (٢) ولا يفسدون قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل.

(قال عبد المحمود) : وقد روى صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي الخوارزمي أن علي بن أبي طالب عليه السلام زاد على هذا يوم الشورى في المناظرة لهم والاحتجاج عليهم ، وأنه احتج بسبعين منقبة من مناقبه وسأذكرها وطرفا مما رووه من أسباب مدح علي عليه السلام عند إيراد ما ذكروه عن نبيهم في ذم من مدحوه من الأصحاب مما لم يتقدم ذكره في هذا الكتاب.

ومن طرائف ما نقلوه في كتبهم المعتبرة برواية رؤسائهم من إظهار علي بن أبي طالب عليه السلام للتألم من تقدم أبي بكر وعمر وعثمان عليه في الخلافة ، وإنه كان أحق بها منهم بمحضر الخلق الكثير على المنابر وعلى رؤوس الأشهاد ما ذكره جماعة من أهل التواريخ والعلماء ، وذكره ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد وأبو هلال العسكري في كتاب الأوائل في الخطبة التي خطب بها علي بن أبي طالب عليه السلام عقيب مبايعة الناس له ، وهي أول خطبة خطبها فقال بعد إشارات ظاهرة وباطنة بالتألم ممن تقدمه وممن وافقهم ما هذا لفظه :

__________________

(١) وفي المطبوع تلتف.

(٢) وفي الترجمة : ينقلبون.

وقد كانت أمور ملتم فيها عن الحق ميلا كثيرا كنتم فيها غير محمودين أما إني لو أشاء أن أقول لقلت عفا الله عما سلف سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه ويله لو قص جناحه وقطع رأسه لكان خيرا له ، انظروا فإن أنكرتم فأنكروا وإن عرفتم فاعرفوا.

هذا آخر المراد من اللفظ وهي خطبة كاشفة عما تجدد في حقه من ظلم المتقدمين عليه في الخلافة ، فمن أرادها فليقف عليها من هناك يقول في آخرها ما هذا لفظه على ما حكاه صاحب كتاب العقد : ألا إن الأبرار من عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا ، ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا معنا راية الحق من تبعها لحق ومن تأخر عنها غرق ، ألا وبنا يرد ترة كل مؤمن وبنا يخلع ربقة الذل من أعناقهم وبنا فتح وبنا يختم (١).

ورأيت خطبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام قد فسرها الحسن بن عبد الله ابن سعيد العسكري صاحب كتاب المواعظ والزواجر وهو من رؤساء مخالفي أهل البيت ، والخطبة في كتاب اسمه كتاب معاني الأخبار تاريخ الفراغ من نسخة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة ، قال صاحب كتاب معاني الأخبار ما هذا لفظه : باب معاني خطبة أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن إبراهيم الطالقاني قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن خالد قال : حدثنا عبد الجليل يحيى بن عبد الحميد الحملي قال : حدثنا عيسى بن راشد عن أبي خزيمة عن عكرمة عن ابن عباس وحدثنا محمد بن علي بن ماجيلويه قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ١٣٣.

عكرمة عن ابن عباس.

قال : ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال : والله لقد تقمصها أخو تيم وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلى الطير ـ ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يشيب فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى الله ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتى إذا مضى الأول لسبيله ، عقدها لأخي عدي بعده ، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، فصيرها والله في حوزه خشناء ، يخشن مسها ويغلظ كلمها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة إن أعنف بها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فمنى الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض ، وبلوامع هن وهن ، فصبرت على طول المدة ، وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني منهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن بهذه النظائر ، فمال رجل لضغنه ، وأصغى آخر لصهره. وقام ثالث القوم نافجا حضنية ، بين نثيله ومعتلفة ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نيتة الربيع إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته.

فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلى ، ينثالون علي من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاى ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " بلى والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكن حليت الدنيا

في أعينهم وراقهم زبرجها ، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

قال : فناوله رجل من أهل السواد كتابا فقطع الحديث وتناول الكتاب فقلت : يا أمير المؤمنين لو أطردت مقالتك حيث بلغت فقال : هيهات يا بن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت ، فقال : ما أسفت على كلام قط أسفي على كلام أمير المؤمنين عليه السلام حيث أراد.

وقد تركت تفسير الخطبة لئلا يطول بذكره ، ولأنه واضح في مراد نأمنها وقد حكى هذه الخطبة مؤلف نهج البلاغة وفيها هناك ألفاظ أفصح وأوضح (١).

[(قال عبد المحمود) : هذه الخطبة موجودة في نهج البلاغة الذي جمعه السيد الرضي العلوي الموسوي ، وإنما عدلت عن النقل من نهج البلاغة إلى النقل عن معاني الأخبار لأسباب شتى : أحدها أنها في نهج البلاغة محذوفة الأسانيد وفي معاني الأخبار مسندة كما ذكر ، ثانيها أنها في كتاب معاني الأخبار مفسرة بتفسير حسن بن سعيد العسكري من أعيان رجال الأربعة المذاهب ، فلو كان له شبهة أو شك ما فسرها ولا أهتم بها ، وفي الرواية من الطعون على أئمة الضلال الذين تقدموا على علي بن أبي طالب عليه السلام وإنما تركت نقل تفسير الكلمات اللغوية التي فيها الموافقة للقواعد العربية لأن الغرض لم يكن في ذلك.

وثالثها أن تاريخ نسخة معاني الأخبار مقدم على ولادة السيد الرضي الموسوي مؤلف نهج البلاغة ، لأن مولد المرتضى علي بن الحسين الموسوي

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقية : ٤٨ صبحي صالح.

في شهر رجب سنة ثلاثمائة وخمسة وخمسين وهو أكبر من أخيه محمد بن الحسين الرضي الموسوي مؤلف نهج البلاغة لأن تاريخ ولادته سنة ثلاثمائة وتسع وخمسين وتاريخ وفاته شهر المحرم سنة ستة وأربعمائة ، وتأليف كتاب معاني الأخبار أقدم على ولادة أخيه المرتضى علي بن الحسين ، فأحببت نقل هذه الخطبة من الكتاب الذي هو أقدم تأليفا وأوضح برهانا ، مع أن تاريخ وفاة مصنف كتاب معاني الأخبار أقدم من ولادة المرتضى الذي هو أكبر من الرضي الموسوي مؤلف كتاب نهج البلاغة.

(قال عبد المحمود) : ولقد وجدت هذه الخطبة أيضا في كتاب بخزانة كتب المدرسة النظامية العتيقة الذي سماه صاحب كتاب الغارات في الجزء الثاني منه في كتاب مقتل علي بن أبي طالب عليه السلام تاريخ الفراغ منه يوم الثلاثاء ثلاث عشر مضين من شوال سنة ثلاثمائة وخمسة وخمسين وهذا هو سنة ولادة السيد المرتضى الموسوي قبل ولادة أخيه الرضي مؤلف نهج البلاغة ، وهذه ألفاظ الرواية من كتاب الغارات في مدرسة النظامية :

قال : حدثنا محمد قال حدثنا حسن بن علي الزعفراني قال : حدثنا محمد ابن زكريا القلابي قال : حدثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : أبو محمد حدثني به قبل ذهاب بصره وقال أبو بكر محمد بن وثيق حدثنا محمد بن زكريا بهذه الإسناد عن ابن عباس أنه قال :

كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام في الرحبة إذ تنفس الصعداء ، ثم قال : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إلي الطير. ولكن سدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتأي من أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، ترضع فيها الصغير ويذب فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن

حتى يلقى ربه ، فرأيت الصبر على هاتين أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى من مزار ، أرى تراثي نهبا ، إلى أن حضرته الوفاة ، فأدلى بها إلى عمر بعد وفاته ، لشد ما شطر ضرعاها ، شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر ، فصيرها والله في ناحية خشناء ، يخفق مسها ويغلظ كلمها ، ويكثر العثار ، ويقل الاعتذار ، صاحبها منها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فمنى الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض ، إلى أن حضرته الوفاة فجعلها شورى بين يدي جماعة زعم أني أحدهم ، فيا للشورى ولله بهم ، متى اعترض في الريب مع الأول ، حتى أني لأن يقرن بي هذه النظائر لكن سففت إذ سفوا وطرت إذ طاروا ، وأصبر على طول المحنة وانقضاء المدة ، فمال رجل لضغنه وأصغى آخر لصهره مع هن وهنات ، إلى أن قام ثالث القوم ، نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وشرع معه بنو أبيه يهضمون مال الله هضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن ترب به مصيله فأجهز عليه سوء عمله فما راعني من الناس إلا وهم رسل إلى كعرف الضبع ، فسئلوني أن أبايعهم ، وانثالوا علي حتى لقد وطئ الحسنان ، وانشق عطفاهما ، فلما نهضت بالأمر نكثت شرذمة ومرقت طائفة وفسق آخرون ، كأنهم لم يسمعوا الله تبارك وتعالى يقول " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " بلى والله لقد سمعوا ، ولكن احلولت دنياهم في أعينهم وراقهم زبرجها ، أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ، لولا حضور الناصر ولزوم الحجة ، وما أخذ الله على الأولياء الأمراء ألا يقاروا على كظه أو سغب مظلوم ، لأرسلت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

قال : قام إليه رجل من أهل السواد فناوله فقطع كلامه ، قال ابن عباس :

فما أسفت على كلام ولا تفجعت كتفجعي على ما فاتني من كلام أمير لمؤمنين عليه السلام، فلما فرغ من حاجة السوادي فقلت له : يا أمير المؤمنين لو أطردت مقالتك من حيث أفضت إليها ، قال هيهات هيهات يا بن عباس كانت شقشقة هدرت ثم قرت (١).

(قال عبد المحمود) : ما يوجد في هذه الرواية ورواية صاحب الغارات من اختلاف الألفاظ أو الألحان في أعراب أو نقصان شئ فهو كما وجدناه في مدرسة النظامية البغدادي].

وقد تضمن كتاب عن علماء أهل البيت فيه عبادات يعمل بها شيعتهم ، أسمه كتاب مصباح المتهجد في عبادات السنة خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خطب بها في خلافته في يوم اتفق أنه يوم الجمعة ، ويوم نص نبيهم بالخلافة في يوم غدير خم ، وهي خطبة جليلة قد كشف فيها ما جرى من المتقدمين عليه بالخلافة وظلمهم له ، فليقف عليها من أرادها من هناك فإنها طويلة تشهد أنه كلامه حقا.

وقد تضمن كتاب عن أهل البيت يسمى كتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني ، فيه كتب من أهل البيت إلى شيعتهم ، وذكر شئ من أحوالهم ، ويتضمن كتابا أملا علي بن أبي طالب عليه السلام في شرح ظلم المتقدمين عليه بالخلافة من أوضح في المعنى ، وإنه جمع عشرة من خيار المسلمين وأملاه بحضورهم (٢).

وقد شهد البخاري ومسلم في صحيحيهما الذين تعتقد علماء الأربعة المذاهب بصحة ما اتفقا عليه ، إن العباس وعلي بن أبي طالب عليه السلام يعتقدان في أبي

__________________

(١) في هامش الترجمة هنا هذه العبارة " قابلت مع النسخة هكذا كان ".

(٢) وقد نقله بطوله السيد ابن طاووس في كشف المحجة : ١٨٩ ـ ١٩٣.

بكر وعمر أنهما كاذبان آثمان غادران خائنان ، وقد تقدم هذا الحديث في هذا الكتاب عند ذكر مطالبة فاطمة بميراث أبيها نبيهم ، وتقدمت الإشارة إلى موضع الحديث من صحيح البخاري ومسلم.

وقد ذكر ابن عبد ربه المقدم ذكره في كتاب العقد في المجلد الرابع حديث كتاب كتبه معاوية إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وجواب علي له ، وفي جملة الجواب ما هذا لفظه: وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم ، فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الكراهية لهم فوالله ما اعتذر إلى الناس من ذلك.

وذكر ابن عبد ربه في المجلد الرابع المذكور عدة أحاديث تتضمن تصديق جماعة من الصحابة لمن يعتقد أن بني هاشم أحق بالخلافة ممن تقدم عليهم ، فمن ذلك حديث هذا لفظه : وقال ابن عباس : ماشيت عمر بن الخطاب يوما فقال لي : يا بن عباس ما منع قومكم منكم ، وأنتم أهل البيت خاصة قلت : لا أدري قال : لكني أدري أنكم فضلتموهم بالنبوة فقالوا : إن فضلونا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا ، وإن أفضل النصيبين بأيديكم ، بل ما أخالها إلا مجتمعة فيكم وإن نزلت على رغم أنف قريش (١) ، هذا آخر لفظه في المعنى.

وقد تقدم عند ذكر يوم السقيفة ما أجمع عليه البخاري ومسلم في صحيحيهما من أن بني هاشم كافة كانوا في الخلافة تبعا لعلي عليه السلام ، ومجتمعين على استحقاق تقدمه عليهم ، وأنه ما بايع أحد منهم أبا بكر حتى اضطر إلى البيعة كرها ، أو لعدم الناصر له ، فأي ذنب للشيعة إن اعتقدوا أو اعتقد أحد منهم ضلال المتقدمين على علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد شهد علماء الأربعة المذاهب بتصديقهم واعترفوا لهم بمثل ذلك.

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ٢١٤.

ومن طريف ما رووه في المعنى الموصوف ما هو موجود في خزانة الكتب بالرباط المعروف بتربة الاختلاطية (١) بالجانب الغربي من بغداد في ورقة من رق ملصقة بآخره كتاب أعلام الرسول تأليف المأمون من خلفاء بني العباس وتاريخ الكتاب المذكور شوال سنة إحدى وخمسين ومأتين ما نسخته عن الحكم بن مروان عن جبير بن حبيب قال : نزلت بعمر بن الخطاب نازلة قام لها وقعد وتريح وتعظوا (٢) ، ثم قال : يا معشر المهاجرين ما عندكم فيها؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين أنت المفرع والمترع ، فغضب ثم قال : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا أما والله إني وإياكم لنعرف أين بجدتها الخبير بها فقالوا : كأنك أردت ابن أبي طالب قال : وأنى يعدل بي عنه وهل طفحت حرة بمثله قالوا : لو بعثت إليه قال : هيهات هنات شمخ من بني هاشم ولحمة من رسول الله " ص " وأثرة من علم يؤتى إليه ولا يأتي ، امضوا بنا إليه فانصفوا وافضوا نحوه وهو في حائط له عليه تبان يتوكأ على مسحاته وهو يقول " أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى " (٣) ودموعه تجري على خديه ، فأجهش القوم لبكائه ، ثم سكن وسكنوا وسأله عمر عن مسألة فأصدر إليه جوابها ، فلوى عمر يديه ثم قال : والله لقد أرادك الحق ولكن أبى قومك. فقال له : يا أبا حفص خفض عليك من هنا ومن هنا إن يوم الفصل كان ميقاتا ، فانصرف عمر وقد اظلم وجهه كأنما ينظر من ليل.

(قال عبد المحمود) : هذا يوضح لأهل التوفيق والتصديق أن عمر والصحابة كانوا يعرفون أن علي بن أبي طالب عليه السلام أحق بالأمر على التحقيق ،

__________________

(١) وفي المخطوط : الاخلاطية.

(٢) كذا في المخطوط ولعله " تمطى " كما يستفاد من الترجمة.

(٣) القيامة : ٣٦.

ويكشف أن عليا عليه السلام كان عارفا أنه مظلوم ، وأنه يتهدد عمر بيوم القيامة وأن عمر يعلم ذلك ولا يسهل عليه ترك الخلافة وتسليمها إلى صاحبها بن أبي طالب عليه السلام ، وفي ذلك ما يطول ذكره من الطرائف والعجائب.

ومن طريف الأمر أن يتعجب أحد من صبر علي بن أبي طالب عليه السلام عن المحاربة والمنازعة ، ويقال كيف اقتصر على الانكار باللسان؟ وقد عرفوا أن جماعة من الأنبياء وخلفاء الأنبياء صبروا على منازعة الفراعنة والملوك لعدم الأنصار والأولياء ، فهلا كان عذر علي بن أبي طالب عليه السلام كعذر الأنبياء وأوصيائهم ، وكفى شاهدا بذلك أنه لما اعتزل عن بيعة أبي بكر لم يكن معتزلا معه وموافقا له كما رووا إلا بنو هاشم خاصة ، والباقون مختلفون في الآراء فكيف يقوى بنو هاشم وحدهم بمن خالفهم أو اختلف فيهم وأي عذر أوضح من ذلك.

ومن طريف الجواب عن ذلك وظهور المناقضة من أولئك المسلمين إنهم اعترفوا أن أعيان الصحابة والمسلمين أمسكوا في بعض خلافة معاوية ويزيد عن المحاربة والمجاهدة بالإنكار ، وبايع كثير منهم ومع ذلك فلا تجعلون إمساك المسلمين عن استمرار محاربة معاوية ويزيد دليلا على الرضا بخلافتهما ، فهلا كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام وبني هاشم من العذر في استمرار ترك المنازعة لأبي بكر ما كان للمسلمين في ترك المنازعة لمعاوية ويزيد وبني أمية.

ومن طريف صواب الجواب على التفصيل ما رأيته في بعض كتب المسلمين أنه لما اتصل بعلي بن أبي طالب عليه السلام أن الناس قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة وزبير قال : فخرج مرتديا ثم نادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الصحابة قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

يا معاشر الناس بلغني أن قوما قالوا ما له لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما

نازع طلحة وزبير وعائشة ، وإن لي في سبعة أنبياء عليهم السلام أسوة :

أولهم : نوح عليه السلام فقال الله تعالى مخبرا عنه " رب إني مغلوب فانتصر " (١) فإن قلتم ما كان مغلوبا فقد كذبتم القرآن وإن كان ذلك كذلك فعلي أعذر.

الثاني : إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام حيث يقول " واعتزلكم وما تدعون من دون الله " (٢) فإن قلتم إنه ما اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم وإن قلتم إنه رأى المكروه منهم فاعتزلهم فعلي أعذر.

الثالث : لوط ابن خال عليه السلام إذ قال لقومه " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " (٣) فإن قلتم كان له قوة واعتزلهم فقد كفرتم وإن قلتم إنه لم يكن له بهم قوة فاعتزلهم فالوصي أعذر.

الرابع : يوسف عليه السلام إذ قال " رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه " (٤) فإن قلتم إنه دعى إلى غير ما يسخط فقد كفرتم وإن قلتم إنه دعى إلى ما يسخط الله عز وجل فاختار السجن فالوصي أعذر.

والخامس : موسى بن عمران عليه السلام إذ قال " ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين " (٥) فإن قلتم إنه فر منهم من دون خوف فقد كفرتم وإن قلتم إنه فر منهم خوفا فالوصي أعذر.

والسادس : هارون عليه السلام إذ قال " يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا

__________________

(١) القمر : ١٠.

(٢) مريم : ٤٨.

(٣) هود : ٥٢.

(٤) يوسف : ٣٣.

(٥) الشعراء : ٢١.

يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " (١) فإن قلتم إنهم ما استضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم وإن قلتم إنهم استضعفوه وأشرفوا على قتله فالوصي أعذر.

والسابع : محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذ هرب إلى الغار خوفا فإن قلتم إنه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم وإن قلتم إنهم أخافوه فلم يسعه إلا الهرب فالوصي أعذر.

فقال الناس : صدق أمير المؤمنين عليه السلام وهذا هو الحق والعذر الواضح.

ومن طريف ما رووه عن نبيهم محمد " ص " في أن المسلمين يغدرون مع علي بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة نبيهم ، وتصديقهم علي بن أبي طالب عليه السلام فيما ذكره من غدرهم به.

ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده قال : قال النبي " ص " لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إن الأمة ستغدر بك من بعدي (٢).

ومن كتاب المناقب تأليف أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ وهو من أعيان مخالفي أهل البيت بإسناده إلى ابن عباس قال : خرجت أنا وعلي والنبي " ص " في جنان المدينة فمررنا بحديقة ، فقال علي : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله فقال : حديقتك في الجنة أحسن منها ، ثم مررنا بحديقة فقال : ما أحسن هذه يا رسول الله حتى مررنا بسبع حدائق فقال النبي " ص " حدائقك في الجنة أحسن منها ، ثم ضرب بيده على رأسه ولحيته وبكى حتى علا بكاؤه فقال : ما يبكيك يا

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

(٢) غير موجود في المناقب المطبوع ، ورواه البخاري في تاريخه : ١ / ١٧٤ ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٤٠ ، والخطيب البغدادي في تاريخه : ١١ / ٢١٦ ، وفضل ابن شاذان في الإيضاح : ٤٥٢ ، والعلامة المجلسي في البحار : ٢٨ / ٦٥ و ٧٦.

رسول الله؟ قال : ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني. ورواه من طريق أخرى وزاد فيه : أن عليا قال للنبي " ص " : في سلامة من ديني فقال نعم في سلامة من دينك (١).

(قال عبد المحمود) : ورأيت في التواريخ والكتب شيئا كثيرا يقتضي أن نبيهم عرف لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما جرت الحال عليه وأمره بالصبر كما انتهى أمره إليه ، ومما يصدق ذلك اتفاقهم في صحاحهم على ما تقدم من وصف نبيهم حال أكثر أصحابه ، وأنهم يختلفون بعده ويرتدون وأنهم يفترقون إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، وحديثه مع عمار بن ياسر وأن ضلالهم ينتهي إلى حد الاشتهار ، فلا عجب لو كان علي بن أبي طالب عليه السلام في تقية منهم ويعرض عنهم.

وقد ذكر مسلم أيضا في صحيحة في المجلد الثالث عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال في الحديث ما هذا لفظه : عن نبيهم فرفع رأسه إلى السماء ، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون (٢).

هذا المراد من الحديث نقلناه بألفاظه ، فهل ترى من نبيهم إلا وقد شهد عليهم بالاضطراب والاختلاف بعد وفاته كما ذكره علي بن أبي طالب عليه السلام عنهم مكررا.

مخالفة أبي بكر وعمر لأمر رسول الله " ص "

ومن أعظم طرائف الأربعة المذاهب أنهم رووا أن أبا بكر وعمر خالفا

__________________

(١) رواه الخوارزمي في المناقب : ٢٦ ، ومجمع الزوائد : ٩ / ١١٨ ، وذخائر العيبي : ٩ ، والحاكم في المستدرك: ٣ / ١٣٩ ، وتاريخ بغداد : ١٢ / ٣٩٨ ، والعلامة الكركي في النفحات : ٨٥ ، البحار : ٢٨ / ٧٥.

(٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٦١ فضائل الصحابة.

رسول الله " ص " في إزالة الضلال عن أمته ، وإن مخالفتهما كان سبب هلاك من هلك وضل من المسلمين.

فمن ذلك ما رواه الشيخ الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي فيما أورده في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر ، تفسير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن سفيان ، وتفسير ابن جريح ، وتفسير مقاتل بن سليمان ، وتفسير وكيع ابن جراح ، وتفسير يوسف ابن موسى القطان ، وتفسير قتادة ، وتفسير أبي عبيدة قاسم بن سلام ، وتفسير علي بن حرب الطائي ، وتفسير السدي وتفسير مجاهد ، وتفسير مقاتل بن حيان ، وتفسير أبي صالح ، قال : حدثنا يحيى بن الحسين بمكة : حدثنا أبو شعيب الحرابي ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي عن سلمة بن وردان عن أنس بن مالك قال :

كنا جلوسا عند النبي " ص " فتذاكرنا رجلا يصلي ويصوم ويتصدق ويزكي فقال لنا رسول الله : لا أعرفه. فقلنا يا رسول الله إنه يعبد الله ويسبحه ويقدسه ويوحده. فقال : لا أعرفه ، فبينما نحن في ذكر الرجل إذا طلع علينا ، فقلنا : هو هذا ، فنظر إليه رسول الله " ص " وقال لأبي بكر : خذ سيفي هذا واذهب إلى هذا الرجل واضرب عنقه فإنه أول من رأيته من حزب الشيطان ، فدخل أبو بكر المسجد فرآه راكعا فقال : والله لا أقتله فإن رسول الله نهانا عن قتل المصلين ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول إني رأيت الرجل راكعا وإنك نهيتنا عن قتل المصلين ، فقال رسول الله : اجلس يا أبا بكر فلست بصاحبه ، قم يا عمر وخذ سيفي من أبي بكر وادخل المسجد فاضرب عنقه ، قال : فأخذت السيف من يد أبي بكر ودخلت المسجد فرأيت الرجل ساجدا فقلت : والله لا أقتله فقد استأذنه من هو خير مني ، فرجعت إلى رسول الله " ص " فقلت : يا رسول الله إني رأيت الرجل ساجدا فقال : يا عمر أجلس فلست بصاحبه ، قم يا علي فإنك أنت قاتله إن وجدته

فاقتله فإنك إن قتلته لم يقع الضلال والاختلاف بين أمتي أبدا.

قال علي : فأخذت السيف ودخلت المسجد فلم أره ، فرجعت إلى رسول الله " ص " وقلت : ما رأيته فقال : يا أبا الحسن إن أمة موسى افترقت أحد وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار ، وإن أمة عيسى افترقت على اثنين وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار ، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار. فقال : يا رسول الله من الناجي؟ قال : المتمسك بما أنت عليه وأصحابك ، فأنزل الله في ذلك الرجل " ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " (١) يقول : هو أول من كان ظهر من أصحاب البدع والضلالات : قال ابن عباس : والله ما قتل ذلك الرجل إلا أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين ، ثم قال له " في الدنيا خزي " قال: القتل " ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " بقتاله علي ابن أبي طالب عليه السلام يوم صفين.

(قال عبد المحمود) : انظر رحمك الله إلى هذا الحديث فإن مفهومه أن النبي " ص " قد كان عرف أن الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويزكي ، ومع ذلك فإنه أمر أبا بكر بقتله فلم يقتله ، فكيف يقبل العقل إن هذا الأمر اشتبه على أبي بكر؟ فإن أمر الأنبياء بقتل أحد لا يكون إلا بأمر الله ويتضمن القرآن المجيد قوله تعالى " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " ثم تعجب من عمر وقد أمره النبي بقتله بعد أن سمع إن أبا بكر ذكر أنه يصلي ويصوم وبعد ظهور الانكار على أبي بكر من النبي " ص " وقوله له لست بصاحبة ، فلا يقتله أيضا عمر ولا يقبل أمر الرسول مع أن الله تعالى يقول " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ".

__________________

(١) الحج : ٩.

ثم انظر كيف ذكر النبي " ص " في ذلك الوقت افتراق أمته ثلاثا وسبعين فرقة ، هل ترى هذا إلا شهادة ممن يروي هذا الحديث وصدقه أن ترك أبي بكر وعمر لامتثال أمر رسول الله وعدولهم من قتل ذلك الرجل كان سبب ضلال من ضل من أهل الإسلام ، وتنبيه من النبي " ص " للأنام إنهما سببا الضلال ليكون حجة على أمته يوم الحساب والسؤال ، وكيف حسن من رجال الأربعة المذاهب ذكره هذا الأحوال.

منع عمر النبي " ص " عند وفاته أن يكتب كتابا لا يضل

بعده أمته أبدا

ومن أعظم طرائف المسلمين أنهم شهدوا جميعا أن نبيهم أراد عند وفاته أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا ، وأن عمر بن الخطاب كان سبب منعه من ذلك وسبب ضلال من ضل من أمته وسبب اختلافهم وسفك الدماء بينهم وتلف الأموال واختلاف الشريعة وهلاك اثنين وسبعين فرقة من أصل فرق الإسلام وسبب خلود من يخلد في النار منهم ، ومع هذا كله فإن أكثرهم أطاع عمر ابن الخطاب الذي قد شهدوا عليه بهذه الأحوال في الخلافة وعظموه ، وكفروا بعد ذلك من يطعن فيه وهم من جملة الطاعنين ، وضللوا من يذمه وهم من جملة الذامين ، وتبرأوا ممن يقبح ذكره وهم من جملة المقبحين.

فمن الرواية في ذلك ما ذكره محمد بن علي المازندراني في كتاب أسباب نزول القرآن في تفسير قوله تعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت " (١) فقال في مسند أحمد بن حنبل عن جابر الأنصاري أن النبي " ص " دعى عند موته

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده قال : فخالف عمر حتى رفضها (١).

ورووا عن سعيد بن جبير وعن عكرمة وعن سفيان بن عيينة وعن عمرو ابن دينار وعن الحكم بن أبان ثم روى أحمد بن حنبل عن سعيد بن جبير وعكرمة وعن ابن عباس الحديث وذكر فيه أن عمر بن الخطاب قال للنبي " ص " إنه يهجر (٢).

فمن روايتهم في ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع من المتفق عليه في صحته من مسند عبد الله بن عباس قال : لما احتضر النبي " ص " وفي بيته رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي " ص " : هلموا أكتب لكم لن تضلوا بعده أبدا فقال عمر بن الخطاب : إن النبي " ص " قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبكم كتاب ربكم (٣).

وفي رواية ابن عمر من غير كتاب الحميدي قال عمر : إن الرجل ليهجر وفي كتاب الحميدي قالوا ما شأنه هجر. وفي المجلد الثاني من صحيح مسلم فقال : إن رسول الله " ص " يهجر (٤).

فقال أهل اللغة في تفسيرها : إن معنى قوله هجر أي هذى. قال الجوهري في كتاب الصحاح في اللغة في باب الراء فصل الهاء ، الهجر : الهذيان ، وقال ألم تر إلى المريض إذا هجر قال غير الحق (٥).

قال الحميدي : فاختلف الحاضرون عند النبي " ص " فبعضهم يقول : القول ما قاله النبي فقربوا إليه كتابا يكتب لكم ، ومنهم من يقول : القول ما قاله عمر

__________________

(١ ـ ٢) أحمد بن حنبل في مسند : ٣ / ٣٤٦.

(٣ ـ ٤) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٧ ـ ١٢٥٩ كتاب الوصية ، والبخاري في صحيحه : ٥ / ١٢٧.

(٥) الصحاح : ٢ / ٨٥١.

فلما أكثروا اللغط والاختلاط قال النبي " ص " : قوموا عني فلا ينبغي عندي التنازع ، فكان ابن عباس يبكي حتى تبل دموعه الحصى ويقول : يوم الخميس وما يوم الخميس! قال راوي الحديث فقلت : يا بن عباس وما يوم الخميس؟ فذكر عبد الله بن عباس يوم منع رسول الله " ص " من ذلك الكتاب ، وكان ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله " ص " وبين كتابه (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : لقد صدق ابن عباس عند كل عاقل مسلم، والله لو لبس المسلمون السواد وأقاموا المآتم وبلغوا غاية الأحزان كان ذلك يسيرا لما أدخل عمر عليهم من المصيبات وأوقعهم فيه من الهلاك والضلال والشبهات.

وليت شعري أي اختلال في هذا كلام نبيهم محمد " ص " حتى يقول عمر إنه يهجر أو قد غلب عليه المرض ، أهكذا يجب أن يكون أدب الأمم مع الأنبياء؟ أو هكذا يجب أن يكون أدب الرعية مع الملوك؟ وأي ذنب كان لنبيهم عندهم؟ وأي تقصير قصر في حقهم؟ حتى يواجهه عمر عند وفاته ويجبهه في وجهه ويقول إنه يهذي ، وأين هذا مما تضمنه كتابهم " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " (٢) ما هذا إلا بئس الامتثال من عمر لأمر ربه ، فلقد رفع صوته وجهر له أقبح مما يجهر بعضهم لبعض.

ومن أعجب ذلك أنهم ذكروا أن كتابهم يتضمن وصف نبيهم بقوله " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " (٣) وخاصة مثل هذا الكتاب الذي

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٩ ، والبحار : ٨ / ٢٧٤ ط كمباني ، والبخاري في صحيحه : ١ / ٣٧.

(٢) الحجرات : ٢.

(٣) النجم : ٣.

أراد أن يكتبه لهم أنهم لا يضلون بعده أبدا ، فإن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي ، وإن كان هذا بوحي أفما يكون عمر قد نسب الهجر إلى ربه ، سوءة له من هذا الهجر (١) القبيح والكفر الصريح وسوءة لمن هان عنده هذا.

ومن طريف هذا الحديث أن عمر لما قدح في عقل نبيهم وشهد عليه أنه يهذي يقول بعد ذلك حسبنا كتاب ربنا ، وهذا القول من عمر يدل على أنه عرف أن كلام نبيهم ما كان هذيانا ولا مختلا وأنما ادعى عمر أن كتاب الله يغني عن الكتاب الذي أراد نبيهم أن يكتب لهم ، كان عمر في ذلك يزعم أنه أعرف من ربهم ونبيهم في تدبير أمته وحفظ شريعته.

