بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الناشر

لقد دأبت «دار الكتاب العربي» ، في مسيرتها الطويلة ، مع تحقيق ونشر الدرر من كنوز التراث العربي الإسلامي ، على تقديم أهم المصادر الإسلامية الأساسية ، التي لا غنى عنها للباحثين والمثقفين.

وهي إذ تواصل مسيرتها بثبات وتصميم ، رغم كل ما يعترض صناعة الكتاب ، طباعة ونشرا ، وتوزيعا ، وتسويقا ، من عقبات وصعاب في الظروف العصبية التي تمر بها هذه الصناعة في لبنان ، والتي لا تخفى على أحد في عالمنا المعاصر ، فإن «دار الكتاب العربي» تفخر بأن تقدم للمكتبة العربية الإسلامية هذه الدرة النفيسة المتمثلة بكتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» ، وهو أهم وأضخم ما صنفه الحافظ المؤرخ الثقة «شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالذهبي» ، والذي تفرعت منه أكثر مؤلفاته الأخرى.

ولقد كان تحقيق هذه الموسوعة ونشرها ، حلما كبيرا يراود مؤسس هذه الدار ـ رحمه الله ـ لعدة سنوات ، وكتب الله تعالى له أن يضع اللبنة الأولى في هذا المشروع الضخم ، ولم يقيض له أن يشهد نتاجه ، ولكن أسرة الدار لم تفرط بحمل هذه الأمانة ، بل واصلت العزم على تجسيد الحلم إلى حقيقة ، فكان إخراج هذا الجزء باكورة هذا المشروع الكبير الذي أحجمت كبريات الهيئات الفكرية ، والمؤسسات الثقافية ، والمجامع العلمية ، بله وزارات التربية


والتعليم ، عن تبنيه وتحقيقه ونشره.

وسوف يعقب هذا الجزء أجزاء أخرى ، تصدر تباعا محققة كلها تحقيقا علميا ، تصدى لها أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية الدكتور عمر عبد السلام تدمري ، فعني بتحقيقها وضبط نصوصها ، وتخريج أحاديثها ، وأحال إلى المصادر والمراجع المختلفة ، وصنع فهارسها المتنوعة ، وهو عمل قمين بأن يجد ترحيبا من أهل العلم والفكر.

وأسرة الدار إذ تشرف بإصدار هذا السفر الثمين ، للمؤرخ الذهبي ، فإنها تحمد الله تعالى على فضله ، وتهدي هذا العمل إلى روح فقيدها وعميدها المؤسس «حسن إيراني» ، وعسى أن يضاف هذا الإنجاز إلى مآثره السالفة في إحياء التراث الإسلامي ، فيثاب عليه ويؤجر خير الجزاء ، وأن يكتب هذا العمل صدقة جارية في صحائفه.

وآخر دعوانا : أن الحمد لله رب العالمين.

دار الكتاب العربي


مقدمة التحقيق

إن الحمد لله ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه ، من بعثه في الأميين رسولا ، وجاهد في الله حق جهاده.

وبعد :

فيعتبر كتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» أهم من صنفه الحافظ المؤرخ الثقة شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ، المولود بدمشق في الثالث من شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٣ ه‍. والمتوفى بها ليلة الثالث من شهر ذي القعدة سنة ٧٤٨ ه‍. كما يعتبر كتابه هذا من أهم كتب الموسوعية الضخمة التي صنفها المؤرخون المسلمون ، وهو كتاب تاريخ وتراجم معا ، وبهذا يختلف عن الموسوعة الضخمة الأخرى للمصنف ، المعروفة ب‍ «سير أعلام النبلاء».

وأجدني لست بحاجة إلى التعريف بالحافظ المؤرخ الذهبي ، فهو أشهر من أن يعرف ، ولن أزيد في هذا المجال على ما كتبه الصديق البحاثة الأستاد الدكتور بشار عواد معروف في تقديمه ل‍ «سير أعلام النبلاء» ، وقد كفانا المحقق الفاضل أيضا مؤونة البحث في المنهج الذي اتبعه الذهبي في تدوين «تاريخ الإسلام» ، وذلك ببحثه القيم عن «الذهبي ومنهجه في تاريخ


الإسلام» والذي كان موضوع رسالته التي نال عليها درجة الدكتوراه.

وإذا كان لي ما أقوله في هذا المقدمة المتواضعة ، فإنني أود التنويه ببعض النقاط التي أراها أساسية ، وهي :

إن «تاريخ الإسلام» يتفوق على «سير أعلام النبلاء» بالكمية الهائلة التي يحتوي عليها من التراجم ، فضلا عن أنه يتميز بذكر الأحداث الحولية. وإذا كانت التراجم في كتاب «السير» تقتصر على «الأعلام النبلاء» ـ كما نص المؤلف على ذلك في عنوانه ـ فإن التراجم في «تاريخ الإسلام» لا تقتصر على «المشاهير والأعلام» كما يقول العنوان ، وإنما تضم رجالا غير مشاهير ، بل إن البعض منهم يعتبرون من المجاهيل.

وهذا ، مع الإشارة إلى أن الذهبي ، لم يترجم للخلفاء الراشدين الأربعة ـ رضوان الله عليهم ـ في «سير أعلام النبلاء» ، وهم أشهر المشاهير ، بينما أفرد لهم جزءا خاصا في «تاريخ الإسلام».

وبالمقارنة بين «تاريخ الإسلام» وكتابي «تاريخ بغداد» ، و «تاريخ دمشق» ، وغيرهما من كتب الرجال ، نجد «الذهبي» يتفرد في «تاريخ الإسلام» بتراجم لأعلام لا نجد ذكرا لهم عند غيره ، مما يعني أنه وقف على أسانيد ورسائل مشيخات لم يسبقه إليها «الخطيب البغدادي» ولا «ابن عساكر الدمشقي» ولا غيرهما ممن عني بالسير والتراجم ، رغم تقدم عصرهم.

وهناك ميزة أخرى عند «الذهبي» لا نجدها عند «الخطيب» و «ابن عساكر» وهي إشارته إلى روايات الصحابة ، والتابعين ، وتابعي التابعين في كتب الصحاح بالرموز التي اعتمدها عند أول كل ترجمة.

* * *


أما عن تقديم «المغازي» على «السيرة النبوية» ، فهذا يرجع إلى المنهجية التي انتهجها «الذهبي» في تأليف «تاريخ الإسلام» ، قبل أن يترجم له ويؤرخ وفاته ، أو يتناول سيرته الذاتية. ومن هذا المنطلق في المنهجية ، فقد قدم «مغازي النبي» على «الترجمة النبوية» ، ولذا كانت «المغازي» في الجزء الأول ، و «السيرة النبوية» في الجزء الثاني ، ثم سيرة الخلفاء الراشدين ، في الجزء الثالث ...

ومما تجدر الإشارة إليه ، أن الأجزاء الأوائل من «تاريخ الإسلام» تعتبر أقل الأجزاء كمية للتراجم ، وقد أوضح «الذهبي» هذه الظاهرة في حوادث السنة الأولى للهجرة ، حيث يقول :

«... والسبب في قلة من توفي في هذا العام وما بعده من السنين ، أن المسلمين كانوا قليلين بالنسبة إلى من بعدهم ، فغن الإسلام لم يكن إلا ببعض الحجاز ، أو من هاجر إلى الحبشة. وفي خلافة عمر ـ بل وقبلها ـ انتشر الإسلام في الأقاليم ، فبهذا يظهر لك سبب قلة من توفي في صدر الإسلام ، وسبب كثرة من توفي في زمان التابعين ممن بعدهم».

* * *

وقد اعتمدت في تحقيق هذا الجزء على النسخ المخطوطة التالية :

١ ـ نسخة مكتبة أياصوفيا.

٢ ـ نسخة حيدر آباد ، رقم (٣٠٠٥) تاريخ.

٣ ـ نسخة الأمير عبد الله الفيصل المنقولة عن نسخة دار الكتب المصرية رقم ٤٢ تاريخ.


وقد اتخذت من نسخة مكتبة أياصوفيا أصلا اعتمدت عليه في التحقيق لأنها بخط المؤلف ـ رحمه الله ـ وقد أشرت في الحواشي إلى نسخة حيدر آباد بحرف «ح» ، وإلى نسخة الأمير عبد الله بحرف «ع».

كما استعنت ب‍ «مختصر تاريخ الإسلام» لابن الملا ، معتمدا على نسخة مخطوطة بالمكتبة الأحمدية بحلب ، ذات الرقم (١٢١٩).

وكان الباحث «حسام الدين القدسي» ـ رحمه الله ـ قد حقق «المغازي» معتمدا على النسخ المذكورة أعلاه ، ونشرها في سنة (١٣٦٧ ه‍ / ١٩٤٧ م) ، وجاء تحقيقه «لا جيدا ولا رديئا» ـ كما يقول الدكتور بشار عواد معروف ، في دراسته عن «الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام».

ولا أخفي أنني استعنت بالجزء المطبوع الذي يسر لي مؤونة العودة إلى الأصول المخطوطة ، كما استفدت من تعليقات «القدسي» في الحواشي ، فأبقيت أغلبها ، وزدت على بعضها في التعليق ، زيادة في التوضيح ، وأضفت حواشي جديدة لا بد منها ليأتي التحقيق أقرب إلى الكمال ـ وليس هو الكمال مطلقا ـ فهذا أمر لا أدعيه. وقد عملت جهدي في تصويب بعض الأخطاء والأوهام التي وقعت في طبعه «القدسي» ، ونبهت إليها في الحواشي. وهذا ما فعلته أيضا بالنسبة للجزء الذي حققه الدكتور «محمد عبد الهادي شعيرة» من «المغازي» ونشره باعتباره «القسم الأول ـ الجزء الأول» وينتهي ب‍ «المغازي» ونشره باعتباره «القسم الأول ـ الجزء الأول» وينتهي ب‍ «موت أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية» في حوادث سنة ست.

وقد أبقيت في المتن على ترقيم أوراق نسخة الأصل المخطوطة في أياصوفيا ، مع التنبيه إلى أن هناك نقصا في هذه النسخة ، عملت على استدراكه من نسختي حيدر آباد والأمير عبد الله ، ومن «مختصر» ابن الملا أيضا.


وأضفت أحيانا بعض العبارات على الأصل ، نقلا عن مصادر أخرى ، مثل «المغازي» لعروة ، أو «المغازي» للواقدي ، أو «سيرة ابن هشام» ، أو «تاريخ الطبري» ، أو «السيرة النبوية» لابن كثير ، وغيره ، ووضعت الإضافة بين حاصرتين [] ، أما الآيات القرآنية فهي بين هلالين كبيرين = ، وقمت بضبط وتحريك الكثير من أسماء الأعلام ، ومن المفردات التي يستشكل في قراءتها ، مع شرح معاني الألفاظ التي يغمض فهمهما ، في الحواشي.

وقد قمت بصناعة فهارس متنوعة للقسمين تيسر للباحثين سهولة العودة إلى الكثير من المعلومات التي ينشدها ، فصنعت فهارس للآيات القرآنية الكريمة ، والأحاديث النبوية الشريفة ، والأشعار والأراجيز ، والأعوام والأيام ، والأمم والقبائل والطوائف ، والمصطلحات والألفاظ اللغوية ، والأماكن والبلدان ، وأعلام الرجال والنساء. وبعد هذه المقدمة سوف أضع ثبا بالمصادر التي رجعت إليها واعتمدتها في التحقيق.

راجيا من الله أن يتقبل عملي هذا ، وأن يعصمني من الكبر والزهو ، وله الحمد أولا وآخرا.

عمر عبد السلام تدمري

طرابلس الشام ٢٢ من رجب الفرد ١٤٠٦ ه‍.

أول نيسان (أبريل) ١٩٨٦ م



المصادر والمراجع

المعتمدة في تحقيق هذا الجزء

القرآن الكريم

أ

(١) أحوال الرجال ـ للجوزجاني

(٢) أخبار مكة ـ للأزرقي

(٣) الأخبار الموفقيات ـ للزبير بن بكار

(٤) الأدب المفرد ـ للبخاري

(٥) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

(٦) الاستيعاب لمعرفة الأصحاب ـ لابن عبد البر

(٧) أسد الغابة في معرفة الصحابة ـ لابن الأثير

(٨) الاشتقاق ـ لابن دريد.

(٩) الإصابة في تمييز الصحابة ـ لابن حجر العسقلاني
(١٠) الأعلام ـ لخير الدين الزركلي

(١١) إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين ـ لابن طولون الدمشقي

(١٢) الأغاني ـ لأبي الفرج الأصبهاني

(١٣) الإكمال ـ للأمير ابن ماكولا

(١٤) إمتاع الأسماع للمقريزي

(١٥) الأنساب ـ لابن السمعاني

(١٦) أنساب الأشراف ـ للبلاذري.

ب

(١٧) البداية والنهاية ـ لابن كثير الدمشقي.

ت

(١٨) تاج العروس ـ للزبيدي.

(١٩) تاريخ بغداد ـ للخطيب البغدادي.

(٢٠) تاريخ التراث العربي ـ لفؤاد سزكين.

(٢١) تاريخ خليفة ـ لخليفة بن خياط.

(٢٢) تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس ـ للديار بكري.

(٢٣) تاريخ دمشق ـ لابن عساكر الدمشقي ، نسخة مخطوطة بالظاهرة.

ونسخة مخطوطة بالخزانة التيمورية.

الجزء العاشر بتحقيق محمد أحمد دهمان


(٢٤) تاريخ الرسل والملوك ـ لابن جرير الطبري.

(٢٥) التاريخ الكبير ـ للبخاري.

(٢٦) تاريخ اليعقوبي ـ لابن واضح اليعقوبي.

(٢٧) تبصير المنتبه بتحرير المشتبه ـ لابن حجر العسقلاني.

(٢٨) تذكرة الحفاظ ـ للحافظ الذهبي.

(٢٩) تسمية أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأبي عبيدة بن المثنى.

(٣٠) تعجيل المنفعة ـ لابن حجر العسقلاني.

(٣١) تفسير القرآن الكريم ـ لابن كثير الدمشقي.

(٣٢) تلخيص المستدرك على الصحيحين ـ للحافظ الذهبي.

(٣٣) تهذيب الأسماء واللغات ـ للإمام النووي.

(٣٤) تهذيب التاريخ الكبير (تاريخ دمشق ٩ ـ للشيخ عبد القادر بدران.

(٣٥) تهذيب التهذيب ـ لابن حجر العسقلاني.

(٣٦) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ـ للحافظ المزي.

ج

(٣٧) جامع الأصول في أحاديث الرسول ـ لابن الأثير.

(٣٨) الجامع الصحيح ـ للراوندي.

(٣٩) الجرح والتعديل ـ لابن أبي حاتم الرازي.

(٤٠) جمهرة أنساب العرب ـ لابن حزم الأندلسي.

(٤١) جوامع السيرة ـ لابن حزم الأندلسي.


ح

(٤٢) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ـ لأبي نعيم الأصبهاني.

خ

(٤٣) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ـ لبعد القادر البغدادي.

د

(٤٤) الدرر في المغازي والسير ـ لابن عبد البر.

(٤٥) دلائل النبوة ـ للبيهقي.

(٤٦) ديوان حسان بن ثابت.

(٤٧) ديوان عبد الله بن رواحة.

(٤٨) ديوان قيس بن الخطيم.

ذ

(٤٩) الذيل على طبقات الحنابلة ـ لابن رجب البغدادي الحنبلي.

ر

(٥٠) الرسالة المستطرفة ـ للكتاني.

(٥١) الروض الأنف ـ للسهيلي.

ز

(٥٢) زاد المعاد في هدي خير العباد ـ لابن قيم الجوزية.

(٥٣) الزاهر ـ للأنباري.


س

(٥٤) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ـ للصالحي الدمشقي.

(٥٥) السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين ـ لمحب الدين الطبري.

(٥٦) السنن ـ لابن ماجة.

(٥٧) السنن ـ لأبي داود.

(٥٨) السنن ـ للنسائي.

(٥٩) السنن الكبرى ـ للبيهقي.

(٦٠) سير أعلام النبلاء ـ للحافظ الذهبي.

(٦١) السير والمغازي ـ لابن إسحاق.

(٦٢) السيرة الحلبية ـ لابن حميدة الحلبي.

(٦٣) السيرة النبوية ـ لابن كثير الدمشقي.

(٦٤) السيرة النبوية ـ لابن هشام.

ش

(٦٥) شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ لابن العماد الحنبلي.

(٦٦) شرح المفضليات.

(٦٧) شرح المواهب اللدنية ـ للزرقاني.

(٦٨) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ـ للقاضي الفاسي المكي (بتحقيقنا).

(٦٩) الشمائل ـ للترمذي.

ص

(٧٠) الصحيح ـ لابن حبان.

(٧١) الصحيح ـ للبخاري.

(٧٢) الصحيح لمسلم.

(٧٣) صفة الصفوة ـ لابن الجوزي.


ض

(٧٤) الضعفاء الكبير ـ للعقيلي.

(٧٥) الضعفاء والمتروكين ـ للدارقطني.

(٧٦) الضعفاء والمتروكين ـ للنسائي.

ط

(٧٧) طبقات الشعراء ـ لابن سلام.

(٧٨) طبقات الصوفية ـ لعبد الرحمن السلمي.

(٧٩) طبقات فحول الشعراء ـ لابن المعتز.

(٨٠) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد الكاتب.

ع

(٨١) العبر في خبر من غبر ـ للحافظ الذهبي.

(٨٢) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ـ للقاضي الفاسي المكي.

(٨٣) عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ـ لابن سيد الناس.

(٨٤) عيون التواريخ ـ لابن شاكر الكتبي.

ف

(٨٥) فتح الباري شرح صحيح البخاري ـ لابن حجر العسقلاني.

(٨٦) فتوح البلدان ـ للبلاذري.

(٨٧) الفوائد العوالي المؤرخة من الصحاح والغرائب ـ للقاضي التنوخي ـ بتخريج الحافظ الصوري ـ (بتحقيقنا).

(٨٨) فوات الوفيات ـ لابن شاكر الكتبي.


ق

(٨٩) القاموس المحيط ـ للفيروزآبادي.

ك

(٩٠) الكامل في ضعفاء الرجال ـ لابن عدي.

(٩١) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ـ للمتقي الهندي البرهافوري.

ل

(٩٢) اللباب في تهذيب الأنساب ـ لابن الأثير.

(٩٣) لسان العرب ـ لابن منظور.

(٩٤) اللؤلؤ والمرجان ـ لمحمد فؤاد عبد الباقي.

م

(٩٥) المجروحين ـ لابن حبان.

(٩٦) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ للهيثمي.

(٩٧) المحبر ـ لابن حبيب البغدادي.

(٩٩) المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم النيسابوري.

(٩٩) المسند ـ للإمام أحمد بن حنبل.

(١٠٠) المسند ـ للبزاز.

(١٠١) المسند ـ للحميدي.

(١٠٢) مشاهير علماء الأمصار ـ لابن حبان البستي.


(١٠٣) المشتبه في أسماء الرجال ـ للحافظ الذهبي.

(١٠٤) المصنف ـ لعبد الرزاق.

(١٠٥) المعارف ـ لابن قتيبة الدينوري.

(١٠٦) معالم التنزيل ـ للبغوي.

(١٠٧) معجم البلدان ـ لياقوت الحموي.

(١٠٨) معجم الشعراء ـ للمرزباني.

(١٠٩) معجم الشعراء في لسان العرب ـ للدكتور ياسين الأيوبي.

(١١٠) معجم الشيوخ ـ لابن جميع الصيداوي. (بتحقيقنا)

(١١١) معجم قبائل العرب ـ لكحالة.

(١١٢) المعجم الكبير ـ للطبراني.

(١١٣) معجم ما استعجم ـ للبكري.

(١١٤) المعرفة والتاريخ ـ للفسوي.

(١١٥) المغازي ـ لعروة.

(١١٦) المغازي ـ للواقدي.

(١١٧) المغانم المطابقة في معالم طابة ـ لحمد الجاسر.

(١١٨) المغني في الضعفاء ـ للحافظ الذهبي.

(١١٩) مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ للواسطي.

(١٢٠) منحة المعبود ـ للطيالسي.

(١٢١) الموطأ ـ للإمام مالك.

(١٢٢) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ للحافظ الذهبي.

ن

(١٢٣) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ـ لابن تغري بردي.

(١٢٤) نسب قريش ـ لمصنف الزبيري.


(١٢٥) نهاية الأرب في فنون الأدب ، لشهاب الدين النويري.

(١٢٦) نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ـ للآلوسي.

(١٢٧) النهاية في غريب الحديث ـ لابن الأثير.

و

(١٢٨) الوافي بالوفيات ـ للصفدي.

(١٢٩) الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلفاء الراشدين ـ للدكتور محمد حميد الله.

(١٣٠) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ـ للسمهودي.



بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي(١)

قال الشيخ الإمام العالم العامل النّاقد البارع الحافظ الحجّة شمس الدين أبو عبد الله محمد(٢) بن أحمد بن عثمان الذهبيّ رحمه الله تعالى وأدام النّفع به وغفر له ولوالديه(٣):

الحمد لله موّفق من توكل عليه(٤) ، القيّوم الذي ملكوت كلّ شيء بيديه ، حمداً طيّباً مباركاً فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله رحمةً للعالمين وخاتماً للنّبيّين وحرزاً للأميّين وإماماً للمتّقين بأوضح دليل وأفصح تنزيل وأفسح سبيل

__________________

(١) في نسخة حيدر أباد (ربّنا أفرغ علينا صبراً)

(٢) «محمد» غير موجود في طبعة شعيرة ـ ص ٦٦.

(٣) الفقرة كلها لم ترد في نسخة حيدر أباد.

(٤) العبارة من أولها ناقصة في طبعة شعيرة ـ ص ٦٦.

(٥) في الاصل من نسخة أيا صوفيا ، ونسخة حيدر أباد ، وطبعة شعيرة «للآمنين».

وفي طبعة القدسي ١/١ «للأميّين» قال في الحاشية رقم (٣) إنّ صحته من نصّ حديث عبد الله بن عمرو بن عمرو بن العاص عن صفة النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلم في التوراة ، وقد أخرجه البخاري في صحيحه في =


وأيسر (٦) تبيان (١) وأبدع (٣) برهان. اللهمّ آته الوسيلة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه الأوّلون والآخرون ، صلّى (٤) الله عليه وعلى آله الطّيبين وصحابته المجاهدين وأزواجه أمّهات المؤمنين.

أما بعد فهذا كتاب نافع إن شاء الله ، ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع ، جمعته وتعبت عليه واستخرجته (٥) من عدّة تصانيف ، يعرف به الإنسان مهمّ ما مضى من التّاريخ ، من أوّل تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا من وفيات الكبار من الخلفاء [والأمراء](٦) والقرّاء والزّهاد والفقهاء والمحدّثين والعلماء والسّلاطين والوزراء والنّحاة والشّعراء ، ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم بأخصر عبارة وألخص لفظ ، وما تمّ من الفتوحات المشهورة والملاحم (٧) المذكورة والعجائب المسطورة ، من غير تطويل [ولا إكثار] (٩) ولا استيعاب ، ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم ، وأترك المجهولين ومن يشبههم ، وأشير إلى الوقائع الكبار ، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلّدة (١٠) بل أكثر ، لأنّ فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلّداً.

__________________

= كتاب البيوع ، باب كراهية السخب في السوق. وفي كتاب التفسير] باب سورة الفتح.

والأميّون : العرب ، أو غير اليهود. وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى.

(١) في طبعة شعيرة ٦٦ «آنس».

(٢) في نسخة حيدر أباد «بيان».

(٣) في نسخة حيدر أباد «أبهر» وفي طبعة شعيرة «آية».

(٤) في نسخة حيدر أباد «صلّ».

(٥) في نسخة حيدر أباد «خرجته».

(٦) في نسخة حيدر أباد.

(٧) في نسخة أيا صوفيا «الماراحم».

(٨) في نسحة حيدر أباد «المنظورة» وفي طبعة شعيرة «المشهورة».

(٩) ما بين الحاضربين زيادة من نسخة حيدر أباد.

(١٠) في نسخة حيدر أباد «مجلّد».
وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنّفات كثيرة. ومادّته من :

«دلائل النُّبُوَّة» للبيهقي (١).

و «سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم» لابن إسحاق (٢).

و «مغازيه» لابن عائذ الكاتب.

و «الطبقات الكبرى» لمحمد بن سعد كاتب (٣) الواقدي (٤)

و «تاريخ» أبي عبد الله البخاري (٥).

وبعض «تاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خَيْثَمة».

وتاريخ يعقوب الفسوي (٦).

وتاريخ محمد بن المثَّنى العَنزيّ (٧) ؛ وهو صغير.

وتاريخ أبي حفص الفلّاس.

وتاريخ الواقدي (٨).

وتاريخ الهيثم بن عديّ.

وتاريخ خليفة بن خيّاط (٩).

والطبقات له (١٠).

__________________

(١) وهو مطبوع.

(٢) طبع بعنوان «السير والمغازي».

(٣) في الأصل «الكاتب».

(٤) الكتاب مطبوع وفيه نقص.

(٥) مطبوع بعنوان «التاريخ الكبير».

(٦) في نسخة حيدر أباد : «وبعض تاريخ يعقوب بن سفيان» واسم الكتاب «المعرفة والتاريخ» مطبوع.

(٧) هو محمد بن عبيد بن قيس ، أبو موسى العنزي ، محدّث خافظ من أهل البصرة ، قال الخطيب : كان ثقة ثبتاً. زار بغداد وقاد الى البصرة فتوفي فيها.

(٨) له «المغازي» وهو مطبوع ، وينسب إليه ، كتاب «فتوح الشام» ، وهو مطبوع أيضاً.

(٩) مطبوع ..

(١٠) مطبوع.


وتاريخ أبي زرعة الدمشقي (١).

والفتوح لسيف بن عمر.

وكتاب النّسب للزّبير بن بكّار.

والمسند للإمام (٢) أحمد (٣).

وتاريخ المفضّل بن غسّان الغلاّبي (٤).

والجرح والتعديل عن يحيى بن معين (٥).

والجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم (٦).

ومن عليه رمز فهو في الكتب السّتّة أبو بعضها ، لأنّني طالعت مسودّة تهذيب الكمال (٧) لشيخنا الحافظ أبي الحجّاج يوسف المزّي ، ثم طالعت المبيضّة كلّها.

فمن على اسمه ع فحديثه الستّة.

ومن عليه فهو في السّنن الأربعة.

ومن عليه (خ) فهو في البخاري.

ومن عليه (م) ففي مسلم.

ومن عليه (د) ففي سنن أبي داود.

ومن عليه (ت) ففي جامع الترمذي.

__________________

(١) مطبوع.

(٢) من هنا تبدأ نسخة الأمير عبد الله.

(٣) مطبوع.

(٤) في اللباب ٢/٣٩٥ «بفتح الغبن وبعدها لام ألف مخفّفة ...» نسبة إلى غلاب. وفي تاج العروس ٣/٤٩٣ ونقل الدكتور شعيرة ص ٦٨ الحاشية (٤) بتشديد اللام عن اللباب ، وهو وهم. وأثبت «الفضل» بدل «المفضّل» وهو وهم أيضاً ، أنظر تاج العروس.

(٥) له كتاب «التاريخ» وهو مطبوع.

(٦) مطبوع.

(٧) يقوم بتحقيقه الصديق البحّثة الدكتور بشّار عوّاد معروف وقد صدر منه عدّة أجزاء عن مؤسّسة الرسالة بيروت.


ومن عليه (ن) ففي سنن النّسائي.

ومن عليه (ق) ففي سنن ابن ماجة. وإن كان الرجل في الكتب إلاّ فرد كتاب فعليه سوى ت مثلاً أو سوى (د) (١).

وقد طالعت أيضاً عليه من التواريخ التي اختصرتها : تاريخ أبي عبد الله الحاكم.

وتاريخ أبي سعيد بن يونس.

وتاريخ أبي بكر الخطيب.

وتاريخ دمشق لأبي القاسم الحافظ.

وتاريخ أبي سعد بن السّمعانيّ.

والأنساب له.

وتاريخ القاضي شمس الدين بن خلّكان.

وتاريخ العلاّمة شهاب الدين أبي شامة.

وتاريخ الشيخ قطب الدين بن اليونيني ، وتاريخه ذيل على تاريخ مرآة الزمان للواعظ شمس الدين يوسف [سبط] (٢) ابن الجوزي وهما على الحوادث والسّنين.

وطالعت أيضاً كثيراً من : تاريخ الطبري (٣).

وتاريخ ابن الأثير (٤).

وتاريخ ابن الفرضيّ (٥).

__________________

(١) تكرّرت بعدها في نسخة حيدر أباد كلمة (مثلاً).

(٢) سقطت من النسخ الثلاث ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) هو باسم «تاريخ الرسل والملوك ، مطبوع.

(٤) هو باسم «الكامل في التاريخ» مطبوع.

(٥) هو باسم «تاريخ علماء الأندلس«مطبوع.


وصلته لابن بشكوال (١).

وتكملتها لابن الأبّار (٢).

والكامل لابن عديّ (٣).

وكتباً كثيرة وأجزاء عديدة ، وكثيراً من : مرآة الزمان.

ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي ، بل اتّكلوا على حفظهم ، فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصّحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعيّ ، فكتبنا أسماءهم على الطّبقات تقريباً ، ثم اعتنى المتأخّرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم ، حتى ضبطوا جماعةً فيهم جهالة بالنّسبة إلى معرفتنا لهم ، فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين. وأيضاً فإن عدّة بلدان لم يقع إلينا تواريخها (٥) إمّا لكونها لم يؤرّخ علماءها أحد من الحفّاظ ، أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا.

وأنا أرغب إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب ، وأن يغفر لجامعه (٦) وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين.

* * *

__________________

(١) مطبوع.

(٢) مطبوع باسم «صلة الصلة».

(٣) مطبوع باسم «الكامل في ضعفاء الرجال».

(٤) في نسخة الأمير عبد الله «قديم» وهو خطأ.

(٥) في الأصل (أنوارها) وفي طبعة شعيرة ٧٠ «أخبارها».

(٦) هذا دعاء جامع مخلص ، فيه تواضع العلماء.


بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم

السنة الأولى من الهجرة

روى البخاري في صحيحه (١) من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أن المسلمين بالمدينة سمعوا بمخرج (٢) رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانوا يغدون إلى الحرة (٣) ينتظرونه ، حتى يردهم حر الشمس ، فانقلبوا يوماً ، فأوفى يهودي على أطم (٤) فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين (٥) يزول بهم السراب (٦) ، فأخبرني عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير رضي الله عنه في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام فكسا الزبير رضي الله عنه رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض.

__________________

(١) باب هجرة النّبي صلّى عليه وآله وسلم وأصحابة إلى المدينة ج ٤/٢٥٧.

(٢) في طبعة شعيرة ٧١ «مخرج».

(٣) الحرة : الجمع : الحرّات الأحرون والحرار والحرّون. قال الأصمعي «الحرة الأرض التي ألبستها الحجارة السّود ...» ، والحرات كثيرة ، (أنظر : معجم البلدان ومعجم ما استعجم للبكري) وهي هنا : أرض بظاهر المدينة المشرفة ، تحت واقم ، ولذا تعرف بحرة واقم بها حجارة سود كبيرة ، وبها كانت وقعة الحرة من أشهر الوقائع في الإسلام في ذي الحجة سنة ٦٣ ه. (تاج العروس ١٠/٥٧٩ ، ٥٨٠)

(٤) الاطم : بضمتين. القصر وكل حصن مبني بحجارة وكل بيت مربّعٍ مسطّح. والجمع : آطام واطوم وآطام (القاموس المحيط ٤/٧٥).

(٥) مبيضين : أي يلبسون الثياب البيض.

(٦) أي يختفي السّراب عن النظر بسبب عروضهم له. (الشرح على البخاري ٤/٢٥٧ بالحاشية).


قال : فلم يملك اليهوديُّ أن صاح ، يا مَعْشَر العرب ن هذا جدّكُمُ (١) الذي تنتظرون (٢). فثار المسلمون إلى السّلاح. فتلقّوه بظهر الحرّة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف (٣) يوم الإثنين من ربيع الأول. فقام أبو بكر للنّاس فطفق من لم يعرف رسول الله على الله عليه وآله وسلم يسلم على أبي بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم. [٤ أ] ، فاقبل أبو بكر يظلّه بردائه ، فعرف الناس عيد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة ، وأسس مسجدهم. ثم ركب راحلته وسار حوله النّاس يمشون ن حتى بركت به مكان المسجد ، وهو يصلّي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين. وكان مربداً (٤) لسهل وسهيل. فدعاهما فساومهما بالمربد ليتّخذه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله. ثم بناه مسجداً ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ، ثم بناه مسجداً ، وكان ينقل اللّبن معهم ويقول :

هذا الحمال ، لا حمال (٥) خيبر

هذا أبرُّ ـ ربّنا ـ ,أطهر (٦)

ويقول :

اللهم إنّ الأجر أجر الآخره

فارحم الأنصار والمهاجره (٧)

 __________________

(١) جدّكم : أي حظكم وصاحب دولتكم.

(٢) في نسخة الأمير عبد الله ، طبعة شعيرة «تنظروه».

(٣) منازل بني عمرو بقباء ن وهي على فرسخ من المسجد النبويّ على الله عليه وآله وسلم. أفاده العيني. (شرح البخاري).

(٤) المربد : كل شيء حبست به الإبل والغنم ، والجرين الذي يوضع فيه التمر بعد الجداد لييبس.

قال سيبويه : هو إسم كالمطبخ. وقال الجوهري : المربد للتمر كالبيدر للحنطة. (تاج العروس ٨/٨٢.

(٥) الحمال : بالكسر ، جمع حمل (بالفتح) وهو تمر الشجر ، قال في (تاج العروس): ومنه الحديث «هذا الحمال لا حمال خيبر» يعني تمر الجنّة وأنّه لا ينقد. وفي صحيح البخاري ٤/٢٥٨ والسيرة النبوية لابن كثير ٢/٣٠٤ «حمال» بضم اللام ، وهو غلط.

(٦) صحيح البخاري ٤/٢٥٨ ، الكبقات الكبرى لابن سعد ١/٢٤٠ ، السيرة لابن كثير ٢/٣٠٤.

(٧) القول في صحيح البخاري ٤/٢٥٨ ويروي:

«اللهم لا خير إلّا خير الآخره

فانصر الأنصار والمهاجره


وخرّج البخاريّ من حديث أبي إسحاق عن البراء حديث الهجرة بطوله (١).

وخرّج من حديث عبد العزيز بن صهيب أن أنس رضي‌الله‌عنه قال : أقبل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر. وأبو بكر شيخ يعرف ، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شابّ لا يعرف ، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول : من هذا بين يديك؟ فيقول : رجل يهديني الطّريق ، وإنّما يعني طريق الخير.

إلى أن قال : فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جانب الحرّة ، ثم بعث إلى الأنصار ، فجاءوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسلّموا عليهما ، وقالوا : اركبا آمنين مطاعين. فركبا ، وحفّوا دونهما بالسّلاح. فقيل في المدينة : جاء نبيّ الله ، [جاء نبيّ الله] (٢) ، فأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيّوب رضي‌الله‌عنه ، وذكر الحديث (٣).

وروينا بإسناد حسن ، عن أبي البدّاح بن عاصم بن عديّ ، عن أبيه قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة [ليلة] (٤) خلت من ربيع الأوّل ، فأقام في المدينة عشر سنين.

وقال محمد بن إسحاق (٥) : فقدم ضحى يوم الإثنين لاثنتي عشرة

__________________

= (الطبقات الكبرى ١ / ٢٤٠) ويروى :

«لا عيش إلّا عيش الآخرة

اللهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة»

(سيرة ابن هشام ٢ / ٢٣٨) وتهذيب السيرة ١٢١ ويروى :

«اللهمّ لا عيش إلّا عيش الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرين»

(نهاية الأرب للنويري ١٦ / ٣٤٤) وانظر السيرة لابن كثير.

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٥٤ ـ ٢٥٨ كتاب الفضائل ، باب هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٢) زيادة من ع ، ح. ومن صحيح البخاري ٤ / ٢٦٠.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٥٩ ـ ٢٦١ كتاب الفضائل ، باب هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٤) ليست في الأصل ، وزدناها من ع. ح.

(٥) الطبقات الكبرى ١ / ٢٣٥ ، ٢٣٦.


[ليلة] (١) خلت من ربيع الأول ، فأقام في بني عمرو بن (٢) عوف ، فيما قيل ، يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، ثم ظعن يوم الجمعة ، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلّاها بمن معه. وكان [مكان] (٣) المسجد ، فيما قال موسى بن عقبة مربدا لغلامين يتيمين ، وهما سهل وسهيل ابنا رافع بن عمرو بن بني النّجّار (٤) ، وكانا في حجر أسعد بن زرارة.

وقال ابن إسحاق (٥) : كان المربد لسهل وسهيل ابني عمرو ، وكانا في حجر معاذ بن عفراء.

وغلط ابن مندة فقال : كان لسهل وسهيل ابني بيضاء ، وإنّما ابنا بيضاء من المهاجرين.

وأسّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إقامته ببني عمرو بن عوف مسجد قباء (٦). وصلّى الجمعة في بني سالم في بطن الوادي (٧). فخرج معه رجال منهم : وهم العبّاس بن عبادة ، وعتبان بن مالك ، فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم فيهم ، فقال : خلّوا النّاقة فإنّها مأمورة. وسار والأنصار حوله حتى أتى بني

__________________

(١) ليست في الأصل ، وزدناها من ع. ح.

(٢) في طبعة القدسي ١ / ٩ «بني» والتصويب من الطبقات الكبرى وسيرة ابن هشام ٢ / ٢٣٧.

(٣) زيادة على الأصل.

(٤) في الأصل : «رافع بن عمرو النجار» والتصحيح من نسختي الأمير عبد الله وحيدرآباد.

(سنرمز بعد الآن إلى نسخة الأمير ب ـ «ع» والثانية ب ـ «ح»).

(٥) الطبقات الكبرى ١ / ٢٣٩.

(٦) قباء : أصله اسم بئر هناك عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار (معجم البلدان ٤ / ٣٠١).

(٧) في سيرة ابن هشام (٢ / ٢٣٧) إنه وادي رانوناء. ويقول ياقوت (٣ / ١٩) : وهذا لم أجده في غير كتاب ابن إسحاق الّذي لخّصه ابن هشام. وكلّ يقول : صلّى بهم في بطن الوادي في بني سالم. وانظر : سبل الهدى والرشاد للصالحي ٣ / ٣٨٧.


بياضة ، فتلقّاه زياد بن لبيد ، وفروة بن عمرو ، فدعوه إلى النّزول فيهم ، فقال : دعوها فإنّها مأمورة. فأتى دور بني عديّ بن النّجّار ، وهم أخوال عبد المطلب (١) ، فتلقّاه سليط بن قيس ، ورجال من بني عديّ ، فدعوه إلى النّزول والبقاء عندهم ، فقال : دعوها فإنّها [٤ ب] مأمورة. ومشى حتى أتى دور بني مالك بن النّجّار ، فبركت النّاقة في موضع المسجد ، وهو مربد تمر لغلامين يتيمين. وكان فيه نخل وحرث وخرب ، وقبور للمشركين. فلم ينزل عن ظهرها ، فقامت ومشت قليلا ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يهيّجها ، ثم التفتت فكرّت إلى مكانها وبركت فيه ، فنزل عنها. فأخذ أبو أيّوب الأنصاريّ رحلها فحمله إلى داره. ونزل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيت من دار أبي أيّوب. فلم يزل ساكنا عند أبي أيّوب حتى بنى مسجده وحجره في المربد. وكان قد طلب شراءه فأبت بنو النّجّار من بيعه ، وبذلوه لله وعوّضوا اليتيمين. فأمر بالقبور فنبشت ، وبالخرب فسوّيت. وبنى عضادتيه (٢) بالحجارة ، وجعل سواريه (٣) من جذوع النّخل ، وسقفه بالجريد. وعمل فيه المسلمون حسبة.

فمات أبو أمامة أسعد بن زرارة الأنصاريّ تلك الأيام بالذّبحة (٤). وكان من سادة الأنصار ومن نقبائهم الأبرار. ووجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجدا لموته ، وكان قد كواه. ولم يجعل على بني النّجّار بعده نقيبا وقال : أنا نقيبكم. فكانوا يفخرون بذلك.

وكانت يثرب لم تمصّر ، وإنّما كانت قرى مفرّقة : بنو مالك بن النّجّار في قرية ، وهي مثل المحلّة ، وهي دار بني فلان. كما في الحديث : «خير

__________________

(١) قال ابن هشام ٢ / ٢٣٨ «وهم أخواله دنيا ـ أمّ عبد المطّلب سلمى بنت عمرو».

(٢) العضادة : من الطريق ، الناحية ، وأعضاد البيت : نواحيه. (تاج العروس ٨ / ٣٨٣ ، ٣٨٤).

(٣) السارية : الأسطوانة من حجر أو آجرّ.

(٤) الذبحة : داء يأخذ في الحلق وربّما قتل ، أو قرحة تظهر فيه فينسدّ معها وينقطع النّفس فيقتل.

يقال : أخذته الذّبحة. (تاج العروس ٦ / ٣٧٢).


دور الأنصار دار بني النّجّار»(١).

وكان بنو عديّ بن النّجّار لهم دار ، وبنو مازن بن النّجّار كذلك ، وبنو سالم كذلك ، وبنو ساعدة كذلك ، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك ، وبنو عمرو بن عوف كذلك ، وبنو عبد الأشهل كذلك ، وسائر بطون الأنصار كذلك.

قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وفي كلّ دور الأنصار خير» (٢).

وأمر عليه‌السلام بأن تبنى المساجد في الدّور. فالدّار ـ كما قلنا ـ هي القرية. ودار بني عوف هي قباء. فوقع بناء مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بني مالك بن النّجّار ، وكانت قرية صغيرة.

وخرّج البخاري (٣) من حديث أنس رضي‌الله‌عنه أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل في بني عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة. ثم أرسل إلى بني النّجّار فجاءوا.

وآخى في هذه المدّة بين المهاجرين والأنصار. ثم فرضت الزكاة. وأسلم الحبر عبد الله بن سلام ، وأناس من اليهود ، [وكفر سائر اليهود] (٤).

* * *

قصّة إسلام ابن سلام

قال عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، قال : جاء

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢٢٤ : كتاب الفضائل ، باب فضل دور الأنصار.

(٢) صحيح البخاري : الموضع السابق.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٦٣ : كتاب الفضائل : باب مقدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه المدينة.

(٤) زيادة من «ح». وأوردها ابن الملّا في المنتقى بلفظ «وكفر سائرهم».


عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنّك رسول الله حقّا. ولقد علمت يهود أنّي سيّدهم وابن سيّدهم ، وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي أسلمت. فأرسل إليهم فأتوا ، فقال لهم : يا معشر يهود ، ويلكم اتّقوا الله ، فو الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله فأسلموا. قالوا : ما نعلمه ، فأعاد (١) ذلك عليهم ثلاثا. ثم قال : فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام (٢)؟ قالوا : ذلك سيّدنا وابن سيّدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال : أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا : حاش [لله] (٣) ، ما كان ليسلم. قال :[٥ أ] يا بن سلام اخرج عليهم. فخرج عليهم ، فقال : ويلكم اتّقوا الله ، فو الّذي لا إله إلّا هو (٤) إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله حقّا ، قالوا : كذبت. فأخرجهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرجه البخاريّ بأطول منه (٥).

وأخرج من حديث حميد عن أنس رضي‌الله‌عنه ، قال : سمع عبد الله ابن سلام بقدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو في أرض ، فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ : ما أول أشراط السّاعة؟ وما أول طعام أهل الجنّة؟ وما ينزع الولد (٦) إلى أبيه أو إلى أمّه؟ قال : أخبرني بهنّ جبريل آنفا. قال : ذاك عدوّ اليهود من الملائكة. قال : ثم قرأ (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (٧). أمّا أوّل أشراط السّاعة ، فنار تخرج

__________________

(١) في «ع» : (فإنّما ردّ) تحريف.

(٢) في سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٧ «الحصين بن سلام».

(٣) سقطت من الأصل. وزدناها من ع ، ح. والسيرة النبويّة لابن كثير ٢ / ٢٩٥.

(٤) في الأصل ، ع : (إلّا الله) وأثبتنا نص ح والبخاري وعن ابن كثير : «فو الله الّذي لا إله إلّا هو».

(٥) صحيح البخاري ٤ / ٢٥٢ : كتاب الفضائل ، باب هجرة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٦) في ع : وما أول ما ينزع الولد إلى أبيه ، ونصّ البخاري «وما بال الولد ينزع». (انظر السيرة لابن كثير ٢ / ٢٩٦).

(٧) سورة البقرة : من الآية ٩٧.


على النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أول طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت. وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه ، وإذا سبق ماء المرأة (١) نزع إلى أمّه. فتشهّد وقال : إنّ اليهود قوم بهت (٢) ، وإنّهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عنّي بهتوني. فجاءوا ، فقال : أيّ رجل عبد الله فيكم؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيّدنا وابن سيّدنا. قال : أرأيتم إن أسلم؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك. فخرج فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله. فقالوا : شرّنا وابن شرّنا ، وتنقّصوه. قال : هذا الّذي كنت أخاف يا رسول الله (٣).

وقال عوف الأعرابيّ ، عن زرارة بن أوفى ، عن عبد الله بن سلام قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة انجفل النّاس قبله ، قالوا : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فجئت لأنظر ، فلما رأيته عرفت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب. فكان أول شيء سمعته منه أن قال : يا أيّها النّاس ، أطعموا الطّعام ، وأفشوا السّلام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا باللّيل والنّاس نيام ، تدخلوا الجنّة بسلام. صحيح (٤).

وروى أسباط بن نصر ، عن السّدّي ، عن أبي مالك ، وأبي صالح ، عن ابن عبّاس ، وعن مرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٥) ، قال : كانت العرب تمرّ باليهود فيؤذونهم. وكانوا يجدون محمّدا في التّوراة ،

__________________

(١) في ع : وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ... (انظر ابن كثير ٢ / ٢٩٦).

(٢) البهت : الكذب.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٦٠ ، ٢٦١ : كتاب الفضائل ، باب في إسلام عبد الله بن سلام.

(٤) المسند لأحمد بن حنبل (٥ / ٤٥١) وسنن الترمذي (٢ / ٧٩).

(٥) سورة البقرة : من الآية ٨٩.


فيسألون الله أن يبعثه فيقاتلون معه العرب. فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل.

* * *

قصّة بناء المسجد

قال أبو التّيّاح (١) ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ملأ بني النّجّار فجاءوا ، فقال : يا بني النّجّار ، ثامنوني بحائطكم هذا (٢). قالوا : لا والله ، لا نطلب ثمنه إلّا إلى الله. فكان فيه ما أقول لكم : كان (٣) فيه قبور المشركين ، وكان فيه خرب ونخل (٤). فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبور المشركين فنبشت ، وبالخرب فسوّيت ، وبالنّخل فقطع. فصفّوا النّخل قبلة [المسجد] (٥) ، وجعلوا عضادتيه حجارة ، وجعلوا ينقلون [ذاك] (٦) الصّخر ، وهم يرتجزون ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم ، ويقولون :

اللهمّ [إنّه] (٧) لا خير إلّا خير الآخرة فانصر [٥ ب] الأنصار والمهاجرة.

متّفق عليه (٨). وفي رواية : فاغفر للأنصار.

__________________

(١) هو يزيد بن حميد الضّبعي.

(٢)ثامنوني بحائطكم ، وقد وردت في موضع آخر من «صحيح البخاري» ٤ / ٢٦٦ : «ثامنوني حائطكم» ، أي اجعلوا له ثمنا. أو سوموني ، كما في شرح البخاري.

(٣) في صحيح البخاري «كانت».

(٤) في صحيح البخاري : «وكان فيه نخل».

(٥) زيادة من صحيح البخاري.

(٦) زيادة من صحيح البخاري.

(٧) زيادة من صحيح البخاري.

(٨) البخاري ٤ / ٢٦٦ كتاب الفضائل ، باب مقدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه المدينة ، ومسلم (٥٢٤) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب ابتناء مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، في قصّة بناء المسجد : فطفق هو وأصحابه ينقلون اللّبن ، ويقول وهو ينقل اللّبن معهم :

هذا الحمال ، لا حمال خيبر

هذا أبرّ ـ ربّنا ـ وأطهر

ويقول :

اللهمّ لا خير الآخرة (١)

فارحم الأنصار والمهاجرة

قال ابن شهاب : فتمثّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعشر رجل من المسلمين لم يسمّ في الحديث. ولم يبلغني في الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تمثّل ببيت شعر غير هذه الأبيات.

ذكره البخاري في صحيحه (٢).

وقال صالح بن كيسان : ثنا نافع أنّ عبد الله أخبره أنّ المسجد كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مبنيّا باللّبن ، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النّخل. فلم يزد فيه أبو بكر شيئا. وزاد فيه عمر ، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باللّبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا. وغيّره عثمان ، فزاد فيه زيادة كبيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة (٣) ، وجعل عمده من حجارة منقوشة ، وسقفه بالسّاج (٤). أخرجه البخاري (٥).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن يعلى بن شدّاد ، عن عبادة

__________________

(١) في السيرة لابن كثير ٢ / ٣٠٤ «لا همّ إنّ الأجر أجر الآخرة».

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٢٦٦ : كتاب الفضائل : باب هجرة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(٣) القصّة : الجصّة ، وقيل : الحجارة من الجصّ. كما في النهاية لابن الأثير.

(٤) السّاج : ضرب عظيم من الشجر ، وخشب أسود يشبه الأبنوس ، لا ينبت إلّا بالهند (تاج العروس ٦ / ٤٩ ، ٥٠).

(٥) صحيح البخاري : كتاب الصلاة ، باب بنيان المسجد.


رضي‌الله‌عنه ، أنّ الأنصار جمعوا مالا ، فأتوا به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ابن بهذا المسجد وزيّنه ، إلى متى نصلّي تحت هذا الجريد؟ فقال : ما بي رغبة من أخي موسى ، عريش كعريش موسى(١).

وروي عن الحسن البصريّ في قوله «كعريش موسى» ، قال : إذا رفع يده بلغ العريش ، يعني السّقف.

وقال عبد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق بن عليّ ، عن أبيه قال : بنيت مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجد المدينة ، فكان يقول : قرّبوا اليماميّ (٢) من الطّين ، فإنّه من أحسنكم له بناء.

وقال أبو سعيد الخدريّ رضي‌الله‌عنه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : المسجد الّذي أسّس على التّقوى مسجدي هذا. أخرجه مسلم بأطول منه (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلّا مسجد الكعبة. صحيح (٤).

وقال أبو سعيد رضي‌الله‌عنه : كنّا نحمل لبنة لبنة ، وعمّار يحمل لبنتين لبنتين ، يعني في بناء المسجد. فرآه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل ينف عنه

__________________

(١) انظر : دلائل النبوّة للبيهقي (٢ / ٢٦٢) ، والبداية والنهاية لابن كثير : (٣ / ٢١٥) ، ووفاء ألوفا بأخبار دار المصطفى للمسهودي (١ / ٢٤٢) قال ابن كثير : وهذا حديث غريب من هذا الوجه : (انظر السيرة النبويّة له ٢ / ٣٠٤).

(٢) اليماميّ : نسبة إلى اليمامة. وهو طلق بن عليّ السّحيمي ، ويقال طلق بن ثمامة. كان من الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليمامة فأسلموا. مشهور له صحبة وفائدة ورواية.

ترجمته في طبقات ابن سعد (٥ / ٥٥٢). أسد الغابة (٣ / ٩٢). الإصابة في تمييز الصّحابة (٢ / ٢٣٢ ، تهذيب التهذيب (٥ / ٣٣).

(٣) صحيح مسلم ١٣٩٨ : كتاب الحجّ ، باب بيان أنّ المسجد الّذي أسّس على التّقوى هو مسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة.

(٤) صحيح البخاري ٢ / ٥٦ : كتاب الصلاة ، أبواب التطوّع ، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. وصحيح مسلم ١٣٥٤ : كتاب الحجّ ، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.


التراب ويقول : «ويح عمّار ، تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النّار». أخرجه البخاريّ دون قوله «تقتله الفئة الباغية» ، وهي زيادة ثابتة الإسناد(١).

ونافق طائفة من الأوس والخزرج ، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم. فممّن ذكر منهم : من أهل قباء : الحارث بن سويد بن الصّامت.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الصلاة ، باب التعاون في بناء المسجد. ولم ترد جملة «تقتله الفئة الباغية» في روايتي أبي ذرّ والأصيلي عن البخاري.

وقول الذهبي «زيادة ثابتة الإسناد» يفسّره قول ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري ١ / ٤٥١) : «واعلم أنّ هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في الجمع» وقال : إنّ البخاري لم يذكرها أصلا ، وكذا قال أبو مسعود. قال الحميديّ : ولعلّها لم تقع للبخاريّ ، أو وقعت فحذفها عمدا. قال : وقد أخرجها الإسماعيليّ والبرقاني في هذا الحديث. قلت : ويظهر لي أنّ البخاري حذفها عمدا ، وذلك لنكتة خفيّة ، وهي أنّ أبا سعيد الخدريّ اعترف أنّه لم يسمع هذه الزيادة من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فدلّ على أنّها في هذه الرواية مدرجة. والرواية الأولى التي بيّنت ذلك ليست على شرط البخاري. وقد أخرجها البزّار من طريق داود بن أبي هند ، عن أبي ندرة ، عن أبي سعيد ، فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة ، وفيه : فقال أبو سعيد : فحدّثني أصحابي ولم أسمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : يا بن سميّة ، تقتلك الفئة الباغية». وأخرج الحديث : مسلم (٢٩١٦) في الفتن ، باب : لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء. وعن أمّ سلمة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمّار : «تقتلك الفئة الباغية». وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعمّار : «أبشر عمّار تقتلك الفئة الباغية». (رواه التّرمذي ٣٨٠٢) في المناقب ، باب ، مناقب عمّار بن ياسر ، وهو حديث صحيح. وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب. وفي الباب : عن أمّ سلمة ، وعبد الله بن عمر ، وأبي اليسر ، وحذيفة. وقال ابن حجر : روى حديث «تقتل عمّارا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة ، منهم : قتادة بن النعمان ، وأمّ سلمة عند مسلم. وأبو هريرة عند الترمذي ، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي ، وعثمان بن عفان ، وحذيفة ، وأبو أيوب ، وأبو رافع ، وخزيمة بن ثابت ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبو اليسر ، وعمّار نفسه ، وكلها عند الطبراني وغيره ، وغالب طرقها صحيحة ، أو حسنة ، وفيه عن جماعة آخرين يطول عددهم. (جامع الأصول ٩ / ٤٣) ورواه الطبراني في المعجم الكبير ٤ / ٩٨ رقم ٣٧٢٠ و ٤ / ٢٠٠ رقم (٤٠٣٠ و ١ / ٣٠٠ رقم ٩٥٤) و (المعجم الصغير ١ / ١٨٧) وابن جميع الصّيداوي في (معجم الشيوخ ٢٨٤ بتحقيقنا) وابن عساكر في (تاريخ دمشق ٩ / ٣٥٥) و (تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ١٥٠).


وكان أخوه خلّاد رجلا صالحا ، وأخوه الجلاس (١). دون خلّاد في الصّلاح.

ومن المنافقين : نبتل بن الحارث (٢). وبجاد (٣) بن عثمان. وأبو حبيبة ابن الأزعر أحد من بنى مسجد الضّرار (٤). وجارية بن عامر ، وابناه : زيد ومجمّع. وقيل لم يصحّ عن مجمّع النّفاق ، وإنّما ذكر فيهم لأنّ قومه جعلوه إمام مسجد الضّرار (٥). وعبّاد بن حنيف. وأخواه سهل وعثمان من فضلاء الصّحابة.

ومنهم :

بشر ، ورافع ، ابنا زيد. ومربع ، وأوس ، ابنا قيظيّ (٦). وحاطب بن أميّة ، ورافع [٦ أ] بن وديعة ، وزيد بن عمرو ، وعمرو بن قيس ، ثلاثتهم من بني النّجّار ، والجدّ بن قيس الخزرجي ، من بني جشم ، وعبد الله بن أبيّ بن سلول ، من بني عوف بن الخزرج ، وكان رئيس القوم.

وممّن أظهر الإيمان من اليهود ونافق بعد :

__________________

(١) الجلابس : بالجيم ، في : المحبّر لابن حبيب ٤٦٧ ، والمعارف لابن قتيبة ٣٤٣ ، وأنساب الاشراف للبلاذري ١ / ٢٧٥ ، والاستيعاب لابن عبد البرّ ٢٦٤ ، والإكمال لابن ماكولا ٣ / ١٧٠ ، وأسد الغابة لابن الأثير ١ / ٢٩١ ، ومشتبه النسبة للذهبي ١ / ١٩٦ ، والوافي بالوفيات للصفدي ١١ / ١٧٨ رقم ٢٦٢ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ٤٥٣ ، والإصابة لابن حجر ١٥ / ٥٠٩ وانظر عنه : سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٨ و ٢٦١ وأثبته محقّقا : جوامع السيرة لابن حزم (الخلاس) بالخاء ، وكذا محقّق : الدرر لابن عبد البرّ.

(٢) من بني لوذان بن عمرو بن عوف : وهو الّذي قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث».(سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٩)

(٣) في الأصل وسائر النسخ : نجاد بالنون ، والتصحيح من ابن هشام (٢ / ٢٥٩) ، والمحبّر (٤٦٧) وأنساب الأشراف (١ / ٢٧٥) وتاريخ الطبري (٣ / ١١١). وأثبته شعيرة ـ ص ٨٠ «نجاب» وهو ترجيح خاطئ.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٩.

(٥) السيرة.

(٦) السيرة ٢ / ٢٦١.


أسعد (١) بن حنيف ، وزيد بن اللّصيت ، ورافع بن حرملة (٢) ، ورفاعة ابن زيد بن التّابوت (٣) ، وكنانة بن صوريا (٤).

ومات فيها : البراء بن معرور السّلمي (٥) أحد نقباء العقبة رضي‌الله‌عنه. وهو أول من بايع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة العقبة ، وكان كبير الشّأن.

وتلاحق المهاجرون الذين تأخّروا بمكة بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلم يبق إلّا محبوس أو مفتون. ولم يبق دار من دور الأنصار إلّا أسلم أهلها. إلّا أوس [الله] (٦) ، وهم حيّ من الأوس ، فإنّهم أقاموا على شركهم.

ومات فيها : الوليد بن المغيرة المخزوميّ والد خالد ، والعاص بن وائل السّهميّ والد عمرو بمكة على الكفر.

وكذلك : أبو أحيحة سعيد بن العاص الأمويّ توفّي بماله بالطّائف.

وفيها : أري الأذان عبد الله بن زيد ، وعمر بن الخطاب ، فشرع الأذان على ما رأيا (٧).

__________________

(١) في الأصول ، وطبعة القدسي وطبعة شعيرة «سعد» والتصويب من سيرة ابن هشام ٢ / ٢٦١.

(٢) ويقال «ابن حريملة» بالتصغير. انظر : المحبّر ٤٧٠ وأنساب الأشراف ١ / ٢٨٥ والدرر لابن عبد البر ١٠٢ وعيون الأثر ١ / ٢١٨ وسيرة ابن هشام ٢ / ٢٦١ وقال : «وهو الّذي قال له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين مات ـ : «قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين».

(٣) المحبّر ٤٧٠.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٦٢ وفي المحبّر ٤٧٠ «صويراء».

(٥) السّلمي : نسبة إلى سلمة (بكسر اللّام) بطن من الأنصار. والنّسبة إليها عند النّحويين بفتح اللّام ، والمحدّثون يكسرونها. (اللباب في تهذيب الأنساب : ٢ / ١٢٩). انظر عنه : المحبّر ٢٧٠ و ٢٧١ و ٢٧٣ و ٤١٦.

(٦) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ، ح.

(٧) في الأصل وفي طبعة شعيرة ٨٢ ، (رأينا) والتصحيح من ع. ح ، وانظر حول ذلك : الطبقات الكبرى ١ / ٢٤٦ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٢ / ٢٥٣ ، وعيون الأثر ١ / ٢٠٣ ، والسيرة لابن كثير ٢ / ٣٣٤.


وفي شهر رمضان عقد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لواء لحمزة بن عبد المطّلب يعترض عيرا لقريش. وهو أول لواء عقد في الإسلام (١).

وفيها : بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة لينقلا بناته وسودة أمّ المؤمنين.

وفي ذي القعدة عقد لواء لسعد بن أبي وقّاص ، ليغير على حيّ من بني كنانة أو بني جهينة. ذكره الواقدي.

وقال عبد الرحمن بن أبي الزّناد ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فكان أول راية عقدها راية عبيدة بن الحارث (٢).

وفيها : آخى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار ، على المواساة والحقّ.

وقد روى أبو داود الطّيالسي ، عن سليمان بن معاذ ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وورّث بعضهم من بعض ، حتى نزلت : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (٣).

والسبب في قلّة من توفي في هذا العام وما بعده من السّنين ، أنّ المسلمين كانوا قليلين بالنّسبة إلى من بعدهم. فإنّ الإسلام لم يكن إلّا ببعض الحجاز ، أو من هاجر إلى الحبشة ، وفي خلافة عمر ـ بل وقبلها ـ

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٠.

(٢) المحبّر ١١٦ وانظر سيرة ابن هشام ٣ / ١٨.

(٣) سورة الأنفال : من الآية ٧٥ ، وانظر ترتيب مسند الطّيالسي ، كتاب فضائل القرآن ، باب ما جاء في سورة الأنفال (٢ / ١٩).


انتشر الإسلام في الأقاليم. فبهذا يظهر لك سبب قلّة من توفّي في صدر الإسلام ، وسبب كثرة من توفّي في زمان التّابعين فمن بعدهم.

وكان في هذا القرب (١) أبو قيس بن الأسلت (٢) بن جشم بن وائل الأوسيّ الشاعر. وكان يعدل بقيس بن الخطيم (٣) في الشجاعة والشعر. وكان يحضّ الأوس على الإسلام. وكان قبل الهجرة يتألّه (٤) ويدّعي الحنيفيّة ، ويحضّ قريشا على الإسلام ، فقال قصيدته المشهورة التي أوّلها (٥) :

أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

مغلغلة عنّي لؤيّ بن غالب

 أقيموا لنا دينا حنيفا ، فأنتمو

لنا قادة ، قد يقتدى بالذّوائب

(٦ ب) روى الواقديّ عن رجاله قالوا : خرج ابن الأسلت إلى الشام ، فتعرّض آل جفنة (٦) فوصلوه. وسأل الرّهبان فدعوه إلى دينهم فلم

__________________

(١) هكذا في جميع النّسخ ، ولعلّها بمعنى كان قريبا من ذلك الوقت. وجعلها ابن الملّا «وكان شاهد العرب» وهو قول لا معنى له.

(٢) في الأصل (الأسلم) تصحيف. وهو أبو قيس صيفي بن الأسلت الشاعر. ترجمته في الأغاني (١٧ / ١١٧) وطبقات فحول الشعراء (١٨٩) والإصابة (٣ / ٢٥١ و ٤ / ١٦١) والاستيعاب على هامش الإصابة (٢ / ١٩٣ و ٤ / ١٦٠) ، والمحبّر ٤٢٠ ، وشرح المفضّليات ٧٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٠٩ ـ ٤١٣ ومعجم الشعراء في لسان العرب ٣٣٥ رقم ٨٦٤. للدكتور ياسين الأيوبي.

(٣) قيس بن الخطيم : شاعر مشهور من بني ظفر من الأوس ، أدرك الإسلام ، ولقي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة قبل الهجرة ، فدعاه إلى الإسلام وحرص عليه ، ولكنّه قتل قبل أن يسلم. ترجمته في الأغاني (٣ / ١) وطبقات فحول الشعراء (١٩٠) ومعجم الشعراء للمرزباني (١٩٦) ، وطبقات الشعراء لابن سلام ٥٢ و ٦٥ ، ومعجم الشعراء في لسان العرب ٣٣٦ ، ٣٣٧ رقم ٨٦٧ وقد طبع ديوانه في ليبزغ سنة ١٩١٤

(٤) يتألّه : يتنسّك.

(٥) انظر القصيدة بتمامها في ديوانه (٦٤ ـ ٧٠) وابن هشام (١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٦) والبداية والنهاية (٣ / ١٥٤ ـ ١٥٥) والروض الأنف (٣ / ٧٢ ـ ٧٤).

(٦) آل جفنة : ملوك غسّان بالشّام ، ترجع نسبتهم إلى جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر ، وغسّان اسم ماء نزلوه فسمّوا به ، ليس بأب ولا أمّ. (الاشتقاق لابن دريد ١ / ٤٣٥).


يرده. فقال له راهب : أنت تريد دين الحنيفيّة ، وهذا وراءك من حيث خرجت. ثم إنّه قدم مكة معتمرا ، فلقي زيد بن عمرو بن نفيل (١) ، فقصّ عليه أمره. فكان أبو قيس بعد يقول : ليس أحد على دين إبراهيم إلّا أنا وزيد. فلما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وقد أسلمت الخزرج والأوس ، إلّا ما كان من أوس الله فإنّها وقفت مع ابن الأسلت ، وكان فارسها وخطيبها ، وشهد يوم بعاث ، فقيل له : يا أبا قيس ، هذا صاحبك الّذي كنت تصف. قال : رجل قد بعث بالحقّ. ثم جاء إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرض عليه شرائع الإسلام ، فقال : ما أحسن هذا وأجمله ، انظر في أمري. وكاد أن يسلم. فلقيه عبد الله بن أبيّ ، فأخبره بشأنه فقال : كرهت والله حرب الخزرج. فغضب وقال : والله لا أسلم سنة. فمات قبل السّنة.

فروى الواقديّ عن ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن أشياخه أنّهم كانوا يقولون : لقد سمع يوحّد عند الموت (٢).

__________________

(١) زيد بن عمرو بن نفيل : ابن عمّ عمر بن الخطّاب رضي‌الله‌عنه : أحد المتفرّقين في طلب الأديان كما يقول ابن هشام. وكان يقول : أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ، ثم من بني عبد المطّلب ، ولا أراني أدركه ، وأنا أو من به وأصدّقه وأشهد أنه نبيّ وكان يستقبل الكعبة في المسجد ويقول : لبّيك حقّا حقا ، تعبّدا ورقّا.

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه يبعث أمّة وحده ، وأنه رآه في الجنّة يسحب ذيولا.

وخرّج البخاري في كتاب الفضائل من صحيحه حديثا مطوّلا عنه ، وفيه عن ابن عمر أنّ زيدا خرج إلى الشام يسأل عن الدّين ويتبعه ، فدلّ على الحنيفيّة دين إبراهيم ، وأنه لم يكن يهوديّا ولا نصرانيّا ، ولا يعبد إلّا الله ، فرفع يديه إلى السماء فقال : اللهمّ إنّي أشهد أنّي على دين إبراهيم.

ترجمته في ابن هشام (١ / ٢٢٢) والطبقات الكبرى (١ / ١٦١ و ٤ / ٣٨٤) والمحبّر ١٧٠ و ١٧١ و ١٧٥ وتاريخ الطبري (٢ / ٢٩٥) وانظر صحيح البخاري : كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب حديث : زيد بن عمرو بن نفيل.

(٢) انظر هذه القصة في ترجمة محصن بن أبي قيس بن الأسلت في الطبقات الكبرى (٤ / ٣٨٥).



سنة اثنتين

في صفرها :

(غزوة الأبواء) (١)

فخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة غازيا ، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودّان (٢) يريد قريشا وبني ضمرة. فوادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة ، وعقد ذلك معه سيّدهم مخشيّ بن عمرو. ثم رجع إلى المدينة. وودّان على أربع مراحل (٣).

[بعث حمزة (٤)]

ثمّ في أحد الرّبيعين :

__________________

(١) وتسمّى كذلك غزوة ودّان. والأبواء قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. (معجم البلدان ١ / ٧٩).

(٢) ودّان : قرية جامعة من نواحي الفرع بين مكة والمدينة ، بينها وبين الأبواب نحو من ثمانية أميال ، قريبة من الجحفة. (معجم البلدان ٥ / ٣٦٥).

(٣) قال ابن هشام : هي أول غزوة غزاها. (السيرة ٣ / ١٨) وانظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٨ وتهذيب سيرة ابن هشام ١٣٠ والروض الأنف ٣ / ٢٥ ، وتاريخ الرسل والملوك ٢ / ٤٧٠ ، وتاريخ خليفة ٥٦ وعيون الأثر ١ / ٢٢٤ والبداية والنهاية ٣ / ٢٤١ ، وعيون التواريخ ١ / ١٠٧.

(٤) العنوان مضاف إلى الأصل للتوضيح.


بعث عمّه حمزة في ثلاثين راكبا من المهاجرين إلى سيف البحر من ناحية العيص (١). فلقي أبا جهل في ثلاثمائة ، وقال الزّهري : في مائة وثلاثين راكبا. وكان مجديّ بن عمرو الجهنيّ وقومه حلفاء الفريقين جميعا ، فحجز بينهم مجديّ بن عمرو الجهنيّ (٢).

[بعث عبيدة بن الحارث]

وبعث في هذه المدّة عبيدة بن الحارث بن المطّلب (٣) بن عبد مناف ، في ستّين راكبا أو نحوهم من المهاجرين. فنهض حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنيّة المرّة (٤). فلقي بها جمعا من قريش ، عليهم عكرمة بن أبي جهل ، وقيل مكرز بن حفص. فلم يكن بينهم قتال. إلّا أنّ سعد بن أبي وقّاص كان في ذلك البعث ، فرمي بسهم ، فكان أوّل سهم رمي به في سبيل الله.

وفرّ الكفّار يومئذ إلى المسلمين : المقداد بن عمرو البهرانيّ حليف بني زهرة ، وعتبة بن غزوان المازنيّ حليف بني عبد مناف. وكانا مسلمين ، ولكنّهما خرجا ليتوصّلا بالمشركين (٥).

__________________

(١) العيص : عرض من أعراض المدينة على ساحل البحر. قال ابن إسحاق : من ناحية ذي المروة بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها إلى الشام. (معجم البلدان ٤ / ١٧٣).

(٢) انظر : السيرة لابن هشام ٣ / ٢٠ ، التهذيب ١٣١ ، عيون الأثر ١ / ٢٢٤ البداية والنهاية ٣ / ٢٤٤.

(٣) في ع : عبد المطّلب ، خطأ. وانظر ترجمته في الإصابة (٢ / ٤٤٩).

(٤) ذكر ابن سعد والواقديّ : أنّ هذا الماء «أحياء» من بطن رابغ ، ورابغ على عشرة أميال من الجحفة. وثنيّة المرّة بالكسر وتشديد الرّاء ، وقال ياقوت بالفتح وتخفيف الراء من نواحي مكة.

(٥) انظر : السيرة ٣ / ١٨ ، التهذيب ١٣٠ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٧ ، الروض الأنف ٣ / ٢٥ ، ٢٦ ، عيون الأثر ١ / ٢٢٥.


[غزوة بواط (١)]

وخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ربيع الأول غازيا. فاستعمل على المدينة السّائب ابن عثمان بن مظعون. حتى بلغ بواط من ناحية رضوى (٢) ثم رجع ولم يلق حربا (٣).

[غزوة العشيرة]

وخرج غازيا في جمادى الأولى ، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد ، حتى بلغ العشيرة (٤) ، فأقام هناك أياما ، ووادع بني مدلج. ثم رجع فأقام بالمدينة أياما. والعشيرة [من] (٥) بطن ينبع.

وقال يونس بن أبي إسحاق (٦) : حدّثني يزيد بن محمد بن خثيم (٧) عن محمد بن كعب [٧ أ] القرظيّ قال : حدّثني أبوك محمد بن خثيم المحاربيّ (٨) ، عن عمّار بن ياسر قال : كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع. فلما نزلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام به شهرا ،

__________________

(١) بواط : جبل من جبال جهينة من ناحية رضوى (معجم البلدان ١ / ٥٠٣).

(٢) رضوى جبل بالمدينة معروف.

(٣) السيرة ٣ / ٢١ ، التهذيب ١٣١ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٨ ، ٩ ، الروض الأنصف ، ٣ / ٢٧ ، تاريخ خليفة ٥٧ ، تاريخ الرسل ٢ / ٤٠٧ ، عيون الأثر ١ / ٢٢٦ البداية والنهاية ٣ / ٢٤٦.

(٤) العشيرة : بلفظ تصغير العشرة ، يضاف إليه (ذو) فيقال ذو العشيرة ، وهي من ناحية ينبع بين مكة والمدينة : وفي صحيح البخاري أنّها العشيرة أو العشيراء ، وقيل العسيرة والعسيراء ، بالسّين المهملة ، والصّحيح أنّه العشيرة. قال ابن إسحاق : هو من أرض بني مدلج. (معجم البلدان ٤ / ١٢٧).

(٥) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع ، ح.

(٦) في الأصل و (ع) يونس عن ابن إسحاق ، والتصحيح من ح. وهو يونس بن أبي إسحاق عمرو ابن عبد الله الهمدانيّ السّبيعي أبو إسرائيل الكوفي ، توفي سنة ١٥٩ ه‍ ـ. (تهذيب التهذيب ١١ / ٤٣٣).

(٧) في الأصل و (ع) : خيثم ، تصحيف تصحيحه من ح وتهذيب التهذيب (١١ / ٣٥٧).

(٨) في ح : البخاري ، خطأ. والمحاربي نسبة إلى محارب بطن من قريش (اللباب ٣ / ١٧٠).


فصالح بها بني مدلج. فقال لي عليّ : هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء ، نفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ، ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ، ثم غشينا النّوم فنمنا. فو الله ما أهبّنا إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقدمه ، فجلسنا. فيومئذ قال لعليّ : يا أبا تراب ، لما عليه من التّراب (١).

[غزوة بدر الأولى]

وخرج في جمادى الآخرة في طلب كرز بن جابر الفهريّ ، وكان قد أغار على سرح (٢) المدينة. فبلغ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وادي سفوان (٣) من ناحية بدر ، فلم يلق حربا. وسمّيت بدرا الأولى. ولم يدرك كرزا (٤).

[سريّة سعد بن أبي وقّاص]

وبعث سعد بن أبي وقّاص في ثمانية من المهاجرين ، فبلغ الخرار (٥). ثم رجع إلى المدينة (٦).

[بعث عبد الله بن جحش]

قال عروة : ثم بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في رجب ـ عبد الله بن جحش

__________________

(١) انظر : السيرة ٣ / ٢١ ، ٢٢ ، التهذيب ١٣١ ، ١٣٢ ، الطبقات ٢ / ٩ ، ١٠ ، الروض الأنف ٣ / ٢٧ ، تاريخ خليفة ٥٧ ، تاريخ الرسل والملوك ٢ / ٤٠٨ عيون الأثر ١ / ٢٢٦ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٦ ، عيون التواريخ ١ / ١٠٧ ، ١٠٨.

(٢) السرح : الإبل والغنم.

(٣) سفوان : بفتح أوّله وثانيه ، واد من ناحية بدر. (معجم البلدان ٣ / ٢٢٥).

(٤) وتسمّى غزوة سفوان. (السيرة ٣ / ٢٢ تاريخ الخليفة ٥٧).

(٥) في الأصل وسائر النّسخ : الحوار ، تصحيف. والخرار : موضع بالحجاز يقال هو قرب الجحفة ، وقيل واد من أودية ، وقيل ماء بالمدينة. (معجم البلدان ٢ / ٣٥٠).

(٦) السيرة ٣ / ٢٢ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٨ ، عيون التواريخ ١ / ١٠٨.


الأسديّ ، ومعه ثمانية. وكتب معه كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين. فلمّا قرأ الكتاب وجده : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين نخلة والطائف (١) ، فترصد لنا قريشا ، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله في الكتاب قال لأصحابه : قد أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أمضي إلى نخلة ، ونهاني أن أستكره أحدا منكم. فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ، ومن كره الموت فليرجع. فأمّا أنا فماض لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فمضى ومضى معه الثمانية ، وهم : أبو حذيفة بن عتبة ، وعكّاشة بن محصن ، وعتبة بن غزوان ، وسعد بن أبي وقّاص ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد الله التّميميّ ، وسهيل بن بيضاء الفهريّ ، وخالد بن البكير.

فسلك يهم على الحجاز ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران (٢) ، أضلّ سعد بن أبي وقّاص ، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما ، فتخلّفا في طلبه. ومضى عبد الله بمن بقي حتى نزل بنخلة. فمرّت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما (٣) ، وفيها عمرو بن الحضرميّ وجماعة. فلما رآهم القوم هابوهم. فأشرف لهم عكّاشة ، وكان قد حلق رأسه ، فلمّا رأوه أمنوا ، وقالوا : عمّار (٤) لا بأس عليكم منهم.

وتشاور القوم فيهم ، وذلك في آخر رجب ، فقالوا : والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به ، ولئن قتلتموهم لتقتلنّهم في

__________________

(١) نخلة : وتسمى نخلة اليمانية : واد بينه وبين مكة مسيرة ليلتين (معجم البلدان ٥ / ٢٧٧) والطّائف : هي وادي وجّ ، وبه كانت تسمّى قديما ، بينها وبين مكة اثنا عشر فرسخا (معجم البلدان ٤ / ٨).

(٢) بحران : بالضم ، وهو المشهور ، ويفتح : موضع بناحية الفرع ، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد. والمعدن مكان كلّ شيء فيه أصله. ويقال إنّ معدن بحران هذا كان للحجّاج بن علاط البهزيّ. (معجم البلدان ١ / ٣٤١).

(٣) الأدم : جمع أديم ، وهو الجلد المدبوغ.

(٤) العمّار : المعتمرون.


الشهر الحرام. وتردّدوا ، ثم أجمعوا على قتلهم وأخذ تجارتهم ، فرمى واقد ابن عبد الله عمرو بن الحضرميّ فقتله ، واستأسروا عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان. وأفلت نوفل بن عبد الله.

وأقبل ابن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين ، حتى قدموا المدينة. وعزلوا خمس ما غنموا للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزل القرآن كذلك. وأنكر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل ابن الحضرميّ ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ (١)) الآية ، وقبل [٧ ب] النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفداء في الأسيرين. فأمّا عثمان فمات بمكة كافرا ، وأمّا الحكم فأسلم واستشهد ببئر معونة (٢).

وصرفت القبلة في رجب ، أو قريبا منه (٣).

* * *

[غزوة بدر الكبرى]

من السّيرة لابن إسحاق ، رواية البكّائيّ.

قال ابن إسحاق : سمع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ سفيان بن حرب قد أقبل من الشام في عير وتجارة عظيمة ، فيها ثلاثون أو أربعون رجلا من قريش ، منهم : مخرمة بن نوفل ، وعمرو بن العاص. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذه عير قريش فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعلّ الله ينفلكموها. فانتدب النّاس ، فخفّ بعضهم ، وثقل بعض ، ظنّا منهم أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يلقى حربا. واستشعر أبو

__________________

(١) سورة البقرة ، من الآية ٢١٧.

(٢) السيرة ٣ / ٢٢ ـ ٢٤ التهذيب ١٣٢ ـ ١٣٥ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٠ ، ١١ ، تاريخ الرسل والملوك ٢ / ٤١٠ ، الروض الأنف ٣ / ٢٨ ، ٢٩ ، عيون الأثر ١ / ٢٢٧ ـ ٢٣٠ ، البداية والنهاية ٣ / ٢٤٨ ـ ٢٥٢ ، عيون التواريخ ١ / ١٠٨ ـ ١١١.

(٣) السيرة ٣ / ٣٥ ، الطبري ٢ / ٤١٥.


سفيان فجهّز منذرا إلى قريش يستنفرهم إلى أموالهم. فأسرعوا الخروج ، ولم يتخلّف من أشرافهم أحد ، إلّا أنّ أبا لهب قد بعث مكانه العاص أخا أبي جهل. ولم يخرج أحد من بني عديّ بن كعب. وكان أميّة بن خلف شيخا جسيما فأجمع القعود. فأتاه عقبة بن أبي معيط ـ وهو في المسجد ـ بمجمرة وبخور فوضعها بين يديه ، وقال : أبا عليّ ، استجمر! فإنّما أنت من النّساء. قال : قبّحك الله ، فتجهّز (١) وخرج معهم.

وخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثامن رمضان ، واستعمل على المدينة عمرو بن أمّ مكتوم على الصّلاة. ثم ردّ أبا لبابة من الرّوحاء (٢) واستعمله على المدينة. ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير. وكان أمام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رايتان سوداوان ، إحداهما مع عليّ رضي‌الله‌عنه ، والأخرى مع رجل أنصاريّ. وكانت راية الأنصار مع سعد بن معاذ.

فكان مع المسلمين سبعون بعيرا يعتقبونها (٣) ، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعليّ ، ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيرا. وكان أبو بكر ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا. فلما قرب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصّفراء (٤) بعث اثنين يتجسسان أمر أبي سفيان. وأتاه الخبر بخروج نفير قريش ، فاستشار النّاس ، فقالوا : خيرا. وقال المقداد بن الأسود : يا رسول الله ، امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا

__________________

(١) في الأصل (فتجمّر) والتصحيح من ع ، ح. وسيرة ابن هشام ٣ / ٣١.

(٢) الرّوحاء : من عمل الفرع بالمدينة ، على نحو من ثلاثين أو أربعين يوما منها. (معجم البلدان) ، ويقول العلّامة الأستاذ حمد الجاسر إنّها لا تزال معروفة وتسمّى (الرحا) على طريقة البدو في الإبدال (المغانم المطابة في معالم طابة للفيروزآبادي ، قسم المواضع ١٦١ هامش).

(٣) يعتقبونها : يتعاقبون عليها ويتناوبونها. والاعتقاب : كالتعاقب : التداول.

(٤) الصفراء : واد من ناحية المدينة كثير النّخل والزّرع في طريق الحاجّ. بينه وبين بدر مرحلة.

(معجم البلدان).


نقول (١) كما قالت بنو إسرائيل لموسى : «اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون» (٢) ، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون ، فو الّذي بعثك بالحقّ لو سرت بنا إلى برك الغماد (٣) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم له خيرا ودعا له.

وقال سعد بن معاذ : يا رسول الله ، [والله] (٤) لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك. فسرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله ، وقال : سيروا وأبشروا ، فإنّ ربّي قد وعدني إحدى الطّائفتين : إمّا العير وإمّا النّفير.

وسار حتى نزل قريبا من بدر. فلما أمسى بعث عليّا والزّبير وسعدا في نفر إلى بدر [٨ أ] يلتمسون الخبر. فأصابوا راوية (٥) لقريش فيها أسلم وأبو يسار من مواليهم ، فأتوا بهما النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فسألوهما فقالا : نحن سقاة لقريش. فكره. الصّحابة هذا الخبر ، ورجوا أن يكونوا سقاة للعير. فجعلوا يضربونهما ، فإذا آلمهما الضّرب قالا : نحن من عير أبي سفيان. وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي ، فلما سلّم قال : إذا صدقا ضربتموها ، وإذا كذبا تركتموهما. ثم قال : أخبراني أين قريش؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب. فسألهما : كم ينحرون كلّ يوم؟ قالا : عشرا من الإبل أو تسعا : فقال : القوم ما بين التسعمائة إلى الألف.

وأما اللّذان بعثهما النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتجسّسان ، فأناخا بقرب ماء بدر واستقيا

__________________

(١) في ح : لا نقول لك. وكذلك في السيرة ٣ / ٣٣.

(٢) استشهاد بالآية ٢٤ من سورة المائدة.

(٣) برك الغماد : موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر ، وقيل بلد باليمن ، وقيل موضع في أقصى أرض هجر. (معجم البلدان).

(٤) زيادة من ع ، ح.

(٥) الإبل التي يستقى عليها.


في شنّهما (١). ومجديّ بن عمرو بقربهما لم يفطنا به. فسمعا جاريتين من جواري الحيّ تقول إحداهما للأخرى : إنّما تأتي العير غدا أو بعد غد ، فأعمل لهم ثمّ أقضيك. فصرفهما مجديّ ، وكان عينا لأبي سفيان. فرجعا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه. ولما قرب أبو سفيان من بدر تقدّم وحده حتى أتى ماء بدر فقال لمجديّ : هل أحسست أحدا؟ فذكر له الراكبين. فأتى أبو سفيان مناخهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ففتّه ، فإذا فيه النّوى ، فقال : هذه والله علائف يثرب. فرجع سريعا فصرف العير عن طريقها ، وأخذ طريق الساحل ، وأرسل يخبر قريشا أنّه قد نجا فارجعوا. فأبى أبو جهل وقال : والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ، ونقيم عليه ثلاثا ، فتهابنا العرب أبدا.

ورجع الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ببني زهرة كلّهم ، وكان فيهم مطاعا. ثم نزلت قريش بالعدوة القصوى من الوادي.

وسبق النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ماء بدر. ومنع قريشا من السّبق إلى الماء مطر عظيم لم يصب المسلمين منه إلّا ما لبّد لهم الأرض. فنزل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة. فقال الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل ، أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدّمه أو نتأخّر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال : بل الرأي والحرب والمكيدة. قال : يا رسول الله ، إنّ هذا ليس لك بمنزل ، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغوّر ما وراءه من القلب (٢) ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ، فنشرب ولا يشربون. فاستحسن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك من

__________________

(١) الشن : القربة الصغيرة ، أو كلّ آنية من جلد.

(٢) القلب : جمع قليب ، وهو البئر (تاج العروس ٤ / ٧٢) وغوّر البئر ، أي دفنها وطمّها وسدّها.

ووردت في بعض الروايات «نعوّر» بالعين ، ومنه حديث عليّ : أمره أن يغوّر آبار بدر.


رأيه ، وفعل ما أشار به ، وأمر بالقلب فغوّرت ، وبنى حوضا وملأه ماء. وبني لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عريش يكون فيه ، ومشى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على موضع الوقعة ، فأرى أصحابه مصارع قريش ، يقول : هذا مصرع فلان ، وهذا مصرع فلان. قال : فما عدا واحدا منهم مصرعه ذلك.

ثم بعثت قريش فحزروا المسلمين (١). وكان فيهم فارسان : المقداد والزّبير. وأراد عتبة بن ربيعة ، وحكيم بن حزام قريشا على الرجوع فأبوا. وكان الّذي صمّم على القتال أبو جهل. فارتحلوا من الغد قاصدين نحو الماء. فلما [٨ ب] رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبلين قال : اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك (٢) وتكذّب رسولك ، اللهمّ فنصرك الّذي وعدتني ، اللهمّ أحنهم (٣) الغداة. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر ـ إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب [الجمل] (٤) الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا.

وكان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاريّ بعث إلى قريش ، حين مرّوا به ، بجزائر (٥) هديّة ، وقال : إن أحببتم أن نمدّكم بسلاح ورجال فعلنا. فأرسلوا إليه : أن وصلتك رحم ، قد قضيت الّذي ينبغي ، فلعمري لئن كنّا إنّما نقاتل النّاس فما بنا ضعف ، وإن كنّا إنّما نقاتل الله ، كما يزعم محمد ،

__________________

(١) حزر الشيء أو القوم : قدّر عددهم بالحدس والتخمين.

(٢) حادّه : غاضبه وعاداه.

(٣) أحنهم : من الحين وهو الموت والهلاك ، أي أمتهم وأهلكهم. وفي الأصل و (ح) (أحتفهم) كأنه فعل من الحتف ، وله وجه. ولكنّ الرواية ما أثبتناه كما في ع وأغلب كتب السيرة. (انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٣٦).

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناه من ع ، ح. والسيرة ٤ / ٣٦.

(٥) في ح : «حين مرّوا به ابنا له بجزائر هديّة» والجزائر : جمع جزور : البعير.


ما لأحد بالله من طاقة.

فلمّا نزل النّاس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : دعوهم. فما شرب يومئذ رجل إلّا قتل ، إلّا ما كان من حكيم بن حزام ، ثم إنّه أسلم بعد ، وكان إذا اجتهد في يمينه قال : لا والّذي نجّاني يوم بدر.

ثم بعثت قريش عمير بن وهب الجمحيّ ليحزر المسلمين. فجال بفرسه حول العسكر ، ثم رجع فقال : هم ثلاثمائة يزيدون قليلا أو ينقصونه. ولكن أمهلوني حتى انظر [أ] للقوم كمين أو مدد؟ وضرب في الوادي ، فلم ير شيئا. فرجع إليهم فقال : ما رأيت شيئا. ولكن قد رأيت ـ يا معشر قريش ـ البلايا تحمل المنايا ، نواضح (١) يثرب تحمل الموت النّاقع. قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلّا سيوفهم ، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم ، فإذا أصابوا منكم أعدادهم ، فما خير العيش بعد ذلك؟ فروا رأيكم.

فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في النّاس ، فأتى عتبة بن ربيعة فقال : يا أبا الوليد إنّك كبير قريش وسيّدها والمطاع فيها ، هل لك إلى أن لا تزال تذكر بخير إلى آخر الدهر؟ قال : وما ذاك يا حكيم؟ قال : ترجع النّاس ، وتحمل أمر حليفك عامر (٢) بن الحضرميّ. قال : قد فعلت. أنت عليّ بذلك ، إنّما هو حليفي فعليّ عقله وما أصيب من ماله. فائت ابن الحنظليّة ـ والحنظليّة أمّ أبي جهل ـ فإنّي لا أخشى أن يشجر (٣) أمر النّاس

__________________

(١) النّواضح : جمع ناضح : البعير ، أو غيره ، الّذي يستقى عليه الماء.

(٢) في الأصل : عمرو ، خطأ سيصوبه بعد قليل. وكذا في سيرة ابن هشام بالصيغتين ٣ / ٣٧.

(٣) في الأصل : يسحر ، وفي ع (يسجر) وأثبتنا رواية ح. ويشجر فلان أمر النّاس أي يثير التخاصم والتنازع بينهم. (تاج العروس ١٢ / ١٤٠).


غيره. ثم قام عتبة خطيبا فقال : يا معشر قريش ، إنّكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا. والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه الرجل يكره النّظر إليه ، قتل ابن عمّه وابن خاله أو رجلا من عشيرته. فارجعوا وخلّوا بين محمد وبين سائر العرب ، فإن أصابوه فذاك ، وإن كان غير ذلك أكفاكم ولم تعرّضوا منه ما تريدون.

قال حكيم : فأتيت أبا جهل فوجدته قد شدّ درعا من جرابها فهو يهيّؤها قلت : يا أبا الحكم ، إنّ عتبة قد أرسلني بكذا وكذا. فقال : انتفخ والله سحره (١) حين رأى محمدا وأصحابه. كلّا ، والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد. وما بعتبة ما قال ، ولكنّه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه قد تخوّفكم عليه. ثم بعث إلى عامر بن الحضرميّ فقال : هذا حليفك يريد أن يرجع بالنّاس ، وقد رأيت [٩ أ] ثأرك بعينك ، فقم فأنشد خفرتك (٢) ومقتل أخيك. فقام عامر فكشف رأسه وصرخ : وا عمراه ، وا عمراه. فحميت الحرب (٣) وحقب (٤) أمر النّاس واستوسقوا (٥) على ما هم عليه من الشرّ. وأفسد على النّاس رأي عتبة الّذي دعاهم إليه.

فلما بلغ عتبة قول أبي جهل : انتفخ والله سحره ، قال : سيعلم مصفّر استه (٦) من انتفخ سحره. ثم التمس عتبة بيضة لرأسه ، فما وجد في الجيش

__________________

(١) السّحر : الرئة ، ويقال للجبان الّذي ملأ الخوف جوفه : انتفخ سحره. (تاج العروس ١١ / ٥١٠ ، ٥١١).

(٢) الخفرة : الذمّة والجوار. وانشد خفرتك ، أي أطلب من يجيرك. (تاج العروس ١١ / ٢٠٥).

(٣) في ح : (نار الحرب).

(٤) حقب : فسد واحتبس (تاج العروس ٢ / ٢٩٨).

(٥) استوسقوا : استجمعوا وانضمّوا.

(٦) مصفر استه : كلمة تقال في الشتم ، أو تقال للمتنعّم المترف الّذي لم تحنّكه التجارب والشدائد.


بيضة تسعه من عظم هامته ، فاعتجر (١) على رأسه ببرد له.

وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزوميّ ـ وكان شرسا سيّئ الخلق ـ فقال : أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنّه أو لأموتنّ دونه. وأتاه فخرج إليه حمزة بن عبد المطّلب ، فالتقيا فضربه حمزة فقطع ساقه ، وهو دون الحوض ، فوقع على ظهره تشخب رجله دما. ثم جاء إلى الحوض حتى اقتحم فيه ليبرّ يمينه ، واتّبعه حمزة فقتله في الحوض.

ثم إنّ عتبة بن ربيعة خرج للمبارزة بين أخيه شيبة ، وابنه الوليد بن عتبة ، ودعوا للمبارزة ، فخرج إليه عوف ومعوّذ ابنا عفراء وآخر من الأنصار. قالوا : من أنتم؟ قالوا : من الأنصار. قالوا : ما لنا بكم من حاجة ، ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا عبيدة بن الحارث ، ويا حمزة ، ويا عليّ. فلما دنوا منهم ، قالوا : من أنتم؟ فتسمّوا لهم. فقال : أكفاء كرام. فبارز عبيدة ـ وكان أسنّ القوم ـ عتبة ، وبارز حمزة شيبة ، وبارز عليّ الوليد. فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله. وأمّا عليّ فلم يمهل الوليد أنّ قتله. واختلف عتبة وعبيدة بينهما ضربتين : كلاهما أثبت (٢) صاحبه. وكرّ عليّ وحمزة على عتبة فدفّفا (٣) عليه. واحتملا عبيدة إلى أصحابهما (٤).

ثم تزاحف الجمعان. وقد أمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال : انضحوهم عنكم بالنّبل. وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العريش ، معه أبو بكر. وذلك يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان. ثم عدّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) الاعتجار : ليّ الثوب على الرأس من غير إدارة تحت الحنك. والعجرة ، بالكسر : نوع من العمّة ، يقال : فلان حسن العجرة (تاج العروس ١٢ / ٥٣٨).

(٢) أثبته : اصابه بحيث لا يتحرّك.

(٣) دفّف عليه : أجهز عليه ، ومثلها ذفّف.

(٤) انظر الخبر في المغازي لعروة بن الزبير ـ ص ١٤٠ ، ١٤١.


الصفوف بنفسه ، ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر فقط. فجعل يناشد ربّه ويقول : يا ربّ إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض. وأبو بكر يقول : يا نبيّ الله ، بعض مناشدتك ربّك. فإنّ الله منجز لك ما وعدك. ثم خفق (١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فانتبه وقال : أبشر يا أبا بكر ، أتاك النّصر ، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده ، على ثناياه النّقع.

فرمي مهجع ـ مولى عمر ـ بسهم ، فكان أوّل قتيل في سبيل الله. ثم رمي حارثة بن سراقة النّجّاريّ بسهم وهو يشرب من الحوض ، فقتل.

ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الناس يحرّضهم على القتال. فقاتل عمير ابن الحمام حتى قتل. ثم قاتل عوف بن عفراء ـ وهي أمّه ـ حتى قتل

ثم إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رمى المشركين بحفنة من الحصباء وقال : شاهت الوجوه. وقال لأصحابه : شدّوا (٢) عليهم. فكانت الهزيمة ، وقتل الله من قتل من صناديد الكفر : فقتل سبعون وأسر مثلهم.

ورجع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى العريش. وقام سعد بن معاذ على الباب [٩ ب] بالسّيف في نفر من الأنصار ، يخافون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرّة العدوّ.

ثم قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : إنّي قد عرفت أنّ رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي أحدا من بني هاشم فلا يقتله ، ومن لقي أبا البختري بن هاشم بن الحارث (٣) فلا يقتله ، ومن

__________________

(١) خفق : نعس نعسة ثم تنبه.

(٢) في الأصل : (صدوا) والتصحيح من ع. ح. والسيرة ٣ / ٣٩.

(٣) أبو البختريّ : هو العاص بن هاشم بن الحارث ، وقيل : ابن هاشم. وهو الّذي ضرب أبا جهل بلحى بعير فشجّه حين أراد أن يمنع ابن أخي السيّدة خديجة من الوصول إليها ، وهي مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الشعب ، وكان يحمل قمحا يريد به عمّته. لذلك قيل إنّه كان أكفّ القوم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإصابة ٣ / ١٢٤).


لقي العبّاس فلا يقتله فإنّه إنّما خرج مستكرها. فقال أبو حذيفة (١) : أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العبّاس؟ والله لئن لقيته لألحمنّه (٢) بالسيف. فبلغت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لعمر : يا أبا حفص (٣) ، أيضرب وجه عمّ رسول الله (٤)؟ فقال عمر : دعني فلأضرب عنق هذا المنافق. فكان أبو حذيفة يقول : ما أنا آمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ، ولا أزال منها خائفا ، إلّا أن تكفّرها عنّي الشهادة. فاستشهد يوم اليمامة.

وكان أبو البختريّ أكفّ القوم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقام في نقض الصّحيفة. فلقيه المجذّر بن ذياد (٥) البلوي حليف الأنصار ، فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد نهانا عن قتلك. فقال : وزميلي جنادة الليثيّ؟ فقال المجذّر : لا والله ما أمرنا إلّا بك وحدك. فقال : لأموتنّ أنا وهو ، لا يتحدّث عنّي نساء مكة أنّي تركت زميلي حرصا على الحياة. فاقتتلا ، فقتله المجذّر. ثم أتى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : والّذي بعثك بالحقّ لقد جهدت عليه أن يستأسر ، فآتيك به ، فأبى إلا أن يقاتلني.

وعن عبد الرحمن بن عوف رضي‌الله‌عنه قال : كان أميّة بن خلف صديقا لي بمكة. قال فمررت به ومعي أدراع قد استلبتها ، فقال لي : هل لك فيّ ، فأنا خير لك من الأدراع؟ قلت : نعم ، ها الله إذن. وطرحت

__________________

(١) هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، من فضلاء الصّحابة ، ومن السابقين إلى الإسلام ، أسلم قبل دخول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دار الأرقم. وشهد بدرا وما بعدها ، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة. قتل يوم اليمامة شهيدا وهو ابن ثلاث ـ أو أربع ـ وخمسين سنة. (الإصابة ٤ / ٤٢ ، ٤٣ رقم ٢٦٤).

(٢) ألحمه السيف : أي أمكن منه لحمه. ولحمه : ضربه. ورواية ابن هشام «لألحمنّه السيف» قال : ويقال «لألجمنّه السيف» بالجيم. (السيرة ٣ / ٣٩)

(٣) في طبعة القدسي ٣٨ «أيا حفص».

(٤) في ح وفي السيرة ٣ / ٣٩ «أيضرب وجه عمّ رسول الله بالسيف»؟

(٥) المحبّر ٧٤ ، ١٧٧ ، و ٤٦٧ ، المشتبه للذهبي ٢ / ٥٧٣.


الأدراع ، فأخذت بيده ويد ابنه ، وهو يقول : ما رأيت كاليوم قطّ ، أما لكم حاجة في اللّبن؟ يعني : من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللّبن. ثم جئت أمشي بهما ، فقال لي أميّة : من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قلت : حمزة. قال : ذاك الّذي فعل بنا الأفاعيل. فو الله إنّي لأقودهما ، إذ رآه بلال ، وكان يعذّب بلالا بمكة ، فلما رآه قال : رأس الكفر أميّة بن خلف؟ لا نجوت إن نجا (١). قال : أتسمع يا بن السّوداء ما يقول؟ ثم صرخ بلال بأعلى صوته : يا أنصار الله ، رأس الكفر أميّة بن خلف ، لا نجوت إن نجا. قال : فأحاطوا بنا ، وأنا أذبّ عنه. فأخلف رجل السّيف ، فضرب رجل ابنه فوقع ، فصاح أميّة صيحة عظيمة ، فقلت : أنج بنفسك ، ولا نجاء ، فو الله ما أغني عنك شيئا. فهبروهما بأسيافهم. فكان يقول : رحم الله بلالا ، ذهبت أدراعي ، وفجعني بأسيريّ.

وروى ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما ، عن رجل من غفار قال : أقبلت أنا وابن عمّ لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ، ونحن مشركان ، ننتظر الدائرة على من تكون ، فننتهب (٢). فبينما نحن في الجبل ، إذ دنت منا سحابة ، فسمعت فيها حمحمة الخيل ، فسمعت قائلا يقول : أقدم حيزوم (٣). فأمّا ابن عمّي فانكشف قناع قلبه [١٠ أ] فمات مكانه ، وأمّا أنا فكدت أهلك ، ثم تماسكت.

رواه عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عمّن حدّثه ، عن ابن عبّاس.

وروى الّذي بعده (٤) ابن حزم عمّن حدّثه من بني ساعدة عن أبي أسيد

__________________

(١) زاد في ح بعد هذا : «قلت : أي بلال ، أبأسيري؟ قال : لا نجوت إن نجا». وانظر :

السيرة ٣ / ٤١.

(٢) في ح : فننتهب مع من ينتهب. وانظر السيرة ٣ / ٤١.

(٣) حيزوم : اسم فرس جبريل عليه‌السلام ، وقيل اسم فرس من خيل الملائكة.

(٤) هكذا في الأصل وسائر النّسخ ،


مالك بن ربيعة قال : لو كان معي بصري وكنت ببدر لأريتكم (١) الشّعب الّذي خرجت منه الملائكة (٢).

قال ابن إسحاق : فحدّثني أبي ، عن رجال ، عن أبي داود المازني قال : إنّي لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه بالسيف ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنّه قتله غيري.

وعن ابن عبّاس قال : لم تقاتل الملائكة إلّا يوم بدر.

وأمّا أبو جهل بن هشام فاحتمى في مثل الحرجة ـ وهو الشجر الملتفّ ـ ، وبقي أصحابه يقولون : أبو الحكم لا يوصل إليه. قال معاذ بن عمرو بن الجموح : فلمّا سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه فضربت ضربة أطنّت (٣) قدمه بنصف ساقه. فو الله ما أشبهها حين طارت (٤) إلّا بالنّواة تطيح من تحت مرضخة النّوى (٥) حين تضرب بها. فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي ، فتعلّقت بجلدة من جنبي ، وأجهضني القتال عنه (٦). فلقد قاتلت عامّة يومي ، وإنّي لأسحبها خلفي. فلما آذتني وضعت عليها قدمي. ثم تمطّيت بها عليها حتى طرحتها. قال : ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان.

ثم مرّ بأبي جهل معوّذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته ، وتركه وبه رمق. وقاتل معوّذ حتى قتل. وقتل أخوه عوف قبله. واسم أبيهما : الحارث بن

__________________

(١) في طبعة القدسي ٤٠ «لأريت لكم».

(٢) وفي السيرة ٣ / ٤١ «لا أشك فيه ولا أتمارى».

(٣) أطنّت قدمه : أطارتها.

(٤) في ح : طاحت. والسيرة ٣ / ٤٢.

(٥) المرضخة والمرضحة : حجر يرضخ به النّوى. (أي يكسر) (تاج العروس ٧ / ٢٥٨).

(٦) أجهضه عن الأمر : أعجله عنه.


رفاعة بن الحارث الزّرقيّ (١).

ثم مرّ عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتماسه ، وقال فيما بلغنا : إن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته ، فإنّي ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان (٢) ، ونحن غلامان ، وكنت أشفّ منه (٣) بيسير ، فدفعته ، فوقع على ركبته فجحش (٤) فيها. قال ابن مسعود : فوجدته بآخر رمق ، فوضعت رجلي على عنقه.

وقد كان ضبث (٥) بي مرّة بمكة ، فآذاني ولكزني. فقلت له : هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ قال : وبما ذا أخزاني ، وهل فوق رجل قتلتموه؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قلت : لله ولرسوله. قال لقد ارتقيت ، يا رويعي الغنم مرتقى صعبا. قال فاحترزت رأسه وجئت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ، هذا رأس عدوّ الله أبي جهل. قال : الله الّذي لا إله غيره؟ قلت : نعم. وألقيت الرأس بين يدي النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم أمر بالقتلى أن يطرحوا في قليب (٦) هناك. فطرحوا فيه إلّا ما كان من أميّة بن خلف ، فإنّه انتفخ في درعه فملأها ، فذهبوا ليخرجوه فتزايل ، فأقرّوه به ، وألقوا عليه التراب فغيّبوه.

__________________

(١) الزّرقيّ : نسبة إلى زريق ، بطن من الأنصار. (اللباب ٢ / ٦٥)

(٢) هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب ، وهو الّذي اجتمعت قريش في داره وصنع لهم طعاما يوم حلف الفضول ، فتعاهدوا وتعاقدوا أن يكونوا مع المظلوم. وفي هذا الحلف

يقول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أحبّ أنّ لي بحلف حضرته بدار ابن جدعان حمر النّعم ، وأنّي أغدر به ، ولو دعيت به لأجبت».(سيرة ابن هشام ١ / ١٥٥).

(٣) أشفّ منه : ينقص عنه أو يزيد عليه (من الأضداد).

(٤) الجحش : سحج الجلد وقشره من شيء يصيبه ، أو كالخدش.

(٥) في هامش ح : (ضبث به : أمسكه). وقال الزبيدي ٥ / ٢٨٧ : قبض عليه بكفّه.

(٦) القليب : البئر (تاج العروس ٤ / ٧٢).


فلما ألقوا في القليب ، وقف عليهم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فقال] (١) : يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقّا. فقالوا : يا رسول الله أتنادي أقواما قد جيّفوا؟ فقال : ما أنتم بأسمع [١٠ ب] لما أقول منهم ، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا (٢).

وفي رواية : فناداهم في جوف اللّيل : يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة ، ويا أميّة بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام. فعدّد من كان في القليب.

زاد ابن إسحاق : وحدّثني بعض أهل العلم أنّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا أهل القليب ، بئس عشيرة النّبي كنتم لنبيّكم ، كذّبتموني وصدّقني النّاس ، وأخرجتموني وآواني النّاس وقاتلتموني ونصرني الناس.

وعن أنس رضي‌الله‌عنه : لما سحب عتبة بن ربيعة إلى القليب نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وجه أبي حذيفة ابنه ، فإذا هو كئيب متغيّر. فقال : لعلّك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟ قال : لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه ، ولكنّي كنت أعرف منه رأيا وحلما ، فكنت أرجو أن يسلم ، فلما رأيت ما أصابه وما مات عليه أحزنني ذلك. فدعا له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال له خيرا.

وكان الحارث بن ربيعة بن الأسود ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعليّ بن أميّة بن خلف ، والعاص بن منبّه ابن الحجّاج قد أسلموا. فلما هاجر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حبسهم آباؤهم وعشائرهم ، وفتنوهم عن الدّين فافتتنوا ـ نعوذ بالله من فتنة الدّين ـ ثم ساروا مع قومهم يوم

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ، ح. والسيرة ٣ / ٥١.

(٢) انظر السيرة ٣ / ٥١ والمغازي لعروة ١٤٣ ، ١٤٤.


بدر ، فقتلوا جميعا. وفيهم نزلت (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (١) الآية.

وعن عبادة بن الصّامت رضي‌الله‌عنه قال : فينا أهل بدر نزلت (الأنفال) حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا. فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله. فقسّمه بين المسلمين على السّواء.

ثم بعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن رواحة ، وزيد بن حارثة ، بشير بن إلى المدينة. قال أسامة : أتانا الخبر حين سوّينا على رقيّة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبرها. كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلّفني عليها مع عثمان.

ثم قفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه الأسارى ، فيهم : عقبة بن أبي معيط والنّضر بن الحارث. فلما خرج من مضيق الصّفراء (٢) قسّم النّفل. فلما أتى الرّوحاء لقيه المسلمون يهنّئونه بالفتح. فقال لهم سلمة بن سلامة : ما الّذي تهنّئوننا به؟ فو الله إن لقينا إلّا عجائز صلعا كالبدن المعقلة (٣) فنحرناها. فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : أي ابن أخي ، أولئك الملأ. يعني الأشراف والرؤساء.

ثم قتل النّضر بن الحارث العبدري بالصّفراء. وقتل بعرق الظّبية (٤). عقبة بن أبي معيط. فقال عقبة حين أمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله : من للصّبية يا

__________________

(١) سورة النّساء : من الآية ٩٧.

(٢) الصّفراء : قرية فوق ينبع كثيرة المزارع والنخل. (معجم ما استعجم ٣ / ٨٣٦).

(٣) في الأصل و (ح) : (المعلقة) والتصحيح من ع ومن السيرة ٣ / ٥٣. والبدن : جمع بدنة وهي الناقة. والمعلقة : المقيّدة.

(٤) عرق الظّبية : هو من الرّوحاء على ثلاثة أميال مما يلي المدينة. وقيل بين مكة والمدينة قرب الرّوحاء. وقيل هو الرّوحاء نفسها ، (معجم البلدان) والمغانم المطابة ص ٢٤٠ ، ومعجم ما استعجم ٣ / ٩٠٣ و ٩٣٤.


محمد؟ قال : النّار. فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. وقيل : عليّ رضي‌الله‌عنه.

وقال حمّاد بن سلمة عن عطاء بن السّائب عن الشّعبيّ قال : لما أمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل عقبة قال : أتقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال : نعم ، أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي [١١ أ] وغمزها ، فما رفع حتّى ظننت أنّ عينيّ ستندران (١). وجاء مرّة أخرى بسلى شاة (٢) فألقاه على رأسي وأنا ساجد ، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي (٣).

واستشهد يوم بدر :

مهجع ، وذو الشّمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي ، وعاقل بن البكير ، وصفوان بن بيضاء ، وعمير بن أبي وقّاص أخو سعد ، وعبيدة بن الحارث بن المطّلب بن عبد مناف المطّلبيّ الّذي قطع رجله عتبة ، مات بعد يومين بالصّفراء. وهؤلاء من المهاجرين.

وعمير بن الحمام ، وابنا عفراء ، وحارثة بن سراقة ، ويزيد بن الحارث فسحم (٤) ، ورافع بن المعلّى الزّرقيّ ، وسعد بن خيثمة الأوسي ، ومبشّر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة.

فالجملة أربعة عشر رجلا.

__________________

(١) ستسقطان.

(٢) سلى الشّاة : الجلد الرقيق الّذي يخرج فيه الولد من بطن أمّه ملفوفا فيه.

(٣) روى البخاري في صحيحه قال : «بينما النّبيّ يصلّي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق رسول الله فخنقه خنقا شديدا. فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : (أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربكم» ، وذكر مسلم هذه الرواية في صحيحة أيضا.

(٤) فسحم اسم أمّه ، ويقال له يزيد فسحم ، ويزيد بن فسحم (المحبّر لابن حبيب ٧٢).


وقتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وهما ابنا أربعين ومائة سنة. وكان شيبة أكبر بثلاث سنوات.

قال ابن إسحاق : وكان أوّل من قدم مكّة بمصاب قريش : الحيسمان بن عبد الله الخزاعي. فقالوا : ما وراءك؟ قال : قتل عقبة ، وشيبة ، وأبو جهل ، وأميّة ، وزمعة بن الأسود ، ونبيه ، ومنبّه ، وأبو البختريّ ابن هشام. فلما جعل يعدّد أشراف قريش قال صفوان بن أميّة وهو قاعد في الحجر : والله إن يعقل هذا فاسألوه عنّي : فقالوا : ما فعل صفوان؟ قال : ها هو ذاك جالس ، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا (١).

وعن أبي رافع مولى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كنت غلاما للعبّاس وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت ، فأسلم العبّاس وأسلمت. وكان العبّاس يهاب قومه ويكره الخلاف ويكتم إسلامه ، وكان ذا مال كثير متفرّق في قومه. وكان أبو لهب قد تخلّف عن بدر ، فلما جاءه الخبر بمصاب قريش كبته الله وأخزاه ، ووجدنا في أنفسنا قوّة وعزّا ، وكنت رجلا ضعيفا ، وكنت أنحت الأقداح (٢) في حجرة زمزم. فإنّي لجالس أنحت أقداحي ، وعندي أمّ الفضل ، وقد سرّنا الخبر ، إذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه (٣) بشرّ ، حتى جلس على طنب (٤) الحجرة ، فكان ظهره إلى ظهري. فبينا هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب قد قدم. فقال أبو لهب : إليّ ، فعندك الخبر. قال : فجلس إليه ، والناس قيام عليه ، فقال : يا بن أخي ، أخبرني كيف كان أمر النّاس؟ قال : والله ما هو إلّا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا

__________________

(١) السيرة لابن هشام ٣ / ٥٤ وانظر المغازي لعروة ص ١٤٣.

(٢) في ع : (سهام الأقداح) وفي ح : (السهام أو الأقداح). وفي السيرة ٣ / ٥٥ «أعمل الأقداح».

(٣) في ع : (رجل).

(٤) الطنب : حبل الخباء والسرادق ، ويقال : الوتد. (تاج العروس ٣ / ٢٧٨).


كيف شاءوا ويأسروننا ، وايم الله ما لمت النّاس ، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق (١) بين السماء والأرض ، والله ما تليق (٢) شيئا ولا يقوم لها شيء (٣).

قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ، ثم قلت : تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة. قال : وثاورته (٤) ، فحملني وضرب بي الأرض. ثم برك عليّ يضربني ، وكنت رجلا ضعيفا. فقامت أمّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربة ، فلقت في رأسه شجّة منكرة ، وقالت : استضعفته أن غاب عنه سيّده؟ فقام مولّيا ذليلا. فو الله ما عاش إلّا سبع ليال ، حتى رماه [١١ ب] الله بالعدسة (٥) فقتلته (٦).

وكانت قريش تتّقي هذه العدسة كما يتّقى الطّاعون. حتى قال رجل من قريش لا بنيه : ويحكما؟ أما (٧) تستحيان أنّ أبا كما قد أنتن في بيته لا تدفنانه؟ فقالا : نخشى عدوى هذه القرحة. فقال : انطلقا فأنا أعينكما فو الله ما غسّلوه إلّا قذفا بالماء عليه من بعيد. ثم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا (٨) عليه الحجارة (٩).

رواه محمد بن إسحاق من طريق يونس بن بكير عنه بمعناه. قال :

__________________

(١) البلق : جمع أبلق وبلقاء ، وهو ما يجتمع فيه البياض والسواد.

(٢) ما تليق شيئا ، ما تمسكه.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٥

(٤) ثاورته : واثبته وساورته. (تاج العروس ١٠ / ٣٤٣).

(٥) العدسة : بثرة صغيرة شبيهة بالعدسة تخرج بالبدن مفرّقة كالطّاعون فتقتل غالبا وقلّما يسلم منها.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٥.

(٧) في ع ، ح. (ألا).

(٨) رضموا عليه الحجارة : وضعوا بعضها فوق بعض.

(٩) الروض الأنف ٣ / ٦٧.


حدّثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبّاس ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : حدّثني أبو رافع مولى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وروى عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه قال : ناحت قريش على قتلاها ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم.

وكان الأسود بن المطّلب قد أصيب له ثلاثة من ولده (١) : زمعة ، وعقيل ، والحارث. فكان يحبّ أن يبكي عليهم.

قال ابن إسحاق : ثم بعثت قريش في فداء الأسارى. فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو. فقال عمر رضي‌الله‌عنه : دعني يا رسول الله أنزع ثنيّتي سهيل (٢) فلا يقوم عليك خطيبا في موطن (٣) أبدا فقال : لا أمثّل به فيمثّل الله بي ، وعسى أن يقوم مقاما لا تذمّه. فقام في أهل مكة بعد وفاة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحو من خطبة أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، وحسن إسلامه.

وانسلّ (٤) المطّلب بن أبي وداعة ، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم ، وانطلق به.

وبعثت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع ابن عبد شمس ، بمال. وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقّ لها ، وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها [مالها] (٥). قالوا : نعم ، يا رسول الله. وأطلقوه.

__________________

(١) في ع : (الولد).

(٢) زاد في ح : «ليدلع لسانه». أي يخرج من الفم ويسترخي ويسقط على العنقفة كلسان الكلب.

(٣) في ح : (موضع) وكتب إزاءها في الهامش (موطن).

(٤) انسلّ : انطلق في استخفاء.

(٥) سقطت من الأصل وبقيّة النسخ ، وزدناها من ابن الملّا.

ورواية ابن سعد «وتردّوا عليها متاعها».


فأخذ عليه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخلّي سبيل زينب ، وكانت من المستضعفين من النّساء. واستكتمه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك. وبعث زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار ، فقال : كونا ببطن يأجج (١) حتى تمرّ بكما زينب فتصحبانها حتى تأتياني بها. وذلك بعد بدر بشهر (٢).

فلمّا قدم أبو العاص مكّة أمرها باللّحوق بأبيها ، فتجهّزت. فقدّم أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا ، فركبته وأخذ قوسه وكنانته ، ثم خرج بها نهارا يقودها. فتحدّث بذلك رجال ، فخرجوا في طلبها. فبرك كنانة ونثر كنانته لمّا أدركوها (٣) بذي طوى (٤) ، فروّعها هبّار بن الأسود (٥) بالرّمح. فقال كنانة : والله لا يدنو منّي رجل إلّا وضعت فيه سهما. فتكركر النّاس عنه. وأتى أبو سفيان في أجلّة (٦) من قريش ، فقال : أيّها الرجل كفّ عنّا نبلك حتى نكلّمك. فكفّ. فوقف عليه أبو سفيان فقال : إنّك لم تصب. خرجت بالمرأة على رءوس النّاس علانية ، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من [١٢ أ] محمد ، فيظن النّاس إذا خرجت بابنته إليه علانية أنّ ذلك على ذلّ أصابنا ، وأنّ ذلك منّا وهن وضعف ، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة ، ولكن ارجع بالمرأة ، حتّى إذا هدأت الأصوات ، وتحدّث الناس أنّا رددناها ، فسلّها سرّا وألحقها بأبيها. قال : ففعل. ثم خرج بها ليلا ، بعد ليال ، فسلّمها إلى زيد وصاحبه. فقدما بها على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقامت عنده (٧).

__________________

(١) بطن يأجج : مكان من مكة على ثمانية أميال ، (معجم البلدان).

(٢) السيرة ٣ / ٥٨.

(٣) في ع : (أدركوه).

(٤) ذو طوى ، مثلثة الطّاء ، والفتح أشهر : موضع قرب مكة ، به كان البئر المعروف بالطّوى.

(معجم ما استعجم ٣ / ٨٩٦).

(٥) هو : هبّار بن الأسود بن المطّلب بن عبد العزّى.

(٦) في الأصل والسيرة ٣ / ٥٨ : جلّة. وأثبتنا نصّ ع ، ح.

(٧) سيرة ٣ / ٥٨.


فلما [كان] (١) قبل الفتح ، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله ، وبمال كثير لقريش. فلما رجع لقيته سريّة فأصابوا ما معه ، وأعجزهم هاربا ، فقدموا بما أصابوا. وأقبل أبو العاص في الليل ، حتى دخل على زينب ، فاستجار بها فأجارته ، وجاء في طلب ماله. فلما خرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الصّبح فكبّر وكبّر الناس معه ، صرخت زينب من صفّة النّساء : أيّها النّاس إنّي قد أجرت أبا العاص بن الربيع (٢).

وبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السّريّة الذين أصابوا ماله فقال : إنّ هذا الرجل منّا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردّوا عليه الّذي له ، فإنّا نحبّ ذلك. وإن أبيتم فهو فيء الله الّذي أفاء عليكم ، فأنتم أحقّ به. قالوا : بل نردّه. فردّوه كلّه. ثم ذهب به إلى مكة ، فأدّى إلى كلّ ذي مال ماله. ثم قال : يا معشر قريش ، هل بقي لأحد عندي منكم مال؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيرا ، فقد وجدناه وفيّا كريما. قال : فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ (٣) محمداً عبده ورسوله. والله ما منعني من الإسلام عنده إلّا تخوّف أن تظنّوا أنّي إنّما أردت أكل أموالكم.

ثم قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : ردّ عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب على النّكاح الأول ، لم يحدث شيئا (٤).

ومن الأسارى : الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ ، أسره عبد الله ابن جحش ، وقيل : سليط المازني.

وقدم في فدائه أخواه : خالد بن الوليد ، وهشام بن الوليد ، فافتكّاه

__________________

(١) سقطت من الأصل ، واستدركناها من ع ، ح.

(٢) السيرة ٣ / ٥٩ ، ٦٠.

(٣) في ع : (وأشهد أن).

(٤) السيرة ٣ / ٦٠.


بأربعة آلاف درهم ، وذهبا به.

فلما افتدي أسلم ، فقيل له في ذلك فقال : كرهت أن تظنّوا بي أنّي جزعت من الأسر. فحبسوه بمكة. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو له في القنوت ، ثم هرب ولحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الحديبيّة. وتوفّي قديما ، لعلّ في حياة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبكته أمّ سلمة ، وهي بنت عمّه (١).

يا عين فابكي للوليد ـ

بن الوليد بن المغيرة

 قد كان غيثا في السنين

ورحمة فينا وميره

 ضخم الدّسيعة ماجدا

يسموا إلى طلب الوتيره

 مثل الوليد بن الوليد

أبي الوليد كفى العشيرة (٢)

* * *

ومن الأسرى : أبو عزّة عمرو بن عبد الله الجمحيّ. كان محتاجا ذا بنات.

قال للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد عرفت أنّي لا مال لي ، وأنّي ذو حاجة وعيال ، فامنن (٣) عليّ. فمنّ عليه ، وشرط عليه أن لا يظاهر عليه أحدا (٤).

* * *

وقال عروة بن الزّبير ، جلس عمير بن وهب الجمحيّ مع صفوان بن أميّة ، بعد مصاب أهل بدر بيسير ، في الحجر ، وكان عمير من شياطين

__________________

(١) في الأصل : (عمّته). والتصحيح من ع ، ح. وانظر أسد الغابة (٥ / ٤٥٥) والإصابة (٣ / ٦٤٠).

(٢) الميرة : الطعام. والدّسيعة : اسم للعطيّة الجزيلة ، يقال للجواد : هو ضخم الدّسيعة أي كثيرة العطية. والوتيرة : الثأر. والأبيات في : الإصابة ٣ / ٦٤٠.

(٣) في ع : (فمنّ).

(٤) انظر سيرة ابن هشام ٣ / ٦١.


قريش ، [١٢ ب] وممّن يؤذي المسلمين. وكان ابنه وهيب في الأسرى. فذكر أصحاب القليب ومصابهم. فقال صفوان : والله إنّ في العيش بعدهم لخير (١) فقال عمير : صدقت ، والله لو لا دين عليّ ليس عندي له قضاء ، وعيال أخشى عليهم ، لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإنّ لي فيهم علّة ، ابني أسير في أيديهم. فاغتنمها صفوان فقال : عليّ دينك وعيالك. قال : فأكتم عليّ. ثم شحذ سيفه وسمّه ، ومضى إلى المدينة.

فبينا عمر في نفر من المسلمين يتحدّثون عن يوم بدر ، إذ نظر عمر رضي‌الله‌عنه إلى عمير حين أناخ على باب المسجد متوشّحا بالسّيف. فقال : هذا الكلب عدوّ الله عمير ، وهو الّذي حزرنا يوم بدر. ثم دخل على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هذا عمير. قال : أدخله عليّ. فأقبل عمر (٢) حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه (٣) ، فلبّبه به (٤) ، وقال لرجال ممّن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه هذا الخبيث. ثم دخل به فقال : أرسله يا عمر ، أدن يا عمير. فدنا ، ثم قال : انعموا صباحا ، قال : فما جاء بك؟ قال : جئت لهذا الأسير الّذي في أيديكم. قال : فما بال السيف في عنقك؟ قال : قبّحها الله من سيوف ، وهل أغنت شيئا؟ قال : اصدقني ما الّذي جئت له؟ قال : ما جئت إلّا لذلك. قال : بلى ، قعدت أنت وصفوان في الحجر. وقصّ له ما قالا. فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسوله. قد كنّا يا رسول الله نكذّبك بما تأتينا به من خبر السّماء ، وهذا أمر لم يحضره إلّا أنا وصفوان فو الله [إنّي] (٥)

__________________

(١) في ح : (والله إنّ ما في العيش بعدهم خير).

(٢) في ح : (فأقبل عمر على عمير).

(٣) في ح : (وهو في عنقه) وحمّالة السيف علّاقته التي يحمل منها.

(٤) لبّبه تلبيبا : إذا جمع ثوبه عند نحره وقبضه إليه. (تاج العروس ٤ / ١٩١).

(٥) في الأصل ، ع : (فو الله لأعلم). وفي ح : (فو الله إنّي لا أعلم). والزيادة من السيرة لابن هشام ٣ / ٧١ وعيون الأثر لابن سيّد النّاس (١ / ٢٧٠).


لأعلم ما أتاك به إلّا الله ، فالحمد لله الّذي هداني للإسلام. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقّهوا أخاكم في دينه ، وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره. ففعلوا.

ثم قال : يا رسول الله إنّي كنت جاهدا على إطفاء نور الله ، شديد الأذى لمن كان على دين الله ، وأنا أحبّ أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله ، لعلّ الله أن يهديهم. وإلّا آذيتهم في دينهم. فأذن له ولحق بمكة. وكان صفوان يعد قريشا يقول : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الركبان ، حتى قدم راكبا فأخبره عن إسلامه ، فحلف لا يكلّمه أبدا ولا ينفعه بشيء أبدا. ثم أقام يدعو إلى الإسلام ، ويؤذيهم. فأسلم على يديه ناس كثير (١).

* * *

بقيّة أحاديث غزوة بدر

وهي كالشّرح لما قدّمناه فيها :

قال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه ، قال : انطلق سعد بن معاذ معتمرا : فنزل على أميّة ابن خلف (٢) ـ وكان أميّة ينزل عليه إذا سافر إلى الشام ـ فقال لسعد : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل النّاس فطف. قال : فبينا هو يطوف إذا أتاه أبو جهل فقال : من أنت : قال : أتطوف آمنا وقد أويتم محمّدا وأصحابه ، وتلاحيا. فقال أميّة لسعد : لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنّه سيّد أهل الوادي. فقال : [١٣ أ] والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنّ عليك متجرك بالشّام. وجعل أميّة يقول : لا ترفع صوتك. فغضب وقال : دعنا منك ، فإنّي سمعت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزعم أنه قاتلك قال : إيّاي؟ قال : نعم.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٧٠ ، ٧١.

(٢) انظر عنه : المحبّر ١٤٠ و ١٦٠ و ١٦٢ و ١٧٠ و ١٧٤ ، تهذيب ابن هشام ٧٠ و ٨٢ و ٨٤.


قال : والله ما يكذب محمد. فكاد أن يحدث. فرجع فقال لامرأته : أتعلمين ما قال أخي اليثربيّ؟ قالت : وما قال؟ قال : زعم أنّ محمدا يزعم أنّه قاتلي. قالت : فو الله ما يكذب. فلما خرجوا لبدر وجاء الصّريخ قالت له امرأته : أما علمت ما قال اليثربيّ. قال : فإنّي إذن لا أخرج. فقال أبو جهل : إنّك من أشراف أهل الوادي فسر معنا يوما أو يومين. فسار معهم ، فقتل. أخرجه البخاري (١).

وأخرجه أيضا من حديث إبراهيم بن يوسف [بن إسحاق] (٢) بن أبي إسحاق السّبيعي ، عن أبيه ، عن جدّه. وفيه ، فلما استنفر (٣) أبو جهل النّاس وقال : أدركوا عيركم كره أميّة أن يخرج. فأتاه أبو جهل فقال : يا أبا صفوان إنّك متى يراك النّاس تخلّفت ـ وأنت سيّد أهل الوادي ـ تخلّفوا معك. فلم يزل به حتى قال : [أما] (٤) إذا غلبتني فو الله لأشترينّ أجود بعير بمكة. ثم قال : يا أمّ صفوان جهّزيني فما أريد أن أجوز معهم إلّا قريبا. فلما خرج أخذ لا ينزل منزلا إلّا عقل بعيره. فلم يزل بذاك حتى قتله الله ببدر (٥).

وذكر الزّهري قال : إنّما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمن خرج من أصحابه يريدون عير قريش التي قدم بها أبو سفيان من الشام ، حتى جمع الله بين الفئتين من غير ميعاد. قال الله تعالى ، (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) (٦).

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الأنبياء ، باب علامات النبوّة في الإسلام (٤ / ٢٤٩).

(٢) زيادة في اسمه من تهذيب التهذيب (١ / ١٨٣).

(٣) في الأصل (استفزّ) والتصحيح من ع ، ح.

(٤) سقطت من الأصل وبقية النسخ ، وزدناها من صحيح البخاري.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب ذكر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يقتل ببدر (٥ / ٩١).

(٦) سورة الأنفال : من الآية ٤٢.


رؤيا عاتكة

قال يونس بن بكير (١) ، عن ابن إسحاق ، حدّثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبّاس ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ،

(ح) قال ابن إسحاق (٢) : وحدّثني يزيد بن رومان ، عن عروة قال :

رأت عاتكة بنت عبد المطّلب فيما يرى النّائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو الغفاريّ على قريش مكة بثلاث ليال ، رؤيا ، فأصبحت عاتكة فأعظمتها ، فبعثت إلى أخيها العبّاس فقالت له : يا أخي لقد رأيت الليلة رؤيا ليدخلنّ منها على قومك شرّ وبلاء. فقال : وما هي؟ فقالت :

رأيت فيما يرى النّائم أنّ رجلا أقبل على بعير له فوقف بالأبطح (٣) فقال : انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث (٤) ، فاجتمعوا إليه ، ثم أري بعيره دخل به المسجد واجتمع النّاس إليه ، ثم مثل به بعيره فإذا هو على رأس الكعبة ، فقال : انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أري بعيره مثل به على رأس أبي قبيس (٥) ، فقال : انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث. ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل فأقبلت تهوي ، حتى إذا

__________________

(١) في طبعة القدسي ٥٥ «بكر» والتصحيح من : تهذيب التهذيب ١١ / ٤٣٤ ، ٤٣٥.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٣٠.

(٣) كل مسيل فيه دقاق الحصى فهو أبطح. والأبطح والبطحاء الرمل المبسط على وجه الأرض.

وهو يضاف إلى مكة وإلى منى لأنّ المسافة بينه وبينهما واحدة ، وربما كان إلى منى أقرب ، وهو المحصّب ، وهو خيف بني كنانة. وقد قيل إنه ذو طوى وليس به. وذكر بعضهم أنه إنّما سمّي أبطح لأنّ آدم عليه‌السلام بطح فيه. (معجم البلدان) وانظر تاج العروس ٦ / ٣١٤ و ٣١٥.

(٤) يا آل غدر : أكثر ما يستعمل في النداء في الشتم. يقال للمفرد : يا غدر ، وللجمع يا آل غدر. وقد ضبطه السهيليّ بضم الغين والدال. (الروض الأنف ٢ / ٦١)

(٥) أبو قبيس : الجبل المشرف على مكة من شرقيّها ، وفي أصل تسميته أكثر من رواية ذكرها ياقوت في معجم البلدان ١ / ٨٠ ، ٨١.


كانت في أسفله ارفضّت (١) فما بقيت دار من دور مكة (٢) ولا بيت إلّا دخل فيه بعضها.

فقال العبّاس : والله إنّ هذه لرؤيا ، فاكتميها. فقالت : وأنت فاكتمها ، لئن بلغت هذه قريشا ليؤذننا (٣).

فخرج العبّاس من عندها ، فلقي الوليد بن عتبة ـ وكان له صديقا ـ فذكرها له واستكتمه. فذكرها الوليد [١٣ ب] لأبيه ، فتحدّث بها ، ففشا الحديث. فقال العبّاس : والله إنّي لغاد إلى مكة لأطوف بها ، فإذا أبو جهل في نفر يتحدّثون عن رؤيا عاتكة ، فقال أبو جهل : يا أبا الفضل تعال.

فجلست إليه فقال : متى حدّثت هذه النبيّة فيكم؟ ما رضيتم يا بني عبد المطّلب أن تنبّأ (٤) رجالكم حتى تنبّأ نساؤكم ، سنتربّص بكم هذه الثلاث التي ذكرت عاتكة ، فإن كان حقّا فسيكون ، وإلّا كتبنا عليكم كتابا أنّكم أكذب أهل بيت في العرب.

قال : فو الله ما كان منّي إليه من كبير (٥) ، إلّا أنّي أنكرت ما قالت ، وقلت : ما رأت شيئا ولا سمعت بهذا ، فلمّا أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطّلب إلّا أتتني فقلن : صبرتم (٦) لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في

__________________

(١) ارفضّت : تفرّقت.

(٢) في الأصل : (قومك). وأثبتنا نص ع ، ح. وانظر السيرة ٣٠.

(٣) في ع ، ح. (ليؤذوننا).

(٤) في السيرة «يتنبّأ».

(٥) (كبير) : كذا بالأصل وسائر النّسخ وابن الملا. وفي السيرة : ما كان منّي إليه كبير. وهذا الاستعمال يرد في كلام العرب ، ومنه الحديث الشريف «إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير» (البخاريّ كتاب الوضوء). قال في اللسان : أي ليس في أمر كان يكبر عليهما ويشقّ فعله لو أرادا.

(٦) في السيرة «أقررتم».


رجالكم ، ثم قد تناول النّساء وأنت تسمع ، فلم يكن عندك في ذلك غير (١). فقلت : قد والله صدقتنّ وما كان عندي في ذلك من غير (١) إلّا أنّي أنكرت. ولأتعرّضنّ له ، فإن عاد لأكفينّكه.

فغدوت في اليوم الثالث أتعرّض له ليقول شيئا فأشاتمه. فو الله إنّي لمقبل نحوه ، وكان رجلا حديد الوجه ، حديد النّظر ، حديد اللّسان ، إذ ولّى نحو باب المسجد يشتدّ. فقلت في نفسي : اللهمّ العنة ، كل [هذا] (٢) فرقا (٣) أن أشاتمه. وإذا هو قد سمع ما لم أسمع ، صوت ضمضم ابن عمرو [الغفاريّ] (٤) ، وهو واقف [على] (٥) بعيره بالأبطح ، قد حوّل رحله وشقّ قميصه وجدّع بعيره ، يقول : يا معشر قريش ، اللّطيمة (٦) اللّطيمة! أموالكم مع أبي سفيان ، قد عرض لها محمد ، فالغوث الغوث! فشغله ذلك عنّي ، وشغلني عنه. فلم يكن إلّا الجهاز حتى خرجنا ، فأصاب قريشا ما أصابها يوم بدر. فقالت عاتكة :

ألم تكن الرؤيا بحقّ وجاءكم

بتصديقها فلّ من القوم هارب (٧)

 __________________

(١) في ح : (غيره) في الموضعين. قال «ابن الأنباري» في قولهم «لا أراني الله بك غيرا» الغير تغيّر الحال ، وهو اسم واحد بمنزلة القطع والعنب وما أشبههما ، ويجوز أن يكون جمعا واحدته غيرة.

قال بعض بني كنانة :

فمن يشكر الله يلق المزيد

ومن يكفر الله يلق الغير

انظر : الزاهر ٢ / ٣١٣ ولسان العرب ، والنهاية في غريب الحديث ، وتاج العروس ١٣ / ٢٨٧.

(٢) إضافة من سيرة ابن هشام ٣ / ٣١.

(٣) في هامش ح (أي خوفا).

(٤) إضافة من السيرة.

(٥) سقطت من الأصل ، ح ، وزدناها من ع. والسيرة.

(٦) اللّطيمة : العير التي تحمل الطّيب وبزّ التجارة وسائر المتاع غير الميرة ، أو كل سوق ويجلب إليها ذلك.

(٧) الفلّ القوم المنهزمون : وفي هامش ح : ويقال جاء فلّ القوم أي منهزموهم. يستوي فيه الواحد والجمع.


فقلتم (١) ولم أكذب : كذبت وإنّما

يكذّبنا بالصّدق من هو كاذب (٢)

 وقال أبو إسحاق. (٣) : سمعت البراء يقول : استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. وكنّا ـ أصحاب محمّد ـ نتحدّث أنّ عدّة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر ، كعدّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النّهر ، وما جازه إلّا مؤمن. أخرجه البخاري (٤).

وقال : سمعت البراء يقول : كان المهاجرون يوم بدر نيّفا وثمانين (٥). أخرجه البخاري (٦).

وقال ابن لهيعة : حدّثني يزيد بن أبي حبيب ، حدّثني أسلم أبو عمران أنّه سمع أبا أيّوب الأنصاريّ يقول : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن بالمدينة : هل لكم أن نخرج فنلقي العير لعلّ الله يغنمنا؟ قلنا : نعم. فخرجنا ، فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا أن نتعادّ ، ففعلنا ، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فأخبرناه بعدّتنا ، فسرّ بذلك وحمد الله ، وقال : عدّة أصحاب طالوت.

وقال ابن وهب : حدّثني حييّ بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي (٧) ، عن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) في طبعة القدسي ٥٨ «فلقتم».

(٢) في ح : (من كان كاذب) وكتب فوقها : كان تامّة. وفي الهامش (خ) : أي في نسخة.

والبيتان ليسا في سيرة ابن هشام.

(٣) في الأصل ، ع : (ابن إسحاق) وكذلك في نسخة شعيرة ص ١١٥ والتصحيح من البخاري ، وتهذيب التهذيب ١ / ٤٢٥ في ترجمة البراء بن عازب.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب عدة أصحاب بدر (٥ / ٩٤).

(٥) رواية البخاري : نيّفا على ستين. كذلك في البداية والنهاية ٣ / ٢٦٩.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب عدّة أصحاب بدر (٥ / ٩٣).

(٧) في طبعة القدسي ٥٨ «الجبليّ» والتصحيح من اللباب ١ / ٣٣٧ قال : بضم الحاء المهملة والباء الموحّدة ، وذكر سيبويه النحويّ «الحبلي» بفتح الباء ، وهو منسوب إلى بني الحبلي.


[خرج] (١) يوم بدر بثلاثمائة وخمسة عشر من المقاتلة كما خرج طالوت فدعا لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج فقال : اللهمّ إنّهم حفاة فاحملهم ، [١٤ أ] اللهمّ إنّهم عراة فاكسهم (٢) ، اللهمّ إنّهم جياع فأشبعهم. ففتح الله لهم ، فانقلبوا وما منهم ، رجل إلّا وقد رجع بجمل أو جملين ، واكتسوا وشبعوا.

وقال أبو إسحاق عن البراء قال : لم يكن يوم بدر فارس غير المقداد.

وقال أبو إسحاق عن حارثة بن مضرّب : إنّ عليّا رضي‌الله‌عنه قال : لقد رأيتنا ليلة بدر وما منّا أحد إلّا وهو نائم إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنّه يصلّي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح ، ولقد رأيتنا وما منّا أحد فارس يومئذ إلا المقداد. رواه شعبة عنه.

ومن وجه آخر عن عليّ ، قال : ما كان معنا إلّا فرسان. فرس للزبير (٣) وفرس للمقداد بن الأسود.

وعن إسماعيل بن أبي خالد ، عن البهيّ قال : كان يوم بدر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فارسان ، الزبير على الميمنة ، والمقداد على الميسرة.

وقال عروة : كان على الزبير يوم بدر عمامة صفراء ، فنزل جبريل على سيما الزّبير.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله قال : كنّا يوم بدر نتعاقب ثلاثة على بعير ، فكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع ، ح.

(٢) في طبعة القدسي ٥٩ «فاكسبهم» وهو غلط.

(٣) في طبعة القدسي ٥٩ «للزمن» والتصحيح من نسخة شعيرة ١١٦ ومن السياق.


فكانت (١) إذا حانث (٢) عقبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولان له : اركب حتى نمشي. فيقول : إنّي لست بأغنى عن الأجر منكما ، ولا أنتما بأقوى على المشي منّي.

المشهور عند أهل المغازي : مرثد بن أبي مرثد الغنوي بدل أبي لبابة. فإنّ أبا لبابة ردّه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستخلفه على المدينة.

وقال معمر : سمعت الزّهريّ يقول : لم يشهد بدرا إلّا قريشيّ أو أنصاريّ أو حليف لهما.

وعن الحسن ، قال : كان فيهم اثنا عشر من الموالي.

وقال عمرو العنقزيّ ، أنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرّب ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، قال : أخذنا رجلين يوم بدر. أحدهما عربيّ والآخر مولى ، فأفلت العربيّ وأخذنا المولى ، مولى لعقبة بن أبي معيط ، فقلنا : كم هم؟ قال : كثير عددهم شديد بأسهم. فجعلنا نضربه. حتى انتهينا به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأبى أن يخبره. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كم ينحرون من الجزور؟ فقال : في كلّ يوم عشرا. فقال رسول الله : صلى‌الله‌عليه‌وسلم القوم ألف ، لكلّ جزور مائة.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي بكر ، أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا نبني لك عريشا ، فتكون فيه ، وننيخ لك ركائبك ونلقى عدوّنا ، فإذا أظهرنا الله عليهم فذاك ، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا. فقد تخلّف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبّا منهم ، ولو علموا أنّك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك ،

__________________

(١) في ح : (فكان). وكذلك في نهاية الأرب ١٨ / ١٦.

(٢) في نهاية الأرب «كانت».


ويوادّونك وينصرونك. فأثنى عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيرا ودعا له. فبني لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عريش (١) ، فكان فيه وأبو بكر ما معهما غيرهما.

وقال خ (٢) : ثنا أبو نعيم ، ثنا إسرائيل ، عن مخارق ، عن طارق بن شهاب ، سمع ابن مسعود يقول : شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحبّ (٣) إليّ ممّا عدل (٤) به : أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يدعو على المشركين فقال : لا نقول لك كما قال قوم موسى [١٤ ب] لموسى (٥) : اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، (٦) ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ، قال : فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أشرق [وجهه] (٧) لذلك ، وسرّه (٨).

وقال (م د) حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ندب أصحابه فانطلق إلى بدر ، فإذا هم بروايا قريش ، فيها عبد أسود لبني الحجّاج ، فأخذه أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلوا يسألونه : أين [أبو (٩)] سفيان؟ فيقول : والله ما لي بشيء من أمره علم ، ولكن هذه قريش قد جاءت ، فيهم أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، وأميّة بن خلف. قال : فإذا قال لهم ذلك ضربوه. فيقول : دعوني دعوني أخبركم. فإذا تركوه قال

__________________

(١) في طبعة القدسي ٦٠ «عريشا» والتصحيح من نسخة شعيرة.

(٢) ليست في نسخة شعيرة ١١٧.

(٣) في نسختي : ع ح ، زيادة «كان أحبّ».

(٤) في نسخة شعيرة ١١٧ «عذر» وهو غلط.

(٥) لموسى ، غير موجودة في صحيح البخاري.

(٦) سورة المائدة ، الآية ٢٤.

(٧) زيادة من ح والبخاري.

(٨) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قول الله تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٥ / ٩٣). وفيه اختلاف ألفاظ عن هنا.

(٩) سقطت من الأصل وزدناها من ع ، ح.


كقوله سواء. والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي وهو يسمع ذلك. فلما انصرف قال : والّذي نفسي بيده إنّكم لتضربونه إذا صدقكم وتدعونه إذا كذبكم. هذه قريش قد أقبلت لتمنع أبا سفيان (١).

قال أنس رضي‌الله‌عنه : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا مصرع فلان غدا ، ووضع يده على الأرض. وهذا مصرع فلان ، ووضع يده على الأرض ، وهذا مصرع فلان ، ووضع يده على الأرض.

قال : والّذي نفسي بيده ما جاوز أحد منهم عن موضع يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فأمر بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخذ بأرجلهم ، فسحبوا فألقوا في قليب بدر (٢). صحيح.

وقال حمّاد أيضا ، عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان. فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه ، ثم تكلّم عمر فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة ـ كذا قال ، والمعروف سعد بن معاذ ـ فقال : إيّانا تريد يا رسول الله؟ والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها. ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد (٣) لفعلنا. قال : فندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس ، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا. وساق الحديث المذكور قبل هذا. أخرجه مسلم (٤).

ورواه أيضا من حديث سليمان بن المغيرة أحضر منه عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه : حدّثنا عمر قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخبرنا عن مصارع

__________________

(١) صحيح مسلم (١٧٧٩) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة بدر ، وعون المعبود : ٣ / ١٠.

(٢) سبق التعريف به.

(٣) برك الغماد : برك : بفتح الباء وإسكان الراء. والغماد : بغين معجمة مكسورة ومضمومة ، لغتان مشهورتان ، لكن الكسر أفصح وهو المشهور في روايات المحدّثين ، والضمّ هو المشهور في كتب اللغة. وهو موضع من وراء مكة. بخمسة ليال بناحية الساحل ، وقيل بلدتان ـ وقيل هو موضع بأقاصي هجر.

(٤) صحيح مسلم ١٧٧٩ كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة بدر.


القوم بالأمس : هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا ، هذا مصرع فلان إن شاء الله غدا. فو الّذي بعثه بالحقّ ، ما أخطأوا تلك الحدود ، وجعلوا يصرعون حولها. ثم ألقوا في القليب.

وجاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقّا. فقلت : يا رسول الله أتكلّم أجسادا لا أرواح فيها؟ فقال : والّذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ.

وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق ، ولقد رأيتنا وما فينا إلّا نائم (١) إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت سمرة يصلّي ويبكي ، حتى أصبح.

[١٥ أ] وقال أبو عليّ عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي : حدّثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، أخبرني إسماعيل بن عون [بن عليّ (٢)] بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ، ثم جئت لأنظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما فعل ، فجئت فإذا هو ساجد يقول : يا حيّ يا قيّوم ، يا حيّ يا قيّوم ، لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال ، ثم جئت وهو ساجد يقول أيضا. غريب.

وقال الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : ما سمعت مناشدا ينشد حقّا أشدّ من مناشدة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر ، جعل يقول : اللهمّ أنشدك (٣) عهدك ووعدك ، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا

__________________

(١) في ح : (وما فينا أحد إلّا وهو نائم).

(٢) الزيادة من ترجمته في تهذيب التهذيب (١ / ٢٢١).

(٣) في ح : «إنّي أنشدك».


تعبد ، ثم التفت وكأنّ شقّ وجهه القمر ، فقال : كأنّما انظر إلى مصارع القوم عشيّة بدر.

وقال خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال وهو في قبّته يوم بدر : اللهمّ إنّي أنشدك عهدك ووعدك ، اللهمّ إنّ شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا. فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربّك ، وهو في الدرع. فخرج وهو يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (١) أخرجه البخاري (٢).

وقال عكرمة بن عمّار : حدّثني أبو زميل سماك الحنفي ، حدّثني ابن عبّاس ، عن عمر قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا. فاستقبل القبلة ثمّ مدّ يديه (٣) فجعل يهتف بربّه ، مادّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه فقال : يا نبيّ الله (٤) كفاك (٥) مناشدتك ربّك فإنّه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله [عزوجل (٦)](إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٧) فأمدّه الله بالملائكة.

فحدّثني ابن عبّاس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتدّ في أثر

__________________

(١) سورة القمر : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة اقتربت الساعة (٦ / ١٧٩).

(٣) في طبعة القدسي ٦٤ «يده» والتصويب من صحيح مسلم ، ونسخة شعيرة ، والبداية والنهاية.

(٤) في ع : (يا رسول الله).

(٥) في الأصل ، ع : (كذاك). والتصحيح. والتصحيح من ح. ورواه مسلم «كذاك».

(٦) زيادة من ع ، ح. وصحيح مسلم.

(٧) سورة الأنفال : ٩.


رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسّوط فوقه وصوت الفارس [يقول] (١) : أقدم حيزوم (٢). إذ نظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه (٣) وشقّ وجهه كضربة السوط ، فاخضرّ ذلك أجمع. فجاء الأنصاريّ ، فحدّث ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : صدقت ، ذاك من مدد السماء الثالثة.

فقتلوا يومئذ سبعين ، وأسروا سبعين. أخرجه مسلم (٤).

وقال سلامة بن روح ، عن عقيل ، حدّثني ابن شهاب قال : قال أبو حازم عن سهل بن سعد قال : قال أبو أسيد السّاعديّ بعد ما ذهب بصره : يا ابن أخي ، والله لو كنت أنا وأنت ببدر ، ثمّ أطلق الله لي بصري لأريتك الشّعب الّذي خرجت علينا منه الملائكة ، غير شكّ ولا تمار (٥).

وقال الواقدي : ثنا ابن أبي حبيبة (٦) عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس. وحدّثنا موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا أبا بكر [أبشر] (٧) هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ [١٥ ب] بعنان فرسه بين السماء والأرض. فلما نزل إلى الأرض ،

__________________

(١) إضافة من صحيح مسلم.

(٢) أقدم حيزوم : ضبطوه بوجهين : أصحّهما وأشهرهما ، لم يذكر ابن دريد وكثيرون أو الأكثرون غيره : أنه بهمزة قطع مفتوحة ، وبكسر الدال. من الإقدام ، قالوا : وهي كلمة زجر للفرس معلومة في كلامهم. والثاني بضم الدال وبهمزة وصل مضمومة من التقدّم وحيزوم اسم فرس الملك ، وهو منادى بحذف حرف النداء. أي : يا حيزوم. شرح صحيح مسلم ص ١٣٨٤ رقم (٨) وانظر الروض الأنف ٣ / ٤٨.

(٣) خطم أنفه ، ضربه. والخطم : الأثر على الأنف.

(٤) صحيح مسلم (١٧٦٣) : كتاب الجهاد والسير ، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر.

(٥) العبارة عند ابن كثير في البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠ «لا أشك فيه ولا أتمارى».

(٦) في الأصل : (ابن أبي حنيفة) خطأ صوابه من ع ، ح. وانظر تهذيب التهذيب (١ / ١٠٤).

والبداية والنهاية ٣ / ٢٨٠.

(٧) زيادة من ح. وفي البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠ وردت : «أبشر يا أبا بكر».


تغيّب عنّي ساعة ثم طلع ، على ثناياه النّقع (١) يقول : «أتاك نصر الله إذ دعوته» (٢).

وقال عكرمة ، عن ابن عبّاس ، أن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ رأس فرسه ، عليه أداة الحرب. أخرجه البخاري (٣).

وقال موسى بن يعقوب الزّمعي : حدّثني أبو الحويرث ، حدّثني محمد ابن جبير بن مطعم أنّه سمع عليّا رضي‌الله‌عنه ، خطب النّاس فقال : بينما أنا أمتح (٤) من قليب بدر إذ جاءت ريح شديدة لم أر مثلها ثم ذهبت ، ثم جاءت ريح شديدة كالتي قبلها. فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة ، وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة. وجاءت ريح ثالثة كان فيها إسرائيل في ألف (٥). فلما هزم الله أعداءه حملني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على فرسه ، فجرت بي ، فوقعت على عقبي ، فدعوت الله فأمسكت. فلما استويت عليها طعنت بيدي هذه في القوم حتى اختضب هذا ، وأشار إلى إبطه.

غريب. وموسى فيه ضعف (٦). وقوله : «حملني على فرسه» لا

__________________

(١) النقع : الغبار.

(٢) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ٨١). وابن كثير : البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب شهود الملائكة بدرا (٣ / ١٠٥). وراجع سيرة ابن هشام ٣ / ٣٨.

(٤) يقال : متح الماء كمنع ، يمتحه متحا : نزعه. وفي اللسان : المتح : نزعك رشاء الدلو تمدّ بيد وتأخذ بيد على رأس البئر. متح الدّلو يمتحها متحا ومتح بها. (تاج العروس ٧ / ١٠٧).

(٥) زاد بعدها في ع : (من الملائكة).

(٦) انظر : الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٦ / ٢٣٤١ والمغني في الضعفاء للذهبي (٢ / ٦٨٩) وميزان الاعتدال له ٤ / ٢٢٧.


يعلم (١) إلّا من هذا الوجه.

وقال يحيى بن بكير. حدّثني محمد بن يحيى بن زكريّا الحميري ، ثنا العلاء بن كثير ، حدّثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، حدّثني أبو أمامة بن سهل قال : قال أبي : يا بنيّ لقد رأيتنا يوم بدر وإنّ أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف (٢).

وقال ابن إسحاق : حدّثني من لا أتّهم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : كانت (٣) سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في (٤) ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا. ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر (٥). وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا (٦).

وجاء في قوله تعالى : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (٧) ، ذكر الواقدي ، عن إبراهيم [بن إسماعيل] (٨) بن أبي حبيبة ، حدّثه عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال :كان الملك يتصوّر في صورة من يعرفون من النّاس ، [يثبّتونهم] (٩) ، فيقول : إنّي قد دنوت منهم (١٠) فسمعتهم يقولون : لو حملوا علينا ما ثبتنا.

__________________

(١) في ع ، ح : (يعرف).

(٢) الرواية بالسند والنص عند ابن كثير ٣ / ٢٨٠ ،

(٣) في طبعة القدسي ٦٦ «كان» والتصويب من السيرة.

(٤) في السيرة «على».

(٥) في الأصل : «في سوى يوم بدر» وما أثبتناه عن نسخة ح ، والسيرة.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٤١ وفي آخرها «عددا ومددا لا يضربون» وكذا في البداية والنهاية ٣ / ٢٨١.

(٧) سورة الأنفال : من الآية ١٢.

(٨) زيادة في اسمه اضفناها من ترجمته في تهذيب التهذيب (١ / ١٠٤).

(٩) زيادة من ح.

(١٠) في الأصل : (منكم) وأثبتنا نصّ ع ، ح.


إلى غير ذلك من القول (١).

وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : لمّا قدمنا المدينة ، أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك. فكان (٢) النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتخبّر عن بدر. فلما بلغنا أنّ المشركين قد أقبلوا ، سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر ـ وهي بئر ـ فسبقنا المشركين إليها. فوجدنا فيها رجلين : رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشيّ فانفلت ، وأمّا مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له : كم القوم؟ فيقول : هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه. حتى انتهوا به إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : كم القوم؟ [قال] (٣) : هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجهد أن يخبره كم هم فأبى. ثم سأله : كم ينحرون كلّ [١٦ أ] يوم من الجزور؟ فقال : عشيرة. فقال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : القوم ألف ، كلّ جزور لمائة وتبعها.

ثم إنّه أصابنا من الليل طشّ (٤) من مطر ، فانطلقنا تحت الشجر والحجف (٥) نستظلّ تحتها (٦). وبات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو ربّه ويقول : «اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض». فلما طلع الفجر نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الصلاة جامعة. فجاء النّاس من تحت الشجر والحجف (٧) فصلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحضّ على القتال. ثم قال : إنّ جمع قريش عند

__________________

(١) الواقدي : كتاب المغازي ١ / ٧٩ وانظر : البداية والنهاية ٣ / ٢٨٠.

(٢) في ح : (وكان).

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع. وفي ح : (فقال).

(٤) الطش : المطر الخفيف.

(٥) الحجف : جمع حجفة ، وهي الترس من الجلود خاصة.

(٦) البداية والنهاية ٣ / ٢٦٧.

(٧) زاد في ح : والجرف. وفي الأصل رسمت علامة الإلحاق على كلمة «الحجف». وكتب إزاءها في الهامش «خ : والجرف» أي في نسخة.


هذه (١) الضلع الحمراء من الجبل. فلما دنا القوم منّا وصاففناهم إذا رجل منهم يسير في القوم (٢) على جمل أحمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا عليّ نا. لي حمزة ـ وكان أقربهم من المشركين ـ من صاحب الجمل الأحمر؟ وما ذا يقول لهم؟ ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن يك (٣) في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر ، فجاء حمزة فقال : هو عتبة بن ربيعة ، وهو ينهى عن القتال ويقول : يا قوم إنّي [أرى] (٤) أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير. يا قوم اعصبوها اليوم برأسي (٥) وقولوا جبن عتبة ، وقد تعلمون أنّي لست بأجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال : أنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته (٦). قد ملأت [رئتك] (٧) جوفك رعبا ، فقال : إيادي تعني يا مصفّر استه؟ ستعلم اليوم أيّنا أجبن؟

فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه شيبة (٨). فقال : من يبارز؟ فخرج من الأنصار شببة (٩) ، فقال عتبة : لا نريد هؤلاء ، ولكن يبارزنا من بني عمّنا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا عليّ ، قم يا حمزة ، [قم] (١٠) يا عبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وجرح

__________________

(١) في الأصل : (هذا). والتصحيح من ح. والبداية والنهاية ٣ / ٢٧٨.

(٢) في الأصل : (الأرض). وأثبتناه نص ع ، ح. والبداية والنهاية.

(٣) في طبعة القدسي ٦٨ «بك» وهو تحريف.

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٥) اعصبوها برأسي : يريد السّبّة التي تلحقهم بترك الحرب والجنوح إلى السّلم أي أقرنوا هذه الحال بي وأنسبوها إليّ ولو كانت ذميمة.

(٦) عضّه وعضّ عليه : أمسكه بأسنانه وشدّه بها.

(٧) سقطت من النسخ الثلاث واستدركناها من مسند الإمام أحمد والبداية والنهاية ٣ / ٢٧٨.

(٨) في الأصل وح : (حمية) ، وليست من السياق في شيء. وصحّحت في ع كما أثبتناها. وهي كذلك في البداية والنهاية.

(٩) الشببة : الشبان. والعبارة في البداية والنهاية : «فخرج فتية من الأنصار مشببة».

(١٠) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. والبداية والنهاية.


عبيدة. فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين.

فجاء رجل من الأنصار قصير برجل من بني هاشم أسيرا فقال الرجل : إنّ هذا والله ما أسرني ، ولقد أسرني رجل أجلح (١) من أحسن النّاس وجها ، على فرس أبلق ، ما أراه في القوم. فقال الأنصاريّ : أنا أسرته يا رسول الله. فقال : «اسكت ، فقد أيّدك الله بملك كريم».

قال : فأسر من بني عبد المطّلب : العبّاس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث (٢).

وقال إسحاق بن منصور السّلولي : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله (٣) قال : لقد قلّوا (٤) في أعيننا يوم بدر ، حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة. فأسرنا رجلا فقلت : كم كنتم؟ قال : ألفا.

وقال سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس رضي‌الله‌عنه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض. قال : يقول عمير بن الحمام الأنصاريّ : يا رسول الله عرضها السموات والأرض؟ فقال : نعم. قال : بخ بخ! قال : ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال : لا والله يا رسول الله إلّا رجاء أن أكون من أهلها. قال : فإنّك من أهلها. فأخرج تميرات من قرنه (٥) فجعل يأكل منها ، ثم قال : [١٦

__________________

(١) الجلح : انحسار الشعر عن جانبي الرأس.

(٢) البداية والنهاية ٣ / ٢٧٨ وقال : هذا سياق حسن.

(٣) في البداية والنهاية ٣ / ٢٦٩ «عن أبي عبيد وعبد الله».

(٤) في البداية والنهاية «قلّلوا».

(٥) في ح : (من كمه). والقرن : الجعبة.


ب] لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. فرمى بهنّ ، ثم قاتل حتى قتل. أخرجه مسلم (١).

وقال عبد الرحمن بن الغسيل ، عن حمزة بن أبي أسيد ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين اصطففنا يوم بدر : إذا أكثبوكم (٢) ، يعني غشوكم ، فارموهم بالنّبل ، واستبقوا نبلكم. أخرجه البخاري (٣).

وروى عمر بن عبد الله بن عروة ، عن عروة بن الزّبير قال : جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعار المهاجرين يوم بدر : يا بني عبد الرحمن ، وشعار الخزرج : يا بني عبد الله ، وشعار الأوس : يا بني عبيد الله (٤). وسمّى خيله : خيل الله.

أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام ، وابنة عمّه ستّ الأهل بنت علوان ـ سنة ثلاث وتسعين (٥) ـ وآخرون قالوا : حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفقيه ، أنبأتنا شهدة بنت أحمد ، أنا الحسين بن طلحة ، أنا أبو عمر (٦) عبد الواحد بن مهديّ ، ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا محمود بن خداش ، ثنا هشيم ، أنبأنا أبو هاشم عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد قال : سمعت أبا ذرّ رضي‌الله‌عنه يقسم قسما : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي

__________________

(١) صحيح مسلم (١٨٩٩) : كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد.

(٢) في ع : (كثبوكم). وكثبه وأكثبه : قاربه.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حدثني عبد الله بن محمد الجعفي (٥ / ١٠٠). وانظر البدآية والنهاية ٣ / ٢٧٤.

(٤) البدآية والنهاية ٣ / ٢٧٤ وفيه : قال ابن هشام : كان شعار الصحابة يوم بدر : أحد أحد.

(٣ / ٤٢).

(٥) أي سنة ٦٩٣ ه‍ ـ. وهي السنة التي سمع الذهبي فيها ببعلبكّ.

(٦) في الأصل : (أبو عمرو) وأثبتنا نص ع ، ح. وهو أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسيّ ، مسند الوقت ، كما قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ (٣ / ١٠٥١) في سياق ترجمته لابن مردويه ـ ولم يترجم له.


رَبِّهِمْ) (١) ، إنّها نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة ، وعليّ ، وعبيدة بن الحارث رضي‌الله‌عنهم ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، أخرجه البخاري (٢) عن يعقوب الدّورقيّ وغيره. ومسلم (٣) عن عمرو بن زرارة ، عن هشيم ، عن أبي هاشم يحيى بن دينار الرّمّاني الواسطي ، عن أبي مجلز لاحق بن حميد السّدوسي البصري. وهو من الأبدال العوالي.

(٤) وعبيدة بن الحارث بن المطّلب بن عبد مناف بن قصيّ المطّلبي ، أمّه ثقفيّة ، وكان أسنّ من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعشر سنين ، أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون في وقت. وهاجر هو أخواه الطّفيل والحصين. وكان عبيدة كبير المنزلة عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان مربوعا (٥) مليحا ، توفّي بالصّفراء.

وهو الّذي بارز عتبة بن ربيعة ، فاختلفا ضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه ، كما تقدّم.

وقد جهّزه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ستّين راكبا من المهاجرين أمّره عليهم ، فكان أوّل لواء عقده النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لواء عبيدة. فالتقى بقريش وعليهم أبو سفيان عند ثنيّة المرة (٦) ، فكان أول قتال في الإسلام. قاله محمد بن إسحاق (٧).

* * *

__________________

(١) سورة الحج : من الآية ١٩.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٦).

(٣) صحيح مسلم (٣٠٣٣) كتاب التفسير ، باب في قوله تعالى (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ).

(٤) من هنا ناقص من نسخة شعيرة ١٢٧.

(٥) المربوع : كالربعة ، المتوسط القامة بين الطول والقصر.

(٦) ثنية المرة : بفتح الميم وتخفيف الراء. موضع بأسفله ماء بالحجاز. (معجم البلدان ٢ / ٨٥).

(٧) إلى هنا ينتهي النقص في نسخة شعيرة.


وقال ابن إسحاق وغيره عن الزّهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أنّ المستفتح يوم بدر أبو جهل. قال لما التقى الجمعان : اللهمّ أقطعنا للرّحم وآتانا بما لا يعرف ، فأحنه الغداة. فقتل (١) ففيه أنزلت (٢) : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) (٣).

وقال معاذ بن معاذ : ثنا شعبة ، عن عبد الحميد صاحب الزّيادي ، سمع أنسا يقول : قال أبو جهل : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٤) ، فنزلت : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٥) متّفق عليه (٦).

وعن ابن عبّاس في قوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) (٧) ، قال : يوم بدر بالسيف. قاله عبد الله بن صالح ، [١٧ أ] عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عنه.

وبه عنه في قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) [أَنَّهَا لكم] (٨) قال : أقبلت عير أهل مكة تريد الشام ـ كذا قال ـ فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السّير ، فسبقت العير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان الله وعدهم إحدى الطّائفتين.

__________________

(١) في ح : (فقيل) تصحيف.

(٢) في ح : نزلت.

(٣) سورة الأنفال : من الآية ١٩.

(٤) سورة الأنفال : من الآية ٢٢.

(٥) سورة الأنفال : الآية ٣٣.

(٦) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة الأنفال (٦ / ٧٨) وصحيح مسلم (٢٧٩٦) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب في قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الآية.

(٧) سورة الأنفال : من الآية ٣٤.

(٨) سورة الأنفال. من الآية ٧ ، وما بين المعقفين من الآية الكريمة زيادة من ع ، ح.


وكانوا أن يلقوا العير أحبّ إليهم ، وأيسر شوكة وأحضر مغنما.

فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد القوم ، فكره المسلمون مسيرهم لشوكة القوم ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون ، وبينهم وبين الماء رملة دعصة (١) ، فأصاب المسلمين ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم القنط (٢) يوسوسهم : تزعمون أنّكم أولياء الله وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم كذا. فأنزل الله عليهم مطرا شديدا ، فشرب المسلمون وتطهّروا. فأذهب الله عنهم رجز الشّيطان. وصار الرمل ، يعني ملبدا (٣).

وأمدّهم الله بألف من الملائكة. وجاء إبليس في جند من الشياطين ، معه رايته في صورة رجال من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال للمشركين : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) (٤) فلما اصطفّ القوم قال أبو جهل : اللهمّ أولانا بالحقّ فانصره.

ورفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده فقال : يا ربّ إنّك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا. فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب. فأخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم. فما من المشركين من أحد إلّا أصاب عينيه ومنخريه وفمه ، فولّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس ، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين نزع يده وولّى مدبرا وشيعته. فقال الرجل : يا سراقة ، أما زعمت أنّك لنا جار؟ قال : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ، إِنِّي أَخافُ اللهَ) (٥).

__________________

(١) الدعص والدعصة : قوز من الرمل مجتمع أقلّ من الحقف.

(٢) القنط : اليأس من الخير ، أو أشدّ اليأس. وأثبته شعيرة في نسخة ١٢٨ «المقفط» وقال : هو الشيطان الصغير.

(٣) هكذا في الأصل وسائر النّسخ ، وفي دلائل النّبوّة للبيهقي (٢ / ٣٥٤) : «وصار الرمل كدا ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر» والأرجح أنّ كدا محرّفة عن (كذا) بدليل ما بعدها.

(٤) ، (٥) سورة الأنفال : من الآية ٤٨ ، وتمام الآية الكريمة (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ)


وقال يوسف بن الماجشون ، أنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، قال : إنّي لواقف يوم بدر في الصّفّ ، فنظرت عن يميني وشمالي ، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما. فتمنّيت أن أكون بين أضلع (١) منهما. فغمزني أحدهما فقال : يا عمّ أتعرف أبا جهل؟ قلت : نعم ، وما حاجتك [إليه] (٢)؟ قال : أخبرت أنّه يسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والّذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منّا. فتعجّبت لذلك. فغمزني الآخر فقال لي مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في النّاس ، فقلت : ألا تريان؟ هذا صاحبكما الّذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما [فضرباه] (٣) حتى قتلاه. ثم انصرفا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه. فقال : أيّكما قتله؟ فقال كل واحد [١٧ ب] منهما : أنا قتلته (٤). فقال : هل مسحتما سيفيكما؟ قالا : لا. قال : فنظر في السّيفين ، فقال ، كلاهما (٥) قتله. وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو ، والآخر معاذ بن عفراء. متّفق عليه (٦).

وقال زهير بن معاوية : حدّثنا سليمان التّيمي ، حدّثني أنس رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن

__________________

=(لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ : إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ).

(١) أضلع : أقوى.

(٢) زيادة من ح.

(٣) زيادة من ح.

(٤) في ح : (أنا).

(٥) في ع : (كلاكما).

(٦) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب من لم يخمّس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه (٤ / ١١١).

وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب استحقاق القاتل سلب القتيل (٥ / ١٤٨).


مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد. قال : أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته. فقال : هل فوق رجل قتلتموه ، أو قتله قومه؟ أخرجه خ م (١).

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن عبد الله أنّه أتى أبا جهل فقال : قد أخزاك الله. فقال : هل أعمد (٢) من رجل قتلتموه؟ أخرجه البخاري (٣).

وقال عثّام بن عليّ : ثنا الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع ، وعليه بيضة ، ومعه سيف جيّد ، ومعي سيف رثّ. فجعلت أنقف (٤) رأسه بسيفي ، وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة ، حتى ضعفت يدي ، فأخذت سيفه. فرفع رأسه فقال : على من كانت الدبرة (٥) ، لنا أو علينا؟ ألست رويعينا بمكة؟ قال : فقتلته. ثم أتيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : قتلت أبا جهل. فقال : آلله الّذي لا إله إلّا هو؟ فاستحلفني ثلاث مرار (٦). ثم قام معي إليهم ، فدعا عليهم. (٧).

وروي نحوه عن سفيان الثّوري ، عن أبي إسحاق. وفيه : فاستحلفني وقال : الله أكبر ، الحمد لله الّذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، انطلق فأرنيه. فانطلقت فأريته. فقال : هذا فرعون هذه الأمّة.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٤). وصحيح مسلم (١٨٠٠) :

كتاب الجهاد والسير ، باب قتل أبي جهل.

(٢) أعمد : بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الميم. أي أشرف. انظر إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ٦ / ٢٤٩.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٤).

(٤) النّقف : كسر الهامة عن الدماغ. ونفقه ضربه حتى خرج دماغه.

(٥) في نسخة شعيرة ١٣٠ «الدائرة»

(٦) في هامش ح : (قلت : لعلّه استحلفه لكون المذكورين أخبرا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله ، فقضى لهما بسلبه. كذا بخطّ الذهبي).

(٧) راجع سيرة ابن هشام ٣ / ٤٢.


وروي عن أبي إسحاق أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما بلغه قتله خرّ ساجدا.

وقال الواقديّ : وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مصرع ابني عفراء فقال : يرحم الله ابني عفراء ، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمّة ورأس أئمّة الكفر. فقيل : يا رسول الله ، ومن قتله معهما؟ قال : الملائكة ، وابن مسعود قد شرك في قتله.

وقال أبو نعيم : ثنا سلمة بن رجاء ، عن الشّعثاء ، امرأة من بني أسد ، قالت : دخلت على عبد الله بن أبي أوفى ، فرأيته صلّى الضّحى ركعتين ، فقالت له امرأته : إنّك صلّيت ركعتين. فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى الضّحى ركعتين حين بشّر بالفتح ، وحين جيء برأس أبي جهل.

وقال مجالد ، عن الشّعبيّ أنّ رجلا قال للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّي مررت ببدر ، فرأيت رجلا يخرج من الأرض ، فيضربه رجل بمقمعة (١) حتى يغيب في الأرض ، ثم يخرج ، فيفعل به مثل ذلك مرارا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذاك أبو جهل بن هشام يعذّب إلى يوم القيامة».

وقال خ م من حديث [ابن] (٢) أبي عروبة ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنس رضي‌الله‌عنه ، عن أبي طلحة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر [١٨ أ] يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش ، فقذفوا في طويّ من أطواء (٣) بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة (٤) ثلاث ليال. فلما كان ببدر اليوم الثالث ، أمر براحلته فشدّ عليها (٥) ، ثم مشى واتّبعه أصحابه ،

__________________

(١) المقمعة : سوط أو عمود من حديد ، أو خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه ، والجمع مقامع.

(٢) سقطت من الأصل ، ع ، واستدركناها من ح والبخاري وتهذيب التهذيب.

(٣) الطويّ : البئر.

(٤) العرصة : كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء ، وعرصة الدار وسطها.

(٥) في البداية والنهاية ٣ / ٥٩٣ «فشدّ عليها رحلها».


فقالوا : ما نراه إلّا ينطلق لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الرّكيّ (١) فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان ، أيسرّكم (٢) أنّكم أطعتم الله ورسوله ، فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا ، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فقال عمر : يا رسول الله ، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال : والّذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.

قال قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة. صحيح (٣).

وقال هشام ، عن أبيه ، عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف على قليب بدر فقال : إنّهم ليسمعون ما أقول. قال عروة : فبلغ عائشة فقالت : ليس هكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إنّما قال : إنّهم ليعلمون أنّ ما كنت أقول لهم حقّ. إنّهم قد تبوّءوا مقاعدهم من جهنّم. إنّ الله يقول (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (٤) (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٥) أخرجه البخاري (٦).

ما روت عائشة لا ينافي ما روى ابن عمر وغيره ، فإنّ علمهم لا يمنع من سماعهم قوله عليه [الصّلاة و] (٧) السلام ، وأمّا أن (٨) لا تسمع الموتى ،

__________________

(١) الركي ، والرّكية : البئر.

(٢) في ح : (أبشركم). تصحيف. وفي البداية والنهاية «يسركم» بحذف الهمزة.

(٣) في صحيح البخاري ندما : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٧) ، البداية والنهاية ٣ / ٢٩٣ وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من طرق عن سعيد بن أبي عروبة.

(٤) سورة النمل : من الآية ٨٠.

(٥) سورة فاطر : الآيتان ٢٢ ، ٢٣.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٨).

(٧) زيادة من ع.

(٨) في ح : (إنك).


فحقّ لأنّ الله أحياهم (١) ذلك الوقت كما يحيي الميت (٢) لسؤال منكر ونكير.

وقال عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس في قوله (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) (٣) ، قال : هم كفّار قريش.

(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٤) ، قال : النّار يوم بدر.

أخرجه البخاري (٥).

وقال إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القتلى قيل له : عليك العير ليس دونها شيء. فناداه العبّاس وهو في الوثاق : إنّه لا يصلح لك. قال : لم؟ (٦) قال : لأنّ الله [عزوجل] (٧) وعدك إحدى الطّائفتين ، وقد أنجز لك ما وعدك (٨). هذا إسناد صحيح ، رواه جعفر بن محمد بن شاكر ، عن أبي نعيم ، عنه.

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني خبيب بن عبد الرحمن قال : ضرب خبيب (٩) بن عديّ يوم بدر فمال شقّه ، فتفل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأمه وردّه ، فانطبق.

[أحمد بن الأزهر : ثنا عبد الرزّاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس أو غيره قال : شهد عمير بن وهب الجمحيّ بدرا

__________________

(١) في ح : (قد أحياهم).

(٢) في ع : (الموتى).

(٣) ، (٤) سورة إبراهيم : من الآية ٢٨ ، وتمام الآية الكريمة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ).

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي جهل (٥ / ٩٨) ،

(٦) في الأصل : (كم) والتصحيح من ع ، ح.

(٧) زيادة من ح.

(٨) البداية والنهاية ٣ / ٢٩٥.

(٩) في نسخة شعيرة ١٣٢ «حبيب» والتصويب من الإصابة ١ / ٤١٨.


كافرا ، وكان في القتلى. فمرّ به رجل فوضع سيفه في بطنه ، فخرج من ظهره. فلما برد عليه اللّيل لحق بمكة فصحّ. فاجتمع هو وصفوان بن أميّة فقال : لو لا عيالي وديني لكنت أقتل محمدا. فقال صفوان : وكيف تقتله؟ قال : أنا رجل جريء الصدر جواد لا ألحق ، فأضربه وألحق بالجبل فلا أدرك. قال : عيالك في عيالي ودينك عليّ. فانطلق فشحذ سيفه وسمّه. وأتى المدينة ، فرآه عمر فقال للصّحابة : احفظوا أنفسكم فإنّي أخاف عميرا إنّه رجل فاتك ، ولا أدري ما جاء به. فأطاف المسلمون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجاء عمير ، متقلّدا سيفه ، إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أنعم صباحا. قال : ما جاء بك يا عمير؟ قال : حاجة. قال : فما بال السّيف؟ قال : قد حملناها يوم بدر فما أفلحت ولا أنجحت. قال : فما قولك لصفوان وأنت في الحجر؟ وأخبره بالقصّة. فقال عمير : قد كنت تحدّثنا عن خبر السماء فنكذّبك ، وأراك تعلم خبر الأرض. أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله. بأبي أنت وأمّي ، أعطني منك علما تعلم أهل مكة أنّي أسلمت. فأعطاه. فقال عمر : لقد جاء عمير وإنّه لأضلّ من خنزير ، ثم رجع وهو أحبّ إليّ من ولدي] (١).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق قال : عكّاشة الّذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعطاه جذلا (٢) من حطب ، فقال : قاتل بهذا. فلما أخذه هزّه فعاد سيفا في يده ، طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به (٣) ، حتى فتح الله على رسوله ، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى قتل في قتال أهل الرّدة وهو

__________________

(١) ما بين الحاصرتين من قوله : أحمد بن الأزهر إلى آخر الخبر ، ليس في الأصل ، ع. وزدناه من ح. والخبر في سيرة ابن هشام مثله ٣ / ٧٠ ، ٧١.

(٢) في ع : جزلا. والجذل : أصل الشجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع ، والجزل : الحطب اليابس.

(٣) في الأصل ، ع : (بها) والتصحيح من ح.


عنده. وكان ذلك السيف يسمّى العون (١).

هكذا ذكره ابن إسحاق بلا سند.

وقد رواه الواقديّ قال : حدّثني عمر بن عثمان الجحشيّ ، عن أبيه ، عن عمّته قالت : قال عكّاشة بن محصن : انقطع سيفي يوم بدر ، فأعطاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عودا ، فإذا هو سيف أبيض طويل. فقاتلت [١٨ ب] به (٢).

وقال الواقدي : حدّثني أسامة بن زيد اللّيثي ، عن داود بن الحصين ، عن جماعة قالوا : انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر ، فبقي أعزل لا سلاح معه ، فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ، فقال : اضرب به. فإذا هو سيف جيّد. فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد (٣).

* * *

__________________

(١) في الأصل وسائر النّسخ : (القوى) تصحيف. والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ٥٠ والبداية والنهاية (٣ / ٢٩٠).

(٢) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ٩٣).

(٣) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ٩٣ ـ ٩٤).



ذكر غزوة بدر

«من مغازي موسى بن عقبة (١) فإنّها من أصحّ المغازي»

قد قال إبراهيم بن المنذر الحزامي : حدّثني مطرّف (٢) ومعن (٣) وغيرهما أنّ مالكا كان إذا سئل عن المغازي قال : عليك بمغازي الرجل الصّالح موسى بن عقبة ، فإنّه أصحّ المغازي.

قال محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة قال : قال ابن شهاب ، ح.

وقال إسماعيل بن أبي أويس : ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ـ وهذا لفظه ـ عن عمّه موسى بن عقبة قال :

مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد قتل ابن الحضرميّ شهرين. ثم أقبل أبو

__________________

(١) هو موسى بن عقبة بن أبي عياش أبو محمد الأسدي. ولد تقريبا حول سنة ٥٥ ه‍ ـ. كان تلميذ الزهري وعاش في المدينة. توفي سنة ١٤١ ه‍ ـ. انظر عنه : الجرح والتعديل ٤ / ٢ / ١٥٥» تذكرة الحفاظ للذهبي ١ / ١٤٨ ، الأعلام للزركلي ٨ / ٢٧٦ ، معجم المؤلفين ١٣ / ٤٣ ، تاريخ التراث العربيّ ١ / ٤٥٨.

(٢) هو مطرّف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار اليساري الهلال أبو مصعب المدني ولد سنة ١٣٧ ومات سنة ٢٢٠ وقيل ٢١٤ ه‍ ـ. (تهذيب التهذيب ١٠ / ١٧٥).

(٣) هو معن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي مولاهم القزّاز أبو يحيى المدني أحد أئمة الحديث. مات بالمدينة سنة ١٩٨ ه‍ ـ. وكان ثقة كثير الحديث ثبتا مأمونا (تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٥٢ ، ٢٥٣).


سفيان في عير لقريش ، ومعه سبعون راكبا من بطون قريش ، منهم : مخرمة ابن نوفل وعمرو بن العاص ، وكانوا تجّارا بالشام ، ومعهم خزائن أهل مكة ، ويقال كانت عيرهم ألف بعير. ولم يكن لقريش أوقيّة فما فوقها إلّا بعثوا بها مع أبي سفيان ، إلّا حويطب بن عبد العزّى ، فلذلك تخلّف عن بدر فلم يشهده. فذكروا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك ، فبعث عديّ بن أبي الزّغباء الأنصاريّ ، وبسبس بن عمرو ، إلى العير ، عينا له ، فسارا ، حتى أتيا حيّا من جهينة ، قريبا من ساحل البحر ، فسألوهم عن العير ، فأخبروهما بخبر القوم. فرجعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه. فاستنفر المسلمين للعير. وذلك في رمضان.

وقدم أبو سفيان على الجهنيّين وهو متخوّف من المسلمين ، فسألهم فأخبروه خبر الراكبين ، فقال أبو سفيان : خذوا من بعر بعيريهما. ففتّه فوجد النّوى فقال : هذه علائف أهل يثرب. فأسرع وبعث رجلا من بني غفار (١) يقال له : ضمضم بن عمرو إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه.

وكانت عاتكة قد رأت قبل قدوم ضمضم ، فذكر (٢) رؤياها ، إلى أن قال : فقدم ضمضم فصاح : يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون (٣) لأبي سفيان. ففزعوا ، وأشفقوا من رؤيا عاتكة ، ونفروا على كل صعب وذلول.

وقال أبو جهل : أيظنّ محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة؟ سيعلم أنمنع عيرنا أم لا.

__________________

(١) في ع : (من غفار).

(٢) في الأصل : (فذكروا). وأثبتنا نصّ ع ، ح.

(٣) في ع : (يتعرضون).


فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل ، وساقوا مائة فرس ، ولم يتركوا كارها للخروج. فأشخصوا العبّاس بن عبد المطّلب ، ونوفل بن الحارث ، وطالب بن أبي طالب ، وأخاه عقيلا ، إلى أن نزلوا الجحفة.

فوضع جهيم بن الصّلت بن مخرمة المطّلبي رأسه فأغفى ، ثم فزع (١) فقال لأصحابه : هل رأيتم الفارس الّذي وقف عليّ آنفا. قالوا : لا ، إنّك (٢) مجنون. فقال : قد وقف عليّ فارس فقال : قتل أبو جهل ، وعتبة ، وشيبة ، وزمعة ، وأبو البختريّ ، وأميّة بن خلف ، فعدّ جماعة. فقالوا : (٣) إنّما لعب بك الشّيطان. فرفع حديثه [١٩ أ] إلى أبي جهل فقال : قد جئتمونا بكذب بني المطّلب مع كذب بني هاشم ، سترون غدا من يقتل.

وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلب العير ، فسلك على نقب (٤) بني دينار ، ورجع حين رجع من ثنيّة الوداع. فنفر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربّصوا. وكانت أوّل وقعة أعزّ الله فيها الإسلام.

فخرج في رمضان ومعه المسلمون على النّواضح (٥) يعتقب النّفر منهم على البعير الواحد. وكان زميل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّ بن أبي طالب ، ومرثد بن أبي مرثد الغنويّ حليف حمزة بن عبد المطّلب ، ليس مع الثلاثة إلّا بعير واحد.

__________________

(١) في الأصل ، ع : نزع ، وفي ح : رفع. والتصحيح من السياق ، يقال : فزع من نومه أي هبّ وانتبه.

(٢) في ع : (لأنك مجنون).

(٣) في الأصل : (فقال) : وأثبتنا نص ع ، ح.

(٤) النقب : الطريق الضيق في الجبل أو بين دارين لا يستطاع سلوكه.

(٥) النواضح : مفردها : الناضح ، وهو البعير أو الحمار أو الثور الّذي يستقى عليه الماء وهي ناضحة وسانية (تاج العروس ٧ / ١٨٤)


فساروا ، حتى إذا كانوا بعرق الظّبية (١) لقيهم راكب من قبل تهامة ، فسألوه عن أبي سفيان فقال : لا علم لي به. فقالوا : سلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : وفيكم رسول الله؟ قالوا : نعم. وأشاروا إليه. فقال له : أنت رسول الله؟ قال : نعم. قال : إن كنت رسول الله فحدّثني بما في بطن ناقتي هذه. فغضب سلمة (٢) بن سلامة بن وقش الأنصاري فقال : وقعت على ناقتك فحملت منك. فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال سلمة فأعرض عنه.

ثم سار لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة (٣) قريش. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أشيروا علينا. فقال أبو بكر : أنا أعلم بمسافة الأرض.

أخبرنا عديّ بن أبي الزّغباء : أنّ العير كانت بوادي كذا (٤).

وقال عمر : يا رسول الله ، إنّها قريش وعزّها (٥) ، والله ما ذلّت منذ عزّت ولا آمنت منذ كفرت. والله لتقاتلنّك ، فتأهّب. لذلك.

فقال : أشيروا عليّ.

قال المقداد بن عمرو : إنّا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكم متّبعون. فقال : أشيروا عليّ.

__________________

(١) عرق الظبية : بكسر العين وسكون الراء ، والظبية : بضم الظاء المعجمة. قال الواقدي : هو من الروحاء على ثلاثة أميال مما يلي المدينة ، وبعرق الظبية مسجد للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفي كتاب نصر :

عرق الظبية بين مكة والمدينة قرب الروحاء ، وقيل : هي الروحاء نفسها ، (معجم البلدان ٤ / ٥٨) وفي نسخة شعيرة ١٣٦ «عرق الطيب» وهو غلط.

(٢) في الأصل : (سلامة). خطأ صوابه من ع ، ح والإصابة (٢ / ٦٥).

(٣) النفرة : الجماعة يتقدّمون في الأمر ، ومثلها النفير.

(٤) في الأصل : (كدا) ، وفي ع ، ح : (كذا). فهي إمّا أن تكون بمعنى الإشارة إلى الشيء ، على التكنية كما يقال : حدّث كذا وكذا ، وإمّا أن تكون كداء أو كدي وهما اسمان لموضعين ، وفي تسميتهما وتحديد موضعهما انظر ياقوت (٤ / ٤٣٩).

(٥) في ع : (وعيرها) تصحيف.


فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارته ظنّ سعد أنّه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه ، أو قال : أن لا يستجلبوا معه على ما يريد ، فقال : لعلّك يا رسول الله تخشى أن لا يكون [الأنصار] (١) يريدون مواساتك. ولا يرونها حقّا عليهم ، إلّا بأن يروا عدوّا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم. وإنّي أقول عن الأنصار وأجيب عنهم : فاظعن حيث شئت ، وصل حبل من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذته منّا أحبّ إلينا مما تركته علينا. فو الله لو سرحت حتى تبلغ البرك من غمد ذي يمن (٢) لسرنا معك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيروا على اسم الله عزوجل فإنّي قد أريت (٣) مصارع القوم. فعمد لبدر.

وخفض (٤) أبو سفيان فلصق بساحل البحر ، وأحرز ما معه ، فأرسل إلى قريش ، فأتاهم الخبر بالجحفة. فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم بها. فكره ذلك الأخنس بن شريق وأشار بالرجعة ، فأبوا وعصوه. فرجع ببني [١٩ ب] زهرة فلم يحضر أحد منهم بدرا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فمنعهم أبو جهل (٥).

ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أدنى شيء من بدر. ثم بعث عليّا والزّبير

__________________

(١) سقطت من الأصل وأثبتناها من ح.

(٢) في هامش ح : في برك فتح الموحّدة وكسرها ، وفي غمد كسر الغين وفتحها. وقال ياقوت : برك الغماد : بكسر الغين والمعجمة. وقال ابن دريد : بالضم والكسر أشهر ، وهو موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر ، وقيل بلد باليمن. وفي كتاب عياض : برك الغماد : بفتح الباء عن الأكثرين ، وقد كسرها بعضهم وقال : هو موضع في أقاصي أرض هجر. (انظر معجم البلدان ٤ / ٣٩٩ ، ٤٠٠).

(٣) في ع : (رأيت).

(٤) خفض بالمكان : أقام. ولعلّها : حفض. بمعنى : جمع ، أي جمع الإبل وساقها.

(٥) انظر المغازي لعروة ١٣٦.


وجماعة يكشفون الخبر. فوجدوا وارد (١) قريش عند القليب ، فوجدوا غلامين فأخذوهما فسألوهما عن العير ، فطفقا يحدّثانهم عن قريش ، فضربوهما.

وذكر الحديث ، إلى أن قال :

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أشيروا عليّ في المنزل.

فقام الحباب بن المنذر السّلمي : أنا يا رسول الله عالم بها وبقلبها ، إن رأيت أن نسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة ، فننزل عليها ونسبق القوم إليها ونغوّر (٢) ما سواها.

فقال : سيروا. فإنّ الله قد وعدكم إحدى الطّائفتين.

فوقع في قلوب ناس كثير الخوف.

فتسارع المسلمون والمشركون إلى الماء ، فأنزل الله تلك الليلة مطرا واحدا ، فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا ، وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبّد لهم الأرض ، فسبقوا إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل. فاقتحم القوم في القليب فماحوها (٣) حتى كثر ماؤها. وصنعوا حوضا عظيما. ثم عوّروا ما سواه من المياه (٤).

ويقال : كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرسان ، على أحدهما : مصعب بن عمير ، وعلى الآخر سعد بن خيثمة. ومرّة الزّبير بن العوّام ، والمقداد.

ثم صفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحياض. فلما طلع المشركون قال رسول

__________________

(١) الوارد : هو الّذي يتقدّم القوم فيرد المنهل ويستقي لهم. يقع على الواحد والجماعة.

(٢) في طبعة القدسي ٨٦ «ونعوّر» بالعين المهملة ، والتصويب عن المغازي لعروة ١٣٨.

(٣) ماح البئر : دخلها ليملأ الدلو لقلّة مائها. يقال لمن يفعل ذلك مائح ، والجمع ماحة.

(٤) المغازيّ لعروة ١٣٨.


الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ زعموا (١) ـ : «اللهمّ هذه قريش قد جاءت بخيلائها (٢) وفخرها تحادّك (٣) وتكذّب رسولك» (٤).

واستنصر المسلمون الله واستغاثوه ، فاستجاب الله لهم.

فنزل المشركون وتعبّئوا للقتال ، ومعهم إبليس في صورة سراقة المدلجي يحدّثهم أنّ بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم.

قال : فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال : هل لك أن تكون سيّد قريش ما عشت؟ قال [عتبة] (٥) : فأفعل ما ذا؟ قال : تجير بين الناس وتحمل دية ابن الحضرميّ ، وبما أصاب محمد في تلك العير ، فإنّهم لا يطلبون من محمد غيرها. قال عتبة : نعم قد فعلت ، ونعم ما قلت ، فاسع في عشيرتك فأنا أتحمّل بها. فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك.

