

بسم الله الرحمن الرحيم
(الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا
لِنَهْتَدِيَ
لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ)
الأعراف ـ ٤٣
الإهداء
إلى أستاذى الذى
أدين له بالكثير ...
إلى الأستاذ
الدكتور يوسف خليف.
حبّا وتقديرا
ووفاء.
الفهرست العام.
مقدمة الطبعة الثالثة.
مقدمة الطبعة الأولى.
تمهيد : علم الكلام.
الباب الأول : المعتزلة وإعجاز القرآن.
الباب الثانى : الأشاعرة وإعجاز القرآن.
الباب الثالث : بين المعتزلة
والأشاعرة فى إعجاز القرآن.
خلاصة البحث.
النتائج الأساسية.
الفهارس الفنية :
١ ـ المصادر
والمراجع.
٢ ـ الآيات القرآنية.
٣ ـ الأعلام.
٤ ـ الأبيات الشعرية.
٥ ـ المصطلحات البلاغية.
٦ ـ الفهرست التفصيلى.
مقدمة الطبعة الثالثة
تجربة قاسية هذه ...
أن تعيد النظر
فيما كتبته من سنوات طويلة خلت ، ولا سيما وأنت مع نبض الفكر فى الجامعة ، تعلّم
وتتعلّم ، وتتابع الأفكار والبحوث ، وكلّ جديد فى الموضوع ...
الموقف ليس فى
صالحك ، والامتحان عسير ، فالذى اعتبرته كشفا جديدا فى بحثك ، صار بلا بريق ، وما
عانيت حتى تخرجه من حشايا الكتب صار كرة تتقاذفها الأقلام ، وما أصعب أن تقول :
أنا الذى ...
ومشكلتى أيها
القارئ الكريم ، أننى كتبت هذا البحث ، وكان الوقت ملكى والخبرة ليست فى يدى ،
وأعود إليه الآن ، وقد ملكت الخبرة ، لكنّ الوقت ليس فى يدى ، والضرورة هى التى
فرضت نفسها ، فالطبعتان الأولى والثانية نفدتا ، وتلاميذى يريدون شيئا «يحفظونه»!؟
فلا مفر من الطبعة الثالثة.
ولن أدّعى لقارئى
الكريم ، أن هذه الطبعة «مزيدة ومنقحة» ، لأنها لا مزيدة ، ولا منقحة ، بل هى
مصحّحة ، مصحّحة من أخطاء المطبعة ، مصححة من الآراء الضعيفة ، والأسلوب الركيك ،
الذى لا مفر من تصويبهما ، ولا عذر فى تركهما على علاتهما ...
وأعدك ، أيها
القارئ الكريم ، إن أتيحت لى الفرصة ، أن أعود لأضيف ، وأنقح ، فعندى ما أقدمه ،
سأقدم لك خلاصة الخبرة والدربة والممارسة ، والله على ما أقول شهيد ... فإلى أن
نلتقى فى الطبعة الرابعة ، إن شاء الله.
|
منير سلطان
٦٨ ش السيد محمد كريّم ـ الإسكندرية
|
مقدمة الطبعة الأولى
من أخطر القضايا
التى جابهت الإسلام والمسلمين قضية إعجاز القرآن ، لقد دلف منها المغرضون يبغون
تحطيم العقيدة وقدسية الوحى وروعة الجهاد ، منادين : أن هذا القرآن غير معجز ،
وليس وحيا ، ولا يختلف عن الكتب الدينية الأخرى فى شىء.
واندفع علماء
المسلمين ، من لغويين ومفسرين ومتكلمين يدافعون عن القرآن ، كلّ بما أوتى من سلاح
، ودارت معركة ضارية ولأن المهاجمين كانوا من عتاة المفكرين المتزودين بالثقافات
الأجنبية المختلفة ، تصدى لمجادلتهم علماء الكلام الذين استطاعوا بقدرتهم على
الجدل وتعمقهم إلى أسرار دينهم ، أن يحطموا الهياكل المزيفة ويبدّدوا الإظلام
الخادع ويرفعوا كلمة الله عالية.
لقد تركت لنا هذه
العقول الجبارة تراثا غنيا فخما ، جمع بين الفن الجميل والفلسفة المعقدة ، بين
الحوار الرائع والنتائج المفحمة ، فأثروا ميدان النقد والبلاغة بما انتهوا إليه من
حقائق ودراسات ممتازة.
والمعروف أن علماء
الكلام منهم الشيعى والخارجى والمرجئى والصّوفى والمعتزلى والأشعرى ، ولكنى بعد أن
درست طبيعة فكر هؤلاء المتكلمين خصّصت كلامى بالمعتزلة والأشاعرة ، لأن الشيعة قد
امتازت عن سائر فرق المسلمين بالقول بالإمامة ، وهو فرق جوهرى أصلى ، بينما قصارى
أمر الإمامة أنها قضية مصلحية اجتماعية ولا تلحق بالعقائد ، فالشيعة حزب دينى يسعى
للخلافة ولا شأن له بالعقائد وقضاياها إلا عرضا ، وقضية الإعجاز القرآنى من أهم
قضايا العقائد ، ولا صلة لها بالحكم والسعى إليه.
والخوارج قد رفضوا
حجج الشيعة فى الخلافة ، فهما فى صعيد واحد بالإضافة إلى أننا نجد عند الشيعة ما
يسمّى بعلم الظاهر والباطن ، وبالمصحف الشيعى ،
وبأن فى القرآن من
الرموز أشياء عظيمة القدر ، جليلة ، تضمنت علم ما يكون فى هذا الدين من الملوك
والممالك والفتن والجماعات ومدد كل صنف منها وانقضائه ، ورمزت بحروف المعجم
وبغيرها من الأقسام ، واطّلع على علمها الأئمة المستودعون علم القرآن ، وأضيف إلى
ذلك أن الشيعة يقولون فى كثير من مسائل أصول الدين بقول المعتزلة ، فهذا كتاب «الياقوت»
لأبى إسحاق بن إبراهيم بن نوبخت من قدماء متكلمى الشيعة يؤكد ما أذهب إليه ،
والأستاذ أحمد أمين يرجح تتلمذ الشيعة على يد المعتزلة ، بينما يقرر الشهرستانى أن
من بين الشيعة من يميل فى الأصول إلى الاعتزال ومنهم من يميل إلى السنة وبعضهم إلى
التشبيه ، والشريف المرتضى الشيعى المعتزلى ليس ببعيد.
والخوارج لا باع
لها فى ميدان علم الكلام وقضايا العقيدة ، وقد انتهزت فرصة عملى بالجزائر واتصلت
بالإباضية المنتشرين هناك ، وكاتبت العالم الإباضى الورع السيد / بيوضى ، استطلعه
رأى الإباضية حول إعجاز القرآن ، واتجاههم فى مسائل العقيدة التى ناقشها المعتزلة
والأشاعرة ، فأجابنى برسالة مستفيضة عما سألت ثم تسنّى لى لقاؤه والإفادة من علمه
، فخرجت من الرسالة واللقاء بأن للإباضية جهدا فى مسائل علم الكلام هو مزيج مما
قالت المعتزلة والأشاعرة ، وأن لها رأيا فى الاعجاز هو شبيه برأى الأشاعرة.
لذا لم أتكلم عن
الشيعة ولا عن الخوارج ، وأما عن المرجئة فلم أصادف لها متكلمين ، ولا كتبا خاصة ،
ولا نظرة معينة إلى القرآن فى إعجازه.
والصوفية بدورها
تعتبر نزعة من النزعات وليست فرقة مستقلة ، وقد استطاع الصوفية ـ متبعين فى ذلك
الشيعة ـ أن يبرهنوا بطريقة تأويل نصوص الكتاب والسنة تأويلا يلائم أغراضهم ، على
أن كل آية ، بل كل كلمة فى القرآن ، تخفى وراءها معنى باطنا لا يكشفه الله إلا
للخاصّة من عباده الذين تشرق هذه المعانى فى قلوبهم فى أوقات وجدهم ، وهناك تأثر
واضح للصوفية من المعتزلة ، فهم قد جعلوا مسألة القدر ، التى هى أهم قضايا
المعتزلة ، نقطة أساسية فى مذهبهم ، فقالوا بالجبر على نحو لا اضطراب فيه ، ونلحظ
أن التصوف قد انتشر فى فارس ، وفارس من مواطن الاعتزال.
لذا رأيت أن أكرس
جهدى لدرس جهد المعتزلة والأشاعرة إن معظم الآثار التى دارت حول الاعجاز هى
لمعتزلى أو لأشعرى.
واختططت للبحث
منهجا تاريخيا ، فبعد تمهيد عن نشأة علم الكلام وازدهاره وعن نشأة المعتزلة
وارتقائها ثم تدهورها تعرضت لجهود النظام ثم الجاحظ يليهما الجبائيات أو على وابنه
أبو هاشم ثم الرّمّانى ثم القاضى العظيم عبد الجبار ، وكان ذلك الباب الأول. وقد
جعلت الباقلانى وعبد القاهر الجرجانى ـ الأشعريين ـ فى باب ثان أفردته للأشاعرة
ونظرية إعجاز القرآن ، وحين تعرضت للزمخشرى ، وما بذله من جهد محمود لم أستطع أن
أضعه مع قرنائه فى الباب الأول ، لأنه قد تأثر تأثرا مباشرا بعبد القاهر الجرجانى
فاقتضى البحث أن نتعرف أولا على ما قدّمه الجرجانى ثم نقفى ذلك بما زاده الزمخشرى.
ولم يقتصر الأمر
على ما بلغ ، فهناك ثلاثة متكلمين بحثوا فى الإعجاز ، أحدهما ظاهرى : وهو ابن حزم
الأندلسى والآخران : معتزلى : وهو السكاكى ، وأشعرى : وهو الرازى ، وقد درسوا
الإعجاز وتوصلوا فيه إلى رأى خاص بهم طريف ولكنه ليس فى روعة ما فعله الأولون.
وأخيرا انتهى بى
البحث إلى أن أتساءل ما ذا قدم المعتزلة للإعجاز وكذا الأشاعرة؟ وفيما اتفقا وفيم
اختلفا؟
وبعد ـ فلا بد أن
أشير هنا إلى أنّهم قد قدّموا الجديد فى ميدان النقد وميدان البلاغة ، وهل كانت
قضية الإعجاز إلا جانبا فلسفيا يعضّده آخر فنى جمالى؟
أما عن المصادر ،
فقد تنوعت تبعا لطبيعة البحث ـ وكانت كتب الفرق فى مقدمة المصادر ، وعليها ملحظ ،
فمعظم من درس الفرق من المتكلمين كان أشعريا ، فأدى به تعصّبه أن يظلم المعتزلة
ويشوّه. آراءهم أو يبترها أو يعتمد على المشهور منها بلا تمحيص ، استخفافا بهم ـ ويظهر
أن كتابات ابن الراوندى المخلوع من المعتزلة ، كانت مصدر الأشاعرة عن المعتزلة ،
فكيف يطمئنّ إليها ، ولو لا أن قيّض الله لكتب القاضى عبد الجبار أن تظهر وتشرح
الرأى الواضح للمعتزلة ، لظل تعصب الأشاعرة فى كتبهم منبعا لنا فى تفهّم آراء
المعتزلة وفى
مناقشة قضاياهم ،
لذا كانت مصادرى عن المعتزلة ما كتبه الجاحظ والنظام ، والخياط وعبد الجبار
والزمخشرى وكفى بهم مدافعين عن المعتزلة.
هذا بالاضافة إلى
كتب الشيعة والمتصوفة التى تبينت منها كيف اختلف مذهبهم عن مذهب المعتزلة
والأشاعرة.
وجاءت كتب التفسير
والأصوليين عونا على تفهم أوجه النظر فى جهود الفقهاء فى دراسة النظرية ، ثم ذلك
التراث الشامخ الذى تركه المتكلمون أنفسهم فى القضية خالصا لها.
واقتضى الأمر أن
ألمّ بكتب البلاغة من كتابات الجاحظ إلى ما كتب السكاكى على اختلاف مشارب مؤلفيها
وجهودهم فى الابتكار. ولم يفتنى أن أتصدى لما كتب المستشرقون حول القرآن ورأيهم فى
إعجازه ، وبالرغم من التعصب الشديد وجدت منصفين منهم قد أعطوا للقرآن حقّه تقديرا
واحتراما ، هذا بجانب البحوث الحديثة التى انشغلت بالإعجاز وقدّمت آراء جديدة
وأفكارا جادة.
وبعد
فهذا
ما هدانى إليه ربى ، أن أقول كلمة فى كتابنا الكريم عساها تنفع الباحثين ، فان
وجدوا فيها ما يفيد فلله الحمد أولا وأخيرا ، وإلا فقد ابتغيت الخير ونويت الفائدة
وأردت الصّلاح.
تمهيد
علم الكلام
١ ـ النشأة والازدهار
٢ ـ المعتزلة
والأشاعرة
أولا : النشأة والازدهار
نشأ علم الكلام
بسبب من القرآن الكريم ، والسنة الشريفة. وهو علم يتضمن الحجاج عن العقائد
الايمانية بالأدلة العقلية ، أما عن سبب تسميته «بعلم الكلام» فيقول ابن خلّكان : «إنها
كانت لأن أول خلاف وقع فى الدين كان فى كلام الله عزوجل أمخلوق هو أم غير
مخلوق؟ فتكلم الناس فيه. فسمّى هذا النوع من العلم كلاما واختصّ به ، ويقول الشهرستانى : «فخلطت مناهجها بمناهج الكلام ،
وأفردتها فنا من فنون العلم ، وسمتها باسم الكلام ، أما لأن أظهر مسألة تكلموا
فيها وتقاتلوا عليها هى مسألة الكلام ، فسمّى النوع باسمها ، وأما لمقابلتهم
الفلاسفة فى تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق ، والمنطق والكلام مترادفان» ، وهناك آراء أخرى نجدها فيما كتبه ابن خلدون وغيره عن علم الكلام وسبب تسميته.
ويحدد الأستاذ
أحمد أمين العصر العباسى توقيتا لإطلاق هذا الاسم ويرجح أنه كان فى عصر المأمون
لأنه «قبل ذلك كان يسمى البحث فى مثل هذه الموضوعات «الفقه فى الدين» نظير «الفقه
فى العلم» وهو علم القانون ،
__________________
فقالوا : الفقه فى
الدين أفقه من الفقه فى العلم ، وسمّى أبو حنيفة كتابه فى العقيدة «الفقه الأكبر» ويقول «وقد تعاون على نشوئه وارتقائه أسباب كثيرة بعضها
داخلى وبعضها خارجى ، وأعنى بالأسباب الداخلية ، أسبابا صدرت من طبيعة الإسلام
نفسه والمسلمين أنفسهم ، وبالأسباب الخارجية أسبابا أتت من الثقافات الأجنبية
والديانات المختلفة غير الإسلام» .
فقد تعرض القرآن
لأهم الفرق والديانات التى كانت منتشرة فى عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأمر الرسول أن يدعو دعوته ويجادل مخالفيه ثم هدأت الحروب وثاب الناس ، فأخذوا ينظرون ويبحثون ،
ويتوسعون فى النظر والبحث ، ويدرسون وجوه الفروق والموافقات فاختلفت وجهات النظر
وتباينت أصول الآراء تبعا لذلك. ولعل مسألة الخلافة كان لها النصيب الأوفى من جدل
المسلمين وخصامهم ، ومن تشاحنهم فى آرائهم نبتت المذاهب.
هذا. وأنّ كثيرا
ممن دخلوا الإسلام بعد الفتح ، كانوا من ديانات مختلفة ، يهودية ونصرانية ومانوية
ومزدكية وغيرها. ولما اطمأنوا بدءوا ينظرون إلى الاسلام فى أصوله من خلال تعاليمهم
الدينية ، التى كانوا عليها. ثم يقارنون فيهاجمون ، فحقّ الرد عليهم .
__________________
وحديث الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أيضا ، كان سببا من أسباب نشوء علم الكلام فعثمان بن
عفان سمح للصحابة بالخروج إلى الأمصار ، فانتشرت حلقاتهم فى المساجد يروون عن
النبى ، ثم تصدى التابعون للرواية ، وحينما ظهرت الأحزاب بعد مقتل عثمان حاول كل
حزب أن يدعم ما يدعو اليه بآى من القرآن الكريم ، وبحديث للرسول صلىاللهعليهوسلم.
وظهر أصحاب
التفسير العقلى الذين ضاقوا بمنهج السلف ، وشعروا أن علماء الحديث ـ بالرغم من حيطتهم
ـ قد قبلوا أحاديث يعترض عليها العقل ووجدوا أن السلف قد تمسكوا بالظاهر ولم
يتقدموا خطوة نحو التفسير العقلى لما يروونه من أحاديث .
فأبدع الحديث
الشريف لونا من الجدل الداخلى بين علماء الحديث وبين المفكرين الذين عارضوهم فى
المنهج. وهذا الجدل العقلى الذى ارتبط بالحديث ، ارتبط أيضا بالقرآن ، من جانب
التشريع الدينى. وأقصد به الاجتهاد فيه بالرأى. فقد اجتهد النبى صلىاللهعليهوسلم واجتهد الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم من
الصحابة ونما هذا الاجتهاد وزكا فأنتج فى جنباته نوعا من التفكير
الفلسفى أثرى علم الكلام.
فعلم الكلام له
صلة وطيدة بالقرآن الكريم ، فمن طبيعته ودفاعا عنه نشأ ، وله صلة بالسّنّة النبوية ، فمن ارتباطها
بالسياسة ومن محاولة العلماء تنقيتها ، ثار الجدل ، وكذا أعداء الإسلام ، حين
راموا تقويضه وهبّ العلماء يدافعون عنه ،
__________________
بالقرآن والحديث
وبالفلسفة وبأديان الأعداء أنفسهم ـ أدى كل هذا إلى نمو علم الكلام وتشعبه ، حتى
صار بنيانا شامخا يدل على مدى عبقرية العقلية الاسلامية.
أما المتكلم ، فهو
كل من يجعل القضايا الدينية موضوع برهنة جدليّة مجتلبا لها براهين نظرية لسند
القضية التى يعرضها ، والجاحظ يخبرنا أن لفظ «المتكلم» يشتمل على ما بين الأزرقى
والغالى وعلى جميع ما دونهما من الخارجى والرافضة بل على جميع الشيعة وأصناف
المعتزلة بل على جميع المرجئة وأهل المذاهب الشاذة .
ولا يكون المتكلم
جامعا لأقطار الكلام متمكنا فى الصناعة يصلح للرئاسة حتى يكون الذى يحسنه من كلام
الدين فى وزن الذى يحسن من كلام الفلسفة .
وهناك متكلمون
أعلام برزوا فى سماء علم الكلام ، فمنهم عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، والنظام ،
والجاحظ ، والرمانى ، وعبد الجبار ، والزمخشرى ، وغيرهم ، وهم معتزلة ، ومنهم
الباقلانى ، والجرجانى وغيرهم وهم أشاعرة ، ومنهم هشام بن الحكم ، وشيطان الطاق ،
والشّكال ، وابن قبّة ، وأبو سهل النوبختى ، وغيرهم ، وهم شيعة . ومنهم اليمان بن رياب ، وأبو على بن يحيى بن كامل ، وأبو
على بن حرب الهلالى ، وعبد الله بن يزيد الأباضى ، وغيرهم وهم خوارج ومن متكلمى الزهاد والمتصوفة المحاسبى البغدادى ، وعبد
العزيز بن يحيى الكنانى ، ومحمد بن الجنيد .
هذه هى نشأة علم
الكلام ، عامة ، أما عن الازدهار ، فما الحديث عنه إلا حديث عن جهود المتكلمين
أنفسهم ، وما جهودهم سوى نموه وتطوره وازدهاره.
__________________
المعتزلة والأشاعرة
انقضت أيام عمر بن
الخطاب ، واستقبل المسلمون عثمان خليفة عليهم ـ وبعضهم راض والآخرون متأففون ـ حتى
جاء يوم قتل فيه عثمان وتولى علىّ الخلافة ، فطولب بالثأر لعثمان ، وثار عليه طلحة
والزبير وعائشة فقاتلهم وهزمهم ، وثار عليه معاوية فقاتله فى صفّين وكاد يهزمه لو
لا المصاحف ، ثم احتكم الفريقان ، فلم يرض عن التحكيم بعض فريق علىّ ، وانتقل
علىّ.
المسألة كما ترى
سياسية ، خليفة قتيل ، وخليفة جديد ، وثالث يريد الخلافة فأين يقف الحق؟
وقد راح المسلمون
يتجادلون فى أمر عثمان ، وأمر قتلته ، وفى علىّ وفى أصحاب الجمل ، وفى القوم
الخارجين عليه ، وهم حينما يتناظرون فى هذه القضايا يصبغونها بالدين. بل
ويحوّلونها إلى مشكلة دينية. وكثر الجدل ودار النقاش.
وهناك بعيدا عن
الفتن وعن السياسة اعتزلت طائفة من المسلمين هذا الخضمّ ، ولم تنغمس فى حرب الجمل
ولم تشترك فى وقعة صفّين ، فقد كانت ترى أن الحق ليس بجانب إحدى الطائفتين
المتنازعتين (علىّ وأصحاب الجمل) و (علىّ ومعاوية).
وهؤلاء هم
المعتزلة الأول الذين ظهروا قبل مدرسة الحسن البصرى نحو مائة عام .
وقد ثارت خصومة
بين الخوارج وغيرهم من المسلمين حول الأيمان ، هل مرتكب الكبيرة كافر هو أم مؤمن؟
ورأت الخوارج أن
العمل بأوامر الدين ، من صلاة وصيام وصدق وعدل ،
__________________
جزء من الأيمان ،
وليس الأيمان الاعتقاد وحده ، فمن اعتقد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله
ثم لم يعمل بفرض الدين وارتكب الكبائر كان كافرا. ويترتب على ذلك أنّ الأمويين فى
نظر الخوارج كافرون ولا حقّ لهم فى الخلافة ، وعلى الخوارج محاربتهم حتى يدخلوا مذهبهم.
وقاتل الخوارج الأمويين.
وعلى الطرف الآخر
من الخوارج وقف المرجئة الذين جعلوا الأيمان مجرد الاعتقاد القلبى وليست التكاليف
من صلاة وصيام ونحوها جزءا من الإيمان ، ولا يخرج الإنسان عن إيمانه ارتكاب
الكبائر ، وهؤلاء طبقوا نظريتهم هذه على كل ما حدث من الخلافات السياسية والدينية
بين المسلمين ، فليس عثمان وأنصاره ولا الخارجون عليه ، بكافرين ، ولا علىّ
وأتباعه وعائشة وأتباعها يوم الجمل ، بخارجين عن الاسلام ، ولا من انضم تحت لواء
علىّ يوم صفّين بكافرين ، بل المسألة فوق ذلك قلبية بحتة.
ومن ثمّ بنى أمية
مؤمنون مهما ارتكبوا.
ولم تر طائفة من
المفكرين رأى الخوارج فى المؤمن ، ولا رأى المرجئة فيه ، ورأت أن مرتكب الكبيرة
ليس كافرا ولا فاسقا ، لأنه قد شهد الشهادة وعمل أعمال الخير عدا هذه الكبيرة ،
فهو فى منزلة بين المنزلتين.
بهذا قال واصل ـ رأس
طائفة المعتزلة الجدد ، الذين هم ـ استمرار فى ميدان الفكر والنظر ـ للمعتزلة
السياسيين أو العمليين .
وفى العصر الأموى
، تتعقد الحياة الفكرية لكثرة جداول النقاش ، بالإضافة إلى السياسة التى اتخذها
الأمويون نحو المسلمين ، فقد كانوا لا يهتمون إلا بأن يستقر الأمن وتستكين النفوس
إلى الحكم القائم. وأوهم الحكام جماهيرهم ، بأن الأمويين لا حيلة لهم فى شىء ،
إنما هو قدر من الله وجبر ، فعليهم الطاعة والاستسلام ـ ورأى جماعة من خلّص
التّابعين ، أن الأمر ليس لهم ، وأن الدنيا تغيرت ، وأن شرع الله لا يأبه به حاكم
ولا محكوم ، فآثروا العزلة وعلى رأسهم
__________________
الحسن البصرى الذى
تجنب هو وتلاميذه الفتن السياسية ، وعاشوا جميعا للعلم والدين والتصوف والزهد.
ولكن الأمر يغلو ،
والمعصية تجور ، والفساد ينخر فى صلب الناس ، فقام تابعى آخر يقاوم الانحلال
والسفك والظلم معلنا «أنه لا قدر والأمر أنف» أى خارج عن إطار القدريّة المزعومة
وكان هذا التابعى معبد بن خالد الجهنى .
وتظهر شخصية أخرى
، وهو غيلان الدمشقى ، متابعا معبدا فى رأيه فى القدر ، وانطلق ينادى فى الناس :
إن الحسنات والخير من الله ، وإن الشّرّ والسيئات من أنفسهم ، لكيلا ينسب إلى الله
شيئا من السيئات
وحين ولى هشام بن
عبد الملك خرج غيلان وصاحبه «صالح» إلى أرمينية ، يعيبان على هشام مظالمه ومظالم
بنى أمية باسم «الحق الالهى» ، الذى لا مردّ له ، فقتلهما هشام .
كانت هذه هى
المباحث القدرية الأولى ، وكان الحسن ـ فى مرحلة من مراحل حياته ومعبد وغيلان هم المبشرين الأوائل بمذهب الإرادة الحرة .
وقد تأثر واصل بن
عطاء بغيلان ويرجّح أنه تأثر بمعبد أى أن المعتزلة الجدد
__________________
قد تأثروا بما ذهب
إليه القدرية فى القرن الأول فى حرية الإرادة ، ولكنهم ليسوا فرعا ولا استمرارا
للقدرية .
ولم تتسمّ
المعتزلة باسمها لأن واصلا قد اعتزل الحسن البصرى فى مسجده ... الخ ، فتاريخهم
أبعد من هذا ، ولم يكن لهم اسم المعتزلة وحده ، بل تسمّوا بالقدرية نسبة إلى
مذهبهم فى القدر ، وبالعدلية نسبة إلى رأيهم فى العدل الإلهي ، وبالموحّدة لأنهم
ينادون بالتوحيد ، ولكن أشهر الأسماء إطلاقا (المعتزلة) ، يقول أحمد أمين «أنهم
سمّوا المعتزلة لاعتزالهم قول الأمة ، يعنون بذلك ـ أنّهم اشتقّوا لأنفسهم طريقا
جديدا ، وساروا فيه وخالفوا غيرهم ، وليس تحولهم من سارية إلى سارية جديدة ـ إن
صحّ ـ إلا رمزا لتنحيهم عن هذه الفرق وإنشائهم فرقة جديدة» . ترى رأيها الخاص فى القدر ، وفى صفات الله عزوجل ، وفى خلق القرآن الكريم وفى العقل والنقل.
ولكن ما موقف
الأمويين من المعتزلة؟ من البديهى أن ما يهمّ الأمويين هو رأى المعتزلة سياسيا ،
ومقياس رضاهم مرتبط برأى المعتزلة فى مرتكب الكبيرة. وفى أصحاب موقعة الجمل ، وفى
أصحاب موقعة صفّين.
وسبق أن عرفنا
موقف المعتزلة الوسط فى مرتكب الكبيرة ، ولأنهم كانوا يؤمنون بتقدير العقل ، وما
يصل إليه من نتائج ، فلم ينظروا إلى صحابة الرسول صلىاللهعليهوسلم نظرة المرجئة ، التى تحاشت الحكم عليهم تبعا لمذهبهم ، ولم
يقصروا نظرتهم على مسألة التحكيم فقط. بل أخضعوا جميع الصحابة للنقد الصريح ، بل
قل : بالنقد والتجريح ، مثلما صدر من واصل فى عدم جوازه قبول شهادة علىّ وطلحة
والزبير على باقة بقل ، ومثل سبّ عمرو بن عبيد لأبى هريرة ، وطعنه فى روايته ... إلى
غير ذلك. وكذا نقدوا معاوية وعمر بن العاص ، ولكن يظهر ـ كما يقول أحمد أمين ـ أن
الأمويين رأوا فى ذلك من الكسب لهم أكثر من الخسارة ، فهذا فى الأقل يجعل معاوية
وعليا فى ميزان نقد واحد ، وفى الغالب ترجح كفّة معاوية وآله ، لأن الدولة دولتهم
، والناس يخشون نقدهم ، ولا يخشون غيرهم ...
__________________
ويقول : ولنا على
ما ذهبنا إليه دليلان : الأول أنّا لم نعثر فيما قرأنا فى كتب التاريخ أن رجلا من
كبار المعتزلة كواصل وعمرو بن عبيد وأمثالهما قد اضطهد من الأمويين ، ... والثانى
وهو الأهم ، ما نقل من أنّ بعض المتأخرين من خلفاء بنى أمية كيزيد بن الوليد
ومروان بن محمد اعتنق مذهب الاعتزال ، ومن المحال أن يعتنقوه ، إذا كان يضعف
دولتهم ويؤيد خصومهم .
وجاءت الدولة
العباسية ، وكان عمرو بن عبيد صديقا للمنصور ، قبل أن تنتهى الخلافة إليه وكان المنصور يحترمه ويخضع لزهده ويطلب منه الموعظة فيعظه أما المهدى فقد كان شديدا على الزنادقة والمخالفين وقد جدّ
فى طلبهم والبحث عنهم وعيّن لذلك موظفا خاصا فقتل عددا منهم وشجّع المعتزلة وغيرهم فى الرّدّ عليهم وأخذهم بالحجّة
وكشف شبهاتهم هذا. ومن أخبار المعتزلة مع الرشيد أنه قرب إليه بعض
رجالات الاعتزال ، وكان يحترم ابن السبّاك محمد بن صبيح ويستفتيه ويطلب موعظته ويفتح صدره لثمامة بن أشرس حين قدوم ثمامة بغداد وبالرغم من ذلك فالمعروف أنه عزم أن يقتل بشرا المريسى
لقوله بخلق القرآن وأنه لم يتردد فى حبس ثمامة بن أشرس حين وقف على كذبه فى
أمر أحمد بن عيسى
__________________
ثم جاء عصر
المأمون ـ فارتفع شأن المعتزلة ، فالمأمون قد تتلمذ على بعض كبرائهم كيحيى بن
المبارك ـ وكان لثمامة بن أشرس مكانة عظيمة لديه فتشرّب آراءهم وشب على مبادئهم ، ويقال أنّ ثمامة هو الذى
دعاه إلى الاعتزال وكان المأمون متعطشا إلى العلم والفلسفة مشغوفا بالآداب
محبا للجدل. ووجد فى المعتزلة بغيته ، ومن ثمّ طغى المعتزلة وظهر جبروتهم ، وفى
عهده حدثت محنة خلق القرآن ، وعلى يد القاضى المعتزلى أحمد بن أبى دؤاد الإيادى .
وفى عهد المعتصم
استمرت المحنة ، واستمر هو فى تقريب المعتزلة عملا بوصية أخيه وأصبح لأبى دؤاد
الكلمة العليا والسلطة النافذة فى الدّولة ولما قضى المعتصم وخلفه الواثق ، كان الواثق شديد الاعتزال
فقام بالمحنة أشدّ قيام ، وكأن عصور ازدهار المعتزلة قد انقضت أو كادت ـ حين مات
الواثق وجاء المتوكل ـ فلم يجدوا فيه مأمونا ولا معتصما ولا واثقا ، بل كان سنّيا
شافعيّا .
هذا هو جانب
المعتزلة المتصل بالسياسة ، وأعتقد أنه أهم الجوانب المؤثّرة فى حياتهم ، إذ حين
ترضى عنهم الخلافة تزدهر حياتهم ، وحين ينأى عنهم الخليفة تخفت قضاياهم.
وهناك جانب
عقيدتهم ويحسن أن نعرضها أولا ثم نستعرض تطورها على ضوء الأحداث الفكرية
الإسلامية.
وعقيدتهم يجملها «الخياط»
، أحد زعماء الاعتزال فى القرن الثالث الهجرى بقوله «وليس يستحق أحد منهم اسم
الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة :
__________________
التوحيد والعدل
والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فان
كملت هذه الخصال فهو معتزلى» .
وهذه الأصول
الاعتزالية لا نستطيع أن نفهم مقاصدها حق الفهم إلّا بعد أن نقابلها بالأحداث التى
أثرت فى تيار التفكير الإسلامى ، وفى مجرى الإسلام دينا ، والقرآن نصا سماويا.
فحين نزل القرآن ،
لم يكن نزوله بين قوم سذّج يتلمسون طريقهم إلى السماء فى تعثر ، بل وجد مللا
وأديانا سماوية طال بها الزمن ، ومن أجل الوصول بالناس إلى شاطئ الأمان نزل القرآن
(كِتابٌ أُحْكِمَتْ
آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود ـ ١].
وكان فيه خبر عن
اليهود وعن انقسامهم أحزابا وشيعا فيما بينهم ، وعن اتخاذهم العجل بعد غيبة موسى وفيه خبر عن النصارى الذين قالوا (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة ـ ٣٠] كما
قالت اليهود (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة ـ ٣٠]
وهكذا تحدث عن المشركين وعن منكرى الأديان وعن المجوس وعن غيرهم.
وأهمّ نقط الخلاف
بين المسلمين واليهود كانت «عدم اعترافهم بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكانت هذه أهم مشكلة من مشكلات الجدل بين النبى وبين
الأحبار ، ثم الاعتراف بنبوّة المسيح وقد أنكرها اليهود إنكارا باتا وطعنوا فى
مريم طعنا شديدا» أما ما بين المسلمين والنصارى ، فلم يكن الأمر بينهما فى
البدء ، إلّا أحاديث فى لين ورقّة ، ثم اشتدت ، واحتدم النقاش بينهما ، وأهم مشكلة
قامت
__________________
بين الفريقين دارت
حول مسألة الوحدة والتّعدّد ، وانتقال الجوهر الالهى وتحيّزه وقبوله للأعراض .
ولم يكن بالميدان
يهودى ونصرانى فقط ، بل كان هناك أصحاب المانوية والمزدكية والزرادشتية ، الذين
فتح الإسلام بلادهم فدخلوا فيه طوعا أو كرها ، ثم حين هدأت موجة الفتوح واستقرت
الحال ، ثاب هؤلاء إلى رشدهم وأخذ بعضهم يجادل فى الدين بمنطق دينه القديم.
وإذا وقف هؤلاء
جميعا فى دائرة خارج الإسلام ، فقد وجد من المسلمين أنفسهم من شوّه صورته وغلا فيه
غلوا فاحشا ، ومنهم فريق من الشيعة ، وفريق من أهل الحديث. فقال غلاة الشيعة
والرافضة منهم بأسرها : بأن لله تعالى قدّا وصورة وأنّه جسم وذو أعضاء ، ووضع كثير
من أهل الحديث والرواة والقصّاص أحاديث وروايات ، فيها من تشبيه الله بخلقه ووصفه
بصفات البشر ما لا يليق بالعظمة الإلهية .
كانت هذه أخطارا
واجهت الاسلام وطعنته فى الصميم ، وهى عادة ما تبدأ فى شكل متفرق ثم تتجمع وتقوى
وتصير تيارا جارفا يقلع السدود ويغرق الوديان.
ولم يسكت علماء
المسلمين ولا المعتزلة ووقفوا بالمرصاد وفى عنف لهذه المحاولات الخبيئة.
وأمام تثليث
المسيحية وتجسيم الحشويّة أعلن المعتزلة مبدأ «التوحيد» الخالص لله تعالى ، فالله
تعالى واحد «ليس كمثله شىء» «لا تدركه الأبصار» ولا تحيط به الأقطار ، وأنه لا
يحول ولا يزول ولا يتغيّر ولا ينتقل وأنه «الأول والآخر والظاهر والباطن» وأنه «فى
السماء إله وفى الأرض إله» وأنه «أقرب إلينا من حبل الوريد» «وما يكون من نجوى
ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا
__________________
أدنى من ذلك ولا
أكثر إلا هو معهم أينما كانوا» وأنه القديم وما سواه محدث .