(قال عبد المحمود) : وهب أنهم شكوا في حال نبيهم وظنوا أنه طلب الكتابة لهم على سبيل الاختلال ، فليتهم أذنوا لنبيهم بالكتاب فإن كتب ما يليق بالصواب عملوا به وإن كتب شيئا مختلا كما ذكر عمر ستروه كما جرت عادة المشفقين مع من يوالونه ويعظمونه ، وما كان يجوز أن يتركوا نبيهم يتوفى وهذه الأمنية في نفسه لم يبلغها منهم وهو آخر العهد بهم ووقت الحاجة إلى رضاه عنهم.

ومن طريف ذلك أن عمر يقول مثل هذا الكلام ويسمعه الحاضرون منه وينقلونه إلى المتأخرين عنه ، ويشهد لسان الحال والمقال أنه سبب كل ما تجدد في الأمة من الاختلاف والضلال والاختلاط ، ومع هذا فلا ينسب عمر إلى أنه يرد على نبيهم ولا أنه أخطأ ولا يذم ولا يعتب ، بل يتفق له في تلك الحال بأولى ما يقال من أن القول ما قاله عمر ، ويتفق له الآن من يعذره ويتغافل عن عظيم جنايته ويتقرب إلى الله بحبه وولايته ، إن هذا من أعظم ما بلغ إليه أهل الجهالة وأطم ما نقل عن ذوي الضلالة.

(قال عبد المحمود) : وإذا كان قول خليفتهم عمر في نبيهم وهذا قول جماعة

__________________

(١) في المخطوط : التجاهر بالقبيح.

من صحابته فيه ، فاعذروا أهل الذمة وغيرهم فيما يقولون عنكم.

ومن طريف ما في هذا الحديث المذكور وأسراره أنه يشهد أن الطعن في قول نبيهم والرد عليه والقدح فيه إنما كان من عمر وحده ، وأنه هو ابتدأ به ، بدليل قوله فقال قوم : القول ما قاله النبي " ص " وقال قوم : القول ما قاله عمر ، فما أطرف هذه الغفلة من القوم الذين قالوا القول ما قاله عمر ، إن هذا مما يبكي الأولياء ويضحك الأعداء.

ويؤكد صحة ذلك وأن عمر كان سبب منع نبيهم من الكتاب ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في الحديث السادس والتسعين من أفراد مسلم من مسند جابر بن عبد الله قال : فدعا رسول الله " ص " بصحيفة عند موته ، فأراد أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده ، فكثر اللغط وتكلم عمر فرفضها رسول الله صلى الله عليه وآله.

وذكر ابن أثير في تاريخه عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، وجرى دموعه على خده وقال : اشتد برسول الله وجعه قال : إئتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فكثر اللغط. قال : فتكلم عمر وترك رسول الله " ص " وقال : لا تنازعوا عند النبي فإنه لا ينبغي التنازع عند النبي. قالوا : النبي يقول الحق ، فذهبوا يعيدون عليه فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (١).

استحلال أبي بكر دماء من منع الزكاة عنه

ومن طريف مناقضاتهم أن قوما من المسلمين بعد وفاة نبيهم قالوا : إننا ما نعطي زكاتنا لأبي بكر ، لأن الله يقول لنبيه " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم

__________________

(١) رواه أحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٢٢٢ ، وابن سعد في طبقاته : ٢ / ٣٦.

وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " (١) وإننا ما نؤدي زكاتنا إلا من كانت صلاته سكنا لنا.

وبالجملة فإنهم ما استحلوا منع الزكاة وإنما تأولوا تأويلا ، وكان يمكن أن يكشف لهم ، فيستباح دماؤهم وأموالهم ، ويقول أبو بكر : لو منعوني عقالا مما كانوا يعطونه رسول الله " ص " لقاتلتهم عليه : ويقول عمر : إن الله شرح صدري لما قال أبو بكر ، فليت شعري من جعل لأبي بكر المساواة لنبيهم حتى يكون عطاء المسلمين له مثل عطاياهم لأبي بكر ومنعهم له مثل منعهم لأبي بكر وهل هو إلا رجل من المسلمين والمسلمون مختلفون ، فكيف صارت له المساواة لمن يذكرون أنه سيد المرسلين وخيرة رب العالمين؟

ومع ذلك فتحكم الأربعة المذاهب على أولئك المسلمين المانعين الزكاة من أبي بكر بالردة عن الإسلام ، ويصير أموالهم ودماؤهم وقتالهم مباحا ولعنهم وتقبيح فعلهم وذكرهم جايزا بل واجبا ، مع أنه كره أكثر المسلمين على ما ذكر الحميدي فيما ذكره ونقلناه عنه في هذا الكتاب كون النبي " ص " يعطي المؤلفة قلوبهم في وقعة هوازن أكثر ما يعطي غيرهم ، ومع ذلك فما رأينا ولا سمعنا منكم ولا ممن سبقكم أن يحكم على من خالف النبي " ص " في تفضيله عطاء المؤلفة قلوبهم أنهم مرتدين ولا استباح نبيهم قتالهم ولا أموالهم ، ولقد كان ينبغي أن يقتدي أبو بكر بنبيهم في هذا فكيف صار مخالفة أبي بكر أعظم في منع الزكاة منه من مخالفة نبيهم؟ إن هذا من الضلال العظيم.

ومن طريف ما تضمن حديث منع عمر نبيهم من كتابة الصحيفة وقوله في النبي " ص" إنه يهجر أن مثل هذا الكلام يصدر من عمر بمحضر نبيهم ويواجهه بهذا الكلام القبيح ، ويصير منعه عن الصحيفة سبب هلاك من هلك من المسلمين

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

وسبب ردة هذه الجماعة الذين حكموا عليهم بالردة ، حيث قالوا لهم : لم منعتم أبا بكر من الزكاة ، ولذا نقول إن الباعث لردتهم كان عمر ، لأنه لو لم يمنع النبي " ص " أن يكتب الكتابة ما ضل أحد وما قال أحد ردة ، فكان عمر سبب شماتة أهل الذمة وسائر الملل بالمسلمين : ومع هذا لا يقول كافة المسلمين ولا أكثرهم إن عمر ارتد ولا أخطأ مع اتفاقهم على صحة هذا الحديث عن عمر ، إن ذلك من عظيم الطرائف.

إن عمر يتلقى أمر النبي " ص " بالإنكار

ومن طريف ما تجدد من عمر في حق نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وشهدوا في صحاحهم بذلك.

ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي هريرة في الحديث التاسع والسبعين بعد المائة من أفراد مسلم قال : كنا قعودا حول رسول الله " ص " ومعنا أبو بكر وعمر في نفر ، فقام رسول الله من بين أظهرنا فأبطأ علينا ، وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا ، فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي رسول الله " ص " حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار ، فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد ، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والربيع الجدول). قال : فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول الله " ص " فقال : أبو هريرة؟ فقلت : نعم يا رسول الله. قال : ما شأنك؟ قلت : كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا ، فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب وهؤلاء الناس ورائي. فقال : يا أبا هريرة (وأعطاني نعليه) قال : اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء

هذا الحائط يشهد أن لا إله الله مستقيما بها قلبه فبشره بالجنة ، فكان أول من لقيت عمر بن الخطاب فقال : ما هاتان النعلان أبا هريرة؟ فقلت : هاتان نعلا رسول الله " ص " بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستقيما بها قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاستي فقال : ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله " ص " فأجهشت بكاءا وركبني عمر فإذا هو على أثري ، فقال لي رسول الله : ما لك يا أبا هريرة؟ قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة فخررت لاستي. قال : إرجع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستقيما بها قلبه بشره بالجنة؟ قال : نعم. قال : فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون ، قال رسول الله " ص " : فخلهم (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : انظر رحمك الله إلى ما قد تضمنه هذا الحديث الصحيح عندهم من كون خليفتهم عمر يتلقى أوامر النبي " ص " بالإنكار والاستكبار والحرج ، وقد تضمن كتابهم " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (٢) فيشهد هذا الحديث إن عمر قد وجد في نفسه حرجا مما قضى رسول الله " ص " ، وإنه ما سلم إليه ولا تأدب معه ، وهذه شهادتهم صريحة بالطعن على خليفتهم عمر والقدح في إيمانه.

ومن طريف ذلك ضربه لرسول رسولهم حتى يقعده على استه ورجوع الرسول باكيا شاكيا إلى رسولهم ، فيا لله لو كان عمر شريكا لنبيهم في الرسالة

__________________

(١) مسلم في صحيحه ١ / ٥٩ ـ ٦١.

(٢) المائدة : ٤٣.

ما جاز في العقل والشرع والأدب أن يبلغ في الاستخفاف بنبيهم وسوء الصحبة له إلى هذه الغاية.

وقد كان يمكن أن يمنع أبا هريرة من أداء الرسالة بدون هذا الضرب والاستخفاف ، ثم وأي ذنب لأبي هريرة في تحمل هذه الرسالة عن نبيهم حتى يضرب على ذلك ، وليته كان قد نهى أبا هريرة عن أداء الرسالة فإن امتنع يعود إلى الانكار عليه أو ضربه وإن كان لا بد لعمر من الانكار على نبيهم فلم ضرب رسوله؟

ومن طريف ذلك إنكار عمر لهذه الرسالة ، فأي قبيح فيها حتى ينكرها ، وهي من البشارات يجب على كل مسلم أن يحمد الله ورسوله عليها ويجعلوا يوم وقوعها كيوم عيد ، وأي ضرر كان على عمر وعلى الإسلام إذا قنع الله من عباده بإخلاص الشهادة لله بالوحدانية ، فأي جناية عظيمة قد جنا عمر بذلك على الإسلام والمسلمين وحال بينهم وبين رحمة رب العالمين.

ومن طريف ذلك أن مثل هذه الرسالة لا يمكن أن يقولها نبي من الأنبياء إلا عن الله ، لأنها إخبار بما يريد الله من عباده وإخبار بما يستحقون على ذلك ولا يطلع على ما يريد الله من العباد إلا الأنبياء ، فكيف استجاز عمر أن يرى راية وتدبيره أكمل من تدبير الله ورسوله؟ وأنه أعرف منهما بمصلحة الخلائق؟ وهذا جهل عظيم بالرسول والمخلوق والخالق.

ومن طريف ذلك أنهم ذكروا أن نبيهم وافق لعمر على ترك العمل بما أمر الله بأدائه وأنه سد باب الرحمة عنهم ، وقد تضمنت كتبهم الصحاح خلاف ذلك.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه المذكور في مسند أبي ذر في الحديث الثالث من المتفق عليه من عدة طرق قال : أتاني جبرئيل عليه السلام فبشرني

أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، وفي رواية : ولم يدخل النار (١).

ومن ذلك في مسند أنس بن مالك في الحديث السادس والخمسين من المتفق عليه نحو ذلك.

ومن ذلك في مسند غسان بن مالك حديث واحد متفق عليه قال : إن النبي قال : إن الله حرم النار على من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه.

شهادتهم على عمر إنه ما كان يوافق نبيهم " ص "

ومن طريف ما يقبحون ذكر خليفتهم عمر ويشهدون عليه بالعظائم ، ما رواه عبد الله بن عباس وجابر وسهل بن حنيف وأبو وائل والقاضي عبد الجبار وأبو علي الجبائي وأبو مسلم الأصفهاني ويوسف القزويني والثعلبي والطبري والواقدي والزهري والبخاري ، وقد ذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين بعض الحديث في ذلك من مسند المسور بن مخرمة في حديث الصلح بين سهيل ابن عمرو وبين نبيهم بالحديبية يقول فيه : قال عمر بن الخطاب : فأتيت رسول الله " ص " فقلت : ألست برسول الله حقا؟ قال : بلى. قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى. قلت : فلم نعطي هذه الدنية في ديننا إذا؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلت : أوليس كنت تحدثنا إنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال : بلى. قال : فأخبرتك إنك تأتيه العام؟ قلت : لا. قال : فإنك آتيه وتطوف به. قال فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال : بلى. قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٩٤.

قال : بلى. قلت : فلم نعطي هذه الدنية في ديننا إذا؟ قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بعروته ، فوالله إنه على الحق. قلت : أوليس كان يحدثنا أنه سنأتي البيت ونطوف به. قال : فأخبرك أنه يأتيه العام؟ قلت : لا. قال : فإنك آتيه وتطوف به. وزاد الثعلبي في تفسيره عند ذكر سورة الفتح وغيره من الرواة أن عمر بن الخطاب قال : ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : أي ضرورة كانت لهؤلاء المسلمين إلى إيراد مثل هذا الحديث وتصحيحه وشهادتهم على عمر انه ما كان يوافق نبيهم ويعارضه في أموره ، ويخالفه في تدبيره ويرى أنه أعرف منه ومن الله بالصواب ، وقد كان النبي " ص " بوصف " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " وهذا مما يتعجب منه ذووا الألباب.

ومن طريف ذلك قول عمر : فلم نعطي هذه الدنية في ديننا ، فهلا كانت هذه الشجاعة منه في يوم حنين وخيبر وغيرهما من الغزوات التي هرب فيها وخالف الله ورسوله والوفاء للرسول والحياء من ذم الخيانات به.

ومن طريف ذلك شهادته على نفسه بالردة عن الإسلام والشك في دين الله ، وما كان معه ومع أتباعه من الحجة على إسلامه إلا إظهار الشهادة فإذا اعترف إن ذلك الظاهر قد صار شكا وقدحا في الإسلام فأي طريق يبقى له أو لهم في الظاهر إلى زوال ذلك الشك ، والناس بين قائلين فقائل من المسلمين يقول : إنه ما ارتد منذ أسلم ، وقائل يقول إنه ارتد إسلامه ولم يعد إلى الإسلام ، فالقول بأنه ارتد وعاد إلى الإسلام خلاف إجماع المسلمين ، وقد شهدوا في رواياتهم بأنه ارتد فيلزمهم أنه ما عاد إلى الإسلام من الردة ، وفي ذلك من

__________________

(١) رواه مسلم عن أبي وائل صدر الحديث في صحيحه : ٣ / ١٤١١.

الطرائف ما يتعجب منه أهل المعارف.

ومن طريف ذلك أن عمر بعد ما أخبره نبيهم بالجواب عن سؤاله واعتذر عن دخول مكة ، لا يلتفت عمر إلى جواب نبيهم ولا اعتذاره ويأتي إلى أبي بكر فيعبد عليه تلك المواقفة وشكه في الإسلام ويلتمس من أبي بكر الجواب فأعاد عليه أبو بكر ما سمعه من نبيهم من الاعتذار ولزم الأدب على سائر الأسباب فلو كان عمر قد قنع بجواب نبيهم أو اعتذاره ما أعاد المواقفة عند أبي بكر.

ومن طريف ذلك إقدامه على نبيهم بهذه المواقفة في مثل تلك الحال من الصلح وشدة الحاجة إلى عون المسلمين لنبيهم بالقول والفعل ، أو كان ذلك الموقف موقف تعنيف وتخجيل وفتح لأبواب الشك في النبوة وتقوية حجة سهيل بن عمرو والكفار؟ أما يدل هذا على ضلال هائل وجهل خاذل.

ومن طريف ذلك أنه بعد قول نبيهم لعمر أنى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، يقول له عمر : أوليس كنت تحدثنا إنا سنأتي البيت ونطوف به ، أما هذا تكذيب صريح لنبيهم واستخفاف لنبوته وكسر لحرمته.

ومن طريف ما رووه وصححوه من إنكار عمر على نبيهم ومعارضته له ما ذكره الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع والثلاثين من مسند عائشة من المتفق عليه على صحته في حديث عروة عنها قالت : أعتم (١) النبي " ص " بالعشاء حتى ناداه عمر للصلاة فقال : نام الصبيان والنساء ، فخرج.

وفي رواية ابن شهاب أن رسول الله قال : وما كان لكم أن تنزروا (٢) رسول الله " ص " على الصلاة وذاك حين صاح عمر بن الخطاب (٣).

__________________

(١) اعتم أي أخرها حتى اشتدت عتمة الليل وهي ظلمته.

(٢) أن تنزروا أي لا تلحوا عليه.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٤١.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : قد عرفت ما تضمنه كتابهم في قوله " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " وقوله " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم " وقوله " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " ، أفما كان يحسن من عمر أن يمتثل آية من الآيات أو يستحيي أو يكون عنده من الاحترام لله ولرسوله ما يقتضي إقامة عذر نبيهم في تأخره ، أما هذا إقدام لمن يعتقد أن رأيه وعقله وتدبيره أكمل من تدبير الله ورسوله أو شك في نبوة نبيهم ، ويدل على قبح ذلك من عمر إنكار نبيهم عليه وقوله : ما كان لكم أن تنزروا رسول الله ، أتراه ما سمع ما تضمنه كتابهم " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " (١).

ومن طريف ما رووه أيضا في معارضته لنبيهم وإنكاره عليه ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه على صحته عندهم في مسند عبد الله ابن عمر بن الخطاب في الحديث الخامس والتسعين ، أنه لما توفي عبد الله يعني ابن أبي سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله " ص " ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ، فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال : يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله : أنما خيرني الله فقال : " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم (٢) " وسأزيد على سبعين قال : إنه منافق ، فصلى عليه رسول الله " ص " فأنزل الله عز وجل : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبرة إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم

__________________

(١) الأحزاب : ٥٧.

(٢) التوبة : ٨٠.

فاسقون " (١).

(قال عبد المحمود) : في هذا الحديث عدة طرائف :

فمن طرائف هذا الحديث المذكور إقدام عمر على منع نبيهم محمد " ص " ولزومه بثوبه ، وكتابهم يتضمن " فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " (٢) وما قال قرآنهم فامنعوه وعارضوه.

ومن طرائف الحديث المذكور تهجمه علي المواقفة له بقوله : أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ وكتابهم يتضمن " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه بكرة وأصيلا " (٣) فهذا قرآنهم يتضمن الأمر لهم أن توقروا رسولهم ، وما قال : تواقفوه وتخجلوه وقال " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " أما هذا من الأذى الفظيع والاعتراض الشنيع ، ألم يتضمن كتابهم " ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " (٤) وقوله " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " (٥) أما هذا تقدم بين يدي الله ورسوله؟ أما رفع صوت على صوت نبيهم.

ومن طرائف الحديث المذكور اعتراضه عليه بعد هذا كله وقوله أنه منافق ، أما كان يكتفي بالمعارضة الأولى والمواقفة الثانية حتى يتم ذلك بمعارضة ثالثة ، وكتابهم يتضمن " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " (٦) فكيف جعل عمر لنفسه الخيرة؟ وكيف كره وأنكر

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه كتاب المنافقين : ٤ / ٢١٤١. والآية التوبة : ٨٤.

(٢) الأعراف : ١٥٨.

(٣) الفتح : ٩.

(٤) الحجرات : ١ ـ ٢.

(٥) الحجرات : ١ ـ ٢.

(٦) الأحزاب : ٣٦.

ما قد قضاه؟ إن هذا مما يستعظمه أهل الأديان ويقدحون به في الإيمان.

ومن طرائف الحديث المذكور دعوى عمر أن الله نهاه عن الصلاة على المنافقين ، وهذا الحديث يتضمن إن الآية بالنهي عن الصلاة إنما أنزلت بعد ذلك ، ثم كيف تقبل عقول أهل البصائر أن يكون قد نهاه الله عن الصلاة فيعلم ذلك عمر ولا يعلمه نبيهم محمد " ص " حتى يذكره ويواقفه؟.

سبب نزول آية الحجاب

ومن طرائف ما نقلوه وصححوه عن خليفتهم عمر ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن والأربعين من المتفق عليه من مسند عائشة قالت : كانت أزواج النبي " ص " يخرجن ليلا إلى قبل المصانع ، فخرجت سودة بنت زمعة فرآها عمر وهو في المجلس ، فقال : عرفتك يا سودة ، وفي رواية : فنزل الحجاب عقيب ذلك (١).

(قال عبد المحمود) : أي ضرورة كانت قد أحوجت إلى إيراد هذا الحديث وشهادتهم أنه صحيح وهو يتضمن أن خليفتهم عمر كشف ستر زوجة نبيهم ، فدل عليها أعين الناظرين وأخجلها ، وما خرجت ليلا إلا قصدا لسترها وصيانة لنفسها ، فأي مصلحة كانت لها أو لنبيهم في تعريف الحاضرين إن هذه المجتازة زوجة نبيهم؟ لا سيما وقد ذكروا إن هذه الواقعة من عمر أوجبت نزول الحجاب ، وذلك يدل على الكراهة لما وقع من التعرض لحرمة نبيهم.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٠٩ كتاب السلام ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ١٢٩.

معرفة النبي " ص " باطن عمر

ومن طرائف أحاديثهم الدالة على أن نبيهم كان يعرف من عمر الشك في نبوته ومعرفة عمر ذلك من نبيهم ، ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند جابر بن عبد الله الأنصاري في الحديث الرابع عشر من المتفق عليه على صحته. قال جابر: إن أباه قتل يوم أحد شهيدا ، فاشتد الغرماء في طلب حقوقهم ، فأتيت رسول الله " ص " فكلمته فسألتهم أن يقبلوا ثمن حايطي ويحللوا أبي ، فلم يوافقوا فلم يعطهم رسول الله حايطي ولم يكسر عليهم ، ولكن قال : سأغدو عليكم ، فغدا علينا رسول الله " ص " حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة ، فجذذتها فقضيتهم حقوقهم وبقي لنا من ثمرها بقية ، ثم جئت رسول الله " ص " فأخبرته بذلك ، قال رسول الله لعمر وهو جالس : إسمع يا عمر. فقال عمر : أن لا يكون نكن قد علمنا أنك رسول الله فوالله إنك رسول الله ـ هذا لفظ الحديث.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : أنظر إلى تقدير نبيهم لعمر وإفهامه أنه يعرف سوء باطنه وتركيب الحجة عليه في ظهور معجزاته الدالة على نبوته بقوله إسمع يا عمر ، وتعجب من معرفة عمر لمراد نبيهم من ذلك وقول عمر له أن لا يكون نكن فوالله قد علمنا إنك لرسول الله ، فوالله إنك رسول الله ثم انظر إلى يمين عمر ليزيل سوء اعتقاد رسولهم فيهم وتفكر في جهل عمر إن رسل الله لا يطعنون في باطن أحد إلا بطريق أن الله أعلمهم بذلك وأن هذا لا يدفع بيمين ، ثم تعجب من إقدام عمر على رسولهم وطعنه في اعتقاده فيه ، وقد كان يجب على عمر إن كان قد تحقق صحة رسالته بعد سوء اعتقاد نبيهم فيه أن يوافق رسولهم على سوء الاعتقاد فيه ثم يتوب ويعود إلى الاعتراف برسالته

أو يسكت عن مكابرته. فما أطرف أقدام هذا عمر على كسر حرمة رسولهم وأذيته ، وما أعجب احتمال كثير من المسلمين له على سوء صحبته.

إعراض النبي " ص " عن أبي بكر وعمر

ومن طريف رووه في إعراض نبيهم عن أبي بكر وعمر وعدم اهتمامه بحديثهما في حديث حرب بدر ما ذكره الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس والعشرين من أفراد مسلم في مسند أنس بن مالك قال : إن رسول الله " ص " شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان ، قال : فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه ـ الخبر (١).

(قال عبد المحمود) : هذه روايتهم في صحاحهم تشهد بسقوط منزلة هذين الرجلين في هذه غزوة بدر التي كانت أصل الإسلام ، فمن يروي عنهما ويشهد عليها بمثل هذه الشهادة كيف استصلحهما للخلافة بعد نبيهم؟ وقد عرفت أن هذه منزلتهما عنده ، ولا يقال إن أبا سفيان ما حضر بدرا فإن الحديث المذكور يتضمن أن نبيهم بلغه أولا إقبال أبي سفيان فلما بلغ إلى بدر بلغه حال أبي جهل ، وإنما اقتصرت على بعض الحديث لأنه طويل وفيه تكرار.

ومن طريف ما رأيت من المناقضة لهم في ذلك إن بعض جهالهم إذا قيل له ما ترى لأبي بكر وعمر اسما مشكورا في حرب بدر ولا جريحا ولا قتيلا فيقولون إنهما كانا أو أحدهما في عريش مع نبيهم يشاورهما ويستضيئ برأيهما.

وهذه الرواية عن أنس بن مالك في صحيح مسلم يكذب هذه الدعوى ، لأن من أعرض عنهما قبل وقت الحرب ولم يستصلحهما للحديث في ذلك ولا

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٠٣.

لاستماع قولهما ولا يحسن الجواب لهما ، وقد كان يمكن أن يجيبهما بقول لطيف ولا يعرض عنهما ، فكيف يستصلحهما للمشورة في وقت الحرب ، وقد كشف أنهما لا يصلحان لدون ذلك.

ومن طرائف ما ذكروه من سوء ظن نبيهم لعمر مقتضى تصحيحهم للحديث المذكور(١) ، وإلا فإن عترة نبيهم وأهل بيته يكذبون هذا الحديث وينكرونه.

وذلك أن الحميدي ذكر في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند جابر في الحديث الثاني والثلاثين من المتفق عليه على صحته قال : قال رسول الله " ص " رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميضاء زوجة أبي طلحة وسمعت خشفة نعل ، فقلت : من هذا؟ فقيل : هذا بلال ، ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت : لمن هذا؟ فقالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله فانظر إليه ، فذكرت غيرتك فوليت مدبرا ، فبكى عمر وقال : عليك أغار يا رسول الله ، وروى حديث القصر المذكور الحميدي أيضا في مسند أبي هريرة في حديث الثاني والثلاثين من المتفق عليه (٢).

(قال عبد المحمود) : أي حاجة كانت لهم إلى إيراد هذا الحديث وتصحيحه أترى عقولهم تصدق أن الرميضاء وبلالا بلغا من الأعمال أن يستحقا دخول الجنة قبل دخول نبيهم إليها ، إن هذا من الطرائف والاعتقاد الزائف.

ومن طريف الحديث المذكور قولهم أن النبي " ص " خاف من غيرة عمر فولى مدبرا ولم يدخل القصر ، أما قرؤا كتابهم " النبي أولى بالمؤمنين من

__________________

(١) أي الآتي.

(٢) روى نحوه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٦٣ ، ورواه البخاري في صحيحه : ٤ / ١٩٨.

أنفسهم (١)" أما يوضح هذا الحديث شهادتهم وشهادة نبيهم إنه كان يسئ الظن بعمر وإن عمر ممن يعتقد جواز وقوع الزنا والفواحش من نبيهم في الجنة ، أترى في الجنة تكليفا أو أمورا تقتضي وقوع غيرة عمر من نبيهم؟ إن هذا من عظيم ما قبحوا به ذكر خليفتهم عمر وشهدوا عليه بالضلال وسوء الظن.

تخلف عمر عن جيش أسامة

ومن طرائف ما رأيت من شهادة علماء الأربعة المذاهب عمر أنهم ذكروا أن نبيهم جعله قبل وفاته من جملة جيش أسامة بن زيد ، وأمره بالخروج معه في ذلك الجيش وشهدوا أنه خالف نبيهم وعاد عن صحبة أسامة ولم يمتثل أمر نبيهم.

ومما وقفت عليه في ذلك ما ذكره أبو هاشم شيخ المعتزلة في كتابه الذي سماه بالجامع الصغير قال :

فإن قيل : أيجوز أن يخالف النبي " ص " فيما يأمر به في حال الحياة؟

قيل له : أما ما كان من ذلك من طريق الوحي فليس يجوز مخالفته على وجه من الوجوه ، وأما ما كان من ذلك على طريق الرأي فسبيله سبيل الأئمة في أنه لا يجوز أن يخالف في ذلك في حال حياته ، فأما بعد وفاته فقد يجوز أن يخالف فيه ويدلك على ذلك أنه قد أمر أسامة بن زيد أن يخرج بأصحابه في الوجه الذي بعثه فيه فأقام أسامة عليه وقال : لم أكن لأسأل عنك الركب ، ثم إن أبا بكر استرجع عمر وقد كان في أصحابه ، ولو كان ذلك لوحي لم يكن لأسامة أن يقيم ويقول لم أكن لأسأل عنك الركب ولا كان لأبي بكر استرجاع عمر.

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : يا عجبا من هؤلاء القوم تارة يقولون إن نبيهم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وتارة يقولون إنه يقول ويأمر تارة بوحي وتارة بغير وحي ، ثم وكيف يجوز أن يكون تدبير الجيوش بغير الوحي وهو يشتمل على سفك الدماء وتملك الأنفس والأموال وغير ذلك من الأحوال؟

ثم وإن كان فعل أسامة حجة على جواز مخالفة نبيهم فقد حكى في كلامه إن ذلك القول من أسامة كان في حياة نبيهم ، فإنه قال : لم أكن لأسأل عنك الركب فعلى قول أبي هاشم وأتباعه يجوز لهم مخالفة نبيهم في حياته وبعد وفاته ، فإذا صح لهم ذلك فقد عزلوا نبيهم عن نبوته وذهب حكم الإسلام بجملته ، وأين امتثال هؤلاء لما تضمنه كتابهم من الأوامر المطلقة كقوله " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " (١) وقوله " واتبعوه " (٢) وقوله " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (٣).

فكيف استجاز أبو هاشم وأتباعه أن يتركوا هذه الأوامر وأمثالها؟ ويجعلوا فعل أسامة وأبي بكر وعمر حجة على جواز مخالفة نبيهم ، وهلا قالوا ما جازت لهم مخالفة نبيهم في حياته ولا بعد وفاته فيما أمرهم به كما يقتضي حق النبوة وأدب العارفين لحرمة الرسل ، فلو كان ملكا من الملوك أو رجلا محترما عند أصحابه ما استحسن أحد منهم إن كانوا من أهل الوفاء أن ينقضوا وصيته بتلك السرعة ويفسدوا إصلاح الأمة ويهدموا ما بناه لهم من تدبيره ، بل كان يجب أن يقتدوا بمشورته ويتبركوا بشريعة نبوته ويغتنموا ذلك الرأي الذي يذكرون أنه صدر عن أعظم النبي المؤيد بالألطاف والوحي والاتصال بالعناية الإلهية والاطلاع

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الأعراف : ١٥٨.

(٣) الحشر : ٧.

على الأسرار الربانية والمصالح الدينية والدنيوية.

[ومن طريف مناقضاتهم أن محمدا " ص " رسول الله الذي هو أكمل الخلائق يجوز مخالفته في رأيه بعد موته ، ويرى عمر قتل أصحاب الشورى الذين ذكروا أن محمدا " ص " نبيهم شهد لهم بالجنة إن مضت ثلاثة أيام ولم يبايعوا واحدا منهم ، فيقوم الوكيل بقتلهم ومن وافقهم ويهددهم بالقتل وإنه لا بد من العمل برأي عمر بعد موته واستباحة دماء أفضل الصحابة عندهم ، إن هذا إلا اختلاط هائل واختلال ذاهل].

ولله در القائل فيهم :

الناس للعهد ما لاقوا وما قربوا

وللجناية ما غابوا وإن شنعوا

هذا وصايا رسول الله مهملة

وما أظنكم ترضون ما صنعوا

بأي حكم بنوه يتبعونكم

وفخركم إنكم صحب له تبع

وكيف ضاقت عن الأهلين تربته

وللأجانب من جنبيه متسع

وفيم صيرتم الاجماع حجتكم

والناس ما اتفقوا طورا ولا اجتمعوا

أمر علي بعيد عن مشاورة

مستكره فيه والعباس يمتنع

وتدعيه قريش بالقرابة والأنصار

لا رفعوا فيه ولا وضعوا

فأي خلف كخلف كان بنيهم

لولا تلفق أخبار وتصطنع

قول عمر يوم مات رسول الله " ص " ما مات رسول الله

ومن طرائف الخلاف بعد وفاة نبيهم ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في فصل منفرد في أواخر الكتاب المذكور قال : إن عمر قال يوم مات رسول الله " ص " : ما مات رسول الله ولا يموت حتى يكون آخرنا ، حتى قرئت عليه " إنك ميت وإنهم ميتون " فرجع عن ذلك.

وروى الحميدي أيضا في الكتاب المذكور في مسند عائشة في الحديث الحادي والعشرين من أفراد البخاري قالت : إن رسول الله " ص " مات وأبو بكر بالسبخ يعني بالعالية ، فقام عمر فيقول : والله ما مات رسول الله " ص " قالت : وقال عمر : ما كان يقنع في نفسي إلا ذاك وليبعثه الله فليقطعن أيدي قوم وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله " ص " وعرف أنه قد مات.

وذكر الحميدي أيضا في كتابه المذكور في الحديث الثامن في مسند أبي بكر أن أبا بكر لم يكن حاضرا عند وفاة نبيهم وأنه كان بالسنح (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : أي ضرورة دعت إلى إيراد هذه الأحاديث وتصحيحها وهي تقتضي أن أبا بكر خليفتهم لم يك حاضرا عند وفاة نبيهم وكان مشغولا بغير وفاته وملازمة خدمته ، وما كان مرضيا عند من يعرف ما يجب للأنبياء من حسن الصحبة والوفاء ، وتقتضي الأحاديث المذكورة إن عمر خليفتهم ما كان يعرف هذا الأمر اليسير الذي لا يخفى على من له معرفة من صغير وكبير وإن كل آدمي فإنه يموت ، ولا كان يعرف كتاب ربهم يقول فيه " إنك ميت وإنهم ميتون " (٢) وقوله تعالى " كل نفس ذائقة الموت " (٣) ثم ما كفاه جهله بهذا الحال كيف جهل ما رواه المسلمون كافة من كون نبيهم نعى إليه نفسه في ذلك المرض ، وأوصى بما أمر الله ، وعرفهم أنه يموت فيه وكرر الإشارة إلى ذلك.

