القاعدة السابعة

في الأسماء والأحكام

وتشمل على ستة فصول :

الفصل الأول : فى تحقيق معنى الإيمان ، وأنّه هل يقبل الزيادة والنّقصان ، أم لا؟

الفصل الثانى : فى تحقيق معنى الكفر.

الفصل الثالث : فى أن العاصى من أهل القبلة / هل هو كافر ، أم لا؟

الفصل الرابع : فى أن مخالف الحقّ من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟

الفصل الخامس : فى أنّ الكفّار هل هم معذورون ، أم لا؟

وفى حكم المصيب فى الاعتقاد من غير دليل.

الفصل السادس : فى معنى التّوبة وأحكامها؟

الفصل الأول

فى تحقيق معنى الإيمان ، وأنّه هل يقبل

الزّيادة والنقصان ، أم لا؟ (١)

وقد اتفق أهل الإسلام على أن مفهوم لفظ الإيمان لا يخرج عن أعمال القلب والجوارح ، وما تركب منهما.

لكن اختلفوا :

فمنهم من قال : إنّه لا يخرج عن أعمال القلب.

ومنهم من قال : إنّه لا يخرج عن أعمال الجوارح.

ومنهم من قال : لا يخرج عن المركّب منهما.

فأمّا من قال : بأنّه لا يخرج عن أعمال القلب ؛ فقد اختلفوا :

فمنهم من قال : الإيمان هو تصديق القلب. وهو مذهب الشيخ أبى الحسن والقاضى أبى بكر ، والاستاذ ابى إسحاق ، وأكثر الأئمة ، ووافقهم على ذلك الصالحى ، وابن الراوندى من المعتزلة (٢).

ومنهم من قال : الإيمان بالله ـ تعالى ـ معرفته ، وهو مذهب جهم بن صفوان (٣) وبكر ابن اخت عبد الواحد بن زيد (٤) والإمامية.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة. يرجع إلى المراجع التالية بالإضافة لما ورد هاهنا : اللمع للإمام الأشعرى ص ١٢٢ وما بعدها. والإنصاف للباقلانى ص ٥٤ وما بعدها. والإرشاد للجوينى ص ٣٩٦ وما بعدها.

وأصول الدين للبغدادى ص ٢٤٧ وما بعدها.

والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ١٤١ وما بعدها. وفيصل التفرقة. وكله فى مسألتنا. وغاية المرام فى علم الكلام للآمدى ص ٣٠٩ وما بعدها.

ومن كتب المعتزل : شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٩٧ وما بعدها ومن كتب المتأخرين عن الآمدي :

شرح المواقف للجرجانى : الموقف السادس ص ٢٣٤ وما بعدها تحقيق الدكتور أحمد المهدى.

وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٨١ وما بعدها.

والايمان لابن تيمية. (كله فى هذا الموضوع وما يتعلق به) وشرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ص ٣٦٠ وما بعدها.

(٢) ابن الراوندى انظر ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ٢٣١ / أ

(٣) انظر عنه ما مر فى الجزء الأول فى هامش ل ٥ / أ

(٤) انظر عنه ما مر فى الجزء الأول فى هامش ل ١٩٢ / ب.

ومنهم من قال : الإيمان معرفة الله ، ورسله ، وما جاءت به الرسل على الجملة ؛ وهو منقول عن بعض الفقهاء.

وأما من قال : إنه لا يخرج عن أعمال الجوارح :

فمنهم من قال : هو إقرار اللسان بالشهادتين لا غير. وهذا هو مذهب الكرّامية (١).

ومنهم من قال : هو الطاعة لكن اختلفوا :

فمنهم من قال : كل طاعة إيمان سواء كانت فرضا ، أو نفلا. وهو مذهب الخوارج والعلاف ، وعبد الجبار من المعتزلة.

ومنهم من قال : الإيمان هو الطاعات المفترضة ، دون النوافل منها. وهذا هو مذهب الجبائى ، وأكثر البصريين من المعتزلة.

ومنهم من قال : الإيمان هو الإقرار باللسان ، والمعرفة. وهو مذهب الغيلانية (٢) وهو أيضا محكى عن أبى حنيفة (٣) ، وعبد الله بن سعيد بن كلاب (٤).

ومنهم من قال : هو الإقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان ؛ وهذا هو مذهب القلانسى (٥) من أصحابنا ، والنجار (٦) من المعتزلة.

__________________

(١) راجع ما مر عن الكرامية فى الجزء الأول ه ل ٦٥ / أ. وما سيأتى فى هذه القاعدة ل ٢٥٦ / ب وما بعدها.

(٢) الغيلانية : أصحاب غيلان بن مروان الدمشقى. انظر عنه ما سيأتى فى هامش ل ٢٤٤ / أو الفرقة الرابعة من المرجئة ل ٢٥٥ / أ.

(٣) أبو حنيفة : الإمام الأعظم : النعمان بن ثابت ، التيمى بالولاء الكوفى : إمام الحنفية ، الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. قيل أصله من أبناء فارس. ولد بالكوفة سنة ٨٠ ه‍ ونشأ بها. وكان يبيع الخز ويطلب العلم فى صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء. طلبه بن هبيرة (أمير العراقين) من قبل الأمويين للقضاء ، فرفض ورعا ، وأراده المنصور العباسى قاضيا للقضاة فرفض ؛ فحبسه إلى أن مات فى محبسه سنة ١٥٠ ه‍. وكان قوى الحجة ومن أحسن الناس منطقا. قال عنه الإمام مالك : رأيت رجلا لو كلمته فى هذه السارية أن يجعلها ذهبا ؛ لقام بحجته. وقال عنه الإمام الشافعى : «الناس عيال فى الفقه على أبى حنيفة» كتبت عنه وعن مناقبه وسيرته وآرائه وفقهه كتب كثيرة. رحمه‌الله ورضى عنه آمين.

[تاريخ بغداد ١٣ / ٣٢٣ ـ ٤٢٣ ، أبو حنيفة : حياته وعصره وآراءه وفقهه. للشيخ محمد أبو زهرة].

(٤) عبد الله بن سعيد بن كلّاب راجع ما كتب عنه فى هامش ل ٨٢ / ب من الجزء الأول.

(٥) القلانسى : انظر ترجمته فى هامش ل ١٢٤ / أمن الجزء الأول.

(٦) النّجار : انظر ترجمته فى هامش ل ٦٤ / ب من الجزء الأول.

وأما من قال : بأنه لا يخرج عن المركب من أعمال القلب والجوارح قال :

هو المعرفة بالجنان ، والإقرار باللسان ، والعمل بالأركان. وهو مذهب أكثر أهل الأثر ، وابن مجاهد (١)

وإذ أتينا على تفصيل المذاهب ؛ فلا بد من تحقيق الحق ، وإبطال الباطل منها.

والحق فى هذه المسألة غير خارج عن مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى : وهو أن الإيمان بالله ـ تعالى ـ هو تصديق القلب به.

فإن التّصديق من أحوال النفس. ومن ضرورته المعرفة شرعا. ولا بد من تحقيق ذلك ، وإيراد مآخذ الخصوم فى معرض الشبه ، والانفصال عنها فنقول :

أما أن الإيمان هو / / التصديق شرعا :

فهو أن الإيمان فى اللغة : هو التصديق / المعدى بالباء ، باتفاق أهل اللغة

ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (٢) [أى بمصدق لنا] (٣) ، ومنه قولهم :

فلان يؤمن بالحشر ، والنشر : أى يصدق به.

وإذا ثبت أن معنى الإيمان فى اللغة هو التصديق. وجب حمل كل ما ورد من ألفاظ فى الكتاب والسنة عليه. إلا ما دلّ دليل على مخالفته. وإنما قلنا ذلك لوجهين :

الأول : هو أن خطاب الشارع للعرب إنما كان بلغتهم ؛ فيجب حمل كل ما كان من ألفاظهم على معانيهم.

__________________

(١) ابن مجاهد : أحمد بن موسى بن العباس التميمى أبو بكر بن مجاهد كبير العلماء بالقراءات فى عصره. من أهل بغداد ولد سنة ٢٤٥ ه‍ وتوفى سنة ٣٢٤ ه‍ [الفهرست لابن النديم ١ / ٣١ والأعلام للزركلى ١ / ٢٦١].

قال شارح العقيدة الطحاوية : «اختلف الناس فيما يقع عليه اسم الإيمان اختلافا كثيرا : فذهب مالك والشافعى وأحمد والأوزاعى واسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة رحمهم‌الله وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين : إلى أنه تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان» [شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الدمشقى المتوفى سنة ٧٩٢ ه‍ ت : بشير محمد عون ـ الناشر : مكتبة دار البيان بدمشق].

/ / أول ل ١٣٤ / ب

(٢) سورة يوسف ١٢ / ١٧

(٣) ساقط من «أ».

ويدل على أن خطاب الشارع لهم إنما كان بلغتهم قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (١) وقوله ـ تعالى ـ فى صفة القرآن ، ونزوله بلسان العرب (وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (٢) وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٣) وقوله ـ تعالى ـ (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٤).

والثانى : أنه لو كان لفظ الإيمان فى الشرع معبرا عن وضع اللغة مع غلبة مخاطبة الشارع لبين للأمة نقله ، وتغييره بالتوقيف ، كما عرف سائر الأحكام الشرعية وإلا فالمقصود من الخطاب لا يكون حاصلا ؛ لأنهم لا يحملون ما يخاطبون به من ألفاظهم ، إلا على مصطلحهم ، ولا يخفى ما فيه من الخلل ولو ورد فيه توقيف ؛ لكان متواترا ؛ إذ الحجة لا تقوم بالآحاد.

ولو كان كذلك ؛ لاشترك الناس فى معرفته ، كاشتراكهم فى معرفة ما ورد به من الأحكام الشرعية.

وأما أن الإيمان مختص بالقلب. فيدل عليه الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٥) وقوله ـ تعالى ـ (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (٦) وقوله ـ تعالى ـ (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٧) وقوله تعالى (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٨) وقوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (٩)

وأما السنة : فما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه كان يقول : يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبى على دينك) (١٠).

__________________

(١) سورة إبراهيم ١٤ / ٤.

(٢) سورة النحل ١٦ / ١٠٣.

(٣) سورة يوسف ١٢ / ٢.

(٤) سورة الشعراء ٢٦ / ١٩٥.

(٥) سورة الحجرات ٤٩ / ١٤.

(٦) سورة المائدة ٥ / ٤١.

(٧) سورة النحل ١٦ / ١٠٦.

(٨) سورة المجادلة ٥٨ / ٢٢.

(٩) سورة الانعام ٦ / ١٢٥.

(١٠) رواة الترمذي في القدر ٤ / ٤٤٨ ، ٤٤٩ عن انس ـ رضى الله عنه ـ وهو حديث حسن.

وأيضا : ما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه قال لأسامة. وقد قتل من قال لا إله إلا الله «هلّا شققت عن قلبه» (١).

وذلك كله يدل على اختصاص القلب بالإيمان.

فإن قيل : سلمنا أن الإيمان فى اللغة عبارة عن التصديق ؛ ولكن لا نسلم أنه فى الشرع كذلك.

قولكم : إنّ الشارع يخاطب العرب بلغتهم ؛ مسلم.

ولكن لا نسلم امتناع خطابه لهم بغير لغتهم.

وأما النصوص الدالة على كون القرآن عربيا.

فليس فيه ما يدل على امتناع اشتماله على غير العربية ، ولا يخرجه ذلك عن كونه عربيا ، وعن اطلاق اسم العربىّ عليه.

فإنّ الشّعر الفارسىّ. يسمى فارسيا. وإن كان فيه آحاد من كلمات العرب والّذي يدلّ على ذلك اشتمال القرآن على كلمات ليست عربية. فإنّ المشكاة (٢) هندية ، والإستبرق (٣) : فارسية.

وقوله ـ تعالى ـ (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٤) قال أهل الأدب (الأبّ) (٥) ليس من لغة العرب.

وإن سلمنا : / امتناع مخاطبة العرب بغير ألفاظ العربيّة ، ولكن لا نسلم امتناع استعمال الألفاظ العربية فى غير موضوعها لغة ، ويدلّ على ذلك النص ، والإلزام.

أما النّص : فمن جهة الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (٦) : أى صلاتكم إلى بيت المقدس.

__________________

(١) رواه الامام مسلم فى صحيحه.

(٢) (المشكاة) : كوّة فى الحائط غير نافذة يوضع فيها المصباح. وفى التنزيل العزيز (كمشكاة فيها مصباح) ـ المعجم الوسيط ـ باب الشين)

(٣) (الإستبرق) : الديباج الغليظ (المعجم الوسيط ـ باب الهمزة)

(٤) سورة عبس ٨٠ / ٣١.

(٥) (الأبّ) العشب رطبه ويابسه. وفى التنزيل العزيز (وَفاكِهَةً وَأَبًّا).

وتقول : فلان راع له الحب ، وطاع له الأبّ ، زكا زرعه واتسع مرعاه. (المعجم الوسيط. باب الهمزة)

(٦) سورة البقرة ٢ / ١٤٣.

وأما السنة : فقوله ـ عليه‌السلام ـ «نهيت عن قتل المصلين» (١) وأراد به المؤمنين.

وأيضا : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «الإيمان بضع وسبعون بابا أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (٢). وكل ذلك خلاف الوضع.

وأما الإلزام : فمن خمسة عشر وجها :

الأول : هو أن الصلاة في اللغة : عبارة عن الدّعاء (٣) ، وفى الشرع ؛ عبارة عن الأفعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم ، وكذلك الزكاة فى (٤) اللغة ، عبارة عن النمو والزيادة وفى الشرع عبارة عن وجوب أداء مال مخصوص ، وكذلك الحج (٥) فى اللغة : عبارة عن القصد مطلقا ، وفى الشرع عبارة عن القصد مطلقا إلى مكان خاص.

الثانى : أنه لو كان الإيمان فى الشرع : هو التّصديق ؛ فالتصديق لا يختلف ولا يزيد ، ولا ينقص ، ويلزم من ذلك أن يكون إيمان النبي ـ عليه‌السلام ـ كإيمان الواحد من العوام الأغبياء ؛ وهو ممتنع.

الثالث : هو أن الفسوق يناقض الإيمان ، ولا يجامعه. ولو كان الإيمان هو التصديق فى الشرع / / لما امتنع مجامعته للفسوق ، ويدل على امتناع الجمع بينهما قوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (٦) ووجه الاحتجاج به أنه ذكر الإيمان ، وقابله بالكفر ، والفسوق ؛ فدل على أن الفسوق يناقض الإيمان.

__________________

(١) أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير عن أنس رضى الله عنه.

(٢) متفق عليه أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما.

(٣) (الصّلاة) : الدّعاء. يقال : صلى صلاة ، ولا يقال : تصلية. و ـ العبادة المخصوصة المبينة حدود أوقاتها فى الشريعة [المعجم الوسيط (باب الصاد)].

(٤) (الزّكاة) : البركة والنماء. و ـ الطهارة. و ـ الصّلاح. و ـ صفوة الشيء.

و ـ (فى الشرع) حصة من المال ونحوه يوجب الشرع بذلها للفقراء ونحوهم بشروط خاصة [المعجم الوسيط (باب الزاى)].

(٥) (حجّ) إليه حجا : قدم. و ـ المكان : قصده. و ـ البيت الحرام : قصده للنّسك. و (الحجّ) : أحد أركان الإسلام الخمسة. وهو القصد فى أشهر معلومات إلى

البيت الحرام للنسك والعبادة. [المعجم الوسيط (باب الحاء)].

/ / أول ل ١٣٥ / أ.

(٦) سورة الحجرات ٤٩ / ٧.

الرابع : هو أن فعل الكبيرة مما ينافى الإيمان ، ولو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ، لما كان فعل الكبيرة مناقضا له ، وبيان مناقضة فعل الكبيرة للإيمان قوله ـ تعالى ـ (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (١). وقوله ـ تعالى ـ فى حق مرتكب بعض الكبائر : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (٢) فدلّ مجموع الآيتين علي أن مقارف الكبيرة ليس مؤمنا.

الخامس : أن المؤمن غير مخزى لقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) (٣). وقد قال ـ تعالى ـ فى حق قطاع الطريق : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤) ومجموع الآيتين يدل على أن قاطع الطريق ليس مؤمنا مع أنه مصدق بالله ـ تعالى ـ ، وهذا دليل على أن الإيمان فى الشّرع ليس هو التصديق.

السادس : أن المستطيع إذا ترك الحجّ من غير عذر ؛ فهو كافر لقوله ـ تعالى ـ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٥) ولو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ لما كان كافرا ؛ لكونه مصدقا.

السابع : هو أن من لم يحكم / بما أنزل الله ؛ [فهو كافر لقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ]) (٦) فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٧). ولو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ لما كان كافرا ؛ لكونه مصدقا.

الثامن : أن الزّانى ليس بمؤمن لقوله عليه‌السلام : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٨). ولو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما كان الزّانى غير مؤمن ؛ لكونه مصدقا.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ / ٤٣.

(٢) سورة النور ٢٤ / ٢.

(٣) سورة التحريم ٦٦ / ٨.

(٤) سورة المائدة ٥ / ٣٣.

(٥) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.

(٦) ساقط من أ.

(٧) سورة المائدة ٥ / ٤٤.

(٨) الحديث متفق عليه أخرجه البخارى ومسلم. (صحيح البخارى : الحديث رقم ٦٧٧٢ (كتاب الحدود) عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ ، وأخرجه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة أيضا (كتاب الإيمان) ١ / ٧٦.

التاسع : أن من مات ولم يحج ؛ فهو كافر لقوله ـ عليه‌السلام ـ «من مات ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا» (١) ، ولو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما كان كافرا ؛ إذ هو مصدق بالله ـ تعالى.

العاشر : أنّ من ترك الصّلاة متعمدا ؛ فهو كافر لقوله عليه‌السلام : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٢) ولو كان الإيمان هو التّصديق ؛ لما كان كافرا ؛ لكونه مصدقا.

الحادى عشر : أنه لو كان الإيمان هو التصديق بالله ـ تعالى ـ فى الشرع ، لما كان من قتل نبيا ، أو استخفّ به ، أو سجد بين يدى صنم مع كونه مصدقا ؛ كافر ؛ وهو خلاف اجماع الأمة.

الثانى عشر : أن فعل الواجبات هو الدين لقوله ـ تعالى ـ (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٣) والإشارة فى قوله ـ تعالى ـ (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) راجعة إلى جملة المذكور السابق والدين هو الإسلام لقوله ـ تعالى ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٤). والإسلام هو الإيمان ؛ لأنه لو كان غيره لما قبل من مبتغيه لقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٥) ولو كان الإيمان فى الشّرع هو التصديق ؛ لما كان الإيمان هو فعل الواجبات.

الثالث عشر : أنه لو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ لما صح وصف المكلف به حقيقة إلا فى وقت صدوره منه كما فى سائر الأفعال ، ولو كان كذلك لما وصف النائم فى حالة منامه ، والغافل فى حالة غفلته بكونه مؤمنا حقيقة ؛ وهو خلاف الاجماع ؛ وذلك يدل على تغير الوضع فى لفظ الإيمان.

الرابع عشر : أنه لو كان الإيمان باقيا على وضعه فى الشّرع ؛ لصحّ أن يقال فى الشرع لمن صدق بألوهية غير الله ـ تعالى ـ مؤمنا ؛ وهو خلاف الإجماع.

__________________

(١) أخرجه الإمام الترمذي فى سننه ٣ / ١٦٧ كتاب الحج ـ عن على بن أبى طالب رضى الله عنه ـ قال عنه الترمذي ـ حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفى اسناده مقال.

(٢) رواه ابن ماجه فى سننه عن أبى الدّرداء ١ / ١٣٣٩ ـ كتاب الفتن ـ ضمن حديث طويل بلفظ «ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا ، فمن تركها متعمدا ؛ فقد برئت منه الذمة».

(٣) سورة البينة ٩٨ / ٥.

(٤) سورة آل عمران ٣ / ١٩.

(٥) سورة آل عمران ٣ / ٨٥.

الخامس عشر : أن الله ـ تعالى ـ قد وصف بعض المؤمنين بالله ـ تعالى ـ بكونه مشركا بقوله ـ تعالى ـ (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١) ، ولو كان الإيمان بالله تعالى ـ فى الشرع هو التصديق به ؛ لامتنع مجامعته للشرك.

سلمنا أنّ الإيمان فى الشّرع هو التصديق ؛ ولكن ما المانع أن يكون هو التّصديق باللّسان كما قاله الكرامية (٢).

كيف وأن ذلك هو الأولى ؛ لأنّ أهل اللّغة لا يفهمون من التّصديق غير التّصديق / باللسان

والجواب :

قولهم : لا نسلّم امتناع مخاطبة الشّارع للعرب بغير لغتهم.

قلنا : دليله ما ذكرناه من الوجهين.

قولهم : ما ذكرتموه من النصوص لا يدلّ على امتناع اشتمال القرآن على غير العربية ؛ لأن ما بعضه عربى ، وبعضه ، غير عربى ؛ فلا يكون كله عربيا ، وظاهر / / ما ذكرناه من النّصوص يدل على أن القرآن بجملته عربى.

قولهم : إنّ الشّعر الفارسىّ لا يخرج عن كونه فارسيا باشتماله على كلمات من العربية ؛ فكذلك الكلام العربى ، لا يخرج عن كونه عربيا ، باشتماله على كلمات ليست عربية.

قلنا : إن قيل بأن ما هو العربى منه ، لا يخرج عن كونه عربيا ؛ فهو مسلم.

وإن قيل إن الجملة الكائنة من العربى ، وغير العربى ، انها تكون عربية ؛ فهو مباهتة للمعقول والمحسوس.

نعم غايته إطلاق اسم العربى عليها ؛ لغلبة الكلام العربى فيها ؛ لكنّه بطريق المجاز دون الحقيقة. والأصل فيما نحن فيه ، إنّما هو حمل الكلام على جهة حقيقته دون مجازه.

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ / ١٠٦.

(٢) ذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط. فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملوا الإيمان ، ولكنهم يقولون : بأنهم يستحقون الوعيد الّذي أوعدهم الله به. وقولهم ظاهر الفساد. (شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٦٠).

/ / أول ل ١٣٥ / ب.

قولهم : القرآن مشتمل على كلمات غير عربية لا نسلم ذلك. وما ذكروه من الكلمات فلا نسلم أنها ليست عربية ، وإنما استعملها غيرهم من أرباب اللغات مع نوع تغيير ، كما غير العبرانيون الإنسان : ناسوت ، والإله لا هوت.

قولهم : لا نسلم امتناع استعمال الألفاظ العربية فى غير موضعها لغة ـ

قلنا : لأنها إذا استعملت بإزاء معانى غير معانيها لغة ، كاستعمال لفظ الغنى : بإزاء الفقير ، والفقير : بإزاء الغنى ؛ فلا يكون لغويا : أى لا يكون من لسان العرب أهل اللغة. وعند ذلك فيمتنع مخاطبة الشرع به للعرب ؛ لما سبق.

وقوله : ـ تعالى ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (١). لا نسلم أن المراد به الصلاة ؛ بل المراد به التصديق بالصلاة ، وإنما سمى التصديق بالصلاة ، صلاة على سبيل التجوز ؛ لدلالة الصّلاة على التصديق ، والمجاز من لغة العرب ؛ لا أنه خارج عنها.

وقوله عليه‌السلام : نهيت عن قتل المصلين (٢) ... فالمراد به المصدقين على سبيل التجوز أيضا ، وتسمية إماطة الأذى عن الطريق إيمانا ، إنما كان بطريق المجاز أيضا ؛ لدلالتها على الإيمان.

قولهم : الصلاة فى اللغة عبارة عن الدعاء ، والزكاة عبارة عن النمو ، والحج عبارة عن القصد ، وفى الشرع لغير هذه المحامل.

قلنا : لا نسلم التغيير فى هذه الألفاظ ؛ بل هى مستعملة فى الشرع بإزاء ما كانت مستعملة بإزائه فى اللغة ، غير أن الشارع اعتبر فيها شروطا لصحتها فى الشرع من غير أن تكون الشروط ، داخلة فى المسمى ؛ فالشرع تصرف بوضع الشروط للصحة الشرعية لا فى نفس الوضع بالتغيير.

قولهم : لو كان الإيمان فى الشرع هو التصديق ؛ / لكان إيمان النبي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كإيمان العامىّ الغبىّ.

قلنا : التّصديق الواحد بالشّيء ، وإن استحال فيه الزيادة ، والنقصان بين النبي ، والواحد منا ، غير أن الإيمان عرض ، والعرض متجدّد على ما أسلفناه (٣).

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ١٤٣.

(٢) سبق تخريجه فى هامش ل ٢٣٧ / أ.

(٣) راجع ما مر فى الاعراض : الفرع الرابع : فى تجدد الأعراض ل ٤٤ / ب وما بعدها.

وعند ذلك : فلا يمتنع التفاوت بين إيمان النبي ، وإيمان الواحد منا بسبب كثرة تخلل الغفلة ، والفتور بين أعداد الإيمان المتجدّدة للواحد منا ، وقلّة تخللها بين الإعداد المتجدّدة من إيمان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، أو بسبب ما يعرض لنا من الشّبه والتّشكيكات التى يفتقر فى دفعها إلى الاجتهاد بالنّظر ، والاستدلال بخلاف النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قولهم : إنّ الفسوق يقابل الإيمان ، ولا يجامعه ؛ ممنوع.

وقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (١). ليس فيه ما يدل على كون الفسوق مقابلا للإيمان ، ولهذا فإنه لو قال ـ تعالى ـ إن الله تعالى حبّب إليكم العلم به ، وكرّه إليكم الفسوق ؛ فإنه لا يدلّ على المناقضة بين العلم به ، والفسوق.

وكون الكفر مقابلا للإيمان ، لم يكن مستفادا من الآية ؛ بل من ضرورة التّضاد بينهما عقلا.

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على مناقضة الفسوق للإيمان ، غير أنه معارض بما يدل على عدمه ، ودليله قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٢) فإنه يدل على مقارنة الظلم للإيمان.

وأيضا قوله ـ تعالى ـ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) (٣). وذلك يدلّ على مجامعة الظّلم لمن اصطفاه الله ـ تعالى ـ ؛ والمصطفى لا يكون إلا مؤمنا.

قولهم : إنّ فعل الكبيرة مما ينافى الإيمان ؛ لا نسلّم ذلك.

قولهم : المؤمن مرحوم ؛ لما ذكروه من النّص. مسلم أيضا ؛ ولكن ليس فيه ما يدل على منافاة الكبيرة للإيمان.

وقوله ـ تعالى ـ فى حقّ مرتكب الكبيرة ، (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (٤). ليس فيه ما يدلّ أيضا / / على كون المؤمن غير مرحوم من الله ـ تعالى ـ ولا سيما مع

__________________

(١) سورة الحجرات ٤٩ / ٧.

(٢) سورة الأنعام ٦ / ٨٢.

(٣) سورة فاطر ٣٥ / ٣٢.

(٤) سورة النور ٢٤ / ٢.

/ / أول ل ١٣٦ / أ

قوله ـ تعالى ـ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ؛ بل المراد من الآية أنكم لا تحملكم الشفقة ورأفة الجنسية على إسقاط حدود الله ـ تعالى ـ بعد وجوبها. والّذي يدلّ على ذلك أن مرتكب الكبيرة ، إذا تاب فإنّه مؤمن بالإجماع ، ومرحوم وإن أقيم عليه الحدّ. كيف وأن ما ذكروه معارض بما قدّمناه ، من النصوص الدّالة علي نفى الممانعة بين الإيمان وفعل الكبيرة.

قولهم : إنّ المؤمن لا يخزى ، وقاطع الطريق مع كونه مصدّقا مخزى ؛ لما ذكروه من الآيتين.

قلنا : ليس فيما ذكروه دلالة ؛ وذلك لأنّ آية نفى الخزى ، دلّت على نفى الخزى فى الآخرة ، وآية القطّاع دالّة على الخزى فى الدّنيا ، ولا يلزم من منافاة الخزى ، فى يوم القيامة للإيمان ، منافاته للإيمان / فى الدنيا

كيف وأن آية نفى الخزى قاصرة علي النبي وصحابته ؛ فلا تعم.

قولهم : المستطيع إذا ترك الحجّ من غير عذر كافر. لا نسلم ذلك ، وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). وإن دلّ على وجوب الحج لقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٢). ليس فيه ما يدلّ على الكفر بترك الحجّ الواجب ؛ بل هو ابتداء كلام آخر ، والمراد به من لم يصدّق.

وإن سلمنا أن المراد به الكفر ، بترك الحج الواجب ، فالمراد به أنه من لم يصدق بمناسك الحجّ ، وجحدها اعتقادا ؛ وذلك لا يتصور معه التّصديق.

قولهم : إنّ من لم يحكم بما انزل الله فهو كافر.

فقد قال المفسرون : المراد به من لم يعتقد التزام أحكامه ، ولم يستسلم لاحكام الإسلام ؛ وذلك لا يتصور معه التصديق.

وقوله عليه‌السلام : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٣) لا نسلم أن قوله : وهو مؤمن فى هذا الحديث ، مأخوذ عن الإيمان ؛ بل من الأمن ، ومعناه لا يزنى الزّانى حين يزنى وهو مؤمن ـ أى على أمن من عذاب الله تعالى.

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ / ١٥٦.

(٢) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.

(٣) سبق تخريج هذا الحديث فى ل ٢٣٧ / ب.

وإن سلمنا أنه مأخوذ من الإيمان ، غير أنّه يجب حمله على الإيمان ؛ بمعنى التّصديق ؛ لما فيه من موافقة الوضع اللّغوى ، وأن يحمل قوله : «لا يزني الزانى حين يزنى وهو مؤمن». على حالة الاستحلال لزناه ، ويكون تقديره ـ لا يزنى الزانى حين يزنى مستحلا لزناه وهو مؤمن ـ أى مصدق ويمكن أن يكون المراد من قوله : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» أى على صفات المؤمن ، من اجتناب المحظورات ، وهو وإن لزم منه التأويل ، غير أنا لو لم نحمله على ذلك ؛ للزم منه حمل الإيمان على غير موضوعه اللغوى.

ولا يخفى أن تأويل الظّواهر أولى من مخالفته الأوضاع اللّغوية لوجهين :

الأول : أن تأويل الظّواهر متفق عليه ، بخلاف مخالفة الأوضاع ، ومخالفة ما اتفق على جواز مخالفته ، أولى من مخالفة ما لم يتفق على مخالفته.

الثانى : أن مخالفة الظواهر فى الشّرع ، أكثر من مخالفة الأوضاع اللّغوية عند القائلين بمخالفة الأوضاع ، فإن أكثر الظواهر مخالفة ، وأكثر الأوضاع مقرّرة ؛ وذلك يدل على أن المحذور فى مخالفة الأوضاع أعظم منه فى مخالفة الظواهر ؛ فكانت مخالفة الظواهر أولى.

وعلى هذا يجب حمل قوله عليه‌السلام : «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا» (١) ، وقوله عليه‌السلام : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٢) على حالة الاستحلال ، وإنكار الوجوب ؛ لما ذكرناه من الترجيح.

قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما كان من قتل نبيا ، أو استخف به ، أو سجد / بين يدى صنم كافرا ـ إذا كان مصدّقا.

قلنا : نحن لا ننكر جواز مجامعة هذه الكبائر مع الإيمان عقلا ، غير أن الأمّة مجمعة على تكفيره ؛ فعلمنا انتفاء التّصديق عند وجود هذه الكبائر سمعا ، ويجب أن يقال بذلك جمعا بين العمل بوضع اللّغة ، وإجماع الأمّة على التّكفير ؛ وهو أولى من إبطال أحدهما.

قولهم : فعل الواجبات هو الدّين ـ لا نسلم ذلك ؛ بل الدّين هو التصديق بالواجبات ، وقوله ـ تعالى ـ (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٣). ليس فيه ما يدلّ على أنّ إقامة

__________________

(١) تم تخريج هذا الحديث فى هامش ل ٢٣٧ / ب

(٢) سبق تخريج هذا الحديث فى هامش ل ٢٣٧ / ب.

(٣) سورة البينة ٩٨ / ٥.

الصّلاة ، وفعل الزكاة من الدّين ؛ فإن الآية قد فرّقت بين الدّين ، وفعل الصلاة ، والزّكاة ، حيث قال ـ تعالى ـ : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). ثم قال بعد ذلك : (حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) (١) ؛ وذلك دليل المغايرة بين الدّين وما ذكر من الواجبات.

ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على أنّ الدّين هو فعل الواجبات ، وأن الدّين هو الإسلام ؛ ولكن لا نسلم أن الإسلام هو / / الإيمان ، ويدل عليه قوله تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٢) ؛ وذلك يدل على المغايرة بينهما.

ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على أنّ الإيمان هو فعل الواجبات ، غير أنه معارض بما يدل على المغايرة بينهما ، وبيانه من جهة النّص ، والإجماع ، والمعقول :

أما النصّ : فقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) (٣) ؛ فإنه يدل على المغايرة بين الإيمان ، والعمل الصّالح ؛ حيث عطف العمل الصالح ، على الإيمان والظّاهر أنّ الشيء لا يعطف على نفسه.

وأيضا قوله ـ تعالى ـ (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) (٤) عطف الإيمان ، على الصّلاة ، والزكاة ؛ وهو دليل المغايرة بينهما.

أما الإجماع فمن وجهين :

الأول : هو أن الأمّة من المسلمين قبل ظهور المخالفين ؛ مجمعة على امتناع إطلاق القول على أنّ من ترك طاعة ، وواجبا ، أنه ترك الإيمان ، وذلك يدلّ على المغايرة.

الثانى : أنّ الأمة من السّلف ، مجمعة على أنّ الإيمان شرط فى صحة أفعال الواجبات من الطّاعات ، والشّرط (٥) غير المشروط.

__________________

(١) سورة البينة ٩٨ / ٥.

/ / أول ل ١٣٦ / ب.

(٢) سورة الحجرات ٤٩ / ١٤.

(٣) سورة التغابن ٦٤ / ٩.

(٤) سورة المائدة ٥ / ١٢.

(٥) الشرط فى اللغة : عبارة عن العلامة. والمشروط : هو تعليق شيء بشيء. ، بحيث إذا وجد الأول وجد الثانى.

وقيل : ما يتوقف ثبوت الحكم عليه (التعريفات للجرجانى ص ١٤٣).

وأما من جهة المعقول فمن وجهين :

الأول : أنه لو كان الإيمان هو فعل الطاعات ؛ للزم أنّ من زادت طاعاته على طاعات النبيّين عددا ؛ أن يكون إيمانه أكثر من إيمان الأنبياء ؛ وهو ممتنع.

الثانى : أنه لو كانت الطاعات إيمانا ؛ لكانت المعاصى كفرا ؛ لأن الإيمان ضدّ الكفر ، والطاعة ضد المعصية ؛ فإذا حكم على أحد الضدّين بحكم ؛ وجب الحكم بضد ذلك الحكم على الضد الآخر. وهذا الوجه الضعيف ، من حيث أنه لا يمتنع اشتراك المتضادات فى حكم واحد ، ولو لزم من الحكم على أحد الضّدين بحكم ، أن يحكم بضد ذلك الحكم على الضدّ الآخر ، لما تصور الاشتراك بين / الضدّين فى حكم من الأحكام.

وإن سلمنا امتناع الاشتراك بينهما فى حكم أحدهما ؛ فغايته ثبوت الحكم لأحدهما وانتفاؤه عن الآخر ، أما أن يكون ضد ذلك الحكم ، واجب الثبوت للضدّ الآخر ، فلا.

وعلى هذا : فغاية ما يلزم من الحكم على الطّاعة بكونها إيمانا ، أن لا يحكم على المعصية بكونها إيمانا ، أما أنه يحب أن يكون كفرانا ؛ فلا.

قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما صحّ وصف المكلّف به حقيقة فى حالة نومه ، وغفلته ؛ فهو لازم عليهم فى كل ما يفسرون الإيمان به ، غير التصديق.

والجواب : إذ ذاك يكون متحدا.

قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لصحّ تسمية المصدّق بإلهيّة غير الله تعالى ـ مؤمنا.

قلنا : يصح تسميته بذلك ؛ نظرا إلى الوضع اللّغوى ، ولا يصح نظرا إلى العرف الاستعمالى ، وهو تخصيص العرف بالإيمان ، بإطلاقه على بعض مسمياته ، ولا يوجب ذلك تغير الوضع ، كتخصيص اسم الدّابة فى العرف بذوات الأربع ، وقوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١).

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ / ١٠٦.

قلنا : الإيمان شرعا ضدّ الشّرك بالاجماع ، وما ذكروه ؛ فهو لازم لهم على كلّ مذهب من المذاهب المتقدم ذكرها ، وإذا كان ذلك لازما على الكلّ ، ولا بد من العمل بلفظ الإيمان فى واحد منها ؛ فلا يخفى أنّ ما فيه موافقة الوضع يكون أولى.

قولهم : ما المانع أن يكون الإيمان هو التّصديق باللّسان؟

قلنا : لما ذكرناه من الأدلة الدالة على اختصاص الإيمان بتصديق القلب.

قولهم : أهل اللّغة لا يفهمون من التصديق غير ذلك ، دعوى مجرّدة من غير دليل ؛ فلا تقبل.

كيف وانّا نعلم من حال النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند إظهار المعجزة أنّه لم يكتف من الناس بمجرد الإقرار باللّسان ، ولا بالعمل بالأركان مع تكذيب الجنان ؛ بل كان يسمى من كانت حاله كذلك كاذبا ، ومنافقا ومنه قوله ـ تعالى ـ تكذيبا للمنافقين عند قولهم للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١)

وقال ـ تعالى ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٢) كيف : وأنه لا يخفى إبطال القول بأن الإيمان هو مجرد الإقرار باللسان من جهة إفضائه إلى تكفير ، من أبطن التصديق بالله تعالى ، ولم يعلن الإقرار باللسان لمانع ، والحكم بإيمان من أقر بلسانه ، وأبطن التكذيب بالله ورسوله.

وإلى ما انتهينا إليه ـ هاهنا ـ بالبحث المستقصى ، نعلم صحّة مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى ـ رحمه‌الله ـ وبطلان جميع مدارك ما عداه من المذاهب الواهية المحكيّة ، فإنّا لم نأل جهدا فى استقصائها ، وتحريرها ، والتنبيه على إبطالها.

وأما أن الإيمان هل يزيد / / وينقص ؛ فقد اختلف فيه :

__________________

(١) سورة المنافقون ٦٣ / ١.

(٢) سورة البقرة ٢ / ٨.

/ / أول ل ١٣٧ / أ.

فمنهم من قال : / بزيادته ، ونقصانه (١).

ومنهم من قال : بأنه لا يزيد ، ولا ينقص (٢).

ومنهم من فصّل وقال : إن إيمان الله ـ تعالى ـ الّذي أوجب اتّصافه بكونه مؤمنا لا يزيد ، ولا ينقص.

أما إيمان الأنبياء والملائكة ؛ فإنه يزيد ، ولا ينقص.

وأما إيمان من عداهم ، فإنه يزيد ، وينقص.

الحق فى ذلك : أن إيمان الرّب تعالى ـ لا يزيد ، لا ينقص ، وإلا كان ما يتصف به من زيادة الإيمان ونقصانه حادثا ، والرب ـ تعالى ـ ليس محلا للحوادث كما سبق (٣).

وأما إيمان غيره ، فمن فسر الإيمان بالطّاعات ؛ فإنه يزيد ، وينقص ؛ لإمكان الزيادة ، والنقصان فى الطاعات (٤).

__________________

(١) هم السلف ومن تبع طريقتهم : قالوا : الإيمان يزيد ، وينقص. يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخله النار. وقد استدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بأدلة كثيرة من الكتاب الكريم ، والسنة النبوية المطهّرة والآثار السلفية. (انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ص ٣٧٤ ـ ٣٧٨ فقد ذكر عشرات الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه).

(٢) هم الاحناف ومن قال بقولهم : إن الإيمان هو التصديق. لأن التصديق فى نفسه مما لا يتزايد ، وما لا يتزايد ؛ فلا نقصان له إلا بالعدم. ولا زيادة عليه إلا بانضمام مثله إليه ؛ فلا زيادة إذن للإيمان بانضمام الطاعات إليه ولا نقصان بارتكاب المعاصى ؛ إذ التصديق فى الحالين على ما كان قبلهما (انظر بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : تبصرة الأدلة لأبى المعين النسفى الحنفى ص ٨٥٨. تحقيق الدكتور محمد الأنور ، رسالة دكتوراه بكلية أصول الدين).

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ١٤٦ / أوما بعدها.

(٤) يرى السلف أن الإيمان يزيد ، وينقص. يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخله النار. أما زيادة الإيمان من جهة الإجمال ، والتفصيل : فمعلوم أنه لا يجب فى أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله.

وأما الزيادة بالعمل ، والتصديق ، المستلزم لعمل القلب ، والجوارح : فهو أكمل من التصديق الّذي لا يستلزمه ، فالعلم الّذي يعمل به صاحبه ، أكمل من العلم الّذي لا يعمل به. والأدلة على زيادة الإيمان ، ونقصانه من الكتاب ، والسنة ، والآثار السلفية كثيرة جدا. منها : قوله ـ تعالى ـ (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) [الانفال : ٢](وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦](وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) [المدثر : ٣١](هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً) [الفتح ٤]. ومن السنة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ، ووالده ، والنّاس أجمعين» والمراد نفى كمال الإيمان. وحديث شعب الإيمان «الإيمان بضع وسبعون شعبه أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». وفى هذا أعظم دليل على زيادة الإيمان ونقصانه. أما الآثار المروية عن الصحابة فمنها : قول أبى الدّرداء ـ رضي الله عنه ـ «من فقه المرء أن يتعهد إيمانه ، وما نقض منه ، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو ، أم ينتقص». وكان عمر ـ رضي الله عنه يقول لأصحابه : «هلموا نزدد إيمانا ، فيذكرون الله عزوجل». وفى هذا ما يدل على أن الإيمان يزيد وينقص (انظر شرح الطحاوية ص ٣٦٥ ـ ٣٧٧).

ومن فسره بخصلة واحدة من تصديق ، أو غيره ؛ فإنه لا يقبل الزيادة والنقصان من حيث هو خصلة واحدة ، اللهم إلا أن ينظر إلى كثرة اعداد أشخاص ، تلك الخصلة ، وقلتها فى آحاد الناس ؛ فإنّه يكون قابلا للزّيادة ، والنقصان على ما حققناه من قبل.

الفصل الثانى

فى تحقيق معنى الكفر شرعا

والكفر فى اللّغة : مأخوذ من الكفر وهو السّتر ، ومنه تقول العرب : كفر درعه بثوب : أى ستره ، ومنه قولهم : للرماد مكفورا. إذا اسفت عليه الريح التّراب ، وللزّارع كافر ؛ لأنه يستر البذر بالتّراب عند حراثته ، ويقال للّيل كافر : لستره ما يكون فيه ، ويقال للبحر كافر : لانه إذا طمى ستر الجزائر وغطّاها ، وقد يطلق الكفر فى اللّغة على ضدّ الإيمان ، حتى أنه يقال : لمن كذب بشيء ، كفر به ، كما يقال لمن صدق بشيء آمن به (١).

وأما فى اصطلاح المتكلمين : فقد اختلفوا فيه على حسب اختلافهم فى الإيمان : فمن قال الإيمان بالله هو معرفته ؛ قال الكفر هو الجهل بالله ـ تعالى ـ وهو غير منعكس على المحدود ، وشرط الحدّ : أن يكون مطردا منعكسا حتى لا يكون الحدّ أعمّ من المحدود ، ولا المحدود أعم من الحد كما سبق تعريفه (٢).

وبيان أنه غير منعكس : أن جحد الرسالة ، وسبّ الرسول عليه‌السلام ، والسجود للصنم ، وإلقاء المصحف فى القاذورات ، كفر بالإجماع ، وليس هو جهلا بالله ـ تعالى ـ ؛ فإنه قد يصدر ذلك من العارف بالله ـ تعالى ـ والجاهل بالدلالة على العلم ، بامتناع هذه الأمور ، أو مع المعرفة بها ؛ فلا يكون فعل هذه الأمور دالا علي الجهل بالله ـ تعالى ـ.

ومن قال الإيمان هو الطاعات : كالمعتزلة. وبعض الخوارج قال : الكفر هو المعصية لكن اختلفوا : فقالت الخوارج : كل معصية كفر.

__________________

(١) انظر المعجم الوسيط باب الكاف ص ٧٩١ وما بعدها. ففيه معلومات مهمة تؤكد صحة ما أورده الآمدي قارن ما ذكره الآمدي عن معنى الكفر بما ورد عن كل من : الشهرستانى فى نهاية الاقدام ص ٤٧٢. وأصول الدين للبغدادى ص ٢٤٨ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٥١ وما بعدها.

(٢) انظر ما مر ل ٣٢ / أمن القاعدة الثالثة.

الباب الأول : فى الحد ـ الفصل الثالث : فى شرط الحد ، وما يجتمع جملة أقسام الحدود فيه ، وما لا يجتمع.

قال الآمدي : «وشرط الحد على اختلاف أقسامه : أن يكون جامعا : لا يخرج عنه شيء من المحدود. مانعا : لا يدخل فيه ما هو خارج عن المحدود. فإنه إذا لم يكن جامعا : كان المحدود أعم من الحدّ. وإذا لم يكن مانعا : كان الحد أعم من المحدود. وعلى كلا التقديرين : لا يكون الحدّ مميزا للمحدود ، ولا معرفا له»

وأما المعتزلة : فإنهم قسموا المعاصى إلى :

معصية هى كفر : وهى كل معصية تدل على الجهل بالله ـ تعالى ـ كسبّ الرسول ـ عليه‌السلام ـ والقاء المصحف فى القاذورات.

وإلي معصية لا توجب اتصاف فاعلها بالكفر ، ولا بالفسوق ، ولا يمتنع معها الاتصاف بالإيمان : كالسفة ، وكشف العورة ، إلى غير ذلك.

وإلى / معصية توجب الخروج من الإيمان ، ولا توجب الاتّصاف بالكفر ؛ بل بالفسوق والفجور : كالقتل العمد العدوان ، والزنا ، وشرب الخمر ، ونحوه فصاحبها فى منزلة بين المنزلتين : أى ليس بكافر ، ولا مؤمن. وأول من أحدث هذا المذهب واصل بن عطاء (١) وعمرو بن عبيد (٢). وطريق الرد على هؤلاء إنما هو ببيان أن كل معصية لا تدل على تكذيب الرسول فيما جاء به ؛ فإنها لا تكون كفرا على ما سيأتى تحقيقه فى الفصل الّذي بعده (٣).

وربّما قالت المعتزلة : الكفر عبارة عن فعل قبيح ، أو إخلال بواجب يستحق عليه أعظم العقاب ؛ وهو فاسد.

أما أولا : فلأنه مبنى على فاسد أصولهم ، فى استحقاق العقاب على المعاصى وهو باطل كما سبق (٤)

وأما ثانيا : فلأن انواع الكفر متفاوتة فى العقوبة ، فعقوبة الشّرك بالله تعالى ، وسبّه ، أعظم من عقوبة إنكار الرسالة ، وعقوبة إنكار الرّسالة أعظم من عقوبة الاستخفاف بالرّسول ، وهذا يوجب أن لا يكون إنكار الرسالة ، والاستخفاف بالرسول كفرا ، إذ لا يستحق عليه أعظم العقاب ؛ لأن عقاب الشّرك بالله ـ تعالى ـ ، وسبّ الله ـ تعالى ـ أعظم منه.

__________________

(١) انظر عنه وعن آرائه ما سيأتى ل ٢٤٤ / أوما بعدها.

(٢) انظر عنه وعن آرائه ما سيأتى ل ٢٤٤ / ب وما بعدها.

(٣) ولمزيد من البحث انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٥١ وما بعدها. شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٥١ وما بعدها. ومن كتب المعتزلة : شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦٩٥ وما بعدها وللمقارنة انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ، فقد ذكر آراء الفرق ، وناقشها ، ورد عليها بالتفصيل ص ٤١٣ وما بعدها.

(٤) انظر ما مر ل ٢٢٣ / ب وما بعدها.

فلئن قالوا : الكفر هو الّذي يستحق عليه عقابا ، أكثر من عقاب الفسق ؛ فلا يصحّ ؛ لأن / / الفسق أعم من الكفر ؛ فكل كفر فسوق ، وليس كل فسوق كفرا.

وعند ذلك : فلا يتميز عقاب الكفر عن عقاب الفسوق.

فلئن قالوا : أعظم من عقاب الفسوق الّذي ليس بكفر ، فقد أخذوا الكفر فى حد الكفر ، وتعريف الشيء بنفسه محال.

ومن قال الإيمان هو الإقرار باللّسان لا غير ، قال : الكفر هو ترك الإقرار ؛ وهو باطل من حيث أنه يوجب الحكم بالكفر على المصدق بالله ـ تعالى ـ بقلبه ، وما جاءت به رسله مع عدم تصريحه بالإقرار لفظا ؛ لمانع يمنع منه ؛ وهو خلاف قاعدة الدين ، واجماع المسلمين.

ومن قال الإيمان هو المعرفة بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان.

قال : الكفر هو الإخلال بأحد هذه الأمور الثلاثة ، فمن لم يكن عارفا بالله ـ تعالى ـ وإن أقر باللسان ، وعمل بالأركان ؛ فهو كافر ، وكذلك من كان عارفا بالله ـ تعالى ـ ومقرا بلسانه غير أنه غير عامل بالأركان ؛ فهو كافر.

وعلى هذا النحو ـ وهو خطأ ـ فإن من كان مصدقا بالله وما جاءت به رسله ، وان أخلّ بشيء من الإيمان بالأركان ، أو بجملتها تهاونا ، وكسلا ، لا بطريق الجحود لها ؛ فإنه لا يكون كافرا.

ولهذا فإن السلف من الأمة مجمعة على أنّ مثل هذا الشّخص لو أتى بعبادة من العبادات ؛ لصحت منه ، وأنه يساهم المسلمين فى الغنيمة ، وشهود المشاهد ، وأنه يغسّل ، ويصلى عليه ، ويدفن فى مقابر المسلمين ، ولو كان كافرا ؛ لما كان كذلك بإجماع الأمة.

ومن قال الإيمان هو التصديق بالقلب بالله ـ تعالى ـ / وما جاءت به رسله قال : الكفر هو التكذيب بشيء مما جاء به الرّسول. وهذا هو اختيار الإمام الغزالى (١) ؛ وهو باطل بمن ليس بمصدق ، ولا مكذب لشيء مما جاء به الرّسول.

__________________

/ / أول ل ١٣٧ / ب.

(١) انظر قواعد العقائد ص ١٢٩. وراجع ترجمة الغزالى فيما مر فى هامش ل ١٢٢ / أمن الجزء الأول.

فإنه كافر بالاجماع ، وليس بمكذب ، ويبطل أيضا بأطفال الكفار ، ومجانينهم ، فإنهم كفار وليسوا مصدّقين ، ولا مكذبين ، لما جاء به الرّسول.

والأقرب فى ذلك أن يقال : الكفر عبارة عما يمنع المتصف به من الآدميين عن مساهمة المسلمين ، فى شيء من جميع الأحكام ، المختصة بهم ، وذلك كالقضاء ، والإمامة ، وحضور المشاهد ، وقسمة الغنيمة ، والصلاة علي الجنازة ، والدفن فى مقابر المسلمين ، وصحّة العبادة إلى غير ذلك من الأحكام ، وهو مطرد منعكس ، لا غبار عليه ، وكل ما سواه مما قيل فلا يخلو عن ناقض ، ومفسد ، يرد عليه كما حققناه.

الفصل الثالث

فى أن العاصى من أهل القبلة

هل هو كافر ، أم لا؟

وقد اختلف المسلمون فى ذلك.

فذهبت المرجئة (١) : إلى أن مقارف الكبيرة مؤمن وليس بكافر ، وهل يسمى فاسقا ، اختلفوا فيه.

فمنهم من قال : إنه ليس بفاسق أيضا. وأن الإيمان بالله ـ تعالى ـ يمحص كل ذم ، ولائمة ، والوصف بالفسق من أعظم وجوه الذّم ، واللّوم.

ومنهم من قال : إنه يسمّى فاسقا.

ومنهم من فصل وقال : يسمى فاسقا ما دام ملابسا لكبيرة ؛ ولا يسمى بذلك بعد تصرّمها.

ومنهم من قال بتسميته فاسقا فى الدنيا ، دون الأخرى ، وسواء تاب عنها ، أو لم يتب.

واختلفوا فى جواز الارتداد عليه : فمنهم من جوزه ، ومنهم من منعه.

وأما الخوارج (٢) : فلقد اتفقوا على أن مقارف الكبيرة كافر ؛ لكن اختلفوا. فذهبت البكرية منهم إلى أنه منافق ، وهو أشد من الكافر ، وقد نقل هذا المذهب عن الحسن البصرى أيضا.

وذهبت طائفة منهم إلى أنه كافر ، لا بمعنى أنه مشرك ؛ بل بمعنى أنه كافر بأنعم الله ـ تعالى ـ غير مؤد لشكره.

__________________

(١) عن المرجئة وفرقها ورأيهم فى هذا المسألة بالتفصيل راجع ما سيأتى فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل ٢٥٤ / ب وما يأتى بعدها.

(٢) عن الخوارج وفرقهم ورأيهم فى هذه المسألة بالتفصيل انظر ما سيأتى فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل ٢٥٢ / أوما يأتى بعدها.

وأما المعتزلة (١) : فإنهم قسموا المعصية إلى ما يكفر المكلف بها ، وإلى ما يخرجه عن الإيمان من غير اتصاف بكفر ؛ بل بالفسق ، وإلى ما لا يخرجه عن الإيمان ، ولا يستوجب فاعلها مع تجنب الكبائر سمه الفسق.

وأما أصحابنا فإنهم قالوا : من ارتكب كبيرة من أهل الصلاة ، أو داوم على صغيرة ؛ فهو مؤمن ، وليس بكافر ؛ بل فاسق. ومن فعل صغيرة واحدة ؛ فهو عاص ؛ وليس بفاسق.

وإذ أتينا على شرح المذاهب بالتفصيل ؛ فلا بد من إبطال مذاهب المخالفين.

أما الرد على المرجئة : فى قولهم : إنّ مرتكب الكبيرة ليس بفاسق : فهو أنّ ما ذكروه على خلاف إجماع الأمة من السّلف ، والخلف على تسمية مرتكب الكبيرة فاسقا ، واتفاقهم على المنع من قبول شهادته واخباره / كيف وأنّ الفسق لا معنى له غير الخروج / / عن الطّاعة ومنه قوله تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٢) : أى خرج عن طاعة أمره. ومرتكب الكبيرة خارج عن الطاعة ، وسواء كان ذلك بترك واجب ، أو فعل محظور.

قولهم : إن الإيمان بالله ـ تعالى ـ يمحص كل ذم ولائمة ؛ فهو باطل بما سبق فى القاعدة السادسة (٣).

قولهم : إنّ من صحّ إيمانه لا يصحّ عليه الرّدة ؛ ليس كذلك. ودليله العقل والنص ، والإجماع.

أما العقل : فهو أنه لا يلزم من فرض ردة المؤمن محال فى ذاته ، ونفسه ؛ ولا معنى لصحة الرّدّة إلا هذا.

__________________

(١) قال القاضى عبد الجبار : موضحا رأى المعتزلة فى هذه المسألة : «صاحب الكبيرة له اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين. لا يكون اسمه اسم الكافر ، ولا اسمه اسم المؤمن وإنما يسمى فاسقا.

وكذلك فلا يكون حكمه ، حكم الكافر ، ولا حكم المؤمن ؛ بل يفرد له حكم ثالث ، وهذا الحكم الّذي ذكرناه هو سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين. فإنّ صاحب الكبيرة له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان ؛ فليست منزلته منزلة الكافر ، ولا منزلة المؤمن ؛ بل له منزلة بينهما».

(شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦٩٧).

وانظر آراء فرق المعتزلة بالتفصيل فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل ٢٤٤ / أوما بعدها.

/ / أول ل ١٣٨ / أ.

(٢) سورة الكهف ١٨ / ٥٠.

(٣) راجع ما مر ل ٢٦٨ / ب وما بعدها. (القاعدة السادسة ـ الفصل الثالث : فى أحكام الثواب والعقاب).

أما النص : فمن جهة الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ حكاية عن المؤمنين (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) (١) ولو لا أن ذلك جائز لما سألوا دفعه.

وأما السنة : فما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : يصبح المرء مؤمنا ، ويمسى كافرا» (٢).

وأما الإجماع : فهو أن الأمة لم تزل خلفا وسلفا يسألون الله ـ تعالى ـ أن يثبت قلوبهم على الإيمان ، وان لا يقدّرهم على الكفران ، ولو لم يكن ذلك جائزا ؛ لما سألوه دفعه عنهم.

وأما الرد على القائلين بكون مرتكب الكبيرة كافرا (٣) : فمن جهة المعقول ، والمنقول ، والحكم.

أما المعقول : فهو أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن ، وبيان كونه مؤمنا ، أنه متّصف بالإيمان. وبيان اتصافه بالإيمان. أنه متصف بالتصديق بالله ـ تعالى ـ ولا معنى للإيمان بالله تعالى غير التصديق به ؛ على ما تقدم. وإذا كان مؤمنا ؛ فلا يكون كافرا ؛ إذ الكفر ضد الإيمان وضد الإيمان ؛ لا يكون مجامعا للإيمان.

وأما المنقول : فمن جهة : النّص ، والإجماع :

أما النص : فما ذكرناه من النصوص الدالة على نفى الممانعة بين الإيمان ، وفعل الكبيرة

وأما الاجماع : فهو أن الأمة من السلف قبل ظهور المخالفين مجمعة على إيمان من صدرت عنه الكبيرة ، وعلى دخوله فى زمرة المؤمنين.

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ / ٨.

(٢) أخرجه الحاكم فى المستدرك ٤ / ٤٤٠ (كتاب الفتن ـ باب لا تقوم الساعة إلا على شرار من خلقه) والحديث بتمامه «إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح المرء فيها مؤمنا ، ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ، ويصبح كافرا». عن أبى موسى الأشعرى ، رضى الله عنه.

(٣) هم فرقة الخوارج : انظر عنهم ما سيأتى ل ٢٥٢ / أوما بعدها من الفصل الرابع من هذه القاعدة.

وأما الحكم : فهو أنّه تصح صلاته ، وزكاته ، وكل ما يأتى به من العبادات بالإجماع من المسلمين ، ولو كان كافرا ؛ لما صحت عبادته.

فإن قيل : الدليل على أن مرتكب الكبيرة منافق بالنص ، والمعقول :

أما النص : فمن جهة الكتاب ، والسنة.

وأما الكتاب : فقوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) إلى قوله تعالى (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) (١)

ووجه الاستدلال بالآية أنه ـ تعالى ـ وصف من نقض عهد الله بالنفاق ، وأيضا قوله تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢) دلّ على أن غير المنافق ؛ لا يكون فاسقا حيث أنه ذكر الفاسقين بصيغة الجمع المعرّف ، وهى لحصر الجهة فى المبتدأ ، ومرتكب الكبيرة فاسق. فلو لم يكن منافقا ، لكان من ليس / بمنافق ، فاسقا ، وهو خلاف ظاهر الآية.

وأما السّنة : فما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «علامة المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا وعد أخلف» (٣) ، وهو تصريح بأن من صدرت عنه هذه الخصال ، منافق.

وأما المعقول : فهو أنّ من وقر الإيمان بالله ـ تعالى ـ فى صدره ، وصدّق بوعده ووعيده ، وثوابه على الطاعة ، وعقابه على المعصية ، وعلم أنّ عذاب لحظة من عذاب الآخرة ، يزيد بأضعاف مضاعفة على نعيم الدّنيا ؛ فيعلم أنه لا يفعل لمقتضى نقيض ما يعلمه ، فإذا رأينا شخصا منهمكا على المعاصى ، متماديا على ارتكاب حرمات الله ـ تعالى ـ ؛ فنعلم أنه ما وقر الإيمان فى صدره ، وأنه غير مصدق بوعد الله ، ووعيده ؛ فلا يكون مؤمنا حقا ، وإن كان متشبها بالمؤمنين ؛ فيكون منافقا ، وان سلمنا أنه غير منافق ولكنّه كافر. ويدل عليه النص من الكتاب ، والسنة : ـ

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ٧٥ ـ ٧٧.

(٢) سورة التوبة ٩ / ٦٧.

(٣) رواه الإمام مسلم فى صحيحه (كتاب الايمان ـ باب خصال المنافق ٢ / ٤٧ عن أبى هريرة رضى الله عنه ونصه «علامات المنافق ثلاثة : إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان».

أما الكتاب : فقوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١). ومرتكب الكبيرة ، ليس بشاكر ؛ فيكون كفورا.

وبيان أنه غير شاكر ، أنّ الشّكر إما كثرة التّحدث بنعم الله ـ تعالى ـ على ما قال الله ـ تعالى ـ (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٢) وإما بإعمال الجوارح فى طاعة الله ـ تعالى ـ على ما قال الله ـ تعالى ـ (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) (٣) معناه اعبدونى ؛ ولتكن عبادتكم شكرا لى.

وأما الاعتراف بأنّ كل ما به من نعمة فمن الله على ما قال الله ـ تعالى ـ (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٤) والمنهمك على المعاصى لا يكون شاكرا بأحد هذه الاعتبارات ؛ فكان كافرا.

وأيضا قوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٥) وقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) وقوله تعالى (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٧). ومرتكب الكبيرة مجاز ؛ لما تقدّم ؛ فيكون كفورا ، وقوله ـ تعالى ـ (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٨) ومرتكب الكبيرة معذب ؛ لما تقدم ؛ فيكون مكذبا. والمكذب كافر ، وقوله ـ تعالى ـ (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٩) ومرتكب الكبيرة ممن يصلى النّار ، فكان مكذبا ، والمكذب كافر ، وقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) إلى قوله : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ

__________________

(١) سورة الانسان ٧٦ / ٣.

(٢) سورة الضحى ٩٣ / ١١.

(٣) سورة سبأ ٣٤ / ١٣.

(٤) سورة النحل ١٦ / ٥٣.

(٥) سورة المائدة ٥ / ٤٤.

(٦) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.

(٧) سورة سبأ ٣٤ / ١٧.

(٨) سورة طه ٢٠ / ٤٨.

(٩) سورة الليل ٩٢ / ١٤ ـ ١٦.

بِها تُكَذِّبُونَ) (١) ومرتكب الكبيرة ممن تخفّ موازينه ؛ فيكون مكذبا والمكذّب كافر ، وقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢) ووجه الاحتجاج به كما سبق فى الآية الأولى.

وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٣) والفاسق ييأس من روح الله ؛ فيكون كافرا ، إلى غير ذلك من الآيات التى سبق ذكرها.

وأما السنة : فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٤) ، وقوله عليه‌السلام ـ «بين العبد والكفر ترك الصلاة» (٥) ، وقوله عليه‌السلام / : من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» (٦) ، وقوله ـ عليه‌السلام ـ «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٧).

والجواب عن الآية الأولى : أنّه ليس فيها ، ما يدل على مذهب الخصم.

فإنّ مذهبه أن مرتكب الكبيرة حالة ارتكابه لها ، منافق ، والآية دالة على تعقب النفاق ؛ لنقض العهد ، واخلاف الوعد ، والمتعقب للشيء ؛ لا يكون حالة وقوع الشيء ، وقوله تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٨) دليل على أنّ كل منافق فاسق ، ولا ينعكس ؛ فلا يلزم أن يكون كل فاسق منافقا.

قولهم : إنه ذكر الفاسقين بصيغة الجمع المعرف ، وهى تحصر الخبر فى المبتدأ ؛ فهو مبنى على جوب صيغة العموم ، وهو غير مسلم ؛ على ما عرف من أصلنا.

وإن سلّمنا أن صيغة الجمع المعرف للتعميم ، غير أن الفسق ينقسم إلى : كامل : وهو فسق النفاق ، وإلى ما هو دونه : كفسق غير النفاق.

__________________

(١) سورة المؤمنين ٢٣ / ١٠٣ ـ ١٠٥.

(٢) سورة النور ٢٤ / ٥٥.

(٣) سورة يوسف ١٢ / ٨٧.

(٤) اخرجه ابن ماجه فى سننه ـ عن أبى الدرداء ـ رضى الله عنه (كتاب الفتن باب الصبر على البلاء) ١ / ١٣٣٥ بلفظ مقارب.

(٥) أخرجه مسلم فى صحيحه (كتاب الايمان ـ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة). ٢ / ٦٩ عن جابر ابن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة».

(٦) الحديث سبق تخريجه فى هامش ل ٢٣٧ / ب.

(٧) الحديث متفق عليه رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما. البخارى فى الحدود ـ باب الزنا وشرب الخمر ١٢ / ٥٠ ؛ ومسلم رقم ٥٧ فى الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ، ونفيه عن المتلبس بالمعصية. كما رواه أبو داود (رقم ٤٦٨٩) فى السنة ـ باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه.

(٨) سورة التوبة ٩ / ٦٧.

وعند هذا : فيجب حمل الآية على الفسق الكامل ، جمعا بينه ، وبين ما ذكرناه من الأدلة ، ويكون تقدير الآية : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١) بالفسق الكامل ، وما ذكروه من الخبر ؛ فقد قال علماء الأخبار : إنما ورد فى المنافقين فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويجب الحمل عليه جمعا بينه ، وبين ما ذكرناه من الأدلّة.

قولهم : إنّ من وقر الإيمان فى صدره ، لا يكون منهمكا على فعل المعاصى ـ ليس كذلك ؛ فإنّه لا يبعد ممّن وقر الإيمان فى صدره ، وعلم أنّ عذاب لحظة من الآخرة يزيد على نعيم الدنيا ، أن يقدم على المعصية اغترارا منه بما يتوقعه من كرم ربه ، وعفوه وصفحه عنه وإقلاعه عن المعصية بالتوبة ، والإنابة إلى الله ـ تعالى ـ على ما هو معلوم من حال كل عاص من المؤمنين ؛ ويدل عليه : فعل الصغائر ؛ فإنها وان دلت على مخالفة أمر الله ـ تعالى ـ ونهيه ، وتقديم اللّذات العاجلة على طاعة الله تعالى ، فلا تدل على أنّ فاعلها ليس بمؤمن بالإجماع ، وليس ذلك إلا لما ذكرناه فى فعل الكبيرة ،

كيف ..؟ وأن اسم النفاق مخصوص لمستبطن الكفر ، ومظهر ضدّه باجماع المسلمين ، وهو مشتق من النّافقاء (٢) ، وهو جحر من جحر اليربوع فى الأرض ، قد أعدّه للخروج منه إذا أتى عليه من الحجرة الظّاهرة ، ومرتكب الكبيرة ، غير مستبطن للكفر ولا معتقد لنقيض الحقّ ؛ فلا يكون منافقا.

فإن قيل : قد روى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ انه سأل حذيفة بن اليمان (٣) لما عرفه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ المنافقين وأسماءهم ، وقال له : هل عدنى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى المنافقين ولو كان النفاق عبارة عن استبطان الكفر ؛ فعمر ـ رضى الله عنه ـ كان يعلم من نفسه أنّه لم يكن مستبطنا للكفر ، فكيف تشكّك فى نفسه؟

قلنا : إنما سأل عن ذلك نظرا إلى المآل ، وخاتمة العمل علي ما جرت به العادة من وجل الأولياء / والصالحين من سوء العاقبة ، وما جرى به القلم فى السابقة ، امّا أن يكون ذلك لتشككه فى حال نفسه ، فى الحالة الرّاهنة ؛ فلا.

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ٦٧.

(٢) (المنافق) من يخفى الكفر ، ويظهر الإيمان ومن يضمر العداوة ويظهر الصداقة. (النافقاء) احدى جحرة اليربوع يكتمها ، ويظهر غيرها. وهو أصل النفاق. [المعجم الوسيط ـ باب النون]

(٣) هو أبو حذيفة بن حسل بن جابر العبسى ـ كان صاحب سرّ رسول الله فى المنافقين أعلمه بهم ، ولم يعرفهم لأحد غيره توفى سنة ٣٦ ه‍ (تهذيب التهذيب لابن حجر ٢ / ٢١٩)

وأمّا ما ذكروه من النّصوص : أما قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١) إنّما يلزم أن لو لم يكن مرتكب الكبيرة شاكرا ؛ وهو غير مسلم. ولا مانع مع ارتكابه الكبيرة أن يكون شاكرا ، بمعنى التحدّث بنعم الله تعالى عليه ، واعتقاده أنّ كل ما به من نعمة فمن الله ، على ما ذكروه.

وأما باقى النصوص : فقد سبق جوابها فيما تقدم والله أعلم.

__________________

(١) سورة الإنسان ٧٦ / ٣.

الفصل الرابع

فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟

وقبل النظر فى تحقيق الحق ، وإبطال الباطل من ذلك ، لا بد من الإشارة إلى فرق المخالفين ، وأرباب المقالات من الملّة الإسلامية ، والتنبيه على مقالة كل فريق ، وفى خلال ذلك يلوح الكفر من الإيمان.

فنقول : اعلم (١) أن المسلمين كانوا عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملة واحدة ، وعلى عقيدة واحدة ، غير من كان يبطن النفاق ، ويظهر الوفاق ـ ثم نشأ الخلاف فيما بينهم.

أولا : فى أمور اجتهادية ، كان غرضهم منها ، إقامة مراسم الشّرع ، وإدامة مناهج الدين ، لا توجب إيمانا ، ولا تكفيرا : وذلك كاختلافهم عند قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى مرض موته : (آتونى بداوة وقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا ..) حتى قال عمر ـ رضي الله عنه ـ إنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد غيبه الوجع حسبنا كتاب الله وكثر اللغط فى ذلك حتى قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «قوموا عنى لا ينبغى عندى التنازع» (٢). وكاختلافهم بعد ذلك فى التخلف عن جيش أسامة ، وقد قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «جهزوا جيش أسامة لعن من تخلف عنه» (٣). حتى قال قوم بوجوب الإتباع ، وقال قوم بالتخلف ، انتظارا لما يكون حال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى مرضه.

__________________

(١) جرت عادة المتكلمين وكتاب الفرق على ذكر أسباب افتراق الأمة ، ومنشأ الخلاف بينها وقد استفاد الآمدي ممن سبقه ، وأثّر فيمن أتى بعده. انظر : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ص ٣٤ وما بعدها. الفرق بين الفرق للبغدادى ص ٤ وما بعدها. والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢١ وما بعدها فقد اختصر الآمدي ما كتبه الشهرستانى فى الملل والنحل فى هذه المقدمة وانظر أيضا اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى (كله فى هذا الموضوع). والتبصير فى الدين لأبى المظفر الأسفراييني ص ١٢ وما بعدها. وممن استفاد من الآمدي ونقل عنه شارح المواقف الشريف الجرجانى فقد نقل نص الآمدي من أول قوله قائلا : «قال الآمدي : كان المسلمون عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. إلى قوله حتى تفرق أهل الإسلام وأرباب المقالات فيه إلى ثلاث وسبعين فرقة» (الأبكار ٢ / ل ٢٤٣ / ب إلى ل ٢٤٤ / أ). وهذا يؤكد ما ذهبت إليه من أنّ الإيجى لخص كتاب الأبكار فى كتابه المواقف. كما أن شارح المواقف الشريف الجرجانى قد اعتمد فى شرحه على الأبكار أيضا.

(٢) قارن بما ورد فى الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢٢ ، وتذييل شرح المواقف للجرجانى ص ١ والحديث فى الطبقات الكبرى ٢ / ٢٤٢ وما بعدها (باب فى ذكر الكتاب الّذي أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكتبه فى مرضه الّذي مات فيه) وقد رواه ابن سعد عن عمر رضي الله عنه.

(٣) قارن بما ورد فى الملل والنحل للشهرستانى فى ١ / ٢٣ ، وتذييل شرح المواقف ص ١ والحديث أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى بلفظ مقارب ٢ / ٤٨ وما بعدها باب ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مرضه لأسامة بن زيد.

وكاختلافهم بعد ذلك فى موته ، حتى قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : «من قال إنّ محمدا قد مات علوته بسيفى هذا ، وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم» ، وقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد إله محمد فإنّه حىّ لا يموت» (١) ، وقرأ قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (٢) .. الآية ؛ فرجع القوم إلى قوله.

وكاختلافهم بعد ذلك فى موضع دفنه بمكة ، أو المدينة ، أو القدس (٣) ، ثم فى الإمامة حتى قال الأنصار للمهاجرين منا أمير ، ومنكم أمير (٤) ، ثم فى حرمان الميراث عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما خلفه من فدك (٥) ، ودعوى فاطمة لذلك ، ودفعها عن الميراث بما روى عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه ، فهو صدقة (٦).

ثم بعد ذلك فى قتال ما نعى الزكاة حتى قال عمر ـ رضي الله عنه ـ كيف نقاتلهم وقد قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله ، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم» (٧) / فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : «أليس قد قال : «إلا بحقها» ومن حقها إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ثم قال : لو منعونى عقالا مما أدوه إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لقاتلتهم عليه ، ولو بابنتى هاتين (٨).

ثم اختلافهم بعد ذلك فى تنصيص أبى بكر على عمر بالخلافة (٩).

ثم بعد ذلك فى أمر الشورى (١٠) ، حتى استقر الأمر على عثمان.

__________________

(١) قارن بما ورد فى الملل ١ / ٢٣ ، وتذييل شرح المواقف ص ٢ والحديث أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى ٢ / ٢٦٦ وما بعدها.

(٢) سورة آل عمران ٣ / ١٤٤.

(٣) انتهى الخلاف فى الموضع الّذي يدفن فيه الرسول ـ عليه‌السلام ـ عند ما ذكروا بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الأنبياء يدفنون حيث يموتون». والّذي ذكرهم به أبو بكر رضي الله عنه.

(٤) وقد انتهى الخلاف فى الإمامة بعد أن ذكرهم أبو بكر رضي الله عنه بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الأئمة من قريش».

(٥) فدك : قرية شمال المدينة المنورة ، كانت لليهود ، ولما انهزم يهود خيبر ؛ سلم يهود فدك قريتهم للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدون قتال ، وكانت فيئا له ينفق منها على نفسه ، وعلى بنى هاشم.

(٦) الحديث فى صحيح البخارى ٦ / ٢٢٧ كتاب فرض الخمس ـ عن عائشة رضي الله عنها «أنّ فاطمة عليها‌السلام ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مما أفاء الله عليه» [الحديث ٣٠٩٢].

[٣٠٩٣] فقال لها أبو بكر : إن رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] قال : لا نورث. ما تركناه صدقة» فغضبت فاطمة بنت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فهجرت أبا بكرك فلم تزل مهاجرته ، حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ستة أشهر ، قالت : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من خيبر ، وفدك ، وصدقته بالمدينة ؛ فأبى أبو بكر عليها ذلك».

(٧) متفق علي صحته رواه البخارى ومسلم.

(٨) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٢٩٧ / أ.

(٩) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠١ / أوما بعدها.

(١٠) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٦ / أوما بعدها.

ثم اختلافهم فى قتل عثمان (١) ، واختلفوا فى خلافة على (٢) ومعاوية ، وما جرى فى وقعة الجمل ، وصفين إلى غير ذلك.

ثم اختلافهم أيضا فى بعض الأحكام الفرعية : كاختلافهم فى الكلالة (٣) وميراث الجد مع الإخوة والأخوات ، وعقل الأصابع ، وديات الأسنان إلى غير ذلك من الأحكام ، ولم يزل الأمر فى الخلاف يتدرج إلى آخر أيام الصحابة حتى ظهر معبد الجهنى (٤) ، وغيلان الدمشقى (٥) ، ويونس الأسوارى (٦) ، وخالفوا فى القدر ، ومنعوا من إضافة الخير والشر ، إلى الله ـ تعالى ـ وإلى تقديره ، ولم يزل الخلاف يتشعب ، والآراء تختلف ، حتى تفرق الإسلام ، وأرباب المقالات فيه ، إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وكان ذلك من معجزات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حيث وقع ما أخبر به قبل وقوعه حيث قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا واحدة ، قالوا يا رسول الله : من الملّة الواحدة التى تنقلت قال : ما أنا عليه وأصحابى» (٧).

__________________

(١) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٨ / أوما بعدها.

(٢) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٨ / ب وما بعدها.

(٣) الكلالة : من مات ولا والد له ، ولا ولد ، قال تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة النساء ٤ / ١٧٦.

(٤) معبد الجهنى : هو معبد بن خالد الجهنى البصرى ـ ولد بالبصرة ، وتنقل بين دمشق ، والمدينة المنورة ، وهو أول من تكلم فى القدر. فقد رأى من يتعلل فى المعصية بالقدر ؛ فأراد أن يرد عليه ، ولكنه أخطأ وقال : «لا قدر والأمر أنف» ، فنبذه الصحابة ، والتابعون ، وقتله الحجاج بعد سنة ثمانين. (العبر ١ / ٩٢ ـ البداية والنهاية ٩ / ٤٤ ـ ميزان الاعتدال ٣ / ١٨٣)

(٥) هو أبو مروان غيلان بن مروان بم مسلم الدمشقى ، أخذ القول فى القدر عن معبد الجهنى ، وله فرقة تنسب إليه (الغيلانية) من المرجئة قتله هشام بن عبد الملك عند ما تولى الخلافة (لسان الميزان ٤ / ٤٢٤ ـ الانتصار للخياط ص ١٨٩).

(٦) الأسوارى : هو أبو على الأسوارى : كان من أتباع أبى الهذيل العلاف ثم انتقل إلى مذهب النظام وهو شيخ الأسوارية من المعتزلة ، عدّ من الطبقة السابعة (طبقات المعتزلة ص ٧٢ ، الفرق بين الفرق ١٦٥ ، الانتصار ص ٤٨) وانظر عنه أيضا ما سيأتى ل ٢٤٥ / أ.

(٧) قارن بما ورد فى الفرق بين الفرق للبغدادى ، الّذي اهتم بهذا الحديث وخصص له الباب الأول من كتابه فقال :

«الباب الأول : فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الأمة» قال : وللحديث الوارد على افتراق الأمة أسانيد كثيرة وقد رواه عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جماعة من الصحابة : كأنس بن مالك ، وأبى هريرة وأبى الدرداء ، وجابر وأبى سعيد الخدرى ، وأبى بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبى أمامة ، ووائلة بن الأسقع ، وغيرهم وقد ورد هذا الحديث بعدة ألفاظ. وما هنا فقد أخرجه أبو داود فى سننه ٢ / ٥٠٣ عن أبى هريرة رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي فى سننه ٥ / ٢٥ عن أبى هريرة أيضا ، وقال عنه هذا حديث حسن صحيح. وقد ذكر صاحب الفرق بين الفرق رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ليأتين على أمتى ما أتى على بنى إسرائيل ، تفرّق بنوا إسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين ملة ، تزيد عليهم ملة ، كلهم فى النار لا ملة واحدة ، قالوا : يا رسول الله وما الملة التى تتغلب؟ قال : ما أنى عليه وأصحابى». كما ذكر رواية ثالثة عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن بنى إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا واحدة وهى الجماعة».

والوجه فى تفصيل هذه الفرق أن نقول :

أما كبار الفرق الإسلامية فثمانية : المعتزلة ، والشيعة والخوارج ، والمرجئة والنجّارية ، والجبرية ، والمشبهة ، والفرق الناجية.

أما المعتزلة :

ويسمون أنفسهم أصحاب العدل ، ويلقبون بالقدرية.

أما تسميتهم معتزلة : فلاعتزال أصلهم ـ وهو / / واصل بن عطاء (١) ـ عن مجلس الحسن البصرى (٢) ، وتفرده بأن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ، ولا كافر ، وإثباته للمنزلة بين المنزلتين.

وأما تسميتهم : أصحاب العدل : فلاتفاقهم على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصّلاح ، والخير ، ووجوب رعاية الحكمة فى أفعاله ، وسموا ذلك عدلا.

وأما تسميتهم بالقدرية : فلاسنادهم أفعال المختارين إلى قدرهم ، ومنعهم من إضافتها إلى قدرة الله تعالى ـ ، وقد قال عليه‌السلام : «القدرية مجوس هذه الأمة» (٣). وقال عليه الصلاة والسلام : «القدرية خصماء الله فى القدر». وربما زعموا أن القدرى هو من يقول القدر خيره ، وشره من الله تعالى ، هربا من شنيع هذه الوصمة ، وهو بعيد ، فإنه عليه الصلاة والسلام وصف القدرية بأنهم : «خصماء الله» ، ولا خصومة فى حق من يقول بالتسليم ، والرضا ، والتوكل ، وإحالة الأمور كلها على القدر المحتوم.

__________________

/ / أول ل ١٣٨ / ب.

(١) هو أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال ، كان تلميذا للحسن البصرى ، وهو مؤسس فرقة المعتزلة ، ورئيسها الأول ، لقب بالغزال ؛ لأنه كان يلازم الغزالين ؛ ليعرف المتعففات من النساء ، فيجعل صدقته لهن ، ولد فى سنة ٨٠ ه‍ وتوفى سنة ١٣١ ه‍ (الكامل للمبرد ٣ / ٩٢١ ـ معجم المؤلفين ١٣ / ١٥٩).

(٢) هو أبو سعيد : الحسن بن يسار البصرى ، إمام أهل البصرة ، ولد فى خلافة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وتوفى فى سنة ١١٠ ه‍ (العبر ١ / ١٣٦ ، مروج الذهب ٣ / ٢١٤).

(٣) تكملة الحديث : «إن مرضوا فلا تعودهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» ومن أسماء المعتزلة وألقابهم التى أطلقوها على أنفسهم : ١ ـ أهل التوحيد ٢ ـ أهل العدل.

ومن الألقاب التى أطلقها خصومهم عليهم وردوها :

١ ـ القدرية ٢ ـ الثنوية المجوسية ٣ ـ الجهمية ٤ ـ مخانيث الخوارج ٥ ـ مخانيث الفلاسفة ٦ ـ الوعيدية ٧ ـ المعطلة.

وقد اتفقوا على أن القدم (١) أخص وصف الإله تعالى ، وعلى نفى الصفات القديمة عن ذاته (٢) ، وأن كلامه محدث مخلوق من حرف وصوت (٣) ، وأنه غير مرئى بالأبصار فى الآخرة (٤) ، وأنه يجب عليه رعاية الحكمة فى أفعاله (٥) ، وعلى التحسين والتقبيح العقلى (٦) ، وعلى أن العبد إذا خرج من الدنيا مطيعا تائبا استحق الثواب وجوبا (٧) ، إن خرج مرتكب الكبيرة من الدنيا من غير توبة استحق الخلود فى النار ، على ما سبق (٨).

/ كل ذلك وإبطاله فى مواضعه ، ثم افترقوا بعد ذلك عشرين فرقة يكفر بعضهم بعضا.

الفرقة الأولى : الواصلية (٩) :

أصحاب واصل بن عطاء الغزّال ، قالوا بنفى صفات الباري ـ تعالى ـ وبالقدر وامتناع إضافة الشر إلى أفعال الله ـ تعالى ـ وبالمنزلة بين المنزلتين ، والحكم بتخطئة أحد الفريقين وتفسيقه لا بعينه من عثمان ، وقاتليه ، وجوزوا أن يكون عثمان لا مؤمنا ، ولا

__________________

(١) انظر رأى المعتزلة ورد الآمدي عليهم بالتفصيل فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ل ٥٣ / أوما بعدها

(٢) تحدث الآمدي عن موقف المعتزلة من الصفات ورد عليهم بالتفصيل فى القاعدة الرابعة النوع الثانى : ل ٥٣ / أوما بعدها.

(٣) انظر أبكار الأفكار الجزء الأول : القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى المسألة الخامسة : فى إثبات صفة الكلام لله تعالى ل ٨٢ / ب وما بعدها.

(٤) انظر الجزء الأول من الأبكار القاعدة الرابعة ـ النوع الثالث ـ المسألة الثانية : فى رؤية الله ـ تعالى ـ ١٢٣ / أوما بعدها.

(٥) انظر الجزء الأول من الأبكار ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس المسألة الثالثة : فى أنه لا يجب رعاية الغرض ل ١٨٦ / ب وما بعدها.

(٦) انظر الجزء الأول من الأبكار ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ المسألة الأولى : في التحسين والتقبيح ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٧) انظر الجزء الثانى من الأبكار ـ القاعدة السادسة ـ الأصل الثانى ـ الفصل الأول : فى استحقاق الثواب والعقاب ل ١٩٢ / ب وما بعدها.

(٨) الجزء الثانى من الأبكار ـ القاعدة السابعة ـ الفصل الثالث ـ فى أن العاصى من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ ل ٢٤١ / ب.

(٩) عن فرقة الواصلية بالإضافة لما ورد هاهنا. انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٤٦ ، والفرق بين الفرق لبغدادى ص ١١٧ وما بعدها واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٠ ، والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٤٠ وشرح المواقف (التذييل) ص ٦ وما بعدها تحقيق الدكتور أحمد المهدى.

كافرا ؛ لأن أحد الفريقين فاسق عندهم لا بعينه ، والفاسق ليس مؤمنا عندهم ، ولا كافرا ، وجوزوا أن يكون عثمان مخلدا فى النار ، وكذلك الحكم فى على ومقاتليه فى وقعة الجمل ، وصفين ، وحكموا بأن عليا ، وطلحة ، والزبير بعد وقعة الجمل لو شهدوا على باقة بقل ، لا تقبل شهادتهم ، كما لا تقبل شهادة المتلاعنين.

الفرقة الثانية : العمروية (١) :

أصحاب عمرو بن عبيد (٢) ومذهبهم كمذهب الواصلية ، إلا أنهم فسقوا الفريقين معا.

الفرقة الثالثة : الهذلية (٣) :

أصحاب أبى الهذيل (٤) العلاف ، ومن مذهبهم فناء مقدورات الله تعالى ، وأن أهل الخلدين يصيرون إلى سكون دائم ، ثم خمود ، لا يقدر الله تعالى ـ فى تلك الحالة على شيء ولا أهل الخلدين ـ مع صحة عقولهم ـ يقدرون على شيء. ولذلك سمى المعتزلة أبا الهذيل ، جهمى الآخرة ، وأن الله ـ تعالى ـ عالم بعلم هو ذاته ، وأنه قادر بقدرة هى ذاته ، وأنه مريد بإرادة لا محل لها ، وأن بعض كلام الله ـ تعالى ـ لا محل له وهو قوله : كن ، وبعضه فى محل : كالأمر ، والنهى ، والخبر ، والاستخبار ، وأن إرادته ـ تعالى ـ غير المراد ، وأن الحجة لا تقوم ـ فيما غاب ـ إلا بخبر عشرين فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر ، وكل هذه القواعد قد أبطلناها فيما تقدم (٥).

__________________

(١) عن هذه الفرقة بالإضافة إلي ما ورد هنا. انظر الفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٢٠ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٢. اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٠ وشرح المواقف [التذييل] ص ٧.

(٢) هو أبو عثمان : عمرو بن عبيد بن باب البصرى. صحب الحسين البصرى ، ثم اعتزله مع واصل بن عطاء توفى سنة ١٤٢ ه‍ ورثاه أبو جعفر المنصور الخليفة العباسى. [العبر ١ / ١٩٣ ، مروج الذهب ٣ / ٣١٣].

(٣) عن هذه الفرقة :

انظر الملل والنحل ١ / ٤٩ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ١٢١ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٢ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤١ وشرح المواقف (التذييل) ص ٧.

(٤) هو محمد بن الهذيل المعروف بالعلاف ولد فى البصرة سنة ١٣١ ه‍ واختلف فى وفاته والأرجح أنه توفى سنة ٢٣٥ ه‍ وهو شيخ المعتزلة البصريين ، ويعتبر المؤسس الثانى لمذهب المعتزلة بعد واصل بن عطاء. وإنما قيل له العلاف ؛ لأن داره بالبصرة كانت فى العلافين وهو من الموالى. من أهل البصرة. وقد عده القاضى من رجال الطبقة السادسة (وفيات الأعيان ٣ / ٣٩٦ ، الفرق بين الفرق ص ١٢١ وما بعدها وطبقات المعتزلة ص ٤٤).

(٥) ارجع إلى الجزء الأول من الأبكار ، فقد رد الآمدي على أصحاب هذه الفرقة بالتفصيل.

الفرقة الرابعة : النّظّاميّة (١) :

أصحاب إبراهيم بن سيار النّظام (٢). ومن مذهبهم أن الله ـ تعالى ـ لا يوصف بالقدرة على الشرور ، وأنه لا يقدر أن يفعل بعباده فى الدنيا ما لا صلاح لهم فيه ، ولا أن يزيد فى عذاب أهل النار شيئا ، ولا ينقص منه ، وكذلك نعيم أهل الجنة ، وأن معنى كون البارئ مريدا لأفعاله ، أنه خالقها ، مريدا ولأفعال العباد ، أنه أمر بها ، وأن الإنسان فى الحقيقة الروح ، والبدن آلتها ، وأن الطعوم ، والروائح ، والأصوات ، والألوان أجسام ، وأن الجوهر مؤلف من الأعراض ، وأن العلم مثل الجهل ، والكفر مثل الإيمان ، وأن الله ـ تعالى ـ خلق جميع المخلوقات دفعة واحدة ، وأنه لم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده وإنما التقدم والتأخر فى الكمون (٣) ، والظهور ، وأن نظم القرآن ليس بمعجز ، وأن العباد قادرون على الإتيان بمثل القرآن وأفصح منه ، وأن التواتر الّذي لا يحصى عددا يجوز أن يكون كذبا ، وأن الإجماع ، والقياس ليس بحجة.

وقالوا بالطفرة (٤). والميل إلى الرفض ، وأن الإمامة لا تكون إلا (٥) بالنص ، وأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ / نصّ على عليّ غير أن عمر كتم ذلك. وأن من خان فيما دون الزكاة ، أو ظلم به أنه / / لا يفسق ، وكل هذه الأقاويل فقد سبق إبطالها.

__________________

(١) انظر فى شأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا.

الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٣ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٣١ وما بعدها واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤١ والتبصير فى الدين ص ٤٣. وشرح المواقف (التذييل ص ٩.

(٢) هو أبو إسحاق : إبراهيم بن سيار المعروف بالنّظام وهو شيخ النّظامية وهو ابن أخت أبى الهذيل العلاف. كما كان شيخا للجاحظ ، اطلع على كتب الفلاسفة ، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة ، وهو معدود من أذكياء المعتزلة ، وذوى النباهة فيهم توفى ما بين سنة ٢٢١ ه‍ وسنة ٢٣١ ه‍.

ا طبقات المعتزلة ص ٤٩ وما بعدها والعبر ١ / ٣١٥ والأعلام ١٠ / ٣٦].

(٣) نظرية الكمون ، والظهور قال بها الفلاسفة الطبيعيون وقال بها النّظام أيضا : فمن مذهبه : أن الله ـ تعالى ـ خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هى عليه الآن معادن ، ونباتا ، وحيوانا ، وإنسانا ، ولم يتقدم خلق آدم عليه‌السلام على خلق أولاده ، غير أن الله ـ تعالى ـ أكمن بعضها فى بعض ؛ فالتقدم والتأخر ، إنما يقع فى ظهورها من مكامنها ، دون حدوثها ، ووجودها. (الملل والنحل ١ / ٥٦).

(٤) الطفرة بمعنى الوثبة : أى أن الجسم الواحد يمكن أن يكون فى مكان ثم يصير إلى مكان ثالث ، دون أن يمر بالثانى ، وقد أحدث هذا القول النظام. وقد خالفه أكثر المتكلمين ، وردوا عليه.

انظر ما مر من أبكار الأفكار ل ٥٩ / ب وما بعدها من القاعدة الرابعة ـ الجزء الثانى ـ والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٥ ، ٥٦.

(٥) مال النظام إلى قول الرافضة ، وطعن فى كبار الصحابة وقال إن الإمامة بالنص ، والتعيين ، وقد نص الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على علي ـ رضي الله عنه ـ فى مواضع ، وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة إلا أن عمر كتم ذلك ، وهو الّذي تولى البيعة لأبى بكر يوم السقيفة وطعن فى الإمامة عمر ـ وقال عنه أشياء لا تصح. (الملل والنحل ١ / ٥٧).

/ / أول ل ١٣٩ / أمن النسخة ب.

وقولهم : إن الإمامة لا تثبت بغير النص فسيأتى إبطاله (١).

وقولهم : إن من خان فيما دون نصاب الزكاة لا يكون فاسقا ؛ فهو خلاف الإجماع.

الفرقة الخامسة : الأسوارية (٢) :

أصحاب الأسوارى (٣) ومذهبهم كمذهب النظامية ، وزادوا عليهم بأن الله تعالى ـ لا يقدر على ما علم أنه لا يفعله ، أو أخبر أنه لا يفعله ، وأن الإنسان قادر عليه وما زادوا به ؛ فقد بينا أن حاصل الخلاف فيه راجع إلى العبارة دون المعنى.

الفرقة السادسة : الإسكافية (٤) :

أصحاب أبى جعفر الإسكافى (٥) : ومن مذهبهم أن الله تعالى ـ لا يقدر على ظلم العقلاء ، وإنما يقدر على ظلم الأطفال ، والمجانين ، وهو مبنى على تصور الظلم منه ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم.

الفرقة السابعة : الجعفرية (٦) :

وهم أصحاب جعفر بن مبشر (٧) ، وجعفر بن حرب (٨) ، وافقوا الإسكافية. وزاد جعفر بن مبشر بأن قال فى فساق الأمة : هم شر من الزنادقة ، والمجوس ، وأن إجماع الأمة على حد شارب الخمر كان خطأ ، وأن سارق حبة واحدة منخلع عن الإيمان وهذا أيضا مما سبق إبطاله.

__________________

(١) انظر ما سيأتى ل ٢٧٤ / أوما بعدها.

(٢) انظر : الانتصار للخياط ص ٥٨ ، والفرق بين الفرق ص ١٥١. والتبصير فى الدين ص ٤٤ وما بعدها وشرح المواقف (التذييل) ص ١١.

(٣) سبقت ترجمته فى أول الفصل ه ل ٢٤٤ / أ.

(٤) عن فرقة الإسكافية بالإضافية لما ورد هاهنا. انظر الفرق بين الفرق ص ١٦٩ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٨ وما بعدها وشرح المواقف (التذييل) ص ١١.

(٥) محمد بن عبد الله الإسكافى ، البغدادى ، المعتزلى (أبو جعفر) متكلم من معتزلة الطبقة السابعة له تصانيف كثيرة فى علم الكلام توفى سنة ٢٤٠ ه‍ [تاريخ بغداد ٥ / ٤١٦ ، طبقات المعتزلة ص ٧٨. معجم المؤلفين ١٠ / ٢٠٠].

(٦) عن الجعفرية بالإضافة لما ورد هاهنا :

انظر الفرق بين الفرق ص ١٦٧ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٤٧ ، ٤٨. وشرح المواقف (التذييل) ص ١٢.

(٧) جعفر بن مبشر بن أحمد الثقفى من كبار رجال الطبقة السابعة من المعتزلة البغداديين توفى سنة ٢٣٤ ه‍ (طبقات المعتزلة ص ٧٦ ، ٧٧ ، والأعلام ٢ / ١٢٦).

(٨) جعفر بن حرب الهمذانى من رجال الطبقة السابعة ، ومن أئمة المعتزلة البغداديين توفى سنة ٢٣٦ ه‍ (تاريخ بغداد ٧ / ١٦٢ ومعجم المؤلفين ٣ / ١٦٣).

الفرقة الثامنة : البشرية (١) :

أصحاب بشر بن المعتمر (٢) ومن مذهبهم أن الألوان ، والطعوم ، والإدراكات ، وغير ذلك من الأعراض ، يجوز أن تقع متولدة فى الجسم من فعل الغير ، وأن الاستطاعة هى سلامة البنية ، وصحة الجوارح ، وتعريها عن الآفات ، وقد سبق إبطال ذلك ، وقالوا أيضا إن الله ـ تعالى ـ قادر على تعذيب الطفل ظلما له ، وأنه لو فعل ذلك ؛ لكان الطفل عاقلا ، بالغا ، عاصيا ، مستحقا للعقاب ، وكأنه يقول إن الله ـ تعالى ـ يقدر أن يظلم ، ولو ظلم لكان عادلا ؛ وهو فى غاية التناقض.

الفرقة التاسعة : المردارية (٣) :

أصحاب عيسى بن صبيح (٤) المكنى بأبى موسى المردار وهو تلميذ بشر بن المعتمر ، ومن مذهبهم أن الله تعالى قادر أن يكذب ويظلم ، ولو كذب وظلم ، لكان إلها كاذبا وظالما [(٥) تعالى الله وتقدست ذاته العلية عما يقولون علوا كبيرا (٥)] وأنه يجوز وقوع فعل من فاعلين بطريق التولد.

وأن الناس قادرون على مثل القرآن ، وأحسن منه نظما ، وأن من لابس السلطان ، كافر لا يرث ، ولا يورث منه (٦) وأن من قال برؤية الله ـ تعالى ـ وأن أفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ؛ كافر ؛ وكل ذلك باطل بما سبق.

__________________

(١) البشرية : لمزيد من البحث والدراسة عن البشرية : انظر الملل والنحل ١ / ٦٤ ، ٦٥ ، والفرق بين الفرق ص ١٥٦ وما بعدها. والتبصير فى الدين ص ٤٥ ، ٤٦ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٢. وشرح المواقف (تذييل) ص ١٢.

(٢) بشر بن المعتمر البغدادى (أبو سهل) الهلالى من أهل بغداد ويقال : بل من أهل الكوفة. كان رئيسا لمعتزلة بغداد فى عصره وكان شاعرا ، وله قصيدة أربعون ألف بيت ردّ فيها على المخالفين اختلف فى تاريخ وفاته : فقيل مات ببغداد سنة ٢١٠ ه‍ ، وقيل سنة ٢٢٦ ه‍ (طبقات المعتزلة ص ٥٢ ـ ٥٤ ، الأعلام ٢ / ٢٨).

(٣) المردارية : لمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة : انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٦٨ وما بعدها. والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٦٤ وما بعدها. والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٤٧. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٢ ، وشرح المواقف (تذييل) ص ١٣.

(٤) هو أبو موسى : عيسى بن صبيح ، ولقبه المردار. يلقب براهب المعتزلة أخذ الاعتزال عن بشر بن المعتمر ، وهو من رجال الطبقة السابعة من المعتزلة وعنه انتشر الاعتزال ببغداد توفى حوالى سنة ٢٢٦ ه‍. (المنية والأمل ص ٣٩ ، والتبصير فى الدين ص ٤٧).

(٥) إضافة من الهامش رأيت من الواجب إضافتها.

(٦) (منه) ساقط من ب.

الفرقة العاشرة : الهشامية (١) :

أصحاب هشام بن عمر الفوطى (٢) ومن مذهبهم الامتناع من إطلاق اسم الوكيل على الله ـ تعالى ـ ، وهو خلاف نص القرآن ؛ لظنهم أن الوكيل يستدعى موكلا ، وليس كذلك بل الوكيل بمعنى الحفيظ ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٣) ، أى / حفيظ والامتناع من إطلاق القول بأن الله ـ تعالى ـ ألف بين قلوب المؤمنين ، وهو خلاف قوله تعالى : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) (٤) ، وأن الأعراض لا تدل على الله تعالى ـ ، ولا على أحد من رسله ، ويلزمه على ذلك أن فلق البحر ، وقلب العصا حية ، وإحياء الموتى ، لا يكون دليلا على صدق من ظهر على يده ، وأنه لا دلالة فى القرآن ، على حكم من الحلال ، والحرام ؛ وهو محال ، مخالف للدليل ، والإجماع.

وقالوا أيضا : إن الإمامة لا تنعقد فى حالة الاختلاف ؛ بل (٥) فى حال الوفاق ، وأن عليا لم تنعقد إمامته لوقوع العقد معه حالة الاختلاف (٥) ؛ وهو خلاف الإجماع ، وأن الجنة ، والنار غير مخلوقين الآن ، وقد أبطلناه (٦) ، وإنكار حضار عثمان ، وقتله بالغيلة ، وهو خلاف ما شوهد ونقل ، وأن من افتتح الصلاة بشروطها ، ثم أفسدها فى آخرها ، كان أول صلاته معصية ، منهيا عنها ؛ وهو خلاف الإجماع.

الفرقة الحادية عشرة : الصالحية (٧) :

أصحاب الصالحى ، ومن مذهبهم جواز وجود العلم ، والقدرة ، والإرادة ، والسمع والبصر في الميت ، ويلزمهم من ذلك جواز أن يكون الناس أمواتا ، مع هذه الصفات ، وأن لا يكون الله تعالى حيا أيضا ، وأنه يجوز خلو الجواهر عن الأعراض.

__________________

(١) عن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هنا : انظر الملل والنحل ١ / ٧٣ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ١٥٩ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٤٦ ، ٤٧ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٣ ، وشرح المواقف (التذييل) ص ١٣.

(٢) هو هشام بن عمرو الشيبانى من أهل البصرة ، ومن رجال الطبقة السادسة ، وكانت له منزلة عند الخاصة والعامة توفى سنة ٢٢٦ ه‍ (المنية والأمل ص ٥٤ ، طبقات المعتزلة ص ٦١ والفرق بين الفرق ص ١٥٩ وما بعدها).

(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٦٦.

(٤) سورة الأنفال : ٨ / ٦٣.

(٥) من أول (بل فى حال .... إلى حالة الاختلاف) ساقط من ب.

(٦) راجع ما مر ل ٢١٧ / ب وما بعدها.