وركب عتبة جملا له ، فسار عليه في صفوف المشركين فقال : يا قوم أطيعوني ودعوا هذا الرجل ، فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم (٦) من العرب فإنّ فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة ، وإنّكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمّه ، فيورث ذلك فيكم (٧) إحنا (٨) وضغائن. وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم. وإن كان نبيّا لم تقتلوا النّبيّ فتسبّوا به. ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم منكم (٩) ،

__________________

(١) في ح : (فيما زعموا).

(٢) الخيلاء : الكبر والإعجاب.

(٣) تحادّك : تعاديك.

(٤) المغازي العروة ١٣٩.

(٥) إضافة عن المغازي لعروة.

(٦) في ع ، (ولي غيركم قتله من العرب).

(٧) في مغازي عروة «فيهم».

(٨) في هامش ح : الإحنة الحقد.

(٩) في الأصل ، ع : (حتى يصيبوا أعدادكم). وأثبتنا نص ح.


ولا آمن أن تكون لهم الدبرة عليكم.

فحسده أبو جهل على مقالته. وأبى الله إلّا أن ينفذ أمره. وعتبة يومئذ سيّد المشركين.

فعمد [٢٠ أ] أبو جهل إلى ابن الحضرميّ ـ وهو أخو المقتول ـ فقال : هذا عتبة يخذل بين النّاس ، وقد تحمّل بدية أخيك ، يزعم أنّك قابلها. أفلا (١) تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدّية؟

وقال لقريش : إنّ عتبة قد علم أنّكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه ، وفيهم ابنه وبنو عمّه ، وهو يكره صلاحكم. وقال لعتبة : انتفخ سحرك. (٢) وأمر النّساء أن يعولن عمرا ، فقمن يصحن : وا عمراه وا عمراه ، تحريضا على القتال.

وقام رجال فتكشّفوا ، يعيّرون بذلك قريشا. فأخذت قريش مصافّها للقتال. فذكر الحديث إلى أن قال : فأسر نفر ممّن أوصى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يقتلوهم إلّا أبا البختريّ ، فإنّه أبى أن يستأمر ، فذكروا له أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر ، فأبى.

ويزعم ناس أنّ أبا اليسر قتل أبا البختريّ. ويأبى عظم النّاس (٣) إلّا أنّ المجذّر هو الّذي قتله. بل قتله أبو داود المازني.

قال : ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعا ، بينه وبين المعركة غير كثير ، مقنّعا في الحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح ، ولا يستطيع

__________________

(١) في الأصل : (ألا). وأثبتنا نص ع ح. ومغازي عروة ١٤٠.

(٢) يقال للجبان الّذي ملأ الخوف جوفه : انتفخ سحره. والسّحر : الرئة.

(٣) عظم الناس : معظمهم. وفي مغازي عروة «عظيم».


أن يحرّك (١) عضوا ، وهو منكبّ ينظر إلى الأرض. فلما رآه ابن مسعود أطاف (٢) حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه ، وأبو جهل مقنّع بالحديد ، فلما أبصره لا يتحرّك ظنّ أنّه مثبت جراحا ، فأراد أن يضربه بسيفه ، فخشي أن لا يغني سيفه شيئا ، فأتاه (٣) من ورائه ، فتناول قائم سيفه فاستلّه وهو منكب ، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه ، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه. فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح ، وأبصر في عنقه حدرا (٤) ، وفي يديه وفي كتفيه كهيئة آثار السّياط (٥) ، فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذلك ضرب الملائكة (٦).

قال : وأذلّ الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين ، فلم يبق بالمدينة منافق ويهوديّ إلّا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر.

وكان ذلك يوم الفرقان ، فرّق الله بين الشّرك والإيمان.

وقالت اليهود : تيقّنّا أنّه النّبيّ الّذي نجد نعته في التوراة. والله ، لا يرفع راية بعد اليوم إلّا ظهرت (٧).

وأقام أهل مكّة على قتلاهم النّوح بمكة شهرا (٨).

ثم رجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، فدخل من ثنيّة الوداع.

__________________

(١) في ح : ومغازي عروة ١٤٢ : (يحرك منه).

(٢) في ح : (طاف).

(٣) في الأصل : (فأتى). وأثبتنا نص ع ، ح. ومغازي عروة ١٤٣.

(٤) في الأصل وسائر النّسخ : (خدرا) تصحيف. والحدر : ورم الجلد وانتفاخه من الضرب.

(تاج العروس ١٠ / ٥٥٥).

(٥) في ع : (كهيئة السياط).

(٦) انظر الخبر في المغازي لعروة بن الزبير ١٤٢ ، ١٤٣.

(٧) المغازي لعروة ١٤٣.

(٨) المغازي لعروة ١٤٣.


ونزل القرآن يعرّفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر ، فقال (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (١) ، وثلاث آيات معها (٢).

ثم ذكر موسى بن عقبة الآيات التي نزلت في سورة الأنفال في هذه الغزوة وآخرها.

وقال رجال ممّن أسر : يا رسول الله ، إنّا كنّا مسلمين ، وإنّما أخرجنا كرها ، فعلام يؤخذ منّا الفداء؟ فنزلت (قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً ، مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (٣).

حذفت من هذه القصّة كثيرا ممّا سلف من الأحاديث الصحيحة استغناء بما تقدّم (٤).

وقد ذكر هذه القصة ـ بنحو قول موسى بن عقبة ـ ابن لهيعة عن أبي الأسود ، عن عروة ، ولم يذكر أبا داود المازني في قتل أبي البختري. وزاد يسيرا (٥).

وقال هو وابن عقبة : إنّ عدد من قتل من المسلمين ستّة من قريش ، وثمانية من الأنصار ، وقتل من المشركين تسعة وأربعون رجلا ، وأسر تسعة وثلاثون رجلا. كذا قالا.

__________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٥.

(٢) المغازي لعروة ١٤٤.

(٣) سورة الأنفال : من الآية ٧٠.

(٤) في هامش ح : هذه القصة في مغازي ابن عقبة في اثنتي عشرة ورقة ، مسطرة ستة عشر. كذا بخطّ الذهبي.

(٥) المغازي لعروة ١٤٦.


وقال ابن إسحاق : استشهد أربعة من قريش وسبعة من الأنصار. وقتل من المشركين بضعة وأربعون ، وكانت الأسارى أربعة وأربعين أسيرا.

وقال الزّهري عن عروة : هزم المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين ، وأسر مثل ذلك.

ويشهد لهذا القول حديث البراء الّذي في البخاري (١) ، قال : أصاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه من المشركين يوم بدر أربعين ومائة ، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا. وأصابوا منّا يوم أحد سبعين.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسامة بن زيد رضي‌الله‌عنهما ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلّف عثمان وأسامة بن زيد على بنته رقيّة أيام بدر. فجاء زيد بن حارثة على العضباء (٢) ، ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبشارة. قال أسامة : فسمعت الهيعة (٣) ، فخرجت فإذا أبي قد جاء بالبشارة ، فو الله ما صدّقت حتى رأينا الأسارى. فضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعثمان بسهمه (٤).

وقال عبدان بن عثمان (٥) : ثنا ابن المبارك ، أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن عبد الرحمن ـ رجل من أهل صنعاء ـ قال : أرسل النّجاشيّ إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، فدخلوا عليه وهو في بيت ، عليه خلقان

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب قصة غزوة بدر ـ ج ٥ / ١١.

(٢) الغضباء وهي القصواء والجدعاء ابتاعها أبو بكر الصدّيق من نعم بن الحريش ، وأخرى معها بثمان مائة درهم وهي التي هاجر عليها ، وكانت حين قدم المدينة رباعية وهي التي سبقت فشقّ ذلك على المسلمين. تهذيب الكمال للمزّي ١ / ٢١١ بتحقيق الدكتور بشّار عوّاد معروف.

(٣) الهيعة : الصوت تفزع منه وتخافه من العدو.

(٤) البداية والنهاية ٣ / ٣٠٤.

(٥) في ح : (عبد الله بن عثمان) وهو هو ، عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد ، واسمه ميمون وقيل أيمن : الملقب عبدان. (تهذيب التهذيب ٥ / ٣١٣).


جالس على التراب. قال جعفر : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال. فقال : أبشّركم بما يسّركم ، إنّه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أنّ الله تعالى قد نصر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهلك عدوّه ، وأسر فلان وفلان [وقتل فلان وفلان] (١) ، التقوا بواد يقال له بدر ، كثير الأراك (٢) ، كأنّي انظر إليه ، كنت أرعى به لسيّدي ـ رجل من بني ضمرة ـ إبله. فقال له جعفر : ما بالك جالس على التراب ، ليس تحتك بساط ، وعليك هذه الأخلاق (٣)؟ قال : إنّا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه‌السلام أنّ حقّا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عند ما أحدث لهم من نعمته. فلما أحدث الله لي نصر نبيّه أحدثت له هذا التواضع.

ذكر مثل هذه الحكاية الواقديّ في مغازيه بلا سند (٤).

فصل

في غنائم بدر والأسرى

قال خالد الطّحّان ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر : من فعل كذا وكذا ، فله من النّفل كذا [٢١ أ] وكذا.

قال : فتقدّم الفتيان ولزم المشيخة الرايات. فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة : كنّا رداء لكم ، لو انهزمتم ، فئتم إلينا ، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقي. فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنا.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين إضافة من البداية والنهاية ٣ / ٣٠٨.

(٢) الأراك : شجر من الحمض له حمل كحمل عناقيد العنب يستاك به ، قال أبو حنيفة : هو أفضل ما استيك بفروعه وأطيب ما رعته الماشية رائحة لبن (التاج).

(٣) الأخلاق : والخلقان ـ وقد مرت قبل قليل ـ كلاهما جمع خلق ، بالتحريك ، وهو الثوب البالي.

وقد يقال ثوب أخلاق إذا كانت الخلوقة فيه كلّه. وعند ابن كثير «الأخلاط».

(٤) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٢٠ ـ ٩١٢١ وانظر البداية والنهاية ٣ / ٣٠٧ ، ٣٠٨.


فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) (١) إلى قوله (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٢).

يقول : فكان ذلك خيرا لهم. فكذلك أيضا أطيعوني فإنّي أعلم بعاقبة هذا منكم. أخرجه أبو داود (٣).

ثم ساقه من وجه آخر عن داود بإسناده. وقال : فقسمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسّواء (٤).

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تنفّل سيفه ذا الفقار يوم بدر.

وقال عمر بن يونس : حدّثني عكرمة بن عمّار ، حدّثني أبو زميل ، حدّثني ابن عبّاس ، حدّثني عمر قال : لما كان يوم بدر ، فذكر القصّة.

قال ابن عبّاس : فلما أسروا الأسارى قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترون في هؤلاء؟

فقال أبو بكر : هم بنو العمّ والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوّة على الكفّار ، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ترى يا بن الخطاب؟.

قلت : لا والله يا رسول الله ما أرى الّذي رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكّنّا فنضرب أعناقهم ، فتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكّني من

__________________

(١) سورة الأنفال : من الآية الأولى ، وتمام الآية الكريمة (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

(٢) سورة الأنفال : من الآية ٥ ، وتمام الآية الكريمة (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ).

(٣) ، (٤) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في النفل (٢ / ٧٠).


فلان ، نسيب لعمر ، فأضرب عنقه ، فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها.

فهوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت. فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر يبكيان. قلت : يا رسول الله أخبرني من أيّ شيء تبكيان ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإلّا تباكيت لبكائكما.

فقال : أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) (١) إلى قوله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٢) ، فأحلّ الله لهم الغنيمة. أخرجه مسلم (٣).

وقال جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة بن عبد الله ، عن أبيه قال : لما كان يوم بدر قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ فقال عبد الله بن رواحة : أنت في واد كثير الحطب فأضرم نارا ثم ألقهم فيها. فقال العبّاس : قطع الله رحمك. فقال عمر : قادتهم ورءوسهم قاتلوك وكذّبوك ، فاضرب أعناقهم. فقال أبو بكر : عشيرتك وقومك.

ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض حاجته. فقالت طائفة : القول ما قال عمر. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما تقولون [٢١ ب] في هؤلاء؟ إنّ مثل هؤلاء كمثل إخوة لهم كانوا من قبلهم ، قال نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى

__________________

(١) سورة الأنفال : من الآية ٦٧.

(٢) سورة الأنفال : من الآية ٦٩.

(٣) صحيح مسلم (١٧٦٣) : كتاب الجهاد والسير ، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم.


الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (١) ، وقال موسى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) (٢) ، وقال إبراهيم : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) ، وقال عيسى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) (٤) الآية. وأنتم [قوم] (٥) بكم عيلة (٦) ، فلا ينقلبنّ (٧) أحد منهم (٨) إلا بفداء أو بضربة عنق. فقلت : إلّا سهيل بن بيضاء فإنّه لا يقتل ، قد سمعته يتكلّم بالإسلام. فسكت. فما كان يوم أخوف عندي أن يلقي الله عليّ حجارة من السماء من يومي ذلك ، حتى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إلّا سهيل ابن بيضاء.

وقال أبو إسحاق عن البراء أو غيره قال : جاء رجل من الأنصار بالعبّاس قد أسره إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال العبّاس : ليس هذا أسرني. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد آزرك الله بملك كريم.

وقال ابن إسحاق. حدّثني من سمع عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : كان الّذي أسر العبّاس أبو اليسر كعب بن عمرو السّلميّ. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف أسرته؟ قال : لقد أعلق عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد ، هيئته كذا وكذا. فقال : لقد أعانك عليه ملك كريم.

وقال للعبّاس : أفد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن

__________________

(١) سورة نوح : من الآية ٢٦.

(٢) سورة يونس : من الآية ٨٨.

(٣) سورة إبراهيم : من الآية ٣٦.

(٤) سورة المائدة : من الآية ٣٦.

(٥) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٦) العيلة : الفقر.

(٧) في ع ، ح : (ينفلنّ).

(٨) في الأصل : (منكم) ، والوجه ما أثبتناه عن ع ، ح.


الحارث. فأبى وقال : إنّي كنت مسلما وإنّما استكرهوني.

قال : الله أعلم بشأنك إن يك ما تدّعي (١) حقّا فالله يجزيك بذلك. وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك.

وكان قد أخذ معه عشرون أوقية ذهبا. فقال : يا رسول الله احسبها لي من فدائي. قال : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك.

وقال عبد العزيز بن عمران الزّهري ، وهو ضعيف (٢) : حدّثني محمد ابن موسى ، عن عمارة [بن عمّار] (٣) أبي اليسر ، عن أبيه ، عن جدّه قال :

نظرت إلى العبّاس يوم بدر ، وهو قائم كأنّه صنم وعيناه تذرفان ، فقلت : جزاك الله من ذي رحم شرّاء ، تقاتل ابن أخيك مع عدوّه؟ قال : ما فعل ، أقتل؟ قلت : الله أعزّ له وانصر من ذلك. قال : ما تريد إليّ؟ قلت : إسار ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن قتلك. قال : ليست بأوّل صلته. فأسرته.

وروى ابن إسحاق ، عن رجل ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : بعثت قريش في فداء أسراهم. وقال العبّاس : إنّي كنت مسلما. فنزل فيه (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (٤) قال العبّاس : فأعطاني الله مكان العشرين أوقيّة عشرين عبدا كلّهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من المغفرة.

__________________

(١) في ح : (تدّعيه).

(٢) قال عنه العقيلي : حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلّا به. وقال البخاري : لا يكتب حديثه ، منكر الحديث. (الضعفاء الكبير ٣ / ١٣ ، ١٤) وانظر : الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٥ / ١٩٢٤ ، والمغني في الضعفاء ٢ / ٣٩٩ وميزان الاعتدال للذهبي ٢ / ٦٣٢.

(٣) زيادة في اسمه من ع ، ح.

(٤) سورة الأنفال : من الآية ٧٠.


وقال أزهر السّمّان ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، وبعضهم يرسله ، قال : قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الأسارى يوم بدر. إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ، [٢٢ أ] واستشهد منكم بعدّتهم.

وكان آخر السبعين ثابت بن قيس ، قتل يوم اليمامة.

هذا الحديث داخل في معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإخباره عن حكم الله فيمن يستشهد ، فكان كما قال.

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني نبيه بن وهب العبدري قال : لما أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأسارى فرّقهم على المسلمين ، وقال :استوصوا بهم خيرا. قال نبيه : فسمعت من يذكر عن أبي عزيز (١) ، قال :كنت في الأسارى يوم بدر ، فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : استوصوا بالأسارى خيرا. فإن كان ليقدّم إليهم الطّعام فما تقع بيد أحدهم كسرة إلّا رمى بها إلى أسيره ، ويأكلون التمر. فكنت أستحي فآخذ الكسرة فأرمي بها إلى الّذي رمى بها إليّ ، فيرمي بها إليّ.

أبو عزيز هو أخو مصعب بن عمير ، يقال إنّه أسلم. وقال ابن الكلبي وغيره : إنّه قتل يوم أحد كافرا.

وعن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : جعل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فداء أهل الجاهلية يوم بدر اربعمائة.

أخرجه أبو داود من حديث شعبة ، عن أبي العنبس ، عن أبي الشعثاء عنه (٢).

__________________

(١) في الأصل ، ح : (أبي عزيز) ، والتصحيح من ع. وهو أبو عزيز ، زرارة بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف (المحبر ٤٠١).

(٢) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في فداء الأسير بالمال (٢ / ٥٦).


وقال أسباط ، عن إسماعيل السّدّي (١) : كان فداء أهل بدر : العبّاس ، وعقيل ابن أخيه ، ونوفل ، كل رجل أربعمائة دينار.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني العبّاس بن عبد الله بن معبد ، عن بعض أهله ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم بدر : إنّي قد عرفت أنّ ناسا (٢) من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحدا منهم (٣) فلا يقتله ، فإنّه إنّما أخرج مستكرها.

فقال أبو حذيفة بن عتبة : أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك العبّاس؟ والله لئن لقيته لألحمنّه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص ، أيضرب وجه عمّ رسول الله بالسّيف؟ فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه ، فو الله لقد نافق.

فكان أبو حذيفة بعد يقول : والله ما أنا آمن (٤) من تلك الكلمة التي قلت ، ولا أزال منها خائفا ، إلّا أن يكفّرها الله عنّي بشهادة (٥) ، فاستشهد يوم اليمامة.

قال ابن إسحاق : إنّما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل أبي البختريّ لأنّه كان أكفّ القوم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بمكة (٦).

وكان العبّاس أكثر الأسرى فداء لكونه موسرا ، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهب.

__________________

(١) السّدّي : بضم السين المهملة وتشديد الدال. نسبة إلى السّدّة وهي الباب. وإنّما نسب السّدي الكبير إليها لأنه كان يبيع الخمر بسدّة الجامع بالكوفة. (اللباب ٢ / ١١٠).

(٢) في السيرة «رجلا».

(٣) في السيرة (من بني هاشم».

(٤) في ح : (ما آمن) وكذلك في السيرة.

(٥) في ع : (بالشهادة).

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٣٩ ، ٤٠.


وقال ابن شهاب : حدّثني أنس أنّ رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ائذن لنا فلنترك لابن أختنا فداءه. فقال : لا والله لا تذرون درهما. أخرجه البخاري(١).

وقال إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن [٢٢ ب] عبّاس قالوا : يا رسول الله ، بعد ما فرغ من بدر ، عليك بالعير ليس دونها شيء. فقال العبّاس وهو في وثاقه : لا يصلح. قال : ولم؟ قال : لأنّ الله وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك ما وعدك.

وقد ذكر إرسال زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقلادتها في فداء أبي العاص زوجها.

وقال سعيد بن أبي مريم : ثنا يحيى بن أيّوب ، ثنا ابن الهاد ، حدّثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزّبير ، عن عروة ، عن عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة ـ أو ابن كنانة ـ فخرجوا في أثرها. فأدركها هبار بن الأسود ، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها ، وألقت ما في بطنها وأهريقت دما. فتحمّلت. فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أميّة. فقالت بنو أميّة : نحن أحقّ بها. وكانت تحت أبي العاص ، فكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة ، وكانت تقول لها هند : هذا من سبب أبيك.

قالت : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيد بن حارثة : ألا تنطلق فتأتي بزينب! فقال : بلى يا رسول الله. قال : فخذ خاتمي فأعطها إياه. فانطلق زيد ، فلم يزل يتلطّف حتى لقي راعيا فقال له : لمن ترعى؟ قال : لأبي العاص. قال : فلمن هذه الغنم؟ قال : لزينب بنت محمد. فسار معه شيئا ثم قال

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، فداء المشركين (٤ / ٨٤).


له : هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إيّاه ، ولا تذكره لأحد؟ قال : نعم. فأعطاه الخاتم. وانطلق الراعي حتى دخل فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته. فقالت : من أعطاك هذا؟ قال : رجل. قالت : فأين تركته؟ قال : بمكان كذا وكذا. فسكتت ، حتى إذا كان الليل خرجت إليه. فقال لها : اركبي بين يديّ. على بعيره. فقالت : لا ، ولكن اركب أنت بين يديّ. وركبت وراءه حتى أتت المدينة.

فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : هي أفضل بناتي ، أصيبت فيّ.

قال : فبلغ ذلك عليّ بن الحسين (١) ، فانطلق إلى عروة فقال : ما حديث بلغني عنك أنّك تحدّثه تتنقّص به فاطمة؟ فقال عروة : والله ما أحبّ أنّ لي ما بين المشرق والمغرب وأنّي أتنقص فاطمة حقّا هو لها ، وأمّا بعد فلك أن لا أحدّثه أبدا.

أسماء من شهد بدرا

جمعها الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد (٢) في جزء كبير. فذكر من أجمع عليه ومن اختلف فيه من البدريّين ، ورتّبهم على حروف المعجم. فبلغ عددهم ثلاثمائة وبضعة وثلاثين رجلا.

وإنّما وقعت هذه الزيادة في عددهم من جهة الاختلاف [في بعضهم (٣)].

__________________

(١) في الأصل : (الحسن). والتصحيح من ع ، ح. وانظر ترجمته في الطبقات الكبرى (٥ / ٢١١).

(٢) هو الإمام الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله بن محمد بن عبد الواحد المقدسي ثم الدمشقيّ (٥٦٩ ـ ٦٤٣ ه‍ ـ) ترجمته في تذكرة الحفاظ (٤ / ١٤٠٦) والعبر في خبر من غبر (٥ / ١٧٩) وفوات الوفيات (٢ / ٤٧١) وشذرات الذهب (٥ / ٢٢٤) والبداية والنهاية (١٣ / ١٦٩) والنجوم الزاهرة (٦ / ٣٥٤) والذيل على طبقات الحنابلة (٢ / ٢٣٦).

(٣) زيادة من ع ، ح.


وقد جاء في فضلهم حديث سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السّلمي ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، قال : بعثني [٢٣ أ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا مرثد الغنوي ، والزّبير ، والمقداد ، وكلّنا فارس ، فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، وهو موضع بين مكة والمدينة. فذكر الحديث ، ومكاتبة حاطب ابن أبي بلتعة قريشا. فقال عمر : دعني أضرب عنقه فقد خان الله ورسوله. قال : أليس هو من أهل بدر؟ وما يدريك لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم ، فقد وجبت لكم الجنّة. أو قد غفرت لكم. فدمعت عينا عمرو قال : الله ورسوله أعلم. متّفق عليه (١).

وقال الليث ، عن أبي الزّبير ، عن جابر رضي‌الله‌عنه أنّ عبدا لحاطب ابن أبي بلتعة جاء يشكوه فقال : يا رسول الله ليدخلنّ حاطب النّار. فقال : كذبت لا يدخلها إنّه شهد بدرا والحديبيّة. أخرجه مسلم(٢).

وقال يحيى بن سعيد الأنصاريّ ، معاذ بن رفاعة بن رافع الزّرقيّ ـ وكان أبوه بدريّا ـ أنّه كان يقول لابنه : ما أحبّ أنّي شهدت بدرا ولم أشهد العقبة.

قال : سأل جبريل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف أهل بدر فيكم؟ قال : خيارنا.

قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة هم خيار الملائكة. أخرجه البخاري (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغاري ، باب فضل من شهد بدرا (٥ / ٩٩) وصحيح مسلم :

الفضائل ، باب من فضائل أهل بدر رضي‌الله‌عنهم وقصّة حاطب بن أبي بلتعة (٢٤٩٤ و ٢٤٩٥).

(٢) صحيح مسلم : كتاب الفضائل : باب من فضائل أهل بدر رضي‌الله‌عنهم وقصّة حاطب بن أبي بلتعة (٢٤٩٤ و ٢٤٩٥).

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب شهود الملائكة بدرا (٥ / ١٠٣).


ذكر طائفة من أعيان البدريّين

أبو بكر. وعمر. وعليّ. واحتبس عنهما عثمان بمرض زوجته رقيّة بنت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فتوفّيت في العشر الأخير من رمضان يوم قدوم المسلمين المدينة من بدر. وضرب له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه وأجره (١).

ومن البدريّين : سعد بن أبي وقّاص. وأمّا سعيد بن زيد ، وطلحة بن عبيد الله ، فكانا بالشام ، فقدما بعد بدر وأسهم لهما النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الزّبير بن العوّام ، أبو عبيدة بن الجرّاح ، عبد الرحمن بن عوف ، حمزة بن عبد المطّلب ، زيد بن حارثة ، عبيدة بن الحارث بن المطّلب ، وأخواه : الطّفيل ، والحصين ، وابن عمّه : مصطح (٢) بن أثاثة (٣) بن عبّاد بن المطّلب ، وأربعتهم لم يعقبوا ، مصعب بن عمير العبدري ، المقداد بن الأسود ، عبد الله بن مسعود ، صهيب بن سنان ، أبو سلمة بن عبد الأسد ، عمّار بن ياسر ، زيد بن الخطّاب أخو عمر. (٤).

ومن أعيان الأنصار ، من الأوس : سعد بن معاذ.

ومن بني عبد الأشهل : عبّاد بن بشر ، محمد بن مسلمة ، أبو الهيثم ابن التّيهان.

ومن بني ظفر : قتادة بن النّعمان.

ومن بني عمرو بن عوف : مبشّر بن عبد المنذر ، وأخوه : رفاعة. ولم

__________________

(١) المغازي لعروة ١٦٠.

(٢) كذا في الأصل : وهو : مسطح بن أثاثة بن عبّاد بن المطّلب بن عبد مناف. ويقال مسطح لقب واسمه عوف بن أثاثة توفي سنة ٣٤ ه‍ ـ. (الاستيعاب ٣ / ٤٩٤ ، ٤٩٥ ، أسد الغابة ٤ / ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، الإصابة ٣ / ٤٠٨ ، وانظر سيرة ابن هشام ٣ / ٨٥).

(٣) أثاثة : بضم الهمزة وفتح المثلّثة ، يليها ألف مثلّثة مفتوحة ثم هاء. (المشتبه للذهبي ١ / ١٠).

(٤) راجع نسخة شعيرة ١٥٣ ففيها اختلاف في الأسماء ونقص.


يحضرها أخوهما أبو لبابة ، لأنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّه فاستعمله على المدينة ، وضرب له بسهمه وأجره.

ومن بني النّجّار :

أبو أيوب خالد بن زيد ، عوف ، ومعوّذ ومعاذ ، بنو الحارث بن رفاعة ابن سواد بن مالك بن غنم بن عوف ، وهم بنو عفراء ، أبيّ بن كعب ، أبو طلحة زيد بن سهل ، بلال مولى أبي بكر ، عبادة بن الصّامت ، معاذ بن جبل الخزرجي ، عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، عتبان بن مالك الخزرجي ، عكّاشة بن محصن ، كعب بن عمرو أبو اليسر السّلمي ، معاذ بن عمرو الخزرجي ابن الجموح (١).

[٢٣ ب] حشرنا الله في زمرتهم.

قد ذكرنا من استشهد يومئذ.

* * *

وقتل من المشركين :

حنظلة بن أبي سفيان بن حرب ، وعبيد بن سعيد بن العاص ، وأخوه : العاص ، وعتبة ، وشيبة ، ابنا ربيعة ، وولد عتبة : الوليد ، وعقبة بن أبي معيط ، قتل صبرا ، والحارث بن عامر النّوفلي ، وابن عمّه طعيمة بن عديّ ، وزمعة بن الأسود ، وابنه : الحارث ، وأخوه : عقيل ، وأبو البختريّ ابن هشام بن الحارث بن أسد ـ واسمه العاص ـ ونوفل بن خويلد أخو خديجة ، والنّضر بن الحارث ، قتل صبرا بعد يومين ، وعمير بن عثمان التّيميّ عمّ طلحة بن عبيد الله ، وأبو جهل ، وأخوه : العاص بن هشام ،

__________________

(١) راجع سيرة ابن هشام ٣ / ٨٥ ـ ٩٩ ، المغازي لعروة ١٤٧ ـ ١٥٩ ، الروض الأنف ٣ / ٩٩ ـ ١٠١.


ومسعود بن أبي أميّة المخزوميّ أخو أمّ سلمة ، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد ، والسّائب بن أبي السّائب المخزومي ، وقيل لم يقتل ، بل أسلم بعد ذلك ، وقيس بن الفاكه بن المغيرة ، ومنبّه ونبيه : ابنا الحجّاج بن عامر السّهمي ، وولدا منبّه : الحارث ، والعاص. وأميّة بن خلف الجمحيّ ، وابنه : عليّ.

وذكر ابن إسحاق (١) وغيره سائر المقتولين ، وكذا سمّى الذين أسروا. تركتهم خوفا من التطويل.

* * *

وفي رمضان : فرض الله صوم رمضان ، ونسخ فريضة (٢) يوم عاشوراء (٣) وفي آخره : فرضت الفطرة (٤).

وفي شوّال : دخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعائشة (٥) ، وهي بنت تسع سنين.

وفي صفر : توفّي أبو جبير المطعم بن عديّ بن نوفل ـ ونوفل أخو هاشم بن عبد مناف بن قصيّ ـ توفّي مشركا عن سنّ عالية ، وكان من عقلاء قريش وأشرافهم (٦) ، وهو الّذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو كان المطعم بن عديّ حيّا وكلّمني في هؤلاء النّتنى لأجبته. وكانت له عند النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يد ، لأنّه قام في نقض الصحيفة.

* * *

وفيها : توفّي أبو السّائب عثمان بن مظعون (٧) بن حبيب بن وهب بن

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٠٢ ـ ١٠٨.

(٢) في ح (فرضية).

(٣) انظر الطبري ٢ / ٤١٧.

(٤) الفطرة : زكاة الفطر.

(٥) تاريخ خليفة ٦٥ ، الطبري ٢ / ٤١٨.

(٦) المحبّر ١٦٥.

(٧) تاريخ الطبري ٢ / ٤٨٥ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٣ ، تاريخ خليفة ٦٥.


حذافة بن جمح الجمحيّ ، بعد بدر بيسير. وقد شهدها هو وأخواه : قدامة ، وعبد الله.

فعثمان أحد السابقين ، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا ، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى ، ولما قدم أجاره الوليد بن المغيرة أياما ، ثم ردّ على الوليد جواره. وكان صوّاما قوّاما قانتا لله.

* * *

وفيها : توفّي أبو سلمة (ت ق) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، مرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بدر.

وهو ابن عمّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخوه من الرضاعة. وأمّه : برّة بنت عبد المطّلب.

من السابقين الأوّلين ، شهد بدرا ، وتزوّجت أمّ سلمة بعده بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروت عنه القول عند المصيبة.

وقيل توفّي سنة ثلاث بعد أحد أو قبلها (١).

وفيها : ولد عبد الله بن الزّبير (٢) ، بالمدينة. والمسور بن مخرمة. ومروان بن الحكم : بمكة.

* * *

[وفيها قتل ببدر من الكفّار :

أبو جهل بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، والوليد ولد عتبة ، وعقبة بن أبي معيط قتل

__________________

(١) الإصابة ٢ / ٣٣٥ رقم ٤٧٨٣.

(٢) تاريخ خليفة ٦٥.


صبرا ، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف قتله عليّ ، وابن عمّه طعيمة ابن عديّ بن نوفل قتله حمزة على الصّحيح ، وزمعة بن الأسود بن المطّلب بن أسد ، وابنه الحارث ، وأخوه عقيل. وأبو البختري بن العاص بن هشام بن الحارث بن أسد ، ونوفل بن خويلد بن أسد قتله عليّ وقيل الزّبير ، والنّضر ابن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ العبدري ، قتله عليّ بأمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لشدّة إيذائه الإسلام وأهله ، وعمير بن عثمان التّيمي عمّ طلحة بن عبيد الله ، والعاص أخو أبي جهل قتله عمر ، ومسعود بن أبي أميّة المخزومي أخو أمّ سلمة ، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد ، وابن عمّه قيس بن الفاكه بن المغيرة ، ومنبّه ونبيه ابنا الحجّاج بن عامر السّهمي ، والعاص والحارث ابنا منبّه المذكور ، وأميّة بن خلف الجمحيّ ، وابنه عليّ.

ومات في الأسر :

مالك أخو طلحة بن عبيد الله.

وقتل : هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وأسر أخوه حذيفة ثم قتل ، وأسر يومئذ العبّاس وابنا أخويه عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث.

وقد أفرد الحافظ ضياء الدين المقدسي أسماء من شهد بدرا من المسلمين بأنسابهم في جزء كبير ، وساق اختلاف النّاس في بعضهم] (١).

__________________

(١) ما بين الحاصرتين من أول قوله «وفيها قتل ببدر من الكفّار» إلى قوله : «وساق اختلاف الناس في بعضهم» ، انفردت به ح وأثبتناه عنها. ويلاحظ أنّ أسماء القتلى من الكفّار ببدر وردت من قبل ، عقب ذكر طائفة من أعيان البدرين. ولعلّ المصنّف أوردها هناك في سياق الحديث عن الغزوة باعتبار الحوادث ، ثم أعادها هنا باعتبار الوفيات على السنين.


قصّة النّجاشي

«من السّيرة»

ثم إنّ قريشا قالوا : إنّ ثأرنا بأرض الحبشة. فانتدب إليها عمرو بن العاص ، و [عبد الله] (١) بن أبي ربيعة.

[٢٤ أ] قال الزّهري : بلغني أنّ مخرجهما كان بعد وقعة بدر.

فلما بلغ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخرجهما ، بعث عمرو بن أميّة الضّمري بكتابه إلى النّجاشيّ.

وقال سعيد بن المسيّب وغيره : فبعث الكفّار مع عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة للنّجاشي ، ولعظماء الحبشة هدايا. فلما قدما على النّجاشيّ قبل الهدايا ، وأجلس عمرو بن العاص على سريره. فكلّم النّجاشيّ فقال : إنّ بأرضك رجالا منّا ليسوا على دينك ولا على ديننا ، فادفعهم إلينا. فقال عظماء الحبشة : صدق ، فادفعهم إليه. فقال : حتى أكلّمهم.

فقال الزّهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أمّ سلمة ، رضي‌الله‌عنهما قالت :

__________________

(١) زيادة من ع ، ح ، ومن سيرة ابن هشام ٢ / ٨٦.


نزلنا الحبشة ، فجاورنا بها خير جار ، النّجاشيّ. أمنّا على ديننا وعبدنا الله تعالى ، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه. فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النّجاشيّ مع رجلين بما يستطرف من مكة. وكان من أعجب ما يأتيه منها : الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا. ولم يتركوا بطريقا (١) عنده إلّا أهدوا له. وبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص وقالوا : ادفعا إلى كل بطريق هديّته قبل أن تكلّما النّجاشيّ. فقدما ، وقالا لكلّ بطريق : إنّه قد ضوى (٢) إلى بلد الملك منّا غلمان سفهاء ، خالفوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم. وقد بعثنا أشرافنا إلى الملك ليردّهم ، فإذا كلّمناه فأشيروا عليه أن يسلّمهم إلينا. فقالوا : نعم.

ثمّ قرّبا هداياهما إلى النّجاشيّ فقبلها ، فكلّماه. فقالت بطارقته : صدقا أيّها الملك ، قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم. فغضب النّجاشيّ ، ثم قال : لا ها الله أبدا ، لا أرسلهم إليهم. قوم جاوروني ونزلوا بلادي ، واختاروني على سواي. حتى أدعوهم فأسألهم عمّا تقولون.

ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما جاء رسوله اجتمعوا ، وقال بعضهم لبعض : ما تقولون [للرجل] (٣) إذا جئتموه؟ قالوا : نقول والله ما علّمنا الله ، وأمرنا به نبيّنا ، كائن في ذلك ما كان. فلما جاءوه وقد دعا النّجاشيّ أساقفته ، ونشروا مصاحفهم حوله ، سألهم : ما هذا الدّين الّذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من الملل (٤).

قالت : فكلّمه جعفر بن أبي طالب ، فقال : أيّها الملك : كنّا قوما أهل

__________________

(١) البطريق : القائد من قواد الروم.

(٢) ضوى : لجأ وأوى.

(٣) إضافة عن سيرة ابن هشام ٢ / ٨٧.

(٤) في الأصل ، ح : (الملك) تصحيف ، تصويبه من ع.


جاهليّة نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجار ويأكل القويّ منّا الضعيف. كنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منّا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعا إلى الله لنعبده ونوحّده ، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا ، من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرّحم وحسن الجوار ، والكفّ عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزّور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. وعدّ أمور الإسلام. قال : فصدّقناه واتّبعناه. فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا ، [٢٤ ب] خرجنا إلى بلدك ، وآثرناك على من سواك فرغبنا في جوارك : ورجونا أن لا نظلم عندك.

قال : فهل معك شيء ممّا جاء به عن الله؟ قال جعفر : نعم. فقرأ :(كهيعص) (١) قالت : فبكى النّجاشيّ وأساقفته حتى اخضلّوا لحاهم ، حين سمعوا القرآن.

فقال النّجاشيّ (٢) : إنّ هذا والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا ، فو الله لا أسلّمهم إليكما أبدا.

قالت : فلما خرجنا من عنده ، قال عمرو بن العاص : والله لآتينّه غدا بما أستأصل به خضراءهم. فقال ابن أبي ربيعة ، وكان أتقى الرجلين فينا : لا تفعل ، فإنّ لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا. قال : فو الله لأخبرنّه أنّهم يزعمون أنّ عيسى عبد.

__________________

(١) سورة مريم : الآية الأولى.

(٢) في طبعة القدسي ١١١ (للنجاشي) وهو خطأ.


قالت : ثم غدا عليه ، فقال : أيّها الملك ، إنّهم يقولون في عيسى قولا عظيما. فأرسل إلينا ليسألنا. قالت : ولم ينزل [بنا] (١) مثلها.

فقال : ما تقولون في عيسى؟

فقال جعفر : نقول فيه الّذي جاء به نبيّنا : عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.

فضرب النّجاشيّ بيده إلى الأرض ، وأخذ منها عودا ، وقال : ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا المقدار.

قال : فتناخرت (٢) بطارقته حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم والله.

ثم قال لجعفر وأصحابه : اذهبوا آمنين. ما أحبّ أنّ لي دبر (٣) ذهب ، وأنّي اذيت واحدا منكم ـ والدبر بلسان الحبشة : الجبل ـ فردّوا عليهما هديتهما ، فلا حاجة لنا فيها. فو الله ما أخذ الله فيّ الرشوة فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع النّاس فيّ فأطيعهم فيه.

فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به.

قالت : فو الله إنّا لعلى ذلك ، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ح ، ع.

(٢) النخر : مدّ الصوت والنفس في الخياشيم ، وقد يكون بمعنى الكلام ، قالا في اللسان والتاج :

جاء في حديث النّجاشيّ لما دخل عليه عمرو والوفد معه ، قال لهم : نخروا أي تكلّموا. قال ابن الأثير كذا فسّر في الحديث ، ولعلّه إن كان عربيا مأخوذ من النّخر أي الصوت. وزاد في اللسان : وفي الحديث أيضا تناخرت بطارقته أي تكلمت : وكأنه كلام مع غضب ونفور (انظر تاج العروس ١٤ / ١٩١).

(٣) في الأصل ، ع : (دير ـ الدير) بالياء في الموضعين والتصحيح من ح. ولم ترد الكلمة في «المعرب» للجواليقي و «شفاء الغليل» للخفاجي ، وأوردها الزبيدي في التاج (دبر). وفي سيرة ابن هشام ٢ / ٨٨ «دبرا من ذهب» ، وحديث النجاشي في تاج العروس ١١ / ٢٥٤ كما في السيرة.


ملكه ، فو الله ما علمنا حزنا قطّ ، أشدّ من حزن حزنّاه عند ذلك ، تخوّفا أن يظهر عليه من لا يعرف حقّنا.

فسار إليه النجاشي ، وبينهما عرض النيل.

فقال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يخرج حتى يحضر الوقعة ويخبرنا؟

فقال الزّبير بن العوّام : أنا أخرج. وكان من أحدث القوم سنّا. فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ، وسبح عليها إلى النّاحية التي فيها الوقعة. ودعونا الله للنّجاشيّ. فو الله إنّا لعلى ذلك ، متوقّعون لما هو كائن ، إذ طلع علينا الزّبير يسعى ويلوح بثوبه. ألا أبشروا ، فقد ظهر النّجاشيّ ، وأهلك الله عدوّه. فو الله ما علمنا فرحة مثلها قطّ.

ورجع النّجاشيّ سالما ، وأهلك الله عدوّه. واستوثق له أمر الحبشة. فكنّا عنده في خير منزل ، حتى قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة.

خرّجه د (١) من حديث ابن إسحاق عن الزّهري.

وهؤلاء قدموا مكة ، ثم هاجروا إلى المدينة. وبقي جعفر وطائفة بالحبشة إلى عام خيبر.

وقد قيل إنّ إرسال قريش إلى النّجاشيّ كان مرّتين. وأنّ المرّة الثانية كان مع عمرو ، عمارة بن الوليد المخزومي أخو خالد.

ذكر ذلك ابن إسحاق أيضا. وذكر ما دار لعمرو بن العاص مع عمارة ابن الوليد من رميه إيّاه [٢٥ أ] في البحر ، وسعى عمرو به إلى النّجاشيّ في وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه. وأنّه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك

__________________

(١) كذا في النسخ الثلاث ، ولم نجده في سنن أبي داود ، وأخرجه أحمد في مسندة (٥ / ٢٩٠). والخبر بطوله في سيرة ابن هشام ٢ / ٨٦ ـ ٨٩.


عليه ، وأنّ الملك دعا سحرة فسحروه ونفخوا في إحليله. فتبرّر (١) ولزم البرّيّة ، وهام ، حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه ، فلما قربوا منه فاضت (٢) نفسه ومات.

وقال ابن إسحاق (٣) ، قال الزّهري : حدّثت عروة بن الزّبير حديث أبي بكر عن أمّ سلمة ، فقال : هل تدري ما قوله : ما أخذ الله منّي الرّشوة حين ردّ عليّ ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع النّاس فيّ فأطيعهم فيه؟ قلت : لا. قال : فإنّ عائشة حدّثتني أنّ أباه كان ملك قومه ، [و] لم يكن له ولد إلّا النّجاشيّ. وكان للنّجاشيّ عمّ ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة. فقالت [الحبشة (٤)] : لو أنّا قتلنا أبا النّجاشيّ وملّكنا أخاه لتوارث بنوه ملكه بعده ، ولبقيت الحبشة دهرا. قالت : فقتلوه وملكوا أخاه. فنشأ النّجاشيّ مع عمّه. وكان لبيبا حازما ، فغلب على أمر عمّه. فلما رأت الحبشة ذلك قالت : إنّا نتخوّف أن يملّكه بعده ، ولئن ملّك ليقتلنا بأبيه. فمشوا إلى عمّه فقالوا : إمّا أن تقتل هذا الفتى ، وإمّا أن تخرجه من بين أظهرنا. فقال : ويلكم! قتلت أباه بالأمس ، وأقتله اليوم؟ بل أخرجه. قال : فخرجوا به فباعوه من تاجر بستمائة (٥) درهم. فانطلق به في سفينة. فلما كان العشيّ ، هاجت سحابة من سحائب الخريف ، فخرج عمّه يستمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته. ففزعت الحبشة إلى ولده ، فإذا هو محمق (٦)

__________________

(١) التبرّر : الطاعة. يقال : فلان يبر خالقه ويتبرّره ، أي يطيعه ، وهو مجاز ، (تاج العروس ١٠ / ١٥٢).

(٢) وفي نسخة شعيرة «قاصب» من قصبه يقصبه بمعنى قطع (١٦٠).

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٨٩.

(٤) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ، ح. وفي السيرة (فقالت الحبشة بينهما).

(٥) في السيرة ٢ / ٨٩ «بمائة درهم».

(٦) المحمق : من الرجال ، كالمحمقة من النّساء ، من خرج نسله حمقى.


ليس في ولده خير. فمرج على الحبشة أمرهم (١) وضاق عليهم ما هم فيه. فقال بعضهم لبعض : تعلّموا ، والله ، إنّ ملككم الّذي لا يقيم أمركم غيره للّذي بعتم. قال : فخرجوا في طلبه وطلب الّذي باعوه منه ، حتى أدركوه فأخذوه منه. ثم جاءوا به فعقدوا عليه التّاج وأجلسوه على سرير الملك. فجاء التاجر فقال : إمّا أن تعطوني مالي وإمّا أن أكلّمه في ذلك. فقالوا : لا نعطيك شيئا. قال : إذن والله أكلّمه. قالوا : فدونك. فجاءه فجلس بين يديه ، فقال : أيّها الملك ، ابتعت غلاما من قوم بالسّوق بستمائة درهم ، حتى إذا سرت به أدركوني ، فأخذوه ومنعوني دراهمي. فقال النّجاشيّ : لتعطنّه غلامه أو دراهمه. قالوا (٢) : بل نعطيه دراهمه.

قالت : فلذلك يقول : ما أخذ الله منّي رشوة حين ردّ عليّ ملكي ، فاخذ الرشوة فيه.

وكان ذلك أوّل ما خبر من صلابته في دينه وعدله (٣).

قال ابن إسحاق : وحدّثني يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة قالت : لما مات النّجاشيّ كان يتحدّث أنّه لا يزال على قبره نور.

قال : وحدّثني جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : اجتمعت الحبشة فقالوا للنّجاشيّ : إنّك فارقت ديننا. وخرجوا عليه. فأرسل إلى جعفر وأصحابه. فهيّأ لهم سفنا ، وقال اركبوا فيها ، وكونوا كما أنتم ، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم ، وإن ظفرت فأثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب : هو يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله [٢٥ ب] ، وأنّ (٤) عيسى

__________________

(١) مرج عليهم الأمر : اضطرب واختلط.

(٢) في الأصل : (قال) وصحّحناها من ع ، ح. ومن السيرة لابن هشام.

(٣) السيرة ٢ / ٩٠.

(٤) في ع ، ح وفي السيرة : ويشهد أنّ.


عبده ورسوله وروحه وكلمته (١).

ثم جعله في قبائه (٢) وخرج إلى الحبشة. وصفّوا له ، فقال : يا معشر الحبشة ، ألست أحقّ النّاس بكم؟ قالوا : بلى. قال : فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا : خير سيرة. قال : فما بالكم؟ قالوا : فارقت ديننا وزعمت أنّ عيسى عبد. قال : فما تقولون أنتم؟ قالوا : هو ابن الله. فوضع يده على صدره ، على قبائه ، وقال : هو يشهد أنّ عيسى بن مريم. لم يزد على هذا شيئا ، وإنّما يعني على ما كتب. فرضوا وانصرفوا.

فبلغ ذلك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما مات صلّى عليه واستغفر له ، رضي‌الله‌عنه (٣) وإنّما ذكرنا هذا (٤) استطرادا.

* * *

سريّة عمير بن عديّ الخطميّ (٥)

ذكر الواقدي (٦) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه لخمس بقين من رمضان ، إلى عصماء بنت مروان ، من بني أميّة بن زيد ، كانت تعيب الإسلام ، وتحرّض على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتقول الشعر. فجاءها عمير بالليل فقتلها عيلة (٧).

__________________

(١) في ع (وكلمته ألقاها) وفي السيرة : (و (كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ)).

(٢) القباء : نوع من الثياب تجتمع أطرافه ، وهو من ملابس الأعاجم في الأغلب.

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٨٩ ، ٩٠.

(٤) في ح : وإنّما ذكرنا هذا بعد بدر استطرادا.

(٥) هو عمير بن عديّ بن خرشة بن أميّة بن عامر بن خطمة ، كان أبوه شاعرا ، وهو أول من أسلم من بني خطمة. ولم يشهد بدرا لضرارته. (الإصابة ٣ / ٣٣ ، ٣٤).

(٦) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٧٢ ـ ١٧٤) وانظر : الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٢٧ ، ٢٨ وعيون الأثر ١ / ٢٩٣.

(٧) ويذكر الواقدي أنّ عميرا حين بلغه قولها وتحريضها قال : اللهمّ إنّ لك عليّ نذرا لئن رددت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة لأقتلنّها ـ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ ببدر ـ فلما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بدر


غزوة بني سليم (١)

قال ابن إسحاق : (٢)

لم يقم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منصرفة (٣) عن بدر بالمدينة ، إلّا سبعة أيام.

ثم خرج بنفسه يريد بني سليم ، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ (٤) ، وقيل ابن أمّ مكتوم.

فبلغ ماء يقال له : الكدر (٥). فأقام عليه ثلاثا ، ثم انصرف. ولم يلق أحدا (٦).

* * *

__________________

= جاءها عمير في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها ، وحولها نفر من ولدها نيام ، منهم من ترضعه في صدرها ، فجسّها بيده فوجد الصّبيّ ترضعه فنحّاه عنها ، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها. ثم خرج حتى صلّى الصبح مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما انصرف النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر إلى عمير فقال : أقتلت بنت مروان؟ قال : نعم ، بأبي أنت يا رسول الله. وخشي عمير أن يكون افتات على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتلها ، فقال : هل عليّ في ذلك شيء يا رسول الله؟ قال : لا ينتطح فيها عنزان ، فإنّ أول ما سمعت هذه الكلمة من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال عمير : فالتفت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى من حوله فقال : إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله ورسوله بالغيب ، فانظروا إلى عمير بن عديّ. فقال عمر بن الخطّاب رضي‌الله‌عنه : انظروا إلى هذا الأعمى الّذي تشدّد في طاعة الله. فقال : لا تقل الأعمى ، ولكنّه البصير.

فلمّا رجع عمير من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجد بينها في جماعة يدفنونها ، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلا من المدينة ، فقالوا : يا عمير ، أنت قتلتها؟ فقال : نعم؟ فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فو الّذي نفسه بيده ، لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم. فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة ، وكان منهم رجال يستخفّون بالإسلام خوفا من قومهم.

(انظر : كتاب المغازي ١ / ١٧٢ ـ ١٧٤).

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٥ ، ١٣٦ ، وانظر تاريخ الطبري ٢ / ٤٨٢ ، ٤٨٣.

(٢) يسمّيها خليفة «غزوة الكدر» (تاريخ خليفة ٥٨).

(٣) في ح : (بعد منصرفه).

(٤) ويقال له الكناني. حدّث عنه أبو هريرة. (الإصابة ٢ / ١٣).

(٥) الكدر : قال الواقدي : بناحية المعدن قريبة من الأرحضيّة بينها وبين المدينة ثمانية برد. وقال غيره : ماء لبني سليم. (معجم البلدان ٤ / ٤٤١).

(٦) في ح : (ولم يلق كيدا ولا أحدا).


سريّة سالم بن عمير (١) لقتل أبي عفك

وذكر الواقدي (٢) أنّ أبا عفك اليهوديّ ، كان قد بلغ مائة وعشرين سنة ، وهو من بني عمرو بن عوف ، كان يؤذي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقول الشّعر ، ويحرّض عليه. فانتدب له سالم بن عمير ، فقتله غيلة ، في شوّال منها.

* * *

غزوة السّويق

في ذي الحجّة

قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب :

كان أبو سفيان بن حرب ، حين بلغه وقعة بدر ، نذر أن لا يمسّ رأسه دهن ولا غسل ، ولا يقرب أهله ، حتى يغزو محمدا ويحرق في طوائف

__________________

(١) ويقال : سالم بن عمرو ، ويقال ابن عبد الله بن ثابت بن النعمان بن أميّة بن امرئ القيس.

الأنصاري الأوسي. وهو أحد البكّاءين. شهد العقبة وبدرا ومات في خلافة معاوية. (الإصابة ٢ / ٥ رقم ٣٠٤٦)

(٢) الواقدي ، كتاب المغازي (١ / ١٧٤ ـ ١٧٥). وفي سريّة قتل أبي عفك يروي الواقدي عن رجاله ، أنّه لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر ، رجع وقد ظفّره الله بما ظفّره ، فحسده أبو عفك وبغى ، وذكر شعره في ذلك. فقال سالم بن عمير ، وهو أحد البكّاءين من بني النّجار : عليّ نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه. فأمهل ، فطلب له غرّة. حتى كانت ليلة صائفة ، فنام أبو عفك بالفناء ، في الصيف ، في بني عمرو بن عوف. فأقبل سالم فوضع السيف على كبده حتى خشّ في الفراش ، وصاح عدوّ الله ، فثاب إليه أناس ممن هم على قوله ، فأدخلوه منزله وقبروه ، وقالوا : من قتله؟ والله لو نعلم من قتله لقتلناه به. فقالت شاعرة مسلمة تدعى النهدية أبياتا في ذلك ، منها قولها :

حباك حنيف آخر الليل طعنة

أبا عفك ، خذها على كبر السنّ

ثم قال : قتل أبو عفك في شوّال على رأس عشرين شهرا. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٢٨ وعيون الأثير ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٣.


المدينة. فخرج من مكة سرّا خائفا ، في ثلاثين فارسا (١) ، ليحلّ يمينه. فنزل بجبل من جبال المدينة يقال له : ثيب (٢). فبعت رجلا أو رجلين من أصحابه ، وأمرهما أن يحرّقا أدنى نخل يأتيانه من نخل المدينة. فوجدا (٣) صورا من صيران (٤) نخل العريض (٥). فأحرقا فيها وانطلقا. وانطلق أبو سفيان مسرعا.

وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسلمين ، حتى بلغ قرقرة الكدر (٦) ففاته أبو سفيان ، فرجع (٧).

وذكر مثل هذا ابن لهيعة عن أبي الأسود ، عن عروة (٨).

وقال : وركب المسلمون في آثارهم ، فأعجزوهم وتركوا أزوادهم.

__________________

(١) في السيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦ «فخرج في مائتي راكب من قريش».

(٢) في الأصل وسائر النّسخ والمغازي لعروة ١٦١ : (نبت) وهو تصحيف تصحيحه من سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦ والمغانم المطابة للفيروزآبادي (٨٥ و ٤٣٧). وأثبته محقّق الطبري ٢ / ٤٨٤ «تيت»! وانظر عيون الأثر ١ / ٢٩٦.

(٣) في الأصل : (فوجدوا). والتصحيح من ع ، ح.

(٤) الصّور : جماعة النّخل الصغار. لا واحد له من لفظة ويجمع على صيران. ويقال لغير النخل من الشجر صور وصيران. (تاج العروس ١٢ / ٣٦٢).

(٥) العريض : واد بالمدينة ، كأنه على صيغة التصغير من عرض أو عرض ، والعرض كل واد فيه شجر ، وقيل كلّ واد فيه قرى ومياه. وأعراض المدينة بطون سوادها أو قراها التي في أوديتها ، ويقال للرساتيق بأرض الحجاز الأعراض. (معجم البلدان ٤ / ١١٤ والمغانم المطابة ٢٥٨ ـ ٢٥٩).

(٦) قرقرة الكدر : بناحية المعدن بينها وبين المدينة ثمانية برد ، وقيل ماء لبني سليم ، وقيل غير ذلك. انظر ياقوت (٤ / ٤٤١). وقال السهيليّ ٣ / ١٤٢ : القرقرة : أرض ملساء ، والكدر :

«طير في ألوانها كدر ، عرف بها ذلك الموضع».

(٧) انظر سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦ وتاريخ خليفة ٥٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٣٠ وتاريخ الطبري ٢ / ٤٨٣ ـ ٤٨٥ وعيون الأثر لابن سيّد الناس ١ / ٢٩٦ والمغازي للواقدي ١ / ١٨١ ، ١٨٢ ودلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٤٣٣.

(٨) المغازي لعروة ١٦١.


فسمّيت غزوة أبي سفيان : غزوة السّويق.

وقال محمد بن إسحاق (١) : حدثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، ويزيد ابن رومان ، وحدّثني من لا أتّهم ، عن عبيد الله بن كعب بن مالك ، قالوا :

لما رجع أبو سفيان إلى مكة ، ورجع فلّ قريش من يوم بدر ، نذر أن لا يمسّ رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا. فخرج في مائتي (٢) راكب ، إلى أن نزل بجبل يقال له : ثيب (٣) ، على نحو بريد من المدينة. ثم خرج من اللّيل حتى أتى (٤) حييّ بن أخطب ، فضرب عليه [٢٦ أ] بابه ، فلم يفتح له وخافه. فانصرف إلى سلّام بن مشكم ، وكان سيّد بني النّضير ، فأذن له وقراه ، وابطن له من خبر النّاس. ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه ، فبعث رجالا ، فأتوا ناحية العريض ، فوجدوا رجلين من المسلمين ، فقتلوهما وردّوا ونذر بهم النّاس.

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلبهم ، حتى بلغ قرقرة الكدر ، ثم انصرف [راجعا] (٥) وقد فاته أبو سفيان وأصحابه ، قد رموا زادا لهم (٦) في الحرث (٧) ، وسويقا كثيرا ، يتخفّفون منها للنّجاء.

فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رسول الله ، أنطمع أن يكون لنا غزوة؟ فقال : نعم.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦.

(٢) في الأصل : (مائة). والتصحيح من ع ، ح وكتب المغازي.

(٣) في الأصل وسائر النسخ : (نبت) وانظر ما تقدم.

(٤) في ح : (أتي دار حيّ).

(٥) إضافة عن السيرة ٣ / ١٣٦.

(٦) في ع : زادهم).

(٧) في طبقة القدسي ١٢١ «جرب» وفي الطبقات الكبرى ٢ / ٣٠ «وجرب السويق» وما أثبتناه عن : السيرة لابن هشام ٣ / ١٣٦ وتاريخ الطبري ٢ / ٤٨٤.


قال : وذلك بعد بدر بشهرين (١).

* * *

وفي هذه السنة : تزوّج عثمان بأم كلثوم.

وفيها (٢) تزوّج عليّ بفاطمة الزهراء رضي‌الله‌عنهم (٣).

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن عليّ ، قال : خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت لي مولاة لي : علمت أنّ فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قلت : لا. قالت : فما يمنعك أن تأتيه فيزوّجك؟ فقلت : وعندي شيء أتزوّج به؟ قالت : إن جئته زوّجك. قال (٤) : فو الله ما زالت ترجيني ، حتى دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلالة وهيبة. فأفحمت ، فو الله ما استطعت أن أتكلّم. فقال : ما جاء بك ، ألك حاجة؟ فسكتّ. ثم قال : لعلّك جئت تخطب فاطمة؟ قلت : نعم. قال : وهل عندك من شيء تستحلّها به؟ فقلت : لا والله. فقال : ما فعلت درع سلّحتكها؟ فو الّذي نفس عليّ بيده إنّها لحطميّة (٥) ما ثمنها أربعة دراهم. فقلت : عندي. قال : قد زوّجتكها ، فابعث إليّ بها (٦).

فإنّ [الحطميّة] (٧) كانت (٨) لصداق فاطمة رضي‌الله‌عنها.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦ تاريخ خليفة (باختصار) ٥٩ ، الطبري ٢ / ٤٨٤.

(٢) من هنا يبدأ السقط في نسخة ح.

(٣) تاريخ خليفة ٦٥ ، الطبري ٢ / ٤٨٥ ، ٤٨٦.

(٤) في الأصل : (قلت) : والتصحيح من السياق.

(٥) في الأصل ، ع : (لحطمة). والتصحيح من الطبقات الكبرى (٨ / ٢٠). وسنن أبي داود.

(٦) الطبقات الكبرى ٨ / ٢٠ و ٢١.

(٧) إضافة على الأصل للتوضيح.

(٨) في الأصل : (كان). والتصحيح من ع.


وقال أيّوب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : لما تزوّج عليّ فاطمة ، قال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعطها شيئا. قال : ما عندي شيء. قال : أين درعك الحطميّة؟ (١).

أخرجه أبو داود (٢).

وقال عطاء بن السّائب ، عن أبيه ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه ، قال : جهّز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة في خميل (٣) ، وقربة ، ووسادة أدم حشوها إذخر (٤).

* * *

وفيها : توفّي سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجيّ السّاعديّ ، والد سهل بن سعد. وكان تجهّز إلى بدر فمات قبلها في رمضان. فيقال : إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب له بسهمه ، وردّه على ورثته (٥)

وفيها : بعد بدر ، توفّي خنيس بن حذافة السّهمي ، أحد المهاجرين ، شهد بدرا. وتأيّمت منه حفصة بنت عمر بن الخطّاب (٦).

وفي شوّال : بني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعائشة ، وعمرها تسع سنين (٧).

__________________

(١) في الأصل : (الحطمة). والتصحيح من الطبقات الكبرى (٨ / ٢٠) وسنن أبي داود.

(٢) سنن أبي داود : كتاب النكاح ، باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا (١ / ٤٩٠).

(٣) الخميل : القطيفة. وأثبتها شعيرة في المتن ١٦٦ «حميل» وفي الحاشية «الجميل» وقال : هو الشيء المحمول من بلد إلى بلد. وهو قد ذهب بعيدا ، والصحيح ما أثبتناه ، ويقوّيه قول ابن سعد : «لما زوّجه فاطمة بعث معها بخملة». ٨ / ٢٥.

(٤) الإذخر : بالكسر ، الحشيش الأخضر ، الواحدة إذخرة ، وهو حشيش طيّب الريح يسقف به البيوت فوق الخشب. وله ثمرة كأنّها مكاسح القصب ، إلّا أنّها أرقّ وأصغر ، يطحن فيدخل في الطيّب ، ينبت في الحزون والسهول. (تاج العروس ١١ / ٣٦٤).

(٥) الإصابة ٢ / ٣٤ رقم ٣١٩.

(٦) الإصابة ١ / ٤٥٦ رقم ٢٢٩٤.

(٧) تاريخ خليفة ٦٥.


ثمّ دخلت سنة ثلاث

«غزوة ذي أمر»

في المحرّم ، غزا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نجدا ، يريد غطفان. واستعمل على المدينة عثمان. فأقام بنجد صفرا كلّه ، ورجع من غير حرب. قاله ابن إسحاق (١).

وأمّا (٢) الواقدي فقال :

[٢٦ ب] كانت في ربيع الأول ، وأنّ غيبته أحد عشر يوما.

ثم روى عن أشياخه ، عن التّابعين : عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وغيره ، قالوا : بلغ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ جمعا من غطفان ، من بني ثعلبة ، بذي أمر (٣) ، قد تجمّعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المسلمين (٤).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٦ وانظر : تاريخ خليفة ٦٥ وتاريخ الطبري ٢ / ٤٨٧.

(٢) في الأصل : (وقال). والتصحيح من ع.

(٣) ذو أمر : (بلفظ الفعل من أمر يأمر) قال الواقدي : هو من ناحية النخيل ، وهو بنجد من ديار غطفان (معجم البلدان ١ / ٢٥٢) وقيل : واد بطريق فيد إلى المدينة على نحو ثلاث مراحل من المدينة بقرية النخيل (وفاء ألوفا ٢ / ٢٤٩).

(٤) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٩٣).


غزوة بحران(١)

قال ابن إسحاق : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بالمدينة] (٢) ، ربيع الأول. ثم

__________________

= وفي غزوة ذي أمر يقول الواقدي بعد ما تقدّم من كلامه : جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحارث بن محارب ، فندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمين ، فخرج في أربعمائة رجل وخمسين ، ومعهم أفراس. فأخذ على المنقى ، ثم سلك مضيق الخبيث ثم خرج إلى ذي القصة ، فأصاب رجلا منهم بذي القصة يقال له جبّار من بني ثعلبة فقالوا : أين تريد؟ قال : أريد يثرب. قالوا : وما حاجتك بيثرب؟ قال : أردت أن أرتاد لنفسي وانظر. قالوا : هل مررت بجمع ، أو بلغك خبر لقومك؟ قال : لا ، إلّا أنّه قد بلغني أنّ دعثور بن الحارث في أناس من قومه عزّل ، فأدخلوه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعاه إلى الإسلام فأسلم ، وقال : يا محمد ، إنّهم يلاقوك ، إن سمعوا بمسيرك هربوا في رءوس الجبال ، وأنا سائر معك ودالّك على عورتهم. فخرج به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وضمّه إلى بلال ، فأخذ به طريقا أهبطه عليهم من كثيب ، وهربت منه الأعراب فوق الجبال ، وقبل ذلك ما قد غيّبوا سرحهم في ذرى الجبال وذراريهم فلم يلاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا ، إلّا أنّه ينظر إليهم في رءوس الجبال. فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذا أمر وعسكر معسكره ، فأصابهم مطر كثير.

فذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه ، وقد جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه. ثم نزع ثيابه فنشرها لتجفّ ، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها ، والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل. فقالت الأعراب لدعثور ، وكان سيّدها وأشجعها : قد أمكنك محمد ، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتى تقتله. فاختار سيفا من سيوفهم صارما ، ثم أقبل مشتملا على السيف حتى قام على رأس النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد ، من يمنعك منّي اليوم؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله! قال : ودفع جبريل عليه‌السلام في صدره ، ووقع السيف من يده ، فأخذه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقام به على رأسه فقال : من يمنعك منّي اليوم؟ قال : لا أحد قال : فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله. والله لا أكثر عليك جمعا أبدا. فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيفه. ثم أدبر ، ثم أقبل بوجهه فقال : أما والله لأنت خير منّي. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا أحق بذلك منك. فأتى قومه فقالوا : أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال : والله كان ذلك ، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض دفع في صدري فوقعت لظهري ، فعرفت أنّه ملك وشهدت أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليه ، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام. ونزلت هذه الآية فيه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) (سورة المائدة : من الآية ١١).

(١) بحران : بالضمّ ، موضع بناحية الفرع. قال الواقدي : بين الفرع والمدينة ثمانية برد ، وقال ابن إسحاق : هو معدن بالحجاز في ناحية الفرع. وضبطه بعضهم بالفتح (بحران). (معجم البلدان ١ / ٣٤١).

(٢) زيادة من ع.


غزا يريد قريشا.

قال عبد الملك بن هشام : فبلغ بحران ، معدنا بالحجاز ، فأقام هناك ربيع الآخر كلّه ، وجمادى الأولى.

وبحران من ناحية الفرع (١).

ثم رجع ولم يلق كيدا (٢).

وقال الواقدي (٣) : غزا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني سليم ببحران ، لستّ خلون من جمادى الأولى. وبحران من ناحية الفرع بينها وبين المدينة ثمانية برد (٤).

فغاب عشر ليال. وكان بلغه [أنّ] (٥) بها جمعا من بني سليم ، فخرج في ثلاثمائة. واستخلف ابن أمّ مكتوم (٦).

* * *

غزة بني قينقاع

ذكرها ابن إسحاق (٧) هكذا ، بعد غزوة الفرع.

وأما الواقديّ ، فقال : كانت يوم السبت نصف شوّال ، على رأس عشرين شهرا من الهجرة. فحاصرهم إلى هلال ذي القعدة.

__________________

(١) في هامش الأصل : الفرع بالسكون بين مكة والمدينة ، وقال السهيليّ في الروض الأنف ٣ / ١٤٣ : الفرع : بضمّتين ، وهي أول قرية مارت إسماعيل وأمّه التمر بمكة.

(٢) السيرة ٣ / ١٣٧.

(٣) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٩٦).

(٤) البرد : جمع البريد ، وهو المسافة التي بين السّكتين ، وبعد ما بين السكتين فرسخان أو أربعة.

(٥) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع.

(٦) وانظر : تاريخ خليفة ٦٥ ، ٦٦ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٤٨٧ ، والروض الأنف للسهيلي ٣ / ١٤٢ ، ١٤٣ ، وعيون الأثر لابن سيّد الناس ١ / ٣٠٤.

(٧) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٧.


وقال البكّائي : قال ابن إسحاق :

ومن حديثهم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع ، ثم قال : يا معشر يهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النّقمة ، وأسلموا فإنّكم قد عرفتم أنّي نبيّ مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم. قالوا : يا محمد ، إنّك ترى أنّا كقومك؟ لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ، فأصبت منهم فرصة ، إنّا والله لو (١) حاربتنا لتعلمنّ أنّا نحن الرجال (٢).

عن ابن عبّاس ، قال : ما نزل هؤلاء الآيات إلّا فيهم (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) (٣) الآيتين.

وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنّ بني قينقاع كانوا أوّل يهود نقضوا وحاربوا فيما بين بدر وأحد.

قال : وعن أبي عون ، قال : كان [من] (٤) أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوقهم ، وجلست إلى صائغ بها. فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ، فلم تفعل. فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها. فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا ، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله [وكان يهوديّا] (٥). فشدّت اليهود على المسلم فقتلوه. فأغضب المسلمون ووقع الشّرّ.

وحدّثني عاصم ، قال : فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلوا على

__________________

(١) في السيرة «لئن».

(٢) في السيرة «الناس».

(٣) سورة آل عمران : من الآية ١٢.

(٤) إضافة من سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٧.

(٥) عن السيرة للتوضيح.


حكمه. فقام إليه عبد الله بن أبيّ بن سلول حين أمكنه الله منهم ، فقال : يا محمد ، أحسن في مواليّ. فأعرض عنه. فأدخل يده في جيب درع رسول الله (١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرسلني ، وغضب ، أرسلني ، ويحك. قال : والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ : أربعمائة حاسر ، وثلاثمائة دارع ، [٢٧ أ] قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة. إنّي والله امرؤ أخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هم لك.

وحدّثني أبي إسحاق (٢) عن عبادة بن الوليد ، قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تشبّث بأمرهم ابن سلول وقام دونهم.

قال : ومشى عبادة بن الصّامت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان أحد بني عوف (٣) ، لهم من حلفه (٤) مثل الّذي لابن سلول ، فخلعهم (٥) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتبرّأ إلى الله ورسوله من حلفهم ، وقال : أتولّى الله ورسوله والمؤمنين ، فنزلت فيه وفي ابن سلول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إلى قوله (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) إلى قوله(إِنَّما

__________________

(١) قال ابن هشام ٣ / ١٣٧ «وكان يقال لها : ذات الفضول».

(٢) كذا في الأصل ، والمقصود أن القائل محمد بن إسحاق يحدث عن أبيه إسحاق بن يسار. وبهذا السند وردت الروآية في ابن هشام (٣ / ١٣٨) وابن كثير في التفسير (٣ / ١٢٦) والبدآية والنهاية (٤ / ٤). على أن ابن حجر يذكر في ترجمة إسحاق في تهذيب التهذيب (١ / ٢٥٧) أنه روى عن أشخاص عددهم وقال : دون غيرهم. وليس من بينهم عبادة بن الوليد.

(٣) في ع : (عون) تحريف. وانظر جمهرة أنساب العرب (٣٥٤) وأنساب الأشراف (١ / ٢٥١) وسيرة ابن هشام ٣ / ١٣٨.

(٤) كذا في الأصل ، ع. وفي السيرة. وعبارة ابن الملا في المنتقى «له من حلفهم» وهي أصح وأنسب للسياق.

(٥) في الأصل ، ع : (فجعلهم). والتصحيح من ابن هشام وابن كثير.


وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (١) ، لتولّي عبادة الله ورسوله (٢).

وذكر الواقدي (٣). أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاصرهم خمس عشرة ليلة ، إلى هلال ذي القعدة. وكانوا أوّل من غدر من اليهود. وحاربوا حتى قذف الله في قلوبهم الرّعب ، ونزلوا على حكمه ، وأنّ له أموالهم. فأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) فكتّفوا ، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السّلمي (٥) ، من بني السّلم. فكلّم عبد الله بن أبيّ [بن] سلول (٦) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وألحّ عليه. فقال : خذهم. وأمر بهم أن يجلوا من المدينة ، وولى إخراجهم منها عبادة بن الصّامت. فلحقوا بأذرعات (٧) ، فما كان أقلّ من بقائهم فيها. وتولّى قبض أموالهم محمد بن مسلمة. ثم خمّست ، وأخذ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سلاحهم ثلاثة أسياف ، ودرعين ، وغير ذلك.

غزوة بني النّضير

قال معمر ، عن الزّهري ، عن عروة : كانت غزوة بني النّضير ، وهم طائفة من اليهود ، على رأس ستّة أشهر من وقعة بدر. وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة. وحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزلوا على الجلاء ، على أنّ لهم ما أقلّت الإبل إلّا السّلاح. فأنزلت(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ

__________________

(١) سورة المائدة : ٥١ ـ ٥٥.

(٢) يعني عبادة بن الصامت. انظر الخبر بطوله في سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٧ ، ١٣٨ وفي تاريخ خليفة ٦٦.

(٣) الواقدي : كتاب المغازي (١ / ١٧٦ ـ ١٨٠).

(٤) في ع : فأمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهم.

(٥) الإصابة ٣ / ٤٦١ رقم ٨٢٢٥.

(٦) في ع : فكلّم عبد الله بن أبيّ فيهم.

(٧) أذرعات : بالفتح ، ثم السكون وكسر الراء. بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمّان (معجم البلدان ١ / ١٣٠).


كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) (١) الآيات.

فأجلاهم إلى الشّام ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء. وكان الله قد كتب عليهم الجلاء. ولو لا ذلك لعذّبهم في الدنيا بالقتل والسّبي.

وقوله (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ، أي كان (٢) جلاؤهم ذلك أوّل حشر في الدنيا إلى الشام.

ويرويه عقيل عن الزّهري قوله :

وأسنده زيد بن المبارك الصّنعاني ، ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن عائشة ، وذكر عائشة فيه غير محفوظ.

وقال ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر : إنّ يهود بني النّضير ، وقريظة حاربوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأجلى بني النّضير ، وأقرّ قريظة ومنّ [٢٧ ب] عليهم ، حتى حاربوا بعد ذلك. أخرجه البخاري (٣).

وقال معمر ، عن الزّهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنّ كفّار قريش كتبوا إلى ابن أبيّ ومن كان يعبد معه الأوثان من الأوس والخزرج قبل وقعة بدر : إنّكم آويتم صاحبنا ، وإنّا نقسم بالله لتقاتلنّه أو لتخرجنّه أو لنسيرنّ إليكم بجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم. فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، اجتمعوا لقتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبلغه ذلك فلقيهم فقال : لقد بلغ وعد قريش منكم المبالغ ، ما كانت تكيدكم بأكثر ممّا تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟ فلما سمعوا ذلك تفرّقوا. فبلغ ذلك كفّار قريش فكتبوا ،

__________________

(١) سورة الحشر : من الآية ٢.

(٢) في الأصل : (فكان). وأثبتنا عبارة ابن الملّا.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حديث بني النّضير (٥ / ١١٢).


بعد بدر ، إلى اليهود : إنّكم أهل الحلقة (١) والحصن وإنّكم لتقاتلنّ صاحبنا أو لنفعلنّ كذا وكذا ، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء. وهي الخلاخيل.

فلما بلغ كتابهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أجمعت بنو النّضير بالغدر. وأرسلوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ، وليخرج منّا ثلاثون حبرا ، حتى نلتقي بمكان المنصف (٢) ، فيسمعوا منك ، فإن صدّقوا وآمنوا بك آمنّا بك. فقصّ خبرهم.

فلمّا كان الغد ، غدا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكتائب فحصرهم ، فقال لهم : إنّكم والله لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه. فأبوا أن يعطوه عهدا ، فقاتلهم يومهم ذلك.

ثم غدا على بني قريظة بالكتائب ، وترك بني النّضير ، ودعاهم إلى أن يعاهدوه. فعاهدوه ، فانصرف عنهم.

وغدا إلى بني النّضير بالكتائب ، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء. فجلت بنو النّضير ، واحتملوا ما أقلّت الإبل من أمتعتهم وأبوابهم وخشبهم. فكان نخل بني النّضير لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصّة ، أعطاه الله إيّاها ، فقال (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) (٣) ، يقول (٤) : بغير قتال. فأعطى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثرها المهاجرين وقسّمها بينهم ، وقسّم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة (٥). وبقي

__________________

(١) الحلقة : السلاح.

(٢) في هامش ع : المنصف بالفتح نصف الطريق.

(٣) سورة الحشر : من الآية ٦ ، والإيجاف : سرعة السير ، والركاب : الإبل التي تحمل القوم.

(٤) من أول قوله «يقول بغير قتال» يبد سقط نسخة ع. وقد نصّ عليه في هامش النسخة بقوله :

«الأصل ـ هنا سقط نحو ستّ ورقات فليعلم».

(٥) سيأتي اسماهما بعد قليل في حديث عروة.


منها صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي في أيدي بني فاطمة رضي‌الله‌عنها.

* * *

وذهب موسى بن عقبة ، وابن إسحاق إلى أنّ غزوة بني النّضير كانت بعد أحد ، وكذلك قال غيرهما. ورواه ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (١). وهذا حديث موسى وحديث عروة : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى بني النّضير يستعينهم في عقل الكلابيّين. وكانوا ـ زعموا ـ قد دسّوا إلى قريش حين نزلوا بأحد لقتا [ل] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحضّوهم على القتال ودلّوهم على العورة. فلما كلّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عقل الكلابيّين ، قالوا : اجلس يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع [٢٨ أ] بحاجتك ونقوم فنتشاور. فجلس بأصحابه. فلما خلوا والشّيطان معهم ، ائتمروا بقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : لن تجدوه أقرب منه الآن ، فاستريحوا منه تأمنوا. فقال رجل : إن شئتم ظهرت فوق البيت الّذي هو تحته فدلّيت عليه حجرا فقتلته. فأوحى الله إليه فأخبره بشأنهم وعصمه ، فقام كأنّه يقضي حاجة. وانتظره أعداء الله ، فراث عليهم (٢). فأقبل رجل من المدينة فسألوه عنه فقال : لقيته قد دخل أزقّة المدينة. فقالوا لأصحابه : عجل أبو القاسم أن نقيم أمرنا في حاجته. ثم قام أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرجعوا ونزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) (٣) الآية.

وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإجلائهم ، وأن يسيروا حيث شاءوا. وكان النّفاق قد كثر بالمدينة. فقالوا : أين تخرجنا؟ قال : أخرجكم إلى الحشر (٤). فلما

__________________

(١) المغازي لعروة ١٦٤.

(٢) في الأصل : (عليه) والتصحيح من ابن الملا. وراث : أبطأ.

(٣) سورة المائدة : من الآية ١١.

(٤) من بداية حديث غزوة بني النضير من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة ، إلى هنا ، في دلائل النبوّة للبيهقي (طبعة الهند) ١٧٦ ، ١٧٧.


سمع المنافقون ما يراد بأوليائهم أرسلوا إليهم : إنّا معكم محيانا ومماتنا ، إن قوتلتم فلكم علينا النّصر ، وإن أخرجتم لم نتخلّف عنكم. وسيّد اليهود أبو صفية حييّ بن أخطب. فلما وثقوا بأمانيّ المنافقين عظمت غرّتهم ومنّاهم الشّيطان الظّهور ، فنادوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه : إنّا ، والله ، لا نخرج ولئن قاتلتنا لنقاتلنّك.

فمضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمر الله فيهم ، وأمر أصحابه فأخذوا السّلاح ثم مضى إليهم. وتحصّنت اليهود في دورهم وحصونهم. فلما انتهى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أزقّتهم وحصونهم كره أن يمكّنهم من القتال في دورهم وحصونهم ، وحفظ الله له أمره وعزم له على رشده ، فأمر أن يهدم الأدنى فالأدنى من دورهم ، وبالنّخل أن تحرّق وتقطع ، [و] كفّ الله أيديهم وأيدي المنافقين فلم ينصروهم ، وألقى في قلوب الفريقين الرّعب. ثم جعلت اليهود كلّما خلص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هدم ما يلي مدينتهم. ألقى الله في قلوبهم الرّعب ، فهدموا الدّور التي هم فيها من أدبارها ، ولم يستطيعوا أن يخرجوا على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه يهدمون شيئا فشيئا. فلما كادت اليهود أن تبلغ آخر دورها ، وهم ينتظرون المنافقين وما كانوا منّوهم ، فلما يئسوا مما عندهم ، سألوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّذي كان عرض عليهم قبل ذلك ، فقاضاهم على أن يجليهم ، ولهم أن يحملوا ما استقلّت به الإبل إلّا السّلاح. وطاروا كل مطيّر ، وذهبوا كل مذهب. ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر ومعهم آنية كثيرة من فضّة ، فرآها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون. وعمد حييّ بن أخطب حتى قدم مكة على قريش ، فاستغواهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وبيّن الله لرسوله حديث أهل النّفاق ، وما بينهم وبين اليهود ، وكانوا [٢٨ ب] قد عيّروا المسلمين حين قطعوا النّخل وهدموا. فقالوا : ما ذنب الشجرة وأنتم تزعمون أنّكم مصلحون؟ فأنزل الله (سَبَّحَ لِلَّهِ) سورة الحشر. ثم جعلها نفلا لرسوله ، فقسّمها فيمن أراه الله من المهاجرين. وأعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ،


الأنصاريّين. وأعطى ـ زعموا ـ سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق (١).

وكان إجلاء بني النّضير في المحرّم سنة ثلاث.

وأقامت بنو قريظة في المدينة في مساكنهم ، لم يؤمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل ولا إخراج حتى فضحهم الله بحييّ بن أخطب وبجموع الأحزاب.

هذا لفظ موسى ، وحديث عروة بمعناه ، إلى إعطاء سعد السّيف (٢).

وقال موسى بن عقبة وغيره ، عن نافع ، عن عبد الله أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قطع نخل بني النّضير وحرّق. ولها يقول حسّان بن ثابت (٣) :

وهان على سراة بني لؤيّ

حريق بالبويرة مستطير

 وفي ذلك نزلت هذه الآية (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) (٤). متّفق عليه (٥).

وقال عمرو بن دينار ، عن الزّهري ، عن مالك بن أوس ، عن عمر رضي‌الله‌عنه ، أنّ أموال بني النّضير كانت ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. فكانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالصة ينفق

__________________

(١) انظر : المغازي لعروة ١٦٤ ـ ١٦٧ وانظر عن هذه الغزوة : سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٥٧ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥٥٠ ـ ٥٥٥ ، ودلائل النبوة ٢ / ٤٤٦ ـ ٤٥٠ ، وعيون الأثر ٢ / ٤٨ ـ ٥١ وتاريخ اليعقوبي ١ / ٤٩.

(٢) العبارة في المغازي لعروة ١٦٧.

(٣) ديوانه : ١٩٤ ، والبويرة : موضع كان به بني النّضير.

(٤) سورة الحشر : من الآية ٥ ، واللّينة : النّخلة الناعمة ، كما في مفردات الراغب.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حديث بني النّضير (٥ / ١١٣). وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسّير ، باب جواز قطع أشجار الكفّار وتحريقها (٥ / ١٤٥) والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٥٨ من طريق الليث بن سعد عن نافع.


منها على أهله نفقة سنة ، وما بقي جعله في الكراع (١) والسّلاح عدّة في سبيل الله. أخرجاه (٢).

سرية زيد بن حارثة إلى القردة (٣)

قال ابن إسحاق : وسريّة زيد التي بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ، حين أصاب عير قريش ، وفيها أبو سفيان ، على القردة ، ماء من مياه نجد.

وكان من حديثها أنّ قريشا خافوا طريقهم التي كانوا يسلكون إلى الشام حين جرت وقعة بدر ، فسلكوا طريق العراق ، فخرج منهم تجّار فيهم أبو سفيان ، واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل يقال له : فرات بن حيّان يدلّهم. فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة ، فلقيهم على ذلك الماء ، فأصاب تلك العير وما فيها ، وأعجزهم الرجال ، فقدم بها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

* * *

غزوة قرقرة الكدر

قال الواقدي : إنّها في المحرّم سنة ثلاث. وهي ناحية معدن بني سليم. واستخلف على المدينة ابن أمّ مكتوم.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه أنّ بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان. فلم يجد في المجال أحدا ، ووجد رعاء منهم غلام يقال له يسار ، فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) الكراع : الخيل. وقد يسمّى به السلاح كذلك.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب المجنّ ومن يتترّس بترس صاحبه (٤ / ٤٦).

وصحيح مسلم (١٧٥٦ و ١٧٥٧) كتاب الجهاد والسير ، باب حكم الفيء. وانظر الطبقات لابن سعد ٢ / ٥٨.

(٣) القردة : بالتحريك ، كما في معجم البلدان ٤ / ٣٢٢.

(٤) انظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٣٦ وعيون الأثر ١ / ٣٠٤ ، ٣٠٥ وتاريخ الطبري ٢ / ٤٩٢.


وقد ظفر بالنّعم ، فانحدر به إلى المدينة فاقتسموها بصرار ، على ثلاثة أميال من المدينة ، وكانت النّعم خمسمائة بعير ، وأسلم يسار.

القرقرة أرض ملساء ، والكدر طير في ألوانها كدرة (١) ، ومنهم من يقول قرارة الكدر ، يعني أنها [٢٩ أ] مستقرّ هذا الطير.

__________________

(١) هذا القول في الروض الأنف للسهيلي ٣ / ١٤٢ وقد سبق الإشارة إليه في غزوة السويق.



مقتل كعب بن الأشرف (١)

قال ابن إسحاق (٢) من طريق يونس بن بكير : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، وصالح بن أبي أمامة بن سهل ، قالا :

بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فرغ من بدر بشيرين إلى أهل المدينة ، فبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ، وبعث عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية ، فبشّروا ونعوا أبا جهل وعتبة والملأ من قريش. فلما بلغ ذلك كعب بن الأشرف قال : ويلكم ، أحقّ هذا؟ هؤلاء ملوك العرب وسادة النّاس. ثم خرج إلى مكة ، فنزل على عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ، وكانت عند المطّلب بن أبي وداعة ، فجعل يبكي على قتلى قريش ، ويحرّض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال :

طحنت رحى بدر لمهلك أهلها

ولمثل بدر تستهلّ وتدمع

 قتلت سراة النّاس حول حياضهم

لا تبعدوا إنّ الملوك تصرع

 __________________

(١) انظر عنه : المحبّر ١١٧ و ٢٨٢ و ٣٩٠.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٣٩.

(٣) في سيرة ابن هشام «أهله».


كم قد أصيب بها (١) من أبيض ماجد

ذي بهجة تأوي (٢) إليه الضّيع

 ويقول أقوام أذلّ (٣) بسخطهم

إنّ ابن الأشرف ظلّ كعبا يجزع

 صدقوا ، فليت الأرض ساعة قتّلوا

ظلّت تسوخ بأهلها وتصدّع

 نبّئت أنّ بني كنانة (٤) كلّهم

خشعوا لقول أبي الوليد (٥) وجدّعوا

قال ابن إسحاق : ثم رجع إلى المدينة فشبّب بأمّ الفضل بنت الحارث :

أراحل أنت لم تحلل بمنقبة

وتارك أنت أمّ الفضل بالحرم؟

في كلام له. ثم شبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم (٦).

وقال موسى بن عقبة : كان ابن الأشرف قد آذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهجاء ، وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستغواهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له أبو سفيان : أناشدك الله ، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟ قال : أنتم أهدى منهم سبيلا (٧). ثم خرج مقبلا قد أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معلنا بعداوته وهجائه.

وقال محمد بن يونس الجمّال المخرمي ـ الّذي قال فيه ابن عديّ : (٨) كان عندي ممّن يسرق الحديث. قلت : لكن روى عنه مسلم (٩) ـ ثنا ابن

__________________

(١) في السيرة «به».

(٢) في السيرة «يأوي».

(٣) في السيرة «أسر».

(٤) في السيرة «بني المغيرة».

(٥) في السيرة ومغازي الواقدي «أبي الحكيم».

(٦) تاريخ الطبري ٢ / ٤٨٨.

(٧) انظر المغازي لعروة ١٦٢.

(٨) الكامل في الضعفاء ٦ / ٢٢٨٣.

(٩) قال الذهبي في كتابه «المغنى في الضعفاء» : «وقد ذكر ابن عساكر في النّبل أنّ مسلم روى عنه ، وهذا معدوم ، فلعله في غير الصحيح» (٢ / ٦٤٦) وانظر ميزان الاعتدال ٤ / ٧٣ رقم ٨٣٤٩.


عيينة ، ثنا عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : قدم حبيّ بن أخطب ، وكعب بن الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقالوا لهم : أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب ، فأخبرونا عنّا وعن محمد ، قالوا : ما أنتم وما محمد؟ قالوا : نحن ننحر الكوماء (١) ونسقي اللّبن على الماء ونفكّ العناة ونسقي الحجيج ، ونصل الأرحام. قالوا : فما محمد؟ قالوا : صنبور (٢) قطع أرحامنا واتّبعه سرّاق الحجيج بنو غفار.

قالوا : لا ، بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا. فأنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) (٣) الآية.

قال سفيان : كانت غفار سرقة في الجاهلية.

وقال إبراهيم بن جعفر بن محمود بن مسلمة ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : ولحق كعب بن الأشرف بمكة إلى أن قدم المدينة معلنا بمعاداة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهجائه ، فكان أوّل ما خرج منه قوله :

أذاهب (٤) أنت لم تحلل بمنقبة

وتارك أنت أمّ الفضل بالحرم!

 صفراء رادعة لو تعصر انعصرت

من ذي القوارير والحنّاء والكتم (٥)

 إحدى بني عامر هام (٦) الفؤاد بها

ولو تشاء شفت كعبا من السّقم

 __________________

(١) الكوماء : الناقة العظيمة السّنام الطويلة.

(٢) في هامش الأصل : الصّنبور : الفرد الّذي لا ولد له ولا أخ. (وانظر : تاج العروس ١٢ / ٣٥٣).

(٣) سورة النساء : من الآية ٥١.

(٤) عند الطبري ٢ / ٤٨٨ والروض الأنف ٣ / ١٤٥ «أراحل».

(٥) رادعة : أي يفوح منها أثر الطيب أو الزعفران. والكتم : نبت يخلط بالحنّاء ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٦) عند الطبري «جنّ».


لم أر (١) شمسا [بليل] (٢) قبلها طلعت

حتى تبدّت (٣) لنا في ليلة الظّلم

وقال : *طحنت رحى بدر لمهلك أهلها الأبيات.

فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما : من لكعب بن الأشرف؟ فقد آذانا بالشّعر وقوّى المشركين علينا. فقال محمد بن مسلمة : أنا يا رسول الله. قال : فأنت. فقام فمشى ثم رجع فقال : إنّي قائل قال : فأنت في حلّ : فخرج محمد ، بعد يوم أو يومين ، حتى أتى كعبا وهو في حائط (٤) فقال : يا كعب ، جئت لحاجة ، الحديث (٥).

وقال ابن عيينة : قال عمرو بن دينار : سمعت جابرا يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من لكعب بن الأشرف فإنّه قد آذى الله ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال : يا رسول الله ، أعجب إليك (٦) أن أقتله؟ قال : نعم. قال : فأذن لي أن أقول شيئا. قال : قل. فأتاه محمد بن مسلمة فقال : إنّ هذا الرجل قد سألنا صدقة ، وقد عنانا ، وإنّي قد أتيتك أستسلفك. قال : وأيضا لتملنّه (٧). قال : إنّا قد اتّبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى أيّ شيء يصير شأنه ، وقد أردنا أن تسلفنا. قال : ارهنوني نساءكم. قال : نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال : فارهنوني أبناءكم. قال : كيف نرهنك أبناءنا فيقال رهن بوسق أو وسقين؟ قال : فأيّ شيء؟ قال : نرهنك اللّأمة (٨).

__________________

(١) رواية ابن الملّا : لم ألق.

(٢) سقطت من الأصل ، واستدركناها من ابن الملا والطبري.

(٣) عند الطبري «تجلّت».

(٤) الحائط : البستان.

(٥) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، وفتح الباري ٧ / ٣٣٨.

(٦) كذا في الأصل ، وعبارة البخاري : وعروة في مغازيه ١٦٢ «أحبّ أن أقتله».

(٧) كذا في البداية والنهاية ٤ / ٥.

(٨) اللأمة : السلاح وفي مغازي عروة ١٦٣ «الأمّة».


فواعده أن يأتيه ليلا ، فجاءه ليلا (١) ومعه أبو نائلة ، وهو أخو كعب من الرّضاعة ، فدعاه من الحصن فنزل إليهم ، فقالت له امرأته : أين تخرج هذه الساعة؟ قال : إنّما هو أخي أبو نائلة ومحمد بن مسلمة ، إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب ، قال محمد : إنّي إذا ما جاء فإنّي قائل بشعره (٢) فأشمّه ثم أشمّكم ، فإذا رأيتموني أثبت يدي فدونكم. فنزل إليهم متوشّحا ، وهو ينفح منه ريح الطّيب ، فقال محمد : ما رأيت كاليوم ريحا ، أي أطيب ، أتأذن لي أن أشمّ رأسك؟ قال : نعم. فشمّه ثم شمّ أصحابه ، ثم قال : أتأذن لي؟ يعني ثانيا. قال : نعم. فلما استمكن منه قال : دونكم. فضربوه فقتلوه. وأتوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروه. أخرجه البخاري (٣).

وقال شعيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري [٣٠ أ] عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أنّ كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا ، وكان يهجو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحرّض عليه كفّار قريش في شعره. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط ، منهم المسلمون ، ومنهم عبدة الأوثان ، ومنهم اليهود ، وهم أهل الحلقة والحصون ، وهم حلفاء الأوس والخزرج ، فأراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم ، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشرك وأخوه ، وكان المشركون واليهود حين قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة يؤذونه أشدّ الأذى ، فأمر الله رسوله والمسلمين بالصّبر والعفو ، فقال تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) (٤) ، وقال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ

__________________

(١) هنا ينتهي الخبر عند عروة في المغازي ١٦٣.

(٢) قائل بشعره : آخذ به ، يقال : قال بيده أهوى بها وقال برأسه أشار ، كلّ ذلك على الاتساع والمجاز ، ويعبّر بها على التهيّؤ للأفعال والاستعداد لها.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل كعب بن الأشرف (٥ / ١١٥).

(٤) سورة آل عمران : من الآية ١٨٦.


مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (١) ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوا كعبا ، فبعث إليه سعد محمد بن مسلمة وأبا عبس (٢) ، والحارث ابن أخي سعد بن معاذ في خمسة رهط أتوه عشيّة ، وهو في مجلسهم بالعوالي. فلما رآهم كعب أنكرهم وكاد يذعر منهم ، فقال لهم : ما جاء بكم؟ قالوا : جاءت بنا إليك الحاجة. قال : فليدن إليّ بعضكم فليحدّثني بها. فدنا إليه بعضهم فقال : جئناك لنبيعك أدراعا لنا لنستنفق أثمانها.

فقال : والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم ، قد نزل بكم هذا الرجل. فواعدهم أن يأتوه عشاء حين يهدأ عنهم الناس. فجاءوا فناداه رجل منهم ، فقام ليخرج فقالت امرأته : ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء تحبّ. فقال : بل إنّهم قد حدّثوني حديثهم (٣). فاعتنقه أبو عبس ، وضربه محمد بن مسلمة بالسّيف ، وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته. فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان معهم من المشركين. فغدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أصبحوا فقالوا : إنّه طرق صاحبنا الليلة وهو سيّد من سادتنا فقتل ، فذكر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّذي كان يقول في أشعاره. ودعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فكتب بينهم صحيفة. وكانت تلك الصحيفة بعده عند عليّ. أخرجه أبو داود (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : من الآية ١٠٩.

(٢) في الأصل : أبا عيسى ، تحريف. وهو أبو عبس بن جبر الحارثي. (تهذيب التهذيب ١٢ / ١٥٦ والاستيعاب ٤ / ١٢٢) ، وفي الإصابة أنه أبو عبيس بن جابر (٤ / ١٣٠).

(٣) الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣.

(٤) سنن أبي داود : كتاب الخراج والإمارة والفيء ، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة (٢ / ١٣٨) وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٣٤.


وذكر موسى بن عقبة وغيره أنّ عبّاد بن بشر كان معهم ، فأصيب في وجهه بالسيف أو رجله.

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : ومشى معهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٣٠ رب] إلى بقيع الغرقد (١) ، ثم وجّههم وقال : انطلقوا على اسم الله ، اللهمّ أعنهم.

وذكر البكّائيّ ، عن ابن إسحاق هذه القصّة بأطول ممّا هنا وأحسن عبارة ، وفيه : فاجتمع في قتله محمد ، وسلكان بن سلامة بن وقش ، وهو أبو نائلة الأشهليّ ، وعبّاد بن بشر ، وأبو عبس بن جبر الحارثي. فقدّموا إلى ابن الأشرف سلكان ، فجاءه فتحدّث معه ساعة وتناشدا شعرا ، ثم قال : ويحك يا بن الأشرف ، إنّي قد جئت لحاجة أريد ذكرها لك فأكتم عنّي. قال : أفعل. قال : قد كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء ، عادتنا العرب ورمونا من قوس واحدة ، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدنا. فقال : أنا بن الأشرف! أما والله لقد أخبرتك يا بن سلامة أنّ الأمر سيصير إلى ما أقول. فقال : إنّي أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثّق لك ، وتحسن في ذلك. فقال : أترهنوني أبناءكم؟ قال : لقد أردت أن تفضحنا. إنّ معي أصحابا لي على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم ، وتحسن في ذلك ، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء. قال : فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، وأمرهم أن يأخذوا السّلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه. واجتمعوا ، وساق القصّة (٢).

__________________

(١) بقيع الغرقد : مقبرة أهل المدينة المعروفة بالبقيع. والغرقد كبار العوسج.

(٢) انظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٤٠ ، ١٤١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٤٨٩ ، ٤٩٠ ، عيون الأثر ١ / ٢٩٩ ، ٣٠٠ ، المغازي للواقدي ١ / ١٨٤ وما بعدها ، فتح الباري ٧ / ٣٣٧ ـ ٣٤٠.


قال ابن إسحاق : وأطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل اليهود ، وقال : من ظفرتم به من اليهود فاقتلوه (١).

وحينئذ أسلم حويّصة بن مسعود. وكان قد أسلم قبله أخوه محيّصة. فقتل محيّصة بن سنينة اليهودي التّاجر ، فقام (٢) محيّصة قبل أن يسلم وجعل يضرب أخاه ويقول : أي عدوّ الله قتلته؟ أما والله لربّ شحم في بطنك من ماله. فقال : والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك. قال : والله إنّ دينا بلغ بك هذا لعجب. فأسلم حويّصة (٣).

* * *

وفي رمضان : ولد السيد أبو محمد الحسن بن علي ، رضي‌الله‌عنهما (٤).

وتزوج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحفصة بنت عمر (٥).

وفي هذه السنة : تزوّج أيضا بزينب بنت خزيمة ، من بني عامر بن صعصعة ، وهي أمّ المساكين ، فعاشت عنده شهرين أو ثلاثة (٦) ، وتوفّيت.

وقيل أقامت عنده ثمانية أشهر ، والله تعالى أعلم.

* * *

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٤٩١.

(٢) في الأصل : فقال. والتصحيح من السياق.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٤٩١.

(٤) تاريخ الخليفة ٦٦.

(٥) تاريخ خليفة ٦٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٤٩٩.

(٦) تاريخ خليفة ٦٦.


غزوة أحد

«وكانت في شوال»

قال شيبان ، عن قتادة : واقع نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد من العام المقبل بعد بدر في شوّال ، يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوّال.

وكان أصحابه يومئذ سبعمائة ، والمشركون ألفين أو ما شاء الله من ذلك.

وقال ابن إسحاق : للنصف من شوّال (١)

وقال مالك : كان القتال يومئذ في أول النّهار.

وقال بريد بن عبد الله ، عن أبيّ بردة ، عن أبي موسى ، عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : رأيت أنّي قد هززت سيفا فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع [٣١ أ] المؤمنين ، ورأيت في رؤياي بقرا ، والله خير ، فإذا هم النّفر من المؤمنين يوم أحد ، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير

__________________

(١) تاريخ خليفة ٦٧.


وثواب الصّدق الّذي آتانا يوم بدر. أخرجاه (١).

وقال وهب بن منبّه : أخبرني ابن أبي الزّنّاد ، عن أبيه ، عن عبيد الله ابن عبد الله ، عن ابن عبّاس قال : تنفّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ، وهو الّذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. وذلك أنّه لما جاءه المشركون كان رأي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها ، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا : يخرج بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم نقاتلهم بأحد ، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهل بدر. فما زالوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى لبس أداته ، ثم ندموا وقالوا : يا رسول الله ، أقم فالرأي رأيك. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ينبغي لنبيّ أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوّه. قالوا : وكان ما قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يلبس الأداة : إنّي رأيت أنّي في درع حصينة فأوّلتها المدينة ، وأنّي مردف كبشا فأوّلته كبش الكتيبة ، ورأيت أنّ سيفي ذا الفقار فلّ فأوّلته فلّا فيكم ، ورأيت بقرا تذبح ، فبقر والله خير ، فبقر والله خير.

وقال يونس ، عن الزّهريّ في خروج النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أحد ، قال : حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحد (٢) ، انخزل عبد الله بن أبيّ بن أبيّ بقريب من ثلث الجيش (٣). ومضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه وهم في سبعمائة. وتعبّأت قريش وهم ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فرس قد جنّبوها ، وجعلوا على ميمنة الخيل

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المناقب : باب علامات النّبوّة في الإسلام (٤ / ٢٤٧) ، وكتاب التعبير ، باب إذا رأى بقرا تنحر (٩ / ٥٢) وباب إذا هزّ سيفا في المنام (٩ / ٥٣).

وصحيح مسلم (٢٢٧٠) : كتاب الرؤيا ، باب رؤيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) في الأصل : بالشوط بين الجنانة. وليس بشيء ، وأثبتنا رواية ابن هشام وابن كثير. وانظر معجم البلدان والمغانم المطابة في (شوط).

(٣) في المغازي لعروة ١٦٩ «ورجع عنه عبد الله بن أبيّ في ثلاثمائة» وكذلك في تاريخ الطبري ٢ / ٥٠٤.


خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، وعن عروة قال : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون وهم ألف ، والمشركون ثلاثة آلاف. فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدا ، ورجع عنه عبد الله بن أبيّ في ثلاثمائة (١) ، فسقط في أيدي الطائفتين ، وهمّتا أن تفشلا ، والطائفتان : بنو سلمة وبنو حارثة.

وقال ابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) (٢) ، بنو سلمة وبنو حارثة ، ما أحبّ أنّها لم تنزل لقوله (وَاللهُ وَلِيُّهُما) (٣). متّفق عليه (٤).

وقال شعبة ، عن عدي بن ثابت ، سمع عبد الله بن يزيد يحدّث ، عن زيد بن ثابت قال : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أحد ، رجع ناس خرجوا معه. فكان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرقتين ، فرقة تقول : نقاتلهم ، وفرقة تقول : لا نقاتلهم. فنزلت (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) (٥) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّها طيّبة تنفي الخبيث كما تنفي النّار خبث الفضّة. متّفق عليه (٦).

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (٧) ، وقال ميّزهم يوم أحد.

__________________

(١) هذه الفقرة في المغازي لعروة ١٦٩.

(٢) ، (٣) سورة آل عمران : من الآية ١٢٢.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا إلخ (٥ / ١٢٣) ، وصحيح مسلم (٢٥٠٥) : كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل الأنصار.

(٥) سورة النساء : من الآية ٨٨.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢٢) وكتاب التفسير ، سورة النساء ، باب فما لكم في المنافقين فئتين (٦ / ٥٩) ، وصحيح مسلم (١٣٨١) : كتاب الحجّ ، باب المدينة تنفي شرارها.

(٧) سورة آل عمران : من الآية ١٧٩.


[٣١ ب] وقال البكّائيّ ، عن ابن إسحاق قال : كان من حديث أحد ، كما حدّثني الزّهري ، ومحمد بن يحيى بن حبّان ، وعاصم بن عمر ، والحصين بن عبد الرحمن ، وغيرهم ، كلّ قد حدّث بعض الحديث ، وقد اجتمع حديثهم كلّه فيما سقت في هذا الحديث عن يوم أحد ، أنّ كفّار قريش لما أصيب منهم أصحاب القليب ، ورجع فلّهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان ابن حرب بالعير ، مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أميّة ، في رجال من قريش ممّن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم [ببدر] (١) ، فكلّموا أبا سفيان ومن كان له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إنّ محمدا قد وتركم (٢) وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلّنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب منّا. فاجتمعوا لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها (٣) ومن أطاعها (٤) من قبائل كنانة وأهل تهامة.

وكان أبو عزّة الجمحيّ (٥) قد منّ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان ذا عيال وحاجة ، فقال : يا رسول الله ، إنّي فقير ذو عيال وحاجة ، فامنن عليّ. فقال له صفوان : يا أبا عزّة ، إنّك أمرؤ شاعر ، فأعنّا بلسانك فاخرج معنا ، فقال : إنّ محمدا قد منّ عليّ فلا أريد أن أظاهر عليه. قال (٦) بلى ، فأعنّا بنفسك ، فلك الله عليّ إن رجعت أن أعينك ، وإن أصبت أن

__________________

(١) إضافة عن السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٢.

(٢) وتركم : أي أصابكم بالوتر وهو الذحل. ووترت الرجل أفزعته وأدركته بمكروه.

(٣) الأحابيش : الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.

(٤) في السير لابن إسحاق ٣٢٣ «أطاعهم».

(٥) هو عمرو بن عبد الله. (سيرة ابن هشام ٣ / ١٤٨ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ٤٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٠٠ ، البداية والنهاية ٤ / ١٠ ، عيون الأثر ٢ / ٣ ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٢٩ وفي السير والمغازي لابن إسحاق «أبو عزيز».

(٦) في الأصل «قالوا» والتصحيح من السياق.


أجعل بناتك مع بناتي يصيبهنّ ما أصابهنّ من عسر ويسر. فخرج أبو عزّة يسير في تهامة ويدعو كنانة ، ويقول :

إيها بني عبد مناة الرّزام (١)

أنتم حماة وأبوكم حام

 لا يعدوني (٢) نصركم بعد العام

لا تسلموني لا يحلّ إسلام (٣)

 وخرج مسافع بن عبد مناف الجمحيّ إلى بني مالك بن كنانة يدعوهم إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقول شعرا. ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشيّ ، يقذف بحربة له قذف الحبشة قلّما يخطئ بها ، فقال له : أخرج مع النّاس فإن أنت قتلت حمزة بعمّي طعيمة بن عديّ فأنت عتيق. فخرجت قريش بحدّها وحديدها وأحابيشها ومن تابعها ، وخرجوا معهم بالظّعن (٤) التماس الحفيظة وأن لا يفرّوا. وخرج أبو سفيان ، وهو قائد النّاس ، بهند بنت عتبة ، وخرج عكرمة بأمّ حكيم بنت الحارث بن هشام (٥) ، حتى نزلوا بعينين (٦) ، بجبل أحد ببطن السّبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث

__________________

(١) في الأصل : الدرام. وأثبتنا رواية ابن هشام وغيره. والرزام : جمع رازم وهو الّذي يثبت في مكانه لا يبرحه. يريد أنّهم يثبتون في الحرب ولا ينهزمون.

(٢) في سيرة ابن هشام ٣ / ١٤٨ «تعدوني».

(٣) وفي السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٣ :

يا بني عبد مناة الرزام

أنتم بنو الحرب ضرّابو الهام

أنتم حماة وأبوكم حام

لا تعدوني نصركم بعد العام

لا تسلموني لا يحل إسلام

وانظر مغازي الواقدي ١ / ٢٠١ وطبقات الشعراء لابن سلام ٢١٣.

(٤) الظعن : جمع الظعينة ، وهو الهودج ، أو المرأة تكون فيه ، سمّيت به على حدّ تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه. وأكثر ما يقال الظعينة للمرأة الراكبة ثم قيل للهودج بلا امرأة وللمرأة بلا هودج.

(٥) في السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٣ زيادة في الأسماء عما هنا. وكذلك في السيرة لابن هشام ٣ / ١٤٨.

(٦) عينين ، ويقال «عينان» وهو هضبة جبل أحد بالمدينة ، ويقال اسم لجبلين عند أحد. ويسمّى يوم أحد يوم عينين.


نزلوا ، فإن أقاموا بشرّ مقام ، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها. وكان يكره الخروج إليهم. فقال رجال ممّن فاته يوم بدر : يا رسول الله ، أخرج بنا إليهم لا يرون أنّا جبنّا عنهم. فلم يزالوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى دخل فلبس لأمته ، وذلك يوم الجمعة حين فرغ النّاس من الصّلاة. فذكر خروجه وانخزال ابن أبيّ بثلث النّاس ، فاتّبعهم عبد الله [٣٢ أ] والد جابر ، يقول : أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيّكم. قالوا : لو نعلم أنّكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنّا لا نرى أنّه يكون قتال. وقالت الأنصار : يا رسول الله ، ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ قال : لا حاجة لنا فيهم (١). ومضى حتى نزل الشّعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال : لا يقاتلنّ أحد حتى نأمره بالقتال (٢). وتعبّأ للقتال وهو في سبعمائة ، وأمّر على الرّماة عبد الله بن جبير وهم خمسون رجلا ، فقال : انضحوا عنّا الخيل بالنّبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك لا تؤتينّ من قبلك وظاهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ، وتعبّأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنّبوها فجعلوا على الميمنة خالدا ، وعلى الميسرة عكرمة (٣).

وقال سلّام بن مسكين ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيّب قال : كانت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد مرطا (٤) أسود كان لعائشة ، وراية الأنصار يقال لها العقاب ، وعلى ميمنته عليّ ، وعلى ميسرته المنذر بن عمرو السّاعديّ ، والزّبير بن العوّام كان على الرجال ، ويقال المقداد بن الأسود ، وكان حمزة على القلب ، واللواء مع مصعب ، فقتل ، فأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) في الأصل : فيكم. ولعلّ الوجه ما أثبتناه كما ورد في أكثر من مصدر.

(٢) السير والمغازي ٣٢٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٠٧.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٠.

(٤) المرط : كساء من صوف أو خزّ أو كتّان يؤتزر به ، وقيل كل ثوب غير مخيط.


عليّا : قال : ويقال كانت ثلاثة ألوية ، لواء إلى مصعب بن عمير للمهاجرين ، ولواء إلى عليّ ، ولواء إلى المنذر.

وقال ثابت ، عن أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال : من يأخذ مني هذا السيف بحقّه؟ فبسطوا أيديهم كلّ إنسان منهم يقول : أنا ، أنا. فقال من يأخذه بحقّه؟ فأحجم القوم ، فقال له أبو دجانة سماك : أنا آخذه بحقّه. قال : فأخذه ففلق به هام المشركين. أخرجه مسلم (١).

وقال ابن إسحاق : حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة ، أخو بني ساعدة ، فقال : وما حقّه؟ قال : أن تضرب به في العدوّ حتى ينحني. قال : فأنا آخذه يا رسول الله. فأعطاه إيّاه ، وكان [أبو دجانة] (٢) رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، وكان إذا قاتل علّم بعصابة له حمراء فاعتصب بها على رأسه ، ثم جعل يتبختر بين الصّفّين. فبلغنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حين رآه يتبختر : إنّها لمشية يبغضها الله إلّا في مثل هذا الموطن (٣).

وقال عمرو بن عاصم الكلابيّ : حدّثني عبيد الله بن الوازع ، حدّثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الزّبير بن العوّام قال : عرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيفا يوم أحد فقال : من يأخذه بحقّه؟ فقمت فقلت : أنا يا رسول الله. فأعرض عنّي ، ثم قال : من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقام أبو دجانة سماك ابن خرشة فقال : أنا يا رسول الله ، فما حقّه؟ قال : أن لا تقتل به مسلما ولا تفرّ به عن كافر. قال : فدفعه إليه ، وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة ، فقلت : لأنظرنّ اليوم كيف يصنع. قال : فجعل لا يرتفع له شيء إلّا هتكه

__________________

(١) صحيح مسلم (٢٤٧٠) : كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة.

(٢) إضافة عن سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٠.

(٣) السيرة ٣ / ١٥٠.


وأفراه ، حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل معهنّ دفوف لهنّ ، فيهنّ امرأة وهي تقول :

[٣٢ ب] نحن بنات طارق

نمشي على النّمارق

 إن تقبلوا نعانق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق (١)

قال : فأهوى بالسّيف إلى امرأة ليضربها ، ثم كفّ عنها. فلما انكشف القتال قلت له : كلّ عملك رأيت ما خلا رفعك السّيف على المرأة ثم لم تضربها. قال أكرمت سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أقتل به امرأة (٢).

وروى جعفر بن عبد الله بن أسلم ، مولى عمر ، عن معاوية بن معبد ابن كعب بن مالك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حين رأى أبا دجانة يتبختر : إنّها لمشية يبغضها الله إلّا في مثل هذا الموطن (٣).

وقال ابن إسحاق ، عن الزّهري وغيره ، إنّ رجلا من المشركين خرج يوم أحد ، فدعا إلى البراز ، فأحجم النّاس عنه حتى دعا ثلاثا ، وهو على جمل له ، فقام إليه الزّبير فوثب حتى استوى معه على بعيره ، ثم عانقه فاقتتلا فوق البعير جميعا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الّذي يلي حضيض الأرض (٤) مقتول. فوقع المشرك ووقع عليه الزّبير فذبحه. ثم إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) النّمارق : جمع النمرقة وهي الطّنفسة أو الوسادة. والوامق : المحبّ. وراجع القول في : سيرة ابن هشام ٣ / ١٥١ والسير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥١٠ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٤٠ ، الروض الأنف ٣ / ١٦١ ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٩٠ ، عيون الأثر ٢ / ٢٥ وغيره ، ففيها اختلاف ونقص.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٢ الطبري ٢ / ٥١١.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٠ ، الطبري ٢ / ٥١١.

(٤) حضيض الأرض : قرارها وسافلها.


قرّب الزّبير فأجلسه على فخذه وقال : إنّ لكلّ نبيّ حواريّا (١) والزّبير حواريّ.

قال ابن إسحاق (٢) : واقتتل الناس حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في النّاس ، وحمزة بن عبد المطّلب ، وعليّ بن أبي طالب ، وآخرون.

وقال زهير بن معاوية : ثنا أبو إسحاق ، سمعت البراء يحدّث قال : جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الرّماة يوم أحد ، وكانوا خمسين ، عبد الله بن جبير ، وقال : إذا رأيتمونا تخطّفنا الطّير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، قال : فهزمهم. فأنا والله رأيت النّساء يشتددن على الجبل قد بدت خلاخيلهنّ وسوقهنّ رافعات ثيابهنّ. فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة ، أي قوم ، الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله لهم : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقالوا : لنأتينّ النّاس فلنصيبنّ من الغنيمة : فأتوهم فصرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين. فذلك [الّذي] (٣) يدعوهم الرسول في أخراهم. فلم يبق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا اثنا عشر رجلا. فأصابوا منّا سبعين (٤).

فقال أبو سفيان : أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ ثلاث مرّات. فنهاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجيبوه. ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ، أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثم قال : أفي القوم ابن الخطّاب؟ ثلاثا. ثم رجع إلى أصحابه فقال : أمّا هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه أن قال : كذبت يا عدوّ الله ، إنّ الذين عددت لأحياء كلّهم ، وقد بقي لك ما يسوؤك. فقال :

__________________

(١) الحواري : الناصر المبالغ في النّصرة ، والوزير والخليل ، أو ناصر الأنبياء عليهم‌السلام خاصّة.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥١.

(٣) سقطت من الأصل ، واستدركناها من تاريخ ابن كثير (٤ / ٢٥) وعبارة البخاري ٥ / ١٢٠ :

فذاك إذ يدعوهم ..

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٥٠٨.


يوم بيوم بدر والحرب سجال (١) ، إنّكم ستجدون مثلة (٢) لم آمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز : أعل هبل ، أعل هبل (٣).

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا تجيبوه؟ قالوا : ما نقول؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجلّ.

ثم قال : لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ألا تجيبوه؟ قالوا : [٣٣ أ] ما نقول؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم.

أخرجه البخاري (٤).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، فحدّثني الحصين بن عبد الرحمن ، عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السّكن ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم أحد حين غشيه القوم : من رجل يشري منّا نفسه؟ فقام زياد بن السّكن في خمسة من الأنصار ، وبعض النّاس يقول : هو عمارة بن زياد بن السّكن ، فقاتلوا دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رجل ثم رجل (٥) يقتلون دونه ، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة. ثم فاءت من المسلمين فئة فأجهضوهم عنه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أدنوه منّي. فأدنوه منه ، فوسّده قدمه ، فمات وخدّه على قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦).

وترس دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو دجانة بنفسه ، يقع النّبل في ظهره ، وهو

__________________

(١) سجال : أي مساجلة يدال فيها على هؤلاء مرّة ، وعلى هؤلاء أخرى.

(٢) المثلة : التنكيل بالقتلى بقطع أطرافهم والتشويه بهم.

(٣) هبل من أصنام قريش التي كانت في جوف الكعبة وكان أعظمها عندهم. قال ابن الكلبي : كان فيما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان (الأصنام : ٢٨).

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢٠) ، وهذا الحديث من أفراد البخاري دون مسلم.

(٥) في سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧ «رجلا ثم رجلا».

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧.


منحن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كثرت فيه النّبل (١).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، وغيره ، عن أنس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش ، فلما رهقوه قال :

من يردّهم عنّا وله الجنّة ، أو هو رفيقي في الجنّة؟ فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، وتقدّم آخر حتى قتل. فلم يزل كذلك حتى قتل السّبعة ، فقال لصاحبيه : ما أنصفنا أصحابنا.

رواه مسلم (٢).

وقال سليمان التّيمي ، عن أبي عثمان قال : لم يبق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهنّ غير طلحة بن عبيد الله وسعد ، عن حديثهما. متّفق عليه (٣).

وقال قيس بن أبي حازم : رأيت يد طلحة شلّاء وقى بها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يعني يوم أحد.

أخرجه البخاري (٤).

وقال عبد الله بن صالح : حدّثني يحيى بن أيّوب ، عن عمارة بن غزيّة ، عن أبي الزّبير مولى حكيم بن حزام ، عن جابر قال : انهزم النّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، فبقي معه أحد عشر رجلا ، وطلحة بن عبيد الله ، وهو يصّعد في الجبل ، فلحقهم المشركون. فقال ألا أحد لهؤلاء؟ فقال طلحة :

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧ ، السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٨.

(٢) صحيح مسلم (١٧٨٩) : كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة أحد.

(٣) صحيح البخاري : كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب ذكر طلحة بن عبيد الله (٥ / ٢٧) ، وكتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (٥ / ١٢٤) وصحيح مسلم (٢٤١٤) : كتاب فضائل الصحابة : باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (٥ / ١٢٥).


أنا يا رسول الله. قال : كما أنت يا طلحة. فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله. فقاتل عنه ، وصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن معه ، ثم قتل الأنصاريّ فلحقوه فقال : ألا أحد لهؤلاء؟ فقال طلحة مثل قوله ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل قوله ، فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله ، فأذن له فقاتل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه يصّعدون ، ثم قتل فلحقوه. فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول مثل قوله ويقول طلحة : أنا فيحبسه. ويستأذنه رجل من الأنصار فيأذن له ، حتى لم يبق معه إلّا طلحة ، فغشوهما ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من لهؤلاء؟ فقال طلحة : أنا. فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله ، فقال : حسّ (١). [٣٣ ب] فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو قلت بسم الله أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والنّاس ينظرون إليك حتى تلج بك في جوّ السماء. ثم صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون.

وقال عبد الوارث : ثنا عبد العزيز ، عن أنس قال : لما كان يوم أحد انهزم النّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو طلحة بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجوب (٢) عنه بحجفة معه. وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النّزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة. وكان الرجل يمرّ بالجعبة فيها النّبل فينثرها لأبي طلحة. ويشرف نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة : يا نبيّ الله ، بأبي أنت وأمّي ، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك.

ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر ، وأمّ سليم وإنّهما مشمّرتان أرى خدم سوقهما ، تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم.

ولقد وقع السيف من يدي طلحة من النّعاس إمّا مرّتين أو ثلاثا.

__________________

(١) حس : (بفتح الحاء وكسر السين وترك التنوين) كلمة تقال عند الألم.

(٢) يجوب عنه : يترس عليه. والجوبة الترس.


متّفق عليه (١).

وقال ابن إسحاق. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله حتى قتل قتله ابن قمّيئة (٢) اللّيثي ، وهو يظنّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فرجع إلى قريش فقال : قتلت محمدا (٣).

ولما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللواء عليّ بن أبي طالب ورجالا من المسلمين (٤).

وقال موسى بن عقبة : واستجلبت قريش من شاءوا من مشركي العرب ، وسار أبو سفيان في جمع قريش. ثم ذكر نحو ما تقدّم ، وفيه : فأصابوا وجهه ، يعني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقصموا (٥) رباعيّته ، وخرقوا شفته. يزعمون أنّ الّذي رماه عتبة بن أبي وقّاص.

وعنده المنام ، وفيه : فأوّلت الدّرع الحصينة المدينة ، فامكثوا واجعلوا الذراري في الآطام ، فإن دخلوا علينا في الأزقّة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت. وكانوا قد سكّوا أزقّة المدينة بالبنيان حتى كانت كالحصن. فأبى كثير من النّاس إلّا الخروج ، وعامّتهم لم يشهدوا بدرا. قال : وليس مع المسلمين فرس.

وكان حامل لواء المشركين طلحة بن عثمان ، أخو شيبة العبدري ، وحامل لواء المسلمين رجل من المهاجرين ، فقال : أنا عاصم إن شاء الله لما معي ، فقال له طلحة بن عثمان : هل لك في المبارزة؟ قال : نعم فبدره

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (٥ / ١٢٥).

(٢) في السيرة لابن هشام ٣ / ١٥٧ «قمئة».

(٣) السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٩.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٣.

(٥) فصمت السن : انشقت عرضا.


ذلك الرجل فضرب بالسيف على رأسه حتى وقع السيف في لحيته.

فكان قتل صاحب المشركين تصديقا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [في قوله] أرى (١) أنّي مردف كبشا.

فلما صرع انتشر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وصاروا كتائب متفرّقة ، فحاسوا (٢) العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم. وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرّات ، كلّ ذلك تنضح بالنّبل فترجع مفلولة. وحمل المسلمون فنهكوهم قتلا ، فلما أبصر الرّماة الخمسون أنّ الله قد فتح ، قالوا : والله [ما] نجلس ها هنا لشيء. فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يتركوها ، [٣٤ أ] وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول ، فأوجفت الخيل فيهم قتلا ، وكان عامّتهم في العسكر. فلما أبصر ذلك المسلمون اجتمعوا ، وصرخ صارخ : أخراكم أخراكم ، قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فسقط في أيديهم ، فقتل منهم من قتل ، وأكرمهم الله بالشهادة. وأصعد النّاس في الشّعب لا يلوون على أحد ، وثبّت الله نبيّه ، وأقبل يدعو أصحابه مصعّدا في الشّعب ، والمشركون على طريقه ، ومعه عصابة منهم طلحة بن عبيد الله والزّبير ، وجعلوا يسترونه [حتى] (٣) قتلوا إلّا ستة أو سبعة.

ويقال : كان كعب بن مالك أول من عرف عيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين فقد ، من وراء المغفر. فنادى بصورته الأعلى : الله أكبر ، هذا رسول الله ، فأشار إليه ـ زعموا ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن اسكت. وجرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وجهه وكسرت رباعيّته (٤).

__________________

(١) في الأصل : رأى. وصحّحت العبارة بما يؤدّي المعنى.

(٢) حاسوهم ضربا : بالغوا في النكاية فيهم.

(٣) ليست في الأصل ، وزدناها للسياق.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٨.


وكان أبيّ بن خلف قال حين افتدي : والله إنّ عندي لفرسا أعلفها كلّ يوم فرق ذرة ، ولأقتلنّ عليها محمدا. فبلغ قوله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : بل أنا أقتله إن شاء الله. فأقبل أبيّ مقنّعا في الحديد على فرسه تلك يقول : لا نجوت إن نجا محمد. فحمل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

قال موسى : قال سعيد بن المسيّب : فاعترض له رجال ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخلّوا طريقه ، واستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقتل مصعب. وأبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ترقوة أبيّ من فرجة بين سابغة البيضة والدّرع ، فطعنه فيها بحربته ، فوقع أبيّ عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم (٢).

قال سعيد : فكسر ضلع من أضلاعه ، ففي ذلك نزلت (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٣). فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثّور فقالوا : ما جزعك؟ إنّما هو خدش. فذكر لهم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل أنا أقتل أبيّا. ثم قال : والّذي نفسي بيده ، لو كان هذا الّذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون. فمات قبل أن يقدم مكة (٤).

وقال ابن إسحاق : حدّثني حييّ بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّ الزّبير قال : والله لقد رأيتني انظر إلى خدم سوق هند وصواحباتها مشمّرات هوارب ، ما دون إحداهنّ قليل ولا كثير ، إذا مالت الرّماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النّهب ، وخلّوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا ، وصرخ صارخ. ألا إنّ محمدا قد قتل ، فانكفأنا

__________________

(١) السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣١.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٦.

(٣) سورة الأنفال : من الآية ١٧.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٦.


وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم ، حتى ما يدنو منه أحد من القوم.

قال ابن إسحاق : لم يزل لواؤهم صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثيّة ، فرفعته لقريش فلاذوا به.

وقال ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) أي تقتلونهم ، (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ) يعني إقبال من أقبل منهم على الغنيمة ، (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) ، (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) (١) يعني النصر. ثم أديل [٣٤ ب] للمشركين عليهم بمعصيتهم الرسول حتى حصبهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وروى السّدّيّ ، عن عبد خير ، عن عبد الله قال : ما كنت أرى أنّ أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (٢).

وقال (٣) هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : هزم المشركون يوم أحد هزيمة بيّنة ، فصرخ إبليس : أي عباد الله أخراكم ، فرجعت أولاهم واجتلدوا هم وأخراهم. فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان ، فقال : أبي ، أبي. فو الله ما انحجزوا عنه حتى قتلوه. فقال حذيفة : غفر الله لكم. قال

__________________

(١) سورة آل عمران : من الآيتين ١٥٢ ، ١٥٣ بتقديم وتأخير في فقرها المستشهد بحسب المعنى. وتمام الآيتين الكريمتين : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.).

(٢) سورة آل عمران الآية ١٥٢.

(٣) آخر سقط ع.


عروة : فو الله ما زالت في حذيفة بقيّة خير حتى لقي الله. أخرجه البخاري (١).

وقال ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن سعد بن أبي وقّاص قال : كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسيفين ، ويقول : أنا أسد الله.

رواه يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير مرسلا ، وزاد : فعثر فصرع مستلقيا وانكشفت الدّرع عن بطنه ، فزرقه العبد الحبشيّ فبقره.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن أميّة الضّمري قال : خرجت مع عبيد الله بن عديّ بن الخيار إلى الشّام. فلما قدمنا حمص قال عبيد الله : هل لك في وحشيّ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت : نعم. وكان وحشيّ يسكن حمص ، فسألنا عنه ، فقيل لنا : هو ذاك في ظلّ قصره كأنّه حميت (٢). فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا فسلّمنا ، فردّ علينا السلام. وكان عبيد الله معتجرا بعمامته ، ما يرى وحشيّ إلّا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله : يا وحشيّ ، تعرفني؟ فنظر إليه فقال : لا والله ، إلّا أنّي أعلم أنّ عديّ بن الخيار تزوّج امرأة يقال لها أمّ قتال بنت أبي العيص ، فولدت غلاما بمكّة فاسترضعته ، فحملت ذلك الغلام مع أمّه فناولتها إيّاه ، لكأنّي نظرت إلى قدميك. قال : فكشف عبيد الله عن وجهه ، ثم قال : ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال : نعم. إنّ حمزة قتل طعيمة بن عديّ بن الخيار ببدر. فقال لي مولاي جبير بن مطعم : إن قتلت

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (٥ / ١٢٥).

(٢) الحميت : الزّقّ (عن هامش ع). قال الزبيدي في التاج ٤ / ٤٩٧ : الحميت : الزّقّ الصغير ، أو الزّق المشعر الّذي يجعل فيه السمن والعسل والزيت .. وفي حديث وحشيّ : «كأنّه حميت» أي زقّ. وفي حديث هند لما أخبرها أبو سفيان بدخول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، قالت : «اقتلوا الحميت الأسود» تعنيه استعظاما لقوله.


حمزة بعمّي فأنت حرّ. فلمّا خرج الناس عن (١) عينين ـ وعينين (٢) جبل تحت أحد ، بينه وبين أحد واد ـ خرجت مع النّاس إلى القتال. فلما أن اصطفّوا للقتال خرج سباع : فقال : هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة ، فقال : يا سباع يا بن مقطّعة البظور (٣) ، تحادّ الله ورسوله؟ ثم شدّ عليه ، فكان كأمس الذاهب. قال فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مرّ عليّ ، فرميته بحربتي فأضعها في ثنته (٤) حتى خرجت من وركه ، فكان ذاك العهد به. فلما رجع النّاس رجعت معهم ، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ، ثم خرجت إلى الطّائف. قال : وأرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسلا ، وقيل إنّه لا تهيج الرّسل ، فخرجت معهم. فلما رآني قال : أنت وحشيّ؟ قلت : نعم. قال : الّذي قتل حمزة؟ [٣٥ أ] قلت : نعم ، قد كان الأمر الّذي بلغك. قال : ما تستطيع أن تغيّب عنّي وجهك؟ قال : فرجعت. فلما توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخرج مسيلمة ، قلت : لأخرجنّ إليه لعلّي أقتله فأكافئ به حمزة. فخرجت مع النّاس وكان من أمرهم ما كان ، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنّه جمل أورق ثائر رأسه. قال : فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسّيف على هامته.

قال سليمان بن يسار : فسمعت ابن عمر يقول : قالت جارية على ظهر بيت : وا أمير المؤمنين ، قتله العبد الأسود (٥).

__________________

(١) كذا بالأصل ، ورواية البخاري «عام عينين».

(٢) في الأصل : وعينون. والمثبت عن البخاري.

(٣) البظور : بضم الباء ، مفردها بظر ، ما بين استي المرأة. (تاج العروس ١٠ / ٢١٦).

(٤) الثنة : وسط الإنسان (عن الهامش) وهي ما بين السّرّة إلى العانة. وفي تاريخ الطبري :

٢ / ٥١٧ : «فوقعت في لبّته حتى خرجت من بين رجليه». وفي تاريخ الخميس ١ / ٤٧٩ «فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه». وانظر : السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٩.

(٥) تاريخ الخميس ١ / ٤٨٠.


أخرجه البخاري (١).

قال ابن إسحاق (٢) : ذكر الزّهري قال : كان أوّل من عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الهزيمة وقول النّاس : قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كعب بن مالك. قال : عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر ، فناديت : يا معشر المسلمين. أبشروا ، هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأشار إليّ أن أنصت ، ومعه جماعة. فلما أسند في الشّعب (٣) أدركه أبيّ بن خلف وهو يقول : يا محمد (٤) ، لا نجوت إن نجوت. الحديث.

وقال هاشم بن هاشم الزّهري : سمعت سعيد بن المسيّب ، سمع سعدا يقول : نثل لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنانته يوم أحد ، وقال : إرم ، فداك أبي وأمّي.

أخرجه البخاري (٥).

وقال ابن إسحاق (٦) : حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الزّبير قال : فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ظاهر بين درعين يومئذ ، فلم يستطيع أن ينهض إليها ، يعني إلى صخرة في الجبل ، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى استوى عليها (٧). فقال رسول

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب قتل حمزة رضي‌الله‌عنه (٥ / ١٢٨).

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٨ و ١٦٦ ، الأغاني ١٥ / ١٩٥ ، ١٩٦.

(٣) أسند فيه : أي رقى فيه.

(٤) في السيرة : «أي محمد» ٣ / ١٦٦ وفي تاريخ الطبري ٢ / ٥١٨ «أين محمد» وكذلك في السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣١.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب إذ همّت طائفتان منكم إلخ (٥ / ١٢٤). والنظر السير والمغازي لابن إسحاق ٣٢٨.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٧ ، ١٦٨.

(٧) السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣٢.


الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أوجب طلحة (١).

وقال حميد ، عن أنس قال : غاب أنس بن النّضر ، عمّ أنس بن مالك ، عن قتال بدر ، فقال : غبت عن أوّل قتال قاتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لئن الله أشهدني قتالا ليرينّ الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال : اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا جاء به هؤلاء؟ يعني المشركين ، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني المسلمين. ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ ، فقال : أي سعد ، والّذي نفسي بيده إنّي لأجد ريح الجنّة دون أحد ، واها لريح الجنّة! قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع. قال أنس : وجدناه بين القتلى ، به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم ، قد مثّلوا به فما عرفناه ، حتى عرفته أخته ببنانه (٢). قال أنس : فكنّا نقول : أنزل فيه هذه الآية (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (٣) ، أنّها فيه وفي أصحابه. متّفق عليه (٤) ، لكنّ مسلم من حديث ثابت البناني ، عن أنس.

وقال محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أنّ عمرو بن أقيش كان له ربّا في الجاهلية ، فكره أن يسلم حتى يأخذه. فجاء يوم أحد فقال : أين بنو عمّي؟ قالوا : بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه ثم توجّه قبلهم ، فلما رآه المسلمون قالوا : إليك عنّا. قال : إنّي قد آمنت. فقاتل حتى جرح ، فحمل جريحا ، فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخته : سليه ، حميّة

__________________

(١) كذا رواه الترمذي وأورده في الرياض النضرة بتغيير يسير عن عبد الله بن الزبير عن أبيه.

وأخرجه أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح. (انظر تاريخ الخميس ١ / ٤٩٢).

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٥١٧ ، ٥١٨ السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣٠ ، النهاية لابن الأثير ١ / ١٥٧.

(٣) سورة الأحزاب : من الآية ٢٣.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢٢) وصحيح مسلم : كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنة للشهيد (٦ / ٤٥). وانظر المنتقى ، وتاريخ الخميس ١ / ٤٨٩.


لقومك أو غضبا لله؟ قال : بل غضبا [٣٥ ب] لله ورسوله. فمات فدخل الجنّة وما صلّى صلاة.

أخرجه أبو داود (١).

وقال حيّويه بن شريح المصري : حدّثني أبو صخر حميد بن زياد ، أنّ يحيى بن النّضر حدّثه عن أبي قتادة ، قال : أتى عمرو بن الجموح (٢) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل ، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنّة؟ وكان أعرج ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم. فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم ، فمرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : كأنّي أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة. وأمر بهما وبمولاهما فجعلا في قبر واحد (٣).

وقال ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيّب قال ، قال عبد الله بن جحش : اللهمّ إنّي أقسم عليك أن ألقى العدوّ غدا فيقتلوني ثم يبقروا بطني ويجدعوا أنفي وأذني ، ثم تسألني بم ذاك ، فأقول : فيك. قال سعيد بن المسيّب : إنّي لأرجو أن يبرّ الله آخر قسمه كما أبرّ أوله (٤).

وروى الزّبير بن بكّار في «الموفّقيّات» (٥) ، عن عبد الله بن جحش ، أنّ سيفه انقطع ، فأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرجونا فصار في يده سيفا. فكان يسمّي العرجون ، ولم يزل يتناول (٦) حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار (٧).

__________________

(١) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله تعالى (٢ / ١٩).

(٢) انظر عنه : المحبّر ٣٠٤.

(٣) الإصابة ٢ / ٥٣٠.

(٤) الاستيعاب : ٢ / ٢٧٤ وصفة الصفوة ١ / ٣٨٥ ، ٣٨٦.

(٥) الأخبار الموفقيات ، ٣٩٠ ، ٣٩١ و ٦٢٣.

(٦) كذا في الأصل ، ع والموفقيات المطبوع ، وعبارة ابن الملا «يتداول». ولعلها الوجه.

(٧) الأخبار الموفقيات : ص ٣٩٠ ، ٦٢٣. وانظر الخبر أيضا في الاستيعاب لابن عبد البر


وكان عبد الله من السابقين ، أسلم قبل دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة هو وإخوته وشهد بدرا.

وقال معمر ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي : ثنا أشياخنا أنّ عبد الله بن جحش جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد وقد ذهب سيفه ، فأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عسيبا من نخل ، فرجع في يد عبد الله سيفا. مرسل.

عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، قال : بعثني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع ، وقال لي : إن رأيته فأقرئه منّي السّلام وقل له : يقول لك رسول الله كيف تجدك؟ فجعلت أطوف بين القتلى ، فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ، فقلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ عليك السّلام ويقول لك : خبّرني كيف تجدك؟ قال : على رسول الله السّلام وعليك ، قل له : يا رسول الله أجد ريح الجنّة ، وقل لقومي الأنصار : لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شفر يطرف (١). قال : وفاضت نفسه (٢).

أخرجه البيهقي ، ثم ساقه فيما بعد من حديث محمد بن إسحاق (٣) ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني ، منقطعا ، فهو شاهد لما رواه خارجة.

وقال موسى بن عقبة : ثم انكفأ المشركون إلى أثقالهم ، لا يدري المسلمون ما يريدون. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال (٤)

__________________

(٢) / ٢٧٢ ، ٢٧٣ والإصابة لابن حجر ٢ / ٢٨٦ ، ٢٨٧.

(١) الشفر : شفر العين ، وهو أصل منبت الشعر في الجفن. (تاج العروس ١٢ / ٢٠٧).

(٢) انظر الموطأ للإمام مالك كتاب الجهاد ٣١٠ رقم ١٠٠٤ ، صفة الصفوة ١ / ٤٨٠ ، ٤٨١ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٩٥ ، الأغاني ١٥ / ٢٠٠ ، ٢٠١ ، السير والمغازي ٣٣٤ ، ٣٣٥.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧١.

(٤) الأثقال : جمع الثقل ، محركة ، وهو متاع المسافر وحشمه.


تتبع آثار الخيل ، فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذّراريّ ، وأقسم بالله لئن فعلوا لأواقعنّهم في جوفها ، وإن كانوا ركبوا الأثقال وجنّبوا الخيل فهم يريدون الفرار (١). فلما أدبروا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن أبي وقّاص في آثارهم. فلما رجع قال : رأيتهم سائرين على أثقالهم والخيل مجنوبة. قال : فطابت أنفس القوم ، وانتشروا [٣٦ أ] يبتغون قتلاهم. فلم يجدوا قتيلا إلّا مثّلوا به ، إلّا حنظلة بن أبي عامر (٢) ، وكان أبوه مع المشركين فترك (٣) لأجله. وزعموا أنّ أباه وقف عليه قتيلا فدفع صدره برجله ثم قال : ذنبان أصبتهما ، قد تقدّمت إليك في مصرعك هذا يا دبيس (٤) ، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرّحم برّا بالوالد.

ووجدوا حمزة بن عبد المطّلب قد بقر بطنه وحملت كبده ، احتملها وحشيّ وقد قتله ، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. فدفن في نمرة (٥) كانت عليه ، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه ، فغطّوا قدميه بشيء من الشجر (٦).

وقال الزّهري : فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : زمّلوهم بدمائهم ، فإنّه ليس أحد

__________________

(١) المغازي لعروة ٣٣٤ ، سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٠ ، ١٧١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٢٧ ، الأغاني ١٥ / ٢٠١.

(٢) هو المعروف بغسيل الملائكة ، انظر عنه : تاريخ خليفة ١ / ٣٤ ، الجرح والتعديل ٣ / ٢٣٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٠٤ ، حلية الأولياء ١ / ٣٥٧ ، الطبري ٢ / ٥٢١ ، ٥٢٢ ، الاستيعاب ١ / ٣٨٠ ، المعارف ٣٤٣ ، طبقات الصوفية ٤٠٣ ، أنساب الأشراف ١ / ٣٢٠ ، ٣٢١ و ٣٢٩ ، ٣٣٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١٧٠ ، صفة الصفوة ١ / ٢٤٨ ، الوافي بالوفيات ١٣ / ٢٠٧ ، الإصابة ١ / ٣٦٠ ، تعجيل المنفعة ١٠٨.

(٣) في الأصل : فنزل. والتصحيح من ع.

(٤) يراد بالدبيس : عسل التمر ، وهو نداء حلو من الأب المشرك لابنه المسلم الشهيد. (انظر نسخة شعيرة ٢٠٣ حاشية ١).

(٥) النمرة : كل شملة مخطّطة من مآزر الأعراب. (تاج العروس ١٤ / ٢٩٤).

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢.


يكلم في الله إلّا وهو يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي ، لونه لون الدّم وريحه ريح المسك (١).

وقال : إنّ المشركين لن يصيبوا منّا مثلها. وقد كان أبو سفيان ناداهم حين ارتحل المشركون : إنّ موعدكم الموسم ، موسم بدر. وهي سوق كانت تقوم ببدر كلّ عام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قولوا له : نعم (٢).

قال : ودخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإذا النّوح في الدّور. قال : ما هذا؟ قالوا : نساء الأنصار يبكين قتلاهم. وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير ، قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما وحمل ، قيل (٣) : فدفنوا في مقابر المدينة ، فنهاهم عن ذلك وقال : واروهم حيث أصيبوا (٤).

وقال لما سمع البكاء : لكنّ حمزة لا بواكي له. واستغفر له ، فسمع ذلك سعد بن معاذ وابن رواحة وغيرهما ، فجمعوا كلّ نائحة وباكية بالمدينة ، فقالوا : والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عمّ رسول الله. فلما سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبكاء ، قال : ما هذا؟ قال : فأخبر ، فاستغفر لهم وقال لهم خيرا ، وقال : ما هذا أردت وما أحبّ البكاء ، ونهى عنه (٥).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع (٦) الأنصاريّ قال : انتهى أنس بن النّضر إلى عمر ، وطلحة ، ورجال قد ألقوا بأيديهم فقال : ما يجلسكم؟ فقالوا : قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٢٠.

(٢) انظر السيرة ٣ / ١٧٠.

(٣) كذا في الأصل ، ع.

(٤) انظر مثله في سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢ ، ١٧٣ ، والمغازي لعروة ١٧١.

(٦) في طبعة القدسي ١٦٨ وطبعة شعيرة ٢٠٤ «نافع» والتصحيح من الجرح والتعديل ٧ / ١١٣ رقم ٦٥٢ وسيرة ابن هشام.


استقبل القوم فقاتل حتى قتل (١).

قال ابن إسحاق : وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقى هو وأبو سفيان بن حرب ، فلما استعلاه حنظلة رآه شدّاد بن الأسود. فضرب حنظلة بالسيف فقتله (٢).

وحدّثني عاصم بن عمرو بن قتادة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ صاحبكم لتغسله الملائكة ، يعني حنظلة ، فسألوا (٣) أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته قالت : خرج وهو جنب حين سمع الهيعة (٤). فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لذلك غسّلته الملائكة.

وقال البكّائي ، قال ابن إسحاق : وخلص العدوّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدثّ (٥) بالحجارة حتى وقع لشقّه فأصيبت رباعيّته ، وشجّ [٣٦ ب] في وجهه ، وكلمت شفته. وكان الّذي أصابه عتبة بن أبي وقّاص. فحدّثني حميد الطّويل ، عن أنس ، قال : كسرت رباعيّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، وشجّ في وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول. كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم؟ فنزلت (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (٦).

وقال عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، قال :

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧ ، ١٥٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٢٢.

(٣) هكذا في الأصل ، وفي سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٤ ، وفي تاريخ الطبري ٢ / ٥٢٢ «فسلوا» ، وكذلك في المختصر لابن الملا.

(٤) الهيعة : الصوت الّذي تفزع منه وتخافه من العدو.

(٥) الدّثّ : الرمي المقارب المؤلم. (تاج العروس ٥ / ٢٤٧).

(٦) سورة آل عمران : الآية ١٢٨. والخبر في السيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦ والطبقات لابن سعد ٢ / ٤٤ ، ٤٥.


جرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكسرت رباعيّته ، وهشمت البيضة على رأسه ، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تغسل الدم ، وعليّ يسكب الماء عليه بالمجنّ. فلما رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة ، أخذت قطعة حصير أحرقته ، حتى إذا صار رمادا ألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم.

أخرجاه (١) ، ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبي هلال ، عن أبي حازم عن سهل ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد أصيبت رباعيّته وهشمت بيضته. وذكر باقي الحديث (٢).

وقال معمر ، عن همّام ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اشتدّ غضب الله على قوم فعلوا برسول الله ، وهو يشير إلى رباعيّته ، اشتدّ غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله.

متّفق عليه (٣) ، وللبخاريّ مثله من حديث عكرمة ، عن ابن عبّاس. لكن فيه : دموا وجه رسول الله ، بدل ذكر رباعيّته (٤).

وقال ابن المبارك ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله : أخبرني عيسى بن طلحة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال : ذاك يوم كان كلّه يوم طلحة. ثم أنشأ يحدّث قال :

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حدّثنا قتيبة بن سعيد (٥ / ١٣٠) ، وصحيح مسلم (١٧٩٠) : كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة أحد ، ورواه ابن سعد في طبقاته ٢ / ٤٨.

(٢) صحيح مسلم : الموضع السابق.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب ما أصاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الجراح يوم أحد (٥ / ١٢٩) ، وصحيح مسلم (١٧٩٣) ، كتاب الجهاد والسير ، باب اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب ما أصاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الجراح يوم أحد (٥ / ١٢٩).


كنت أوّل من فاء (١) يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دونه. وأراه قال : يحميه ، فقلت : كن طلحة ، حيث فاتني ما فاتني ، قلت : يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ. وبيني وبين المشركين (٢) رجلا لا أعرفه ، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه ، وهو يخطف المشي خطفا لا أخطفه. فإذا هو أبو عبيدة. فانتهينا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد كسرت رباعيّته وشجّ في وجهه ، وقد دخل في وجهه حلقتان من حلق المغفر. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عليكما صاحبكما ، يريد طلحة وقد نزف. فلم نلتفت إلى قوله ، وذهبت لأنزع ذلك من وجهه. فقال أبو عبيدة : أقسمت عليك بحقّي لما تركتني. فتركته. فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النّبيّ ، فأزمّ عليهما بفيه ، فاستخرج إحدى الحلقتين. ووقعت ثنيّته مع الحلقة. وذهبت لأصنع ما صنع ، فقال : أقسمت عليك بحقّي لما تركتني. ففعل ما فعل في المرّة الأولى ، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة. فكان أبو عبيدة من أحسن النّاس هتما ، فأصلحنا من شأن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار (٣) [٣٧ أ] ، فإذا بضع وسبعون ، أقلّ أو أكثر ، من بين طعنة ورمية وضربة ، وإذا قد قطعت إصبعه. فأصلحنا من شأنه.

وروى الواقديّ عن ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي الحويرث ، عن نافع بن جبير قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا ، فنظرت إلى النّبل يأتي من كلّ ناحية ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب

__________________

(١) فاء : رجع ، وفاء إلى الأمر يفيء. (تاج العروس ١ / ٣٥٥) وفي نسخة شعيرة ٢٠٥ «ناء» وهو تصحيف لا معنى له هنا.

(٢) في الأصل ، ع : (المشرق). وأثبتنا عبارة ابن الملا ، ولعلّها الوجه.

(٣) الجفار : جمع جفر ، البئر الواسعة التي لم تطو. أو هي التي طوي بعضها ولم يطو بعض (تاج العروس ١٠ / ٤٤٨).


الزّهريّ يقول يومئذ : دلّوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جنبه ما معه أحد ، [ثم] (١) تجاوزه فعاتبه في ذلك صفوان ، فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله أنّه منّا ممنوع ، خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إلى ذلك.

قال الواقديّ : الثّبت عندنا أنّ الّذي رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وجنتيه :ابن قمئة ، والّذي رمى شفتيه وأصاب رباعيّته : عتبة بن أبي وقّاص (٢).

وقال ابن إسحاق (٣) : حدّثني صالح بن كيسان ، عمّن حدّثه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : والله ما حرصت على قتل أحد قطّ ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقّاص ، وإن كان ما علمته لسيّء الخلق مبغّضا في قومه ، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من دمّى وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

وقال معمر ، عن الزّهري ، وعن عثمان الجزري ، عن مقسم (٤) أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا على عتبة حين كسر رباعيته : اللهمّ لا تحل عليه (٥) الحول حتى يموت كافرا. فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النّار. مرسل.

ابن وهب : أنبأ عمرو بن الحارث ، حدّثني عمر بن السّائب ، أنّه بلغه أنّ والد أبي سعيد الخدريّ (٦) لما جرح النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، مصّ جرحه حتى أنقاه ولاح (٧) أبيض ، فقيل له : مجّه. فقال : لا والله لا أمجّه أبدا. ثم

__________________

(١) زيادة من ع.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥١٥.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥١٩.

(٤) مقسم : بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة ، وهو ابن بجرة. (الإصابة ٣ / ٤٥٥ رقم ٨١٨٥ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، رقم ٥٠٧).

(٥) في الأصل : عنه ، والتصحيح من ع.

(٦) هو مالك بن سنان. انظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦ والإصابة ٣ / ٣٤٥ ، ٣٤٦.

(٧) في الأصل : ولا أبيض. والتحرير من ع.


أدبر فقاتل ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا». فاستشهد.

قال ابن إسحاق : قال حسّان بن ثابت (١) :

إذا الله جازى معشرا بفعالهم

ونصرهم الرّحمن ربّ المشارق

 فأخزاك ربّي يا عتيب بن مالك

ولقّاك قبل الموت إحدى الصّواعق

 بسطت يمينا للنّبيّ تعمّدا

فأدميت فاه ، قطّعت بالبوارق

 فهلّا ذكرت الله والمنزل الّذي

تصير إليه عند إحدى البوائق

 قال ابن إسحاق (٢) : وعن أبي سعيد الخدريّ ، أنّ عتبة كسر رباعيّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليمنى السّفلى ، وجرح شفته السّفلى. وأنّ عبد الله بن شهاب شجّه في جبهته. وأنّ ابن قمئة جرح وجنته ، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ، ووقع صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون ، فأخذ عليّ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورفعه طلحة [٣٧ ب] حتى استوى قائما. ومصّ مالك بن سنان ، أبو أبي سعيد [الخدريّ] (٣) ، الدّم عن وجهه ثم ازدرده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مسّ دمه دمي لم تمسّه النّار. منقطع.

قال البكّائي : قال ابن إسحاق (٤) : وحدّثني عاصم بن عمر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رمى عن قوسه حتى اندقّت سيتها (٥) ، فأخذها قتادة بن النّعمان ، فكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة ، حتى وقعت على وجنته. فحدّثني

__________________

(١) ديوانه ، ص ٢٩١ باختلاف في بعض الألفاظ. وهي في سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٦

(٣) زيادة من ع والسيرة.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٥٧.

(٥) في هامش ع : «اندقّت سيتها هو ما عطف من طرفيها» وسية القوس : طرفه.


عاصم بن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّها بيده ، وكانت أحسن عينيه وأحدّهما (١).

وقال الواقدي : ثنا موسى بن يعقوب الزّمعي ، عن عمّته ، عن أمّها ، عن المقداد بن عمرو قال : فربّما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما يوم أحد يرمي عن (٢) قوسه ، ويرمي بالحجر ، حتى تحاجزوا ، وثبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما هو في عصابة صبروا معه.

هذان الحديثان ضعيفان ، فيهما أنّه رمى بالقوس.

وقال سليمان بن أحمد (٣) نزيل واسط : ثنا محمد بن شعيب ، سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، يحدّث عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عن أبي سعيد الخدريّ ، عن قتادة بن النّعمان ، وكان أخا أبي سعيد لأمّه ، أنّ عينه ذهبت يوم أحد ، فجاء بها إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فردّها ، فاستقامت.

وقال يحيى الحمّاني (٤) ، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أبيه ، عن قتادة بن النّعمان ، أنّه أصيبت عينه يوم بدر ، فسالت حدقته على وجنته ، فأرادوا أن يقطعوها ، فسألوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : لا. فدعا به فغمز حدقته براحته. فكان لا يدري أيّ عينيه أصيبت.

__________________

(١) في الأصل ، ع : وأحدّها. والتحرير من ابن الملا والسيرة ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥١٦.

(٢) في الأصل : على ، والتصحيح من اللغة.

(٣) هو : سليمان بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حبيب أبو محمد الجرشي الدمشقيّ الناظر. قال أبو حاتم الرازيّ : كتبت عنه قديما وكان حلوا وتغيّر بأخرة. (الجرح والتعديل ٤ / ١٠١ ، تاريخ بغداد ٩ / ٤٩ ، الأنساب ١٢٨ أ ، تاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) ١٦ / ٣٨٧ ، تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٢٤٤).

(٤) لحمّاني : بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم. وهو يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن. (اللباب ١ / ٣٨٦).


كذا قال ابن الغسيل : يوم بدر.

وقال موسى بن عقبة : إنّ أبا حذيفة بن اليمان ، واسمه حسيل بن جبير حليف الأنصار ، أصابه المسلمون ، زعموا ، في المعركة لا يدرون من أصابه. فتصدّق حذيفة بدمه على من أصابه.

قال موسى : وجميع من استشهد من المسلمين تسعة وأربعون رجلا.

وقتل من المشركين ستّة عشر رجلا.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : حمل أبيّ بن خلف على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد قتله ، فاستقبله مصعب بن عمير ، فقتل مصعبا. وأبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ترقوة أبيّ فطعنه بحربته فوقع عن فرسه ، ولم يخرج منها دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور.

وروى نحوه الزّهري عن ابن المسيّب.

وذكره الواقدي ، عن يونس بن محمد ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن أبيه.

قال الواقدي : وكان ابن عمر يقول : مات أبي ببطن رابغ (١) ، فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هويّ (٢) من الليل إذا نار تأجّج لي فهبتها ، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها [٣٨ أ] يصيح : العطش. ورجل يقول : لا تسقه ، فإنّ هذا قتيل (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هذا أبيّ بن خلف.

وقال عبد الرحمن بن أبي الزّناد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عبّاس ، قال : ما نصر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في موطن كما نصر يوم

__________________

(١) رابغ : واد بين الجحفة وودّان ، وقيل بين الأبواء والجحفة. (معجم البلدان ٣ / ١١).

(٢) الهويّ من الليل : ساعة ممتدّة منه أو هزيع منه.

(٣) في الأصل : قتل. والتصحيح من ع.


أحد. فأنكرنا ذلك ، فقال ابن عبّاس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله ، إنّ الله يقول في يوم أحد (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) والحسّ : القتل (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) (١) الآية. وإنّما عنى بهذا الرّماة. وذلك أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقامهم في موضع. وقال : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا. فلما غنم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانكفأ عسكر المشركين ، نزلت الرّماة فدخلوا في العسكر ينتهبون ، وقد التفّت صفوف أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهم هكذا ، وشبّك أصابعه ، وانتشبوا (٢). فلما خلّى الرّماة تلك الخلّة (٣) التي كانوا فيها ، دخل الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضرب بعضهم بعضا ، والتبسوا (٤). وقتل من المسلمين ناس كثير. وقد كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه أوّل النهار ، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة. وجال المسلمون جولة نحو الجبل. وصاح الشّيطان : قتل محمد. فلم يشكّ فيه أنّه حقّ. وساق الحديث.

وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، قال : كنت ممّن تغشّاه النّعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مرارا. أخرجه البخاري (٥).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة ، قال :

__________________

(١) سورة آل عمران : من الآية ١٥٢.

(٢) في الأصل : التبسوا. والتصحيح من مسند أحمد (١ / ٢٨٧) وتفسير ابن كثير (٢ / ١١٤) وانتشبوا أي تضامّوا وتعلّق بعضهم ببعض. (تاج العروس ٤ / ٢٦٩).

(٣) الخلة : الهضبة.

(٤) في هامش الأصل : التبسوا أي اختلطوا.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب «ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاسا» إلخ (٥ / ١٢٧).


رفعت رأسي يوم أحد ، فجعلت انظر ، وما منهم أحد إلّا وهو يميد (١) تحت حجفته من النّعاس. فذلك قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) (٢) الآية.

وقال يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الزّبير ، قال : والله لكأنّي أسمع قول معتب بن قشير (٣) ، وإنّ النّعاس ليغشاني ما أسمعها منه إلّا كالحلم ، وهو يقول : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) (٤).

وروى الزّهري ، عن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة ، عن أبيه ، قال : ألقي علينا النّوم يوم أحد.

وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر ، والزّهري وجماعة ، قالوا : كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص ، اختبر الله بن المؤمنين ، ومحق به المنافقين ممّن كان يظهر إسلامه بلسانه ، ويوم أكرم الله فيه بالشهادة غير واحد ، وكان ممّا نزل من القرآن في يوم أحد ستّون آية من آل عمران (٥).

وقال المديني ، عن سلّام بن مسكين ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيّب قال : كانت [٣٨ ب] راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرطا أسود كان لعائشة ، وراية الأنصار يقال لها العقاب ، وعلى الميمنة عليّ رضي‌الله‌عنه ، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو السّاعدي ، والزّبير بن العوّام على الرجال ، ويقال

__________________

(١) أثبتها شعيرة ٢١١ «قعيد».

(٢) سورة آل عمران : من الآية ١٥٤.

(٣) الإصابة ٣ / ٤٤٣.

(٤) سورة آل عمران ـ الآية ١٥٤.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٨١.


المقداد بن عمرو ، وحمزة بن عبد المطّلب على القلب ، رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

ولواء قريش مع طلحة بن أبي طلحة فقتله عليّ ، فأخذ اللواء سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن مالك ، فأخذه عثمان (١) بن أبي طلحة ، فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، فأخذه الجلاس بن طلحة ، فقتله ابن أبي الأقلح أيضا (٢) ، ثم كلاب والحارث ابنا طلحة ، فقتلهما قزمان حليف بني ظفر ، وأرطاة بن عبد شرحبيل العبدري قتله مصعب بن عمير (٣) رضي‌الله‌عنه ، وأخذه أبو يزيد بن عمير العبدري ، وقيل عبد حبشيّ لبني عبد الدار ، قتله قزمان.

قال ابن إسحاق : وبقي اللواء ما يأخذه أحد ، وكانت الهزيمة على قريش.

وقال مروان بن معاوية الفزاري : ثنا عبد الواحد بن أيمن ، ثنا عبيد بن رفاعة الزّرقيّ ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم أحد [و] انكفأ المشركون قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : استووا حتى أثنى على ربّي. فصاروا خلفه صفوفا فقال : «اللهمّ لك الحمد كلّه ، اللهمّ لا قابض لما بسطت ، ولا مقرّب لما باعدت ، ولا مباعد لما قرّبت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت. اللهمّ ابسط علينا من بركاتك ، أسألك النّعيم المقيم الّذي لا يحول ولا يزول. اللهمّ عائذا بك من سوء ما أعطيتنا وشرّ ما منعت [منّا (٤)] ، اللهمّ حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ،

__________________

(١) في مغازي الواقدي «مسافع بن طلحة بن أبي طلحة». وفي الاستيعاب ما يؤيّد ذلك إذ قال :

«قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح رجلين منهم مسافعا» (٣ / ٩٢).

(٢) الاستيعاب ٣ / ٩٢.

(٣) في مغازي الواقدي : «قتله عليّ عليه‌السلام».

(٤) زيادة من ع.


واجعلنا من الراشدين ، اللهمّ توفّنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصّالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهمّ قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ، إله الحقّ».

هذا حديث غريب منكر ، رواه البخاري في الأدب (١) ، عن عليّ بن المديني ، عن مروان.

عدد الشهداء

قد مرّ أنّ البخاري أخرج من حديث البراء ، أنّ المشركين أصابوا منّا سبعين.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : يا ربّ السّبعين من الأنصار ، سبعين يوم أحد ، وسبعين يوم بئر معونة ، وسبعين يوم مؤتة ، وسبعين يوم اليمامة.

وقال عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيّب قال : قتل من الأنصار في ثلاثة مواطن سبعون سبعون : يوم أحد ، ويوم اليمامة ، ويوم جسر أبي عبيد.

وقال ابن جريج : أخبرني عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، في قوله تعالى : (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) (٢) ، قال : قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين.

وأما ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، فقال : جميع من قتل

__________________

(١) الأدب المفرد للبخاريّ : باب دعوات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص ٢٤٣.

(٢) سورة آل عمران : من الآية ١٦٥.


مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، من قريش والأنصار : أربعة وأربعون ، أو قال : سبعة وأربعون رجلا.

وجميع من قتل يوم أحد ، يعني من المشركين تسعة عشر رجلا (١).

[٣٩ أ] وقال موسى بن عقبة : جميع من استشهد من المسلمين ، من قريش والأنصار تسعة [أو سبعة (٢)] وأربعون رجلا.

وقال ابن إسحاق (٣) : جميع من استشهد من المسلمين ، من المهاجرين والأنصار ، يوم أحد ، خمسة وستّون رجلا. وجميع قتلى المشركين اثنان وعشرون.

قلت : قول من قال سبعين أصحّ. ويحمل قول أصحاب المغازي هذا على عدد من عرف اسمه من الشّهداء ، فإنّهم عدّوا أسماء الشهداء بأنسابهم قال ابن إسحاق (٤) : استشهد من المهاجرين :

حمزة ، وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ، حليف بني عبد شمس ، وهو ابن عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد دفن مع حمزة في قبر واحد.

ومصعب بن عمير ، وعثمان بن عثمان ، ولقبه شماس (٥) ، وهو عثمان ابن عثمان بن الشّريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي

__________________

(١) العبارة من بعد قوله : «قريش والأنصار» إلى قوله «تسعة عشر رجلا». مضطربة في الأصل ، وصحّحناها من ع.

(٢) زيادة من ع وفي هامش الأصل : «ن سبعة» أي في نسخة.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ١٩١.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩.

(٥) ترجم له ابن حجر في الإصابة ٢ / ١٥٥ رقم ٣٩١٩ باسم «شماس بن عثمان بن الشريد» ، وفيه إن أبا عبيد شذّ فقال إنه استشهد ببدر.


المخزومي ، ابن أخت عتبة بن ربيعة ، هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا. ولقّب شماسا لملاحته.

ومن الأنصار : عمرو بن معاذ بن النّعمان الأوسي ، أخو سعد ، وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ ، والحارث بن أنس (١) بن رافع ، وعمارة بن زياد بن السّكن ، وسلمة ، وعمرو ، ابنا ثابت بن وقش.

وعمّهما : رفاعة بن وقش ، وصيفي بن قيظي ، وأخوه : حباب ، وعبّاد (٢) بن سهل ، وعبيد بن التّيهان ، وحبيب بن زيد (٣) ، وإياس بن أوس ، الأشهليّون. واليمان أبو حذيفة ، حليف لهم. ويزيد بن حاطب بن أميّة الظّفريّ ، وأبو سفيان بن الحارث بن قيس ، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر الرّاهب ، ومالك بن أميّة ، وعوف بن عمرو ، وأبو حيّة (٤) بن عمرو ابن ثابت ، وعبد الله بن جبير بن النّعمان ، أمير الرّماة ، وأنس بن قتادة (٥) ، وخيثمة والد سعد بن خيثمة ، وحليفة : عبد الله بن سلمة العجلاني ، وسبيع (٦) بن حاطب بن الحارث ، وحليفه : مالك بن أوس ، وعمير بن عديّ الخطميّ.

__________________

(١) في الأصل وفي طبعة القدسي ١٨٠ وطبعة شعيرة ٢١٤ «أنيس» والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩ والمحبّر ٤٢٢. وجاء في المغازي لعروة ١٧٢ «الحارث بن أوس» وهو تصحيف.

(٢) في الأصل وفي طبعة القدسي ١٨٠ وطبعة شعيرة ٢١٤ «عبادة» والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩ والإصابة ٢ / ٢٦٥ رقم ٤٤٦٥.

(٣) في سيرة ابن هشام : حبيب بن يزيد بن تيم (٣ / ١٩٠) وهو في الإصابة ١ / ٣٩٠ «حبيب بن زيد بن تيم» نسبه بعضهم لجدّه فذكره «حبيب بن تيم» (رقم ٢٠٦١).

(٤) أبو حنيفة : كذا في الأصل وفي سيرة ابن هشام ٣ / ١٩٠. ويقال : أبو حبّة (بالباء) وأبو حنّة (بالنون) ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب : والصواب أبو حبّة بواحدة. وانظر تهذيب التهذيب (١٢ / ٦٦).

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٩٠ وقال في أنساب الأشراف (١ / ٢٣٠) : أنس ، وهو أنيس بن قتادة.

وأنيس رواية الواقدي وابن عبد البر وابن حزم وابن حجر في الإصابة ١ / ٧٦ رقم ٢٩٣.

(٦) في الواقدي : سبيق. ويقال : سويبق (انظر ابن هشام ٣ / ١٩٠).


وكلّهم من الأوس.

واستشهد من الخزرج :

عمرو بن قيس النجّاري ، وابنه : قيس ، وثابت بن عمرو بن زيد ، وعامر بن مخلد ، وأبو هبيرة بن الحارث بن علقمة ، وعمرو بن مطرّف ، وإياس بن عديّ ، وأوس ، أخو حسّان بن ثابت. وهو والد شدّاد بن أوس ، وأنس بن النّضر بن ضمضم ، وقيس بن مخلد.

وعشرتهم من بني النّجّار.

وعبد لهم اسمه : كيسان ، وسلمة بن الحارث (١) ، ونعمان بن عبد عمرو ، وهما من بني دينار بن النّجّار.

ومن بني الحارث بن الخزرج :

خارجة بن زيد بن أبي زهير ، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير ، وأوس بن أرقم بن زيد ، أخو زيد بن أرقم.

ومن بني خدرة : مالك بن سنان ، وسعيد بن سويد ، وعتبة بن ربيع. ومن بني ساعدة :

ثعلبة بن سعد بن مالك. وثقف (٢) بن فروة ، وعبد الله بن عمرو بن وهب. وضمرة ، حليف لهم من جهينة.

ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني سالم :

__________________

(١) ابن هشام ٣ / ١٩٠ والواقدي : سليم بن الحارث.

(٢) ثقف : كذا أورده ابن هشام ٣ / ١٩١ وأورده الواقدي : نفث. وقال البلاذري في أنساب الأشراف (١ / ٣٣٠) : عبد الله بن فروة بن البدي .. وكان يقال لعبد الله : ثقب. وقال ابن عبد البرّ (١ / ٢٠٨) : «ثقب بن فروة بن البدن» وذكر الأقوال في اسمه.


عمرو بن (٣٩ ب) إياس ، ونوفل بن عبد الله ، وعبادة بن الخشخاش (١) ، والعبّاس بن عبادة بن نضلة. والنّعمان بن مالك. والمجذّر ابن ذياد البلوي ، حليف لهم.

ومن بني الحبلي (٢) :

رفاعة بن عمرو.

ومن بني سواد بن مالك :

مالك بن إياس.

ومن بني سلمة :

عبد الله بن عمرو بن حرام ، وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام.

وكانا متآخيين وصهرين ، فدفنا في قبر (واحد) (٣).

وخلّاد بن عمرو بن الجموح.

ومولاه أسير ، أبو أيمن ، مولى عمرو (٤).

ومن بني سواد بن غنم :

سليم بن عمرو بن حديدة.

ومولاه عنترة ، وسهيل بن قيس.

ومن بني زريق :

ذكوان بن عبد قيس ، وعبيد بن المعلّى بن لوذان.

__________________

(١) في الأصل كتب فوق الخشخاش (معا) أي بالمعجمتين والمهملتين جميعا وفي سيرة ابن هشام ٣ / ١٩١ «الحسحاس».

(٢) الحبلى : بضم الحاء المهملة والباء الموحّدة نسبة إلى حيّ من اليمن من الأنصار (اللباب ١ / ٣٣٧).

(٣) زيادة من ع. وسيرة ابن هشام ٣ / ١٩١.

(٤) في الواقدي وابن عبد البر أنه «أبو أسيرة» وفي ابن هشام ٣ / ١٩١ وابن حزم. «أبو أيمن».


قال ابن إسحاق (١) : وزعم عاصم بن عمر بن قتادة أنّ ثابت بن وقش قتل يومئذ مع ابنيه.

وذكر الواقديّ جماعة قتلوا سوى من ذكرنا.

وقال البكّائي : قال ابن [إسحاق وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة (٢)] عن محمود بن لبيد قال : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أحد رفع حسيل (٣) بن جابر ـ والد حذيفة بن اليمان ـ وثابت بن وقش في الآطام مع النّساء والصّبيان ، فقال أحدهما لصاحبه ـ وهما شيخان كبيران ـ : «لا أبا لك ، ما ننتظر؟ فو الله ما بقي لواحد منّا من عمره إلّا ظمء حمار (٤) ، إنّما نحن هامة اليوم أو غد ، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلّ الله يرزقنا الشهادة مع رسوله؟ فخرجنا حتى دخلا في النّاس ، ولم يعلم بهما. فأمّا ثابت فقتله المشركون ، وأما حسيل فقتله المسلمون ولا يعرفونه (٥).

قال : وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : كان فينا رجل أتيّ (٦) لا يدرى ممّن هو ، يقال له قزمان. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إذا ذكر له : إنّه لمن أهل النّار. فلما كان يوم أحد قتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس ، فأثبتته الجراحة ، فاحتمل إلى دار بني ظفر ، فجعلوا يقولون له : والله لقد أبليت اليوم يا قزمان ، فأبشر. قال : بما ذا أبشر؟ والله إن

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٩.

(٢) ما بين الحاصرتين إضافة من سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٧.

(٣) حسيل : بالتصغير.

(٤) الظمء : ما بين الشربتين أو السقيتين. يقال في المثل : ما بقي من عمره إلّا ظمء حمار أي شيء يسير.

(٥) انظر الإصابة ١ / ١٩٦ (ثابت بن وقش) و ١ / ٣٣١ رقم ١٧٢٠ (حسيل بن جابر) والخبر في السيرة ٣ / ١٦٧ ، ١٦٨.

(٦) الأتيّ : الّذي لا يدرى من أين أتى.


قاتلت إلّا عن أحساب قومي ، ولو لا ذلك لما قاتلت. فلما اشتدّت عليه جراحته (١) أخذ سهما فقتل به نفسه.

قال ابن إسحاق (٢) : وكان ممّا قتل يومئذ مخيريق ، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون (٣) ، قال لما كان يوم أحد : يا معشر اليهود ، والله لقد علمتم أنّ نصر محمد عليكم لحقّ. قالوا : إنّ اليوم يوم السّبت. قال : لا سبت [لكم] (٤). فأخذ سيفه وعدّته وقال : إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء. ثم غدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقاتل معه حتى قتل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بلغنا : مخيريق خير يهود.

ووقعت هند بنت عتبة والنّسوة اللّاتي معها يمثّلن بالقتلى ، يجدعن الآذان والأنف ، حتى اتّخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدما (٥) ، وبقرت (٦) عن كبد حمزة فلاكتها ، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. ثم [علت] (٧) على صخرة مشرفة ، فصرخت بأعلى صوتها :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سعر

 [٤٠ أ] ما كان عن عتبة لي من صبر

ولا أخي ، وعمّه وبكري

 شفيت صدري (٨) وقضيت نذري

شفيت وحشيّ غليل صدري

 __________________

(١) في الأصل ، ع (فلما اشتد عليه جراحة) والمثبت من ابن الملّا وسيرة ابن هشام ٣ / ١٦٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٨.

(٣) في الأصل ، : العيطون. والتصحيح من السيرة وأنساب الأشراف (١ / ٣٢٥) وتاريخ الطبري (٢ / ٥٣١) والمحبّر (١١٢).

(٤) إضافة من السيرة.

(٥) الخدم : الخلخال.

(٦) في سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٩ زيادة قبل هذه الكلمة «وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيّا غلام جبير بن مطعم ، وبقرت ..».

(٧) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ومن السيرة.

(٨) في السيرة «نفسي».


وقتل من المشركين ـ على ما ذكر ابن إسحاق ـ أحد عشر رجلا من بني عبد الدّار ، وهم :

طلحة ، وأبو سعيد ، وعثمان : بنو أبي طلحة عبد الله بن عبد العزّى.

ومولاهم : صؤاب (١) ، وبنو طلحة المذكور : مسافع ، والحارث ، والجلاس ، وكلاب.

وأبو يزيد (٢) بن عمير أخو مصعب بن عمير ، وابن عمّه : أرطاة بن [عبد] شرحبيل بن هاشم ، وابن عمّهم : قاسط بن شريح ، وعبد الله بن حميد بن زهير الأسدي ، وسباع بن عبد العزّى الخزاعيّ حليف بني أسد.

وأربعة من بني مخزوم : أخو أمّ سلمة ، هشام بن أبي أميّة بن المغيرة.

والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة ، وأبو أميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وحليفهم : خالد بن الأعلم.

ومن بني زهرة :

أبو الحكم بن الأخنس بن شريق ، حليف لهم.

ومن بني جمح :

أبيّ بن خلف. وأبو عزّة عمرو بن عبد الله بن عمير. أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضرب عنقه. صبرا ، وذلك أنّه أسر يوم بدر ، وأطلقه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلا فداء لفقره ، وأخذ عليه أن لا يعين عليه. فنقض العهد وأسر يوم أحد ، فقال

__________________

(١) غلام حبشي قتله قزمان. (سيرة ابن هشام ٣ / ١٩٢).

(٢) في الأصل : أبو زيد. والتصحيح من ابن هشام (٣ / ١٩٢) وجوامع السيرة لابن حزم (١٧٣).


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [والله] (١) لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرّتين. وأمر به فضربت عنقه (٢). وقيل لم يؤسر سواه.

ومن بني عامر بن لؤيّ :

عبيدة بن جابر. وشيبة بن مالك.

* * *

وقال سليمان بن بلال ، عن عبد الأعلى (٣) بن عبد الله بن أبي فروة ، عن قطن بن وهب ، عن عبيد بن عمير ، عن أبي هريرة ، ورواه حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الأعلى ـ فأرسله مرّة وأسنده مرّة ـ عن أبي ذرّ عوض أبي هريرة ، أن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين انصرف من أحد مرّ على مصعب بن عمير رضي‌الله‌عنه وهو مقتول ـ على طريقه ـ فوقف عليه ودعا له ، ثم قرأ : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٤). ثم قال : «أشهد أنّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فأتوهم وزوروهم ، والّذي نفسي بيده لا يسلّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلّا ردّوا عليه‌السلام».

وقال ابن إسحاق (٥) : حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، وحدّثنيه بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب قال : لما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما بحمزة رضي‌الله‌عنه من المثل ـ جدع أنفه ولعب به ـ قال : «لو لا أن تجزع صفيّة

__________________

(١) زيادة من ع.

(٢) الطبقات الكبرى ٢ / ٤٣.

(٣) في الأصل : أبي الأعلى. والتصحيح من ع ، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٦ / ٩٥) ، ويرد في الأصل صحيحا بعد قليل.

(٤) سورة الأحزاب : الآية ٢٢.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧١.


وتكون (١) سنّة من بعدي (٢) ما غيّب (٣) حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطّير».

وحدّثني بريدة ، عن محمد بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لئن ظفرت بقريش لأمثّلنّ بثلاثين منهم. فلما رأى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما به من الجزع قالوا : لئن ظفرنا بهم لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب بأحد ، فأنزل الله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٤) ، إلى آخر السّورة. فعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٤٠ ب]. (٥).

وروى ابن إسحاق عن شيوخه الذين روى عنهم قصّة أحد ، أنّ صفيّة أقبلت لتنظر إلى حمزة ـ وهو أخوها لأبويها ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابنها الزّبير : القها فأرجعها ، لا ترى ما بأخيها. فلقيها فقال : أيّ أمّه ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرك أن ترجعي. قالت : ولم؟ فقد بلغني أنّه مثّل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، فلأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله. فجاء الزّبير فأخبره قولها ، قال : فخلّ سبيلها. فأتته ، فنظرت إليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر به فدفن (٦).

وقال أبو بكر بن عيّاش (٧) ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : لما قتل حمزة أقبلت صفيّة ، فلقيت عليّا والزّبير ، فأرياها (٨) أنّهما لا يدريان. فجاءت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : فإنّي أخاف على عقلها. فوضع

__________________

(١) في السيرة «يكون».

(٢) في الأصل : ما بعدي. وأثبتنا لفظ ع والسيرة.

(٣) في السيرة «لتركته».

(٤) سورة النحل : من الآية ١٢٦.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧١ وفيه إضافة «وصبر ونهى عن المثلة».

(٦) السيرة ٣ / ١٧٢.

(٧) في الأصل : عباس. والتصحيح من ع ، وتهذيب التهذيب (١٢ / ٣٤).

(٨) في الأصل : فأريا ، وأثبتنا عبارة ع.


يده على صدرها ودعا لها ، فاسترجعت وبكت. ثم جاء فقام عليه وقد مثّل به فقال : «لو لا جزع النّساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطّير وبطون السباع». ثم أمر بالقتلى فجعل يصلّي عليهم سبع تكبيرات ، ويرفعون ويترك حمزة ، ثم يجاء بسبعة فيكبّر عليهم سبعا ، حتى فرغ منهم.

وحديث جابر أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يصلّ عليهم أصحّ.

وفي الصّحيحين (١) من حديث عقبة بن عامر أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى على قتلى أحد صلاته على الميت. فالله أعلم.

عثمان بن عمرو ، وروح بن عبادة ، بإسناد الحاكم في «المستدرك» (٢) إليهما ، ثنا أسامة بن زيد ، عن الزّهري ، عن أنس قال : لما كان يوم أحد ، مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحمزة وقد جدع ومثّل به ، فقال : لو لا أن تجد صفيّة تركته حتى يحشره الله من بطون الطّير والسّباع. فكفّنه في نمرة. ولم يصلّ على أحد من الشهداء غيره. الحديث.

وقال يحيى الحماني : ثنا قيس ـ هو ابن الربيع ـ عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم قتل حمزة ومثّل به : «لئن ظفرت بقريش لأمثّلنّ بسبعين منهم» فنزلت : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) الآية (٣). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل نصبر يا ربّ. إسناده ضعيف من قبل قيس.

وقد روى نحوه حجّاج بن منهال ، وغيره ، عن صالح المرّي ـ وهو

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب «أحد يحبّنا» (٥ / ١٣٢) ، وكتاب الرقاق ، باب في الحوض وقول الله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (٨ / ١٥١) وصحيح مسلم (٢٢٨٩) كتاب الفضائل ، باب إثبات حوض نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفاته.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٢٠.

(٣) سورة النحل ـ الآية ١٢٦.


ضعيف (١) ـ عن سليمان التّيمي ، عن أبي عثمان النّهدي ، عن أبي هريرة. وزاد : فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قطّ أوجع منه لقلبه.

أخبرنا محمد بن محمد بن صاعد القاضي ، أنبأ الحسن بن أحمد الزّاهد ببيت المقدس سنة تسع وعشرين وستمائة ، ثنا أحمد بن محمد السّلفي ، أنبأ أبو بكر أحمد بن علي ، أنبأ الحسن بن أحمد بن إبراهيم ، أنبأ عبد الله ابن جعفر الفارسيّ ، ثنا يعقوب الفسوي ، ثنا عبد الله بن عثمان ، أنا عيسى ابن عبيد الكندي ، حدّثني ربيع بن أنس ، حدّثني أبو العالية ، عن أبيّ بن كعب أنّه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستّون ، وأصيب من المهاجرين ستّة ، منهم [٤١ أ] حمزة. فمثّلوا بقتلاهم. فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنربينّ (٢) عليهم (٣).

فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل لا يعرف : لا قريش بعد اليوم ، مرّتين ، فأنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) الآية. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كفّوا عن القوم.

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : جاءت صفيّة يوم أحد ومعها ثوبان لحمزة ، فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كره أن ترى حمزة على حاله ، فبعث إليها الزّبير يحبسها وأخذ الثوبين. وكان إلى جنب حمزة قتيل

__________________

(١) هو صالح بن بشير المرّي القاصّ ، من أهل البصرة. انظر عنه : التاريخ الكبير ٢ / ٢٧٣ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٢٦٢ ، المجروحين لابن حبّان ١ / ٣٧١ ، الضعفاء للعقيليّ ٢ / ١٩٩ رقم ٧٢٣ ، الكامل لابن عديّ ٤ / ١٣٧٨ ، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١٠٦ رقم ٢٨٧ ، المغني في الضعفاء ١ / ٣٠٢ رقم ٢٨١٧ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٢٨٩ رقم ٣٧٧٢ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ١٢٠ رقم ١٩٧ الضعفاء الصغير للنسائي ١٦٥.

(٢) لنربينّ : لنضاعفنّ عليهم في التمثيل من الإرباء ، وهو التضعيف.

(٣) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٥٩ من طريق إسحاق بن الفضل بن موسى عن عيسى بن عبيد. وبقية رجال السند.


من الأنصار ، فكرهوا أن يتخيّروا لحمزة ، فقال : أسهموا بينهما ، فأيّهما طار له أجود الثوبين فهو له. فأسهموا بينهما ، فكفّن حمزة في ثوب والأنصاريّ في ثوب.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) : حدّثني الزّهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : لما أشرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قتلى أحد قال : أنا الشهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله إلّا بعث يوم القيامة وجرحه يثعب (٢) دما ، اللّون لون الدم والريح ريح المسك ، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر. فكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر.

قال بن إسحاق (٣) : وحدّثني والدي ، عن رجال من بني سلمة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حين أصيب عمرو بن الجموح ، وعبد الله بن عمرو بن حرام : أجمعوا بينهما ، فإنّهما كانا متصافيين في الدنيا. قال أبي : فحدّثني أشياخ من الأنصار قالوا : لما ضرب معاوية عينه التي مرّت على قبور الشهداء ، استصرخنا عليهم وقد انفجرت عليهما في قبرهما ، فأخرجناهما وعليهما بردتان قد غطّى بهما وجوههما. وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض ، فأخرجناهما كأنّهما يتثنّيان تثنّيا كأنّما دفنا بالأمس.

وقال حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن أبي الزّبير ، عن جابر قال : استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد ، وذلك حين أجرى معاوية العين ، فأتيناهم فأخرجناهم تثنّى أطرافهم رطابا ، على رأس أربعين سنة.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٢.

(٢) يثعب : يجري دما. (تاج العروس ٢ / ٨٦).

(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ١٧٢.


قال حمّاد : وزادني صاحب لي في الحديث : فأصاب قدم حمزة فانثعب دما.

وقال ابن عيينة ، عن الأسود ، عن نبيح (١) العنزي ، عن جابر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتلى أحد أن يردّوا إلى مصارعهم.

وقال أبو عوانة : ثنا الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي ، عن جابر ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين لقتالهم. فقال لي أبي : ما عليك أن تكون في النّظّارة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا ، فو الله لو لا أنّي أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يديّ. فبينما أنا في النّظّارين إذ جاءت عمّتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ، فدخلت بهما المدينة ، لتدفنهما في مقابرنا ، فجاء رجل ينادي : ألا إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها. فبينما أنا (٢) في خلافة معاوية ، إذ جاءني رجل فقال : يا جابر ، قد والله أثار أباك عمّال معاوية فبدا طائفة منه. قال : فأتيته فوجدته على النّحو (٣) الّذي تركته ، لم يتغيّر منه شيء إلّا ما لم يدع القتل أو القتال (٤) فواريته.

وقال حسين المعلّم ، عن عطاء ، عن جابر قال : لما حضر أحد قال أبي : ما أراني إلّا مقتولا ، وإنّي لا أترك بعدي أعزّ عليّ منك غير نفس. رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنّ عليّ دينا فاقض واستوص بإخوانك خيرا. فأصبحنا

__________________

(١) في الأصل : عن الأسود بن نبيح العنزي. وإنّما هما شخصان ، والتصحيح من تهذيب التهذيب (١٠ / ٤١٧) وسيرد صحيحا في الأصل في أول الحديث التالي.

(٢) من أول قوله : «أنا» السقط الكبير في نسخة الأصل الّذي أشرنا إليه في التقديم ، وقد استدركناه من ع ، وصحّحناه من المراجع التي أشرنا إليها في مواضعها.

(٣) في ع : النحول. والتصحيح من تاريخ ابن كثير (٤ / ٤٣).

(٤) في ع : إلا ما لم يدع القتيل. وفي ابن كثير : إلّا ما لم يدع القتل أو القتيل. وأثبتنا عبارة وفاء ألوفا (٢ / ١١٦) وفيه أنّ الحديث رواه أحمد برجال الصحيح خلا نبيح.


فكان أول قتيل ، فدفنت معه آخر في قبر ، ثم لم تطب نفسي أن أنزله مع آخر ، فاستخرجته بعد ستّة أشهر ، فإذا هو كيوم وضعته هنية (١) غير أذنه.

أخرجه البخاري (٢).

وقال الزّهري ، عن عبد [الرحمن؟ (٣)] بن كعب بن مالك ، عن جابر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب ، ثم يقول : أيّهما أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد. وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصلّ عليهم ، ولم يغسّلوا. أخرجه البخاري عن قتيبة ، عن اللّيث ، عنه (٤).

وقال أيّوب ، عن حميد بن هلال ، عن هشام بن عامر قال : قالوا يوم أحد : يا رسول الله قد أصابنا قرح وجهد فكيف تأمر؟ قال : احفروا وأوسعوا وأعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر ، وقدّموا أكثرهم قرآنا (٥).

ومنهم من يقول : حميد بن هلال ، عن سعيد بن هشام بن عامر ، عن أبيه.

وقال شعبة ، عن ابن المنكدر : سمعت جابرا يقول : لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عنه ، وجعل أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينهوني ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينهاني ، وقال لا تبكيه ، أو ما تبكيه ، فما زالت الملائكة لظلّة

__________________

(١) في هيبته والتصحيح من صحيح البخاري.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، باب هل يخرج الميت من القبر واللّحد لعلّة (٢ / ١١٦).

(٣) سقطت من واستدركناها من صحيح البخاري.

(٤) صحيح البخاري. كتاب الجنائز ، باب الصلاة على الشهبة (٢ : ١٠٤). وكتاب المغازي ، باب من قال من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١).

(٥) الطبقات الكبرى ٢ / ٤٤.


بأجنحتها حتى رفعتموه. أخرجاه (١).

وأخرج البخاري من حديث جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم ولم يغسّلوا ولم يصلّ عليهم. وكان يجمع بين الرجلين في الثوب الواحد ، ثم يقول : أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد (٢).

وقال عليّ بن المديني : ثنا موسى بن إبراهيم الأنصاري ، سمع طلحة ابن خراش ، قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما لي أراك مهتمّا؟ قلت : يا رسول الله قتل أبي وترك دينا وعيالا. فقال : ألا أخبرك؟ ما كلّم الله أحدا إلّا من وراء حجاب ، وإنّه كلّم أباك كفاحا (٣) ، فقال له : يا عبدي سلني أعطك. فقال : أسألك أن تردّني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيا. فقال : إنّه سبق منّي أنّهم إليها لا يرجعون. قال : يا ربّ فأبلّغ من ورائي ، فأنزل الله عزوجل : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) (٤) الآية.

ويروى نحوه عن عروة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها.

وكان أبو جابر من سادة الأنصار شهد بدرا ، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة ، وهو عبد الله بن عمرو (٥) بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة. وأمّه الرباب بنت قيس من بني سلمة. شهد معه العقبة ولده رضي‌الله‌عنهما.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب من قتل من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١).

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب من قتل من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١).

(٣) كفاحا : أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. (تاج العروس ٧ / ٧٩).

(٤) سورة آل عمران : من الآية ١٦٩.

(٥) الاستيعاب ٢ / ٣٣٩ الإصابة ٢ / ٣٥٠ رقم ٤٨٣٨.


وعمرو بن الجموح (١) بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم الأنصاري السّلمي ، سيّد بني سلمة ، الّذي دفن معه. قال ابن سعد (٢) وغيره : شهد بدرا. وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح هو الّذي قطع رجل أبي جهل ، وقضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسلبه لمعاذ. وكان عمرو بن الجموح رضي‌الله‌عنه زوج أخت عبد الله بن عمرو بن حرام.

وعن ثابت البناني ، عن عكرمة قال : كان مناف (٣) في بيت عمرو بن الجموح. فلما قدم مصعب بن عمير المدينة ، بعث إليهم عمرو : ما هذا الّذي جئتمونا به؟ قالوا : إن شئت جئنا وأسمعناك ، فواعدهم فجاءوا ، فقرأ عليه [مصعب (٤)] (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) (٥) ، فقرأ ما شاء الله أن يقرأ. فقال : إنّ لنا مؤامرة في قومنا ـ وكان سيّد بني سلمة ـ فخرجوا ، فدخل على مناف فقال : يا مناف ، تعلم والله ما يريد القوم غيرك ، فهل عندك من نكير؟ قال : فقلّده سيفا ، فخرج فقام أهله فأخذوا السّيف ، فجاء فوجدهم أخذوا السيف فقال : يا مناف أين السيف ويحك؟ إنّ العنز لتمنع استها ، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير. ثم قال لهم (٦) : إنّي ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا. فذهب فكسروا مناف وربطوه مع كلب ميت. فلما جاء رأى مناف ، فبعث إلى قومه فجاءوه فقال : ألستم على ما أنا عليه؟ قالوا : بلى ، أنت سيّدنا ، قال : فإنّي أشهدكم أنّي قد آمنت بمحمد. فلما كان يوم أحد قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوموا إلى جنّة عرضها

__________________

(١) الاستيعاب ٢ / ٥٠٣ ـ ٥٠٦ ، الإصابة ٢ / ٥٢٩ ، ٥٣٠ رقم ٥٧٩٧.

(٢) الطبقات الكبرى ٢ / ٤٣.

(٣) مناف من أصنام قريش ، قال عنه ابن الكلبي : لا أدري أين كان ولا من نصبه. (الأصنام :

٣٢) وهو في رواية ابن هشام : مناة.

(٤) زيادة للتوضيح من ابن الملّا.

(٥) سورة يوسف : الآية الأولى.