ومن عرف كتب الإسلام تحقق أن نبيهم كشف أنه يموت في ذلك المرض

__________________

(١) وهو موضع قرب المدينة.

(٢) الزمر : ٣٠.

(٣) آل عمران : ١٨٥.

كشفا واضحا ، وكيف لا يفهم خليفتهم عمر ذلك كله ولا حضره ولا أخبره أحد ثم هب أنه اشتبه الأمر في وفاة نبيهم فهلا قال يمكن أن يكون ما مات رسول الله ، فمن أين قطع على أنه ما مات ولا يموت؟ وهب أنه اعتقد ذلك بسوء نظره ، فمن أين حكم أنه يبعث ويقطع أيدي قوم وأرجلهم؟ وكيف استحسن لنفسه هذه الأقوال التي لا يعلمها إلا الله أو من يوحى الله إليه؟ أتراه كان يدعي أنه يوحى إليه؟ أو كان يعلم أنه ما سمع ذلك من نبيهم وتعمد الكذب عليه.

ومن طريف ما رأيت من اعتذار عمر عن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمر في سادس عشر حديثا من أفراد البخاري من رواية الزهري عن أنس أنه سمع خطبة عمر ابن الخطاب الأخيرة حين جلس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك في الغد من يوم توفي رسول الله " ص " ، فشهد أبو بكر صامت لا يتكلم ، قال عمر : أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة وأنها لم تكن كما قلت ، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلتها لكم في كتاب أنزلها الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله " ص " ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا ويكون آخرنا (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : انظر كيف اعترف عمر أنه تعمد الكذب في أمور يسندها إلى الله ورسوله ، وأقدم على المجاهرة بذلك من غير ضرورة وترك المراقبة لله ولرسوله والحياء من الصحابة والمسلمين ، وكيف يحصل الثقة بعد ذلك بإخباره وأقواله وأفعاله؟ أتراه ما فهم إن هذه الأقوال كذب على الله ورسوله فإنه قال : ما مات ولا يموت وقد قال الله ورسوله خلاف ذلك وقال : ليبعثن وليقطعن أيدي قوم وأرجلهم وما قال الله ورسوله ذلك ، ولقد رأيت في كتبهم الصحاح تعظيم الكذب على الله ورسوله.

__________________

(١) وروى نحوه في العقد الفريد : ٢ / ٢٠٩ ط الأزهرية.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند المغيرة ابن شعبة في الحديث الثامن من المتفق عليه قال : سمعت النبي " ص " يقول إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ، فمن كذب على متعمدا فليتبوء مقعده من النار.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه أيضا في مسند طلحة بن عبد الله في الحديث الثالث قال : سمعت رسول الله " ص " يقول من كذب على متعمدا فليتبوء مقعده من النار.

ورواه أيضا سلمة بن أكوع في الحديث الأول من أفراد البخاري ، وذكر أيضا في مسند علي بن أبي طالب عليه السلام في الحديث الرابع عشر ، ورواه أيضا في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الرابع من أفراد مسلم.

فكيف جمعوا بين تصحيح الدم لخليفتهم عمر وبين مدحه على وجوه متضادة وأمور متناقضة؟ فليتهم حيث عرفوا أنه بتلك الصفات المذمومات وشهدوا عليه بهذه الشهادات لم يستخلفوه ، وإنهم حيث استخلفوه لا يروون عنه ما ينفر عنهم وعنه.

إبداع عمر وقوله نعمت البدعة

ومن طرائف ما رأيت من تغيير عمر خليفتهم لشريعة نبيهم ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي هريرة في الحديث الثامن والثمانين من المتفق عليه قال : كان رسول الله " ص " يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، فتوفي رسول الله " ص " والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ١٠.

ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر على ذلك (١).

(قال عبد المحمود) : فغير عمر ما كان في عهد نبيهم وعهد أبي بكر وأبدع.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في جملة الحديث الثامن والثمانين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه عن عبد الرحمن بن القاري قال : خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه ، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون لها يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله (٢).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : أما يتعجب العاقل من هؤلاء ، تارة يذكرون أن كتابهم يتضمن " اليوم أكملت لكم دينكم " وأن نبيهم ما مات إلا بعد إكمال دينه ، وتارة يجيزون لعمر أن يبتدع ويعمل في شريعة نبيهم ما لم يكن في زمانه ولا زمان أبي بكر ، وتارة يشهد عمر أنها بدعة ولا يستحي من ذلك ولا يمتنع منه ثم يقول نعمت البدعة.

وقد رووا في الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند جابر بن عبد الله الأنصاري قال النبي " ص " كل بدعة ضلالة.

فيعكس عمر هذا القول على نبيهم ويقول : نعمت البدعة أرأيتم بصيرا متدينا يقول إن هذه نعمت الضلالة ، وكيف صبر المسلمون على الرضا بذلك؟ إنه من طريف الأحوال وعجائب الأعمال.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٥٢٣ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٢٥١.

(٢) رواه مالك في الموطأ : ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٢٥٢.

ومن طريف ذلك أن عمر تقدم على تغليط ربهم ونبيهم ويستدرك عليهما أترى ما كان الله عالما بالصواب والمصلحة بالاجتماع على قارئ واحد في نوافل شهر رمضان؟ أو إن الله أهمل ذلك مع العلم بأن الاجتماع أفضل وأنه من تمام الشرع فكان عمر أشفق على المسلمين وأعرف بمصلحتهم من ربهم ونبيهم.

أترى أن الله أوحى إلى نبيهم فكتمه عنهم أو أنه لم يكتمه وأداه إليهم فأهملوه ولم يعمل به أبو بكر ولا المسلمون حتى غلطهم عمر واستدرك عليهم وأن لعمر أن يزيد في شريعة نبيهم وينقص منها بحسب ما يراه ، أتراهم نسوا ما تضمنه كتابهم " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " (١) وفي موضع آخر " فأولئك هم الفاسقون " وفي موضع آخر " فأولئك هم الظالمون ".

أما رووا في صحاحهم في كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي من مسند عائشة في الحديث الثاني عشر من المتفق عليه قالت : قال رسول الله " ص " : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فهو رد ، وفي الحديث المذكور من حديث سعد بن إبراهيم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (٢).

ومن طريف ما رووه في امتناع نبيهم في الاجتماع في نوافل شهر رمضان ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند أنس بن مالك في الحديث التاسع بعد المائة من المتفق عليه قال : كان رسول الله " ص " يصلي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء رجل آخر فقام أيضا حتى كنا رهطا ، فلما أحس النبي أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة ، ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا قال : فقلنا له حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة؟ فقال :

__________________

(١) ثا المدة : ٤٤ و ٤٥ و ٤٧.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٤٣ و ١٣٤٤.

نعم ذاك الذي حملني على الذي صنعت (١).

(قال عبد المحمود) : فهذه روايتهم عن نبيهم أنه امتنع من أن يكون إماما في نافلة رمضان ، فكيف أقدموا على تحريم ما أحل الله وأباحه ما منع الله منه؟ إن هذا من طرائف المذكورين ومنكرات المسلمين.

ومن طريف ذلك أن عمر المبتدع لذلك يشهد أنه بدعة ، ومع هذا يستمر عمل أكثر المسلمين على بدعته والاقتداء به فيها ، فيتركون ما كان في شريعة نبيهم وفي خلافة أبي بكر إلى وقتنا هذا.

نهى عمر عن المتعة

ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر أنه أبدعه وغير فيه شريعة نبيهم ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله " ص " فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله ، وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة.

ورواه الحميدي في كتابه لهذا الحديث بألفاظه من مسند جابر بن عبد الله في الحديث الخامس والعشرين من أفراد مسلم (٢).

(قال عبد المحمود) : ومن طريف ما رأيت من استخفاف ابن الزبير لعبد الله

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٧٥.

(٢) رواه مسلم في صحيحه ٢ / ٨٨٥.

ابن عباس وثبوت ابن عباس على الفتوى بالمتعة والإخبار بها عن نبيهم ، ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في حديث سيرة بن معبد الجهني عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير عن عبد الله بن زبير أنه قام بمكة فقال : إن أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل ، فناداه فقال : إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين ـ يريد رسول الله " ص " ـ فقال ابن الزبير : فجرب نفسك فوالله إن فعلتها لأرجمنك بالحجارة (١).

(قال عبد المحمود) : هو والله عبد الله بن عباس بغير شك ، وقد ذكر الحكاية جماعة من أهل التواريخ وغيرهم.

ومن طريف ما رأيت في سبب منع عمر من المتعة ما ذكره الحميدي أيضا في مسند جابر بن عبد الله من طريق آخر قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله " ص " وأبي بكر حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث (٢).

وروى جماعة عن عبد الرزاق وهو من أئمة أهل الحديث عن ابن جريح وهو من أئمة فقهائهم ونقله الحديث ، عن عطاء بن أبي رياح وهو من سادات فقهاء التابعين ، عن صفوان بن يعلى عن أبيه إن معاوية استمتع امرأة بالطائف فدخلنا على ابن عباس فذكرنا له ذلك فقال : نعم قال : ثم قدم علينا جابر بن عبد الله معتمرا ، فجئناه فذكرنا له المتعة فقال: استمتعنا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعهد أبي بكر وعمر حتى إذا كان في خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة ، فسأله عمر من أشهدت فقال : أمي وأمها ـ أو قال

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ١٠٢٦.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ١٠٢٣.

أخاها ـ فقال : فهلا غيرها أخشى أن يكون ذلك دغالا ونهى عنها يومئذ.

ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريح أيضا عن عطاء بن أبي رياح قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول : ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد " ص " ولولا نهيه عنها ما أحتاج إلى الزنا إلا شقي (١).

ومن ذلك ما رواه أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند سلمة بن الأكوع في الحديث السادس من المتفق عليه عن الحسن محمد ابن علي عن سلمة وجابر قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله " ص " وقال : أنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعنا ، يعني متعة النساء (٢).

ورواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند عمرو ابن دينار.

ورواه أيضا الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله ابن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله " ص " ليس معنا النساء إلا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرء عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " (٣).

ومن ذلك ما رواه أبو نعيم في كتاب الحلية وأحمد بن حنبل في مسنده عن عمران بن الحصين في متعة النساء واللفظ له قال : أنزلت المتعة في كتاب الله وعلمناها وفعلناها مع النبي " ص " ولم ينزل قرآن بتحريمها ولم ينه عنها حتى مات رسول الله " ص ".

__________________

(١) رواه صاحب كتاب السبعة من السلف عنه : ٧١.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ١٠٢٢.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ١٠٢٢.

ومن ذلك ما رواه الترمذي في صحيحه عن عمر ابن وقد سأله رجل من أهل الشام عن متعة النساء فقال " هي حلال. فقال : إن أباك قد نهى عنها فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله " ص " يترك السنة وتتبع قول أبي.

ومن ما رواه الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت قال : أعطاني عبد الله بن عباس مصحفا فقال : هذا قراءة أبي ابن كعب ، فرأيت في المصحف " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " ورواه الثعلبي أيضا في تفسيره عن سعيد بن جبير وأبي نصرة.

ومن ذلك ما رواه أبو علي حسين بن علي بن زيد من كبار رجال الأربعة المذاهب في كتابه الأقضية إن ستة من الصحابة وستة من التابعين ذكرهم بأسمائهم كانوا يفتون بإباحة متعة النساء في حياة النبي " ص " وبعد وفاته.

ومن ذلك ما رواه محمد بن حبيب النحوي في كتاب المحبر أيضا إن ستة من الصحابة وستة من التابعين كانوا يفتون بإباحة متعة النساء.

(قال عبد المحمود بن داود) : أنظر ما في هذه الأحاديث الصحاح من الدلالة الواضحة على إباحة نكاح المتعة ، ولو نقلت كلما وقفت عليه في ذلك لأطلت وفي هذا كفاية ودلالة على غيره ، ثم انظر إلى إقدام خليفتهم عمر على تغيير ذلك وتبديل شريعة نبيهم ، ثم انظر في موافقة من أطاعه ووافقه على ذلك ، فهل يجوز في شرائع الأنبياء أو عقل أتباعهم أن ينسخ أصحاب نبي شيئا من شريعته بقول واحد من صحابته أو يختاروا لأنفسهم غير سنته؟ أين هذا مما تضمنه كتابهم " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " هم الظالمون " " هم الفاسقون ".

وأعجب من ذلك استمرار عمل أكثر المسلمين بما أحدثه عمر في هذ

البدعة وتحريمهم لما أباحه نبيهم وإنكارهم لما كان جائزا في زمن نبيهم وزمن أبي بكر ، إن إقدام هؤلاء على المجاهرة بذلك عجيب ما سمعناه وعرفناه.

نهى عمر عن متعة الحج

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر أنه قد غير من شريعة نبيهم أنه نهى عن متعة الحج أيضا ثم تابعه كثير منهم على ذلك.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي موسى الأشعري إبراهيم بن أبي موسى إن أباه كان يفتي بالمتعة فقال له : رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد فلقيه بعد فسأله فقال عمر : إن النبي " ص " قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند عمران بن حصين في متعة النساء قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها رسول الله " ص " حتى مات قال رجل برأيه ما شاء ، قال البخاري في صحيحه في المجلد الثاني من ثلاث المجلدات ما هذا لفظه : يعني إنه عمر ولم يقل يقال إنه عمر (٢).

(قال عبد المحمود) : ألا تعجب أيها العاقل من إقدام هذا عمر خليفتهم على تغيير شريعة نبيهم ، وأنه يعتقد رأيه وتدبيره أصلح من تدبير الله ورسوله أتراه ما يعلم أن الله كان يعلم أن المسلمين يظلوا بنسائهم معرسين في الأراك؟

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٨٩٦.

(٢) البخاري في صحيحه ٢ / ١٥٣ ، ومسلم في صحيحه : ٢ / ٨٩٨.

فإذا كان الله علم ذلك وأمر بمتعة الحج فكيف كره عمر ما أنزل الله؟ أما يقرؤون في كتابهم " وكرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم " (١).

وكيف يجوز الاقتداء بقوم هذا مقدار عقولهم ومقدار أماناتهم في رواياتهم وشريعتهم؟ وقد روى أعيان أهل البيت الذين أمر نبيهم بالتمسك بهم أن نبيهم أمر بمتعة الحج وعملها المسلمون في حياته وبعد وفاته حتى نهى عمر عنها ، وقد روى ذلك أيضا خلق كثير من الصحابة.

فمن ذلك ما رواه الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند جابر ابن عبد الله في الحديث الخامس والعشرين من المتفق عليه على صحته. ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه المذكور في الحديث التاسع والثمانين من مسند جابر من أفراد مسلم.

وروى الحميدي أيضا في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الثالث والثلاثين من أفراد مسلم.

وروى الحميدي أيضا من مسند أسماء بنت عميس في الحديث الرابع عشر من المتفق عليه.

ورواه أيضا الحميدي في مسند عبد الله بن عمر في الحديث السابع والعشرين بعد المائة من المتفق عليه.

ورواه الحميدي أيضا في مسند عبد الله بن عباس في الحديث السادس والثلاثين ، ورواه أيضا في مسند عائشة.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : فلم يلتفت عمر ولا أتباعه إلى ما تضمنه كتاب ربهم في متعة الحج ولا إلى شريعة نبيهم ولا إلى شهادة هؤلاء الصحابة الرواة لحديث متعة الحج ، وجميعهم قد صرح ونقل ذلك عن نبيهم في عدة مجالس ونقله غيرهم على جهة التواتر ، ونسخوا بقول عمر شريعة

__________________

(١) محمد : ٩.

نبيهم وكتاب ربهم وصار التمتع بالحج عند كثير منهم منكرا ومستنكرا ، وتركوا ما يقرؤونه في كتابهم " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".

تغيير عمر طلاق الثلاث

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم وزيادته فيه ما لم يأمر به ربهم ولا رسولهم ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين من عدة طرق من مسند عبد الله بن عباس فمنها في الحديث الرابع من أفراد مسلم قال : كان الطلاق على عهد رسول الله " ص " وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (١).

ورواه أيضا الحميدي من غير مسند عبد الله بن عباس من عدة طرق.

(قال عبد المحمود) : أترى عمر كان يعتقد أن الله ما كان عالما إن الناس يستعجلون في أمر يكون لهم أناة ، فإن كان عمر يعلم أن الله كان عالما بذلك وما جعل الثلاث التطليقات إلا واحدة فكيف استجاز عمر لعقله ودينه وشريعة نبيه أن يزيد في الشريعة ما لم يرده الله ورسوله؟ وكيف جعل اختياره وتدبيره للأمة أصلح من اختيار الله ورسوله وتدبيرهما؟ وكيف رضى أتباعه عنه بذلك؟ وإن كان عمر علم أن الله ما كان عالما بذلك ولا عرف الله ولا رسوله المصلحة التي عرفها عمر في لزوم الطلاق الثلاث فحسب المسلمين بذلك عارا وشنارا أن يكون خليفتهم بهذه الصفات ، لقد شمت بهم والله أهل العقول والديانات.

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٢ / ١٠٩٩ ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٣١٤.

نهى عمر عن الصلاة لمن أجنب ولم يجد ماء

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم وجهله بها ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمار بن ياسر في الحديث الثاني من المتفق عليه قال : إن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماءا. فقال : لا تصل فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت. فقال النبي " ص " : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك فقال عمر : اتق الله يا عمار قال : إن شئت لم أحدث به ، فقال عمر : نوليك ما توليت (١).

(قال عبد المحمود) : فهذه خليفتهم عمر قد عاشر نبيهم وخالطه كثيرا من نبوته في حياته وبقي مدة بعد وفاته إلى أن صار يخاطب بأمير المؤمنين ، ومع هذا فلم يكن يعلم أن من فقد الماء للطهارة يتيمم بالتراب ، وقد كان الحكم في ذلك مشهورا في كتابهم في قوله " فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " (٢) وكان معلوما في شريعة نبيهم يعرفه أوليائهم وأعدائهم ولعل نساء أهل المدينة وكثيرا من أطفالهم يعرفون ذلك من شريعة الإسلام ، فكيف بلغ الجهل بخليفتهم عمر إلى هذه الغاية؟ وكيف حسن منهم أن يستصلحوا لخلافتهم من يكون كذلك؟.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٠ ، والبخاري في صحيحه ١ / ٨٧.

(٢) النساء : ٤٣.

معارضة عمر للنبي " ص " في قسمة الأموال

ومن طرائف ما صححوا عن خليفتهم عمر ورووه في صحاحهم ، وقد رواه مسلم في المجلد الثاني من صحيحه بإسناده إلى سلمان بن ربيعة قال : قال عمر بن الخطاب : قسم رسول الله " ص " قسما فقلت : والله يا رسول الله لغير هؤلاء كان أحق به منهم فقال : إنهم خيروني بين أن يسئلوني بالفحش أو يبخلوني فلست بباخل (١).

(قال عبد المحمود) : أكان يحسن من قوم يعتقدون في خليفتهم عمر مثل اعتقادهم ثم يروون عنه أنه يعارض نبيهم في قسمة الأموال ووجوه استحقاق أهلها وهو لا يعلم أسرار الله ولا أسرار رسوله في ذلك ، ويشهد المعقول والمنقول إن الأنبياء أعرف بقسمة الأموال والأحكام من رعاياهم ، وخاصة نبيهم فإن كتابهم يتضمن " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ".

ثم ما كفى لعمر المعارضة لنبيهم والطعن في أمانته وقسمته ونبوته حتى يحلف على ذلك بالله فهلا كان عمر قد سأل نبيهم عن القسمة سؤالا واستعلم منه وجه المصلحة في ذلك ، إن هذا الذي قد صححوه عن خليفتهم عمر مما يكثر التعجب منه ومنهم كيف صححوا ذلك عنه.

قول رسول الله صلى الله عليه وآله

إن لعمر وأصحابه هجرة ولأهل السفينة هجرتان

ومن طرائف ما صححوا عن خليفتهم عمر أيضا وذكروه في صحاحهم

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ٧٣٠.

وقد رواه مسلم في النصف الثاني من المجلد الثالث من صحيحه بإسناده إلى أبي موسى الأشعري قال : دخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس قال عمر : الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء : نعم. فقال عمر : سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله " ص " منكم ، فغضبت وقالت كلمة : كذبت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله " ص " يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في دار أو أرض البعداء البغضاء في الحبشة ، وذلك في الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله ، ونحن كنا نؤذي ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله وأساله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك قال : فلما جاء النبي قالت: يا نبي الله أن عمر قال كذا وكذا فقال رسول الله " ص " ليس بأحق بي منكم ، له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ، هذا المراد من الحديث قد نقلناه بألفاظه (١).

(قال عبد المحمود) : أي ضرورة كانت لهم إلى إيراد مثل هذا الحديث وتصحيحه وهو يتضمن عن خليفتهم عمر أشياء منكرة ما كان لهم حاجة إلى إيرادها.

فمن ذلك أن عمر ادعى المعرفة بالتفاضل في الهجرة وكان ذلك مما يعلمه الله ورسوله، وما كان يحسن منه التهجم بمنازعة الله في أمر قد أظهر رسول الله " ص " خطأ عمر فيه.

ومن ذلك أن الهجرة والتفاضل فيها يرجع إلى قصد الإنسان بالهجرة ، كما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس عشر من المتفق عليه من مسند عمر بن الخطاب قال ما هذا لفظه : سمعت رسول الله " ص " يقول :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٩٤٦ و ١٩٤٧.

إنما الأعمال بالنية ـ وفي رواية بالنيات ـ وإنما لكل امرء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو أمره يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ، هذا آخر الحديث (١) فمن أين لعمر علم بقصد المهاجرين إلى الحبشة حتى يقدم نفسه عليهم.

ومن ذلك أن النبي " ص " جعل هجرة امرأة أفضل من هجرته. ومن ذلك تنبيه أسماء على أن عمر أنما تبع نبيهم طمعا في الدنيا ليطعمه من الجوع كما قالت.

ومن ذلك أنه إذا كان أصحاب السفينة أحق برسول الله " ص " من عمر فبما ذا تقدم عليهم أبو بكر وعمر في الخلافة.

ومن ذلك أن يكون امرأة أحق برسول الله منه وليس للمرأة مقام الخلافة على المسلمين ، فينبغي أن يكون أبو بكر وعمر دونها في أنه لا تحل خلافتهم ، وهذا كله مما يلزمهم لتصحيحهم لهذا الحديث.

سابقة عمر قبل الإسلام

ومن طرائف ما رووه في كتبهم المعتبرة الصحاح ، وقد ذكره ابن عبد ربه في كتاب العقد في المجلد الأول في حديث استعمال عمر بن الخطاب لعمرو ابن العاص في بعض ولآياته قال : فقال عمرو بن العاص ما هذا لفظه وعمرو بن العاص ممن لا يتهم بنقله في حق عمر ، قبح الله زمانا عمل فيه عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب : والله إني لأعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب وعلى ابنه مثلها وما ثمنها إلا في تمرة لا تبلغ رضيعة.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٥١٥ ، والبخاري في صحيحه : ١ / ١.

وذكر مؤلف كتاب نهاية الطلب الحنبلي المقدم ذكره أن عمر بن الخطاب كان قبل الإسلام نخاس الحمير.

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى ما قد وصفوا به منزلة خليفتهم عمر وما كان عليه الرذالة والدنائة وسياسة الحمير ، فكيف يعدل هو وأبو بكر وأتباعهما عن بني هاشم ملوك الجاهلية والإسلام؟ واختاروا عمر وهذه حاله على ما شهدوا به عليه؟ ثم انظر كيف كان خلاص عمر من حمل الحطب وعرى الجسد ونخس الحمير بطريق نبيهم محمد " ص " بعد وفاته ، ثم تفكر فيما كان يجبهه به في حياته من سوء المعاملة وقبح الصحبة ، وما جازى به أهل بيت نبيهم بعد وفاته ، ففي ذلك عجائب لذوي الألباب يعرف منها حقايق ما جرى عليهم من التعصب في الأسباب.

ومن ذلك ما ذكره ابن عبد ربه في المجلد الثاني من كتاب العقد قال : وخرج عمر بن الخطاب ويده على المعلى بن جارود ، فلقيته امرأة من قريش فقالت : يا عمر! فوقف لها فقالت : كنا نعرفك مرة عميرا ثم صرت من بعد عمير عمر ، ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين ، فاتق الله يا بن الخطاب وانظر في أمورك وأمور الناس ، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت (١).

ومن طرائف ما قبحوا به ذكر خليفتهم عمر أنهم ذكروا عنه إن الله تعالى فرض في المواريث ما لا يقوم المال الموروث به ، وطرقوا للزنادقة والملحدين الطعن على الله والرسول ، وشهدوا أن عمر كان سبب ذلك وسموها مسألة العول.

وقد ذكر أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل : أول من فعل هذا وأحدث

__________________

(١) نقله العسقلاني في الإصابة : ٤ / ٢٩٠ ، وابن عبد البر في الإستيعاب : ٤ / ٢٩١.

هذه المسألة عمر بن الخطاب ، ورووه في غير كتاب الأوائل بما هذا لفظه : عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أنه قال : التقيت أنا وزفر بن أويس النظري فقلنا نمضي إلى ابن عباس فمضينا يحدثنا فكان مما تحدث قال : سبحان الله الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في المال نصفا ونصفا وثلثا ذهب النقصان بالمال فأين الثلث إنما جعل نصفا ونصفا وأثلاثا وأرباعا ، وأيم الله لو قدموا من قدمه الله وأخروا من أخره ما عالت الفريضة قط قلت : من الذي قدمه الله ومن الذي أخره الله؟ قال : الذي أهبط الله من فرض إلى فرض فهو الذي قدمه ، ومن أهبطه من فرض إلى ما بقي فهو الذي أخره الله فقلت : من أول من أعال الفرائض قال : عمر بن الخطاب.

(قال عبد المحمود) : كيف حسن رضاهم بخليفة يشهدون عليه أنه بلغ من النقصان وعدم علم القرآن والطعن على الله ورسوله إلى هذه الغايات ، ليتهم أما ما كانوا رضوه أو حيث رضوه أسقطوا عنه مثل هذه الروايات.

ومن طريف ما بلغوا إليه من القدح في أصل خليفتهم ، وإن جدته صهاك الحبشية ولدته من سفاح يعني من زنا ، ثم يروون أن ولد الزنا لا ينجب ، ثم مع هذا التناقض يدعون أنه أنجب ويكذبون أنفسهم ولو عقلوا لاستقبحوا أن يولوا خليفة ، ثم شهدوا أنه ولد الزنا.

فمن روايتهم في ذلك ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي وهو من رجالهم في كتاب المثالب فقال ما هذا لفظه في عدد جملة من ولدوا من سفاح : روى هشام عن أبيه قال : كانت صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب.

فهل بلغت الشيعة أقبح من هذه الأسباب.

ومن طرائف ما قصدوا به مدح عمر بن الخطاب وحصلوا في ذمه ما ذكره

صاحب إحياء علوم الدين الغزالي في الجزء الأول من الإحياء في الفصل الرابع من قواعد العقايد في الوجه الثالث من الفصل المذكور في أواخره فقال ما هذا لفظه : حتى كان عمر بن الخطاب يسأل حذيفة عن نفسه وإنه هل ذكر في المنافقين (١).

(قال عبد المحمود) : هذا شئ عجيب لأن حذيفة كان صاحب سر رسول الله " ص " في المنافقين والكفار ، كذا روى رواتهم ونقلة الأخبار فسؤال عمر هل ذكره رسول الله " ص " فيهم من عجيبات المسائل ، لأنه إن كان ذكره رسولهم في المنافقين وهو يعلم من نفسه ذلك فلا معنى للسؤال.

على أنه يقال لولا أنه يعلم من نفسه ما يليق بهذه الحال ما سأل عنها ، فرأيت في موضع آخر أن حذيفة قال له : أنت أعلم بنفسك. ولو كان حذيفة يعلم أنه ما هو منهم قال : لا ما أنت منهم لأنه خليفة يخاف ويرجى ، فتقية حذيفة تشهد له بالطعن عليه وقد كان مستغنيا بما أشار إليه.

ومن طرائف ذلك ما ذكره الغزالي أيضا في كتاب أسرار الطهارة فقال ما هذا لفظه : حتى أن عمر مع علو منصبة توضأ من ماء في جرة نصرانية (٢).

(قال عبد المحمود) : أي فضيلة في أن يكون عمر يتوضأ للصلاة من ماء أعداء الله ورسوله المشركين الذين أنجاس بمضمون كتابهم " إنما المشركون نجس " (٣) ولقد بلغ القوم في ذم خليفتهم عمر بغاية الاجتهاد وأراحوا أعداءهم من النقل والإيراد.

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ١ / ١٢٤.

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ١٢٦.

(٣) التوبة : ٢٨.

نهى عمر عن المغالاة في صداق النساء

ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر أيضا من الجهل بشريعة نبيهم وإقدامه على الفتوى بما لا يعلم وقلة مراقبته لربهم ولرسوله في ذلك ، ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في فصل منفرد في أواخر كتابه المذكور فقال : إن عمر بن الخطاب أمر على المنبر أن لا يزاد في مهور النساء على قدر ذكره فذكرته امرأة من جانب المسجد بقول الله تعالى " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا " (١) فقال : كل الناس أعلم من عمر حتى النساء.

وذكر الزمخشري في كتاب الكشاف عن عمر أنه قام خطيبا فقال : أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء ، فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله " ص " ، ما أصدق امرأة أكثر من اثني عشر أوقية ، فقامت إليه امرأة فقالت له : يا أمير المؤمنين لم تمنعنا حقا جعله الله لنا والله يقول " وآتيتم إحداهن قنطارا ". فقال عمر : كل أحد أعلم من عمر ، ثم قال لأصحابه تسمعونني أقول مثل هذا القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء (٢).

(قال عبد المحمود) : ليت شعري أي فضيلة كانت لعمر في هذا الحديث حين يورده أولياؤه ويشهدوا بصحته وقد شهد على نفسه إن كل أحد أعلم منه حتى النساء ، ومثله في منزلته وخلافته لا يجوز أن على المنبر إلا ما كان

__________________

(١) النساء : ٢٠.

(٢) الكشاف : ١ / ٥١٤.

معتقدا له ، ولا ينسبونه إلى الإقدام على الكذب ، فكيف خفى عليه مع طول صحبته لنبيهم مثل هذه الآيات المشهورة في كتابهم.

ومن طريف ذلك إقدامه على الأمر بخلاف شريعتهم وجرأته على ذلك بمحضر المسلمين وعلى رؤس المنابر من غير فكر في عاقبته في دنيا أو آخرة ، وليتة حيث كان لا يعلم قد شاور قبل الأمر به واستعلم الحكم في ذلك ، أو ليته توقف عن هذه المحافل والمنابر التي لا تصلح أن يسلكها من يكون بهذه الصفات من قلة العلم وشدة الغفلات ، وكان قد أراح المسلمين من سوء السمعة بأن خليفتهم تقدم في التحليل والتحريم على ما لا يعلمه ويأمر ما لا يتحققه ، وقد تكرر في كتابهم " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " وفي موضع آخر " فأولئك هم الفاسقون " وفي موضع آخر فأولئك هم الظالمون ".

إن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر

ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر أيضا من إقدامه على قتل النفوس وتغيير شريعة نبيهم وتبديله لأحكامها ، ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في فصل منفرد في آخر الكتاب المذكور قال : إن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فذكره علي عليه السلام قول الله تعالى " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " مع قوله " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " فرجع عمر عن الأمر برجمها (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله إلى عجلة هذا خليفتهم عمر بالأمر برجم هذه المرأة المظلومة عندهم واستحلاله لدمها وإشاعته لتقبيح ذكرها

__________________

(١) رواه البيهقي في سننه : ٧ / ٤٤٢ ، ومحب الطبري في الرياض : ٢ / ١٩٤. والآية الأحقاف : ١٥ ، والبقرة : ٢٣٣.

وإساءة سمعتها ، وكتابهم يتضمن " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة " (١) فكيف استجاز عمر لخلافته ودينه ومنزلته أن يقدم على الأمر بقتل النفس المحترمة قبل السؤال؟ وكيف يكون متدينا أو مأمونا من تقدم العجلة بهذه الأحوال ، ما أكثر التعجب من الاختلاط والاختلال.