وأمام المجبّرة
وعلى رأسهم جهم بن صفوان الذى رأى أن «لا فعل لأحد فى الحقيقة إلا لله وحده ،
وأنّه هو الفاعل وأنّ الناس إنمّا تنسب إليهم أفعالهم على المجاز ، كما يقال تحركت
الشجرة ، ودار الفلك ، وزالت الشمس ، وإنما فعل ذلك بالفلك والشجرة الله سبحانه» وأمام بعض من قال بوقوع الظلم من الله تعالى من الرافضة ،
وضع المعتزلة مبدأهم الثانى فى «العدل الإلهي» وناظروا الجهمية ، وأرسل واصل بعض
أصحابه إلى خراسان لمباحثة جهم ومنازلته ـ وقد صرح الخياط ببغض المعتزلة لجهم
والبراءة منه ، ونادوا بأن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها ،
مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا فى الدار الآخرة ، والرب تعالى منزّه عن أن يضاف
إليه شر أو ظلم ، وفعل هو كفر أو معصية ، لأنه لو خلق الظلم كان ظالما ، ولو خلق
العدل كان عادلا والله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير ، ويجب من حيث الحكمة
رعاية مصالح العباد .
وقد مر بنا سرد
المشكلة الكبرى التى واجهت المسلمين عقيب مقتل عثمان ، وهى الحكم على مرتكب
الكبيرة هل هو كافر أم فاسق ، وكيف ذهب المعتزلة فيها بأنه فى منزلة بين المنزلتين
، ومن ثمّ أخذ المعتزلة يحددون معنى الإيمان معتمدين على منهج فكرى دقيق ، وسار
واصل فى مقدمتهم ، وتابعه فى طريقه الخلفاء والأتباع من المعتزلة.
أريد أن أقول ، إن
المبادئ التى أعلنها المعتزلة وأجمعوا على شرحها والتفصيل فيها ، لم تلق جزافا ـ ولكنها
فى حقيقة الأمر دفاع عن الإسلام فى مختلف الميادين ، وأمام عديد من الآراء التى
أرادت أن تنال من الإسلام أو من القرآن أو من حرية تفكير المسلم.
__________________
فهؤلاء الذين
طعنوا فى القرآن ، ذلك النص السماوى ، وجدوا من المعتزلة من يثبت إعجاز القرآن ،
ويعدّد طرقه ، وهؤلاء الذين طعنوا فى نبوة الرسول ، وجدوا أيضا من المعتزلة من
يدحّض آرائهم ويفندها. وسبق أن رأينا المهدىّ يشجع المعتزلة فى الرد على الرافضة
والملحدين ، ويقول الدكتور نيبرج «وإذا شئت البرهان على ذلك. فانظر إلى مجالس أبى
الهذيل مع هشام ابن الحكم ، ومجادلات النظّام مع رافضة عصره ، والمناظرات بين السكاك
الرافضى وبين الإسكافى وجعفر بن حرب ، وإلى ما عمله الجاحظ حين سلّ صارمه عليهم ،
ولم تقتصر المعتزلة على الرافضة ، بل دعاهم الحال وما وجدوا الرافضة عليه من
الصّلة بالثّنوية إلى أن يحولوا الحرب إلى مخالفيهم ويحاصروا قلعتهم ويحملوا على
مخازنهم. فتهجموا على الثّنويّة والدّيصانيّة والدّهريّة وغيرهم ممن استمد الرافضة
منهم ولم يسبقهم فى الإسلام أحد إلى الرد بمثل هذا المقدار» .
وهكذا تسير
المعتزلة فى طريقها قدما إلى الأمام ، يعقدون المناظرات ويؤلفون الكتب ويطاردون
أعداء الإسلام يساعدهم فى ذلك صلتهم بالخليفة القائم وقوة شخصيتهم وأيمانهم
بقضيتهم .
وسار بهم الركب
حتى عصر «المأمون» ، وكان محبّا لهم شغوفا بآرائهم معجبا بكفاحهم ، وفى عهده ،
أرادوا أن يبلغوا المدى وأن يجعلوها دولة اعتزالية ، تأمر بالمعروف وتنهى عن
المنكر وتقول بقدم الله وبأن ما عداه محدث ، وأنه لا يرى يوم القيامة ، فكل شىء
مخلوق إلا الله تعالى ، حتى القرآن الكريم ، فمن آمن بقدم القرآن فقد جعل لله
قديما معه ، ومن ثم فهو كافر وعلى الخليفة أن يردّه إلى حظيرة الإسلام ، وإلا ،
فهو مرتد.
مشكلة خلق القرآن
:
نظر المعتزلة إلى
القرآن نظرتهم إلى الكلام الذى يتألف من حروف وأصوات ، أى أنهم قاسوه على الكلام
بمعناه المتداول ، فهم يريدون به فعل المتكلم الذى يعبّر به عن المعانى التى تدور
بنفسه لكى يعلمها المخاطب ، وإذا كان القرآن يتألف
__________________
من كلمات وكانت
هذه حادثة ، فلا بد أن يكون القرآن حادثا ، وليس قديما لأنه ليس صفة من صفات الله
، بل هو فعل من أفعاله ، والله تعالى يخلق الكلا فى اللوح المحفوظ ، أو فى جبريل
أو فى الرّسل ، وقد استدلوا على آرائهم هذا بأدلة شرعية وعقلية.
أما هؤلاء الذين
يقولون بأن القرآن كلام الله وأنه صفة قديمة فيصفهم المعتزلة بأنهم أهل جهالة وعمى
، وأنهم بعيدون عن الدين الحقيقى وعن التوحيد بصفة خاصة ، إذ ينتهون بالضرورة ـ فى
رأى المعتزلة ـ إلى القول بتعدد الصفات القديمة ، وإنما وصفوهم بضعف الرأى ونقص
العقل لأنهم يسوّون بين الله سبحانه وبين ما جاء فى القرآن ، مع أن آيات القرآن
نفسها تشهد بأنه مخلوق لله .
وقد أظهر المأمون
القول بخلق القرآن ولكنه لم يصمّم على حمل الناس عليه إلا سنة ٢١٨ ه وحدثت المحنة التى ابتلى بها الناس ، وقد أرسل المأمون إلى
إسحاق بن إبراهيم يأمره فيه بامتحان القضاة والشهود فى القرآن وحدث ما حدث للامام
ابن حنبل ، ودارت بينه وبين المعتزلة مناقشات طويلة سجلتها كتب التاريخ والأشاعرة.
واشتد الأمر على
الناس فى عهده وعهد أخيه ـ ثم فى عهد الواثق ـ ولم تنقشع الغيوم إلا على يد
المتوكل. ومع ذلك فان المتوكل كان بطيئا فى حركته ضد المعتزلة ولم يصل تنكّره
للمعتزلة إلى الذروة إلا بعد مراحل وأدوار .
والواقع أن هزيمة
المعتزلة لم تكن تنتظر المتوكل بل كانت هناك ارهاصات تنذر بالانهيار ، وجعلتهم
قضية خلق القرآن على الحافة ، فانحدروا متمهلين حتى جاء من دفعهم دفعا.
فقد خالف المعتزلة
طريقة السلف الصالح فى فهم عقائد الدين ، وذهبوا بعيد
__________________
فى تقدير العقل «لأن
به يميّز بين الحسن والقبيح ، ولأن به يعرف أن الكتاب حجّة وكذلك السنة والإجماع» وللعقل نزوات.
وقد قاموا بمجادلة
الزّنادقة والثّنوية وغيرهم فتأثروا بآراء مخالفيهم وأفكارهم وقد خاصم المعتزلة كثيرين من رجال كانت لهم منزلة كبيرة فى
الأمة ولم ينزّهوا كلامهم فى خصومهم وحين جاء عصر المأمون أوذى كثير من الفقهاء والمحدثين ،
فاستدرت محنتهم عطف الناس عليهم والسّخط على من كان سببا فى البلية .
ولم يكن الخلفاء
متحمسين دوما لقضية خلق القرآن ـ كما يبدو ـ فقد حكى عن المأمون أنه كان مترددا
قبل أن يفرض على الناس هذه العقيدة ويظهر أن المعتصم على غلوّه فى الاعتزال ، وإسرافه فى
المحنة ، كانت تعتريه فترات يفتر فيها ، ذكروا أنه قال لابن حنبل حين جىء به
ليمتحن «لو لا أنى وجدتك فى يدى من كان قبلى ما عرضت لك» وحين ضرب حتى غشى عليه ـ وابن حنبل مصمم على موقفه ـ ندم
المعتصم على ضربه واطلقه وأما الواثق فقد سعى إليه ثمامة بن أشرس بأحدهم ، وقال أنه
يكفر من ينكر الرؤية السعيدة ويقول بخلق القرآن ، فقتله ثم ندم على قتله ، وعاتب
ثمامة وابن أبى دؤاد على ذلك ولم يهدأ حتى اقسما أن قتله كان على حق .
هذا. وقد انشق
عليهم رجال منهم لهم شأنهم كأبى عيسى الوراق وابن الراوندى الذى جنح إلى الرافضة ، وألف لهم كتاب (الإمامة)
وتقرّب إليهم بالطعن فى المعتزلة .
__________________
وحينما أعلن
المعتزلة أن الانسان حرّ فى إرادته ، حرّ فى مشيئته ، حرّ فى عقيدته ، وجدوا
أنفسهم وقد قسمتهم هذه الحرية إلى شيع بلغت اثنتين وعشرين فرقة ، وكانوا من قبل
منقسمين جغرافيا إلى معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد ، فاشتد الجدل الداخلى فيما
بينهم ، وتتابع الخصام ، ودار التكفير ، كل فرقة تكفّر الأخرى وكل رئيس جماعة
يكفّر الآخر وهكذا .
وأعتقد أن هذه
الأسباب بالإضافة إلى قضية خلق القرآن ، هى التى جعلت المعتزلة ينحدرون فى طريقهم
إلى الهبوط ، أما الذى دفعهم دفعا ، آنذاك ، فهو خروج أبى الحسن الأشعرى من صفوفهم
، وكان أحد مفاخرهم فتوسّط بين الطرق فحاز رضى الفقهاء والمحدّثين ، إذ وجدوه يقدر السلف الصالح
ولا يشتط فى احترام العقل ، ومن ثم ، تكونت مدرسة كلامية ، «لا ترى معارضة بين
الشرع المنقول وبين الحق المعقول» .
الأشاعرة : وهم
أصحاب أبى الحسن الأشعرى ولد سنة ٣٦٠ ه ونشأ فى بيت زوج أمه أبى على الجبّائى المعتزلى الذى ربّاه
وعلمه الكلام وكان من أئمة المعتزلة فى وقته ثم عرض له ما جعله يتنكر لهم ويخرج عليهم. ويعمل جهده على
تنفيذ أقوالهم وهناك أقوال كثيرة عن سبب خروجه ، ذكرها المؤرخون القدامى
والمحدثون .
__________________
ويرجع انتصار
الأشعرى على المعتزلة فى رأى أحمد أمين إلى :
١ ـ أن الناس
كانوا قد ملّوا كثرة المناظرات والمحاكات والمحن التى شهدوها أو سمعوا بها فى محنة
خلق القرآن ، فكرهوا هذه الطائفة التى سببت لهم كل هذه المشاكل وأخذ كثير منهم
بأزر من يجابههم.
٢ ـ أن أبا الحسن
على ما يظهر من ترجمته كان جدلا قوى الحجة ، فلفت الأنظار إليه ، وكان أيضا معروفا
بالصلاح والتقوى وحسن المنظر ، مما جذب نفوس الناس إليه ووجدوا فيه الشخص الذى
يلقون حملهم عليه إذا عدلوا عن الاعتزال.
٣ ـ أن السلطات
الحكومية من عهد المتوكل قد تخلت عن نصرة المعتزلة وأغلب الناس يمالئون الحكومة
أينما كانت ، ويخافون أن يعتنقوا مذهبا لا ترضاه ، فهربوا من الاعتزال إلى من
يهاجم الاعتزال.
٤ ـ رزق أبو الحسن
الأشعرى بأتباع أقوياء أخذوا مذهبه ودعوا إليه ودعموه بالأدلة والبراهين أمثال أمام
الحرمين ، والأسفراييني ، والباقلانى ، فكان كلّ عالم من هؤلاء العلماء لمنزلته
العظيمة يرغّب الناس فى الدخول فى مذهب الأشعرى ويبعدهم عن الاعتزال.
__________________
٥ ـ سقطت الدولة
البويهية الشيعية وجاء عقبها الدولة السلجوقية التركية؟؟؟ السنية. وكانت دولة قوية
تنصر السنية بالعقلية التركية ، ورزق ملكها ال؟؟؟ أرسلان بالوزير العظيم (نظام
الملك) ، وكان فى الدولة السلجوقية يشبه؟؟؟ العميد وابن عباد فى الدولة البويهية.
هذان ينصران التشيع والاعتزال ، وه؟؟؟ ينصر السنية .
لقد أحسّ الأشعرى
أن من الخير للأمة أن يلتقى العقليون والنصيون ، ومهما يكن الأمر ، فقد خرج
الأشعرى وكوّن مدرسة كلامية مقابلة لمدرسة المعتزلة وهما وإن اختلفا فى الطريق فان
هدفهما معا نصرة الدين وإعلاء شأنه؟؟؟ وصد هجمات الأعداء عنه.
الأشاعرة ومشكلة
خلق القرآن :
قلت إن المعتزلة
رأوا أن الله تعالى ، لم يزل أولا ، سابقا متقدما للمحدثات ، موجودا قبل المخلوقات
، فهو قديم أول لم يزل عالما قادرا حيا ولا يزال كذلك ، شىء لا كالأشياء ، عالم
قادر حى ، لا كالعلماء القادرين الأحياء ، وأنه القديم وحده ولا قديم غيره ، ومن
ثمّ فالكلام لله مخلوق ، والقرآن لله مخلوق فهو ليس من الصفات الذاتية ، بل هو صفة
فعلية ، أى حادث.
ورأى الأشعرى غير
ذلك ، ويشرح رأيه هذا ـ وهو رأى الأشاعرة معه ـ قائلا «قولنا الذى نقول به ،
وديانتنا التى ندين بها : التمسك بكتاب ربّنا عزوجل ، وبسنة نبينا صلىاللهعليهوسلم ... ونقول : إن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وإن من قال
بخلق القرآن فهو كافر ، وندين بأن الله تعالى يرى فى الآخرة بالأبصار كما ، يرى
القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون ـ كما جاءت الروايات عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...» .
ويوضح أدلة هذا
الرأى فى نفس المصدر قائلا : ومما يدل من كتاب الله على أن كلامه غير مخلوق قوله عزوجل «إنما قولنا لشىء
إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» فلو كان القرآن مخلوقا ، لوجب أن يكون مقولا له
كن فيكون ، ولو كان
__________________
الله عزوجل قائلا للقول كن ، كان للقول قول ، وهذا يوجب أحد أمرين ،
إما أن يؤول الأمر الى أن قول الله غير مخلوق ، أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى
غاية ، وذلك محال. وإذا استحال ذلك ، صح وثبت أن لله عزوجل قولا غير مخلوق» .
ولكن ما القديم فى
القرآن؟ ألفاظه ومعانيه. أم المعانى والمدلولات فقط؟ يجيب الأشعرى «ولا يجوز أن
يقال أن شيئا من القرآن مخلوق ، لأن القرآن بكماله مخلوق» وأما عن كلام الله تعالى ، فهو عند الأشاعرة قسمان : كلام
نفسى وآخر لفظى ، يقول الدّوّانى «كذلك ، فلله تعالى صفة قديمة هى مبدأ كلامه
النفسى المكون من كلمات رتبها فى علمه الأزلى بهذه الصفة وهذه الكلمات المرتبة
بحسب وجودها العلمى أزلية أيضا ، لأنه لا تعاقب بينهما بحسب هذا الوجود حتى يلزم
حدوثها ، وإنما تتعاقب حقا بحسب وجودها الخارجى وهى بحسب هذا الوجود كلام لفظى
حادث ومخلوق ، وإنما يسمى كلام الله من حيث انطباعه على كلامه الأزلى ولا نزاع بين الأشعرى والمعتزلة فى حدوث الكلام اللفظى
وإنما نزاعهم فى ثبات الكلام النفسى وعدمه» .
وسنرى أثر هذه
الفكرة الأشعرية عن القرآن فى دراستهم لإعجازه.
وهناك أوجه خلاف
أخرى بين المدرستين فى صفات الله تعالى بالإضافة إلى كلامه ، وفى رؤيته ، كذا فى
نظرية العدل الإلهى ، فبينما يرى المعتزلة أن الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ
بما هو واجب يرى الأشاعرة ، أن الله تعالى «يفعل ما يشاء. ويحكم بما
يريد ، فالعدل وضع الشيء موضعه ، وهو التصرف فى الملك على مقتضى المشيئة والعلم» وقد ذهب المعتزلة إلى أن العبد قادر خالق
__________________
لأفعاله بينما قسم الأشاعرة الفعل الواحد من أفعال العباد ، بين
الله تعالى والعبد «يشتركان فيه فيقع التعاون بينهما ويكون الله هو المعين للعبد
على أفعاله لأنه تعالى لا يحتاج فى أفعاله الخاصة إلى معين . ثم دعوا عمل الله خلقا وايجادا واختراعا ودعوا عمل العبد
كسبا» .
وبعد ـ فهذه دراسة
، لم أقصد منها سوى الإشارة إلى مناحى التفكير عند كل من المدرستين وليس من عملى
هنا أن أناقش الرأيين ولكنى قصدت أن أقدم لآراء المعتزلة والأشاعرة فى الأعجاز
بمقدمة فى أصل آرائهم الكلامية ، التى منها صدرت أفكارهم فى بحوثهم حين عالجوا
القضية.
وأينما نلتقى
بفكرة جديدة فى الأعجاز ، فمن السهل علينا أن نرجعها إلى أصلها فى مبادئهم حتى
يتصل الأمر. ولنرى فى النهاية محصّلة تلك الجهود التى بذلك فى الإعجاز ، تلك التى
استفدت جهدا عظيما من علمائنا الأفذاذ ، ثم لنرى إلى أى مدى وصلوا فى بحوثهم ،
وكيف انتهى بهم المطاف ، وما ذا استفادت دراسة الإعجاز من مدرستى المعتزلة
والأشاعرة معا.
__________________
الباب الأول
المعتزلة وإعجاز القرآن
١ ـ الفصل الأول :
النّظّام والجاحظ.
٢ ـ الفصل الثانى
: الجبّائى والرّمّانى.
٣ ـ الفصل الثالث
: القاضى عبد الجبار.
الفصل الأول
النظام والجاحظ
١ ـ القرآن
وإعجازه.
٢ ـ المعتزلة والإعجاز.
٣ ـ النظام
والإعجاز.
٤ ـ الجاحظ
والإعجاز.
النظام والجاحظ
ذكرت شيئا عن
المعتزلة فى نشأتهم وازدهارهم ، وفى هذا الفصل أكمل الحديث عنهم ، ممثّلا فى علمين
من أعلامهم وهما النّظّام وتلميذه الجاحظ مركّزا على جهودهم فى الإعجاز.
ويحسن أن أستعرض
جانبا من قضية الإعجاز حتى يصل القول لرأى النظام ثم رأى الجاحظ ، ورأيهما هذا
بالإضافة إلى رأى الجبائى ثم الرمانى ثم القاضى عبد الجبار ، سيعطى لنا صورة بارزة
لجهود المعتزلة فى الدفاع عن الدين وفى إبراز أهم قضاياه ، ألا وهى أن النبوة حق
وأن الأعجاز واقع ، وأن أراجيف المغرضين باطلة.
القرآن وإعجازه :
نزل القرآن إلى
العرب يأمرهم بالتوحيد ويسفّه لهم أحلامهم فيما يقدسونه من أصنام ، وتلقّى الرسول الكريم ألوانا من العنت وصنوفا من العذاب
، إذ راحوا يهاجمونه بضراوة «أأنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون» : [الصافات ـ ٣٦] ويتهمونه
بأنه «كاهن» وأنه «ساحر» وأكثروا فيما قالوا. والقرآن يصفهم بالكذب والافتراء على
الرسول الكريم. ثم هم يهاجمون برهان نبوته ودليل رسالته فادّعوا أن القرآن «أساطير
الأولين» وأن الرسول (اكْتَتَبَها فَهِيَ
تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) وما سوره (إِلَّا إِفْكٌ
مُفْتَرىً) ومن ثمّ تحداهم القرآن أن
__________________
يأتوا بمثله إن
كانوا صادقين والكلام كلامهم وهو سيد عملهم ، قد فاض بيانهم وجاشت به
صدورهم .
ولقد رأى عرب قريش
رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء وكان أبو بكر لا يملك دموعه إذا قرأ القرآن وكذا عمر بن الخطاب ، ويقرأ عبد الله بن عمر (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) وعند ما يأتى إلى قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) يبكى حتى ينقطع عن قراءة ما بعدها .
هاجم. العرب
الرسول ، وهاجموا مبعثه ورسالته ، إذ أحسوا فى عمق أن للقرآن أثرا فى نفوس الناس ،
فخافوا أن يستجيب قومهم فمنعوهم أن يقتربوا من الرسول حين يصلى أو حين يقرأ بصوت
عال (وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَغْلِبُونَ) [فصلت ـ ٢٦].
ومن الجدير بالذكر
أن تأثير القرآن لم يكن مقصورا على العرب فحسب ، بل أثّر فى قلوب النصارى وخشعت له
قلوبهم ، وهم على ما هم عليه من الرسول ومبعثه ، وقد وصفهم الله سبحانه بذلك فى
قوله (وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا : إِنَّا نَصارى ،
ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ،
وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ ، رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا
مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة ـ ٨٢ و ٨٣]
وقد ظهرت أسماء
هنا وهناك تحاول تقليد الرسول فى النبوة وافتعلت محاولات سقيمة لقرآن معارض ملبّية
نداء التحدى ، ولكن بلا جدوى .
__________________
فشل العرب فى
التحدى لأن ألفاظ القرآن كانت «تحدث صدى ويتردد صداها فى العقل وتفتح منظورات
طويلة للبصيرة وتخلق فى الرّوح سموا يحلق بها بمنأى عن عالم المادة وينوّر جنباتها
بفيض فجائى من الشّعاع» هذا الفيض الذى حدثنا عنه هاملتون جب ، هو الذى عبر عنه
الوليد بن المغيرة بأنه (سِحْرٌ يُؤْثَرُ) وبأن الرسول الكريم يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء
وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته .
ولم يستطع هؤلاء
المعاندون أن يقاموا إعجابهم بالقرآن ، فتشوقت آذانهم استماعه ولو خلسة ، فخرج أبو
سيفان وأبو جهل والأخنس بن شريق ، ليلة ، ليستمعوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو يصلى من الليل فى بيته ، فأخذ كل رجل منهم مجلسا
يستمع فيه ، وكلّ لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر
تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض لا تعودوا. فلو رآكم بعض سفهائكم
لا وقعتم فى نفسه شيئا ، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم
إلى مجلسه. فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم
لبعض ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم
مجلسه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم
لبعض ، لا نبرح حتى نتعاهد ألّا نعود ، ثم تعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا ، ولو لم يتعاهدوا لعادوا ... ، ثم تلاوموا.
وفى مطالع القرن
الثانى الهجرى ـ عند ما بدأت الأفكار الجديدة تتسلل إلى العقول ، وبدأ الإسلام
ينشر لواءه على البلدان المفتوحة ، أقبل المغلوبون ـ الحاقدون منهم ـ على الدين
الجديد يدرسونه وينظرون فيه بعقولهم القديمة ونفوسهم السابقة ، وفى ضوء من تراثهم
الدينى والفلسفى ، فاعترضوا كتاب الله بالطعن ، ولغوا فيه وهجروا واتّبعوا ما
تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ،
__________________
بأفهام كليلة ،
وأبصار عليلة ، ونظر مدخول ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وعدّلوه عن سبيله ، ثم
قضوا عليه بالتناقض ، والاستحالة ، واللّحن ، وفساد النظم والاختلاف ، وأوّلوا فى
ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف والغمر والحدث والغرّ واعترضت بالشّبه فى القلوب وقدحت
بالشكوك فى الصدور .
وصار نظم القرآن
ومعانيه أمام هجوم عنيف ، فقام علماء الإسلام من متكلمين ولغويين ومفسرين ينافحون
عنه ، وعن حجّة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكان على المدافعين عن القرآن ونظمه أن يبيّنوا خصائص
الأسلوب العربى الذى يجرى على نمطه البيان القرآنى .
ومع تطور الثقافة
وفتح النوافذ على الفكر الأجنبى تشعبت الدراسات البلاغية بين شعبة تحافظ على
القوالب العربية الخالصة التى لا يشوبها أى مقياس أجنبى ، وشعبة اطلعت على الفكر
اليونانى وأرادت أن تقيس البلاغة بمقياس اليونان.
ومضوا ينقلون بعض
مختصرات لآراء أرسطو فى الخطابة والشعر ، على نحو ما فعل الكندى ومتّى بن يونس
وإسحاق بن حنين.
وبدأت الخصومة بين
هذين المنزعين فألّف ابن المعتز كتابه «البديع» مدافعا عن البلاغة العربية هجمات
المتفلسفة ، مؤكدا أن كثيرا من فنون البديع موجود من قديم فى القرآن والحديث وكلام
الجاهلين والاسلاميين ولم يسكت المتفلسفة
__________________
فقدم قدامة بن
جعفر كتابه (نقد الشعر) وإسحاق بن وهب كتابه (نقد النثر) استمرارا للطريق الذى بدأ
بترجمة آثار اليونان.
أما المتكلمون فقد
ظل نشاطهم فى هذه المباحث متصلا ، وكان من أهم ما وصلهم بها أنهم عنوا بتعليل
إعجاز القرآن وتفسيره بلاغيا وكانوا معتدلين ، فهم لا يحافظون محافظة اللغويين ،
ولا يسرفون فى التجديد ، بل يقفون موقفا وسطا وهو موقف جعلهم يقبلون على معرفة ما
عند الأجانب من قواعد البلاغة ، ولكن فى احتياط ، وهو احتياط يمثله الجاحظ خير
تمثيل ، حين يضيف إلى الشذرات التى رواها عن الأمم الأجنبية سيولا من ملاحظات
العرب المعاصرين والقدماء وأساتذة الاعتزال وبلغاء الكتاب ، وسيولا أخرى من الشعر
والنثر لتتضح حقيقة البلاغة العربية.
ومع المتكلمين
سارت القضية فى اطراد ، بها آثارهم الكلامية وجهودهم فى البلاغة.
وتتالت كتابات
المتكلمين فى الأعجاز من النظّام حتى السكاكى المعتزلى ، ومن الباقلانى حتى الرازى
الأشعرى. ثم خفت ضياء الابتكار حين اقتصر همّ الباحثين على شرح كتابات الجرجانى ،
ومن بعد تلخيص كتابات السكاكى والرازى ثم انتهت التلخيصات إلى حواش وتقارير ، إلى
أن صارت «تلك الشروح المادة الأساسية لتعليم البلاغة فى كل البيئات المعنية
بالعربية على اختلاف الأفكار وتفاوت الأمصار» .
ونلحظ من هذا أن
البلاغة قد عاشت فى بيئة المتكلمين وتحت رعايتهم ، وعلى يدهم ازدهرت وأينعت ، وهذا
الارتباط الذى أفادها حين كان المتكلمون يجمعون بين الفن والفلسفة ، هو نفسه الذى
جمّدها حين صار المتكلمون لا يجيدون إلا الفلسفة.
وقد وطدت قضية
الأعجاز صلة المتكلمين بالأدب ، كما أخضعت التأليف البلاغى لها منذ عهد ازدهار
البلاغة إلى قبيل أن تتجمد.
__________________
المعتزلة والأعجاز
:
رأينا كيف كانت
طبعة المعتزلة الفكرية قائمة أساسا على الدفاع عن العقيدة الإسلامية واثبات
وحدانية الله تعالى ، ونبوة نبيه عليه الصلاة والسلام وإعجاز القرآن الكريم.
وهذا واصل بن عطاء
له كتاب أسماه (معانى القرآن) وعيسى بن صبيح المردار ، قد حكت عنه المصادر الاسمية قوله
فى الأعجاز وكذلك عالج هشام الفوطى القول فى الأعجاز وأدلى فيه برأى ،
وكذا عباد المعتزلى ، وقد حكى عنهما الأشعرى ما قالاه فى إعجاز القرآن . والجاحظ له كتاب «حجج النبوة» و «نظم القرآن» و «آى القرآن» ولأبى على الجبائى كتاب «متشابه القرآن» و «تفسير القرآن» والواسطى أبو عبد الله محمد بن زيد له كتاب «إعجاز القرآن
فى نظمه وتأليفه» ولابن الأخشيد كتاب «نظم القرآن» ، وغيرهم. هذا عدا التفاسير العديدة التى قاموا بها مثل ما
لأبى على الجبائى والأصم . وموسى الأسوارى وغيرهم. والكلام يطول لو أردنا أن نقف عند جهود المعتزلة
مع القرآن.
وقد فصل المعتزلة
بين معجزات الرسول الأخرى وبين معجزة القرآن ، لأن تلك ، ترتبط بالمشاهدة
والمعاينة والحضور ، واعتبروا القرآن وحده إعجاز يدل على نبوة
__________________
وما عداه من
معجزات يعلم بأمرها بعد العلم بالنبوة ، ومن ثمّ جعلوها مؤكدة وزائدة فى شرح
الصدور فيمن يعرفها من جهة الاستدلال وطالما أننا لم نشاهد تلك المعجزات فطريقنا الوحيد لإثبات
صحة نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم. هو القرآن. لأن علم المخالف كعلم الموافق.
ولكن القرآن نفسه
تعرض لنقد طائفة من الإمامية ادعت أن فيه تغييرا وتبديلا ، وأثبتوا فيه نقصانا
وزعموا أن فى الأمة من غيّره وبدّله وحذف منه الزيادات الدالة ـ بزعمهم ـ على
الأئمة وأحوالهم ، بينما كثير من الحشو وأهل الحديث ، يزعم أن القرآن متلقى فى
أخبار الآحاد ، وأن عثمان بن عفان جمعه بعد أن كان متفرقا فى الصدور والقلوب ،
وعمر بن الخطاب كانا يجمعان فى ذلك الآية والآيتين ، حتى دوّناه فى المصحف وضمّاه
بعد الانتشار وألّفاه ، وليس ذلك فحسب فقد وقع الاختلاف بين الصحابة حتى جرى على «عبد
الله بن مسعود» ما جرى وحتى وقع الخلاف فى المعوّذتين ، وفى سورتى القنوت وفى آية
الرجم وفى غير ذلك .
فكيف سيعتبر
القرآن حجة قوية تستطيع أن تثبت به المعتزلة نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم!؟ إذن. فنقطة البدء أن تهدم هذه الادعاءات ثم تبنى الدعاوى
الجديدة مكانها على بينة وفى جلاء. وفى معنى أدق أصبح على المعتزلة أن يسيروا حسب
منهج واضح حتى يستطيعوا إيصال حجج الإسلام إلى معاقل أعدائه وهدم هرائهم بها. وكان
ذلك.
واتبع المعتزلة
لاثبات الأعجاز ثلاثة طرق :
أولا : تفنيد
أكاذيب المغرضين :
يقول الخياط عن
المعتزلة «وهل يعرف أحد صحّح التوحيد وثبّت القديم جل
__________________
ذكره واحدا فى
الحقيقة ، واحتج لذلك بالحجج الواضحة وألف فيه الكتب ورد على أصناف الملحدين من
الدهرية والثنوية سواهم» .
ثانيا : إثبات
نبوة النبى وصدق معجزاته وبخاصة القرآن الكريم :
وذلك عن طريق
المجالس والمناقشات المفتوحة ، ثم عن طريق تأليف الكتب وقد استنفد هذا الجانب جزءا كبيرا من علم الكلام ، إذ قام
الجدل فى النبوة والأعجاز ـ على المبادئ الفلسفية المجردة معتمدا على الثقافة
الواسعة والمهارة فى المناظرة والدّربة على إفحام الخصم بالحجج. وكان كل هذا فى
دائرة أصولهم الخمسة التى اتخذوها علما على كل معتزلى.
ثالثا : إكمال
الجانب الكلامى فى إثبات الأعجاز بآخر بلاغى :
معتمدين فيه على
التوسع فى التأويل المجازى ، جانحين ناحية الذوق ، وتلمس مواطن الجمال ، والدقة فى
التعبير مع البعد عن التكلف ، مراعين فى ذلك الأثر النفسى فى المستمع أو القارئ.
وقد خلفوا لنا
تراثا ضخما فى بيان الإعجاز وفى تفسير القرآن وفى أساليب البلاغة.
النّظّام وإعجاز
القرآن :
هو إبراهيم بن
سيّار النّظّام (ت ٢٣١ ه) قال عنه الجاحظ «ما رأيت أحدا أعلم بالكلام والفقه من
النّظّام» وقد حفظ القرآن والإنجيل والتوراة
__________________
والمزامير
وتفسيرها مع كثرة حفظه للأشعار والأخبار واختلاف الناس فى الفتيا قال وهو يجود بنفسه «اللهم إن كنت تعلم أنّى لم أقصّر فى
نصرة توحيدك ولم أعتقد مذهبا من المذاهب اللطيفة ، إلا لأشدّ به التوحيد ـ فما
منها يخالف التوحيد فأنا منه برىء ـ اللهم فإن كنت تعلم أنى كما وصفت ، فاغفر لى
ذنوبى» وقال عن نفسه «نازعت من الملحدين الشاك والجاحد فوجدت
الشاك أبصر بجوهر الكلام من أصحاب الجحود» .
هو شخصية فلسفية
معتزلية مبدعة لها أثرها فى المتكلمين وبخاصة فى المعتزلة فانه «قد أنهج لهم سبلا
، وفتّق لهم أمورا واختصر لهم أبوابا ظهرت فيها النعمة وشملتهم بها المنفعة» شهادة
من الجاحظ . وكان لا يرتاب بحديث النّظّام إذا حكى عن سماع أو عيان وقد بنى الجزء الأول من حيوانه وبعض الجزء الثانى ، على
مناظرة بينه وبين معبد فى الكلب والديك أيهما أفضل.
وعنه يقول
المسعودى «إن النظام ممن ألفوا كتبا فى المقالات وغيرها فى الرد على المخالفين» ورأينا مصداق ذلك له فى «الحيوان» مع الدهريين والديصانية .
وفى كتاب الحيوان
للجاحظ نقرأ أنه ألف كتابا أسماه «نظم القرآن» ويحكى أنه أجهد فيه نفسه وبلغ منه
أقصى ما يمكن مثله فى الاحتجاج للقرآن والرد على كل طعّان ، وأنه لم يدع فيه مسألة
لرافضى ولا لحديثى ولا .. ولا .. ولا لأصحاب النظام ، ولمن نجم بعد النظام ، ممن
يزعم أن القرآن خلق ، وليس تأليفه بحجة ، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة ويقول الخياط رادا على هجوم ابن الراوندى على
__________________
النظام «ثم قال (أى
ابن الراوندى عن النظام) وكان يزعم أن نظم القرآن وتأليفه ليسا بحجة للنبى صلىاللهعليهوسلم ، وأن الخلق يقدرون على مثله ثم قال (أى ابن الراوندى) هذا
مع قول الله عزوجل «قل لئن اجتمعت
الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله» اعلم ـ يقول الخياط ـ علّمك
الله الخير ، أن القرآن حجة للنبى عليهالسلام ، وعلى نبوته عند إبراهيم من غير وجه. فأحدها : ما فيه من
الأخبار عن الغيوب ، مثل قوله «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم فى الأرض» الآية ، ومثل قوله (الم غُلِبَتِ
الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) وقوله (أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ
لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ثم قال (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ
أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فما تمناه منهم أحد. ومثل قوله (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) الآية. مثل أخباره عما فى نفوس قوم ، وبما سيقولونه. هذا
وما أشبه فى القرآن كثير ، فالقرآن حجة عند إبراهيم ، حجة على نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم من هذه الوجوه وما أشبهها وإياه عنى الله بقوله («قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) .