(٧) ذكر صاحب المواقف هذه الفرقة ضمن. فرق المعتزلة متابعا للآمدى وموضحا أنهم أصحاب الصالحى. أما الشهرستانى فنسبهم إلى صالح بن عمر الصالحى ، وذكر أنه ممن جمع بين القدر ، والإرجاء وتحدث عنهم ضمن فرق المرجئة (الملل والنحل ١ / ١٤٥. وشرح المواقف (التذييل) ص ١٥).

الفرقة الثانية عشرة : الحابطية (١) :

أصحاب أحمد بن حابط من أصحاب النّظّام ، ومن مذهبهم أن للعالم إلهين خالقين. أحدهما قديم ، والآخر محدث ، وأن المسيح هو الّذي يحاسب الناس فى الآخرة ، وأنه المراد بقوله / / تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢) وأنه الّذي يأتى فى ظلل من الغمام ؛ وهو المعنى بقوله عليه‌السلام : «إنّ الله خلق آدم على صورته» (٣) ، وبقوله : «يضع الجبار قدمه فى النار» (٤) وأنه إنما سمى المسيح ؛ لأنه أدرع الجسم اللحمانى ، وأحدثه ، وهؤلاء كفار مشركون ، لاتخاذهم إلها غير الله ـ تعالى ، وقد أقمنا الدلالة على إبطال قولهم ، فيما تقدم (٥).

الفرقة الثالثة عشرة : الحدثية :

أصحاب فضل الحدثى (٦) ومذهبهم كمذهب الحابطية ، إلا أنهم زادوا عليهم بالقول بالتناسخ وأن الحيوان جنس واحد متحمل التكليف ، وهؤلاء أيضا كفار مشركون ؛ لإشراكهم ، وقولهم بالتناسخ وقد أبطلناه.

وقولهم : بأن كل حيوان مكلف مع عدم الفهم فمخالف للعقل ، وما جاءت بالرسل ، وإجماع المسلمين.

الفرقة الرابعة عشرة : المعمرية (٧) :

أصحاب معمر بن عباد السّلمى (٨) ، ومن مذاهبهم أن الله تعالى ـ لم يخلق شيئا غير الأجسام ، ويلزمهم أن لا يكون الله ـ تعالى ـ محييا ، ولا مميتا ؛ إذ الحياة ، والموت

__________________

(١) الحابطية : من الفرق الخارجة عن الإسلام. أصحاب أحمد بن حابط المتوفى سنة ٢٣٢ ه‍ وهو من أصحاب النظام. قال عنهم الآمدي : «هؤلاء كفار مشركون». (شرح المواقف (التذييل) ص ١٥ ، والانتصار ص ٢١٨).

/ / أول ل ١٣٩ / ب من النسخة ب.

(٢) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٢.

(٣) سبق تخريج هذا الحديث فى الجزء الأول القاعدة الرابعة ـ الصفة الحادية عشرة : الصورة [ل ١١٨ / ب].

(٤) سبق تخريج هذا الحديث فى القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ـ الصفة الرابعة عشرة : القدم [ل ١١٩ / ب].

(٥) انظر المصادر السابقة.

(٦) فضل الحدثى الحذاء هو وأحمد بن حابط من الغلاة وقد كفرهم الآمدي وقال : وهؤلاء كفار مشركون لإشراكهم ، وقولهم بالتناسخ وتوفى الحدثى سنة ٢٥٧ ه‍ [الانتصار للخياط ص ٢١٨ وما بعدها] وشرح المواقف للجرجانى ـ التذييل ص ١٦.

(٧) انظر فى شأن هذه الفرقة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : الفرق بين الفرق ص ١٥١ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٥ ، والملل والنحل ١ / ٦٥ وما بعدها ، وشرح المواقف (التذييل ص ١٦).

(٨) هو أبو عمرو : معمر بن عباد السّلمى. تفرد بأقوال ، وكان بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو ، وأبو الحسن المدائنى من تلاميذه قتل مسموما سنة ٢٢٠ ه‍ بعد أن دس له ملك السند السّم بعد أن أرسله الرشيد لمناظرته. (طبقات المعتزلة ص ٥٤ ـ ٥٦. الفرق بين الفرق ص ١٥١ وما بعدها).

عرضان ، والبارئ ـ تعالى ـ غير خالق لشيء من الأعراض ، ويلزمهم : على ذلك ، أن لا يكون لله ـ تعالى ـ كلام ؛ لأن المتكلم ، إما من فعل الكلام ، أو بمعنى أنه قام به كلام ، والرب تعالى ليس ـ عند هؤلاء متكلما بمعنى قيام الكلام به ؛ إذ لا صفة له تزيد على ذاته عندهم ، ولا متكلما بمعنى أنه فاعل الكلام ؛ إذ الكلام / عرض ، والعرض غير مقدور للرب ـ تعالى ـ على أصلهم ، وإن قالوا إن الكلام جسم ، فقد أبطلوا قولهم أنه أحدثه فى محل ؛ إذ الجسم لا يقوم بالجسم ؛ ويلزم على ذلك أن لا يكون الرب ـ تعالى ـ آمرا ، ولا ناهيا ، ولا ثم شريعة أصلا.

ومن مذهبهم : أن الأعراض لا نهاية لها فى كل نوع ، وأن النفس شيء معلوم عالم ، قادر ، مريد ، مختار ، ليس بمتحيز ، ولا حالا فى المتحيز.

وأن الله ـ تعالى ـ ليس بقديم ؛ لأن القدم مشعر بالتقادم الزمنى ، والبارئ ـ تعالى ـ ليس بزمنى ، وأن البارئ ـ تعالى ـ لا يعلم نفسه ؛ لأن العالم يستدعى أن يكون غير المعلوم ؛ وكل ذلك فقد أبطلناه.

وأن الإنسان لا فعل له غير الإرادة ؛ لأن باقى الأعراض من فعل الجسم ويلزمهم على ذلك أن لا يكون أحد من الناس مصليا ، ولا حاجا ، ولا معتمرا ، ولا زانيا ولا سارقا ؛ وكل ذلك كفر ، وضلالة.

الفرقة الخامسة عشرة : الثمامية (١) :

أصحاب ثمامة بن الأشرس النميرى (٢) ، ومن مذهبهم أن الأفعال المتولدة لا فاعل لها ، وأن المعرفة متولدة عن النظر ، وأنها واجبة قبل ورود السمع ، وأن اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والزنادقة ، يصيرون فى الآخرة ترابا ، ولا يدخلون جنة ولا نارا ، وكذلك حكمهم فى البهائم ، وأطفال المؤمنين.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة عن فرقة الثمامية ، انظر الملل والنحل ١ / ٧٠ وما بعدها ؛ والفرق بين الفرق ص ١٧٢ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٨ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ١٧.

(٢) هو أبو معن : ثمامة بن الأشرس النميرى ـ من رجال الطبقة السابعة من المعتزلة. كان زعيم القدرية أيام المأمون ، والمعتصم ، والواثق وتوفى سنة ٢١٣ ه‍ (طبقات المعتزلة ص ٦٢ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ١٧٢ وما بعدها).

وأن الاستطاعة سلامة الجوارح عن الآفات ، وأن من لا يعلم خالقه من الكفار ؛ فهو معذور ، وإن المعارف كلها ضرورية ، ولا فعل للإنسان غير الإرادة ، وما عداها فهو حادث ، ولا محدث له ، وأن العالم من فعل الله ـ تعالى ـ بطبعه.

وما ذكروه من أن الأفعال المتولدة لا فاعل لها ؛ وأن المعرفة متولدة عن النظر ؛ فمبنى على القول بالتولد ؛ وقد أبطلناه (١) ، وأبطلنا أيضا القول بالوجوب قبل ورود الشرع (٢).

وقولهم : إن الكفار لا يدخلون جنة ، ولا نارا ، فهو أيضا خلاف إجماع السلف وما وردت به النصوص من تعذيب الكفار ، وخلودهم فى النار ، وما ذكروه فى الاستطاعة ؛ فقد أبطلناه أيضا.

وقولهم : إن من لا يعلم خالقه ؛ فهو معذور ؛ فسيأتى إبطاله.

وقولهم : بحدوث حوادث لا محدث لها ، وأن العالم من فعل الله ـ تعالى ـ بطبعه ؛ فقد أبطلناه.

الفرقة السادسة عشرة : الخياطية (٣) :

أصحاب أبى الحسين بن أبى عمرو الخياط (٤) ومن مذهبهم ، القول بالقدر وتسمية المعدوم شيئا ، وجوهرا ، أو عرضا ، وأن معنى كون الرب ـ تعالى ـ مريدا ، أنه قادر غير مكره ، ولا كاره ، وإن قيل له إنه مريد لأفعال نفسه ، فمعناه أنه خالق لها ، ولأفعال العباد أنه آمر بها.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ٢٧٢ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ١٨٤ / ب وما بعدها.

(٣) عن فرقة الخيّاطية : انظر الملل والنحل ١ / ٧٦ وما بعدها وقد ذكر معها الشهرستانى الكعبة ، وعدهما فرقة واحدة ، فقال : الحادية عشرة : الخياطية والكعبية. والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٧٩ ، ١٨٠.

وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ١٨.

(٤) هو أبو الحسين : عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط مؤلف كتاب (الانتصار والرد على ابن الراوندى الملحد) دافع فيه عن المعتزلة ، وبرأهم مما رماهم به ابن الراوندى. كان من رجال الطبقة الثامنة من المعتزلة توفى سنة ٣٠٠ ه‍.

(الفرق بين الفرق ص ١٧٩ ، ١٨٠ ، وطبقات المعتزلة ص ٨٥).

وأن معنى كون الرب سميعا ، وبصيرا ، أنه عالم بالمسموعات ، والمبصرات ، وأن معنى كون الرب ـ تعالى ـ يرى ذاته ، وغيره ؛ أنه يعلم ذاته وغيره ؛ وكل ذلك فقد سبق إبطاله (١).

الفرقة السابعة عشرة : الجاحظية (٢) :/

أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ (٣) ومن مذهبهم أن المعارف كلها / / ضرورية ، وإنكار أصل الإرادة شاهدا ، وأنه لا معنى للمريد غير كونه غير ساه عما يفعله ، وإن الإرادة المتعلقة بفعل الغير ، هى ميل النفس إليه ، وأن الأجسام ذوات طبائع ، والقول باستحالة عدم الجواهر ، وأن الله ـ تعالى ـ لا يخلد أحدا فى النار ، ولا يدخله إليها ؛ بل النار هى التى تجتذب أهلها إلى نفسها ، والقول بالقدر ، ونسبة الخير والشّر إلى فعل العبد ، ونفى الصفات ، وأن القرآن جسد يجوز أن ينقلب مرة رجلا ، ومرة حيوانا ، وكل ذلك أيضا ، مما سبق إبطاله (٤).

الفرقة الثامنة عشرة : الكعبية (٥) :

أصحاب أبى القاسم الكعبى ، ومن مذهبهم أن جميع أفعال الرب ـ تعالى ـ واقعة منه من غير إرادة منه لها ، وأن الله ـ تعالى ـ لا يرى نفسه إلا على معنى علمه بما يراه ، وأنه لا معنى لإدراكه الأشياء ، غير علمه بها ؛ وذلك كله أيضا باطل بما سبق (٦).

__________________

(١) راجع ما مر فى القاعدة الرابعة.

(٢) عن الجاحظية : انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٧٥ ، ٧٦. والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٧٥ وما بعدها.

والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٤٩ وما بعدها. وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ١٩.

(٣) هو أبو عثمان : عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى ـ البصرى المعتزلى. كبير أئمة الأدب ، وأديب العربية. رئيس فرقة الجاحظية المنسوبة إليه ولد بالبصرة سنة ١٥٠ ه‍ كانت له مؤلفات كثيرة ، ومن الغريب أنه قتل تحتها سنة ٢٥٢ وقيل سنة ٢٥٥ ه‍. (تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٢. العبر ١ / ٤٥٦ ، وفيات الأعيان الترجمة رقم ٤٧٩).

/ / أول ل ١٤٠ / أ.

(٤) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة.

(٥) أصحاب أبى القاسم الكعبى : عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبى ، البلخى الخراسانى أحد أئمة المعتزلة له آراء ، ومقالات ، انفرد بها ، وله كتب كثيرة توفى سنة ٣١٩ ه‍ انظر عنه وعن فرقته بالإضافة إلى ما ورد هاهنا.

[الملل والنحل ١ / ٧٦ وما بعدها ؛ فقد أدمج هذه الفرقة فى الخياطية ، وعدهما فرقة واحدة فقال : الحادية عشرة : الخياطية والكعبية ـ والفرق بين الفرق ص ١٧٩ ، ١٨٠ والتبصير فى الدين ص ٥١ ، ٥٢ ، وشرح المواقف (تذييل) ص ١٩ ، ٢٠. وتاريخ بغداد ٩ / ٣٨٤].

(٦) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة.

الفرقة التاسعة عشرة : الجبائية (١) :

أصحاب أبى على ، الجبائى ، ومن مذهبهم : إثبات إرادة حادثة لا فى محل ، يكون البارئ ـ تعالى ـ بها مريدا ، وفناء لا فى محل عند إرادة فناء العالم ، وأن الله ـ تعالى ـ متكلم بكلام يخلقه الله تعالى ـ فى محل هو حروف وأصوات ، وأن المتكلم من فعل الكلام ، لا من قام به الكلام ، وأن الله ـ تعالى ـ لا يرى فى الدار الآخرة بالأبصار ، وأن العبد خالق لفعله ، وأن الخير ، والشر من أفعاله مضاف إليه ، وأن الاستطاعة قدرة زائدة على سلامة البنية قبل الفعل.

وأنه يجب على الله ـ تعالى ـ ثواب المطيع ، وعقاب العاصى عقلا ، وإن كان التأقيت ، والتخليد لا يعرف بغير السمع.

وأن الإيمان عبارة عن خصال الخير.

وأن مرتكب الكبيرة يسمى فاسقا ، لا مؤمنا ولا كافرا ، وإن مات من غير توبة ؛ فهو مخلد فى النار.

واتفقوا على إنكار كرامات الأولياء ، وأنه يجب عليه إكمال عقول الخلق ، وتهيئة أسباب التكليف إذا كلفهم ، وأن الأنبياء معصومون.

وهذا كله مما اتفق عليه الجبائية والبهشمية.

وانفردت الجبائية بأن البارى ـ تعالى ـ عالم لذاته من غير إيجاب صفة هى علم ، أو حال توجب كونه عالما ، وأن معنى كون البارى ـ تعالى ـ سميعا بصيرا ، أنه حي لا آفة به ، وأنه يجوز الآلام ، لمجرد العوض ؛ وذلك كله فقد سبق إبطاله.

__________________

(١) أصحاب أبى على الجبائى : محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائى. من أكابر شيوخ المعتزلة من أشهر تلاميذه الإمام الأشعرى الّذي ناظره ، وقطعه ، وبعدها تحول عن الاعتزال ، وأصبح إماما للسنة توفى الجبائى سنة ٣٠٣ ه‍.

انظر عنه وعن فرقته [الملل والنحل ١ / ٧٨ وما بعدها فقد ذكر الجبائية مع البهشمية فى فرقة واحدة فقال : «الفرقة الثانية عشرة : الجبائية والبهشمية ، والفرق بين الفرق ص ١٨٣ ، ١٨٤ والتبصير فى الدين ص ٥٢ ، ٥٣ وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٠ ، ٢١.

الفرقة العشرون : البهشمية (١) :

أصحاب أبى هاشم ابن الجبائى ، وقد انفردوا بمسائل منها :

استحقاق الذم ، والعقاب من غير معصية ، وهو خلاف الحكمة ، والإجماع.

وأن التوبة عن كبيرة لا تصح مع الإصرار على غيرها ، مع علمه بقبح ما أصر عليه ، وذلك يوجب أن لا يصح إسلام الكافر مع إصراره على أدنى مظلمة ظلمها ، وأن التوبة عن الذنب لا تصح ممن لا يقدر على / مثل ذلك الذنب الّذي تاب عنه ، حتى أن الكاذب لو تاب عن الكذب ، بعد أن صار أخرس ، والزانى لو تاب عن الزنا ، بعد الجب أو العنة ، لا تصح توبته ، وهو خلاف قوله عليه‌السلام : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»

وأنه يمتنع تعلق علم واحد بمعلومين على التفصيل ، ويلزمهم على ذلك الشك فى نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار ؛ إذ هو غير معلوم بعلم واحد ، ولا بعلوم غير متناهية.

وأجمعوا على إثبات أحوال لله ـ تعالى ـ غير معلومة ، ولا مجهولة ، ولا قديمة ، ولا محدثة ، وهو تناقض ، فإنه لا معنى لكون الشيء مجهولا ، إلا أنه غير معلوم ، ولا معنى لكون الشيء حادثا ، إلا أنه ليس قديما ـ كيف؟ وأن إثبات حالة لله ـ تعالى ـ وهى غير معلومة ، مما لا سبيل إليه.

وأما الشيعة (٢) :

فاثنتان وعشرون فرقة يكفر بعضهم بعضا ، وقد انقسموا فى الأصل إلى ثلاث فرق : (غلاة ـ وزيدية ـ وإمامية).

أما الغلاة : فقد افترقوا ثمانى عشرة فرقة.

__________________

(١) أصحاب أبى هاشم : عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائى ، من كبار رجال المعتزلة. كان زميلا للإمام الأشعرى فى مدرسة والده ألف كتبا كثيرة وله آراء ومقالات انفرد بها مات ببغداد سنة ٣٢١ ه‍. انظر عنه وعن فرقته بالإضافة لما ورد هاهنا [الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٧٨ وما بعدها ، فقد ذكر الجبائية مع البهشمية واعتبرهما فرقة واحدة ـ الجبائية والبهشمية ـ والفرق بين الفرق ص ١٨٤ وما بعدها. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٤ والتبصير فى الدين ص ٥٣ وما بعدها .. وفرق وطبقات المعتزلة ص ٩٤].

(٢) الشيعة هم الذين شايعوا الإمام على ـ رضي الله عنه ـ وقالوا : إنه الإمام بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالنصّ. إما جليا ، وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عنه ، وعن أولاده. وإن خرجت. فإما بظلم يكون من غيرهم وإما بتقية منهم. وهم اثنتان وعشرون فرقة ، وقد انقسموا إلى ثلاث فرق : (غلاة ـ وزيدية ـ وإمامية). ولمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ١ / ٦٥ ـ ١٦٦. فقد ذكر أنهم ثلاثة أصناف : الصنف الأول : الشيعة الغالية : وهم خمس عشرة فرقة. الصنف الثانى الشيعة الإمامية : وهم أربع وعشرون فرقة. الصنف الثالث : الشيعة الزيدية وهم ست فرق. وانظر أيضا التبصير فى الدين ص ١٦ ـ ٢٦. الفرق بن الفرق ص ٢٩ ـ ٧٢ ، ص ٢٣٠ ـ ٢٦٩. والملل والنحل ١ / ١٤٦ ـ ١٩٨ واعتقادات فرق المسلمين ص ٥٢ ـ ٦٦.

الفرقة الأولى : السبائية (١) :

أصحاب عبد الله بن سبأ الّذي قال لعلى : أنت الإله حتى نفاه إلى المدائن فلما قتل عليّ ، زعم ابن سبأ أن عليا ، لم يمت ، وفيه الجزء الإلهي ، وأن ابن ملجم. إنما قتل شيطانا ، تصور بصورة على ، وأنه فى السحاب ، وأن الرعد صوته ، والبرق سوطه ، وأنه ينزل إلى الأرض بعد هذا ويملؤها عدلا ، ولهذا فإن هذه الطائفة إذا سمعوا صوت الرعد قالوا : عليك السلام يا أمير المؤمنين ، ولا يخفى كفر هذه الطائفة / / لإضافتها الألوهية إلى عليّ.

ثم يقال لهم إن كان عليّ حيّا ، وأن ابن ملجم لم يقتل إلا شيطانا ؛ فقاتل الشيطان محمود ، لا مذموم ، ملعون.

الفرقة الثانية : الكاملية (٢) :

أصحاب أبى كامل كفّروا الصحابة بتركهم بيعة عليّ ، وكفّروا عليّا بتركه طلب الحق ، وإظهاره وهم قائلون بالتناسخ وأن الإمامة نور تتناسخ من شخص إلى شخص ، وأن ذلك النور قد يكون فى شخص نبوة ، وفى شخص إمامة.

الفرقة الثالثة : البيانية (٣) :

أصحاب بيان بن سمعان التميمى ، زعموا أن الإله ـ تعالى ـ على صورة إنسان وأنه يهلك كله إلا وجهه ، لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤). وأن روح الإله تعالى

__________________

(١) هم أصحاب عبد الله بن سبأ ، كان فى الأصل يهوديا ؛ فاظهر الإسلام ، وحاول أن يحدث فى الإسلام ، ما أحدثه بولس فى المسيحية ، ولكن الله حمى دينه الّذي تعهد بحفظه بحفظ كتابه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وابن سبأ ، وأتباعه خارجون عن الإسلام [مقالات الإسلاميين ١ / ٨٦ وما بعدها والملل والنحل ١ / ١٧٤ ، والفرق بين الفرق ص ٢٣٣ وما بعدها].

/ / أول ل ١٤٠ / ب.

(٢) الكاملية : أصحاب أبى كامل ومنهم بشار بن برد الشاعر انظر التبصير فى الدين ص ٢١ ، ولمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة. انظر الفرق بين الفرق ص ٥٤ وما بعدها. والملل والنحل ١ / ١٧٤ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٠ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٣ ؛ فقد نقل عن الآمدي قوله

(٣) أصحاب بيان بن سمعان التميمى النهدى اليمنى ، زعموا أن الإمامة صارت من أبى هاشم إلى بيان بوصيته إليه.

[وهم خارجون على الإسلام] وقد ظهر بيان بن سمعان بالعراق ، وادعى النبوة ، ثم ادعى الألوهية ؛ فقتله خالد القسرى والى العراق سنة ١١٩ وقيل سنة ١٢٠ ه‍. انظر عن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ٦٦ ، ٦٧ ، والتبصير فى الدين ص ٧٢ والملل والنحل ١ / ١٥٢ ، والفرق بين الفرق ص ٢٣٦ وما بعدها. وشرح المواقف ص ٢٣ ، ٢٤ ، والكامل لابن الأثير ٥ / ٨٢.

(٤) سورة القصص ٢٨ / ٨٨.

ـ حلت فى عليّ ، ثم بعده فى ابنه محمد بن الحنفية ، ثم بعده فى ابنه أبى هاشم ثم بعده ، فى بيان.

وهذه الطائفة كافرة ؛ لقولهم إن بعض الإله يهلك ، ودعوى ألوهية على ، وابنه ، وابن ابنه ، وألوهية بيان.

الفرقة الرابعة : المغيرية (١) :

أصحاب المغيرة بن سعيد العجلى ، زعموا أن الله ـ تعالى ـ جسم ، وأن صورته صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور ، وله قلب تنبع منه الحكمة ، وأنه لما أراد خلق العالم تكلم / بالاسم الأعظم فطار ، فوقع تاجا على رأسه ، ثم إنه كتب على كفه أعمال الدنيا ، فغضب من المعاصى ، حتى عرق ، فاجتمع من عرقه بحران ، أحدهما ملح مظلم ، والثانى عذب نير ، ثم اطلع فى البحر النير ، فأبصر ظله ، فانتزع عين ظله وخلق منها الشمس ، والقمر ، وأفنى باقى ظله ، وقال لا ينبغى أن يكون معى إله غيرى ، ثم إنه خلق الخلق كله من البحرين ، الكفر ، من البحر المظلم ، والإيمان ، من البحر النير ، ثم أرسل إلى الناس محمدا وهم ضلال.

ثم عرض الأمانة على السموات ، والأرض ، والجبال وهى أن يمنعن عليا من الإمامة ، فأبين ذلك ، ثم عرض على الناس ، فأمر عمر بن الخطاب أبا بكر أن يتحمل منعه من ذلك ، وضمن له أن يعينه على الغدر به بشرط أن يجعل له الخلافة من بعده ؛ فقبل منه ، وأقدما على المنع متظاهرين عليه ، وذلك قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٢) يعنى أبا بكر.

وزعم هؤلاء أن قوله تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) (٣) نزل فى أبى بكر ، وعمر.

وهؤلاء يزعمون أن الإمام المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسين بن على بن أبى طالب ، وأنه حي لم يمت ، وهو مقيم فى جبال حاجر إلى أن يؤمر بخروجه. ومنهم من يقول : إن الإمام المنتظر هو المغيرة. وطريق الرد عليهم ، ما سبق فى الرد على المشبهة.

__________________

(١) المغيرية : أصحاب المغيرة بن سعيد العجلى : كان ساحرا ، وادعى النبوة ، وفضل عليا ـ رضي الله عنه ـ على الأنبياء ـ قتله خالد بن عبد الله القسرى ، والى العراق حرقا سنة ١١٩ ه‍ وقيل سنة ١٢٠ ه‍. انظر بشأن هذه الفرقة وصاحبها بالإضافة لما ورد هاهنا : [مقالات الإسلاميين ١ / ٦٩ وما بعدها ، والملل والنحل ١ / ١٧٦ ـ ١٧٨ ، والفرق بين الفرق ص ٢٣٨ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٧٣ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٤ ، ٢٥].

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧٢.

(٣) سورة الحشر : ٥٩ / ١٦.

الفرق الخامسة : الجناحية (١) :

أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذى الجناحين.

يزعمون أن الأرواح تتناسخ ، وأن روح الإله ـ تعالى ـ كانت فى آدم ، ثم فى شيث ، ثم صارت إلى الأنبياء ، والأئمة حتى انتهت إلى على وأولاده الثلاثة من بعده ، ثم صارت إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وأنه حي لم يمت ، بجبل من جبال أصفهان ، وكفروا بالقيامة ، واستحلوا المحرمات من الخمر ، والميتة ، وغيرهما.

وهؤلاء أيضا كفار ، لدعواهم بإلهية آدم ، وغيره ، واستحلالهم المحرمات من غير شبهة.

الفرقة السادسة : المنصورية (٢) :

أصحاب أبى منصور العجلى.

يزعمون أن الإمامة صارت إلى أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، وأنه عرج به إلى السماء وأن معبوده مسح بيده على رأسه ، وقال له : يا بنى اذهب فبلغ عنى .. ثم أنزله إلى الأرض ، وأنه الكسف الساقط من السماء ، وأنه المراد من قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) (٣).

وزعموا أيضا أن الرسل لا تنقطع أبدا ، وكفروا بالجنة والنار ، وأحلوا المحرمات ، وأسقطوا الفرائض.

وزعموا أن الجنة رجل أمرنا بموالاته ، وهو الإمام ، وأن النار رجل أمرنا بمعصيته ، وهو معاند للإمام كأبي بكر وعمر وغيرهما ، وأن الفرائض رجال أمرنا بموالاتهم ، والمحرمات رجال أمرنا بمعصيتهم.

__________________

(١) سميت هذه الفرقة بالجناحية نسبة إلى جعفر بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ الشهيد الّذي كان يلقب بالطيار ، وذى الجناحين ؛ لأن مؤسسها من أحفاده. ورأس هذه الفرقة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذى الجناحين ، خرج على الأمويين ، فى عهد آخر خلفائهم ، وجرت بينهم معارك ـ وفى ذلك الوقت بدأت الدولة العباسية يظهر أمرها ؛ فسار إليه أبو مسلم الخراسانى وقضى عليه. انظر فى شأن هذه الفرقة ومؤسسها.

[مقالات الإسلاميين ١ / ٦٧ والفرق بين الفرق ص ٢٥٥ والتبصير فى الدين ص ٧٣ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٩ وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٥].

(٢) أصحاب أبى منصور العجلى : من عبد القيس ، كان يسكن الكوفة ، وكان أميا لا يقرأ وادعى الإمامة ، ثم ادّعى النبوة ، ولما زادت فتنه ، وضلالاته ؛ قتله يوسف بن عمر الثقفى ، وصلبه. ولمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة : انظر مقالات الإسلاميين للأشعرى ١ / ٧٤ وما بعدها ، والملل والنحل ١ / ١٧٨ ، ١٧٩ والفرق بين الفرق ص ٢٤٣ ، والتبصير فى الدين ص ٧٣ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٨ ، وشرح المواقف ـ تذييل ـ ص ٢٦.

(٣) سورة الطور : ٥٢ / ٤٤.

وهؤلاء أيضا كفار ؛ لاستحلالهم المحرمات / ورفض الفرائض من غير شبهة.

الفرقة السابعة : الخطابية (١) :

أصحاب أبى الخطاب الأسدى ، زعموا أن الأئمة أنبياء ، وأن أبا الخطاب كان نبيا وأن الأنبياء فرضوا على الناس طاعته.

ثم زادوا ، وزعموا أن الأئمة آلهة ، وأن أبناء الحسن ، والحسين أبناء الله / / وأحباؤه ، وأن جعفر إله ، إلا أن أبا الخطاب أفضل منه ، ومن على بن أبى طالب ، ويستحلون شهادة الزور لموافقيهم ، على مخالفيهم ، ثم افترق هؤلاء بعد قتل أبى الخطاب (٢).

فمنهم من قال : الإمام بعد أبى الخطاب معمر ، وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب. وزعموا أن الجنة ما ينالهم فى الدنيا من خير ، ونعيم ، وأن النار ما يصيبهم فى الدنيا من المشاق والهموم ، واستباحوا المحرمات وترك الفرائض.

ومنهم من قال : الإمام بعد أبى الخطاب بزيغ ، وأن كل مؤمن يوحى إليه تمسكا بقوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٣) : أى بوحى من الله ، وزعموا أن منهم من هو خير من جبريل ، وميكائيل ، وأنهم لا يموتون ، وأن الواحد منهم إذا بلغ إلى النهاية ارتفع إلى الملكوت.

ومنهم من قال : الإمام بعد أبى الخطاب عمر بن بيان العجلى ، إلا أنهم اعترفوا بأنهم يموتون ، ولا شك فى كفر الخطابية ؛ لجعلهم الأئمة آلهة ، واستباحتهم المحرمات وترك الفرائض.

__________________

(١) أصحاب أبى الخطاب محمد بن أبى زينب الأسدى ، الأجدع ، مولى بنى أسد ـ نسب نفسه للإمام جعفر بن محمد الصادق ، فلما وقف على غلوه فى حقه ، تبرأ منه ؛ فادعى الإمامة لنفسه ، وقتله عيسى بن موسى فى عهد المنصور سنة ١٤٣ ه‍. وانظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا. مقالات الإسلاميين للأشعرى ١ / ٧٦ ، والملل والنحل ١ / ١٧٩ ، والتبصير فى الدين ص ٧٣ والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٤٧ وما بعدها وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٧.

/ / أول ل ١٤١ / أ.

(٢) افترق الخطابية بعد قتل أبى الخطاب إلى خمس فرق :

الفرقة الأول : المعمرية. قالوا : الإمام بعد أبى الخطاب معمر.

الفرقة الثانية : البزيغية. نسبة إلى رجل منهم اسمه [بزيغ].

الفرقة الثالثة : العميرية. أتباع عمير بن بيان العجلى.

الفرقة الرابعة : المفضلية : لانتسابهم إلى رجل يقال له مفضل الصيرفى.

الفرقة الخامسة : الخطابية المطلقة ، ثبتت على موالاة أبى الخطاب فى دعاويه كلها.

انظر عنهم بالتفصيل المراجع السابقة المذكور فى ترجمة أبى الخطاب.

(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٥.

الفرقة الثامنة : الغرابية (١) :

الذين قالوا إن عليا كان أشبه بمحمد من الغراب بالغراب ، والذباب ، بالذباب ، وأن الله تعالى ـ بعث جبريل إلى على ، فغلط ، وأدى الرسالة إلى محمد ، لمشابهته به ، ولذلك يلعنون صاحب الريش : أى جبريل ، وقد قال شاعرهم :

غلط الأمين فجازها عن حيدر

وهؤلاء مما يجب تكفيرهم ؛ لإنكار نبوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأنه لم يكن رسولا عن الله تعالى ـ فى نفس الأمر.

الفرقة التاسعة : الذمية (٢).

وإنما لقبوا بذلك ؛ لأنهم يرون ذم محمد عليه‌السلام ، ويزعمون أن عليا إله ، وأنه بعث محمدا ليدعوا إليه ؛ فادعى الأمر لنفسه.

ومنهم من قال بإلهية محمد ، وعلى ، إلا أن منهم من يقدم عليّا فى أحكام الإلهية.

ومنهم من يقدم محمدا ، ومنهم من قال بإلهية خمسة أشخاص ، وهم أصحاب العباء : محمد ، وعلى ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وأن خمستهم شيء واحد ، وأن الروح حالة فيهم بالسوية ، ولا فضل لواحد على الآخر ، ولم يسموا فاطمة بالتأنيث ؛ بل فاطم ، ولذلك قال شاعرهم :

توليت بعد الله فى الدين خمسة

نبيا وسبطين وشيخا وفاطما

وهؤلاء كفار ؛ لاتخاذهم عليا إلها.

__________________

(١) الغرابية : قوم يزعمون أن الله تعالى ـ أرسل جبريل عليه‌السلام إلى على ـ رضى الله عنه ـ فغلط فى طريقه ، وذهب إلى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهؤلاء أكفر من اليهود والمشركين لأنهم يلعنون جبريل ، ومحمدا عليهما‌السلام. وانظر بشأن هذه الفرقة : التبصير فى الدين ص ٧٤ ، والفرق بين الفرق ص ٢٥٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٩ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٨.

(٢) الذمية : أصحاب العلباء بن ذراع الدوسى وقال قوم : هو الأسدى. وإنما لقبوا بذلك لأنهم يرون ذم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأطلق عليهم الشهرستانى العلبائية نسبة إلى العلباء انظر عنهم : الملل والنحل ١ / ١٧٥ ، والفرق بين الفرق ص ٢٥١ ، والتبصير فى الدين ص ٧٥ وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٨ ، ٢٩.

الفرقة العاشرة : الهشامية (١)

أصحاب الهشاميين : هشام بن الحكم (٢) ، وهشام بن سالم الجواليقى (٣).

اتفقوا على أن الله ـ تعالى ـ جسم ذو حد ، ونهاية.

غير أن هشام بن الحكم زعم : أن الله ـ تعالى ـ طويل عريض ، عميق ، وأن طوله وعرضه ، وعمقه ، متساو ، وأنه كالسبيكة الصافية يتلألأ ، من كل جانب. وزعم أن الله تعالى / له لون ، وطعم ، ورائحة ، ومجسه ، وليست هذه الصفات غيره ، وأنه يتحرك ويسكن ، ويقوم ، ويقعد. وأن بين الله ـ تعالى ـ والأجسام مشابهة ، لو لاها لما دلت عليه ، وأنه يعلم ما تحت الثرى ، بالشعاع المنفصل عنه المتصل بما تحت الثرى.

وحكى أن الله ـ تعالى ـ سبعة أشبار بشبر نفسه ، وأنه مماس للعرش على وجه لا يفضل أحدهما على الآخر ، وأنه مريد للأشياء : وإرادته حركة ليست عينه ولا غيره ، وأنه لا يعلم الأشياء قبل كونها ؛ بل بعد كونها بعلم لا يوصف بكونه قديما ، ولا حادثا ؛ لأنه صفة والصفة لا توصف ، وأنه متكلم بكلام هو صفته ، ولا يوصف بكونه مخلوقا ، ولا غير مخلوق.

وزعم أن الأعراض لا دلالة لها على الله ـ تعالى ـ ، وأن الأئمة معصومون والأنبياء غير معصومين ؛ لأن النبي يوحى إليه بمعصيته ؛ فيتوب ؛ بخلاف الإمام فإنه لا يوحى إليه ؛ فوجب أن يكون معصوما.

وأما هشام بن سالم فزعم : أن الله ـ تعالى ـ على صورة الإنسان ، وله حواس خمس ويد ، ورجل ، وأنف ، وأذن ، وعين ، وفم ، ووفرة سوداء ، ونصفه الأعلى مجوف ، والأسفل مصمت إلا أنه ليس لحما ، ودما ، وقد سبق إبطال ذلك كله (٤).

__________________

(١) انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ١٠٦ ، ١٠٩ فقد قسم الرافضة القائلين بالتجسيم إلى ست فرق الفرقة الأولى : أتباع هشام بن الحكم الرافضى. والفرقة الرابعة منهم. أتباع هشام بن سالم الجواليقى. والملل والنحل ص ١٨٤ وما بعدها ، ذكر أنها فرقة واحدة كذا. التبصير فى الدين ص ٢٥ وأما الفرق بين الفرق ص ٢٢٧ فذكر أن الهشامية فرقتان. هشامية منتسبة إلى هشام بن الحكم الرافضى ، وهشامية منتسبة إلى هشام بن سالم الجواليقى.

(٢) هشام بن الحكم الشيبانى بالولاء الكوفى كان شيخ الإمامية فى وقته ، ولد بالكوفة وسكن بغداد وتوفى سنة ١٩٠ ه‍ (الفرق بين الفرق ص ٢٢٧ ، والأعلام ٩ / ٨٢).

(٣) هشام بن سالم الجواليقى كان مولى لبشير بن مروان ، وهو من شيوخ الرافضة القائلين بالتشبيه ، والتجسيم (المصادر المذكورة فى هامش ١).

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع : فى إبطال التشبيه وما لا يجوز على الله ـ تعالى ـ ل ١٤٢ / أو ما بعدها.

الفرقة الحادية عشرة : الزرارية (١)

أصحاب زرارة بن أعين ، قالوا : بحدوث صفات الله ـ تعالى ـ من علمه ، وقدرته ، وحياته ، وسمعه ، وبصره ، وأنه لم يكن قبل هذه الصفات حيا ، ولا عالما ولا قادرا ولا سميعا ولا بصيرا. وهو أيضا باطل بما سبق.

الفرقة الثانية عشرة : اليونسية (٢)

أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمى ، يزعمون أن الله ـ تعالى ـ على عرشه تحمله الملائكة ، وهو أقوى منها. (كالكركى تحمله رجلاه وهو أقوى منهما ؛ وذلك يدل على احتياج الرب ـ تعالى ـ إلى غيره من مخلوقاته // ؛ وهو باطل بما سبق من استغنائه المطلق (٣).

الفرقة الثالثة عشرة : الشيطانية (٤)

أصحاب محمد بن النعمان الملقب بشيطان الطاق يزعمون : أن الله ـ تعالى ـ نور غير جسمانى ؛ لكنه على صورة إنسان ، وأنه لا يعلم الأشياء إلا بعد تكونها ؛ وقد أبطلناه (٥).

__________________

(١) أصحاب زرارة بن أعين الشيبانى أبو الحسن رأس الفرقة الزرارية من غلاة الشيعة توفى سنة ١٥٠ ه‍.

وانظر بشأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين ١ / ١٠٢ ، والتبصير فى الدين ص ٢٤ ، والفرق بين الفرق ص ٧٠ وشرح المواقف ـ تذييل ـ ص ٣٠.

(٢) هم أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمى ، كان فى الإمامة على مذهب القطعية الذين قطعوا بموت موسى بن جعفر ، وأفرط فى التشبيه ، ويقال إنه رجع عن التشيع توفى سنة ١٥٠ ه‍ وانظر بشأن هذه الفرقة وصاحبها.

الفرق بين فرق ص ٧٠ والتبصير فى الدين ص ٢٤ والملل والنحل ص ١٨٨. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٥ وشرح المواقف ص ٣٠.

(٣) انظر ما مر ل ١٦٤ / ب من الجزء الأول.

/ / أول ل ١٤١ / ب.

(٤) الشيطانية : هم أتباع محمد بن النعمان ، الملقب بشيطان الطاق ـ والشيعة تلقبه بمؤمن الطاق ـ وهو أبو جعفر ، الأحول ، الكوفى ، وكان معاصرا لأبى ضيفة ، وجعفر الصادق وإضافته إلى سوق فى طاق المحامل بالكوفة ؛ فنسب إليه ، توفى سنة ١٦٠ ه‍. وانظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١١١ ، والتبصير فى الدين ص ٢٤ ، والفرق بين الفرق ص ٧١ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٥ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٣١.

(٥) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٧٢ / ب وما بعدها.

الفرقة الرابعة عشرة : الرّزامية (١) :

وهم الذين ساقوا الإمامة إلى محمد بن الحنفية ، ثم إلى ابنه ثم ، إلى على بن عبد الله ابن العباس ، ثم ساقوها فى ولده إلى المنصور ، ثم ادعوا حلول الإله تعالى ـ فى أبى مسلم وأنه لم يقتل ، واستحلوا المحارم.

ومنهم من ادعى الإلهية فى المقنع (٢) ، وهؤلاء أيضا كفرة بدعواهم حلول الإله فى غيره.

الفرقة الخامسة عشرة : المفوضة (٣) :

زعموا أن الله تعالى ـ خلق محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أولا وفوض إليه خلق الدنيا ، وإنه الخلاق لها ، بما فيها.

ومنهم من قال مثل هذه المقالة ، فى على كرم الله وجهه ؛ وهو باطل بما بيناه من امتناع وجود خالق غير الله ـ تعالى (٤).

الفرقة السادسة عشرة : البدائية (٥) :

الذين جوزوا البداء (٦) على الله ـ تعالى ـ ، وأنه يريد الشيء ثم يبدو له ويظهر له ما لم يكن ظهر له أولا ؛ فإنه لا / معنى للبداء إلا هذا ، ومنه يقال بدا لنا سور المدينة : أى ظهر ـ بعد أن لم يكن ظاهرا ، وقال الشاعر :

ولما بدا لى أنها لا تحبنى

وأن هواها ليس عنى بمنجلى

__________________

(١) أتباع رجل يقال له رزام بن رزم من مرو. قال الأشعرى فى المقالات ويقال لها الأبومسلمية أيضا ، انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هنا. مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ٩٦ ، والملل والنحل ص ١٥٣ ، والفرق بين الفرق ص ٢٥٦. والتبصير فى الدين ص ٧٦. وشرح المواقف ص ٣١ من التذييل.

(٢) المقنع : رجل من أهل مرو كان على دين الرزامية احتجب عن الناس ببرقع واغتر به جماعة وقتل فى عهد الخليفة المهدى سن ١٦٣ ه‍.

(٣) المفوضة : انظر بشأن هذه الفرقة : التبصير فى الدين ص ٧٥ فقد ذكر الأسفرايينى أن هذه الفرقة فرع من فرقة الغرابية ، وقال بهذا أيضا البغدادى فى الفرق بين الفرق ص ٢٥١ وقال وهذه الفرقة شر من المجوس ، والنصارى.

وانظر أيضا اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٩ وشرح المواقف ص ٣١.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الجزء الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى : فى أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى الحوادث سواه ل ٢١١ / ب وما بعدها.

(٥) انظر بشأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين ص ١١٣ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٣٢.

(٦) البداء : ظهور الرأى بعد أن لم يكن. (التعريفات للجرجانى ص ٥٢).

أى ظهر لى أنها لا تحبنى بعد أن لم يكن ظاهرا ، ويلزم منه أن يكون الرب ـ تعالى ـ جاهلا بعواقب الأمور ؛ وقد أبطلناه (١).

الفرقة السابعة عشرة : النّصيريّة والإسحاقيّة (٢) :

وقد ذكرنا مذهبهم فى مسألة استحالة حلول ذات الإله ـ تعالى ـ وصفته فى محل وأبطلناه (٣).

الفرقة الثامنة عشرة : الإسماعيلية (٤) ، ولهم ألقاب سبعة :

الباطنية ، والقرامطة ، والخرمية ، والسبعية ، والبابكية ، والمحمرة ، والإسماعيلية وتسميتهم باطنية : لأنهم يزعمون أن للقرآن ظاهرا وباطنا ، وأن المراد منه الباطن دون ما هو الظاهر ، والمعلوم منه لغة ، وزعموا أن منزلة الباطن من الظاهر ، كمنزلة القشر من

__________________

(١) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ٧٢ / ب وما بعدها.

(٢) النصيرية والإسحاقية : النصيرية : أتباع أبى شعيب محمد بن نصير البصرى النميرى توفى سنة ٢٧٠ ه‍ وكان يدعى أنه نبى بعثه أبو الحسن العسكرى الإمام الحادى عشر. والنصيرية لهم وجود مؤثر فى سوريا اليوم ، وكذلك الإسحاقية.

والفرق بينهما : أن النصيرية أميل إلى تقرير الجزء الإلهي فى على ـ رضي الله عنه ـ والإسحاقية أميل إلى تقرير الشركة فى النبوة.

انظر عن هذه الفرقة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : ما مر ل ١٥٥ / أص.

والملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٠٨٨. شرح المواقف ص ٣٢ من التذييل. ورسالة فى الرد على النصيرية لابن تيمية والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٥١١ وما بعدها ، وإسلام بلا مذاهب للدكتور مصطفى الشكعة ص ٣٢١ وما بعدها ، وتاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة ص ٦٣ وما بعدها.

والحركات الباطنية فى العالم الإسلامى للدكتور محمد الخطيب ص ٣١٩ وما بعدها.

(٣) انظر الجزء الأول من أبكار الأفكار ل ١٥٥ / أوما بعدها.

(٤) الإسماعيلية : فرقة باطنية. انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق ظاهرها التشيع لأهل البيت. وحقيقتها هدم عقائد الإسلام. تشعبت فرقها ، وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر. انظر عنها بالإضافة إلى ما ورد هاهنا.

الملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٩١ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٨١ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٢٣ وكتاب فضائح الباطنية للإمام الغزالى ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤ وشرح المواقف للجرجانى ـ التذييل ـ ص ٣٣ وما بعدها. ومن الدراسات الحديثة : طائف الإسماعيلية للدكتور محمد كامل حسين. وتاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة ١ / ٥٩ وما بعدها.

وإسلام بلا مذهب للدكتور مصطفى الشكعة ص ٢٣٧ والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٤٥ والحركات الباطنية فى العالم الإسلامى ـ عقائدها وحكم الإسلام فيها. للدكتور أحمد الخطيب ص ٥٥ وما بعدها.

اللباب ، ومنه قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (١).

وزعموا أن المتمسك بظاهر القرآن ، والأخبار معذب بالمشقة فى الاكتساب والباطن مؤد إلى ترك العمل بالظاهر ، وهذا القول مأخوذ من قول المنصورية ، والجناحية كما سبق تعريفه (٢).

وإنما سموا بالقرامطة : لأن أول من أسس دعوتهم ، رجل من أهل الكوفة يقال له حمدان قرمط (٣).

وإنما سموا خرمية : لإباحتهم المحرمات ، ونكاح ذوات المحارم.

وإنما سموا السبعية : لأنهم زعموا أن الرسل النطقاء بالشرائع سبع آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، ومحمد المهدى سابع النطقاء ، وأن بين كل ناطق وناطق سبعة أئمة منتمين لشريعته ، وأنه لا بد فى كل عصر من سبعة ، بهم يعرف الدين ، وحدوده ، وبهم يهتدى ، ويقتدى ، وهم متفاوتون فى الرتبة وهم :

إمام : هو المؤدى عن الله ـ تعالى ـ وهو غاية الأدلة إلى دين الله ـ تعالى.

وحجة : وهو الّذي يؤدى عن الإمام ، ويحمل علمه ، ويحتج به له.

وذو مصة : وهو الّذي يمتص العلم من الحجة : أى يأخذه عنه.

وأبواب : والباب هو الداعى الأكبر الّذي يرفع درجات المؤمنين.

وداع مأذون : وهو الّذي يأخذ العهود على الطالبين ، من أهل الظاهر فيدخلهم فى ذمة الإمام ، ويفتح لهم باب المعرفة والعلم.

__________________

(١) سورة الحديد ٥٧ / ١٣.

(٢) راجع ما مر فى هذا الفصل ل ٢٤٧ / ب.

(٣) هو حمدان بن الأشعث القرمطى. من سواد الكوفة ، وانضم للدعوة الباطنية وصار من دعاتها. وضل بسببه خلق كثير ، ونشر دعوته فى سواد الكوفة سنة ٢٧٨ ه‍ (انظر الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٣٩٥ ، والقرامطة تأليف الإمام عبد الرحمن بن الجوزى).

ومكلب : وهو الّذي ارتفعت درجته فى الدين ، ولم يؤذن له بالدعوة ، ولكن أذن له بالاحتجاج ، وإذا احتج على أحد من أهل الظاهر ، وكسر عليه مذهبه حتى يطلب ويرغب ، فيؤديه المكلب ، إلى الداعى ؛ ليأخذ عليه ـ وإنما سموا ما مثل هذا مكلبا ؛ لأن مثله مثل الجارح ، يحبس الصيد على كلب الصائد ، على ما قاله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (١).

ومؤمن : وهو الّذي أخذ عليه العهد ، وآمن ، وأيقن بالحق ودخل فى ذمة الإمام ، وحزبه. قالوا : وذلك كما أن السموات سبع ، والأراضين سبع ، والبحار سبعة والأيام سبعة ، / وأن تدبير العالم منوط بالكواكب السبعة ، وهى زحل والمشترى ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر.

وإنما سموا بابكية : لخروج طائفة منهم مع بابك الخرمى (٢) فى ناحية أذربيجان.

/ / وإنما سموا بالمحمرة : لأنهم لبسوا الحمرة فى أيام بابك ، وقيل : لأنهم يسمون مخالفيهم من المسلمين حميرا.

وإنما سموا إسماعيلية : لأنهم أثبتوا الإمامة لإسماعيل بن جعفر ، وقيل لانتساب زعيمهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر.

وأصل دعوة هؤلاء مبنى على إبطال الشرائع ، ودحض النواميس ، الدينية ، وذلك لأن ابتداء دعوتهم أن نفرا من المجوس يقال لهم غيارية اجتمعوا فتذاكروا ما كان أسلافهم عليه من الملك ، الّذي غلب عليه المسلمون ، فقالوا : لا سبيل لنا إلى دفعهم بالسيف ؛ لكثرتهم ، وقوة شوكتهم ؛ لكنا نحتال بتأويل شرائعهم ، على وجوه تعود إلى قواعد الأسلاف من المجوس ، ونستدرج به الضعفاء منهم ؛ فإن ذلك مما يوجب الاختلاف بينهم ، واضطراب كلمتهم.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٤.

(٢) بابك الخرمى : فارسى مجوسى الأصل. دخل الإسلام ، وسمى الحسن ، وقيل الحسين خرج على الخليفة المأمون سنة ٢٠١ ه‍ زاعما أنه سيعيد ملك فارس ، ولكنه هزم بعد معارك كثيرة ، وأرسل إلى الخليفة المعتصم سنة ٢٢٣ ه‍ الّذي أمر بقتله ، وصلبه (مروج الذهب ٤ / ٥٥ والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٦٦ وما بعدها).

وكان رأس القوم فى ذلك عبد الله بن ميمون القداح (١). وقيل حمدان قرمط ، وكان أول ما فعل أنه انتمى إلى غلاة الروافض ، واستمالهم بالدعوة إلى الإمام والحث على متابعته ، ولم يزل يستدرجهم بمخارقه ، حتى أجابه منهم طائفة كثيرة ، ولهم فى الدعوة واستدراج الطغام (٢) مراتب.

الأولى : الرزق ، وهو أن يكون الداعى فطنا ، عارفا بقبول حال المدعو ، لما يدعوه إليه بحيث لا يدعو غير قابل ، ولذلك نهوا دعاتهم ، عن إلقاء البذر فى الأراضى السبخة ، وأن لا يتكلم بالدعوة فى بيت فيه سراج ؛ أى فقيه ، أو متكلم.

الثانية : التأنيس : وهو استمالة كل واحد ، بتقرير ما يميل إليه هواه ، حتى إنه إن كان المدعو ممن يميل إلى الزهد ، والورع ، زين ذلك ، وقبح نقائضه ، وإن كان ممن يميل إلى الخلاعة ، زين له ذلك ، وقبح نفائضه ، حتى يحصل له التأنيس.

الثالثة : التشكيك ، والتعليق : وهو أنه إذا تأنس المدعو بالداعى ، شككه بعد ذلك فى أركان الشريعة ، وذلك بأن يقول له : ما معنى الحروف المقطعة فى أوائل السور ، ولم كانت الحائض يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة؟ ولم كان الغسل واجبا من خروج المنى ، دون البول؟ والركوع واحدا ، والسجود اثنين؟ وأبواب الجنة ثمانية ، وأبواب جهنم سبعة؟ والصبح ركعتين ، والمغرب ثلاث ، والظهر ، والعصر ، والعشاء أربعا؟ إلى غير ذلك ، فيتشكك ، ويتعلق قلبه بالعود ، إلى مراجعتهم ، فى ذلك.

الرابعة : الربط ، وذلك أنه إذا عاد إليهم ، وراجعهم فيما شككوه فيه.

قالوا له : قد جرت سنة الله ، بأخذ الميثاق ، والعهود ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) (٣) الآية.

فإذا أذعن لهم / استحلفوا بالأيمان التى يعتقدها ، أن يستر ما يسمعه منهم ، ولا يفشى لهم سرا ، إلا ما استفشوه.

__________________

(١) هو عبد الله بن ميمون بن داود المخزومى المعروف بابن القداح من أهل مكة ، وهو من الثقات عند الشيعة. عرف بالقداح ؛ لصناعته السهام ظهر فى جنوبى فارس ٢٦٠ ه‍ وهو الّذي نشر المبادئ الإسماعيلية بها توفى سنة ٢٨٠ ه‍ (الإعلام ٤ / ٢٨٦ ، موسوعة الأديان ص ٢٩٥).

(٢) الطّغام : أرذال الناس وأوغادهم. و ـ الضعيف الردىء من كل شيء (الطغامة) واحد الطغام و ـ الأحمق ، [يستوى فيه المذكر والمؤنث]. (ج) طغام (المعجم الوسيط ـ باب الطاء).

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧.

فإذا حلف ، قالوا له : إن الأشياء التى أشكلت عليك ، إنما يعرفها الإمام ومن أطلع عليها من قبله ، ولا يقدر على ذلك إلا بالترقى من درجة إلى درجة حتى تنتهى إليه.

الخامسة : التدليس ، وهو أن يدعو استجابة كل رئيس خطير ، تميل نفس المدعو إليه ، وإلى الاعتقاد فيه ، إلى دعوتهم حتى يميل إلى ما دعوه إليه.

السادسة : التأسيس وذلك بوضع مقدمات مقبولة فى الظاهر للمدعو على وجه تكون سابقة إلي ما يدعون ، إليه من الباطل.

السابعة : الخلع ، وهو طمأنينته إلى إسقاط ، وجوب الأعمال البدنية.

الثامنة : السلخ : وهو الخروج عن الاعتقاد ، الّذي هو قوام الدين ، وعند انتهاء المدعو إلى هذه المرتبة ، يأخذون فى الإباحة ، والحث على استعجال اللذات وترك التقيد ، بما وردت به النواميس الشرعية ، وتأويلات الشرائع ، كقولهم :

الوضوء : عبارة عن موالاة الأئمة.

والتيمم : هو الأخذ من المأذون عند غيبة الإمام ، الّذي هو الحجة.

وأن الصلاة : إشارة إلى الناطق وهو الرسول ، ودليله قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (١) ، والفعل لا يكون ناهيا ؛ بل الناهي عن ذلك إنما هو الرسول.

وإن الاحتلام سبق اللسان إلى إفشاء شيء من أسرارهم ، إلى من ليس من أهله ، بغير قصد منه واغتساله ، تجديد العهد عليه.

والزكاة : تزكية النفس / / بمعرفة ما ذهبوا إليه من دينهم.

والكعبة : النبي ، والباب : عليّ.

والصفا : النبي ، والمروة : عليّ.

والميقات : الإيناس.

والتلبية : إجابة المدعو.

والإحرام : تحريم النطق بشيء من أسرارهم دون إذنهم.

ونزع الثياب التبرى ممن خالفهم.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.

/ / أول ل ١٤٢ / ب من النسخة ب.

والطواف بالبيت ، سبعا موالاة الأئمة.

والصوم : الإمساك عن إظهار أسرارهم.

والقيامة : قيام قائم بأمورهم ومنهم من قال هو ابتداء دون وانقضاء دور.

والميعاد : عود كل شيء إلى الأصل الّذي انفصل عنه.

وأن المراد بالجنة : راحة الأبدان من الشرائع.

والنار المشقة اللازمة من الشرائع إلى غير ذلك من ترهاتهم.

وهذا الناموس الأعظم ، والبلاغ الأكبر ، والّذي عليه مدار اعتقادهم ، وأصل دعوتهم أن الله ـ تعالى ـ ليس بموجود ، ولا معدوم ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا قادر ، ولا عاجز ، وكذلك جميع الصفات. فإن الإثبات الحقيقى يفضى إلى الاشتراك بينه وبين سائر الموجودات فيما أطلقناه عليه ، وهو تشبيه. والنفى المطلق يفضى إلى مشاركته للمعدومات ؛ بل هو واهب هذه الصفات ، ورب المتضادات.

وربما خلطوا كلامهم بكلام الفلاسفة فقالوا : إنه أبدع بالأمر العقل التام ، ثم بتوسطه أبدع النفس التى ليست تامة ، وأن النفس لما اشتاقت إلى العقل التام / احتاجت إلى الحركة من النقص إلى الكمال ، ولن تتم الحركة إلا بآلة الحركة ؛ فحدثت الأفلاك السماوية ، وتحركت حركة دورية بتدبير النفس ؛ فحدث بتوسط ذلك الطبائع البسيطة ، ويتوسط البسائط حدثت المركبات من المعادن ، والنباتات وأنواع الحيوانات ، وأشرفها نوع الإنسان ؛ لاستعداده لفيض الأنوار القدسية عليه ، واتصال نفسه بالعالم العلوى.

وأنه لما كان العالم العلوى مشتملا على عقل كامل كلى. ونفس ناقص كلى يكون مصدر الكائنات ، وجب أن يكون فى العالم السفلى عقل مشخص كامل يكون وسيلة إلى النجاة ؛ وذلك هو الرسول الناطق.

ونفس ناقصة تكون نسبتها إلى الناطق فى تعريف النجاة ، نسبة النفس الأولى إلى العقل الأول ، فيما يرجع إلى إيجاد الكائنات ؛ وذلك هو الأساس ؛ وهو الإمام الوصى للناطق.

وكما أن تحرك الأفلاك بتحريك العقل ، والنفس ؛ فكذلك تحرك النفوس والشرائع بتحريك الناطق ، والوصى.

وعلى هذا : فى كل عصر ودور ، إلى زمان القيامة ، وارتفاع التكاليف واضمحلال السنن ، وبلوغ النفس الناطقة كما لها ، وهو اتصالها بالعقول العلوية ، وذلك هو القيامة الكبرى ، وعندها تنحل تراكيب الأفلاك ، والمركبات ، وتنشق السماء ، وتتناثر الكواكب وتتبدل الأرض غير الأرض ، وتطوى السماء ، كطى السجل للكتاب ، ويحاسب الخلق ، ويتميز الخير عن الشر ، ويتصل كل بما يناسبه.

هذا ما كان عليه قدماؤهم ، فحين ظهر الحسن بن محمد الصباح (١) ، عاد ودعا الناس ـ أول دعوة ـ إلى إمام قائم فى كل زمان ، وأنه حجة ذلك الإمام فى زمانه ، وكان خلاصة كلامه :

أن المفتى فى معرفة الله ـ تعالى ـ ، إما أن يقول إنى أعرف البارى ـ تعالى ـ بعقلى ، ونظرى من غير احتياج إلى تعليم ، معلم صادق ، أو أن يقول : لا طريق مع العقل ، والنظر إلى المعرفة دون تعليم معلم صادق.

فإن كان الأول : فليس له الإنكار على عقل غيره ، ونظره ؛ فإنه متى أنكر عليه فقد علمه ؛ إذ الإنكار تعليم ، وهو دليل على أن المنكر عليه ، محتاج إلى المعلم.

وإن كان الثانى : فلا يخلوا : إما أن يكتفى بكل معلم على الإطلاق ـ كيف كان ـ أو أنه لا بد ، من معلم صادق.

فإن كان الأول : فليس له الإنكار على معلم خصمه ، وإن أنكر ؛ فقد سلم أنه لا بد من معلم صادق.

وإن كان الثانى : وهو أنه لا بد من معلم صادق ؛ فلا بد من معرفة المعلم الأول ، والظفر به ، والتعليم منه.

وبان أن الحق مع هذه الفرقة ، وأن رأسهم رأس المحقين ، ومن عداهم مبطلون ، ورؤسائهم رؤساء ، المبطلين.

ثم إنه منع العوام عن الخوض فى العلوم والخواص : عن النظر فى الكتب المتقدمة ، حتى لا يطلع على فضائحهم ثم زادوا ، ونقصوا / وتفلسفوا ، ولم يزالوا متسترين

__________________

(١) هو رأس الفرقة المعروفة باسمه (الصباحية) بأصبهان. كثر اتباعه فبنى القلاع ، وقوى أمره.

ولد بالرى عام ٤٣٠ ه‍ ونشأ نشأة شيعية انضم للإسماعيلية ، وعمره سبعة عشر عاما وكانت قلعة الموت عاصمة لدولته ، توفى الحسن الصباح سنة ٥١٨ ه‍ من غير سليل ؛ لأنه قتل ولديه ، فى حياته. (الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٢٠٣ وما بعدها.

بالنواميس الدينية ، والأمور الشرعية حتى تحصنوا بالحصون ، وتعلقوا بالمعاقل ، وكثرت / / شوكتهم ، ورهب ملوك السوء منهم ، فأظهروا المخبآت ، وباحوا بالمكتمات ، من إسقاط التكاليف ، وإباحة المحرمات ؛ وصاروا كالحيوانات العجماوات ، من غير ضابط دينى ، ولا وازع شرعى. فنعوذ بالله من الشيطان ، والتخبط فى الأديان.

وعند هذا : فلا بد من التنبيه على إبطال (١) مخارقهم ، وزيف ما يستدرجون به الطغام ، والعوام على وجه مختصر ، وإن كان بطلان ذلك أظهر من أن يحتاج إلى البيان.

أما قولهم : إن النطقاء سبعة ، والأئمة سبعة ؛ لأن السماوات سبع ، والأراضين والبحار ، والأيام ، والكواكب المدبرة سبعة ؛ فتمثيل من غير دليل ، ثم ليس ذلك أولى من أن يقال إن النطقاء اثنا عشر ، وكذلك الأئمة ؛ لأن البروج اثنا عشر ، والأشهر اثنا عشر ، وأن يقال بالتربيع ؛ لأن العناصر أربعة ، والأخلاط أربعة ، أو بالتوحيد ؛ لأن الله واحد.

كيف؟ وأن قولهم بأن السموات سبع ، والأراضين سبع ، إن أخذوه من ظاهر القرآن ؛ فلعل الباطن مخالف للظاهر ، وإن أخذوه من قول الفلاسفة ؛ فالأفلاك عندهم تسعة ، والأرض واحدة ؛ كما أسلفناه من مذهبهم.

وعلى هذا ـ فكان يجب إن قيس النطقاء والأئمة بالسماوات ، أن يكونوا تسعة ، وإن قيسوا بالأرض ، أن يكون الناطق. واحدا ، وكذلك الإمام.

وأما الإباحة ، ومخالفة ظواهر الشرائع ، وتأويلاتها بما حرفوا به. إما أن يكون ذلك مستندا إلى العقل والنظر ، أو إلى قول الإمام المعصوم ، كما هو مذهبهم.

فإن كان الأول : فالعقل عندهم غير كاف فى ذلك. ولو كان كافيا ؛ لما احتيج إلى الإمام المعصوم.

وإن كان الثانى : فالإمام المعصوم المخبر بذلك ، لا بد ، وأن يعلم كونه معصوما ؛ ليحصل الوثوق بقوله ، وإلا لما كان قوله أولى من قول غيره.

__________________

/ / أول ل ١٤٣ / أ.

(١) (على إبطال) ساقط من ب.

والعلم بذلك إن كان معلوما بالعقل ، والنظر ، فالعقل غير معط لذلك إلا فى حق من دلت المعجزة على صدقه ، وذلك هو الناطق ، لا الإمام ـ كيف وأن العقل عندهم غير كاف؟.

وإن كان ذلك معلوما بقوله ، فقوله : إنما يكون موجبا للعلم ، أن لو عرف صدقه فإذا ، كان صدقه ، متوقفا على قوله ، والاحتجاج بقوله ، على صدقه ، فرع صدقه ؛ فيكون دورا ، وإن كان معرفة صدقه بأمر آخر ؛ فلا بد من تصويره ، والدلالة عليه.

قولهم إن الله ـ تعالى ـ ليس بموجود ، ولا معدوم ؛ فهو إبطال لوجود الإله تعالى ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (١).

قولهم : إنه ليس بعالم ، ولا جاهل ولا قادر ، ولا عاجز ، وكذلك فى سائر الصفات ؛ فقد أبطلناه أيضا فى الصفات (٢).

وما ذكروه من إبداع الرب ـ تعالى ـ للعقل / وبتوسطه للنفس ، وبتوسط النفس لحركات الأفلاك ، وبتوسط حركات الأفلاك لحدوث المركبات ؛ فقد استقصينا إبطاله أيضا فيما تقدم (٣).

وإذا بطل القول بوجود العقل ، والنفس العلويين ؛ فقد بطل القول بوجود الناطق ، والإمام بالقياس عليه.

وبتقدير تسليم وجود العقل ، والنفس العلويين ؛ فقد أبطلنا فى النبوات القول بوجوب ، وجود الناطق ، وهو الرسول ، وبينا أن ذلك من الجائزات لا من الواجبات (٤).

وبتقدير وجوب وجود الناطق ، فلم قالوا بوجوب وجود الإمام؟ ولم لا يكتفى بما يبلغه إلينا الناطق ، من غير حاجة إلى إمام ، ويكون ما يسنه ، ويشرعه ، ويضعه من الضوابط ، كافيا فى المعرفة بعد موته ، كما كان ذلك كافيا فى حياته ، كيف وإن الإمام

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٤١ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٥٤ / أوما بعدها.

(٣) راجع ما مر فى الجزء الثانى ل ٣٢ / ب وما بعدها.

(٤) انظر ما مر فى قاعدة النبوات ل ١٣٣ / أوما بعدها.

إما أن يكون صادقا أو لا يكون صادقا ، فإن لم يكن صادقا ، فلا فائدة فيه ؛ إذ ليس قوله أولى من قول غيره ، وإن كان صادقا ؛ فلا بد من معرفة صدقه ، ولا سبيل إليه لما تقدم.

وعلى هذا فقد بطل ما ذكره الحسن بن محمد الصّباح فى أمر الإمام ، ووجوب اتباعه ، ولا نعرف خلافا بين المسلمين فى كفر هذه / / الطائفة ، وأن حكمهم حكم المرتدين ، وسيأتى تفصيل القول فيه (١).

وأما الزيدية (٢) : فثلاث فرق :

الفرقة الأولى : الجارودية (٣).

أصحاب أبى الجارود ، زعموا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نصّ على عليّ بالوصف ، دون التسمية ، وأن الصحابة كفروا بتركهم الاقتداء بعليّ بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم الإمامة بعده فى الحسن ، ثم فى الحسين ، ثم الإمامة شورى فى ولدهما ، فمن خرج منهم عالما ، فاضلا ، داعيا إلى الله ؛ فهو الإمام.

ثم اختلفوا : فمنهم من قال : إن الإمام المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسين ، وأنكر قتله ، ومنهم من قال : الإمام المنتظر محمد بن القاسم ، ومنهم من ينتظر يحيى بن عمير صاحب الكوفة ، وسيأتى إبطال قولهم فيما بعد (٤).

__________________

/ / أول ل ١٤٣ / ب.

(١) انظر ما سيأتى ل ٢٥٨ / أوما بعدها.

(٢) هم أتباع الإمام زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم» (٨٠ ـ ١٢٢ ه‍) وهم أقرب فرق الشيعة من أهل السنة والجماعة.

يتميزون بالبعد عن التطرف والغلو. قصروا الإمامة على أولاد على ـ رضي الله عنه ـ من فاطمة رضى الله عنها ـ وقد افترقوا إلى فرق كما هو موضح فى الأصل.

انظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ١٤٠ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ٢٢ ، ٣٠ ـ ٣٧ والملل والنحل ص ١٥٤ ـ ١٦٢ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٢ ، ٥٣ ، وشرح المواقف ص ٣٩ ـ ٤١ من التذييل. ومن الدراسات الحديثة : الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٢٥٥ ـ ٢٦٢ وإسلام بلا مذاهب ص ٢٢٥ ـ ٢٣٣ ، وتاريخ المذاهب الإسلامية ص ٤٧ ـ ٥٢ ، جذور الفتنة فى الفرق الإسلامية ص ٢٢٥ وما بعدها.

(٣) الجارودية : أصحاب أبى الجارود وهو زياد بن المنذر الهمذانى الخراسانى سماه الإمام الباقر سرخوبا. وفسره :

شيطان أعمى يسكن البحر وكان من غلاة الشيعة ، وقيل عنه. إنه كذاب يضع الحديث فى مثالب الصحابة مات سنة ١٥٠ ه‍. وانظر فى شأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١٤٠ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١٥٧ وما بعدها ، والفصل لابن حزم ٤ / ١٧٩. والتبصير فى الدين ص ١٦ والفرق بين الفرق ص ٣٠ وما بعدها.

(٤) انظر ما سيأتى فى القاعدة الثامنة الإمامة.

الفرقة الثانية : السليمانية (١)

أصحاب سليمان بن جرير : يزعمون أن الإمامة شورى ، وأن الإمامة إنما تنعقد برجلين من خيار المسلمين ، وأنها تصح للمفضول مع وجود الأفضل ، وأثبتوا إمامة أبى بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ ولكن زعموا أن الأمة أخطأت فى البيعة لهما ، مع وجود على خطأ لا ينتهى إلى درجة الفسق ، وقضوا بتكفير عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، مع القطع بأنهم من أهل الجنة ، بما ورد من النصوص فى حقهم ، وتزكية النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لهم.

الفرقة الثالثة : البترية (٢)

أصحاب بيتر الثومى قولهم كقول السليمانية غير أنهم توقفوا فى حق عثمان.

أما الإمامية (٣) المطلقة

فلم يقل أحد منهم بالحلول ، غير أنهم قالوا بالتنصيص على عليّ تعيينا ، وتعريضا ، وكفروا الصحابة بترك بيعته ، وتعرضوا للوقيعة فيهم بسبب ذلك / وهم متفقون على سوق الإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق ، ومختلفون فى المنصوص عليه بعد ذلك ، وكانوا فى الأول على مذهب أئمتهم ، حتى اختلفت الروايات عن أئمتهم ، وتمادى الزمان عليهم ؛ فتشعّبوا ، وافترقوا ، حتى صار بعضهم معتزلة ، وبعضهم إجبارية : إما مشبهة ، وإما سلفية ، ومنهم من التحق ببعض الطوائف الضالة.

__________________

(١) السليمانية : أصحاب سليمان بن جرير الزيدى ـ وتسمى أيضا الجريرية. مقالات الإسلاميين ص ١٤٢ والملل والنحل ص ١٥٩ ، ١٦٠ ، والفرق بين الفرق ص ٣٢ ، ٣٣. والتبصير فى الدين ص ١٧ وشرح المواقف ص ٤٠ ، ٤١ من التذييل.

(٢) أتباع بتير الثومى كما هنا ، وشرح المواقف ص ٤١ من التذييل ، وأصحاب الحسين بن صالح بن حىّ وكثير النواء كما فى مقالات الإسلاميين ص ١٤٤ والفرق بين الفرق ص ٣٣ وما بعدها.

وسماها فى الملل والنحل ص ١٦١ الصالحية والبترية ، الصالحية : أصحاب الحسن بن صالح توفى سنة ١٦٩ ه‍ والبترية : أصحاب كثير النوى الأبتر توفى فى حدود سنة ١٦٩ ه‍.

(٣) هم القائلون بإمامة عليّ ـ رضي الله عنه ـ نصا ظاهرا ، وتعيينا صادقا وزعموا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد عيّن عليا ـ رضي الله عنه ـ للإمامة فى مواضع تعريضا وفى مواضع تصريحا ، وافترقوا إلى فرق كثيرة ذكرها كتاب الفرق بالتفصيل واختلفوا فيما بينهم فى عددها وأسمائها. انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة إلي ما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ٨٨ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١٦٢ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٢١ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ٣٧ وما بعدها. وشرح المواقف ص ٤١ ، ٤٢ من التذييل.

أما قولهم : بالتنصيص على عليّ فسيأتى إبطاله فيما بعد (١) ، وأما تكفيرهم لأعلام الصحابة وسلف الأمة مع شهادة القرآن ، وإخبار الرسول بعدالتهم ، والرّضى عنهم ، وأنهم من أهل الجنة ؛ فهو بعيد.

أما شهادة القرآن لهم فقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (٢) ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وقوله تعالى فى حق المهاجرين والأنصار : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٣) وقوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (٤) وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٥) ، وذلك يدل على علو رتبتهم ، وعظم شأنهم ، وكرامتهم على الله تعالى ورسوله ،

وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «عشرة فى الجنة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح» (٦) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة فى حقهم جملة ، وإفرادا.

ثم إنه لو كان أبو بكر ، وعمر كافرين ؛ لكان عليّ بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر كافرا ، أو فاسقا ، حيث عرض ابنته للزنا ؛ لإن نكاح الكافر للمسلمة ؛ باطل بالإجماع ، والوطء الواقع فيه يكون زنا ؛ وعليّ لم يكن كافرا ، ولا فاسقا.

__________________

(١) انظر القاعدة الثامنة ل ٢٧٤ / أوما بعدها.

(٢) سورة الفتح : ٤٨ / ١٨.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ١٠٠.

(٤) سورة التوبة : ٩ / ١١٧.

(٥) سورة النور : ٢٤ / ٥٥.

(٦) رواه أبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي وصححه. رواه أبو داود رقم (٤٦٤٩) و (٤٦٥٠) فى السنة : باب فى الخلفاء.

والترمذي رقم (٣٧٤٩) و (٣٧٥٨) فى المناقب : باب مناقب عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وباب مناقب سعيد بن زيد. وابن ماجه رقم (١٣٤) فى المقدمة : باب فضائل العشرة المبشرين بالجنة رضى الله عنهم. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روى من غير وجه عن سعيد بن زيد عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وهو حديث صحيح.

وأما الخوارج (١) : فقد انقسموا فى الأصل إلى :

المحكمية الأولى ، والبيهسية ، والأزارقة ، والنجدات ، والصفرية والإباضية ، والعجاردة.

أما المحكمية الأولى (٢) : فهم الذين خرجوا على عليّ عند التحكيم ، وكانوا اثنى عشر ألف رجل ، أهل صلاة وصيام وفيهم قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «تحقر صلاة أحدكم فى جنب صلاتهم ، وصوم أحدكم فى جنب صومهم ، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم» (٣).

وهم مجمعون على تجويز الإمامة فى غير قريش ، وأن كل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس بالعدل ، واجتناب الجور ؛ كان إماما ، وإن غيّر السيرة ، وعدل عن الحق ، وجب عزله أو قتله ، وجوزوا أن لا يكون فى العالم ، إمام أصلا.

وأجمعوا أيضا على تخطئة عليّ فى التحكيم ، وتكفيره ؛ وتكفير عثمان / / وأكثر الصحابة ، وتكفير ومرتكب الكبيرة.

أما قولهم : إنه يجوز أن يكون الإمام من غير قريش ؛ فهو خلاف الإجماع من السلف وخلاف (قوله عليه‌السلام : والأئمة من قريش (٤)) ، وقوله عليه‌السلام : «قدموا قريشا ولا تتقدموها (٥).

__________________

(١) الخارجى : هو كل من خرج على الإمام الحق. سواء كان الخروج في أيام الصحابة ، أو فى أيام التابعين ، والأئمة فى كل زمان ، والخوارج من أوائل الفرق الإسلامية : وهم سبع فرق كبار. انظر عنهم بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ١٦٧ ـ ٢١٢ ، والفرق بين الفرق ص ٧٢ ـ ١١٣ والملل والنحل ص ١١٤ ـ ١٣٨ ، والتبصير فى الدين ص ٢٦ ـ ٣٦ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٦ ـ ٥١ وشرح المواقف للشريف الجرجانى ص ٤٢ ـ ٥٣ من التذييل. ومن الدراسات الحديثة : تأملات فى التراث العقدى للفرق الكلامية (فرقة الخوارج) د / عبد السلام عبده وإسلام بلا مذاهب ص ١٢١ ـ ١٧٠ ، وتاريخ المذاهب الإسلامية ص ٦٥ ـ ٨٧.

(٢) ويقال لهم محكمة وشراة. وانظر بشأن هذه الفرقة : الفرق بين الفرق ص ٧٢ ـ ٨٢ والملل والنحل ص ١١٥ ـ ١١٨ ، والتبصير فى الدين ص ٢٦ ـ ٦٩ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٦ ، وشرح المواقف ص ٤٢ ، ٤٣ من التذييل.

(٣) أخرجه أبو داود فى سننه : ٢ / ٥٤٥ (كتاب السنة ـ باب فى قتال الخوارج) عن على رضي الله عنه.

/ / أول ل ١٤٤ / أ.

(٤) فى مسند الإمام أحمد ٣ / ١٢٩ ، ١٨٣ ، ٤ / ٤٢١ الأئمة من قريش ، إن لهم عليكم حقا ، ولكم عليهم حقا مثل ذلك ما استرحموا فرحموا ، وإن عاهدوا أوفوا ، وإن حكموا عدلوا ، فمن لم يفعل ذلك منهم ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» قال ابن حزم فى الفصل ٤ / ٨٩ إن رواية الحديث جاءت بطريقة التواتر».

(٥) رواه السيوطى في الجامع الصغير ٢ / ٨٦.

وقولهم بجواز خلو العصر عن الإمام ، فهو أيضا على خلاف إجماع السلف ، وأما تكفيرهم مرتكب الكبيرة ، فقد أبطلناه / فيما تقدم (١).

وأما البيهسية (٢) : أصحاب أبى بيهس الهيصم بن جابر ، قالوا : إنّ الإيمان هو الإقرار ، والعلم بالله ، وما جاء به رسوله ، حتى أن من واقع ما لا يعلم كونه حراما أو حلالا ؛ فليس بمؤمن ؛ إذ كان من حقه أن يعلم الحق.

ومنهم من خالف فى ذلك وقال : لا يكفر حتى يرفع أمره إلى الإمام ، أو نائبه فيحده ، وكل ما ليس فيه حد ؛ فهو مغفور.

ومنهم من قال : إنه لا حرام سوى ما فى قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) (٣) الآية ، وما سواه ؛ فكله حلال.

ومنهم من قال : إن الإمام إذا كفر كفرت الرعية شاهدها ، وغائبها ، وقالوا إن أطفال المؤمنين ، مؤمنين ، وأطفال الكفار ، كفار ، ووافقوا القدرية فى القدر.

ومنهم من قال : إن السكر إذا كان من شراب حلال ؛ فلا يؤاخذ صاحبه بما قال ، أو فعل ؛ بخلاف الحرام.

ومنهم من قال : إنّ السكر إذا انضم إليه فعل كبيرة ؛ فهو كفر.

أما قولهم : إن الإيمان هو الإقرار ، والعلم ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٤).

وقولهم : إنه لا حرام إلا ما حرم فى الآية المذكورة ، وأن الإمام إذا كفر كفرت الرعية ، فهو أيضا خلاف الإجماع من السلف والقرآن ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٥).

__________________

(١) انظر الفصل الثالث من هذه القاعدة ل ٢٤١ / ب.

(٢) أصحاب أبى بيهس الهيصم بن جابر وهو أحد بنى سعد بن ضبيعة. طلبه الحجاج فهرب منه إلى المدينة ؛ فظفر به عثمان بن حيان المزنى فحبسه ، وقتله. أما عن البيهسية فانظر بالإضافة لما ورد هاهنا. الملل والنحل ص ١٢٥ ـ ١٢٨ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٧. وشرح المواقف ص ٤٣ من التذييل.

(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٥.

(٤) انظر الفصل الأول من هذه القاعدة ل ٢٣٦ / أوما بعدها.

(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٤. وسورة الإسراء ١٧ / ١٥.

وقولهم : إن السكر إذا كان من شراب حلال ؛ فلا يؤاخذ صاحبه بما فعل وأن السكر إذا انضم إليه فعل الكبيرة كان كفرا ؛ فهو خلاف إجماع السلف أيضا ؛ والدليل ما سبق (١).

وأما الأزارقة (٢)

أصحاب نافع بن الأزرق ، فإنهم كفروا عليا بالتحكيم وقالوا : إن عليا هو الذي أنزل فى شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (٣).

وصوبوا عبد الرحمن بن ملجم (٤) بقتله لعلىّ ، وقالوا هو الّذي أنزل الله فى شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٥).

وفيه قال مفتى الخوارج وزاهدها وشاعرها عمران بن حطان (٦) :

يا ضربة من تقى ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا

أنى لأذكره يوما فأحسبه

أو فى البرية عند الله ميزانا

__________________

(١) انظر ما مر ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

(٢) أصحاب نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار ، البكرى ، الوائلى ، الحرورى ، صحب في أول أمره عبد الله بن عباس.

كان من أنصار عليّ ـ رضي الله عنه ـ حتى كانت قضية التحكيم وفى سنة ٦٥ ه‍ اشتدت شوكته ، وكثرت جموعه ؛ ولكنه قتل بعد معركة كبيرة سنة ٦٥ ه‍ ، انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا.

مقالات الإسلاميين ص ١٦٨ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١١٨ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ٨٢ وما بعدها للبغدادى الّذي سماه نافع بن الأزرق الحنفى أبو راشد ، والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٢٩ ، ٣٠ سماه أبو راشد نافع بن الأزرق الحنفى.

(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٠٤.

(٤) هو عبد الرحمن بن ملجم المرادى الحميرى ، كان مع الإمام على ، ثم خرج عليه واتفق مع جماعة على قتل عليّ ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص. فى ليلة واحدة ، فقصد الكوفة وقتل الإمام عليّ بينما فشل صاحباه. (الإعلام ٤ / ١١٤).

(٥) سورة البقرة ٢ / ٢٠٧.

(٦) عمران بن حطان : رأس من رءوس الخوارج شاعر وفقيه توفى سنة ٨٤ ه‍ انظر العبر ١ / ٩٨ وديوان الخوارج جمع د / نايف معروف دار المسيرة بيروت سنة ١٩٨٣ م.

وقد رد الإمام عبد القاهر البغدادى صاحب الفرق بين الفرق على عمران بن حطان قال عبد القاهر ، وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا :

يا ضربة من كفور ما استفاد بها

ألا الجزاء بما يصليه نيرانا

إنى لألعنه دينا وألعن من

يرجو له أبدا عفوا وغفرانا

ذاك الشقى لأشقى الناس كلهم

أخفهم عند ربهم الناس ميزانا

وزادوا على ذلك بتكفير عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، وعبد الله بن عباس ، وسائر المسلمين معهم ، وقضوا بتخليدهم فى النار ، وكفروا القعدة عن القتال ، وإن كانوا موافقين فى الدين ، ولم يجوزوا التقيّة فى قول ، ولا عمل ، وأباحوا قتل أطفال المخالفين ، ونسائهم ، وأسقطوا الرجم عن الزانى المحصن ، وحد قذف المحصنين من الرجال دون النساء / ؛ إذ هو غير مذكور فى القرآن.

وحكموا بأن أطفال المشركين فى النار مع آبائهم ، وجوزوا بعثة نبى كان كافرا ؛ وإن علم كفره بعد النبوة.

وقضوا بأن من ارتكب كبيرة ؛ فقد كفر ، وخرج عن الملة ؛ وهو مخلد فى النار.

وأما تخطئتهم للصحابة ، فخطأ لما سبق ، ثم يقال لهم : إن كانت الآية نازلة فى حق عليّ ـ رضي الله عنه ـ فيلزم أن يكون منافقا فى زمن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وإتباع المنافق ، كفر عندكم ، ويلزم من ذلك ، أن تكونوا كفارا ، بأتباعه فى وقعة الجمل ، وصفين قبل التحكيم.

وهو مناقض لقولكم : إنه إنما كفر بالتحكيم.

وأما ما ذكروه من باقى الأحكام ؛ فقد خرقوا فيها إجماع المسلمين ، واستحلوا ما لا يحل.

أما النجدات العاذرية (١) :

أصحاب نجده بن عامر الحنفى ، وإنما سموا عاذرية ؛ لأنهم عذروا بالجهالات ، فى أحكام الفروع ، وهؤلاء وافقوا الأزارقة فى تكفير من كفرته الأزارقة من الصحابة ، وخالفوهم فى باقى الأحكام.

__________________

(١) أصحاب نجدة بن عامر النجفى وقيل الحنفى ، كان فى أول أمره مع نافع بن الأزرق وفارقه لأحداثه فى مذهبه ، ثم خرج مستقلا باليمامة سنة ٦٦ ه‍ أيام عبد الله بن الزبير ثم أتى البحرين واستقر بها. وقتله أتباع بن الزبير وقيل أتباعه سنة ٦٩ ه‍. (شذرات الذهب ١ / ٧٦ والأعلام ٨ / ٣٢٥). ولمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة : انظر الملل والنحل ص ٢٢ ـ ١٢٥ والفرق بين الفرق ص ٨٧ ـ ٩٠. والتبصير فى الدين ص ٣٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٧. وشرح المواقف ص ٤٥ من التذييل.

وقضوا بأنه لا حاجة للناس إلى إمام ، وإنما عليهم أن يتناصفوا ، فيما بينهم وإن رأوا إقامته ؛ فهو جائز / / وهم فى جميع ما قضوا به مخطئون.

أما التكفير ؛ فلما سبق (١) ، وأما الاستغناء عن الإمام ؛ فلمخالفة الإجماع.

وأما الصفرية (٢) :

أصحاب زياد بن الأصفر ، ومذهبهم كمذهب الأزارقة في تكفير الصحابة ، وخالفوهم فى تكفير القعدة عن القتال ، إذا كانوا موافقين فى الدين والاعتقاد ، وخالفوهم فى الرجم ، وفى تكفير أطفال الكفار ، وتعذيبهم ، وجوزوا التقية فى القول دون العمل.

وحكموا بأن ما كان من المعاصى عليه حد ؛ فليس لصاحبه اسم غير الاسم اللازم منه الحد ، ولا يكون كافرا ؛ وإنما يقال له سارق ، وزان ، وقاذف ، وعلى نحوه.

وما كان من المعاصى لا حدّ فيه ؛ لعظم قدره ، كترك الصلاة ، والصوم ؛ فهو كفر.

ومنهم من جوز تزويج المسلمات ، من كفار قومهم فى دار التقية ، دون دار العلانية وهؤلاء أيضا حكمهم فى تكفير الصحابة ، حكم الأزارقة.

وأما التكفير بترك الصلاة ، والزكاة من غير استحلال ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٣) واستحلال تزويج المسلمات ـ أيضا ـ من الكفار خرق للإجماع.

__________________

/ / أول ل ١٤٤ / ب.

(١) راجع ما مر ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

(٢) الصفرية أصحاب زياد بن الأصفر ، ويقال لهم : الصفرية الزيادية. قيل : فى سبب تسميتهم صفرية. نسبة إلى زعيمهم زياد بن الأصفر ، أو لصفرة وجوههم بسبب السهر ، والعبادة. وقيل : سموا صفرية ، لخلوهم من الدين.

انظر فى شأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ١٦٩ وما بعدها والملل والنحل ص ١٣٧ ، ١٣٨. والفرق بين الفرق ص ٩٠ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣١. وشرح المواقف ص ٤٦ الّذي سماها (الأصفرية).

(٣) انظر ما سبق ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

أما الإباضية (١) :

أصحاب عبد الله بن أباض ، حكموا بأن مخالفيهم كفار غير مشركين ، ومناكحتهم جائزة ، وغنيمة أموالهم من السلاح ، والكراع عند الحرب حلال دون ما سواه ، وأن دار مخالفيهم دار إسلام وتوحيد دون معسكر السلطان منهم ، وأن شهادة مخالفهم مقبولة على أوليائهم ، وأنّ مرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن ، وأن الاستطاعة قبل الفعل ، وأن أفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ـ وأن العالم كله يفنى إذا فنى / أهل التكليف ، وأن مرتكب الكبيرة كافر ، كفر نعمة ، لا كفر ملّة ، وتوقفوا فى تكفير أولاد الكفار ، وتعذيبهم.

واختلفوا فى النفاق هل هو شرك أم لا؟ وأنه يجوز أن يبعث الله رسولا بلا دليل وتكليف العباد بما يوحى إليه ، اتفاقهم على تكفير عليّ ، وأكثر الصحابة ، وهم مخالفون للإجماع فى أكثر ما قالوه ، وقد افترقوا أربع فرق :

الفرقة الأولى : الحفصية (٢)

أصحاب أبى حفص بن أبى المقدام ، وقد زادوا على الإباضية بأن قالوا : إن بين الشرك ، والإيمان خصلة واحدة ، وهى معرفة الله ـ تعالى ـ فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول ، أو جنة أو نار ، أو ارتكب كبيرة من الكبائر ؛ فهو كافر ، لا مشرك.

ويلزمهم على ذلك ، رجاء المغفرة لليهود ، والنصارى ، ؛ لأنهم غير مشركين عندهم

__________________

(١) الإباضية : أتباع عبد الله بن أباض بن عبد الله بن مقاعس ، من بنى مرة رأس الإباضية وهو أكثرهم اعتدالا. خرج فى عهد مروان بن محمد بن مروان وقتل أثناء المعركة. انظر بشأن الإباضية بالإضافة لما ورد هاهنا.

مقالات الإسلاميين ص ١٨٣ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ١٠٣ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣٤ والفصل لابن حزم ٤ / ١٨٨. والملل والنحل ص ١٣٤ وما بعدها ، مروج الذهب ٣ / ٣٥٨ ، والمعارف لابن قتيبة ص ٦٢٢. وشرح المواقف ص ٤٧ من التذييل ومن الدراسات الحديثة : تاريخ المذاهب الإسلامية ص ٨٠ ، والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ١٥ ـ ٢٠ ، إسلام بلا مذاهب ص ١٣٥ ـ ١٧٠. جذور الفتنة فى الفرق الإسلامية ـ اللواء حسن صادق ص ٢٢٠ وما بعدها ، فى مذاهب الإسلاميين ـ دكتور عامر النجار ص ٩٩ وما بعدها.

(٢) الحفصية : أصحاب أبى حفص بن أبى المقدام. وانظر بشأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين ص ١٨٣ ، والفرق بين الفرق ص ١٠٤ والملل والنحل ص ١٣٥ والتبصير فى الدين ص ٣٤. وشرح المواقف ص ٤٨ من التذييل.

لمعرفتهم بالله تعالى ـ على ما قاله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١) ؛ وهو خلاف إجماع المسلمين.

الفرقة الثانية : من الإباضية اليزيدية (٢)

أصحاب يزيد بن أنيسه. زادوا على الإباضية بأن الله ـ تعالى ـ سيبعث رسولا من العجم ، وينزل عليه كتابا قد كتب فى السماء ، وينزل عليه جملة واحدة ، ويترك شريعة محمد عليه‌السلام ، وتكون ملته الصابئة المذكورة فى القرآن ، وحكموا بأن أصحاب الحدود مشركون ، وأن كل معصية كبيرة كانت ، أو صغيرة شرك.

الفرقة الثالثة : منهم الحارثية (٣) :

أصحاب أبى الحارث الإباضى ـ خالفوا الإباضية فى القول بالقدر ، كما قالت المعتزلة ، وفى الاستطاعة قبل الفعل ؛ وهو باطل بما سبق (٤).

الفرقة الرابعة : منهم : القائلون بطاعة لا يراد بها الله تعالى (٥)

زعموا أن العبد قد يكون مطيعا لله ـ تعالى ـ إذا فعل ما أمره به ، وإن لم يقصد الله ـ تعالى ـ بذلك الفعل.

وقولهم ممتنع لقوله عليه‌السلام : «لا عمل إلا بنية» ، وقوله عليه‌السلام : الأعمال بالنيات» (٦)

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٤٨.

(٢) اليزيدية : أصحاب يزيد بن أنيسة كان بالبصرة ثم انتقل إلى فارس. ولمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين ص ١٨٤ والملل والنحل ص ١٣٦ وشرح المواقف ص ٤٨. وقد اعتبرهم البغدادى فى الفرق بين الفرق ص ١٠٤ من الفرق الخارجة عن الإسلام لقولهم بنسخ شريعة الإسلام فى آخر الزمان. ثم تحدث عنهم بالتفصيل ص ٢٧٩ وحكم بخروجهم عن فرق الإسلام.

(٣) الحارثية : اتباع أبى الحارث بن يزيد الإباضى ، وقيل : حارث بن يزيد وانظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١٣٤ والفرق بين الفرق ص ١٠٥ وسماه حارث بن يزيد الإباضى والملل والنحل ص ١٣٦ ، والتبصير فى الدين ص ٣٥. وشرح المواقف ص ٤٨ الّذي تابع الآمدي وسماه أبى الحارث.

(٤) انظر ما سبق ل ٢٣١ / أوما بعدها من الجزء الأول.

(٥) انظر عن هذه الفرقة الإضافة لما ورد هنا. مقالات الإسلاميين ص ١٧٢ والفرق بين الفرق ص ١٠٥ ، والتبصير فى الدين ص ٣٥ وشرح المواقف ص ٤٨ من التذييل.

(٦) صحيح البخارى ١ / ١٥ الحديث رقم (١) قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى : فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

وأما العجاردة (١) :

أصحاب عبد الكريم بن عجرد ، وافقوا النجدات فى مذهبهم ، وزادوا عليهم بأنه تجب البراءة عن الطفل ، حتى يدعى إلى الإسلام ، ويجب دعاؤه إذا بلغ ، وقضوا بأن أطفال المشركين فى النار. وقد تفرقوا عشر فرق (٢) :

الفرقة الأولى منهم : الميمونية (٣)

أصحاب ميمون بن عمران ، قالوا بالقدر كما قالت المعتزلة ، وتقديم الاستطاعة على الفعل ، وأن الله يريد الخير دون الشر ، وأنه لا مشيئة له فى معاصى / / العباد ، وأن أطفال الكفار فى الجنة.

ونقل عنهم أنهم يجيزون نكاح بنات البنين ، وبنات البنات ، وبنات أولاد الأخوة والأخوات ، وإنكار سورة يوسف من القرآن.

وأما قولهم : بالقدر ، وتقديم الاستطاعة على الفعل ، وأن الله ـ تعالى ـ يريد الخير دون الشر ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٤).

وأما إباحة ما ذكروه (٥) وإنكار سورة يوسف من / القرآن ؛ فخلاف الإجماع وما ورد به التواتر.

__________________

(١) العجاردة : هم أصحاب عبد الكريم بن عجرد. وانظر عنهم بالإضافة لما ورد هنا : مقالات الإسلاميين ص ١٧٧ والملل والنحل ص ١٢٨ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣٢ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ٩٣ وما بعدها وشرح المواقف ص ٤٩.

(٢) ذكر الآمدي أن العجاردة تفرقوا عشر فرق. أما الإمام الأشعرى فذكر أنهم تفرقوا خمس عشرة فرقة مقالات الاسلاميين ص ١٧٧. وأما الأسفرايينى فقال إحدى عشرة فرقة ، التبصير فى الدين ص ٣٢. بينما حصرها فى سبع الشهرستانى في الملل ص ١٢٨ ، أما البغدادى فى الفرق بين الفرق فقال إنها عشر فرق.

(٣) أصحاب ميمون بن عمران. وقيل : ميمون بن خالد. وهو رأس الميمونية. انظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ١٧٧ والملل والنحل للشهرستانى ص ١٢٩ وشرح المواقف ص ٤٩ من التذييل. والتبصير فى الدين ص ٣٤. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٨.

/ / أول ل ١٤٥ / أ.

(٤) راجع ما فى الجزء الأول القاعدة الرابعة ل ٢٣١ / أوما بعدها ، ول ٦٤ / ب وما بعدها.

(٥) (وأما إباحة ما ذكروه) ساقط من ب.

الفرقة الثانية : الحمزية (١)

أصحاب حمزة بن أدرك ، وافقوا الميمونية فى مذهبهم ، إلا فى أطفال الكفار ؛ فإنهم قالوا : إنهم فى النار.

الفرقة الثالثة منهم : الشعيبية (٢)

أصحاب شعيب بن محمد

قائلون ببدع الميمونية إلا فى القدر

الفرقة الرابعة : الحازمية (٣) : أصحاب حازم بن عاصم.

والخلفية : أصحاب خلف الخارجى.

والأطرافية : الذين عذروا أهل الأطراف فى ترك ما لا يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما يعرف لزومه من جهة العقل ، قائلون بنفى القدر ، وبأصول أهل السنة ، وقد نقل عنهم التوقف فى أمر عليّ رضي الله عنه.

__________________

(١) أتباع حمزة بن أدرك. ظهر أيام الرشيد سنة ١٧٩ ه‍ فى خراسان ، وعاش إلى عصر المأمون الّذي أرسل إليه جيشا كبيرا ؛ فهزمه ، وقتل الكثير من أصحابه وانظر بشأن هذه الفرقة ـ مقالات الإسلاميين ص ١٧٧ والملل والنحل ص ١٢٩ والفرق بين الفرق ص ٩٨ ـ ١٠٠ والتبصير فى الدين ص ٣٣ وشرح المواقف ص ٤٩.

(٢) أصحاب شعيب بن محمد. انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٧٨ والملل والنحل ص ١٣١ ، والفرق بين الفرق ص ٩٥ ، ٩٦ والتبصير فى الدين ص ٣٢ وشرح المواقف ص ٥٠.

(٣) الحازمية : أتباع حازم بن عاصم. انظر بشأنها : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ سماها [الخازمية] كما ذكر الخلفية ص ١٧٧ أيضا والملل والنحل ص ١٣١ وسماه حازم بن على ، والتبصير فى الدين ص ٣٢ سماها الخازمية [بالخاء] كما ذكر الخلفية أيضا والفرق بين الفرق ص ٩٤ سماها الخازنية [بالخاء] كما ذكر الخلفية أيضا ص ٩٦.

أما شرح المواقف ص ٥٠ فذكر : الرابعة : الحازمية ، والخامسة : الخلفية.

والسادسة : الأطرافية. وقال :

الرابعة : الحازمية : هو حازم بن عاصم : وافقوا الشعبية.

الخامسة : الخلفية أصحاب خلف الخارجى وهم خوارج كرمان ، ومكران.

السادسة : الأطرافية : هم على مذهب حازم ورئيسهم رجل من سجستان يقال له : غالب بن شاذك من سجستان».

وسموا : الأطرافية : لأنهم عذروا أهل الأطراف فيما لم يعرفوه من الشريعة.

الفرقة الخامسة : المعلومية (١) :

قائلون بمذهب الحازمية ، غير أنهم قالوا من لم يعلم الله بجميع أسمائه ؛ فهو جاهل به ، فإذا علمه بجميع أسمائه ؛ فهو مؤمن ، وإن أفعال العباد مخلوقه لهم.

الفرقة السادسة : المجهولية (٢) :

مذهبهم أيضا كمذهب الحازمية ، غير أنهم قالوا : من علم الله تعالى ببعض أسمائه دون البعض ؛ فهو عارف به مؤمن ، وإن أفعال العباد مخلوقه لله تعالى ، وكل واحدة منهما تكفر الأخرى.

الفرقة السابعة : منهم : الصلتية (٣) :

أصحاب عثمان بن أبى الصلت ، وقيل الصلت بن الصامت بن الصلت امتازوا عن العجاردة بأن الرجل إذا أسلم واستجار بنا توليناه ، وبرئنا من أطفاله ؛ إذ لا إسلام لهم حتى يدركوا ، فيدعوا إلى الإسلام فيقبلوا.

ونقل عن بعضهم : أنه ليس لأطفال المشركين ، والمسلمين ولاية ، ولا عداوة .. حتى يبلغوا فيدعون إلى الإسلام ، فيقرون ، أو ينكرون.

الفرقة الثامنة من العجاردة : الثعالبة (٤)

أصحاب ثعلبة بن عامر ، قائلون بولاية الأطفال صغارا ، وكبارا ، حتى يظهر منهم إنكار الحق بعد البلوغ. وقد نقل عنهم أيضا أنهم قالوا : ليس للأطفال حكم من ولاية

__________________

(١) انظر : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ سماها الخازمية المعلومية والفرق بين الفرق ص ٩٧ وسماها : المعلومية والمجهولية. والتبصير ص ٣٣ البعض يسميها المعلومية والآخر يسميها المجهولية ، وشرح المواقف ص ٥١ الفرقة السابعة : المعلومية.

(٢) انظر : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ سماها : الخازمية المجهولية ، والفرق بين الفرق ص ٩٧ : سماها : المعلومية والمجهولية ، والتبصير فى الدين ص ٣٣ البعض يسميها المعلومية ، والبعض يسميها المجهولية وشرح المواقف ص ٥١ : الفرقة الثامنة : المجهولية.

(٣) الصلتية : انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ والملل والنحل ص ١٢٩ والفرق بين الفرق ص ٩٧ والتبصير فى الدين ص ٣٣ وشرح المواقف ص ٥١ من التذييل.

(٤) الثعالبة : أصحاب ثعلبة بن عامر.

انظر مقالات الإسلاميين ص ١٧٩ ـ ١٨٢. والملل والنحل ص ١٣١ ـ ١٣٤.

أما الفرق بين الفرق ص ١٠٠ فقال : أتباع ثعلبة بن مشكان وكذلك سمى فى التبصير فى الدين ص ٣٣.

أما شرح المواقف ص ٥١ فسماه : ثعلب بن عامر.

ولا عداوة حتى يدركوا ، ويرون أيضا أخذ الزكاة من العبيد ، إذا استغنوا ، ودفعها إليهم إذا افتقروا وقد افترقت الثعالبة أربع فرق :

الأولى : الأخنسية (١)

أصحاب أخنس بن قيس ، توقفوا فى جميع من فى دار التقية ، ومن أهل القبلة إلا من عرف إيمانه ، أو كفره ، وحرموا الاغتيال بالقتل ، والسرقة وأنه لا يبتدأ أحد بالقتال ، حتى يدعى إلى الدين ، فإن امتنع قوتل.