أمر عمر برجم المجنونة

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر ومخالفته للعقل والشرع وجهله بما لا يكاد يخفى على صبيان مدينة نبيهم ، ما ذكره أحمد بن حنبل في مسنده عن قتادة عن الحسن البصري أن عمر بن الخطاب أراد أن يرجم مجنونة فقال له علي عليه السلام : ما لك ذلك أما سمعت رسول الله " ص " يقول : رفع القلم عن ثلاثة نفر عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يبرء ويعقل وعن الطفل حتى يحتلم (٢).

وذكر أحمد بن حنبل في مسنده عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر يتعوذ من معضلة ليس بها أبو الحسن حاضرا يعني عليا عليه السلام.

(قال عبد المحمود) ، ليت شعري أي عقل دل لخليفتهم عمر على رجم المجنونة وعقوبتها وسفك دمها على أمر ما يعقله ولا جعل الله لها في حال جنونها طريقا إلى العلم به، وأي تكليف رأى المجانين قد كلفوا به في حال جنونهم يبيح قتل نفوسهم حتى يفتي بذلك ويقدم عليه ، وأي مصيبة حملت لهذا الرجل على العجلة بهذه الأمور الهائلة والخطايا الذاهلة، أما يعلم أي

__________________

(١) النور : ٢٣.

(٢) أحمد بن حنبل في مسنده : ١ / رجم المجنون ، والبخاري في صحيحه ٨ / ٢١.

فضيحة قد جلب للإسلام وأي عار ألبس من أتبعه من المسلمين ، وأين حسن تدبير أمور الدنيا والدين؟ هكذا تكون الخلفاء والرؤساء؟ إن هذا مما يتعجب منه الرجال بل النساء.

مخالفة عمر للنبي " ص " في حد شارب الخمر

ومن طرائف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم وقلة معرفته بمقام الأنبياء ، ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث الحادي والتسعين من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين ، وفي رواية ابن عبد ربه عن شعبة عن قتادة عن أنس أن النبي " ص " أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال : وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن : أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر (١).

وذكر الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند السايب بن يزيد في الحديث الرابع من أفراد البخاري قال : كنا نؤتي بالشارب على عهد رسول الله " ص " وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا ، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين (٢).

(قال عبد المحمود) : إذا كان الحد كما ذكروه في عهد نبيهم وأبي بكر أربعين فكيف استجاز عمر أن يجعله ثمانين؟ وكيف جاز أن يستشير في ذلك؟ وكيف أقدم عبد الرحمن على المشورة بخلاف سنة رسولهم وزمان أبي بكر؟

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٣٣٠ ، والبخاري في صحيحه : ٨ / ١٣.

(٢) البخاري في صحيحه : ٨ / ١٤.

أهكذا يكون محل الأنبياء وشرايع الرسل أنها تغير بعدهم بالآراء والأهواء؟ إن هذا من عجايب الأشياء.

سؤال عمر عما قرأ به رسول الله " ص " في يوم عيد

ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر من جهله للأمور المشهورة من شريعة نبيهم ، ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند ابن أبي أوفى من أفراد مسلم عن أبي أوفى قال : سألني عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله " ص " في يوم العيد فقلت : باقتربت الساعة وقاف والقرآن المجيد.

ومن مسند ابن أبي أوفى أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في حديث مالك بن أنس عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرء به رسول الله " ص " في الأضحى والفطر؟ فقال : كان يقرأ فيهما بقاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر (١).

(قال عبد المحمود) : ألا تعجب أيها العاقل من رجل قد صحب نبيهم مدة صلاته لعيد الأضحى والفطر ، قد كان يسمع قراءته أو يسمع من الناس لأنها من الصلوات الشائعة عندهم ، ومع ذلك فلم يحفظ الصلاة بصفتها ولم يحفظ اسم ما كان يقرء فيها ، وكان على هذه الجهالة بهذا المقدار اليسير كان يتلوه نبيهم على رؤوس الأشهاد مدة حياة نبيهم ومدة خلافة أبي بكر وإلى حين سأل في خلافته عن ذلك ، وقد شرح الحال غير الحميدي وإنما اقتصرت على رواية الحميدي خاصة ، ألا تعجب من قوم يرضون أن يكون خليفتهم على هذه الغفلة والجهالة ، إن ذلك من الضلال القبيح.

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٠٧.

اعتراف عمر بأنه كان مشغولا عن معرفة الشريعة

بالصفق بالأسواق

ومن طرائف ما رووه وشهدوا على خليفتهم عمر واعترافه بأنه كان مشغولا عن نبيهم وعن معرفة شريعته بالبيع والشراء ومطامع دار الفناء ، ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه ما معناه : أن أبا موسى استأذن على عمر بن الخطاب ثلاث فلم يأذن له فانصرف فقال عمر: ما حملك على ما صنعت؟ قال : كنا نؤمر بهذا ، قال : لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن. فشهد له أبو سعيد الخدري بذلك عن النبي " ص " فقال عمر : خفى على هذا من أمر رسول الله ألهاني عنه الصفق بالأسواق (١).

(قال عبد المحمود) : أتراه ما كان يستحي من أبي موسى الأشعري أو من الله تعالى حيث يستعظم منه روايته صورة الإذن عن نبيهم ، وقد قال عمر عن نبيهم كثيرا من الأحكام بخلاف شريعته ولم يستعظم لنفسه ذلك ، وما هذا الاستعظام وقد قبلوا روايات أبي موسى وصححوها فهلا كان هذه الرواية أيضا يقتدي بغيره من الروايات ، ومن كان يعلم من نفسه أنه كان مشغولا عن نبيهم وعن شريعته بالبيع والشراء كيف يستبعد أن يعلم أبو موسى وغيره ما لم يعلم ، ومن كان يجهل أمورا مشهورة من شريعة نبيهم كما تقدم شهادتهم عليه كيف يستبعد جهله بصورة حال الإذن المذكور ، إن هذا من عجائب الأمور.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٩٦ ، والبخاري في صحيحه : ٧ / ١٣٠.

ذكرهم عن عمر أنه زاد في الأذان الصلاة خير من النوم

ومن طرائف ما تناقضت به الرواية خليفتهم عمر كونهم يذكرون عنه أنه زاد في الأذان الصلاة خير من النوم ، مع روايتهم لأخبار بخلاف ذلك ، فمن روايتهم في ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عمر بن الخطاب عن حفص بن عاصم عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله " ص " : إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة (١).

ومن ذلك ما ذكره الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في حديث أبي محذورة وسمرة بن مغيرة أن نبي الله " ص " علمه هذا الأذان : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم يعود فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة (مرتين) حي على الفلاح (مرتين) الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله (٢).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : فهل ترى في صفة الأذان عن

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٩.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٧.

نبيهم الصلاة خير من النوم؟ فكيف استجاز عمر إن كان الرواية عنه في ذلك حقا أن يزيد في الأذان ما لم يزده الله ولا رسوله؟ وكيف قبل مسلم منه ذلك؟ وكيف استمر العمل به إلى الآن لولا ضعف العقول وقلة الأديان.

وقد رووا أن الشافعي قال في كتاب الأم : ولا أحب التثويب في الصبح ولا غيرها قال: لأن أبا محذروة لم يحك عن النبي أنه أمر بالتثويب فأكره الزيادة في الأذان وأكره التثويب بعده (١).

العلة التي من أجلها اندرس سنن النبي " ص "

ومن طرائف ما رأيت في سبب اندراس سنن نبيهم التي غيرها عمر وظهور سنن عمر ما ذكره بعض المسلمين العارفين بضلال من ضل منهم قال إن السب في ذلك ما تقدم بعض الدلالة على إيضاحه من تعصب كثير من المسلمين على أهل بيت النبي " ص " الذين تقدمت روايتهم في صحاحهم عن نبيهم أن أهل بيته لا يفارقون كتابه ، وأن التمسك بهم أمان من الضلال ، واطراح المتعصبين وأتباعهم للاقتداء بأهل بيت نبيهم ، وكون كثير من البلاد فتح في خلافة عمر ، وتلقن أصحاب تلك البلاد سنن عمر في خلافته من نوابه رهبة

ورغبة ، كما تلقنوا شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله ، فنشأ عليهما الصغير ومات عليهما الكبير ، ولم يعتقد أصحاب البلاد التي فتحت أن عمر تقدم على تغيير شئ من سنن نبيهم ، ولا أن أحدا من المسلمين يوافقه على ذلك ، فاضل عمر نوابه التابعين له وأضل نوابه من تبعهم ، فما أقرب وصفهم يوم القيامة بما تضمنه كتابهم " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة

__________________

(١) الأم ١ / ٧٣ ـ ٧٤ ط مصر.

فنتبرء منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار" (١).

اعترافات عمر على نفسه

ومن طرائف ما رووه وصححوه من اعتراف عمر خليفتهم وشهادته على نفسه بقبيح ما أحدثه بعد وفاة نبيهم ، ما ذكره الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبي موسى الأشعري قال : قال أبو عامر بن موسى : قال لي عبد الله بن عمر هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال : قلت : لا قال : قال فإن أبي قال لأبيك : يا أبا موسى هل يسرك أن إسلامنا مع رسول الله " ص " وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معه ويرد لنا كل عمل عملناه بعده ، نجونا منه كفافا رأسا برأس فقال أبوك لأبي : لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله وصلينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا ، وأسلم على أيدينا بشر كثير وأنا أرجو ذلك. قال أبي : لكن أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك يرد لنا كل شئ عملناه وبعده نجونا منه كفافا رأس برأس. فقلت أنا : إن أباك والله كان خيرا من أبي.

ومن كتاب الجمع بين الصحيحين من مسند عبد الله بن عباس من جملة الحديث الأول من أفراد البخاري أنه لما طعن عمر بن الخطاب كان يتألم فقال له ابن عباس : ولا كل ذلك عمر بعد كلام : والله أما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك ، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه. وقد رووا نحو هذا عنه في أحاديث كثيرة.

(قال عبد المحمود) : هل يقوم أحد من المسلمين المعتقدين لخلافة عمر

__________________

(١) البقرة : ١٦٦ و ١٦٧.

أن يقول هذا القول وقع من عمر على سبيل الكذب ، وصريح لفظه يشهد أنه ما قال عن نفسه إلا حقا ، ولولا ذلك ما فرق بين ما وقع منه في حياة نبيهم وبين ما وقع منه بعد وفاته، ولا قال لابن عباس من أجلك وأصحابك ، ولا يخفى على كل عاقل أن هذا الكلام يقتضي شهادة عمر على نفسه بأنه قد وقع منه بعد وفاة نبيهم من الأمور ما أوجب مثل هذا القول المذكور وهو أعرف بنفسه وسريرته ، فما ترك لأحد طريقا تزكيته ولا عذرا يحتج به في تصحيح خلافته.

مخالفة عمر للنبي " ص " ولأبي بكر

في جعله الخلافة شورى بين ستة

ومن طرائف الأمور أن عمر خليفتهم لما حضرته الوفاة يترك تدبير الله ورسوله على ما زعمت الأربعة المذاهب من أن اختيار الخلفاء إلى الأمة ، ويترك تدبير أبي بكر في نصبه بالخلافة ويختار هو ستة أنفس للخلافة ويقول إن رسول الله " ص " مات وهو عنهم راض ثم يذم كل واحد منهم بسبب من الأسباب ، وقد ذكر ذلك أصحاب التواريخ والعلماء.

ومع ذلك كله فإنه يلتفت إلى ما يشهد به من مدحهم وذمهم في مجلس واحد حتى يقول إن مضت ثلاثة أيام ولم يبايعوا واحدا منهم فاضربوا أعناقهم جميعا ، فتارة يشهد لهم بالجنة ، وتارة يشهد أن الله عنهم راض ، وتارة يعدلهم ذنوبا أو عيوبا ، وما تفكر في أنه إذا كان الله ورسوله راضيين عن عبد فلا يكون ذلك العبد مذموما ، وتارة يزيد عمر على ذمهم ويعرض عن شهادتهم بتزكيتهم ويأمر باستباحة دمائهم وقتلهم إن تأخرت البيعة ثلاثة أيام.

ولا ريب أنه قد كان يجوز في العقل أن يحدث بعد وفاته من الأعذار الصحيحة ما يقتضي جواز تأخير البيعة لأحدهم إلى بعد ثلاثة أيام ، بل كان

يمكن أن يحدث من الحوادث ما يصير تأخير البيعة واجبا لا جائزا ، فكيف جاز منه الإقدام على إطلاق الأمر بقتلهم؟ وهم كانوا من أعيان الصحابة عند أكثر المسلمين ، ما هذا إلا الاستخفاف بالدين.

وذكر إبراهيم بن محمد الثقفي في الجزء الثالث من كتاب المعرفة بروايته عن رجال الأربعة المذاهب قد وحا كثيرة وطعونا عظيمة في الخمسة الذين ضمهم عمر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام في الشورى وكلها قدوح في دين هؤلاء الخمسة وفي أنسابهم ، فلينظر كل من شك في ذلك إلى الكتاب المذكور.

ومن طرائف مناقضتهم في كثير من أفعالهم وأقوالهم ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع من المتفق عليه من مسند عمر بن الخطاب عن ابن عمر من رواية سالم عنه قال : دخلت على حفصة ونوساتها تتنظف فقالت : أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قال : قلت : ما كان ليفعل. قالت : إنه فاعل. قال : فحلفت أن أكلمه في ذلك ، فسكت حتى غدوت ولم أكلمه قال : فكنت كأنما أحمل بيميني حبلا ، حتى رجعت فدخلت عليه فسألني عن حال الناس وأنا أخبره ، قال : ثم قلت له : أني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك ، زعموا أنك غير مستخلف وأنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم جاءك وتركها رأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد قال : فوافقه قولي فوضع رأسه ساعة ثم رفعه إلي فقال : إن الله عز وجل يحفظ دينه وأني لئن لا أستخلف ، فإن رسول الله " ص " لم يستخلف ، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف قال : فوالله ما هو إلا ذكر أن رسول الله " ص " وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله أحدا وأنه غير مستخلف (١).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٥٥.

(قال عبد المحمود) : أنظر رحمك الله في هذا الحديث الصحيح عندهم ففيه عدة طرائف.

فمن طرائفه إقرار عبد الله بن عمر وشهادته أن العقول تقتضي أن المتولي لأمور إذا تركهم بغير وصية إلى من يقوم مقامه يكون قد ضيعهم ، وقد شهدوا على رسولهم أنه قبض ولم يستخلف وضيع أمور الناس ، وفي ذلك ما فيه.

ومن طرائفه شهادته على أبيه إن هذا القول وافقه واستصلحه ثم عدل عنه. ومن طرائفه قول عمر إن الله يحفظ دينه وما في هذا القول من المغالطة ، أتراه يريد إن الله يحفظ دينه وإن لم يكن للناس راع وسائس أم لا بد من راع وسائس ، فإن كان يحفظ دينه من غير راع وسائس فقد ذم أبا بكر حيث نص عليه وذم نفسه حيث عين ستة أنفس ، فإن كان لا بد من سائس فقد عابوا على نبيهم إذا كان قد ترك الأمة بغير راع وسائس كما زعموا.

ومن طرائفه قوله ما يستخلف ، وليت شعري كيف يكون الاستخلاف؟ فإن عمر وإن كان قد خالف تدبير رسولهم وتدبير أبا بكر فإنه أيضا استخلف وأوصى وعين الخلافة في ستة نفر ويقلد الأمر حيا وميتا وزاد على ذلك أنه عرض الإسلام للفتنة.

ومن طرائفه التنبيه على أن الشورى كانت سبب الاختلاف بين المسلمين وافتراقهم ، والشاهد على ذلك ما ذكره جماعة من أهل التواريخ والعلماء ، وذكره ابن عبد ربه في كتاب العقد في المجلد الرابع عند ذكره أن معاوية سأل ابن حصين فقال له معاوية : أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وجماعتهم وفرق ملأهم وخالف بينهم؟ فقال : نعم قتل الناس عثمان قال : ما صنعت شيئا قال : فمسير علي إليك وقتاله إياك قال : ما صنعت شيئا قال : ما عندي غير هذا

يا أمير المؤمنين قال : فأنا أخبرك أنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهوائهم إلا الشورى التي جعلها عمر في ستة نفر.

ثم فسر معاوية ذلك في آخر الحديث فقال ما هذا لفظه : فلم يكن من الستة رجل إلا رجاها لنفسه ورجاها لقومه ، وتطلعت إلى ذلك نفسه ، ولو أن عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف (١).

(قال عبد المحمود) : فأراهم قد شهدوا أن عمر كان سبب المنع لنبيهم من الصحيفة التي أراد أن يكتبها لهم عند وفاته حتى لا يضلوا بعده أبدا وكان عمر سبب ضلال من ضل منهم لما تقدم شرحه ، وقد شهدوا عليه الآن إن ما عمله في الشورى كان سبب افتراق المسلمين واختلافهم فقد صار أصل الضلال وفرعه في الإسلام من عمر على ما شهد به علماؤهم.

ومن طرائف مناقضاتهم أنهم رووا السقيفة مع المهاجرين والأنصار أن الأئمة من قريش، وقد روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس في مسند عمر بن الخطاب إن أبا بكر قال ذلك اليوم : ولن يعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش.

ثم رووا في كتبهم أن عمر يترك هذه الموافقة لأبي بكر يوم السقيفة ، وقال يوم الشورى لما ذكر أصحاب الشورى وذم كل واحد بشئ يكرهه وقال : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا ما تخالجني فيه الشكوك ، ومن المعلوم بلا خلاف أن سالما ما كان من قريش ، فكيف هذه المناقضة في الأحوال والاختلاف في الأفعال؟ وقد ذكر النظام في كتاب الفتيا حديث المناقضة في ذلك.

ومن طرائف ما رأيت في كتب المسلمين وقد ذكره عالم من علمائهم يقال قطب الدين الراوندي في كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة قال : إن

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ٢٠٣ ط مصر.

عمر لما نص على ستة أنفس استصلحهم للخلافة بعده فقال : إن اختلفوا فالحق في القوم الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فقال العباس لعلي بن أبي طالب عليه السلام : ذهب الأمر منا لأن عبد الرحمن كانت بينه وبين عثمان مصاهرة وأمور توجب أنه لا يختار عليه أحدا فقال علي عليه السلام للعباس : أنا أعلم ذلك ولكن أدخل معهم في الشورى لأن عمر قد استصلحني الآن للأمة وكان من قبل يقول إن رسول الله " ص " قال النبوة والإمامة لا يجتمعان في بيت واحد وإني لأدخل معهم في ذلك ليظهر إنه كذب نفسه لما رأى أولا ، وذكر مقالة العباس مع علي عليه السلام وجوابه أحمد بن أبي طاهر الكاتب.

ومن طريف مناقضاتهم العجيبة ومباهتاتهم الغريبة أنهم قد ذكروا عن خليفتهم عمر ما قد تقدم ذكر بعضه من الحوادث المخالفة لشريعة نبيهم ولتدبير العقلاء ومع ذلك كله فإن جماعة كثيرة من المسلمين يسمونه بعمر الفاروق ، ويصفونه بذلك على رؤوس الأشهاد والمنابر ، ويعنون أنه فاروق بين الحق والباطل ولا يستحيون من هذا التناقض الهائل.

ومن طريف المناقضة منهم في ذلك أنهم لا ينحصرون هذا الاسم في نبيهم الذي اتفقوا على أنه فاروق عند جميع المسلمين ، أو في علي بن أبي طالب عليه السلام وقد تقدم رواياتهم بأنه فاروق بين المؤمنين والمنافقين وبين أمور كثيرة في أمر الدنيا والآخرة ، وتواتر أخبارهم يشهد أن عليا عليه السلام فاروق بين الحق والباطل ببيانه ولسانه وسيفه وسنانه.

في طرائف خلافة عثمان

ومن طرائف الأمور شهادة من شهد منهم بصحة خلافة عثمان بن عفان ، وهي مبنية على خلافة عمر وعبد الرحمن ، أما عمر فإنهم قد ذكروا عنه أنه

خالف في تدبير الخلافة رسولهم محمدا " ص " وأبا بكر الذي كان أصل خلافته فكيف تثبت له وصية الخلافة مع هذه المخالفة؟ وأيضا فقد ذكروا عنه ما قد تقدم شرح بعضه من هدم كثير من شريعة نبيهم ونقضه أركان شريعته ، فكيف يصح وصيته بالخلافة لسواه ، وهو على ما ذكروه من الذم الذي شرحنا بعضه عنهم ورويناه ومن شهدوا عليه أنه على صفات لا تصح خلافته في نفسه ، فكيف يكون وصيته موجبة لخلافة غيره؟ إن هذا من البهت الشنيع والاختلاط البديع وإذا كانت خلافة عثمان على هذا الأساس الخراب كيف تصح له خلافته عند ذوي الألباب.

ومن طرائف فساد الأذهان والأديان تعويلهم بعد هذا على ما دبره عبد الرحمن لعثمان بن عفان ، وقد تقدمت روايتهم في مسند المغيرة بن شعبة أن عبد الرحمن ما رعا حرمة نبيهم في حياته وأنه عزل رسولهم عن مقام صلاته ولم يصبر عليه حتى يتوضأ للصلاة ، وقد كان عند عبد الرحمن من الجهل وسوء النظر والتصرفات إلى الحد الذي ذكرناه ، فكيف يصلح هذا للخلافة أو لاختيار الخلفاء لولا الغفلة الشديدة التي لا تخفى على العقلاء.

وأيضا فإن عبد الرحمن ما كان من أهل زهادة في الدنيا ولا بصفة من يكون حاكما على سائر المسلمين في شرق الأرض وغربها ويصير رأيه وقوله قائما مقام رأيهم ومشورتهم جميعا ، ليت شعري من جعل ذلك له ومن أثبت له هذا المقام وهو قد أقر على نفسه أنه لا يصلح للخلافة أو كان يصلح وغش المسلمين وعزل نفسه ، فكيف يكون زاهدا في الدنيا ومأمونا على اختيار الخلفاء قائما مقام سائر المسلمين.

وقد ذكر أصحاب التواريخ وصاحب كتاب الإستيعاب أنه لما مات قسمت تركته على ورثته وكان له ثلاث زوجات وقيل أربع ، فأصاب كل واحدة منهن

عن ربع الثمن أو ثلثه ثلاثة وثمانين ألف دينار (١).

فهل يقبل العقل أن رجلا من الرعايا من عرض المسلمين يدعي له عاقل زهدا أو ورعا أو صلاحا وقد خلف تركة يبلغ ربع ثمنها ثلاثة وثمانون ألف دينار ، أين هذا من شمائل الزهاد والأخيار من هذا الاحتكار للدنيا والبخل بها والجمع لها والمنافسة فيها ، أما لهؤلاء عقل ينفعهم أو دين يردعهم عن هذه المناقضات المتراكمة والروايات المتضادة.

ومن طرائف صحيح ما شهد به العقلاء على نقص عبد الرحمن وذموه بذلك ما ذكره الغزالي الذي يذكرون أنه حجة الإسلام في كتابه المسمى بإحياء علوم الدين في المجلد الثاني من المهلكات في كتاب ذم البخل وذم حب الدنيا إن عبد الرحمن أثنى عليه كعب الأحبار فبلغ ذلك أبا ذر ـ الذي قال فيه نبيهم ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا خلاف بين المسلمين في صلاح أبي ذر ـ قال : فغضب أبو ذر من ذلك وأخذ عظما وتبع كعب الأحبار ليعزره ويؤدبه على شكره عبد الرحمن ، ولم ينكر على أبي ذر أحد في ذلك ، فصار كالإجماع من المسلمين على ذم عبد الرحمن وذم من يمدحه(٢).

ومن طريف ما يدل على اختلاط عبد الرحمن أو تعمده لترك الصواب ما أحدثه في الشورى من قبيح الأسباب ، فمن ذلك أنه بنى الأمر على أن يخلع أحد الستة الأنفس نفسه من الخلافة ويختار خليفة وألجأهم هو وأتباعه على ذلك ، وما كان ذلك إنصافا ولا حقا ولا عدلا ، لأنه يمكن أن يكون فيهم من يعتقد أنه لا يقوم أحد مقامه في الخلافة بل قد كان فيهم من يعتقد ذلك ، فما كان يجوز لذلك أن يخلع نفسه ويختار غيره ، وما جاز لعبد الرحمن أن يكلفهم ذلك ولا يلزمهم أبدا

__________________

(١) الإستيعاب : ٢ / ٣٩٦ هامش الإصابة.

(٢) إحياء علوم الدين : ٣ / ٢٦٦.

ومن ذلك أن هذا ما تضمنه وصية عمر التي عولوا عليها في تعيين أصحاب الشورى ، فقد خالف عبد الرحمن الحق والعدل وخالف وصية عمر فكيف يصح تعيينه لعثمان.

ومن ذلك أنه اختص هو وانفرد بالاختيار وحده ولم يجعل عمر أيضا لأحد من الشورى أن ينفرد بالاختيار وحده ولا أن يرضى بالانفراد في ذلك ، ثم ولو كان عبد الرحمن يكفي عند عمر في اختيار خليفة للمسلمين كان قد اقتصر عليه ولم يحتج إلى تعيين ستة أنفس ، فلا لما رووه من أمر نبيهم لهم باتباع أهل بيته والتمسك بهم امتثلوا ، ولا بوصية خليفتهم عمر عملوا ، ولا إلى ترك وصيته بالكلية بتعيين ستة أنفس ومشاركتهم لسائر المسلمين ومشاورتهم عدلوا ، وكيف يصح خلافة عثمان عندهم وعند من عرف شناعة ما فعلوا.

ومن ذلك أن عبد الرحمن لما تفرد بالعزم على عثمان لم يذكر لأهل الشورى ولا للمسلمين اسم من قد وقع اختياره عليه ، وينظر رأيهم ورأي المسلمين في ذلك.

ومن ذلك أنه بنى الأمر في استخلافه لعثمان على المخادعة والمكر بالجماعة ومن وقف على ما رووه في الشورى عرف ذلك محققا.

عثمان يأمر برجم امرأة لا تستحق الرجم

ومن طرايف ما شهدوا به على عثمان بعد استخلافه ما ذكره مسلم في صحيحه في الجزء الخامس أوايله على حد كراسين من النسخة المنقول منها في تفسير سورة الأحقاف إن امرأة دخلت على زوجها فولدت منه لستة أشهر فذكر ذلك لعثمان بن عفان فأمر برجمها ، فدخل علي عليه السلام فقال إن الله عز وجل يقول " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " وقال تعالى " وفصاله في عامين " قال : فوالله كنا عند

عثمان إن بعث إليها فردت (١).

(قال عبد المحمود) : ما هذه إلا جرأة عظيمة من عثمان أنه يأمر بقتل امرأة مسلمة متعمدا مع عدم علمه بإباحة ذلك ، وهلا تبين أو سأل ، أين الورع والاستظهار للدين أو الاحتياط في حفظ دماء المسلمين ، أما سمع إن عمر أراد مثل ذلك فعرفه علي بن أبي طالب عليه السلام حقيقة شرعهم في ذلك وقد تقدمت روايتهم في هذا ، أما كان عثمان في المدينة في تلك الواقعة الشايعة والحادثة الذايعة.

نهى عثمان عن متعة الحج

ومن طرائف ما ذكروه أيضا عن عثمان واستخفافه بالشرائع والأديان ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع الصحيحين في الحديث السابع من مسند علي بن أبي طالب عليه السلام عن مروان بن حكم من رواية على الحسين عن سعيد بن المسيب أنه شهد عثمان وعليا بين مكة والمدينة وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى ذلك علي أهل بهما وقال : لبيك بعمرة وحجة فقال عثمان : تراني أنهى الناس وأنت تفعله قال : ما كنت لأدع سنة رسول الله " ص " لقول واحد (٢).

(قال عبد المحمود) : أنظر إلى إنكار علي عليه السلام على عثمان وشهادته جهارا إن المتعة في الحج هي سنة رسول الله " ص " ولا. ولا يقول له إنه قد أباح رسولهم غير التمتع في الحج في تلك الحجة ثم انظر مع هذا كيف أقدم

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ : ١٦٨ ـ ١٦٩ ، والطبري في تفسيره.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٨٩٧ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ١٥١.

عثمان على البدعة في شريعة نبيهم وتغييرها ثم إنكاره على من عمل بسنة رسولهم ، ثم تعجب من أولئك المسلمين الحاضرين كيف لم ينكروا جميعا على عثمان قولا وفعلا ، إن هذا مما يتعجب منه العاقل وينفر منه.

ومن طريف الأمور أن عثمان يقبل قول علي بن أبي طالب عليه السلام في ترك رجم الحامل المقدم ذكرها ويخالفه في متعة الحج ، وقد عرف أنها سنة نبيهم ، إن هذا من بديع استخفاف عثمان بالشرائع والأديان.

عثمان أتم الصلاة بمنى أربعا

ومن طرائف إقدام عثمان على مخالفة رسولهم في شريعته ومخالفة أبي بكر وعمر في سيرته ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمر قال : صلى النبي " ص " صلاة المسافر بمنى وغيره ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان ركعتين صدرا من خلافته ثم أتمها أربعا ، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا ، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين (١).

وذكر الحميدي في كتابه المشار إليه في مسند عبد الله بن مسعود في الحديث الرابع عشر عن عبد الرحمن بن يزيد ـ وهو أخو الأسود ـ قال : صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال : صليت مع رسول الله " ص " بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظى من أربع ركعات ركعتان متقبلتان ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن مسعود (٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٨٢ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٣٤.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٨٣ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٣٥ ، وأحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٣٧٨ و ٤٢٥.

وذكر الحميدي في كتابه أيضا في مسند حارثة بن وهب الخزاعي في الحديث الأول قال : صلى بنا النبي " ص " بمنى والناس أكثر ما كانوا ، فصلى ركعتين (١).

ثم ذكر الحميدي في كتابه المشار إليه في مسند أبي جحيفة وهب بن عبد الله في الحديث الثاني من المتفق عليه ، وفي مسند عبد الله بن عباس في الحديث السادس عشر من أفراد مسلم ، وفي مسند أنس بن مالك في الحديث السابع والثلاثين بعد المائة ، وفي غير ذلك من الأسانيد عدة روايات عن نبيهم يتضمن أن الصلاة في السفر ركعتين وفي الحضر أربع ركعات (٢).

(قال عبد المحمود) : أما يتعجب العقلاء من هذا عثمان خليفة عبد الرحمن كيف يقدم على تغيير شريعة نبيهم وسيرة أبي بكر وعمر وتجاهره بذلك بين المسلمين! إن هذا من عجيب ما عرفناه وسمعناه ، ليت شعري ما عذر أتباعه في تزكيته وإمامته مع ما قد شهدوا عليه أنه مبدع ، وكيف ارتضوه وكيف يثق عاقل بروايات قوم كانوا بهذه الصفات ويستهزؤون بالإسلام إلى هذه الغايات.

قول عثمان إن في القرآن لحنا

ومن طرائف ما ذكروه عن عثمان من سوء إقدامه على القول في ربهم ورسولهم ما ذكره الثعلبي في تفسير قوله تعالى " إن هذان لساحران " (٣) روى عن عثمان أنه قال : إن في المصحف لحنا واستسقمه العرب بألسنتهم فقيل له :

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٨٤ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٣٥.

(٢) راجع صحيح مسلم : ١ / ٤٧٨ ـ ٤٨١.

(٣) طه : ٦٣.

ألا تغيره؟ فقال : دعوه فإنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا ، وذكر نحو هذا الحديث ابن قتيبة في كتاب المشكل في تفسير قوله " إن هذان لساحران ".

(قال عبد المحمود) : كيف جاز لأولياء عثمان نقل مثل هذا الحديث عنه ، وليت شعري هذا اللحن في المصحف ممن هو؟ إن كان عثمان يذكر أنه من الله فهو كفر جديد لا يخفى على قريب ولا بعيد ، وإن كان من غير الله فكيف نزل كتاب ربه مبدلا مغيرا. لقد ارتكب بذلك بهتانا عظيما ومنكرا جسيما.

ومن طريف ذلك قوله إنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا إذا كان كتاب ربهم بينهم أمانة من الله ورسوله أما يجب عليهم أن يؤدوها كما ائتمنوا عليها ، وكتابهم يتضمن " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " ومن المعلوم في دين الإسلام إن من نقل القرآن ملحونا فإنه يكون قد كذب على الله بالنقل ، وقد تضمن كتابهم " ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة " (١).

ثم قد رووا فيما نقلناه عنهم في هذا الكتاب عن صحاحهم أن نبيهم قال : من كذب على متعمدا فليتبوء مقعده من النار. فإذا كان هذا حال من كذب عليه فكيف يكون حال من كذب على الله ورسوله ، وإذا كان يجب عليهم نقل كتابهم وتلاوته كما سمعوه من نبيهم فكيف لا يكون تركه على خلاف ذلك حراما ، وإذا كان عثمان لا يؤدي الأمانة في كتاب ربهم ولا يراقبه ولا يراقب رسوله ولا يستحيي من المسلمين في ذلك كيف يكون مأمونا على دماء سائر أهل الإسلام وأموالهم وما بينهم من الوقائع التي يكاد يخلو من اختلاف أغراض الأنام.