(٦) في ع : له. والتصحيح من ابن الملا.


السّماوات والأرض» فقام وهو أعرج ، فقاتل حتى قتل ، رضي‌الله‌عنه (١).

قال أبو صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم الرجل عمرو بن الجموح.

وروى محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، وروى فطر بن خليفة ، عن حبيب بن أبي ثابت وغيرهما ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا بني سلمة من سيّدكم؟ قالوا : الجدّ بن قيس ، وإنّا لنبخله. قال : وأيّ داء أدوى من البخل؟ بل سيّدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح (٢).

وقد قال الواقديّ : لم يشهد بدرا ، ولما أراد الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا : قد عذرك الله وبك عرج ، فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره فقال : أما أنت فقد عذرك الله. وقال لبنيه : لا تمنعوه لعلّ الله يرزقه الشهادة. فخرج واستشهد هو وابنه خلّاد ، رضي‌الله‌عنهما (٣).

وعن إسرائيل ، عن سعيد بن مسروق ، عن أبي الضّحى ، أنّ عمرو ابن الجموح قال لبنيه : منعتموني الجنّة يوم بدر ، والله لئن بقيت لأدخلنّ الجنّة. فكان يوم أحد في الرعيل الأول ، رضي‌الله‌عنه. (٤).

وقال إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : أتي ابن عوف بطعام فقال : قتل مصعب بن عمير ـ وكان خيرا منّي ـ فلم يوجد له إلّا بردة

__________________

(١) سيرة ابن هشام ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٥٣.

(٢) رجاله ثقات لكنه مرسل. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ٧ / ٣١٧ من طريق ابن عيينة عن ابن المنكدر عن جابر. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٢٩٦) من طريق عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا حميد بن الأسود ، عن الحجاج الصواف قال : حدثني أبو الزبير قال : حدثنا جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكره. وهذا سند قوي. (سير أعلام النبلاء ١ / ٢٥٤).

(٣) أخرجه ابن هشام ، وأخرجه أحمد في مسندة ٥ / ٢٩٩ ، والذهبي في السير ١ / ٢٥٤.

(٤) رجاله ثقات ، لكنه منقطع. (سير أعلام النبلاء ١ / ٢٥٥ حاشية (١).


يكفّن فيها ، ما أظنّنا إلّا قد عجّلت لنا طيّباتنا في حياتنا الدنيا. أخرجه البخاري (١).

وقال الأعمش ، عن أبي وائل ، عن خبّاب قال : هاجرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنّا من ذهب لم يأكل من أجره ، وكان منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، ولم يكن له إلّا نمرة ، كنّا إذا غطّينا رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : غطّوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر. ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها (٢). متّفق عليه (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٤) ، حدّثني عبد الواحد بن أبي عون ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص ، قال : كانت امرأة من بني الأنصار من بني دينار قد أصيب زوجها وأخوها [وأبوها] (٥) يوم أحد. فلما نعوا لها قالت : ما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالوا : خيرا ، يا أمّ فلان. فقالت : أرونيه حتى انظر إليه. فأشاروا لها إليه ، حتى إذا رأته قالت : كلّ مصيبة بعدك جلل ، أي هيّن (٦). ويكون في غير ذا بمعنى عظيم.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢١).

(٢) يهدبها : يجنيها ويقطفها. (تاج العروس ٤ / ٣٨٢).

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، باب إذا لم يجد كفنا إلّا ما يواري رأسه أو قدميه غطّى رأسه (٢ / ٩٨) ، وكتاب المغازي ، باب غزوة أحد (٥ / ١٢١) وباب من قتل من المسلمين يوم أحد (٥ / ١٣١). وصحيح مسلم (٩٤٠) : كتاب الجنائز : باب في كفن الميت. وانظر : البداية والنهاية ٤ / ٣٥.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٣.

(٥) ليست في ع ، وأثبتناها من السيرة وتاريخ الطبري (٢ / ٥٣٣) وابن كثير (٤ / ٤٧) ولعلّه سقط ، يدلّ عليه ضمير الجمع في الفعل «نعوا» وعبارة ابن الملا كما في ع وصرف الفعل إلى «نعيا».

(٦) قال ابن هشام : «تريد صغيرة» الجلل يكون من القليل ومن الكثير ، وهو هنا من القليل.


عن أبي برزة(١) إنّ جليبيبا (٢) كان من الأنصار. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم لرجل : «زوّجني ابنتك». قال : نعم ونعمة عين (٣) قال : «لست أريدها (٤) لنفسي». قال : فلمن؟ قال : «لجليبيب». قال : أستأمر أمّها. فأتاها فأجابت : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إنّما يريد ابنتك لجليبيب. قالت : الجليبيب؟ لا لعمر الله لا تزوّجه (٥). فلما قام أبوها ليأتي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالت : أفتردّون عليه أمره؟ ادفعني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنّه لن يضيّعني. فذهب أبوها إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : شأنك بها. فزوّجها جليبيبا ، ودعا لهما. فبينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مغزى له قال : هل تفقدون من أحد؟ قالوا : نفقد فلانا ونفقد فلانا. قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أفقد جليبيبا ، فاطلبوه فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ، ثم قتلوه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا منّي وأنا منه. قتل سبعة ثم قتلوه. فوضعوه على ساعديه ثم حفروا له ، ما له سرير إلّا ساعدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى وضعه في قبره (٦).

__________________

(١) في ع : أبي بردة. والتصحيح من صحيح مسلم وتهذيب التهذيب (١٠ / ٤٤٦) وكما يرد في النصّ صحيحا بعد قليل.

(٢) جليبيب : بصيغة تصغير جلباب ، غير منسوب ، من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت فيه دمامة ، فعرض عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم التزويج فقال : إذن تجدني يا رسول الله كاسدا؟ فقال : إنّك عند الله لست بكاسد. وانظر ترجمته في الإصابة (١ / ٢٤٢) والاستيعاب في الهامش (١ / ٢٥٦) وأسد الغابة (١ / ٣٤٨).

(٣) في مسند أحمد ٤ / ٤٢٢ «نعم وكرامة يا رسول الله ونعم عيني».

(٤) في طبعة القدسي ١٩٧ «أريده» والتصويب من مسند أحمد.

(٥) هذه العبارة مضطربة في ع ، وقد رسمت هكذا «قالت حلقي الجليبيب لا لقمر والله لا زوجه» وواضح أنّها محرّفة عن النّصّ الصحيح الّذي أثبتناه والّذي ورد في الحديث كما رواه الإمام أحمد في مسندة ٤ / ٤٢٢ من طريق عفّان ، عن حمّاد بن سلمة ، عن أبي برزة الأسلمي. وفيه تقول الأم كالمستنكرة : أجليبيب ، إنيه. أجليبيب ، إنيه. أجليبيب ، إنيه (ثلاثا) إلخ وإنيه ، بكسر الألف والنون وسكون الياء بعدها هاء تقال في الإنكار والاستبعاد. قال الزّبيدي في التاج : (هذه اللفظة وردت في حديث جليبيب في مسند أحمد ، وفيها اختلاف كثير) ثم تبقى بعد هذا لفظة (حلقي) في أول العبارة ، ولعلّها تحريف شديد عن (محنقة) وقد أهملناها.

(٦) مسند أحمد ٤ / ٤٢١ ، و ٤٢٢ ، ٤٢٥.


قال ثابت البناني : فما في الأنصار أنفق منها (١).

أخرجه مسلم من حديث حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن كنانة بن نعيم ، عن أبي برزة (٢).

وقال الأعمش ، عن عبد الله بن مرّة (٣) ، عن مسروق : سألنا عبد الله ابن مسعود عن قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (٤) ، قال : أما إنّا قد سألنا عن ذلك ، فقال (٥) : أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنّة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلّقة بالعرش. قال : فبينما هم كذلك إذ اطّلع عليهم ربك اطّلاعة فقال : سلوني ما شئتم. فقالوا : يا ربّنا وما نسألك؟ ونحن نسرح في الجنّة في أيّها شئنا :

فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا قالوا : نسألك أن تردّ أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا فنقتل في سبيلك. فلما رأى أنّهم لا يسألون إلّا هذا ، تركوا. أخرجه مسلم (٦).

وقال عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن إسماعيل بن أميّة ، عن أبي الزّبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر

__________________

(١) الضمير عائد إلى زوجة جليبيب ، وفي رواية الإمام أحمد ٤ / ٤٢٢ «فما كان في الأنصار أيّم أنفق منهما» وكذلك من أثر دعاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لها : اللهمّ أصبب عليها الخير صبّا ، ولا تجعل عيشها كدّا» ..

(٢) صحيح مسلم (٢٤٧٢) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل جليبيب رضي‌الله‌عنه.

(٣) في ع : فره. والتصحيح من صحيح مسلم ، وتهذيب التهذيب (٦ / ٢٤).

(٤) سورة آل عمران : من الآية ١٦٩.

(٥) في ع فقال لهم. وأثبتنا لفظ مسلم.

(٦) صحيح مسلم (١٨٨٧) كتاب الإمارة ، باب في بيان أنّ أرواح الشهداء في الجنّة ، وأنّهم أحياء عند ربّهم يرزقون وذلك بتقديم وتأخير وألفاظ مختلفة. وانظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٨٨ والبداية والنهاية ٤ / ٤٥ ، ٤٦.


ترد أنهار الجنّة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش. فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ، قالوا : من يبلّغ إخواننا عنّا أنّا أحياء في الجنّة نرزق ، لئلّا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد. قال الله تعالى : «أنا أبلّغهم عنكم» ، فأنزلت : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (١).

وقال يونس : قال ابن إسحاق : حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا ذكر أصحاب أحد : أما والله لوددت أنّي غودرت مع أصحاب نحص الجبل (٢) يقول : قتلت معهم (٣).

وقال اللّيث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج يوما فصلّى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : إنّي فرط لكم (٤) وأنا شهيد عليكم. الحديث أخرجه البخاري (٥).

وروى العطّاف (٦) بن خالد : حدّثني عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبيه ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زار قبور الشهداء بأحد.

وروى عبد العزيز بن عمران بن موسى : عن عبّاد بن أبي صالح ، عن أبيه عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتي قبور الشهداء ، فإذا أتى

__________________

(١) البداية والنهاية ٤ / ٤٥.

(٢) النّحص ، أصل الجبل وسفه أو أسفله. قال أبو عبيد : أصحاب النّحص هم قتلى أحد.

(تاج العروس ١٨ / ١٧٢) وفي البداية والنهاية ٤ / ٤٤ «بحضن الجبل».

(٣) أخرجه أحمد في مسندة ٣ / ٣٧٥ بالسند والنص دون قوله : يقول : قتلت معهم.

(٤) في طبعة القدسي ١٩٩ «فرطكم» والتصحيح من البخاري.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب «أحد يحبنا» (٥ / ٤٠).

(٦) العطّاف : بتشديد الطاء. (تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢١ رقم ٤٠٩).


فرضة (١) الشّعب يقول : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار. وكان يفعله أبو بكر ثم عمر بعده ثم عثمان.

وذكر نحو هذا الحديث الواقدي في مغازيه بلند سند (٢).

وقال أبو حسّان الزّيادي : ومات في شوّال يوم جمعة عمرو بن مالك الأنصاريّ أحد بني النّجّار ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أحد فصلّى عليه في موضع الجبّان (٣). وكان أوّل من فعل به ذلك.

__________________

(١) في ع : فرصة بالصاد. وفرضة الشعب مشرعته. أو الطريق الشارع إليه. وهي رواية ابن الملا. ورواية الواقدي «تفوه الشعب» بمعنى دخل في أوله.

(٢) الواقدي : المغازي (١ / ٣١٢).

(٣) الجبّان : المقبرة.



غزوة حمراء الأسد (١)

قال ابن إسحاق (٢) : فلمّا كان الغد من يوم أحد ، يعني صبيحة وقعة أحد (٣) أذّن مؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النّاس لطلب العدوّ (٤) ، وأذّن مؤذّنه : لا يخرج معنا أحد إلّا أحد حضر يومنا بالأمس. وإنّما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرهبا للعدوّ (٥) ليبلغهم أنّه قد خرج في أثرهم وليظنّوا به قوّة.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود ، عن عروة (٦) قال : قدم رجل فاستخبره النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أبي سفيان. فقال : نازلتهم فسمعتهم يتلاومون ، يقول بعضهم لبعض : لم تصنعوا شيئا ، أصبتم شوكة القوم وحدهم ، ثم تركتموهم ولم تبيدوهم ، وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه ـ وبهم أشدّ القرح ـ بطلب العدوّ ، وليسمعوا بذلك. قال : لا ينطلقنّ معي إلّا من شهد القتال. فقال عبد الله بن أبيّ : أركب معك؟

__________________

(١) هي من المدينة على ثمانية أميال. (طبقات ابن سعد ٢ / ٤٩).

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٣ ، ١٧٤.

(٣) وذلك يوم الأحد لست عشرة خلت من شوّال. (تاريخ خليفة ٧٣) وفي طبقات ابن سعد ٢ / ٤٨ : «يوم الأحد لثماني ليال خلون من شوّال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره».

(٤) ، (٥) في ع : الغزو ـ للغزو ، والتصحيح من مختصر ابن الملّا ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥٣٤.

(٦) المغازي لعروة ١٧٤.


قال : لا. فاستجابوا لله والرسول على ما بهم من البلاء. فانطلقوا ، فطلبهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بلغ حمراء الأسد.

وقال ابن إسحاق (١) : حدّثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبي السّائب مولى عائشة بنت عثمان ، أنّ رجلا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بني عبد الأشهل قال : شهدت أحدا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا وأخ لي ، فرجعنا جريحين ، فلما أذّن مؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخروج في طلب العدوّ ، قلت لأخي وقال لي : تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وو الله ما لنا من دابّة نركبها وما منّا إلّا جريح ، فخرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكنت أيسر جراحة منه ، فكان إذا غلب حملته عقبة (٢) ومشى عقبة ، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون (٣). فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد ، وهي من المدينة على ثمانية أميال ، فأقام بها ثلاثا ثم رجع (٤).

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : يا ابن أختي كان أبوك (٥) تعني الزّبير ـ وأبا بكر ـ من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. قال : لما انصرف المشركون من أحد وأصاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ما أصابهم ، خاف أن يرجعوا فقال : من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أنّ بنا قوّة؟ قال : فانتدب أبو بكر والزّبير في سبعين خرجوا في آثار القوم ، فسمعوا بهم. وانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. قال : لم يلقوا عدوّا. أخرجاه (٦).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٣٤ ، ٥٣٥.

(٢) العقبة : النوبة.

(٣) نهاية الأرب للنويري ١٧ / ١٢٧.

(٤) أي : الإثنين والثلاثاء والأربعاء ، ثم رجع إلى المدينة. (السيرة والطبري).

(٥) رواية ابن الملّا : «كان أبوك» وهي هكذا في صحيح مسلم (٢٤١٨) وفي رواية للبخاريّ.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب الذين استجابوا لله والرسول (٥ / ١٣٠) ، وصحيح


وقال ابن إسحاق (١) حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنّ معبدا الخزاعيّ مرّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بحمراء الأسد. وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح (٢) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، صغوهم (٣) معه لا يخفون عليه شيئا كان بها. ومعبد يومئذ مشرك. فقال : يا محمد ، والله لقد عزّ علينا ما أصابك ، في أصحابك ولوددنا أنّ الله عافاك فيهم. ثم خرج حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالرّوحاء ، وقد أجمعوا الرّجعة وقالوا : أصبنا حدّ أصحاب محمد وقادتهم ، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكون على بقيّتهم فلنفرغنّ منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا قال : ما وراءك؟ قال : محمد قد خرج في طلبكم في جمع لم أر مثله قطّ ، يتحرّقون عليكم تحرّقا ، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم ، وندموا على ما صنعوا ، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قطّ. قال : ويلك ما تقول؟ قال : والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل. قال : فو الله لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصل بقيّتهم. قال : فإنّي أنهاك (٤) عن ذلك ، والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا. قال : وما قلت؟ قال :

كادت تهدّ (٥) من الأصوات راحلتي

إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل (٦)

 __________________

= مسلم (٢٤١٨) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل طلحة والزبير رضي‌الله‌عنهم.

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٤.

(٢) العيبة : ما يجعل فيه الثياب والمتاع. ومن المستعار : هو عيبة فلان إذا كان موضع سرّه.

(٣) الصّغو : الميل. ومنه أصغى إليه أي مال إليه بسمعه. وتروى في بعض المصادر : صفقتهم معه ، أي اتفاقهم. (انظر : سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٤ تاريخ الطبري ٢ / ٥٣٤).

(٤) في ع : فأنهى. وأثبتناه عبارة ابن الملا وهي مطابقة لما ورد في ابن هشام ٣ / ١٧٤ وتاريخ الطبري ٢ / ٥٣٥.

(٥) في ع : تهدي. والتصحيح من ابن الملا ، وهي رواية ابن هشام والطبري ، والأغاني.

(٦) الجرد : جمع أجرد ، وهو الفرس القصير الشّعر. والأبابيل : الفرق الكثيرة.


تردي (١) بأسد كرام لا تنابلة (٢)

عند اللقاء ، ولا ميل (٣) معازيل (٤)

 فظلت عدوا أظنّ الأرض مائلة

لمّا سموا برئيس غير مخذول

فقلت : ويل ابن حرب من لقائكم

إذا تغطمطت البطحاء بالجيل (٥)

 إنّي نذرت (٦) لأهل البسل ضاحية

لكلّ ذي إربة منهم ومعقول (٧)

 من جيش أحمد ، لاوخش (٨) تنابله (٩)

وليس يوصف ما أنذرت بالقيل (١٠)

قال : فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه. ومرّ ركب من عبد القيس ، فقال أبو سفيان. أين تريدون؟ قالوا : المدينة ، لنمتار. فقال : أما أنتم مبلغون عنّي محمدا رسالة ، وأحمّلكم على إبلكم هذه زبيبا بعكاظ غدا إذا وافيتموه (١١)؟ قالوا : نعم. قال : إذا جئتم محمدا فأخبروه أنّا قد أجمعنا الرجعة إلى أصحابه لنستأصلهم. فلما مرّ الركب برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بحمراء الأسد أخبروه (١٢). فقال هو والمسلمون : حسبنا الله ونعم الوكيل. فأنزلت

__________________

(١) في ع : ترمي. والتصحيح من ابن هشام والطبري. وتردي : أي تسرع.

(٢) تنابلة : جمع تنبال وتنبالة ، وهو القصير.

(٣) عند الطبري ٢ / ٥٣٦ «خرق».

(٤) الميل : جمع أميل ، وهو الجبان أو الّذي لا سيف معه. والمعازيل : جمع معزال وهو من لا رمح معه.

(٥) تغطمطت : اضطربت البطحاء : السهل من الأرض. الجيل : الصّنف من النّاس أو الأمّة.

وفي سيرة ابن هشام (بالخيل).

(٦) كذا في الأصل ، وعند ابن هشام والطبري «نذير».

(٧) البسل : الحرام. ورواية الأغاني «السيل» وكلاهما يعني مكة. والإربة : العقل.

(٨) الوخش : رذالة الناس.

(٩) عند الطبري «قنابله».

(١٠) هذا البيت ليس عند ابن هشام.

(١١) في ع : (وافيتموهم) وأثبتنا عبارة ابن الملا ، وعند ابن هشام ٣ / ١٧٤ «وافيتموها» وكذا عند الطبري.

(١٢) في ع : وعند ابن هشام والطبري : فأخبروه. وأثبتنا عبارة ابن الملا.


(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) (١) الآيات.

وقال البكّائي : قال ابن إسحاق (٢) : وكان عبد الله بن أبيّ بن سلول ، كما حدّثني الزّهري ، له مقام يقومه كلّ جمعة لا يتركه شرفا له في نفسه وفي قومه. فكان إذا جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال : أيّها النّاس هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزّكم به. فعزّروه وانصروه واسمعوا له وأطيعوه. ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع ورجع ، قام يفعل كفعله ، فأخذ المسلمون ثيابه من نواحيه ، وقالوا : اجلس أي عدوّ الله ، لست لذلك بأهل ، وقد صنعت ما صنعت ، فخرج يتخطّى رقاب النّاس ويقول : والله لكأنّي قلت بجرا (٣) أن قمت أشدّ أمره : فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال : مالك؟ ويلك! قال : قمت أشدّ أمره فوثب عليّ رجال من أصحابه يجبذونني (٤) ويعنّفونني ، لكأنّما قلت بجرا (٥). قال : ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : والله ما أبغي (٦) أن يستغفر لي.

وقال الواقدي : ثنا إبراهيم بن جعفر ، عن أبيه. وثنا سعيد بن محمد ابن أبي زيد ، ثنا يحيى بن عبد العزيز بن سعيد ، قالوا : كان سويد بن

__________________

(١) سورة آل عمران : من الآية ١٧٣.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٥.

(٣) في طبعة القدسي ٢٠٥ «هجرا» والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ١٧٥ قال السهيليّ في الروض الأنف ٣ / ١٨١ : البجر : الأمر العظيم ، والبجاري : الدواهي. انظر تاج العروس ١٠ / ١٠٦.

(٤) يجبذونني : يجذبونني.

(٥) انظر الحاشية الأسبق.

(٦) في السيرة «ابتغي».


الصّامت قد قتل زيادا ، فقتله المجذّر بن زياد ، فهيّج بقتله وقعة بعاث (١). فلما قدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة أسلم المجذّر ، والحارث بن سويد بن الصّامت ، فشهدا بدرا. فجعل الحارث يطلب مجذّرا ليقتله بأبيه. فلما كان يوم أحد أتاه من خلفه فقتله.

فلما رجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حمراء الأسد أتاه جبريل عليه‌السلام فأخبره بأنّه قتل مجذّرا. فركب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قباء ، فأتاه الحارث بن سويد في ملحفة مورّسة. فلما رآه دعا عويم بن ساعدة (٢) وقال : اضرب عنق الحارث بمجذّر ابن ذياد. فقال : والله ما قتلته رجوعا عن الإسلام ولكن حميّة ، وإنّي أتوب إلى الله وأخرج ديته وأصوم وأعتق. وجعل يتمسّك بركاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أن فرغ من كلامه. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قدّمه يا عويم فاضرب عنقه. فضرب عنقه على باب المسجد.

__________________

(١) بعاث : موضع في نواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية.

(٢) بدريّ كبير شهد العقبتين. توفي في خلافة عمر بن الخطاب وهو ابن ٦٥ سنة. انظر : مسند أحمد ٣ / ٤٢٢ ، الطبقات لابن سعد ٣ / ٢ / ٣٠ ، التاريخ الصغير ١ / ٤٤ و ٧٤ ، مشاهير علماء الأمصار ، رقم ١٠٧ ، حلية الأولياء ٢ / ١١ الاستيعاب ٩ / ٩٥ ، أسد الغابة ٤ / ٣١٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٤١ ، تهذيب الكمال ٢ / ١٠٦٨ سير أعلام النبلاء ١ / ٥٠٣ الإصابة ٣ / ١٨١.


السّنة الرابعة

«سريّة أبي سلمة إلى قطن في أوّلها»

قال الواقديّ (١) : حدّثنا عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد اليربوعيّ ، عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد ، وغيره قالوا : شهد أبو سلمة أحدا ، وكان نازلا في بني أميّة بن زيد بالعالية ، حتى تحوّل من قباء فجرح بأحد ، وأقام شهرا يداوي جرحه. فلما كان هلال المحرّم دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : اخرج في هذه السّريّة فقد استعملتك عليها : وعقد له لواء وقال : سر حتى تأتي أرض بني أسد فأغر عليهم. وكان معه خمسون ومائة ، فساروا حتى انتهوا إلى أدنى قطن ـ ماء من مياههم (٢) ، فيجدون سرحا لبني أسد ، فأغاروا عليه وأخذوا مماليك ثلاثة ، وأفلت سائرهم. ثم رجع إلى المدينة فغاب بضع عشرة ليلة (٣).

قال عمرو بن عثمان : فحدّثني عبد الملك بن عمير (٤) ، قال : لما

__________________

(١) المغازي ١ / ٣٤٠.

(٢) يعني من مياه بني أسد. وقطن : ماء ، ويقال جبل من أرض بني أسد بناحية فيد (ياقوت).

(٣) انظر الطبقات الكبرى ٢ / ٥٠ وعيون الأثر ٢ / ٣٨ ، ٣٩.

(٤) في ع : عبيد. والتصحيح من تهذيب التهذيب (٦ / ٤١١) ومغازي الواقدي (١ / ٣٤٣).


دخل أبو سلمة المدينة انتقض جرحه ، فمات لثلاث بقين من جمادى الآخرة (١).

غزوة الرّجيع (٢)

وهي في صفر من السّنة الرابعة ، فيما ورّخه الواقدي (٣). وقال : هي على سبعة أميال من عسفان.

فحدّثني موسى بن يعقوب ، عن أبي الأسود قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحاب الرّجيع عيونا إلى مكة ليخبروه (٤).

قال إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، أخبرني ابن أسيد بن جارية الثّقفي ، أنّ أبا هريرة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة رهط عينا ، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّ ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة ، بين عسفان ومكة ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان ، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام. فاقتصّوا آثارهم ، حتى وجدوا مأكلهم التّمر ، فقالوا ، نوى يثرب ، فاتّبعوا آثارهم. فلما أحسّ بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد (٥) فأحاط بهم القوم ، فقالوا لهم : انزلوا ـ فأعطوا بأيديكم ، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. قال عاصم : أما أنا فو الله لا أنزل في ذمّة مشرك ، اللهمّ أخبر عنّا نبيّك. فرموهم بالنّبل ، فقتلوا عاصما في سبعة

__________________

(١) المغازي للواقدي ١ / ٣٤٠.

(٢) الرجيع : ماء لهذيل قرب الهداة أو الهدة ، قيل بين عسفان ومكة ، وقيل بين مكة والطائف.

(٣) المغازي ٣٥٤.

(٤) المغازي لعروة ١٧٥.

(٥) في ع : قردد. تصحيف ، والتصحيح من صحيح البخاري. والفدفد : الأرض المرتفعة ذات الحصى.


من أصحابه ، ونزل إليهم ثلاثة على العهد والميثاق : خبيب ، وزيد بن الدّثنة (١) ، وآخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث : هذا أوّل الغدر ، والله لا أصحبكم إنّ لي بهؤلاء أسوة. يريد القتلى. فجرّوه وعالجوه ، فأبى أن يصحبهم ، فقتلوه ، وانطلقوا بخبيب ، وزيد ، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر. فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا. وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر. فلبث عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله ، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّ بها للقتل فأعارته. فدرج بنيّ لها وهي غافلة حتى أتاه ، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ، ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال : أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك ، فقالت : والله ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب ، والله لقد وجدته يكل قطفا من عنب وإنّه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة ، وكانت تقول : إنّه لرزق رزقه الله خبيبا. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلّ قال لهم : دعوني أركع ركعتين. فتركوه فركع ركعتين ، ثم قال : والله لو لا أن تحسبوا أنّ ما بي جزع من القتل لزدت ، اللهمّ أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا (٢) ، وقال :

فلست أبالي حين أقتل مسلما

على أيّ جنب كان في الله مصرعي

 وذلك في ذات الإله ، وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزّع (٣)

 ثم قام أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله.

__________________

(١) الدّثنة : ضبط في المواهب اللدنية : بفتح الدال وكسر الثاء مع فتح النون ، المشدّدة ، وزاد البرهان : وقد تسكّن الثاء ، وضبط صاحب القاموس بكسر الثاء مع فتح النون المخفّفة.

(٢) انظر سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٦ ، المغازي لعروة ١٧٥ ـ ١٧٧ ، عيون الأثر ٢ / ٤٠ ، ٤١.

(٣) البيتان في عيون الأثر ٢ / ٤١ والبداية والنهاية ٤ / ٦٣ ، وانظر : سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٧ ، ونهاية الأرب للنويري ١٧ / ١٣٦ ، ١٣٧ والمغازي لعروة ١٧٧.


وكان خبيب هو سنّ لكلّ مسلم قتل صبرا ، الصّلاة.

واستجاب الله لعاصم يوم أصيب ، فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت ليأتوا منه بشيء يعرف ، وكان قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر ، فبعث الله على عاصم مثل الظّلّة من الدّبر (١) ، فحمته من رسلهم فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا. أخرجه البخاري (٢).

وقال موسى بن عقبة ، وغير واحد : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاصم بن ثابت وأصحابه عينا له ، فسلكوا النّجديّة ، حتى إذا كانوا بالرّجيع ، فذكروا القصّة (٣).

قال موسى : ويقال : كان أصحاب الرّجيع ستّة منهم : عاصم ، وخبيب ، وزيد بن الدّثنة ، وعبد الله بن طارق ـ حليف لبني ظفر ـ وخالد بن البكير اللّيثي ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي ، حليف حمزة. وساق حديثهم (٤).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة : أنّ نفرا من عضل والقارة (٥) قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة بعد أحد فقالوا : إنّ فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك ليفقّهونا في الدّين ويقرئونا القرآن ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم خبيب بن عديّ (٦).

__________________

(١) الدّبر : جماعة النّحل. ويقال : الزنابير ونحوهما مما سلاحها في أدبارها. (تاج العروس ١١ / ٢٥٣).

(٢) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة الرّجيع إلخ. (٥ / ٤٠ ، ٤١).

(٣) المغازي لعروة ١٧٥ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ١٩٩ ، فتح الباري ٧ / ٣٨٤.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٤ ، المغازي للواقدي ١ / ٣٥٤ ، ٣٥٥.

(٥) عضل والقارة ، حيّان من الهون بن خزيمة بن مدركة.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٤.


قال ابن إسحاق : بعث معهم ستّة ، أمّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، (١) وسمّاهم كما قال موسى.

قال ابن إسحاق : فخرجوا مع القوم ، حتى إذا كانوا على الرّجيع ـ ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة (٢) ـ ، غدروا بهم. فاستصرخوا عليهم هذيلا ، فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلّا الرجال بأيديهم السيوف ، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم ، فقالوا لهم : ما نريد قتلكم ولكنّا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ، ولكم علينا عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم. فأمّا مرثد ، وعاصم ، وابن البكير فقالوا : والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا. وأرادت هذيل أخذ رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد ، لئن قدرت على عاصم لتشربنّ في قحفه الخمر ، فمنعته الدّبر ، فانتظروا ذهابها عنه ، فأرسل الله الوادي فحمل عاصما فذهب به (٣).

وقد كان عاصم أعطى الله عهدا أن لا يمسّه مشرك ولا يمسّ مشركا أبدا تنجّسا. وأسروا خبيبا ، وابن الدّثنة ، وعبد الله بن طارق ، ثم مضوا بهم إلى مكّة ليبيعوهم. حتى إذا كانوا بالظّهران انتزاع (٤) عبد الله يده من القران (٥) ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم ، فرموه (٦) بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره بالظّهران (٧).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٤.

(٢) في ع : الهدء ، وانظر ما تقدّم.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، الأغاني ٤ / ٢٢٥ ـ ٢٢٧.

(٤) في ع : أن تزع. والتصحيح من سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري (٢ / ٥٣٩) وابن الملّا.

(٥) في ع : القراب. والتصحيح من سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري. وعبارة ابن الملّا : الوثاق.

(٦) في ع : فرموا. والتصحيح من سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري.

(٧) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٣٩.


وقال البكّائيّ ، عن ابن إسحاق (١) ، حدّثني يحيي ، عن أبيه عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن عقبة بن الحارث ، سمعته يقول : ما أنا والله قتلت خبيبا ، لأنا كنت أصغر من ذلك ، ولكنّ أبا ميسرة أخا بني عبد الدّار أخذ الحربة فجعلها في يدي ، ثم أخذ بيدي وبالحربة ، ثم طعنه بها حتى قتله.

ثم ذكر ابن إسحاق أنّ خبيبا قال :

لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا

قبائلهم واستجمعوا كلّ مجمّع

 فكلّهم (٢) مبدي العداوة جاهد (٣)

عليّ لأنّي في وثاق مضيع (٤)

 وقد جمعوا (٥) أبناءهم ونساءهم

وقرّبت من جذع طويل ممنّع

 إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي

وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي

 إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي

فقد بضّعوا لحمي وقد ياس (٨)

 فذا العرش صبّرني (٦) على ما يرادني (٧)

فقد بضعوا لحمي وقد ياس (٨) مطمعي

 وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزّع

 وقد خيروني الكفر والموت دونه

وقد هملت عيناي من غير مجزع (٩)

 وما بي حذار الموت ، إنّي لميّت

ولكن حذاري جحم نار ببلقع (١٠)

 __________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٦ ، تاريخ خليفة ٧٥.

(٢) في سيرة ابن هشام ، ونهاية الأرب ١٧ / ١٣٦ «وكلّهم».

(٣) في نهاية الأرب «جاهدا».

(٤) في السيرة «بمصيع» وفي نهاية الأرب «بمضيع».

(٥) وفي نهاية الأرب «قرّبوا».

(٦) في ع : صبري. والتصحيح من ابن الملا وابن هشام والنويري.

(٧) في نهاية الأرب «على ما أصابني».

(٨) لغة في (يئس). وفي نهاية الأرب «ضلّ» وفي المغازي لعروة «بان».

(٩) البيت في نهاية الأرب :

وقد عرّضوا بالكفر والموت دونه

وقد ذرفت عيناي من غير مدمع

(١٠) في نهاية الأرب : ولكن حذاري حرّ نار تلفع.


ووالله ما أرجو إذا متّ مسلما

على أيّ جنب كان في الله مصرعي (١)

 فلست بمبد للعدوّ تخشّعا

ولا جزعا إنّي إلى الله مرجعي

وقال يونس بن بكير ، وجعفر بن عون ، عن إبراهيم بن إسماعيل ، حدّثني جعفر بن عمرو بن أميّة أنّ أباه حدّثه عن جدّه ، وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه عينا ، قال : فجئت إلى خشبة خبيب فرقيت فيها وأنا أتخوّف العيون ، فأطلقته فوقع بالأرض ، ثم اقتحمت فانتبذت قليلا ، ثم التفتّ فلم أر خبيبا ، فكأنّما ابتلعته الأرض.

زاد جعفر بن عون : فلم يذكر لخبيب رضي‌الله‌عنه رمّة حتى السّاعة (٢).

غزوة بئر معونة (٣)

قال ابن إسحاق : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحاب بئر معونة (٤) في صفر ، على رأس أربعة أشهر من أحد (٥).

__________________

(١) يرد هذا البيت بألفاظ مختلفة راجع : المغازي لعروة ١٧٧ ونهاية الأرب ١٧ / ١٧٧ والمواهب اللدنية.

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٥٤١ ، ٥٤٢ ، الأغاني ٤ / ٢٢٨ ، ٢٢٩.

(٣) انظر عنها : المغازي لعروة ١٧٨ ـ ١٨١ ، سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ، المغازي للواقدي ١ / ٣٤٦ وما بعدها ، الطبقات الكبرى ٢ / ٥١ ـ ٥٤ ، تاريخ خليفة ٧٦ تاريخ الطبري ٢ / ٥٤٥ ـ ٥٥٠ ، الروض الأنف ٣ / ٢٣٨ ، صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، نهاية الأرب ١٧ / ١٣٠ ، عيون التواريخ ١ / ١٨٤ ، عيون الأثر ٢ / ٤٣ وما بعدها ، البداية والنهاية ٤ / ٧١ ـ ٧٤.

(٤) بئر معونة : قيل بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم ، وقيل بين جبال يقال لها أبلى في طريق المصعد من المدينة إلى مكة ، وقيل ماء لبني عامر بن صعصعة ، وقيل في أرض بني سليم وأرض بني كلاب وعندها كانت قصة الرجيع. (معجم البلدان ١ / ٣٠٢).

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٠.


وقال موسى بن عقبة : قال الزّهري : حدّثني عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك ، ورجال من أهل العلم ، أنّ عامر بن مالك الّذي يدعى «ملاعب الأسنّة» قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مشرك ، فعرض عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإسلام. فأبى أن يسلم ، وأهدى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هديّة. فقال : إنّي لا أقبل هديّة مشرك. فقال : ابعث معي من شئت من رسلك ، فأنا لهم جار. فبعث رهطا ، فيهم المنذر بن عمرو السّاعدي ، وهو الّذي يقال له «أعنق ليموت» (١) ، بعثه عينا له في أهل نجد. فسمع بهم عامر بن الطّفيل ، فاستنفر بني عامر ، فأبوا أن يطيعوه. فاستنفر بني سليم فنفروا معه. فقتلوهم ببئر معونة ، غير عمرو بن أميّة الضّمري ، فإنّه أطلقه عامر بن الطّفيل. فقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ابن إسحاق (٢) : حدّثني والدي ، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وغيرهما ، قالوا : قدم أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر ، ملاعب الأسنّة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام. وقال : يا محمد لو بعثت معي رجالا من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. قال : أخشى عليهم أهل نجد. قال أبو البراء : أنار لهم جار. فبعث المنذر بن عمرو في أربعين رجلا ، فيهم الحارث بن الصّمّة ، وحرام بن ملحان ، أخو بني عديّ بن النّجّار ، وعروة بن أسماء بن الصّلت السّلمي ، ونافع (٣) بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، في خيار المسلمين ، فساروا حتى بلغوا بئر معونة ، بين أرض بني عامر وحرّة بني

__________________

(١) أعنق ليموت ، أو المعنق ليموت : أي المسرع ، سمى بذلك لإسراعه إلى الشهادة.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٠ ، ٢٣١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٤٦ ، ٥٤٧.

(٣) في طبعة القدسي ٢١٣ «رافع» والتصحيح من تاريخ الطبري ٢ / ٥٤٦ ، والإصابة ٣ / ٥٤٣ وهو «نافع بن بديل بن ورقاء».


سليم. ثم بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عامر بن الطّفيل ، فلم ينظر في الكتاب حتى قتل الرجل. ثم استصرخ بني سليم فأجابوه وأحاطوا القوم ، فقاتلوهم حتى استشهدوا كلّهم إلّا كعب بن زيد ، من بني النّجّار ، تركوه وبه رمق فارتثّ (١) من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق.

وكان في سرح القوم عمرو بن أميّة ورجل من الأنصار (٢) ، فلم يخبرهما بمصاب القوم إلّا الطّير تحوم على العسكر ، فقالا : والله إنّ لهذه الطير لشأنا ، [فأقبلا] (٣) لينظرا ، فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة. فقال الأنصاريّ لعمرو : ما ذا ترى؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنخبره الخبر. فقال الأنصاريّ : لكنّي لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، وما كنت لأخبر عنه الرجال. وقاتل حتى قتل ، وأسروا عمرا. فلما أخبرهم أنّه من مضر أطلقه عامر بن الطّفيل وجزّ ناصيته (٤) وأعتقه. فلما كان بالقرقرة (٥) أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا في ظلّ هو فيه ، وكان معهما عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجوار لم يعلم به عمرو. حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما. فلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبره [فقال] (٦) : قد قتلت قتيلين ، لأدينّهما. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا عمل أبي براء ، قد كنت لهذا كارها متخوّفا. فبلغ ذلك أبا البراء فشقّ عليه إخفار عامر إيّاه (٧) ،

__________________

(١) ارتثّ : حمل من المعركة جريحا وبه رمق.

(٢) قال ابن هشام هو أحد بني عمرو بن عوف.

(٣) بياض في ع والتكملة من ابن هشام ٣ / ٢٣١.

(٤) المغازي لعروة ١٧٩ ، ١٨٠.

(٥) القرقرة : هي قرقرة الكدر ، أو قرارة الكدر ، وقد تقدّم التعريف بها.

(٦) إضافة على الأصل لضرورة السياق فالقول للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، انظر : السيرة ٣ / ٢٣١ ، وابن سعد ٢ / ٥٣.

(٧) عبارة فشقّ عليه إخفار عامر أبا براء. وقد أثبتنا عبارة ابن الملّا وهي مطابقة لنصّ ابن هشام ٣ / ٢٣١ ، ٢٣٢.


فحمل ربيعة ولد أبي براء على عامر بن الطّفيل فطعنه في فخذه فأشواه فوقع من فرسه وقال : هذا عمل أبي براء ، إن متّ فدمي لعمّي فلا يتبعنّ به ، وإن أعش فسأرى رأيي (١).

وقال موسى بن عقبة : ارتثّ في القتلى كعب بن زيد ، فقتل يوم الخندق.

وقال حمّاد بن سلمة : أنا ثابت ، عن أنس أنّ ناسا جاءوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ابعث معنا رجالا يعلّموننا القرآن ، والسّنّة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القرّاء ، وفيهم خالي حرام بن ملحان ، يقرءون القرآن ويتدارسون باللّيل ويتعلّمون ، وكانوا بالنّهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ، ويتحطّبون فيبيعون ويشترون به الطّعام لأهل الصّفّة ، فبعثهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم ، فتعرّضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان.

قالوا : اللهمّ بلّغ عنّا نبيّك أن قد لقيناك فرضيت عنّا ورضينا عنك.

قال : وأتى رجل خالي من خلفه فطعنه بالرمح حتى أنفذه ، فقال حرام : فزت ورب الكعبة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : إنّ إخوانكم قد قتلوا وقالوا : اللهمّ أبلغ عنّا نبيّك أن قد لقيناك فرضيناك عنك ورضيت عنّا.

رواه مسلم (٢).

وقال همّام وغيره ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة : حدّثني أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث خاله حراما في سبعين رجلا فقتلوا يوم بئر معونة. وكان رئيس المشركين عامر بن الطّفيل ، وكان أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال :

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٢ وانظر المغازي لعروة ١٨٠ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ، وقال : رواه الطبراني ، ورجاله ثقات إلى ابن إسحاق.

(٢) صحيح مسلم (١٩٠٢) : كتاب الإمارة ، باب ثبوت الجنّة للشهيد.


أخيّرك بين ثلاث خصال : أن يكون لك أهل السّهل ولي أهل المدر ، أو أكون خليفتك من بعدك ، أو أغزوك (١) بغطفان بألف أشقر وألف شقراء ، قال : فطعن (٢) في بيت امرأة من بني فلان ، فقال : غدّة كغدّة البكر (٣) في بيت امرأة من بني فلان ائتوني بفرسي ، فركبه ، فمات على ظهر فرسه. وانطلق حرام ورجلان معه أحدهما أعرج فقال : كونا قريبا منّي حتى آتيهم فإن آمنوني كنت كفوا ، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم. فأتاهم حرام فقال : أتؤمّنوني أبلّغكم رسالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالوا : نعم. فجعل يحدّثهم ، وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه. قال همّام ، وأحسبه قال : فزت وربّ الكعبة. قال : وقتل كلّهم إلّا الأعرج ، كان في رأس الجبل.

قال أنس : أنزل علينا ، ثم كان من المنسوخ ، «إنّا قد لقينا ربّنا فرضي عنّا وأرضيناه». فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصيّة عصت الله ورسوله.

أخرجه البخاري ، وقال : ثلاثين صباحا ، وهو الصحيح (٤).

وروى نحوه قتادة ، وثابت ، وغيرهما ، عن أنس. وبعضهم يختصر الحديث.

قال سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال : كتب أنس في أهله كتابا فقال : اشهدوا معاشر القرّاء. فكأنّي كرهت ذلك ، فقلت : لو سمّيتهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فقال : وما بأس أن أقول لكم معاشر القرّاء ، أفلا أحدّثكم عن إخوانكم الذين كنّا ندعوهم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرّاء؟

__________________

(١) في ع : عذول ، تصحيف تصحيحه من صحيح البخاري ٥ / ٤٢.

(٢) طعن : أصابه الطاعون.

(٣) البكر : الفتى من الإبل. وغدّة البكر أي الطّاعون الّذي يصيبه.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الرجيع ٥ / ٤٢ ، ٤٣ وانظر المغازي لعروة ١٨١.


قال : فذكر أنس سبعين من الأنصار كانوا إذا جهنّم اللّيل أووا إلى معلّم بالمدينة فيبيتون يدرسون ، فإذا أصبحوا فمن كانت عنده قوّة أصاب من الحطب واستعذب من الماء ، ومن كانت عنده سعة أصابوا الشّاة فأصلحوها. فكان معلّقا بحجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما أصيب خبيب ، بعثهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان فيهم خالي حرام. فأتوا على حيّ من بني سليم ، فقال حرام لأميرهم : دعني ، فلا خير [في] هؤلاء. إنّا ليس إيّاهم نريد فيخلّون وجوهنا. فأتاهم فقال ذلك ، فاستقبله رجل منهم برمح فأنفذه به. قال : فلما وجد حرام مسّ الرمح قال : الله أكبر فزت وربّ الكعبة. قال : فانطووا عليهم فما بقي منهم مخبر. قال : فما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجد على شيء وجده عليهم. فقال أنس : لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّما صلّى الغداة رفع يديه يدعو عليهم : فلما كان بعد ذلك ، إذا أبو طلحة يقول : هل لك في قاتل حرام؟ قلت : ما له ، فعل الله به وفعل. فقال : لا تفعل ، فقد أسلم.

وقال أبو أسامة : ثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت :

كان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطّفيل بن سخبرة ، أخي (١) عائشة لأمّها ، وكانت لأبي بكر منحة (٢) ، فكان يغدو بها ويروح ، ويصبح فيدّلج إليهما ثم يسرح فلا يفطن به أحد من الرّعاء. ثم خرج معهما يعقبانه حتى قدم المدينة معهما. فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة ، وأسر عمرو بن أميّة. فقال له عامر بن الطّفيل : من هذا؟ وأشار إلى قتيل. قال : هذا عامر ابن فهيرة. فقال : لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إنّي لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض. وذكر الحديث. أخرجه البخاري (٣).

__________________

(١) في صحيح البخاري ٥ / ٤٣ «أخو».

(٢) المنحة : النّاقة يدرّ منها اللبن.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الرجيع ٥ / ٤٣ ، ٤٤.


قال ابن إسحاق : فقال حسّان بن ثابت يحرّض بني أبي البراء على عامر [بن] الطّفيل :

بني أمّ البنين ألم يرعكم

وأنتم من ذوائب أهل نجد

 تهكّم عامر بأبي براء

ليخفره ، وما خطأ كعمد

 ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي

فما أحدثت في الحدثان بعدي

 أبوك أبو الحروب أبو براء

وخالك ماجد حكم بن سعد (١)

 __________________

(١) ديوانه : ص ١٠٧ باختلاف في بعض الألفاظ وفي ترتيب الأبيات ، وانظر : سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٢ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥٤٨.



ذكر الخلاف في غزوة بني النّضير

وقد تقدّمت في سنة ثلاث

ذهب الزّهري إلى أنّها كانت قبل أحد. وقال غير واحد : كانت بعد أحد ، وبعد بئر معونة.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنا الحسن بن عليّ بن الحسين بن البنّ ، أنا جدّي ، أنا أبو القاسم المصّيصي ، أنا عبد الرحمن بن أبي نصر ، أنا عليّ بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا محمد بن عائذ ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نفر من أصحابه إلى بني النّضير يستعينهم في عقل (١) الكلابيّين. قالوا : اجلس أبا القاسم ، حتى تطعم وترجع بحاجتك. ثم ساق الحديث كلّه وتقدّم ذكره.

وقال الواقدي : حدّثني إبراهيم بن جعفر ، عن أبيه قال : لما خرجت بنو النّضير أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم ، فرأى خرابها ، وفكّر ثم

__________________

(١) العقل : الدّية.


رجع إلى قريظة فيجدهم في الكنيسة فينفخ في بوقهم ، فاجتمعوا. فقال الزّبير بن باطا : يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم ، وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتألّه في اليهودية ، قال : رأيت اليوم عبرا قد عبرنا بها ، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العزّ والجلد والشّرف الفاضل والعقل البارع ، قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذلّ. ولا والتّوراة ما سلّط هذا على قوم قطّ لله (١) بهم حاجة. فقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزّهم؟ بيته في بيته آمنا ، وأوقع بابن سنينة سيّدهم ، وأوقع ببني (٢) قينقاع فأجلاهم وهم جدّ يهود ، وكانوا أهل عدّة وسلاح ونجدة ، وحصرهم فلم يخرج إنسان منهم رأسه حتى سباهم ، وكلّم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب ، يا قوم قد رأيتم ما رأيت فأطيعوني وتعالوا نتّبع محمدا ، فو الله إنّكم لتعلمون أنّه نبيّ ، وقد بشّرنا به وبأمره ابن التّيهان وابن الحواس (٣) ، وهما أعلم يهود ، جاءانا من بيت المقدس يتوكّفان (٤) قدومه ، أمرانا باتّباعه ، وأمرانا أن نقرئه منهما السلام ، ثم ماتا على دينهما ، فأسلكت القوم ، فأعاد هذا القول ونحوه ، وتخوّفهم بالحرب والسّباء والجلاء. فقال ابن باطا : والله لقد قرأت في التوراة (٥) صفته التي أنزلت على موسى ، ليس في المثاني التي أحدثنا. فقال له كعب بن أسد : ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتّباعه؟ قال : أنت ، قال كعب : ولم ، التّوراة ما حالت (٦) بينك وبينه قطّ ، قال الزّبير : أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتّبعته اتّبعناه وإن أبيت أبينا. فأقبل عمرو بن

__________________

(١) في ع : (الله). والتصحيح من ابن الملّا.

(٢) في ع : (بني) والتصحيح من ابن الملّا.

(٣) في ع : ابن الهيبان وابن جواس ، والتصحيح من ابن الملّا.

(٤) يتوكف الخبر : يتوقعه ويتسقّطه.

(٥) نصّ عبارة ع : قال ابن باطا : قرءوا التوراة قرأت صفته. وهي مضطربة وصحّحناها من ابن الملا.

(٦) في ع : حلت ، ولعلّ الوجه ما أثبتناه.


سعدى على كعب فذكر ما تقاولا ، في ذلك ، إلى أن قال كعب : ما عندي في أمره إلّا ما قلت ، ما تطيب نفسي أن أصير تابعا.

وقال ابن إسحاق : كانت غزوة بني النّضير في ربيع الأول سنة أربع. وحاصرهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستّ ليال (١).

قال : ونزل تحريم الخمر (٢).

* * *

غزوة بني لحيان

قال ابن إسحاق (٣) : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جمادى الأولى ، على رأس ستّة أشهر من صلح (٤) بني قريظة إلى بني لحيان بطلب بأصحاب الرّجيع : خبيب وأصحابه ، وأظهر أنّه يريد الشام ليصيب من القوم غرّة.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم ، وغيره قالوا : لما أصيب خبيب وأصحابه خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلبا لدمائهم ليصيب من بني لحيان غرّة ، فسلك طريق الشّام وورى على النّاس أنّه لا يريد بني لحيان ، حتى نزل أرضهم ـ وهم من هذيل ـ فوجدهم (٥) قد حذروا فتمنّعوا في رءوس الجبال. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أنّا هبطنا عسفان لرأت قريش أنّا قد جئنا مكة. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مائتي راكب حتى نزل

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٠.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٠.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٧.

(٤) في ع : صالح. والتصحيح من ابن الملّا.

(٥) في ع : فوجدوهم ، والتصحيح من ابن الملّا.


عسفان ، ثم بعث فارسين حتى نزلا كراع الغميم (١) ثم انصرفا إليه (٢).

فذكر أبو عيّاش الزّرقيّ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى بعسفان صلاة الخوف.

وقال بعض أهل المغازي إنّ غزوة بني لحيان كانت بعد قريظة.

* * *

غزوة ذات الرّقاع (٣)

قال ابن إسحاق (٤) : إنّها في جمادى الأولى سنة أربع ، وهي غزوة خصفة من بني ثعلبة من غطفان.

وقال محمد بن إسماعيل (٥) رحمه‌الله : كانت بعد خيبر ، لأنّ أبا موسى جاء بعد خيبر ، يعني وشهدها. قال : وإنّما جاء أبو هريرة فأسلم أيام خيبر.

وقال ابن إسحاق (٦) : في هذه الغزوة سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزل نخلا (٧) ، فلقي بها جمعا من غطفان ، فتقارب النّاس ولم يكن بينهم حرب.

__________________

(١) كراع الغميم : واد بعد عسفان بثمانية أميال ، وقيل فيما بين عسفان ومرّ الظّهران ، والكراع جبل أسود في طرف الحرّة يمتدّ إليه (معجم البلدان ٤ / ٤٤٣ ، ووفاء ألوفا : ٣٥٤).

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٧.

(٣) قيل سمّيت بذلك لأنّ أقدامهم نقبت «رقّت جلودها» فكانوا يلفّون عليها الخرق وقيل بل سمّيت بذلك لأنهم رقّعوا راياتهم فيها ، ويقال : ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع. (انظر الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر ١٧٦ ، وصحيح البخاري ، باب غزوة ذات الرقاع).

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.

(٥) صحيح البخاري ٥ / ٥١ باب غزوة ذات الرقاع.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.

(٧) في ع : النخلة ، والتصحيح من البخاري وابن هشام وياقوت حيث قال في نخل : منزل في منازل بني ثعلبة من المدينة على مرحلتين ، وقيل موضع بنجد من أرض غطفان مذكور في غزوة ذات الرقاع (معجم البلدان ٥ / ٢٧٦).


وقد خاف النّاس بعضهم بعضا ، حتى صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأصحابه صلاة الخوف. ثم انصرف بالنّاس.

وقال الواقدي : إنّما سمّيت ذات الرّقاع لأنّها (١) قبل جبل كان فيه بقع حمرة وسواد وبياض ، فسمّي ذات الرّقاع.

قال : وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعشر خلون من المحرّم ، على رأس سبعة وأربعين شهرا ، [و] قدم صرارا (٢) لخمس بقين من المحرّم. وذات الرّقاع قريبة من النّخيل بين السعد والشقرة (٣).

قال الواقدي : فحدّثني الضّحّاك بن عثمان ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر ، وحدّثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن جابر ، قال. وعن مالك ، وغيره ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر قال : قدم قادم بجلب (٤) له ، فاشترى بسوق النّبط (٥) ، وقالوا : من أين جلبك؟ قال : جئت به من نجد ، وقد رأيت أنمارا وثعلبة (٦) قد جمعوا لكم جموعا ، وأراكم هادين عنهم. فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله. فخرج في أربعمائة من أصحابه ـ

__________________

(١) في ع : لأنّه. ولعلّ الوجه ما أثبتناه.

(٢) صرار : موضع ، وقيل ماء ، وقيل بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق (معجم البلدان ٣ / ٣٩٨).

(٣) النّخيل : بصيغة التصغير ، منزل في طريق فيد به مياه وسوق قرية الكديد وهو معروف اليوم بقرب الكديد فوق الشقرة ، والسعد : موضع بقرب المدينة شرقيّ النّخيل ، وقيل جبل بينه وبين الكديد ثلاثون ميلا على جادّة طريق كان يسلك من فيد إلى المدينة. والشقرة : موضع بطريق فيد بين جمال حمر على نحو ثمانية عشر ميلا من النخيل ، ولا تزال معروفة (من تعليقات العلامة الشيخ حمد الجاسر على هامش المغانم المطابة). وانظر : معجم البلدان ٣ / ٢٢.

(٤) الجلب : ما يجلب من الخيل والإبل والمتاع ونحوه.

(٥) النبط : هم الأنباط ، قوم كانوا ببلاد الشام من الآراميّين.

(٦) أنمار وثعلبة : هما على الأرجح أنمار بن عمرو «ويروى : أنمار بن بغيض» وثعلبة بن قيس ، بطنان من العرب من غطفان من العدنانية ، انظر : أنساب الأشراف (١ / ٣٤٠) والاشتقاق لابن دريد (٢٧٧) ومعجم قبائل العرب لكحالة (١ / ٤٧ و ١٤٤).


وقيل سبعمائة ـ وسلك على المضيق (١) ، ثم أفضى إلى وادي الشّقرة ، فأقام بها يوما ، وبثّ السّرايا ، فرجعوا إليه مع اللّيل وأخبروه أنّهم لم يروا أحدا ، وقد وطئوا آثارا حديثة.

ثم سار النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، حتى أتى محالّهم ، فإذا ليس فيها أحد ، وهربوا إلى الجبال ، فهم مطلّون على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخاف النّاس بعضهم بعضا.

وفيها صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأصحابه صلاة الخوف.

وقال عبد الملك بن هشام (٢) : وإنّما قيل لها ذات الرّقاع لأنّهم رقّعوا فيها راياتهم. قال : ويقال ذات الرّقاع شجرة هناك. والظاهر أنّهما غزوتان.

وقال شعيب ، عن الزّهري ، حدّثني سنان الدّؤلي ، وأبو سلمة ، عن جابر أنّه غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل نجد ، فلما قفل قفل معه ، فأدركته القائلة في واد كثير العضاة (٣) ، فنزل وتفرّق النّاس في العضاة يستظلّون بالشجر. وقال : هو تحت شجرة فعلق بها سيفه. فنمنا نومة ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعونا فأجبناه ، فإذا عنده أعرابيّ جالس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ هذا اخترط سيفي وأنا نائم ، فاستيقظت وهو في يده صلتا ، فقال : من يمنعك منّي؟ قلت : الله. فشام (٤) السيف وجلس. فلم يعاقبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد فعل ذلك. متّفق عليه (٥).

__________________

(١) المضيق : قرية كبيرة في لحف جبل آرة قريبة من الفرع.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.

(٣) العضاة : أعظم الشجر أو كلّ شجرة ذات شوك.

(٤) شام السيف : أغمده.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة ذات الرّقاع. وكتاب الجهاد والسير ، باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة ، وباب تفريق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر.


قال أبو عوانة ، عن أبي بشر : اسم الأعرابي «غورث بن الحارث».

ثم روى أبو بشر ، عن سليمان بن قيس ، عن جابر قال : قاتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم محارب خصفة بنخل ، فرأوا من المسلمين غرّة ، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث ، حتى قام على رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسيف فقال : من يمنعك منّي؟ قال : الله. فسقط السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : من يمنعك منّي؟ قال : كن خير آخذ. قال : تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، قال : لا ، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلّى سبيله. فأتى أصحابه وقال : جئتكم من عند خير النّاس.

ثم ذكر صلاة الخوف ، وأنّه صلّى بكلّ طائفة ركعتين. وهذا حديث صحيح إن شاء الله (١).

وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق (٢) ، حدّثني وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى غزوة ذات الرّقاع من نخل على جمل لي ضعيف ، فلما قفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلّف ، حتى أدركني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : مالك يا جابر؟ قلت : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا. قال : أنخه. وساق قصّة الجمل.

* * *

غزوة بدر الموعد

قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، وروى عن عروة : (٣) أنّ رسول

__________________

(١) المسند للإمام أحمد : ٣ / ٣٩٠.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٧.

(٣) المغازي لعروة ١٨٣.


الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهلا للصّدق والوفاء ، فاحتمل الشيطان أولياء من النّاس ، فمشوا في النّاس يخوّفونهم وقالوا : أخبرنا أن قد جمعوا لكم مثل الليل من النّاس ، يرجون أن يوافقوكم فينتهوا بكم ، فالحذر لا تغدوا. فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا الله ولرسوله وخرجوا ببضائع لهم ، وقالوا : إن لقينا أبا سفيان فهو الّذي خرجنا له ، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا. وكان بدر متّجرا يوافي كل عام. فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر ، فقضوا منه حاجتهم ، وأخلف أبو سفيان الموعد ، فلم يخرج هو ولا أصحابه.

وأقبل رجل من بني ضمرة ، بينه وبين المسلمين حلف فقال : والله إن كنّا قد أخبرنا أنّه لم يبق منكم أحد ، فما أعملكم إلى أهل هذا الموسم؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يريد أن يبلغ ذلك عدوّه من قريش : إعمالنا إليه موعد أبي سفيان وأصحابه وقتالهم ، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك حلفهم ثم جالدناكم. فقال الضّمري (١) : معاذ الله.

قال : وذكروا أنّ ابن الحمام قدم على قريش فقال : هذا محمد وأصحابه ينتظرونكم لموعدكم. فقال أبو سفيان : قد والله صدق. فنفروا وجمعوا الأموال ، فمن نشط منهم قوّره (٢) ، ولم يقبل من أحد منهم دون أوقيّة. ثم سار حتى أقام بمجنّة (٣) من عسفان ما شاء الله أن يقيم ، ثم ائتمر هو وأصحابه فقال أبو سفيان : ما يصلحكم إلّا خصب ترعون فيه السّمر

__________________

(١) في ع : الضميري ، والصّواب ما أثبتناه ، وفي سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٩ أنه مخشيّ بن عمرو الضّميري.

(٢) قوّره : كذا في ع ، ولم أهتد إلى الوجه فيها. وفي التاج : قار القانص الصّيد يقوّره أي ختله ، ولعلّها هنا بهذا المعنى.

(٣) مجنّة : سوق بأسفل مكة على بريد منها ، وهي لكنانة وأرضها من أرضها (أخبار مكة ١ / ١٣١) وانظر : معجم البلدان ٥ / ٥٨.


وتشربون من اللّبن ، ثم رجع إلى مكة ، وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل ، وكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السّويق. وكانت في شعبان سنة أربع (١).

وقال الواقديّ : كانت بدر الموعد ، وتسمّى بدر الصّغرى ، لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره عليه الصّلاة والسّلام ، وأنّه خرج في ألف وخمسمائة من أصحابه ، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة ، وكان موسى بدر يجتمع فيه العرب لهلال ذي القعدة إلى ثامنه. فأقام بها المسلمون ثمانية أيّام وباعوا بضائعهم ، فربح الدرهم درهما. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل.

* * *

غزوة الخندق

قال موسى بن عقبة : كانت في شوّال سنة أربع. وقال ابن إسحاق : كانت في شوّال سنة خمس (٢). فالله أعلم.

ويقوّي الأوّل قول ابن عمر إنّه عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة ، فلم يجزه (٣) النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه. ولكنّ هذه التقوية مردودة بما سنذكره في سنة خمس.

* * *

وفيها توفّي عبد الله بن رقيّة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبوه عثمان رضي‌الله‌عنه عن ستّ سنين. ونزل أبوه في حفرته (٤).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٨ ، عيون الأثر ٢ / ٥٣ ، ٥٤.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٥٨.

(٣) في الأصل : يجده والوجه ما أثبتناه.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٥٥٥.


وفيها في شعبان (٤١ ب) ولد (١) الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنهما (٢).

وفيها قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح (٣) وأصحابه. وقد ذكروا. وكنية عاصم : أبو سليمان ، واسم جدّه : الأقلح قيس بن عصمة بن بني عمرو بن عوف. ومن ذريّته الأحوص الشاعر ابن عبد الله بن محمد بن عاصم بن ثابت.

وكان عاصم من الرّماة المذكورين ، ثبت يوم أحد وقتل غير واحد ، وشهد بدرا.

وقتل يوم بئر معونة من الصّحابة : عامر بن فهيرة (٤) مولى الصّدّيق ، وكان من سادة المهاجرين.

ومن قريش : الحكم بن كيسان المخزومي (٥) ، ونافع بن بديل بن ورقاء السهمي (٦).

وقتل يومئذ من الأنصار : الحارث بن الصّمّة (٧) بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول أبو سعد.

فعن محمد بن إبراهيم التّيمي ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخى بين الحارث بن الصّمّة وصهيب. وقال الواقدي : شهد الحارث أحدا ، وثبت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبايعه على الموت ، وقتل عثمان بن عبد الله بن المغيرة. وعن المسور

__________________

(١) من أول قوله : «ولد الحسين ..» نرجع إلى نسخة الأصل بعد انتهاء السقط الّذي أشرنا إليه.

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٥٥٥.

(٣) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٦٢.

(٤) المغازي لعروة ١٨٢ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٣٠.

(٥) المغازي لعروة ١٨٢.

(٦) في سيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٢ «الخزاعي».

(٧) المغازي لعروة ١٨٢.


ابن رفاعة أنّ الحارث خرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر ، فكسر بالرّوحاء ، فردّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة وضرب له بسهمه وآجره. قال ابن سعد (١) : وله ذرّيّة بالمدينة وبغداد.

حرام بن ملحان (٢) : واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عديّ بن النّجّار ، شهد بدرا ، وهو أخو أمّ سليم. قال لما طعن يوم بئر معونة : فزت وربّ الكعبة. رضي‌الله‌عنه.

عطيّة بن عمرو ، من بني دينار. وهذا لم أره في الصّحابة لابن الأثير (٣).

المنذر بن عمرو (٤) بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ودّ السّاعديّ ، أحد النّقباء ليلة العقبة. شهد بدرا وأحدا. وخنيس هو المعروف بالمعنق ليموت.

أنس بن معاوية بن أنس ، أحد بني النّجّار.

أبو شيخ (٥) بن ثابت بن المنذر ، سهل بن عامر بن سعد ، من بني النّجّار كلاهما.

معاذ بن مناعص (٦) الزّرقيّ ، بدري ، عروة بن الصّلت السّلمى حليف الأنصار.

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٠٨.

(٢) الطبقات الكبرى ٣ / ٥١٤.

(٣) الإشارة هنا إلى كتاب «أسد الغابة في معرفة الصحابة» لأبي الحسن علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير ، ولم يترجم فيه لعطية بن عمرو الديناري هذا. وانظر ترجمة موجزة له في الإصابة (٢ / ٤٨٥).

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٥٥.

(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٠٤.

(٦) في طبعة القدسي ٢٢٩ «ناعص» والتصحيح من الطبقات الكبرى ٣ / ٥٩٥.


مالك بن ثابت ، وأخوه : سفيان ، كلاهما من بني النبيت.

فهؤلاء الذين حفظت أسماؤهم من الشّهداء السبعين الذين صحّ أنّه نزل فيهم (بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) ثم نسخت.

وقيل : بل كانوا اثنين وعشرين راكبا. ولعلّ الراويّ عدّ الركاب دون الرّجّالة.

أخبرنا إسماعيل بن أبي عمرو ، أنا ابن البنّ ، أنا جدّي ، أنا ابن أبي العلاء ، أنا ابن أبي نصر ، أنا ابن أبي العقب ، أنا أحمد بن البسري ، ثنا محمد بن عائذ ، أخبرني حجوة بن مدرك الغسّاني ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنهما قال : بعث عامر ابن مالك ملاعب الأسنّة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابعث إليّ رهطا ممّن معك يبلّغوني عنك وهم في جواري. فأرسل إليه المنذر بن عمرو في اثنين وعشرين راكبا ، فلما أتوا أدنى أرض بني عامر بعث أربعة ممّن بعث إلى بعض مياههم ، أو قال إلى بعضهم. قال : وسمع عامر بن الطّفيل فأتاهم فقاتلهم فقتلهم قال : [٤٢ أ] ورجع الأربعة رهط الذين كان وجّه بهم المنذر ، فلما دنوا إذا هم بنسور تحوم ، قالوا : إنّا لنرى نسورا تحوم ، وإنّا نرى أصحابنا قد قتلوا. فلما أتوهم قال رجلان منهم : لا نطلب الشهادة بعد اليوم ، فقاتلا حتى قتلا. ورجع الرّجلان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلقيا رجلين من بني عامر فسألاهما من هما فأخبراهما فقتلاهما وأخذا ما معهما. وأتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه خبر أصحابهم وخبر الرجلين العاميين ، وأتياه بما أصابها لهما. فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حلّتين كان كساهما فقال : قد كانا منّا في عهد. فوادهما إلى قومهما دية الحرّين المسلمين.

وقال حسّان (١) بعد موت عامر بن مالك يحرّض ابنه ربيعة :

__________________

(١) ديوانه ١٠٧.


بني أمّ البنين ألم يرعكم * الأبيات

فقال ربيعة : هل يرضى منّي حسّان طعنة أطعنها عامرا؟ قيل : نعم فشدّ عليه فطعنه فعاش منها.

* * *

وفيها توفّيت أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة (١) بن الحارث بن عبد الله ابن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة القيسيّة الهوازنيّة العامريّة الهلالية رضي‌الله‌عنها ، وكانت تسمّى أمّ المساكين لإحسانها إليهم ، تزوّجت أوّلا بالطّفيل بن الحارث بن المطّلب بن عبد مناف ، ثم طلّقها فتزوّجها أخوه عبيدة بن الحارث ، فاستشهد يوم بدر ، ثم تزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في رمضان سنة ثلاث ، ومكثت عنده على الصّحيح ثمانية أشهر ، وقيل كانت وفاتها في آخر ربيع الآخر ، وصلّى عليها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودفنها بالبقيع ، ولها نحو ثلاثين سنة رضي‌الله‌عنها.

* * *

وفيها تزوّج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمّ سلمة أمّ المؤمنين هند بنت أبي أميّة (٢) ـ واسمه حذيفة ، وقيل سهيل ، ويدعى زاد الراكب ، ابن المغيرة بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم ـ القرشيّة المخزومية ، وكانت قبله عند ابن عمة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأمّه برّة بنت عبد المطّلب ، وهاجر بها إلى الحبشة فولدت له هناك زينب ، وولدت له سلمة وعمر ودرّة ، وكان أخا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرضاعة ، أرضعتهما وحمزة ثويبة مولاة أبي لهب ، ويقال إنّه كان أسلم بعد عشرة أنفس ، وكان أوّل من هاجر إلى الحبشة ، ثم كان أوّل من هاجر إلى المدينة ، ولما عبر إلى الله كان الّذي أغمضه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم دعا له ، وكان قد جرح بأحد

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٨ / ١١٥ تسمية أزواج النبيّ وأولاده لابن المثنّى ٦٩.

(٢) تسمية أزواج النبيّ وأولاده ٥٦ ، الطبقات الكبرى ٨ / ٨٦.


جرحا ، ثم انتفض عليه ، فمات منه في جمادى الآخرة سنة أربع. فلما توفّي تزوّجها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين حلّت في شوّال ، وكانت من أجمل النّساء ، وهي آخر نسائه وفاة.

ثم تزوّج بعدها بأيام يسيرة ، بنت عمّته أمّ الحكم ، زينب بنت جحش (١) بن رئاب الأسدي ، وكان اسمها برّة فسمّاها زينب. وكانت هي وإخوتها من المهاجرين ، وأمّهم أميمة بنت عبد المطّلب ، وهي التي نزلت هذه الآية فيها : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (٢). وكانت تفخر على نساء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتقول : زوّجكنّ أهاليكنّ وزوّجني الله من السّماء.

وفيها نزلت آية الحجاب (٣). وتزوّجها وهي بنت خمس وثلاثين سنة.

وفي هذه السنة رجم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم اليهوديّ واليهوديّة اللّذين زنيا.

وفيها توفّيت أمّ سعد بن عبادة (٤) ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غائب في بعض مغازيه ، ومعه ابنها سعد ، قال قتادة ، عن سعيد بن المسيّب ، إن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى على قبر أمّ سعد بعد أشهر ، والله أعلم.

* * *

__________________

(١) تسمية أزواج النبي وأولاده ٦١ ، الطبقات الكبرى ٨ / ١٠١.

(٢) سورة الأحزاب الآية ٣٧.

(٣) هي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) سورة الأحزاب : الآية ٥٣.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٦١٤ و ٨ / ٣٣٨ ، أسد الغابة ٥ / ٥٨٧ ، الإصابة ٤ / ٣٦٧ رقم ٧٤٧ ، الاستيعاب ٤ / ٣٦٢.


السّنة الخامسة

«غزوة ذات الرقاع»

خرج لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعشر خلون من المحرّم. قاله الواقدي (١) كما تقدّم. وقال ابن إسحاق (٢) : إنّها في جمادى الأولى سنة أربع.

غزوة دومة الجندل

وهي بضمّ الدّال

قيل سمّيت بدومى بن إسماعيل عليه‌السلام ، لكونها كانت منزله (٣).

ودومة بالفتح موضع آخر.

وهذه الغزوة كانت في ربيع الأوّل.

ورجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يصل إليها ، ولم يلق كيدا (٤).

وقال المدائنيّ : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المحرّم ، يريد أكيدر دومة ،

__________________

(١) المغازي ١ / ٣٩٥ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٦١ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٥٥.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٤٦.

(٣) الروض الأنف ٣ / ٢٧٦.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٥٨.


فهرب أكيدر ، وانصرف النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال الواقديّ : حدّثني ابن أبي سبرة ، عن عبد الله بن أبي لبيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وحدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن أبي بكر وغيرهما ، قالوا : أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقرب إلى أدنى الشام ليرهب قيصر ، وذكر له أنّ بدومة الجندل جمعا عظيما يظلمون من مرّ بهم. وكان بها سوق وتجّار ، فخرج رسول الله بألف [من المسلمين ، فكان] (١) يسير اللّيل ويكمن النّهار ، ودليله مذكور العذريّ ، فنكب عن طريقهم ، فلما كان بينه وبين دومة يوم قوي (٢) ، قال له : يا رسول الله إن سوائمهم ترعى عندك ، فأقم حتى انظر. وسار مذكور حتّى وجد آثار النّعم ، فرجع وقد عرف مواضعهم ، فهجم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ماشيتهم ورعائهم فأصاب من أصاب ، وجاء الخبر إلى دومة فتفرّقوا ، ورجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهي عن المدينة ستّة عشرة يوما ، وبينها وبين دمشق خمس ليال للمجدّ ، وبينها وبين الكوفة سبع ليال ، وهي أرض ذات نخل ، يزرعون الشّعير وغيره ، ويستقون (٣) على النّواضح ، وبها عين ماء.

* * *

غزوة المريسيع

وتسمّى غزوة بني المصطلق ، كانت في شعبان سنة خمس على الصحيح ، بل المجزوم به.

قال الواقدي (٤) : استخلف النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها على المدينة زيد بن حارثة.

__________________

(١) ما بين الحاصرتين عن المغازي للواقدي ١ / ٤٠٣.

(٢) في المغازي للواقدي ٤٠٣ «وبين دومة يوم أو ليلة ، سير الراكب المعنق» بدل «يوم قوي».

(٣) في الأصل : يسقون.

(٤) المغازي للواقدي ٤٠٤.


فحدّثني شعيب بن عبّاد عن المسور بن رفاعة قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سبعمائة.

وقال يونس بن بكير : قال ابن إسحاق (١) حدّثني محمد بن يحيى بن حبّان ، وعاصم بن عمر ، وعبد الله بن أبي بكر قالوا : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبلغه أنّ بني المصطلق (٢) يجمعون [٤٣ أ] له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية أمّ المؤمنين ، فسار النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزل بالمريسيع (٣) ، ماء من مياههم ، فأعدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتزاحف النّاس فاقتتلوا ، فهزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفّل نساءهم وأبناءهم وأموالهم ، وأقام عليهم من ناحية قديد (٤) والسّاحل.

وقال الواقدي (٥) عن معمر وغيره : أنّ بني المصطلق من خزاعة كانوا ينزلون ناحية الفرع ، وهم حلفاء بني مدلج ، وكان رأسهم الحارث بن أبي ضرار ، وكان قد سار في قومه ومن قدر عليه ، وابتاعوا خيلا وسلاحا ، وتهيّأ للمسير إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الواقدي : وحدّثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض ، عن أبيه ،

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٦ تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٤.

(٢) بطن من خزاعة من القحطانية ، وهم بنو المصطلق واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة (معجم قبائل العرب ٣ / ١١٠٤).

(٣) المريسيع بالعين المهملة في أصحّ الروايات وأشهرها ، وضبط بالغين المعجمة ، وهو بناحية قديد إلى الساحل ، قاله ابن إسحاق ، وفي حديث للطبراني هو ماء لخزاعة بينه وبين الفرع نحو يوم ، وقال المجد : الفرع على ساعة من المريسيع (وفاء ألوفا ٢ / ٣٧٣ ومعجم ما استعجم ٤ / ١٢٢٠).

(٤) قديد : قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه ، وقيل موضع قرب مكة وقيل موضع بين الحرمين ، وقيل واد. (وفي تعليقات الشيخ حمد الجاسر على المغانم المطابة أنّ القرية لا تزال معروفة ولكنّها ضعيفة وتقع بين خليص وعسفان بقرب مكة).

(٥) المغازي ١ / ٤٠٨.


عن جدّته ، وهي مولاة جويرية ، [قالت] (١) سمعت جويرية تقول : أتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن على المريسيع ، فأسمع أبي يقول : أتانا مالا قبل لنا به ، قالت : وكنت أرى من النّاس والخيل والعدد ما لا أصف من الكثرة ، فلما أن أسلمت وتزوّجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجعنا جعلت انظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى ، فعرفت أنّه رعب من الله. وكان رجل منهم قد أسلم يقول : لقد كنّا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ، ما كنّا نراهم قبل ولا بعد.

قال الواقديّ (٢) : ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الماء ، وضربت له قبّة من أدم ، ومعه عائشة وأمّ سلمة ، وصفّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه ، ثمّ أمر عمر فنادى فيهم : قولوا : لا إله إلّا الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ، ففعل عمر ، فأبوا. فكان أوّل من رمى رجل منهم بسهم ، فرمى المسلمون ساعة بالنّبل ، ثم إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أصحابه أن يحملوا ، فحملوا ، فما أفلت منهم إنسان ، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم ، وقتل من المسلمين رجل واحد.

وقال ابن عون : كتبت إلى نافع أسأله عن الدّعاء قبل القتال ، فكتب إنّما كان ذلك في أول الإسلام ، قد أغار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بني المصطلق وهم غارّون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم ، فأصاب يومئذ أحسبه قال : جويرية. وحدّثني ابن عمر بذلك ، وكان في ذلك الجيش. متّفق عليه (٣).

وقال إسماعيل بن جعفر ، عن ربيعة الرأي ، عن محمد بن يحيى بن حبّان ، عن ابن محيريز ، سمع أبا سعيد يقول : غزونا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني

__________________

(١) إضافة من المغازي للواقدي ١ / ٤٠٨.

(٢) المغازي ١ / ٤٠٧.

(٣) صحيح مسلم (١٧٣٠) كتاب الجهاد والسير ، باب جواز الإغارة على الكفّار الذين بلغتهم دعوة الإسلام إلخ.


المصطلق فسبينا كرائم العرب ، وطالت علينا العزبة (١) ، ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل ، فسألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : لا عليكم أن لا تفعلوا ، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلّا ستكون. متّفق عليه ، عن قتيبة عن إسماعيل (٢).

* * *

__________________

(١) في الأصل : «الغربة» والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٥٤.

(٢) صحيح البخاري ٥ / ٥٤ كتاب المغازي ، باب غزوة بني المصطلق وكتاب النّكاح باب العزل ، وكتاب القدر ، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا ، وصحيح مسلم : كتاب النّكاح ، باب حكم العزة.



تزويج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجويريّة «رضي‌الله‌عنها»

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) ، حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، عن عروة ، [٤٣ ب] عن عائشة قالت : لمّا قسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية في السهم لثابت بن قيس بن شماس ، أو لابن عمّ له فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة ملّاحة (٢) ، لا يراها أحد إلّا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تستعينه في كتابتها ، فو الله ما هو إلّا أن رأيتها فكرهتها ، وقلت : سيرى منها مثل ما رأيت. فلما دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : أنا جويرية بنت الحارث سيّد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، وقد كاتبت فأعنّي. فقال : أو خير من ذلك ، أؤدّي عنك كتابتك وأتزوّجك. فقالت : نعم. ففعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبلغ الناس أنّه قد تزوّجها فقالوا : أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق بها أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٨ ، ٩.

(٢) الملّاحة : الشديدة الملاحة.


[على قومها] (١) منها. وكان اسمها برّة فسمّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جويرية (٢).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٣) حدّثني محمد بن يحيى بن حبّان ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، في قصّة بني المصطلق : فبينا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقيم هناك ، إذ اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاريّ أجير عمر ، وسنان بن وبر (٤). قال : فحدّثني محمد بن يحيى أنّهما ازدحما على الماء فاقتتلا ، فقال سنان : يا معشر الأنصار. وقال جهجاه : يا معشر المهاجرين. وكان زيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أبيّ ، يعني ابن سلول ، فلما سمعها قال : قد ثاورونا في بلادنا ، والله ما أعدّنا (٥) وجلاليب قريش هذه إلّا كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك. والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. ثم أقبل على من عنده من قومه فقال : هذا ما صنعتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم (١). أما والله لو كففتم عنهم لتحوّلوا عنكم من بلادكم. فسمعها زيد ، فذهب بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو غليم ، وعنده (٦) عمر فأخبره الخبر. فقال عمر : يا رسول الله مر عبّاد بن بشر فليضرب عنقه. فقال : فكيف إذا تحدّث النّاس أنّ محمدا يقتل أصحابه؟ لا ولكن ناد يا عمر في الرحيل ، فلما بلغ ذلك ابن أبيّ أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتذر ، وحلف له بالله ما قال ذلك ، وكان عند قومه بمكان.

__________________

(١) زيادة من ع والواقدي.

(٢) الطبقات الكبرى ٨ / ١١٨.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٦ ، ٧.

(٤) في الأصل : زيد. والتصحيح من ابن هشام ٤ / ٧ والواقدي والإصابة. ويقال سنان بن وبر أو وبرة ، وسنان بن تيم الجهنيّ.

(٥) في الأصل : عزنا. والتصحيح من ابن هشام ٤ / ٧. وجلابيب قريش لقب لمن كان أسلم من المهاجرين ، لقّبهم بذلك المشركون. وأصل الجلابيب الأزر الغلاظ واحدها جلباب ، وكانوا يلتحفون بها ، فلقّبوهم بذلك.

(٦) في الأصل : وله. والتصحيح من ع ، وابن هشام ٤ / ٧.


فقالوا : يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم. وراح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها. فلقيه أسيد بن حضير فسلّم عليه بتحية النّبوة ثم قال : والله لقد رحت في ساعة منكرة. فقال : أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبيّ؟ فقال : يا رسول الله فأنت والله العزيز وهو الذّليل. ثم قال : يا رسول الله أرفق به ، فو الله لقد جاء الله بك وإنّا لننظم له الخرز لنتوجّه فإنّه [٤٤ أ] ليرى أن قد استبلته ملكا. فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنّاس بقيّة يومه وليلته ، حتى أصبحوا وحتّى اشتدّ الضّحى. ثم نزل بالنّاس ليشغلهم عمّا كان من الحديث ، فلم يلبث (١) النّاس أن وجدوا مسّ الأرض فناموا. ونزلت سورة المنافقين (٢).

وقال ابن عيينة : ثنا عمرو بن دينار ، سمعت جابرا يقول : كنّا مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزاة ، فكسع (٣) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاري : يا للأنصار. وقال المهاجريّ : يا للمهاجرين. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنّها منتنة. فقال عبد الله بن أبيّ بن سلول : أو قد فعلوها؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال : وكانت الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم كثر المهاجرون بعد ذلك. فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : دعه لا يتحدّث النّاس أنّ محمدا يقتل أصحابه. متّفق عليه (٤).

وقال عبيد الله بن موسى : أنا إسرائيل ، عن أبي سعيد الأزدي ، ثنا زيد بن أرقم ، قال : غزونا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان معنا ناس من

__________________

(١) في الأصل «يأمر» وفي طبعة القدسي ٢٣٩ «يأمن» وما أثبتناه عن سيرة ابن هشام ٤ / ٧.

(٢) هي السورة رقم ٦٣.

(٣) كسعه : ضربه بيده أو برجله على دبره.

(٤) صحيح البخاري كتاب التفسير ٦ / ٦٥ ، ٦٦ ، سورة (المنافقون). وصحيح مسلم (٢٥٨٤) كتاب البرّ والصلة ، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما.


الأعراب. فكنّا نبتدر الماء ، وكانت الأغراب يسبقوننا ، فيسبق الأعرابيّ أصحابه : فيلا الحوض ويجعل حوله حجارة ، ويجعل النّطع حتى يجيء أصحابه فأتى الأنصاري فأرخى زمام ناقته لتشرب فمنعه ، فانتزع حجرا ففاض [الماء] (١) فرفع الأعرابيّ خشبة فضرب بها رأس الأنصاريّ فشجّه ، فأتى عبد الله بن أبيّ فأخبره فغضب وقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ينفضّوا من حوله ، يعني الأعراب. وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال زيد : فسمعته فأخبرت عمّي ، فانطلق فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحلف وجحد ، فصدّقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكذّبني. فجاء إلى عمّي فقال : ما أردت أن مقتك رسول الله [أو] كذّبك المسلمون. فوقع عليّ من الغمّ ما لم يقع على أحد قطّ. فبينا أنا أسير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد خفقت برأسي من الهمّ ، إذ أتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي ، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد أو الدنيا. ثم إنّ أبا بكر لحقني فقال : ما قال لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قلت : ما قال لي شيئا. فقال أبشر. فلمّا أصبحنا قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة المنافقين حتى بلغ منها : (الأذلّ).

وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن أرقم ، قال : سمعت عبد الله بن أبيّ يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا من حوله. وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فذكرت ذلك لعمّي فذكره لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحلفوا ما قالوا ، فصدّقهم وكذّبني ، فأصابني همّ ، فأنزل الله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) (٢) ، فأرسل إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٤٤ ب] فقرأها عليّ ، وقال :

__________________

(١) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع.

(٢) سورة المنافقون : من الآية ١.


إنّ الله قد صدّقك يا زيد. أخرجه خ (١).

وقال أنس بن مالك : زيد بن أرقم هو الّذي يقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا الّذي أوفى الله له بأذنه». أخرجه خ ، من حديث عبد الله بن الفضل ، عن أنس (٢).

وقال الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم من سفر ، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد أن تدفن الرّاكب. فزعم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بعثت هذه الريح لموت منافق. قال : فقدم المدينة فإذا منافق عظيم مات. أخرجه مسلم (٣).

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (٤) قال : فلما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طريق عمان سرحوا ظهورهم (٥) ، وأخذتهم ريح شديدة ، حتى أشفق النّاس منها ، وقيل : يا رسول الله ما شأن هذه الريح؟ فقال : مات اليوم منافق عظيم النّفاق ، ولذلك عصفت الريح وليس عليكم منها بأس إن شاء الله ، وذلك في قصّة بني المصطلق.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٦) ، عن شيوخه الذين روى عنهم قصّة بني المصطلق قالوا : فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى إذا كان ببقعاء (٧) من

__________________

(١) ، (٢) صحيح البخاري ٦ / ٦٥ كتاب التفسير ، سورة «المنافقون» وانظر تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٨ ، وفي تفسير ابن كثير ٢٨ / ٧٠ ، ٧١.

(٣) صحيح مسلم (٢٧٨٢) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

(٤) المغازي لعروة ١٩٠.

(٥) في طبعة القدسي ٢٤١ ، وطبعة شعيرة ٢٣٦ «ظهرهم» والتصويب من المغازي.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٧.

(٧) بقعاء : موضع على أربعة وعشرين ميلا من المدينة خرج إليه أبو بكر لتجهيز المسلمين لقتال أهل الرّدّة. وقال الواقدي : هو ذو القصّة. وهي الآن قرية من قرى جبل شمر المعروف قديما باسم جبلي طيِّئ وتقع شرقي حائل في شمال نجد. (من تعليقات الشيخ حمد الجاسر على المغانم المطابة ص ٦١) وانظر معجم البلدان ١ / ٤٧١.


أرض الحجاز دون البقيع هبّت ريح شديدة فخافها النّاس. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تخافوا فإنّها هبّت لموت عظيم من عظماء الكفر. فوجدوا رفاعة بن زيد بن التّابوت قد مات يومئذ ، وكان من بني قينقاع ، وكان قد أظهر الإسلام وكان كهفا للمنافقين.

وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : لما قدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بني المصطلق ، أتاه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ فقال : يا رسول الله بلغني أنّك تريد قتل أبيّ ، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالده منّي ، ولكنّي أخشى أن تأمر به رجلا مسلما فيقتله ، فلا تدعني نفسي أن انظر إلى قاتل عبد الله يمشي في الأرض حيّا حتى أقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النّار. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل تحسن صحبته وتترفّق به ما صحبنا (١).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٨.


الإفك

«وكان في هذه الغزوة»

قال سليمان : ثنا حمّاد بن زيد ، عن معمر ، والنّعمان بن راشد ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه. قالت : فأقرع بيننا في غزاة المريسيع ، فخرج سهمي. فهلك فيّ من هلك.

وكذلك قال ابن إسحاق (١) ، والواقديّ وغيرهما إنّ حديث الإفك كان في غزوة المريسيع.

وروي عن عبّاد بن عبد الله قال : قلت يا أمّاه حدّثيني حديثك في غزوة المريسيع.

قرأت على أبي محمد عبد الخالق بن عبد السلام ، ببعلبكّ ، أنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، أنا أبو الحسين عبد الحقّ اليوسفي ، أنا أبو سعد ابن خشيش ، أنا أبو عليّ الحسن بن أحمد ، أنا ميمون [٤٥ أ] بن إسحاق ،

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٠.


ثنا أحمد بن عبد الجبّار ، ثنا يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت :

لقد تحدّث بأمري في الإفك واستفيض فيه وما أشعر. وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه أناس من أصحابه ، فسألوا جارية لي سوداء كانت تخدمني فقالوا : أخبرينا ما علمك بعائشة؟ فقالت : والله ما أعلم منها شيئا أعيب من أنّها ترقد ضحى حتى إنّ الدّاجن (١) داجن أهل البيت تأكل خميرها. فأداروها وسألوها حتى فطنت ، فقالت : سبحان الله ، والّذي نفسي بيده ما أعلم على عائشة إلّا ما يعلم الصّائغ على تبر الذّهب الأحمر. قالت : فكان هذا وما شعرت.

ثم قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أمّا بعد ، فأشيروا عليّ في أناس أبنا (٢) أهلي ، وايم الله إن علمت على أهلي من سوء قطّ ، وأبنوهم بمن ، والله إن علمت عليه سوءا قطّ ، ولا دخل على أهلي إلّا وأنا شاهد ، ولا غبت في سفر إلّا غاب معي. فقال سعد ابن معاذ رضي‌الله‌عنه : أرى يا رسول الله أن تضرب أعناقهم. فقال رجل من الخزرج ـ وكانت أمّ حسّان من رهطه ، وكان حسّان من رهطه ـ : والله ما صدقت ، ولو كان من الأوس ما أشرت بهذا. فكاد يكون بين الأوس والخزرج شرّ في المسجد ، ولا علمت بشيء منه ، ولا ذكره لي ذاكر. حتى أمسيت من ذلك اليوم فخرجت في نسوة لحاجتنا ، وخرجت معنا أمّ مسطح ـ بنت خالة أبي بكر رضي‌الله‌عنه ـ فإنّا لنمشي ونحن عامدون لحاجتنا ، عثرت أمّ مسطح فقالت : تعس مسطح. فقلت : أي أم ، أتسبّين ابنك؟ فلم

__________________

(١) الداجن : الشاة التي تأليف البيوت ولا تخرج إلى المرعى.

(٢) أبنوا : مخفّفة ، أي اتّهموا ، ورواها الأصيلي بالتشديد. وفي رواية القسطلاني «أنبوا» بتقديم النّون.


تراجعني. فعادت فعثرت فقالت (١) : تعس مسطح. فقلت : أي أمّ أتسبيّن ابنك صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فلم تراجعني. ثم عثرت الثالثة فقالت : تعس مسطح. فقلت : أي أم ، أتسبيّن ابنك صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقالت : والله ما أسبّه إلّا من أجلك وفيك. فقلت : وفي أيّ شأني؟ قالت : وما علمت بما كان؟ فقلت : لا ، وما الّذي كان؟ قالت : أشهد أنّك مبرّأة ممّا قيل فيك. ثم بقرت (٢) لي الحديث ، فأكرّ راجعة إلى البيت ما أجد ممّا خرجت له قليلا ولا كثيرا. وركبتني الحمّى فحممت. فدخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألني عن شأني ، فقلت : أجدني موعوكة ، ائذن لي أذهب إلى أبويّ. فأذن لي ، وأرسل معي الغلام ، فقال : امش معها. فجئت فوجدت أمّي في البيت الأسفل ، ووجدت أبي يصلّي في العلوّ فقلت لها : أي أمه ، ما الّذي سمعت؟ فإذا هي لم ينزل بها من حيث نزل منّي ، فقالت : أي بنيّة وما عليك ، فما من امرأة لها ضرائر تكون جميلة يحبّها زوجها إلّا وهي يقال لها بعض ذلك. فقلت : وقد سمعه أبي؟ فقالت : نعم ، فقلت : وسمعه رسول الله صلّى الله عليه [٤٥ ب] وسلم؟ فقالت : ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فبكيت ، فسمع أبي البكاء ، فقال : ما شأنها؟ قالت : سمعت الّذي تحدّث به. ففاضت عيناه يبكي ، فقال : أي بنيّة ، ارجعي إلى بيتك ، فرجعت ، وأصبح أبواي عندي ، حتى إذا صلّيت العصر دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا بين أبويّ ، أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد يا عائشة إن كنت ظلمت أو أخطأت أو أسأت فتوبي وراجعي أمر الله واستغفري ، فوعظني ، وبالباب امرأة من الأنصار قد سلّمت ، فهي جالسة بباب البيت في الحجرة ، وأنا أقول : ألا تستحي أن تذكر هذا ، والمرأة تسمع ، حتى إذا قضى كلامه قلت لأبي وغمزته : ألا

__________________

(١) في الأصل : «فعادت ثم عثرت فعادت تعس مسطح» والتصحيح من صحيح البخاري.

(٢) أي فتحت وكشفت.


تكلّمه؟ فقال : وما أقول له؟ والتفتّ إلى أميّ فقلت : ألا تكلّمينه؟ فقالت : وما ذا أقول له؟ فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت : أما بعد فو الله لئن قلت لكم أن قد فعلت والله يشهد أنّي لبريئة ما فعلت لتقولنّ قد باءت به على نفسها واعترفت به ، ولئن قلت لم أفعل والله يعلم أنّي لصادقة ما أنتم بمصدّقيّ. لقد دخل هذا في أنفسكم واستفاض فيكم ، وما أجد لي ولكم مثلا إلّا قول أبي يوسف العبد الصالح ، وما أعرف يومئذ اسمه : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (١).

ونزل الوحي ساعة قضيت كلامي ، فعرفت والله البشر في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يتكلّم. فمسح جبهته وجبينه ثم قال : أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله عذرك. وتلا القرآن. فكنت أشدّ ما كنت غضبا ، فقال لي أبواي : قومي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا إيّاكما ولكنّي أحمد الله الّذي برّأني. لقد سمعتم فما أنكرتم ولا جادلتم ولا خاصمتم.

فقال الرجل الّذي قيل له ما قيل ، حين بلغه نزول العذر : سبحان الله ، فو الّذي نفسي بيده ما كشفت قطّ كنف أنثى. وكان مسطح يتيما في حجر أبي بكر ينفق عليه ، فحلف لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا. فأنزل الله (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى قوله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (٢). فقال أبو بكر : بلى والله يا ربّ ، إنّي أحبّ أن تغفر [لي] (٣) وفاضت عيناه فبكى ، رضي‌الله‌عنه.

وهذا [حديث] عال حسن الإسناد ، أخرجه البخاري تعليقا ، فقال :

__________________

(١) سورة يوسف ـ الآية ١٨.

(٢) سورة النور : من الآية ٢٢.

(٣) ليست في الأصل ، وزدناها من ابن الملا.


وقال أبو أسامة ، عن هشام بن عروة. فذكره (١).

وقال اللّيث ـ واللّفظ له ـ وابن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، أخبرني عروة ، وابن المسيّب ، وعلقمة بن وقّاص ، وعبيد الله ابن عبد الله ، عن حديث عائشة ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرّأها الله ، وكلّ حدّثني بطائفة من الحديث ، وبعض حديثهم يصدّق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض. قالت :

كان رسول الله [٤٦ أ] صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه ، فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجت معه بعد ما نزل الحجاب ، وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوته تلك ، وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع ظفار (٢) قد انقطع ، فالتمسته ، وحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرّهط الذين كانوا يرحلون (٣) لي واحتملوا هودجي ، فرحّلوه على بعيري الّذي كنت ركبت. وهم يحسبون أنّي فيه. وكان النّساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهنّ اللّحم ، إنّما يأكلن العلقة (٤) من الطعام. فلم يستنكروا خفّة الهودج حين رفعوه. وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. فوجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فأممت منزلي الّذي كنت فيه ، وظننت أنّهم

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة النور حديث أبي أسامة عن هشام ـ باب : إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا .. ج ٦ / ١١ ـ ١٣.

(٢) جزع ظفار : الجزع خرز يماني. وظفار مبنيّة على الكسر ، مدينة باليمن قرب صنعاء ، وقيل هي صنعاء نفسها. قال ياقوت : ولعلّ هذا كان قديما ، فأما ظفار المشهورة اليوم فليست إلّا مدينة على ساحل بحر الهند (معجم البلدان ٤ / ٦٠).

(٣) هكذا في سيرة ابن هشام ٤ / ١٠ وفي تاريخ الطبري ٢ / ٦١٢ «يرجّلون».

(٤) العلقة : ما يتبلّغ به من الطعام.


سيفقدونني فيرجعون إليّ ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان ابن المعطّل السّلميّ ثم الذّكواني من وراء الجيش. فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت ، فخمّرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه. فأناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بي [الراحلة] (١) حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظّهيرة. فهلك من هلك. وكان الّذي تولّى الإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول. فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا ، والنّاس يفيضون في (٢) قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك. وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللّطف الّذي كنت أرى منه حين أشتكى. إنّما يدخل عليّ فيسلّم ثم يقول : كيف تيكم؟ ثم ينصرف. فذلك الّذي يريبني ولا أشعر بالشّرّ ، حتى خرجت يوما بعد ما نقهت. فخرجت مع أمّ مسطح قبل المناصع (٣) ، وهو متبرّزنا ، وكنّا لا نخرج إلّا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرّز قبل الغائط ، وكنّا نتأذّى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح قبل بيتي ، قد فرغنا من شأننا ، فعثرت أمّ مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح. فقلت لها : بئس ما قلت : أتسبّين رجلا شهد بدرا؟ قالت : أي هنتاه (٤) ، أو لم تسمعي ما قال؟ قلت :

وما ذا؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك. فازددت مرضا على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فسلّم] (٥) ثم قال : [٤٦ ب]

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع والبخاري ٦ / ٦.

(٢) في الأصل : (من) والتصحيح من ع والبخاري ٦ / ٦.

(٣) المناصع : جمع منصع وهو الموضع الّذي يتخلّى فيه لقضاء الحاجة.

(٤) أي هنتاه : يقال يا هنتاه في النّداء للأنثى من غير تصريح بالاسم كيا هذه.

(٥) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع. وفي صحيح البخاري «تعني سلّم ثم قال» ٦ / ٧.


كيف تيكم؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبويّ؟ وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي ، فجئت أبويّ فقلت لأمّي : يا أمتاه ما يتحدّث النّاس؟ قالت : يا بنيّة هوّني عليك ، فو الله لقلّما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها لها ضرائر ، إلّا كثّرن عليها. فقلت : سبحان الله ، ولقد تحدّث النّاس بهذا؟ فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي.

فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد ـ حين استلبث الوحي ـ يستأمرهما في فراق أهله. فأمّا أسامة فأشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ ، فقال أسامة : يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ فقال : يا رسول الله لم يضيّق الله عليك ، والنّساء سواها كثير ، واسأل الجارية (١) تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بريرة فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت : لا والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا أغمصه (٢) عليها أكثر من أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها فتأتي الدّاجن فتأكله. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبيّ بن سلول ، فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني (٣) أذاه في أهل بيتي ، فو الله ما علمت في أهلي إلّا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي. فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج ـ وكان قبل ذلك رجلا صالحا ـ ولكن احتملته الحميّة ، فقال :

__________________

(١) في صحيح البخاري ٦ / ٥ «وإن تسأل الجارية».

(٢) أغمصه : أعيبه.

(٣) في الأصل : بلغنا. وأثبتنا عبارة ع. وصحيح البخاري ٦ / ٧.


كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عمّ سعد بن معاذ فقال : كذبت لعمر الله لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيّان : الأوس والخزرج ، حتى همّوا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل يخفّضهم حتى سكتوا وسكت.

قالت : فبكيت (١) يومي ذلك وليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. فأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع ، حتى ظننت (٢) أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فجلست تبكي معي. فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّم ثم جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل [ما قيل قبلها (٣)] ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت : فتشهّد حين جلس ثم قال : أمّا بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله [٤٧ أ] وتوبي إليه فإنّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه. قالت : فلما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة. فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال. قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله. فقلت لأمّي : أجيبي رسول الله. قالت : ما أدري ما أقول له. فقلت وأنا يومئذ حديثة السّنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن : إنّي والله لقد علمت لقد سمعتم (٤) هذا الحديث حتى (٥) استقرّ في أنفسكم وصدّقتم به ، فلئن قلت لكم إنّي بريئة ، والله يعلم أنّي بريئة ، لا تصدّقوني بذلك ، ولئن اعترفت

__________________

(١) في صحيح البخاري ٦ / ٨ «فمكثت».

(٢) في هامش الأصل : يظنّان ، خ ، أي في نسخة ، ولعلّه يقصد البخاري ، وهي لفظه ٦ / ٨.

(٣) ليست عليه‌السلام ، وأثبتناها من ع والبخاري ٦ / ٨.

(٤) في الأصل : سمعت. والتصحيح من صحيح البخاري ٦ / ٨.

(٥) في طبعة القدسي ٢٥٠ «حق» والتصحيح من صحيح البخاري ٦ / ٨.


لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة لتصدّقنّي ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا قول أبي يوسف (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (١) ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي ، وأنا أعلم أنّي بريئة وأنّ [الله] (٢) يبرّئني ببراءتي. ولكن والله ما ظننت أنّ الله منزّل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني كان في نفسي (٣) أحقر من أن يتكلّم الله فيّ بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت : فو الله ما قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان (٤) من العرق ، وهو في يوم شات من ثقل القول الّذي ينزل عليه. فلما سرّي عنه وهو يضحك كان أول كلمة تكلّم بها : يا عائشة أما والله لقد برّأك الله. فقالت أمّي : قومي إليه. فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلّا الله. وأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) العشر الآيات كلّها (٥).

فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره ـ : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة. فأنزلت (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ ، فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (٦) قال أبو بكر : بلى والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا. قالت :

__________________

(١) سورة يوسف ـ الآية ١٨.

(٢) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع والبخاري ٦ / ٨.

(٣) في صحيح البخاري «ولشأني في نفسي كان» ٦ / ٩.

(٤) الجمان : الفضّة.

(٥) سورة النور : الآيات ١١ ـ ٢١.

(٦) سورة النور : من الآية ٢٢.


وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري ، فقالت : أحمي سمعي وبصري ما علمت إلّا خيرا. وهي التي كانت تساميني (١) من أزواج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. متّفق عليه من حديث يونس الأيلي (٢).

وقال أبو معشر : حدّثني أفلح بن عبد الله بن المغيرة ، عن الزّهري قال : كنت عند الوليد بن عبد الملك فذكر الحديث بطوله عن الأربعة عن عائشة ، فقال الوليد : وما ذاك؟ قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزا غزوة بني المصطلق فساهم بين نسائه ، فخرج سهمي وسهم أمّ سلمة.

وقال عبد الرّزّاق : أنا معمر ، عن الزّهري قال : كنت عند الوليد بن [٤٧ ب] عبد الملك فقال : الّذي تولّى كبره منهم عليّ. فقلت : لا. حدّثني سعيد ، وعروة ، وعلقمة ، وعبيد الله كلّهم سمع عائشة تقول : الّذي تولّى كبره عبد الله بن أبيّ. قال فقال لي : فما كان جرمه؟ قلت : سبحان الله ، [أخبرني رجلان (٣)] من قومك : أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنّهما سمعا عائشة تقول : كان مسلّما (٤) في أمري. أخرجه البخاري (٥).

__________________

(١) تساميني : تفاخرني وتضاهيني.

(٢) صحيح البخاري : كتاب التفسير : سورة النور ، باب (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) إلخ ٦ / ٥ ـ ٩ وصحيح مسلم (٢٧٧٠) كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.

والأيلي : هو يونس بن يزيد الأموي ، مولاهم أبو يزيد الأيلي. (بفتح الهمزة وسكون التحتانية.) تهذيب التهذيب ١١ / ٤٥٠.

(٣) إضافة من صحيح البخاري ٥ / ٦٠ كتاب المغازي ـ باب حديث الإفك.

(٤) في الأصل ، ع : مسيئا ، وأثبتنا نصّ صحيح البخاري ٥ / ٦٠.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حديث الإفك (٥ / ٦٠).


وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عروة ، عن عائشة قالت : لما تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القصّة التي نزل ، بها عذري على النّاس ، نزل فأمر برجلين وامرأة ممّن كان تكلّم بالفاحشة في عائشة فجلدوا الحدّ. قال : وكان رماها ابن أبيّ ، ومسطح ، وحسّان ، وحمنة بنت جحش (١).

وقال شعبة ، عن سليمان ، عن أبي الضّحى ، عن مسروق قال : دخل حسّان بن ثابت على عائشة رضي‌الله‌عنها فشبّب بأبيات له :

حصان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (٢)

قالت : لست كذلك.

قلت : تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣) ، قالت : وأيّ عذاب أشدّ من العمى؟ وقالت : كان يردّ على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه (٤).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثني محمد بن إبراهيم التّيمي قال : وكان صفوان بن المعطّل قد كثّر عليه حسّان في شأن عائشة ، وقال يعرّض به :

أمسى الجلابيب قد عزّوا (٥) وقد كثروا

وابن الفريعة أمسى بيضة البلد (٦)

 __________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢.

(٢) ديوانه : ص ٣٢٤ ، وما تزنّ : أي ما تتّهم. وانظر : سيرة ابن هشام ٤ / ١٤ وصحيح البخاري ٥ / ٦١ والبداية والنهاية ٣ / ١٦٤.

(٣) سورة النور : من الآية ١١.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حديث الإفك (٥ / ٦١).

(٥) في طبعة القدسي ٢٥٤ «غروا» والتصويب من سيرة ابن هشام ٤ / ١٣ وتاريخ الطبري ٢ / ٦١٨ ، وديوان حسان ١٠٤.

(٦) قال السهيليّ في الروض الأنف : «الجلابيب : الغرباء ، وبيضة البلد ، يعني منفردا ، وهو كلمة


فاعترضه صفوان ليلة وهو آت من عند أخواله بني ساعدة ، فضربه بالسيف على رأسه ، فيغدو عليه ثابت بن قيس فجمع يديه إلى عنقه بحبل أسود وقاده إلى دار بني حارثة (١) ، فلقيه عبد الله بن رواحة فقال : ما هذا :؟ فقال : ما أعجبك! عدا على حسّان بالسّيف ، فو الله ما أراه إلّا قد قتله. فقال : هل علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما صنعت به؟ فقال : لا. فقال : والله لقد اجترأت ، خلّ سبيله. فلمّا أصبحوا غدوا على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكروا له ذلك فقال : أين ابن المعطّل؟ فقام إليه ، فقال : ها أنا ذا يا رسول الله ، فقال : ما دعاك إلى ما صنعت؟ قال : آذاني وكثّر عليّ ولم يرض حتى عرّض بي في الهجاء ، فاحتملني الغضب ، وها أنا ذا ، فما كان عليّ من حقّ فخذني به. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادعوا لي حسّان ، فأتي به ، فقال : يا حسّان : أتشوّهت (٢) على قومي أن هداهم الله للإسلام ، يقول : تنفّست عليهم يا حسّان ، أحسن فيما أصابك. فقال : هي لك يا رسول الله. فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيرين القبطيّة. فولدت له عبد الرحمن ، وأعطاه أرضا كانت لأبي طلحة تصدّق بها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

وحدّثني يعقوب بن عتبة ، أنّ صفوان قال حين ضربه :

[٤٨ أ] تلقّ ذباب السّيف عنّي (٤) فإنّني

غلام إذا هوجيت لست بشاعر

 __________________

= يتكلم بها في المدح تارة وفي معنى القلّ أخرى ، يقال : فلان بيضة البلد أي أنه واحد في قومه ، عظيم فيهم ، وفلان بيضة البلد ، يريد : أنه ذليل ليس معه أحد» (٤ / ٢١).

(١) في الأصل : بني جارية ، والتصحيح من ع وهم بنو الحارث بن الخزرج. كما جاء في ابن هشام ٤ / ١٣.

(٢) أتشوّهت على قومي : أي أقبحت ذلك من فعلهم حين سمّيتهم الجلابيب من أجل هجرتهم إلى الله ورسوله.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٣ ، ١٤ تاريخ الطبري ٢ / ٦١٨ ، ٦١٩.

(٤) في الأصل ، «عنك» والمثبت عن هامش الأصل ، وتاريخ الطبري ٢ / ٦١٨ وفي سيرة ابن هشام ٤ / ١٣ «تلقى» وفي طبعة شعيرة ٢٤٧ «لا تلقّ».


وقال حسّان لعائشة رضي‌الله‌عنها (١) :

رأيتك وليغفر لك الله ، حرّة

من المحصنات غير ذات غوائل

 حصان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

 وإنّ الّذي قد قيل ليس بلائق (٢)

بك الدّهر بل قيل امرئ متماحل

 فإن كنت أهجوكم كما بلّغوكم (٣)

فلا رفعت سوطي إليّ أناملي

 فكيف وودّي ما حييت ونصرتي

لآل رسول الله زين المحافل

 وإنّ لهم عزّا يرى النّاس دونه

قصارا ، وطال العزّ كلّ التّطاول (٤)

[و] منها :

مهذّبة قد طيّب الله خيمها

وطهّرها من كلّ سوء وباطل

 عقيلة حيّ من لؤيّ بن غالب

كرام المساعي مجدهم غير زائل (٥)

* * *

استشهد صفوان في وقعة أرمينية سنة تسع عشرة. قاله ابن إسحاق (٦).

وعن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : لقد سئل عن ابن المعطّل فوجدوه حصورا ما يأتي النّساء. ثم قتل بعد ذلك شهيدا (٧).

__________________

(١) ديوانه : ص ٣٢٤ ، ٣٢٥ باختلاف في اللفظ وترتيب الأبيات.

(٢) في البداية والنهاية ٣ / ١٦٤ «بلائط» وانظر البيت في سيرة ابن هشام ٤ / ١٤.

(٣) في سيرة ابن هشام ٤ / ١٤ والبداية ٣ / ١٦٤ «فإن كنت قد قلت الّذي قد زعمتم».

(٤) هذا البيت ليس في سيرة ابن هشام.

(٥) البيتان في السيرة بتقديم الثاني على الأول ٤ / ١٤.

(٦) الإصابة ٢ / ٢٩٠ ، ٢٩١ رقم ٤٠٨٩.

(٧) سيرة ابن هشام ٤ / ١٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦١٩.



غزوة الخندق

قال الواقديّ (١) : وهي غزوة الأحزاب ، وكانت في ذي القعدة.

قالوا : لمّا أجلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني النّضير ساروا إلى خيبر ، وخرج نفر من وجوههم إلى مكة فألّبوا قريشا ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعاهدوهم على قتاله ، وواعدوهم لذلك وقتا. ثم أتوا غطفان وسليما فدعوهم إلى ذلك ، فوافقوهم.

وتجهّزت قريش وجمعوا عبيدهم وأتباعهم ، فكانوا في أربعة آلاف ، وقادوا معهم نحو ثلاثمائة فرس سوى (٢) الإبل. وخرجوا وعليهم أبو سفيان ابن حرب ، فوافتهم بنو سليم بمرّ الظّهران ، وهم سبعمائة. وتلقّتهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد الأسدي. وخرجت فزارة وهم في ألف بعير يقودهم عيينة بن حصن. وخرجت أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعود (٣) بن رخيلة.

__________________

(١) المغازي ٢ / ٤٤٠.

(٢) في الأصل ، ع : من سوى الإبل. ولعلّ الوجه ما أثبتناه كما يؤخذ من عبارة الواقدي : «وقادوا معهم ثلاثمائة فارس وكان معهم من الظهر ألف بعير وخمسمائة بعير» (المغازي : ٢ / ٤٤٣).

(٣) في سيرة ابن هشام ٣ / ٢٥٩ مسعر بن رخيلة. وانظر الإصابة (٣ / ٤١٠) وأسد الغابة (٥ / ١٦١) وتاريخ الطبري ٢ / ٥٦٦ ففيها كما أثبتنا.


وخرجت بنو مرّة وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف. وقيل إنّه رجع ببني مرّة ، والأوّل أثبت.

فكان جميع الأحزاب عشرة آلاف ، وأمر الكلّ إلى أبي سفيان.

وكان المسلمون في ثلاثة آلاف. هذا كلام الواقدي (١).

وأمّا ابن إسحاق فقال : كانت غزوة الخندق في شوّال (٢).

قال : وكان من حديثها أنّ سلام بن أبي الحقيق ، وحيي بن أخطب ، وكنانة بن الرّبيع ، وهوذة ، في نفر من بني النّضير ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزّبوا الأحزاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدموا مكة فدعوا قريشا إلى القتال ، وقالوا : إنّا نكون معكم حتى نستأصل محمدا. فقالت لهم قريش [٤٨ ب] : يا معشر يهود ، إنّكم أهل كتاب وعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد. أفديننا خير أم دينه؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحقّ وفيهم نزل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (٣) الآيات.

فلما قالوا : ذلك لقريش سرّهم ونشطوا إلى الحرب واستعدّوا له. ثم خرج أولئك النّفر اليهود حتى جاءوا غطفان ، فدعوهم فوافقوهم (٤).

فخرجت قريش ، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة في بني فزارة ، والحارث بن عوف المرّي في قومه ، ومسعود بن رخيلة فيمن تابعة من قومه

__________________

(١) الواقدي : المغازي (٢ / ٤٤٠ ـ ٤٤٤).

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٥٨.

(٣) سورة النّساء ـ الآية ٥١.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٥٩ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٦٥.


أشجع. فلما سمع بهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفر الخندق على المدينة وعمل فيه بيده ، وأبطأ عن المسلمين في عمله رجال منافقون ، وعمل المسلمون فيه حتى أحكموه (١).

وكان في حفره أحاديث بلغتني ، منها :

بلغني أنّ جابرا كان يحدّث أنّهم اشتدّت عليهم كدية (٢) فشكوها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ، ثم دعا بما شاء الله ، ثم نضح الماء على الكدية حتى عادت كثيبا (٣)

وحدّثني سعيد بن ميناء ، عن جابر بن عبد الله قال : عملنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الخندق ، فكانت عندي شويهة ، فقلت : والله لو صنعناها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمرت امرأتي فطحنت لنا شيئا من شعير ، فصنعت لنا منه خبزا ، وذبحت تلك الشاة فشويناها ، فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الانصراف ، وكنّا نعمل في الخندق نهارا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا ، فقلت : يا رسول الله إنّي قد صنعت كذا وكذا ، وأحبّ أن تنصرف معي ، وإنّما أريد أن ينصرف معي وحده. فلما قلت له ذلك ، قال : نعم. ثم أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بيت جابر. فقلت : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، فأقبل وأقبل النّاس معه ، فجلس وأخرجناها إليه ، فبرك وسمّى ، ثم أكل ، وتواردها النّاس ، كلّما فرغ قوم قاموا وجاء ناس ، حتى صدر أهل الخندق عنها (٤).

وحدّثني سعيد بن ميناء أنّه حدّث أنّ ابنة لبشير بن سعد قالت : دعتني

__________________

(١) السيرة ٣ / ٢٥٩ ، الطبري ٢ / ٥٦٦.

(٢) الكدية : صخرة غليظة صلبة فيها الفأس ، على ما في (النهاية لابن الأثير) وغيرها.

(٣) (سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٠.

(٤) السيرة ٣ / ٢٦٠.


أمّي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ، ثم قالت : أي بنيّة اذهبي إلى أبيك وخالك ، عبد الله بغذائهما. فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي ، فقال : ما هذا معك؟ قلت : تمر بعثت به أمي إلى أبي وخالي ، قال : هاتيه. فصببته في كفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما ملأتهما (١) ثم أمر بثوب فبسط ، ثم دحا بالتمر عليه فتبدّد فوق الثوب ، ثم قال لإنسان عنده : اصرخ في أهل الخندق أن هلمّوا إلى الغداء. فاجتمعوا فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد ، حتى صدر أهل الخندق [٤٩ أ] عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب (٢).

وحدّثني من لا أتّهم ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ، أنّه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وعثمان وما بعده : افتحوا ما بدا لكم ، والّذي نفس أبي هريرة بيده ، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلّا وقد أعطى الله محمدا مفاتيحها قبل ذلك (٣).

قال : وحدّثت عن سلمان الفارسيّ قال : ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريب منّي ، فلما رآني أضرب نزل وأخذ المعول فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة ، ثم ضرب أخرى فلمعت تحته أخرى ، ثم ضرب الثالثة فلمعت أخرى. قلت : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ما هذا؟ قال : أو قد رأيت؟ قلت : نعم. قال : أمّا الأولى ، فإنّ الله فتح عليّ بها اليمن ، وأمّا الثانية ، فإنّ الله فتح عليّ بها الشام والمغرب ، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق (٤).

__________________

(١) في الأصل «فملأتها» وما أثبتناه عن سيرة ابن هشام.

(٢) السيرة ٣ / ٢٦٠.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١.

(٤) السيرة ٣ / ٢٦١ ، المغازي لعروة ١٨٥.


قال ابن إسحاق : ولما فرغ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السّيول من رومة بين الجرف وزغابة (١) في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة وغطفان ، فنزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد بذنب نقمي (٢) إلى جانب أحد. وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع (٣) في ثلاثة آلاف ، فعسكروا هنالك ، والخندق بينه وبين القوم. فذهب حييّ بن أخطب إلى كعب بن أسد القرظي صاحب عهد بني قريظة وعقدهم ، وقد كان وادع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قومه ، فلما سمع كعب بحييّ أغلق دونه الحصن فأبى أن يفتح له ، فناداه : يا كعب افتح لي. قال : إنّك امرؤ مشئوم ، وإنّي قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلّا وفاء وصدقا. قال : ويلك افتح لي أكلّمك. قال : ما أنا بفاعل. قال : والله إن أغلقت دوني إلّا عن (٤) جشيشتك (٥) أن آكل معك منها. فأحفظه ففتح له فقال : ويحك يا كعب ، جئتك بعزّ الدّهر وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى (٦) أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة ، وبغطفان على قادتها وسادتها فأنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد ، قد عاهدوني وعاقدوني على (٧) أن لا يبرحوا

__________________

(١) رومة أرض بالمدينة فيها بئر رومة التي اشتراها عثمان بن عفان ثم تصدّق بها. والجرف موضع على ثلاثة أميال من المدينة من جهة الشام. وزغابة موضع قريب من المدينة وهي مجتمع السيول آخر العقيق غربيّ قبر حمزة وهي أعلى إضم (وفاء ألوفا). وانظر معجم البلدان ١ / ٢٩٩ و ٣ / ١٤١.

(٢) ذنب نقمي : موضع من أعراض المدينة قريب أحد ، كان لآل أبي طالب. ونقمى : بالتحريك. انظر معجم البلدان ٥ / ٣٠٠.

(٣) سلع : جبل بسوق المدينة ، وقيل موضع بقرب المدينة (معجم البلدان ٣ / ٢٣٦).

(٤) في سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١ : «إلا تخوفت علي».

(٥) الجشيشة : طعام من حنطة تطبخ مع لحم أو تمر.

(٦) في الأصل : على ، تحريف.

(٧) في الأصل : حتى ، تحريف.


حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال له كعب : جئتني والله بذلّ الدّهر وبجهام (١) قد هراق ماءه برعد وبرق ليس فيه شيء ، يا حييّ فدعني وما أنا عليه فإنّي لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حييّ بكعب حتى سمح له بأن أعطاه عهدا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك.

فنقض كعب عهده وبريء ممّا كان بينه وبين النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢).

ولما انتهى الخبر إلى النّبيّ صلّى [٤٩ ب] الله عليه وسلّم بعث [سعد] (٣) بن معاذ ، وسعد بن عبادة سيّد الأنصار ، ومعهما عبد الله بن رواحة وخوّات بن جبير رضي‌الله‌عنهم ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتّوا في أعضاد النّاس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للنّاس. فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم ، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، وكان فيه حدّة ، فقال له ابن عبادة : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم رجعوا إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّموا عليه وقالوا : عضل والقارة ، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرّجيع خبيب وأصحابه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين. فعظم عند ذلك الخوف (٤).

قال الله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ

__________________

(١) في هامش الأصل : هو السحاب الّذي لا ماء فيه.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١.

(٣) ليست في الأصل ، وزدناها للتوضيح من سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦١ ، ٢٦٢.


وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) (١) الآيات.

وتكلّم المنافقون حتى قال معتّب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف :كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط. فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا الرّمي بالنّبل والحصار (٢).

ثم إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما ، فجرى بينه وبينهما الصّلح (٣) ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصّلح ، إلّا المراوضة في ذلك.

فلما أن أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يفعل ، بعث إلى السّعدين فاستشارهما فقالا : يا رسول الله أمرا تحبّه فنصنعه ، أم شيئا أمرك اللهمّ به لا بدّ لنا منه ، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلّا لأنّي رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم. فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشّرك ولا يطعمون أن يأكلوا منّا تمرة إلّا قرى (٤) أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزّنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلّا السّيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال : فأنت وذاك. فأخذ سعد الصحيفة فمحاها ، ثم قال : ليجهدوا علينا (٥).

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآيتان ١٠ ، ١١.

(٢) السيرة ٣ / ٢٦٢.

(٣) في الأصل : صلح. وأثبتناه عبارة ع والسيرة ٣ / ٢٦٢.

(٤) قرى : إطعام الضيف.

(٥) السيرة ٣ / ٢٦٢.


وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأحزاب ، فلم يكن بينهم قتال إلّا فوارس من قريش ، منهم عمرو بن عبد ودّ ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطّاب ، تلبّسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم ، حتى مرّوا بمنازل بني كنانة ، فقالوا : تهيّئوا للقتال يا بني كنانة فستعلمون من [٥٠ أ] الفرسان اليوم ، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق ، فلما رأوه قالوا : والله إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها. فتيمّموا مكانا من الخندق ضيّقا فضربوا خيلهم ، فاقتحمت منه [فجالت] (١) بهم في السّبخة بين الخندق وسلع.

وخرج عليّ رضي‌الله‌عنه في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة ، فأقبلت الفرسان تعنق نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ودّ قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد ، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه ، فلما وقف وهو وخيله قال : من يبارزني؟ فبرز له عليّ رضي‌الله‌عنه ، فقال له عليّ : يا عمرو إنّك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلّتين إلّا أخذتها (٢) منه. قال له : أجل. قال له : فإنّي أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام. قال : لا حاجة لي بذلك. قال : فإنّي أدعوك إلى النزّال. قال له : لم يا ابن أخي ، فو الله ما أحبّ أن أقتلك. قال عليّ رضي‌الله‌عنه : لكنّي والله أحبّ أن أقتلك. فحمي عمرو واقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على عليّ فتنازلا وتجاولا ، فقتله عليّ. وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق. وألقى عكرمة يومئذ رمحه وانهزم. وقال عليّ رضي‌الله‌عنه في ذلك :

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت دين (٣) محمّد بضراب

 __________________

(١) سقطت من الأصل ، والإضافة من السيرة ٣ / ٢٦٣.

(٢) في الأصل : أخذتهما ، وأثبتنا. عبارة ع والسيرة ٣ / ٢٦٣.

(٣) في السيرة «رب».


نازلته فتركته متجدّلا (١)

كالجذع بين دكادك وروابي (٢)

لا تحسبنّ الله خاذل دينه

ونبيّه يا معشر الأحزاب (٣)

وحدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل ، أنّ عائشة رضي‌الله‌عنها كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق ، وكانت أمّ سعد بن معاذ معها في الحصن ، فمرّ سعد وعليه درع مقلّصة (٤) قد خرجت منها (٥) ذراعه كلّها ، وفي يده حربة يرفل (٦) بها ويقول :

لبّث قليلا يشهد الهيجا حمل

لا بأس بالموت إذا حان الأجل (٧)

 فقالت له أمّه : الحق أي بنيّ فقد أخّرت. قالت عائشة : فقلت لها يا أمّ سعد لوددت أنّ درع سعد كانت أسبغ (٨) مما هي. فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل (٩) رماه ابن العرقة ، (١٠) ، فلما أصابه قال : خذها منّي وأنا ابن العرقة. فقال له سعد : عرّق الله وجهك في النّار ، اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنّه لا قوم أحبّ إليّ (١١) أن أجاهدهم فيك من

__________________

(١) في السيرة «فصددت حين تركته متجدّلا».

(٢) الدكادك : جمع دكداك وهو من الرمل ما تكبّس واستوى.

(٣) في السيرة بيت رابع لم يرد هنا.

(٤) الدرع المقلّصة : المجتمعة المنضمّة. يقال قلّصت الدرع وتقلصت.

(٥) في الأصل : منه. وما أثبتناه عن السيرة ٣ / ٢٦٤ وتاريخ الطبري ٢ / ٥٧٥.

(٦) يرفل : يجرّ ذيله ويتبختر. وفي تاريخ الطبري ٢ / ٥٧٥ «ويرقد».

(٧) قال السهيليّ في الروض الأنف ٣ / ٢٨٠ «هو بيت تمثّل به ، يعني به حمل بن سعدانة بن حارثة بن معقل بن كعب بن عليم بن جناب الكلبي».

(٨) أسبغ : أكمل.

(٩) الأكحل : عرق في اليد أو هو عرق الحياة.

(١٠) ابن العرقة : هو حبّان بن قيس بن العرقة ، والعرقة هي قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم تكني أم فاطمة ، سمّيت العرقة لطيب ريحها. (الروض الأنف ٣ / ٢٨٠).

(١١) في الأصل ، أحبّ إليّ من أن أجاهدهم. والمثبت عن السيرة ٣ / ٢٦٤ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥٧٥.


قوم آذوا رسولك وكذّبوه وأخرجوه ، اللهمّ إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة.

وكانت صفيّة بنت عبد المطّلب في فارغ (١) ـ حصن حسّان بن ثابت ـ وكان [٥٠ ب] معها فيه مع النّساء والولدان. قالت : فمرّ بنا يهودي فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ونقضت وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا ، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون في نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا. فقلت : يا حسّان إنّ هذا اليهوديّ كما ترى يطيف بالحصن ، وإليّ والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، فانزل إليه فأقتله. قال : يغفر (٢) لك الله يا ابنة عبد المطّلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا ، احتجزت (٣) ثم أخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته. فلما فرغت رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسّان انزل إليه فاسلبه ، فإنّه لم يمنعني من سلبه إلّا أنّه رجل. قال : ما لي بسلبه من حاجة (٤).

وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدّة لتظاهر عدوّهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.

وروى نحوه يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه.

__________________

(١) فارع : أطم من آطام المدينة ، وقيل حصن بالمدينة.

(٢) في الأصل ، ع : فغفر ، وأثبتنا نصّ ابن هشام ٣ / ٢٦٤.

(٣) احتجز : شدّ إزاره على وسطه.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٧٧ وقد نقد السهيليّ هذه الرواية ٣ / ٢٨١ فقال :

«ويحمل هذا الحديث عند الناس على أن حسّانا كان جبانا شديد الجبن ، وقد دفع هذا بعض العلماء ، وأنكره ، وذلك أنه حديث منقطع الإسناد ، وقال : لو صحّ هذا لهجي به حسّان ، فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار وابن الزبعري وغيرهما ، وكانوا يناقضونه ويردّون عليه ..».


ثم إنّ نعيم بن مسعود الغطفانيّ أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم. وقال : إنّ قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنّما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنّا منا استطعت فإنّ الحرب خدعة.

فأتى قريظة ـ وكان نديما لهم في الجاهلية ـ فقال لهم : قد عرفتم ودّي إيّاكم. قالوا : صدقت. قال : إنّ قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تتحوّلوا منه إلى غيره ، وإنّ قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فليسوا كأنتم ، فإن رأوا نهزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، فلا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه ، فقالوا : لقد أشرت بالرأي.

ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه : قد عرفتم ودّي لكم وفراقي محمدا ، وإنّه قد بلغني أمر قد رأيت عليّ حقا أن أبلّغكموه نصحا لكم فاكتموه عليّ. قالوا : نفعل. قال : تعلّموا (١) أنّ معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد : وأرسلوا إليه أنّا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين ، قريش وغطفان ، رجالا من أشرافهم ، فنعطيكهم فنضرب أعناقهم ، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم : نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من [٥١ أ] رجالكم فلا تفعلوا.

ثم خرج فأتى غطفان فقال : يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي

__________________

(١) في معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٥١٥ «تعلمون» والصحيح ما أثبتناه كما في السيرة لابن هشام ٣ / ٢٦٦.


وأحبّ النّاس إليّ ، ولا أراكم تتّهموني. قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتّهم قال : فاكتموا عنّي. قالوا : نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش ، وحذّرهم ما حذّرهم.

فلما كانت ليلة السبت من شوّال ، وكان من صنع الله لرسوله أنّه أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان ، إلى بني قريظة ، عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا : إنّا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخفّ والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا. فأرسلوا إليهم أنّ اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا ، فإنّا نخشى إن ضرّستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ، ولا طاقة لنا بذلك.

فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان : والله لقد حدّثكم نعيم بن مسعود بحقّ. فأرسلوا إلى بني قريظة : إنّا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.

فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرّسل بهذا : إنّ الّذي ذكر لكم نعيم لحقّ ، ما يريد القوم إلّا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنّا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم.

فلما أنهى ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، دعا حذيفة بن اليمان فبعثه ليلا لينظر ما فعل القوم (١).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٥ ، ٢٦٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٧٨ ، ٥٧٩.


قال : فحدّثني يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي : قال رجل من [أهل] (١) الكوفة لحذيفة : يا أبا عبد الله ، رأيتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبتموه؟ قال : نعم يا ابن أخي قال : فكيف كنتم تصنعون؟ قال : والله لقد كنّا نجهد ، فقال : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا. فقال : يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخندق ، وصلّى هويّا (٢) من الليل ، ثم التفت إلينا فقال : من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ـ يشرط له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرّجعة ـ أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنّة. فما قام أحد من شدّة الخوف وشدّة الجوع والبرد. فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي من القيام بدّ حين دعاني ، فقال : يا حذيفة اذهب فادخل في القوم ، فانظر ما ذا يفعلون ولا تحدّثني شيئا حتى تأتينا. فذهبت فدخلت في القوم ، والرّيح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل ، لا يقرّ لهم قدرا ولا نارا (٣) ولا بناء. فقام أبو سفيان فقال : يا معشر قريش ، [٥١ ب] إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخفّ ، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الّذي نكره ، ولقينا من شدّة الريح ما ترون ، ما تطمئنّ لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإنّي مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث ، فو الله ما أطلق عقاله إلّا وهو قائم. ولو لا عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني ، ثم شئت لقتلته بسهم».

قال : فرجعت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قائم يصلّي في مرط (٤) لبعض

__________________

(١) زيادة من ع والسيرة ٣ / ٢٦٦ والطبري ٢ / ٥٨٠.

(٢) الهويّ من الليل : القطعة منه والهزيع.

(٣) في طبعة القدسي ٢٦٨ وفي طبعة شعيرة ٢٥٩ «لا يقر لهم قرار ولا نار» وما أثبتناه عن السيرة ٣ / ٢٦٦ والطبري ٢ / ٥٨٠.

(٤) المرط : كساء من صوف أو خز.


نسائه مراجل (١) ـ وهو ضرب «من وشي اليمن» فسّره ابن هشام (٢) ـ فلما رآني أدخلني [إلى] (٣) رجليه وطرح عليّ طرف المرط ، ثم ركع وسجد وإنّي لفيه فلما سلّم أخبرته الخبر.

وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم (٤).

قال الله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (٥).

وهذا كلّه من رواية البكّائيّ عن محمد بن إسحاق.

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، أنّ رجلا قال لحذيفة : صحبتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدركتموه ، فذكر الحديث نحو حديث محمد بن كعب ، وفي آخره : فجعلت أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أبي سفيان ، فجعل يضحك حتى جعلت انظر إلى أنيابه.

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاتل يوم بدر في رمضان سنة اثنتين. ثم قاتل يوم أحد في شوّال سنة ثلاث. ثم قاتل يوم الخندق ، وهو يوم الأحزاب وبني قريظة ، في شوّال سنة أربع ، وكذا قال عروة في حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه. كذا قالا : سنة أربع ، وقالا في قصّة الخندق إنّها كانت بعد أحد بسنتين.

__________________

(١) مراجل : كذا في الأصل وابن هشام. وفي اللسان والتاج : المرجّل كمعظّم المعلّم من البرود والثياب ، وبرد مرجّل فيه صور كصور الرجال ، والمرحّل (بالحاء) ضرب من برود اليمن سمّي مرحّلا لأنّ عليه تصاوير رحل ، ومرط مرحل عليه تصاوير الرحال. وقد ورد كذلك في حديث عائشة. ويجمعان على مراجل ومراحل وراحولات.

(٢) السيرة ٣ / ٢٦٦.

(٣) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع والسيرة ، وفي تاريخ الطبري ٢ / ٥٨١ «بين».

(٤) راجع الخبر في السيرة ٣ / ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٥٧٨ ـ ٥٨١.

(٥) سورة الأحزاب : الآية ٢٥.


وقال قتادة من رواية شيبان عنه : كان يوم الأحزاب بعد أحد بسنتين ، فهذا هو المقطوع به. وقول موسى وعروة إنّها في سنة أربع وهم بين ، ويشبهه قول عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : «عرضني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد ، وأنا ابن أربع عشرة ، فلم يجزني. فلما كان يوم الخندق عرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» فيحمل قوله على أنّه كان قد شرع في أربع عشرة ، وأنه يوم الخندق كان قد استكمل خمس عشرة سنة ، وزاد عليها بعد تلك (١) الزيادة. والعرب تفعل هذا في مددها وتواريخها وأعمارها كثيرا ، فتارة يعتدّون بالكسر ويعدّونه سنة ، وتارة يسقطونه. وذهب بعض العلماء إلى ظاهر هذا الحديث وعضّدوه بقول موسى بن عقبة : «وغزوة الأحزاب في شوّال سنة أربع» وذلك مخالف لقول الجماعة ، ولما اعترف به موسى وعروة من أنّ بين أحد والخندق سنتين والله أعلم (٢).

[٥٢ أ] وقال أبو إسحاق الفزاريّ ، عن حميد ، عن أنس قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غداة باردة إلى الخندق ، والمهاجرون والأنصار يحفرون. الخندق بأيديهم ، ولم يكن لهم عبيد ، : فلما رأى ما بهم من الجوع والنّصب قال :

اللهم إنّ العيش عيش الآخرة ،

فاغفر للأنصار والمهاجرة

 __________________

(١) في الأصل : بعد ذلك الزيادة. وما أثبتناه من ع والخبر في صحيح البخاري ٥ / ٤٥.

(٢) قال ابن حجر في فتح الباري ٧ / ٣٩٣ «وقد بيّن البيهقي سبب هذا الاختلاف وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدّون التاريخ من المحرّم الّذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول. وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في تاريخه ، فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى ، وأن غزوة أحد كانت في الثانية ، وأن الخندق كانت في الرابعة. وهذا عمل صحيح على ذلك البناء ، لكنه بناء واه مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة ، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية ، وأحد في الثالثة ، والخندق في الخامسة ، وهو المعتمد».


فقالوا : مجيبين له :

نحن الّذين بايعوا محمّدا

على الجهاد ما بقينا أبدا

 أخرجه البخاري (١). ولمسلم نحوه من حديث حمّاد بن سلمة ، عن ثابت (٢).

وقال عبد الوارث : ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس نحوه ، وزاد قال : ويؤتون بملء حفنتين شعيرا يصنع لهم بإهالة سنخة (٣) وهي بشعة في الحلق ، فتوضع بين يدي القوم. أخرجه البخاري (٤).

وقال شعبة وغيره : [أبو] إسحاق ، سمع البراء يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب ، وقد وارى التراب بياض بطنه (٥) وهو يقول (٦) :

اللهم لو لا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

 فأنزلن سكينة علينا

وثبّت الأقدام إن لاقينا

 إنّ الألى قد بغوا علينا

وإن أرادوا فتنة أبينا (٧)

 __________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٥.

(٢) صحيح مسلم ١٧٨٨ : كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة الأحزاب.

(٣) الإهالة : الودك وما أذيب من الشحم وكلّ دهن اؤتدم به : والسّنخة : المتغيّر الريح. قال الفيروزآبادي في القاموس : السنخة والسناخة هي الريح المنتنة.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٥.

(٥) في الأصل «إبطه» والتصويب عن صحيح البخاري ٥ / ٤٧ ، والطبقات الكبرى ٢ / ٧١ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٤٤٩.

(٦) الأبيات لعبد الله بن رواحة (ديوانه : ١٠٦) وتنسب كذلك لعامر بن الأكوع.

(٧) البيت في شرح المواهب للزرقاني ٢ / ١٠٧

إن الألى قد رغبوا علينا

وإذا أرادوا فتنة أبينا


رفع بها صوته. أخرجه البخاري (١).

وعنده أيضا من وجه آخر : ويمدّ بها صوته (٢).

وقال عبد الواحد بن أيمن المخزومي ، عن أبيه ، سمع جابرا يقول : كنّا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية (٣) ـ وهي الجبل ـ فقلنا : يا رسول الله : إنّ كدية قد عرضت فقال : رشّوا عليها. ثم قام فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع ، فأخذ المعول أو المسحاة فسمّى ثلاثا ثم ضرب فعادت كثيبا أهيل (٤) فقلت له : ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل ، ففعل ، فقلت للمرأة : هل عندك من شيء؟ وذكر نحو ما سقناه من مغازي ابن إسحاق. أخرجه البخاري (٥).

وقال هوذة بن خليفة : ثنا عوف الأعرابيّ ، عن ميمون بن أستاذ الزّهراني (٦) ، حدّثني البراء بن عازب قال : لما كان حين أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحفر الخندق ، عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رآها أخذ المعول وقال : بسم الله ، وضرب ضربة فكسر ثلثها. فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح الشّام ، والله [إنّي] (٧) لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله. ثم ضرب الثانية وقطع ثلثا آخر فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس ، والله إنّي لأبصر قصر المدائن الأبيض. ثم ضرب الثالثة فقطع بقيّة الحجر فقال : الله أكبر أعطيت

__________________

(١) ، (٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٧ ، ٤٨.

(٣) في الأصل : كدانة. ولعلّها مصحفة عن كداية وهي الكدية. وأثبتنا نصّ البخاري ٥ / ٤٥.

(٤) عادت كثيبا أهيل : أي رملا سائلا ، وفي البخاري : أهيل أو أهيم (٥ / ٤٦).

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٥ ، ٤٦.

(٦) الزّهراني : بفتح الزاي وسكون الهاء. نسبة إلى زهران بن كعب بن الحارث. بطن من الأزد.

(اللباب لابن الأثير ٢ / ٨٢).

(٧) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع ومن السيرة الحلبية ١ / ١٠٠ طبعة الحلبي.


مفاتيح اليمن ، والله إنّي لأبصر أبواب صنعاء من مكاني السّاعة.

وقال الثّوري : ثنا ابن المنكدر ، سمعت جابرا يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأحزاب : من يأتينا بخبر القوم؟ فقال [٥٢ ب] الزّبير : أنا. فقال : من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزّبير : أنا. فقال : «إنّ لكلّ نبيّ حواريّا وحواريّ الزّبير». أخرجه البخاري (١).

وقال الحسين بن الحسن بن عطيّة العوفيّ : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) (٢) قال : كان ذلك يوم أبي سفيان ، يوم الأحزاب.

(وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) (٣) ، قال هم بنو حارثة ، قالوا : بيوتنا مخليّة نخشى عليها السّرق.

قوله : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) الآية (٤) ، قال : لأنّ الله قال لهم في سورة البقرة : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) (٥) ، فلمّا مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق ، تأوّل المؤمنون ذلك ، ولم يزدهم إلّا إيمانا وتسليما.

وقال حمّاد بن سلمة : أنا حجّاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٩.

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٩.

(٣) سورة الأحزاب : الآية ١٣.

(٤) سورة الأحزاب : الآية ٢٢.

(٥) سورة البقرة : الآية ٢١٤.


عبّاس : أنّ رجلا من المشركين قتل يوم الأحزاب ، فبعث المشركون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ابعث إلينا بجسده ونعطيهم اثني عشر ألفا ، فقال : لا خير في جسده ولا في ثمنه.

وقال الأصمعيّ : ثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد قال : ضرب الزّبير بن العوّام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره فقدّه إلى القربوس (١) ، فقالوا : ما أجود سيفك ، فغضب ، يريد إنّ العمل ليده لا لسيفه.

قال شعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزّار ، عن عليّ رضي‌الله‌عنه : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يوم الأحزاب قاعدا على فرضة من فرض الخندق فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غربت الشمس ، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا ، أو بطونهم. أخرجه مسلم (٢).

وقال يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، أنّ عمر [جاء] (٣) يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسبّ كفّار قريش وقال : يا رسول الله ما كدت أن أصلّي حتى كادت الشمس أن تغرب. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وأنا والله ما صلّيتها بعد. فنزلت مع رسول الله أحسبه قال إلى بطحان (٤) ، فتوضّأ للصّلاة وتوضّأنا ، فصلّى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلّى المغرب. متّفق عليه (٥).

__________________

(١) القربوس : (بفتح أوله وثانيه وضمّ الأول وتسكين الثاني لغة مشهورة) حنو السّرج ، وهما قربوسان ، وهما مقدّم السّرج ومؤخّره.

(٢) صحيح مسلم (٦٢٨) : كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. ومثله في صحيح البخاري ٥ / ٤٨ كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق.

(٣) إضافة من صحيح البخاري.

(٤) بطحان : واد بالمدينة ، وهو أحد أوديتها الثلاثة : العقيق وبطحان وقناة. (معجم البلدان ١ / ٤٤٦).

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٨ ، ٤٩. وصحيح مسلم (٦٢٩)


وقال جرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التّيمي ، عن أبيه قال : كنّا عند حذيفة بن اليمان ، فقال رجل : لو أدركت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقاتلت معه وأبليت. فقال : أنت كنت تفعل ذاك ، لقد رأيتنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقرّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة؟ فلم يجبه منّا [٥٣ أ] أحد ، ثم الثانية ، ثم الثالثة مثله. ثم قال : يا حذيفة قم فائتنا بخبر القوم. فلم أجد بدّا إذ دعاني باسمي أن أقوم. فقال ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم (١) عليّ. قال : فمضيت كأنّما أمشي في حمّام (٢) حتى أتيتهم ، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنّار. فوضعت سهمي في كبد قوسي وأردت أن أرميه ، ثم ذكرت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تذعرهم عليّ ، ولو رميته لأصبته. قال : فرجعت كأنّما أمشي في حمّام ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت ، وأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلّي فيها ، فلم أزل نائما حتى الصّبح ، فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قم يا نومان». أخرجه مسلم (٣).

وقال أبو نعيم : ثنا يوسف بن عبد الله بن أبي بردة ، عن موسى بن أبي المختار ، عن بلال العبسيّ ، عن حذيفة : أنّ النّاس تفرّقوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الأحزاب ، فلم يبق معه إلّا اثنا عشر رجلا فأتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا جاث من البرد فقال : انطلق إلى عسكر الأحزاب. فقلت : والّذي بعثك بالحقّ ما قمت إليك من البرد إلّا حياء منكم. قال : فانطلق يا ابن اليمان فلا بأس عليك من حرّ ولا برد حتى ترجع إليّ. فانطلقت إلى عسكرهم ،

__________________

= كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.

(١) في طبعة شعيرة ٢٦٤ «تدعوهم» وهو تصحيف.

(٢) يعني أنه يجد البرد الّذي يجده الناس.

(٣) صحيح مسلم (١٧٨٨) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة الأحزاب.


فوجدت أبا سفيان يوقد النّار في عصبة حوله ، قد تفرّق الأحزاب عنه ، حتى إذا جلست فيهم ، حسّ أبو سفيان أنّه دخل فيهم من غيرهم ، فقال : يأخذ كلّ رجل منكم بيد جليسه ، قال : فضربت بيدي على الّذي عن يميني فأخذت بيده ، ثم ضربت بيدي إلى الّذي عن يساري فأخذت بيده. فكنت فيهم هنية. ثم قمت فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قائم يصلّي ، فأومأ إليّ بيده أن : ادن ، فدنوت. ثم أومأ إليّ فدنوت. حتى أسبل عليّ من الثّوب الّذي عليه وهو يصلّي. فلما فرغ قال : ما الخبر؟ قلت : تفرّق النّاس عن أبي سفيان ، فلم يبق إلّا في عصبة يوقد النّار ، قد صبّ الله عليه من البرد مثل الّذي صبّ علينا ، ولكنّا نرجو من الله ما لا يرجو.

وقال عكرمة بن عمّار ، عن محمد بن عبيد الحنفي ، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال : ذكر حذيفة مشاهدهم ، فقال جلساؤه : أما والله لو كنّا شهدنا ذلك لفعلنا وفعلنا. فقال حذيفة : لا تمنّوا ذلك ، فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب. وساق الحديث مطوّلا.

وقال إسماعيل بن أبي خالد : ثنا ابن أبي أوفى قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأحزاب فقال : اللهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، اللهمّ اهزمهم وزلزلهم. متّفق عليه (١).

وقال اللّيث : حدّثني المقبريّ ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول : لا إله إلّا الله وحده ، أعزّ جُنْدَه (٢) ، ونصر

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٩ وصحيح مسلم (١٧٤٢) كتاب الجهاد والسير ، باب استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدوّ.

(٢) من أول قوله : «ونصر عبده» سقط في نسخة الأصل مقداره نحو سبع عشرة ورقة من نسخة ع وقد نقلناه عنها. وينتهي هذا السقط عند أوائل الكلام عن مقتل ابن أبي الحقيق. وسنشير إلى مكانه.


عبده ، وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده. متّفق عليه (١).

وقال إسرائيل وغيره ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان بن صرد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أجلى عنه الأحزاب : الآن نغزوهم ولا يغزونا ، نسير إليهم. أخرجه البخاري (٢).

وقال خارجة بن مصعب ، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (٣)) ، قال : تزوّج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، فصارت أمّ المؤمنين ، وصار معاوية خال المؤمنين. كذا روى الكلبيّ (٤) وهو متروك. ومذهب العلماء في أمّهات المؤمنين أنّ هذا حكم مختصّ بهنّ ولا يتعدّى التحريم إلى بناتهنّ ولا إخوانهنّ ولا أخواتهنّ (٥).

واستشهد يوم الأحزاب :

عبد الله بن سهل بن رافع الأشهلي ، تفرّد ابن هشام (٦) بأنّه شهد بدرا.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ٥ / ٤٩. وصحيح مسلم (٢٧٢٤) كتاب الذكر والدعاء ، باب التعوّذ من شرّ ما عمل ومن شرّ ما لم يعمل.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق (٥ / ٤٨).

(٣) سورة الممتحنة : من الآية ٧.

(٤) هو محمد بن السائب الكلبي. انظر عنه : التاريخ الصغير للبخاريّ ١٥٨ ، والضعفاء الصغير له ٢٧٥ ، والضعفاء والمتروكين للنسائي ٣٠٣ رقم ٥١٤ ، أحوال الرجال ٥٤ رقم ٣٧ ، والضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١٥١ رقم ٤٦٨ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٤ / ٧٦ رقم ١٦٣٢ ، الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٦ / ٢١٢٧ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٥٨٤ رقم ٥٥٤٢ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٥٥٦ رقم ٧٥٧٤.

(٥) وردت هذه العبارة في ع محرفة هكذا «وذهب العلماء في أمّهات المؤمنين هذا حكم مختص بهنّ ولا يتعدّى التحريم إلى بناتهنّ ولا إلى إخواتهنّ ولا أخواتهنّ» والتصحيح من ابن الملّا.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧٥.


وأنس بن أوس بن عتيك الأشهلي ، والطّفيل بن النّعمان بن خنساء ، وثعلبة بن غنمة (١) ، كلاهما من بني جشم بن الخزرج.

وكعب بن زيد أحد بني النّجّار ، أصابه سهم غرب ، وقد شهد هؤلاء الثلاثة بدرا.

ذكر ابن إسحاق (٢) أنّ هؤلاء الخمسة قتلوا يوم الأحزاب.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : قتل من المشركين يوم الخندق : نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، أقبل على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله ، وكبر على المشركين وأرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّا نعطيكم الدّية على أن تدفعوه إلينا فندفنه. فردّه إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّه خبيث الدّية لعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه ، ولا أرب لنا في ديته.

* * *

__________________

(١) في ع : عتمة : والتصحيح من ابن هشام وأنساب الأشراف (١ / ٢٤٨).

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧٥.



غزوة بني قريظة (١)

وكانوا قد ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفيهم نزلت (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ) (٢) الآيتين.

قال هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخندق ووضع السّلاح واغتسل أتاه جبريل وقال : وضعت السّلاح؟ والله ما وضعناه ، اخرج إليهم. قال : فأين (٣)؟ قال : هاهنا. وأشار إلى بني قريظة. فخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه (٤).

وقال حميد بن هلال ، عن أنس : كأنّي انظر إلى الغبار ساطعا من سكّة بني غنم ، موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة. (٥).

__________________

(١) بنو قريظة : فخذ من جذام إخوة النضير ، ويقال أنّ تهوّدهم كان في أيام عاديا أي السموأل ، ثم نزلوا بجبل يقال له قريظة فنسبوا إليه. (تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٢).

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٢٦.

(٣) عند البخاري «فإلى أين».

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب مرجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحزاب. إلخ. ٥ / ٤٩ ، ٥٠.

وصحيح مسلم (١٧٦٩) كتاب الجهاد والسير ، باب جواز قتال من نقض العهد إلخ.

(٥) صحيح البخاري ٥ / ٥٠.


وقال جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : نادى فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم انصرف من الأحزاب أن لا يصلّين أحد العصر إلّا في بني قريظة. فتخوّف ناس فوت الوقت فصلّوا دون قريظة. وقال آخرون : لا نصلّي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن فاتنا الوقت. فما عنّف واحدا من الفريقين. متّفق عليه (١).

وعند مسلم في بعض طرقه : الظّهر بدل العصر. وكأنّه وهم.

وقال بشر بن شعيب ، عن أبيه ، حدّثنا الزّهري ، أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أنّ عمّه عبيد الله بن كعب (٢) أخبره أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة (٣) واغتسل واستجمر ، فتبدّى له جبريل عليه‌السلام فقال : عذيرك من محارب ، ألا أراك (٤) قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد. فوثب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزعا فعزم على النّاس أن لا يصلّوا العصر حتى يأتوا بني قريظة. فلبسوا السلاح ، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس : فاختصم النّاس عند غروبها ، فقال بعضهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عزم علينا أن لا نصلّي حتى نأتي بني قريظة ، فإنّما نحن في عزيمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فليس علينا إثم. وصلّى طائفة من النّاس احتسابا. وتركت طائفة حتى غربت الشمس فصلّوا حين جاءوا بني قريظة. فلم يعنّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واحدا من الفريقين (٥).

وقال نحوه عبد الله بن عمر ، عن أخيه عبيد الله ، عن القاسم ، عن عائشة ، وفيه أنّ رجلا سلّم علينا ونحن في البيت ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب مرجع صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحزاب. (٥ / ٥٠).

(٢) في طبعة القدسي ٢٨٠ «عبيد الله بن بني كعب» وهو خطأ. انظر : تهذيب التهذيب ٧ / ٤٤.

(٣) في ع : السلامة ، تصحيف.

(٤) في ع : الأراك. والتصحيح من مغازي الواقدي (٢ / ٤٩٧).

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٧ ، والبداية والنهاية ٤ / ١١٧.


فزعا ، فقمت في إثره ، فإذا بدحية الكلبيّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة ، وقال : وضعتم السلاح ، لكنّا لم نضع السلاح ، طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد. وفيه : فمرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمجالس بينه وبين بني قريظة ، فقال : هل مرّ بكم من أحد؟ قالوا (١) : مرّ علينا دحية الكلبيّ على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج. قال : ليس ذاك بدحية الكلبي ولكنّه جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرّعب. فحاصرهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمر أصحابه أن يستره بالجحف حتى يسمعهم كلامه. فناداهم : يا إخوة القردة والخنازير. فقالوا : يا أبا القاسم لم تك فحّاشا. فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وكانوا حلفاءه ، (٢) فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم (٣).

وقال محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جدّه علقمة ، عن عائشة قالت : [فجاءه] (٤) جبريل وعلى ثناياه النّقع فقال : أوضعت السّلاح؟ والله ما وضعت الملائكة ، أخرج إلى بني قريظة ، فلبس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمته ، وأذّن بالرحيل ، ثم مرّ على بني غنم (٥) فقال : من مرّ بكم؟ قالوا : دحية. وكان دحية تشبه لحيته ووجهه جبريل. فأتاهم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، ثم نزلوا على حكم سعد ، وذكر الحديث بطوله في مسند أحمد (٦).

__________________

(١) في ع : قال. وفي البداية والنهاية ٤ / ١١٨ «فقالوا».

(٢) في طبعة القدسي ٢٨١ «حلفاء» والتصحيح عن البداية والنهاية.

(٣) قال ابن كثير : ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها. البداية والنهاية ٤ / ١١٨.

(٤) سقطت من ع وزدناها من مسند أحمد.

(٥) في ع : بني عمرو. والتصحيح من مسند أحمد ٦ / ١٤٢ وفيه أنّ بني غنم هم جيران المسجد حوله.

(٦) مسند أحمد : مسند أحاديث عائشة (٦ / ١٤١ ـ ١٤٢) ط الميمنية ١٣١٣ ه‍ ـ. وانظر سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٧.


وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علينا معه رايته (١) وابتدر النّاس.

وقال موسى بن عقبة (٢). وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أثر جبريل ، فمرّ على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألهم : مرّ عليكم فارس آنفا؟ فقالوا : مرّ علينا دحية على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة من ديباج عليه اللأمة. قال : ذاك جبريل. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشبّه دحية بجبريل (٣). قال : ولما رأى عليّ بن أبي طالب [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٤) مقبلا تلقّاه. وقال : ارجع يا رسول الله ، فإنّ الله كافيك اليهود. وكان عليّ سمع منهم قولا سبيبيّ (٥) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأزواجه. فكره عليّ أن يسمع ذلك ، فقال : لم تأمرني بالرجوع؟ فكتمه ما سمع منهم. فقال : أظنّك سمعت لي (٦) منهم أذى؟ فامض فإنّ أعداء الله لو قد رأوني لم يقولوا شيئا ممّا سمعت.

فلما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحصنهم ، وكانوا في أعلاه ، نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافها حتى أسمعهم فقال : أجيبونا يا معشر يهود يا إخوة القردة ، لقد نزل بكم خزي الله. فحاصرهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة ، وردّ الله حييّ بن أخطب حتى دخل حصنهم ، وقذف الله في قلوبهم الرّعب ، واشتدّ عليهم الحصار ، فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الأنصار. فقال : لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال :

__________________

(١) العبارة عند ابن كثير «وقدّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب ومعه رايته وابتدارها الناس».

(٢) المغازي لعروة ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٣) البداية والنهاية ٤ / ١١٩.

(٤) إضافة من المغازي لعروة ١٨٦ والبداية والنهاية.

(٥) سبيبي : (وزن خليفي) السبّ أو أكثر منه. وفي البداية والنهاية «سيئا» وكذلك في المغازي لعروة.

(٦) في البداية والنهاية «فيّ».


قد أذنت لك. فأتاهم ، فبكوا وقالوا : يا أبا لبابة ، ما ذا ترى ، فأشار بيده إلى حلقه ، يريهم إنّما يراد بكم القتل. فلما انصرف سقط في يده (١) ورأى أنّه قد أصابته فتنة عظيمة فقال : والله لا انظر في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي. فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد. فزعموا أنّه ارتبط قريبا من عشرين ليلة (٢).

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما ذكر ، حين راث عليه (٣) أبو لبابة : أما فرغ أبو لبابة من حلفائه قالوا : يا رسول الله ، قد والله انصرف من عند الحصن ، وما ندري أين سلك. فقال : قد حدث له أمر. فأقبل رجل فقال : يا رسول الله ، رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد أصابته بعدي فتنة ، ولو جاءني لاستغفرت له. فإذا فعل هذا فلن أحرّكه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما شاء (٤).

قال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، فذكر نحو ما قصّ موسى ابن عقبة. وعنده : فلبس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمته وأذّن بالخروج ، وأمرهم أن يأخذوا السّلاح. ففرغ النّاس للحرب. وبعث عليّا على المقدّمة ودفع إليه اللواء. ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على آثارهم. ولم يقل بضع عشرة ليلة.

وقال يونس بن بكير ، والبكائي ـ واللّفظ له ـ عن ابن إسحاق (٥) قال : حاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرّعب. وكان حييّ بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان

__________________

(١) سقط في يده ، وأسقط في يده (مضمومتين) زلّ وأخطأ وندم.

(٢) جاء في جوامع السيرة لابن حزم ١٩٣ أنه أقام مرتبطا بالجذع ست ليال لا يحل إلّا للصلاة.

(٣) راث عليه : أبطأ ، وفي المغازي لعروة ٧١٧ «حين غاب عليه»

(٤) البداية والنهاية ٤ / ١١٩ وسيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٨ والمغازي لعروة ١٨٧.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٨.


عاهده عليه ، فلما أيقنوا بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجيزهم ، قال كعب بن أسد : يا معشر يهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيّها شئتم. قالوا : وما هي؟ قال : نبايع هذا الرجل ونصدقه ، فو الله لقد تعيّن لكم أنّه لنبيّ مرسل ، وأنّه للّذي تجدونه في كتابكم. فتأمنون على دمائكم وأموالكم. قالوا : لا نفارق حكم التّوراة أبدا ولا نستبدل به غيره. قال : فإذا أبيتم على هذه. فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه مصلتين السّيوف لم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنتّخذنّ النّساء والأبناء. قالوا : نقتل هؤلاء المساكين ، فما خير العيش بعدهم؟ قال فإن أبيتم هذه فإنّ الليلة ليلة السبت وإنّه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلّنا نصيب من محمد وأصحابه غرّة. قالوا : نفسد سبتنا وتحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا ، إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ؟ قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدّهر حازما.

رواه يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق. لكنّه قال عن أبيه ، عن معبد ابن كعب بن مالك ، فذكره وزاد فيه : ثم بعثوا يطلبون أبا لبابة ، وذكر ربطه نفسه.

وقال سعيد بن المسيّب : إنّ ارتباطه بسارية التّوبة كان بعد تخلّفه عن غزوة تبوك حين أعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عليم ، بما فعل يوم قريظة ، ثم تخلّف عن غزوة تبوك فيمن تخلّف. والله أعلم.

[وذكر] (١) عليّ بن أبي طلحة ، وعطيّة العوفيّ ، عن ابن عبّاس في ارتباطه حين تخلّف عن تبوك ما يؤكّد قول ابن المسيّب ، قال : نزلت هذه

__________________

(١) كتبت في أصل المخطوطة بالحمرة ولم تظهر في التصوير ، ولعلها ما أثبتناه أو ما في معناه.


الآية في أبي لبابة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) (١).

وقال البكّائيّ ، عن ابن إسحاق : حدّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، أنّ توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في بيت أمّ سلمة [فقالت أم سلمة] (٢) ، فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من السّحر وهو يضحك ، [قالت] (٣) فقلت : ممّ (٤) تضحك؟ قال : تيب على أبي لبابة. [قالت] (٥) قلت : أفلا أبشّره؟ قال : إن شئت. قال : فقامت على باب حجرتها ، وذلك قبل أن يضرب عليهنّ الحجاب ، فقالت : يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك. قالت : فثار إليه النّاس ليطلقوه. قال : لا والله حتى يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الّذي يطلقني بيده. فلما مرّ عليه خارجا إلى صلاة الصّبح أطلقه.

قال عبد الملك بن هشام (٦) : أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ستّ ليال : تأتيه امرأته في وقت كلّ صلاة تحلّه للصلاة ، ثم يعود فيرتبط بالجذع ، وفيما حدّثني بعض أهل العلم. والآية التي نزلت في توبته : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (٧) الآية.

قال ابن إسحاق : ثم إنّ ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد (٨) ابن عبيد ، وهم نفر من [بني] (٩) هدل ، أسلموا تلك الليلة التي نزل فيها بنو

__________________

(١) سورة الأنفال : من الآية ٢٧. وانظر سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٨ برواية سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن أبي قتادة.

(٢) إضافة من سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٨.

(٣) إضافة من السيرة.

(٤) في ع : بم يضحك. والتصحيح من سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٨.

(٥) عن السيرة.

(٦) السيرة ٣ / ٢٦٨.

(٧) سورة التوبة : من الآية ١٠٢.

(٨) في ع : أسيد. والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (١ / ٨٥) والإصابة (١ / ٣٣).

(٩) إضافة من السيرة ٣ / ٢٦٩.


قريظة على حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال شعبة : أخبرني سعد بن إبراهيم ، سمعت أبا أمامة بن سهل يحدّث عن أبي سعد قال : نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ ، فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتاه على حمار. فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قوموا إلى سيّدكم ، أو إلى خيركم فقال (١) : إنّ هؤلاء قد نزلوا على حكمك ، فقال : نقتل مقاتلتهم ونسبي ذراريهم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد حكم عليهم بحكم الله. وربّما قال : بحكم الملك. متّفق عليه (٢).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٣) قال : فأومئوا إليه فقالوا : يا أبا عمرو ، قد ولّاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر مواليكم لتحكم فيهم. فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه؟ قالوا : نعم. قال : وعلى من هاهنا من النّاحية التي فيها النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن معه ، وهو معرض عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إجلالا له ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم. فقال سعد : أحكم بأن تقتل الرجال وتقسّم الأموال وتسبي الذّراريّ (٤).

وقال شعبة وغيره ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عطيّة القرظيّ قال : كنت في سبي قريظة ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمن أنبت (٥) أن يقتل ، فكنت فيمن لم ينبت (٦).

__________________

(١) في طبعة القدسي ٢٨٦ «فقالت» والتصويب عن البخاري ومسلم.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب مرجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحزاب (٥ / ٥٠) وصحيح مسلم (١٧٦٨) كتاب الجهاد والسير ، باب جواز قتال من نقض العهد ، وجواز إنزال أهل الحصن عن حكم حاكم عدل أهل للحكم.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٩.

(٤) في السيرة أيضا «والنساء».

(٥) أنبت : بلغ الحلم.

(٦) انظر البداية والنهاية ٤ / ١٢٥ وقد قال ابن كثير : رواه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الملك ابن عمير بن عطية القرظي.


قال موسى بن عقبة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين سألوه أن يحكّم فيهم رجلا : اختاروا من شئتم من أصحابي؟ فاختاروا سعد بن معاذ ، فرضي بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلوا على حكمه. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسلاحهم فجعل في قبّته ، وأمر بهم فكتّفوا (١) وأوثقوا وجعلوا في دار أسامة ، وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى سعد ، فأقبل على حمار أعرابيّ يزعمون أنّ وطاء برذعته من ليف ، واتّبعه رجل من بني عبد الأشهل ، فجعل يمشي معه ويعظّم حقّ بني قريظة ويذكر حلفهم (٢) والّذي أبلوه يوم بعاث ، ويقول : اختاروك على من سواك رجاء رحمتك وتحنّنك عليهم ، فاستبقهم فإنّهم لك جمال وعدد. فأكثر ذلك الرجل ، وسعد لا يرجع إليه شيئا ، حتى دنوا ، فقال الرجل : ألا ترجع إليّ فيما أكلّمك فيه؟ فقال سعد : قد آن لي أن لا تأخذني في الله لومة لائم. ففارقه الرجل ، فأتاني قومه فقالوا : ما وراءك؟ فأخبرهم أنّه غير مستقيم ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل مقاتلتهم ، وكانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل قتلوا عند دار أبي جهم بالبلاط ، فزعموا أنّ دماءهم بلغت أحجار الزّيت التي كانت بالسّوق ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وقسّم أموالهم بين من حضر من المسلمين. وكانت خيل المسلمين ستّا وثلاثين فرسا. وأخرج حييّ بن أخطب فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل أخزاك الله؟ قال له : ظهرت عليّ وما ألوم إلّا نفسي في جهادك والشّدّة عليك. فأمر به فضربت عنقه. كلّ ذلك بعين سعد (٣).

وكان عمرو بن سعد اليهوديّ في الأسرى ، فلما قدّموه ليقتلوه ففقدوه فقيل : أين عمرو؟ قالوا : والله ما نراه ، وإنّ هذه لرمّته (٤) التي كان فيها ،

__________________

(١) في ع : فتكفوا.

(٢) في المغازي لعروة ١٨٨ «خلقهم».

(٣) المغازي لعروة ١٨٨ ومجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ١٣٨ ، ١٣٩ نقلا عن المعجم الكبير للطبراني.

(٤) الرمّة : قطعة من حبل.


فما ندري كيف انفلت؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أفلت بما علم الله في نفسه. وأقبل ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هب لي الزّبير ، يعني ابن باطا وامرأته. فوهبهما له ، فرجع ثابت إلى الزّبير. فقال : يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني ـ وكان الزبير يومئذ كبيرا أعمى ـ قال : هل ينكر الرجل أخاه؟ قال ثابت : أردت أن أجزيك اليوم بيدك. قال : أفعل ، فإنّ الكريم يجزي الكريم ، فأطلقه. فقال : ليس لي قائد ، وقد أخذتم امرأتي وبنيّ. فرجع ثابت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله ذرّية الزّبير وامرأته ، فوهبهم له ، فرجع إليه فقال : قد ردّ إليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم امرأتك وبينك. قال الزّبير : فحائط لي فيه أعذق ليس لي ولأهلي عيش إلّا به. فوهب له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال له ثابت : أسلم قال : ما فعل المجلسان؟ فذكر رجالا من قومه بأسمائهم. فقالت ثابت : قد قتلوا وفرغ منهم ، ولعلّ الله أن يهديك. فقال الزّبير : أسألك بالله وبيدي عندك إلّا ما ألحقتني بهم ، فما في العيش خير بعدهم. فذكر ذلك ثابت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بالزّبير فقتل.

قال الله تعالى في بني قريظة في سياق أمر الأحزاب : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) يعني الذين ظاهروا قريشا : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) (١).

وقال عروة في قوله : (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) (٢). هي خيبر.

وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق ، حدّثني عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقّاص اللّيثي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة (٣).

__________________

(١) سورة الأحزاب : الآية ٢٦.

(٢) سورة الأحزاب : من الآية ٢٧.

(٣) الأرقعة : جمع رقيع وهي السماء. والخبر في السيرة ابن هشام ٣ / ٢٦٩.


وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق (١) : فحبسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار بنت الحارث النّجّارية ، وخرج إلى سوق المدينة ، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق. وفيهم حييّ بن أخطب ، وكعب بن أسد رأس القوم ، وهم ستمائة أو سبعمائة ، والمكثر يقول : كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة. وقد قالوا لكعب وهو يذهب بهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسالا (٢) : يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال : أفي كلّ وطن لا تعقلون. أما ترون الدّاعي لا ينزع ، وأنّه من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل. وأتى حييّ بن أخطب وعليه حلّة فقاحية (٣) قد شقّها من كل ناحية قدر أنملة لئلّا يسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، فلما نظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أما والله ما لمست نفسي في عداوتك ، ولكنّه من يخذل الله يخذل. ثم أقبل على النّاس فقال : أيّها النّاس إنّه لا بأس بأمر الله. كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل. ثم جلس فضربت عنقه.

وقال ابن إسحاق (٤) ، عن محمد بن جعفر بن الزّبير ، عن عمّه عروة ، عن عائشة قالت : لم يقتل من نسائهم إلّا امرأة واحدة ، قالت : إنّها والله لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقتل رجالهم بالسّيوف ، إذ هتف هاتف : يا بنت فلانة. قالت : أنا والله. قلت : ويلك ، مالك؟ قالت : أقتل. قلت : ولم؟ قالت : حدث أحدثته. فانطلق بها فضربت عنقها.

وقال عكرمة وغيره : صياصيهم : حصونهم.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧٠.

(٢) أرسالا : طائفة بعد أخرى.

(٣) حلة فقاحية : أي على لون الورد حين همّ أن يتفتح. قال ابن هشام : ضرب من الوشي ..

(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧٠.


وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) : ثم بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن زيد ، أخا بني عبد الأشهل بسبايا بني قريظة إلى نجد. فابتاع له بهم خيلا وسلاحا. وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، وكانت عنده حتى توفّي وهي في ملكه ، وعرض عليها أن يتزوّجها ، ويضرب عليها الحجاب ، فقالت : يا رسول الله بل تتركني في مالك فهو أخفّ عليك وعليّ فتركها. وقد كانت أوّلا توقّفت عن الإسلام ثم أسلمت ، فسرّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك.

* * *

وفي ذي الحجة من هذه السنة :

وفاة سعد بن معاذ

قال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أصيب سعد يوم الخندق ، رماه رجل من قريش يقال له حبّان بن العرقة ، رماه في الأكحل (٢). فضرب (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب (٤). فلما رجع من الخندق ، وذكر الحديث ، وفيه قالت عائشة : ثم إنّ كلمة تحجّر للبرء (٥) فقال : اللهمّ إنّك تعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليّ أن أجاهد فيك من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه ، اللهمّ فإنّي أظنّ أنّك وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فإن كان بقي من حرب قريش [شيء] (٦) فأبقني لهم حتّى أجاهدهم فيك. وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧١ ، ٢٧٢.

(٢) الأكحل : هو عرق في وسط الذراع ، فقال النووي : وهو عرق الحياة في كل عضو منه شعبة لها اسم.

(٣) في ع : فضرب على رسول الله. وأثبتنا نص البخاري ٥ / ٥٠.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٥.

(٥) في ع : لكبر. والتصحيح من صحيح مسلم ٣ / ١٣٩٠ رقم ٦٧.

(٦) سقطت من ع ، وزدناها من صحيحي البخاري ومسلم.


موتي فيها. قال فانفجرت لبّته (١) ، فلم يرعهم ـ ومعهم أهل خيمة من بني غفار ـ إلّا والدّم يسيل إليهم ، فقالوا : يا أهل الخيمة ، ما هذا الّذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد جرحه يغذّ دما (٢) فمات منها. متّفق عليه (٣).

وقال اللّيث : حدّثني أبو الزّبير ، عن جابر قال : رمي سعد يوم الأحزاب فقطعوا أكحله ، فحسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنّار ، فانتفخت يده ، فتركه ، فنزفه الدّم فحسمه أخرى. فانتفخت يده ، فلما رأى ذلك قال : اللهمّ لا تخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قريظة. فاستمسك عرقه فما قطرت منه قطرة. حتى نزلوا على حكم سعد ، فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحكم أن يقتل رجالهم ويستبى نساؤهم وذراريهم. قال : وكانوا أربعمائة. فلما فرغ من قتلهم ، انفتق عرقه فمات (٤). حديث صحيح.

وقال ابن راهويه : ثنا عمرو بن محمد القرشي ، ثنا عبد الله بن إدريس ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ هذا الّذي تحرّك له العرش ـ يعني سعد بن معاذ ـ وشيّع جنازته سبعون ألف ملك ، لقد ضمّ ضمّة ثم فرّج عنه (٥).

وقال سليمان التّيمي ، عن الحسن : اهتزّ عرش الرحمن فرحا بروحه (٦).

__________________

(١) لبّته : نحره.

(٢) في ع : يغدوا. والتصحيح من صحيح مسلم ، وعبارة البخاري : فإذا سعد يغذو جرحه دما.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب مرجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ٥ / ٥٠ ، ٥١. وصحيح مسلم (١٧٦٩) : كتاب الجهاد والسير ، باب جواز قتال من نقض العهد. إلخ.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٤٢٤.

(٥) انظر الطبقات لابن سعد ٣ / ٣٢٩.

(٦) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٤٣٤.


وقال يزيد بن عبد الله بن النّجّار ، عن معاذ ، عن جابر قال : جاء جبريل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : من هذا العبد الصالح الّذي مات ، فتحت له أبواب السماء وتحرّك العرش؟ قال : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا سعد بن معاذ ، فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قبره وهو يدفن ، فبينما هو جالس قال : سبحان الله ـ مرّتين ـ فسبّح القوم. ثم قال : الله أكبر الله أكبر ، فكبّر القوم. فقال : عجبت لهذا العبد الصالح شدّد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرّج له (١).

[ذكر] (٢) بعضه محمد بن إسحاق ، عن معاذ بن رفاعة ، أخبرني محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح ، عن جابر (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني معاذ بن رفاعة الزّرقيّ قال : أخبرني من شئت (٤) من رجال قومي أنّ جبريل أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جوف اللّيل معتجرا بعمامة من استبرق ، فقال : يا محمد من هذا الميت الّذي فتحت له أبواب السماء واهتزّ له العرش؟ فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجرّ ثوبه مبادرا إلى سعد ابن معاذ فوجده قد قبض.

وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق : حدّثني من لا أتّهم ، عن الحسن البصري قال : كان سعد رجلا بادنا ، فلما حمله النّاس وجدوا له خفّة. فقال رجال من المنافقين : والله إن كان لبادنا وما حملنا من جنازة أخفّ منه. فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّ له حملة غيركم ، والّذي نفسي بيده لقد استبشرت

__________________

(١) انظر مثله في طبقات ابن سعد ٣ / ٤٣٢ وقد أخرجه أحمد في مسندة ٣ / ٣٢٧ و ٣٦٠ و ٣٧٧.

(٢) كتبت في الأصل بالحمرة ولم تظهر في التصوير ، وأثبتناها ترجيحا.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧٥.

(٤) أثبتها القدسي في طبعته ٢٩٢ «نسيت» معتمدا على الطبعة الأولى من سير أعلام النبلاء ١ / ٢١٣ ، (انظر الطبعة الجديدة منه ١ / ٢٩٤ «شئت»).


الملائكة بروح سعد واهتزّ له العرش (١).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني أميّة بن عبد الله أنّه سأل بعض أهل سعد : ما بلغكم من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا؟ فقالوا : ذكر لنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن ذلك فقال : كان يقصّر في بعض الطّهور من البول (٢).

وقال يزيد بن هارون : أنا محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عائشة قالت : خرجت يوم الخندق أقفو آثار النّاس ، فسمعت وئيد (٣) الأرض : تعني حسّ الأرض ورائي ، فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس (٤) يحمل مجنّه. فجلست ، فمرّ سعد وهو يقول :

لبّث قليلا يدرك الهيجا حمل

ما أحسن الموت إذا حان الأجل

قالت : وعليه درع قد خرجت منها أطرافه ، فتخوّفت على أطرافه ، وكان من أطول النّاس وأعظمهم. قالت : فاقتحمت حديقة (٥) ، فإذا فيها نفر فيهم عمر ، وفيهم رجل عليه مغفر. فقال لي عمر : ما جاء بك؟ والله إنّك لجريئة ، وما يؤمنك أن يصيبوا تحوّزا (٦) وبلاء. فما زال يلومني حتى تمنّيت أن الأرض انشقّت ساعتي ذي (٧) فدخلت فيها. فرفع الرجل المغفر عن

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧٤ ، ٢٧٥.

(٢) انظر الطبقات الكبرى ٣ / ٤٣٠.

(٣) في ع : وبيد. والوئيد الصوت.

(٤) هكذا ذكر في الحديث. وقد ورد قبل ، أنّ الحارث بن أوس ابن أخي سعد بن معاذ كان ممن استشهد يوم أحد. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٤٣٧.

(٥) في ع : حذيفة والتصحيح من الطبقات لابن سعد ٣ / ٤٢١.

(٦) أثبتها القدسي ٢٩٣ «تحرزا» معتمدا على الطبعة الأولى من سير أعلام النبلاء ١ / ٢٠٦ ، والعبارة في الطبعة الجديدة ١ / ٢٨٤ «ما يؤمنك أن يكون بلاء».

(٧) في الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٢ وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٨٤ «ساعتئذ».


وجهه ، فإذا طلحة بن عبيد الله ، فقال : ويحك ، وأين التحوّز (١) والفرار إلّا إلى الله؟ قالت : ويرمي سعدا رجل من قريش ، يقال له ابن العرقة ، بسهم ، فقال : خذها ، وأنا ابن العرقة. فأصاب أكحله. فدعا الله سعد فقال : اللهمّ لا تمتني حتى تشفيني من قريظة. وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية. فرقأ كلمة وبعث الله الريح على المشركين. وساقت الحديث بطوله. وفيه قالت : فانفجر كلمه وقد كان بريء حتى ما يرى منه إلّا مثل الخرص (٢). ورجع إلى قبّته. قالت : وحضره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر. فإنّي لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر ، وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله تعالى (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٣). قال : فقلت ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنع؟ قالت : كانت عيناه لا تدمع على أحد (٤) ولكنّه كان إذا وجد فإنّما هو آخذ بلحيته (٥).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن عبد الرحمن بن عمرو ابن سعد بن معاذ ، أنّ بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل إلى سعد بن معاذ فأتي به محمولا على حمار وهو مضنى [من جرحه] (٦) ، فقال له : أشر عليّ في هؤلاء. فقال : إنّي أعلم أنّ الله قد أمرك فيهم بأمر أنت فاعله. قال : أجل ، ولكن أشر عليّ فيهم ، فقال : لو ولّيت أمرهم قتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وقسمت أموالهم. فقال : والّذي نفسي بيده

__________________

(١) انظر الطبقات الكبرى ٣ / ٤٣٠.

(٢) الخرص : الخاتم أو حلقة القرط.

(٣) سورة الفتح : من الآية ٢٩.

(٤) بل كان عليه الصلاة والسلام رقيق القلب ، فقد وردت أحاديث في بكائه رحمة وشفقة على الميت أو خوفا على أمّته أو خشية من الله أو اشتياقا ومحبّة. (الشمائل للترمذي وجامع الأصول وغيرهما).

(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٣ ورواه أحمده في مسندة ٦ / ١٤١ ، ١٤٢ وإسناده حسن.

(٦) الإضافة من سير أعلام النبلاء ١ / ٢٨٨.


لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله به (١).

وقال محمد بن سعد : أنبأ خالد بن مخلد (٢) حدّثني محمد بن صالح التمّار ، عن سعد بن إبراهيم ، سمع عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسي (٣) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد حكم فيهم بحكم الله الّذي حكم به من فوق سبع سماوات (٤).

وقال ابن سعد : أنا يزيد ، أنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن رجل من الأنصار قال : لما قضى سعد في بني قريظة ثمّ رجع انفجر جرحه ، فبلغ ذلك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتاه فأخذ رأسه فوضعه في حجره ، وسجّي بثوب أبيض إذا مدّ على وجهه بدت رجلاه ، وكان رجلا أبيض جسيما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهمّ إنّ سعدا قد جاهد في سبيلك وصدّق رسولك وقضى الّذي عليه ، فتقبّل روحه بخير ما تقبّلت روح رجل. فلما سمع سعد كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتح عينيه ، فقال : السّلام عليك يا رسول الله ، أشهد أنّك رسول الله. قال : وأمّه تبكي وتقول :

ويل أمّ سعد سعدا (٥)

حزامة وجدّا

 __________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٥ وأخرجه أحمد في مسندة ٣ / ٢٢ ، والبخاري في الجهاد ٣٠٤٣ و ٣٨٠٤ و ٤١٢١ و ٦٢٦٢ ، ومسلم ١٧٦٨ في الجهاد.

(٢) في طبعة القدسي ٢٩٤ «محمد» والتصحيح من الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٦.

(٣) في ع : «الموسى» وكذلك في أنساب الأشراف ١ / ٣٤٧ ، وأثبتها القدسي في طبعته ٢٩٥ «المواثيق» بالاعتماد على الطبعة القديمة من سير أعلام النبلاء ١ / ٢٠٩ ، وما أثبتناه يؤيّد ما في الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٦ وسير أعلام النبلاء (الطبعة الجديدة) ١ / ٢٨٨ ، والمواسي : جمع موسى وهي الآلة التي يحلق بها.

(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٦ وسنده حسن ، ورواه ابن حجر في فتح الباري ٧ / ٤١٢ ونسبه إلى النسائي.

(٥) في الطبقات لابن سعد ٣ / ٤٢٧ وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٨٦ «ويل أمّك سعدا».


فقيل لها : أتقولين الشّعر على سعد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : دعوها فغيرها من الشعراء أكذب.

وقال عبد الرحمن بن الغسيل ، عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود ابن لبيد قال : لما أصيب أكحل سعد حوّلوه عند امرأة يقال لها رفيدة ، وكانت تداوي الجرحى ، قال : وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا مرّ به يقول : كيف أصبحت؟ وإذا أمسى قال : كيف أمسيت؟ فتخبره ، فذكر القصّة. وقال : فأسرع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المشي إلى سعد ، فشكا ذلك إليه أصحابه ، فقال : إنّي أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسّلت حنظلة. فانتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البيت وهو يغسّل ، وأمّه تبكيه وتقول :

ويل أمّ سعد سعدا

حزامة وجدّا

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّ نائحة تكذب إلّا أمّ سعد. ثم خرج به فقالوا : ما حملنا ميتا أخفّ منه. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما يمنعه (١) أن يخفّ عليكم وقد هبط من الملائكة كذا ، وكذا لم يهبطوا قطّ ، قد حملوه معكم (٢).

وقال شعبة : أخبرني سماك بن حرب ، سمعت عبد الله بن شدّاد يقول : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سعد بن معاذ وهو يكيد (٣) بنفسه فقال : جزاك الله خيرا من سيّد قوم ، فقد أنجزت الله ما وعدته ولينجزنّك الله ما وعدك (٤).

وقال ابن نمير : حدّثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع قال : بلغني أنّه

__________________

(١) في ع وطبقات ابن سعد ٣ / ٤٢٨ : ما يمنعكم. والتصحيح من سير أعلام النبلاء (١ / ٢٨٧).

(٢) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٨ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٢٨٧.

(٣) يكيد بنفسه : يجود بها.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٩.


شهد سعدا سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض. (١)

زاد غيره : عن عبيد الله ، عن نافع فقال : عن ابن عمر (٢).

وقال شبابه : أنا أبو معشر ، عن المقبري قال : لما دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعدا قال : لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضمّ ضمّة اختلفت فيها أضلاعه من أثر البول (٣).

وقال يزيد بن هارون : أنا محمد بن عمرو ، عن [محمد بن المنكدر ، عن] (٤) محمد بن شرحبيل ، أن رجلا أخذ قبضة من تراب قبر سعد يوم دفن ، ففتحها بعد فإذا هي مسك (٥).

وقال محمد بن موسى الفطري : أنا معاذ بن رفاعة الزّرقيّ قال : دفن سعد بن معاذ إلى أسّ دار عقيل بن أبي طالب (٦).

قال محمد بن عمرو بن علقمة حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استيقظ فجاءه جبريل ، أو قال : ملك [فقال] (٧) من رجل من أمّتك مات الليلة استبشر بموته [أهل] (٨) السماء؟ قال : لا أعلمه ، إلّا أنّ سعد ابن معاذ أمسى دنيّا (٩). ما فعل سعد؟ قالوا : يا رسول الله قبض وجاء قومه فاحتملوه إلى دارهم. فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنّاس الصّبح ، ثم خرج وخرج

__________________

(١) الطبقات ٣ / ٤٣٠.

(٢) الطبقات ٣ / ٤٣٠.

(٣) الطبقات ٣ / ٤٣٠.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط ، استدركته من الطبقات.

(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٣١.

(٦) الطبقات ٣ / ٤٣٣.

(٧) زيادة يقتضيها السياق من طبقات ابن سعد.

(٨) سقطت من ع ، وزدناها من ابن الملا ، وابن سعد (٣ / ٤٢٣).

(٩) الدنيّ : الضعيف الّذي إذا آواه الليل لم يبرح ضعفا. وعبارة ابن سعد : «دنفا» (٣ / ٤٢٣).


النّاس مشيا حتى إنّ شسوع نعالهم تقطع (١) من أرجلهم وإنّ أرديتهم لتسقط من عواتقهم ، فقال قائل : يا رسول الله قد بتّت (٢) النّاس مشيا قال : أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة (٣).

قال شعبة : أنا سعد بن إبراهيم ، عن نافع ، عن عائشة ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنّ للقبر ضغطة ، ولو كان أحد ناجيا منها لنجا منها سعد بن معاذ (٤).

وقال شعبة : حدّثني أبو إسحاق ، عن عمرو بن شرحبيل قال : لما انفجر جرح سعد بن معاذ التزمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل الدم يسيل على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء أبو بكر فقال : واكسر ظهراه ، فقال : مه يا أبا بكر. ثم جاء عمر فقال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).

روى عقبة بن مكرم : ثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سعد بني إبراهيم ، عن نافع ، عن صفيّة بنت أبي عبيد ، عن عائشة ، مرفوعا : لو نجا أحد من ضمّة القبر لنجا منها سعد. وقد تقدّم هذا ، وما فيه صفيّة.

وليس هذا الضّغط من عذاب القبر في شيء ، بل هو من روعات المؤمن كنزع روحه ، وكألمه من بكاء حميمه ، وكروعته من هجوم ملكي الامتحان عليه ، وكروعته يوم الموقف وساعة (٥) ورود جهنّم ، ونحو ذلك. نسأل الله أن يؤمّن روعاتنا.

وقال يزيد بن هارون : أنا محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن

__________________

(١) في طبقات ابن سعد ٤٢٤ «لتنقطع».

(٢) بتّت النّاس مشيا : انقطعت من التعب.

(٣) الطبقات لابن سعد ٤٢٣ ، ٤٢٤.

(٤) الطبقات ٤٣٠ من طريق شبابة بن سوّار عن أبي معشر عن سعيد المقبري.

(٥) في ع : سابحة ، تصحيف.


عائشة قالت : ما كان أحد أشدّ فقدا على المسلمين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ (١).

وقال الواقديّ : أنا عتبة بن جبيرة ، عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : كان سعد بن معاذ [رجلا] (٢) أبيض طوالا (٣) ، جميلا ، حسن الوجه ، أعين ، حسن اللّحية. فرمي يوم الخندق سنة خمس فمات منها ، وهو ابن سبع وثلاثين سنة. ودفن بالبقيع (٤).

وقال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اهتزّ عرش الله لموت سعد بن معاذ. (٥).

وقال عوف (٦) عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اهتز العرش لموت سعد بن معاذ (٧).

وقال يزيد بن هارون : أنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن إسحاق بن راشد ، عن امرأة من الأنصار يقال لها أسماء بنت يزيد بن السّكن ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأمّ سعد بن معاذ : ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك بأن ابنك أوّل من ضحك الله له واهتزّ له العرش؟ (٨).

وقال يوسف بن الماجشون ، عن أبيه ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن جدّته رميثة أنّها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولو أشاء أن أقبّل الخاتم

__________________

(١) الطبقات لابن سعد ٣ / ٤٣٣.

(٢) إضافة من طبقات ابن سعد.

(٣) في ع : طويلا. وأثبتنا نص ابن سعد.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٣٣.

(٥) الطبقات ٣ / ٤٣٣ ، ٤٣٤.

(٦) في ع : عون. تصحيف ، وهو عوف الأعرابي. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٨ / ١٦٦).

(٧) طبقات ابن سعد ٣ / ٤٣٤.

(٨) الطبقات لابن سعد ٣ / ٤٣٤.


الّذي بين كتفيه من قربي منه لفعلت ـ يقول لسعد بن معاذ يوم مات : اهتزّ له عرش الرحمن (١).

وقال محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السّائب ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : اهتزّ العرش لحبّ لقاء الله سعدا. قال : إنّما يعني السّرير. قال : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) (٢) قال : تفسّخت أعواده. قال : ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبره فاحتبس ، فلما خرج قيل له. يا رسول الله : ما حبسك؟ قال : ضمّ سعد في القبر ضمّة فدعوت الله أن يكشف عنه (٣).

وقال الثّوري وغيره ، عن أبي إسحاق ، عن البراء أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى بثوب حرير ، فجعل [أصحابه (٤)] يتعجّبون من لينه فقال : إنّ مناديل سعد ابن معاذ في الجنّة ألين من هذا (٥). متّفق على صحّته.

وقال يزيد بن هارون : أنا محمد بن عمرو ، عن واقد بن عمرو بن سعد ابن معاذ قال : دخلت على أنس بن مالك ، وكان واقد (٦) من أعظم النّاس وأطولهم ، فقال لي : من أنت؟ قلت : أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. فقال : إنّك بسعد لشبيه ، ثم بكى فأكثر البكاء. ثم قال : يرحم الله سعدا ، كان من أعظم النّاس وأطولهم. ثم قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيشا إلى أكيدر دومة ، فبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحبّة من ديباج منسوج فيها الذّهب ، فلبسها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل النّاس يمسحونها وينظرون إليها ، فقال : أتعجبون من هذه الجبّة؟ قالوا : يا رسول الله ما رأينا ثوبا قطّ أحسن منه ، قال : فو الله

__________________

(١) الطبقات ٣ / ٤٣٥.

(٢) سورة يوسف : الآية ١٠٠.

(٣) الطبقات لابن سعد ٣ / ٤٣٣.

(٤) سقطت من ع وزدناها من ابن الملا.

(٥) الطبقات لابن سعد ٣ / ٤٣٥.

(٦) في ع : ذا قد. والتصحيح من طبقات ابن سعد ٣ / ٤٣٥.


لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن ممّا ترون (١).

قلت : هو سعد بن معاذ بن النّعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ، أخي الخزرج ، وهما ابنا حارثة بن عمرو ، ويدعى حارثة العنقاء ، وإليه جماع الأوس والخزرج أنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويكنى سعد أبا عمرو ، وأمّه المذكورة كبشة بنت رافع الأنصارية ، من المبايعات. أسلم هو وأسيد بن الحضير على يد مصعب بن عمير. وكان مصعب قدم المدينة قبل العقبة الآخرة يدعو إلى الإسلام ويقرئ القرآن. فلما أسلم سعد لم يبق من بني عبد الأشهل ـ عشيرة سعد ـ أحد إلّا أسلم يومئذ. ثم كان مصعب في دار سعد هو وأسعد بن زرارة ، يدعون إلى الله. وكان سعد وأسعد ابني خالة. وآخى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين سعد بن معاذ وأبي عبيدة بن الجرّاح. قاله ابن إسحاق (٢).