وهذا دفاع ليس فيه
إلّا تقرير رأى النظام فى أن الأعجاز فى الأخبار بالغيب. وقد أغفل مسألة أخرى ،
وردت فى مختلف كتب الفرق عن النظام ، يذكرها الأشعرى فى مقالاته قائلا «وقال
النظام : والآية والأعجوبة فى القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب ، فأما التأليف
والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لو لا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما
فيهم» .
واستعراض بعض آراء
النظام تكشف عن زيف نسبة رأى الصّرفة إليه ، بالصورة التى يروجها الأشاعرة عنه. «فالإنسان
عنده حى مستطيع بنفسه لا بحياة ، واستطاعته هى غيره ، وتبقى الاستطاعة على الفعل
حتى تحدث به آفة» وهذا الإنسان «لا يقدر على ما لا يخطر بباله» أى أن قدرة الانسان مقيدة بمدى علمه ومدى ما يخطر بباله ،
فالقدرة تابعة للعلم بل الإرادة نفسها
__________________
لا تأتى مرتبتها
إلّا بعد مرتبة العلم ، فالانسان ـ عند النظام ـ يعلم الشيء ثم تريده نفسه ثم تقوم
قدرته بتنفيذه .
إذن فالعجز ليس فى
القدرة الإنسانية ، ولكن فى استطاعة القدرة التى منحها الإنسان ، فالمنحة التى
منحها الله تعالى للإنسان بذلت استطاعتها ، فاستطاعت كل الأغراض ، ثم لم تستطع
القرآن. وقد حاولت وجربت ففشلت ، لا لأن القرآن قديم ، ولا لأنه حكاية للقديم ،
فالحكاية والأصل واحد ـ عند المعتزلة ـ بل لأن المنحة محدودة والقدرة لها نهاية
ولا حيلة معها ، فهكذا أراد المانح جل وعلا. ولو زاد فى العطاء لزادت القدرة فى
الاستطاعة ولأتى على الانسان حين من الدهر وهو للقرآن مقلد ولآياته معارض.
وظنى ، أن مبدأ
الصّرفة نبع من المبدأ الثانى للمعتزلة وهو مبدأ العدل الإلهى وفحواه «أن العبد
قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها» وبناء على ذلك ، فما لم يقدر عليه العبد فقد انصرف عنه
لسبب ، قد يبرّر التبرير المعقول وقد يشطح معه الخيال. والصّرفة عند النظام هى
انصراف أكثر منها صرفة ، ورجوع بعد شعور بالعجز أكثر منه تحويل للعجز إلى إعجاز.
وإلّا لكان النظام يعترف للإنسان بالقدرة وبعدم القدرة فى آن واحد. وهذا ما يريده
له ابن الراوندى وأترابه من الأشاعرة.
أقول ـ إن رأى
النظام هو المحصلة التلقائية لمذهب المعتزلة فى العدل الإلهي. وقد كان عقلية قوية
سابقة لزمنها ، فيها ـ كما يقول أحمد أمين ـ الركنان الأساسيان اللذان سبّبا
النهضة الحديثة فى أوربا وهما الشك والتجربة .
فهذا هو يرفض
الاستماع إلى طائفة من المفسرين للقرآن ويحذر منهم لأنهم يجيبون فى كل مسألة
ويقولون بغير رواية على غير أساس ثم يذكر من يثق فيهم من المفسرين وهو أيضا يذكر بلاغة القرآن فيما حكاه عنه تلميذه الجاحظ ،
قال
__________________
«وقرأ بعض أصحابنا
بحضرة أبى إسحاق «وقالوا مهما تأتنا من آية لتسحرنا فما نحن لك بمؤمنين ، فأرسلنا
عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آيات مفصلات» فقال رجل لأبى إسحاق
انظر كيف قرن الضفادع إلى الطوفان مع قوة الطوفان وغلبته ، قال أبو إسحاق الضفادع
أعجب فى هذا الموضوع من الطوفان ، وإذا أراد الله تعالى أن يصيّر الضفادع أضر من
الطوفان فعل» .
وقد شغل النظام
الحياة الفكرية فى حياته وبعد مماته ، وظل أثره على أعظم صورة لدى أكبر عدد من
مفكرى الإسلام ، ويبدو أثره النافذ أما بالأخذ عنه وأما بالهجوم عليه ، وأما
مدرسته المعتزلية فقد كانت أكبر مدرسة كلامية فى العالم الإسلامي .
ثانيا : الجاحظ
وإعجاز القرآن :
والجاحظ ليس بحاجة
إلى تعريف ، فهو علم من أعلام المعتزلة ، وأديب وناقد ومتكلم ، وضعه ابن المرتضى
فى الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة .
وقد هدم دعاوى
المغرضين ، وأثبت إعجاز القرآن كلاما وبلاغة وله على البلاغة فضل لا ينكر.
وأنى لأرى أن جانب
هدم الدّعاوى خدم الأعجاز بصورة تتساوى مع الجهود التى بذلت فى الكشف عنه والإشارة
إلى مواطنه.
فاليهود يثيرون
مسألة الناسخ والمنسوخ للتشكيك فى الدين ويخبرنا الجاحظ عن النصارى بأنهم «يتبعون المتناقض من
أحاديثنا والضعيف بالأسناد من روايتنا والمتشابه من آى كتابنا ثم يخلون بضعفائنا
ويسألون عنها عوامّنا ، مع ما قد يعلمون من مسائل الملحدين والزنادقة والملاعين ،
وحتى مع ذلك ربما تجرءوا على علمائنا وأهل الأقدار منا ويشغبون على القوى ويلبسون
على الضعيف .. وبعد فلولا متكلمو النصارى وأطباؤهم ومنجّموهم ما صار إلى أغنيائنا
وظرفائنا ومجّاننا
__________________
وأحداثنا شىء من
كتب المنانية والديصانية والمرقيونية والفلانية ، ولما عرفوا غير كتاب الله تعالى
وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، ولكانت تلك الكتب مستورة عند أهلها» . وفى كتابه الحيوان رد على الدهرية فى طعنهم فى الملك
سليمان وفيه رد على المجوس فى عذاب النار كما أنه يجادل النصارى جحدهم كلام عيسى فى المهد وله كتاب «نظم القرآن» الذى لم يدع فيه «مسألة لرافضى ولا
لحديثى ولا لحشوى ولا لكافر مباد ولا لمنافق مقموع» وفيه يقول ابن المرتضى «وأغرى الجاحظ بشيئين» كون المعارف
ضرورية والكلام على الرافضة .
وقد استغرق هذا
الجانب جهدا من الجاحظ ، ولكنه التفت إلى دائرة أخرى موجودة فى صلب المسلمين تنخر
فى عمد الدين عن طريق المفسرين والمحدثين وقد كانوا ـ إلا قليلا ـ يخلطون العلم
بالعبث ، والفقه بالجهل ، والواقع بالغرائب ، يقول الجاحظ. «وزعم بعض المفسرين
وأصحاب الأخبار أن أهل سفينة نوح كانوا بالفأر فعطس الأسد عطسة فرمى من منخريه
بزوج سنانير ، فكذلك النمور أشبه شىء بالأسد ، وسلح الفيل زوج خنازير ، فلذلك
الخنزير أشبه شىء بالفيل ، قال كيسان : فينبغى أن يكون ذلك السّنّور آدم السنانير
، وتلك السنورة حواءها ، فضحك القوم» .
وقد تعقبهم فى
الحيوان بالشىء الكثير عن قصصهم وغرائبهم.
__________________
أما عن الجانب
الكلامى وجهد الجاحظ فيه :
فقد ألف كتابا فى
حجج النبوة وكتابا فى خلق القرآن وكتابا فى فرق ما بين النبى والمتنبى وكتاب مسائل فى القرآن بالإضافة إلى المناقشات الكلامية العديدة فى النبوة
والأعجاز والمنتشرة فى كتاب الحيوان. وأما عن الجانب البلاغى : فقد ألف كتاب (آى
القرآن) ويقول عنه (جمعت فيه آيا من القرآن لتعرف بها فضل ما بين الإيجاز والحذف
بين الزوائد والفضول والاستعارات ، فإذا قرأتها رأيت فضلها فى الإيجاز والجمع
للمعانى الكثيرة بالألفاظ القليلة وفى كتابه «البيان والتبيين» الكثير عن جوانب الأعجاز ،
وفى الجزء الأول منه ، ذكر أنه سيرد فى الجزء الثانى «أقسام تأليف جميع الكلام ،
وكيف خالف القرآن جميع الكلام الموزون والمنثور ، وهو منثور غير مقفى على مخارج
الأشعار والأسجاع ، وكيف صار نظمه من أعظم البرهان وتأليفه من أكبر الحجج» .
فالجاحظ ، قد سار
على النهج المعتزلى ـ هدم دعاوى المغرضين ، وأثبت النبوة للنبى ، وأثبت الأعجاز
للقرآن كلاما وبلاغة. فما رأيه فى الإعجاز؟
ونستطيع أن نجمع
رأى الجاحظ فى الأعجاز من كتبه المتداولة فى أيدينا ـ بعد أن فقدنا كتابه (نظم
القرآن) فى هذا المجال. ولكن كتابه (حجج النبوة) قد يسعفنا فيما يعن لنا. وكذا (الحيوان)
و (البيان).
فتجده يذكر جميل
بلاء الله تعالى «فى تعليم البيان وعظيم نعمته فى تقديم اللسان ، فقال (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ
الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) وقال «هذا بيان للناس» ومدح القرآن بالبيان والإفصاح وبحسن
التفضيل والإيضاح وبجودة الإفهام وحكمة البلاغ ، وسماه فرقانا ، كما سماه قرآنا ،
وقال (عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) وقال
__________________
(وَكَذلِكَ
أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وقال (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ
الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وقال (وَكُلَّ شَيْءٍ
فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) وذكر الله تعالى لنبيه حال قريش فى بلاغة المنطق ورجاحة
الأحلام وصحة العقول وذكر العرب وما فيها من الدهاء والنكراء ، والمكر ومن براعة
الألسنة واللّدد عند الخصومة ، فقال تعالى (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ
سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) وقال (وَيُشْهِدُ اللهَ
عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) وقال أآلهتنا خير أم هو ، ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم
خصمون» ثم ذكر خلابة ألسنتهم واستمالتهم الأسماع بحسن منطقهم ، فقال (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) ثم قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) مع قوله (وَإِذا تَوَلَّى سَعى
فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) .
وقد لاحظ الجاحظ «أن
الله تبارك وتعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحى
والحذف وإذا خاطب بنى اسرائيل وحكى عنهم جعله مبسوطا وازداد فى الكلام» .
ويرى أن التنزيل
قد أولى اللفظ عناية خاصة فاختاره بدقة ليدل على المعانى بلا اشتغال وقد يشترك
لفظان فى المعنى ، ولكن أحدهما أدق من الآخر فى الدلالة عليه ، والنظم القرآنى له
براءته فى تنزيل اللفظ منزلته وفى الموضع الذى أريد له ، ويمتاز بروعته أيضا فى
الاختيار ومراعاة الفروق بين الألفاظ فلا يأتى بالألفاظ المترادفة دالا على معنى
واحد وإنما للدلالة على معان مختلفة ، وبقدر إصابة المعنى يكون الفرق بين ألفاظ
الناس فى كلامهم وألفاظ القرآن فى اختياره ، يقول الجاحظ «وقد يستخف الناس ألفاظا
ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر فى القرآن
الجوع إلا فى موضع العقاب أو فى موقع الفقر المدقع والعجز الظاهر ، والناس لا
يذكرون السّغب ويذكرون الجوع فى حالة القدرة والسلامة ، وكذلك ذكر المطر ، لأنك لا
تجد القرآن يلفظ بها إلا فى وضع الانتقام ، والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين
ذكر المطر وبين الغيث» .
__________________
ويكشف الجاحظ عما
وقع فيه الناس من لبس فى فهم قوله تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ، ذلِكَ
مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) متنبها إلى دقة
القرآن المعجزة بالخصائص المشهورة للمشبه به ويعرض لمجاز القرآن ، وكيف نلمس منه لونا دقيقا من التعبير
، فيه بساطة ويسر ، يقول عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) ويقول عز اسمه (أَكَّالُونَ
لِلسُّحْتِ) وقد يقال لهم ذلك وأن شربوا بتلك الأموال الأنبذة ولبسوا
الحلل وركبوا الدواب. ولم ينفقوا فيها درهما واحدا فى سبيل الأكل ، وقد قال الله عزوجل (إِنَّما يَأْكُلُونَ
فِي بُطُونِهِمْ ناراً) وهذا أيضا مجاز . وتعرض لقوله تعالى («إِنَّها شَجَرَةٌ) تنبت (فِي أَصْلِ
الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ») وهو الذى كثر فيه الكلام وكان سببا فى تأليف كتاب «مجاز
القرآن لأبى عبيدة» .
وهذه اللمحات
وغيرها الذى انتشر فى كتب الجاحظ تعطينا صورة لصدى روعة القرآن الكريم فى نفس الجاحظ ومدى
تجاوبه الشديد معه.
ثم هو يفرد حديثا
مطولا عن عجز العرب عن الإتيان بهذا القرآن الذى «تحدى البلغاء والخطباء والشعراء
بنظمه وتأليفه فى المواضع الكثيرة والمحافل العظيمة ، فلم يرم ذلك أحد ولا تكلفه ،
ولا أتى ببعضه ولا شبيه منه ، ولا ادعى أنه قد فعل ، فيكون ذلك الخبر باطلا ، وليس
قول جمعهم أنه كان ـ كاذبا ـ معارضة لهذا الخبر ، إلا أن يسمّوا الإنكار معارضة ،
وإنما المعارضة مثل الموازنة والمكايلة ، فمتى قابلونا بأخبار فى وزن أخبارنا
ومخرجها ومجيئها فقد عارضونا ، ووازنونا وقابلونا ، وقد تكافينا وتدافعنا» مع أن محمدا صلىاللهعليهوسلم «مخصوص بعلامة لها
فى العقل موقع كموقع فلق البحر من العين ، وذلك قوله لقريش خاصة وللعرب عامة مع ما
فيها من الشعراء والخطباء والبلغاء والدهاء والحكماء وأصحاب الرأى والمكيدة
والتجارب والنظر والعاقبة : أن عارضتمونى بسورة واحدة فقد كذبت فى
__________________
دعواى وصدقتم فى
تكذيبى ولا يجوز أن يكون مثل العرب فى كثرة عددهم واختلاف عللهم والكلام كلامهم
وهو سيد عملهم ... وبعد فقد هجوه من كل جانب ، وهاجى أصحابه شعراءهم ، ونازعوا
خطباءهم وحاجوه فى المواقف ، وخاصموه فى المواسم ، وبادروه العداوة ، وناصبوه
الحرب ، فقتل منهم وقتلوا منه ، وهم أثبت الناس حقدا وأبعدهم مطلبا وأذكرهم لخير
أو لشر وأنفاهم له وأهجاهم بالعجز وأمدحهم بالقوة ثم لا يعارضه معارض ، ولم يتكلف
ذلك خطيب ولا شاعر؟» .
ذلك لأن القرآن
معجز. ولكن فيم كان الأعجاز فى نظر الجاحظ؟
لقد نادى الجاحظ
بأن القرآن معجز بالصّرفة ومعجزة بالنظم.
ويقول : ومثل ذلك
ما رفع من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن بعد أن تحداهم الرسول بنظمه
، ولذلك لم يجد أحدا طمع فيه ، ولو طمع فيه لتكلفة ، ولو تكلف بعضهم ذلك ، فجاء
يأمر فيه أدنى شبهة ، لعظمت القصة على الأعراب ، والنساء ، وأشباه النساء ، ولألقى
هذا للمسلمين عملا ، ولطلبوا المحاكمة والتراضى ببعض العرب ولكثر القيل والقال ،
فقد رأيت أصحاب مسيلمة وأصحاب بنى النواحة ، إنما تعلقوا بما ألف لهم مسيلمة من
ذلك الكلام الذى يعلم كل من سمعه أنه عدا على القرآن فسلبه وأخذ بعضه وتعاطى أن
يقارنه. فكان ذلك التدبير الذى لا يبلغه العباد ولو اجتمعوا» .
وهذه الصّرفة التى
عرضت للعرب فلم يقلدوا القرآن ، عرضت أيضا لقوم موسى «فقد كانوا أمة من الأمم
يكسعون أربعين عاما فى مقدار فراسخ يسيرة ولا يهتدون إلى مخرج وما كانت بلاد التيه
إلا ملاعبهم ومتنزهاتهم ولا يعدم مثل العسكر والأدلّاء والحمالين والمكارين
والفيوح والرسل والتجار ـ ولكن صرف أوهامهم ، ورفع ذلك القدر من صدورهم» .
والصّرفة أيضا ـ عرضت
للشياطين الذين يسترقون السمع إلى السماء فى كل ليلة وعرضت كذلك للمسلمين حين بشّر الله تعالى نبيه الكريم
بالظفر
__________________
وتمام الأمر وبشر
أصحابه بالنصر ونزول الملائكة ، و «لو كانوا لذلك ذاكرين لم يكن عليهم من المحاربة
مئونة ، واذا لم يتكلفوا المئونة لم يؤجروا ، ولكن الله تعالى بنظره اليهم رفع ذلك
فى كثير من الحالات من أوهامهم ، ليتحملوا مشقة القتال وهم لا يعلمون أيغلبون أم
يغلبون ، وأ يقتلون أم يقتلون؟» ويقول الجاحظ أيضا أن النبى قد صرف عن قول الشعر .
فالصرفة وجه من
وجوه الأعجاز عند الجاحظ ولكن بعد أن قامت تجربة المعارضة وفشلت واعترف العرب
بالعجز وشهدوا بأن القرآن معجز لنظمه.
وفى جانب النظم فى
القرآن وقف الجاحظ بجوار القرآن مسهما فى إيضاح مراميه مؤكدا إعجاز نظمه وروعته
وجلاله.
فقد ألف كتابا فى «نظم
القرآن» الذى عنه يقول الخياط «ولا يعرف فى الاحتجاج لنظم القرآن وعجيب تأليفه
وأنه حجة لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، على نبوته غير كتاب الجاحظ» وفى «البيان والتبيين» يحدثنا الجاحظ كيف «خالف القرآن
جميع الكلام الموزون والمنثور ، وهو منثور غير مقفّى على مخارج الأشعار والأسجاع ،
وكيف صار نظمه من أعظم البرهان وتأليفه من أكبر الحجج» .
فالعرب «حين
استحكمت لغتهم وشاعت البلاغة فيهم ، وكثر شعراؤهم وفاق الناس خطباؤهم ، بعثه الله عزوجل ـ فتحداهم بما
كانوا لا يشكون أنهم يقدرون على أكثر منه ، فلم يقرعهم لعجزهم على نقصهم حتى تبين
لضعفائهم وعوامهم كما تبين لأقويائهم وخواصهم وكان من أعجب ما أتاه الله مع سائر
ما جاء به من الآيات وضروب البرهانات» .
فالقرآن معجز
لنظمه ، والله تعالى قد صرف العرب عن أن يقلدوه حتى لا تتبلبل الأفكار وليست
الصرفة إقلالا من شأن القرآن ، بل رحمة من الله تعالى
__________________
بالناس فصار
القرآن يصرف أطماع البلغاء عن الإتيان بمثله ليأسهم من استواء كلامهم على مرتبة
عالية لا تتخلف فى الجودة كما هو شأن الأسلوب القرآنى الذى يجرى جميعه على نمط
واحد فى الجودة المعجزة والقاطعة للأطماع .
__________________
الفصل الثانى
الجبّائى والرّمّانى
١ ـ أبو على
الجبّائى
٢ ـ أبو هاشم
الجبّائى
٣ ـ الرّمّانى
الجبّائى والرّمّانى
الجبّائى «أبو على»
هو أبو على
الجبّائى ـ نسبة إلى جبّاء من أعمال البصرة ـ محمد بن عبد الوهاب ، يتصل نسبه
بحمران بن أبان مولى عثمان رضى الله عنه ، كان شيخ المعتزلة بالبصرة ، معروفا
بالورع والزهد وإليه تنسب فرقة «الجبائية» ، أخذ علم الكلام عن أبى يوسف يعقوب
الشحام ، رأس معتزلة البصرة فى عصره. وتتلمذ عليه الأشعرى ، وأخذ عنه ابنه أبو
هاشم الذى آلت إليه الرئاسة من بعده وهما يعرفان بالجبائيين ، توفى أبو على سنة
٣٠٣ ه . النصوص التى بين أيدينا عن أبى على فى الأعجاز قليلة
ولكنها تستطيع أن تعطينا ضوءا. ولو خافتا ـ فيما ذهب إليه.
وقد علمنا ان له
كتابا فى تفسير القرآن ، ولهذا الكتاب فيما يبدو مقدمة ونلحظ أن القاضى عبد الجبار
يأخذ عنها فى كتابه «إعجاز القرآن» والظن أن أبا على قد خصها بالرد على بعض
المطاعن فى القرآن وجعلها تمهيدا لتفسيره الكبير ، وكثيرا ما نجد القاضى يقول فى
هذا الجزء نقلا عن أبى على : ذكر فى مقدمة التفسير ... وجاء فيها ...» وينقل القاضى فى هذا الجزء عن كتاب آخر لشيخه أبى على ،
كتبه فى نقض «الدامغ» لابن الراوندى الذى طعن فيه القرآن ويوضح القاضى رأيه فى كتاب شيخه قائلا «وقد تقصى شيخنا
__________________
أبو على القول فى
ذلك» ـ «أى ، فى بيان فساد ما يتعلقون به من التناقض فى القرآن» ـ فى نقض كتاب
الدامغ وشفى الصدر رحمهالله بما أورده ، وقد نبهنا على الأصل فى ذلك ، ولو لا أن
الكلام يطول لذكرنا بعضه .
وقد ذكر البلخى أن
أبا على الجبائى اجتمع هو وابن الراوندى يوما على جسر بغداد فقال ابن الراوندى :
يا أبا على ألا تسمع شيئا من معارضتى للقرآن وتقضى له ، فقال له أبو على : أنا
أعلم بمخازى علومك وعلوم أهل دهرك ، ولكن أحاكمك إلى نفسك فهل تجد فى معارضتك له
عذوبة وهشاشة وتشاكلا وتلازما ونظما كنظمه وحلاوة كحلاوته؟ قال : لا والله. قال
الجبائى : قد كفيتنى. فانصرف حيث شئت .
ونستطيع أن نعتبر
هذا ـ مع بعض التجوز لقلة النصوص ـ رأيا لأبى الجبائى فى إعجاز القرآن. وهذه الرأى
سنجده فى صورة أخرى عند ابنه أبى هاشم الجبائى ، ولكن فى عرض واضح ومعالجة صريحة.
ولم ير أبو على فى الصرفة سرا من أسرار الإعجاز ، بينما مال إلى جانب النظم مثلما
مال أبوه ومال تلميذهما القاضى عبد الجبار.
وفى كتاب (متشابه
القرآن) للقاضى عبد الجبار ، نرى تقولا له عن كتاب التفسير لأبى على ـ فيها جوانب
من علم الكلام الاعتزالى لا تدخل فى دائرتنا وكذا فى كتاب «شرح الأصول الخمسة» له ـ حيث يورد القاضى
آراء كلامية
__________________
عديدة لأبى على وينقده أحيانا ، وكذا فى «المغنى» جزء الخاص بالتكليف منه .
ونجد فى كتاب «إعجاز
القرآن» رأيا لأبى على فى الأعجاز ، أورده القاضى عبد الجبار ، حين استعرض أوجه
الأعجاز ، يقول القاضى : وأما كونه معجزا بزوال الاختلاف عنه والتناقض ، على ما
يقتضيه قوله تعالى (وَلَوْ كانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فقد قال به بعض مشايخنا المتقدمين ، وذكر شيخنا أبو على :
أنه يبعد فى من يعلم الأشياء بعلمه ويحتاج فيما يأتيه من تأليف كتاب وغيره ، إلى
استحضار العلوم ، أن ينتفى عن كلامه الطويل وتأليفه الكثير ، المناقضة ، حتى يستمر
على طريقة الصحة ، وهذا بيّن من حال الناس فى كلامهم ، وإن اشتد منهم التوقى حتى
عدت سقطات أهل الفضل والحزم ، فيما كانوا يتعملون فيه للتحرز الشديد ، وبيّن بذلك
أن القرآن لا يجوز أن يكون إلا من قبل الله تعالى العالم لنفسه» .
بينما يورد الشريف
الرضى فى كتابه (تلخيص البيان فى مجازات القرآن) رأيا لأبى على فى مجاز القرآن
يقول «وقد اختلف العلماء فى قوله تعالى (وَبِئْسَ الْوِرْدُ
الْمَوْرُودُ) وهل ذلك ذم لنار جهنم على الحقيقة أو المجاز ، فقال أبو
على محمد بن عبد الوهاب الجبائى ، ذلك عن طريق المجاز ، والمعنى بئس وارد النار
وقال أبو القاسم البلخى ، بل ذلك على طريق الحقيقة» .
وإذا كانت هذه
النصوص قليلة ، عن أبى على ، فقد سجل القاضى لابنه أبى هاشم الجبائى آراء ، كلامية
وبلاغية فى كتبه المتداولة. والواقع أن آراء القاضى عبد الجبار ـ فى عمومها ـ لا
تعدو أن تكون تحمسا لآراء المدرسية الجبائية ،
__________________
الذى يعدّ هو من
أنجب تلاميذها ، بالرغم من وقوع الخلاف فيما بينهم فى بعض الفروع.
أبو هاشم الجبائى
:
هو أبو هاشم عبد
السلام الجبائى بن محمد الجبائى ، وكان ذكيا ، حسن الفهم ، ثاقب الفطنة ، صانعا
للكلام مقتدرا عليه ، قيما ، وتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ، وله من الكتب ،
كتاب الجامع الكبير ، وكتاب الأبواب الكبير. وكتاب الأبواب الصغير ... وضعه ابن المرتضى فى الطبقة التاسعة ، وقال القاضى : إنما
قدمناه وأن تأخر فى السن عن كثير ممن نذكر فى هذه الطبقة لتقدمه فى العلم . وخالف أباه فى مسائل ، وكوّن له أتباعا يسمون بالبهشمية ويقول فخر الدين الرازى «ولم يبق فى زماننا من سائر فرق
المعتزلة إلا هاتان الفرقتان ، أصحاب أبى هاشم وأصحاب أبى الحسين البصرى (الحسينية)
وقد صنف كتابا نقض فيه ابن الراوندى فى كتاب الفرند» .
وأبو يوسف
القزوينى المعتزلى كان يملك نفيسين «منها تفسير ابن جرير الطبرى فى أربعين مجلدا
وتفسير أبى القاسم البلخى ، وأبى على الجبائى وابنه أبى هاشم ، وأبى مسلم بن بحر
وغيرهم» .
وأبو هاشم هو صاحب
«الأحوال» المعروفة فى علم الكلام الاعتزالى ، وهى خاصة بمبدإ التوحيد فى الكلام
على علم الله سبحانه ، وعند المعتزلة أنه تعالى عالم بعلم هو هو ، على تعبير أبى
الهذيل ـ أى أنه سبحانه يستحق هذه الصفة لذاته ، كما قال أبو على ، بينما ذهب أبو
هاشم إلى أن العلمية حال للذات وليست بصفة ، أى أنه تعالى على حال من العلم (وحال
من القدرة ...
__________________
وهكذا) واليه ذهب
القاضى عبد الجبار .
قلنا أن المعتمد
عندنا فى آراء أبى هاشم هو ما كتبه عنه تلميذه القاضى عبد الجبار الذى صرح كثيرا
بهذه التلمذة له ولأبيه أبى على ، يقول القاضى «فأما شيخنا «أبو هاشم» رحمهالله ، فإن نقض «الفرند» وغيره ...» ويقول «وقال شيخنا أبو هاشم فى كثير من كتبه ...» .
وقد دافع أبو هاشم
عن إعجاز القرآن بالرغم من قوله أنه مخلوق ، حتى لا يؤثر كونه مخلوفا على إعجازه
بقوله «إنه وإن خلق قبل ميلاده ، صلىاللهعليهوسلم ، فهو دلالة على نبوته ، لكنه من قبل ، يدل على أنه سيكون
نبيا ، ثم يكون له عند البعثة دلالة على أنه نبى ، كما نقول فى سائر الأدلة ، ولا
يوصف من قبل بأنه علم ومعجز ، لأن ذلك يفيد فيه انتقاض العادة به ، وانما يصح ذلك
بعد البعثة» .
أما عن هؤلاء
الذين يدعون أن هناك معارضة للقرآن حدثت ، فيقول لهم أبو هاشم «إن المعارضة لو
وقعت من القليل كانت ولا تلبث أن تتكشف على الأيام ، إنّ لم تنكشف فى الحال ، لأن
العادة لم تجر فى كتمان مثل ذلك بالاستمرار ، ولو جوّزنا مثله لم نأمن كل متقدم فى
الشعر ، وفى زمن كل عالم مبرّز ، أنّ جماعة شاركوه وساووه ومع ذلك انكتم أمرهم
البتة ، فى سائر الأوقات ، والمتعالم من حال أسرار الملوك مع تشددهم فى كتمها ،
أنها قد انكشفت ، على الأوقات ، فكيف يجوز فى مثل ذلك أن ينكتم أبدا! فلو عارضت
هذه الفرقة القليلة القرآن لوجب أن يظهر آخرا ، على الأيام ، إن لم يظهر أوّلا.
على أن العادة لم تجر بأن يتمكن العاقل من فضل باهر يساوى به كل من تقدّم كلّ
التّقدّم ، ويجب كتمانه لبعض الأغراض. وإن أوجب ذلك فى وقت لتقية وخوف ، فلا بد من
أن يجب نشره من بعد ، فلا يجوز فيما حل هذا المحل أن لا يظهر فى الواحد. فكيف فى
الجماعة!» .
__________________
أما طعنهم بأن فى
القرآن تطويلا ، فقد بيّن أبو هاشم ، أن فصاحة الكلام إذا كانت تظهر بحسن معانيه
واستقامتها والحاجة إليها ، فيجب أن يكون الكلام بحسبها ، فلا بد إذا اختلفت أحوال
المعانى أن يختلف الكلام فى التطويل والإيجاز ، لأنه ليس فى قول الله لفظة تعم
قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ) فلا بد إذا كان الحال هذه ، وجوب بيان المحرمات من النساء
، أن يجرى تعالى الخطاب على هذا الحد ، فمن قال ، كان يجب أن تكون هذه الآية
بمنزلة قوله (ثم نظر ) فقد ظلم ، وأبان عن جهله بطريقة اللغة ... ، قال : ولذلك
اختلفت الآيات فى الطول والقصر لأن الذى جعله آية قد كان قصة تامة ، أو يحل هذا
المحل ، وقد بين أهل هذا الشأن : أن التطويل إنما يعدّ عيبا فى المواضع التى يمكن
الإيجاز ، ويغنى عن التطويل فيها ، فأما إذا كان الإيجاز متعذرا أو ممكنا ولا يقع
به المعنى ولا يسدّ مسدّ التطويل ، فالتطويل هو الأبلغ فى الفصاحة .
وكان يرى فى زوال
الاختلاف عن القرآن لونا من ألوان إعجازه فإن قال قائل. أليس «أقليدس» وصاحب كتاب «المجسطى» و «صاحب العروض» و
«سيبويه» وغيرهم قد اختصوا فيما ظهر عنهم من العلوم بما بانوا به من غيرهم ، ولم
يدل ذلك على نبوتهم ولا صلح منهم التحدى لذلك. فهلا وجب مثله فى القرآن ، وأن
اختصّ بالمزية لأن مزيته ليس بأكثر من مزية ما ظهر من كتب ما ذكرناه : قيل له : أن
(أبا هاشم) أجاب عن ذلك ، بأن هذه المسألة توجب
__________________
أن هذه الأمور
معجزة ، لا أنها تقدح فى إعجاز القرآن ، لأنا قد بينا وجه كونه دلالة ومعجزة. فإن
كان الذى أوردوه بمنزلته فيجب أن يكون معجزا ، وهذه الطريقة واجبة فى كل دلالة
وعلة ، أن وجودهما يقتضى نطق الحكم بهما ، لا أنه يقدح فيما دل على أنهما علة أو
دلالة ، وإنما يعترض على الكلام بالأمور التى تجرى مجرى الضرورة فيكون كاشفا عن
خروج الدلالة من أن تكون دلالة .
إذن فالقرآن معجز
، والعرب يعلمون ذلك ، فما الشأن فى العجم ، وكيف يعرفون مزية القرآن؟ ويرى أبو
هاشم «أنهم يعرفون المتقدم فى الفقه ، إذا علموا تسليم الفقهاء له ، إلى ذلك ، وإن
لم يعرفوا الفقه على التفصيل ، إذا عرفوه على الجملة ، وفصلوا بينه وبين سائر
العلوم» .
أما عن الجانب
البلاغى عند أبى هاشم فقد رأى أن إعجاز القرآن يرجع لمزيته فى الفصاحة ، ويشرح حد
الفصاحة قائلا «إنما يكون الكلام فصيحا لجزالة لفظه وحسن معناه ، ولا بدّ من
اعتبار الأمرين لأنه لو كان جزل اللفظ ركيك المعنى لم يعد فصيحا ، فإذن يجب أن
يكون جامعا لهذين الأمرين ، وليس فصاحة الكلام بأن يكون له نظم مخصوص ، لأن الخطيب
عندهم ، قد يكون أفصح من الشاعر والنظم مختلف ، إذا أريد بالنظم اختلاف الطريقة ،
وقد يكون النظم واحدا وتقع المزية فى الفصاحة ، فالمعتبر ما ذكرناه ـ لأنه الذى
يتبين فى كل نظم وكل طريقة ، وانما يختص النظم بأن يقع لبعض الفصحاء يسبق إليه ،
ثم يساويه فيه غيره من الفصحاء فيساويه فى ذلك النظم ، ومن يفضل عليه بفضله فى ذلك
النظم» .
وكلام أبى هاشم
هنا صريح فى أن النظم لا يصلح أن يكون مفسرا لفصاحة الكلام ، لأن النظم قد يكون
واحدا ويفضل أديب صاحبه فيه ، وكأنه يرد بذلك على الجاحظ وأمثاله الذين يرجعون
إعجاز القرآن إلى نظمه وطريقته ، ويقول أنه لا يوجد فى الكلام إلا اللفظ والمعنى
ولا ثالث لهما ، وإذن فلا بد أن تكون
__________________
الفصاحة راجعة
اليهما بحيث يكون اللفظ جزلا والمعنى حسنا .
ويعد ـ فكم تمنيت
أن تكون هذه الصورة كاملة حتى تعطينا شكلا مستقلا لآراء المدرسة الجبائية العظيمة.
ولكم أعوزتنا النصوص المسعفة ، وسنجد فى آراء القاضى عبد الجبار. ما نصبوا إليه أن
شاء الله. ولنقف قليلا مع الرمانى ثم نعود إلى ما كنا فيه بآراء القاضى فى
الإعجاز.
الرّمّانى والإعجاز
هو أبو الحسن بن
عيسى بن على بن عبد الله الرمانى ، ويعرف بالإخشيد وبالوراق ، ولكنه بالرمانى
أشتهر ، نحوى ومتكلم ، وكان أماما فى علم العربية ، علامة فى الأدب فى طبقة أبى
على الفارسى وأبى سعيد السيرافى ، ولم يقتصر على ذلك بل كان مفننا فى علوم كثيرة
من الفقه والقرآن والنحو واللغة والكلام على مذهب المعتزلة.