ونقل عنهم أنهم جوزوا تزويج المسلمات من مشركى قومهم ، وهم على أصول الثعالبة فيما عدا ذلك من المسائل.

الفرقة الثانية : المعبدية (٢) :

أصحاب معبد بن عبد الرحمن ؛ خالفوا الأخنسية فى تزويج المسلمات من المشركين ، والثعالبة فى أخذ الزكاة من عبيدهم ودفعها إليهم.

الفرقة الثالثة : الشيبانية (٣) :

أصحاب شيبان بن سلمة ، قائلون بالجبر ونفى القدرة الحادثة / ؛ وهو باطل بما سبق.

الفرقة الرابعة : المكرمية (٤) :

أصحاب مكرم العجلى ، قائلون بأن تارك الصلاة كافر ، لا من أجل ترك الصلاة ؛ بل بجهله بالله ـ تعالى ـ وطردوا ذلك فى فعل كل كبيرة.

__________________

(١) الأخنسية : أصحاب أخنس بن قيس.

انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٨٠ والملل والنحل ١٣٢ والتبصير فى الدين ص ٣٣ ، ٣٤ والفرق بين الفرق ص ١٠١ وشرح المواقف ص ٥٢ من التذييل.

(٢) المعبدية أصحاب معبد بن عبد الرحمن.

انظر عنهم : مقالات الإسلاميين ص ١٨٠ ، والتبصير فى الدين ص ٣٣ ، والملل والنحل ص ١٣٢ ، والفرق بين الفرق ص ١٠١ ، وشرح المواقف ص ٥٢ من التذييل.

(٣) الشيبانية : أتباع شيبان بن سلمة الخارجى قتل سنة ١٣٠ ه‍ انظر عنه بالإضافة لما ورد هنا :

مقالات الإسلاميين ص ١٨٠ ، ١٨١ ، والملل والنحل ص ١٣٢ ، ١٣٣ ، والتبصير فى الدين ص ٣٤. والفرق بين الفرق ص ١٠٢ وشرح المواقف ص ٥٢ من التذييل.

(٤) المكرمية : أصحاب مكرم العجلى. انظر عن هذه الفرقة إضافة لما ورد هنا مقالات الإسلاميين ص ١٨٢ (أبى مكرم). والملل والنحل ص ١٣٣ (مكرم بن عبد الله العجلى) ، والفرق بين الفرق ص ١٠٣ ، والتبصير فى الدين ص ٣٤ (أبى مكرم) ، وشرح المواقف ص ٥٣ من التذييل. (مكرم العجلى).

وزعموا أن الله ـ تعالى ـ إنما يتولى عباده ويعاديهم على ما هم صائرون إليه من موافاة الموت ، لا على أعمالهم الراهنة ؛ إذ هى غير موثوق بدوامها ؛ فإذا وصل إلى آخر عمره ، ونهاية أجله ؛ فإن كان فى تلك الحالة مؤمنا ، واليناه ، وإن كان كافرا عاديناه.

وهؤلاء مخالفون للإجماع بتكفير مرتكب الكبيرة ، والدليل ما سبق (١).

فإذن حاصل فرق الخوارج عشرون فرقة (٢).

وأما المرجئة (٣) :

فإنهم يرون تأخير العمل عن النية ، والعقد ، ويقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفران طاعة.

__________________

(١) انظر ما مر فى الفصل الثالث ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

(٢) بيان فرق الخوارج الكبيرة بالإجمال سبع فرق كما بينها المصنف. أما بيان هذه الفرق بالتفصيل فعشرون فرقة بيانها كما يلى :

المحكمة الأولى : فرقة واحدة البيهسية : فرقة واحدة الأزارقة : فرقة واحدة

النجدات : فرقة واحدة

الصفرية : فرقة واحدة

الإباضية : أربع فرق

العجاردة : إحدى عشرة فرقة

وقد وضح الآمدي ذلك بقوله : «فإذن حاصل فرق الخوارج عشرون فرقة».

(٣) المرجئة : من الفرق الإسلامية التى ظهرت على الساحة الإسلامية كرد فعل لظهور الخوارج الذين حكموا على مرتكب الكبيرة بالكفر ، والخلود فى النار فعارضهم المرجئة بقولهم : لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والإرجاء له معنيين :

أحدهما : بمعنى التأخير : أى الإمهال فى الحكم. وهذا الإطلاق صحيح ؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية ، والعقد.

والثانى : بمعنى إعطاء الرجاء ، وهو ظاهر : لأنهم كانوا يقولون : لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

وقيل : الإرجاء تأخير الحكم إلى يوم القيامة ؛ فلا يقضى على صاحب الكبيرة بحكم فى الدنيا.

وقيل : الإرجاء تأخير على ـ رضي الله عنه ـ عن الدرجة الأولى ، إلى الدرجة الرابعة.

والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ، ومرجئة القدرية ، ومزجئة الجبرية ، والمرجئة الخالصة.

أما عن فرق المرجئة : فقد ذكر الأشعرى فى مقالات الإسلاميين ص ٢١٤ ـ ٢٣٤ أنهم اثنتى عشرة فرقة بينما ذكر الشهرستانى فى الملل والنحل ص ١٣٩ ـ ١٤٦ أنهم ست فرق.

أما البغدادى فى الفرق بين الفرق ص ٢٠٢ ـ ٢٠٥ فقد قال : إن المرجئة الخارجة عن الجبر والقدر خمس فرق.

كما ذكر أنهم خمس فرق أيضا كلا من الأسفرايينى فى التبصير فى الدين ص ٥٩ ـ ٦١ والرازى فى اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ ، ٧١ والآمدي هنا وصاحب المواقف ص ٥٤ وما بعدها.

وبالنظر إلى هذين القولين سموا مرجئة ؛ لأن الإرجاء فى اللغة قد يطلق ويراد به التأخير ، ومنه قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) (١) : أى أمهله ، وأخره ، وهو مطابق للقول الأول. وقد يطلق ويراد به إعطاء الرجاء ، وهو مطابق / / للقول الثانى.

والمرجئة الخالصة خمس فرق :

الفرقة الأولى : اليونسية (٢)

أصحاب يونس بن النميرى ، زعموا أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ والخضوع له ، والمحبة بالقلب ، فمن اجتمعت فى حقه هذه الخصال ؛ فهو مؤمن لا يضره مع ذلك ترك الطاعات ، ولا يعذب عليها ، والمؤمن إنما يدخل الجنة بإيمانه ، لا بعلمه وعمله.

وزعموا أن إبليس كان عارفا بالله وحده غير أنه كفر باستكباره ، وترك الخضوع لله تعالى ـ لقوله ـ تعالى ـ (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣) وقد بينا إبطال معتقدهم فيما تقدم (٤).

الفرقة الثانية : العبيدية (٥)

أصحاب عبيد المكتئب ، قائلون بأن ما دون الشرك ، مغفور لا محالة ، وأن العبد إذا مات على إيمانه ، لا يضره ما اقترف من المعاصى.

وأن علم الله ـ تعالى ـ لم يزل شيئا غيره ، وأن الله على صورة الإنسان ، والرد عليهم فى هذه الأقوال فقد تقدم.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١١١.

/ / أول ل ١٤٥ / ب.

(٢) اليونسية : أصحاب يونس بن عون النميرى ، انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هنا : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ٢١٤ حيث سماه يونس السمرى والملل والنحل للشهرستانى ص ١٤٠ والتبصير فى الدين ص ٦٠ ، والفرق بين الفرق ص ٢٠٢ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ وشرح المواقف ص ٥٤ ، ٥٥ من التذييل.

(٣) سورة البقرة ٢ / ٣٤.

(٤) انظر الفصل الأول ل ٢٣٨ / أوما بعدها.

(٥) العبيدية : أصحاب عبيد المكتئب : وقد انفرد الشهرستانى بذكر هذه الفرقة فى الملل والنحل ص ١٤٠ وتبعه الآمدي ، وصاحب المواقف ص ٥٥ من التذييل.

الفرقة الثالثة : الغسانية (١)

أصحاب غسان الكوفى ، زعموا أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ ورسوله ، والإقرار بهما ، وبما جاء من عندهما في الجملة ، دون التفصيل وأن الإيمان يزيد ، ولا ينقص.

وقالوا : إن قائلا لو قال : أعلم أن الله ـ تعالى ـ فرض الحج إلى الكعبة ، غير أنى لا أدرى أين الكعبة ، ولعلها باليمن ، لا بمكة ، كان مؤمنا.

ولو قال : اعلم أن الله بعث محمدا رسولا ، ولا أدرى أنه الشخص المشار إليه بالمدينة ، أو غيره ؛ لكان مؤمنا.

وكان يحكى غسان هذه المقالة عن أبى حنيفة وما ذكروه فى تفسير الإيمان ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.

وأما الشك فى عين الكعبة والرسول / فأمر لا يستجيزه العاقل لنفسه ؛ وهو خلاف إجماع الأمة.

وأما حكاية ذلك عن أبى حنيفة ـ رضي الله عنه ـ فلعل الناقل كاذب فيه لقصد الاستئناس فيما قاله بموافقة رجل كبير مشهور ، ومع هذا فإن أصحاب المقالات قد عدوا أبا حنيفة ، وأصحابه من مرجئة السنة (٢) ، ويشبه أن يكون ذلك ؛ لأنه كان يخالف القدرية ، وهم المعتزلة.

والمعتزلة قد كانوا فى الصدر الأول ، يلقبون كل من خالفهم فى القدر مرجئا ، أو لأنه لما كان يقول : إن الإيمان هو التصديق بالقلب ، وأنه لا يزيد ولا ينقص ، ظن به

__________________

(١) الغسانية : أتباع غسان الكوفى ، وقيل : غسان بن الكوفى ، وقيل : غسان المرجئ وانظر بشأن هذه الفرقة.

الملل والنحل ص ١٤٠ ، والفرق بين الفرق ص ٢٠٣ ، والتبصير فى الدين ص ٦٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ وشرح المواقف ص ٥٥ ، ٥٦ من التذييل.

(٢) انظر مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام الأشعرى فقد ذكر أن الفرقة التاسعة من المرجئة : [أبو حنيفة وأصحابه].

قال : «الفرقة التاسعة من المرجئة «أبو حنيفة وأصحابه» يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول الإقرار بما جاء به من عند الله فى الجملة دون التفسير ... وزعم أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس به».

[مقالات الإسلاميين ١ / ٢١٩ ـ ٢٢١].

الإرجاء بتأخير العمل عن الإيمان وتركه ، وليس كذلك ، مع ما عرف من مبالغته فى العمل ، والاجتهاد فيه (١).

الفرقة الرابعة الثوبانية (٢) :

أصحاب ثوبان المرجئ زعموا أن الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله وبرسله ، وكل ما لا يجوز فى العقل أن لا يفعله ، وما جاز فى العقل تركه ؛ فليس من الإيمان ، وأخروا العمل كله عن الإيمان ، ووافقهم على ذلك أبو مروان بن غيلان (٣) الدمشقى ، وأبو شمر (٤) ، ومويس بن (٥) عمران ، والفضل (٦) الرقاش ، ومحمد بن شبيب (٧). وصالح قبة (٨) ، إلا أن ابن غيلان جمع بين الإرجاء والقول بالقدر ، والخروج حيث قال بأن الإمام يجوز أن لا يكون قرشيا.

وقد اتفق من عددناهم من الجماعة على أن الله ـ تعالى ـ لو عفا عن عاص فى القيامة ؛ عفا عن كل مؤمن هو فى مثل حاله ، ولو أخرج من النار واحدا ؛ أخرج كل من هو فى مثل حاله ، ولم يجزموا القول بأن المؤمنين يخرجون من النار ولا بد.

__________________

(١) يرى الآمدي أن الإمام أبى حنيفة ـ رحمه‌الله ـ بريء من تهمة الإرجاء التى الصقها به المعتزلة ؛ لأنهم كانوا يلقبون كل من خالفهم فى القدر مرجئا ، ويقول إن هذا خطأ ؛ فهو لم يؤخر العمل عن الإيمان ؛ بل قد عرف عنه المبالغة فى العمل والاجتهاد فيه.

(٢) أصحاب ثوبان المرجئ : انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ٢١٦ قال الأشعرى : أصحاب أبى ثوبان والملل والنحل للشهرستانى ص ١٤٢. قال الشهرستانى : أصحاب أبى ثوبان المرجئ. والتبصير فى الدين ص ٦١ ، والفرق بين الفرق ص ٢١٣ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٧٠ (أصحاب أبى ثوبان).

وشرح المواقف ص ٥٦ من التذييل (أصحاب ثوبان المرجئ).

(٣) سبقت ترجمته فى هامش ل ٢٤٤ / أ.

(٤) أبو شمر : من مرجئة القدرية ـ وممن وافق ثوبان المرجئ. انظر عنه وعن آرائه الفرق بين الفرق ص ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ومقالات الإسلاميين فى عدة مواضع والملل والنحل : ١ / ١٤٥.

(٥) مويس بن عمران : من مرجئة القدرية وعده صاحب المنية والأمل : ٥٨ من معتزلة الطبقة السابعة ، وقد وافق ثوبان المرجئ فى آرائه (شرح المواقف ـ تذييل ص ٥٦).

(٦) الفضل الرقاش : هو ممن جمع بين الاعتزال والإرجاء (انظر عنه شرح المواقف ـ تذييل ص ٥٦).

(٧) محمد بن شبيب من أصحاب النظام ، وممن جمع بين الاعتزال والارجاء فهو موافق لثوبان المرجئ ، وهو من معتزلة الطبقة السابعة كما قال صاحب المنية والأمل : ص ٥٨ ، وانظر عن آرائه : الفرق بين الفرق ص ٢٠٧ ومقالات الإسلاميين ١ / ٢١٨.

(٨) صالح قبة : ذكره ابن المرتضى فى الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة ص ٧٣. وله كتب كثيرة وخالف الجمهور فى أمور كثيرة. وهو ممن جمع بين القدر والارجاء والخروج [الفرق بين الفرق ص ٢٠٥ ـ ٢٠٧].

وما ذكروه فى تفسير الإيمان ، وترك العمل ، وقول ابن غيلان بالقدر ، والإمامة فى غير قريش ، فقد أبطلناه فيما تقدم وما ذكره الجماعة فمشعر بوجوب الفعل على الله ـ تعالى ـ وهو باطل أيضا بما تقدم.

الفرقة الخامسة : التومنية (١) :

أصحاب أبى معاذ التومنى ، زعموا أن الإيمان ما كان عاصما من الكفر ، وهو اسم لخصال لو تركها التارك ، أو بعضها كفر ولا يقال لبعضها أنه إيمان ، ولا بعض إيمان ، وتلك الخصال هو المعرفة ، والتصديق والمحبة ، والإخلاص ، والإقرار بما جاء به الرسول ، وكل معصية لم يجمع المسلمون على أنها كفر ؛ فلا يقال لفاعلها إنه فاسق ؛ بل فسق ، وعصى.

وأن من ترك الصلاة ، والصيام مستحلا ؛ كفر لتكذيبه بما جاء به الرسول ، ومن ترك ذلك على نية القضاء ؛ لم يكفر ، ومن قتل نبيا ، أو لطمه كفر ، لا من أجل القتل ، أو اللطمة ؛ بل من أجل الاستخفاف به ، والدلالة على تكذيبه ، وبغضه.

وبه قال ابن الراوندى (٢) ، وبشر المريسى (٣) ، وزعما أن / / السجود للصنم ليس بكفر غير أنه علامة على الكفر.

وما ذكروه فى تفسير الإيمان ؛ فقد أبطلناه (٤).

وقولهم : إن كل معصية لا تكون كفرا لا يقال لفاعلها إنه فاسق / بل فسق ، وعصى ؛ فهو تناقض ؛ فإنه لا معنى لقولنا فسق غير أنه قام به فعل الفسق ، ولا معنى للفاسق إلا ذلك.

فهذه كل فرق المرجئة الخالصة.

__________________

(١) التومنية : أصحاب أبى معاذ التومنى.

انظر : مقالات الإسلاميين ص ٢٢١ ، ٢٢٢ والفرق بين الفرق ص ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، والتبصير فى الدين ص ٦١ ، والملل والنحل ص ١٤٤ ، وشرح المواقف ص ٥٧ من التذييل.

(٢) ابن الراوندى سبقت ترجمته فى الجزء الأول هامش ل ٢٣١ / أوما بعدها.

(٣) بشر المريسى : سبقت ترجمته فى الجزء الثانى هامش ل ١٠٣ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٤٦ / أ.

(٤) راجع ما مر فى الفصل الأول : فى تحقيق معنى الإيمان ل ٢٣٦ / أوما بعدها.

ومن المرجئة من جمع بين الإرجاء ، والقدر : كالصالحىّ ، ومحمد بن شبيب وأبى شمر ، وغيلان.

غير أن الصالحى زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ على الإطلاق ، وأن ـ للعالم صانعا فقط ، والكفر هو الجهل به على الإطلاق ، وبنى على ذلك أن القول بأن الله ثالث ثلاثة ، ليس بكفر ، ولكنه لا يظهر إلا من كافر ، وأن الإيمان يصح مع جحد الرسول عقلا ، ولا يصح سمعا لقول الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من لا يؤمن بى فهو كافر» ، وزعم أيضا أنه لا عبادة لله ـ تعالى ـ سوى الإيمان به.

وأما أبو شمر المرجئ : فإنه زعم أن الإيمان هو : المعرفة بالله تعالى ، والمحبة والخضوع له بالقلب ، والإقرار به أنه واحد ليس كمثله شيء فقط ، وذلك مما لم تقم حجة الأنبياء ، فإذا قامت حجة الأنبياء فالإقرار بهم ، وتصديقهم من الإيمان ، وأما الإقرار والمعرفة : بما جاءوا به ، فليس من الإيمان الأصلي ، وليس كل خصلة من خصال الإيمان إيمانا ، ولا بعض إيمان.

وأما غيلان فإنه قال : إن الإيمان هو المعرفة الثانية الكسبية بالله ـ تعالى والمحبة ، والخضوع له ، والإقرار بما جاء به الرسول ، والمعرفة الأولى الفطرية ، وهو علمه بأن للعالم صانعا ، فليس من الإيمان.

وأما النجارية (١)

أصحاب أبى الحسين بن محمد النجار ، فموافقون للصفاتية من أهل السنة فى القول بأن الله ـ تعالى ـ خالق أفعال العباد ، وأن الاستطاعة مع الفعل ، وأن العبد مكتسب ، وموافقون للمعتزلة فى نفى الصفات الوجودية عن ذات الله تعالى ـ ونفى

__________________

(١) النجارية : أتباع أبى الحسين بن محمد النجار أما بقية كتب الفرق فقالت : الحسين بن محمد النجار وهو رأس النجارية ، وإليه نسبتها. وهو من متكلمى الجبرية ، وله مع النظام مناظرات ، وسبب موته انقطاعه أمام النظام ؛ فحمّ ومات عقب المناظر فى حدود سنة ٢٣٠ ه‍ انظر عنه ما مر فى هامش من ل ٦٤ / ب من الجزء الأول. وانظر بشأن هذه الفرقة :

مقالات الإسلاميين ص ٢١٦ وما بعدها والملل والنحل ص ٨٨ وما بعدها. والفرق بين الفرق ص ٢٠٧ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٦١ وما بعدها. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٨ ، وشرح المواقف ص ٥٨ من التذييل.

الرؤية ، والقول بحدوث كلام الله ـ تعالى ـ ووافقهم على ذلك ضرار بن (١) عمرو ، وحفص الفرد (٢).

ثم افترقوا ثلاث فرق :

الفرقة الأولى : البرغوثية (٣) :

زعموا أن كلام الله تعالى ـ حادث ، وأنه إذا قرئ ؛ فهو عرض ، وإذا كتب ؛ فهو جسم.

وهو كفر بارد لا يستجيزه من له أدنى مسكة من العقل ، ثم يلزمهم على ذلك أن كلام الله ـ تعالى ـ إذا كتب بنجاسة ، صارت تلك الحروف المقطعة من تلك النجاسة كلام الله ـ تعالى ـ بعد أن لم تكن كلاما ؛ وهو محال.

الفرقة الثانية : الزعفرانية (٤)

زعموا أن كلام الله ـ تعالى ـ غيره ، وأن كل ما هو غيره فهو مخلوق ، ومع ذلك قالوا : إن من قال إن القرآن مخلوق ؛ فهو كافر ولذلك ، فإنهم يقولون : يا رب القرآن ، أهلك من قال إن القرآن مخلوق ، فإن أرادوا بنفى كونه مخلوقا بمعنى الاختلاق ، والكذب ، وإلا فهو تناقض ، محال.

الفرقة الثالثة : المستدركة (٥)

استدركوا على الزعفرانية وقالوا : إن كلام الله مخلوق مطلقا غير أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «كلام الله غير مخلوق» ، وأجمعت الأمة على ذلك ، فوافقناهم ، وحملنا قولهم غير

__________________

(١) ضرار بن عمرو : سبقت ترجمته فى هامش ل ٧٢ / ب من الجزء الأول.

(٢) حفص الفرد : سبقت ترجمته فى هامش ل ٢٣١ / أمن الجزء الأول.

(٣) أصحاب محمد بن عيسى المعروف ببرغوث وهو من أتباع النّجار إلا أنه خالفه فى بعض ما ذهب إليه ، انظر عنه وعن فرقته ، الفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٠٩ والتبصير فى الدين ص ٦٢ والملل والنحل ص ٨٨ وما بعدها.

وشرح المواقف ص ٥٨ من التذييل.

(٤) الزعفرانية : أتباع الزعفرانى من أهل الرى. وكان يناقض بآخر كلامه أوله انظر عنه : الفرق بين الفرق ص ٢٠٩ ، ٢١٠ ، والتبصير فى الدين ص ٦٢ ، وشرح المواقف ص ٥٨ من التذييل.

(٥) المستدركة : وهم قوم من الزعفرانية. سموا بهذا الاسم ، لأنهم زعموا أنهم استدركوا على أسلافهم ما خفى عليهم. انظر عنهم : التبصير فى الدين ص ٦٢ والفرق بين الفرق ص ٢١٠ ، ٢١١ فقد ذكر البعض مناظرة له مع واحد من أفراد هذه الطائفة. وشرح المواقف ص ٥٩ من التذييل.

مخلوق / أى على هذا التركيب ، والنظم من هذه الحروف ، والأصوات ؛ بل هو مخلوق على غير هذه الحروف بعينها ، وهذه حكاية عنها.

وزعموا أن أقوال مخالفيهم كلها كذب ، وضلالة ، حتى أنه لو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فقوله ضلال ، وكذب.

والقائل بهذه المقالة ففى غاية السخافة من العقل ، فإنه إذا قال مخالفهم لا إله إلا الله محمد رسول الله ، إن كان إخباره على خلاف ما المخبر عليه ؛ فيلزم أن يكون ثم إله غير الله ، وأن لا يكون محمد رسولا ؛ وهو محال ، وإن كان إخباره على وفق ما المخبر عنه ، فيمتنع أن يكون خبره كذبا ، وضلالة ؛ بل صدقا ، وإيمانا.

ثم يلزمهم أن مخالفهم إذا قال لزعيمهم : إنك مؤمن ، أنه إن كان صادقا ؛ فقد نقضوا مذهبهم ، وإن كان كاذبا ، فالصادق عليه إنه ليس بمؤمن ؛ فهم غير مؤمنين.

وأما الجبرية (١) :

فالجبر عبارة عن نفى الفعل عن العبد حقيقة ، وإضافته إلى الرب ـ تعالى ـ غير أن الجبرية تنقسم إلى :

جبرية خالصة : وهى التى لا تثبت للعبد فعلا ، ولا كسبا : كالجهمية (٢). وإلى :

جبرية متوسطة : وهى التى لا تثبت للعبد فعلا ؛ ولكن تثبت له كسبا كالأشعرية (٣) / / والنجارية (٤) ، والضرارية (٥) ، والحفصية (٦) ، والمقصود هنا إنما هو بيان مذهب الجبرية الخالصة ؛ وهم أصحاب جهم بن صفوان.

__________________

(١) انظر عن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين للأشعرى ١ / ٢٣٨ والملل والنحل ص ٨٥ ـ ٩١. والفرق بين الفرق ص ٢١١ ـ ٢١٥. والتبصير فى الدين ص ٦٣ وما بعدها ، وشرح المواقف ص ٥٩ ، ٦٠ من التذييل.

(٢) أتباع الجهم بن صفوان وقد سبقت ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ٥ / أ.

/ / أول ل ١٤٦ / ب.

(٣) أصحاب الإمام الأشعرى انظر عنه ما سبق فى الجزء الأول هامش ل ٣ / أ.

(٤) راجع عنهم ما مر فى ل ٢٥٥ / ب وهامشها.

(٥) أصحاب ضرار بن عمرو ـ انظر عنه ما سبق فى الجزء الأول فى هامش ل ٧٢ / ب.

(٦) أصحاب حفص الفرد ـ انظر عنه ما سبق فى الجزء الأول فى هامش ل ٢٣١ / أ.

أما المتوسطة : فقد عرف مذهبهم فيما تقدم.

وقد زعمت الجهمية الخالصة : أن الإنسان لا يوصف بالاستطاعة على الفعل بل هو مجبور بما يخلقه الله ـ تعالى ـ له من الأفعال ، على حسب ما يخلقه فى سائر الجمادات. وأن نسبة الفعل إليه إنما هو بطريق المجاز ، كما يقال : جرى الماء ، وطلعت الشمس وتغيمت السماء ، وأمطرت ، واهتزت الأرض ، وأنبتت ، وأثمرت الشجرة ، إلى غير ذلك .. وإن لم يكن ذلك من فعل المنسوب إليه ، ولا من كسبه ، وهذا فقد أبطلناه فيما تقدم فى القدر الحادثة.

وزعموا أيضا أن الله ـ تعالى ـ لا يعلم الشيء قبل وقوعه ، وأن علومه حادثة لا بمحل ، وقد أبطلناه أيضا.

ومن مذهبهم : امتناع اتصاف الرب ـ تعالى ـ بما يصح أن يوصف به غيره ؛ لأن ذلك مما يوجب التشبيه ، وذلك ككونه شيئا ، وحيا ، وعالما ، ولا يمنعون من اتصافه بما لا يشاركه فيه غيره ، ككونه خالقا ، وفاعلا ..

ويلزمهم من ذلك إبطال أكثر ما ورد به القرآن ، والسنة من الأسماء الحسنى ؛ كالرحيم والعالم ، والشاكر ، والشكور ، والوتر ، والحى ، والسميع والبصير ، واللطيف ، والخبير ، والحكيم ونحو ذلك ؛ وهو خلاف النصوص ، والإجماع.

ومن مذهبهم : أن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما إليها ويفنى ما فيهما ، حتى لا يبقى غير الله تعالى.

وفيه تكذيب لقوله ـ تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) (١) ، وقوله تعالى : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (٢) : أى غير مقطوع ، وقوله ـ تعالى ـ فى أهل النار : / (خالِدِينَ فِيها) (٣).

ومن مذهبهم أيضا : موافقة المعتزلة فى نفى الرؤية ، وإثبات خلق الكلام ، وإيجاب المعارف بالعقل ، قبل ورود الشرع ؛ وهو باطل بما سبق (٤).

__________________

(١) سورة الرعد : ١٣ / ٣٥.

(٢) سورة هود : ١١ / ١٠٨.

(٣) سورة هود : ١١ / ١٠٧.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول : ل ١٢٣ / أوما بعدها ، ول ٨٢ / ب وما بعدها. وما ورد فى الجزء الثانى ل ٢١٥ / ب وما بعدها.

وأما المشبّهة (١) :

فقد اتفقوا على تشبيه الإله ـ تعالى ـ بالمخلوقات وتمثيله بالحادثات ، ولذلك جعلناهم فرقة واحدة ، وإن كانت طرقهم فى التشبيه متفاوتة وأقاويلهم فيه مختلفة.

فمنهم مشبهة غلاة الشيعة (٢) : كالسبائية ، والبيانية ، والمغيرية ، والجناحية والخطابية ، والذمية ، والهشامية ، والزرارية ، والرزامية ، والنصيرية ، والإسحاقية على ما حققناه من مذاهبهم القائلة بالتجسيم ، والحركة ، والانتقال ، والحلول فى الأجسام إلى غير ذلك.

ومنهم مشبهة الحشوية : كمضر ، وكهمس ، والهجيمى ، وغيرهم ؛ فقد نقل عنهم أنهم أجازوا على ربهم الملامسة ، والمصافحة ، والمعانقة ، للمخلصين ، وأنهم يرونه فى الدنيا ، ويزورونه ، ويزورهم ، حتى نقل عن بعضهم أنه قال اعفونى عن الفرج واللحية ، واسألونى عما وراء ذلك.

وقال : إن معبوده ، جسم من لحم ، ودم ، وله جوارح ، وأعضاء من يد ، ورجل ورأس وعينين ، ولسان ، وأذنين ، وأنه أجوف الأعلى ، مصمت الأسفل ، وأنهم أجروا كل ما ورد من أخبار الصفات ، على ما تقدم فى إبطال التشبيه (٣) على ظاهرها.

ومنهم مشبهة الكرامية : أصحاب أبى عبد الله بن محمد بن كرام (٤) وفرقهم متعددة وأقوالهم فى التشبيه مختلفة ، غير أنها لم تكن منسوبة إلى أئمة معتبرين آثرنا

__________________

(١) المشبهة : هم كل من شبه ذات البارى ـ تعالى ـ بذات غيره من المخلوقين ومنهم من شبه صفاته بصفات غيره.

وهم أصناف : فمنهم جماعة من الشيعة الغالية : كالهشاميين وغيرهم ومنهم جماعة من حشوية المحدثين مثل : مضر. وكهمس ، وأحمد الهجيمى وغيرهم وقد جعلهم سيف الدين الآمدي فرقة واحدة ، وإن كانت طرقهم فى التشبيه متفاوتة ، وأقاويلهم فيه مختلفة كما سيتضح لنا ذلك بالتفصيل فيما يلى : أما عن أصنافهم ، وآرائهم بالتفصيل والرد عليهم : فانظر : الجزء الأول من هذا الكتاب ـ تحقيقنا ل ١٤٢ / أإلى ل ١٦٦ / أوالملل والنحل للشهرستانى ص ١٠٣ ـ ١١٣ وما بعدها. والتمهيد للباقلانى ص ١٤٨ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢١٥ وما بعدها وأصول الدين له أيضا والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٦٥ وما بعدها.

(٢) راجع آراء غلاة الشيعة فيما مر ل ٢٤٧ / أوما بعدها.

(٣) راجع آراءهم والرد عليهم فيما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع : فى إبطال التشبيه وما لا يجوز على الله تعالى. ل ١٤٢ / أوما بعدها.

(٤) هو أبو عبد الله محمد بن كرام. مؤسس مذهب الكرامية ، عاش في أواخر القرن الثانى للهجرة حتى منتصف القرن الثالث وتوفى سنة ٢٥٥ ه‍. لتوضيح مذهبه انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٠٨ وما بعدها ومن الدراسات الحديثة : انظر نشأة الفكر والفلسفى للنشار ١ / ٤٠٥ وما بعدها والتجسيم عند المسلمين (مذهب الكرامية) د. سهير مختار. شركة للطباعة والنشر سنة ١٩٧١ م. وما مر فى هامش ل ٦٥ / أمن الجزء الأول.

الإعراض عن الأقوال الشاذة لهم ، واقتصرنا على أقوال زعيمهم ، والمشهور منهم وقد اتفقوا على أن الله ـ تعالى ـ مستقر على العرش مماس له من الصفحة العليا وأنه بجهة فوق بذاته ، وأنه مما تجوز عليه الحركة والانتقال ، والنزول. ومنهم من قال : امتلأ به العرش.

ومنهم من قال : إنه على بعض العرش ، ومنهم من قال : إنه محاذى للعرش ، لكن منهم من قال : بينهما بعد متناه ، ومنهم من قال : بعد غير متناه ، ومنهم من أطلق لفظ الجسم عليه تعالى ، ثم منهم من أثبت كونه متناهيا من جميع جهاته ، ومنهم من أثبت له النهاية من جهة تحت ، دون غيرها ، ومنهم من نفى عنه النهاية مطلقا.

واتفقوا على جواز حلول الحوادث بذاته ، وأنها زائدة على الحوادث الخارجة عن ذاته ، وزعموا أنه إنما يقدر على الحوادث / / الحادثة فى ذاته دون غيرها ، وأوجبوا على الله ـ تعالى ـ ، أن يكون أول شيء خلقه حيا يصح منه الاستدلال.

وزعموا أن الرسالة ، والنبوة صفتان قائمتان بذات الرسول سوى الوحى إليه ، وسوى أمر الله ـ تعالى ـ له بالتبليغ عنه ، وسوى إظهار المعجزة على يده ، وسوى عصمته عن المعاصى ، وأن من كان فيه تلك الصفة فإنه يجب على الله تعالى ـ إرساله.

وفرقوا بين الرسول والمرسل من جهة / أن الرسول رسول للمعنى الّذي قام به والمرسل مرسل ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أرسله.

وأجازوا أن يكون الرسول غير مرسل ، ولم يجيزوا مرسلا غير رسول ، وأن الرسول لا يجوز عزله عن كونه رسولا ، بخلاف المرسل ، وزعموا أنه لا يجوز فى الحكمة الاقتصار على رسول واحد.

وجوزوا وجود إمامين فى عصر واحد ، وقضوا بأن عليا ، ومعاوية كانا إمامين فى عصر واحد ، غير أن إمامة عليّ على وفق السنة ، وإمامة معاوية على خلاف السنة ، ومع ذلك أوجبوا طاعة رعيته له.

وزعموا أيضا أن الإيمان هو الإقرار الّذي وجد فى الذر حين قال تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١) فقولهم : بلى فى الذر هو الإيمان ، وأن ذلك الإيمان باق فى جميع

__________________

/ / أول ل ١٤٧ / أ.

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٢.

الخلائق على السوية غير المرتدين ، وأن إيمان المنافقين مع كفرهم كإيمان الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ لاستواء الجميع فى ذلك القول ، وأن الإتيان بالشهادتين ليس بإيمان ، إلا إذا قيلت بعد الردة وأن تكرار الإيمان ، ليس بإيمان. هذا حكاية مذاهب المشبهة.

وأما نحن ـ فقد أبطلنا فيما تقدم كل ، ما قالوه من التجسيم ، والتصوير والحركة والانتقال ، والتحديد ، والنهاية ، والحلول ، والجهة ، والاستقرار على العرش ، وحلول الحوادث فى ذاته تعالى ، وإيجاب الفعل على الله تعالى ، والحجر. عليه كل قول فى موضعه (١).

وبينا أيضا أن الرسول لم يكن رسولا لمعنى فى ذاته ، ولا لصفة من صفاته وأنه لا معنى لكونه رسولا ؛ غير قول الله ـ تعالى ـ له أرسلتك وأنت رسولى ؛ فبلغ عنى.

وعلى هذا فقد بطل قولهم : أنه لا يكون رسولا ، وهو غير مرسل ، وأن الرسول لا يجوز عزله ، بخلاف المرسل.

وأما قولهم : بجواز نصب إمامين فى قطرين ، فى عصر واحد ؛ فليس ذلك بدعا ، وهو مختلف فيه عند أصحابنا ، كما يأتى.

وإنما العجب من قولهم بوجوب طاعة معاوية مع الاعتراف ، بأن إمامته على خلاف السنة كيف وإن الأمة من السلف مجمعة على أن معاوية ، لم يكن إماما فى زمن إمامة على.

وما ذكروه فى فصل الإيمان من أن الإيمان : هو الإقرار الموجود فى الذر ، وأن تكرار الإيمان ، ليس بإيمان يوجب أن لا يكون أحد ، غير المرتدين مأمورا بالإيمان ، وأن يكون المنافق الكافر مؤمنا ؛ وهو خلاف إجماع الأمة من السلف.

فهذه هى الفرق الضالة الهالكة المستوجبون النار ، بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهى اثنان وسبعون فرقة. عشرون قدرية ، واثنان وعشرون شيعة ، وعشرون خوارج ، وخمس مرجئة ، وثلاث نجارية ، وفرقة جبرية ، وفرقة مشبهة.

__________________

(١) انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ل ٤٠ / ب وما بعدها.

وأما ما وراء ذلك من الفرق الهالكة ، وأرباب الأقوال المضلة ؛ فإنها وإن كانت متكثرة خارجة عن الحصر ، غير أن منها ما هو متفرع على ما سبق من أقوال الفرق الهالكة ، ومنها ما هو من أقوال العوام الطغام ، وحثالة الناس ، ومن لا يؤبه له ؛ لعدم أصالته فى العلم ، وخساسته بين أهل النظر. فلذلك لم / يعدوا من أرباب المقالات ، ولم يعتد بوفاقهم ، ولا خلافهم.

وأما الفرقة الناجية :

وهى الثالثة والسبعون فهى ما كانت على ما كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وسلف الصحابة على ما سبق ، من قوله ـ عليه‌السلام ـ حين قيل له من الفرقة الناجية قال : «هم الذين على ما أنا عليه وأصحابى»

وهذه الفرقة هى : الأشاعرة ، والسلفية من المحدّثين وأهل السنة والجماعة. وذلك لأنهم / / لم يخلطوا أصولهم بشيء من بدع القدريّة ، والشيعة ، والخوارج ، والمرجئة ، والنّجارية ، والجبرية ، والمشبهة مما سبق تحقيقه من بدعهم وأقوالهم (١).

بل هم مجمعون على حدوث العالم ، ووجود البارئ ـ تعالى ـ ، وأنه لا خالق ولا مبدع سوى الله ـ تعالى ـ ، وأنه قديم لم يزل ، ولا يزال ، وأنه متصف بصفات الجلال من العلم ، والقدرة ، والإرادة ، ونحو ذلك مما سبق تحقيقه.

وأنه لا شبيه له ولا نظير ، وأنه لا يحل فى شيء ، ولا هو محل للحوادث ، وأنّه ليس فى جهة ، ولا حيز ، ولا يجوز عليه الحركة ، والانتقال ، وأنه يستحيل عليه الجهل ، والكذب وسائر صفات النقص ، وأنه لا شريك له ، ولا ضد ، ولا ند ، وأنه مرئى للمؤمنين فى الآخرة وأنه لا يكون إلا ما يريد ، وما أراده فهو كائن ، وأنه غنى عن خلقه غير محتاج إلى شيء ، وأنه لا يجب عليه شيء ، بل إن أثاب فبفضله ، وإن عاقب فبعد له ، وأنه بريء عن المقاصد ، والأغراض فى فعله ، ولا يوصف فيما يفعله ، بجور ، ولا

__________________

/ / أول ل ١٤٧ / ب.

(١) انظر عن المبتدعة ما مر بالتفصيل من ل ٢٤٣ / ب إلى نهاية ل ٢٥٧ / أمن هذه القاعدة ـ الفصل الثالث : فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟

ظلم ، وأنه واحد غير متبعض ، ولا له حد ، ولا نهاية ، وأنه غير محجور عليه فى فعله ؛ بل ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وله الزيادة ، والنقصان فى مخلوقاته ، ومبتدعاته (١).

وأجمعوا علي المعاد ، والمجازاة ، والمحاسبة ، وخلق الجنة ، والنار ، وخلود نعيم أهل الجنة ، وخلود عذاب أهل النار من الكفار ، وجواز العفو عن المذنبين ، وشفاعة الشافعين.

وعلى جواز بعثة الرسل ، والاعتراف بكل من بعث ، وأيد بالمعجزات من الرسل والأنبياء ، من آدم إلى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

وأن أهل بيعة الرضوان ، وأهل بدر من أهل الجنة ، وأما فى الإمامة فعلى ما سيأتى تحقيقه (٢).

فإن قيل : فإذا كان حكم أهل البدع ، والأهواء من الفرق الضالة أنها هالكة من أهل النار فى الآخرة. فما حكمهم فى الدنيا؟

قلنا : اختلف المسلمون فى ذلك. فنقل عن الشيخ أبى الحسن الأشعرى وكثير من أصحابه وعن جماعة من أئمة الفقهاء : كالشافعى ، وأبى حنيفة ، أن مخالفى الحق من أهل القبلة مسلمون ، حتى نقل عن الشافعى ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : لا أرد شهادة أحد من أهل الأهواء غير الخطابية (٣) ؛ فإنهم يعتقدون جواز الشهادة لأوليائهم على أعدائهم زورا ، ومن أصحابنا من قال بتكفيرهم (٤).

__________________

(١) قارن بما ذكره الشيخ الأشعرى فى الإبانة ـ الباب الثانى : فى إبانة قول أهل الحق والسنة من ص ٥٧ ـ ٦٧ «قال :

فإن قال قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة ، والقدرية ، والجهمية ، والحرورية والرافضة ، والمرجئة فعرفونا قولكم الّذي به تقولون ، وديانتكم التى بها تدينون. قيل له : قولنا الّذي نقول به ، وديانتنا التى ندين بها : التمسك بكتاب ربنا عزوجل وبسنة نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ... وجملة قولنا» ثم ذكر الأقوال بالاجمال وهى إحدى وخمسون قولا ، ثم شرحها بالتفصيل. فى ص ٦٨ وما بعدها.

(٢) انظر ما سيأتى في قاعدة الإمامة ل ٢٦٣ / أوما بعدها.

(٣) الخطابية : إحدى فرق غلاة الشيعة وهى الفرقة : السابعة يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم انظر عنهم بالتفصيل ما مر ل ٢٤٨ / أوما بعدها.

(٤) انظر أصول الدين للبغدادى ص ٣٤٠ الأصل الخامس عشر : فى بيان أحكام الكفر ـ المسألة الرابعة عشرة من هذا الأصل فى أنكحة أهل الأهواء ، وذبائحهم ، ومواريثهم. حيث وضح رأى أهل السنة فيهم بالتفصيل.

وانظر أيضا المسألة الخامسة عشرة من هذا الأصل : فى حكم دور أهل الأهواء ص ٣٤٢ وما بعدها. حيث وضح رأى أهل السنة فى دورهم ومعاملاتهم بالتفصيل.

أما القدرية فمن وجوه سبعة :

الأول : لقوله عليه الصلاة والسلام / : «القدرية مجوس هذه الأمة» (١).

وقد اختلف أصحابنا فى حكم تمجيسهم :

فمنهم من قال إنهم مجوس ، بمعنى لو بذلوا ما لا يحقنون به دماؤهم قبل منهم ، غير أنه لا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، ولو قتل واحد منهم ، بغير حق ، وكان قاتله من أهل السنة ، فعليه مثل دية المجوسى ، وهو اختيار الأستاذ أبى إسحاق (٢).

ومنهم من قال حكمهم حكم المرتدين ؛ فلا تقبل منهم الجزية ، ولا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا دية على قاتل واحد منهم ، وإن لحق واحد منهم بدار الحرب ، وسبى لا يسترق.

الثانى : إنكارهم للصفات ، وجهلهم بالله ـ تعالى ـ (٣).

الثالث : لمخالفتهم لإجماع الأمة على أن فعل الله ـ تعالى ـ خير من فعل غيره حيث قالوا ، بأن الإيمان من فعل العبد ، مع كونه خيرا من كل حادث.

الرابع : قولهم بخلق القرآن ، ومخالفتهم لقوله ـ عليه‌السلام ـ «من قال القرآن مخلوق فهو كافر» (٤).

الخامس : إنكارهم كون الرب ـ تعالى ـ مريدا لجميع الكائنات ، ومخالفة الإجماع فى قولهم : «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» (٥).

السادس : إنكارهم للرؤية ، وقد قال الله تعالى : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (٦).

__________________

(١) رواه أبو داود رقم (٤٦٩١) فى السنة : باب فى القدر ، والحاكم فى «المستدرك» ١ / ٨٥ من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما مرفوعا بلفظ : «القدرية مجوس هذه الأمة» وأحمد فى المسند ٢ / ٨٦ من حديث ابن عمرو وأيضا بلفظ : «لكل أمة مجوس ومجوس أمتى الذين يقولون لا قدر» ورواه أحمد أيضا فى المسند ٥ / ٤٠٦ ، ٤٠٧ وله شواهد بالمعنى عند الحاكم ١ / ٨٥ من حديث أبى هريرة عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما بلفظ : «لا تجالسوا أهل القدر ، ولا تفاتحوهم» وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.

(٢) سبقت ترجمته فى هامش ل ٥ / أمن الجزء الأول.

(٣) انظر ما مر فى القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى : فى الصفات ص ٢٩٥ ـ ٤٧٣ ، فقد ذكر الآمدي بدعتهم فى إنكار الصفات ، ورد عليها بالتفصيل.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الثانى ـ المسألة الخامسة : فى إثبات صفة الكلام لله ـ تعالى. ل ٨٢ / ب وما بعدها.

(٥) انظر ما مر ل ٢٨٨ / أوما بعدها من الجزء الأول.

(٦) سورة السجدة : ٣٢ / ١٠.

السابع : إثباتهم كون المعدوم شيئا (١) ، وذاتا ثابتة فى العدم ، مع إنكار قدمائهم للأحوال ، وذلك يوجب كون الذوات ، ووجودها واحدا ؛ ويلزم منه قدم الجواهر والأعراض ، وخروجها عن أن تكون حاصلة بفعل الله.

وأما الشيعة والخوارج :

فلتكفيرهم أعلام الصحابة ومن شهد له القرآن ، وقول الرسول المعصوم بالتزكية والإيمان ، وأنه من أهل الجنة على ما سبق ؛ فيكون ذلك تكذيبا لله وللرسول ، ومكذب الله والرسول يكون كافرا ، ولأن الأمة مجمعة / / على أن من كفر أحدا من الصحابة : فهو كافر ، ولأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» (٢) ، وتكفير من كفر الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ أولى.

أما المشبهة :

فمن وجوه ثلاثة :

الأول : لاعتقادهم أن الله تعالى جسم ، وجهلهم به.

الثانى : كونهم عابدين للجسم وهو غير الله ـ تعالى ـ ؛ فكان كفرا كعابد الصنم.

الثالث : أنه قال ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (٣) وإنما كفرهم لقولهم : بأن غير الله هو الله ، ومن قال بأن الجسم إله فقد قال بأن غير الله ، هو الله ؛ إذ الجسم غير الله.

وأما الأستاذ أبو إسحاق فقد قاله : من كفرنى كفرته ، وإلا فلا.

والمختار : إنما هو التفصيل ، وهو أن ما كان من البدع المضلة ، والأقوال المهلكة ، يرجع إلى اعتقاد وجود إله غير الله ، وحلول الإله فى بعض أشخاص الناس.

__________________

(١) راجع ما مر فى الباب الثانى ـ الفصل الرابع : فى أن المعدوم هل هو شيء وذاته ثابتة في حالة العدم أم لا؟ ل ١٠٨ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٤٨ / أ.

(٢) الحديث متفق على صحته رواه البخارى فى صحيحه ١ / ٥١٤ (كتاب الأدب باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال) عن أبى هريرة ، وعن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما. وأخرجه مسلم فى صحيحه ١ / ٧٩ (كتاب الإيمان ـ باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر) عن ابن عمر رضى الله عنه.

(٣) سورة المائدة ٥ / ١٧.

كما هو المنقول عن بعض غلاة الشيعة : كالحابطية ، والسبائية ، والجناحية ، والذمية ، والرزامية ، والنصيرية ، والإسحاقية (١).

أو إلى إنكار رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذمه ، كالمنقول / عن الغرابية ، والذمية (٢).

أو إلى استباحة المحرمات ، وإسقاط الواجبات الشرعية ، وإنكار ما جاء به الرسول : كقول الجناحية ، والمنصورية والخطابية ، والإسماعيلية (٣) ، فذلك مما لا نعرف خلافا بين المسلمين فى التكفير به.

وأما ما عدا ذلك مما أشرنا إليه من المقالات المختلفة : فلا يمتنع أن يكون معتقدها وقائلها مبتدعا غير كافر ؛ وذلك أنه لو توقف الإيمان على أمر غير التصديق بالله تعالى ورسوله ، وما جاء به من معرفة المسائل ، المختلف فيها فى أصول الديانات ، مما عددناه ؛ لكان من الواجب على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، أن يطالب الناس بمعرفته والبحث عن كيفية اعتقاده ، كما وجب عليه المطالبة بالشهادتين ، والبحث عن اعتقادها ، وكيفيتها ، وحيث لم يجر منه شيء من ذلك في زمانه ، مع العلم بأن آحاد العربان ، ومن لم يكن له قدم راسخ ، فى النظر والاستدلال ، لم يكن عارفا بآحاد تلك المسائل ، ولا عالما بها ، علم أن ذلك مما لا يتوقف عليه أصل الدين ، وعليه جرى الصحابة ، والتابعون إلى وقتنا هذا.

وما لا يكون شرطا فى الإيمان ، ولا يكون الإيمان متوقفا عليه ؛ فالجهل به لا يكون كفرا.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام : «القدرية مجوس هذه الأمة» (٤) ، فخبر واحد وخبر الآحاد ، لا يثبت التكفير.

والقول بأنهم أنكروا الصفات ، لا نسلم أن من أنكر الصفات كافر ؛ إذ هى دعوى محل النزاع.

قولهم : لأنهم جاهلون بالله ـ تعالى ـ.

قلنا : مطلقا أو من وجه ، الأول ممنوع ـ فإن أحدا من أهل القبلة لم يكن جاهلا بالله ـ تعالى ـ مطلقا. والثانى مسلم ؛ ولكن لا نسلم أن ذلك يكون موجبا للتكفير [ولو

__________________

(١) انظر عن الفرق ما مر ل ٢٤٧ / أوما بعدها.

(٢) انظر عنهما ، ما مر ل ٢٤٨ / أوما بعدها.

(٣) انظر عن هذه الفرق ما مر ل ٢٤٧ / ب وما بعدها.

(٤) سبق تخريجه فى هامش ل ٢٥٨ / أ.

كان ذلك موجبا للتكفير] (١) ؛ فلا يخفى أن أصحابنا أيضا قد اختلفوا في صفات زائدة على ما أثبتناه من الصفات ؛ فيلزم أن من أنكر الصفات الزائدة أن يكون كافرا أيضا.

والقول بأنهم خالفوا إجماع الأمة فى أن فعل الله خير من فعل العبد ، لا نسلم أن مخالف الإجماع مطلقا كافر.

ولهذا فإنه لو أعتقد المعتقد أن الماء ليس بمرو ؛ فإنه لا يكون كافرا بالإجماع ؛ وإن كانت الأمة مجمعة على كونه مرويا.

والقول بأنهم قالوا بخلق القرآن ؛ لا نسلم أن من قال بذلك يكون كافرا ، وقوله عليه‌السلام : «من قال القرآن مخلوق فهو كافر» خبر واحد فلا يثبت به التكفير.

وإن ثبت به التكفير ، ولكن متى؟ إذا أريد به الخلق بمعنى الإحداث ، أو بمعنى الكذب ، الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم.

وأحد من أهل القبلة : «لا يقول القرآن مخلوق بمعنى أنه كذب».

والقول بأنهم أنكروا كون الرب ـ تعالى ـ مريدا لجميع الكائنات ؛ لا نسلم أنه كفر.

قولهم : إنهم خالفوا الإجماع في قولهم : ما شاء الله كان / وما لم يشأ لم يكن إنما يصح أن لو كان حرف ما نصا فى العموم ـ وليس كذلك ـ وإن كان نصا في العموم ؛ فغايته مخالفة الإجماع.

ولا نسلم أنه كفر مطلقا على ما تقدم.

والقول بأنهم أنكروا الرؤية مسلم ، ولكن لا نسلم أن إنكار الرؤية كفر ، وقوله تعالى : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) (٢) إنما يلزم منه التكفير بإنكار الرؤية أن لو كان المراد باللقاء الرؤية ، وهو غير مسلم ، بل أمكن أن يكون المراد به ، ثواب ربهم وعقابه ، لا رؤية الله ـ تعالى ـ ، وواحد من أهل القبلة لا ينكر ذلك.

والقول بأنهم أثبتوا كون / / المعدوم شيئا ، لا نسلم أنه كفر ؛ بل الكفر إنما هو اعتقاد قدم وجود الجواهر ، والأعراض ، ولا يلزم من قدم ثبوتها ، قدم وجودها ؛ إذ الثبوت أعم من الوجود كما تقدم من مذهبهم.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) سورة السجدة : ٣٢ / ١٠.

/ / أول ل ١٤٨ / ب.

وغاية ما يلزم من إنكار الأحوال على رأى قدماء المعتزلة ، إنكار كون الوجود حالا ، ولا يلزم من ذلك اتحاد معنى الذات ، والوجود.

وأما تكفير الروافض ، والخوارج ، بتكفيرهم لبعض الصحابة ؛ فدعوى محل النزاع.

قولهم : بأنهم كذبوا الله ورسوله ، إنما يلزم ذلك مع اعتقاد تناول التزكية من الله ورسوله لمن آمن ، وليس كذلك.

وما ورد فى حق آحاد الصحابة ممن قضوا بتكفيره ، فأخبار آحاد لا يكفر مخالفها وبتقدير أن تكون متواترة ، فإنما يلزم التكذيب والكفر فى حق الروافض ، والخوارج ، أن لو لم يكن ذلك بتأويل ، وأما إذا كان بتأويل فلا نسلم التكفير لمن كفر بعض الصحابة.

وعلى هذا ـ فلم قلتم إن تكفيرهم لهم من غير تأويل ، ووجه التأويل يحمل ما ورد في حقهم على شرط سلامة العاقبة من الكفر ، وسلامة العاقبة غير معلومة وإلا كان الصحابة معصومين من الكفر ؛ ولم يقل به قائل.

قولهم : إن الأمة مجمعة على أن من كفر أحدا من الصحابة فهو. كافر.

قلنا : مع التأويل ، أولا مع التأويل الأول : ممنوع ، والثانى مسلم ، فلم قالوا : إن الروافض ، والخوارج غير متأولين فى تكفيرهم لبعض الصحابة ، وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما» من أخبار الآحاد ؛ فلا يحتج به فى التكفير ، وبتقدير أن يكون متواترا فيتعذر حمله على ظاهره.

ولهذا فإن من ظن بشخص أنه يهودى فقال له : يا كافر ؛ فإنه لا يلزم منه كفر واحد منهما ، فلا بد من التأويل.

وعند هذا فأمكن تأويله بما إذا قال له يا كافر مع اعتقاد إسلامه ، وذلك لم يتحقق فيما نحن فيه.

وأما تكفير المشبهة : باعتقادهم كونه ـ تعالى ـ جسما إنما يلزم ذلك إن قالوا : إنه جسم كالأجسام ، وليس كذلك.

قولهم : إنهم جاهلون بالله ؛ فجوابه على ما سبق.

قولهم : إنهم عبدوا الجسم وهو غير الله ، ومن عبد غير الله فهو / كافر ، إنما يلزم ذلك مع اعتقاده ، أن ما عبده غير الله ـ وليس كذلك ـ وخرج عليه عابد الصنم ؛ فإنه يعتقد أنه غير الله.

قولهم : من أعتقد كون الجسم إلها ؛ فقد اعتقد غير الله إلها ، ومن اعتقد غير الله إلها ؛ فقد كفر لقوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (١).

قلنا : أمكن أن يكون تكفير من اعتقد كون المسيح إلها ؛ لكونه جسما كالأجسام وذلك غير متحقق فيما نحن فيه ؛ فلا يلزم التكفير.

فإن قيل : قولكم : لو توقفت أصول الدين على معرفة هذه المسائل ؛ لوجب على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ المطالبة به ، والبحث عنه كما فى الشهادتين ؛ فلا نسلم أنه لم يكن مطالبا بها ؛ فإنا نعلم أنه كان يطالب الناس بمعرفة ما فى كتاب الله ، وسنة رسوله والكتاب والسنة مشتملان على آحاد هذه المسائل ، ولهذا وجدنا كل واحد من أرباب المقالات محتجا في نصرة ما يراه بكثير من آي الكتاب ، والأخبار.

وإن سلمنا أنه لم يطالبهم بذلك ، ولم يبحث عنه ؛ ولكن لا يدل ذلك على عدم توقف أصل الدين عليه ، ولهذا فإنه لم ينقل عنه أنه باحثهم فى حدوث العالم ، ووجود الصانع ، ودلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ مع أنه لا يصح أصل الدين دون معرفة هذه الأمور.

ثم وإن سلمنا أن آحاد هذه المسائل مما لا يتوقف عليها أصل الدين ؛ فلا خلاف أن أصل الدين متوقف على معرفة وجود الصانع ، ووحدانيته ، ومعرفة الرسول ، ودلالة المعجزة على صدقه.

وما ذكرتموه من كون العبد غير فاعل لأفعاله ، ومن إثبات الصفات مما يفضى إلى الإخلال بمعرفة هذه الأصول ، فالقائل بكون العبد غير فاعل ، وبإثبات الصفات ؛ فيكون كافرا ؛ فأنتم كفار.

وبيان ذلك هو أن من قال العبد غير خالق لأفعاله ؛ فإنه يلزمه من ذلك سد باب إثبات الصانع ، ومعرفة صدق الرسول.

أما الأول : فلأن الطريق فى معرفة إثبات الصانع ، واحتياج العالم فى حدوثه إلى الفاعل ؛ إنما هو قياسه على حاجة أفعالنا إلينا فى حدوثها ، فمن أنكر كون العبد فاعلا لأفعاله ؛ فقد سد باب إثبات الصانع.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٧٢.

أما الثانى : فهو أن أفعال العبيد منها ما هو قبيح : كالمعاصى ، فلو كان الرب هو الفاعل لها ؛ لكان فاعلا للقبائح ، ولو جاز ذلك عليه ؛ لجاز عليه إظهار المعجزات على أيدى / / الكذابين ، ولا يبقى مع ذلك الوثوق بصدق الرسول.

[وأما إثبات الصفات ؛ فإنه يجر إلى وجود آلهة غير الله ، وإلى امتناع الوثوق بصدق الرسول] (١).

أما الأول : فهو أن القدم أخص وصف الإله تعالى ـ كما سبق فمن أثبت صفات قديمة زائدة على الذات ، فقد أثبت قدماء كثيرين والقدماء آلهة ، ومن أثبت / إلها غير الله تعالى ـ ؛ فهو كافر لقوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٢).

وأما الثانى : فلأنه لا يلزم من كونه مريدا ، بإرادة قديمة لكل الكائنات أن يكون مريدا ، للقبائح ؛ إذ هى من جملة الكائنات ، وتجويز ذلك على الله ـ تعالى ـ يوجب تجويز إظهار المعجزة على أيدى الكذابين ، على ما تقدم ؛ وذلك مما يتعذر معه معرفة صدق الرسول.

والجواب :

قولهم : إنه كان يطالب الناس بمعرفة ما فى الكتاب ، والسنة ، والكتاب ، والسنة مشتملان على هذه المسائل.

قلنا : ليس كذلك ؛ فإن من جملة الكتاب ، والسنة ـ وإن كانا مشتملين على هذه المسائل ، غير أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان فى ابتداء البعثة يحكم بإيمان من أقر بالشهادتين مطلقا ، مع أن الكتاب ، والسنة لم يكونا موجودين برمتهما فى ابتداء البعثة ؛ لأن الكتاب ، والسنة إنما وردا شيئا فشيئا إلى آخر حياته عليه الصلاة والسلام ، وما لم يكن موجودا فى ابتداء الإسلام ؛ فلا يكون معلوما.

وإن سلمنا تكامل الكتاب ، والسنة فى ابتداء الإسلام ، غير أنا نعلم أن آحاد العربان ، ومن لم يكن من أهل النظر ، والمعرفة لم يكن عالما بما يشتمل عليه الكتاب ، والسنة ، ومع ذلك فإنه كان محكوما عليه بإيمانه ، بمجرد الإقرار بالشهادتين ولو توقف الإيمان على معرفة هذه المسائل ؛ لما حكم بإيمانه إلا بعد تكامل معرفته بها.

__________________

/ / ل ١٤٩ / أ.

(١) ساقط من (أ).

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٧٣.

قولهم : كما أنه لم يبحث معهم فى هذه المسائل ، لم يبحث معهم فى حدوث العالم ، ووجود الصانع ، ودلالة المعجزة على صدق الرسول.

قلنا : إنما لم يبحث معهم فى حدوث العالم ، ووجود الصانع ، ودلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ لأن أدلة هذه الأمور ظاهرة جلية لا تخفى على عاقل ؛ وذلك لأن العالم فى غاية الحكمة والإتقان ؛ فدلالته على وجود الصانع الفاعل له ضرورية ، ودلالة كونه مفعولا لفاعل على كونه حادثا أيضا ضرورية ، وإلا كان الفاعل محصلا للحاصل ؛ وهو محال.

وأما دلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ فضرورية أيضا كما سبق تعريفه ، وإنما وقع الإشكال ، والتطويل فى دفع ما أورده المخالفون من الشبه ، وهذا بخلاف أدلة سائر المسائل النظرية ، فافترقا.

قولهم : بأن القول بكون العبد غير خالق لأفعاله ، وبإثبات الصفات ، مما يفضى إلى سد باب إثبات الصانع ، ومعرفة دلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ فيكون كفرا ؛ ليس كذلك.

قولهم : إنه لا طريق إلى معرفة احتياج حدوث العالم إلى صانع غير القياس على أفعالنا ، لا نسلم الحصر فى ذلك وبيانه ، مما سبق فى طرق إثبات الإله تعالى (١).

قولهم : لو كان موجدا لأفعال العبيد ؛ لجاز عليه فعل القبائح ، ويلزم من ذلك جواز إظهار المعجزة على أيدى الكذابين ؛ إنما يلزم أن لو كانت / صفة القبح معنى وجوديا ، وأمرا ذاتيا ، وليس كذلك على ما تقدم (٢) ؛ وعلى هذا ، فلا يتصور أن يكون القبح صادرا عنه.

قولهم : إثبات الصفات يفضى إلى إثبات آلهة غير الله ـ تعالى ـ ؛ فقد سبق جوابه الصفات (٣).

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ فى إثبات واجب الوجود بذاته وبيان حقيقته ووجوده. ل ٤١ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ل ١٧٥ / أوما بعدها.

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ـ فى الصفات النفسانية لذات واجب الوجود ل ٥٤ / ب وما بعدها.

فإن قيل : فمن قضيتهم بكفره من أهل الأهواء ، ما حكمهم فى مبايعتهم ، وقتلهم وتوبتهم؟ وما حكم أموالهم؟.

قلنا : حكمهم حكم المرتدين ، ولا تقبل منهم جزية ، ولا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا دية على قاتل واحد منهم ، وإن لحق واحد منهم بدار الحرب ، وسبى لا يسترق ولو تاب واحد منهم ؛ فإن كان ذلك ابتداء منه من غير خوف ؛ قبلت توبته ، وإن كان ذلك خوفا من القتل بعد الظهور على بدعته ؛ فقد اختلف فى قبول توبته.

فقبلها الشافعى ، وأبو حنيفة ـ رضي الله عنهما ـ ومنع من ذلك مالك وبعض أصحاب الشافعى ، وهو اختيار الأستاذ أبى إسحاق.

ولو قتل واحد منهم ، أو مات ، فما له مخمس عند الشافعى ، وأبى حنيفة ، وعند مالك ما له كله فيء لا خمس فيه لأهل الخمس.

والله أعلم بالصواب.

الفصل الخامس

فى أن الكفار هل هم معذورون أم لا؟

وفى حكم المصيب فى الاعتقاد من غير دليل (١)

اتفق المسلمون على أن / / الكفار ، إذا كانوا معاندين بكفرهم ، بأن كفروا بعد ظهور الحق لهم ؛ فهم مخلدون فى النار غير معذورين.

وأما إن نظروا وبالغوا فى الاجتهاد فأداهم النظر ، والاجتهاد إلى الكفر ، وعجزوا عن درك الحق فمذهب أهل الحق : أنهم أيضا كالمعاندين فيما يرجع إلى الخلود فى النار (٢).

وذهب الجاحظ : إلى أنهم معذورون ؛ لأنهم أدوا ما يجب عليهم من الاجتهاد فأداهم إلى ما يعتقدونه حقا ، وهم ملازمون له ، خوفا من الله ـ تعالى ـ ، وكذلك الخلاف فيما إذا لم ينظروا ؛ من حيث لم يعرفوا وجوب النظر.

وزاد عبد الله بن الحسن العنبرى على الجاحظ ، وزعم أن كل مجتهد فى العقليات مصيب كما فى الفروع الشرعية.

والحق أن ما ذكره الجاحظ غير ممتنع عقلا ، ولو ورد به الشرع لما كان ممتنعا أيضا ، غير أن الشرع قد ورد بالذم على الكفر ، والعقاب عليه ، والقتل فى الدنيا ، والوعيد بالخلود فى النار فى الدار الأخرى.

ولم يعذر أحدا من الكفار ، ولم يفصل بين المجتهد العاجز ، وغيره فى ذلك ، مع علمنا بأن المعاند العارف للحق مما يقل ، وأن أكثر الكفار كانوا : إما مجتهدين عاجزين عن إدراك الحق ، أو مقلدين لآبائهم غير عارفين بوجوب النظر المؤدى إلى معرفة صدق

__________________

(١) قارن بما ورد فى الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٤ / ٢٩٣ وما بعدها وراجع ما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٠٦ ، ٢٠٧.

/ / أول ل ١٤٩ / ب.

(٢) راجع شرح المواقف ص ٢٠٧.

الرسول ـ عليه‌السلام ـ وهؤلاء هم الأكثرون ويدل على وعيدهم ، وذمهم مع ظنهم أنهم على الحق قوله تعالى : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ / كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (١) ، وقوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات.

فإن قيل : ما ذكرتموه وإن دل على أنهم غير معذورين ، غير أن عجزهم عن إدراك الحق بعد النظر ، والمبالغة فى الاجتهاد ، موجب لعذرهم ، فلو عاقبهم بعد ذلك ، كان ذلك تكليفا بما لا يطاق وقد قال ـ تعالى ـ : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٤).

قلنا : أما التكليف باعتقاد الحق ؛ فمعلوم بالضرورة من أقوال الشارع ، وأفعاله على ما سبق (٥).

وقولهم : إن ذلك تكليف بما لا يطاق ، ولا نسلم أنه تكليف بما لا يطاق ؛ فإن ذلك ممكن لهم ؛ إذ الأدلة على الحق منصوبة ظاهرة ، والعقل الّذي به المعرفة حاضر عتيد لديهم ، ومع ذلك فالمعرفة للحق تكون ممكنة ، لا ممتنعة ؛ فالتكليف بها لا يكون تكليفا بما لا يطاق (٦).

وإن سلمنا أنه تكليف بما لا يطاق ، غير أنه جائز على ما تقدم فى التعديل والتجوير (٧).

وأما قول العنبرى : بأن كل مجتهد فى العقليات مصيب : إما أن يريد به الإصابة فى الاجتهاد : أى أنه أتى بما أمر به من الاجتهاد ، والّذي هو منتهى مقدوره ، واما أن يريد به الإصابة فى نفس المجتهد فيه ، وأن ما اعتقده على وفق اعتقاده ، وإما أن يريد به أنه معذور غير آثم : كما هو مذهب الجاحظ ، أو معنى آخر.

فإن كان الأول : فهو حق غير أنه لا يمتنع مع ذلك الذم ، والعقاب ؛ لعدم إصابة الحق فى المعتقد كما سبق.

__________________

(١) سورة ص : ٣٨ / ٢٧.

(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٢٣.

(٣) سورة المجادلة : ٥٨ / ١٨.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٦.

(٥) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ٢٥ / أوما بعدها.

(٦) راجع ما فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ـ المسألة الخامسة : فى تكليف ما لا يطاق. ل ١٩٤ / ب وما بعدها.

(٧) راجع ما مر فى المصدر السابق.

وإن كان الثانى : فهو محال قطعا ، فإن ذلك مما يوجب كون العالم فى نفس الأمر قديما حادثا ، عند اختلاف المجتهدين فيه ، إذا أدى اجتهاد أحدهما إلى قدمه ، والآخر إلى حدوثه ، وكذلك فى كل مسألة عقلية من المسائل الأصولية.

والأمر الحقيقى الذاتى لا يتصور أن يكون الحق فيه النفى ، والإثبات معا ، ويستحيل ورود الشرع به.

وهذا بخلاف مذهب الجاحظ ، وبخلاف الأحكام الشرعية والأمور الوضعية ، فإنه لا يتصور أن يكون الفعل فى المحل الواحد ، حلالا بالنسبة إلى زيد ، حراما بالنسبة إلى عمرو.

وإن كان الثالث : فهو باطل بما سبق.

وإن كان الرابع : فلا بد من تصويره ، وإقامة الدلالة عليه.

فإن قيل : المراد من قوله كل مجتهد فى العقليات مصيب ، أى فى المسائل الكلامية التى لا تكفير فيها : كالرؤية ، وخلق الأعمال ، وخلق القرآن وغير ذلك ؛ لأن الأدلة فيها متعارضة ، والآيات والأخبار منها متشابهة ، وكل ذهب إلى ما وافق نظره ، ورآه أليق بعظمة الله وجلاله (١).

/ قلنا : وإن أراد به المسائل الكلامية التى لا تكفير فيها ، فالتقسيم فى قوله كل مجتهد مصيب كما تقدم.

فإن أراد به أنه أتى بما فى وسعه ، وما أمر به ؛ / / فهو صحيح ؛ غير أن ذلك أيضا غير مانع من الذم ، والوعيد بالعقاب ، بدليل إجماع الأمة على ذم المبتدعة ، ومهاجرتهم ، وتشديد الإنكار عليهم ـ بدليل قوله عليه‌السلام : «تفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا واحدة» (٢).

وإن أراد به أن ما اعتقده على وفق اعتقاده ؛ فهو أيضا محال لما تقدم.

وإن أراد به أنه معذور غير آثم ؛ فباطل بما حققناه.

وإن أراد غيره ؛ فلا بد من تصويره.

__________________

(١) قارن بما ورد فى الإحكام للآمدى ٤ / ٢٤٢.

/ / أول ل ١٥٠ / أ.

(٢) الحديث سبق تخريجه فى هامش ل ٢٤٤ / أ.

ولا يلزم على ما ذكرناه من المسائل الفقهية والأمور الحقيقية ، كاعتقاد كون زيد في الدار وليس فيها.

أما المسائل الفقهية : فلأن الحق فيها غير معين ؛ بل الحكم فيها عند الله ما أدى إليه رأى المجتهد على ما عرف فى الأصول ، بخلاف الأمور الحقيقية.

وأما اعتقاد كون زيد فى الدار ، وليس فيها ، وبالعكس ، فمما لا ثواب ، ولا عقاب فيه نفيا ، وإثباتا ، بخلاف المسائل الكلامية ، فإن المكلف مثاب على معرفتها ، ومعاقب على الجهل بها ، كما تقدم.

فإن قيل : فالإثم إنما يتصور بتقدير الجهل بها ، بتقدير أن يكون العلم بها مقدورا ، وإذا كانت الأدلة فيها غامضة ، والشبهات متعارضة ؛ فالعلم بها لا يكون مقدورا (١).

قلنا :

قد بينا أن العلم مقدور بناء على الأدلة المنصوبة ، والعقل الهادى ، وتعارض الشبه مما لا يمنع من الإثم ، بدليل مسألة حدوث العالم ، وإثبات النبوة ، هذا حكم الكفار.

وأما المصيبون فى الاعتقاد :

فإما أن يكون ذلك مستندا إلى الدليل ، أو إلي محض التقليد :

فإن كان الأول : فهم مسلمون مثابون بالاتفاق ، وإن كان الثانى : فقد اختلف المتكلمون فيه.

فمنهم من قال : لا يكفى فى الدين اعتقاد الحق من غير دليل ؛ إذ المطلوب إنما هو الاعتقاد القاطع ، ولا قطع مع التقليد (٢).

ومنهم من خالف فى ذلك ، واكتفى بمجرد الاعتقاد ، وإن كان من غير دليل وهو الأظهر. فإنا نعلم بالضرورة أن أكثر من دخل فى الإسلام على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ١٩٤ / ب وما بعدها ، وقارن بما ورد فى الإحكام ١ / ٢٤٣.

(٢) قارن بما ورد في أصول الدين للبغدادى ص ٢٥٤ ، ٢٥٥ فقد خصص المسألة الخامسة من الأصل الثانى للحديث عن [إيمان من اعتقد تقليدا].

لم يكونوا عارفين بالمسائل الأصولية عن نظر ودليل ؛ إذ لم يكونوا من أهل النظر ، والاستدلال ، ومع ذلك كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يحكم بإسلامهم.

ولو توقف الإسلام على اعتقاد هذه المسائل بالنظر والدليل ؛ لما حكم بإسلامهم دون تحققه ، وللزم من ذلك تكفير أكثر الصحابة / وعلى هذا جرى الصحابة ، والتابعون ، وهلم جرا إلى عصرنا.

هذا فى الحكم بإسلام العوام ، وآحاد الطغام الذين لا أصالة لهم فى العلم ، ولا أنسية لهم بالنظر والاستدلال.

الفصل السادس

فى التوبة وأحكامها (١)

أما التوبة :

ففى اللغة : عبارة عن الرجوع ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (٢) : أى رجع عليهم بالتفضل ، والإنعام ؛ ليرجعوا بالطاعة.

وأما فى الشرع : فعبارة عن الكلام على ما وقع به التفريط من الحقوق من جهة كونه حقا ، مع العزم على أن لا يعود إلى مثل ما فعل فى المستقبل ، عند كونه أهلا لفعله فى المستقبل.

وإنما قلنا : إن الندم توبة. لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «الندم توبة».

وإنما قلنا : على ما فرط من الحقوق ، لأنه لو لم يندم على فعل معصية ، أو على فعل ما ليس طاعة ، ولا معصية ؛ فإنه لا يكون توبة.

وإنما قلنا : من جهة كونه حقا ؛ لأنه لو شرب الخمر [(٣) وحصل منه تألم فى جسمه ؛ فتندم على ما فرط منه من شرب الخمر] لما أفضى إليه من الألم ؛ فإنه لا يكون توبة.

وإنما قلنا : مع العزم على أن لا يعود إلى مثل ما فعل فى المستقبل ؛ لأنه ملازم للندم على ما فعل.

وإنما قلنا : عند كونه أهلا له : احترازا عما إذا زنى ثم جبّ ، أو كان مشرفا على الموت ؛ فإن العزم على ترك الفعل فى المستقبل ، غير متصور منه ؛ لعدم تصور الفعل منه فى المستقبل.

__________________

(١) قارن ما ورد هنا بما نقله شارح المواقف فى المرصد الثانى من الموقف السادس [المقصد العاشر فى التوبة] فقد اعتمد فى شرحه للمواقف على ما أورده الآمدي ونقل عنه نقولا كثيرة بلغت ستة من ص ٢١٨ ـ ٢٢٣. ولمزيد من البحث والدراسة : انظر غاية المرام للآمدى ص ٣١٣ وما بعدها والإرشاد للجوينى ص ٤٠١ وشرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٨٩ وما بعدها والمغنى له أيضا ١٤ / ٢٤٤ وما بعدها. وشرح المقاصد ٢ / ١٧٧ وما بعدها وشرح العقيدة الطحاوية ص ٣٥٣.

(٢) سورة التوبة : ٩ / ١١٨.

(٣) ساقط من أ.

ومع ذلك فإنه إذا تندّم على ما فعل ، صحّت توبته بإجماع السلف.

وقال أبو هاشم : الزانى إذا جبّ لا تصح توبته (١) ؛ لأنه عاجز عنه ؛ وهو باطل بما إذا تاب عن الزنا وغيره وهو فى مرض مخوف ؛ فإن توبته صحيحة بالإجماع وإن كان جازما بعجزه عن الفعل فى المستقبل (٢).

وعلى هذا فليس من شرط صحة التوبة عن / / مظلمة ، الخروج عن تلك المظلمة ، وأن لا يكون مقيما على ذنب آخر ، وأن لا يعاود الذنب بعد ذلك ، وأن يكون مستديما للتندم فى جميع أوقاته ، ومتذكرا له فى كل حالاته ؛ خلافا للمعتزلة (٣).

أما الأول : فلأنه بالمظلمة كالقتل ، والضرب مثلا فقد وجب عليه أمران : التوبة والخروج من المظلمة ؛ وهو تسليم نفسه مع الإمكان ؛ ليقتص منه.

ومن أتى بالتوبة ؛ فقد أتى بأحد الواجبين ، ومن أوتى بأحد الواجبين ؛ فلا تكون صحته متوقفة على الإتيان بالواجب الآخر ، كما لو وجبت عليه صلاتان ؛ فأتى بإحداهما دون الأخرى (٤).

وأما الثانى : فلأن التوبة وإن وجبت عن الذنب لقبحه ، والذنوب فى القبح متساوية ؛ فليس يلزم من صحة التوبة عن ذنب التوبة عن غيره ، وإلا لما صحت التوبة

__________________

(١) انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٩٤ فقد ذكر رأى أبى هاشم ووضح صحته بقوله : «وهو الصحيح من المذهب».

(٢) نقل شارح المواقف عن الأبكار قول الآمدي : وإنما قلنا عند كونه أهلا له : ... إلى فى المستقبل» مستدلا على صحة ما ذهب إليه بما ذكره الآمدي. قال : ويؤيد ما قررناه قول الآمدي حيث قال : [وينقل سبعة سطور بنصه] ثم يقول هذه عبارته.

[انظر شرح المواقف فى علم الكلام ـ الموقف السادس ـ فى السمعيات ـ تحقيق د / أحمد المهدى].

/ / أول ل ١٥٠ / ب.

(٣) قال القاضى عبد الجبار فى شرح الأصول الخمسة ص ٧٩١ «اعلم أن التوبة إن كانت توبة عن القبيح. فإن صورته أن يندم على القبيح لقبحه ، ويعزم علي أن لا يعود أمثاله فى القبح ، وإن كانت توبة عن الإخلال بالواجب. فإن صورته أن يندم على الإخلال به ؛ لكونه إخلالا بالواجب ، ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله فى ذلك. ولا بد من اعتبار الندم ، والعزم جميعا ، حتى تكون التوبة توبة صحيحة ؛ فإنه إن ندم ، ولم يعزم ، أو عزم ، ولم يندم ؛ لم يكن تائبا توبة نصوحا.

وكما لا بد من اعتبارهما جميعا ؛ فلا بد من أن يكون الندم ندما على القبيح لقبحه وكذلك العزم عزما على أن لا يعود إلى أمثاله فى القبح.

إذ لو ندم على القبيح لا لقبحه ، بل لوجه آخر ، أو عزم على أن لا يعود إلى أمثاله لا لقبحه ؛ لم يكن تائبا». وقارن بالإرشاد ص ٤٠٥ وإحياء علوم الدين ٤ / ٦٢٥ وانظر غاية المرام ص ٣١٣.

(٤) من أول : (بالمظلمة : كالقتل والضرب ... دون الأخرى) نقله شارح المواقف : قال الآمدي : إذا أتى بالمظلة الخ.

عن الكفر بالإسلام مع استدامة زلّة من الزلات / وأن لا تترقى حاله عن حال من هو مستمر على كفره وجحوده ؛ وهو خلاف إجماع المسلمين.

وأما الثالث : فلأن التوبة المأمور بها بتقدير الإتيان بها تكون عبادة وليس من شرط صحة العبادة المأتى بها فى زمن ، عدم المعصية فى زمن آخر ؛ بل غايته أنه إذا عصى جدد ذلك الذنب وجوب توبة أخرى عليه (١).

وأما الرابع : فلأنه يلزم من ذلك اختلال الصلوات وباقى العبادات ، أو أن لا تكون بتقدير عدم استدامة التندم وتذكره تائبا ، وأن يجب عليه إعادة التوبة ؛ وهو مخالف للإجماع ، ومهما صحت التوبة ثم ذكر الذنب ، فلا يكون عند ذكره الذنب كالمقارف للذنب ، ولا يجب عليه تجديد التوبة ؛ خلافا لبعض العلماء.

فإنا نعلم بالضرورة أن الصحابة ومن أسلم بعد كفره ؛ كانوا يتذاكرون ما كانوا عليه فى الجاهلية من الكفر. ولم يجب عليهم تجديد الإسلام ، ولا أمروا بذلك ، وكذلك فى كل ذنب وقعت التوبة عنه (٢).

وهل يجب على الله قبول التوبة والمجازات عليها.

قالت المعتزلة : إن ذلك واجب ؛ لأنها حسنة. ومن أتى بالحسنة وجب مجازاته عليها.

وهذا الأصل قد أبطلناه فيما تقدم (٣).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (٤).

وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٥). فليس فيه ما يدل على وجوب قبول التوبة.

__________________

(١) من أول : (التوبة المأمور بها ... أخرى عليه) نقله أيضا شارح المواقف مقدما له : قال الآمدي

(٢) نقل شارح المواقف [يلزم من ذلك اختلال الصلوات ، وباقى العبادات ... إلى وقعت التوبة عنه] مقدما لها بقوله : قال الآمدي : يلزم من ذلك .. إلخ.

(٣) انظر ما تقدم ل ١٨٦ / ب وما بعدها.

(٤) سورة الشورى ٤٢ / ٢٥.

(٥) سورة الزمر : ٣٩ / ٥٣.

إذا المراد منه أنه الّذي يتولى ذلك ، ويتقبله ، وليس لأحد سواه ذلك ، وأنه يفعل ذلك إن شاء لا بطريق الوجوب ، والتحتم.

وهل التوبة طاعة :

اختلفوا فيه : والظاهر أنها طاعة (١) ؛ لأنها واجبة مأمور بها بأمر الله ـ تعالى ـ فإذا أتى بها العبد لقصد امتثال أمر الله كانت طاعة ؛ فإنه لا معنى للطاعة غير الإتيان بالمأمور لقصد امتثال أمر الآمر.

__________________

(١) نقل شارح المواقف عن الآمدي قائلا : قال الآمدي الظاهر أنها طاعة.

القاعدة الثامنة

فى الإمامة ، ومن له الأمر بالمعروف

والنّهى عن المنكر

وتشتمل على أصلين :

الأصل الأول : فى الإمامة.

الأصل الثانى : فى الأمر بالمعروف ، والنّهى عن المنكر.

الأصل الأول

فى الإمامة

وأعلم أن الكلام فى الإمامة ليس من أصول الديانات ؛ بل من الفروعيات غير أنه لما جرت العادة بذكرها فى أواخر كتب المتكلمين ، ومصنفات الأصوليين ، جرينا على العادة فى ذكرها هاهنا ؛ مشيرين إلى تحقيق أصولها ، [وتنقيح فصولها] (١).

وهى تسعة فصول :

الأول (٢) : فى أن إقامة الإمام هل هى واجبة ، أم لا؟

الثانى : فيما يثبت به كون الإمام إماما.

الثالث : فى شروط الإمام.

الرابع : فى إثبات إمامة إمام الأئمة أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

الخامس : فى إثبات إمامة / عمر بن الخطاب رضى الله عنه.

السادس : فى إثبات إمامة عثمان بن عفان رضى الله عنه.

السابع : فى إثبات إمامة على كرّم الله وجهه.

الثامن : فى التفضيل.

التاسع : فيما جرى بين الصحابة من الفتن ، والحروب.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) فى نسخة ب استخدمت الحروف الأبجدية أب ج د للدلالة على ترتيب الفصول.

الفصل الأول

فى أن إقامة الإمام هل هى واجبة ، أم لا (١)؟

وقبل النظر فى ذلك لا بدّ من تحقيق معنى الإمامة.

قال بعض الأصحاب : إنّها عبارة عن رئاسة فى الدّين ، والدنيا عامة لشخص من الأشخاص. وينتقض ذلك بالنّبوّة ، والحق أن الإمامة عبارة عن خلافة شخص / / من الأشخاص للرّسول ـ عليه‌السلام ـ فى إقامة قوانين الشّرع ، وحفظ حوزة الملة ، على وجه يجب اتّباعه على كافة الأمة.

وإذا عرف معنى الإمامة ، فهل إقامة الإمام واجبة ، أم لا؟

اختلف الناس فيه : فمنهم من قال بالوجوب ، ومنهم من نفاه ، والقائلون بالوجوب اختلفوا فى أمرين :

الأول : فى طريق معرفة الوجوب :

فمنهم من قال بأن طريق معرفة الوجوب السمع دون العقل ، كالأشعرية ، وأكثر المعتزلة (٢).

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ذكره الآمدي هاهنا انظر المراجع التالية التى اعتمد عليها الآمدي ، وناقشها.

الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص ٢٠٤ وما بعدها ، واللمع له أيضا ص ١٣٣ ـ ١٣٦.

ومقالات الإسلاميين له أيضا ٢ / ١٤٤ وما بعدها.

التمهيد للباقلانى ص ١٦٤ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧١ وما بعدها ولمع الأدلة له أيضا ص ١١٤ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧١ وما بعدها والفصل لابن حزم ٤ / ١٤٩ وما بعدها ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٧٨.

الاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ٢٢٣ وما بعدها. والأربعين فى أصول الدين للرازى ص ٤٢٦.

محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازى ص ٥٧٣ وما بعدها.

وغاية المرام للآمدى ص ٣٦١ وما بعدها.

ومن كتب المعتزلة : المغنى فى أبواب التوحيد والعدل. فقد اهتم القاضى عبد الجبار بموضوع الإمامة وخصص له الجزء العشرون من كتابه المغنى ، ويقع فى مجلدين كبيرين

والأصول الخمسة له أيضا ص ٧٤٩ وما بعدها.

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي :

شرح المواقف ـ الموقف السادس : تحقيق الدكتور أحمد المهدى ص ٢٧٧ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٩٩ وما بعدها.

/ / أول ل ١٥١ / أمن النسخة ب.

(٢) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٣٨ وما بعدها للقاضى عبد الجبار وأصول الدين للبغدادى ص ٤٢١ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨ للشهرستانى.

ومنهم من قال بالعقل دون السمع ؛ كالإسماعيلية ، والإمامية (١) ، غير أن الإسماعيلية قالوا بالوجوب لكون الإمام معرّفا لله ـ تعالى ـ وقالت الإمامية بالوجوب لا لنعرف الله ؛ بل لإقامة القوانين الشّرعية ، وحفظها عن الزّيادة والنقصان.

ومنهم من قال بالعقل ، والسمع معا ؛ كالجاحظ ، والكعبى ، وأبى الحسين البصرى (٢).

الاختلاف الثانى : أنّ إقامة الإمام هل هى واجب على الله ، أو على الخلق؟

ومذهب الأشاعرة وأهل السنّة ، وكثير من المعتزلة : أنه واجب على الخلق (٣).

ومذهب الإمامية ، والإسماعيلية (٤) : أنه واجب على الله تعالى.

وأما القائلون بنفى الوجوب : فمنهم من قال : بنفى الوجوب مطلقا فى جميع الأوقات ، وإنما ذلك من الجائزات : كالأزارقة ، والصفرية ، وغيرهم من الخوارج (٥).

ومنهم من قال : بأنه لا يجب مع الأمن ، وإنصاف الناس بعضهم من بعض ؛ لعدم الحاجة إليه ، وإنما يجب عند الخوف ، وظهور الفتن : كأبي بكر الأصم (٦).

ومنهم من عكس الحال وقال بنفى الوجوب مع الفتن ؛ لأنه ربما كان نصبه سببا لزيادة الفتن ؛ لاستنكافهم عنه ، وإنما يجب عند العدل ، والأمن ؛ إذ هو أقرب إلى إظهار شعائر الإسلام كالفوطى ، وأتباعه (٧).

__________________

(١) انظر عن رأيهم بالتفصيل القاعدة السابعة الفصل الرابع : فرقة الإسماعيلية ل ٢٤٩ / أو ما بعدها ، وفرقة الإمامية ل ٢٥١ / ب وما بعدها.

(٢) نظر عن رأيهم ما سبق فى القاعدة السابعة : الفصل الرابع : ل ٢٤٦ / ب وما بعدها.

(٣) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩ وما بعدها.

(٤) انظر عن رأيهم ما سبق ل ٢٤٩ / أوما بعدها ، ٢٥١ / ب وما بعدها.

(٥) انظر عن رأيهم ما سبق ل ٢٥٢ / ب وما بعدها ، ل ٢٥٣ / أوما بعدها.

(٦) انظر عن رأيه بالتفصيل المغنى ٢٠ / ٤٨ ، ومقالات الإسلاميين ص ٢٢٣ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٨.

أما عن أبى بكر الأصم : فهو من المعتزلة ، ولكنه انفرد عنهم بمسائل منها : خالفهم فى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر. مع أنه من أصولهم. كما خالفهم فى وجوب نصب الإمام وقت الأمن ـ كما أنكر إمامة على ـ رضي الله عنه ـ. وقد توفى الأصم سنة ٣٠٠ ه‍.

(٧) انظر عن هشام الغوطى ورأيه ما سبق فى القاعدة السابعة. الفصل الرابع ل ٢٤٥ / أوما بعدها.

وقارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٨.

وإذ أتينا على تفصيل المذاهب فالكلام فى هذه المسألة يتعلق بأطراف / ثلاثة.

[الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا.

والثانى : فى امتناع الوجوب عقلا.

والثالث : فى امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى] (١).

الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا :

والمعتمد فيه لأهل الحق ما ثبت بالتواتر من إجماع المسلمين فى الصدر الأول بعد وفاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على امتناع خلو الوقت عن خليفة ، وإمام ، حتى قال أبو بكر رضى الله عنه فى خطبته المشهورة ، بعد وفاة النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إن محمدا قد مات ، ولا بدّ لهذا الدين ممن يقوم به» (٢) فبادر الكل إلى تصديقه ، والإذعان لقبول قوله ، ولم يخالف فى ذلك أحد من المسلمين ، وأرباب الدين ؛ بل كانوا مطبقين على الوفاق ، وقتال الخوارج على الإمام ، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك ، وإن اختلفوا فى التعيين ، ولم يزالوا على ذلك مع كانوا عليه من الخشونة فى الدين ، والصلابة فى تأسيس القواعد ، وتصحيح العقائد ، غير مرتقبين فى ذلك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، حتى بادر بعضهم إلى قتل الأهل ، والأقارب فى نصرة الدين وإقامة كلمة المسلمين ، والعقل من حيث العادة يحيل تواطؤ مثل هؤلاء القوم على وجوب ما ليس بواجب ، لا سيّما مع ما ورد به الكتاب ، والسنة من تزكيتهم ، والإخبار عن عصمتهم ، على ما سبق تحقيقه فى قاعدة النظر (٣).

ثم جرى التابعون على طريقتهم ، واتباع سنتهم ، ولم يزل الناس على ذلك فى كل عصر ، وزمان إلى زمننا هذا من إقامة الأئمة ، ونصب إمام متبع ، فى كل عصر (٤) وحكمة ذلك ، أنا نعلم علما يقارب الضّرورة ، أنّ مقصود الشّارع من أوامره ، ونواهيه فى جميع موارده ، ومصادره وما شرعه من الحدود ، والمقاصات وعقود المعاملات ، والمناكحات ،

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) قارن ما ورد هنا من خطبة أبى بكر رضي الله عنه بما ورد فى نهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٧٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩.

(٣) انظر ما سبق فى القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ١٥ / ب وما بعدها.

(٤) قارن بنهاية الأقدام ص ٤٧٨ وما بعدها ، وغاية المرام ص ٣٦٥ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩.

وأحكام الجهاد ، وإظهار شعائر الإسلام فى أيام الجمع ، والأعياد ، إنّما كان لمصالح الخلق ، والأغراض عائدة إليهم ، معاشا ومعادا ، وذلك مما لا يتم دون إمام مطاع ، وخليفة متّبع ، يكون من قبل الشارع بحيث يفوضون أزمتهم ، فى جميع أمورهم إليه ، ويعتمدون فى جميع أحوالهم عليه. فإنهم بأنفسهم مع ما هم عليه من اختلاف الأهواء ، وتشتّت الآراء ، وما بينهم من العداوة ، والشحناء ، قلّما ينقاد بعضهم لبعض ، وربما أدّى ذلك إلى هلاكهم جميعا (١).

ويشهد بذلك وقوع الفتن ، واختلاف الأمم ، عند موت ولاة الأمر ، من الأئمة إلى حين نصب إمام آخر ، بحيث لو / / تمادى الحال ، فى إقامته لكثرت الاختلافات ، وبطلت المعيشات ، وعظم الفساد فى العباد ، وصار كلّ مشغولا بحفظ نفسه ، وماله تحت قائم سيف / وذلك مما يفضى إلى رفع الدين ، وهلاك الناس أجمعين ، ومنه قيل «الدين اس والسلطان حارس ، والدين والسلطان توأمان» ، فإذن نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين ، وأعظم مقاصد الدين ، وهو حكمة الإيجاب السمعى (٢).

فإن قيل : لا نسلم تصوّر انعقاد الإجماع ، وإن سلّمنا ذلك ، ولكن لا نسلّم أنّ الإجماع حجة ، ولا نسلّم صحّة التّواتر ، وتقرير كل واحد مما سبق فى قاعدتى النظر ، والنبوات (٣).

وإن سلمنا أن الإجماع حجة ، وأن التواتر يفيد العلم ؛ ولكن لا نسلم وجود الإجماع فيما نحن فيه ، وما المانع أن يكون ثمّ نكير ، وأن الموافقة لم تتحقق إلّا من آحاد المسلمين (٤).

والّذي يدل على ذلك ، قول عمر ـ رضى الله عنه ـ «ألا إن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» (٥) ؛ أى بايعت أبا بكر من غير مشورة ؛ وقى الله شرها ؛ فلا نعود إلى مثلها.

__________________

(١) قارن ما ورد هاهنا بما ورد فى غاية المرام ص ٣٦٦ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩ وما بعدها.

وانظر أصول الدين ص ٢٧١ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨ ، والأربعين للرازى ص ٤٢٨.

/ / أول ل ١٥١ / ب.

(٢) قارن بغاية المرام ص ٣٦٦ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨.

(٣) قاعدة النظر : هى القاعدة الثانية : انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ ل ١٥ / ب وما بعدها.

أما النبوات : فى القاعدة الخامسة. انظر ما سبق فى الجزء الثانى ـ ل ١٣٨ / أ. وما بعدها.

(٤) انظر هذا الاعتراض والرد عليه أيضا فى الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ١ / ١٩٩ وما بعدها.

(٥) فى صحيح البخارى ٨ / ٢١٠ قريب من هذا النص.

كيف وأن الإجماع لا بدّ وأن يعود إلى مستند من الكتاب ، والسّنة ولو كان له مستند لقد كانت العادة تحيل أن لا ينقل مع توفّر الدّواعى على نقله ، فحيث لم ينقل مستنده ، علم أنه غير واقع فى نفسه.

سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجوب نصب الإمام ، غير أنه معارض بما يدل على عدمه وبيانه من ثلاثة أوجه : ـ

الأول : أنّ نصب الإمام لو كان واجبا ؛ فإما أن يكون واجبا على الله ـ تعالى ، أو على العبيد ، الأول : محال ؛ لما سبق فى التعديل والتجويز (١).

وإن كان الثانى : فإمّا أن يكون ذلك لفائدة ، أو لا لفائدة.

فإن كان لا لفائدة : فهو عبث ، والعبث لا يكون واجبا.

وإن كان لفائدة ؛ فإما أن ترجع إلى الله ـ تعالى ـ أو إلى العبيد.

الأول : محال ؛ لأن الله ـ تعالى ـ ويتقدّس عن الأغراض ، والضرر ، والانتفاع ، وإن عادت إلى العبيد فإما دينيّة ، أو دنيويّة.

فإن كانت دينيّة ، فإمّا معرفة الله ـ تعالى ـ على ما قاله الملاحدة.

أو لإقامة القوانين الشّرعية كما قاله الإماميّة. والأول محال لأن العقل كاف فى معرفته ، ومعرفة جميع القضايا العقلية ، ولا حاجة إلى تعريف ذلك بالإمام (٢).

والثانى ممتنع لوجهين :

ـ الأول : أنه يكفى فى معرفة ذلك كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله على ما [جرت] (٣) العادة به فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى وقتنا هذا.

الثانى : أنه ما من مسألة اجتهادية ، إلّا ويجوز لكل واحد من المجتهدين أن يخالفه فيها بما يؤدى إليه اجتهاده ، فكيف يكون واجب الطّاعة ، مع جواز المخالفة ، ولا يكون فى نصبه فائدة /

__________________

(١) انظر ما سبق فى القاعدة الرابعة ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٢) قارن بما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٣٤ من القسم الأول.

(٣) ساقط من أ.

وإن كانت دنيوية فهو أيضا ممتنع لوجهين : ـ

الأول : أن تعاون الناس على أشغالهم ، وتوفرهم على إصلاح أحوالهم فى دنياهم مما تحدوهم إليه طباعهم ، وأديانهم ؛ فلا حاجة لهم إلى الإمام ، ومن يتحكم عليهم فيما يستقلون به ، ويهتدون إليه دونه ، ويدل على ذلك انتظام أحوال البوادى والعربان ، الخارجين عن حكم السلطان (١).

الثانى : هو أن الانتفاع بالإمام فى هذه الأمور فرع الوصول إليه ، ولا يخفى تعذر ، وصول آحاد الرعية إليه ، فى كل ما يعنّ له من الأمور الدنيوية عادة ؛ فلا يكون نصبه مفيدا (٢).

الوجه الثانى : هو أن نصب الإمام مما يفضى إلى الإضرار بالمسلمين ، والإضرار منفى بقوله ـ عليه‌السلام ـ «لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام» (٣) ، وبيان لزوم الإضرار من ثلاثة أوجه

الأول : أنه قد يستنكف عنه بعض الناس : كجارى العادة فى السّلف ، وهلم جرا ؛ وذلك مما يفضى إلى الفتن ، والاختلاف ، وهو إضرار (٤).

الثانى : هو أن الإمام من نوع الرعيّة ، وتولية الإنسان على من هو مثله تحكم عليه فيما يهتدى ، وما لا يهتدى إليه ، إضرار به لا محالة.

والثالث : أن الإمام إما أن يكون معصوما ، أو لا يكون معصوما ، القول بالعصمة ممتنع على ما يأتى ، وإن لم يكن معصوما ، تصوّر عليه الكفر والفسوق.

وعند ذلك : إن لم يعزل تعدى ضرر كفره ، أو فسقة إلى الأمة ، وإن عزل احتيج فى عزله إلى إثارة الفتنة ، وهو إضرار على ما لا يخفى.

__________________

(١) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٦٩. وبما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١٦. ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٠ وما بعدها.

(٢) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨١. وقارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٢٩.

(٣) ذكره السيوطى فى الجامع الصغير بلفظ «لا ضرر ولا ضرار» وقد حكم الشوكانى بصحة هذا الحديث فى نيل الأوطار ٥ / ٣٨٥.

(٤) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٨١.

الوجه الثالث : هو أن الإمام له شروط قلما توجد فى / / كل عصر.

وعند ذلك فإن أقام الناس إماما اختل فيه شرط من شروط الإمامة فما فعلوا الواجب ، وإن لم يقيموه ، فقد تركوا الواجب ، واجتماع الأمة على ترك الواجب محال ، وهذه المحالات إنما لزمت من القول بوجوب نصب الإمام ؛ فلا وجوب (١).

نعم إن أدّى اجتهادهم إلى إقامة أمير ، أو رئيس عليهم ، يتقلد أمورهم ويرتّب جيوشهم ، ويحمى حوزتهم ، ويأخذ على أيدى السفهاء منهم ، وينتصف للمظلوم من الظّالم ، ويقوم بذلك كله على وجه العدل والإنصاف ، فلهم ذلك من غير أن يلزمهم بذلك حرج فى الشرع أصلا (٢).

والجواب : أمّا منع تصوّر انعقاد الإجماع ، ومنع كونه حجة ، ومنع التّواتر وإفضائه إلى العلم ؛ فقد سبق جوابه ، وإبطال كل ما يرد عليه فى قاعدتى النظر والنبوات (٣).

قولهم : لا نسلم وجود الاجماع فيما نحن فيه.

قلنا : دليله ما سبق.

قولهم : يحتمل أن يكون ثمّ / نكير.

قلنا : لو وجد النّكير فى مثل هذا الأمر العظيم لنقل ، فإن العادة تحيل عدم نقل مثل هذه الأمور على ما تقدم. وقول عمر ـ رضى الله عنه ـ ليس فيه ما يدل على انتفاء وقوع [الإجماع] (٤) على وجوب نصب الإمام ؛ بل غايته الدلالة على كون بيعة أبى بكر ، وتعيينه بالعقد مما وقع فلتة بغتة ، وليس فيه أيضا دلالة على انتفاء وقوع الإجماع ، على تعيين أبى بكر ؛ فإنه لا مانع من وقوع الإجماع على ذلك بغته ، وإن قدّر الاختلاف فى التعيين أولا (٥).

قولهم : لو وجد الإجماع ؛ لنقل مستنده من الكتاب أو السنة.

__________________

/ / أول ل ١٥٢ / أ.

(١) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٥٠ وما بعدها ، وبشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.

(٢) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٦٩ ، وبما ورد فى شرح المواقف ص ٢٨١ وما بعدها الّذي تأثر به ، والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٨٩ وما بعدها.

(٣) عن قاعدة النظر ارجع إلى الجزء الأول ل ١٥ / ب وما بعدها. أما قاعدة النبوات فارجع إلى الجزء الثانى ل ١٢٨ / أوما بعدها.

(٤) ساقط من أ.

(٥) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٧٣ وبما ذكره فى الإحكام فى أصول الأحكام ٢ / ٤١ وما بعدها.

قلنا : إنما يلزم نقل مستند الإجماع أن لو دعت الحاجة إليه ، وتوفرت الدواعى على نقله ، وليس كذلك ؛ فإنه مهما تحقق الاتفاق ، واستقام الوفاق من الأمة على شيء ؛ فقد وجب اتباعه ووقع الاستغناء به عن مستنده ، ولم يبق النظر إلّا فى موافقته ومخالفته (١).