وقال الواقديّ عن عبد الله بن جعفر ، عن سعد بن إبراهيم ، وغيره : آخى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين سعد بن أبي وقّاص (٣).

شهد سعد بدرا ، وثبت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد حين ولّى النّاس (٤).

روى أبو نعيم : ثنا إسماعيل بن مسلم العبديّ ، ثنا أبو المتوكّل ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر الحمّى فقال : من كانت به فهي حظّه من النّار. فسألها سعد ابن معاذ ربّه ، فلزمته فلم تفارقه حتى فارق الدنيا (٥).

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٣٥ ، ٤٣٦.

(٢) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢٠ ، ٤٢١.

(٣) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٢١.

(٤) الطبقات ٣ / ٤٢١.

(٥) الطبقات ٣ / ٤٢١.


وكان لسعد من الولد : عمرو ، وعبد الله ، وأمّهما : عمّة أسيد بن الحضير هند بنت سماك من بني عبد الأشهل ، صحابيّة. وكان تزوّجها أوس ابن معاذ أخو سعد ـ وقيل : عبد الله بن عمرو بن سعد ـ يوم الحرّة (١).

وكان لعمرو من الولد : واقد بن عمرو ، وجماعة قيل إنّهم تسعة.

وقتل عمرو وأخو سعد بن معاذ يوم أحد. وقتل ابن أخيهما (٢) الحارث ابن أوس يومئذ شابا. وقد شهدوا بدرا. والحارث أصابه السّيف ليلة قتل كعب بن الأشرف ، واحتمله أصحابه. وشهد بعد ذلك أحدا.

روى عن سعد بن معاذ : عبد الله بن مسعود ، وقصّته بمكة مع أميّة بن خلف ، وذلك في صحيح البخاري.

* * *

وحصن بني قريظة على أميال من المدينة ، حاصرهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسا وعشرين ليلة.

واستشهد من المسلمين : خلّاد بن سويد الأنصاريّ الخزرجي ، طرحت عليه رحى ، فشدخته (٣).

ومات في مدّة الحصار أبو سنان (٤) بن محصن ، بدريّ مهاجري ، وهو

__________________

(١) الطبقات ٣ / ٤٢٠.

(٢) في ع : ابن أختهما. وقد تقدم منذ قليل أنه ابن أخي سعد ، وذلك في حديث عائشة ، وفيه «فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنّه» كما ورد كذلك في الكلام عن شهداء غزوة أحد «ومن الأنصار عمرو بن معاذ بن النّعمان الأوسي أخو سعد ، وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ».

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٧٦.

(٤) في ع : سفيان. والتصحيح من السيرة ٣ / ٢٧٦ وترجمته في الإصابة (٤ / ٧٦). وقد ذكر ابن حجر أنه غير أبي سفيان بن محصن الّذي حضر حجّة الوداع. وروى عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث النّهي عن لبس القميص يوم النّحر حتى يفيض.


أخو عكّاشة بن محصن الأسدي.

شهد هو وابنه سنان بدرا. ودفن بمقبرة بني قريظة التي يتدافن بها من نزل دورهم من المسلمين. وعاش أربعين سنة. ومنهم من قال : بقي إلى أن بايع تحت الشّجرة.

* * *

إسلام ابني سعية

وأسد بن عبيد

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن شيخ [من] (١) بني قريظة قال : هل تدري عمّ كان إسلام ثعلبة وأسد (٢) ابني سعية ، وأسد بن عبيد ، نفر من هدل (٣) ، لم يكونوا من بني قريظة ولا نضير ، كانوا فوق ذلك (٤) ، قلت : لا. قال : إنّه قدم علينا رجل من الشام يهوديّ ، يقال له ابن الهيبان ، ما رأينا خيرا منه. فكنّا نقول إذا احتبس المطر : استسق لنا. فيقول : لا والله ، حتى تخرجوا صدقة صاع من تمر أو مدّين [من] شعير. فنفعل ، فيخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا. فو الله ما يبرح مجلسه حتى تمرّ بنا الشّعاب بسيل. وفعل ذلك غير مرّة ولا مرّتين. فلما حضرته الوفاة قال : يا معشر يهود ، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قلنا : أنت أعلم. قال : أخرجني نبيّ أتوقّعه يبعث الآن فهذه البلدة مهاجره ، وإنّه يبعث بسفك الدماء وسبي

__________________

(١) زيادة لازمة لصحّة العبارة.

(٢) ويقال : أسيد (بفتح الهمزة وكسر السّين) وأسيد (بضم الهمزة وفتح السّين). قال ابن ماكولا : «أسيد بن سعية القرظي أسلم وأخوه ثعلبة وحسن إسلامهما» الإكمال ١ / ٥٣. انظر : أسد الغابة (١ / ٨٥ و ١١٠) ، والإصابة (١ / ٣٣ و ٤٩).

(٣) الهدل ـ بالدال المهملة ـ هم إخوة قريظة ، على ما في اللباب ٣ / ٣٨٢ وتبصير المنتبه.

(٤) عند ابن هشام ٣ / ٢٦٩ «نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم».


الذّريّة ، فلا يمنعنّكم ذلك منه ولا تسبقنّ إليه. ثم مات.

زاد يونس بن بكير في حديثه : فلما كانت الليلة التي افتتحت فيها قريظة قال أولئك الثلاثة ، وكانوا شبّانا أحداثا : يا معشر يهود ، هذا الّذي كان ذكر لكم ابن الهيبان. قالوا : ما هو؟ قالوا : بلى والله إنّه لهو بصفته. ثم نزلوا فأسلموا وخلّوا أموالهم وأهلهم (١) ، وكانت في الحصن ، فلما فتح ردّ ذلك عليهم.

* * *

__________________

(١) انظر بعض الخبر في الإصابة لابن حجر ١ / ٣٣ وفي جرمة أسد بن سعية


سنة ستّ من الهجرة

قال البكّائي ، عن ابن إسحاق (١) : ثم أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة ذا الحجّة والمحرّم وصفرا وشهري ربيع ، وخرج في جمادى الأولى إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرّجيع : خبيب بن عديّ وأصحابه ، وأظهر أنّه يريد الشام ليصيب من القوم غرّة ، فوجدهم قد حذروا وتمنّعوا في رءوس الجبال. فقال : لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنّا قد جئنا مكة. فهبط في مائتي راكب من أصحابه حتى نزلوا عسفان. ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا (٢) كراع الغميم ، ثم كرّا ، وراح قافلا (٣).

غزوة الغابة

أو غزوة ذي قرد (٤)

ثم قدم فأقام بها ليالي ، فأغار عيينة بن حصن في خيل من غطفان على

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٧.

(٢) في ع : بلغ. والتصويب من سيرة ابن هشام.

(٣) انظر الخبر في تاريخ الطبري ٢ / ٥٩٥.

(٤) قرد : قال السهيليّ : بضمّتين ، هكذا ألفيته مقيّدا عن أبي علي ، والقرد في اللغة : الصوف


لقاح النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغابة (١) ، وفيها رجل من بني غفار وامرأة ، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللّقاح.

وكان أوّل من نذر (٢) بهم سلمة بن الأكوع ، غدا يريد الغابة ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرسه ، حتى إذا علا ثنيّة الوداع (٣) نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في ناحية من سلع ، ثم صرخ : وا صباحاه ، ثم خرج يشتدّ في آثار القوم ، وكان مثل السّبع ، حتى لحق بالقوم. وجعل يردّهم بنبله ، فإذا وجّهت الخيل نحوه هرب ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى. وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك فصرخ بالمدينة : الفزع الفزع. فنزلت (٤) الخيول إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الفرسان] (٥) المقداد وعبّاد بن بشر ، وأسيد بن ظهير (٦) ، وعكّاشة بن محصن وغيرهم. فأمّر عليهم سعد (٧) بن زيد ، ثم قال : أخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالنّاس. وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما بلغني ـ لأبي عيّاش : لو أعطيت فرسك رجلا منك؟ فقلت : يا رسول الله أنا أفرس النّاس. وضربت الفرس فو الله ما مشي بي إلّا خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لو أعطيته أفرس منك وجوابي له.

ولم يكن سلمة بن الأكوع يومئذ فارسا ، وكان أوّل من لحق القوم على رجليه. وتلاحق الفرسان في طلب القوم. فأول من أدركهم محرز بن نضلة

__________________

= الرديء ، يقال في مثل : عثرت على الغزل بآخرة فلم تدع بنجد قردة. (الروض الأنف ٤ / ١٤).

(١) موضع قرب المدينة من ناحية الشام فيه أموال لأهل المدينة ، بينه وبين سلع ثمانية أميال. قال ابن سعد : الغابة وهي على بريد من المدينة طريق الشام.

(٢) في ع : بدر ، تصحيف. ونذر بالشيء : علم به فحذره (سيرة ابن هشام ٤ / ٣).

(٣) ثنيّة الوداع : هي ثنيّة مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة.

(٤) عند ابن هشام ٤ / ٣ «فترامت».

(٥) سقطت من ع ، وزدناها من سيرة ابن هشام (٤ / ٣).

(٦) شك فيه ابن إسحاق في رواية ابن هشام والطبري ٢ / ٦٠١ وعند الواقدي أنه أسيد بن حضير.

(٧) في ع : سعيد. والتصحيح من أسد الغابة والإصابة والسيرة ٤ / ٣ والطبري ٢ / ٦٠١.


الأسدي. فأدركهم ووقف بين أيديهم ثم قال : قفوا يا معشر بني اللّكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من المسلمين. فحمل عليه رجل منهم فقتله. ولم يقتل من المسلمين سواه (١).

قال عبد الملك بن هشام (٢) : وقتل من المسلمين وقاص بن مجزّز (٣) المدلجي. وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق (٤) : حدّثني من لا أتّهم عن عبد الله بن كعب بن مالك ، أنّ مجزّزا إنّما كان على فرس عكّاشة يقال له الجناح ، فقتل مجزّز واستلب الجناح. ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة بن ربعيّ ، حبيب بن عيينة بن حصن ، وغشاه ببرده ، ثم لحق بالنّاس. وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمسلمين ، فاسترجعوا وقالوا : قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليس بأبي قتادة ولكنّه قتيل لأبي قتادة وضع عليه برده ليعرفوا به صاحبه.

وأدرك عكّاشة بن محصن أو بارا (٥) وابنه عمرو بن أوبار ، كلاهما على بعير ، فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا. واستنقذوا بعض اللّقاح.

وسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزل بالجبل (٦) ومن ذي قرد (٧) ، وتلاحق [النّاس به] (٨) فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم به ، وأقام عليه يوما وليلة. وقال سلمة : يا رسول الله لو سرّحتني في مائة رجل لاستنقذت بقيّة السّرح وأخذت بأعناق

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٣ ، ٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٢ ، ٦٠٣.

(٢) السيرة ٤ / ٤.

(٣) في ع : محرز. والتصحيح من أسد الغابة والاستيعاب والسيرة. وفي تاريخ الطبري «محرز» وهو تحريف.

(٤) السيرة ٤ / ٤.

(٥) أوبار : في ابن سعد أنه (أثار) وفي مغازي الواقدي (أوثار).

(٦) في ع : بالخيل ، تصحيف ، والتصحيح من ابن الملّا ، والسيرة والطبري.

(٧) ذو قرد : ماء على ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر.

(٨) سقطت من ع وأثبتناها من ابن الملّا.


القوم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيما بلغني : إنّهم الآن ليغبقون (١) في غطفان. فقسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أصحابه ، في كلّ مائة رجل ، جزورا. وأقاموا عليها ثم رجعوا إلى المدينة (٢).

قال : وانفلتت امرأة الغفاريّ على ناقة من إبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى قدمت عليه ، وقالت : إنّي نذرت لله أن أنحرها إن نجّاني الله عليها. قال : فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجّاك بها ثم تنحرينها ، إنّه لا نذر فيما لا يملك ابن آدم إنّما هي ناقة من إبلي ، ارجعي على بركة الله (٣).

قلت : هذه الغزوة تسمّى غزوة الغابة ، وتسمّى غزوة ذي قرد.

وذكر ابن إسحاق وغيره : إنّها كانت في سنة ستّ. وأخرج مسلم (٤) أنها زمن الحديبيّة.

قال أبو النّضر هاشم بن القاسم : أنا عكرمة بن عمّار حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : قدمنا المدينة زمن الحديبيّة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرجت أنا ورباح ـ غلام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أندّيه (٥) مع الإبل. فلما كان بغلس ، أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقتل راعيها وخرج يطّردها وأناس معه في خيل. فقلت : يا رباح اقعد على هذا الفرس فألحقه بطلحة وأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر. فقمت على تلّ فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرّات : يا صباحاه. ثم اتّبعت القوم مع سيفي ونبلي فجعلت أرميهم وأعقر بهم وذلك حين يكثر الشجر ، فإذا رجع إليّ فارس جلست له

__________________

(١) يغبقون : يشربون اللبن بالعشيّ.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٣ ، ٦٠٤ ، عيون الأثر ٢ / ٨٦ ، ٨٧.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٤.

(٤) صحيح مسلم ١٨٠٧ كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة ذي قرد وغيرها.

(٥) ندّى الإبل يندّيها تندية : أي يوردها فتشرب قليلا ثم يرعاها قليلا ثم يردها إلى الماء.


في أصل شجرة ثم رميت ، فلا يقبل عليّ فارس إلّا عقرت به. فجعلت أرميهم وأقول :

أنا ابن الأكوع

واليوم يوم الرّضّع

فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلة رحله ، فيقع سهمي في الرّحل (١) حتى انتظمت كتفه ، فقلت : خذها وأنا ابن الأكوع.

وكنت إذا تضايقت الثنايا علوت على الجبل فردّأتهم بالحجارة (٢) ، فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم فأرتجز ، حتى ما خلق الله شيئا من سرح النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا خلّفته ورائي واستنقذته من أيديهم. ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفّون (٣) منها ، ولا يلقون من ذلك شيئا إلّا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا مدّ الضّحاء (٤) أتاهم عيينة بن بدر الفزاريّ مددا لهم ، وهم في ثنيّة ضيّقة. ثم علوت الجبل ، فقال عيينة : ما هذا الّذي أرى؟ قالوا : لقينا من هذا البرح (٥) ، ما فارقنا سحرا حتى الآن وأخذ كلّ شيء كان في أيدينا وجعله وراء ظهره. فقال عيينة : لو لا أنّ هذا يرى أنّ وراءه مددا لقد ترككم ، ليقم إليه نفر منكم. فقام إليّ أربعة فصعدوا في الجبل. فلما أسمعتهم الصوت قلت : أتعرفوني؟ قالوا : ومن أنت؟ قلت : أنا ابن الأكوع ، والّذي كرّم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني.

قال رجل منهم : إنّي أظنّ ، يعني كما قال. فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتخلّلون الشجر ، وإذا أوّلهم الأخرم

__________________

(١) في ع : الرجل. والتصحيح من صحيح مسلم ٣ / ١٤٣٦ رقم ١٨٠٧.

(٢) ردأه وأردأه بالحجارة : رماه بها. وعبارة مسلم : أردّهم ٣ / ١٤٣٦.

(٣) أي يخفّفون من أثقالهم.

(٤) الضحاء : أكلة الضّحى ، ويتضحّى أي يأكل في هذا الوقت كما يقال يتغذّى ويتعشى.

(٥) البرح : الشدّة.


الأسدي ، وعلى إثره أبو قتادة ، وعلى إثره المقداد. فولّى المشركون. فأنزل من الجبل فأعرض للأخرم فآخذ عنان فرسه فقلت : يا أخرم أنذر القوم يعني احذرهم فإنّي لا آمن أن يقطعوك (١) ، فاتّئد حتى يلحق النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فقال : إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تحل بيني وبين الشهادة ، قال : فخلّيت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين ، فغفر الأخرم بعبد الرحمن ، فطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحوّل عبد الرحمن على فرس الأخرم فيلحق أبو قتادة به ، فاختلفا طعنتين ، فعقر بأبي قتادة ، وقتله أبو قتادة ، وتحوّل على فرس الأخرم. ثم خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار أصحابي شيئا.

ويعرضون قبل المغيب إلى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد ، فأرادوا أن يشربوا منه ، فأبصروني أعدو وراءهم ، فعطفوا عنه واشتدّوا في الثنيّة ، ثنيّة ذي دبر (٢) ، وغربت الشمس ، فألحق رجلا فأرميه فقلت : خذها وأنا ابن الأكوع. قال فقال : يا ثكل أمّي ، أكوعيّ بكرة (٣)؟ قلت : نعم يا عدوّ نفسه ، وكان الّذي رميته بكرة ، فاتبعته سهما آخر فعلق به سهمان. ويخلّفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على الماء الّذي حلّيتهم عنه (٤) ذو قرد ، فإذا نبيّ الله في خمسمائة ، وإذا بلال قد نحر جزورا ممّا خلّفت ، فهو يشوي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقلت : يا رسول الله خلّني فأنتخب (٥)

__________________

(١) في صحيح مسلم ٣ / ١٤٣٧ «يقتطعوك».

(٢) في ع : في البنية بنية ذي تبر : تصحيف والتصحيح من طبقات ابن سعد : (٢ / ٨٣) وقال ياقوت : ذات الدبر ثنيّة ، ولم يزد (معجم البلدان ٢ / ٤٣٧).

(٣) أكوعي بكرة : وردت في حديث مسلم «أكوعه بكرة» بالإضافة إلى ضمير الغائب ، وفي رواية «أكوعنا بكرة» بالإضافة إلى ضمير المتكلّمين ، ومعناها أأنت الأكوع الّذي كنت تتبعنا بكرة اليوم؟.

(٤) في ع جلبتهم عنه (بالمعجمة والتصحيح من صحيح مسلم ٣ / ١٤٣٨ وأصل حلّيتهم حلاتهم ، بالهمزة يقال حلّأت الرجل عن الماء إذا منعته منه).

(٥) في ع : فانتجز. والتصحيح من صحيح مسلم ٣ / ١٤٣٩.


من أصحابك مائة واحدة فآخذ على الكفّار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبر قال : أكنت فاعلا يا سلمة؟ قلت : نعم ، والّذي أكرمك. فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى رأيت نواجذه في ضوء النار. ثم قال : إنّهم يقرون الآن (١) بأرض غطفان. فجاء رجل من غطفان قال : مرّوا على فلان الغطفانيّ فنحر لهم جزورا ، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة (٢) فتركوها وخرجوا هرابا.

فلما أصبحنا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجّالتنا سلمة. وأعطاني سهم الراجل والفارس جميعا. ثم أردفني وراءه على العضباء (٣) راجعين إلى المدينة.

فلما كان بيننا وبينها قريبا من صحوة ، وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق ، فجعل ينادي : هل من مسابق؟ وكرّر ذلك. فقلت له : أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا؟ قال : لا ، إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قلت : يا رسول الله بأبي وأمي خلّني فلأسابقه. قال : إنّ شئت. قلت : اذهب إليك. فطفر (٤) عن راحلته ، وثنيت رجليّ فطفرت عن النّاقة. ثم إنّي ربطت عليه شرفا (٥) أو شرفين ، يعني استبقيت نفسي ، ثمّ إنّي غدوت حتى ألحقه فأصكّ بين كتفيه بيدي. قلت : سبقتك والله. فضحك وقال : أنا أظنّ. فسبقته حتى قدمنا المدينة.

أخرجه مسلم عن ابن أبي شيبة (٦) ، عن هاشم (٧).

* * *

__________________

(١) في ع : يقرون الأرض بأرض غطفان. والتصحيح من صحيح مسلم ٣ / ١٤٣٩ ويقرون :

يضافون.

(٢) في ع : غيرة. وعبارة مسلم ٣ / ١٤٣٩ «رأوا غبارا» ، والغبرة الغبار.

(٣) لقب ناقة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد مرّ ذكرها قبل الآن.

(٤) طفر : وثب وقفز.

(٥) ربطت عليه شرفا : أي حبست نفسي عن الجري الشديد : والشرف : ما ارتفع من الأرض.

(٦) في ع : عن شيخ. والتصحيح من صحيح مسلم.

(٧) صحيح مسلم (١٨٠٧) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة ذي قرد وغيرها (٣ / ١٤٣٣ ـ ١٤٤١)


قرأت على أبي الحسن عليّ بن عبد الغني الحرّاني بمصر ، وعلى أبي حسن علي بن أحمد الهاشمي بالإسكندرية ، وعلى أبي سعيد سنقر بن عبد الله بحلب ، وعلى أحمد بن سليمان المقدسيّ بقاسيون ، وأخبرنا محمد بن عبد السّلام الفقيه ، وأبو الغنائم بن محاسن ، وعمر بن إبراهيم الأديب ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أبي بكر بن روزبه.

ح وقرأت على أبي الحسين اليونيني (١) ، ومحمد بن هاشم العبّاسي ، وإسماعيل بن عثمان الفقيه ، ومحمد بن حازم ، وعليّ بن بقاء ، وأحمد بن عبد الله بن عزيز ، وخلق سواهم ، أخبرهم أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر ابن الزّبيدي ، قالوا : أنبأنا أبو الوقت السّجزيّ ، أنا أبو الحسن الدّراوردي ، أنا أبو محمد بن حمويه ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، ثنا مكّي بن إبراهيم ، ثنا يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة أنّه أخبره قال :

خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة ، حتى إذا كنت بثنيّة الغابة لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف قلت : ويحك ما بك؟ قال : أخذت لقاح النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قلت : من أخذها؟ قال : غطفان وفزارة. فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها : يا صباحا ، يا صباحاه. ثم اندفعت حتى ألقاهم وقد أخذوها ، فجعلت أرميهم وأقول :

أنا ابن الأكوع

واليوم يوم الرّضّع

فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا. فأقبلت بها أسوقها ، فلقيني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله إنّ القوم عطاش ، وإنّي أعجلتهم أن يشربوا

__________________

= وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٨٠ ـ ٨٤.

(١) اليونيني : نسبة إلى بلدة يونين القريبة من مدينة بعلبكّ.


سقيهم ، فابعث في أثرهم. فقال : يا بن الأكوع ملكت فأسجع ، إنّ القوم يقرون (١) في قومهم (٢).

* * *

مقتل ابن أبي الحقيق

وهو سلّام بن أبي الحقيق ، وقيل عبد الله بن أبي الحقيق اليهودي ، لعنه الله.

قال البكّائي ، عن ابن إسحاق (٣) : ولما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة ، وكان سلّام بن أبي الحقيق أبو رافع فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف. فاستأذنت الخزرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قتل ابن أبي الحقيق وهو بخيبر ، فأذن لهم.

وحدّثني الزّهري ، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : كان مما صنع الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنّ هذين الحيّين من الأنصار كانا يتصاولان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئا فيه غناء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي الإسلام. فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها. وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك.

ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا. فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كابن الأشرف ، فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر. فاستأذنوا رسول

__________________

(١) في ع : يعرفون والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٧١.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب من رأى العدوّ فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع النّاس.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٥.


الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج خمسة من بني سلمة : عبد الله ابن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبد الله بن أنيس ، وأبو قتادة بن ربعي ، وآخر هو أسود بن خزاعيّ (١) ، حليف لهم. فأمر عليهم ابن عتيك ، فخرجوا حتى قدموا خيبر ، فأتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا ، فلم يدعوا بيتا في الدار إلّا أغلقوه على أهله ، ثم قاموا على بابه فاستأذنوا ، فخرجت إليهم امرأته فقالت : من أنتم؟ قالوا : نلتمس الميرة. قالت : ذاكم صاحبكم ، فادخلوا عليه.

قال : فلما دخلنا عليه أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوّفا أن يكون دونه مجاولة (٢) تحول بيننا وبينه. قال : فصاحت امرأته فنوّهت بنا ، وابتدرناه وهو (٣) [٥٣ ب] على فراشه ، والله ما يدلّنا عليه في سواد البيت (٤) إلّا بياضه ، كأنّه قبطيّة (٥) ملقاة. فلما صاحت علينا جعل الرجل منّا يرفع سيفه عليها ثم يذكر نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل النساء ، فيكفّ يده. فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه ، وهو يقول : قطني قطني (٦) ، أي حسبي. قال : وخرجنا ، وكان ابن عتيك سيّئ

__________________

(١) في ع أسد بن خزاعيّ. والتصحيح من الإصابة (١ / ٤٢) وسمّاه ابن إسحاق : خزاعيّ بن الأسود (السيرة ٣ / ٢٩٥).

(٢) المجاولة : الممانعة والمدافعة.

(٣) إلى هنا ينتهي السقط الثاني الّذي أشرنا إليه في نسخة الأصل ، والّذي بدأ في أواخر الكلام عن غزوة الخندق. وقد أشرنا إليه في الهامش هناك.

(٤) في ع والسيرة ٣ / ٢٩٥ : «الليل».

(٥) القبطية : ثياب بيض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر تنسب إلى القبط.

(٦) يقال : قطني كذا وقطني من كذا أي حسبي. وقال بعضهم : إنّما هو قطي ودخلت النّون على حال دخولها في قدني. ومن العرب من يقول قطن فلانا أو فلان كذا ، أي يكفيه ، فيزيد نونا على قطّ وينصب بها ويخفض ويضيف إلى نفسه فيقول : قطني. (لسان العرب).


البصر فوقع من الدرجة ، فوثئت يده وثأ (١) شديدا وحملناه حتى نأتي منهرا (٢) من عيونهم فندخل فيه. فأوقدوا النّيران واشتدّوا في كلّ وجه يطلبوننا (٣) ، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه. فقلنا : كيف لنا بأن نعلم أنّه هلك؟ فقال رجل منّا : أنا أذهب فأنظر لكم. فانطلق حتى دخل في النّاس. قال : فوجدتها وفي يدها المصباح وحوله رجال وهي تنظر في وجهه وتحدّثهم وتقول : أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي فقلت : أنّي ابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ، ثم قالت : فاظ (٤) ، وإله يهود. فما سمعت من كلمة كانت ألذّ إليّ منها. قال : ثم جاء فأخبرنا بالخبر ، فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرناه واختلفنا في قتله ، فكلّنا يدّعيه. فقال : هاتوا أسيافكم. فجئناه بها ، فقال لسيف عبد الله بن أنيس : هذا قتله ، أرى فيه أثر الطّعام والشراب.

وقال زكريّا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع ، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم. أخرجه البخاري (٥).

وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أبي رافع رجالا من الأنصار ، عليهم عبد الله يعني ابن عتيك. وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويعين عليه. وكان في حصن له بأرض الحجاز. فلما دنوا وقد غربت الشمس وراح النّاس بسرحهم ، قال عبد الله لأصحابه :

__________________

(١) الوثء : وصم يصيب اللّحم ولا يبلغ العظم ، أو هو توجّع في العظم بلا كسر. ويقال في الدعاء : اللهمّ ثأ يده. (تاج العروس ١ / ٤٨١).

(٢) المنهر : شقّ في الحصن نافذ يجري منه الماء. (تاج العروس ١٤ / ٣١٦).

(٣) في الأصل «يطلبون» والتصحيح من البداية والنهاية لابن كثير ٤ / ١٣٨.

(٤) في الأصل : فاض. وأثبتنا رواية ع وسيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٦ ، وكلاهما بمعنى مات.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق (٥ / ٢٦).


اجلسوا مكانكم فإنّي منطلق فمتلطّف للبوّاب لعلّي أدخل. فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنّع بثوبه كأنّه يقضي حاجته. وقد دخل النّاس ، فهتف به البوّاب : يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل لأغلق. فدخلت فكمنت (١) ، فأغلق الباب وعلّق الأقاليد على ودّ (٢) ، فقمت ففتحت الباب.

وكان أبو رافع يسمر عنده وكان في علاليّ (٣). فلمّا أن ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه ، وجعلت كلّما فتحت بابا أغلقه عليّ من داخل ، وقلت : إنّ القوم نذروا بي لم يخلصوا إليّ حتى أقتله. فانتهيت إليه [٥٤ أ] فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله ، لا أدري أين هو من البيت. قلت : يا أبا رافع ، قال : من هذا؟ فأهويت نحو الصّوت فأضربه ضربة بالسيف ، وأنا دهش ، فما أغنى شيئا ، فصاح ، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ، ثم دخلت إليه فقلت : ما هذا الضّرب يا أبا رافع؟ قال : لأمّك الويل ، إنّ رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف. قال : فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله ، ثم وضعت صدر السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعلمت أنّي قد قتلته ، فجعلت أفتح الأبواب بابا فبابا حتى انتهيت إلى درجة ، فوضعت رجلي وأنا أرى أنّي قد انتهيت إلى الأرض ، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي ، فعصبتها بعمامتي ، ثم انطلقت حتى جلست عند الباب. فقال : لا أبرح الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا. فلما صاح الدّيك قام النّاعي على السّور فقال : أنعي أبا رافع. فانطلقت إلى أصحابي ، فقلت : النّجاء النّجاء ، فقد قتل الله أبا رافع. فانتهينا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحدّثناه فقال : ابسط رجلك. فبسطتها.

__________________

(١) في الأصل : فمكثت. والتصحيح من صحيح البخاري (٥ / ٢٧).

(٢) الأقاليد : جمع إقليد وهو المفتاح وردّ : الصنم المعروف. وفي رواية أخرى للبخاريّ : «علّق الأغاليق على وتد» (٥ / ٢٧).

(٣) علالي : بفتح العين وتخفيف اللام فألف ولام مكسورة ، فياء مشدّدة. جمع علّيّة ، بضم العين وكسر اللام المشدّدة ، أي الغرفة. (انظر شرح المواهب للزرقاني ٢ / ١٦٧).


فمسحها ، فكأنّما لم أشكها قطّ. أخرجه البخاري (١).

وأخرجه أيضا (٢) من حديث إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن جدّه عن البراء بنحوه. وفيه : ثم انطلقت إلى أبواب بيوتهم فغلّقتها عليهم من ظاهر. وفيه : ثم جئت كأنّي أغيثه وغيّرت صوتي ، وقلت : مالك يا أبا رافع. قال : ألا أعجبك ، دخل عليّ رجل فضربني بالسيف. قال : فعمدت له أيضا فأضربه ضربة أخرى فلم تغن شيئا ، فصاح وقام أهله ، ثم جئت وغيّرت صوتي كهيئة المغيث ، وإذا هو مستلق على ظهره ، فأضع السيف في بطنه ثم أتّكئ عليه حتى سمعت صوت العظم. ثم خرجت دهشا إلى السّلّم ، فسقطت فاختلعت رجلي فعصبتها. ثم أتيت أصحابي أحجل فقلت : انطلقوا فبشّروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنّي لا أبرح حتى أسمع النّاعية. فلما كان وجه الصّبح صعد النّاعية فقال : أنعي أبا رافع. فقمت أمشي ، ما بي قلبة (٣) ، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبشّرته.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود ، عن عروة قال : كان سلّام بن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب يدعوهم إلى قتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويجعل لهم الجعل العظيم. فبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه جماعة فبيّتوه ليلا.

وقال موسى بن عقبة في مغازيه : فطرقوا أبا رافع اليهوديّ بخيبر فقتلوه في بيته (٤).

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق (٥ / ٢٦ ، ٢٧).

(٢) البخاري ٥ / ٢٧ ، ٢٨.

(٣) القلبة : الدّاء والتعب. والمعنى أنه كان يمشي ولم يكن به ألم.

(٤) راجع البداية والنهاية لابن كثير ٤ / ١٣٩ ، ١٤٠.


قتل ابن نبيح الهذليّ

[قال] (١) ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود ، عن عروة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن أنيس السّلميّ إلى [خالد بن] (٢) سفيان بن نبيح الهذليّ ثم اللّحياني ليقتله وهو بعرنة وادي مكة (٣).

وقال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، [٥٤ ب] حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، عن عبد الله بن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه قال : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّه بلغني أنّ ابن نبيح الهذليّ يجمع النّاس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فأقتله. قلت : يا رسول الله انعته لي حتى أعرفه. قال : آية (٤) ما بينك وبينه أنّك إذا رأيته وجدت قشعريرة. فخرجت متوشّحا بسيفي ، حتى دفعت إليه في ظعن يرتاد بهنّ منزلا وقت العصر. فلما رأيته وجدت له ما وصف لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القشعريرة. فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصّلاة ، فصلّيت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي إيماء. فلما انتهيت إليه قال : من الرجل؟ قلت : رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاء لذلك. قال : أجل نحن في ذلك. فمشيت معه حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسّيف فقتلته ، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبّات (٥) عليه.

فلما قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أفلح الوجه. قلت : قد قتلته يا رسول الله. قال : صدقت. ثم قام بي فدخل بيته فأعطاني عصا ، فقال :

__________________

(١) ليست في الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٢) إضافة من سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٧ وسيشير إلى ذلك في آخر الخبر.

(٣) عرنة : قال ياقوت «واد بحذاء عرفات وقيل مسجد عرفة والمسيل كله» بضم العين. (معجم البلدان ٤ / ١١١).

(٤) في الأصل : إنه ، والتصحيح من ابن هشام (٤ / ٢٣٧).

(٥) في السيرة ٤ / ٢٣٨ «منكبات».


أمسك هذه عندك. فخرجت بها على النّاس. فقالوا : ما هذه العصا؟ فقلت : أعطانيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي. قالوا : أفلا ترجع فتسأله فرجعت فسألته : لم أعطيتنيها يا رسول الله؟ قال : آية بيني وبينك يوم القيامة ، إنّ أقلّ النّاس المتخصّرون يومئذ (١). قال : فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه ، حتى إذا مات أمر بها فضمّت معه في كفنه ، فدفنا جميعا.

رواه عبد الوارث بن سعيد ، عن ابن إسحاق فقال : إلى خالد بن سفيان الهذليّ.

وقال موسى بن عقبة : بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى سفيان بن عبد الله بن أبي نبيح الهذليّ.

* * *

__________________

(١) المستخصرون : الذين يتّخذون المخصرة وهي العصا.



غزوة بني المصطلق

وهي غزوة المريسيع

قال ابن إسحاق : غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني المصطلق من خزاعة ، في شعبان سنة ستّ. كذا قال ابن إسحاق (١).

وقال ابن شهاب وعروة : هي في شعبان سنة خمس.

وكذلك يروى عن قتادة.

وقاله أيضا الواقدي (٢) ، فقال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الإثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس ، وقدم المدينة لهلال رمضان.

قلت : وفيها حديث الإفك ، وقد تقدّم ذلك في سنة خمس. وهو الصّحيح.

* * *

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٦.

(٢) المغازي ٤٠٤.


سريّة نجد (١)

قيل إنّها كانت في المحرّم سنة ست

قال اللّيث بن سعد : حدّثني سعيد المقبري أنّه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال (٢) سيّد أهل اليمامة ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما عندك؟ قال : عندي [٥٥ أ] يا محمد خير ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى كان من الغد ، فقال : ما عندك يا ثمامة؟ قال : عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسيل تعط منه ما شئت. فقال : أطلقوه. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله. يا محمد ، والله ما كان على وجه الأرض أبغض إليّ من وجهك ، وقد أصبح وجعك أحبّ الوجوه كلّها إليّ. والله ما كان دين أبغض إليّ من دينك ، فأصبح دينك أحبّ الدّين كلّه إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك ، فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فما ذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمره أن يعتمر. فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت يا ثمامة. قال : لا ، ولكنّي أسلمت ، فو الله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حتى يأذن فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه (٣).

__________________

(١) ذكرها ابن كثير في بداية حوادث سنة ستّ من الهجرة ، وقال هي سرية محمد بن مسلمة قبل نجد (٤ / ١٤٩) وذكرها ابن هشام بعنوان : أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه. (٤ / ٢٤٥) وانظر تاريخ الطبري ٣ / ١٥٦.

(٢) أثال : بضم الهمزة. (الإكمال ١ / ١٧ بالهامش).

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال.


و (م) أيضا من حديث عبد الحميد بن جعفر عن المقبري ، به (١).

وخالفهما محمد بن إسحاق ، فيما روى يونس بن بكير عنه : حدّثني سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : كان إسلام ثمامة بن أثال أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا الله حين عرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما عرض له وهو مشرك ، فأراد قتله ، فأقبل معتمرا حتى دخل المدينة ، فتحيّر فيها حتى أخذ ، فأتي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد. وفيه : وإن تسأل مالا تعطه.

قال أبو هريرة : فجعلنا [نحن] (٢) المساكين نقول : ما نصنع بدم ثمامة؟ والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحبّ إلينا من دمه.

قلت : وهذا يدلّ على أنّ إسلام ثمامة كان بعد إسلام أبي هريرة ، وهو في سنة سبع. فذكر الحديث ، وفيه : فانصرف من مكة إلى اليمامة ، ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش ، فكتبوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام. وكانت اليمامة ريف مكة. قال : فأذن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

* * *

وفيها : كان من السّرايا ، على ما زعم الواقدي (٤).

__________________

= وصحيح مسلم (١٧٦٤) كتاب الجهاد والسير ، باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه. وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٥ ، والإصابة ١ / ٢٠٣ في ترجمة ثمامة.

(١) م : (اختصار مسلم) وقد خرّج الحديث في الباب السابق نفسه.

(٢) سقطت من الأصل ، ع. ولعلّ الوجه ما أثبتناه.

(٣) الإصابة ١ / ٢٠٣.

(٤) المغازي ٢ / ٥٥٠.


سرية عكّاشة بن محصن إلى الغمر

قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ربيع الأول أو الآخر عكّاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمر (١). وفيهم ثابت بن أقرم (٢) وشجاع (٣) بن وهب. فأسرعوا ، ونذر بهم القوم وهربوا. فنزل عكّاشة على مياههم وبعث الطلائع فأصابوا من دلّهم على بعض ماشيتهم ، فوجدوا مائتي بعير ، فساقوها إلى المدينة (٤).

[سريّة أبي عبيدة إلى ذي القصّة] (٥)

قال : وفيها بعث سريّة أبي عبيدة إلى [ذي] (٦) القصّة (٧) ، في أربعين رجلا ، فساروا ليلهم مشاة ووافوا ذا القصّة مع عماية الصّبح. فأغار عليهم وأعجزهم هربا في الجبال. وأصابوا رجلا فأسلم.

__________________

(١) الغمر : ماء من مياه بني أسد على ليلتين من فيد ، طريق الأول إلى المدينة (معجم البلدان ٤ / ٢١٢). وفي طبقات ابن سعد (٢ / ٨٤) أنه غمر مرزوق ، وهو في الطبري (٣ / ١٥٥) : الغمرة.

(٢) في الأصل و (ع) : ثابت بن أرقم ، تحريف تصحيحه من أسد الغابة لابن الأثير ١ / ٢٢٠ والإصابة ١ / ١٩٠ والاستيعاب ١ / ١٩١ وسيرة ابن هشام (٢ / ٣٧٩) ومغازي الواقدي (٢ / ٥٥٠).

(٣) في الأصل و (ع) : سباع. والتصحيح من أسد الغابة ٢ / ٣٨٦ والإصابة ٢ / ١٣٨ رقم ٣٨٤١ والاستيعاب ٢ / ١٦٠ وطبقات ابن سعد (٢ / ٨٥) ومغازي الواقدي (٢ / ٥٥٠) ونهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٠٣.

(٤) الطبقات الكبرى ٢ / ٨٥ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٣ ، ١٠٤ نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ ، عيون التواريخ ١ / ٢٤٧ ، تاريخ خليفة ٨٥.

(٥) العنوان في الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٨٦.

(٦) إضافة من طبقات ابن سعد ، وتاريخ الطبري ٢ / ٦٤١ و ٣ / ١٥٤ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٥٥٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٠٤ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٥ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ ، عيون التواريخ ١ / ٢٤٨.

(٧) ذو القصّة : موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا وهو طريق الرّبذة. كان يقطنه بنو ثعلبة وبنو عوال من ثعلبة. (معجم البلدان ٤ / ٣٦٦).


[سريّة محمد بن مسلمة إلى ذي القصّة] (١)

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم محمد بن مسلمة ، في عشرة ، فكمن القوم لهم حتى نام هو وأصحابه ، فما شعروا إلّا بالقوم. فقتل أصحاب محمد ، وأفلت هو جريحا (٢).

[سريّة زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم] (٣)

قال : وفيها كانت سريّة زيد بن حارثة [إلى بني سليم] (٤) بالجموم. فأصاب امرأة من مزينة ، يقال لها : حليمة ، فدلّتهم على مكان فأصابوا مواشي وأسراء منهم زوجها. فوهبها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسها وزوجها (٥).

[سريّة زيد بن حارثة إلى الطّرف] (٦)

وفيها سريّة زيد بن حارثة إلى الطّرف (٧) ، إلى بني ثعلبة في خمسة

__________________

(١) العنوان في طبقات ابن سعد ٢ / ٨٥.

(٢) هذه السرية سرية محمد بن مسلمة سابقة على سرية أبي عبيدة في رواية ابن سعد والواقدي ، والمقريزي في إمتاع الأسماع ، وابن سيّد الناس في عيون الأثر ٢ / ١٠٤ وعيون التواريخ ١ / ٢٤٨ ، أما نسخة ابن كثير في البداية والنهاية ففيها خلط بن سرية أبي عبيدة ومحمد بن مسلمة. (٤ / ١٧٨).

(٣) الجموم : أرض لبني سليم ناحية بطن نخل عن يسارها ، وبطن نخل من المدينة على أربعة برد. (معجم البلدان ٢ / ١٦٣ ، ١٦٤). والعنوان في طبقات ابن سعد ٢ / ٨٦.

(٤) إضافة من ابن سعد.

(٥) اكتفى ابن هشام بذكر الغزوة دون تفاصيل ٤ / ٢٣٤ ، وكذا فعل الطبري ٣ / ١٥٥ ، وانظر الخبر في طبقات ابن سعد ٢ / ٨٦ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٥٠٥ عيون الأثر ٢ / ١٠٥ ، ١٠٦ البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ عيون التواريخ ١ / ٢٤٨.

(٦) العنوان عن طبقات ابن سعد ٢ / ١٧ ، وهي عنده متأخرة عن سريّته إلى العيص.

(٧) الطرف : ماء قريب من المرقى ، وقيل المراض ، دون النّخيل على ستة وثلاثين ميلا من المدينة. (معجم البلدان ٤ / ٣١) وطبقات ابن سعد. وقال ابن إسحاق : الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق. (سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٦).


عشر رجلا. فهربت الأعراب وخافوا ، فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا. وغاب أربع ليال (١).

[سرية زيد بن حارثة إلى العيص] (٢)

وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى العيص (٣) ، في جمادى الأول ، وأخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص ، فاستجار بزينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأجارته (٤).

[سريّة زيد بن حارثة إلى حسمى] (٥)

وحدّثني موسى بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : أقبل دحية الكلبي من عند قيصر ، قد أجازه بمال. فأقبل حتى كان بحسمى (٦) ، فلقيه ناس من جذام ، فقطعوا عليه الطريق وسلبوه. فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يدخل بيته فأخبره. فبعث زيد بن حارثة إلى حسمى ، وهي وراء وادي القرى وكانت في جمادى الآخرة (٧).

__________________

(١) انظر عنها : ابن سعد ، والواقدي ٢ / ٥٥٥ ، والنويري ١٧ / ٢٠٦ ، وابن سيد الناس ٢ / ١٠٦ ، وابن كثير ٤ / ١٧٨ ، والكتبي ١ / ٢٤٩.

(٢) العنوان من الطبقات لابن سعد ٢ / ٨٧ وذكره قبل سريته إلى الطّرف.

(٣) العيص : قال ابن سعد : بينها وبين المدينة أربع ليال ، وبينها وبين ذي المروة ليلة.

(٤) ابن سعد ٢ / ٨٧ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٠٦ ، وعيون الأثر ٢ / ١٠٦ والبداية والنهاية ٤ / ١٧٨ وعيون التواريخ ١ / ٢٤٨.

(٥) العنوان من طبقات ابن سعد ٢ / ٨٨.

(٦) حسمى : بالكسرة ثم السكون ، مقصور. أرض ببادية الشام ، بينها وبين وادي القرى ليلتان ، وأهل تبوك يرون جبل حسمى في غربيّهم. وقيل هي لجذام جبال وأرض بين أيلة وجانب تيه بني إسرائيل الّذي يلي أيلة وبين أرض بني عذرة من ظهر حرّنهيا ، فذلك كلّه حسمى. (معجم البلدان ٢ / ٢٥٨ ، ٢٥٩).

(٧) انظر : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٥ ، المغازي للواقدي ٢ / ٥٥٥ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ٨٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٤١ ، ٦٤٢ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٧ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٦ ، ١٠٧ البداية والنهاية ٤ / ١٧٨ ، ١٧٩ ، عيون التواريخ ١ / ٢٤٩ ، ٢٥٠.


[سريّة زيد إلى وادي القرى] (١)

ثم سريّة زيد إلى وادي القرى (٢) في رجب (٣).

[سريّة عليّ بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك] (٤)

ثم قال : وحدّثني عبد الله بن جعفر ، عن يعقوب بن عتبة قال : خرج عليّ رضي‌الله‌عنه في مائة إلى فدك إلى حيّ من بني سعد بن بكر. ذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه عنهم أنّ لهم جمعا يريدون أن يمدّوا يهود خيبر. فسار إليهم اللّيل وكمن النّهار ، وأصاب عينا فأقرّ له أنّه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر (٥).

قال الواقدي (٦) : وذلك في شعبان.

[سريّة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل] (٧)

قال الواقدي : وفيها سريّة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أطاعوا فتزوّج ابنة ملكهم. فأسلم

__________________

(١) العنوان من الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٨٩.

(٢) وادي القرى : واد بين الشام والمدينة بين تيماء وخيبر فيه قرى كثيرة وبها سمّى وادي القرى.

(معجم البلدان ٥ / ٣٤٥).

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٥٥ نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٨ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٧ ، الواقدي ٢ / ٥٦٢.

(٤) فدك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان ، وقيل ثلاثة ، وهي مما أفاء الله على رسوله صلحا بعد غزوة خيبر ، وسيأتي تفصيل ذلك عند الكلام عن هذه الغزوة. والعنوان من الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٨٩.

(٥) تاريخ الطبري ٣ / ١٥٤ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٨٩ ، ٩٠ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٩ ، ١١٠.

(٦) المغازي ٢ / ٥٦٢.

(٧) العنوان من طبقات ابن سعد ٢ / ٨٩ وهي قبل سرية علي إلى فدك.


القوم ، وتزوّج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ ، والدة أبي سلمة (١) ، وكان أبوها ملكهم (٢).

[سريّة كرز بن جابر الفهري إلى العرنيّين] (٣)

وفي شوّال كانت سريّة كرز بن جابر الفهريّ إلى العرنيّين الذين قتلوا راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستاقوا الإبل. فبعثه في عشرين فارسا وراءهم.

وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس : أنّ رهطا من عكل وعرينة (٤) أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إنّا أناس من أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فاستوخمنا المدينة. فأمر لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذود وراع (٥) ، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من أبوالها وألبانها. فانطلقوا حتى إذا كانوا في ناحية [الحرّة] (٦) قتلوا راعي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستاقوا الذّود ، وكفروا [٥٦ أ] بعد إسلامهم. فبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلبهم ، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ، وتركهم في ناحية الحرّة حتى ماتوا وهم كذلك.

قال قتادة : فذكر لنا أنّ هذه الآية نزلت فيهم : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٧) الآية. قال قتادة : بلغنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان

__________________

(١) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المحدث الثقة الفقيه. ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من المدنيين. ترجمته في تهذيب التهذيب (١٢ / ١١٥).

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ٨٩ تاريخ الطبري ٣ / ١٥٨ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، البداية والنهاية ٤ / ١٧٩ ، عيون الأثر ٢ / ١٠٨ ، ١٠٩.

(٣) العنوان من الطبقات لابن سعد ٢ / ٩٣.

(٤) عكل : بطن من طابخة من العدنانية ، وهو اسم امرأة حضنت بني عوف بن وائل ابن عبد مناة فغلبت عليهم وسمّوا باسمها. وعرينة : حيّ من قضاعة من القحطانية (معجم قبائل العرب ٢ / ٧٧٦ و ٨٠٤).

(٥) في الأصل ، ع : بذود وزاد. والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٧٠. والذود : ثلاثة أبعرة إلى التسعة أو العشرة وقيل فوق ذلك.

(٦) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع والبخاري ٥ / ٧٠.

(٧) سورة المائدة : من الآية ٣٣.


يحثّ في خطبته بعد ذلك على الصّدقة وينهى عن المثلة. متّفق عليه (١).

وفي بعض طرقه : من عكل ، أو عرينة.

رواه شعبة ، وهمّام ، وغيرهما ، عن قتادة فقال : من عرينة ، من غير شكّ.

وكذلك قال حميد ، وثابت ، وعبد العزيز بن صهيب ، عن أنس.

وقال زهير : سماك بن حرب ، عن معاوية بن قرّة ، عن أنس : إنّ نفرا من عرينة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبايعوه ، وقد وقع في المدينة الموم ـ وهو البرسام (٢) ـ فقالوا : هذا الوجع قد وقع يا رسول الله ، فلو أذنت لنا فرحنا إلى الإبل. قال : فاخرجوا وكونوا فيها. فخرجوا ، فقتلوا أحد الراعيين وذهبوا بالإبل. وجاء الآخر وقد جرح ، قال : قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل. وعنده شبّان (٣) من الأنصار قريب من عشرين ، فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفا (٤) يقتصّ أثرهم. فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم. أخرجه مسلم (٥).

وقال أيّوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : قدم رهط من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة ، فذكره ، وفيه : فلم ترتفع الشمس حتى أتي بهم ،

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب قصّة عكل وعرينة (٥ / ٧٠ ، ٧١) وانظر : البداية والنهاية ٤ / ١٧٩ ، ١٨٠ ، عيون التواريخ ١ / ٢٥٣ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢١٣ ، ٢١٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٩٣.

(٢) الموم أو البرسام : ذات الجنب ، وهو التهاب في الغشاء المحيط بالرئة (المعجم الوسيط).

والموم فارسية بمعنى الشمع ، والبرسام فارسية كذلك مركبة من بر وهو الصدر وسام أي الالتهاب (أدى شير).

(٣) لفظ مسلم ٣ / ١٢٩٨ «شباب».

(٤) القائف : من يتبع الأثر.

(٥) صحيح مسلم (١٦٧١) كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والدّيات ، باب حكم المحاربين المرتدّين ٣ / ١٢٩٦ ـ ١٢٩٨.


فأمر بمسامير فأحميت لهم ، فكواهم (١) وقطع أيديهم وأرجلهم ، ولم يحسمهم (٢) وألقاهم في الحرّة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا. أخرجه البخاري (٣).

* * *

إسلام أبي العاص

مبسوطا

أسلم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصيّ العبشمي ، ختن (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابنته زينب ، أمّ أمامة ، في وسط سنة ست. واسمه لقيط ، قاله ابن معين والفلّاس. وقال ابن سعد : اسمه مقسم (٥) وأمّه هالة بنت خويلد خالة زوجته ، فهما أبناء خالة. تزوّج بها قبل المبعث ، فولدت له عليّا فمات طفلا ، وأمامة التي صلّى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو حاملها وهي التي تزوّجها عليّ بعد موت خالتها فاطمة رضي‌الله‌عنها وكان أبو العاص يدعى جرو البطحاء ، وأسر يوم بدر ، وكانت زينب بمكة.

قال يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، عن عائشة ،

__________________

(١) هكذا وردت في الأصل ، ورواية البخاري : فكحّلهم.

(٢) الحسم : قطع العرق ثم كيّه لئلّا يسيل دمه.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الحدود ، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة ، باب لم يسق المحاربون والمرتدّون حتى ماتوا ، وباب سمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعين المحاربين. ومثله في صحيح مسلم ، كتاب القسامة ، باب المحاربين والمرتدّين (١٦٧١).

(٤) الختن : الصهر.

(٥) هكذا في الأصل ، ع : مقسم ولم أجده في ابن سعد. وقد اختلف في اسمه فقيل : لقيط ، وهشيم ، ومهشم (أو مهشم) والقاسم ، وياسر (قال ابن حجر : وأظنّه محرّفا من ياسم). وقال البلاذري في أنساب الأشراف (١ / ٣٩٧) : والثبت أنّ اسمه لقيط. انظر عنه : نسب قريش ١٥٧ ، ١٥٨ تاريخ خليفة ١١٩ ، مشاهير علماء الأمصار رقم ١٥٦ ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم ١٦ و ٧٦ و ٧٨ و ١٢٠ ، أسد الغابة ٦ / ١٨٥ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، العبر ١ / ١٥ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٧٩ ، العقد الثمين ٧ / ١١٠ و ٨ / ٦٦ ، الإصابة ٤ / ١٢١ ـ ١٢٣ الاستيعاب ٤ / ١٢٥ ، ١٢٦.


قالت : فبعثت في فدائه بمال منه قلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها. فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القلادة رقّ لها وقال : «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الّذي لها فافعلوا» (١). ففعلوا. فأخذ عليه عهدا أن يخلي زينب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرّا.

وقال ابن إسحاق (٢) : فبعث رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة ورجلا [٥٦ ب] [من الأنصار] (٣) ، فقال : كونا ببطن يأجج (٤) حتى تمرّ بكما زينب. وذلك بعد بدر بشهر. قال : وكان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة (٥). وكان الإسلام قد فرّق بينه وبين زينب ، إلّا أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يقدر أن يفرّق بينهما.

قال يونس ، عن ابن إسحاق (٦) : حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال : خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام ، وكان رجلا مأمونا. فكانت معه بضائع لقريش. فأقبل فلقيته سرية للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستاقوا عيره وهرب. وقدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما أصابوا فقسمه بينهم. وأتى أبو العاص حتى دخل على زينب فاستجار بها ، وسألها أن تطلب له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّ ماله عليه. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السّريّة فقال لهم : إنّ هذا الرجل منّا حيث قد علمتم. وقد أصبتم له مالا ولغيره ممن كان معه ، وهو فيء ، فإن رأيتم أن تردّوا عليه فافعلوا ، وإن كرهتم فأنتم وحقّكم : قالوا : بل نردّه عليه. فردّوا

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسندة ٦ / ٢٧٦ ، وأبو داود (٢٦٩٢) من طريق ابن إسحاق ، وصحّحه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٣٦ وانظر سيرة ابن هشام ٣ / ٥٨.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٨.

(٣) إضافة من نهاية الأرب ١٧ / ٥٨.

(٤) يأجج : مكان من مكة على ثمانية أميال. (معجم البلدان ٥ / ٤٢٤).

(٥) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٧.

(٦) سيرة ابن هشام ٣ / ٥٩.


والله عليه ما أصابوا ، حتى إنّ الرجل ليأتي بالشّنّة ، والرجل بالإداوة (١) وبالجبل. ثم خرج حتى قدم مكة ، فأدّى إلى النّاس بضائعهم. حتى إذا فرغ قال : يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم معي مال؟ قالوا : لا فجزاك الله خيرا. فقال أما والله ما معنى أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلّا تخوّفا أن تظنّوا أنّي إنّما أسلمت لأذهب بأموالكم. فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسوله (٢).

وأما موسى بن عقبة فذكر أنّ أموال أبي العاص إنّما أخذها أبو بصير في الهدنة بعد هذا التاريخ.

وقال ابن نمير (٣) ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشّعبيّ ، قال قدم أبو العاص من الشّام ومعه أموال المشركين. وقد أسلمت امرأته زينب وهاجرت. فقيل له : هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال التي معك؟ فقال : بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. وكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدّي إلى كلّ ذي حق حقّه ، فيرجع ويسلم. ففعل. وما فرّق بينهما ، يعني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

وقال ابن لهيعة عن موسى بن جبير الأنصاريّ ، عن عراك بن مالك ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة أنّ بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل إليها زوجها أبو العاص أن خذي لي أمانا من أبيك. فأطلعت رأسها من باب

__________________

(١) الشنّة : القربة لخلقة الصغيرة. والإداوة : إناء صغير من جلد يتّخذ للماء.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ٦٩ ، ٦٠ ، نهاية الأرب ١٧ / ٦٠.

(٣) في الأصل : أبو نمير. والتصحيح من ع ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٩ / ٢٨٢).

(٤) ومن هذا الوجه عند أبي داود (٢٢٤٠) في الطلاق باب : إلى متى تردّ عليه امرأته إذا أسلم بعدها ، والترمذي (١١٤٣) في النكاح ، باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما. وروى ابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ ٧٠ ، ٧١ رقم ١٢ من طريق ابن عباس : «ردّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب ابنته على أبي العاص ابن الربيع على النكاح الأول بعد ست سنين».


حجرتها ، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصبح ، فقالت : أيّها النّاس أنا زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنّي قد أجرت أبا العاص. فلما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصّلاة قال : أيّها النّاس إنّي لا علم لي بهذا حتى سمعتموه ، ألا وإنّه يجير على النّاس أدناهم.

وقال ابن إسحاق (١) عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : ردّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٥٧ أ] ابنته على أبي العاص على النّكاح الأول بعد ستّ سنين.

وقال حجّاج بن أرطاة ، عن محمد بن عبيد الله العرزميّ (٢) ـ وهو ضعيف ـ ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردّها بمهر جديد ونكاح جديد.

قال الإمام أحمد : هذا حديث ضعيف ، والصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقرّها على النّكاح الأول.

وقال ابن إسحاق : ثم إنّ أبا العاص رجع إلى مكّة مسلما ، فلم يشهد مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مشهدا. ثم قدم المدينة بعد ذلك ، فتوفي في آخر سنة اثنتي عشرة.

* * *

سريّة عبد الله بن رواحة

إلى أسير بن زارم في شوّال

قيل إنّ سلّام بن أبي الحقيق لما قتل أمّرت يهود عليهم أسير بن رازم (٣)

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ / ٦٠.

(٢) العرزميّ : نسبة إلى عرزم. بطن من فزارة. (اللباب ٢ / ٣٣٤).

(٣) في ع : زارم. وفي ابن هشام ٤ / ٢٣٧ اليسير بن رزام ، ويقال ابن رازم. وفي مغازي الواقدي


فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فوجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن رواحة في ثلاثة سرّا ، فسأل عن خبره وغرّته فأخبره بذلك. فقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره. فندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثين رجلا ، فبعث عليهم ابن رواحة. فقدموا على أسير فقالوا : نحن آمنون نعرض عليك ما جئنا له؟ قال : نعم ، ولي منكم مثل ذلك. فقالوا : نعم. فقالوا : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك. فطمع في ذلك فخرج ، وخرج معه ثلاثون من اليهود ، مع كلّ رجل رديف من المسلمين. حتى إذا كانوا بقرقرة ثبار (١) ندم أسير فقال عبد الله بن أنيس ـ وكان في السّريّة ـ : وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري وقلت : غدرا ، أي عدوّ الله. فعل ذلك مرّتين. فنزلت فسقت بالقوم حتى انفردت إلى أسير فضربته بالسيف فأندرت (٢) عامّة فخذه ، فسقط وبيده مخرش (٣) فضربني فشجّني مأمومة (٤) ، وملنا على أصحابه فقتلناهم ، وهرب منهم رجل. فقدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : لقد نجّاكم الله من القوم الظّالمين (٥).

* * *

__________________

= / ٥٦٦ وإمتاع الأسماع للمقريزي : أسير بن زارم. وفي طبقات ابن سعد ٢ / ٩٢ «زارم» ، وفي تاريخ الطبري ٣ / ١٥٥ «تيسير بن رزام».

(١) كتبت في الأصل بغير إعجام وفي ع : تيار. والتصحيح من معجم البلدان ووفاء ألوفا في (ثبار) ، وهو موضع على ستة أميال من خيبر. وانظر الطبقات الكبرى ٢ / ٩٢.

(٢) ندر الشيء : سقط ، وأندرته : أسقطته.

(٣) المخرش : المحجن وهو عصا معوجّة الرأس.

(٤) الشجّة المأمومة : التي بلغت أمّ الرأس وهي الجلدة التي تجمع الدماغ.

(٥) الطبقات الكبرى ٢ / ٩٢ ، وانظر تاريخ الطبري ٣ / ١٥٥ ، وعيون الأثر ٢ / ١١١ ، وسيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٧.


قصّة غزوة الحديبيّة

وهي على تسعة أميال من مكّة

خرج إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذي القعدة سنة ست. قاله نافع ، وقتادة ، والزّهري ، وابن إسحاق ، وغيرهم. وعروة (١) في مغازيه (٢) ، رواية أبي الأسود.

وتفرّد عليّ بن مسهر ، عن هشام ، عن أبيه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى الحديبيّة في رمضان.

وكانت الحديبيّة في شوّال.

وفي الصّحيحين عن هدبة ، عن همّام ، ثنا قتادة ، أنّ أنسا أخبره أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر أربع عمر كلّهنّ في ذي القعدة ، إلّا العمرة التي مع حجّته : عمرة الحديبيّة في ذي القعدة ، وعمرة من العام المقبل ، وعمرة من الجعرانة ، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة ، وعمرة مع حجّته (٣).

__________________

(١) في طبعة القدسي ٣٣٤ «عروبة» وهو تصحيف.

(٢) المغازي ١٩٢.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الحجّ ، أبواب العمرة ، باب كم اعتمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٢ / ١٩٨ ، ١٩٩


وقال الزّهري ، عن عروة ، عن المسور بن مخرمة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عام الحديبيّة في بضع عشرة [٥٧ ب] مائة من أصحابه ، فلما كان بذي الحليفة (١) قلّد الهدي وأشعره وأحرم منها. أخرجه البخاري (٢).

وقال شعبة ، عن عمرو بن مرّة [حدّثني عبد الله] (٣) بن أبي أوفى ـ وكان قد شهد بيعة الرّضوان ـ قال : كنّا يومئذ ألفا وثلاثمائة. وكانت أسلم يومئذ ثمن المهاجرين. أخرجه مسلم (٤). وعلّقه البخاري في صحيحه (٥).

وقال حصين بن عبد الرحمن ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر قال : لو كنّا مائة ألف لكفانا ، كنّا خمس عشرة مائة. متّفق عليه (٦).

وخالفه الأعمش ، عن سالم عن جابر ، قال : كنّا أربع عشرة مائة ، أصحاب الشّجرة. اتّفقا أيضا عليه (٧).

وكأنّ جابرا قال ذلك على التقريب. ولعلّهم كانوا أربع عشرة مائة كاملة تزيد عددا لم يعتبره ، أو خمس عشرة مائة تنقض عددا لم يعتبره. والعرب

__________________

= وكتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ٥ / ٦١ ، ٦٢. وصحيح مسلم (١٢٥٣) ، كتاب الحج ، باب بيان عدد عمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(١) ذو الحليفة : قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال أو سبعة ، وهي ميقات أهل المدينة. (معجم البلدان ٢ / ٢٩٥).

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة. (٥ / ٦١ ، ٦٢).

(٣) سقطت من الأصل ع ، واستدركناها من الصحيحين وكتب الرجال.

(٤) صحيح مسلم (١٨٥٧) كتاب الإمارة باب استحباب مبايعة الإمام الجيش وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة ٣ / ١٤٨٥.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ٥ / ٦٣.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ٥ / ٦٣ وصحيح مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام إلخ. (٣ / ١٤٨٤).

(٧) صحيح البخاري وصحيح مسلم في الموضعين السابقين.


تفعل هذا كثيرا ، كما تراهم قد اختلفوا في سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاعتبروا تارة السّنة التي ولد فيها والتي توفّي فيها فأدخلوهما في العدد. واعتبروا تارة السّنين الكاملة وسكتوا عن الشهور الفاضلة.

ويبيّن هذا أنّ قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيّب : كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان؟ قال : خمس عشرة مائة. قلت : إنّ جابرا قال : كانوا أربع عشرة مائة. قال : يرحمه‌الله ، وهم. هو حدّثني أنّهم كانوا خمس عشرة مائة. أخرجه البخاري (١).

وقال عمرو بن دينار : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا يوم الحديبيّة ألفا وأربعمائة. فقال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنتم خير أهل الأرض. اتّفقا عليه من حديث ابن عيينة (٢).

وقال اللّيث ، عن أبي الزّبير ، عن جابر : كنّا يوم الحديبيّة ألفا وأربعمائة. صحيح (٣).

وقال الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر : نحرنا عام الحديبيّة سبعين بدنة ، البدنة عن سبعة. قلنا لجابر : كم كنتم يومئذ؟ قال : ألفا وأربعمائة بخيلنا ورجلنا (٤).

وكذلك قاله البراء بن عازب ، ومعقل بن يسار ، وسلمة بن الأكوع ، في أصحّ الروايتين ، والمسيّب بن حزم ، من رواية قتادة ، عن سعيد ، عن أبيه.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة (٥ / ٦٣).

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ٥ / ٦٣ ، وصحيح مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش ٣ / ١٨٨٤.

(٣) صحيح مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش ٣ / ١٤٨٣.

(٤) في الأصل : ورجالنا. والتصحيح من ع.


وقال معمر ، عن الزّهري ، عن عروة ، عن المسور ، ومروان بن الحكم ، يصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه ، قالا : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زمن الحديبيّة في بضع عشرة مائة من أصحابه. حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة. وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش. وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط (١) قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال : إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ قد جمعوا لك جموعا ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أشيروا عليّ. أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن لجّوا تكن عنقا (٢) قطعها [٥٨ أ] الله. أم ترون أن نؤمّ البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه؟ قال : أبو بكر : الله ورسوله أعلم ، إنّما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد ، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. قال : فروحوا إذا (٣).

قال الزّهري في الحديث : فراحوا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين. فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش (٤) ، فانطلق يركض نذيرا (٥) لقريش. وسار النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا كان بالثّنيّة (٦) التي يهبط عليهم منها بركت راحلته فقال النّاس : حل حل ، فألحت ، فقالوا : خلأت

__________________

(١) غدير الأشطاط على ثلاثة أميال من عسفان مما يلي مكة (وفاء ألوفا ٢ / ٣٥٢).

(٢) العنق : الجماعة من النّاس ، أو الكبراء والاشراف منهم. وعبارة البخاري ٥ / ٦٧ : «فإن يأتونا كان الله عزوجل قد قطع عينا من المشركين وإلّا تركناهم محروبين». والعين الجاسوس ، قال في التاج : أي كفى الله منهم من كان يرصدنا ويتجسّس أخبارنا.

(٣) انظر صحيح البخاري ٥ / ٦٧ كتاب المغازي باب غزوة الحديبيّة ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٢٠.

(٤) في الأصل : حتى إذا هو بصره الجيش. وأثبتنا نصّ البخاري. وقترة الجيش : غباره.

(٥) في الأصل : تدبرا ، تصحيف.

(٦) هي ثنيّة المرار كما في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٥.


القصواء خلأت القصواء (١). قال : فرحوا إذا (٢)

قال الزّهري : قال أبو هريرة : ما رأيت أحدا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال المسور ومروان في حديثهما : فراحوا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش ـ رجع الحديث إلى موضعه ـ قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل (٣)». ثم قال : «والّذي نفسي بيده لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها». ثم زجرها فوثبت به. قال : فعدل حتى نزل بأقصى الحديبيّة على ثمد (٤) قليل الماء ، إنّما يتبرّضه النّاس تبرّضا (٥) ، فلم يلبّثه النّاس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العطش. فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم [أن يجعلوه فيه ، فو الله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتى صدروا] (٦) عنه.

فبينما هم كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة ، وكانوا عيبة نصح (٧) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل تهامة. فقال : إنّي تركت كعب ابن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد (٨) مياه الحديبيّة ، معهم العوذ

__________________

(١) حل حل : كلمة زجر لإناث الإبل. وألحت : حرنت. وخلأت النّاقة : إذا بركت وحرنت من غير علّة فلم تبرح مكانها. والقصواء : لقب ناقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) نهاية الأرب ١٧ / ٢٢١.

(٣) حابس الفيل : أي حبسها الله عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها.

(٤) الثمد : الماء القليل ، أو الحفرة في الأرض يكون فيها الماء القليل. (شرح المواهب ٢ / ١٨٥).

(٥) يتبرّضه الناس تبرّضا : أي يأخذونه قليلا قليلا. من البرض وهو الماء القليل : ضد الغمر.

(٦) سقطت من الأصل ، ع واستدركناها من صحيح البخاري ٣ / ١٧٨ ، ١٧٩ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٢٢ ، وشرح المواهب ٢ / ١٨٥ وتاريخ الطبري ٢ / ٦٢٥.

(٧) عيبة نصح رسول الله ، أي خاصته وأصحاب سرّه.

(٨) الأعداد : جمع عد وهو الماء الجاري الّذي له مادة لا تنقطع كماء العين والبئر.


المطافيل (١) ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّا لم نجيء لقتال أحد ولكنّا جئنا معتمرين ، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس (٢) ، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا ، وإلّا فقد جمّوا (٣) ، وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي (٤) أو لينفذنّ الله أمره. فقال بديل : سأبلّغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا فقال : إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا ، فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا في أن تحدّثنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم : هات ما سمعته. قال : سمعته يقول كذا وكذا. فحدّثهم بما قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقام عروة بن مسعود الثّقفي فقال : أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا : بلى. قال : ألست بالولد؟ قالوا : بلى. قال : هل تتّهموني؟ قالوا : لا. قال : ألستم تعلمون أنّي استنفرت أهل عكاظ فلما بلّحوا عليّ (٥) [٥٧ ب] جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا : بلى. قال : فإنّ هذا قد عرض عليكم خطّة رشد ، فاقبلوها ودعوني آته. قالوا : ائته. فأتاه فجعل يكلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال نحوا من قوله لبديل. فقال : أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى

__________________

(١) العوذ : الناقة ذات اللبن ، والمطافيل : الأمهات اللاتي معها أطفالها ، والمراد أنهم خرجوا بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام ليكون أدعى إلى عدم الفرار. (شرح المواهب ٢ / ١٨٧).

(٢) في نهاية الأرب ١٧ / ٢٢٣ إضافة «فإن أظهر» وفي شرح المواهب اللدنيّة ٢ / ١٨٧ ، ١٨٨ «إن شاءوا فإن أظهر».

(٣) جمّوا : استراحوا من جهد الحرب.

(٤) السالفة : صفحة العنق ، وكنّي بانفرادها عن الموت لأنّها لا تنفرد عمّا يليها إلّا بالموت ، وقيل أراد حتى يفرّق بين رأسي وجسدي (التاج).

(٥) بلّحوا عليّ : أبوا وامتنعوا.


فو الله إنّي لأرى وجوها وأرى أوباشا (١) من النّاس خلقا أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر رضي‌الله‌عنه : امصص بظر اللّات (٢). أنحن نفرّ عنه وندعه؟ قال : من ذا؟ قال أبو بكر. قال : والّذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال : وجعل يكلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كلّما كلّمه أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه السيف وعليه المغفر ، فكلّما أهوى عروة إلى لحية النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ضرب يده بنعل السّيف وقال : أخّر يدك. فرفع رأسه فقال : من هذا؟ قالوا : المغيرة بن شعبة. فقال : أي غدر ، أو لست أسعى في غدرتك؟ قال : وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمّا الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء (٣).

ثم إنّ عروة جعل يرمق صحابة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فو الله ما تنخّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم بأمر ابتدروه ، وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدّون (٤) إليه النّظر تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك ، وفدت على قيصر وكسرى والنّجاشيّ ، والله إن رأيت ملكا قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمد محمدا (٥). والله إن تنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده. وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على

__________________

(١) الأوباش : الاخلاط والسّفلة. ومثلها الأوشاب والأشواب ، وهما نصّ البخاري ٣ / ١٧٩.

(٢) جاء في شرح نهاية الأرب ١٧ / ٢٢٤ (٥) أقام أبو بكر رضي‌الله‌عنه معبود عروة ، وهو صنمه اللات مقام أمه لأن عادة العرب الشتم بلفظ الأم ، فأبدله الصدّيق باللات ، فنزّله منزلة امرأة تحقيرا لمعبوده.

(٣) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٦ ، ٢٧ ، والبداية والنهاية ٤ / ١٦٦ ، ١٦٧.

(٤) يحدّون : يحدّقون.

(٥) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٧ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٢٥ ، ٢٢٦.


وضوئه ، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده ، ولا يحدّون إليه النّظر تعظيما له ، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها (١). فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته. فقالوا : ائته. فلمّا أشرف على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا فلان وهو من قوم يعظّمون البدن (٢) ، فابعثوها له. فبعثت له. واستقبله القوم يلبّون. فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت (٣) ، فلما رجع إلى أصحابه قال : رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال : دعوني آته. فقالوا : ائته. فلما أشرف عليهم قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله [٤٩ أ] عليه وسلّم : هذا مكرز وهو رجل فاجر. فجعل يكلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فبينا هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو.

قال معمر : وأخبرني أيّوب ، عن عكرمة أنّه قال : لما جاء سهيل قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سهّل لكم من أمركم (٤).

قال الزّهري في حديثه : فجاء سهيل بن عمرو فقال : هات اكتب بيننا وبينك كتابا. فدعا الكاتب فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم». فقال سهيل : أمّا الرحمن فو الله ما أدري ما هو ، ولكن اكتب [باسمك اللهمّ] (٥) كما كنت تكتب. فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلّا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب باسمك اللهمّ» ثم قال : «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله». فقال سهيل : والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن أكتب محمد بن

__________________

(١) انظر نهاية الأرب ١٧ / ٢٢٦.

(٢) البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة ، وهي بالإبل أشبه.

(٣) حتى هنا انظر تاريخ الطبري ٢ / ٦٢٦ ، ٦٢٧.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٦٢٩.

(٥) الإضافة من البداية والنهاية ٤ / ١٦٨ وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٨.


عبد الله. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني ، أكتب محمد بن عبد الله.

قال الزّهري : وذلك لقوله لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها.

فقال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف. فقال : والله لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة (١) ، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب. فقال سهيل : على أنّه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا. فقال المسلمون : سبحان الله كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو [يوسف] (٢) في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل : وهذا أول ما أقاضيك عليه أن تردّه. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّا لم نقض الكتاب بعد. قال : فو الله إذا لا نصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فأجره لي. قال : ما أنا بمجيره لك. قال : بلى ، فافعل قال : ما أنا بفاعل. قال مكرز : بلى قد أجرناه. قال أبو جندل : معاشر المسلمين أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما ، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله.

فقال عمر : والله ما شككت منذ أسلمت إلّا يومئذ (٣) ، فأتيت النّبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ، ألست نبيّ الله؟ قال : «بلى» قلت : ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال : «بلى» قلت : فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال : «إنّي رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري». قلت : أو لست

__________________

(١) الضغطة : الضّيق والإكراه والشدّة.

(٢) ليست في الأصل : وأثبتناها من ع. والبداية والنهاية ٤ / ١٦٩.

(٣) في المغازي للواقدي ٢ / ٦٠٧ «ارتبت ارتيابا لم أرتبه منذ أسلمت».


كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف حقّا؟ قال : «بلى ، أفأخبرتك (١) أنّك تأتيه العام؟ قلت : لا. قال : فإنّك آتيه ومطوّف به. قال : فأتيت أبا بكر فقلت : يا أبا بكر أليس هذا نبيّ الله حقّا؟ قال : بلى. قلت : ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال : بلى. قلت : فلم نعطي الدّنيّة في ديننا إذا؟ قال : أيّها الرجل إنّه رسول الله وليس يعصي الله [٥٩ ب] وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه (٢) حتى تموت. فو الله إنّه لعلى الحقّ. قلت : أو ليس كان يحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال : بلى فأخبرك أنّك تأتيه العام؟ قلت : لا. قال : فإنّك آتيه ومطوّف به (٣).

قال : الزّهري. قال عمر : فعملت ملك أعمالا.

فلما فرغ من قضيّة الكتاب قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال : فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ثلاث مرّات. فلما لم يقم منهم [أحد] (٤) ، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من النّاس. فقالت : يا نبيّ الله أتحبّ ذلك؟ خرج ثمّ لا تكلّم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك ، ثم تدعو بحالقك فيحلقك. فقام فخرج فلم يكلّم أحدا حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا. ثم جاء نسوة مؤمنات ، وأنزل الله : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) حتى بلغ (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ

__________________

(١) في الأصل ، ع : أنا أخبرتك. ولعلّ الوجه ما أثبتناه هو عبارة البخاري في بعض الأصول وفي نهاية الأرب ١٧ / ٢٣٠ «هل أخبرتك».

(٢) الغرز : الركاب. واستمسك بغرزة أي اعتلق به واتّبعه ولا تخالفه.

(٣) صحيح البخاري ٣ / ١٨٢.

(٤) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع والبخاري ٣ / ١٨٢ والبداية والنهاية ٤ / ١٧٦ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٣٣.


الْكَوافِرِ) (١). فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانت له في الشّرك ، فتزوّج إحداهما معاوية ، والأخرى صفوان بن أميّة (٢).

ثم رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، فجاءه أبو بصير (٣) ، رجل من قريش ، وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا : العهد الّذي جعلت لنا. فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمر لهم. فقال أبو بصير لأحد الرّجلين. والله إنّي لأرى سيفك هذا جيّدا حدّا. فاستلّه الآخر فقال : أجل (٤) ، والله إنّه لجيّد ، لقد جرّبت به ثم جرّبت. فقال أبو بصير : أرني إليه. فأمكنه منه فضربه حتى برد. وفرّ الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو ، فقال للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قتل والله صاحبي وإنّي لمقتول. قال : فجاء أبو بصير فقال : يا نبيّ الله قد أوفى [الله] (٥) ذمّتك ، والله قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله بسيفهم. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ويل أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ (٦) لو كان له أحد». فلما سمع ذلك عرف أنه سيردّه إليهم. فخرج حتى أتى سيف البحر. وينفلت (٧) منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلّا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة.

__________________

(١) سورة الممتحنة : من الآية ١٠.

(٢) صحيح البخاري ٣ / ١٨٢.

(٣) قال النويري في نهاية الأرب ١٧ / ٢٤٤ : اختلف في اسمه ، فقيل عبيد بن أسيد بن جارية ، وقال ابن إسحاق : عتبة بن أسيد بن جارية ، وعن أبي معشر قال : اسمه عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد.

(٤) في الأصل ، ع : الرجل وأثبتنا نصّ البخاري ٣ / ١٨٣.

(٥) زيادة من البخاري ٣ / ١٨٣ يقتضيها السياق.

(٦) المسعر : موقد نار الحرب. يقال هو مسعر حرب إذا كان يؤرثها ، أي تحمى به الحرب. أما عبارة ابن هشام ٤ / ٣١ فهي «محش حرب» وتاريخ الطبري ٢ / ٦٣٩.

(٧) في طبعة القدسي ٣٤٤ «ينفتل» والتصويب من صحيح البخاري ٣ / ١٨٣.


قال : فو الله لا يسمعون بعير لقريش خرجت (١) إلى الشام إلّا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تناشده الله (٢) والرّحم لما أرسل إليهم ، فمن أتاه منهم فهو آمن. فأرسل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم فأنزل : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) حتى بلغ (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) (٣). وكانت حميّتهم أنّهم لم يقرّوا بنبيّ الله ولم يقرّوا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحالوا بينهم وبين الموت. أخرجه البخاري ، عن المسندي ، عن عبد الرزّاق ، عن معمر ، بطوله (٤).

وقال قرّة ، عن أبي الزّبير ، عن جابر ، عن النّبيّ صلّى الله [٦٠ أ] عليه وسلّم قال : من يصعد الثّنيّة ، ثنيّة المرار (٥) ، فإنّه يحطّ عنه ما حطّ عن بني إسرائيل. فكان أوّل من صعد خيل بني الخزرج. ثم تبادر النّاس بعد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كلّكم مغفور له إلّا صاحب الجمل الأحمر. فقلنا : تعالى يستغفر لك رسول الله. قال : والله لأن أجد ضالّتي أحبّ إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم. وإذا هو رجل ينشد ضالّة.

أخرجه مسلم (٦).

وقال (٧) عبيد (٨) الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعدّ

__________________

(١) العبارة عند البخاري «بعير خرجت لقريش إلى الشام».

(٢) هكذا في الأصل ، وعند البخاري «بالله».

(٣) سورة الفتح : الآيات ٢٤ ـ ٢٦.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط ٣ / ١٧٨ ـ ١٨٣.

(٥) ثنيّة المرار : من نواحي مكة وهي مهبط الحديبيّة (المغانم المطابة : ٨٥).

(٦) صحيح مسلم : كتاب صفات المنافقين وأحكامهم. رقم (٢٨٨٠) ٤ / ٢١٤٤ ، ٢١٤٥.

(٧) في الأصل : وقال خ. وأحسبها مقحمة فليس هنا مكانها.

(٨) في الأصل ، ع : عبد الله والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٦٢ وتهذيب التهذيب (٧ / ٥٠).


الفتح بيعة الرّضوان يوم الحديبيّة. كنّا مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبيّة ، بئر ، فنزحناها فما تركنا (١) فيها قطرة. فبلغ ذلك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء منها فتوضّأ ثم تمضمض ودعا ثم صبّه فيها فتركها (٢) غير بعيد ، ثم إنّها أصدرتنا (٣) نحن وركابنا. أخرجه خ (٤).

وقال عكرمة بن عمّار ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه قال : قدمنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحديبيّة ، ونحن أربع عشرة مائة ، وعليها خمسون شاة ما ترويها. فقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جباها (٥) ، فإمّا دعا وإمّا بزق فيها فجاشت فسقتنا وأسقينا. أخرجه مسلم (٦).

وقال البكّائي : قال ابن إسحاق (٧) : حدّثني الزّهري ، عن عروة ، عن مسور ، ومروان بن الحكم أنّهما قالا : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبيّة يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالا. وساق معه للهدي سبعين بدنة ، وكان النّاس سبعمائة رجل ، فكانت كلّ بدنة عن عشرة نفر.

قال ابن إسحاق (٨) : وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني يقول : كنّا أصحاب الحديبيّة أربع عشرة مائة.

قلت : قد ذكرنا عن جماعة من الصّحابة كقول جابر.

__________________

(١) عبارة البخاري «فلم نترك».

(٢) عند البخاري «فتركناها».

(٣) عند البخاري «أصدرنا ما شئنا».

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ٥ / ٦٢.

(٥) الجبا : ما حول البئر ، أو الحوض الّذي يجيء فيه الماء ، وقيل ما حول الحوض. ولفظ مسلم «جبا الركيّة» ٣ / ١٤٣٣.

(٦) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة قرد وغيرها. لفظه : «فسقينا واستقينا».

(١٨٠٧) ـ ج ٣ / ١٤٣٣.

(٧) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٥.

(٨) السيرة ٤ / ٢٥.


ثم ساق ابن إسحاق ، حديث الزّهري بطوله ، وفيه ألفاظ غريبة ، منها ، وجعل عروة بن مسعود يكلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمغيرة واقف على رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديد. قال : فجعل يقرع يد عروة إذا تناول لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقول : اكفف يدك عن لحية (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [قبل] (٢) أن لا تصل إليك. فيقول عروة : ويحك ما أفظّك وأغلظك. قال : فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال عروة : من هذا يا محمد؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. قال : أي غدر ، وهل غسلت سوأتك إلّا بالأمس؟

قال ابن هشام (٣) : أراد عروة بقوله هذا أنّ المغيرة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من (٤) ثقيف ، فتهايج (٥) الحيّان من ثقيف [بنو مالك] (٦) المقتولين ، والأحلاف رهط المقتولين ، والأحلاف رهط المغيرة [٦٠ ب] ، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية ، وأصلح الأمر.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود ، قال عروة : [و] (٧) خرجت قريش من مكة ، فسبقوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بلدح (٨) وإلى الماء ، فنزلوا عليه ، فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قد سبق نزل على الحديبيّة ، وذلك في حرّ شديد وليس بها إلّا بئر واحدة ، فأشفق القوم من الظّمإ وهم كثير ، فنزل فيها رجال يمتحونها ، ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدلو من ماء فتوضّأ في الدّلو ومضمض فاه ثم

__________________

(١) في السيرة «وجه» بدل «لحية».

(٢) ليست في الأصل ، ع ، وزدناها من سيرة ابن هشام.

(٣) السيرة ٤ / ٢٧.

(٤) في الأصل ، ع : بن والتصحيح من سيرة ابن هشام (٤ / ٢٧).

(٥) في طبعة القدسي ٣٤٧ «فمتهايج».

(٦) زيادة من السيرة.

(٧) زيادة من ع.

(٨) بلدح : واد قبل مكة من جهة المغرب (معجم البلدان ١ / ٤٨٠).


مجّ فيه ، وأمر أن يصبّ في البئر ، ونزع سهما من كنانته فألقاه في البئر ودعا الله تعالى ، ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها ، وهم جلوس على شفتها. وقد كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلك على غير الطريق التي بلغه أنّ قريشا بها.

قال ابن إسحاق (١) : فحدّثني عبد الله بن أبي بكر ، أنّ رجلا من أسلم قال : أتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فسلك بهم طريقا وعرا «أرجل (٢) بين (٣) شعاب ، فلما خرجوا منه وقد شقّ ذلك على المسلمين ، وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قولوا «أستغفر الله ونتوب إليه» فقالوا : ذلك. فقال : «والله إنّها للحطّة (٤) التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها».

قال عبد الملك بن هشام (٥) : فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس فقال : «اسلكوا ذات اليمين بين ظهري المحمص (٦) في طريق تخرجه على ثنيّة المرار ، مهبط الحديبيّة من أسفل مكة» فلما رأت قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش.

وقال شعبة ، وغيره ، عن حصين ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قلت لجابر : كم كنتم يوم الشّجرة؟ قال : كنّا ألفا وخمس مائة : وذكر عطشا

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٥.

(٢) في الأصل : أحزل. تصحيف والتصحيح من السيرة. وأجرل : صلب غليظ. يقال : أرض جرلة أي فيها حجارة وغلظ. والجرول الأرض ذات الحجارة ، أو هي الحجارة ذاتها.

(٣) في الأصل : من. والتصحيح من سيرة ابن هشام (٤ / ٢٥).

(٤) الحطّة : من قوله تعالى لبني إسرائيل (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي احطط عنّا خطايانا.

(٥) السيرة ٤ / ٢٥.

(٦) هكذا في الأصل ، ع ، ورواية ابن هشام في السيرة ، الحمش ٤ / ٢٥.


أصابهم ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بماء في تور (١) فوضع يده فيه ، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنّه العيون ، فشربنا ووسعنا وكفانا (٢) ، ولو كنّا مائة ألف لكفانا.

وقد أخرجه البخاري من وجه آخر عن حصين (٣).

وقال أبو عوانة ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح العنزي قال : قال جابر ابن عبد الله : غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونحن يومئذ أربع عشرة مائة ، فحضرت الصّلاة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل في القوم من طهور؟ فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره ، فصبّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قدح ثم توضّأ ، ثم انصرف وترك القدح. قال : فركب النّاس ذلك القدح وقالوا : تمسّحوا تمسّحوا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «على رسلكم» ، حين سمعهم يقولون ذلك. قال : فوضع كفّه في الماء والقدح وقال : «سبحان الله». ثم قال : «أسبغوا الوضوء». فو الّذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون [٦١ ب] عيون الماء تخرج من بين أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يرفعها حتى توضّئوا أجمعون. رواه مسدّد عنه.

وقال عكرمة بن عمّار العجليّ ، ثنا إياس بن سلمة ، عن أبيه قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة ، فأصابنا جهد ، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا. فأمر نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجمعنا مزاودنا (٤) فبسطنا له نطعا (٥) ، فاجتمع زاد القوم على النّطع. فتطاولت لأحرزكم هو؟ فحزرته كربضة العنز (٦) ونحن

__________________

(١) التور : إناء تشرب فيه العرب (لسان العرب ـ مادة تور).

(٢) في طبقات ابن سعد ٢ / ٩٨ زيادة «قال : قلت كم كنتم؟ قال :».

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبة ٥ / ٦٣ وانظر الطبقات الكبرى ٢ / ٩٨.

(٤) المزاود : جمع مزود وهو الوعاء الّذي يجعل فيه الزاد.

(٥) النّطع : البساط أو السّفرة من الأديم.

(٦) ربضة العنز (بفتح الراء وكسرها) : أي قدر جسمها إذا ربضت.


أربع عشرة مائة. قال : فأكلنا حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا. ثم قال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل من وضوء؟ فجاء رجل بإداوة له ، فيها نطفة فأفرغها في قدح. فتوضّأنا كلّنا ، ندغفقه (١) دغفقة ، أربع عشرة مائة. قال : ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا : هل من طهور؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فرغ الوضوء». أخرجه مسلم (٢).

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : قال ابن عبّاس : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبيّة كلّمه بعض أصحابه فقالوا : جهدنا وفي النّاس ظهر (٣) فانحره. فقال عمر : لا تفعل يا رسول الله فإنّ النّاس إن يكن معهم بقيّة ظهر أمثل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ابسطوا أنطاعكم وعباءكم. ففعلوا. ثم قال : من كان عنده بقيّة من زاد وطعام فلينثره. ودعا لهم ثم قال : قرّبوا أوعيتكم. فأخذوا ما شاء الله. يحدّثه نافع بن جبير.

وقال يحيى بن سليم الطّائفي ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الطّفيل ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل مرّ [الظّهران] (٤) في صلح قريش قال أصحابه : لو انتحرنا يا رسول الله من ظهورنا فأكلنا من لحومها وشحومها وحسونا من المرق أصبحنا غدا إذا عدونا عليهم وبنا جمام (٥). قال : [لا] (٦) ، ولكن ائتوني بما فضل من أزوادكم. فبسطوا أنطاعا ثم صبّوا عليها فضول أزوادهم. فدعا لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبركة ، فأكلوا حتى تضلّعوا شبعا ، ثم لفّفوا فضول ما فضل من أزوادهم في جربهم.

__________________

(١) دغفق الماء : إذا صبّه كثيرا. (لسان العرب ـ دغفق).

(٢) صحيح مسلم (١٧٢٩) : كتاب اللّقطة ، باب استحباب خلط الأزواد إذا قلّت والمؤاساة فيها.

(٣) الظهر : الإبل التي يحمل عليها وتركب. (لسان العرب ـ ظهر).

(٤) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع.

(٥) الجمام : الراحة.

(٦) سقطت من الأصل.


[وقال] (١) ، مالك ، عن إسحاق [بن عبد الله] (٢) بن أبي طلحة ، عن أنس قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحانت صلاة العصر والتمسوا الوضوء ، فلم يجدوه. فأتي بوضوء ، فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده في ذلك الإناء وأمر النّاس أن يتوضّئوا منه. قال : فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه. فتوضّأ النّاس حتى توضّئوا من عند آخرهم. متّفق عليه (٣).

وقال حمّاد بن زيد : ثنا ثابت ، عن أنس ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح (٤) فجعل القوم يتوضّئون. فحزرت ما بين السبعين (٥) إلى الثمانين من توضّأ منه ، فجعلت انظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. متّفق عليه (٦).

وقال عبد الله بن بكر : نا حميد عن أنس قال : حضرت الصّلاة ، فقام من كان قريب الدار إلى أهله يتوضّأ [٦١ ب] وبقي قوم. فأتي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمخضب (٧) من حجارة فيه ماء ، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفّه فتوضّأ القوم. قلنا : كم هم؟ قال : ثمانون وزيادة ، أخرجه البخاري (٨). وجاء أنّهم كانوا بقباء.

__________________

(١) ليست في الأصل ، وزدناها من ع.

(٢) زيادة في اسمه من البخاري ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (١ / ٢٣٩).

(٣) صحيح البخاري : كتاب المناقب ، باب علامات النبوّة في الإسلام ، وصحيح مسلم (٢٢٧٩) كتاب الفضائل ، باب في معجزات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) رحراح : ويقال له رحرح ، وهو الواسع القصير الجدار.

(٥) عند مسلم «الستين».

(٦) صحيح البخاري : كتاب الوضوء ، باب الوضوء من التور ١ / ٥٧ ، ٥٨ وصحيح مسلم (٢٢٧٩) كتاب الفضائل ، باب في معجزات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) المخضب : إناء يشبه الإجّانة التي تغسل فيها الثياب.

(٨) صحيح البخاري : كتاب الوضوء ، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة (١ / ٥٧).


وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بالزّوراء (١) [مع أصحابه] (٢) يتوضّئون. فوضع كفّه في الماء ، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى توضّئوا. فقلنا لأنس : كم كنتم؟ قال : زهاء ثلاث مائة.

أخرجه مسلم (٣) ، والبخاري أيضا بمعناه (٤) ، والزّوراء بالمدينة عند السوق والمسجد.

وقال أبو عبيد الرحمن المقري : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، حدّثني زياد ابن نعيم الحضرميّ ، سمعت زياد بن الحارث الصّدائي (٥) قال : بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر حديثا فذكر حديثا طويلا منه : فوضع كفّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الماء فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور. فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو لا أن استحيي من ربّي لسقينا واستقينا. عبد الرحمن ضعيف (٦).

وهذه الأحاديث تدلّ على البركة في الماء غير مرّة.

وقال إسرائيل : عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله

__________________

(١) الزوراء : موضع عند سوق المدينة قرب المسجد (معجم البلدان ٢ / ١٥٦).

(٢) زيادة يقتضيها السياق ، ونص عبارة صحيح مسلم : «أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بالزّوراء».

(٣) صحيح مسلم (٢٢٧٩) كتاب الفضائل ، باب في معجزات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المناقب ، باب علامات النّبوّة في الإسلام.

(٥) الصّدائي : بضم الصاد وفتح الدال المهملتين. نسبة إلى صدا ، وهو من مذحج ، وهي قبيلة من اليمن. اللباب ٢ / ٢٣٦.

(٦) يعني عبد الرحمن بن زياد الوارد في السند. وهو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي القاضي. قال عنه ابن حجر : «الحقّ فيه أنّه ضعيف لكثرة روايته المنكرات وهو أمر يعتري الصالحين» (تهذيب التهذيب ٦ / ١٧٣) ، وانظر المغني في الضعفاء للذهبي حيث قال عنه : «مشهور جليل» (٢ / ٢٨٠) والضعفاء الكبير للعقيليّ ٢ / ٣٣٢ رقم ٩٢٧ ، وأحوال الرجال للجوزجانيّ ١٥٣ رقم ٢٧٠ ، والضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١١٩ رقم ٣٣٧.


قال : كنّا نأكل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن نسمع تسبيح الطعام.

وأتي بإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال : حيّ على الطّهور المبارك والبركة من الله. حتى توضّأنا كلّنا. أخرجه البخاري (١).

وقال أبو كدينة ، عن عطاء بن السّائب ، عن أبي الضّحى ، [عن ابن عبّاس] (٢) قال : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإناء من ماء ، فجعل أصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه ، فرأيت العيون تنبع من بين أصابعه. وذكر الحديث. إسناده جيّد.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود قال : قال عروة (٣) في نزوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية : فزعت قريش لنزوله عليهم ، فأحبّ أن يبعث إليهم رجلا. فدعا عمر ليبعثه فقال : إنّي لا آمنهم ، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي ، فأرسل عثمان فإنّ عشيرته بها. فدعا عثمان فأرسله وقال : أخبرهم أنّا لم نأت لقتال ، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشّرهم بالفتح. فانطلق عثمان فمرّ على قريش ببلدح. فقالت قريش : إلى أين؟ فقال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليكم لأدعوكم إلى الإسلام ، ويخبركم أنّا لم نأت لقتال وإنّما جئنا عمارا. فدعاهم عثمان كما أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالوا : قد سمعنا ما تقول فأنفذ لحاجتك. وقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحّب بن وأسرج فرسه ، فحمل عليه عثمان فأجاره ، وردفه أبان حتى جاء مكة. ثم إنّ قريشا بعثوا بديل بن ورقاء ، فذكر الحديث والصّلح. وذكر أنّهم أمن بعضهم بعضا وتزاوروا. فبينا هم كذلك ، وطوائف من المسلمين في المشركين ، إذ رمى رجل رجلا

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المناقب ، باب علامات النّبوّة في الإسلام.

(٢) زيادة من ع.

(٣) المغازي ١٩٢ ، ١٩٣.


من الفريق [٦٢ أ] الآخر. فكانت معاركة ، وتراموا بالنّبل والحجارة. وصاح الفريقان وارتهن كلّ واحد من الفريقين من فيهم ، فارتهن المسلمون سهيل بن عمرو وغيره ، وارتهن المشركون عثمان وغيره (١).

ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البيعة. ونادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا أنّ القدس قد نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر بالبيعة ، فاخرجوا على اسم الله فبايعوا. فثار المسلمون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفرّوا أبدا (٢).

فذكر القصّة بطولها ، وفيها : فقال المسلمون وهم بالحديبية قبل أن يرجع عثمان بن عفان : خلص عثمان من بيننا إلى البيت فطاف به. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أظنّه طاف بالبيت ونحن محصورون». قالوا : وما يمنعه يا رسول الله وقد خلص؟ قال : «ذلك ظنّي به أن لا يطوف بالكعبة حتى يطوف معنا». فرجع إليهم عثمان ، فقال المسلمون : اشتفيت يا أبا عبد الله من الطواف بالبيت؟ فقال : بئس ما ظننتم بي ، فو الّذي نفسي بيده لو مكثت بها مقيما سنة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقيم بالحديبية ما طفت بها حتى يطوف بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولقد دعتني قريش إلى الطّواف بالبيت فأبيت.

وقال البكّائيّ ، عن ابن إسحاق (٣) : فحدّثني عبد الله بن أبي بكر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حين بلغه أنّ عثمان قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم. فدعا النّاس إلى البيعة. فكانت بيعة الرّضوان تحت الشجرة. فكان النّاس يقولون : بايعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت ، وكان جابر يقول : لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفرّ.

__________________

(١) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٧.

(٢) السيرة ٤ / ٢٨.

(٣) السيرة ٤ / ٢٨.


وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) : حدّثني بعض آل عثمان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال : هذه لي وهذه لعثمان إن كان حيّا : ثم بلغهم أنّ ذلك باطل ، ورجع عثمان : ولم يتخلّف عن بيعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد إلّا الجدّ بن قيس أخو بني سلمة. قال جابر : والله لكأنّي انظر إليه لاصقا بإبط ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد ضبّأ (٢) إليها يستتر بها من النّاس.

وقال الحسن بن بشر البجلي : ثنا الحكم بن عبد الملك ـ وليس بالقويّ قاله النّسائيّ (٣) ـ عن قتادة ، عن أنس قال : لما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان قد بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة. فبايع النّاس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ عثمان في حاجة الله ورسوله. فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم.

وقال ابن عيينة : ثنا الزّبير ، سمع جابرا [٦٢ ب] يقول : لما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس إلى البيعة وجدنا رجلا منّا يقال له الجدّ بن قيس مختبئا تحت إبط بعير. أخرجه مسلم من حديث ابن جريج ، عن أبي الزّبير ، وبه : قال لم نبايع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت ، ولكن بايعناه على أن لا نفرّ. أخرجه مسلم عن أبي شيبة ، عن ابن عيينة (٤). وأخرجه من حديث اللّيث ، عن أبي الزّبير ، وقال : فبايعناه وعمر رضي‌الله‌عنه آخذ بيده تحت الشجرة ، وهي سمرة (٥).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨ وانظر نهاية الأرب ١٧ / ٢٢٧.

(٢) ضبأ : لجأ واختبأ (تاج العروس ١ / ٣٥١).

(٣) الضعفاء والمتروكين ٣٨٨ رقم ١٢٣ وانظر الضعفاء الكبير للعقيليّ ١ / ٢٥٧ رقم ٣١٤ ، وميزان الاعتدال ١ / ٥٧٦ رقم ٢١٨٧ ، والمغني في الضعفاء ١ / ١٨٤ رقم ١٦٦٤.

(٤) صحيح مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.

(٥) صحيح مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.


وقال خالد الحذّاء ، عن الحكم بن عبد الله الأعرج ، عن معقل بن يسار قال : لقد رأيتني يوم الشجرة والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبايع النّاس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ، ونحن أربع عشرة مائة. ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفرّ. أخرجه مسلم (١).

وقال ابن عيينة : ثنا ابن أبي خالد ، عن الشّعبيّ قال : لما دعا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس إلى البيعة كان أوّل من انتهى إليه أبو سنان الأسدي فقال : أبسط يدك أبايعك. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علام تبايعني؟ قال : [على] (٢) ما في نفسك.

وقال مكّي بن إبراهيم ، وأبو عاصم ـ واللّفظ له ـ عن زيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع قال : بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة ، ثم عدلت إلى ظلّ شجرة. فلما خفّ النّاس قال : يا بن الأكوع ألا تبايع؟ قلت [قد بايعت] (٣) يا رسول الله. قال : وأيضا. فبايعته الثانية. فقلت لسلمة : يا أبا مسلم على أيّ شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال : على الموت. متّفق عليه (٤).

وقال عكرمة بن عمّار ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه فذكر الحديث وقال : ثم إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا إلى البيعة في الأصل الشجرة ، فبايعته أول

__________________

(١) صحيح مسلم (١٨٥٨) كتاب الإمارة وأخرجه النسائي من طريق جابر في كتاب البيعة ، باب البيعة على أن لا نفر. (٧ / ١٤٠ ، ١٤١) وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٠٠.

(٢) ليست في الأصل ، وزدناها من ع.

(٣) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع وصحيح البخاري.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الجهاد ، باب البيعة في الحرب أن لا يفرّوا إلخ. وصحيح مسلم (١٨٦٠) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. وأخرجه النسائي في كتاب البيعة باب البيعة على الموت ٧ / ١٤١.


النّاس وبايع [وبايع] (١) حتى إذا في وسط النّاس قال : «بايعني يا سلمة». فقلت يا رسول الله قد بايعتك. قال : «وأيضا». قال : ورآني عزلا (٢) فأعطاني حجفة أو درقة (٣). ثم بايع ، حتى إذا كان في آخر النّاس قال : «ألا تبايع»؟ قلت : يا رسول الله قد بايعتك في أول النّاس وأوسطهم. قال : «وأيضا». فبايعت الثالثة. فقال : «يا سلمة أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك»؟ قلت : لقيني عامر فأعطيتها إيّاه (٤). فضحك ثم قال : «إنّك كالذي قال الأول : اللهمّ أبغني حبيبا هو أحبّ إليّ من نفسي». ثم إنّ مشركي مكّة راسلونا بالصّلح حتى مشى بعضنا إلى بعض فاصطلحنا. وكنت خادما لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسّه (٥) وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى الله ورسوله. فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها (٦) فاضطجعت في ظلّها. فأتاني أربعة من أهل مكة ، فجعلوا يقعون في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبغضتهم ، فتحوّلت إلى شجرة أخرى ، فعلّقوا سلاحهم واضطجعوا. فبينا هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي : (٦٣ أ) يا للمهاجرين ، قتل ابن زنيم. فاخترطت سيفي فشددت على أولئك الأربعة وهم رقود ، فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا (٧) في يدي ، ثم قلت ، والّذي كرّم وجه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه (٨). ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وجاء

__________________

(١) زيادة من صحيح مسلم لتوضيح المعنى.

(٢) عزلا : أعزل ليس معه سلاح.

(٣) الجحفة والدرقة : شبيهتان بالترس.

(٤) كذا في الأصل و (ع) ، وعبارة مسلم «فأعطيته إياها» ولعلّها أصحّ.

(٥) الحسّ : نفض التراب عن الدّابّة بالمحسّة وهي الفرجون (الفرشاة).

(٦) كسحت شوكها : كنست ما تحتها من الشوك.

(٧) الضغث : الحزمة.

(٨) يريد رأسه.


عمّي عامر برجل من العبلات (١) يقال له مكرز يقوده [مجفّفا] (٢) حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سبعين من المشركين ، فنظر إليهم. وقال : «دعوهم ، يكون لهم بدء الفجور وثناه» (٣). فعفا عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنزلت : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) (٤) الآية.

أخرجه مسلم (٥)

وقال حمّاد بن سلمة ، عن أنس ، أنّ رجالا من أهل مكة هبطوا إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قبل جبل التنعيم (٦) ليقاتلوه. قال : فأخذهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذا ، فأعتقهم. فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) الآية ، أخرجه مسلم (٧).

وقال الوليد بن مسلم : ثنا عمرو بن محمد العمري ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر أنّ النّاس كانوا مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة ، قد تفرّقوا في ظلال الشجر. فإذا النّاس محدقون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال ـ يعني عمر ـ : يا

__________________

(١) العبلات : بطن من أميّة الصّغرى من قريش ، نسبوا إلى أمّهم عبلة بنت عبيد من بني تميم.

(٢) إضافة من تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٠ والمعنى : لابسا الجفاف ، وهو آلة الحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقي في الحرب.

(٣) في الأصل ، ع : بدؤ الفجور وثناؤه. والتصحيح من صحيح مسلم. والثني : الأمر يعاد مرّتين. وفي بعض الروايات ثنياه. والمقصود أول الأمر وآخره.

(٤) سورة الفتح : من الآية ٢٤.

(٥) صحيح مسلم (١٨٠٧) ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة ذي قرد وغيرها ، وتاريخ الطبري ٢ / ٦٢٩ ، ٦٣٠.

(٦) التنعيم : موضع بمكة في الحلّ بين مكة وسرف. سمّي بذلك لأنّ جبلا عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم والوادي نعمان ومنه إحرام المكّيّين بالعمرة (معجم البلدان ٤٧٢).

(٧) صحيح مسلم (١٨٠٨) كتاب الجهاد والسير ، باب قول الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) الآية.


عبد الله انظر ما شأن النّاس؟ فوجدهم يبايعون ، فبايع ثم رجع إلى عمر ، فخرج فبايع.

أخرجه خ فقال : وقال هشام بن عمّار : ثنا الوليد (١). قلت : ورواه دحيم ، عن الوليد.

قلت : وسمّيت بيعة الرّضوان من قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٢).

قال أبو عوانة ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيّب قال : كان أبي ممّن بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الشجرة ، قال : فانطلقنا في قابل حاجّين ، فخفي علينا مكانها ، فإن كانت تبيّنت لكم فأنتم أعلم.

متّفق عليه (٣).

وقال ابن جريج : أخبرني أبو الزّبير المكّي أنّه سمع جابرا يقول : أخبرتني أمّ مبشّر أنّها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عند حفصة : «لا يدخل النّار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد». قالت : بلى يا رسول الله ، فانتهرها ، فقالت : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٤) ، فقال : قد

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٦٩ : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ، وقول الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) إلخ.

(٢) سورة الفتح ، الآية ١٨.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ٦٥ كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة إلخ. وصحيح مسلم (١٨٥٩) كتاب الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال. إلخ. واللفظ له. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٩٩.

(٤) سورة مريم ، من الآية ٧١.


قال تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (١). أخرجه مسلم (٢).

قرأت على عبد الحافظ بن بدران ، أخبركم موسى بن عبد القادر ، والحسين بن أبي بكر قالا : أنا عبد الأول بن عيسى ، أنا محمد بن أبي مسعود ، نا عبد الرحمن بن أبي شريح ، ثنا أبو القاسم البغوي ، نا العلاء بن موسى إملاء ، سنة سبع وعشرين ومائتين ، أنا اللّيث بن سعد ، عن أبي الزّبير المكّي ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول [٦٣ ب] الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يدخل أحد ممّن بايع تحت الشجرة النّار». أخرجه النّسائيّ (٣).

وقال قتيبة : نا اللّيث ، عن أبي الزّبير ، عن جابر ، أنّ عبدا لحاطب ابن أبي بلتعة جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشكو حاطبا ، قال : يا رسول الله ليدخلنّ حاطب النّار. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذبت لا يدخلها ، فإنّه شهد بدرا والحديبيّة (٤)».

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٥) ، حدّثني الزّهري ، عن عروة ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان في قصّة الحديبيّة ، قالا : فدعت قريش سهيل بن عمرو ، قالوا : اذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولا يكوننّ في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا ، لا تحدّث العرب أنّه دخلها علينا عنوة. فخرج سهيل من عندهم ، فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبلا قال : «قد أراد القوم

__________________

(١) سورة مريم ، من الآية ٧٢.

(٢) صحيح مسلم (٢٤٩٦) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان. وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٠٠ ، ١٠١ البداية والنهاية ٤ / ١٧١.

(٣) لم أجده في كتاب البيعة عنده.

(٤) صحيح مسلم (٢٤٩٥) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨.


الصّلح حين بعثوا هذا الرجل». فوقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين ، وأن يخلّوا بينه وبين مكة من العام المقبل ، فيقيم بها ثلاثا ، وأنه لا يدخلها إلّا بسلاح الراكب والسيوف في القرب ، وأنّه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليّه لم نردّه عليك ، ومن أتاك منّا بغير إذن وليّه رددته علينا ، وأنّ بيننا وبينك عيبة مكفوفة (١) ، وأنه لا إسلال ولا إغلال. وذكر الحديث.

الإسلال : الخفية ، وقيل الغارة ، وقيل سلّ السيوف (٢) والإغلال : الغارة.

وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما صالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مشركي مكّة كتب كتابا : «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله». قالوا : لو علمنا أنّك رسول الله لم نقاتلك. قال لعليّ : «امحه». فأبى ، فمحاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده ، وكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. واشترطوا عليه أن يقيموا ثلاثا ، وأن لا يدخلوا مكة بسلاح إلّا جلبّان السلاح ، يعني السيف بقرابة. متّفق عليه (٣).

وقال حمّاد بن سلمة عن ثابت ، عن أنس نحوه أو قريبا منه.

أخرجه مسلم (٤).

__________________

(١) عيبة مكفوفة : أي مشرحة معقودة ، ويكنى بالعيبة عن الصدور والقلوب. يريد أنّ الشرّ بيننا مكفوف كما تكلّف العيبة إذا أشرجت.

(٢) قال السهيليّ : الإسلال : السرقة والخلسة ونحوها ، وهي السلة ، قالوا في المثل : الخلة تدعو إلى السلّة. الروض الأنف ٤ / ٣٦.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الصلح ، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان إلخ. وصحيح مسلم (١٧٨٣). كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة. وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨ ، ٢٩ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١٠١ و ١٠٣.

(٤) صحيح مسلم (١٧٨٣) ، كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.


وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (١) ، حدّثني يزيد بن سفيان ، عن محمد بن كعب أنّ كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان عليّا رضي‌الله‌عنه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اكتب : «هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو». فجعل عليّ يتلكأ ويأبى إلّا أن يكتب : محمد رسول الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب ، فإنّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد» ، فكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله.

وقال عبد العزيز بن سياه : نا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل قال : قام سهل (٢) بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها النّاس اتّهموا أنفسكم ، لقد كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة ، ولو نرى قتالا لقاتلنا. فأتى عمر فقال : ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ قال : بلى. قال : (أليس) (٣) قتلانا في الجنة وقتلاهم في النّار؟ قال : بلى. قال : ففيم نعطي [٦٤ أ] الدّنيّة في أنفسنا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال : يا بن الخطاب ، إنّي رسول الله ولن يضيّعني الله ، فانطلق متغيّظا إلى أبي بكر ، فقال له كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزل القرآن ، فأرسل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عمر فأقرأه إيّاه. فقال : يا رسول الله ، أو فتح هو؟ قال : نعم ، فطابت نفسه ورجع.

متّفق عليه (٤).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٥) ، عن الزّهري ، عن عروة عن

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٨.

(٢) في الأصل ، ع : سهيل. والتصحيح من صحيح مسلم والإصابة وتهذيب التهذيب.

(٣) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع وصحيح مسلم.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الجزية ، باب لم يسم بعد باب إثم من عاهد ثم غدر. وكتاب التفسير ، سورة الفتح. وصحيح مسلم (١٧٨٥) كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٩ نهاية الأرب ١٧ / ٢٣٣.


المسور ، ومروان قالا : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عند أمّ سلمة فلم يكلّم أحدا حتى أتى هديه فنحر وحلق. فلما رأى النّاس ذلك قاموا فنحروا وحلق بعض وقصّر بعض. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهمّ اغفر للمحلّقين. فقيل : يا رسول الله والمقصّرين؟ فقال : اغفر للمحلّقين ، ثلاثا. قيل : يا رسول الله وللمقصّرين؟ قال : وللمقصّرين.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) حدّثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : قيل له لم ظاهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمحلّقين ثلاثا وللمقصّرين واحدة؟ فقال : إنّهم لم يشكّوا (٢).

وقال يونس ـ هو ابن بكير ـ ، عن هشام الدّستوائيّ ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي إبراهيم ، عن أبي سعيد قال : حلق أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبيّة كلّهم غير رجلين ، قصّرا ولم يحلقا.

أبو إبراهيم مجهول.

وقال ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن وهب بن عبد الله بن قارب قال : كنت مع أبي ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يرحم الله المحلّقين. قال رجل : والمقصّرين يا رسول الله؟ فلما كانت الثالثة قال : والمقصّرين.

وقال يحيى بن أبي بكير : ثنا زهير بن محمد ، نا محمد بن عبد الرحمن ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : نحر يوم الحديبيّة سبعون بدنة فيها جمل أبي جهل ، فلما صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها.

__________________

(١) السيرة ٤ / ٢٩ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ١٠٤.

(٢) أي لم يشكّوا في الفتح.


ويروى عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدى في عمرة الحديبيّة جملا كان لأبي جهل ، في أنفه (١) برة من ذهب (٢) أهداه ليغيظ به قريشا (٣).

وقال فليح بن سليمان ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج معتمرا ، فحال كفّار قريش بينه وبين البيت. فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية ، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ، ولا يحمل سلاحا عليها إلّا سيوفا ، ولا يقيم بها إلّا ما أحبّوا ، فاعتمر من العام المقبل ، فدخلها كما صالحهم. فلما أن أقام بها ثلاثا ، أمروه أن يخرج فخرج.

أخرجه البخاري (٤).

وقال مالك عن أبي الزّبير ، عن جابر : نحرنا بالحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة. رواه مسلم (٥).

* * *

__________________

(١) عند ابن هشام ٤ / ٢٩ «في رأسه».

(٢) البرة : حلقة تكون في أنف البعير.

(٣) السيرة ٤ / ٢٩.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الصلح ، باب الصلح مع المشركين (٣ / ١٦٩).

(٥) صحيح مسلم (١٣١٨) كتاب الحجّ ، باب الاشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة ، كلّ منهما عن سبعة.



نزول سورة الفتح

قال مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يسير في بعض أسفاره ، وعمر معه ليلا. فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، [٦٤ ب] فقال عمر : ثكلتك أمّك ، نزرت (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فحرّكت بعيري حتى تقدّمت أمام النّاس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن ، فلم أنشب أن سمعت صارخا يصرخ ، قال : قلت : لقد خشيت أن يكون نزل (٢) فيّ قرآن ، فجئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّمت عليه ، فقال : «لقد أنزلت عليّ اللّيلة سورة هي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس» ، ثم قرأ : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (٣).

أخرجه البخاري (٤).

__________________

(١) النزر : الإلحاح في السؤال. وقول عمر : نزرت رسول الله ، يعني ألححت عليه في المسألة إلحاحا أدّبك بسكوته عن جوابك.

(٢) في الأصل : خشيت أن ينزل في قرآن. وحقّ العبارة مما أثبتناه من ع وصحيح البخاري ، والبداية والنهاية ٤ / ١٧٧.

(٣) سورة الفتح : الآيتان الأولى والثانية.

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٦٦ ، ٦٧ ، كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة ، وكتاب التفسير باب


وقال يونس بن بكير ، عن عبد الرحمن المسعودي ، عن جامع بن شدّاد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، عن أبي مسعود ، قال : لما أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبيّة ، جعلت ناقته تثقل ، فتقدّمنا ، فأنزل عليه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً).

وقال شعبة ، عن قتادة ، عن أنس : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ، قال : فتح الحديبيّة ، فقال رجل : هنيئا مريئا يا رسول الله هذا لك ، فما لنا؟ فأنزلت : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي) (١).

قال شعبة : فقدمت الكوفة فحدّثتهم عن قتادة ، عن أنس ، ثم قدمت البصرة فذكرت ذلك لقتادة فقال : أمّا الأول فعن أنس ، وأمّا الثاني : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، فعن عكرمة ، أخرجه البخاري (٢).

وقال همّام : ثنا قتادة ، عن أنس ، قال : لما نزلت : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) إلى آخر الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرجعه من الحديبيّة ، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة ، فقال : «نزلت عليّ آيةٌ هي أحبّ إليّ من الدنيا». فلما تلاها قال رجل : قد بيّن الله لك ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزلت التي بعدها : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).

أخرجه مسلم (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، عن الزّهري (٤) ، عن عروة ، عن

__________________

= فضل سورة الفتح. (٦ / ٤٣ ، ٤٤) وانظر نهاية الأرب ١٧ / ٢٣٤.

(١) سورة الفتح : من الآية ٥.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبيّة (٥ / ٦٦).

(٣) صحيح مسلم (١٧٨٦) كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبيّة في الحديبيّة.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٨.


المسور ، ومروان قالا في قصّة الحديبيّة : ثم انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم راجعا. فلما أن كان بين مكة والمدينة نزلت عليه سورة الفتح. فكانت القضيّة في سورة الفتح وما ذكره الله من بيعة الرضوان تحت الشجرة. فلما أمن النّاس وتفاوضوا ، لم يكلّم أحد بالإسلام إلّا دخل فيه. فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك. وكان صلح الحديبيّة فتحا عظيما.

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود عن عروة ، قالوا : وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبيّة راجعا. فقال رجال من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هذا بفتح ، لقد صددنا عن البيت وصدّ هدينا ، وعكسف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية وردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلين من المسلمين خرجا.

فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قول رجال من أصحابه : إنّ هذا ليس بفتح. فقال : «بئس الكلام ، هذا أعظم الفتح ، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالرّواح عن بلادهم ويسألونكم [٦٥ أ] القضيّة ويرغبون إليكم في الأمان ، وقد رأوا منكم ما كرهوا ، وقد أظفركم الله عليهم وردّكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتوح. أنسيتم يوم أحد. إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب ، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم»؟ فقال المسلمون : صدق الله ورسوله ، هو أعظم الفتوح والله يا نبيّ الله.

وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : ظهرت الروم على فارس عند مرجع المسلمين من الحديبيّة. وقال مثل ذلك عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.

وكانت بين الروم وبين فارس ملحمة مشهودة نصر الله فيها الروم. ففرح المسلمون بذلك ، لكون أهل الكتاب في الحملة نصروا على المجوس (١)

__________________

(١) انظر نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٣٥.


وقال مغيرة ، عن الشّعبيّ في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ، قال : فتح الحديبيّة ، وبايعوا بيعة الرضوان ، وأطعموا نخيل خيبر ، وظهرت الروم على فارس. ففرح المسلمون بتصديق كتاب الله ونصر أهل الكتاب على المجوس.

وقال شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١) ، قال : خيبر. (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) (٢) ، قال : فارس والروم.

وقال ورقاء (٣) ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالحديبية أن يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلّقين رءوسهم ومقصّرين ، فقالوا له حين نحر بالحديبية : أين رؤياك يا رسول الله؟ فأنزل الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) إلى قوله (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٤) يعني النّحر بالحديبية ثم رجعوا ففتحوا خيبر ، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة.

وقال هشيم (٥) : «أنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، وعكرمة : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) (٦) ، قالا : هوازن يوم حنين رواه سعيد بن منصور في سننه».

__________________

(١) سورة الفتح ، من الآية ١٨.

(٢) سورة الفتح ، من الآية ٢١.

(٣) هو ورقاء بن عمر بن كليب اليشكري أبو بشر الكوفي. (تهذيب التهذيب ١١ / ١١٣).

(٤) سورة الفتح ، الآية ٢٧.

(٥) هو هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي. (تهذيب التهذيب ١١ / ٥٩).

(٦) سورة الفتح ، من الآية ١٦.


وقال بندار (١) : ثنا غندر ، (٢) ثنا شعبة ، عن هشيم ، فذكره ، وزاد : هوازن وبنو حنيفة.

وقال عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ، في قوله : (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ، قال : فارس. وقال : (السَّكِينَةَ) هي الرحمة.

وقال أبو حذيفة النّهدي : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن عليّ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) قال : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، ثم هي بعد ريح هفافة.

وقال ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : السكينة كهيئة الريح ، لها رأس كرأس الهرّة وجناحان.

وقال المسعوديّ ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس : (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) (٤) ، قال : السريّة ، (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) (٥) ، قال : هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) (٦) ، قال : فتح مكة.

وعن مجاهد : (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) ، قال : الحديبيّة ونحوها رواه [٦٥ ب] شريك ، عن منصور ، عنه.

__________________

(١) هو محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبديّ أبو بكر الحافظ البصري. قيل له بندار لأنه كان بندارا في الحديث جمع حديث بلده. (تهذيب التهذيب ٩ / ٧٠).

(٢) هو محمد بن جعفر الهذلي مولاهم أو عبد الله البصري ، صاحب الكرابيس. مات سنة ٩٣ ه‍ ـ.

(تهذيب التهذيب ٩ / ٩٧).

(٣) سورة الفتح ، من الآية ٤.

(٤) ، (٥) ، (٦) سورة الرعد ، من الآية ٣١.


وقال اللّيث ، عن عقيل عن ابن شهاب ، أخبرني عروة أنّه سمع مروان بن الحكم ، والمسور يخبران عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كاتب سهيل بن عمرو ، فذكر الحديث ، وفيه : وكانت أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممّن خرج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ وهي عاتق (١) ، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرجعها إليهم ، فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ، اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) (٢).

قال عروة : فأخبرتني عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يمتحنهنّ بهذه الآية : (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) (٣) الآية. قالت : فمن أقرّ بهذا الشرط منهنّ قال لها قد بايعتك ، كلاما يكلّمها به ، والله ما مسّت يده يد امرأة قطّ في المبايعة ، ما بايعني إلّا بقوله. أخرجه البخاري (٤).

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : ولما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة انفلت من ثقيف أبو بصير (٥) بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين ، فذكر من أمره نحوا مما قدّمنا. وفيه زيادة وهي : فخرج أبو بصير معه خمسة كانوا قدموا (من) (٦) مكة ، ولم ترسل قريش في طلبهم كما أرسلوا في أبي بصير ، حتى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة

__________________

(١) العاتق : الجارية أول ما أدركت أو هي التي لم تتزوج.

(٢) سورة الممتحنة ، من الآية ١٠.

(٣) سورة الممتحنة ، من الآية ١٢.

(٤) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة الممتحنة ٦ / ٦٠ وكتاب الطلاق ، باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذّمّي إلخ ٦ / ١٧٣. وكتاب الأحكام ، باب بيعة النساء (٨ / ١٢٥).

(٥) في المغازي للواقدي ٢ / ٦٢٤ «عتبة بن أسيد بن حارثة حليف بني زهرة».

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.


على طريق عير قريش ممّا يلي سيف البحر ، لا يمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا أصحابها. وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا أسلموا وهاجروا ، فلحقوا بأبي بصير ، وقطعوا مادّة قريش من الشام ، وكان أبو بصير يصلّي بأصحابه ، فلما قدم عليه أبو جندل كان يؤمّهم (١).

واجتمع إلى أبي جندل حين سمعوا بقدومه ناس من بني غفار وأسلم وجهينة وطوائف ، حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون ، فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه أن يبعث إلى أبي بصير ومن معه فيقدموا عليه ، وقالوا : من خرج منّا إليك فأمسكه ، قال : ومرّ بأبي بصير أبو العاص بن الربيع من الشام فأخذوه ، فقدم على امرأته زينب سرّا. وقد تقدّم شأنه. وأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابه (٢) إلى أبي بصير أن لا يعترضوا لأحد. فقدم الكتاب على أبي جندل وأبي بصير ، وأبو بصير يموت. فمات وكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في يده يقرؤه ، فدفنه أبو جندل مكانه ، وجعل عند قبره مسجدا (٣).

وقال يحيى بن أبي كثير : حدّثني أبو سلمة ، أنّ أبا هريرة حدّثه ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا صلّى العشاء الآخرة نصب (٤) في الركعة الأخيرة بعد ما [٦٦ أ] يقول : «سمع الله لمن حمده» : اللهمّ نجّ الوليد بن الوليد ، اللهمّ نجّ سلمة بن هشام ، اللهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة ، اللهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر. اللهمّ اجعلها سنين مثل سنّي

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٣١. تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٩ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٤٥ ، و ٢٤٦ و ٢٤٧ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٣١ عيون التواريخ ١ / ٢٦٣ ، عيون الأثر ٢ / ١٢٨.

(٢) لم تر وكتب السيرة نصّا لهذا الكتاب ، وانظر : مجموعة الوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله (ص ٦٥) ، وإعلام السائلين عن كتب سيّد المرسلين لابن طولون الدمشقيّ (ص ٤٧).

(٣) نهاية الأرب ١٧ / ٢٤٧ ، ٢٤٨.

(٤) نصب في الدعاء : جدّ فيه. (لسان العرب ـ مادة نصب).


يوسف» (١). ثم لم يزل يدعو حتى نجّاهم الله تعالى ، ثم ترك الدعاء لهم بعد ذلك.

* * *

وفي سنة ستّ :

مات سعد بن خولة (٢) رضي‌الله‌عنه في الأسر بمكة. ورثى له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكونه مات بمكة.

وفيها : قتل هشام بن صبابة (٣) أخو مقيس ، قتله رجل من المسلمين وهو يظنّ أنّه كافر ، فأعطى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقيسا ديته. ثم إنّ مقيسا قتل قاتل أخيه ، وكفر وهرب إلى مكة.

وفي ذي الحجّة : ماتت أمّ رومان بنت عامر (٤) بن عويمر الكنانية ، أمّ عائشة رضي‌الله‌عنهما ، أخرج البخاري من رواية مسروق عنها حديثا (٥) وهو منقطع لأنّه لم يدركها ، أو قد أدركها فيكون تاريخ موتها هذا خطأ (٦). والله أعلم.

* * *

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير ، باب الدعاء للمشركين بالهدي ليتألّفهم.

(٣ / ٢٣٥).

(٢) هو سعد بن خولة القرشي العامري من بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ. (الاستيعاب ٢ / ٤٣ ، الإصابة ٢ / ٢٤ رقم ٣١٤٥).

(٣) في طبعة القدسي ٣٧٢ «ضبابة» والتصحيح من : الاستيعاب ٣ / ٥٩٥ ، والإصابة ٣ / ٦٠٣ حيث قال ابن حجر : صبابة ، بضم المهملة وموحّدتين الأولى خفيفة.

(٤) الاستيعاب ٤ / ٤٤٨ ، الإصابة ٤ / ٤٥٠ رقم ١٢٧١ عيون التواريخ ١ / ١٦٢.

(٥) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي ، باب حديث الإفك ، من رواية مسروق بن الأجدع (٥ / ٦٠).

(٦) انظر ترجمة أم رومان في تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٦٧) ، ففيه يناقش هذه الرواية بتوسع.


السّنة السّابعة

«غزوة خيبر»

قال عبد الله بن إدريس ، عن ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر قال : كان افتتاح خيبر في عقب المحرّم ، وقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر صفر.

قلت : وكذا رواه ابن إسحاق عن غير عبد الله بن أبي بكر (١).

وذكر الواقديّ ، عن شيوخه ، في خروج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خيبر : في أول سنة سبع ، وشذّ الزّهري فقال ، فيما رواه عنه موسى بن عقبة في مغازيه قال : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر يوم سنة ستّ (٢).

وخيبر : بليدة على ثمانية برد من المدينة.

قال وهيب : ثنا خثيم بن عراك (٣) ، عن أبيه ، عن نفر من بني غفار قالوا : إنّ أبا هريرة قدم المدينة وقد خرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خيبر ، واستخلف

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٣٩ ، تاريخ خليفة ٨٢.

(٢) المغازي لعروة ١٩٥.

(٣) في الأصل ، ع : خيثم عن عراك. والتصحيح من ترجمته في تهذيب التهذيب (٣ / ١٣٦).


على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ (١) قال أبو هريرة : فوجدناه في صلاة الصّبح ، فقرأ في الركعة الأولى (كهيعص) (٢) ، وقرأ في الثانية (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (٣). قال أبو هريرة : فأقول في صلاتي : ويل لأبي فلان له مكيالان ، إذا اكتال اكتال بالوافي ، وإذا كال كال بالنّاقص. قال : فلما فرغنا من صلاتنا أتينا سباع بن عرفطة فزوّدنا شيئا حتى قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد فتح خيبر ، فكلّم المسلمين فأشركونا في سهمانهم.

وقال مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، أخبرني سويد ابن النّعمان ، أنّه خرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام خيبر ، حتى إذا كانوا بالصّهباء ـ وهي أدنى خيبر ـ صلّى العصر ، ثم دعا بأزواد فلم يؤت إلّا بالسّويق ، فأمر به فثرّي (٤) ، فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكلنا. ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ، ثم صلّى ولم يتوضّأ : أخرجه البخاري (٥).

وقال حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة قال : خرجنا مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٦٦ ب] إلى خيبر فسرنا ليلا. فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ (٦). وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم ويقول :

اللهمّ لو لا أنت ما اهتدينا (٧)

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

 __________________

(١) الإصابة ٢ / ١٣ رقم ٣٠٨٠ وانظر الطبقات لابن سعد ٢ / ١٠٦.

(٢) سورة مريم : الآية الأولى.

(٣) سورة المطففين : الآية الأولى.

(٤) ثري السويق وغيره تثرية : صبّ عليه الماء ثم لبّ. والسّويق خبز يتخذ من الحنطة والشعير.

(٥) صحيح البخاري : كتاب الوضوء باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. (١ / ٥٩) وكتاب الجهاد والسير ، باب حمل الزاد في الغزو ٣ / ٢٢٢ ، وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٢).

(٦) الهنيهات : ومثلها الهنات والهنيات : الكلمات والأراجيز (تاج العروس).

(٧) عند ابن هشام في السيرة ٤ / ٣٩ : «

والله لو لا الله ما اهتدينا

» وانظر مناقب أمير المؤمنين عليّ للواسطي ١٢٩.


فاغفر فداء لك ما اقتفينا (١)

وثبّت الأقدام إن لاقينا

 وألقين سكينة علينا

إنّا إذا صيح بنا أتينا (٢)

 وبالصّياح عوّلوا علينا (٣)

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من هذا السائق»؟ قالوا : عامر. قال : «يرحمه‌الله». قال رجل من القوم : وجبت يا رسول الله ، لو لا أمتعتنا (٤) به. فأتينا خيبر فحاصرناهم ، حتى أصابتنا مخمصة شديدة. فلما أمسى النّاس مساء اليوم الّذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما هذه النّيران على أيّ شيء توقد»؟ قالوا : على لحم حمر إنسيّة (٥). فقال : «أهريقوها واكسروها». فقال رجل : أو يهريقوها ويغسلوها (٦). قال : أو ذاك.

قال : فلما تصافّ القوم كان سيف عامر فيه قصر ، فتناول به ساق يهوديّ ليضربه ، فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر ، فمات منه. فلما قفلوا قال سلمة ، وهو آخذ بيدي (قال) (٧) : لما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ساكتا) (٨) : قال : مالك؟ قلت : فداك أبي وأميّ ، زعموا أنّ عامرا حبط

__________________

(١) عند البخاري ٥ / ٧٢ «أبينا».

(٢) اقتفينا : اتّبعنا وهي رواية مسلم ، وفي البخاري : ما أبقينا.

(٣) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٣٩ ففيه اختلاف عن هنا. وكذلك عيون الأثر ٢ / ١٣٠ ، وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١١١ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٤٩ ، وعيون التواريخ ١ / ٢٦٤.

(٤) في الأصل : ع : أمتعنا. وأثبتنا نص البخاري (٥ / ٧٢).

(٥) الحمر الإنسيّة : نسبة إلى الإنس ، وهم النّاس لاختلاطهم بهم ، بخلاف حمر الوحش.

(٦) هذه عبارة صحيح مسلم ٣ / ١٤٢٩ والفعل فيها مجزوم بلام الأمر المحذوفة عند القائلين بجواز حذفها ، أو هو مجزوم لوقوعه في جواب أمر محذوف. وعبارة البخاري : أو نهريقها ونغسلها.

(٥ / ٧٢) وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١١٣.

(٧) زيادة من صحيح مسلم لتوضيح السياق (٣ / ١٣٢٩).

(٨) في الأصل : شأ ، وفوقها كلمة (كذا). وهي تحريف ظاهر ، تصحيحه من صحيح مسلم (٣ / ١٤٢٩).


عمله. قال ، من قاله؟ قلت : فلان وفلان وأسيد بن حضير. فقال : كذب من قاله ، إنّ (١) له أجران ، وجمع بين إصبعيه ، إنّه (لجاهد) (٢) مجاهد قلّ عربيّ مشى بها (مثله) (٣). متّفق عليه (٤).

وقال مالك ، عن حميد ، عن أنس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا. وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر (٥) حتى يصبح. فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوه قالوا : محمد والله ، محمد والخميس (٦) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الله أكبر خربت خيبر. إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين». أخرجه البخاري (٧). وأخرجاه من حديث ابن صهيب ، عن أنس (٨).

وقال غير واحد : شعبة ، وابن فضيل ، عن مسلم الملائي (٩) ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعود المريض ، ويتبع الجنازة ، ويجيب دعوة المملوك ، ويركب الحمار. ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف.

وقال يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، أخبرني سهل بن سعد

__________________

(١) ساقطة من طبعة القدسي ٣٧٥ وأثبتناها من صحيح البخاري وصحيح مسلم.

(٢) في الأصل : إنه مجاهده قل عربي. وفي ع : إنه يجاهد مجاهد. وأثبتنا نصّ البخاري ومسلم.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع والبخاري ومسلم.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٤ ، ٧٣ وصحيح مسلم (١٨٠٢) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة خيبر. (٣ / ١٤٢٧ ـ ١٤٢٩).

(٥) في الأصل ، ع : يغز ، وعبارة البخاري «لا يغير عليهم حتى».

(٦) عند ابن سعد ٢ / ١٠٨ «الجيش».

(٧) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الإسلام إلخ ٤ / ٥ ، وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٧٣) وفيه : «لم يغر بهم حتى يصبح» ، وانظر طبقات ابن سعد ٢ / ١٠٩.

(٨) صحيح البخاري : كتاب الصلاة ، باب ما يذكر في الفخذ ١ / ٩٧ ، وصحيح مسلم (١٣٦٥) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة خيبر.

(٩) الملائي : بضم الميم. نسبة إلى الملاءة التي تستر بها النساء (اللباب ٣ / ٢٧٧).


أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فبات النّاس يدوكون (١) ليلتهم أيّهم يعطاها؟ فلما أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال : أين عليّ بن أبي طالب؟ قيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال : فأرسلوا [٦٧ أ] إليه. فأتى به فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى لم يكن به وجع. فأعطاه الراية ، فقال عليّ : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال : «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم». أخرجاه عن قتيبة ، عن يعقوب (٢).

وقال سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله على يديه». فقال عمر : فما أحببت الإمارة قطّ حتى يومئذ. فدعا عليّا فبعثه ، ثم قال : «اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت» ، قال عليّ : علام أقاتل النّاس؟ قال : «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله. فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها ، وحسابهم على الله». أخرجه مسلم (٣) ، وأخرجا نحوه من حديث سلمة بن الأكوع (٤).

__________________

(١) يدوكون : يخوضون ويتحدّثون في ذلك.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الإسلام وباب فضل بن أسلم على يديه رجل ٤ / ٥. وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٦ ، ٧٧ ، وصحيح مسلم (٢٤٠٦) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. وانظر طبقات ابن سعد ٢ / ١١٠ و ١١١. وسيرة ابن هشام ٤ / ٤٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٥٣.

(٣) صحيح مسلم (٢٤٠٥) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب ما قيل في لواء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤ / ١٢) وصحيح


وقال عكرمة بن عمّار : حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، حدّثني أبي أنّ عمّه عامرا حدا بهم ، فقال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : غفر لك ربّك. قال : وما خصّ بها أحد إلّا استشهد. فقال عمر : هلّا متّعتنا بعامر؟ فقدمنا خيبر ، فخرج مرحب وهو يخطر بسيفه ، ويقول :

علمت خيبر أنّي مرحب

شاكي (١) السلاح بطل مجرّب

إذا الحرب أقبلت تلهّب (٢)

فبرز له عامر ، وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي عامر

شاكي السلاح بطل مغامر

قال : فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، فذهب عامر يسفل له ، فرجع بسيفه على نفسه فقطع أكحله ، وكانت فيها نفسه. قال سلمة : فخرجت فإذا نفر من أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولون : بطل عمل عامر ، قتل نفسه. فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أبكي ، قال «مالك»؟ فقلت : قالوا إنّ عامرا بطل عمله. قال : «من قال ذلك»؟ قلت : نفر من أصحابك. فقال : «كذب أولئك بل له من الأجر مرّتين» (٣) قال : فأرسل إلى عليّ يدعوه وهو أرمد فقال : لأعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فجئت به أقوده. قال : فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه فبرأ ، فأعطاه الراية. قال : فبرز مرحب وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

__________________

= مسلم (٢٤٠٧) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

(١) عند ابن سعد في الطبقات ٢ / ١١١ «شاك». وشاكي السلاح : حادّ السلاح على ما في شرح السيرة النبويّة لأبي ذرّ الخشنيّ ٢ / ٣٤٥.

(٢) انظر الرجز في سيرة ابن هشام ٤ / ٤١ ، و ٤٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٠ و ١١.

(٣) انظر طبقات ابن سعد ٢ / ١١١.


قال : فبرز له عليّ رضي‌الله‌عنه وهو يقول :

أنا الّذي سمّتني أمّي حيدرة (١)

كليث غابات كريه المنظر ،

أوفيهم (٢) ، بالصّاع كيل السّندره (٣).

فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله ، وكان الفتح.[٦٧ ب] أخرجه مسلم (٤).

وقال البكّائي : قال ابن إسحاق ، فحدّثني محمد بن إبراهيم التّيمي ، عن أبي الهيثم بن نصر الأسلمي أنّ أباه حدّثه أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول نفي مسيره لخيبر ـ لعامر بن الأكوع : خذ لنا من هنّاتك فنزل يرتجز ، فقال :

والله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

 إنّا إذا قوم بغوا علينا

وإن أرادوا فتنة أبينا

 فأنزلن سكينة علينا

وثبّت الأقدام إن لاقينا

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يرحمك الله. فقال عمر : وجب والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به. فقتل يوم خيبر شهيدا (٥).

وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق : حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ ، عن أبيه ، عن سلمة بن الأكوع قال : فخرج (عليّ) (٦) رضي الله

__________________

(١) حيدرة : الأسد.

(٢) عند ابن سعد ٢ / ١١٢ «وأكيلهم» وانظر الاختلاف عند الطبري ٣ / ١٣.

(٣) كيل السندرة : أي كيلا وافيا ، وقيل السندرة ضرب من الكيل واسع ، وقيل شجرة تصنع منها مكاييل عظام. (راجع مناقب أمير المؤمنين علي للواسطي ١٣١).

(٤) صحيح مسلم (١٨٠٧) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة ذي قرد وغيرها. وانظر طبقات ابن سعد ٢ / ١١٠ ـ ١١٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٠ ـ ١٣ ومناقب أمير المؤمنين علي ١٢٩ ـ ١٣١.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٣٩.

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.


عنه بالراية يهرول وأنا خلفه حتى ركّزها في رضم (١) من حجارة تحت الحصن. فاطلع إليه يهوديّ من رأس الحصن فقال : من أنت؟ قال : أنا عليّ بن أبي طالب (قال) (٢) : غلبتم وما أنزل على موسى. فما رجع حتى فتح الله عليه (٣).

وقال يونس بن بكير ، عن المسيّب بن مسلم الأزدي ، حدّثنا عبد الله ابن بريدة ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربّما أخذته الشقيقة (٤) فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى النّاس ، وإنّ أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع. فأخذها عمر فقاتل قتالا هو أشدّ قتالا من القتال الأوّل ، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «لأعطينّها غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يأخذها عنوة ، وليس ثمّ عليّ. فتطاولت لها قريش ، ورجا كلّ رجل منهم أن يكون صاحب ذلك. فأصبح وجاء عليّ على بعير حتى أناخ قريبا ، وهو أرمد قد عصب عينه بشقّ برد قطري (٥). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مالك»؟ قال : رمدت بعدك ، قال : «أدن منّي» ، فتفل في عينه ، فما وجعها (حتى) (٦) مضى لسبيله ، ثم أعطاه الراية فنهض بها ، وعليه جبة

__________________

(١) رضم ورضام : حجارة أو صخور بعضها على بعض ، هي دون الهضبة. (النهاية في غريب الحديث ٢ / ٢٣١).

(٢) زيادة يقتضيها السياق ، إذ القول على لسان اليهودي. كما جاء في سيرة ابن هشام ٤ / ٤٢ «علوتم».

(٣) مناقب أمير المؤمنين علي للواسطي ١٣٢ رقم ٢١٧.

(٤) الشقيقة : صداع يأخذ في نصف الرأس والوجه.

(٥) القطر والقطرية : ضرب من البرود يكون من غليظ القطن ، أو خمر لها أعلام فيها بعض الخشونة.

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.


أرجوان حمراء قد أخرج خملها ، فأتى مدينة خيبر (١).

وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر (٢) مظهر (٣) يمانيّ وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ، فارتجز عليّ واختلفا ضربتين ، فبدره عليّ بضربة ، فقدّ الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الأضراس ، وأخذ المدينة.(٤)

وقال عوف الأعرابيّ ، عن ميمون أبي عبد الله الأزدي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : فاختلف مرحب وعليّ ضربتين ، فضربه عليّ على هامته حتى عضّ السّيف بأضراسه. وسمع أهل العسكر صوت ضربته. وما تتامّ آخر النّاس مع عليّ حتى فتح الله له ولهم (٥).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٦) ، حدّثني عبد الله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع مولى [٦٨ أ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خرجنا مع عليّ حين بعثه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم برايته. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يديه ، فتناول عليّ الحصن فترّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه. ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة إناث منهم ، نجهد أن نقلب الباب فما استطعنا أن نقلبه (٧).

__________________

(١) رواه الشيخان ، انظر اللؤلؤ والمرجان ٣ / ١٢٢ ، وجامع الأصول لابن الأثير ٨ / ٥٤ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٢ ، ١٣.

(٢) المغفر : زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنّع بها. ومظهر : صلب شديد.

(٣) عند الطبري «معصفر».

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣.

(٥) مناقب أمير المؤمنين علي للواسطي ١٣٥ ، ١٣٦ رقم ٢٢٢.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٢ ، ٤٣.

(٧) رواه الطبري ٣ / ١٣ وانظر تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٦.


رواه البكّائي ، عن ابن إسحاق ، عن أبي رافع منقطعا ، وفيه : فتناول عليّ بابا كان عند الحصن. والباقي بمعناه.

وقال إسماعيل بن موسى العبدي : ثنا مطّلب بن زياد ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال : دخلت عليه فقال : حدّثني جابر بن عبد الله أنّ عليّا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه. فافتتحوها ، وأنّه خرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.

تابعه فضيل بن عبد الوهاب ، عن مطّلب.

وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الحكم ، والمنهال بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان عليّ يلبس في الحرّ والشتاء القباء المحشوّ الثّخين وما يبالي الحرّ ، فأتاني أصحابي فقالوا : إنّا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئا فهل رأيته؟ فقلت : وما هو؟ قالوا : رأيناه يخرج علينا في الحرّ الشديد في القباء المحشوّ وما يبالي الحرّ ، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثّوبين الخفيفين وما يبالي البرد ، فهل سمعت في ذلك شيئا؟ فقلت : لا. فقالوا : سل لنا أباك فإنّه يسمر معه. فسألته فقال : ما سمعت في ذلك شيئا. فدخل عليه فسمر معه فسأله فقال عليّ : أو ما شهدت معنا خيبر؟ قال : بلى. قال : فما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم ، فانطلق فلقي القوم ، ثم جاء بالنّاس وقد هزموا؟ فقال : بلى. قال : ثم بعث إلى عمر فعقد له وبعثه إلى القوم ، فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذلك : «لأعطينّ الراية رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرّار» فدعاني فأعطاني الراية ، ثم قال : اللهمّ اكفه الحرّ والبرد ، فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا.


وقال أبو عوانة ، عن مغيرة الضّبيّ ، عن أمّ موسى قالت : سمعت عليّا يقول : ما رمدت ولا صدعت مذ دفع إليّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم خيبر.

رواه أبو داود الطيالسي في مسندة (١)

* * *

__________________

(١) منحة المعبود : كتاب السيرة النبويّة ، باب ما جاء في غزوة خيبر (٢ / ١٠٥) أخرجه الواسطي في مناقب أمير المؤمنين علي ١٣١ رقم ٢١٤ من طريق جرير عن المغيرة عن أم موسى.



فصل

فيمن ذكر أنّ مرحبا قتله محمّد بن مسلمة (١)

قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام يوم خيبر فوعظهم. وفيه : فخرج اليهود بعاديتها (٢) ، فقتل صاحب عادية اليهود فانقطعوا. وقتل محمد بن مسلمة الأشهليّ مرحبا اليهوديّ (٣).

و [٦٨ ب] قال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة نحوه.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٤) حدّثني عبد الله بن سهل الحارثي ، عن جابر بن عبد الله قال : خرج مرحب اليهوديّ من حصن خيبر ، قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول : من يبارز؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة : أنا له وأنا والله الموتور الثائر ، قتلوا أخي بالأمس. قال : «قم إليه ، اللهمّ أعنه عليه». فلما تقاربا دخلت بينهما شجرة

__________________

(١) في الأصل : سلمة. وهو يرد صحيحا في السياق بعد قليل.

(٢) في الأصل : بغادتها ، وغادته. والتصحيح من المغازي للواقدي (٢ / ٦٥٣). والعادية : الذين يعدون على أقدامهم أو أول من يحمل من الرجّالة لأنّهم يسرعون العدو.

(٣) انظر تاريخ خليفة ٨٢ وعيون التواريخ ١ / ٢٦٦.

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٤١ ، ٤٢.


عمريّة (١) ، فجعل كلّ واحد منهما يلوذ (بها) (٢) من صاحبه ، كلّما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه ، حتى برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن. ثم حمل على محمد فضربه فاتّقاه بالدّرقة ، فعضّت بسيفه فأمسكته ، وضربه محمد حتى قتله (٣). فقيل إنه ارتجز وقال :

 قد علمت خيبر أنّي ماضي

حلو إذا شئت وسمّ قاضي

وكان ارتجاز مرحب :

قد علمت خيبر أنّي مرحب

شاكي السّلاح بطل مجرّب

 إذا الحروب أقبلت تلهّب

وأحجمت عن صولة المغلّب (٤)

 أطعن أحيانا وحينا أضرب

إنّ حماي للحمى لا يقرب

وقال الواقدي (٥) : حدّثني محمد بن الفضل (٦) بن عبيد الله عن (٧) رافع ابن خديج (٨) عن أبيه ، عن جابر قال : وحدّثني زكريّا بن زيد ، عن عبد الله ابن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن سلمة بن سلامة. قال : وعن مجمّع بن

__________________

(١) عمرية : قديمة أتى عليها عمر طويل.

(٢) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٣) السيرة ٤ / ٤٢.

(٤) كذا في الأصل ، ع وفيه إقواء. وقد ورد في إحدى نسخ السيرة لابن هشام : يحجم عن صولتي المجرب. (انظر ابن هشام : ٤ / ٤١). وإذا قرئت الأبيات بسكون الباء ، فلا إقواء. وراجع الأبيات في تاريخ الطبري ٣ / ١٠ و ١١ مع الاختلاف في الألفاظ وكذلك في نهاية الأرب ١٧ / ٢٥١ و ٢٥٣.

(٥) المغازي ٢ / ٦٥٤ ولعلّ السند كله محرّفا في الأصل وهو في مغازي الواقدي (٢ / ٦٥٦) : حدّثني محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن جابر.

(٦) في الأصل «الفضيل» والتصحيح من تهذيب التهذيب ٩ / ٤٠١.

(٧) في الأصل «ابن» والتصحيح من تهذيب التهذيب ٣ / ٢٢٩ إذ ليس له ولد اسمه عبيد الله.

(٨) لعلّ السند كله محرّفا في الأصل وهو في مغازي الواقدي (٢ / ٦٥٦) : حدّثني محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن جابر.


يعقوب ، عن أبيه ، عن مجمّع بن جارية قالوا جميعا : إنّ محمد بن مسلمة قتل مرحبا.

وذكر الواقديّ ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن سلمة ، عن أبيه ، أنّ عليّا حمل على مرحب فقطره (١) على الباب ، وفتح عليّ الباب الآخر ، وكان للحصن بابان.

قال الواقدي : وقيل إنّ محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ، فقال : أجهز عليّ يا محمد. فقال : ذق الموت كما ذاقه أخي محمود ، وجاوزه ، ومرّ به عليّ فضرب عنقه وأخذ سلبه. فاختصما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سلبه ، فأعطاه محمدا. وكان عند آل محمد بن مسلمة فيه كتاب لا يدرى ما هو ، حتى قرأه يهوديّ من يهود تيماء فإذا هو : هذا سيف مرحب من يذقه يعطب.

قال الواقديّ : حدّثني محمد بن الفضل (٢) بن عبيد الله عن (٣) رافع ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : برز عامر وكان طوالا جسيما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين برز وطلع : «أترونه خمسة أذرع»؟ وهو يدعو إلى البراز ، فبرز له عليّ فضربه ضربات ، كل ذلك لا يصنع شيئا ، حتى ضرب ساقيه فبرك ، ثم دفف عليه وأخذ سلاحه.

قال ابن إسحاق (٤) : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، فبرز له الزّبير فقتله.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة. ورواه موسى بن عقبة

__________________

(١) في الأصل ، ع : ففطره. والتصحيح من المغازي للواقدي (٢ / ٦٥٤). وقطره وأقطره : ألقاه على قطره أي جنبه.

(٢) في الأصل «الفضيل» ، انظر الحاشية (٦) من الصفحة السابقة.

(٣) في الأصل «بن» ، والتصحيح من تهذيب ٣ / ٢٢٩ ، انظر الحاشية (٧) من الصفحة السابقة.

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٢.


ـ واللفظ له ـ قال : ثم دخلوا حصنا لهم منيعا يدعى القموص. فحاصرهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٦٩ أ] قريبا من عشرين ليلة. وكانت أرضا وخمة شديدة الحرّ. فجهد المسلمون جهدا شديدا. فوجدوا أحمرة ليهود ، فذكر قصّتها ، ونهى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أكلها.

ثم قال : (١) وجاء عبد حبشيّ من أهل خيبر كان في غنم لسيّده ، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السّلاح ، سألهم ما يريدون؟ قالوا : نقاتل هذا الّذي يزعم أنّه نبيّ. فوقع في نفسه [ذكر النبيّ] (٢) فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم ، وقال : ما ذا لي؟ قال : «الجنّة» فقال : يا رسول الله إنّ هذه الغنم عندي أمانة. قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء فإنّ الله سيؤدّي عنك أمانتك». ففعل ، فرجعت الغنم إلى سيّدها. ووعظ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس. إلى أن قال : وقتل من المسلمين العبد الأسود ، فاحتملوه فأدخل في فسطاط. وزعموا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اطّلع في الفسطاط ، ثم أقبل على أصحابه فقال : لقد أكرم الله هذا العبد (٣) ، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين (٤).

وقال ابن وهب : أخبرني حيوة بن شريح ، عن ابن الهاد ، عن شرحبيل بن سعد ، عن جابر بن عبد الله قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة خيبر ، فخرجت سريّة فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها ، فجاءوا به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكلّمه ، فقال له الرجل : إنّي قد آمنت [بك وبما جئت به] (٥)

__________________

(١) من هنا يبدأ الموجود من مغازي عروة.

(٢) إضافة من المغازي لعروة ٢٠٠.

(٣) في المغازي لعروة ٢٠٠ زيادة : «وساقه إلى خيبر ، قد كان الإسلام في قلبه حقّا».

(٤) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٤٦ : والمستدرك على الصحيحين ٢ / ٦٣٦ ، وعيون الأثر ٢ / ١٤٢.

والبداية والنهاية ٤ / ١٩٠ ، ١٩١.

(٥) ما بين الحاصرتين إضافة من المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٣٦.


فكيف بالغنم فإنّها أمانة ، وهي للنّاس الشّاة والشّاتان [وأكثر من ذلك] (١) ، قال : احصب وجوهها ترجع إلى أهلها. فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى بها وجوهها ، فخرجت تشتدّ حتى دخلت كلّ شاة إلى أهلها. ثم تقدّم إلى الصفّ ، فأصابه سهم فقتله. ولم يصلّ لله سجدة قطّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أدخلوه الخباء» فأدخل خباء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل عليه ثم خرج فقال : «لقد حسن إسلام صاحبكم ، لقد دخلت عليه وإنّ عنده لزوجتين له من الحور العين».

وهذا حديث حسن أو صحيح (٢).

وقال مؤمّل بن إسماعيل : نا حمّاد ، نا ثابت عن أنس ، أنّ رجلا أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسود اللّون ، قبيح الوجه. منتن الريح ، لا مال لي ، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنّة؟ قال : «نعم». فتقدّم فقاتل حتى قتل. فأتى عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو مقتول ، فقال : «لقد أحسن الله وجهك وطيّب روحك وكثّر مالك». قال : وقال ـ لهذا أو لغيره ـ : «لقد رأيت زوجتيه من الحور العين يتنازعانه جبّته عنه ، تدخلان فيما بين جلده وجبّته». وهذا حديث صحيح.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٣) : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض أسلم أنّ بعض بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخيبر ، فقالوا : يا رسول [٦٩ ب] الله ، والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء. فلم يجدوا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا فقال : «اللهمّ إنّك قد علمت حالهم وأنّهم ليست لهم قوّة

__________________

(١) إضافة من المستدرك.

(٢) قال الحاكم النيسابورىّ : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرّجاه وقال الحافظ الذهبي : بل كان شرحبيل متّهما. قاله ابن أبي ذؤيب. (تلخيص المستدرك ٢ / ١٣٦).

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٤١.


وليس بيدي ما أعطيهم إيّاه. فافتح عليهم أعظم حصن بها غنى ، أكثره طعاما وودكا (١). فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصّعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه. فلما افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم (٢) الوطيح والسّلالم ، وكانا آخر حصون خيبر افتتاحا ، فحاصرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضع عشرة ليلة (٣).

* * *

__________________

(١) الودك : الدّسم.

(٢) في الأصل ، ع : حصنهم وأثبتنا نصّ ابن هشام.

(٣) انظر الخبر أيضا في تاريخ الطبري ٣ / ١٤ وبعضه في نهاية الأرب ١٧ / ٢٥٥ و ٢٧.


ذكر صفيّة

وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق قال : ويدني (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأموال ، يأخذها مالا مالا ، ويفتحها حصنا حصنا. فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة الأنصاريّ أخو محمد ، ألقيت عليه رحى فقتلته. ثم القموص ، حصن ابن أبي الحقيق. وأصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم سبايا ، منهنّ صفيّة بنت حييّ بن أخطب (٢) ، وبنتا عمّ لها ، فأعطاهما دحية الكلبي.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٣) ، حدّثني ابن لمحمد بن مسلمة الأنصاريّ عمّن أدرك من أهله ، وحدّثنيه مكنف ، قالا : حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل خيبر في حصنيهم (٤) الوطيح والسّلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يسيّرهم ويحقن دماءهم ، ففعل. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حاز الأموال كلّها : الشّقّ والنطّاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلّا ما كان في

__________________

(١) عند ابن كثير ٤ / ١٩٢ «وتدنّى».

(٢) تاريخ خليفة ٨٢ و ٨٣.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٣ وفتوح البلدان ١ / ٢٧.

(٤) في الأصل ، ع : حصنهم. وأثبتنا نصّ ابن هشام ، والطبري.


ذينك الحصنين. فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا ، بعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه أن يسيّرهم ويحقن دماءهم ، ويخلون بينه وبين الأموال ، ففعل. فكان ممن مشى بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبينهم ، في ذلك ، محيصة بن مسعود. فلما نزلوا على ذلك سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعاملهم [في] (١) الأموال على النّصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها. فصالحهم على النّصف ، على أنّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم. وصالحه أهل فدك على مثل ذلك. فكانت أموال خيبر فيئا بين المسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنّ المسلمين لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب (٢).

وقال حمّاد بن زيد ، عن ثابت. وعبد العزيز بن صهيب ، عن أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ظهر على أهل خيبر قتل المقاتلة وسبى الذّراريّ. فصارت صفيّة لدحية الكلبي ، ثم صارت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم تزوّجها وجعل صداقها عتقها. متّفق عليه (٣).

وقال يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو (بن أبي عمرو) (٤) [٧٠ أ] ، عن أنس ، قال : ذكر للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمال صفيّة ، وكانت عروسا وقتل زوجها ، فاصطفاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لنفسه. فلما كنّا بسدّ الصّهباء (٥)

__________________

(١) إضافة من السيرة ، . وعند الطبري «بالأقوال».

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٣ ، ٤٤ تاريخ الطبري ٣ / ١٤ ، ١٥ ، تاريخ خليفة ٨٣ ، البداية والنهاية ٤ / ١٩٨ ، فتوح البلدان ١ / ٣٤.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. (٥ / ٧٤) وانظر عن زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفية : الطبقات لابن سعد ٨ / ٨٥ وما بعدها ، تسمية أزواج النبي لأبي عبيدة ٦٦ ، والاستيعاب ٤ / ١٨٧١ وأسد الغابة ٥ / ٤٩٠ ، والسمط الثمين ١١٨ ، والإصابة ٤ / ٣٣٧ ، وإمتاع الأسماع ٣٢١ و ٣٣١ ، ٣٣٢.

(٤) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٨ / ٨٢).

(٥) سدّ الصهباء : قال ياقوت في صهباء (٣ / ٤٣٥) : اسم موضع بينه وبين خيبر روحة ، له ذكر في الأخبار.


حلّت ، فبنى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : واتّخذ حيسا (١) في نطع صغير ، وكانت وليمته. فرأيته يحوّي لها بعباءة خلفه ، ويجلس عند ناقته ، فيضع ركبته فتجيء صفيّة فتضع رجلها على ركبته ثم تركب (٢). فلما بدا لنا أحد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا جبل يحبّنا ونحبّه». أخرجه البخاري ، بأطول من هذا ، ومسلم (٣).

وقال محمد بن جعفر بن أبي كثير : أخبرني حميد ، سمع أنسا قال : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفيّة. فدعوت المسلمين إلى وليمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان إلّا أن أمر [بلالا] (٤) بالأنطاع فبسطت ، وألقي عليها التمر والأقط والسّمن. فقال المسلمون : إحدى أمّهات المؤمنين هي أو ما ملكت يمينه؟ قالوا : إن حجبها فهي إحدى أمّهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي ما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطّأ لها خلفه ، ومدّ الحجاب بينها وبين النّاس. أخرجه البخاري (٥).

وقال حمّاد بن سلمة (٦). عبيد الله بن عمر ـ فيما أحسب ـ عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الأرض والزرع والنّخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ، ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصّفراء والبيضاء ، ويخرجون منها.

__________________

(١) الحيس : تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربّما جعل فيه سويق (المحيط).

(٢) المغازي لعروة ١٩٩ ، فتح الباري ٧ / ٤٨٠.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب من غزا بصبيّ للخدمة. وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٤٢١١) وصحيح مسلم : كتاب النكاح ، باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوّجها.

(٤) إضافة من البخاري ٥ / ٧٧ والبداية والنهاية ٤ / ١٩٦.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. ٥ / ٧٧ ، ٧٨ وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ / ١٢٢.

(٦) انظر دلائل النبوّة للبيهقي ، وفتوح البلدان للبلاذري ١ / ٢٥.


واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئا ، فإن فعلوه فلا ذمّة لهم ولا عهد. فغيّبوا مسكا (١) فيه مال وحلى لحييّ بن أخطب ، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت [بنو] النّضير. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمّ حييّ : ما فعل مسك حييّ الّذي جاء به من النّضير؟ قال : أذهبته النّفقات والحروب. فقال : العهد قريب والمال أكثر من ذلك. فدفعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الزّبير ، فمسّه بعذاب. وقد كان حييّ قبل ذلك دخل خربة ، فقال عمّه : قد رأيت حييّا يطوف في خربة هاهنا : فذهبوا فطافوا. فوجدوا المسك في الخربة. فقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابني [أبي] (٢) حقيق ، وأحدهما زوج صفيّة. وسبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بالنّكث الّذي نكثوا.

وأراد أن يجليهم منها. فقالوا : يا محمد ، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها. ولم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا لأصحابه غلال (٣) يقومون عليها ، فأعطاهم على النّصف ما بعدا (٤) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥). فكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كلّ عام فيخرصها عليهم ثم يضمّنهم الشّطر. فشكوا إلى رسول الله] ٧٠ ب] صلى‌الله‌عليه‌وسلم شدّة خرصة (٦) ، وأرادوا أن يرشوه فقال : يا أعداء الله تطعموني السّحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحبّ النّاس إليّ ، ولأنتم أبغض إليّ من عدّتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي إيّاكم وحبّي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض.

__________________

(١) المسك : الجلد عامة أو جلد السخلة خاصة (السخلة ولد الشاة).

(٢) ساقطة من الأصل.

(٣) في طبعة القدسي ٣٩ «غلمان» والتصحيح من البداية والنهاية ٤ / ١٩٩.

(٤) النقص واضح في العبارة ، وفي البداية والنهاية ٤ / ١٩٩ «فأعطاهم خيبر على أنّ لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشيء ما بدا لرسول الله».

(٥) رواه أبو داود في سنة ٣ / ١٥٨ رقم ٣٠٠٦ كتاب الخراج والإمارة والفيء.

(٦) الخرص : الخزر والحدس والتخمين ، وخرص العدد قدّره تقديرا بظنّ لا إحاطة.


قال : ورأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعين صفيّة خضرة ، فقال : ما هذه؟ قالت : كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة ، فرأيت كأنّ قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك ، فلطمني وقال : تمنّين ملك يثرب؟ قالت : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أبغض النّاس إليّ ، قتل أبي وزوجي. فما زال يعتذر إليّ ويقول : إنّ أباك ألّب العرب عليّ وفعل وفعل ، حتى ذهب ذلك من نفسي.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي كلّ امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كلّ عام ، وعشرين وسقا من شعير [من خيبر] (١). فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين ، وألقوا ابن عمر من فوق بيت ، ففدعوا (٢) يديه ، فقال عمر : من كان لهم سهم بخيبر فليحضر ، حتى قسمها بينهم. وقال رئيسهم : لا تخرجنا ، دعنا نكون فيها كما أقرّنا رسول الله وأبو بكر. فقال له : أتراه سقط عنّي (٣) قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف بك إذا وقصت (٤) بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما. وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبيّة.

استشهد به البخاريّ في كتابه ، فقال : ورواه حمّاد بن سلمة (٥).

وقال أبو أحمد المرار بن حمويه : ثنا محمد بن يحيى الكناني ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما فدعت بخيبر قام عمر خطيبا فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عامل يهود خيبر على أموالها ، وقال : نقرّكم ما أقرّكم الله ، وإنّ عبد الله بن عمر خرج إلى خيبر ماله هناك ، فعدي عليه من

__________________

(١) إضافة من فتوح البلدان ١ / ٢٧ وانظر سنن أبي داود (٣٠٠٧) كتاب الخراج والإمارة والفيء.

(٢) الفدع : اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل ، أو زيغ بين القدم وعظم السّاق.

(٣) عند ابن كثير ٤ / ٢٠٠ «عليّ».

(٤) في طبعة القدسي ٣٩٢ «وفضت» ، والصحيح ما أثبتناه ، ووقص بمعنى كسر ، وهنا بمعنى اتجهت.

(٥) صحيح البخاري : كتاب الشروط ، باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك. (٣ / ١٧٧ ، ١٧٨) ورواه أبو داود مختصرا من حديث حمّاد ابن سلمة. وقال ابن كثير : ولم أره في الأطراف. (البداية والنهاية ٤ / ١٩٩ ، ٢٠٠) وانظر فتوح البلدان ١ / ٢٥ ، ٢٧.


الليل ففدعت يداه ، وليس لنا هناك عدوّ غيرهم ، وهم تهمتنا (١) ، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال : يا أمير المؤمنين ، تخرجنا وقد أقرّنا محمد وعاملنا؟ فقال : أظننت أنّي نسيت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو قلوصك ليلة بعد ليلة. فأجلاهم وأعطاهم قيمة ما لهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك. أخرجه البخاري عن أبي أحمد (٢).

وقال ابن فضيل ، عن يحيى بن سعيد (٣) ، عن بشير بن يسار (٤) عن رجال من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ظهر على خيبر قسّمها على ستّة وثلاثين سهما ، جمع كلّ سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمسلمين النّصف من ذلك ، وعزل النّصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب النّاس [٧١ أ]. أخرجه أبو داود (٥).

وقال سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار (٦) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قسّم خيبر ستّة وثلاثين سهما ، فعزل للمسلمين ثمانية عشر سهما ، فجمع كلّ سهم مائة ، والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم وله سهم كسهم أحدهم (٧). وعزل النّصف لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين ، فكان ذلك الوطيح

__________________

(١) التهمة : (كهمزة) ما يتهم عليه. وهم تهمتنا أي نظنّ فيهم ما نسب إليهم.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الشروط ، باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك. (٣ / ١٧٧ ، ١٧٨).

(٣) في الأصل ، ع : سعد ويأتي صحيحا في سند الحديث التالي. وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (١١ / ٢٢٠).

(٤) في الأصل : بشار. والتصحيح من ع ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (١ / ٤٧٢). ومن فتوح البلدان ١ / ٢٨ و ٢٩.

(٥) سنن أبي داود : كتاب الخراج والفيء والإمارة ، باب ما جاء في حكم أرض خيبر (٢ / ١٤٢) وانظر : عيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ١٤١.

(٦) في الأصل : بشار. وانظر ما تقدّم.

(٧) في الأصل : كسهم آخرهم. وما أثبتناه من ع وسنن أبي داود (٢ / ١٤٣).


والسّلالم والكتيبة وتوابعها ، فلما صارت الأموال بيد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين ، لم يكن لهم عمّال يكفونهم عملها ، فدعا اليهود فعاملهم (١).

قال البيهقي (٢) : وهذا لأنّ بعض خيبر فتح عنوة ، وبعضها صلحا. فقسّم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين ، وعزل ما فتح صلحا لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين.

وقال عبد الرزّاق [ثنا] معمر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّ خيبر يوم أشركها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان فيها زرع ونخل فكان يقسم لنسائه كلّ سنة لكلّ واحدة منهنّ مائة وسق تمر ، وعشرين وسق شعير لكلّ امرأة.

رواه الذّهليّ ، عن عبد الرزّاق ، فأسقط منه : ابن عمر.

وقال ابن وهب ، وقال يحيى بن أيوب : حدّثني إبراهيم بن سعد ، عن كثير مولى بني مخزوم ، عن عطاء ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قسم لمائتي فرس يوم خيبر سهمين سهمين.

قال ابن وهب ، وقال لي يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد ، وصالح بن كيسان مثل ذلك.

وقال ابن عيينة : نا يحيى بن سعيد ، عن صالح بن كيسان قال : كانوا يوم خيبر ألفا وأربعمائة ، وكانت الخيل مائتي فرس (٣).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، أخبرني الزّهري ، عن سعيد بن

__________________

(١) قال البلاذري من رواية بشير بن يسار ٢٨ : «فدفعها» الى اليهود يعملونها. على نصف ما خرج منها» وانظر : سنن أبي داود ٣ / ١٦٠ رقم (٣٠١٤) كتاب الخراج والإمارة والفيء.

(٢) في دلائل النبوّة.

(٣) عيون الأثر ٢ / ١٣٩.


المسيّب ، عن جبير بن مطعم قال : لما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطّلب ، مشيت أنا وعثمان فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الّذي جعلك الله به منهم. أرأيت إخواننا من بني المطّلب أعطيتهم وتركتنا ، وإنّما نحن وهم بمنزلة واحدة منك. فقال : إنّهم : لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ، وإنّما بنو هاشم وبنو المطّلب شيء واحد ، ثم شبك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه إحداهما في الأخرى.

استشهد به خ (١).

وقال شعبة ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن مغفل قال : دلّي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته ، وقلت : هذا لا أعطي أحدا منه شيئا. فالتفتّ فإذا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتبسّم ، فاستحييت منه. متّفق عليه (٢).

وقال أبو معاوية : نا أبو إسحاق الشيبانيّ ، عن محمد بن أبي مجالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قلت أكنتم تخمّسون الطعام في عهد رسول [٧١ ب] الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : أصبنا طعاما يوم خيبر فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف. أخرجه أبو داود (٣).

وقال أبو معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النّهدي ـ أو عن أبي قلابة ـ قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر قدم والثمرة خضرة ، فأشرع

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٧٩).

(٢) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب ، وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٣ / ٧٨. وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب أخذ الطعام من أرض العدو.

(٣) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في النّهي عن النّهي إذا كان في الطعام قلّة في أرض العدو (٢ / ٦٠).


النّاس فيها فحمّوا ، فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشّنان (١) ، ثم يحدرون (٢) عليهم بين أذاني الفجر ، ويذكرون اسم الله عليه ، قال : ففعلوا فكأنّما نشطوا من عقل.

وقال بشر بن المفضّل ، عن محمد بن زيد ، حدّثني عمير مولى آبي اللّحم ، قال : شهدت خيبر ، مع سادتي ، فكلّموا فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بي فقلّدت سيفا ، فإذا أنا أجرّه ، فأخبر أنّي مملوك ، فأمر لي بشيء من خرثى المتاع ، أي رديئه. أخرجه أبو داود (٣).

* * *

ذكر من استشهد على خيبر

على ما ذكر ابن إسحاق (٤) ، قال :

من حلفاء بني أميّة : ربيعة بن أكثم. وثقف (٥) بن عمرو. ورفاعة ابن مسروح.

ومن بني أسد بن عبد العزّى. عبد الله بن الهبيب (٦).

ومن الأنصار.

فضيل بن النّعمان السّلمي ، ومسعود بن سعد الزّرقيّ. وأبو الضّيّاح (٧)

__________________

(١) قرس الماء تقريسا : بردّه : والشّنان : الأسقية.

(٢) الحدر : الإسراع.

(٣) سنن أبي داود : كتاب الجهاد باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة (٢ / ٦٧).

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٩.

(٥) في سيرة ابن هشام ٤ / ٤٩ «ثقيف» ، والمثبت عن : المغازي لعروة ١٩٩ ، وطبقات ابن سعد ٣٩٨ / ٩٨ وتاريخ خليفة ٨٣ ، وحلية الأولياء ١ / ٣٥٢ والإصابة ١ / ٢٠٢ رقم ٩٦٠.

(٦) قال ابن هشام : بضم الهاء ويقال بفتحها.

(٧) هو : أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف (السيرة ٤ / ٤٩) وقال في المغازي لعروة ١٩٩ «أبو الصباح أو أبو ضياح».


ابن ثابت ، أحد بني عمرو بن عوف. والحارث بن حاطب ، وعروة بن مرّة (١). وأوس بن القائد (٢). وأنيف بن حبيب. وثابت بن أثلة (٣). وطلحة (٤). وعمارة بن عقبة الغفاريّ.

وقد تقدّم : عامر بن الأكوع ، ومحمود بن سلمة. والأسود الراعي.

وزاد عبد الملك بن هشام (٥) ، فقال : مسعود بن ربيعة ، حليف بني زهرة وأوس بن قتادة الأنصاريّ.

وزاد بعضهم فقال : ومبشّر بن عبد المنذر ، وأبو سفيان بن الحارث (٦) وليس بالهاشميّ.

* * *

قدوم جعفر بن أبي طالب ومن معه

خ ، م (٧) قالا : ثنا أبو كريب ، ثنا أبو أسامة ، حدّثني بريد عن (٨) أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري قال :

__________________

(١) في السيرة «عروة بن سراقة» وهو : عروة بن مرة بن سراقة. كما في الإصابة ٢ / ٤٧٧.

(٢) في الأصل : القائف ، تصحيف. وقد اختلف في اسم أبيه فقيل الفائد والفاتك والفاكه. انظر ترجمته في أسد الغابة (١ / ١٧٤) والإصابة (١ / ٨٦).

(٣) في الأصل : أيلة. والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (١ / ٢٦٥). والإصابة (١ / ١٩٠) وسيرة ابن هشام ٤ / ٤٩.

(٤) ورد في أسد الغابة والإصابة غير منسوب. وفي شرح أبي ذرّ أنه «طلحة بن يحيى بن مليل بن ضمرة».

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٩.

(٦) تاريخ خليفة ٨٤.

(٧) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. ٥ / ٧٩ ـ ٨١ وصحيح مسلم (٢٥٠٢) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل جعفر بن أبي طالب إلخ.

(٨) في الأصل (بن). خطأ تصحيحه من الصحيحين وتهذيب التهذيب. وهو بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ١ / ٤٣١ رقم ٧٩٥ أما أبو بردة الّذي يروي عنه فهو عمرو بن يزيد التميمي الكوفي (التهذيب ٨ / ١١٩ رقم ٢٠٠).


بلغنا مخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه ، أنا وأخوان لي أنا أصغرهم ، أحدهما أبو رهم ، والآخر أبو بردة ، إمّا قال : بضع ، وإمّا قال : في ثلاثة ، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي. فركبنا سفينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة. فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده. فقال جعفر. إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثنا وأمرنا ، يعني بالإقامة ، فأقيموا معنا ، فأقمنا معه ، حتى قدمنا جميعا ، فوافقنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين فتح خيبر. فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلّا لمن شهد معه ، إلّا أصحاب سفينتنا ، مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معهم.

قال : فكان أناس من النّاس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة.

قال : ودخلت أسماء بنت عميس ، وهي ممّن قدم معنا ، على حفصة زوج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم زائرة [٧٢ أ] وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ. فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس. قال عمر : الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء : نعم. فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، نحن أحقّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغضبت ، فقالت كلمة : [كذبت] (١) يا عمر! كلّا والله ، كنتم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنّا في دار ـ أو أرض ـ البعداء ، أو البغضاء ، بالحبشة ، وذلك في الله تعالى وفي رسوله. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونحن كنّا نؤذى ونخاف وسأذكر له ذلك وأسأله. فلما جاء قالت : يا نبيّ الله ، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال : «ليس بأحقّ بي منكم ، له ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم ـ أهل السفينة ـ هجرتان». قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا ، يسألوني عن هذا الحديث. ما من الدنيا شيء هم به

__________________

(١) سقطت من الأصل ، ع : وزدناها من صحيح مسلم.


أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو بردة : قالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّي. وقال : لكم الهجرة مرّتين ، هاجرتم إلى النّجاشيّ وهاجرتم إليّ (١).

وقال أجلح بن عبد الله ، عن الشّعبي قال : لما قدم جعفر من الحبشة تلقّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقبّل جبهته ، ثم قال : «والله ما أرى (٢) بأيّهما أفرح ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر (٣) وبعضهم يقول : عن أجلح ، عن الشّعبي عن جابر.

وقال ابن عيينة : ثنا الزّهري ، أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشيّ [يحدّث] (٤) عن أبي هريرة ، قال : قدمت المدينة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخيبر حين افتتحها ، فسألته عن أن يسهم لي. فتكلّم بعض ولد سعيد بن العاص فقال : لا نسهم له يا رسول الله. فقلت : هذا قاتل ابن قوقل (٥). فقال ، أظنّه ابن سعيد بن العاص : يا عجبي لوبر قد تدلّى علينا من قدوم ضالّ (٦) يعيّرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي ، ولم يهنّي على يديه.

لفظ د (٧) ، وأخرجه البخاري ، لكن قال : من قدوم ضأن (٨).

وقال إسماعيل بن عيّاش ، عن الزّبيدي ، عن الزّهري ، أخبرني عنبسة

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ٤ / ٢٠٥ ، ٢٠٦.

(٢) في سيرة ابن هشام ٤ / ٥٢ «ما أدري».

(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ / ١٠٠ والحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢١١ من غير هذا الطريق وبلفظ مختلف.

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع وسنن أبي داود.

(٥) هو النعمان بن قوقل الأنصاري الصحابي ، قتله أبان يوم أحد. (الإصابة ٣ / ٥٦٤ رقم ٨٧٥٥).

(٦) في صحيح البخاري ٥ / ٨٢ قال أبو عبد الله الضالّ السّدر.

(٧) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له (٢ / ٦٧).

(٨) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٨٢).


ابن سعيد ، أنّه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبان على سرية قبل نجد ، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخيبر بعد فتحها ، وإنّ حزم خيلهم لليف ، فقلت : يا رسول الله لا تقسم لهم. فقال أبان : أنت بهذا يا وبر تحدّر من رأس ضالّ (١). فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أبان ، اجلس ، فلم يقسم لهم.

علّقه البخاريّ في صحيحه ، فقال : ويذكر عن الزّبيدي (٢).

وقال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب [٧٢ ب] قال : كانت بنو فزارة ممّن قدم أهل خيبر ليعينوهم. فراسلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يعينوهم ، وسألهم أن يخرجوا عنهم ، ولكم من خيبر كذا وكذا. فأبوا عليه. فلما فتح الله خيبر ، أتاه من كان هنالك من بني فزارة ، قالوا : [أعطنا] (٣) حظّنا الّذي وعدتنا. فقال : «حظّكم» ، أو قال لكم ذو الرقيبة ـ جبل من جبال خيبر ـ قالوا : إذا نقاتلك. فقال : «موعدكم جنفاء». فلما سمعوا ذلك هربوا. جنفاء ماء من مياه بني فزارة.

وقال خ (٤) ، ثنا مكّي بن إبراهيم ، نا يزيد بن أبي عبيد قال : رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت : يا أبا مسلم ، ما هذه الضربة؟ فقال : هذه ضربة أصابتني يوم خيبر ، فقال النّاس : أصيب سلمة ، فأتيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات ، فما اشتكيتها حتى السّاعة.

__________________

(١) ويروى : من رأس ضأن كما تقدّم ، والضأن : قيل هو جبل بهذا الاسم ، وقيل هو الغنم. كأنّه يعرّض بأبي هريرة لقوله : لا تقسم لهم.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٨٢).

(٣) في الأصل : أحظنا. والتصحيح من معجم البلدان (جنفاء) وقد أورد الحديث بتمامه من رواية موسى بن عقبة التي هنا. وجنفاء : موضع في بلاد بني فزارة ، وموضع بين خيبر وفيد ، ذكرهما ياقوت ٢ / ١٧٢ ونسب إليه السمهوري (٢ / ٢٨٣) قوله عن الموضع الثاني أنه هو الّذي وقع ذكره في غزوة خيبر. وليس في المطبوع ما يشير إلى ذلك.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. (٥ / ٧٥ ، ٧٦) وعيون الأثر ٢ / ١٤٢.


وقال عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التقى هو والمشركون في بعض مغازيه ، فاقتتلوا. فمال كلّ فريق (١) إلى عسكرهم ، وفي المسلمين رجل لا يدع للمشركين شاذّة ولا فاذّة (٢) إلّا أتّبعها يضربها بسيفه (٣). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما إنّه من أهل النار». فقالوا :

أيّنا من أهل الجنّة إن كان من أهل النار؟ فقال رجل : والله لا يموت على هذه الحال أبدا ، فاتّبعه حتى جرح ، فاشتدّت جراحته واستعجل الموت ، فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فجاء الرجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أشهد إنّك لرسول الله ، قال : «وما ذاك»؟ فأخبره. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس وإنّه من أهل النار ، وإنه ليعمل بعمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس وإنّه لمن أهل الجنّة».

متّفق عليه (٤).

وأخرج البخاري (٥) من حديث شعيب (٦) بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، عن ابن المسيّب ، عن أبي هريرة قال : شهدنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، فقال لرجل ، يعني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ هذا من أهل النار. فلما حضر القتال قاتل الرجل. فذكر نحو حديث سهل بن سعد.

__________________

(١) في صحيح البخاري «قوم» بدل «فريق».

(٢) الشاذ : هو الّذي يكون مع الجماعة ثم يفارقهم. والفاذّ هو الّذي لم يكن قط قد اختلط بهم والتأنيث فيهما باعتبار النفس والتاء للوحدة (شرح الكرماني).

(٣) في صحيح البخاري زيادة : «فقيل يا رسول الله ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان».

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٦ وصحيح مسلم (١١٢) كتاب الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه إلخ.

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر. (٥ / ٧٤ ، ٧٥).

(٦) في الأصل : سعيد ، تحريف تصويبه من صحيح البخاري ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٤ / ٣٥١).


وقال يحيى القطّان وغيره ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى ابن حبّان ، عن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد الجهنيّ أنّ رجلا توفّي يوم خيبر ، فذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : صلّوا على صاحبكم. فتغيّرت وجوههم : فقال : إنّ صاحبكم غلّ في سبيل الله. ففتّشنا متاعه ، فوجدنا خرزا من خرز اليهود يساوي درهمين.

شأن الشّاة المسمومة

وقال ليث بن سعد ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاة فيها سمّ. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أجمعوا من كان هاهنا من اليهود». فجمعوا [٧٣ أ] له ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه»؟ قالوا : نعم ، يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أبوكم»؟ قالوا : أبونا فلان. قال : «كذبتم ، بل أبوكم فلان» ، قالوا : صدقت وبرزت. قال لهم : «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه»؟ قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في آبائنا (١) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من أهل النّار»؟ فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اخسئوا فيها ، فو الله لا نخلفنّكم فيها أبدا» ، ثم قال : «هل أنتم صادقيّ (في شيء إن سألتكم عنه)»؟ قالوا : نعم. قال : «أجعلتم في هذه الشاة سمّا»؟ قالوا : نعم ، قال : «فما حملكم على ذلك»؟ قالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيّا لم يضرّك. أخرجه خ (٢).

__________________

(١) عند ابن سعد ٢ / ١١٥ «أبينا».

(٢) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم ٤ / ٦٦. وكتاب الطب ، باب ما يذكر في سمّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٧ / ٣٢) وانظر البداية والنهاية ٤ / ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، والطبقات الكبرى ٢ / ١١٥ ، ١١٦.


وقال خالد بن الحارث : ثنا شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس أنّ يهوديّة أتت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشاة مسمومة ، فأكل منها ، فجيء بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألها عن ذلك ، قالت : أردت لأقتلك. فقال : «ما كان الله ليسلّطك على ذلك». أو قال : «عليّ» ، قالوا :. لا نقتلها. قال : «لا». فما زلت ، أعرفها في لهوات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

متّفق عليه من حديث خالد (١).

وقال عبّاد بن العوّام ، عن سفيان بن حسين ، عن الزّهري ، عن أبي سلمة وابن المسيّب ، عن أبي هريرة ، أنّ امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاة مسمومة ، فقال : «أمسكوا فإنّها مسمومة» ، قال : «وما حملك على ما صنعت»؟ قالت : أردت أن أعلم إن كنت نبيّا فسيطلعك الله ، وإن كنت كاذبا أريح النّاس منك قال : فما عرض لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢). وروي عن جابر نحوه.

وقال معمر ، عن الزّهري ، عن عبد الرحمن بن كعب ، أنّ يهوديّة أهدت إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاة مصلّية (٣) بخيبر ، فأكل وأكلوا ، ثم قال : «أمسكوا». وقال لها : «هل سمّيت هذه الشاة»؟ قالت : من أخبرك؟ قال : «هذا العظم». قالت : نعم. فاحتجم على الكاهل ، وأمر أصحابه فاحتجموا ، فمات بعضهم.

قال الزّهري : فأسلمت ، وتركها (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب الهبة ، باب قبول الهدية من المشركين. ٣ / ١٤١ وصحيح مسلم (٢١٩٠). كتاب السلام ، باب السم. البداية والنهاية ٤ / ٢٠٩.

(٢) البداية والنهاية ٤ / ٢٠٩ وقال : رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن سعيد بن سليمان به.

وانظر الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٠.

(٣) مصلية : مشويّة ، من الصّلي وهو الشّيّ.

(٤) البداية والنهاية ٤ / ٢١٠.


وقال أبو داود في سننه : ثنا سليمان المهدي ، نا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : كان جابر يحدّث أنّ يهوديّة سمّت شاة أهدتها للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الحديث (١).

وقال خالد الطّحاوي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدت له يهوديّة بخيبر شاة ، نحو حديث جابر. قال : فمات بشر بن البراء بن معرور ، وأمر بها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقتلت (٢).

ويحتمل [٧٣ ب] أنه لم يقتلها أولا ، ثم لما مات بشر قتلها (٣).

وبشر (٤) شهد العقبة وبدرا ، وأبوه قائد النّقباء ليلة العقبة. وهو الّذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني سلمة ، من سيّدكم»؟ قالوا : الجدّ بن قيس ، على بخل فيه. فقال : «وأيّ داء أدوى من البخل؟ بل سيّدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء» (٥).

وقال موسى بن عقبة ، وابن شهاب ، وعروة ، واللّفظ لموسى قالوا : لما فتحت خيبر أهدت زينب بنت الحارث اليهودية ـ وهي ابنة أخي مرحب ـ لصفيّة شاة مصلّية وسمّتها وأكثرت في الذّراع ، لأنّه بلغها أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبّ الذراع. وذكر الحديث (٦).

__________________

(١) سنن أبي داود : كتاب الديات ، باب فيمن سقى رجلا سما أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ (٢ / ٤٨٢).

(٢) انظر الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٠.

(٣) البداية والنهاية ٤ / ٢٠٨.

(٤) تاريخ خليفة ٨٤.

(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٥٧١ ، عيون التواريخ ١ / ٢٧٤.

(٦) انظر المغازي لعروة ١٩٨.


[حديث الحجّاج بن علاط السّلمي] (١)

وعن عروة ، وموسى بن عقبة قالا : كان بين قريش حين سمعوا بمخرج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تراهن وتبايع ، منهم من يقول : يظهر محمد ومنهم من يقول : يظهر الحليفان ويهود خيبر. وكان الحجّاج بن علاط السّلمي البهزي (٢) قد أسلم وشهد فتح خيبر ، وكانت تحته أمّ شيبة العبدرية ، وكان الحجّاج ذا مال ، وله معادن من أرض بني سليم. فلما ظهر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على خيبر ، قال الحجّاج : يا رسول الله ، إنّ لي ذهبا عند امرأتي ، وإن تعلم هي وأهلها بإسلامي فلا مال لي ، فائذن لي فأسرع السير ولا يسبق الخبر.

وقال محمد بن ثور ـ واللّفظ له ـ وعبد الرزّاق ، عن معمر ، سمعت ثابتا البنانيّ ، عن أنس ، قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، قال الحجّاج ابن علاط : يا رسول الله ، إنّ لي بمكة مالا ، وإنّ لي بها أهلا أريد إتيانهم ، فأنا في حل إن أنا قلت منك وقلت شيئا؟ فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال لامرأته ، وقال لها : أخفي عليّ واجمعي ما كان عندك لي ، فإنّي أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه ، فإنّهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم. ففشا ذلك بمكة ، واشتدّ على المسلمين وبلغ منهم. وأظهر المشركون فرحا وسرورا. فبلغ العباس الخبر فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم.

قال معمر : فأخبرني عثمان الجزري ، عن مقسم قال : فأخذ العبّاس ابنا له يقال له قثم واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول :

حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم

فتى ذي النعم برغم من رغم (٣)

 __________________

(١) العنوان عن سيرة ابن هشام ٤ / ٤٦.

(٢) البهزي : بفتح الباء الموحّدة وسكون الهاء وبعدها زاي. نسبة إلى بهز بن امرئ القيس. (اللباب ١ / ١٩٢) وانظر ترجمته في الإصابة ١ / ٣١٣ رقم ١٦٢٢ وأسد الغابة ١ / ٣٨١.

(٣) انظر هذا القول على اختلاف في اللفظ في : المعرفة والتاريخ والبداية والنهاية ٤ / ٢١٦ والطبقات الكبرى ٤ / ١٧.


قال معمر في حديث أنس : فأرسل العبّاس غلاما له إلى الحجّاج ، أن : ويلك ، ما جئت به وما تقول؟ والّذي وعد الله خير مما جئت به. قال الحجّاج : يا غلام ، أقرئ أبا الفضل السّلام ، وقل له فليخل لي في بعض بيوته فآتيه ، فإنّ الأمر على ما يسرّه. فلما بلغ العبد باب الدار ، قال : أبشر يا أبا الفضل. فوثب العبّاس فرحا حتى قبّل ما بين عينيه وأعتقه ، ثم جاء الحجّاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر ، وغنم أموالهم ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اصطفى صفيّة ، ولكن جئت لمالي ، وأنّي استأذنت [٧٤ أ] النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأذن لي ، فأخف عليّ يا أبا الفضل ثلاثا ، ثم اذكر ما شئت. قال : وجمعت له امرأته متاعه ، ثم استمرّ ، فلما كان بعد ثلاث ، أتى العبّاس امرأة الحجّاج فقال : ما فعل زوجك؟ قالت : ذهب ، لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شقّ علينا الّذي بلغك. فقال : أجل ، لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد الله إلّا ما أحبّ ، فتح الله على رسوله ، وجرت سهام الله في خيبر ، واصطفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صفيّة لنفسه ، فإن كان لك في زوجك حاجة فالحقي به. قالت : أظنّك والله صادقا. ثم أتى مجالس قريش وحدّثهم. فردّ الله ما كان بالمسلمين من كآبة وجزع على المشركين (١).