وأصله من سرّ من
رأى ، وولد ببغداد سنة ٢٩٦ ه وتوفى فى ليلة الأحد الحادية عشرة فى جمادى الأولى
سنة ٣٨٤ ه والرابعة والعشرين من يونيو سنة ٩٩٤ م. وكان ذلك ببغداد مسقط رأسه ،
ودفن بالشونيزية عليه رحمة الله وبركاته ، وكان يمزج المنطق بالنحو حتى
أصبح من النحويين الذين لا يفهم كلامهم وعيب بذلك. قال أبو على الفارسى : إن كان
النحو ما يقوله الرمانى ، فليس معنا منه شىء ، وإن كان النحو ما نقوله فليس معه
منه شىء .
وقد ترك الرمانى
مؤلفات عديدة فى القرآن ، منها «تفسير القرآن»
__________________
و «الجامع فى علم
القرآن» و «النكت فى إعجاز القرآن» و «المختصر فى علم السور القصار» و «المتشابه
فى علوم القرآن» و «غريب القرآن» .
كما ألّف فى النحو
كثيرا وفى علم الكلام وكذا فى الدفاع عن الإسلام ، وهذه نجد منها كتاب «نقض
التثليث على يحيى بن عادياء» وكتاب الرد على الدهرية . وكان شديد الانتقاد لأبى هاشم الجبائى وألف فى ذلك كتبا وقد بلغت كتبه اثنى عشر كتابا ومائة لم يبق منها سوى تفسير
جزء عم والنكت فى إعجاز القرآن .
وترك لنا الرمانى
رأيه فى رسالته هذه القيمة ، وقد حدد وجوه الإعجاز فى القرآن فى سبع جهات. وهى.
ترك المعارضة مع شدة توفر الدواعى ، والتحدى للكافة ، والصّرفة ، والبلاغة
والأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة ونقض العادة وقياسه بكل معجز.
وأرجأ الحديث عن
الجهات الستة خلا البلاغة التى أفرد لها القول المسهب ، معرّفا لطبقاتها الثلاث ،
فأعلاها طبقة الإعجاز البلاغى وتلك صفة القرآن ، ثم عرّف مصطلح البلاغة ، ومن ثمّ
انتقل إلى أقسامها ورأى أنها عشرة أقسام ، الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم
والفواصل والتجانس والتصريف والتضمين والمبالغة وحسن البيان ، ثم أخذ فى تفسيرها
بابا بابا ، وختم رسالته بفصل أسماه «بيان عن الوجوه التى ذكرنا فى أول الكتاب»
ويقصد بذلك تلك التى تحدث عنها فى أول الرسالة. وهى :
ترك المعارضة مع
توفر الدواعى : ويقول عنها ، «أما توفر الدواعى ، فيوجب الفعل مع الإمكان لا محالة
فى واحد كان أو جماعة. والدليل على ذلك أن إنسانا لو توفرت دواعيه إلى شرب ماء
بحضرته ، من جهة عطشة» واستحسانه لشربه ،
__________________
وكل داع يدعو إلى
مثله وهو مع ذلك ممكن له ، فلا يجوز ألّا تقع شربة منه حتى يموت عطشا لتوفر
الدواعى على ما بينا ، فإن لم يشربه مع توفر الدواعى له دل على عجزه عنه ، فكذلك
توفر الدواعى إلى المعارضة على القرآن لما لم تقع المعارضة دل ذلك على العجز عنها.
التحدى للكافة :
يقول : وأما التحدى للكافة فهو أظهر ، فى أنهم لا يجوز أن
يتركوا المعارضة مع توفر الدواعى إلا للعجز عنها.
وأما
الصّرفة : فهى صرف الهمم
عن المعارضة ، وعلى ذلك كان يعتمد أهل العلم ، فى أن القرآن معجز من جهة صرف الهمم
عن المعارضة ، وذلك خارج عن العادة كخروج سائر المعجزات التى دلت على النبوة ويقول
: وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز التى يظهر فيها للعقول.
وأما
الأخبار عن الأمور المستقبلة : فإنه لما كان لا يجوز أن تقع على الاتفاق دل على أنها من
عند علّام الغيوب ، فمن ذلك قوله عزوجل (وَإِذْ يَعِدُكُمُ
اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ
الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ
وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) [الأنفال ـ ٨]
فكان الأمر كما وعد من الظّفر بإحدى الطائفتين ، العير التى كان فيها أبو سفيان أو
الجيش الذين خرجوا يحمونها من قريش ، فأظفرهم الله عزوجل بقريش يوم بدر على ما تقدم به الوعد إلى غيرها من الأمثلة
المعروفة.
وأما
نقض العادة : فإن العادة
كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة ، منها الشعر ومنها السجع ، ومنها الخطب
، ومنها الرسائل ، ومنها المنثور ، الذى يدور بين الناس فى الحديث ـ فيأتى القرآن
بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة فى الحسن تفوق به كل طريقة.
وأما
قياسه بكل معجزة : فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة ، إذ كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما
جرى هذا المجرى فى ذلك سبيلا واحدا فى الإعجاز ، اذ خرج عن العادة ، وقعد الخلق
فيه عن المعارضة.
وراح الرمانى يضرب
لنا الأمثال موضحا ما ذهب إليه ، وكان ذلك فى صورة حوار فلسفى أشتهر به المتكلمون
، يقوم على افتراض سؤال من السائل ثم الرد عليه بقوله «فإن قال قائل كذا قيل له
كذا ...» وهذه الأسئلة فى حقيقة أمرها هى آراء المعارضين لهم.
كان ما سبق ، هو
الجانب الكلامى من جهد الرمانى فى الإعجاز ، وإذا كان لم يسهب فيه القول ، فلأنه
أفاض الحديث فى الوجه السابع من وجوه الإعجاز عنده ، وهو الجانب البلاغى.
فالقرآن الكريم
معجز لبلاغته ، وللأسباب الستة الأخرى التى ذكرها الرمانى.
وهو لا يرى أن
البلاغة مجرد أفهام المعنى ، لأنه قد يفهم المعنى متكلمان أحدهما بليغ والآخر عيى
أى مخلّط فى الكلام ، مضطرب فى عقله. وليست البلاغة تحقيق اللفظ على المعنى ، لأنه
قد يحقق اللفظ على المعنى وهو غثّ مستكره ، ونافر متكلّف ، إنما البلاغة «إيصال
المعنى إلى القلب فى حسن صورة من اللفظ».
ثم يفصل هذا
التعريف بأن البلاغة على ثلاث طبقات ، عليا ووسطى ودنيا ، والعليا هى بلاغة القرآن
والوسطى والدنيا هى بلاغة البلغاء حسب تفاوتهم فى البلاغة ، ثم توقف عند الإيجاز ،
ويعرفه بأنه تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى «ثم يقول أنه على وجهين إيجاز حذف
هو ما سقطت فيه كلمة للاستغناء عنها بدلالة غيرها من الحال ، أو من فحوى الكلام ،
كحذف الأجوبة فى القرآن فى مثل (وَلَوْ أَنَّ
قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ
بِهِ الْمَوْتى) (الرعد ـ ٣١) إذ
لم يذكر الجواب كأنه قيل : لكان هذا القرآن. ومما ساقه من أمثلة هذا النوع ، قوله
تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف ـ ٨٢) أى
أهل القرية ، والوجه الثانى ، أو النوع الثانى للإيجاز ، ايجاز القصر ، وهو بناء
الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف مثل (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (البقرة ـ ١٧٩).
__________________
وبذلك صور الرمانى
الايجاز ـ فى رأى الدكتور شوقى ضيف ـ تصويرا نهائيا بحيث لم يضف إليه البلاغيون
التالون شيئا .
وانتقل إلى
التشبيه ، فعرفه بأنه «العقد على أن أحد الشيئين يسد مسد الآخر فى حسّ أو عقل»
وبذلك قسم التشبيه إلى حسى وعقلى ، وسمى الأول تشبيه حقيقة والآخر تشبيه بلاغة.
وعرض بالتفصيل للتشبيه العقلى وطبقاته فى الحسن ، وقال أنه يأتى على وجوه ، منها
إخراج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه ، كتشبيه أعمال الكفار بالسراب فى
الآية الكريمة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ
لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) (النور ـ ٣٩)
ومنها إخراج ما لم تجر به عادة إلى ما جرت بعادة كتشبيه ارتفاع الجبل بارتفاع
الظلة فى الآية الكريمة (وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (الأعراف ـ ١٧١) ،
ومنها إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة ، مثل (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ) (الحديد ـ ٢١)
ومنها إخراج ما لا قوة له فى الصّفة إلى ما له قوة فى الصفة مثل (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ
كَالْفَخَّارِ) (الرحمن ـ ١٤).
وعلى هذا النحو
يمتاز تشبيه البلاغة بأنه يقرن الأغمض بالأوضح فيتبين وينكشف. ومثلما بحث التشبيه
بحثا دقيقا بحث أيضا الاستعارة ، وهى عنده «تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل
اللغة على جهة النقل للإبانة» ويقول : كل استعارة لا بدّ فيها من مستعار ، ومستعار
له ومستعار منه ، ويقول أيضا : إن الاستعارة الحسنة هى التى توجب بلاغة بيان لا
تنوب منابه الحقيقة ، وذلك أنه لو كان تقوم مقامه الحقيقة ، كانت أولى ، ولم تجز
الاستعارة ، وكل استعارة ، فلا بد لها من الحقيقة ، وهى أصل الدلالة على المعنى فى
اللغة ، كقول امرئ القيس فى فرسه (قيد الأوابد) والحقيقة فيه (مانع الأوابد) و (قيد
الأوابد) أبلغ وأحسن ، ويعرض أمثلة مختلفة مصوّرا فيها فضل الاستعارة على الحقيقة
وأنها أبلغ فى قوة البيان.
__________________
وانتقل
إلى التلاؤم ، ويريد به حسن
النظم والرصف ، ونراه يقسّم الكلام إلى ثلاث طبقات : متنافر يستثقله اللسان وتمجه
الآذان ، ومتلائم فى الطبقة الوسطى وتدخل فيه بلاغة البلغاء ، ومتلائم فى الطبقة
العليا وهو أسلوب القرآن ، الذى تصغى له الآذان كما تصغى القلوب والأفئدة.
وتحدث
عن فواصل الذكر الحكيم ، فقال أنها «حروف متشاكلة فى المقاطع توجب حسن إفهام المعنى ، وفرّق بين
فواصل القرآن والأسجاع ، فقال «الفواصل بلاغة والأسجاع عيب ، وذلك أن الفواصل
تابعة للمعانى ، وأما الأسجاع فالمعانى تابعة لها» ومن أجل ذلك كان يتضح فيها
الاستدعاء والتكلف بخلاف الفواصل فإنها فى مكانها وكأنها تصير إلى قرارها ، وهى
على وجهين ، وجه على الحروف المتجانسة مثل (وَالطُّورِ وَكِتابٍ
مَسْطُورٍ) ـ (الطور ـ ١)
ووجه على الحروف المتقاربة مثل (ق ، وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ ، بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ
هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (ق ـ ١ و ٢).
وترك
الفواصل إلى التجانس ، فقال (تجانس البلاغة ، هو بيان بأنواع الكلام الذى يجمعه أصل واحد فى اللغة)
وجعله على نوعين : مزاوجة ومناسبة ، أما المزاوجة فمثل (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ
خَيْرُ الْماكِرِينَ) (آل عمران ـ ٥٤)
إذ استخدم المكر مع الله بدلا من الجزاء على سبيل المزاوجة للدلالة على أن وبال
المكر راجع عليهم.
وأما
المناسبة ، فتدور فى
المعانى التى ترجع إلى أصل واحد مثل (انْصَرَفُوا صَرَفَ
اللهُ قُلُوبَهُمْ) (التوبة ـ ١٢٧)
فجونس بالانصراف عن الذكر ، صرف القلب عن الخير ، والأصل فيه واحد وهو الذهاب عن
الشيء ، أما هم فذهبوا عن الذكر ، وأما قلوبهم فذهب عنها الخير.
والتصريف
عنده ، تصريف المعنى فى الدلالات المختلفة ، كتصريف الألفاظ
المشتركة فى أصل واحد ، مثل التصريفات المستخرجة من كلمة (ع ر ض) إذ يأتى منها عرض
بكسر العين ، وإعراض واعتراض واستعراض وتعريض ومعارضة وعروض ، وعلى هذه الشاكلة
تصريف المعانى فى الدلالات المختلفة ، على نحو
ما يلقانا فى
القصص القرآنى ، فقصة كقصة موسى ذكرت فى سورة الأعراف وفى طه وفى الشعراء ، وغيرها
لوجوه من الحكمة ، منها التصرف فى البلاغة من غير نقصان من أعلى مرتبة ، ومنها
تمكين العبرة والعظة.
وينتقل
إلى التضمين ويريد به (حصول
معنى فى الكلام من غير ذكر له) وهو على وجهين ـ ما يدل عليه الكلام دلالة إخبار ،
لأنه يحمله عليه فى ظاهر لفظه كدلالة كلمة مكسور على كاسر ، والوجه الثانى ما يدل
عليه الكلام دلالة قياس ، كدلالة البسملة على تعظيم الله سبحانه ، والاعتراف
بنعمته وأنه ملجأ الخائف وحصن كل لائذ.
ويتحدث
عن المبالغة ، فيقول (أنها
الدلالة على كبر المعنى على جهة التغيير عن أصل اللغة لتلك الإبانة «ويذكر أنها
على وجوه ، منها مبالغة عن طريق البنية كصيغ المبالغة فى مثل غفّار ، ومنها مبالغة
بالتعميم مثل قوله (أتانى الناس) والذى أتاك جماعة منهم ، ومنها مبالغة بالتعبير
عن شىء يصاحبه تعظيما «وجاء ربك والملك صفّا صفّا» فجعل مجىء دلائل الآيات مجيئا
له على المبالغة فى الكلام ، ومنها إخراج الممكن إلى الممتنع ، ومبالغة إخراج
التعبير مخرج الشك فى مثل (وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ومنها مبالغة بحذف جواب الشرط مثل (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى
النَّارِ) وواضح أنه لم يدرس المبالغة بمعناها العام وإنما درسها فى
صورها القرآنية.
ويختتم الرمانى
كلامه فى البلاغة بقسمها العاشر ، الذى سماه البيان ، وهو عنده «الإحضار لما يظهر
به تميز الشيء من غيره فى الإدراك» وكأنه يلتقى عنده بالدلالة ، ويقول أنه على
أربعة أقسام ، كلام وحال وإشارة وعلامة وقسّم الرمانى الكلام إلى قبيح وحسن ، فالقبيح كالتخليط ،
والمحال الذى لا يتضح به معنى ، والحسن هو الكلام المبين عن معان واضحة. والقرآن
كله فى نهاية وحسن البيان ، فمن ذلك قوله تعالى (كَمْ تَرَكُوا مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) (الدخان ـ ٢٦)
فهذا بيان عجيب يوجب التحذير من الاغترار بالإمهال ،
__________________
وكقوله تعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ
أَجْمَعِينَ) (الدخان ـ ٤٠)
وقوله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي مَقامٍ أَمِينٍ) (الدخان ـ ٥١) ،
فهذا من أحسن الوعد والوعيد ، وقوله (وَضَرَبَ لَنا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس ـ ٧٨ و ٧٩)
وهذا أبلغ ما يكون من الحجاج.
أن جهود الرمانى
ليست مقصورة على رسالته هذه وما فيها ، ولكنها تعدت النطاق وانتشرت فى أرجاء
المباحث البلاغية العديدة التى جاءت بعده وبخاصة الأشعرية منهم.
وللحديث بقية.
ومكانها دراسة شاملة لجهود المعتزلة فى الإعجاز ولكن بعد أن نقف عند المعتزلى
الكبير قاضى القضاة ، عبد الجبار الأسدآبادي.
الفصل الثالث
القاضى عبد الجبار
١ ـ القاضى
والجبائيان
٢ ـ القاضى
والإعجاز
القاضى عبد الجبار
هو قاضى القضاة
أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن الخليل بن عبد الله الهمذانى الأسدآبادي ولم تحدد
كتب الطبقات والتراجم تاريخ مولده ، إلا أن معظم الذين كتبوا عنه اتفقوا على أنه
توفّى سنة ٤١٥ ه وأنه طال عمره وتحدد ولادته على وجه التقريب ما بين سنتى ٣٢٠ و ٣٢٥ .
عاصر قاضى القضاة
دولة بنى بويه فى العراق وفارس وخراسان. منذ تأسيسها حتى انهيارها ويبدو أنه شارك فى كثير من أحداث هذه الدولة. فقد استدعاه
الصاحب بن عباد أعظم وزرائها إلى الرى وولاه قضاء القضاة فى سنة ٣٦٧ ه
وهو الذى تلقبه
المعتزلة «قاضى القضاة» ، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه ، وكان أمام أهل الاعتزال
فى زمانه ، وكان ينتحل مذهب الشافعى فى الفروع وله التصانيف السائرة والذكر الشائع
قال الحاكم : وليس تحضرنى عبارة تحيط بقدر محله فى العلم والفضل ، فإنه الذى
فتق علم الكلام ونشر بروده ، ووضع فيه الكتب الجليلة التى بلغت المشرق والمغرب
وضمنها من دقيق الكلام وجليله ما لم يتفق لأحد مثله ، وطال عمره مواظبا على
التدريس والإملاء حتى طبّق الأرض بكتبه وأصحابه .. وعلى الجملة ، فحصر مصنفاته
كالمعتذر .
__________________
وللقاضى كتب عديدة
فى الفقه والقرآن والحديث وعلم الكلام ، ولا سبيل لذكرها كلها ، فقد ذكرها الأستاذ
الدكتور عبد الكريم عثمان فى مقدمة تحقيقه الرائع لكتاب القاضى «شرح الأصول الخمسة»
.
القاضى والجبائيان
:
المتنبع لآراء
القاضى فى كتبه المتداولة ، يلحظ أنه كان بهشميا من أتباع أبى هاشم الجبائى (ت ٢٢١
ه) فى الدرجة الأولى ، مؤيدا بعض ما ذهب إليه أبو على الجبائى ، ناقدا بعضه الآخر
ولكنه فى الجملة تلميذ نابه للمدرسة الجبائية.
وهو لم يقرأ على
أبى هاشم ، ولكنه أخذ ممن قرأ عليه ، فأستاذه أبو إسحاق ابن عياشى يقول عنه القاضى
«وهو الذى درسنا عليه أولا ، وهو من الورع والزهد والعلم على حظ عظيم ، وكان مع
لقائه لأبى هاشم ، استكثر من أبى على ابن خلود. ثم من الشيخ أبى عبد الله ، ثم
انفرد» وهو يقول عن كل منهما : شيخنا فلان ، حيثما نقل عنهما ، أو
استشهد بهما أو نقد رأيا لأبى على .
لقد صنّف القاضى
فى النقض على المخالفين مثلما صنّف فى فروع الثقافة الإسلامية ـ فله كتاب نقد
اللّمع ، لمع ابن الراوندى. ونقض الإمامة له أيضا وللقاضى بالإضافة إلى ذلك كتابه «تثبيت
دلائل نبوة سيدنا محمد» الذى قال
__________________
فيه ابن كثير أنه (من
أجلّ مصنفاته وأعظمها وقد أبان فيه عن علم وبصيرة جيدة) .
وقد أطلع الشيخ
زاهد الكوثرى على مخطوطة هذا الكتاب ، وقال فيه فى معرض حديثه عن بلاء المعتزلة
إزاء الدهريين ومنكرى النبوة والثنوية والنصارى ، واليهود ، والصائبة ، وأصناف
الملاحدة قال «ولم نر ما يقارب كتاب تثبيت دلائل النبوة للقاضى فى قوة الحجاج وحسن
الصياغة فى دفع شكوك المتشككين وفى كتابه إعجاز القرآن جهد كبير رد فيه على المناهضين
للقرآن والاسلام ، وسيمر بنا جانب منه.
القاضى والإعجاز :
إن الطريق الذى
أدى بالمعتزلة إلى القول فى الإعجاز ، كانت بدايته الكلام فى وحدانية الله تعالى ،
وهى وحدانية مطلقة ، لا شريك ولا شبيه ، والله تعالى قد اختار رسولا نبيا وبعثه
بشريعة إلى قومه ، فنبوته ثابتة وما جاء به حق ، وقد تكلم المدلّسون فى هذه النبوة
، كما تكلموا فى القرآن وفى إعجازه ، ومن ثمّ رأى القاضى أنه علينا أن نثبت نبوة
النبى أولا ، بإثبات حقيقته وشتى أحواله وبعد ذلك ننتقل إلى إعجاز الكتاب الذى
أنزل عليه ، فالحديث عن معجزات الرسول صلىاللهعليهوسلم ، مقصوده إثبات نبوته عليه أفضل الصلاة والسلام
وليس القرآن فقط
معجزة للرسول. فهناك معجزات أخرى. مثل ما ثبت عنه من مجىء الشجرة وعودها مكانها.
عند قوله لها : أقبلى وأدبرى ، وأنها أقبلت تخدّ الأرض خدّا ، ومن ذلك ما ظهر
وتواتر أنه صلوات الله عليه ـ سقى الكثير من الماء القليل ، وما ثبت عنه أنه أطعم
الجماعة الكثيرة من يسير الطعام ، وأنه كان يخطب إلى جذع فلما تحول عنه إلى المنبر
حنّ كحنين الناقة. وما تنوقل من
__________________
حديث الاستسقاء ،
وكلام الذئب وحديث الذراع المسموم وانشقاق القمر ، كلّ هذه مع القرآن الكريم حجج
للرسول صلىاللهعليهوسلم ، فما ذا قال فيها القاضى؟
رأيناه قد فصل بين
المعجزات التى ترتبط بالمشاهدة والمعاينة والحضور وبين القرآن الكريم ، واعتبر
القرآن وحده إعجازا يدل على نبوة ، وما عداه من معجزات يعلم بأمرها بعد العلم
بالنبوة لأن ثبوت ذلك فرع على ثبوت النبوة ، فكيف يصح أن يستدل به على نبوة؟ وقد
ذكر عن المعتزلة أنهم جعلوا هذه المعجزات مؤكدة وزائدة فى شرح الصدور فيمن يعرفها
من جهة الاستدلال ، فأما من يشاهد ذلك فحاله بها كحاله مع القرآن فى أنه يمكنه
الاستدلال بها كما يمكنه ذلك فى القرآن لأنه ثبوتها بالمشاهدة أخرجها من أن يكون
علم المشاهد بها كالفرع على النبوة ، فصح أن يستدلّ بها على نبوة .
وطالما أننا لم
نشاهد تلك المعجزات ، فطريقنا الوحيد لإثبات صحة نبوة النبى هو القرآن. لأن علم
المخالف به كعلم الموافق من حيث ظهر نقله على وجه الصحة.
ولكن القرآن نفسه
قد تعرض لنقد طائفة من الإمامية ، ادعت أن فيه تغييرا وتبديلا وأثبتوا فيه نقصانا
وزعموا أن فى الأمة من غيّره وبدّله وحذف منه الزيادات الدالة ـ بزعمهم ـ على الأئمة
وأحوالهم ، بينما كثير من الحشويّة وأهل الحديث يزعم أن القرآن متلقّى فى أخبار
الآحاد ، وأنّ عثمان بن عفان جمعه بعد أن كان متفرقا فى الصدور والقلوب ... الخ
فلزم القاضى عبد الجبار أن يفند هذه الادعاءات قبل أن يتفرغ لمناقشة الإعجاز وهذا
ما فعل ، فذكر فى كتابه فصلا بعنوان «فى بيان طريقة معرفة القرآن» وفيه جادل هؤلاء
القوم ودعاواهم جدالا مسهبا ، ليوضح خطأهم وسوء نواياهم ، وليصل أيضا لإظهار حقيقة
وهى : أن التغيير لم يقع فى ألفاظ القرآن ، وإلى أنه لم يدوّن فى أيام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأنه خاف أن يتكل الناس على ذلك الجمع وتضعف لأجله
الرغبات فى الحفظ ـ فأحب الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن يتناول القرآن حفظا ،
ولذا قيل أنهم كانوا يحفظونه ويفقهون معانيه ، وحتى كان الواحد إذا حفظ بعض القرآن
يعدّ من
__________________
الفقهاء وقيل أيضا
، أنه لم يتقدم بجمعه ، لأن فى أيامه كان ينتظر الوحى والزيادة ، وقد كانت تنزل
آيات فتضمّ إلى مواضع من السور ، فأحب الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يتكامل على
وجه يستقر العلم به ، ثم يجمع ويدوّن ، وعلم أنه تعالى تكفل بحفظه. فلا بد أن
يحتاط فى جمعه بعده ، وإنما كان يرجع إلى الآحاد وإلى الشاهدين فى باب القرآن ،
على الحد الذى يرجع الآن مع ظهوره وشدة حرصه إلى المتقدمين فى المعرفة ليضبطوا
المصاحف ، وليس كل من يرجع إلى الشهود فقد عوّل على قولهم ، أو ربما يتذكّر بهم ،
أو يحتاط بمشارفتهم وهذه طريقة معروفة فى الاحتياط .
والقرآن مخلوق
فكيف يصح إعجازه مع حدوثه؟ يجيب القاضى عبد الجبار قائلا : أنه لا فرق بين أن
يحدثه تعالى فى السماء ويأمر جبريل بتحمله عند بعثته الرسول ، عليهالسلام ، وإنزاله إليه ، وبين أن يحدثه فى الحال ويأمر بالإنزال ،
وبين أن يأمره بالإنزال ثم يحدثه ، فى أن على الوجوه كلّها ، اختصاصه بنقض العادة
فى الوجه الذى تنقض عليه لا يتغير ، ولذلك سوينا بين الجميع ، فإذا كان تعالى يعلم
أن فى تقديم إحداثه ضربا من المصلحة ، فالواجب أن يقدّم إحداثه لكى تحصل المصلحة
به .
إذن فالقرآن يصح
أن يتخذ دليلا على الإعجاز ، وأنه صحيح لم تمتد إليه يد العبث ، وكونه محدثا لا
يمنع من اتخاذه دليلا على نبوة. بيد أن هذه الضمانات لا تمنع من معارضة العرب
للقرآن ، وليس معنى عدم وصول هذه المعارضة أنها لم تكن ، لأنه يجوز أنهم عارضوه ،
ولمصلحة الدين والحفاظ عليه لم تنقل المعارضة؟
ولا يترك القاضى
هذا التساؤل بدون أن يفرد له فصلا ويكون بعنوان «فى بيان الدلالة على أنهم لم
يعارضوه عليهالسلام لتعذر المعارضة عليهم» قال فيه : «وبعد ، فإنهم لو تكلفوا
المعارضة ، وبلغوا النهاية ، لا يزيدون على من تقدم ، من طبقات الشعراء ، لأن مزية
شعرهم وخطبهم على من كان فى زمنه صلىاللهعليهوسلم ، معروفة
__________________
فى الجملة ، فكان
يجب أن يحتج بذلك الجم الغفير ، وان تواطأت الجماعة اليسيرة على ترك المعارضة ، أو
إخفائها ، لأن هذا الاحتجاج أسهل من إيراد المعارضة ، وأقوى فى بطلان أمره ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنه لا فرق بين
أن يبينوا أن الذى جاء ، من القرآن معتاد ، بذكر مثله ، فيما تقدم ، أو بإيراد
مثله فى الوقت» وقال أيضا «وبعد. فإنا لا نجوز على الجمع اليسير ما ظنه السائل ،
على كل حال ، لأنه مع التنافس الشديد ، والتقريع العظيم ، وتحرك الطباع ، ودخول
الحمية ، والأنفة ، وبطلان الرئاسة والأحوال المعتادة ، والدخول تحت المذلة ، لا
يجوز فى كثير من الأحوال ، على الواحد أن يسكت ، عن الأمر الذى يزيل به ، عن نفسه
الوصمة والعار ، والأنفة ، فكيف على الجماعة القليلة أو الكثيرة ؟
ولا يقال أنها
كانت ممكنة ولكن القهر والغلبة والخوف منه صلوات الله عليه عدل بهم عنها؟ فهلا
عدلوا عن المحاربة لهذه العلة؟ وعن المهاجاة لمثلها؟ وعن الوقيعة فيه ونسبته إلى
الجنون والسحر ، إلى سائر ما حكى عنه ، فتلك ادعاءات واهية.
أما عن الصّرفة ،
فلا يرى القاضى فيها وجها من وجوه الإعجاز ، ونقرأ له فى التنزيه قوله «ثم بين
تعالى عظم شأن القرآن بقوله (قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) فنبه بذلك على أن له من الرتبة فى الفصاحة ما لا يدركه
العباد انفردوا أو اجتمعوا ، ولو كانوا يقدرون عليه ، وانما صرفوا عنه ، لم يكن
لهذا القول معنى» .
وهو أيضا يرفض
الرأى القائل بأن المعارضة للقرآن لم تكن لصرف الله تعالى إياهم عنه ، لأنه لا
يجوز أن يكونوا ممنوعين من الكلام ، لأن المنع والعجز لا يختص كلاما دون كلام ،
وأنه لو حصل ذلك فى ألسنتهم لما أمكنهم الكلام المعتاد ، والمعلوم من حالهم خلاف
ذلك ، وأن هذا الوجه لو صح لم يوجب كون القرآن معجزا ، وكان يجب أن يكون المعجز
منعهم من فعل مثله ويقول : إن
دواعيهم
__________________
انصرفت
عن المعارضة لعلمهم بأنها غير ممكنة ، على ما دللنا عليه ، ولو لا علمهم بذلك لم
تكن لتنصرف دواعيهم ، لأنا نجعل انصراف دواعيهم تابعا لمعرفتهم بأنها متعذرة .
إذن من المتناقض
أن يدعى مدع أن العرب قد انصرفوا ، أى تحولت اهتماماتهم عن المعارضة عجزا ، فإن ذلك
يقتضى خروج العرب عن العقل لأنه (لا يخلو لو انصرفت دواعيهم من أن يكونوا كذلك مع
علمهم بأنهم يقدرون على مثله ، أو مع فقد هذا العلم ، ولا يجوز مع كمال عقولهم أن
لا يعرفوا ذلك مع كونه قادرين عليه ، وإذا كانوا عالمين بذلك ، فالدواعى قائمة من
ذلك مع التقريع المتقدم ومع الحرص على إبطال أمره هو الداعى إلى المعارضة ، وهذا
يوجب التناقض بأن يقال إن مع اثبات الداعى لا داعى لهم ، ومع وجود الاهتمام صرفت
هممهم ، وهذا يوجب أحد أمرين ، أما تناقض الدواعى وأما خروجهم من حد كمال العقل .
ثم يقدم لنا
القاضى التعليل الذى يرتضيه وهو «أنهم علموا بالعادات تعذر مثله فصار
علمهم صرفا لهم عن المعارضة» .
أى أن العقل فكر
وجرّب ثم اقتنع بأن قدراته تمنعه من الإتيان بمثل هذا القرآن ، لأن حكاية القرآن
فى حد ذاتها ليست هى القضية ، وإنما هى فى خلق شىء جديد يتساوى مع القرآن فى
المنزلة والقوة. وأنّى لهم ذلك.
وأهم جوانب إعجاز
القرآن عند القاضى أنه معجز لفصاحته ، يقول فى التنزيه : «وربما قيل فى قوله تعالى
(الَّذِينَ آمَنُوا
وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أليس ذلك مخالفا
لقوله فى المؤمنين حيث قال (إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) وجوابنا : أن الطمأنينة المذكورة هاهنا المراد بها المعرفة
وسكون النفس إلى المجازاة مع الوجل والخوف من المعاصى ، فالكلام متفق لأن المؤمن
ساكن النفس إلى معرفة الله تعالى وإلى المجازاة على الطاعات ، ومع ذلك خائف مما
يخشاه من التقصير ووجل القلب فظنّ فى مثل ذلك أنه مختلف ، إذ قد نادى على نفسه
بقلة
__________________
المعرفة ولذلك قال
بعده (الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) وبيّن تعالى عظم شأن القرآن بقوله من بعده «ولو أن قرآنا
سيّرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلّم به الموتى» وجواب ذلك محذوف ، والمراد
لكان هذا القرآن وذلك يدل على أنه فى الفصاحة قد بلغ نهاية الرتبة وأنه صار معجزا
لذلك» .
وقد عدد فى مواضع
من كتابه هذا ، كيف أن القرآن يعد فى كمال الفصاحة وفى «شرح الأصول» يقول : فإن قيل ما وجه الإعجاز فى القرآن؟
قلنا : هو أنه تحدى بمعارضة العرب مع أنهم كانوا هم الغاية فى الفصاحة ، والمشار
إليهم فى الطلاقة والذلاقة وقرّعهم بالعجز عن الإتيان بمثله ، فلم يعارضوه وعدلوا
عنه .
ثم نرى القاضى
يعرض لقضية الفصاحة من جانبها الجدلى ، قبل أن يوضح نظرته فى الفصاحة نفسها ،
فالعرب لم يعارضوا القرآن ، ولم يأتوا بمثله لتعذر ذلك عليهم ، وإنما تعذر لما
يختص به القرآن من المزية فى الفصاحة ، وهذه المزية يصح التحدى بها ، فللكلام
الفصيح مرتب ونهايات وأن جملة الكلمات وإن كانت محصورة فتأليفها يقع على طرائق
مختلفة الوجوه ، فتختلف لذلك مراتبه من بعض ، ويزيد عليه قدرا يسيرا أو كبيرا ،
وما هذا حاله فالتحدى صحيح فيه ، لأن فيه مقادير معتادة تصح فيها زيادات فى
المراتب غير معتادة .
أى أن الإنسان ـ ذلك
القادر على أفعاله عند المعتزلة ـ وقدرته على الكلام إحدى جوانب هذه القدرة ـ هذا
الإنسان لا يحتاج لكى يعارض القرآن إلى توافر القدرة عنده ، بل يحتاج إلى أن يجمع
للقدرة العلم بكيفية الفصاحة ومراتبها ، لأن الكلام منه الفصيح ومنه الركيك ، ومنه
ما يصعد من الأكثر فصاحة إلى الأفصح وإلى المتناهى فى الفصاحة ، وكذا منه ما يهبط
نفس الدرجات.
__________________
والإنسان بهذه
القدرة يستطيع أن يصل إلى درجة ما فى هذا العلم ، والتفاضل فى باب القدرة إنما
يكون فى الزيادة والنقصان ، واختلاف الزيادة من قادر إلى أقدر صعودا ، يجعلها تقف
عند حد لا تتعداه ويرجع هذا إلى العلم وإلى الوسائل المعينة لهذا العلم ، من دربة
وممارسة ومعاناة ، فإذا جاء النبى وحظى بدرجة فى القدرة تزيد عن هذا الحد بمرتبة ،
أو بمراتب ، صح أن تكون دلالة على نبوته ، أريد أن أقول أن للممكن نهاية. وتكون
القضية المترتبة على ذلك هى «كيف نتوصل لنهاية هذا الممكن؟».
ويجيب القاضى ،
بأن العلم ، بأنه «أى الممكن» قد بلغ النهاية يحتاج إلى تأمل واختيار حتى نعرف
كيفية وقوع ذلك الكلام المتضمن لذلك المعنى ، ووجوه وقوعه ، وأنه لا منزلة له أعلى
من هذه المنزلة ، فيعلم أنه قد بلغ النهاية .
ولكن المتفق عليه
عند المعتزلة أن اللغة توقيفية أى بالمواضعة وإلى زمن نزول القرآن كان هو النهاية فى الفصاحة ، ولذا
عجزت العرب عن تقليده ، فما ذا يحدث لو اخترعت ألفاظ أكثر فصاحة من ألفاظ القرآن؟
إذن تختل قضية الإعجاز.