ومع عدم الحاجة [إلى] (٢) النظر فى المستند ، لم تنصرف البواعث إلى نقله ، ولم تتوفر [الدواعى] (٢) على إشاعته ؛ فلا يكون عدم نقله قادحا فى الإجماع ، كيف وأنه لا يبعد أن يكون مستند الإجماع من قبيل ما لا يمكن نقله ، بأن يكون من قرائن الأحوال التى لا يمكن معرفتها ، إلّا بالمشاهدة ، والعيان لمن كان فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (٣).

قولهم : لو كان نصب الإمام واجبا ، إما أن يكون واجبا على الله تعالى ، أو على العبيد.

قلنا : قد بيّنا استحالة الوجوب على الله ـ تعالى ـ فى التعديل والتجوير (٤) ؛ بل إنّما هو واجب على العبيد (٥).

قولهم : إمّا أن يكون ذلك لفائدة ، أو لا لفائدة. ما المانع أن يكون لا لفائدة؟

قولهم : لأنه يكون عبثا ؛ فقد سبق أيضا جوابه فى التعديل والتجوير (٦) وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون لفائدة ، فما المانع من عودها إلى العبيد.

قولهم : إما أن تكون دينية أو دنيوية (٧).

قلنا : ما المانع من كونها دينية.

قولهم : إما أن تكون عائدة إلى معرفة الله تعالى ، أو معرفة القوانين الشرعية ، لا نسلم الحصر ، وما المانع أن تكون الفائدة الدينية راجعة إلى توفر الناس على العبادات

__________________

(١) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٧٣ ثم قارنه بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٣٩.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٧٣.

(٤) راجع ما سبق فى الجزء الأول ل ١٨٦ / أوما بعدها.

(٥) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢٧ والإمام الرازى فى الأربعين ص ٤٢٩.

(٦) انظر ما سبق فى القاعدة الرابعة ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٧) قارن بالمغنى ٢٠ / ٣٩ وما بعدها.

التى خلقوا لها على ما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ، وذلك يسبب طمأنينة قلوبهم ، وأمنهم من المخاوف المندفعة بنصب الإمام. والفتن المتوقعة بتقدير عدمه على ما هو المألوف المعروف ، والعادة الجارية عند موت الولاة والأئمة إلى حين نصب إمام متبع ، وخليفة مطاع ، أو أن الفائدة إقامة شعائر الدين من إقامة الجمع ، والأعياد التى لا تتم فى الغالب بغير الإمام.

وإن سلمنا امتناع كون / الفائدة دينية ـ فما المانع من كونها دنيويّة ، وما ذكروه فى الوجه الأول من أن طباع الناس تحدوهم على التعاون على ما يصلح أحوالهم.

قلنا : هذا وإن كان ممكنا فى العقل ، غير أنه بالنظر إلى العادة الجارية والسنّة المطردة ممتنع ، بدليل ما ذكرناه من ثوران الفتن ، وكثرة الاختلاف فى أوقات موت ولاة الأمر (٢).

ولهذا صادفنا العربان ، والخارجين عن حكم السلطان ، كالذئاب الشاردة ، والأسود الضارية ، لا يبقى بعضهم على بعض ، ولا يحافظ فى الغالب على سنّة ولا فرض ، ولم تكن طباعهم ، ودواعيهم إلى صلاح أمورهم وتشوّفهم إلى العمل بموجب دينهم كاف عن السلطان. ولهذا قيل : «إن السيف والسنان / / قد يفعلان ما لا يفعله البرهان» (٣)

وعلى هذا فقد خرج الجواب عما ذكروه من الوجه الثانى ، فى تقرير امتناع كون الفائدة دنيوية.

قولهم : إنه يلزم من نصب الإمام الإضرار على ما قرروه مسلم ، غير أن الإضرار اللازم من تركه أكثر ؛ لما بيناه ؛ فكان دفع الضرر الأعظم أولى.

ويخص الوجه الثالث جواب آخر ؛ وهو أن تركهم لنصب الإمام بتقدير أن لا يجدوا من هو متصف بشروط الإمامة ، إنّما يلزم منه المحذور ، وترك الواجب أن لو تركوه اختيارا مع تحقق شروط الإمامة فى حقه ، وأما إذا تركوا نصب الإمام لعدمه اضطرارا ؛ فلا.

__________________

(١) سورة الذاريات ٥١ / ٥٦.

(٢) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما أورده فى غاية المرام ص ٣٧٤ وقارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.

/ / أول ل ١٥٢ / ب.

(٣) استشهد به صاحب المواقف أيضا انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.

الطرف الثانى : فى بيان امتناع الوجوب عقلا : ـ

ودليله ما أسلفناه فى قاعدة النظر (١) ، اللهم إلّا أن يعنى بكونه واجبا عقلا ، أن فى نصب الإمام فائدة وفى تركه مضرة ؛ فلا مشاحة فى اللفظ.

الطرف الثالث : فى بيان امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى :

ودليله أيضا ، ما سبق من امتناع إيجاب شيء على الله ـ تعالى ـ فى التعديل والتجوير (٢).

فإن قيل : نصب الإمام لطف من الله تعالى بالعبيد ، واللطف واجب على الله ؛ فكان نصب الامام واجبا على الله تعالى.

وانما قلنا : إن نصب الامام لطف من الله ـ تعالى ـ بالعبيد ؛ لأنا لا نعنى بكونه لطفا بهم غير أن الله ـ تعالى ـ يعلم أنّ حال المكلّفين بتقدير نصب الإمام يكون أقرب إلى فعل الطّاعات ، واجتناب المعاصى مما إذا لم يكن.

وإذا عرف معنى اللطف ، فلا يخفى أن الأمة إذا كان لهم إمام مهيب يمنعهم عن المعاصى ويحثهم على الطاعات ، أن حالهم يكون أقرب إلى فعل الطاعات ، وأبعد عن ارتكاب المعاصى مما إذا لم يكن ؛ وذلك معلوم بالضّرورة من مجارى العادات ؛ فإذن نصب الإمام يكون لطفا من الله تعالى بالعبيد (٣).

/ وإنما قلنا إنّ اللّطف واجب على الله ـ تعالى ـ وذلك لأن الله ـ تعالى ـ مريد للطاعات من العبيد ، وكاره للمعاصى منهم ، فإذا علم أن فعلهم للطاعات واجتنابهم للمعاصى ، متوقّف على نصب الإمام ، فإرادة نصب الإمام تكون لازمة لإرادة الطّاعات منهم ؛ لأنّ إرادة الشّيء ، إرادة لما لا يتم ذلك الشّيء إلّا به ، ولا معنى لإيجابه على الله ـ تعالى ـ إلّا هذا.

فنقول : أولا ، لا نسلم أن نصب الإمام لطف بالعبيد.

قولهم : إنّ حال العبيد عند نصب الإمام ، يكون أقرب إلى فعل الطّاعات.

__________________

(١) انظر الجزء الأول من أبكار الأفكار فى أصول الدين ل ١٥ / ب وما بعدها.

(٢) انظر المصدر السابق ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٣) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢٢ وما بعدها ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٣ وما بعدها.

فنقول : المسلم كونه أقرب إلى فعل الطاعات ، إنما هو نصب إمام ظاهر ، قاهر يرجى ثوابه ، ويخشى عقابه ، على ما هو المعروف من العادة.

وأمّا إمام خفىّ لا يعرف ؛ فلا نسلم أنّ نصبه يكون لطفا.

وعلى هذا فما فيه اللّطف ؛ فالخصوم لا يوجبونه ، والّذي يوجبونه ، لا لطف فيه ؛ فيمتنع إيجابه (١).

سلّمنا أن نصب الإمام أقرب إلى فعل الطّاعات مطلقا ، غير أنّ ذلك مما لا يوجب نصب الإمام على الله ـ تعالى ـ ولهذا فإنّا نعلم أن حصول الطاعات بتقدير نصب قضاة معصومين ، وجيوش معصومين ، مع نصب الإمام يكون أقرب ؛ بل حصول ذلك بتقدير عصمة الأمة أيضا يكون أقرب ؛ بل ومع ذلك فإنه لا يجب على الله ـ تعالى ـ شيء من ذلك بالاتفاق ، والدليل المنقوض لا يكون صحيحا.

سلمنا أن نصب الإمام أقرب إلى فعل الطّاعات ، وأنه صالح لإيجاب نصب الإمام على الله ـ تعالى ـ لكن بتقدير وجوب الطّاعات ، وما من زمان إلّا ويتصوّر خلوه عن التّكاليف الشّرعية بالاتفاق ، فالقول بجواز خلوّ الزّمان عن وجوب نصب الإمام لأجل الطّاعات أولى.

وعلى هذا فقد امتنع القول بوجوب نصب الإمام فى كل زمان على ما قالوه. وربّما قالوا فيه وجوها أخرى مدخولة لا حاجة إلى ذكرها.

__________________

(١) قارن هذا الرد بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٣٠ ، والمغنى ٢٠ / ٤٢ وما بعدها وغاية المرام ص ٣٨٤ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٣ وما بعدها.

الفصل الثانى

فيما يثبت به كون الإمام إماما (١)

وقد اتّفق المسلمون على أنّ ذلك لا يخرج عن التّنصيص ، والاختيار والدّعوة إلى الله ـ تعالى ـ ممّن هو أهل للإمامة ، مع اتفاقهم على أنّه لو وجد التنصيص من الرسول ـ عليه‌السلام ـ على شخص ، أو من الإمام ثبت كون المنصوص عليه إماما ، ثم اختلفوا بعد ذلك.

فذهبت الامامية ، وأكثر طوائف الشّيعة : إلى أنّه لا طريق غير التّنصيص من الرّسول ، أو الإمام (٢).

وذهبت الأشاعرة ، والمعتزلة ، وجميع أهل السنة والجماعة والسّليمانية والبترية من الزّيدية : إلى / / أن الاختيار أيضا طريق فى إثبات كون الإمام إماما (٣). وذهبت / الجارودية من الزّيديّة : إلى أنّ الإمامة فى ولد الحسن ، والحسين شورى ، فمن خرج منهم داعيا إلى الله ـ تعالى ـ وكان عالما فاضلا ؛ فهو إمام (٤).

وقد اتفق أصحابنا ، والمعتزلة ، والإمامية : على إبطال هذا الطريق غير الجبائى (٥).

والمعتمد لأصحابنا أنهم قالوا : قد ثبت أنّ نصب الإمام بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واجب شرعا ، وقد أجمعت الأمة على أن طريق إثبات كون الإمام إماما لا يخرج عن النّص ، والاختيار ، والدّعوة ، والقول بالتنصيص والدعوة ممتنع : فتعين

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما أورده الآمدي هاهنا :

انظر التمهيد للباقلانى ص ١٦٥ ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٩.

والأربعين للرازى ص ٤٣٣. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٢) انظر ما سبق فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع ل ٢٥٢ / أوما بعدها.

/ / أول ل ١٥٣ / أ.

(٣) قارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٤) انظر ما سبق عن الجارودية فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع ل ٢٥١ / ب وما بعدها. وقارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٤.

(٥) انظر عن رأى الجبائى ما سبق فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع ل ٢٤٦ / ب وما بعدها.

القول بالاختيار (١). وإلّا كان إجماع الأمّة على الحصر فى الطرق الثلاثة خطأ ؛ وهو ممتنع (٢).

وبيان أنّ القول بالدّعوة ممتنع : وذلك لأنّه لو وجد من ولد الحسن ، أو الحسين اثنان عالمان ، فاضلان يدعوان إلى الله ـ تعالى ـ وإلى سبيله فى زمان واحد فى بلد واحد ، فإما أن تكون الإمامة فيهما ، أو فى أحدهما ، أولا فى واحد منهما.

الأول : محال مخالف للإجماع.

والثانى : أيضا محال ؛ لعدم الأولويّة ، فلم يبق إلّا الثالث : وهو المطلوب.

وأما أن القول بالتّنصيص باطل : وذلك لأنه لو نصّ النبي ـ عليه‌السلام ـ على أحد ، لم يخل إما أن يكون ذلك التنصيص بمشهد جماعة يتصور عليهم التواطؤ على الخطأ ، أو لا يتصور. عليهم التواطؤ على الخطأ ،

فإن كان الأول : فلا حجّة فيه بالإجماع منّا ، ومن الخصوم.

فأما نحن : فإنّا لا نرى أن خبر من يتصور عليه الخطأ حجة فى عظائم الأمور ، والإمامة من عظائم الأمور على ما يأتى (٣).

وأما عند الخصوم : فلأن خبر الواحد عندهم ومن يتصوّر عليه الخطأ لا يوجب علما ، ولا عملا ، ولا يحصل ذلك من غير خبر الإمام المعصوم. وسيأتى الكلام فى إبطال عصمة الإمام (٤).

وإن كان القسم الثانى : وهو أن التّنصيص كان بمشهد من جماعة تقوم الحجة بقولهم ، ولا يتصوّر عليهم التواطؤ على الخطأ ؛ فالعادة تحيل تواطؤ الكل على عدم نقله ؛

__________________

(١) قارن ما أورده الآمدي هنا بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٦٤.

وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس. ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٢) لأن مجموع الأمة معصوم عن الخطأ. قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «لا تجتمع أمتى على الضلالة» انظر عن عصمة الأمة ـ ما مر فى الجزء الأول القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ٢٧ / أ.

(٣) قارن رأى الآمدي فى خبر الواحد بما ورد بالتمهيد للباقلانى ص ١٦٤ وما بعدها

والإرشاد للجوينى ص ٢٣٢ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ١٢ وما بعدها وقارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١٢١ وما بعدها.

(٤) انظر ما سيأتى ل ٢٨٥ / ب وما بعدها.

فيمتنع عليهم أن لا ينقلوه ، وإلّا لكانوا مخطئين بكتمان نص الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو محال مخالف للفرض (١).

وأيضا : فإن التّنصيص على الإمام من عظائم الأمور ، وإنما قلنا ذلك لأنّ الدين من عظائم الأمور ، والتنصيص على الإمامة إثبات رئاسة فى الدّين ، والدّنيا ؛ فكانت من عظائم الأمور ، وإذا كانت من عظائم الأمور ، فلو جرى التنصيص بمشهد من جماعة يحصل التواتر بخبرهم ، فالعادة تحيل عدم نقله ، وإخفائه ، كما لو جرى بمشهد من الحجيج ، أو أهل الجامع قتل ملك ، أو فتنة / عظيمة ؛ فإنّ العادة تحيل أن لا ينقلوه ، ولو نقلوه. فإمّا أن ينقله واحد ، أو جماعة (٢).

فإن كان الأول : فخبره أيضا ليس بحجة ؛ لأنّ انفراده بمثل هذا الخبر العظيم دون الجماعة يدل على كذبه ، كما لو أنفرد الواحد بنقل قتل الملك العظيم فى الجامع يوم الجمعة دون أهل الجمعة (٣).

وإن كان الثّاني : فيلزم أن يكون ذلك شائعا ، ذائعا فيما بين النّاس ؛ وهو محال.

وبيانه من خمسة أوجه :

الأول : هو أن الناس بعد موت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، اختلفوا ، حتى اختلف المهاجرون ، والأنصار ، وتفاخروا فيما بينهم ، وقال الأنصار «منّا أمير ، ومنكم أمير» (٤) ، ولو كان ثم من هو منصوص عليه من جهة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مع اشتهاره كما سبق ؛ لكانت العادة تحيل أن لا ينكر أحد من الصّحابة ، هذا الاختلاف ، وأن يقول : هذا الاختلاف لما ذا ، وفلان منصوص عليه؟

__________________

(١) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٧١. وقارن بما ورد فى التمهيد ص ١٦٥ ونهاية الاقدام ص ٤٨٠ وما بعدها.

(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٦٥ ، والإرشاد للجوينى ص ٢٣٧.

(٣) قارن بالإرشاد ص ٢٣٦ للجوينى.

(٤) انظر فى هذا القول صحيح البخارى ٥ / ٨ والقائل هو الحباب بن المنذر الأنصارى حيث قال : «منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش».

الثانى : أنه لما قال أبو بكر «بايعوا أحد هذين الرجلين : إما عمر. واما أبا عبيدة» (١). فقال عمر : «لأن أقدّم فأنجم كما ينجم البعير ، أحب إلى من أن أتقدم قوما فيهم أبو بكر» (٢).

وقال عمر لأبى عبيدة «امدد يدك أبايعك».

فقال أبو عبيدة : ما لك حجة فى الإسلام غير أن تقول هذا وأبو بكر حاضر ، ثم قال لأبى بكر : أنت صاحب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى المواطن كلها شدتها ورخائها ، قدمك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الصلاة فمن يؤخرك؟.

فقال عمر : أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدّمهما رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى (٣) [الصلاة] (٤) فخصّوه بالإمامة. ولو كان ثم نص مشهور على أحد ؛ لما وقع هذا الاختلاف.

الثّالث : أنّ أبا بكر قال : «لقد وددت أننى سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن هذا الأمر فيمن هو ؛ فكنا لا ننازعه أهله» (٥).

وقال عمر «إن استخلف / / فقد استخلف منى هو خير منى ـ يعنى أبا بكر ـ وإن أترك ؛ فقد ترك من هو خير منى : يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (٦) ، حيث أنه لم يستخلف أحدا ، ولو كان النص من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أحد مشهور ، لما أمنا تكذيبهما ، ولما أقدما على ما قالاه من غير ضرورة.

الرابع : قول عليّ كرّم الله وجهه «أترككم كما ترككم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فإن يعلم الله فيكم خيرا جمعكم على خيركم ؛ كما جمعنا على خيرنا» (٧) يعنى : أبا بكر ، وذلك يدل على عدم التنصيص من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الخامس : أنه لمّا مرض رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، قال العبّاسى لعليّ كرّم الله وجهه : «أنا أعرف الموت فى وجوه بنى عبد المطلب ، وقد عرفت الموت فى

__________________

(١) هذه الأقوال. اختلفت المصادر فى ذكرها بالزيادة والنقصان والتغيير انظر عنها صحيح البخارى ٥ / ٨ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٧ وما بعدها وتاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٢) هذه الأقوال. اختلفت المصادر فى ذكرها بالزيادة والنقصان والتغيير انظر عنها صحيح البخارى ٥ / ٨ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٧ وما بعدها وتاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٣) هذه الأقوال. اختلفت المصادر فى ذكرها بالزيادة والنقصان والتغيير انظر عنها صحيح البخارى ٥ / ٨ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٧ وما بعدها وتاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) فى الطبرى ٣ / ٤٣١ «وددت أنى كنت سألت رسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لمن هذا الأمر ، فلا ينازعه فيه أحد».

/ / أول ل ١٥٣ / ب.

(٦) قارن به مسند الإمام أحمد ١ / ٣٢٢ ، وصحيح البخارى ٩ / ١٠٠.

(٧) قارن بما ورد فى طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤ ، وصحيح مسلم ٦ / ٤ ، ٥.

وجه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فادخل بنا لنسأله عن هذا الأمر فإن كان / لنا بيّنه ، وإن كان لغيرنا وصّى الناس بنا» (١) ولو كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد نصّ على أحد ؛ لكان العبّاس وعليّ أعرف به من غيرهما ، ولا يمكن أن يكون المراد من قول العباس استعلام بقاء الأمر له. فإنّ قوله «لنا ، أو لغيرنا» ظاهر فى الاستحقاق لا فى استدامة المستحق ؛ فحمله على معرفة الاستدامة تكون خلاف الظاهر.

فإن قيل : سلّمنا أن التّنصيص على الإمام من عظائم الأمور ؛ ولكن لا نسلّم أن وقوع ذلك بمشهد من الجمع الكثير مما يوجب اشتهاره ، وتواتره.

وبيانه : هو أن إقامة الصّلاة من الأمور العظيمة ، ومن قواعد الدين ، وقد وقعت فى زمن الرّسول بمشهد من كل الصّحابة فى كل يوم ، وليلة خمس مرات طول حياة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومع ذلك فلم تنتشر ولم تتواتر حتى وقع الخلاف فى عدد كلماتها ، وأنها مثنى ، أو فرادى ، وكذلك انشقاق القمر ، وفتح مكة عنوة [أو صلحا] (٢) ، وكون البسملة من القرآن فى أول كل سورة ، من عظائم الأمور ، وقد وقع بمشهد من الخلق ، ولم ينتشر حتى وقع الخلاف فى جميع ذلك.

سلّمنا أن ما وقع من الأمور العظيمة بمشهد من الخلق الكثير لا بدّ وأن يتواتر ، وينتشر ، ولكن متى إذا وجد الدّاعى لهم إلى الكتمان من منفعة عظيمة [أو مضرة عظيمة] (٣) تلحقهم من الإشاعة ، أو إذا لم يوجد؟ الأول : ممنوع ، والثانى مسلم ، فلم قلتم إن الدّاعى إلى الكتمان لم يوجد.

ثم بيان احتمال الدّاعى إلى الكتمان أنه من الجائز أنهم اعتقدوا وجود ناسخ للنصّ ، وبتقدير اعتقادهم صحّة النّصّ فيمكن أن يكون الدّاعى إلى كتمانه عداوة سابقة ، أو أنّهم حسدوه على تميّزه بتأميره عليهم ، وذلك غير ممتنع على الذين سمعوا التّنصيص وعلموا صحته ، وبيانه من وجهين : ـ

الأول : أن عدد المستمعين للنّص لا يزيد على عدد قوم فرعون ، وقد قال ـ تعالى ـ فى حقهم : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٤) : أى بالآيات التسع التى ظهرت على يد موسى.

__________________

(١) ورد فى تاريخ الطبرى وبه زيادة : «قال على ـ رضي الله عنه ـ والله لئن سألناها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فمنعناها ؛ لا يعطينا النّاس أبدا ، والله لا أسألها رسول الله أبدا». قارن به شرح نهج البلاغة ١ / ٣٠٩.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) سورة النمل ٢٧ / ١٤.

الثّاني : أن عددهم لم يكن زائدا على عدد قوم موسى الذين ضلوا بعبادتهم للعجل ، مع علمهم أن العجل لا يكون إلها معبودا.

سلمنا دلالة ما ذكرتموه على صحة الاختيار ، وإبطال التنصيص ؛ ولكنه معارض بما يدل على نقيضه.

بيانه من جهة المعقول ، والمنقول :

أما من جهة المعقول فمن خمسة عشر وجها :

الأول : أن الإمام يجب أن يكون معصوما ، وأن يكون أفضل من رعيته فى كل ما هو إمام فيه ، وأن يكون عالما بكلّ أمور الدّين على ما يأتى تحقيقه / وأن لا يكون كافرا فى نفسه ، وكل ذلك مما لا يعلمه المختارون له ؛ فلا تكون إمامته ثابتة بالاختيار (١).

الثّاني : هو أن المختارين له لا يملكون التصرّف فى أمور المسلمين ؛ ومن لا يملك ذلك لا يملك أن يملّك غيره ذلك (٢).

الثّالث : أن المختار لو أراد أن يجعل غيره نافذ الحكم عليه وحده ، أو على غيره وحده ، لما صح ذلك منه بالإجماع ؛ فلأن لا يصح منه أن يجعل غيره نافذ الحكم عليه ، وعلى غيره مطلقا أولى (٣).

الرابع : أنه لو ثبتت الإمامة بالاختيار ؛ لكان لمن أثبتها إزالتها كما فى التوكيل ، فحيث لم يؤثر الاختيار فى الإزالة دلّ على أنه لا يؤثّر فى الإثبات (٤).

الخامس : أنّ ثبوت الإمامة بالاختيار مما يفضى إلى الفتن ووقوع الاختلاف ، وذلك خلاف المقصود من نصب الإمام.

وبيان لزوم ذلك : أنّ الناس مختلفون فى المذاهب ، والأغراض ؛ فكل يميل إلى عقد الإمامة / / لمن هو على مذهبه ، وموافقة غرضه ؛ وذلك سبب الاختلاف لا محالة (٥).

__________________

(١) قارن هذا الطعن فى الاختيار بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٠٣ ، ونهاية الأقدام ٤٨٦ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٠.

(٢) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٧٦ وما بعدها.

(٣) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠٦ وما بعدها.

(٤) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠٥.

/ / أول ل ١٥٤ / أ.

(٥) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠١ ، وشرح المواقف. الموقف السادس ص ٢٩٠.

السادس : هو أن أحدا من الأمة لا يقدر على توليه من هو أدنى فى الرتبة من الإمامة : كالقضاء والحسبة وغيره ؛ فلأن لا يقدر على تولية الإمامة كان أولى (١).

السابع : [هو] (٢) أنّ الإمام خليفة الله ـ تعالى ـ ورسوله ، فلو ثبتت خلافته باختيار بعض الأمة ؛ لكان خليفة عنهم لا عن الله ورسوله ؛ لأنه لم يكن مستخلفا من جهة الله ورسوله (٣).

الثامن : أنّه لو جاز إثبات الإمامة بالاختيار ؛ لأفضى ذلك إلى خلو بعض الأزمنة عن الإمام ؛ وهو ممتنع.

وبيان ذلك : أنّه إذا مات الإمام فبويع اثنان ، كل طائفة لواحد ، ولم يعلم تقدّم أحدهما ولا وقوعهما معا ، فإنه يمتنع القول بالصحة ؛ لجواز وقوعهما معا ويمتنع القول بالبطلان ؛ لجواز تقدم أحدهما. ويمتنع تعيين أحدهما لعدم الأولوية ، ومع ذلك فيمتنع نصب إمام آخر وذلك مما (٤) يفضى إلى خلو الزمان عن الإمام فى هذه الحالة (٥).

التاسع : هو أن الإمامة ، ولاية عامة ، فلو جاز إثباتها بالاختيار ؛ لجاز إثبات النبوة بالاختيار ، وحيث لم يجز لم تجز (٦).

العاشر : أنّ الإمامة من الأركان العظيمة فى الدّين ، فوجب أن تثبت بالنص لا بالاختيار كما فى الصّلوات الخمس ، وصوم رمضان (٧).

الحادى عشر : هو أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا يخلو إما أن يقال إنّه كان عالما باحتياج الخلق إلى من يقوم بمهماتهم ، ويحفظ بيضتهم ، ويحمى حوزتهم ، ويقبض على أيدى السّفهاء منهم ، ويقيم فيهم القوانين الشّرعية على وفق ما وردت به الأدلة السّمعية. أو أنه لم يكن عالما بذلك. الثانى : محال إذ هو إساءة ظن بالنبى ـ عليه‌السلام ـ وقدح فى الرّسول. وإن كان الأول : فلا يخفى مبالغته فى التعريف

__________________

(١) انظر الرد على هذا الطعن أيضا فى شرح المواقف ص ٢٩١.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣١٦ وشرح المواقف ص ٢٩٠ الموقف السادس.

(٤) ساقط من ب.

(٥) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٢٦٨ وما بعدها.

(٦) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٩٨ وما بعدها.

(٧) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٠٩ وما بعدها.

والتّنصيص / على ما يتعلق بباب الاستنجاء والتيمم وغير ذلك من الأمور التى هى أدنى من الإمامة ؛ فكان التعريف لها ، والتنصيص عليها أولى (١).

الثانى عشر : أنّا نعلم من حال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه كان للأمة فى تدبيره لهم كالوالد لولده. وإليه الإشارة بقوله ـ عليه‌السلام ـ «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده» (٢) وإذا كان الوالد يجب عليه الوصية عند موته لمن يسوس أطفاله بعده ؛ فكذلك النبي عليه‌السلام وجب أن يوصى لمن يقوم بأمور أمته بعد موته (٣).

الثالث عشر : قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٤) وإنما يكون الدين مكملا أن لو بيّن فيه كل ما يتعلق به ، والإمامة فمتعلقة بالدين ؛ فوجب أن يكون قد بيّنها إما فى كتاب الله ، أو [فى] (٥) سنة رسوله. وعلى كل تقدير فتكون منصوصة.

الرابع عشر : أنّه قد علم من حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ما كان يخرج من المدينة إلا ويستخلف فيها على الرعيّة من يقوم بأحوالهم ، وينصّ عليه. ولم يكن ذلك من قبيل ما منه بد وإلّا لوقع الإخلال به ولو مرة واحدة ، فكان لا بدّيا ، وإنما كان كذلك لتعذر سياسته لهم مع الغيبة ؛ فبعد الموت أولى بالاستخلاف (٦).

الخامس عشر : هو أن تعيين الإمام بعد أن ثبت وجوب نصب الإمام لازم لا محالة ، وهو إما أن يستند إلى النّصّ ، أو الاختيار.

لا جائز أن يستند إلى الاختيار ، وإلّا لما وجبت طاعة الإمام على الرعيّة من جهة أن الاختيار لا مستند له ، ولأنه إنما صار إماما بإقامتهم له ؛ فهم أصل بالنسبة إليه ، والأصل لا يجب عليه طاعة التابع ، وإذا بطل القول بالاختيار تعيّن التنصيص (٧).

__________________

(١) قارن هذا الاعتراض والرد عليه بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٨٠.

ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨٦ ؛ ص ٤٩٢.

(٢) والحديث بتمامه «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ، أعلمكم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها» مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٤٧ ، ٢٥٠ ، وسنن ابن ماجه ١ / ١١٤.

(٣) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٠٢ ، ٣١٧.

(٤) سورة المائدة ٥ / ٣.

(٥) ساقط من أ.

(٦) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٨١ ، والمواقف فى علم الكلام ص ٤٠٤.

(٧) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠١.

وأما من جهة المنقول : فاعلم أن من قال بالتنصيص فقد اتفقوا على أن المنصوص عليه غير خارج عن أبى بكر ، وعليّ ، والعباسى ، رضى الله عنهم (١).

فأما من قال بأن المنصوص عليه أبو بكر : فقد اختلفوا ، فمنهم من قال : إنه نصّ عليه نصا جليا : كبعض أصحاب الأشعرى ، وبعض أصحاب الحديث (٢).

وذلك ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «ائتونى بدواة وقرطاس أكتب إلى أبى بكر كتابا لا يختلف فيه اثنان» (٣). ثم إنه قال «يأبى الله ورسوله إلّا أبا بكر» (٤).

وأيضا قوله عليه ـ الصلاة والسلام ـ «اقتدوا باللّذين من بعدى أبى بكر ، وعمر» (٥) ، وذلك يدل على جواز الاقتداء بهما ، وهو نص على إمامة أبى بكر.

وأيضا قوله عليه‌السلام «الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تصير ملكا» (٦). وذلك تنصيص على خلافة الخلفاء الأربعة على الترتيب ، حيث وقع الأمر كذلك.

ومنهم من قال إن النص / / عليه خفى / : كالحسن البصرى (٧) ؛ وذلك كتقديمه فى الصلاة.

وأما من قال بأنّ المنصوص عليه العبّاس : قال : إن النّصّ فى حقه خفى ، فإنه قد ورد فى حقّه ـ من الأقوال ما يدل على أنّه أحقّ بالإمامة من غيره ، كقوله ـ عليه‌السلام ـ «هو عمّى ، وبقيّة آبائى» (٨). إلى غير ذلك.

وأما من قال بأنّ المنصوص عليه عليّ كرّم الله وجهه : فقد اتفقوا على النّص الخفىّ. واختلفوا فى النّصّ الجلىّ ، فأثبته الإمامية دون الزّيدية.

__________________

(١) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ورد فى اللمع للأشعرى ص ١٣١ والإبانة له أيضا ص ١٨٨ والمغنى ٢٠ / ١ / ١١٢.

(٢) منهم ابن حزم الظاهرى. انظر الفصل ٤ / ١٠٧.

(٣) ورد بألفاظ متقاربة فى صحيحى البخارى ومسلم. صحيح البخارى ٦ / ١١ وصحيح مسلم ٥ / ٧٦.

(٤) ورد فى مسند أحمد ٤ / ٣٢٢ ، وصحيح مسلم ٧ / ١١٠.

(٥) مسند أحمد ٥ / ٣٨٢ ، وصحيح الترمذي ٥ / ٦٠٩.

(٦) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد ٥ / ٢٢٠.

/ / أول ل ١٥٤ / ب.

(٧) ومنهم أيضا : ابن أبى العز الحنفى شارح العقيدة الطحاوية ص ٥٥٢ ـ ٥٥٩. قال : «اختلف أهل السنة فى خلافة الصديق رضي الله عنه : هل كانت بالنص ، أو بالاختيار فذهب الحسن البصرى وجماعة من أهل الحديث : إلى أنها ثبتت بالنص الخفى والإشارة ، ومنهم من قال بالنص الجلى. وذهب جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية إلى أنها ثبتت بالاختيار. والدليل على إثباتها بالنص أخبار» ثم ذكر أكثر من عشرة أحاديث للدلالة على صحة ما ذهب إليه وترجيحه. (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى من ص ٥٥٢ إلى ص ٥٥٩).

(٨) ورد فى مجمع الزوائد ٩ / ٦٦٩ بلفظ «احفظونى فى العباس فإنه بقية آبائى». وفى رواية أخرى «استوصوا بالعباس خيرا فإنه بقية آبائى فإنما عم الرجل صنو أبيه».

وقد احتجوا عليه بأنّ الإماميّة مع كثرتهم فى زماننا كثرة لا يتصور على مثلهم التواطؤ على الكذب قد نقلوا النّصّ الجلىّ على عليّ عمّن تقدّمهم ونقلوا أن من تقدّمهم أخبرهم بذلك ، وكانوا فى الكثرة إلى حدّ لا يتصوّر عليهم التواطؤ على الكذب.

وأنّهم أخبروا بذلك وأخبروهم أنّ من أخبرهم بذلك كان حاله كحالهم وهلم جرا ، إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمخبر به محسوس مشاهد وهو خبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقوله ، فكان خبرهم متواترا ، والتواتر مفيد للعلم كما تقدّم تحقيقه (١).

ولا يمكن أن يقال بأنّ ذلك مما وضعه بعض النّاس فى بعض الأعصار ، ثم اشتهر وشاع وذاع بحيث نقله عدد التواتر ؛ لأنّه من الأمور العظيمة المتضمّنة تخطئة الأمّة فيما اتفقوا عليه من عقد الإمامة لغير عليّ.

وما كان كذلك فالدّواعى تكون متوفّرة على نقله ، وإشاعته من القائلين بعدم التنصيص ؛ لإظهار إبطال القول بالتّنصيص وإفساده ، لا سيما وهم غير خائفين فى نقله ، فإنّه لم تزل الغلبة لهم فى كلّ عصر.

ومن قال بالتّنصيص تحت القهر والتّقية ، فحيث لم ينقل ذلك دلّ على إبطاله ، ولا يمكن أن يقال إنّما يلزم [نقل] (٢) ذلك أن لو عرف واضعه ، وقت حدوثه ، وليس كذلك ؛ بل أمكن أن يكون من وضع [بعض] (٣) الناس ، وقد تناقلته الألسنة ، واشتهر من غير أن يعرف واضعه ، ووقت حدوثه. كما فى الأراجيف الواقعة فى كلّ زمان ؛ لأنّ القول بتجويز ذلك ممّا يوجب تطرّقه إلى كل خبر متواتر ويخرج التّواتر عن كونه مفيدا للعلم ؛ وهو محال.

وأما النّصوص الخفية فكثيرة :

الأول منها : أنهم قالوا إنا قد بيّنا فى الأدلّة العقليّة امتناع ثبوت الإمامة بالدعوة ، والاختيار. وأنّه لا بدّ وأن يكون الإمام منصوصا عليه وقد انعقد الإجماع على أنّ المنصوص عليه لا يخرج عن أبى بكر ، والعباسى ، وعليّ (٤).

__________________

(١) راجع ما مر فى القاعدة السادسة ـ الأصل الثانى ـ الفصل الأول : فى الدليل السمعى وأقسامه ، وأنه هل يفيد اليقين ، أم لا؟ ل ٢١٥ / ب وما بعدها.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) قارن ما ورد هاهنا بما ورد فى اللمع للأشعرى ص ١٣١ ، والإبانة له أيضا ص ٨٨ والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٩.

وأبو بكر غير منصوص عليه لوجهين :

الأول : انّه قد نقل عنه أنّه قال : «وددت أنّى سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم / عن هذا الأمر فيمن هو ؛ فكنّا لا ننازعه أهله» (١).

ولو كان منصوصا عليه ؛ لكان أعلم به.

الثانى : أنّه لو كان منصوصا عليه لما وافق على البيعة ؛ لأنّه يكون من أعظم المعاصى ؛ وذلك قادح فى إمامته.

والعبّاس أيضا غير منصوص عليه ؛ لأنه لما مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال العبّاس لعليّ «أدخل بنا عليه لنسأله عن هذا الأمر ؛ فإن كان لنا بيّنه ، وإن كان لغيرنا ؛ وصّى النّاس بنا» (٢). ولو كان العبّاس منصوصا عليه ؛ لكان أعلم به من غيره.

وإذا بطل أن يكون المنصوص عليه أبا بكر ، والعبّاس ؛ تعيّن أن يكون عليا ـ عليه‌السلام ـ عملا بالإجماع.

الثانى : أن عليا ـ عليه‌السلام ـ أفضل الصّحابة ، والأفضل يجب أن يكون هو الإمام وإلا كان الأكمل الأفضل تبعا للأنقص ؛ وهو قبيح عقلا ، وإذا كان إماما فقد بيّنا أن الإمامة لا تكون إلّا بالتّنصيص ؛ فكان عليّ هو المنصوص عليه.

وبيان كونه أفضل الصحابة من ثمانية عشر وجها :

الأول : قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (٣) الآية ، ووجه الاستدلال بها أنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ دعا عليا إلى ذلك المقام ، وذلك يدلّ على أنّه أفضل من جميع الصّحابة ، وبيان دعائه إليه ما ورد فيه من الأخبار الصّحيحة ، والرّوايات الثابتة عند أهل النقل.

__________________

(١) ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٤٣١ «وددت أنى سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد ، وددت أنى كنت سألته هل للأنصار فى هذا الأمر نصيب».

(٢) فى المصنف ٥ / ٤٣٥ «فاذهب بنا إليه فلنسأله ؛ فإن يك هذا الأمر إلينا علمنا ذلك وإلا يك أمرناه أن يستوصى بنا خيرا ، فقال له على : أرأيت إذا جئناه فلم يعطناها ، أترى الناس أن يعطوها ، والله لا أسأله إياها أبدا ، وقارن بألفاظ متقاربة صحيح البخارى ٨ / ١٠١ وشرح نهج البلاغة ١ / ٣٠٩.

(٣) سورة آل عمران ٣. ٦١.

وأيضا فان قوله «وأنفسنا» ليس / / المراد [به] (١) نفسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه كما لا يأمر نفسه ، وليس المراد به فاطمة ، والحسن ، والحسين لأنّهم اندرجوا فى قوله تعالى : (أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ) فلا بدّ وأن يكون شخصا آخر غير نفسه ، وغير فاطمة ، والحسن ، والحسين ، وليس ذلك المدعو غير عليّ بالإجماع ، فتعيّن أن يكون عليا ـ عليه‌السلام (٢).

وبيان دلالته على كونه أفضل الصّحابة من وجهين :

الأول : أنّه دعاه إلى المباهلة ، [وهذا] (٣) يدلّ على أنّه ـ عليه‌السلام ـ فى غاية الشفقة والمحبّة لعليّ ، وإلّا لقال المنافقون إن الرّسول ليس على بصيرة من أمره حيث أنه لم يدع إلى المباهلة من يحبه ، ويحذر عليه من العذاب ، وزيادة الشفقة والمحبّة للمدعوّ إلى المباهلة إمّا أن تكون لزيادة قربه منه ، أو لكونه أفضل.

الأول : محال وإلّا كان العبّاس أولى بذلك ، ولما كان على أولى من أخيه عقيل لتساويهما فى القرابة ؛ فلم يبق إلّا أن يكون ؛ لكونه أفضل.

الثانى : أنه ـ عليه‌السلام ـ لما جعل عليا نفسا له وجب أن يثبت لعلىّ كل ما هو ثابت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرورة الاتّحاد ، غير أنا خالفناه فى أمور كالنّبوّة ، وغيرها / فوجب العمل به فيما وراء محلّ المخالفة ، ومن جملة ذلك كون النبي ـ عليه‌السلام ـ أفضل من الصّحابة ؛ فكذلك عليّ عليه‌السلام.

الثانى : قوله ـ عليه‌السلام ـ فى [ذى] الثّدية «يقتله خير الخلق» (٤) وقد قتله عليّ ـ عليه‌السلام.

الثالث : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أخى ، ووزيرى ، وخير من أتركه بعدى ، يقضى دينى ، وينجز موعدى على بن أبى طالب» (٥).

الرابع : قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لفاطمة «أما ترضين أنى زوجتك خير أمّتى» (٦).

__________________

/ / أول ل ١٥٥ / أ.

(١) ساقط من «أ».

(٢) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٤٢ ، والأربعين للرازى ص ٤٦٥.

(٣) ساقط من «أ».

(٤) ورد فى شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٦٧ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٧ / ٣٠٣.

(٥) ورد بألفاظ متقاربة فى تاريخ ابن عساكر ١ / ١٣٠ ، ومجمع الزوائد ٦ / ١٢١ وقال فيه «وفيه من لم أعرفه» وقد اعتبره السيوطى فى اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٥٨ موضوعا.

(٦) ورد بألفاظ متقاربة فى طبقات ابن سعد ٨ / ٢٤ ، وتاريخ ابن عساكر ١ / ٢٥٣.

الخامس : قوله ـ عليه‌السلام ـ «خير من أترك بعدى عليّ» (١).

السادس : ما روى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أقبل عليّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا سيّد العرب ، فقلت بأبى أنت وأمى يا رسول الله ، ألست أنت سيد العرب؟ ، فقال أنا سيّد العالمين ، وعليّ سيّد العرب» (٢).

السابع : قوله ـ عليه‌السلام ـ لفاطمة «إنّ الله ـ تعالى ـ اطّلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فاتخذه نبيا ، ثمّ اطلع ثانية فاختار منهم بعلك (٣).

الثّامن : ما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه أهدى له طائر مشوى فقال «اللهم ائتنى بأحب خلقك إليك يأكل معى ، فجاءه على وأكل معه» (٤) والأحب إلى الله تعالى هو (٥) من أراد الله ـ تعالى ـ زيادة ثوابه ، وليس فى ذلك ما يدل على كونه أفضل من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والملائكة.

أما أنه لا يدل على كونه أفضل من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلأنه قال «ائتني بأحب خلقك إليك ، والمأتى به إلى النّبي يجب أن يكون غير النّبي ، فكأنه قال : أحب خلقك إليك غيرى ، وأما أنّه لا يدل على كونه أفضل من الملائكة ، فلقوله «يأكل معى» وتقديره : ائتنى بأحب خلقك إليك ممن يأكل ؛ ليأكل معى ، والملائكة لا يأكلون وبتقدير عموم اللفظ للكل ؛ فلا يلزم من تخصيصه بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والملائكة تخصيصه بالنسبة إلى غيرهم.

التاسع : أنّه ـ عليه‌السلام ـ آخى بين الصّحابة واتخذ عليا أخا لنفسه ؛ وذلك دليل على أفضليته ، وعلو رتبته (٦).

__________________

(١) هو جزء من الحديث السابق. انظر عنه ما ورد فى الهامش السابق.

(٢) ورد فى المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٤ قال عنه «وفى اسناده عمر بن الحسين وأرجو أنه صدوق ، ولو لا ذلك لحكمت بصحته على شرط الصحيحين» وعلق الذهبى على قول صاحب المستدرك «أظن هو الّذي وضع هذا».

(٣) ورد بألفاظ متقاربة فى المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٩ ، وتاريخ ابن عساكر ١ / ٢٧٠ وقد ذكره ابن الجوزى فى الأحاديث الواهية. انظر العلل المتناهية ١ / ٢٢٤ ، ٢٢٥.

(٤) ورد بألفاظ متقاربة فى سنن الترمذي ٥ / ١٧٠ وقد ذكره ابن الجوزى فى العلل المتناهية ١ / ٢٢٩ وقال : «هذا حديث لا يصلح». وعلق عليه ابن تيمية فى كتابه منهاج السنة النبوية ٤ / ٩٤ قائلا : «إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل».

(٥) من أول (هو من أراد الله تعالى) ساقط من ب.

(٦) جاء فى نقد ابن تيمية لهذا الخبر فى منهاج السنة ٤ / ٩٧ «أنه قد آخى بين المهاجرين والأنصار والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعلى كلاهما من المهاجرين ؛ فلم يكن بينهما مؤاخاة ؛ بل آخى بين على وسهل بن حنيف ؛ فعلم أنه لم يؤاخ عليا ، وهذا مما يوافق ما فى الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار ، ولم تكن بين مهاجرى ، ومهاجرى».

العاشر : ما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ : «أنه بعث أبا بكر إلى خيبر فرجع منهزما ، ثم بعث عمر ؛ فرجع منهزما ؛ فغضب الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لذلك ، فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه راية فقال : لأعطينّ الرّاية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرار غير فرار ، فتعرض لها المهاجرون ، والأنصار ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : أين عليّ؟ فقيل له : إنّه أرمد العين ؛ فتفل فى عينيه ، ثم دفع الراية إليه» (١) وذلك يدل على أنّ ما وصفه به مفقود فيمن تقدم ذكره ؛ فيكون أفضل منهما ، ويلزم من كون عليّ أفضل من أبى بكر ، وعمر أن يكون / أفضل من باقى الصّحابة ؛ ضرورة أن لا قائل بالفرق ، ولأنّ أبا بكر ، وعمر أفضل من غيرهما من الصّحابة ، فإذا كان عليّ أفضل منهما ؛ فالأفضل من الأفضل أفضل.

الحادى عشر : أنّ عليا كان أعلم الصحابة لقوله ـ عليه‌السلام ـ «أقضاكم عليّ» (٢) ، والأقضى أعلم لاحتياجه إلى جميع أنواع العلوم ، وإذا كان أعلم ؛ فالأعلم يكون أفضل لقوله ـ تعالى : ـ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٣) وقوله ـ تعالى : ـ / / (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٤).

الثانى عشر : أن عليا كان أكثر جهادا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من جميع الصّحابة على ما هو معلوم فى مواضعه ؛ فيكون أفضل لقوله ـ تعالى ـ : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٥) ولا يمكن حمل الجهاد فى الآية على جهاد النفس ، بدليل قوله (عَلَى الْقاعِدِينَ).

الثالث عشر : أنّ إيمان عليّ كان سابقا على إيمان جميع الصحابة وبيانه من ثلاثة أوجه:

__________________

(١) ورد هذا الحديث فى صحيح البخارى ٥ / ١٧١ ، والمستدرك ٣ / ١٤٠ ، وتاريخ الطبرى ٣ / ٩٣.

(٢) جاء فى منهاج السنة لابن تيمية ٤ / ١٣٨ «فهذا الحديث لم يثبت وليس له اسناد تقوم به الحجة». أما الحاكم فقد خرجه فى المستدرك ٣ / ١٣٥ (كتاب معرفة الصحابة ـ باب كان على أقضى أهل المدينة) عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(٣) سورة الزمر ٣٩ / ٩.

/ / أول ل ١٥٥ / ب.

(٤) سورة المجادلة ٥٨ / ١١.

(٥) سورة النساء ٤ / ٩٥.

الوجه الأول : ما روى «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث يوم الاثنين ، وأسلم على يوم الثلاثاء» ولا أقرب من هذه المدة (١).

الوجه الثانى : قوله عليه‌السلام : «أولكم إسلاما عليّ بن أبى طالب» (٢).

الوجه الثالث : ما روى عن على ـ عليه‌السلام ـ أنه كان يقول : «أنا أول من صلّى ، وأول من آمن بالله ورسوله ، ولا سبقنى إلى الصلاة إلا نبىّ الله» (٣). وقد نقل عنه أنه قال فى ذلك :

سبقتكم إلى الإسلام طرا

غلاما ما بلغت أوان حلمى (٤).

وكان قوله مشهورا فيما بين الصحابة ، ولم ينكر عليه منكر ، فدل على صدقه ، وإذا ثبت أنه أقدم إيمانا من الصّحابة ، كان أفضل منهم لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٥). وبتقدير أن لا يكون إيمانه سابقا على إيمان جميع الصحابة ، غير أن إيمانه كان سابقا على إيمان أبى بكر بدليل قول عليّ ـ رضي الله عنه ـ وهو على المنبر بمشهد من الخلق «أنا الصّدّيق الأكبر آمنت قبل أن آمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم (٦)» ولم ينكر عليه منكر.

وإذا كان أقدم إيمانا من أبى بكر كان أفضل منه للآية ، ويلزم من كونه أفضل من أبى بكر أن يكون أفضل من باقى الصحابة ؛ لما تقدم.

الرابع عشر : قوله ـ تعالى ـ فى حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٧) ، والمراد بصالح المؤمنين : عليّ بن أبى طالب (٨) على ما نقله أبو

__________________

(١) ورد فى تاريخ ابن عساكر ١ / ٨٤.

(٢) ورد فى المستدرك ٣ / ١٣٦ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٠٢.

(٣) قارن بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد. ١ / ٢٠٩ ، ٣٧٣ وطبقات ابن سعد ٣ / ٢١.

(٤) ورد فى شرح نهج البلاغة ٥ / ١٢٢.

(٥) سورة الواقعة ٥٦ / ١٠ ، ١١.

(٦) ورد فى أنساب الأشراف (ترجمة أمير المؤمنين) ٢ / ٣٤٥ وما بعدها.

والمستدرك ٣ / ١٢ وتاريخ ابن عساكر ١ / ٦٢.

(٧) سورة التحريم ٦٦ / ٤.

(٨) انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٢٤.

صالح عن ابن عباس ، ومحمد بن على ، وجعفر ، وهكذا / حكاه النقاش (١) ، وغيره فى تفسيره ، والمراد بالمولى هاهنا : الناصر ؛ إذ هو القدر المشترك بين الله وجبريل وعليّ ، وذلك يدل على أن عليا أفضل من باقى الصحابة من وجهين :

الأول : أن ظاهر الآية للحصر ، ولأنه لو لم تكن للحصر لما كان للتخصيص بذكر الله ـ تعالى ـ وجبريل ، وعليّ فائدة. وتقديره أنه لا ناصر لمحمد عليه‌السلام غير البارى ـ تعالى ـ وجبريل ، وعليّ ، واختصاص عليّ بنصرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون باقى الصحابة ، دليل على أنّه أفضل منهم ، نظرا إلى أنّ نصرة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من أفضل العبادات.

الثانى : أنّه تعالى بدأ بنفسه ، ثم بجبريل ، ثم بعلىّ ، وذلك يدل على أنه أفضل من غيره من الصّحابة.

الخامس عشر : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «من كنت مولاه فعلىّ مولاه» (٢). وقوله عليه‌السلام : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى (٣)» ، وقد سبق وجه الاحتجاج بذلك.

السادس عشر : قوله عليه‌السلام : «على خير البشر ، ومن أبى فقد كفر» (٤).

السابع عشر : ما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم فى علمه ، وإلى نوح فى تقواه ، وإلى إبراهيم فى حلمه ، وإلى موسى فى هيبته ، وإلى عيسى فى عبادته ؛ فلينظر إلى عليّ بن أبى طالب (٥). [فالنبى (٦) قد] أوجب مساواته للأنبياء فى

__________________

(١) النقاش : هو أبو بكر محمد بن الحسين بن زياد البغدادى المعروف بابن النقاش. اشتغل بالتفسير والاقراء. ولد ببغداد سنة ٢٦٦ ه‍ وتوفى سنة ٣٥١ ه‍ [تاريخ بغداد ١ / ٢٣ ، وفيات الأعيان ٤ / ٢٩٨].

(٢) ورد فى مسند الإمام أحمد ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، ١٥٢ قال : وفى رواية أخرى قال : فزاد الناس بعد وال من والاه «وعاد من عاداه» كما ورد فى سنن ابن ماجه ١ / ٤٣ وسنن الترمذي ٥ / ٦٣٣.

(٣) متفق عليه. فى صحيح البخارى ٥ / ٢٤ «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى : أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى».

كما ورد فى صحيح مسلم ٧ / ١٢٠.

(٤) ورد فى تاريخ ابن عساكر ٢ / ٤٤٤ وذكر الشوكانى فى الفرائد المجموعة ص ٣٤٨

«فى اسناده محمد بن على الجرجانى وهو المتهم به ، ومحمد بن شجاع الثلجى وهو كذاب» كما ورد فى اللآلى المصنوعة ١ / ٣٢٨.

(٥) جاء فى الفوائد المجموعة ص ٣٦٧. قال ابن الجوزى : موضوع وفى إسناده أبو عمر الأزدى متروك. كما ذكره السيوطى فى اللآلى المصنوعة ١ / ٣٥٥ وما بعدها.

(٦) ساقط من «أ».

صفاتهم ، والأنبياء أفضل من باقى الصحابة ؛ فكان على أفضل من باقى الصحابة ؛ لأن المساوى للأفضل أفضل من ذلك المفضول عليه (١).

الثامن عشر : ان فضيلة المرء على غيره إنّما هى بما يعود إليه من الكمالات ويتصف به من الأدوات ، ويتحلى به من الصّفات المرضية ، والأخلاق السّنيّة. ولا يخفى أنه قد اجتمع من هذه الصفات فى حق على ، ما تفرق فى مجموع الصّحابة : كالعلم ، والزّهد ، والكرم ، والشّجاعة ، وحسن الخلق ، والاختصاص بمزيد القوة وشدة البأس ، وعظم المراس ، والقرب من رسول الله نسابة ، وصهارة ، فهو ابن عم رسول الله ، وزوج البتول ، وأبو السبطين : الحسن ، والحسين (٢).

أمّا اتّصافه بالعلم : فظاهر على ما سبق.

وأما بالزّهد : فلما اشتهر عنه ، مع اتساع أبواب الدّنيا عليه ، والتّمكن منها ، من التّخشن فى المأكل ، والملابس وشطف العيش وترك / / التنعم حتى قال للدنيا «طلقتك ثلاثا» (٣).

وأما الكرم : فلما اشتهر عنه من إيثار المحاويج على نفسه ، وأهل بيته مع تأكد حاجتهم حتى تصدّق فى الصّلاة بخاتمه على المسكين ، ونزل فى حقه قوله تعالى : ـ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٤).

وأما الشّجاعة : فلما اشتهر عنه ، وتواتر من مكافحة الحروب / وقتل أكابر الجاهلية ، وملاقاة أبطالها ، ووقائعه فى خيبر ، وأمثالها حتى قال ـ عليه‌السلام ـ فى حقه يوم الأحزاب : «نصرة عليّ خير من عبادة الثقلين» (٥).

__________________

(١) قارن ما ورد هنا بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٢٤ تحقيق الدكتور أحمد المهدى.

(٢) قارن ما ورد هنا بما ورد فى الأربعين للإمام الرازى ص ٤٧٦ ، ٤٧٧ ، وشرح المواقف ، الموقف السادس ص ٣٢٩.

/ / أول ل ١٥٦ / أ.

(٣) انظر مروج الذهب ومعادن الجوهر ٢ / ٤٣١ وما بعدها.

وقارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٢٧.

وصفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ١١٨.

(٤) سورة الإنسان ٧٦ / ٨.

(٥) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ ق ٢ / ١٤١ وما بعدها وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٢٨ وما بعدها.

وأما حسن الخلق : فظاهر مشهور حتى أنّه نسب بسبب ذلك إلى كثرة الدّعابة ، وقد قال عليه‌السلام : «حسن الخلق من الإيمان» (١).

وأما الاختصاص بمزيد القوة : فأظهر وأشهر حتى أنه اقتلع بيده باب خيبر وقال عليه‌السلام : «والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ؛ لكن بقوة إلهية» (٢).

وأما اختصاصه بالنسب ، والصهارة من الرسول : فظاهر غير خفى. ومن هذه صفاته ؛ وجب أن يكون أفضل.

الثالث : فى بيان كون عليّ منصوصا عليه.

هو أنّ الأمّة مجمعة على أنّ الإمام بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ غير خارج عن أبى بكر ، وعليّ ، والعبّاس.

والعبّاس ، وأبو بكر ؛ لا يصلحان للإمامة لوجهين :

الأول : أنّا سنبيّن أن الإمام لا بدّ وأن يكون معصوما (٣) وأبو بكر ، والعباس لم يكونا معصومين بالاتفاق.

الثانى : انّ أبا بكر ، والعبّاس قبل البعثة كانا كافرين ؛ فيكونا ظالمين لقوله ـ تعالى : ـ (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٤) ، والظالم لا يكون إماما لقوله تعالى لإبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٥).

فإن قيل : إن الآية إنّما تدل على امتناع نيل الظالمين للعهد ، والظالم حقيقة إنّما يكون حالة اتصّافه بالظلم لا بعد زواله.

__________________

(١) جزء من حديث طويل : رواه الإمام أحمد فى المسند عن عمرو بن عنبسة.

وقد سأل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن أى الإيمان أفضل؟ حسن الخلق.

كما ورد ما يدل على هذا المعنى فى صحيح البخارى ٨ / ١٦ ، والجامع الصغير ١ / ١٢٨.

(٢) ورد فى شرح نهج البلاغة ٢ / ٣١٦.

(٣) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٤١ وما بعدها.

(٤) سورة البقرة ٢ / ٢٥٤.

(٥) سورة البقرة ٢ / ١٢٤.

[قلنا] (١) : إنّما يصحّ أن لو اشترط فى إطلاق الاسم المشتق حقيقة وجود المشتق منه حالة الاطلاق ، وليس كذلك ، وإلّا لما صحّ اطلاق اسم الماشى ولا القائل حقيقة ولا مجازا.

أما أنه لا يصحّ حقيقة : فلأن اسم المشى لحركات متعاقبة مخصوصة لا وجود لها معا ، وكذلك القول عبارة عن حروف منظومة متعاقبة لا وجود لها معا ، وأما أنه لا يصح بجهة المجاز ؛ فلأن المجاز مستعار من محل الحقيقة فإذا لم يكن حقيقة فلا مجاز ، وبتقدير اشتراط بقاء المشتق منه لاطلاق الاسم المشتق حقيقة ، غير أن الظّالم حالة اتّصافه بالظلم يصدق عليه فى ذلك الوقت أنّه لا ينال عهد الله ، وذلك عامّ فى الوقت الحاضر ، وغيره من الأوقات المستقبلة ، ولهذا يصحّ استثناء جميع الأوقات المستقبلة ، فيقال : الظالم لا ينال عهد الله إلّا بعد زوال ظلمه ، والاستثناء يدل على خروج ما لو لاه ، لكان داخلا تحت اللفظ ، وإذا بطل أن يكون أبو بكر ، والعبّاس إماما تعيّن أن يكون الإمام عليا / وأن لا يكون قد كفر طرفة عين عملا بمقتضى الآية ، وحتى لا يخرج الحق عن قول الأمة ، ويلزم من ذلك أن يكون منصوصا عليه لما تقدم (٢).

الرابع : قوله تعالى : ـ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٣) ووجه الاحتجاج به أن لفظ الولى قد يطلق ويراد به الأولى ، والأحق بالتصرف (٤). ويدل عليه النقل اللغوى والنّص ، والعرف الاستعمالى.

أمّا النّقل اللغوى : فقول المبرّد (٥) الولىّ هو الأولى بالتصرف ، ومنه قول الكميت (٦).

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) قارن به : الأربعين للإمام الرازى ص ٤٤٦.

(٣) سورة المائدة ٥ / ٥٥.

(٤) قارن بالمعنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١٣٣ وما بعدها.

وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٢٤ وما بعدها. تحقيقنا

(٥) المبرّد : هو أبو العباس محمد بن يزيد الأزدى ولد بالبصرة سنة ٢١٠ ه‍ وتوفى بالكوفة ٢٨٥ ه‍ (وفيات الأعيان ٤ / ٣١٣ ، معجم الأدباء ١٩ / ١١١).

(٦) الكميت : هو أبو سهل بن زيد الأسدى من أهل الكوفة. شاعر وخطيب وفقيه من أشهر شعره «الهاشميات» ولد سنة ٦٠ ه‍ وتوفى سنة ١٢٦ ه‍.

[الشعر والشعراء ٢ / ٤٨٥ ، جمهرة أشعار العرب ص ٣٥١].

ونعم ولى العهد بعد وليّه

ومستجمع التّقوى ونعم المؤدب

وأراد به القيّم بتدبير الأمور ،

وأما النص : فقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أيمّا امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليّها فنكاحها باطل» ، وأراد به الأولى بالتصرف فيها ، وقوله عليه‌السلام : «وإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له (١)» : أى أولى بالتصرف.

وأما العرف الاستعمالى : فإنه يقال لأب المرأة وأخيها أنّه وليّها : أى أولى بالتصرف فيها. وقد يطلق الولى بمعنى المحبّ والنّاصر ، ومنه قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٢) : أى بعضهم محب بعض وناصره ، لا أنه الأولى بالتصرّف فيه ؛ إذ هو خلاف الإجماع ، ولم يعهد فى اللغة للولى معنى ثالث ، وإذا ثبت أن الولىّ / / قد يطلق بمعنى الأولى بالتّصرف وبمعنى الناصر ؛ فلفظ الولى فى الآية مما يتعذر حمله على الناصر.

وإنما قلنا ذلك لأنّ الولاية بمعنى النصرة عامة فى حق كل المؤمنين ، بدليل قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٣) ، ذكر ذلك بصيغة الجمع المعرف فكان عاما ، والولاية فى الآية ليست عامة لكل المؤمنين ، فإن لفظه إنّما تفيد الحصر فى المؤمنين الموصوفين فى الآية ، بالصّفات المذكورة ؛ فتكون الولاية المذكورة فى الآية خاصة ببعض المؤمنين.

وإنما قلنا إن لفظة إنّما تفيد الحصر فى المذكور دون غيره ؛ لأن ذلك مما يتبادر إلى الأفهام من إطلاقها فى قول القائل : إنّما رأيت اليوم زيدا ؛ فإنّه يفهم منه أنه رأى زيدا دون غيره ؛ ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ـ (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (٤). فإنه يفهم منه أنّ الله تعالى إله واحد ، وأن غيره ليس كذلك ، وإذا ثبت أن الولاية فى الآية خاصة وبمعنى النصرة

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد فى المسند ١ / ٢٥٠ ، ٦ / ١٦٦. وهما حديث واحد.

وانظر سنن أبى داود ١ / ٣٢٥ ، وسنن ابن ماجه ١ / ٦٠٥.

(٢) سورة التوبة ٩ / ٧١.

/ / أول ل ١٥٦ / ب.

(٣) سورة التوبة ٩ / ٧١.

(٤) سورة النساء ٤ / ١٧١.

عامة ، فقد امتنع حمل الولاية فى الآية ، على الولاية بمعنى النصرة ، وتعيّن حملها على الولى ، بمعنى الأحق ، والأولى بالتصرف. وعلى هذا فيكون المراد من الآية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (١) : أى الأولى بالتصرف فيكم أيها الأمة ، والّذي هو أولى بالتصرف فى كل الأمة من المؤمنين إنّما هو الإمام ، فإذا الآية خاصة / على إمامة بعض المؤمنين ويتعين أن يكون عليا ـ عليه‌السلام ـ لاتفاق أئمة التفسير على أن المراد بقوله تعالى : ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢) ، إنما هو عليّ كرّم الله وجهه ، فالآية نصّ على إمامته.

الخامس : قوله تعالى : ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٣). [أمر بالكون مع الصادقين] (٤) ، وإنما يتصور الأمر كذلك ، أن لو علم الصادق ، وإنما يعلم كون الشّخص صادقا ، أن لو كان معصوما ، فالأمر إذا إنّما هو بمتابعة المعصوم ، وغير عليّ من الصحابة غير معصوم بالاتفاق ؛ فكان المأمور بمتابعته إنما هو على كرّم الله وجهه ؛ وذلك نصّ على إمامته.

السادس : قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) ، أمر بمتابعة أولى الأمر ، وإنما يأمر بمتابعة من لا يأمر بالمعصية ، لقوله تعالى : ـ (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) (٦) ، فالأمر بمتابعة أولى الأمر الذين لا يأمرون بالمعصية أصلا ، وذلك إنما يكون فى حق من ثبتت عصمته ، فالإمام يجب أن يكون معصوما ، وغير على من الصحابة غير معصوم بالاتفاق فتعيّن أن يكون عليّ معصوما ؛ ضرورة موافقة الأمر بطاعته ؛ وذلك نصّ فى إمامته.

السّابع : قوله ـ عليه‌السلام ـ يوم غدير خم وقد جمع الناس «ألست أولى بكم من أنفسكم ، قالوا : بلى ، فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» (٧) ... وهذا الحديث مما اتفقت الأمة على

__________________

(١) سورة المائدة ٥ / ٥٥.

(٢) سورة المائدة ٥ / ٥٥.

(٣) سورة التوبة ٩ / ١١٩.

(٤) ساقط من أ.

(٥) سورة النساء ٤ / ٥٩.

(٦) سورة الأعراف ٧ / ٢٨.

(٧) أخرجه الإمام أحمد فى المسند ١ / ١١٨ ، ١١٩ ، وابن ماجه فى سننه ١ / ٤٣ عن البراء بن عازب.

وسنن الترمذي ٥ / ٦٣٣ ، والمستدرك ٣ / ١١٦.

صحته ، ووجه الاحتجاج به (١) هو أن لفظة المولى قد تطلق بمعنى الأولى ، وقد تطلق بمعنى الناصر ، والمعين ، وقد تطلق بمعنى المعتق والمعتق ، وبمعنى الجار ، وابن العم.

أما إطلاقه بمعنى الأولى : فيدل عليه الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ) (٢) الآية.

قال المفسرون : المراد به من كان أولى بالميراث ، وأحق به. وقوله ـ تعالى : ـ (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (٣) : أى أولى بكم على ما قاله المفسّرون.

وأما السنة : فقوله ـ عليه‌السلام ـ فى بعض الروايات : «أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» (٤). والمراد به المالك لأمرها ، والأولى بالتصرف فيها.

وأما إطلاقه بمعنى الناصر ، والمعين : فيدل عليه النص ، والشعر.

أما النص : فقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (٥). والمراد به الناصر.

وأما الشعر : فقول الأخطل (٦) :

فأصبحت مولاها من النّاس كلّهم

ومعناه فأصبحت ناصرها والذّاب عنها.

وأما إطلاقه بمعنى المعتق [والمعتق] (٧) : فظاهر مشهور ، ومنه يقول الفقهاء : لفلان موال من أعلى ، وموال من أسفل (٨).

__________________

(١) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ورد فى نهاية الأقدام ص ٤٩٣ ، وغاية المرام ص ٣٧٥ والمواقف ص ٤٠٥ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٧ ، ٣٠٨. تحقيقنا.

(٢) سورة النساء ٤ / ٣٣.

(٣) سورة الحديد ٥٧ / ١٥.

(٤) سبق تخريج هذا الحديث فى بعض رواياته ه. ل ٢٧٢ / أ.

(٥) سورة محمد ٤٧ / ١١.

(٦) الأخطل : هو أبو مالك غياث بن غوث بن الصلت التغلبى ، من شعراء العصر الأموى ، ولد سنة ١٩ ه‍ وتوفى سنة ٩٠ ه‍ أكثر من مدح بنى أمية. كان منافسا لجرير والفرزدق ، وأكثر فى هجائهما. انظر ديوان الأخطل ١ / ٣١٩.

وانظر طبقات الشعراء ص ١٠٧ وتمام بيت الأخطل.

فأصبحت مولاها من الناس كلهم

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

(٧) ساقط من «أ».

(٨) قارن بالمغنى ٢٠ / ١٥٥ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٧١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٨ وما بعدها.

تحقيقنا.

وأما إطلاقه بمعنى الجار : فيدل عليه [قول] (١) معمر الكلابى (٢) / لما نزل جارا لكليب بن يربوع فأحسنوا جواره.

 / / جزى الله خيرا والجزاء بكفّه

كليب بن يربوع وزادهم حمدا

هم خلطونا بالنّفوس وألجموا

إلى نصر مولاهم مسوّمة جردا

وأراد به جارهم.

وأما إطلاقه بمعنى ابن العم : فيدل عليه قوله ـ تعالى ـ حكاية عن زكريا (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) (٣) ، قيل معناه بنى عمى ، ومنه قول العباس بن فضيل بن (٤) عتبه فى بنى أمية :

مهلا بنى عمّنا مهلا موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

وأراد بقوله : «مهلا موالينا» : بنى عمنا.

وعند ذلك فإما أن يكون [لفظ] (٥) المولى ظاهرا بحكم الوضع الأول ، أو لا يكون كذلك.

فإن كان [الأول] (٦) : وجب الحكم عليه دون غيره عملا بظاهر اللفظ ؛ إذ هو الأصل.

وإن كان الثانى : فيجب الحمل عليه [أيضا] (٧) لوجهين :

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) معمر الكلابى : نسب إليه الآمدي هذين البيتين.

أما القاضى الباقلانى فقد نسبهما إلى مربع بن دعدعة وقد جاور كليب ابن يربوع فأحسنوا جواره : ومعنى إلى نصر مولاهم : إلى نصر جارهم

وكليب بن يربوع : إحدى فروع قبيلة تميم (انظر جمهرة الأنساب ٢١٤).

/ / أول ل ١٥٧ / أ.

(٣) سورة مريم : ١٩ / ٥.

(٤) هو : هاشمى الأبوين : جده أبو لهب : ولقب باللهبى نسبة إليه من شعراء بنى هاشم. (طبقات فحول الشعراء ١ / ٧٥). وقد ورد فى التمهيد ص ١٧١ بعد هذا

البيتين التاليين :

لا تحسبوا أن تهينونا ونكرمكم

وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا

الله يعلم أنا لا نحبكم

ولا نلومكم ألا تحبونا

(٥) ساقط من «أ».

(٦) ساقط من «أ».

(٧) ساقط من «أ».

الأول : أن اللفظ المتّحد إذا أطلق وله محامل وقد اقترن به ما يعيّن أحدها فيجب الحمل عليه نظرا إلى الترجيح ، والمذكور فى مبدأ الحديث وهو قوله : «أولى بكم» صالح لتفسير لفظ المولى وبيانه ، وهو محتاج إلى البيان فوجب الحمل عليه (١).

الثانى : أنه يتعذر حمل لفظ المولى فى الحديث على ما سوى الأولى فيتعين حمله على الأولى ضرورة العمل باللفظ ، وبيانه أنه يمتنع حمله على الناصر ؛ لأن ذلك معلوم من قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ) (٢) على ما سبق ، ويمتنع حمله على المعتق [والمعتق] (٣) وعلى الجار وابن العم ؛ لكونه كذبا ؛ فإنه ليس كل من كان النبي معتقا له ، أو جارا [له] (٤) أو ابن عم له يكون على معتقا له ، وجارا وابن عم له ؛ فإن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ابن عم عقيل ، وهو أخ لعلى.

وإذا ثبت أن لفظ المولى فى الحديث بمعنى الأولى ، فقد اتفق المفسّرون على أن معنى قوله ـ عليه‌السلام : «ألست أولى بكم من أنفسكم» أنه أولى بتدبيرهم ، والتصرف فى أمورهم ، وأن نفاذ حكمه فيهم أولى من نفاذ حكمهم فى أنفسهم. ولأن ذلك هو المتبادر من إطلاق لفظ الأولى فى قوله : «ولد الميّت أولى بالميراث من غيره ، والسلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية ، والزوج أولى بامرأته ، والمولى أولى بعبده» ، وإذا ثبت أن معنى المولى الأولى فى التصرف ؛ فحاصل الحديث يرجع إلى أن قوله : «من كنت مولاه فعلى مولاه» من كنت أولى بالتصرف فيه ؛ فعلى أولى بالتصرف فيه ؛ وذلك يدل على إمامته ؛ فإنه لا معنى للإمام إلّا هذا.

الثامن : قوله ـ عليه‌السلام ـ لعلى حين خرج إلى غزاة تبوك : «أنت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبى بعدى» (٥) ووجه الكلام فى صحته كما تقدم فى الخبر الّذي قبله ، ووجه الاستدلال به (٦) ، أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اخبر بأن منزلة

__________________

(١) قارن به المغنى ٢٠ / ١٤٥ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٩.

(٢) سورة التوبة ٩ / ٧١.

(٣) ساقط من أ.

(٤) ساقط من أ.

(٥) هذا الحديث متفق على صحته رواه البخارى ومسلم. انظر عنه ما مر فى هامش ل ٢٧١ / أ.

(٦) اهتم بهذا الحديث وذكره الكثير من علماء السنة منهم على سبيل التمثيل لا الحصر والجوينى فى الإرشاد ص ٢٣٨ والشهرستانى فى نهاية الأقدام ص ٤٩٤. والإيجى فى المواقف ص ٤٠٦ وابن تيمية فى منهاج السنة ٤ / ٨٧ وما بعدها. والرازى فى الأربعين ص ٤٥٠ ، ٤٥١. والجرجانى فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٠.

على منه كمنزلة هارون من موسى ، وذلك يدل على أن جميع المنازل الثابتة لهارون بالنسبة إلى / موسى ، ثابتة لعلى بالنسبة إلى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولفظة منزلة وإن لم يكن فيها صيغة عموم إلّا أن المراد بها التعميم.

وبيانه هو أن قوله منزلة (١) اسم جنس صالح لكل واحد من أحاد المنازل الخاصة ، وصالح للكل ، ولهذا يصح أن يقال : فلان له منزلة من فلان ومنزلته منه أنه قرابة له ، وأنه محبّه ، ونائبه فى جميع أموره ، وعند هذا فلو حملناه على بعض المنازل دون البعض فإما أن تكون معينة ، أو مبهمة.

والأول ممتنع ضرورة عدم دلالة اللفظ على التعيين. والثانى : أيضا ممتنع لما فيه من الإجمال ، وعدم الإفادة. فلم يبق غير الحمل على الجميع. ويدل عليه قوله «إلّا أنه لا نبى بعدى» ، استثنى هذه المنزلة دون باقى المنازل ، ولو لم يكن اللفظ محمولا على كل المنازل ؛ بل على الواحد منها ؛ لما حسن الاستثناء. وإذا ثبت التعميم ؛ فذلك يدل على ثبوت الإمامة لعلى كرّم الله وجه ، وبيانه من وجهين :

الأول : أن من جملة منازل هارون من موسى أنه كان خليفة له على قومه فى حال حياته ، بدليل قوله ـ تعالى إخبارا عن موسى (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٢) والخلافة لا معنى لها غير القيام مقام المستخلف فيما كان له من التصرفات ، وإذا كان خليفة له فى حال حياته ؛ وجب أن يكون خليفة له بعد وفاته بتقدير بقائه ، وإلّا كان عزله موجبا لتنقيصه ، والنّفرة عنه / / وذلك غير جائز على الأنبياء.

وإذا كان ذلك ثابتا لهارون وجب أن يثبت مثله لعلىّ عليه‌السلام (٣).

الثانى : هو أنّ من جملة منازل هارون بالنسبة إلى موسى أنّه كان شريكا له فى الرسالة بدليل قوله تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) (٤) ومن لوازمه استحقاقه للطاعة بعد وفاة موسى أن لو بقى ، فوجب أن يكون ذلك لعلىّ ـ عليه

__________________

(١) ساقط من ب.

(٢) سورة الأعراف ٧ / ١٤٢.

/ / أول ل ١٥٧ / ب.

(٣) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٥٩ ، والأربعين للرازى ص ٤٥١ والمواقف للإيجي ص ٤٠٦ ، ومنهاج السنة لابن تيمية ٤ / ٨٧.

وشرح المواقف للرجانى ـ الموقف السادس ص ٣١٠

(٤) سورة طه ٢ / ٤٣ ، ٤٤.

السلام ـ غير أنه قام الدليل على امتناع كونه مشاركا للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الرسالة ؛ ولهذا قال ـ عليه‌السلام : «إلّا أنه لا نبى بعدى» فوجب أن يبقى مفترض الطاعة على الأمة بتقدير بقائه بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عملا بالدليل بأقصى الإمكان ، ولا معنى لكونه إماما إلّا هذا.

التاسع : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين» (١) وقوله ـ عليه‌السلام ـ [لعلى] (٢) : «أنت أخى ، ووصيى ، وخليفتى من بعدى ، وقاضى دينى ، ومنجز وعدى» (٣) أثبت كونه خليفة بعده ، ولا معنى للإمام إلّا هذا.

العاشر : أنه ـ عليه‌السلام ـ استخلف عليا على المدينة ، ولم يعزله عنها ؛ فوجب أن يبقى خليفة له بعد موته ـ عليها ويلزم من ذلك الخلافة فى جميع الأمور ضرورة أن لا قائل بالفرق (٤).

والجواب : قولهم : لا نسلم أن وقوع ذلك بمشهد من الجمع الكثير مما يوجب اشتهاره مدفوع بما ذكرناه.

وأما الإقامة فإنه إذا كانت / من عظائم الأمور ، وأنها وقعت بمشهد من المشهد الكثير ، غير أن الاختلاف فى روايتها مثنى ، وفرادى إنّما كان لاختلاف المؤذنين فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلعلّ منهم من كان يقيم مثنى ، ومن كان يقيم فرادى ، ونقل كل واحد ما رآه وسمعه ، وكان منشأ الاختلاف بين الأئمة فى ذلك.

وأما انشقاق القمر فمن أصحابنا من منع وقوعه ، وتأوّل قوله تعالى (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (٥) على معنى سينشق (٦) ، وبتقدير وقوعه ، فلعله وقع لا بمشهد جماعة يحصل العلم بخبرهم

__________________

(١) وقد نقد ابن تيمية هذا الحديث وقال عنه إنه موضوع فى منهاج السنة ٤ / ١٠٣ فقال : «وكل من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث فى كتاب يعتمد عليه ، لا الصحاح ، ولا السنن ، والمسانيد المقبولة».

(٢) ساقط من «أ».

(٣) سبق تخريجه فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٤) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٨١ ، والأربعين للرازى ص ٤٥١ ومنهاج السنة لابن تيمية ٤ / ٩١.

(٥) سورة القمر ٥٤ / ١.

(٦) انظر تفسير الإمام الرازى ٢٩ / ٢٩. قال رحمه‌الله : «القمر انشق والمفسرون بأسرهم على أن المراد : أن القمر انشق ، وحصل فيه الانشقاق ودلت الأخبار على حديث الانشقاق ، وفى الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة ، وقالوا : سأل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ آية الانشقاق بعينها معجزة. فسأل ربه فشقه ومضى».

ثم نقل رأى بعض المخالفين الذين نقل عنهم الآمدي. فقال : «وقال بعض المفسرين المراد سينشق. وهو بعيد ولا معنى له».

وهو الأظهر ؛ لأن ذلك كان ليلا ، وأكثر الناس نيام ، ومحجوبون عن رؤيته بجدران بيوتهم.

وأما فتح مكة : عنوة ، أو صلحا : فإنما لم ينتشر ويتواتر إلينا ، وإن وقع ذلك بمشهد من الخلق الكثير ؛ لعدم الفائدة فى نقله ، بخلاف الإمامة ؛ لأن جميع مصالح الدين ، والدنيا متعلقة بها.

وأما البسملة : فلا نسلم أنها آية من أول كل سورة على قول الشافعى رضي الله عنه وهو اختيار القاضى أبى بكر من أصحابنا (١).

قولهم : متى يلزم الانتشار إذا وجد الداعى إلى الكتمان ، أم لا.

قلنا : الفرض أن التنصيص وقع بمشهد من جماعة لا يتصور عليهم التواطؤ على الخطأ ، فلو كتموه ـ وإن كان ذلك لنفع ، أو دفع ضرر ، أو لحسد ـ فيكون خطأ ؛ وهو ممتنع مخالف للفرض (٢).

قولهم : يحتمل اطلاعهم على وجود ناسخ للنّصّ.

قلنا : لو وجد النّص وكان له ناسخ فالعادة تحيل أيضا عدم نقله ، ولم ينقل أحد من الصحابة ذلك.

وقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٣) يجب حمله على جماعة يتصور تواطئهم على الخطأ ؛ والفرض فيما نحن فيه بخلافة (٤).

قولهم : إن قوم موسى ـ عليه‌السلام ـ ضلّوا بعبادتهم العجل مع علمهم أن العجل لا يكون إلها.

قلنا : وإن سلمنا أنهم ضلّوا بذلك مع كونهم جمعا كبيرا ، غير أنا لا نسلّم أنهم كانوا عالمين بامتناع حلول الإله ـ تعالى ـ فى غيره ، ولعلهم لم ينظروا فى الأدلة المحيلة

__________________

(١) انظر تفسير الفخر الرازى ١ / ٢٠٠.

(٢) قارن به : المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١١٩ وما بعدها ، والإرشاد للجوينى ص ٢٣٧ والأربعين للرازى ص ٤٥٩.

(٣) سورة النمل ٢٧ / ١٤.

(٤) راجع الأربعين فى أصول الدين للرازى ص ٤٥٩.

لذلك ، ويجب اعتقاد ذلك حتى لا يكون الجمع الكثير متفقين على فعل ما يعتقدون بطلانه ؛ إذ هو خلاف العادة ، بخلاف اتفاقهم على ما يعتقدون بطلانه ، وهذا خلاف ما نحن فيه ؛ فإنه ما من أحد من الصحابة إلّا ويعتقد تحريم كتمان نصوص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى آحاد المسائل الفروعية ، فما ظنك بذلك فى العظائم (١).

وإن سلمنا اعتقادهم لبطلان ذلك ؛ ولكن لا نسلم عدم النكير عليهم من هارون ، وأتباعه بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنه لم ينقل عن أحد من الصّحابة نقل النّص.

قولهم : إن الإمام يجب أن يكون معصوما. لا نسلم بذلك على ما يأتى (٢) ، وبتقدير أن يكون معصوما فلا مانع من التّنصيص على عصمته ، وتفويض نصبه إماما إلى اختيارنا.

قولهم : يجب أن يكون أفضل من رعيته وعالما بجميع أمور الدين ، وأحكام / / الشرع. لا نسلم ذلك على ما يأتى / أيضا وبتقدير التسليم ، فيجب ذلك طاهرا ، أو فى نفس الأمر؟ الأول : مسلم. غير أن معرفة ذلك لا تتوقف على التنصيص بدليل نصب القضاة والأمناء. والثانى : ممنوع. وهو الجواب عن قولهم شرطه أن لا يكون كافرا.

وإن سلمنا اشتراط إيمانه فى نفس الأمر ، غير أنا لا نسلم مع ذلك امتناع نصب الإمام بالاختيار ، وذلك ممكن بأن ينص الشارع على إيمان جماعة ، ويفوض تعيين الواحد منهم إلى اختيارنا.

قولهم : إن المختار لا يملك التّصرف فى أمور المسلمين ، فلا يملك تمليك غيره لذلك ؛ فهو باطل بولى المرأة ؛ فإنه لا يملك نكاحها لنفسه ، ويملك تمليك ذلك لغيره ، وكذلك الوكيل لا يملك التّصرف فى منافع العين الموكل فى بيعها ، وهبتها ، ويملك تمليك ذلك من غيره بالبيع ، والهبة (٣).

__________________

(١) قارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٦٥ وما بعدها. والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١١٥ ، والإرشاد للجوينى ص ٢٣٧ ، والأربعين للرازى ص ٤٥٩.

(٢) انظر ما سيأتى فى ل ٢٨٥ / ب.

/ / أول ل ١٥٨ / أمن النسخة ب.

(٣) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٧٦ وما بعدها.

قولهم : إن المختار لو أراد أن يجعل غيره نافذ الحكم على نفسه وحده ، أو على غيره وحده ؛ لما تمكن [من] (١) ذلك ، مسلم.

قولهم : فالتولية على نفسه وغيره أولى ، ليس كذلك. فإن جاز أن يكون الاختيار سببا للتولية العامة ، لحصول التمكن التام الّذي لا يبقى معه منازع ، بخلاف التولية الخاصة.

قولهم : لو ثبتت الإمامة بالاختيار ؛ لكان لمن أثبتها إزالته : كالتوكيل ؛ فهو تمثيل من غير دليل ، كيف وأن التوكيل حق للموكل ، فكان له إبطاله بخلاف نصب الإمام ، فإنه ينفذ بتقدير ثبوته بالاختيار يكون حقا على المختارين ، ولهذا فإنه لو اتفقت الأمة على عدم نصب الإمام مع القدرة عليه أثموا ، بخلاف الموكل ، ولا يلزم من ثبوت حق على المختار بإثباته ؛ جواز إبطاله (٢).

قولهم : إنّ نصب الإمام بالاختيار مما يفضى إلى وقوع الفتن والاختلاف.

قلنا : هذا الاحتمال ظاهر ، أو غير ظاهر؟

الأول : ممنوع ، بدليل العادة فى كل عصر عند موت إمام واختيار غيره.

والثانى : مسلم. غير أن ذلك ممّا لا يمنع من اعتبار الاختيار مع ظهور المصلحة فيه.

فإن قالوا : وقوع المفسدة مع الاختيار وإن كانت نادرة غير أنها مع التنصيص تكون أندر ؛ فكان التنصيص أولى من الاختيار.

فنقول : وإن كان التنصيص أبلغ فى دفع المفسدة من الاختيار ، فليس ذلك ممّا يمنع من صحة الاختيار (٣). ولهذا فإنه لو بعث الله ملكا خاطب الأمة بالتنصيص على الإمام ، مع تنصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسلب المخالفين له قدرتهم على المخالفة ؛ فإنه يكون أبلغ فى دفع المفسدة ، وما لزم من ذلك جواز الاكتفاء بما هو دونه من تنصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكذلك لا يلزم من كون التنصيص من النبي عليه‌السلام ـ أبلغ فى دفع المفسدة امتناع الاكتفاء بالاختيار.

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠٥.

(٣) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٦٤ وما بعدها.

قولهم : / إن أحدا من الأمة لا يقدر على تولية ما هو أدنى فى الرتبة من الإمامة ، فالإمامة أولى أن لا يقدر عليها ؛ فجوابها ما سبق فى جواب الشبهة الثالثة.

قولهم : إنّ الإمام خليفة الله ورسوله ، وبالاختيار يخرج عن ذلك ، لا نسلم ذلك ، فإن الله ـ تعالى ـ إذا حكم بخلافته عند الاختيار له ؛ فقد صار خليفة له ولرسوله (١).

قولهم : يلزم من ذلك خلو بعض الأزمنة من نصب الإمام ، مع وجوبه ؛ لما قرروه ؛ ممنوع ، فإنا مهما جهلنا السابق منهما ؛ استأنفنا عقدا لمن يقع عليه الاختيار ؛ لاستحالة خلو الزمان عن الإمام النافذ الحكم (٢).

قولهم : لو جاز إثبات الإمامة بالاختيار ؛ لجاز إثبات النبوة به. فهو تمثيل من غير دليل جامع ، وهو الجواب عن قولهم إن الإمامة من أركان الدين ؛ فوجب أن لا تثبت بغير النص : كالصلوات الخمس (٣).

قولهم : لا يخلو إما أن يكون النبي عالما باحتياج الأمة إلى الإمام ، أو لا يكون عالما بذلك؟

[قلنا : بل كان عالما ومع علمه بذلك] (٤) ، فإنما يلزمه التّنصيص أن لو كلف به من جهة الله ـ تعالى ـ ولعله لم يكن مكلفا به. ولهذا فإنّ كثيرا ممّا تمس الحاجة إلى بيانه ، والتّنصيص عليه من أحكام الوقائع ، مات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من غير تنصيص عليها ، ولا تبيين ؛ وذلك كأحكام الجد مع الإخوة والأخوات ؛ وقول القائل لزوجته / / أنت عليّ حرام ، وغير ذلك ، ويدل عليه أن الأحكام الشرعية ممّا لا تحصى عددا ، مع أن الآيات الإحكامية على ما قاله أرباب الأصول لا تزيد على خمسمائة آية ، وكذلك الأحاديث الإحكامية ، فإنها وإن كانت ألوفا إلّا أنها منحصرة ، فإذا ترك التنصيص من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على ما تدعو الحاجة إلى معرفته ، وجعله موكولا إلى آراء المجتهدين ، ليس بدعا ، لا عقلا ولا عادة ، ولا شرعا ؛ فكذلك عدم التنصيص على الإمام ، وجعل الأمر فيه موكولا إلى اختيار أهل الحل ، والعقد ؛ لا يكون ممتنعا.

__________________

(١) قارن بالمواقف ص ٣٩٩. وشرحها ـ الموقف السادس ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٢) قارن بالمغنى ٢٠ / ١ / ٥٠ ، ٢٦٨.

(٣) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٠١ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩.

(٤) ساقط من «أ».

/ / أول ل ١٥٨ / ب من النسخة ب.

قولهم : إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان للأمة كالوالد لولده ؛ مسلم ؛ ولكن فى الحنو والإشفاق ، والسياسة ، أو فى أنه يجب عليه مثل ما يجب على الوالد لولده؟ الأول : مسلم والثانى : ممنوع ، ولهذا فإنه لا يجب عليه الإنفاق على الأمة كما كان يجب على الوالد لأولاده الصغار. وأما قوله ـ تعالى : ـ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) ليس فيه ما يدل على التنصيص.

قولهم : إنما يكون الدين مكملا ، أن لو بيّن فيه كل ما يتعلق به مسلم ؛ ولكن بطريق التنصيص عليه ، أو بالتنبيه على طريق تحصيله؟ الأول : ممنوع. والثانى : مسلم. ولهذا فإن كثيرا من الأحكام الشرعية لم ينص ـ عليه‌السلام ـ عليها كما بيّناه ، غير أنه بيّن طريق حصولها باجتهاد أهل الحل ، والعقد ، وفوّض النظر فى / تحقيقها إليهم ، وعلى هذا فيجب اعتقاد تنبيهه على طريق إثبات الإمامة ، وإن لم ينص على واحد معين. ويدل عليه إجماع الصحابة على الاختيار كما يأتى تقريره ، فإن ذلك يدل على علمهم ، بما يدل على جواز الاختيار من جهة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإلّا كان إجماع الأمة خطأ ؛ وهو ممتنع ، ويشبه أن يكون ما دلهم على ذلك قوله ـ عليه‌السلام ـ «إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا فى بدنه قويا فى أمر الله ، وإن تولوها عمر تجدوه قويا فى دين الله ، قويا فى بدنه ، وإن تولوها عليا تجدوه هاديا ، مهديا» (٢) ؛ فإنه يدل على صحة الاختيار.

قولهم : إنه ـ عليه‌السلام ـ ما كان يخرج من المدينة الا ويستخلف فيها على الرعية خليفة.

قلنا : ليس فى المواظبة على ذلك ما يدل على وجوب الاستخلاف ؛ بل لعله كان من المندوبات ، وبتقدير الوجوب ؛ فلا يلزم من وجوب الاستخلاف والنظر فى أحوال الأمة حال حياته ، وجوب ذلك لما بعد مماته ؛ لجواز تكليفه بأحد الأمرين دون الآخر (٣).

__________________

(١) سورة المائدة ٥ / ٣.

(٢) فى مسند الإمام أحمد بن حنبل ١ / ١٠٩ «إن تؤمروا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ تجدوه أمينا زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة.

وإن تؤمروا عمرا ـ رضي الله عنه ـ تجدوه قويا أمينا لا يخاف فى الله لومة لائم. وإن تؤمروا عليا ـ رضي الله عنه ـ ولا أراكم فاعلين تجدوه مهديا يأخذ بكم على الطريق المستقيم».

ثم قارن ما ورد بألفاظ متقاربة فى أنساب الأشراف ٢ / ١٠٢ ، والمستدرك ٣ / ٧٠ وقد ضعفه الذهبى فى التخليص ، والصواعق المحرقة ٧٠.

(٣) قارن بما ورد فى المواقف ص ٤٠٤ وشرحها : الموقف السادس ص ٣٠٤.

قولهم : لا جائز أن يستند نصب الإمام إلى الاختيار ، وإلّا لما وجبت طاعة الإمام على الرعية ، ممنوع.

قولهم : لأنه لا مستند للاختيار ؛ لا نسلم ذلك على ما تقرر قبل ، كيف وأن وجوب طاعتهم له ليس مستندا إلى الاختيار ، وإنما هو مستند إلى الإجماع المستند إلى الكتاب ، أو السنة ، وبه يندفع قولهم : إنما صار إماما بإقامتهم له فلا تجب طاعته عليهم (١).

وأما دعوى التنصيص على أبى بكر بعينه ، أو العباس : فدعوى لا بدّ لها من دليل.

وما ذكروه فى حق كل واحد ، فأخبار آحاد لا يثبت بمثلها عظائم الأمور كما تقدم تقريره.

كيف وأنها مع ضعف سندها ، ومتنها متعارضة ، فإن من ضرورة التنصيص على كل واحد منهما أن لا يكون الآخر منصوصا عليه (٢). والّذي يدل على أن أبا بكر ، والعبّاس غير منصوص عليهما ، ما سبق فى الوجه الثانى من الوجوه الدالة [على عدم التنصيص] (٣) على عليّ ـ عليه‌السلام (٤).

وأما ما ذكروه فى الدلالة على النّص الجلىّ على عليّ ـ عليه‌السلام ـ فهو باطل.

قولهم : إن خبر الشيعة عنه متواتر ، ممنوع (٥) ، وما المانع أن يكون ذلك من وضع بعض الناس ، فيما مضى من الأعصار الماضية ، ثم إنه شاع وذاع بحيث نقل إلينا على لسان التواتر. أو أنه كان فى بعض الأعصار المتقدّمة ، من قبيل أخبار الآحاد عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم إنه شاع بحيث صار آخره متواترا (٦).

قولهم : لو كان كذلك ، لتوفرت الدّواعى على نقله ، وإشاعته من القائلين بعدم النّصّ الجلىّ.

__________________

(١) قارن بما ورد فى نهاية الإقدام ص ٤٨٩ وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٠ وما بعدها.

(٢) قارن بما ورد فى التمهيد للإمام الباقلانى ص ١٦٩ وغاية المرام ص ٣٠٦ وما بعدها. والمواقف للإيجي ص ٤٠٥ وشرحها : للجرجانى الموقف السادس ص ٣٠٦ ، ٣٠٧.

(٣) ساقط من «أ».

(٤) راجع ما سبق ل ٢٦٧ / أ.

(٥) قارن ما أورده الآمدي هنا من إبطال دعوى التواتر بما أورده الباقلانى فى التمهيد ١٦٥ وما بعدها. والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٨٢ ، ١١٣ وما بعدها ، والإرشاد للجوينى ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ونهاية الإقدام ٤٩٤ ، ٤٩٥ ، وغاية المرام ٣٦٨ ، ٣٧٦. والمواقف للإيجي ص ٤٠٤ وشرحها : الموقف السادس ص ٣٠٤.

(٦) قارن بالتمهيد ١٦٥ ، والمغنى ٢٠ / ١ / ١١٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٤.

قلنا : لا نسلم أنه لم ينقل ، ولم يشع ، وبيانه / أنه قد قيل ، واشتهر أنّ واضع ذلك كان ابن الراوندى ، وهشام بن الحكم وغيرهما من الكذابين.

وإن سلمنا عدم نقل واضعه ، غير أنّ ذلك لا يدل على صحة ما ذكروه ، وتواتره ، بدليل ما نشاهده من الأراجيف الحادثة فى كل زمان بحيث تشيع ، وتكثر كثرة التّواتر ، مع العلم بكذبها ، وبطلانها مع الجهل بواضعها ، ووقت حدوثها (١).

قولهم : القول بذلك ممّا يبطل خبر التّواتر على الإطلاق.

قلنا : ليس كذلك ، فإن ضابط / / خبر التّواتر حصول العلم عنده ، فمهما حصل العلم بخبر الجماعة ، علم تواتره. وما ذكروه ، ليس من هذا القبيل ، فإنا لا نجد أنفسنا عالمة بما أخبروا به من النّصّ الجلىّ ؛ فلا يكون متواترا مع تطرق ما قيل من الاحتمال إليه.

كيف وأن القول بتواتر النّصّ الجلىّ ممّا لا يستقيم على أصول الإمامية ؛ لأن جميع الأمة [عندهم] (٢) ارتدّت بعد موت النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولم يبق منهم على الإسلام إلّا نفر يسير لا يبلغ عددهم إلى عدد التواتر ، ومن [عداهم] (٣) فكفار لا تقوم الحجة بقولهم.

وإن سلّمنا دلالة ما ذكروه على تواتر النّصّ الجلىّ ؛ فهو معارض بما يدل على عدمه.

وبيانه مع ما سبق من الأدلة على عدم التنصيص مطلقا من ستة عشر وجها :

الأول : أن عليّا ـ عليه‌السلام ـ لم يزل يفتخر بذكر ما ورد عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى حقه ، ممّا يدل على مرتبته ، وعلوّ شأنه فى خطبه ، ومناشداته : كخبر الغدير وغيره ، من الأخبار السابق ذكرها ، ولم ينقل عنه ذكر النّصّ الجلىّ على إمامته ، ولو كان متحققا ؛ لكان أولى بالذكر من غيره ؛ لكونه قاطعا ، وما عداه ؛ فظنى (٤).

الثانى : هو أن كثيرا من المعتقدين لفضيلة عليّ على غيره : كالزّيدية ، ومعتزلة البغداديين قد أنكروا هذا النّصّ ، مع زوال التّهمة عنهم ، والشّك فى قولهم (٥).

__________________

(١) قال الرازى فى الأربعين ص ٤٥٨ : «والدليل عليه أن كثيرا من الأراجيف الكاذبة قد اشتهرت الآن فى الشرق والغرب ، ولا يعلم زمان ذلك الوضع أى زمان كان ولا أن ذلك الواضع من كان».

/ / أول ل ١٥٩ / أمن النسخة ب.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) قارن هذا الرد بالتمهيد ١٧٦ ، والمغنى ٢٠ / ١ / ١٢٢.

(٥) قال القاضى الباقلانى فى التمهيد ص ١٦٥ : «ورأينا أكثر القائلين بفضل على عليه‌السلام من الزيدية ومعتزلة البغدادين وغيرهم ينكر النّص عليه ويجحده مع تفضيله عليا على غيره».

الثالث : أنه لو كان منصوصا عليه ؛ لكان أعلم به من غيره ، ولو كان عالما به لذكره للعبّاس حين قال له : «ادخل بنا إلى الرسول ؛ لنسأله عن هذا الأمر ؛ فإن كان لنا بيّنه ، وإن كان لغيرنا ، وصىّ الناس بنا» (١).

الرابع : أنه لما مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال العبّاس لعلىّ : «امدد يدك أبايعك» فيقول الناس ، هذا عمّ رسول الله ، بايع ابن عم رسول الله ؛ فلا يختلف عليك اثنان (٢). وإنّما ذكر ذلك ثقة منه بطاعة النّاس لمن بايعه ؛ لكونه عما للرسول ؛ إعظاما للرسول. ولو كان ثم نصّ جلىّ من الرّسول ؛ لكانوا أطوع له من ذلك ؛ فلا يحتاج إلى المبايعة.

الخامس : أنه لو وجد النّصّ الجلىّ فى حقّ عليّ ، لما رضى بالدخول فى الشورى ؛ لما فيه من ترك العمل بالنّصّ / الجلىّ عليه.

السادس : أنه قد روى عن عليّ ـ كرم الله وجهه ـ أنه قال لطلحة : «إن أردت أن أبايعك بايعتك» (٣) ولو كان النّصّ عليه جليا ؛ لما أقدم على مخالفته.

السابع : أن عليا كتب إلى معاوية : «أما بعد فإن بيعتى بالمدينة ؛ لزمتك بالشام» محتجا عليه بالبيعة ، ولو كان منصوصا عليه نصا جليا ؛ لاحتج بالنص لا بالبيعة ؛ إذ لا بيعة مع النّصّ الجلىّ.

الثامن : قول عليّ ـ عليه‌السلام ـ «لو لا أن يتولى عليها تيس من تيوس بنى أمية ، يحكم بغير ما أنزل الله ؛ لما دخلت فيها» (٤) ولو كان منصوصا عليه نصّا جليا ؛ لما جوّز مخالفته.

التاسع : قوله ـ عليه‌السلام ـ لمّا دعى إلى البيعة : «اتركونى ، والتمسوا غيرى» (٥) ولو كان نصّه جليا ؛ لما أمر بمخالفته.

__________________

(١) انظر ما سبق ل ٢٧٦ / ب.

(٢) ورد فى أنساب الأشراف ٢ / ٥٨٣ ، ٥٨٦ «لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال العباس لعلى : اخرج حتى أبايعك على أعين الناس ؛ فلا يختلف عليك اثنان ، فأبى وقال : أو منهم من ينكر حقنا ، ويستبد علينا».

(٣) انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣٤.

(٤) ورد فى أنساب الأشراف ٢ / ١٠٣ «والله ما تقدمت عليها إلا خوفا من أن ينزو على الأمر تيس من بنى أمية ؛ فيلعب بكتاب الله عزوجل».

(٥) ورد فى تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣٤ «فقال على : دعونى والتمسوا غيرى فإنا مستقبلون أمرا له وجوه ، وله ألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول.

فقالوا : نناشدك الله ألا ترى ما نرى؟ ألا ترى الإسلام ، ألا ترى الفتنة؟ فقال : قد أجبتكم لما أرى».

العاشر : لو كان نصّه جليا ، لما قال : «ليس عندنا عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى هذا الأمر ، وإنما رأيناه من أنفسنا ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمنا ، استخلف أبو بكر فقام ، واستقام حتى مضى لسبيله ـ رحمه‌الله ـ ثم استخلف عمر فقام ، واستقام حتى ضرب الدين بجرّانه ؛ ثم مضى لسبيله ـ رحمه‌الله». ولو كان منصوصا عليه نصّا جليا ، لما قال ذلك ، ولما وصف من تقدمه بالاستقامة ؛ لأن مخالف النّصّ الجلىّ ، لا يكون فعله مستقيما.

الحادى عشر : أنّه لو كان منصوصا عليه نصّا جليا ؛ لما ناصر من تقدمه وعضّده بالمشورة ، والرأى : كرأيه برجوع أبى بكر عن قتال العرب ، وقعود عمر عن الخروج إلى قتال فارس ؛ لأنّ معاضده العاصى معصية.