* * *

__________________

(١) الحديث بكاملة في المعرفة والتاريخ ١ / ٥٠٧ ـ ٥٠٩ ورواه أحمد في مسندة ٣ / ١٣٨ ، وأبو يعلى ، والبزار ١٦٥ ، ١٦٦ ، وعبد الرزاق في المصنف ١٩٧٧١ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٤٦ ، ٤٧ وتاريخ الطبري ٣ / ١٧ ـ ١٩ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ٤ / ١٧ ، ١٨ ، والمعجم الكبير للطبراني ٣ / ٢٤٧ ـ ٢٤٩ رقم ٣١٩٦ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٧ ، ونهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٦٦ ـ ٢٦٨ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٧ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٥٥ : ورجال أحمد رجال الصحيح.



غزوة وادي القرى

مالك ، عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال :

خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام خيبر ، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا ، إلّا الثياب والمتاع. فوجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحو وادي القرى (١). وقد أهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد يقال له : مدعم. حتى إذا كانوا بوادي القرى ، بينما يحطّ رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ جاء سهم فقتله فقال النّاس : هنيئا له الجنّة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّا ، والّذي نفسي بيده ، إنّ الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتغل عليه نارا». فلما سمعوا بذلك ، جاء رجل بشراك (٢) أو شراكين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شراك من نار أو قال : شراكان من نار» متّفق عليه (٣).

وقال الواقدي : حدّثني عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن الزّهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر

__________________

(١) وادي القرى : واد بين المدينة والشام ، من أعمال المدينة ، وهو بين تيماء وخيبر ، فيه قرى كثيرة وبها سمّي وادي القرى.

(٢) الشراك : سير النعل الّذي يكون على وجهها.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٨١ وصحيح مسلم (١١٥) كتاب الإيمان ، باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنّة إلّا المؤمنون.


إلى وادي القرى. وكان رفاعة بن زيد الجذاميّ قد وهب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبدا يقال له مدعم. فلما نزلنا بوادي القرى ، انتهينا إلى يهود وقد ثوى إليها ناس من العرب. فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد استقبلنا يهود بالرمي حيث نزلنا. ولم نكن على تعبئة ، وهم يصيحون في طلبهم ، فيقبل سهم عائر ، فأصاب مدعما فقتله. فقال النّاس : هنيئا له الجنّة. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّا ، والّذي نفسي بيده ، إنّ الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا». فلما سمع بذلك النّاس ، جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشراك أو بشراكين ، فقال : «شراك ، أو شراكان ، من نار» فعبّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه للقتال وصفّهم ، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة ، ودفع راية إلى الحباب بن المنذر ، وراية إلى سهل بن حنيف ، وراية إلى عبّاد بن بشر ، ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنّهم إن أسلموا [٧٤ ب] أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، فبرز رجل ، فبرز إليه الزّبير فقتله ، ثم برز آخر ، فبرز إليه [عليّ] (١) فقتله ، ثم برز آخر ، فبرز إليه أبو دجانة فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا (٢) ثم أعطوا من الغد بأيديهم. وفتحها الله عنوة (٣).

وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوادي القرى أربعة أيام. فلما بلغ ذلك أهل تيماء صالحوا على الجزية. فلما كان عمر ، أخرج يهود خيبر وفدك ، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى لأنّهما داخلتان في أرض الشام ، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وما وراء ذلك من الشام (٤).

__________________

(١) سقطت من الأصل ، واستدركناها من ع. ومن نهاية الأرب ١٧ / ٢٦٩.

(٢) وهكذا في دلائل النبوّة للبيهقي ، وفي نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٦٩ «اثنا عشر رجلا».

(٣) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ١٦ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ وعيون الأثر ٢ / ١٤٤ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢١٨.

(٤) انظر فتوح البلدان ١ / ٣٩ وعيون الأثر ٢ / ١٤٥ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢١٨.


وقال ابن وهب : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيّب. عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قفل من غزوة خيبر ، فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرّس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال لبلال : أكلأ (١) لنا اللّيل. فغلبت بلالا عيناه فلم يستيقظ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا بلال إلّا بحرّ الشمس.

الحديث.

أخرجه مسلم (٢).

وروي أنّ ذلك كان في طريق الحديبيّة ، رواه شعبة ، عن جامع بن شدّاد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، عن ابن مسعود. ويحتمل أن يكون نومهم مرّتين.

وقد رواه زافر بن سليمان ، عن شعبة ، فذكر أنّ ذلك كان في غزوة تبوك.

وقد روى النّوم عن الصّلاة : عمران بن حصين ، وأبو قتادة الأنصاريّ. والحديثان وصحيحان رواهما مسلم (٣) ، وفيهما طول.

وقالت [عائشة] (٤) : لما افتتحنا خيبر ، قلنا : الآن نشبع من التمر.

وقال ابن وهب : أنا يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس قال : لما قدم

__________________

(١) الكلاءة الحفظ والحراسة ، على ما في (النهاية).

(٢) صحيح مسلم (٦٨٠) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.

(٣) كتاب المساجد ومواضع الصلاة رقم ٦٨١ و ٦٨٣.

(٤) في الأصل (وقال) ثم بياض بمقدار كلمة ، وهي ساقطة من ع. والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٨٣ ، بهذا الإسناد : حدّثني محمد بن بشّار ، حدّثنا حرميّ ، حدثنا شعبة ، قال أخبرني عمارة ، عن عكرمة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : «لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر.».


المهاجرون المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء. وكان الأنصار أهل أرض ، فقاسموا المهاجرين على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كلّ عام ، ويكفونهم العمل والمئونة. وكانت أمّ أنس ، وهي أمّ سليم ، أعطت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عذاقا لها ، فأعطاهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمّ أيمن مولاته أمّ أسامة بن زيد. فأخبرني أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر ، وانصرف إلى المدينة ، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم ، وردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمّي عذاقها (١) ، وأعطى أمّ أيمن مكانهنّ من حائطه.

قال ابن شهاب : وكان من شأن أمّ أسامة بن زيد أنّها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطّلب. وكانت من الحبشة. فلما ولدت آمنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت أمّ أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعتقها ، ثم أنكحها زيد بن حارثة. ثم توفّيت بعد ما توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة أشهر. أخرجه مسلم (٢).

وقال معتمر (٣) : حدّثنا أبي ، عن أنس ، أنّ الرجل كان يعطي من ماله النّخلات أو ما شاء الله من ماله ، النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى فتحت عليه قريظة والنّضير ، فجعل يردّ بعد ذلك ، فأمرني أهلي أن آتيه فأسأله الّذي [٧٥ أ] كانوا أعطوه أو بعضه ، وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاه أمّ أيمن ، أو كما شاء الله ، قال : فسألته ، فأعطانيهنّ. فجاءت أمّ أيمن فلوت الثّوب في عنقي ، وجعلت تقول : كلّا والله لا إله إلّا هو ، لا نعطيكهنّ وقد أعطانيهنّ. فقال نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أمّ أيمن اتركي كذا وكذا». وهي تقول لا والله. حتى أعطاها عشرة أمثال ذلك ، أو نحوه. وفي لفظ في الصّحيح : وهي تقول :

__________________

(١) أي نخلاتها.

(٢) صحيح مسلم (١٧٧١) كتاب الجهاد والسير ، باب ردّ المهاجرين إلى الأنصار منائحهم إلخ.

(٣) في طبعة القدسي ٤١١ «معمر» وهو تصحيف ، والتصحيح من صحيح البخاري ٥ / ٥١.


كلّا والله حتى أعطى عشرة أمثاله. أخرجاه (١).

* * *

وفي سنة سبع : قدم حاطب بن أبي بلتعة من الرّسيلة (٢) إلى المقوقس ملك ديار مصر ، ومعه منه هدية للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهي ماريّة القبطية ، أمّ إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأختها سيرين التي وهبط لحسّان بن ثابت ، وبغلة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دلدل ، وحماره يعفور (٣).

وفيها : توفّيت ثويبة (٤) مرضعة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلبن ابنها مسروح (٥) وكانت مولاة لأبي لهب أعتقها عام الهجرة. وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعث إليها من مكة بصلة وكسوة. حتى جاءه موتها سنة سبع مرجعه من خيبر ، فقال : «ما فعل ابنها مسروح» (٦)؟ قالوا : مات قبلها (٧) وكانت خديجة تكرمها ، وطلبت شراءها من أبي لهب فامتنع. رواه الواقديّ عن غير واحد. أرضعت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل حليمة أياما ، وأرضعت أيضا حمزة بن عبد المطّلب ، وأبا سلمة بن عبد الأسد.

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب مرجع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحزاب إلخ. وصحيح مسلم (١٧٧١) كتاب الجهاد والسير ، باب ردّ المهاجرين إلى الأنصار منائحهم.

(٢) علّق القدسي على هذه الكلمة وظنّها اسما لمكان فقال : لم أقف عليها في كتب البلدان ، ولم يرد لها ذكر فيما بين يدي من كتب السير والمغازي. وأقول : إن اللفظ ليس اسم مكان ، بل يراد به إرسال الرسول. ويوضّحه السياق.

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٢١ ، ٢٢ ، تاريخ الخليفة ٨٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣٦ ، وانظر عن مارية في الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ / ٢١٢.

(٤) انظر عن ثويبة : أسد الغابة ٥ / ٤١٤ ، الإصابة ٤ / ٢٥٧ ، ٢٥٨ رقم ٢١٣.

(٥) عبارة الأصل : «وفيها توفيت مرضعة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثويبة بلبن ابنها مسروح». وأثبتنا عبارة ع وهي أقوم.

(٦) انظر عنه في ترجمة أمّه ثويبة (الإصابة ٤ / ٢٥٧ و ٣ / ٤٠٨).

(٧) عيون التواريخ ١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥.


سريّة أبي بكر إلى نجد

وكانت بعد خيبر سنة سبع.

وقال عكرمة بن عمّار : حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر رضي‌الله‌عنه إلى بني فزارة ، وخرجت معه حتى إذا دنونا من الماء عرّس بنا أبو بكر ، حتى إذا ما صلّينا الصّبح ، أمرنا فشننّا الغارة ، فوردنا الماء. فقتل أبو بكر من قتل ، ونحن معه ، فرأيت عنقا (١) من النّاس فيهم الذّراريّ. فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل ، فأدركتهم ، فرميت بسهمي. فلما رأوه قاموا ، فإذا امرأة عليها قشع (٢) من أدم ، معها ابنتها من أحسن العرب فجئت أسوقهم إلى أبي بكر ، فنفّلني أبو بكر ابنتها ، فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ، ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوبا. حتى لقيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السوق فقال : «يا سلمة ، هب لي المرأة». قلت : يا نبيّ الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا. فسكت حتى كان من الغد فقال : «يا سلمة ، هب لي المرأة لله أبوك». قلت : هي لك يا رسول الله. فبعث بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل مكة ، ففدى بها أسرى من المسلمين. أخرجه مسلم (٣).

وقيل كان ذلك في شعبان.

* * *

سريّة عمر إلى عجز هوازن

وقال الواقديّ : ثنا أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبي بكر بن عمر بن

__________________

(١) أي جماعة.

(٢) القشع : النطع.

(٣) صحيح مسلم (١٧٥٥) كتاب الجهاد والسير ، باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى ، وأحمد في مسندة ٤ / ٤٦ ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١١٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٤ / ٢٢٠ ، و ٢٢١ وابن سيد الناس في عيون الأثر ٢ / ١٤٦.


عبد الرحمن قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر إلى [٧٥ ب] تربة عجز هوازن (١) ، في ثلاثين راكبا ، فخرج ومعه دليل. فكانوا يسيرون اللّيل ويكمنون النّهار. فأتى الخبر هوازن ، فهربوا. وجاء عمر محالّهم ، فلم يلق منهم أحدا ، فانصرف إلى المدينة ، حتى سلك النّجدية (٢). فلما كانوا بالجدر (٣) ، قال الدليل لعمر : هل لك في جمع آخر تركته من خثعم جاءوا سائرين ، قد أجدبت بلادهم؟ فقال عمر : ما أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهم. ورجع إلى المدينة. وذلك في شعبان (٤).

* * *

سرية بشير بن سعد

قال الواقديّ : حدّثني عبد الله بن الحارث بن الفضل (٥) ، عن أبيه ، قال : بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرّة بفدك. فخرج فلقي رعاء الشاء ، فاستاق الشاء والنّعم (٦) منحدرا إلى المدينة. فأدركه الطّلب عند الليل ، فباتوا يرامونهم بالنّبل حتى فني نبل أصحاب بشير ، فأصابوا أصحابه وولّى منهم من ولّى ، وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ضرب كعباه. وقيل قد مات ، ورجعوا بنعمهم وشائهم ، وتحامل بشير حتى

__________________

(١) تربة : واد بالقرب من مكة على مسافة يومين منها يصبّ في بستان بني عامر ، وقيل واد يأخذ من السّراة ويفرغ في نجران ، وقيل موضع بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء ونجران. (معجم البلدان ٢ / ٢١) وعجز هوازن هم بنو نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وبنو جشم بن بكر بن هوازن.

(٢) النّجدية : لم يرد لها ذكر فيما وقفت عليه من كتب البلدان ، ولعلّها موضع في الطريق النّجدي إلى مكة.

(٣) الجدر : قرارة في الحرّة على ستة أميال من المدينة ناحية قباء (معجم البلدان ٢ / ١١٤).

(٤) انظر المغازي للواقدي : ٢ / ٧٢٢ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١١٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٢ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٢١ ، وعيون الأثر ٢ / ١٤٥ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٧٠.

(٥) كذا في الأصل ، ع. وفي المغازي للواقدي (٢ / ٧٢٣) : عبد الله بن الحارث بن الفضيل.

(٦) في الأصل : الغنم. وأثبتنا لفظ ع والواقدي.


انتهى إلى فدك ، فأقام عند يهوديّ حتى ارتفع من الجراح ، ثم رجع إلى المدينة (١).

* * *

سريّة غالب بن عبد الله الليثي

قال الواقديّ : حدّثني أفلح بن سعيد ، عن بشير بن محمد بن عبد الله ابن زيد ، الّذي أري الأذان (٢) ، قال : كان مع غالب بن عبد الله بن مسعود ، عقبة بن عمرو الأنصاري ، وكعب بن عجرة ، وعلبة بن زيد. فلما دنا غالب منهم ليلا وقد احتلبوا (٣) وهدءوا ، قام فحمد الله وأثنى عليه وأمر بالطّاعة ، قال : وإذا كبّرت فكبّروا ، وجرّدوا السّيوف. فذكر الحديث في إحاطتهم. بهم. قال : ووضعنا السيوف حيث شئنا منهم ، ونحن نصيح بشعارنا : أمت أمت ، وخرج أسامة يحمل على رجل فقال : لا إله إلّا الله. وذكر الحديث (٤).

وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق (٥) ، حدّثني شيخ من أسلم ، عن رجال من قومه قالوا : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غالب بن عبد الله الكلبي ، كلب ليث ، إلى أرض بني مرّة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ،

__________________

(١) انظر المغازي للواقدي : ٢ / ٧٢٣ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١١٨ ، ١١٩ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٧٢ ، وعيون الأثر ٢ / ١٤٧ ، ١٤٨ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ، عيون التواريخ ١ / ٢٧١ ، تاريخ دمشق ـ تحقيق دهمان ١٠ / ١٥٠.

(٢) عبارة الأصل : «عن بشير بن محمد الّذي أرى الأذان عبد الله بن زيد» وأثبتنا عبارة ع ، وهي أصحّ ، فالذي أرى الأذان هو عبد الله بن زيد. والأذان لم يثبت بالرؤيا فقط ، على ما هو محقّق في مظانّه.

(٣) هكذا في الأصل ، ع ورواية الواقدي «اجتلبوا» ، ولكليهما وجه.

(٤) انظر المغازي للواقدي : ٢ / ٧٢٤ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٤ / ٢٢٢. وسيأتي الحديث عن صحيح البخاري ٥ / ٨٨.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٩.


حليف لهم من الحرقة (١) فقتله أسامة. فحدّثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، عن جدّه أسامة بن زيد قال : أدركته ، يعني مرداسا ، أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السّيف قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه. فلما قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرناه خبره ، فقال : «يا أسامة من لك بلا إله إلّا الله»؟ فقلت : يا رسول الله ، إنّما قالها تعوّذا من القتل. قال : «فمن لك بلا إله إلّا الله». فو الّذي بعثه بالحقّ ، ما زال يردّدها عليّ حتى لوددت أنّ ما [٧٦ أ] مضى من إسلامي لم يكن. وأنّي أسلمت يومئذ ولم أقتله (٢).

وقال هشيم : نا حصين بن عبد الرحمن ، ثنا أبو ظبيان ، سمعت أسامة ابن زيد يحدّث قال : أتينا الحرقة من جهينة. قال : فصبّحنا القوم فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلّا الله. قال : فكفّ عنه الأنصاريّ ، فطعنته أنا برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، فقال : أقتلته بعد ما قال لا إله إلّا الله ، ثلاث مرّات. قلت : يا رسول الله ، إنّما كان متعوّذا ، قال : فما زال يكرّرها حتى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل يومئذ.

متّفق عليه (٣).

وقال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، حدّثني يعقوب بن عتبة ،

__________________

(١) الحرقة : هم بنو حميس من قبائل جهينة (الاشتقاق لابن دريد (٥٤٩).

(٢) انظر : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٩ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ١١٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٢ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، عيون الأثر ٢ / ١٤٧ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٢.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة ٥ / ٨٨. وصحيح مسلم (٩٦) كتاب الإيمان ، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلّا الله.

وقال البغوي في شرح السّنّة : ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استغفر بعد لأسامة ثلاث مرّات وقال له : أعتق رقبة.


عن مسلم بن عبد الله الجهنيّ ، عن جندب بن مكيث (١) الجهنيّ ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غالب بن عبد الله إلى بني الملوّح بالكديد (٢) ، وأمره أن يغير عليهم ، وكنت في سريّته. فمضينا حتى إذا كنّا بقديد (٣) ، لقينا به الحارث بن مالك بن البرصاء اللّيثي ، فأخذناه فقال : إنّي إنّما جئت لأسلم. فقال له غالب : إن كنت إنّما جئت لتسلم فلا يضرّك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك ، قال : فأوثقه رباطا وخلّف عليه رويجلا أسود ، قال : امكث عليه حتى نمرّ عليك ، فإن نازعك فاحتزّ رأسه ، وأتينا بطن الكديد فنزلناه بعد العصر. فبعثني أصحابي إليه ، فعمدت إلى تلّ يطلعني على الحاضر ، فانبطحت عليه ، وذلك قبل الغروب. فخرج رجل فنظر فرآني منبطحا على التلّ فقال لامرأته ، إنّي لأرى سوادا على هذا التلّ ما رأيته في أوّل النّهار ، فانظري لا تكون الكلاب اجترّت بعض أوعيتك. فنظرت فقالت : والله ما أفقد شيئا. قال : فناولني قوسي وسهمين من نبلي. فناولته فرماني بسهم فوضعه في جبيني ، أو قال : في جبني ، فنزعته فوضعته ولم اتحرّك ، ثم رماني بالآخر ، فوضعه في رأس منكبي ، فنزعته فوضعته ولم اتحرّك. فقال لامرأته : أما والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان زائلا لتحرّك ، فإذا أصبحت فابتغي سهميّ فخذيهما ، لا تمضغهما عليّ الكلاب.

قال : ومهلنا حتى راحت روائحهم ، وحتى إذا احتلبوا وعطفوا وذهب عتمة من اللّيل شنّنا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا واستقنا النّعم فوجّهنا قافلين به ، وخرج صريخ القوم إلى قومهم. قال : وخرجنا سراعا حتى نمرّ بالحارث

__________________

(١) مكيث : بفتح الميم وكسر الكاف. (انظر : المشتبه للذهبي ٢ / ٦١١).

(٢) الكديد : موضع على اثنين وأربعين ميلا من مكة ، بين عسفان وأمج. (معجم البلدان ٤ / ٤٤٢) وقيل عين بعد خليص بثمانية أميال لجهة مكة يمنة الطريق.

(٣) قديد : قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه وقيل موضع قرب مكة (معجم البلدان ٤ / ٣١٣).


ابن مالك بن البرصاء وصاحبه ، فانطلقا به معنا. وأتانا صريخ النّاس فجاءنا مالا قبل لنا به. حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلّا بطن الوادي من قديد ، بعث (١) الله من حيث شاء ماء ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا سحابا (٢) ، فجاء بما لا يقدر أحد يقدم عليه ، لقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا [٧٦ ب] ما يقدر أحد منهم أن يقدم عليه ، ونحن نحدوها. فذهبنا سراعا حتى أسندنا بها في المشلّل (٣) ، ثم حدرنا عنه وأعجزناهم (٤).

* * *

سريّة الجناب (٥)

قال الواقدي في مغازيه : حدّثني يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة ، عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد قال : قدم رجل من أشجع يقال له : حسيل بن نويرة ، وكان دليل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى خيبر ، فقال له : [من] (٦) أين يا حسيل؟ قال : من يمن وجبار (٧) ، وما وراءك؟ قال : تركت

__________________

(١) في الأصل : بعثه ، وأثبتنا لفظ ع ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٢٣.

(٢) في الأصل : مطرا ولا أرحالا (؟) وأثبتنا لفظ ع وهو يطابق رواية الواقدي (٢ / ٧٥٢). وفي البداية والنهاية ٤ / ٢٢٣ «مطرا ولا حالا».

(٣) المشلّل : جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر. (معجم البلدان ٥ / ١٣٦) وفي البداية والنهاية ٤ / ٢٢٣ «المسلك». وفي عيون الأثر ٢ / ١٥١ «المسيل» وكذلك في طبقات ابن سعد ٢ / ١٢٥ وفي نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٥ «السيل».

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٤.

(٥) في الأصل : سرية حنان. وتابعه في ذلك ع وابن الملا. وهو خطأ تصحيحه من الواقدي (٢ / ٧٢٧) ، وعيون الأثر (٢ / ١٤٨) حيث قال : «والجناب بكسر الجيم من أرض غطفان ، وذكره أيضا الحازمي وقال : «من بلاد فزارة». وكذلك ورد في إمتاع الأسماع (٣٣٥) وفيه «. أنّ جمعا من غطفان بالجناب قد واعدوا عيينة بن حصن ... حتى أتوا يمن وجبار وهي نحو الجناب ، والجناب يعارض سلاح وخيبر ووادي القرى». وفي معجم البلدان ٢ / ١٦٤ : «والجناب موضع بعراض خيبر وسلاح ووادي القرى ، وقيل هو من منازل بني مازن ، وقال نصر : الجناب من ديار بني فزارة بين المدينة وفيد». وفي تاريخ دمشق ١٠ / ١٥١ «جبار».

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٧) في الأصل : حنان ، تصحيف تصحيحه من ع. وجبار : ماء لبني حميس بين المدينة وفيد ،


جمعا من يمن وغطفان وجبار وقد بعث إليهم عيينة إمّا أن تسيروا إلينا وإمّا أن نسير إليكم ، فأرسلوا إليه أن سر إلينا ، وهم يريدونك أو بعض أطرافك. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر وعمر فذكر لهما ذلك فقالا جميعا : ابعث إليهم بشير بن سعد ، فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل ، وأمرهم أن يسيروا اللّيل ويكمنوا النّهار ، ففعلوا ، حتى أتوا أسفل خيبر ، فأغاروا وقتلوا عينا لعيينة. ثم لقوا جمع عيينة فناوشوهم ، ثم انكشف جمع عيينة وأسر منهم رجلان ، وقدموا بهما على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلما (١).

* * *

سريّة أبي حدرد إلى الغابة

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : كان من حديث أبي حدرد الأسلميّ ما حدّثني جعفر بن عبد الله بن أسلم ، عن أبي حدرد ، قال : تزوّجت امرأة من قومي ، فأصدقتها مائتي درهم. فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أستعينه على نكاحي ، فقال : كم أصدقت؟ قلت : مائتا درهم ، فقال : سبحان الله ، والله لو كنتم تأخذونها من بطن واد ما زدتم (٢) ، لا والله ما عندي ما أعينك به ، فلبث أياما ، ثم أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له رفاعة ابن قيس (أو قيس) (٣) بن رفاعة ، في بطن عظيم من جشم ، حتى نزل بقومه

__________________

= ويمن : ماء لغطفان بين بطن قوّ ورؤاف على الطريق بين تيماء وفيد ، وقيل ماء لبني صرمة بن مرّة. (معجم البلدان ٥ / ٤٤٩) وقد ضبط الزرقاني «جبار» بفتح الجيم ، وياقوت بالضم ، وكذلك الزبيدي في تاج العروس. وضبطها في عيون الأثر ووفاء ألوفا للمسهودي بالفتح وتخفيف الباء.

(١) المغازي للواقدي ٢ / ٧٢٧ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٢٠ تاريخ الطبري ٣ / ٢٣ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، عيون الأثر ٢ / ١٤٧ ، ١٤٨ ، عيون التواريخ ١ / ٢٧٢ ، إمتاع الأسماع ٣٣٥.

(٢) في الأصل : «من وادي ما زاد» وفي ع : «من وادي تم». وأثبتنا نص ابن هشام في السيرة ٤ / ٢٤١.

(٣) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ومن السيرة لابن هشام ٤ / ٢٤١.


ومن معه بالغابة (١) ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان ذا شرف ، فدعاني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجلين من المسلمين ، فقال : «اخرجوا إليه ، حتى تأتوا منه بخبر وعلم» ، وقدّم لنا شارفا عجفاء (٢) ، فحمل عليها أحدنا ، فو الله ما قامت (٣) به ضعفا ، حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلّت وما كادت. وقال : تبلغوا على هذه ، فخرجنا ، حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر مع غروب الشمس ، وكمنت في ناحية ، وأمرت صاحبي فكمنّا في ناحية ، وقلت : إذا سمعتماني قد كبّرت وشددت في العسكر ، فكبّروا وشدّوا معي ، فو الله إنّا لكذلك ننتظر أن نرى غرّة وقد ذهبت فحمة العشاء ، وقد كان لهم راع قد سرّح في ذلك البلد فأبطأ عليهم ، فقام زعيمهم رفاعة فأخذ سيفه وقال : لأتبعنّ أثر راعينا ، فقالوا : نحن نكفيك ، قال : لا ، وو الله [٧٧ أ] لا يتبعني أحد منكم ، وخرج حتى مرّ بي ، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده ، فو الله ما نطق ، فوثبت إليه ، فاحترزت رأسه ، ثم شددت في ناحية العسكر وكبّرت وكبّر صاحباي ، فو الله ما كان إلّا النّجاء ممن كان فيه عندك بكلّ ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خفّ معهم ، واستقنا إبلا عظيمة وغنما كثيرة ، فجئنا بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجئت برأسه أحمله معي ، فأعطاني من تلك الإبل ثلاثة عشر بعيرا في صداقي ، فجمعته إلى أهلي (٤).

* * *

__________________

(١) الغابة : موضع قرب المدينة من ناحية الشام ، فيه أموال لأهل المدينة. (معجم البلدان ٤ / ١٨٢).

(٢) الشارف العجفاء من النوق : المسنّة الهرمة.

(٣) في الأصل : قدمت. والتصحيح من ع ومن السيرة لابن هشام ٤ / ٢٤٢.

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤١ ، ٢٤٢ ، عيون الأثر ٢ / ١٦٢ ، ١٦٣ ، تاريخ الطبري (حوادث سنة ٨ ه‍ ـ) ٣ / ٣٤ ، ٣٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٣ ، ٢٢٤.


سريّة محلّم بن جثّامة

قال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، حدّثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن ابن (١) عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه ، قال : بعثنا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى إضم (٢) في نفر من المسلمين منهم أبو قتادة ، ومحلّم بن جثّامة بن قيس. حتى إذا كنّا ببطن إضم ، مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ على قعود له ، معه متيّع (٣) له ، ووطب (٤) من لبن ، فسلّم علينا بتحيّة الإسلام. فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلّم فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ومتاعه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرناه الخبر. فنزل فينا القرآن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (٥) ، إلى آخر الآية (٦).

رواه حمّاد بن سلمة ، عن ابن إسحاق.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن ابن إسحاق : حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، سمعت زياد بن ضميرة بن سعد (٧) الضّمري يحدّث عن أبيه وجدّه ، وقد شهد حنينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصلّى الظهر وجلس في ظلّ شجرة ، فقام إليه عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط ، سيّد قيس ، وجاء الأقرع ابن حابس يردّ عن محلّم بن جثّامة ، وهو سيّد خندف ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر حول اسمه : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٠ وتاريخ الطبري ٣ / ٣٥ ، ٣٦.

(٢) إضم : الوادي الّذي تجتمع فيه أودية المدينة. وانظر تفصيل الكلام عنه. في وفاء ألوفا ٢ / ٢١٩.

(٣) متيّع : تصغير متاع ، أي ما يستمتع به الإنسان من حوائج أو مال.

(٤) الوطب : وعاء اللبن.

(٥) سورة النساء : من الآية ٩٤.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٥ ، ٣٦ نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٣٣ عيون الأثر ٢ / ١٦١ ، ١٦٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٤.

(٧) ويقال : زياد بن سعد بن ضميرة. انظر : سنن أبي داود ٤ / ٧١ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٣٦٩ رقم ٦٧٧.


لقوم عامر : «هل لكم أن تأخذوا منّا الآن (١) خمسين بعيرا ، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة»؟ فقال عيينة بن بدر : والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرّ مثل ما أذاق نسائي. فقال رجل من بني ليث يقال له : مكيتل (٢) ، وهو قصير (٣) من الرجال ، فقال : (يا) (٤) رسول الله ، ما أجد لهذا القتيل مثلا في غرّة الإسلام إلّا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت (٥) أخراها ، أسنن اليوم وغيّر غدا (٦) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا؟ فلم يزل بهم حتى رضوا بالدّية. قال قوم محلّم : ائتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فجاء رجل طوال ضرب اللّحم (٧) في حلّة قد تهيّأ فيها للقتل ، فقام بين يدي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ لا تغفر لمحلّم». قالها ثلاثا. فقام وإنّه ليتلقّى دموعه بطرف ثوبه (٨).

قال ابن إسحاق : زعم قومه أنه استغفر له بعد.

وقال أبو داود في سننه (٩) : [٧٧ ب] ثنا موسى بن إسماعيل ، نا

__________________

(١) في الأصل : الأمان. والتصحيح من ع ، وسيرد في الأصل صحيحا بعد سطور. وفي السيرة ابن هشام ٤ / ٢٤١ «بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا».

(٢) في الأصل : مكيتيل. وفي ع : ابن مكيتيل. والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (٥ / ٢٥٩) والإصابة (٣ / ٤٥٧) وسيرة ابن هشام ، وقيل : مكيثر (٤ / ٢٤١).

(٣) وفي طبعة القدسي ٤٢٢ «قصد» والتصحيح من السيرة والبداية والنهاية ٤ / ٢٢٥.

(٤) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٤١.

(٥) في الأصل ففرت. وأثبتنا لفظ ع والسيرة وفي سنن أبي داود ٤ / ١٧١ «فنفر».

(٦) اسنن اليوم وغيّر غدا : أي اعمل اليوم بسنّتك التي سننتها في القصاص ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغيّر فغيّر.

(٧) ضرب اللّحم : أي خفيف اللّحم ليس برهل.

(٨) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٠ ، ٢٤١ ، سنن أبي داود ٤ / ١٧١ ، ١٧٢ البداية والنهاية ٤ / ٢٢٤ ، ٢٢٥.

(٩) سنن أبي داود ٤ / ١٧١ رقم ٤٥٠٣ كتاب الديات ، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم.


حمّاد ، نا محمد بن إسحاق ، قال : فحدّثني محمد بن جعفر ، سمعت زياد ابن ضميرة. ح. قال وثنا أحمد بن سعيد الهمدانيّ ، ووهب بن بيان ، (قالا ثنا) (١) ابن وهب ، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزّناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن محمد بن جعفر ، أنه زياد بن سعد بن ضميرة السّلمي. وهذا حديث وهب وهو أتمّ ، يحدّث (٢) عروة بن الزّبير ، عن أبيه وجدّه ، قال موسى : وجدّه ، وكانا شهدا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حنينا ، يعني أباه وجدّه. ثم رجعنا إلى حديث وهب : أنّ محلّم بن جثّامة قتل رجلا من أشجع في الإسلام. وذلك أول غير (٣) قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فتكلّم عيينة في (قتل) (٤) الأشجعيّ لأنّه من غطفان ، وتكلّم الأقرع بن حابس. فذكر القصّة إلى أن قال : ومحلّم رجل طويل آدم ، وهو في طرف النّاس ، فلم يزالوا حتى تخلّص فجلس بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعيناه تدمعان. فقال : يا رسول الله ، إنّي قد فعلت الّذي بلغك ، وإنّي أتوب إلى الله ، فاستغفر لي يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : «أقتلته بسلاحك في غرّة الإسلام؟ اللهمّ لا تغفر لمحلّم». بصوت عال.

زاد أبو سلمة : فقام وإنّه (٥) ليتلقّى دموعه بطرف ردائه (٦).

__________________

(١) في الأصل ، ع : وهيب بن بنان بن وهب. والتصحيح والزيادة من سنن أبي داود وتهذيب التهذيب (١١ / ١٦٠).

(٢) في الأصل ، ع : بحديث. والتصحيح من سنن أبي داود ٤ / ١٧١.

(٣) الغير : جمع الغيرة وهي الدّية.

(٤) سقطت من الأصل وزدناها من ع وسنن أبي داود.

(٥) في الأصل ، ع فقال إنه. وأثبتنا لفظ أبي داود في السنن ٤ / ١٧٢.

(٦) سنن أبي داود : كتاب الدّيات باب الإمام يأمر بالعفو في الدم (٤ / ١٧١ ، ١٧٢).


سريّة عبد الله بن حذافة بن قيس

(ابن عديّ السّهميّ) (١)

قال ابن جريج : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) نزلت في عبد الله بن حذافة السّهميّ ، بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سريّة. أخبرنيه يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس.

أخرجاه في الصّحيح (٣).

وقال الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السّلمي ، عن علي بن أبي طالب : استعمل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من الأنصار على سريّة ، وأمرهم أن يطيعوه. فأغضبوه في شيء ، فقال : أجمعوا لي حطبا ، فجمعوا. وأمرهم فأوقدوه. ثم قال : ألم يأمركم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا : بلى. قال : فادخلوها. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : إنّما فررنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النّار. فسكن غضبه ، وطفئت النّار. فلما قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكروا له ذلك. فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها. إنّما الطّاعة في المعروف. أخرجاه (٤).

* * *

وفيها كانت غزوة ذات الرّقاع. وقد تقدّمت سنة أربع ، وأوردنا الخلاف فيها.

* * *

__________________

(١) هذه الزيادة في العنوان من ع.

(٢) سورة النساء : من الآية ٥٩.

(٣) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة النساء ، باب قوله (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) إلخ.

وصحيح مسلم (١٨٣٤) كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية إلخ.

(٤) صحيح البخاري : كتاب الأحكام ، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ٨ / ١٠٦ وصحيح مسلم (١٨٤٠) كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء.



عمرة القضيّة (١)

روى نافع [بن عبد الرحمن] (٢) بن أبي نعيم ، عن نافع مولى ابن عمر قال : كانت عمرة القضيّة في ذي القعدة سنة سبع.

وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر ، بعث سرايا وأقام بالمدينة حتى [استهلّ] (٣) ذو القعدة. ثم نادى في النّاس أن تجهّزوا العمرة [٧٨ أ] فتجهّزوا ، وخرجوا معه إلى مكة.

وقال ابن شهاب : ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذي القعدة حتى بلغ يأجج (٤) وضع الأداة كلها : الحجف والمجانّ (٥) والرماح والنّبل. ودخلوا بسلاح الراكب : السيوف. وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعفرا بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن بنت حزن العامريّة فخطبها عليه ، فجعلت أمرها إلى العبّاس ،

__________________

(١) وتسمّى : عمرة القضاء ، ويقال لها عمرة القصاص. (عيون الأثر ٢ / ١٤٨).

(٢) زيادة في اسمه من ترجمته في تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٠٧) وقد ينسب كذلك إلى جدّه.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٤) يأجج : بالهمزة والفتح ، مكان من مكة على ثمانية أميال ، وكان من منازل عبد الله بن الزبير ، (معجم البلدان ٥ / ٤٢٤).

(٥) في الأصل : المجنّ. وأثبتنا لفظ ع وهو صيغة الجمع من المجنّ أي الترس.


وكانت أختها تحته وهي أمّ الفضل فزوّجها العبّاس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فلما قدم أمر أصحابه فقال : اكشفوا عن المناكب واسعوا في الطّواف ، ليرى المشركون جلدهم وقوّتهم ، وكان يكايدهم بكلّ ما استطاع. فاستكفّ أهل مكة ـ الرجال والنّساء والصّبيان ـ ينظرون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت. وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متوشّحا بالسيف يقول (١) :

خلّوا بني الكفّار عن سبيله

أنا الشهيد أنّه رسوله

 قد أنزل الرحمن في تنزيله

في صحف تتلى على رسوله

 فاليوم نضربكم على تأويله

كما ضربناكم على تنزيله

 ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

وتغيّب رجال من أشرافهم أن ينظروا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غيظا وحنقا ، ونفاسة وحسدا ، خرجوا إلى الخندمة (٢). فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، وأقام ثلاث ليال ، وكان ذلك آخر الشرط. فلما أصبح من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وغيره ، فصاح حويطب بن عبد العزّى : نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث. فقال سعد بن عبادة : كذبت لا أمّ لك ليس بأرضك ولا بأرض آبائك ، [والله] (٣) لا نخرج. ثم نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهيلا وحويطبا ، فقال : «إنّي قد نكحت فيكم امرأة فما يضرّكم أن أمكث حتى أدخل بها ، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا». قالوا : نناشدك الله والعقد ، إلّا خرجت عنّا. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا رافع فأذّن بالرحيل. وركب

__________________

(١) ديوانه : ص ١٠٠ ـ ١٠١ باختلاف في الألفاظ وفي ترتيب الأبيات ، وكذلك في سيرة ابن هشام ٤ / ٦٩ ، والطبقات لابن سعد ٢ / ١٢١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٤ والمغازي لعروة ٢٠٢.

(٢) الخندمة : جبل من جبال مكة. (معجم البلدان ٢ / ٣٩٢).

(٣) ليست في الأصل ، وأثبتناه من ع.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزل بطن سرف (١) وأقام المسلمون ، وخلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمسي. فأقام بسرف حتى قدمت عليه ، وقد لقيت عناء وأذى من سفهاء قريش ، فبنى بها. ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة. وقدّر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد حين (٢).

وقال فليح ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج معتمرا ، فحال كفّار قريش بينه وبين البيت. فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية. وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ، ولا يحمل سلاحا إلّا سيوفا ، ولا يقيم بها إلّا ما أحبّوا. فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما صالحهم. فلما أن أقام بها ثلاثا أمروه أن يخرج ، فخرج. أخرجه البخاري (٣).

وقال الواقديّ (٤) : [٧٨ ب] ثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن شرطا على المسلمين أن يعتمروا قابل في الشهر الّذي صدّهم المشركون.

وقال محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، سمعت أبا حاضر الحضرميّ أنّ ميمون بن مهران قال : خرجت معتمرا سنة حوصر ابن الزّبير. وبعث معي رجال من قومي بهدي. فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي مكاني ، ثم أحللت ثم رجعت. فلما كان من العام المقبل ، خرجت لأقضي عمرتي ، فأتيت ابن عبّاس

__________________

(١) سرف : موضع على أميال من مكة ، وهو الّذي فيه مسجد ميمونة أمّ المؤمنين. (معجم البلدان ٣ / ٢١٢).

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٦٩ ، ٧٠ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٢٠ ـ ١٢٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٣ ـ ٢٥ ، تسمية أزواج النّبيّ لأبي عبيدة ٦٧ ، عيون الأثر ٢ / ١٤٨ ، ١٤٩ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٢٦ ـ ٢٣٠ ، عيون التواريخ ١ / ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، المغازي لعروة ٢٠١ ـ ٢٠٣.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب عمرة القضاء. (٥ / ٨٥).

(٤) المغازي ٢ / ٧٣١.


فسألته ، فقال : أبدل الهدي الّذي نحروا عام الحديبيّة في عمرة القضاء. زاد فيه يونس عن ابن إسحاق قال : فعزّت الإبل عليهم ، فرخّص لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في البقر (١).

وقال الواقديّ (٢) : حدّثني غانم بن أبي غانم ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قد ساق النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في القضية ستين بدنة. قال : ونزل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ الظّهران ، وقدّم السلاح إلى بطن يأجج ، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم. وتخوّفت قريش ، فذهبت في رءوس الجبال وخلّوا مكة.

وقال معمر ، عن الزّهري ، عن أنس قال : لما دخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. مكة في عمرة القضاء ، مشى ابن رواحة بين يديه وهو يقول :

خلّوا بني الكفّار عن سبيله

قد أنزل الرحمن في تنزيله

 بأنّ خير القتل في سبيله

نحن قتلناكم على تأويله

 كما قتلناكم على تنزيله

يا ربّ إنّي مؤمن بقيله (٣)

وقال أيّوب ، عن سعيد بن جبير ، حدّثه ، عن ابن عبّاس : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، وقد وهنتهم حمّى يثرب. فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمّى ، ولقوا منها شرّا. فأطلع الله نبيّه على ما قالوه ، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا بين المشركين. فلما رأوهم رملوا ، قالوا : هؤلاء الذين ذكرتم أنّ الحمّى وهنتهم؟ هؤلاء أجلد منّا. قال ابن عبّاس : ولم

__________________

(١) تفرّد به أبو داود من حديث أبي حاضر عثمان بن حاضر الحميري عن ابن عباس فذكره. وانظر الطبري ٣ / ٢٥.

(٢) المغازي ٢ / ٧٣٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣١.

(٣) قارن الأبيات بالأبيات التي مرت قبل قليل.


[يمنعه أن] (١) يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلّها إلّا الإبقاء عليهم. أخرجاه (٢).

وقال يزيد بن هارون : أنا الجريريّ عن أبي الطّفيل قال : قلت لابن عبّاس إنّ قومك يزعمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد رمل وأنّها سنّة. قال : صدقوا وكذبوا ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدم مكة والمشركون على قعيقعان (٣) ، وكان أهل مكة قوما حسّدا ، فجعلوا يتحدّثون بينهم أنّ أصحاب محمد ضعفاء ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أروهم ما يكرهون منكم. فرمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليريهم قوّته وقوّة أصحابه ، وليست بسنّة. أخرجه مسلم (٤).

وقد بقي الرمل سنّة في طواف القدوم ، وإن كان قد زالت علّته فإنّ جابرا قد حكى في حجّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم [أنّه] (٥) رمل ورملوا في عمرة الجعرانة.

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن ابن أبي أوفى سمعه يقول : اعتمرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكنّا [٧٩ أ] نستره ـ حين طاف ـ من صبيان مكة لا يؤذونه. وأرانا ابن أبي أوفى ضربة أصابته مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر. خ (٦).

* * *

__________________

(١) زيادة من الصحيحين تستقيم بها العبارة.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الحجّ ، باب كيف بدأ الرمل ٢ / ١٦١. وكتاب المغازي ، باب عمرة القضاء ٥ / ٨٦ ، وصحيح مسلم (١٢٦٤) كتاب الحجّ ، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة. وانظر الطبقات الكبرى ٢ / ١٢٣.

(٣) قعيقعان : جبل بأسفل مكة. وهو بالضم ثم الفتح. (معجم البلدان ٤ / ٣٧٩).

(٤) صحيح مسلم (١٢٦٦) ، كتاب الحج ، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة.

(٥) سقطت من الأصل ، وحرفت (رمل) بعدها إلى رملة. وأثبتنا عبارة ع.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب عمرة القضاء (٥ / ٨٦).



تزويجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بميمونة

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (١) حدّثني أبان بن صالح ، وعبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وعطاء ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوّج ميمونة ، وكان الّذي زوّجه العبّاس. فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ثلاثا. فأتاه حويطب بن عبد العزّى ، في نفر من قريش ، فقالوا : قد انقضى أجلك فاخرج عنّا. قال : «لو تركتموني فعرّست بين أظهركم ، وصنعنا طعاما فحضرتموه». قالوا : لا حاجة لنا به. فخرج ، وخلّف أبا رافع مولاه على ميمونة ، حتى أتاه بها بسرف ، فبنى عليها.

وقال وهيب : ثنا أيّوب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس : أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوّج ميمونة وهو محرم ، وبنى بها وهو حلال ، وماتت بسرف.

رواه البخاري (٢).

وقال عبد الرزّاق : قال لي الثّوري : لا تلتفت إلى قول أهل المدينة. أخبرني عمرو ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوّج

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٠ تاريخ الطبري ٣ / ٢٥ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٢٢ المغازي لعروة ٢٠١.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب عمرة القضاء. (٥ / ٨٦) ، وانظر الطبقات لابن سعد ٨ / ١٣٣.


وهو محرم. وقد رواه الثّوري أيضا عن ابن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس. وهما في الصحيح.

وقال الأوزاعي : ثنا عطاء ، عن ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوّج ميمونة وهو محرم. فقال سعيد بن المسيّب : وهو وإن كانت خالته. ما تزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا بعد ما أحلّ. أخرجه البخاري ، عن أبي المغيرة ، عنه (١).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن ميمون بن مهران ، عن يزيد [بن] الأصمّ ، عن ميمونة قالت : تزوّجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن حلالان بسرف. رواه أبو داود (٢). وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن يزيد ابن الأصم (٣).

وقال سليمان بن حرب : نا حمّاد بن زيد ، نا مطر (٤) الورّاق ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي رافع قال : تزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال. وكنت الرسول بينهما.

وقال إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : اعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذي القعدة. فذكر الحديث بطوله. وفيه : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعني من مكة ، فتبعتهم ابنة حمزة ، فنادت : يا عمّ. فتناولها عليّ رضي‌الله‌عنه ، وقال لفاطمة : دونك ، فحملتها. قال : فاختصم فيها عليّ وزيد بن حارثة وجعفر ، فقال عليّ : أنا أخذتها وهي ابنة عمّي ، وقال جعفر. ابنة عمّي ،

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المحصر وجزاء الصيد ، باب تزويج المحرم. (٢ / ٢١٤).

(٢) سنن أبي داود : كتاب المناسك ، باب المحرم يتزوّج (٢ / ١٦٩ رقم ١٨٤٣).

(٣) صحيح مسلم (١٤١١) كتاب النكاح ، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته.

(٤) في طبقات ابن سعد ٨ / ١٣٤ «مطرّف» وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، انظر تهذيب التهذيب ١٠ / ١٦٧.


وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي. فقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها لخالتها ، وقال : «الخالة بمنزلة الأم» وقال لعليّ «أنت منّي وأنا منك» ، وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي ، وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا ، أخرجه [٧٩ ب] البخاري عن عبيد الله عنه (١).

وقال الواقديّ : حدّثني ابن أبي خيثمة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، أن عمارة بنت حمزة ، وأمّها سلمى بنت عميس كانتا بمكة. فلما قدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كلّم عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : علام نترك بنت عمّنا يتيمة بين ظهراني المشركين؟ فلم ينه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن إخراجها.

فخرج بها ، فتكلّم زيد بن حارثة ، وكان وصيّ حمزة ، وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد آخى بينهما. وذكر الحديث ، وفيه : فقضى بها لجعفر وقال : تحتك خالتها ، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا عمّتها (٢).

وعن ابن شهاب ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من عمرته في ذي الحجّة سنة سبع بعث ابن أبي العوجاء (٣) في خمسين إلى بني سليم.

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب عمرة القضاء. (٥ / ٨٥).

(٢) انظر فتح الباري لابن حجر ٧ / ٥٠٦.

(٣) في طبعة القدسي ٤٣٣ «العرجاء» ، والتصويب من طبقات ابن سعد ٢ / ١٢٣ ، وعيون الأثر ٢ / ١٤٩ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٦ وغيره.



ثمّ دخلت سنة ثمان من الهجرة

قال الواقديّ : حدّثني محمد بن عبد الله ، عن عمّه ابن شهاب قال : سار ابن أبي العوجاء (١) السّلمي في خمسين رجلا إلى بني سليم ، وكان عين لبني سليم معه. فلما فصل من المدينة ، خرج العين إلى قومه فحذّرهم. فجمعوا جمعا كثيرا. وجاءهم ابن أبي العوجاء وهم معدّون. فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورأوا جمعهم ، دعوهم إلى الإسلام. فرشقوهم بالنّبل ، ولم يسمعوا قولهم ، فرموهم ساعة ، وجعلت الأمداد تأتي ، وأحدقوا بهم. فقاتلوا حتى قتل عامّتهم ، وأصيب بن أبي العوجاء جريحا في القتلى. ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقدم المدينة في أوّل صفر (٢).

* * *

إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد

وفيها : أسلم عمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد.

__________________

(١) وفي طبعة القدسي ٤٣٤ «العرجاء» وهو تصحيف ، وقد صحّحت الاسم في أكثر من موضع.

(٢) الطبقات لابن سعد ٢ / ١٢٣ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٦ ، عيون الأثر ٢ / ١٤٩ ، ١٥٠ البداية والنهاية ٤ / ٢٣٥ ، ٢٣٦.


قال الواقدي : (١) أنا عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه قال ، قال عمرو بن العاص :

كنت للإسلام مجانبا معاندا. حضرت بدرا مع المشركين فنجوت ، ثم حضرت أحدا والخندق فنجوت. فقلت في نفسي : كم أوضع ، والله ليظهرنّ محمد على قريش. فلحقت بمالي بالوهط (٢). فلما كان الصلح بالحديبية ، جعلت أقول ، يدخل (٣) محمد قابلا مكة بأصحابه ، ما مكة بمنزل ولا الطّائف ، وما شيء خير من الخروج. فقدمت مكة فجمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون منّي ، فقلت : تعلّموا (٤) ـ والله ـ إنّي لأرى أمر محمد يعلو علوّا منكرا ، وإنّي قد رأيت رأيا. قالوا : وما هو؟ قلت : نلحق بالنّجاشيّ فنكون معه ، فإن يظهر محمد كنّا عند النّجاشيّ ، [فنكون تحت يد النّجاشيّ] (٥) ، وأحبّ إلينا من أن نكون تحت يد محمد. وإن تظهر قريش فنحن من عرفوا. قالوا : هذا الرأي. قلت : فأجمعوا ما تهدونه له. وكان أحبّ ما يهدى إليه من أرضنا الأدم.

فجمعنا له أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى أتيناه ، فإنّا لعنده ، إذ جاء عمرو ابن أميّة الضّمري بكتاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى النّجاشيّ ليزوّجه بأمّ حبيبة بنت أبي

__________________

(١) المغازي ٢ / ٧٤٢.

(٢) الوهط : بستان عظيم كان لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من وجّ ، وهو كرم موصوف.

(٣) في الأصل ، ع : يا رجل. والتصحيح من المغازي للواقدي (٢ / ٧٤٢) والبداية والنهاية (٤ / ٢٣٦).

(٤) (تعلّموا) فعل أمر بمعنى (اعلموا) ولا يستعمل ماضيا ولا مضارعا بهذا المعنى. وقوله (إنّي لأرى .. إلخ) جملة محتوية على لام الابتداء التي تقتضي تعليق الفعل. ولهذا كسرت همزة (إنّ) ولم تكسر في التي بعدها لعدم التعليق. وقد حرّف بعض المؤلّفين والنّساخ والمحقّقين هذه الكلمة إلى (تعلّمون) مع أنّ السياق ينكرها.

(٥) زيادة من الواقدي (٢ / ٧٤٢).


سفيان [٨٠ أ] فدخل عليه ثم خرج من عنده ، فقلت لأصحابي : لو دخلت على النّجاشيّ ، وسألته (١) هذا فأعطانيه لقتلته لأسرّ بذلك قريشا. فدخلت عليه فسجدت له فقال : مرحبا بصديقي ، أهديت لي من بلادك شيئا؟ قلت : نعم أيّها الملك أهديت لك أدما. وقرّبته إليه ، فأعجبه ، ففرّق منه أشياء بين بطارقته. ثم قلت : إنّي رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول عدوّ لنا قد وترنا وقتل أشرافنا ، فأعطينه فأقتله. فغضب ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنّه كسره ، فابتدر منخراي فجعلت أتلقّى الدّم بثيابي. فأصابني من الذّلّ ما لو انشقّت لي الأرض دخلت فيها فرقا منه.

ثم قلت : أيّها الملك : لو ظننت أنّك تكره ما قلت ما سألتكه. قال : فاستحى وقال : يا عمرو ، تسألني أن أعطيك رسول من يأتيه النّاموس الأكبر الّذي كان يأتي موسى وعيسى عليهما‌السلام لتقتله؟ قال عمرو : وغيّر الله قلبي عمّا كنت عليه ، وقلت في نفسي : عرف هذا الحقّ العرب والعجم وتخالف أنت؟ قلت : أتشهد أيّها الملك بهذا؟ قال : نعم ، أشهد به عند الله يا عمرو ، فأطعني واتّبعه ، فو الله إنّه لعلى الحقّ ، وليظهرنّ على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون. قلت : أفتبايعني له على الإسلام؟ قال : نعم ، فبسط يده فبايعني على الإسلام ، ثم دعا بطست ، فغسل عنّي الدّم ، وكساني ثيابا ، وكانت ثيابي قد امتلأت بالدم فألقيتها.

وخرجت على أصحابي ـ فلما رأوا كسوة النّجاشيّ سرّوا بذلك وقالوا : هل أدركت من صاحبك ما أردت؟ فقلت : كرهت أن أكلّمه في أول مرّة ، وقلت أعود إليه ـ ففارقتهم ، وكأنّي أعمد لحاجة ـ فعمدت إلى موضع السفن

__________________

(١) في الأصل ، ع : «لو دخلت على النّجاشيّ لو سألت النّجاشيّ هذا ..» وقد عدلنا بالعبارة إلى ما أثبتناه وهو قريب من عبارة الواقدي وابن هشام. (٣ / ٢٩٦).


فأجد سفينة قد شحنت تدفع (١). فركبت معهم ، ودفعوها حتى انتهوا إلى الشعيبة (٢). وخرجت من الشّعيبة (٣) ومعي نفقة ، فابتعت بعيرا ، وخرجت أريد المدينة ، حتى خرجت على مرّ الظّهران. ثم مضيت حتى إذا كنت بالهدة ، فإذا رجلان قد سبقاني بغير كثير ، يريدان منزلا ، وأحدهما داخل في خيمة ، والآخر قائم يمسك الراحلتين. فنظرت فإذا خالد بن الوليد. فقلت : أبا سليمان؟ قال : نعم. أين تريد؟ قال : محمدا ، دخل النّاس في الإسلام فلم يبق أحد به طمع (٤) ، والله لو أقمت لاخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضّبع في مغارتها. قلت : وأنا والله قد أردت محمدا وأردت الإسلام. فخرج عثمان بن طلحة ، فرحّب بي ، فنزلنا جميعا ثم ترافقنا إلى المدينة ، فما أنسى قول رجل لقينا ببئر أبي عنبة (٥) يصيح : يا رباح ، يا رباح. فتفاءلنا بقوله ، وسرنا ثم نظر إلينا ، فأسمعه يقول : قد أعطت مكة المقادة بعد هذين. [٨٠ ب] فظننت أنّه [يعنيني وخالد بن الوليد. ثم ولّى مدبرا إلى المسجد سريعا فظننت أنّه] (٦) بشّر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقدومنا ، فكان كما ظننت. وأنخنا بالحرّة فلبسنا من صالح ثيابنا ، ونودي بالعصر ، فانطلقنا حتى اطّلعنا عليه ، وأنّ لوجهه تهلّلا ، والمسلمون حوله قد سرّوا بإسلامنا. وتقدّم خالد فبايع ، ثم تقدّم عثمان بن طلحة فبايع ، ثم تقدّمت فو الله ما هو إلّا أن جلست

__________________

(١) في الأصل : قد سحبت بدفع. وما أثبتناه من ع ، وهو لفظ البداية والنهاية (٤ / ٢٣٧). وفي المغازي للواقدي (٢ / ٧٤٤) : قد شحنت برقع. (الرقع جمع رقعة ، كهمزة ، شجرة عظيمة).

(٢) الشّعيبة : مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز ، وكان مرفأ ومرسى سفنها قبل جدّة. وقيل قرية على شاطئ البحر على طريق اليمن (معجم البلدان ٣ / ٣٥١).

(٣) هكذا في الأصل ، ع والواقدي ، وهي في البداية والنهاية وابن الملا : السفينة.

(٤) في الأصل ، ع وابن كثير : طعم. وأثبتنا لفظ الواقدي (٢ / ٧٤٤).

(٥) في الأصل ، بدير أبي عينه. وكذا في ع بغير إعجام. والتصحيح من الواقدي. وبئر أبي عنبة ، بلفظ واحدة العنب ، بئر بينها وبين المدينة مقدار ميل. (معجم البلدان ١ / ٣٠١).

(٦) سقطت من الأصل ، ع ، وزدناها من الواقدي (٢ / ٧٤٤).


بين يديه ، فما استطعت أن أرفع طرفي إليه حياء منه ، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدّم من ذنبي ، ولم يحضرني ما تأخّر. فقال : «إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله ، والهجرة تجبّ ما كان قبلها». فو الله ما عدل بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبخالد أحدا في أمر حزبه منذ أسلمنا. ولقد كنّا عند أبي بكر بتلك المنزلة. ولقد كنت عند عمر بتلك الحال ، وكان عمر على خالد كالعاتب.

قال عبد الحميد بن جعفر : فذكرت هذا الحديث ليزيد بن أبي حبيب ، فقال : أخبرني راشد مولى حبيب بن أوس الثّقفي ، عن حبيب ، عن عمرو ، نحو ذلك. فقلت ليزيد : ألم يتوقّت لك متى قدم عمرو وخالد؟ قال : لا ، إلّا أنّه قال قبل الفتح. قلت : فإنّ أبي أخبرني أنّ عمرا وخالدا وعثمان قدموا المدينة لهلال صفر سنة ثمان (١).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق حدّثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس ، (عن حبيب بن أبي أوس) (٢) ، حدّثني عمرو بن العاص ، قال : لما انصرفنا من الخندق ، جمعت رجالا من قريش ، فقلت : والله إنّي لأرى أمر محمد يعلو علوا منكرا ، والله ما يقوم له شيء ، وقد رأيت رأيا ما أدري كيف رأيكم فيه؟ قالوا : وما هو؟ قلت : أن نلحق بالنّجاشيّ. فذكر الحديث ، لكن فيه : فضرب بيده أنف نفسه حتى ظننت أنّه قد كسره. والباقي بمعناه مختصر (٣).

وقال الواقدي (٤) : حدّثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن

__________________

(١) المغازي للواقدي ٢ / ٧٤٢ ـ ٧٤٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٨.

(٢) سقطت من الأصل ، وهي زيادة واجبة في السند ، استدركناها من ابن هشام (٢ / ٢٧٦) والطبري ٣ / ٢٩ وغيره وترد في اسمه الروايتان : حبيب بن أوس ، وحبيب بن أبي أوس (انظر تهذيب التهذيب ٢ / ١٧٧).

(٣) سيرة ابن هشام ٣ / ٢٩٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩ ـ ٣١ ، عيون الأثر ٢ / ٨١ ـ ٨٣.

(٤) المغازي ٢ / ٧٤٥.


الحارث بن هشام ، سمعت أبي يحدّث عن خالد بن الوليد ، قال : لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإسلام ، وحضرني رشدي ، وقلت : قد شهدت هذه المواطن كلّها على محمد فليس موطن أشهده إلّا أنصرف وأنا أرى في نفسي أنّي موضع في غير شيء ، وأنّ محمدا سيظهر. فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحديبيّة ، خرجت في خيل المشركين ، فلقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أصحابه بعسفان ، فأقمت بإزائه وتعرّضت له ، فصلّى بأصحابه الظّهر أمامنا ، فهممنا أن نغير عليه. ثم لم يعزم لنا ، وكانت فيه خيرة ، فاطّلع على ما في أنفسنا من الهموم ، فصلّى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف. فوقع ذلك منّا موقعا ، وقلت : الرجل ممنوع. فافترقنا ، وعدل عن سنن خيلنا ، وأخذت ذات اليمين.

فلما صالح قريشا قلت : أيّ شيء بقي؟ أين المذهب؟ إلى النّجاشيّ؟ فقد اتّبع محمدا وأصحابه عنده آمنون. فأخرج إلى هرقل؟ فأخرج من ديني إلى النّصرانية واليهوديّة [٨١ أ] فأقيم مع عجم تابعا مع عنت ذلك (١)؟ أو أقيم في داري فيمن بقي؟ فأنا على ذلك ، إذ دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عمرة القضيّة ، فتغيّبت.

وكان أخي الوليد (بن الوليد) (٢) قد دخل مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عمرة القضيّة. فطلبني فلم يجدني ، فكتب إليّ كتابا فإذا فيه : أما بعد ، فإنّي لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام. وعقلك عقلك ، ومثل الإسلام يجهله أحد؟ قد سألني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أين خالد؟ فقلت : يأتي الله به. فقال : ما مثله جهل الإسلام ، ولو كان جعل نكايته وجدّه مع المسلمين على

__________________

(١) في الأصل : فأقيم مع عجم تابع من عنت ذلك. ولعلّه تحريف عمّا أثبتناه ورواية الواقدي :

فأقيم مع عجم تابعا.

(٢) زيادة من ع.


المشركين كان خيرا له ولقدّمناه على غيره. فاستدرك يا أخي ما قد فاتك. فلما جاءني كتابه ، نشطت للخروج ، وزادني رغبة في الإسلام. وأرى في النّوم كأنّي في بلاد ضيّقة جدبة ، فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة قلت : إنّ هذه لرؤيا.

فلما قدمنا المدينة قلت : لأذكرنّها لأبي بكر ، فذكرتها ، فقال : هو مخرجك الّذي هداك الله للإسلام ، والضّيق هو الشّرك. قال : فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والضّيق هو الشّرك. قال : فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت : من أصحاب إلى محمد؟ فلقيت صفوان ابن أميّة ، فقلت يا أبا وهب. أما ترى إلى ما نحن فيه ، إنّما كنّا كأضراس (١) ، وقد ظهر محمد على العرب والعجم ، فلو قدمنا على محمد فاتّبعناه فإنّ شرفه لنا شرف. فأبى أشدّ الإباء وقال : لو لم يبق غيري ما اتّبعته أبدا. فافترقنا وقلت : هذا رجل قتل أخوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان ، فقال لي مثل ما قال صفوان. قلت : فأكتم ذكر ما قلت لك. وخرجت إلى منزلي ، فأمرت براحلتي أن تخرج إليّ ، [فخرجت بها إلى] (٢) أن ألقى عثمان بن طلحة. فقلت : إنّ هذا لي صديق ، فذكرت له ، فقال : نعم ، إنّي عمدت اليوم ، وإنّي أريد أن أغدو ، وهذه راحلتي بفخّ (٣) مناخة ، قال : فاتّعدت أنا وهو بيأجج ، وأدلجنا سحرا ، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج ، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدّة (٤). فنجد عمرو بن العاص بها ، فقال : مرحبا بالقوم. فقلنا : وبك.

__________________

(١) في الواقدي (٢ / ٧٤٧) : «إنّما نحن أكلة رأس» أي هم قلّة يشبعهم رأس واحد. ورواية ابن كثير عن الواقدي كما في الأصل.

(٢) زيادة من الواقدي يقتضيها السياق.

(٣) فخّ : هو بفتح أوله وتشديد ثانيه واد بمكة ، هو فيما قيل وادي الزاهر.

(٤) الهدّة : بالفتح ثم التشديد موضع بين مكة والطّائف. وقد خفف بعضهم دالة. (معجم البلدان ٥ / ٣٩٥).


فذكر الحديث. وقال : كان قدومنا في صفر سنة ثمان. فو الله ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حزبه (١).

* * *

سريّة شجاع بن وهب الأسديّ

قال الواقديّ (٢) : حدّثني ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن عمر بن الحكم ، قال بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلا ، إلى جمع من هوازن (٣). وأمره أن يغير عليهم. فخرج يسير الليل ويكمن النّهار ، حتى صبّحهم غارّين ، فأصابوا نعما وشاء ، فاستاقوا ذلك إلى المدينة. فكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا لكلّ رجل منهم. وعدلوا البعير بعشرة (٤) من الغنم. وغابت السرية [٨١ ب] خمس عشرة ليلة (٥).

قال ابن أبي سبرة : فحدّثت به محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، فقال : كذبوا. قد أصابوا في ذلك الحاضر نسوة فاستاقوهنّ ، فكانت فيهنّ جارية وضيئة ، فقدموا بها المدينة ، ثم قدم وفدهم مسلمين ، فكلّموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السبي. فكلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم شجاعا وأصحابه في

__________________

(١) المغازي للواقدي ٢ / ٧٤٥ ـ ٧٤٨ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٤ / ٢٥٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣٨.

(٢) انظر : المغازي للواقدي (٢ ـ ٧٥٣).

(٣) زاد في الطبقات الكبرى أنّ هذا الجمع من هوازن كان بالسّيّ ناحية ركية من وراء المعدن ، وهي من المدينة على خمس ليال. (٢ / ١٢٧).

(٤) في الأصل ، ع : بعشرين من الغنم. وأثبتنا رواية الواقدي (٢ ـ ٧٥٤) ، وعند ابن سعد (٢ ـ ١٢٧) «بعشر».

(٥) حتى هنا ينتهي الخبر عند ابن سعد في الطبقات ٢ / ١٢٧ وورد مختصرا في تاريخ الطبري ٣ / ٢٩ وانظر عيون الأثر ٢ / ١٥٢ ، وعيون التواريخ ١ / ٢٧٧ والبداية والنهاية ٤ / ٢٤٠ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٧٦.


ردّهنّ. فردّهنّ. قال ابن أبي سبرة : فأخبرت شيخا من الأنصار بذلك ، فقال : أما الجارية الوضيئة فأخذها بثمن فأصابها. فلما قدم الوفد ، خيّرها فاختارت شجاعا. فقتل يوم اليمامة وهي عنده.

* * *

سرية نجد

قال نافع ، عن ابن عمر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث سرية قبل نجد وأنا فيهم. فغنموا إبلا كثيرة. فبلغت سهمانهم لكلّ واحد اثني عشر بعيرا ، ثم نفّلوا بعيرا بعيرا ، فلم يغيّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه (١).

سرية كعب بن عمير

قال الواقديّ (٢) : ثنا محمد بن عبد الله ، عن الزّهري قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كعب بن عمير الغفاريّ ، في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح (٣) من الشام. فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا ، فدعوهم إلى الإسلام ، فلم يستجيبوا لهم ، ورشقوهم بالنّبل ، فلما رأى ذلك المسلمون قاتلوهم أشدّ القتال ، حتى قتلوا ، فأفلت منهم رجل جريح في القتلى ، فلما برد عليه اللّيل ، تحامل حتى أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهمّ بالبعث (٤) إليهم ، فبلغه (٥) أنّهم ساروا إلى موضع آخر ، فتركهم (٦).

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب ومن الدليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين.

وصحيح مسلم (١٧٤٩) كتاب الجهاد والسير ، باب الأنفال.

(٢) المغازي للواقدي ٢ / ٧٥٢.

(٣) في الأصل ، ع : ذات أطالع. والتصحيح من الواقدي (٢ / ٧٥٢) وابن سعد (٢ / ١٢٧).

(وذات أطلاح موضع من وراء وادي القرى إلى المدينة. (معجم البلدان ١ / ٢١٨).

(٤) في الأصل ، ع : بالبعثة. وأثبتنا لفظ الواقدي وابن سعد.

(٥) في طبعة القدسي ٤٤٣ «فبلغتم» والتصحيح من المصادر المعتمدة.

(٦) انظر : المغازي للواقدي ٢ / ٧٥٢ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٤١.



غزوة مؤتة

قال محمد بن سعد (١) : أنا محمد بن عثمان ، حدّثني ربيعة بن عثمان ، عن عمر بن الحكم قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحارث بن عمير الأزديّ إلى ملك بصرى (٢) بكتابه. فلما نزل مؤتة (٣) عرض للحارث شرحبيل ابن عمرو الغسّاني ، فقال : أين تريد؟ قال : الشام. قال : لعلّك من رسل محمد؟ قال : نعم ، فأمر به فضربت عنقه. ولم يقتل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسول غيره.

وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر ، فاشتدّ عليه ، وندب النّاس فأسرعوا. وكان ذلك سبب خروجهم إلى غزوة مؤتة (٤).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٥) ، حدّثني محمد بن جعفر بن

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٢ / ١٢٨.

(٢) بصرى : من أعمال دمشق بالشام ، وهي قصبة كورة حوران. (معجم البلدان ١ / ٤٤١).

(٣) مؤتة : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، والبلقاء كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى. (معجم البلدان ٥ / ٢١٩ ، ٢٢٠).

(٤) ابن سعد ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٢٧٧.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٠.


الزّبير عن عروة قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عمرة القضاء في ذي الحجّة ، فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان ، وأمّر على النّاس زيد بن حارثة. وقال : إن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر فعبد الله ابن رواحة ، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا. فتهيّئوا للخروج ، وودّع النّاس أمراء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فبكى ابن رواحة ، فقالوا : ما يبكيك؟ فقال : أما والله ما بي حبّ للدنيا ، ولا صبابة إليها ، ولكنّي سمعت الله يقول (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (١) ، فلست أدري [٨٢ أ] كيف لي بالصّدر بعد الورود؟ فقال المسلمون : صحبكم الله وردّكم إلينا صالحين ودفع عنكم. فقال ابن رواحة (٢) :

لكنّني أسأل الرّحمن مغفرة

وضربة ذات فرغ تقذف الزّبدا (٣)

 أو طعنة بيدي حرّان مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

 حتّى يقولوا إذا مرّوا على جدثي

يا أرشد الله من غاز وقد رشدا (٤)

ثم إنّه ودّع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال (٥) :

فثبّت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ، ونصرا كالّذي نصروا

 إنّي تفرّست فيك الخير نافلة

والله يعلم أنّي ثابت البصر

 أنت الرسول فمن يحرم نوافله

والوجه منه فقد أزرى به القدر (٦)

 __________________

(١) سورة مريم : من الآية ٧١.

(٢) ديوانه : ص ٨٨ ، باختلاف يسير في البيت الثالث.

(٣) ذات فرغ : ذات سعة ، وفي رواية : ذات فرع. والزبد هنا : رغوة الدم.

(٤) في سيرة ابن هشام ٤ / ٧٠ «أرشده الله» وفي تاريخ الطبري ٣ / ٣٧ «أرشدك الله» وانظر عيون الأثر ٢ / ١٥٣ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٤٢ ، وعيون التواريخ ١ / ٢٧٩ ، ٢٨٠ وفيه كما هنا ، والمغازي لعروة ٢٠٤ ، ٢٠٥.

(٥) الديوان : ص ٩٤ ، باختلاف في ترتيب الأبيات وفي بعض الألفاظ.

(٦) انظر الأبيات باختلاف أيضا في : سيرة ابن هشام ٤ / ٧١ ، مغازي عروة ٢٠٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٤٢.


ثم خرج القوم حتى نزلوا معان (١) ، فبلغهم أنّ هرقل قد نزل مآب (٢) في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فأقاموا بمعان يومين ، وقالوا : نبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخبره. فشجّع النّاس عبد الله بن رواحة ، فقال : يا قوم ، والله إنّ التي تكرهون للّتي خرجتم لها تطلبون ، الشّهادة. ولا نقاتل النّاس (٣) بعدد ولا كثرة ، وإنّما نقاتلهم بهذا الدّين الّذي أكرمنا الله به ، فإن يظهرنا الله به فربّما فعل ، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة ، وليست بشرّ المنزلتين ، فقال النّاس : والله لقد صدق فانشمر النّاس ، وهم ثلاثة آلاف ، حتى لقوا جموع الرّوم بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف (٤) ، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة ، قرية فوق الحساء (٥). وكانوا ثلاثة آلاف.

وقال الواقديّ (٦) : حدّثني ربيعة بن عثمان عن المقبريّ ، عن أبي هريرة ، قال شهدت مؤتة ، فلما رأينا المشركين (٧) رأينا ما لا قبل لأحد به من العدّة (٨) والسلاح والكراع والدّيباج والذهب. فبرق بصري ، فقال لي ثابت بن

__________________

(١) معان : مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. (معجم البلدان ٥ / ١٥٣).

(٢) في الأصل ، ع : بمأرب. والتصحيح من ابن هشام ٤ / ٧١ وابن سعد ٢ / ١٢٩ والواقدي ٢ / ٧٦٠ ومآب مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء. (معجم البلدان ٥ / ٣١).

(٣) في الأصل (الله) وهو سهو واضح. والتصحيح من ع ، ومن السيرة وغيره.

(٤) (في الأصل ، ع : شراف. والتصحيح من ابن هشام (٤ / ٧٢) وتاريخ الطبري (٣ ـ ٢٩) ومعجم البلدان في (المشارف) و (مؤتة). (٥ / ١٣١ و ٢٢٠)

(٥) الحساء ومثلها الأحساء : جمع حسي وهو الماء الّذي تنشّفه الأرض من الرمل ، فإذا صار إلى صلابة أمسكته ، فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه. (معجم البلدان ١ / ١١١) وفي ع :

أحساء وانظر الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٧٠ ـ ٧٢ ، مغازي عروة ٢٠٤ ، ٢٠٥ تاريخ الطبري ٣ / ٣٩ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٧٩ ، عيون الأثر ٢ / ١٥٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٤٢ ، ٢٤٣ عيون التواريخ ١ / ٢٨١.

(٦) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٠).

(٧) في الأصل ، ع : فلما رآنا المشركون. والتصحيح من الواقدي (٢ / ٧٦٠).

(٨) في مغازي الواقدي «العدد».


أقرم (١) : مالك يا أبا هريرة ، كأنّك ترى جموعا كثيرة؟ قلت : نعم. قال : لم تشهد معنا بدرا ، إنّا لم ننصر بالكثرة.

وقال المغيرة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أمرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة ، فإن قتل زيد فجعفر ، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر : كنت معهم ، ففتّشناه يعني ابن رواحة ، فوجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وسبعين ، بين طعنة ورمية.

وقال مصعب الزّبيري وغيره ، عن مغيرة : بضعا وتسعين. أخرجه البخاري (٢).

وقال الواقديّ (٣) : حدّثني ربيعة بن عثمان ، عن عمر بن الحكم ، عن أبيه قال : جاء النّعمان بن فنحص (٤) اليهوديّ ، فوقف مع النّاس. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «زيد بن حارثة أمير النّاس ، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، إن قتل عبد الله فليرتض المسلمون. [٨٢ ب] رجلا فليجعلوه عليهم». فقال النّعمان : أبا القاسم ، إن كنت نبيّا ، فسمّيت من سمّيت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا. إنّ الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ، فقالوا : إن أصيب فلان ففلان ، فلو سمّوا مائة أصيبوا جميعا. ثم جعل اليهوديّ يقول لزيد : اعهد ، فلا ترجع إن كان محمد نبيّا. قال زيد : أشهد أنّه نبي بار صادق.

__________________

(١) في الواقدي ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨١ وتاريخ الطبري ٣ / ٤٠ ، أنه ثابت بن أرقم ، وانظر ترجمته في أسد الغابة (١ / ـ ٢٦٥) والإصابة (١ / ١٩٠) والإستيعاب على هامشها (١ / ١٩١).

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة مؤتة من أرض الشام. (٥ / ٨٧).

(٣) انظر المغازي للواقدي (٢ / ٧٥٦).

(٤) في الأصل ، ع. مهض وكتبها ابن الملا : نهيض. وأثبتنا رواية ابن كثير عن الواقديّ.

(٤ / ٢٤١).


وقال يونس ، [عن] ابن إسحاق (١) : كان على ميمنة المسلمين قطبة ابن قتادة العذريّ ، وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصاريّ ، والتقى النّاس. فحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، حدّثني أبي من الرّضاعة ، وكان أحد بني مرّة بن عوف ، قال : والله لكأنّي انظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم تقدّم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق : فهو أول من عقر في الإسلام (٢). وقال :

يا حبّذا الجنّة واقترابها

طيّبة وباردة (٣) شرابها

 والرّوم قد دنا عذابها

عليّ إن لاقيتها ضرابها (٤)

 فلما قتل أخذ الراية عبد الله.

حدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير ، عن عروة قال : أخذها عبد الله بن رواحة فالتقوى بها بعض الالتواء ، ثم تقدّم على فرسه فجعل يستنزل نفسه (٥) ويتردّد (٦).

حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، أنّ ابن رواحة قال عند ذلك (٧) ،

أقسمت يا نفس لتنزلنّه

طائعة أو لتكرهنّه

 __________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ تاريخ الطبري ٣ / ٣٩.

(٢) رجاله ثقات ، وإسناده قويّ ، أخرجه أبو داود في الجهاد (٢٥٧٣) باب في الدابة تعرقب في الحرب وذكره ابن حجر في فتح الباري ٧ / ٥١١ ، وابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٧ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ١١٨ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٣ / ٣٤٣ ، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية ٢ / ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ورواه الطبراني كما قال عروة في المغازي ٢٠٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٥٧.

(٣) في الأصل ، ع : باردة ، وأثبتنا رواية ابن هشام ٤ / ٧٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠.

(٤) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠ ففيهما اختلاف في البيت الثاني.

(٥) أي يطلب نزولها عمّا أرادت وهمّت به.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٩ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠.

(٧) ديوانه : ص ١٠٨.


إن أجلب النّاس وشدّوا الرّنّة (١)

ما لي أراك تكرهين الجنّة

 قد طالما [قد] (٢) كنت مطمئنّه

هل أنت إلّا نطفة في شنّه (٣)

ثم نزل فقاتل حتى قتل.

قال ابن إسحاق : وقال أيضا (٤) :

يا نفس إن لا تقتلي تموتي

هذا حمام الموت قد صليت

 وما تمنّيت فقد أعطيت

إن تفعلي فعلهما هديت

وإن تأخّرت فقد شقيت (٥)

فلما نزل أتى ابن عمّ له بعرق لحم فقال : أقم بها صلبك ، فنهش منها نهشة (٦) ، ثم سمح الحطمة (٧) في ناحية فقال : وأنت في الدنيا؟ فألقاه من يده. ثم قاتل حتى قتل.

فحدّثني محمد بن جعفر ، عن عروة قال : ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم ، فقال : اصطلحوا يا معشر المسلمين على رجل. قالوا : أنت لها. فقال : لا. فاصطلحوا (٨) ، على خالد بن الوليد. فجاش بالنّاس ، فدافع وانحاز وتحيّز عنه (٩) ، ثم انصرف بالنّاس.

__________________

(١) الرّنّة : صوت فيه ترجيع شبه البكاء.

(٢) سقطت من الأصل ، ع ، وزدناها من ابن هشام ٤ / ٧٢ والديوان.

(٣) راجع الأبيات باختلاف في سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢ وتاريخ الطبري ٣ / ٣٩ ، ٤٠ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٠ ، ٢٨١ ، و «الشنّة» الوعاء البالي ، انظر : الروض الأنف ٤ / ٨٠.

(٤) ديوانه : ص ٨٧.

(٥) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٤٠ باختلاف في الألفاظ.

(٦) في السيرة : انتهس منه نهسة.

(٧) الحطمة : رحمة الناس ودفع بعضهم بعضا.

(٨) في الأصل : فأصلحوا. والتصحيح من ع. ومن السيرة والطبري.

(٩) في الأصل : وأخبر عنه. والتصحيح من تاريخ الطبري (٣ / ٤٠) ، وفي السيرة «نحيز عنه».


وقال حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس قال : نعى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعفرا وزيد بن حارثة وابن رواحة ، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم ، وعيناه تذرفان. أخرجه البخاري (١) ، وزاد فيه : فنعاهم ، وقال : أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب. ثم أخذ الراية بعدهم سيف من سيوف الله : خالد بن الوليد. قال : فجعل يحدّث النّاس وعيناه تذرفان.

وقال سليمان بن حرب : ثنا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن سمير قال : قدم علينا عبد الله [٨٣ أ] بن رباح الأنصاريّ ، وكانت الأنصار تفقّهه ، فغشيه النّاس ، فغشيته فيمن غشيه من النّاس. فقال : اثنا أبو قتادة فارس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيش الأمراء ، وقال : «عليكم زيد ابن حارثة ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» ، فوثب جعفر فقال : يا رسول الله ، ما كنت أذهب (٢) أن تستعمل زيدا عليّ. قال : فامض. فإنّك لا تدري أيّ ذلك خير. فانطلقوا ، فلبثوا ما شاء الله.

فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر ، وأمر فنودي : الصلاة جامعة. فاجتمع النّاس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أخبركم عن جيشكم هذا : إنّهم انطلقوا فلقوا العدوّ ، فقتل زيد شهيدا» ، فاستغفر له. ثم قال : «أخذ اللواء جعفر فشدّ على القوم حتى قتل شهيدا ، شهد له بالشهادة واستغفر له. «ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فأثبت قدميه حتى قتل شهيدا ، فاستغفر له «ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ، ولم يكن من الأمراء وهو أمّر نفسه» ، ثم قال : «اللهمّ إنّه سيف من سيوفك ، فأنت تنصره». فمن يومئذ سمّي خالد «سيف الله» (٣)

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة مؤتة. (٥ / ٨٧).

(٢) في الأصل ، ع : أرهب. والتصحيح من تاريخ الطبري (٣ / ٤١).

(٣) الخبر بسنده ونصّه في تاريخ الطبري ٣ / ٤٠ ، ٤١ والبداية والنهاية ٤ / ٢٤٦.


وقال البكّائي ، عن ابن إسحاق : بلغني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أخذ الراية زيد فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل شهيدا» ، ثم صمت ، حتى تغيّرت وجوه الأنصار ، وظنّوا قد كانت في عبد الله بعض ما يكرهون. فقال : «ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم قال : «لقد رفعوا إلى الجنّة فيما يرى النّائم على سرر من ذهب. فرأيت في سرير عبد الله ازورارا عن سريري صاحبيه. فقلت : عمّ هذا؟ فقيل لي : مضيا وتردّد عبد الله بعض التردّد ثم مضى (١)».

وقال الواقدي (٢) : حدّثني عبد الله بن الحارث بن فضيل ، عن أبيه قال : لما أخذ الراية خالد بن الوليد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الآن حمي الوطيس» (٣).

قال : فحدّثني العطّاف بن خالد قال : لما قتل ابن رواحة مساء ، بات خالد ، فلما أصبح غدا وقد جعل مقدّمته ساقة ، وساقته مقدّمة ، وميمنته ميسرة ، وميسرته ميمنة. فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم ، وقالوا : قد جاءهم مدد ، فرعبوا فانكشفوا منهزمين ، فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم.

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، سمعت خالد بن الوليد يقول : لقد اندقّ في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلّا صفيحة يمانية. أخرجه البخاري (٤).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣ ، وانظر الطبقات لابن سعد ٢ / ١٣٠.

(٢) انظر المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٤) والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٢٩.

(٣) حمي الوطيس : أي حمي الضرب وجدّت الحرب واشتدت.

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، غزوة مؤتة. (٥ / ٨٧).


وقال الواقدي (١) : حدّثني محمد بن صالح التّمّار ، عن عاصم بن عمر ابن قتادة ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لمّا قتل زيد أخذ الراية جعفر فجاءه الشيطان فحبّب إليه الحياة وكرّه إليه الموت ومنّاه الدنيا ، فقال : الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين ، تمنّيني الدنيا؟ ثم مضى قدما حتى استشهد» ، فصلّى عليه ودعا له ، وقال [٨٣ ب] : «استغفروا له ، فإنّه دخل الجنّة وهو يطير في الجنّة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنّة».

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشّعبي أنّ ابن عمر كان إذا سلّم على عبد الله بن جعفر ، قال : السلام عليك يا بن ذي الجناحين. رواه خ (٢).

وقال عبد الوهاب الثقفي : ثنا يحيى بن سعيد ، أخبرتني عمرة ، سمعت عائشة تقول : لما جاء قتل جعفر وابن حارثة وابن رواحة ، جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد يعرف فيه الحزن ، وأنا أطّلع من شقّ الباب. فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إنّ نساء جعفر ، وذكر بكاءهنّ ، فأمره أن ينهاهنّ. فذهب الرجل ثم أتى فقال : قد نهيتهنّ. وذكر أنّهن لم يطعنه. فأمره الثانية أن ينهاهنّ ، فذهب ثم أتى فقال : والله قد غلبننا. فزعمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فاحث في أفواههنّ التّراب». فقلت : أرغم الله أنفك ، ما أنت بفاعل ، وما تركت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من العناء ، أخرجاه عن محمد بن المثنّى عنه (٣).

__________________

(١) انظر : المغازي للواقدي (٢ ـ ٧٦١ ـ ٧٦٢).

(٢) كتب الحرف في الأصل بالحمرة ولم يظهر في المصوّرة وأثبتناه عن ح. والحديث رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب غزوة مؤتة. (٥ / ٨٧).

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن. وصحيح مسلم (١٩٣٥) كتاب الجنائز ، باب التشديد في النياحة. وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣ برواية عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة.


وقال يونس ، عن ابن إسحاق (١) حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أم عيسى الجزّار [الخزاعية] (٢) ، عن أمّ جعفر (٣) عن جدّتها أسماء بنت عميس ، قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه ، دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد عجنت عجيني وغسلت بنيّ ودهنتهم ونظّفتهم. فقال : «ائتيني ببني جعفر». فأتيته بهم ، فشمّهم ، فدمعت (٤) عيناه. فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمّي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه [شيء] (٥)؟ فقال : «نعم. أصيبوا هذا اليوم». فقمت أصيح ، واجتمع النساء. فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله ، فقال : «لا تغفلوا آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما ، فإنّهم قد شغلوا بأمر صاحبهم».

قال ابن إسحاق : فسمعت عبد الله بن أبي بكر يقول : لقد أدركت النّاس بالمدينة إذا مات ميت ، تكلّف جيرانهم يومهم ذلك طعامهم ، فلكأنّي انظر إليهم قد خبزوا خبزا صغارا ، وصنعوا لحما ، فيجعل في جفنة ، ثم يأتون به أهل الميّت ، وهم يبكون على ميّتهم مشتغلين فيأكلونه. ثم إنّ النّاس تركوا ذلك.

[فائدة] (٦) : أخرج مسلم في صحيحه (٧) ، من حديث عوف بن مالك ، قال : خرجت في غزوة مؤتة ، فرافقني مدديّ من أهل اليمن ، ليس

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣.

(٢) زيادة ليست في الأصل. وهي أمّ عيسى الخزاعية ، ويقال : أم عيسى الجزّار (انظر ترجمتها في تهذيب التهذيب : ١٢ / ٤٧٥). وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣.

(٣) هي أمّ عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمية ، ويقال لها أمّ جعفر (تهذيب التهذيب : ١٢ ـ ٤٧٤) وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٧٣.

(٤) في السيرة : «فتشمّمهم وذرفت عيناه».

(٥) إضافة من السيرة.

(٦) هذه الفائدة تفرّدت بها «ح» ، وأثبتناها عنها.

(٧) صحيح مسلم (١٧٥٣) كتاب الجهاد والسير ، باب استحقاق القاتل سلب القتيل.


معه غير سيفه. فنحر رجل جزورا فسأله المدديّ (١) طائفة من جلده ، فأعطاه فاتّخذه كهيئة الدّرقة. ومضينا فلقينا جموع الروم ، وفيهم رجل على فرس له أشقر وعليه سرج مذهّب وسلاح مذهّب ، فجعل يغري بالمسلمين. وقعد له المدديّ خلف صخرة ، فمرّ به الروميّ فعرقب فرسه ، فخرّ وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فأخذه منه خالد بن الوليد ، فأتيته فقلت : أما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى بالسّلب للقاتل؟ قال : بلى ، ولكنّي استكثرته. قلت : لتردّنّه أو لأعرفنّكما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فاجتمعنا ، فقصصت على رسول الله القصّة ، فقال لخالد : «ما حملك على ما صنعت»؟ قال : استكثرته. قال : «ردّ عليه ذلك». فقلت : دونك يا خالد ، ألم أقل لك؟

فقال رسول الله : «ما ذلك»؟ فأخبرته. قال : فغضب وقال : «يا خالد لا تردّه عليه. هل أنتم تاركو لي أمرائي ، لكم صفوة أمرهم وعليهم كدرة].

وقال الواقديّ (٢) : حدّثني محمد بن مسلم ، عن يحيى بن يعلى ، سمعت عبد الله بن جعفر يقول : أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أمّي ، فنعى لها أبي ، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي ، وعيناه تهرقان الدموع ثم قال : «اللهمّ إنّ جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن ثواب (٣) ، فاخلفه في ذرّيته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذرّيّته». ثم قال : «يا أسماء ، ألا أبشّرك»؟ قالت : بلى ، بأبي أنت وأميّ ، قال : «إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنّة». قالت : فأعلم النّاس ذلك. وذكر الحديث.

__________________

(١) المددي : الرجل من المدد الذين جاءوا يمدّونهم بمؤتة ويساعدونهم.

(٢) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٦ ـ ٧٦٧).

(٣) في الأصل ، ع : إليك أحسن ثوابه. والتصحيح من (ح) وفي الواقدي (٢ / ٧٦٧) : إلى أحسن ثواب.


وقال الواقديّ (١) : حدّثني سليمان بن بلال [٨٤ أ] حدّثني عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أصيب بها ناس من المسلمين ، وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين. فكان مما غنموا خاتم جاء به رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : قتلت صاحبه يومئذ ، فنفله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إيّاه.

وقال عوف بن مالك الأشجعيّ : لقيناهم في جماعة من قضاعة وغيرهم من نصارى العرب ، فصافّوا ، فجعل رجل من الروم يشتدّ (٢) على المسلمين. فجعلت أقول في نفسي : من لهذا؟ وقد رافقني رجل من أمداد حمير (٣) ، ليس معه إلّا السّيف ، إذ نحر رجل جزورا فسأله المدديّ طائفة من جلده ، فوهبه منه ، فجعله في الشمس وأوتد على أطرافه أوتادا ، فلما جفّ اتخذ منه مقبضا وجعله درقة. قال : فلما رأى [ذلك] (٤) المدديّ فعل الرّوميّ ، كمن له خلف صخرة ، فلما مرّ به خرج عليه فعرقب فرسه ، فقعد الفرس على رجليه وخرّ عنه العلج (٥) ، فشدّ عليه فعلاه بالسيف فقتله.

قال : وحدّثني بكير بن مسمار ، عن عمارة بن غزيّة (٦) بن ثابت ، عن أبيه قال : حضرت مؤتة فبارزني رجل منهم ، فأصبته وعليه بيضة له فيها ياقوتة ، فأخذتها ، فلما انكشفنا فانهزمنا رجعت إلى المدينة ، فأتيت بها

__________________

(١) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٧٦٨) وفي سنده : حدّثني عبد الله بن محمد ، عن ابن عقيل.

وهو خطأ صوابه ما ورد في الأصل ، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٦ / ١٣).

(٢) في المغازي للواقدي «يسلّ».

(٣) الأمداد : جمع مدد ، وهم الأعوان الذين كانوا يمدّون المسلمين في الجهاد.

(٤) سقطت من الأصل وزدناها من ع ، «ح».

(٥) العلج : قال في الصحاح ٣٣٠ هو الرجل من كفّار العجم.

(٦) في الأصل ، وفي طبعة القدسي ٤٥٤ «خزيمة» والتصويب من المغازي للواقدي ٢ / ٣٦٩ ومن ترجمته في تهذيب التهذيب ٧ / ٤٢٢ حيث جاء فيه : غزية : بفتح المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنفلنيها ، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار ، فاشتريت بها حديقة نخل (١).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق (٢) حدّثني محمد بن جعفر ، عن عروة قال : لما أقبل أصحاب مؤتة تلقّاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون معه.

فجعلوا يحثون عليهم التّراب ويقولون : يا فرّار ، فررتم في سبيل الله؟ فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليسوا بالفرّار ، ولكنّهم الكرّار إن شاء الله».

فحدّثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير ، أنّ أمّ سلمة قالت لأمرأة سلمة بن هشام بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصّلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالت : والله ما يستطيع أن يخرج ، كلّما خرج صاح به النّاس : يا فرّار ، فررتم في سبيل الله. وكان في غزوة مؤتة (٣).

وقال [أبو عبد الله] (٤) عن زيد بن أرقم قال : كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك ، مردفي على حقيبة رحله ، فو الله إنّه ليسير إذ سمعته ينشد أبياته هذه (٥) :

إذا أدنيتني وحملت رحلي

مسيرة أربع بعد الحساء

 فشأنك أنعم وخلاك ذم

ولا أرجع إلى أهلي ورائي

 وآب المسلمون وغادروني

بأرض الشام مشتهر الثّواء (٦)

 وردّك كلّ ذي نسب قريب

إلى الرحمن منقطع الإخاء

 __________________

(١) أضاف الواقدي ٢ / ٧٦٩ «بيني خطمة».

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٤ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٢.

(٣) السيرة ٤ / ٧٤.

(٤) بياض في النسخ الثلاث بمقدار كلمتين ، وقد استدركناه من الواقدي (٢ / ٧٥٩).

(٥) ديوانه : ص ٧٩ ـ ٨٠ باختلاف في بعض الألفاظ. وقد أنقص الواقدي منها بيتا وانظر البداية والنهاية ٤ / ٢٤٣ ففيه اختلاف في الألفاظ أيضا.

(٦) ثوى بالمكان ثواء ، إذا أطال الإقامة به أو نزل فيه. (القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤ / ٣١٠).


هنالك لا أبالي طلع بعل

ولا نخل ، أسافلها رواء (١)

[٨٤ ب] فلما سمعتهنّ بكيت ، فخفقني بالدّرّة وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرّحل!

وقال عبد الملك بن هشام (٢) : حدّثني من أثق به أنّ جعفرا أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة. فأثابه الله تعالى بذلك جناحين في الجنّة يطير بهما حيث شاء. وروي أنّهم قتلوه بالرّماح.

قلت : وكان جعفر من السّابقين الأوّلين ، هاجر الهجرتين. قال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «أشبهت خلقي وخلقي» (٣).

وقال عكرمة ، عن أبي هريرة قال ، [إنّ عبد الله بن جعفر] (٤) ما احتذى النّعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكنّا نسمّيه أبا المساكين.

وقال مجالد ، عن الشّعبيّ ، عن عبد الله بن جعفر قال : ما سألت عليّا رضي‌الله‌عنه شيئا بحقّ جعفر إلّا أعطانيه.

وعن ابن عمر قال : وجدت في مقدّم جسد جعفر يوم مؤتة بضعا وأربعين ضربة. ولما قدم جعفر من الحبشة عند فتح خيبر ، روي أنّ النّبيّ

__________________

(١) البعل : كلّ نخل وشجر وزرع لا يسقى ، أو ما سقته السماء.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٧٢.

(٣) رواه البخاري ٢٦٩٨ في الصلح ، باب كيف يكون .. و ٤٢٥١ في المغازي ، باب عمرة القضاء ، والترمذي (٣٧٦٩) في المناقب. باب مناقب جعفر. وأحمد ١ / ٩٨ و ١١٥ وأبو داود ٢٢٨٠ في الطلاق ، باب من أحقّ ، بالولد من حديث عليّ وأخرجه أحمد ١ / ١٠٨ من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ. (٤) زيادة من ع.


صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتنقه وقال : «ما أدري أنا أسرّ بقدوم جعفر أو بفتح خيبر»؟ (١).

وقال مهدي بن ميمون ، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ، عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : لما نعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعفرا أتانا فقال : أخرجوا إليّ بني أخي. فأخرجتنا أمّنا أغيلمة ثلاثة كأنّهم أفراخ : عبد الله ، وعون ، ومحمد.

وأمّا أبو أسامة زيد بن حارثة (٢) بن شراحيل الكلبيّ حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأوّل من آمن به من الموالي ، فإنّه من كبار السابقين الأوّلين وكان من الرّماة المذكورين. آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطّلب ، وعاش خمسا وخمسين سنة ، وهو الّذي سمّي الله في كتابه في قوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) يعني من زينب بنت جحش : (زَوَّجْناكَها) (٣). وكان المسلمون يدعونه زيد بن النّبيّ حتى نزلت : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) (٤). وقال تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) (٥). وقال : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (٦).

روى عن زيد ابنه أسامة وأخوه جبلة.

واختلف في سنّة. فروى الواقديّ أنّ محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد حدّثه عن أبيه قال : كان بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين زيد بن حارثة عشر

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٣٥ ، وانظر : أسد الغابة ١ / ٣٤٢ وسير أعلام النبلاء ١ / ٢١٣ ، والإصابة ٢ / ٨٦ ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢١١.

(٢) انظر سير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٠ ففي حاشيته مصادر ترجمته.

(٣) سورة الأحزاب : من الآية ٣٧.

(٤) سورة الأحزاب : من الآية ٤٠.

(٥) سورة الأحزاب : من الآية ٤.

(٦) سورة الأحزاب : من الآية ٥.


سنين ، رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] أكبر منه ، وكان قصيرا شديد الأدمة (١) أفطس (٢).

قال محمد بن سعد : كذا صفته في هذه الرواية. وجاءت من وجه آخر أنّه كان أبيض وكان ابنه أسود. ولذلك أعجب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقول مجزّز المدلجي القائف : «إنّ هذه الأقدام [٨٥ أ] بعضها من بعض» (٣).

قلت : وعلى هذه الرواية يكون عمره خمسين سنة أو نحوها.

وقال أبو إسحاق السّبيعيّ إنّ زيد بن حارثة أغارت عليه خيل من تهامة ، فوقع إلى خديجة فاشترته ، ثم وهبته للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويروى أنّها اشترته بسبعمائة درهم.

وقال الزّهري : ما علمنا أحدا أسلم قبله.

وقال موسى بن عقبة : ثنا سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر قال : ما كنّا ندعو زيدا إلّا زيد بن محمد. فنزلت : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) (٤).

وقال يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال : غزوت مع زيد بن حارثة تسع غزوات ، كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤمّره علينا. كذا رواه الفسوي (٥) عن أبي عاصم عن زيد.

وقال ابن عيينة : أنا عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر يقول : إنّ

__________________

(١) الأدمة : السمرة الشديدة.

(٢) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٠.

(٣) أخرجه أحمد ٦ / ٨٢ و ٢٢٦ ، والبخاري ٢٥٥٥ في المناقب ، باب صفة النبيّ ، و ٣٧٣١ في فضائل الصحابة ، باب مناقب زيد بن حارثة ، و ٦٧٧٠ و ٦٧٧١ في الفرائض ، باب القائف من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة.

(٤) سورة الأحزاب : من الآية ٥.

(٥) المعرفة والتاريخ ١ / ٢٩٩ ، وأخرجه البخاري في المغازي (٤٢٧٢) باب بعث النبيّ أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة ، ورواه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٣١.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أسامة على قوم ، فطعن النّاس في إمارته. فقال ، «إنّ تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ وإنّ ابنه هذا لأحبّ النّاس إليّ بعده» (١).

وقال ابن إسحاق ، عن زيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي : «يا زيد أنت مولاي ومنّي وإليّ وأحبّ القوم إليّ» (٢).

وقال محمد بن عبيد (٣) : ثنا إسماعيل ، عن مجالد ، عن عامر ، عن عائشة أنّها كانت تقول : «لو أنّ زيدا كان حيّا لاستخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٤).

ورواه محمد بن عبيد مرّة أخرى ، فقال : ثنا وائل بن داود ، عن البهيّ ، عن عائشة قالت : ما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد بن حارثة في جيش قطّ إلّا أمّره عليهم ، ولو بقي بعده لاستخلفه (٥).

__________________

(١) أخرجه أحمد في مسندة ٢ / ٢٠ و ٩٨ و ١٠٦ و ١١٠ من عدّة طرق ، والبخاري (٦٦٢٧) في الأيمان والنذور ، باب قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وايم الله ، و (٣٧٣٠) في فضائل الصحابة ، باب مناقب زيد ابن حارثة ، و (٤٢٥٠) في المغازي ، باب غزوة زيد بن حارثة ، و (٧١٨٧) في الأحكام ، باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا ، ومسلم (٢٤٢٦) في فضائل الصحابة ، باب فضائل زيد بن حارثة ، والترمذي (٣٨١٨) في المناقب ، باب مناقب زيد بن حارثة.

(٢) أخرجه أحمد في مسندة مطوّلا ٥ / ٢٠٤ ، وابن سعد في طبقاته ٣ / ٢٩ ، ٣٠ ورجاله ثقات.

وصحّحه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢١٧ ، ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٦ ، وحسّنه ابن حجر في الإصابة ٤ / ٥٠.

(٣) في الأصل : عبيد الله. وفي هامش تهذيب التهذيب (٩ / ٣٢٧) عن التقريب أنه بغير إضافة. وكذلك ورد في السند التالي.

(٤) سير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٨.

(٥) أخرجه أحمد ٦ / ٢٢٦ و ٢٢٧ و ٢٥٤ و ٢١٨ ، وابن سعد ٣ / ٣١ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٢ / ٢٨٣ من طريق محمد بن عبيد الطنافسي ، عن وائل بن داود عن البهيّ ، عن عائشة. وهذا سند حسن. وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢١٥ من طريق سهل بن عمّار العتكيّ ، عن محمد بن عبيد ، به. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ١ / ٢٢٨ «أخرجه النسائي».


وقال حسين بن واقد ، عن عبيد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «دخلت الجنّة فاستقبلتني جارية [شابة] (١) ، فقلت : لمن أنت؟ قالت : لزيد بن حارثة (٢).

اسناده حسن ، رواه الرّوياني (٣) في مسندة ، ورواه حمّاد بن سلمة عن أبي هارون العبديّ ، عن أبي سعيد ، يرفعه.

وقال حمّاد بن زيد ، عن خالد بن سلمة المخزومي قال : أصيب زيد فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منزله ، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبكى حتى انتحب. فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله ، ما هذا؟ قال ، «شوق الحبيب إلى حبيبه» (٤).

وأما عبد الله بن رواحة (٥) بن ثعلبة الخزرجيّ الأنصاريّ أبو عمرو أحد النّقباء ليلة العقبة شهد بدرا والمشاهد ، وكان شاعر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخا أبي الدّرداء لأمّه.

روى عنه أبو هريرة ، وابن أخته النّعمان بن بشير ، وزيد بن أرقم ، وأنس ، قوله. وأرسل عنه جماعة من التّابعين. وقال الواقديّ : كنيته أبو محمد. وقيل : أبو رواحة.

وروت أمّ الدّرداء ، عن أبي الدّرداء قال : كنّا [٨٥ ب] مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) زيادة من (ح).

(٢) كنز العمّال (٣٣٢٩٩) و (٣٣٣٠٢).

(٣) الروياني : نسبة إلى رويان مدينة بنواحي طبرستان. وهو أبو بكر محمد بن هارون ، توفي سنة ٣٠٧ ه‍. قال ابن حجر عن مسندة : إنّه ليس دون السنن في الرتبة (الرسالة المستطرفة للكتّاني : ٦١).

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٣٢ وفيه «خالد بن شمير» وهو تصحيف.

(٥) انظر مصادر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١ / ٢٣٠.


في السفر في يوم شديد الحرّ ، ومنا فينا صائم إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعبد الله بن رواحة (١).

وقال معمر ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : تزوّج رجل امرأة عبد الله بن رواحة فقال لها : هل تدرين لم تزوّجتك؟ قالت : لا. قال : لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته. فذكرت له شيئا لا أحفظه ، غير أنّها قالت : كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلّى ركعتين ، وإذا دخل بيته صلّى ركعتين ، لا يدع ذلك أبدا (٢).

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه قال : لما نزلت : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٣) ، قال ابن رواحة : قد علم الله أنّي منهم. فأنزلت : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٤) الآية.

وقيل هذا البيت لعبد الله بن رواحة يخاطب زيد بن أرقم :

يا زيد زيد اليعملات الذّبل

تطاول اللّيل هديت فانزل (٥)

يعني : انزل فسق بالقوم.

وعن مصعب بن شيبة قال : لما نزل ابن رواحة للقتال طعن فاستقبل الدّم بيده ، فدلك به وجهه. ثم صرع بين الصّفّين يقول : يا معشر المسلمين

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٩٤٥) في الصوم. باب ٣٥ عن أبي الدرداء ، بلفظ مختلف ، ومسلم (١١٢٢) في الصيام ، باب التخيير في الصوم والفطرة بالسفر. وأبو داود (٢٤٠٩) في الصوم ، باب من اختار الصيام ، وابن ماجة (١٦٦٣) في الصيام ، باب ما جاء في الصوم في السفر.

(٢) رجاله ثقات ، ونسبه ابن حجر في الإصابة ٦ / ٧٨ ، ٧٩ إلى ابن المبارك في الزهد وصحّح سنده.

(٣) سورة الشعراء : من الآية ٢٢٤.

(٤) سورة الشعراء : من الآية ٢٢٧ وانظر طبقات ابن سعد ٣ / ٨١ والإصابة ٦ / ٧٩.

(٥) ديوانه : ٩٩ ـ ١٠٠ ، واليعملات : جمع يعملة وهي الناقة السريعة. القوية على العمل.

الذبل : الضامرة من طول السفر.


ذبّوا عن لحم أخيكم. فكانوا يحملون حتى يجوزونه. فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه.

وقال ابن وهب : حدّثني أسامة بن زيد اللّيثي ، حدّثني نافع ، قال : كانت لابن رواحة امرأة وكان يتّقيها. وكانت له جارية فوقع عليها ، فقالت له وفرقت أن يكون قد فعل فقال : سبحان الله. قالت : اقرأ عليّ إذا ، فإنّك جنب. فقال (١) :

شهدت بإذن الله أنّ محمدا

رسول الّذي فوق السموات من عل

وإنّ أبا يحيى ويحيى كلاهما

له عمل من ربّه متقبّل

وقد رويا لحسّان (٢).

وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن سلمان ، عن ابن الهاد ، أنّ امرأة عبد الله بن رواحة رأته على جارية له فجحدها. فقالت له : فاقرأ.

فقال (٣) :

شهدت بأنّ وعد الله حقّ

وأنّ النّار مثوى الكافرينا

 وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش ربّ العالمينا

 وتحمله ملائكة كرام

ملائكة الإله مقرّبينا

 فقالت : آمنت بالله وكذّبت البصر. فحدّث ابن رواحة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضحك (٤).

وقال موسى بن جعفر بن أبي كثير : ثنا عبد العزيز الماجشون ، عن

__________________

(١) ديوانه ٩٧ ، باختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(٢) انظر ديوان حسان : ٣١٩ ورجاله ثقات لكنّه مرسل. انظر الاستيعاب ٦ / ١٨٧ ، ١٨٩.

(٣) ديوانه : ص ١٠٦ ، باختلاف يسير في البيت الأخير.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ٧ / ٣٩٥.


الثّقة أنّ ابن رواحة اتّهمته امرأته. فذكر القصّة.

وقال ابن إسحاق : لم يعقب ابن رواحة.

* * *

واستشهد بمؤتة :

عبّاد بن قيس الخزرجي ، أحد من شهد بدرا. والحارث بن النّعمان بن أساف النّجّاري ، ومسعود بن سويد (١) بن حارثة الأنصاريّ. ووهب بن سعد ابن أبي سرح العامريّ. وزيد بن [٨٦ أ] عبيد بن المعلّى الخزرجيّ ، الّذي قتل أبوه يوم أحد. وعبد الله بن سعيد بن العاص بن أميّة الأموي ، وقيل : قتل هذا يوم اليمامة. وأبو كلاب (٢) ، وجابر ابنا أبي صعصعة الخزرجيّ (٣).

__________________

(١) عند ابن هشام ٤ / ٧٦ والهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٦١ وابن كثير في البداية والنهاية ٤ / ٢٥٩ «مسعود بن الأسود» وكذا في المغازي للواقدي ٢ / ٧٦٩.

(٢) في سيرة ابن هشام ٤ / ٧٦ والبداية والنهاية ٤ / ٢٥٩ «أبو كليب».

(٣) انظر في أسماء شهداء مؤتة : سيرة ابن هشام ٤ / ٧٦ ، المغازي لعروة ٢٠٦ ، مجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ١٦١ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٥٩ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٧٦٩.



ذكر رسل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وفي هذه السنة كتب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ملوك النّواحي يدعوهم إلى الله تعالى.

قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب قبل موته : إلى كسرى ، وإلى قيصر ، وكتب إلى النّجاشيّ ، يعني الّذي ملك الحبشة بعد النّجاشيّ المسلم ، وإلى كلّ جبّار يدعوهم إلى الله. رواه مسلم (١).

وليس في هذا الحديث أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى النّجاشيّ الثاني يدعوه إلى الله في هذه السنة. بل ذلك مسكوت عنه ، وإنّما كان ذلك بعد موت النّجاشي الأول المسلم. وموته كما سيأتي في سنة تسع. والله أعلم.

وقال إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عبّاس أنّه أخبره أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام. وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبيّ (٢) ، وأمره

__________________

(١) صحيح مسلم (١٧٧٤) كتاب الجهاد والسير ، باب كتب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ملوك الكفّار إلخ.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٢.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر. فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر ، [وكان قيصر] (١) لما كشف الله عنه جنود فارس ، مشى من حمص إلى إيلياء (٢) شكرا لما أبلاه الله. فلما أن جاء قيصر كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال حين قرأه : التمسوا لي هاهنا أحدا من قومه.

قال ابن عبّاس : فأخبرني أبو سفيان أنّه كان بالشام في رجال من قريش قدموا للتّجارة ، في المدّة التي كانت بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين كفّار قريش.

قال أبو سفيان : فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام ، فانطلق بنا حتى قدمنا إيليا عليه ، فأدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في مجلسه وعليه التّاج ، وحوله عظماء الروم ، فقال لترجمانه : سلهم أيّهم أقرب نسبا من هذا (٣) الرجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ قلت : أنا أقربهم إليه نسبا. قال : ما قرابة ما بينك وبينه؟ قلت : هو ابن عمّي. وليس في الرّكب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري ، قال : أدنوه. ثم أمر بأصحابي فجعلهم خلف ظهري ، عند كتفي ، ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه إنّي سائله عن هذا الّذي يزعم أنّه نبيّ ، فإن كذب فكذّبوه.

قال أبو سفيان : والله لو لا الحياء يومئذ أن يأثر عنّي أصحابي الكذب لكذّبته (٤) عنه. ثم قال لترجمانه : قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ قلت : هو فينا ذو نسب : قال : فهل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ قلت : لا. قال : فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت : لا. قال : فهل من آبائه من ملك؟ قلت : لا. قال : فأشراف الناس يتبعونه أم

__________________

(١) سقطت من الأصل ، ع وأثبتناها من ح.

(٢) إيلياء : اسم مدينة بيت المقدس ، وقيل معناه بيت الله.

(٣) في الأصل : بهذا. وأثبتنا لفظ البخاري ومسلم.

(٤) في البداية والنهاية ٤ / ٢٦٤ «لكذبت».


ضعفاؤهم؟ قلت بل ضعفاؤهم. قال : [٨٦ ب] فيزيدون أو ينقصون؟ قلت : بل يزيدون. قال : فهل يرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، قلت : لا قال : فهل يغدر؟ قلت : لا ، ونحن الآن منه في مدّة ـ يشير إلى المدّة التي قاضاهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليها يوم الحديبيّة وآخرها يوم الفتح ـ ونحن نخاف منه أن يغدر ، ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه بها ، لا أخاف أن تؤثر عنّي غيرها. قال : فهل قاتلتموه وقاتلكم؟ قلت : نعم. قال : فكيف حربكم وحربه؟ قلت : كانت دولا وسجالا ، يدال علينا المرّة ويدال عليه الأخرى قال : فما ذا يأمركم به؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله ، ولا نشرك به شيئا ، وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.

قال : فقال لترجمانه قل له : إنّي سألتك عن نسبه فيكم ، فزعمت أنّه ذو نسب ، وكذلك الرّسل تبعث في نسب قومها. وسألتك : هل قال هذا القول أحد قبله ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت : رجل يأتمّ بقول قد قيل قبله. وسألتك : هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فزعمت أن لا ، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ويكذب على الله. وسألتك : هل كان من آبائه من ملك ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك أشراف النّاس يتبعونه أو ضعفاؤهم ، فزعمت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه ، وهم أتباع الرّسل.

وسألتك : هل يزيدون أو ينقصون ، فزعمت أنّهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتمّ. وسألتك : هل يرتدّ أحد سخطة (١) لدينه بعد أن يدخل فيه ، فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه

__________________

(١) سخطة لدينه : كراهة له وعدم الرضا به.


أحد. وسألتك : هل يغدر ، فزعمت أن لا ، وكذلك الرّسل لا يغدرون. وسألتك : هل قاتلتموه وقاتلكم ، فزعمت أن قد فعل ، وأنّ حربكم وحربه يكون دولا ، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وسألتك : ما ذا يأمركم به ، فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.

وهذه صفة نبيّ ، قد كنت أعلم أنّه خارج ، ولكن لم أظنّ أنّه منكم ، وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين ، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقيه (١) ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه. قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر فقرئ فإذا فيه (٢) :

«بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد ، [٨٧ أ] فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين. وإن تولّيت فعليك إثم الأريسيّين (٣). [و] (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ)

__________________

(١) لقيه : (بالضم والكسر) لقاءه. وهي في البدآية والنهاية ٤ / ٢٦٥ «لقاءه».

(٢) في مراجع هذا الكتاب الشريف واختلاف روآياته انظر : مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة للدكتور محمد حميد الله (ص ٨٠ ـ ٨٢) وانظر أيضا في إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين (ص ١٠ وما بعدها).

(٣) الأريسيون : الأكارون ، ويراد بهم فلاحو السواد ، وهي لغة شامية ، مفردة أريس وإريس (كجليس وسكيت). وقد ذكرت فيهم أقوال شتى ، فقيل هم قوم من المجوس لا يعبدون النار ويزعمون أنهم على دين إبراهيم عليه‌السلام. وقيل إنه كان في رهط هرقل تعرف بالأورسية نسبوا إليها. وقيل أنهم أتباع عبد الله بن أريس رجل كان في الزمن الأول قتلوا نبيا بعثه الله إليهم. وقيل غير ذلك. (انظر لسان العرب ج ٧ / ٣٠٠ مصورة بولاق).


اللهِ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (١).

قال أبو سفيان : فلمّا أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم ، فلا أدري ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا. فلما أنّ خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم : لقد أمر ابن أبي كبشة (٢) ، هذا ملك بني الأصغر يخافه.

قال أبو سفيان : والله ما زلت ذليلا ، مستيقنا بأنّ أمره سيظهره حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره. أخرجاه (٣) من حديث إبراهيم.

وأخرجاه من حديث معمر ، عن الزّهري ، عن عبيد الله ، [عن] (٤) ابن عبّاس أنّ أبا سفيان حدّثه قال : انطلقت في المدّة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبينا أنّا بالشّام. فذكر كحديث إبراهيم (٥).

ورواه يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن الزّهري بسنده. وفيه قال أبو سفيان : فلما كانت هدنة الحديبيّة بيننا وبين النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرجت تاجرا إلى الشام. فو الله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا إلّا قد حمّلني بضاعة. فقدمت غزّة ، وذلك حين ظهر قيصر على من كان ببلاده من الفرس ، فأخرجهم

__________________

(١) سورة آل عمران ـ الآية ٦٤.

(٢) أمر أمره : عظم شأنه وكبر. وابن أبي كبشة أراد به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر النوويّ أنّ أبا كبشة رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشّعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة في دينهم.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسّير ، باب دعاء النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الإسلام والنّبوّة إلخ ٤ / ٢ ـ ٥ وصحيح مسلم (١٧٧٣) كتاب الجهاد والسير ، باب كتاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.

(٤) في الأصل : عن عبد الله بن عبّاس. والتصحيح من ح وصحيح البخاري. (٤ / ٢).

(٥) صحيح البخاري : كتاب التفسير ، سورة آل عمران باب قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ٥ / ١٦٧ وصحيح مسلم (١٧٧٣) كتاب الجهاد والسير ، باب كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.


منها. وردّ عليه صليبه الأعظم ، وكان منزله بحمص فخرج منها متنكّرا إلى بيت المقدس ، تبسط له البسط ويطرح له عليها الرّياحين. حتى انتهى إلى إيلياء ، فصلّى بها. فأصبح ذات غداة مهموما يقلّب طرفه إلى السماء ، فقالت له بطارقته : أيّها الملك ، لقد أصبحت مهموما. فقال : أجل. قالوا : وما ذاك؟ قال : أريت في هذه اللّيلة أنّ ملك الختان ظاهر. فقالوا : والله ما نعلم أمّة من الأمم تختتن إلّا يهود ، وهم تحت يدك وفي سلطانك ، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم ، فابعث في مملكتك كلّها فلا يبقى يهوديّ إلّا ضربت عنقه فتستريح من هذا الهمّ.

فبينما هم في ذلك ، إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع إليهم. فقال : أيّها الملك هذا رجل من العرب من أهل الشاء والإبل ، يحدّثك عن حدث كان ببلاده ، فسله عنه. فلما انتهى إليه قال لترجمانه : سله ما هذا الخبر الّذي كان في بلاده؟ فسأله فقال : هو رجل من قريش خرج يزعم أنّه نبيّ ، وقد تبعه أقوام وخالفه آخرون ، فكانت بينهم ملاحم فقال : جرّدوه. فإذا هو مختون فقال : هذا والله الّذي أريت ، لا ما تقولون. ثم دعا صاحب شرطته فقال له : قلّب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه. فو الله أنّي وأصحابي [٨٧ ب] لبغزّة (١) إذ هجم علينا فسألنا : ممّن أنتم؟ فأخبرناه. فساقنا إليه جميعا. فلما انتهى إليه ـ قال أبو سفيان : فو الله ما رأيت من رجل [قطّ] (٢) أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف (٣) ـ يعني هرقل ـ فلما انتهينا إلى قال : أيّكم أمسّ به رحما؟ فقلت : أنا. قال : أدنوه. وساق الحديث ، ولم يذكر فيه

__________________

(١) غزّة : المدينة المعروفة على ساحل فلسطين.

(٢) زيادة من (ح) ، والبداية والنهاية ٤ / ٣٦٣.

(٣) الأغلف : الّذي لم يختن ، ومثله الأقلف.


كتابا. وفيه كما ترى أشياء عجيبة تفرّد بها ابن إسحاق دون معمر وصالح.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثني الزّهريّ ، حدّثني أسقف من النّصارى قد أدرك ذلك الزمان ، قال : لما قدم دحية بن خليفة على هرقل بالكتاب ، وفيه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد ، فأسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين ، فإن أبيت فإنّ إثم الأكّارين (١) عليك».

فلما قرأه وضعه بين فخذه وخاصرته ، ثم كتب إلى رجل من أهل رومية (٢) ، كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ ، يخبره عمّا جاءه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكتب إليه أنّه النّبيّ الّذي ينتظر لا شكّ فيه فاتّبعه. فأمر بعظماء الروم فجمعوا له في دسكرة ملكه ، ثم أمر بها فأشرجت (٣) عليهم ، واطّلع عليهم من علّيّة له ، وهو منهم خائف فقال : يا معشر الروم إنّه قد جاءني كتاب أحمد ، وإنّه والله للنّبيّ الّذي كنّا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا ، نعرفه بعلاماته وزمانه. فأسلموا واتّبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم. فنخروا نخرة رجل واحد ، وابتدروا أبواب الدّسكرة ، فوجدوها مغلقة عليهم. فخافهم ، فقال : ردّوهم عليّ. فكرّوهم عليه ، فقال : إنّما قلت لكم هذه المقالة أغمزكم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم ، فقد رأيت منكم ما سرّني. فوقعوا له سجّدا ، ثم

__________________

(١) الأكارون : جمع أكار ، وهو الريفي الّذي يحرث الأرض ويزرعها. وفي رواية اليعقوبي : فإنّ عليك إثم الريفيين (انظر الوثائق السياسية ٨٢).

(٢) رومية : بتخفيف الياء : مدينة رياسة الروم وعلمهم ، واسمها بالرومية رومانس وتقع شمال وغربي القسطنطينية بينهما مسيرة خمسين يوما أو أكثر. (معجم البلدان ٢ / ١٠٠) وهي مدينة روما المعروفة.

(٣) في هامش ح : أغلقت.


فتحت لهم الأبواب فخرجوا (١).

وقال ابن لهيعة : ثنا أبو الأسود ، عن عروة (٢) قال : خرج أبو سفيان تاجرا وبلغ هرقل شأن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فأدخل عليه أبو سفيان في ثلاثين رجلا ، وهو في كنيسة إيلياء. فسألهم فقالوا : ساحر كذّاب. فقال : أخبروني بأعلمكم به وأقربكم منه. قالوا : هذا ابن عمّه. وذكر شبيها بحديث الزّهري.

وقال خ (٣) : ثنا يحيى بن أبي بكير ، نا اللّيث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، حدّثني عبيد الله ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث بكتابه إلى كسرى ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه إلى كسرى. فلما قرأه كسرى مزّقه. فحسبت ابن المسيّب قال : فدعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يمزّقوا كلّ ممزّق (٤).

وقال الذّهليّ محمد بن يحيى : ثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وتشهّد ، ثم قال : «أما بعد ، فإنّي [٨٨ أ] أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم ، فلا تختلفوا عليّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى». فقال المهاجرون : والله لا نختلف عليك في شيء ، فمرنا وابعثنا. فبعث شجاع

__________________

(١) حديث هرقل مع أبي سفيان أخرجه البخاري في صحيحه ، بدء الوحي ٦ من طريق عبد الله بن عباس عن أبي سفيان بن حرب مطوّلا. وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ١ / ٢٥٩ ومسند أحمد ٣ / ٤٤١ ، ٤٤٢ ، و ٤ / ٧٤.

(٢) المغازي لعروة ١٩٦ ، ١٩٧ ، فتح الباري لابن حجر ١ / ٣٦.

(٣) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب دعوة اليهوديّ والنّصرانيّ ... وما كتب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كسرى وقيصر. (٣ / ٢٣٥).

(٤) انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ١ / ٢٦٠ ، وقد أخرجه أحمد في مسندة ١ / ٢٤٣ وفيه : «قال ابن شهاب : فحسبت ابن المسيّب قال ....» وانظر ١ / ٣٠٥.


ابن وهب إلى كسرى. فخرج حتى قدم على كسرى ، وهو بالمدائن ، واستأذن عليه. فأمر كسرى بإيوانه أن يزيّن ، ثم أذن لعظماء فارس ، ثم أذن لشجاع بن وهب. فلما دخل عليه أمر بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقبض منه. قال شجاع : لا ، حتى أدفعه أنا كما أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال كسرى : أدنه ، فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه ، فإذا فيه :

«من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس».

فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسه ، وصاح وغضب ومزّق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه ، وأمر بشجاع فأخرج ، فركب راحلته وذهب ، فلما سكن غضب كسرى ، طلب شجاعا فلم يجده. وأتى شجاع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره ، فقال : «اللهمّ مزّق ملكه» (١).

وقال أبو عوانة ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لتفتحنّ عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض.

أخرجه مسلم (٢). رواه أسباط بن نصر ، عن سماك ، عن جابر فزاد قال : فكنت (٣) أنا وأبي فيهم ، فأصابنا من ذلك ألف درهم.

وقال أحمد بن الوليد الفحّام : ثنا أسود بن عامر ، أنا حمّاد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، أنّ رجلا من أهل فارس أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ ربّي قد قتل ربّك ، يعني كسرى.

__________________

(١) انظر مسند أحمد ٣ / ٤٤٢.

(٢) صحيح مسلم (٢٩١٩) كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمرّ الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء. وفيه : «... من المسلمين أو من المؤمنين كنز آل كسرى ...».

(٣) في الأصل : كنت. وأثبتنا عبارة ع ، ح.


قال : وقيل للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّه قد استخلف بنته فقال : «لا يفلح قوم تملكهم (١) امرأة» (٢).

ويروى أنّ كسرى كتب إلى باذام عامله باليمن يتوعّده ويقول : ألا تكفيني رجلا خرج بأرضك يدعوني إلى دينه؟ لتكفينه أو لأفعلنّ بك. فبعث العامل إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسلا وكتابا ، فتركهم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس عشرة ليلة ، ثم قال : «اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا : إنّ ربّي قد قتل ربّك الليلة» (٣).

وروى أبو بكر بن عيّاش ، عن داود بن أبي هند ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : أقبل سعد إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هلك ـ أو قال : قتل ـ كسرى. فقال : «لعن الله كسرى ، أوّل النّاس هلاكا فارس ثم العرب» (٤).

وقال محمد بن يحيى : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح قال : قال ابن شهاب. وقد رواه اللّيث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، كلاهما يقول عن أبي سلمة ، واللفظ لصالح قال : بلغني أنّ كسرى بينما هو في دسكرة ملكه ، بعث له ـ أو قيّض له ـ أو قيّض له ـ عارض فعرض عليه الحقّ ، فلم يفجأ كسرى إلّا الرجل يمشي وفي يده عصا فقال : يا كسرى هل لك في الإسلام قبل أن أكسر هذه العصا؟ قال كسرى : نعم؟ فلا تكسرها. فولّى الرجل. فلما ذهب [٨٨ ب] أرسل كسرى إلى حجابه فقال : من أذن لهذا؟ قالوا : ما دخل عليك أحد. قال : كذبتم. وغضب عليهم وعنّفهم ، ثم تركهم. فلما كان رأس الحول أتاه ذلك الرجل بالعصا فقال كمقالته. فدعا كسرى الحجّاب وعنّفهم. فلما كان الحول المستقبل ، أتاه ومعه العصا

__________________

(١) في طبعة القدسي أثبتها «تملكتهم» ... وما أثبتناه عن مسند أحمد.

(٢) أخرجه أحمد في مسندة ٥ / ٤٣.

(٣) أخرجه أحمد في مسندة ٥ / ٤٣ وهو في الحديث الّذي قبله ، وانظر طبقات ابن سعد ١ / ٢٦٠ و.

(٤) أخرجه أحمد في مسندة ٢ / ٥١٣ من طريق عبد الله عن أبيه عن الأسود بن عامر عن أبي بكر بن عياش ، عن داود ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وفيه قدّم هلاك العرب على الفرس.


فقال : هل لك يا كسرى في الإسلام قبل أن أكسر العصا؟ قال : لا تكسرها. فكسرها فأهلك الله كسرى عند ذلك.

وقال الزّهري ، عن ابن المسيّب ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والّذي نفسي بيده لتنفقنّ كنوزها في سبيل الله». أخرجه مسلم (١).

وروى يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : كتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كسرى وقيصر. فأما قيصر فوضعه ، وأما كسرى فمزّقه ، فبلغ ذلك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أمّا هؤلاء فيمزّقون ، وأما هؤلاء فسيكون لهم بقيّة».

وقال الربيع : أنّا الشافعيّ قال : حفظنا أنّ قيصر أكرم كتاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووضعه في مسك (٢). فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثبّت ملكه».

قال الشافعيّ : وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس ، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام. وقال في كسرى ، «مزّق ملكه» ، فلم يبق للأكاسرة ملك ، وقال في قيصر «ثبّت ملكه» فثبّت له ملك بلاد الروم إلى اليوم.

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : ثنا الزّهري ، عن عبد الرحمن بن عبد (القاري) (٣) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، فمضى بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقبّل الكتاب وأكرم حاطبا وأحسن نزله ، وأهدى معه إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة وكسوة وجاريتين ، إحداهما أمّ

__________________

(١) صحيح مسلم (٢٩١٨) كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل إلخ. وأوّله : «قد مات كسرى ..».

(٢) مسك : بفتح الميم. أي جلد.

(٣) سقطت من النسخ الثلاث. وأثبتناه من السند نفسه في موضع سابق.


إبراهيم ، والأخرى وهبها النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجهم بن قثم (١) العبديّ ، فهي أمّ زكريا ابن جهم ، خليفة عمرو بن العاص على مصر (٢).

وقال أبو بشر الدّولابي : ثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد الفهريّ ، ثنا هارون بن يحيى الحاطبي ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن ، حدّثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه ، عن جدّه حاطب بن أبي بلتعة قال : بعثني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية ، فجئته بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزلني في منزله ، وأقمت عنده. ثم بعث إليّ وقد جمع بطارقته فقال : إنّي سأكلّمك بكلام وأحبّ أن تفهمه منّي. قلت : نعم ، هلمّ. قال : أخبرني عن صاحبك ، أليس هو نبيّ؟ قلت : بلى ، هو رسول الله. قال : فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه. قلت : عيسى ، أليس تشهد أنّه رسول الله ، فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه إلى السماء (الدنيا) (٣) قال : أنت [٨٩ أ] حكيم جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث معك إليه. فأهدى ثلاث جوار ، منهنّ أمّ إبراهيم وواحدة وهبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي (٤) ، وواحدة وهبها لحسّان بن ثابت. وأرسل بطرف من طرفهم.

__________________

(١) في طبعة القدسي ٤٧٤ «قيس» والتصحيح من الإصابة. أما جهم بن قيس فهو ابن عبد شرحبيل بن هشام .. العبدري أبو خزيمة. وقد ذكره ابن حجر في الإصابة أيضا. وابن قثم ذكره ابن عبد البر في الإستيعاب ١ / ٢٤٥ مختصرا ، وقد تحرّف في البداية والنهاية ٤ / ٢٧٢ إلى محمد بن قيس.

(٢) رواه ابن حجر في الإصابة ١ / ٢٥٤ في ترجمة «جهم بن قثم العبديّ» رقم ١٢٤٧ ، وانظر طبقات ابن سعد ١ / ٢٦٠.

(٣) زيادة من ح.

(٤) ترجمته في الإصابة ٤ / ٣٥ رقم ٢٠٧ وليس فيها هذا الخبر ، ولا في أسد الغابة ٥ / ١٦٢ ، ١٦٣ وقد سبق في الخبر الّذي قبله أن الّذي وهبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو : الجهم بن قثم العبديّ. كما لم يذكر الحافظ الذهبي الخبر في ترجمة أبي الجهم بن حذيفة في سير أعلام النبلاء ١ / ٥٥٦.


غزوة ذات السّلاسل

قيل إنه ماء بأرض جذام (١).

قال ابن لهيعة : نا أبو الأسود ، عن عروة (٢). ورواه موسى بن عقبة ، واللفظ له ، قالا : غزوة ذات السلاسل من مشارف الشام في بليّ (٣) وسعد الله ومن يليهم من قضاعة (٤).

وفي رواية عروة (٥) : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن العاص في بليّ ، وهم أخوال العاص بن وائل ، وبعثه فيمن يليهم من قضاعة وأمّره عليهم.

قال ابن عقبة : فخاف عمرو من جانبه الّذي هو به ، فبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستمدّه ، فندب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المهاجرين ، فانتدب فيهم أبو بكر وعمر

__________________

(١) جذام : حيّ أو قبيلة من اليمن كانت تنزل بجبال حسمى وراء وادي القرى ومساكنها بين مدين إلى تبوك فإلى أذرح ، ومنها فخذ مما يلي طبرية من أرض الأردن إلى عكا. وجذام أول من سكن مصر من العرب حين جاءوا في الفتح مع عمرو بن العاص (معجم قبائل العرب ١ / ١٧٤).

(٢) المغازي ٢٠٧.

(٣) بليّ : بفتح الباء وكسر اللام وتشديد الياء.

(٤) قضاعة : قبيلة من حمير من القحطانية ، وحمير من بني سبإ. وبليّ بطن من قضاعة ، وسعد الله بطن من بليّ (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب).

(٥) المغازي لعروة ٢٠٧.


وجماعة ، أمّر عليهم أبا عبيدة. فأمدّ بهم عمرا. فلما قدموا عليه قال : أنا أميركم ، وأنا أرسلت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أستمدّه بكم. فقال المهاجرون : بل أنت أمير أصحابك ، وأبو عبيدة أمير المهاجرين. قال : إنّما أنتم مدد أمددته. فلما رأى ذلك أبو عبيدة ، . وكان رجلا حسن الخلق ليّن الشيمة ، سعى لأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهده ، قال : تعلم يا عمرو أنّ آخر ما عهد إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن قال : إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ، وإنّك إن عصيتني لأطيعنّك. فسلّم أبو عبيدة الإمارة لعمرو (١).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٢) ، حدّثني محمد بن عبد الرحمن [بن عبد الله] (٣) بن الحصين التميمي ، عن غزوة ذات السلاسل من أرض بليّ وعذرة (٤) ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن العاص ليستنفر العرب إلى الإسلام. وذلك أنّ أمّ العاص بن وائل كانت من بليّ ، فبعثه إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يتألّفهم بذلك. حتى إذا كان بأرض جذام ، على ماء يقال له السّلاسل ، خاف فبعث يستمدّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال عليّ بن عاصم : أنا خالد الحذّاء ، عن أبي عثمان النّهدي ، سمعت عمرو بن العاص يقول : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جيش ذي السلاسل ، وفي القوم أبو بكر وعمر. فحدّثت نفسي أنّه لم يبعثني عليها إلّا لمنزلة لي عنده ، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت : يا رسول الله ، من أحبّ النّاس إليك؟ قال : «عائشة» قلت : إنّي لم أسألك عن أهلك. قال : «فأبوها» قلت : ثم من؟ قال : «عمر» قلت : ثم من حتى عدّ رهطا ،

__________________

(١) المغازي لعروة ٢٠٧ وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٩.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٩.

(٣) زيادة من ح ، ولم أقف على ترجمته.

(٤) عذرة بطن من قضاعة ، وهم المعروفون بالحبّ العذريّ.


قال : قلت في نفسي لا أعود أسأل عن هذا.

رواه غيره عن خالد؟ وهو في الصّحيحين مختصرا (١).

(وكيع ، وغيره ، ثنا موسى بن عليّ بن رباح ، عن أبيه ، سمع عمرو بن العاص : قال لي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عمرو اشدد عليك سلاحك وائتني». ففعلت ، فجئته وهو يتوضّأ ، فصعّد فيّ البصر وصوّبه وقال : «يا عمرو إنّي أريد أن أبعثك وجها فيسلّمك الله ويغنمك ، وأرغب لك رغبة في المال صالحة». قلت : إنّي لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك. قال : «يا عمرو نعمّا بالمال الصالح للمرء الصالح» (٢).

أنبأ ابن عون وغيره ، عن محمد : استعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرا على جيش ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر. رواه إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم النّخعيّ بنحوه (٣).

وكيع ، عن المنذر بن ثعلبة ، عن ابن بريدة ، قال أبو بكر : إنّما ولّاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعني عمرا علينا لعلمه بالحرب (٤).

قلت : ولهذا استعمل أبو بكر عمرا على غزو الشام) (٥).

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب فضائل أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باب قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو كنت متّخذا خليلا ٤ / ١٩٢ ، وكتاب المغازي ، غزوة ذات السلاسل ٥ / ١١٣ وصحيح مسلم (٢٣٨٤) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي بكر الصّديق رضي‌الله‌عنه.

(٢) أخرجه أحمد في مسندة ٤ / ١٩٧ و ٢٠٢ ، والبخاري في الأدب المفرد (٢٩٩) من طرق عن موسى ابن علي ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص ، وهذا سند صحيح. وصحّحه ابن حبّان (١٠٨٩) والحاكم في المستدرك ٢ / ٢ ووافقه الذهبي في تلخيصه.

(٣) أخرجه البخاري ٧ / ١٨ ، ١٩ في الفضائل و ٨ / ٥٩ ، ٦٠ في المغازي ، ومسلم (٢٣٨٤) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي بكر الصّديق.

(٤) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (مخطوط الظاهرية) ١٣ / ٢٥٤ ب.

(٥) ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل ع ، وهو في نسخة ح.


وقال الواقديّ (١) : حدّثني ربيعة بن عثمان ، عن يزيد بن رومان : أنّ أبا عبيدة لما أتى عمرا صاروا خمسمائة ، وسار اللّيل والنّهار حتى وطئ بلاد بليّ ودوّخها ، وكلّما [٨٠ ب] انتهى إلى موضع بلغه أنّه كان بذلك الموضع جمع ، فلما سمعوا به تفرّقوا حتى انتهى إلى أقصى بلاد بليّ وعذرة وبلقين (٢). ولقي في آخر ذلك جمعا ، فاقتتلوا ساعة وتراموا بالنّبل. ورمي يومئذ عامر بن ربيعة ، فأصيب ذراعه. وحمل المسلمون عليهم فهربوا وأعجزوها هربا في البلاد. ودوّخ عمرو ما هناك. وأقام أياما يغير أصحابه على المواشي.

(وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل ، فأصابهم برد فقال لهم عمرو : لا يوقدنّ أحد نارا. فلما قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شكوه ، فقال : يا نبيّ الله ، كان في أصحابي قلّة فخشيت أن يرى العدوّ قلّتهم ، ونهيتهم أن يتبعوا العدوّ مخافة أن يكون لهم كمين. فأعجب ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (٣).

وقال جرير بن حازم : ثنا يحيى بن أيّوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيمّمت ثم صلّيت بأصحابي الصّبح. فذكروا ذلك للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب». فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إنّي سمعت الله يقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ

__________________

(١) المغازي ٢ / ٧٦٩ ، ٧٧٠.

(٢) بلقين : وهي في البخاري برسم «بني القين» ، قبيلة من العرب المستعربة.

(٣) لم يرد هذا الخبر في الأصل ، ع ، وتفرّدت به ح وأثبتناه عنها. وقد رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٣ / ٢٥٤ ب.


بِكُمْ رَحِيماً) (١) ، فضحك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يقل شيئا (٢).

وقال عمرو بن الحارث. وغيره ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران ابن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أنّ عمرا كان على سريّة فذكر نحوه. قال : فغسل مغابنه (٣) ، وتوضّأ وضوءه للصلاة ثمّ صلّى بهم. لم يذكر التيمّم. أخرجهما أبو داود (٤).

* * *

غزوة سيف البحر (٥)

قال ابن عيينة ، عن عمرو بن جابر : بعثنا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ثلاثمائة راكب ، وأميرنا أبو عبيدة بن الجرّاح ، نرصد عيرا لقريش. فأصابنا جوع شديد ، حتى أكلنا الخبط (٦) فسمّي جيش الخبط.

قال : ونحر رجل ثلاث جزائر ، ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم نحر ثلاث جزائر. ثم إنّ أبا عبيدة نهاه. قال : فألقى لنا البحر دابّة يقال لها العنبر ، فأكلنا منه نصف شهر وادّهنّا منه ، حتى ثابت منه أجسامنا وصلحت ، فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه ، فنظر إلى رجل في الجيش وأطول جمل

__________________

(١) سورة النساء : من الآية ٢٩.

(٢) إسناده صحيح. أخرجه أبو داود (٣٣٥) في الطهارة ، باب إذا خاف الجنب البرد تيمّم ، والبيهقي ١ / ٢٢٦ من طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، وعمرو بن الحارث بهذا الإسناد ، وصحّحه ابن حبّان (٢٠٢) ، ورواه ابن عساكر ١٣ / ٢٥٥ ب ، وصحّحه الحاكم ١ / ١٧٧ ، ووافقه الذهبي في التلخيص ، وحسّنه المنذري.

(٣) المغابن : الأرفاغ ، وهي بواطن الأفخاذ عند الحوالب جمع مغبن من غبن الثوب : إذا ثناه وعطفه.

(٤) سنن أبي داود : كتاب الطهارة ، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمّم؟ (٣٣٤ و ٣٣٥) ، وانظر مصادر تخريج الحديث الّذي قبله ، وزاد المعاد ٣ / ٣٨٨ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٧٥.

(٥) وتعرف بسريّة الخبط. (انظر طبقات ابن سعد ٢ / ١٣٢ والمغازي للواقدي ٢ / ٧٧٤).

(٦) الخبط : ورق العضاة من الطلح والسلم ونحوه يخبط بالعصا فيتساقط ، وكانت تعلفه الإبل.

يقال : عضه البعير ، كفرح إذا اشتكى من أكل العضاة ورعيه.


فحمله عليه ومرّ تحته. متّفق عليه (١).

(٢) (زاد البخاري (٣) في حديث عمرو بن جابر : قال جابر : وكان رجل في القوم نحر ثلاث جزائر ، ثم ثلاثا ، ثم ثلاثا. ثم إنّ أبا عبيدة نهاه. قال : وكان عمرو يقول : نا أبو صالح أنّ قيس بن سعد قال لأبيه : كنت في الجيش فجاعوا قال أبوه : انحر. قال : نحرت ، قال : ثم جاعوا. قال : انحر قال : نحرت ، قال : ثم جاعوا. قال : انحر. قال : نهيت).

وقال مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثا قبل الساحل ، وأمرّ عليهم أبا عبيدة وهم ثلاثمائة وأنا فيهم. حتى إذا كنّا ببعض الطريق فني الزّاد. فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجمع ذلك كلّه. فكان مزودي تمر ، فكان يقوتنا كلّ يوم قليلا قليلا ، حتى فني. ولم يكن يصيبنا إلّا تمرة تمرة. قال فقلت : وما تغني تمرة؟ قال : لقد وجدنا فقدنا حين فنيت. ثم انتهينا إلى البحر ، فإذا حوت مثل الظّرب (٤) ، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ، ثم أمر براحلة فرحلت ، ثم مرّت تحتهما (٥) فلم تصبهما. أخرجاه (٦).

وقال زهير بن معاوية ، عن أبي الزّبير ، عن جابر [٩٠ أ] قال : بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نتلقّى عيرا لقريش ، وزوّدنا جرابا من تمر. فكان أبو عبيدة

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة سيف البحر ٥ / ١١٣ وصحيح مسلم (١٩٣٥) كتاب الصيد والذبائح ، باب إباحة ميتة البحر.

(٢) هذا الخبر مما تفردت به ح وأثبتناه عنها.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة سيف البحر. (٥ / ١١٤).

(٤) الجبل الصغير. (النهاية في غريب الحديث ٣ / ٥٤).

(٥) في طبعة القدسي ٤٨١ «مرّ» وما أثبتناه عن صحيح البخاري.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة سيف البحر ٥ / ١١٤ وصحيح مسلم (١٩٣٥) كتاب الصيد والذبائح. باب إباحة ميتة البحر وانظر ، المغازي للواقدي ٢ / ٧٧٧.


يعطينا تمرة تمرة. وكنّا نضرب بعصيّنا الخبط ثم نبلّه بالماء فنأكله. فانطلقنا على ساحل البحر ، فرفع لنا كهيئة الكثيب فأتيناه فإذا دابّة تدعى العنبر. فقال أبو عبيدة : ميتة ثم قال : لا ، بل نحن رسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم فكلوا. فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنّا. ولقد كنّا نغترف من وقب (١) عينه بالقلال الدّهن ونقتطع منه الفدر (٢) كالثّور. ولقد أخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في عينه ، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير منها فمرّ تحتها. وتزوّدنا من لحمه وشائق (٣) فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرنا ذلك له فقال : «هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء تطعموننا؟» قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه فأكل. أخرجه مسلم (٤).

قلت : زعم بعض النّاس أنّ هذه السّرية كانت في رجب سنة ثمان

* * *

سريّة أبي قتادة إلى خضرة (٥)

قال الواقديّ في مغازيه (٦) : قالوا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا قتادة بن ربعيّ الأنصاريّ إلى غطفان في خمسة عشر رجلا. وأمره. أن يشنّ عليهم الغارة.

__________________

(١) الوقب : كلّ نقر في الجسد كنقر العين والكتف. ووقب العين نقرتها التي تستقرّ فيها. (انظر الصحاح ٢٣٤).

(٢) الفدرة : القطعة من كلّ شيء. أو القطعة من اللّحم المطبوخ البارد.

(٣) الوشائق : جمع وشقية ووشيق. وهو اللّحم يقدّد حتى ييبس أو يغلي إغلاءة ثم يقدّد.

(٤) صحيح مسلم (١٩٣٥) كتاب الصيد والذبائح. باب إباحة ميتة البحر. وانظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٣ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٣ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٧٧٧ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، وعيون الأثر ٢ / ١٦٠ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٧٦ ، وعيون التواريخ ١ / ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، والسيرة الحلبية ٢ / ٣١٥.

(٥) انظر عنها : الطبقات الكبرى ٢ / ١٣٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، وعيون الأثر ٢ / ١٦١ ، وإمتاع الأسماع ١ / ٣٥٦ ، وعيون التواريخ ١ / ٢٨٧ ، ٢٨٨.

(٦) انظر المغازي للواقدي ، ٢ / ٨٨٧ ـ ٧٨٠.


فسار وهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط به. فصرخ رجل منهم : يا خضرة (١) وقاتل منهم رجال فقتلوا من أشرف (٢) لهم. واستاقوا النّعم ، فكانت مائتي بعير وألفي (٣) شاة. وسبوا سبيا كثيرا. وغابوا خمس عشرة ليلة. وذلك في شعبان من السّنة.

ثم كانت سريّته إلى إضم (٤) على أثر ذلك في رمضان (٥).

* * *

وفاة زينب

بنت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وكانت أكبر بناته. توفّيت في هذه السنة (٦) وغسّلتها أمّ عطيّة الأنصاريّة وغيرها. وأعطاهنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقوه (٧) فقال : «أشعرنها إيّاه» (٨).

وبنتها أمامة بنت أبي العاص (٩) ، هي التي كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحملها في الصّلاة.

__________________

(١) خضرة : أرض لمحارب بنجد. وقيل هي بتهامة من أعمال المدينة. (معجم البلدان ٢ / ٣٧٧).

(٢) في الأصل ، ع : أشراف. والتصحيح من ح والواقدي ٢ / ٧٧٩ وطبقات ابن سعد ٢ / ١٣٢.

(٣) في المغازي للواقدي ٢ / ٧٨٠ «ألف» والتصويب من المصادر الأخرى للسريّة.

(٤) إضم : بالكسر ثم الفتح ، ماء يطؤه الطريق بين مكة واليمامة عند السمينة. ويقال هو واد بجبال تهامة ، وهو الوادي الّذي فيه المدينة. ويسمّى من عند المدينة القناة ، ومن أعلى منها عند السّدّ يسمّى الشظاة ، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمّى إضما إلى البحر. (معجم البلدان ١ / ٢١٤ ، ٢١٥).

(٥) انظر عنها : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٤٠ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٣٣ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٥ ، ٣٦ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٦ ، عيون الأثر ٢ / ١٦١ ، ١٦٢ إمتاع الأسماع ١ / ٣٥٦.

(٦) تاريخ خليفة ٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٧.

(٧) الحقو : الكشح ، ويطلق مجازا على الإزار. يقال رمى فلان بحقوه إذا رمى بإزاره.

(٨) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨ / ٣٥ من طريق معن بن عيسى ، عن مالك بن أنس ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين.

(٩) انظر عنها (الإصابة ٤ / ٢٣ رقم ٧٠).


فتح مكّة (١)

«زادها الله شرفا» (٢)

قال البكّائي ، عن ابن إسحاق (٣) : ثم إنّ بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة (٤) ، وهم على ماء بأسفل مكة يقال له الوتير (٥). وكان الّذي هاج ما بين بكر وخزاعة رجلا من بني الحضرميّ (٦) خرج تاجرا ، فلما توسّط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله. فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه ، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على سلمى وكلثوم وذؤيب

__________________

(١) انظر عن الفتح : سيرة ابن هشام ٤ / ٨٤ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٣٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٨ ، تاريخ خليفة ٨٧ ، المغازي لعروة ٢٠٨ ، المغازي للواقدي ٢ / ٧٨٠ ، فتوح البلدان ١ / ٤١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٤٢ ، الروض الأنف ٤ / ٩٥ ، عيون الأثر ٢ / ١٦٣ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٧٨ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٧ ، عيون التواريخ ١ / ٢٨٨ ، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البرّ ٢٢٤ ، جوامع السيرة لابن حزم ٢٢٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ١٢٠ ، فتح الباري لابن حجر ٨ / ٤ ، صحيح البخاري ٥ / ٨٩ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٠٥ (١٧٨٠) جامع الأصول لابن الأثير ٨ / ٣٥٨.

(٢) هذا الدعاء من زيادات الأصل ولم يرد في ع ، ح.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٨٤.

(٤) بنو بكر : بطن من كنانة بن خزيمة من العدنانية. وخزاعة : قبيلة من الأزد من القحطانية ، اختلف في نسبهم بين المعديّة واليمانيّة.

(٥) الوتير ماء لخزاعة بأسفل مكة ، قيل إنه ما بين عرفة إلى أدام.

(٦) هو فيما يرويه ابن هشام : مالك بن عبّاد الحضرميّ ، وكذا عند الطبري ٣ / ٤٣.


بني الأسود بن رزن الدّيليّ ، وهم منخر (١) بني كنانة وأشرافهم ، فقتلوهم بعرفة.

فبينا [٩٠ ب] بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام ، وتشاغل النّاس به. فلما كان صلح الحديبيّة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين قريش ، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرط لهم أنّه من أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله وعهده فليدخل فيه (٢) ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه. فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مؤمنها وكافرها.

فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الدّيل ، أحد بني بكر من خزاعة ، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأرا بأولئك الإخوة. فخرج نوفل بن معاوية الدّيليّ في قومه حتى بيت خزاعة على الوتير ، فاقتتلوا. وردفت قريش بني الدّيل بالسلاح ، وقوم من قريش أعانت خزاعة بأنفسهم ، مستخفين بذلك ، حتى حازوا (٣) خزاعة إلى الحرم. فقال قوم نوفل ، اتّق إلهك ولا تستحلّ الحرم. فقال : لا إله لي اليوم ، والله يا بني كنانة إنّكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون فيه ثأركم؟ فقتلوا رجلا من خزاعة. ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي ، ودار رافع مولى خزاعة.

فلما تظاهر (٤) بنو بكر وقريش على خزاعة ، كان ذلك نقضا للهدنة التي بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وخرج عمرو بن سالم الخزاعيّ فقدم على النّبيّ

__________________

(١) في طبعة القدسي ٤٨٥ «مفخر» والتصحيح من سيرة ابن هشام ، وتاريخ الطبري. والمنخر هم المتقدّمون ، لأن الأنف هو المقدّم من الوجه.

(٢) في النسخ الثلاث (معه) وما أثبتناه عن السيرة ، وتاريخ الطبري.

(٣) في الأصل : جازوا. وحازوهم : ساقوهم.

(٤) في السيرة ٤ / ٨٦ وتاريخ الطبري ٣ / ٤٤ «تظاهرت».


صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طائفة مستغيثين به ، فوقف عمرو عليه ، وهو جالس في المسجد بين ظهري (١) النّاس فقال :

 يا ربّ إنّي ناشد محمّدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

 قد كنتم ولدا وكنّا والدا

ثمّت أسلمنا فلم ننزع يدا

 فانصر هداك الله نصرا أعتدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

 فيهم رسول الله قد تجرّدا

إن سيم خسفا وجهه تربّدا

 في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إنّ قريشا أخلفوك الموعدا

 ونقضوا ميثاقك المؤكّدا

وجعلوا لي في كداء رصدا

 وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذلّ وأقلّ عددا

 هم بيّتونا بالوتير هجّدا

وقتلونا ركّعا وسجّدا

فانصر ، هداك الله ، نصرا أيّدا (٢)

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت يا عمرو بن سالم».

ثم عرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنان (٣) من السماء ، فقال : إنّ هذه السحابة لتستهلّ (٤) بنصر بني كعب ، يعني خزاعة. ثم قدم بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروه. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كأنّكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشدّ العقد ويزيد في المدّة. ومضى بديل وأصحابه فلقوا أبا سفيان ابن حرب بعسفان ، قد جاء ليشدّ العقد ويزيد في المدّة ، وقد رهبوا الّذي

__________________

(١) يقال هو بين ظهريهم وظهرانيهم أي وسطهم وفي معظمهم.

(٢) انظر الأبيات في السيرة ، والمغازي للواقدي ٢ / ٧٨٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٤٥ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٧ ، ٢٨٨ ، عيون التواريخ ١ / ٢٨٨ ، عيون الأثر ٢ / ١٦٤ البداية والنهاية ٤ / ٢٧٨ ، وشفاء الغرام بتحقيقنا ٢ / ١٧٥.

(٣) العنان : السحاب ، واحدته عنانة.

(٤) استهلّ المطر ، واستهلّ السّحاب بالمطر : اشتدّ انصبابه وارتفع صوت وقعه.


صنعوا. فلمّا لقي بديل بن ورقاء قال : من أين أقبلت يا بديل؟ وظنّ أنّه أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : سرت في خزاعة على الساحل. قال : أو ما جئت محمّدا؟ قال : لا. فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن كان جاء إلى المدينة لقد علف بها النّوى. فأتى مبرك راحلته ففتّه فرأى فيه النّوى فقال : أحلف بالله لقد أتى محمّدا.

ثم قدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أمّ حبيبة أمّ المؤمنين. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طوته عنه ، فقال : ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنّي؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنت رجل مشرك ، نجس. قال : والله لقد أصابك يا بنيّة بعدي شرّ.

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يردّ عليه شيئا. فذهب إلى أبي بكر فكلّمه أن يكلّم له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما أنا بفاعل. ثم أتى إلى عمر فكلّمه فقال : أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم! فو الله لو لم أجد إلّا الذّرّ لجالدتكم عليه. ثم خرج حتى أتى عليّا وعنده فاطمة وابنها الحسن وهو غلام يدبّ ، فقال : يا عليّ إنّك أمسّ القوم بي رحما ، وإنّي قد جئت في حاجة فلا أرجعنّ كما جئت خائبا ، فاشفع لي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ويحك يا أبا سفيان ، لقد عزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه. فالتفت إلى فاطمة فقال : يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بنيّك هذا فيجير بين النّاس فيكون سيّد العرب إلى آخر الدّهر؟ قالت : والله ما بلغ بنيّ ذلك ، وما يجير أحد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : يا أبا حسن ، إنّي أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني. قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنّك سيّد بني كنانة ، فقم فأجر بين النّاس ثم الحق بأرضك. قال : أو ترى ذلك مغنيا عنّي؟ قال : لا والله ما أظنّه ،

* * *


ولكن لا أجد لك غير [ذلك] (١). فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيّها النّاس إنّي قد أجرت بين النّاس. ثم ركب بعيره وانطلق. فلما قدم على قريش ، قالوا : ما وراءك؟ فقصّ شأنه ، وأنّه أجار بين النّاس. قالوا : فهل أجاز ذلك محمد؟ قال : لا. قالوا : والله إن زاد الرجل على أن لعب بك.

ثم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهّزوه. ثم أعلى النّاس بأنّه يريد مكة ، وقال : اللهمّ خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتهم في بلادهم.

فعن عروة وغيره قالوا : لما أجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السّير إلى مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش بذلك مع امرأة ، فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به. وأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي بفعله. فأرسل في طلبها عليّا والزّبير. وذكر الحديث (٢).

أخبرنا محمد بن أبي الحرم القرشيّ [٩١ ب] وجماعة ، قالوا : ثنا الحسن بن يحيى المخزوميّ ، ثنا عبد الله بن رفاعة ، أنا عليّ بن الحسن الشافعيّ ، أنا عبد الرحمن بن عمر بن النّحّاس ، أنبأ عثمان بن محمد السمرقندي ، ثنا أحمد بن شعبان ، ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن حسن بن محمد ، أخبرني عبيد الله بن أبي رافع ـ وهو كاتب عليّ ـ قال : سمعت عليّا يقول : بعثني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا والزّبير والمقداد ، قال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (٣) ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها.

__________________

(١) سقطت من الأصل وأثبتناها من ع ، ح ، ومن السيرة لابن هشام ٤ / ٨٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٤٧.

(٢) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٨٤ ـ ٨٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٤٢ ـ ٤٩ ، المغازي للواقدي ٢ / ٧٨٠ ـ ٧٩٨ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٨٧ ـ ٢٩١ ، عيون الأثر ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٧ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٧٨ ـ ٢٨٣ ، عيون التواريخ ١ / ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، شفاء الغرام ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٨.

(٣) روضة خاخ : موضع بين الحرمين بقرب حمراء الأسد من المدينة. ذكرها ياقوت ولم يعرّف بموقعها (معجم البلدان ٢ / ٨٨).


فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الرّوضة. قلنا : أخرجي الكتاب قالت : ما معي كتاب ، قلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لنقلعنّ الثياب. فأخرجته من عقاصها (١) فأتينا به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا حاطب ما هذا»؟ قال : يا رسول الله لا تعجل ، إنّي كنت امرأ ملصقا (٢) في قريش ولم أكن من أنفسها ، وكان من كان من المهاجرين معك لهم قرابات يحمون بها أهليهم بمكة ، ولم يكن لي قرابة ، فأحببت أن أتّخذ فيهم يدا ـ إذ فاتني ذلك ـ يحمون بها قرابتي ، وما فعلته كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّه قد صدقكم». فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال : «إنّه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعلّ الله تعالى اطّلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

أخرجه البخاري عن قتيبة (٣) ومسلم عن ابن أبي شيبة (٤) وأبو داود عن مسدّد (٥) كلّهم عن سفيان (٦).

__________________

(١) العقاص : جمع عقيصة ، وهي ضفيرة الشعير.

(٢) عند السهيليّ في الروض الأنف ٤ / ٩٨ «كنت عريرا» ثم فسّر العرير وقال : هو الغريب.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الفتح. (٥ / ٨٩) وهو عن قتيبة عن سفيان بالسند المذكور. وباب فضل من شهد بدرا ، وفي كتاب الجهاد ، باب الجاسوس ، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمّة والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهنّ ، وفي تفسير سورة الممتحنة في فاتحتها ، وفي الاستئذان ، باب من نظر في كتاب من يحذر من المسلمين ليستبين أمره ، وفي استتابة المرتدّين ، باب ما جاء في المتأولين. (جامع الأصول ٨ / ٣٦٠ ، ٣٦١).

(٤) صحيح مسلم (٢٤٩٤) كتاب فضائل الصحابة. باب من فضائل أهل بدر وقصة حاطب بن أبي بلتعة.

(٥) سنن أبي داود : كتاب الجهاد. باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما (٢ / ٤٤).

(٦) وأخرجه الترمذي رقم (٣٣٠٢) في تفسير القرآن ، باب ومن سورة الممتحنة. وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٨٨.


أبو حذيفة النّهدي (١) : ثنا عكرمة بن عمّار ، عن أبي زميل ، عن ابن عبّاس قال : قال عمر : كتب حاطب إلى المشركين بكتاب فجيء به إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا حاطب ما دعاك إلى هذا؟ قال : كان أهلي فيهم وخشيت أن يصرموا عليهم ، فقلت أكتب كتابا لا يضرّ الله ورسوله. فاخترطت (٢) السيف فقلت : يا رسول الله ، أضرب عنقه فقد كفر. فقال : «وما يدريك لعلّ الله اطّلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». هذا حديث حسن (٣).

وعن ابن إسحاق نحوه (٤) ، وزاد : فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (٥).

وعن ابن إسحاق (٦) ، قال : عن ابن عبّاس قال : ثم مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسفره ، واستعمل على المدينة أبا رهم الغفاريّ. وخرج لعشر مضين من رمضان. فصام وصام النّاس معه ، حتى إذا كان بالكديد ، بين عسفان وأمج أفطر. اسم أبي رهم : كلثوم بن حصين.

وقال سعيد بن بشير ، عن قتادة : إنّ خزاعة أسلمت في دارهم ، فقبل رسولا الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إسلامها ، وجعل إسلامها في دارها.

وقال سعيد بن عبد العزيز ، وغيره : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أدخل في عهده يوم الحديبيّة خزاعة.

__________________

(١) في الأصل : الزيدي. والتصحيح من ع ، ح ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (١٠ / ٣٧٠).

(٢) في الأصل : فاختطفت. وأثبتنا عبارة ع ، ح.

(٣) قال ابن كثير في البداية والنهاية ٤ / ٢٨٤ : أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من حديث سفيان ابن عيينة ، وقال الترمذي : حسن صحيح. وانظر الطبري ٣ / ٤٩.

(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٨٨.

(٥) سورة الممتحنة : من الآية الأولى.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٨٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٥٠ ، شفاء الغرام ٢ / ١٨٠.


وقال [٩٢ أ] الوليد بن مسلم : أخبرني من سمع عمرو بن دينار ، عن ابن عمر قال : كانت خزاعة حلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونفاثة (١) حلف أبي سفيان. فعدت نفاثة على خزاعة ، فأمدّتها قريش. فلم يغز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا حتى بعث إليهم ضمرة ، فخيّرهم بين إحدى ثلاث : أن يدوا قتلى خزاعة ، وبين أن يبرءوا من حلف نفاثة ، أو ينبذ إليهم على سواء. قالوا : ننبذ على سواء. فلمّا سار ندمت قريش ، وأرسلت أبا سفيان يسأل تجديد العهد.

وقال : ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال (٢) : كانت بين نفاثة من بني الدّيل ، وبين بني كعب ، حرب. فأعانت قريش وبنو كنانة بني نفاثة على بني كعب. فنكثوا العهد إلّا بنو مدلج ، فإنّهم وفوا بعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فذكر القصّة ، وشعر عمرو بن سالم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي». فأنشأت سحابة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ هذه السحابة تستهلّ بنصر بني كعب ، أبصروا أبا سفيان فإنّه قادم عليكم يلتمس تجديد العهد والزيادة في المدّة» (٣).

فأقبل أبو سفيان فقال : يا محمد جدّد العهد وزدنا في المدّة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أو لذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم؟» قال : معاذ الله. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فنحن على عهدنا وصلحنا». ثم ذكر ذهابه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ، وأنّه قال له : أنت أكبر قريش فأجر بينها. قال : صدقت إنّي كذلك فصاح : ألا إنّي قد أجرت بين النّاس ، وما أظنّ أن يردّ جواري ولا يحقر بي. قال : أنت تقول ذاك يا أبا حنظلة؟ ثم خرج.

__________________

(١) نفاثة : بطن من كنانة من بني الدئل بن بكر بن عبد مناة.

(٢) المغازي لعروة ٢٠٨.

(٣) انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٣٤ والمغازي للواقدي ٢ / ٧٩١.


فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أدبر : «اللهمّ سدّ على أبصارهم وأسماعهم فلا يروني إلّا بغتة». فانطلق أبو سفيان حتى قدم مكة فحدّث قومه ، فقالوا : أرضيت بالباطل وجئتنا بما لا يغني عنّا شيئا ، وإنّما لعب بك عليّ.

وأغبر (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجهاز ، مخفيا لذلك. فدخل أبو بكر على ابنته ، فرأى شيئا من جهاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنكر وقال : أين يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقالت عائشة : تجهّز (٢) ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غاز قومك ، قد غضب لبني كعب. فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأشفقت عائشة أن يسقط أبوها بما أخبرته قبل أن يذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأشارت إلى أبيها بعينها ، فسكت. فمكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساعة يتحدّث مع أبي بكر ثم قال : «هل تجهّزت يا أبا بكر»؟ قال : لما ذا يا رسول الله؟ قال : «لغزو قريش ، فإنّهم قد غدروا ونقضوا العهد ، وإنّا غازون إن شاء الله».

وأذّن في النّاس بالغزو ، فكتب حاطب إلى قريش فذكر حديثه. وقال : ثم (٣) خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين ، [٩٢ ب] والأنصار ، وأسلم ، وغفار ، ومزينة ، وجهينة ، وبني سليم. وقادوا الخيول حتى نزلوا بمرّ الظّهران ، ولم تعلم بهم قريش. قال ، فبعثوا حكيم بن حزام وأبا سفيان وقالوا : خذوا لنا جوارا أو آذنوا (٤) بالحرب. فخرجا فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه ، فخرج معهما حتى إذا كانوا بالأراك (٥) بمكة ، وذلك عشاء ، رأوا الفساطيط والعسكر ، وسمعوا صهيل الخيل ففزعوا. فقال :

__________________

(١) أغبر في الأمر : جدّ في طلبه.

(٢) في الأصل : نجهزه والتصحيح من ح.

(٣) من هنا يبدأ الحديث في المطبوع من المغازي لعروة ٢٠٩.

(٤) في مغازي عروة «آذنوه».

(٥) الأراك : فرع من دون ثافل (جبل) قرب مكة ، وقيل موضع من نمرة في موضع من عرفة.

(معجم البلدان ١ / ١٣٥).


هؤلاء بنو كعب جاشت بهم الحرب. قال بديل : هؤلاء أكثر من بني كعب ، ما بلغ تأليبها هذا (١).

وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد بعث بين يديه خيلا (٢) لا يتركون أحدا يمضي. فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت اللّيل وأتوا بهم. فقام عمر إلى أبي سفيان فوجأ عنقه ، والتزمه القوم وخرجوا به ليدخلوا على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم به ، فحسبه الحرس أن يخلص إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخاف القتل ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب خالصة له في الجاهلية ، فنادى بأعلى صوته : ألا تأمر بي (٣) عبّاس؟ فأتاه فدفع عنه ، وسأل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقبضه إليه. فركب به تحت اللّيل ، فسار به في عسكر القوم حتى أبصره (٤) أجمع. وكان عمر قال له حين وجأه : لا تدن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تموت. فاستغاث بالعبّاس وقال : إنّي مقتول. فمنعه من النّاس. فلما رأى كثرة الجيش قال : لم أر كاللّيلة جمعا لقوم. فخلّصه (٥) عبّاس من أيديهم ، وقال : إنّك مقتول إن لم تسلم وتشهد أنّ محمدا رسول الله. فجعل يريد أن يقول الّذي يأمره عبّاس ، ولا ينطلق به لسانه وبات معه.

وأما حكيم وبديل فدخلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلما. وجعل يستخبرهما عن أهل مكّة.

فلما نودي بالفجر تجسّس القوم ، ففزع أبو سفيان وقال : [يا] (٦)

__________________

(١) في المغازي لعروة زيادة بعدها : «أفتنتجع هوازن أرضنا؟ والله ما نعرف هذا أيضا إن هذا لمثل حاج النّاس».

(٢) في المغازي لعروة ٢٠٩ «بين يديه خيلا تقبض العيون وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي». وانظر فتح الباري لابن حجر ٨ / ٧.

(٣) في المغازي لعروة ٢٠٩ «لي».

(٤) في المغازي لعروة ٢٠٩ «أبصروه».

(٥) في الأصل : فجعله. والتصحيح من ح. ومغازي عروة ٢١٠.

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ح. ومن مغازي عروة.


عبّاس ، ما يريدون؟ قال : سمعوا النّداء بالصلاة فتبشّروا (١) بحضور النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلمّا أبصرهم أبو سفيان يمرّون إلى الصّلاة ، وأبصرهم يركعون ويسجدون إذا سجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : يا عبّاس ، ما يأمرهم بشيء إلّا فعلوه؟! فقال : لو نهاهم عن الطّعام والشّراب لأطاعوه ، فقال ، يا عبّاس ، فكلّمه في قومك ، هل عنده من عفو عنهم؟ فانطلق عبّاس بأبي سفيان حتى أدخله على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان. فقال أبو سفيان : يا محمد قد استنصرت بإلهي واستنصرت بإلهك ، فو الله ما لقيتك من مرّة إلّا ظهرت عليّ ، فلو كان إلهي محقّا وإلهك باطلا ظهرت عليك ، فأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله.

وقال عبّاس : يا رسول الله إنّي أحبّ أن تأذن لي إلى قومك فأنذرهم ما نزل بهم ، وأدعوهم إلى الله ورسوله. فأذن له. قال : كيف أقول لهم؟ قال : «من قال لا إله إلّا الله [٩٣ أ] وحده لا شريك له ، وشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، وكفّ يده ، فهو آمن. ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن. ومن أغلق عليه بابه فهو آمن». قال : يا رسول الله ، أبو سفيان ابن عمّنا ، فأحبّ أن يرجع معي ، وقد خصصته (٢) بمعروف. فقال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فجعل أبو سفيان يستفهمه (٣). ودار أبي سفيان بأعلى مكة. وقال : من دخل دارك يا حكيم فهو آمن. ودار حكيم في أسفل مكة.

وحمل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم العبّاس على بغلته البيضاء التي أهداها إليه دحية الكلبيّ ، فانطلق العبّاس وأبو سفيان قد أردفه. ثم بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أثره ، فقال : أدركوا العبّاس فردّوه عليّ. وحدّثهم بالذي خاف عليه. فأدركه

__________________

(١) في المغازي لعروة «يتيّسرون لحضور».

(٢) في المغازي لعروة : ٢١ «فلو اختصصته بمعروف».

(٣) في المغازي لعروة «يستفقهه».


الرسول ، فكره عبّاس الرجوع ، وقال : أترهب يا رسول الله أن يرجع أبو سفيان راغبا في قلّة النّاس فيكفر بعد إسلامه؟ فقال : احبسه فحبسه. فقال أبو سفيان : غدرا يا بني هاشم؟ فقال عبّاس : إنّا لسنا نغدر ، ولكن بي إليك بعض الحاجة. فقال : وما هي ، فأقضيها لك؟ قال : إنّما نفاذها حين يقدم عليك خالد بن الوليد والزّبير بن العوّام. فوقف عبّاس بالمضيق دون الأراك ، وقد وعى منه أبو سفيان حديثه.

ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخيل بعضها على أثر بعض ، وقسم الخيل شطرين ، فبعث الزّبير في خيل عظيمة. فلما مرّوا بأبي سفيان قال للعبّاس : من هذا؟ قال : الزّبير. وردفه خالد بن الوليد بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة ، فقال أبو سفيان : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا يا عبّاس؟ قال : لا ، ولكن هذا خالد بن الوليد. وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة الأنصار ، فقال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحلّ الحرمة. ثم دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتيبة الإيمان من المهاجرين والأنصار.

فلما رأى أبو سفيان وجوها كثيرة لا يعرفها قال : يا رسول الله ، اخترت هذه الوجوه على قومك؟ قال : أنت فعلت ذلك وقومك. إنّ هؤلاء صدّقوني إذ كذّبتموني ، ونصروني إذ أخّرتموني ، ومع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ الأقرع بن حابس ، وعبّاس بن مرداس السّلمي ، وعيينة بن بدر ، فلما أبصرهم حول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من هؤلاء يا عبّاس؟ قال : هذه كتيبة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومع هذه الموت الأحمر ، هؤلاء المهاجرون والأنصار ، قال : امض يا عبّاس ، فلم أر كاليوم جنودا قطّ ولا جماعة ، وسار الزّبير بالنّاس حتى إذا وقف بالحجون (١) ، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة. فلقيته بنو بكر فقاتلهم

__________________

(١) الحجون : جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها. وهو بالفتح ثم الضم. (معجم البلدان ٢ / ٢٢٥).


فهزمهم ، وقتل منهم قريبا من عشرين ، ومن هذيل ثلاثة [٩٣ ب] أو أربعة ، وهزموا وقتلوا بالحزورة (١) ، حتى دخلوا الدّور ، وارتفعت طائفة منه على الجبل على الخندمة ، واتّبعهم المسلمون بالسّيوف.

ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أخريات النّاس ، ونادى مناد : من أغلق عليه داره وكفّ يده فهو آمن (٢). وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نازلا بذي طوى ، فقال : «كيف قال حسّان»؟ فقال رجل من أصحابه : قال :

عدمت بنيّتي (٣) إن لم تروها

تثير النّفع من كتفي كداء (٤)

 فأمرهم فأدخلوا الخيل من حيث قال حسّان. فأدخلت من ذي طوى من أسفل مكة. واستحرّ القتل ببني بكر. فأحلّ الله له مكّة ساعة من نهار ، وذلك قوله تعالى (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) (٥) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أحلّت الحرمة لأحد قبلي ولا بعدي ، ولا أحلّت لي إلّا ساعة من نهار.

ونادى أبو سفيان بمكة : أسلموا تسلموا (٦). وكفّهم الله عن عباس.

فأقبلت هند فأخذت بلحية أبي سفيان ، ثم نادت : يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق. قال : أرسلي لحيتي ، فأقسم لئن أنت لم تسلمي ليضربنّ

__________________

(١) الحزورة : بالفتح ثم السكون وفتح الواو والراء. وهو في اللغة : الرابية الصغيرة وجمعها حزاور. سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه. (معجم البلدان ٢ / ٢٥٥).

(٢) حتى هنا رواية عروة في المغازي ٢١١.

(٣) وفي رواية «ثنيّتي» ، والبيت من جملة أبيات ستأتي بعد قليل.

(٤) كداء : (بالفتح والمد) بأعلى مكة عند المحصب ، دار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من ذي طوى إليها. وقيل هي العقبة الصغرى التي بأعلى مكة وهي التي تهبط منها إلى الأبطح والمقبرة منها عن يسارك ، و

أما العقبة الوسطى التي بأسفل مكة فهي كدي (بالضمّ والقصر). وقد اختلف في ذلك ، (انظر معجم البلدان ٤ / ٤٣٩ ـ ٤٤١).

(٥) سورة البلد. الآيتان ١ ، ٢.

(٦) في الأصل : أسلموا أسلموا. وأثبتنا عبارة ع ، ح. ومغازي عروة ٢١١.


عنقك ، ويلك ، جاءنا بالحقّ ادخلي بيتك واسكني.

ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فطاف سبعا على راحلته (١).

وفرّ صفوان بن أميّة عامدا للبحر ، وفرّ عكرمة عامدا لليمن. وأقبل عمير بن وهب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا نبيّ الله أمّن صفوان فقد هرب ، وقد خشيت أن تهلك نفسه فأرسلني إليه بأمان قد أمّنت الأحمر والأسود ، وفقال : أدركه فهو آمن. فطلبه عمير فأدركه ودعاه فقال : قد أمّنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال صفوان : والله لا أوقن لك حتى أرى علامة بأماني أعرفها. فرجع فأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بردّ حبرة كان معتجرا به حين دخل مكة ، فأقبل عمير ، فقال صفوان : يا رسول الله ، أعطيتني ما يقول هذا من الأمان؟ قال : نعم. قال : أجعل لي شهرا قال : لك شهران ، لعلّ الله أن يهديك (٢).

واستأذنت أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام وهي يومئذ مسلمة ، وهي تحت عكرمة بن أبي جهل. فاستأذنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلب زوجها ، فأذن لها وأمّنه ، فخرجت بعبد لها روميّ فأرادها عن نفسها ، فلم تزل تمنّيه وتقرّب له حتى قدمت على ناس من عكّ (٣) فاستغاثتهم عليه فأوثقوه ، فأدركت زوجها ببعض تهامة وقد ركب في السّفينة ، فلما جلس فيها نادى باللّات والعزّى. فقال أصحاب السفينة : لا يجوز هاهنا من دعاء بشيء إلّا الله وحده مخلصا ، فقال عكرمة : والله لئن كان في البحر ، إنّه لفي البرّ وحده (٤) ، أقسم بالله ،

__________________

(١) المغازي لعروة ٢١١ وقال : رواه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن وفيه ضعف.

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٧٠ ـ ١٧٣.

(٢) وفي سيرة هشام ٤ / ١٠٥ «قال : أنت بالخيار فيه أربعة أشهر».

(٣) عك قبيلة من قبائل اليمن.

(٤) في ح : لئن كان في البحر إنه لفي البر وحده. وما أثبتناه عن الأصل وع ، وعن المغازي لعروة ٢١٢.


لأرجعنّ إلى محمد ، فرجع عكرمة مع امرأته ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبايعه ، وقبل منه.

ودخل [٩٤ أ] رجل من هذيل على امرأته ، فلامته وعيّرته بالفرار ، فقال :

وأنت لو رأيتنا بالخندمه

إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة

 قد لحقتهم السّيوف المسلمة

يقطعنّ كلّ ساعد وجمجمة

لم تنطقي في اللّوم أدنى كلمه (١)

وكان دخول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة في رمضان. واستعار النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان فيما زعموا مائة درع وأداتها ، وكان أكثر شيء سلاحا.

وأقام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة بضع عشرة ليلة.

وقال ابن إسحاق (٢) : مضى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزل مرّ الظّهران في عشرة آلاف. فسبّعت سليم ، وبعضهم يقول : ألّفت سليم ، وألّفت مزينة (٣). ولم يتخلّف أحد من المهاجرين والأنصار.

وقد كان العبّاس لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببعض الطريق. قال عبد الملك ابن هشام : لقيه بالجحفة (٤) مهاجرا بعياله.

__________________

(١) الخبر والشعر في المغازي لعروة ٢١٢ وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٩٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٥٨ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٣٠٦ ، وعيون الأثر ٢ / ١٧٣ ، وعيون التواريخ ١ / ٣٠٠ والبداية والنهاية ٤ / ٢٩٧ وقال عروة : رواه الطبراني ، وهو مرسل ، وفيه ابن لهيعة ، وحديثه حسن ، وفيه ضعف. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٦ / ١٧٤ ، ١٧٥ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٢٤١ ، ٢٤٢ ، والقاضي المكيّ الفاسي في شفاء الغرام ٢ / ٢٢٢.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١٠٦.

(٣) سبّعت سليم ، يعني كانوا سبعمائة ، وألّفت : كانوا ألفا.

(٤) الجحفة : قرية على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهي أحد المواقيت وكانت تسمّى مهيعة ، فاجتحفها السيل في بعض الأعوام فسمّيت الجحفة. (معجم البلدان ٢ / ١١١).


وقال ابن إسحاق (١) : وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة ، قد لقيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنبق العقاب (٢) ـ فيما بين مكّة والمدينة ـ فالتمسا الدخول عليه ، فكلّمته أمّ سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله ابن عمّك وابن عمّتك وصهرك. قال : لا حاجة لي بهما ، أمّا ابن عمّي فهتك عرضي ، وأما ابن عمّتي فهو الّذي قال لي بمكة ما قال. فلمّا بلغهما قوله قال أبو سفيان : والله لتأذننّ لي أو لآخذنّ بيد بنيّ هذا ثم لنذهبنّ في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقّ لهما ، وأذن لهما فدخلا وأسلما وقال أبو سفيان :

لعمرك إنّي يوم أحمل راية

لتغلب خيل اللّات خيل محمّد

 لكالمدلج (٣) الحيران أظلم ليله

فهذا أواني حين أهدي وأهتدي

 هداني هاد غير نفسي ونالني

إلى الله من طردت (٤) كل مطرد

 أصدّ وأنأى جاهدا عن محمد

وأدعى وإن لم أنتسب من محمّد (٥)

 فذكروا أنّه حين أنشد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه ضرب في صدره وقال : أنت طردتني كلّ مطرد (٦).

وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن عطيّة بن قيس ، عن أبي سعيد الخدريّ قال : خرجنا لغزوة فتح مكة لليلتين خلتا من شهر رمضان صواما. فلمّا كنّا بالكديد ، أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفطر.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٨٨ ، ٨٩.

(٢) نبق العقاب : موضع بين مكة والمدينة قرب الجحفة. (معجم ما استعجم ٥٩٥).

(٣) المدلج : الّذي يسير ليلا.

(٤) في طبعة القدسي ٥٠٠ «طرده» والتصحيح من السيرة وغيرها.

(٥) الأبيات في سيرة ابن هشام ٤ / ٨٩ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٣٠٧ ، والبداية والنهاية ٤ / ٢٨٧ ، وعيون التواريخ ١ / ٢٩٢ مع اختلاف بعض الألفاظ في بعضها.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٨٩.


وقال الزّهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عبّاس ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صام في مخرجه ذلك حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطر النّاس. أخرجه البخاري (١).

وقال الأوزاعيّ : ثنا يحيى بن أبي كثير حدّثني أبو سلمة قال : دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمرّ الظّهران ، وهو يتغدّى فقال : «الغداء» فقالا : إنّا صائمان ، فقال : «اعملوا لصاحبيكم ، ارحلوا لصاحبيكم ، كلا ، كلا». مرسل [٩٤ ب] وقوله : هذا مقدّر بالقول يعني يقال هذا لكونكما صائمين (٢).

وقال معمر : سمعت الزّهري يقول : أخبرني عبيد الله ، عن ابن عبّاس ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف ، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة ، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة ، يصوم ويصومون. حتى بلغ الكديد ، وهو بين عسفان وقديد ، فأفطر ، وأفطر النّاس.

قال الزّهري : وكان الفطر آخر الأمرين. وإنّما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الزّهريّ : فصبّح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان. أخرجه (خ) و (م) دون قول الزّهريّ (٣). وكذا ورّخه يونس عن الزّهريّ (٤).

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الفتح في رمضان (٥ / ٩٠).

(٢) أخرجه النسائي في كتاب الصيام ، ما يكره من الصيام في السفر ، باب ذكر اسم الرجل (٤ / ١٧٧).

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الفتح في رمضان ٥ / ٩٠ وفي الصوم ، باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر ، وفي الجهاد ، باب الخروج في رمضان ، وصحيح مسلم (١١٣) كتاب الصيام ، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إلخ.

(٤) صحيح مسلم ٢ / ٧٨٥.


وقال عبد الله بن إدريس ، عن ابن إسحاق ، عن ابن شهاب ، ومحمد ابن عليّ بن الحسين ، وعمرو بن شعيب ، وعاصم بن عمر وغيرهم قالوا : كان فتح مكة في شعر بقين من رمضان.

وقال الواقديّ (١) : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر. فما حلّ عقده حتى انتهى إلى الصلصل (٢). وخرج المسلمون وقادوا الخيل وامتطوا الإبل ، وكانوا عشرة آلاف (٣).

وذكر عروة وموسى بن عقبة إنّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج في اثني عشر ألفا (٤).

وقال ابن إدريس ، عن ابن إسحاق ، عن الزّهريّ ، عن عبيد الله ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءه العبّاس بأبي سفيان فأسلم بمرّ الظّهران. فقال : يا رسول الله ، إنّ سفيان رجل يحبّ الفخر ، فلو جعلت له شيئا؟ قال : نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، من أغلق بابه فهو آمن (٥).

زاد فيه الثقة ، عن ابن إسحاق بإسناده : فقال أبو سفيان : وما تسع داري؟ قال : من دخل الكعبة فهو آمن قال : وما تسع الكعبة؟ قال : من دخل المسجد فهو آمن. قال : وما يسع المسجد؟ قال : من أغلق بابه فهو آمن. فقال : هذه واسعة (٦).

وقال حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن عكرمة قال : فلما نزل رسول الله

__________________

(١) انظر : المغازي للواقدي (٢ / ٨٠١).

(٢) الصلصل : موضع بنواحي المدينة على سبعة أميال منها. (معجم البلدان ٣ / ٤٢١).

(٣) وهذا الرقم يؤيّده ابن هشام في السيرة ٤ / ١٠٦.

(٤) هذا الخبر ليس موجودا في المطبوع من المغازي لعروة. وانظر : شفاء الغرام ٢ / ٢٤٨.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٩٠.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٩١.


صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمرّ الظّهران ، قال العبّاس وقد خرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة : يا صباح قريش ، والله لئن بغتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخل عنوة ، إنّه لهلاك قريش آخر الدّهر. فجلس على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيضاء ، وقال أخرج إلى الأراك لعلّي أرى حطّابا أو صاحب لبن ، أو داخلا يدخل مكة. فيخبرهم بمكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليأتوه فيستأمنوه ، فخرجت فو الله إنّي لأطوف بالأراك إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وقد خرجوا يتجسّسون الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسمعت صوت أبي سفيان وهو يقول : ما رأيت كاليوم قطّ نيرانا ، فقال بديل : هذه نيران خزاعة حمشتها (١) الحرب ، فقال [٩٥ أ] أبو سفيان : خزاعة الأم من ذلك وأذلّ. فعرفت صوته فقلت : يا أبا حنظلة ، فقال : أبو الفضل؟ قلت : نعم. فقال : لبّيك ، فداك أبي وأمي ، ما وراءك؟ قلت : هذا رسول الله في النّاس قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به في عشرة آلاف من المسلمين. قال : فكيف الحيلة؟ فداك أبي وأمّي. فقلت : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنّه والله لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك. فردفني فخرجت أركض به نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكلّما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا إليّ وقالوا : عمّ رسول الله على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. حتى مررت بنار عمر فقال لأبي سفيان : الحمد لله الّذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد. ثم اشتدّ نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبّة وسبقت عمر بما تسبق به الدابّة البطيئة الرجل البطيء (٢).

ودخل عمر فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان عدوّ الله ، قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه فقلت : يا رسول الله ، إنّي قد

__________________

(١) حمشتها الحرب : أي جمعتها وأثارتها.

(٢) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٨٩ ، ٩٠.


أمّنته. ثم جلست إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذت برأسه وقلت : والله لا يناجيه اللّيلة أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر ، قلت : مهلا يا عمر ، فو الله ما تصنع هذا إلّا لأنّه رجل من بني عبد مناف. ولو كان من بني عديّ بن كعب ما قلت هذا. فقال : مهلا يا عبّاس ، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطّاب لو أسلم. وما ذاك إلّا لأنّي قد عرفت أنّ إسلامك كان أحبّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من إسلام الخطّاب لو أسلم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اذهب به فقد آمنّاه ، حتى تغدو به عليّ الغداة ، فرجع به العبّاس إلى منزله (١).

فلما أصبح غدا به على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنّه لا إله إلّا الله؟ فقال : بأبي وأمّي ما أوصلك وأكرمك ، والله ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا بعد. فقال : ويحك أو لم يأن أن تعلم أنّي رسول الله؟ قال : بأبي وأمّي ما أوصلك وأكرمك ، أمّا هذه فإنّ في النّفس منها شيئا. فقال العبّاس فقلت : ويلك تشهّد شهادة الحقّ قبل ، والله ، أن تضرب عنقك. فتشهّد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين تشهّد : «انصرف به يا عبّاس فاحبسه عند حطم الجبل (٢) بمضيق الوادي ، حتى تمرّ عليه جنود الله».

فقلت له : يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر ، فاجعل له شيئا يكون له في قومك فقال : «نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن». فخرجت به حتى حبسته عند حطم الجبل بمضيق الوادي. فمرّت عليه القبائل ، فيقول : من

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٩٠.

(٢) حطم الجبل : الموضع الّذي حطم منه أي ثلم فبقي منقطعا ، أو هو مضيق الجبل حيث يزحم بعضه بعضا. وفي رواية : خطم الجبل أي أنفه البادر منه. وفي البخاري : حطم الخيل ، رواية أخرى. (انظر صحيح البخاري ـ المغازي ، باب أين ركّز النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ـ ٥ / ٩١).


هؤلاء يا عبّاس؟ فأقول : سليم. فيقول : ما لي ولسليم. وتمرّ به [٩٥ ب] القبيلة فيقول : من هذه؟ فأقول : أسلم. فيقول ما لي ولأسلم. وتمر جهينة. حتى مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار ، في الحديد ، لا يرى منهم إلّا الحدق. فقال يا أبا الفضل ، من هؤلاء؟ فقلت : هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المهاجرين والأنصار. فقال : يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. فقلت : ويحك ، إنها النّبوّة ، قال : فنعم إذن. قلت : الحق الآن بقومك فحذّرهم. فخرج سريعا حتى جاء مكة ، فصرخ في المسجد : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. فقالوا : فمه؟ قال : من دخل داري فهو آمن. فقالوا : وما دارك ، وما تغني عنّا؟ قال : من دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق داره عليه فهو آمن.

هكذا رواه بهذا اللّفظ ابن إسحاق (١) ، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبّاس ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس موصولا ، وأمّا أبو أيوب السّختيانيّ فأرسله. وقد رواه ابن إدريس ، عن ابن إسحاق ، عن الزّهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عبّاس بمعناه.

وقال عروة : أخبرني نافع بن جبير بن مطعم ، قال : سمعت العبّاس يقول للزّبير : يا أبا عبد الله ، هاهنا أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تركّز الراية. قال : وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد أن يدخل مكة من كداء. ودخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كدي ، فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان : حبيش بن الأشعر ، وكرز بن جابر الفهريّ (٢).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٨٩ ، ٩٠ تاريخ الطبري ٣ / ٥٢ ـ ٥٤ ، الأغاني ٦ / ٣٥٢ ـ ٣٥٤ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٩٩ ـ ٣٠٢.

(٢) أخرجه البخاري في المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩١ ، ٩٢).


وقال الزّهري ، وغيره : أخفى الله تعالى مسير النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أهل مكة ، حتى نزل بمرّ الظّهران.

وفي مغازي موسى بن عقبة أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لخالد بن الوليد : «لم قاتلت ، وقد نهيتك عن القتال»؟ قال : هم بدءونا بالقتال ووضعوا فينا السّلاح وأشعرونا بالنّبل ، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قضاء الله خير» (١).

ويقال : قال أبو بكر يومئذ : يا رسول الله أراني في المنام وأراك دنونا من مكة ، فخرجت إلينا كلبة تهرّ (٢). فلما دنونا منها استلقت على ظهرها ، فإذا هي تشخب لبنا (٣). فقال : ذهب كلبهم وأقبل درّهم ، وهم سائلوكم بأرحامكم وإنّكم لاقون بعضهم ، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه». فلقوا أبا سفيان وحكيما بمرّ [الظّهران] (٤).

وقال حسّان : (٥)

عدمت بنيّتي إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

 ينازعن الأعنّة مصحبات

يلطمهنّ بالخمر النّساء

 فإن أعرضتم عنّا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

 __________________

(١) المغازي لعروة ١٢١ وأورده البيهقي في السنن الكبرى ٩ / ١٢١ بإسناده عن ابن لهيعة عن أبي الأسود ، عن عروة ، وعن طريق موسى بن عقبة واللفظ له.

(٢) هرّ الكلب إليه يهرّ ، بالكسر ، هريرا وهرّة ، أي هرير الكلب ، صوته. وهو دون نباحه من قلّة صبره على البرد. (تاج العروس ١٤ / ٤٢٠).

(٣) شخبت اللّبن : حلبته.

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.

(٥) ديوانه : ص ٤ ـ ١٠ باختلاف كبير في الألفاظ وانظر : عيون الأثر ٢ / ١٨١ ، ١٨٢ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢١ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٠٦ ، ١٠٧ البداية والنهاية ٤ / ٣١٠ عيون التواريخ ١ / ٣١٠ ، ٣١٢.


وإلّا فاصبروا لجلاد يوم

يعزّ الله فيه من يشاء

 وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس له كفاء

 هجوت محمّدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

 [٩٦ أ] فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

 لساني صارم لا عيب فيه

وبحري ما تكدّره الدّلاء

فذكروا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبسّم إلى أبي بكر حين رأى النّساء يلطمن الخيل بالخمر ، أي ينفضن الغبار عن الخيل.