حال عثمان عند خواص الصحابة

ومن طرائف ما بلغ إليه حال عثمان من النقص عند خواص الصحابة ، ما

__________________

(١) الزمر : ٦٠.

رواه مسلم أيضا في المجلد الثالث من صحيحه عن همام بن الحارث أن رجلا جعل يمدح عثمان فعمد المقداد فجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما ، فجعل يحثوا في وجهه الحصباء فقال له عثمان : ما شأنك؟ فقال : إن رسول الله " ص " قال : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب (١). هذا لفظ الحديث.

(قال عبد المحمود) : في هذا الحديث عدة طرائف.

فمن طرائفه أن الصحابة قد كان يمدح بعضهم بعضا وما نقل عن أحد منهم أنه حثى في وجه المادحين التراب ، فلولا أن عثمان ما بلغ إلى حال من النقص لم يبلغ إليه أحد من الصحابة لم يحث التراب في وجه مادحه.

ومن طرائفه أن المقداد ممن أجمع المسلمون على صلاحه وصواب ما يعمله.

ومن طرائفه أن عثمان لما كان عالما إن هذا لم يعمل مع أحد قال للمقداد : ما شأنك؟.

ومن طرائفه أن هذا قد جرى من المقداد وشاع إلى زماننا هذا وما سمعنا إن أحدا من المسلمين أنكر على المقداد ولا خطاه.

ومن طرائفه أن هذا يقتضي أن من مدح عثمان كذا ينبغي أن يحثو التراب في وجهه اقتداء برسول الله " ص " والمقداد الذي أجمع المسلمون على صلاحه.

نزول آيات في عثمان وطلحة ومثالبهما

ومن طرائف ما شهدوا به على عثمان وطلحة ما ذكره السدي في تفسير القرآن في تفسير سورة الأحزاب في قوله تعالى " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ".

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٩٧ كتاب الزهد.

قال السدي : لما توفي أبو سلمة وخنيس بن حذيفة وتزوج رسول الله " ص " بامرأتيهما أم سلمة وحفصة ، قال طلحة وعثمان : أينكح محمد نساءنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات ، والله لو قد مات لقد أجلنا على نسائه بالسهام ، وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أم سلمة فأنزل الله " وما كان لكم تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا " الآية (١) وأنزل الله تعالى " إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما" (٢) وأنزل " الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا " (٣).

ومن طرائف ما شهدوا به على عثمان وارتداده عن ظاهر الإيمان وإن الله قد شهد عليه بذلك ، ما ذكره السدي أيضا في كتاب تفسيره للقرآن في تفسير قوله تعالى " ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين " (٤).

قال السدي نزلت في عثمان بن عفان قال : لما فتح رسول الله " ص " بني النضير وقسم أموالهم قال عثمان لعلي عليه السلام : إئت رسول الله فاسأله أرض كذا وكذا فإن أعطاكها فأنا شريكك فيها ، أو آتيه أنا فاسأله إياها فإن أعطانيها فأنت شريكي فيها ، فسأله عثمان فأعطاه إياها فقال له علي فاشركني فأبى عثمان الشركة فقال : بيني وبينك رسول الله " ص " ، فأبى أن يخاصمه إلى النبي " ص " فقيل له : لم لا تنطلق معه إلى النبي؟ فقال : هو ابن عمه فأخاف أن يقضي له ، فنزل قوله تعالى " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن لم يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم

__________________

(١) الأحزاب : ٥٣ و ٥٤.

(٢) الأحزاب : ٥٣ و ٥٤.

(٣) الأحزاب : ٥٧.

(٤) النور : ٤٧.

ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون " (١) فلما بلغ عثمان ما أنزل الله فيه أتى النبي " ص " فأقر لعلي بالحق وشركه في الأرض.

ومن طرائف ما شهدوا به على طلحة وعثمان من شكهما في الإسلام وشهادة الله عليهما بالكفر بعد إظهار الإيمان ما ذكره السدي في كتاب تفسيره في تفسير قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " (٢).

قال السدي لما أصيب أصحاب النبي " ص " بأحد قال عثمان : لألحقن بالشام فإن لي به صديقا من اليهود يقال له دهلك فلآخذن منه أمانا فإني أخاف أن يدال علينا اليهود ، وقال طلحة بن عبيد الله لأخرجن أي الشام فإن لي صديقا من النصارى فلآخذن منه أمانا فإني أخاف أن يدال علينا النصارى قال السدي فأراد أحدهما أن يتهود والآخر أن يتنصر قال : فأقبل طلحة على النبي " ص " وعنده علي بن أبي طالب عليه السلام فاستأذنه طلحة في المسير إلى الشام وقال : إن لي بها مالا آخذه ، ثم انصرف فقال له النبي " ص " عن مثل هذا الحال تخذلنا وتخرج وتدعنا ، فأكثر على النبي " ص " من الاستيذان فغضب علي فقال يا رسول الله ائذن لابن الحضرمية فوالله ما عز من نصر ولا ذل من خذل فكف طلحة عن الاستيذان عند ذلك فأنزل الله عز وجل فيهم " ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم " (٣) يعني أولئك يقول إنه يحلف لكم إنه مؤمن معكم فحبط عمله بما دخل فيه من أمر

__________________

(١) النور : ٤٨ ـ ٥٠.

(٢) المائدة : ٥٧.

(٣) المائدة : ٥٣.

الإسلام حين نافق فيه.

(قال عبد المحمود) : وفي كتاب تفسير السدي أشياء عجيبة تشهد بتزكية فرقة الشيعة والطعن على من خالفها تركنا ذكرها خوف الإطالة فمن أرادها فليقف عليها هناك.

ومن أراد البسط تقدم ذكره في ظلم علي بن أبي طالب عليه السلام والتقدم عليه وشرح عيوبهم وخاصة عيوب عثمان بن عفان فعليه بتاريخ الثقفي وتاريخ الواقدي.

ومن طرائف ما بلغوا إليه من ذم أصل طلحة بن عبيد الله وطعنهم في نسبه وكونهم جعلوه ولد زناء ما ذكره جماعة من الرواة ، وذكره أيضا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي في كتاب المثالب فقال : وذكر من جملة البغايا من ذوي الرايات صعبة فقال : وأما صعبة فهي بنت الحضرمية كانت لها راية بمكة واستبضعت بأبي سفيان فوقع عليها أبو سفيان وتزوجها عبيد الله بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم فجاءت بطلحة بن عبيد الله لستة أشهر فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة فجعلا أمرهما إلى صعبة فألحقته بعبيد الله

فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت يد عبيد الله طلقة ويد أبي سفيان كرة ، فقال حسان بن ثابت وعاب على طلحة يقول :

فيا عجبا من عبد شمس وتركها أخاها

زنايا بعد ريش القوادم

ثم ذكر صاحب كتاب المثالب المشار إليه هجاءا لبني طلحة بن عبيد الله من جملته :

فاصدقونا قومنا أنسابكم

وأقيمونا على الأمر الجلي

لعبيد الله أنتم معشري

أم أبي سفيان ذاك الأموي

وذكر أيضا في الكتاب المذكور ما هذا لفظه : وممن كان يلعب به ويتخنث عبيد الله أبو طلحة ابن عبيد الله.

(قال عبد المحمود) : ألا تعجب من قوم شهدوا على قوم بهذه الشهادات ثم زكوهم وبلغوا بهم غاية عظيمة من المدح وقاتلوا معهم علي بن أبي طالب عليه السلام المشهود له بما ذكر من جميل الصفات.

ومن طرائف عثمان ما ذكره صاحب لطائف المعارف واسم صاحب الكتاب القاضي أبو بكر عبد الله بن محمد بن طاهر يقول فيه ذكر أشياء التي أحدثها حتى نقموا منه : منها ضربه عبد الله بن مسعود وإنه كان سبب موته (١).

ومنها ضربه عمار بن ياسر حتى اندق ضلع من أضلاعه وغشي عليه الغشية التي ترك منها الصلاة.

ومنها أنه وهب خمس إفريقية لمروان بن حكم ومبلغه خمسمائة ألف درهم.

ومنها كتابه الذي وجه بخطه وختمه في المصريين يأمر بقطع أيديهم.

ومنها تيسيره لأبي ذر الغفاري من دار هجرته إلى الربذة.

ومنها دفعه إلى الحكم بن العاص في دفعة واحدة مائتي ألف درهم.

ومنها استعماله الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان أخاه لأمه على الكوفة وصلاته بهم الغداة وهو سكران وقال لهم أزيدكم.

وقد ذكر صاحب الكتاب المذكور أشياء يطول ذكرها ومن أرادها فليقف عليها في الكتاب المذكور.

في اختيار عثمان القتل على خلع نفسه

ومن طرائف ما اجتمع عليه علماء الإسلام وخالفهم عثمان أنه يجوز إظهار

__________________

(١) راجع الغدير : ٩ / ٤ و ١٥.

كلمة الكفر مع الخوف على النفس ، وكتابهم ينطق بذلك في قوله تعالى " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " (١).

وذكر علماء الأربعة المذاهب وغيرهم أنه لما اجتمع المسلمون على خلع عثمان من الخلافة قالوا له : إما أن تخلع نفسك أو نقتلك ، فاختار القتل على خلع نفسه وقال : لا أخلع قميصا ألبسنيه الله.

فيدل ذلك على أن خلع الإنسان لنفسه من الخلافة عند عثمان أعظم من إظهار كلمة الكفر ، والعجب من قوله ألبسنيه وقد علم هو وأهل العلم والتواريخ إنما ألبسه إياه عبد الرحمن بن عوف ، ثم قد رووا بلا خلاف بينهم أن أبا بكر قام على المنبر وقال : أقيلوني فلست بخيركم وفعل ذلك من غير إكراه أحد له على الخلع ولا خوف من القتل.

وهذا يدل على تخطئة عثمان أو أبي بكر وإن أبا بكر قد وقع منه أعظم من الكفر باستقالته من الخلافة على مذهب عثمان ، أو يكون عثمان قد ألقى بنفسه إلى الهلاك الذي تضمن كتابهم النهي عنه فقال " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (٢).

ومن طريف وعجائبه قولهم لعثمان أخلع نفسك وقول أبي بكر أقيلوني لأنه إن كان خلع الخليفة من الخلافة إلى الأمة ، فلأي حال قالوا لعثمان اخلع نفسك وقد كان يجب أن يخلعوه ، وإن كان الخلع إلى الخليفة فلأي حال يقول أبو بكر أقيلوني بل كان ينبغي أن يستقيل بنفسه ويقعد عن الخلافة وهذا يدل على ما يقال من الاختلاط والاختلال.

ومن طريف عصبية القائلين بخلافة عثمان أنهم قد علموا أن أهل المدينة

__________________

(١) النحل : ١٠٦.

(٢) البقرة : ١٩٥.

وكثيرا ممن حضرها كانوا لما قتل عثمان بين معين قتله أو مظهر للرضي بقتله أو خاذل له ومستبيح لدمه ، حتى أنه ذكر علماء التواريخ وصاحب كتاب الإستيعاب أن عثمان بقي بعد قتله ثلاثة أيام لا يستحل أحد دفنه ولا يقدم على ذلك خوفا من المهاجرين والأنصار (١). ثم يزعم بعضهم أن هذا الاجماع لا يقتضي استحقاق عثمان القتل ولا خلعه من الخلافة ويبايعه في اليوم الأول عبد الرحمن كما تقدم ذكره فيصير خليفة وإماما ، إن هذا من قبيح الاعتقاد وفضيح العناد.

ومن طريف ذلك أن يكون مبايعة عمر وأبي عبيدة لأبي بكر حجة على خلافته ، ولم يكن إجماع أهل المدينة وكثير من أعيان أهل الإسلام على خلع عثمان وقتله قادحا في خلافته ولا ارتداده ولا نقصه ، إن هذا من البهتان الذي لا يجوز أن يستحسنه هل الأديان.

تسمية عثمان ذا النورين وعدم تسمية على ذا النور ونسب عثمان

ومن طرائف عصبية بعضهم لعثمان أنهم يسمونه بعد هذا الاجماع على خلعه وقتله واستحلال دمه ذا النورين أي أنه تزوج بابنتي رسولهم ، مع اختلاف الناس في أن اللتين تزوج بهما هل كانتا ابنتي رسولهم أو ربيبتين لخديجة ورباهما نبيهم ، ويكون علي بن أبي طالب عليه السلام قد تزوج بفاطمة سيدة نساء العالمين بلا خلاف بينهم وولد منها الحسن والحسين عليهما السلام وهما سيدا شباب أهل الجنة كما شهدوا ، ويكون علي عليه السلام أيضا أول هاشمي ولد من هاشميين وإنه أحد الثقلين المقدم ذكرهما ، ومع ذلك كله فلا يكون

__________________

(١) الإستيعاب : ٣ / ٨٠.

علي بن أبي طالب عليه السلام ذا النورين ولا ذا النور ، إن ذلك من طرائف العصبية وسوء الأغراض الدنيوية.

ومن طرائف ما بلغوا إليه من الطعن في أصل عثمان ونسبه ما رواه علماؤهم وذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السايب الكلبي في كتاب المثالب ما هذا لفظه : وممن كان يلعب به ويتخنث ، ثم ذكر من كان كذلك قال : وعفان بن أبي العاص بن أمية ثم قال : وفي عفان بن أبي العاص يقول عبد الرحمن بن حنبل يعير عثمان بن عفان وكان عفان يضرب بالدف :

زعم ابن عفان وليس بهازل

إن الفرات وما حواه المشرق

خرج له من شاء أعطى فضله

ذهبا وتيك مقالة لا تصدق

أنى لعفان أبيك سبيكة

صفرا فاطعم العتاب الأزرق

وورثته دفا وعودا يراعة

جوعا يكاد بلبسها يستنطق

يودنا لو كنت تأتي مثله

فيكون دف فتاتكم لا تفتق (١)

(قال عبد المحمود) : أنظر إلى هذا الذم القبيح فكيف رضوا مثل هذا أن يكون نائبا لله ولرسوله ومقدما على بني هاشم وسائر المسلمين لولا الغفلة الشديدة على الراضين به.

مطاعن معاوية بن أبي سفيان

ومن طرائف عصبية كثير من المسلمين وجهلهم بأمور الدين رضاهم بخلافة معاوية بن أبي سفيان واعتقادهم بصحة خلافته ، وقد عرفوا أن أصلها المغالبة والقتال مع علي عليه السلام الذي هو بلا خلاف بينهم من العظماء من

__________________

(١) هذه الأشعار موجودة في المطبوعة والمخطوطة والترجمة وفي هامش الترجمة أن هذه الأشعار موجودة في خمس نسخ ولكنها لا تقرأ.

الخلفاء الراشدين ، وقتل معاوية للصحابة والأخيار والصالحين وسيرته بسيرة الجبابرة واستخفافه بأمور الإسلام والدنيا والآخرة.

ومن طريف ما رأيت من ذم معاوية لعمر بن الخطاب وإنه أحق بالخلافة منه ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الثامن من أفراد البخاري قال : دخلت على حفصة ونوساتها تنظف ، قلت : قد كان من أمر الناس ما ترين ولم يجعلوا لي من الأمر شيئا. فقالت : ألحق فإنهم ينتظروك وأخشى أن يكون في احتسابك عنهم فرقة فلم تدعه حتى ذهب ، فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه ، ثم ذكر الحميدي أن عبد الله بن عمر أراد أن يجيب معاوية عن ذلك فأمسك الجواب.

(قال عبد المحمود) : فإذا كان معاوية يتغلب على الخلافة بقتال الخليفة بالحق علي بن أبي طالب عليه السلام وبقتال بني هاشم وأعيان الصحابة والتابعين واستباحته لمحارم الدنيا والدين ، ويزعم مع ذلك أنه أحق بالخلافة من عمر ابن الخطاب ، فقد خرج بهذه الأسباب عن مذاهب علماء الإسلام ، فمن أين يبقى له إسلام أو خلافة عند ذوي الأفهام.

ومن طريف شهادتهم على ضلال معاوية ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث السادس عشر من أفراد البخاري قال : إن رسول الله " ص " قال : ويح لعمار تقتله الفئة الباغية يدعو هم إلى الجنة ويدعونه إلى النار (١) ، فقتله معاوية وعمار من أصحاب علي عليه السلام.

وذكر ذلك محمود الخوارزمي في كتاب الفائق في باب سائر معجزات نبيهم فقال : أنه قال لعمار : ستقتلك الفئة الباغية ، فقتله أصحاب معاوية. قال

__________________

(١) البخاري في صحيحه : ١ / ١١٥ ، ورواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٢٣٦.

الخوارزمي : ولشهرة الحديث ما أنكره معاوية وما رده بل قال : قتله من جاء به ، فقال ابن عباس : فقد قتل رسول الله " ص " حمزة لأنه جاء به إلى الكفار فقتلوه.

ومن طرائف معاوية ادعاؤه لأخيه زياد ومخالفته في ذلك لشريعة نبيهم ، فإن زيادا كان له مدع فيقال له أبو عبيد عبد بني علاج من سقيف ، فأقدم معاوية على تكذيب ذلك الرجل وقد ولد زياد على فراشه ، ورد على نبيهم في قوله الولد للفراش ، وادعى معاوية أن أبا سفيان زنا بوالدة زياد وهي عند زوجها المذكور وإن زيادا من أبي سفيان ، فاستحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله وخرج عن أحكام الأديان وكفر بجميع الأديان من أحكام الأديان.

ومن طريف ما بلغوا إليه من القدح في ولادة معاوية بن أبي سفيان وكونه ولد زنا ، ما رووه في كتبهم ، ورواه أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي في كتاب المثالب فقال : كان معاوية لأربعة نفر لعمار بن الوليد بن المغيرة المخزومي ولمسافر بن أبي عمر ولأبي سفيان ولرجل سماه. قال : وكانت هند أمه من المغيلمات وكانت أحب الرجال إليها السودان ، وكانت إذا ولدت أسود قتلته (١).

وقال في موضع آخر من الكتاب : وأما حمامة فهي من بعض جدات معاوية ، وكان لها راية بذي المجاز ـ يعني من ذوي الرايات في الزنا.

(قال عبد المحمود) : ألا تعجب من قوم رووا مثل هذه الأمور الشنيعة. والأعراق الخبيثة عن معاوية ثم ارتضوه خليفة على الإسلام والمسلمين وقاتلوا معه عليا وأعيان بني هاشم والصحابة والتابعين ، إن هذا مما يوجع الصدر ويقلقل الصبور.

__________________

(١) نقله في تذكرة الخواص : ٢٠٣.

في تسميتهم معاوية كاتب الوحي وخال المؤمنين

ومن طرائف أتباع معاوية أنهم يدعون له فضيلة ويقولون إنه كاتب الوحي لنبيهم ، وقد نقلوا في تواريخهم وكتبهم أن الذين يكتبون الوحي كانوا أربعة عشر نفرا ، وأقدمهم في الكتابة للوحي والتنزيل علب بن أبي طالب عليه السلام بلا خلاف ، وما أراهم سموا كل واحد منهم كاتب الوحي ولا سموا عليا بذلك ولا خصصوا به غير معاوية ، مع أنهم يروون أن معاوية كان إسلامه بعد فتح مكة وقبل وفاة نبيهم بستة أشهر زائدا أو ناقصا ، فكيف يقبل العقول أن يوثق في كتابة الوحي بمعاوية مع قرب عهده بالكفر وقصوره في الإسلام حيث دخل فيه ، وحسبهم في ترك الفضيلة في كتابة الوحي لو كان معاوية كاتبا له ما رووا في كتبهم المعتبرة أن من جملة كتاب الوحي ابن أبي سرح الذي ارتد عن الإسلام ودفن فلم تقبله الأرض.

وقد ذكر الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث الثامن والأربعين بعد المائة من المتفق عليه قال : كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران ، وكان يكتب لرسول الله " ص " فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال : فرفعوه. قالوا : هذا قد كان يكتب لمحمد فأعجبوا به ، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا (١).

(قال عبد المحمود) : فإذا كان قد صححوا إن كتابة الوحي قد تحصل لمثل هذا المنبوذ فأي فضيلة تبقى لمعاوية؟ وقد أظهر من مخالفة قواعد المسلمين

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٤٥.

وقتل الصالحين ما يزيد على أحوال المرتدين.

[وفي كتاب أوائل الاشتباه إن معاوية أول من ركب بين الصفا والمروة ، وأول من أعلن بشرب النبيذ والغناء وأول من أكل الطين واستباحه ، وكان على منبر رسول الله " ص " يأخذ البيعة ليزيد فأخرجت عائشة رأسها من حجرتها وقالت : صه صه هل استدعى الشيوخ بنيهم البيعة؟ فقال معاوية : لا. فقالت : فبمن اقتديت. فخجل معاوية ونزل من المنبر وحفر حفيرة لعائشة واحتال لها وألقاها فيه فماتت.

وفي رواية أخرى أن عائشة ذهبت إلى منزل معاوية وهي راكبة على حمار ، فجاءت بحمارها على بساط معاوية وعلى سريرها ، فبالت الحمار وراثت على بساطها وما راعت حرمة معاوية ، فشكى معاوية إلى مروان وقال له لا طاقة لي إلى تحمل بلاء هذه العجوزة ، فتولى مروان بإذن معاوية أمر عائشة ودبر لها حفر البئر فوقعت فيه في آخر ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ، قال الشاعر :

لقد ذهب الحمار بأم عمرو

فلا رجعت ولا رجع الحمار

قيل لعبد الله بن يحيى : هل تصلي مع معاوية؟ قال : لا والله لا أجد فرقا بين الصلاة خلفه وبين الصلاة خلف امرأة يهودية حائض ، ولذا لو صليت خلفه تقية أعدتها.

وسئل شريك عن فضائل معاوية فقال : إن أباه قاتل النبي " ص " ، وهو قاتل وصي

النبي ، وأمه أكلت كبد حمزة عم النبي وابنه قتل سبط النبي ، وهو ابن زنا فهل تريد منقبة بعد ذلك].

ومن طرائف جماعة من المسلمين أنهم يسمون معاوية خال المؤمنين ويقولون إن ذلك لأجل أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان كانت من أزواج نبيهم ، ومن المعلوم أنه قد كان لنبيهم زوجات جماعة فيجب أن يكون أخوة الزوجات

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٠١٠ كتاب البر والصلة والآداب.

كلهم أخو إلا للمؤمنين ، وما تراهم سموهم بذلك ، وخاصة محمد بن أبي بكر فقد كان أخا لعائشة وعائشة عندهم من أعظم الزوجات فكيف لا يسمون أخاها بخال المؤمنين وكيف لم يسموا عبد الله بن عمر خال المؤمنين وقد كان هو أخا حفصة.

ولو كان يلزم أن يكون أنساب الزوجات قرابات المؤمنين للزم أن يسموا ذلك في كل قرابة للزوجات ، وكان أيضا يحرم على معاوية وجميع أخوة زوجات نبيهم أن يتزوجوا بأحد من المؤمنات لأنهم أخوال لهن ، وهذا من الهذيان الذي قالوه بالعصبية والبهتان.

(قال عبد المحمود) : وقد رأيت ووجدت طرائف عثمان ومعاوية كثيرة ، وأعيان المسلمين يشهدون بما ظهر عنهما من قبيح السريرة وسوء السر ، فأغنى ذلك عن الاكثار مما لهما من الطرائف والوصف الزائف.

في قول النبي " ص " في معاوية : لا أشبع الله بطنه

وقد خطر لي طريفة أيضا شهدوا بها معاوية مع أن طرائفه المنكرات يحتاج إلى مجلدات ، رووه في صحاحهم وروى مسلم أيضا في صحيحه في المجلد الثالث عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله " ص " فتواريت خلف باب قال : فجاء فحطاني حطاة وقال : اذهب وادع لي معاوية. قال : فجئت فقلت : هو يأكل. فقال : لا أشبع الله بطنه. قال ابن المثنى : قلت لأمية : ما معنى قوله حطاني؟ قال : قفدني قفدة (١).

(قال عبد المحمود) : هذا لفظ الحديث وفيه عدة طرائف :

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٠١٠ كتاب البر والصلة والآداب.

فمن طرائفه إن كتابهم يتضمن " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " (١).

فلو كان معاوية عند نبيهم من المؤمنين لكان به رؤوفا رحيما ، فدعاؤه عليه يدل على أنه ما كان عنده من المؤمنين.

ومن طرائفه أنهم رووا في تفسير ما تضمنه كتابهم " وإنك لعلى خلق عظيم " (٢). إن نبيهم كان كلما آذاه الكفار من قومه يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، فلولا أن معاوية كان عنده من المنافقين الذين هم أنزل درجة من الكافرين الذين تضمن كتابهم وصفهم فقال " إن الله جامع الكافرين والمنافقين في جهنم جميعا " (٣) و" إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " (٤) لم يكن يدعو عليه وكان قد أجراه مجرى من دعى له من الكفار أو كان لا يدعو عليه.

ومن طرائفه أن ابن عباس كان صبيا كما تضمنه الحديث غير معصوم ، فلو لم يكن عند نبيهم علم من جانب الله بفساد باطن معاوية وكفره ونفاقه ما دعا عليه بقول صبي غير بالغ ولا معصوم.

ومن طرائفه أن دعاء الأنبياء لا يصدر إلا عن إذن من الله ، وخاصة لما تضمنه كتابهم " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " ، فلو كان الله عالما أن معاوية يتجدد منه إيمان وحميد عاقبته في دين وصلاح في سريرة الأخيار ما كان قد أذن لنبيه في الدعاء عليه.

ومن طرائفه أنهم رووا أن المؤمن يأكل في أمعاء واحد والكافر يأكل في

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) القلم : ٤.

(٣) النساء : ١٤٠.

(٤) النساء : ١٤٥.

سبعة أمعاء ، ورواه الحميدي في مسند ابن عمر في الحديث الثاني والتسعين من المتفق عليه على صحته (١) ، وقد رواه مسلم في صحيحه في المجلد الثالث (٢). وهذا الحديث يتضمن أن نبيهم قد دعا على معاوية بصفات الكفار.

ومن طرائفه أن مفهوم الحديث إن ابن عباس قد كان يدعو معاوية إلى نبيهم وإنه يطلبه فيعتذر بالأكل ، وقد رووا في كتبهم أن نبيهم قال : لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله وولده ، ونحو ذلك فكيف يثبت إيمان لمن لا يؤثر أكلة واحدة ويجعل اعتذاره عن ذلك مراسلة ، أين هذا من شمائل أهل الإيمان والمصدقين بالرسول والقرآن؟.

(قال عبد المحمود) : فهذا عدة طرف مما شهدوا به على أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية قد ذكرته ، فتفكر فيه وتعجب من قوم يشهدون على قوم بهذه المنكرات ثم جعلوهم أئمة لهم وبلغوا بهم عظيم الغايات ، واحذر من أتباع من يكون بهذه الصفات.

ثم انظر فيما رويناه عنهم أولا وآخرا من فضائل أهل بيت نبيهم وتخصيص علي بن أبي طالب عليه السلام من ذلك بما لم يبلغ إليه أحد من الصحابة والقرابة والنصوص الدالة الصريحة في أنه القائم مقام نبيهم في أمته ، واستطرف عدو لهم عنهم وعنه وكيف يبلغ الحسد لأهل الفضائل والعداوة من الجاهل إلى هذا العمى الشديد والضلال البعيد.

ولعمري قد جرى مثل هذا أو نحوه في الأمم السالفة بعد الأنبياء ، وقد تقدمت روايتهم في صحاحهم عن نبيهم أنهم يضلون كما ضلت الأمم الماضية على السواء.

__________________

(٢ ـ ١) رواه البخاري في صحيحه : ٦ / ٢٠١ ومسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٣١.

في وصف علي بن أبي طالب عليه السلام

وعجيب آيات الله فيه

ومن طرائف ما رووه في وصف علي بن أبي طالب عليه السلام ومدحه غير ما قدمناه عنهم ما ذكره صاحب كتاب نهاية الطلب الحنبلي المقدم ذكره بطريق رواية مخالفي أهل البيت بإسناده إلى أبي عبد الله محمد بن أبي نصير ابن عبد الله الحميدي ، قال أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد سهل النحوي المعروف بابن بشران الواسطي بقراءتي عليه ، قال حدثني علي بن منصور الاخباري الحلبي ، قال حدثنا علي بن محمد الشمشاطي ، قال حدثنا محمد بن عثمان أبي شيبة ، قال حدثنا هاشم بن محمد الهلالي ، قال حدثنا أبو عامر الأسدي ، قال حدثنا موسى بن عبد الملك بن عمير ، عن أبيه ، عن ربعي بن حراش قال : سأل معاوية عبد الله بن عباس فقال : ما تقول في علي بن أبي طالب فقال " صلوات الله على أبي الحسن ، كان والله علم الهدى وكهف التقى ومحل الحجى وبحر الندى وطود النهى علما للورى ونورا في الظلم الدجى وداعيا إلى المحجة العظمى ومتمسكا بالعروة الوثقى وساميا إلى الغاية القصوى وعالما بما في الصحف الأولى وعاملا بطاعة الملك الأعلى وعارفا بالتأويل والذكرى ومتعلقا بأسباب الهدى وحائدا عن طرقات الردى وساميا إلى المجد والعلى وقائما بالدين والتقوى وسيد من تقمص وارتدى بعد النبي المصطفى وأفضل من صام وصلى وأفضل من ضحك وبكى وصاحب القبلتين ، فهل يساويه مخلوق يكون أو كان كان والله للأسد قاتلا ولهم في الحرب حائلا على مبغضيه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد.

(قال عبد المحمود) : هذا لفظ الحديث المذكور ، وهذا مدح ابن عباس

الذي هو من أعيان القرابة والصحابة لعلي بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة نبيهم وبعد وفاة علي وبعد انقطاع الوحي وبعد انقطاع الخوف والرجاء منه في الدنيا بمحضر أعداء له من العباد وعلى رؤوس الأشهاد ، فأين هذا من وصف المتقدمين عليه لولا عمي القلوب وظهور العناد والفساد.

وروى أيضا هذا الحديث أبو بكر بن مردويه وهو من أعيان علمائهم.

وروى أيضا ابن مردويه عن ضرار وعن الأعمش نحو حديث ابن عباس في مدح علي بن أبي طالب عليه السلام أو أبلغ من ذلك.

ومن عجيب آيات الله تعالى في علي بن أبي طالب عليه السلام ما ذكره الرضي الموسوي محمد بن الحسين في خطبة نهج البلاغة فقال ما هذا لفظه : ومن عجائبه " ع " التي انفرد بها وأمن المشاركة فيها إن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر ، إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المتفكر ، وخلع من قلبه إنه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه ، لم يعترضه الشك في أنه كلام من لاحظ له في غير الزهادة ولا شغل له بغير العبادة ، قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل ، لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتا سيفه ، فيقط الرقاب ويجدل الأبطال ويعود به ينطف دما ويقطر مهجا ، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال ، وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة ، التي جمع بها بين الأضداد وألف بين الأشتات ، وكثيرا ما أذاكر الإخوان بها واستخرج عجبهم منها ، وهي موضع للعبرة بها والفكرة فيها (١).

هذا آخر لفظ الكلام السيد الرضى في المعنى.

(قال عبد المحمود (: ومن عجيب آيات الله جل جلاله في مولانا علي بن

__________________

(١) نهج البلاغة : ٣٥ ط صبحي صالح.

أبي طالب عليه السلام ومعجزات رسول الله " ص " إن أصحاب التواريخ وجماعة من علماء الإسلام ذكروا أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال على رؤوس الأشهاد بمحضر الأعداء والحساد : سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة إلا أخبرتكم به.

وقد تقدم في قريب من الكراس الثاني من هذا الكتاب حديث أبي بكر بن مردويه المخالف لأهل البيت تصديق ذلك ، وتقدم أيضا من رواية أحمد بن حنبل وصحيح مسلم وغيره.

وذكر أيضا صاحب نهج البلاغة في أواخر الجزء الأول منه في جملة خطبة خطبها علي بن أبي طالب عليه السلام ما هذا لفظه : والله لو شئت أن أخبرت كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ، ولكن أخاف أن تكفروا برسول الله " ص " ألا وإني مفضية إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلا بالحق صادقا ، ولقد عهد إلي ذلك كله ويهلك من هلك وينجو من ينجو ، وما آل هذا الأمر وما أبقى شيئا يمر على رأسي إلا أقرعه في أذني وأفضى بها إلي. أيها الناس إني والله ما أحثكم على طاعة ألا وأسبقكم عليها ، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها. هذا آخر الخطبة المذكورة.

وفي ذلك عدة عجائب :

(منها) أن هذا مقام لا يبلغه ولا ادعاه أحد من القرابة والصحابة قبله ولا بعده ، بل ما تحققنا مثله عن نبي سابق ولا وصي لاحق ، وأقصى ما عرفناه عن أحد من الأنبياء والأولياء في نحو ما علمه علي بن أبي طالب عليه السلام من الأشياء قول عيسى عليه السلام " وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " (١).