الثانى عشر : أنه ـ رضي الله عنه ـ كان يخاطب أبا بكر بقوله : يا خليفة رسول الله ، ولو كان هو المنصوص عليه نصّا جليا ؛ لكان كاذبا فى ذلك. وإن كان بطريق التقية ؛ فهو ممتنع ؛ لأن الله ـ تعالى ـ وصف الصحابة بالصدق بقوله : ـ (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١).

الثالث عشر : أنه لو كان منصوصا عليه نصّا جليا ، لم يخل : إما أن يعينه الصحابة على حقه من الإمامة ، أو لا يعينوه.

فإن كان الأول : فيلزم أن يكون عاصيا بتقصيره ، ويخرج بذلك عن أن يكون معصوما ؛ وهو خلاف مذهب الخصم.

وإن كان الثانى : فيلزم أن لا تكون الأمة خير أمة أخرجت للناس ، وأن لا يكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ، وهو خلاف قوله تعالى : ـ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٢) ؛ وهو ممتنع.

الرابع عشر : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «اقتدوا باللّذين من بعدى : أبى بكر وعمر» أمر بمبايعتهما ، ولا يمكن أن يقال لعل الرواية : «اقتدوا باللّذين / / من بعدى أبا بكر ،

__________________

(١) سورة الحشر ٥٩ / ٨.

(٢) سورة آل عمران ٣ / ١١٠.

/ / أول ل ١٥٩ / ب.

وعمر» (١) ويكون المأمور بذلك أبو بكر ، وعمر والمراد باللّذين / من بعده كتاب الله ، وعترته ؛ إذ هو غير منقول ، ولو جوّز تطرق مثل هذه الأشياء إلى الدّلالات اللفظية ؛ لما بقى الوثوق بشيء منها ، وهو خطاب عامّ بالنسبة إلى كل من عدا أبا بكر ، وعمر ؛ فيدخل فيه عليّ ، ولو كان منصوصا عليه نصّا جليا ؛ لما كان مأمورا بمتابعة غيره (٢).

الخامس عشر : أنه لما قال أبو بكر : «أقيلونى فلست بخيركم» ، قال عليّ : «لا نقيلك ، ولا نستقيلك. قدّمك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لديننا ، أفلا نقدمك فى أمر دنيانا». ولو كان منصوصا عليه ؛ لما جاز له ذلك (٣).

السادس عشر : أن من يدّعى النصّ الجلىّ على أبى بكر أيضا بالغون عدد التواتر فى زماننا ، وهم يزعمون أنهم نقلوا ذلك عن جماعة لا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب ، وأنهم أخبروهم [أنهم رووه] (٤) عن جماعة لا يتطرق إليهم التواطؤ (٥) على (٥) الكذب ، وأنهم أخبروهم عن جماعة منهم كذلك وهلم جرّ إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على نحو ما ذكره الإمامية ، ويلزم من التنصيص الجلى على أبى بكر أن لا يكون عليا منصوصا عليه ؛ لاستحالة اجتماع إمامين فى بلد واحد ، وعصر واحد ، وليس أحدهما أولى من الآخر.

قولهم : إنه يمتنع ثبوت الإمامة بالدعوة ، والاختيار.

قلنا : أما الدعوة : فمسلم. وأما الاختيار : فممنوع. وقد أبطلنا كل ما ذكروه على ذلك. وبتقدير التسليم بأن الإمامة لا تثبت بغير النص ؛ فلا نسلم النص على [عليّ] (٦).

قولهم : الأمة مجمعة على أن المنصوص عليه لا يخرج عن أبى بكر ، وعلى والعبّاس مسلم ، غير أن الأمة المجمعة على ذلك عندهم كفار إلّا عدد يسير لا تقوم الحجة بقولهم ، فيكف يصح منهم الاحتجاج [بالإجماع] (٧). فلئن قالوا : إذا أجمعت

__________________

(١) راجع تخريج الحديث فيما سبق هامش ل ٢٦٨ / ب.

(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى الإرشاد للجوينى ص ٢٣٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٤. تحقيقنا.

(٣) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٨٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٥.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) (التواطؤ على) ساقط من ب.

(٦) ساقط من «أ».

(٧) ساقط من «أ».

الأمة على شيء ، فيكون فيهم الإمام المعصوم ؛ لاستحالة خلو كل زمان منه على ما يأتى بيانه ؛ فسنبين بطلانه فيما بعد (١).

وإن سلمنا صحة احتجاجهم بالإجماع غير أنا لا نسلم أنّ أبا بكر ، والعبّاس غير منصوص عليهما ، وما ذكروه فى إبطال التنصيص على أبى بكر ، والعباس ؛ فغير صحيح ؛ إذ جاز أن يكون الشخص منصوصا عليه ، وإن لم يكن عالما به ؛ فإنه ليس من شرط صحه التنصيص على أحد ، سماعه له.

وإن سلّمنا أنّه لا بدّ من سماعه له ، غير أنّه معارض بمثله فى حقّ عليّ أيضا. ودليله ما سبق (٢).

قولهم : إنّ عليّا أفضل الصحابة ؛ لا نسلم ذلك ، وأما قوله ـ تعالى ـ : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (٣) الآية ؛ فلا نسلم أن المدعو إلى ذلك عليّ ؛ بل قد روى أن المراد به قرابته ، وخدمه ، ولذلك ذكرهم بصيغة الجمع ، ولو كان المراد به عليا ؛ لكان مجازا فيه ، والأصل فى الكلام الحقيقة.

قولهم : ليس المراد من قوله : وأنفسنا. نفسه ؛ ممنوع.

قولهم : لأن الإنسان لا يدعو نفسه حقيقة ، أو مجازا. الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ؛ فإن من أراد من نفسه شيئا يصحّ أن يقال دعا نفسه إلى ذلك الشيء ، وهو وإن كان مجازا فحمله على عليّ / أيضا مجاز ، فإنّ عليا ليس هو نفس النبىّ حقيقة ؛ وليس أحد المجازين ، أولى من الآخر (٤).

سلمنا أن المدعو إلى المباهلة عليّ ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك أن يكون أفضل من الصحابة.

قولهم : ذلك يدلّ على أن النّبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى غاية الشفقة على المدعو مسلم.

__________________

(١) راجع ما سيأتى ل ٢٨٥ / ب وما بعدها.

(٢) راجع النصوص التى وردت فى حق الإمام على ـ رضي الله عنه ـ فيما سبق ل ٢٦٩ / أوما يأتى بعدها.

(٣) سورة آل عمران ٣ / ٦١.

(٤) قارن بما ورد فى المواقف للإيجي ص ٤٠٧ وشرحها للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٣٢٠ ومنهاج السنة ٤ / ٣٤ وما بعدها.

قولهم : إما أن يكون ذل لزيادة قربه من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، أو لزيادة فضله ، لا نسلم الحصر ؛ إذ أمكن أن يكون ذلك لمجموع أمور لا وجود لها فى غير المدعو ، وهى أصل القرابة ، وأصل الفضل ، مع زيادة إلف ، وكثرة المعاشرة ، لا لزيادة الفضيلة ، ولا زيادة القرابة (١).

وعلى هذا أمكن اختصاص عليّ بهذه الأمور ، دون غيره من الصحابة ، وهو كذلك.

قولهم : إنه جعل عليا نفسا له.

قلنا : بمعنى أنه أضافها إليه ، أو بمعنى أنه أوجب الاتحاد بين نفس عليه ، ونفسه؟

الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ؛ إذ هو خلاف الحقيقة. وعند ذلك فلا يلزم من مطلق الإضافة الاشتراك فى الصفات ؛ ليلزم ما ذكروه.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ فى [ذى] (٢) الثدية : «يقتله خير الخلق» متروك الظاهر ؛ فإنه يدل على أن من باشر قتل ذى الثدية حقيقة يكون خير الخلق ، وعليّ ما باشر قتله ؛ فيلزم أن يكون من قتله من أصحاب عليّ أفضل من على ، ومن الخلق ؛ وهو ممتنع (٣). ثم إنه يلزم من ذلك أن يكون عليّ خيرا من النّبيّ لأنّه من الخلق ، وبعد التخصيص ؛ فقد بطلت الحقيقة ، وهى حمل لفظ الخلق على العموم.

وعند ذلك فيبقى مترددا بين أقل الجمع ؛ وما عدا صورة التخصيص ؛ فهو مجاز فى كل واحد منهما ، وليس أحد المجازين أولى من الآخر ؛ بل ربما كان حمله على أقل الجمع ؛ أولى لتيقنه.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «أخى ، ووزيرى / / وخير من أتركه بعدى ، يقضى دينى وينجز موعدى ، عليّ بن أبى طالب» (٤) ، فلا حجة فى قوله : «أخى ، ووزيرى» فإنه لا يلزم من كونه أخا للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يكون أفضل عند الله من غيره ، وكذلك الوزير ؛ بل موضع الاحتجاج إنما هو [فى قوله] (٥) : «وخير من أتركه بعدى» ولا حجة فيه أيضا ؛ فإنه

__________________

(١) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٤١ ، ١٤٢.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) قارن بما ورد فى المواقف للإيجي ص ٤٠٩ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢١.

/ / أول ل ١٦٠ / أمن النسخة ب.

(٤) راجع ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٥) ساقط من أ.

قال : «خير من أتركه بعدى يقضى دينى وينجز موعدى على بن أبى طالب» وتقديره : خير من يقضى دينى ، وينجز موعدى ، عليّ. ولا يلزم من ذلك أن يكون خيرا من غيره مطلقا ؛ بل بالنسبة إلى قضاء الدين ، وانجاز الموعد (١).

وقوله ـ عليه‌السلام ـ لفاطمة : «أما ترضين أنى زوجتك خير أمتى» (٢) ليس فيه ما يدل على كونه خيرا من الأمة مطلقا ؛ إذ ليس فى لفظة خير صيغة عموم ؛ ليكون خيرا منهم بالنسبة [إلى كل شيء ، وعند ذلك فيكون خيرا من الأمة] (٣) بالنسبة إلى بعض الأشياء ، ولا يلزم أن يكون خيرا منها مطلقا ، وعلى هذا فإن كان خيرا من غيره من وجه ؛ فيكون غيره خيرا / منه من وجه آخر.

فإن قيل : النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنما ذكر ذلك فى معرض الامتنان ، والإنعام على فاطمة ، ولو كان الأمر على ما ذكرتموه ؛ لم تتحقق هذه الفائدة.

قلنا : أمكن أن يكون تحقيق فائدة الامتنان ، والإنعام عليها بكون على خير الأمة بالنسبة إلى فاطمة فيما يرجع ، إلى القرابة ، وزيادة الحنو ، والشفقة عليها ، وكثرة طواعيته لها ، وزيادة منزلته فى حب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [له] (٤) ، وعلى هذا فقد خرج الجواب عن قوله ـ عليه‌السلام : ـ «خير من أتركه بعدى عليّ» وأمكن تقييد ذلك بأنه خير من يقضى دين النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وينجز موعده.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ عن على : «هذا سيّد العرب» (٥) فلا يخفى أن السيادة عبارة عن التقدم ، والارتفاع. وليس فى لفظ سيّد أيضا صيغة عموم ؛ بل هى مطلقة ، والكلام فيها ، كالكلام فى قوله خير.

ثم وإن سلمنا العموم فى قوله سيّد بالنسبة إلى كل شيء ، غير أنه لا يدل على كونه أفضل ، من جميع الصحابة ؛ فإنه قد كان منهم من ليس بعربىّ : كسلمان الفارسى [وبلال الحبشى] (٦) وغيرهما.

__________________

(١) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٨٢ ، والمواقف ص ٤٠٩ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢١.

(٢) انظر ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٣) ساقط من أ.

(٤) ساقط من أ.

(٥) راجع بشأنه ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٦) ساقط من أ.

فإن قالوا : إذا كان سيّد العرب ، فالعرب سادات لمن سواهم ، وسيّد السيّد سيّد»

قلنا : فيلزم من ذلك أن يكون عليّ سيّد العالمين ، وفيه إبطال قوله ـ عليه‌السلام ـ فى الفرق بينه ، وبين على : «أنا سيّد العالمين ، وعلى سيّد العرب».

وقوله عليه‌السلام : ـ «إنّ الله اطلع على أهل الأرض ثانية فاختار منهم بعلك» (١) يدل على كونه مختارا ، وليس فيه ما يدل على اختياره بالنسبة إلى كل شيء ؛ إذ لا عموم فى قوله : «اختار منهم بعلك» بالنسبة إلى كل شيء (٢) ، ولا يلزم من كونه مختارا بالنسبة إلى بعض الأشياء ، أن يكون أفضل من غيره مطلقا. وعلى هذا أمكن أن يكون مختارا بالنسبة إلى مجاهدته ، بين يدى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو بالنسبة إلى جعله بعلا لفاطمة ، أو غير ذلك.

وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معى» (٣) فليس فيه أيضا ما يدل على كونه أحب الخلق مطلقا ؛ بل أمكن أن يكون أحب الخلق بالنظر ، إلى شيء دون شيء ، ولهذا يصح الاستفسار ، ويقال أحب خلق الله فى كل شيء ، أو فى بعض الأشياء؟

وعند ذلك فلا يلزم من زياده ثوابه فى بعض الأشياء على غيره ، الزيادة فى كل شيء ؛ بل جاز أن يكون غيره أزيد ثوابا منه فى شيء آخر.

فإن قيل : إذا كان كذلك فأى فائدة فى قوله : ائتنى بأحب خلقك أليك؟

قلنا : الفائدة فيه تخصيصه عمّن ليس أحب عند الله ، ولا من وجه.

وقولهم : إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اتّخذ عليا أخا لنفسه ، جاز أن يكون ذلك لزيادة حنوّه عليه ، وشفقته ، بسبب قرابته ، ومصاهرته ، وزيادة خدمته ، وألفته له بكثرة مخالطته له ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ / وليس فى ذلك ما يدل على كونه أفضل من غيره عند الله تعالى (٤).

__________________

(١) راجع بشأنه ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٢) قارن بالمواقف ص ٤١٠ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢٣.

(٣) راجع ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٤) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٨٥ وما بعدها ، والمواقف ص ٤١٠ وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢٣.

وأما قصة خيبر : فليس فيها أيضا ما يدل على أن عليا أفضل من أبى بكر وعمر ؛ بل غايته أن مجموع ما وصفه به من كونه يحب الله ورسوله ، [وأنه] (١) يحبه الله ورسوله ، وأنه كرار غير فرار ، لم يجتمع فيهما ، وذلك متحقق بفرارهما ، ويلزم من ذلك ، أن يكون أفضل منهما بالنظر إلى هذا الوجه لا غير (٢) ، ولا يلزم أن يكون أفضل منهما مطلقا ؛ لجواز أن يكون كل واحد منهما ، أفضل منه من وجه آخر.

قولهم : إن عليا كان أعلم الصحابة ؛ لا نسلم ذلك.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «أقضاكم على» (٣) لا يدل على أنه أعلم ؛ بل غايته أنه لا يحتاج إلى جميع أنواع العلوم التى يتعلق بها القضاء ، وفصل الخصومات / / ولا يدل ذلك على بلوغه فى كل واحد منهما إلى الغاية القصوى ، والنهاية العليا ، وعلى هذا وإن كان أعلم من غيره من جهة اشتماله على أصول العلوم ، فلعل غيره أعلم منه لبلوغه فى آحاد العلوم النهاية التى لم يبلغها عليّ كرّم الله وجهه.

وإن سلمنا أنه أعلم الصحابة ، وأنه أفضل من باقى الصحابة ، بالنسبة إلى فضيلة العلم ؛ فلا يلزم أن يكون أفضل من غيره مطلقا ؛ لجواز اختصاص غيره بفضيلة غير فضيلة العلم ، يكون بها أفضل من عليّ ـ عليه‌السلام.

قولهم : إن عليا كان أكثر جهادا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من جميع الصحابة.

قلنا : وإن كان أكثر جهادا بالقتال ، ومنازلة الأبطال من غيره ، فليس فى ذلك ما يدل ، على أنه أفضل من غيره مطلقا ؛ لجواز اختصاص غيره بفضيلة لا وجود لها فيه ، كالجهاد مع النفس بالعبادات ، أو الجهاد مع العدوّ بإقامة البراهين ، ودفع الشبهات ، أو غير ذلك (٤).

وقولهم : إنّ إيمان عليّ كان سابقا على إيمان جميع الصحابة ، ممنوع وما ذكروه معارض بما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «ما عرضت الإيمان على أحد إلّا وكان له

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) قارن بما ورد فى المواقف ص ٤١٠ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢٣.

(٣) انظر ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / ب.

/ / أول ل ١٦٠ / ب من النسخة ب.

(٤) قارن به ما ورد فى : الفصل فى الملل والنحل ٤ / ١٣٥ ، ١٣٦ ، والأربعين للرازى ص ٤٧٧ ، ومنهاج السنة لابن تيمية ٤ / ١٦٣.

كبوة غير أبى بكر فإنه لم يتلعثم» (١) ؛ وذلك يدل على سبقه لكل من عداه إلى الإيمان ؛ لأنه لو لم يكن كذلك ؛ لكان تأخره فى الإيمان ، لا لعدم إجابته ؛ بل لتقصير النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى دعائه إلى الإيمان ؛ وذلك ممتنع فى حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وإن سلمنا أن إيمان عليّ كان سابقا على إيمان أبى بكر ، غير أن إسلام أبى بكر كان بعد البلوغ ، وإسلام عليّ قبل البلوغ ، بدليل ما نقل عنه من الشعر. وإسلام العاقل البالغ ، أفضل من إسلام الصبىّ ، لثلاثة أوجه :

الأول : أن النّاس قد اختلفوا فى صحة إسلام الصبى ، مع اتفاقهم على صحة إسلام العاقل البالغ ؛ وذلك يدل على كون إسلام البالغ أفضل.

الثانى : / أنّ إسلام العاقل ، البالغ أنفع لنفسه ، ولغيره ، أما بالنسبة إلى نفسه ؛ فلأن تأدية العبادات ، وامتثال أمر الشارع ، ونهيه [أكثر] (٢) ؛ فيكون أكثر ثوابا. وأما بالنسبة إلى غيره ، فلأن تأسى الغير به فى الدخول فى الإسلام لكمال عقله يكون أكثر على ما لا يخفى.

الثالث : أن دعاءه لغيره إلى الإسلام ، وحثّه عليه ، يكون أفيد ، وأقرب إلى المقصود من الصبى ، ولهذا فإن أبا بكر بعد إسلامه ، كان هو السبب فى إسلام عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقاص ، وابن مظعون (٣) بدعائه لهم إلى الإسلام ، وتوسطه بينهم ، وبين الرسول فى إسلامهم ، وكان ذلك سبب قوة الإسلام ، وظهوره ، بخلاف إسلام عليّ صبيا ؛ فإنه لم يتأت منه مثل هذه الفائدة الجسيمة ؛ فكان إسلامه أفضل.

وإن سلمنا أن من سبق إلى الإسلام أفضل ؛ لكن من جهة سبقه إلى الإسلام ، أو مطلقا؟ الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع ، وعلى هذا فلا يلزم أن يكون على أفضل من غيره مطلقا.

__________________

(١) ورد فى جامع الأصول ٩ / ٤٢٩.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٣٢.

وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (١) لا نسلم أن المراد من قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) عليّ بن أبى طالب ؛ بل المراد به خيار المؤمنين على ما قاله أكثر المفسرين. وقال العلاء بن زياد (٢) : المراد به الأنبياء (٣).

وقال الضحاك (٤) : المراد به أبو بكر ، وعمر ، ويقال عثمان أيضا.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «من كنت مولاه فعلىّ مولاه». وقوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» سيأتى جوابهما فيما بعد (٥).

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «من أراد أن ينظر إلى آدم فى علمه» الحديث ؛ فليس فيه ما يدل على تفضيله.

قولهم : إنه أوجب مساواته لكل نبى فى صفته ، لا يخلو : إما أن يوجب مساواته لكل واحد فى الفضيلة ؛ لمساواته فيما يشبهه به ، أو لا يوجب ذلك.

الأول : محال. لما فيه من القول بأن عليا مساو للنبى ـ عليه الصلاة والسلام فى الفضيلة ؛ وهو خلاف الإجماع ، ولأنه يلزم من مساواته لكل واحد من الأنبياء المذكورين فى فضيلته ، أن يكون أفضل من كل واحد منهم ؛ لمساواته له فى فضيلته ، وترجحه عليه بفضيلة غيره ؛ والولىّ لا يكون أفضل من النبىّ بالإجماع.

وإن كان الثانى : فقد بطل ما ذكروه من وجه الاستدلال.

وما ذكروه من اتصافه بالصفات المذكورة ، والمناقب المشهورة ، فكل ذلك ممّا يوجب الفضيلة لا الأفضلية ، فإنّه / / ما من واحد من آحاد الصّحابة ، إلّا وهو أيضا مختص بمناقب وفضائل لم توجد فى حق غيره ، وإن لم يكن أفضل من غيره.

__________________

(١) سورة التحريم ٦٦ / ٤.

(٢) العلاء بن زياد : هو العلاء بن زياد بن مطر بن شريح حدث عن أبى هريرة توفى فى ولاية الحجاج سنة ٩٤.

[طبقات ابن سعد ٧ / ٢١٧ ، تهذيب التهذيب ٨ / ١٨١].

(٣) راجع فى ذلك تفسير الرازى ٣٠ / ٤٤.

(٤) هو الضحاك بن مزاحم البلخى الخراسانى ـ حدث عن ابن عباس وأبى سعيد الخدرى توفى سنة ١٠٥ ه‍.

[ميزان الاعتدال ١ / ٤٧١ ، وتهذيب التهذيب ٤ / ٤٥٣].

(٥) راجع ما سيأتى ل ٢٨٢ / أوما بعدها.

/ / أول ل ١٦١ / أ.

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على أن عليا أفضل من باقى الصّحابة ، إلّا أنه معارض بما يدل على أنه أبا بكر أفضل منه.

وبيانه من ثلاثة عشر وجها :

ـ الأول : قوله ـ تعالى ـ : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) (١) الآية قال أكثر أهل التفسير ، وعليه اعتماد العلماء : إنها نزلت فى حق أبى بكر (٢) ؛ فيكون / موصوفا فى كونه أتقى ، والأتقى هو الأكرم عند الله ـ تعالى لقوله ـ تعالى : ـ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٣). والأكرم عند الله هو الأفضل ؛ فإذا الآية دالة على أن أبا بكر أفضل من كل من عداه من الأمة.

الثانى : قوله ـ عليه‌السلام ـ «اقتدوا باللّذين من بعدى أبى بكر ، وعمر» (٤) ، أمر كل واحد بالاقتداء بهما ؛ فيدخل فيه عليّ (٥) ، ويلزم من ذلك أن يكون عليّ ـ عليه‌السلام ـ مفضولا بالنسبة إلى أبى بكر ؛ لأنه إن لم يكن مفضولا ، فإما مساو ، أو أفضل. فإن كان مساويا : فليس بأفضل ؛ وهو المطلوب.

كيف وأنه يمتنع أن يكون مساويا ؛ فإنه ليس الأمر بمتابعة أحد المتساويين للآخر ، أولى من العكس.

وإن كان أفضل : كان الواجب أن يكون الأمر بالمتابعة بالعكس ، وإذا بطل أن يكون أفضل ، أو مساو ؛ لزم أن يكون مفضولا.

الثالث : ما روى أن أبا الدرداء (٦) كان يمشى [أمام] (٧) أبى بكر. فقال له ـ عليه‌السلام ـ : [أتمشى أمام من هو خير منك ، فقال أبو الدرداء : أهو خير منى] (٨) فقال له

__________________

(١) سورة الليل ٩٢ / ١٧ ، ١٨.

(٢) انظر فى ذلك. أسباب النزول للواحدى ص ٣٠٠ ، وتفسير الرازى ٣١ / ٢٥.

(٣) سورة الحجرات ٤٩ / ١٣.

(٤) ورد فى مسند الإمام أحمد ٥ / ٣٨٢ ، وصحيح الترمذي ٥ / ٦٠٩.

(٥) قارن بالمواقف ص ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٧.

(٦) أبو الدرداء : هو عويمر بن مالك بن قيس الخزرجى. صحابى جليل ، تولى قضاء دمشق بعهد من عمر بن الخطاب ، وتوفى بالشام سنة ٣٢ ه‍.

[الاستيعاب ٢ / ٤٥٢ ، والإصابة ٣ / ٤٦].

(٧) ساقط من أ.

(٨) ساقط من أ.

عليه‌السلام : «ما طلعت الشمس ، ولا غربت بعد النبيين ، والمرسلين على رجل ، أفضل من أبى بكر» (١).

الرابع : قوله ـ عليه‌السلام ـ لأبى بكر ، وعمر : «هما سيّدا كهول أهل الجنّة ما خلا النبيين ، والمرسلين» (٢).

الخامس : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «لا ينبغى لقوم يكون فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه غيره» (٣).

السادس : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «ليؤم الناس أبو بكر» (٤) وتقديمه فى الصلاة مع أنها أفضل العبادات ؛ أدلّ على كونه أفضل (٥).

السابع : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «يأبى الله ورسوله إلّا أبا بكر» (٦).

الثامن : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «آتونى بدواة وقرطاس أكتب إل أبى بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان» (٧)

التاسع : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «خير أمتى أبى بكر ، وعمر» (٨).

العاشر : قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد ذكر أبو بكر عنده : «وأين مثل أبى بكر ، كذّبنى الناس وصدّقنى ، وآمن بى ، وزوّجنى ابنته ، وجهّزنى بماله ، وواسانى بنفسه ، وجاهد معى ساعة الخوف» (٩).

__________________

(١) ورد بألفاظ متقاربة فى مجمع الزوائد ٩ / ٤٣ ، ٤٤ ، والصواعق المحرقة ص ١٠٣ وعلق عليه : «وفيه إسماعيل بن يحيى التميمى وهو كذاب»

كما ورد فى المستدرك ٣ / ٩٠ ، ولكن باسم عمر وعلق الذهبى عليه قائلا «والحديث شبه موضوع».

(٢) ورد بألفاظ متقاربة : فى سنن ابن ماجه ١ / ٣٦ ، ٣٨ ، ومجمع الزوائد ٩ / ٥٣ وعلق عليه «وفيه على بن عابس وهو ضعيف».

(٣) ورد فى سنن الترمذي ٥ / ٦١٤ ، وقال عنه ابن الجوزى فى العلل المتناهية ١ / ١٩٣ إلا أن هذا الحديث لا يصح.

قال يحيى بن معين (فى مسنده) أحمد بن بشر : متروك ، وعيسى بن ميمون : منكر لا يحتج بروايته».

(٤) صحيح البخارى ١ / ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٥) قارن بالمواقف ص ٤٠٨ وشرحه ص ٣١٨.

(٦) سبق تخريجه ل ٢٦٨ / ب.

(٧) سبق تخريجه ل ٢٦٨ / ب.

(٨) ورد فى مجمع الزوائد ٩ / ٥٣ بلفظ مقارب وقال فيه : «وفيه الفضل بن مختار وهو ضعيف».

(٩) ورد فى مجمع الزوائد ٩ / ٤٦ بلفظ مقارب وقال فيه : «وفيه أرطاة أبو حاتم وهو ضعيف».

الحادى عشر : قول عليّ ـ كرّم الله وجهه : ـ «خير النّاس بعد النّبيّين أبو بكر ، ثم عمر ، ثم الله أعلم» (١).

الثانى عشر : ما روى عن عليّ ـ كرّم الله وجهه أنه قيل له : «ما توصى ، فقال : ما أوصى رسول الله حتى أوصى ؛ ولكن إن أراد الله بالنّاس خيرا جمعهم على خيرهم ، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم» (٢).

الثالث عشر : قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لو كنت متّخذا خليلا دون ربى لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكنّ صاحبكم شريكى فى دينى ، وصاحبى الّذي وجبت له صحبتى فى الغار ، وخليفتى فى أمتى» (٣).

إلى غير ذلك من الأدلة. [وهذه الأدلة] (٤) وإن لم تكن راجحة ، فلا أقل من التّساوى ، ومع التّساوى يجب القول بالتّساقط ، والرّجوع إلى إجماع الصحابة.

وإن سلمنا أن عليا أفضل من جميع الصحابة ؛ ولكن لا نسلم امتناع إمامة المفضول مع وجود الفاضل ؛ وذلك لأنه إذا وقع التساوى بينهما / فى أصل الشروط المعتبرة فى الإمامة ، فلا يمتنع أن يكون تفويض الإمامة إلى المفضول أفضى إلى صلاح الناس ، واستقامة أمورهم ؛ وذلك بأن يكون الفاضل مبغوضا لأكثر الخلق ، والمفضول محبوبا لهم. ومثل ذلك فقد تحقق فى حق عليّ باعتراف الإمامية ، حيث زعموا أن الأمّة منعوه حقه ، وتمالئوا على إخفاء النّص الجلىّ عليه ، وعلى نصب أبى بكر إماما ، ولذلك سمّوهم نواصب.

قولهم : إن الأمة مجمعة على أن الإمامة غير خارجة عن أبى بكر ، وعليّ ، والعباس ؛ فقد بيّنا أن استدلالهم بالإجماع ممّا لا يصح. وبتقدير الصحة لا نسلم أنّ أبا بكر ، والعبّاس غير صالحين للإمامة.

__________________

(١) ورد فى صحيح البخارى ٥ / ٩ «عن محمد بن الحنفية قال : «قلت لأبى أى الناس خير بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : أبو بكر ؛ قلت : ثم من ، قال : ثم عمر وخشيت أن يقول عثمان ، قلت : ثم أنت ، قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين».

(٢) انظر بشأنه ما سبق فى ل ٢٦٧ / أ.

(٣) متفق عليه رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما : البخارى ٥ / ٥ ومسلم ٧ / ١٠٨.

(٤) ساقط من «أ».

قولهم : إنهما غير معصومين ، مسلم ؛ ولكن لا نسلم أن الإمام لا بدّ وأن يكون معصوما على ما سيأتى (١).

قولهم : إنّ أبا بكر ، والعبّاس ، كانا كافرين قبل البعثة ؛ والكافر ظالم.

قلنا : الكافر ظالم حالة كفره ، أو بعد زواله. الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع ؛ فإنه بعد الإسلام لا نسمى الشخص كافرا / / حقيقة بالإجماع ، وإذا كان الكفر هو منشأ تسميته ظالما ، ولا كفر حقيقة ؛ فلا ظلم حقيقة. والأصل فى قوله ـ تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) الحقيقة دون المجاز.

قولهم : لا يشترط فى إطلاق الاسم المشتق حقيقة ؛ وجود المشتق منه ، ليس كذلك ، فإن تسمية المحل أسود ، أو أبيض حالة عدم السواد المشتق منه ، اسم الأسود ، وعدم البياض ، المشتق منه اسم الأبيض ؛ لا يكون حقيقة ، ولو لم يكن وجود الصفة المشتق منها شرطا فى وصف المحل بكونه أسود ، أو أبيض ؛ لما كان كذلك.

وما ذكروه من الاستشهاد بالقائل ، والماشى ، فالمشتق منه اسم الماشى : إنما هو الحركة الأخيرة مشروطا بعدم الحركات السابقة بعد وجودها ، وكذلك الحكم فى القول.

قولهم : إنه تصدق عليه حالة اتصافه بكونه ظالما ، أنه لا ينال عهد الله بجهة العموم لوقت الظّلم وما بعده ، لا نسلم ذلك ؛ بل هو مقصور على حالة كونه ظالما حقيقة ، وصحة الاستثناء معارض بصحة الاستفهام ؛ فإنه يصح أن يقال : لا ينال عهد الله فى حالة الظلم ، أو فى جميع الأوقات؟ ولو كان ذلك ظاهرا فى العموم ؛ لما حسن الاستفهام.

وقوله ـ تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (٣) الآية ، إنما يكون حجة أن لو كان الولى فى الآية بمعنى الأولى بالتصرف. وما المانع من حمله على معنى الناصر؟

قولهم : إن الولاية بمعنى النصرة عامة ، والولاية فى الآية خاصة.

__________________

(١) راجع ما سيأتى فى الفصل الثالث ل ٢٩٠ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٦١ / ب.

(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٥٤.

(٣) سورة المائدة ٥ / ٥٥.

قلنا : الولاية بمعنى النصرة ، إنما تكون عامة ، إذا أضيفت إلى جمع غير مخصوصين بصفات معينة ، كما فى قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١). وأما إذا أضيفت إلى جمع / مخصوصين بصفات خاصة كما فى الآية المحتج بها فلا ، وعلى هذا فلا يمتنع أن تكون الولاية المحصورة فى الله ، ورسوله ، والمؤمنين المخصوصين ، بالصفات المذكورة فى الآية ، الولاية بمعنى النصرة ، وهى الولاية الخاصة فيها ، دون الولاية العامة من غير منافاة بين الآيتين المذكورتين ، ويكون تقدير الآية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) والمؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة ؛ أى الولاية الخاصة بمعنى النصرة لا الولاية العامة.

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه ، على أن الولاية فى الآية بمعنى التّصرّف ، غير أنه يمتنع حمل لفظ المؤمنين على عليّ ـ عليه‌السلام ـ لما فيه من حمل لفظ الجمع على الواحد ؛ وهو مخالف للأصل والحقيقة.

قولهم : إن أئمة التفسير اتفقوا على أن المراد بالمؤمنين المذكورين فى الآية عليّ ، لا نسلم الاتفاق على ذلك ، فإنه قد حكى النقاش فى تفسيره عن أبى جعفر (٢) أنه قال : «المؤمنون المذكورون فى الآية : أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام». وهو الأظهر ؛ لما فيه من موافقة ظاهر لفظ الجمع (٣).

وإن سلمنا أن المراد إنما هو عليّ ـ كرم الله وجهه ـ غير أنه يمتنع جعله بذلك إماما ، وخليفة عن الرّسول ، وإلّا لزم فيه إمّا تخصيص ولايته بما بعد موت النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ [وهو خلاف ظاهر الآية ، وإما إثبات الولاية له بمعنى التصرف فى الأمة فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٤) ؛ وهو خلاف الإجماع منّا ، ومن الخصوم (٥).

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ٧١.

(٢) أبو جعفر (٥٧ ـ ١١٤ ه‍) هو محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، أبو جعفر الباقر (الإمام) روى عن أبيه وجديه : الحسن والحسين (رضى الله عن الجميع).

من التابعين الثقات ، وخامس الأئمة عند الإمامية. كان محدثا ومفسرا. توفى سنة ١١٤ ه‍.

[وفيات الأعيان ٤ / ١١٧٤ ، وتهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٠].

(٣) انظر تفسير القرطبى ٦ / ٢٢١. وقارن به تفسير ابن كثير ٢ / ٧١.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) قارن به تفسير الفخر الرازى ١٢ / ٣١ ، والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٣٣ ، ١٣٤.

وقوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١) لا نسلم كونه حجة.

قولهم : إنه أمر بمتابعة الصّادق.

قلنا : فى الظاهر ، أو فى نفس الأمر؟

الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع ؛ وعلى هذا فلا يلزم العصمة.

وإن سلمنا أنه لا بدّ من عصمة المأمور بمتابعته فى نفس الأمر ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك أن يكون عليّ معصوما.

قولهم : إن غير عليّ من الصحابة غير معصوم.

قلنا : غير عليّ غير معصوم من آحاد الصحابة ، أو جملة الصحابة؟ الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع على ما تقدم فى بيان عصمة الأمة عن الخطأ (٢). وعلى هذا فلا يمتنع أن يكون المراد بالصادقين ، المجمعون من أهل الحل والعقد من الصحابة وغيرهم دون آحاد الصحابة ؛ وهو الأظهر نظرا إلى صيغة الجمع فى الصادقين (٣) ؛ فإنه حقيقة فى الجمع لا فى الآحاد.

كيف وأنه ليس كل إمام عند الخصوم ظاهرا ، والأمر بمتابعة من ليس بظاهر ، ولا معروف ممتنع.

فإن قيل : إذا كان الخطاب مع المؤمنين بمتابعة الصادقين ، وإذا كان المراد بالصادقين ، المجمعين من أهل الحل والعقد ، فهم من المؤمنين المخاطبين ، ويلزم من ذلك أن يكونوا مخاطبين بمتابعة أنفسهم ؛ وهو ممتنع مخالف للظاهر.

قلنا : فإذا كان الخطاب مع المؤمنين ، فالأئمة داخلون فيهم أيضا ، فلو كان المأمور بمتابعته من الصادقين / / هم الأئمة [فيلزم أن يكون الأئمة] (٤) أيضا / قد أمروا بمتابعة أنفسهم.

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ١١٩.

(٢) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ٢٧ / أ.

(٣) قارن بما ورد فى تفسير الفخر الرازى ١٦ / ٢٢٧.

/ / أول ل ١٦٢ / أ.

(٤) ساقط من «أ».

والجواب عن الإشكالين يكون متحدا. وعلى هذا يكون الجواب عن قوله ـ تعالى ـ : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١).

وقوله عليه‌السلام : «من كنت مولاه ؛ فعلى مولاه» (٢) من أخبار الآحاد ؛ فلا يكون حجة فى هذا الباب ؛ لما تقدم (٣).

قولهم : الأمة مجمعة على صحته ؛ فقد سبق إبطال احتجاجهم بالإجماع. وإن صحّ احتجاجهم بالإجماع ؛ لكن لا نسلم أن هذا الحديث ممّا أجمعت الأمة على صحته ؛ فإنه قد طعن فيه ابن أبى داود (٤) ، وأبو حاتم (٥) الرازى وغيرهما من أئمة الحديث.

وإن سلمنا الإجماع على صحته ؛ لكن بجهة القطع ، أو بجهة الظّن؟ الأول ممنوع ، والثانى مسلم.

وإن سلّمنا أنه مقطوع بصحته ؛ لكن لا نسلم صحة الزيادة فيه ؛ وهى قوله : «ألست أولى بكم من أنفسكم» ولا يمكن دعوى إجماع الأمة عليها ؛ فإن أكثر المحدثين لم يوافقوا عليها.

سلمنا صحة الأصل والزيادة ؛ ولكن لا نسلم صحة الاحتجاج به على إمامة عليّ عليه‌السلام.

قولهم : لفظ المولى يحتمل الأولى ؛ لا نسلم ذلك (٦) ، وبيانه من وجهين : ـ الأول : أن أحدهما بمعنى أفعل ، والأخر بمعنى مفعل ، وقد نقل عن أهل اللغة أنه لم يرد أحدهما بمعنى الآخر.

__________________

(١) سورة المائدة ٥ / ٩٢.

(٢) سبق تخريجه ل ٢٧١ / أ.

(٣) راجع ما تقدم ل ٢٦٦ / ب.

(٤) ابن أبى داود (٢٣٠ ـ ٣١٦).

هو أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستانى ، ولد بسجستان ؛ وتوفى ببغداد اشتغل بالتفسير وعلم الحديث والاقراء [وفيات الأعيان ١ / ٢٦٨ ، تاريخ بغداد ٩ / ٤٦٤].

(٥) أبو حاتم الرازى (١٩٥ ـ ٢٧٧).

هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داود الغطفانى الرازى ، ولد بالرى ، اشتهر برواية الحديث ونقده طاف بالبلدان الإسلامية ، توفى ببغداد [تهذيب التهذيب ٩ / ٣١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٤٧].

(٦) لنفى احتمال تضمن لفظ المولى على معنى الأولى. راجع بالإضافة لما أورده الآمدي هاهنا.

التمهيد للباقلانى ١٧٠ ـ ١٧١ ، والإرشاد للجوينى ص ٣٣٨.

وغاية المرام للآمدى ص ٣٧٨ ، والمواقف للإيجي ص ٤٠٥ وشرحها ـ الموقف السادس ص ٣٠٦.

الثانى : أنه لو ورد أحدهما بمعنى الآخر وكان المفهوم منهما واحدا ؛ لصحّ أن يقترن بكل واحد منهما ما يقترن بالآخر ، وذلك بأن يقال : فلان مولى من فلان ، كما يقال [فلان] (١) أولى من فلان ، وفلان أولى فلان ، كما يقال فلان مولى فلان ؛ وهو ممتنع (٢).

غير أن لقائل أن يقول : [إنّ] (٣) المفهوم منهما وإن كان واحدا ، غير أن اللفظ مختلف.

وعند ذلك فلا يلزم أن يجوز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر ، إلّا أن نبين أن ذلك اللازم من لوازم مفهوم اللفظ ، لا من لوازم اللفظ ؛ وهو غير مسلم.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) (٤) لا نسلم أن المولى هاهنا بمعنى الأولى ؛ بل المراد به الوارثون ، وهم العصبة من بنى العم ، والقربى ممّا ترك الوالدان ، والأقربون (٥).

وقوله تعالى : ـ (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (٦) لا نسلم أن المولى هاهنا أيضا بمعنى الأولى ؛ بل قد قيل المراد بقوله أولى بكم ، أى مكانكم ، ومقركم وما إليه مالكم ، وعاقبتكم ، ولهذا قال تعالى : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧)

وقد قيل : أمكن أن يكون المراد به : النار ناصركم بمعنى المبالغة فى نفى الناصر له. كما يقال : الجوع زاد من لا زاد له ، والصبر حيلة من لا حيلة له ، والمراد المبالغة فى نفى الحيلة ، والزاد. أمّا أن يكون الجوع زادا ، والصبر حيلة ؛ فلا.

وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» (٨). لا نسلم صحته وبتقدير صحته [فالمراد] (٩) بقوله مولاها ، مالك

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) ورد فى تفسير الرازى ٢٩ / ٢٢٨ «لأنه لو كان مولى ، وأولى بمعنى واحد فى اللغة لصح استعمال كل واحد منهما مكان الآخر ، فكان يجب أن يصح أن يقال : هذا مولى من فلان ، كما يقال : هذا أولى من فلان ، ويصح أن يقال هذا أولى فلان كما يقال هذا مولى فلان».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) سورة النساء ٤ / ٣٣.

(٥) فى تفسير ابن كثير ١ / ٤٨٩ «ولكل جعلنا موالى : أى ورثة. وعن ابن عباس فى رواية : أى عصبة» وقارن به ما جاء فى تفسير الفخر الرازى ١٠ / ٨٦ ، ٨٧.

(٦) سورة الحديد ٥٧ / ١٥.

(٧) سورة الحديد جزء من الآية رقم ١٥.

(٨) سبق تخريجه فى هامش ل ٢٧٢ / أ.

(٩) ساقط من «أ».

رقبتها ، والمتصرف فيها لغرض يعود إليه لا إليها ؛ فإنه المتبادر إلى الأفهام من إطلاق / لفظ المولى بإزاء الأمة ، وعند ذلك فيمتنع إطلاقه بإزاء الأولى المطلق فى قوله عليه الصلاة والسلام : «ألست أولى بكم من أنفسكم» ، وإلا لصدق على النبي أنه مالك رق من خاطبهم بذلك ؛ وهو ممتنع بالإجماع.

سلمنا احتمال إطلاق المولى بمعنى الأولى ؛ ولكن لا نسلم وجوب حمله عليه فيما نحن فيه.

قولهم : لفظ المولى إما أن يكون ظاهرا فى الأولى بالتصرف ، أو لا يكون ظاهرا فيه.

قلنا : ليس ظاهرا فيه.

قولهم فى الوجه الأول : إن اللفظ المتحد إذا أطلق وله محامل ؛ فلا بدّ له من البيان ، والمذكور فى مبدأ الكلام وهو قوله : «أولى بكم» صالح للبيان ؛ فوجب الحمل عليه.

[قلنا : إنما يجب الحمل عليه] (١) أن لو لم يكن لفظ المولى ظاهرا فى محمل من جملة تلك المحامل ، وأما إذا كان ظاهرا فى كل واحد منها فيجب الحمل عليه ، لا على غيره ، وهو الأولى. نفيا للإجمال عن الكلام ؛ لكونه مخلا بمقصود الوضع ، وهو التقاؤهم ، وذلك على خلاف الأصل.

وعلى هذا : فلا يمتنع أن يكون لفظ المولى ظاهرا فى الناصر ، والمعين ، ولا يكون محتاجا إلى البيان.

كيف وأن الأصل عند تعدد الألفاظ تتعدد المعانى تكثيرا للفائدة ، ولو كان لفظ المولى بمعنى الأولى ؛ لكان أقل فائدة ؛ وهو بعيد.

وإن سلمنا وجوب حمل لفظ المولى فى الحديث المذكور على الأولى ؛ ولكن لا نسلم أن المراد به الأولى بالتصرف فيهم ؛ بل أمكن أن يكون المراد به [أنه] (٢) الأولى بهم فى محبته ، وتعظيمه ، وليس أحد المعنيين أولى من الأخر.

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) ساقط من «أ».

[كيف] (١) وأن الترجيح لما ذكرناه ، فإنه لو حمل ذلك على الأولى / / بالتصرف فيهم ؛ للزم أن يكون عليّ إماما فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو خلاف الإجماع ، أو أن يكون ذلك مقيدا بما بعد موت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ؛ وهو خلاف الظاهر من اللفظ.

قولهم : فى الوجه الثانى أنه يتعذر حمل لفظ المولى على غير الأولى من المحامل المذكورة ؛ لا نسلم ، وما المانع من حمله على معنى الناصر والمعين (٢).

قولهم : لا فائدة فيه ؛ لكونه معلوما من قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٣).

قلنا : لا نسلم أنه لا فائدة فيه ؛ فإن ما أثبته لعلىّ ، إنما هو النصرة لجميع المؤمنين ، والنصرة الثابتة فى قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، نصرة البعض للبعض.

سلمنا أن المثبت فى الآية والخبر واحد ؛ لكنه مع ذلك مقيد ، وبيانه من وجهين : ـ

الأول : أنه أثبت النصرة لعلىّ فى الخبر بدليل يخصه ، وفى الآية دليل يعمه ، والخاص أبعد عن التخصيص ، وأقوى فى الدلالة ؛ فكان مقيدا.

الثانى : هو أن فى اقتران موالاته بموالاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ زيادة مزية ، وتعظيم غير حاصل من الآية ، ولا يخفى أن ذلك من أعظم الفوائد.

وإن سلمنا أنه غير مقيد من جهة أن ما أثبته فى الخبر معلوم من / الآية ؛ فيلزمهم من ذلك أن لا يكون إثبات إمامة عليّ بمثل هذه النصوص الخفية مفيدا ؛ فإن إمامته على أصولهم معلومة بالنّصّ الجلى ، وعلى هذا فالجواب يكون متحدا.

سلمنا امتناع حمل المولى فى الخبر على غير الأولى فى التدبير والتصرف ؛ لكن بمعنى أنّه أعرف بمصالحهم فى التدبير والتصرف ، أو بمعنى نفوذ تصرفه عليهم شاءوا ، أو أبوا؟. الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع.

__________________

(١) ساقط من «أ».

/ / أول ل ١٦٢ / ب من النسخة ب.

(٢) قارن به : المغنى ٢٠ / ١ / ١٤٨ ، والمواقف ص ٤٠٥ وشرحها الموقف السادس ص ٣٠٦

(٣) سورة التوبة ٩ / ٧١.

وإنما قلنا بامتناع الثانى ؛ لأنه يلزم منه أن يكون عليّ إماما فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو أن يكون ذلك مقيّدا بما بعد موته ، وكل واحد منهما خلاف الظاهر ؛ لما سبق.

وقوله عليه‌السلام لعلىّ : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» (١) ، لا يصح الاستدلال به أيضا من جهة السند ، كما تقدم فى الخبر الّذي قبله.

وإن سلمنا صحة سنده قطعا ؛ لكن لا نسلم أن قوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» تعم كل منزلة كانت لهارون من موسى ؛ فإنّ من جملة منازل هارون من موسى أنه كان أخا له من النسب ، وأنه كان شريكا له فى النبوة ؛ ولم يثبت ذلك لعلى ـ رضى الله عنه (٢).

قولهم : منزلة اسم جنس ، يصلح لكل المنازل ، ولكل واحد واحد ؛ لا نسلم أن اسم الجنس إذا عرّى عما يوجب التعميم فيه كدخول الألف ، واللام عليه ، كقولنا : المنزلة ، أو دخول حرف النفى عليه ، كقولنا : لا منزلة أنه يعم كل منزلة ؛ بل هو من قبيل الأسماء المطلقة الصالحة لكل واحد ، واحد من الجنس على طريق البدل ، لا أن يكون متناولا للكل على طريق الاستغراق معا ، وإلّا لما بقى بين المطلق ، والعام فرق (٣) ، وأن يكون قولنا : رجل بمنزلة قولنا : الرجل ؛ وهو محمل مخالف لإجماع أهل اللغة.

سلمنا أن [لفظ] (٤) الجنس صالح للعموم ، والآحاد ؛ لكن بطريق العموم ، أو الاشتراك؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ؛ ولهذا فإنه يحسن الاستفسار وهو أن يقال : فى كل المنازل ، أو فى بعضها؟ وهو دليل الاشتراك (٥).

قولهم : لو حملناه على بعض المنازل دون البعض : فإما أن يكون ذلك البعض معيّنا ، أو مبهما.

__________________

(١) أخرجه البخارى ٥ / ٢٤ «قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعلى : أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى».

كما ورد فى صحيح مسلم ٧ / ١٢٠.

(٢) قارن بالمغنى ٢٠ / ١٥٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٠.

(٣) قارن بإحكام الأحكام للآمدى ١ / ٤٠ ـ ٤٢.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) قارن بما ورد فى إحكام الأحكام للآمدى ١ / ٢١ ـ ٢٤.

قلنا : هذا ممّا يخرج اللفظ المطلق عن اطلاقه ، وحقيقته بأمر ظنى ؛ فلا يقبل. وقوله عليه الصلاة والسلام : «إلّا أنه لا نبىّ بعدى» ممّا لا يدل على التعميم ، والاستغراق لكل منزلة ؛ بل على صلاحية منزلة لكل واحدة من آحاد المنازل على طريق البدل ، والاستثناء فى المطلقات اخراج لولاه ؛ لكان اللفظ المطلق صالحا له على طريق البدل ، والاستثناء من اللفظ العام اخراج لولاه ؛ لكان اللفظ متناولا له على طريق العموم ، والاستغراق.

سلمنا بالتعميم لجميع المنازل ؛ ولكن لا نسلم أن من منازل هارون من موسى استحقاقه لخلافته بعد / وفاته ؛ ليلزم مثل ذلك فى حق عليّ (١).

قولهم : إنه كان خليفة له على قومه فى حال حياته ؛ لا نسلم ذلك ؛ بل كان شريكا له فى النّبوّة ، والشّريك غير الخليفة ، ثم ليس جعل أحد الشّريكين خليفة عن الآخر أولى من العكس.

وقوله تعالى : ـ (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٢) فالمراد به المبالغة والتأكيد فى القيام بأمر قومه على نحو قيام موسى به ، أما أن يكون مستخلفا عنه بقوله ؛ فلا ؛ فإن المستخلف عن الشخص بقوله لو لم يقدر استخلافه له ؛ لما كان له القيام مقامه فى التصرف ، وهارون من حيث هو شريك [له] (٣) فى النبوة ؛ فله ذلك ، ولو لم يستخلفه موسى.

سلمنا أنه استخلفه فى حال حياته ؛ ولكن لا نسلم لزوم / / استخلافه له بعد مماته ؛ فإن قوله : (اخْلُفْنِي) ليس فيه صيغة عموم ، بحيث تقتضى الخلافة فى كل زمان ؛ ولهذا فإنه لو استخلف وكيلا فى حياته على أمواله ، ونفقة بنيه ؛ فإنه لا يلزم من ذلك استمرار الخلافة له بعد موته ، وإذا لم يكن ذلك مقتضيا للخلافة فى كل زمان ، فعدم خلافته فى بعض الأزمان ، لقصور دلالة اللفظ عن استخلافه فيه ؛ لا يكون عزلا له فيه كما لو صرّح بالاستخلاف فى بعض التصرفات دون البعض ؛ فإن ذلك لا يكون عزلا ، فيما لم يستخلف فيه ، وإذا لم يكن ذلك عزلا ؛ فلا يتعين [كما قالوه] (٤).

__________________

(١) قارن به المغنى ٢٠ / ١٦٠ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٧٤ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١١.

(٢) سورة الأعراف ٧ / ١٤٢.

(٣) ساقط من أ.

/ / ل ١٦٣ / أمن النسخة ب.

(٤) ساقط من أ.

سلمنا أن ذلك يكون عزلا له ؛ ولكن متى يكون منفرا عنه ، إذا كان قد زال عنه بالعزل حالة توجب نقصه فى الأعين (١) ، أو إذا لم يكن؟ الأول : مسلم والثانى : ممنوع ، فلم قلتم بأن ذلك مما يوجب نقصه فى الأعين.

وبيان عدم نقصه : هو أن هارون كان شريكا لموسى فى النّبوّة ، وحال المستخلف دون حال الشريك فى نظر النّاس ؛ فإذن الاستخلاف حالة منقصة بالنظر إلى حال الشركة ، وزوال المنقص ؛ لا يكون موجبا للتنقيص.

سلمنا لزوم النقص من ذلك ؛ لكن إذا لزم منه العود إلى حالة هى أعلى من حالة الاستخلاف ، أو إذا لم يعد؟.

الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ؛ فلم قلتم أنه لم يعد إلى حالة هى أعلى.

وبيان ذلك : أنه وإن عزل عن الاستخلاف ، فقد صار بعد العزل ، مستقلا بالرسالة ، والتصرف عن الله ـ تعالى ـ لا عن موسى ؛ وذلك أشرف من استخلافه عن موسى.

قولهم : إن من جملة منازل هارون بالنسبة إلى موسى أنه كان شريكا له فى النبوة.

قلنا : فيلزم من ذلك أن يكون عليّ شريكا أيضا فى النّبوة ؛ وهو محال.

قولهم : من أحكام الشريك فى النّبوة أنه مفترض الطاعة مطلقا ، ولا يلزم من مخالفة ذلك فى النّبوة ؛ مخالفته فى افتراض طاعته بتقدير بقائه بعد النبي ـ عليه الصلاة والسلام.

قلنا : افتراض طاعة هارون : إما أنه كان بمقتضى النّبوة [أو لا بمقتضى النبوة] (٢) ، فإن كان لا بمقتضى / [النبوة ؛ فهو خلاف الفرض. وإن كان بمقتضى النبوة ؛ فيلزم من إثبات مثل ذلك لعلىّ أن يكون نبيا ؛ وهو محال. وإن أثبتنا وجوب طاعته لا بمقتضى] (٣) النبوة ؛ بل بمقتضى الخلافة ، فقوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» لا يكون صحيحا (٤).

__________________

(١) قارن بما أورده الآمدي بما ذكره القاضى فى المغنى ٢٠ / ١٧٢.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١٦٧ وما بعدها.

وقوله عليه‌السلام : «سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين» (١) ، وقوله : «أنت أخى ، ووصيى ، وخليفتى ، من بعدى» (٢) ، فأخبار آحاد لا يمكن الاحتجاج بها فى مثل هذا الباب ؛ لما تقدم.

وكذلك الاحتجاج بقولهم إنه استخلفه على المدينة فى حال حياته ، كيف وأن قوله : «سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين» لتأميره عليهم فى قصة فتح خيبر. وقوله : «أنت أخى» ؛ فدال على الفضيلة لا على الأفضلية (٣).

وقوله : «ووصيى ، وخليفتى من بعدى» يحتمل أنه أراد به الوصية والخلافة على المدينة ؛ ويحتمل ذلك فى قضاء دينه وانجاز موعده ، ومع تطرق هذه الاحتمالات فلا قطع.

وأما استخلافه فى حياته على المدينة ؛ فليس فيه ما يدل على بقائه خليفة بعد وفاته (٤) ؛ لما سبق فى قصة موسى وهارون.

واذا ثبت بما قررناه إلى هنا وجوب ثبوت الإمامة بالاختيار دون التنصيص ؛ فذلك ممّا لا يفتقر إلى الإجماع من كل أهل الحل ، والعقد ؛ فإنه ممّا لم يقم عليه دليل عقلى ، ولا سمع نقلى ؛ بل الواحد ، أو الاثنين من أهل الحل والعقد كاف فى ذلك ، ووجوب الطاعة ، والانقياد للإمام المختار (٥) ، وذلك لعلمنا بأن السلف من الصحابة رضوان الله عليهم ـ مع ما كانوا عليه من الصلابة فى الدين ، والمحافظة على أمور الدين ـ اكتفوا فى عقد الإمامة بالواحد ، والاثنين من أهل الحل ، والعقد : كعقد عمر لأبى بكر (٦) ، وعبد الرحمن بن عوف ، لعثمان ، ولم يشترطوا إجماع من فى المدينة من أهل الحل ، والعقد ، فضلا عن إجماع من عداهم من أهل الأمصار ، وعلماء الأقطار ، وكانوا على ذلك من المتفقين ، وله مجوّزين من غير مخالف ، ولا نكير ؛ وعلى هذا انطوت الأعصار فى عقد الإمامة إلى وقتنا هذا (٧).

__________________

(١) سبق تخريجه فى ه ل ٢٧٣ / ب.

(٢) سبق تخريجه فى ه ل ٢٧٠ / أ.

(٣) قارن بما ورد فى التمهيد ص ١٧٥ وما بعدها.

(٤) قارن بما ورد فى التمهيد ص ١٧٥ ، والأربعين للرازى ص ٤٦٤.

(٥) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٨١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٩٢.

(٦) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٨١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٩٢.

(٧) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٨١ وانظر التمهيد ص ١٧٨ وما بعدها ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

قال بعض الأصحاب (١) : والواجب أن يكون ذلك بمحضر من الشهود ؛ وبيّنة عادلة ؛ كفا للخصام ، ووقوع الخلاف بين الناس ، بادعاء مدع عقد الإمامة له سرا متقدما على عقد من كان له العقد جهرا ؛ وهذا لا محالة واقع فى محل الاجتهاد (٢).

وعلى هذا فلو اتفق عقد الإمامة لأكثر من واحد فى / / بلدان [متعددة] (٣) ، أو فى بلد واحد ، من غير أن يشعر كل فريق من العاقدين بعقد الفريق الآخر ، فالواجب أن يتصفح العقود ، فما كان منها متقدما ؛ وجب إقراره ، وأمر الباقون بالنزول عن الأمر ، فإن أجابوا وإلّا قوتلوا ، وكانوا من الخوارج البغاة. وإن لم يعلم السابق ؛ وجب إبطال الجميع ، واستئناف عقد لمن يقع عليه الاختيار ، ممّن هو أهل للإمامة ؛ وذلك كما إذا زوّج كل واحد من الوليين ، موليته من شخص ، وجهل العقد / السابق منهما (٤).

ولا خلاف فى أنه لا يجوز عقد الإمامة لشخصين ، فى صقع واحد متضايق الأقطار ، متقارب الأمصار ، لما فيه من الضّرار ، ووقوع الفتن ، والشّحناء.

وأما إن تباعدت الأمصار ، بحيث لا يستقل الإمام الواحد بتدبيرها ، والنظر فى أحوالها ؛ فقد قال بعض الأصحاب (٥) ، إن إمامة إمامين فى محل الاجتهاد (٦).

وكما أن للمسلمين نصب الإمام بالاختيار ؛ فلهم خلعه ، وأن يتولّوا عزله ، إذا وجد منه ما يوجب عزله من اختلال أمور الدين ، وأحوال المسلمين ، وما لأجله يقام الإمام (٧).

__________________

(١) لعله يقصد الباقلانى فى التمهيد ص ١٧٩ ، والجوينى فى الإرشاد ص ٢٣٩.

(٢) قارن بغاية المرام ص ٣٨٢ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

/ / أول ل ١٦٣ / ب من النسخة ب.

(٣) ساقط من أ.

(٤) قارن بغاية المرام ص ٣٨٢ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٨٠ ، والإرشاد ص ٢٣٩ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

(٥) لعله يقصد الأشعرى ، والجوينى ، والأسفرايينى انظر رأيهم كما أورده بالتفصيل الجوينى فى الإرشاد ص ٢٣٩ ، قارن بأصول الدين ص ٢٧٤.

(٦) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٨٢ ، وبما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢٤٣ وما بعدها. والإرشاد للجوينى ص ٢٣٩ وما بعدها.

(٧) قارن فى جواز عزل الإمام بنهاية الإقدام ص ٤٩٦ ، والمواقف ص ٤٠٠ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

وإن لم يقدروا على خلعه ، وإقامة غيره ، لقوّة شوكته ، وعظم مراسه وكان ذلك ممّا يفضى إلى فساد العالم ؛ وهلاك النفوس ، وكانت المفسدة فى مقابلة عزله ، أعظم من المفسدة فى طاعته ، فالأولى التزام أدنى المحذورين ، ودفع اعلاهما (١).

__________________

(١) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٨٥ وما بعدها وانظر المغنى ٢٠ / ٢ / ٥٧ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

الفصل الثالث

فى شروط الإمام (١)

وهى منقسمة إلى متفق عليها ، ومختلف فيها.

أما الشّروط المتّفق عليها فثمانية شروط : ـ

الأول : أن يكون مجتهدا فى الأحكام الشّرعية ، بحيث يستقلّ بالفتوى فى النوازل ، وإثبات أحكام الوقائع ، نصا ، واستنباطا ؛ لأنّ من أكبر مقاصد الإمامة فصل الخصومات ، ودفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك دون هذا الشّرط ، ولا يمكن أن يقال باكتفائه بمراجعة الغير فى ذلك ؛ إذ هو خلاف الإجماع.

الثانى : أن يكون بصيرا بأمور الحرب ، وترتيب الجيوش ، وحفظ الثغور ، قادرا على ملابسة ذلك بنفسه ؛ اذ به يتم حفظ بيضة الإسلام وحماية حوزتهم ، ولهذا روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه وقف بعد انهزام المسلمين كلهم فى الصف وقال مرتجزا :

«أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب» (٢)

حتى عاد المسلمون إليه.

الثالث : أن يكون له من قوة البأس ، وعظم المراس ، ما لا تهوله إقامة الحدود ، وضرب الرقاب ، وانصاف المظلومين من الظّالمين ـ من غير فظاظة ـ كما وصف الله تعالى الصحابة بقوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٣).

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : انظر التمهيد للباقلانى ص ١٥١ وما بعدها ، والفصل لابن حزم ٤ / ٨٩ وما بعدها ، والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٠٨ وما بعدها.

وشرح الأصول الخمسة ص ٧٥١ وما بعدها.

وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٥ وما بعدها ، والإرشاد لامام الحرمين الجوينى ٤٢٦ وما بعدها ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٩٥ وما بعدها والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ٢١٥ وما بعدها. وغاية المرام ص ٣٨٣ وما بعدها وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٥ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٠٣ وما بعدها.

(٢) ورد فى صحيح البخارى ٤ / ٣٧ ، وصحيح مسلم ٥ / ١٦٨ وما بعدها. ومسند الامام أحمد ٤ / ٢٨٠ وما بعدها.

كما ورد فى سيرة ابن هشام ٤ / ٦٤ ، وتاريخ الطبرى ٣ / ٧٦.

(٣) سورة الفتح ٤٨ / ٢٩.

الرابع : أن يكون عاقلا ، مسلما ، عدلا ، ثقة ، ورعا فى الظّاهر حتى يوثق بأخباره وبما يصدر عنه من أفعاله ، ولأنّه أحفظ لمال بيت المال ، وصرفه فى مصارفه.

الخامس : أن يكون بالغا ؛ لأنّه يكون أكمل عقلا ، وهيبة ، وتجربة ، ونظرا.

السادس : أن يكون ذكرا ؛ لأنّ الظاهر من الأنوثة النّقص فيما ذكرناه من الصفات.

السابع : أن يكون حرا ؛ لأن الحرية مظنة فراغ البال عن الاشتغال بخدمة الغير ، واستغراق الزمان بها ، ولأن العبودية مظنة استحقار الناس له ، والأنفة من الدخول تحت حكمه/

الثامن : أن يكون مطاع الأمر نافذ الحكم فى محل ولايته ، مقتدرا على زجر من خرج عن طاعته.

فإن قيل : فيلزم على هذا خروج عثمان عن الإمامة حالة ما حوصر فى داره ؛ حيث لم يكن قادرا على زجر من خرج عن طاعته.

قلنا : لا نسلم أنه لم يكن قادرا ؛ بل كان أمره نافذا شرقا ، وغربا ولا سيّما فى الشام ، غير أنه هاش عليه قوم من الرعاع ، وأوباش الناس ، وقصد فى ذلك تسكين الفتنة ، وأخذ الأمر باللّين ، ولم يعلم ما يؤول الأمر إليه.

وأما الشروط المختلف فيها فستة : ـ

الأول :

القرشية (١) ،

وقد اختلف الناس فيها.

فذهب أصحابنا ، والجبائى ، وابنه والشيعة وجميع أهل السنة والجماعة : إلى أنه لا بد وأن يكون الإمام قرشيا.

__________________

(١) حدث خلاف فى هذا الشرط ومن أكبر المخالفين الخوارج وبعض المعتزلة ، ولمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ذكره الآمدي هاهنا.

انظر مقالات الاسلاميين ص ٤٦١ وما بعدها. والتمهيد للباقلانى ص ٨١ ، ١٨٢ والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٣٤ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادي ص ٢٧٥ وما بعدها. والفصل لابن جزم ٤ / ٨٩ وما بعدها ، والإرشاد للجوينى ص ٢٤٠ ، والاقتصاد للغزالى ص ٢١٥. وغاية المرام ص ٣٨٣ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٧. وقد ورد بهامش شرح المواقف : قوله (أن يكون قرشيا) «الحكمة أنهم أشرف الناس نسبا وحسبا.

وشرائط الرئاسة فيهم : كالكرم ، والشجاعة ، والهيبة فى نفوس العرب. ولم يكن فى غيرهم ما كان منهم».

وذهبت الخوارج و [بعض] (١) المعتزلة إلى أنه لا يشترط فيه أن يكون قرشيا.

وقد احتجّ أصحابنا ، ومن تابعهم على ذلك بإجماع الصحابة ، حتى قال الأنصار يوم السقيفة للمهاجرين : «منّا أمير ، ومنكم أمير» فمنعهم أبو بكر من ذلك حيث لم يكونوا قرشيين ، وادعى أن القرشية شرط فى الإمامة ، محتجا على ذلك بقوله عليه‌السلام : «الأئمة من قريش» (٢) ، وبقوله : «قدّموا قريشا ولا تتقدموها» (٣) وبقوله : «إنما الناس تبع لقريش ؛ فبر الناس / / تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم» (٤).

وتلقت الأمة ذلك بالقبول ، وأجمعوا على اشتراط القرشية ، ولم يوجد له نكير ؛ فصار إجماعا مقطوعا به ، ولو لا انعقاد الإجماع على ذلك لكان هذا الشرط فى محل الاجتهاد ، نظرا إلى أن الأخبار فى ذلك أخبار آحاد لا تفيد اليقين ، مع إمكان تأويلها.

أما قوله : «الأئمة من قريش» فلأنه يحتمل أنه أراد به العلماء.

وقوله : «الناس تبع لقريش» فيحتمل أنه أراد بذلك أنهم تبع لهم فى الدين والعلم ؛ لأن منشأ الدين ، والعلم من قريش.

وقوله : «قدموا قريشا ولا تتقدموها» يحتمل أنه أراد بذلك التقديم فى الفضيلة ، والشرف ، بسبب النسب من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

احتجّ الخصوم بالاجماع ، والسنة ، والمعقول.

أما الإجماع : فهو أن عمر قال فى وقت الشورى عن سالم (٥) مولى أبى حذيفة : «لو كان حيا لما تخالجنى فيه شك» (٦) ولم ينكر منكر ؛ فكان إجماعا.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) الحديث أخرجه الإمام أحمد فى مسنده ٣ / ١٢٩ عن أنس بن مالك ، ٤ / ٤٢١ عن أبى برزة الأسلمي ونصه «الأئمة من قريش ، إذا استرحموا رحموا ، وإذا عاهدوا أوفوا ، وإذا حكموا عدلوا ؛ فمن لم يفعل ذلك منهم ؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

(٣) أخرجه السيوطى فى الجامع الصغير ٢ / ٨٦.

/ / أول ل ١٦٤ / أ.

(٤) ورد فى صحيح البخارى ٤ / ٢١٧ ، وصحيح مسلم ٦ / ٢ ، ومسند الإمام أحمد ١ / ١٠١ بألفاظ مختلفة.

(٥) سالم مولى أبى حذيفة : هو سالم بن عتبة بن ربيعة كان مولى لبثينة الأنصارية لذا فإنه يذكر فى الانصار كما يذكر فى المهاجرين لموالاته لأبى حذيفة. استشهد باليمامة سنه ١٢ ه‍ (طبقات ابن سعد ٣ / ٨٤ وما بعدها ، الاستيعاب ٢ / ٥٦١).

(٦) عن هذا القول من الإمام عمر ، وموقفه من سالم قارن ما ورد هنا بما ذكره صاحب التمهيد القاضى الباقلانى ص ١٨٢ والشهرستانى فى نهاية الاقدام ص ٤٨١. وبما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٢٣٥ وما بعدها.

وأما السنة : فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أطعه ولو ضرب بطنك ، أطعه ولو ضرب ظهرك ، أطعه ولو كان عبدا حبشيا» (١). وظاهر ذلك يدل على نفى اعتبار القرشية.

وأما المعقول : فهو أن المقصود من الإمام ، إقامة السياسة ، والذبّ عن دار الإسلام ، وحماية حوزتهم ، والقيام بالقوانين الشرعية ، كما تقدم ؛ وذلك يحصل بما سبق من الشروط ؛ فلا حاجة إلى النسب.

والجواب : لا نسلم وجود الإجماع على إسقاط اعتبار القرشية ، والرواية عن عمر مختلفة (٢) ، فقد قيل أنه قال : «لو كان سالم فى الأحياء لما شككت أنى كنت أشاوره» وبتقدير أن تكون الرواية على ما ذكروه / فقد قيل إنه كان قرشيا (٣).

وبتقدير أن لا يكون قرشيا ، فلم يصرح عمر بصلاحيته للإمامة ، فلعله أراد بذلك أنه ما كان يرتاب فيمن يعينه للإمامة ، أو معنى آخر ، ويجب الحمل على ذلك نفيا للتعارض بينه ، وبين الإجماع السابق على اشتراط القرشية.

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «أطعه ولو ضرب بطنك ، أطعه ... الحديث ، فمن باب الآحاد (٤) ؛ فلا يقع فى مقابلة الإجماع المتواتر المعلوم وقوعه ضرورة ، وبتقدير القطع بسنده ؛ فليس فيه ما يدل على أنه أراد به الإمام ؛ بل يحتمل أنه أراد به السلطان ، وليس كل سلطان إماما ، وإن كان كل [إمام] (٥) سلطانا ، ويجب الحمل أيضا على ذلك دفعا للمعارضة بينه ، وبين الإجماع السابق.

وأما المعقول : فلا يقع فى مقابلة الإجماع المقطوع به. كيف وأنه يحتمل أن يكون للقرشية زيادة تأثير فى حصول مقاصد الإمامة بسبب غلبة انقياد الناس للقرشى ؛ لعلو نسبه من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، على ما جرت به العوائد من زيادة الانقياد للعظماء وبدون القرشية ؛ فلا تحصل تلك الزوائد من المقاصد (٦).

__________________

(١) ورد بألفاظ مختلفة فى صحيح البخارى ٨ / ٧٨ ، ومسند الإمام أحمد ٤ / ١٢٦ وما بعدها ، ٥ / ١٧٩.

(٢) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٣٦.

(٣) قارن هذا الرد بما ورد فى نهاية الأقدام ص ٤٩١ ، وغاية المرام ص ٣٨٤.

(٤) قارن هذا الردّ بما أورده القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٢٠٤.

(٥) ساقط من أ.

(٦) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢٣٥ ، وانظر مقدمة ابن خلدون ص ١٩٥ وما بعدها.

الشرط الثانى : كون الإمام هاشميا :

مذهب أكثر الناس أن الهاشمية ليست شرطا ، خلافا لطوائف الشيعة ؛ فإنهم جعلوا الهاشمية شرطا ؛ وهو باطل لمخالفة ذلك ظواهر الإطلاق من النصوص السابق ذكرها ، وللإجماع على صحة إمامة أبى بكر ، وعمر ، [وعثمان] (١) ولم يكونوا هاشميين (٢).

الشرط الثالث : أن يكون الإمام عالما بجميع مسائل الدين. وقد اتفق الأكثرون على أن ذلك ليس بشرط ؛ خلافا للإمامية.

والحق فى ذلك إنما هو التفصيل ، وهو أنهم إن أرادوا بقولهم : أنه يجب أن يكون عالما بجميع المسائل الشرعية ، أن يكون أهلا للعلم بها بطريق الاجتهاد عند وقوعها ، ومعرفتها من النص ، والإجماع ، والاستنباط ؛ فذلك ممّا لا خلاف فيه كما سبق.

وإن أرادوا ، [أنه] (٣) يجب أن يكون عالما بجميع ذلك حقيقة ، وأن يكون العلم عنده بحكم كل واقعة يمكن وقوعها حاضرا عتيدا بحيث لا يحتاج معه إلى النظر والاستدلال ؛ فهو باطل من جهة الإجماع ، والمعقول ، [والإلزام] (٤).

أما الإجماع : فهو أن الأمة اتفقت على صحة إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، ولم يكونوا بهذه المثابة (٥) ، حتى أن الواحد منهم كان عند وقوع الواقعة يسأل عن الأخبار ، والنصوص الواردة فى ذلك ، ويبحث عن أدلتها كبحث غيره من المجتهدين ، وأنه قد كان يرى الرأى فى حكم الواقعة ، ثم يرجع عنه.

وأما المعقول : فهو أن المسائل الشرعية ، وأحكام الوقائع الجزئية ، غير متناهية ، ولا يخفى امتناع / / حصول العلم بما لا يتناهى على التفصيل لأحد من المخلوقين.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) اشترط الهاشمية جميع فرق الشيعة الذين أجمعوا على أن الإمامة فى الإمام على ـ رضى الله عنه ـ وأبنائه ، كما اشترطها فرقة الراوندية الذين جعلوا الإمامة فى نسل العباس بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه ـ. وهذا الشرط مخالف للإجماع. فقد أجمعت الأمة على إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ـ رضى الله عنهم ـ وهم ليسوا هاشمين.

(٣) ساقط من أ.

(٤) ساقط من أ.

(٥) عن هذا الشرط. وهو أن يكون عالما بجميع مسائل الدين. فقد اتفقت الأمة على إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ـ رضى الله عنهم ـ ولم يتحقق فيهم هذا الشرط.

قارن بما ورد عن هذا الشرط : التمهيد للباقلانى ص ١٨٤ وما بعدها. والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١٠٣ وما بعدها. ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨٩ وما بعدها. وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٤ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٨.

/ / أول ل ١٦٤ / ب.

وأما الإلزام : فهو أنه لو اشترط ذلك فى الإمام ، لاشترط فى القضاة والولاة ؛ فإنه لا يلى بنفسه أكثر ممّا يليه خلفاؤه / من القضاة والولاة (١).

فإن قيل : الإمام إنّما نصب لفصل المنازعات ، والمحاكمات ، والقيام بأحكام الشرع ، فإذا لم يكن عالما [بجميع] (٢) الأحكام الشرعية ، كان نصبه ممتنعا من ثلاثة أوجه :

الأول : أن نصبه يكون قبيحا عرفا ، فإنّ إقامة الإنسان للقيام بما لا يعرفه ، والنهوض فيما لا أنسة له به ، ممّا لا يستحسنه العقلاء.

الثانى : أنه إذا وقعت واقعة ، وهو لا يعرف حكمها ، فأمكن أن لا يؤديه اجتهاده إلى معرفة حكمها.

وعند ذلك فيفضى إلى خلو الواقعة عن الحكم ، مع دعو الحاجة إليه ، أو أن يتكلف الحكم بما لا يعرفه ، وكل ذلك ممتنع.

الثالث : هو أنّه لو ساوى الأمة فى المعرفة ، والجهالة ، فإنّ ذلك يكون منفرا عن اتباعه ، ومانعا من الانقياد إليه.

والجواب عن الأول : متى يكون نصبه قبيحا إذا كان أهلا للاجتهاد فى تحصيل الأحكام ، أو إذا لم يكن؟. الأول : ممنوع. والثانى : مسلم ، والعادة دالة على ذلك فى كل أمر يستناب فى تحصيله.

وعن الثانى : أنه وإن تعذر عليه الاجتهاد فى تحصيل حكم الواقعة ؛ فلا نسلم إفضاء ذلك إلى خلو الواقعة عن الحكم ؛ بل له تفويض الأمر فيها إلى غيره من المجتهدين. وبتقدير أن لا يفضى اجتهاده أيضا إلى حكمها ، فالحكم فيها البقاء على النفى الأصلي ، ولا امتناع فيه.

وعن الثالث : أنه وإن ساوى غيره من المجتهدين فى المعرفة ، والجهالة ؛ فلا يكون ذلك موجبا للتنفير عنه ؛ لاختصاصه بما لا وجود له فى حقهم من باقى شروط الإمامة (٣).

__________________

(١) عن هذا الإلزام راجع ما ذكره القاضى فى التمهيد ص ١٨٤. وقارن بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢١٠ وما بعدها.

(٢) ساقط من أ.

(٣) للرد على الشبه التى ذكرها الخصوم قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ١٠٤ وما بعدها.

فقد ذكر شبه الخصوم ورد عليها بالتفصيل. وقارن ما ورد فى الاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص ٢١٦.

الشرط الرابع : كون الإمام أفضل من الرعية.

وقد اختلف فى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل.

فجوّزه أكثر أصحابنا.

ومنع منه الإمامية.

وفصل القاضى أبو بكر وقال : إن كان العقد للمفضول ، لا يؤدى إلى هرج ، وفساد ، جاز. وإلّا (١) ؛ فلا.

احتج من قال [بالجواز] (٢) بثلاثة أمور :

الأول : أن الإمامة منصب من المناصب الدّينيّة ، كما فى الإمامة فى الصلاة ، فلو امتنع إقامة الإمام المفضول ، مع وجود الفاضل ؛ لكان ذلك بناء على قبح تقدم الأدنى ، على الأعلى ، والنفرة المانعة من المتابعة ، ويلزم من ذلك امتناع تقدم المفضول على الفاضل فى الصّلاة ؛ وهو خلاف الإجماع.

الأمر الثانى : أنه لو لم يوجد من أهل الإمامة إلّا شخصان ، أحدهما أفقه ، والآخر أعرف بالسّياسة ، وأمور الإمامة ، فإما أن يقال بتوليتهما ، أو لا بتولية واحد منهما ، أو بتولية أحدهما ، دون الآخر.

الأول : [محال] (٣) مخالف للإجماع.

والثانى : أيضا محال ؛ لامتناع خلو الزمان عن الإمام.

فلم يبق إلّا الثّالث ، وأيّهما قدّم فهو مفضول بالنسبة إلى ما اختص به الآخر عنه ، إما بزيادة معرفة الفقه ، أو / السياسة ؛ وهو المطلوب.

الثالث : أنه ما من عصر من أعصار التّابعين ، وتابعى التّابعين إلى عصرنا هذا ، إلّا والأمة مجمعة على صحة إمامة كل من تولّى من الأئمة ، وإن كان مفضولا بالنسبة إلى غيره مهما وجد فيه أصول الشروط المعتبرة فى الإمامة ، وهى ما سبق ذكرها ؛ فدل [على] (٤) أن ذلك ليس بشرط.

__________________

(١) جوز أكثر الأشاعرة ومن وافقهم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل. انظر من مصادرهم : أصول الدين للبغدادى ص ١٨٨ ، والإرشاد للجوينى ٢٤٢ ، والاقتصاد للغزالى ص ٢١٦ وما بعدها ، والأربعين للرازى ص ٤٦٠ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٣١ فقد خصص الإيجى : لهذا الموضوع المقصد السادس : فى إمامة المفضول مع وجود الفاضل.

(٢) ساقط من أ.

(٣) ساقط من أ.

(٤) ساقط من أ.

وبهذا يبطل قول من اشترط الأفضلية بناء على أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، ولما فيه من فوات كمال المصلحة الحاصلة بنظر الأفضل ، وحسن تدبيره على المسلمين.

كيف وأن تولية المفضول إنّما يعد قبيحا عند ما إذا لم يرض به ؛ بل بالأفضل.

وأمّا بتقدير رضى العامة ، والأتباع به دون الفاضل : كرضاهم بتولية ولد من مات من الملوك ، ومن أصله عريق فى الملك ؛ فإنه لا يعد قبيحا فى نظر أهل العرف ، وإن كان فى الرعيّة من هو أفضل منه بأضعاف مضاعفة.

وإنما كان كذلك لأن حصول مصلحة الرعية بتقدير رضاهم بالمفضول ، وطاعتهم له ، يكون أقرب من حصول مصلحتهم بتولية الأفضل بتقدير نفرتهم عنه ، وعدم طاعتهم له (١).

الشّرط الخامس : اشترطت الغلاة (٢) من الشيعة ، أن يكون الإمام صاحب معجزات ، وأن يكون عالما بالغيب ، وجميع اللغات ، والحرف ، والصّناعات ، وطبائع الأشياء ، وعجائب ما فى / / الأرض ، والسّماوات.

وهو مع أنه لا دليل عليه ، باطل بالإجماع على عقد الإمامة لمن عرّى من هذه الصّفات فى عصر الصّحابة والتّابعين ، ومن بعدهم إلى وقتنا هذا.

الشّرط السّادس : العصمة.

مذهب أهل السنة والجماعة أنه ليس من شرط الإمام كونه معصوما (٣) ووافقهم على ذلك المعتزلة ، والخوارج ، والزيدية (٤).

وذهبت الإمامية ، وأكثر طوائف الشّيعة إلى أنه لا بدّ وأن يكون معصوما.

__________________

(١) قارن هذا الردّ بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٨٤ ، والمغنى ٢٠ / ٢٩٩ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٩٣ وما بعدها. والارشاد للجوينى ص ٢٤٢ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٨.

(٢) انظر عن غلاة الشيعة ما مر في القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع من ل ٢٤٧ / أ. وما بعدها والغلاة ثمانى عشرة فرقة ـ وهم يقولون بنبوّة الإمام ، ومنهم من يقول بإلهيته ، وهم كفار خارجون عن الاسلام.

/ / أول ل ١٦٥ / أمن النسخة ب.

(٣) ليس من شرط الامام أن يكون معصوما وقد وضح ذلك أهل السنة والجماعة. انظر من كتبهم : التمهيد للباقلانى ص ١٨٤ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٧ وما بعدها ، والإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص ٢٤٤ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٩٠ وما بعدها. وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٤ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٨ وما بعدها.

(٤) انظر عن آراء المعتزلة فى هذا الشرط بالتفصيل ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل ١٤٤ / أوما يأتى بعدها وانظر عن رأى الخوارج فى هذا الشرط بالتفصيل ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل ٢٥٢ / أوما يأتى بعدها وأنظر عن رأى الزّيدية فى هذا الشّرط ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل ٢٥١ / أوما يأتى بعدها.

احتج أهل الحق بالإجماع ، والإلزام.

أما الإجماع : فهو أنّ الأمة [من السلف] (١) أجمعت على صحة إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، مع إجماعهم على أن العصمة لم تكن واجبة لهم.

وأما الإلزام : فمن خمسة أوجه : ـ

الأول : هو أن عليا كان إماما حقا ، بالإجماع منّا ، ومن الخصوم ، وقد وجد منه ما يدل على عدم عصمته ، وبيانه من سبعة أوجه : ـ

الأول : هو أنه كان منصوصا على إمامته عندهم ، وأن غيره ليس إماما ، فعند تولية غيره : إما أن يقال بأنه كان قادرا على المنازعة ، والدفع ، والقيام بما أوجبه الله ـ تعالى ـ عليه من أمور الإمامة ، أو ما كان قادرا.

فإن كان الأول : فقد ترك واجبا لا يجوز تركه.

وإن كان الثانى : فكان من الواجب أن يجتهد فى ذلك ، ويبدى النكير ، ويبلى عذرا بقدر الإمكان على ما قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (٢) ولم يوجد منه شيء من ذلك مع أنه لم يوجد منه النكير (٣) فإنه بايعهم ، ودخل فى آرائهم ، واقتدى بهم / فى الصّلاة ، وأخذ عطيتهم ، ونكح سبيهم ، وهى الحنفية (٤) أم ولده محمد ، وأنكح عمر ابنته أم كلثوم الكبرى (٥) ، ورضى بالدّخول فى الشّورى المبنية عندهم على غير التقوى.

الثّاني : أنهم نقلوا عنه ـ عليه‌السلام ـ مذاهب ، وأقوالا فى الشريعة مخالفة لأقوال غيره من الفقهاء ، غير معروفة لهم : وهى إما أن تكون حقا ، أو باطلا.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) وتمام الحديث كما ورد فى مسند الإمام أحمد ٢ / ٣١٣ وما بعدها «قال ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذرونى ما تركتكم فإنما أهلك الذين قبلكم بسؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فائتمروا ما استطعتم».

(٣) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٧٦ والإرشاد للجوينى ص ٢٤١.

(٤) الحنفية : هى خولة بنت جعفر بن قيس من بنى حنيفة زوجة الإمام على بن أبى الطالب كرم الله وجهه وأم ولده محمد بن على رضى الله عنهما.

(٥) هى السيدة أم كلثوم ـ رضى الله عنها ـ بنت الإمام عليّ ـ رضى الله عنه ـ والسيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ تزوجها الإمام عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وولدت له زيدا ، ورقية. (طبقات ابن سعد ٨ / ٤٦٣ ، أسد الغابة ٦ / ٩٨٧).

فإن كانت حقا : فكان من الواجب تنبيههم عليها ، ولم يوجد منه شيء من ذلك.

وإن كان الثانى : فقد أخطأ ، وعلى كلا التقديرين ؛ فلا يكون معصوما.

الثالث : أنه حكّم أبا موسى الأشعرى (١) ، وعمرو بن العاص (٢) ، وهما عدوّان فاسقان عندكم ، وتحكيمه تمكين للأعداء الفسّاق من خلعه ، والتشكيك فى إمامته وذلك معصية ؛ لأن خلع الإمام المنصوص معصية ، والتمكين من المعصية معصية ولهذا نقل عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه كان يقول بعد التحكيم.

لقد عثرت عثرة لا أنجبر

سوف أكيس بعدها وأستمر

وأجمع الرأى الشتيت المنتشر (٣)

وذلك منه يدل على أنّ التحكيم جرى على خلاف الصواب (٤).

الرابع : هو أنه ـ عليه‌السلام ـ قتل المقاتلين له فى وقعة الجمل ، ولم يجعل أموالهم فيئا ، ومن مذهب الخصوم أن عليا كان يعتقد كفر مقاتليه ، وارتدادهم.

وعند ذلك فلا يخلوا : إما أن يكونوا مرتدين فى نفس الأمر ، أو لا يكونوا مرتدين.

فإن كان الأول : فمال المرتدين فىء بالإجماع ، ولم يجعله فيئا.

وإن كان الثانى : فقد أخطأ فى اعتقاد ارتدادهم ، وعلى كلا التقديرين يكون مخطئا. ولهذا قال له بعض أصحابه : «إن كان قتلهم حلالا ؛ فغنيمتهم حلالا ، وإن كانت غنيمتهم حراما ؛ فقتلهم حراما» (٥).

__________________

(١) أبو موسى الأشعرى : عبد الله بن قيس بن سليم ، أبو موسى ، من بنى الأشعر من قحطان ـ ولد فى زبيد (باليمن) سنه ٢١ قبل الهجرة ، وقدم مكة عند ظهور الاسلام ؛ فاسلم ، وهاجر إلى أرض الحبشة من الشجعان الولاة الفاتحين ، وأحد الحكمين اللذين رضى بهما على ومعاوية بعد حرب صفين.

استعمله رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على زبيد وعدن وولاه عمر البصرة سنه ١٧ ه‍ فافتتح أصبهان والأهواز توفى بالكوفة سنه ٤٤ ه‍. وكان أحسن الصحابة صوتا فى التلاوة روى ٣٥٥ حديثا. (صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٢٠٩ ـ ٢١١ (ترجمة رقم ٦٠) وطبقات ابن سعد ٤ / ٧٩).

(٢) عمرو بن العاص بن وائل السهمى ، القرشى أبو عبد الله فاتح مصر ، وأحد دهاة العرب وعظمائهم ، أسلم فى هدنة الحديبية. ولد سنة ٥٠ قبل الهجرة بمكة المكرمة وتوفى بالقاهرة سنة ٤٣ ه‍ ولاه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إمرة جيش (ذات السلاسل) ثم استعمله على عمان. كما كان من أمراء الجيوش فى الجهاد بالشام فى زمن عمر بن الخطاب. وولاه عمر فلسطين ومصر بعد أن أفتتحها كما كان من فصحاء العرب ، له فى كتب الحديث ٣٩ حديثا [تاريخ الاسلام الذهبى ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٤٠ ، الأعلام للزركلى ٥ / ٧٩].

(٣) انظر العقد الفريد ٥ / ١٠٧ وقارن بالتمهيد ص ١٨٥.

(٤) قارن بما ورد فى التمهيد ص ١٨٥.

(٥) انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٥٤١. حيث يبين أن المعترض على الإمام على لعدم تقسيمه الفيء هو : عباد بن قيس من بكر بن وائل.

الخامس : أن ابن جرموز (١) لما أتى إلى عليّ ـ رضى الله عنه ـ برأس الزبير (٢) وقد قتله بوادى السباع (٣) ، وقال : الجائزة يا أمير المؤمنين ، فقال له : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «بشّر قاتل ابن صفية بالنار». وهو لا يخلو : إما أن يكون قتله حراما ، أو لا يكون حراما.

فإن كان حراما : فالإنكار على فعل المحرم واجب لقوله عليه‌السلام : «من رأى منكم منكرا ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه» (٤) ، وعليّ كان قادرا على الإنكار على ابن جرموز بيده ، ولسانه ، ولم ينقل عنه الإنكار ؛ فكان تاركا للواجب.

وإن لم يكن حراما : فقد أخطأ فى اعتقاد استحقاق فاعل ما ليس بحرام النار ، مع ما فيه من حمل كلام النبي على ما لا يليق.

السادس : أنه ـ رضي الله عنه ـ قال وقد رقى على منبر الكوفة فى حق أمهات الأولاد : «اتفق رأيى ، ورأى عمر ، على أن لا يبعن ، والآن فقد رأيت بيعهن» ، فقام إليه عبيدة السّلمانى وقال : رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك ، فقال : «إن السّلمانى لفقيه». وفى ذلك دلالة على أنه ليس بمعصوم ؛ فإنه لا بدّ وأن يكون مصيبا فى إحدى الحالتين ، ومخطئا فى الأخرى (٥).

__________________

(١) هو عمرو بن جرموز التميمى ، قتل الزبير بن العوام ـ رضى الله عنه ـ بعد مغادرته أرض المعركة. وابن جرموز فى النار لقول الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «بشر قاتل بن صفية بالنار» ومن الغريب أن ابن جرموز قتل الزبير ـ رضى الله عنه ـ وهو يصلى وقتل الزبير وعمره خمس وسبعون سنة.

[انظر مروج الذهب ٢ / ٣٧٢ وما بعدها].

(٢) الزبير بن العوام : ـ رضى الله عنه ـ بن خويلد الأسدى القرشى ، أبو عبد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة ، الصحابى الشجاع ، أول من سل سيفه فى الاسلام ـ ولد بمكة سنة ٢٨ قبل الهجرة.

وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أسلمت وأسلم معها الزبير وهو صغير ؛ فعذبه عمه لكى يترك الاسلام فلم يفعل وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة ، ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان من الستة الذين رشحهم عمر للخلافة بعده ، قتله ابن جرموز غيلة يوم الجمل سنه ٣٦ ه‍ روى ٣٨ حديثا.

[صفة الصفوة ١ / ١٢٨ ـ ١٣٠ ، والأعلام للزركلى ٣ / ٤٣].

(٣) وادى السباع مكان يقع بين البصرة والكوفة على بعد خمسة أميال من البصرة (معجم البلدان ٨ / ٣٧٣).

(٤) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده ٣ / ٢٠ ، ومسلم فى صحيحه ١ / ٥٠.

(٥) انظر ما ذكره الآمدي فى غاية المرام ص ٣٨٥ ، وقارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٨٥.

السابع : أنّه عليه‌السلام / خطب بنت أبى جهل (١) بن هشام في حياة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فبلغ ذلك فاطمة ؛ فشكته إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ / / فقام على المنبر وقال : «إن عليا قد آذانى ، وخطب بنت أبى جهل بن هشام ؛ ليجمع بينها ، وبين بنتى فاطمة ، ولن يستقيم الجمع بين بنت ولى الله ، وبين بنت عدوه ، أما علمتم معشر الناس أنّ من آذى فاطمة ؛ فقد آذانى ، ومن آذانى ؛ فقد آذى الله تعالى» (٢). وذلك يدل على أنه [ليس] (٣) بمعصوم.

الإلزام الثانى :

أن الحسن (٤) بن عليّ كان عندهم إماما منصوصا عليه ، وقد صدر عنه ما يدل على عدم عصمته ؛ وذلك أنه خلع نفسه من الإمامة ، وسلمها إلى معاوية مع أنه كان فاسقا ، فاجرا ، غير مستحق للإمامة ، وأظهر موالاته ، وأخذ من عطائه ، وأقرّ بإمامته مع كثرة أعوانه ، وأنصاره ، حتى عاتبوه فى ذلك ، وسمّوه مذل المؤمنين ؛ وذلك كله معصية ينافى العصمة.

__________________

(١) هى : جويرية بنت أبى جهل. أسلمت. أراد على ـ رضى الله عنه ـ خطبتها ؛ فجاء أهلها يستأذنون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلم يأذن لهم.

[طبقات ابن سعد ٨ / ٢٦٢ والإصابة ٤ / ٢٥٧].

/ / أول ل ١٦٥ / ب من النسخة ب.

(٢) أخرجه مسلم فى صحيحه ٧ / ١٤٠ ، كما ورد فى سنن ابن ماجة ١ / ٦٤٤.

(٣) ساقط من (أ).

(٤) الحسن بن على ـ رضى الله عنهما ـ بن أبى طالب الهاشمى ، القرشى أبو محمد خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم ، وثانى الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ولد فى المدينة المنورة فى النصف من رمضان سنه ٣ ه‍ وأذّن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى أذنه ، وسماه الحسن.

وأمه فاطمة الزهراء : ـ رضى الله عنها ـ بنت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان رضى الله عنه أشبه الناس بجده رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان عاقلا حليما محبا للخير فصيحا من أحسن الناس منطقا وبديهة جمع الله به الأمة بعد أن تنازل عن الخلافة بشروطه حقنا لدماء المسلمين وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام قال عنه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إن ابنى هذا سيد ، ولعل الله ـ عزوجل ـ أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» وتوفى بالمدينة لخمس ليال خلون من ربيع الأول سنة ٥٠ ه‍ ودفن بالبقيع ـ رضى الله عنه.

[صفة الصفوة ١ / ٢٩٠ ، ٢٩١ ، والأعلام للزركلى ٢ / ١٩٩ ، ٢٠٠].

الإلزام الثالث :

هو أن الحسين (١) بن عليّ ـ رضى الله عنهما ـ [كان] (٢) أيضا عندهم إماما منصوصا عليه ، ومع ذلك ألقى نفسه فى التهلكة مع ظنّ وقوعها ؛ وذلك معصية منهى عنها بقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٣).

وبيان ذلك ، أنه خرج بأهله ، وعياله إلى الكوفة ؛ لقتال أعدائه ، مع كثرتهم وقوة شوكتهم ، وما رآه من صنيعهم بأبيه ، واستظهارهم على أخيه ، وقتلهم لمسلم بن عقيل (٤) ، لما أنفذه رائدا إليهم ، وغدرهم به ، وإشارة كل واحد عليه بعدم الخروج ، حتى قال له ابن عمر (٥) [بعد أن] (٦) أبلى عذرا فى نصحه : «استودعتك الله من قتيل» (٧) ، إلى أن عرض ابن زياد عليه الأمان إن بايع يزيدا ؛ فامتنع من ذلك مع ظهور أمارات القتل له ، والاستيلاء عليه ، وهلاكه وهلاك من معه ، حتى أدّى الأمر ، إلى ما أدّى إليه من قتله ، وهلاك من كان معه من المسلمين.

__________________

(١) الحسين بن على بن أبى الطالب ـ رضى الله عنه ـ الهاشمى ، القرشى ، أبو عبد الله السبط الشهيد ابن فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ وفى الحديث الشريف «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»

ولد فى المدينة فى شعبان سنة أربع من الهجرة ، ونشأ فى بيت النبوة.

عن ابن عمر قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ـ «هما ريحانتاى من الدنيا» (يعنى الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام). (رواه البخارى ٣٧٥٣).

وعن عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «هذان ابناى ؛ فمن أحبهما ؛ فقد أحبنى» يعنى الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام.

واستشهد الحسين ـ رضى الله عنه ـ يوم الجمعة ـ يوم عاشوراء فى محرم سنة إحدى وستين.

[صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٢٩١ ، ٢٩٢. والأعلام للزركلى ٢ / ٢٤٣].

(٢) ساقط من (أ).

(٣) سورة البقرة ٢ / ١٩٥.

(٤) مسلم بن عقيل بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم : تابعى من ذوى الرأى والشجاعة ، كان مقيما بمكة المكرمة ، وانتدبه الإمام الحسين للتعرف على حال أهل الكوفة حين وردت عليه كتبهم ؛ فرحل مسلم الى الكوفة ، وأخذ البيعة من أهلها فشعر به عبيد الله بن زياد (أمير الكوفة) فقبض عليه وقتله سنة ٦٠ ه‍ (الكامل لابن الأثير ٤ / ٨ ـ ١٥ ، والأعلام للزركلى ٧ / ٢٢٢).

(٥) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى ، أبو عبد الرحمن ، صحابى جليل ، كان جريئا كوالده ، نشأ فى الإسلام ، وهاجر إلى المدينة مع أبيه ، وشهد فتح مكة أفتى الناس فى الاسلام ستين سنة ، عرض على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوم بدر فرده ، ويوم أحد فرده لصغر سنه ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمسة عشرة فأجازه ، قال عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن ، مات ابن عمر ، وهو مثل عمر فى الفضل ، وكان عمر فى زمان له فيه نظراء ، وعاش ابن عمر فى زمان ليس له فيه نظير ، له فى كتب الحديث (٢٦٣٠ حديثا) توفى بمكة سنة ٧٣ ه‍ [صفة الصفوة ١ / ٢١١ ـ ٢١٩ ، والأعلام ٤ / ١٠٨].

(٦) ساقط من أ

(٧) فى أنساب الأشراف ٣ / ١٦٣ «استودعك الله من مقتول».

الإلزام الرابع :

ان القائم المهدى (١) من الأئمة المنصوص عليهم عندهم أيضا ، وقد فعل ما ينافى العصمة.

وبيانه : أن الإمام إنما جعل إماما ؛ لأن يكون وسيلة إلى الإرشاد ، وبابا إلى معرفة الحق ، وطريقا إلى الله ـ تعالى ـ فى تعريف الواجبات والمحظورات ، والقيام بمصالح المؤمنين ، التى لا قيام لها دون الإمام عندهم ، وهو باختفائه واستتاره عن الخلق بحيث لا يعرف ، ممّا يوجب وقوع الناس فى الحيرة ، وعدم معرفة الحق ، وتورّطهم فى شبه الضلالة ، إن كان لا طريق لهم إلى معرفة ذلك ، والوصول إليه إلّا بالإمام ؛ وذلك من أعظم المعاصى ، وأكبر المناهى ، وإن أمكنهم الوصول إلى ذلك بالأدلة دون الإمام ؛ فلا حاجة إذا إلى الامام (٢).

فإن قيل : إنما يكون ذلك معصية أن لو اختفى مع القدرة على الظهور ، وليس كذلك. فإنه إنما اختفى تقية ، وخوفا من الظلمة الظاهرين على نفسه.

قلنا : هذا وإن أوجب الاستتار عن الأعداء ؛ فهو غير موجب له عن أشياعه ، وأوليائه ؛ فكان من الواجب أن / يكون ظاهرا لهم مبالغة فى حصول مصالحهم ، ودفع المفاسد عنهم. وإن أوجب ذلك الاستتار مطلقا ، بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ، ولا ينتفع به ، فلا فرق بين وجوده ، وعدمه ، ولا فائدة فى إبقائه.

فلئن قالوا : الفائدة فى إبقائه رجاء ظهوره عند زوال المخافة للقيام بمصالح المؤمنين.

قلنا : فهلا قيل بعدمه حالة المخافة ، وبإيجاده حالة زوالها ؛ فإنه كما أن إيجاده بعد عدمه خارق للعادة ، فإبقاؤه المدة الخارجة عن العادة خارق للعادة أيضا ؛ وليس أحد الأمرين أولى من الأخر.

__________________

(١) محمد بن الحسن العسكرى بن على الهادى (المهدى المنتظر) آخر الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ، وهو المعروف عندهم بالمهدى ، وصاحب الزمان ، والحجة ، وصاحب السرداب. ولد فى سامراء. ومات أبوه وله من العمر خمس سنين ولما بلغ التاسعة أو التاسعة عشرة ، دخل سردابا فى دار أبيه ، ولم يخرج منه. والإمامية ينتظرون عودته فى آخر الزمان وقيل فى تاريخ مولده : إنه ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍. [وفيات الأعيان ٤ / ١٧٦ ، والأعلام للزركلى ٦ / ٨٠].

(٢) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٨٠ وما بعدها من القسم الثانى.