ويرى القاضى ـ أن
هذا لا يقدح فيما ذكره ، وأن الظن أن المزية إنما تكون بأصل المواضعة ، ليس كذلك ،
لأن ما يبلغ من الكلام فى الفصاحة النهاية لا يخرج عن أن يكون فى جملة اللغة ، كما
أن ما دونه لا يخرج عن أن يكون من جملتها ، وإنما تتبين زيادة الفصاحة لا بتغير
المواضعة .. وإنما المعتبر بمواقع الكلام وكيفية إيراده . ومن ثم يتساوى شأن اللغة عند القاضى أن تكون توقيفية أو
توفيقية .
وأما عن الكلام
الفصيح وكيف يكون ، فيقدم لنا القاضى ، رأيا لأستاذه أبى هاشم ـ ذلك الذى عرضناه
من قبل ثم يردفه برأيه الخاص وهو مبنى على
__________________
تكملة رأى أبى
هاشم أو بمعنى أدق تنقيحه «يقول : اعلم أن الفصاحة لا تظهر فى أفراد الكلام ،
وإنما تظهر فى الكلام بالضمّ على طريقة مخصوصة ، ولا بدّ مع الضم من أن يكون لكل
كلمة صفة ، وقد يجوز فى هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التى تتناول الضم ، وقد تكون
بالأعراب الذى له مدخل فيه ، وقد تكون بالموقع ، وليس لهذه الأقسام رابع ، لأنه
إما أن تعتبر فيه الكلمة أو حركاتها أو موقعها ، ولا بدّ من هذا الاعتبار فى كل
كلمة ، ثم لا بدّ من اعتبار مثله فى الكلمات إذا انضم بعضها إلى بعض لأنه قد يكون
لها عند الانضمام صفة ، وكذلك لكيفية إعرابها ، وحركاتها ، وموقعها ، فعلى هذا
الوجه الذى ذكرناه ، إنما تظهر مزية الفصاحة بهذه الوجوه دون ما عداها فإن قال . فقد قلتم فى أن جملة ما يدخل فى الفصاحة حسن المعنى ، فهل
اعتبرتموه؟ قيل له : إن المعانى وإن كان لا بد منها فلا يظهر فيها المزية ، فلذلك
نجد المعبّرين عن المعنى الواحد يكون أحدهما أفصح من الآخر ، والمعنى متفق ... ،
على أنا نعلم أن المعانى لا يقع فيها تزايد ، فإذن يجب أن يكون الذى يعتبر عنده
الألفاظ التى يعبر بها عنها ، فإذا صحت هذه الجملة فالذى تظهر به المزية ليس إلا
الإبدال الذى تختص الموقع أو الحركات التى تختص الإعراب ، فبذلك
تقع المباينة» .
إذن. فقد أحس
القاضى عبد الجبار أن رأى أستاذه أبى هاشم فى أن الكلام إنما يكون فصيحا لجزالة
لفظه وحسن معناه ، أحس أن به نقصا لأنه لم يلاحظ صورة تركيب الكلام وهى
أساسية فى بلاغة العبارة وفصاحتها .
ويقول القاضى ـ عن
سبب تقدم ناظم عن ناظم ، وقد علمنا أن مع حضور الكلام قد يختلف الاختيار ، فى
المتخيّر ، بحسب التجربة والعادة ، فلا بد مع العلم بالكلمات من أن تتقدم للمتكلم
هذه الطريقة ، فى نفسه وفى غيره ،
__________________
ليعرف موقع جمل
الكلام إذا تألفت ، فيفصل ما بين ما تألف من كلمات مخصوصة وبين ما يأتلف من غيرها
، ويعرف الطرائق فى هذا الباب ، ولا بدّ مع ذلك من محاضرة ما يعلمه ، لأنه قد يجوز
أن يتساوى الرجلان فى المعرفة وأحدهما أقوى محاضرة من الآخر ، وأن كان الذى يقصر
عنه ، مثله فى العلم ، أو أزيد ، لكنه يحتاج فيما نعلم ، إلى تثبيت وفكرة ، فلا بد
مع الوجه الذى ذكرناه ، من قوة المحاضرة ، ولهذا الوجه يتفاضل العلماء بذلك ، فيصح
من بعضهم ، من الخطب والشعر ما لا يصح من غيره ، وإن كان فى العلم ربما ماثل أو
زاد ، ولا بدّ مع كل ما ذكرناه ، من تأييد وإلطاف يرد من قبل الله تعالى ، ولذلك
نجد المتكلم يروم طريقة فى الفصاحة ، فتقرب عليه مرة ، وتبعد أخرى ، وحاله مع
العلم لا يكاد يختلف ، وإنما كان كذلك لأن لطائف هذه الأمور تحصل بغالب الظن ، وإن
كان ظاهرها يحصل بالعلم .
ويقصد بذلك أن من
يعلم أفراد الكلمات وكيفية ضمها ، وتركيبها ، ومواقعها ، فبحسب هذه العلوم
والتفاضل فيها ، يتفاضل ما يصح منهم من رتب الكلام الفصيح ، وتحتاج بجانبها إلى
قدر من الفطنة والذكاء والتذوق والتفريق الدقيق بين دواعى التأثير قوة وضعفا ،
وهذه فطرية ، تحصل من الله تعالى كالقدرة ، وكما يصح التفاضل فى تلك العلوم يصح
أيضا التفاضل فى هذه الألطاف. فلا يمتنع أن يجرى الله تعالى العادة بقدر منها لا
يمكن أن يفعل لأجله إلا ما يبلغ رتبة معلومة فى الفصاحة ، فيصير الزائد على تلك
الرتبة متعذرا بالعادة ، ويصير معجزا .
وهذا القدر ضرورى
، لأنه تتفاوت أحوال العلماء فيه ، كما تتفاوت فى العلوم المكتسبة ، وأنت تجد
المتساويين فى الاجتهاد فى النظر يتقدم أحدهما الآخر بالأمر العظيم فى باب
الاكتساب ، ولا يجوز مثله فى باب الضروريات الا بالقدر المعتاد ، إلا إذا كان
أحدهما ناقص الآلة ، وأما إذا كانت الآلة متساوية والممارسة كمثل ،
__________________
فالتفاوت العظيم
لا يقع وانما يقع ذلك فى العلوم المكتسبة .
وكأن الذوق الفنى
، ذلك الذى يسميه القاضى ـ العلم الضرورى ـ أو الآلة ، أو الألطاف ، أو التأييد
الإلهى ، شىء يختلف حسب نصيب كل مجتهد ، وهذه الأنصبة تتفاوت صعدا إلى أن تقف عند
نهاية ، وكذا العلوم المكتسبة أيضا لها نهاية.
أما الدرجة التى
تعدت نهاية الذوق ونهاية العلم ، فهى درجة المعجز ، وهى درجة القرآن الكريم.
والنتيجة التى
نخرج بها من دراستنا لآراء القاضى عبد الجبار ، مما عرضناه. هى :
ـ أن العرب لم
يعارضوا القرآن الكريم ولم يأتوا بمثله لتعذر ذلك عليهم. لما يختص به من المزية فى
الفصاحة.
ـ وأن هذه المزية
لم تجر العادة بمثلها فى كلام الفصحاء ، فلا بد من أن يقتضى نقص العادة ، ومتى
وضحت صحة هذه الدعاوى ، لم يبق للمخالف شبهة ، وأن القرآن الكريم بالإضافة إلى
إعجازه البلاغى ، معجز أيضا بزوال الاختلاف والتناقض ، على ما يقتضيه قوله تعالى (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء ـ ٨٢)
وأنه معجز أيضا بتضمنه الأخبار عن الغيوب.
وأن أحدّ ما يتبين
به شأن هذا الإعجاز ، أنه لا وجه يطعن به الملحدة وسائر من خالف فى نبوة الرسول صلىاللهعليهوسلم. إلا وهو غير قادح فى كونه معجزا .
وأخيرا ، هذا هو
قاضى القضاة ، المعتزلى ، عبد الجبار ، الهمدانى.
وأعتقد أنه بعد
هذا العرض لأعلام الاعتزال ، ورأيهم فى الإعجاز ، فما زال أمامنا أن نشير إلى
الخطوط العريضة المشتركة بينهم ، ثم حين نستعرض آراء المدرسة الأشعرية فى الإعجاز
سيئين لنا أن نعقد مقارنة بين المدرستين.
__________________
الباب الثانى
الأشاعرة وإعجاز القرآن
الفصل الأول :
الباقلانى
الفصل الثانى :
عبد القاهر الجرجانى
الفصل الأول
الباقلّانى
١ ـ الباقلانى
والإعجاز
٢ ـ الباقلانى
والجاحظ والرمانى
الفصل الأول
الباقلانى
هو محمد بن الطيب
بن محمد بن جعفر بن القاسم القاضى ، أبو بكر الباقلانى. البصرى. الملقب بسيف السنة
ولسان الأمة ، المتكلم على لسان أهل الحديث وطريق أبى الحسن الأشعرى ، وإليه انتهت
رئاسة المالكيين فى وقته.
لم يعيّن أحد من
المؤرخين عام ولادته ، تلقى العلم على أعلام البصرة حيث ولد ، ثم رحل إلى بغداد ،
فأخذ عن علمائها ، ثم اتخذها دارا لاقامته. حتى قضى نحبه.
وقد أتيح
للباقلانى ، أن يتتلمذ لطائفة من العلماء كالأبهرى والقطيعى والشيرازى وابن مجاهد
والباهلى ـ وكان الباهلى وابن مجاهد أعرف العلماء بمذهب الأشعرى وأشدهم فقها له.
وعن الباهلى الأشعرى أخذ الأسفرايينى وابن فورك المذهب ، وعن أبى إسحاق
الإسفرايينى أخذ أبو القاسم عبد الجبار الإسفرايينى ، وعنه أخذ إمام الحرمين وعن
إمام الحرمين أخذ الغزالى ومنه انتشر المذهب انتشارا كبيرا .
وأتاحت سرعة بديهة
الباقلانى وطلاقة لسانه وغزارة بيانه أن يطير صيته فى الآفاق حتى وصل إلى أعلام
شيراز ، وكانت شيراز فى ذلك الوقت حاضرة ملك أبى شجاع فنّاخسرو بن ركن الدولة
البويهى وكان يلقب بعضد الدولة وظل الباقلانى مع عضد الدولة حتى مات عضد الدولة فى شوال
سنة ٣٧٢ ه وتولى
__________________
بعده ابنه صمصام
الدولة ـ تلميذ الباقلانى ـ وتوفى الباقلانى فى يوم السبت لسبع بقين من ذى الحجة
سنة ٤٠٣ ه.
الباقلانى وإعجاز
القرآن :
كانت حياة
الباقلانى تدور فى فلكين هما التدريس والتأليف وكلاهما شغل عليه وقته وملك كيانه.
وقد دافع الباقلانى كثيرا عن القرآن وعن الإسلام ، ووقف أمام المهاجمين وقوفا
صارما ـ ويدل على ذلك ما تركه من آثار مدونة. مثل كتابه (التمهيد) ويقول فى مقدمته
«أما بعد ـ فقد عرفت إيثار سيدنا الأمير ... لعمل كتاب جامع مختصر مشتمل على ما
يحتاج إليه فى الكشف عن معنى العلم وأقسامه وطرقه ومراتبه وضروب المعلومات وحقائق
الموجودات ... وجواز إرساله «تعالى) رسلا إلى خلفه وسفراء بينه وبين عباده ، وأنه
قد فعل ذلك وقطع العذر فى إيجاب تصديقهم ، بما أبانهم به من الآيات ، ودل به على
صدقهم من المعجزات ، وجعل من الكلام على سائر أهل الملة المخالفين لملة الإسلام من
اليهود والنصارى والمجوس وأهل التثنية وأصحاب الطبائع والمنجمين .
وله كتاب آخر وهو «الانتصار
لصحة نقل القرآن ، والرد على من نحله الفساد بزيادة أو نقصان» وقال فى مقدمته (أما
بعد. فقد وقفت. تولى الله عصمتكم وأحسن هدايتكم وتوفيقكم على ما ذكرتموه من شدة
حاجتكم إلى الكلام فى نقل القرآن ، وإقامة البرهان على استفاضة أمره وإحاطة السلف
بعلمه وانقطاع العذر فى نقله ، وقيام الحجة على الخلق به ، وأبطال ما يدعيه أهل
الضلال من تحريفه وتغييره ودخول الخلل فيه ، وذهاب شىء كثير منه ، وزيادة أمور فيه
، وما يدعيه أهل الإلحاد وشيعتهم من منتحلى الإسلام ، من تناقض كثير منه وخلو بعضه
من الفائدة وكونه غير مناسب وما ذكروه من فساد النظم ودخول اللحن فيه وركاكة
التكرار وقلة البيان وتأخير المقدم وتقديم المؤخر ، إلى غير ذلك من وجوه مطاعنهم ،
وذكر جمل مما روى من الحروف الزائدة والقراءات المخالفة لمصحف الجماعة والإبانة عن
وهاء نقل ذلك وضعته ... ونحن بحول الله وعونه نأتى فى ذلك بجمل تزيل الريب
والشّبهة .
__________________
وقد ذكر له ابن
كثير كتابا بعنوان (كشف الأسرار وهتك الأستار فى الرد على الباطنية) .
وله فى الدفاع عن
النبى صلىاللهعليهوسلم وعن النبوة كتاب «الفرق بين معجزات النبيين وكرامات
الصالحين» وقد ذكره فى كتابه «هداية المسترشدين» قائلا «وقد بينا فى كتاب الفرق
بين معجزات النبيين وكرامات الصالحين. معنى وصف النبى ، وأن من الناس من قال : أنه
مشتق ومأخوذ من الإنباء عن الشيء والأخبار عن الله عزوجل» .
وقد ذكر له
الأستاذ السيد أحمد صقر فى مقدمة تحقيقه لكتاب (إعجاز القرآن) خمسة وخمسين كتابا
فى مختلف فنون الكلام والفقه والرد على المخالفين.
ولو أضفنا إلى هذا
الجهد كتابه (إعجاز القرآن) تبين لنا كيف دافع هذا المتكلم الأشعرى عن حومة
الإسلام وأبلى بلاء عظيما.
ورأى الباقلانى فى
الإعجاز ينحصر فى ثلاثة وجوه تكررت فى كتبه وهى : الإخبار عن الغيوب :
وأمّيّة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والمعلوم من حاله أنه كان أميا لا يكتب ولا يحسن أن
يقرأ.
وأن القرآن بديع
النظم عجيب التأليف ، متناه فى البلاغة إلى الحد الذى يعلم عجز الخلق عنه.
وقد بلور الباقلانى
مسائل المدرسة الأشعرية ، وصاغ آراءها فى وضوح ودقة أمام آراء المدرسة الاعتزالية
، وبيّن أيضا أوجه الخلاف بين المدرستين فى مسائل جوهرية ، فى علم الكلام عامة ،
وفى إعجاز القرآن بخاصة ، مما يتصل اتصالا وثيقا بأصول المبادئ عندهما.
ثم نجد الأشعريّين
اللذين عالجا الإعجاز فى كتب متداولة ـ هما الباقلانى والجرجانى.
__________________
والجرجانى قد شغله
الجانب البلاغى ولم يفصّل القول فى الجانب الكلامى بالصورة التى ترينا الفروق
بوضوح بين التفكير الاعتزالى والآخر الأشعرى.
ومن هنا تظهر لنا
أهمية دراسة الجانب الكلامى عند الباقلانى.
يرى الباقلانى أن «الذى
يوجب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن أن نبوة نبينا عليهالسلام بنيت على هذه المعجزة ، وأن كان قد أيّد بعد ذلك بمعجزات
كثيرة» أى أننا نثبت إعجاز المعجز أولا حتى ننتقل منه إلى إثبات
نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم ، بينما نادى القاضى عبد الجبار بأن إثبات النبوة يجب أن
يسبق إثبات إعجاز المعجز لأن النبوة حينما يتأكد منها الشاك ، سيتقبل بالتالى كل
ما ورد عنها من معجزات .
ولم ير الباقلانى
فى القول بالصرفة وجها من وجوه الإعجاز ، يقول. فإن قيل ، فلم زعمتم أن البلغاء
عاجزون عن الإتيان بمثله مع قدرتهم على صنوف البلاغات وتصرفهم فى أجناس الفصاحات؟
وهلا قلتم أن من قدر على جميع هذه الوجوه البديعة بوجه من هذه الطرق الغريبة ، كان
على مثل نظم القرآن قادرا ، وإنما يصرفه الله عنه ضربا من الصرف ، أو يمنعه من
الإتيان بمثله ضربا من المنع ، أو تقصر دواعيه إليه دونه مع قدرته عليه ، ليتكامل
ما أراده الله من الدلالة ، ويحصل ما قصده من إيجاب الحجة ، لأن من قدر على نظم
كلمتين بديعتين ، لم يعجز عن نظم مثلهما ، وإذا قدر على ضم الثانية إلى الأولى ،
وكذلك الثالثة ، حتى يتكامل قدر الآية أو السورة؟ فالجواب : أنه لو صحّ ذلك لصحّ
لكل من أمكنه نظم ربع بيت أو مصراع من بيت أن ينظم القصائد ، ويقول الأشعار ، وصح
لكل ناطق قد يتفق فى كلامه الكلمة البديعة ، نظم الخطب البليغة والرسائل العجيبة ،
ومعلوم أن ذلك غير سائغ ولا ممكن ، على أن ذلك لو لم يكن معجزا على ما وصفناه من
جهة نظمه الممتنع ، لكان مهما حط من رتبة البلاغة فيه ، ومنع من مقدار الفصاحة فى
نظمه ، وكان أبلغ فى الأعجوبة إذا صرفوا عن الاتيان بمثله ، ومنعوا عن معارضته
وعدلت دواعيهم عنه ، فكان يستغنى عن إنزاله على
__________________
النظم البديع ،
وإخراجه فى المعرض الفصيح العجيب ، على أنه لو كانوا صرفوا على ما ادعاه ، لم يكن
من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل به عن الفصاحة والبلاغة وحسن النظم
وعجيب الرصف لأنهم لم يتحدّوا إليه ولم تلزمهم حجته. فلما لم يوجد فى كلام من قبله
مثله ، علم أن ما ادعاه القائل بالصّرفة ظاهر البطلان ولو كانت المعارضة ممكنة ، وإنما منع منها الصرفة ، لم يكن
الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع هو المعجز ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره فى
نفسه .
ويشرح الباقلانى
مفهوم الإعجاز والمعجز عنه ، قائلا : معنى قولنا «إن القرآن معجز» على أصولنا ،
أنه لا يقدر العباد عليه ، وقد ثبت أن المعجز الدال على صدق النبى صلىاللهعليهوسلم ، لا يصح دخوله تحت قدرة العباد ، وإنما ينفرد الله تعالى
بالقدرة عليه ، ولا يجوز أن يعجز العباد عما تستحيل قدرتهم عليه ، كما يستحيل
عجزهم عن فعل الأجسام ، فنحن لا نقدر على ذلك. وإن لم يصح وصفنا بأنا عاجزون عن
ذلك حقيقة. وكذلك معجزات سائر الأنبياء على هذا ، فلما لم يقدر عليه أحد شبّه بما
يعجز عنه العاجز ، إنما لا يقدر العباد على الإتيان بمثله لأنه لو صح أن يقدروا
عليه بطلت دلالة المعجز ، وقد أجرى الله العادة بأن يتعذر فعل ذلك منهم ، وأن لا
يقدروا عليه ، ولو كان غير خارج عن العادة لأتوا بمثله ، أو عرضوا عليه من كلام
فصحائهم وبلغائهم ما يعارضه ، فلما لم يشتغلوا بذلك علم أنهم فطنوا لخروج ذلك عن
أوزان كلامهم وأساليب نظامهم وزالت أطماعهم عنه .
فحقيقة إعجاز
القرآن عند الباقلانى ، أنه لا يقدر عليه العباد لأنهم لو قدروا عليه لبطل الإعجاز
، وقد أجرى الله أن يتعذر فعل ذلك منهم ، بينما وجدنا القاضى عبد الجبار فى رفضه
للصرفة يقول «أنا نقول إن دواعيهم انصرفت عن المعارضة ، لعلمهم بأنها غير ممكنة ،
على ما دللنا عليه ، ولو لا علمهم بذلك لم
__________________
تكن لتنصرف
دواعيهم ، لأنا نجعل انصراف دواعيهم تابعا لمعرفتهم بأنها متعذرة» .
ونشير إلى ذلك ،
لأن حقيقة المعجز عند الباقلانى ـ تؤدى إلى الصرفة ـ بالرغم من ظهور التخفيف منها
الذى يصبغ شرحه لرأيه ، والفرق بين القاضى والباقلانى ـ أن القاضى فتح باب التجربة
الانسانية أمام إعجاز القرآن ـ فأدت النتيجة إلى انصراف ـ بينما جعل الباقلانى
الباب موصدا من البدء أمام المحاولة. فعنده أن الله تعالى قد وفق العرب إلى قدر من
البلاغة ، ولكنه أقدرهم على حد محدود ، وغاية فى العرف مضروبة لعلمه بأنه سيجعل
القرآن معجزا .
وقد أنكر
الباقلانى ، القول بالصرفة ، ولكنه استدار إليها وعرضها فى ثوب آخر ، والنتيجة
واحدة ، فيما يظهر لى.
وعن قدر المعجز من
القرآن عند الباقلانى يقول : الذى ذهب إليه عامة أصحابنا ، وهو قول الشيخ أبى
الحسن الأشعرى فى كتبه : أن أقل ما يعجز عنه من القرآن السورة. قصيرة كانت أو
طويلة. وما كان بقدرها .
والقرآن غير مخلوق
ومعجز يقول الباقلانى : قال قيل : فهل تزعمون أنه معجز ، لأنه حكاية لكلام القديم
سبحانه أو لأنه عبارة عنه «ولأنه قديم فى نفسه؟ قيل : لسنا نقول بأن الحروف قديمة
، فكيف يصح التركيب على الفاسد؟ ولا نقول أيضا : أن وجه الإعجاز فى نظم القرآن من
أجل أنه حكاية عن كلام الله لأنه لو كان كذلك لكانت التوراة والإنجيل وغيرهما من
كتب الله عزوجل معجزات فى النظم والتأليف وقد بينا أن إعجازها فى غير ذلك.
وكذلك كان يجب أن تكون كل كلمة مفردة معجزة ومنفردها ، وقد ثبت خلاف ذلك» إذن «فالإعجاز فى نظم الحروف التى هى دلالات وعبارات عن
كلامه (تعالى) وإلى مثل هذا النظم وقع التحدى» ويقول الباقلانى : وقد جوّز
__________________
بعض أصحابنا أن
يتحداهم ، بمثل كلامه القديم القائم بنفسه . ولكنه يستدرك بأن مذهب الجمهور الأشعرى هو ما حكاه وأما
الكلام القديم ، فليس هو حروف منظومة ، أو حروف غير منظومة ، أو شىء مؤلف أو غير
ذلك .
والمعروف أن
القرآن ، كلام الله غير مخلوق عند الأشاعرة. وهم قد عرفوا كلامه تعالى بأنه (معنى
واحد بسيط قائم بذاته تعالى ، قديم ... ولا نزاع بين الشيخ والمعتزلة ـ كما يقول
الإيجى ـ فى حدوث الكلام اللفظى ، وإنما نزاعهم فى إثبات الكلام النفسى وعدمه) .
وبعد ـ فقد كانت
هذه الوقفات هى أبرز أفكار الباقلانى. والأشاعرة معه ـ حين عالج الإعجاز ، وقد
تتيح لنا أن ندرك أوجه الخلاف بين الفكرين ، ولكن أعتقد أن هذا لن يتسنى لنا إلا
بعد أن نستعرض جهود الباقلانى فى الجانب البلاغى ثم جهود الجرجانى بعده كلاما
وبلاغة أيضا.
وقد أنفق
الباقلانى جهدا فى سبيل إظهار الجانب الفنى فى القرآن ، فبعد أن تكلم عن جانب تضمن
القرآن للإخبار عن الغيوب ، وأنه كان معلوما من حال النبى صلىاللهعليهوسلم ، أنه كان أميا لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ ، أخذ يعالج
الوجه الثالث من وجوم الإعجاز وهو أنه بديع النظم عجيب التأليف ، متناه فى البلاغة
إلى الحد الذى يعلم عجز الخلق عنه.
وبديع النظم
المتضمن لإعجازه ، ينقسم عند الباقلانى إلى وجوه عشرة ، نذكرها كما وردت فى كتابه
الاعجاز :
أولا : أن القرآن فى جملته خارج عن المعهود من نظام جميع كلام
العرب ، وترتيبه يختلف عن ترتيبهم ، فليس هو شعرا على اختلاف أنواعه ، ولا موزونا
غير مقفى ، ولا معدّلا مسجوعا ، ولا معدلا موزونا غير مسجوع ، ولا مرسلا إرسالا ،
ولا هو من باب السجع ولا فيه شىء منه. وليس كذلك من قبيل الشعر ولا مرتبا
__________________
ترتيبهم خطابهم ،
ولا متبعا أسلوبهم ، ولكنه قرآن خارج عن العادة ، معجز.
ثانيا : إن الشاعر قد يجوّد فى المدح دون الهجو ، ومنهم من يسبق
فى طويلة جعلته ينفرد بهذا ويتميز على قول الحكيم وشعر الشاعر وخطبة الخطيب ، فليس
عندهم القدرة على الإتقان بهذه الدرجة ثم القدرة على الاستمرار فى هذا الإتقان.
ثالثا : إن الشاعر قد يجود فى المدح دون الهجو ، ومنهم من يسبق
فى التقريظ دون التأبين ، أو فى الوصف غير النسيب ، وكذا الكتاب البلغاء منهم
عاجزون فى ميدان الشعر ، ونرى الخطباء الأبيناء قد لا يتمكنون من نظم بيت ، وغير
ذلك. فلكلّ قدرته ، أما القرآن فقد تصرف فى مختلف الوجوه من ذكر قصص ومواعظ
واحتجاج وحكم وأحكام وإعذار وإنذار ووعيد وتبشير وتخويف بدرجة لا تتفاوت فى الدقة
ولا تقل فى الإبداع.
رابعا : إن كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتا بينا فى الفصل والوصل
والعلو والنزول والتقريب والتبعيد ، وغير ذلك ، مما ينقسم إليه الخطاب عند النظم
بينما نجد القرآن على اختلاف فنونه ، وما يتصرف فيه من الوجوه الكثيرة ، والطرق
المختلقة ، يجعل المختلف كالمؤتلف والمتباين كالمناسب ، والمتنافر فى الأفراد إلى
حد الآحاد. وهذا أمر عجيب.
خامسا : نظم القرآن وقع موقعا فى البلاغة يخرج عن عادة الكلام
الجن كما يخرج عن عادة كلام الأنس فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزنا ، ثم يتصور
الباقلانى أن أحدهم يعترض على إدخال الجن فى دائرة المحاولة والخطأ ، فيورد بعض
الأبيات التى تثبت المحاورات التى قامت بين الشعراء والغيلان؟
سادسا : أن الذى ينقسم إليه الخطاب من البسط والاقتصار ، والجمع
والتفريق والاستعارة والتصريح والتجوز والتحقيق ، ونحو ذلك من الوجوه فى كلامهم
موجود فى القرآن.
سابعا : أن المعانى التى تضمنها فى أصل وضع الشريعة والأحكام
والاحتجاجات فى أصل الدين والرد على الملحدين ، على تلك الألفاظ ، وموافقة بعضها
بعضا فى اللطف والبراعة ، مما يتعذر على البشر ويمتنع.
ثامنا : أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته بأن تذكر منه الكلمة
فى تضاعيف كلام أو تقذف ما بين شعر ، فتأخذها الأسماع ، وتتشوف إليها النفوس ،
ويرى وجه رونقها باديا غامرا سائر ما تقرن به كالدرة التى ترى فى سلك من خرز ، وكالياقوت
فى واسطة العقد.
تاسعا : أن الحروف التى بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفا ،
وعدد السور التى افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة ، وجملة ما ذكر من هذه
الحروف فى أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة ، وهو أربعة عشر حرفا ، ليدل
بالمذكور على غيره وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التى ينظمون بها
كلامهم.
عاشرا : أنه سهّل سبيله ، فهو خارج عن الوحشى المستكره ، والغريب
المستنكر ، وعن الصفة المتكلفة وجعله قريبا الى الأفهام ، وهو مع ذلك ممتنع المطلب
عسير المتناول غير مطمع مع قربه فى نفسه ولا موهم مع دنوّه فى موقعه ، أن يقدر
عليه أو يظفر به .
وهذه الوجوه
البلاغية بالإضافة إلى أنها من الممكن أن يندرج الفرع منها تحت الأصل ، فينكمش
عددها ـ نجد أنها تخدم فكرة كبيرة واضحة هى أن لنظم القرآن موقعا فى البلاغة يخرج
عن عادة كلام الأنس كما يخرج عن عادة كلام الجن ، وذلك هو الوجه المذكور فى (خامسا)
والذى قد ورد بصور مختلفة فى كل وجه من الوجوه العشرة التى عدد فيها الباقلانى
الإعجاز البلاغى للقرآن.
وقد نفى الباقلانى
الشعر عن القرآن ثم نفى السجع أيضا ـ وفى السجع كثرت الأقوال ـ قال
الباقلانى «ذهب أصحابنا كلهم إلى نفى السجع من القرآن ، وذكره أبو الحسن الأشعرى
فى غير موضع من كتبه ، وذهب كثير ممن يخالفهم إلى اثبات السجع فى القرآن وزعموا أن
ذلك مما يبين به فضل الكلام ، وأنه من الأجناس التى يقع فيها التفاضل فى البيان
والفصاحة كالتجنيس والالتفات
__________________
وما أشبه ذلك من
الوجوه التى تعرف بها الفصاحة» ثم قال «وهذا الذى يزعمونه غير صحيح ، فلو كان القرآن سجعا
، لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولو كان داخلا فيها ، لم يقع بذلك إعجاز ، ولو
جاز أن يقولوا : هو سجع ، لجاز أن يقولوا : شعر معجز ، كيف؟ والسجع مما كان يألفه
الكهان من العرب ، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفى الشعر ، لأن الكهانة
تتنافى مع النبوات ، وليس كذلك الشعر» .
وقد عقد الباقلانى
فصلا طويلا من كتابه وكان فى «ذكر البديع من الكلام» لأنه تصور أن سائلا يسأل : هل يمكن أن يعرف إعجاز القرآن
من جهة ما تضمنه من البديع؟ فيجيب ، بأن البديع بأشكاله المتعددة «ليس فيه ما يخرق
العادة ، ويخرج من العرف ، بل يمكن استدراكه بالتعلم ، والتدريب به والتصنع له كقول
الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة والحذق فى البلاغة ، وله طريق يسلك ، ووجه يقصد
وسلّم يرتقى فيه إليه ، ومثال قد يقع طالبه عليه ، فربّ إنسان يتعود أن ينظم جميع
كلامه شعرا وآخر يتعود أن يكون جميع كلامه سجعا ، أو صنعة متصلة ، لا يسقط من
كلامه حرفا ، وقد يتأتى له ما قد تعوده .. فأما شأو نظم القرآن فليس له نظام يحتذى
عليه وإمام يقتدى به ، ولا يصحّ وقوع مثله اتفاقا ، كما يتفق للشاعر البيت النادر
والكلمة الشاردة ، والمعنى الفذ الغريب والشيء القليل العجيب» .
ثم يعود مقيّدا
هذا الكلام الذى أطلقه معترفا بنصيب القرآن من البديع قائلا «وإنما لم نطلق القول
إطلاقا لأنا لا نجعل الإعجاز متعلقا بهذه الوجوه خاصة ووقفا عليها ومضافا إليها
وإن صحّ أن تكون هذه الوجوه مؤثرة فى الجملة آخذة بحظها فى الحسن والبهجة» .
وما ذكره هنا جاء
فى خاتمة عرض طويل عن الألفاظ التى تضمنت بعض أنواع
__________________
البديع. فى حديث
الرسول صلىاللهعليهوسلم وفى كلام البلغاء ثم تلاها بذكر طائفة من طرق البديع الكثيرة
التى اشتمل عليها مع بيان معانيها وذكر شواهد لها أيضا من القرآن الكريم ، وكلام
البلغاء ، واعتبر هذا العرض توطئة للدخول فى شرح كيفية الوقوف على إعجاز القرآن وفيه يبين أن جهد الأعجمى فى إدراك الإعجاز ، إذا أراد
إدراكه أن يعرف أن أهل اللسان أنفسهم عاجزون ، إذن فهو أعجز منهم فى ذلك بالضرورة
، أما العربى ذو الدرجة الوسطى فى الفصاحة ، فيرى الباقلانى أن شأنه لا يختلف
كثيرا ، فهو ومن ليس من أهل اللسان ، سواء ، وأما من كان قد تناهى فى معرفة اللسان
العربى ووقف على طرقها ومذاهبها فهو يعرف القدر الذى ينتهى إليه وسع المتكلم من
الفصاحة ، ويعرف ما يخرج عن الوسع ، ويتجاوز حدود القدرة فليس يخفى عليه إعجاز
القرآن كما يميز بين جنس الخطب والرسائل والشعر وكما يميز بين الشعر الجيد والردىء
والفصيح والبديع والنادر والبارع والغريب .
فمبلغ ما يصل إليه
المتناهى فى الفصاحة أن يدرك أنه عاجز أمام القرآن وروعته.
وأخيرا يحدد
المنهج الذى سيسير عليه للوصول إلى إثبات الاعجاز القرآنى ، وهو منهج مقارن ،
استعرض فيه أولا نتاج الشعراء والكتاب والبلغاء والآراء المختلفة فيه ، وفرّق بين
غثّه وسمينه ثم حدد مهمة الناقد ، وإنها لجليلة ، إذ تتلخص فى كشف الخصائص الذاتية
للنتاج الأدبى مهما تشابه مع نتاج آخر فى النوع أو فى الخاصية ، وألقى على النقاد
عبئا ثقيلا ، فهم الوحيدون الذين يدركون إعجاز المعجز عن طريق دراساتهم المستفيضة
فى أسرار نتاج البشر ، وما نتاجهم بمعجز ، ولكن عن طريقه يدرك المعجز لذا ، يضع
أمام الناقد أمثلة توضح له «الفرق بين الكلام الصادر عن الربوبية الطالع عن
الإلهية» وبين الكلام البشرى ، شعرا ونثرا ، ليبين له وجه النقص فيه ويدله على
انحطاط رتبته ووقوع أبواب الخلل فيه .
وتطبيقا لهذا
المبدأ المقارن ، قدم الباقلانى نموذجا لخطب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولكتب النبى إلى كسرى والنجاشى ولنسخة عهد الصلح مع قريش
عام الحديبية ،
__________________
وفى النهاية ،
يقرر النتيجة التى وصل إليها وهى «أن نظم القرآن من الأمر الإلهى ، وأن كلام النبى
صلىاللهعليهوسلم من الأمر النبوى» .
أما إذا أراد هذا
الدارس مزيدا من البيان فعليه أن يتأمل ما سينسخه له الباقلانى من خطب الخلفاء
الراشدين والصحابة والخطباء البلغاء ليقع له «الفضل بين كلام الناس وبين كلام رب
العالمين ، ويعلم أن نظم القرآن يخالف نظم كلام الآدميين» .
وليس الأمر مقصورا
على فن النثر فقط ، فالشعر كذلك «لا يمتنع أن يكون أبلغ إذا صادف شروط الفصاحة
وأبدع إذا تضمن أسباب البلاغة» .
وهنا أيضا يقارن ـ
بين شعر أجود الشعراء وبين كلام رب العالمين ، واختار قصيدة شهيرة لشاعر معروف وهى
(قفانبك) لامرئ القيس. ويقول الباقلانى «أنت لا تشكّ فى جودة شعر امرئ القيس ، ولا
ترتاب فى براعته ولا تتوقف فى فصاحته ، وتعلم أنه قد أبرع فى طرق الشعر أمورا
أتّبع فيها من ذكر الديار والوقوف عليها إلى ما يتصل بذلك من البديع الذى أبدعه
التشبيه الذى أحدثه ... ونظم القرآن جنس متميز وأسلوب متخصص ، وقبيل عن النظير
متخلص ، فإذا شئت أن تعرف عظيم شأنه فتأمل فى هذا الفصل لامرئ القيس فى أجود
أشعاره وما نبين لك من عواره على التفصيل ، وذلك فى قوله (قفانبك) .