__________________

(١) آل عمران : ٤٩.

وما وصل إلينا من عيسى عليه السلام مثل عموم قول علي ، وهذه حجة على أهل المشارق والمغارب ، وهذه منقبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام باهرة ومعجزة للرسول قاهرة.

ومن عجائبه في هذا القول المذكور أنه قال ذلك على رؤس الأشهاد وبمحضر الأعداء والحساد ، فكأنه تحدى به من سمعه ومن سيبلغه من العباد وجعله حجة لله ولرسوله إلى يوم المعاد.

ومن عجائب هذا القول إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان مع علمه بتفصيل الأحوال ، يسير في الناس بالمقال والفعال سيرة لا يعتقد من يراه أنه عارف ببواطن تلك الأعمال والأفعال والأقوال ، وقد عرف العقلاء إن كل من عرف واطلع على يتجدد من حركة من حركات نفسه أو حركات من يصحبه أو يطلع على أسرار الناس فإنه يظهر على وجهه وفعله أثر علمه بذلك قبل سماعه من غيره وعلي عليه السلام مع علمه بذلك يكون كمن لا يعلم ، وما هذا إلا من الآيات الباهرات والجمع بين المشكلات.

ومن عجائب علي بن أبي طالب عليه السلام أنه بمقتضى علمه المشار إليه قد علم أيضا ما يتجدد من معاوية وما يجري الحال عليه في حروبه له وبقاء معاوية بعده واستقامة الأمر لمعاوية بعده ، ومع هذا فكان إذا شاهده الناظرون في حروبه مع معاوية وإقدامه وتهجمه وحثه على الجهاد واهتمامه بالإصدار والإيراد لا يشك الناظر إليه إن علي بن أبي طالب عليه السلام يعتقد أنه يغلب معاوية ويأخذ الإمارة وينزع الملك عنه.

وقد عرف أولوا الألباب أنه متى عرف أحدهم أنه إذا خاصم عدوا أو حارب إنسانا غلبه العدو أو كان العاقبة لخصمه أنه يضعف جنانه ويذل لسانه ولا تساعده همته ولا تعاضده شجاعته ، وإن نهض مع ذلك إلى عدوه وخصمه فبقلب مسلم للعطب والذلة وحركات تشهد عليه بالضعف عمن قصد إليه ، وعلي بن أبي طالب

عليه السلام كان على ما يشهد به تواريخ العلماء من سائر أرباب المذاهب إذا كان في حروبه لا يظهر عليه إلا أنه يقهر معاوية ويكون هو في غاية الظافرية والغالبية وهذا جمع منه صلوات الله عليه بين الأضداد وخلاف سجايا من هو دونه من العباد.

ومن عجائب ذلك أنه كان قد صار بحيث لا يتصرف في ذاته ولا في صفاته وحركاته وسكناته لإرادته بل بحسب إرادة ربه ومولاه الذي يعلمه كأنه يراه ، وهذه آية باهرة وسر عظيم لمن عرف معناه.

ومن عجيب تصديق ما قلناه ما رأيت من جوابه عليه السلام لما سئل عن شئ من الأمور المتجددة له ، وهو أن محمد بن علي الرازي ذكر في كتاب الشفاء والجلاء في أوائل النصف الثاني من الكتاب فقال ما هذا لفظه : أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، عن علي بن بلال عمن ذكره ، عن عبد الله بن أبي رافع ، عن أبيه قال : لما أحضرني أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجه أبا موسى الأشعري فقال له : احكم بكتاب الله ولا تجاوزه ، فلما أدبر قال : كأني به وقد خدع. قلت : يا أمير المؤمنين فلم توجهه وأنت تعلم أنه مخدوع؟ فقال : يا بني لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل هذا آخر الحديث المذكور.

أفلا ترى علمه بالأحوال وكمال جوابه عند السؤال وقوله لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل ولم يقل لو عملت أنا بعلمي ، يريد إنني أتصرف في نفسي وغيري بالله وفي الله ومن الله ولله ، وأن قد جعل إرادته إرادة الله وكراهيته كراهية الله ، وهو أكمل مقام العبد في الأدب مع الله ، فهل تجد في أمة محمد " ص " أحدا يقاربه أو يقارنه في الكمال.

ومن عجيب شريف آيات الله تعالى في علي بن أبي طالب عليه السلام إنك

إذا اعتبرت القرآن والصحيح من الأخبار وجدت الأنبياء بل وجدت أولي العزم من الرسل المتقدمين على نبوة محمد " ص " ، قد عاتب الله جل جلاله بعضهم على مخالفة في مندوب أو قد أهملوا في بعض الآداب ، وبعضهم قد صرح مع الله تعالى بالخطاب وأظهر الخوف من بعض الأسباب أو طلب النصرة من الناس باللسان أو الجنان أو اعتزل عن الكفار ولم يقف في مقام المجاهرة والشدة عليهم في بعض الأوان ، وإن كانوا عليهم السلام منزهين عن خلل ذلك وكدره بكثرة صفوة واصطفاء وزائل عنهم عتابه بكمال مقامهم في الصفاء لله والوفاء ، وكانت الأوامر والخطاب من الله جل جلاله إليهم بغير واسطة أصلا أو بغير واسطة من البشر.

وعلي بن أبي طالب عليه السلام ما ثبت عنه مدة صحبته لمحمد " ص " رسول الله شئ يقارب ما جرى لآدم عليه السلام في الأكل من الشجرة والخروج من الجنة والتوبة والندم ، ولا شئ يقارب ما جرى لنوح عليه السلام لما اعتذر عن طلبه لتخليص ولده من الغرق ، وقال " أني مغلوب فانتصر " (١) ولا اعتزل إلى الكفار بمفارقة محمد " ص " كما اعتزل إبراهيم النبي عليه السلام في قول الله تعالى عنه " واعتزلكم وما تدعون من دون الله " (٢) ولا قال نحو ما قال " رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي " (٣) بل قال : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.

ولا جرى له نحو ما جرى لموسى عليه السلام لما أمره الله تعالى بالتوجه إلى

__________________

(١) القمر : ١٠.

(٢) مريم : ٤٨.

(٣) البقرة : ٢٦٠.

فرعون " قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون " (١) ونحو قوله " فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " (٢) بل كان علي بن أبي طالب عليه السلام يفدي للنبي محمد " ص " بمهجته كما تقدم شرحه أوائل هذا الكتاب لما بات على فراشه وفي غيره من حروبه ، ولا يتوقف ولا يتعذر عن شئ من أوامره له في واجب أمره ومندوبه ، ولا يتعرض لمكروهه ومحظوره وعتابه وكان يتبعه ومعه في سائر أسبابه.

ولا جرى لعلي بن أبي طالب عليه السلام نحو قول عيسى عليه السلام فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله " (٣) فإن عيسى عليه السلام لما أحس منهم الكفر طلب النصرة ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام تيقن الكفر من قريش ومن أعداء محمد " ص " وجاهروه به وبات على فراشه كما تقدم وصفه وفداه بمهجته ورمى نفسه في كتائبهم عند الحروب وبذلها لعلام الغيوب وفرح كلما دخل عليه وباشره من الكروب ، ولم يطلب منه نصرة ولا استعفى ولا استعان بغير الله من سائر بريته مدة حياة محمد " ص " وفي كل وقت يريد منه الانفراد والاجتهاد وقاه بمهجته ، مع أنهم رووا كما قدمناه أن عيسى بن مريم يصلي مؤتما بصلاة المهدي عليه السلام ، ومن المعلوم أن علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل من المهدي عليه السلام الذي هو إمام لعيسى عليه السلام.

وقد تقدمت الأخبار من صحاح الأربعة المذاهب بأوصاف علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأقروا بالعجز عن حصر ما جمع له من المناقب ، ومما بلغ إليه

__________________

(١) القصص : ٣٣.

(٢) الشعراء : ١٤.

(٣) آل عمران : ٥٢.

الخطيب صاحب تاريخ بغداد وهو من أعيان المخالفين لأهل البيت عليهم السلام روايته في التاريخ المشار إليه ما هذا لفظه : عن لؤلؤ بن عبد الله القيصري يرفعه عن النبي " ص " أنه قال : لمبارزة علي بن أبي طالب عليه السلام لعمرو ابن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة.

فهل كان يقتضي عقل عاقل أو فضل فاضل أن يقدم على علي بن أبي طالب عليه السلام من لا يقارنه ولم يقاربه في شئ من تلك المواهب والمراتب والمناصب والمناقب ، وقد أريتك حاله على التحقيق مع أولي العزم من الرسل عدا محمد " ص " وهم القدوة في كمال التوفيق ، فما ظنك بحاله مع من ليس من أولي العزم من الأنبياء ، وما ظنك بحاله مع الأولياء ، ولست أقول إنه أفضل من أولي العزم على التفصيل بل أقول إن فضيلتهم عليه يحتاج إلى تعسف وتأويل.

وقد تقدم بعض الروايات بأن علي بن أبي طالب عليه السلام نفس محمد " ص " وهو أشرف أهل النبوات والرسالات في قوله تعالى " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " (١).

فاختر لنفسك أيها الخائف على نفسه من الهلاك ، واحذر من يوم لا تقدر فيه على الاستدراك ، وانظر أيما أسلم لك ، واحفظ لنفسك ودينك ويقينك أن تكون مقتديا ومؤتما بعلي بن أبي طالب عليه السلام الذي هو نفس رسول الله أو بمن عرفت حاله ممن تقدم عليه في الخلافة ، أو قد عدل عنه وحصل في المخالفة. وقد كشف الله لك بهذا الكتاب ما قد ذكره عنهم أولياؤهم من المصائب وسقوط المنازل والمراتب ، وهذا من أطراف طرائف الذين رووا أو شهدوا لعلي بن أبي طالب عليه السلام بالمناقب التي فضل بها على سائر الصحابة ثم قدموا عليه غيره.

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

وقد ذكر محمد بن عمر الرازي المعروف بابن خطيب الري وهو من أعظم علماء الأشعرية صاحب التصانيف الكثيرة طرفا منها أيضا ، يقول في الكتاب الذي صنفه وجعله دستورا لولده وسماه كتاب الأربعين في الفصل الخامس من المسألة التاسعة والثلاثين في بيان أفضل الصحابة بعد رسول الله " ص " ويورد عشرين حجة في أن علي بن أبي طالب أفضل الصحابة بعد رسول الله ، يقول في الحجة الثالثة منها ما هذا لفظه : إن عليا كان أعلم الصحابة والأعلم أفضل ، وإنما قلنا إن عليا كان أعلم الصحابة للإجمال والتفصيل.

أما الاجمال فهو أنه لا نزاع أن عليا كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء الفطنة والاستعداد للعلم وكان محمد " ص " أفضل العقلاء وأعلم العلماء وكان علي في غاية الحرص في طلب العلم وكان محمد صلوات الله عليه وآله في غاية الحرص في تربية علي وفي إرشاده إلى اكتساب الفضائل ، ثم إن عليا عليه السلام نشأ من أول صغره في حجر محمد " ص " وفي كبره صار ختنا له وكان يدخل عليه في كل الأوقات ، ومن المعلوم أن التلميذ إذا كان في غاية الذكاء والحرص على النقل وكان الأستاذ في غاية الفضل وفي غاية الحرص على التعليم ، ثم اتفق لمثل هذا التلميذ أن يتصل بخدمة هذا الأستاذ من زمان الصغر وكان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الأوقات فإنه يبلغ التلميذ في العلم مبلغا عظيما.

وهذا بيان إجمالي أن عليا كان أعلم الصحابة ، وأما أبو بكر فإنه اتصل بخدمته صلى الله عليه وآله وسلم في زمان الكبر ، وأيضا ما كان يصل إلى خدمته في اليوم والليلة إلا زمانا يسيرا ، أما علي فإنه اتصل بخدمته في زمان الصغر وقد قيل : العلم في الصغر كالنقش في الحجر والعلم في الكبر كالنقش في المدر ، فثبت بما ذكرنا أن عليا كان أعلم من أبي بكر.

وأما الفصيل فيدل على ذلك وجوه :

(الأول) قوله عليه السلام " أقضاكم علي " ، والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم ، فلما رجحه على الكل في القضاء لزم أنه رجحه عليهم في جميع العلوم ، وأما سائر الصحابة فقد رجح كل واحد منهم على غيره في علم واحد كقوله أفرضكم زيد بن ثابت وأقرأكم أبي.

(الثاني) أن أكثر المفسرين سلموا أن قوله تعالى " وتعيها أذن واعية " نزل في حق علي بن أبي طالب عليه السلام ، وتخصيصه بزيادة الفهم يدل على اختصاصه بمزيد العلم.

(الثالث) روي أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر فنبهه علي عليه السلام بقوله تعالى " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " مع قوله تعالى " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر فقال عمر : لولا علي لهلك عمر ، وروي أن امرأة أقرت بالزناء وكانت حاملا فأمر عمر برجمها فقال : إن كان لك سلطان عليها فما سلطانك على ما في بطنها ، فترك عمر رجمها وقال : لولا علي لهلك عمر.

فإن قيل لعل عمر أمر برجمها من غير تفحص عن حالها فظن أنها ليست بحامل فلما نبهه علي ترك رجمها.

قلنا : هذا يقتضي أن عمر ما كان يحتاط في سفك الدماء وهذا أشر من الأول.

وروي أيضا أن عمر قال يوما على المنبر : ألا تغالوا في مهور النساء فمن غالى في مهر امرأة جعلته في بيت المال ، فقامت عجوز وقالت : يا أمير المؤمنين أتمنع عنا ما جعله الله لنا ، قال الله تعالى " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت ، فهذه الوقائع وقعت لغير

علي ومثلها لم يتفق لعلي عليه السلام.

(الرابع) نقل عن علي عليه السلام أنه قال : والله لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما من آية نزلت في بحر ولا بر ولا سهل ولا جبل ولا سماء ولا أرض ولا نهار إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أي شئ نزلت.

طعن أبو هاشم وقال : التوراة منسوخة فكيف يجوز الحكم بها؟

الجواب عنه من وجوه :

الأول ـ لعل المراد شرح كمال علمه بتلك الأحكام المنسوخة على التفصيل وبالأحكام الناسخة الواردة في القرآن.

والثاني ـ لعل المراد أن قضاة اليهود والنصارى متمكنون من الحكم والقضاء على وفق أديانهم بعد بذل الجزية فكان المراد أنه لو جاز للمسلم ذلك لكان هو قادرا عليه.

والثالث ـ لعل المراد أن يستخرج من التوراة والإنجيل نصوصا دالة على نبوة محمد " ص " وكان ذلك أقوى في التمسك بها على اليهود والنصارى.

(الخامس) أنا نتفحص عن أحوال العلوم وأعظمها علم الأصول وقد جاء في خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ما لم يأت في كلام سائر الصحابة.

وأيضا فجميع فرق المتكلمين ينتهي آخر نسبهم في هذا العلم إليه ، أما المعتزلة فهم ينسبون أنفسهم إليه ، وأما الأشعرية فكلهم منتسبون إلى الأشعري وهو كان تلميذا لأبي علي الجبائي المعتزلي وهو منتسب إلى أمير المؤمنين ، وأما الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر ، وأما الخوارج فهم مع غاية بعدهم منتسبون

إلى أكابرهم وأولئك الأكابر كانوا تلامذة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فثبت أن جمهور المتكلمين من فرق الإسلام كلهم تلامذة علي بن أبي طالب وأفضل فرق الأمة الأصوليون وكان هذا منصبا عظيما في الفضل.

ومنها علم التفسير وابن عباس كان رئيس المفسرين وهو كان تلميذ علي بن أبي طالب ، ومنها علم الفقه وكان في الدرجة العالية ولهذا قال عليه السلام : أقضاكم علي وقال علي بن أبي طالب : لو كسرت لي الوسادة لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم على ما نقلناه ، ومنها علم الفصاحة ومعلوم أن واحدا من الفصحاء الذين بعده لم يدركوا درجته ولا القليل من درجته ، ومنها علم النحو ومعلوم أنه إنما ظهر منه وهو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي إليه ، ومنها علم تصفية الباطن ومعلوم أن نسب جميع الصوفية ينتهي إليه ، ومنها علم الشجاعة وممارسة الأسلحة ومعلوم أن نسبة هذه العلوم ينتهي إليه ، فثبت بما ذكرنا أنه عليه السلام كان أستاذ العالمين بعد محمد " ص " في جميع الخصال المرضية والمقامات الحميدة الشريفة ، وإذا ثبت أنه كان أعلم الخلق بعد رسول الله " ص " وجب أن يكون أفضل الخلق بعده لقوله تعالى " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " وقوله تعالى " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ".

ثم ذكر الرازي المقدم ذكره في آخر الفصل المذكور ما هذا لفظه ومعناه : (الحجة العشرون) إعلم أن الفضائل إما نفسانية وإما بدنية وإما خارجية ، أما الفضائل النفسانية : فهي محصورة في نوعين العلمية والعملية ، أما العلمية : فقد دللنا على أن علم علي كان أكثر من علم سائر الصحابة ومما يقوي ذلك ما روي أن عليا عليه السلام قال : علمني رسول الله " ص " ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب ألف باب.

وأما الفضائل النفسانية فأقسام : منها العفة والزهد وقد كان في الصحابة جمع

من الزهاد كأبي ذر وسلمان وأبي الدرداء وكلهم كانوا فيه تلامذة علي عليه السلام ومنها الشجاعة وقد كان في الصحابة جماعة شجعان كأبي دجانة وخالد بن الوليد وكانت شجاعته أكثر نفعا من شجاعة الكل ، ألا ترى أن النبي " ص " قال يوم الأحزاب : لضربة علي خير من عبادة الثقلين ، وقال علي عليه السلام : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية لكن بقوة إلهية ، ومنها السخاوة وقد كان في الصحابة جمع من الأسخياء وقد بلغ إخلاصه في سخاوته إلى أن أعطى ثلاثة أقراص فأنزل الله تعالى في حقه " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " ومنها حسن الخلق وقد كان مع غاية شجاعته وبسالته حسن الخلق جدا وقد بلغ فيه إلى حيث نسبه أعداؤه إلى الدعابة ، ومنها البعد عن الدنيا وظاهر أنه كان مع انفتاح أبواب الدنيا عليه لم يظهر التنعم والتلذذ ، وكان مع غاية شجاعته إذا شرع في صلاة التهجد وشرح في الدعوات والتضرعات إلى الله تعالى بلغ مبلغا لا يوازيه أحد ممن جاء بعده من الزهاد ، ولما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة.

وأما الفضائل البدنية : فمنها القوة والشدة وكان فيهما عظيم الدرجة حتى قيل إنه كان يقطع الهام قطع الأقلام ، ومنها النسب العالي ومعلوم أن أشرف الأنساب هو القرب من رسول الله " ص " وهو كان أقرب الناس في النسب إلى رسول الله " ص " ، وأما العباس فإنه وإن كان عم رسول الله إلا أن العباس كان أخا لعبد الله والد رسول الله من الأب لا من الأم ، وأما أبو طالب فإنه كان أخا لعبد الله والد رسول الله من الأب والأم ، وأيضا فإن عليا عليه السلام كان هاشميا من الأب والأم لأنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، وأيضا أم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم ، ومنها المصاهرة ولم يكن لأحد من الخلق مصاهرة مثل ما كانت له ، وأما عثمان فهو وإن شاركه في كونه صهر

للرسول " ص " إلا أن أشرف أولاد الرسول هي فاطمة ولذلك قال عليه السلام : سيدة نساء العالمين أربع وعد منهن فاطمة ، ولم يحصل مثل هذا الشرف للبنتين اللتين هما زوجتا عثمان ، ومنها أنه لم يكن لأحد من الصحابة أولاد يشاركون أولاده في الفضيلة كالحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة ولداه ، ثم انظر إلى أولاد الحسن مثل الحسن المثنى والمثلث وعبد الله بن المثنى والنفس الزكية ، وإلى أولاد الحسين مثل زين العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضا فإن هؤلاء لأكابر يقر بفضيلتهم وعلو درجتهم كل مسلم ، ومما يدل على علو شأنهم إن أفضل المشايخ وأعلاهم درجة أبو يزيد البسطامي وكان سقاء في دار جعفر الصادق وأما معروف الكرخي فإنه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا وكان بواب داره وبقي على هذه الحالة إلى آخر عمره ، ومعلوم أن أمثال هذه الأولاد لم يتفق لأحد من الصحابة ، ولو أخذنا في الشرح والإطناب لطال الكلام (١).

(قال عبد المحمود) : فهذا آخر كلام الرازي ، وقد روى في هذا الكتاب من الفضائل لعلي بن أبي طالب عليه السلام والمناقب والخصائص الجليلة ما قد تقدم شرح بعضها عنهم من كتبهم ، وإنه أسبقهم إيمانا وأعظمهم جهادا وأفضلهم علما وأرجحهم زهدا وأقربهم إلى رسول الله " ص " نسبا وأكثرهم به امتزاجا وآخرهم به عهدا وأفضلهم في كل فضيلة ، ومع ذلك فإن أكثرهم استحسنوا لأنفسهم ودينهم أن يقدموا عليه الثلاثة الخلفاء الذين قد ذكروا عنهم وشهدوا عليهم إنه وقع منهم ما قد تقدم ذكر بعضه.

والعجب أيضا أن يحصل لمعاوية من المسلمين من يسعده على محاربة علي

__________________

(١) الأربعين : ٤٦٥ ـ ٤٦٨ ومن ٤٧٤ ـ ٤٧٦. قال في آخره : فهذا مجموع دلائل من قال بتفضيل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

عليه السلام المشهود له عندهم بتلك الفضائل وأن ينازعه معاوية في الخلافة إن هذا من أعجب الأمور الهائلة.

ومن طرائف ما رأيت في شرح حال علي بن أبي طالب عليه السلام ما رواه صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي أخطب خطباء خوارزم فيما صنفه من المناقب قال : أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي ابن محمد الهمداني إجازة ، أخبرني محمد بن الحسين بن علي البزاز ، أخبرني أبو منصور محمد بن علي بن علي بن عبد العزيز ، أخبرني هلال بن محمد بن جعفر ، حدثني أبو بكر محمد بن عمرو الحافظ ، حدثني أبو الحسن علي بن موسى الخزاز من كتابه ، حدثني الحسن بن علي الهاشمي ، حدثني إسماعيل بن أبان ، حدثني أبو مريم ، عن ثويرة بن أبي فاختة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي : دفع النبي " ص " الراية يوم خيبر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، ففتح الله تعالى على يده ، وأوقفه يوم غدير خم فاعلم أنه مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال له : أنت مني وأنا منك ، وقال له : تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، وقال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقال له : أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ، وقال له : أنت تبين لهم ما يشتبه عليهم من بعدي ، وقال له : أنت العروة الوثقى التي لا انفصام لها ، وقال له : أنت إمام كل مؤمن ومؤمنة وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، وقال له : أنت الذي أنزل الله فيك " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر " ، وقال له : أنتالأخذ بسنتي والذاب عن ملتي ، وقال له : أنا أول من تنشق الأرض عنه وأنت معي ، وقال له : أنا عند الحوض وأنت معي.

والحديث طويل إلى أن قال : وقال له : إن الله أوحى إلي أن أقوم بفضلك فقمت به في الناس وبلغتهم ما أمرني الله بتبليغه ، وقال له : اتق الضغائن التي

لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.

ثم بكى " ص " فقيل مما بكاؤك يا رسول الله؟ فقال : أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده ، وأخبرني جبرئيل عن الله عز وجل أن ذلك الظلم يزول إذا قام قائمهم وعلت كلمتهم واجتمعت الأمة على محبتهم وكان الشانئ لهم قليلا والكاره لهم ذليلا وكثر المادح لهم ، وذلك حين تغير البلاد وضعف العباد واليأس من الفرج فعند ذلك يظهر القائم فيهم.

قال النبي " ص " : اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي هو من ولد ابنتي فاطمة يظهر الله الحق بهم ويخمد الباطل بأسيافهم ويتبعهم الناس راغبا إليهم وخائفا منهم. قال : وسكن البكاء عن رسول الله " ص " فقال : معاشر الناس أبشروا بالفرج فإن وعد الله لا يخلف وقضاؤه لا يرد وهو الحكيم الخبير ، وإن فتح الله قريب ، اللهم إنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللهم اكلاهم وارعهم وكن لهم وانصرهم وأعزهم ولا تذلهم واخلفني فيهم إنك على ما تشاء قدير (١).

فيما رووا في العشرة المبشرة

ومن طرائف الأمور المتناقضة أنهم يذكرون إن سعيد بن نفيل روى عن نبيهم أنه شهد له ولأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح ولعلي بالجنة ، مع ما وقع من أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وأبي عبيدة من المخالفات لعلي بن أبي طالب عليه السلام وظهور العداوة بينهم ، مع ما بلغ إليه طلحة

__________________

(١) الخوارزمي في المناقب : ٢٤.

والزبير من استحلال دمه ودماء بني هاشم وأعيان الصحابة والتابعين بعد مبايعتهما لعلي وإقرارهما بصحة خلافته وقتلهما الألوف من المؤمنين ، وقد تضمن كتابهم " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ".

ومن طريف هذه الرواية أن سعيد بن يزيد بن نفيل راوي هذه الرواية وهو من جملة العشرة ، روى هذه الرواية لتزكية نفسه ولم يسقط شهادته بالتهمة وشهود فاطمة عليها السلام بنت نبيهم جارون النفع إلى أنفسهم ومتهمون في شهادتهم مع أنه لم يكن نفع فيما شهدوا به ، وهذه من المتناقضات.

في عدم صحة ما رووا عن النبي " ص "

أصحابي كالنجوم

ومن طريف رواياتهم أنهم قالوا عن نبيهم أنه قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، وقد علمنا أن الصحابة كان يكفر بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالضلال ويستحل بعضهم دماء بعض ، وقد تقدم بعض ذلك وكما جرى في قتل عثمان وحرب البصرة وصفين وغيرهما من المناقضات والاختلافات فلو كان الاقتداء بكل واحد منهم صوابا لكان الاقتداء بكل واحد منهم خطأ لشهادة بعضهم على بعض بالخطأ ولكان ذلك يقتضى وجوب ضلالهم أو قتلهم جميعا ، فما أقبح هذه الروايات وأبعدها من عقول أهل الديانات.

ومن طريف مكابراتهم أنهم يذكرون أن الإمام قدوة لرعيته مع جواز جهله ببعض ما يقتدى به فيه حتى أنهم يجيزون أن يكون الإمام جاهلا بأكثر الشريعة وأنه يقتدي فيما يجهله منها برعيته ، ولا فرق في العقول بين جواز جهله ببعضها

أو جميعها ومن فرق بينهما فقد كابر الضرورة وعدل عن العقول المشكورة.

ومن طريف مكابراتهم أيضا تجويزهم أن يكون إمامهم فاسقا مصرا على المنكرات في الباطن ولا يجيزون أن يكون كافرا في الباطن مظهرا للإسلام.

في عملهم بالقياس والطعن عليه

ومن طرائف غلطهم الذي خرجوا به عن شريعتهم عملهم بالقياس ، مع أن شريعتهم أباحت ما قد حرمت مثله وحرمت ما أوجب مثله ، فأي طريق لهم مع ذلك إلى القياس؟

ثم لو كان الله قد جعل للأحكام عللا يقاس عليها لكانت دلالة واضحة يهتدى إليها وبها كل طالب للقياس ، ومن المعلوم أنهم مع اجتهادهم في استخراج علل القياس يختلفون في العلل إلى غاية الاختلاف وفي وجوهها وكيفية التحريم والتحليل بها.

ثم قد يحكم أحدهم بالعلة ووجه تعلقها في وقت ويبين له ضد ذلك في الوقت الآخر ، ثم من المعلوم الذي لا يخالف فيه عاقل منصف إنه قد كان جائزا من الله التعبد في الحادثة بخلاف ما دلت عليه العلة من تحريم أو تحليل مع كون الحادثة على حقيقتها وبجميع صفاتها ، فلو كان القياس صحيحا جاز في العقول التعبد في الحادثة بخلاف حكمها إلا مع اختلاف كل حالها أو بعضه أو تغير جميع أوصافها أو بعضها ، وإذا كان جاز في العقول التعبد في الحادثة بخلاف ما اقتضته العلة والحادثة على ما هي عليه دل ذلك على بطلان القياس في الشرائع ، لأن العلة لو كانت علة لازمة للتحليل والتحريم استحال خروجها عن ذلك والحادثة على ما هي عليه كما يستحيل خروج صفة الحركة عن المتحرك مع كونه متحركا ، ومعلوم أن ذلك غير مستحيل في الحادثة مع وجود العلة

بخلاف ما يعتقدونه علة فلا يبقى لهم طريق ولا وثوق بعلة ولا قياس أصلا.

ثم يقال للأشعرية خاصة فيما ذهبوا إليه من القياس من الشرعي عندهم : نراكم في كتب الأصول تدعون القطع على أن أفعال الله يستحيل تعليلها بأمور لأجلها كانت كذلك ، والقياس إنما يصح لكم بعد ثبوت العلل في القياس واستعمالها ، فإن ادعى ذو جهالة منهم أن ثبوت العلل إنما يحتاج فيه إلى غلبة الظن دون القطع قيل له : إذا ثبت ما تدعون من استحالة التعليل على الله تعالى كيف يبقى مجال الظن أو غيره ، وهذا لا جواب لهم عنه إلا بإبطال القياس أو جواز التعليل على الله تعالى.

وقد روى الخطيب في تاريخه وابن شيرويه الديلمي قالا : إن النبي " ص " قال : ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور ، فيحرمون الحلال ويحللون الحرام.

وقد وقفت على كتب علماء عترة نبيهم وهم مجمعون على تحريم العمل بالقياس ، وأخبار هؤلاء الأربعة المذاهب في كتبهم الصحاح تشهد أن عترة نبيهم لا يخالفون كتاب ربهم إلى يوم القيامة.

ثم وقد روى علماء الإسلام أخبارا متظاهرة في المنع من القياس والرأي.

فمن ذلك ما رووه عن أبي بكر أنه قال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي.

ومن ما ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب قال : إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا.

ومن ذلك ما رووه عن عمر أنه كتب إلى شريح القاضي وهو يومئذ نائبه على القضاء: إقض بما في كتاب الله فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فاقض بما في سنة رسول الله ، فإن جاءك ما ليس في سنة رسول الله " ص " فاقض بما أجمع عليه أهل العلم ، فإن لم تجد فلا إن لا تقضي.

ومن ذلك ما رووه عن عبد الله بن عباس أنه قال : لو جعل الله لأحد أن يحكم

برأيه لجعل ذلك لرسول الله ، قال الله له " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " (١) وقال " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " (٢) ولم يقل بما رأيت.

وروى النهى عن القياس عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر ومسروق بن سيرين وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، فلو كان القياس مشروعا في زمن نبيهم ما خفي عن هؤلاء وعن عترة نبيهم وأتباعهم من العلماء.

في حجية الاجماع عندهم والطعن عليه

ومن طرائف الأربعة المذاهب أنهم يذكرون أن كل واحد من المسلمين يجوز عليه الخطأ والكذب وكل قبيحة ، ومع هذا يقولون إذا اجتمع هؤلاء الذين يجوز عليهم ذلك على شئ ، فإن إجماعهم يجعل ذلك صدقا ، وتصير التجويز مرتفعا في الذي يجمعون عليه مع استمرار تجويز الكذب من كل واحد في حال افتراقهم واجتماعهم ، وهذا بهت عظيم لا يستحسنه من عقله سليم ودينه مستقيم.

ومن طريف استدلالهم على ذلك أن واحدا منهم أو أكثر ممن لم يبلغ حد التواتر قد أورد لهم عن نبيهم أن أمتي لا يجتمع على ضلال ، وما أدري كيف يثبت بهذا الحديث حجية الاجماع والرواة له من جملة أهل الاجماع لأنه لا يثبت الاجماع إلا بهذا الحديث عند من يعتقد ذلك ولا يثبت الحديث إلا بالإجماع عند من أثبته بهذا الطريق فيقف صحة كل واحد منهما على صحة الآخر فلا يثبت شئ منهما ، وبعد ذلك كيف يدعون وقوع إجماع الأمة شئ مع ما تقدم

__________________

(١) المائدة : ٤٩.

(٢) النساء : ١٠٥.

من روايتهم في صحاحهم وإطباق المسلمين تواترا على أن نبيهم قال : إن أمته تفترق ثلاثا وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقي في النار ، فإذا كان حصول الاجماع متوقفا على ثبوت إجماع هذه الثلاث وسبعين فرقة ، وقد شهدوا أن هذه الفرق لا تجتمع فيجب على رواياتهم أن لا يقع إجماع أصلا.