الإلزام الخامس :

أنا قد بيّنا فيما تقدم أن العصمة غير واجبة للأنبياء عليهم‌السلام (١) فلو كان الإمام يجب أن يكون معصوما ؛ لكان أكثر طاعة من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ولو كان أكثر طاعة من النبي ؛ لكان أكثر ثوابا عند الله ـ تعالى ـ لقوله ـ تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢) وقوله ـ تعالى : (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٣). ولو كان الإمام أكثر ثوابا من النبي ؛ لكان أفضل منه ؛ فإنه لا معنى للأفضل ، غير أنه أكثر ثوابا ، ومحال أن يكون نائب النبي ، أفضل منه.

فإن قيل : أما ما ذكرتموه من الإجماع على إمامة أبى بكر ، وعمر ؛ فهو غير مسلم التصوّر ، وبتقدير تسليم تصوّره ؛ فلا نسلم أنه حجة على ما سبق (٤).

وبتقدير كونه حجة ، فإنما يصح دعوى ذلك فيما نحن فيه ، أن لو بيّنتم كون عليّ داخلا فيه ؛ وهو غير مسلم. وما ظهر منه من الموافقة ، لا نسلم أنه كان عن اعتقاد ؛ بل تقية ، وخوفا على نفسه ؛ ولذلك فإنه لم يظهر منه الموافقة على إمامة أبى بكر مدة ستة أشهر حتى ظهرت له / / الإخافة منهم. وبتقدير أن لا يكون على موافقا على ذلك ، فأى إجماع يكون فى عصر عليّ وهو غير داخل فيه.

وأما ما ذكرتموه من الإلزامات فغير لازمة لوجهين إجمالا ، وتفصيلا :

أما الإجمال :

فهو أن ما ذكرتموه فى إبطال عصمة الأئمة صلوات الله عليهم ـ فرع عدم عصمتهم ، وإذا كان ما يذكر فى إبطال العصمة فرعا على إبطالها ؛ فلا يكون صحيحا ؛ لما فيه من الدّور ، وهو توقف عدم العصمة ، على ما ذكر دليلا ، وتوقف كونه دليلا على عدم العصمة.

__________________

(١) انظر ما سبق فى القاعدة الخامسة ل ١٦٨ / ب وما بعدها.

(٢) سورة الأنعام ٦ / ١٦٠.

(٣) سورة النجم ٥٣ / ٣١.

(٤) راجع ما مر ل ٢٨٥ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٦٦ / أمن النسخة ب.

وبيان ذلك أنه بتقدير أن [لا] (١) يكون الإمام معصوما فيما صدر منه ، وإن كان ظاهره الذنب ؛ فيجب صرفه عن ظاهرة ، إلى ما يوافق العصمة ، كما كان ذلك فى آيات القرآن التى ظاهرها يقتضي التشبيه ، وما لا يجوز على الله تعالى.

وإنما لا يجب الصرف عن الظاهر بتقدير أن لا يكون معصوما ؛ فإذا قد ظهر توقف ما ذكرتموه من الدلائل ، على إبطال عصمة الأئمة ، على عدم العصمة.

وأما التفصيل :

قولكم : فيما يتعلق بعلىّ ـ عليه‌السلام ـ أنه لم يظهر النكير على مبايعة غيره ، لا نسلم أنه لم ينكر ؛ فإنه قد نقل عنه فى الروايات الكثيرة ، أنه لم يزل يتظلم فى كل زمان على حسب ما يليق به ، حتى انتهت النوبة إليه ، فصرّح بالنكير فى كل مواقفه ، وخطبه ، والتظلم على من غصبه حقّه ، حتى اشترك فى معرفة ذلك الخاص ، والعام. وبتقدير عدم إظهار النكير ؛ فلا يخفى أن النكير على المنكر [مشروط] (٢) بشروط متفق عليها ، وهى التمكّن من الإنكار ، وأن لا يغلب / على ظن المنكر أن تعرضه للإنكار ، يجر إلى منكر يزيد على النكير ؛ فلا بدّ لكم من تحقيق هذه الشروط فى حق عليّ حتى تتم الدلالة ، والأصل عدمها.

كيف وأنه لا مانع من عدم تمكنه ، وخوفه من الإنكار على نفسه ، وشيعته ، لا سيّما مع ظهور الأمارات الدالة على ذلك ، وهو اتفاق السّواد الأعظم ، والجمّ الغفير على مبايعة الغير ، والرضى به ، ومراسلتهم ، إليه ، وإلى من تأخّر عن البيعة من شيعته [بالمبايعة] (٣) ، والتهديد على التخلف عنها.

قولكم : إنه بايعهم.

قلنا : بمعنى الرضى بذلك ، والتسليم فى نفس الأمر ، أو ظاهرا للتقية؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ؛ فلم قلتم بالرضى ، والتسليم؟

قولكم : إنه دخل فى آرائهم.

قلنا : إنما كان يدخل فى ذلك ؛ لقصد الإرشاد لهم إلى ما شذّ عنهم من الصواب ، وذلك واجب ؛ لا أنه معصية.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) ساقط من أ.

(٣) ساقط من أ.

قولكم : إنه اقتدى بهم فى الصلاة.

قلنا : ناويا لذلك ، وقاصدا له ، أو مظهرا له من غير قصد؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ، وإظهار الاقتداء لهما [إنما] (١) كان للتقية ؛ لأن تركها مجاهرة بالعداوة ، والمنازعة ، ولم يكن قادرا على دفع ما يؤدى إليه من المحذور.

قولكم : إنه كان يأخذ عطيّتهم.

قلنا : لأن ذلك كان حقا له ، ولا بأس على من أخذ حقه.

قولكم : إنه استباح وطء سبيهم ، لا نسلم أنه استباح ذلك بناء على [أنه] (٢) سبيهم ؛ فإنه قد روى البلاذرى أنه أغارت بنو أسد على بنى حنيفة ؛ فسبوا خولة بنت جعفر ، وقدموا بها [إلى] (٣) المدينة فى أول خلافة أبى بكر ؛ فباعوها من عليّ ـ عليه‌السلام ـ فبلغ الخبر قومها ؛ فقدموا على عليّ ـ عليه‌السلام ـ فعرفوها ، وأخبروه بموضعها منهم فأعتقها ؛ وتزوجها ؛ فولدت له محمدا.

قولكم : إنه زوّج ابنته من عمر.

قلنا : إنّما فعل ذلك بعد مراجعة ، ومنازعة وتهديد ، وتواعد ، أشفق معه من الهلاك ، وإضرار يزيد على ، أضرار التزويج منه ، ولهذا فإنه لما رأى العباس ما يفضى الحال إليه ، سأله ردّ أمرها إليه ؛ فزوجها منه ، ولم يكن ذلك عن اختيار ، وإيثار ، وعلى هذا ؛ فلا يكون ذلك معصية منه ، ولا منكرا.

قولكم : إنه دخل فى الشورى.

قلنا : الحامل له على ذلك ما كان الحامل له على إظهار البيعة ، وبتقدير أن يكون راضيا بذلك ، فإنّما كان لغرض صحيح يتيح له الرضى بذلك ، وهو ظنّه الوصول إلى حقه بذلك ، وتمكنه من الاحتجاج عليهم بفضائله ، ومناقبه التى يستحق بها الخلافة ، وإظهار الأخبار الدالة على التنصيص عليه ، وكل أمر ظنّ معه الوصول إلى ما هو متعين عليه ، فأدنى درجاته أن يكون جائزا له ؛ لا أنه يكون محرما.

قولكم : إنه لم يردّ الناس بعد ظهور أمره إلى مذهبه.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) ساقط من أ.

(٣) ساقط من أ.

قلنا : أما أنه لم يظهر ذلك قبل عود الأمر إليه تقية ، وخوفا بما يفضى إليه من وحشة المخالفة ، وأما بعد عود الأمر إليه ؛ فلأنه لم يعد إليه إلّا بالاسم دون المعنى ؛ فإنه ما زال منازعا [معارضا] (١) مبغضا من أعدائه ، وأن أكثر من بايعه شيعة من مضى من أعدائه ، ومن يعتقد / / أنهم مضوا على أعدل الأمور ، وأن / غاية من يأتى بعدهم تتبع آثارهم ، والاقتداء بسنتهم ؛ فبقى على ما كان عليه من التقية ، وخوف ثورات الفتنة بإظهار المخالفة والأمر بالعود إلى مذهبه. ولهذا قال ـ عليه‌السلام ـ : «والله لو ثنى لى الوساد ، لحكمت بين أهل التوراة [بتوراتهم] (٢) ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وأهل الزبور بزبورهم ، وأهل القرآن بقرآنهم» (٣).

قولكم : إنه حكّم أعداءه ومكّنهم من خلعه.

قلنا : إنه ما فعل [ذلك] (٤) اختيارا ؛ بل اضطرارا على سبيل الإلجاء إليه ؛ وذلك أن معاوية ، وأصحابه لما تبين لهم استظهار عليّ ـ عليه‌السلام ـ عليهم ، وأيقنوا بالعطب ، رفعوا المصاحف ، وأظهروا الرضى بما فيها ، وطلبوا التحكيم بحيلة وضعها معاوية ، وعمرو بن العاص ، ومكيدة لم تخف على عليّ ـ عليه‌السلام ـ ؛ فتخاذل عنه أكثر الصحابة ، وتقاعدوا عن متابعته فى إبائه عن ذلك ؛ لعلمه بالمكيدة ، ومالوا إلى موافقة التحكيم مع الخصوم إما لفرارهم من شدة الزحف ، ومللهم من طول المنازلة ، وإما لدخول تلك الشبهة عليهم ؛ لغلظة أفهامهم ، وعدم اطلاعهم على المكيدة. ولم يزل يمتنع من ذلك ويحذرهم المكيدة إلى أن غلبوه على رأيه ، ورأى أن الإجابة إلى ذلك أولى ؛ دفعا لما علمه من سوء عاقبة المخالفة ، وافضاء الأمر إلى خروج أكثر أصحابه عنه ؛ واستظهار عدوه عليه استظهارا يكون فيه هلاكه ، وهلاك شيعته ، فأجاب إلى التحكيم على أن يكون الحكم بكتاب الله ، وسنة رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فآل الأمر إلى ما آل. ومن قصد دفع الشر العظيم ، بالتزام شر هو دونه فى نظره ؛ لا يكون مخطئا ، ولا عاصيا.

__________________

(١) ساقط من أ.

/ / أول ل ١٦٦ / ب من النسخة ب.

(٢) ساقط من أ.

(٣) انظر تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٢٤.

(٤) ساقط من أ.

وأما ما نقل عنه من الشعر : فقد نقل [عنه] (١) أنه سئل عن مراده به ، فقال : «كتب إلى محمد بن أبى بكر (٢) : أن أكتب له كتابا فى القضاء ليعمل به ؛ فكتبت له ذلك ، وأنفذته إليه ، فاعترضه معاوية فأخذه ؛ فأشفقت أن يعمل بما فيه من الأحكام ، ويوهم أصحابه أن ذلك من علمه ؛ فتقوى الشبهة عليهم فى متابعته (٣). أما أن يكون ذلك اعترافا منه بالخطإ فى التحكيم فلا.

قولكم : إن من قتله فى وقعه الجمل إن لم يكونوا مرتدين ؛ فقد أخطأ فى اعتقاد ارتدادهم ، وإن كانوا مرتدين ؛ فقد أخطأ حيث لم يجعل مالهم فيئا.

قلنا : بل كانوا كفّارا مرتدين ، وحيث لم يجعل أموالهم فيئا ، إنّما كان ؛ لأن أحكام الكفار مما يختلف ، ولا يلزم أنه إذا كان مال من ارتد ، ومات وهو معترف بالارتداد ، ومصر عليه ؛ كالمسلم إذا تهوّد ، أو تنصّر فيئا ؛ أن يكون مال من ارتد ، وهو لا يعتقد ارتداده ؛ بل هو متمسك بأحكام الإسلام ، ويلتزم لها فيئا.

وعلى هذا فإنّما يكون مخطئا أن لو حكم بأن المال ليس بفيء مع الاعتراف بالارتداد المستلزم لكون المال فيئا ، وأما فى غيره فلا.

كيف وأنه ممّا يجب اعتقاد تصويبه فيما ذهب إليه لقوله عليه ـ الصلاة والسلام : ـ «[اللهم] (٤) أدر الحق مع عليّ كيف دار» (٥).

قولكم : فى الزبير ، وقتل ابن جرموز له ، إما أن يكون حراما ، أو لا يكون حراما.

قلنا : لم يكن حراما ؛ لأنه كان من مقاتلة عليّ ـ عليه‌السلام ـ وكل من قاتلة ؛ فهو كافر مرتد.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) محمد بن أبى بكر (محمد بن عبد الله «أبى بكر» بن عثمان التيمى القرشى) أمير مصر ، وابن الخليفة الأول ـ رضى الله عنهما ـ كان يدعى (عابد قريش) ولد فى حجة الوداع بين مكة والمدينة ، ونشأ فى المدينة بعد وفاة أبيه عند على بن أبى طالب رضى الله عنه (وكان قد تزوج أمه أسماء بنت عميس) ولاه على إمارة مصر فدخلها سنة ٣٧ ه‍ وبعد تحكيم الحكمين وانصراف على رضى الله عنه إلى العراق ، أغار معاوية على مصر فأرسل جيشا بقيادة عمرو بن العاص ، فدخلها حربا ، وقتل محمد بن أبى بكر فى هذه المعركة سنة ٣٨ ه‍ ودفن بالفسطاط ، وكانت مدة ولايته خمسة أشهر.

[الولاة والقضاة : لمحمد بن يوسف الكندى ص ٢٦ ـ ٣١ ، والأعلام ٦ / ٢١٩ ، ٢٢٠]

(٣) وردت هذه الرواية فى شرح نهج البلاغة ٦ / ٧٣.

(٤) ساقط من أ.

(٥) ورد هذا الحديث فى سنن الترمذي ٢ / ٢٨٩ ، والمستدرك ٣ / ١٢٤.

قولكم : فلا معنى لاعتقاده ، كون قاتله / مستحقا للنار.

قلنا : إنما يكون مخطئا أن لو اعتقد استحقاق ابن جرموز للنار بقتله للزبير ، وليس كذلك ؛ بل إنما اعتقد ذلك له بالنظر إلى عاقبته ، وخاتمة أمره ؛ وذلك لأن ابن جرموز خرج بعد ذلك [على عليّ مع أهل النهر ، وقتل هناك (١) ؛ فكان بذلك] (٢) الخروج من أهل النار ؛ لا بقتل الزبير.

قولكم : إنه فى قضية أمهات الأولاد لا بدّ وأن يكون مخطئا : إما فى الحالة الأولى ، أو الأخيرة.

قلنا : يحتمل أنه كان موافقا لعمر فى الظاهر لا فى نفس الأمر تقية ، وخوفا ممّا يلزمه من إظهار الخلاف معه من المضار ، والمفاسد كما قررناه فى الموافقة على البيعة / / وإذا كان ذلك محتملا ؛ فيجب الحمل عليه ؛ دفعا لاحتمال الخطأ عنه ، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «اللهم أدر الحق مع عليّ كيف دار».

وبضربه على صدره بيده حين بعثه إلى اليمن وقوله : «اللهم أهد قلبه ، وثبّت لسانه» (٣).

ولقوله عليه‌السلام : «أنا مدينة العلم ، وعلى بابها ، فمن أراد المدينة ؛ فليأت الباب» (٤).

وأما قصّة عليّ فى خطبته بنت أبى جهل بن هشام ؛ فخبر موضوع غير مسلم الصحة.

والّذي يدل على ضعفه أن عليا لو فعل ذلك ؛ لكان فعله مسوغا له شرعا. وما يكون فعله سائغا شرعا ، لا يحسن أن ينسب إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الإنكار على فاعله ، مع ورود إباحته على لسانه.

وأما ما ذكرتموه من الإلزام الثانى فى قصّة الحسن ، وخلعه لنفسه من الإمامة ، وتسليمها لمعاوية ؛ فغير لازم ، فإنه لو قدر أنه لم يكن إماما معصوما ، ولا له

__________________

(١) ورد فى الاستيعاب ١ / ٢٠٣ ، وأسد الغابة ٢ / ١٠٠ أن ابن جرموز عاش حتى ولى مصعب بن الزبير البصرة ، ثم اختفى.

(٢) ساقط من أ.

/ / أول ل ١٦٧ / أمن النسخة ب.

(٣) ورد فى الصواعق المحرقة ١٨٩ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطى ١٣٥.

(٤) ورد فى سنن الترمذي ٢ / ٢٩٩ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١١٤ وضعفه وقال فيه : «وفيه عبد السلام بن صالح الهروى.

وهو ضعيف»

أما السيوطى : فقد حسنه فى اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٦.

أما ابن الجوزى ؛ فقد حكم عليه بالوضع. أنظر الموضوعات ١ / ٣٥٠.

حق فى الإمامة ؛ فلا يشك عاقل أن أحدا لا ينزل عن ولايته ، وعظيم مملكته مسلما فى ذلك الأمر لعدوه ، رغبة عنها عادة ؛ بل العادة تقضى أن ذلك لا يكون إلّا لدفع مفسدة تربى على مصلحة الولاية ، فما ظنك بمن كان معصوما ، ومستحقا للإمامة ، وواجبا عليه طلبها ، للقيام بلوازمها.

وعلى هذا فنزوله عن الإمامة ، وتسليمها إلى معاوية مع فسقة ، إنما كان لما ظهر له من تخاذل أصحابه ، وميلهم إلى أموال معاوية ، ودنياه ، وأن الأمر لا يتم له ، وأن الإصرار على طلب الحق ممّا يفضى إلى ضرر يحل به ، وبشيعته يزيد على مصلحة الإمامة.

وأما إظهار البيعة منه لمعاوية ، وموالاته ، وأخذ عطاياه ؛ فجوابه ما سبق فى قصة عليّ عليه‌السلام.

وأما عذل بعض أصحابه له على ذلك ، وتسميتهم له خاذل المؤمنين ؛ فإنما كان لاغترارهم بما رأوه من كثرة عدد أصحابه ، وبموافقتهم له فى مراده ، وأن الأمر لو استمر على الإمامة ، لدام ، ولم يقفوا على ما وقف عليه ، ولم ينتهوا لما يفضى عاقبة الأمر إليه ؛ لغلظ أفهامهم ، وقلة معرفتهم.

وما ذكرتموه من الإلزام الثالث فى قصة الحسين عليه‌السلام ، فغير لازم.

أيضا ؛ فإنه إنما تحرك إلى الكوفة بعد أن ظهر له من أهل الكوفة الرغبة فيه ، والميل إليه ، بما أخذه عليهم من العهود ، والمواثيق بعد كثرة مكاتبات رؤسائهم له ، والأعيان منهم / ومن تبعهم من السواد الأعظم ، وذلك مع ما اجتمع له من الأعوان ، والأنصار المعتمد عليهم. ومتى غلب على ظن الإمام الوصول إلى حقه ، والقيام بما أوجبه [الله] (١) عليه من النظر فى أحوال المسلمين ؛ وجب عليه السعى فى طلبه.

وأما عذل من خذله : كابن عباس ، وابن عمر ، وغيرهما ؛ فإنما كان لأنه لم يظهر لهم ما ظهر له [من قرائن الأحوال ، ومكاتبات أهل الكوفة له] (٢) بالمعاضدة والمناصرة.

وأما قولكم : إنه ألقى نفسه ، وشيعته فى التهلكة ، حيث أنه لم ينزل على أمان عبيد الله بن زياد ؛ ليس كذلك ؛ فإنه كيف يظنّ به ذلك ، وقد قال لعمر بن سعد (٣) لما

__________________

(١) لفظ الجلالة ساقط من (أ).

(٢) ساقط من أ.

(٣) عمر بن سعد (توفى سنة ٦٦ ه‍) هو عمر بن سعد بن أبى وقاص من التابعين ، كان على رأس الجيش الّذي قتل الامام الحسين ـ رضى الله عنه ـ وصحبه ، وقد قتله المختار بن أبى عبيد.

[تاريخ الطبرى ٥ / ٤١٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٥٠].

أقبل عليه فى عسكره ، ورأى أمارات الضعف : «اختاروا منى : إما الرجوع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو أن أضع يدى فى يد يزيد ليرى فىّ رأيه ، وإما أن تسيروا بى إلى ثغر من ثغور المسلمين ؛ فأكون رجلا من أهله لى ما لهم ، وعليّ ما عليهم» (١). وإن عمر بن سعد كتب بذلك إلى عبيد الله بن زياد ؛ فأتاه ، وأمره بالمناجزة له ، فلما آل الأمر إلى ما آل من ضعف الحسين ، وشيعته وإحاطة الأعداء بهم ، امتنع من النزول على أمان عبيد الله بن زياد ؛ لأنه ظهر له من قرائن أحواله ، وبما تقدم منه من عدم إجابته للأمان قبل انتهاء الأمر إلى ما انتهى إليه أمر الحسين من شدة الضعف ، وظهور الظفر به ، أن قصده من ذلك أن يجمع له بين الذل بالنزول على حكمه ، وقتله ، وأن نزوله على حكمه ، ممّا لا يعصمه من القتل بعد ذلك ؛ فاختار التزام القتل دفعا للجمع بينه ، وبين النزول على حكم عبيد الله بن زياد.

وأما الإلزام الرابع : فغير لازم أيضا ، فإن اختفاء القائم المهدى ـ عليه‌السلام ، إنما هو للمخافة من أعدائه على نفسه.

قولكم : فهذا وإن أوجب الاستتار عن الأعداء ، فغير موجب للاستتار عن شيعته.

قلنا : لا نسلم أنه مستور عن شيعته الذين لا يخشى من جهتهم شيئا ، وما / / المانع من ظهوره لهم ، دون غيرهم ، وإنما لم يظهر لمن لم يخش منه ، إشاعة خبره ، وتحدثه عنه بما يؤدى إلى مخافته.

قولكم : فلا فائدة فى إبقائه.

قلنا : الفائدة فى إبقائه رجاء ظهوره عند زوال المخافة.

قولكم : ليس ذلك أولى من عدمه ، وإيجاده عند زوال المخافة. لا نسلم ذلك. والفرق بينهما ، أنه إذا غيّب شخصه ، للمخافة منهم ، كان ما يفوتهم من المصالح لازما لهم من إخافتهم له ، وإلجائهم له إلى الاستتار ؛ فتكون العهدة فى ذلك لازمة لهم ، والحجة مركبة عليهم ، وإذا أعدمه الله ـ تعالى ـ كان ما يفوتهم من المصالح لازما من فعل الله ـ تعالى ـ ومنسوبا إليه ؛ فلا تكون العهدة فى ذلك لازمة لهم ؛ بل لله ـ تعالى ـ وهو يتعالى ، ويتقدس عن فعل القبيح.

__________________

(١) انظر هذه الرواية في تاريخ الطبرى ٥ / ٤١٣ ، أنساب الأشراف ٣ / ١٨٢.

/ / أول ل ١٦٧ / ب من النسخة ب.

قولكم فى الإلزام الخامس : أنه لو كان الإمام معصوما ؛ لكان أفضل من النبي ؛ فهو مبنى على أن الأنبياء غير معصومين ، وهو ممنوع ، على ما سلف وبتقدير أن لا يكون النبي معصوما ، والعياذ بالله ؛ فلا يلزم [أن يكون] (١) أفضل من النبىّ ؛ لأن النبىّ بتقدير أن يعصى ، قد يعرف ذنبه ، والمعاتبة / عليه من الوحى ؛ فيتوب عنه ، والتّائب من الذنب كمن لا ذنب له ، بخلاف الإمام فإنه لا يقدر على ذلك ؛ إذ هو غير موحى إليه.

ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الإمام غير معصوم ؛ لكنه معارض بما يدل على عصمته.

وبيانه من عشرة أوجه :

ـ الأول : هو أن الاحتياج إلى الإمام ، إنما كان لكون الأمة أبعد عن فعل الخطأ ، وأقرب إلى فعل الواجب ، فلو كان الإمام ممّن يجوز عليه الخطأ ؛ لكان أيضا محتاجا إلى إمام أخر حسب افتقار الأمة إليه ، ويلزم من ذلك التسلسل ؛ وهو محال ، أو الانتهاء إلى إمام لا يتصور عليه الخطأ ؛ وهو المطلوب (٢).

الثانى : أنه يجب متابعته بدليل اللغة ، والإجماع.

أما اللغة : فهو أن الإمام فى اللغة عبارة عن شخص يؤتم به ؛ أى يقتدى به ، كما أن اسم الرداء : لما يرتدى به ، واللحاف : لما يلتحف به (٣).

وأما الإجماع : فلأنه لا خلاف ، فى أنه يجب على كل واحد من الناس قبول حكم الإمام ، واتباعه فى جميع سياساته ، ووجوب إتباع قوله ، فى ذلك إما أن يكون لمجرد قوله ، أو لدليل دلّ على ذلك ، أو لا لقوله ، ولا لدليل دلّ عليه.

لا جائز أن يقال أنه لا لقوله ولا لدليل دل عليه ؛ وإلّا كان وجوب الإتباع لقوله ، لا مستند له ، وهو محال.

ولا جائز أن يقال باستناده ، إلى دليل الإجماع على وجوب الإتباع ، فإن لم يظهر ثمّ دليل ، فلم يبق إلا أن يكون وجوب إتباع قوله لمجرد قوله ، وإذا كان كذلك ، فلو جاز عليه

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) قارن بما ورد فى المواقف ص ٣٩٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩١.

(٣) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ٤٣٥ «الإمام فى اللغة عبارة عن الشخص الّذي يؤتم به ، ويقتدى به : كالرداء ؛ فإنه اسم لما يرتدى به ، واللحاف اسم لما يلتحف به».

الخطأ [فبقدير إقدامه على الخطأ] (١) ، إما أن يقال بوجوب اتباعه ، والأمر من الله ـ تعالى ـ بالاقتداء به ، أو لا يقال ذلك.

فإن كان الأول : فيلزم أن الله ـ تعالى ـ أمرنا بالخطإ ، وهو محال.

وإن كان الثانى : فقد خرج الإمام فى تلك الحالة عن كونه إماما ، ولزم منه خلو ذلك الزمان عن الإمام ؛ وهو محال.

الثالث : أنا قد علمنا بالتواتر علما ضروريا ، بعثة النبي ـ عليه‌السلام ، وتكليف الناس فى كل عصر باتباع ما جاء به ، من الشريعة ، وإنما يتصور تكليف من بعده بشريعته ، بتقدير نقلها إليهم ، وإلّا كان تكليفهم بما لا يعرفونه ؛ وهو محال (٢).

وإذا لم يكن بدّ من نقلها ؛ فذلك الناقل : إما أن يكون معصوما ، أو لا يكون معصوما :

لا جائز أن يكون غير معصوم : وإلّا لما [حصل] (٣) العلم بقوله فيما ينقله (٤). وإن كان معصوما : فالمعصوم عند القائلين بعصمة غير الأنبياء ، إما الإمام أو الأمة ، فيما أجمعوا عليه ، أو أهل التواتر فيما نقلوه لا غير ، والقول بمعصوم خارج عن هذه الثلاثة ، قول لا قائل به.

وعند ذلك : فلا جائز أن يكون مستند علم من بعد النبي بشريعة انعقاد الإجماع من الأمة عليه ، فإن عصمة الأمة عن الخطأ ، إنما تعرف بالنصوص الواردة على لسان الرسول من الكتاب ، أو السنة ، وكل نص يدل على كون الإجماع حجة ؛ فلا بدّ من معرفة كونه منقولا عن الرسول ، وأنه لا ناسخ له ، ولا معارض ؛ وذلك أيضا يتوقف على صدق الناقل له ، وصدقه إما أن يكون معلوما ، بالإجماع ، أو بغيره.

فان كان بالإجماع : لزم الدّور ، من حيث أنّا لا نعرف صدق الخبر الدال على / عصمة أهل الإجماع / / إلّا بالإجماع ، وعصمة أهل الإجماع ، لا تعرف إلا بعد معرفة صدق ذلك [الخبر] (٥).

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٣٤.

(٣) ساقط من (أ)

(٤) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٣٤.

/ / أول ل ١٦٨ / أ.

(٥) ساقط من (أ)

وإن كان بغير الإجماع : فإما بالتواتر ، أو بغيره ، لا جائز أن يكون بالتواتر : فإن غاية التواتر ، معرفة كون ذلك الخبر منقولا عن النبي ـ عليه‌السلام ـ وليس فيه ما يدل على أنه ليس بمنسوخ ، ولا معارض.

وعلى هذا ، فلا يكون مفيدا لكون الإجماع حجة ، فلم يبق إلّا القسم الثالث ، وهو الإمام ؛ وذلك هو المطلوب.

الرابع : أنه لو لم يكن الإمام معصوما ، فبتقدير وقوعه فى المعصية إما أن يجب الإنكار عليه ، أو لا يجب.

فإن وجب الإنكار [عليه] (١) ؛ لزم الدّور من جهة توقف انزجار الإمام على زجر الرعية له ، ويتوقف زجر الرعية على زجر الإمام لهم ؛ وهو ممتنع.

وإن لم يجب الإنكار عليه (٢) : فهو ممتنع لما فيه من مخالفة قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «من رأى منكم منكرا فلينكره» (٣) ... الحديث.

الخامس : هو أن الأمة قد اختلفت فى أحكام ليست فى كتاب الله تعالى ولا السنة المتواترة ، والإجماع غير مساعد عليها لوقوع الخلاف [فيها] (٤) ، وما عدا ذلك من القياس ، وأخبار الآحاد ، فمن باب الترجيح بالظن ، وذلك لا يصلح لإفادة الشريعة لقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٥) ؛ فلا بدّ من معصوم يعرف الحق من الباطل ؛ وذلك هو الإمام.

السادس : هو أن القرآن إنما أنزل ليعلم ويعمل به.

قال المتقدمون من الروافض : [والقرآن] (٦) قد دخله التغيير ، والتحريف ، ويدل على ذلك اختلاف المصاحف (٧) ، واختلاف الصحابة فى الفاتحة ، والمعوذتين (٨) ، وآية

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) ساقط من (ب)

(٣) قارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٣٦.

(٤) ساقط من (أ)

(٥) سورة النجم ٥٣ / ٢٨.

(٦) ساقط من (أ)

(٧) انظر فى اختلاف مصاحف الصحابة : كتاب المصاحف لأبى داود ٥٠ ـ ٨٨.

(٨) انظر فى الخلاف حول الفاتحة والمعوذتين البرهان فى علوم القرآن ٢ / ١٢٧ ، ١٢٨ والإتقان فى علوم القرآن : ١٩ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

الرجم (١) ، ودعاء القنوت (٢) ، هل ذلك من القرآن أم لا؟ وكاختلاف الناس فى البسملة ، هل هى آية من أول كل سورة ، أم لا ، ووجود ما فيه من اللحن ، والتناقض ، والاختلاف إلى غير ذلك من الأمور التى حققناها فى النبوات (٣) ، وذلك كله يدل على دخول التّحريف والتّبديل فيه.

وعلى هذا : فالعمل بما منه من القرآن ، وما ليس منه ، إنما يعرف بمعرفة معصوم ؛ وذلك هو الإمام.

وأما المتأخرون من الرّوافض : فإنهم وإن سلّموا امتناع تطرق التّحريف والتّبديل إلى القرآن ، غير أنّهم زعموا ، أنّه مشتمل على ألفاظ مشتركة ، مجملة ، لا يعرف مدلولها من نفسها ، وآيات متعارضة ، وآيات متشابهة ؛ ولذلك وقع الاختلاف فيها ، بين المفسرين ، ولا سبيل إلى معرفة الحق منها ، بقول غير المعصوم ؛ إذ ليس قول أحد غير المعصومين ، أولى من الآخر ؛ فلا بدّ أن يكون المعرّف لذلك معصوما ؛ وهو الإمام.

السابع : هو أنّ الإمام لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه ، من الله ـ تعالى ـ على لسان رسوله ، كما سبق بيانه ، والبارى ـ تعالى ـ عالم بعواقب الأشياء ، حكيم ؛ فلا يجوز عليه تولية من يعلم فساده ؛ فلا بدّ وأن يكون معصوما.

الثامن : هو أن معرفة الله ـ تعالى ـ واجبة على ما سبق ، وعند ذلك فإما أن يكون العقل مستقلا بالمعرفة ، أو غير مستقل.

فإن كان الأول : فهو محال لوجهين : ـ الأول : ـ هو أنّا قد شاهدنا العقول ، مفضية إلى المذاهب المتناقضة ، ولو كان / العقل مستقلا بالإيصال إلى معرفة الحق ؛ لما كان كذلك.

الثانى : ـ أنه يلزم [منه] (٤) تفويض أمر كل واحد إلى عقله ، وأن لا ينكر عاقل على عاقل ، وأن لا يحتاج مع ذلك ، إلى نبى ، ولا إمام ؛ وهو محال.

وإن كان الثانى : فإما أن يقال بالافتقار إلى المعلم ، أو لا يقال بالافتقار إلى المعلم. فإن قيل إنه لا يفتقر إلى المعلم : فهو تعليم بأنه لا حاجة إلى المعلم ؛ وهو تناقض.

__________________

(١) انظر الاتقان فى علوم القرآن : ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٥.

(٢) انظر البرهان فى علوم القرآن : ٢ / ٣٧.

(٣) انظر ما سبق ل ١٤٦ / ب وما بعدها من الجزء الثانى.

(٤) ساقط من (أ)

وإن قيل بالافتقار إلى المعلم : فإما أن يقال بعصمته ، أو لا يقال بعصمته ، فإن لم يقل بعصمته : فلا تحصل المعرفة بتعليمه ، لجواز خطئه.

وإن قيل بعصمته : فهو المطلوب ، وهذه شبهة الملاحدة من غلاة الشيعة (١).

التاسع : قوله تعالى لإبراهيم : ـ (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢).

ووجّه الاحتجاج بالآية : أنّه نفى أن ينال عهد الإمامة الظالمين ، ومن ليس بمعصوم ، [ومن] (٣) جاز عليه الذنب ، وبتقدير صدور الذنب عنه يكون ظالما لقوله ـ تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) (٤) ؛ فلا ينال عهد الإمامة ، ولا بدّ من الإمام لما تقدم ؛ فلا بدّ وأن يكون معصوما.

العاشر : قوله ـ تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥). أمر بطاعة أولى الأمر ، وكل ذلك من أمر الله ـ تعالى ـ بطاعته ؛ فلا بدّ وأن يكون معصوما ، وإلّا كان البارى ـ تعالى ـ قد أمر بطاعته فيما هو مخطئ فيه ؛ وذلك محال.

والجواب :

أما منع تصور الإجماع ، وكونه حجة ؛ فجوابه ما سبق فى قاعدة النظر (٦).

قولهم : / / إنما يكون الإجماع منعقدا على إمامة أبى بكر ، أن لو بينتم دخول عليّ فيه ؛ وهو غير مسلم.

قلنا : لا نزاع فى وقوع الموافقة منه للجماعة ؛ لمبايعته لأبى بكر (٧).

قولهم : إن ذلك لم يكن عن اعتقاد.

__________________

(١) قارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩١.

(٢) سورة البقرة ٢ / ١٢٤.

(٣) ساقط من أ.

(٤) سورة فاطر ٣٥ / ٣٢.

(٥) سورة النساء ٤ / ٥٩.

(٦) انظر ما مر فى القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ١٥ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٦٨ / ب.

(٧) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٨٣)

قلنا : الاعتقادات [والقصود] (١) من الأمور الباطنة التى لا سبيل إلى الاطلاع عليها ، لذواتها ، وأنفسها ، وإنما تعرف بدلائلها ، والإقدام على عقد البيعة صالح للدلالة عليها ؛ فكان ذلك دليلا ، ويلزم من وجود الدليل ، وجود المدلول ، اللهم إلّا أن يوجد [له] (٢) معارض ، والأصل عدمه ، فمن ادعاه يحتاج إلى بيانه ، واحتمال وجود المعارض إذا لم يكن ظاهرا ، لا يمنع من التمسك بالدليل المتحقق ، وإلّا لما ساغ التمسك بشيء من الدلائل اللفظية على مدلول أصلا ، لا فى كتاب الله ، ولا سنّة رسوله. ولا مخاطبات أهل العرف ؛ فإنه ما من لفظ إلّا ويجوز أن لا يكون المتكلم به معتقدا ، لما هو دليل عليه فى وضع اللغة ؛ لقيام معارض له ، وذلك ممّا يجر إلى إبطال الشرائع واللغات ، وأن يكون الله ـ تعالى ـ ورسوله أمرا بشيء فى الظاهر ، أو نهيا ، أو أخبرا عن شيء ، وهما لا يريدانه ؛ وهو محال.

كيف وأن ذلك ممّا يجر أيضا إلى امتناع الاحتجاج بالإجماع ، الّذي وافقوا على كونه حجة ، وهو ما كان الإمام المعصوم داخلا فيه ؛ لجواز أن يكون ما أطلقوه من الألفاظ ، وأتوا به من الدليل غير مراد المدلول ؛ لاحتمال وجود المعارض / ؛ وذلك كله محال. وعدم صدور البيعة منه قبل ذلك ، لا يدل على كونه غير راض ، بالبيعة حالة صدور البيعة.

وعلى هذا : فالقول بأن البيعة منه ، إنما كانت تقية ، ودفعا للمخافة عنه ، فرع كونه كارها للبيعة ، وغير راض بها ، وهو غير مسلم. وكل ما يوردونه من ألفاظه الدالة على الكراهة لإمامة أبى بكر ، وإنما عقد البيعة معه تقية ، ومخافة ؛ فهو من التخرصات ، والأكاذيب التى لا ثبت لها عند أهل الحديث ، والرواة الثقات (٣).

قولهم : ما ذكرتموه فى إبطال عصمة الأئمة فرع عدم عصمتهم ، لا نسلم ذلك ، وما ذكروه فى تقريره ، فيلزم منه صرف الدلائل عن مدلولاتها ، لمجرد احتمال المعارض لها ؛ وذلك باطل بما سبق تقريره.

كيف وأن ما ذكروه لازم لهم أيضا ؛ وذلك لأن كل من اعتقد كونه معصوما ، فالعلم بعصمته ، ليس من الضروريات ، وإلّا لما شاع الخلاف فيه ، من أكثر العقلاء.

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) ساقط من (أ)

(٣) قارن ما ذكره الآمدي هنا بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢ / ١٢٦ ، ٢٨٤ وما بعدها.

ولأن القضية الضرورية ، ما يصدق العقل بها ، من غير توقف على شيء غير تصور مفرداتها ، ومن تصور شخصا ما ، وتصور معنى العصمة ، لا يجد من نفسه التصديق بكونه معصوما ، إلّا بدليل يدل عليه ، وإلّا كان كل شخص يتصوره ، مع تصور العصمة فى الجملة ، يكون معصوما ؛ وهو محال (١).

فإذا اعتقاد كون شخص من الأشخاص معصوما ؛ لا بدّ له من دليل ، وكل دليل يدل على عصمته ؛ فدلالته موقوفة علي كونه ، معصوما فى نفس الأمر ، فإنه بتقدير أن لا يكون معصوما فى نفس الأمر ؛ فيجب صرف دلالة الدليل على العصمة ، إلى ما يليق بعدم العصمة.

فإذا قد توقفت دلالة الدليل على عصمته ، على وجود عصمته ، ووجود العصمة ، متوقف على دلالة الدليل على العصمة ؛ وهو دور ممتنع.

وكل ما يقال فى الجواب هاهنا ، هو الجواب فيما نحن فيه ، ويدل على ما ذكرناه [من] (٢) الإلزامات.

قولهم : فى الإلزام الأول ، لا نسلم أن عليا لم ينكر.

قلنا : الأصل عدم النكير ، فمن ادعاه احتاج إلى بيانه.

قولهم : إنّه صرّح بالنّكير لا نسلمّ ، وكل ما يذكرونه فى الدّلالة على ذلك قبل ولايته ، وبعد ولايته ، فهو من التّخرّصات ، والأكاذيب التى لم تنقل على ألسنة الرواة الثقات ؛ فلا اعتماد عليها.

ثم [إنه] (٣) لا يخلو : إمّا أن يكون ما نقلوه عنه ـ عليه‌السلام ـ من إظهار الإنكار صحيحا ، أو لا يكون صحيحا.

فإن لم يكن صحيحا : فهو المطلوب ، وإن كان صحيحا : فلا يخلو : إما أن يكون محقا فيه ، أو مبطلا.

فإن كان محقا فيه : فقد أخطأ فى المبايعة. وإن كان مبطلا فيه : فقد أخطأ فى الإنكار ؛ وعلى كلا التّقديرين لا يكون معصوما من الخطأ (٤).

__________________

(١) قارن بما ذكره القاضى فى عصمة الأئمة ، ومناقشاته لها ٢٠ / ٥٧ ، ٢٠ / ٩٦.

(٢) ساقط من (أ)

(٣) ساقط من (أ)

(٤) قارن بما ذكره ابن حزم فى الفصل فى الملل والنحل ٤ / ٩٦. وما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٢٨٤ وما بعدها.

فلئن قالوا : إنّما بايع تقيّة.

قلنا : / / لو كان كذلك ؛ لما أنكر أيضا تقيّة ، فإنّه لا فرق فى المخافة بين أن لا يبايع ، وبين أن يبايع مع تصريحه بالإنكار ، والمخالفة.

كيف وأن دلالة ما ذكروه على النكير ، متوقّفة على إبطال إمامة أبى بكر ؛ فإنه لو كان إماما حقا ؛ لما أنكر عليّ ذلك ؛ لأنّه يخرج به عن كونه معصوما ، فإذا حمل ما وجد منه من الدّلائل ، على حقيقة ـ الإنكار ، متوقّف على إبطال إمامة أبى بكر ، وإبطال إمامته ، متوقف / على دلالة ما وجد من على على حقيقة الإنكار ؛ وهو دور على ما ذكروه فى دليل إبطال العصمة [فإن أبطلوه هاهنا بما ذكرناه ؛ فقد اعترفوا ببطلان ما ذكروه ، على دليل إبطال العصمة] (١) ، مع أنه من أكبر عمدهم فى إثبات العصمة.

قولهم : إنما بايع ظاهرا للتقية ؛ فقد سبق إبطالها فى أول الجواب (٢).

قولهم : إنّما كان يدخل فى آرائهم لقصد إرشادهم عمّا شذّ عنهم.

قلنا : إلا أن أصل تصرفهم فى الأمور السّياسية ، وما يتعلق التّصرف فيه بالإمام ، غير مسوغ لهم شرعا ، عند الخصوم ، وقد كان يدخل معهم فى آراء السّياسة المتعلقة بالإمام ، والإرشاد إلى فعل ما لا يسوغ شرعا ؛ غير جائز (٣).

قولهم : إنه كان يقتدى بهم فى الصّلاة ، غير ناو للاقتداء بهم ؛ فهو خلاف ما يدل عليه الاقتداء ظاهرا ، ومجرد احتمال التّقصير ؛ لا يقدح فى الدلالة الظاهرة ؛ لما سبق.

كيف وأن اقتداء المنفرد بصلاته ، ومتابعته لأفعال غيره ، إذا لم يكن مؤتما به مبطل للصّلاة بإجماع المسلمين ، فلو صدر منه ؛ لما كان معصوما.

قولهم : إنّما كان يأخذ عطيتهم ؛ لأنّ ذلك كان حقا له.

قلنا : إنّما يكون حقا أن لو كان سبب اكتسابه مسوّغا فى الشرع ، وغير عليّ من الأئمة الثلاثة غاصب عند الخصوم ، وتصرّف الغاصب ، غير مسوّغ فى (٤) الشّرع (٤) ؛ فلا يترتب عليه حق شرعى.

__________________

/ / أول ل ١٦٩ / أ.

(١) ساقط من (أ)

(٢) انظر ما مر ل ٢٩١ / أ.

(٣) قارن بالمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٨٦ وما بعدها من القسم الأول.

(٤) ساقط من (ب)

قولهم : لا نسلم [أنه] (١) استباح ووطئ سبيهم.

قلنا : دليله الحنفية.

قولهم : إنه أعتقها ، وتزوّجها.

قلنا : بعتقه لها دليل اعتقاده سابقه الملك له عليها ، ومن لوازم ذلك ، اعتقاد حل وطئها.

قولهم : إنّما زوّج ابنته من عمر ، تقية ، ومخافة ؛ لا نسلم ذلك. ولا بدّ لهم فى ذلك من دليل ، وكل ما يذكرونه فيه ، فممّا انفردوا بنقله عن الثقات المعتبرين ؛ فلا يقبل.

كيف وأن عمر عند الخصوم كان فى اعتقاد عليّ ـ عليه‌السلام ـ كافرا مرتدا ، والتزويج من الكافر غير جائز للتقية ؛ فإنه لو زوّج ابنته من يهودى ، أو نصرانى للتقية ؛ فإنه لا يجوز بموافقة منهم ، ولا يخفى أن حال المرتد ، من حيث أنه لا يقر شرعا على ردته ، أسوأ حالا من الكتابىّ ، من حيث أنه يجوز إقراره على دينه ، فإذا لم يجز ذلك فى الكتابى ؛ ففى المرتد أولى.

وأما تولية العباس للتزويج ، فإنما كان لما قد جرت به العادة ، من أن الآباء لا يباشرون تزويج بناتهم ، وليس فى ذلك ، ما يدل على أنه كان عن مخافة.

قولهم : الحامل له على الدخول فى الشورى ظاهرا ، ما كان حاملا له على البيعة ؛ فهو باطل بما سبق أيضا.

قولهم : وبتقدير أن يكون راضيا بالدخول فى الشورى ، إنما كان لظنه الوصول بذلك إلى حقه.

قلنا : غلبة الظن تستدعى ترجيح أحد الجائزين المتقابلين على الآخر ؛ وذلك يستدعى ظهور الدليل الراجح ، وهو غير متحقق فى حالة الشورى ؛ لترجيحه ـ عليه‌السلام ـ للإمامة ؛ بل ربّما كان بالعكس ؛ لأن تعيينه دون الخمسة الباقين ، إنما يكون بتعيين الصحابة له ، والصحابة عند الخصوم قد كانوا أعداء لعلى ، وتعيينه للإمامة من عدوه بعيد ، ومع ذلك فلا ظن.

__________________

(١) ساقط من (أ).

قولهم : إنه إنما فعل ذلك ؛ لتمكنه / من الاحتجاج عليهم بالأخبار الدالة عن التنصيص عليه.

قلنا : فذلك يستدعى وجود النص عليه ؛ وهو غير مسلم على ما سبق. وبتقدير أن يكون منصوصا عليه ؛ فإنكارهم للنّصّ عليه قبل دخوله فى الشورى ، لا يزيد على إنكارهم له بعد دخوله فى الشورى ؛ بل ربّما كان إنكارهم للنّصّ عليه بعد رضاه بالدّخول فى الشّورى [أزيد منه قبله ؛ فإنه قد يقال له : لو كنت منصوصا عليك ؛ لما رضيت] (١) بالدخول فى الشورى ؛ لاعتقاد بطلانها ؛ والباطل لا يرضى به المعصوم.

قولهم : إنما لم يعلم الناس بمذهبه ، ولم يظهره لهم ، قبل عود الأمر إليه وبعده ؛ تقية وخوفا من وحشة / / المخالفة.

قلنا : ليس كذلك ، فإن الصّحابة ـ رضى الله عنهم ـ ما زالوا فى الوقائع مختلفين فى الأحكام ، ويخالف بعضهم بعضا ، كما فى مسألة الجد مع الإخوة والأخوات ، ومسألة العول ، وقوله : أنت عليّ حرام ، إلى غير ذلك من المسائل الفقهية ، ولم ينقل إفضاء ذلك إلى وحشة ، ولا فتنة.

وعلى هذا فلو ظهر ما اختص به من المسائل الفقهية قبل عود الأمر إليه ، وبعد عود (٢) الأمر إليه (٢) ؛ لم يكن ذلك ممّا يتوقع معه المخافة ؛ فإنه ما كان يتقاصر فى ذلك عن آحاد المجتهدين ، ولم يمتنع أحد من المجتهدين من إظهار مذهبه خوفا ؛ فعلى أولى بذلك (٣).

قولهم : إنه ـ عليه‌السلام ـ ما حكّم أعداءه اختيارا ؛ بل اضطرارا على ما قرروه.

قلنا : أصحابه وإن كانوا ألجئوه إلى التحكيم ؛ لكن لا إلى تحكيم الرجال ؛ بل إلى تحكيم كتاب الله ، وسنة رسوله ؛ ولهذا فإنه لما حكم عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعرى ؛ كانت حجة للخوارج عليه : «إنك حكّمت فى دين الله الرجال» (٤).

__________________

(١) ساقط من (أ)

/ / أول ل ١٦٩ / ب.

(٢) (الأمر إليه) ساقط من ب.

(٣) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٦٧ ، ٦٨ ، ٧٣.

(٤) انظر الفصل فى الملل والنمل لابن حزم ٤ / ٩٥. وانظر مروج الذهب ومعادن الجوهر ٢ / ٣٨٤ فقد ذكر المسعودى موقعة صفين وما جرى فيها من الحوادث بالتفصيل. وخدعة رفع المصاحف ، كما تحدث عن الحكمين وبدء التحكيم ، وما حدث بعده من الخوارج بالتفصيل.

وإن سلمنا أنه كان ملجأ إلى تحكيم الرجال من أصحابه ؛ ولكن لا نسلم أنه كان ملجأ إلى تحكيم أعدائه ، وقوم معينين : كعمرو بن العاص ، ونحوه ، وكل ما يقال فى إلجائه إلى تحكيم عمرو بن العاص ، وأبى موسى الأشعرى بعينهما ؛ فهو من باب الكذب ، والتخرص الّذي لا سبيل إلى إثباته بنقل من نقل الثقات ، ويدل على ما ذكرناه الشعر المنقول عنه ؛ فإنه يدل على أنه أخطأ فى التحكيم.

قولهم : إنما أراد به ما نقلوه عنه ، من كتاب محمد بن أبى بكر ، واعتراض معاوية له ؛ ليس كذلك ؛ فإنه ذكره عقيب التحكيم ، وخروج الخوارج عليه بسببه ؛ وذلك يوجب القطع بأنه إنّما أراد به التحكيم الّذي بسببه انفتق عليه الخرق من الخوارج ، وانفلج عليه الحكم ، وفسد به حاله ، واستظهر به أعداؤه ، إلى حالة مماته ولهذا قال : «لقد عثرت عثرة لا أنجبر».

واعتراض معاوية لكتاب محمد بن أبى بكر لم يكن من العثرات المؤثرة ، ولا من الأمور الموجبة ، لاختلال حال عليّ ، بخلاف التحكيم ، على ما لا يخفى ؛ وذلك يوجب القطع بضعف ما نقلوه ، وكذب ما أوردوه.

قولهم : إنما لم يجعل مال قتلى وقعة الجمل فيئا ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنهم مسلمون ، وأنهم كانوا ملتزمين لأحكام الاسلام ، ومن هو بهذه المثابة فمن مذهبه ـ عليه‌السلام ـ أن ماله لا يكون فيئا.

قلنا : فيلزمهم أن يكون مخطئا فى اعتقاده [أن] (١) مال المرتدين من بنى حنيفة فيئا ؛ لأنهم كانوا بهذه / المثابة ، وعلى هذه الصفات ، ويدل على اعتقاده ذلك ، أنه اشترى الحنفية من السّابين لها.

وعند ذلك فلا يخلو إما أنه كان معتقدا لصحة الشراء ، أو غير معتقد له.

لا جائز أن يقال : إنّه لم يكن معتقدا لصحة الشراء ؛ لوجهين :

الأول : أنهم قد نقلوا أنه أعتقها ، والعتق يستدعى سابقة الملك ولا ملك ، ولا سبب له غير الشراء.

الثانى : أنه لو لم يكن الشراء صحيحا فى معتقده ؛ لما جاز له تسليم الثمن إلى البائع ؛ لأن تصرفه فيه يكون حراما ، والتمكين من فعل الحرام حرام ، ويلزم من ذلك خروجه عن كونه معصوما.

__________________

(١) ساقط من (أ)

وإن كان معتقدا لصحة الشراء : فيلزمه اعتقاد كونها فيئا ، وما ذكروه من الخبر ، فمن أخبار الآحاد ، التى لا توجب القطع بنفى الخطأ عنه.

قولهم : إن قتل الزبير ، لم يكن حراما.

قلنا : فلا معنى لبشارة قاتله بالنار.

وقولهم : إنما بشّره بالنار نظرا إلى عاقبة أمره ، وما جرى له من مقاتلة عليّ ليس كذلك ، فإنا نعلم علما ضروريا ، أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذكر ذلك الخبر فى حق الزبير فى معرض التعظيم له ، والتفخيم من أمره ، وهو المتبادر من لفظه عند اطلاقه.

وحمل كلام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، على تبشير قاتل ابن صفية بالنار ؛ لكونه يقاتل عليا ففى غاية البعد ، والإلغاز من القول ، وكلام النبي المشرع ينزه عنه.

ولو جاز مثل ذلك فى كلامه ـ عليه‌السلام ـ لما بقى لنا بما يخاطبنا به من الألفاظ وثوق ، فيما أمرنا به ، ونهينا عنه ، وفى جميع أحكام التكاليف ؛ لاحتمال أن يريد به ، ما لم يظهر لنا من كلامه. ويظهر بذلك كلام الملاحدة ، فى إبطال الشرائع بناء على قولهم : إن كلام الله تعالى ، والرسول له ظاهر ، وباطن ، وأن المراد به الباطن ، دون الظاهر ؛ وهو محال.

قولهم : فى قضية أمهات الأولاد : إن عليا إنما وافق عمر ، تقية ، وخوفا ؛ ليس كذلك بدليل أمرين : ـ

الأول : أنه قال : «اتفق رأيى ، ورأى عمر على امتناع بيع أمهات الأولاد» ولو كان كما ذكروه لما قال : «اتفق رأيى» ؛ لأنه لم يكن ذلك رأيا له // ؛ فيكون كاذبا ؛ بل كان ينبغى أن يقول : اتفق قولى ، وقول عمر ، أو رأى عمر.

الثانى : أنه قال : «والآن فقد رأيت بيعهن» وذلك يدلّ على حدوث رأيه فى بيعهنّ [وإلا لقال : ورأيى بيعهن] (١).

وما ذكروه من الأخبار ، فأخبار آحاد ، لا توجب القطع بعصمته.

قولهم : إن خطبة على لبنت أبى جهل لم تثبت ، ولم تصح.

__________________

/ / أول ل ١٧٠ / أ.

(١) ساقط من (أ)

قلنا : الحديث ، حديث مشهور ، ولم يوجد له نكير ممّن يوثق به ؛ فكان حجة.

قولهم : إنه لو فعل عليّ ذلك ؛ لما ساغ من النّبيّ إنكاره عليه ؛ لكونه فعلا مباحا.

قلنا : الاحتجاج إنما هو بقول النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إن عليا قد آذانى» ولا شك أن إيذاء النبىّ محرم.

وعند ذلك : فإما أن يكون إيذاؤه بما عطفه على قوله : «وخطب بنت أبى جهل» ، أو بغيره.

فإن كان الأول : فالخطبة / لا تكون مباحة ؛ بل محرمة.

وإن كان بغيره : فلم يكن منكرا للخطبة حتى يلزم ما قيل.

قولهم : خلع الحسن ـ عليه‌السلام ـ نفسه عن الإمامة ، إنما كان ؛ لأنه ظنّ هلاك نفسه ، وشيعته ، بتقدير البقاء على الإمامة ؛ فكان ملجأ إلى ذلك غير مختار.

قلنا : نحن نعلم علما ضروريا ، أن خوف الحسن على نفسه ، وشيعته ، بتقدير بقائه على الإمامة ، لم يكن منتهيا إلى خوف الحسين ، من خروجه إلى الكوفة.

ولهذا فإن أكثر أصحاب الحسن ، وشيعته كانوا يلومونه على خلع نفسه من الإمامة ، حتى أنهم سمّوه مذلّ المؤمنين ، على ما سبق.

وأكثر أصحاب الحسين وشيعته ، كانوا يلومونه على الخروج ، إلى الكوفة : كابن عباس ، وابن عمر ، وغيرهما من سادات الصحابة ، ولو لا أن الخوف اللازم [من خروج الحسين إلى الكوفة أتم] (١) من الخوف اللازم من ، بقاء الحسن على الإمامة ؛ لما كان كذلك.

وعند هذا فإما أن يكون ما انتهى إليه خوف الحسن ، مجوّزا لخلع نفسه ، وترك ما وجب عليه ، أو لا يكون كذلك.

فإن كان الأول ؛ لزم أن يكون الحسين ، قد أوقع نفسه فى التهلكة مع غلبة الظن بوقوعها ؛ فإنا بيّنا أن خوف الخروج إلى الكوفة ، أتم من خوف بقاء الحسن على الإمامة ، وإلقاء النفس فى التهلكة ، مع ظن وقوعها حرام ؛ فلا يكون الحسين معصوما.

__________________

(١) ساقط من (أ).

[وإن كان خوف الحسن لم ينته إلى حد يجوّز معه خلع نفسه من الإمامة ، فخلعه لنفسه عنها مع وجوب طلبه لها بكونه معصوما ، يخرجه عن كونه معصوما] (١) ، وكيف ما دار الكلام ؛ فلا بدّ من تخطئة أحدهما.

ثم لو كان خلعه لنفسه عن الإمامة تقية ، وخوفا ؛ فما الوجه فى الاقتداء بهم ، وأخذ عطائهم.

قولهم : [الكلام] (٢) فيه ما سبق فى قصة عليّ ـ عليه‌السلام ـ.

قلنا : والكلام أيضا فى إبطال ما ذكروه ؛ فكما تقدم.

قولهم : إنّما لم ينزل الحسين على أمان عبيد الله بن زياد ؛ لأنه ظهر له أنه لا بدّ له من قتله ، وقتل شيعته ؛ فامتنع عن النزول عليه ؛ دفعا للجمع ، بين القتل ، وذلّ النزول [على أمانه] (٣).

قلنا : وبتقدير أن يغلب على ظنّه أنه لا بدّ من قتله بعد النزول على الأمان ، غير أن غلبة الظنّ بذلك ، بتقدير عدم الأمان على النزول ، يكون أعظم ضرورة ، ومهما اجتمع طريقان ؛ فلا بدّ من سلوك أحدهما ، والظّن بالهلاك فى أحدهما أغلب ، من ظن الهلاك فى الثانى ؛ فإنه يجب سلوك أقرب الطريقين إلى السلامة.

[عند ذلك] (٤) فسلوكه لأقربهما هلاكا ، يكون به تاركا للواجب ، ويخرج بذلك عن كونه معصوما.

قولهم : إن القائم المهدى إنما اختفى للخوف من أعدائه ، مع ظهورهم واستيلائهم.

قلنا : فكان الواجب أن لا يختفى من شيعته.

قولهم : غير ممتنع أن يكون ظاهرا لبعض شيعته الذين لا يخشى من جهتهم إشاعة خبره.

قلنا : لا يخفى أن الأحوال تختلف باختلاف الأماكن والأوقات ، ونحن نعلم بالضرورة ، أن أولياءه قد يستظهرون / فى بعض الأوقات ، وفى بعض الأماكن على أعدائه ، وتكون الغلبة لهم عليهم ، فلو كان ممّن يظهر لبعض شيعته عند أمنه من

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) ساقط من (أ)

(٣) ساقط من (أ)

(٤) ساقط من (أ)

الخوف ؛ لظهر عند ظهور شيعته واستيلائهم على أعدائه ، فى بعض الأماكن ، والأوقات. وقد اتفق ذلك كثيرا فى كثير من الأزمان ، وكثير من الأماكن ، ولم يتفق ظهوره لهم أصلا.

وبهذا يبطل قولهم : إنه إنما لم يظهر مطلقا ، خوفا من توقع الإشاعة ، فإنه لا ضرر عليه فى الظهور فى محل استيلاء شيعته على أعدائه ، وإن شعر به أعداؤه ؛ فكان من الواجب ظهوره بينهم. ثم يلزم من / / ذلك عدم الفائدة فى إبقائه.

قولهم : فائدة بقائه توقع ظهوره عند زوال المخافة.

قلنا : ليس ذلك أولى من عدمه ، ووجوده عند زوال المخافة.

قولهم : عهدة ما يفوت من المصالح عليهم باختفاء شخصه ، خوفا منهم تكون عائدة عليهم ، بخلاف ما إذا أعدمه الله تعالى.

قلنا : وإذا كان عدمه لبطلان فائدة وجوده ، وبطلان فائدة وجوده ، مستند إلى الخوف منهم ، فالعهدة أيضا فيما يفوت عليهم من المصالح حالة عدمه ، تكون راجعة عليهم.

قولهم : فى الإلزام الخامس إنّ الأنبياء معصومون ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.

قولهم : وإن قدر أن النبي ليس بمعصوم ؛ لا يلزم أن يكون الإمام أفضل منه.

قلنا : دليله ما ذكرناه.

قولهم : إن النبي يعرف ذنبه بالوحى [فيتوب] (١) بخلاف الإمام.

قلنا : هذا إنّما يلزم أن لو لزم نزول الوحى بذلك ؛ وهو غير مسلم. وبتقدير التسليم ، فقد يتوب عن ذلك ، وقد لا يتوب ، وبتقدير لزوم التوبة إذا كان الذنب بترك واجب ، فغايته انتفاء الإثم ، ولكن لا يلزم منه الثواب عليه ، بخلاف من أتى به ، ولم يتركه ؛ فإنه مثاب عليه ، ولا معنى للأفضل ، إلّا أن ثوابه أكثر.

فلئن قالوا : إذا تاب ؛ فلا بدّ وأن يقضى ما فاته من الواجب.

قلنا : وقد لا يتفق قضاؤه ، وبتقدير قضائه ؛ فلا يخفى أن ثواب الأداء أكثر من ثواب القضاء ، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حكاية عن ربه : «لن يتقرب المتقربون إلى بمثل

__________________

/ / أول ل ١٧٠ / ب.

(١) ساقط من (أ).

أداء ما افترضت عليهم» (١) ، وبتقدير أن يكون مساويا له فى الثواب ؛ يلزم أن يكون الإمام ، مساويا للنبى فى الفضيلة ؛ وهو محال مخالف للإجماع.

قولهم : ما ذكرتموه معارض بما يدل على [وجود] (٢) العصمة ؛ لا نسلم وجود المعارض.

قولهم : فى الشبهة الأولى : إن الاحتياج إلى الإمام ، إنما كان لتكون الأمة أبعد عن فعل الخطأ ، وأقرب إلى فعل الواجب ؛ فهو مبنى على وجوب رعاية الحكمة فى أفعال الله ـ تعالى ـ وأحكامه ، وقد أبطلناه فى التعديل والتجوير (٣).

وإن سلمنا أنه لا بد من رعاية الحكمة ؛ ولكن لا نسلم أن الغرض من نصب الإمام ما ذكروه ؛ بل إنما الغرض من ذلك ما ذكرناه من حصول الأمن الّذي لا يحصل إلّا بنصب الإمام ، وتدبير الأمور السياسية ، كما سبق تفصيل القول / فيه فى الفصل الأول من هذا الأصل (٤) ؛ وذلك غير متوقف على عصمة الإمام.

وإن سلمنا أن الغرض ما ذكروه ؛ لكن القدر الّذي يحصل من ذلك بنصب الإمام مطلقا ، أو من نصب الإمام المعصوم؟ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ، فلم قلتم بأن ما زاد على ذلك القدر يكون مطلوبا للشارع.

قولهم فى الشبهة الثانية : إن الإمام تجب متابعته. إما أن يريدوا بذلك الوجوب العقلى ، أو السمعى.

فإن كان الأول : فهو ممنوع على ما عرفناه من امتناع الوجوب العقلى (٥).

وإن كان الثانى : فقد قصّروا فى الدلالة عليه ، أمّا ما ذكروه من جهة اللغة ؛ فلأن اللغة لا دلالة لها على الوجوب الشرعى (٥).

وأما ما ذكروه من الإجماع ؛ فلأن الاحتجاج بالإجماع عندهم إنما يصح بتقدير دخول الإمام المعصوم فيه ، وهو فرع دلالة الإجماع ؛ فيكون دورا.

__________________

(١) ورد فى صحيح الامام البخارى بلفظ «وما تقرب إلى عبدى بشيء أحب إلى مما افترضت عليه» والوارد هنا جزء من الحديث. (صحيح البخارى ٨ / ١٣١).

(٢) ساقط من (أ)

(٣) انظر ما سبق فى القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول فى التعديل والتجويز ل ١٨٦ / أوما بعدها.

(٤) أنظر ما سبق ل ٢٦٣ / أوما بعدها.

(٥) من أول (وإن كان الثانى : ... إلى : الوجوب الشرعى) ساقط من ب.

وإن سلمنا صحة ما ذكروه من الدلالة على وجوب متابعة الإمام ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على عصمته.

وما ذكروه من الدلالة عليه فهو منقوض بالقاضى ؛ فإنه يجب على الرعية متابعة [حكمه ، ومنقوض بالشاهد ؛ فإنه يجب] (١) متابعة الحاكم له فى قبول قوله ، ولم يشترطوا العصمة فى القاضى ، والشاهد إجماعا (٢). وكل ما يذكرونه فى ذلك ؛ فهو جواب فى فصل الإمام.

قولهم فى الشبهة الثالثة : إن الشريعة لا بدّ لها من ناقل معصوم.

سلمنا أنها لا بدّ لها من ناقل ؛ لكن لا نسلم أنه يجب أن يكون معصوما ، ولم قلتم إنه لا يكفى أن يكون قول الناقل مغلبا على الظن؟

وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون معصوما ؛ لكن لم قلتم أنه الإمام؟ وما المانع أن يكون الناقل المعصوم هم الأمة؟ (٣)

قولهم : عصمة الأمة موقوفة على دلالة النصوص ممنوع ؛ بل عصمة الأمة إنما هو مستفاد من دليل العادة ، وهو استحالة اجتماعهم على الخطأ ، عادة كما هو معروف فى كتب الأصول.

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على كون الناقل لذلك إنما هو الإمام المعصوم ؛ لكنه معارض بما يدل على عدمه ؛ وذلك لأنه لو كان الإمام المعصوم شرطا فى نقل الشريعة ؛ للزم منه تعطيل الشريعة ، فى وقتنا هذا ، وأن لا يكون الخصوم ، على دين الإسلام ضرورة اختفاء الناقل المعصوم ، وعدم معرفته كما هو مذهبهم (٤).

قولهم فى الشبهة الرابعة : لو لم يكن الإمام معصوما فبتقدير وقوعه فى المعصية ، إما أن يجب الإنكار عليه ، أو لا يجب. الخ. يلزم عليه القاضى والسلطان / / المنصوب من جهة الإمام ؛ فإنه غير معصوم بالإجماع فبتقدير وقوعه فى المعصية : إما أن يجب الإنكار عليه ، أو لا يجب.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) قارن به ما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٧٥ وما بعدها.

(٣) انظر المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١ / ٧٨ وما بعدها ، وتفسير الرازى ١٠ / ١٤٨ ، ١٤٩.

(٤) انظر الأربعين فى أصول الدين للرازى ص ٤٣٧.

/ / أول ل ١٧١ / أمن النسخة ب.

فإن كان الأول : فاما أن يجب ذلك على الرعية وحدهم ، أو [على] (١) الإمام وحده ، أو على الإمام ، والرعية معا.

فإن كان الأول : لزم الدور / كما ذكروه.

وإن كان الثانى : فهو محال ؛ لأن الإمام بتقدير انفراده بالإنكار وحده قد لا يقدر على الإنكار على من نصبه لقوة شوكته ؛ فلا يكون الإنكار عليه واجبا.

وإن كان الثالث : فقد لزم الدور أيضا وكل ما يقال فى الجواب عن الأمير ، والقاضى ؛ فهو جواب له عن الإمام.

قولهم فى الشبهة الخامسة : إن الأمة قد اختلفت فى أحكام ليست فى كتاب الله ، ولا السنة المتواترة مسلم ؛ ولكن لم قلتم إنه لا بد من الإمام المعصوم ، وما المانع أن يكون طريق معرفتها القياس ، وخبر الواحد ، واستصحاب الحال ، كما قد عرف كل ذلك فى كتب الأصول.

قولهم : إن ذلك لا يفيد غير الظن ، والظن غير معمول به للآية المذكورة.

قلنا : فيلزمهم على هذا أن لا تكون الظواهر من الكتاب ، والسنة أيضا حججا فى الشريعة ، وهو خلاف إجماع المسلمين ، وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» (٢) وعلى هذا فيجب تخصيص قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٣) بالقطعيات دون الظنيات.

قولهم فى الشبهة السادسة : إن القرآن قد دخله التحريف ، والتبديل ، ليس كذلك ؛ بل هو محفوظ مضبوط ؛ لما بيناه من تواتره وتواتر جميع آياته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وما ذكروه من دلائل ذلك : فقد سبق جوابها فى النبوات (٤).

قولهم : إنه مشتمل على ألفاظ مجملة.

قلنا : ما كان منه نصا ؛ وجب اتباعه ، وما كان منه ظاهرا فى معنى ومحتملا لمعنى [آخر] (٥) ؛ فيجب أيضا حمله على ظاهره ، إلا أن يقوم دليل الاحتمال البعيد.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) الحديث فى الفوائد المجموعة ٢٠٠ وهو موضوع. ومع ذلك يحتج به أهل الأصول.

(٣) سورة يونس ١٠ / ٣٦.

(٤) انظر ما مر فى القاعدة الخامسة.

(٥) ساقط من أ.

وما كان منه مجملا فيتوقف فيه إلى حين ظهور دليل أحد مدلولاته ؛ فإن ظهر : عمل به ، وإلا وجب البقاء على الوقف. وأما أن يتوقف ذلك على أخبار المعصوم ؛ فلا.

ودليله إجماع الصحابة على العمل بالظواهر ، وقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر».

قولهم فى الشبهة السابعة : إن الإمام لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه باطل بما سبق.

وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه ؛ لكن لم قلتم أنه لا بدّ وأن يكون معصوما.

قولهم : لأنه لا يجوز على الحكيم تولية من يعلم باطنه الفساد ؛ فهو مبنى على التقبيح العقلى ؛ وهو باطل بما سبق (١).

وإن سلمنا التقبيح عقلا ؛ فما المانع من ذلك بتقدير أن يعلم الله ـ تعالى ـ صلاحنا فى اتباع ذلك الشخص ، وفى توليته علينا. وإن كان غير معصوم فى نفسه.

وعلى هذا فالتنصيص عليه لا يكون قبيحا.

وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على امتناع تولية من ليس بمعصوم ؛ لكنه منقوض بتنصيص الرسول على القاضى ، والأمير / فإنه تولية منه له ، وإن لم يكن معصوما بالإجماع.

قولهم فى الشبهة الثامنة : إن معرفة الله تعالى واجبة ، مسلم.

قولهم : إما أن يكون العقل مستقلا بالمعرفة ، أو غير مستقل بها.

قلنا : المستقل بالمعرفة لا مطلق نظر ؛ بل النظر الصحيح على ما تقدم فى قاعدة النظر (٢).

وعلى هذا فلا نسلم إفضاء النظر [الصحيح] (٣) إلى المذاهب المتناقضة.

__________________

(١) انظر ما مر فى القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ـ المسألة الأولى : فى التحسين والتقبيح ل ١٧٥ / أوما بعدها.

(٢) انظر ما سبق فى القاعدة الثانية ـ الفصل الثالث : فى أن النظر الصحيح يفضى إلى العلم بالمنظور فيه ، وإثباته على منكريه نهاية ل ١٨ / ب وما بعدها.

(٣) ساقط من (أ).

قولهم : يجب تفويض أمر كل واحد إلى نظره.

قلنا : النظر الصحيح أو الفاسد؟ الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع.

وعلى هذا فالإنكار الحق إنما يتصور من الناظر النظر الصحيح على من نظره غير صحيح.

قولهم : يلزم من ذلك الاستغناء عن الإمام ، والنبي.

قلنا : فيما يتعلق بالمعرفة ، أو مطلقا؟ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.

وبيانه : أن الحاجة إلى النبي فى تعريف ما لا يستقل العقل بمعرفته من الأمور الشرعية.

وأما الإمام : فللأمن من المخاوف ، والفتن ، وتدبير الأمور السياسية ، التى لا يستقل بها من ليس بإمام على ما سبق.

وما ذكروه فى إبطال النظر العقلى : إما أن يكون صحيحا ، أو لا يكون صحيحا.

[فإن لم يكن صحيحا] (١) ؛ فلا حاجة إلى جوابه.

وإن كان صحيحا : فقد اعترفوا بصحة النظر.

وإن سلمنا امتناع استقلال العقل بذلك ؛ لكن لم قالوا بأنه لا بدّ من الإمام المعصوم؟

قولهم : لا يخلو إما أن يفتقر فى ذلك إلى معلم ، أو لا يفتقر إليه.

قلنا : لا يفتقر إليه.

قولهم : فهذا تعليم بأنه لا حاجة إلى / / التعليم ، لا نسلم ؛ بل هو إبطال للتعليم مطلقا.

وإن سلمنا أنه لا بد من التعليم ؛ لكن لم قلتم إن المعلم هو الإمام المعصوم؟

قولهم : لأنه إما أن يكون المعلم معصوما ، أو غير معصوم.

قلنا : معصوم ولكن لا نسلم انحصار المعلم المعصوم فى الإمام ؛ بل جاز أن يكون والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ووصول خبره إلينا بالتواتر المفيد لليقين.

__________________

(١) ساقط من (أ)

/ / أول ل ١٧١ ب من النسخة ب.

وإن سلمنا أن المعلم المعصوم هو الإمام ، ولكن متى تحصل المعرفة بقوله إذا عرفت عصمته ، أو اذ لم تعرف الأول : مسلم. والثانى ممنوع.

وعند ذلك فمعرفة عصمته : إما أن تكون بمجرد قوله ، أو لا لمجرد قوله.

الأول : محال ، إذ ليس تصديقه فى دعواه العصمة ، بمجرد قوله ، أولى من تصديق غيره.

وإن كان الثانى : فلا بدّ من معرّف آخر ؛ ويلزم منه إبطال القول بأنه لا معرّف إلا قول الإمام المعصوم.

وإن سلمنا [أن] (١) معرفة عصمته بمجرد قوله ؛ ولكن إنما تحصل المعرفة بقوله بتقدير ظهوره ، وأما بتقدير اختفائه فلا ، والإمام عندهم غير ظاهر ؛ ويلزم أن لا يكونوا عارفين بالله ـ تعالى ـ ؛ بل جاهلين به ؛ لعدم تعريف الإمام لهم.

وأما قوله ـ تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٢) فقد سبق جوابه فى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (٣).

وأما قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤) فغايته أنه أمر بطاعة أولى الأمر ؛ وليس فيه / ما يدل على عصمتهم (٥).

قولهم : لو لم يكونوا معصومين ؛ لكنا مأمورين بطاعتهم فيما هم مخطئون فيه ؛ وهو محال ؛ فهو باطل بأمرنا بطاعة القاضى ، والأمير المنصوب من جهة الإمام ، وكذلك أمر العبد بطاعة سيده ، والزوجة بطاعة زوجها ؛ فإنه جائز من الله ورسوله بالاتفاق ، وإن لم يكن المأمور بطاعته فى هذه الصور كلها معصوما.

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) سورة البقرة ٢ / ١٢٤.

(٣) انظر القاعدة الخامسة ل ١٧٥ / ب وما بعدها.

(٤) سورة النساء ٤ / ٥٩.

(٥) انظر تفسير الآية الكريمة فى تفسير الرازى ١٠ / ١٤٨ وما بعدها.

الفصل الرابع

فى إثبات إمامة إمام الأئمة أبى بكر الصدّيق (١)

ودليل إثباتها اتفاق الأمة بعد وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على نصبه ، وعقد الإمامة له ، واتّباع الناس له فى أيام حياته ، وموافقتهم له فى غزواته ، ونصبه للولاة والحكام ، ونفوذ أوامره ، ونواهيه ، فى البلدان ؛ وذلك مما شاع وذاع ، وعلم بالتواتر علما لا ريب فيه ، كما علم وجود النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ودعواه بالرسالة ؛ وذلك دليل على إثبات إمامته وصحة نصبه ، وإقامته (٢).

__________________

(١) عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر ، التيمى ، القرشى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أول الخلفاء الراشدين ، وأول من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرجال ولد بمكة سنة ٥١ قبل الهجرة. أحد عظماء العرب فى الجاهلية وفى الإسلام كان من كبار موسريهم ، ومن أكثرهم علما ، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش حرّم على نفسه الخمر فى الجاهلية ، فلم يشربها.

كانت له فى عصر النبوة مواقف عظيمة ؛ فضحى بماله من أجل نصرة المستضعفين من المسلمين ؛ فكان يشترى الأرقاء منهم ويعتقهم. كما شهد كل الحروب مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واحتمل الشدائد. ومواقفه مع الرسول معروفه ، وأقوال الرسول فيه مشهورة. ولما بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانت له مواقف عظيمة فقد حارب المرتدين ، وجيش الجيوش ؛ واتفق له قواد عظام أمناء مؤمنين مخلصين كخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الحراج ، والعلاء بن الحضرمى ، ويزيد بن أبى سفيان ، والمثنى بن حارثة وفتحت فى أيامه معظم بلاد الشام وقسم كبير من العراق.

كان رضى الله عنه أحد المبشرين بالجنة ، ولقبه الصديق فى الجاهلية والإسلام. وكان موصوفا بالحلم والفصاحة والشجاعة ، توفى بالمدينة سنة ١٣ ه‍ وكانت مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف. له فى كتب الحديث (١٤٢) حديثا.

[صفة الصفوة ١ / ٨٨ ـ ١٠١ ، والإصابة ت ٤٨٠٨ ، والأعلام ٤ / ١٠٢].

(٢) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هنا. يرجع إلى المصادر التالية :

الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص ٢٠٤ وما بعدها ، واللمع له أيضا ص ١٣١ والتمهيد للباقلانى ص ١٨٧ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ٢٨١ وما بعدها والإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص ٢٤٠ وما بعدها ، ولمع الأدلة له أيضا ص ١١٥ وما بعدها والأربعين للرازى ص ٤٣٩ وما بعدها ، ومعالم أصول الدين له أيضا ص ١٧٠ وما بعدها وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٧ وما بعدها.

ومن كتب المعتزلة : المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٢٧٩ وما بعدها ، والمعتمد فى أصول الدين ص ٢٢٥ وما بعدها ، وشرح الأصول الخمسة ص ٧٥٠ وما بعدها.

ومن كتب المتأخرين عن الآمدي : شرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٢٩٥ وما بعدها ، وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٠٩ وما بعدها ومنهاج السنة لابن تيمية ٢ / ١٧٥ وما بعدها.

فإن قيل : أولا لا نسلم أنه كان من أهل الإمامة ، ولا مستجمعا لشروطها المعتبرة فيها حتى تصح إمامته ؛ فلا بد من بيان الأهلية أولا.

ثم بيان عدم أهليته لذلك من ثمانية أوجه : ـ

الأول : قوله تعالى لإبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

ووجه الاحتجاج به : أنّه أخبر أنّه لا ينال عهد الله ؛ وهو الإمامة الظالمين ، وأبو بكر كان ظالما ؛ فلا يكون أهلا للإمامة.

وبيان أنه كان ظالما من وجهين :

الأول : أنه كان كان كافرا قبل البعثة. والكافر ظالم لقوله ـ تعالى ـ (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢).

الثانى : أنه ظلم فاطمة ، وبيان ظلمه لها أنه منعها من حق كان ثابتا لها ، بميراثها من أبيها.

وبيان ذلك أن فدك (٣) كانت للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ومات عنها. وفاطمة كانت مستحقة لنصفها ، بحق الميراث ، ودليله أمران :

الأول : قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (٤)

الثانى : أنّ فاطمة كانت معصومة عن الخطأ.

وبيان عصمتها من وجهين : ـ

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ١٢٤.

(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٥٤.

(٣) فدك : قرية بخيبر كانت للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أفاءها الله على رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سنة سبع من الهجرة ـ بعد غزوة خيبر ـ صلحا. وتوفى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عنها : فطالبت السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ بميراثها. فذكر لها أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ حديث رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى ذلك. وأوضح لها أن ما تركه الرسول صدقة ـ لا حق لها فيها.

قارن ما ذكره الآمدي هنا بما ذكره صاحب المغنى القاضى عبد الجبار فى كتابه المغنى ٢٠ / ٣٢٨ وما بعدها القسم الأول : فقد تحدث بالتفصيل عن الحوار الّذي دار بين السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ ، وبين الصديق ـ رضي الله عنه ـ ، وأجاب عن شبه الخصوم بالتفصيل ـ ووضح براءة الصديق ـ رضي الله عنه ـ مما ألصقه به الخصوم خاصة ، والسيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ قد اقتنعت ، وكفت عن المطالبة ـ فأصابت أولا وثانيا.

(٤) سورة النساء ٤ / ١١.

الوجه الأول : أنها كانت من أهل البيت بالاتفاق ، وأهل البيت معصومون بدليل الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) ، أورد ذلك فى معرض الامتنان ، والإنعام عليهم ، والتعظيم لهم ، وإنما يتم ذلك أن لو انتفى عنهم الرجس مطلقا ، وإلا لبطلت فائدة ذلك ؛ لمشاركة غيرهم لهم فى ذلك ؛ فيلزم أن تكون فاطمة معصومة عن الخطأ مطلقا.

وأما السنة : فقوله عليه ـ الصلاة والسلام : «فاطمة بضعة منى (٢) ، والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ معصوم ؛ فبضعته تكون معصومة.

وإذا كانت معصومة / فقد ادعت استحقاقها للميراث ؛ فتكون صادقة فى دعواها.

الوجه الثانى : فى بيان عدم أهليته : أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لم يولّه شيئا فى حال حياته ، وحين بعث / / به إلى مكة ؛ ليقرأ سورة براءة على الناس فى الموسم. نزل جبريل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد ذلك : «إنه لا يؤدى عنك إلا أنت ، أو رجل منك (٣) ؛ فبعث عليا فى أثره [وأمره] (٤) أن يتناول منه السورة ، ويقرأها على أهل مكة ، وعزل أبا بكر عن ذلك ؛ وذلك دليل على أنه ليس أهلا للإمامة ، ولا لتأدية أمر الله ـ تعالى ـ عنه ـ (٥).

الوجه الثالث : أنه ـ عليه لصلاة والسلام ـ عزله عن الإمامة بالناس ، لما أمّ بهم بأمر بلال عن عائشة ، ومن لا يكون أهلا للإمامة فى الصلاة ؛ لا يكون أهلا لإمامة الأمة (٦).

الوجه الرابع : أن شرط الإمام أن يكون معصوما على ما تقدم ، وأبو بكر لم يكن معصوما ، ودليله أمور أربعة :

الأول : اتفاق الأمة على ذلك.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ / ٣٣.

(٢) ورد فى صحيح البخارى ٧ / ١٣١ حديث رقم ٣٧٦٧ «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى». وقد ذكره البخارى فى كتاب فضائل الصحابة ـ ٢٩ ـ باب مناقب فاطمة عليها‌السلام. وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة». وقارنه بشرح المواقف ـ الموقف السادس ـ ص ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩.

/ / أول ل ١٧٢ / أ.

(٣) ورد فى مسند الإمام أحمد ٤ / ١٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤.

(٤) ساقط من أ.

(٥) ذكر القاضى عبد الجبار هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل فى كتابه (المغنى ٢٠ / ٣٤٩ ـ ٣٥٢ من القسم الأول) ووضح أنها دليل لإمامة أبى بكر ، وليست طعنا فيها كما ظن الخصوم : وقارن بشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٣٠٠.

(٦) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فيما سيأتى ل ٢٩٩ / ب. قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٠ ، ٣٠١.

الثانى : أنه قد نقل عنه بالنقل الصحيح ، أنه قام على منبر رسول الله وقال : «إنّ لى شيطانا يعترينى ، فإن استقمت فأعينونى ، وإن عصيت ؛ فتجنبونى» (١).

وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يكون صادقا فيه ، أو كاذبا.

فإن كان كاذبا ؛ فلا يكون معصوما.

وإن كان صادقا ؛ فقد ثبت أنه كان يعصى ؛ فلا يكون معصوما أيضا.

الثالث : أنه خالف أمر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومخالفة أمره معصية.

وبيان ذلك : أنه لما جهّز النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جيش أسامة فى مرضه الّذي مات فيه ، وقال : «ملعون من تخلف عنه» ، وكان عمر ، وعثمان فيه ، ومن جملة من يلزمه الخروج فيه ؛ فحبس أبو بكر عمر عن الخروج معه (٢).

الرابع : أنه سمّى نفسه خليفة رسول الله ، وخليفة رسول الله من استخلفه ، ولم يكن استخلفه ؛ فكان كاذبا.

الوجه الخامس : فى بيان عدم أهليته : أنّ شرط الإمام أن يكون أفضل الأمة كما تقدّم بيانه ، وأبو بكر لم يكن كذلك ، ودليله قوله : «وليتكم [ولست] (٣) بخيركم ، أقيلونى» (٤) فهو لا يخلو : إما أن يكون كاذبا فى ذلك ، أو صادقا.

فإن كان كاذبا : فالكاذب لا يكون خير الأمّة.

وإن كان صادقا : فهو المطلوب.

الوجه السادس : هو أنّ شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة كما تقدم. وأبو بكر لم يكن كذلك ، فإنه لم يكن عالما بالشّرائع ، فإنه أحرق فجاءة بالنار وهو يقول أنا مسلم. وقطع يسار يد السارق ؛ وذلك على خلاف الشرع.

__________________

(١) ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٢٤ «وإنما أنا متبع ولست بمبتدع ، فإن استقمت فتابعونى ، وإن زغت فقومونى» ثم قال :

«ألا إن لى شيطانا يعترينى ، فإذا أتانى فاجتنبونى». قارن بمسند الإمام أحمد ١ / ١٤ ، وقد ذكر القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٣٣٨ القسم الأول : هذا القول : على أنه من شبه الخصوم : فقال : «شبهة أخرى لهم : قالوا : وكيف يصلح للإمامة من يخبر عن نفسه أن له شيطانا يعتريه ، ويحذر الناس نفسه» ثم أجاب على هذه الشبهة بالتفصيل.

(٢) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة بالتفصيل ل ٢٩٩ / ب. قارن رد القاضى عبد الجبار على هذه الشبهة فى (المغنى ٢٠ / ٣٤٣ ـ ٣٤٩ القسم الأول).

(٣) ساقط من أ.

(٤) قارن بالتمهيد للقاضى الباقلانى ص ١٩٥ وما بعدها فقد نقل القول على أنه من شبه الخصوم ورد عليه بالتفصيل.

وانظر غاية المرام للآمدى ص ٣٨٨. أما القاضى عبد الجبار فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.

(المغنى ٢٠ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ القسم الأول).

وروى أنه سألته جدة عن ميراثها فقال : «لا أجد لك فى كتاب الله ـ تعالى ـ ولا سنة رسوله شيئا ، ارجعى حتى أسأل الناس ؛ فأخبره المغيرة بن شعبة ، وغيره أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أعطاها السدس» (١) ، فجعله لها إلى غير ذلك ؛ وذلك دليل نقصه فى العلم بالشريعة /.

الوجه السابع : أنه قال : «وودت أنى سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن هذا الأمر فيمن هو ؛ فكنّا لا ننازعه أهله» (٢) ؛ وذلك منه دليل على شكّه فى استحقاقه للإمامة.

الوجه الثامن : أنّ عمر بن الخطاب مع أنه وليه ، وحميمه ، وناصره ، والمتولى للعهد من قبله ، قد نقل عنه ما يدل على ذمّه ، والإنكار عليه ، وأن بيعته وقعت لا عن أصل يبنى عليه ، وهو أدل الأشياء على ، عدم استحقاقه للإمامة.

أمّا ذمّه : فما روى عنه أنه جاءه عبد الرحمن بن أبى بكر ، يشفع فى الحطيئة (٣) الشاعر فقال : «دويبة سوء لهو خير من أبيه» (٤).

وأما إنكاره عليه ، حيث لم يقتل خالد بن الوليد (٥) ، ولم يعزله ، وقد قتل مالك بن نويرة (٦) ، وهو مسلم ، طمعا فى التزويج بامرأته لجمالها ، حتى قال له عمر : «إن وليت الأمر لأقيدنك به» (٧).

__________________

(١) قارن بما ذكره صاحب المغنى (٢٠ / ٣٥٢ ، ٣٥٣ القسم الأول) فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل. وبما ورد فى شرح المواقف الموقف السادس ص ٣٠١.

(٢) قارن بما ذكره صاحب المغنى (٢٠ / ٣٤٠ ، ٣٤١ القسم الأول) فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.

(٣) الحطيئة : هو جرول بن أوس بن مالك ـ العبسى ، شاعر مخضرم أسلم ثم ارتد ، ثم تاب. قال أثناء ردته :

أطعنا رسول الله إذ كان بيننا

فيا لعباد الله ما لأبى بكر

أيورثها بكر إذا مات بعده

وتلك لعمر الله قاصمة الظهر

(خزانة الأدب ١ / ٤٠٨).

(٤) قارن بما ورد فى شرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ـ ص ٣٠٢.

(٥) خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ بن المغيرة المخزومى ، القرشى سيف الله ، الفاتح الكبير والقائد العظيم ، والصحابى الجليل كان من أشراف قريش ، أسلم قبل الفتح سنة ٧ ه‍ فسر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وولاه الخيل ، ولما ولى أبو بكر ، وجهه لقتال المرتدين ، ثم سيره إلى العراق ثم حوله إلى الشام. وكان رضي الله عنه من أعظم قواد عصره ؛ بل من أعظم قواد العالم. قال عنه أبو بكر : عجزت النساء أن يلدن مثل خالد. روى له المحدثون (١٨) حديثا ، وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد أن خالد بن الوليد لمّا حضرته الوفاة بكى : فقال : «لقد لقيت كذا وكذا زحفا ، وما فى جسدى شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح. وها أنا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت العير ، فلا نامت أعين الجبناء» [صفة الصفوة ١ / ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ، الأعلام للزركلى ٢ / ٣٠٠].

(٦) مالك بن نويرة : هو أبو حنظلة مالك بن نويرة بن حمزة من بنى يربوع ، أسلم وولاه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صدقات قومه ، وفى ارتداده عن الإسلام خلاف. فيقال إنه وزع الصدقات على قومه وارتد فقتله خالد بن الوليد وتزوج امرأته [الإصابة ٣ / ٣٣٦ ، والبداية والنهاية ٦ / ٣٢٢].

(٧) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٣٥٤ ، ٣٥٥ القسم الأول. فقد ذكر القاضى هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل. وقارن بشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٣٠٢ ، ٣٠٣.

وأما أنّ بيعته كانت عن غير أصل : فقول عمر ، «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة ، وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» (١).

وإن سلّمنا أنه كان أهلا لاستحقاق الإمامة ، غير أنّا لا نسلم إجماع الأمة على عقد الإمامة له ؛ فإنه قد روى أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما قبض ، وبويع أبو بكر ، تخلّف عن البيعة سلمان الفارسى (٢) ، وأبو ذر الغفارى (٣) ، والزبير بن العوام ، وجماعة من أجلاء الصحابة.

وأما عليّ فإنه تأخر عن البيعة ستة أشهر ، وأنه كان يقول إذا دعى إلى البيعة : «إنّى لأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يقولها غيرى إلا كذاب ، وأنا والله أحق بهذا الأمر منكم ، وأنتم أولى بالبيعة لى» (٤) ، حتى أنفذ إليه عمر مع جماعة فضربوا الباب فلما سمع عليّ عليه‌السلام أصواتهم ، لم يتكلم ، وتكلمت امرأة فقالت : من هؤلاء؟ فقالوا : قولى لعلىّ يخرج يبايع ؛ فرفعت فاطمة صوتها ، وقالت : يا رسول / / الله ما ذا لقينا من أبى بكر ، وعمر

__________________

(١) قارن بما أورده القاضى الباقلانى فى التمهيد ص ١٩٦ ، ١٩٧ ، والقاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ من القسم الأول.

وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٢ ، ٣٠٣ فقد ذكر كل منهم هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.

(٢) سلمان الفارسى رضي الله عنه : صحابى جليل ـ يكنى أبا عبد الله. من أصبهان كان يسمى نفسه سلمان الإسلام. عاش عمرا طويلا ، واختلفوا فيما كان يسمى به فى بلاده وقالوا : نشأ فى قرية جيان ، ورحل إلى الشام فالموصل فنصيبين ، فعمورية. وقرأ كتب الفرس والروم واليهود وقصد بلاد العرب وسافر يطلب الدين مع جماعة فغدروا به وباعوه لليهود. ثم إنه كاتب ، فأعانه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسلم فى أول مقدم النبي إلى المدينة ، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد. وأول غزاة غزاها مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة الخندق وهو الّذي أشار على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحفر الخندق. ثم شهد ما بعد الخندق ، وولاه عمر المدائن توفى رضي الله عنه سنة ٣٦ ه‍. له فى كتب الحديث ستون حديثا.

قال عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلمان منا أهل البيت» وشبهه على رضي الله عنه بلقمان الحكيم فقال : «من لكم بمثل لقمان الحكيم».

[صفة الصفوة ١ / ١٩٦ ـ ٢٠٨ ، الأعلام ٣ / ١١٢].

(٣) أبو ذر الغفارى رضي الله عنه : جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد من بنى غفار ، من كنانة بن خزيمة أبو ذر : صحابى جليل. من كبار الصحابة. أسلم بمكة قديما ، وقال : كنت فى الإسلام رابعا. يضرب به المثل فى الصدق ، وهو أول من حيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتحية الإسلام. هاجر بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بادية الشام ؛ فأقام بها إلى أن توفى أبو بكر وعمر وولى عثمان ، فشكاه معاوية (وكان والى الشام) إلى عثمان بأنه يحرض الفقراء على مشاركة الأغنياء فى أموالهم ؛ فاستقدمه عثمان إلى المدينة ؛ فقدم واستأنف نشر آرائه ؛ فأمره عثمان بالخروج إلى الرّبذة (من قرى المدينة) فسكنها إلى أن مات رحمه‌الله ورضى عنه وكانت وفاته سنة ٣٢ ه‍ روى له البخارى ومسلم (٢٨١) حديثا.

[صفة الصفوة ترجمة رقم [٦٤] ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢٦ ، والأعلام ٢ / ١٤٠].

(٤) انظر تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٨.

/ / أول ١٧٢ / ب.

بعدك ؛ فبكى كثير ممّن سمع صوتها وانصرفوا ؛ فوثب عمر فى ناس معه ؛ فأخرجوه ، وانطلقوا به إلى أبى بكر حتى أجلسوه بين يديه.

فقال أبو بكر : بايع ، قال : فإن لم أفعل ، قال : إذن والله الّذي لا إله هو نضرب عنقك ؛ فالتفت عليّ عليه‌السلام إلى القبر وقال : «يا ابن أم إنّ القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى» (١) ثم بايع عن كره ، واضطرار.

وروى أنّه لمّا بويع أبو بكر غضب جماعة من المهاجرين ، والأنصار وقالوا : أبويع من غير مشورة ولا رضى منّا ، وغضب عليّ ، والزبير ، ودخلا بيت فاطمة ، وتخلّفا عن البيعة ، فجاءهم عمر فى جماعة وفيهم مسلمة بن أسلم (٢) ؛ فصاح عمر : أخرجوا ، أو لنحرقها عليكم ، فأبوا أن يخرجوا ، فأمر عمر مسلمة بن أسلم فدخل عليهما ، وأخذ أسيافهما ، أو أسيف أحدهما ؛ فضرب به الجدار حتى كسره ، ثم أخرجهما يسوقهما / حتى بايعا كرها وإلجاء.

وعلى هذا فأىّ إجماع ينعقد فى عصر فيه عليّ ، والزّبير وهما غير داخلين فيه اختيارا.

وإن سلمنا انعقاد الإجماع على ذلك ؛ لكن لا نسلم أن الإجماع حجة على ما تقدم.

سلمنا أنه حجة لكن متى ، إذا لزم منه مخالفة النص ، أو إذا لم يلزم؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم.

وبيان مخالفته للنص ما بيّناه من التنصيص على عليّ رضى الله عنه.

والجواب : قولهم : لا نسلم أنه كان أهلا للإمامة.

قلنا : دليله الإجمال والتفصيل.

أما الإجمال : فهو أن إجماع الأمة على عقد الإمامة له يدل على كونه أهلا لها ، ومستجمعا لشرائطها ، وإلا كان إجماعهم على الخطأ ؛ وهو محال.

__________________

(١) قارن هذه الرواية بما ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٨.

(٢) هو : مسلمة بن أسلم بن حريش بن عدى الأنصارى شهد المشاهد كلها مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، واستشهد بالعراق فى خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ سنة ١٤ ه‍ (أسد الغابة ٤ / ٣٩٧ ، الإصابة ٣ / ٣٩٨).

وأما التفصيل : فهو أن الشروط المعتبرة فى الإمامة كلها متحققة فى حقه (١) ، فإنه كان ذكرا ، حرا ، قرشيا ، مشهور النسب ، بالغا ، عاقلا من غير خلاف ، وكان مسلما ، عدلا ، ثقة ؛ لأنه كان متظاهرا بالإسلام ، والتزام أحكامه ، والإقرار بالشهادتين ، محافظا على أمور دينه ، رشيدا فى دينه ، ودنياه ولم يعلم منه صدور كبيرة ، ولا مداومة على صغيرة ، ولا معنى للمسلم العدل إلا هذا.

وكان من أهل الحل ، والعقد ، والاجتهاد فى المسائل الشرعية ، والأمور السمعية ، وله فى ذلك الأقوال المشهورة ، والمذاهب المأثورة فى أحكام الفرائض ، وغيرها. كما هو معروف فى مواضعه ، مضافا إلى ما كان يعلم من أنساب العرب ، ووقائعها ، والعلوم الأدبيّة والأمور السياسية ، التى لا ريب فيها إلا لجاحد معاند.

وكان مع ذلك خبيرا بأمور الحرب ، وترتيب الجيوش ، وحفظ الثغور ، بصيرا بالأمور السياسية ، لم يلف فى تصرفه مدة ولايته خلل ، ولا زلل.

وكان شجاعا [مقدما] ، مقداما ، شديد البأس قوىّ المراس ، ثابت الجنان وقت التحام الشدائد ، واصطلام الأهوال بدليل صبره مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى ساعة الخوف ، واستتاره فى الغار (٢) من الكفار ، ووضع عقبه على كوة فى الغار ، وقد لسعته الأفعى ، ولم يتأوّه مخافة استيقاظ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

وقصته المشهورة مع المرتدين ، وقد تخاذل الصّحابة عنهم وقوله : «لأقاتلنهم ولو بابنتى هاتين» (٣). وأنه لم يتخلف عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى وقعة من الوقائع ، ولا مشهد من المشاهد ، إلا وهو أول القوم ، وآخرهم فى نصرة الدين ، والذّب عن حوزة المسلمين ، وأنّه كان مطاعا ، مهابا ، نافذ الأمر ، صيّب النّظر ، بدليل رجوع الصّحابة فى وقت اضطرابهم ، وتشويش أحوالهم ، عند ما قبض النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واختلافهم فى موته (٤) ومحلّ

__________________

(١) قارن بما ورد فى المراجع التالية : الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص ٢٠٤ وما بعدها. واللمع له أيضا ص ١٣١ ، ١٣٢ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٨٧ ـ ١٩٧. والإرشاد للجوينى ص ٢٤٠ وما بعدها ، والأربعين للرازى ص ٤٠ وما بعدها والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٢١٥ وما بعدها من القسم الأول.

وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٥ وما بعدها.

(٢) كان رضي الله عنه ثانى اثنين فى الغار قال تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة ٤٠].

(٣) انظر صحيح البخارى ٩ / ١١٥ ، وصحيح مسلم ١ / ١٣٨ فقد وضحا الأقوال المأثورة التى تدل على إصرار أبى بكر ـ رضي الله عنه ـ على قتال المرتدين.

(٤) قال الشهرستانى فى الملل والنحل ص ٢٣ : مبينا الخلافات التى حدثت فى الملة الإسلامية. «الخلاف الثالث : فى موته عليه‌السلام. قال عمر بن الخطاب : من قال إن محمدا قد مات قتلته بسيفى هذا ...» وانتهى الخلاف على يد أبى بكر ـ رضي الله عنه ـ عند ما قرأ قول الله تعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ).

دفنه (١) ، ومن يقوم بالأمر بعده ، إلى قوله (٢) ، والرجوع إليه / فى ذلك وفى كل ما كان ينوب من الأمور المعضلة ، والقضايا المشكلة ، على ما سبق تقريره.

قولهم : إنه كان ظالما ، لا نسلم [ذلك] (٣).

قولهم : إنه كان كافرا قبل البعثة ، فقد سبق الجواب عنه (٤).

قولهم : إنه ظلم فاطمة بمنعها من ميراثها ؛ لا نسلم أنه كان لها ميراث حتى يقال بمنعها منه ، قوله تعالى : (فَلَهَا النِّصْفُ) (٥) معارض بما روى عنه عليه‌السلام أنه قال : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» (٦).

فإن قيل : إنما تصح المعارضة بذلك أن لو كان خبر الواحد حجة ؛ وهو غير مسلم. وبتقدير التّسليم بذلك ، فإنّما يكون حجّة ، إذا لم يكن الراوى له متهما. وأما إذا كان متهما فيه فلا.

وبيان وجود التهمة من وجهين :

ـ الأول : أن / / الرّاوى له أبو بكر. وهو الخصم فى هذه المسألة ، ورواية الخصم ، لا يحتج بها على خصمه ، كشهادته عليه ؛ فلا تقبل ؛ لكونه متهما فيه.

الثانى : أنه قد انفرد بسماعه من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مع عدم حاجته إلى معرفته ، دون من حاجته داعية إلى معرفته : كالعباس ، وفاطمة ؛ وذلك موجب للتّهمة.

وإن سلمنا خلوه عن التهمة ؛ ولكن إنّما يكون حجة إذا لم يكن مرجوحا ؛ وهو مرجوح من جهة السند ، والمتن.