ثم ينتقل إلى
الوجه الآخر من المقارنة ، فيقول عن القرآن «فأما نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه
، فإن العقول تتيه فى جهته ، وتحار فى بحره ، وتضل دون وصفه» ويحلل بعض الآيات الكريمة «ما رأيك فى قوله (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ
وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً ، يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ، يُذَبِّحُ
أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي
__________________
نِساءَهُمْ
، إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ») [القصص ـ ٤] هذه
تشتمل على ست كلمات سناؤها وضياؤها على ما ترى ، وسلاستها وماؤها على ما تشاهد ،
ورونقها على ما تعاين ، وفصاحتها على ما تعرف ، وهى تشتمل على جملة وتفصيل ،
وجامعة وتفسير ، ذكر العلوّ فى الأرض باستضعاف الخلق بذبح الولدان وسبى النساء ،
وإذا تحكّم فى هذين الأمرين فما ظنك بما دونهما؟ لأن النفوس لا تطمئن على هذا
الظلم ، والقلوب لا تقرّ على هذا الجور .
وإذا قال قائل
للباقلانى ، لما ذا تحاملت على امرئ القيس هكذا ، ورأيت أن شعره بين اللين
والشراسة ، وبين اللطف والشكاسة ، والبحترى يسبق فى هذا الميدان ، ويفوت الغاية فى
هذا الشأن ... وكذلك لأبى نواس من بهجة اللفظ ودقيق المعنى ما يتحير فيه أهل الفضل؟
يجيبه الباقلانى بدراسة أخرى للبحترى ـ ذلك الذى يفضّله الكتاب على أهل دهره
ويقدمونه على من فى عصره ، ومنهم من يدعى له الإعجاز غلوا ـ يستدير إليه الباقلانى
، بعد أن يكمل هجماته على امرئ القيس بأخرى مثلها ، وبعدها ، يتعرض لأبى نواس
ويذكر سقطه ، ثم لا يجد ابن الرومى وأبا تمام أهلا لدراسته ، لذا تركهم وتفرغ
لقصيدة البحترى :
أهلا بذلكم
الخيال المقبل
|
|
فعل الذى نهواه
أم لم يفعل
|
لينتهى بعد
تحليلها إلى النتيجة نفسها وهى «هيهات ، أن يكون المطموع فيه ، كالمأيوس منه ، وأن
يكون الليل كالنهار ، والباطل كالحق ، وكلام رب العالمين ككلام البشر ».
ثم يعرض الباقلانى
لوصف وجوه من البلاغة ، قد ذكرها ـ على حد قوله ـ بعض أهل الأدب والكلام ـ ويقصد به معاصره
المعتزلى أبا الحسن الرمانى صاحب «النكت فى إعجاز القرآن» ـ ويذكر الباقلانى أنها
على عشرة أقسام
__________________
هى الإيجاز
والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والفواصل والتجانس والتصريف والمبالغة وحسن البيان.
ولا يرى الباقلانى
رأى الرمانى فى أن البلاغة تصلح أن تكون وجها من وجوه الاعجاز ، لأن البديع ، يمكن
الوقوع عليه والتعمل له ، ويدرك بالتعلم ، فما كان كذلك فلا سبيل إلى معرفة إعجاز
القرآن به ، وأما ما لا سبيل إليه بالتعلم والتعمل من البلاغات ، فذلك هو الذى يدل
على إعجازه ، وهذا الفارق ـ الذى يفصل رأى الباقلانى عن رأى الرمانى ـ يشرحه
الباقلانى قائلا «أننا إذا قلنا : ما وقع من التشبيه فى القرآن معجز ، عرض علينا
من التشبيهات الجارية فى الأشعار ما لا يخفى عليك ، وأنت ترى فى شعر ابن المعتز من
التشبيه الذى يشبه السحر ، وقد تتبّع فى هذا ما لم يتتبّع غيره ، واتّفق له ما لم
يتّفق لغيره من الشعراء. وكذلك كثير من وجوه البلاغة ، قد بينا أن تعلمها يمكن ،
وليس تقع البلاغة بوجه واحد منها دون غيره ، فإن كان أنما يعنى هذا القائل ـ يقصد
الرمانى ـ أنه «إذا أتى فى كل معنى» يتفق فى كلامه بالطبقة العالية ، ثم كان ما
يصل به كلامه بعضه ببعض ، وينتهى منه إلى متصرفاته ، على أتم البلاغة وأبرع
البراعة ، فهذا مما لا نأباه ، بل نقول به ، إنما ننكر أن يقول قائل ، أن بعض هذه
الوجوه بانفرادها ، قد حصل فيه الإعجاز ، من غير أن يقارنه بما يصل به من الكلام ،
ويفضى إليه مثل ما يقول ، إن ما أقسم به وحده بنفسه معجز ، وأن التشبيه معجز ، وأن
التجنيس معجز ، والمطابقة بنفسها معجزة ، فأما الآية التى فيها ذكر التشبيه ، فإن
ادّعى إعجازها ، لألفاظها ونظمها وتأليفها ، فإنى لا أدفع ذلك ، وأصححه ، ولكن لا
أدعى إعجازها لموضوع التشبيه ، وصاحب المقالة التى حكيناها ـ أى الرمانى ـ أضاف
ذلك إلى موضع التشبيه ، وما قرن به من الوجوه .
وأخيرا ، لا يظن
ظان أن فى كلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، قدرا من الإعجاز ، إذ هو مثل كلام البلغاء ، والذى بينه
وبين كلام الفصحاء ، كقدر ما بين شعر الشاعرين وكلام الخطيبين فى الفصاحة وذلك مما
لا يقع به الإعجاز .
__________________
وبهذا يختتم
الباقلانى مجهوده القيم فى كتابه «إعجاز القرآن» ويرى الدكتور شوقى ضيف فى
الباقلانى أنه «أول من هاجم فى قوة إعجاز القرآن عن طريق تصوير ما فيه من وجوه
البديع وأيضا ، وجوه البلاغة التى أحصاها الرمانى ، ومن هنا تأتى أهميته ، إذ أعد
للبحث عن أسرار فى نظم القرآن من شأنها ـ حين توضح توضيحا دقيقا ـ أن تقف الناس
على إعجازه ـ ثم يقول ـ وأن كنّا نلاحظ فى الوقت نفسه ، أنه لم يستطع أن يصور شيئا
من هذه الأسرار ، إذ ظلت الفكرة عنده غامضة ، وظلت مستورة فى ضباب كثيف .
وهذا صحيح ، ولكن
هناك وقفات طيبة للباقلانى فى بيان إعجاز القرآن التفت لها وفصّل القول فيها.
منها
كلامه عن : التأثير النفسى للقرآن.
وعن
: قوة التعبير القرآنى وصدقه لصدوره عن الله سبحانه.
وعن
: الوحدة الفنية فى القرآن.
يقول الباقلانى «فالقرآن
أعلى منازل البيان ، وأعلى مراتبه ، ما جمع وجوه الحسن وأسبابه وطرقه وأبوابه : من
تعديل النظم وسلامته وحسنه وبهجته .. ، وإذا علا الكلام فى نفسه ، كان له من الوقع
فى القلوب والتمكن فى النفوس ما يذهل ويبهج ويقلق ، ويطمع ويؤيس ، ويضحك ويبكى ،
ويحزن ويفرح ، ويسكن ويزعج ، ويشجى ويطرب ، ويهز الأعطاف ، ويستميل نحوه الأسماع ،
ويورث الأريحية والعزة ، وقد يبعث على بذل المهج والأموال شجاعة وجودا ، ويرمى
السامع من وراء رأيه بعيدا ، وله مسالك فى النفوس لطيفة ومداخل إلى القلوب دقيقة».
والجانب النفسى ،
هو الجانب الذى يجب أن يأخذ مكانه فى دراسات إعجاز القرآن ، ويجب ألا يعتبر جزأ من
جوانب ، لأنه قائم بذاته له حيز بعينه فى إعجاز القرآن.
__________________
وأما عن قوة
التعبير القرآنى وصدقه لصدوره عن الله سبحانه ، فنستطيع أن نتبينها إذا نظرنا إلى
نتاج الشعراء أو الكتاب ، فنحن حين نقرأ لعنترة أو لأبى فراس أو للمتنبى شعرا فى
الشجاعة والبطولة والحروب نجد لشعرهم صدقا ونبضا وحياة نابعة من طبيعتهم الشجاعة
ومن ممارستهم للحروب ، والأمر يختلف لو قرأنا لابن الرومى شعرا فيه أنه جال وصال
وفتك بالأعداء ، وكذا لأبى نواس ولحماد عجرد وغيرهم ممن لم يكن لهم فى الحرب باع.
أى أن هناك لونا
من التعبير يصدق فيه الشاعر مع نفسه حين يتعرض له لأنه يتفق وطبيعته ، ويجد نفسه
منطلقة فى سلاسة وسهولة بلا تصنع ولا كذب. يقول الباقلانى : ألا ترى أن الشعر فى التغزل
إذا صدر عن محب كان أرق وأحسن ، وإذا صدر عن متعمّل وحصل من متصنع نادى على نفسه
بالمداجاة ، وأخبر عن خبيئه بالمراياة ، وأنت تجد لابن المعتز فى موقع شعره من
القلب فى الفخر وغيره ما لا تجده لغيره إذا قال :
إذا شئت أوقرت
البلاد حوافرا
|
|
وسارت ورائى هاشم
ونزار
|
وعم السّماء
النّقع حتى كأنه
|
|
دخان وأطراف
الريّاح شرار
|
تعلم أنه ملك
الشعر ، وأنه يليق به من الفخر خاصة ، ثم يتبعه مما يتعاطاه ، ما لا يليق بغيره ،
بل ينفر عن سواه ، وكما ترى فى قول أبى فراس الحمدانى فى نفسك اذا قال :
ولا أصبح الحىّ
الخلوف بغارة
|
|
ولا الجيش ما لم
تأته قبلى النّذر
|
والشيء إذا صدر من
أهله ، وبدأ من أصله ، وانتسب إلى ذويه ، سلم فى نفسه ، وبانت فخامته ، وشواهد أثر
الاستحقاق فيه ، وإذا صدر من متكلف ، وبدأ من متصنع ، بان أثر الغربة عليه وظهرت
مخايل الاستيحاش فيه ، وعرف شمائل التحير منه .
__________________
وهذه القوة
النابعة من الصدق تنطبق انطباقا على النظم القرآنى ، وتعتبر سرا من أسرار إعجازه ،
فهو أثر من نبع علوىّ ، وقطرة من فيض سماوى ، والحديث فيه غريب عجيب ، لأنه من
مكمنه ، من مصدر المصادر ، ومبدع الخلائق ، ومكوّن الأكوان ، من الله ، تعالى جدّه
، وجلّت قدرته وتعظّم اسمه.
فجمع القرآن قوة
لصدقه ، وقوة لصدق قائله ـ تعالى الله ـ وقوة لصدق مبلّغه صلوات الله عليه وسلامه
، وقوة لخلوده ودوامه ، مع احتفاظه بكل درجات الغرابة والعجب والإبداع ، بالرغم من
توالى السنين بالمئين.
ومما يسترعى النظر
فى دراسة الباقلانى لإعجاز القرآن ، اعتباره للوحدة الفنية فيه ، وإشادته بقيمتها
وبقدرتها على الإبانة.
فهو يعتبر القرآن
كلا متكاملا له خصائصه ، وكذلك يعتبر السورة منه ، فيقوم بتحليلها متدرّجا فيها ليظهر
ما ينطوى عليه من خصائص فى النظم لا تقتصر على مجرد روعة استعارة وجمال تشبيه يرد
فى الآية أو فى عبارة قصيرة ، بل ينصب إعجازه عليه جملة لا تفصيلا ، فالسورة ـ لا
الآية ـ أصغر وحدة فنية فى القرآن ، ويمكن الحكم بها على إعجازه فى النظم ، لأنها
فى حد ذاتها يمكن أن تتوافر لها شروط الإعجاز كاملة.
وبذلك يكون
الباقلانى قد خرج على منهج السابقين وآرائهم ودراساتهم حين اعتبروا الآية أو
العبارة أو بيت الشعر أو شطره أساسا لبحوثهم النقدية البلاغية ، ثم لأحكامهم فى
بيان القرآن. ونستشهد فى ذلك بتحليله لسورة النحل وسورة غافر .
نموذج من تحليل
الباقلانى للروعة فى آيات الذكر الحكيم :
يقول الباقلانى ،
حينما يريد أن يضع أيدينا على أسرار الإعجاز فى القرآن أنه «ولو لم يكن من عظم
شأنه إلا أنه طبّق الأرض أنواره ، وجلل الآفاق ضياؤه ، ونفذ فى العالم حكمه ، وقبل
فى الدنيا رسمه ، وطمس ظلام الكفر بعد أن كان
__________________
مضروب الرّواق ،
ممدود الأطناب ، مبسوط الباع ، مرفوع العماد ، ليس على الأرض من يعرف الله حق
معرفته ، أو يعبده حق عبادته ، أو يدين بعظمته ، أو يعلم علو جلالته ، أو يتفكر فى
حكمته ، فكان كما وصفه الله تعالى ، جل ذكره من أنه نور ، فقال (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً
مِنْ أَمْرِنا ، ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ، وَلكِنْ
جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى ـ ٥٢]
فانظر ـ إن شئت ـ إلى شريف هذا النظم ، وبديع هذا التأليف ، وعظيم هذا الرّصف ، كل
كلمة من هذه الآية تامة ، وكل لفظ بديع واقع ، قوله (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) يدل على صدوره من الربوبية ، ويبين عن وروده عن الإلهية ،
وهذه الكلمة بمنفردها وأخواتها ، كل واحدة منها لو وقعت بين كلام كثير ، تميّز عن
جميعه ، وكان واسطة عقده وفاتحة عقده ـ وغرّة شهره وعين دهره. وكذلك قوله (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) ، فجعله روحا لأنه يحيى الخلق ، فله فضل الأرواح فى
الأجساد ، وجعله نورا لأنه يضيء ضياء الشمس فى الآفاق ، ثم أضاف وقوع الهداية به.
إلى مشيئته ، ووقف وقوع الاسترشاد به على إرادته ويبين أنه لم يكن ليهتدى إليه لو
لا توفيقه ، ولم يكن ليعلم ما فى الكتاب ولا الإيمان لو لا تعليمه ، وأنه لم يكن
ليهتدى فكيف كان يهدى ـ لولاه ، فقد صار يهدى ولم يكن من قبل ذلك ليهتدى ، فقال (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ ، صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ،
أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) [الشورى ـ ٥٣]
فانظر إلى هذه الكلمات الثلاث فالكلمتان الأوليان مؤتلفتان ، وقوله (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) كلمة منفصلة مباينة للأولى ، فقد صيرها شريف النظم أسدّ
ائتلافا من الكلام المؤالف ، وألطف انتظاما من الحديث المتلائم ، وبهذا يبين فضل
الكلام وتظهر فصاحته وبلاغته ، والأمر أظهر ، والحمد لله ، والحال أبين من أن
يحتاج إلى كشف .
وهذا التحليل الذى
قدمناه للباقلانى ، إذا عدنا الى خيوطه ، أحسب أنه قد أراد ما أراده الجرجانى بعده
من فكرة النظم ولكنه وقع دونه. وهذا لا يقدح فى
__________________
الباقلانى ، وفى
كونه قدّم جهدا جادا ، ومحاولة لها قيمتها وأثرها فى الإعجاز ، وما من محاولة إلا
ولها وعليها.
وهو ـ متكلما
أشعريا ، التقى بالمعتزلة ، فى نقطة خلاف ، التقى بالجاحظ فهاجمه ، والتقى
بالرمانى فنقض رأيه فى الإعجاز.
الباقلانى والجاحظ
والرمانى :
الملاحظ أن هناك
أكثر من رابط يجمع الباقلانى بالجاحظ والرمانى ، فثلاثتهم متكلمون نافحوا عن حومة
الاسلام ، وثلاثتهم تركوا مؤلفات فى إعجاز القرآن لها شأنها ، ثم ، الباقلانى
أشعرى ، والآخران معتزليان ـ والأشاعرة كانوا معتزلة فى بدء أمرهم ـ بالإضافة إلى
هذا ، أن الباقلانى كتب كتابا فى إعجاز القرآن ، نقد فيه الجاحظ ، كما نقد فيه
الرمانى.
أولا : الباقلانى
والجاحظ :
فى الصفحة السادسة
من كتاب إعجاز القرآن. يقول الباقلانى وقد صنّف الجاحظ فى نظم القرآن كتابا لم يزد
فيه على ما قاله المتكلمون قبله ، ولم يكشف عما يلتبس فى أكثر هذا المعنى».
والباقلانى يقصد
بهذا كتاب الجاحظ الذى حدثنا عنه فى كتابه خلق القرآن قائلا : «اجتهدت فيه نفسى
وبلغت منه أقصى ما يمكن مثلى فى الاحتجاج للقرآن ، والرد على كل طعّان ، فلم أدع
فيه مسألة لرافضى ولا لحديثى ولا لحشوى ولا لكافر مباد ولا لمنافق مقموع ولا
لأصحاب النظام ، ولمن نجم بعد النظام ، ممن يزعمون أن القرآن خلق وليس تأليفه بحجة
، وأنه تنزيل وليس ببرهان ولا دلالة» وعن نفس الكتاب يقول الخياط «ولا يعرف كتاب فى الاحتجاج لنظم
القرآن وعجيب تأليفه ، وأنه حجة لمحمد صلىاللهعليهوسلم على نبوته غير كتاب الجاحظ» .
__________________
ولا نستطيع أن
ندفع قول الباقلانى بهذين النصين ، فقد يكونان من باب المبالغة فى التكريم ، ولو
كان كتاب الجاحظ بين أيدينا لاستطعنا أن نعقد مقارنة بين ما ورد فى الكتابين.
ولنقرأ الآن وجهة
الباقلانى فى نقده للجاحظ. يقول «وليس لقائل أن يقول. قد يسلم بعض الكلام من
العوارض والعيوب ، ويبلغ أمره فى الفصاحة والنظم العجيب. ولا يبلغ عندكم حد المعجز
، فلم قضيتم به فى القرآن دون غيره من الكلام؟ ثم يأخذ الباقلانى فى الرد بأن كل
الأعمال المشهورة للأدباء المعروفين ، إذا تأملناها سنجد أنها تحتوى على ضعف وخلل
غير موجودين فى القرآن ، وهذا الجاحظ ، قد يزعم الزاعمون أن كلام الجاحظ من السّمت
الذى لا يؤخذ فيه ، والباب الذى لا يذهب عنه ، وأنت تجد قوما يرون كلامه قريبا ،
ومنهاجه معيبا ، ونطاق قوله ضيقا ، حتى يستعين بكلام غيره ، ويفزع إلى ما يوشح به
كلامه : من بيت سائر ومثل نادر وكلمة ممهدة منقولة ، وقصة عجيبة مأثورة ، وأما
كلامه فى أثناء ذلك فسطور قليلة وألفاظ يسيرة ، فإذا أحوج إلى تطويل الكلام خاليا
عن شىء يستعين به ـ فيخلط بقوله من قول غيره ـ كان كلاما ككلام غيره. فان أردت أن
تحقق هذا فانظر فى كتبه ، فى «نظم القرآن» وفى «الرد على النصارى» وفى «خبر الواحد»
وغير ذلك مما يجرى هذا المجرى ، هل تجد فى ذلك كله ورقة واحدة تشتمل على نظم بديع
أو كلام مليح؟ على أن متأخرى الكتاب قد نازعوه فى طريقته ، وجاذبوه على منهجه ،
فمنهم من ساواه حين ساماه ، ومنهم من أبر عليه إذ باراه ، هذا «أبو الفضل ابن
العميد» ، قد سلك مسلكه وأخذ طريقه ، فلم يقصّر عنه ، ولعله قد بان تقدمه عليه ،
لأنه يأخذ فى الرسالة الطويلة فيستوفيها على حدود مذهبه ، ويكملها على شروط صنعته
ولا يقتصر على أن يأتى بالأسطر من نحو كلامه ، كما ترى الجاحظ يفعله فى كتبه ، متى
ذكر من كلامه سطرا ، أتبعه من كلام الناس أوراقا ، وإذا ذكر صفحة ، بنى عليه من قول
غيره كتابا .
__________________
ويتلخص نقد
الباقلانى فى أن الجاحظ :
أولا : يستعين بكلام غيره للتطويل.
ثانيا : لا يحتوى نثره على نظم بديع أو كلام مليح.
ثالثا : قد جاذبه بعض الكتاب طريقته فتفوقوا عليه.
والعجيب أن يعلن
الباقلانى هذا وكتابه متخم بنقول من كتب متداولة ، وغيرها. فنجد نقولا من ابن
المعتز فى «البديع» وقدامة بن جعفر فى «نقد الشعر» وعن الجاحظ ، نقل نقولا مصرّحا باسمه مرة وفى أخرى تدل بنفسها على مصدرها وثالثة حين تحدث عن الجن والشعراء الذين تحدثوا عن الغيلان
، وقصصهم معها ، تلك التى تناقلها الرواة ، وهنا نجد كتاب الحيوان للجاحظ .
فإن كان التطويل
عيبا فقد اشترك فى العيب مع الجاحظ.
ودعوى الباقلانى
فى نثر الجاحظ دعته إليها العصبية ، وهى أوضح من أن تناقش ، وأما عن بعض الكتاب
الذين جاذبوا الجاحظ فى أسلوبه ، فهم تلاميذ تابعون ، وليس المأموم كالإمام ولا
التلميذ كالأستاذ.
والباقلانى لم
ينقل من الجاحظ فقط ، بل أنى أذهب إلى أنه كان متأثرا بالجاحظ فى أسلوبه أيضا ،
وإذا عدنا إلى عرض الباقلانى لفكرته وإطالته واستدارته حول معناه الذى قصد
واستقصائه لفكرته وبخاصة فى ص ١٢٤ و ١٢٥ ، وغيرهما من صفحات ، سنجد هذا الأثر
المتصل بالجاحظ ، أو هذا الإعجاب فى أقل التقدير.
ولا أريد أن أخرج
إلى هذا الطريق ـ فليس مجالنا ـ إنما أقول إن رأى الباقلانى فى إعجاز القرآن لا
يبعد كثيرا ـ فى بعض تكوين هذا الرأى ـ عن رأى الجاحظ فى الإعجاز. فالمعروف أن
الوجه الثالث من وجوه إعجاز القرآن
__________________
عند الباقلانى أن «نظم
القرآن» خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم مباين للمألوف من ترتيب خطابهم ، وله
أسلوب يختص به ، ويتميز فى تصرفه عن أساليب الكلام المعتادة .
وفى البيان ، يقول
الجاحظ «أنه سيذكر فى الجزء الثانى منه أقسام تأليف جميع الكلام ، وكيف خالف
القرآن جميع الكلام الموزون المنثور ، وهو موزون غير مقفى على مخارج الأشعار
والأسجاع ، وكيف صار نظمه من أعظم البرهان وتأليفه من أكبر الحجج» .
فلولا التعصب
الذهبى لأكمل الباقلانى طريق الجاحظ ، ولاعترف بفضله وبما اقتبس منه ، وبما تأثره
فيه ، ولكل كاتب عيوب ، ولكن التعصب يفوق كل العيوب.
الباقلانى
والرمانى :
وأما عن الرمانى ،
فقد قال الباقلانى «ذكر بعض أهل الأدب والكلام أن البلاغة على عشرة أقسام :
الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والفواصل والتجانس والتصريف والتضمين
والمبالغة وحسن البيان ، فأما الإيجاز ، فإنما يحسن مع ترك الإخلال باللفظ ، فيأتى
باللفظ القليل الشامل لأمور كثيرة ، وذلك ينقسم إلى حذف وقصر ، والحذف الإسقاط
للتخفيف ، كقوله (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) وقوله (طاعَةٌ وَقَوْلٌ
مَعْرُوفٌ) وحذف الجواب كقوله «ولو أن قرأنا سيرت به الجبال أو قطّعت
به الأرض أو كلّم به الموتى» كأنه قيل : لكان هذا القرآن ... الخ .
وهذا النص صاحبه
أبو الحسن على بن عيسى الرمانى (٢٩٦ ه ـ ٣٨٤ ه) صاحب كتاب النكت فى إعجاز القرآن
، وهو معتزلى ، فأنف الباقلانى أن يذكر اسمه ، واكتفى بأن نقل ما جاء فى كتابه ،
ولو كان دقيقا فى نقله لهان أمر تغاضيه عن اسم الرمانى ، ولكنه نقل وآثر أن يختصر
بصورة قريبة من التشويه».
__________________
والنص على حقيقته
يقول فيه الرمانى بعد أن ذكر أقسام البلاغة العشرة «الإيجاز تقليل الكلام من غير
إخلال بالمعنى ، وإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة ، ويمكن أن يعبر
عنه بألفاظ قليلة ، فالألفاظ القليلة إيجاز ، والإيجاز على وجهين : حذف وقصر ،
فالحذف : إسقاط كلمة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام ، والقصر
: بنيه الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف. فمن الحذف (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ومنه (وَلكِنَّ الْبِرَّ
مَنِ اتَّقى) ومنه (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) ومنه (طاعَةٌ وَقَوْلٌ
مَعْرُوفٌ) ومنه حذف الأجوبة ، وهو أبلغ من الذكر. وما جاء منه فى
القرآن كثير ، كقوله جل ثناؤه : (لَوْ أَنَّ قُرْآناً
سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ
الْمَوْتى) كأنه قيل : لكان هذا القرآن» .
وربما قيل أن
الباقلانى حاول أن يقدم مثالا لفكرة الرمانى فآثر الاختصار ، ولكن إغفال اسم
الرمانى لا يسمح بقبول هذا الاعتذار. وقد وافق الباقلانى الرمانى فى نفى السجع عن
القرآن. يقول الرمانى «الفواصل حروف متشاكلة فى المقاطع توجب حسن إفهام المعانى ،
والفواصل بلاغة. والأسجاع عيب ، وذلك أن الفواصل تابعة للمعانى ، وأما الأسجاع
فالمعانى تابعة لها ... وفواصل القرآن كلها بلاغة وحكمة لأنها طريق إلى إفهام
المعانى التى تحتاج اليها فى أحسن صورة يدل بها عليها ، وإنما أخذ السجع فى الكلام
من سجع الحمام ، وذلك أنه ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة ، كما ليس فى سجع الحمامة
إلا الأصوات المتشاكلة .... الخ» ويقول الباقلانى «ذهب أصحابنا كلهم إلى نفى السجع من
القرآن ، وذكره أبو الحسن الأشعرى رضى الله عنه فى غير موضع من كتبه» واسترسل الباقلانى فى نفس السجع حتى وصل إلى ص ٦٥ من كتابه
، وكان قد بدأ من ص ٥٧. ومن مجمل ما قاله فى هذا الموضوع نلحظ ما يلى :
__________________
إن الذين نفوا
السجع من الأشاعرة ، نتج ذلك عن فهم خاطئ منهم لحديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أسجعا كسجع
الكهّان» .
وأن الباقلانى أنكر
السجع لمناصرته المذهب ، ونسى أو تناسى أن المقصود ذم السجع المتكلّف لا السجع
عامة.
وقد تصور أن السجع
من الكلام ، يتبع المعنى فيه اللفظ ، الذى يؤدى السجع وليس الأمر كذلك وهذا نوع من
السجع رديء ، لا يقع إلا فى كلام الضعفاء ، ومنه نوع آخر يقع منه اللفظ موقعه
الرائع ، وهو مع ذلك تابع للمعانى ، وكلام بلغاء الجاهلية وفصحاء الاسلام وأحاديث
الرسول صلىاللهعليهوسلم تشير إلى ذلك بوضوح.
ويتمحل الباقلانى
العلل الواهية. لنفى السجع من القرآن كقوله «لو كان الذى فى القرآن على ما
تقدّرونه سجعا لكان مذموما مرذولا ، لأن السجع إذا تفاوتت أوزانه ، واختلفت طرقه
كان قبيحا من الكلام ، وللسجع منهج مرتب محفوظ وطريق مضبوط ، متى أخل به المتكلم
وقع الخلل فى كلامه ونسب إلى الخروج عن الفصاحة ... فلو كان ما تلا عليهم من
القرآن سجعا لقالوا : نحن نعارضه بسجع معتدل فنريد فيه الفصاحة على طريقة القرآن
ويتجاوز حده فى البراعة والحسن» وفوق ما فى كلامه هذا من خطأ وتهافت «فإن فيه هفوة أخرى إذ
حكّم قواعد البلاغة فى القرآن ، مع أن القرآن هو الأساس الذى يجب أن تحاكم إليه
قواعد البلاغة ، وأن تجرى على سننه ووفق أحكامه» .
وفكرة السجع عند
الرمانى لم تسلم هى أيضا من مناقشة النقاد لها. فأبو هلال العسكرى بالرغم من أنه
لم يصرح بالسجع فى القرآن ولم ينفه إلا أنه لم ير رأى الرمانى فى الأسجاع ، وعنده أن سجع
الناس غير سجع القرآن . وابن سنان الخفاجى ، يناقش الرمانى ، فى حديث طويل ، ما
ذهب إليه فى أن السجع
__________________
عيب ، ومضمون رأيه
يقول فيه «وأما الفواصل التى فى القرآن فإنهم سمّوها فواصل ، ولم يسمّوها أسجاعا ،
وفرّقوا ، فقالوا أن السجع هو الذى يقصد فى نفسه ثم يحمل المعنى عليه ، والفواصل
التى تتبع المعانى ولا تكون مقصورة فى أنفسها ، وقال على بن عيسى الرمانى ، إن
الفواصل بلاغة والسجع عيب ، وعلّل ذلك بما ذكرناه من أن السجع تتبعه المعانى
والفواصل تتبع المعانى ، وهذا غير صحيح ، والذى يجب أن يحرّر فى ذلك أن يقال : إن
الأسجاع حروف متماثلة فى مقاطع الفصول على ما ذكرناه ، والفواصل على ضربين ، ضرب
يكون سجعا ، وهو ما تماثلت حروفه مع المقاطع ، وضرب لا يكون سجعا ، وهو ما تقابلت
حروفه فى المقاطع ولم تتماثل ، ولا يخلو كل واحد من هذين القسمين ، أعنى التماثل
والتقارب ـ من أن يكون يأتى طوعا سهلا ، ونابعا للمعانى ، وبالضد من ذلك حتى يكون
متكلّفا يتبعه المعنى ، فإن كان من القسم الأول فهو المحمود الدال على الفصاحة
وحسن البيان ، وإن كان من الثانى فهو مذموم مرفوض. فأما القرآن فلم يرد إلّا ما هو
من القسم الأول المحمود لعلوه فى الفصاحة ، وقد وردت فواصل متماثلة ومتقاربة فمثال
المتماثلة ... الخ .
وتابع ابن سنان فى
ذلك ابن حمزة العلوى وابن الأثير .
وأخيرا ، فقد قلنا
ان الباقلانى نادى بفكرة النظم ، وهناك صلة بينها وبين رأى الجاحظ. ونقول أن هناك
صلة أخرى ربطت رأى الباقلانى ـ فى الإعجاز برأى الرمانى فى جانب من الجوانب.
نقرأ فى رسالة
الرمانى رأيه فى إعجاز القرآن قائلا «أما البلاغة على ثلاث طبقات منها ما هو فى
أعلى طبقة ، ومنها ما هو فى أدنى طبقة ، ومنها ما هو فى الوسائط بين أعلى طبقة
وأدنى طبقة ، فما كان فى أعلاه طبقة ، فهو المعجز ، وهو بلاغة القرآن ، وما كان
منها دون ذلك فهو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس ، وليست البلاغة إفهام المعنى ...
الخ وإنما البلاغة إيصال المعنى إلى القلب فى
__________________
حسن صورة من اللفظ
، فأعلاها فى الحسن بلاغة القرآن ، وأعلى طبقات البلاغة للقرآن خاصة. وأعلى طبقات
البلاغة معجز للعرب والعجم ، كإعجاز الشعر المفحم ، فهذا معجز للعجم خاصة كما ذلك
معجز للكافة» .
ويقول الباقلانى
عن إعجاز القرآن «أنه بديع النظم عجيب التأليف متناه فى البلاغة إلى الحد الذى
يعلم عجز الخلق عنه» ثم يقول ، وأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه
ولا أمام يقتدى به ، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا» ويقول أيضا «ونظم القرآن خارج عن المعهود فى نظام جميع
كلامهم ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم وله أسلوب يختص به» .
فالمتناهى فى
البلاغة إلى الحد المعجز عند الباقلانى ، هو البالغ أعلى درجات البلاغة ـ وهى درجة
المعجز ـ عند الرمانى. وما كان دون ذلك فهو ممكن.
وبعد ، فأعتقد أن
الباقلانى قد قرأ للمعتزلة ـ وبوعى ـ وهم بدورهم قد أثروا فيه بدرجة من الدرجات ،
وهو حين هاجمهم ، لفت الأنظار بقوة إلى نظم القرآن وبراعة تأليفه ، فالمدار عنده
قبل كل شىء على الصياغة والنظم ـ وأن أسرار الاعجاز كامنة فى نظم القرآن ، لا فى
البديع ولا فى وجه من وجوه البلاغة التى أحصاها الرمانى.
__________________
الفصل الثانى
عبد القاهر الجرجانى
١ ـ الجرجانى
والإعجاز.
٢ ـ الجرجانى
والمفسرون.
٣ ـ الجرجانى بين
أهل الظاهر والمعتزلة.
٤ ـ الجانب
البلاغى عند الجرجانى (النظم).
الفصل الثانى
عبد القاهر الجرجانى
هو عبد القاهر ،
الأشعرى ، النحوى ، الشافعى ، الذى شغل النقاد وأثار الكتاب ، ابن عبد الرحمن بن
محمد الجرجانى نسبة إلى بلدته جرجان الموطن والمدفن .
ولم يرحل للعلم ،
ولكن قيض الله له ، نزيل جرجان ، أبا الحسين محمد بن الحسن بن عبد الوارث الفارسى
النحوى ابن أخت أبى على الفارسى صاحب كتاب «الإيضاح» فى النحو ،
وأغلب الظن أن أبا الحسين قد قرأ كتاب خاله لتلميذه الجرجانى ، فقد رأينا عبد
القاهر يعنى بهذا الكتاب ، ويشرحه ويسمى شرحه (المغنى) ثم يختصر الشرح ويسمى شرحه
الصغير (المقتصد).
وقد كان الجرجانى
واسع الأفق غزير المطالعة ، تشهد بذلك مؤلفاته .
__________________
ويشير الأستاذ
أمين الخولى إلى اتجاهات عبد القاهر قائلا أنه (متكلم فلسفى تارة وهو أديب صانع
كلام وناقده طورا ، وهو متكلم أو بليغ كلامى الدرس فى كتابه (دلائل الاعجاز) ،
يعنى أولا وأخيرا بقضية الإعجاز فقط ، وينصرف إليها انصرافا تاما ، فيجادل عنها
جدلا منطقيا بارز النزعة فى أسلوبه من مثل قوله (إن قلتم قلنا) و (كيف لا يكون
الأمر كذلك) و (ما هو إلا كذا كذا) مما لا نطيل بسوق شواهد منه ، لأنه كثير يعثر
عليه فى أغلب صفحات الكتاب» ويعترض الدكتور أحمد أحمد بدوى على الأستاذ أمين الخولى
فيما ذهب إليه من أمر الاتجاه الكلامى عند الجرجانى .