في تسميتهم الطلاق يمينا

ومن طرائف ما سمعت من جماعة منهم أنهم يسمون الطلاق يمينا ، وكتابهم يتضمن لفظ الطلاق فقال " الطلاق مرتان " (١) وقال " والمطلقات يتربصن " (٢) وما رأيت في كتابهم أن الطلاق يمين من جملة كافية ، ثم قد تضمن كتابهم " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين " (٣) فإن كان الطلاق يمينا فكان يجب إذا كان لغوا أن لا يثبت به عندهم تفريق بين الزوجين سواء كان ثلاثا أو غير ثلاث ، وإن كان غير لغو وكان منعقدا وتركه فكان يجب أن يلزم فيه الكفارة وما أوجبوا فيه كفارة ، فما أعجب ما يرتضونه لأنفسهم من المناقضات ومكابرة الضرورات.

في مقالاتهم في الصوم

ومن طريف أمورهم في صومهم تقديم إفطارهم قبل دخول الليل من جهة

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) المائدة : ٨٩.

المشرق ، ومخالفتهم لما تضمنه كتابهم " وأتموا الصيام إلى الليل " (١) وفي موضع آخر " ولا تبطلوا أعمالكم " (٢) وتهوينهم بهذه الفريضة التي هي من أظهر أركان الإسلام ، وقد رووا في صحاحهم ضد ما عملوا عليه.

ورواه مسلم أيضا في صحيحه من المجلد الثاني بإسناده عن ابن أبي أوفى قال عن نبيهم في أواخر حديثه ما هذا لفظه : إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا ـ وأشار بيده نحو المشرق ـ فقد أفطر الصائم (٣).

(قال عبد المحمود) : هذا لفظ الحديث يتضمن إن وقت الافطار إقبال الليل من المشرق ، وذلك إنما يكون عند ذهاب الشفق الأحمر من ناحية المشرق وهو أول دخول الليل كما ذهب إليه أهل بيت نبيهم ، فعلام وقعت المخالفة لهم وقد أمروا بالتمسك بهم.

ومن طرائف ما سمعت عن جماعة كثيرة من المسلمين أنهم إذا رأوا من يفطر منهم في السفر في صوم شهر رمضان جعلوه مبدعا وأنكروا عليه ، وإن بعض المسلمين يعتذر إليهم بأن يقول إنه من أهل الذمة ، وقد رأيت في صحاحهم ما يدل على خلاف ما ينكرونه.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس في الحديث الثاني من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " خرج من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين ، وذلك على رأس سنة ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة ، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد ـ وهو ما بين عسفان وقديد ـ أفطر وأفطروا ، قال

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) محمد : ٣٣.

(٣) مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٧٣ ، ورواه البخاري في صحيحه : ٢ / ٢٣٧.

الزهري : وإنما يؤخذ من أمر رسول الله " ص " بالآخر فالآخر فكان الفطر آخر الأمرين. وفي بعضها : فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر (١).

ومن ذلك في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس أيضا في جملة الحديث من المتفق عليه قال : خرج النبي " ص " في رمضان إلى خيبر والناس مختلفون فصائم ومفطر ، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته أو راحته ، وفي رواية حتى رآه الناس ثم شرب وشرب الناس في رمضان فقال المفطرون للصوام : أفطروا.

ومن ذلك في كتاب الجمع بين الصحيحين أيضا في مسند جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي " ص " خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام فقال : أولئك العصاة أولئك العصاة (٢).

(قال عبد المحمود) : فكيف يحسن مع هذه الروايات التي قد جعلوها من جملة الصحاح أن ينكروا أو يكرهوا أو يتوقفوا في الافطار في السفر في صوم شهر رمضان؟ وكيف استحسنوا هذه المكابرة وتكذيب أنفسهم فيما رووه وشهدوا بصحته.

وذكر الحميدي أيضا في كتابه في مسند جابر بن عبد الله في الحديث الحادي عشر قال : قال النبي " ص " : ليس من البر أن تصوموا في السفر ، وفي رواية ليس من البر الصوم في السفر (٣).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٨٤ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٢٣٨.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٨٥.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٧٨٦.

ومن طريف ما رأيت من كثير من المسلمين تعظيم ليلة خمس وعشرين من شهر رمضان ومن بعضهم ليلة تسع وعشرين ، وما رأيت لهم اهتماما ولا إكراما لليلتي إحدى وعشرين ولا ليلة ثلاث وعشرين من الشهر المذكور ، وقد رووا تعظيم الليلتين المهملتين.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث الرابع من المتفق عليه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله اعتكف في العشر الأولى من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير. قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال : إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي : إنها في العشر الأواخر. فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه قال: وإني أريتها ليلة وتر وإني أسجد صبيحتها في طين وماء ، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح ، فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء ، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه في مسند عبد الله بن أنيس الجهني أن رسول الله " ص " قال : أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبحها أسجد في ماء وطين. قال : فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين ، فصلى بنا رسول الله " ص " فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه قال : وكان عبد الله بن أنيس يقول : ثلاث وعشرين أكثر ظنه بليلة القدر (٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٨٢٥ ، والبخاري في صحيحه. ٢ / ٢٥٦.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٨٢٧.

ورواه الحميدي أيضا في مسند أبي نصير نحو ذلك.

(قال عبد المحمود) : فهلا كان لهاتين الليلتين أسوة بإحدى الليالي التي عظموها وجعلوا ليلة القدر فيها.

ومن طريف ما غيروا من سنة نبيهم ما ذكره الحميدي في كتابه في مسند أبي سعيد الخدري في الحديث السابع والثلاثين من المتفق عليه إن النبي " ص " كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول شئ يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف ، قال أبو سعيد : فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر ، فلما أتينا المصلى إذا منبر قد بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجذبت بثوبه فجذبني فارتفع فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غيرتم والله. فقال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم. فقلت : ما أعلم والله خير مما لا أعلم فقال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (١).

(قال عبد المحمود) : أنظر إلى مثل هذه السنة المشهورة بينهم كيف غيروها في تحصيل دنيا طلبوها ، ولم ينكر من الحاضرين غير أبي سعيد أما هذا من الضلال الوكيد؟.

في لبسهم الخواتيم في اليد اليسار

ومن طريف ما سمعت ورأيت أن جماعة من المسلمين يلبسون خواتيمهم في اليد اليسار وهو خلاف ما ذكروه من الشرع والاعتبار ، أما شرعهم فقد

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٢ / ٤ ، ومسلم في صحيحه : ٢ / ٦٠٥.

روى الترمذي والسجستاني وابن ماجة وأحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي ومسلم والبخاري والسلمي والبيهقي ومحمد بن يحيى عن مشائخهم إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام وزين العابدين وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله الأنصاري وأنس بن مالك وأبو أمامة وعائشة وابن شهاب والضحاك وعكرمة ومجاهد وهشام بن سعد وأبي رافع وهشام بن عروة وعروة بن الزبير وجعفر بن الزبير ونافع في روايات مختلفات ومؤتلفات إن نبيهم كان يتختم في يمينه وتوفي والخاتم في يمينه ونهى عن لبسه في اليسار.

فمن الروايات في ذلك ما ذكره الحميدي في مسند. أنس بن مالك في الحديث السادس عشر من المتفق عليه قال : إن رسول الله " ص " لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه أيضا في مسند عبد الله بن عمر في الحديث الثالث والتسعين من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " كان خاتمه في يمينه.

ومن ذلك ما رواه الجاحظ في نقوش الخواتيم أن ثلاثين نفرا منهم أحد وعشرين نفسا أنبياء وتسعة من الأوصياء والأئمة المختلف في نبوتهم كانوا جميعا يلبسون الخواتيم في اليمين ، وقد ذكر أسماءهم من جملتهم نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وعلي بن أبي طالب عليه السلام.

ومن ذلك ما ذكره أبو عبد الله السلامي في كتاب السيف قال : إن النبي " ص " والخلفاء الأربعة كانوا يتختمون في أيمانهم ، فنقلها معاوية إلى اليسار وأخذ الناس بذلك.

ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في كتاب يتيمة الدهر أن عمرو بن العاص غير

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٥٨.

الخاتم من يمينه إلى شماله ، فاقتدى العامة به إلى يومنا هذا. وذكر غير الثعلبي في ذلك شعرا:

سن التختم في اليمين محمد

للقائلين بدعوة الإخلاص

وسعى ابن هند في إزالة رسمه

وأعانه في ذلك ابن العاص

 (قال عبد المحمود) : أنظر كيف درست سنة نبيهم وتركها أكثرهم عمدا أو جهلا وصار الاقتداء بعمرو بن العاص ومعاوية ، إن هذا من الأمور المنكرة الواهية.

وأما الاعتبار فلأن الصواب في لبس الخواتيم في اليمين لأن اليسار محل استعمال الأقذار والغائط والنجاسات ، فلا يؤمن أن يتخلف في غصون الخاتم إذا كان في اليسار شئ من النجاسات فيمنع من طهارة موضع الغائط أو طهارة اليد والأسنان ، ولأن غالب العادة أن يكون في الخاتم اسم الله أو اسم بعض الأنبياء وفي تركه يصيب النجاسة وهو خطر عظيم ، ومنكر في خلفه كلما أراد الاستنجاء عناء ومشقة.

في مخالطتهم أهل الذمة وقولهم إنهم طاهرون

ومن طريف ما رأيت من المناقضة لهم أو لأكثرهم أنهم يخالطون أهل الذمة ويقولون إنهم طاهرون وقد رووا في كتبهم الصحاح خلاف ذلك.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتابه في مسند أبي ثعلبة الخشني قال : أتيت رسول الله " ص " فقلت : يا رسول الله أنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم ، وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم ، فما يصلح لي؟ قال : أما ما ذكرت يعني من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوا وكلوا فيها ، وما صدت

بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل (١).

(قال عبد المحمود) : فهذا تصريح من نبيهم بالمنع من الأكل في إناء أهل الذمة حتى تغسل ، وما رايتهم يعملون بذلك بل رأيت جماعة منهم يأكلون مع أهل الذمة في إناء واحد.

وأعجب من ذلك أن أهل الذمة لا يأكلون ذبائح المسلمين ، وأكثر المسلمين يأكلون ذبائح أهل الذمة ، وجماعة منهم يشترطون في إباحة الذبائح تسمية ربهم الذي بعث نبيهم محمدا " ص " ومن المعلوم أن أهل الذمة ما يوجبون التسمية على الذبائح وإن سموها فما يقصدون إلا الله الذي يبعث محمدا " ص " إلى العباد ، وفي ذلك ما فيه من المناقضة والتضاد.

في إباحة جماعة منهم اللعب بالنرد شير

ومن طرائف ما سمعت عن جماعة منهم إباحة اللعب بالنرد شير ومخالفتهم لنبيهم وأهل بيته في تحريم ذلك ، وقد رووا في صحاحهم تحريمه ، ورواه مسلم أيضا في صحيحه في المجلد الثالث بإسناده عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي " ص " قال : من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه.

ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند بريدة في الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم (٢).

(قال عبد المحمود) : ألا ترى نبيهم كيف جعل اللعب بالنرد شير مثل صبغ اليد في لحم الخنزير ، وهو أعظم المحرمات ، فكيف صار بعد نبيهم عند أحد

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٦ / ٢١٩ ، ومسلم في صحيحه : ٣ / ١٥٣٢.

(٢) مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٧٠.

من أمته من جملة المباحات؟

في مقالاتهم في الوضوء والصلاة

ومن طرائف ما أقدم عليه كثير من المسلمين مخالفتهم لصريح ما تضمنه كتابهم في صفة الوضوء ، فإنه قال " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " (١) وهذا كلام محكم واضح لا يشتبه على من له عقل راجح ، أن الوجه واليدين تغسلان والرأس والقدمين تمسحان ، وقد رووا أن هذا يرويه عن نبيهم محمد " ص " جماعة من الصحابة وغيرهم منهم عبد الله بن عباس وأنس بن مالك وعكرمة وأبو العالية والشعبي ، وأما عترة نبيهم الذين أمروا بالتمسك بهم ولا يفارقونهم وإنهم لا يفارقون كتابه إلى يوم القيامة فإني تحققت أنهم مجمعون على أن الوضوء على الصفة التي تضمنها صريح كتابهم ، فأقدم جماعة من المسلمين على ترك العمل بذلك وجعلوا مسح الأرجل في الوضوء بدعة وحراما وأوجبوا غسلها وهو مما لا يجر لهم في كتابهم ذكر ، وتأولوا تأويلات ضعيفة ورووا روايات سخيفة.

وليتهم قالوا إن هذه الآية منسوخة فكان يكون لهم بعض العدل ، ولكن قد اتفق المسلمون كافة على أنها غير منسوخة فصار العدول إلى غسل الأرجل في الوضوء مع أنها غير منسوخة من قبيح مكابراتهم وعظيم مناقضاتهم وتكذيبا لما رووه وصححوه من كون عترة نبيهم لا يفارقون كتاب ربهم.

ومن طرائف ما رأيت من اختلاف مقالاتهم ورواياتهم أنهم ينكرون على

__________________

(١) المائدة : ٦.

من يعدل عن الوضوء بعد الغسل للجنابة وقد ذكر أحمد بن حنبل في مسنده قال : إن النبي " ص " كان لا يتوضأ بعد الغسل. وقد روى صاحب كتاب الحلية قال : إن النبي " ص " قال : من توضأ بعد الغسل فليس منا. وذكر ذلك أيضا أبو داود السجستاني في صحيحه.

ومن طريف ما سمعت ووقفت عليه إن أبا داود السجستاني وابن ماجة ذكروا في كتاب السنن أن النبي " ص " قد هم بالبوق وأمر بالناقوس فرأى عبد الله بن زيد في المنام فعلمه رجل عليه ثوبان أخضران الأذان (١).

(قال عبد المحمود) : كيف جاز نقل مثل هذا الحديث وتصديقه مع ما تضمنه كتابهم " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " وما كان عبد الله بن زيد ممن يدعي أنه يوحى إليه ولا يجيزون أن يأتيه الوحي لنبيهم على لسان عبد الله ، ولا ريب الأذان من جملة شريعتهم فكيف ثبتت الشريعة بمنام بعض أصحاب نبيهم؟ إن هذا من جملة الاضلال الذي لا يجوز تصديقه لأهل الكمال ، وقد رووا في كتبهم ضد ما قالوه وتصديق ما أنكروه.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتابه في مسند أنس بن مالك في الحديث الخامس والستين من المتفق عليه قال : لما كثر الناس وذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشئ يعرفونه ، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا ، فأمر بلال أن يشفع الأذان وأن يؤتر الإقامة (٢).

وذكروا في تفسير قوله تعالى " يا أيها المدثر * قم فأنذر " فقالوا : إن جبرئيل عليه السلام جاء إلى النبي " ص " في مبدأ الأمر فقال : يا أيها المدثر قم فأنذر ، فقام وجعل يؤذن والإصبع في أذنه.

__________________

(١) السجستاني في سننه : ١ / ١٣٤.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ١ / ١٥٠ ، ومسلم في صحيحه : ١ / ٢٨٦.

فهل ترى في حديث الحميدي أن نبيهم أمر بالناقوس كما قال أبو داود؟ وهل ترى لعبد الله بن زيد حديثا أو أصلا في الأذان؟ إن هذه الأقوال منهم طريفة عند أهل الأديان.

ومن طرائف ما عرفت أن جماعة كثيرة من المسلمين منهم أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وداود وأصحابهم يسقطون بسم الله الرحمن الرحيم من السورة التي يسمونها فاتحة الكتاب ، وقد تضمنت مصاحفهم إن هذه البسملة من جملة السورة وشهدت بذلك محفوظاتهم لقرائتهم وتلاوتهم لهذه السورة ، ونقلهم لها خلفا عن سلف بل نقل المسلمون كافة ذلك ، فكيف كانت آية من سورة الفاتحة في المصاحف والأفواه وبين الرواة ولم تكن آية من السورة في قراءة الصلاة؟

إن ذلك من المتناقضات المتظاهرة وخلاف أخبارهم المتواترة ، وقد رووا في كتبهم الصحاح عن نبيهم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبسم الله الرحمن الرحيم منها ، فكيف يجوز مع ذلك العدول عنها؟

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في مسند عبادة بن الصامت في الحديث الثالث من المتفق عليه أن النبي " ص " قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (١).

ومن ذلك في كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي أيضا في مسند أبي هريرة في الحديث السابع والثلاثين بعد المائة من أفراد مسلم قال : قال رسول الله " ص " : من صلى صلاة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ـ يقولها ثلاثا (٢).

ومن طرائف أمورهم إنكار جماعة منهم على من ترك قول ربنا ولك الحمد عند رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده.

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٩٥ ، والبخاري في صحيحه : ١ / ١٨٤.

(٢) مسلم في صحيحه : ١ / ٢٩٧.

وقد روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند البراء بن عازب في الحديث الثاني قال : كنا نصلي خلف النبي " ص " فإذا قال : سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي جبهته على الأرض (١).

وروى الحميدي في الكتاب المذكور في مسند أبي هريرة في الحديث الثاني والخمسين من المتفق عليه قال : إن النبي " ص " كان يقول سمع الله لمن حمده ويدعو لقوم ويدعو على آخرين (٢).

وروى أبو داود في صحيحه نحو ذلك.

(قال عبد المحمود) : فهلا جعلوا هذين الروايتين الصحيحتين عندهم وأمثالهما عذرا لمن يقتدي بنبيهم ويقصر على قول سمع الله لمن حمده ويترك قول ربنا ولك الحمد ، لا سيما وكتابهم ينطق " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".

ومن طرائف ما رأيت منهم تشديد جماعة من المسلمين في الأمر بوضع اليمين على الشمال في حال القيام في الصلاة ، وينكرون على فرقة يسمونها الرافضة ترك ذلك غاية الانكار.

(قال عبد المحمود) : وما رأيت الانكار منهم لذلك في موضعه لأني سألت علماء هذه الفرقة المسماة بالرافضة ، فذكروا أنهم يروون أخبارا متواترة عن نبيهم وعن عترته أن المصلي لا يجوز أن يضع يمينه على شماله ولا إحدى يديه على الآخر حال في حال الصلاة ، قالوا فامتثلنا قول نبينا واتبعنا عترته الذين شهد المسلمون كافة أنهم لا يفارقون كتابه ، وما كان يجب أن يكون لنا أسوة لمن تبع الشافعي أو أحد الأئمة الأربعة المذاهب ، قالوا وقد حكى الطحاوي في كتاب

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٣٤٥ ، والبخاري في صحيحه : ١ / ١٩٧.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ١ / ١٩٤.

اختلاف الفقهاء عن مالك إن وضع اليدين إحداهما على الأخرى إنما تفعل في صلاة النوافل من طول القيام وتركه أحب إلي ، وحكى الطحاوي عن الليث ابن سعد أنه قال : شد اليدين في الصلاة أحب إلي إلا أن يطول القيام ويتعب فلا بأس بوضع اليمين على اليسرى.

مع أن الشافعي وأبا حنيفة وسفيان وأحمد حنبل وأبا ثور وداود يذهبون إلى أن وضع اليمين على اليسار في الصلاة مستحب ، وفي إحدى الروايتين عن مالك لا يفعل ذلك في الفريضة كما تقدم وإنما يفعل ذلك في النافلة إذا طالت وأعيى من القيام للاستراحة.

(قال عبد المحمود) : فهذا قول جماعة من أئمتهم فأي ذم يتوجه على من أنكروا عليه ترك وضع اليمين على الشمال ، لولا قلة الإنصاف في كثير من الأقوال والأفعال ، وهب أنه مستحب فهل يستحق الذم بترك المستحب؟ وما أراهم ينكرون على أصحاب مالك إذ لم يضعوا اليمين على الشمال ، فهلا كان لهذه الفرقة أسوة بهم في هذه الحال.

ومن طرائف ما رأيت منهم أيضا تعظيمهم لترك قول آمين في الصلاة بعد قراءة السورة التي يسمونها الفاتحة ، ورأيت كتبهم تتضمن أنها مستحبة ومندوبة فأي إنكار أو قبيح يتوجه على من ترك المندوب لولا العداوة وعمى القلوب ، وذكروا في إحدى الروايتين عن مالك أن الإمام لا يقول آمين أصلا ، وقد سألت جماعة من الشيعة الذين يتركون قول آمين عقيب قراءة الحمد ، فذكروا أنها ليست من جملة القرآن ولا التسبيح ولا عذر لهم في قولهم إن معناها الدعاء ، لأنهم لا يشترطون فيها ما يشترطون في الدعاء من القصد وحضور القلب بل يقولون أنه يقولها سواء كان داعيا في قراءة أو تاركا لقصد الدعاء وأوقفني التاركون لقول آمين في الصلاة على أخبار كثيرة قد نقلوها عن عترة نبيهم بأن قول آمين

في الصلاة بعد قراءة الحمد تبطل الصلاة ، وذكرت العترة الذين هم أعرف بحال نبيهم أنه ما فعل ذلك بل منع منه ، فرأيت عذر هذه الفرقة واضحا على مذهب المسلمين وأنه لا يجوز العدول عنه.

ومن طرائف اختلاف رواياتهم ومقالاتهم كونهم يجعلون القنوت في الصلاة بعد الركوع، وقد رووا في صحاحهم أنه قبل الركوع.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث التاسع والثلاثين من المتفق عليه قال : إن النبي صلى الله عليه وآله بعث سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء ، فعرض لهم حيان ابن سليمان ورعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة ، فقال القوم : والله إياكم ما أردنا إنما نحن مجتازين في حاجة النبي فقتلوهم فدعا النبي عليهم شهرا في صلاة الغداة وذلك بدو القنوت وما كنا نقنت ، قال عبد العزيز : فسأل رجل إنسانا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة فقال : لا بل عند فراغ القراءة.

ومن طرائف ما رأيت إنكار بعض المسلمين على بعضهم السجود في الصلاة على سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتشديدهم في إنكار ذلك ، وقد رأيت في كتبهم الصحاح عندهم أن نبيهم فعل ذلك وكتابهم يتضمن " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند ميمونة بنت الحارث الهلالية في الحديث الثالث من المتفق عليه وهي من أزواج نبيهم المشكورات بلا خلاف بينهم قالت : كنت حائضا لا أصلي وأنا مفترشة بحذاء مسجد رسول الله " ص " وهو يصلي على خمرته (٢).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٦٨ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ١٤.

(٢) رواه البخاري في صحيحه : ١ / ٨٥.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه المشار إليه في مسند أم سلمة بنت ملحان أم أنس بن مالك في الحديث الثاني من أفراد مسلم قالت : وكان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على خمرة.

وروى نحو ذلك في مسند عائشة وفي مسند أبي سعيد الخدري (١).

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : قد أجمع أهل اللغة على أن الخمرة سجادة تعمل من النخل ، وقد ذكر ذلك أيضا الجوهري في كتاب الصحاح في اللغة في الجزء الثالث في الفصل الخامس باب الراء (٢). فهل يبقى الانكار لذلك إلا العناد واتباع الفساد.

ومن طرائف ما سمعت إنكار جماعة من المسلمين على جماعة منهم الفضيلة في أن يكبر الإنسان ويحمد الله ويسبحه عقيب الصلاة تكبيرا وتحميدا وتسبيحا معلوما.

وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند كعب بن عجرة عن رسول الله " ص " قال : معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة (٣).

وروى البخاري في صحيحه قال : جاء الفقراء إلى النبي " ص " فقالوا : إن الأغنياء شاركونا في أعمالنا ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون ، قال : ألا أحدثكم بما إن أخذتم أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله ، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين ـ الخبر (٤).

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ١ / ٤٥٨.

(٢) الصحاح : ٢ / ٦٤٩.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤١٨.

(٤) البخاري في صحيحه : ١ / ٢٠٥.

وذكر الحميدي أيضا في كتابه في مسند أبي هريرة في الحديث السادس عشر بعد المائتين ما يدل على تعيين هذا التكبير والتحميد والتسبيح وفضله.

وروى الحميدي في كتابه في مسند علي بن أبي طالب عليه السلام في الحديث الخامس عشر أن فاطمة أتت النبي " ص " تسأله خادما وأنه قال : ألا أخبرك بما هو خير لك منه ، تسبحين ثلاثا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين وتكبرين الله أربعا وثلاثين (١).

قال الحميدي في كتابه : وفي رواية أن عليا عليه السلام قال : فجاءنا النبي " ص " وقد أخذنا مضاجعنا ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري فقال : ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني ، إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا أربعا وثلاثين. فذكره وقال : هذا خير لكما من خادم.

ورواه أيضا في مسند أبي هريرة في الحديث التاسع والأربعين من أفراد مسلم.

ورواه البخاري في الجزء الرابع من صحيحه.

وروى نحو بعض هذه الأحاديث صاحب كتاب حلية الأولياء (٢).

ومن طرائف ما سمعت من جماعة من الأربعة المذاهب أيضا أنهم ينكرون على من يسجد على سبيل الشكر لله ، وقد رووا إنكار ذلك عن مالك في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة والرواية الأخرى أنه غير مشروع.

وقد ذكر أبو داود السجستاني في صحيحه من كتاب السنن عن أبي بكرة عن النبي " ص " أنه كان إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجدا شاكرا لله (٣).

__________________

(١) روى مسلم عن أبي هريرة نحوه في صحيحه : ٤ / ٢٠٩٢.

(٢) البخاري في صحيحه : ٧ / ١٤٩.

(٣) السنن للسجستاني : ٣ / ٨٩ كتاب الجهاد.

وروى ابن ماجة في كتاب السنن بإسناده قال : إن النبي " ص " قال : ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط بها عنه سيئة أو قال خطيئة.

وروى الحميدي ذلك في كتابه في مسند ثوبان. ورواه الحميدي أيضا في المسند المذكور عن أبي الدرداء وعبد الرحمن بن عوف قال : إن النبي " ص " سجد لله شكرا.

وروى ذلك عن أبي بكر لما بلغة قتل مسيلمة الكذاب. وروى مثله عن علي عليه السلام لما ظفر بذي الثدية.

ومن طرائف أمور جماعة من الأربعة المذاهب أنهم ينكرون على من يعفر وجهه في سجوده ، وقد رووا في صحاحهم عن نبيهم خلاف ما أنكروه وضد ما كذبوه.

وروى أيضا مسلم في صحيحه في المجلد الثالث بإسناده عن أبي هريرة قال في الحديث ما هذا لفظه : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قال فقيل : نعم. فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل لأطان على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب. ثم قال في الحديث ما هذا معناه : أنه رآه ذلك فأراد أبو جهل أن يفعل به ما عزم عليه فحالت الملائكة بينه وبينه (١).

(قال عبد المحمود) : فهل ترى التعفير بدعة كما يزعمون؟ وهل تراه إلا من سنن نبيهم التي لم يمنعه منها التهديد والوعيد؟ وهل ترى إنكار التعفير إلا بدعة من أبي جهل؟ فكيف صارت سنة نبيهم بدعة وبدعة عدوه الكافر سنة؟ إن هذا من العجائب التي لا يليق اعتقادها بذوي الرأي الصائب.

ومن طرائف ما سمعت أيضا إنكار جماعة منهم على من يجمع بين الفريضتين في وقت واحد من صلواتهم الخمس من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وقد

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٤ / ٢١٥٤.

رووا جواز ذلك في صحاحهم.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتابه في الجمع بين الصحيحين من عدة طرق في مسند عبد الله بن عباس في الحديث الثامن والمائتين من المتفق عليه قال : صلى رسول الله " ص " الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر. وفي رواية زهير بالمدينة. وفي رواية أبي الزبير فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ فقال سألت ابن عباس كما سألتني فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته (١).

وروى مسلم في صحيحه في حديث حبيب بن أبي ثابت نحو حديث زهير عن أبي الزبير قال : من غير خوف ولا مطر. وفي رواية جابر بن يزيد في مسند ابن عباس قال : إن رسول الله " ص " صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء (٢).

ومن طرائف ما رأيت في كتبهم التي يشهدون بصحتها إن صلاة الضحى ما كان في زمن نبيهم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر ، ثم رأيتها الآن من جملة شريعتهم ووكيد سنتهم وما بعث نبي بعد نبيهم.

فمن روايتهم في ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب من رواية مرزوق العجلي قال : قلت لابن عمر : تصلي الضحى؟ قال : لا : قلت : فعمر قال : لا قلت فأبو بكر قال : لا قلت : فالنبي " ص " قال : لا أخاله.

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في مسند عائشة قالت : إن النبي " ص " ما صلى صلاة الضحى (٣).

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٩٠ ـ ٤٩١.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٤٩٠ ـ ٤٩١.

(٣) راجع صحيح مسلم ١ / ٤٩٦.

ومن ذلك ما رواه أيضا الحميدي في مسند عائشة عن عبد الله بن عمر أنه قال لما سئل عن صلاة الضحى : إنها بدعة.

ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده أن أبا بشير الأنصاري وأبا سعيد بن نافع رأيا رجلا يصلي صلاة الضحى فعابا ذلك عليه ونهياه عنها.

ومن طريف ما سمعت عن جماعة منهم إنكار الفضيلة في قراءة السورة التي يسمونها سورة الجمعة والسورة التي يسمونها المنافقين في صلاة يوم الجمعة وقد روى تفضيل ذلك وتخصيص هاتين السورتين بيوم الجمعة الشافعي في المسند وأبو نعيم الحافظ النعار في مسند أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في مسنده ، رووا جميعا وقالوا : إن النبي " ص " كان يقرء في الجمعة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه في مسند عبد الله بن عباس في الحديث الحادي والعشرين من أفراد مسلم قال : إن النبي " ص " كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه في مسند أبي هريرة في الحديث الثامن والثلاثين من أفراد مسلم قال : استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة فصلى لنا أبو هريرة الجمعة ، فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة إذا جاءك المنافقون ، قال : فأدركت أبا هريرة حين انصرف فقلت له : إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة ، فقال أبو هريرة : إني سمعت رسول الله " ص " يقرأ بهما يوم الجمعة (٢).

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٢ / ٥٩٩.

(٢) مسلم في صحيحه : ٢ / ٥٩٧.

مقالاتهم في أحكام الأموات

ومن طرائف ما عرفت عن جماعة من الأربعة المذاهب أنهم لا يجعلون في بعض أغسالهم شيئا من الكافور وينكرون على من يفعل ذلك ، وقد رووا في صحاحهم من عدة طرق أن نبيهم أمر به وكتابهم يتضمن " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " (١) ويتضمن " واتبعوا النور الذي أنزل معه " (٢).

فمما روي في ذلك ما رواه مسلم صحيحه في الجزء الأول في كتاب الجنائز من عدة طرق ، فمنها عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت : دخل علينا النبي " ص " ونحن نغسل ابنته فقال : أغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور : هذا المراد من الحديث قد نقلناه بلفظه (٣).

(قال عبد المحمود) : أما ترى حديثهم عن نبيهم في أخبارهم التي أقروا بصحتها يتضمن الكافور في غسل الأموات. وقد خالفوا على كل حال ما صححوا من الروايات.

ومن طرائف أمور جماعة من الأربعة المذاهب إنكارهم أن يكون في جملة ما يلبس به الميت برد حبرة ، وقد روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند أبي بكر أنه دخل على النبي " ص " بعد وفاته وهو محبي ببرد حبرة.

ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن

__________________

(١) الأحزاب : ٢١.

(٢) الأعراف : ١٥٧.

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٤٦ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٧٤.

مالك في الحديث الخامس والتسعين من المتفق عليه قال : كان أحب الثياب إلى رسول الله " ص " الحبرة (١).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه في مسند عائشة أنها قالت : إن رسول الله " ص " كان يلبس الحبرة (٢).

ومن ذلك ما رواه الحميدي في كتابه أيضا في مسند عبد الرحمن بن عوف في الحديث الثالث من المتفق عليه قال : أتى عبد الرحمن بطعام وكان صائما فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني ، كفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه وإن غطى رجلاه بدا رأسه (٣).

ومن ذلك ما رواه الحميدي أيضا في كتابه في مسند سهل بن سعد في الحديث الثامن من أفراد البخاري في حديث أخذنا منه موضع الحاجة إليه ، قال : إن النبي " ص " أهدت له امرأة بردا ، فاستحسنها رجل فأعطاه إياها فلامه الناس فقال : إنما سألته ليكون كفني قال سهل بن سعد : فكانت كفنه (٤).

ومن طرائف ما رأيت من جماعة منهم أنهم ينكرون على من يجعل مع الميت أو عنده عسيب رطب وقالوا إنه بدعة.

وقد روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس في الحديث الثاني والعشرين من المتفق عليه قال : مر رسول الله " ص " على قبرين فقال : أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير وفي حدث وكيع عن الأعمش ثم قال : أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٤٨.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٥١.

(٣) رواه البخاري في صحيحه : ٢ / ٧٧.

(٤) البخاري في صحيحه : ٢ / ٧٨.

قال فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال : لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا. وفي حديث معلى عن الأعمش : أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول (١).