__________________

(١) قال الشهرستانى (المصدر السابق) الخلاف الرابع : فى موضع دفنه» وانتهى هذا الخلاف عند ما ذكرهم أبو بكر.

بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الأنبياء يدفنون حيث يموتون».

(٢) قال الشهرستانى : الخلاف الخامس : فى الإمامة ـ وقد استطاع أبو بكر أن يحسم هذا الخلاف عند ما ذكر الأنصار بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الأئمة من قريش». وهذه الخلافات كلها قد انتهت على يد أبو بكر رضي الله عنه لكل هذا فهو أهل للخلافة.

(٣) ساقط من أ.

(٤) راجع ما سبق.

(٥) سورة النساء ٤ / ١١.

(٦) رواه أحمد فى مسنده ١ / ١٠.

/ / أول ل ١٧٣ / أمن النسخة ب.

أما من جهة السند : فلأنه آحاد ، ونص التوريث متواتر ؛ والمتواتر أقوى من الآحاد.

وأما من جهة المتن : فمن وجهين :

الأول : أن قوله تعالى : (فَلَهَا النِّصْفُ) قاطع فى دلالته على توريث النصف. وقوله ـ عليه الصلاة والسلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» يحتمل أن يكون المراد به ، لا نورث ما تصدّقنا به ؛ والقاطع راجح على المحتمل.

الثانى : أن آية الميراث مترجحة ، بموافقة قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (١) وقوله ـ تعالى ـ حكاية عن زكريا ـ عليه الصلاة والسلام ـ (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢) والخبر على خلافه.

قلنا : أما منع كون خبر الواحد حجة ؛ فلا يستقيم لوجهين : ـ الأول : أنّه مجمع على قبوله بين الصحابة ، ويدلّ عليه رجوع الصحابة فى الأحكام الشرعية ، إلى أن أخبار الآحاد من غير نكير منهم ؛ فكان إجماعا (٣).

فمن ذلك رجوع عمر بن الخطاب فى إيجاب غرة الجنين إلى خبر حمل بن مالك (٤).

وفى توريث المرأة من دية زوجها ، إلى خبر الضحاك (٥).

وفى إجراء المجوس على سنّة أهل الكتاب ، إلى خبر عبد الرحمن بن عوف.

وفى وجوب الغسل من التقاء الختانين ، إلى خبر عائشة (٦).

__________________

(١) سورة النمل ٢٧ / ١٦.

(٢) سورة مريم ١٩ / ٦.

(٣) قارن : التمهيد للباقلانى ص ١٦٤ ، والإرشاد للجوينى ص ٢٣٥ والإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٢ / ٢٧٣ وما بعدها : الباب الثالث فى أخبار الآحاد.

(٤) حمل بن مالك : (ويقال له : حملة) كانت له امرأتان. فرمت احداهما الأخرى بحجر فألقت جنينا فقضى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بغرة عبد ، أو أمة. [أسد الغابة ١ / ٥٣٥].

(٥) انظر الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٢ / ٢٧٣ وما بعدها. والضحاك : هو أبو سعيد الضحّاك. نجدى. ولاه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمر مسلمى قومه. وكتب إليه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يورث امرأة من دية زوجها. توفى سنة ١١ ه‍ (الإصابة ٢ / ١٩٨ ، أسد الغابة ٢ / ٤٢٩).

(٦) فى صحيح مسلم ١ / ١٨٧ عن عائشة رضى الله عنها : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا جلس بين شعبها الأربع ومسّ الختان الختان ، وجب الغسل».

ومن ذلك رجوع عثمان فى الحكم بالسّكنى ، إلى خبر فريعة بنت مالك (١).

وما اشتهر عن عليّ عليه‌السلام من قبوله لخبر الواحد مع يمينه ، وقوله : «كنت إذا سمعت حديثا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفعنى الله بما شاء منه / وإذا حدثنى غيره حلفته [وإذا حلف] (٢) صدقته» (٣).

ومن ذلك رجوع أهل قباء إلى خبر الواحد فى التحوّل عن بيت المقدس ، إلى القبلة فى أثناء الصلاة (٤) ، إلى غير ذلك من الوقائع التى لا تحصى عددا.

الثانى : أنّا نعلم علما ضروريا ، بأخبار التواتر ، أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يبعث الواحد من القضاة ، والرسل ، ليبلغ الشرائع ، والأحكام ، وقبض الصدقات ؛ وذلك كتأميره أبا بكر فى الموسم سنة تسع ، وإيفاده بسورة براءة مع على ـ عليه‌السلام ـ ؛ لقراءتها على أهل الموسم ، وتولية عمر على الصدقات ، إلى غير ذلك مع اتفاق الإجماع ، وأهل النقل ، أن النبي ـ عليه‌السلام ـ كان يوجب على أهل الأطراف قبول ذلك واتباعه ، وإلا فلو افتقر فى ذلك ، إلى تنفيذ عدد التواتر ربما كان ذلك لا يفى بجميع الصحابة ، وتحقق ذلك مستقصى لائق بالأصول الفقهية (٥).

وإن سلمنا أن خبر الواحد ليس بحجة ، غير أن أبا بكر هو الحاكم ، ولم يعمل بخبر الواحد ؛ بل بخبر الرسول الصادق حيث سمعه عنه.

قولهم : إنه كان متهما فيه ؛ لا نسلم.

قولهم : إنه الخصم ، لا نسلم ؛ بل الحاكم ، والحاكم غير متهم.

__________________

(١) هى الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبى سعيد الخدرى ، وكان يقال لها : الفارعة شهدت بيعة الرضوان (أسد الغابة ٦ / ٢٣٥ ، الإصابة ٤ / ٣٧٥).

(٢) ساقط من أ.

(٣) قال الآمدي فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام ٢ / ٢٧٧ : «وأما من جهة الأثر ، ونخص مذهب من فرق بين خبر وخبر : كبعض المحدثين : فهو أن عليا ـ كرم الله وجهه قال : «ما حدثنى بحديث إلا استحلفته ، سوى أبى بكر» صدق أبا بكر ، وقطع بصدقه ، وهو واحد».

(٤) ذكر هذا الخبر بتمامه فى سنن ابن ماجة ١ / ٣٢٢ وما بعدها.

(٥) انظر الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٢ / ٨٨ وما بعدها.

وقولهم : إنه انفرد بروايته ، لا نسلم (١). فإنه قد نقله جماعة من الصحابة كبشر بن مالك ، وسعد بن عبادة الأنصارى (٢) ، وغيرهما.

قولهم : إنه مرجوح ، لا نسلم ذلك.

قولهم : إنه آحاد ، ونصّ التوريث متواتر.

قلنا : إلا أنه خاص يتناول إرث النبيين بخصومه. وآية التوريث تتناوله بعمومها. والخاص أقوى من العام (٣) وذلك أن ضعف العموم ، بسبب تطرق التخصيص إليه ، وأكثر العمومات مخصصة ، وضعف الآحاد ، بسبب تطرق الكذب إليه ؛ وهو بعيد فى حق العدل ؛ فكان الظن بخبر الواحد الخاص أولى ، وأقوى.

قولهم : دلالة الآية قاطعة فى توريث النصف ، ودلالة الخبر مظنونة.

قلنا : وإن كانت دلالة الآية قاطعة فى توريث النصف ، غير أنها ظنية ، بالنظر إلى آحاد البنات ؛ لاحتمال تطرق التخصيص إليها ، وقد تطرق بالمقابلة ، والمخالفة فى دين الإسلام ؛ فدلالتها على توريث فاطمة تكون ظنية ، لا قطعية.

ثم الترجيح مع ذلك لدلالة الخبر ، فإن إخراج فاطمة عن التوريث ، غايته تخصيص عموم ؛ وهو غالب على ما تقدم.

وصرف الخبر إلى نفى التوريث ، فيما ترك صدقه مخالفة للظاهر من لفظ الخبر ، وما هو متبادر إلى الفهم منه / / عند إطلاقه ، وأكثر الظواهر مقررة لا مغيّرة ، فكان الخبر أقوى.

__________________

(١) قارن بالمغنى ٢٠ / ٣٣٢ وما بعدها.

(٢) سعد بن عبادة بن ديلم بن حارثة ، الخزرجى ، أبو ثابت ، صحابى جليل من أهل المدينة ، كان سيد الخزرج ، وأحد الأمراء الأشراف فى الجاهلية والإسلام ، وكان يلقب فى الجاهلية بالكامل (لمعرفته الكتابة والرمى والسباحة) كان أحد النقباء الاثنى عشر.

كان كريما جواد ، وكانت جفنته تدور مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى بيوت أزواجه. (فكان يرسل للرسول جفنة من ثريد فى كل يوم).

وكان يكرم أهل الصفة فكان يطعم كل ليلة منهم ثمانين. عن محمد بن سيرين قال : كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالرجل ، والرجل بالرجلين والرجل بالخمسة فأما سعد بن عبادة ؛ فكان ينطلق بثمانين كل ليلة.

وكان يدعو بعد كل صلاة مكتوبة : «اللهم ارزقنى ما لا أستعين به على فعالى فإنه لا يصلح الفعال إلا المال».

توفى ـ رحمه‌الله ورضى عنه بحوران سنة ١٤ ه‍.

[صفة الصفوة ـ ت رقم (٥٣) ١ / ١٨٩ ، ١٩٠ ، الأعلام ٣ / ٨٥].

(٣) قارن بما ورد فى الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٢ / ٢٤١.

/ / أول ل ١٧٣ / ب من النسخة ب.

كيف وأن حمل الخبر على ما قيل ممّا يبطل فائدة تخصيص النبيين بالذكر ، من حيث أن غيرهم مشارك لهم فى ذلك بالإجماع.

قولهم إن الآية مترجحة ؛ لموافقة قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (١) وقول زكريا : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢).

قلنا : يحتمل أن يكون المراد به وراثة العلم ، ووراثة العلم سابقة ؛ لقوله تعالى / (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (٣) وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «العلماء ورثة الأنبياء» (٤) ويجب الحمل على هذا المعنى الأمور أربعة :

الأول : ما فيه من الجمع بين الأدلة بأقصى الإمكان.

الثانى : أن قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) إنما ذكره فى معرض التعظيم له ، والإجلال لشأنه ؛ وذلك إنما يليق بوراثة العلم ، لا بوراثة المال.

الثالث : أنه قد كان لداود أولاد أخر لم يذكرهم ، ولو كان المراد به وراثة المال ؛ لما اختص به سليمان دونهم.

الرابع : قول سليمان : (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) (٥) ؛ وذلك دليل [على] (٦) أنه أراد بالميراث ، العلم دون غيره ، ولما كانت وراثة العلم أشرف من وراثة المال ؛ فيجب أيضا حمل قول زكريا عليه.

كيف وأنه قد قيل : إن زكريا كان رجلا فقيرا ، لا مال له غير قدوم ، ومنشار ، وليس ذلك ممّا يعظم عند نبى كريم ، حتى أنه يطلب حرمان مستحقيه عنه ؛ فتعين أن يكون المراد به ، وراثة العلم ، ولا يلزم من كونه طلب ولدا يرث علمه ، أن يكون قد بخل بوصول علمه إلى غير ولده ؛ ليكون حراما ؛ فإنه لا يمتنع مع ذلك أن يكون ولده ، وغير ولده وارثا لعلمه.

__________________

(١) سورة النمل ٢٧ / ١٦.

(٢) سورة مريم ١٩ / ٦.

(٣) سورة فاطر ٣٥ / ٣٢.

(٤) رواه البخارى فى صحيحه «وإن العلماء هم ورثة الأنبياء ورّثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر ، ومن سلك طريقا يطلب به علما ، سهل الله له طريقا إلى الجنة). كتاب العلم ـ باب العلم قبل القول والعلم ـ (١ / ١٩٢). وقارن بلفظ متقارب بمسند أحمد / ١٩٦ ، وسنن الدارمي ١ / ٩٨.

(٥) سورة النمل ٢٧ / ١٦.

(٦) ناقص من (أ).

وأيضا فإنه قد قيل : إنه لم يرد بقوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (١) ولدا ، ولهذا قال : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (٢).

وإنما أراد به : وليا يقوم مقامه فى العلم ، وأمر الدين.

وقوله فى موضع آخر : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣) ، وليس فيه ما يدل على طلب الولد ؛ بل من يكون من ذرية طيبة يكون لى وليا ، ولهذا لم يقل من ذريتى (٤).

قولهم : إن فاطمة كانت معصومة عن الخطأ ؛ لا نسلم.

قولهم : إنها كانت من أهل البيت ، مسلم ؛ ولكن لا نسلم أن أهل [البيت] (٥) معصومون.

والآية فقد نقل الضحاك. أنه لما نزلت هذه الآية ، قالت عائشة : «يا نبى الله ، أنحن من أهل بيتك الذين قد أذهب الله عنهم الرجس بالتطهير» (٦) ، فقال عليه الصلاة والسلام ، يا عائشة أو ما تعلمين أن زوجة الرجل هى أقرب إليه فى التودد والتحبب من كل قريب.

وأن زوجة الرجل مسكن له ، والّذي بعثنى بالحق نبيّا ؛ لقد خصّ الله بهذه الآية فاطمة ، وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وعليا ، والحسن ، والحسين ، وجعفرا ، وأزواج محمد ، وخاصته ، وأقرباءه.

وإذا ثبت ذلك فالآية تتناول الكل تناولا واحدا (٧).

وقد أجمعنا على أنها غير مقتضية لعصمة الزوجات وعصمة العباس ، وغيره من الأقارب ؛ فكذلك فى غيرهم.

قولهم : يلزم من ذلك إبطال فائدة التخصيص ؛ ليس كذلك ؛ فإنه جاز أن يكون ما صرف عن أهل البيت من الرجس الخاص ، غير مصروف عن غيرهم.

__________________

(١) سورة مريم ١٩ / ٥.

(٢) سورة مريم ١٩ / ٨.

(٣) سورة آل عمران ٣ / ٣٨.

(٤) قارن بالجامع لأحكام القرآن ١ / ٧٩ وما بعدها ، وتفسير ابن كثير ١ / ٣٦٠.

(٥) ساقط من أ.

(٦) انظر الضحاك فى زاد المسير ٣ / ٣٨٣.

(٧) قارن به تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٣ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ـ ص ٢٩٨ وما بعدها.

وقوله عليه / الصلاة والسلام : «فاطمة بضعة منى» (١) فإن كان من أخبار الآحاد ؛ فليس هو عندهم حجة ، إلا أنه لا يمكن حمله على الحقيقة ، فإن البضعة من الشخص جزء الشخص وجزء الشخص ما ينقص ذلك الشخص بنقصانه ، وينمو بنموه ، ويغتذى بغذائه ، ويتألم بما يرد عليه من الآلام ، وفاطمة بالنسبة إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليست كذلك ، فأمكن حمل قوله : «بضعة منى» أى ، كبضعة منى فيما يرجع إلى الحنو ، والشفقة.

وإن سلمنا أنّها بضعة منه حقيقة ؛ ولكن لا نسلم أنه يجب أن تكون معصومة.

قولهم : لأن النبي عليه‌السلام معصوم ، ممنوع على ما تقدم.

وإن سلمنا أنه معصوم فلا نسلم أنه يلزم من وصف الجملة بوصف ، وصف جزئها به.

فلئن قالوا : وإن لم يثبت الإرث ، فقد ادّعت أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نحلها بها ، وشهد لها عليّ والحسن ، والحسين ، وأم أيمن (٢) ؛ فرد شهادة الكل ، ولم يقبل دعواها.

قلنا : أما أنه لم يقبل شهادة الحسن ، والحسين ؛ فلأنه رأى فى اجتهاده امتناع قبول شهادة الولد لوالديه ؛ وهو رأى أكثر أهل العلم. ونصاب / / البينة لم يتم بعلى ، وأم أيمن. ولعله أيضا لم ير الحكم بالشاهد الواحد ، واليمين ؛ فإنه مذهب كثير من العلماء (٣).

قولهم : إنه لم يولّه شيئا فى حال حياته ؛ لا نسلم ذلك ؛ فإنه قد أمّره على الحجيج فى سنة تسع ، واستخلفه فى الصلاة بالنّاس فى مرضه ، وصلّى خلفه ، ويدل على ذلك ما روى جابر (٤) بن عبد الله أنه قال : «لما ثقل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى مرضه حين أهل ربيع الأول أمر أبا بكر أن يصلّى بالناس ، وكان إن وجد خفة ، وأطاق الصلاة قائما ؛ خرج فصلّى بنا قائما ، وإن وجد خفة ولم يستطع القيام ؛ خرج وصلّى جالسا ، وأبو بكر يصلى بالناس ؛ لأنه ـ عليه‌السلام ـ نهانا أن يصلى القاعد بالقائم) (٥).

__________________

(١) انظر ما مر فى هامش ل ٢٩٥ / ب.

(٢) أم أيمن : هى بركة بنت ثعلبة بن عمرو ـ مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتقها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وزوجها زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد (الإصابة فى تمييز الصحابة ٤ / ٤١٥ ، الاستيعاب ٢ / ٧٦٥).

/ / أول ل ١٧٤ / أ.

(٣) انظر المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٣٣٢ وما بعدها ، وشرح المواقف. الموقف السادس ص ٢٩٩ ، فهو ينقل عن الآمدي غالبا.

(٤) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجى الأنصارى السلمى : صحابى من المكثرين فى الرواية عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد روى (١٥٤٠) حديثا له ولأبيه صحبة غزا تسع عشرة غزوة ، وكانت له فى أواخر أيامه حلقة فى المسجد النبوى يؤخذ عنه العلم. شهد بيعة العقبة مع السبعين وكان أصغرهم سنا ، توفى رحمه‌الله ورضى عنه بالمدينة سنة ٧٨ ه‍ [صفة الصفوة. الترجمة رقم (٧٩) ١ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، الأعلام ٢ / ١٠٤].

(٥) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد ٦ / ١٥٩. وسنن الترمذي ٢ / ١٩٥ وما بعدها.

وأيضا ما روى عن عبد الله بن زمعة (١) أنه قال : «جاء بلال فى أول ربيع الأول فأذن بالصلاة فقال رسول الله : مروا أبا بكر يصلّى بالناس ، فخرجت ؛ فلم أر بحضرة الباب إلا عمر فى رجال ليس فيهم أبو بكر ، فقلت : قم يا عمر فصلّ بالناس ؛ فقام عمر ؛ فلما كبّر وكان رجلا صيّتا ، فلما سمع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صوته بالتكبير ، فقال : أين أبو بكر ، يأبى الله ذلك ، والمسلمون ، ثلاث مرات ، مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قام فى مقامك غلبه البكاء ؛ فقال : أنتن صويحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس» (٢).

وأيضا ما روى المغيرة عن إبراهيم أنه قال : «صلّى النبي خلف أبى بكر». وأيضا ما روى عن ابن عباس أنه قال «لم يصل النبي عليه‌السلام خلف أحد من أمته إلا خلف أبى بكر ، وصلّى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة» (٣).

وأيضا ما روى عن رافع (٤) بن عمرو عن أبيه أنه قال : «لما ثقل / النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن الخروج ، أمر أبا بكر أن يقوم مقامه ؛ فكان يصلى بالناس ، وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ربّما خرج بعد ما يدخل أبو بكر فى الصلاة ؛ فيصلى خلفه ، ولم يصل النبي خلف أحد غيره. غير ركعة صلاها فى سفر خلف عبد الرحمن بن عوف».

ولا يخفى أن التولية فى الصلاة تولية فى القراءة ، وغيرها (٥).

ثم وإن سلمنا مع الاستحالة أنه لم يولّه شيئا فى حياته ؛ فليس فى ذلك ما يدل على أنه لم يكن أهلا للإمامة ؛ فإنه لم ينقل أنه ولى الحسن شيئا فى حال حياته ؛ وهو عندهم أهل للإمامة.

قولهم : إنه عزله عن قراءة سورة براءة ، لا نسلم ذلك ؛ بل المروى أنه ولّاه الحج ، وردفه بعلى لقراءة سورة براءة ، وقوله : «لا يؤدى عنى إلا رجل منى».

__________________

(١) عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، قتل مع عثمان ـ رضي الله عنه ـ يوم الدار [الإصابة ٢ / ٣٠٣ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٢١٨].

(٢) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد ٤ / ٤١٢ ، ٤١٣ ، وصحيح البخارى ١ / ١٦٩ ، ١٧٢ ، وصحيح مسلم ٢ / ٢٠ ـ ٢٥ ، وسنن الترمذي ٥ / ٦١٣.

(٣) رواه مسلم ١ / ١٥٩ ، ٤ / ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، كما ورد فى سنن ابن ماجة ١ / ٣٩٢.

(٤) رافع بن عمرو : هو رافع بن عمرو بن حارثة المزنى ، له صحبة ، روى عن الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولقب برافع الخير.

[طبقات ابن سعد ٦ / ٦٧ ، وتهذيب التهذيب ٣ / ٢٣١].

(٥) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٥١.

قلنا : إنما كان كذلك ؛ لأنه كان من عادة العرب أنهم إذا أرادوا نبذ العهود ، والمواثيق لا يفعل ذلك إلا صاحب العهد ، أو رجل من بنى أعمامه ؛ فجرى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على سابق عهدهم.

قولهم : إنه عزله عن الصلاة ، غير صحيح بدليل ما ذكرناه من الروايات الصحيحة ، وكل ما يقال فى ذلك ، فإنما هو من الأكاذيب التى لا تثبت لها عند المحصلين من أرباب النقل ؛ بل الصحيح ما رواه الزهرى عن أنس بن مالك أنه قال : «صلى أبو بكر صبيحة اثنتى عشرة ، فخرج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والناس فى صلاة الصبح عاصبا رأسه حتى وقف على باب حجرة عائشة ، فلما رآه الناس تحوّزوا ، وذهب أبو بكر يستأخر ؛ فأشار إليه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن صلّ ؛ فصلوا وعاج وانصرف» (١).

قولهم : إن شرط الإمام أن يكون معصوما ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٢).

قولهم : إنه قال : «إن لى شيطانا يعترينى» (٣) لا يمكن حمله على أنه كان به خبل مع ما بيّناه من عقله وفضله وسياسته ، وطواعية الناس له.

وإنما معناه : أنه يلحقنى وساوس ، وذهول ، على سبيل التواضع ، وكسر النفس ، وما من أحد إلا وله شيطان بهذا الاعتبار ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «وما منكم إلا وله شيطان يعتريه ، قيل وأنت يا رسول الله ، قال وأنا ، إلا أن الله أعاننى عليه» (٤) ؛ وليس المراد به إلا ما ذكرناه.

قولهم : إنه خالف أمر رسول الله ؛ لا نسلم ذلك.

قولهم : إن عمر كان فى جيش أسامة.

قلنا : غايته أنه كان داخلا فيه نظرا إلى عموم أمر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكان ذلك لإصلاح الدين ، ولعله رأى أن المصلحة فى إقامة عمر فى المدينة أكثر للدين ، وتخصيص العموم بالرأى جائز عنده ، وعلى أصول أهل الحق ، كما فى علم الأصول //.

__________________

(١) وردت رواية الزهرى عن أنس رضي الله عنه فى صحيح مسلم ٢ / ٢٤.

(٢) انظر ما سبق ل ٢٨٥ / ب وما بعدها.

(٣) انظر ما سبق ل ٢٩٦ / أوما بعدها.

(٤) رواه مسلم ٨ / ١٣٩.

/ / أول ١٧٤ / ب من النسخة ب.

قولهم : إنه سمّى نفسه خليفة رسول الله (١).

قلنا : إنّما سمّى نفسه / بذلك لاستخلافه له فى الصلاة كما قدّمناه ، ولم يكن كاذبا فيه ، ويمكن أن يقال إنه إنما سمى نفسه بذلك ؛ لأنه قام مقام النبي ـ عليه‌السلام ـ فيما كان بصدده من إقامة الدين ، وسياسة المسلمين ، بوجه شرعى ، وهو انعقاد الإجماع عليه ؛ فإن كل من قام مقام شخص فيما كان ذلك الشخص بصدده ؛ فإنه يصح أن يقال : خلفه فيه ، ولهذا يصح أن يقال : فلان خليفة فلان فى العلم : أى أنه قائم مقامه فيه ، وإن لم يكن ذلك باستخلاف من ذلك الشخص.

قولهم : إن شرط الإمام أن يكون أفضل الأمة ، ممنوع على ما تقدم.

وإن سلمنا ذلك ؛ فلا نسلم أنه لم يكن أفضل.

وقوله : «ولّيتكم ولست بخيركم أقيلونى» (٢).

قلنا : أما قوله : «وليتكم ولست بخيركم» فيحتمل أنه أراد به التولية فى الصلاة على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (٣) ، ومن المعلوم أنه لم يكن خير قوم فيهم رسول الله ، ويكون فائدة ذكر ذلك الاحتجاج على جواز توليته بعد الرسول بطريق التنبيه ، بالأعلى على الأدنى ، ويحتمل أنه أراد بقوله : «لست بخيركم» أى فى العشيرة ، والقبيلة ، فإن الهاشمى ، أفضل من القرشى ، وإن لم يكن شرطا فى الإمامة كما سبق.

وعلى كل واحد من التقديرين يكون صادقا ، ولا ينافى أفضليته.

وأما طلبه القيلولة ، فليس فيه ما يدل على عدم الأهلية أيضا ، ولا سيما مع اتفاق الأمة عليه ، وقولهم. «لا نقيلك ولا نستقيلك رضيك رسول الله لديننا ، أفلا نرضاك لدنيانا» ؛ بل لعل ذلك إنما كان للفرار من حمل أعباء المسلمين ، والتقلد لأمور الدين ، أو للامتحان ليعرف الموافق من المخالف ، أو غير ذلك من الاحتمالات ، ومع ذلك فلا ينتهض ما ذكروه شبهة فى نفى الاستحقاق للإمامة.

قولهم : شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة ؛ لا نسلم ذلك ؛ كما تحقق من قبل.

__________________

(١) انظر ما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٣٥٥ وما بعدها من القسم الأول.

(٢) انظر ما مر ل ٢٩٦ / أوما بعدها.

(٣) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٨٩ ، وأصول الدين للبغدادى ص ١٨٢.

قولهم : إنه ما كان عالما بأحكام الشرع.

إن أرادوا به ، أنّه ما كانت جميع أحكام الشرع حاضرة عنده على سبيل التفصيل ؛ فهذا مسلم. ولكن لا نسلم أن ذلك من خواص أبى بكر ؛ بل جميع الصحابة فى ذلك على السويّة (١).

وإن أرادوا به : أنه لم يكن من أهل الحل ، والعقد ، والاجتهاد فى المسائل الشرعية ، والقدرة على معرفتها ، باستنباطها من مداركها ؛ فهو ممنوع على ما تقدم ؛ ولهذا فإنه ما من مسألة فى الغالب ، إلا وله فيها قول معتبر بين أهل العلم (٢).

قولهم : إنه أحرق فجاءة بالنار.

قلنا : إذا كان مجتهدا فكل مجتهد مؤاخذ بما أوجبه ظنه ، وإذا كان قد رأى ذلك فى اجتهاده ، كان هو حكم الله فى حقه ، ولم يسبقه فى ذلك إجماع قاطع ؛ ليكون حجة عليه ، وما عدا ذلك من الأدلة فهى / عرضة للتأويل ، والمعارضة (٣).

قولهم : إن فجاءة كان يقول : أنا مسلم عند الإحراق ، لم يثبت. وإن ثبت فلعله ثبت عنده أنه كان زنديقا ، والزنديق غير مقبول التوبة على رأى صحيح (٤).

قولهم : إنه قطع يسار السارق.

قلنا : لعلّ ذلك كان من غلط الجلاد وأضيف إليه ؛ لأن أصل القطع [كان] (٥) بأمره. ويحتمل أنه كان ذلك فى المرة الثالثة على ما هو رأى أكثر أهل العلم.

وأما وقوفه فى مسألة الجدة ، ورجوعه إلى الصحابة فى ذلك ؛ فليس بدعا من المجتهدين أن يبحثوا عن مدارك الأحكام ، ويسألوا من أحاط بها النقل والأعلام.

__________________

(١) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٣٥٣ من القسم الأول ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠١.

(٢) قارن بالفصل فى الملل لابن حزم ٤ / ١٣٧ وما بعدها ، والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١٠٨ وما بعدها من القسم الأول. وشرح المواقف للشريف الجرجانى ـ الموقف السادس ص ٣٠١ ، ٣٠٢.

(٣) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٢.

(٤) انظر أصول الدين للبغدادى ص ٣٣٠ وما بعدها فقد وضح رأى الإمام مالك فى الباطنى والزنديق فقال «وقال مالك فى الباطنى والزنديق إن جاءنا تائبين ابتداء قبلنا التوبة منهما. وإن أظهرا التوبة بعد العثور عليهما لم تقبل التوبة منهما ، وهذا هو الأحوط فيهم».

(٥) ساقط من (أ).

ولهذا رجع عليّ فى حكم المذى إلى قول المقداد (١) ، وفى بيع أمهات الأولاد إلى عمر ، وما دلّ ذلك على عدم علمه بأحكام الشريعة.

قولهم : إنه قال : «وددت أنى سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن هذا الأمر فيمن هو» (٢).

قولنا : ليس ذلك شكا منه فى صحة إمامته ؛ بل إنما ذلك للمبالغة فى طلب الحق ، ونفى الاحتمال البعيد ؛ فإنه يحتمل أن تكون الإمامة فى نفس الأمر منصوصا عليها ، وإن كان ذلك الاحتمال بعيدا مع جزمه فى الظاهر بنفيه.

قولهم : إن عمر ذمّه بما يقولوه من قصة عبد الرحمن بن أبى بكر ؛ فهو من الأكاذيب الباردة ؛ فإن عاقلا لا يشك فى عقل عمر ، ومعرفته بالأمور ، وهو فإنما كان يستدل على صحة إمامته بعهد أبى بكر (٣) إليه ، فكيف يليق به مع هذا التظاهر بذمّه ، والقدح فيه؟ فإن / / ذلك ممّا يوجب القدح فى إمامته ، وصحة توليته.

قولهم : إنه أنكر عليه ، حيث لم يقتل خالد بن الوليد ، ولم يعزله بقتل مالك بن نويرة ، وتزوجه بامرأته.

قلنا : ليس فى ذلك ما يدل على القدح فى إمامة أبى بكر أيضا ، ولا كان ذلك مقصودا لعمر ؛ لما تقدم ؛ بل إنما أنكر على أبى بكر ذلك ؛ لغلبة ظنّه بخطإ خالد. كما ينكر بعض المجتهدين على بعض (٤) ، وليس فى ذلك ما يدل على خطأ أبى بكر فى ظنّه عدم الخطأ فى حق خالد.

وذلك لأنه قد قيل : إن خالدا إنما قتل مالكا ؛ لأنه تحقق منه الردة ، وتزوج بامرأته فى دار الحرب ؛ لأنه من المسائل المجتهد فيها بين أهل العلم.

وقيل : إن خالدا لم يقتل مالكا ، وإنما قتله بعض أصحابه خطأ (٥) ؛ لظنه أنهم ارتدوا ، وأن خالدا قال للقوم لفظا يريد به تدفئة أسراهم ، وكان ذلك اللفظ فى لغة

__________________

(١) المقداد بن عمرو : هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة ، ويعرف بابن الأسود الكندى ، صحابى جليل من السابقين للإسلام توفى بالمدينة فى خلافة عثمان رضي الله عنه [الاستيعاب ١ / ٢٧٩ أسد الغابة ٤ / ٤٧٧].

(٢) راجع ما مر فى ل ٢٦٩ / أوما بعدها.

(٣) انظر غاية المرام للآمدى ص ٣٨٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٢ ، ٣٠٣.

/ / أول ل ١٧٥ / أ.

(٤) قارن به المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٣٥٤ ، والمواقف ص ٤٠٣ وشرح المواقف الموقف السادس ص ٣٠٢.

(٥) ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٨٠ «وكان الّذي قتل مالك بن نويرة عبد الأزور الأسدى ، وقال ابن الكلبى : الّذي قتل مالك بن نويرة ضرار بن الأزور».

المخاطب معناه اقتلوهم ، فظن ذلك الشخص أنه قد أمر بقتل الأسارى ؛ فقتل مالكا (١). ولم يبق إلا تزويجه بامرأته ، ولعلها كانت مطلقة منه ، وقد انقضت عدتها.

وقوله عمر : «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرّها» (٢) فلا ينبغى أن يحمل ذلك على أن بيعته لم تكن صحيحة ، ولا مجمعا عليها ، وإلا كان ذلك قدحا فى إمامة / نفسه ، كما تقدم ، وهو غاية الخرق ، فلا يليق نسبته إليه ؛ بل المراد بقوله : فلتة : أى بغتة فجأة.

وقوله : «وقى الله شرّها» أى : شرّ الخلاف الّذي كاد أن يظهر عندها ، بين المهاجرين ، والأنصار ، وقول الأنصار : «منّا أمير ، ومنكم أمير» لا أن البيعة كانت شرا ، وذلك أنه قد يضاف الشيء إلى الشيء إذا ظهر عنده ، وإن لم يكن منه ، كقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٣) وأضاف (٤) المكر إلى الليل ، والنهار (٤) ، وليس المكر منهما ؛ بل يظهر عندهما منه.

وقوله : «فمن عاد إلى مثلها قاتلوه» أى إلى مثل الخلاف الموجب لتبديل الكلمة كقول الأنصار : «منّا أمير ، ومنكم أمير».

قولهم : لا نسلم إجماع الأمة (٥) على عقد الإمامة له.

قلنا : دليله ما سبق. ومن تأخر عن بيعته مثل عليّ وغيره ، لم يكن عن شقاق ، ومخالفة ، وإنما كان لعذر وطرو أمر (٦). ولهذا اقتدوا به ، ودخلوا فى آرائه ، وأخذوا من عطائه ، وكانوا منقادين له فى جميع أوامره ، ونواهيه ، معتقدين صلاحيته ، وصحة بيعته حتى قال عليّ : «خير هذه الأمة بعد النبيين أبو بكر ، وعمر» (٧) على ما تقدم ذكره.

__________________

(١) ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٨٨ «فجاءته الخيل بمالك بن نويرة فى نفر معه ... فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا فى ليلة باردة ... فأمر خالد مناديا ينادى : ادفئوا أسراكم ، وكانت فى لغة كنانة إذا قالوا : دثروا الرجل فادفئوه ، دفئة : قتله ، وفى لغة غيرهم أدفه فاقتله ، فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم».

(٢) راجع بشأنه ما مر فى هامش ل ٢٩٦ / ب.

(٣) سورة سبأ ٣٤ / ٣٣.

(٤) وأضاف المكر إلى الليل والنهار) ساقط من ب.

(٥) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٨٩.

(٦) ورد فى المصنف ٥ / ٤٥٠ «لما بويع لأبى بكر تخلف على عن بيعته ، فلقيه عمر ، فقال : تخلفت عن بيع أبى بكر ، فقال : إنى آليت بيمين حين قبض رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ألا ارتدى برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة ، حتى أجمع القرآن ، فإنى خشيت أن يتفلت القرآن ثم خرج فبايعه».

(٧) انظر ما مر فى هامش ل ٢٧٩ / ب.

وأمّا ما ذكروه من الأخبار الدالة على نقيض ذلك ، فمن تخرّصات الأعداء وتشنيعات السفساف [الأغبياء] (١).

ولهذا فإنه لم ينقل شيء من ذلك على ألسنة الثقات ، وأرباب العدالة من الرواة.

قولهم : لا نسلم أن الإجماع حجة ، سبق جوابه فى قاعدة النظر (٢).

كيف وأن منع كون الإجماع حجة ، بعد تسليم وقوعه ، ممّا لا يستقيم على مذهب الإمامية ؛ لأنه لا يتصوّر ذلك عندهم إلّا وفيهم الإمام المعصوم ، فلو لم يكن إجماع الأمة حجّة ، لما كان قول المعصوم حجة ، وهو خلاف مذهبهم.

قولهم : إنّما يكون الإجماع حجة ، إذا لم يلزم منه مخالفة النّصّ الجلىّ.

قلنا : لا نسلم وجود النص الجلىّ ، على ما تقرر قبل.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) انظر ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الثانية ل ٢٥ / ب وما بعدها.

الفصل الخامس

فى إثبات إمامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (١)

وطريق إثباتها (٢) أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان إماما حقا ، على ما تقدم ذكره ، وقد رآه أهلا للإمامة ، ووضع الأمر فيه ؛ فعهد إليه بالإمامة ، وأجمعت الصحابة على جعل العهد طريقا فى انعقاد الإمامة ؛ فكانت إمامة عمر ـ رضي الله عنه ـ منعقدة ـ.

وبيان عهده إليه : أن ذلك ممّا شاع ، وذاع ، ونقل بالتواتر ، نقلا لا ريب فيه ، هذا من جهة الجملة.

وأما من جهة التفصيل : فما روى عن أبى بكر رضي الله عنه ـ أنه استدعى فى مرضه عثمان بن عفان ، وأمره أن يكتب العهد المشهور الّذي كان يقرأ على المنابر (٣) وهو : «هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة آخر عهده من الدنيا ، وأول عهده بالعقبى ، حالة يبر فيها الفاجر ، ويؤمن فيها الكافر ، إنى استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ؛ فإن أحسن السيرة ،

__________________

(١) عمر بن الخطاب بن نفيل القرشى العدوى ، أبو حفص.

ثانى الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين ، لقبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفاروق ، وكناه بأبى حفص. أحد المبشرين بالجنة. صاحب الفتوحات المشهورة ، يضرب بعدله المثل. وهو من عظماء العالم على مدى التاريخ الإنسانى. كان فى الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم ، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين ، وشهد الوقائع كلها.

قال ابن مسعود : ما كنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر. بويع بالخلافة يوم وفاة أبى بكر رضي الله عنه سنة ١٣ ه‍ بعهد منه. وفى أيامه تم فتح الشام والعراق. وافتتحت القدس والمدائن ومصر والجزيرة. حتى قيل : انتصب فى مدته اثنا عشر ألف منبر فى الإسلام أول من دون الدواوين فى الإسلام ، واتخذ بيت مال للمسلمين وهو أول من وضع للعرب والمسلمين التاريخ الهجرى. له فى كتب الحديث (٥٣٧) حديثا.

استشهد رحمه‌الله بعد أن طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسى (غلام المغيرة بن شعبة) غيلة بخنجر وهو فى صلاة الصبح سنة ٢٣ ه‍ رحمه‌الله ورضى عنه.

[الإصابة. الترجمة رقم (٥٧٣٨) ، وصفة الصفوة. الترجمة رقم (٣) ١ / ١٠١ ـ ١١١ والأعلام للزركلى ٥ / ٤٥ ، ٤٦].

(٢) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا :

انظر بعض المراجع التى استفاد منها الآمدي وناقشها : الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص ٢٠٧ ، واللمع له أيضا ص ١٣٣ ، ١٣٤.

والتمهيد للباقلانى ص ١٩٧ ـ ٢٠٨ ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٨٦ ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٧٩.

ومن كتب المعتزلة : المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٣ وما بعدها من القسم الثانى والمعتمد فى أصول الدين ص ٢٢٨ وما بعدها. ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص ٣٨٩. ومن كتب المتأخرين عن الآمدي. شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٥.

(٣) قارن بما ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٦٢ وما بعدها.

فذاك ظنى به والخير أردت ، وإن تكن الأخرى (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (١) / إلى آخره.

وأما أن الأمة من الصحابة أجمعوا على جعل ذلك طريقا فى انعقاد الإمامة ، ما تواتر من اتفاقهم على مبايعته ، وصحة إمامته ، وتصرفاته ، فى أموال المسلمين بالجمع ، والتفرقة ، ونصبه للولاة ، والحكام ، وقبول أوامره ، ونواهيه ، وطواعية الكل / / له فيما يتعلق بالأمور الدينية ، والدنيوية من غير نكير.

فإن قيل : لا نسلم إجماع الأمة على صحة العهد إليه ، فإنه قد نقل أن طلحة (٢) ـ وهو أحد العشرة ـ قال لأبى بكر : «ما ذا تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا» (٣) وذلك يدل على عدم موافقته.

ثم كيف يدّعى الإجماع على ذلك مع ما علم من حال عليّ وأتباعه إنكار ذلك ، ودعواه أن صرف ذلك الأمر عنه ظلم ، وعدوان ، وأنه المستحق له دون غيره ، كما تقدم تقريره فى إمامة أبى بكر.

والّذي يدل على عدم إجماع الأمة على ذلك : أنهم لو أجمعوا ؛ لكان أهلا للإمامة ، وهو لم يكن أهلا للإمامة وبيانه : ـ

أنه غيّر ما كان مشروعا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وبدل كثيرا من سنته ، وكان جاهلا بالقرآن ، وعلم الشريعة ، وشاكا فى دين الإسلام ، وفى إسلام نفسه ، ومات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو عنه غير راض ، ومن هذا شأنه لا يكون أهلا للإمامة.

أما أنه بدّل ، وغيّر ما شرعه الرسول : فمن ثلاثة عشر وجها : ـ

__________________

(١) سورة الشعراء ٢٦ / ٢٢٧.

/ / أول ١٧٥ / ب من النسخة ب.

(٢) طلحة بن عبيد الله بن عثمان ، التيمى القرشى ، أبو محمد : صحابى جليل شجاع من الأجواد ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأحد الثمانية السابقين للإسلام ، وأحد الستة أصحاب الشورى. كان من دهاة قريش وعلمائها. ولقبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلحة الجواد ، وطلحة الخير ، وطلحة الفياض وذلك فى مناسبات مختلفة.

شهد أحدا ، وثبت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبايعه على الموت ودافع عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أصيب بأكثر من سبعين إصابة بين طعنه وضربة ورمية كما قال أبو بكر رضي الله عنه.

وكان رضى الله عنه كريما موسرا ، وكانت له تجارة وافرة مع العراق ولم يكن يدع أحدا من بنى تيم عائلا إلا كفاه مئونته ومئونة عياله ، ووفى دينه ، قتل يوم الجمل ، ودفن بالبصرة سنة ٣٦ ه‍. روى ثمانية وثلاثين حديثا.

[صفة الصفوة ١ / ١٢٦ ـ ١٢٨ الترجمة رقم (٦) ، وحلية الأولياء ١ / ٨٧ والأعلام للزركلى ٣ / ٢٢٩].

(٣) قارن عنه بألفاظ مختلفة : تاريخ الطبرى ٣ / ٣٢٢ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٥٥.

الأول : أنه صعد المنبر وقال : «أيها النّاس ثلاث كنّ على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنا أنهى عنهنّ ، وأحرمهنّ ، وأعاقب عليهنّ : وهى متعة النّساء ، ومتعة الحج ، وحىّ على خير العمل» (١).

الثانى : أن الناس كانوا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا يسوّغون الجمع بين الطلقات الثلاث فى مجلس واحد (٢) حتى أن واحدا (٢) طلق امرأته ثلاثا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ؛ فردّها عليه ، وأمره بإمساكها ، وأن يطلقها للسّنة ؛ وعمر جوز ذلك.

وأيضا : ما روى أن واحدا طلق زوجته بين يدى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثلاثا ؛ فغضب وقال : «أتلعبون بكتاب الله» (٣) اللعب بكتاب الله حرام ؛ وعمر جوّز ذلك.

الثالث : أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جمع بين الظهر ، والعصر وبين المغرب ، والعشاء من غير خوف ، ولا مطر ، على ما رواه ابن عباس (٤) ؛ وعمر منع ذلك.

الرابع : أنه وضع العطاء للمجاهدين اتباعا لسنة الأكاسرة ، وجعلهم يجاهدون بالأجرة ، ولم يكن ذلك معهودا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

الخامس : أنه اشترط الكفاءة فى تزويج ذوات الأحساب ؛ ولم يكن ذلك معهودا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

السادس : أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سبى كثيرا من قبائل العرب ، فأعتق ، واسترق ، وأطلق ، وقال عمر : «ليس على عربى ملك» (٦).

السابع : أنه نهى عن جلد العرب ، ورجمها ، وخالف فى ذلك كتاب الله وسنة رسوله (٧).

__________________

(١) ورد فى صحيح مسلم ٤ / ٣٨ ، وسنن ابن ماجة ١ / ٦٣١.

(٢) قوله (حتى أن واحدا) ساقط من ب.

(٣) ورد فى سنن النسائى بشرح السيوطى ٦ / ١٤٢ «أخبر رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ، ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؛ حتى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا أقتله».

(٤) وردت رواية ابن عباس رضى الله عنهما ـ فى صحيح مسلم ٢ / ١٥١ ، وسنن الترمذي ١ / ٣٥٥.

(٥) انظر بخصوص عطاء المجاهدين : تاريخ الطبرى ٣ / ٥٦٧ ، وسيرة عمر ٨١.

(٦) راجع هذا القول فى : الأم للشافعى ٤ / ١٨٦ ، ونيل الأوطار ٧ / ٢٠٦.

(٧) عن نهى عمر ـ رضي الله عنه ـ عن جلد العرب ورجمها : ارجع إلى تاريخ الطبرى ٤ / ٢٠٤ ، والعقد الفريد ٤ / ١٨٤. وهذا من مفاخر عمر رضي الله عنه.

الثامن : أنه فضّل فى القسمة المهاجرين / على الأنصار ، والأنصار على غيرهم ، والعرب على العجم ، ولم يكن ذلك معهودا فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا زمن أبى بكر (١).

التاسع : أنه أجلى أهل نجران ، وخيبر عن ديارهم بعد إقرار النبي لهم فيها (٢).

العاشر : أن السنة على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كانت جارية بأخذ دينار عن كل حالم من أهل العهد ، فغيّره عمر برأيه ، ووضع ذلك على أقدارهم (٣).

الحادى عشر : أنه أمر بالتراويح فى شهر رمضان ، ولم تكن معهودة فى زمن الرسول ولا [زمن] (٤) أبى بكر ، أبدع ذلك (٥).

الثانى عشر : أنه ولى معاوية بن أبى سفيان أمور المسلمين ؛ فخطب على منابرهم ، وخالف أمر الرسول حيث قال : «إذا رأيتم معاوية على منبرى هذا فاقتلوه» (٦).

الثالث عشر : أنه منع أهل البيت من الخمس ، وغير ما كان فى عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وخالف النص (٧).

وأما أنه كان جاهلا بالقرآن : فما روى أنه لما قبض الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يقول : «لا تتركون هذا القول حتى تقطع أيدى رجال وأرجلهم» (٨) ، ولم يسكن إلى موت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى تلا أبو بكر قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٩) وقوله تعالى : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١٠) وذلك يدل على أنه لم يكن عالما بالقرآن ، وآياته.

__________________

(١) عن كيفية توزيع عمر للعطاء بين المسلمين : ارجع إلى طبقات ابن سعد ٣ / ٢٨٤ ، ٢٩٦ وما بعدها. وتاريخ اليعقوبى ٢ / ١٥٣.

(٢) ارجع إلى سيرة بن هشام ٣ / ٢٣١ ، وطبقات ابن سعد ٣ / ٢٨٣.

(٣) ورد فى طبقات ابن سعد ٣ / ٢٨٣ «فوضع على الغنى ثمانية وأربعين درهما وعلى الوسط أربعة وعشرين درهما ، وعلى الفقير اثنى عشر درهما».

(٤) ساقط من أ.

(٥) عن صلاة التراويح ارجع إلى تاريخ الطبرى ٤ / ٢٠٩ ، وسيرة عمر ٥٤ ـ ٥٦.

(٦) وقد علق عليه ابن الجوزى فى الموضوعات ٢ / ٢٥ ـ ٢٦ «هذا حديث موضوع فى اسناده عباد بن يعقوب. قال فيه ابن حبان : كان رافضيا داعية يروى المناكير عن المشاهير ؛ فاستحق الترك».

(٧) قارن هذا الطعن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٢ / ١٥.

(٨) ورد فى المصنف ٥ / ٤٣٣ «والله إنى لأرجو أن يعيش رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى يقطع أيدى رجال من المنافقين ، وألسنتهم» وبألفاظ متقاربة فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٠».

(٩) سورة الزمر ٣٩ / ٣٠.

(١٠) سورة آل عمران ٣ / ١٤٤.

وأيضا ما روى أن رجلا أتاه فسأله عن معنى قول الله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) ، وعن : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) (٢) ، وعن (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) (٣) فعلاه بدرّته ، ثم أمر به فحبس ، فجعل يخرجه فى كل يوم ، فيضربه خمسين جريدة مدة أيام ، ثم نفاه إلى البصرة ، وأمر أهل البصرة أن لا يجالسوه ولا يعاملوه ، ومن المعلوم أنه لم يكن فى السؤال عن ذلك مما يوجب هذا / / الأمر ، وإنما فعل ذلك ؛ ليسد عليه باب السؤال ؛ لأنه كان جاهلا بالقرآن ، وما يتعلق به (٤).

وأما أنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية : فيدل عليه أمور سبعة : ـ

الأول : ما روى : «أن رجلا من اليهود أصيب مقتولا فى سكك المدينة ؛ فخطب عمر بالناس ، وناشدهم بالله ، فقام إليه رجل معه سيف مضرج بالدم وقال : يا أمير المؤمنين ، إن أخى خرج غازيا فى جيش ، وخلفنى فى أهله أتعهدهم ، وإنى أتيت منزله ، فإذا أنا بهذا اليهودى ، قاعد مع أهله ؛ فلم أملك نفسى أن دخلت إليه ؛ فضربته بهذا السيف حتى برد ، فقال : عمر : «اقتل وأنا شريكك» (٥) وذلك منه جهل بأحكام الشرع ، حيث أنه أهدر دما محرما ، بمجرد قول المقر بالقتل ، ولم يقم عليه الحد ، بقذف امرأة أخيه.

الثانى : أنه همّ أن يرجم حاملا ، فقال له معاذ : «وإن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على حملها» (٦) ؛ فأمسك وقال : «لو لا معاذ (٧) لهلك عمر».

__________________

(١) سورة الذاريات ٥١ / ١.

(٢) سورة النازعات ٧٩ / ١.

(٣) سورة المرسلات ٧٧ / ١.

/ / أول ل ١٧٦ / أمن النسخة ب.

(٤) وردت هذه الرواية بألفاظ مختلفة فى سيرة عمر ص ١٠٨ ، ١٠٩ ، وسنن الدارمى ١ / ٥٤ ، ٥٥ ، وتفسير ابن كثير ٤ / ٢٣٢.

(٥) ورد فى رواية أخرى : «لا يقطع الله يدك كما جاءت بألفاظ أخرى فى روضة المحبين لابن القيم ص ٣٠١.

(٦) انظر : الإصابة ٣ / ٤٢٧ ، وفتح البارى لابن حجر ١٢ / ١٢٨.

(٧) معاذ بن جبل بن عمرو أوس الأنصارى الخزرجى : أبو عبد الرحمن صحابى جليل. كان أعلم الأمة بالحلال والحرام.

وكان أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسلم وهو فتى ، وشهد العقبة مع الأنصار السبعين وآخى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بينه وبين جعفر بن أبى طالب.

قال عنه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أعلم أمتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل» وبعثه رسول الله قاضيا ومرشدا لأهل اليمن وقال فى كتابه لهم «إنى بعثت لكم خير أهلى».

كان مولده سنة ٢٠ قبل الهجرة ، ووفاته سنة ١٨ ه‍ توفى فى طاعون عمواس بعد أن استخلفه أبو عبيدة ، وأقره عمر ؛ ولكنه مات فى نفس العام الّذي مات فيه أبو عبيدة بن الجراح. رحمه‌الله ورضى عنه.

[حلية الأولياء ١ / ٢٢٨ ، وصفة الصفوة ١ / ١٨٣ ـ ١٨٨ ترجمة رقم (٥١) ، الأعلام للزركلى ٧ / ٢٥٨].

الثالث : أنه همّ برجم مجنونة ، فقال له عليّ : القلم مرفوع عن المجنون ؛ فأمسك. وقال : «لو لا عليّ ، لهلك عمر» (١).

الرابع : أنه كان ينهى عن المغالاة / فى مهور النساء ، حتى قامت إليه امرأة وقالت : قال ـ تعالى ـ : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (٢) ، فقال : «كل الناس أفقه من عمر ، حتى النساء (٣).

الخامس : أنه لم يكن على ثبت ممّا يقوله ، ويحكم به من الأحكام الشرعية ، ولذلك روى عنه أنّه قضى فى الجد بتسعين قضية (٤)

السادس : أنه لمّا شهد على المغيرة بن شعبة ، ثلاثة (٥) من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالزنا وتقدم الرابع (٦) ؛ ليشهد ، فنظر فى وجهه وقال : يا سلح القرد ما تقول أنت؟ ثم قال : إنى لأرى وجه رجل ما كان الله ليفضح بشهادته رجلا من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم جهم ، ثم لعنه ، فخلط فى الشهادة وقال : رأيت منظرا قبيحا ، وسمعت نفسا عاليا ، ولم أر الّذي منه ما فيه ، فقال عمر : الله أكبر ، ما كان للشّيطان أن يشمت ، برجل من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم جلد الشهود الثلاث ، وهم من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأشمت بهم الشيطان ، وعطّل حدا ، ولقن الشاهد ، المداهنة فى شهادته ، ولما كرّر واحد من الشهود ، الشهادة بعد أن جلده ، أراد عمر أن يكرر الجلد عليه ، فقال له عليّ ـ عليه‌السلام ـ : «إن جلدته ، رجمت صاحبك» (٧) ؛ فرجع عنه. وكل ذلك يدل على الجهل بأحكام الشرع ، والمداهنة فى دين الله.

__________________

(١) ورد هذا القول : فى المستدرك ٢ / ٥٩ ، وفى سنن أبى داود ٢ / ٢٢٧.

(٢) سورة النساء ٤ / ٢٠.

(٣) ورد فى معظم المصادر بلفظ «أصابت امرأة وأخطأ رجل» راجع عن هذا القول : سنن الدارمى ٢ / ١٤١ ، وسنن أبى داود ١ / ٣٢٨ وتفسير ابن كثير ١ / ٤٦٧.

(٤) ورد فى السنن الكبرى للبيهقى ٦ / ٢٤٥ عن محمد بن عبيد «إنى لأحفظ عن عمر فى الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا».

(٥) هم أبى بكرة بن مسروح ، ونافع بن كلدة ، وشبل بن معبد البجلي ، انظر عنهم : تاريخ الطبرى ٤ / ٧١ والإصابة ٣ / ٤٣٢.

(٦) هو زياد بن أبيه. (انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٧٢ ، والكامل فى التاريخ ٢ / ٥٤٠).

(٧) انظر هذا القول فى شرح النهج ١٢ / ٢٣٧.

السابع : أنه أخبر بقوم يشربون الخمر ؛ فتسوّر عليهم ؛ فقالوا له : إنك أخطأت من ثلاثة أوجه : ـ

الأول : أن الله ـ تعالى ـ نهى عن التجسّس ؛ وقد تجسّست.

الثانى : أنك دخلت بغير إذن.

الثالث : أنك لم تسلّم (١).

وذلك كله جهل بأحكام الشرع.

وأما أنه كان شاكا ، فى دين الإسلام : فيدل عليه ما روى أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما وادع يوم الحديبية قريشا ، وكتب بينهم وبينه كتابا ، على أن من خرج من قبله إليهم لم يردوه ، ومن خرج من أهل مكة إلى النبي عليه‌السلام رده إليهم ؛ فغضب عمر ، وقال لصاحبه : يزعم أنّه نبيّ ، وهو يردّ الناس ، إلى المشركين ، ثم إنه أتى النبىّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجلس بين يديه ، وقال له : ألست رسول الله حقا قال بلى ، قال : ونحن المسلمون حقا ، قال : بلى قال : فعلام نعطى الدنية فى ديننا؟ فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنما أعمل ما يأمرنى به ربى ؛ فقال عمر يومئذ : والله ما شككت فى دين الإسلام إلا حين سمعت رسول الله يقول ذلك (٢) ، ثم إنّه قام من عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ متسخطا لأمر الله وأمر رسوله غير راض بذلك.

ثم إنه أقبل يمشى فى الناس ويؤلب على رسول الله ، ويعرّض به ، ويقول وعدنا برؤياه التى يزعم أنه رآها ، أنّه يدخل مكة ، وقد صددنا عنها ، ومنعنا منها ، ثم نحن الآن ننصرف ، وقد أعطينا الدنية فى ديننا ، والله لو أن معى أعوانا ما أعطيت الدّنيّة أبدا.

هذا وقد كان / أعطى الأعوان يوم أحد ، وقيل له : قاتل ؛ ففر بأعوانه ؛ فبلغ ذلك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال له : إنه قد بلغنى قولك ، فأين كنتم يوم أحد ، وأنتم تصعدون ، ولا تلوون على أحد ، وأنا أدعوكم فى أخراكم (٣) ؛ وذلك كله يدل على الشك فى دين الإسلام.

وأمّا أنه كان شاكا فى إسلام / / نفسه : فيدل عليه ، ما روى عنه : «أنه سأل حذيفة بن اليمان ، وقد كان عرّفه رسول الله المنافقين ، وقال له : هل أنا من المنافقين (٤) ؛ وذلك منه شك فى إسلامه».

__________________

(١) راجع تاريخ الطبرى ٤ / ٢٠٥ ، وسنن البيهقى ٨ / ٣٣٣ ، ٣٣٤.

(٢) قارن بما ورد فى المصنف ٥ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٠٣ وصحيح البخارى ٣ / ٢٥٦ ، وسيرة عمر ٣٧.

(٣) راجع المغازى للواقدى ٢ / ٦٠٩.

/ / أول ل ١٧٦ / ب من النسخة ب.

(٤) انظر تاريخ الإسلام للذهبى ٢ / ١٥٣.

وأما أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مات غير راض عنه : فيدل عليه ما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه يوم ثقل قال «ائتونى بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تختلفوا بعده ، وأغمى عليه ، فقال عمر : إنه ليهجر ، حسبنا كتاب الله ، وسنة رسوله ، فلما أفاق قالوا : يا رسول الله ، ألا نأتيك بالصحيفة ، والدّواة التى طلبت ؛ لتكتب لنا ما لا نختلف بعده.

فقال : الآن بعد ما قلتم يهجر» (١) ولم يفعل ؛ وذلك يدل دلالة قاطعة ، على عدم رضاه عنه.

والجواب قولهم : إنّ طلحة خالف ، لا نسلم أن طلحة كان منكرا لصحة العهد ، وصحة إمامة عمر ؛ بل غايته أنه نقم ما كان يتوهمه من فظاظته ، وغلطته لا غير ، ولهذا فإنه لم يزل متبعا له ، مقتديا به ، آخذا لعطائه ، وداخلا فى رأيه ، معينا له فى قضاياه ، وذلك كله مع إنكار صحة إمامته بعيد (٢).

وأما دعوى مخالفة عليّ ، وشيعته فى ذلك : فجوابه بما سبق فى إمامة أبى بكر رضي الله عنه.

قولهم : إنه لم يكن أهلا للإمامة ؛ لا نسلم ذلك ، ودليله الإجمال والتفصيل. كما سبق فى حق أبى بكر.

وأما ما ذكروه فى الدلالة على إبطال أهليته ؛ فباطل من جهة الإجمال ؛ والتفصيل.

أما الإجمال : فهو أنه قد ورد فى حقه من النصوص ، والأخبار ما يدرأ عنه ما قيل عنه من الترهات ، وهى وإن كانت أخبارها آحادا ، غير أن مجموعها ينزل منزلة التواتر ، فمن ذلك قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إن من أمتى لمحدثين وإن عمر منهم» (٣) ، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «اقتدوا باللّذين من بعدى أبى بكر ، وعمر» (٤).

__________________

(١) ورد بألفاظ مختلفة فى البخارى ١ / ٣٩ ، ٥ / ١١ ، ١٢ ، وفى المصنف ٥ / ٤٣٨ ، ٤٣٩.

(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٩٧ ، ١٩٨ ، والمغنى للقاضى عبد الحبار ٢٠ / ٢ / ٨.

(٣) قارن بما ورد فى صحيح البخارى ٥ / ٢١٥ «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك فى أمتى أحد فإنه عمر» وقارن به مسند أحمد ٦ / ٥ ، وصحيح مسلم ٧ / ١١٥ ، وسيرة عمر ص ١٨.

(٤) راجع ما مر هامش ل ٢٦٨ / ب.

وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى حق أبى بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ : «هما سيدا كهول أهل الجنة» (١) ، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لو لم أبعث ، لبعثت يا عمر» (٢).

فإن قيل : فى متن هذا الحديث ما يدل على ضعفه ؛ لأنه لو صحّ ؛ لكانت بعثة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نقمة فى حق عمر لا نعمة ، حيث أن ببعثته امتنع عليه الوصول إلى أعلى الرتب ، وهى رتبة النبوة ، وهو على خلاف قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٣).

قلنا : أما أولا ، فلا نسلم صيغة العموم فى العالمين ، كما عرف من أصلنا وإن سلمنا صيغة العموم ، غير أنها مخصوصة بالكفار ، فإنهم من العالمين ولم تكن / رسالته رحمة لهم ؛ بل زيادة فى النقمة عليهم ، حيث كفروا به ، والعام بعد التخصيص ، لا يبقى حجة ؛ لما تقدم تقريره.

وإن سلمنا أنه يبقى حجة ؛ فلا نسلم أن رسالته ، ليست رحمة لعمر.

قولهم : لأنه فات عليه بسبب ذلك أعلى المراتب.

قلنا : وفوات أعلى المراتب عليه لا ينافى وجود أصل الرحمة بإرسال النبىّ فى حقه.

وأيضا ما روى «أن جبريل نزل على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال له : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول لك : أقرئ عمر السلام وقل له : أهو راض عنى ، كرضائى عنه» (٤) ، وهذا وإن كانت صورته صورة الاستفهام غير أن معناه للتقرير ؛ فلا يكون ممتنعا فى حق الله ـ تعالى ـ كما فى قوله ـ تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (٥).

__________________

(١) راجع ما سبق هامش ل ٢٧٩ / ب.

(٢) ورد بلفظ مقارب فى مسند الإمام أحمد ٤ / ١٥٤ ، وأسد الغابة ٣ / ٦٥٨ وسيرة عمر ص ٢٤ ، كما ورد فى الموضوعات لابن الجوزى ١ / ٣٢٠ وقد خرجه من طريقين وقال : «هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أما الأول ـ يقصد المتهمين فيه ـ يحيى كان من الكذابين الكبار قال ابن عدى : كان يضع الحديث.

وأما الثانى : فقال أحمد : ويحيى بن عبد الله بن واقد ليس بشيء ، وقال عنه النسائى متروك الحديث.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ / ١٠٧.

(٤) ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٩٣ وأخرج الطبرانى فى الأوسط عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : «جاء جبريل إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال أقرئ عمر السلام ، وأخبره أن غضبه عز ، ورضاه حكم». قارنه بما ورد فى سيرة عمر ص ٢٣ ، والصواعق المحرقة ص ١٤٨ ، ومجمع الزوائد ٢ / ٦٩ وقال فيه : «وفيه خالد بن زيد العمرى وهو ضعيف».

(٥) سورة طه ٢٠ / ١٧.

وقوله عليه الصلاة والسلام : «عمر سراج أهل الجنة» (١).

وقوله عليه الصلاة والسلام ـ يوم بدر : «لو نزل من السماء عذاب ، لما نجا منه غير عمر» (٢) ، ولا منافاة بين هذا الخبر وبين قوله ـ تعالى ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (٣) إذ الآية جازمة فى انتفاء العذاب عنهم ، ورسول الله فيهم ، وهو فى الخبر معلق على نزوله ، ونزوله عليهم ممتنع ، والرسول فيهم.

ومما يدل على علو رتبته ، وعظم شأنه ، وكرامته على الله ـ عزوجل ـ كما اشتهر وشاع ، وذاع ، أنه نادى وهو بالمدينة : يا سارية الجبل. وكان سارية فى فارس ؛ فسمع صوته ، وانحاز إلى الجبل» (٤).

ومن ذلك ما ظهر له من حسن السيرة ، واستقامة الأمور ، وحمل الناس على المحجة البيضاء ، واستئصال أعداء الله ـ تعالى ، وظهور كلمة الإسلام شرقا ، وغربا ، وفتح البلاد واستقرار العباد ، مع خشونته فى دين الله ، وتواضعه لعباد الله ـ تعالى ، ومن هو بهذه المنزلة من الله ورسوله ، وإجماع الأمة ، وله هذه المناقب ، والصفات ، ومتحل بهذه الفضائل ، والكمالات ، فيبعد عند العاقل إصغاؤه إلى ما قيل فى حقّه من الأكاذيب ، والالتفات إلى ما لا أصل له عند الثقات من أهل الروايات / / هذا من جهة الإجمال.

وأمّا التفصيل عمّا ذكروه :

__________________

(١) ورد فى تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٩٣ قال السيوطى : وأخرج البزار عن ابن عمر قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «عمر سراج أهل الجنة» وأخرجه ابن عساكر من حديث أبى هريرة ، والصعب بن جثامة».

وانظر مجمع الزوائد ٩ / ٧٤ حيث قال فيه «وفيه عبد الله بن إبراهيم بن أبى عمرو الغفارى وهو ضعيف». وفى تذكرة الموضوعات للفتنى ٩٤ «وقال الصغاني : موضوع».

(٢) ورد فى شرح النهج ١٢ / ١٧٨.

(٣) سورة الأنفال ٨ / ٣٣.

(٤) خصص السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء ص ٩٩ فصلا فى كرامات عمر رضي الله عنه : وما يهمنا هنا هو ما ذكره فى قصته مع سارية. فقد ذكر السيوطى ثلاث روايات ، سأكتفى بذكر واحدة منها : «أخرج البيهقى وأبو نعيم ، كلاهما فى دلائل النبوة. واللالكائى فى شرح السنة ، وابن الأعرابى فى كرامات الأولياء ، والخطيب فيما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر قال : وجه عمر جيشا ورأس عليهم رجلا يدعى سارية. فبينما عمر يخطب. جعل ينادى : يا سارية الجبل. ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش ، فسأله عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين هزمنا. فبينا نحن كذلك. إذ سمعنا صوتا ينادى : يا سارية الجبل. ثلاثا. فأسندنا ظهورنا إلى الجبل ؛ فهزمهم الله.

قال : قيل لعمر : إنك كنت تصيح بذلك ، وذلك الجبل الّذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم. قال ابن حجر فى الإصابة : اسناده حسن».

/ / أول ل ١٧٧ / أمن النسخة ب.

أما تحريمه للمتعتين ، وحىّ على خير العمل ، إنما كان ؛ لأنه ظهر عنده المحرم لذلك بعد الجواز ، والمجتهد تبع لما أوجبه ظنّه.

وأما حكمه بجواز الجمع بين الطلقات الثلاث ، فلقوله ـ تعالى ـ (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) (١) نفى الحرج عند التطليق ؛ فيدخل فيه الجمع ؛ لأنه تطليق (٢).

قولهم : إنه لم يكن ذلك مسوّغا فى عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا نسلم ذلك. وما ذكروه من الخبر الأول فلم ينقل على ألسنة العدول ؛ وبتقدير أن ينقله العدل ؛ فهو خبر واحد ؛ فلا يقع فى مقابلة القرآن المتواتر ، وهذا هو الجواب عن الخبر / الثانى. كيف وأنه واقع فى عين يتطرق إليها الاحتمال ، ولا عموم فيها ؛ فلا تكون حجة.

وبيان تطرق الاحتمال : أنه يحتمل أنه كان قد طلقها ، وهى حائض ، أو فى طهر جامعها فيه ؛ فكان غضبه ـ عليه‌السلام ـ لذلك ، لا للجمع بين الطلقات.

وأما قول ابن عباس : «أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جمع بين الظهر ، والعصر. والمغرب والعشاء من غير خوف ، ولا سفر» (٣) ، ليس فيه ما يدل على الجمع من غير عذر أصلا ؛ لجواز أنه جمع مع المطر.

وعلى هذا فلا يكون [عمر] (٤) مخالفا للرسول عليه‌السلام.

قولهم : إنه وضع العطاء للمجاهدين.

قلنا : ليس فى ذلك ما يقدح فيه فإنه لم يحرم ما كان فى عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا منع من تجويزه ، وما فعله لم يكن محرما ، وعدم فعله لا يدل على تحريمه ؛ بل غايته أنه ترجّح ذلك فى نظره فى زمانه ، ولم يكن ذلك راجحا فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فلذلك صار إليه.

قولهم : إنه اشترط الكفاءة فى فروج ذوات الأحساب ، ولم يكن ذلك معهودا على عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا نسلم أنه لم يكن معهودا ، ودليله ما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ٢٣٦.

(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى الأم للإمام الشافعى ٥ / ١٦٢.

(٣) راجع ما مر فى هامش ل ٣٠١ / ب.

(٤) ساقط من (أ).

قال : «تخيروا لنطفكم ، وأنكحوا الأكفاء ، وأنكحوا إليهم» (١) ، أمر بذلك ، والأمر للوجوب ، وحكمته ما فيه من دفع العار اللاحق بها ، وبأوليائها ؛ فكان فى ذلك موافقا لقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لا أنه مخالف له.

قولهم : إنه قال «لا يسترقّ العرب» ، وهو مخالف لفعل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قلنا : إن صحّ ذلك عنه ، فلعله اطّلع على ناسخ ، ومعارض ، لم يظهر عليه غيره.

قولهم : إنه خالف كتاب الله ، وسنة رسوله ، فى منعه من جلد العرب ورجمها.

قلنا : كيف يصح دعوى ذلك وهو أول من جلد ولده (٢) ، حتى مات ، وجلد شهود المغيرة بن شعبة ، وكانوا من العرب (٣). ولو صحّ ذلك عنه ؛ لما كان ممتنعا ؛ لجواز ظهوره على معارض ، أو ناسخ فى نظره كما سبق.

قولهم : إنه فاضل فى القسمة بين الناس.

قلنا : ليس فى ذلك أيضا ما يوجب القدح فيه ، وأنه مع ما رآه فى نظره ، واجتهاده من المصلحة فى ذلك لم يحرّم التساوى ، ولا أوجب التفاضل ؛ فلم يكن فى ذلك مخالفا لما قضى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ به من التساوى (٤).

قولهم : إنه أجلى أهل نجران ، وخيبر عن ديارهم.

قلنا : لعله فعل ذلك لإخلالهم بشرط أقرهم النبي ـ عليه‌السلام ـ عليه ، وقد عرفه دون غيره ، فلم يكن بذلك مخالفا للنبى ـ عليه‌السلام ـ ؛ بل موافقا له (٥).

قولهم : إن العادة [كانت] (٦) جارية بأخذ دينار من كل حالم من أهل العهد.

__________________

(١) ورد فى سنن ابن ماجة ١ / ٦٣٣.

(٢) هو عبد الرحمن بن عمر ـ قارن عن هذه الرواية سيرة عمر ٢٠٧ ـ ٢٠٩ ومنهاج السنة ٣ / ١٣٨.

(٣) انظر عنهم ما مر فى ل ٣٠٢ / ب وهامشها.

(٤) قارن بهذا الرد ما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢٨ من القسم الثانى.

(٥) عمر رضي الله عنه نفذ ما أشار به رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد ورد فى موطأ مالك ـ رضي الله عنه ـ ص ٧٨٠ «كان آخر ما تكلم به رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : قاتل الله اليهود ، والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. لا يبقين دينان بأرض العرب» كما ورد فى سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣١ «أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال فى وجعه الّذي قبضه الله فيه : لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ، ففحص عمر ذلك حتى بلغه الثبت فأرسل إلى يهود : فقال : إن الله عزوجل قد أذن فى جلائكم».

(٦) ساقط من أ.

قلنا : لم يكن ذلك التقدير بطريق الوجوب ؛ بل غايته أنه كان / ذلك على وفق ما اقتضته المصلحة ، فى ذلك الوقت ، ولعله رأى المصلحة بعد ذلك فى الزيادة ، مع تقرير ما كان واجبا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وهو من أهل الاجتهاد فيه (١).

قولهم : إنه أبدع التراويح ، لا نسلم ، فإنه قد روى : «أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صلاها ليالى ، وصلوها معه ، ثم تأخر ، وصلاها فى بيته باقى الشهر حتى لا يظن أنها واجبة ، ولم يثبت نسخها» ؛ فعمر فعل ما كان مسنونا ، لا أنه فعل ما لم يكن (٢).

قولهم : إنه خالف أمر الرسول فى تولية معاوية ، لا نسلم ما ذكروه عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى حق معاوية ، فلم يثبت ، ولم يصح. ولا سيّما وهو كان كاتب الوحى ، وخال المؤمنين.

وبتقدير الصحة ؛ فلا نسلم أن عمر خالف أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه قال : «إذا رأيتم معاوية على منبرى هذا ـ بطريق التعيين ـ فاقتلوه» (٣) ، وما لزم من توليته على إقليم الشام ، المنع من قتله بتقدير أن يرى على منبر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى يكون مخالفا لأمره.

قولهم : إنه منع أهل البيت من الخمس (٤).

قلنا : لعله / / اطلع فى اجتهاده على معارض اقتضى ذلك ، وعارض به نص الكتاب.

وبالجملة : فمخالفة المجتهد فى الأمور الظنية لما هو ظاهر لغيره ، لا يوجب القدح فيه ، وإلا لزم ذلك فى كل واحد من المجتهدين المختلفين ؛ وهو ممتنع.

قولهم : إنه كان جاهلا بالقرآن ؛ لا نسلم ذلك (٥).

وأما قصته فى حالة موت النبي ـ عليه‌السلام ـ مع أبى بكر ؛ فذلك ممّا لا يدل على جهله بالقرآن ؛ فإن تلك الحالة ، كانت حالة تشويش البال ، واضطراب الأحوال ، والذهول عن

__________________

(١) قارن رد الآمدي برد صاحب المغنى ٢٠ / ٢٨ من القسم الثانى.

(٢) عمر ـ رضي الله عنه ـ فعل ما كان مسنونا وما فعله رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد ورد فى صحيح مسلم ٢ / ١٧٧ «عن عائشة أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صلى فى المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما أصبح قال : قد رأيت الّذي صنعتم ، فلم يمنعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم ، وذلك فى رمضان.

(٣) هذا الحديث موضوع ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات ٢ / ٢٥ وما بعدها.

/ / أول ل ١٧٧ / ب.

(٤) قارن هذا الطعن والرد عليه بما ذكره صاحب المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١٥ وما بعدها. من القسم الثانى.

(٥) قارن هذا الرد بما ورد فى منهاج السنة لابن تيمية ٤ / ٢٢٢ ، ٢٢٣.

الجليات ، وخفاء الواضحات ، بسبب موت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى أنه تنقل أن بعض الصحابة فى تلك الحالة غمى ، وبعضهم خرس ، وبعضهم جنّ ، وبعضهم هام على وجهه ، وبعضهم صار مقعدا لا يقدر على القيام ، فما ظنك بالغفلة عمّا قيل من الآيات.

وأما قصته مع السائل عن الآيات المذكورة : فإنما فعل به ما فعل ، لا لأنه كان جاهلا بمعانيها ، وكيف يظن به ذلك ، وقد كان من بلغاء العرب ، وفصحاء أهل الأدب ، ومن شاهد التنزيل ، وعرف التأويل ، وشواهد ذلك فى أقواله ، والمسائل المأثورة عنه كثيرة غير قليلة ، مع أن عادة العقلاء غير جارية بأذى من سأل عمّا لا يعرف المسئول جوابه ؛ بل إنما فعل به ذلك ؛ لأنه ظهر له منه أنه قاصد الإزراء والتنقص ، والامتحان دون قصد الفائدة (١).

والإمام له تأديب من هو من هذا القبيل. ثم لو كان سؤاله عمّا لم يعرف عمر جوابه موجبا لضربه ، وأذاه ، أو أن الموجب لذلك سد باب / السؤال عليه ؛ لكان فعل ذلك بالمرأة المعترضة عليه فى منعه من المغالاة فى مهور النساء ، وإفحامه بين الناس حتى قال : «كل الناس أفقه من عمر حتى النساء» أولى (٢).

قولهم : إنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية ، إن أرادوا به أنه لم يكن قادرا على معرفتها بالاجتهاد ؛ فممنوع.

وإن أرادوا به أنها لم تكن عنده حاضرة ، مفصلة ؛ فمسلم ؛ لكن ذلك مما لا يوجب القدح فيه ؛ إذ هو مشارك لجميع أئمة الاجتهاد فى ذلك.

وما ذكروه من قصة [اليهودى] (٣) : فلا نسلم صحة قوله : «اقتل وأنا معك».

وأما أنه لم يقم على المقر حدّ قذف المرأة فلأنها لم تطالب به والمطالبة شرط فيه.

قولهم : إنه أهدر دم اليهودى بمجرد قول المقرّ ، لا نسلم ذلك ؛ بل غايته أنه لم يوجب عليه القصاص ؛ لأنه ما كان يرى قتل المسلم بالذمى.

وأما أنه لم يوجب عليه الدّية ؛ لأن شرط إلزامه بها مطالبة ولى القتيل ، ولم يطالب بها.

وأما أنه لم يوجب عليه كفارة ، فلعله كان لا يرى إيجاب الكفارة فى القتل العمد.

__________________

(١) قارن هذا الرد بما ورد فى الإتقان ٢ / ٥.

(٢) قارن بما ذكر القاضى عبد الجبار فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ـ الجزء العشرون ـ القسم الثانى ص ١٣.

(٣) ساقط من (أ).

وقولهم : إنه همّ برجم حامل ، ومجنونة.

قلنا : لعلّه لم يعلم بالحمل والجنون.

وقوله : «لو لا على لهلك عمر ، لو لا معاذ لهلك عمر» أى بسبب ما كان يناله من المشقة بتقدير العلم بحالهما بعد الرجم ؛ لعدم المبالغة فى البحث عن حالهما (١).

قولهم : إنه كان ينهى عن المغالاة فى المهور.

قلنا : لم يكن ذلك منه نهيا عما اقتضاه نص الكتاب على جهة التشريع ، بل بمعنى أنه وإن كان جائزا شرعا ؛ فتركه أولى نظرا إلى الأمر المعيشى ، لا بالنظر إلى الأمر الشرعى.

وقوله : كل الناس أفقه من عمر» فعلى طريق التواضع وكسر النفس.

قولهم : إنه قضى فى الجد بتسعين قضية.

قلنا : لأنه كان مجتهدا ، وكان يجب عليه اتباع ما يوجبه ظنّه فى كل وقت ، وإن اتحدت الواقعة كما هو دأب سائر المجتهدين (٢).

وأما قصته مع المغيرة بن شعبة (٣) : فغير موجبة للطعن فيه أيضا.

أما قوله : ما كان الشيطان ليشمت برجل من أصحاب رسول الله : أى بوقوعه فى معصية الزنا ؛ فظاهر أنه غير موجب للقدح.

قولهم : إنه أشمت الشيطان بالشهود ، وهم من أصحاب رسول الله ، إن أرادوا بذلك أنه أشمت الشيطان بهم ، بإقامة الحد عليهم ، مع وجوبه حيث صارت أقوالهم قذفا لنقصان نصاب الشهادة ، ولم يجد لدفع ذلك عنهم سبيلا ؛ فذلك غير موجب للقدح ، وإلا كان الإمام منهيا عن إقامة الحدود الواجبة ؛ وهو محال.

وإن أرادوا غير ذلك ؛ فهو ممنوع (٤).

__________________

(١) قارن بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ١٢ ، ١٣ من القسم الثانى ؛ فقد تحدث صاحب المغنى عن هاتين الشبهتين بالتفصيل ورد عليهما بالأدلة القاطعة.

(٢) قارن بالمغنى ص ١٨ الجزء العشرون ـ القسم الثانى.

(٣) عن قصة المغيرة بن شعبة وما وجه الخصوم من طعن على الإمام عمر بسببها والرد عليهم بالتفصيل. بالإضافة لما ورد هنا : انظر المغنى ٢٠ / ١٦ وما بعدها من القسم الثانى ومنهاج السنة للإمام ابن تيمية ٣ / ١٤٨.

(٤) قارن بما ورد فى المغنى ص ١٦ ـ ١٨ من المجلد الثانى. من الجزء العشرون.

قولهم : إنه عطّل حدا لا نسلم ذلك ؛ لأن التعطيل يستدعى سابقة الوجوب ، والحدّ على المغيرة لم يجب ؛ لنقصان نصاب / / الشهادة (١).

قولهم : إنه لقّن الشاهد المداهنة فى الشهادة / لا نسلم ؛ بل غايته أنه قال : إنى لأرى وجه رجل ما كان الله ليفضح بشهادته رجلا من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، [معناه أنى أتفرس فيه أنه ليس معه شهادة يفضح بها رجلا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٢) ، وليس فى ذلك ما يوجب التعليم بالمداهنة.

قولهم : إنه أراد أن يقيم الحد مرة ثانية ، على بعض الشهود ، حيث كرر الشهادة بعد إقامة الحد عليه ، إنما كان كذلك ؛ لأنه ظنّ أنه قذف ثان غير القذف الأول ، فلما قال له عليّ ـ عليه‌السلام ـ إن جلدته رجمت صاحبك» معناه : إن حددته لظنك أن ما صدر منه من الشهادة ثانيا غير الشهادة الأولى ؛ فقد كمل نصاب الشهادة على الزنا ؛ فيلزم أن ترجم المغيرة ؛ فرجع عمّا ظنّه (٣) وليس ذلك بدعا من أحوال المجتهدين ، كما رجع عليّ ـ عليه‌السلام ـ عن المنع من بيع أمهات الأولاد إلى بيعهن (٤).

قولهم : إنه أخطأ فى صورة الإنكار من ثلاثة أوجه ؛ لا نسلم ذلك.

قولهم : إنه تجسّس ؛ لا نسلم [ذلك] (٥) ؛ بل أخبر بذلك خبرا حصل له به الظن الموجب للإنكار.

قولهم : إنه دخل بغير إذن مسلم ؛ ولكن لا نسلم أن الاستئذان فى مثل هذه الحالة واجب ؛ ليكون مخطئا بتركه ؛ وذلك لأن إنكار المنكر ، واجب على الفور ويلزم من الاستئذان تأخيره ؛ فلا يجب.

قولهم : إنه لم يسلّم.

__________________

/ / أول ل ١٧٨ / أمن النسخة ب.

(١) قارن بما ورد فى المصدر السابق.

(٢) ساقط من أ.

(٣) قارن بمنهاج السنة ٣ / ١٤٨.

(٤) راجع ما مر فى ل ٢٨٦ / أوهامشها.

(٥) ساقط من أ.

قلنا : لأن السلام ليس واجبا ؛ بل غايته أنه يكون مندوبا ، ومن ترك مندوبا لا يعد مخطئا ؛ فإن استيعاب الأوقات بالعبادات مندوب ، وتارك ذلك ، لا يعد مخطئا ، وإلا كان النبي فى كل وقت لا يؤدى فيه عبادة تطوعا مخطئا ؛ وهو ممنوع (١).

قولهم : إنه كان شاكا فى دين الإسلام ، معاذ الله أن يكون ذلك منه مع ما بينّاه من الفضائل الواردة فى حقه ، وإجماع الأمة على إمامته ، وما ظهر منه من حسن سيرته ، وتصلبه فى إقامة الدين ، وتورعه ، الّذي ما سبقه ، ولا لحقه [فيه] (٢) أحد من المسلمين كما بينّاه.

وما ذكروه عنه من تلك الأقوال الشنيعة ، والأحاديث الفظيعة ، فمن أكاذيب أعداء الدين ، وتشنيعات الملحدين ، قصدا لهضم الإسلام فى أعين الضعفاء بالقدح فيمن كان عماد الإسلام ، وبه قوام الإسلام ابتداء وانتهاء ، بدليل قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أيد الإسلام بأبى جهل ، أو بعمر بن الخطاب» (٣).

قولهم : إنه [كان] (٤) شاكا فى إسلام نفسه بسؤاله لحذيفة بن اليمان ؛ فقد سبق جوابه.

قولهم : إن النبي ـ عليه‌السلام ـ مات وهو غير راض عنه ؛ لا نسلم.

وكيف يكون ذلك مع ورود ما ورد عنه فى مناقبه ، وتحقيق فضائله ، كما تقدم تحقيقه!.

وأما قضية الدواة ، والصحيفة : فلا نسلم أن عمر كان القائل عن النبي ـ عليه‌السلام ـ أنه يهجر ؛ بل الّذي رواه ابن عباس أن القائل لذلك واحد من أهل البيت ، يعنى الحاضرين ، ولم يعيّن عمر.

وإن سلمنا أن القائل لذلك عمر ؛ فمعناه أن الألم والوجع قد غلب على رسول الله ، وغيّب صوابه ، فكيف يكتب ، وليس فى ذلك ما يوجب سخط النبي عليه.

__________________

(١) قارن بما ذكر هنا من خطئه فى صورة الإنكار من ثلاثة أوجه. ورد الآمدي عليه بما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ١٤ من القسم الثانى.

(٢) ساقط من (أ).

(٣) ورد فى سنن الترمذي ٥ / ٦١٧ «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك ، بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب قال : وكان أحبهما إليه عمر» وفى مسند أحمد ١ / ٤٥٦ «اللهم أيد الإسلام بعمر». وفضائل عمر رضي الله عنه لا ينكرها إلا جاحد ، أو صاحب هوى. فقد رويت فى فضله عشرات الأحاديث. ذكر بعضها الإمام السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء ص ٩١ : «فصل فى الأحاديث الواردة فى فضله غير ما تقدم فى ترجمة الصدّيق» فارجع إليه.

(٤) ساقط من أ.

الفصل السادس

فى إثبات إمامة عثمان بن عفان رضى الله عنه (١)

ولا خلاف بين الناس أن عمر ـ رضي الله عنه ـ جعل الإمامة شورى فى ستة نفر ، وهم : عثمان وعليّ ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقاص ، وقال : «لو كان أبو عبيدة بن الجراح فى الأحياء ؛ لما ترددت / فيه» (٢).

وإنما جعلها شورى بين السّتة المذكورين ؛ لأنه كان يراهم أفضل خلق الله فى زمانهم ، وأن الإمامة غير صالحة لمن عداهم ، وقال فى حقهم : «هؤلاء مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو عنهم راض» (٣) ، غير أنه تردد فى التعيين ، ولم يترجح فى نظره واحد منهم على الباقين ، وأراد أن يستظهر برأى غيره فى التعيين.

ولهذا قال : «إن انقسموا اثنين فأربعة ؛ فكونوا مع الأربعة ، ميلا منه إلى الكثرة ، وأنها أغلب على الظّنّ ، وإن استووا فكونوا فى الحزب الّذي فيه عبد الرحمن بن عوف» (٤).

ولهذا فإنه لم يعيّن واحدا منهم للصلاة [عليه] (٥) ، مخافة أن يقال مال إليه ، وعيّنه ؛ بل وصّى بذلك إلى صهيب (٦) ؛ بل كان يدعو للخليفة بعده ويقول : «أوصى الخليفة بعدى بالمسلمين خيرا ، أوصيه بالمساكين.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا يرجع إلى المراجع التالية : الإبانة للأشعرى ص ١٠٧ ، والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢ / ٣٠ ـ ٥٩. والتمهيد للباقلانى ص ٢٠٨ ـ ٢٢٧. وأصول الدين للبغدادى ص ٢٨٦ ـ ٢٨٩ ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨٠.

ومن كتب المعتزلة : المغنى فى أبواب التوحيد ٢٠ / ٣٠ ـ ٥٩ من القسم الثانى ـ شرح الأصول الخمسة ص ٧٥٨.

وغاية المرام للآمدى ص ٣٩٠.

ومن كتب المتأخرين عن الآمدي : شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٦. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢١٦. وشرح العقيدة الطحاوية ص ٥٦٢ ، ٥٦٦. وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١١٨ ـ ١٣١. وانظر ترجمته فى هامش ل ١٥٣ / أمن القاعدة الخامسة.

(٢) قارن هذا القول بما ورد فى طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤٣ ، وتاريخ الطبرى ٤ / ٢١٥.

(٣) قارن هذا القول بما ورد فى تاريخ الطبرى ٤ / ٢٢٨.

(٤) انظر طبقات ابن سعد ٣ / ٦١ ، وتاريخ الطبرى ٤ / ٢٢٩.

(٥) ساقط من (أ).

(٦) صهيب : هو صهيب بن سنان بن مالك ، ولد بالموصل ، وسبته الرّوم ونشأ ببلادهم ، ثم اشتراه ابن جدعان وأعتقه. شهد المشاهد مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما استشهد عمر ـ رضي الله عنه ـ صلى بالمسلمين حتى انتخبوا عثمان ـ رضي الله عنه ـ [الاستيعاب ١ / ٣١٤ ، والإصابة ٢ / ١٨٨].

ثم اتفق المسلمون / / بعده على عثمان ؛ لاستجماعه شرائط الإمامة ، وتحقيقها على ما قررناه فى حق أبى بكر.

وكان مع ذلك له من الفضائل المأثورة ، والمناقب المشهورة ما لا خفاء به ؛ فإنه جهّز جيش العسرة ، وسبّل بئر رومة (١) ، وزاد فى مسجد رسول الله ، وجمع النّاس على مصحف واحد (٢) ، عند ما كاد وقوع الاختلاف بين الناس فى القرآن ، واختيار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ له فى تزويج ابنتيه ، وقوله عليه‌السلام له لمّا ماتت الثانية : «لو كان لنا ثالثة لزوجناك» (٣).

وما اشتهر من كف النبي رجله عند دخول عثمان عليه ، وقوله فى حقه : «كيف لا أستحي ممّن تستحى منه الملائكة» (٤).

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «وزنت بأمتى ، فوضعت فى كفة ، وأمتى فى كفة ؛ فرجحت بأمتى. ثم وضع أبو بكر مكانى ؛ فرجح بأمتى ؛ ثم وضع عمر مكانه فرجح بهم ، ثم وضع عثمان مكانه ؛ فرجح بهم ؛ ثم رفع الميزان» (٥).

وكان مع ذلك كله من الزهاد العباد المتهجدين يختم القرآن فى كل ليلة بركعة واحدة ، حتى نزل فى حقه قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) (٦) الآية. وقال فيه حسان (٧) بعد قتله فى أبيات قصيدة مطولة :

ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به

يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا (٨)

فإن قيل : كيف يمكن أن يقال : جعل الإمامة شورى بين الستة المذكورين [وعيّنهم] (٩) دون غيرهم مع أنه قدح فى كل واحد منهم (١٠)؟.

__________________

/ / أول ل ١٧٨ / ب.

(١) بئر رومة (بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم) وهى فى عقيق المدينة (انظر معجم البلدان ٢ / ٤).

(٢) راجع عن مناقبه. تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١١٨ ـ ١٣١.

(٣) ورد بألفاظ متقاربة فى طبقات ابن سعد ٣ / ٥٦ ، وتاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٢١.

(٤) ورد بألفاظ متقاربة فى صحيح مسلم ٧ / ١١٧ وتاريخ الخلفاء ص ١٢٢.

(٥) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند أحمد ٤ / ٦٣ ، ٥ / ٤٤ ، وسنن أبى داود ٢ / ٢١٣.

(٦) سورة الزمر ٣٩ / ٩. وانظر لباب النقول للسيوطى ص ١٨٤ حيث ذكر أربع روايات فى سبب نزول هذه الآية الكريمة الرواية الأولى منها : عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : نزلت فى عثمان بن عفان» وهذه الرواية تتفق مع ما ذكره الآمدي.

(٧) حسان بن ثابت ـ هو أبو عبد الرحمن حسان بن ثابت بن المنذر الأنصارى شاعر الرسول ـ عليه‌السلام ـ وهو من الشعراء المخضرمين توفى بالمدينة المنورة فى خلافة على رضي الله عنه ـ (الإصابة ١ / ٣٢٥).

(٨) وهذا البيت ورد فى ص ٢١٦ فى ديوان : حسان بن ثابت رضي الله عنه.

(٩) ساقط من أ.

(١٠) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢٠ من القسم الثانى.

ودليل ذلك ما روى عن ابن عباس أنه قال : «رأيت أمير المؤمنين عمر مفكرا ، فقلت له : يا أمير المؤمنين لو حدّثتك بما فى نفسك ، قال عمر : كنت أصدقك : فقلت : كأنك تفكر فيمن يصلح لهذا الأمر بعدك ، فقال : ما أخطأت ما فى نفسى.

فقال ابن عباس فقلت : يا أمير المؤمنين ما تقول فى عثمان؟ فقال : هو كلف بأقاربه يحمل أبناء أبى معيط ، على رقاب الناس ؛ فيحطمونهم حطم الإبل بنت الربيع ؛ فيدخل الناس من هاهنا ؛ فيقتلونه. وأشار إلى مصر ، والعراق ، والله إن فعلتم ؛ ليفعلنّ والله [إن فعل ليقتلن] (١).

قلت : فطلحة؟ قال : صاحب بأو وزهو وهذا الأمر لا يصلح لمتكبر.

قلت : فالزبير؟ قال : بخيل يظل طوال نهاره بالبقيع يحاسب به عن الصاع من التمر ، وهذا الأمر لا يصلح إلّا لمنشرح الصدر.

قلت : فسعد؟ قال : صاحب شيطان إذا غضب ، وإنسان إذا رضى ، [فمن للناس إذا غضب] (٢) ،

قلت : فعبد الرحمن بن عوف؟ قال : والله لو وزن إيمانه بإيمان الخلق لرجح ؛ لكنه ضعيف.

قلت : / فعلىّ : فصفق إحدى يديه على الأخرى فقال : هو لها ، لو لا دعابة فيه ، وو الله إن ولى هذا الأمر ليحملنّكم على المحجّة البيضاء» (٣).

ثم وإن سلمنا أنه لم يقدح فيهم ؛ ولكن لا نسلّم إجماعهم على عثمان ، وكيف يجمعون عليه ، ولم يكن أهلا للإمامة.

وبيان عدم أهليته من اثنى عشر وجها :

الأول : أنه آوى الحكم (٤) طريد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ورده ، ولم يرده رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا أبو بكر ، ولا عمر (٥).

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) ساقط من أ.

(٣) المحجة البيضاء : جادة الطريق. قارن هذه الرواية مع اختلاف فى العبارة بشرح النهج ١٢ / ٢٥٩ ، ٢٦٠. والفائق فى غريب الحديث ٢ / ٤٢٥ ، ٤٢٦. ثم ارجع إلى المغنى ٢٠ / ٢ / ٢٠ ـ ٢٦ فقد تحدث صاحب المغنى عن قصة الشورى حتى تمت بيعة عثمان رضي الله عنه بالتفصيل.

(٤) الحكم : هو الحكم بن أبى العاص بن أمية ـ أسلم يوم الفتح نفاه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى الطائف ، واستمر منفيا مدة خلافة أبى بكر ، وعمر فلما ولى عثمان أعاده إلى المدينة وإعطاء مائة ألف درهم (طبقات ابن سعد ٥ / ٤٤٧ ، الاستيعاب ١ / ١١٨).

(٥) قارن بالمغنى ٢٠ / ٣٩ من القسم الثانى ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٢٣.

الثانى : أنه أشخص أبا ذر من الشام ، وضربه بالسوط (١) ، ونفاه إلى الربذة (٢) ، وكان حبيب رسول الله من غير ذنب موجب لذلك ، سوى اتباع هوى معاوية ، وشكواه منه.

الثالث : أنه أحرق المصاحف بالنار (٣).

الرابع : أنه ضرب ابن مسعود ، حتى كسر ضلعين من أضلاعه ، عند إحراق مصحفه ، وحرمه العطاء سنتين (٤).

الخامس : أنه ضرب عمار بن ياسر (٥) ، حتى فتق أمعاءه (٦).

السادس : أنه ولى أقاربه ، ورفع أبناء أبى معيط على رقاب الناس ، بعد نهى عمر له عن ذلك ، وكراهية الناس لهم (٧).

السابع : أنه ولى على المسلمين من لا يصلح للولاية عليهم كتوليته للوليد بن عقبة ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن أبى سرح ، ومعاوية.

أما الوليد : فلأنه شرب الخمر ، وصلى بالناس سكرانا.

وأما سعيد بن العاص : فلأنه لمّا ولّاه على الكوفة فعل ما أوجب أن أخرجه أهلها منها.

وأما عبد الله بن أبى سرح : فلأنه لما ولّاه مصر أساء التدبير حتى شكاه أهلها ، وتظلموا منه.

__________________

(١) قارن بما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٤٠ من القسم الثانى ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٢٢ وما بعدها ، ومروج الذهب للمسعودى ص ٣٤٨ من الجزء الثانى.

(٢) الربذة : قرية من قرى المدينة المنورة تبعد عنها ثلاثة أميال (معجم البلدان ٤ / ٢٢٢).

(٣) قارن هذا الطعن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٤٠ من القسم الثانى ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٢١ وما بعدها.

(٤) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٤٠ من القسم الثانى ، ومروج الذهب ٢ / ٣٤٧ ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٢٠.

(٥) عمار بن ياسر بن عامر الكنانى ، المذحجى ، العنسى القحطانى ، أبو اليقظان : صحابى جليل ، أسلم قديما وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ؛ ليرجعوا عن دينهم. شهد بدرا ، ولم يشهدها ابن مؤمنين غيره ، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسماه الطيّب المطيّب. كان من الولاة الشجعان ذوى الرأى ، وهو أحد السابقين للإسلام والجهر به. وفى الحديث : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما. ولاه عمر الكوفة ، وشهد الجمل وصفين مع على رضى الله عنهما ، واستشهد فى صفين ، وقتلته الفئة الباغية وعمره ثلاث وتسعون ودفن هناك.

روى (٦٢) حديثا. رحمه‌الله ورضى عنه.

[حلية الأولياء ١ / ١٣٩ ، وصفة الصفوة ١ / ١٦٥ ، ١٦٦ ، والأعلام للزركلى ٥ / ٣٦].

(٦) قارن بالتمهيد للباقلانى ص ٢٢٠ ، والمغنى ٢٠ / ٤٠ من القسم الثانى ، ومروج الذهب ٢ / ٣٤٧.

(٧) قارن بالتمهيد ص ٢٢٤ ، ومروج الذهب ٢ / ٣٤٨ وما بعدها ، والمغنى ٢٠ / ٣٨ وما بعدها من القسم الثانى.

وأما معاوية : فلما ظهر بسببه من الفتن وأحدث من العظائم.

الثامن : أنه كان يبذر أموال بيت مال المسلمين ، ويفرقها على أقاربه حتى أنه نقل عنه ، أنه دفع إلى أربعة نفر منهم أربعمائة ألف دينار (١).

التاسع : أنه كان مضيعا لحدود الله ، ويدل عليه أنه / / لم يقتل عبيد الله بن عمر (٢) ، قاتل الهرمزان ، وكان مسلما ، وأنه أراد أن يعطل حد شرب الخمر ، فى حق الوليد بن عقبة ؛ فحدّه على ـ عليه‌السلام ـ وقال : «لا يعطل حدّ الله تعالى وأنا حاضر» (٣).

العاشر : أنه كاتب ابن أبى السرح سرا بخلاف ما كتب إليه جهرا على يد محمد بن أبى بكر ، وأمره بقتل محمد بن أبى بكر (٤) ولم يوجد منه ما يقتضي ذلك ، حتى آل أمر ذلك ، إلى ما آل إليه من خذلان الصحابة له ، وتمالأ الناس على قتله ، وتركه ثلاثة أيام لا يدفن (٥).

الحادى عشر : أنه حمى لنفسه حمى (٦) ، وأتم الصلاة فى السفر (٧).

الثانى عشر : أنه رقى على المنبر ، إلى حيث كان يرقى النبي ـ عليه‌السلام ـ مساويا له ، بعد نزول أبى بكر درجة ، ونزول عمر درجتين.

وقد نقم الخصوم عليه أشياء كثيرة ، لا حاصل لها ، يظهر فسادها بأوائل النظر لمن لديه أدنى تفطن ؛ فلذلك آثرنا الإعراض عنها مقتصرين على ما ذكرناه ؛ لكونه أشبه ما قيل.

__________________

(١) قارن بالمغنى ٢٠ / ٣٩ من القسم الثانى ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٢٤.

/ / أول ل ١٧٩ / أمن النسخة ب.

(٢) عبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوى ، القرشى : صحابى ، من أبطال قريش وفرسانهم ، ولد فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلم بعد إسلام أبيه ، وسكن المدينة. وغزا افريقية ثم رحل إلى الشام فى زمن على رضي الله عنه ؛ فشهد (صفين) بجانب معاوية ، وقتل فيها سنة ٣٧ ه‍. قتل الهرمزان بعد استشهاد عمر رضى الله عنه ـ وكان مسلما.

[طبقات ابن سعد ٥ / ٨ ، والأعلام ٤ / ١٩٥].

(٣) قارن بالمغنى ٢٠ / ٣٨ من القسم الثانى.

(٤) سبقت ترجمته من ه ل ٢٨٨ / أ.

(٥) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٣٩ من القسم الثانى.

(٦) قارن بالمغنى ٢٠ / ٣٩ من القسم الثانى ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٢٢.

(٧) قارن بالتمهيد للباقلانى ص ٢٢٣.

والجواب :

قولهم : إن عمر قدح فى كل واحد من الستة.

قلنا : [لم يكن] (١) مقصوده بذلك القدح فيهم ، والتنقيص بهم ؛ بل لأنه لمّا اعتقد أنهم أفضل أهل زمانهم ، وجعل الإمامة منحصرة فيهم ، أراد أن ينبه الناس على ما يعلمه من كل واحد من الستة ، ممّا يوافق مصلحة المسلمين ، ويخالفها ، مبالغة فى التّحرّى والنصح للمسلمين ؛ ليكون اختيارهم لمن يختارونه ، أوفق لمصلحتهم (٢).