وإذا رجعنا إلى
ثبت مؤلفات الجرجانى ، أمكننا بسهولة أن ندرجها تحت اتجاهات ثلاثة كانت للجرجانى ،
أحدهما الاتجاه الأدبى ، والثانى النحوى والثالث الكلامى .
وأما عن وفاته فقد
حددها المؤرخون ، ولكنهم لم يذكروا شيئا عن السنة التى ولد فيها ولا عن أسرته سوى
أنها فارسية وأجمعوا على أن سنة الوفاة هى إحدى وسبعون وأربعمائة .
الجرجانى والإعجاز
:
شغل الجرجانى نفسه
بالإعجاز ، وقدم لها خلاصة فكره وأوقف عليها أهم مؤلفاته.
__________________
فقد كتب كتابه
الشهير «دلائل الإعجاز» وقرينه «أسرار البلاغة» والرسالة الشافية فى الإعجاز وله شرحان على كتاب (إعجاز القرآن) لأبى عبد الله محمد بن
زيد الواسطى (ت ٣٠٦ ه) أحدهما كبير وسماه بالمقتصد والأخير صغير .
وقد عالج الجانب
الكلامى من القضية فى رسالته الشافية بخاصة وكذا فى الدلائل والأسرار ، بينما عرض
فى كتابه الدلائل «نظرته فى الإعجاز بطريقة تغاير ما كتبه السابقون وبصورة تختلف
عما مر بنا ، إذ يبرز الإعجاز فى جانب كلامى مركّزا عليه جلّ بحثه شارحا إياه
عارضا له من زوايا مختلفة ، وذلك ليقنع قارئه بأن إعجاز القرآن ليس إلا فى «النظم
والتأليف» لا فى سواه.
ولقد ناقش
الجرجانى الإعجاز كلاميا ، فجادل منكرى الإعجاز ، والمنادين بالصّرفة ، وبإمكان
المعارضة ، وتعرض للمعتزلة ، وللظاهريين وللمفسرين الجهلاء.
وقد آل الجرجانى
على نفسه أن يبين :
(ا) عجز العرب حين
تحدّوا إلى معارضة القرآن.
(ب) وأن هذا العجز
مرتبط بأحوال الشعراء والبلغاء وبعلم الأدب جملة.
ومن ثم كان عليه
أن يثبت أن العرب هم الأصل الذى يقتدى ، وهم الأئمة فى علم البلاغة وتعاطيها ومن
عداهم تبع لهم وقاصر فيه عنهم ، ثم عول أن ينظر فى دلائل أحوالهم وأقوالهم ، حين
تلا القرآن عليهم وتحدّوا اليه.
__________________
وتتلخص دلائل
الأحوال فى نظره ، فيما يلى :
(ا) المتعارف من
عادات الناس وطبائعهم أن لا يسلّموا لخصومهم بالفضيلة وهم يجدون سبيلا إلى دفعها ،
ولا ينتحلون العجز وهم يستطيعون قهرهم والظهور عليهم.
(ب) وإذا كان
واجبا ، فكيف يجوز أن يظهر فى صميم العرب ، وفى مثل قريش ذوى الأنفس الأبية من
يدعى النبوة وحجّته كتاب عربى مبين يعرف العرب ألفاظه ويفهمون معانيه ، إلا أنه
تحداهم أن يأتوا بمثله أو بعشر سور منه أو بسورة ، ثم لا تدعوهم نفوسهم إلى أن
يعارضوه ويبيّنوا سرفه فى دعواه مع إمكان ذلك؟.
(ح) هل يجوز أن
يخرج خارج من الناس على قوم لهم رئاسة ولهم دين ونحلة ، فيؤلّب عليهم الناس ،
ويدبر فى إخراجهم من ديارهم وأموالهم وفى قتل صناديدهم وكبارهم وسبى ذراريهم
وأولادهم ، وعمدته التى تجد بها السبيل إلى تألّف من يتألفه ، دعوى له إذا أبطلت
بطل أمره كله ، ثم لا يعرض له فى تلك الدعوى ولا يشتغل بإبطالها مع إمكان ذلك ،
ومع أنه ليس بمعتذر ولا ممتنع؟
إذن فالطبيعة
البشرية؟ وطبيعة العرب النفسية ، وطبيعة الدعوى التى جاء بها الرسول تؤدى فى وضوح
، إلى العجز التام عن أبطال حجة النبى صلىاللهعليهوسلم .
أما دلالة الأقوال
: فيذكر عنها الجرجانى ـ أنها كثيرة ـ منها حديث ابن المغيرة ، وما حدث لعتبة
بن ربيعة ، ومنه ما جاء فى سبب إسلام أبى ذر ، روى أنه قال : قال لى أخى أنيس : إن
لى حاجة إلى مكة فانطلق ، فراث ، فقلت : ما حبسك؟. قال : لقيت رجلا يقول إن الله
تعالى أرسله ، فقلت : فما يقول الناس؟ قال : يقولون : شاعر ساحر كاهن ـ قال أبو ذر
: وكان أنيس أحد الشعراء ، فقال : تالله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم
على لسان أحد ، ولقد سمعت قول الكهنة ، فما هو بقولهم ، والله أنه لصادق وأنهم
لكاذبون. وفى هذا السبيل ، رواية الوليد ابن عتبة بطبيعة الحال.
__________________
ولكن ـ هذه القصص
التى تروى لأناس أسلموا باعجاز القرآن ، فكيف تؤخذ قصصهم حجة ، والأولى أن نذكر
قول الكافرين للكافرين حين اختلوا بأنفسهم وتحدثوا فى شأن القرآن ، ثم نجادلهم
فيما قالوا ، حتى لا نحتج عن الخصم برأى نراه. وبقول نقوله نحن؟
ويجيب الجرجانى
على هذه الشبهة بأن الدلالة ليست من نفس القول ، وذات الصفة بل فى مصدرهما ، وفى
أن أخرجا مخرج الأخبار عن أمر هو كالشيء البادى للعيون فالاعتماد هنا على الخبرة وذويها وعلى مقتضى العلم ، وليس
على الصفة من جانب كفر أو ايمان.
وإذا كان القرآن
معجزا ، وفائتا لما يستطيعه العرب من ضروب النظم وأنواع التصرف فقد وجب القطع بأنه
معجز لأحد سببين :
١ ـ أما أن يكونوا
قد علموا مقدار الفرق بين النظم والنظم والنسج والنسج ، فأقروا وانتهى الأمر .
٢ ـ وأما أنهم قد
توهموا هذه المزية لغلط دخل عليهم أو لمرض ، أصابهم ، وثانى الأمرين ، لغو يقال
والذى يقال أنه : قد علمنا أنهم يقدمون شعراء الجاهلية على أنفسهم. ويقرون لهم بالفضل
، ويجمعون على أن امرأ القيس وزهيرا والنابغة والأعشى من أشعر العرب ، وإذا كان
ذلك كذلك ـ فمن أين لنا أن نعلم أنهم لم يكونوا بحيث لو تحدوا إلى معارضة القرآن
لقاموا بها واستطاعوا؟
ويجيب الجرجانى ـ بأن
هذا الفصل ـ على ما فيه لا يقدح فى موضع الحجة ، ذلك أنهم كانوا يرون أشعار
الجاهليين وخطبهم ويعرفون مقاديرهم فى الفصاحة معرفة من لا تشكل جهات الفضل عليهم
، فلو كانوا يرون فيما رووا مزية على القرآن ، أو رأوه قريبا منه لكانوا يدّعون
ذلك ، ولو ذكروه لذكر عنهم .
__________________
فمن المعلوم ضرورة
أنهم لم يقولوا ذلك بل كانوا بين أمرين :
١ ـ أما أن يخبروا
عن أنفسهم بالعجز والقصور وذلك حين يخلو بعضهم ببعض.
٢ ـ وإما أن
يتعلقوا بما لا يتعلّق به إلّا من أعوزته الحيلة ، ومن فلّ بالحجة من نسبته إلى
السحر ، وما فى مستواه من خلط ، ومما لا شك فيه أنهم كانوا قد علموا أن صورة أولئك
صورتهم ، وأن التقدير فيهم ، أنهم لو كانوا فى زمان النبى صلىاللهعليهوسلم ، ثم تحدوا إلى معارضة لكانوا فى مثل حال هؤلاء الكائنين
فى زمانه.
ومن هنا ننتهى إلى
حقيقة يقينية مؤداها أن القرآن الكريم معجز ، ناقض للعادة وأنه فى معنى قلب العصا
حية ، وإحياء الموتى ، فى ظهور الحجة به على الخلق كافة.
ودائما ما يثير
المتكلمين جانب معارضة القرآن تلك التى تنسب إلى عباقرة الشعر والنثر ـ وكثيرا ما
أوضح المتكلمون تهافته. وكأنى بالمعارضين قد تعلقوا به وبشدة ، واستمالوا به الناس
، فلزم المتكلمين أن يشرحوا خبث طواياه وتهاوى أركانه. أنهم يقولون : لقد جرت
العادة بأن يبقى فى الزمان من يفوت أهله حتى يسلّموا له وحتى لا يطمع أحدا فى
مداناته وحتى ليقع الإجماع فيه أنه الفرد الذى لا ينازع ، ثم يحددون أسماء كان لها
شأنها فى الشعر والنثر كامرئ القيس ، والجاحظ وأترابهما كلّ مذكور بأنه كان أفضل
أهل صناعته فى عصره.
ويجيب الجرجانى
عليهم. محددا أو لا المقصود من قول القائل «هذا أفضل الشعراء وأفضل الكتاب» بأن
الشرط فى المزية الناقضة للعادة أن يبلغ الأمر فيها إلى حيث يبهر ويقهر حتى تنقطع
الأطماع عن المعارضة أو المداناة من صاحب هذه الصفة .
فمن من الشعراء
سلم له أنه كان فى وقت من الأوقات قد بلغ أمره المزية والعلو على أهل صناعته هذا
المبلغ؟ امرؤ القيس؟ قد عارضه علقمة الفحل وقصتهما مشهورة ، وحتى إجماع الناس على
أنه أشعر الشعراء لم يصف له خالصا ، فكثيرا ما اضطربت الناس بين أسماء شاركته
الفحولة ونازعته القمة.
__________________
ويورد الجرجانى فى
رده على هذا الزعم ـ قصة أمير المؤمنين على بن أبى طالب مع أبى الأسود الدؤلى ،
وقصة ابن عباس حين سأل الحطيئة من أشعر الناس فى الماضين والباقين ، وغيرها من
الروايات التى تؤكد تباين وجهات النظر فى تقدير الشعراء ، ثم ينتهى إلى أن «جانب
الفضل يجب والتقدم ـ أما لمعنى غريب يسبق إليه الشاعر فيستخرجه ، أو استعارة بعيدة
يفطن لها أو لطريقة فى النظم يخترعها .
ولو سلموا لامرئ
القيس بهذا ـ فهم فى أحد أمرين.
أولا : أنهم بذلك يكونون قد ورطوا أنفسهم فى جهالة حين يدعون
على كل من كان فى زمان النبى صلىاللهعليهوسلم من الشعراء والبلغاء قاطبة ، الجهل بمقادير البلاغة.
ثانيا : أو أنهم فى هذه الحالة ، قد علموا ما علموا ، وسكتوا عن
إذاعة الأمر راضين بالقتل والسبى والتشريد مع الكتمان على اراحة أنفسهم والتشهير
بالقرآن.
هذا عن امرئ القيس
، فما ذا عن الجاحظ؟ قالوا فيه مثلما قالوا فى امرئ القيس ، بيد أن الجاحظ أسهل
والجهل فيه أفضح ، فالشرط نقض العادة ، كما يقول الجرجانى ـ أن يعم الأزمان كلها ،
وأن يظهر على مدّعى النبوة ما لم يستطعه مملوك قط . وأما تقدم واحد من أهل العصر سائرهم ، ففي معنى تقدم واحد
من أهل مصر من الأمصار غيره ممن يضم وإياه ذلك العصر ، لا فضل فى ذلك بين الأمصار
والأعصار ، إذا حقّقت النظر ، إذ ليس أكثر من أنّ واحدا زاد على جماعة معدودين فى
نوع من الأنواع ، وما ذلك فى الإعجاز بشيء وإنما المعجزة ما علم أنه فوق قوى البشر
وقدرهم ـ إن كان من جنس ما يقع التفاضل فيه من جهة القدر ـ أو فوق علومهم ـ إن كان
من قبيل ما يتفاضل فيه العلم والفهم .
أما أن يتصور أحد
أن العرب علمت من الجاحظ معارضته للقرآن ثم خفت هذه المعارضة ، خوفا منه أو عليه.
فهذا أفحش الجهل .
__________________
وقد يقولون ،
علمنا من عادات الناس وطبائهم أن الواحد منهم تواتيه العبارة ويطيعه اللفظ فى صنف
من المعانى ثم يمتنع عليه مثل تلك العبارة ، وذلك اللفظ فى صنف آخر ، وإذا كان
الأمر كذلك فلعل العجز الذى ظهر فيهم عن معارضة القرآن ، لم يظهر لا لأنهم لا
يستطيعون مثل ذلك النظم ولكن لأنهم لا يستطيعونه فى مثل معانى القرآن .
ويتقدم الجرجانى
بقدرة متمكنة من الجدل ، فيتولى شرح فكرة بسيطة ، وهى أن المعانى المبتكرة التى
يبتدعها الشاعر فلا يستطيع شاعر آخر الدنو منها ولو أراد ، أو نيل رونقها ولو
توهم.
ولبشار بيته
الرائع :
كأن مثار النّقع
فوق رءوسنا : وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه كما لعنترة بيتاه :
وخلا الذباب بها
فليس ببارح .. غردا كفعل الشارب المترنّم هزجا يحكّ ذراعه بذراعه .. قدح المكبّ
على الزناد الأجذم
وليست الروعة فى
أن بشارا وعنترة قد أوتيا فى علم النظم جملة ما لم يؤت غيرهما ، ولكن ، لأنه إذا
كان فى مكان خبيء فعثر عليه إنسان وأخذه ، لم يبق لغيره مرام لذلك المكان . ولا يمتنع أن يكون سبيل لفظ القرآن ونظمه هذا السبيل .
ولا بدّ أن يتضح
فى الأذهان أن العرب لم يطلب أن يأتوا بمثل معانى القرآن أنفسها بأعيانها ، بلفظ
يشبه لفظه ، ونظم يوازى نظمه. وحقيقة الأمر. كما يخاطب الجرجانى المعارضين ـ أن
التحدى إلى أن يجيئوا فى أى معنى شاءوا من المعانى ، بنظم يبلغ نظم القرآن فى
الشرف أو يقترب منه ، يدل على ذلك قوله تعالى (قُلْ فَأْتُوا
بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (هود ـ ١٣) أى
مثله فى النظم ، وليكن المعنى مفترى لما قلتم ، فلا إلى المعنى دعيتم ولكن إلى
النظم .
__________________
وأما عن الصرفة
فالقول فيها قد اعتورته الأقلام ، وعالجته أفكار المتكلمين من معتزلة وأشاعرة.
وهذا الجرجانى يعالج القضية من جانب ، فالصرفة عنده مرفوضة ومن ثم ، نراه يعدد لهؤلاء ما لا يتصورون أن قولهم سيصل
إليه من :
ـ أن يكون العرب
قد تراجعت حالها فى البلاغة والبيان فى جودة النظم وشرف اللفظ.
ـ أن يكونوا قد
نقصوا فى قرائحهم وأذهانهم وعدموا الكثير مما كانوا يستطيعونه.
ـ أن تكون أشعارهم
التى قالوها والخطب التى قاموا بها قاصرة عما سمع منهم من قبل ذلك القصور الشديد.
ـ أن يكون قد ضاق
عليهم فى الجملة مجال قد كان يتسع لهم ، ونضبت عنهم موارد قد كانت تغزر وخذلتهم
قوى قد كانوا يصولون بها.
ـ وأن تكون أشعار
شعراء النبى صلىاللهعليهوسلم التى قالوها فى مدحه عليهالسلام وفى الرد على المشركين ناقصة متقاصرة عن شعرهم فى
الجاهلية.
ـ وأن يشكّ فى
الذى روى عن شأن حسان نحو قوله عليهالسلام «قل وروح القدس
معك» لأنه لا يكون معانا مؤيدا من عند الله ، وهو يعدم مما كان يجده قبل كثيرا
ويتقاصر أنف حاله عن السالف منها تقاصرا شديدا .
ومنهج القادحين فى
القرآن يرينا أنهم بالغوا فى حسن الظن بأنفسهم وتوسعوا فى أمرهم ، وحاولوا أن
يكونوا متبوعين فى رأيهم منفردين فى قضيتهم حتى يتميزوا عن الناس ويشار إليهم
بالإعجاب ، وهؤلاء ينبغى أن يقال لهم ، «ما هذا الذى أخذتم به أنفسكم؟ وما هذا
التأويل منكم فى عجز العرب عن معارضة القرآن؟
__________________
وما دعاكم إليه؟
وما أردتم منه؟ أأن يكون لكم قول يحكى؟ وتكونوا أمة على حدة؟ أم قد أتاكم فى هذا
الباب علم لم يأت الناس؟ فإن قالوا أتانا فيه علم ، قيل : أفمن نظر ذلك العلم أم
خبر؟ فان قالوا من نظر. قيل لهم ، فكأنكم تعنون أنكم نظرتم فى نظم القرآن ونظم
كلام العرب ووازنتم فوجدتموه لا يزيد إلا بالقدر الذى لو خلّوا والاجتهاد وإعمال
الفكر ، ولم تفرّق عنهم خواطرهم عند القصد اليه أو العمد له لأتوا بمثله؟ فان
قالوا : كذلك نقول : قيل لهم فأنتم تدّعون الآن أن نظركم فى الفصاحة نظر لا يغيب
عنه شىء فى أمرها ، وأنكم قد أحطتم علما بأسرارها ، وأصبحتم ولكم فيها فهم وعلم لم
يكن للناس قبلكم ، وإن قالوا : عرفنا ذلك بخبر ، قيل : فهاتوا عرّفونا ذلك. وأنّى
لهم تعريف ما لم يكن ، وتثبيت ما لم يوجد» وهكذا فند الجرجانى منهجهم.
الجرجانى
والمفسرون :
وهو يردد سخرية
المتكلمين من المفسرين الذين يتعاطلون التفسير بغير علم ، مما يذكرنا بالنظام
والجاحظ ونوادرهما معهم. يقول الجرجانى : ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير
علم ، أن يتوهموا أبدا فى الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل ، أنها على
ظواهرها ، فيفسدوا المعنى بذلك ، ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسمع منهم ،
العلم بموضوع البلاغة ، وبمكان الشرف ، وناهيك بهم إذا هم أخذوا فى ذكر الوجوه ،
وجعلوا يكثرون فى غير طائل ، هناك ترى ما شئت من باب الجهل ، قد فتحوه ، وزند
ضلالة قد قدحوه ، ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق .
الجرجانى بين أهل الظاهر والمعتزلة
أولا : أهل الظاهر
:
ويقصد بهم أهل
التفريط فى فهم آى القرآن الكريم الذين ذهبوا مذاهب تنبو عن أقوال أهل التحقيق
فيما فهموا من آيات (هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ)
__________________
وقوله (وَجاءَ رَبُّكَ) و (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وأشباه ذلك ، يقول عنهم «فإذا قيل لهم إن الإتيان والمجيء
انتقال من مكان إلى مكان ، وصفة من صفات الأجسام ، وأن الاستواء إن حمل على ظاهره
لم يصح إلا فى جسم يشغل حيزا ، ويأخذ مكانا ، والله عزوجل خالق الأماكن والأزمنة ، ومنشئ كل ما تصح عليه الحركة
والنّقلة ، والتمكن والسكون والانفصال والاتصال ، والمماسة ، والمحاذاة ، وأن
المعنى على «إلا أن يأتيهم أمر الله ، وجاء أمر ربك» وأن حقه أن يعبر بقوله تعالى (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ
يَحْتَسِبُوا) وقول الرجل : آتيك من حيث لا تشعر ، يريد أنزل بك المكروه.
نعم ، إذا قلت ذلك للواحد منهم ، إن أعطاك الوفاق بلسانه فبين جنبيه قلب يتردد فى
الحيرة ويتقلب .. لا يحضره التوفيق بقدر ما يعلم به أنه إذا كان لا يجرى فى قوله
تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) على الظاهر لأجل علمه أن الجماد لا يسأل ، مع أنه لو تجاهل
متجاهل فادعى أن الله تعالى خلق الحياة فى تلك القرية ، حتى عقلت السؤال ، وأجابت
عنه ونطقت ، لم يكن قال قولا يكفر به ، ولم يزد على شىء يعلم كذبه فيه ، فمن حقه
أن لا يجثم هاهنا على الظاهر ولا يضرب الحجاب دون سمعه وبصره حتى لا يعى ، ولا يراعى مع
ما فيه إذ أخذ على ظاهره من التعرض للهلاك والوقوع فى الشرك .
ومبدأ التفسير
بالظاهر أى عند بعضهم إلى التشبيه والتجسيم فالخروج من المعقول إلى المحال.
واعتنقه بعضهم مذهبا فسفيا دافع عنه باخلاص بعد أن عمل على تنقيته من شوائب
التشبيه والتجسيم .
ثانيا : المعتزلة
:
لقد فرّط أهل
الظاهر وبالغوا فى فهم القرآن الكريم وآياته بينما أفرط المعتزلة وبالغوا تنزيها.
لذا يهاجم الجرجانى المعتزلة كما هاجم الظاهرين ـ يقول : وأما الأفراط فيما
يتعاطاه قوم يحبون الإغراب فى التأويل ، ويحرصون على تكثير الوجوه ، وينسون أن
احتمال اللفظ شرط فى كل ما يعدل به عن الظاهر ، فهم
__________________
يستنكرون الألفاظ
على الأمثلة من المعانى ، يدعون السليم من المعنى إلى السقيم ، ويرون الفائدة
حاضرة ، وقد أبدت صفحتها ، وكشفت قناعها ، فيعرضون عنها حبا للتشوف وقصدا إلى التمويه وذهابا فى الضلال .
هناك ، قد تحامل
الظاهريون على الحقيقة ، وهنا يتحامل المعتزلة على المجاز .
وقد ذهب العلماء
إلى أن القرآن معجز بنفسه ـ كما يقول الجرجانى وأنه فى نظمه وتأليفه على وصف لا
يهتدى الخلق إلى الإتيان بكلام هو فى نظمه وتأليفه على ذلك الوصف ويرفض الجرجانى هذا الرأى ، فلا فرق حينئذ بين أن يكون
الفعل معجزا فى جنسه كإحياء الموتى ، وبين أن يكون معجزا لوقوعه على وصف.
وإذا عدنا إلى
حقيقة المعجز عند الباقلانى ، سنجده ممن يدخلون دائرة هؤلاء العلماء المنادين بأن
القرآن معجز بنفسه .
هذا هو الجانب
الكلامى للإعجاز عند الجرجانى ، هدم المخطئ والضار ثم بنى الصالح النافع ، وهو
يريد أن يصل إلى تثبيت نظريته فى الاعجاز وهى «نظرية النظم» ، فالقرآن معجز لنظمه
، لا للصرفة ، ولا لنفسه ولا لسوى ذلك.
الجانب البلاغى
عند الجرجانى :
هناك أسباب كثيرة
دفعت بالجرجانى إلى خوض ميدان الإعجاز منها الذاتى ، مثل استعداده الثقافى
واتجاهاته الدينية الأدبية الكلامية ، ومنها العام مثل حالة العلماء وحالة كتب
البلاغة ثم التكلف والتعقيد وظهورهما منهجا يحتذى. ونفصل الأسباب.
__________________
فقد ارتبط الجانب
الدينى بدراسة الإعجاز ، ودراستهما فى نظر الجرجانى فريضة دينية ، فالشعر ديوان
وسجل أيام العرب ومفاخرهم ، وهو الميدان الذى تجلت فيه فصاحتهم ، وإذا كان القرآن
قد بلغ درجة تقصر عنها قوى البشر ، فعلينا أن ندرس أولا ما استطاعوه ، لندرك عن
طريقه ما عجزوا عنه وذلك عن طريق بحث علل التباين وأسباب التفاضل ، ومن ثم يكون
الصّادّ عن ذلك «صادّا عن أن تعرف حجة الله تعالى ، وكان مثله مثل من يتصدى للناس
فيمنعهم عن أن يحفظوا كتاب الله تعالى ويقوموا به ويتلوه ويقرءوه ، ويصنع فى
الجملة صنيعا يؤدى إلى أن يقلّ حفاظه والقائمون به والمقرءون له ـ ذاك لأنّا لم
نتعبّد بتلاوته وحفظه والقيام بأداء لفظه على النحو الذى أنزل عليه ، وحراسته من
أن يغيّر ويبدّل إلا لتكون الحجة به قائمة على وجه الدهر ، تعرف فى كل زمان ،
ويتوصّل إليها فى كل أوان .
ويقول «فانظر أىّ
رجل تكون ، إذا أنت زهدت فى أن تعرف حجّة الله تعالى ، وآثرت فيه الجهل على العلم
، وعدم الاستبانة على وجودها ، وكان التقليد أحبّ إليك ، والتعويل على علم غيرك
أثر لديك» ومن ثمّ ، فالتهاون فى دراسة الإعجاز على وجهه من المسلم
العاقل ذى القدرة «خيانة من لعقله ودينه» .
وأما عن العلماء ،
فقد رآهم الجرجانى مقلدين ، يقول فيهم «واعلم أن القول الفاسد والرأى المدخول ،
إذا كان صدره عن قوم لهم نباهة ، وصيت وعلو منزلة فى أنواع من العلوم غير العلم
الذى قالوا ذلك القول فيه ، ثم وقع فى الألسن فتداولته ونشرته ، وفشا وظهر ، وكثر
الناقلون له والمشيدون بذكره ، صار ترك النظر فيه سنة ، والتقليد دينا ... وكم من
خطأ ظاهر ورأى فاسد حظى بهذا السبب عند الناس ، حتى بوّءوه فى أخص موضع من قلوبهم
، ومنحوه المحبة الصادقة من نفوسهم .
__________________
فهذا التقليد قد
جعل أمر الأعجاز سهلا ومعالجته يسيرا وما على الأديب ألّا أن يقلد العلماء فيما
ذهبوا ويحفظ ما سطّروا له ، ولا يبحث عن تفسير المزايا والخصائص ما هى؟ ومن أين
كثرت الكثرة العظيمة؟ واتسعت الاتساع المجاوز لوسع الخلق وطاقة البشر .
والكتب التى ألفت
فى البلاغة تمجد اللفظ ولا تلتفت الى النظم كثيرة ، يقول الجرجانى «واعلم أنك لست
تنظر فى كتاب صنّف فى شأن البلاغة ، وكلام جاء عن القدماء ، إلا وجدته يدل على
فساد هذا المذهب ، ورأيتهم يتشددون فى إنكاره وعيبه والعيب به ، وإذا نظرت فى كتب
الجاحظ وجدته يبلغ فى ذلك كل مبلغ ، ويتشدّد غاية التشدد ، وقد انتهى فى ذلك إلى
أن جعل العلم بالمعانى مشتركا ، وسوّى فيه بين الخاصة والعامة ... واعلم أنهم لم
يبلغوا فى إنكار هذا المذهب ما بلغوه إلا لأن الخطأ فيه عظيم ، وأنه يفضى بصاحبه
إلى أن ينكر الإعجاز ويبطل التحدى من حيث لا يشعر ، وذلك أنه ان كان العمل على ما
يذهبون إليه ، من أن لا يجب فصل ومزيّة إلا من جانب المعنى ، وحتى يكون قد قال
حكمة أو أدبا ، واستخرج معنى غريبا ، أو تشبيها نادرا. فقد وجب اطراح جميع ما قاله
الناس فى الفصاحة والبلاغة وفى شأن النظم والتأليف ، وبطل أن يجب بالنظم فضل ، وأن
تدخله المزية ، وان تتفاوت فيه المنازل ، وإذا بطل ذلك ، فقد بطل أن يكون فى
الكلام معجز ، وصار الأمر على ما يقوله اليهود ، ومن قال بمثل مقالهم فى هذا الباب
.
وليس الأمر فى
التقليد أو فى كتب البلاغة ، وإنما هو أيضا فى آفة أخرى عجيبة لاحظها الجرجانى فى
كلام المتأخرين ، لاحظ أن لهم «كلام حمل صاحبه فرط شغفة بأمور ، ترجع إلى ما له
اسم فى البديع ، إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم ، ويقول ليبين ، ويخيل إليه أنه إذا
جمع بين أقسام البديع فى بيت فلا ضير أن يقع ما عناه فى عمياء ، وأن يوقع السامع
من طلبه فى خبط عشواء. وربما طمس بكثرة ما يتكلفه على المعنى وأفسده ، كما ثقل على
العروس بأصناف الحلى حتى ينالها من ذلك مكروه فى نفسها .
__________________
وكانت النتيجة أنك
إذا قرأت ما قاله العلماء فى البلاغة وجدت جلّه أو كله رمزا ووحيا وكناية وتعريضا
وايماء الى الغرض من وجه لا يفطن له ألّا من غلغل الفكر وأدق النظر .
وهذه هى الأسباب
التى أدت بالجرجانى إلى الخوض فى الإعجاز مناديا أن إعجاز القرآن فى نظمه وتأليفه
لا فى لفظه مهما كان شأن هذا اللفظ.
إعجاز القرآن فى «نظمه»
عند الجرجانى :
رفض الجرجانى أن
يكون الاعجاز فى :
الألفاظ
المفردة : لأن تقدير كونه
فيها يؤدى الى المحال ، وهو أن تكون الألفاظ المفردة التى هى أوضاع اللغة ، قد حدث
فى حذاقة حروفها وأصدائها أوصاف لم تكن لتكون تلك الأوصاف فيها قبل نزول القرآن
وتكون قد اختصت فى أنفسها بهيئات وصفات يسمعها السامعون عليها إذا كانت متلوة فى
القرآن ولا يجدون لها تلك الهيئات خارج القرآن .
إذن هو يرد ما ذهب
إليه الجاحظ وأبو هلال العسكرى وابن رشيق القيروانى فى تمجيد اللفظ ، فلا شأن اللفظ ونظمه ، لأن نظم الحروف هو
تواليها فى النطق فقط ، وليس نظمها بمقتضى عن معنى «فلو أن واضع اللغة كان قد قال (ربض)
مكان (ضرب) لما كان فى ذلك ما يؤدى إلى فساد» فلا
__________________
فصاحة للفظ وحدة . لأنه لا يتصوّر أن يكون بين اللفظين تفاضل فى الدلالة حتى
تكون هذه أدل على معناها التى وضعت له من صاحبتها على ما هى. موسومة به حتى يقال
أن (رجلا) أدل على معناه من (فرس) على ما سمى به .
ولا يجوز أيضا أن
يكون الإعجاز فى معانى الألفاظ المفردة : يقول فى ذلك «واعلم أن الداء الدّوىّ ،
الذى أعيى أمره فى هذا الباب ، غلط من قدّم الشعر بمعناه ، وأقل الاحتفاظ باللفظ
وجعل لا يعطي المزية ـ أن هو أعطى ـ إلا ما فضل عن المعنى ، يقول : ما فى اللفظ لو
لا المعنى؟ وهل الكلام إلا بمعناه؟» فأنت تراه لا يقدم شعرا حتى يكون قد أودع حكمه
وأدبا ، واشتمل على تشبيه غريب ومعنى نادر ، فإن مال إلى اللفظ شيئا ورأى أن ينحله
بعض الفضيلة لم يعرف غير الاستعارة .
ولا يجوز أن يكون
هذا الوصف
فى تركيب الحركات والسكنات : حتى كان الذى بان به القرآن من الوصف فى سبيل بينونة بحور الشعر بعضها من
بعض ، لأنه يخرج إلى ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة فى «إنا أعطيناك الجماهر ، فصلّ
لربك وجاهر ، والطاحنات طحنا ...» .
وليس الإعجاز فى المقاطع والفواصل : لأنه أيضا ليس بأكثر من التعويل على مراعاة وزن ، وإنما
الفواصل فى الآى كالقوافى فى الشعر» .
وليست الاستعارة
سببا أصلا فى الأعجاز ، لأن ذلك يؤدى إلى أن يكون الإعجاز فى آى معدودة فى مواضع
من السور الطوال مخصوصة .
وليس الإعجاز فى غريب القرآن : لأنه محال أن يدخل ذلك فى الإعجاز ،
__________________
وأن يصح التحدى
به. ذلك ، لأنه لا يخلو إذا وقع التحدى به من أن يتحدّى من له علم بأمثاله من
الغريب أو من لا علم له بذلك ، فلو تحدّى به من يعلم أمثاله لم يتعذر عليه أن
يعارضه بمثله .
وإذا امتنعت هذه
الأسباب ، أن تكون أصلا فى الإعجاز ، فلم يبق إلا أن يكون فى «النظم» : وليس هو فى
ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق ولكنه تناسق دلالات الألفاظ وتلاقى معانيها على الوجه الذى
يقتضيه العقل لأن الجرجانى يعتبر الألفاظ أوعية للمعانى وهى تتبع
المعانى فى مواقعها يقول «فإذا وجب لمعنى أن يكون ، أوّلا فى النفس وجب اللفظ
الدال عليه أن يكون مثله أوّلا فى النطق ، فأما أن تتصور فى الألفاظ أن تكون
المقصودة قبل المعانى بالنظم والترتيب ، وأن يكون الفكر فى النظم الذى يتواصفه
البلغاء فكرا فى نظم الألفاظ ، وأن يحتاج بعد ترتيب المعانى الى فكر تستأنفه لأن
تجىء بالألفاظ على نسقها ، فباطل من الظن ، ووهم يتخيّل إلى من لا يوفى النّظر
حقّه .
فإدراك العلاقات
بين الألفاظ ونظمها نظما معينا يؤدى إلى معنى معين بحيث لو تغير النظم لتغير
المعنى ، ولا فصاحة فى اللفظ ألا وهى موصولة بغيرها ومعلقة معناها بمعنى ما يليها
، فإذا قلنا فى لفظه (اشتعل) من قوله تعالى (وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم ـ ٤] أنها
فى أعلى مرتبة فى الفصاحة ، لم توجب تلك الفصاحة لها وحدها ، ولكن موصولة بها
الرأس معرفا بالألف واللام ومقرونا إليها الشيب منكرا ومنصوبا .
المعنى والنحو :
الكلام عند
الجرجانى على ضربين ، كلام منظوم ، يؤدى إلى معنى مباشر بدلالة اللفظ وحده وذلك
إذا «قصدت أن تخبر عن «زيد» مثلا بالخروج على
__________________
الحقيقة ، فقلت :
خرج زيد ، وبالانطلاق عن «عمرو» ، فقلت : عمرو منطلق ، وعلى هذا القياس. وضرب آخر
لا تصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذى يقتضيه
موضوعه فى اللغة ، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض ومدار هذا
الأمر على «الكناية» و «الاستعارة» و «التمثيل» ، أولا ترى أنك إذا قلت ، هو كثير
رماد القدر ـ أو قلت طويل النّجاد ـ أو قلت فى المرأة ، نؤوم الضحى ، فأنّك فى
جميع ذلك لا تفيد غرضك الذى تعنى من مجرد اللفظ ، ولكن يدل اللفظ على معناه الذى
يوجبه ظاهره ثم يعقل السامع من ذلك المعنى على سبيل الاستدلال معنى ثانيا هو غرضك
... وبعبارة مختصرة هى أن تقول «المعنى» ومعنى المعنى» .