وروى الحميدي نحو ذلك أيضا في كتابه في مسند كعب بن عمرو السلمي وجابر بن عبد الله الأنصاري قال : إن النبي " ص " أمر جابرا أن يقطع غصنين من شجرتين يجعل كل واحد منهما على موضع عينه إليه ففعل ذلك قال : وجاء إلى النبي " ص " فأخبره ، فقال : قال رسول الله " ص " : إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين (٢).

ومن ذلك ما ذكره البخاري قال : إن بريدة الأسلمي أوصى أن يجعل في قبره جريدتان.

ومن ذلك ما ذكره أبو القاسم الأصفهاني في كتاب الترهيب والترغيب وقال قد أخرجه مسلم والبخاري عن يعلى بن سبابه أنه رأى النبي " ص " أتى إلى قبر يعرف صاحبه فقال : إن صاحب هذا القبر كان يأكل لحوم الناس ، ثم دعا بجريدة فوضعها على قبره وقال : لعله أن يخفف عنه ما دامت رطبة.

وفي حديث سفيان الثوري قال إن النبي " ص " قال للأنصار : خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيامة. قالوا : وما التخضير؟ قال : جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة.

ومن طرائف ما رأيت من جماعة كثيرة من المسلمين أنهم يمشون بين يدي الجنازة ، ويتركون المشي ورائها وعن يمينها وشمالها ويرون أنهم يشيعونها وأرى الاعتبار والأخبار الواردة في صحاحهم يقتضي أن يكون الجنائز متبوعة

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ١ / ٢٤٠ ، والبخاري في صحيحه : ١ / ٦١.

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ٢٣٠٧ كتاب الزهد.

صورة ومعنى.

أما الاعتبار فلأنهم يذكرون أنهم يشيعونها وإن اسم ذلك عندهم تشييع الجنازة ، ومعلوم أن المشيع يتبع من يشيعه ولا يكون أمامه في التحقيق ، وكل قوم كانوا شيعة لنبي أو غيره فإنهم يتبعونه. وأما الأخبار في صحاحهم وغيرها فكثيرة.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند البراء ابن عازب في الحديث الخامس من المتفق عليه قال : أمرنا رسول الله " ص " بسبع ونهانا عن سبع ، أمرنا بعيادة المريض ، واتباع الجنازة ، وتشميت العاطس ، وأبرار القسم ، أو المقسم ، ونصر المظلوم ، وإجابة الداعي ، وإفشاء السلام ، ونهانا عن خواتيم ، أو عن التختم بالذهب ، وعن شرب بالفضة ، وعن المياثر ، وعن القسي ، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج (١).

ومن ذلك ما ذكره الحميدي في كتابه المشار إليه في مسند أبي هريرة في الحديث الحادي والعشرين من المتفق عليه قال : حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنازة ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس.

ومن ذلك ما ذكره الحميدي في كتابه المشار إليه في مسند أبي هريرة أيضا في الحديث الستين بعد المأتين من المتفق عليه فضيلة اتباع الجنائز في عدة مواضع وألفاظه عن نبيهم(٢).

(قال عبد المحمود) : ورأيت في مسند عبد الله بن مسعود الذي اتفقوا على

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٦٣٥.

(٢) رواها مسلم في صحيحه : ٤ / ١٧٠٤ ، والبخاري في صحيحه : ٢ / ٧٠.

زهده وصدقه في تأليف أحمد بن حنبل في الجزء الأول منه قال : سألت رسول الله " ص " أيسر بالجنازة؟ فقال : الجنازة متبوعة وليست بتابعة. ورواه بنحو هذه الألفاظ في الجزء الخامس أيضا.

أقول : هذا تصريح بأن الجنازة متبوعة وينكرون على من يسير وراءها.

ومن طريف ما رووه أن من يسير بين يدي الجنازة لم يكن تابعها ما ذكره الخطيب في تاريخه في حديث سهل بن مغيرة إن ثابت بن قيس أتى النبي " ص " فقال له إن أمي ماتت وهي نصرانية وأحب أن أشهدها ، فقال النبي : أركب وتقدمها فإنك إذا تقدمتها لم تكن معها.

(قال عبد المحمود) : ولقد رأيت في الجزء الخامس من مسند علي ابن أبي طالب عليه السلام تأليف أبي عبد الله بن سليمان الحضرمي بإسناده إن أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة وإن عليا كان يمشي خلفها ، فقيل لعلي : يسيران أمامها فقال : قد علمنا أن المشي خلفها أفضل ولكنهما يسيران يمتازان بين أعلى الناس.

(قال عبد المحمود) : فهذه روايتهم أن عليا عليه السلام قال في حياة أبي بكر وعمر أن السير وراء الجنازة أفضل وأنه عمل بذلك ، واليوم (١) يواقفهما واعتذر لهما.

وفي رواية أن عليا عليه السلام روى عن النبي " ص " إن فضل المشي خلف الجنازة على من يسير أمامها كفضل الفريضة على النافلة.

ومن طرائف ما رأيت من جماعة منهم أنهم ينكرون الصلاة على الجنائز بخمس تكبيرات ، وإن ذلك عندهم من البدع والمنكرات وأخبارهم الصحاح عندهم يتضمن ضد ما أنكروه وتحقيق ما جهلوه.

__________________

(١) ليست هذه الجملة في المخطوط ولا الترجمة بل في المطبوع فقط.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع الصحيحين في مسند زيد بن أرقم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان زيد يكبر على جنائزنا أربعا وإنه كبر على جنازة خمسا ، فسألته فقال : كان رسول الله " ص " يكبرها (١).

ومن ذلك ما ذكره جماعة من أصحاب التواريخ بإسنادهم إن علي بن أبي طالب عليه السلام صلى على سهل بن حنيف وكبر خمسا.

ومن ذلك ما رواه الخطيب أيضا في تاريخه وابن شيرويه الديلمي إن النبي " ص " كان يصلي على الميت بخمس تكبيرات.

ومن ذلك ما رواه ابن بطة قال : إن النبي " ص " كبر على حمزة خمس تكبيرات.

ومن ذلك ما ذكره الروحي الفقيه في تاريخه قال : إن عيسى بن موسى الهاشمي صلى على جنازة السفاح أول خلفاء بني هاشم فكبر عليها خمس تكبيرات.

ومن ذلك ما ذكره جماعة من أصحاب التواريخ إن الخلفاء من بني هاشم إلى زمن الخليفة القائم بالله كانت الصلاة على جنائزهم خمس تكبيرات وممن حكى هذا الحديث وصححه صاحب التاريخ المسمى بالمنتظم.

ومما يصدق ذلك ما ذكره أيضا محمد بن عبد الملك بن إبراهيم الهمداني في كتاب غرر المعارف ويسمى عنوان السير فقال عند ذكر الخليفة الطايع لله ما هذا لفظه : ومات ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وصلى عليه القادر بالله وكبر عليه خمسا ، وقال : هكذا يصلي الخلفاء.

وروى الخطيب في تاريخه في ترجمة عبد الكريم حديث تكبير القادر بالله

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٥٩.

على الطائع لله خمس تكبيرات.

وأيضا مما يشهد أن الصلاة على الجنائز بأربع تكبيرات حدث بعد النبي " ص " وبعد زمان أبي بكر وأنها من البدع التي يخالف شريعة محمد " ص " رسولهم ، ما ذكره أبو هلال العسكري صاحب كتاب الأوائل فقال فيه : إن أول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات عمر ابن الخطاب.

ومن طرائف ما رأيت من جماعة كثيرة من المسلمين أيضا أنهم ينكرون على من يسوي القبور ويسطحها ، وصارت السنة عند هؤلاء في تسنيم القبوروهو مذهب أبي حنيفة وجماعة غيره ، وقد تضمنت كتبهم المعتبرة تسطيح القبور وتسويتها.

فمن ذلك ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في حديث فضالة بن عبيد الله الأنصاري قال : كنا مع فضالة بن عبيد الله بأرض الروم فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ، ثم قال : سمعت رسول الله " ص " يأمر بتسويتها (١).

ومن ذلك ما ذكره الحميدي أيضا في كتابه في مسند أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام في الحديث الرابع عشر من أفراد مسلم عن أبي الهياج حيان بن حصين الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله " ص " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته (٢).

ومن ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه عن المطلب بن عبد الله بن حنطب

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٦٦.

(٢) مسلم في صحيحه : ٢ / ٦٦٦.

قال جعل قبر أبي بكر مثل قبر النبي " ص " مسطحا ورش عليه الماء (١).

ومن ذلك ما ذكروه في صفة قبر إبراهيم بن نبيهم وأنه كان مسطحا ، وإن ذلك فعلوه بأمر نبيهم وهو مذهب الشافعي وأصحابه ، قالوا هو المذهب إلا أن أبا هريرة قال التسنيم أحب إلي وكذلك ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. قال : لأنه صار شعار أهل البدع.

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب : فانظر رحمك الله تعالى إلى قوة أخبارهم وفتوى شافعيهم وأصحابه بتسوية القبور وتسطيحها ، ثم ناظر إلى قبورهم ومخالفتهم لسنة رسولهم وتسنيمها ، فانظر في عذر من اعتذر منهم بأنه ترك سنة رسولهم وعمل بخلافها من البدعة حيث قد صار شعار قوم من أهل البدع وما عنده وعند من اتبعه من البصيرة وما يفهمون أنهم قد عابوا ما دخلوا فيه ، لأنهم أيضا قد أبدعوا بتسنيمها فلهم أسوة بمن أبدع ، ولأنه لو جاز ترك كل ما وقع فيه خلاف من شريعتهم وخالف فيه قوم بغير الحق لوجب أن يتركوا جميع الشريعة ، ففي الجميع خلاف يعرفه أهل البصائر والإنصاف.

__________________

(١) الطبري في تاريخه : ٤ / ٤٩.

خاتمة الكتاب

(قال عبد المحمود) مؤلف هذا الكتاب رحمه الله تعالى : هذا آخر ما أردت ذكره في هذا الباب ، لأنني رأيت أن استيفاء طرائف هؤلاء الأربعة المذاهب ومخالفتهم للمعقول والمنقول يكثر ويطول ، وفي القليل دلالة على الكثير ، وفي معرفة ظواهرهم إشارة إلى ما في الضمير.

وقد ضمنت هذا الكتاب طرفا من الاحتجاج الحق الذي لا شبهة فيه ليعذرني من يقف على معانيه في ترك الاقتداء بهؤلاء الأربعة المذاهب وبكل من يذهب ما يشهد المعقول والمنقول بخلافه وبطلانه وفساده ويأبى كل بصير أن يلقى الله بتصديق قول قائلهم وسوء اعتقادهم.

وما رأيت في فرق الإسلام أقرب إلى لزوم الأدب مع الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام وخاصته والتعظيم لنبيهم وأهل بيته عليهم السلام وخواص أصحابه من الفرقة الشيعة ، فإنها تنكر الأحاديث الكاذبة الباطلة والأقوال الأفكة وتنفر منها وتنزه نبيهم وأهل بيته عليهم السلام وصحابته عنها ، فسلمت عن هذه المناقضات والمعارضات عند من ينظر بعين الإنصاف إلى تحقيق أمور أهل الديانات ولله در القائل :

وإن كنت أرضى ملة غير ملتي

فما أنا إلا مسلم أتشيع

وفي رواية أخرى

علي أمير المؤمنين زعيمه

وما لسواه في الخلافة مطمع

له النسب الأعلى وإسلامه الذي

تقدم فيه والفضائل أجمع

ولو كنت أهوى ملة غير ملتي

لما كنت إلا مسلما أتشيع

* * *

قال في آخر النسخة المخطوطة : قد فرغت من مشقة مشق هذا الكتاب يوم السبت خمس والعشرون شهر رجب المرجب سنة أربع وسبعون بعد الألف من الهجرة النبوية.

* * *

وقال في آخر النسخة المطبوعة : ووافق الفراغ من نسخه يوم الثلاثاء خامس عشر من ذي الحجة الحرام سنة إحدى وسبعمائة.

" تم بحمد الله تصحيحه والتعليق عليه في ثاني عشر من الجمادى الأولى سنة ١٣٩٩".

ملاحظة :

إن المؤلف " ره " نقل جملة من أخبار هذا الكتاب عن الجمع بين الصحيحين للحميدي ، ولكنه لم يكن بأيدينا لنستخرج الأخبار منه ، وقد أخرجناها من صحيح مسلم

وصحيح البخاري ، وربما لم يكن الخبر الموجود فيهما بعين الألفاظ المنقولة وكان فيه زيادة أو نقيصة.

فهرس الموضوعات

مقدمة المؤلف.................................................................... ٣

قوله (ص) كنت أنا وعلى نورا بين يدي الله........................................ ١٥

كيفية ولادة علي عليه السلام وانه عليه السلام لم يزل من حين ولادته مع رسول الله (ص) حتى بعث نبيا     ١٦

إن عليا عليه السلام أول من أسلم وصلى.......................................... ١٨

حديث يوم الدار............................................................... ٢٠

ظهور التسمية لعلي عليه السلام بأنه وصى........................................ ٢٢

مبيت علي عليه السلام في فراش رسول الله (ص)................................... ٣٣

نزول قوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) في علي (ع).......... ٣٥

نزول قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) في علي (ع)............ ٣٦

رد أبي بكر عن ابلاغ سورة التوبة................................................. ٣٨

نزول آية النجوى في علي (ع)................................................... ٤٠

آية المباهلة..................................................................... ٤٢

نزول آية (إنما وليكم الله) في شأن علي عليه السلام................................. ٤٧

نزول قوله تعالى (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام)......................... ٥٠

قول النبي (ص) أنت مني بمنزلة هارون من موسى................................... ٥١

ما ظهر من فضله صلوات الله عليه في غزوة خيبر.................................... ٥٥

إن النبي (ص) أمر بسد الأبواب إلا باب علي (ع)................................. ٦٠

ما ظهر من فضله صلوات الله عليه يوم الخندق..................................... ٦٠

إن عليا أخو النبي (ص)......................................................... ٦٣

قوله (ص) علي مني وأنا منه..................................................... ٦٥

اختصاص علي (ع) بمناقب جليلة................................................ ٦٨

حديث الطائر وأنه (ع) أحب الخلق إلى الله تعالى................................... ٧١

علم علي (ع) بالفتن وقوله سلوني قبل أن تفقدوني................................. ٧٣

ما جاء في فضائله (ع).......................................................... ٧٤

قوله (ص) من آذى عليا فقد آذاني............................................... ٧٥

تزويج علي (ع) بفاطمة عليها السلام وقول الرسول كل نسب منقطع ما خلا نسبي وعدة مناقب لعلي (عليه السلام)  ٧٦

آيات في شأن علي عليه السلام.................................................. ٧٨

صعوده على منكب النبي (ص).................................................. ٨٠

لا يجوز على الصراط أحدا لا بولاية علي (عليه السلام)............................. ٨٢

حديث البساط والتسليم على أصحاب الكهف.................................... ٨٣

في رجوع الشمس له (عليه السلام)............................................... ٨٤

نزول الماء لغسله (عليه السلام) من السماء......................................... ٨٥

علي (عليه السلام) خير البرية وخير البشر وخير الفتى............................... ٨٧

ما نزل من الآيات في شأن علي (ع).............................................. ٩٣

في أنه (ع) مع الحق والحق معه.................................................. ١٠١

فيما أخبره رسول الله (ص) من قتاله وقتله........................................ ١٠٤

انه (ع) امام المتقين وقائد غر المحجلين........................................... ١٠٦

نزول سورة هل أتى في شأنه عليه السلام......................................... ١٠٧

مناقب أصحاب الكساء وفضلهم (ع).......................................... ١١٠

حديث الثقلين............................................................... ١١٣

نزول آية التطهير في آل محمد................................................... ١٢٢

آية المودة واهدنا الصراط المستقيم............................................... ١٣١

الأئمة أمان لأهل الأرض...................................................... ١٣١

قوله (ص) مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح......................................... ١٣٢

قوله (ص) إن عليا وصيي ووزيري............................................... ١٣٣

قوله تعالى (كمشكاة فيها مصباح).............................................. ١٣٥

اعترافات في فضائل علي (ع).................................................. ١٣٦

حديث الغدير................................................................ ١٣٩

في أنه (ع) كان أقرب الناس برسول الله.......................................... ١٥٣

إن حب علي (ع) نجاة من النار................................................ ١٥٦

إن حب علي (ع) نجاة من النار................................................ ١٥٦

في أنه (ع) كان أخص الناس برسول الله......................................... ١٥٧

فيما أمر النبي من محبة أهل بيته................................................. ١٥٩

في كيفية الصلاة عليهم عليهم السلام........................................... ١٦٠

في زيارة قبور أهل البيت عليهم السلام........................................... ١٦٣

تنصيص الرسول (ص) على أن الخلفاء بعده اثنا عشر كلهم من قريش............... ١٦٨

في تنصيص الرسول على أسماء الأئمة الاثني عشر................................. ١٧٢

بشارة الرسول (ص) بالمهدي (ص).............................................. ١٧٥

في مستطرفات وقعت من المخالفين.............................................. ١٨٩

العلة التي من أجلها صالح الحسن (ع) معاوية..................................... ١٩٦

فيما جاء في الحسين عليه السلام وأنه قتل مظلوما................................. ٢٠١

وجه تسميتهم بأهل السنة والجماعة............................................. ٢٠٥

في قبولهم رواية أعداء أهل البيت (ع)........................................... ٢٠٦

ما شهد به العامة على أنهم خالفوا وصايا نبيهم................................... ٢٣٧

فيما جرى على فاطمة عليها السلام من الأذى والظلم ومنعها من فدك............... ٢٤٧

ما قاله المأمون العباسي من فضائل علي (ع)..................................... ٢٧٥

في عدم الاختلاف بين العباس وعلي (ع) وسائر بني هاشم......................... ٢٨٢

في عدم مساعدتهم لفاطمة عليها السلام ومساعدتهم لعائشة........................ ٢٨٥

سوء أدب عائشة مع النبي (ص) وشدة حسدها وبخلها............................. ٢٩٠

في ايمان أبي طالب رضي الله عنه................................................ ٢٩٧

المجلد الثاني

بيان أقوال الطائفة المجبرة وردها.................................................. ٣٠٨

حكايات من المجبرة واحتجاجات عليهم.......................................... ٣٢٦

في عقائد المجسمة وردها........................................................ ٣٤٥

في جملة من اعتقادات الأربعة المذاهب في الأنبياء وخاصة نبينا....................... ٣٥٥

اخبار النبي (ص) عن ارتداد بعض أصحابه بعد وفاته.............................. ٣٧٣

في أن النبي (ص) لم يترك أمته بغير وصية........................................ ٣٨١

عدم صلاحية الأمم لاختيار الخليفة............................................. ٣٩٣

في أن من لم يصلح لتدبير حرب ولا ولاية جيش لا يصلح للخلافة.................. ٣٩٧

مبادرة أبي بكر وعمر إلى طلب الخلافة قبل تجهيز نبيهم............................ ٣٩٩

في استقالة أبي بكر من الخلافة.................................................. ٤٠٢

في تخصيصهم أبا بكر بأسماء لا اختصاص له بها.................................. ٤٠٤

في أن قولهم أن أبا بكر أغنى النبي (ص) بماله مكابرة.............................. ٤٠٥

حديث الغار وعدم فضيلة في مجرد مصاحبة النبي (ص)............................ ٤٠٧

شكاية علي بن أبي طالب (ع) عمن تقدمه وحديث الشورى....................... ٤١١

مخالفة أبي بكر وعمر لامر رسول الله (ص)....................................... ٤٢٨

منع عمر النبي (ص) عند وفاته أن يكتب كتابا لا يضل بعده أمته أبدا............... ٤٣١

استحلال أبي بكر دماء من منع الزكاة عنه........................................ ٤٣٥

ان عمر يتلقى أمر النبي (ص) بالانكار.......................................... ٤٣٧

شهادتهم على عمر أنه ما كان يوافق نبيهم....................................... ٤٤٠

سبب نزول آية الحجاب....................................................... ٤٤٥

معرفة النبي (ص) باطن عمر.................................................... ٤٤٦

اعراض النبي (ص) عن أبي بكر وعمر........................................... ٤٤٧

تخلف عمر عن جيش أسامة................................................... ٤٤٩

قول عمر يوم مات رسول الله (ص) ما مات رسول الله............................. ٤٥١

ابداع عمر وقوله نعمت البدعة................................................. ٤٥٤

نهى عمر عن المتعة............................................................ ٤٥٧

نهى عمر عن متعة الحج........................................................ ٤٦١

تغيير عمر طلاق الثلاث....................................................... ٤٦٣

نهى عمر عن الصلاة لمن أجنب ولم يجد ماء...................................... ٤٦٤

معارضة عمر للنبي (ص) في قسمة الأموال....................................... ٤٦٥

قول رسول الله (ص) إن لعمرو أصحابه هجرة ولأهل السفينة هجرتان............... ٤٦٥

سابقة عمر قبل الاسلام....................................................... ٤٦٧

نهى عمر عن المغالاة في صداق النساء........................................... ٤٧١

أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر....................................... ٤٧٢

أمر عمر برجم المجنونة......................................................... ٤٧٣

مخالفة عمر للنبي (ص) في حد شارب الخمر...................................... ٤٧٤

سؤال عمر عما قرأ به رسول الله (ص) في يوم عيد................................ ٤٧٥

اعتراف عمر بأنه كان مشغولا عن معرفة الشريعة بالصفق بالأسواق.................. ٤٧٦

العلة التي من أجلها اندرس سنن النبي (ص)...................................... ٤٧٧

ذكرهم عن عمر انه زاد في الاذان الصلاة خير من النوم............................ ٤٧٧

اعترافات عمر على نفسه...................................................... ٤٧٩

مخالفة عمر للنبي (ص) ولأبي بكر في جعله الخلافة شورى بين ستة.................. ٤٨٠

في طرائف خلافة عثمان....................................................... ٤٨٤

عثمان يأمر برجم امرأة لا تستحق الرجم......................................... ٤٨٧

نهى عثمان عن متعة الحج...................................................... ٤٨٨

عثمان أتم الصلاة بمنى أربعا.................................................... ٤٨٩

قول عثمان أن في القرآن لحنا................................................... ٤٩٠

حال عثمان عند خواص الصحابة............................................... ٤٩١

نزول آيات في عثمان وطلحة ومثالبهما.......................................... ٤٩٢

في اختيار عثمان القتل على خلع نفسه.......................................... ٤٩٦

تسمية عثمان ذا النورين وعدم تسمية على ذا النور ونسب عثمان................... ٤٩٨

مطاعن معاوية بن أبي سفيان................................................... ٤٩٩

في تسميتهم معاوية كاتب الوحي وخال المؤمنين................................... ٥٠٢

في قول النبي (ص) في معاوية لا أشبع الله بطنه.................................... ٥٠٤

في وصف علي بن أبي طالب (ع) وعجيب آيات الله فيه.......................... ٥٠٧

فيما رووا في العشرة المبشرة...................................................... ٥٢٢

في عدم صحة ما رووا عن النبي (ص) أصحابي كالنجوم............................ ٥٢٣

في عملهم بالقياس والطعن عليه................................................. ٥٢٤

في حجية الاجماع والظن عليه................................................... ٥٢٦

في تسميتهم الطلاق يمينا....................................................... ٥٢٧

في مقالاتهم في الصوم.......................................................... ٥٢٧

في لبسهم الخواتيم في اليد اليسار................................................ ٥٣١

في مخالطتهم أهل الذمة وقولهم انهم طاهرون...................................... ٥٣٣

في إباحة جماعة منهم اللعب بالنرد شير.......................................... ٥٣٤

في مقالاتهم في الوضوء والصلاة................................................. ٥٣٥

مقالاتهم في أحكام الأموات.................................................... ٥٤٦

خاتمة الكتاب................................................................ ٥٥٤

الطّرائف في معرفة مذاهب الطوائف

المؤلف: السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]
الصفحات: 563
  • مقدمة المؤلف 3
  • قوله (ص) كنت أنا وعلى نورا بين يدي الله 15
  • كيفية ولادة علي عليه السلام وانه عليه السلام لم يزل من حين ولادته مع رسول الله (ص) حتى بعث نبيا     16
  • إن عليا عليه السلام أول من أسلم وصلى 18
  • حديث يوم الدار 20
  • ظهور التسمية لعلي عليه السلام بأنه وصى 22
  • مبيت علي عليه السلام في فراش رسول الله (ص) 33
  • نزول قوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) في علي (ع) 35
  • نزول قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) في علي (ع) 36
  • رد أبي بكر عن ابلاغ سورة التوبة 38
  • نزول آية النجوى في علي (ع) 40
  • آية المباهلة 42
  • نزول آية (إنما وليكم الله) في شأن علي عليه السلام 47
  • نزول قوله تعالى (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) 50
  • قول النبي (ص) أنت مني بمنزلة هارون من موسى 51
  • ما ظهر من فضله صلوات الله عليه في غزوة خيبر 55
  • إن النبي (ص) أمر بسد الأبواب إلا باب علي (ع) 60
  • ما ظهر من فضله صلوات الله عليه يوم الخندق 60
  • إن عليا أخو النبي (ص) 63
  • قوله (ص) علي مني وأنا منه 65
  • اختصاص علي (ع) بمناقب جليلة 68
  • حديث الطائر وأنه (ع) أحب الخلق إلى الله تعالى 71
  • علم علي (ع) بالفتن وقوله سلوني قبل أن تفقدوني 73
  • ما جاء في فضائله (ع) 74
  • قوله (ص) من آذى عليا فقد آذاني 75
  • تزويج علي (ع) بفاطمة عليها السلام وقول الرسول كل نسب منقطع ما خلا نسبي وعدة مناقب لعلي (عليه السلام)  76
  • آيات في شأن علي عليه السلام 78
  • صعوده على منكب النبي (ص) 80
  • لا يجوز على الصراط أحدا لا بولاية علي (عليه السلام) 82
  • حديث البساط والتسليم على أصحاب الكهف 83
  • في رجوع الشمس له (عليه السلام) 84
  • نزول الماء لغسله (عليه السلام) من السماء 85
  • علي (عليه السلام) خير البرية وخير البشر وخير الفتى 87
  • ما نزل من الآيات في شأن علي (ع) 93
  • في أنه (ع) مع الحق والحق معه 101
  • فيما أخبره رسول الله (ص) من قتاله وقتله 104
  • انه (ع) امام المتقين وقائد غر المحجلين 106
  • نزول سورة هل أتى في شأنه عليه السلام 107
  • مناقب أصحاب الكساء وفضلهم (ع) 110
  • حديث الثقلين 113
  • نزول آية التطهير في آل محمد 122
  • آية المودة واهدنا الصراط المستقيم 131
  • الأئمة أمان لأهل الأرض 131
  • قوله (ص) مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح 132
  • قوله (ص) إن عليا وصيي ووزيري 133
  • قوله تعالى (كمشكاة فيها مصباح) 135
  • اعترافات في فضائل علي (ع) 136
  • حديث الغدير 139
  • في أنه (ع) كان أقرب الناس برسول الله 153
  • إن حب علي (ع) نجاة من النار 156
  • إن حب علي (ع) نجاة من النار 156
  • في أنه (ع) كان أخص الناس برسول الله 157
  • فيما أمر النبي من محبة أهل بيته 159
  • في كيفية الصلاة عليهم عليهم السلام 160
  • في زيارة قبور أهل البيت عليهم السلام 163
  • تنصيص الرسول (ص) على أن الخلفاء بعده اثنا عشر كلهم من قريش 168
  • في تنصيص الرسول على أسماء الأئمة الاثني عشر 172
  • بشارة الرسول (ص) بالمهدي (ص) 175
  • في مستطرفات وقعت من المخالفين 189
  • العلة التي من أجلها صالح الحسن (ع) معاوية 196
  • فيما جاء في الحسين عليه السلام وأنه قتل مظلوما 201
  • وجه تسميتهم بأهل السنة والجماعة 205
  • في قبولهم رواية أعداء أهل البيت (ع) 206
  • ما شهد به العامة على أنهم خالفوا وصايا نبيهم 237
  • فيما جرى على فاطمة عليها السلام من الأذى والظلم ومنعها من فدك 247
  • ما قاله المأمون العباسي من فضائل علي (ع) 275
  • في عدم الاختلاف بين العباس وعلي (ع) وسائر بني هاشم 282
  • في عدم مساعدتهم لفاطمة عليها السلام ومساعدتهم لعائشة 285
  • سوء أدب عائشة مع النبي (ص) وشدة حسدها وبخلها 290
  • في ايمان أبي طالب رضي الله عنه 297
  • المجلد الثاني
  • بيان أقوال الطائفة المجبرة وردها 308
  • حكايات من المجبرة واحتجاجات عليهم 326
  • في عقائد المجسمة وردها 345
  • في جملة من اعتقادات الأربعة المذاهب في الأنبياء وخاصة نبينا 355
  • اخبار النبي (ص) عن ارتداد بعض أصحابه بعد وفاته 373
  • في أن النبي (ص) لم يترك أمته بغير وصية 381
  • عدم صلاحية الأمم لاختيار الخليفة 393
  • في أن من لم يصلح لتدبير حرب ولا ولاية جيش لا يصلح للخلافة 397
  • مبادرة أبي بكر وعمر إلى طلب الخلافة قبل تجهيز نبيهم 399
  • في استقالة أبي بكر من الخلافة 402
  • في تخصيصهم أبا بكر بأسماء لا اختصاص له بها 404
  • في أن قولهم أن أبا بكر أغنى النبي (ص) بماله مكابرة 405
  • حديث الغار وعدم فضيلة في مجرد مصاحبة النبي (ص) 407
  • شكاية علي بن أبي طالب (ع) عمن تقدمه وحديث الشورى 411
  • مخالفة أبي بكر وعمر لامر رسول الله (ص) 428
  • منع عمر النبي (ص) عند وفاته أن يكتب كتابا لا يضل بعده أمته أبدا 431
  • استحلال أبي بكر دماء من منع الزكاة عنه 435
  • ان عمر يتلقى أمر النبي (ص) بالانكار 437
  • شهادتهم على عمر أنه ما كان يوافق نبيهم 440
  • سبب نزول آية الحجاب 445
  • معرفة النبي (ص) باطن عمر 446
  • اعراض النبي (ص) عن أبي بكر وعمر 447
  • تخلف عمر عن جيش أسامة 449
  • قول عمر يوم مات رسول الله (ص) ما مات رسول الله 451
  • ابداع عمر وقوله نعمت البدعة 454
  • نهى عمر عن المتعة 457
  • نهى عمر عن متعة الحج 461
  • تغيير عمر طلاق الثلاث 463
  • نهى عمر عن الصلاة لمن أجنب ولم يجد ماء 464
  • معارضة عمر للنبي (ص) في قسمة الأموال 465
  • قول رسول الله (ص) إن لعمرو أصحابه هجرة ولأهل السفينة هجرتان 465
  • سابقة عمر قبل الاسلام 467
  • نهى عمر عن المغالاة في صداق النساء 471
  • أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر 472
  • أمر عمر برجم المجنونة 473
  • مخالفة عمر للنبي (ص) في حد شارب الخمر 474
  • سؤال عمر عما قرأ به رسول الله (ص) في يوم عيد 475
  • اعتراف عمر بأنه كان مشغولا عن معرفة الشريعة بالصفق بالأسواق 476
  • العلة التي من أجلها اندرس سنن النبي (ص) 477
  • ذكرهم عن عمر انه زاد في الاذان الصلاة خير من النوم 477
  • اعترافات عمر على نفسه 479
  • مخالفة عمر للنبي (ص) ولأبي بكر في جعله الخلافة شورى بين ستة 480
  • في طرائف خلافة عثمان 484
  • عثمان يأمر برجم امرأة لا تستحق الرجم 487
  • نهى عثمان عن متعة الحج 488
  • عثمان أتم الصلاة بمنى أربعا 489
  • قول عثمان أن في القرآن لحنا 490
  • حال عثمان عند خواص الصحابة 491
  • نزول آيات في عثمان وطلحة ومثالبهما 492
  • في اختيار عثمان القتل على خلع نفسه 496
  • تسمية عثمان ذا النورين وعدم تسمية على ذا النور ونسب عثمان 498
  • مطاعن معاوية بن أبي سفيان 499
  • في تسميتهم معاوية كاتب الوحي وخال المؤمنين 502
  • في قول النبي (ص) في معاوية لا أشبع الله بطنه 504
  • في وصف علي بن أبي طالب (ع) وعجيب آيات الله فيه 507
  • فيما رووا في العشرة المبشرة 522
  • في عدم صحة ما رووا عن النبي (ص) أصحابي كالنجوم 523
  • في عملهم بالقياس والطعن عليه 524
  • في حجية الاجماع والظن عليه 526
  • في تسميتهم الطلاق يمينا 527
  • في مقالاتهم في الصوم 527
  • في لبسهم الخواتيم في اليد اليسار 531
  • في مخالطتهم أهل الذمة وقولهم انهم طاهرون 533
  • في إباحة جماعة منهم اللعب بالنرد شير 534
  • في مقالاتهم في الوضوء والصلاة 535
  • مقالاتهم في أحكام الأموات 546
  • خاتمة الكتاب 554