وقال الليث : حدّثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمارة بن غزيّة ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اهجو قريشا فإنّه أشدّ عليها من رشق النّبل». وأرسل إلى ابن رواحة فقال : «اهجم». فهجاهم فلم يرض ، فأرسل إلى كعب ابن مالك ، ثم أرسل إلى حسّان بن ثابت. فلما دخل قال : قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه (١). ثم أدلع (٢) لسانه فجعل يحرّكه ، فقال : والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم فري الأديم (٣). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تعجل فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإنّ لي فيهم نسبا ، حتى يخلّص (٤) لي نسبي». فأتاه حسّان ثم رجع فقال : يا رسول الله قد أخلص (٤) لي نسبك ، فو الّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ (٥) الشّعرة من العجين.

__________________

(١) الضارب بذنبه : المراد بذنبه : لسانه.

(٢) أدلع لسانه : أخرجه عن الشفتين.

(٣) أي لأمزّقنّ أعراضهم تمزيق الجلد.

(٤) في صحيح مسلم «يلخّص» و «لخّص».

(٥) في الأصل : لأنسلنّك منهم نسل الشعرة ، والتصحيح من ح وصحيح مسلم.


قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول لحسّان : «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن الله ورسوله». وقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : هجاهم حسّان فشفى واشتفى (١). وذكر الأبيات ، وزاد فيها (٢) :

هجوت محمّدا برّا حنيفا (٣)

رسول الله شيمته الوفاء

 فإنّ أبي ووالده وعرضي

لعرض محمّد منكم وقاء

 فإن أعرضتم عنّا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

 وقال الله : قد أرسلت عبدا

يقول الحقّ ليس به خفاء

 وقال الله : قد سيّرت (٤) جندا

هم الأنصار عرضتها (٥) اللّقاء

 لنا في كلّ يوم من معدّ

سباب أو قتال أو هجاء

أخرجه مسلم (٦).

وقال سليمان بن المغيرة وغيره : ناثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح قال : وفدنا إلى معاوية ومعنا أبو هريرة ، وكان بعضنا يصنع لبعض الطّعام. وكان أبو هريرة ممّن يصنع لنا فيكثر ، فيدعو إلى رحله. قلت : لو أمرت بطعام فصنع ودعوتهم إلى رحلي ، ففعلت. ولقيت أبا هريرة بالعشيّ فقلت : الدعوة عندي اللّيلة. فقال : سبقتني يا أخا الأنصار. قال : فإنّهم لعندي إذ قال أبو هريرة : ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ فذكر فتح

__________________

(١) في الأصل : وأشفى. وأثبتنا عبارة مسلم.

(٢) ديوانه : ص ٥ ـ ٨ باختلاف في بعض الألفاظ وفي ترتيب الأبيات.

(٣) وفي صحيح مسلم «تقيّا».

(٤) في صحيح مسلم «يسّرت».

(٥) في طبعة القدسي ٥٠٨ «عرصتها» ، والتصحيح من صحيح مسلم.

(٦) صحيح مسلم (٢٤٩٠) كتاب فضائل الصحابة. باب فضائل حسّان بن ثابت رضي‌الله‌عنه.


مكة. وقال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد على إحدى المجنّبتين (١) ، وبعث الزّبير على المجنّبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر. ثم رآني [٩٦ ب] فقال : يا أبا هريرة. قلت : لبّيك وسعديك يا رسول الله. قال : اهتف لي بالأنصار ولا تأتني إلّا بأنصاري. قال : ففعلته. ثم قال : انظروا قريشا وأوباشهم فاحصدوهم حصدا.

فانطلقنا فما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا ، وما منّا أحد يريد أحدا منهم إلّا أخذه. وجاء أبو سفيان. فقال : يا رسول الله : أبيدت (٢) خضراء قريش (٣) لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن ألقى السّلاح فهو آمن» فألقوا سلاحهم.

ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبدأ بالحجر فاستلمه ، ثمّ طاف سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين. ثم جاء ومعه القوس [وهو] (٤) آخذ بسيتها (٥) ، فجعل يطعن بها في عين صنم من أصنامهم ، وهو يقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٦). ثم انطلق حتى أتى الصّفا (٧) ، فعلا منه حتى يرى البيت ، وجعل يحمد الله ويدعوه ، والأنصار عنده يقولون : أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. وجاء الوحي ، وكان الوحي إذا جاء لم يخف علينا. فلما أن رفع الوحي قال : يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا ، كلّا فما اسمي إذا؟ كلّا ، إنّي عبد الله ورسوله. المحيا محياكم

__________________

(١) المجنبتين : هما الميمنة والمسيرة ، والقلب بينهما.

(٢) وفي رواية «أبيحت».

(٣) خضراء قريش : أي جماعتهم.

(٤) زيادة من صحيح مسلم تقتضيها صحة العبارة.

(٥) سيتها : أي بطرفها ، وهي خفيفة الياء.

(٦) سورة الإسراء : من الآية ٨١.

(٧) الصّفا : مكان مرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي ومنه يبدأ السعي بين الصّفا والمروة من مناسك الحجّ. (معجم البلدان ٣ / ٤١١).


والممات مماتكم. فأقبلوا يبكون وقالوا : يا رسول الله ما قلنا إلّا الضنّ بالله وبرسوله. فقال : إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم.

أخرجه مسلم (١). وعنده : كلّا إنّي عبد الله ورسوله ، هاجرت إلى الله وإليكم.

وفي الحديث دلالة على الإذن بالقتل قبل عقد الأمان.

وقال سلّام بن مسكين : حدّثني ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي هريرة قال : ما قتل يوم الفتح إلّا أربعة. ثم دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم. ثم طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلّى ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال : «ما تقولون وما تصنعون»؟ قالوا : نقول ابن أخ وابن عمّ حليم رحيم. فقال : «أقول كما قال يوسف : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ، يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) (٢)». قال : فخرجوا كما نشروا من القبور. فدخلوا في الإسلام.

وقال عروة عن عائشة : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح من كداء من أعلى مكة (٣).

وقال عبد الله بن عمر (٤) ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح رأى النّساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر ، فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أبي بكر وقال : «كيف قال حسّان»؟ فأنشده أبو بكر :

__________________

(١) صحيح مسلم (١٧٨٠) كتاب الجهاد والسير : باب فتح مكة. وفي رواية له : «ألا فما اسمي إذا! «ثلاث مرات» أنا محمد عبد الله ورسوله». وانظر : سيرة ابن هشام ٤ / ٩٥ ، ورواه أبو داود ، رقم (٣٠٢٤) في الخراج والإمارة ، باب ما جاء في خبر مكة.

(٢) سورة يوسف : من الآية ٩٢.

(٣) صحيح البخاري ، كتاب المغازي ، باب دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مكة ٥ / ٩٣ طبقات ابن سعد ٢ / ١٤٠ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢٢.

(٤) هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ، كما في (تهذيب التهذيب ٥ / ٣٢٦).


عدمت بنيّتي إن لم تروها

تثير النّقع من كنفي كداء

 ينازعني الأعنّة مسرجات

يلطمهنّ بالخمر النّساء

 فقال : «ادخلوها من حيث قال حسّان» (١).

وقال الزّهريّ ، عن أنس ، دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [٩٧ أ] عام الفتح مكة وعلى رأسه المغفر ، فلما وضعه جاء رجل فقال : هذا ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة. فقال : اقتلوه. متّفق عليه (٢).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أهدر دم ابن خطل وثلاثة غيره (٣).

وقال منصور بن أبي مزاحم : ثنا أبو معشر ، عن يوسف بن يعقوب ، عن السّائب بن يزيد. قال : رأيت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل عبد الله بن خطل يوم أخرجوه من تحت الأستار. فضرب عنقه بين زمزم والمقام. ثم قال : «لا يقتل قرشيّ بعدها صبرا».

وقال معاوية بن عمّار الدّهنيّ ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. أخرجه مسلم (٤).

وفي مسند الطّيالسيّ (٥) حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن أبي الزّبير ، عن

__________________

(١) رواه الفاكهي في تاريخ مكة ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢١.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ٥ / ٩٢ ، وصحيح مسلم (١٣٧٥) كتاب الحجّ ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام ، والموطّإ ١ / ٤٢٣ في الحج ، باب جامع الحج ، وأبو داود (٢٦٨٥) في الجهاد ، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام ، والترمذي (١٦٩٣) في الجهاد ، باب ما جاء في المغفر ، والنسائي ٥ / ٢١٠ ، في الحج ، باب دخول مكة بغير إحرام ، مسند الحميدي ٢ / ٥٠٩ رقم ١٢١٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٣٩ ، الفوائد العوالي تخريج الصوري ٩ أ ، مخطوطة الظاهرية (الجزء الخامس) شفاء الغرام ٢ / ٢١٥. معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) ص ٧٢.

(٣) انظر شفاء الغرام (بتحقيقنا) ج ٢ / ٢٢٤.

(٤) صحيح مسلم (١٣٥٨) كتاب الحج ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

(٥) منحة المعبود : كتاب اللباس والزينة ، ما جاء في العمامة إلخ (١ / ٣٥١). ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٤٠ من طريق الفضل بن دكين ، عن شريك ، عن عمّار الدهني عن أبي


جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء.

وقال مساور الورّاق : سمعت جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه. قال : كأنّي انظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة ، وعليه عمامة سوداء خرقانية (١) ، قد أرخى طرفها بين كتفيه. أخرجه مسلم (٢).

وقال ابن إسحاق : عن عبد الله بن أبي بكر ، أنّ عائشة قالت : كان لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح أبيض ، ورايته سوداء ، قطعة من مرط ليّ مرجّل ، وكانت الراية تسمّى العقاب.

قال عبد الله بن أبي بكر : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذي طوى ورأى ما أكرمه الله به من الفتح جعل يتواضع لله حتى إنّك لتقول قد كاد عثنونه أن يصيب واسطة الرّحل.

وقال ثابت ، عن أنس : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح وذقنه على رحله متخشّعا. حديث صحيح.

وقال شعبة ، عن معاوية بن قرّة ، سمع عبد الله بن مغفّل ، قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح سورة الفتح وهو على بعير ، فرجّع فيها. ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفّل عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه ، ولفظه للبخاريّ (٣).

__________________

= الزبير ، عن جابر. ورواه عن عفان بن مسلم وكثير بن هشام ، عن حمّاد بن سلمة عن أبي الزبير ، عن جابر ، به.

(١) خرقانية : أي مكوّرة كعمامة أهل الرساتيق. ويروى : حرقانية أي التي على لون ما أحرقته النّار.

(٢) صحيح مسلم (١٣٥٩) كتاب الحج ، باب جواز دخول مكة بغير إحرام.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ٥ / ٩٢. وصحيح مسلم (٧٩٤) كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب ذكر قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة الفتح يوم فتح مكّة.


وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : دخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستّون نصبا ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (١). (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٢). متفق عليه (٣).

وقال ابن إسحاق : ثنا عبد الله بن أبي بكر ، عن عليّ بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح ، وعلى الكعبة ثلاثمائة صنم ، فأخذ قضيبه (٤) فجعل يهوي به إلى صنم صنم ، وهو يهوي حتى مرّ عليها كلّها. حديث حسن.

وقال القاسم بن عبد الله العمريّ ـ وهو ضعيف (٥) ـ عن عبد الله بن

__________________

(١) سورة سبإ : الآية ٤٩.

(٢) سورة الإسراء : من الآية ٨١.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المظالم والغصب ، باب هل تكسر الدّنان التي فيها الخمر إلخ.

٣ / ١٠٨ وفي كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ، وفي تفسير سورة بني إسرائيل ، باب وقل (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً). وصحيح مسلم (١٧٨١) كتاب الجهاد والسير ، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة ، والترمذي (٣١٣٧) في التفسير ، باب ومن سورة بني إسرائيل.

(٤) في الأصل : قصبة ، وأثبتنا لفظ ع ، ح.

(٥) قال أحمد : ليس بشيء كان يكذب ، ويضع الحديث ، وقال يحيى بن معين : ليس بشيء.

وقال مرة : كذّاب. وقال أبو حاتم والنسائي : متروك ، وقال الدار الدّارقطنيّ : ضعيف. وقال البخاري : سكتوا عنه. انظر عنه في : التاريخ لابن معين ٢ / ٤٨١ رقم ٦٨٦ ، التاريخ الصغير للبخاريّ ١٨١ ، الضعفاء الصغير له ٢٧٣ رقم ٣٠٢ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٤٧٢ ـ ٤٧٤ رقم ١٥٢٩ ، التاريخ الكبير للبخاريّ ٤ / ١٧٣ ، المجروحين لابن حبّان ٢ / ٢١٢ ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٧ / ١١١ ، ١١٢ ، رقم ٦٤٣ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ١٣٣ رقم ٢٢٤ ، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١٤٣ رقم ٤٣٩ ، الكامل في الضعفاء لابن عديّ ٦ / ٢٠٥٨ ، ٢٠٥٩ ، المغني في الضعفاء للذهبي ٢ / ٥١٩ رقم ٤٩٩٢. ميزان الاعتدال له ٣ / ٣٧١ ، ٣٧٢ رقم ٦٨١٢ ، الكاشف له : ٢ / ٣٣٦ رقم ٤٥٨٥ ، الكشف الحثيث لبرهان الدين الحلبي ٣٣٧ رقم ٥٩٢ ، تهذيب التهذيب لابن حجر ٨ / ٣٢٠ ، تقريب التهذيب له ٢ / ١١٨.


دينار ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة [٩٧ ب] وستين صنما. فأشار إلى كل صنم بعصا من غير أن يمسّها. وقال : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (١) ، فكان لا يشير إلى صنم إلّا سقط (٢).

وقال عبد الوارث ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم مكة ، أبي أن يدخل البيت وفيه الآلهة ، فأمر بها فأخرجت. فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام ، فقال : «قاتَلَهُمُ الله ، أَمَا واللهِ لقد علِموا أنهما لم يَسْتَقسِما بها قطّ». ودخل البيت وكبّر في نواحيه.

أخرجه البخاري (٣).

وقال معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخله حتى أمر بها فمحيت. ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام ، فقال : «قاتلهم الله ، واللهِ ما اسْتَقْسَما بها قطّ». صحيح (٤).

وقال أبو الزبير ، عن جابر : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدخل البيت حتى محيت الصّور. صحيح.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٨١.

(٢) الحديث على ضعفه لضعف القاسم بن عبد الله العمري ، يقوّيه الحديث الّذي أخرجه البخاري ، في كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩٢) من طريق مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ). وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير ، باب إزالة الأصنام من حول الكعبة (١٧٨١) ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٣٦.

(٣) في كتاب المغازي ، باب أين ركّز النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩٣) وانظر السيرة لابن هشام ٤ / ٩٤ و ١٠٤.

(٤) رواه أحمد في المسند ١ / ٣٦٥ ، والبخاري في كتاب المغازي ، باب أين ركّز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح (٥ / ٩٣) ، وأخرجه في كتاب الحج ، باب من كبّر في نواحي الكعبة (٢ / ١٦٠) ، وانظر السيرة لابن هشام ٤ / ٩٤.


[وقال هوذة : ثنا عوف الأعرابيّ ، عن رجل ، قال : دعار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح ، شيبة بن عثمان فأعطاه المفتاح ، وقال له : دونك هذا ، فأنت أمين الله على بيته.

قال الواقدي : هذا غلط ، إنما أعطى المفتاح عثمان بن طلحة ، ابن عمّ شيبة ، يوم الفتح ، وشيبة يومئذ كافر. ولم يزل عثمان على البيت حتّى مات ثم ولّي شيبة.

قلت : قول الواقديّ لمن يزل عثمان على البيت حتى مات ، فيه نظر. فإن أراد لم يزل منفردا بالحجابة ، فلا نسلّم. وإن أراد مشاركا لشيبة ، فقريب. فإنّ شيبة كان حاجبا في خلافة عمر. ويحتمل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفّى الحجابة لشيبة لمّا أسلم. وكان إسلامه عام الفتح ، لا يوم الفتح.

وقال محمد بن حمران ، أنا أبو بشر ، عن مسافع بن شيبة ، عن أبيه ، قال : دخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكعبة فصلّى ، فإذا فيها تصاوير ، فقال : يا شيبة ، اكفني هذه. فاشتدّ ذلك عليه. فقال له رجل : طيّنها ثم الطخها بزعفران. ففعل (١). تفرّد به محمد ، وهو مقارب للأمر] (٢).

وقال يونس ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة ، ومعه بلال وعثمان بن طلحة ، من الحجبة ، حتى أناخ في المسجد. فأمر عثمان أن يأتي بمفتاح البيت ، ففتح ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أسامة وبلال وعثمان. فمكث فيها نهارا طويلا. ثم خرج فاستبق النّاس ، وكان عبد الله بن عمر أوّل من دخل ، فوجد بلالا وراء الباب ، فسأله : أين صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فأشار إلى المكان الّذي صلّى فيه.

__________________

(١) رواه ابن قانع في معجمه ، وانظر «شفاء الغرام» بتحقيقنا ١ / ٢٣٠.

(٢) ما بين الحاصرتين انفردت به النسخة (ح).


قال ابن عمر : فنسيت أن أسأله : كم صلّى من سجدة؟. صحيح. علّقه البخاري محتجّا به (١).

وقال ابن إسحاق : حدّثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفيّة بنت شيبة قالت : لما اطمأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، طاف على بعيره ، يستلم الحجر بالمحجن (٢). ثم دخل الكعبة فوجد فيها حمامة [من] عيدان (٣) فاكتسرها ، ثم قام بها على الباب الكعبة ـ وأنا انظر ـ فرمى بها.

وذكر أسباط ، عن السّدّيّ ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم فتح مكة ، أمّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس ، إلّا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة : عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة (٤) ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فأمّا ابن خطل فأدرك وهو متعلّق بالأستار ، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر ، فسبق سعيد عمّارا ، فقتله. وأما مقيس فقتلوه في السّوق. وأمّا عكرمة فركب البحر ، وذكر قصّته ، ثم أسلم. وأما ابن أبي سرح فاختبأ عند عثمان ، فلمّا دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس إلى البيعة ، جاء به عثمان حتى أوقفه على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، بايع عبد الله. فرفع [٩٨ أ] رأسه فنظر إليه

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أعلى مكة (٥ / ٩٣) ، وانظر : المسند لأحمد ٦ / ١٥ ، وشرح معاني الآثار للطحاوي ١ / ٣٩١ ، وشفاء الغرام (بتحقيقنا) ١ / ٢٢٨.

(٢) في الأصل (ح) «يستلم المحجن» ، والتصحيح من (ع).

(٣) في الأصل «جماعة عيدان» ، وفي نسختي : ع ، ح : «جماعة عيدان» ، والمثبت يتفق مع رواية ابن هشام في السيرة ٤ / ٩٣.

(٤) ورد «مقيس بن حبابة» بالحاء بدل الصاد ، في سيرة ابن هشام ٢ / ٩٣ وأضاف إلى الأربعة : «الحويرث بن نقيد بن وهب بن عبد قصيّ» ، وقينتي عبد الله بن خطل : «فرتنى وصاحبتها» وهي سارة مولاة لبعض بني عبد المطّلب. وانظر : شفاء الغرام (بتحقيقنا ١ / ٥٦).


ثلاثا ، كلّ ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث. ثم أقبل على أصحابه فقال : «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا ، حيث رآني كففت ، فيقتله؟».

قالوا : ما يدرينا ، يا رسول الله ، ما في نفسك ، هلّا أومأت إلينا بعينك؟

قال : «إنّه لا يَنْبغي أن يكون لنَبِيٍ خَائِنَة الأَعْيُن» (١).

وقال ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، قال : قدم مقيس بن صبابة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وقد أظهر الإسلام ، يطلب بدم أخيه هشام. [وكان قتله رجل من المسلمين يوم بني المصطلق ولا يحسبه إلّا مشركا] (٢). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّما قتل أخوك خطأ. وأمر له بديته ، فأخذها ، فمكث مع المسلمين شيئا ، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ، ولحق بمكّة كافرا. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عام الفتح ـ بقتله ، فقتله رجل من قومه يقال له نميلة بن عبد الله ، بين الصّفا والمروة (٣).

وحدّثني عبد الله بن أبي بكر ، وأبو عبيدة بن محمد بن عمّار : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّما أمر بقتل ابن أبي سرح لأنه كان قد أسلم ، وكتب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي. فرجع مشركا ولحق بمكّة (٤).

قال ابن إسحاق : وإنّما أمر بقتل عبد الله بن خطل ، أحد بني تيم بن غالب ، لأنه كان مسلما ، فبعثه ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصدّقا (٥) ، وبعث معه رجلا من

__________________

(١) قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث ٢ / ٦) : أي يفسّر في نفسه غير ما يظهر ، فإذا كفّ لسانه وأومأ بعينه فقد خان ، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سمّيت خائنة الأعين. وانظر : المغازي للواقدي ٢ / ٨٥٦ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٩٢ ، وعيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ١٧٥ ، وشفاء الغرام ٢ / ١٨٧.

(٢) ما بين الحاصرتين من نسخة (ح).

(٣) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٩٣ ، وعيون الأثر ٢ / ١٧٦ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٨٦٠ ، ٨٦١ ، شفاء الغرام ٢ / ٢٢٨.

(٤) انظر : السيرة لابن هشام ٤ / ٩٢ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٨٥٥ ، وعيون الأثر ٢ / ١٧٥ ، وشفاء الغرام ٢ / ٢٢٥.

(٥) مصدّقا : أي جابيا للصدقات.


الأنصار ، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما. فنزل منزلا ، فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما ، ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فقتله وارتدّ. وكان له قينة وصاحبتها تغنّيان بهجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بقتلهما معه. وكان ممّن يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال يعقوب القمّي : ثنا جعفر بن أبي المغيرة ، عن ابن أبزى ، قال : لما افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، جاءت عجوز حبشيّة شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل. فقيل : يا رسول الله ، رأينا كذا وكذا. فقال : «تلك نائلة (٢) أَيِست أن تُعبد ببلدكم هذا أبدا». كأنه منقطع (٣).

وقال يونس بن بكير ، عن زكريا ، عن الشعبيّ ، عن الحارث بن مالك ، هو ابن برصاء ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح يقول : «لا تغزى مكّة بعد اليوم أبدا إلى يوم القيامة» (٤).

وقال محمد بن فضيل : ثنا الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل ، قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ، وكانت بها العزّى. فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات. فقطع السّمرات وهدم البيت الّذي كان عليها. ثم أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره. فقال : «ارجع ، فإنك لم تصنع شيئا». فرجع خالد. فلما نظرت إليه السّدنة ، وهم حجّابها ، أمعنوا في الجبل وهم

__________________

(١) السيرة لابن هشام ٤ / ٩٢ ، ٩٣ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٨٥٩ ، ٨٦٠ ، وعيون الأثر ٢ / ١٧٦ ، والسيرة لابن كثير ٣ / ٥٦٤ ، وشفاء الغرام ٢ / ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٢) هي نائلة بنت زيد ، من جرهم ، دخلت مع إساف بن يعلى الكعبة ، فوجدا غفلة من الناس ، ففجر بها. فمسخا حجرين ، فعبدتهما خزاعة وقريش. (الأصنام لابن الكلبي ص ٩ و ٢٩).

(٣) روى مثله الأزرقي في (أخبار مكة ١ / ١٢٢) عن جدّه ، عن محمد بن إدريس ، عن الواقدي ، عن أشياخه. وانظر ، شفاء الغرام ٢ / ٤٤٧.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٣٧ وقال أيضا : «لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة» ، ومثله في المغازي للواقدي ٢ / ٨٦٢ من طريق : يزيد بن فراس ، عن عراك بن مالك ، عن الحارث بن البرصاء. وفي آخره : «يعني على الكفر».


يقولون : يا عزّى خبّليه ، يا عزّى عوّريه (١) ، وإلّا فموتي برغم. فأتاها [٩٨ ب] خالد ، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التّراب على رأسها. فعمّمها بالسّيف حتى قتلها. ثم رجع إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره. فقال : «تلك العزّى» (٢). أبو الطّفيل له رؤية.

وقال ابن إسحاق : حدّثني أبي قال : حدّثني بعض آل جبير بن مطعم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل مكة ، أمر بلالا فعلا على ظهر الكعبة ، فأذّن عليها. فقال بعض بني سعيد بن العاص : لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة.

وقال عروة : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بلالا] (٣) يوم الفتح فأذّن على الكعبة (٤).

وقال اللّيث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعيد بن أبي هند (٥) : أنّ أبا مرّة مولى عقيل حدّثه ، أنّ أمّ هانئ بنت أبي طالب حدّثته ، لما كان عام الفتح فرّ إليها رجلان من بني مخزوم ، فأجارتهما. قالت : فدخل عليّ عليّ فقال : أقتلهما. فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو بأعلى مكة ، فلما رآني رحّب فقال : «ما جاء بك يا أمّ هانئ؟ قالت : يا نبيّ الله ، كنت قد أمّنت رجلين من أحمائي فأراد عليّ قتلهما. فقال : «قد أجرنا من أجزت». ثم قام إلى غسله ،

__________________

(١) خبّليه : دعاء عليه بالخيل ، وهو الفالج أو قطع اليد أو المنع أو الحبس أو الجنون. وكلّها من معانيه. وعوّريه : ردّيه. يقال : عورته عن حاجته رددته عنها.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١١٣ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٤٥ ، ١٤٦ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٧٣ ، ٨٧٤ ، تاريخ الرسل والملوك للطبري ٣ / ٦٥ ، عيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ١٨٤ ، السيرة النبويّة لابن كثير ٣ / ٥٩٧ ، ٥٩٨ ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، عيون التواريخ ١ / ٣١٩ ، ٣٢٠.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٤) الحديث مرسل. وأخرجه ابن سعد في الطبقات ٣ / ١٦٧ من طريق : عارم بن الفضل ، عن حمّاد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة وغيره. ورجاله ثقات ، لكنه مرسل أيضا.

(٥) في الأصل «سعيد بن أبي بلال» وصحّحه في هامش (ح) : سعيد بن أبي هلال. والتصويب من صحيح مسلم ١ / ١٨٢ ، وتهذيب التهذيب لابن حجر ٤ / ٩٣.


فسترت عليه فاطمة. ثم أخذ ثوبا فالتحف به ثم صلّى ثماني ركعات ، سبحة الضّحى. أخرجه مسلم (١).

وقال الليث ، عن المقبريّ ، عن أبي شريح العدويّ ، أنه قال لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيّها الأمير ، أحدّث قولا قام به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الغد من يوم الفتح؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلّم به ، [أنّه] (٢) حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «إنّ الله حرّم مكة ولم يحرّمها الناس ، ولا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ، فقولوا له إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار. وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس. فليبلّغ الشّاهد الغائب». فقيل لأبي شريح : ما ذا قال لك عمرو؟ قال : قال أنا أعلم بذاك منك يا أبا شريح ، إنّ الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارّا بدم ولا فارّا بخربة (٣) متّفق عليه (٤).

وقال ابن عيينة ، عن عليّ بن زيد ، عمّن حدثه عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة وهو على درجة الكعبة : «الحمد لله الّذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده. ألا إنّ قتيل العمد الخطأ بالسّوط أو العصا فيه مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. ألا إنّ كلّ مأثرة في الجاهلية ودم ومال تحت قدميّ هاتين إلا ما كان من سدانة البيت

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب الحيض ، باب تستّر المغتسل بثوب ونحوه (١ / ١٨٢ ـ ١٨٣) ، وكتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب استحباب صلاة الضحى وأنّ أقلّها ركعتان وأكملها ثمان ركعات (٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨).

(٢) زيادة من النسختين : ع ، ح. وصحيح مسلم.

(٣) الخربة : البلية.

(٤) أخرجه البخاري في كتاب العلم (٦ / ١٧٦ و ١٧٧) باب : ليبلّغ الشاهد الغائب ، وفي الحج ، باب : لا يعضد شجر الحرم ، وفي المغازي (٥ / ٩٨) ، باب منزل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح ، ومسلم (١٣٥٤) في الحج ، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ... ، وانظر : شفاء الغرام (بتحقيقنا) ١ / ١٠٧.


وسقاية الحاجّ ، فقد أمضيتها لأهلها» (١). ضعيف الإسناد.

وقال ابن إسحاق [٩٩ أ] حدّثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم النّاس عام الفتح ، ثم قال : «أيّها الناس ، ألا إنه لا حلف في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية فإنّ الإسلام لا يزيده إلّا شدّة. والمؤمنون يد على من سواهم ، يجير عليهم أدناهم ، ويردّ عليهم أقصاهم ، يردّ سراياهم على قعيدتهم. لا يقتل مؤمن بكافر. دية الكافر نصف دية المسلم. لا جلب ولا جنب. ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم» (٢).

وقال أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «منزلنا ، إن شاء الله إذا فتح الله ، الخيف ، حيث تقاسموا على الكفر». أخرجه البخاري (٣).

وقال أبو الأزهر النيسابورىّ ، ثنا محمد بن شرحبيل الأنباريّ ، أنا ابن جريج ، وأخبرنا عبد الله بن عثمان ، أنّ محمد بن الأسود بن خلف ، أخبره أنّ أباه الأسود حضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبايع الناس يوم الفتح ، وجلس عند قرن

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ / ١١ من طريق : سفيان ، عن ابن جدعان ، عن القاسم بن ربيعة ، عن ابن عمر ، و ٣ / ٤١٠ من طريق هشام ، عن خالد ، عن القاسم بن ربيعة بن جوشن ، عن عقبة بن أوس ، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) أخرج أوّله الإمام مسلم في فضائل الصحابة (٢٠٤ / ٢٥٢٩) و (٢٠٦ / ٢٥٣٠) ، باب مؤاخاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه رضي‌الله‌عنهم ، من طريق : عبد الله بن نمير ، وأبي أسامة ، عن زكريا ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جبير بن مطعم. وأخرج أبو داود أوّله أيضا في الفرائض (٢٩٢٥ و ٢٩٢٦) ، وأحمد في المسند ١ / ١٩٠ و ٣١٧ و ٣٢٩ ، ورواه أحمد كاملا في مسندة ٢ / ١٨٠ ، وانظر ٢ / ٢٠٥ و ٢٠٧ و ٢١٣ و ٢١٥ ، و ٣ / ١٦٢ و ٢٨١ ، و ٤ / ٨٣ و ٥ / ٦١.

(٣) في كتاب المغازي (٥ / ٩٢) باب أين ركّز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية يوم الفتح ، وأخرجه أبو داود في الفرائض (٢٩١٠) باب هل يرث المسلم الكافر؟ وفيه إن الخيف هو خيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر ، يعني المحصّب ، وذاك أنّ بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم : أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ، ولا يؤوهم. قال الزهري : والخيف الوادي. وانظر معجم مع استعجم ٢ / ٥٢٦.


مسقلة (١) ، فجاءه الصغار والكبار والرجال والنساء فبايعوه على الإسلام والشهادة (٢).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما كان عام الفتح ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذا طوى ، قال أبو قحافة لابنة له كانت من أصغر ولده : أيّ بنية : أشرفي بي على أبي قبيس ، وقد كفّ بصره. فأشرفت به عليه. فقال : ما ذا ترين؟ قالت : أرى سوادا مجتمعا ، وأرى رجلا يشتدّ بين ذلك السّواد مقبلا ومدبرا. فقال : تلك الخيل يا بنية ، وذلك الرجل الوازع (٣). ثم قال : ما ذا ترين؟ قالت : أرى السواد انتشر. فقال : فقد والله إذن دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي. فخرجت سريعا ، حتى إذا هبطت به الأبطح ، لقيتها الخيل ، وفي عنقها طوق لها من ورق ، فاقتطعه إنسان من عنقها. فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد ، خرج أبو بكر حتى جاء بأبيه يقوده. فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أجيئه»؟ فقال : يمشي هو إليك يا رسول الله أحقّ من أن تمشي إليه. فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره وقال : «أسلم تسلم». فأسلم. ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال : أنشد بالله والإسلام طوق أختي. فو الله ما أجابه أحد. ثم قال الثانية ، فما أجابه أحد. فقال : يا أخيّة ، احتسبي طوقك ،

__________________

(١) قرن مسقلة : قال الأزرقي : هو قرن قد بقيت منه بقية بأعلى مكة في دبر دار سمرة عند موقف الغنم بين شعب ابن عامر وحرف دار رابغة في أصله ، ومسقلة : رجل كان يسكنه في الجاهلية. (أخبار مكة ٢ / ٢٧٠)

(٢) يبايعونه بأعلى مكة عند سوق الغنم ، قال محقّق كتاب «أخبار مكة» السيد رشدي الصالح ملحس : يقع سوق الغنم قديما في الوادي الواقع شرقي جبل الرقمتين ، ويسمّى هذا السوق اليوم (سوق الجودرية) ويوجد ثمة مسجد صغير يسمّى (مسجد الغنم) ولا يبعد أن يكون هذا المسجد هو الّذي أشار إليه الأزرقي في بحث المساجد. (أخبار مكة ٢ / ٢٧١) حاشية رقم (١).

(٣) في الأصل (ح) : الوادع. والتصحيح من النسخة (ع). والوازع في الحرب من يدير أمور الجيش والموكل بالصفوف يردّ من شدّ منهم ويزع من تقدّم أو تأخّر بغير أمره.


فو الله إنّ الأمانة اليوم في الناس لقليل (١).

وقال أبو الزبير ، عن جابر : أنّ عمر أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «غيّروا هذا الشّيب ولا تقرّبوه سوادا» (٢).

وقال زيد بن أسلم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هنّأ أبا بكر بإسلام أبيه. مرسل.

وقال مالك ، عن ابن شهاب : أنه بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على عهده نساء يسلمن بأرضهنّ ، منهنّ ابنة الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أميّة ، فأسلمت يوم الفتح [٩٩ ب] وهرب صفوان. فبعث إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عمّه عمير بن وهب برداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمانا لصفوان ، ودعاه إلى الإسلام ، وأن يقدم عليه ، فإن رضي أمرا قبله ، وإلا سيّره شهرين. فقدم فنادى على رءوس الناس : يا محمد ، هذا عمير بن وهب جاءني بردائك وزعم أنّك دعوتني إلى (٣) القدوم عليك ، فإنّ رضيت أمرا قبلته ، وإلّا سيّرتني شهرين. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انزل أبا وهب. فقال : لا والله ، لا أنزل حتى تبيّن لي. فقال : بل لك تسيير أربعة أشهر. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل هوازن ، فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا. فقال صفوان : أطوعا أو كرها؟ فقال : بل طوعا. فأعاره الأداة والسلاح. وخرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو كافر ، فشهد حنينا والطائف ، وهو كافر وامرأته مسلمة. فلم يفرّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما حتى أسلم ، واستقرّت عنده بذلك النّكاح. وكان بين إسلامهما نحو من شهر (٤).

__________________

(١) السيرة النبويّة لابن هشام ٤ / ٩١.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٣٣٨.

(٣) في الأصل «على» والتصحيح من (ع) و (ح).

(٤) أخرجه الإمام مالك (الموطّأ ٢ / ٧٥ ، ٧٦) في النكاح ، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله ، وهو من بلاغات مالك التي لا يعلم اتصاله من وجه صحيح. قال ابن عبد البرّ : وهو


وكانت أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب عكرمة حتى قدم اليمن. فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم ، وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رآه وثب فرحا به ، ورمى عليه رداءه حتى بايعه. فثبتا على نكاحهما ذلك (١).

وقال الواقدي : حدّثني عبد الله بن يزيد الهذليّ ، عن أبي حصين الهذليّ قال : استقرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صفوان بن أميّة خمسين ألف درهم ، ومن عبد الله بن أبي ربيعة أربعين ألفا ، ومن حويطب بن عبد العزّى أربعين ألفا ، فقسمها بين أصحابه من أهل الضّعف. ومن ذلك المال بعث إلى جذيمة (٢).

وقال يونس ، عن ابن شهاب ، حدّثني عروة ، قالت عائشة : إنّ هندا بنت عتبة بن ربيعة ، قالت : يا رسول الله ، ما كان ممّا على ظهر الأرض [أهل] (٣) أخباء ، أو خباء (٤) أحبّ إليّ أن يذلّوا من أهل خبائك ، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ إليّ أن يعزّوا من أهل خبائك. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأيضا ، والّذي نفس محمد بيده». قالت : يا رسول الله ، إنّ أبا سفيان رجل ممسك ـ أو قالت : مسّيك ـ فهل عليّ من حرج أن أطعم من الّذي له؟ قال : «لا ، بالمعروف». أخرجه البخاري (٥).

__________________

= حديث مشهور معلوم عند أهل السير ، وابن شهاب إمام أهل السير ، وكذلك الشعبي. انظر :

سير أعلام النبلاء ٢ / ٥٦٥ ، والسيرة النبويّة لابن هشام ٤ / ١٠٥.

(١) أخرجه مالك في الموطّأ ، كتاب النكاح ٤٦ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (تراجم النساء) بتحقيق سكينة الشهابي ٥٠٢.

(٢) المغازي (٢ / ٨٦٣).

(٣) سقطت من الأصل وبقية النسخ ، وأثبتناها من صحيح البخاري.

(٤) أخباء : جمع خباء وهو بيت صغير من وبر أو صوف.

(٥) صحيح البخاري : كتاب مناقب الأنصار ، باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة رضي‌الله‌عنها


وأخرجاه (١) ، من حديث شعيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري. وعنده : فهل عليّ حرج أن أطعم من الّذي له عيالنا. قال : لا عليك أن تطعميهم بالمعروف.

وقال الفريابيّ : ثنا يونس ، عن ابن إسحاق ، عن أبي السفر ، عن ابن عباس ، قال : رأى أبو سفيان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشي والناس يطئون عقبه. فقال في نفسه : لو عاودت هذا الرجل القتال. فجاءه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ضرب بيده في صدره ، فقال : إذا [١٠٠ أ] يخزيك الله. قال : أتوب إلى الله وأستغفر الله.

وروى نحوه ، مرسلا ، أبو إسحاق السّبيعي ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم.

وقال موسى بن أعين ، عن إسحاق بن راشد ، عن الزّهري ، عن ابن المسيّب ، قال : لما كان ليلة دخل الناس مكة ، لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا. فقال أبو سفيان لهند : أترى هذا من الله؟ ثم أصبح فغدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : «قلت لهند أترين هذا من الله ، نعم ، هذا من الله». فقال : أشهد أنّك عبد الله ورسوله. والّذي يحلف به أبو سفيان ، ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلّا الله وهند.

وقال ابن المبارك ، أخبرنا عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس :

__________________

= (٤ / ٢٣٢) وكتاب المظالم (٣ / ١٠١ ، ١٠٢) باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه ، وكتاب النفقات (٦ / ١٩٢) باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد ، وكتاب الأحكام (٨ / ١٠٩) باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة ، ومسلم (ص ١٣٣٩) كتاب الأقضية (١٧١٤ / ٩) باب قضيّة هند.

(١) انظر ما قبله.


أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة تسعة عشر يوما ، يصلّي ركعتين. أخرجه البخاري (١).

وقال حفص بن غياث ، عن عاصم الأحول : سبعة عشر يوما. صحيح (٢).

وقال ابن عليّة ، أنا عليّ بن زيد ، عن أبي نضرة ، عن عمران بن حصين : غزوت مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلّي إلا ركعتين ، يقول : يا أهل البلد صلّوا أربعة ، فإنّا سفر (٣). أخرجه أبو داود (٤). عليّ ضعيف (٥).

وقال ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة (٦).

ثم روى ابن إسحاق ، عن جماعة ، مثل هذا.

قال البيهقيّ : الأصحّ رواية ابن المبارك التي اعتمدها البخاري.

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة زمن الفتح (٥ / ٩٥) وأحمد في المسند ١ / ٢٢٣.

(٢) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة (١٢٣٢) باب : متى يتمّ المسافر. وأحمد في المسند ١ / ٣٠٣ و ٣١٥.

(٣) السفر : بسكون الفاء. المسافرون.

(٤) في كتاب الصلاة (١٢٢٩) باب : متى يتمّ المسافر؟

(٥) انظر عنه : أحوال الرجال للجوزجانيّ ١١٤ رقم ١٨٥ ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٦ / ١٨٦ رقم ١٠٢١ ، التاريخ الكبير للبخاريّ ٦ / ٢٧٥ رقم ٢٣٨٩ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٤١٧ رقم ٣٥٢ ، تهذيب التهذيب لابن حجر ٨ / ٣٢٢ رقم ٥٤٤ ، تقريب التهذيب له ٢ / ٣٧ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ٥ / ١٨٤٠ ـ ١٨٤٥ ، المجروحين لابن حبّان ٢ / ١٠٣ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٣ / ٢٢٩ ـ ٢٣١ رقم ١٢٣١ ، ترتيب الثقات للعجلي ٣٤٦ رقم ١١٨٦ ، تهذيب الكمال للمزّي ٢ / ٩٦٧ ، ميزان الاعتدال للذهبي ٣ / ١٢٧ رقم ٥٨٤٤ ، المغني في الضعفاء له ٢ / ٤٤٧ رقم ٤٢٦٥ ، الكاشف له ٢ / ٢٤٨ رقم ٣٩٧٥.

(٦) أخرجه النسائي في كتاب تقصير الصلاة في السفر ٣ / ١٢١ باب المقام الّذي يقصر بمثله الصلاة ، وانظر السيرة لابن هشام ٤ / ١١٣ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٨٧١.


وقال الواقديّ (١) : وفي رمضان بعث (٢) خالد بن الوليد إلى العزّى ، فهدمها (٣). وبعث عمرو بن العاص إلى سواع (٤) في رمضان ، وهو صنم هذيل ، فهدمه. وقال قلت للسّادن : كيف رأيت؟ قال : أسلمت لله (٥).

[قال] (٦) : وفي رمضان بعث سعد بن زيد الأشهليّ إلى مناة ، وكانت بالمشلّل ، للأوس والخزرج وغسّان. فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن زيد الأشهليّ في عشرين فارسا حتى انتهى إليها. وتخرج إلى سعد امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس تدعو بالويل ، فقال لها السّادن : مناة ، دونك بعض غضباتك. وسعد يضربها ، فقتلها. وأقبل إلى الصنم ، فهدموه لستّ بقين من رمضان (٧).

وقال منصور ، عن مجاهد ، [عن طاوس] (٨) ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونيّة ، وإن استنفرتم فانفروا». قاله يوم الفتح. متّفق عليه (٩).

__________________

(١) في المغازي ٢ / ٨٧٠.

(٢) في الأصل «بعثة» ، والتصحيح من نسخة (ح).

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١١٣ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٤٥ ، تاريخ الرسل والملوك للطبري ٣ / ٦٥ ، عيون الأثر لابن سيد الناس ٢ / ١٨٤ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣١٤ ، ٣١٥.

(٤) انظر عنه كتاب الأصنام للكلبي ٩ و ١٠.

(٥) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٤٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٦٦ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣١٥ ، عيون الأثر ٢ / ١٨٥ ، عيون التواريخ ١ / ٣٢١ ، المغازي للواقدي ٢ / ٨٧٠.

(٦) ليست في الأصل. وأثبتناها من نسختي : ع ، ح.

(٧) المغازي للواقدي ٢ / ٨٧٠ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ١٤٦ ، ١٤٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٦٦ ، عيون التواريخ ١ / ٣٢١ ، عيون الأثر ٢ / ١٨٥.

قال الكلبي إنّ مناة أقدم الأصنام كلها ، وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلّل بقديد ، بين المدينة ومكة. (الأصنام ١٣).

(٨) الاستدراك على الأصل من صحيحي البخاري ومسلم.

(٩) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (٣ / ٢٠٠) باب فضل الجهاد والسير ، ومسلم في كتاب الإمارة (١٣٥٣ / ٨٥) باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد ، والخير ، وأبو داود في كتاب الجهاد (٢٤٨٠) باب في الهجرة هل انقطعت ، والترمذي في كتاب السير


وقال عمرو بن مرّة : سمعت أبا البختريّ يحدّث عن أبي سعيد الخدريّ قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (١) قرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : «إنّي وأصحابي حيّز ، والناس حيّز ، لا هجرة بعد الفتح». فحدّثت به مروان ابن الحكم ـ وكان على المدينة ـ فقال : كذبت. وعنده زيد بن ثابت ، ورافع ابن خديج ، وكانا [١٠٠ ب] معه على السّرير. فقلت : إنّ هذين لو شاءا لحدّثاك ، ولكنّ هذا ، يعني زيدا ، يخاف أن تنزعه عن الصّدقة ، والآخر يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه. قال : فشدّ عليه بالدّرّة ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق (٢).

وقال حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، حدّثني أبو قلابة ، عن عمرو بن سلمة ، ثم قال : هو حيّ ، ألا تلقاه فتسمع منه؟ فلقيت عمرا فحدّثني بالحديث ، قال : كنّا بممرّ الناس ، فتمرّ بنا الرّكبان فنسألهم : ما هذا الأمر؟ وما للنّاس؟ فيقولون : نبيّ يزعم أنّ الله قد أرسله ، وأنّ الله أوحى إليه كذا وكذا. وكانت العرب تلوّم (٣) بإسلامها الفتح ، ويقولون : انظروه ، فإنّ ظهر فهو نبيّ فصدّقوه. فلما كان وقعة الفتح ، بادر (٤) كل قوم بإسلامهم. فانطلق أبي بإسلام حوائنا (٥) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقدم فأقام عنده كذا وكذا. ثم جاءنا فتلقّيناه ، فقال : جئتكم من عند رسول الله حقّا ، وإنه يأمركم بكذا ، وصلاة كذا وكذا. وإذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكم ، وليؤمّكم أكثركم قرآنا. فنظروا في أهل حوائنا فلم يجدوا أكثر قرآنا منّي فقدّموني ، وأنا ابن سبع سنين ، أو ستّ سنين.

__________________

= (١٦٣٨) باب ما جاء في الهجرة ، وأحمد في المسند ١ / ٢٢٦ و ٣١٦ و ٣٥٥ ، و ٣ / ٢٢ و ٤٠١ ، و ٥ / ١٨٧ ، و ٦ / ٤٦٦.

(١) أول سورة النصر.

(٢) رواه أحمد في المسند ٣ / ٢٢ و ٥ / ١٨٧.

(٣) تلوّم : أصلها تتلوّم. وتلوّم في الأمر تمكّث وانتظر.

(٤) في الأصل : بادى. والتصحيح من ح وصحيح البخاري.

(٥) الحواء : جماعة البيوت المتدانية.


فكنت أصلّي بهم ، فإذا سجدت تقلّصت بردة عليّ. تقول امرأة من الحيّ : غطّوا عنّا است قارئكم هذا. قال : فكسيت معقّدة من معقّد (١) البحرين بستة دراهم أو سبعة ، فما فرحت بشيء كفرحي بذلك.

أخرجه البخاري (٢) ، عن سليمان بن حرب ، عنه.

__________________

(١) المعقد : ضرب من برود هجر.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب : وقال الليث ، بعد باب مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة زمن الفتح (٥ / ٩٥ ، ٩٦) ، والنسائي في كتاب الأذان (٢ / ٩ ، ١٠) باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر ، وأحمد في المسند ٣ / ٤٧٥ و ٥ / ٣٠ و ٧١.



غزوة بني حذيمة (١)

قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السرايا فيما حول مكة يدعون إلى الله تعالى ، ولم يأمرهم بقتال. فكان ممّن بعث ، خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ، ولم يبعثه مقاتلا. فوطئ بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، فأصاب منهم.

وقال معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد إلى ـ أحسبه قال ـ بني جذيمة ، فدعاهم إلى الإسلام. فلم يحسنوا [أن] (٢) يقولوا : أسلمنا ، فجعلوا يقولون : صبأنا ، صبأنا. وجعل خالد [يأمر] (٣) بهم قتلا وأسرا ، ودفع إلى كل رجل منّا أسيرا. حتى إذا أصبح يوما أمر خالد أن يقتل كل رجل منّا أسيره. فقال ابن عمر : فقلت والله لا أقتل أسيري ، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره. قال : فقدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) انظر : المغازي للواقدي ٣ / ٨٧٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ٦٦ ، تاريخ خليفة ٨٧ ، ٨٨ ، عيون التواريخ ١ / ٣١٣ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٤٧ ، عيون الأثر ٢ / ١٨٥ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣١٦ ، السيرة لابن كثيرة ٣ / ٥٩٣.

(٢) ليست في الأصل ، وأثبتناها من صحيح البخاري (٥ / ١٠٧).

(٣) في الأصل «وجعل خالد بهم قتلا وأسرا». وما زدناه على الأصل يقتضيه السياق ، ففي لفظ البخاري : «فجعل خالد يقتل منهم ويأسر».


فذكر له صنيع خالد. فقال ، ورفع يديه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد». مرتين. أخرجه البخاري (١).

وقال ابن إسحاق : حدّثني حكيم بن حكيم بن عبّاد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة بعث خالد بن الوليد ، فخرج حتى [١٠١ أ) نزل ببني جذيمة ، وهم على مائهم ، وكانوا قد أصابوا في الجاهلية عمّه الفاكه بن المغيرة ، ووالد عبد الرحمن بن عوف ، فذكر الحديث ، وفيه : فأمر خالد برجال منهم فأسروا وضربت أعناقهم. فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا عمل خالد بن الوليد». ثم دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا فقال : «أخرج إلى هؤلاء القوم ، فأدّ دماءهم وأموالهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك». فخرج عليّ ، وقد أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا ، فودى لهم دماءهم وأموالهم ، حتى إنه ليعطيهم ثمن ميلغة (٢) الكلب. فبقي مع عليّ بقيّة من مال ، فقال : أعطيكم هذا احتياطا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيما لا يعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيما لا تعلمون. فأعطاهم إياه. ثم قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره الخبر فقال : أحسنت وأصبت (٣).

* * *

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدّثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة ، عن الزّهري ، حدّثني ابن أبي حدرد ، عن أبيه ، قال : كنت في الخيل التي أصاب فيها خالد بني جذيمة ، إذا فتى منهم مجموعة يده إلى عنقه

__________________

(١) في كتاب المغازي (٥ / ١٠٧) باب بعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة. وانظر :

تاريخ الطبري ٣ / ٦٧ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٨٨١ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ٢٤٨. ومسند أحمد ٢ / ١٥١.

(٢) الميلغة والميلغ (بالكسر) : الإناء بلغ فيه الكلب. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٤ / ٢٣٠).

(٣) السيرة لابن هشام ٤ / ١١١ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٨٢ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ١٤٨ ، عيون الأثر ٢ / ١٨٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٦٧ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣١٦ و ٣١٩ و ٣٢١ و ٣٢٢ ، السيرة لابن كثير ٣ / ٥٩٢ ، عيون التواريخ ١ / ٣١٤ ، ٣١٥.


برمّة ـ يقول : بحبل ـ فقال : يا فتى ، هل أنت آخذ بهذه الرّمّة فمقدّمي إلى هذه النّسوة ، حتى أقضي إليهنّ حاجة ، ثم تصنعون [بي] (١) ما بدا لكم؟ فقلت : ليسير ما سألت. ثم أخذت برمّته فقدّمته إليهنّ ، فقال : اسلمي (٢) حبيش ، على نفد العيش. ثم قال :

أريتك (٣) إن طالبتكم فوجدتكم

بحلية أو أدركتكم بالخوانق

 ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق

تكلّف إدلاج السّرى والودائق (٤)

 فلا ذنب لي ، قد قلت ، إذ أهلنا معا

أثيبي (٥) بودّ قبل إحدى الصّفائق (٦)

 أثيبي بودّ قبل أن تشحط (٧) النّوى

وينأى الأمير (٨) بالحبيب المفارق

 فإنّي لا سرا لديّ أضعته

ولا راق عيني بعد وجهك رائق

 على أنّ ما بي للعشيرة شاغل

عن اللهو إلّا أن تكون بوائق (٩)

فقالت : وأنت حيّيت عشرا ، وسبعا وترا ، وثمانيا تترى. ثم قدّمناه فضربنا عنقه.

__________________

(١) زيادة من النسخة (ع).

(٢) في الأصل وبقية النسخ : «أسلم». والتصويب من سيرة ابن هشام ٤ / ١١١ وغيره. قال السهيليّ : ذكر قول الرجل للمرأة : أسلمي حبيش على نفد العيش. النفد : مصدر نفد إذا فني ، وهو النفاد. وحبيش مرخّم من حبيشة. (الروض الأنف ٤ / ١٢١) وحبيشة هي معشوقة قائل الأبيات المذكورة.

(٣) في الأصل ، ح : «أرأيت». وفي (ع) : «أرأيتك» ، وما أثبتناه عن سيرة ابن هشام وغيره.

(٤) الودائق : جمع وديقة ، وهي شدّة الحرّ في الظهيرة. والإدلاج : السير ليلا.

(٥) في الأصل : أبيني : والتصحيح من ع ، ح. وأثيبي : أفضلي بالثواب.

(٦) الصفائق : كالصوافق : الحوادث وصوارف الخطوب. الواحدة : صفيقة.

(٧) تشحط : تبعد.

(٨) في الأصل (ع) : الأمين ، والمثبت من (ح).

(٩) البوائق : جمع بائقة ، وهي الداهية والبليّة تنزل بالقوم.

انظر الأبيات باختلاف في الألفاظ في : سيرة ابن هشام ٤ / ١١٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٤٩ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٧٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٦٩ ، عيون الأثر ٢ / ١٨٧ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣٢٢ ، ٣٢٣ ، عيون التواريخ ١ / ٣١٧ ، السيرة لابن كثير ٣ / ٥٩٥ ، الأغاني ٧ / ٢٧٩ وفيه بيتان.


قال ابن إسحاق : فحدّثنا أبو فراس الأسلميّ ، عن أشياخ من قومه قد شهدوا هذا مع خالد ، قالوا : فلما قتل قامت إليه ، فما زالت ترشفه حتى ماتت عليه (١).

__________________

(١) في هامش (ح) : «هذه القصة رواها النسائي : من حديث ابن عباس. ولها طريق أخرى».


غزوة حنين (١)

قال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني عاصم بن عمر ، عن عبد الرحمن ابن جابر بن عبد الله ، عن أبيه. وحدّثني عمرو بن شعيب ، والزهري ، وعبد الله بن أبي بكر ، عن حديث حنين (٢) ، حين سار إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وساروا إليه. فبعضهم يحدّث بما لا يحدّث [١٠١ ب] به بعض. وقد اجتمع حديثهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما فرغ من فتح مكة ، جمع عوف بن مالك النّصريّ بني نصر وبني جشم وبني سعد بن بكر ، وأوزاعا (٣) من بني هلال ، وهم قليل ، وناسا من بني عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر ، وأوعبت معه ثقيف (٤) الأحلاف ، وبنو مالك.

ثم سار بهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وساق معه الأموال والنساء والأبناء.

__________________

(١) انظر عنها : المغازي لعروة ٢١٤ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٢١ ، الروض الأنف ٤ / ١٣٨ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٨٥ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٤٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٧٠ ، تاريخ خليفة ٨٨ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣٢٣ ، عيون الأثر ٢ / ١٨٧ ، السيرة النبويّة لابن كثير ٣ / ٦١٠ ، عيون التواريخ ١ / ٣٢١.

(٢) حنين : واد قريب من مكة ، وقيل هو واد قبل الطائف ، وقيل : واد بجنب ذي المجاز. قال الواقدي بينه وبين مكة ثلاث ليال. وهو يذكّر ويؤنّث. (معجم البلدان ٢ / ٣١٣).

(٣) الأوزاع : الجماعات المتفرقة.

(٤) في الأصل : «نصف الأحلاف» ، والتصحيح من نسختي : ع ، ح.


فلما سمع بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلميّ ، فقال : «اذهب فادخل في القوم ، حتى تعلم لنا من علمهم». فدخل فيهم ، فمكث فيهم يوما أو اثنين. ثم أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره خبرهم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر بن الخطاب : «ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد»؟ فقال عمر : كذب. فقال ابن أبي حدرد : والله لئن كذّبتني يا عمر لربّما كذّبت بالحق. فقال عمر : ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال : «قد كنت يا عمر ضالّا فهداك الله».

ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى صفوان بن أميّة ، فسأله أدراعا عنده ، مائة درع ، وما يصلحها من عدّتها. فقال : أغصبا يا محمد؟ قال : بل عارية مضمونة. ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سائرا (١).

قال ابن إسحاق : ثنا الزهري قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حنين في ألفين من مكة ، وعشرة آلاف كانوا معه ، فسار بهم (٢).

وقال ابن إسحاق : واستعمل على مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العيص ابن أميّة (٣).

وبالإسناد الأوّل : أنّ عوف بن مالك أقبل فيمن معه ممّن جمع من قبائل قيس وثقيف ، ومعه دريد بن الصّمّة (٤) ، شيخ كبير في شجار (٥) له يقاد به ، حتى

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٢ ، ١٢٣.

(٢) ، (٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٣.

(٤) دريد بن الصمّة : هو أبو قرّة الهوازني ، واسم الصمّة : معاوية. من شعراء العرب وشجعانهم وذوي أسنانهم. عاش نحوا من مائتي سنة حتى سقط حاجباه على عينيه. وخرجت به هوازن يوم حنين تتيمّن برأيه فقتل كافرا.

انظر عنه في : المحبّر لابن حبيب ٢٩٨ ، الشعر والشعراء ٢ / ٦٣٥ رقم ١٧٨ ، المؤتلف والمختلف للآمدي ١١٤ ، الأغاني ١٠ / ٣ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٨٩ ، السمط الثمين ٣٩ ، المعمّرين ٢٠ ، أسماء المغتالين ٢٢٣ ، تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٢٦ ، الوافي بالوفيات ١٤ / ١١ رقم ١١ ، التذكرة السعدية ١٠٢ ، معجم الشعراء في لسان العرب ١٥٠ رقم ٣٤٤ ، خزانة الأدب للبغدادي ٤ / ٤٢٢ ، شعراء النصرانية ١ / ٧٥٢ ، الأعلام ٣ / ١٦.

(٥) الشجار : الهودج الصغير الّذي يكفي شخصا واحدا فقط ، أو مركب دون الهودج مكشوف الرأس.


نزل النّاس بأوطاس (١). فقال دريد حين نزلوها فسمع رغاء البعير ونهيق الحمير ويعار (٢) الشّاء وبكاء الصغيرة : بأيّ واد أنتم؟ فقالوا : بأوطاس. فقال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس (٣). ما لي أسمع رغاء البعير وبكاء الصغير ويعار الشاء؟ قالوا : ساق مالك مع الناس أموالهم وذراريّهم قال : فأين هو؟ فدعي مالك. فقال : يا مالك ، إنك أصبحت رئيس قومك ، وإنّ هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، فما دعاك إلى أن تسوق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم؟ قال : أردت أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فأنقض به (٤) دريد وقال : راعي ضأن (٥) والله ، وهل يردّ وجه المنهزم شيء؟ إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. فارفع الأموال والنساء والذراريّ إلى عليا قومهم وممتنع بلادهم. ثم قال دريد : وما فعلت كعب وكلاب؟ فقالوا : لم يحضرها منهم أحد. فقال : غاب الحدّ والجدّ ، فمن حضرها؟ قالوا : عمرو ابن [١٠٢ أ] عامر ، وعوف بن عامر فقال : ذانك الجذعان (٦) لا يضرّان ولا ينفعان.

فكره مالك أن يكون لدريد فيها رأي ، فقال : إنّك قد كبرت وكبر علمك ، والله لتطيعنّني (٧) يا معشر هوازن ، أو لأتكئنّ على هذا السيف (٨) حتى

__________________

(١) أوطاس : واد في ديار هوازن.

(٢) اليعار : صوت الغنم أو المعزى ، أو الشديد من أصوات الشاء.

(٣) الحزن : بفتح الحاء المهملة ، ما غلظ من الأرض. والضرس : الأرض الخشنة. والدّهس :

المكان السهل اللين ليس برمل ولا تراب ، أو هو الّذي تغيب فيه القوائم.

(٤) أنقض به : نقر بلسانه في فيه ثم صوّت في حافّتيه ، . كما يزجر الدّابّة ، وكل ما نقرت به فقد أنقضت به. وفي تهذيب ابن عساكر : «أنغص».

(٥) في أوصل (ح) : «يا راعي ضأن والله». والمثبت هو لفظ (ع).

(٦) في الأصل ، ح : ذلك الجذعان. وأثبتنا لفظ ع وهو أصح. والجذعان : مثنى جذع ، وهو الشاب الحدث.

(٧) في الأصل ، ح : لتطيعن. وأثبتنا لفظ ع ، وبه يرد في كل المصادر التي روت هذا الخبر.

(٨) في الأصل : على سيفي هذا. وأثبتنا عبارة ع ، ح. وهي كذلك في جميع مصادر الخبر.


يخرج من ظهري. فقالوا : أطعناك. ثم قال مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم (١) ، ثم شدّوا شدّة رجل واحد (٢).

وقال الواقديّ (٣) : سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة لستّ خلون من شوّال ، في اثني عشر ألفا. فقال أبو بكر : لا نغلب اليوم من قلّة. فانتهوا إلى حنين ، لعشر خلون من شوال. وأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه بالتعبئة ووضع الألوية والرّايات في أهلها. وركب بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة. فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله من السّواد والكثرة ، وذلك في غبش الصبح. وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه. فحملوا حملة واحدة ، فانكشفت خيل بني سليم مولّية ، وتبعهم أهل مكة ، وتبعهم الناس.

فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يا أنصار الله ، وأنصار رسوله ، أنا عبد الله ورسوله». وثبت معه يومئذ : عمّه العباس ، وابنه الفضل ، وعليّ بن أبي طالب ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، وأخوه ربيعة ، وأبو بكر ، وعمر ، وأسامة بن زيد ، وجماعة (٤).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني أميّة بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أنه حدّث أنّ مالك بن عوف بعث عيونا ، فأتوه وقد تقطّعت أوصالهم. فقال : ويلكم ، ما شأنكم؟ فقالوا : أتانا رجال بيض على خيل بلق ، فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. فما ردّه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد (٥). منقطع.

__________________

(١) جفن السيف : غمده.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ٧١ ، ٧٢ ، الأغاني ١٠ / ١٠ ، ٣١ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٢ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، معجم البلدان ١ / ٢٨١.

(٣) المغازي (٣ / ٨٨٩ وما بعدها).

(٤) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٤ ، الطبري ٣ / ٧٤ ، المغازي لعروة ٢١٥ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٥٠ ، ١٥١ نهاية الأرب ١٧ / ٣٢٨.

(٥) المغازي للواقدي ٣ / ٨٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٨٢ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٢.


وعن الربيع بن أنس ، أنّ رجلا قال : لن نغلب من قلّة. فشقّ ذلك على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزلت (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) (١).

وقال معاوية بن سلّام ، عن زيد بن سلّام ، سمع أبا سلّام (٢) يقول : حدّثني السّلوليّ ، أنه حدّثه سهل بن الحنظليّة ، أنّهم ساروا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين ، فأطنبوا السير حتى كان عشيّة ، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء فارس فقال : يا رسول الله إنّي انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا ، فإذ أنا بهوازن على بكرة أبيهم ، بظعنهم ونعمهم وشائهم ، اجتمعوا إلى حنين. فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» ثم قال : من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنويّ : أنا يا رسول الله. قال : فاركب. فركب فرسا له ، وجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : «استقبل هذا الشّعب حتى تكون في أعلاه ، ولا تغرّنّ (٣) من قبلك الليلة».

فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مصلّاه فركع ركعتين ، ثم قال :

أحسستم فارسكم؟ قالوا : يا رسول الله ، لا. فثوّب بالصلاة [١٠٢ ب] فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي ويلتفت إلى الشّعب ، حتى إذا قضى صلاته وسلّم قال : «أبشروا ، فقد جاء فارسكم». فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشّعب ، فإذا هو قد جاء ، حتى وقف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إني كنت انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما أصبحت اطّلعت الشّعبين ، فنظرت فلم أر أحدا. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. هل نزلت الليلة؟ قال : لا ، إلّا مصلّيا أو قاضي حاجة. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٢٥.

(٢) في الأصل «سمع سلام أبا سلام» ، والتصحيح من ع ، ح ، وسنن أبي داود.

(٣) لا تغرّنّ : لا تؤخذ على غرّة.


أوجبت (١) ، فلا عليك أن لا تعمل بعدها». أخرجه أبو داود (٢).

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني عاصم بن عمر ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : خرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين ، فسبق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليها ، فأعدّوا وتهيّئوا في مضايق الوادي وأحنائه. وأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، فانحطّ بهم في الوادي في عماية الصبح. فلما انحطّ الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدّت عليهم ، وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد. وانحاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات اليمين يقول : «أيّها الناس ، هلمّوا ، إنّي أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله». فلا ينثني (٣) أحد. وركبت الإبل بعضها بعضا. فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر الناس ، ومعه رهط من أهل بيته ورهط من المهاجرين ، والعبّاس آخذ بحكمة (٤) بغلته البيضاء ، وثبت معه عليّ ، وأبو سفيان ، وربيعة ، ابنا الحارث ، والفضل بن عباس ، وأيمن بن أمّ أيمن ، وأسامة ، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر. قال : ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء أمام هوازن ، إذا أدرك الناس طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فيتبعوه. فلما انهزم من كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جفاة أهل مكة ، تكلّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضّعن. فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحور. وإنّ الأزلام لمعه في كنانته (٥).

قال ابن إسحاق : فحدّثني عبد الله بن أبي بكر قال : سار أبو سفيان إلى حنين ، وإنّه ليظهر الإسلام ، وإنّ الأزلام التي يستقسم بها في كنانته (٦).

__________________

(١) أوجبت : أي عملت عملا يوجب لك الجنة.

(٢) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في فضل الحرس في سبيل الله تعالى (٢٥٠١).

(٣) في الأصل : «يثني». وفي ع : «يلبي». وأثبتنا لفظ ح.

(٤) الحكمة : ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٤ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٩٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٧٤.

(٦) المغازي للواقدي ٣ / ٨٩٦.


قال شيبة بن عثمان العبدريّ : اليوم أدرك ثأري ـ وكان أبوه قتل يوم أحد ـ اليوم أقتل محمدا. قال : فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتّى تغشّى فؤادي ، فلم أطق ، فعرفت أنه ممنوع (١).

وحدّثني عاصم ، عن عبد الرحمن ، عن أبيه : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين رأى من الناس ما رأى قال : «يا عباس ، اصرخ : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السّمرة» : فأجابوه : لبّيك لبيك. فجعل الرجل منهم يذهب ليعطف بعيره ، فلا يقدر على ذلك ، فيقذف (٢) درعه من عنقه ، ويؤمّ [١٠٣ أ] الصوت ، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم مائة. فاستعرضوا الناس ، فاقتتلوا. وكانت الدّعوة أوّل ما كانت للأنصار ، ثم جعلت آخرا بالخزرج ، وكانوا صبرا عند الحرب ، وأشرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ركائبه ، فنظر إلى مجتلد القوم فقال : «الآن حمي الوطيس». قال : فو الله ما رجعت راجعة الناس إلّا والأسارى عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقتل الله من قتل منهم ، وانهزم من انهزم منهم ، وأفاء الله على رسوله أموالهم ونساءهم وأبناءهم (٣).

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (٤). وقال موسى بن عقبة : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى حنين ، فخرج معه أهل مكة ، لم يتغادر منهم أحد ، ركبانا ومشاة ، حتى خرج النّساء مشاة (٥) ، ينظرون ويرجون الغنائم ، ولا يكرهون الصّدمة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه.

وقال ابن عقبة : جعل أبو سفيان كلّما سقط ترس أو سيف من الصحابة ،

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٤.

(٢) في الأصل : «فنفذت». والتصحيح من ع ، ح.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٥ ، المغازي للواقدي ٣ / ٨٩٩ ، ٩٠٠ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٥١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٧٦.

(٤) في المغازي ٢١٤.

(٥) في المغازي لعروة زيادة «على غير دين».


نادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعطونيه أحمله ، حتّى أوقر جمله.

قالا : فلما أصبح القوم ، اعتزل أبو سفيان ، وابنه معاوية ، وصفوان بن أميّة ، وحكيم بن حزام ، وراء تلّ ، ينظرون لمن تكون الدّبرة (١). وركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستقبل الصفوف ، فأمرهم ، وحضّهم على القتال. فبينا هم على ذلك حمل المشركون عليهم حملة (٢) رجل واحد ، فولّوا مدبرين. فقال حارثة بن النّعمان : لقد حزرت من بقي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أدبر الناس فقلت مائة رجل : ومرّ رجل من قريش على صفوان فقال : أبشر بهزيمة محمد وأصحابه ، فو الله لا يجتبرونها (٣) أبدا. فقال : أتبشّرني بظهور الأعراب؟ فو الله لربّ من قريش أحبّ إليّ من ربّ من الأعراب. ثم بعث غلاما له فقال : اسمع لمن الشّعار؟ فجاءه الغلام فقال : سمعتهم يقولون : يا بني عبد الرحمن ، [يا بني عبد الله] (٤) ، يا بني عبيد الله. فقال : ظهر محمد. وكان ذلك شعارهم في الحرب. وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا غشيه القتال قام في الرّكابين ، ويقولون رفع يديه إلى الله تعالى يدعوه ، يقول : «اللهمّ إنّي أنشدك ما وعدتني ، اللهمّ لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا». ونادى أصحابه : «يا أصحاب البيعة يوم الحديبيّة ، الله الله ، الكرّة على نبيّكم». ويقال قال : «يا أنصار الله وأنصار رسوله ، يا بني الخزرج» (٥). وأمر من يناديهم بذلك. وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها وجوه المشركين ، ونواصيهم كلّها. وقال : «شاهت الوجوه». وأقبل إليه أصحابه سراعا ، وهزم الله المشركين. وفرّ مالك بن عوف

__________________

(١) في المغازي لعروة «الدائرة».

(٢) في الأصل «حمل» ، والمثبت من نسختي : ع ، ح.

(٣) في الأصل ، ح : «يحتبرونها» ، وفي ع : «يختبرونها». ولعل الوجه ما أثبتناه ، أخذا عن لفظ المقريزي في الإمتاع : والله لا يجتبرها محمد وأصحابه أبدا. من جبر الكسر والمصيبة وغيرهما ، واجتبر الشيء أصلح أمره وأقامه.

(٤) سقطت من الأصل ، وزدناها من ع ، ح. ومغازي عروة.

(٥) في مغازي عروة زيادة «يا أصحاب سورة البقرة».


حتى دخل حصن الطّائف في ناس من قومه.

وأسلم حينئذ ناس كثير من أهل مكة ، حين رأوا نصر الله رسوله.

مختصر من حديث ابن عقبة (١). وليس عند عروة قيام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الرّكابين (٢) ، ولا قوله : يا أنصار الله.

وقال شعبة : عن أبي إسحاق ، سمع البراء ، وقال له رجل : يا أبا عمارة ، [١٠٣ ب] أفررتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين؟ قال : لكنّ رسول الله لم يفرّ. إنّ هوازن كانوا رماة ، فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا ، فأقبل الناس على الغنائم ، فاستقبلوا بالسّهام ، فانهزم الناس. فلقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلته ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

أنا النّبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب

 متّفق عليه (٣).

وأخرجه البخاري (٤) ومسلم (٥). من حديث زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق. وفيه : ولكن خرج شبّان أصحابه وأخفّاؤهم حسّرا ليس عليهم كثير سلاح ، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم. وزاد فيه مسلم ، من حديث زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق : اللهمّ نزّل نصرك. قال : وكنا إذا

__________________

(١) انظر النص في المغازي لعروة ٢١٤ ، ٢١٥ ، ورواه البيهقي.

(٢) يقول خادم العلم عمر بن عبد السلام تدمري إن قيام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الركابين ، موجود في المغازي لعروة ، خلافا لقول المؤلّف رحمه‌الله. (انظر المغازي ٢١٥).

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قول الله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) (٥ / ٩٨). وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب في غزوة حنين (٧٨ / ١٧٧٦) ، والترمذي في كتاب الجهاد (١٧٣٨) باب ما جاء في الثبات عند القتال ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٨٠ و ٢٨١ و ٢٨٩ و ٣٠٤.

(٤) في كتاب الجهاد والسير (٣ / ٢٣٣) باب من صفّ أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابّته واستنصر.

(٥) في كتاب الجهاد والسير (٨٠ / ١٧٧٦) باب في غزوة حنين.


حميّ (١) البأس نتّقي به صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال هشيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن سعيد بن العاص ، أخبرني سيابة بن عاصم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم حنين : «أنا ابن العواتك» (٢).

وقال أبو عوانة ، عن قتادة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في بعض مغازيه : «أنا ابن العواتك».

وقال يونس ، عن ابن شهاب : حدّثني كثير بن العبّاس بن عبد المطّلب ، قال : قال العباس : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين ، فلزمته أنا وأبو سفيان بن الحارث. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بغلته البيضاء ، أهداها له فروة ابن نفاثة الجذاميّ. فلما التقى المسلمون والكفّار ، ولّى المسلمون مدبرين. فطفق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يركض بغلته قبل الكفّار ، وأنا آخذ بلجامها ، أكفّها إرادة أن لا تسرع ، وأبو سفيان آخذ بركابه. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أي عباس ، ناد أصحاب السّمرة (٣). فقال عباس ـ وكان رجلا صيّتا ـ فقلت بأعلى صوتي : أيّ (٤) أصحاب السّمرة. قال : فو الله ، لكأنّما عطفتهم حين سمعوا صوتي ، عطفة البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبّيكاه ، يا لبّيكاه (٥). فاقتتلوا هم والكفّار ، والدّعوة في الأنصار يقولون : يا معشر الأنصار ، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج ، فقالوا : يا بني الحارث بن الخزرج ، يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على بغلته ، كالمتطاول

__________________

(١) في صحيح مسلم «إذا احمرّ» ، والمثبت عن الأصل وبقية النسخ.

(٢) العواتك : جمع عاتكة اسم علم للأنثى منقول من الصفات. والعاتكة المرأة المحمّرة من الطيب أو هي المصفّرة من الزعفران.

(٣) السمرة : هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان.

(٤) كذا في النسخ الثلاث ، ولفظ مسلم : «أين».

(٥) عند مسلم : «يا لبّيك يا لبّيك».


عليها إلى قتالهم فقال : «هذا حين حمي الوطيس» ، ثم أخذ حصيات فرمى بهنّ في وجوه الكفّار. ثم قال : «انهزموا وربّ محمد». فذهبت انظر ، فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، فو الله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحصياته ، فما زلت أرى حدّهم كليلا وأمرهم مدبرا. أخرجه مسلم (١).

وروى معمر ، عن الزّهريّ ، عن كثير ، نحوه ، لكن قال : فروة بن نعامة الجذاميّ ، وقال : «انهزموا وربّ الكعبة» (٢).

وقال [١٠٤ أ] عكرمة بن عمّار : حدّثني إياس بن سلمة ، حدّثني أبي ، قال : غزونا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حنينا ، فلما واجهنا العدوّ ، تقدّمت فأعلو ثنيّة فأستقبل رجلا من العدوّ فأرميه بسهم ، وتوارى عنّي ، فما دريت ما صنع. ثم نظرت إلى القوم ، فإذا هم قد طلعوا من ثنيّة أخرى ، [فالتقوا] (٣) هم والمسلمون ، فولّى المسلمون ، فأرجع منهزما ، وعليّ بردتان مؤتزرا بإحداهما ، مرتديا (٤) بالأخرى. ومررت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهزما وهو على بغلته الشّهباء ، فقال : لقد رأى ابن الأكوع فزعا. فلما غشوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل عن (٥) البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب. ثم استقبل به وجوههم ، فقال : «شاهت الوجوه». فما خلق الله منهم إنسانا إلّا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة. فولّوا مدبرين. وقسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غنائمهم بين المسلمين. أخرجه مسلم (٦).

وقال أبو داود في مسندة : ثنا حمّاد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن

__________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب في غزوة حنين (٧٦ / ١٧٧٥).

(٢) صحيح مسلم (٧٧ / ١٧٧٥).

(٣) سقطت من الأصل ، واستدركناها من نسختي : ع ، ح ، وصحيح مسلم.

(٤) في الأصل «مرتد بالآخر» ، وفي نسختي : ع ، ح «مرتد بالأخرى». والمثبت من صحيح مسلم.

(٥) في النسخ الثلاث «من» ، والتصحيح من صحيح مسلم.

(٦) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، . باب في غزوة حنين (٨١ / ١٧٧٧).


عبد الله بن يسار ، عن أبي عبد الرحمن الفهريّ ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حنين. فذكر الحديث ، وفيه : فحدّثني من كان أقرب إليه منّي أنه أخذ حفنة من تراب ، فحثا بها في وجوه القوم ، وقال : «شاهت الوجوه». قال يعلى ابن عطاء : فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : ما بقي منّا أحد إلّا امتلأت عيناه وفمه من التراب. وسمعنا صلصلة من السماء كمرّ الحديد على الطّست ، فهزمهم الله (١).

وقال عبد الواحد بن زياد ، ثنا الحارث بن حصيرة ، ثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال ابن مسعود : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين ، فولّى عنه الناس ، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، وهم الذين أنزل الله عليهم السّكينة. قال : ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بغلته يمضي قدما ، فحادت البغلة فمال عن السّرج ، فشدّه نحوه ، فقلت : ارتفع ، رفعك الله. قال : «ناولني كفّا من تراب». فناولته ، فضرب به وجوههم ، فامتلأت أعينهم ترابا. قال : «أين المهاجرون والأنصار»؟ قلت : هم هاهنا. قال : «اهتف بهم». فهتفت بهم ، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنّهم الشّهب وولّى المشركون أدبارهم (٢).

وقال البخاري في تاريخه (٣) : ثنا أبو عاصم ، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ، أخبرني عبد الله بن عياض بن الحارث ، عن أبيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى هوازن في اثني عشر ألفا ، فقتل من أهل الطّائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر. وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفا من حصباء فرمى به وجوهنا ، فانهزمنا.

__________________

(١) منحة المعبود : كتاب السيرة النبويّة ، باب غزوة هوازن يوم حنين (٢ / ١٠٧) ، وأخرجه أحمد في المسند ٢ / ٢٢٢ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٥٦.

(٢) رواه أحمد في المسند ١ / ٤٥٣ ، ٤٥٤.

(٣) التاريخ الكبير ٤ / ١٩.


وقال جعفر بن سليمان : ثنا عوف ، ثنا عبد الرحمن مولى أمّ برثن ، عمّن شهد حنينا كافرا ، قال : لما التقينا والمسلمون لم يقوموا لنا حلب شاة (١) ، فجئنا نهشّ سيوفنا بين [١٠٤ ب] يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى إذا غشيناه إذا بيننا وبينه رجال حسان الوجوه ، فقالوا : شاهت الوجوه ، فارجعوا. فهزمنا من ذلك الكلام. [إسناده جيد] (٢).

وقال الوليد بن مسلم ، وغيره ، حدّثني ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن شيبة بن عثمان ، قال : لما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين قد عري (٣) ، ذكرت أبي وعمّي وقتل عليّ وحمزة إيّاهما. فقلت : اليوم أدرك ثأري من محمد. فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعبّاس قائم ، عليه درع بيضاء كأنّها فضّة يكشف عنها العجاج ، فقلت عمّه ولن يخذله. قال : ثم جئته عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث ، فقلت ابن عمّه ولن يخذله. قال : ثم جئته من خلفه فلم يبق إلّا أن أسوّره سورة بالسّيف ، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنّه برق ، فخفت يمحشني (٤) ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى. والتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «يا شيب (٥)» يا شيب ، أدن منّي ، اللهمّ أذهب عنه الشيطان». فرجعت إليه بصري ، فلهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري. وقال : «يا شيب ، قاتل الكفّار». غريب جدّا (٦).

وقال أيّوب بن جابر ، عن صدقه بن سعيد ، عن مصعب (٧) بن شيبة ، عن

__________________

(١) لم يقوموا لنا حلب شاة : أي لم يصمدوا للقتال مقدار ما يستغرقه حلب الشاة من الوقت.

(٢) زيادة من ح. وانظر : المغازي للواقدي ٣ / ٩٠٦.

(٣) في الأصل : «غزي». والتصحيح من ع ، ح. وعري : انكشف.

(٤) محشه وأمحشه : يحرقه.

(٥) في الأصل : «يا شبيب». والمثبت من ح. وشيب : مرخّم شيبة.

(٦) أخرجه ابن عساكر ، انظر : تهذيب تاريخ دمشق ٦ / ٣٥٠ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٠٩ ، ٩١٠.

(٧) في الأصل ، ع : «منصور بن شيبة». والتصحيح من (ح) ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (١٠ / ١٦٢).


أبيه ، قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والله ما أخرجني إسلام ، ولكن أنفت أن تظهر هوازن على قريش. فقلت وأنا واقف معه : يا رسول الله ، إنّي أرى خيلا بلقا. قال : «يا شيبة ، إنّه لا يراها إلّا كافر». فضرب يده على صدري ، ثم قال : «اللهمّ اهد شيبة» ، فعل ذلك ثلاثا ، حتى ما كان أحد من خلق الله أحبّ إليّ منه. وذكر الحديث.

وقال ابن إسحاق : وقال مالك بن عوف ، يذكر مسيرهم بعد إسلامه :

اذكر مسيرهم للنّاس إذ جمعوا

ومالك فوقه الرّايات تختفق

 ومالك مالك ما فوقه أحد

يومي حنين عليه التّاج يأتلق

 حتّى لقوا النّاس خير النّاس يقدمهم

عليهم البيض والأبدان والدّرق

 فضاربوا النّاس حتّى لم يروا أحدا

حول النّبيّ وحتّى جنّه الغسق

 حتّى تنزّل جبريل بنصرهم

فالقوم منهزم منهم ومعتنق

 منّا ولو غير جبريل يقاتلنا

لمنّعتنا إذا أسيافنا الغلق

 وقد وفى عمر الفاروق إذ هزموا

بطعنة بلّ منها سرجه العلق (١)

* * *

وقال مالك ، في الموطّأ (٢) ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حنين ، فلما التقينا كان للمسلمين جولة. قال : فرأيت رجلا من المشركين قد علا [١٠٥ أ] رجلا من المسلمين ، فاستدرت له فضربته بالسيف على حبل عاتقه (٣) ، فأقبل عليّ فضمّني ضمّة وجدت منها ريح الموت. ثم أدركه الموت فأرسلني. فأدركت عمر فقلت : ما بال النّاس؟ قال : أمر الله. ثم إنّ الناس رجعوا. وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «من قتل قتيلا له عليه بيّنة

__________________

(١) في الأصل : «بل منه بسرجه». والتصحيح من ح. وفي هامش ح : «العلق الدم الغليظ». وانظر الأبيات في سيرة ابن هشام (٤ / ١٣٧) باختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(٢) كتاب الجهاد ، ما جاء في السلب في النفل ـ ص ٣٠١ رقم ٩٨١.

(٣) ما بين العنق والكتف.


فله سلبه». فقمت ثم قلت : من يشهد لي؟ ثم جلست. ثم قال : «من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سلبه». فقمت ثم قلت : من يشهد لي. ثم الثالثة ، فقمت ، فقال : «مالك يا أبا قتادة؟» فاقتصصت عليه القصّة. فقال رجل من القوم : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه منه. فقال أبو بكر الصدّيق : لاها الله ذا (١) ، يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله ، فيعطيك سلبه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدق ، فأعطه إيّاه». فأعطانيه. فبعث الدّرع ، فابتعت به مخرفا (٢) في بني سلمة. فإنّه لأوّل مال تأثّلته (٣) في الإسلام. أخرجه البخاري (٤) ، وأبو داود ، عن القعنبيّ (٥) ، ومسلم (٦).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم حنين : «من قتل قتيلا فله سلبه». فقتل يومئذ أبو طلحة عشرين رجلا وأخذ أسلابهم. صحيح (٧).

وبه عن أنس ، قال : لقي أبو طلحة أمّ سليم يوم حنين ومعها خنجر ، فقال : يا أم سليم ، ما هذا؟ قالت : أردت إن دنا منّي بعضهم أن أبعج به بطنه. فأخبر بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرجه مسلم (٨).

__________________

(١) في الموطأ (٣٠٢) : «لا هاء الله إذا ، لا يعمد ...».

(٢) المخرف : البستان من النخل ، وقيل نخلة أو نخلات يسيرة إلى عشرة ، وما فوق ذلك فهو بستان.

(٣) تأثل الرجل المال : اكتسبه وجمعه واتخذه لنفسه.

(٤) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب من لم يخمّس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه (٤ / ١١٢ ـ ١١٣) وكتاب المغازي ، باب قول الله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) (٥ / ١٩٦) ، وأحمد في المسند ٥ / ١٢ و ٢٩٥ و ٣٠٦.

(٥) سنن أبي داود : كتاب الجهاد ، باب في السلب يعطى القاتل (٢ / ٧٠ رقم ٢٧١٧).

(٦) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب استحقاق القاتل سلب القتيل (٤١ / ١٧٥١).

(٧) أخرجه ابن أبي داود في الجهاد (٢٧١٨) باب في السلب يعطى القاتل ، والدارميّ في السير (٤٣).

(٨) في كتاب الجهاد والسير (١٣٤ / ١٨٠٩) باب غزوة النساء مع الرجال ، وأبو داود في الجهاد (٢٧١٨) باب في السلب يعطى القاتل. وأحمد في المسند ٣ / ١٠٩ و ١٩٠ و ٢٧٩ و ٢٨٦.



غزوة أوطاس (١)

وقال شيخنا الدّمياطيّ (٢) في «السّيرة» له : كان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمرا قد أرخوها بين أكتافهم (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قتل قتيلا عليه بيّنة فله سلبه» (٤). وأمر بطلب العدوّ. فانتهى بعضهم إلى الطّائف ، وبعضهم نحو نخلة (٥) ، ووجّه قوم منهم إلى أوطاس. فعقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي عامر الأشعريّ لواء ووجّهه في طلبهم ، وكان معه سلمة بن الأكوع ، فانتهى إلى عسكرهم ، فإذا هم ممتنعون. فقتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة. ثم برز له العاشر معلما بعمامة صفراء ، فضرب أبا عامر فقتله. واستخلف أبو عامر أبا موسى الأشعريّ ،

__________________

(١) أوطاس : واد في ديار هوازن. (معجم البلدان ١ / ٢٨١).

(٢) هو العلامة الحافظ الحجة شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف التوني الدمياطيّ الشافعيّ ، مولده في آخر سنة ٦١٣ ووفاته سنة سنة ٧٠٥ ه‍. ترجمته في تذكرة الحفاظ (٤ / ١٤٧٧) والدرر الكامنة (٣ / ٣٠) وفوات الوفيات (٢ / ٧) وشذرات الذهب (٦ / ١٢) وغيرها. وقد أشار في كشف الظنون (٢ / ١٠١٣) إلى مصنفه في مختصر السيرة النبويّة ، وقال في الشذرات إنه في مجلد. و (التوني) نسبة إلى تونة وهي جزيرة قرب تنيس بمصر.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ / ١٥١.

(٤) مرّ تخريج هذا الحديث قبل قليل.

(٥) نخلة : واد من الحجاز بينه وبين مكّة مسيرة ليلتين. (معجم البلدان ٥ / ٢٧٨).


فقاتلهم. حتى فتح الله عليه.

وقال أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة (١) ، عن أبي موسى ، قال : لما فرغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حنين ، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس ، فلقي دريد ابن الصّمّة ، فقتل دريد ، وهزم الله أصحابه ، ورمي أبو عامر في ركبته ، رماه رجل من بني جشم ، فأثبته في ركبته ، فانتهيت إليه ، فقلت : يا عمّ ، من رماك؟ فأشار إليّ أنّ ذاك قاتلي تراه. فقصدت له ، فاعتمدته ، فلحقته. فلما رآني ولّى عنّي ذاهبا ، فاتّبعته ، وجعلت أقول له : ألا تستحي؟ ألست عربيّا؟ ألا تثبت؟ [١٠٥ ب] فكفّ ، فالتقينا ، فاختلفنا ضربتين ، أنا وهو ، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت : قد قتل الله صاحبك. قال : فانتزع هذا السهم. فنزعته ، فنزا منه الماء. فقال : يا بن أخي ، انطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقره منّي السلام ، ثم قل له يستغفر لي. قال : واستخلفني أبو عامر على النّاس. فمكث يسيرا ومات. وذكر الحديث. متّفق عليه (٢).

وقال ابن إسحاق (٣) : وقتل يوم حنين من ثقيف سبعون رجلا تحت رايتهم. وانهزم المشركون ، فأتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف. وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة. وتبعت خيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القوم ، فأدرك ربيعة بن رفيع ، ويقال ابن الدّغنّة (٤) ، دريد بن الصّمّة ، فأخذ بخطام جمله ، وهو يظنّ أنّه امرأة ، فإذا شيخ كبير ولم يعرفه الغلام. فقال له

__________________

(١) في الأصل «ع» : «عن بريد بن أبي بردة» ، والتصحيح من (ح) وصحيحي البخاري ومسلم.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب غزاة أوطاس (٥ / ١٠١ ، ١٠٢) ، وصحيح مسلم :

كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي‌الله‌عنهما (١٦٤ / ٢٤٩٧).

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٣٦.

(٤) في النسخ الثلاث : «ابن لدغة». ورواية ابن إسحاق أنه ابن الدّغنّة ، وهي أمه غلبت على اسمه ، ويقال اسمها لدغة : وانظر ترجمته في أسد الغابة (٢ / ٢١١) والإصابة (١ / ٥٠٧) وتجريد أسماء الصحابة (١ / ١٧٩).


دريد : ما ذا تريد بي؟ قال : أقتلك. قال : ومن أنت؟ قال : ربيعة بن رفيع السّلميّ. ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا. فقال : بئس ما سلّحتك أمّك. خذ سيفي هذا من مؤخّر الرّحل ، ثم اضرب به ، وارفع عن العظام (١) ، واخفض عن الدّماغ ، فإنّي كذلك كنت أضرب الرجال. ثم إذا أتبعت أمّك فأخبرها أنّك قتلت دريد بن الصّمة ، فربّ يوم والله قد منعت فيه نساءك. فقتله. فقيل : لما ضربه ووقع تكشّف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه أبيض كالقرطاس من ركوب الخيل أعراء (٢). فلما رجع إلى أمّه أخبرها بقتله ، فقالت : أما والله لقد أعتق أمّهات لك (٣).

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آثار من توجّه إلى أوطاس ، أبا عامر الأشعريّ فرمي بسهم فقتل. فأخذ الراية أبو موسى فهزمهم. وزعموا أنّ سلمة بن دريد هو الّذي رمى أبا عامر بسهم (٤).

واستشهد يوم حنين (٥) : أيمن بن عبيد ، ولد أمّ أيمن ، مولى بني هاشم. ويزيد بن زمعة بن الأسود الأسديّ القرشيّ. وسراقة بن حباب (٦) بن عديّ العجلانيّ الأنصاريّ. وأبو عامر عبيد الأشعريّ.

* * *

ثم جمعت الغنائم ، فكان عليها مسعود بن عمرو (٧). وإنّما تقسّم بعد الطّائف.

__________________

(١) في الأصل : «الطعام». والتصويب من السيرة لابن هشام ٤ / ١٢٨.

(٢) أعراء : جمع عرى وهو الفرس لا سرج له.

(٣) ، (٤) سيرة ابن هشام ٤ / ١٢٨ و ١٢٩.

(٥) انظر الأسماء في المغازي لعروة ٢١٩ وفيها نقص ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ١٩٨ ـ ١٩٠ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٣٠ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٥٢ ، وتاريخ خليفة ٨٨ ، ٨٩ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٢٢.

(٦) ويقال : سراقة بن الحارث ، وهي رواية ابن هشام في السيرة ٤ / ١٣٠ ، عن ابن إسحاق ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٥٢.

(٧) سيرة ابن هشام ٤ / ١٣١.



غزوة الطّائف (١)

فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حنين يريد الطائف في شوال. وقدّم خالد بن الوليد على مقدّمته. وقد كانت ثقيف رمّوا حصنهم وأدخلوا فيه ما يكفيهم سنة. فلما انهزموا من أوطاس دخلوا الحصن وتهيّئوا للقتال (٢).

قال محمد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بلغ الطائف [١٠٦ أ] فحاصرهم ، ونادى مناديه : من خرج منهم من عبيدهم فهو حرّ. فاقتحم إليه من حصنهم نفر ، منهم أبو بكرة ابن مسروح أخو زياد من أبيه ، فأعتقهم. ودفع كلّ رجل منهم إلى رجل من أصحابه ليحمله. فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتى على الجعرّانة (٣). فقال : «إنّي معتمر».

__________________

(١) انظر عنها في : المغازي لعروة ٢١٦ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٤٨ ، المغازي للواقدي ٣ / ٩٢٢ ، تاريخ خليفة ٨٩ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٥٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٨٢ ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٣٣٥ ، عيون الأثر لابن سيد الناس ٢ / ٢٠٠ ، صحيح البخاري ٥ / ١٠٢ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٠٢ ، السيرة لابن كثير ٣ / ٦٥٢ ، عيون التواريخ للكتبي ١ / ٣٣٣ ، معجم البلدان ٤ / ١١ ، ١٢ ، جوامع السيرة لابن حزم ٢٤٢ ، الدرر في المغازي والسير ٢٤٣.

(٢) عن الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٥٨.

(٣) الجعرانة : بكسر أوله إجماعا ، وأصحاب الحديث يكسرون عينه ويشدّدون راءه ، وأهل الأدب


وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة. وقال إسماعيل بن إبراهيم ابن عقبة ، عن عمّه موسى ، قالا : ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف ، وترك السّبي بالجعرّانة ، وملئت عرش (١) مكة منهم. ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة ، يقاتلهم. وثقيف ترمي بالنبل ، وكثرت الجراح ، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها (٢). فقالت ثقيف : لا تفسدوا الأموال فإنّها لنا أو لكم. واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال : ما أرى أن نفتحه ، وما أذن لنا فيه.

وزاد عروة قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمين أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم. فأتاه عمر فقال : يا رسول الله ، إنّها عفاء لم تؤكل ثمارها. فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثمرته ، الأوّل فالأول (٣). وبعث مناديا ينادي : من خرج إلينا فهو حرّ.

وقال ابن إسحاق : لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة ، كانا بجرش (٤) يتعلّمان صنعة الدبّابات والمجانيق (٥).

ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [على نخلة] (٦) إلى الطائف ، وابتنى بها مسجدا وصلّى فيه. وقتل ناس من أصحابه بالنّبل. ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم. وحاصرهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضعا وعشرين ليلة ، ومعه

__________________

= يخطّئونهم ويسكّنون العين ويخفّفون الراء. وهي ماء بين الطائف ومكة ، وهي إلى مكة أقرب. (معجم البلدان ٢ / ١٤٢).

(١) العرش : جمع عرش ، وهو ركن الشيء ، أو الخيمة ، أو البيت الّذي يستظلّ به كالعريش. يريد بيوتها وأركانها.

(٢) حتى هنا أورده البيهقي في السنن الكبرى ٩ / ٨٤ ، وعروة في المغازي ٢١٦.

(٣) حتى هنا رواية عروة في المغازي ٢١٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ٨٤. وانظر مغازي الواقدي ٣ / ٩٢٩.

(٤) جرش : مخلاف من مخاليف اليمن من جهة مكة.

(٥) انظر تاريخ الطبري ٣ / ٨٤ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٤٨.

(٦) زياد من ح.


امرأتان من نسائه ، إحداهما أمّ سلمة بنت أبي أميّة. فلما أسلمت ثقيف بني على مصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو أميّة بن عمرو بن وهب مسجدا. وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدّهر ، فيما يذكرون ، إلّا سمع لها نقيض. والنّقيض صوت المحامل (١).

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن سنبر ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي نجيح السّلميّ ، قال : حاصرنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قصر الطائف. فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من بلغ بسهم فله درجة في الجنّة». فبلغت يومئذ ستة عشر سهما. وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من رمى بسهم في سبيل الله فهو [له] (٢) عدل محرّر» (٣).

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أمها ، قالت : كان عندي مخنّث ، فقال لأخي عبد [١٠٦ ب] الله : إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فإنّي أدلّك على ابنة غيلان ، فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله فقال : «لا يدخلنّ هذا عليكم» (٤). متّفق عليه بمعناه (٥).

__________________

(١) المحامل : الرحال. والنقيض كذلك مطلق الصوت. وانظر الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ١٤٩ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٢٧.

(٢) سقطت من الأصل ، وأضفتها من سنن الترمذي ٣ / ٩٦.

(٣) أخرجه الترمذي في الجهاد (١٦٨٩) باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله ، وقال : «هذا حديث حسن صحيح ، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السّلمي». والنسائي في كتاب الجهاد ٦ / ٢٧ باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عزوجل. وأحمد في المسند ٤ / ١١٣ و ٣٨٤.

(٤) في صحيح البخاري ٥ / ١٠٢ : عليكنّ».

(٥) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الطائف (٥ / ١٠٢) وصحيح مسلم : كتاب السلام ، باب منع المخنّث من الدخول على النساء الأجانب (٣٢ / ٢١٨٠) ، والموطّأ لمالك في كتاب الأقضية (ص ٥٤٤ ، ٥٤٥) رقم ١٤٥٣ باب ما جاء في المؤنّث من الرجال ومن أحق بالولد.


وقال الواقديّ (١) عن شيوخه ، أنّ سلمان [الفارسيّ] (٢) قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم ـ يعني الطائف ـ فإنّا كنا بأرض فارس ننصبه على الحصون ، فإن لم يكن منجنيق طال الثّواء. فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعمل منجنيقا بيده ، فنصبه على حصن الطائف. ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ، ودبّابتين. ويقال : الطّفيل بن عمرو قدم بذلك. قال : فأرسلت (٣) عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنّار ، فحرقت الدبّابة. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقطع أعنابهم وتحريقها. فنادى سفيان بن عبد الله الثّقفيّ : لم تقطع أموالنا؟ فإنّما هي لنا أو لكم. فتركها.

وقال أبو الأسود ، عن عروة ، من طريق ابن لهيعة : أقبل عيينة بن [حصن] (٤) حتى جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ايذن لي أن أكلّمهم ، لعلّ الله أن يهديهم. فأذن له. فانطلق حتى دخل الحصن ، فقال : بأبي أنتم ، تمسّكوا بمكانكم ، والله لنحن أذلّ من العبيد ، وأقسم بالله لئن حدث به حدث ليملكنّ العرب عزّا ومنعة ، فتمسّكوا بحصنكم. ثم خرج فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ذا [قلت]؟» (٥) قال : دعوتهم إلى الإسلام ، وحذّرتهم النّار وفعلت. فقال : «كذبت ، بل قلت كذا وكذا». قال : صدقت يا رسول الله ، أتوب إلي الله وإليك (٦).

* * *

أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ ، سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، ومحمد بن أبي الحزم (٧) ، وحسن بن علي ، ومحمد بن أبي الفتح الشيبانيّ ،

__________________

(١) في المغازي : (٣ / ٩٢٧).

(٢) زيادة للتوضيح عن الواقدي.

(٣) في الأصل : «فأرسل». والمثبت من ح والواقدي.

(٤) في الأصل «عيينة بن بدر» ، والتصحيح من المغازي لعروة وغيره ، مثل طبقات ابن سعد ، وتاريخ الطبري.

(٥) سقطت من الأصل (ح). واستدركناها من النسخة (ع).

(٦) المغازي لعروة ٢١٧.

(٧) في ح : «ابن أبي الحرم». وفي ع : «ابن أبي حرم».


ومحمد بن أحمد العقيلي ، ومحمد بن يوسف الذّهبيّ (١). وآخرون ، قالوا : أنا أبو الحسن بن علي بن محمد السّخاوي.

(ح) وأنا عبد المعطي بن عبد الرحمن ، بالإسكندرية ، أنا عبد الرحمن ابن مكّي.

(ح) وأنا لؤلؤ المحسني ، بمصر ، وعلي بن أحمد ، وعلي بن محمد ، الحنبليّان ، وآخرون ، قالوا : أنا أبو الحسن عليّ بن هبة الله الفقيه ، قال : أنا أبو طاهر أحمد بن أحمد بن سلفة الحافظ ، أنا أبو الحسن مكّي بن منصور الكرجي.

وقرأت على سنقر القضائيّ (٢) بحلب ، أخبرك عبد اللطيف بن يوسف.

وسمعته ، سنة أ[ثنتين] (٣) وتسعين ، على عائشة بنت عيسى بن الموفّق ، أنا جدّي أبو محمد قدامة ، وسنة أربع عشرة وستمائة حضورا ، قالا : أنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسيّ ، أنا محمد بن أحمد الساوي ، سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، قالا : أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا زكريا بن يحيى المروزي ببغداد ، ثنا [١٠٧ أ] سفيان ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي العباس ، عن عبد الله بن عمر ، قال :

حاصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا. قال : إنّا قافلون غدا إن شاء الله. فقال المسلمون : أنرجع ولم نفتحه؟ فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اغدوا على القتال غدا». فأصابهم جراح. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّا قافلون غدا إن شاء الله». فأعجبهم ذلك ، فضحك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) في الأصل : (ع) : «الدهني». والتصحيح من (ح) والمشتبه في النسبة (١ / ٢٩٠).

(٢) رسمت في النسخ الثلاث : «الفصاي». والتصحيح من المشتبه (١ / ٢٧٤).

(٣) في الأصل. حرف الألف ثم بياض كلمة. والمثبت من (ح).


أخرجه مسلم (١) ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان هكذا. وعنده : عبد الله بن عمرو ، في بعض النسخ بمسلم (٢).

وأخرجه البخاري (٣) عن ابن المديني ، عن سفيان ، فقال ، عبد الله بن عمر. وقال البخاري : قال الحميديّ ، ثنا سفيان ، نا عمرو ، سمعت أبا العبّاس الأعمى يقول : سمعت عبد الله بن عمر بن الخطاب.

وقال أبو القاسم البغويّ : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا ابن عيينة ، فذكره وقال فيه : عبد الله بن عمرو.

ثم قال أبو بكر : وسمعت ابن عيينة يحدّث به ، مرّة أخرى ، عن ابن عمر.

وقال المفضّل بن غسّان الغلابي ، أظنّه عن ابن معين ، قال أبو العباس الشاعر ، عن عبد الله بن عمرو ، وابن عمر ، في فتح الطائف : الصحيح ابن عمر.

قال : واسم أبي العباس : السّائب بن فروخ مولى بني كنانة.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (٤) : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ارتحل عن الطائف بأصحابه ودعا حين ركب قائلا : «اللهمّ اهدهم واكفنا مؤنتهم».

وقال ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، وعبد الله بن المكدم ، عمّن أدركوا ، قالوا : حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا

__________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة الطائف (٨٢ / ١٧٧٨).

(٢) راجع تعليق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في حاشية صحيح مسلم ج ٣ / ١٤٠٢ رقم (٤).

(٣) في كتاب المغازي (٥ / ١٠٢) باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان.

(٤) هذا الحديث ليس في مغازي عروة المطبوع. وانظر نحوه في سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٢ والمغازي للواقدي ٣ / ٩٣٧ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٥٩.


من ذلك. ثم انصرف عنهم ، فقدم المدينة ، فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا (١).

وقال ابن إسحاق (٢) : واستشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالطائف : سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية.

وعرفطة بن حباب.

وعبد الله بن أبي بكر الصدّيق ، رمي بسهم فمات بالمدينة في خلافة أبيه.

وعبد الله بن أبي أميّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزوميّ ، أخو أمّ سلمة. وأمّه عاتكة بنت عبد المطّلب. وكان يقال لأبي أميّة ، واسمه حذيفة : زاد الرّاكب. وكان عبد الله شديدا على المسلمين ، قيل هو الّذي قال : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٣) وما بعدها. ثم أسلم قبل فتح مكة بيسير ، وحسن إسلامه. وهو الّذي قال [له] (٤) هيت المخنّث : يا عبد الله ، إن فتح الله عليكم الطائف ، فإنّي أدلّك على ابنة غيلان ، الحديث (٥).

وعبد الله بن عامر بن ربيعة. والسّائب بن الحارث. وأخوه : عبد الله. وجليحة (٦) بن عبد الله.

__________________

(١) الطبري ٣ / ٩٧.

(٢) انظر أسماء الشهداء في الطائف في : المغازي للواقدي ٣ / ٩٣٨ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٥١ ، وتاريخ خليفة ٩٠.

(٣) سورة الإسراء ، آية ٩٠.

(٤) سقطت من الأصل ، واستدركناها من ع ، ح.

(٥) أخرجه البخاري في المغازي ٥ / ١٠٢) باب غزوة الطائف ، ومسلم في كتاب السلام (٣٢ / ٢١٨٠) باب منع المخنّث من الدخول على النساء الأجانب ، ومالك في الموطّأ ، كتاب الأقضية (رقم ١٤٥٣) باب ما جاء في المؤنّث من الرجال ومن أحقّ بالولد.

(٦) في النسخ الثلاث : «طليحة» ، والتصويب من : تاريخ خليفة ٩١ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٥١ ، وأسد الغابة ١ / ٣٤٨ ، وتجريد أسماء الصحابة ١ / ٨٧ ، والإصابة ١ / ٢٤٢.


ومن الأنصار : ثابت بن الجذع. والحارث بن سهل بن أبي صعصعة. والمنذر [١٠٧ ب] بن عبد الله. ورقيم بن ثابت.

فذلك اثنا عشر رجلا ، رضي‌الله‌عنهم.

* * *

ويروى أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم استشار نوفل بن معاوية الدّيلي في أهل الطائف فقال : ثعلب في جحر ، إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرّك (١).

__________________

(١) المغازي للواقدي ٣ / ٩٣٦ ، ٩٣٧.


قسم غنائم حنين وغير ذلك

قال ابن إسحاق :

ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على رحيل ، حتى نزل بالناس بالجعرّانة. وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذرّية ، ومن الإبل والشّاء ما لا يدرى عدّته (١).

وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، ثنا السّمط ، عن أنس ، قال : افتتحنا مكة ، ثم إنّا غزونا حنينا ، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. قال : فصفّ الخيل ، ثم صفّت المقاتلة ، ثم صفّ النساء من وراء ذلك ، ثم صفّ الغنم ثم صفّ النّعم. قال : ونحن بشر كثير قد بلغنا ستّة آلاف ، أظنّه يريد الأنصار. قال : وعلى مجنّبة خيلنا خالد بن الوليد. فجعلت خيلنا تلوذ خلف ظهورنا.

فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرّت الأعراب. فنادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا للمهاجرين يا للمهاجرين ، يا للأنصار يا للأنصار». قال أنس : هذا حديث عمّيّة (٢).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٢.

(٢) العمّيّة : الكبر أو الضلال. وجاء في شرح النووي : قوله هذا حديث عمية ، وهي رواية عامة مشايخنا وفسّر بالشدّة ، وروي بفتح العين وكسر الميم المشدّدة وتخفيف الياء وبعدها هاء


قلنا : لبّيك ، يا رسول الله. فتقدّم ، فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله. قال : فقبضنا ذلك المال ، ثم انطلقنا إلى الطائف. قال : فحاصرناهم أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة ونزلنا. فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي الرّجل المائة ، ويعطي الرجل المائة. فتحدّثت الأنصار بينهم : أمّا من قاتله فيعطيه ، وأمّا من لم يقاتله فلا يعطيه. قال : ثم أمر بسراة المهاجرين والأنصار ـ لمّا بلغه الحديث ـ أن يدخلوا عليه. فدخلنا القبّة حتى ملأناها. فقال : «يا معشر الأنصار ، ـ ثلاث مرات ، أو كما قال ـ ما حديث أتاني؟» قالوا : ما أتاك يا رسول الله. قال : «أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبوا برسول الله حتى تدخلوه بيوتكم؟» قالوا : رضينا. فقال : «لو أخذ الناس شعبا وأخذت الأنصار شعبا أخذت شعب الأنصار». قالوا : رضينا يا رسول الله. قال :«فارضوا». أخرجه مسلم (١).

وقال ابن عون ، عن هشام ، عن زيد ، عن أنس ، قال : لما كان يوم حنين ، فذكر القصّة ، إلى أن قال : وأصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ غنائم كثيرة ، فقسم في المهاجرين والطّلقاء ، ولم يعط الأنصار شيئا. فقالت الأنصار : إذا كانت الشدّة فنحن ندعى ، ويعطى الغنيمة غيرنا. قال : فبلغه ذلك ، فجمعهم في قبّة وقال : «أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا ، وتذهبوا برسول الله تحوزونه إلى بيوتكم؟» قالوا : بلى ، يا رسول الله ، رضينا. فقال : «لو سلك الناس واديا ، وسلكت الأنصار شعبا ، لأخذت شعب الأنصار». [١٠٨ أ] متّفق عليه (٢).

__________________

= لسكت ، أي حدّثني به عمي ، والعم : الجماعة. وروي بتشديد الياء ، وفسّر بعمومتي أي حدّثني به أعمامي.

(١) في كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام وتصبّر من قوي إيمانه (١٣٢ / ١٠٥٩) ، وأخرجه أحمد في المسند ٣ / ١٥٧ ، ١٥٨ ، وابن كثير في السيرة النبويّة ٣ / ٦٧٣.

(٢) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الطائف (٥ / ١٠٥). وصحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه (١٣٥ / ١٠٥٩).


وقال شعيب ، وغيره ، عن الزهري ، حدّثني أنس ، أنّ ناسا من الأنصار قالوا : يا رسول الله ، حين أفاء الله عليهم من أموال هوازن ما أفاءه ، فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل ، فقالوا : يغفر الله لرسول الله ، يعطي قريشا ويدعنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم. فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجمعهم في قبّة من أدم ، ولم يدع معهم أحدا غيرهم. فلما اجتمعوا قال : ما حديث بلغني عنكم؟ فقال له فقهاؤهم : أمّا ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا. فقال : «فإنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال ، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فو الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به». قالوا : قد رضينا. فقال : «إنكم ستجدون بعدي أثرة (١) شديدة ، فاصبروا (٢) حتى تلقوا الله ، ورسوله على الحوض». قال أنس : فلم نصبر. متّفق عليه (٣).

وقال ابن إسحاق : حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد ، قال : لما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمتألّفين من قريش ، وفي سائر العرب ، ولم يكن في الأنصار [منها] (٤) قليل ولا كثير ، وجدوا في أنفسهم. وذكر نحو حديث أنس (٥).

وقال ابن عيينة ، عن عمر بن سعيد بن مسروق ، عن أبيه ، عن عباية بن رفاعة بن (٦) رافع بن خديج ، عن جدّه ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى المؤلّفة

__________________

(١) الأثرة : الاستئثار والانفراد بالشيء. والمقصود هنا استئثار أمراء الجور بالفيء.

(٢) في الأصل : «فاصطبروا». والمثبت عن ع ، ح.

(٣) صحيح البخاري : كتاب فرض الخمس ، باب ما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي المؤلّفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه (٤ / ١١٤ ـ ١١٥). وصحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام إلخ (١٣٢ / ١٠٥٩).

(٤) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٦ ، المغازي للواقدي ٣ / ٩٥٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٩٣.

(٦) في النسخ الثلاث : «أن» وفي صحيح مسلم : عن ، دون جملة «عن جده». والمثبت موافق لما في المغازي لعروة ٢١٨.


قلوبهم من سبي حنين ، كل رجل منهم مائة من الإبل. فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة ، وأعطى صفوان بن أميّة مائة. وأعطى عيينة بن حصن مائة ، وأعطى الأقرع بن حابس مائة ، وأعطى علقمة بن علاثة مائة ، وأعطى مالك ابن عوف النّصريّ مائة ، وأعطى العبّاس بن مرداس دون المائة.

فأنشأ العبّاس يقول :

أتجعل نهبي ونهب العبيـ

د (١) بين عيينة والأقرع

 وما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداس في المجمع

 وقد كنت في الحرب ذا تدرأ (٢)

فلم أعط شيئا ولم أمنع

 وما كنت دون امرئ منهما

ومن تضع اليوم لا يرفع

 فأتمّ له مائة. أخرجه مسلم (٣) ، دون ذكر مالك بن عوف ، وعلقمة ، [و] (٤) دون البيت الثالث (٥).

وقال عثمان بن عطاء الخراسانيّ ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى المؤلّفة قلوبهم : أبا سفيان ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن هشام المخزوميّ ، وصفوان بن أميّة الجمحيّ ، وحويطب ابن عبد العزّى العامريّ ، أعطى كلّ واحد مائة ناقة. وأعطى قيس بن عديّ السّهميّ خمسين ناقة ، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين. فهؤلاء من أعطى من قريش.

__________________

(١) العبيد : اسم فرس العباس بن مرداس.

(٢) ذو تدرأ : ذو منعة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه.

(٣) في كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام إلخ (١٣٧ / ١٠٦٠).

(٤) سقطت من الأصل ، ع. وأثبتناها من ح.

(٥) انظر : سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٤ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٤٦ ، ٩٤٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٩٠ ، ٩١ ، ونهاية الأرب ، ١٧ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ والمغازي لعروة وغيره ، ففيها أبيات أكثر ، مع اختلاف في الألفاظ.


وأعطى العلاء [١٠٨ ب] بن حارثة مائة ناقة ، وأعطى مالك بن عوف مائة ناقة ، وردّ إليه أهله ، وأعطى عيينة بن بدر الفزاريّ مائة ناقة ، وأعطى عبّاس بن مرداس كسوة.

فقال عبد الله بن أبيّ بن سلول للأنصار : قد كنت أخبركم أنّكم ستلون حرّها ويلي بردها غيركم. فتكلّمت الأنصار فقالوا : يا رسول الله ، عمّ هذه الأثرة؟ فقال : «يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم مفترقين فجمعكم الله ، وضلّالا فهداكم الله ، ومخذولين فنصركم الله». ثم قال : «والّذي نفسي بيده ، لو (١) تشاءون لقلتم ثم لصدقتم ولصدّقتم : ألم نجدك مكذّبا فصدّقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، ومحتاجا فواسيناك». قالوا : لا نقول ذلك ، إنّما الفضل من الله ورسوله والنصر من الله ورسوله. ولكنّا أحببنا أن نعلم فيم هذه الأثرة؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوم حديثو عهد بعزّ وملك ، فأصابتهم نكبة فضعضعتهم ولم يفقهوا كيف الإيمان ، فأتألّفهم. حتى إذا علموا كيف الإيمان وفقهوا فيه علّمتهم (٢) كيف القسم وأين موضعه». وساق باقي الحديث (٣).

وقال جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : لمّا كان يوم حنين آثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ناسا في القسمة ، فأعطى الأقرع مائة من الإبل ، وأعطى عيينة مثل ذلك ، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ ، فقال رجل : والله إنّ هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. فقلت : والله لأخبرنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأتيته فأخبرته ، فتغيّر وجهه حتى صار كالصّرف (٤) ، وقال : «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟» ثم قال :

__________________

(١) في الأصل «لقد» والتصحيح من نسختي (ع) و (ح).

(٢) في ع ، ح : علمتم.

(٣) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٦ ، ١٥٧ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٥٧ ، ٩٥٨ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٩٣ ، ٩٤ ، والمغازي لعروة ٢١٩ ، وفتح الباري ٨ / ٥١.

(٤) الصرف : صبغ أحمر يشبه به الدم فيقال دم صرف.


«يرحم الله موسى ، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر». فقلت : لا جرم لا أرفع إليه بعد هذا حديثا. متّفق عليه (١).

وقال اللّيث ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : أتى رجل بالجعرانة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقسم غنائم منصرفه من حنين ، وفي ثوب بلال فضّة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبض منها يعطي الناس. فقال : يا محمد ، اعدل. فقال : «ويلك ، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل». فقال عمر : دعني أقتل هذا المنافق. قال : «معاذ الله ، أن يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي ، إنّ هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة». أخرجه مسلم (٢).

وقال شعيب ، عن الزّهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : بينا نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقسم قسما ، إذ أتاه ذو الخويصرة التّميميّ فقال : يا رسول الله اعدل. فقال : «ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل». فقال عمر : ائذن لي فيه يا رسول الله أضرب عنقه. قال : «دعه ، فإنّ له أصحابا يحقر [١٠٩ أ] أحدكم (٣) صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة» وذكر الحديث. أخرجه البخاري (٤).

وقال عقيل ، عن ابن شهاب ، قال عروة : أخبرني مروان ، والمسور بن

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الطائف (٥ / ١٠٦). وصحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب إعطاء المؤلّفة قلوبهم على الإسلام (١٤٠ / ١٠٦٢) واللفظ له.

(٢) صحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم. (١٤٢ / ١٠٦٣) وأخرجه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي وابن ماجة ، والدارميّ ، ومالك ، والإمام أحمد ، في مواضع كثيرة. (انظر : المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ٦ / ٢٠٤).

(٣) في الأصل : «أحدهم». والتصحيح من ع ، ح.

(٤) صحيح البخاري : كتاب استتابة المرتدّين والمعاندين وقتالهم ، باب من ترك قتال الخوارج للتأليف (٩ / ٢١ ـ ٢٢) ، وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٦ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٤٨.


مخرمة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه (١) أن يردّ إليهم أموالهم ونساءهم. فقال : «معي من ترون ، وأحبّ الحديث إليّ أصدقه. فاختاروا إمّا السّبي ، وإمّا المال ، وقد كنت استأنيت بكم». وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انتظرهم تسع عشرة ليلة حين قفل من الطائف. فلما تبيّن لهم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير رادّ إليهم إلّا إحدى الطّائفتين ، قالوا : إنّا نختار سبينا. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسلمين ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : «أمّا بعد ، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءونا تائبين ، وإني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم. فمن أحبّ [منكم أن يطيّب ذلك فليفعل ، ومن أحبّ] (٢) منكم أن يكون على حظّه حتى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل». فقال الناس : قد طيّبنا ذلك يا رسول الله لهم. فقال : «إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممّن لم يأذن ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم». فرجع الناس فكلّمهم (٣) عرفاؤهم. ثم رجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبروه الخبر بأنهم قد طيّبوا وأذنوا. أخرجه خ (٤).

وقال موسى بن عقبة : ثم انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الطائف إلى الجعرانة ، وبها السّبي ، وقدمت عليه وفود هوازن مسلمين ، فيهم تسعة من أشرافهم فأسلموا وبايعوا. ثم كلّموه فيمن أصيب قالوا : يا رسول الله. إنّ فيمن أصبتم الأمّهات والأخوات والعمّات والخالات ، وهنّ مخازي (٥) الأقوام. ونرغب إلى الله وإليك. وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم رحيما جوادا كريما. فقال :

__________________

(١) في الأصل : «يسألوه». والتصحيح من صحيح البخاري.

(٢) سقطت هذه الجملة من الأصل ، ع وأثبتناها من (ح).

(٣) في الأصل : «وكلمهم». والمثبت عن (ح) وصحيح البخاري.

(٤) في كتاب فرض الخمس ، باب ومن الدليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين إلخ. (٤ / ١٠٨ ـ ١٠٩). وكتاب المغازي ، باب قول الله تعالى (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) (٥ / ١٩٥ ـ ١٩٦). وأبو داود في كتاب الجهاد (٢٦٩٣) باب في فداء الأسير بالمال ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٢٧.

(٥) في الأصل : «مجاري». والمثبت من (ح). وفي (ع) : «محارم». وهي جيّدة.


سأطلب لكم ذلك. قال : في القصة (١).

وقال ابن شهاب : حدّثني سعيد بن المسيّب ، وعروة : أنّ سبي هوازن كانوا ستة آلاف (٢).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدّثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحنين ، فلما أصاب من هوازن ما أصاب من أموالهم وسباياهم ، أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا. فقالوا : يا رسول الله ، إنّا (٣) أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا ، منّ الله عليك. وقام خطيبهم زهير بن صرد. فقال : يا رسول الله : إنّما في الحظائر من السّبايا خالاتك وعمّاتك وحواضنك اللّاتي كنّ يكفلنك ، فلو أنّا ملحنا (٤) [للحارث] (٥) بن أبي شمر ، أو النّعمان بن المنذر ، ثم أصابنا منهما مثل الّذي أصابنا منك ، رجونا عائدتهما (٦) وعطفهما ، وأنت خير المكفولين. ثم [١٠٩ ب] أنشده أبياتا قالها :

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنّك المرء نرجوه وندّخر

 امنن على بيضة إعتاقها حزن (٧)

ممزّق شملها في دهرها غير

 أبقت لها الحرب هتّافا على حزن

على قلوبهم الغمّاء والغمر

 __________________

(١) القصة في المغازي للواقدي ٣ / ٩٥٠ ، ٩٥١.

(٢) الحديث في الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٥٥.

(٣) في النسخ الثلاث «لنا» وأثبتنا لفظ ابن هشام ٤ / ١٥٢.

(٤) في الأصل «ملنحا» ، وهو تحريف ، تصحيحه من (ع) و (ح) وفي النسخة الأخيرة فسّرها في الهامش بقوله : «أي أرضعنا». والملح : الرضاع : (النهاية في غريب الحديث ٤ / ١٠٥).

وانظر السيرة لابن هشام ٤ / ١٥٢ وفيه أيضا : «ويروى : ولو أنّا مالحنا».

(٥) سقطت من النسخ الثلاث ، والاستدراك من سيرة ابن هشام.

(٦) في الأصل : «عائدهما». والمثبت من ع ، ح ، والمغازي للواقدي ٤ / ٩٥٠ والعائدة : المعروف والصلة والفضل. (شرح أبي ذر ـ ص ٤١١).

(٧) في الأصل ، ع : حزز. والمثبت عن النسخة (ح). وفي المغازي للواقدي ٣ / ٩٥٠ «امنن على نسوة قد عاقها قدر» وفي الروض الأنف ٤ / ١٦٦ «امنن على بيضة قد عاقها قدر».


إن لم تداركهم (١) نعماء تنشرها

يا أرجح النّاس حلما (٢) حين يختبر

 امنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك يملؤه من محضها درر (٣)

 امنن على نسوة قد كنت ترضعها

وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

 لا تجعلنّا كمن شالت نعامته (٤)

واستبق منّا ، فإنّا معشر زهر

 إنّا لنشكر آلاء وإن كفرت (٥)

وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم؟» فقالوا : خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا ، أبناؤنا ونساؤنا أحبّ إلينا. فقال : «أما ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم ، وإذا أنا صلّيت بالناس فقوموا وقولوا : إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله ، في أبنائنا ونسائنا ، سأعينكم عند ذلك وأسأل لكم». فلما صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالناس الظّهر ، قاموا فقالوا ما أمرهم به ، فقال : «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم». فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله. قالت الأنصار كذلك. فقال الأقرع بن حابس : أمّا أنا وبنو تميم فلا. فقال العبّاس بن مرداس السّلميّ : أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم : بل ما كان لنا فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال عيينة بن بدر (٦) : أما أنا وبنو فزارة فلا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أمسك منكم بحقّه فله بكل إنسان ستّ فرائض (٧) من أوّل فيء نصيبه».

__________________

(١) في المغازي للواقدي «ألا تداركها». والمثبت يتفق مع الروض الأنف.

(٢) في المغازي «حتى» ، والمثبت يتفق مع الروض الأنف.

(٣) أي الدفعات الكثيرة من اللبن. (السيرة الحلبية ٢ / ٢٥٠) ، وانظر اختلافا يسيرا في البيت عند الواقدي والسهيليّ عما هنا.

(٤) شالت نعامته : أي تفرّقت كلمتهم. أو ذهب عزّهم. (القاموس المحيط ٣ / ٤٠٤)

(٥) في المغازي «وإن قدمت».

(٦) في المغازي للواقدي ٣ / ٩٥١ «عيينة بن حصن».

(٧) الفرائض : جمع فريضة ، وهو البعير المأخوذ في الزكاة ، سمى فريضة لأنه فرض واجب على رب المال.


فردّوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم (١).

ثم ركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتّبعه الناس يقولون : يا رسول الله ، اقسم علينا فيئنا ، حتى اضطرّوه إلى شجرة فانتزعت عنه رداءه فقال :

«ردّوا عليّ ردائي ، فو الّذي نفسي بيده لو كان لكم عدد شجر تهامة [نعما] (٢) لقسمته عليكم ، ثم ما لقيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذّابا». ثم قام إلى جنب بعير وأخذ من سنامه وبرة فجعلها بين إصبعيه وقال : «أيّها الناس ، والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم. فأدّوا الخياط والمخيط (٣) ، فإن الغلول (٤) عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة». فجاء رجل من الأنصار بكبّة (٥) من خيوط شعر فقال : أخذت [١١٠ أ] هذه لأخيط بها برذعة بعير لي دبر (٦). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما حقّي منها فلك». فقال الرجل : أمّا إذا بلغ الأمر هذا فلا حاجة لي بها. فرمى بها (٧).

وقال أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّ عمر سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالجعرانة. فقال : إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف يوما في المسجد الحرام. قال : «اذهب فاعتكف». وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أعطاه جارية من الخمس. فلما أن أعتق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبايا الناس ، قال عمر : يا عبد الله ، اذهب إلى تلك الجارية فخلّ سبيلها. أخرجه مسلم (٨).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٢ وانظر المغازي للواقدي ٣ / ٩٥١ ، ٩٥٢ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٥٣ ، ١٥٤ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٨٧.

(٢) زيادة من (ح) وابن هشام.

(٣) الخياط : الخيط ، والمخيط : الإبرة.

(٤) الغلول : الخيانة في المغنم والسرقة وكل من خان في شيء خفية فقد غلّ.

(٥) الكبّة : من الغزل أو الشعر ما جمع على شكل كرة أو أسطوانة.

(٦) الدبر : قروح تصيب ظهر البعير أو خفه ، فهو دبر وأدبر.

(٧) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٣ ، ١٥٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ٨٩ ، ٩٠.

(٨) صحيح مسلم : كتاب الإيمان ، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم (٢٨ / ١٦٥٦).


وقال ابن إسحاق (١) : حدّثني أبو وجزة السعديّ : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى من سبي هوازن عليّ بن أبي طالب جارية ، وأعطى عثمان وعمر ، فوهبها عمر لابنه.

قال ابن إسحاق (٢) : فحدّثني نافع ، عن ابن عمر ، قال : بعثت بجاريتي إلى أخوالي من بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم. فخرجت من المسجد فإذا الناس يشتدّون ، فقلت : ما شأنكم؟ فقالوا : ردّ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءنا وأبناءنا. فقلت : دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح فانطلقوا فأخذوها.

قال ابن إسحاق (٣) : وحدّثني أبو وجزة يزيد بن عبيد : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لوفد هوازن : «ما فعل مالك بن عوف؟» قالوا : هو بالطائف. فقال : «أخبروه أنّه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله ، وأعطيته مائة من الإبل».

فأتي مالك بذلك ، فخرج إليه من الطائف. وقد كان مالك خاف من ثقيف على نفسه من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأمر براحلة فهيّئت ، وأمر بفرس له فأتي به ، فخرج ليلا ولحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأدركه بالجعرانة أو بمكة ، فردّ عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل. فقال :

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

وفي النّاس كلّهم بمثل محمّد

 أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي (٤)

وإذا تشاء يخبرك عمّا في غد

 وإذا الكتيبة عرّدت أنيابها

أمّ العدي فيها بكلّ مهنّد (٥)

 فكأنّه ليث لدى أشباله

وسط المباءة خادر (٦) في مرصد

 __________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٢ ، ١٥٣.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٣.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٣.

(٤) اجتدى : سئل الجدا أو الجدوى ، وهي العطية.

(٥) عردت أنيابها : غلظت واشتدت. المهند : السيد المصنوع من حديد الهند.

(٦) المباءة (وقد وردت في النسخ الثلاث) : المنزل وكناس الثور الوحشي. ولعلّها استعملت هنا


فاستعمله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على من أسلم من قومه ، وتلك القبائل من ثمالة وسلمة وفهم (١) ، كان يقاتل بهم ثقيفا ، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصيبه (٢).

قال ابن عساكر : شهد مالك بن عوف فتح دمشق. وله بها دار (٣).

* * *

وقال أبو عاصم : ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان ، أخبرني عمّي عمارة بن ثوبان ، أن أبا الطّفيل أخبره قال : كنت غلاما أحمل عضو البعير ، ورأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم لحما بالجعرانة ، فجاءته امرأة فبسط لها رداءه. فقلت : من هذه؟ قالوا : أمّه التي أرضعته.

وروى الحكم بن عبد الملك ، عن قتادة قال : لمّا كان يوم فتح هوازن جاءت امرأة [١١٠ ب] إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : أنا أختك شيماء بنت الحارث. قال : «إن تكوني صادقة فإنّ بك منّي أثرا لن يبلى». قال : فكشفت عن عضدها. ثم قالت : نعم يا رسول الله ، حملتك وأنت صغير فعضضتني هذه العضّة. فبسط لها رداءه ثم قال : «سلي تعطي ، واشفعي تشفّعي» (٤). الحكم ضعّفه ابن معين (٥).

__________________

= بمعنى العرين. ورواية ابن هشام والواقدي : الهباءة ، وهي الغبارة يثور عند اشتداد الحرب. خادر : مقيم في عرينه.

(١) ثمالة وسلمة وفهم : بطون من الأزد من القحطانية.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٣ ، والمغازي للواقدي ٣ / ٩٥٥ ، ٩٥٦ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٨٩.

(٣) في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (٢ / ١٣٥) : الدار التي على شارع دار البطيخ الكبير التي فيها البناء القديم تعرف بدار بني نصر ، كانت كنيسة للنصارى فنزلها مالك بن عوف النصري أول ما فتحت دمشق فعرفت به.

(٤) ينظر عن شيماء : الاستيعاب ٤ / ٣٤٤ ، وأسد الغابة ٥ / ٤٨٩ ، والإصابة ٤ / ٣٤٤ رقم (٦٣٣).

(٥) قال فيه : ليس بشيء. (التاريخ ٢ / ١٢٥ رقم ١٣٣٢).


عمرة الجعرانة

قال همّام ، عن قتادة ، عن أنس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اعتمر أربع عمر كلّهنّ في ذي القعدة ، إلّا التي مع حجّته : عمرة زمن الحديبيّة ـ أو من الحديبيّة ـ في ذي القعدة ، وعمرة ، أظنّه قال (١) ، العام المقبل ، وعمرة من الجعرّانة ، حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة ، وعمرة مع حجّته. متّفق عليه (٢).

وقال موسى بن عقبة ، وهو في «مغازي عروة» (٣) : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهلّ بالعمرة من الجعرّانة في ذي القعدة ، فقدم مكة فقضى عمرته. وكان حين خرج إلى حنين استخلف معاذا على مكة ، وأمره أن يعلّمهم القرآن ويفقّههم في الدين. ثم صدر إلى المدينة وخلّف معاذا على أهل مكة (٤).

__________________

(١) في الأصل ، «قال أظنه». وهو سبق قلم تصحيحه من ع ، ح والصحيحين.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الحج ، أبواب العمرة ، باب كم اعتمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣ / ٣). وصحيح مسلم : كتاب الحج ، باب بيان عدد عمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزمانهن (٢١٧ / ١٢٥٣). وأبو داود في الحج (١٩٩٤) باب العمر. والترمذي في الحج (٨١٤) باب ما جاءكم اعتمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وابن ماجة في المناسك (٣٠٠٣) باب كم اعتمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأحمد في المسند ١ / ٢٤٦ و ٣٢١ و ٢ / ١٣٩ و ٣ / ١٣٤ و ٢٥٦ و ٤ / ٢٩٧.

(٣) في الأصل «غزوة» والتصحيح من (ع) ، و (ح).

(٤) أول الحديث غير موجود في المطبوع من مغازي عروة ، انظر ص ٢١٣ ، وأخرجه الحاكم في


وقال ابن إسحاق (١) : ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الجعرانة معتمرا. وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنّة (٢). فلما فرغ من عمرته انصرف إلى المدينة ، واستخلف عتّاب بن أسيد على مكة ، وخلّف معه معاذا يفقّه الناس.

قلت : ولم يزل عتّاب على مكة إلى أن مات بها يوم وفاة أبي بكر. وهو عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة الأمويّ. فبلغنا أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : يا عتّاب ، تدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله ، ولو أعلم لهم خيرا منك استعملته عليهم. وكان عمره إذ ذاك نيّفا وعشرين سنة ، وكان رجلا صالحا. روي عنه أنه قال : أصبت في عملي هذا بردين معقّدين كسوتهما غلامي ، فلا يقولنّ أحدكم أخذ منّي عتّاب كذا ، فقد رزقني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّ يوم درهمين ، فلا أشبع الله بطنا لا يشبعه كلّ يوم درهمان (٣).

__________________

= المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٧٠.

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ٩٤.

(٢) مجنّة : بالفتح وتشديد النون. بمرّ الظهران أسفل مكة. (معجم البلدان ٥ / ٥٨).

(٣) انظر عن عتّاب بن أسيد : طبقات ابن سعد ٥ / ٤٤٦ ، طبقات خليفة ١١ و ٢٧٧ ، تاريخ خليفة ٨٧ و ٨٨ و ٩٢ و ٩٧ و ١١٧ و ١٢٣. المحبّر لابن حبيب ١١ و ١٢ و ١٢٦ و ١٢٧ و ٢٥٨ ، فتوح البلدان للبلاذري ٤٦ و ٦٣ و ٦٦ ، أنساب الأشراف له ١ / ٣٠٣ ، ٣٠٣ و ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٣٦٨ ، ٥٢٩ ، نسب قريش لمصعب ١٨٧ و ٣١٢ و ٤١٨ ، أخبار مكة للأزرقي ١ / ٢٨٥ و ٢ / ١٥١ و ١٥٣ ، التاريخ الكبير ٧ / ٥٤ رقم ٢٤٤ ، المعارف لابن قتيبة ٧٣ و ٩١ و ١٦٣ و ٢٨٣ ، الأخبار الموفقيّات للزبير بن بكار ٣٣٣ ، تاريخ الطبري ٣ / ٧٣ و ٩٤ و ٣١٨ و ٣١٩ و ٣٢٢ و ٣٤٢ و ٤١٩ و ٤٢٧ و ٤٧٩ و ٤٩٧ و ٥٩٧ و ٦٢٣ و ٤ / ٣٩ و ٩٤ و ١٦٠ ، المستدرك ٣ / ٥٩٤ ، ٥٩٥ ، جمهرة أنساب العرب ١١٣ و ١٤٥ و ١٦٦ ، المعجم الكبير للطبراني ١٧ / ١٦١ ، ١٦٢ ، العقد الفريد لابن عبد ربّه ٦ / ١٥٨ ، ربيع الأبرار ٤ / ٣٣٨ ، عيون الأخبار ١ / ٣٣٠ و ٢ / ٥٥ ، الخراج وصناعة الكتابة ٢٦٦ ، الاستيعاب لابن عبد البر ٣ / ١٥٣ ، ١٥٤ ، ثمار القلوب للثعالبي ١٢ و ٥١٩ ، الجرح والتعديل ٧ / ١١ رقم ٤٦ ، مشاهير علماء الأمصار ٣٠ رقم ١٥٥ ، الزيارات للهروي ٩٤ ، تهذيب الأسماء واللغات للنووي ق ١ ج ١ / ٣١٨ ، ٣١٩ رقم ٣٨٦ ، الكاشف ٢ / ٢١٢ ، ٢١٣ رقم ٣٧٠٦ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٥٩٤ ، ٥٩٥ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٤ ، شفاء الغرام (بتحقيقنا) ١ / ٩٠ و ١٢٥ و ١٣٨ و ٢ / ٢٤٣ و ٢٤٤ و ٢٤٥ و ٢٤٦ و ٢٣٧ و ٢٥١ و ٢٥٢ و ٢٥٣ و ٢٥٤ و ٢٥٧ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٨٩ ، ٩٠ رقم ١٩١ ، تقريب التهذيب ٢ / ٣ رقم ١ ، الإصابة ٢ / ٤٥١ رقم ٥٣٩١ ، البدء والتاريخ للمقدسي ٥ / ١٠٧ ، الوفيات لابن قنفذ


وحجّ الناس في تلك السنة على ما كانت العرب تحجّ عليه (١).

__________________

٤١= ، خلاصة تذهب التهذيب ٢٥٧ وستأتي ترجمته في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين من هذا الكتاب ، في تراجم المتوفين في خلافة عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه.

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٩٥ ، تاريخ خليفة ٩٢.



قصّة كعب بن زهير

ولما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من منصرفه ، كتب بجير بن زهير ، يعني إلى أخيه كعب بن زهير ، يخبره أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل رجالا بمكة ممّن كان يهجوه ويؤذيه ، وأنّ من بقي من شعراء قريش ، ابن الزّبعرى (١) ، وهبيرة بن أبي وهب (٢) ، قد هربوا (٣) في كلّ وجه. فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض.

وكان كعب [١١١ أ] قد قال (٤) :

ألا أبلغا عنّي بجيرا رسالة

فهل لك (٥) فيما قلت ويحك هل لكا

 __________________

(١) هو عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عديّ القرشيّ السهمي الشاعر ، كان من أشعر قريش في الجاهلية ، وأسلم بعد الفتح وحسن إسلامه. انظر ترجمته في الإصابة (٢ / ٣٠٨) وأسد الغابة (٣ / ٢٣٩) وطبقات فحول الشعراء (١ / ٢٣٥ ـ ٢٤٤).

(٢) في سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٧ «هبيرة بن وهب» والمثبت يتفق مع المصادر الأخرى.

(٣) في الأصل ، ع : «فذهبوا». والتصحيح من (ح).

(٤) شرح ديوانه (صنعة السكري) : ص ٣ ـ ٤ باختلاف في الألفاظ وترتيب الأبيات ، ولم يرد البيت الرابع في شرح الديوان.

(٥) في الأصل ، ع : «فهل كان». والمثبت من ح. وسيرة ابن هشام ٤ / ١٥٨.


فبيّن لنا إن كنت لست بفاعل

على أيّ شيء غير ذلك دلّكا

 على خلق لم ألف أمّا ولا أبا (١)

عليه وما تلفي عليه أخا (٢) لكا

 فإن أنت لم تفعل فلست بآسف

ولا قائل إمّا عثرت : لعا لكا

 سقاك بها المأمون كأسا رويّة

فأنهلك المأمون منها وعلّكا

 فلما أتيت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنشده إيّاها. فقال لما سمع «[سقاك] (٣) بها المأمون» : «صدق وإنّه لكذوب». ولما سمع : «على خلق لم تلف أمّا ولا أبا عليه». قال : «أجل لم يلف عليه أباه ولا أمّه».

ثم قال بجير لكعب :

من مبلغ كعبا فهل لك في الّتي

تلوم عليها باطلا وهي أحزم

 إلى الله ـ العزّى ولا اللّات ـ وحده

فتنجو إذا كان النّجاء وتسلم

 لدى يوم لا ينجو ولست بمفلت

من النّاس إلّا طاهر القلب مسلم

 فدين زهير وهو لا شيء دينه

ودين أبي سلمى عليّ محرّم

فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وأشفق على نفسه ، وأرجف به من كان في حاضره من عدوّه فقالوا : هو مقتول. فلما لم يجد من شيء بدّا قال قصيدته ، وقدم المدينة (٤).

وقال إبراهيم بن ديزيل ، وغيره ، ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، ثنا الحجّاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى

__________________

(١) في الأصل ، ح وسيرة ابن هشام : «على خلق لم ألف يوما أبا له». وفي ع : «على خلق لم ألف أما ولا أبا له». والحرف الأخير زيادة لا يستقيم معها وزن الشعر ، وهو على التحقيق من أوهام النسخ. وقد أثبتنا رواية (ع) بعد حذف هذه الزيادة لاتفاقها مع ما يرد بعد ذلك في سياق الخبر ، ولأنها ، بعد ، رواية الديوان.

(٢) في النسخ الثلاث والسيرة لابن هشام : «أبا» ، والوجه ما أثبتناه من رواية الديوان.

(٣) سقطت من الأصل ، ع ، وأثبتناها من ح.

(٤) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ١٥٧ ، ١٥٨ ، والشعر والشعراء لابن قتيبة ١ / ٨٠ ، والأغاني ١٧ / ٨٦ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ٤٩٤ وانظر ديوان كعب بن زهير.


المزنيّ ، عن أبيه ، عن جدّه قال : خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزّاف (١) فقال بجير لكعب : اثبت هنا حتى آتي هذا الرجل فأسمع ما يقول. قال : فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرض عليه الإسلام فأسلم ، فبلغ ذلك كعبا فقال :

ألا أبلغا عنّي بجيرا رسالة

فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا

 سقاك بها المأمون كأسا رويّة

وأنهلك المأمون منها وعلّكا

ويروى * سقاك أبو بكر بكأس روية *

ففارقت أسباب الهدى وتبعته

على أيّ شيء ويب (٢) غيرك دلّكا

 على مذهب لم تلف أمّا ولا أبا

عليه ، ولم تعرف عليه أخا لكا (٣)

فاتّصل الشعر بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأهدر دمه. فكتب بجير إليه بذلك ، ويقول له : النّجاء ، وما أراك تفلت (٤). ثم كتب إليه : اعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله إلّا قبل ذلك منه ، وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعب ، وقال القصيدة التي يمدح فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم دخل [١١١ ب] المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أصحابه مكان المائدة من القوم ، والقوم متحلّقون معه حلقة دون حلقة ، يلتفت إلى هؤلاء مرّة فيحدّثهم ، وإلى هؤلاء مرّة فيحدّثهم.

قال كعب : فأنخت راحلتي ، ودخلت ، فعرفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصّفة ،

__________________

(١) في الأصل ، ح «أبرق العراق» ، والتصحيح من (ع). وأبرق العزّاف : ماء لبني أسد بن خزيمة بن مدركة ، وهو في طريق القاصد إلى المدينة من البصرة يجاء من حومانة الدراج إليه ، ومنه إلى بطن نخل ثم الطرف ثم المدينة. وإنما سمّي العزّاف لأنهم يسمعون فيه عزيف الجنّ. (معجم البلدان ١ / ٦٨) ، والأبرق والبرقاء : جمعها أبراق : حجارة ورمل مختلطة. (معجم البلدان ١ / ٦٥).

(٢) ويب : مثل ويح ووي.

(٣) راجع الديوان ـ ص ٣ ، والأغاني ١٧ / ٨٦ ، والشعر والشعراء ١ / ٨٠.

(٤) في الأصل ، ح : «تنفلت». وفي ع : «فقلب». وفي الأغاني ١٧ / ٨٧ «بمفلت».


فتخطّيت حتّى جلست إليه فقلت : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله. الأمان يا رسول الله. قال ، «ومن أنت؟» قلت : أنا كعب بن زهير. قال : «الّذي يقول» ثم التفت إلى أبي بكر فقال : «كيف [قال] (١) يا أبا بكر؟» فأنشده :

سقاك أبو بكر بكأس رويّة

وأنهلك المأمور (٢) منها وعلّكا

قلت : يا رسول الله ، ما قلت هكذا. قال : «فكيف قلت؟» قلت ، إنّما قلت :

وأنهلك المأمون منها وعلّكا

فقال : «مأمون ، والله».

[قال] (٣) : ثم أنشده (٤) :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيّم إثرها لم يلف مكبول

 وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول

 تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت

كأنّه منهل بالرّاح معلول

 شجّت بذي شبم من ماء محنية

صاد بأبطح أضحى وهو مشمول (٥)

 تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه

من صوب سارية بيض يعاليل (٦)

 أكرم بها خلّة لو أنّها صدقت

موعودها ، أو لو أنّ النّصح مقبول

 لكنها خلّة قد سيط من دمها

فجع وولع وإخلاف وتبديل (٧)

 __________________

(١) سقطت من الأصل ، ح ، وأثبتناها من ع.

(٢) في الأصل ، ع والأغاني : «المأمون». والمثبت من (ح) وهو الوجه.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٤) شرح ديوانه : ٦ ـ ٢٥ ، وانظر أيضا : شرح قصيدة كعب بن زهير للخطيب التبريزي (تحقيق سالم الكرنكوي) ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٥٩ ، ١٦٠.

(٥) شجت : مزجت ، يعني الراح. وذي شبم : الماء البارد. والمحنية : ما انعطف من الوادي. ومشمول : أصابته ريح الشمال.

(٦) أفرطه : أي ملأه. سارية : سحابة تسري. بيض يعاليل : أي سحائب بيض رواء.

(٧) سيط : خلط.


فما تدوم على حال تكون بها

كما تلوّن في أثوابها الغول (١)

 ولا تمسّك (٢) بالعهد الّذي زعمت

إلّا كما يمسك الماء الغرابيل

 فلا يغرّنك ما منّت وما وعدت

إنّ الأمانيّ والأحلام تضليل

 كانت مواعيد عرقوب لها مثلا

وما مواعيدها إلّا الأباطيل

 أرجو وآمل أن تدنو مودّتها

وما إخال لدينا منك تنويل

 أمست سعاد بأرض لا يبلّغها

إلّا العتاق النّجيبات المراسيل

 ولن يبلّغها إلّا عذافرة

فيها على الأين إرقال وتبغيل (٣)

 من كلّ نضّاخة الذّفرى إذا عرقت

عرضتها طامس الأعلام مجهول (٤)

 ترى الغيوب بعيني مفرد لهق

إذا توقّدت الحزّان والميل (٥)

 ضخم مقلّدها ، فعم (٦) مقيّدها

في خلقها عن بنات الفحل تفضيل

 غلباء وجناء علكوم مذكّرة

في دفّها سعة قدّامها ميل (٧)

 وجلدها من أطوم ما يؤيّسه

طلح بضاحية المتنين مهزول (٨)

 حرف أبوها أخوها من مهجّنة

وعمّها خالها قوداء شمليل (٩)

 يسعى الوشاة بدفيها (١٠) وقيلهم

إنّك يا بن أبي سلمى لمقتول

 __________________

(١) الغول : الداهية (ح) ومن معانيها كذلك : السّعلاة ، وهو المقصود هنا.

(٢) في الأصل : «ولا تمسكت». وأثبتنا لفظ ع ، ح.

(٣) عذافرة : ناقة صلبة. والأين : الإعياء. والإرقال والتبغيل : ضربان من السير.

(٤) الذفرى : ما تحت الأذن. وعرضتها : من قولهم بعير عرضة السفر أي قوي عليه.

(٥) المفرد : بقر الوحش ، شبه الناقة به. واللهق : الأبيض. والحزان : الحزن وهو الغليظ من الأرض.

(٦) الفعم : الممتلئ.

(٧) الغلباء : الغليظة الرقبة ، والوجناء : العظيمة الوجنتين. وقدامها ميل : أي طويلة العنق.

(٨) الأطوم : الزرافة ، يصف جلدها بالنعومة. والطلح : القراد ، أي لملاسة جلدها لا يثبت عليه قراد.

(٩) الحرف : الناقة الضامر. ومهجنة : أي حمل عليها في صغرها. وقوداء : طويلة ، وشمليل :

سريعة.

(١٠) كذا في الأصل ، ح. وحرفت في ع إلى «فيها». وبها يختل الوزن.


[١١٢ أ] وقال كلّ صديق كنت آمله

لا ألهينّك (١) ، إنّي عنك مشغول

 خلّوا طريق يديها (٢) لا أبا لكم

فكلّ ما قدّر الرّحمن مفعول

 كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آلة حدباء محمول

 أنبئت أنّ رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

 مهلا رسول الّذي أعطاك نافلة

القرآن ، فيه مواعيظ وتفصيل

 لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم

أذنب ، ولو كثرت عنّي الأقاويل

 لقد أقوم مقاما لو يقوم به

أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل (٣)

 لظلّ يرعد إلّا أن يكون له

من الرسول بإذن الله تنويل

 حتى وضعت يميني لا أنازعه

في كفّ [ذي] (٤) نقمات قيله القيل

 لذاك أخوف عندي إذ أكلّمه

وقيل إنّك منسوب ومسئول

 من ضيغم من ليوث الأسد مسكنه

من بطن عثّر غيل دونه غيل

 إنّ الرسول لنور يستضاء به

مهنّد من سيوف الله مسلول

 في فتية من قريش قال قائلهم

ببطن مكّة لمّا أسلموا : زولوا (٥)

 زالوا ، فما زال أنكاس ولا كشف (٦)

عند اللّقاء ، ولا ميل معازيل (٧)

 شمّ العرانين أبطال لبوسهم

من نسج داود في الهيجا سرابيل

 يمشون مشي الجمال الزّهر يعصمهم

ضرب إذا عرّد السّود التّنابيل

 لا يفرحون إذا نالت سيوفهم

قوما ، وليسوا مجازيعا إذا نيلوا

 __________________

(١) ألهينك : خ ألفينك.

(٢) كذا في الأصل ، ح. وفي ع : «فقلت خلوا سبيلي». وهي الرواية.

(٣) فاعل يقوم الفيل. (ح).

(٤) سقطت من الأصل ، ع. وأثبتناها من ح.

(٥) أراد الهجرة. (ح).

(٦) أنكاس : جمع نكس وهو الرجل الضعيف. وكشف : جمع أكشف وهو الّذي لا ترس معه.

(٧) في ح : ولا خيل معازيل. وقال في الهامش : الخيل الفرسان. ويروى : ميل ، جمع مائل وهو الّذي لا يحسن الفروسية. ومعازيل من أعزل الّذي لا رمح معه في الحرب. أي زالوا من بطن مكة وما فيهم من هذه صفاته.


لا يقع (١) الطّعن إلّا في نحورهم

وما لهم عن حياض الموت تهليل

* * *

[وفي سنة ثمان :

توفيت زينب بنت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأكبر بناته (٢). وهي التي غسّلتها أمّ عطيّة الأنصارية ، وأعطاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقوه (٣) ، وقال : «أشعرنها إيّاه» (٤). فجعلته شعارها تحت كفنها.

وقد ولدت زينب من أبي العاص بن الرّبيع بن عبد شمس ، رضي‌الله‌عنه ، [ابنتها] (٥) أمامة التي كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحملها في الصلاة] (٦).

* * *

وفيها : عمل منبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخطب عليه ، وحنّ إليه الجذع الّذي كان يخطب عليه.

* * *

وفيها : ولد إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧).

وفيها : وهبت سودة أم المؤمنين يومها لعائشة.

* * *

وفيها : توفّي مغفّل بن عبد نهم بن عفيف المزنيّ ، والد عبد الله ، وله صحبة (٨).

__________________

(١) كذا في الأصل وبقية النسخ ، وفي هامش ح : صوابه لا يقطع.

(٢) تاريخ خليفة ٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٧.

(٣) الحقو : الإزار.

(٤) أخرجه البخاري في الجنائز (٢ / ٧٣) باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر ، وباب ما يستحب أن يغسل وترا ، وباب هل تكفّن المرأة في إزار الرجل ، (٢ / ٧٤) وباب يجعل الكافور في آخره ، ومسلم في الجنائز (٣٦ / ٩٣٩) باب في غسل الميت ، وأبو داود في الجنائز (٣١٤٢) باب كيف غسل الميت ، وأحمد في المسند ٥ / ٨٤ ، ٨٥ و ٦ / ٤٠٧ و ٤٠٨.

(٥) إضافة على الأصل للتوضيح.

(٦) ما بين الحاصرتين ليس في الأصل ، والمثبت من نسختي (ع) و (ح). وقد تقدّم خبر وفاة زينب رضي‌الله‌عنها ، قبل فتح مكة مباشرة ، فليراجع هناك.

(٧) تاريخ خليفة ٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ٩٥.

(٨) انظر عنه : الاستيعاب ٣ / ٥٠٧ ، الإصابة ٣ / ٤٥١ رقم ٨١٦٧.


وفيها : مات ملك العرب بالشأم ، الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ ، كافرا. وولي بعده جبلة بن الأيهم.

فروى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، عن ابن عائذ ، عن الواقديّ ، عن عمر بن عثمان الجحشي ، عن أبيه ، قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بالغوطة (١) ، فسار من المدينة في ذي الحجّة سنة ستّ. وقال : فأتيته (٢) فوجدته يهيّئ الإنزال لقيصر ، وهو جاء من حمص إلى إيلياء ، إذ كشف الله عنه جنود فارس ، شكرا لله. فلما قرأ الكتاب رمى به ، وقال : ومن ينزع منّي ملكي؟ أنا سائر إليه بالناس. ثم عرض إلى الليل ، وأمر بالخيل تنعل ، وقال : أخبر صاحبك بما ترى. فصادف قيصر [١١٢ ب] بإيلياء وعنده دحية الكلبيّ بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فكتب قيصر إليه : أن لا تسير إليه ، واله عنه ، وواف (٣) إيلياء.

قال شجاع : فقدمت ، وأخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «باد ملكه» (٤).

* * *

[ويقال : حجّ بالناس عتّاب بن أسيد أمير مكة (٥).

وقيل : حجّ الناس أوزاعا (٦).

حكاهما الواقديّ (٧). والله أعلم] (٨).

__________________

(١) الغوطة : الكورة التي منها مدينة دمشق ، وإليها تنسب ، فيقال غوطة دمشق. والغوطة لغة من الغائط وهو المطمئن من الأرض.

(٢) في الأصل ، ح «فأتيت». وأثبتنا عبارة ع.

(٣) في الأصل : «ووات». وأثبتنا عبارة ع ، ح.

(٤) تاريخ الطبري ٢ / ٦٥٢.

(٥) تاريخ الطبري ٣ / ٩٥.

(٦) مروج الذهب ٤ / ٣٩٦ والأوزاع : أي متفرّقين.

(٧) في المغازي ٣ / ٩٥٩ ، ٩٦٠.

(٨) ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل. وأثبتناه من نسختي (ع) و (ح).


السّنة التّاسعة

[سريّة الضّحّاك بن سفيان الكلابيّ إلى القرطاء] (١)

قيل : في ربيع الأول بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جيشا إلى القرطاء (٢) ، عليهم الضحّاك بن سفيان الكلابيّ ، ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط. فلقوهم بالزّجّ ، زجّ لاوة (٣). فدعوهم إلى الإسلام ، فأبوا. فقاتلوهم فهزموهم. فلحق الأصيد أباه سلمة ، فدعاه إلى الإسلام وأعطاه الأمان ، فسبّه وسبّ دينه. فعرقب الأصيد عرقوبي فرسه. ثم جاء رجل من المسلمين فقتل سلمة. ولم يقتله ابنه (٤).

[سريّة علقمة بن مجزّز المدلجيّ] (٥)

وفي ربيع الآخر ، قيل إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه أنّ ناسا من الحبشة

__________________

(١) العنوان بين الحاصرتين ليس في الأصل وأثبتناه للتوضيح.

(٢) في هامش الأصل : الفرطاء خ ، أي في نسخة. والقرطاء : هم قرط وقريطة وقريط بنو عبد بن أبي بكر بن كلاب ، بطن من بني بكر. (انظر شرح المواهب اللدنية ٣ / ٥٧).

(٣) في النسخ الثلاث : «بالرخ رخ لاوة» ، والتصحيح من الواقدي. وزجّ لاوة : موضع بناحية ضرية من نجد على طريق البصرة انظر معجم البلدان ٣ / ١٣٣.

(٤) المغازي (٣ / ٩٨٢) وابن سعد ٢ / ١٦٢.

(٥) العنوان ليس في الأصل. وهو من طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٣.


تراءاهم (١) أهل جدّة. فبعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم علقمة بن مجزّز المدلجيّ في ثلاثمائة ، فانتهى إلى جزيرة في البحر ، فهربوا منه (٢).

[سريّة عليّ بن أبي طالب إلى الفلس] (٣)

وفي ربيع الآخر سريّة عليّ بن أبي طالب إلى الفلس (٤) ، صنم طيِّئ ، ليهدمه. في خمسين ومائة رجل من الأنصار ، على مائة بعير وخمسين فرسا ، ومعه راية سوداء ، ولواء أبيض. فشنّوا الغارة على محلّة آل حاتم (٥) مع الفجر ، فهدموا الفلس وخرّبوه ، وملئوا أيديهم من السّبي والنّعم والشّاء. وفي السّبي أخت عديّ بن حاتم. وهرب عديّ إلى الشّأم (٦).

[سريّة عكّاشة بن محصن إلى أرض عذرة] (٧).

وفي هذه الأيام كانت سريّة عكّاشة بن محصن إلى أرض عذرة (٨).

ذكر هذه السّرايا شيخنا الدّمياطيّ في «مختصر السيرة». وأظنّه أخذه من كلام الواقديّ (٩).

* * *

وفي رجب : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قبل مسيره إلى تبوك على أصحمة

__________________

(١) تراءاهم : نظروهم ورأوهم. (شرح المواهب اللدنية ٣ / ٥٨).

(٢) المغازي للواقدي ٣ / ٩٨٣ وفيه «أهل شعيبة» بدل «أهل جدّة».

(٣) العنوان ليس في الأصل ، وهو من طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٤.

(٤) الفلس : صنم لطيّئ ، وكان أنفا أحمر في وسط جبلهم الّذي يقال له أجأ ، أسود كأنه تمثال إنسان (الأصنام لابن الكلبي : ٥٩).

(٥) هم آل حاتم الطائي الّذي ضرب المثل بجوده ، وكانت محلّتهم في نجد.

(٦) الواقدي : المغازي (٣ / ٩٨٤ ـ ٩٨٩) ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٦٤.

(٧) العنوان ليس في الأصل ، وهو من طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٤.

(٨) في طبقات ابن سعد : «ثم سريّة عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب ، أرض عذرة وبليّ ، في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٢ / ١٦٤).

(٩) سريّة عكاشة ليست في مغازي الواقدي ، ونرجّح أنّه أخذها من طبقات ابن سعد.


النّجاشيّ ، رضي‌الله‌عنه ، صاحب الحبشة. وأصحمة بالعربيّ : عطيّة. وكان قد آمن بالله ورسوله. قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد مات أخ لكم بالحبشة». فخرج بهم إلى المصلّى ، وصفّهم ، وصلّى عليه (١).

قال ابن إسحاق : حدّثني يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : لمّا مات النجاشيّ كان يتحدّث أنه لا يزال يرى على قبره نور.

«ويكتب هنا الخبر الّذي في السيرة قبل (٢) إسلام عمر» (٣).

__________________

(١) في الأصل : «وصفّهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم». والتصحيح من (ع) و (ح). والحديث أخرجه مسلم في الجنائز (٦٦ / ٩٥١) باب في التكبير على الجنازة ، من طريق أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ أخا لكم قد مات. فقوموا فصلّوا عليه» ، قال : فقمنا فصفّنا صفّين. وانظر (٦٧ / ٩٥١).

(٢) في الأصل : «وقبل» ، والمثبت من نسختي : (ع) و (ح).

(٣) في هامش (ح) : كذا بخط الذهبي رحمه‌الله تعالى». والصحيح أنّ الخبر عن النجاشي يأتي بعد الحديث عن إسلام عمر ، لا قبله. انظر الجزء الخاص بالسيرة النبويّة من تحقيقنا.



غزوة تبوك (١)

قال ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلّما كان يخرج في غزوة إلا أظهر أنه يريد غيرها ، إلّا غزوة تبوك فإنه قال : أيها الناس ، إنّي أريد الرّوم. فأعلمهم. وذلك في شدّة الحرّ وجدب [من] (٢) البلاد. وحين طابت الثّمار ، والناس يحبّون المقام في ثمارهم.

فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم في جهازه ، إذ قال للجدّ بن قيس : «يا جدّ ، هل لك في بنات بني الأصفر؟ (٣) فقال : يا رسول الله ، لقد علم قومي أنّه ليس أحد أشدّ عجبا بالنّساء منّي. وإنّي أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتنّني ، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه [١١٣ أ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : «قد أذنت لك». فنزلت (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي

__________________

(١) انظر عنها : المغازي لعروة ٢٢٠ ، المغازي للواقدي ٣ / ٩٨٩ ، تاريخ خليفة ٩٢ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٣ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٠ ، الدرر في المغازي والسير لابن عبد البر ٢٥٣ ، جوامع السيرة لابن حزم ٢٤٩ ، نهاية الأرب للنويري ١٧ / ٣٥٢ ، عيون التواريخ للكتبي ١ / ٣٤٤ ، عيون الأثر لابن سيّد الناس ٢ / ٢١٥ وغيره.

(٢) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من نسختي (ع) و (ح).

(٣) بنو الأصفر : هم الروم.


الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (١) قال : وقال رجل من المنافقين : (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) ، فنزلت : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) (٢).

ولم ينفق أحد أعظم من نفقة عثمان ، وحمل على مائة (٣) بعير (٤).

* * *

[روى عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في غزوة تبوك قال : أمر النّبيّ المسلمين بالصّدقة والنّفقة في سبيل الله ، فأنفقوا احتسابا ، وأنفق رجال غير محتسبين. وحمل رجال من فقراء المسلمين ، وبقي أناس. وأفضل ما تصدّق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف ، تصدّق بمائتي أوقية ، وتصدّق عمر بمائة أوقية ، وتصدّق عاصم (٥) الأنصاري بتسعين وسقا من تمر. وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الرحمن (٦) : «هل تركت لأهلك شيئا؟» قال : نعم ، أكثر مما أنفقت وأطيب. قال : كم؟ قال : ما ود الله ورسوله من الرّزق والخير] (٧).

قال عمرو بن مرزوق ، ثنا السّكن بن أبي كريمة ، عن الوليد بن أبي هشام ، عن فرقد أبي طلحة (٨) ، عن عبد الرحمن بن خبّاب ، قال : شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحثّ على جيش العسرة ، قال : فقام عثمان رضي‌الله‌عنه فقال : يا رسول الله ، عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها (٩) في سبيل الله. فقال : ثم حثّ

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٩.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٨١.

(٣) في نسختي (ع) و (ح) : «على مائتي بعير».

(٤) الخبر عن تاريخ الطبري (٣ / ١١٠ ـ ١٠٢) باختصار.

(٥) في ع : «عامر». والتصحيح من ح. وهو عاصم بن عدي بن الجدّ العجلاني حليف الأنصار.

وانظر ترجمته في أسد الغابة (٣ / ١١٤) والإصابة (٢ / ٢٤٦).

(٦) في ع ، ح : وسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الرحمن. ولعل الوجه ما أثبتناه.

(٧) لم يرد هذا الخبر في الأصل ، وأثبتناه من ع ، ح. وانظر المغازي للواقدي ٣ / ٩٩١.

(٨) في الأصل : «فرقد بن طلحة». والتصحيح من ع ، ح ، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب (٨ / ٢٦٤).

(٩) الأحلاس : جمع حلس وهو كل ما ولى ظهر الدابة تحت الرحل والقتب والسرج. والأقتاب :

جمع قتب وهو الإكاف أو الرحل الصغير على قدر سنام البعير.


ثانية ، فقام عثمان فقال : يا رسول الله ، عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حضّ ، أو قال : حثّ ، الثالثة ، فقام عثمان فقال : يا رسول الله ، عليّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. قال عبد الرحمن : أنا شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول على المنبر : «ما على عثمان ما عمل بعد اليوم». أو قال : «بعدها» (١). رواه أبو داود الطّيالسيّ (٢) وغيره ، عن السّكن بن المغيرة.

وقال ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن عبد الله بن القاسم ، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة ، عن مولاه ، قال : جاء عثمان إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بألف دينار حين جهّز جيش العسرة ، ففرّغها في حجر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعل يقلّبها ويقول : «ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم» (٣). قالها مرارا.

* * *

وقال بريد ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسأله لهم الحملان (٤) ، إذ هم معه في جيش العسرة ، وهي غزوة تبوك. وذكر الحديث. متّفق عليه (٥).

وقال ابن إسحاق (٦) : ثم إنّ رجالا أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم البكّاءون ،

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٧٥ وابن عساكر في تاريخ دمشق ٥٢ وما بعدها.

(٢) منحة المعبود. كتاب الخلافة والإمارة ، أبواب خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، باب ما جاء في البيعة له وذكر شيء من مناقبه (٢ / ١٧٥). وانظر تاريخ دمشق ٥٢ وما بعدها (ترجمة عثمان).

(٣) رواه أحمد في المسند ٥ / ٦٣ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٥٧ و ٥٨ وسيذكره المؤلّف مرّة أخرى في ترجمة عثمان بن عفّان ، في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين ، وهو من تحقيقنا ـ ص ٤٦٢.

(٤) الحملان : ما يحمل عليه من الدّوابّ.

(٥) أخرجه البخاري في المغازي ٥ / ١٢٨ باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة ، ومسلم في كتاب الأيمان (٨ / ١٦٤٩) باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي الّذي هو خير ويكفّر عن يمينه.

(٦) في سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٤ وتاريخ الطبري ٣ / ١٠٢ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٦٥.


وهم سبعة (١) من الأنصار : سالم بن عمير ، وعلبة بن زيد ، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ، وعمرو بن الحمام بن الجموح ، وعبد الله بن المغفّل ، وبعضهم يقول : عبد الله بن عمرو المزنيّ ، وهرم [بن] (٢) عبد الله ، والعرباض ابن سارية الفزاريّ. فاستحملوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانوا أهل حاجة ، فقال :(لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) (٣).

فبلغني أنّ يامين بن عمرو ، لقي أبا ليلى وعبد الله بن مغفّل وهما يبكيان فقال : ما يبكيكما؟ فقالا : جئنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليحملنا ، فلم نجد عنده ما يحملنا ، وليس عندنا ما نتقوّى به على الخروج. فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزوّدهما شيئا من لبن (٤).

وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلّى من ليلته ما شاء الله ، ثم بكى وقال : اللهمّ إنك قد أمرت بالجهاد ورغّبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به ، ولم [١١٣ ب] تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه ، وإني أتصدّق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض (٥). ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين المتصدّق هذه الليلة»؟ فلم يقم أحد. ثم قال : أين «المتصدّق؟ فليقم». فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبشر ، فو الّذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزّكاة المتقبّلة» (٦).

__________________

(١) في الأصل ، ح : «وهم سبعة منهم من الأنصار» ، والمثبت من (ع).

(٢) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من (ع) و (ح). ويقال له) هرم أو هرميّ ، أخو بني واقف.

(٣) سورة التوبة ، الآية ٩٢.

(٤) في السيرة لابن هشام ٤ / ١٧٤ وتاريخ الطبري ٣ / ١٠٢ «شيئا من تمر» بدل «لبن».

(٥) العرض : بسكون الراء المتاع. (النهاية في غريب الحديث ٣ / ٨٤).

(٦) أخرجه ابن حجر في الإصابة ٢ / ٥٠٠ وقال ورد مسندا موصولا من حديث مجمع بن حارثة ، ومن حديث عمرو بن عوف وأبي عبس بن حبر ، ومن حديث علبة بن زيد وقتيبة ...


(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) (١) (٢) فاعتذروا فلم يعذرهم الله. فذكر أنهم نفر من بني غفار.

قال : وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النّيّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى تخلّفوا عن غير شكّ ولا ارتياب ، منهم كعب بن مالك أخو بني سلمة ، ومرارة بن الرّبيع أحد بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أميّة أخو بني واقف ، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف. وكانوا رهط صدق (٣).

* * *

ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخميس ، واستخلف على المدينة محمد ابن مسلمة الأنصاريّ. فلما خرج ضرب عسكره على ثنيّة الوداع ، ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس. وضرب عبد الله بن أبيّ بن سلول عسكره على ذي حدة (٤) أسفل منه ، وما كان فيما يزعمون بأقلّ العسكرين (٥).

فلمّا سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تخلّف عنه ابن سلول فيمن تخلّف من المنافقين وأهل الرّيب. وخلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّ بن أبي طالب على أهله ، وأمره بالإقامة فيهم ، فأرجف به المنافقون وقالوا : ما خلّفه إلّا استثقالا له وتخفّفا منه. فلما قال ذلك المنافقون ، أخذ عليّ سلاحه

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو نازل بالجرف ، فقال : يا رسول الله ، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني تستثقلني وتخفّف منّي. قال : «كذبوا ، ولكن خلّفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنه لا نبيّ بعدي». فرجع إلى المدينة (٦).

__________________

(١) المعذّرون : الذين يعتذرون وهم غير محقّين في العذر.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٩٠.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥ ، المحبّر لابن حبيب ٢٨٤ ، ٢٨٥.

(٤) في الأصل «عسكره على حدة عسكره أسفل منه» والمثبت من (ع) و (ح). وهو «ذو حدة» في وفاء ألوفا (٢ / ٣٠٩).

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥.

(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥.


وأخرجاه في الصحيحين (١) من حديث الحكم بن عيينة ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : خلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا في غزوة تبوك. فقال : يا رسول الله ، أتخلّفني في النّساء والصبيان؟ قال : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبيّ بعدي». ورواه عامر ، وإبراهيم ، ابنا سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيهما.

قال ابن إسحاق : حدّثني بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظيّ ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لما سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك ، جعل لا يزال يتخلّف الرجل فيقولون : يا رسول الله ، تخلّف فلان. فيقول : «دعوه ، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه». حتى قيل : يا رسول الله ، تخلّف أبو ذرّ [١١٤ أ] وأبطأ به بعيره ، فقال : «دعوه ، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه». فتلوّم أبو ذرّ بعيره فلما بطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره ، ثم خرج يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ماشيا. [ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٢) في بعض منازله ، ونظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول الله ، إنّ هذا الرجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كن أبا ذرّ». فلما تأمّله القوم قالوا : هو والله أبو ذرّ. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يرحم الله أبا ذرّ ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده». فضرب الدهر من ضربه ، وسيّر أبو ذرّ إلى الرّبذة (٣) ، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه : إذا متّ فاغسلاني وكفّناني وضعاني

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي (٥ / ١٢٩) باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة. ومسلم في فضائل الصحابة (٣٣ / ٢٤٠٤) باب من فضائل عليّ بن أبي طالب ، والترمذي في المناقب (٣٨٠٨) ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٤ ، ٢٥ ، والكلابي في المسند وهو ملحق بكتاب مناقب أمير المؤمنين علي» لابن المغازلي ـ ص ٢٧٦ رقم ٢٩ ، ٣٠ ، وابن الأثير في جامع الأصول ٨ / ٦٤٩ ، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ ـ ص ٢٤٠ ، ٢٤١ رقم ١٩٦ (بتحقيقنا) ـ الحاشية رقم (٥).

(٢) سقطت من الأصل والمثبت من : ع ، ح ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٧٧.

(٣) الزبدة : بالتحريك ، قرية من قرى المدينة على ثلاثة أيام. (معجم البلدان ٣ / ٢٤).


على قارعة الطّريق ، فأوّل ركب يمرّون بكم فقولوا : هذا أبو ذرّ. فلمّا مات فعلوا به ذلك ، فاطّلع ركب ، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطّأ سريره ، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة. فقال : ما هذا؟ فقيل : جنازة أبي ذرّ. فاستهلّ ابن مسعود يبكي ، فقال : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يرحم الله أبا ذرّ ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده. فنزل ، فوليه بنفسه حتّى أجنّه (١).

وقال ابن إسحاق (٢) : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، أنّ أبا خيثمة ، أحد بني سالم ، رجع ـ بعد مسير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أياما ـ إلى أهله في يوم حارّ ، فوجد امرأتين له في حائط قد رشّت كلّ واحدة منهما عريشها (٣) ، وبرّدت له فيه ماء ، وهيّأت له فيه طعاما. فلما دخل قام على باب العريشين فقال : رسول الله في الضّحّ (٤) والرّيح والحرّ ، وأنا في ظلّ بارد وماء بارد وطعام مهيّأ وامرأة حسناء ، في مال مقيم؟ ما هذا بالنّصف. ثم قال : لا ، والله ، لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهيّئا لي زادا. ففعلتا. ثم قدّم ناضحه فارتحله. ثم خرج في طلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى أدركه بتبوك حين نزلها. وقد كان أدركه عمير بن وهب في الطريق فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة لعمير : إنّ لي ذنبا ، تخلّف عنّي حتّى آتي رسول الله. ففعل. فسار حتى دنا من رسول الله. فقال رسول الله : «كن أبا خيثمة». فقالوا : هو والله أبا خيثمة ، فأقبل وسلّم ، فقال له : «أولى لك أبا خيثمة». ثم أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر ، فقال له خيرا.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٧ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٧.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٤ ، المغازي للواقدي ٣ / ٩٩٨.

(٣) في الأصل «عرشها» ، والمثبت من (ع) و (ح).

(٤) الضّح : الشمس. وفي نسختي : (ع) و (ح) : «في الضح والشمس.


وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة (١). [و] قاله موسى بن عقبة. فذكر نحوا من سياق ابن إسحاق.

وقال معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : في قوله تعالى : (اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (٢) ، قال : خرجوا في غزوة تبوك ، الرّجلان والثّلاثة [١١٤ ب] على بعير ، وخرجوا في حرّ شديد ، فأصابهم يوما عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها (٣).

وقال مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرّف ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسير ، فنفدت أزواد القوم ، حتى همّ أحدهم بنحر بعض حمائلهم. الحديث. رواه مسلم (٤).

وقال الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أو عن أبي سعيد ، شكّ الأعمش ، قال : لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذنت لنا فننحر نواضحنا ، فأكلنا وادّهنّا. فقال : «أفعل». فجاء عمر فقال : يا رسول الله ، إن فعلت قلّ الظّهر ، ولكن ادع بفضل أزوادهم ، وادع الله لهم فيها بالبركة. فقال : نعم. فدعا بنطع فبسطه ، ثم دعا بفضل أزوادهم. فجعل الرجل يأتي بكفّ ذرة ، ويجيء الآخر بكفّ تمر ، ويجيء الآخر بكسرة ، حتى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبركة ، ثم قال لهم : خذوا في أوعيتكم. فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلّا ملئوه ، وأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، لا يلقى الله بها عبد غير شاكّ ،

__________________

(١) في المغازي ـ ص ٢٢٠.

(٢) سورة التوبة ، الآية ١١٧.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٧.

(٤) في كتاب الإيمان ، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكّ فيه دخل الجنة وحرّم على النّار.


فيحجب عن الجنّة». أخرجه مسلم (١).

وقال عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عتبة بن أبي عتبة ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قيل لعمر رضي‌الله‌عنه : حدّثنا من شأن العسرة. فقال : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش ، حتى ظنّنا أنّ رقابنا ستنقطع ، حتى أن كان الرجل (٢) لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنّ الله قد عوّدك في الدعاء خيرا فادع الله لنا. قال : «أتحبّ ذلك؟» قال : نعم. فرفع يديه ، فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلّت ثم سكبت ، فملئوا ما معهم. ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. حديث حسن قويّ (٣).

وقال مالك ، وغيره ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذّبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم» (٤) ، يعني أصحاب الحجر (٥).

وقال سليمان بن بلال ، أنا عبد الله بن دينار ، [عن ابن عمر] (٦) ، قال : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ، ولا يستقوا منها. فقالوا : قد عجنّا منها واستقينا. فأمرهم [١١٥ أ] أن يطرحوا ذلك

__________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) في الأصل : «حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن كان الرجل لينحر بعيره إلخ» ، وأظنه من أوهام النسخ ، وأثبتنا نص ع ، ح.

(٣) انظر تاريخ الطبري ٣ / ١٠٥ وقال ابن كثير : إسناده جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه (السيرة النبويّة ٤ / ١٦).

(٤) سيأتي تخريجه.

(٥) أصحاب الحجر : هم ثمود الذين كذّبوا النبيّ صالحا عليه‌السلام. وكانت دارهم تسمّى «الحجر» وهي بوادي القرى بين المدينة والشام. (معجم البلدان ٢ / ٢٢١).

(٦) سقطت من الأصل ، والمثبت من (ع) و (ح).


العجين ويريقوا ذلك الماء. أخرجهما البخاري (١). ولمسلم مثل الأول منهما (٢).

وقال عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن عبد الله : أنّ الناس نزلوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ، فاستقوا من آبارها وعجنوا به. فأمرهم أن يهريقوا الماء ، ويعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت الناقة تردها (٣). أخرجه مسلم (٤).

وقال مالك ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، أنّ معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام تبوك ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. قال : فأخّر الصلاة يوما ، ثم خرج فصلّى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل [ثم خرج] (٥) فصلّى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال : إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى (٦) يضحي النهار ، فمن جاءها فلا يمسّ من مائها شيئا حتى آتي. قال : فجئناها وقد سبق إليها رجلان ، والعين مثل الشّراك تبضّ (٧) بشيء من ماء. فسألهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هل مسستما من مائها شيئا؟» قالا : نعم. فسبّهما ، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم غرفوا من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع في شنّ (٨) ثم غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه وجهه ، ثم أعاده فيها. فجرت العين

__________________

(١) انظر للبخاريّ كتاب الصلاة (١ / ١١٢) باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب ، وكتاب المغازي (٥ / ١٣٥) باب نزول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر ، وكتاب الأنبياء ، باب قول الله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً).

(٢) في كتاب الزهد ، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلّا أن تكونوا باكين. وأخرج الإمام أحمد مثله في المسند ٢ / ٩ و ٥٨ و ٦٦ و ٧٢ و ٧٤ و ٩١ و ٩٦ و ١١٣ و ١٣٧.

(٣) في النسخ الثلاث : ترده. والوجه ما أثبتناه. وعبارة مسلم : «التي كانت تردها الناقة».

(٤) في كتاب الزهد ، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلخ (٨ / ٢٢١).

(٥) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح ومسلم.

(٦) في الأصل : حين. والتصحيح من ع ، ح ومسلم.

(٧) تبضّ : بض الماء يبضّ بضيضا : سال قليلا قليلا. (الصحاح ١٠٦٦).

(٨) الشنّ : القربة الخلقة : (انظر شرح المواهب اللدنية ٣ / ٨٩).


بماء كثير ، فاستقى الناس. ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يوشك يا معاذ ، إن طالت بك حياة ، أن ترى ما [ها] (١) هنا قد مليء جنانا». أخرجه مسلم (٢).

وقال سليمان بن بلال ، عن عمرو بن يحيى ، عن عباس بن سهل ، عن أبي حميد ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى ، على حديقة لامرأة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اخرصوها. فخرصناها وخرصها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة أوسق. وقال : أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله. فانطلقنا حتى قدمنا تبوك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ستهبّ عليكم اللّيلة ريح شديدة ، فلا يقم فيها أحد منكم ، فمن كان له بعير فليشدّ عقاله». فهبّت ريح شديدة ، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيِّئ. وجاء ابن العلماء صاحب أيلة (٣) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتاب ، وأهدى له بغلة بيضاء. فكتب إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهدى له بردا. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى ، فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها ، فقال : بلغ عشرة أوسق. فقال : «إنّي مسرع فمن شاء منكم فليسرع». فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة. فقال : «هذه طابة ، وهذا أحد ، وهو جبل يحبّنا ونحبّه». أخرجه مسلم (٤) ، أطول منه ، وللبخاريّ نحوه (٥).

وقال ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عباس بن سهل : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [١١٥ ب] حين مرّ بالحجر استقوا من بئرها. فلما

__________________

(١) سقطت من الأصل ، والمثبت من (ع) و (ح) ، وصحيح مسلم.

(٢) في كتاب الفضائل ، باب في معجزات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأخرجه أحمد في المسند ٢ / ٣٠٨ و ٣٢٣ و ٥ / ٢٣٨ ، والواقدي في المغازي ٣ / ١٠١٢ ، ١٠١٣.

(٣) أيلة : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، قيل سميت باسم أيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه‌السلام. (معجم البلدان ١ / ٢٩٢).

(٤) في كتاب الفضائل ، باب في معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧ / ٦١).

(٥) صحيح البخاري : كتاب الزكاة. باب خرص التمر (٢ / ١٥٥). وأحمد في المسند ٥ / ٤٢٤ و ٤٢٥.


راحوا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تشربوا من مائها ، ولا توضّئوا منه ، وما كان من عجين عجنتموه منه فاعلفوه الإبل ، ولا يخرجنّ أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له». ففعل الناس ما أمرهم ، إلا رجلين من بني ساعدة ، خرج أحدهما لحاجته والآخر لطلب بعير له. فأما الّذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه ، وأما الآخر فاحتملته الرّيح حتى طرحته بجبل طيِّئ. فأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ألم أنهكم؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي. وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قدم من تبوك. وهذا مرسل منكر (١).

* * *

وقال ابن وهب : أخبرني معاوية ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبيه : أنه نزل بتبوك وهو حاجّ ، فإذا رجل مقعد ، فسألته عن أمره ، فقال : سأحدثك حديثا فلا تحدّث به ما سمعت أنّي حيّ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل بتبوك إلى نخلة ، فقال : «هذه قبلتنا». ثم صلّى إليها. فأقبلت ، وأنا غلام ، أسعى حتى مررت بينه وبينها ، فقال : «قطع صلاتنا ، قطع الله أثره». قال : فما قمت عليها إلى يومي هذا.

وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن مولى ليزيد بن نمران ، عن يزيد بن نمران ، قال : رأيت مقعدا بتبوك. فقال : مررت بين يديّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا على حمار وهو يصلّي. فقال : «اللهمّ اقطع أثره». فما مشيت عليهما بعد (٢). أخرجهما أبو داود (٣).

وقال يزيد بن هارون ، أنا العلاء أبو محمد الثقفي ، سمعت أنس بن مالك ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبوك ، فطلعت الشمس بضياء وشعاع

__________________

(١) رواه ابن هشام في السيرة ٤ / ١٧٦.

(٢) في الأصل : «فما مشيت بعدها». والمثبت من ع ، ح. وفي سنن أبي داود ١ / ١٨٨ ز عليها لإ.

(٣) في كتاب الصلاة ، باب ما يقطع الصلاة (٧٠٥ و ٧٠٧).


ونور لم أرها طلعت فيما مضى. فأتى جبريل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا جبريل ، ما لي أرى الشمس اليوم بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى؟» فقال : ذاك أنّ معاوية بن معاوية اللّيثيّ مات بالمدينة اليوم ، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلّون عليه. قال : «وفيم ذاك؟» قال : كان يكثر قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) ، بالليل والنهار ، وفي ممشاة وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلّي عليه؟ قال : «نعم» قال : فصلّى عليه ، ثم رجع. العلاء منكر الحديث واه (٢).[و] (٣) رواه الحسن الزّعفرانيّ ، عن يزيد.

[وقال يونس بن محمد ، ثنا صدقة بن أبي سهل ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، أنّ معاوية بن معاوية المزني توفي والنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، فأتاه جبريل فقال : هل لك في جنازة معاوية المزني؟ قال : نعم. فقال : هكذا ، ففرج له الجبال والآكام. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشي ومعه جبريل في سبعين ألف ملك ، فصلّى عليه. فقال : يا جبريل ، بم بلغ؟ فقال : بكثرة قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، كان يقرؤها قائما وقاعدا وراكبا وماشيا. مرسل (٤).

وقال ابن جوصا ، وعلي بن سعيد الرّازيّ ، وأبو الدّحداح أحمد بن محمد ـ واللفظ له ـ ثنا نوح بن عمرو بن حويّ السّكسكيّ ، ثنا بقيّة ، ثنا محمد

__________________

(١) أول سورة الإخلاص.

(٢) هو : العلاء بن زيدل الثقفي البصري. ذكره المؤلّف الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ٩٩ وقال : تالف.

قال ابن حبّان : روى عن أنس نسخة موضوعة ، منها الصلاة بتبوك صلاة الغائب على معاوية بن معاوية الليثي. قال : وهذا منكر ، ولا أحفظ في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا ، والحديث قد سرقه شيخ شامي فرواه عن بقية ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة.

(٣) سقطت من الأصل ، والمثبت من : (ع) و (ح).

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١٩ / ٤٢٩ رقم (١٠٤١) ، ورواه البيهقي كما قال ابن كثير (السيرة ٤ / ٢٦).


ابن زياد الألهاني ، عن أبي أمامة ، قال : نزل جبريل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بتبوك فقال : احضر جنازة معاوية بن معاوية المزني. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهبط جبريل في سبعين ألفا من الملائكة عليهم‌السلام ، فوضع جناحه على الجبال فتواضعت حتى نظروا إلى مكة والمدينة. فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجبريل والملائكة. فلما قضى صلاته قال : «يا جبريل ، بم أدرك معاوية بن معاوية هذه المنزلة من الله عزوجل؟» قال : بقراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قائما وقاعدا وراكبا وماشيا.

قلت : ما علمت في نوح (١) جرحا ، ولكنّ الحديث منكر جدّا ، ما أعلم أحدا تابعه عليه أصلا عن بقيّة. وقد أورد ابن حبّان حديث العلاء وقال : حديث منكر لا يتابع عليه. قال : ولا أحفظ في الصّحابة من يقال له معاوية بن معاوية. وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشأم ، ورواه عن بقيّة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة الباهلي] (٢).

وقال عثمان بن الهيثم المؤذّن ، ثنا محبوب بن هلال ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس ، قال : جاء جبريل فقال : يا محمد ، مات معاوية بن معاوية المزني ، أفتحبّ أن تصلّي عليه؟ قال : نعم. فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت له. فصلّى عليه وخلفه صفّان من الملائكة ، في كل صفّ سبعون ألف ملك. قلت : «يا جبريل ، بم نال (٣) هذا؟» قال : بحبّه (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يقرؤها قائما وقاعدا وذاهبا [١١٦ أ] وجائيا ، وعلى كل حال (٤). محبوب مجهول ، لا يتابع على هذا (٥).

__________________

(١) انظر : ميزان الاعتدال للمؤلّف ٤ / ٢٧٨ رقم (٩١٣٩) ، ولسان الميزان لابن حجر ٦ / ١٧٣ ، ١٧٤.

(٢) ما بين الحاصرتين لم يرد في الأصل ، والمثبت من : (ع) و (ح).

(٣) في الأصل : «ما بال». والتصحيح من ع ، ح.

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١٩ / ٤٢٨ ، ٤٢٩ رقم (١٠٤٠).

(٥) انظر : ميزان الاعتدال للمؤلّف ٣ / ٤٤٢ رقم (٧٠٨٥) ، ولسان الميزان ٥ / ١٧ رقم ٦٤.


قال البكّائي : قال ابن إسحاق : فلما أصبح الناس ، يعني من يوم الحجر ، ولا ماء معهم ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل الله سحابة ، فأمطرت حتى ارتوى الناس (١).

فحدّثني عاصم ، قال : قلت لمحمود بن لبيد : هل كان الناس يعرفون النّفاق فيهم؟ قال : نعم والله ، لقد أخبرني رجال من قومي ، عن رجل من المنافقين ، لمّا كان من أمر الحجر ما كان ، ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة ، فأمطرت. قالوا : أقبلنا عليه نقول : ويحك ، له بعد هذا شيء؟ قال : سحابة سائرة (٢).

قال ابن إسحاق : ثم إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سار ، فضلّت ناقته ، فخرج أصحابه في طلبها. وعند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم ، وكان عقبيّا بدريّا. وكان في رحله زيد بن اللّصيت (٣) القينقاعيّ وكان منافقا. فقال زيد ، وهو في رحل عمارة : أليس يزعم محمد أنه نبيّ ، ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمارة عنده : «إنّ رجلا قال كذا وكذا. وإنّي والله ما أعلم إلا ما علّمني الله. وقد دلّني الله عليها ، وهي في هذا الوادي في شعب كذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها». فذهبوا فجاءوا بها. فذهب عمارة إلى رحله فقال : والله عجب من شيء حدّثناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آنفا ، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا ، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ، ولم يحضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : زيد ، والله ، قال هذه المقالة قبل أن يأتي. فأقبل عمارة على زيد يجأ في (٤) عنقه ، ويقول : أي عباد الله ، إنّ في رحلي لداهية وما أشعر. أخرج أي عدوّ الله من رحلي.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٦.

(٢) السيرة ٤ / ١٧٦.

(٣) في الأصل «زيد بن الصليت» ، وهو تحريف ، والتصحيح من نسختي : (ع) و (ح).

(٤) في السيرة لابن هشام ٤ / ١٧٧ والمثبت يتّفق مع تاريخ الطبري ٣ / ١٠٦.


فزعم بعضهم أنّ زيدا تاب بعد ذلك.

* * *

قال ابن إسحاق : وقد كان رهط ، منهم وديعة بن ثابت ، ومخشّن (١) بن حميّر ، يشيرون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا؟ والله لكأنّا بكم غدا مقرّنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين. فقال مخشّن بن حميّر : والله لوددت أنّي أقاضى على أن يضرب كلّ منّا مائة جلدة ، وأنّا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيما بلغني ، لعمّار بن ياسر : أدرك القوم ، فإنّهم قد اخترقوا (٢) ، فسلهم عمّا قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا. فانطلق إليهم عمّار ، فقال ذلك لهم. فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتذرون. فقال وديعة بن ثابت : يا رسول الله ، إنّما كنّا نخوض ونلعب. فنزلت : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ، قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (٣). فقال مخشّن بن حميّر : يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الّذي عفي عنه في هذه [١١٦ ب] الآية مخشّن ، يعني (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) (٤). فتسمّى عبد الرحمن ، فسأل الله أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه. فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر (٥).

__________________

(١) قال ابن هشام : ويقال مخشى ، وهو ما ورد في النسخة (ع).

وجاء في هامش نسخة (ح) : «وضبطه الأمير : مخشي بن حميّر الأشجعي». والأمير هو ابن ماكولا في كتابه الإكمال ٧ / ٢٢٨.

(٢) في الأصل ، وسيرة ابن هشام ٤ / ١٧٧ «احترقوا» بالحاء المهملة ، وفي تحقيق محمود محمد شاكر لإمتاع الأسماع للمقريزي ١ / ٤٥٣ أثبتها بالخاء المعجمة ، لأنها أجود وأبين. وقال :

الاختراق والاختلاق والافتراء والكذب ، وذلك من قوله تعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ) (الأنعام ـ ١٠٠) أي اختلقوا كذبا وكفرا.

(٣) سورة التوبة ، الآية ٦٥.

(٤) سورة التوبة ، الآية ٦٥.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٧ ، ١٧٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٨.


ولما انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك ، أتاه يحنّة بن رؤبة صاحب أيلة ، فصالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعطاه الجزية. وأتاه أهل جرباء وأذرح (١) فأعطوه الجزية. وكتب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا ، فهو عندهم (٢).

[فائدة]

قال ابن إسحاق : أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل أيلة بردة مع كتابه ، فاشتراها منهم أبو العبّاس عبد الله بن محمد ـ يعني السّفّاح ـ بثلاثمائة دينار (٣).

وقال موسى بن عقبة ، قال ابن شهاب : بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوته تلك تبوكا ولم يتجاوزها. وأقام بضع عشرة ليلة ، يعني بتبوك (٤).