قولهم : لا نسلم إجماع الأمة على عثمان.

قلنا : طريق إثباته فعلى نحو طريق إثبات إمامة أبى بكر على ما سبق.

قولهم : إنه لم يكن أهلا للإمامة.

قلنا : دليله الإجمال / والتفصيل ، كما تقدم فى حق أبى بكر رضي الله عنه.

قولهم : إنه آوى طريد رسول الله ، وردّه من الطائف.

قلنا : إنما ردّه لأن عثمان كان قد استأذن رسول الله فى رده ؛ فأذن له فى ذلك. ولم يتفق رده فى زمن النبي عليه‌السلام ، حتى آل الأمر إلى أبى أبكر ، وعمر ؛ فذكر لهما ذلك ، فطلبا معه شاهدا آخر على ذلك ؛ فلم يتفق حتى آل الأمر إلى عثمان ؛ فحكم فيه بعلمه.

قولهم : إنه أشخص أبا ذر من الشام ، وضربه بالسوط ، ونفاه إلى الربذة (٣).

قلنا : إنما أشخصه من الشام ؛ لأنه بلغه أنه كان فى الشام إذا صلى الجمعة وأخذ الناس فى ذكر مناقب الشيخين ، يقول لهم : «لو رأيتم ما أحدث الناس بعدهما ، شيّدوا البنيان ، ولبسوا الناعم ، وركبوا الخيل ، وأكلوا الطيّبات» (٤) ، وكاد يفسد بأقواله الأمور ، ويشوّش» الأحوال ؛ فاستدعاه من الشام ؛ فكان إذا رأى عثمان قال : (يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) (٥) الآية ؛ فضربه عثمان بالسوط على ذلك تأديبا ،

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) قارن رد الآمدي على هذا الطعن بما ذكره صاحب التمهيد ص ٢٠٥ ـ ٢٠٨ وبما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢١ ـ ٢٦ من القسم الثانى.

(٣) سبق الحديث عنها فى هامش ٣٠٦ / ب.

(٤) قارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٢٢ ، ٢٢٣.

(٥) سورة التوبة ٩ / ٣٥.

وللإمام ذلك بالنسبة إلى كل من أساء أدبه عليه ، وإن أفضى ذلك التأديب إلى إهلاكه ، ثم قال له ، إما أن تكفّ ، وإمّا أن تخرج إلى حيث شئت (١) ؛ فخرج إلى الربذة غير منفى ، ومات بها.

قولهم : إنه أحرق المصاحف بالنار.

قلنا : هذا من أعظم مناقبه (٢) ، حيث أنه جمع الناس على كلمة واحدة ، ومصحف واحد ، ولو لا ذلك ، لاضطرب الناس واختلفوا كل اختلاف بسبب اختلاف المصاحف ، فإنها كانت مختلفة غير متفقة.

قولهم : إنه ضرب ابن مسعود حتى كسر ضلعيه (٣).

قلنا : إن صحّ ضربه له.

فقد قيل : إنه لما أراد عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد ، ويرفع الاختلاف بينهم فى كتاب الله ، طلب مصحفه منه فأبى ، ذلك مع ما كان عليه من الزيادة ، والنقصان ؛ فأدّبه على ذلك.

قولهم : إنه حرمه العطاء سنتين.

قلنا : احتمل أن يكون ذلك ؛ لأنه رأى صرفه إلى من هو أولى منه ، أو أنه كان قد استغنى عنه (٤).

قولهم : إنه ضرب عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه.

قلنا : إنما فعل به ذلك بطريق التأديب ؛ لأنه روى أنه دخل عليه ، وأساء عليه الأدب ، وأغلظ له فى القول بما لا يجوز التجري بمثله على الأئمة ، وللإمام التأديب لمن أساء الأدب عليه ، وإن أفضى ذلك إلى هلاكه ، ولا إثم عليه ؛ لأنه وقع من ضرورة فعل ما هو جائز له.

كيف وأن ما ذكروه لازم على الشيعة ، حيث أن عليا عليه‌السلام قتل أكثر الصحابة فى حربه (٥).

__________________

(١) قارن بما ورد فى التمهيد ص ٢٢٢.

(٢) قارن بما ورد فى التمهيد ص ٢٢٢.

(٣) قارن بما ورد فى التمهيد ص ٢٢١.

(٤) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب التمهيد ص ٢٢٠.

(٥) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٢٠ والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٥٤ من القسم الثانى.

فلئن / / قالوا : إنما قتلهم بخروجهم عنه ، وإفتائهم عليه.

قلنا : فإذا جاز القتل دفعا لمفسدة الافتئات على الإمام ؛ جاز التأديب أيضا.

قولهم : إنه ولى أقاربه.

قلنا : لأنهم كانوا أهلا للولاية (١).

قولهم : كان ذلك مع كراهية الناس لهم.

قلنا : إن أرادوا به كراهية كل النّاس ؛ فممنوع ، وإن أرادوا كراهية بعض النّاس ؛ فهذا مسلم ؛ لكن ذلك ممّا لا يمنع من التولية ، وإلا لما ساغ للإمام نصب قاض ، ولا وال ضرورة أنه ما من وال ولا قاض إلا ولا بدّ من كراهية بعض الناس له.

قولهم : إنه ولى من لا يصلح / للولاية. لا نسلم ذلك.

قولهم : إنه ولى الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر ، وصلى بالناس سكرانا.

قلنا : إنما ولاه لظنه أنه أهل للولاية ، وليس من شرط الوالى أن يكون معصوما ، ولا جرم لمّا ظهر منه الفسق ، عزله وحدّه.

وعلى هذا يكون الجواب عن كلّ من ولاه وظاهره الصلاح ، وإن لم يكن فى نفس الأمر صالحا (٢).

قولهم : إنه كان يكثر فى العطاء لأقاربه.

قلنا : لا نسلم أن الزيادة على القدر المستحق كان من بيت المال ؛ بل لعلّ ذلك من ماله ، وما يختص به (٣).

قولهم : إنه كان مضيعا لحدود الله. لا نسلم.

قولهم : إنه لم يقتل عبيد الله بن عمر قاتل الهرمزان.

__________________

/ / أول ل ١٧٩ / ب.

(١) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب التمهيد ص ٢٢٤. وصاحب المغنى ٢٠ / ٤٧ من القسم الثانى.

(٢) قارن رد الآمدي بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٤٧ من القسم الثانى وبرد صاحب التمهيد ص ٢٢٤ وما بعدها.

(٣) قارن رد الآمدي برد القاضى فى المغنى ٢٠ / ٥١ من القسم الثانى وبرد صاحب التمهيد ص ٢٢٤ وما بعدها.

قلنا : لأنه كان مجتهدا وقد قال : هذا القتل جرى فى غير سلطانى ؛ فلا يلزمنى حكمه» (١) وذلك لأنه كان قتله قبل عقد الإمامة لعثمان [وهذا هو مذهب أبى حنيفة رحمه‌الله] (٢).

قولهم : إنه أراد أن لا يقيم الحد على الوليد بن عقبة بشرب الخمر ، لا نسلم ذلك ؛ بل لعله أخّر استيفاء الحد ؛ ليكون على ثقة من شربه الخمر ، ولهذا فإنه حدّه بعد ذلك (٣).

قولهم : إنّه كاتب ابن أبى السّرح سرّا بما يخالف كتابه له جهرا ، وأنه أمره بقتل محمد بن أبى بكر.

لا نسلم ذلك ؛ فإنه قد حلف أنه ما فعل شيئا من ذلك ، وما أمر بقتل محمد بن أبى بكر. ولا يخفى ما كان عليه من الديانة والأمانة ، فنسبة التزوير فى كتابه ، والكذب فى ذلك إلى غيره ممّن تمالأ على قتله ، من السفساف الأوباش أولى (٤).

قولهم : إنه حمى لنفسه حمى ، وأتم الصلاة فى السفر.

قلنا : أما الحمى فلم يختص هو به ، فإنه كان فى زمن الشيخين.

فلئن قالوا : إلا أنه زاد فى ذلك.

قلنا : لاحتمال زيادة المواشى ، والأمور المصلحية ممّا يختلف باختلاف الأوقات بالزيادة ، والنقصان (٥).

وأما إتمام الصلاة فى السفر ، فإنما كان ؛ لأن الإتمام هو الأصل ، وغايته أنه عدل عن الرخصة إلى العزيمة (٦).

__________________

(١) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٥٦ من القسم الثانى وبرد الباقلانى فى التمهيد ص ٢٢٤.

(٢) ساقط من (أ).

(٣) قارن رد الآمدي بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٤٧ من القسم الثانى.

(٤) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٤٧ ، ٤٨ من القسم الثانى وبما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٢٥.

(٥) قارن هذا الرد بما ورد فى كتاب المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٥٢ من القسم الثانى وبما ورد فى التمهيد للقاضى الباقلانى ص ٢٢٢.

(٦) قارن رد الآمدي على الخصوم بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٢٣ وما بعدها.

قولهم : إنه رقى فى المنبر إلى موضع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخالف الشيخين.

قلنا : إن النزول عنه ليس من الواجبات ؛ بل غايته أن يكون من المندوبات ، ومن ترك مندوبا ، لا يعد مخطئا كما سبق تقريره (١).

__________________

(١) قارن رد الآمدي ، برد القاضى للباقلانى ص ٢٢٥ وما بعدها.

الفصل السابع

فى إثبات إمامة على بن أبى طالب رضي الله عنه (١)

ولا يخفى أن عليا كان مستجمعا للخلال الشريفة ، والمناقب المنيفة التى ببعضها يستحق الإمامة ، وأنه اجتمع فيه من فضائل الصفات ، وأنواع الكمالات ما تفرّق فى غيره من الصحابة (٢) ، [حتى إذا قيل من أشجع الصحابة] (٣) ، وأعلمها وأعبدها ، وأزهدها ، وأفصحها ، وأسبقها إيمانا ، وأكثرها مجاهدة بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقربها نسبا ، وصهارة منه ، كان عليا ـ عليه‌السلام ـ معدودا فى أول الجريدة ، وسابقا إلى كل فضيلة حميدة ، ولذلك قال فيه ربّانى هذه الأمة عبد الله بن عباس وقد سأله معاوية عنه فقال : «كان والله للقرآن تاليا ، وللشرّ قاليا ، وعن المين نائيا ، وعن المنكر ناهيا ، وعن الفحشاء ساهيا ، وبدينه عارفا ، ومن الله خائفا ، وعن الموبقات صادقا ، وبالليل قائما ، وبالنهار

__________________

(١) على بن أبى طالب بن عبد المطلب الهاشمى القرشى ، أبو الحسن أمير المؤمنين ، أول من أسلم من الصبيان ، وأحذ العشرة المبشرين بالجنة وابن عم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وصهره ، ورابع الخلفاء الراشدين أحد الشجعان الأبطال ومن أكابر الخطباء والعلماء. ولد بمكة المكرمة سنة ٢٣ قبل الهجرة ، وتربى فى بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يفارقه. نام فى فراش النبي ليلة الهجرة وبقى بعده بمكة ليرد الأمانات إلى أهلها. كان اللواء بيده فى أكثر المشاهد. ولم يتخلف عن مشهد منها سوى غزوة تبوك عن سعد بن أبى وقاص قال : خلف رسول الله ، على بن أبى طالب فى غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخلفنى فى النساء والصبيان؟ فقال : «أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبى بعدى» أخرجاه فى الصحيحين. تولى الخلافة بعد قتل عثمان رضي الله عنه سنة ٣٥ ه‍ وأراد بعض كبار الصحابة القبض على قتلة عثمان ، وقتلهم وكانوا فى شوكة ، وتوقى على رضي الله عنه الفتنة ؛ فتريث ؛ ولكن غضب بعض الصحابة وخرجوا عليه وحدثت الفتنة الكبرى التى فرقت المسلمين ، وأثرت فى الدولة الإسلامية ؛ وركب الموجبة الطلقاء وأصحاب الأغراض الدنيئة وجيشوا الجيوش ورفعوا قميص عثمان ؛ وهم الذين تخلوا عنه وأساءوا إليه أبلغ الإساءة ، وكانوا السبب فيما حدث له. وكان على رضي الله عنه وأبناؤه من بعده من ضحايا هذه الفتنة ، فاستشهد رضى الله عنه حيث قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادى غيلة فى السابع عشر من رمضان سنة ٤٠ ه‍ روى رضي الله عنه (٥٨٦) حديثا) ، رحمه‌الله ورضى عنه.

[ابن الأثير حوادث سنة ٤٠ ه‍ ، وصفة الصفوة ١ / ١١٦ ـ ١٢٦ ترجمة رقم (٥) ، والإصابة الترجمة رقم ٥٦٩٠ والأعلام ٤ / ٢٩٥ ، ٢٩٦].

(٢) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما ورد هاهنا : انظر : التمهيد للباقلانى ص ٢٢٧ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٨١ وما بعدها ونهاية الأقدام ص ٤٨٠ وما بعدها ، والفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم ٤ / ١٤٩ وما بعدها والمعتمد فى أصول الدين ص ٢٣١ ، والإرشاد للجوينى ٢٤١ وما بعدها. والمحصل للرازى ص ٥٧٣ وما بعدها ، والمغنى ٢٠ / ١ ، ٢ فى مواضع عدة. شرح الأصول الخمسة ص ٧٤٩ وما بعدها ، غاية المرام ص ٣٦٣ وما بعدها. والمواقف للآيجى ص ٣٩٥ ـ ٤١٤ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٦ ـ ٣٣٧.

وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٩٩ وما بعدها.

(٣) ساقط من (أ).

صائما ، ومن دنياه سالما ، وعلى العدل فى البرية عازما ، وبالمعروف آمرا ، وعن / المهلكات زاجرا وبنور الله ناظرا ، ولشهوته قاهرا ، فاق المسلمين ورعا ، وكفافا ، وقناعة ، وعفافا ، وسادهم زهدا ، وأمانة ، وبرا ، وحياطة ، كان والله حليف الإسلام ، ومأوى الأيتام ، ومحل الإيمان ، ومنتهى الإحسان ، وملاذ الضعفاء ، ومعقل الحنفاء ، وكان للحق حصنا منيعا ، وللناس عونا متينا ، وللدين نورا ، وللنعم / / شكورا ، وفى البلاء صبورا.

كان والله هجادا بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر النار ، دائم الفكر فى الليل والنهار ، نهاضا إلى كل مكرمة ، سعاء إلى كل منجية ، فرارا من كل موبقة ، كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجى ، وبحر الندى ، وطود النّهى ، وكنف العلم للورى ، ونور السفر فى ظلام الدّجى ، كان داعيا إلى المحجة العظمى ، ومستمسكا بالعروة الوثقى ، عالما بما فى الصحف الأولى ، وعاملا بطاعة الملك الأعلى ، عارفا بالتأويل ، والذكرى ، متعلقا بأسباب الهدى ، حائزا عن طرقات الردى ، ساميا إلى المجد ، والعلى ، وقائما بالدين ، والتقوى ، وتاركا للجور والعدوى ، وخير من آمن ، واتقى ، وسيد من تقمص ، وارتدى ، وأبر من انتقل وسعى ، وأصدق من تسربل ، واكتسى ، وأكرم من تنفس ، وقرا ، وأفضل من صام وصلّى ، وأفخر من ضحك ، وبكى ، وأخطب من مشى على الثرى ، وأفصح من نطق فى الورى ، بعد النبي المصطفى ، فهل يساويه أحد؟ وهو زوج خير النسوان فهل يساويه بعل؟ وأبو السبطين فهل يدانيه خلق؟ وكان والله للأشداء قتالا ، وللحرب شعالا ، وفى الهزاهز ختّالا» هذا مع ما ورد فيه من الأخبار الصحيحة الدالة على فضيلته ، والآثار المثبتة على علو شأنه ، ورتبته كما قررناه وأوردناه فيما تقدم.

هذا فيما يتعلق بالصفات الموجبة لاستحقاق الإمامة.

وأما الوجه الثانى : فى إثبات إمامته ، فإجماع الأمة عليه بعد مقتل عثمان واتفاقهم على استخلافه [وإمامته ، واتباعهم له فى حلّه ، وإبرامه ، ودخولهم تحت قضاياه ، وأحكامه من غير منازع ، ولا مدافع. وذلك دليل على إثبات إمامته] (١) لما سبق فى إثبات إمامة أبى بكر رضي الله عنه.

__________________

/ / أول ١٨٠ / أ.

(١) ساقط من (أ).

فإن قيل : سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كونه أهلا للإمامة ؛ لكنه معارض بما يدل على عدمها ، وبيانه من وجهين : ـ

الأول : أنه مالأ على قتل عثمان ، مع اتفاق الأمة على تحريم قتله ، ويدل عليه قول عليّ وقد سئل : هل قتلت عثمان؟ قال : «الله قتله ، وأنا معه» (١). وروى أنه قال :

«دم عثمان فى جمجمتى هذه (٢).

والّذي يؤكد ذلك أن قتلة عثمان كانوا فى عسكره وكان قادرا عليهم ولم يقتلهم ؛ بل كانوا عضّاده ، وأنصاره وبطانته ، ولذلك كتب إليه معاوية كتابا ومن جملته : «إنك رضيت بقتل عثمان لأنك قبّحت ذكره ، وألّبت عليه الناس حتى جاءوا من هنا ، ومن هاهنا ، ولو أنك قمت على بابه مقام صدق ، ونهنهت عنه بكلمة رجعوا.

والدليل عليه أن قتلته أعضادك ، وأنصارك ، وبطانتك ، فإن قتلتهم عنه أجبناك ، وأطعناك ، وإن لم ، فو الله الّذي لا إله إلا هو لنطلبنّ قتلة عثمان فى البرّ ، والبحر» (٣).

الثانى : أن الخوارج كفّرته ؛ حيث أنه حكّم الرجال ، ولم يحكم بكتاب الله وسنة رسوله (٤) ، وقد قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٥).

[وإن] (٦) سلمنا أنه كان أهلا للإمامة ؛ لكن لا نسلم إجماع الأمة على / عقد الإمامة [له] (٧) ، ويدل عليه أمران : ـ

الأول : أنه روى أن طلحة ، والزبير ، وهما من أجلاء الصحابة ، ومن جملة العشرة المقطوع لهم بالجنة ، تخلفا عن بيعته (٨) ، وأنهما أخرجا من منزليهما مكرهين ، وقد أحاط بطلحة أهل البصرة ، وبالزبير أهل الكوفة ، وجىء بهما إلى عليّ فبايعاه مع الكراهة (٩). ولذلك نقل عن طلحة بعد ذلك أنه قال : «بايعته أيدينا ، ولم تبايعه قلوبنا» ، ولهذا فإنهما خرجا عليه ، وقاتلاه بالبصرة ؛ فقتلا.

__________________

(١) راجع هذا القول فى وقعة صفين ص ٦٣ ، والتمهيد للباقلانى ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

(٢) راجع التمهيد للباقلانى ص ٢٣٦.

(٣) ورد بألفاظ قريبة فى : وقعة صفين ص ٨٧ ، والعقد الفريد ٥ / ٩١ ـ ٩٢.

(٤) راجع فى هذه المسألة (تكفير الخوارج للإمام على ـ كرم الله وجهه ورضى عنه).

مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ٦ ، ص ٤٥٢ ، والمغنى ٢٠ / ٢ / ٩٥ ـ ١١١.

(٥) سورة المائدة ٥ / ٤٤.

(٦) ساقط من (أ).

(٧) ساقط من (أ).

(٨) راجع ما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٣٠ وما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢ / ٦١.

(٩) راجع ما ورد فى تاريخ الطبرى ٥ / ٤٣٤ ، ٤٣٥.

الثانى : أن جماعة من سادات الصحابة ، وأجلائهم : كعبد الله بن عمر ، وسعد ، ومحمد بن مسلمة الأنصارى ؛ لم يعاضدوه على أعدائه ، ولم يوافقوه فيما عرض له من مهامه (١).

ولو كان ممن انعقدت إمامته ؛ لما تخلفوا عن نصرته ، ولما تأخروا عن معاضدته ، كما كان حالهم بالنسبة إلى من تقدم من الخلفاء الراشدين ؛ لعلمهم أنّ ذلك من الواجبات ، وأن التّخلف عنه من المحرّمات.

والجواب : قولهم : إنه مالأ على قتل عثمان. لا نسلم ، وذلك فإنه قد / / روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «والله ما قتلته ، ولا مالأت على قتله» (٢) ، وأنه أنفذ إليه الحسن ، والحسين يستأذنه فى نصرته ، فقال عثمان : «لا حاجة لى فى ذلك» ، وقوله : «والله قتله وأنا معه» ، لم يرد به أنه أعان على قتله بوجه من الوجوه ؛ بل معناه : والله يقتلنى معه ، وإنما ذكر مثل هذا اللفظ الموجه إرضاء للفريقين ومداراة للحزبين ، حتى لا يختل عليه الأمر ، ويتشوش الحال.

وقوله : «دم عثمان فى جمجمتى» أمكن أن يكون على طريق الاستفهام ومعناه : أتظنون أن دمه فى جمجمتى ، وأمكن أن يكون معلقا بشرط فى نفسه وتقديره : إن لم أستوفه مع القدرة عليه ، ويجب الحمل على ذلك جمعا بينه وبين إنكاره ، والحلف عليه (٣).

قولهم : إنه كان قادرا على قتل من قتل عثمان ، ولم يقتلهم به.

قلنا : إنما لم يقتلهم ؛ لأنه قد روى أنه كان يقول : «ليقم قتلة عثمان ، فيقوم أكثر عسكره» ، فرأى المصلحة فى تأخير ذلك إلى وقت الإمكان ، وأنه لو أقدم على ذلك لتشوش عليه الحال ، واضطرب الأمر ، وآل الحال فى حقه ، إلى ما آل إليه حال عثمان. وأمكن أن يقال : إن قتلة عثمان كانوا جماعة ، ولم يكن ممّن يرى قتل الجماعة بالواحد ، فإن ذلك من المسائل الاجتهادية ، وهو فقد كان من أهل الاجتهاد (٤).

__________________

(١) قارن هذا الطعن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٣٣ ولمعرفة من تخلف عن نصرته.

انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣١ ، ومروج الذهب ٥ / ٩٧.

/ / أول ل ١٨٠ / ب.

(٢) راجع طبقات ابن سعد ٣ / ١٩ ، وشرح النهج ١ / ١٥٨ ، والنهاية فى غريب الحديث ٤ / ٣٥٣.

(٣) قارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٣٦.

(٤) ارجع إلى ما ورد فى الفصل ٤ / ١٥٥ ـ ١٥٩ وما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢ / ٩٥ ـ ١١١.

قولهم : إن الخوارج كفّرته بتحكيمه للرجال.

قلنا : لا نسلم أن ذلك موجب للتكفير ، وقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١) لا نسلم العموم فى صيغة من وما ، على ما عرف من أصلنا.

سلمنا العموم فيها ، ولكن غاية الآية الدلالة على تكفير من لم يحكم بما أنزل الله ، ولم يثبت أن عليا ، لم يحكم بما أنزل الله ؛ بل غايته أنه حكّم ، ولا يلزم من التحكيم الحكم ، ولا عدم الحكم بما لم ينزل الله ؛ ليكون كافرا.

قولهم : لا نسلم إجماع الأمة على إمامته.

قلنا : دليله ما سبق.

قولهم : إن طلحة ، والزبير تخلفا عن بيعته ، وأنهما لم يبايعاه إلا كرها ، ليس كذلك ؛ بل إنما بايعاه طوعا ، وما ذكروه فى الدلالة على الكراهية ، فمن أكاذيب كتب السير ، والتواريخ / التى لا ثبت لها عند المحققين (٢).

قولهم : إنهما قاتلاه ، وخرجا عليه.

قلنا : أمكن أن يكون ذلك لا لبطلان إمامته ؛ بل لظنهما أنه كان متمكنا من قتل قتلة عثمان ، ولم يقتلهم ، وظنّا باجتهادهما أن ذلك ممّا يسوغ قتاله ، والخروج عليه ، وهما مخطئان فيه ، ولهذا نقل عنهما ، أنهما تابا عن ذلك قبل قتلهما.

قولهم : إن جماعة من سادات الصحابة لم يعاضدوه ، ولم ينصروه كعبد الله بن عمر ، وسعد ، وغيرهما.

قلنا : لم يتركوا ذلك ، لاعتقادهم أنه ليس بإمام ؛ بل لأنهم استعفوه من الخروج معه ، لضعف كان بهم ، وعلم عليّ ـ عليه‌السلام ـ ضعفهم عن ذلك ، فأعفاهم منه. وأيضا : فإنهم كانوا مجتهدين ، وقد غلب على ظنونهم جواز التخلف عنه ، خوف الوقوع فى الفتنة ؛ لما روى سعد عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «ستكون فتنة القاعد فيها ، خير من

__________________

(١) سورة المائدة ٥ / ٤٤.

(٢) قارن ما ورد هاهنا بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ٢٣١ وما بعدها. والفصل ٤ / ١٥٧ وما بعدها.

القائم ، والقائم فيها خير من الماشى ، والماشى خير من الساعى» (١) ، فأطاعوه فى الإمامة ، وخالفوه فى جواز التخلف عنه ؛ لكونه من المسائل الاجتهادية.

وعلى ما ذكرناه من عقد الإمامة بالإجماع ، على نصب الإمام عند كونه مستجمعا لشرائط الإمامة ، جرت العادة واطردت السنة فى إقامة كل إمام فى عصره ، وهلم جرا إلى عصرنا هذا.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «الخلافة بعدى ثلاثون سنة ، ثم تصير ملكا عضوضا» (٢) ، ليس فيه ما يدل على أن الخلافة منحصرة فى الخلفاء الراشدين ، وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ـ رضى الله عنهم حيث أن مدة خلافتهم وقعت ثلاثون سنة على وفق ما نطق به النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه لا خلافة بعد الخلفاء الراشدين ؛ بل المراد به : أن الخلافة بعدى على ما يجب من القيام بوظائف الإمامة ، وإتباع سنتى من غير زيادة ، ولا نقصان ثلاثون سنة ، بخلاف ما بعدها ، فإن أكثر أحكامها ، أحكام الملوك ، ويدل على بقاء الخلافة مع ذلك أمران : ـ

الأول : إجماع الأمة فى كل عصر على وجوب إتباع إمام ذلك العصر ، وعلى كونه إماما ، وخليفة متبعا.

الثانى : أنه قال : «ثم تصير ملكا» والضمير فى قوله : تصير ملكا ، إنما هو عائد إلى الخلافة ؛ إذ لا مذكور يمكن / / عود الضمير إليه غير الخلافة ، وتقدير الكلام ، ثم تصير الخلافة ملكا ، حكم عليها بأنها تصير ملكا ، والحكم على الشيء ، يستدعى وجود ذلك الشيء.

__________________

(١) الحديث متفق على صحته رواه البخارى ومسلم. صحيح البخارى ٤ / ٢٤١ وصحيح مسلم ٨ / ١٦٨.

(٢) ورد هذا الحديث مع تغير فى الألفاظ فى مسند الإمام أحمد ٥ / ٢٢٠ وما بعدها ، وسنن أبى داود ٢ / ٢٦٤.

/ / أول ١٨١ / أمن النسخة ب.

الفصل الثامن

فى التفضيل

أما الصحابة فقد اختلف فيهم ، فذهب أهل السنة ، وأصحاب الحديث : إلى أن أبا بكر ، أفضل من عمر ، وعمر أفضل من عثمان ، وعثمان أفضل من على وعلى أفضل من باقى العشرة ، والعشرة أفضل من باقى الصحابة ، والصحابة أفضل من التابعين ، والتابعين أفضل ممن بعدهم لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «خير القرون القرن الّذي أنا فيه ، ثم الّذي يليه ، ثم الّذي يليه» (١).

وقال الروافض : عليّ ـ عليه‌السلام ـ أفضل الصحابة (٢) ، وزادوا على ذلك وقالوا : إنه أفضل من النبيين بعد رسول الله (٣).

ومن أصحابنا من قال :

إن قلنا إنه تصح إمامة المفضول مع وجود الفاضل ؛ فلا سبيل إلى القطع بتفضيل البعض على البعض (٤).

وإن قلنا : إنه لا تصح / إمامة المفضول مع وجود الفاضل ؛ فأبو بكر أفضل من باقى الصحابة لانعقاد الإجماع على صحة إمامته ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم عليّ عليهم‌السلام.

والّذي عليه اعتماد الأفاضل من أصحابنا : أنه لا طريق إلى التفضيل بمسلك قطعى ، وأما المسالك الظنية فمتعارضة ، وقد يظهر بعضها فى نظر [بعض] (٥) المجتهدين ، وقد لا يظهر ، وقبل الخوض فى تحقيق الحق ، وإبطال الباطل ، لا بدّ من تحقيق معنى الأفضلية ؛ ليكون التوارد بالنفى ، والإثبات على محز واحد.

__________________

(١) ورد فى صحيح البخارى ٤ / ٣٢ بلفظ مقارب «خير أمتى قرنى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم». وقارن به صحيح مسلم ٧ / ١٨٤ ، ١٨٥ وسنن أبى داود ٢ / ٢٦٥.

(٢) انظر رأى الشيعة فى المغنى ٢٠ / ٢ / ١٢٢ ، ١٢٣.

(٣) القائلون بتفضيل الإمام على ـ كرم الله وجهه ـ على النبيين بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هم الإسماعيلية.

(٤) خصص صاحب المواقف المقصد السادس لهذا الرأى فقال : المقصد السادس : فى إمامة المفضول مع وجود

الفاضل. وتحدث عن الآراء فيها بالتفصيل (شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٣١) وانظر هذا الرأى فى الإرشاد للإمام الجوينى ص ٢٤٢ والاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص ٢١٩.

(٥) ساقط من ب.

فنقول : اعلم أن التفضيل بين الأشخاص. قد يطلق ويراد به اختصاص أحد الشخصين عن الآخر : إمّا بأصل فضيلة لا وجود لها فى الآخر ؛ لكونه عالما ، والآخر ليس بعالم ، أو بزيادة فيها ، كونه أعلم (١).

وقد يطلق ويراد به اختصاص أحد الشخصين بأنه أكثر ثوابا عند الله تعالى من الآخر.

وعلى هذا ، فإن أريد بالتفضيل الاعتبار الأول ؛ فلا يخفى أن دليل ذلك غير مقطوع به ؛ لتعارض أدلته ، وذلك أنه ما من فضيلة تبين اختصاص بعض الصحابة بها ، إلّا وقد يمكن بيان مشاركة الآخر له فيها ، وبتقدير أن لا يشاركه فيها ؛ فقد يمكن بيان اختصاصه بفضيلة أخرى ، معارضة لفضيلته ، ولا سبيل إلى الترجيح بكثرة الفضائل ؛ لاحتمال أن تكون الفضيلة الواحدة أرجح من فضائل. وذلك إما لزيادة شرفها فى نفسها ، أو لزيادة كميتها ، وبالجملة فما يقال فى ذلك ؛ فالظنون فيه متعارضة.

وإن أريد بالتفضيل الاعتبار الثانى : فلا يخفى أن معرفة ذلك ممّا لا يستقل به العقل ، وإنما مستنده الأخبار الواردة من الله ـ تعالى ـ فى ذلك على لسان رسوله ، والأخبار الواردة فى ذلك كلها أخبار آحاد لا تفيد غير الظن ، ومع ذلك فهى متعارضة كما سبق. وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب ، موجبا لزيادة الثواب قطعا ؛ إذ الثواب بفضل من الله على ما سبق فى التعديل والتجوير (٢) ، وقد يثيب غير المطيع ، ولا يثيب المطيع ؛ بل إن كان ولا بدّ فليس إلّا بطريق الظن ، وعلى هذا. وإن قلنا بأن إمامة المفضول ، لا تصح مع وجود الفاضل ، فليس ذلك ممّ ينتهض الحكم فيه إلى القطع ؛ بل غايته الظن ، فإجماع الأمة على إمامة أحد ، وإن كان قاطعا فى صحة إمامته ؛ فلا يكون قاطعا فى لزوم تفضيله (٣).

ولا خلاف بين أهل الحق أن الأنبياء ، أفضل من الأئمة ، وسائر الأمم. وما ذهب إليه [غلاة] (٤) الروافض من تفضيل عليّ ، على غير محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الأنبياء ، فظاهر

__________________

(١) راجع المغنى ٢٠ / ٢ / ١١٥ وما بعدها.

(٢) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس الأصل الأول : فى التعديل والتجوير ل ١٨٦ / ب وما بعدها.

(٣) قارن بما ورد فى الإرشاد للجوينى ص ١٤٢ ، والاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص ٢١٩.

(٤) ساقط من «أ».

البطلان ؛ لإجماع سلف الأمة على أن الأنبياء ، أفضل من غيرهم ، ولأن الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ هم المبلغون عن الله ـ تعالى ـ والداعون إليه ، والقائمون بشرائعه ، والمخاطبون من الله ـ تعالى ـ شفاها ، أو بالوحى ، أكثر نفعا للخلق من غيرهم ، وغيرهم فغايته أن يكون تابعا لسنتهم ، وسالكا لطريقتهم ؛ فلا يكون غير الأنبياء أفضل منهم ، ومع ذلك فمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أفضل النبيين ، والمرسلين ، وسيد الأولين ، والآخرين ؛ لانعقاد الإجماع من الأمة على ذلك. ولقوله ـ عليه‌السلام ـ لعائشة / / «أنا سيّد العالمين» (١) ولما ورد فيه من الآثار ، والأخبار التى مجموعها ينزل منزلة التواتر ، وإن كانت آحادها آحادا.

وأما زوجات / النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد ذهب أهل السنة ، وأصحاب الحديث إلى أن عائشة أفضل نساء العالمين لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على غيره من الطعام» (٢) ، ولما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «كل مع صاحبه فى الدرجة». ولا يخفى أن درجة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أعلى من درجات كل الخلق من الرجال ، فنسبة درجة عائشة إلى درجات غيرها من النساء كنسبة درجة النبي ، إلى درجات غيره ، ولأنها كانت مختصة بخدمته ، وتحمل أثقاله وكلفته إلى حالة مماته ؛ فكانت أفضل (٣).

وقال الشيعة : أفضل زوجات النبي ـ عليه‌السلام ـ خديجة (٤) ، وأفضل نساء العالمين فاطمة ، ومريم ابنة عمران ، وآسية امرأة فرعون.

__________________

/ / أول ل ١٨١ / ب.

(١) راجع ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٢) رواه البخارى ٥ / ٣٦ ، ٧ / ٩٧ عن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه.

(٣) انظر الفصل فى الملل والنحل ٤ / ١٢٢ ، ١٢٣.

(٤) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ، من قريش : زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأولى ولم يتزوج غيرها فى حياتها. ولدت بمكة المكرمة سنة ٦٨ قبل الهجرة ، ونشأت فى بيت شرف ويسار ، وكانت ذات مال كثير وتجارة تستأجر الرجال ، وتدفع المال مضاربة.

وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى تجارة لها ؛ فرأت عند قدومه غمامة تظلله ؛ فتزوجته ولما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ كانت أول امرأة آمنت به ، وجميع أولاده منها سوى إبراهيم قال عنها رسول الله (خير نسائها خديجة) وعن أبى هريرة قال : أتى جبريل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه إدام أو طعام أو شراب ؛ فإذا هى أتتك فاقرأ عليها‌السلام من ربها ومنى ، وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (أخرجاه فى الصحيحين). وكانت وفاتها بمكة قبل الهجرة ، ودفنت بالحجون رحمها الله ورضى عنها.

[الإصابة ، قسم النساء ، الترجمة رقم (٣٣٣) ، وصفة الصفوة ١ / ٢٩٧ ، والأعلام ٢ / ٣٠٢].

أما فاطمة : فلقوله عليه‌السلام : «فاطمة سيدة نساء العالمين» (١) وقوله : «فاطمة بضعة منى» (٢) ونسبة بعض النبي ، إلى بعض غيره ، كنسبة النبي ، إلى غيره ، والنبي أفضل من غيره ؛ فبعضه أفضل من بعض غيره.

وأما مريم ابنة عمران : فلقوله : تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) (٣).

وأما آسية امرأة فرعون : فلقوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) (٤) ، ولسعيها فى تخليص موسى ـ عليه‌السلام ـ من عدو الله ـ تعالى ـ فرعون ، على ما قال ـ تعالى ـ حكاية عنها : (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) (٥). الآية.

والحق أن كل هذه الأدلة ظنية ، ومع كونها ظنية ؛ فمتعارضة ، ولا سبيل إلى القطع بشيء منها ، وإن غلب على ظن بعض المجتهدين منها شيء ؛ فلا حرج.

وأما تفضيل الأنبياء على الملائكة ؛ فقد سبق ما فيه (٦).

__________________

(١) ورد فى مجمع الزوائد ٩ / ٢٠١ «سيدة نساء أمتى».

(٢) فى صحيح البخارى ٥ / ٢٦ «فاطمة بضعة منى ، فمن أغضبها أغضبنى».

(٣) سورة التحريم ٦٦ / ١٢.

(٤) سورة التحريم ٦٦ / ١١.

(٥) سورة القصص ٢٨ / ٩.

(٦) راجع ما سبق فى القاعدة الخامسة ـ الأصل السادس ل ١٨٧ / أوما بعدها.

الفصل التاسع

فيما جرى بين الصحابة من الفتن ، والحروب

وقد اختلف أهل الإسلام فيما شجر بين الصحابة من الفتن.

فمنهم من أنكر وقوعها أصلا : وقال : إن عثمان لم يحاصر ، ولم يقتل غيلة ، وأن وقعة الجمل ، وصفّين لم توجد : كالهشاميّة من المعتزلة (١).

ومنهم من اعترف بوجودها :

ثم اختلف هؤلاء : فمنهم من سكت عن الكلام فيها ، ولم يقل فيها بتخطئة ولا تصويب ، وهم طائفة من أهل السنة (٢).

ومنهم من تكلّم فيها : ثم اختلف هؤلاء : فمنهم من خطأ الفريقين ، وفسقهما معا : كالعمرويّة أصحاب عمرو بن عبيد من المعتزلة (٣).

ومنهم من قضى بتخطئة أحد الفريقين. ثم اختلف هؤلاء.

فمنهم من قال بتخطئة أحد الفريقين ، وتفسيقه لا بعينه من عثمان ، وقاتليه ، وعلى ومقاتليه. وحكموا بأن كل واحد من الفريقين لو شهد على باقة بقل ؛ لم تقبل

__________________

(١) عن هذه الفرقة انظر ما سبق فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع :

ل ٢٤٥ / أفقد تحدث الآمدي عن هذه الفرقة وعن آرائها بالتفصيل.

ولمزيد من البحث والدراسة انظر : الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٧٣ وما بعدها

والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٥٩ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٤٦ ، ٤٧ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٣ ، وشرح المواقف للجرجانى (التذييل ص ١٣).

(٢) قارن بما ورد هنا : شرح المواقف ٦ / ٣٣٣.

ولمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ٤٥٣ وما بعدها.

والاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص ٢١٨ وما بعدها.

(٣) عن هذه الفرقة وآرائها انظر ما سبق فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع الفرقة الثانية ل ٢٤٤ / ب.

ولمزيد من البحث والدراسة : يرجع إلى المصادر التالية :

الفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٢٠ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٤٢.

اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٠ ، وشرح المواقف (تذييل ص ٧).

شهادته ؛ لأنّ الفاسق منهما واحد لا بعينه ، واحتمل أن يكون من شهد هو الفاسق ، وهؤلاء هم الواصليّة أصحاب واصل بن عطاء من المعتزلة (١).

ومنهم من قال بتخطئة أحد الفريقين بعينة : ثمّ القائلون بهذا المذهب لا تعرف خلافا [فيما] (٢) بينهم فى تعيين التخطئة فى قتلة عثمان ، ومقاتلى عليّ عليه‌السلام ، وكذلك كل من خرج على كل من اتفق على إمامته ؛ لكن اختلفوا :

فمنهم من قال بأن التخطئة لا تبلغ إلى حد التفسيق : كالقاضى أبى بكر (٣).

ومنهم من قال بالتفسيق : كالشيعة ، وكثير من أصحابنا (٤).

وإذ قد أتينا على شرح المذاهب بالتفصيل ، فاعلم أن من أنكر وقوع ما جرى من الحروب وشجر من الفتن ؛ فقد أنكر ما تواترت به الأخبار ، وعلم ضرورة ، وكان كمن أنكر وجود مكة ، وبغداد.

وأما السكوت عن الكلام / فى التخطئة ، والتصويب : فإما أن يكون ذلك لعدم ظهور دليل التخطئة ، والتصويب ، أو لقصد كف اللسان عن ذكر مساوئ المخطئ منهما ، مع عدم إيجابه.

__________________

(١) وقد تحدث الآمدي عن هذه الفرقة وذكر آراءها بالتفصيل فيما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل ٢٤٤ / ب من هذا الكتاب.

ولمزيد من البحث والدراسة ارجع إلى :

الملل والنحل ١ / ٤٦ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ١١٧ وما بعدها.

والتبصير فى الدين للأسفرايينى ص ٤٠ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٠ وشرح المواقف للجرجانى ص ٦ وما بعدها من التذييل.

(٢) ساقط من أ.

(٣) انظر التمهيد فى الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة للقاضى الباقلانى ص ٢٣١ وما بعدها.

فقد تحدث عن ندم وتوبة السيدة عائشة رضى الله عنها ، كما تحدث عن طلحة والزبير رضى الله عنهما ـ وتوبتهما قبل قتلهما.

(٤) وقد تحدث الإمام البغدادى عن ذلك بالتفصيل فى كتابه أصول الدين ص ٢٨٩ وما بعدها. فقال : «أجمع أصحابنا على أن عليا ـ رضي الله عنه ـ كان مصيبا فى قتال أصحاب الجمل ، وفى قتال أصحاب معاوية بصفين». ثم ذكر السيدة عائشة وطلحة والزبير وقال : «فهؤلاء الثلاثة بريئون من الفسق ، والباقون من أتباعهم الذين قاتلوا عليا فسقه» ثم قال : «وأما أصحاب معاوية فإنهم بغوا وسماهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بغاة فى قوله لعمار : «تقتلك الفئة الباغية».

فإن كان الأول : فهو ممتنع ؛ لأنّ الإجماع إذا انعقد على إمامة شخص ، ولم يظهر منه ما يوجد حلّ قتاله ، وقتله ؛ فالخارج عليه يكون مخطئا خطا ظاهرا ، وعثمان ، وعليّ ـ رضى الله عنهما ـ بهذه المثابة ؛ فكان الخارج عليهما مخطئا (١).

وإن كان الثانى : فهو حق ، ولا بأس به ؛ بل وهو الأولى ، فإن السكوت عمّا لا يلزم الكلام فيه ، أولى من الخوض فيه ، وأبعد عن الزلل ، وبهذا قال بعض المعتبرين من الأوائل (٢) «تلك دماء / / طهّر الله سيوفنا منها ، أفلا نطهّر ألسنتنا».

وأما تخطئة الفريقين ؛ فممتنع ؛ لما حققناه من انعقاد الإجماع على صحة إمامة الإمام ، مع عدم ظهور ما يقتضي تخطئته ، وبه يظهر فساد قول من قال بتخطئة أحد الفريقين لا بعينه ، فلم يبق إلا تخطئة أحدهما بعينه ؛ وهو الخارج على الإمام.

ثم لا يخلو إما أن يكون الخارج على الإمام مجتهدا متأولا ، [أولا] (٣).

فإن كان الأول : فالظاهر أن خطأه لا ينتهى إلى التفسيق ؛ لأنه مجتهد ، والمخطئ فى المجتهدات ظاهرا ؛ لا يكون فاسقا.

وإن كان الثانى : فلا خلاف فى فسقه ، والله أعلم.

__________________

(١) قارن به أصول الدين للبغدادى ص ٢٨٩ ، والإرشاد للجوينى ص ٢٤٢ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٣٤.

(٢) نسب صاحب شرح المواقف الشريف الجرجانى هذا القول للإمام الشافعى رحمه‌الله ـ فقال : «قال الشافعى وغيره من السلف (تلك دماء طهّر الله عنها أيدينا ، فلنطهر عنها ألسنتنا». (شرح المواقف ٦ / ٣٣٣).

/ / أول ل ١٨٢ / أ.

(٣) ساقط من أ.

الأصل الثانى

فى الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر (١)

ويشتمل على فصلين :

الفصل الأول : فى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر.

الفصل الثانى : فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، ومن لا يجب عليه.

__________________

(١) لتوضيح هذا الأصل بالإضافة لما ورد هاهنا : انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٤١ ـ ٧٤٩.

والفصل لابن حزم ٥ / ١٩ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ٢١٥ ، ٢١٦. وإحياء علوم الدين للغزالى ٢ / ٣٠٦ ـ ٣١٢. ومن المتأخرين المتأثرين بالآمدي : شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٣٥ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى وكتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لابن تيمية.

الفصل الأول

فى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر

وقد اختلف أهل الإسلام فى ذلك.

فذهب (١) بعض الروافض : إلى أن ذلك لا يجب ، ولا يجوز إلا بأمر الإمام العدل واستنابته كما فى إقامة الحدود.

وذهب من عداهم : إلى وجوبه سواء أمر به الإمام ، أم لم يأمر ثم اختلف هؤلاء.

فذهبت الأشاعرة ، وأهل السنة : إلى وجوبه شرعا (٢) ، لا عقلا.

وذهب الجبّائى وابنه : إلى وجوبه عقلا (٣) ؛ لكن اختلفا.

فقال الجبّائى : بوجوبه مطلقا فيما يدرك حسنه ، وقبحه عقلا.

وقال أبو هاشم : إن تضمّن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر دفع ضرر عن الآمر ، والنّاهى وكان بحيث لا يندفع عنه إلا بذلك ؛ فهو واجب وإلا فلا.

وأما أنه لا يتوقف على استنابة الإمام : فقد احتج عليه أهل الحق بالإجماع من الصحابة.

ودليله : أنّا نعلم علما ضروريا بنقل التواتر أنّ الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ بعد موت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لم يزل أفرادهم ، وآحادهم يستقل بالأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر من غير توقف على إذن الإمام ، وأمره فى ذلك.

وكان ذلك شائعا ذائعا فيما بينهم ، ولم يوجد له نكير ؛ فكان ذلك إجماعا منهم على جوازه.

فإنه لو لم يكن جائزا ؛ لكان فعله منكرا.

__________________

(١) نقل شارح المواقف عن الآمدي من أول قوله : ذهب بعض الروافض واعتمد عليه انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٣٥ وما بعدها.

(٢) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عند الأشاعرة من الفروع أما المعتزلة فيعتبرونه من الأصول ؛ فهو الأصل الخامس عندهم (انظر شرح الأصول الخمسة ص ٧٣٩ وما بعدها).

(٣) انظر شرح الأصول الخمسة ص ٧٤٢.

ومع شيوعه فالعادة تحيل من الأمة تواطئهم على عدم إنكاره ولو وقع الإنكار لاستحال فى العادة أن لا ينقل مع توفّر الدواعى على نقله وحيث لم ينقل دل على أنه لم يقع وقد استقصينا تقرير ذلك ودفع كل ما يرد عليه من الإشكالات فى كتاب شرح الجدل (١) وغيره من كتبنا.

وعلى هذا لم يزل الناس فى كل عصر وزمان إلى وقتنا هذا.

وأما أنه واجب : فدليله الإجماع ، والنصوص.

أما الإجماع : فهو أن القائل قائلان :

قائل يقول : بالوجوب مطلقا من غير / توقف على استنابة الإمام. وقائل يقول بالوجوب متوقفا على استنابة الإمام.

فقد وقع الإجماع على وجوب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر فى الجملة. وإذا بطل بالدّليل توقف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على استنابة الإمام بقى الإجماع على الوجوب بحاله.

وأما النصوص : فمن جهة الكتاب والسنة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (٢).

أمرنا بالإصلاح وبإزالة [المنكر] (٣) وهو البغى ، والأمر ظاهر فى الوجوب.

أما أنه أمر فلأنه أتى بصيغة أفعل وهى إذا تجردت عن القرائن كانت بإطلاقها أمرا.

ولهذا فإنه إذا قال : السيد لعبده افعل كذا فإنه بتقدير تجرّد هذه الصيغة عن القرائن يعدها أهل العرف أمرا.

__________________

(١) كتاب شرح الجدل : عبارة عن شرح لكتاب الجدل للشريف المراغى. وهو أحد الكتب التى اهتم بها الآمدي فى مبدأ حياته الدراسية ببغداد ؛ حيث تتفق معظم المراجع على حفظه له ؛ لأنه كان من أهم المؤلفات فى هذا الفن. والآمدي يعتز بهذا الشرح ؛ لأنه كما يظهر لى يمثل المحاولة الأولى له فى عالم التأليف ؛ فكثيرا ما يذكره فى الأبكار محيلا عليه كما حدث فى هذه الإحالة.

[انظر رسالتى للدكتوراه عن الآمدي ص ٨٩ بكلية أصول الدين بالقاهرة].

(٢) سورة الحجرات ٤٩ / ٩.

(٣) ساقط من أ.

ويقال : أمره ، والسيد آمر ، والعبد مأمور.

وأيضا : فإن أهل اللغة قسّموا الكلام إلى أقسام.

فقالوا : الكلام ينقسم إلى أمر ، ونهى ، وغيره

والأمر هو قول القائل لغيره افعل. والنّهى لا تفعل.

وأما أنّ الأمر للوجوب ؛ فلأن السيد لو أمر عبده بأمر ولم يمتثل له ؛ فإنه يستحق اللوم والتّوبيخ والعقوبة من السيد عرفا ولا معنى للوجوب إلا هذا.

وإذا ثبت وجوب الأمر بالمعروف فى هذه / / الصورة لزم وجوبه فى باقى الصور ضرورة انعقاد الإجماع على عدم التفضيل بين صورة ، وصورة.

وأيضا : قوله تعالى.

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١) أمر بأن يكون من الأمّة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. والأمر ظاهر فى الوجوب لما عرف.

وأما السنة :

فما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر ، أو ليسلطن الله شراركم على خياركم ، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم» (٢).

تواعد على ترك الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر. وهو دليل الوجوب.

وأيضا : ما روى عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «لتنكرنّ المنكر ولتأمرن بالمعروف أو ليدعكم الله لا يبالى من غلب» ووجه الاحتجاج كما سبق.

__________________

/ / أول ل ١٨٢ / ب من النسخة ب.

(١) سورة آل عمران ٣ / ١٠٤.

(٢) أخرجه الترمذي فى سننه ٤ / ٤٦٨ (كتاب الفتن : باب ما جاء فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ ونصه : «والّذي نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه ، فلا يستجاب لكم» وقال : هذا حديث حسن.

وأيضا : ما روى عنه عليه‌السلام أنه قال : «أى قوم رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو المنكر فلم يغيّروه عمهم الله بعقابه» (١) وذلك دليل الوجوب.

وأيضا : ما روى عنه عليه‌السلام أنه قال : «لا تقدس أمة لا يأخذ قويّها لضعيفها الحق من قويّها» (٢).

والأخبار فى ذلك كثيرة بحيث ينزل مجموعها منزلة التواتر.

وأما الوجوب العقلى ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.

__________________

(١) أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الملاحم ـ باب الأمر والنهى ٤ / ١٢٠ عن خالد مرفوعا بلفظ إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب. ط دار الحديث القاهرة.

(٢) أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير ١٩ / ٣٨٥ ح ٩٠٣ عن معاوية قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ، ويأخذ الضعيف حقه من القوى غير متعتع» ط الثانية تحقيق حمدى عبد المجيد السلفى.

وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد ٥ / ٢٠٩ وغراه إلى الطبرانى وقال رجاله ثقات. ط القدسى.

الفصل الثانى

فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ومن لا

يجب عليه

واعلم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب على كل مكلف عالم بأن ما يأمر به معروف ، وينهى عن منكر واجب قطعا إذا لم يقم به غيره وكان يرجى حصول ما أمر به ، وزوال ما نهى عنه من غير بحث ، وتجسس وإلا فلا. وفيه قيود سبعة :

الأول : أن يكون مكلفا : أى أهلا لخطاب التكليف ؛ وذلك لأن الوجوب من الأحكام الثابتة بخطاب التكليف ؛ والتكليف لغير من له أهلية التكليف محال ، كما فى الحيوانات العجماوات والصبيان والمجانين.

الثانى : أن يكون عالما بأن ما يأمر به معروفا أو ينهى عنه منكرا ، وإلا كان مكلفا بما لا يعلمه ؛ وهو تكليف بما لا يطاق.

وليس من شرطه أن يكون فقهيا عالما ؛ فإن من المعروف والمنكر ما يستقل بمعرفته الخواص والعوام كوجوب الصلاة ، وصوم رمضان مع عدم العذر / وحرمة الزنا والقتل عمدا عدوانا.

فالعامى يجب عليه فى ذلك ما يجب على الفقيه ؛ لاستوائهما فى معرفة كون ذلك الشيء معروفا ، ومنكرا.

وأما ما لا يستقل بمعرفة كونه معروفا ، ومنكرا غير الفقيه ؛ فلا يجب الأمر به ، والنهى عنه على غير الفقيه.

ولا يشترط فيه أيضا أن يكون عدلا ؛ بل يجب عليه وإن كان فاسقا حتى أنه يجب على متعاطى الكأس النهى عنه للجلّاس ؛ وذلك لأن النهى عن المنكر واجب ، والانكفاف عن المحرم واجب.

والإخلال بفعل أحد الواجبين ؛ لا يمنع من وجوب فعل الواجب الآخر ؛ فإنه لو كان عدلا كان أولى نظرا إلى غلبة امضاء أمره ونهيه إلى المقصود وعلى حسب

الزيادة والنقصان فى الورع والتّقشف ، والاستكانة لله ـ تعالى ـ تكون الزيادة والنقصان فى الأولوية ، والإفضاء إلى المقصود.

وعلى هذا : فالفاسق إذا شاهد ما يوجب مغرما ، أو عقوبة وكان مستور الحال ظاهر العدالة وجب عليه أداء الشهادة دفعا للظلامة ؛ لكونه صادقا وإن كان ظاهر الفسق فلا ؛ لعدم افضائه إلى المقصود.

الثالث : أن يكون ما يأمر به واجبا. وما ينهى عنه محرما ؛ إذ الأمر بما ليس واجبا ، والنهى عمّا ليس محرما ؛ لا يكون واجبا.

الرابع : أن يكون ذلك مقطوعا به كوجوب الصلاة ، وتحريم الخمر.

وأما إذا كان مجتهدا فيه : كشرب النبيذ ، والنكاح بلا ولى ، والبسملة فى أول كل سورة ، وغير ذلك من المسائل الاجتهادية ؛ فالإنكار فيه غير واجب ؛ إذ ليس إنكار أحد القولين من القائل بنقيضه أولى من العكس.

الخامس : إذا لم يقم به غيره ؛ وذلك لأن الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ليس واجبا على الأعيان ؛ بل وجوبه وجوب كفاية ؛ فإذا قام به فى كل ناحية من تحصل الكفاية به سقط عن الباقين ، وإلا أثم الكل إذا توافقوا على الترك.

وإن توافقوا على الأمر ، والنهى ؛ أثيب كل واحد منهم ثواب الواجب

/ / غير أن من انفرد بالعثور على منكر ؛ فليس له تركه اعتمادا على إنكار الغير له ؛ إذ ربما لا يطّلع عليه ذلك الغير.

السادس : أن يرجى حصول ما أمر به ، وزوال ما نهى عنه.

وأما إذا علم أن ذلك مما لا يفضى إلى المقصود ؛ فلا يجب ؛ بل يستحب إظهارا لشعائر الإسلام.

السابع : أن يكون ذلك من غير بحث وتجسس للكتاب ، والسنة :

__________________

/ / أول ل ١٨٣ / أمن النسخة ب.

أما الكتاب : فقوله تعالى ـ (وَلا تَجَسَّسُوا) (١) ولأن التجسس سعى فى إظهار الفاحشة ؛ وهو محرم لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢).

وأما السنة : فقوله عليه‌السلام : «من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه على رءوس الأشهاد الأولين والآخرين» (٣) ولأنه قد علم من حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يأمر بالستر وترك التعرض لإشاعة الفاحشة لقوله :

«من أتى من هذه القاذورات شيئا ؛ فليسترها بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله» (٤).

فإن قيل : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : إما أن يكون معلقا. بما مضى أو بالمستقبل.

الأول : محال ؛ لأن المقصود من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إنما هو التغيير ، وتغيير الماضى محال.

وإن كان الثانى : فوقوعه غير متيقن ، وقد قلتم : لا بد وأن يكون مقطوعا به.

قلنا : المراد إنما هو القسم الثانى.

واشتراط القطع إنما كان عائدا إلى وجوب المأمور به ، وتحريم المنهى عنه لا القطع فى وقوعه.

وعلى هذا : فالمأمور به ، والمنهى عنه. وإن كان مستقبلا لا يشترط فيه أن يكون مقطوعا بوقوعه ؛ بل أن يكون مظنون الوقوع بما يدل عليه من الأمارات ، والعلامات الدالة على استمراره والدوام عليه ويمكن أخذ ظن الوقوع فى المستقبل قيدا ثانيا

__________________

(١) جزء من الآية رقم ١٢ من سورة الحجرات رقم ٤٩.

(٢) سورة النور ٢٤ / ١٩.

(٣) ورد فى مسند الإمام أحمد ٤ / ٤٢١ عن أبى برزة الأسلمي.

(٤) موطأ الإمام مالك (٢ / ٨٢٥ ـ كتاب الحدود ـ باب من اعترف على نفسه بالزنا) عن زيد بن أسلم ونصه «من أتى من هذه القاذورات شيئا ؛ فليسترها بستر الله ، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد».

فى الوجوب وبما انتهينا إليه هاهنا تم الكتاب والله المسئول ، وهو المأمول أن يجعله نافعا فى الدنيا وذخيرة صالحة فى الأخرى

وأن يصلى على محمد سيد الأولين ، والآخرين ، وعلى آله ، وأصحابه أعلام الدين الحمد لله رب العالمين.

وكان الفراغ من تأليفه فى منتصف شهر ذى الحجة من شهور سنة اثنتى عشرة وستمائة ـ وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

فهرس موضوعات الجزء الخامس

من كتاب

أبكار الأفكار فى أصول الدين للآمدى

«القاعدة السابعة»

فى الأسماء والأحكام

وتشتمل على ستة فصول : ٥ ـ ١١٥

الفصل الأول : فى تحقيق معنى الإيمان ، وأنه هل يقبل الزيادة والنقصان أم لا :...... ٧ ـ ٢٤

اتفق المسلمون على أن مفهوم لفظ الإيمان لا يخرج عن أعمال القلب ، والجوارح، وما تركب منهما :       ٧

الحق فى المسألة :............................................................. ٩

تعريف الإيمان فى اللغة :....................................................... ٩

تعريف الإيمان فى الشرع :...................................................... ٩

الإيمان مختص بالقلب بأدلة من الكتاب والسنة.................................. ١٠

لا نسلم استعمال الألفاظ العربية فى غير موضعها لغة ، ويدل على ذلك النص والإلزام ١١

أما النص : فمن جهة الكتاب والسنة.......................................... ١١

وأما الإلزام : فمن خمسة عشر وجها........................................... ١٢

آراء المخالفين والرد عليهم.................................................... ١٥

الآراء المختلفة فى زيادة الإيمان ونقصانه......................................... ٢٢

الحق فى ذلك :............................................................. ٢٣

الفصل الثانى : فى تحقيق معنى الكفر شرعا.................................... ٢٥ ـ ٢٨

الكفر فى اللغة.............................................................. ٢٥

وأما فى اصطلاح المتكلمين................................................... ٢٥

رأى المعتزلة والخوارج......................................................... ٢٥

الرد عليهم................................................................. ٢٦

الأقرب فى ذلك............................................................. ٢٨

الفصل الثالث : فى أن العاصى من أهل القبلة هل هو كافر ، أم لا؟............. ٢٩ ـ ٣٦

رأى المرجئة................................................................. ٢٩

رأى الخوارج................................................................ ٢٩

رأى المعتزلة................................................................. ٣٠

رأى الأشاعرة............................................................... ٣٠

الرد على المرجئة............................................................. ٣٠

الرد على الخوارج والمعتزلة..................................................... ٣١

الفصل الرابع : فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟........... ٣٧ ـ ١٠٦

المسلمون قبل ظهور الفرق ٣٧

نماذج من الاختلافات التى استطاع المسلمون التغلب عليها ٣٧

اشتد الخلاف وتشعب حتى تفرق المسلمون إلى ثلاث وسبعين فرقة ٣٩

كبار الفرق الإسلامية ثمانية :

المعتزلة ، والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والفرق الناجية.......... ٤٠

الفرقة الأولى : المعتزلة........................................................... ٤٠

افترقوا إلى عشرين فرقة..............................................................

١ ـ الواصلية :.............................................................. ٤١

٢ ـ العمروية :.............................................................. ٤٢

٣ ـ الهذلية :................................................................ ٤٢

٤ ـ النظامية :.............................................................. ٤٣

٥ ـ الأسوارية :.............................................................. ٤٤

٦ ـ الإسكافيّة :............................................................ ٤٤

٧ ـ الجعفرية :............................................................... ٤٤

٨ ـ البشريّة :............................................................... ٤٥

٩ ـ المرداريّة :............................................................... ٤٥

١٠ ـ الهشاميّة :............................................................. ٤٦

١١ ـ الصالحية :............................................................ ٤٦

١٢ ـ الحابطية :............................................................. ٤٧

١٣ ـ الحدثيّة :.............................................................. ٤٧

١٤ ـ المعمريّة :............................................................. ٤٨

١٥ ـ الثماميّة :............................................................. ٤٩

١٦ ـ الخيّاطية :............................................................. ٥٠

١٧ ـ الجاحظيّة :............................................................ ٥٠

١٨ ـ الكعبيّة :............................................................. ٥١

١٩ ـ الجبائيّة :.............................................................. ٥١

٢٠ ـ البهشميّة :............................................................ ٥٢

«الفرقة الثانية» من كبار الفرق الإسلامية : الشيعة.

وهم اثنتان وعشرون فرقة يكفر بعضهم بعضا أصولهم ثلاث فرق : غلاة ، وزيدية ، وإمامية : ٥٢ ـ ٧٠

أما الغلاة : فثمانية عشرة........................................................ ٥٢

١ ـ السبائية :.............................................................. ٥٣

٢ ـ الكاملية :.............................................................. ٥٣

٣ ـ البيانية :................................................................ ٥٣

٤ ـ المغيرية :................................................................ ٥٤

٥ ـ الجناحية :.............................................................. ٥٥

٦ ـ المنصورية :.............................................................. ٥٥

٧ ـ الخطابية :.............................................................. ٥٦

٨ ـ الغرابية :............................................................... ٥٧

٩ ـ الذمية :................................................................ ٥٧

١٠ ـ الهشامية :............................................................. ٥٨

١١ ـ الزرارية :.............................................................. ٥٩

١٢ ـ اليونسية :............................................................ ٥٩

١٣ ـ الشيطانية :........................................................... ٥٩

١٤ ـ الرزامية :.............................................................. ٦٠

١٥ ـ المفوضة :............................................................. ٦٠

١٦ ـ البدائية :............................................................. ٦٠

١٧ ـ النصيرية ، والإسحاقية :................................................ ٦١

١٨ ـ الإسماعيلية :.......................................................... ٦١

ولقبوا بسبعة ألقاب :

أ ـ لقبوا بالباطنية ؛ لقولهم بباطن الكتاب....................................... ٦١

ب ـ وبالقرامطة : لأن أولهم حمدان قرمط....................................... ٦٢

ج ـ وبالخرمية : لاباحتهم المحرمات والمحارم....................................... ٦٢

د ـ وبالسبعية : لأنهم زعموا أن النطقاء سبعة.................................... ٦٢

ه ـ وبالباكية : نسبة إلى بابك الخرمى.......................................... ٦٣

و ـ وبالمحمرة : للبسهم الحمرة فى أيام بابك...................................... ٦٣

ز ـ وبالإسماعيلية : لإثباتهم الإمامة لإسماعيل.................................... ٦٣

مراتب الدعوة عند الإسماعيلية

ثمانية مراتب :

المرتبة الثامنة منها هى السلخ وهو الخروج عن الاعتقاد الّذي هو قوام الدين.......... ٦٥

نماذج من تأويلاتهم.......................................................... ٦٥

مناقشة بعض أقوالهم......................................................... ٦٨

وأما الزيدية : فثلاث فرق.................................................... ٧٠

١ ـ الجارودية............................................................... ٧٠

٢ ـ السليمانية.............................................................. ٧١

٣ ـ البترية.................................................................. ٧١

الإمامية المطلقة................................................................. ٧١

الفرقة الثالثة من كبار الفرق الإسلامية : الخوارج وهم سبع فرق.................. ٧٣ ـ ٨٤

١ ـ المحكمة الأولى........................................................... ٧٣

٢ ـ البيهسيّة................................................................ ٧٤

٣ ـ الأزارقة................................................................. ٧٥

٤ ـ النجدات العاذريّة........................................................ ٧٦

٥ ـ الصفريّة................................................................ ٧٧

٦ ـ الإباضية................................................................ ٧٨

افترقوا إلى أربع فرق :...........................................................

الأولى : الحفصية............................................................ ٧٨

الثانية : اليزيدية............................................................. ٧٩

الثالثة الحارثية............................................................... ٧٩

الرابعة : القائلون بطاعة لا يراد بها الله.......................................... ٧٩

٧ ـ العجاردة......................................................................

وهم عشر فرق :............................................................... ٨٠

الأولى : الميمونيّة............................................................ ٨٠

الثانية : الحمزية............................................................. ٨١

الثالثة : الشعيبية............................................................ ٨١

الرابعة : الحازمية ، الخلفية الأطرافية............................................ ٨١

الخامسة : المعلومية.......................................................... ٨٢

السادسة : المجهولية.......................................................... ٨٢

السابعة : الصلتية........................................................... ٨٢

الثامنة : الثعالبة............................................................. ٨٢

وتفرق الثعالبة : إلى أربع فرق........................................................

الأولى : الأخنسية........................................................... ٨٣

الثانية : المعبديّة............................................................. ٨٣

الثالثة : الشيبانية............................................................ ٨٣

الرابعة : المكرميّة............................................................ ٨٣

الفرقة الرابعة من كبار الفرق الإسلامية : المرجئة..................................... ٨٤

وفرقهم خمس......................................................................

١ ـ اليونسية................................................................ ٨٥

٢ ـ العبيدية................................................................ ٨٥

٣ ـ الغسانية................................................................ ٨٦

٤ ـ الثوبانية................................................................ ٨٧

٥ ـ الثومنية................................................................. ٨٨

الفرقة الخامسة من كبار الفرق الإسلامية : النجارية.................................. ٨٩

وفرقهم ثلاث.....................................................................

الأولى : البرغوثية............................................................ ٩٠

الثانية : الزعفرانية........................................................... ٩٠

الثالثة : المستدركة........................................................... ٩٠

الفرقة السادسة من تلك الفرق الكبار : الجبرية..................................... ٩١

وتنقسم إلى جبرية خالصة.................................................... ٩١

وإلى جبرية متوسطة.......................................................... ٩١

الفرقة السابعة من كبار الفرق : المشبهة............................................ ٩٣

وطرقهم فى التشبيه متفاوتة ، وأقاويلهم فيه مختلفة...................................

فمنهم مشبهة غلاة الشيعة................................................... ٩٣

ومنهم مشبهة الحشوية....................................................... ٩٣

ومنهم مشبهة الكرامية....................................................... ٩٣

وأما الفرق الناجية المستثناة ؛ فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين أهل السنة والجماعة. ومذهبهم خال عن بدع هؤلاء         ٩٦

أسباب الحكم على الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة............................. ٩٨

أما القدرية فمن سبعة وجوه................................................... ٩٨

وأما الشيعة والخوارج فلتكفيرهم أعلام الصحابة.................................. ٩٩

وأما المشبهة : فمن وجوه ثلاثة................................................ ٩٩

والمختار إنما هو التفصيل..................................................... ٩٩

مناقشات الآمدي للآراء المختلفة............................................ ١٠٠

الفصل الخامس : فى أن الكفار هل هم معذورون أم لا :................................

وفى حكم المصيب فى الاعتقاد من غير دليل............................ ١٠٧ ـ ١١١

اتفق المسلمون على أن الكفار المعاندين مخلدون فى النار........................ ١٠٧

الآراء المختلفة............................................................. ١٠٧

حكم المصيبون فى الاعتقاد................................................. ١١٠

فإن كان مستندا إلى الدليل. فهم مسلمون مثابون بالاتفاق...................... ١١٠

أما المقلدون. فقد اختلف فيهم المتكلمون..................................... ١١٠

الفصل السادس : فى التوبة وأحكامها.................................... ١١٢ ـ ١١٥

التوبة فى اللغة............................................................. ١١٢

التوبة فى الشرع............................................................ ١١٢

آراء فى التوبة.............................................................. ١١٣

شروط التوبة.............................................................. ١١٣

رأى المعتزلة فى وجوب قبول التوبة والرد عليهم................................. ١١٤

هل التوبة طاعة؟.......................................................... ١١٥

القاعدة الثامنة : فى الإمامة ، ومن له الأمر بالمعروف

والنهى عن المنكر

وتشتمل على أصلين :................................................. ١١٧ ـ ٣٠٦

الأصل الأول : فى الإمامة...........................................................

ويشتمل على تسعة فصول.............................................. ١١٩ ـ ٢٩٥

الأول : فى أن إقامة الإمامة هل هى واجبة ، أم لا؟........................ ١٢١ ـ ١٣١

تعريف الإمامة............................................................. ١٢١

الاختلاف حول وجوب إقامة الإمام.......................................... ١٢١

الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا........................................ ١٢٣

الطرف الثانى : فى بيان امتناع الوجوب عقلا.................................. ١٣٠

الطرف الثالث : فى بيان امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى...................... ١٣٠

الفصل الثانى : فيما يثبت به كون الإمام إماما............................. ١٣٢ ـ ١٩٠

رأى الفرق بالإجمال........................................................ ١٣٢

إبطال قول الشيعة الزيدية................................................... ١٣٢

إبطال الآمدي لرأى الشيعة الاثنى عشرية..................................... ١٣٣

أدلة الشيعة على النص على الإمام وبطلان الاختيار........................... ١٣٧

وبيانه من جهة المعقول والمنقول.............................................. ١٣٧

أما من جهة المعقول فمن خمسة عشر وجها................................... ١٣٧

وأما من جهة المنقول....................................................... ١٤٠

أدلة الشيعة الاثنى عشرية على ثبوت النص الجلى على إمامة على رضي الله عنه.... ١٤١

أدلتهم على ثبوت النص الخفى على إمامة على رضي الله عنه................... ١٤١

أدلتهم على أن عليا رضي الله عنه أفضل الصحابة............................. ١٤٢

وبيان كونه أفضل الصحابة من ثمانية عشر وجها............................... ١٤٢

الأول :.................................................................. ١٤٢

الثانى والثالث والرابع....................................................... ١٤٣

الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع :................................... ١٤٤

العاشر والحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر :............................. ١٤٥

الرابع عشر :............................................................. ١٤٦

الخامس عشر والسادس عشر ، والسابع عشر :............................... ١٤٧

الثامن عشر :............................................................. ١٤٨

أدلة أخرى للشيعة على ثبوت النص فى إمامة على رضي الله عنه................. ١٤٨

رد الآمدي على الشيعة فى مسألة النص على الإمام............................ ١٥٧

رد الآمدي على الشيعة فى إبطال الاختيار.................................... ١٥٩

رد الآمدي عليهم فى مسألة النص الجلى على إمامة على رضي الله عنه وبيانه من ستة عشر وجها ١٦٤

رد الآمدي على حجج الشيعة فى أفضلية على رضي الله عنه على سائر الصحابة... ١٦٨

الدليل على أفضلية أبى بكر رضي الله عنه على سائر الصحابة. وبيانه من ثلاثة عشر وجها.     ١٧٥

الأول والثانى والثالث :..................................................... ١٧٥

الرابع ـ العاشر :........................................................... ١٧٦

الحادى عشر ـ الثالث عشر :............................................... ١٧٧

ردود أخرى على الشيعة.................................................... ١٧٧

كيفية عقد الإمامة......................................................... ١٨٨

الفصل الثالث : فى شروط الإمام........................................ ١٩١ ـ ٢٣٣

الشروط المتفق عليها ثمانية.................................................. ١٩١

الأول : أن يكون مجتهدا فى الأحكام الشرعية................................. ١٩١

الثانى : أن يكون بصيرا بأمور الحرب ، وترتيب الجيوش......................... ١٩١

الثالث : أن يكون قوى البأس ، وعظيم المراس................................ ١٩١

الرابع : أن يكون عاقلا ، مسلما ، عدلا ، ثقة ، ورعا.......................... ١٩٢

الخامس : أن يكون بالغا................................................... ١٩٢

السادس : أن يكون ذكرا................................................... ١٩٢

السابع : أن يكون حرا..................................................... ١٩٢

الثامن : أن يكون مطاع الأمر ، نافذ الحكم................................... ١٩٢

وأما الشروط المختلف فيها فستة.....................................................

الشرط الأول : القرشية..................................................... ١٩٢

الشرط الثانى : كون الإمام هاشميا............................................ ١٩٥

الشرط الثالث : أن يكون الإمام عالما بجميع مسائل الدين...................... ١٩٥

الشرط الرابع : كون الإمام أفضل الرعية...................................... ١٩٧

الشرط الخامس : اشترطت الغلاة من الشيعة أن يكون الإمام صاحب معجزات.... ١٩٨

الشرط السادس : العصمة.................................................. ١٩٨

رد الآمدي على اشتراط العصمة............................................. ١٩٩

احتج أهل الحق على عدم العصمة........................................... ١٩٩

بالإجماع.................................................................. ١٩٩

والإلزام................................................................... ١٩٩

الإلزام الأول : فمن خمسة أوجه وهو خاص بالإمام على رضي الله عنه............ ١٩٩

الإلزام الثانى : وهو خاص بالإمام الحسن رضي الله عنه.......................... ٢٠٢

الإلزام الثالث : وهو خاص بالإمام الحسين رضي الله عنه........................ ٢٠٣

الإلزام الرابع : وهو خاص بالمهدى رضي الله عنه............................... ٢٠٤

الإلزام الخامس :........................................................... ٢٠٥

أدلة الشيعة على عصمة الأئمة وردهم على خصومهم.......................... ٢٠٥

أدلة أخرى للشيعة على عصمة الأئمة........................................ ٢١٣

الرد على حجج الشيعة..................................................... ٢١٧

الفصل الرابع : فى إثبات إمامة إمام الأئمة أبى بكر الصديق................. ٢٣٤ ـ ٢٥٥

الدليل على إمامته رضي الله عنه............................................. ٢٣٤

طعن الشيعة الإمامية فى إمامة أبى بكر رضي الله عنه (من ثمانية أوجه)............ ٢٣٥

الوجه الأول : أنه كان ظالما................................................. ٢٣٥

الوجه الثانى : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يوله شيئا فى حال حياته......................... ٢٣٦

الوجه الثالث : أنه عليه‌السلام ـ عزله عن الإمامة بالناس............................. ٢٣٦

الوجه الرابع : أنه لم يكن معصوما. وشرط الإمام أن يكون معصوما.............. ٢٣٦

الوجه الخامس : أن شرط لإمام أن يكون أفضل الأمة.......................... ٢٣٧

الوجه السادس : أن شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة.......................... ٢٣٧

الوجه السابع : شكه فى استحقاقه للإمامة.................................... ٢٣٨

الوجه الثامن : ذم عمر له.................................................. ٢٣٨

رد الآمدي على مطاعن الشيعة.............................................. ٢٤٠

الرد على الوجه الأول...................................................... ٢٤٢

الرد على الوجه الثانى....................................................... ٢٤٨

الرد على الوجه الثالث..................................................... ٢٤٩

الرد على الوجه الرابع....................................................... ٢٥٠

الرد على الوجه الخامس..................................................... ٢٥١

الرد على الوجه السادس.................................................... ٢٥١

الرد على الوجه السابع..................................................... ٢٥٣

الرد على الوجه الثامن...................................................... ٢٥٣

الفصل الخامس : فى إثبات إمامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه............. ٢٥٦ ـ ٢٧٢

الدليل على إمامته رضي الله عنه............................................. ٢٥٦

مطاعن الشيعة فى إمامته رضي الله عنه........................................ ٢٥٧

أنه غير ما كان مشروعا ، وبدل كثيرا من السنة................................ ٢٥٧

كما كان جاهلا بالقرآن والشريعة وشاكا فى الإسلام وفى إسلامه نفسه................

أما أنه بدل وغير فمن ثلاثة عشر وجها...................................... ٢٥٧

وأما أنه كان جاهلا بالقرآن................................................. ٢٥٩

وأما أنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية فيدل عليه سبعة أمور.................... ٢٦٠

وأما أنه كان شاكا فى دين الإسلام........................................... ٢٦٢

وأما أنه كان شاكا فى إسلام نفسه........................................... ٢٦٢

ردالآمدي على هذه المطاعن ، وبيان أهلية عمر رضي الله عنه للإمامة..... ٢٦٣ ـ ٢٧٢

الفصل السادس : فى إثبات إمامة عثمان بن عفان رضي الله عنه............. ٢٧٣ ـ ٢٨٢

الدليل على إمامته رضي الله عنه............................................. ٢٧٣

مطاعن الشيعة فى إمامة عثمان رضي الله عنه وبيان عدم أهليته من اثنى عشروجها.. ٢٧٥

الوجه الأول : أنه آوى الحكم طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................. ٢٧٥

الوجه الثانى : أنه ضرب أبا ذر ، ونفاه إلى الزبدة.............................. ٢٧٦

الوجه الثالث : أنه أحرق المصاحف.......................................... ٢٧٦

الوجه الرابع : أنه ضرب ابن مسعود.......................................... ٢٧٦

الوجه الخامس : أنه ضرب عمار بن ياسر..................................... ٢٧٦

الوجه السادس : أنه ولى أقاربه.............................................. ٢٧٦

الوجه السابع : أنه ولى على المسلمين من لا يصلح للولاية...................... ٢٧٦

الوجه الثامن : أنه كان يبذر فى أموال بيت المال............................... ٢٧٧

الوجه التاسع : أنه كان مضيعا لحدود الله..................................... ٢٧٧

الوجه العاشر : أنه كاتب ابن أبى السرح سرا بخلاف ما ذكره جهرا............... ٢٧٧

الوجه الحادى عشر : أنه حمى لنفسه حمى.................................... ٢٧٧

الوجه الثانى عشر : خالف سنة الشيخين فى صعود المنبر........................ ٢٧٧

رد الآمدي على الشيعة ، وبيان أهلية عثمان رضي الله عنه للإمامة........ ٢٧٨ ـ ٢٨٢

الرد على الوجه الأول :.................................................... ٢٧٨

الرد على الوجه الثانى :..................................................... ٢٧٨

الرد على الوجه الثالث :................................................... ٢٧٩

الرد على الوجه الرابع :..................................................... ٢٧٩

الرد على الوجه الخامس :................................................... ٢٧٩

الرد على الوجه السادس :.................................................. ٢٨٠

الرد على الوجه السابع :................................................... ٢٨٠

الرد على الوجه الثامن :.................................................... ٢٨٠

الرد على الوجه التاسع :.................................................... ٢٨٠

الرد على الوجه العاشر :................................................... ٢٨١

الرد على الوجه الحادى عشر :.............................................. ٢٨١

الرد على الوجه الثانى عشر :................................................ ٢٨٢

الفصل السابع : فى إثبات إمامة على بن أبى طالب رضي الله عنه............ ٢٨٣ ـ ٢٨٨

الدليل على إمامته رضي الله عنه................................................ ٢٨٣

قول ابن عباس رضي الله عنه................................................... ٢٨٣

شبه الطاعنين فى إمامته رضي الله عنه وبيانها من وجهين......................... ٢٨٥

الأول : أنه مالأ على قتل عثمان رضي الله عنه................................ ٢٨٥

الثانى : أن الخوارج كفرته ؛ لأنه حكم الرجال ولم يحكم بكتاب الله............... ٢٨٥

رد الآمدي على هذه الشبه.......................................... ٢٨٦ ـ ٢٨٨

الرد على الوجه الأول :.................................................... ٢٨٦

الرد على الوجه الثانى :..................................................... ٢٨٧

الفصل الثامن : فى التفضيل............................................. ٢٨٩ ـ ٢٩٢

ذهب أهل السنة وأصحاب الحديث إلى أن أبا بكر أفضل من عمر ، وعمر أفضل من عثمان وعثمان أفضل من على (رضى الله عن الجميع)............................................................... ٢٨٩

وقال الروافض : على رضي الله عنه أفضل الصحابة............................ ٢٨٩

لا خلاف بين أهل الحق أن الأنبياء أفضل من الأئمة وسائر الأمة................ ٢٩٠

الفصل التاسع : فيما جرى بين الصحابة من الفتن والحروب................. ٢٩٣ ـ ٢٩٥

الأصل الثانى : فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر......................... ٢٩٧ ـ ٣٠٦

ويشتمل على فصلين :..........................................................

الفصل الأول : فى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر............ ٢٩٩ ـ ٣٠٢

الآراء المختلفة............................................................. ٢٩٩

وأما أنه واجب. فدليله الإجماع والنصوص.................................... ٣٠٠

أما الإجماع............................................................... ٣٠٠

وأما النصوص : فمن الكتاب والسنة......................................... ٣٠٠

أما الكتاب :............................................................. ٣٠٠

وأما السنة :.............................................................. ٣٠١

الفصل الثانى : فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ومن لا يجب عليه ٣٠٣ ـ ٣٠٦

وفيه قيود سبعة :...............................................................

الأول : أن يكون مكلّفا.................................................... ٣٠٣

الثان : أن يكون عالما...................................................... ٣٠٣

الثالث : أن يكون ما يأمر به واجبا.......................................... ٣٠٤

الرابع : أن يكون مقطوعا به................................................ ٣٠٤

الخامس : إذا لم يقم به غيره................................................ ٣٠٤

السادس : أن يرجى حصول ما أمر به ، وزوال ما نهى عنه...................... ٣٠٤

السابع : أن يكون من غير بحث وتجسس..................................... ٣٠٤

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ٥

المؤلف: أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]
الصفحات: 318
ISBN: 977-18-0328-x
  • «القاعدة السابعة»
  • فى الأسماء والأحكام
  • وتشتمل على ستة فصول : 5 ـ 115
  • الفصل الأول : فى تحقيق معنى الإيمان ، وأنه هل يقبل الزيادة والنقصان أم لا : 7 ـ 24
  • اتفق المسلمون على أن مفهوم لفظ الإيمان لا يخرج عن أعمال القلب ، والجوارح، وما تركب منهما :       7
  • الحق فى المسألة : 9
  • تعريف الإيمان فى اللغة : 9
  • تعريف الإيمان فى الشرع : 9
  • الإيمان مختص بالقلب بأدلة من الكتاب والسنة 10
  • لا نسلم استعمال الألفاظ العربية فى غير موضعها لغة ، ويدل على ذلك النص والإلزام 11
  • أما النص : فمن جهة الكتاب والسنة 11
  • وأما الإلزام : فمن خمسة عشر وجها 12
  • آراء المخالفين والرد عليهم 15
  • الآراء المختلفة فى زيادة الإيمان ونقصانه 22
  • الحق فى ذلك : 23
  • الفصل الثانى : فى تحقيق معنى الكفر شرعا 25 ـ 28
  • الكفر فى اللغة 25
  • وأما فى اصطلاح المتكلمين 25
  • رأى المعتزلة والخوارج 25
  • الرد عليهم 26
  • الأقرب فى ذلك 28
  • الفصل الثالث : فى أن العاصى من أهل القبلة هل هو كافر ، أم لا؟ 29 ـ 36
  • رأى المرجئة 29
  • رأى الخوارج 29
  • رأى المعتزلة 30
  • رأى الأشاعرة 30
  • الرد على المرجئة 30
  • الرد على الخوارج والمعتزلة 31
  • الفصل الرابع : فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ 37 ـ 106
  • المسلمون قبل ظهور الفرق 37
  • نماذج من الاختلافات التى استطاع المسلمون التغلب عليها 37
  • اشتد الخلاف وتشعب حتى تفرق المسلمون إلى ثلاث وسبعين فرقة 39
  • كبار الفرق الإسلامية ثمانية :
  • المعتزلة ، والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة والفرق الناجية 40
  • الفرقة الأولى : المعتزلة 40
  • افترقوا إلى عشرين فرقة
  • 1 ـ الواصلية : 41
  • 2 ـ العمروية : 42
  • 3 ـ الهذلية : 42
  • 4 ـ النظامية : 43
  • 5 ـ الأسوارية : 44
  • 6 ـ الإسكافيّة : 44
  • 7 ـ الجعفرية : 44
  • 8 ـ البشريّة : 45
  • 9 ـ المرداريّة : 45
  • 10 ـ الهشاميّة : 46
  • 11 ـ الصالحية : 46
  • 12 ـ الحابطية : 47
  • 13 ـ الحدثيّة : 47
  • 14 ـ المعمريّة : 48
  • 15 ـ الثماميّة : 49
  • 16 ـ الخيّاطية : 50
  • 17 ـ الجاحظيّة : 50
  • 18 ـ الكعبيّة : 51
  • 19 ـ الجبائيّة : 51
  • 20 ـ البهشميّة : 52
  • «الفرقة الثانية» من كبار الفرق الإسلامية : الشيعة
  • وهم اثنتان وعشرون فرقة يكفر بعضهم بعضا أصولهم ثلاث فرق : غلاة ، وزيدية ، وإمامية : 52 ـ 70
  • أما الغلاة : فثمانية عشرة 52
  • 1 ـ السبائية : 53
  • 2 ـ الكاملية : 53
  • 3 ـ البيانية : 53
  • 4 ـ المغيرية : 54
  • 5 ـ الجناحية : 55
  • 6 ـ المنصورية : 55
  • 7 ـ الخطابية : 56
  • 8 ـ الغرابية : 57
  • 9 ـ الذمية : 57
  • 10 ـ الهشامية : 58
  • 11 ـ الزرارية : 59
  • 12 ـ اليونسية : 59
  • 13 ـ الشيطانية : 59
  • 14 ـ الرزامية : 60
  • 15 ـ المفوضة : 60
  • 16 ـ البدائية : 60
  • 17 ـ النصيرية ، والإسحاقية : 61
  • 18 ـ الإسماعيلية : 61
  • ولقبوا بسبعة ألقاب :
  • أ ـ لقبوا بالباطنية ؛ لقولهم بباطن الكتاب 61
  • ب ـ وبالقرامطة : لأن أولهم حمدان قرمط 62
  • ج ـ وبالخرمية : لاباحتهم المحرمات والمحارم 62
  • د ـ وبالسبعية : لأنهم زعموا أن النطقاء سبعة 62
  • ه ـ وبالباكية : نسبة إلى بابك الخرمى 63
  • و ـ وبالمحمرة : للبسهم الحمرة فى أيام بابك 63
  • ز ـ وبالإسماعيلية : لإثباتهم الإمامة لإسماعيل 63
  • مراتب الدعوة عند الإسماعيلية
  • ثمانية مراتب :
  • المرتبة الثامنة منها هى السلخ وهو الخروج عن الاعتقاد الّذي هو قوام الدين 65
  • نماذج من تأويلاتهم 65
  • مناقشة بعض أقوالهم 68
  • وأما الزيدية : فثلاث فرق 70
  • 1 ـ الجارودية 70
  • 2 ـ السليمانية 71
  • 3 ـ البترية 71
  • الإمامية المطلقة 71
  • الفرقة الثالثة من كبار الفرق الإسلامية : الخوارج وهم سبع فرق 73 ـ 84
  • 1 ـ المحكمة الأولى 73
  • 2 ـ البيهسيّة 74
  • 3 ـ الأزارقة 75
  • 4 ـ النجدات العاذريّة 76
  • 5 ـ الصفريّة 77
  • 6 ـ الإباضية 78
  • افترقوا إلى أربع فرق :
  • الأولى : الحفصية 78
  • الثانية : اليزيدية 79
  • الثالثة الحارثية 79
  • الرابعة : القائلون بطاعة لا يراد بها الله 79
  • 7 ـ العجاردة
  • وهم عشر فرق : 80
  • الأولى : الميمونيّة 80
  • الثانية : الحمزية 81
  • الثالثة : الشعيبية 81
  • الرابعة : الحازمية ، الخلفية الأطرافية 81
  • الخامسة : المعلومية 82
  • السادسة : المجهولية 82
  • السابعة : الصلتية 82
  • الثامنة : الثعالبة 82
  • وتفرق الثعالبة : إلى أربع فرق
  • الأولى : الأخنسية 83
  • الثانية : المعبديّة 83
  • الثالثة : الشيبانية 83
  • الرابعة : المكرميّة 83
  • الفرقة الرابعة من كبار الفرق الإسلامية : المرجئة 84
  • وفرقهم خمس
  • 1 ـ اليونسية 85
  • 2 ـ العبيدية 85
  • 3 ـ الغسانية 86
  • 4 ـ الثوبانية 87
  • 5 ـ الثومنية 88
  • الفرقة الخامسة من كبار الفرق الإسلامية : النجارية 89
  • وفرقهم ثلاث
  • الأولى : البرغوثية 90
  • الثانية : الزعفرانية 90
  • الثالثة : المستدركة 90
  • الفرقة السادسة من تلك الفرق الكبار : الجبرية 91
  • وتنقسم إلى جبرية خالصة 91
  • وإلى جبرية متوسطة 91
  • الفرقة السابعة من كبار الفرق : المشبهة 93
  • وطرقهم فى التشبيه متفاوتة ، وأقاويلهم فيه مختلفة
  • فمنهم مشبهة غلاة الشيعة 93
  • ومنهم مشبهة الحشوية 93
  • ومنهم مشبهة الكرامية 93
  • وأما الفرق الناجية المستثناة ؛ فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين أهل السنة والجماعة. ومذهبهم خال عن بدع هؤلاء         96
  • أسباب الحكم على الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة 98
  • أما القدرية فمن سبعة وجوه 98
  • وأما الشيعة والخوارج فلتكفيرهم أعلام الصحابة 99
  • وأما المشبهة : فمن وجوه ثلاثة 99
  • والمختار إنما هو التفصيل 99
  • مناقشات الآمدي للآراء المختلفة 100
  • الفصل الخامس : فى أن الكفار هل هم معذورون أم لا :
  • وفى حكم المصيب فى الاعتقاد من غير دليل 107 ـ 111
  • اتفق المسلمون على أن الكفار المعاندين مخلدون فى النار 107
  • الآراء المختلفة 107
  • حكم المصيبون فى الاعتقاد 110
  • فإن كان مستندا إلى الدليل. فهم مسلمون مثابون بالاتفاق 110
  • أما المقلدون. فقد اختلف فيهم المتكلمون 110
  • الفصل السادس : فى التوبة وأحكامها 112 ـ 115
  • التوبة فى اللغة 112
  • التوبة فى الشرع 112
  • آراء فى التوبة 113
  • شروط التوبة 113
  • رأى المعتزلة فى وجوب قبول التوبة والرد عليهم 114
  • هل التوبة طاعة؟ 115
  • القاعدة الثامنة : فى الإمامة ، ومن له الأمر بالمعروف
  • والنهى عن المنكر
  • وتشتمل على أصلين : 117 ـ 306
  • الأصل الأول : فى الإمامة
  • ويشتمل على تسعة فصول 119 ـ 295
  • الأول : فى أن إقامة الإمامة هل هى واجبة ، أم لا؟ 121 ـ 131
  • تعريف الإمامة 121
  • الاختلاف حول وجوب إقامة الإمام 121
  • الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا 123
  • الطرف الثانى : فى بيان امتناع الوجوب عقلا 130
  • الطرف الثالث : فى بيان امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى 130
  • الفصل الثانى : فيما يثبت به كون الإمام إماما 132 ـ 190
  • رأى الفرق بالإجمال 132
  • إبطال قول الشيعة الزيدية 132
  • إبطال الآمدي لرأى الشيعة الاثنى عشرية 133
  • أدلة الشيعة على النص على الإمام وبطلان الاختيار 137
  • وبيانه من جهة المعقول والمنقول 137
  • أما من جهة المعقول فمن خمسة عشر وجها 137
  • وأما من جهة المنقول 140
  • أدلة الشيعة الاثنى عشرية على ثبوت النص الجلى على إمامة على رضي الله عنه 141
  • أدلتهم على ثبوت النص الخفى على إمامة على رضي الله عنه 141
  • أدلتهم على أن عليا رضي الله عنه أفضل الصحابة 142
  • وبيان كونه أفضل الصحابة من ثمانية عشر وجها 142
  • الأول : 142
  • الثانى والثالث والرابع 143
  • الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع : 144
  • العاشر والحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر : 145
  • الرابع عشر : 146
  • الخامس عشر والسادس عشر ، والسابع عشر : 147
  • الثامن عشر : 148
  • أدلة أخرى للشيعة على ثبوت النص فى إمامة على رضي الله عنه 148
  • رد الآمدي على الشيعة فى مسألة النص على الإمام 157
  • رد الآمدي على الشيعة فى إبطال الاختيار 159
  • رد الآمدي عليهم فى مسألة النص الجلى على إمامة على رضي الله عنه وبيانه من ستة عشر وجها 164
  • رد الآمدي على حجج الشيعة فى أفضلية على رضي الله عنه على سائر الصحابة... 168
  • الدليل على أفضلية أبى بكر رضي الله عنه على سائر الصحابة. وبيانه من ثلاثة عشر وجها.     175
  • الأول والثانى والثالث : 175
  • الرابع ـ العاشر : 176
  • الحادى عشر ـ الثالث عشر : 177
  • ردود أخرى على الشيعة 177
  • كيفية عقد الإمامة 188
  • الفصل الثالث : فى شروط الإمام 191 ـ 233
  • الشروط المتفق عليها ثمانية 191
  • الأول : أن يكون مجتهدا فى الأحكام الشرعية 191
  • الثانى : أن يكون بصيرا بأمور الحرب ، وترتيب الجيوش 191
  • الثالث : أن يكون قوى البأس ، وعظيم المراس 191
  • الرابع : أن يكون عاقلا ، مسلما ، عدلا ، ثقة ، ورعا 192
  • الخامس : أن يكون بالغا 192
  • السادس : أن يكون ذكرا 192
  • السابع : أن يكون حرا 192
  • الثامن : أن يكون مطاع الأمر ، نافذ الحكم 192
  • وأما الشروط المختلف فيها فستة
  • الشرط الأول : القرشية 192
  • الشرط الثانى : كون الإمام هاشميا 195
  • الشرط الثالث : أن يكون الإمام عالما بجميع مسائل الدين 195
  • الشرط الرابع : كون الإمام أفضل الرعية 197
  • الشرط الخامس : اشترطت الغلاة من الشيعة أن يكون الإمام صاحب معجزات 198
  • الشرط السادس : العصمة 198
  • رد الآمدي على اشتراط العصمة 199
  • احتج أهل الحق على عدم العصمة 199
  • بالإجماع 199
  • والإلزام 199
  • الإلزام الأول : فمن خمسة أوجه وهو خاص بالإمام على رضي الله عنه 199
  • الإلزام الثانى : وهو خاص بالإمام الحسن رضي الله عنه 202
  • الإلزام الثالث : وهو خاص بالإمام الحسين رضي الله عنه 203
  • الإلزام الرابع : وهو خاص بالمهدى رضي الله عنه 204
  • الإلزام الخامس : 205
  • أدلة الشيعة على عصمة الأئمة وردهم على خصومهم 205
  • أدلة أخرى للشيعة على عصمة الأئمة 213
  • الرد على حجج الشيعة 217
  • الفصل الرابع : فى إثبات إمامة إمام الأئمة أبى بكر الصديق 234 ـ 255
  • الدليل على إمامته رضي الله عنه 234
  • طعن الشيعة الإمامية فى إمامة أبى بكر رضي الله عنه (من ثمانية أوجه) 235
  • الوجه الأول : أنه كان ظالما 235
  • الوجه الثانى : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يوله شيئا فى حال حياته 236
  • الوجه الثالث : أنه عليه‌السلام ـ عزله عن الإمامة بالناس 236
  • الوجه الرابع : أنه لم يكن معصوما. وشرط الإمام أن يكون معصوما 236
  • الوجه الخامس : أن شرط لإمام أن يكون أفضل الأمة 237
  • الوجه السادس : أن شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة 237
  • الوجه السابع : شكه فى استحقاقه للإمامة 238
  • الوجه الثامن : ذم عمر له 238
  • رد الآمدي على مطاعن الشيعة 240
  • الرد على الوجه الأول 242
  • الرد على الوجه الثانى 248
  • الرد على الوجه الثالث 249
  • الرد على الوجه الرابع 250
  • الرد على الوجه الخامس 251
  • الرد على الوجه السادس 251
  • الرد على الوجه السابع 253
  • الرد على الوجه الثامن 253
  • الفصل الخامس : فى إثبات إمامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه 256 ـ 272
  • الدليل على إمامته رضي الله عنه 256
  • مطاعن الشيعة فى إمامته رضي الله عنه 257
  • أنه غير ما كان مشروعا ، وبدل كثيرا من السنة 257
  • كما كان جاهلا بالقرآن والشريعة وشاكا فى الإسلام وفى إسلامه نفسه
  • أما أنه بدل وغير فمن ثلاثة عشر وجها 257
  • وأما أنه كان جاهلا بالقرآن 259
  • وأما أنه كان جاهلا بالأحكام الشرعية فيدل عليه سبعة أمور 260
  • وأما أنه كان شاكا فى دين الإسلام 262
  • وأما أنه كان شاكا فى إسلام نفسه 262
  • ردالآمدي على هذه المطاعن ، وبيان أهلية عمر رضي الله عنه للإمامة 263 ـ 272
  • الفصل السادس : فى إثبات إمامة عثمان بن عفان رضي الله عنه 273 ـ 282
  • الدليل على إمامته رضي الله عنه 273
  • مطاعن الشيعة فى إمامة عثمان رضي الله عنه وبيان عدم أهليته من اثنى عشروجها.. 275
  • الوجه الأول : أنه آوى الحكم طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم 275
  • الوجه الثانى : أنه ضرب أبا ذر ، ونفاه إلى الزبدة 276
  • الوجه الثالث : أنه أحرق المصاحف 276
  • الوجه الرابع : أنه ضرب ابن مسعود 276
  • الوجه الخامس : أنه ضرب عمار بن ياسر 276
  • الوجه السادس : أنه ولى أقاربه 276
  • الوجه السابع : أنه ولى على المسلمين من لا يصلح للولاية 276
  • الوجه الثامن : أنه كان يبذر فى أموال بيت المال 277
  • الوجه التاسع : أنه كان مضيعا لحدود الله 277
  • الوجه العاشر : أنه كاتب ابن أبى السرح سرا بخلاف ما ذكره جهرا 277
  • الوجه الحادى عشر : أنه حمى لنفسه حمى 277
  • الوجه الثانى عشر : خالف سنة الشيخين فى صعود المنبر 277
  • رد الآمدي على الشيعة ، وبيان أهلية عثمان رضي الله عنه للإمامة 278 ـ 282
  • الرد على الوجه الأول : 278
  • الرد على الوجه الثانى : 278
  • الرد على الوجه الثالث : 279
  • الرد على الوجه الرابع : 279
  • الرد على الوجه الخامس : 279
  • الرد على الوجه السادس : 280
  • الرد على الوجه السابع : 280
  • الرد على الوجه الثامن : 280
  • الرد على الوجه التاسع : 280
  • الرد على الوجه العاشر : 281
  • الرد على الوجه الحادى عشر : 281
  • الرد على الوجه الثانى عشر : 282
  • الفصل السابع : فى إثبات إمامة على بن أبى طالب رضي الله عنه 283 ـ 288
  • الدليل على إمامته رضي الله عنه 283
  • قول ابن عباس رضي الله عنه 283
  • شبه الطاعنين فى إمامته رضي الله عنه وبيانها من وجهين 285
  • الأول : أنه مالأ على قتل عثمان رضي الله عنه 285
  • الثانى : أن الخوارج كفرته ؛ لأنه حكم الرجال ولم يحكم بكتاب الله 285
  • رد الآمدي على هذه الشبه 286 ـ 288
  • الرد على الوجه الأول : 286
  • الرد على الوجه الثانى : 287
  • الفصل الثامن : فى التفضيل 289 ـ 292
  • ذهب أهل السنة وأصحاب الحديث إلى أن أبا بكر أفضل من عمر ، وعمر أفضل من عثمان وعثمان أفضل من على (رضى الله عن الجميع) 289
  • وقال الروافض : على رضي الله عنه أفضل الصحابة 289
  • لا خلاف بين أهل الحق أن الأنبياء أفضل من الأئمة وسائر الأمة 290
  • الفصل التاسع : فيما جرى بين الصحابة من الفتن والحروب 293 ـ 295
  • الأصل الثانى : فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر 297 ـ 306
  • ويشتمل على فصلين :
  • الفصل الأول : فى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر 299 ـ 302
  • الآراء المختلفة 299
  • وأما أنه واجب. فدليله الإجماع والنصوص 300
  • أما الإجماع 300
  • وأما النصوص : فمن الكتاب والسنة 300
  • أما الكتاب : 300
  • وأما السنة : 301
  • الفصل الثانى : فيمن يجب عليه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ومن لا يجب عليه 303 ـ 306
  • وفيه قيود سبعة :
  • الأول : أن يكون مكلّفا 303
  • الثان : أن يكون عالما 303
  • الثالث : أن يكون ما يأمر به واجبا 304
  • الرابع : أن يكون مقطوعا به 304
  • الخامس : إذا لم يقم به غيره 304
  • السادس : أن يرجى حصول ما أمر به ، وزوال ما نهى عنه 304
  • السابع : أن يكون من غير بحث وتجسس 304