وقال يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن جابر ، قال : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصّلاة. أخرجه أبو داود (٥). وإسناده صحيح.

__________________

(١) جرباء : موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشأم. وأذرح من أعمال الشراة في أطراف الشأم ثم من نواحي البلقاء. وبين أذرح والجرباء ميل واحد وأقل (معجم البلدان) ٢ / ١١٨).

(٢) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٠٨.

(٣) ما بين الحاصرتين ، من «فائدة» حتى هنا ليس في الأصل ، والمثبت من نسختي : (ع) و (ح).

(٤) تاريخ الطبري ٣ / ١٠٩.

(٥) في كتاب الصلاة (١٢٣٥) باب إذا أقام بأرض العدوّ يقصر.



بعث خالد بن الوليد الى أكيدر دومة (١)

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك ، رجل من كندة ، وكان ملكا على دومة (٢) وكان نصرانيّا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخالد : إنك ستجده يصيد البقر. فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين في ليلة مقمرة صافية ، وهو على سطح ومعه امرأته ، [فأتت البقر تحكّ بقرونها باب القصر. فقالت له امرأته] (٣) : هل رأيت مثل هذا قطّ؟ قال : لا والله. قالت : فمن يترك مثل هذا؟ قال : لا أحد. فنزل فأمر بفرسه فأسرج ، وركب معه نفر من أهل بيته ، فيهم أخوه حسّان. فتلقّتهم (٤) خيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذته وقتلوا أخاه. وقدموا به على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحقن دمه وصالحه على الجزية ، وأطلقه (٥).

__________________

(١) العنوان ليس في الأصل.

(٢) دومة : هي دومة الجندل ، وقد سبق التعريف بها.

(٣) سقطت هذه الجملة من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. وسيرة ابن هشام ٤ / ١٧٨.

(٤) في الأصل : «فلقيتهم» ، والمثبت من ع ، ح. والسيرة لابن هشام.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ١٧٨ ، وانظر المغازي للواقدي ٣ / ١٠٢٥ ، ١٠٢٦ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١٦٦ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٠٩.


[فائدة]

قال عبيد الله بن إياد بن لقيط ، عن أبيه ، عن قيس بن النّعمان السّكونيّ قال : خرجت خيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمع بها أكيدر ، فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : بلغنا أن خيلك انطلقت فخفّت (١) على أرضي ، فاكتب لي كتابا فإنّي مقرّ بالذي عليّ. فكتب له. فأخرج قباء من ديباج ممّا كان كسرى يكسوهم ، فقال : يا محمد اقبل عنّي هذا هديّة. قال : «ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا أحد إلّا حرمه في الآخرة». فشقّ عليه أن ردّه. قال : «فادفعه إلى عمر». فأتى عمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، أحدث فيّ أمر؟ فضحك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى وضع يده ، أو ثوبه ، على فيه ثم قال : «ما بعثت به إليك لتلبسه ، ولكن تبيعه وتستعين بثمنه] (٢).

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال (٣) : ولما توجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قافلا إلى المدينة ، بعث خالدا في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة الجندل ، فلما عهد إليه عهده ، قال خالد : يا رسول الله ، كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر ، وإنما نأتيها في عصابة من المسلمين؟ فقال : «لعلّ الله يكفيكه». فسار خالد ، حتى إذا دنا من دومة نزل في أدبارها. فبينما هو وأصحابه في منزلهم ليلا ، إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن ، وأكيدر يشرب ويتغنّى بين امرأتيه. فاطّلعت إحداهما فرأت البقر فقالت : لم أر كالليلة في اللّحم. فثار وركب فرسه ، وركب غلمته وأهله ، فطلبها. حتى مرّ بخالد وأصحابه فأخذوه ومن معه فأوثقوهم. ثم قال خالد لأكيدر : أرأيت إن أجرتك تفتح لي دومة؟ قال : نعم. فانطلق حتى دنا منها ، فثار أهلها وأرادوا أن يفتحوا له ، فأبى عليهم أخوه. فلما رأى ذلك قال لخالد : أيّها الرجل ،

__________________

(١) في النسخة (ح) : «فخفت» ، والمثبت عن نسخة (ع).

(٢) لم ترد هذه الفائدة في الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٣) الحديث ليس في المطبوع من مغازيه.


حلّني (١) ، (١١٧ أ] فلك الله لأفتحنّها لك ، إنّ أخي لا يفتحها ما علم أنّي في وثاقك. فأطلقه خالد. فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد ، ثم قال : اصنع ما شئت. فدخل خالد وأصحابه. ثم قال : يا خالد ، إن شئت حكّمتك ، وإن شئت حكّمتني. فقال خالد : بل نقبل منك ما أعطيت. فأعطاهم ثمانمائة من السّبي وألف بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح (٢).

وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأقبل معه يحنّة بن رؤبة عظيم أيلة. فقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر.

فاجتمعا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقاضاهما على قضيّته ، على دومة وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء ، وكتب لهم كتابا. ورجع قافلا إلى المدينة (٣).

ثم ذكر عروة قصّة في شأن جماعة من المنافقين (٤) همّوا بأذيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأطلعه الله على كيدهم. وذكر بناء مسجد الضّرار (٥).

وقال ابن إسحاق ، عن ثقة من بني عمرو بن عوف : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقبل من تبوك حين نزل بذي أوان (٦) ، بينه وبين المدينة ساعة من نهار. وكان أصحاب مسجد الضّرار قد أتوه ، وهو يتجهّز إلى تبوك ، فقالوا : قد بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة ، وإنّا نحبّ أن تأتي فتصلّي لنا فيه. فقال : إنّي على جناح سفر ، فلو رجعنا إن شاء الله أتيناكم. فلما نزل

__________________

(١) في ع : «خلّني».

(٢) انظر السيرة النبويّة لابن كثير ٤ / ٣١ فهو مختصر عما هنا. وراجع المغازي للواقدي ٣ / ١٠٢٧ ففيه : «فصالحه على ألفي بعير» ، وكذا في طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٦.

(٣) انظر المغازي للواقدي ٣ / ١٠٣١ وسيرة ابن هشام ٤ / ١٧٨.

(٤) في نسختي : (ع) و (ح) : «جماعة منافقين».

(٥) المغازي لعروة ٢٢١ وليس في المطبوع عن بناء مسجد الضرار ، وانظر السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٣٣.

(٦) ذو أوان ويقال : ذات أوان. موضع بطريق الشام ، (معجم البلدان ١ / ٢٧٥) على ساعة من المدينة. (وفاء ألوفا ٢ / ٢٥٠).


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذي أوان ، أتاه خبر السماء ، فدعا مالك بن الدّخشم ومعن ابن عديّ فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظّالم أهله فاهدماه وأحرقاه. فخرجا سريعين حتى دخلاه وفيه أهله فحرّقاه وهدماه وتفرّقوا عنه. ونزل فيه من القرآن ما نزل (١).

وقال أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحرّانيّ (٢) : ثنا محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي البختريّ ، عن حذيفة ، قال : كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقود به ، وعمّار يسوقه ، أو قال عمّار يقوده وأنا أسوقه ، حتى إذا كنا بالعقبة ، فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها ، فأنبهت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصرخ بهم فولّوا مدبرين. فقال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [هل] (٣) عرفتم القوم؟ قلنا : لا ، قد كانوا ملثّمين. قال : هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة ، أرادوا أن يزحموني في العقبة لأقع. قلنا : يا رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كلّ قوم برأس صاحبهم؟ قال : لا ، أكره أن يتحدّث العرب أنّ محمدا قاتل بقوم حتّى إذا أظهره [الله] (٤) بهم أقبل عليهم فقتلهم. ثم قال : «اللهمّ ارمهم بالدّبيلة». قلنا : يا رسول الله ، وما الدّبيلة؟ قال : «شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك» (٥).

وقال قتادة ، عن أبي نضرة ، عن قيس بن عبّاد ، في حديث ذكره عن

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٠ ، المغازي للواقدي ٣ / ١٠٤٥ ، ١٠٤٦ ، الطبري ٣ / ١١٠.

(٢) في الأصل «الخزاعي» ، وهو تصحيف ، والتصويب من نسختي (ع) و (ح) ، ومن ترجمته في تهذيب التهذيب ٦ / ٣٦٢.

(٣) ليست في أوصل ، أضفتها من نسختي : (ع) و (ح).

(٤) ليست في الأصل ، أضفتها من نسختي : (ع) و (ح).

(٥) أخرج مسلم نحوه في صفات المنافقين وأحكامهم (١٠ / ٢٧٧٩) قال غندر : أراه قال : «في أمّتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ، ولا يجدون ريحها ، حتى يلج الجمل في سمّ الخياط. ثمانية منهم تكفيكهم الدّبيلة. سراج من النار يظهر في أكتافهم. حتى ينجم من صدورهم».


عمّار بن ياسر ، أنّ حذيفة حدّثه ، عن النّبيّ [١١٧ ب] صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «في أصحابي اثنا عشر منافقا ، فمنهم (١) ثمانية لا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط». أخرجه مسلم (٢).

وقال عبد الله بن صالح [المصريّ ، ثنا معاوية بن صالح] (٣) ، عن عليّ ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) (٤) ، قال : أناس بنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر : ابنوا مسجدكم واستمدّوا ما استطعتم من قوّة ومن سلاح ، فإنّي ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه. فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : نحبّ أن تصلّي فيه. فنزلت (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً). الآيات (٥).

* * *

وقال ابن عيينة ، عن الزّهري ، عن السّائب بن يزيد ، قال : أذكر أنّا ، حين قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة تبوك ، خرجنا مع الصبيان نتلقّاه إلى ثنيّة الوداع. أخرجه البخاري (٦).

وقال غير واحد ، عن حميد ، عن أنس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال : «إنّ بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد ، إلّا كانوا معكم فيه». قالوا : يا رسول الله ، وهم بالمدينة؟ قال : «نعم ، حبسهم العذر». أخرجه البخاري (٧).

__________________

(١) في الأصل «منهم» وما أثبتناه عن مسلم.

(٢) في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٩ / ٢٧٧٩) وفيه زيادة ، وأحمد ٤ / ٣٢٠.

(٣) ما بين الحاصرتين سقط من الأصل ، والمثبت من نسختي (ع) و (ح).

(٤) سورة التوبة ، الآية ١٠٧.

(٥) سورة التوبة ، الآية ١٠٨.

(٦) في كتاب المغازي (٥ / ١٣٦) باب كتاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كسرى وقيصر.

(٧) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب من حبسه العذر عن الغزو (٣ / ٢١٣). وكتاب المغازي ، باب حدثنا يحيى بن بكير ، بعد باب نزول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجر (٥ / ١٣٦) ، وأحمد في المسند ٣ / ١٨٢.



أمر الّذين خلّفوا (١)

قال شعيب بن أبي حمزة ، عن الزّهري ، أخبرني سعيد بن المسيّب : أنّ بني قريظة كانوا حلفاء ، لأبي لبابة. فاطّلعوا إليه ، وهو يدعوهم إلى حكم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا أبا لبابة ، أتأمرنا أن ننزل؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذّبح. فأخبر عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال له : لم ترعبني؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحسبت أنّ الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك؟» فلبث حينا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاتب عليه.

ثم غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تبوكا ، فتخلّف عنه أبو لبابة فيمن تخلّف. فلمّا قفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاءه أبو لبابة يسلّم عليه ، فأعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ففزع أبو لبابة ، فارتبط بسارية التّوبة ، التي عند باب أم سلمة ، سبعا بين يوم وليلة ، في حرّ شديد ، لا يأكل فيهنّ ولا يشرب قطرة. وقال : لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله عليّ. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصّوت من الجهد. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينظر إليه بكرة وعشيّة. ثم تاب الله عليه فنودي : إنّ الله قد تاب عليك. فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليطلق عنه رباطه ، فأبى أن يطلقه عنه أحد إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فجاءه فأطلق عنه بيده. فقال أبو

__________________

(١) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٠.


لبابة حين أفاق : يا رسول الله ، إنّي أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذّنب ، وأنتقل إليك فأساكنك ، وإنّي أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. فقال : «يجزئ عنك [١١٨ أ] الثّلث». فهجر دار قومه وتصدّق بثلث ماله ، ثم تاب فلم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلّا خير ، حتى فارق الدنيا. مرسل.

وقال ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) قال : هو أبو لبابة ، إذ قال لقريظة ما قال ، وأشار إلى حلقه بأنّ محمدا يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وزعم محمد بن إسحاق أنّ ارتباطه كان حينئذ. ولعلّه ارتبط مرتين.

وقال عبد الله بن صالح : حدّثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) قال : كانوا عشرة رهط تخلّوا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. في غزوة تبوك. فلما حضر رجوع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممرّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم. فلما رآهم قال : من هؤلاء؟ قالوا : هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلّفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم. قال : «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم ، حتّى يكون الله هو الّذي يطلقهم ، رغبوا عنّي وتخلّفوا عن الغزو مع المسلمين». فلما بلغهم ذلك قالوا : ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الّذي يطلقنا. فأنزلت (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (١) «عسى» من الله واجب (٢).

فلما نزلت ، أرسل إليهم فأطلقهم وعذرهم. ونزلت ، إذ بذلوا أموالهم : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (٣). وروى نحوه عطية العوفيّ ، عن ابن عباس (٤).

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ١٠٢.

(٢) واجب منه تعالى ، لا عليه سبحانه.

(٣) سورة التوبة ، الآية ١٠٣.

(٤) السيرة لابن كثير ٤ / ٤٨ ، ٤٩.


وقال عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أنّ أباه قال : سمعت كعبا يحدّث حديثه حين تخلّف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك.

قال كعب : لم أتخلّف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة غزاها قطّ ، إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي تخلّفت عن غزوة بدر ، ولم يعاتب الله أحدا تخلّف عنها ، إنّما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [يريد] (١) عير قريش ، حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة العقبة ، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر : يعني أذكر في الناس منها.

كان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك ، أنّي لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما اجتمعت عندي قبلها راحلتان حتى جمعتهما تلك الغزوة. ولم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد غزوة إلّا ورّى بغيرها. حتى كانت تلك الغزوة غزاها في حرّ شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوّا كثيرا : فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم (٢) ، وأخبرهم بوجهه الّذي كان يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ ، يريد الديوان. [١١٨ ب] قال كعب : فما رجل يريد أن يتغيّب إلّا ظنّ أنّه سيخفى [له] (٣) ما لم ينزل فيه وحي. وغزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال ، فأنا إليها أصعر (٤). [فتجهّز] (٥) والمسلمون معه.

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. وسيرة ابن هشام ٤ / ١٨١.

(٢) في الأصل «عدوهم» والتصحيح من صحيح مسلم.

(٣) سقطت من الأصل. وأثبتناها من ع ، ح ، وهي في صحيح مسلم ، وسيرة ابن هشام.

(٤) أصعر : أميل. وجملة فأنا إليها أصعر تفرد بها الأصل ، ولم ترد في ع ، ح وهي في صحيح مسلم. وفي السيرة : «فالناس إليها أصعر».

(٥) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. وصحيح مسلم ، والسيرة.


وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردته. فلم يزل يتمادى بي الأمر حتى استمرّ بالناس الجدّ. فأصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا. فقلت : أتجهّز بعده يوما أو يومين ثم ألحقهم. فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهّز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم (١) ، وليتني فعلت ، فلم يقدّر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس أحزنني أنّي لا أرى رجلا مغموصا (٢) من النفاق ، أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء. فلم يذكرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بلغ تبوك ، [قال] (٣) وهو جالس في القوم : «ما فعل كعب بن مالك؟» فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله ، حبسه برداه والنّظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا.

فلما بلغني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد توجّه قافلا من تبوك ، حضرني همّي فطفقت أتذكّر الكذب وأقول : بما ذا أخرج من سخطه غدا؟ وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أظلّ (٤) قادما زاح عنّي الباطل ، وعرفت أنّي لا أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب ، فأجمعت صدقه. وأصبح قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلّى فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاء المخلّفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا. فقبل منهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علانيتهم ، وبايعهم ، واستغفر [لهم] (٥) ، ووكل سرائرهم إلى الله. فجئته فلمّا سلّمت عليه

__________________

(١) في الأصل : «وأدركهم». والمثبت من ع ، ح. وصحيح مسلم ، والسيرة.

(٢) مغموصا : أي متّهما.

(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٤) في هامش ح : بمهملة : «أشرف» ، ومعجمة : دنا ، ومنه أظلكم شهر كذا.

(٥) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. وصحيح مسلم.


تبسّم تبسّم المغضب ثم قال : تعال. فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال : ما خلّفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك؟ فقلت : بلى ، يا رسول الله ، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلا. ولكن والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديثا كاذبا ترضى به [عنّي] (١) ليوشكنّ الله أن يسخط عليّ ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه ، إنّي لأرجو عفو الله. والله ما كان لي من عذر ، وو الله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أمّا هذا فقد صدق ، قم حتى يقضي الله فيك.

فقمت ، وثار رجال من بني سلمة فقالوا : لا والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، أعجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما اعتذر إليه المخلّفون ، قد كان كافيك لذنبك استغفار رسول الله (١١٩ أ] صلى‌الله‌عليه‌وسلم لك. فو الله ما زالوا يؤنّبونني حتى أردت أن أرجع فأكذّب نفسي. ثم قلت : هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا : نعم ، رجلان قالا مثل ما قلت. ، وقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت : من هما؟ فقالوا : مرارة بن الرّبيع (٢) العمريّ ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا ، فيهما أسوة. فمضيت حين ذكروهما لي.

ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كلامنا أيّها الثّلاثة من بين من تخلّف عنه. واجتنبنا النّاس وتغيّروا لنا ، حتّى تنكّرت في نفسي الأرض فما هي الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي فاستكانا وقعدا في بيتهما. وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصّلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ، فلا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من (ع) و (ح) وصحيح مسلم.

(٢) في الأصل : «الرفيع». والتصحيح من ع ، ح وصحيح البخاري. وهو في مسلم : مرارة بن الربيعة العامري.


في مجلسه بعد الصلاة فأسلّم عليه فأقول في نفسي : هل حرّك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلّي فأسارقه النّظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ ، فإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة المسلمين تسوّرت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمّي وأحبّ الناي إليّ ، فسلّمت عليه ، فو الله ما ردّ. فقلت : يا أبا قتادة ، أنشدك الله هل تعلم أنّي أحبّ الله ورسوله؟ [قال] (١) فسكت ، فعدت له فسكت ، فناشدته الثّالثة فقال : الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي. وتولّيت حتى تسوّرت الجدار.

قال : فبينا أنا أمشي بسوق المدينة ، إذا نبطيّ من أنباط الشأم ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدلّ على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إليّ. حتى إذا جاءني دفع إليّ كتابا من ملك غسّان ، وكنت كاتبا ، فإذا فيه : أمّا بعد ، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. فقلت : وهذا أيضا من البلاء. فتيمّمت به التّنّور فسجرته به. حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت : أطلّقها أم ما ذا أفعل بها؟ فقال : لا ، بل اعتزلها فلا تقربنّها. وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر.

قال كعب : فجاءت امرأة هلال رسول الله فقال : إنّ هلالا شيخ ضائع ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه؟ فقال : لا ، ولكن لا يقربنّك. قالت : إنّه والله ما به حركة إلى شيء ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا. فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله في امرأتك؟ فقلت : لا والله ، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن استأذنته فيها ، وأنا

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. وصحيح مسلم.


[١١٩ ب] رجل شابّ. فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة. فلما أن صلّيت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منّا ، قد ضاقت عليّ نفسي ، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع : يا كعب بن مالك ، أبشر. فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء الفرج.

وآذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتوبة الله عليه ، حين صلّى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشّروننا ، وذهب قبل صاحبيّ مبشّرون. وركض رجل إليّ فرسا ، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل ، وكان الصّوت أسرع إليّ من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني ، نزعت ثوبيّ وكسوتهما إيّاه ببشراه ، والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما ، وانطلقت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فتلقّاني الناس فوجا فوجا يهنّئوني بالتّوبة ، يقولون : ليهنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد ، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنّأني ، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره ، ولا أنساها لطلحة. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يبرق وجهه بالسّرور : «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك». قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : «لا ، بل من عند الله».

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا بشّر ببشارة يبرق وجهه كأنّه قطعة قمر ، وكنّا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله : إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول. قال : أمسك بعض مالك فهو خير لك. فقلت : فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. وقلت : يا رسول الله ، إنّ الله إنّما نجّاني بالصّدق ، وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين ابتلاه الله تعالى في صدق الحديث أحسن ممّا ابتلاني ، ما تعمّدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذبا ، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. وأنزل الله تعالى على رسوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى


النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) إلى قوله : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١). فو اللهِ ما أنعم الله عليّ من نعمة ، بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ ، أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوه ، فإنّ الله تعالى قال للذين كذبوه ، حين نزل الوحي ، شرّ ما قال لأحد فقال : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢).

قال كعب : وكنّا خلّفنا ـ أيّها الثّلاثة ـ عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خلفوا له ، وأرجأ أمرنا [١٢٠ أ] حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (٣) ، وليس الّذي ذكر الله تخلّفنا عن الغزو ، وإنّما هو تخليفه إيّانا [و] (٤) إرجاؤه أمرنا عمّن تخلّف واعتذر ، فقبل منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متّفق عليه (٥).

__________________

(١) سورة التوبة ، الآيات ١١٧ ـ ١١٩.

(٢) سورة التوبة ، الآيتان ٩٥ ، ٩٦.

(٣) سورة التوبة ، الآية ١١٨.

(٤) سقطت من النسخ الثلاث ، وأثبتناها من الصحيحين.

(٥) أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب حديث كعب بن مالك ، وقول الله عزوجل : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (٥ / ١٣٠) وصحيح مسلم : كتاب التوبة ، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه (٣ / ٢٧٦٩) ، وابن هشام في السيرة ٤ / ١٨٠ ـ ١٨٢ ، وأحمد في المسند ٣ / ٤٥٤ و ٤٥٦ ـ ٤٦٠ و ٦ / ٣٨٧ ـ ٣٩٠ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٩ / ٤٢ وما بعدها رقم ٩٠ و ٩١ و ٩٥ ، وعبد الرزاق في المصنف (٩٧٤٤).


موت عبد الله بن أبيّ

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدّثني الزّهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد ، قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عبد الله بن أبيّ يعوده في مرضه الّذي مات فيه ، فلما عرف فيه الموت ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «[أما] (١) والله إن كنت لأنهاك عن حبّ يهود». فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة ، فمه؟

وقال الواقديّ : مرض عبد الله بن أبيّ بن سلول في أواخر شوّال ، ومات في ذي القعدة. وكان مرضه عشرين ليلة (٢). فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعوده فيها. فلما كان اليوم الّذي مات فيه. دخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يجود بنفسه فقال : «قد نهيتك عن حبّ يهود». فقال : قد أبغضهم أسعد فما نفعه؟ ثم قال : يا رسول الله ، ليس هذا بحين عتاب. هو الموت ، فإن متّ فاحضر غسلي ، وأعطني قميصك أكفّن فيه ، وصلّ عليّ واستغفر لي (٣).

__________________

(١) ليست في الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ١٢٠.

(٣) قال ابن كثير في السيرة ٤ / ٦٥ : «وروى البيهقي من حديث سالم بن عجلان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس نحوا مما ذكره الواقدي ، فالله أعلم». وانظر الخبر في المغازي للواقدي ٣ / ١٠٥٧.


هذا حديث معضل واه ، لو أسنده الواقديّ لما نفع ، فكيف وهو بلا إسناد؟

وقال ابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبر عبد الله بن أبيّ بعد ما أدخل حفرته [فأمر به] (١) فأخرج ، فوضع على ركبتيه ، أو فخذيه ، فنفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. والله أعلم. متّفق عليه (٢).

وقال أبو أسامة ، وغيره : حدّثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لما توفّي عبد الله بن أبيّ ، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفّنه فيه ، فأعطاه. ثم سأله أن يصلّي عليه ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي عليه ، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال : يا رسول الله ، أتصلّي عليه وقد نهاك الله عنه؟ قال : إنّ ربّي خيّرني ، فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (٣) ، وسأزيد على السبعين. فقال : إنّه منافق. قال : فصلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (٤). متّفق عليه (٥).

* * *

وفيها : قتل عروة بن مسعود الثّقفيّ ، وكان سيّدا شريفا من عقلاء

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من نسختي (ع) و (ح).

(٢) أخرجه البخاري في الجنائز (٢ / ٧٦) باب الكفن في القميص الّذي يكفّ أو لا يكفّ ، و (٢ / ٩٥) باب هل يخرج الميّت من القبر واللحد لعلّة؟ و (٧ / ٣٦) في اللباس ، باب ليس القميص وقول الله تعالى حكاية عن يوسف ... ، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٢٧٧٣) ، والنسائي (٤ / ٣٧ ، ٣٨) في كتاب الجنائز ، باب القميص في الكفن ، وأحمد في المسند ٣ / ٢٨١ ، والواقدي في المغازي ٣ / ١٠٥٧.

(٣) سورة التوبة ، الآية ٨٠.

(٤) سورة التوبة ، الآية ٨٤.

(٥) صحيح البخاري : كتاب الجنائز ، باب الكفن في القميص الّذي يكف أو لا يكف (٢ / ٧٦).

وصحيح مسلم : كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٢٧٧٤) ، وابن هشام في السيرة ٤ / ١٩١. وتفسير الطبري ١٨ / ٨٦ ـ ٨٧ ، وأسباب النزول للواحدي ٣٣٠ ـ ٣٣٦ ، والواقدي ٣ / ١٠٥٨.


العرب ودهاتهم ، دعا قومه إلى الإسلام فقتلوه. فيروي أن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مثله مثل صاحب ياسين ، دعا قومه إلى الله فقتلوه» (١).

* * *

وفيها : توفّيت السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، زوجة عثمان رضي‌الله‌عنهما (٢).

* * *

وفيها : توفّي عبد الله ذو البجادين (٣) رضي‌الله‌عنه ، ودفن بتبوك ، وصلّى عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأثنى عليه ونزل في حفرته ، وأسنده في لحده. وقال : «اللهمّ [١٢٠ ب] إنّي أمسيت عنه راضيا ، فارض عنه» (٤).

وقال محمد بن إسحاق : حدّثني محمد بن إبراهيم التّيميّ ، قال : كان عبد الله ذو البجادين (٥) من مزينة. وكان يتيما في حجر عمّه ، وكان يحسن إليه. فلما بلغه أنه قد أسلم قال : لئن فعلت لأنزعنّ منك جميع ما أعطيتك. قال : فإنّي مسلم. فنزع كلّ شيء أعطاه ، حتى جرّده ثوبه. فأتى أمّه ، فقطعت بجادا (٦) لها باثنين ، فائتزر نصفا وارتدى نصفا. ولزم باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان يرفع صوته بالقرآن والذّكر. وتوفّي في حياة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *

وفيها : قدم وفد ثقيف من الطّائف ، فأسلموا بعد تبوك ، وكتب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا (٧).

__________________

(١) انظر المحبّر لابن حبيب ١٠٥ ، ١٠٦ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٩٧.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ١٢٤.

(٣) في الأصل ، ع : «ذو النجادين» ، والتصحيح من (ح) ، وهو عبد الله بن عبد نهم المزني.

(الاستيعاب ٢ / ٢٩٢).

(٤) الاستيعاب ٢ / ٢٩٣.

(٥) في الأصل ، ع : «ذو النجادين». والتصحيح من ح. والاستيعاب لابن عبد البر ٢ / ٢٩٢. وقال ابن هشام في السيرة ٤ / ١٧٩ : وأنّما سمّي ذو البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام ، فيمنعه قومه من ذلك ويضيّقون عليه حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره. والبجاد : الكساء الغليظ الجافي.

(٦) في الأصل ، ع : «نجادا».

(٧) انظر تاريخ الطبري ٣ / ٩٧ و ٩٩.


وفيها : مرجع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تبوك ، مات سهيل بن بيضاء ، أخو سهل بن بيضاء ، وهي أمّهما ، واسمها دعد بنت جحدم. وأما أبوه فوهب بن ربيعة الفهريّ. ولسهيل صحبة ورواية حديث ، وهو حديث يحيى بن أيّوب المصريّ ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن سعيد بن الصّلت ، عن سهيل بن بيضاء ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة» (١). وليحيى بن سعيد الأنصاريّ ، عن محمد بن إبراهيم ، نحوه.

وأما الدّراورديّ فقال : عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن سعيد ابن الصّلت ، عن عبد الله بن أنيس. وهذا متّصل عن سهيل. إذ سعيد بن الصلت تابعيّ كبير لا يمكنه أن يسمع من سهيل. ولو (٢) سمع منه لسمع من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكان صحابيا. لكنّ المرسل أشهر. وكان سهيل (٣) بن بيضاء من السابقين الأولين ، شهد بدرا وغيرها. وكذلك أخوه سهل ، وقد توفّي أيضا في حياة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

وقال عبد الوهاب بن عطاء ، أنبأ حميد ، عن أنس ، قال : كان أبو عبيدة ، وأبيّ بن كعب ، وسهيل بن بيضاء ، عند أبي طلحة ، وأنا أسقيهم ، حتى كاد الشّراب أن يأخذ فيهم. ثم ذكر تحريم الخمر بطوله.

* * *

وقال ابن أبي فديك ، عن الضحّاك بن عثمان ، عن أبي النّضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : لما توفّي سعد : أدخلوه المسجد حتّى أصلّي عليه ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : والله لقد صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وسهل (٥).

__________________

(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٦ / ٢٥٧ و ٢٥٨ رقم (٦٠٣٣) و (٦٠٣٤).

(٢) في الأصل «ولم» والتصحيح من (ع) و (ح).

(٣) في الأصل «سهل» وهو خطأ ، والتصحيح من (ع) و (ح).

(٤) الاستيعاب ٢ / ٩٢ ، الإصابة ٢ / ٨٥ رقم : ٣٥٢.

(٥) الاستيعاب ٢ / ٩٣.


وقال فيه غير الضحّاك : ما أسرع ما نسوا ، لقد صلّى على سهيل بن بيضاء في المسجد.

* * *

وفيها : توفي زيد بن سعنة ، بالياء [وبالنون] (١) ، وبالنّون أشهر ، وهو أحد الأحبار (٢) الذين أسلموا. وكان كثير العلم والمال. وخبر إسلامه رواه الوليد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جدّه عبد الله ، قال : لما أراد الله هدي زيد بن سعنة ، قال : ما من علامات النبوّة شيء إلّا وقد عرفتها في (١٢١ أ] وجه محمد حين نظرت إليه ، إلّا شيئين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدّة الجهل إلّا حلما. وذكر الحديث بطوله. وهو في الطّوالات للطّبرانيّ (٣). وآخره (٤) : فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسوله. وآمن به وتابعه ، وشهد معه مشاهد. وتوفّي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر. والحديث غريب ، من الأفراد (٥).

* * *

قال أبو عبيدة معمر بن المثنّى : وفيها قتلت فارس ملكهم شهرا برز (٦) بن شيرويه ، وملّكوا عليهم بوران بنت كسرى (٧). وبلغ ذلك النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «لن يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوْا أَمْرَهم امرأة» (٨).

__________________

(١) سقطت من الأصل ، والمثبت من : (ع) و (ح).

(٢) في الأصل «الأجناد» ، والتصحيح من (ع) و (ح) ، والاستيعاب ١ / ٥٦٣ ، والإصابة ١ / ٥٦٦ رقم ٢٩٠٤.

(٣) في المعجم الكبير ٥ / ٢٥٣ ـ ٢٥٥ رقم ٤٨٩.

(٤) في الأصل «وأخبره» ، والتصحيح من (ع) و (ح).

(٥) في هامش ح : «هو في صحيح ابن حبان». انظر : صحيح ابن حبان ، رقم (٢١٠٥) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣ / ٦٠٤ ، ٦٠٥ وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وهو من غرر الحديث. وقد تعقّبه الذهبي بقوله في تلخيص المستدرك ٣ / ٦٠٥. «وما أنكره وأركّه لا سيما قوله : مقبلا غير مدبر ، فإنه لم يكن في غزوة تبوك قتال».

(٦) هكذا في جميع النسخ. وفي تاريخ خليفة «شهربراز».

(٧) تاريخ خليفة ٩٣.

(٨) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (٥ / ١٣٦) باب كتاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كسرى وقيصر. وفي


وفيها : توفّي عبد الله بن سعد بن سفيان الأنصاريّ ، من بني سالم بن عوف. كنيته أبو سعد (١). شهد أحدا والمشاهد. وتوفّي منصرف النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تبوك. فيقال : إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفّنه في قميصه (٢).

* * *

وفيها : في هذه المدّة : توفّي زيد بن مهلهل بن زيد (٣) أبو مكنف الطّائيّ ، فارس طيِّئ. وهو أحد المؤلّفة قلوبهم. أعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مائة من الإبل ، وكتب له بإقطاع. وكان يدعى زيد الخيل ، فسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد الخير. ثم إنه رجع إلى قومه فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن ينج زيد من حمّى المدينة». فلما انتهى (٤) إلى نجد أصابته الحمّى ومات (٥).

وفيها : حجّ بالناس أبو بكر الصدّيق ، بعثه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموسم في أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجّهم. فنزلت (براءة) (٦) إثر خروجه (٧).

* * *

وفي أوّلها نقض ما بين النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين المشركين من العهد الّذي كانوا عليه. قال ابن إسحاق : فخرج عليّ ، رضي‌الله‌عنه ، على ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، العضباء ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق. فلما رآه أبو بكر قال : أمير أو مأمور؟ قال : لا ، بل مأمور. ثم مضيا. فأقام أبو بكر للناس حجّهم ، حتّى إذا كان يوم النّحر ، قام عليّ عند الجمرة فأذّن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : أيها النّاس ، إنه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة ، ولا يحجّ بعد

__________________

= الفتن (٨ / ٩٧) باب : حدّثنا عثمان بن الهيثم ، وأحمد في المسند ٥ / ٤٣ و ٥١ و ٦ / ٣٨ و ٤٧.

(١) في الأصل «أبو سعيد» ، والتصحيح من (ع) و (ح) ، ومن ترجمته في : أسد الغابة ٣ / ٢٦١.

(٢) الإصابة ٢ / ٣١٨ رقم ٤٧١٢.

(٣) في جميع النسخ «يزيد» ، والتصحيح من : أسد الغابة ٢ / ٣٠١ ، وتجريد أسماء الصحابة ١ / ٢٠٢ ، والإصابة ١ / ٥٧٢ رقم ٢٩٤١.

(٤) في الأصل «وصل» ، والمثبت من (ع) و (ح).

(٥) الإصابة ١ / ٥٧٣.

(٦) أول سورة التوبة.

(٧) تاريخ الطبري ٣ / ١٢٢ ، طبقات ابن سعد ٢ / ١٦٨ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٦.


العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان. ومن كان له عهد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو له إلى مدّته. وأجّل الناس أربعة أشهر من يوم أذّن فيهم ، ليرجع كلّ قوم إلى مآمنهم من بلادهم. ثمّ لا عهد لمشرك (١).

وقال عقيل ، عن الزّهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أنّ أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين بعثهم يوم النّحر يؤذّنون بمنى أن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.

قال حميد بن عبد الرحمن : ثم أردف النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعليّ بن أبي طالب فأمره أن يؤذّن ببراءة. قال : فأذّن معنا عليّ في أهل منى يوم النّحر ببراءة ، أن لا يحجّ بعد [١٢١ ب] العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. أخرجه البخاريّ (٢). وأخرجاه من حديث يونس ، عن الزهريّ (٣).

وقال سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أبا بكر وأتبعه عليّا. فذكر الحديث. وفيه : فكان عليّ نادي بها ، فإذا بحّ قام أبو هريرة فنادى بها.

وقال أبو إسحاق السّبيعي ، عن زيد بن يثيع (٤) ، قال : سألنا عليّا رضي‌الله‌عنه : بأيّ شيء بعثت في ذي الحجّة؟ قال : بعثت بأربع : لا يدخل الجنّة

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٨ ، وانظر المغازي للواقدي ٣ / ١٦٨ ، ١٦٩.

(٢) في كتاب الصلاة (١ / ٩٧) باب ما يستر من العورة ، وكتاب تفسير القرآن ، سورة براءة (٥ / ٢٠٢) باب قوله (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) .. ، وباب قوله (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ..

(٣) البخاري في كتاب الحج (٢ / ١٦٤) باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحجّ مشرك ، ومسلم في كتاب الحج (١٣٤٧) باب لا يحجّ البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، وبيان يوم الحجّ الأكبر. وأبو داود في المناسك (١٩٤٦) باب يوم الحج الأكبر. والترمذي في الحج (٨٧٢) باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا ، من طريق سفيان بن عيينة ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن أثيع قال : «سألت عليّا ..». وأحمد في المسند ١ / ٣ و ٧٩ و ٢ / ٢٩٩ من طريق الشعبي ، عن محرر بن أبي هريرة أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : كنت مع عليّ ... ، وخليفة في تاريخه ٩٣.

(٤) يثيع أو أثيع : رجل من همدان.


إلّا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا ، ومن كان بينه وبين النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد ، فعهده إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر (١).

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٧٩ و ٢ / ٢٩٩.


ذكر قدوم وفود العرب

[قدوم عروة بن مسعود الثّقفيّ]

قال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير ، قال : فلما صدر أبو بكر وعليّ ، رضي‌الله‌عنهما ، وأقاما للناس الحجّ ، قدم عروة بن مسعود الثقفيّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسلما. وكذا قال موسى بن عقبة. وأما ابن إسحاق فذكر

أنّ قدوم عروة بن مسعود كان في إثر رحيل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أهل الطائف وعن مكة ، وأنه لقيه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنهم قاتلوك» (١).

ثم بعد أشهر ، قدم :

وفد ثقيف (٢)

وقال حاتم بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع ، عن عبد الكريم ، عن علقمة بن سفيان بن عبد الله الثّقفي ، عن أبيه ، قال : كنّا في

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٩٦ ، سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٤.

(٢) ثقيف : هم ثقيف بن منبه ، بطن متسع من هوازن من العدنانية ، اشتهروا باسم أبيهم. وكان موطنهم بالطائف (معجم قبائل العرب ١ / ١٤٨).


الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فضرب لنا قبّتين عند دار المغيرة ابن شعبة. قال : وكان بلال يأتينا بفطرنا فنقول : أفطر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فيقول : نعم ، ما جئتكم حتى أفطر ، فيضع يده فيأكل ونأكل (١).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنزلهم في قبّة في المسجد ، ليكون أرقّ لقلوبهم. واشترطوا عليه حين أسلموا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبّوا (٢). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا خير في دين ليس فيه ركوع ، ولكم أن لا تحشروا ولا تعشروا» (٣).

وقال أبو داود في «السنن» (٤) : حدّثنا الحسن بن الصباح ، نا إسماعيل بن عبد الكريم ، حدّثني إبراهيم ، عن أبيه ، عن وهب ، قال : سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت قال : اشترطت على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد ، وأنه سمع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك يقول : «سيتصدّقون ويجاهدون إذا أسلموا».

وقال موسى بن عقبة ، وعن عروة بمعناه ، قال : فأسلم عروة بن مسعود ، واستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليرجع إلى قومه. فقال : إنّي أخاف [١٢٢ أ] أن يقتلوك قال : لو وجدوني نائما ما أيقظوني. فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فرجع إلى الطائف ، وقدم الطائف عشيّا فجاءته ثقيف فحيّوه ، ودعاهم إلى الإسلام

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٥.

(٢) أن لا يحشروا : من الحشر ، وهو الخروج مع النفير ، أي لا يندبون إلى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث. وقيل : لا يحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم ، بل يأخذها في أماكنهم. ولا يعشروا : من التعشير ، وهو أخذ عشر المال. ولا يجبّوا : من التجبية ، وهي وضع اليدين على الركبتين أو على الأرض ، وهي هنا كناية عن الركوع والسجود في الصلاة.

(٣) أخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء (٣٠٢٦) باب ما جاء في خبر الطائف.

وأحمد في المسند ٤ / ٢١٨.

(٤) في كتاب الخراج والإمارة والفيء (٣٠٢٥) باب ما جاء في خبر الطائف.


ونصح لهم ، فاتّهموه وعصوه ، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه. فخرجوا من عنده ، حتى إذا أسحر وطلع الفجر ، قام على غرفة [له] (١) في داره فأذّن بالصلاة وتشهّد ، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله.

فزعموا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حين بلغه قتله : «مثل عروة مثل صاحب ياسين ، دعا قومه إلى الله فقتلوه» (٢).

وأقبل ـ بعد قتله ـ من وفد ثقيف بضعة عشر رجلا هم أشراف ثقيف ، فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ ، وفيهم عثمان بن أبي العاص بن بشر ، وهو أصغرهم. حتى قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة يريدون الصّلح ، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامّة العرب.

فقال المغيرة بن شعبة : يا رسول الله ، أنزل على قومي فأكرمهم ، فإنّي حديث الجرم (٣) فيهم. فقال : لا أمنعك أن تكرم قومك ، ولكن منزلك حيث يسمعون القرآن. وكان من جرم (٣) المغيرة في قومه أنّه كان أجيرا لثقيف ، وأنهم أقبلوا من مصر ، حتى إذا كانوا ببصاق (٤) ، عدا عليهم وهم نيام فقتلهم ، ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، خمِّس مالي هذا. فقال : «وما نبأه»؟ فأخبره ، فقال : «إنّا لسنا نغدر». وأبي أن يخمّسه.

وأنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد ثقيف في المسجد ، وبنى لهم خياما لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلّوا. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خطب لم يذكر نفسه. فلما سمعه وفد ثقيف قالوا : يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله ، ولا يشهد به في خطبته. فلما بلغه ذلك قال : فإنّي أول من شهد أنّي رسول الله.

__________________

(١) سقطت من الأصل ، والمثبت من نسختي (ع) و (ح).

(٢) انظر : سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٤ ، المحبّر ١٠٥ ـ ١٠٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ٩٧.

(٣) في الأصل : «الحزم» ، حزم في الموضعين. والتصحيح من ع ، ح.

(٤) بصاق : موضع قرب مكة ، ويقال بساق (بالسين). وقيل : جبل قرب أيلة فيه نقب. (معجم البلدان ١ / ٤٢٩).


وكانوا يغدون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّ يوم ، ويخلّفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم. فكان عثمان ، كلّما رجعوا وقالوا بالهاجرة ، عمد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله عن الدّين واستقرأه القرآن ، حتى فقه في الدّين وعلم. وكان إذا وجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نائما عمد إلى أبي بكر. وكان يكتم ذلك من أصحابه. فأعجب ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعجب منه وأحبّه.

فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] وهو يدعوهم إلى الإسلام ، فأسلموا. فقال كنانة بن عبد يا ليل : هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ فقال : «نعم ، إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم ، وإلّا فلا قضيّة ولا صلح بيني وبينكم». قالوا : أفرأيت الزّنا ، فإنّا قوم نغترب لا بدّ لنا منه؟ قال : «هو عليكم حرام». قالوا : فالرّبا؟ قال : «لكم رءوس أموالكم». قالوا : فالخمر؟ قال : «حرام». وتلا عليهم [١٢٢ ب] الآيات في تحريم هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض ، فقالوا : ويحكم ، إنّا نخاف ـ إن خالفناه ـ يوما كيوم مكة. انطلقوا نكاتبه على ما سألنا. فأتوه فقالوا : نعم ، لك ما سألت. أرأيت الرّبّة (١) ما ذا نصنع فيها؟ قال : «اهدموها». قالوا : هيهات ، لو تعلم الربّة أنك تريد هدمها قتلت أهلها. فقال عمر : ويحك يا بن عبد ياليل ، ما أحمقك ، إنّما الربّة حجر. قالوا : إنّا لم نأتك يا بن الخطّاب. وقالوا : يا رسول الله ، تولّ أنت هدمها ، فأما نحن فإنّا لن نهدمها أبدا. قال : «فسأبعث إليكم من يهدمها». فكاتبوه وقالوا : يا رسول الله ، أمّر علينا رجلا يؤمّنا. فأمّر عليهم عثمان لما رأى من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلّم سورا من القرآن.

وقال ابن عبد يا ليل : أنا أعلم الناس بثقيف. فاكتموهم الإسلام وخوّفوهم الحرب ، وأخبروا أنّ محمدا سألنا أمورا أبيناها.

__________________

(١) الربّة : بيت اللات التي كانت تعبدها ثقيف ، أو هي اللات ذاتها.


قال : فخرجت ثقيف يتلقّون الوفد. فلما رأوهم قد ساروا العنق (١) ، وقطروا الإبل ، وتغشّوا ثيابهم ، كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا ولم يرجعوا بخير. فلما رأت ثقيف ما في وجوههم قالوا : ما وفدكم بخير ولا رجعوا به. فدخل الوفد فعمدوا (٢) اللّات فنزلوا عندها. واللّات بيت بين ظهري الطائف يستر ويهدى له الهدي ، كما يهدى للكعبة.

فقال ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها : إنه لا عهد لهم برؤيتها. ثم رجع كل واحد إلى أهله ، وجاء كل رجل منهم خاصّته فسألوهم فقالوا : أتينا رجلا فظّا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء ، قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودانت له الناس. فعرض علينا أمورا شدادا : هدم اللّات ، وترك الأموال في الرّبا إلّا في رءوس أموالكم ، وحرّم الخمر والزّنا ، فقالت ثقيف : والله لا نقبل هذا أبدا. فقال الوفد : أصلحوا السلام وتهيّئوا للقتال ورمّوا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال. ثم ألقى الله في قلوبهم الرّعب ، فقالوا : والله ما لنا به طاقة ، وقد أداخ العرب كلّها ، فارجعوا إليه فأعطوه ما سأل. فلما رأى ذلك الوفد أنهم قد رعبوا قالوا : فإنّا قد قاضيناه وفعلنا ووجدناه أتقى الناس وأرحمهم وأصدقهم. قالوا : لم كتمتمونا وغممتمونا أشدّ الغمّ؟ قالوا : أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان. فأسلموا مكانهم.

ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد أمّر عليهم خالد بن الوليد ، وفيهم المغيرة. فلما قدموا عمدوا للّات ليهدموها ، واستكفّت ثقيف كلها ، حتى خرج العواتق (٣) ، لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة. فقام المغيرة فأخذ الكرزين (٤) وقال لأصحابه : والله لأضحكّنكم منهم. فضرب بالكرزين ، ثم

__________________

(١) العنق : ضرب من السير فسيح سريع ، للإبل والخيل.

(٢) عمد الشيء يعمده ، كعمد له وإليه : قصده.

(٣) العواتق : جمع عاتق وهي الجارية أول ما أدركت أو التي لم تتزوج.

(٤) الكرزين : فأس كبيرة لها حدّ ورأس واحد ، أو نحو المطرقة.


[١٢٣ أ] سقط يركض. فارتجّ أهل الطائف بصيحة واحدة ، وقالوا : أبعد الله المغيرة ، قد قتلته الرّبّة. وفرحوا ، وقالوا : من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها ، فو الله لا يستطاع أبدا. فوثب المغيرة بن شعبة فقال : قبّحكم الله ، إنما هي لكاع حجارة ومدر ، فاقبلوا عافية الله واعبدوه. ثم ضرب الباب فكسره ، ثم علا على سورها ، وعلا الرجال معه ، فهدموها. وجعل صاحب المفتح (١) يقول : ليغضبنّ الأساس ، فليخسفنّ بهم. فقال المغيرة لخالد : دعني أحفر أساسها. فحفره حتى أخرجوا ترابها ، وانتزعوا حليتها ، وأخذوا ثيابها. فبهتت ثقيف ، فقالت عجوز منهم : أسلمها الرّضّاع وتركوا المصاع (٢).

وأقبل الوفد حتى أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحليتها وكسوتها ، فقسمه.

وقال ابن إسحاق : أقامت ثقيف ، بعد قتل عروة بن مسعود ، أشهرا.

ثم ذكر قدومهم على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإسلامهم. وذكر أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة يهدمان الطّاغية (٣).

وقال سعيد بن السّائب ، عن محمد بن عبد الله بن عياض ، عن عثمان ابن أبي العاص ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم.

رواه أبو همّام محمد بن محبّب الدلّال ، عن سعيد (٤).

* * *

__________________

(١) المفتح : الخزانة أو المخزن حيث يوجد كنز الربة وحليتها وثيابها. ويجوز أن يكون المفتح (بالكسر) أي المفتاح.

(٢) الرضاع : كالرضّع ، جمع راضع ، وهو اللئيم الّذي رضع اللؤم من ثدي أمه ، يريد أنه ولد في اللؤم. والمصاع : الجلاد والضراب بالسيوف. وفي هامش ح. : الرضاع الذين يرضعون إبلهم لئلا يسمع الفقراء صوت حلبهم ، وقيل يرضعون الناس أي يسألونهم. والمصاع الجلاد والضراب أي تركوا القتال.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٥ ، تاريخ الطبري ٩٩ ـ ١٠٠.

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٩ / ٣٩ رقم (٨٣٥٥) ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٦١٨.


ولما فرغ ابن إسحاق من شأن ثقيف ، ذكر بعد ذلك حجّة أبي بكر الصدّيق بالناس (١).

* * *

__________________

(١) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ١٨٦.



السّنة العاشرة

ثم قال ابن إسحاق (١) :

ولمّا فتح الله على نبيّه مكّة ، وفرغ من تبوك ، وأسلمت ثقيف ، ضربت إليه وفود العرب من كلّ وجه. وإنما كانت العرب تربّص بالإسلام أمر هذا الحيّ من قريش ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وذلك أنّ قريشا كانوا إمام الناس.

[وفد بني تميم]

قال : فقدم عطارد بن حاجب في وفد عظيم من بني تميم (٢) ، منهم الأقرع بن حابس ، والزّبرقان بن بدر ، ومعهم عيينة بن حصن. فلما دخلوا المسجد. نادوا رسول الله من وراء حجراته : اخرج إلينا يا محمد ، جئناك نفاخرك ، فائذن لشاعرنا وخطيبنا. قال : قد أذنت لخطيبكم ، فليقم. فقام عطارد ، فقال :

الحمد لله الّذي له علينا الفضل والمنّ ، وهو أهله ، الّذي جعلنا ملوكا ،

__________________

(١) في سيرة ابن هشام ٤ / ١٩٤.

(٢) بنو تميم بن مر : قبيلة عظيمة من العدنانية تنتسب إلى تميم بن مرّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. كانت منازلهم بأرض نجد. (معجم قبائل العرب ١ / ١٢٦).


ووهب [لنا] (١) أموالا عظاما نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعزّ أهل المشرق ، وأكثره عددا ، وأيسره عدّة. فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، وإنّا لو نشأ لأكثرنا الكلام ، ولكن نستحي من الإكثار. أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا.

ثم جلس. فقال رسول [١٢٣ ب] الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لثابت بن قيس بن الشّمّاس الخزرجيّ : قم فأجبه. فقام ، فقال :

الحمد لله الّذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهنّ أمره ، ووسع كرسيّه علمه ، ولم يكن شيء قطّ إلّا من فضله. ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكا ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثا ، وأفضله حسبا ، فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه ، أكرم الناس أحسابا ، وأحسن الناس وجوها ، وخير الناس فعالا ، ثم كان أول الخلق استجابة إذ دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نحن فنحن الأنصار ، أنصار الله ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله. فمن آمن منع ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا ، وكان قتله علينا يسيرا. أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم.

فقام الزّبرقان بن بدر ، فقال :

 نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا

منّا الملوك وفينا تنصب البيع

 وكم قسرنا من الأحياء كلّهم

عند النّهاب ، وفضل العزّ يتّبع

 ونحن نطعم عند القحط مطعمنا

من الشّواء إذا لم يؤنس القزع

 بما ترى النّاس تأتينا سراتهم

من كلّ أرض هويّا ثم نصطنع

 __________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.


في أبيات (١).

فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا حسّان ، فأجبه. فقال حسّان (٢) :

إنّ الذّوائب من فهر وإخوتهم

قد بيّنوا سنّة للنّاس (٣) تتّبع

 يرضى بها كلّ من كانت سريرته

تقوى الإله وكلّ الخير يصطنع

 قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم

أو حاولوا في أشياعهم نفعوا

 سجيّة تلك منهم غير محدثة

إنّ الخلائق ، فاعلم ، شرّها البدع

في أبيات (٤).

فقال الأقرع بن حابس : وأبى ، إنّ هذا الرجل لمؤتّى له إنّ خطيبه أفصح من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا.

قال : فلما فرغ القوم أسلموا ، وأحسن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جوائزهم. وفيهم نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٥) (٦).

وقال سليمان بن حرب ، ثنا حمّاد بن زيد ، عن محمد بن الزّبير الحنظليّ ، قال :

قدم على النبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الزّبرقان بن بدر ، وقيس بن عاصم ، وعمرو بن الأهتم. فقال لعمرو بن الأهتم : أخبرني عن هذا الزّبرقان ، فأمّا هذا فلست أسألك عنه. قال : وأراه قال قد عرف قيسا. فقال : مطاع في أدنيه (٧) ، شديد

__________________

(١) انظر بقيتها في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٠٤ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١١٧.

(٢) ديوانه : ص ٢٤٨ البرقوقي ، ٢٣٨ د. حنفي.

(٣) في الأصل «سنة الله». والتصويب من ع ، ح.

(٤) انظر بقيّتها في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٠٥ وتاريخ الطبري ٣ / ١١٨.

(٥) سورة الحجرات ، الآية ٤.

(٦) حتى هنا تنتهي رواية ابن إسحاق التي ينقلها المؤلّف من سيرة ابن هشام ٤ / ٢٠٣ ـ ٢٠٦ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١١٦ ـ ١١٩ ، وانظر : طبقات ابن سعد ١ / ٢٩٤.

(٧) رسمت في النسخ الثلاث بغير إعجام. وهي في ابن الملا : «مطاع في قومه» وأثبتنا عبارة الروض الأنف (٤ / ٢٢٣).


العارضة ، مانع لما وراء ظهره. فقال الزّبرقان : قد قال ما قال وهو يعلم أنّي أفضل مما قال. فقال عمرو : ما علمتك (١) إلّا زمر المروءة (٢) ضيّق العطن ، أحمق الأرب ، لئيم الخال.

ثم [١٢٤ أ] قال : يا رسول الله ، قد صدقت فيهما جميعا ، أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم ، وأسخطني فقلت بأسوا ما فيه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ من البيان سحرا» (٣).

وقد روى نحوه عليّ بن حرب الطائيّ ، عن أبي سعيد الهيثم بن محفوظ ، عن أبي المقوّم الأنصاريّ يحيى بن زيد ، عن الحكم بن عيينة ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، متّصلا.

[وفد بني عامر]

وقال مسلم بن إبراهيم ، ثنا الأسود بن شيبان ، ثنا أبو بكر بن ثمامة بن النعمان الرّابسيّ ، عن يزيد بن عبد الله بن الشّخّير ، قال :

وفد أبي وفد بني عامر (٤) إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : أنت سيّدنا وذو الطّول علينا. فقال : «مه مه ، قولوا بقولكم ولا يستجرئنّكم الشيطان ، السيّد الله ، السيّد الله» (٥).

وقال الزّبير بن بكّار : حدّثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤمّلة ، عن أبيها ، عن جدّها مؤمّلة بن جميل ، قال :

أتى عامر بن الطّفيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا عامر ، أسلم. قال : أسلم

__________________

(١) في الأصل : «وما عليك». والتصحيح من ع ، ح.

(٢) زمر المروءة : قليلها.

(٣) انظر الروض الأنف ٤ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٤) بنو عامر بن صعصعة : بطن من هوازن ، من قيس بن عيلان ، من العدنانية ، كانت منازلهم بنجد ، ثم نزلوا ناحية من الطائف (معجم قبائل العرب ٢ / ٧٠٨).

(٥) أخرج الإمام أحمد نحوه في المسند من طرق مختلفة. انظر ج ٤ / ٢٥٤.


على أنّ الوبر لي والمدر لك (١). قال : يا عامر أسلم. فأعاد قوله. قال : لا. فولّى وهو يقول : يا محمد ، لأملأنّها عليك خيلا جردا ورجالا مردا ، ولأربطنّ بكلّ نخلة فرسا. فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ اكفني عامرا واهْدِ قَوْمَه». فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها سلوليّة ، فنزل عن فرسه ونام في بيتها ، فأخذته غدّة في حلقه ، فوثب على فرسه ، وأخذ رمحه ، وأقبل يجول ، ويقول : غدّة كغدّة البكر ، وموت في بيت سلولية. فلم تزل تلك حاله حتى سقط ميّتا (٢).

وقال ابن إسحاق (٣) :

قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد بني عامر ، فيهم : عامر بن الطّفيل. وأربد ابن قيس ، وخالد بن جعفر ، وحيّان بن سلم ، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم. فقدم عامر عدوّ الله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يريد أن يغدر به. فقال له قومه : إنّ الناس قد أسلموا. فقال : قد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد : إذ قدمنا عليه فإنّي شاغل عنك وجهه ، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف.

فلما قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال عامر : يا محمد ، خالّني (٤). فقال : لا والله ، حتى تؤمن بالله وحده ، فقال : والله لأملأنّها عليك خيلا ، ورجالا. فلما ولّى قال : «اللهمّ اكفني عامرا». ثم قال لأربد : أين ما أمرتك به؟ قال : لا أبا لك ، والله ما هممت بالذي أمرتني به من مرّة إلّا دخلت بيني وبينه ،

__________________

(١) الوبر : وبر الإبل كنى به عن البوادي لأن بيوتهم يتخذونها منه. والمدر : قطع الطين اليابس ، ويعني به المدن أو الحضر.

(٢) انظر : الشعر والشعراء لابن قتيبة ١ / ٢٥٢ ومجمع الأمثال للميداني ٢ / ٣ ، وفصل المقال للمامقاني ٢٩٨ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ٥٠٧ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ٢ / ٢٣٢ ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٠٧.

(٣) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

(٤) خالّه وخالله : اتخذه خليلا.


أفأضربك بالسّيف؟ فبعث الله ببعض الطريق على عامر الطّاعون في عنقه ، فقتله الله في بيت امرأة من سلول. وأما الآخر فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما.

وقال همّام ، عن إسحاق ، بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدّثني أنس ، قال : كان رئيس المشركين عامر بن الطفيل ، وكان أتى رسول الله صلى الله [١٢٤ ب] عليه وسلم فقال : أخيّرك بين ثلاث خصال ، فيكون لك أهل السّهل ويكون لي أهل المدر ، أو أكون خليفتك من بعدك ، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء.

قال : فطعن في بيت امرأة. فقال : غدّة كغدّة البكر في بيت امرأة من بني فلان ، ائتوني بفرسي. فركب فمات على ظهر فرسه. أخرجه البخاري (١).

* * *

[وافد بني سعد]

وقال ابن إسحاق (٢) ، عن محمد بن الوليد ، عن كريب ، عن ابن عباس : بعثت بنو سعد بن بكر (٣) ، ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان جلدا أشعر غدا غديرتين ، فأقبل حتّى (٤) وقف فقال : أيّكم ابن عبد المطّلب؟ فقال : أنا. فقال : أنت محمد؟ قال : «نعم». قال : إنّي سائلك ومغلظ عليك في المسألة ، فلا تجدنّ في نفسك. أنشدك الله إلهك وإله من

__________________

(١) في كتاب المغازي ، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل ، والقارة إلخ. (٥ / ٤٠).

(٢) الخبر في سيرة هشام ٤ / ٢٠٩ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٢٤ ـ ١٢٥ وانظر طبقات ابن سعد ١ / ٢٩٩.

(٣) بنو سعد بن بكر : بطن من هوازن ، من قيس بن عيلان ، من العدنانية ، وهم حضنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (معجم قبائل العرب ٢ / ٥١٣) ، وإليهم تنسب السيدة حليمة السعدية.

(٤) في الأصل : «حين». والتصحيح من ع ، ح.


قبلك وإله من هو كائن بعدك ، الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد؟ قال : «اللهمّ نعم». قال : فأنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك ، الله أمرك أن نصلّي هذه الصّلوات الخمس؟ قال : «نعم». ثم جعل يذكر فرائض الإسلام ينشده عن كل فريضة. ثم قال : فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، وسأؤدّي هذه الفرائض ، واجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص.

ثم انصرف إلى بعيره راجعا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ صَدَق ذو العَقِيصَتَيْن دخل الجنةَ». فقدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلّم به أن قال : بئست اللّات والعزّى. قالوا : مه يا ضمام ، اتّق البرص ، اتّق الجنون. قال : ويلكم ، إنّهما والله لا يضرّان ولا ينفعان. إنّ الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإنّي أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسول ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه.

قال : فو الله ما أمسى ذلك اليوم وفي حاضره (١) رجل ولا امرأة إلا مسلما.

قال : يقول ابن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام.

وقال إسحاق بن أبي إسرائيل المروزيّ : حدّثني حمزة بن الحارث ، عن عمير ، ثنا أبي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : جاء رجل من أهل البادية إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أنشدك بربّ من قبلك وربّ من بعدك ، الله أرسلك؟ وذكر الحديث ، وفيه : فإنّي قد آمنت وصدّقت ، وأنا ضمام بن ثعلبة. فلمّا ولّى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فقه الرجل». قال : فكان

__________________

(١) الحاضر : الحيّ العظيم.


عمر يقول : ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام من ثعلبة. الحارث بن عمير ضعيف (١). وقصّة ضمام في الصّحيحين من حديث أنس (٢).

* * *

[الجارود بن عمرو]

قال ابن إسحاق (٣) :

وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجارود [١٢٥ أ] بن [عمرو] (٤) أخو بني عبد القيس (٥).

قال عبد الملك بن هشام (٦) : وكان نصرانيّا ، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الإسلام. فقال : يا محمد ، تضمن لي ديني؟ قال : «نعم ، قد هداك الله إلى ما هو خير منه». قال : فأسلم ، وأسلم أصحابه.

* * *

[وفد بني حنيفة]

قال ابن إسحاق (٧) :

وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد بني حنيفة (٨) ، فيهم مسيلمة بن حبيب

__________________

(١) انظر عنه : التاريخ الصغير ١٤٧ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٩٤ ، المجروحين لابن حبّان ١ / ٢٢٣ ، المغني في الضعفاء ١ / ٤٢١ ـ ١٤٣ رقم ١٢٤٥ ، الكاشف ١ / ١٣٩ رقم ٨٧٧ ، ميزان الاعتدال ١ / ٤٤٠ رقم ١٦٣٨ ، تهذيب التهذيب ٢ / ١٥٣ رقم ٢٦١.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب العلم (١ / ٢٣) باب القراءة والعرض على المحدّث ، ومسلم في كتاب الإيمان (٢٣ / ١٧) باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله وشرائع الدين.

(٣) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٠ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٣٦.

(٤) سقطت من الأصل ، والمثبت من : (ع) و (ح) وسيرة ابن هشام.

(٥) بنو عبد القيس بن أفصى ، وهم قبيلة عظيمة من العدنانية كانت مواطنهم تهامة. (معجم القبائل ٢ / ٧٢٦).

(٦) السيرة ٤ / ٤١٠.

(٧) الخبر في السيرة ابن هشام ٤ / ٢١٠ وتاريخ الطبري ٣ / ١٣٧ ، وانظر طبقات ابن سعد ١ / ٣١٦.

(٨) بنو حنيفة بن لجيم ، من بكر بن وائل من العدنانية ، كانت تقطن اليمامة (معجم قبائل العرب ١ / ٣١٢).


الكذّاب ، فكان منزلهم (١) في دار بنت الحارث الأنصارية. فحدّثني بعض علمائنا أنّ بني حنيفة أتت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تستره بالثّياب ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس مع أصحابه معه عسيب نخل في رأسه خوصات. فلمّا كلّم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه».

قال ابن إسحاق (٢) : وحدّثني شيخ من أهل اليمامة أنّ حديثه كان على غير هذا ، زعم أنّ وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلّفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فأمر له رسول الله صلى الله بمثل ما أمر به لهم ، وقال : «أمَا إنه ليس بأشرّكم مكاناً»، يعنى حفظه ضيعة (٣) أصحابه. ثم انصرفوا وجاءوه بالذي أعطاه.

فلما قدموا اليمامة ارتدّ عدوّ الله وتنبّأ ، وقال : أنّي أشركت في الأمر مع محمد ، ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بأشرّكم مكانا؟ وما ذلك إلّا لما يعلم أنّي قد أشركت معه. ثم جعل يسجع السّجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن : لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق (٤) وحشي. ووضع عنهم الصلاة وأحلّ لهم الزّنا والخمر. وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نبيّ. فأصفقت (٥) معه بنو حنيفة على ذلك.

وقال شعيب بن أبي حمزة ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، ثنا نافع بن جبير ، عن ابن عباس قال :

قدم مسيلمة الكذّاب على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، فجعل يقول :

__________________

(١) في النسخ الثلاث : منزلتهم. وأثبتنا نص ابن هشام. والمنزل : النزول.

(٢) السيرة ٤ / ٢١٠ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٣) في الأصل : «صنعة» ، والتصحيح من ع ، ح.

(٤) الصفاق : الجلد الأسفل تحت الجلد الّذي عليه الشعر ، أو ما بين الجلد والمصران ، أو جلد البطن كله.

(٥) أصفقت : أجمعت.


إن جعل لي محمد الأمر من بعد اتّبعته. وقدمها في بشر كثير من قومه. فأقبل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شمّاس ، وفي يد النّبيّ قطعة جريد ، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه ، فقال : «إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها. ولن تعدو أمر الله فيك (١) ، ولئن أدبرت ليعقرنّك الله. وإنّي أراك الّذي أريت فيه ما رأيت ، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عنّي». ثم انصرف.

قال ابن عباس : فسألت عن قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّك الّذي أريت فيه ما رأيت» ، فأخبرني أبو هريرة أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمّني شأنهما ، فأوحي إليّ في المنام أن انفخهما ، فنفختهما فطارا ، فأوّلتهما كذّابين يخرجان من بعدي». قال : فهذا أحدهما العنسيّ صاحب [١٢٥ ب] صنعاء ، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة ، أخرجاه (٢).

وقال معمر ، عن همّام ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينا أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض ، فوضع في يديّ سواران (٣) من ذهب ، فكبرا عليّ وأهمّاني ، فأوحي إلي أن أنفخهما ، فنفختهما ، فذهب ، فأوّلتهما الكذابين اللّذين أنا بينهما ، صاحب صنعاء وصاحب اليمامة». متّفق عليه (٤).

وقال (خ) : ثنا الصّلت بن محمد ، نا مهديّ بن ميمون ، سمع أبا رجاء ،

__________________

(١) في الأصل ، تقرأ قبل أو قتل. والتصحيح من ع ، ح.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (٤ / ١٨٢) باب علامات النبوّة في الإسلام ، وفي كتاب المغازي (٥ / ١١٩) باب قصّة الأسود العنسيّ ، وفي كتاب التوحيد (٨ / ١٨٩) باب قول الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.) ومسلم في كتاب الرؤيا (٢١ / ٢٢٧٣) باب رؤيا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) في الأصل «سوارين» ، والتصحيح من (ع) و (ح).

(٤) أخرجه البخاري في المناقب (٤ / ١٨٢) باب علامات النبوّة في الإسلام ، وفي المغازي (٥ / ١٢٠) باب قصة الأسود العنسيّ ، وفي التعبير (٨ / ٨١ ـ ٨٢) باب النفخ في المنام ، ومسلم في الرؤيا (٢٢٧٣ و ٢٢٧٤) باب رؤيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والترمذي في كتاب الرؤيا (٢٣٩٤) باب ما جاء في رؤيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الميزان والدّلو. وأحمد في المسند ٢ / ٣١٩.


هو العطارديّ ، يقول : لما بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمعنا به ، لحقنا بمسيلمة الكذّاب ، لحقنا بالنار ، وكنّا نعبد الحجر في الجاهلية. وإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب ثم حلبنا عليها [كثبة] (١) اللّبن ، ثم نطوف به.

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال :

جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إنّي مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرءون قراءة ما أنزلها الله : الطّاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، والثّاردات ثردا ، واللّاقمات لقما. فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم ، وهم سبعون رجلا ورأسهم عبد الله بن النّواحة. قال : فأمر به عبد الله فقتل. ثم قال : ما كنّا بمحرزين (٢) الشّيطان من هؤلاء ، ولكنّا نحدرهم إلى الشّأم لعلّ الله أن يكفيناهم.

وقال المسعوديّ ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال :

جاء ابن النّواحة وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لهما النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تشهدان أنّي رسول الله؟» فقال : نشهد أنّ مسيلمة رسول الله. فقال : «آمنت بالله ورسوله ، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما».

قال عبد الله : فمضت السّنّة أن الرّسل لا تقتل.

قال عبد الله : أمّا ابن أثال فقد كفانا الله ، وأما ابن النّواحة فلم يزل في نفسي حتى أمكن الله منه رواه أبو داود الطّيالسي في «مسندة» ، عن المسعودي. وله شاهد (٣).

قال يونس ، عن ابن إسحاق (٤) حدّثني سعد بن طارق ، عن سلمة بن

__________________

(١) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. والكثبة ، القليل المجتمع من الماء أو اللبن.

(٢) في الأصل : «بمحرور». والتصحيح من ع ، ح.

(٣) منحة المعبود : كتاب الجهاد ، باب جواز الخداع في الحرب والنهي عن المثلة إلخ (١ / ٢٣٨) ورواه الدارميّ في التفسير (٥٩).

(٤) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٤٦.


نعيم بن معسود ، عن أبيه ، سمع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذّاب بكتابه (١) يقول لهما : وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟ قالا : نعم. فقال : «أما والله لو لا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما».

وقال ابن إسحاق (٢) :

وقد كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر سنة عشر :

من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك ، أما بعد ، فإنّي قد أشركت في الأمر معك ، وإنّ لنا نصف الأرض ، ولكنّ قريشا قوم يعتدون.

فكتب إليه : «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب. سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد ، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة [١٢٦ أ] للمتّقين».

* * *

[وفد طيِّء]

ثم قدم وفد طيِّئ (٣) ، على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيهم زيد الخيل سيّدهم.

فأسلموا ، وسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد الخير ، وقطع له فيد (٤) وأرضين ، وخرج راجعا إلى قومه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن ينج زيد من حمّى المدينة». فإنّه يقال قد

__________________

(١) في الأصل : «الكتابة». والتصحيح من ع ، ح.

(٢) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، وتاريخ الطبري ٤ / ١٤٦.

(٣) طيِّئ بن أدد وهم قبيلة عظيمة من كهلان من القحطانية ، كانت منازلهم باليمن فخرجوا منه على أثر خروج الأزد منه ونزلوا سميراء وفيد في جوار بني أسد ثم غلبوهم على أجأ وسلمى (معجم قبائل العرب ٢ / ٦٨٩).

(٤) في الأصل : «فند» ، والتصحيح من ع ، ح. وفيه ناحية بشرقي سلمى أحد جبلي طيِّئ.


سمّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسم غير الحمّى ، فلم نثبته. فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه ، يقال له فردة ، أصابته الحمّى فمات بها. قال : فعمدت امرأته إلى ما معه من كتب فحرّقتها (١).

* * *

[قدوم عديّ بن حاتم]

قال شعبة (٢) : ثنا سماك بن حرب ، سمعت عبّاد بن حبيش ، يحدّث عن عديّ بن حاتم ، قال :

جاءت خيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا بعقرب (٣) ، فأخذوا عمّتي وناسا. فلما أتوا بهم رسول الله قالت : يا رسول الله ، غاب الوافد ، وانقطع الوالد ، وأنا عجوز كبيرة ، فمنّ عليّ منّ الله عليك. قال : «من وافدك؟» قالت : عديّ بن حاتم. قال : «الّذي فرّ من الله ورسوله؟» قالت : فمنّ عليّ. ورجل إلى جنبه تراه عليّا ، فقال : سليه حملانا. فسألته. فأمر لها به.

قال [عديّ] (٤) : فأتتني ، فقالت : لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها. ايته راغبا أو راهبا. فقد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه.

قال عديّ : فأتيته ، فإذا عنده امرأة وصبيّان ، أو صبّي ، فذكر قربهم من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فعرفت. أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر ، فأسلمت. فرأيت وجهه قد استبشر (٥) ، وقال : «إنّ المغضوب عليهم اليهود ، والضّالّين النّصارى». وذكر باقي الحديث (٦).

__________________

(١) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١١ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٤٥ ، وطبقات ابن سعد ١ / ٣٢١.

(٢) في الأصل «سعيه». والتصحيح من ع ، ح.

(٣) عقرب : أطم بالمدينة ، وهو الأطم الأسود الصغير الّذي في شامي الرحابة في الحرّة ، كان لآل عاصم بن عامر بن عطية (المغانم المطابة ٢٦٦).

(٤) ليست في الأصل ، وزدناها من ع ، ح.

(٥) حتى هنا الخبر في تاريخ الطبري ٣ / ١١٢ وانظر سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٢.

(٦) بقيّته في مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩).


وقال حمّاد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد قال : قال أبو عبيدة بن حذيفة ، قال رجل : كنت أسأل عن حديث عديّ وهو إلى جنبي لا أسأله. فأتيته فقال : بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكرهته أشدّ ما كرهت شيئا قطّ. فخرجت حتى أقصى أرض العرب ممّا يلي الروم. ثم كرهت مكاني فقلت : لو أتيته وسمعت منه. فأتيت إلى المدينة ، فاستبشروا ، أي الناس ، وقالوا : جاء عديّ بن حاتم ، جاء عديّ بن حاتم. فقال : يا عديّ بن حاتم ، أسلم تسلم. فقلت : إنّي على دين. قال : «أنا أعلم بدينك منك ، ألست ركوسيّا؟» (١) قلت : بلى. قال : «ألست ترأس قومك؟» قلت : بلى. قال : «ألست تأخذ المرباع؟» (٢) قلت : بلى. قال ، «فإنّ ذلك لا يحلّ في دينك». قال : فوجدت بها عليّ غضاضة. ثم قال : «إنه لعلّه أن يمنعك أن تسلم أن ترى بمن عندنا خصاصة ، وترى الناس علينا إلبا واحدا. «هل رأيت الحيرة؟» (٣) قلت : لم أرها ، وقد علمت مكانها. قال : «فإنّ الظعينة سترحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار ، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز». قلت : كنوز كسرى بن هرمز؟ قال : «نعم ، وليفيضنّ المال حتى يهمّ الرجل من يقبل ماله منه صدقة». قال : [١٢٦ ب] فلقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار ، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن. والله لتكوننّ الثالثة ، إنّه لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤). وروى نحوه هشام بن حسّان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي عبيدة.

__________________

(١) الرّكوسية : قوم لهم دين بين النصارى والصابئين.

(٢) المرباع : هو أن يأخذ ربع الغنيمة لنفسه ، وذلك فعل الرئيس المطاع.

(٣) الحيرة : مدينة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النجف ، زعموا أن بحر فارس كان يتصل به ، وبها كان الخورنق بقرب منها مما يلي الشرق ، والسّدير في وسط البرية التي بينها وبين الشأم (ياقوت).

(٤) أخرجه ابن حجر في الإصابة ٢ / ٤٦٨ رقم ٥٤٧٥ ، وأخرج البخاري نحوه في المناقب ٤ / ١٧٥ ـ ١٧٦ ، باب علامات النبوة في الإسلام ، من طريق النضر ، عن إسرائيل ، عن سعد الطائي ، عن محلّ بن خليفة ، عن عديّ بن حاتم.


[قدوم فروة بن مسيك المراديّ]

وقال ابن إسحاق (١) :

قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فروة بن مسيك المراديّ ، مفارقا لملوك كندة.

فاستعمله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها (٢). وبعث معه على الصدقة خالد بن سعيد بن العاص ، فكان معه حتى توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[وفد كندة]

قال (٣) : وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد كندة (٤) ، ثمانون راكبا فيهم الأشعث بن قيس. فلما دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ألم تسلموا؟ قالوا :

بلى. قال : فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ قال : فشقّوه وألقوه.

[وفد الأزد]

قال (٥) : وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صرد بن عبد الله الأزديّ ، فأسلم ، في وفد من الأزد (٦). فأمّره على من أسلم من قومه ، ليجاهد من يليه.

__________________

(١) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٣٤ ، والطبقات ١ / ٣٢٧.

(٢) مذحج بن أدر : بطن من كهلان من القحطانية ، كانوا يسكنون اليمن ، ونزلوا الحيرة. ومراد بن مذحج ، وزبيد بن صعب ، بطنان من مذحج.

(٣) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٤ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٣٨ ، وابن سعد ١ / ٣١٨.

(٤) كندة : قبيلة عظيمة تنتسب إلى كندة واسمه ثور بن عفير ، وسمي كندة لأنه كند أباه أي كفر بنعمته. وكانت بلادهم بجبال اليمن مما يلي حضرموت ، وكان لهم ملك باليمن والحجاز (معجم قبائل العرب ٣ / ٩٩٨).

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٥ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٣٠ وابن سعد ١ / ٣٣٧.

(٦) الأزد : من أعظم قبائل العرب وأشهرها ، تنتسب إلى أزد بن نبت بن مالك بن كهلان من القحطانية.


[كتاب ملوك حمير]

قال (١) : وقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [كتاب] (٢) ملوك حمير ، مقدمة (٣) من تبوك ، ورسولهم إليه بإسلامهم ، الحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد كلال ، والنّعمان قيل ذي رعين ، ومعافر ، وهمدان (٤). وبعث إليه ذو يزن ، مالك بن مرّة الرّهاويّ بإسلامهم. فكتب إليهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا يذكر فيه فريضة الصدقة. وأرسل إليهم معاذ بن جبل في جماعة ، وقال لهم : وإنّي قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي. وأولي دينهم وأولي علمهم ، وآمركم بهم خيرا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[بعث خالد ثم عليّ إلى اليمن]

وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السّبيعيّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن البراء ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام. قال البراء : فكنت فيمن خرج مع خالد ، فأقمنا ستّة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه. ثم إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عليّا رضي‌الله‌عنه ، فأمره أن يقفل خالد ، إلّا رجل كان يمّم مع خالد أحبّ أن يعقّب مع عليّ فليعقّب معه. فكنت فيمن عقّب مع عليّ. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا ، فصلّى بنا عليّ ، ثم صفّنا صفّا واحدا ، ثم تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأسلمت همدان جميعا. فكتب عليّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما قرأ الكتاب

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٢٠.

(٢) لم ترد في الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح. وسيرة ابن هشام ، وتاريخ الطبري.

(٣) في الأصل «مقدمهم». والتصحيح من ع. ح.

(٤) فحوى العبارة أن هؤلاء هم ملوك حمير الذين قدم كتابهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا أنهم قدموا بأشخاصهم ، وإنما كان رسولهم مالك بن مرة الرهاوي الّذي قال عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتابه إليهم «إن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيرا». انظر مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ، الوثيقة رقم ١٠٩ (ص ١٨٠ ـ ١٨٢).


خرّ ساجدا ثم رفع رأسه فقال : «السلام على همدان ، السلام على همدان». هذا حديث صحيح أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد (١).

وقال الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي [١٢٧ أ] البختريّ ، عن عليّ :

بعثني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن. فقلت : يا رسول الله ، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء. فضرب بيده في صدري وقال : «اللهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه». فما شككت في قضاء بين اثنين. أخرجه [د] (٢).

وقال محمد بن علي ، وعطاء ، عن جابر ، أنّ عليّا قدم من اليمن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجّة الوداع. متّفق عليه من حديث عطاء (٣).

* * *

[بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن]

وقال شعبة ، وغيره ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن ، فقال : «يسّرا ولا

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب بعث علي بن أبي طالب عليه‌السلام وخالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه إلى اليمن قبل حجة الوداع (٥ / ١١٠).

(٢) لم يظهر الرمز في الأصل ، وفي ع ، ح ، «البخاري». وهو خطأ. والحديث في سنن أبي داود : كتاب الأقضية : باب كيف القضاء ٢ / ٢٧٠ ، وفي مسند الطيالسي (منحة المعبود) : كتاب مناقب الصحابة ، أبواب خلافة عليّ رضي‌الله‌عنه ، باب بعثه إلى اليمن قاضيا وتوفيقه في القضاء ودعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بذلك (٢ / ١٨٠) ، وفي المسند للإمام أحمد ١ / ٨٨ و ١٣٦. وفي طبقات ابن سعد ٢ / ٣٣٧ ، وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (٣ / ١٣٥) وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، في نهاية الأرب للنويري ٢٠ / ٥ ، وسيأتي الحديث ثانية في ترجمة الإمام عليّ رضي‌الله‌عنه في الجزء الخاص بالخلفاء الراشدين.

(٣) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع (٥ / ١١٠). وصحيح مسلم : كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقرآن وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحلّ القارن من نسكه (١٢١١).


تعسّرا ، وبشّرا ولا تنفّرا ، وتطاوعا». متّفق عليه (١) ، ومن أوجه أخر بأطول من هذا.

* * *

وفي «الصحيح» للبخاريّ ، من حديث طارق بن شهاب ، عن أبي موسى ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أرض قومي. قال : فجئته وهو منيخ بالأبطح. قال : فسلّمت عليه. فقال : «أحججت يا عبد الله بن قيس؟» قلت : نعم. قال : «كيف؟» قلت : لبّيك إهلالا كإهلالك. فقال : «أسقت هديا؟» قلت : لم أسق هديا. قال : «فطف بالبيت واسع ثم حلّ». ففعلت. وذكر الحديث (٢).

أما معاذ فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن حتى توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

* * *

وقال ابن إسحاق (٣) :

حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، قال : هذا كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عندنا ، الّذي كتبه لعمرو بن حزم ، حين بعثه إلى اليمن يفقّه أهلها ويعلّمهم السّنّة ويأخذ صدقاتهم ، فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره :

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير (٤ / ٢٦) باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه ، وفي المغازي (٥ / ١٠٧ ـ ١٠٨) ، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجّة الوداع ، وفي كتاب الأحكام (٨ / ١١٤) باب أمر الوالي إذا وجّه أميرين إلى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا. ومسلم في كتاب الجهاد والسير (١٧٣٣) باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير.

(٢) أخرجه البخاري في المغازي (٥ / ١٠٩) باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجّة الوداع ، وبقيّته : «حتى مشطت لي امرأة من نساء بني قيس ، ومكثنا بذلك حتى استخلف عمر».

(٣) الخبر في سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وبعضه في تاريخ الطبري ٣ / ١٢١.


بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب (١) من الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حيث بعثه إلى اليمن. أمره بتقوى الله في أمره كلّه. فإنّ الله مع الّذي اتّقوا والذين هم محسنون. وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره (٢) ، وأن يبشّر الناس بالخير ، ويأمرهم به ، ويعلّم الناس القرآن ، ويفقّههم فيه (٣) ، ولا يمسّ القرآن أحد (٤) إلّا وهو طاهر ، ويخبر الناس بالذي لهم ، والّذي عليهم ، ويلين لهم (٥) في الحق ، ويشتدّ (٦) عليهم في الظلم ، فإنّ الله كره الظلم ونهى عنه ، وقال : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). ويبشّر الناس بالجنّة وبعملها ، وينذر الناس من النار وعملها ، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين ، ويعلّم الناس معالم الحجّ وسننه وفرائضه وما أمر الله به ، والحجّ الأكبر والحج الأصغر ، فالحج الأصغر العمرة. وينهى الناس أن يصلّي الرجل في الثوب الواحد الصغير إلّا أن يكون واسعا فيخالف (٧) بين طرفيه على عاتقيه ، وينهى [أن] (٨) يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه. ولا يعقد (٩) شعر [١٢٧ ب] رأسه إذا عفّى في قفاه. وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعوا إلى القبائل والعشائر ، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله ، ودعا إلى العشائر والقبائل فليقطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. ويأمر الناس بإسباغ الوضوء ، وجوههم وأيديهم إلى المرافق ، وأرجلهم إلى الكعبين ، وأن

__________________

(١) في السيرة ٤ / ٢١٨ «بيان».

(٢) في السيرة «كما أمره الله».

(٣) في السيرة «ويفقههم فيه ، وينهى الناس فلا يمسّ».

(٤) في السيرة «إنسان».

(٥) في السيرة «للناس» بدل «لهم».

(٦) في السيرة «يشدّ».

(٧) في السيرة «إلا أن يكون ثوبا يثني طرفيه».

(٨) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من (ع) و (ح). وفي السيرة «وينهى الناس أن».

(٩) في السيرة «يعقص أحد».


يمسحوا رءوسهم كما أمر الله ، وأمروا بالصلاة لوقتها ، وإتمام الركوع والخشوع (١) ، وأن يغلّس بالصبح ، ويهجّر بالهاجرة حين تميل الشمس ، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة ، والمغرب حين يقبل الليل ، لا تؤخّر حتى تبدو النجوم في السماء ، والعشاء أوّل الليل. وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها ، والغسل عند الرّواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله تعالى ، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل (٢) وفيما سقت السماء العشر وفيما سقت الغرب (٣) فنصف العشر.

ثم ذكر زكاة الإبل والبقر ، مختصرا. قال : وعلى كل حالم ، ذكر أو أنثى ، حرّ أو عبد ، من اليهود والنصارى ، دينار واف أو عوضه (٤) من الثّياب. فمن أدّى ذلك فإنّ له ذمّة الله وذمّة رسوله ، ومن منع ذلك فإنه عدوّ الله ورسوله والمؤمنين (٥).

وقد روى سليمان بن داود ، عن الزهريّ ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جدّه ، نحو هذا الحديث موصولا ، بزيادات كثيرة في الزكاة ، ونقص عما ذكرنا في السّنن (٦).

* * *

وقال أبو اليمان ، ثنا صفوان بن عمرو ، عن راشد بن سعد ، عن عاصم ابن حميد السكونيّ : أنّ معاذا لما بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن ، فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) في السيرة ٤ / ٢١٩ «الركوع والسجود والخشوع».

(٢) في هامش ح : «هو الماء الجاري». وفي السيرة ٤ / ٢١٩ «سقت العين».

(٣) الغرب : الرواية والدلو العظيمة

(٤) في النسخ الثلاث : «عرضه». وأثبتنا لفظ ابن هشام ٤ / ٢١٩.

(٥) انظر مجموعة الوثائق السياسية ، الوثيقة رقم ١٠٥ (ص ١٧٣ ـ ١٧٥) والسيرة ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٢١.

(٦) أخرج البخاري مختصرا في كتاب الزكاة (٢ / ١٣٣) باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري.


يوصيه ، ومعاذ راكب ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ قال : «يا معاذ ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلّك أن تمرّ بمسجدي وقبري». فبكى معاذ جشعا (١) لفراق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «لا تبك يا معاذ ، البكاء من الشّيطان» (٢).

[وفد نجران]

وقال ابن إسحاق :

حدّثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم ، فقاموا يصلّون في مسجده ، فأراد الناس منعهم. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوهم». فاستقبلوا المشرق فصلّوا صلاتهم (٣).

وقال ابن إسحاق :

حدّثني بريدة بن سفيان ، عن ابن البيلمانيّ ، عن كرز بن علقمة ، قال : قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفد نصارى نجران ، ستّون راكبا ، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم ، منهم : العاقب أمير القوم وذو رأيهم [و] (٤) صاحب [١٢٨ أ] مشورتهم ، والّذي لا يصدرون إلّا عن رأيه وأمره ، واسمه عبد المسيح (٥). والسيّد ثمالهم (٦) وصاحب رحلهم ومجتمعهم ، واسمه الأيهم. وأبو

__________________

(١) في النسخ الثلاث «خشعا» ، والتصويب من : سير أعلام النبلاء ١ / ٤٤٨.

(٢) رجاله ثقات. رواه أحمد في المسند ٥ / ٢٣٥.

(٣) انظر طبقات ابن سعد ١ / ٣٥٧.

(٤) سقطت من النسخ الثلاث. وزدناها لتمام العبارة.

(٥) قال ابن سعد إنه رجل من كندة.

(٦) الثمال : الغياث الّذي يقوم بأمر قومه.


حارثة (١) بن علقمة ، أحد بكر بن وائل ، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم (٢).

وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم. وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرّفوه وموّلوه وبنوا له الكنائس. فلما توجّهوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نجران ، جلس أبو حارثة على بلغة له موجّها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإلى جنبه أخ له ، يقال له : كرز بن علقمة ، يسايره (٣) ، إذ عثرت بغلة أبي حارثة ، فقال له كرز : تعس الأبعد ، يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال له أبو حارثة : بل أنت تعست. فقال له : لم يا أخي؟

فقال : والله إنه للنّبيّ الّذي كنّا ننتظره. قال له كرز : فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال : ما صنع بنا هؤلاء القوم شرّفونا وموّلونا ، وقد أبوا إلّا خلافه ، ولو فعلت نزعوا منّا كل ما ترى.

فأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك (٤).

* * *

قال ابن إسحاق :

وحدّثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، حدّثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنازعوا ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلّا يهوديا ، وقالت النّصارى : ما كان إلّا نصرانيا. فأنزل الله فيهم : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ

__________________

(١) في الطبقات لابن سعد ١ / ٣٥٧ «الحارث».

(٢) الأسقف : عند النصارى رئيس لهم في الدين فوق القسّيس ودون المطران. والحبر : بفتح الحاء المهملة : العالم ذمّيا كان أو مسلما بعد أن يكون من أهل الكتاب. والمدراس : بيعة اليهود. وفي طبقات ابن سعد «مدارسهم».

(٣) يسايره : يسير معه. وفي (ع) : «على يساره» ، وهو وهم.

(٤) الإصابة لابن حجر ٣ / ٢٩٢ رقم ٧٣٩٨.


فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) الآيات (١).

فقال أبو رافع القرظيّ : أتريد منّا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من نجران يقال له الرّبيس (٢) : وذلك تريد يا محمد وإليه تدعو؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «معاذ الله أن آمر بعبادة غير الله». فنزلت (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) الآيات إلى قوله (مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٣).

* * *

وقال إسرائيل وغيره ، عن أبي إسحاق (٤) ، عن صلة ، عن ابن مسعود ، ورواه شعبة ، وسفيان ، عن أبي إسحاق فقالا حذيفة بدل ابن مسعود : إنّ السيّد والعاقب أتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأراد أن يلاعنهما (٥) فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه ، فو الله لئن كان نبيّا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا. قالوا له : نعطيك ما سألت ، فابعث معنا رجلا أمينا. ولا تبعث معنا إلّا أمينا. فقال : «لأبعثنّ معكم أمينا حقّ أمين». فاستشرف لها أصحابه. فقال : «قم ، يا أبا عبيدة بن الجرّاح». فلما قام قال : «هذا أمين هذه الأمة». أخرجه (خ) من حديث حذيفة (٦).

* * *

وقال إدريس الأوديّ ، عن سماك بن حرب ، عن علقمة بن وائل ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٦٥.

(٢) في النسخ الثلاث : الرئيس (الرييس). وأحسبها مصحفة عما أثبتناه. والربيس كبير السّامرة وهم قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم ، كإنكارهم نبوة من جاء بعد موسى عليه‌السلام.

(٣) سورة آل عمران ، الآيات ٧٩ ـ ٨١.

(٤) في الأصل : «ابن إسحاق». والتصحيح من ع ، ح والبخاري.

(٥) كذا في النسخ الثلاث. ولفظ البخاري : جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريدان أن يلاعناه. وتلا عن القوم : أي تداعوا باللعن على الظالم منهم.

(٦) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب قصة أهل نجران (٥ / ١٢٠).


(١٢٨ ب] عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى نجران. فقالوا فيما قالوا : أرأيت ما تقرءون : (يا أُخْتَ هارُونَ) (١) وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم؟. قال : فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فقال : «أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمّون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم». أخرجه مسلم (٢).

وقال ابن إسحاق (٣) :

بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر ، أو جمادى الأولى ، سنة عشر ، إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ، قبل أن يقاتلهم ، ثلاثا. فخرج خالد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كلّ وجه ويدعون إلى الإسلام ويقولون : أيها الناس ، أسلموا تسلموا. فأسلم الناس ، فأقام خالد يعلّمهم الإسلام ، وكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك. ثم قدم وفدهم مع خالد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن أعيانهم : قيس بن الحصين ذو الغصّة (٤) ، ويزيد بن عبد المدان ، ويزيد بن المحجّل قال : فأمّر عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيسا.

وقد كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إليهم ، بعد أن ولّى وفدهم ، عمرو بن حزم ليفقّههم ويعلّمهم السّنّة ، يأخذ منهم صدقاتهم (٥).

* * *

وفي عاشر ربيع الأول :

توفّي إبراهيم ابن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) ، وهو ابن سنة ونصف. وغسّله الفضل بن

__________________

(١) سورة مريم ، الآية ٢٨.

(٢) صحيح مسلم : كتاب الآداب ، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء (٢١٣٥).

(٣) الخبر في السيرة ابن هشام ٤ / ٢١٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٢٦.

(٤) في الأصل ، ح : «ذو العصبية». وفي ع : «ذو العضبة». والتصحيح من ترجمته في أسد الغابة (٤ / ٤١٨). وسمّي بذلك لغصّة كانت في حلقه. وانظر : السيرة وتاريخ الطبري.

(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٢١٨ ، تاريخ خليفة ٩٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٢٨.

(٦) تاريخ خليفة ٩٤.


العبّاس. ونزل قبره الفضل وأسامة بن زيد فيما قيل. وكان أبيض مسمّنا ، كثير الشّبه بوالده صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ثابت : عن أنس ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولد لي اللّيلة غلام فسمّيته بأبي إبراهيم». ثم دفعه إلى أمّ سيف ، يعني امرأة قين (١) بالمدينة يقال له أبو يوسف. قال أنس : فانطلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بابنه وانطلقت معه ، فدخل فدعا بالصبيّ فضمّه إليه ، وقال ما شاء الله أن يقول.

قال أنس : فلقد رأيت إبراهيم بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكيد بنفسه (٢) ، فدمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلّا ما يرضي الربّ. والله يا إبراهيم إنّا بك لمحزونون». أخرجه مسلم (٣) والبخاري (٤) تعليقا مجزوما به.

وقال شعبة ، عن عديّ بن ثابت ، عن البراء ، قال : لما توفّي إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رسول الله : «إنّ له مرضعة تتمّ رضاعه في الجنة». أخرجه خ (٥).

وقال جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى على ابنه إبراهيم حين مات.

* * *

__________________

(١) قين : حدّاد.

(٢) يكيد بنفسه : يجود بها وهو في النزع.

(٣) في كتاب الفضائل (٢٣١٥) باب رحمته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبيان والعيال ، وتواضعه ، وفضل ذلك.

(٤) في كتاب الجنائز (٢ / ٨٤ ـ ٨٥) باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّا بك لمحزونون. وأخرجه أبو داود في الجنائز (٣١٢٦) باب في البكاء على الميت. وابن ماجة في الجنائز (١٥٨٩) باب ما جاء في البكاء على الميت. وأحمد في المسند ٤ / ٣٢٨.

(٥) في كتاب الجنائز (٢ / ١٠٤) ما جاء في عذاب القبر ، باب ما قيل في أولاد المسلمين ، وفي كتاب بدء الخلق (٤ / ٨٨) باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة ، وفي كتاب الأدب (٧ / ١١٨) باب من سمّي بأسماء الأنبياء.


وفيها : مات أبو عامر الراهب ، الّذي كان عند هرقل عظيم الروم (١)

وفيها : ماتت بوران بنت كسرى ملكة الفرس ، وملّكوا بعدها أختها آزرمن (٢). قاله أبو عبيدة (٣).

وفي أواخر ذي القعدة : ولد محمد بن أبي بكر الصدّيق ، [١٢٩ أ] ولدته أسماء بنت عميس ، بذي الحليفة ، وهي مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

قال جابر بن عبد الله : خرجنا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إليه : كيف أصنع؟

فقال : «اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي» (٥).

وفيها : ولد محمد بن عمرو بن حزم ، بنجران وأبوه [بها] (٦).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ١٤٠.

(٢) في تاريخ الطبري ٢ / ٢٢٩ و ٣ / ٤٤٧ «آزرميدخت». وقال الطبري إن ملك بوران دام سنة وأربعة أشهر ، أما أختها فملّكت ستة أشهر (٢ / ٢٣٢ و ٢٣٣).

(٣) تاريخ خليفة ٩٤ وفيه «أزرما».

(٤) انظر : المسند للشافعي ٢ / ٤ ، وصحيح مسلم (١٢١٨) في الحج. باب حجّة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسير أعلام النبلاء للمؤلف ٣ / ٤٨٢ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ٨ / ٢٨٣.

(٥) أخرجه مسلم في حديث طويل ، في كتاب الحج (١٢١٨) باب حجّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والنسائي في كتاب الطهارة (١ / ١٥٤) باب ما تفعل النفساء عند الإحرام. وفي كتاب الحيض (١ / ١٨٢) باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر ، وفي كتاب الغسل (١ / ٢٠٨) باب اغتسال النفساء عند الإحرام ، وفي كتاب الحج (٥ / ١٢٦) باب الغسل للإهلال. وابن ماجة في المناسك (٣٠٧٤) باب حجّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والدارميّ في المناسك (٣٤).

(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من : (ع) و (ح). وانظر تاريخ الطبري ٣ / ١٣٠.


حجّة الوداع (١)

قال جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن جابر ، قال :

أذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الناس بالحجّ ، فاجتمع في المدينة بشر كثير. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ، أو لأربع ، فلمّا كان بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصّدّيق ، فأرسلت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف أصنع؟ فقال : «اغتسلي واستثفري بثوب» (٢). وصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد ، وركب القصواء (٣) حتى استوت به على البيداء ، فنظرت إلى مدّ بصري ، بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك. فأهلّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوحيد (٤) ، وأهلّ الناس بهذا الّذي يهلّون به ، فلم يردّ عليهم شيئا منه. ولزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلبيته. ولسنا ننوي إلّا الحجّ ، لسنا نعرف العمرة ، حتى

__________________

(١) المغازي لعروة ٢٢٢ ، المغازي للواقدي ٣ / ١٠٨٨ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٠ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٧٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٤٨ ، تاريخ خليفة ٩٤ ، نهاية الأرب ١٧ / ٣٧١ ، عيون الأثر ٢ / ٢٧٢ ، عيون التواريخ للكتبي ١ / ٣٩٤.

(٢) مرّ تخريج هذا الحديث قبل قليل وانظر : طبقات ابن سعد ٨ / ٢٨٣.

(٣) القصواء : هي ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال أبو عبيدة : القصواء المقطوعة الأذن عرضا.

(٤) في صحيح مسلم : «لبّيك اللهمّ ، لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك.

والملك لا شريك لك».

(ج ٢ / ٨٨٧).


[إذا] (١) أتينا البيت معه استلم الرّكن فرمل (٢) ثلاثا ومشى أربعا ، ثم تقدّم (٣) إلى مقام إبراهيم فقرأ : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٤) فجعل المقام بينه وبين البيت.

قال جعفر : فكان أبي يقول ـ لا أعلمه ذكره إلّا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : كان يقرأ في الركعتين (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٥) و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (٦) ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن ، ثم خرج من الباب إلى الصّفا ، حتى إذا دنا من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) (٧) ، أبدا بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقي عليه ، حتى إذا رأى البيت فكبّر وهلّل وقال : لا إله إلّا الله وحده ، لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كلّ شيء قدير. لا إله إلّا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده». ثم دعا بين ذلك ، فقال مثل ذلك ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبّت قدماه رمل في بطن الوادي ، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، فعلا عليها وفعل كما فعل على الصفا. [فلما كان] (٨) آخر الطواف على المروة قال : «إنّي لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة». فحلّ الناس كلهم وقصّروا ، إلّا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن كان معه الهدي.

فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله [١٢٩ ب] ألعامنا

__________________

(١) عن صحيح مسلم.

(٢) الرمل : هو إسراع المشي مع تقارب الخطا ، وهو الخبب.

(٣) في صحيح مسلم «نفذ».

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٢٥.

(٥) أول سورة الإخلاص.

(٦) أول سورة الكافرون.

(٧) سورة البقرة ، الآية ١٥٨.

(٨) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع ، ح.


هذا أم للأبد؟ قال فشبّك أصابعه وقال : «دخلت العمرة مع الحجّ هكذا ، مرّتين ، لا ، بل لأبد الأبد».

وقدم عليّ ، رضي‌الله‌عنه ، من اليمن ببدن إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوجد فاطمة ممّن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر عليها. فقالت : أبي أمرني بهذا. فكان عليّ يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم محرّشا بالذي صنعته ، مستفتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «صدقت ، صدقت. ما ذا قلت حين فرضت الحج؟» قال ، قلت : اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال : «فإنّ معي الهدي فلا تحلل». قال : فكان الهدي الّذي جاء معه ، والهدي الّذي أتى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة مائة.

ثم حل الناس وقصّروا ، إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن معه هدي.

فلما كان يوم التّروية وجّهوا إلى مني ، أهلّوا بالحجّ ، وركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلّى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح. ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة (١) ، فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا تشكّ قريش إلّا أنه واقف عند المشعر الحرام ، كما كانت قريش تصنع في الجاهليّة ، فأجازه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أتى عرفة (٢) ، فوجد القبّة [قد ضربت له بنمرة] (٣) فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت (٤) له ، فركب حتى أتى بطن الوادي ، فخطب الناس فقال.

«إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم

__________________

(١) نمرة : ناحة بعرفة. ونقل ياقوت أن الحرم من طريق الطائف على طرف عرفة من نمرة على أحد عشر ميلا. وقيل : نمرة الجبل الّذي عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف (معجم البلدان ٥ / ٣٠٤).

(٢) في ع ، ح : «حتى أتى نمرة». والمثبت يتفق مع صحيح مسلم.

(٣) زيادة من صحيح مسلم للتوضيح.

(٤) رحلت : أي وضع عليها الرحل.


هذا ، في بلدكم هذا. ألا وإنّ كلّ شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدميّ ، ودماء الجاهلية موضوعة. وأوّل دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع [وأوّل ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطّلب فإنه موضوع] (١) كلّه. واتّقوا الله في النّساء ، فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله وإنّ لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح. ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله تعالى. وأنتم مسئولون عنّي ، فما أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أن (٢) قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال : بإصبعه السّبابة ، يرفعها إلى السماء ويكبها (٣) إلى الناس : اللهمّ اشهد ، ثلاث مرّات. ثم أذن بلال ، ثم أقام فصلّى الظهر ، ثم أقام فصلّى العصر ، ولم يصلّ بينهما شيئا. ثم ركب حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته إلى الصّخرات ، وجعل جبل المشاة (٤) بين يديه ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص ، [١٣٠ أ] وأردف أسامة بن زيد خلفه فدفع وقد شنق (٥) للقصواء الزّمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده : أيها الناس ، السّكينة السكينة ، كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة ، فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ، ولم يصل بينهما شيئا. ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، فصلّى الفجر حين تبيّن له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام

__________________

(١) سقطت في النسخ الثلاث وزدناها من صحيح مسلم.

(٢) في صحيح مسلم «إنك».

(٣) هكذا في الأصل ، ح. وفي ع : «وبكيها» ، محرفة. ولفظ مسلم : «ينكتها» ، وفي رواية أخرى : ينكبها ، أي يقلبها ويردّدها إلى الناس مشيرا إليهم. ومثلها يكبها.

(٤) جبل المشاة : طريقهم. وفي رواية : حبل المشاة أي مجتمعهم.

(٥) شنق : ضمّ وضيّق للقصواء.


فرقي عليه فحمد الله وكبّره وهلّله. فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا ، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف الفضل بن عباس ، وكان رجلا حسن الشّعر وسيما (١). فلمّا دفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ الظّعن (٢) يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهنّ ، فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على وجه الفضل ، فصرف الفضل وجهه من الشّقّ الآخر ، فحوّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على وجه الفضل. حتى إذا أتى محسّرا (٣) حرّك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرجك على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند المسجد ، فرمى سبع حصيات ، يكبّر مع كل حصاة منها مثل حصي الخذف (٤) رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر ، فنحر ثلاثا وستّين بدنة (٥) ، وأعطى عليّا ، رضي‌الله‌عنه ، فنحر ما غبر (٦) وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة (٧) فجعلت في قدر ، وطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.

ثم أفاض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى البيت ، فصلّى بمكة الظهر ، فأتى على بني عبد المطّلب يسقون من بئر زمزم ، فقال : «انزعوا بني عبد المطّلب ، فلو لا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم». فناولوه دلوا فشرب منه. أخرجه مسلم (٨) ، ودون قوله : يحيي ويميت.

__________________

(١) في صحيح مسلم «حسن الشعر أبيض وسيما».

(٢) الظعن : مفردها ظعينة ، وهي البعير الّذي عليه امرأة. وتسمّى به المرأة مجازا لملابستها البعير.

(٣) محسر ، ويقال بطن محسر : واد قرب المزدلفة بين عرفات ومنى. وفي كتب المناسك أنه وادي النار ، قيل إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته. وقيل إن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعيى وكلّ.

(٤) في الأصل : «الحدف». والتحرير من ع ، ح. وحصي الخذف أي حصي صغار بحيث يمكن أن يرمى بإصبعين. والحذف في الأصل : الرمي.

(٥) في صحيح مسلم «بيده» بدل «بدنة».

(٦) ما غير ما بقي منها.

(٧) البضعة : القطعة من اللحم.

(٨) في كتاب الحج ، (١٢١٨) باب حجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


وقال شعبة ، عن قتادة ، عن أبي حسّان الأعرج ، عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنة من جانب سنامها الأيمن ، ثم سلت عنها الدّم ، وأهل بالحج. أخرجه مسلم (١).

وقال أيمن بن نابل ، حدّثني قدامة بن عبد الله ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقة حمراء ، وفي رواية صهباء ، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك (٢). حديث حسن (٣).

وقال ثور بن يزيد ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الله بن [لحيّ] (٤) ، عن عبد الله بن قرط قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل الأيّام عند الله يوم النّحر ، ثم يوم القرّ ، يستقرّ فيه الناس ، وهو الّذي يلي يوم النحر».

قدم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدنات ، خمس أو ست ، فطفقن (٥) يزدلفن إليه بأيّتهنّ يبدأ ، فلمّا وجبت جنوبها (٦) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمة خفيّة (٧) لم أفهمها ،

__________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الحج ، (١٢٤٣) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام. وأبو داود في كتاب المناسك (١٧٥٢) باب في الإشعار.

(٢) إليك إليك : تقال للتنبيه أو الزجر. والمراد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يدفع ناقته ولا يندفع بها في مزدحم الناس ، ولا يحتاج إلى زجرها عن ذلك.

(٣) رواه الترمذي في كتاب الحج (٩٠٥) باب ما جاء في كراهية طرد الناس عند رمي الجمار. قال الترمذي : وفي الباب عن عبد الله بن حنظلة. قال أبو عيسى : حديث قدامة بن عبد الله حديث حسن صحيح ، وإنما يعرف هذا الحديث من هذا الوجه ، وهو حديث حسن صحيح. وأيمن بن نابل هو ثقة عند أهل الحديث. ورواه النسائي في مناسك الحج (٥ / ٢٧٠) باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم. وابن ماجة في المناسك (٣٠٣٥) باب رمي الجمار راكبا.

(٤) في الأصل بياض مقدار كلمة ، والمثبت من نسخة (ح) وسنن أبي داود ٢ / ١٤٨ ، وفي (ع) سقط بمقدار سطرين هنا.

(٥) في الأصل «وطفقن» ، والمثبت من (ع) و (ح) وسنن أبي داود ٢ / ١٤٩.

(٦) وجبت جنوبها : أي سقطت إلى الأرض ميّتة بعد ذبحها.

(٧) في الأصل «خفيفة» ، والمثبت من : (ع) و (ح) وسنن أبي داود.


فقلت للذي إلى جنبي : ما قال؟ قال : قال : «من شاء اقتطع». حديث حسن (١).

وقال هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس ، أنّ رسول الله [١٣٠ ب] صلى‌الله‌عليه‌وسلم رمى الجمرة ، ثم رجع إلى منزله بمنى ، فذبح ، ثم دعا بالحلّاق فأخذ بشقّ رأسه الأيمن فحلقه ، فجعل يقسمه الشّعرة والشّعرتين ، ثم أخذ بشقّ رأسه الآخر (٢) فحلقه ، ثم قال : ها هنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي طلحة. رواه مسلم (٣).

وقال أبان العطّار ، ثنا يحيى حدّثني أبو سلمة ، أنّ محمد بن عبد الله ابن زيد حدّثه ، أنّ أباه شهد المنحر عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقسم بين أصحابه ضحايا ، فلم يصبه ولا رفيقه. قال : فحلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه ، فقسم منه على رجال ، وقلّم أظفاره فأعطى صاحبه. فإنه لمخضوب عندنا بالحنّاء والكتم (٤).

وقال عليّ بن الجعد ، ثنا الربيع بن صبيح ، عن يزيد الرقاشيّ ، عن أنس ، قال ، حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رحل رثّ وقطيفة تساوي ، أو لا تساوي ، أربعة دراهم. وقال : «اللهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سمعة» (٥). يزيد ضعيف (٦).

__________________

(١) أخرجه أبو داود في المناسك (الحج) (١٧٦٥) باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. وأحمد في المسند ٤ / ٢٥٠.

(٢) في ع ، ح : «الأيسر».

(٣) في كتاب الحج (٣٢٥ و ٣٢٦ / ١٣٠٥) ، باب بيان أن السّنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق والابتداء في الحلق بالجانب الأيمن من رأس المحلوق.

(٤) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٤٢.

(٥) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٧٧.

(٦) انظر عنه في : التاريخ الصغير ١٣٩ ، التاريخ الكبير ق ٢ ج ٤ / ٣٢٠ ، الجرح والتعديل ج ٤ ق ٢ / ٢٥١ ، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١٧٩ رقم ٥٩٣ ، الضعفاء والمتروكين للنسائي ٣٠٧ رقم ٦٤٢ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٦٦٧ رقم ٤٤٨٦ ، المجروحين لابن حبّان ٣ / ٩٨ ،


وقال أبو عميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر ، رضي‌الله‌عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتّخذنا ذلك اليوم عيدا. [قال] (١) : أيّ آية؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢) فقال : إنّي لأعلم اليوم الّذي نزلت فيه ، والمكان الّذي نزلت فيه : نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعرفات في يوم جمعة. متّفق عليه (٣).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن عمّار بن أبي عمّار ، قال : كنت عند ابن عباس وعنده يهوديّ ، فقرأ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية. فقال اليهوديّ : لو أنزلت علينا لاتّخذنا يومها عيدا. فقال ابن عباس : فإنّها نزلت في يوم عيد ، يوم جمعة ، يوم عرفة. صحيح على شرط م (٤).

وقال ابن جريج ، عن أبي الزبير ، أخبره أنه سمع جابرا يقول : رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ، ويقول : «خذوا مناسككم ، فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه». أخرجه مسلم (٥).

وقال إسماعيل بن أبي أويس : حدّثني أبي ، عن ثور بن يزيد ، عن

__________________

= الضعفاء الكبير للعقيليّ ٤ / ٣٧٣ رقم ١٩٨٣ ، الكاشف ٣ / ٢٤٠ رقم ٦٣٨٩ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٤١٨ رقم ٩٦٦٩ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٧٤٧ رقم ٧٠٨٢ ، تهذيب التهذيب ١١ / ٣٠٩ رقم ٥٩٧ ، الكامل في الضعفاء الرجال لابن عديّ ٧ / ٢٧١٢.

(١) سقطت من الأصل. وأثبتناها من (ع) و (ح).

(٢) سورة المائدة ، الآية ٣.

(٣) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (١ / ١٦) باب زيادة الإيمان ونقصانه وقول الله تعالى (وَزِدْناهُمْ هُدىً) ... ، ومسلم في كتاب التفسير (٥ / ٣٠١٧) أوله : وحدّثني عبد بن حميد.

(٤) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١٢ / ١٨٤ ـ ١٨٥ رقم ١٢٨٣٥ ، والترمذي (٥٠٣٥) ، والطيالسي ١٩٤٧ ، والطبري في التفسير ١١٠٩٧ وحسّنه الترمذي.

(٥) في كتاب الحج (١٢٩٧) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

لتأخذوا مناسككم. وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٨١.


عكرمة ، عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب الناس في حجّة الوداع فقال :

«إنّ الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ، ولكنّه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك ممّا تحاقرون من أعمالكم ، فاحذروه. أيها الناس : إنّي قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلّوا أبدا ، كتاب الله وسنّة نبيّه. إنّ كل مسلم أخو المسلم ، المسلمون إخوة ، [ولا يحلّ لامرئ من مال أخيه إلّا ما أعطاه عن طيب نفس] (١) ، ولا تظلموا ، ولا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (٢).

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال : وكان ربيعة بن أميّة بن خلف الجمحيّ هو الّذي يصرخ يوم عرفة تحت لبّة ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال له : «أصرخ : أيها الناس» ـ وكان صيّتا (٣) ـ «هل [١٣١ أ] تدرون أيّ شهر هذا؟» فصرخ ، فقالوا : نعم ، الشهر الحرام. قال : «فإنّ الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا». وذكر الحديث (٤).

وقال الزّهريّ ، من حديث الأوزاعيّ ، عنه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أراد أن ينفر من منى قال : «إنّا نازلون غدا إن

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل ، والمثبت من (ع) و (ح).

(٢) أخرجه البخاري في كتاب الفتن (٨ / ٩١) باب قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا ترجعوا بعدي كفّارا ،

ومسلم في كتاب الإيمان (٦٦) باب بيان معنى قول النبي : لا ترجعوا بعدي كفارا ، وأبو داود في السّنّة (٦٨٦) باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه ، والنسائي في تحريم الدم (٧ / ١٣٦) باب تحريم القتل. والطبراني في المعجم الكبير ٨ / ١٦١ رقم ٧٦١٩ ، والمعجم الصغير ١ / ١٥٣ ، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (بتحقيقنا) ٢٤٢ رقم (١٩٨) ، والمؤلّف الذهبي في سير أعلام النبلاء ٩ / ٤٩٨.

(٣) صيّتا : أي شديد الصوت.

(٤) انظر بقيته في سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣١ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ١٨٤.


شاء الله بالمحصّب بخيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر» (١).

وذلك أنّ قريشا تقاسموا على بني هاشم وبني المطّلب أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم حتى يسلّموا إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اتّفقا عليه (٢).

وقال أفلح بن حميد ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليالي الحج. قالت : فلما تفرّقنا من منّي نزلنا المحصّب. وذكر الحديث. متّفق عليه (٣).

* * *

وقال أبو إسحاق السّبيعيّ ، عن زيد بن أرقم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزا تسع عشرة غزوة ، وحجّ بعد ما هاجر حجّة الوداع ، ولم يحجّ بعدها.

قال أبو إسحاق من قبله : وواحدة بمكة. اتّفقا عليه (٤).

ويروى عن ابن عباس أنه كان يكره أن يقال : حجّة الوداع ، ويقول : حجّة الإسلام (٥).

وقال زيد بن الحباب ، ثنا سفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر : أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حجّ ثلاث حجج قبل أن يهاجر ، وحجّة بعد ما هاجر معها عمرة ، وساق ستّا وثلاثين بدنة ، وجاء عليّ بتمامها من اليمن ، فيها جمل لأبي

__________________

(١) حيث تقاسموا على الكفر : يعني حيث تعاهد كفار قريش على إخراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة إلى شعب أبي طالب ، وهو خيف بني كنانة ، وكتبوا بينهم بذلك الصحيفة المشهورة.

(٢) صحيح البخاري : كتاب الحج ، باب نزول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة (٢ / ١٨١ ـ ١٨٢). وصحيح مسلم : كتاب الحج ، باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به (٤ / ٨٦).

(٣) صحيح البخاري : كتاب الحج ، باب قول الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (٢ / ١٧٣) ، وأبواب العمرة ، باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة إلخ (٣ / ٦). وصحيح مسلم : كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام إلخ (٤ / ٣١).

(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب حجة الوداع (٥ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤). وصحيح مسلم : كتاب الجهاد والسير ، باب عدد غزوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥ / ١٩٩).

(٥) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١٨٨.


جهل في أنفه برة من فضّة ، فنحرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

تفرّد به زيد. وقيل إنه خطأ ، وإنما يروى عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، مرسلا.

قال أبو بكر البيهقيّ : قوله «وحجّة معها عمرة» فإنما يقول ذلك أنس ، ومن ذهب من الصحابة إلى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرن ، فأما من ذهب إلى أنه أفرد ، فإنه لا يكاد يصحّ عنده هذه اللفظة لما في إسناده من الاختلاف وغيره.

وقال وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث حجج ، حجّتين وهو بمكة قبل الهجرة ، وحجّة الوداع (١).

وفي آخر السنة : كان ظهور الأسود العنسيّ ، وسيأتي (٢).

__________________

(١) الطبقات ٢ / ١٨٩.

(٢) في الجزء الثاني ، في خلافة أبي بكر الصدّيق رضي‌الله‌عنه (ص ١٤).



سنة احدى عشر

سريّة أسامة

في يوم الإثنين ، لأربع بقين من صفر. ذكر الواقدي (١) أنهم قالوا :

أمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتّهيّؤ لغزو الرّوم. ودعا أسامة بن زيد ، فقال : سر إلى موضع مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل ، فقد ولّيتك هذا الجيش. فأغر صباحا على أهل أبنى (٢) ، وأسرع السّير ، تسبق الأخبار. فإن ظفرت فأقلل اللّبث فيهم ، وقدّم العيون والطلائع أمامك.

فلما كان يوم الأربعاء ، بدئ برسول (٣) الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعه. فحمّ وصدّع.

فلما أصبح يوم الخميس ، عقد لأسامة لواء بيده ، فخرج بلوائه معقودا ، [١٣١ ب] يعني أسامة. فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلميّ ،

__________________

(١) في المغازي (٣ / ١١٧ ـ ١١٩).

(٢) أبنى : موضع بفلسطين بين عسقلان والرملة ، وقيل قرية بمؤتة. قال ياقوت : بالضم ثم السكون وفتح النون والقصر ، بوزن حيلى ، موضع بالشام من جهة البلقاء. (معجم البلدان ١ / ٧٩).

(٣) في الأصل ، ع : «بدئ رسول الله». والمثبت عن ح.


وعسكر بالجرف (١). فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلّا انتدب في تلك الغزوة ، فيهم أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة.

فتكلّم قوم وقالوا : يستعمل هذا الغلام على هؤلاء؟

فقال ابن عيينة ، وغيره ، عن عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر يقول : أمّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة ، فطعن الناس في إمارته. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه. وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان من أحبّ الناس إليّ. وإنّ ابنه هذا لمن أحبّ الناس إليّ بعده». متّفق على صحّته (٢).

* * *

قال شيبان ، عن قتادة :

جميع غزوات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسراياه : ثلاث وأربعون (٣).

ثم دخل شهر ربيع الأول.

وبدخوله تكمّلت عشر سنين من التاريخ للهجرة النبويّة. والحمد لله وحده.

__________________

(١) الجرف : موضع قرب المدينة على ثلاثة أميال منها. (معجم البلدان ٢ / ١٢٨).

(٢) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤ / ٢١٣) ، باب ذكر أسامة بن زيد ، وفي المغازي (٥ / ٨٤) باب غزوة زيد بن حارثة ، و (٥ / ١٤٥) ، باب بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة بن زيد رضي‌الله‌عنهما في مرضه الّذي توفي فيه ، وفي كتاب الأيمان (٧ / ٢١٧) باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وايم الله ، وفي الأحكام (٨ / ١١٧) باب من لم يكترث بطعن من يعلم في الأمراء حديثا.

ومسلم في فضائل الصحابة (٦٣ و ٦٤ / ٢٤٢٦) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي‌الله‌عنهما. والترمذي في المناقب (٣٩٠٤) باب مناقب زيد بن حارثة رضي‌الله‌عنه.

وأحمد في المسند ٢ / ٢٠ و ٨٩ و ١٠٦ و ١١٠. وابن سعد في الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٠.

(٣) انظر حول الغزوات والسرايا والبعوث : سيرة ابن هشام ٤ / ٢٣٣ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ٥ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٥٢.


بعون الله وتوفيقه ، فقد تمّ الجزء الخاص بمغازي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» تأليف المؤرّخ الحافظ الذهبي ، بتحقيق طالب العلم العبد الفقير إلى الله تعالى «عمر عبد السلام تدمري» الأستاذ الدكتور ، الطرابلسيّ مولدا وموطنا ، بمنزله بساحة النجمة بطرابلس الشام ـ حرسها الله ـ. وكان الفراغ من تحقيقه وتصحيحه في الثالث عشر من شهر ربيع الثاني ١٦٠٧ ، الموافق للثامن عشر من كانون الأول ١٩٨٦ ، من صباح يوم الخميس. والحمد لله وحده.

(يليه الجزء الثاني الخاص بالسيرة النبويّة)



فهارس المغازي

فهرس أوائل الآيات الكريمة

فهرس أوائل الأحاديث الشريفة

فهرس الأبيات الأولى من الأشعار والأراجيز

فهرس الأعوام والأيام

فهرس المصطلحات والألفاظ اللغوية

فهرس الأمم والقبائل والطوائف

فهرس الأماكن والبلدان

فهرس أعلام الرجال

فهرس أعلام النساء



فهرس أوائل الآيات الكريمة

مرّتبة حسب ورودها في الكتاب

الصفحة

السورة والآية

٣٣ (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِك).......................... (البقرة ٩٧)

٣٤ (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ).................................... (البقرة ٨٩)

٤١ (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ)............................... (الأنفال ٧٥)

٥٠ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ)...................................... (البقرة ٢١٧)

٦٤ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ)......................... (النساء ٩٧)

٧٤ (إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا)........................................... (الأنفال ٤٢)

٨١ (إذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا)......................................... (المائدة ٢٤)

٨٤ (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر)...................................... (القمر ٤٥)

٨٤ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)............................................... (الأنفال ٩)

٨٧ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ)................................... (الأنفال ١٢)

٩١ (هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا).......................................... (الحج ١٩)

٩٣ (إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ).................................. (الأنفال ٢٢)

٩٣ (اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ)............................ (الأنفال ٣٣)

٩٣ (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ)................................ (الأنفال ٣٤)

٩٣ (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ)........................................ (الأنفال ٣٤)

٩٣ (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ)................................... (الأنفال ٧)

٩٤ (إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ)............................................ (الانفال ٤٨)

٩٨ (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ)............................................ (النمل ٨٠)

٩٨ (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ).................................... (فاطر ٢٢)

٩٩ (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا)........................................... (إبراهيم ٢٨)


١١٢ (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ)............................... (الأنفال ٥)

١١٢ (قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ)................................ (الأنفال ٧٠)

١١٥ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ)........................................... (الأنفال ١)

١١٥ (وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ)................................. (الأنفال ٥)

١١٦ (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ)................................ (الأنفال ٦٧)

١١٦ (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا)................................... (الأنفال ٦٩)

١١٦ (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)......................... (نوح ٢٦)

١١٧ (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ)....................................... (يونس ٨٨)

١١٧ (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)........................................... (إبراهيم ٣٦)

١١٧ (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا).................................. (الأنفال ٣٦)

١٣١ و ٤٠٤ (كهيعص).................................................. (مريم ١)

١٤٤ و ١٥١ و ٣٠٠ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)........ (المائدة ١١)

١٤٦ (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ)................................... (آل عمران ١٢)

١٤٧ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ)............................. (المائدة ٥١)

١٤٨ (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا)..................................... (الحشر ٢)

١٥٠ (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ)......................................... (الحشر ٦)

١٥٩ و ٢٨٤ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا)............................ (النساء ٥١)

١٦١ (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)........................... (آل عمران ١٨٦)

١٦١ (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)...................................... (البقرة ١٠٩)

١٦٧ (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ).................................... (النساء ٨٨)

١٦٧ (إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا).......................... (آل عمران ١٢٢)

١٦٧ (مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ)................................. (آل عمران ١٧٩)

١٧٩ (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ)........................................... (الأنفال ١٧)

١٨٠ (إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ)........................................ (آل عمران ١٥٢)

١٨٤ (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)............................. (الأحزاب ٢٣)

١٨٩ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)................................... (آل عمران ١٢٨)

١٩٦ (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ).................................. (آل عمران ١٥٢)

١٩٧ (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ)............................... (آل عمران ١٥٤)

١٩٩ (قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا).......................................... (آل عمران ١٦٥)

٢٠٧ (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا).................................... (الأحزاب٢٢)


٢٠٨ (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا)........................................... (النحل ١٢٦)

٢١٤ و ٢١٩ (وَلا تَحَسَبَنَّ الَّذنَ قُتِلوا)............................ (آل عمران ١٦٩)

٢١٥ (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ)............................... (يوسف ١)

٢٢٧ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ)...................................... (آل عمران ١٧٣)

٢٥٦ (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا).................................... (الأحزاب ٣٧)

٢٥٦ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ)........................ (المنافقون ١)

٢٦٦ (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ)........................................... (يوسف ١٨)

٢٧٢ و ٢٧٧ (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ).............................. (النور ٢٢)

٢٧٢ (أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)..................................... (النور ١١)

٢٧٧ (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ)................................ (الأحزاب ١٠)

٢٧٧ (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ)................................... (الأحزاب ٢٥)

٢٧٩ (وَالَّذِين تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ)...................................... (الأحزاب ١٣)

٢٨٨ (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ)....................................... (الأحزاب ٢٢)

٢٩٦ (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ)................................ (الأحزاب ٢١٤)

٣٠٠ (يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ)....................................... (الممتحنة ٧)

٣٠٠ (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ)................................. (الأحزاب ٢٦)

٣٠٠ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ).................................... (الأنفال ٢٧)

٣٠٤ (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ).................................... (التوبة ١٠٢)

٣٠٧ و ٣١٦ (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم)................................ (الأحزاب ٢٧)

٣١٣ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ)................................ (الفتح ٢٩)

٣١٣ (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ)...................................... (التوبة ١٠٢)

٣١٦ (وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا)............................................ (الأحزاب ٢٧)

٣٢٢ (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).................................................. (الفتح ٢٩)

٣٢٨ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ)...................................... (يوسف ١٠٠)

٣٧٢ و ٤٠٠ (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ)........................ (الممتحنة ١٠)

٣٧٤ و ٣٨٧ (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ)............................ (الفتح ٢٤)

٣٨٨ (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ)..................................... (الفتح ١٨)

٣٨٨ (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)............................................. (مريم ٧١)

٣٨٩ (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا)............................................ (مريم ٧٢)

٣٩٥ و ٣٩٦ و ٣٩٧ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا)............................ (الفتح ١)

٣٩٨ (وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).............................................. (الفتح ١٨)


٣٩٨ (وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا)......................................... (الفتح ٢١)

٣٩٨ (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا)..................................... (الفتح ٢٧)

٣٩٨ (سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ)..................................... (الفتح ١٦)

٣٩٩ (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ)........................................... (الفتح ٤)

٣٩٩ (تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ)........................................ (الرعد ٣١)

٤٠٠ (إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ).................................. (الممتحنة ١٢)

٤٠٤ (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)................................................ (المطفّفين ١)

٤٥٤ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ)................................... (النساء ٩٤)

٤٥٧ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ).................................... (النساء ٥٩)

٤٩٣ (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)............................ (الأحزاب ٣٧)

٤٩٣ (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ)............................ (الأحزاب ٤٠)

٤٩٣ (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)..................................... (الأحزاب ٤)

٤٩٣ و ٤٩٤ (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ)...................... (الأحزاب ٥)

٤٩٧ (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)..................................... (الشعراء ٢٢٤)

٤٩٧ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)............................ (الشعراء ٢٢٧)

٥٠٤ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ)......................... (آل عمران ٦٤)

٥١٦ (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)............................................ (النساء ٢٩)

٥٢٧ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي)............................ (الممتحنة ١)

٥٣٣ (لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ)............................................... (البلد ١)

٥٤٥ و ٥٤٩ و ٥٥٠ (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ).......................... (الإسراء٨١)

٥٤٦ (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)......................................... (يوسف ٩٢)

٥٤٩ (جاء الحق وما يبديء الباطل)...................................... (سبأ ٤٩)

٥٤٦ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ).......................................... (النصر ١)

٥٤٩ (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ)................................. (التوبة ٢٥)

٥٧٥ (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ)......................... (الإسراء ٩٠)

٤٢٧ (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي).............................. (التوبة ٤٩)

٦٢٨ (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا).......................................... (التوبة ٨١)

٦٣٠ (لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ)........................................ (التوبة ٩٢)

٦٣١ (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ).................................... (التوبة ٩٠)

٦٣٤ (اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)....................................... (التوبة ١١٧)

٦٣٩ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)............................................. (الإخلاص ١)


٦٤٢ (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ)............................. (التوبة ٦٥)

٦٤٢ (إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ)........................................ (التوبة ٦٦)

٦٤٩ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا).................................. (التوبة ١٠٧)

٦٤٩ (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا)............................................... (التوبة ١٠٨)

٦٥٢ (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ)...................................... (التوبة ١٠٢)

٦٥٢ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)......................................... (التوبة ١٠٣)

٦٥٧ (لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ)............................ (التوبة ١١٧)

٦٥٨ (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ)............................. (التوبة ٩٥)

٦٥٨ (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا)..................................... (التوبة ١١٨)

٦٦٠ (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)................................... (التوبة ٨٠)

٦٦٠ (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا)............................... (التوبة ٨٤)

٦٧٧ (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ)........................... (الحجرات ٤)

٦٩٦ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ)....................... (آل عمران ٦٥)

٦٩٧ (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ)................... (آل عمران ٧٩)

٦٩٨ (يَا أُخْتَ هَارُونَ).................................................. (مريم ٢٨)

٧٠٢ (وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)................................ (البقرة ١٢٥)

٧٠٢ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)........................................... (الكافرون ١)

٧٠٢ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ)................................ (البقرة ١٥٨)

٧٠٨ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)........................................ (المائدة ٣)



فهرس أوائل الأحاديث الشريفة

إنّ المسلمين بالمدينة سمعوا بمخرج رسول الله.......................................... ٢٧

أقبل النبي إلى المدينة وهو مُرِدف أبا بكر............................................ ٢٩

إنّ النبيّ نزل في بني عمرو بن عوف................................................ ٣٢

أتدرون ما صنع هذا بي؟......................................................... ٦٥

إنّ رسول الله شاور حين بلغه إقبال ابي سفيان....................................... ٨٢

اللهم إنّي انشدك عهدك ووعدك................................................... ٨٤

إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل........................................................ ٩١

أصاب النبيّ وأصحابه من المشركين يوم بدر........................................ ١١٣

استوصوا بلاسارى خيراً......................................................... ١١٩

أليس هو من اهل بدر.......................................................... ١٢٣

إنّ رسول الله قطع نخل بني النضير................................................ ١٥٣

إنّها طيّبة تيفي الخبيث.......................................................... ١٦٧

الله مولانا ولا مولى لكم......................................................... ١٧٤

اللهم إنّي أبرا إليك مما جاء به هؤلاء.............................................. ١٨٤

إنّ النبيّ صلّي على قتلى أحد.................................................... ٢٠٩

أيُّهما أكثر أخْذاً للقرآن......................................................... ٢١٣

إنّ رسول الله أمر بدفن قتلى أُحُد................................................ ٢١٤

إنّما أريد ابنتك لجُلَيبيب......................................................... ٢١٨

أرواحهم في جوف طير خضر.................................................... ٢١٩

إنّي فرط لكم.................................................................. ٢٢٠


إن إخوانكم قد قتلوا........................................................... ٢٣٨

إنّ هذا اخترط سيفي وأنا نائم................................................... ٢٤٨

أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك............................................... ٢٧٥

إنّ لك نبي حواريا وحواري الزبير.................................................. ٣٠٠

اللهم منزل الكتاب سريع الحساب................................................ ٣٠٣

الآن نغروهم ولا يغزونا.......................................................... ٣٠٤

إن رسول الله كان يحث في خطبته على الصدقة.................................... ٣٠٧

إنْ رأيتم أن تطلبقوا لها أسيرها................................................... ٣٥٩

إنّ نبي الله اعتمر أربع عمر...................................................... ٣٦٣

أنتم خير أهل الأرض........................................................... ٣٦٥

إكلا لنا الليل................................................................. ٤٤٣

أقتلته بعد أن قال : لا إله ألّا الله؟................................................ ٤٤٩

أقتلتلته بعد أن قال : لا إله إلّا الله؟............................................... ٤٤٩

إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة................................................. ٤٣٤

إنّ الشملة التي أخذها يوم خيبر.................................................. ٤٤١

إنّ النبيّ دعا بماء فأتي بقدحٍ رحراح................................................ ٣٨٠

أتي النبيّ بمخضب من حجارة فيه ماء............................................. ٣٨٠

أمسكوا فإنّها مسمومة.......................................................... ٤٣٦

إنّ النبي كان بالزّوراء مع أصحابه يتوضّاون........................................ ٣٨١

أنّ صاحبكم غل في سبيل الله................................................... ٤٣٥

إجمعوا من كان ها هنا من اليهود................................................. ٤٣٥

إنّ رسول الله تزوّج وهو محرم..................................................... ٤٦٥

أكتب : هذا ما صالح عليه محمد................................................. ٣٩١

إنّي رسول الله لن يضيعني الله.................................................... ٣٩١

اللهم اغفر للمحلّقين........................................................... ٣٩٢

اهريقوها وكسروها.............................................................. ٤٠٥

إن له أجران.................................................................. ٤٠٦

الله اكبر خربت خيبر........................................................... ٤٠٦

انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم............................................. ٤٠٧

إنّ يهودية أتت النّبيّ بشاة مسمومة............................................... ٤٣٦

ان رسول الله بعث سرية قبل نجد................................................ ٤٧٧

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارث...................... ٤٨٢


أول من عقر في الإسلام........................................................ ٤٨٣

أحث في أفواههنّ التراب........................................................ ٤٨٧

أشبهت خلقي وخلقي.......................................................... ٤٩٢

إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض................................................. ٤٩٤

إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم.................................................. ٤٩٥

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب عبل موته إلى كسرى........................ ٥٠١

انطلقت في المدة التي كانت بيني................................................. ٥٠٥

ان رسول الله على الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى............................ ٥٠٨

اللهم مزق ملكه............................................................... ٥٠٩

إذهبوا إلى صاحبكم فقولوا...................................................... ٥١٠

إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده................................................. ٥١١

استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمراً على جيش ذات السلاسل............... ٥١٥

إنّ عمرا كان على سريّة........................................................ ٥١٧

أشعرنها إيّاه................................................................... ٥٢٠

إنّ هذه السحابة تستهلّ بنصر بني كعب.......................................... ٥٢٨

أن رسول الله على الله عليه وسلم صام حتى بلغ الكديد............................. ٥٣٧

اعملوا لصاحبيكم ، ارحلوا لصاحبيكم............................................ ٥٣٧

إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة............................. ٥٣٧

أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم خالتد بن الوليد أن يدخل مكة من كداء........... ٥٤١

اهجوا قريشاً فإنّه أشدّ عليها من رشق النبل........................................ ٥٤٣

أقول كما قال يوسف : لا تثريب عليكم.......................................... ٥٤٦

أن رسول الله على الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء..... ٥٤٧ و ٥٤٨

إن النبيّ لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنمأ................................. ٥٥٠

إنّ النبيّ لما قدم مكة أبي أن يدخل البيت وفيه الآلهة................................. ٥٥٠

ان النبي لما رأى الصورر في البيت لم يدخله........................................ ٥٥٠

ان رسول الله لم يدخل البيت حتى مُحيت الصور.................................... ٥٥٠

إنّ رسول الله أقبل يوم الفتح من أعلى مكة........................................ ٥٥١

إنّ الله حرّم مكة ولم يحرمها الناس................................................. ٥٥٦

ألا إنّ قتيل العَمْد.............................................................. ٥٥٦

أيها الناس ألا إنه لا حلْف في الإسلام............................................ ٥٥٧

أقام رسول الله بمكة تمعة عشر يوماُ............................................... ٥٦٢


أقام رسول الله عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة.................................. ٥٦٢

إنّي وأصحابي حيِّز............................................................. ٥٦٤

اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد................................................. ٥٦٨

أنا النبيّ لا كذب.............................................................. ٥٨٩

أنا ابن العواتك................................................................ ٥٨٠

إنّا قافلون غداً إن شاء الله....................................................... ٥٩٥

أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال.............................................. ٦٠٠

إذْهب إلى تلك الجارية فخلّ سبيلها.............................................. ٦٠٨

أشعرنها إيّاه................................................................... ٦٢١

أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى.................................... ٦٣٢

أشهد أن لا إله إلّا الله.......................................................... ٦٣٤

اللهمّ ارمهم بالدّبيلة............................................................ ٦٤٨

إنّ بالمدينة لأقواماً.............................................................. ٦٤٩

أما والله إنّ كنت لأنهاك عن حبّ يهود........................................... ٦٥٩

أما والله لولا أنّ الرُسُل لا تقتل لضربت اعناقكما.................................... ٦٨٦

إنّ المغضوب عليهم اليهود...................................................... ٦٨٧

اللهم اهد قلبه وثبت لسانه...................................................... ٦٩١

أحجمت يا عبد الله بن قيس.................................................... ٦٩٢

أفلا أخبرتهم أنّهم كانوا يسمّون باسماء أنبيائهم...................................... ٦٩٨

إنّ له مرضعة تتم رضاعه في الجنة................................................ ٦٩٩

اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي.......................................... ٧٠٠ و ٧٠١

انزعوا بني عبد المطّلب.......................................................... ٧٠٥

إنّ رسول الله لما أتى ذا الحُلَيْفة أشعر بدنة......................................... ٧٠٦

أفضل الأيام عنج الله يوم النحر.................................................. ٧٠٦

اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة................................................. ٧٠٧

إنّ الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم.............................................. ٧٠٩

إنّا نازلون غداً إن شاء الله بالمحصّب.............................................. ٧٠٩

إنّ رسول الله غزا تسع عشرة غزوة................................................ ٧١٠

إنْ يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه........................................ ٧١٤

ب

بعثت هذه الريح لموت منافق.................................................... ٢٦٧


بعث رسول الله رهطاً من الأنصار إلى أبي رافع..................................... ٣٤٣

بايعني يا سَلَمَة................................................................ ٣٨٦

بعثني رسول الله على الله عليه وسلم على جيش ذي السلاسل........................ ٥١٤

بعثنا النبي على الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب.................................... ٥١٧

بينا أنا نائم إذ اُتيت بخزائن الارض................................................ ٦٨٤

ت

تدمع العين ويحزن القلب........................................................ ٦٩٩

ج

جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله.................................. ٣٣

ح

حيّ على الطهور المبارك والبركة من الله............................................ ٣٨٢

خ

خير دور الأنصار دار بني النجار................................................... ٣٢

خير فرساننا اليوم أبو قتادة...................................................... ٣٣٩

الخالة بمنزلة الأم................................................................ ٤٦٧

خذوا مناسككم............................................................... ٧٠٨

د

دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين صباحاً على رعل وذكوان................................ ٢٣٩

دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثناه............................................... ٣٨٧

دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة.............................................. ٤٩٦

دخل رسول الله عام الفتح مكة وعلى رأسه المِغْفَر................................... ٥٤٧

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وذقنه على رحله...................... ٥٤٨

دخل النبي مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نُصباً......................... ٥٤٩

ر

رأيت أنّي قد هززت سيفاً....................................................... ١٦٥

رأيت رسول الله يوم أحُد أصيبت رباعيّة.......................................... ١٩٠

ز

زمّلوهم بدمائهم............................................................... ١٨٧

س

سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله............................................. ٣٣


السلام على همدان............................................................. ٦٩١

ش

شغلونا عن الوسطى............................................................ ٣٠١

شاهت الوجوه................................................................. ٥٨١

ص

صلاة في مسجدي هذا.......................................................... ٣٧

صدقت ذاك من مدد السماء الثالثة................................................ ٨٥

غ

غزوت مع زيد بن حارثة تسع غزوات............................................. ٤٩٤

غيّروا هذا الشيب ولا تقرّبوه سواداً................................................ ٥٥٩

ف

في أصحابي اثنا عشر منافقاً..................................................... ٦٤٩

ق

قرّبوا اليماني من الطين............................................................ ٣٧

قلّد النبيّ الهدي بذي الحليفة............................................. ٣٦٤ و ٣٦٦

قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلّا الله.............................................. ٤٠٧

قضاء الله خير................................................................. ٥٤٢

قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سورة الفتح............................. ٥٤٨

قد أجرنا من اجزت............................................................ ٥٥٥

قد مات أخ لكم بالحبشة....................................................... ٦٢٥

قطع صلاتنا ، قطع الله أثره...................................................... ٦٣٨

ك

كذبت ، لا يدخلها إنه شهد بدراً والحديبية................................ ١٢٣ و ٣٨٩

كان رسول الله ينقل معنا التراب يوم الأحزاب...................................... ٢٩٨

كلّكم مغفور له إلّا صاحب الجمل الأحمر......................................... ٣٧٤

كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر في يوم شديد الحر........................ ٤٩٧

كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء خرقانية.. ٥٤٨

كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أبيض............................ ٥٤٨


ل

لو قلت بسم الله............................................................... ١٧٦

لولا أن تجد صفيّة تركته حتى يحشره الله............................................ ٢٠٩

لئن ظفرت بقريش لامثّلنّ بسبفين منهم........................................... ٢٠٩

لئن أصبنا منهم يوماً من الدهر................................................... ٢١١

لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم........................................ ٢١٩

لقد أنزلت عليّ الليلة سورة...................................................... ٣٩٥

لو تركتموني فعرّست بين أظهركم.................................................. ٤٦٥

لقد اندقّ في يدي يوم مؤته تسعة أسياف......................................... ٤٨٦

لو أنّ زيداً كان حيّا لا ستحلفه رسول الله........................................ ٤٩٥

لعن الله كسرى................................................................ ٥١٠

م

المسجد الذي اسس على التقوى مسجدي هذا...................................... ٣٧

من ينظر ما صنع أبو جهل....................................................... ٩٥

من فعل كذا وكذا فله من النفل.................................................. ١١٤

من شهد بدراً من الملائكة هم خيار الملائكة....................................... ١٢٣

من لكعب بن الاشرف......................................................... ١٦٠

من يأخد مني هذا السيف بحقّة.................................................. ١٧١

من يردّهم عنّا وله الجنة......................................................... ١٧٥

من ينتدب لهؤلاء في آثارهم..................................................... ٢٢٤

من يمنعك منّي................................................................ ٢٤٩

ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة............................................... ٢٦١

ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها منتنة............................................ ٢٦٥

ما عندك يا ثمامة.............................................................. ٣٥٠

ما فعل مسك حُيَيّ............................................................ ٤٢٤

ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في جيش قط إلّا أمّره.............................. ٤٩٥

المحيا محياكم والممات مماتكم..................................................... ٥٤٥

منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيْف.............................................. ٥٥٧

من قتل قتيلا له عليه بيّنة فله سَلَبُه............................................... ٥٨٤

من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرّر...................................... ٥٩٣

معاذ الله أن يتحدّث الناس أني أقتل أصحابي....................................... ٦٠٤


من أمسك منكم بحقّه فله بكل إنسان ست فرائض................................. ٦٠٧

ما على عثمان ما عمل بعد اليوم................................................. ٧٢٩

من شاء اقتطع................................................................ ٧٠٧

ن

نثّل لي رسول الله كنانته........................................................ ١٨٣

نزلت عليّ آية................................................................. ٣٩٦

نعى النبي صلى الله عليه سلم جعفراً وزيد بن حارثة................................. ٤٨٥

ه

هل لكم ان نخرج فنلقى العير...................................................... ٧٨

هذا جبريل آخد رأس فرسه....................................................... ٨٦

هذا جبل يحّبنا ونحبّه............................................................ ٤٢٣

هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء................................. ٥١٩

هجاهم حسّان فشفى وأشفى.................................................... ٥٤٤

هذه طابة وهذا أحد........................................................... ٦٣٧

هذا أمين هذه الأمة............................................................ ٦٩٧

و

ويْح عمّار تقتله الفئة الباغية...................................................... ٣٨

والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدقكم....................................... ٨٢

وأنا والله ما صلّيتها بعد......................................................... ٣٠١

والله ما زلت ذليلاً مستقناً....................................................... ٥٠٥

ولد لي اليللة غلام............................................................. ٦٩٩

لا

لا إله الله وحده ، أعز جُنْدَه..................................................... ٣٠٣

لا تنكح المرأة على خالتها ولا عمّتها.............................................. ٤٦٧

لا يتدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة............................ ٣٨٨ و ٣٨٩

لأعطينّها غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله.............................................. ٤١٠

لا يفلح قوم تملكهم امرأة........................................................ ٥١٠

لا يقتل قرشي بعدها صبراً....................................................... ٥٤٧

لا تغزى مكة بعد اليوم أبداً إلى يوم القيامة......................................... ٥٥٤


لا عليك أن تطعميهم بالمعروف.................................................. ٥٦١

لا هجرة بعد الفتح............................................................. ٥٦٣

لا يدخلن هذا عليكم.......................................................... ٥٩٣

لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذّبين............................................... ٦٣٥

لا خير في دين ليس فيه ركوع.................................................... ٦٦٨

لا تبك يا معاذ ، البكاء من الشيطان............................................. ٦٩٥

لا ضرّب ولا طرد.............................................................. ٧٠٦

لا ترجعوا بعدي كفّاراً.......................................................... ٧٠٩

ي

يا أيّها الناس أطعموا الطعام....................................................... ٣٤

يا بني النجار ثامنوني بحائطكم.................................................... ٣٥

يا ابا تراب..................................................................... ٤٨

يا حذيفة قم فاتنا بخبر القوم..................................................... ٣٠٢

يا ابن الاكوع ملكت فأسجع............................................ ٣٤١ و ٣٨٥

يا أمّ أيمن اتركي كذا وكذا....................................................... ٤٤٤

يا سلمة هب لي المرأة.......................................................... ٤٤٦

يا أباي اجلس................................................................ ٤٣٣

يا خالد لا تردّه عليه........................................................... ٤٨٩

يا زيد أنت مولاي ومنّي وإليّ.................................................... ٤٩٥

يا عمرو اشدُد عليك سلاحك واثتني............................................. ٥١٥

يا عمرو نعمّا بالمال الصالح للمرء الصالح........................................... ٥١٥

يا عمرو صلّيت باصحابك وأتت جُنُب........................................... ٥١٦

يا حاطب ما هذا؟............................................................. ٥٢٦

يا أهل البلد صلّوا أربعة فإنّا سَفْرٌ................................................. ٥٦٢

يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر..................................... ٦٠٤

يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة............................................... ٦٣٧

يسّرا ولا تعسّرا................................................................ ٦٩١



فهرس الابيات الأولى من الأشعار والاراجيز

الصفحة

هذا الحمال ، لا حمال خيبر

هذا أبرُّ ـ ربّنا ـ ,أطهر٢٨ و ٣٦

اللهم إنّ الأجر أجر الآخره

فارحم الأنصار والمهاجره٢٨ و ٣٦

أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

مغلغلة عنّي لؤيّ بن غالب٤٢

يا عين فابكي للوليد ـ

بن الوليد بن المغيرة٧١

ألم تكن الرؤيا بحقّ وجاءكم

بتصديقها فلّ من القوم هارب٧٧

طحنت رحى بدر لمهلك أهلها

ولمثل بدر تستهلّ وتدمع١٥٧

أراحل أنت لم تحلل بمنقبة

وتارك أنت أمّ الفضل بالحرم ١٥٨ و ١٥٩

إيها بني عبد مناة الرّزام

أنتم حماة وأبوكم حام١٦٩

نحن بنات طارق

نمشي على النّمارق١٧٢

إذا الله جازى معشرا بفعالهم

ونصرهم الرّحمن ربّ المشارق١٩٣

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات سعر٢٠٥

 كادت تهدّ من الأصوات راحلتي

إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل٢٢٥

لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا

قبائلهم واستجمعوا كلّ مجمّع٢٣٤

 بني أمّ البنين ألم يرعكم

وأنتم من ذوائب أهل نجد٢٤١

 حصان رزان ما تزنّ بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ٢٧٩

 أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا

وابن الفريعة أمسى بيضة البلد٢٧٩

 بلق ذباب السيف عنّي فإنّني

غلام إذا هوجيب لست بشاعر٢٨٠

 رأيتك وليفعر لك الله حرّة

نم المحصنات غير ذات غوائل٢٨١


نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت دين محمّد بضراب٢٩٠

لبّث قليلا يشهد الهيجا حمل

لا بأس بالموت إذا حان الأجل٢٩١ و ٣٢١

اللهم إنّ العيش عيش الآخرة ،

فاغفر للأنصار والمهاجرة٢٩٧

نحن الّذين بايعوا محمّدا

على الجهاد ما بقينا أبدا٢٩٨

اللهم لو لا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا٢٩٨ و ٤٠٤ و ٤٠٩

ويل أمّ سعد سعدا

حزامة وجدّا٣٢٣ و ٣٢٤

أنا ابن الأكوع

واليوم يوم الرّضّع٣٣٧ و ٣٤٠

علمت خيبر أنّي مرحب

شاكي (١) السلاح بطل مجرّب٤٠٨ و ٤١٦

أنا الّذي سمّتني أمّي حيدرة

كليث غابات كريه المنظر ٤٠٩

حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم

فتى ذي النعم برغم من رغم٤٣٨

خلّوا بني الكفّار عن سبيله

أنا الشهيد أنّه رسوله٤٦٠ و ٤٦٢

لكنّني أسأل الرّحمن مغفرة

وضربة ذات فرغ تقذف الزّبدا٤٨٠

فثبّت الله ما آتاك من حسن

تثبيت موسى ، ونصرا كالّذي نصروا٤٨٠

يا حبّذا الجنّة واقترابها

طيّبة وباردة شرابها٤٨٣

أقسمت يا نفس لتنزلنّه

طائعة أو لتكرهنّه٤٨٣

يا نفس إن لا تقتلي تموتي

هذا حمام الموت قد صليت٤٨٤

إذا أدنيتني وحملت رحلي

مسيرة أربع بعد الحساء٤٩١

يا زيد زيد اليعملات الذّبل

تطاول اللّيل هديت فانزل٤٩٧

شهدت بإذن الله أنّ محمدا

رسول الّذي فوق السموات من عل

شهدت بأنّ وعد الله حقّ

وأنّ النّار مثوى الكافرين٤٩٨

 يا ربّ إنّي ناشد محمّدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا٥٢٣

وأنت لو رأيتنا بالخندمه

إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة٥٣٥

 لعمرك إنّي يوم أحمل راية

لتغلب خيل اللّات خيل محمّد٥٣٦

عدمت بنيّتي إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء٥٤٢ و ٥٤٧

هجوت محمّدا برّا حنيفا

رسول الله شيمته الوفاء٥٤٤

أريتك إن طالبتكم فوجدتكم

بحلية أو أدركتكم بالخوانق٥٦٩

اذكر مسيرهم للنّاس إذ جمعوا

ومالك فوقه الرّايات تختفق٥٨٤

أتجعل نهبي ونهب العبيـ

د بين عيينة والأقرع٦٠٢

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنّك المرء نرجوه وندّخر٦٠٦

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

وفي النّاس كلّهم بمثل محمّد٦٠٩


ألا أبلغا عنّي بجيرا رسالة

فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا٦١٥ و ٦١٧ و ٦١٨

من مبلغ كعبا فهل لك في الّتي

تلوم عليها باطلا وهي أحزم٦١٦

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيّم إثرها لم يلف مكبول٦١٨

 نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا

منّا الملوك وفينا تنصب البيع٦٧٦

 إن الذوائب من فهر وإخوتهم

قد بيّنوا ستة للناس تتّبعُ١٧٧



فهرس الأعوام والأيّام

عام الحديبية ٣٦٤

عام خيبر ٤٤١

عام الفتح ٥٤٧، ٥٥١، ٥٥٣، ٥٥٧، ٥٥٨، ٥٦٢.

يوم أحد ١٦٥، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٨١، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٩٠، ١٩١، ١٩٢، ١٩٤، ١٩٦، ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩، ١٩٦، ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩، ٢٠٠، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢٠٦، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١١، ٢١٧، ٢٢٣، ٢٢٨، ٢٣٣، ٢٥١، ٢٥٢، ٢٩٠، ٢٩٦، ٣٢٩، ٣٣٠، ٤٩٩، ٥٧٧.

يوم الأحزاب ٢٩٧، ٢٩٨، ٣٠١، ٣١٩.

يوم بثر معونة ١٩٩، ٢٣٨، ٢٤٠، ٢٥٢، ٢٥٣.

يوم بدر ٩١، ١٧٠، ١٧٤، ١٩٤، ٢٠٥، ٢٠٦، ٢١٦، ٢٣٢، ٢٥٥، ٢٩٦، ٥٨٢.

يوم بعاث ٤٣، ٣١٥.

يوم بني المصطلق ٥٥٣.

يوم الحديبية ٣٦٥، ٣٧٥، ٣٨٥، ٣٨٧، ٣٩١، ٣٩٢، ٥٠٣، ٥٢٧.

يوم الحرّة ٣٣٠.

يوم حنين ٣٩٨، ٥٧٥، ٥٧٩، ٥٨٠، ٥٨٢، ٥٨٥، ٥٨٧، ٥٨٨، ٥٨٩، ٦٠٠، ٦٠٣.

يوم الخندق ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٧، ٢٩٩، ٣٠١، ٣٠٥، ٣١٨، ٣٢١، ٣٢٧.

يوم خيبر ٤٠٩، ٤١٢، ٤١٣، ٤١٥، ٤٢٧، ٤٢٨، ٤٣٥، ٤٤١، ٤٦٣.

يوم الشجرة ٣٧٧، ٣٨٥.

يوم عرفة ٧٠٩.

يوم الفتح ٥٠٣، ٥٤٦، ٥٤٧، ٥٤٨، ٥٤٩، ٥٥١، ٥٥٢، ٥٥٤، ٥٥٥، ٥٥٦، ٥٥٩، ٥٦٣.

يوم قريظة ٣١٢.

يوم مؤتة ١٩٩، ٤٨٣، ٤٨٦، ٤٩٢،

يوم النّحر ٦٦٥، ٧٠٦، ٧٠٨.

يوم اليمامة ١٩٩، ٤٧٧، ٤٩٩.



فهرس المصطلحات والألفاظ اللّغويّة

آ

آدم ٤٥٦.

أ

الأبدال ٩٢.

الأجرل ٣٧٧.

الإحرام ٣٨٧، ٥٤٧، ٧٠٠.

أحلاس ٦٢٨، ٦٢٩.

الإداوة ٤٩٤.

الادمة ٤٩٤.

الأزلام ٥٥٠، ٥٧٦.

استثفار ٧٠٠.

استمسك بغرزه ٣٧٢.

أُسقف ١٣١، ٥٠٧، ٦٩٦.

أشعر ٥٢٠.

أصحاب الشجرة ٣٦٤، ٣٨٨.

الأغلف ٥٠٦.

الأكارين ٥٠٧.

الأكاسرة ٥١١.

أمير المؤمنين ١٨٢.

أقتاب ٦٢٨، ٦٢٩.

أنصاب الحرم ٤٦٢.

أهل الحلقة ١٦١.

أهل الخمس ٤٢٧.

أهل الكتاب ١٦١، ٣٠٧.

الأوباش ٣٦٩، ٥٤٥.

الأوزاع ٥٧١، ٦٢٢.

أوقيّة ٦٢٨.

إيوان ٥٠٩.

ب

البَدَنَة ٤٦٢، ٧٠٦، ٧١٠.

البرد ٤٠٣.

برد حبرة٤٠٣.

البرد القطري ٤١٠.

البرة ٣٩٣.

بض الماء ٦٣٦.

البطريق ١٣٠، ١٣٢، ٥٠٦، ٥١٢

بيضة المغفر ١٩٠، ٤١١، ٥٧٤.

البيعة ٣٨٣، ٣٨٤، ٣٨٥، ٤٠٠، ٥٥٢.

بيعة الرضوان ٣٦٤، ٣٦٥، ٣٧٥، ٣٨٣، ٣٨٤، ٣٨٨، ٣٩٧، ٣٩٨.

ت

التَبَرّض ٣٦٧.


التحليق ٣٩٢، ٣٩٨.

الترس ٤١١.

التروية ٧٠٣.

التشعير٣٧٠.

التقصير ٣٩٢، ٣٩٨.

التقليد ٣٧٠.

التلبية ٣٧٠، ٧٠١.

تنبال ٢٢٦.

التّور ٣٧٨.

التوراة ٢٤٤، ٣١٢.

تيمّم ٥١٧.

ث

الثمال ٦٩٥.

ثمد٣٦٧.

ج

الجاهلية ١٨٤، ٢٦٥، ٢٩٣، ٣٦٩، ٣٧٤

جبا الركيّة ٣٧٥.

الجبّان ٢٢١.

الجراب ٥١٨.

الجرد الأبابيل ٢٢٥.

الجفار ١٩١.

الجفاف ٣٨٧.

جفن السيف ٥٧٤.

جمرة العقبة ٧٠٦، ٧٠٨.

ح

حابس الفيل ٣٦٧.

الحُجّاب ٥٥٥.

الحجفة ٣٨٦، ٣٥٩.

حزن ضرس ٥٧٣.

الحطة ٣٧٧.

الحطمة ٤٨٤.

الحقو ٥٢٠، ٦٢١.

حلّة فقاحية ٣١٧.

الحمر الإنسية ٤٠٥.

حمر النّعم ٤٠٧.

الحمش ٥٣٩.

حمي الوطيس ٤٨٦.

حواري ١٧٣، ٣٠٠.

الحيس ٤٢٣.

خ

الخبط ٥١٧، ٥١٩.

الختان ٥٠٦.

الخرص ٦٣٧.

خضراء قريش ٥٤٥.

الخطام ٤٠٦.

خلأت الناقة ٣٦٧.

الخمل ٤١.

د

الدبّابة ٥٩٢، ٥٩٤.

الدبيلة ٦٤٨.

الدرقة ٣٨٦، ٤١٦، ٤٨٩، ٤٩٠.

الدّرة ٤٩٢.

الدسكرة ٥٠٧، ٥١٠.

الدغفقة٣٧٩.

الدّنّ ٥٤٩.

الدّوْك ٤٠٧.

الديباج ٤٨١.

الدّية ٣٧٦، ٤٠٢، ٤٥٦.

ذ

ذات الرقاع ٤٥٧.


ر

راهب ٤٢، ٤٣.

الرّبا ٧٠٤.

الرباط ٤٥٠.

ربضة العَنْز ٣٧٨.

الرجز ٤٠٩، ٤٦٠.

الرجل الأتي ٢٠٤.

الرستاق ٥٤٨.

الرضم ٤١٠.

الركوسي ٦٨٨.

الرمْل ٤٦٢، ٤٦٣، ٧٠٢.

س

السادن ٥٥٤، ٥٦٣.

السّاقة ٤٨٦.

سدانة البيت ٥٥٧.

السريّة ٣٩٩، ٤١٨، ٤٣٣، ٤٥٧، ٤٧٦، ٥١٩، ٥٢٠، ٥٦٧، ٦٢٣، ٦٢٤، ٧١٤.

السعي ٤٦٠.

السّنّة ٦٩٢، ٦٩٣.

سني يوسف ٤٠١، ٤٠٢.

سهل دهس ٥٧٣.

سواري المسجد ٦٥٢.

السية ١٩٣، ٥٤٥.

ش

الشارف العجفاء ٤٥٣.

شاة مصْليّة ٤٣٦، ٤٣٧.

الشجار ٥٧٢.

الشقيقة ٤١٠.

الشّنّة ٣٦٠، ٤٢٩، ٤٨٤، ٦٣٦.

الشوْط ٤٦٢.

ص

الصّفاق ٦٨٣.

الصّرف ٦٠٣.

صفيحة يمانية ٤٨٦.

صُلح الحدَيبية ٣٩٧.

الصليب الأعظم ٥٠٦.

ض

الضّح ٦٣٣.

ضرِب اللّحم ٤٥٥.

الضغت ٣٨٦.

ط

الطنفسة ١٧٢.

الطواف ٤٦٠

ظ

الظرب ٥١٨.

الظعينة ٥٢٥، ٦٨٨، ٧٠٥.

ظمْء حمار ٢٠٤.

ع

العاتق ٤٠٠.

العبرانية ٥٠٧.

العُدّة ٥٧٢.

العُزّى ١٧٤.

العقاص ٥٢٦.

العلْج ٤٩٠.

عمامة خرقانية ٥٤٨.

العُمْرة ٣٦٦، ٣٦٨، ٣٨٧، ٣٩٣، ٤٦٣، ٤٦٧، ٦١١، ٦١٢، ٧٠١، ٧٠٢، ٧١٠، ٧١١.

عُمْرة الجُعْرانة ٤٦٣.


عُمرة القضيّة ٤٥٩، ٤٦١، ٤٦٢، ٤٧٤،

العّنّق ٦٧١.

العواتق ٦٧١.

العواتك ٥٨٠.

العوذ المطافيل ٣٦٧، ٣٦٨.

عيْبة نُصْح ٢٢٥.

غ

غَبَش الصبح ٥٧٤.

الغلول ٦٠٨

الغِيَر ٦٩٤.

الغيل ٦٩٤.

ف

الفِدَر ٥١٩.

فرعون ٤٧١.

فَرْي الأديم ٥٤٣.

الفسطاط ٤١٨، ٥٢٩.

الفَيْء ٦٠٧، ٦٠٨، ٦١٢.

الفّيضة ٧٠٥.

ق

قائد النقباء ٤٣٧.

قبطيّة ٣٤٢.

قدح رَحْراح ٣٨٠.

القُرْبُوس ٣٠١.

القرطاس ٥٨٩.

القشْع ٤٤٦.

القَصْواء ٧٠١.

قيصر ٢٥٨، ٢٨٩، ٣٥٤، ٣٦٩، ٥٠١، ٥٠٢، ٥٠٥، ٦٤٩، ٦٨٧.

القيْل ٦٩٠، ٥١١.

الكُبّة ٦٠٨.

الكتم ٧٠٧.

الكتيبة ٥٧٤.

الكراع ١٥٤، ٤٨١.

الكرزين ٤٧١.

كسرى ٢٨٩، ٣٦٩، ٥٠١، ٥٠٨، ٥٠٩، ٥١٠، ٥١١، ٦٨٧.

الكنيسة ٢٤٤، ٥٠٨، ٦٩٦.

كيْل السّنْدَرَةَ٤٠٩.

ل

الّلأمة ١٦٠، ١٧٠، ٣٠٨، ٣٠٩.

اللات ٣٦٩.

اللواء ٤٥٢، ٤٨٥، ٤٩٢.

م

المجانيق ٥٩٢، ٥٩٤.

المِجَنّ ١٩٠، ٤٥٩، ٦١٢.

المجنّبة ٥٤٥.

المحامل ٥٩٣.

المحْجن ٥٥٢.

المِحَسة ٣٨٦.

مخرش ٣٦٢.

المِخْضب ٣٨٠.

المُدّ ٣٣١.

المدِدِيّ ٤٨٩، ٤٩٠.

المدر ٣٣١.

المدراس ٦٩٦.

مرجّل ٢٩٦.

المِرْط ١٧٠، ١٩٧، ٢٩٥، ٢٩٦.


 

مرط ليّ مرجْل ٥٤٨.

المساحي ٤٠٦.

مسعر حرب ٣٧٣.

مَسْك ٤٢٤، ٥١١.

المعتمر ٤٦١، ٥٩١.

معْزال ٢٢٦.

معقّد البحرين ٥٦٥، ٦١٢.

مغفر ١٧٨، ١٨٣، ١٩١، ١٩٣، ٣٠١، ٣٢١، ٣٦٩، ٤١١، ٥٤٧، ٥٧٤.

المقوقس ٤٤٥، ٥١١، ٥١٢.

المكاتل ٤٠٦.

الملّح ٦٠٦.

مناف (صنم) ٢١٥.

المنبر ٤٨٥، ٥٠٨.

المنخر ٥٢٢.

مورس ٢٢٨.

موسم بدر ١٨٨، ٢٥٠، ٢٥١.

ميلغة الكلب ٥٦٨.

ن

الناموس الأكبر ٤٧١.

النجاشي ١٢٩، ١٣٠، ١٣١، ١٣٣، ١٣٤، ١٣٥، ٣٦٩، ٤٣١، ٤٣٢، ٤٧٠، ٤٧١، ٤٧٤، ٥٠١.

نحص الجبل ٢٢٠

التّزْر ٣٩٥.

النِطع ٣٧٨.

النفل ٤٩١.

نقيب ٢١٤.

النمارق ١٧٢.

نَمِرة ١٨٧، ٢٠٩، ٢١٧.

النوافل ٤٨٠.

ه

هبل ١٧٤.

الهدنة ٥٢٢.

الهدْي ٣٦٤، ٣٦٦، ٣٧٥، ٣٩٢، ٣٩٣، ٣٩٧، ٤٦١، ٤٦٢، ٤٧١، ٦٩٢، ٧٠٢، ٧٠٣.

الهنيات ٤٠٤.

و

الوَبَر ٦٧٩.

الوتر ٥٦٩.

الودك ٤٢٠.

الوَسَق ٤٢٧، ٦٢٨.

الشائق ٥١٩

وشي اليمن ٢٩٦.

الوضوء ٣٧٩، ٣٨٠، ٤٠٤، ٥١٧.

الوطْب ٤٥٤.

الوقب ٥١١٩.

الوهط ٤٧٠.

ي

اليعمُلات ٤٩٧.



فهرس الأمم والقبائل والطّوائف

آ

آل جفنة ٤٢.

آل حاتم ٦٢٤.

آل غلب بن فِهْر ١٠٤، ٥٣٣.

أ

الأحباش ١٣٢، ١٣٤، ١٣٥، ١٦٨، ١٦٩، ٢٨٧.

الأزد ٦٨٩.

أسلم ٣٦٤، ٣٧٧، ٤٠١، ٤١٩، ٤٤٨، ٥٢٩، ٥٣٢، ٥٤١.

أشجع ٢٨٣، ٢٨٥، ٤٥١، ٤٥٦.

أصحاب الرجع ٢٣٠، ٢٣٢، ٢٤٥، ٢٨٨، ٣٣٣.

الأعراب ٢٦٦، ٢٥٤.

أمية الصغرى ٣٨٧.

أنباط الشام ٦٥٦.

الأنصار ٢٨، ٣٠، ٣٢، ٣٥، ٣٧، ٤٠، ٤١، ٥١، ٥٧، ٥٨، ٥٩، ٦٩، ٨٠، ١٠٧

١١٢، ١١٣، ١١٤، ١٥٠، ١٥٣، ١٧٤، ١٧٥، ١٧٦، ١٨٢، ١٨٦، ١٨٨، ١٩٧، ١٩٩، ٢٠٠، ٢٠١، ٢١٠، ٢١١، ٢١٧، ٢١٨، ٢١٩، ٢٢٧، ٢٣٧، ٢٣٨، ٢٤٠، ٢٥٢، ٢٥٣، ٢٦٤، ٢٦٥، ٢٧١، ٢٧٦، ٢٨٨، ٢٩٧، ٣١٠، ٣١١، ٣٢٧، ٣٣٩، ٣٤١، ٣٤٣، ٣٥٧، ٣٥٩، ٤٢٩، ٤٤٤، ٤٤٩، ٤٥٧، ٤٨٥، ٤٨٦، ٥٢٩، ٥٣٢، ٥٣٥، ٥٤١، ٥٤٤، ٥٤٥، ٥٥٤، ٥٧٧، ٥٨٢، ٥٩٩، ٦٠٠، ٦٠١، ٦٠٣، ٦٢٤، ٦٧٦، ٧١٤.

أنمار ٢٤٧.

أهل أُحدْ ٢٢٠.

أهل بدر ١٢٣، ٥٢٦، ٥٢٧، .

أهل تهامة ١٦٨، ١٦٩، ٢٨٧، ٣٦٧.


 

أهل تيماء ٤٤٢.

أهل جدّة ٦٢٤.

أهل خيبر ٤١٨، ٤٢١، ٤٢٣، ٤٤٤.

أهل الرّدّة ١٠٠.

أهل الشام ٦٤٠.

أهل الطائف ٥٨٢، ٥٩٨، ٦٧٢.

أهل عطاظ ٣٦٨.

أهل فارس ٥٠٩.

أهل فدك ٤٢٢.

أهل الكتاب ٢٨٤، ٣٩٧، ٣٩٨، ٥٠٤.

أهل الكوفة ٦٣٣.

أهل المجاز ١٧٩.

أهل الكوفة ٦٣٣.

أهل مكة ٣٨٦، ٣٨٧، ٥٤٢، ٥٧٦، ٥٧٧.

أهل اليمامة ٣٥٠، ٦٨٣.

أهل اليمن ٤٨٨.

الأوس ٣٨، ٤٠، ٤٣، ٩١، ١٢٤، ١٦١، ٢٠٢، ٢٧٠، ٢٧٥، ٢٧٦، ٣٢٩، ٣٤١، ٥٦٣.

ب

البكاؤن ٦٢٩.

بلقين ٥١٦.

بليّ ٥١٣، ٥١٤، ٥١٦.

بنو أبي البراء ٤١.

بنو أسد ٢٠٦، ٢٢٩، ٢٨٣، ٤٢٩.

بنو إسرائيل ٣٥، ٥٢، ٣١٧، ٣٧٤، ٣٧٧، ٤٨٢، ٥٠٨.

بنو أصفره ٥٠، ٦٢٧.

بنو أمية ١٢١، ٢٢٩، ٤٢٩.

بنو بكر بن وائل ٥٤، ٥٢١، ٥٢٢، ٥٣٢.

بنو تميم ٣٨٧، ٦٧٥.

بنو تيم ٥٥٣.

بنو ثعلبة بن الفطيون ١٤٣، ٢٠٥، ٢٤٦.

بنو ثعلبة بن الفطيون ١٤٣، ٢٠٥، ٢٤٦، ٢٤٧، .

بنو جشم بن الخزرج ٣٠٥، ٤٥٢، ٥٧١.

بنو جُمح ٢٠٦.

بنو جهينة ٤١، ٤٠١.

بنو الحارث بن الزرج ٣٢، ٢٠٢، ٥٨٠.

بنو الحارث بن كعب ٦٩٨.

بنو حارثة ١٦٧، ٢٨٠، ٢٩١.

بنو الحبلي ٢٠٣.

بنو حميس ٤٤٩.

بنو حنيفة ٣٥٠، ٣٩٩، ٦٨٢، ٦٨٣، ٦٨٥.

بنو خُدّرة ٢٠٢.

بنو الديل ٥٢٢، ٥٢٨.

بنو دينار ٢١٧.

بنو زريق ٢٠٣.

بنو زهْرة ٥٣، ٢٠٦، ٤٣٠.

بنو ساعدة ٣٢، ١٧١، ٢٨٠.

بنو سالم بن عوف ٣٠، ٣٢، ٢٠٢، ٦٣١.

بنو سعد ٥٧١، ٦٨٠.

بنو سلمة ١٦٧، ٢٠٣، ٢١٥، ٢١٦، ٦٣١، ٤٥٤.

بنو سليم ١٣٧، ١٤٥، ٢٣٦، ٢٣٧،

 

 


 

٢٤٠، ٢٨٣، ٣٥٣، ٤٣٨، ٤٦٧، ٤٦٩، ٥٢٩، ٥٣٥، ٥٤١، ٦٠٧.

بنو سهم ٤١٩.

بنو سواد بن غنم ٢٠٣.

بنو سواد بن مالك ٢٠٣.

بنو ضمرة ٤٥، ١١٤، ٢٥٠.

بنو ظفر ١٢٤، ١٩٨، ٢٠٤، ٢٣٢.

بنو عامر بن لؤيّ ٢٠٧، ٢٣٧.

بنو عبد الاشهل ٣٢، ١٢٤، ٢٢٤، ٣٢٩، ٣٣٠.

بنو عبد الدار ١٩٨، ٢٠٦، ٢٣٤.

بنو عبد القيس ٦٨٢.

بنو عبد المطلب ٧٦.

بنو عبد مناف ٥٤٠.

بنو عدّي بن كعب ٥٤٠.

بنو عديّ بن النجّار ٣١.

بنو عمرو بن عوف ٢٨، ٣٠، ٣٢، ١٢٤، ١٣٨، ٢٨٩، ٤٣٠.

بنو عوف ٣٢، ١٤٧، ٢٠٢.

بنو غفار ١٠٤، ١٥٩، ١٥٣، ٢٤٤، ٢٤٥، ٢٨٧، ٢٩٢، ٢٩٤، ٢٩٦، ٣٠٧، ٣٠٨، ٣٠٩، ٣١١، ٣١٤، ٣١٥، ٣١٦، ٣١٨، ٣١٩، ٣٢٢، ٣٢٣، ٣٣٣١، ٣٣٢، ٣٤١، ٣٤٤، ٦٥١.

بنو قينقاع ١٤٦، ١٤٧، ٢٤٤، ٢٦٨.

بنو كعب ٥٢٨، ٥٣٠.

بن وكنانة ٤١، ١٠٩، ١٥٨، ١٦٨، ١٦٩، ٢٨٧، ٢٩٠، ٣٧٠، ٥٢٢، ٥٢٨، ٥٩٦، ٧١٠.

بنو لحيان ٢٣٠، ٢٣٩، ٢٤٥، ٢٤٦، ٣٣٣.

بنو ليث ٤٥٥.

بنو مازن بن النّجّار ٣٢.

بنو مالك بن النّجار ٣٢.

بنو مالك بن النّجّار ٣١، ٣٢، ٥٧١.

بنو محارب ٥٢٠.

بنو مخزوم ٢٠٦، ٤٢٧، ٥٥٥.

بنو مدْلج ٤٧، ٤٨، ٢٥٩، ٥٢٨.

بنو مُرّة ٢٨٤، ٤٤٧، ٤٤٨.

بنو المصْطلق ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦١، ٢٦٣، ٢٦٤، ٢٦٧، ٢٦٨، ٢٧٨، ٣٤٩، ٥٥٣.

بنو المطّلب ٤٢٨، ٧١٠.

بنو المّطلِب ٤٢٨، ٧١٠.

بنو النبيت ٢٥٤.

بنو النجار ٣١، ٣٢، ٣٥، ١٢٥، ٢٠٢، ظطط، ٢٣٧، ٢٥٣.

بنو نصر ٥٧١.

بنو النضير ١٤٠، ١٤٨، ١٤٩، ١٥٠، ١٥١، ١٥٣، ٢٤٣، ٢٤٥، ٢٨٣، ٢٨٤، ٤٢٤، ٤٤٤.

بنو هاشم ٥٨، ٩٠، ١٢٠، ١٢٠، ١٢١، ٤٢٨، ٥٨٩، ٧١٠.

بنو هدل ٣١٣، ٣٣١.

بنو هلال ٥٧١.

بنو واقف ٦٣١.

ت

التابعون ٤٩٦.

 


 

ث

ثقيف ٩٢، ٣٧٦، ٤٠٠، ٥٧١، ٥٧٢، ٥٩١، ٥٩٣، ٦١٠، ٦٦١، ٦٦٩، ٦٧٠، ٦٧١، ٤٧٣، ٦٧٥.

ج

جبار ٤٥١، ٤٥٢.

جذام ٣٥٤، ٥١٤.

جهينة ١٠٤، ٢٠٢، ٤٠٠، ٤٤٩، ٥٢٩، ٥٤١.

ح

الحُرقَة ٤٤٩.

حِمْير ٤٩٠.

الحنيفية ٤٢، ٤٣.

خ

خثعم ٤٤٧.

خزاعة ٢٢٥، ٢٥٩، ٣٤٩، ٣٦٦، ٣٦٧، ٥٢١، ٥٢٢، ٥٢٣، ٥٢٧، ٥٢٨، ٥٣٩.

الخزرج ٣٨، ٤٣، ٩١، ١٦١، ٢٠٢، ٢٧٠، ٢٧٥، ٢٧٦، ٣٢٩، ٣٤١، ٣٧٤، ٥٦٣.

خندف ٤٥٤.

خيبر ٤٠٨، ٤١٦، ٤٢٢، ٤٣٩.

ذ

ذكوان ٢٣٩.

ر

رعل ٢٣٩.

الروم ٣٩٧، ٣٩٨، ٤٨١، ٤٨٣، ٤٨٩، ٥٠٢، ٥٠٤، ٥٠٥، ٥٠٧، ٥١١، ٦٢٧، ٦٤٩، ٦٨٨، ٦٩٦، ٧٠٠، ٧١٣.

ط

طابخة ٣٥٦.

طيء ٦٦٤، ٦٨٦.

ع

عبد القيس ٢٢٦.

العبلات ٣٨٧.

العجم ٤٧١، ٤٧٤، ٤٧٥، ٥٠٨.

عُذْرة ٥١٤، ٥١٦.

عرزم ٣٦١.

العُرَنيّون ٣٥٦.

عرينة ٣٥٦، ٣٥٧.

عكّ ٥٣٤.

عكل ٣٥٦، ٣٥٧.

غ

غسّان ٥٦٣.

غطفان ١٤٣، ١٥٤، ٢٣٩، ٢٤٦، ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٨٧، ٢٨٨، ٢٩٣، ٢٩٤، ٢٩٦، ٣١١، ٣٣٣، ٣٣٦، ٣٣٩، ٣٤٠، ٣٤٥، ٣٦٢، ٤٥٢، ٤٥٦، ٥١٩.

غفار ٥٢٩، ٥٣٢.

ف

فارس ٣٩٧، ٣٩٨، ٣٩٩، ٥١٠، ٧٠٠.


 

فزارة ٢٨٣، ٣٤٠، ٣٦١، ٤٣٣، ٤٤٦.

ق

القارة ٢٣٢، ٢٨٨.

القرطاء ٦٢٣.

قريش ٤١، ٤٢، ٤٥، ٤٩، ٥٠، ٥١، ٥٢، ٥٣، ٥٤، ٥٥، ٥٦، ٦٥، ٦٦، ٦٧، ٦٨، ٦٩، ٧٠، ٧٢، ٧٣، ٧٥، ٧٦، ٧٧، ٨٠، ٨١، ٨٢، ٨٨، ٩٢، ٩٧، ٩٨، ١٠٤، ١٠٦، ١٠٧، ١٠٨، ١٠٩، ١١٠، ١١٢، ١١٣، ١١٨، ١٢٣، ١٢٩، ١٣٠، ١٣٣، ١٤٠، ١٤٥، ١٤٩، ١٥١، ١٥٢، ١٥٤، ١٥٧، ١٥٨، ١٥٩، ١٦١، ١٦٦، ١٦٨، ١٧٠، ١٧٥، ١٧٧، ١٨٠، ١٩٨، ٢٠٠، ٢١٠، ٢٣٢، ٢٤٥، ٢٥٠، ٢٥٢، ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٨٧، ٢٨٨، ٢٩٠، ٢٩١، ٢٩٣، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠١، ٣٠٧، ٣١١، ٣١٨، ٣٢٢، ٣٥١، ٣٥٨، ٣٦٠، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٦٨، ٣٧٣، ٣٧٤، ٣٧٦، ٣٧٧، ٣٧٩، ٣٨٢، ٣٨٣، ٣٨٧، ٣٨٩، ٣٩٣، ٤٠٠، ٤٠١، ٤١٠، ٤٣٨، ٤٣٩، ٤٦١، ٤٦٢، ٤٦٥، ٤٧٠، ٤٧١، ٥١٠، ٥١٧، ٥١٨، ٥٢٢.

، ٥٢٦، ٥٢٨، ٥٢٩، ٥٣٩، ٥٤١، ٥٤٣، ٥٤٥، ٥٤٦، ٥٧٨، ٦٠١، ٦١٥، ٦٥٣، ٦٧٩، ٦٨٦، ٧١٠.

قضاعة ٣٥٦، ٤٩٠، ٥١٣، ٥٣٢.

قيس ٤٥٣، ٥٧٢.

ك

كلابيّون ١٥١، ٢٤٣.

كِنْدة ٦٤٥، ٦٨٩.

م

المجوس ٣٩٧، ٣٩٨.

مزينة ٣٥٣، ٥٢٩، ٥٣٥، ٦٦١.

مضر ٤٠١.

المهاجرون ٢٨، ٣٠، ٣٢، ٣٥، ٤٠، ٤١، ٤٨، ٧٨، ٩١، ٩٢، ١٤٢، ١٥٢، ١٧٧، ١٩١، ٢٠٠، ٢٥٢، ٢٥٦، ٢٦٥، ٢٩٧، ٣٦٤، ٣٨٦، ٤٤٤، ٥٠٨، ٥١٣، ٥١٤، ٥٢٦، ٥٢٩، ٥٣٢، ٥٣٥، ٥٤١، ٥٨٢، ٥٩٩، ٦٠٠، ٦٧٦، ٧١٤.

ن

النبط ٢٤٧.

نفاثة ٥٢٨.

النّصارى ١٤٧، ٥٠٧، ٤٨٧، ٦٩٤٦٩٥، ٦٩٧.

نصارى العرب ٤٩٠.

عمرة القضاء ٤٨٠.

 

٥٢٥


ه

هذَيْل٢٣٠، ٢٣٣، ٢٤٥، ٥٣٣، ٥٣٥.

همدان ٦٩٠، ٦٩١.

هوازن ٣٩٨، ٣٩٩، ٤٤٧، ٤٧٦، ٥٧٣، ٥٧٤، ٥٧٩، ٥٨٢، ٦٠٩، ٦١٠.

و

يمن ٤٥١، ٤٥٢.

اليهود ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٩، ١١١

١٤٦، ١٤٧، ١٤٨، ١٤٩، ١٥٠، ١٥٢، ١٦١، ١٦٢، ١٦٤، ١٧٠، ٢٠٥، ٢٤٤، ٢٨٤، ٢٩٢، ٢٩٣، ٣١٠، ٣١٢، ٣٣١، ٣٥٥، ٣٦١، ٣٦٢، ٤٠٦، ٤١١، ٤١٥، ٤٢٧، ٤٣٥، ٤٣٦، ٤٤٢، ٥٠٦، ٦٥٩، ٦٨٧، ٦٩٤٦٩٦، ٧٠٨.

يهود تيماء ٤١٧.

يهود خيبر ٤٢٥، ٤٣٨، ٤٤٢.


فهرس الأماكن والبلدان

أ

أبرق العزّاف ٦١٧.

الأبطح ٧٥، ٧٧، ٥٣٣، ٥٥٨، ٦٩٢.

الأبواء ٤٥.

أبو قبيس ٧٥.

أحد ١٥١، ١٦٦، ١٦٧، ١٦٩، ١٧٠، ١٨٢، ٢٠٤، ٢٢٩، ٢٨٧، ٤٢٣، ٤٧٠، ٤٩٩، ٥٧٧، ٦٦٤.

ألاحساء ٤٨١.

أذرح ٦٤٣.

أذرعات ١٤٨.

الأراك ٥٢٩، ٥٣٢، ٥٣٩.

أرض بني عامر ٢٣٦.

أرض بن عذْرة ٣٥٤، ٦٢٤.

أرض بني مدلج ٤٧.

ارض جذام ٥١٤.

أرمينية ٢٨١.

الإسكندرية ٣٤٠، ٥١١، ٥١٢.

إضم ٢٨٧، ٤٥٤، ٥٢٠.

أمج ٤٥٠، ٥٢٧.

أوطاس٥٨٨، ٥٨٩، ٥٩١.

أبلة ٣٥٤، ٦٤٣، ٦٤٧.

إيلياء ٥٠٢، ٥٠٦، ٥٠٨، ٦٢٢.

ب

بئر أبي عنبة ٤٧٢.

بئر رومة ٢٨٧.

بئر زمزم ٧٠٥.

بئر صرار ٢٤٧.

بئر معونة ٥٠، ١٩٩، ٢٣٥، ٢٣٦، ٢٤٠، ٢٤٣، ٢٥٢، ٢٥٣.

بحران ٤٩، ١٤٤، ١٤٥.

بحر الهند ٢٧٣.

البحرين ٥٠٨، ٥٦٥.

بدر ٤٨، ٥١، ٥٢، ٥٣، ٧٤، ٨١، ١٠٧، ١١٢، ١١٤، ١٢٤، ١٨٨، ٤٣٧، ٤٧٥، ٤٨٢، ٤٩٦، ٥٨٢، ٦٦٢.


 

برْك الغماد ٥٢، ٨٢، ١٠٧.

البصرة ٣٩٦.

بصرى ٤٧٩، ٥٠٦.

بطحان ٣٠١.

بعاث ٢٢٨.

بعلبك ٢٦٩.

بغداد ٢٥٣، ٥٩٥.

بقعاء ٢٦٧.

البقيع ٢٥٥، ٢٦٨، ٣٢٧.

بقيع الغرقد ١٦٣.

بلاد بلّي ٥١٦.

بلاد الروم ٥١١.

بلدح ٣٧٦، ٣٨٢.

البلقاء ٤٨١.

بواط ٤٧.

البويرة ١٥٣.

بيت المقدس ٢٤٤، ٥٠٦.

ت

تبوك ٣١٢، ٣٥٤، ٤٤٣، ٦٢٤، ٦٢٧، ٦٢٨، ٦٢٩، ٦٣٢، ٦٣٤، ، ٦٣٦، ٦٣٧، ٦٣٨، ٦٣٩، ٦٤٢، ٦٤٣، ٦٤٧، ٦٤٩، ٦٥١، ٦٥٢، ٦٥٣، ٦٥٤، ٦٦١، ٦٦٢، ٦٦٣، ٦٧٥، ٦٩٠.

تربة عجز هوازن ٤٤٧.

تهامة ١٠٦، ١٦٨، ٢٨٧، ٣٦٧، ٤٩٤، ٥٢٠، ٥٦٧، ٦٠٨.

تيماء ٤١٧، ٤٤٢، ٦٤٧.

تيه بني إسرائيل ٣٥٤.

ث

ثنية ذو دبر ٣٣٨.

ثنيّة المرار ٣٦٦، ٣٧٤، ٣٧٧.

ثنيّة المِرّة ٤٦، ٩٢.

ثنيّة الوداع ١١١، ٣٣٤، ٦٣١.

ج

جبال جهينة ٤٧.

جبل آرة ٢٤٨.

جبل أبي قبيس ٥٤٥.

جبل التنعيم ٣٨٧.

جبل ثافل ٥٢٩.

جبل ثيب ١٣٩، ١٤٠.

جبل ذات الرقاع ٢٤٧.

جبل شمر ٢٦٧.

جبل طيء ٢٦٧.

جبل الناعم ٣٨٧.

الجحفة ٤٥، ٤٦، ٤٨، ١٠٥، ١٠٧، ٥٣٣، ٥٣٦.

الجدر ٤٤٧.

جدّة ٦٢٤.

جرباء ٦٤٣.

جرش ٥٩٢.

الجرف ٢٨٧، ٦٣١.

جسر أي عبيد ١٠١، ١٩٩.

الجعرانة ٣٦٣، ٤٦٣، ٥٩١، ٥٩٢، ٥٩٩، ٦٠٦، ٦٠٨، ٦٠٩، ٦١٠، ٦١٢.

جمال حمر ٢٤٧.

الجموم ٣٥٣.

 


 

ح

حائل ٢٦٧.

الحبشة ٤١، ٥٩، ١٢٧، ١٢٩، ١٣٠، ١٣٣، ١٣٤، ١٨٦، ٢٠١، ٢٥٥، ٤٣١، ٤٣٢، ٤٤٤، ٤٩٢، ٥٠١، ٦٢٣، ٦٢٤.

الحجاز ٤١، ٤٦، ٤٨، ٤٩، ٩٢، ١٣٩، ١٤٤، ١٤٥، ٢٣٣، ٢٦٨، ٣٤٣، ٣٥٥، ٣٥٥، ٤٤٢.

حدرة زمزم ٦٦.

الحجون ٥٣٢.

الحديبية ٧١، ٣٦٣، ٣٦٧، ٣٧٤، ٣٧٥، ٣٧٦، ٣٧٩، ٣٨٢، ٣٨٣، ٣٩٣، ٣٩٦، ٣٩٧، ٣٩٨، ٣٩٩، ٤٢٥، ٤٤٣، ٤٦١، ٤٧٠، ٤٧٤، ٥٠٣، ٥٠٥، ٥٧٨، ٦١١.

الحرمان الشريفان ٢٥٩، ٥٢٥.

الحرّة ٢٧، ٧٩، ٢٤٦، ٢٥٦، ٣٥٨، ٦٨٧.

حرّة بني سليم ٢٣٦، ٢٣٧.

الحزورة ٥٣٣.

حسمى ٣٥٤.

حصن بني حارثة ٢٩١.

حن بني قريظة ٣٣٠.

حصن حسّان بن ثابت ٢٩٢.

حصن الشق ٤٢١.

حصن القموص ٤١٧، ٤٣١.

حصن الكتيبة ٤٢١، ٤٢٧.

حصن ناعم ٤٢١.

حصن النطاة ٤٢١.

حلب ٣٤٠.

حمراء الأسد ٢٢٣، ٢٢٤، ٢٢٥، ٢٢٧، ٢٢٨، ٣٠٩، ٥٢٥.

حمص ١٨١، ٥٠٢، ٥٠٦، ٦٢٢.

حُسنُين ٨٧، ٣٦٣، ٣٩٨، ٤٥٤، ٥٥٩، ٥٧١، ٥٧٢، ٥٨٣، ٥٨٤، ٥٨٥، ٥٨٧، ٥٨٨، ٥٨٩، ٥٩١، ٥٩٩، ٦٠٦، ٦١١.

الحيرة ٦٨٨.

خ

الخرّار ٤٨.

خضرة ٥١٩، ٥٢٠.

خليص ٢٥٩، ٤٥٠.

الخندمة ٤٦٠، ٥٣٣، ٥٣٥.

خيبر ٢٨٣، ٣٣٥، ٣٤١، ٣٤٢، ٣٤٥، ٣٥٥، ٣٦٢، ٣٩٨، ٤٠٣، ٤٠٤، ٤٠٥، ٤٠٦، ٤٠٨، ٤٠٩، ٤١١، ٤١٢، ٤١٥، ٤١٨، ٤١٩، ٤٢٠، ٤٢٢، ٤٢٣، ٤٢٤، ٤٢٥، ٤٢٦، ٤٢٧، ٤٢٩، ٤٣١، ٤٣٢، ٤٣٣، ٤٣٤، ٤٣٥، ٤٣٧، ٤٣٨، ٤٣٩، ٤٤١، ٤٤٢، ٤٤٥، ٤٤٦، ٤٥١، ٤٥٢، ٤٥٩، ٤٩٢، ٤٩٣.

خيف بني كنانة ٧١٠.


د

دار أبي أيوب ٣١.

دار أبي سفيان ٥٣١، ٥٣٨، ٥٤٠، ٥٤٥.

دار بديل بن ورقاء ٥٢٢.

دار رافع مولى خزاعة ٥٢٢.

دمشق ٢٥٨، ٦١٠

دومة ٢٥٧.

دومة الجندل ٢٥٧، ٢٥٨، ٣٢٨، ٣٥٥، ٦٤٥، ٦٤٦.

ديار غطفان ١٤٣.

ذ

ذات اطلاح ٥٧٧.

ذات السلاسل ٥١٣، ٥١٤، ٥١٥، ٥١٦.

ذنب نقمي ٢٨٧.

ذو أمر ١٤٣، ١٤٤.

ذو أوان ٦٤٧.

ذو الحليفة ٣٦٤، ٣٦٦، ٣٧٣، ٧٠٦.

ذو الرقيبة ٤٣٣.

ذو طوى ٦٩، ٧٥، ٥٣٣، ٥٤٨.

ذو العشيرة ٤٧.

ذو قرد ٣٣٥، ٣٣٦، ٣٣٨.

ذو القصّة ١٤٤، ٢٦٧، ٣٥٢.

ذو المروة ٤٦، ٣٥٤، ٤٠٠.

ر

رابغ ٤٦، ١٩٥.

الرجيع ٤٦، ١٩٥.

الرجيع ٢٣٢، ٢٣٣.

رضوى ٤٧.

الروحاء ٥١، ٦٤، ١٠٦، ٢٢٥، ٢٥٣.

روضة خاخ ١٢٣، ٥٢٥، ٥٢٦.

رومة ٢٨٧.

رومية ٥٠٧.

ز

زج لاوة ٦٢٣.

زغالبة ٢٨٧.

زمزم ٥٤٧.

الزّوراء ٣٨١.

س

سرف ٣٨٧، ٤٦١، ٤٦٥، ٤٦٦.

السعد ٢٤٧.

السلالم ٤٢٠، ٤٢١، ٤٢٧.

سلع ٢٨٧، ٢٩٠، ٣٣٤.

السميتة ٥٢٠.

سوق بني قينقاع ١٤٦.

سوق المدينة ٣٨١.

سوق مكة ٥٣٣.

سوق النبط ٢٤٧.

ش

الشام ٢٧، ٤٢، ٤٦، ٥٠، ٧٠، ٧٣، ٧٤، ٩٣، ١٢٤، ١٤٩، ١٥٤، ١٨١، ٢٤٥، ٢٤٧، ٢٥٨، ٢٨٦، ٢٨٧، ٢٩٩، ٣٣١، ٣٣٣، ٣٣٤، ٣٤٧، ٣٥٤، ٣٥٩، ٣٦٠


 

٤٠١، ٤٢٥، ٤٤٢، ٤٦١، ٤٧٧، ٤٧٩، ٥٠٢، ٥٠٥، ٥١١، ٥١٣، ٥١٥، ٦٢١، ٦٢٤، ٦٤٠، ٦٥٦.

الشظاة ٥٢٠.

الشعيبة ٤٧٢.

الشقرة ٢٤٧.

الشوط ١٦٦.

ص

صرار ٢٤٧.

الصفا ٥٤٥، ٥٥٣، ٧٠٢.

الصفراء ٥١.

الصُلْصُل ٥٣٨.

صنعاء ٢٧٣، ٣٠٠، ٤٤٧.

الصهباء ٤٠٤.

ط

الطائف ٤٠، ٤٩، ١٨٢، ٤٧٠، ٥٥٩، ٥٧٩، ٥٨٢، ٥٨٧، ٥٨٩، ٥٩١، ٥٩٢، ٥٩٣، ٥٩٤، ٥٩٦، ٥٩٧، ٥٩٨، ٦٠٠، ٦٠٥، ٦٦١، ٦٦٧، ٦٦٨، ٦٧١، ٦٧٢

الطّرْف ٣٥٣.

ظ

ظفار ٢٧٣.

الظْهران ٢٣٣.

ظهر الحَرَّ ٢٨، ٤٤٧.

ع

العالية ١٥٧، ٢٢٩.

العبلاء ٤٤٧.

العدوة القُصْوَى ٥٣، ٧٤.

العراق ١٥٤، ٢٤٧، ٣٥٣.

عرفة ٥٢٢، ٥٢٩، ٧٠٨، ٧٠٩.

عرق الظبية ٦٤، ١٠٩.

عُرنة ٣٤٦.

عسفان ٢٣٠، ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٥٠، ٢٥٩، ٣٣٣، ٣٦٦، ٤٥٠، ٤٧٤، ٥٢٣، ٥٢٧، ٥٣٧.

عقرب ٦٨٧.

العقيق ٢٨٧، ٣٠١.

عكاظ ٢٢٦، ٢٦٨.

عمان ٢٦٧.

العيص ٤٦، ٣٥٤، ٤٠٠.

عينين ١٦٩، ١٨٢.

غ

الغابة ٣٣٤، ٣٣٩، ٣٤٠، ٣٥٣.

غدير الأشطاط ٣٦٦.

غزّة ٥٠٦.

الغِمْر ٣٥٢.

الغوطة ٦٢٢.

ف

فارس ٢٩٩، ٥٠٢، ٥٠٥، ٥٠٩، ٥٩٤.

فارع ٢٩٢.

فَخّ ٤٧٥.

فداك ٣٥٥، ٤٤٢، ٤٤٢، ٤٤٧، ٤٤٨.


 

الفُرع ٤٥، ٤٩، ٥١، ١٤٤، ١٤٥، ٢٤٨، ٢٥٩.

فيْد ٢٢٩، ٢٤٧، ٣٥٢، ٦٨٦.

ق

قاسيون ٣٤٠.

قباء ٢٨، ٣٠، ٣٢، ٢٢٩، ٣٨٠، ٤٤٧.

قديد ٥٣٧.

قدير ٢٥٩، ٤٥٠، ٤٥١.

القردة ١٥٣.

قَرْقَرَة ثِبار ٣٦٢.

قرقرة الكُدْر ١٣٩، ١٤٠، ١٥٤، ١٥٥، ٢٣٧.

القسطنطنية ٥٠٧.

قطن ٢٢٩.

القليب ١٠٨.

قناة ٣٠١، ٥٢٠.

ك

كداء ٥٣٣، ٥٤١، ٥٤٦.

كدى ٥٣٣، ٥٤١.

الكديد ٢٤٧، ٤٥٠، ٥٢٧، ٥٣٦، ٥٣٧.

كراع الغميم ٢٤٦، ٣٣٣، ٣٦٦، ٣٦٧.

الكعبة ٣٧، ٧٥، ٢٥٣، ٣٨٣، ٥٣١، ٥٣٨، ٥٤٦، ٥٤٧، ٥٤٩، ٥٥٢، ٥٥٦.

الكوفة ٢٥٨، ٢٩٥، ٣٩٦، ٦٣٣.

م

مآب ٤٨١.

ماء السلاسل ٥١٤.

المجاز ١٧٩.

مجنّة ٢٥٠، ٦١٢.

الحمصّب ٥٣٣، ٧١٠.

المحمص ٣٧٧.

المدائن ٢٩٩، ٥٠٩.

المدينة المنورة ٢٧، ٢٩، ٣٤، ٤١، ٤٣، ٤٥، ٤٦، ٤٧، ٤٨، ٤٩، ٥٠، ٥١، ٥٣، ٥٩، ٦٤، ٧٢، ٧٨، ٨٠، ٩٣، ١٠٠، ١٠٣، ١٠٦، ١١١، ١١٣، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٥، ١٢٧، ١٣٣، ١٣٧، ١٣٩، ١٤٠، ١٤٣، ١٤٤، ١٤٥، ١٤٨، ١٥١، ١٥٣، ١٥٤، ١٥٥، ١٥٧، ١٦١، ١٦٦، ١٦٩، ١٨٨، ٢١٢، ٢٢٤، ٢٢٦، ٢٢٨، ٢٢٩، ٢٣٠، ٢٣١، ٢٣٦، ٢٤٠٢٤٧، ٢٥١، ٢٥٣، ٢٥٥، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٤، ٢٦٥، ٢٦٦، ٢٦٧، ٢٧٣، ٢٨٥، ٢٨٧، ٢٨٩، ٢٩٢، ٣٠١، ٣١١، ٣١٧، ٣١٩، ٣٣٠، ٣٣٣، ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٣٦، ٣٣٩، ٣٤٠، ٣٤٠، ٣٤٩، ٣٥١، ٣٥٢، ٣٥٣، ٣٥٤، ٣٥٥، ٣٥٦، ٣٥٧، ٣٦١، ٣٦٤، ٣٧٣، ٣٨١، ٣٩٧، ٤٠٠.


 

٤٠٣، ٤٠٤، ٤٢٣، ٤٣٢، ٤٤٤، ٤٤٦، ٤٤٧، ٤٤٨، ٤٥٥، ٤٥٩، ٤٦٥، ٤٦٩، ٤٧٢، ٤٧٣، ٤٧٦، ٤٨٠، ٤٩٠، ٥٢٠، ٥٢٤، ٥٢٥، ٥٢٧، ٥٣٦، ٥٣٧، ٥٣٨، ٥٣٩، ٥٥٣، ٥٤٦، ٦١١، ٦١٦، ٦٢٢، ٦٣١، ٦٣٩، ٥٥٣، ٥٦٤، ٦١١، ٦١٦، ٦٢٢، ٦٣١، ٦٣٩٦٤٠، ٦٤٦، ٦٤٧، ٦٤٩، ٦٥٦، ٦٦٤، ٦٧٩، ٦٨٣، ٦٨٨، ٦٩٩، ٧٠١، ٧٠٣.

المراض ٣٥٣.

مرّ الظهران ٢٤٦، ٢٨٣، ٣٧٩، ٤٦٢، ٤٧٢، ٥٣٥، ٥٣٧، ٥٣٨، ٥٣٩، ٥٤٢، ٦١٢.

المرقى ٣٥٣.

المروة ٥٤٥، ٥٥٣.

المُريسيع ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦٩.

المزدلفة ٧٠٤.

المسجد الحرام ٥٤٥، ٦٠٨.

المسجد النّبويّ ٢٨، ٣٥، ٣٧.

مشارف ٤٨١.

المشلّل ٤٥١.

مصر ٣٤٠، ٤٤٥، ٥١٢، ٦٦٩.

المضيق ٢٤٨.

مضيق الخبيث ١٤٤.

مضيق الصفراء ٦٤، ٦٥.

معان ٤٨١.

المعدن ٤٩، ١٣٩.

معدن بني سُليم ١٥٤.

المغرب ٢٨٦.

المقام ٥٤٧.

مكّة المكرمة ٣٧، ٤٠، ٤١، ٤٣، ٤٥، ٤٧، ٤٩، ٥٢، ٥٩، ٦٢، ٦٤، ٦٦، ٦٧، ٦٨، ٦٩، ٧٠، ٧٣، ٧٤، ٧٥، ٧٦، ٨٢، ٩٣، ١٠٠، ١٠٦، ١٠٧، ١١١، ١٢١، ١٢٧، ١٣٠، ١٣٣، ١٣٩، ١٤٠، ١٤٥، ١٥٢، ١٥٧، ١٦٨، ٤١٧٩، ١٨١، ١٨٢، ٢١٠، ٢٣٠، ٢٣١، ٢٣٣، ٢٤٥، ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٩، ٣٦٠، ٣٦١، ٣٦٦، ٣٧١، ٣٧٤، ٣٧٦، ٣٨٢، ٣٨٤، ٣٨٦، ٣٨٧، ٣٩٠، ٣٩٧، ٣٩٨، ٤٠٢، ٤٣٨، ٤٠٢، ٤٣٨، ٤٤٦، ٤٥٩، ٤٦٠، ٤٦٣، ٤٦٥، ٤٦٧، ٤٧٠، ٤٧٢، ٤٧٥، ٥٢٠، ٥٢١، ٥٢٥، ٥٢٦، ٥٢٩، ٥٣٠، ٥٣١، ٥٣٢، ٥٣٣، ٥٣٤، ٥٣٥، ٥٣٦، ٥٣٧، ٥٣٨، ٥٤١، ٥٤٢، ٥٤٥، ٥٤٦، ٥٤٧، ٥٤٨، ٥٤٩، ٥٥٠، ٥٥٢، ٥٥٣، ٥٥٤، ٥٥٥، ٥٥٦، ٥٦٢، ٥٦٧، ٥٦٨، ٥٧١، ٥٧٤، ٥٧٩، ٥٩٢، ٦٠٩، ٦١١، ٦١٢، ٦١٥، ٦٢٢، ٦٤٠، ٦٦٧، ٦٦٩، ٦٧٥، ٧٠٥، ٧١٠، ٧١١.


منى ٧٥، ٧٠٣، ٧٠٧، ٧٠٩.

مهيعة ٥٣٥.

مُؤْتَة ١٩٩، ٤٧٩، ٤٨٠، ، ٤٨٢، ٤٨٣، ٤٨٨، ٤٩١٤٩٢.

مياه بني أسد ٣٥٢.

ن

نبق العقاب ٥٣٦.

نجد ١٤٣، ١٥٤، ٢٣٦، ٢٤١، ٢٤٦، ٢٤٧، ٢٤٨، ٢٦٧، ٢٨٧، ٣١٨، ٣٥٠، ٤٣٣، ٤٧٧، ٥٢٠، ٦٦٤، ٦٦٤، ٦٨٧.

النجدية ٢٣٢، ٤٤٧.

نجران ٤٤٧، ٦٩٥، ٦٩٨.

نخل العريض ١٣٩، ١٤٠.

نخلة ٤٩.

النُّخيْل ١٤٣، ٢٤٥، ٣٥٣.

نِمرَة ٥٢٩، ٧٠٣.

النيل ١٣٣.

ه

هجر ٥٢، ٨٢، ١٠٧.

الهداة ٢٣٠، ٢٣٣.

الهدة ٤٧٢، ٤٧٥.

و

وادي رانوناء ٣٠.

وادي الزاهر ٤٧٥.

وادي سفوان ٤٨.

وادي الشقرة ٢٤٨.

وادي القرى ٣٥٤، ٣٥٥، ٤٤١، ٤٤٢، ٦٣٧.

وادي النُّعمان ٣٨٧.

وادي وَجّ ٤٩.

واسط ١٩٤.

واقم ٢٧.

الوتير (ماء) ٥٢١.

ودّان ٤٥.

الوطيح ٤٢٠، ٤٢١، ٤٢٦.

الوهط ٤٧٠.

ي

يأجج ٣٥٩، ٤٧٥.

يثرب ٣١، ٥٣، ٥٥، ١٤٤، ٢٣٠، ٢٤٤، ٤٦٢.

اليمامة ٣٥٠، ٣٥١، ٤٧٧، ٤٩٩، ٥٢٠، ٦٤٢.

اليمن ٥٢، ١٠٧، ٢٧٣، ٢٨٦، ٢٩٦، ٣٠٠، ٤٣١، ٤٨٨، ٥١٠، ٥٣٤، ٥٦٠، ٥٩٢، ٦٩١، ٦٩٢، ٦٩٣، ٦٩٤، ٧٠٣، ٧١٠.

ينُبع ٤٧.

يونين ٣٤٠.


فهرس اعلام الرّجال

آ

آدم (عليه السلام) ٣٣٦.

أ

الأبار ٢٦.

أبان بن سعيد بن العاص ٣٨٢.

أبان بن صالح ٤٣٣، ٤٦٣.

أبان العطار ٧٠٧.

إبراهيم (عليه السلام) ٤٣، ١١٧، ٣٨١، ٤٤٥، ٦٩٧، ٧٠٢.

أبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ٨٧، ٢٣٥

إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ٦٦٧، ٦٦٨.

إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن سلمة ١٥٩، ٢٢٧، ٢٤٣، ٤١٧.

إبراهيم بن ديزيل ٦١٦.

إبراهيم بن سعد ٢٠٦، ٢٣٠، ٤٢٧، ٥٠١.

إبراهيم بن عبد الرحمن ٥١٢.

إبراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم ٦٢١، ٦٩٨، ٦٩٩.

إبراهيم بن المنذر الحزامي ١٠٣، ٦١٦.

إبراهيم بن مهاجره٥١.

إبراهيم بن ميسرة ٣٩٢.

إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق ٧٤، ٣٤٥، ٦٩٠.

إبراهيم التيمي ٣٠٢.

إبراهيم بن النخعي ٥١٥.

إبليس ٩٤، ١٠٩، ١٨٠.

ابن أبزى ٥٥٤.

ابن أبي ١٧٠.

ابن أبي الأقلح ١٩٨.

ابن ابي أوفى ٣٠٣، ٤٦٣.

ابن أبي حبيبة ٤٣، ٨٥.

ابن أبي حدْرد ٥٦٨، ٥٧٢.

ابن أبي الحقيق ١٥٣، ٣٠٣، ٤٢١، ٤٢٤، ٤٢٥، ٤٢٦.

ابن أبي خيثمة ٤٦٧.


 

ابن أبي الزناد ١٦٦.

ابن ممأبي سبرة ١٩١، ٢٥٨، ٤٧٦، ٤٧٧.

ابن أبي سرح العامري ٤٩٩.

ابن ابي شيبة ٣٣٩، ٥٢٦

ابن أبي عديّ ٣٢٦.

ابن أبي عروبة ٩٧، ٣٥٦، ٣٨١، ٣٩٧.

ابن أبي العقب ٢٥٤.

ابن أبي العلاء ٢٥٤.

ابن أبي العوجاء ٤٦٧، ٤٦٩.

ابن أبي فديك ٦٦٢.

ابن ابي كبشة ٥٠٥.

ابن أبي ليلى ٢٠٩.

ابن أبي نجيح ١٦٧، ١٨٠، ٣٩٨، ٣٩٩، ٥٤٩، ٦٥٢.

ابن أُثال ٦٨٥.

أبن الأثير٢٥، ٢٥٣.

ابن إسحاق ٢٣، ٢٩، ٣٠، ٤١، ٥٠، ٦١، ٦٣، ٦٦، ٦٧، ٦٨، ٧٥، ٨٠، ٨٧، ٩٢، ٩٣، ٩٩، ١٠٠، ١٠١، ١١٣، ١١٧، ١١٨، ١١٩، ١٢٠، ١٢٦، ١٣٣، ١٣٤، ١٣٥، ١٣٧، ١٤٠، ١٤١، ١٤٣، ١٤٤، ١٤٥، ١٤٦، ١٤٧، ١٥١، ١٥٤، ١٥٧، ١٥٨، ١٦٣، ١٦٤، ١٦٥، ١٦٨، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٤، ١٧٧، ١٧٩، ١٨٠، ١٨٦، ١٨٨، ١٨٩، ١٩٢، ١٩٣، ١٩٧، ١٩٨، ٢٠٠

٢٠٤، ٢٠٥، ٢٠٦، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢١١، ٢١٧، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٢٣، ٢٢٤، ٢٢٥، ٢٢٧، ٢٣٢، ٢٣٣، ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٣٦، ٢٤١، ٢٤٦، ٢٤٧، ٢٤٩، ٢٥١، ٢٥٧، ٢٥٩، ٢٦٣، ٢٦٧، ٢٦٩، ٢٧٩، ٢٨١، ٢٨٤، ٢٨٧، ٢٩٦، ٢٩٩، ٣٠٥، ٣١٠، ٣١١، ٣١٢، ٣١٣، ٣١٤، ٣١٦، ٣١٧، ٣١٨، ٣٢٠، ٣٢١، ٣٢٩، ٣٣١، ٣٣٣، ٣٣٥، ٣٣٦، ٣٤١، ٣٤٣، ٣٤٦، ٣٤٧، ٣٤٩، ٣٥١، ٣٥٩، ٣٦١، ٣٦٣، ٣٧٥، ٣٧٦، ٣٧٧، ٣٨٣، ٣٨٤، ٣٨٩، ٣٩٠، ٣٩١، ٣٩٢، ٣٩٦، ٤٠٣، ٤٠٩، ٤١١، ٤١٢، ٤١٥، ٤١٧، ٤١٩، ٤٢٣، ٤٢٧، ٤٢٩، ٤٤٨، ٤٤٩، ٤٥٢، ٤٥٤، ٤٥٥، ٤٥٦، ٤٦١، ٤٦٢، ٤٦٥، ٤٦٦، ٤٧٣، ٤٧٩، ٤٨٣، ٤٨٦، ٤٨٨، ٤٩١، ٤٩٥، ٤٩٩، ٥٠٥، ٥٠٧، ٥١١، ٥١٤، ٥٢١، ٥٢٧، ٥٣٥، ٥٣٦، ٥٣٨، ٥٤١، ٥٤٨، ٥٥٢، ٥٥٣، ٥٥٥، ٥٥٧، ٥٥٨، ٥٦١، ٥٦٢، ٥٦٣، ٥٦٧، ٥٦٨، ٥٧١، ٥٧٢،


٥٧٤، ٥٧٦، ٥٨٤، ٥٨٨، ٥٩٢، ٥٩٦، ٥٩٧، ٥٩٩، ٦٠١، ٦٠٦، ٦٠٩، ٦١٢، ٦٢٥، ٦٢٧، ٦٢٩، ٦٣٢، ٦٣٣، ٦٣٤، ٦٣٧، ٦٤١، ٦٤٢، ٦٤٣، ٦٤٥، ٦٤٧، ٦٤٨، ٦٥٩، ٦٦١، ٦٦٤، ٦٦٧، ٦٧٢، ٦٧٣، ٦٧٥، ٦٧٩، ٦٨٠، ٦٨٢، ٦٨٣، ٦٨٥، ٦٨٦، ٦٨٩، ٦٩٢، ٦٩٥، ٦٩٦، ٦٩٨، ٧٠٩.

ابن أسيد بن جارية الثقفي ٢٣٠.

ابن الأشرف ٢٤٤.

ابن أم مكتوم ١٣٧، ١٤٥، ١٥٤.

ابن برصاء ٥٥٤.

ابن بريدة ٥١٥.

ابن بشكوال ٢٦.

ابن البن ٢٥٤.

ابن البيماني ٦٩٥.

ابن البيهان ٢٤٤.

ابن جريج ١٤٩، ١٩٩، ٣٨٤، ٣٨٨، ٤٥٧، ٧٠٨، ٧١١.

ابن جوصا ٦٣٩.

ابن الحضرمي ١٠٣.

ابن الحمام ٢٥٠.

ابن الحواس ٢٤٤.

ابن خثيم ٤٦٦.

ابن خلّكان ٢٥.

ابن الدّنغنّة ٥٨٨.

ابن راهوية ٣١٩.

ابن رواحة = عبد الله

ابن الزبعرى ٢٩٢، ٦١٥.

ابن زُنيم ٣٨٦.

ابن سعد ٢١٥، ٢٥٣، ٣٢٣، ٣٥٨، ٤٧٩.

ابن سلول ١٤٧.

ابن السمعاني ٢٥.

ابن سنينة ٢٤٤.

ابن سيرين = محمد.

ابن شهاب ٣٩، ٨٥، ١٠٣.

ابن شوذب ٦٢٩.

ابن صهيب ٤٠٦.

ابن عائذ ٢٣، ٢٤٣، ٢٤٥، ٦٢٢.

ابن عباس (عبد الله) ٣٤، ٤١، ٦٠، ٦١، ٦٨، ٧٠، ٧٥، ٨٤، ٨٥، ٨٦، ٩٣، ٩٩، ١١٤، ١١٥، ١١٧، ١١٨، ١١٩، ١٢٠، ١٢١، ١٤٢، ١٤٦، ١٥٩، ١٦٣، ١٦٦، ١٩٠، ١٩٥، ١٩٦، ١٩٩، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٩، ٢٥٤، ٣٠٠، ٣٠٤، ٣١٢، ٣٦١، ٣٧٩، ٣٨٢، ٣٩٢، ٣٩٣، ٣٩٩، ٤٢٧، ٤٥٧، ٤٦١، ٤٦٢، ٤٦٣، ٤٦٥، ٤٦٦، ٤٦٧، ٥٠١، ٥٠٢، ٥٠٨، ٥٢٧، ٥٣٧، ٥٣٨، ٥٤١، ٥٦١، ٥٦٣، ٥٩١، ٦٠٢، ٦٢٨، ٦٤٩، ٦٥٢، ٦٦٥، ٦٧٨، ٦٨٠، ٦٨١، ٦٨٤، ٦٩٦، ٧٠٦، ٧٠٨، ٧٠٩، ٧١٠.


 

ابن عبد الله بن أبي حدرد ٤٥٤.

ابن عديّ ٢٦، ١٥٨.

ابن العرقة (حبّان بن قيس) ٢٩١.

ابن عساكر ٢٥، ٦١٠.

ابن عيينة ١٥٩، ١٦٠١٦٧، ١٨٥، ٢١٢، ٢٦٥، ٣٦٥، ٣٨٤، ٣٨٥، ٣٩٢، ٤٣٢، ٤٩٤، ٥١٧، ٥٥٦، ٥٩٦، ٦٠١، ٦٤٩، ٦٦٠، ٧١٤.

ابن الفرضي ٢٥.

ابن فصيل ٤٠٦، ٤٢٦.

ابن قمئة ١٩٢، ١٩٣.

ابن عميئة الليثي ١٧٧.

ابن قوقل (االنعمان بن قوقل الأنصاري) ٤٣٢.

ابن الكلبي ١١٩

ابن كنانة ١٢١.

ابن لهيعة ٧٨، ١١٢، ١٣٩، ١٥١، ١٦٧، ١٩٥، ١٩٩، ٢٢٣، ٢٤٣، ٢٦٧، ٢٩٦، ٣٠٥، ٣١١، ٣٤٥، ٣٤٦، ٣٦٠، ٣٧٦، ٣٨٢، ٣٩٧، ٤١٥، ٣١٧، ٥٠٨، ٥١٣، ٥٢٨، ٥٧٧، ٥٩٢، ٥٩٤، ٦٣٤، ٦٤٦، ٦٦٧.

ابن ماجة ٢٥.

ابن محيريز ٢٦٠.

ابن المديني ٥٩٦.

ابن مسعود (عبد الله) ٣٤، ٦٢، ٧٣، ٨١، ٩٦، ٩٧، ١١٠، ١١١، ١٢٤، ٢١٩، ٣٣٠، ٤٤٣، ٥٨٢، ٦٣٢، ٦٣٣، ٦٨٥، ٦٩٧.

ابن معين ٥٩٦، ٦١٠.

ابن مَنْدّة ٣٠.

ابن نمير ٣٢٦، ٣٦٠.

ابن النّوّاحة ٦٨٥.

ابن الهاد ٦٦٢.

ابن هشام ٢٩٦، ٣٠٤.

ابن الهيبان ٣٣١، ٣٣٢.

ابن وهب ٧٨، ١٩٢، ٤١٨، ٤٢٧، ٤٣٨، ٤٤٣، ٤٥٦، ٤٩٨، ٥٠٨، ٦٣٨.

أبو ابراهيم ٣٩٢.

أبو أحمد المرار بن حمويه ٤٢٥، ٤٢٦.

أبو الأحوص ٣٩٩

أبو أحيحة (سعيد بن العاص) ٤٠.

أبو أسامة ٢٤٠، ٢٧٣، ٤٣٠، ٤٩٣، ٥٨٨، ٦٦٠.

أبو الازهر النيسابوري ٥٥٧.

أبو اسحاق السبيعي ٤٩٤، ٥٦١، ٦٦٥، ٧١٠.

أبو اسحاق الفزاري ٢٩، ٧٣، ٧٨، ٧٩، ٨٠، ٨٣، ٨٨، ٩٠، ٩٦، ٩٧، ١١٧، ١٧٣، ٢٦٦، ٢٩٧، ٢٩٨، ٣٠٤، ٣٢٦، ٣٢٨، ٣٧٤، ٤٢٨، ٥٧٩، ٦٩٧.

أبو الأسود ١١٢، ١٥١، ١٦٧، ١٩٥،


 

١٩٩، ٢٢٣، ٢٣، ٢٤٣، ٢٦٧، ٢٩٦، ٣٠٥، ٣١١، ٣٤٥، ٣٤٦، ٣٦٣، ٣٧٦، ٣٨٢، ٣٩٧، ٤١٥، ٤١٧، ٥٠٨، ٥١٣، ٥٢٨، ٥٧٧، ٥٩٢، ٥٩٤، ٥٩٦، ٦٣٤، ٦٤٦، ٦٦٧.

أبو أسيد الساعدي ٨٥.

أبو اسيد (مالك بن ربيعة) ٦١.

أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحرّاني ٦٤٨.

أبو أمامة (أسعد بن زرارة) ٣١.

أبو أمامة بن سهل ٨٧ ، ٣١٤، ٦٤٠.

أبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة ٢٠٦.

أبو أميّة بن عمرة بن وهب ٥٩٣.

أبو أيمن مولى عمر ٢٠٣.

أبو أيوب الأنصاري ٢٩، ٣١، ٧٨.

أبو أيوب السختياني ٥٤١.

أبو البختري بن هاشم بن الحارث (أو أبو هشام) ٥٨، ٥٩، ٦٦، ١٠٥، ١١٠، ١١٢، ١٢٠، ١٢٥، ١٢٨، ٥٦٤، ٥٤٨، ٦٩١.

أبو الدّاح بن عاصم بن عديّ ٢٩.

أبو بردة ١٦٥، ٤٣٠، ٤٣١، ٤٣٢، ٥٨٨، ٦٢٩.

أبو برزة ٢١٨، ٢١٩.

أبو بشر الدولابي ٢٤٩، ٣٩٨، ٥١٢، ٥٥١.

أبو بصير (عبيد أو عتبة) بن أسيد بن (جارية أو حارثة) الثقفي ٣٦٠، ٣٧٣، ٤٠٠، ٤٠١.

أبو بكر (أحمد بن علي) ٢١٠.

أبو بكر بن أبي شيبة ٢٣، ٥٩٦.

أبو بكر بن ثمامة بن النعمان ٦٧٨.

أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ٢٧٨، ٣٦٠.

أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسوّر بن مخرمة ٨٧، ١٢٩.

أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن ٤٤٦.

أبو بكر بن عيّاش ٢٠٨، ٥١٠.

أبو بكر بن محمد بن عمرة بن حزم ٦٩٤.

أبو بكر الصديق ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٦، ٥١، ٥٧، ٥٨، ١٠٦، ١١٣، ١١٥، ١١٦، ١٢٤، ١٣٤، ١٧٣، ١٧٦، ١٩٠، ٢٢١، ٢٢٤، ٢٤٠، ٢٦٦، ٢٧٠، ٢٧٢، ٢٧٧، ٣٢٢، ٣٦٩، ٣٧٢، ٣٩٦، ٤١٠، ٤١٢، ٤٦٦، ٤٥٢، ٥١٣، ٥١٥، ٥٢٤، ٥٢٩، ٥٣٦، ٥٤٢، ٥٤٣، ٥٤٦، ٥٥٨، ٥٧٤، ٥٧٦، ٦١٢، ٦١٧، ٦١٨، ٦٦٤، ٦٦٥، ٦٦٧، ٦٧٠، ٦٧٣، ٧١٤.

أبو بكر الهذلي ٥٨٣.

ابو بكرة ٥٠٩، ٥٩١.

أبو التيّاح (يزيد بن حميد الضبعي) ٣٥.

أبو جندل بن سهيل بن عمرو ٣٧١، ٣٧٣، ٤٠١.

أبو جهل ٤٦، ٥٣، ٥٥، ٥٦، ٦١، ٦٢، ٦٣، ٦٦، ٧٣، ٧٤، ٧٦، ٨١، ٨٩، ٩٣، ٩٤،


٩٥، ٩٦، ٩٧، ١٠٤، ١٠٥، ١٠٧، ١١٠، ١١١، ١٢٥، ١٢٧، ١٢٨، ١٥٧، ٢١٥، ٣٩٢، ٣٩٣، ٧١١.

أبو جهم بن حذيفة العدوي ٥١٢

أبو حارثة بن علقمة ٦٩٦.

أبو حازم ٨٥، ١٩٠، ٤٠٦.

أبو حاضر الحضرمي ٤٦١.

أبو حبيبة بن الأزعر ٣٩.

أبو حدرد الأسلمي ٤٥٢.

أبو حذيفة بن عتبة ٤٨، ٥٩، ٦٣، ١٢٠.

أبو حذيفة النهدي ٣٩٩، ٥٢٧.

أبو حسّان الأعرج ٧٠٦.

أبو حسّان الزيادي ٢٢١.

أبو الحسن بن علي بن محمد السخاوي ٥٩٥.

أبو الحسن الدراوردي ٣٤٠.

أبو حصين الهذلي ٥٦٠.

البو حفص الفلاس ٢٣.

أبو الحُقَيْق ١٥٢.

أبو الحكم بن الأخنس بن شريق ٦١، ٢٠٦.

أبو حميد ٦٣٧.

أبو الحويرث ٨٦، ١٩١.

أبو حيّة بن عمرة بن ثابت ٢٠١.

أبو خيثمة أخو بني سلم بن عوف ٦٣١، ٦٣٣.

أبة الخير ٢٢٠.

أبو داود ٢٤، ٦١، ١١٥، ١١٩، ١٤٢، ١٦٢، ١٨٥، ٤٢٦، ٤٢٨، ٤٢٩، ٤٣٧، ٤٥٥،

٤٦٦، ٥١٧، ٥٢٦، ٥٦٢، ٥٧٦، ٥٨٥، ٦٣٨، ٦٤٣، ٦٦٨.

أبو داود المازني ٦١، ٤١٣، ٥٨١، ٦٢٩.

أبو داود المازني ٦١، ١١٠، ١١٢.

أبو دجانة (سماك) ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٤.

أبو الدحداح أحمد بن محمد ٦٣٩.

أبو الدرداء ٤٩٦.

أبو ذرّ ٩١، ٢٠٧، ٦٣٢، ٦٣٣.

أبو رافع القرظي ٦٩٧.

أبو رافع (مولى النّبيّ) ٤١، ٦٦، ٦٧، ٦٨، ٤١١، ٤١٢، ٤٦١، ٤٦٦.

أبو رجاء العُطاردي ٦٨٤، ٦٨٥.

أبورهم = كلثوم بن حصين.

أبو الزُبير المكّي ١٢٣ (مولى حكيم بن حزام) ١٧٥، ٢١١، ٢١٩، ٣١٩، ٣٦٥، ٣٧٤، ٣٨٤، ٣٨٨، ٣٨٩، ٣٩٣، ٥١٨، ٥٤٧، ٥٥٠، ٥٥٩، ٦٠٤، ٦٣٦، ٧٠٨.

أبو زُرْعَة الدمشقي ٢٤.

أبو زميل (مساك الحنفي) ٨٤، ١١٥، ٥٢٧.

أبو الزناد ٥٥٧.

أبو السائب مولى عائشة بنت عثمان ٢٢٤.

أبو سروعة (عقبة بن الحارث) ٢٣١.

أبو سعد ٣١٤.

أبو سعد بن خشيش ٢٦٩.


 

أبو سعيد الأزدي ٢٦٥، ٣٢٧، ٣٩٢.

أبو سعيد بن عبد الله بن العُزَّى ٢٠٦.

أبو سعيد بن يونس ٢٥.

أبو سعيد الخدري ٣٧، ١٩٢، ١٩٣، ١٩٤، ٢٦٠، ٥٣٦، ٥٦٤، ٦٠٤، ٦٣٤.

أبو السفر ٥٦١.

أبو سفيان بن الحارث بن قيس ٦٦، ٦٩، ٢٠١، ٤٣٠، ٥٧٤، ٥٧٩، ٥٨٠.

أبو سفيان بن حرب ٥١، ٥٢، ٥٣، ٧٤، ٧٧، ٨١، ٨٢، ٩٢، ١٠٤، ١٠٦، ١٠٧، ١٣٨، ١٣٩، ١٤٠، ١٥٤، ١٥٨، ١٦٨، ١٦٩، ١٧٣، ١٧٧، ١٨٨، ١٨٩، ٢٢٣، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٥٠، ٢٦٧، ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٩٣، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠٢، ٣٠٣، ٣٢٧، ٣٦٥، ٥٠٢، ٥٠٥، ٥٠٦، ٥٠٨، ٥٢٣، ٥٢٤، ٥٢٥، ٥٢٨، ٥٢٩، ٥٣٠، ٥٣١، ٥٣٢، ٥٣٣، ٥٣٦، ٥٣٨، ٥٣٩، ٥٤٠، ٥٤٢، ٥٤٥، ٥٦٠، ٥٦١، ٥٧٦، ٥٧٧، ٥٧٨، ٥٨٠، ٦٠٢.

أبو سلمة بن عبد الأسد ٤٧، ٩٢، ١٢٤، ٤٤١، ٤٤٥، ٤٥٦.

أبو سلّام ٥٧٥.

أبو سلمة بن عبد الرحمن ١٨٤، ٢٢٩، ٢٣٠، ٢٤٨، ٢٥٨، ٢٧٨، ٣٠١، ٣٥٦، ٤٠١، ٤٣٦

٤٣٧، ٥١٠، ٥٣٦، ٥٤٣، ٦٠٤، ٦٦٢، ٧٠٧، ٧٠٩.

أبو سنان بن محصن الأسدي ٣٦، ٥١، ٣٣٠، ٣٨٥.

أبو شامة ٢٥.

أبو شريح العدوي ٥٥٦.

أبو الشعثاء ١١٩، ٤٦٥.

أبو شيبة ٣٨٤.

أبو شيخ بن ثابت بن المنذر ٢٥٣.

أبو صالح ٣٤، ٢١٦، ٣٠٤، ٥١٨، ٦٣٤.

أبو الضُحى ٢١٦، ٢٧٩، ٣٨٢.

أبو الضّيّاح بن ثابت ٤٢٩.

أبو طاهر أحمد السلفي ٥٩٥.

أبو الطفيل ٣٧٩، ٤٦٣، ٥٥٤، ٥٥٥، ٦١٠، ٦٣٦.

أبو طلحة ٩٧، ١٧٦، ١٩٦، ٢٤٠، ٥٨٥، ٦٦٢، ٧٠٧.

أبو ظبيان ٤٤٩.

أبو العاص بن الربيع بن عبد شمس ٦٨، ٦٩، ٧٠، ١٢١، ٣٥٤، ٩٥٨، ٣٥٩، ٣٦٠، ٣٦١، ٤٠١، ٥٢٠.

أبو عاصم ٣٨٥، ٤٩٤، ٥٨٢.

أبو العالية ٢١٠.

أبو عامر الأشعري ٥٨٧، ٥٨٨، ٥٨٩، .

أبو عامر الراهب ٧٠٠.

أبو العباس الأعمى ٥٩٥، ، ٥٩٦.

أبو العبّاس السفاح ٦٤٣.

أبو عبد الرحمن الحبُلي ٧٨.

أبو عبد الرحمن السُّلمي ١٢٣، ٤٥٧.

أبو عبس بن جبر الحارثي ١٦٢، ١٦٣.


 

أبو عبد الرحمن القهري ٥٨٢.

أبو نعبيد الرحمن المقري ٣٨١.

أبو عبيدة ٨٣، ٩٠، ٩٦، ١٢٤، ١٩١، ٣٥٢، ٧٠٠.

أبو عبيدة بن الجرّاح ٣٢٩، ٥١٤، ٥١٦، ٥١٧، ٥١٨، ٥٤٥، ٦٦٢، ٦٩٧، ٧١٤.

أبو عبيدة بن حُذّيفة ٦٨٨.

أبو عبيدة بن عبد الله ١١٦.

أبو عبيدة بن محمح بن عمّار ٥٥٣.

أبو عثمان النهدي ١٧٥، ٢١٠، ٤٢٨، ٥١٤.

أبو عزّة (عمرو بن عبد الله الجمحي) ٧١، ١٦٨، ١٦٩.

أبو عفك ١٣٨.

أبو عمران الجوني ٩٩.

أبو عمرة ٤٣٥.

أبو عميس ٧٠٨.

أبو العنيس ١١٩.

أبو عوامة ٢١٢، ٢٤٩، ٣٧٨، ٣٨٨، ٤١٣، ٥٠٩، ٥٨٠.

أبو عون ١٤٦.

أبو عيّاش الزُرقي ٢٤٦، ٣٣٤.

أبو الغنائم بن محاسن ٣٤٠.

أبو الغيث ٤٤١.

أبو فراس الأسلمي ٥٧٠.

أبو القاسم البغوي ٣٨٩، ٥٩٦.

أبو القاسم المصّيصي ٢٤٣.

أبو قتادة بن ربعي ١٨٥، ٣٣٥، ٣٣٨، ٣٣٩، ٣٤٢، ٤٤٣، ٤٥٤، ٤٨٥، ٥١٩، ٥٨٤.

أبو قحافة ٥٥٨، ٥٥٩.

أبو قلابة ٣٥٧، ٤٢٨، ٥٦٤.

أبو قيس (أخو خالد بن الوليد)١٢٦، ١٢٨.

أبو قيس بن الأسلت ٤٢، ٤٣.

أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ٦٣.

أبو قيس بن الوليد بن المغيرة ٦٣.

أبو قيس مولى عمرو بن العاص ٥١٧.

أبو كدينة ٣٨٢.

أبو كريب ٤٣٠.

أبو كلاب بن أبي صعصعة ٤٩٩.

أبو لبابة بن عبد المنذر ٥١، ٦٥، ٧٩، ٨٠، ١٢٥، ٣١٠، ٣١١، ٣١٢، ٣١٣، ٦٥١، ٦٥٢، .

أبو لهب ٥١، ٦٦، ٤٤٥.

أبو مالك ٣٤.

أبو المتوكّل ٣٢٩.

أبو مجلز (لاحق بن حميد السدوسي) ٩١، ٩٢.

أبو محمد بن حمويه ٣٤٠.

أبو مرثد الغنوي ١٢٣.

أبو مرّة مولى عقيل ٥٥٥.

أبو مسعود ٣٩٦.

أبو معاوية ٣٢٧، ٤٢٨.

أبو معشر ٢٧٨، ٣٢٥، ٥٤٧.

أبو المغيرة ٤٦٦.

أبو المقوّم = يحيى بن زيد.

أبو مكنف = زيد بن مهلهل.

أبو موسى الأشعري ١٦٥، ٢٤٦، ٣٤٠، ٤٣٢، ٥٨٧، ٥٨٨، ٥٨٩، ٦٢٩، ٦٩١، ٦٩٢.


 

أبو ميسرة ٢٣٤.

أبو نائلة ١٦١.

أبو نجيح السلمي ٥٩٣.

أبو النضر ٦٦٢.

أبو نضرة ٣٢٧، ٥٦٢، ٦٤٨.

أبو نعيم ٨١، ٩٧، ٩٩، ٣٠٢، ٣٢٩.

أبو هارون العبدي ٤٩٦.

أبو هاشم ٩١.

أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة ٢٠٢.

أبو هريرة ١٨٤، ١٩٠، ٢٠٧، ٢١٠، ٢١٦، ٢٢١، ٢٣٠، ٢٤٦، ٢٨٦، ٣٠٣، ٣٥٠، ٣٥١، ٣٦٧، ٤٠١، ٤٠٤، ٤٠٧، ٤٣٢، ٤٣٣، ٤٣٤، ٤٣٥، ٤٣٦، ٤٤١، ٤٤٣، ٤٨١، ٤٨٢، ٤٩٢، ٤٩٦، ٥١٠، ٥١١، ٥٥٧، ٦٤٤، ٦٦٥، ٦٨١، ٦٨٤، ٧٠٩.

أبو الهيثم بن التيهان ١٢٤.

أبو الهيثم بن نصر الأسلمي ٤٠٩.

أبو وائل ٢١٧، ٣١٩، ٦٠٣، ٦٨٥.

أبو وجزة السعدي ٦٠٩.

أبو الوقت السجزي ٣٤٠.

أبو يزيد بن عمير العبدري ١٩٨، ٢٠٦، .

أبو يسار ٥٢.

أبو اليمان ٦٩٤.

أبي بن خلف ١٧٩، ١٨٣، ١٩٥، ٢٠٦.

أبي بن كعب ١٢٥، ٢١٠، ٦٦٢.

أجلح بن عبد الله ٤٣٢.

أحمد بن ابراهيم ٢٤٣.

أحمد بن أبي خيثمة ٢٣.

أحمد بن الأزهر ٩٩.

أحمد بن البسري ٢٥٤.

أحمد بن الحسن القاضي أبو بكر ٥٩٥.

أحمد بن حنبل٢٤، ٣٠٩، ٣٦١.

أحمد بن سعيد الفهري ٥١٢.

أحمد بن سعيد الهمداني ٤٥٦.

أحمد بن سليمان المقدسي ٣٤٠.

أحمد بن شعبان ٥٢٥.

أحمد بن صالح ٥٠٨.

أحمد بن عبد الجبار ٢٧٠.

أحمد بن عبد الله بن عزيز ٣٤٠.

أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ٦٢٢.

أحمد بن محمد السلفي ٢١٠.

أحمد بن الوليد الفحام ٥٠٩.

الأحوص بن عبد الله بن محمد بن عاصم ٢٥٢.

الأخزم الأسدي ٣٣٧، ٣٣٨.

الأخنس بن شريق ٥٣، ١٠٧.

إدريس الأودي ٦٩٧.

أريد بن قيس ٦٧٩.

أرطاة بن عبد شرحبيل العبدري ١٩٨، ٢٠٦.

أزهر السمّان ١١٩.

أسامة بن زيد ٦٤، ١٠١، ١١٣، ٢٠٩، ٢٧٥، ٣١٥، ٤٤٥، ٤٤٦، ٤٤٨، ٤٤٩، ٤٩٣، ٤٩٥، ٤٩٨، ٥٧٤، ٥٧٦، ٦٥٩، ٧١٣.

أسباط بن نصر ٣٤، ١٢٠، ٥٠٩، ٥٥٢.

إسحاق بن أبي اسرائيل المروزي ٦٨١.


إسحاق بن راشد ٣٢٧، ٥٦١.

إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ٢٣٨، ٣٨٠، ٦٨٠.

إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ١٩١، ١٩٤، ٤٧٩.

إسحاق بن منصور السلولي ٩٠.

إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ١٩٠.

إسحاق بن يسار ١٤٧.

أسد بن سعيد ٣٣١.

أسد بن العُزّى ٤٢٩.

أسد بن عبيد ٣١٣، ٣٣١.

إسرائيل (المَلَك) ٨٦.

أسعد بن حينف ٤٠.

أسعد بن زرارة ٣٠، ٣٢٩، ٦٥٩.

أسلم (أبو عمران) ٥٢، ٧٨.

إسماعيل (عليه السلام) ١٤٥.

إسماعيل بن ابراهيم بن عقبة ١٠٣، ٥٩٢.

إسماعيل بن أبي أويس ١٠٣، ٧٠٨.

أسماعيل بن أبي خالد ٧٩، ٩٦، ٣٠٣، ٣٢٣، ٣٢٧، ٣٦٠، ٣٨٥، ٣٦٣، ٣٨٦، ٤٨٧، ٥١٦، ٦٨٥.

إسماعيل بن أبي عمرو ٢٥٤.

إسماعيل بن أمية ٢١٩.

إسماعيل بن جعفر ٢٦٠، ٢٦١.

إسماعيل لن عبد الرحمن ٢٤٣.

إسماعيل لن عبد الكريم ٦٦٨.

إسماعيل بن عثمان الفقيه ٣٤٠.

إسماعيل بن عون بن علي ٨٣.

إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقّاص ٢١٧.

إسماعيل بن مسلم العبدي ٣٢٩، ٤١٢

إسماعيل السّدّي ١٢٠.

أسود بن خزاعي ٣٤٢.

الأسود بن خلف ٥٥٧.

الأسود بن رَزْن الديلي ٥٢٢.

الأسود بن شيبان ٤٨٥، ٦٧٨.

أسود بن عامر ٥٠٩.

الأسود بن عبد الأسد المخزومي ٥٧.

الأسود بن قيس ٢١٢، ٣٧٨.

الأسود بن المطّلب ٦٨، ١٣٩.

الأسود الراعي ٤٣٠.

الأسود العنسي ٧١١.

أسيد بن حضير ٢٦٥، ٢٧٦، ٣٢٩، ٤٠٦.

أسيد بن سعية ٣١٣.

اسيد بن ظهير ٣٣٤.

أسير بن رازم ٣٦١، ٣٦٢.

أسير مولى خلّاد بن عمرو ٢٠٣.

الاشعث بن قيس ٦٨٩.

أصحمة النجاشي ٦٢٤، ٦٢٥.

الأصمعي ٢٧، ٣٠١.

الاصيد بن سلمة بن قرط ٦٢٣.

الأعرج ٥٥٧.

الأعمش ٨٣، ٩٦، ١١٦، ٢١٧، ٢١٩، ٢٦٧، ٣٠٢، ٣٢٧،


 

٣٦٤، ٣٦٥، ٤٥٧، ٦٣٤، ٦٤٨، ٦٩١.

أعنق ليموت = المنذر بن عمرو الساعدي.

أفلح بن حميد ٧١٠

.أفلح بن سعيد ٤٤٨.

أفلح بن عبد الله بن المغيرة ٢٧٨

الأقرع بن حابس ٤٥٤، ٤٥٦، ٥٣٢، ٦٠٢، ٦٧٥، ٦٧٧.

الأقلح (قيس بن عصمة) ٢٥٢.

أكيدر دومة ٢٥٧، ٢٥٨، ٦٤٥، ٦٤٦، ٦٤٧.

أمية بن خلف الجُمحي ٥١، ٥٩، ٦٠، ٦٢، ٦٣، ٦٦، ٧٣، ٧٤، ٨١، ١٠٥، ١٢٦، ١٢٨، ٣٣٠.

أمية بن زيد ١٣٦، ٢٢٩.

أمية بن عبد الله ٣٢١.

أنس بن عبي مرثد ٥٧٥.

أنس بن أوس بن عتيك الأشهلي ٣٠٥.

أنس بن عتادة ٢٠١.

أنس بن مالك ٢٩، ٣٢، ٣٥، ٦٣، ٨١، ٨٢، ٩٠، ٩٣، ٩٥، ٩٧، ٩٩، ١٧١، ١٧٥، ١٧٦، ١٨٤، ١٨٩، ١٩٦، ١٩٩، ٢٠٩، ٢٣٨، ٢٣٩، ٢٤٠، ٢٦٧، ٢٩٧، ٢٩٨، ٣٠٧، ٣٢٨، ٣٥٦، ٣٥٧، ٣٦٣، ٣٨٠، ٣٨١، ٣٨٤، ٣٨٧، ٣٩٠، ٣٩٦، ٤٠٦، ٤١٩، ٤٢٢، ٤٢٣، ٤٣٦، ٤٣٨، ٤٤٣، ٤٤٤، ٤٦٢، ٤٨٥، ٤٩٦، ٥٠١، ٥٤٧،

٥٤٨، ٥٨٥، ٥٩٩، ٦٠٠، ٦٠١، ٦١١، ٦٣٨، ٦٤٠، ٦٤٩، ٦٦٢، ٦٨٠، ٦٨٢، ٦٩٩، ٧٠٧، ٧١١.

أنس بن معاوية بن أنس ٢٥٣.

أنس بن النضر ١٨٤، ١٨٨، ٢٠٢.

أنمار بن عمرو ٢٤٧.

أنيف بن حبيب ٤٣٠.

أوبار ٣٣٥.

الأوزاعي ٤٦٦، ٥٣٧، ٧٠٩.

أوس (أخو حسّان بن ثابت) ٢٠٢.

أوس بن أرقم بن زيد ٢٠٢.

أوس بن القائد ٤٣٠.

أوس بن قتادة الأنصاري ٤٣٠.

أوس بن قيظي ٣٩.

أوس بن معاذ ٣٣٠.

إياس بن أوس ٢٠١.

إياس بن سلمة بن الأكوع ٣٣٦، ٣٣٨، ٣٧٥، ٣٧٨، ٣٨٥، ٤٠٨، ٤٤٦، ٥٨١.

إياس بن عدّي ٢٠٢.

أيمن بن عبيد ٥٨٩.

أيمن بن نابل ٧٠٦.

الأيهم ٦٩٥.

أيوب بن جابر ٣٥٧، ٣٦٠، ٤٨٥، ٥٣٨، ٥٥٠، ٥٦٤، ٥٨٣، ٦٠٨، ٦٨٨.

ب

بجاد بن عثمان ٣٩.


 

بجير بن زهير ٦١٥، ٦١٦، ٦١٧.

البخاري ٢١، ٢٣، ٢٤، ٢٧، ٢٩، ٣٢، ٣٣، ٣٦، ٣٨، ٧٤، ٧٨، ٨٤، ٨٦، ٩١، ٩٢، ٩٦، ٩٨، ٩٩، ١١٣، ١٢١، ١٢٣، ١٤٩، ١٦١، ١٧٤، ١٧٥، ١٨١، ١٨٣، ١٩٠، ١٩٦، ١٩٩، ٢١٣، ٢١٤، ٢١٧، ٢٢٠، ٢٣١، ٢٣٩، ٢٤٠، ٢٤٦، ٢٧٢، ٢٧٨، ٢٩٨، ٢٩٩، ٣٠٠، ٣٠٤، ٣٣٠، ٣٤٠، ٣٤٥، ٣٥٨، ٣٦٤، ٣٦٥، ٣٧٤، ٣٧٨، ٣٨٠، ٣٨١، ٣٨٢، ٣٩٣، ٣٩٥، ٣٩٦، ٤٠٠، ٤٠٢، ٤٠٤، ٤٠٦، ٤٢٣، ٤٢٥، ٤٢٦، ٤٣٢، ٤٣٣، ٤٣٤، ٤٦٥، ٤٦٦، ٤٦٧، ٤٨٢، ٤٨٥، ٤٨٦، ٥١٨، ٥٢٦، ٥٣٧، ٥٤٨، ٥٥٧، ٥٦٠، ٥٦٢، ٥٦٥، ٥٦٨، ٥٧٩، ٥٨٢، ٥٨٥، ٥٩٦، ٦٠٤، ٦٣٦، ٦٣٧، ٦٤٩، ٦٨٠، ٦٩٢.

بديل بن ورقاء الخزاعي ٣٦٧، ٣٨٢، ٥٢٢، ٥٢٣، ٥٢٤، ٥٢٩، ٥٣٠، ٥٣٩.

البراء بن عازب ٢٩٨، ٢٩٩، ٣٤٣، ٣٤٥.

البراء بن معرور السلمي ٢٩، ٤٠، ٧٨، ٧٩، ١١٣، ١٧٣.

٢٩٩، ٣٢٨، ٣٦٥، ٣٧٤، ٣٩٠، ٤٦٦، ٥٧٩، ٦٩٠، ٦٩٩.

بريد بن عبد الله ١٦٥، ٤٣٠، ٥٨٨، ٦٢٩.

بُرَيدة بن الخُصَيْب الأسلمي ٧١٧.

بُرَيدة بن سفيان بن فروة ٢٠٧، ٢٠٨، ٤٠٩، ٦٣٢، ٦٩٥.

بسبس بن عمرو ١٠٤.

بشّار عوّاد معروف (الدكتور) ٢٤، ١١٣.

بِشْر بن البراء بن معرور ٤٣٧.

بِشْر بن زيد ٣٩.

بشر بن سعد ٤٤٧.

بشر بن شعيب ٣٠٨.

بشْر بن محمد بن عبد الله بن زيد ٤٤٨، ٤٥١.

بشْر بن المفضّل ٤٢٩.

بشير بن سعد ٢٨٥.

بشيربن يسار ٤٠٤، ٤٢٦.

بغا التركي ٨١٥.

البَغَوي ٥٩٦.

بقيّة بن الوليد ٦٣٩، ٦٤٠.

البكائي ٥٠، ١٤٦، ١٦٣، ١٦٨، ١٨٩، ١٩٣، ٢٠٤، ٢٢٧، ٢٣٤، ٢٤٩، ٢٩٦، ٣١١، ٣١٣، ٣١٦، ٣١٧، ٣٢٠، ٣٣٣، ٣٣٥، ٣٤١، ٣٧٥، ٣٨٣، ٤٠٩، ٤١٢، ٤٢١، ٤٨٦، ٥٢١، ٦٤١.

بكر بن عبد مناة بن كنانة ٤٢١.

بكر بن وائل ١٥٤.


 

البكري ٢٧.

بكير بن مسمار ٤٩٠.

بلال الحبشي ٦٠، ٤٤٣، ٥٥١، ٥٥٥، ٦٠٤.

بلال العبسي ٣٠٢.

بلال مولى أبي بكر ١٢٥.

بندار = محمد بن بشّار بن عثمان.

البهيّ ٣٩، ٤٩٥.

بيضاء ٣٠.

البيهقي ٢٣، ١٨٦، ٤٢٧، ٥٦٢، ٧١١.

ت

الترمذي ٢٤.

ث

ثابت بن أسلة ٤٣٠.

ثابت بن أقرم ٣٥٢، ٤٨١، ٤٨٤، ٤٩٧.

ثابت البناني ١٧١، ١٧٥، ١٨٤، ١٩٦، ١٩٩، ٢١٥، ٢١٩، ٢٣٨، ٢٣٩، ٢٩٨، ٣٥٧، ٣٨٠، ٣٩٠، ٤١٩، ٤٢٢، ٤٣٨، ٥٤٤، ٥٤٦، ٥٤٨، ٦٩٩.

ثابت بن الجذع ٥٩٨.

ثابت بن عمرو بن زيد ٢٠٢.

ثابت بن قيس بن شمساس ٨١، ٨٢، ٩٠، ١١٩، ٢٦٣، ٢٨٠، ٣١٦، ٦٧٦، ٦٨٤.

ثابت بن وقش ٢٠٤.

ثعلبة بن سعد بن مالك ٢٠٢.

ثعلبة بن سعيه ٣١٣، ٣٣١.

ثعلبة بن غنمة ٣٠٥.

ثعلبة بن الفطيون ٢٠٥.

ثعلبة بن قيس ٢٤٧.

ثقف بن فروة ٢٠٢.

ثمامة بن أثال ٣٥٠، ٣٥١.

ثور بن يزيد ١٦٣، ٤٤١، ٧٠٦، ٧٠٨.

ج

جابر بن أبي صعصعة الخزرجي ٤٩٩.

جابر بن سمُرة ٥٠٩.

جابر بن عبد الله ١٢٣، ١٥٩، ١٦٧، ١٧٥، ٢٠٩، ٢١١، ٢١٢، ٢١٣، ٢١٤، ٢٤٧، ٢٤٨، ٢٤٩، ٢٦٥، ٢٦٧، ٢٨٥، ٣٠٠، ٣٠١، ٣١٩، ٣٢٠، ٣٢٧، ٣٦٤، ٣٦٥، ٣٧٤، ٣٧٥، ٣٧٧، ٣٧٨، ٣٨٣، ٣٨٤، ٣٨٨، ٣٨٩، ٣٩٣، ٤١٢، ٤١٥، ٤١٦، ٤١٧، ٤١٨، ٤٢٢، ٤٣٦، ٤٣٧، ٤٩٠، ٥١٨، ٤٢٢، ٤٣٦، ٤٣٧، ٤٩٠، ٥١٨، ٥٤٧، ٥٥٠، ٥٥٩، ٦٠٤، ٦٦٠، ٦٩١، ٧٠٠، ٧٠١، ٧٠٨، ٧١٠.

الجارود بن عمرو ٦٨٢.

جارية بن عامر ٣٩.

جامع بن شدداد ٣٩٦، ٤٤٣.

جبار الثعلبي ١٤٤.

جبريل (عليه السلام) ٣٣، ٥٨، ٧٩،


 

٨٥، ٨٦، ٩٤، ١٢٣، ٣٠٧، ٣٠٨، ٣٠٩، ٣١٠، ٣٢٠، ٣٢٥، ٦٣٩، ٦٤٠.

جبلة بن الايهم ٦٢٢.

جبلة بن حارثة بن شراحيل ٤٩٣.

جُبيرْ بن مطعم بن عديّ ١٦٩، ١٨١، ٤٢٨، ٥٥٥.

الجدّ بن قيس الخزرجي ٣٩، ٢١٦، ٣٨٤، ٤٣٧، ٦٢٧.

جرير بن حازم ١١٦، ٣٠٢، ٥١٦.

جرير بن عبد الحميد ٦٠٣.

الجريري ٤٦٣.

جُشم بن الخزرجي ٣٠٥.

جعفر بن أبي طالب ١١٣، ١١٤، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٣، ٤٣١، ٤٣٢، ٤٦٦، ٤٦٧، ٤٨٠، ٤٨٢، ٤٨٣، ٤٨٥، ٤٨٦، ٤٨٧، ٤٨٨، ٤٩٢، ٤٩٣.

جعفر بن أبي المغيرة ٥٥٢.

جعفر بن أمية الضمري ١٨١.

جعفر بن سليمان ٩٩، ٥٨٣.

جعفر بن عبد الله بن اسلم ١٧٢، ٤٥٢.

جعفر بن عمرو بن أميّة ٢٣٥.

جعفر بن عمرو بن حريث ٥٤٨.

جعفر بن عون ٢٣٥.

جعفر بن محمد بن شاكر ٩٩، ١٣٥.

جعفر بن يحيى ٦١٠.

جعفر بن محمد الصادق ٦٩٩، ٧٠١، ٧٠٢، ٧١٠.

جفتة بن عمرو مزيقياء بن عامر ٤٢.

الجُلاس بن سويد بن الصامت ٣٩.

الجُلاس بن طلحة ١٩٨، ٢٠٦

جليبيب ٢١٨.

جليحة بن عبد الله ٥٩٧.

جُنادة الليثي ٥٩.

جندب بن مكيث الجهني ٤٥٠.

جهجاه بن سعيد الغفاري ٢٦٤.

جهم بن قثم ٥١٢.

جهيم بن الصلت بن مخرمة المطّبي ١٠٥.

الجوهري ٢٨.

جويرية (محدّث) ٣٠٨.

ح

حاتم بن اسماعيل ٢٠٧، ٤٠٤، ٦٦٧.

الحارث بن أبي شمر الغسّاني ٦٢١، ٦٢٢.

الحارث بن أبي ضرار ٢٥٩.

الحارث بن الأسود بن المطّلب ٦٨.

الحارث بن أنس بن رافع ٢٠١.

الحارث بن أوس بن معاذ ٢٠١، ٣٢١، ٣٣٠.

الحارث بن حاطب ٤٣٠.

الحارث بن حضيرة ٥٨٢.

الحارث بن خزرج ٣٢، ٥٨٠.

الحارث بن ربيعة بن الأسود ٦٣.

الحارث بن رقاعة بن الحارث الزُرقي ٦٢.

الحارث بن زمعة ١٢٥، ١٢٨.

الحارث بن سويد بن الصامت ٣٨، ٢٢٨.

الحارث بن الصّمّة ٢٣٦، ٢٥٢.

الحارث بن طلحة بن عبد الله ١٩٨، ٢٠٦.

الحارث بن عامر بن نوفل ١٢٥، ١٢٨، ٢٣١.


 

الحارث بن عبد كلال ٦٩٠.

الحارث بن عبد مناف بن قصيّ ١٢٦.

الحارث بن عمير الأزدي ٤٧٩، ٦٨٢.

الحارث بن عوف ٢٨٤، ٢٨٩.

الحارث بن مالك بن البرصاء الليثي ٤٥٠، ٤٥١، ٥٥٤.

الحارث بن منّبه ١٢٦، ١٢٨.

الحارث بن نعمان بن أساف النجّاري ٤٩٩.

الحارث بن هشام ٥٣٤، ٥٦٠، ٦٠٢.

حارثة بن سراقة البخاري ٥٨، ٦٥.

حارثة بن عمرو ٣٢٩.

حارثة بن مضرّب ٧٩، ٨٠، ٨٣.

حاطب بن أبي بلتعة ١٢٣، ٣٨٩، ٤٤٥، ٥١١، ٥١٢، ٥٢٥، ٥٢٦، ٥٢٧، ٥٢٩.

حاطب بن أُمية ٣٩.

الحاكم أبو عبد الله ٢٥، ٢٠٩.

حُبّاب بن قيظي ٢٠١.

الحُباب بن المنذر بن عمرو ٥٣، ١٠٨، ٤٤٢.

حبّان بن العَرِقة ٣١٨، ٣٢٢.

حبيب بن أبي ثابت ٢١٦، ٣٩١.

حبيب بن أوس الثقفي ٤٧٣.

حبيب بن زيد ٢٠١.

حبيب بن الشهيد ٤٦٦.

حبيب بن عيينة بن حصن ٣٣٥.

حبيش بن الأشعر ٥٤١.

حجّاج بن أرطاة ٣٦١.

الحجّاج بن ذي الرُّقيبة ٦١٦.

الحجاج بن عامر السهمي ١٢٦.

الحجّاج بن علاط السلمي ٤٣٨، ٤٣٩.

حجّاج بن منهال ٢٠٩، ٣٠٠.

حجوة بن مدرك الغسّاني ٢٥٤.

حُذيفة بن هشام ١٢٨.

حذيفة بن اليمان ١٨٠، ١٨١، ١٩٥، ٢٠٤، ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠٢، ٣٠٣، ٦٤٨.

حذيفة زاد الراكب بن المغيرة ٢٥٥.

حرام بن ملحان ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٣٨، ٢٣٩، ٢٥٣.

حسّان بن ثابت ١٥٣، ١٩٣، ٢٤١، ٢٥٤، ٢٥٥، ٢٧٩، ٢٨٠، ٢٨١، ٢٩٢، ٤٤٥، ٤٩٨، ٥١٢، ٥٣٣، ٥٤٢، ٥٤٣، ٥٤٤، ٥٤٦، ٥٤٧.

حسن البصري ٣٧، ٣٢٠.

الحسن بن أحمد ، أبو علي ٢٦٩.

الحسن بن أحمد بن إبراهيم ٢١٠.

الحسن بن بشر البجلي ٣٨٤.

الحسن بن سعد ٤٩٣.

الحسن بن الصباح ٦٦٨.

الحسن بن علي ٨٠، ١٦٤، ٢٤٣، ٣١٩، ٥٢٤، ٥٩٤، ٦٦٨.

الحسن بن عمارة ٢٥٤.

حسن بن محمد ٥٢٥.

الحسن بن يحيى المخزومي ٥٢٥.

حُسَيل بن جبير ، أبو حذيفة ١٩٥، ٢٠٤.

حُسَيْل بن نويرة ٤٥١.

الحسين بن ابي بكر بن الزبيدي ، أبو عبد الله ٣٤٠، ٣٨٩.

الحسين بن إسماعيل ٩١.

الحسين بن الحسن بن عطيّة العوفي ٣٠٠.


 

الحسين بن طلحة ٩١.

الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ٦٨، ٧٥، ٥٤١.

الحسين بن علي ٢٥٢.

حسين بن واقد ٤٩٦.

حسين المعلم ٢١٢.

الحصين بن الحارث ٩٢، ١٢٤.

الحُصين بن عبد الرحمن ١٦٨، ١٧٤، ٣٢٧، ٣٦٤، ٣٧٧، ٣٧٨، ٤٤٩.

الحضرمي ٥٢١.

حفص بن غياث ٥٦٢.

الحكم ٢٠٩، ٢٥٤، ٣٠٠، ٣٠١، ٣٩٢، ٣٩٨، ٤١٢، ٦٦٥.

حكم بن سعد ٢٤١.

الحكم بن عبد الله الأعرج ٣٨٥.

الحكم بن عبد الملك ٣٨٤، ٦١٠.

الحكم بن عينية ٦٣٢، ٦٧٨.

الحكم بن كيسان ٥٠، ٢٥٢.

حكيم بن حزام ٥٥، ٥٦، ١٠٩، ١٧٥، ٥٢٩، ٥٣٠، ٥٣١، ٥٣٩، ٥٤٢، ٥٧٨، ٦٠٢.

حكيم بن عبّاد ٥٦٨.

حمّاد بن زيد ٢١١، ٢٦٩، ٤٢٢، ٤٦٦، ٤٨٥، ٤٩٦، ٥٣٨، ٥٦٤، ٦٧٧، ٦٨٨.

حمّاد بن سَلَمَة ٣٦، ٦٥، ٧٩، ٨١، ٨٢، ١١٣، ١٧٥، ١٩٦، ١٩٩، ٢١٢، ٢١٩، ٢٣٨، ٢٩٨، ٣٠٠، ٣٢٢، ٣٨٠، ٣٨٧، ٣٩٠، ٤١٩، ٤٢٣

٤٥٦، ٤٦٦، ٤٩٧، ٥٠٩، ٥٤٧، ٥٨١، ٥٨٥، ٦٦٨، ٧٠٨.

حمزة بن أبي أسيد ٩١.

حمزة بن الحارث ٦٨١.

حمزة بن عبد المطلب ٤٠، ٤٥، ٤٦، ٥٧، ٦٠، ٧٠، ٩٢، ١٠٥، ١٢٤، ١٢٦، ١٢٨، ١٣٣، ١٦٧، ١٧٠، ١٨٧، ١٨٨، ١٩٨، ٢٠٠، ٢٠٥، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١١، ٢١٢، ٢٥٥، ٢٨٧، ٤٤٥، ٥٦٦، ٥٦٧، ٤٩٣.

حمل بن سعدانة بن حارثة بن معقل الكلبي ٢٩١.

حُمَيد بن زكريا ، أبو صخر ١٨٤، ١٨٥، ٣٥٧، ٣٨٠، ٤٠٦.

حُمِيد بن عبد الرحمن ٦٦٥، ٦٦٨.

حُمَيد بن هلال الطويل ٣٣، ١٨٩، ٢١٣، ٤٢٨، ٤٨٥، ٥٠٩، ٦٤٩، ٦٦٢.

الحُمَيدي ٥٩٦.

حنظلة بن أبي سفيان بن حرب ١٢٥.

حنظلة بن أبي عامر الراهب ١٨٩، ٢٠١، ٣٢٦.

حُوَيّصة بن مسعود ١٦٤.

حُوَيطب بن عبد العُزّى ١٠٤، ٤٦٠، ٤٦٥، ٥٦٠، ٦٠٢.

حيّان بن سلم ٦٧٩.

الحيمان بن عبد الله الخزاعي ٦٦.

حَيَّوَيْة بن شُرَيح المصري ١٨٥، ٤١٨.


 

حُييّ بن أخطب ١٤٠، ١٥٢، ١٥٣، ١٥٩، ٢٨٤، ٢٨٧، ٢٨٨، ٣١٠، ٣١١، ٣١٥، ٣١٧، ٤٢٤.

حُييّ بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير ١٧٩.

حُييّ بن عبد الله ٧٨.

خ

خارجة بن زيد بن ثابت بن أبي زهير ١٨٦، ٢٠٢.

خارجة بن مُصْعَب ٣٠٤.

خالد ٨٤.

خالد بن الأعلم ٢٠٦.

خالد بن البكير الليثي ٤٩، ٢٣٢، ٢٣٣.

خالد بن جعفر ٦٧٩.

خالد بن الحارث ٤٣٦.

خالد بن زيد ، أبو أيوب ١٢٥.

خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي ٣٤٦، ٣٤٧.

خالد بن سلمة المخزومي ٤٩٦.

خالد بن سُمَير ٤٨٥.

خالد بن مخْلد ٣٢٣.

خالد بن الوليد ٤٠، ٧٠، ١٢٦، ١٢٨، ١٣٣، ١٦٧، ١٧٠، ٣٦٦، ٣٧٧، ٤٦٩، ٤٧٢، ٤٧٣، ٤٧٤، ٤٨٤، ٤٨٥، ٤٨٦، ٤٨٩، ٥٣٢، ٥٤١، ٥٤٢، ٥٤٥، ٥٥٥، ٥٦٣، ٥٦٧، ٥٦٨، ٥٧٠، ٥٩١، ٥٩٩، ٦٤٥، ٦٤٦، ٦٤٧،

٦٩٠، ٦٩٨.

خالد بن يزيد ٥٤٣.

خالد بن الحذّاء ٣٨٥، ٥١٤، ٥١٥.

خالد الطحّان ١١٤.

خالد الطحاوي ٤٣٧.

خبّاب ٢١٧.

خبيب بن عبد الرحمن ٩٩.

خبيب بن عدّي ٩٩، ٢٣١، ٢٣٢، ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٤٠، ٢٤٥، ٣٣٣.

خُثَيم بن عِراك ٤٠٣.

خصفة الثعلبي ٢٤٦، ٢٤٩.

الخطيب البغدادي ٢٣، ٢٥.

خفاق بن ايماء بن رحصة ٥٤.

خلّاد بن سُوَيد بن الصّامت ٣٩، ٣٣٠.

خلّاد بن عمرو بن الجَمُوح ٢٠٣، ٢١٦.

خليفة بن خيّاط ٢٣.

خنيس بن حارثة بن لوذان ٢٥٣.

خنيس بن حذافة السهمي ١٤٢.

خوّات بن جبير ٢٨٨.

خيثمة والد سعد ٢٠١.

د

داود بن أبي هند ٥١٠.

داود بن الحُصين ٤٣، ٨٥، ٨٧، ١٠١، ١١٤، ٣٦١، ٤٦٧.

دُحَيْم ٣٨٨.

دِحْية الكلْبي ٣٠٩، ٣١٠، ٣٥٤، ٤٢١، ٤٢٢، ٥٠١.

الدراوردي ٦٦٢.

دريدين الصّمّة ٥٧٢، ٥٧٣، ٥٨٨، ٥٨٩.


 

دعثور بن الحارث بن محارب ١٤٤.

الدمياطي ، عبد المؤمن بن خلف التوني ٥٨٧.

دومي بن اسماعيل (عليه السلام) ٢٥٧.

دينار بن النجّار ٢٠٢.

ذ

ذكوان بن معبد قيس ٢٠٣.

الذُهلي ٤٢٧، ٥٠٨، ٥١٠.

دؤيب بن الأسود بن رزن الديلي ٥٢١، ٥٢٢.

ر

راشد بن سعد ٦٩٤.

راشد مولى حبيب بن أوس الثقفي ٤٧٣.

رافع بن حرملة ٤٠.

رافع بن خديج ٤١٦، ٤١٧.

رافع بن زيد ٣٩.

رافع بن عمرو ٣٠.

رافع بن المعلّى المُرقي ٤٥.

رافع بن وديعة ٣٩.

رافع مولى خراعة ٥٢٢.

رباح غلام النبيّ ٣٣٦.

ربيع بن أنس ٢١٠، ٥١١، ٥٧٥.

الربيع بن صبيح ٧٠٧.

ربيعة بن أبي عبد الرحمن ٤٦٦.

ربيعة بن أكثم ٤٢٩.

ربيعة بن أميّة ٧٠٩.

ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ٥٧٤، ٧٠٤.

ربيعة بن رفيع ٥٨٨.

ربيعة بن عثمان ٤٧٩، ٤٨١، ٤٨٢، ٥١٦.

ربيعة بن مالك ٢٥٤، ٢٥٥.

ربيعة الرأي ٢٦٠.

رفاعة بن زيد بن التابوت ٤٠، ٢٦٨.

رفاعة بن زيد الجذامي ٤٤٢.

رفاعة بن عبد المنذر ١٢٤.

رفاعة بن عمرو ٢٠٣.

رفاعة بن قيس ٤٥٢.

رفاعة بن مسروح ٤٢٩.

رفاعة بن وقش ٢٠١.

رُقيم بن ثابت ٥٩٨.

روح بن عبادة ٢٠٩.

الروياني ٤٩٦.

ز

زافر بن سليمان ٤٤٣.

الزّبرقان بن بدر ٦٧٥، ٦٧٦، ٦٧٧، ٦٧٨.

الزبيدي ٤٣٢، ٤٣٣، .

الزبير بن باطا ٢٤٤، ٣١٦.

الزبير بن بكار ٢٤، ١٨٥، ٦٧٨.

الزبير بن العوّام ٢٧، ٥٢، ٥٤، ٧٩، ١٠٧، ١٠٨، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٨، ١٣٣، ١٧٠، ١٧١، ١٧٢، ١٧٣، ١٧٨، ١٧٩، ١٨٣، ١٩٧، ٢٠٨، ٢١٠، ٢٢٤، ٢٤٤، ٣٠٠، ٣٠١، ٣٨٤، ٤١٧، ٤٢٤، ٤٤٢، ٥٢٥، ٥٣٢، ٥٤٥.

زرارة بن أوفى ٣٤.

زرارة بن عُمير بن هاشم بن عبد مناف أبو عزيز ١١٩.


زِرّ بن حُبَيش ٧٩.

زكريا بن أبي زائدة ٣٤٣، ٥٥٤، ٥٧٩.

زكريا بن جهم ٥١٢.

زكريّا بن زيد ٤١٦.

زكريا بن يحيى المروزي ٥٩٥.

زممعة بن الأسود ٦٦، ٦٨، ١٠٥، ١٢٥، ١٢٨.

زهران بن كعب بن الحارث ٢٩٩.

الزُّهْري ، ابن شهاب ٢٧، ٤٦، ٧٤، ٨٠، ٩٣، ١١٣، ١٢١، ١٢٩، ١٣٣، ١٣٤، ١٣٨، ١٤٨، ١٤٩، ١٥٣، ١٦١، ١٦٦، ١٦٨، ١٧٢، ١٨٣، ١٨٧، ١٩١، ١٩٢، ١٩٣، ١٩٥، ١٩٧، ٢٠٩، ٢١١، ٢١٣، ٢٢٧، ٢٣٠، ٢٣٦، ٢٤٣، ٢٤٨، ٢٤٩، ٢٦٩، ٢٧٣، ٢٧٨، ٢٩٦، ٣٠٨، ٣٤١، ٣٤٩، ٣٦٣، ٣٦٤، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٧٠، ٣٧١، ٣٧٢، ٣٧٥، ٣٧٦، ٣٧٩، ٣٧٦، ٣٧٩، ٣٨٩، ٣٩١، ٣٩٦، ٣٩٧، ٤٠، ٤٠٣، ٤١٥، ٤٢٧، ٤٣٢، ٤٣٣، ٤٣٤، ٤٣٦، ٤٣٧، ٤٤١، ٤٤٣، ٤٤٤، ٤٥٩، ٤٦٢، ٤٦٧، ٤٦٩، ٤٤٧، ٤٦٩، ٤٧٧، ٤٩٤، ٥٠١، ٥٠٥، ٥٠٧، ٥٠٨، ٥١٠، ٥١١، ٥٣٧، ٤٤١، ٤٤٣، ٤٤٤، ٤٥٩، ٤٦٢، ٤٦٧، ٤٦٩، ٤٧٧، ٤٩٤، ٥٠١، ٥٠٥، ٥٠٧، ٥٠٨، ٥١٠، ٥١١، ٥٣٧، ٥٣٨، ٥٤١، ٥٤٢، ٥٤٧، ٥٦١، ٥٦٢، ٥٦٧، ٥٦٨، ٥٧١، ٥٧٢، ٥٨١، ٦٠١، ٦٠٤، ٦٤٩، ٦٥١،

٦٥٩، ٦٦٥، ٦٩٤، ٧٠٩.

زهير بن محمد ٣٩٢.

زهير بن معاوية ٩٥، ١٧٣، ٣٥٧، ٥١٨، ٥٧٩.

زياد ٢٢٨.

زياد بن الحارث الصُدائي ٣٨١.

زياد بن ضميرة بن سعد الضمري ٤٥٤، ٤٥٦.

زياد بن لبيد ٣١.

زياد بن نعيم الحضرمي ٣٨١.

الزيادي ٩٣.

زيد بن أبي عبيد ٣٨٥.

زيد بن أرقم ٢٠٢، ٢٦٤، ٢٦٥، ٢٦٦، ٢٦٧، ٤٩١، ٤٩٦، ٤٩٧، ٧١٠.

زيد بن أسلم ٢٤٧، ٢٩٦، ٣٩٥، ٥٥٩.

زيد بن ثابت ١٦٧، ٥٦٤، ٦٠٠، ٦٩٦.

زيد بن جارية ٣٩.

زيد بن حارثة ٤١، ٦٤، ٦٩، ١١٣، ١٢١، ١٢٤، ١٥٤، ١٥٧، ٢٥٨، ٣٥٣، ٣٥٤، ٣٥٥، ٣٥٩، ٤٤٤، ٤٦٦، ٤٦٧، ٤٨٠، ٤٨٢، ٤٨٥، ٤٨٦، ٤٨٧، ٤٩٣، ٤٩٤، ٤٩٥، ٤٩٦.

زيد بن الحباب ٧١٠، ٧١١.

زيد بن خالد الجُهني ٤٣٥.

زيد بن الخطّاب ١٢٤.

زيد بن الدَّثِنَة ٢٣١، ٢٣٢.


 

زيد بن سَعْنَة ٦٦٣.

زيد بن سلّام ٥٧٥.

زيد بن سهل ، أبو طلحة ١٢٥.

زيد بن عبد الله بن قسيط ٤٩٥.

زيد بن عبيد بن المقلّى الخزرجي ٤٩٩.

زيد بن عمرو بن نفيل ٣٩، ٤٣.

زيد بن اللّصيت ٤٠.

زيد بن المبارك الصنعاني ١٤٩.

زيد بن المهلهل بن زيد ، أبو مكنِف ٦٦٤.

زيد بن يثيع ٦٦٥.

زيد الخير (الخليل) ٦٨٦.

س

السّائب بن أبي السائبالمخزومي ١٢٦.

السائب بن الحارث ٥٩٧.

السّائب بن عثمان بن مظعون ٤٧.

السائب بن فرُّوخ ٥٩٦.

السائب بن يزيد ٥٤٧، ٥٤٩.

سالم بن أبي الجعد ٣٦٤، ٣٧٧، ٥٩٣.

سالم بن عبد الله ٤٩٤، ٣٧٧، ٥٩٣.

سالم بن عمير ١٣٨، ٦٣٠.

سالم بن عوف ٣٠، ٦٣١، ٦٦٤.

وسباع بن عبد العزّى الخزاعيّ ١٣١، ٤٠٤.

سباع بن عرفطة الغفاريّ ١٣١، ٤٠٤.

سبيع بن حاطب بن الحارث ٢٠١.

السُّدّي ٣٤، ١٨٠، ٥٥٢.

سراقة بن حباب بن عديّ العجلاني ٥٨٩.

سراقة بن مالك ٩٤، ٧٠٢.

سراقة المدلجي ١٠٩.

سعد بن إبراهيم ٣١٤، ٣٢٣، ٣٢٦، ٣٢٩.

سعدبن أبي طلحة ١٩٨.

سعد بن أبي وقّاص ٤١، ٤٦، ٤٨، ٥٢، ٦٥، ١٢٤، ١٧٥، ١٨١، ١٨٣، ١٨٧، ١٩٢، ٣٠٩، ٣١٤، ٣١٥، ٣١٦، ٣٢٩.

سعد بن بكر ٣٥٥، ٦٨٠.

سعد بن خولة ٤٠٢.

سعد بن خيثمة الأوسي ٦٥، ١٠٨.

سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير ١٨٦، ٢٠٢.

سعد بن زيد ٣١٨، ٣٣٤، ٥٦٣.

سعد بن طارق ٦٨٥.

سعد بن عبادة ٤٥، ٨٢، ٢٥٦، ٢٧٥، ٢٨٨، ٤٤٢، ٤٦٠، ٤٩٦، ٥٣٢.

سعد بن عبيدة ١٢٣، ٤٥٧.

سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجي ١٤٢، ١٩٨.

سعد بن مُعاذ ٥١، ٥٢، ٥٨، ٧٣، ٨٠، ١٠٧، ١٢٤، ١٥٣، ١٦٢، ١٨٤، ١٨٨، ٢٠١، ٢٧٠، ٢٧٥، ٢٧٦، ٢٨٨، ٢٨٩، ٢٩١، ٣٠٩، ٣١٤، ٣١٥، ٣١٨، ٣١٩، ٣٢٠، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٣، ٣٢٤، ٣٢٥، ٣٢٦، ٣٢٧، ٣٢٨، ٣٢٩، ٣٣٠.

سعيد بن أبي بردة ٦٩١.

سعيد بن أبي عروبة ١٩٦، ٥٠١.


 

سعيد بن أبي مريم ١٢١.

سعيد بن أبي هلال ١٩٠، ٥٤٣، ٦٣٥.

سعيد بن أبي هند ٥٥٥.

سعيد بن بشير ٥٢٧.

سعيد بن جُبير ٢١٩، ٣٩٨، ٣٩٩، ٤٥٧، ٤٦٢، ٤٦٦، ٦٩٦.

سعيد بن زيد ١٢٤.

سعيد بن السائب ٦٧٢.

سعيد بن سعيد بن العاص ٥٩٧.

سعيد بن سُوَيد ٢٠٢

سعيد بن الصلت ٦٦٢.

سعيد بن العاص ٤٣٢، ٤٣٣.

سعيد بن عبد الرحمن الجحشي ١٨٦.

سعيد بن عبد العزيز ٥٢٧، ٥٣٦، ٦٣٨.

سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض ٢٥٩.

سعيد بن غزوان ٦٣٨.

سقيد بن محمد بن أبي زيد ٢٢٧.

سعيد بن مسروق ٢١٦.

سعيد بن المسيّب ١٢٩، ١٧٠، ١٧٩، ١٨٣، ١٨٥، ١٩٥، ١٩٧، ١٩٩، ٢٥٦، ٢٧٣، ٣١٢، ٣٦٥، ٣١٢، ٣٦٥، ٣٨٨، ٣٢٧، ٤٢٧، ٤٣٤، ٤٣٥، ٤٣٦، ٤٤٣، ٤٦٦، ٥٠٨، ٥١١، ٦٠٦، ٦٥١، ٦٨١.

سعيد بن منصور ٣٩٨.

سعيد بن ميناء ٢٨٥.

سعيد بن هشام بن عامر ٢١٣.

سعيد بن يوبوع ٦٠٢.

سعيد المقبري ٣٠٣، ٣٢٥، ٣٥٠

٣٥١، ٤٨١.

سُفيان بن ثابت بن النبيت ٢٥٤.

سفيان بن حرب ٥٠.

سفيان بن حسين ٤٣٦، ٦٦٥.

سفيان الثَوْري ٩٦، ٣٠٠، ٣٢٨، ٣٩٩، ٤٦٥، ٤٦٦، ٥٢٥، ٥٢٦، ٦٩٧، ٧١٠، ٧١١.

السكن بن أبي كريمة ٦٢٨.

سلّام بن ابي الحُقيق ٢٨٤، ٣٤١، ٣٤٢، ٣٤٣، ٣٤٤، ٣٤٥، ٣٦١.

سلام بن مسكين ١٧٠، ١٩٧، ٥٤٦.

سلّام بن مشكم ١٤٠.

سلامة بن رَوْح ٨٥.

سلطان بن سلامة بن وقش ، أبو نائلة الوائلي ١٦٣.

سلمان الفارسي ٢٨٦.

سُلَمَة بن اسلم ١٠١.

سلمة بن الاكوع ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٣٧، ٣٣٩، ٣٤٠، ٣٤١، ٣٦٥، ٣٨٥، ٣٨٦، ٤٠٧، ٤٠٩، ٤٣٣، ٤٤٦، ٤٩٤، ٥٨٧.

سلمة بن ثابت بن وقش ٢٠١.

سلمة بن الحارث ٢٠٢.

سلمة بن رجاء ٩٧.

سلمة بن سلامة ٦٤، ١٠٦، ٤١٦.

سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة ٢٢٩، ٢٥٥.

سلمة بن كُهَيل ٣٩٩، ٤٠٤.

سلمة بن نعيم بن مسعود ٦٨٥.

سلمة بن هشام ٤٠١، ٤٩١.


سلمة بن الأسود بن رزن الديلي ٥٢١، ٥٢٢.

سليط بن قيس المازني ٣١، ٧٠.

سليمان بن أحمد ١٩٤.

سليمان بن بلال ٢٠٧، ٢٦٩، ٤٢٦، ٤٩٠، ٦٣٥، ٦٣٧.

سليمان بن حرب ٤٦٦، ٤٨٥، ٥٦٥، ٦٧٧.

سليمان بن داود ٦٩٤.

سليمان بن صرد ٣٠٤.

سليمان بن قيس ٢٤٩.

سليمان بن معاذ ٤١.

سليمان بن الممغيرة ٨٢، ٩٠، ٢٣٩، ٥٤٤.

سليمان بن يسار ١٨١، ١٨٢، ٤٦٦.

سليمان التيمي ٩٥، ١٧٥، ٢١٠، ٢٧٩، ٣١٩.

سليمان المهدي ٤٣٧.

سُلَيم بن عمرو بن حديدة ٢٠٣.

سماك بن حرب ٤١، ٩٩، ١٢١، ١٥٢، ٣٢٤، ٣٥٧، ٥٠٩، ٦٨٧، ٦٩٧.

سنان بن أبي سنان بن محصن ٣٣١.

سنان بن وبر٢٦٤.

سِنان الدؤلي ٢٤٨.

سنقر بن عبد الله ، أبو سعيد ٣٤٠.

سنقر العضائي ٥٩٥.

سهل ٢٨، ٣٠.

سهل بن بيضاء ٦٦٢.

سهل بن حنيف ٣٩، ١٥٢، ٣٩١، ٤٤٢.

سهل بن سعد ٨٥، ١٤٢، ١٨٩،

١٩٠، ٤٠٦، ٤٣٤.

سهل بن عامر بن سعد ٢٥٣.

سهيل ٢٨، ٣٠.

سهيل بن أبي صالح ٤٠٧.

سهيل بن بيضاء ٤٨، ١١٧، ٦٦٢.

سهيل بن عمرو ٦٨، ٣٧٠، ٣٧١، ٣٨٣، ٣٨٩، ٣٩١، ٤٠٠، ٤٦٠.

سهيل بن قيس ٢٠٣.

سهيل زاد الراكب بي المغيرة ٢٥٥.

سواد بن غنم ٢٠٣.

سواد بن مالك ٢٠٣.

سويد بن الصامت ٢٢٧، ٢٢٨.

سويد بن النعمان ٤٠٤.

سيابة بن عاصم ٥٨٠.

سيف بن عمر ٢٤.

ش

الشافعي ٢٦، ٥١١.

شجاع بن وهب ٣٥٢، ٤٧٦، ٥٠٨، ٦٦٢.

شدّاد بن الأسود ١٨٩.

شدّاد بن أوس ٢٠٢.

شرحبيل بن سعد ٤١٨.

شرحبيل بن عمرو الغسّاني ٤٧٩.

شريك ٣٩٩.

شعبة ٥٩، ٨٣، ٩٣، ١١٩، ١٦٧، ٢١٣، ٢٧٩، ٢٩٨، ٣٠١، ٣١٤، ٣٢٤، ٣٢٦، ٣٥٧، ٣٦٤، ٣٧٧، ٣٩٠، ٣٩٦، ٣٩٨، ٣٩٩، ٤٠٦، ٤٣٦،


 

٤٤٣، ٥٤٨، ٥٧٩، ٦٨٧، ٦٩٧، ٧٠٦.

الشعبي ٦٥، ٤٨٧، ٤٩٢، ٥٥٤.

الشعثاء ٦٥، ٩٧، ٣٦٠، ٣٨٥، ٣٩٨، ٤٣٢.

شعيب بن ابي حمزة ١٦١، ٢٤٨، ٤٣٤، ٥٦١، ٦٠١، ٦٠٤، ٦٥١، ٦٨٣.

شعيب بن عباد ٢٥٩.

شيبان ١٦٥، ٢٩٧، ٧١٤.

شيبو بم ربيعة ٥٧، ٦٣، ٦٦، ٨١، ٨٩، ٩٢، ١٠٥، ١٢٥، ١٢٧.

شيبة بن عثمان العبدري ١٧٧، ٥٥١، ٥٧٧، ٥٨٣.

شيبة بن مالك ٢٠٧.

ص

صالح بن ابراهيم ٩٥.

صالح بن أبي أمامة بن سهل ١٥٧.

صالح بن كيسان ٣٦، ١٩٢، ٤٢٧، ٥٠١، ٥٠٧، ٥١٠.

صالح المرّي ٢٠٩.

صدقة بن أبي سهل ٦٣٩.

صدقة بن سعيد ٥٨٣.

صُرَد بن عبد الله الأزدي ٦٨٩.

الصعب بن معاذ ٤٢٠.

صفوان بن أمية ٦٦، ٧١، ٧٢، ٧٣، ١٠٠، ١٦٨، ١٩٢، ٣٧٣، ٤٧٥، ٥٣٤، ٥٣٥، ٥٦٠، ٥٧٢، ٥٧٨، ٦٠٢.

صفوان بن البيضاء ٦٥.

صفوان بن عمرو ٦٩٤.

صفوان بن المعطّل السلمي الذكواني ٢٧٤، ٢٧٩، ٢٨٠، ٢٨١.

الصلت بن محمد ٦٨٤.

صهيب بن سنان ١٢٤.

صهيب بن الرومي ٢٥٢.

صوْآب ٢٠٦.

صيفي بن قيظي ٢٠١.

ض

الضحّاك بن سفيان ٦٢٣.

الضحّاك بن عثمان ٢٤٧، ٦٦٢، ٦٦٣.

ضرار بن الخطّاب ٢٩٠.

ضرار الشاعر ٢٩٢.

ضمام بن ثعلبة ٦٨٠.

ضمرة بن عبد مناة بن كنانة ٤٥، ٥٢٨.

ضمرة حليف جُهَينة ٢٠٢.

ضمضم بن عمرو الغفاري ٧٥، ٧٧، ١٠٤.

ضياء الدين المقدسي ١٢٨.

ط

طارق بن شهاب ٨١، ٦٩٢، ٧٠٨.

طارق بن عبد الرحمن ٣٨٨.

طالوت (عليه السلام) ٧٨، ٧٩.

طاهر بن محمد المقدسي ٥٩٥.

طاووس ٥٦٣.

الطبري ٢٥.


 

طُعيمة بن عدّي بن نوفل ١٢٥، ١٢٨، ١٦٩، ١٨١.

الطُفيل بن الحارث بن المطّلب ٩٢، ١٢٤، ٢٥٥.

الطُفَيل بن النعمان بن خنساء ٣٠٥.

طلحة بن ابي طلحة ١٨.

طلحة بن خراش ٢١٤.

طلحة بن خويلد الأسدي ٢٨٣.

طلحة بن عبيد الله ١٢٤، ١٢٥، ١٢٨، ١٧٥، ١٧٦، ٢٧٨، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٨، ١٩٠، ١٩١، ١٩٣، ٢٠٦، ٣٢٢، ٣٣٤، ٣٣٦، ٣٨٦.

طلحة بن عثمان ١٧٧.

طلحة بن مصرّف ٦٣٤.

طلحة بن يحيى بن مليل بن ضمرة ٤٣٠.

الطيالي ٥٤٧.

ع

العاص بن منبّه بن الحجّاج ٦٣، ١٢٦، ١٢٨، .

العاص بن هشام ١٢٥، ١٢٨.

العاص بن وائل السهمي ٤٠، ٥١، ١٢٥، ٥١٣، ٥١٤.

عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ٦٥، ١٢٥، ١٩٨، ٢٣٠، ٢٣٢، ٢٥٢.

عاصم بن حميد السكوني ٦٩٤.

عاصم بن عمر بن قتادة ١٤٦، ١٦٨

١٨٩، ١٩٣، ١٩٤، ١٩٥، ١٩٧، ٢٠٤، ٢٢٠، ٢٥٩، ٢٦٤، ٢٦٨، ٣١٦، ٣٢٤، ٣٢٥، ٣٢٧، ٣٣١، ٤٨٧، ٥٣٨، ٥٧٦، ٥٧٧، ٦٠١، ٦٢٧، ٦٢٨، ٦٤١، ٦٨٥.

عاقل بن البكير ٦٥.

عامر بن الأضبط الأشجعي ٤٥٤، ٤٥٥.

عامر بن الأكوع ٤٠٤، ٤٠٥، ٤٠٨، ٤٠٩، ٤١٧، ٤٣٠.

عامر بن الحضرمي ٥٥، ٥٦.

عامر بن ربيعة ٤٩، ٥١٦.

عامر بن سعد ٣٢٣.

عامر بن صعصعة ١٦٤.

عامر بن الطفيل ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٣٨، ٢٤٠، ٢٤١، ٢٥٤، ٢٥٥.

عامر بن عبد الله بن الزبير٤٩١.

عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ٢٣٦، ٢٤٠، ٢٥٢.

عامر بن لؤيّ ٢٠٧، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٨٦، ٣٨٧.

عامر بن مالك أبو البراء ٢٣٦، ٢٥٤.

عامر بن مخلد ٢٠٢.

عباد بن أبي صالح ٢٢٠.

عبّادبن بشر ١٢٤، ١٦٣، ٢٦٤، ٣٣٤، ٤٤٢.

عبّاد بن حبيش ٤٨٧.

عبّاد بن حنيف ٣٩.

عبّاد بن سهل ٢٠١.


 

عبّاد بن عبد الله بن الزبير ٦٨، ٢٣٤، ٢٦٩.

عبّاد بن العوّام ٤٣٦.

عبّاد بن قيس الخررجي ٤٩٩.

عبادة ٣٦.

عُبادة بن الخشخاش ٢٠٣.

عُبادة بن الصامت ٦٤، ١٢٥، ١٤٧، ١٤٨.

عبادة بن الوليد١٤٧.

عباس بن سهل ٦٣٧.

العبّاس بن عبادة بن نضلة ٣٠، ٢٠٣.

العّباس بن عبد الله بن معبد ١٢٠.

العبّاس بن عبد المطّلب ٥٩، ٦٦، ٧٥، ٧٦، ٩٠، ٩٩، ١٠٥، ١١٦، ١١٨، ١٢٠، ١٢٨، ٤٣٨، ٤٣٩، ٤٥٩، ٤٦٠، ٤٦٥، ٥٣٠، ٥٣١، ٥٣٢، ٥٣٣، ٥٣٥، ٥٣٨، ٥٣٩، ٥٤٠، ٥٤١، ٥٧٤، ٥٧٧، ٥٨٠.

عباس بن مرداس ٥٣٢، ٦٠٢، ٦٠٧.

عباية بن رفاعة بن رافع ٦٠١.

عباية بن مالك الأنصاري ٤٨٣.

عبد الأحد بن مهدي ، أبو عمر ٩١.

عبد الأشهل ٣٢.

عبد الأعلى بن عبد الله بن ابي فروة ٢٠٧، ٢٢٠.

عبد الأول بن عيسى ٣٨٩.

عبدا لحافظ بن بدران ٣٨٩.

عبد الحق اليوسفي ، أبو الحسين ٢٦٩.

عبد الحميد بن جعفر ٣٥١، ٤٧٠، ٤٧٣.

عبد الحميد صاحب الزيادي ٩٣.

عبد الخالق بن عبد السلام ٩١، ٢٦٩.

عبدان بن عثمان ١١٣.

عبد الرحمن بن ابراهيم الفقيه ٩١، ٢٦٩.

عبد الرحمن بن أبي حاتم ٢٤.

عبد الرحمن بن أبي الزناد ٤١، ١١٥، ١٩٥، ٣٠١، ٤٥٦.

عبد الرحمن بن أبي شريح ٣٨٩.

عبد الرحمن بن أبي علقمة ٣٩٦، ٤٤٣.

عبد الرحمن بن أبي ليلي ٣٩٨، ٤١٢، ٤٩٧.

عبد الرحمن بن أبي نصر ٢٤٣، ٢٥٤.

عبد الرحمن بي جابر بن عبد الله ٢٢٠، ٥٧١، ٥٧٦.

عبد الرحمن بن جبير ٥١٦، ٥١٧.

عبد الرحمن بن الحارث ٤٥٦.

عبد الرحمن بن حرملة ١٩٩.

عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت ٢٨٠.

عبد الرحمن بن خبّاب ٦٢٨.

عبد الرحمن بن زياد ٣٨١.

عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ٥١٢.

عبد الرحمن بن سلمان ٤٩٨.

عبد الرحمن بن سَمُرَة ٦٢٩.

عبد الرحمن بن عبد العزيز ٢٥٨، ٤٤١.

عبد الرحمن بن عبد القاري ٥٠٨، ٥١١.

عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ٦٥٣.

عبد الرحمن بن عمر بن النحاس ٥٢٥.

عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ٣١٦، ٣٢٢.


 

عبد الرحمن بن عوف ٥١، ٥٩، ١٢٤، ٢١٦، ٣٤٠، ٣٥٥، ٣٥٧، ٥٦٨، ٥٢٨.

عبد الرحمن بن عيينة ٣٣٦، ٣٣٨.

عبد الرحمن بن الغسيل ٩١، ١٩٤، ١٩٥، ٣٢٤.

عبد الرحمن بن كعب بن مالك ١٤٩، ١٦١، ٢١٣، ٢٣٦، ٣٠٨، ٤٣٦.

عبد الرحمن بن مسْوَر بن مَخْرَمَة ١٩٧.

عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ١١٣.

عبد الرحمن الصنعاني ١١٣.

عبد الرحمن المسعودي ٣٩٦.

عبد الرحمن مولى أم برثن ٥٨٣.

عبد الرازق الصنعاني ٩٩، ٢٧٨، ٣٧٤، ٤٢٧، ٤٣٨، ٤٦٥.

عبد العزيز ابن أخ حذيفة بن اليمان ٣٣.

عبد العزيزبن ابي حازم ١٨٩، ٤٣٤.

عبد العزيز بن أبي سلمة ١٨١.

عبد العزيز بن سياه ٣٩١.

عبد العزيز بن صُهيب ٢٨، ٣٢، ٢٩٨، ٣٥٧، ٤٢٢.

عبد العزيز بن عمران بن موسى١١٨، ٢٢٠.

عبد العزيز بن يحيى الحراني ٦٤٨.

عبد العزيز الماجشون ٤٩٨.

عبد اللطيف بن يوسف ٥٩٥.

عبد الله بن أبي أوفى ٩٧، ٣٦٤، ٤٢٨.

عبد الله بن أبي أمية ٥٣٦، ٥٩٧.

عبد الله بن ابي بكر بن حزم ٦٠، ٨٠، ١٤٣، ١٥٧، ٢٢٥، ٢٣٦،

٢٤٥، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٤، ٢٧٩، ٢٥٩، ٣٧٧، ٣٨٣، ٤٠٣، ٤١٩، ٤٨٣، ٤٨٨، ٤٩١، ٥٤٨، ٥٥٣، ٥٦١، ٥٧١، ٥٧٦، ٥٩٦، ٥٢٧، ٦٣٣، ٦٣٧، ٦٤٥، ٦٩٢.

عبد الله بن أبي بكر الصدّيق ٥٩٧.

عبد الله بن أبي بن سلول ٣٩، ٤٣، ١٤٧، ١٤٨، ١٤٩، ١٦٧، ٢٢٣، ٢٢٧، ٢٦٤، ٢٦٥، ٢٦٦، ٢٧٤، ٢٧٥، ٢٧٨، ٢٧٩، ٦٠٣، ٦٣١، ٦٥٩، ٦٦٠.

عبد الله بن أبي حدرد الاسلمي ٥٧٢.

عبد الله بن أبي ربيعة ١٢٩، ١٣٠، ١٣١، ١٦٨، ٥٦٠.

عبد الله بن أبي سفيان ٤١٦.

عبد الله بن أبي لبيد ٢٥٨.

عبد الله بن ابي نجيح ١٤١، ٣٩٢، ٤٦٣.

عبد الله بن إدريس ٢١٩، ٤٠٣، ٥٣٨.

عبد الله بن أنيس ٣٤٢، ٣٤٦، ٣٦٢.

عبد الله بن بدر٣٧.

عبد الله بن بُريدة ٤١٠، ٤١١.

عبد الله بن بكر ٣٨٠.

عبد الله بن ثعلبة بن صعير ٩٣، ٢١١.

عبد الله بن جبير بن النعمان ١٧٠، ١٧٣، ٢٠١.

عبد الله بن جحش الأسدي ٤٨، ٥٠، ١٨٦، ٢٠٠.

عبد الله بن جدعان ٦٢.


 

عبد الله بن جعفر ٤٨٧، ٤٨٩، ٤٩٢، ٤٩٣.

عبد الله بن جعفر الفارسي ٢١٠، ٣٥٥.

عبد الله بن الحارث بن الفضل ٤٤٧، ٤٨٦، ٥٩٧.

عبد الله بن حذافة السهمي ٤٥٧.

عبد الله بن الحسن ٤١١.

عبد الله بن حميد بن زهير الأسدي ٢٠٦.

عبد الله بن خارجة ٢٢٤.

عبد الله بن خطل ٥٤٧، ٥٥٣.

عبد الله بن دينار ٤٦٢، ٦٣٥، ٧١٤.

عبد الله بن رياح الأنصاري ٤٨٥، ٥٤٤، ٥٤٦.

عبد الله بن رفاعة ٥٢٥.

عبد الله بن رواحة ٦٤، ١١٦، ١٥٧، ١٨٨، ٢٥١، ٢٨٠، ٢٨٨، ٤٢٤، ٤٦٠، ٤٦٢، ٤٨٠، ٤٨١، ٤٨٢، ٤٨٣، ٤٨٥، ٤٨٦، ٤٨٧، ٤٩١، ٤٩٦، ٤٩٧، ٤٩٨، ٤٩٩.

عبد الله بن الزبير ١٢٧، ١٨٤، ٤٦١.

عبد الله بن زيد ٤٠.

عبد الله بن سعد بن ابي سرج ٥٥٢، ٥٥٣.

عبد الله بن سفيان ٦٦٤.

عبد الله بن سعد بن معاذ ٣٣٠.

عبد الله بن سعيد بن أبي هند ٤٨٢، ٤٩٩.

عبد الله بن سلام ٣٢، ٣٣، ٣٤.

عبد الله بن سلمة العجلاني ٢٠١.

عبد الله بن سهل بن رافع الأشهلي ٣٠٤.

عبد الله بن سهل الحارثي ، أبو ليلى

٢٩١، ٤١٥.

عبد الله بن شدّاد ٣٢٤.

عبد الله بن صالح ٩٣، ١٧٥، ٣٩٩، ٦٤٩، ٦٥٢.

عبد الله بن طارق ٢٣٢، ٢٣٣.

عبد الله بن الطفيل بن سخبرة ٢٤٠.

عبد الله بن عامر بن ربيعة ٥٩٧.

عبد الله بن عبد الأسد بن هلال ١٢٧، ٢٥٥.

عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ٥٨٢، ٦٨٣.

عبد الله بن عبد الله بن أبي ٢٦٨.

عبد الله بن عبد الله بن أنيس ٣٤٦، ٣٤٧.

عبد الله بن عبد المطّلب ٤٤٤.

عبد الله بن عتيك ٣٤٢، ٣٤٣، ٣٤٤.

عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد ٨٣.

عبد الله بن عثمان بن خثيم ٢١٠، ٣٧٩، ٥٥٧.

عبد الله بن عمر ٧٨، ٧٩، ٩٠، ٩٨، ١٤٩، ١٥٣، ١٨، ١٨٢، ١٩٥، ٢٥١، ٢٦٠، ٢٩٧، ٣٠٨، ٣١٩، ٣٢٨، ٣٨١، ٣٨٧، ٣٨٨، ٣٩٣، ٤٢٣، ٤٢٥، ٤٢٧، ٤٥٩، ٤٦١، ٤٦٢، ٤٧٧، ٤٨٢، ٤٨٧، ٤٩٢، ٤٩٤، ٥٢٨، ٥٤٦، ٥٥٠، ٥٥٢، ٥٥٦، ٥٩٥، ٥٩٦، ٦٠٨، ٦٠٩، ٦٣٥.

عبد الله بن عمرو بن حرام ٢٠٣، ٢١١، ٢١٤، ٢١٥.


 

عبد الله بن عمرو بن سعد ٣٣٠.

عبد الله بن عمرو بن العاص ٢١، ٥٩٦.

عبد الله بن عمرو بن وهب ٢٠٢.

عبد الله بن عياض بن الحارث ٥٨٢.

عبد الله بن الفضل الهاشمي ١٨١، ٢٦٧.

عبد الله بن القاسم ٦٢٩.

عبد الله بن قرط ٧٠٦.

عبد الله بن لحي ٧٠٦.

عبد الله بن المبارك ١١٣، ١٩٠، ٢٧٣، ٥٦٢، ٥٨٣.

عبد الله بن محمد بن عقيل ٤٩٠، ٦٣٤.

عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب ٨٣.

عبد الله بن مرّة ٢١٩.

عبد الله بن مظعون ١٢٧.

عبد الله بن مغفل ٤٢٨، ٥٤٨، ٦٢١، ٦٣٠.

عبد الله بن المكدم ٥٩٦.

عبد الله بن الهبيب ٤٢٩.

عبد الله بن يزيد الهذلي ١٦٧، ٥٦٠.

عبد الله بن يسار ٥٨٢.

عبد الله ذو البجادين ٦٦١.

عبد الله والد جابر ١٧٠.

عبد المسيح ٦٩٥.

عبد المطلب ٣١، ٦٠٧، ٧٠٥.

عبد المعطي بن عبد الرحمن ٥٩٥.

عبد الملك بن عمير ٢٢٩، ٣١٤.

عبد املك بن هشام ١٤٥، ٢٤٨، ٣١٣، ٣٣٥، ٣٧٦، ٣٧٧، ٤٣٠، ٤٩٢، ٥٣٥، ٦٨٢.

عبد المؤمن بن خلف = الدمياطي.

عبد الواحد بن أبي عون ٢١٧.

عبد الواحد بن أيمن المخزومي ١٩٨، ٢٩٩.

عبد الواحد بن زياد ٥٨٢.

عبد الوارث بن سعيد ١٧٦، ٢٩٨، ٣٤٧، ٥٥٠.

عبد الوهاب بن عطاء ٦٦٢.

عبد الوهاب الثقفي ٤٨٧.

عُبيد الأشعري أبو عامر ٥٨٩.

عبيد بن التيهان ٢٠١.

عُبيد بن رفاعة الزرقي ١٩٨.

عبيد بن سعيد بن العاص ١٢٥.

عبيد بن عمير ٢٠٧.

عبيد بن المعلّى بن لوذان ٢٠٣.

عبيد الله بن أبي رافع ٥٢٥.

عبيد الله بن بريدة ٤٩٦.

عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ٥٥٢.

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ١١٥، ١٦٦، ١٧٣، ١٩٥، ٣٩٧، ٥٠١، ٥٠٥، ٥٠٨، ٥٣٧، ٥٣٨، ٥٤١، ٥٦٢.

عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي أبو علي ٨٣.

عبيد الله بن عدي الخيار ١٨١.

عبيد الله بن عمر ٣٠٨، ٣٢٤، ٣٢٥، ٤٢٣، ٤٢٧، ٦٣٦، ٦٦٠، ٦٨١.

عبيد الله بن كعب بن مالك ١٤٠، ١٩٥، ٣٠٨، ٣٣٥، ٣٤١.

عبيد الله بن مقسم ٢٤٧.

عبيد الله بن موسى ٢٦٥، ٣٧٤.


 

عبيد الله بن الوازع ١٧١.

عبيدة بن جابر ٢٠٧.

عبيدة بن الحارث ٤١، ٤٦، ٥٧، ٦٥، ٨٩، ٩٢، ١١٩، ١٢٤، ٢٥٥.

عتّاب بن اسيد بن أبي العيص ٥٧٢، ٦١٢، ٦٢٢.

عتبان بن مالك الخزرجي ٣٠، ١٢٥.

عتبة بن أبي عتبة ٦٣٥.

عتبة بن أبي وقاص ١٧٧، ١٩٢، ١٩٣.

عتبة بن جبيرة ٣٢٧.

عتبة بن ربيعة ٥٤، ٥٥، ٥٦، ٥٧، ٦٣، ٦٥، ٦٦، ٨١، ٨٩، ٩٢، ١٠٥، ١٠٩، ١١٠، ١٢٥، ١٢٧، ١٥٧، ٢٠١، ٢٠٢، ٢٠٥.

عتبة بن غزوان ٤٦، ٤٨.

عتيب بن مالك ١٩٣.

عثّام بن علي ٩٦.

عثمان بن أبي طلحة ١٩٨، ٢٠٦، ٤٧٢، ٤٧٥.

عثمان بن أبي العاص ٦٦٨، ٦٦٩، ٦٧٠، ٦٧٢.

عثمان بن حنيف ٣٩.

عثمان بن طلحة ٥٥١.

عثمان بن عبد الله بن المغيرة ٥٠، ١٨٩، ٢٥٢، ٣٠١.

عثمان بن عثمان بن الشريد ٢٠٠، ٢٠١.

عثمان بن عطاء الخرساني ٥٩١، ٦٠٢، ٦٢٨.

عثمان بن عفان ٣٦، ٦١، ٦٤، ١١٣، ١٢٤، ١٢٧، ١٤١، ١٤٣، ٢٢١، ٢٥١، ٢٨٦

٢٨٧، ٣٨٣، ٣٨٤، ٤٢٨، ٤٩١، ٥٢٨، ٥٥١، ٥٥٢، ٦٢٨، ٦٢٩.

عثمان بن عمرو ٢٠٩.

عثمان بن محمد السمرقندي ٥٢٥.

عثمان بن مظعون ٩٢، ١٢٦.

عثمان بن الهيثم ٦٤٠.

عثمان الجزري ١٩٢، ٤٣٨.

عديّ بن أبي الزغباء الأنصاري ١٠٤، ١٠٦.

عديّ بن ثابت ١٦٧، ٦٩٩.

عديّ بن حاتم ٦٨٧، ٦٨٨.

عديّ بن الخيار ١٨١.

عديّ بن كعب ٥١، ٥٤٠.

عديّ بن النجار ٣١، ٣١، ٢٣٦.

عراك بن مالك ٣٦٠.

عرفطة بن حباب ٥٩٧.

عُروة بن أسماو بن الصلت السلمي ٢٣٦، ٢٥٣.

عروة بن الزبير ٢٧، ٤١، ٤٨، ٧١، ٧٥، ٩١، ٩٨، ١١٢، ١١٣، ١٢١، ١٢٢، ١٣٤، ١٣٥، ١٤٨، ١٤٩، ١٥١، ١٥٣، ١٦٧، ١٨١، ١٩٥، ١٩٩، ٢١٤، ٢٢٣، ٢٤٣، ٢٤٩، ٢٦٣، ٢٦٩، ٢٧٣، ٢٧٨، ٢٧٩، ٢٩٦، ٢٩٧، ٣٠٥، ٣١١، ٣١٦، ٣١٧، ٣٤٥، ٣٤٦، ٣٤٩، ٣٦٣، ٣٦٤، ٣٦٦، ٣٧٥، ٣٨٢، ٣٨٩، ٣٩١، ٣٩٦، ٣٩٧، ٤٠٠، ٤١٥، ٤١٧، ٤٣٧ ..


 

٤٣٨، ٣٥٦، ٤٨٠، ٤٨٤، ٤٩١، ٥٠٨، ٥١٣، ٥٢٥، ٥٢٨، ٥٣٨، ٥٤١، ٥٤٦، ٥٥٥، ٥٦٠، ٥٧٧، ٥٧٩، ٥٩٢، ٥٩٤، ٦٠٤، ٦٠٦، ٦١١، ٦٢٥، ٦٣٤، ٦٤٦، ٦٤٧، ٤٥٩.

عُروة بن مرّة ٤٣٠، ٤٨٣.

عروة بن مسعود الثقفي ٣٦٨، ٣٦٩، ٣٧٦، ٥٩٢، ٦٦٠، ٦٦٧، ٦٦٨، ٦٦٩، ٦٧٢.

عطاء بن أبي ميمونة ٦٤٠، ٦٩١.

عطاء بن السائب ٦٥، ٩٩، ١٤٢، ٣٢٨، ٣٨٢، ٤٢٧، ٤٦٥، ٤٦٦.

عُطارد بن الحاجب ٦٧٥.

العطاف بن خالد ٢٢٠، ٤٨٦.

عطيّة بن عمرو ٢٥٣.

عطية بن قيس ٥٣٦.

عطيّة بن العوفي ٣١٢.

عطيّة بن القرظي ٣١٤.

عقبة بن أبي معَيط ٥١، ٦٤، ٦٥، ٦٦، ٨٠، ٨٨، ١٢٥، ١٢٧.

عقبة بن الحارث ، أبو سروعة ٢٣٢، ٢٣٤.

عقبة بن عامر ٢٠٩، ٢٢٠.

عقبة بن عمرة الأنصاري ٤٤٨.

عقبة بن مكرم ٣٢٦.

عقيل ٦٠٤، ٦٥٣، ٦٦٥.

عقيل بن أبي طالب ١١٧، ١٢٨

١٤٩، ٣٢٥، ٣٩٧، ٤٠٠.

عقيل بن الأسود بن المطّلب ٦٨، ١٢٠، ١٢٥، ١٢٨.

عقيل بن عبد المطّلب ٩٠.

عكاشة بن محصن الأسدي٤٩، ١٠٠، ١٠١، ١٢٥، ٣٣١، ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٥٢، ٦٢٤.

عِكْرمو بن أبي جهل ٤٦، ٦١، ٦٨، ٧٥، ٨٤، ٨٥، ٨٦، ٨٧، ٩٩، ١١٤، ١١٧، ١١٨، ١٢١، ١٤٢، ١٥٩، ١٦٧، ١٦٨، ١٦٩، ١٧٠، ١٩٠، ١٩٩، ٢١٥، ٢٩٠، ٢٩٤، ٣١٧، ٣٧٠، ٣٩٦، ٣٩٨، ٤٦٥، ٤٦٧، ٤٧٥، ٤٩٢، ٥٣٤، ٥٣٥، ٥٣٨، ٥٤١، ٥٦٠.

عكرمة بن عمّار العجلي ٨٤، ١١٥، ١٥٩، ١٦٣، ٣٠٣، ٣٣٦، ٣٦١، ٣٧٥، ٣٧٨، ٣٨٥، ٤٠٨، ٤٤٦، ٥٢٧، ٥٥٠، ٥٥٢، ٥٦١، ٥٨١، ٥٨٣، ٥٩١، ٦٠٢، ٦٢٨، ٧٠٩.

العلاء بن حارثة ٦٠٣.

العلاء بن كثير ٨٧.

العلاء بن موسى ٣٨٩.

علبة بن زيد ٤٤٨، ٦٣٠.

علقمة بن سفيان ٦٦٧.

علقمة بن علاثة ٦٠٢.

علقمة بن مجزّز ٦٢٣، ٦٢٤.

علقمة بن وائل ٦٩٧.

علقمة بن وقاص الليثي ٢٧٣، ٢٧٨،


٣٠٩، ٣١٦، ٣٨١.

علي بن أبي بكر بن روزبة ، أبو الحسن ٣٤٠.

علي بن أبي طالب ٤٧، ٤٨، ٥١، ٥٧، ٦٥، ٧٩، ٨٠، ٨٣، ٨٦، ٨٨، ٨٩، ٩٢، ١٠٥، ١٠٧، ١١٩، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٨، ١٤١، ١٤٢، ١٦٢، ١٧٠، ١٧١، ١٧٣، ١٧٧، ١٩٣، ١٩٧، ١٩٨، ٢٠٨، ٢٧٥، ٢٧٨، ٢٩٠، ٣٠١، ٣١٠، ٣٥٥، ٣٥٨، ٣٩٩، ٤٠٧، ٤٠٩، ٤١٠، ٤١١، ٤١٢، ٤١٣، ٤١٧، ٤٤٢، ٤٥٧، ٤٦٦، ٤٦٧، ٤٩٢، ٥٢٤، ٥٢٥، ٥٢٨، ٥٥٥، ٥٧٤، ٥٧٦، ٦٠٩، ٦٢٤، ٦٣١، ٦٦٤، ٦٦٥، ٦٦٧، ٧٠٣.

علي بن أبي طلحة ٩٣، ٣١٢، ٣٩٩، ٦٥٢.

علي بن العاص بن الربيع ٣٥٨.

علي بن أبي العقب ٢٤٣.

علي بن أحمد الهاشمي ، أبو حسن ٣٤٠، ٥٩٥.

علي بن أميّة بن خلف ٦٣، ١٢٦، ١٢٨.

علي بن بقاء ٣٤٠.

علي بن الجعد ٧٠٧.

علي بن حرب الطائي ٦٧٨.

علي بن الحسن الشافعي ٥٢٥.

علي بن الحسين ١٢٢.

علي بن زيد ٥٥٦، ٥٦٢، .

علي بن سعيد الرازي ٦٣٩.

علي بن عاصم ٥١٤.

علي بن عبد الغني الحرّاني ، أبو الحسن ٣٤٠.

علي بن محمد الحنبلي ٥٩٥.

علي بن المديني ١٩٩، ٢١٤.

علي بن مسهر ٣٦٣.

علي بن هبة الله الفقيه ٥٩٥.

عمّار بن أبي عمّار٧٠٨.

عمّار بن ياسر ٣٧، ٣٨، ٤٧، ١٢٤، ٥٥٢، ٦٤٢، ٦٤٨، ٦٤٩.

عمارة بن ثوبان ٦١٠.

عمارة بن حزم ٦٤١.

عمارة بن زياد بن السكن ١٧٤، ٢٠١.

عمارة بن عقبة الغفاري ٤٣٠.

عمارة بن عمّار ، أبو اليُسْر ١١٨.

عمارة بن غزيّة ١٧٥، ٤٩٠، ٥٤٣.

عمارة بن الوليد المخزومي ١٣٣.

عمران بن أبي أنس ٥١٦، ٥١٧.

عمران بن حُصَين ٤٤٣، ٥٦٢.

عمر بن ابراهيم الأديب ٣٤٠.

عمر بن الحكم ٤٧٦، ٤٧٩، ٤٨٢.

عمر بن الخطّاب ٣٦، ٤٠، ٤١، ٥٨، ٥٩، ٦٨، ٧٢، ٨٢، ٨٤، ٩٨، ١٠٠، ١٠٦، ١١٥، ١١٦، ١٢٠، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٨، ١٥٣، ١٧٢، ١٧٣، ١٨٨، ٢٢١، ٢٢٨، ٢٦٠، ٢٦٤، ٢٦٥، ٢٨٦، ٣٠١، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٦، ٣٧١،


 

٣٧٢، ٣٧٣، ٣٧٦، ٣٧٩، ٣٨٢، ٣٨٤، ٣٨٧، ٣٨٨، ٣٩١، ٣٩٥، ٤٠٧، ٤٠٩، ٤١٠، ٤١٢، ٤٢٥، ٤٣١، ٤٤٢، ٤٤٧، ٤٥٢، ٤٧٣، ٥١٣، ٥١٤، ٥٢٤، ٥٢٦، ٥٢٧، ٥٢٨، ٥٣٠، ٥٣٧، ٥٣٩، ٥٤٠، ٥٥٩، ٥٧٢، ٥٨٤، ٥٩٢، ٦٠٤، ٦٠٨، ٦٢٥، ٦٢٨، ٦٣٥، ٦٧٠، ٦٢٥، ٦٢٨، ٦٣٥، ٦٧٠، ٦٨٢، ٧٠٨، ٧١٤

عمر بن السّائب ١٩٢.

عمر بن سعيد بن مسروق ٦٠١.

عمر بن عبد الله بن عبد الأسد ٢٥٥.

عمر بن عبد الله بن عروة ٩١، ١٢١.

عمر بن عثمان الجحشي ١٠١، ٦٢٢.

عمر بن عطاء ١٩٩.

عمر بن كثير بن أفلح ٥٨٤.

عمر بن يونس ١١٥.

عمرو بن أبي عمرو ٣٢٢.

عمرو بن أقيش ١٨٤.

عمرو بن أم مكتوم ٥١.

عمرو بن أمية الضمري ١٢٩، ٢٣٧، ٢٤٠، ٤٧٠، ٤٧١.

عمرو بن الأهتم ٦٧٧، ٦٧٨.

عمرو بن أوبار ٣٣٥.

عمرو بن إياس ٢٠٣.

عمرو بن ثابت بن وقش ٢٠١.

عمرو بن جابر ٥١٧، ٥١٨.

عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام ١٨٥، ٢٠٣، ٢١١، ٢٥، ٢١٦، .

عمرو بن الحارث ١٩٢، ٥١٧، ٦٣٥.

عمرة بن حزم ٦٩٢.

عمرو بن الحضرمي ٤٨، ٤٩، ٥٠، ١٠٩، ١١٠.

عمرو بن دينار ٩٩، ١٥٣، ١٦٠، ٢١٦، ٢٦٥، ٣٦٥، ٥٢٥، ٥٢٨، ٥٩٥.

عمرو بن زرارة ٩٢.

عمرو بن سالم الخزاعي ٥٢٢، ٥٢٣، ٥٢٨.

عمرو بن سعد بن معاذ ٣٣٠.

عمرو بن سعد اليهودي ٣١٥.

عمرو بن سعدي ٢٤٣، ٢٤٤.

عمرو بن سعيد ٥٥٦، ٥٨٠.

عمرو بن سلمة ٥٦٤.

عمرو بن شرحبيل ٣٢٦.

عمرو بن شعيب ٣٦١، ٥٣٨، ٥٥٧، ٦٠٦.

عمرو بن العاص ٥٠، ١٠٤، ١٢٩، ١٣٠، ١٣١، ١٣٣، ٤٦٩، ٤٧٠، ٤٧٣، ٤٧٥، ٥١٢، ٥١٣، ٥١٤، ٥١٥، ٥١٦، ٥١٧، ٥٦٣.

عمرو بن عاصم الكلابي ١٧١.

عمرو بن عامر ٥٧١، ٥٧٣.

عمرو بن عبد الله بن عمير ، أبو عزة ٢٠٦.

عمرو بن عبدودّ ٣٩٠.

عمرو بن عثمان بن عبدالرحمن بن سعيد اليربوعي ٢٢٩.

عمرو بن عوف ٢٨، ٣٠، ٣٢، ١٣٨، ٢٨٩، ٤٣٠، ٦٣١، ٦٤٧.


 

عمرو بن قيس البخاري ٣٩، ٢٠٢.

عمرو بن مالك الأنصاري ٢٢١.

عمرو بن محمد العمري ٣٨٧.

عمرو بن محمد القرشي ٣١٩.

عمرو بن مرزوق ٦٢٨.

عمرو بن مرّة ١١٦، ٣٦٤، ٥٦٤، ٦٤٨، ٦٩١.

عمرو بن مطرّف ٢٠٢.

عمرو بن معاذ بن النعمان الأوسي ٢٠١.

عمرو بن ميمون ٧٣، ٤٦١، ٤٦٥، .

عمرو بن وائل السهمي ٤٠.

عمرو بن يحيى ٦٣٧.

عمرو العنقزي ٨٠.

عمير بن أبي وقاص ٦٥.

عمير بن إسحاق ١٨١، ٥١١.

عمير بن الحُمام ٥٨، ٦٥، ٩٠.

عمير بن عبد عمرو الخزاعي (ذو الشمالين) ٦٥.

عمير بن عثمان التيمي ١٢٥، ١٢٨.

عمير بن عديّ الخطمي ١٣٦، ٢٠١.

عمير بن وهب الجمحي ٥٥، ٧١، ٧٢، ٩٩، ١٠٠، ٥٣٤، ٥٥٩.

عنبسة بن سعيد القرشي ٤٣٢.

عنترة مولى سُلَيم بن عمرو ٢٠٣.

عوف الأعرابي ٣٤، ٢٩٩، ٤١١، ٥٥١، ٥٨٣.

عوف بن أثاثة ١٢٤.

عوف بن الحرث ١٢٥، .

عوف بن عامر ٥٧١.

عوف بن عفراء ٥٧، ٥٨، ٦١.

عوف بن مالك ٤٨٨، ٤٩٠، ٥٧١، ٥٧٢.

عون بن جعفر ٤٩٣.

عويم بن ساعدة ٢٢٨.

عيّاش بن أبي ربيعة ٤٠١.

عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ١٩٤.

عيسى (عليه السلام) ١١٤، ١١٧، ١٣١، ١٣٢، ١٣٥، ١٣٦، ٤٧١، ٥٠٨، ٦٩٧.

عيسى بن طلحة بن عبيد الله ١٩٠.

عيسى بن عبيد الكِنْدي ٢١٠.

عيسى بن الموفق ٥٩٥.

عيسى الجزار ٤٨٨.

عيينة بن بدر الفزاريّ ٣٣٧، ٤٥٢، ٤٥٤، ٤٥٥، ٤٥٦، ٥٣٢، ٦٠٣، ٦٠٧.

عيينة بن حصن ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٨٩، ٣٣٣، ٥٩٤، ٦٠٢.

غ

غالب بن عبد الله بن مسعود ٤٤٨، ٤٥٠.

غانم بن أبي غانم ٤٦٢.

غُنْدَر ٣٩٩.

غورت بن الحارث ٢٤٩.

غيلان بن سلمة ٥٩٢.

ف

فرات بن حيّان ١٥٤.

فروة بن عمرو ٣١.

 


 

فورة بن مُسَيْك المرادي ٦٨٩.

فروة بن نفاثة ٥٨٠.

الفريابي ٥٦١.

الفضل بن عباس ٥٧٦، ٧٠٥.

فضيل بن عبد الوهاب ٤١٢.

فضيل بن النعمان السلمي ٤٢٩.

فطر بن خليفة ٢١٦.

الفلّاس ٣٥٨.

فُلَيح بن سليمان ٣٩٣، ٤٦١.

ق

قاسط بن شريح ٢٠٦.

القاسم بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ١٨٨، ٣٠٨، ٥٨٢، ٧١٠.

قتادة ٩٧، ٩٨، ١٦٥، ١٧٠، ١٩٦، ١٩٧، ٢٣٩، ٢٥٦، ٢٩٧، ٣٤٩، ٣٥٦، ٣٥٧، ٣٦٣، ٣٦٥، ٣٨١، ٣٨٤، ٣٩٦، ٣٩٧، ٣٩٩، ٥٠١، ٥٢٧، ٥٨٠، ٥٩٣، ٦١١، ٦٤٨.

قتادة بن النعمان ١٢٤، ١٩٣، ١٩٤.

قتيبة ٢١٣، ٢٦١، ٣٨٩، ٤٠٧، ٥٢٦.

قثم بن العبّاس ٤٣٨.

قدامة بن عبد الله ٧٠٦.

قدامة بن مظعون ١٢٧.

قُرّة ٣٧٤.

قزمان حليف بني ظفر ١٩٨، ٢٠٤.

قطبة بن قتادة ٤٨٣.

قطن بن وهب ٢٠٧.

قيس بن أبي حازم ١٧٥، ٦٨٥.

قيس بن الحصين ٦٩٨.

قيس بن الخطيم ٤٢.

قيس بن الربيع ٢٠٩.

قيس بن رفاعة ٤٥٢، ٤٨٦، ٥١٦.

قيس بن سعد ٥١٨.

قيس بن طلق بن علي ٣٧.

قيس بن عاصم ٦٧٧.

قيس بن عباد ٩١، ٩٦.

قيس بن عديّ ٦٠٢.

قيس بن عمرو بن قيس البخاري ٢٠٢.

قيس بن الفكه بن المغيرة ١٢٦، ١٢٨.

قيس بن مخلد ٢٠٢.

قيس بن مسلم ٧٠٨.

قيس بن النعمان السكوني ٦٤٦.

ك

كثير مولى بني مخزوم ٤٢٧.

كثير مولى عبد الرحمن بن سَمُرَة ٦٢٩.

كرز بن جابر الفِهْري ٤٨، ٣٥٦، ٥٤١.

كرز بن علقمة ٦٩٥، ٦٩٦.

كسرى بن هرمز ٦٨٨.

كريب ٦٨٠.

كعب بن أسد ٢٤٤، ٢٤٥، ٢٨٧، ٢٨٨، ٣١١، ٣١٢، ٣١٧، .

كعب بن الأشرف ١٥٧، ١٥٨، ١٥٩، ١٦٠، ١٦١، ١٦٢، ١٦٣، ٣٣٠، ٣٤١.

كعب بن زهير ٦١٥، ٦١٦، ٦١٧.

كعب بن زيد ٢٣٧، ٢٣٨، ٣٠٥.

كعب بن عجرة ٤٤٨.

كعب بن عمرو السلمي ١١٧، ١٢٥.


 

كعب بن عمير الغفاري ٤٧٧.

كعب بن لؤيّ ٣٦٦، ٣٦٧.

كعب بن مالك ١٧٨، ١٨٣، ٥٤٣، ٦٥٣، ٦٥٦، ٦٥٨.

كلاب بن طلحة ١٩٨، ٢٠٦.

الكلبي ٣٠٤.

كلثوم بن الاسود بن رزن الديلي ٥٢٤١، ٥٢٢.

كلثوم بن حصين (أبو رهمْ) ٥٢٧.

كنانة بن الربيع ٦٩، ٢٨٤.

كنانة بن صوريا ٤٠.

كنانة بن عبد ياليل ٦٧٠.

كنانة بن نعيم ٢١٩.

كيسان (عبد من بني النجّار)٢٠٢.

ل

لقيط بن الربيع بن العزّى ٢٥٨.

لؤلؤ المحسني ٥٩٥.

لؤي بن غالب ٢٨١.

ليث بن أبي سليم ٤١٢.

الليث بن سعد ١٢٣، ٢١٣، ٢٢٠، ٢٧٣، ٣٠٣، ٣١٩، ٣٥٠، ٣٦٥، ٣٨٤، ٣٨٩، ٤٠٠، ٤٣٥، ٥٠٨، ٥١٠، ٥٤٣، ٥٥٥، ٥٥٦، ٦٠٤.

م

مازن بن النجار ٣٢.

مالك بن أميّة ٢٠١.

مالك بن أنس ١٠٣، ٢٤٧، ٣٨٠، ٣٩٣، ٣٩٥، ٤٠٤، ٤٠٦

٤٢٥، ٤٤١، ٥١٨، ٥٥٧، ٥٨٤، ٦٣٥، ٦٣٦.

مالك بن أوس ١٥٣، ١٦٥، ٢٠١.

مالك بن إياس ٢٠٣.

مالك بن ثابت بن النبيت ٢٥٤.

مالك بن خالد بن زيد (ملحان) ٢٥٣.

مالك بن الدخشم ٢٤٨.

مالك بن ربيعة ٦١.

مالك بن سنان ١٩٣، ٢٠٢.

مالك بن عبيد الله أخو طلحة ١٢٨.

مالك بن عوف ٥٧٣، ٥٧٤، ٥٧٦، ٥٧٨، ٦٠٢، ٦٠٣، ٦٠٩، ٦١٠.

مالك بن مرة الرهاوي ٦٩٠.

مالك بن مغول ٦٣٤.

مالك بن النجار ٣١، ٣٢.

مبشّر بن عبد المنذر ٦٥، ١٢٤، ٤٣٠.

مجلد ٩٧، ٤٩٢.

مجاهد ١٤١، ١٦٧، ١٨٠، ٣٢٨، ٣٩٢، ٣٩٨، ٣٩٩، ٤٦٣، ٥٤٩، ٥٦٣، ٦٥٢، ٧١١.

مجدي بن عمرو الجُهَني ٤٦، ٥٣.

المجذّر بن زياد البَلَوي ٥٩، ١١٠، ٢٠٣، ٢٢٨.

مجزّز المدلجي ٣٣٥، ٤٩٤.

المزّي ، يوسف ٢٤.

مجمّع بن جارية ٣٩، ٤١٧.

محمع بن يعقوب ٤١٦.

محبوب بن هلال ٦٤٠.

محرز بن نضلة بالأسدي ٣٣٤.

محلّم بن جثّمة ٤٥٤، ٤٥٥، ٤٥٦.

محمد بن ابراهيم التيمي ٢٥٢، ٢٧٩.


 

٤٠٩، ٥٤٣، ٦٦١، ٦٦٢.

محمد بن أبي بكر ٧٠٠، ٧٠١.

محمدبن أبي الحزم ٥٩٤.

محمد بن أبي الفتح الشيباني ٥٩٤.

محمد بن أبي مجالد ٤٢٨.

محمد بن أبي محمد مولى زيد ٦٩٦.

محمد بن أبي مسعود ٣٨٩.

محمد بن أحمد الساوي ٥٩٥.

محمدبن أحمد العقيلي ٥٩٥.

محمد بن أسامة بن زيد ٤٩٥.

محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ٤٤٩.

محمدبن أسعد ٢٣.

محمدبن الأسود بن خلف ٥٥٧.

محمد بن بشّار بن عثمان بن داود العبدي (بُندار) ٣٩٩.

محمد بن ثور ١٤٩، ٤٣٨.

محمد بن جبير بن مطعم ٨٦.

محمد بن جعفر بن أبي كثير ٤٢٣.

محمد بن جعفر بن الزبير ١٤٠، ٢٠٧، ٢٦٣، ٣١٧، ٣٤٦، ٤٥٤، ٤٥٦، ٤٧٩، ٤٨٣، ٤٨٤، ٤٩١، ٤٩٣، ٥٥٢، ٥٥٢، ٦٩٥.

محمد بن جعفر الهذلي (غندر) ٣٩٩.

محمد بن أبي الحرم القرشي ٥٢٥.

محمد بن حازم ٣٤٠.

محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد ٤٩٣.

محمد بن حمران ٥٥١.

محمد بن حمرة بن يوسف بن عبد الله ٦٦٣.

محمد بن خثيم المحاربي ٤٧.

محمد بن الزبير الحنظلي ٦٧٧.

محمد بن زياد ٣٢٢، ٦٣٩، ٦٤٠.

محمد بن زيد ٤٢٩.

محمد بن سلمة ٣٤٦، ٤٤٩، ٤٥٤، ٤٦١، ٦٤٨.

محمد بن سيرين ٦٨٨.

محمد بن شرحبيل ٣٢٥، ٥٥٧.

محمد بن شعيب ١٩٤، ٥٩١.

محمد بن صالح التّمار ٣٢٣، ٤٨٧.

محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ٣٩٢، ٤١٢.

محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ٦٤٣.

محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي ٥١٤، ٥١٥.

محمد بن عبد السلام الفقيه ٣٤٠.

محمد بن عبد العزيز المقريء ٥٩٤.

محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني ١٨٦.

محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ٤٧٦، ٤٩٣.

محمد بن عبد الله بن عياض ٦٧٢.

محمد بن عبد الله الزهري ٤٦٩، ٤٧٧.

محمد بن عبد الواحد ضياء الدين ١٢٢.

محمد بن عبيد الحنفي ٣٠٣، ٤٩٥.

محمد عبيد الله العرزمي ٣٦١.

محمد بن عثمان ٤٧٩.

محمد بن علي ، أبو جعفر ٤١٢، ٥٦٨، ٦٩١.

محمد بن علي بن الحسين ٤٣٨.

محمد بن عمرو بن حزم ٧٠٠.

محمد بن عمرو بن علقمة ١٨٤، ٣٢١، ٣٢٥.

محمد بن الفضل بن عبيد الله ٤١٦، ٤١٧.


محمد بن فضيل ٣٢٨، .٥٥٤

محمد بن فليح ١٠٣.

محمد بن كعب القرظي ٤١، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٩١، ٦٣٢.

محمد بن المثنى العنزي ٢٣، ٤٨٧.

محمد بن محبّب الدلّال ، أو همّام ٦٧٢.

محمد بن محمد بن صاعد القاضي ٢١٠.

محمد بن مسلم ٢١٦، ٤٨٩.

محمد بن مسلمة الأشهلي ١٢٤، ١٤٨، ١٦٠، ١٦١، ١٦٢، ١٦٣، ٣٥٠، ٣٥٣، ٤١٥، ٤١٦، ٤١٧، ٤٢١.

محمد بن المنكدر٢١٣، ٣٠٠، ٣٢٥.

محمد بن موسى العطري ١١٨، ١١٩، ٣٢٥.

محمد بن هاشم العبّاسي ٣٤٠.

محمد بن الوليد ٦٨٠.

محمد بن يحيى = الذهلي.

محمد بن يحيى بن حُبّان ١٦٨، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦٤، ٤٣٥.

محمد بن يحيى بن زكريا الحميري ٨٧.

محمد بن يحيى الكناني ٤٢٥.

محمد بن يعقوب ، أبو العباس ٥٩٥.

محمد بن يوسف الذهبي ٥٩٥.

محمد بن يونس الجمّال المخرمي ١٥٨.

محمد الثفقفي ٦٣٨.

محمود بن خداش ٩١.

محمود بن سلمة ٤٣٠.

محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح ٣٢٠.

محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن ١٧٤.

محمود بن لبيد ٢٠٤، ٣٢٤، ٦٠١، ٦٤١.

محمود بن مسلمة الأنصاري ٤٢١.

محيّصة بن سُنَينة اليهودي ١٦٤.

محيّصة بن مسعود ٤٢٢.

مخارق ٨١.

مخرمة بن نوفل ٥٠، ١٠٤.

مخشّن بن حميّر ٦٤٢.

مخشّي بن عمرو الضمري ٤٥، ٢٥٠.

مخيريق ٢٠٥.

مِدْعَم ٤٤١، ٤٤٢.

المديني ١٩٧.

مذكور العُذري ٢٥٨.

مُرارة بن الربيع ٦٣١، ٦٥٥.

مِرْبع بن قيظي ٣٩.

مَرْثد بن أبي مَرْثد الغوي ٥١، ٨٠، ١٠٥، ٢٣٢، ٢٣٣.

مرحب اليهودي ٤٠٨، ٤٠٩، ٤١١، ٤١٥، ٤١٦، ٤١٧، ٤٣٧.

مرداس بن نهيك ٤٤٨، ٤٤٩.

مرّة بن عوف ٣٤، ٤٨٣.

مروان بن الحَكَم ١٢٧، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٧٥، ٣٨٩، ٣٩٢، ٣٩٧، ٤٠٠، ٥٦٤.

مروان بن معاوية الفزاري ١٩٨، ١٩٩.

مسافع بن شيبة ٥٥١.

مسافع بن طلحة بن عبد الله بن عبد العزّى ٢٠٦.

مسافع بن عبد مناف الجُمحي ١٦٩.

مساور الورّاق ٥٤٨.

مسدّد ٥٢٦.

مسروح بن ثُوبية ٤٤٥.


 

مسروق المداثني ٢١٩، ٢٥٧، ٢٧٩، ٤٠٢.

مِسْطح ٢٧١، ٢٧٢، ٢٧٤، ٢٧٧، ٢٧٩.

مسعود بن أبي أمية المخزومي ١٢٦، ١٢٨.

مسعود بن ربيعة ٤٣٠.

مسعود بن رخيلة ٢٨٣، ٢٨٤.

مسعود بن سعد الزُرقي ٤٢٩.

مسقود بن سنان ٣٤٢.

مسعود بن سويد ٤٩٩.

المسودي ٣٩٩، ٦٨٥.

مسلم ٢٤، ٣٧، ٨٢، ٨٥، ٩١، ٩٢، ١٢٣، ١٥٨، ١٧١، ١٧٥، ١٨٤، ١٩٠، ٢١٩، ٢٣٨، ٢٦٧، ٣٠١، ٣٠٢، ٣٠٨، ٣٣٦، ٣٣٩، ٣٥٧، ٣٦٤، ٣٧٤، ٣٧٥، ٣٨١، ٣٨٤، ٣٨٥، ٣٨٧، ٣٨٩، ٣٩٠، ٣٩٣، ٣٩٦، ٤٠٧، ٤٠٩، ٤٢٣، ٤٤٣، ٤٤٤، ٤٤٦، ٤٦٣، ٤٦٦، ٤٨٨، ٥٠١، ٥٠٩، ٥١١، ٥١٩، ٥٢٦، ٥٤٤، ٥٤٦، ٥٤٧، ٥٤٨، ٥٥٦، ٥٧٩، ٥٨١، ٥٨٥، ٥٩٦، ٦٠٢، ٦٠٤، ٦٠٨، ٦٣٧، ٦٤٩.

مسلم بن ابراهيم ٦٧٨.

مسلم بن عبد الله الجهني ٤٥٠.

مسلم الملائي ٤٠٦.

المُسندي ٣٧٤.

المِسْوَر بن رِفاعة ٢٥٢، ٢٥٩.

المسور بن مخرمة ١٢٧، ٣٦٤، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٧٥، ٣٨٩، ٣٩٢، ٣٩٧، ٤٠٠، ٦٠٥.

المسيّب بن حزم ٣٦٥.

المسيّب بن مسلم الأزدي ٤١٠.

مسيلمة الكذّاب ١٨٢، ٦٨٢، ٦٨٣، ٦٨٤، ٦٨٦.

مصلح بن اثاثة بن عبّاد بن المطّلب ١٢٤.

مصعب بن سعد ٥٥٢، ٦٣٢.

مصْعَب بن شيبة ٤٩٧، ٥٨٣.

مصعب بن عمير ٥١، ١٠٨، ١١٩، ١٢٤، ١٧٠، ١٧١، ١٧٧، ١٧٩، ١٩٥، ١٩٨، ٢٠٠، ٢٠٦، ٢٠٧، ٢١٥، ٢١٦، ٢١٧، ٣٢٩.

مصعب الزبيري ٤٨٢.

مطرّف بن عبد الله الهلالي ١٠٣.

مطر الورّاق ٤٦٦.

المُطعم بن عدّي بن نوفل ، أبو جبير ١٢٦.

المُطّلب بن أبي وداعة ٦٨، ١٥٧.

مطّلب بن زياد ٤١٢.

معاذ بن جبل ١٢٥، ٦٣٦، ٦٩٠، ٦٩١، ٦٩٢، ٦٩٥.

معاذ بن الحارث ١٢٥.

مُعاذ بن رفاعة بن رافع الزُرقي ١٢٣، ٣٢٠، ٣٢٥.

معاذ بن عفراء ٣٠، ٩٥.

معاذ بن عمرو الجَموح ٦١، ٩٥، ١٢٥، ٢١٥.

مُعاذ بن مُعاذ ٩٣.

معاذ بن مناعص الزُرقي ٢٥٣.


 

معاوية بن أبي سفيان ١٣٨، ٢١٢، ٣٠٤، ٣٧٣، ٥٤٤، ٥٧٨.

معاوية بن سلام ٥٧٥، ٦٣٨.

معاوية بن صالح ٩٣، ٣٩٩، ٦٢١، ٦٢٢.

معاوية بن عمار الدهني ٥٤٧.

معاوية بن قرّة ٣٥٧، ٥٤٨.

معاوية بن معاوية ٦٤٠.

معبد بن كعب بن مالك ٣١٢.

معاوية بن معبد بن كعب بن مالك ١٧٢.

معبد بن الخزاعي ٢٢٥.

معتب بن قشير ١٩٧، ٢٨٩.

معتمر بن سليمان ٤٤٤، ٤٥٩، ٥٩٩.

معدان بن أبي طلحة ٥٩٣.

معقل بن يسار ٣٦٥، ٣٨٥.

معمر ٨٠، ١٤٨، ١٧٩، ١٨٦، ١٩٠، ١٩٢، ٢٥٩، ٢٦٩، ٢٧٨، ٣٦٦، ٣٧٠، ٣٧٤، ٤٢٧، ٤٣٦، ٤٣٨، ٤٦٢، ٤٩٧، ٥٠٥، ٥٠٧، ٥٣٧، ٥٥٠، ٥٦٧، ٥٨١، ٦٣٤، ٦٦٣، ٦٨٤.

معن بن عديّ ٦٤٨.

معن بن عيسى الأشجعي ١٠٣.

معوّذ بن الحارث ١٢٥.

معوّذ بن عفراء ٥٧، ٦١.

مغفّل بن عبد نهم بن عفيف المزنيّ ٦٢١.

المغيرة بن شعبة ٣٦٩، ٣٧٦، ٣٩٨، ٦٦٩، ٦٧٢، ٦٩٨.

المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ٢٣٦، ٤٨٢.

مغيرة الضبّي ٤١٣.

المقبري ٥٥٦.

المقداد بن الأسود ٥١، ٥٤، ٧٩، ٨١، ٨٣، ١٠٨، ١٢٣، ١٢٤، ١٧٠، ٣٣٤، ٣٣٨، ٥٢٥.

المقداد بن عمرو البهراني ٤٦، ١٠٦، ١٩٤، ١٩٨.

مِقْسَم ٨٧، ١٩٢، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢٥٤، ٣٠٠، ٣٩٢، ٤٣٨، ٦٦٥، ٦٧٨.

مِقْيس بن صُبابة ٤٠٢، ٥٥٢، ٥٥٣.

مِكْرز بن حفص ٤٦، ٦٨، ٣٧٠، ٣٧١.

مِكرَز العَبَلي ٣٨٧.

مِكْنَف ٤٢١.

مكّي بن ابراهيم ٣٤٠، ٣٨٥، ٤٣٣.

مكي بن منصور الكرجي ٥٩٥.

مكيتل اللّثي ٤٥٥.

ملاعب الأسنة = عامر بن مالك.

منبّه بن الحجّاج بن معرور السهمي ٦٦، ١٢٦، ١٢٨.

المنذر بن ثعلبة ٥١٥.

المنذر بن عمرو الساعدي (أعنق ليموت) ١٧٠، ١٧١، ١٩٧، ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٥٣، ٢٥٤.

المنذر بن قُدامة السلمي ١٤٨.

منصور بن أبي حزام ٥٤٧، ٥٦٣، ٦٠٣.

منكر ٩٩.

المِنْهال بن عمرو ٤١٢.

مهجع مولى عمر ٥٨، ٦٥.

مهدي بن ميمون ٤٩٣، ٦٨٤.


 

موسى (عليه السلام) ٣٧، ٥٢، ٨١، ١٠٦، ١٣١، ٢٤٤، ٤١٠، ٤٧١، ٦٠٤، ٦٣١، ٦٣٢.

موسى بن ابراهيم الأنصاري ٢١٤.

موسى بن أبي المختار ٣٠٢.

موسى بن اسماعيل ٤٥٥، ٤٥٦.

موسى بن أعين ٥٦١.

موسى بن جبير الأنصاري ٣٦٠.

موسى بن جعفر بن أبي كثير ٤٩٨.

موسى بن عبد القادر ٣٨٩.

موسى بن عُقْبة ٣٠، ٣٦، ١٠٣، ١١٢، ١٣٨، ١٤٩، ١٥١، ١٥٣، ١٦٣، ١٧٧، ١٧٩، ١٨٦، ١٩٥، ٢٠٠، ٢٣١، ٢٣٣، ٢٣٦، ٢٣٨، ٢٤٩، ٢٥١، ٢٩٦، ٢٩٧، ٣١٠، ٣١١، ٣١٥، ٣٤٥، ٣٤٧، ٣٦٠، ٣٧٩، ٤٠٠، ٤٠٣، ٤١٥، ٤١٧، ٤٣٣، ٤٣٧، ٤٣٨، ، ٥١٣، ٥٣٨، ٥٤٢، ٥٧٧، ٥٧٩، ٥٩٢، ٦٠٥، ٦١١، ٦٣٤، ٦٤٣، ٦٦٨.

موسى بن علي بن رباح ٥١٥.

موسى بن محمد بن ابراهيم ٨٥، ٣٥٤.

موسى بن يعقوب الزمعي ٨٦، ١٩٤، ٢٣٠.

مؤمل بن اسماعيل ٤١٩.

مؤمّلة بن جميل ٦٧٨.

ميكائيل ٨٦.

ميمون ، أبو عبد الله الأزدي ٤١١.

ميمون بن أستاذ الزهراني٢٩٩.

ميمون بن اسحاق ٢٦٦.

ميمون بن مهران ٤٦١، ٤٦٦.

ن

نافع بن جبير ١٤٩، ١٥٣، ١٩١، ٢٦٠، ٢٩٧، ٣٠٨، ٣١٩، ٣٢٤، ٣٢٥، ٣٢٦، ٣٦٣، ٣٨٧، ٣٩٣، ٤٢٣، ٤٢٥، ٤٢٧، ٤٥٩، ٤٦١، ٤٧٧، ٤٨٢، ٤٩٨، ٥٤١، ٥٥١، ٦٠٨، ٦٠٩، ٦٣٥، ٦٣٦، ٦٦٠، ٦٨٣.

نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ٤٥٩.

نافع بن عبد الله ٣٦.

نافع بن ورقاء الخزاعي ٢٣٦، ٢٥٢.

نبتل بن الحارث ٣٩.

نبيح العنزي ٢١٢، ٣٧٨.

نبيه بن الحجّاج بن عامر السهمي ١٢٦، ١٢٨.

نبيه بن وهب العبدري ٦٦، ١١٩.

النضر بن الحارث ٦٤، ١٢٥، ١٢٨.

النعمان بن بشير ٤٩٦.

النعمان بن راشد٢٦٩.

نعمان بن عبد عمرو ٢٠٢.

النعمان بن فنحص اليهودي ٤٨٢.

النعمان بن مالك ٢٣.

النعمان بن المنذر ٦٠٦.

النعمان قيْل ذي رُعين ٦٩٠.

نعم بن الحريش ١١٣.

نعيم بن عبد كلال ٦٩٠.

نعيم بن مسعود الغطعاني ٢٩٣، ٢٩٤.

نكير ٩٩.


 

نوح بن عمرو بن حوّي السكسكي ٦٣٩، ٦٤٠.

نوفل بن الحارث ٩٠، ١٠٥، ١١٧، ١٢٠، ١٢٨.

نوفل بن عبد الله بن المغيرة ٢٥٠، ٣٠٣، ٣٠٥.

نوفل بن معاوية الديلي ٥٢٢، ٥٩٨.

ه

هارون (عليه السلام) ٦٣١، ٦٣٢.

هارون بن يحيى الحاطبي ٥١٢.

هاشم بن عبد مناف بن قصي ١٢٦.

هاشم بن هاشم الزُهري ١٨٣.

هبّار بن الأسود ٦٩، ١٢١.

هبيرة بن أبي وهب ٢٩٠.

هدْبة ٣٦٣.

هرقل ٤٧٤، ٤٨١، ٥٠٤، ٥٠٦، ٥٠٧، ٥٠٨.

هشام بن أبي أمية بن المغيرة ٢٠٦.

هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة ١٢٨.

هشام بن زيد ٤٣٦.

هشام بن سعد ٢٤٧، ٢٩٦.

هشام بن سنبر ٥٩٣.

هشام بن صُبابة ٤٠٢.

هشام بن عامر ٢١٣.

هشام بن عروة ٩٨، ١١٣، ١٧١، ١٨٠، ٢١٠، ٢٢٤، ٢٤٠، ٢٧٠، ٢٧٣، ٢٩٢، ٣٠٧، ٣١٨، ٤٩٧، ٥٩٣، ٦٠٠، ٧٠٧.

هشام بن عمّار ٣٨٨.

هشام بن الوليد ٧٠.

هشام الدستوائي ٣٩٢.

هشيم بن بشيربن القاسم بن دينار السلمي ٩١، ٩٢، ٣٩٨، ٣٩٩، ٤٤٩، ٥٨٠.

هلال بن أمية الواقفي ٦٥٥، ٦٥٦.

همّسام ١٩٠، ٢٣٨، ٢٣٩، ٣٥٧، ٣٦٣، ٣٩٦، ٦١١، ٦٨٠، ٦٨٤.

هَوْذَة بن خليفة ٢٨٤، ٢٩٩، ٥٥١.

الهيثم بن عديّ ٢٣.

الهيثم بن محفوظ ، أبو سعيد ٦٧٨.

و

وائل بن داود ٤٩٥.

واقد بن عبد الله التيمي ٤٨، ٤٩.

واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ٣٢٨، ٣٣٠.

الواقدي (محمد بن عمر) ٢٣، ٤١، ٤٢، ٤٣، ٨٥، ٨٧، ٩٧، ١٠١، ١١٤، ١٣٦، ١٣٨، ١٤٣، ١٤٤، ١٤٥، ١٤٨، ١٥٤، ١٩١، ١٩٢، ١٩٤، ١٩٥، ٢٠٤، ٢١٦، ٢٢١، ٢٢٧، ٢٢٩، ٢٣٠، ٢٤٧، ٢٥١، ٢٥٢، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦٩، ٢٨٣، ٢٨٤، ٣٠٩، ٣٢٥، ٣٢٦، ٣٢٨، ٣٢٩، ٣٤٩، ٣٥١،


 

٣٥٥، ٤٠٣، ٤١٦، ٤١٧، ٤٣٧، ٤٤١، ٤٤٥، ٤٤٦، ٤٤٧، ٤٤٨، ٤٥١، ٤٦٤، ٤٦٧، ٤٦٩، ٤٧٠، ٤٧٣، ٤٧٦، ٤٧٧، ٤٨١، ٤٨٢، ٤٨٦، ٤٨٧، ٤٨٩، ٤٩٠، ٤٩٣، ٤٩٦، ٥١٦، ٥١٩، ٥٣٨، ٥٥١، ٥٦٠، ٥٦٣، ٥٧٤، ٥٩٤، ٦٦٢، ٦٢٤، ٦٥٩.

وحشي ١٦٩، ١٨١، ١٨٢، ١٨٧.

وديعة بن ثابت ٦٤٢.

ورقاء بن عمر بن كليب البَشكُري ١٨٠، ٣٩٨، ٣٩٩، ٦٥٢.

وقاص بن مجزّز الدلجي ٣٣٥.

وكيع ٥١٥، ٧١١.

الوليد بن أبي هشام ٦٢٨.

الوليد بن جميع ٥٥٤.

الوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة ٢٠٦.

الوليد بن عبد الملك ٢٧٨.

الوليد بن عُتبة ٥٧، ٧٦، ٨٩، ٩٢، ١٢٥، ١٢٧.

الوليد بن مسلم ٢٤٣، ٣٨٧، ٣٨٨، ٥٢٨، ٥٨٣.

الوليد بن المغيرة ٤٠، ١٢٧، ٥٥٩.

الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ٧٠، ٧١، ٤٠١، ٤٧٤.

وهب بن بيان ٤٥٦.

وهب بن سعد بن أبي سرح العامري ٤٩٩.

وهب بن عبد الله بن قاري ٣٩٢.

وهب بن كيسان ٢٤٧، ٢٤٩، ٥١٨، ٦٦٨.

وهب بن منبّه ١٦٦.

وهيب ٤٠٣، ٤٦٥.

وهيب بن صفوان بن أُمية ٧٢.

ي

ياسر اليهودي (أخو مرحب) ٤١٧.

ياسين الأيوبي (الدكتور) ٤٢.

ياسين بن عمرو ٦٣٠.

يحيى بن أبي بكير ٨٧، ٣٩٢، ٥٠٨.

يحيى بن أبي كثير ٣٠١، ٣٩٢، ٤٠١، ٥٣٧، ٦٤٣، ٧٠٧.

يحيى بن أيوب ١٢١، ١٧٥، ٤٢٧، ٥١٦، ٦٦٢.

يحيى بن الجزّار ٣٠١.

يحيى بن دينار الرمّاني الواسطي (أبو هاشم)٩٢.

يحيى بن سعيد الأنصاري١٢٣، ١٨٥، ٤٠٤، ٤٢٦، ٤٣٥، ٤٨٧، ٥٨٠، ٥٨٤، ٦٠٤.

يحيى بن سليم الطائفي ٣٧٩.

يحيى بن عبّاد بن عبد الله ١٨٣، ١٩٧، ٣٥٨، ٤٨٣، ٥٥٨، ٧٠٩.

يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ٥١٢.

نحيى بن عبد العزيز بن سعد ٢٢٧، ٢٣٤، ٤٥١.

يحيى بن معين ٢٤، ٣٥٨.

يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث ٤٧٣.

يحيى بن النضر ١٨٥.

 

يحيى بن يزيد ، أبو المقوّم ٦٧٨.

يحيى بن يعلى ٤٨٩.

يحيى الحمّاني ١٩٤، ٢٠٩.

يحيى القطان ٤٣٥.

يزيد بن أبي حبيب ٧٨، ٢٢٠، ٤٧٣، ٥١٦، ٥١٧، ٥٥٥.

يزيد بن أبي زياد ٢٠٨، ٢٩٥.

يزيد أبي عبيد ٣٤٠، ٤٠٤، ٤٣٣، ٤٩٤.

يزيد بن الأصمّ ٤٦٦.

يزيد بن الحارث بن مسحُم ٦٥.

يزيد بن بن حاطب بن أمية الطفري ٢٠٦.

يزيد بن رومان ٤١، ٧٥، ١٣٥، ١٤٠، ٥١٦، ٦٢٥، ٦٤٥.

يزيد بن سفيان ٣٩١.

يزيد بن عبد الله بن الشخير ٦٧٨.

يزيد بن عبد الله بن قسيط ٣١٣، ٤٥٤.

يزيد بن عبد الله بن النجّار ٣٢٠.

يزيد بن عبد المدّان ٦٩٨.

يزيد بن عبيد ، أبو وجزة ٦٠٩.

يزيد بن المحجّل ٦٩٨.

يزيد بن محمد بن خثيم ٤٧.

يزيد بن نمران ٦٣٨.

يزيد بن الهاد ١٢١، ٤١٨، ٤٩٨.

يزيد بن هارون ٣٢١، ٣٢٣، ٣٢٥، ٣٢٦، ٣٢٨، ٤٦٣، ٦٣٨.

يزيد الرقاشي ٧٠٧.

يسار الغطفاني ١٥٤، ١٥٥.

يعقوب بن ابراهيم ٥١٠.

يعقوب بن عبد الرحمن ٤٠٦، ٤٠٧، ٤٢٢.

يعقوب بن عتبة ٢٨٠، ٣٥٥، ٤٤٩، ٥٦٨.

يعقوب الدورقي ٩٢.

يعقوب الفسوي ٢١٠، ٤٩٤.

يعقوب القمي ٥٥٤.

يعلى بن شدّاد ٣٦.

يعلى بن عطاء ٥٨١.

يعلى بن مسلم ٤٥٧.

اليمان ١٨٠، ٢٠١.

يوسف (عليه السلام) ٢٧٢، ٢٧٧، ٤٠٢.

يوسف بن عبد الله بن أبي بردة ٣٠٢.

يوسف بن الماجشون ٩٥، ٣٢٧.

يوسف بن يعقوب ٥٤٧.

يوسف سبط ابن الجوزي ٢٥.

يونس بن أبي إسحاق ٤٧.

يونس بن بكير ٦٧، ٧٥، ٨٠، ٩٩، ١٠٠، ١١٩، ١٢٠، ١٤١، ١٥٧، ١٦٣، ١٦٦، ١٧٤، ١٨١، ١٨٨، ٢١٠، ٢١١، ٢١٧، ٢٢٠، ٢٣٢، ٢٣٥، ٢٤٥، ٢٥٩، ٢٦٣، ٢٦٤، ٢٦٧، ٢٧٠، ٢٧٣، ٢٧٦، ٢٧٩، ٢٩٢، ٢٩٦، ٣١٠، ٣١١، ٣١٢، ٣١٤، ٣١٨، ٣٢٠، ٣٢١، ٣٣١، ٣٣٢، ٣٥١، ٣٥٩، ٣٦٣، ٣٨٤، ٣٨٩، ٣٩١، ٣٩٢، ٣٩٦، ٤٠٩، ٤١٠، ٤١١، ٤١٢، ٤١٥، ٤١٩، ٤٢١، ٤٢٣، ٤٣٧، ٤٤٣، ٤٤٨، ٤٥٢، ٤٦٢، ٤٦٥، ٤٧٩، ٤٨٣،


٤٨٨، ٤٩١، ٥٠٥، ٥٠٧، ٥٠٨، ٥١٠، ٥١١، ٥١٤، ٥٣٧، ٥٥١، ٥٥٤، ٥٥٨، ٥٦٠، ٥٦١، ٥٦٨، ٥٧١، ٥٧٤، ٥٧٦، ٥٨٠، ٥٩٣،

٦٠٦، ٦٤٥، ٦٥٩، ٦٦٥، ٦٨٥، ٧٠٩.

يونس بن عبيد ٦٣٩.

يونس بن محمد ٦٣٩.

اليونيني (قطب الدين) ٢٥، ٣٤٠.


فهرس أعلام النّساء

آ

آمنة (أم النّبيّ صلى الله عليه وسلم) ٤٤٤.

أ

أسماء بنت أبي بكر ٥٥٨.

أسماء بنت عميس ٤٣١، ٤٣٢، ٤٨٨، ٧٠٠، ٧٠١.

أسماء بنت يزيد بن السكن ٣٢٧.

أمامة ابنت أبي العاص بن الربيع ٣٥٨، ٥٢٠.

أم إبراهيم ٥١٢.

أم أبي جهل الحنظلية ٥٥.

أم أمامة ٣٥٨.

أم أنس ٤٤٤ (أم سليم).

أم أيمن ٤٤٤ (أم أسامة بن زيد) ٥٧٦، ٥٨٩.

أم جعفر ٤٨٨.

أم حبيبة بنت أبي سفيان ٣٠٤، ٤٧٠، ٥٢٤.

أم حسّان ٢٧٠.

أم حكيم بنت الحارث هشام ١٦٩، ٥٣٤، ٥٦٠.

أم الدرداء ٤٩٦.

أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية ٤٠٢.

أم زكريا بن جهم ٥١٢.

أم سعيد بن عبادة ٢٥٦.

أم سعد بن معاذ ٢٩١، ٣٢٣، ٣٢٤، ٣٢٧.

أم سَلَمَة ٢٦، ٧١، ١٢٦، ١٢٧، ١٢٨، ١٢٩، ١٣٤، ١٧٦، ٢٦، ٢٥٥، ٢٦٠، ٢٧٨، ٣١٣، ٣٦٠، ٣٧٢، ٣٩٢، ٤٩١، ٥٣٦، ٥٩٣، ٥٩٧.

أم سُلَيْم ٢٥٣.

أم شيبة العبدريّة ٤٣٨.

أم صفوان ٧٤.

أم العاص بن وائل ٥١٤.

أم عطية الأنصارية ٥٢٠.


أم عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب ٤٨٨.

أم عيسى الجزّار ٤٨٨.

أم الفضل ٦٦، ٦٧.

أم قتّال بنت أبي العيص ١٨١.

أم كلثوم ١٤١، ٦٦١.

أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ٤٠٠.

أم مبشر ٣٨٨.

أم مِسْطح ٢٧٠، ٢٧٤.

أم موسى ٤١٣.

أم هانيء بنت أبي طالب ٢٥٦.

ب

بَرّة بنت عبد المطّلب ١٢٧، ٢٥٥.

بُريرة مولاة عائشة ٢٧٥.

بُوران بنت كسرى ٧٠٠.

ت

تماضر بنت الأصبغ ٣٥٦.

ث

ثوبية المرضعة ٤٤٥.

ثوبية مولاة أبي لهب ٢٥٥.

ج

جويرية بنت الحارث ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦٣.

ح

حفصة (أم المؤمنين) ٤٣١.

حفصة بنت عمر بن الخطّاب ١٤٢، ١٦٤.

حليمة السّعْيدية ٤٤٥.

حليمة المزينية ٣٥٣.

حمنة بنت جحش ٢٧٦، ٢٧٩.

خ

خديجة (أم المؤمنين) ٦٨، ٣٥٩، ٤٤٥، ٤٩٤.

د

دُرّة بنت عبد الله بن عبد الأسد ٢٥٥.

دعد بنت جحدم ٦٦٢.

ر

الرّباب بنت قيس ٢١٤.

رُفيدة ٣٢٤.

رُقَيّة ٦٤، ١١٣، ١٢٤.

رُمَيْثة (جدّة عاصم بن عمر) ٣٢٧.

ريحانة بنت عمرو بن خنافة ٣١٨.

ز

زينب بنت أم سلمة ٥٩٣.

زينب بنت جحش بن رئاب الأسدي ٢٥٦، ٢٧٨، ٤٩٣.

زينب بنت الحارث اليهودية ٤٣٧.

زينب بنت خزيمة بن الحارث (أم المساكين) ١٦٤، ٢٥٥.

زينب بنت عبد الله بن عبد الأسد ٢٥٥.

زينب بنت النبيّ ٦٨، ٦٩، ٧٠،


 

١٢١، ٣٥٤، ٣٥٨، ٣٥٩، ٣٦٠، ٣٦١، ٤٠١، ٥٢٠، ٦٢١.

س

ستّ الأهل بنت علوان ٩١.

سُلافة بنت سعد ٢٣٣.

سُلمى بنت عمرو ٣١.

سُلمى بنت عُميس ٤٦٧.

سَودَة (أم المؤمنين) ٤١، ٦٢١.

سيرين القبطية ٢٨٠، ٤٤٥.

ش

شهدة بنت أحمد ٩١.

ص

صفيّة بنت أبي عبيد ٣٢٦.

صفيّة بنت حييّ بن أخطب ٤٢١، ٤٢٢، ٤٢٣، ٤٢٤، ٤٢٥، ٤٣٧، ٤٣٩.

صفيّة بنت شيبة ٥٥٢.

صفيّة بنت عبد المطلب ٢٠٧، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٠، ٢٩٢.

ع

عائشة ٢٧، ٩٨، ١٢١، ١٢٦، ١٣٤، ١٣٥، ١٤٢، ١٤٩، ١٧٠، ١٧٦، ١٨٠، ١٩٠، ١٩٧، ٢١٤، ٢٢٤، ٢٤٠، ٢٦٠، ٢٦٣، ٢٦٩، ٢٧٠،

٢٧١، ٢٧٢، ٢٧٣، ٢٧٦، ٢٧٧، ٢٧٨، ٢٧٩، ٢٨١، ٢٩١، ٣٠٧، ٣٠٨، ٣٠٩، ٣١٧، ٣١٨، ٣٢١، ٣٢٦، ٣٢٧، ٣٥٨، ٤٠٠، ٤٠٢، ٤٤٣، ٤٩٥، ٥٢٩، ٥٤٣، ٥٤٦، ٥٤٨، ٥٦٠، ٦٢٥، ٦٦٢، ٧١٠.

عائشة بنت عيسى بن الموفق ٥٩٥.

عاتكة بنت أسيد بن أبي العيص ١٥٧.

عاتكة بنت عبد المطلب ٧٥، ٧٦، ٧٧، ١٠٤، ٥٩٧.

عبلة بنت عبيد التميمية ٣٨٧.

عصماء بنت مروان ١٣٦.

عفراء ٦٥، ٩٧.

عمارة بنت حمزة ٤٦٧.

عمرة بنت رواحة ٢٨٦، ٤٨٧.

عمرة بنت علقمة الحارثية ١٨٠.

ف

فاطمة بنت النّبيّ ١٢٢، ١٤١، ١٤٢، ١٥١، ١٩٠، ٣٥٨، ٥٢٤، ٥٥٦، ٧٠٣.

فاطمة بنت عبدا لعزيز بن مؤمّلة ٤٧٨.

ق

قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم (أم فاطمة) ٢٩١.

ك

كبشة بنت رافع الأنصارية ٣٢٩.


م

مارية القبطية ٤٤٥.

مريم بنت عمران ١٣٢.

ميمونة ٤٦١.

ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية ٤٥٩، ٤٦٥، ٤٦٦.

ه

هالة بنت خويلد ٣٥٨.

هند بنت أبي أميّة (أم سلمة) ٢٥٥.

هند بنت سماك الأشهلية ٣٣٠.

هندبنت عتبة بن ربيعة ١٢١، ١٦٩، ١٧٩، ٢٠٥، ٥٣٣، ٥٦٠، ٥٦١.


فهرس المواضيع

كلمة الناشر..................................................................... ٥

مقدمة التحقيق................................................................... ٥

المصادر والمراجع المعتمدة في التحقيق............................................... ١١

مقدّمة المؤلّف.................................................................. ٢١

(السنة الأولى من الهجرة)

قصّة إسلام ابن سلّام............................................................ ٣٢

قصّة بناء المسجد............................................................... ٣٥

(سنة الثنتين)

غزوة الأبواء..................................................................... ٤٥

بعث حمزة...................................................................... ٤٥

بعث عبيدة بن الحارث........................................................... ٤٦

غزوة بواط...................................................................... ٤٧

غزوة العُشَيْرة.................................................................... ٤٧

غزوة بدر الأولى................................................................. ٤٨

سريّة سعد بن أبي وقّاص......................................................... ٤٨


بعث عبد الله بن جحش......................................................... ٤٨

غزوة بدر الكبرى................................................................ ٥٠

بقيّة أحاديث غزوة بدر........................................................... ٧٣

رؤيا عاتكة..................................................................... ٧٥

ذكر غزوة بدر من مغازي موسى بن عُقْبَة.......................................... ١٠٣

أسماء من شهد بدراً............................................................ ١٢٢

ذكر طائفة من أعيان البدريّين.................................................... ١٢٤

قصّة النجاشي من السيرة........................................................ ١٢٩

سريّة عُمَيْر بن عدِيّ الخَطْميّ.................................................... ١٣٦

غزوة بني سُلَيْم................................................................ ١٣٧

سريّة سالم بن عُمَير لقتل أبي عَفَك............................................... ١٣٨

غزوة السّويق في ذي الحجّة...................................................... ١٣٨

(سنة ثلاث)

غزوة ذي أمَر.................................................................. ١٤٣

غزوة بحران.................................................................... ١٤٤

غزوة بني قَيْنُقاع................................................................ ١٤٥

غزوة بني النّضير................................................................ ١٤٨

سريّة زيد بن حارثة إلى القَرَدَة.................................................... ١٥٤

غزوة قَرْقَرْة الكُدْر.............................................................. ١٥٤

مقتل كعب بن الأشرف........................................................ ١٥٧

غزوة أُحُد..................................................................... ١٦٥

عدد الشهداء................................................................. ١٩٩

غزوة حمراء الأسد.............................................................. ٢٢٣

(السنة الرابعة)

سريّة أبي سَلَمَة إلى قَطَن........................................................ ٢٢٩


غزوة الرجيع................................................................... ٢٣٠

عزوة بئر مَعُونَة................................................................ ٢٣٥

ذِكر الخلاف في غزوة بني النّضير.................................................. ٢٤٣

غزوة بني لِحْيَان................................................................ ٢٤٥

غزوة ذات الرّقاع............................................................... ٢٤٦

غزوة بدر الموعد............................................................... ٢٤٩

غزوة الخندق.................................................................. ٢٥١

(السنة الخامسة)

غزوة ذات الرقاع............................................................... ٢٥٧

غزوة دُومة الجَنْدَل.............................................................. ٢٥٧

غزوة المُرَيْسِيع.................................................................. ٢٥٨

تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجُوَيْرية رضي الله عنها......................... ٢٦٣

الإفْك....................................................................... ٢٦٩

غزوة الخندق.................................................................. ٢٨٣

غزوة بني قُرَيْظَة................................................................ ٣٠٧

وفاة سعد بن مُعَاذ............................................................. ٣١٨

إسلام ابني سعية وأسد بن عُبَيْد.................................................. ٣٣١

(السنة السادسة)

غزوة الغابة أو غزوة ذي قَرَد...................................................... ٣٣٣

مقتل ابن أبي الحُقيْق........................................................... ٣٤١

قتل ابن نُبيْح الهُذْلي............................................................ ٣٤٦

غزوة بني المصْطَلِق وهي غزوة المُرَيْسيع.............................................. ٣٤٩

سريّة نجد..................................................................... ٣٥٠

سريّة عكّاشة بن مِحْصَن إلى الغَمْر................................................ ٣٥٢

سريّة أبي عبيدة إلى ذي القصّة................................................... ٣٥٢

سريّة محمد بن مُسْلَمَة إلى ذي القَصَّة............................................. ٣٥٣


سريّة زيد بن حارثة ألى بني سُلَيْم بالجَمُوم......................................... ٣٥٣

سريّة زيد بن حارثة ألى الطّرَف.................................................. ٣٥٣

سريّة زيد بن حارثة إلى العيص................................................... ٣٥٤

سريّة زيد بن حارثة ألى حِسْمى.................................................. ٣٥٤

سريّة زيد إلى وادي القُرى....................................................... ٣٥٥

سريّة عليّ بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفَدَك................................ ٣٥٥

سريّة عبد الرحمن بن عَوْف إلى دُومة الجَنْدَل........................................ ٣٥٥

سريّة كُرْز بن جابر الفِهْريّ إلى العُرنيّين............................................ ٣٥٦

اسلام أبي العاص.............................................................. ٣٥٨

سريّة عبد الله بن رَوَاحَة إلى أسير بن زارم.......................................... ٣٦١

قصّة غزوة الحُدَيْبية............................................................. ٣٦٣

نزول سورة الفتح............................................................... ٣٩٥

(السنة السابعة)

غزوة خَيْبَر.................................................................... ٤٠٣

فصل فيمن ذكر أنّ مَرْحَباً قتله محمد بن مَسْلَمَة..................................... ٤١٥

ذِكر صفيّة.................................................................... ٤٢١

قدوم جعفر بن أبي طالب ومَن معه............................................... ٤٣٠

شأن الشاة المسمومة........................................................... ٤٣٥

حديث الحجّاج بن علاط السُلَمي................................................ ٤٣٨

غزوة وادي القُرّي............................................................... ٤٤١

سريّة أبي بكر إلى نَجْد.......................................................... ٤٤٦

سريّة عمر إلى عجُز هَوَازِن...................................................... ٤٤٦

سريّة بشير بن سعد............................................................ ٤٤٧

سريّة غالب بن عبد الله اللّيثي................................................... ٤٤٨

سريّة الجناب.................................................................. ٤٥١


سريّة أبي حدّرَد إلى الغالة....................................................... ٤٥٢

سريّة مُحَلّم بن جَثّامة........................................................... ٤٥٤

سريّة عبد الله بن حُذافة بن قيس................................................. ٤٥٧

عُمْرة القضيّة.................................................................. ٤٥٩

تزويجه صلى الله عليه وسلم بميمونة............................................... ٤٦٥

(السنة الثامنة)

مسير ابن أبي العوجاء إلى بني سُلَيم............................................... ٤٦٩

إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد........................................... ٤٦٩

سرية شجاع بن وهب الأسدي.................................................. ٤٧٦

سريّة نجد..................................................................... ٤٧٧

سريّة كعب بن عُمَير........................................................... ٤٧٧

غزوة مؤتة.................................................................... ٤٧٩

ذكر رُسل النبي صلى الله عليه وسلم.............................................. ٥٠١

غزوة ذات السلاسل............................................................ ٥١٣

غزوة سيف البحر.............................................................. ٥١٧

سريّة أبي قتادة إلى خضرة........................................................ ٥١٩

وفاة زينب بنت النبيّ صلّى الله عليه وسلم......................................... ٥٢٠

فتح مكة زادها الله شرفاً........................................................ ٥٢١

غزوة بني جَذِيمة................................................................ ٥٦٧

غزوة حُنينْ.................................................................... ٥٧١

غزوة أوطاس.................................................................. ٥٨٧

غزوة الطائف.................................................................. ٥٩١

قسم غنائم حُنينْ وغير ذلك..................................................... ٥٩٩

عُمْرَة الجعْرانة.................................................................. ٦١١

قصة كعب بن زهير............................................................ ٦١٥


وفاة زينب بنت النبيّ........................................................... ٦٢١

مولد زينب بنت أبي العاص..................................................... ٦٢١

عمل منبر النبيّ................................................................ ٦٢١

مولد ابراهيم البن النبيّ.......................................................... ٦٢١

سَوْدَة تهب يومَها لعائشة........................................................ ٦٢١

وفاة مُغَفّل بن عبد نُهْم......................................................... ٦٢١

موت ملك العرب............................................................. ٦٢١

حجّ عتّاب بالناس............................................................. ٦٢٢

(السنة التاسعة)

سريّة الضّحّاك بن سُفيان إلى القُرطاء............................................. ٦٢٣

سريّة علقمة بن مُجَزّز المّدْلجي.................................................... ٦٢٣

سريّة على بن أبي طالب ألى الفُلْس............................................... ٦٢٤

سريّة عُكّاشة بن محصن إلى أرض عُذْرَة............................................ ٦٢٤

غزوة تبوك.................................................................... ٦٢٧

فائدة........................................................................ ٦٤٣

بَعْث خالد إلي أكيدر دُومة..................................................... ٦٤٥

فائدة........................................................................ ٦٤٦

أمر الذين خُلّفوا............................................................... ٦٥١

موت عبد الله بن أبي........................................................... ٦٥٩

ذكْر قدوم وفُود العرب.......................................................... ٦٦٧

قدوم عروة بن مسعود الثقفي.................................................... ٦٦٧

وفد ثقيف.................................................................... ٦٦٧

(السنة العاشرة)

وفد بني تميم.................................................................. ٦٧٥


وفد بني عامر................................................................. ٦٧٨

وافد بني سعد................................................................. ٦٨٠

الجارود بن عمرو............................................................... ٦٨٢

وفد بني حنيفة................................................................ ٦٨٢

وفد طيء.................................................................... ٦٨٦

قدوم عديّ بن حاتم............................................................ ٦٨٧

قدوم فَرْوة بن مُسَيْك المرادي..................................................... ٦٨٩

وفد كِنْدَة.................................................................... ٦٨٩

وفد الأزد..................................................................... ٦٨٩

كتاب ملوك حِمْيَر.............................................................. ٦٩٠

بعث خالد ثم عليّ إلى اليمن.................................................... ٦٩٠

بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن................................................. ٦٩١

وفد نجران.................................................................... ٦٩٥

وفاة ابراهيم ابن النبيّ........................................................... ٦٩٨

موت ابي عامر الراهب.......................................................... ٧٠٠

موت بوران بنت كسرى........................................................ ٧٠٠

مولد محمد بن أبي بكر الصدّيق.................................................. ٧٠٠

مولد محمد بن عمرو بن حزم.................................................... ٧٠٠

حجّة الوداع.................................................................. ٧٠١

(السنة الحادية عشرة)

سريّة أسامة................................................................... ٧١٣

دخول شهر ربيع الأول......................................................... ٧١٤

(الفهارس)

فهرس أوائل الآيات الكريمة...................................................... ٧١٩


فهرس أوائل الأحاديث الشريفة................................................... ٧٢٥

فهرس الابيات الأولى من الأشعار................................................ ٧٣٥

فهرس الأعوام والأيام........................................................... ٧٣٩

فهرس المصطلحات والألفاظ اللغوية............................................... ٧٤١

فهرس الأمم والقبائل والطوائف................................................... ٧٤٧

فهرس الأماكن والبلدان......................................................... ٧٥٣

فهرس أعلام الرجال............................................................ ٧٦١

فهرس أعلام النساء............................................................. ٨٠٥

الفهرس العام.................................................................. ٨٠٩


صدر للمحقّق

الحياة الثقافية في طرابلس الشام خلال العصور الوسطى ـ طبعة دار فلسطين للتأليف والترجمة ـ بيروت ١٩٧٣ (نفد).

تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك ـ طبعة دار البلاد للطباعة والاعلام ـ طرابلس ١٩٧٤ (نفد).

تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور ـ عصر الصراع العربي ـ البيزنطي والحروب الصليبية ـ الجزء الأول ـ طبعة داري البلاد للطباعة والأعلام ـ طرابلس ١٩٧٨ (نفد).

من حديث خيثمة بن سليمان القرشي الأطاربُلُسي (٢٥٠ ـ ٣٤٣ ه.) ـ دراسة وتحقيق (٤) مخطوطات :

* الفوائد من المنتخب من حديث خيثمة ـ الجزء الأول. (مخطوطة الظاهرية).

* فضائل الصحابة ـ الجزء السادس. (مخطوطة الظاهرية).

* فضائل أبي بكر الصِدّيق ـ الجزء الثالث. (مخطوطة الظاهرية).

* الرقائق والحكايات ـ الجزء العاشر (مخطوطة الظاهرية وتشستر بيتي). طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٤٤ ه. / ١٩٨٠ م.


النور اللائح والدُّر الصادح في اصطفاء مولانا الملك الصالح (اسماعيل بن محمد بن قلاوون) (٧٤٣ ـ ٧٤٦ ه.) ـ تأليف ابراهيم بن عبد الرحمن بن القَيْسرانيّ القُرشيّ الخالدي (تُوُفّي ٧٥٣ ه.) ـ دراسة وتحقيق ـ طبعة دار الانشاء للصحافة والطباعة والنشر ـ طرابلس ١٩٨٢ (مخطوطة المكتبة الأهلية بباريس).

دار العلم في القرن الخامس الهجري ـ طبعة دار الانشاء للصحافة والطباعة والنشر ـ طرابلس ١٩٨٢.

وثائق المحكمة الشرعية بطرابلس (من تاريخ لبنان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي) السّجل الأوّل (١٠٧٧ ـ ١٠٧٨ ه. / ١٦٦٦ ـ ١٦٦٧ م.) بالاشتراك مع د. خالد زيادة ود. فردريك معتوق ـ نشره معهد العلوم الأجتماعية ، بالجامعة اللبنانية ـ طرابلس ١٩٨٢.

البدر الزاهر في نُصْرة الملك الناصر (محمد بن قايتباي) (٩٠١ ـ ٩٠٤ ه./ ١٤٩٥ ـ ١٤٩٩ م.) بالاشتراك مع د. خالد زيادة ود. فردريك معتوق ـ نشرة معهد العلوم الاجتماعية ، بالجامعة اللبنانية ـ طرابلس ١٩٨٢.

البدر الزاهر في نُصْرة الملك الناصر (محمد بن قايتباي) (٩٠١ ـ ٩٠٤ ه. / ١٤٩٥ ـ ١٤٩٩ م.) يُنسب إلى ابن الشحنة ـ دراسة وتحقيق ـ (مخطوطة المكتبة الأهلية بباريس) ـ طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٩٨٣.

القول المستَظْرَف في سفر مولانا الملك الأشرف (رحلة قايتباي إلى بلاد الشام) (٨٨٢ ه. / ١٤٧٧ /.) ـ تأليف القاضي بدر الدين أبي البقاء محمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني المعروف بابن الجيعان (٨٤٧ ـ ٩٠٢ ه.) ـ دراسة وتحقيق ـ مخطوطات : الخزانة السلطانية بدار الكتب المصرية ، الاسكوريال بإسبانية ، وتورينو بإيطاليا ـ طبعة جرُّوس برسّ ـ طرابلس ١٩٨٤.

موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الاسلامي (عبر ١٤ قرناً هجرياً) ـ القسم الأول ـ المجلّدات ١ ـ ٥ ـ تراجم العلماء من حركة الفتح الاسلامي للمدن اللبنانية حتى وفيات سنة ٤٩٩ ه. ـ طبعة المركز


الاسلامي للإعلام والإنماء ـ بيروت ١٤٠٤ ه. / ١٩٨٤ م.

معجم الشيوخ ـ أبو الحسين محمد بن أحمد بن جُمَيعْ الصّيداوي (٣٠٥ ـ ٤٠٢ ه.) ـ (مخطوطة لابدن بجامعة أمستردام ـ هولندة) ، وبذيله «المنتقى من المعجم» (مخطوطة الظاهرية بدمشق) ، و «حديث السّكن بن جُميع الصيداوي (توفي ٤٣٧ ه.) (مخطوطة الظاهرية) ، دراسة وتحقيق ـ طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ودار الايمان ، طرابلس ١٤٠٥ ه. / ١٩٨٧ م.

التبعة الثانية ١٤٠٧ ه. / ١٩٨٧ م.

تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور (عصر الصراع العربي البيزنطي والحروب الصليبيّة ـ طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ودار الإيمان ، طرابلس ١٤٠٥ ه. / ١٩٨٥ م. (طبعة ثانية).

شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ـ تأليف أبي الطيّب تقيّ الدين محمد بن أحمد بن علي القاضي المالكي الفاسي المكي (توفي ٨٣٢ ه.) ـ دراسة وتحقيق ـ طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٤٠٥ ه. / ١٩٨٥ م. (مجلّدان).

الفوائد العوالي المؤرخة من الصّحاح والغرائب ـ للقاضي أبي القاسم على بن المحسّن التنوخي (توفي ٤٤٧ ه ,) ـ بتخريج أبي عبد الله محمد بن علي الصوري (توفي ٤٤١ ه.) ـ الجزء الخامس ـ (مخطوطة الظاهرية) ـ دراسة وتحقيق ـ طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ودار الإيمان ، طرابلس ١٤٠٦ ه. / ١٩٨٥ م.

ديوان ابن منير الطرابُلُسي ـ مهذّب الدين أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي المعروف بالرّفّا (٤٧٣ ـ ٥٤٨ ه.) ـ جَمْع ودراسة ـ طبعة دار الجليل ، بيروت ، ومكتبة السائح ، طرابلس ١٩٨٦.

المنتخب من تاريخ المنبجي ـ أغابيوس بن قسطنطين المنجي (من المتوفّين في


القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي) ـ دراسة وتحقيق للقسم الخاص بتاريخ المسلمين (من ظهور الاسلام حتى خلافة المهدي العباسي) ـ طبعة دار المنصور ، طرابلس ١٩٨٦.

تاريخ الاسلام وَوَفَيَات والمشاهير والأعلام ـ الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن قايماز المعروف بالذهبي (توفي ٧٤٨ ه.) ـ تحقيق وتخريج الأجزاء :

* المغازي النبويّة.

* السيرة النبويّة.

* الخلفاء الراشدون.

(مخطوطات : آيا صوفيا باسطنبول ، حيدر أباد بالهند ، دار الكتب المصرية ، مكتبة الأمير عبد الله الفيصل بالسعودية).

طبعة دار الكتاب العربي ، بيروت ١٤٠٧ ه. / ١٩٨٧ م.

يصدر للمحقق

موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الاسلامي (عبر ١٤ قرناً هجرياً)

القسم الثاني ـ (٦) مجلّدات ـ تراجم الوَفَيَات من ٥٠٠ ـ ٩٩٩ ه.

القسم الثالث ـ (٥) مجلّدات ـ تراجم الوفيات من ١٠٠٠ ـ ١٤٠٠ ه.

تصدر عن المركز الاسلامي للإعلام والإنماء ـ بيروت.

تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ـ الحافظ الذهبي ، الأجزاء :

حوادث ووفيات (٤١ ـ ٨٠ ه.).

حوادث ووفيات (٨١ ـ ١٢٠ ه.).

حوادث ووفيات (١٢١ ـ ١٦٠ ه.).

حوادث ووفيات (٣٥٠ ـ ٣٨٠ ه.).

حوادث ووفيات (٣٨١ ـ ٤٠٠ ه.) وتصدر عن دار الكتاب العربي ، بيروت.


الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان عن الشيوخ الكوفيّين ـ انتخاب الحافظ أبي عبد الله محمد بن علي الصوري (٣٧٦ ـ ٤٤١ ه.) على أبي عبد الله محمد بن علي أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي (توفي ٤٤٥ ه.) ـ دراسة ووحقيق ـ (مخطوطة الظاهرية) ـ يصدر عن دار الكتاب العربي ، بيروت.

نصوص مختارة من سجلّات المحكمة الشرعية بطرابلس (٣٠) مجلاً ـ من سنة ١٠٧٧ ـ ١١٩٩ ه. ـ دراسة وتحقيق وشرح مع خرائط ـ يصدر عن الؤسسة الوطنية للمحفوظات (رئاسة مجلس الوزراء اللبناني) ، بيروت.

تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ٢

المؤلف:
الصفحات: 821