فالنظم يؤدى إلى
المعنى وإلى معنى المعنى ، أى إلى المعانى الاضافية ، والنظم ومعانيه إنما هى «معانى
النحو» فالناظم لا يفعل سوى توخى معانى النحو ، لأننا إذا دققنا النظر سنجد أن «الكلم
ثلاث اسم وفعل وحرف ، وللتعليق فيما بينها طرق معلومة ، وهو لا يعدو ثلاثة أقسام ،
تعلق اسم باسم ، وتعلق اسم بفعل ، وتعلق حرف بهما ، فالاسم يتعلق بالاسم ، بأن
يكون خبرا عنه ، أو حالا منه ، أو تابعا له ، صفة أو تأكيدا ، أو عطف بيان ، أو
بدلا ، أو عطفا بحرف ، أو بأن يكون الأول مضافا إلى الثانى ، أو بأن يكون الأول
يعمل فى الثانى عمل الفعل ، ويكون الثانى فى حكم الفاعل له ، أو المفعول ، وذلك فى
اسم الفاعل كقولنا ... وأما تعلق الاسم بالفعل فبأن يكون فاعلا له ، أو مفعولا ،
فيكون مصدرا قد انتصب به كقولك ... وأما تعلق الحرف بهما فعلى ثلاثة أضرب ، أحدهما
أن يتوسط بين الفعل والاسم فيكون ذلك فى الحروف التى من شأنها أن تعدّى الأفعال
إلى ما لا يتعدّى اليه بأنفسها من الأسماء ، مثل أنك تقول (مررت) ، فلا يصل إلى
نحو «زيد وعمرو» فاذا قلت «مررت بزيد أو على زيد» ، وجدته قد وصل «بالباء» أو «على»
... والضرب الثانى من تعلّق الحرف بما بتعلق به «العطف» ، وهو أن يدخل الثانى فى
العامل فى الأول ، كقولنا «جاء فى زيد وعمرو» ، والضرب الثالث ، تعلق بمجموع
الجملة ،
__________________
كتعلق حرف النفى
والاستفهام والشرط والجزاء بما يدخل عليه ، وذلك أن شأن هذه المعانى أن تتناول ما
تتناوله بالتقييد ، وبعد أن يسند إلى شىء. معنى ذلك ، أنك إذا قلت «ما خرج زيد» ، «وما
زيد خارج» ، لم يكن النفى «واقع بها متناولا الخروج على الإطلاق ، بل الخروج واقعا
من زيد ومسندا إليه. ومختصر كل الأمر أنه لا يكون كلام من جزء واحد. وأنه لا بدّ
من مسند ومسند إليه ، ... وأنه لا يكون كلام من حرف وفعل أصلا ، ولا من حرف واسم ،
إلا فى النداء نحو : «يا عبد الله» .... فهذه الطرق والوجوه فى تعلق الكلمة بعضها
ببعض ، وهى كما تراها معانى النحو وأحكامه ... ثم إنا نرى هذه كلها موجودة فى كلام
العرب ، ونرى العلم بها مشتركا بينهم
ومعانى النحو شىء
والإعراب المعروف شىء آخر ، بعيد كل البعد عن معانى النحو ، «فالعلم بالإعراب ،
مشترك بين العرب كلّهم ، وليس هو مما يستنبط بالفكر ، ويستعان عليه بالروية ، فليس
أحدهم ، بأن إعراب الفاعل الرفع ، أو المفعول النصب ، والمضاف اليه الجر. بأعلم من
غيره ، ولا ذاك مما يحتاجون فيه إلى حدة ذهن وقوة خاطر ، وإنما الذى تقع الحاجة
فيه إلى ذلك ، العلم بما يوجب الفاعلية للشيء ، إذا كان ايجابها من طريق المجاز ،
كقوله تعالى (فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ) [البقرة ـ ١٦]
وكقول الفرزدق .. سقتها خروق فى المسامع ... وأشباه ذلك مما يجعل الشيء فيه فاعلا
على تأويل يدقّ ، ومن طرق تلطف ، وليس يكون هذا علما بالاعراب ولكن بالوصف الموجب
بالإعراب .
وإذا كان الأمر
كذلك ، فليس النظم (شيئا غير «توخى معانى النحو وأحكامه فيما بين معانى الكلم ،
ثبت من ذلك أن طالب دليل الإعجاز من نظم القرآن ، إذا هو لم يطلبه فى معانى النحو
وأحكامه ووجوهه وفروقه ، ولم يعلم أنها معدنه ومعانه وموضعه ومكانه ، وأنه لا مستنبط له سواها ، وأن لا وجه
لطلبه فيما عداها ، غار نفسه بالكاذب من الطمع ، ومسلم لها الخدع ، وأنه إن أبى
__________________
أن يكون فيها ـ كان
قد أبى أن يكون القرآن معجزا بنظمه ، ولزمه أن يثبت شيئا آخر يكون معجزا به ، وأن
يلحق بأصحاب «الصّرفة» فيدفع الإعجاز من أصله» ).
تقرير النظرية عند
الجرجانى :
اعتمد الجرجانى فى
تقرير نظريته فى النظم على جانبين هما :
ا ـ الجانب
العقلى.
ب ـ الجانب
النفسى.
الجانب العقلى :
وأقصد بالجانب
العقلى ، ذلك الاتجاه إلى توضيح الفكرة بالاعتماد على المنطق وقضاياه فى سبيل
الوصول إلى ابراز عناصر هذه الفكرة ونظرية الجرجانى هى النظم القائم على معانى
النحو.
وقد وجدنا
الجرجانى يتحدث إلى عقل القارئ ويناشده التأمل والتصور ، والبعد عن التعصب
والتقليد ، فالتقليد كسل عقلى ، وهو سيتكلم عن الشمول وعن العموم والخصوص ، وعن
الجزئية المكوّنة للصورة الكلية وعن الثبات والتجدد ، وعن التفكير عند الإنسان ،
وعن المعنى ومعنى المعنى ، فلجأ ـ وهو الأديب المتكلم ـ إلى عقل القارئ وإلى
المنطق.
يقول مثلا ، حين يثبت
أن البلاغة تتعلق بالمعنى لا باللفظ «وأوضح من هذا كله ، وهو أن النظم الذى
يتواصفه البلغاء ، وتتفاضل مراتب البلاغة من أجله ، صنعة ، يستعان عليها بالفكرة
لا محالة ، واذا كانت مما يستعان عليها بالفكرة ويستخرج بالرويّة ، فينبغى أن ينظر
فى الفكر ، بما ذا نلبّس؟ أبالمعانى أم بالألفاظ ، فأىّ شىء وجدته الذى تلبس به
فكرك من بين المعانى والألفاظ ، فهو الذى تحدث فيه صنعتك ، وتقع فيه صياغتك ونظمك
وتصويرك ، فمحال أن تتفكر فى شىء وأنت لا تصنع فيه شيئا ، وإنما تصنع فى غيره ، لو
جاز ذلك ،
__________________
لجاز أن يفكر
البنّاء فى الغزل ليجعل فكره فيه وصلة الى أن يصنع من الآجرّ ، وهو من الإحالة
المفرطة .
والتفكير المنطقى
ينأى عن الأحكام العامة والأقوال المجملة لأن هدفه الصحة وديدنه الوضوح ، فلا يكفى
فى علم الفصاحة (أن تنصب لها قياسا ما ، وأن تصفها وصفا مجملا ، وتقول فيها مرسلا
، بل لا تكون فى معرفتها فى شىء ، حتى تفصّل القول وتحصّل ، وتضع اليد على الخصائص
التى تعرض فى نظم الكلم ، وتعدّها واحدة واحدة وتسميها شيئا شيئا ... وإذا نظرت
إلى الفصاحة هذا النظر ، وطلبتها هذا الطلب احتجت إلى صبر على التأمل ، ومواظبة
على التدبر ، وإلى همة تأبى لك أن تقنع إلا بالتمام .
فالأدلة والتعليل
مقصد الجرجانى ، انظر إليه وهو يقرر أن فصاحة الكناية تأتى من جانبها العقلى وكذا
الاستعارة يقول عن الكناية «واذا نظرت اليها وجدت حقيقتها ومحصول أمرها : أنها
إثبات لمعنى ، أنت تعرف ذلك المعنى من طريق المعقول دون طريق اللفظ. ألا ترى أنك
لما نظرت إلى قولهم : «هو كثير رماد القدر» ، وعرفت منه أنهم أرادوا أنه كثير
القرى والضّيافة ، لم تعرف ذلك من اللفظ ولكنك عرفته بأن رجعت إلى نفسك ، فقلت أنه
كلام قد جاء عنهم فى المدح ، ولا معنى للمدح بكثرة الرّماد ، فليس إلا أنهم أرادوا
أن يدلّوا بكثرة الرماد أنه تنصب له القدور الكثيرة ويطبخ فيها للقرى والضيافة ،
وذلك لأنه إذا كثر الطبخ فى القدور كثر إحراق الحطب تحتها وإذا كثر إحراق الحطب
كثر الرماد لا محالة ، وهكذا السبيل فى كل ما كان «كناية» ... وإذا عرفت هذا فى
الكناية فالاستعارة فى هذه القضية .
ومن ثم وجد
الجرجانى نفسه مطالبا بعد حديثه المفصل عن الاستعارة وفصاحتها بأن يشير إلى غلط
العلماء فى تفسير الاستعارة ، وأن يحدد لها معنى يرتضيه ويتوافق مع تفكيره ونظريته
فى النظم يقول (... فقد تبين من غير وجه أن
__________________
الاستعارة ، إنما
هى : ادعاء معنى الاسم للشيء ، لا نقل الاسم عن الشيء ، وإذا ثبت أنها ادعاء معنى
الاسم للشيء ، علمت أن الذى قالوه من : أنها تعليق للعبارة على غير ما وضعت له فى
اللغة ، ونقل لها عما وضعت له». كلام قد تسامحوا فيه ، لأنه إذا كانت الاستعارة
ادعاء معنى الاسم ، لم يكن الاسم مزالا عما وضع له بل مقرّا عليه .
وهناك أقوال نادت
بأن الفصاحة تكمن فى حروف اللفظ من حيث هو لفظ ، ويرفض الجرجانى هذه الفكرة ويعلن
أنها باطلة ، ويتخذ العقل حكما بينه وبين القارئ ، فالفصاحة عنده «لا تخلو من أن
تكون صفة فى اللفظ محسوسة تدرك بالسمع ، أو تكون صفة فيه معقولة تعرف بالقلب ،
فمحال أن تكون صفة فى اللفظ محسوسة لأنها لو كانت كذلك ، لكان ينبغى أن يستوى
السامعون للفظ الفصيح فى العلم بكونه فصيحا ، وإذا بطل أن تكون محسوسة ، وجب الحكم
ضرورة بأنها صفة معقولة ، وإذا وجب الحكم بأنها صفة معقولة ، فإنا لا نعرف للفظ
صفة يكون طريق معرفتها العقل دون الحس إلا دلالته على معنى ، وإذا كان كذلك ، لزم
منه العلم بأن وصفنا اللفظ بالفصاحة ، وصف له من جهة معناه ، لا من جهة نفسه ،
وهذا ما لا يبقى لعاقل معه عذر فى الشك» .
فالجانب العقلى
يعتبر جزءا هاما من نظرية النظم ، والحديث عنها قائم على المنطق والفكر ، وهذا ما
ظهر واضحا عند بحث الجرجانى فى تقديم الذات الفاعلة على الفعل الناتج عنها ،
وقيمته المغايرة لتقديم الفعل عامة على الذات الفاعلة . وفى جنس الفاعلين وتحديده ، حين تتقدم ذات ـ أى ذات ـ على
الفعل الذى أتت به وكذا فى بحوثه فى التفكير وفى فروق الخبر ، ونوعى الخبر من الثبات
__________________
والتجدد فنحن حين
نقول «زيد منطلق تثبت له صفة الانطلاق ، كالانطلاق وحين نقول جاء زيد وهو ينطلق
فنكون قد أثبتنا له صفة الانطلاق المتجددة ، وهنا يتضح الفرق بين قوله تعالى (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ
بِالْوَصِيدِ) [الكهف ـ ١٨] وبين
القول (وكلبهم يبسط ذراعيه بالوصيد) من حيث الثبات والتجدد والحركة والكمون .
هى نظرية تبحث عن
المعانى التى تنشأ عن النحو ، وعن طريق النحو تتحدد العلاقات بين الألفاظ ، وهذه
العلاقات ليست فى مستوى واحد من الوضوح ، لذا احتاجت إلى نظر وفكر وتأمل وإلى منطق
تستند إليه دقائق الأمور.
الجانب النفسى :
ومعانى النحو هذه
والمنطق ، استندا ـ عند الجرجانى ، إلى عنصر ثالث عند ما يقرر نظرية النظم سرا
للاعجاز ـ أقصد به القارئ نفسه وعملية التأثير فيه ـ فلم ينس الجرجانى قارئه ، بل
اعتنى به عناية خاصة ، وظل يراعيه ويقدم له الرأى بعد الرأى ، ويزيل عنه الشك بعد
الشك وهو ـ فى براعة وذكاء ـ يجول فى نفس قارئه ، يطمئنها ويريحها ليكسب ثقتها
ويشعرها بكريم المقصد ، ونبل الغاية ، وأحقية الصبر والروية للوصول إلى نهاية
الطريق.
لقد عول الجرجانى
كثيرا على الذوق ، وعلى تنبيه الحس اللغوى لزنة الأساليب ودرك خصائصها فتراه يتحدث عن منشئ الكلام ـ أنه حين ينظم الكلام ، إنما
يقتفى فى نظمها آثار المعانى ويرتبها على حسب ترتيبها فى النفس ، يقول «فهو إذن
نظم فيه مراعاة حال المنظوم بعضه من بعض ، وليس هو النظم الذى معناه : ضم الشيء
إلى الشيء كيف جاء واتفق» .
والناظم يتميز عن
ناظم آخر بقدر معانيه التى قصد إليها وأغراضه التى وضع لها الكلام ، فسبيل هذا
الأمر «سبيل الأصباغ التى تعمل منها الصور والنقوش ،
__________________
كما أنك ترى الرجل
قد تهدّى فى الأصباغ التى عمل منها الصورة والنقش فى ثوبه الذى نسج ، إلى ضرب من
التخير والتدبر فى أنفس الأصباغ وفى مواقعها ومقاديرها ، وكيفية مزجه لها وترتيبه
إياهم ، إلى ما لم يتهدّ اليه صاحبه فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب وصورته أغرب ، كذلك
حال الشاعر والشاعر فى توخيمها معانى النحو ووجوهه ، التى علمت أنها محصول «النظم»
.
فليست القضية
ألفاظا تنظم ولكنها أنماط من التأثير النفسى على القارئ أو المستمع يتوخى فيه
الناظم أقرب المسالك وأوضحها إلى صوغ الجمال بتفهم مقاديره ومواقعه وكيفية نسجه
وترتيبه ومن ثم يضمن التأثير الكامل والفوز عند قارئه أو مستمعه.
وفى كتاب «أسرار
البلاغة» يستند الجرجانى إلى هذا الجانب استنادا قويا حين يتكلم عن التشبيه والتمثيل
والاستعارة ، أو بمعنى أدق حين يتكلم عن الصياغة والتصوير والجمال ، أى حين يتكلم
عن المنزع النفسى فى فن البلاغة .
ومن الشواهد على
هذا المنزع النفسى عنده تحليله لأبيات :
ولمّا قضينا من
منى كلّ حاجة :
|
|
ومسّح بالأركان
من هو ماسح
|
وإذا رجعنا إلى
تحليل ناقد كابن قتيبة لهذه الأبيات أو لأبى هلال العسكرى الذى يسوقها دليلا على أن مدار
البلاغة على تحسين اللفظ عرفنا الفرق الشاسع بين هذين التحليلين ، وما ذهب إليه
الجرجانى فى تقصيه الجوانب النفسية وتعقبه المشاعر والخلجات التى أحسها الشاعر
وأراد أن ينقلها الينا.
وفى الأسرار أمثلة
عديدة يعرفها من قرأ الكتاب ، يقول الأستاذ خلف الله عن المنزع النفسانى عند
الجرجانى «وهذه النظرية التأثيرية فى جودة الأدب ، جزء من
__________________
تفكير سيكلوجى أعم
يطبع كتاب «الأسرار» كلّه بطابعه ، فالمؤلف لا يفتأ يدعوك بين لحظة وأخرى إلى
تجربة الطريقة النفسانية التى يسميها المحدثون (الفحص الباطنى) وذلك أن تقرأ الشعر
وتراقب نفسك عند قراءته وبعدها ، وتتأمل ما يعروك من الهزّة والارتياح والطرب
والاستحسان ، وتحاول أن تفكر فى مصادر هذا الإحساس ... ومن العناصر الانسانية
البارزة فى نظرية المؤلف حرصه على مكانة الذوق والطبع والحس الفنى فى المتعة
الأديبة ... ويتصل بهذا ما يلجأ إليه مرارا فى إحالة قارئه إلى المركوز فى الطبائع
والراسخ فى غرائز العقول والخواص التى قد فطر الانسان على أن يرتاح لها ويجد فى
نفسه هزّة عندها .
هذا ما نسجله هنا ـ
لنصل عن طريقه إلى القول المسند ، إلى أن عبد القاهر قد بنى نظريته فى النظم على
فكرة النحو ومعانى النحو ، متوخيا فى عرضها النقاش الهادئ مع قارئه مستثيرا العقل
ومنطقة ثم النفس ورضاها.
وهو فى نهاية
كتابه الدلائل ، يثبت أن العمدة فى إدراك البلاغة الذوق والاحساس الروحانى .
ونظريته أيضا قد
احتوت حديثا عن الجمال ، والجمال عنده موضوعى لا يخضع للأقوال العامة والقوانين
المأثورة ، بقدر ما يرى للحسن مصدرا معلوما وعلة مفهومة وسبيلا يتّخذ للوصول إليه
، وفى الدلائل وهو يخاطب المتحمسين للفظ ، تجده يقول (... ولكن بقى أن تعلمونا
مكانة المزية فى الكلام ، وتصفوها لنا ، وتذكروها ذكرا كما ينصّ الشيء ويعين ،
ويكشف عن وجهه ويبين ، ولا يكفى أن تقولوا : إنه خصوصية فى كيفية النظم ، وطريقة
مخصوصة فى نسق الكلم بعضها عن بعض ، حتى تصفوا تلك الخصوصية ، وتبينوها ، وتذكروا
لها أمثلة ، وتقولوا «مثل كيت وكيت» ، كما يذّكر لك من تستوصفه عمل الديباج
المنقّش ما تعلم به وجه دقة الصّنعة ، أو يعمله بين يديك ، حتى ترى عيانا ، كيف
تذهب تلك الخيوط وتجىء؟ وما ذا يذهب منها طولا وما ذا يذهب منها عرضا؟ وبم يبدأ
وبم يثنّى وبم يثلّث ، وتبصر من الحساب الدقيق ومن
__________________
عجيب تصرف اليد ،
وما تعلم منه مكان الحذق وموضع الأستاذية .
فإذا كنا قد رأينا
هربارت يحمل على استخدام الألفاظ العامة فى وصف الجميل من حيث هى تجمع إلى الذاتية
خطأ التجريد ، ويدعو إلى البحث عن كل عنصر من العناصر المكونة للجميل ، فكذلك
الشأن عند الجرجانى ، يبدأ من نفس البداية وهى أن الجمال يتحقق فى الشيء الجميل .
وهذا الأمر واضح
لدى الجرجانى ، مرة يقول : أنه لا يكفى فى علم الفصاحة أن تنصب لها قياسا وأن
تصفها مجملا ، وتقول فيها قولا مرسلا ومرة يخاطب القارئ أنه «لا بدّ لكل كلام تستحسنه ولفظ
تستجيده من أن يكون لاستحسانك جهة معلومة وعلة معقولة» .
وفى هذا يختلف
الجانب الجمالى عن الجانب الذوقى ، فالأول يحتاج إلى قاعدة تتميز بالصفة المعقولة
حتى لا يترك الجمال رهينة فى يد من لا يملكون حسن البصر بأمور الشعر ولا يفهمون
مراميه ، فيتشتت بينهم ويتجمد ، أما الذوق وعليه تعتمد البلاغة فيما تعتمد فهو باب
«لا تقوى عليه العبارة ، ولا تملك فيه إلا الإشارة ، وان طريق التعليم إليه مسدود
وباب التفهيم دونه مغلق ، وأن معانيك (أيها القارئ) فيه ، معان تأبى أن تبرز من
الضمير ، وأن تدين للتبيين والتصوير ، وأن ترى سافرة لا نقاب عليها ، وبارزة لا
حجاب دونها ، وأن ليس للواصف لها إلا أن يلوح ويشير ويضرب مثلا. ينبئ عن حسن قد
عرفه على الجملة ، وفضيلة قد أحسها من غير أن يتبع ذلك بيانا ، ويقيم عليه برهانا
، ويذكر له علّة ويورد فيه حجة ، وأنا أنزل لك القول بذلك وأدرجه شيئا فشيئا .
وبينما يرى أن
الذّوق فطرى يرى أن الجمال يمكن إدراكه وذلك عن طريق الطبع مع الدراسة
والبحث والنظر.
__________________
هذا هو المبحث
البلاغى من جهود الجرجانى فى نظرية الاعجاز ، وإعجاز القرآن عنده ، فى نظم القرآن
الكريم ، ذلك النظم القائم على النحو ومعانيه المعتمد على الجانب العقلى الجانح
إلى المجال النفسى ، والى مدى استيعاب القارئ لهذه الدّرر. فكرا واستمالة نفسية ،
فيكتمل بذلك البناء الذى أراده الجرجانى فى النظم.
نظرية النظم لها
بذور سلفية :
إن استقصاء سريعا
لما كتبه السابقون للجرجانى ، سيد لنا على أنهم تنبّهوا لنظرية النظم ، وتكلموا
فيها ، وبخاصة النحويون حين عالجوا قضايا النحو ، ولم تقم نظرية عبد القاهر إلا
على النحو.
أقول : إن النحو
قبل عبد القاهر كان بسبيل من العناية بالنظم ، إلى جانب الاعتناء بأواخر الكلمات ،
وان كانت هذه أوضح وأغلب ، فلم يفت سيبويه أن يشير إلى الاشتقاق والإمالة فى
الكلام يقول «هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة» : فمنه مستقيم حسن محال ،
ومستقيم كذب ، ومستقيم قبيح ، وما هو محال كذب ، فأما المستقيم فقولك «أتيتك غدا
وسآتيك أمس» وأما المستقيم الكذب ، فقولك : حملت الجبل ، وشربت ماء البحر ، ونحوه
، وأما المستقيم القبيح ، فأن تضع اللفظ فى غير موضعه ، نحو قولك قد زيدا رأيت ،
وكى زيدا يأتيك ، وأشباه هذا. فأما المحال الكذب ، فأن تقول سوف أشرب ماء البحر
أمس كما تحدث عن الابتداء الذى جاء فى الدلائل ويصح تقديم خبر كان على اسمها ويصح تأخيره قال سيبويه «والتقديم
هاهنا والتأخير فيما يكون ظرفا أو يكون اسما فى العناية والاهتمام ، مثله فيما
ذكرت لك فى باب الفاعل والمفعول ، وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير والإلغاء
والاستقرار عربى جيد كثير ، فمن ذلك قوله عزوجل (لَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ) ، وأهل الجفاء من العرب يقولون : لم يكن كفوا له أحد ،
كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرّة»
__________________
وذكر «باب ما يحذف
فيه الفعل لكثرته فى كلامهم حتى صار بمنزلة المثل» وأقر الاضمار على شريطه التفسير .
يقول الدكتور ناصف
«فالظاهر أن سيبويه أدرك النظم الذى هو قوام النحو ، وقد شرح أحيانا مواضع استعمال
صور الوجه الذى يستعين عليه التعبير ليبلغ هدفه ، انظر إلى قوله مثلا «تقول العرب
حمدا لله ، وثناء عليه ، وحمد لله وثناء عليه ، الأول تقوله وقد وقع ما يوجب الحمد
، والثانى للإبانة عن حالك الذى أنت عليها» فأنت ترى أسلوبين يفترقان فى مواضع
الاستعمال ولا يختلفان فى التركيب ولا فى صورة النطق إلا من ناحية النصب والرفع ،
ويستطرد الدكتور ناصف قائلا «وهكذا يفعل سيبويه فى كثير مما عرض له من أساليب
النفى والاستفهام والشرط والتقديم والحذف» .
وهذا ضرب من ضروب
الأساليب البلاغية ، وميدان من الميادين التى تتجلى فيها عبقرية اللغة ويتضح من
خلالها لون من ألوان فلسفتها.
ويرى الدكتور حسن
عون ، أن هذا البحث من كتاب سيبويه أصبح فيما بعد «مصدرا هاما من مصادر عبد القاهر
الجرجانى فاستغله استغلالا واسعا» .
إذن فقد اهتمت
البيئة النحوية بمسائل النظم ، وهذا ابن جنى المعتزلى (ت ٣٩٢) يعقد فصلا بعنوان «مشابهة
معانى الإعراب معانى الشعر» وهو يستند إلى آراء أبى على الفارسى الذى أفاد منه عبد
القاهر ومنها ما هو قريب فى نهجه ولونه من مباحث النظم فى الدلائل ونرى ابن جنى يفند أوهام اللفظيين
__________________
فى الأبيات
المشهورة (ولما قضينا من منى) ويذكر أن المقاييس النحوية معنوية ولفظية ، والمعنوية أقوى
.
أقصد من وراء هذا
، أن أقول ـ إن نظرية النظم لم تخلق من فراغ ، فبذورها موجودة ، وليس ببعيد عنا
تلك المناظرة الحادة التى قامت بين الحسن بن عبد الله ، ابن المرزبان ، المعروف
بأبى سعيد السيرافى ، وبين أبى بشر متى بن يونس فى مجلس الوزير أبى الفتح الفضل بن
جعفر بن الفرات ، فى كلام السيرافى نرى ملامح التفكير فى نظرية النظم بين المناطقة
والنحويين. قال أبو سعيد السيرافى ، فيما دار بينه وبين أبى بشر متى. (أسألك عن
حرف واحد هو دائر فى كلام العرب ومعانيه متميّزة عند أهل العقل ، فاستخرج أنت
معانيه من ناحية منطق أرسطاطاليس الذى تدلّ به وتباهى بتفخيمه وهو (الواو) ما
أحكامه ، وكيف مواقعه؟ وهل هو على وجه واحد؟ فبهت متّى وقال : هذا نحو ، والنحو لم
أنظر فيه ، لأنه لا حاجة للمنطقى مع النحو ، وبالنحوى حاجة إلى المنطق ، لأن
المنطق يبحث عن المعنى ، والنحو يبحث عن اللفظ ، فإن مرّ المنطقى باللفظ فبالعرض ،
وإن عثر النحوى بالمعنى فبالعرض ، والمعنى أشرف من اللفظ ، واللفظ أوضح من المعنى.
قال أبو سعيد : أخطأت. لأن الكلام والنطق واللغة ، واللفظ والإفصاح والإعراب
والإبانة والحديث والإخبار والاستخبار والعرض والتمنى والنهى والحض والدعاء
والنداء والطلب ، كلها فى واد واحد بالمشاكلة والمماثلة ، ألا ترى أن رجلا لو قال
: «نطق زيد بالحق لكن ما تكلم بالحق ، وتكلم بالفحش ولكن ما قال الفحش ، وأعرب عن
نفسه ولكن ما أفصح ، وأبان المراد ولكن ما أوضح ، أوفاه بحاجته ولكن ما لفظ ، أو
أخبر ولكن ما أنبأ ، لكان فى جميع هذا مخرفا ومناقضا ، وواضعا للكلام فى غير حقه ،
ومستعملا اللفظ على غير شهادة من عقله ، وعقل غيره ، والنحو منطق ولكنه مسلوخ من
العربية ، والمنطق نحو ، ولكنه مفهوم باللغة» وحين يقول متى : يكفينى من لغتكم هذه
، الاسم والفعل والحرف ، فإنى أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذبتها لى يونان ،
يجيبه السيرافى : أخطأت لأنك فى هذا الاسم والفعل والحرف فقير إلى وصفها
__________________
وبنائها على
الترتيب الواقع فى غرائز أهلها ، وكذلك أنت محتاج بعد هذا إلى حركات هذه الأسماء
والأفعال والحروف ، فإن الخطأ والتحريف فى الحركات ، كالخطإ والفساد فى المتحركات»
ثم يقول : معانى النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته ، وبين وضع الحروف فى
مواضعها المقتضية لها ، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير ، وتوخى الصواب فى
ذلك وتجنب الخطأ من ذلك ، وإن زاغ شىء عن هذا النعت ، فإنه لا يخلو من أن يكون
شائغا بالاستعمال النادر والتأويل البعيد ، أو مردودا لخروجه عن عادة القوم الجارى
على فطرتهم .
ليس هذا فقط. ففي
كتاب المجاز لأبى عبيدة ، نجد حديثا عن التقديم والتأخير حين يقول : ومن مجاز
المقدم والمؤخر قال «فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت» أراد ربت واهتزت وقال «ولم
يكد يراها» أى لم يرها ولم يكد .
والمبرد ، لم يفته
أن يبين علاقة النظم بالمعنى ، فيقول : إذا قلت جاءنى عبد الله الفاسق الخبيث ،
كنت عرّفته بالخبث والفسق ، وهذا أبلغ فى الذم أن يقيم الصفة مقام الاسم .
والخطابى ـ أبو
سليمان حمد بن محمد ـ له رسالة رائعة فى «بيان إعجاز القرآن» يحدثنا فيها عن أقسام
الكلام الفاضل بأن «القسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه ، والقسم الثانى أوسطه
وأقصره ، والقسم الثالث أدناه وأقربه ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم حصة ، وأخذت
من كل نوع من أنواعها شعبة ، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع
صفتى الفخامة والعذوبة ، وهما على الانفراد فى نعوتهما كالمتضادين ، لأن العذوبة
نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة فى الكلام تعالجان نوعا من الوعورة ، فكان
اجتماع الأمرين فى نظمه مع نبوّ كل منهما على الآخر فضيلة خصّ بها القرآن» ثم
يستطرد قائلا «وإنما تعذر على البشر الاتيان بمثله لأمور : منها أن علمهم لا يحيط
بجميع أسماء اللغة
__________________
العربية وبألفاظها
التى هى ظروف المعانى والحوامل ، ولا تدرك أفهامهم جميع معانى الأشياء المحمولة
على تلك الألفاظ. ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التى بها يكون
ائتلافها وارتباط بعضها ببعض ، فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها ، إلى
أن يأتوا بكلام مثله. وانما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة : لفظ حامل ، ومعنى به
قائم ، ورباط لهما ناظم ، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه فى غاية الشرف والفضيلة ، حتى لا ترى
شيئا من الألفاظ أوضح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ولا ترى نظما أحسن تأليفا وأشد
تلاؤما وتشاكلا من نظمه ، وأما المعانى فلا خفاء على ذى عقل أنها هى التى تشهد لها
العقول بالتقدم فى أبوابها والترقى إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها .
ويقول فى موضع آخر
من رسالته هذه «فأما المعانى التى تحملها الألفاظ ، فالأمر فى معاناتها أشد لأنها
نتائج العقول ، وولائد الأفهام وبنات الأفكار ، وأما رسوم النظم فالحاجة إلى
الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ وزمام المعانى ، وبه تنظيم أجزاء
الكلام ، ويلتئم بعضه ببعض فتقوم له صورة فى النفس يتشكل بها البيان .
وإذا تركنا
الخطابى نجد قدامة بن جعفر ، يشير إلى صلة النظم بالنحو ، إذ ينبغى أن يتقصّى
النظم خطا النحو الطبيعية وأبو هلال العسكرى يشير أيضا إلى وضع الألفاظ فى مواضعها ويلتفت إلى مبادئ الكلام ومقاطعه وحسن الخروج ، والفصل
والوصول وما يجرى مجرى ذلك وابن رشيق القيروانى يتكلم عن الأسلوب الذى أفرغ إفراغا ،
وذلك فى باب النظم من كتابه .
__________________
بل نقرأ ما هو
أقرب شبها بكلام الجرجانى ، وهو حديث الآمدى فى موازنته ، يقول : «التقرير على
ضربين تقرير للمخاطب على فعل قد مضى أو على فعل هو فى الحال ليوجب المقرر ذلك
ويحققه ، ويقتضى من المخاطب فى الجواب الاعتراف به ، نحو ، هل أكرمتك ، هل أحسنت
إليك .... وتقرير على فعل يدفعه المقرر وينبغى أن يكون قد دفع نحو قوله : هل عرفت
منى غير الجميل .
وكما وجدت نظرية
النظم فى بيئة النحويين واللغويين والبلاغيين ، وجدت أيضا فى بيئة الأصوليين وهم
أصحاب الصنعة القانونية فى فهمهم للشّرع الإسلامى من القرآن واستخراج أصول التشريع
من عباراته. وحاجتهم فى ذلك إلى القواعد المسعفة على هذا الفهم والاستخراج ، قوية وهم يقدمون مدخلا لبحوثهم فيه تعريف بالقرآن وتواتره
وإعجازه ثم عنه أهو لفظ أم معنى أم هما معا ثم عن عربيته وعن بيانه ثم ينتقلون إلى
الأحكام التى اشتمل عليها القرآن ونراهم يسمون هذا المدخل المبادئ اللغوية يلمون فيها
بأبحاث لغوية وصرفية واشتقاقية ونحوية بيانية ، وقد عرضوا فى مبادئهم اللغوية
للبحث فى الحقيقة والمجاز والتشبيه والكناية وما إلى ذلك من أبحاث علم البيان
المعروفة ، كما تحدثوا عن اشياء مما يتصل ببحث أجزاء الجملة ، فى علم المعانى ففي
حديثهم عن العموم والخصوص عرضوا للتنكير والتعريف واستغراق الجمع والحصر ونحوه كما
تحدثوا عما يمت إلى هذه المباحث اللفظية بصلة قوية من القول فى الترادف والاشتراك
والتواطؤ ... الخ ويحدثنا الأستاذ أمين الخولى بأن تعرّض الأصوليين للمسائل
البلاغية من المعانى والبيان قد انتهى بهم إلى تناول نواح لم يستوفها أصحاب
البلاغة أنفسهم ..» .
__________________
نظرية النظم فى
بيئة المتكلمين :
مرّ بنا الجاحظ
ونظريته فى الإعجاز وقد أحسّ فى عمق أن المعانى وحدها لا تكوّن الكلام البليغ
فالمترجمون مثلا ينقلون معانى دقيقة لفلاسفة اليونان ، وغيرهم ، ومع ذلك لا يمكن
أن يتصف كلامهم ولا ما نقلوه بالبلاغة ، فكلامهم يحمل معانى صحيحة ولكن ينقصها فن
البلاغة ، من حسن السبك وجمال الرصف والنظم ، وأداه إحساسه بروعة النظم وما يكسبه
الكلام من الماء والرونق والحيوية أن يقرر أن إعجاز القرآن فى نظمه ، ويشير فى
كتابه الحيوان إلى ذلك قائلا. «وفى كتابنا المنزّل الذى يدلنا على أنه صدق ، نظمه
البديع الذى لا يقدر على مثله العباد كما أن له كتاب (آى القرآن) الذى يقول عنه «ولي كتاب جمعت
فيه آيا من القرآن لتعرف بها فضل ما بين الإيجاز والحذف ، وبين الزوائد والفضول
والاستعارات ، فإذا قرأتها رأيت فضلها فى الإيجاز والجمع للمعانى الكثيرة بالألفاظ
القليلة كما أن له كتاب (نظم القرآن ) وكان يرى رأى العتابى : أن المعانى تحل من الألفاظ محل
الروح من البدن .
والأمثلة عديدة لا
تحتاج الى إشارة :
وهذا القاضى عبد
الجبار ـ المتكلم المعتزلى ـ إن بينه وبين ما كتبه الجرجانى صلة وثيقة يقول القاضى
عبد الجبار فى فصل «فى الوجه الذى له يقع التفاضل فى فصاحة الكلام» (اعلم أن
الفصاحة لا تظهر فى أفراد الكلام ، وإنما تظهر فى الكلام بالضم ، على طريقة مخصوصة
، ولا بدّ مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة ، وقد يجوز فى هذه الصفة أن يكون
بالمواضعة التى تتناول الضم ، وقد تكون بالإعراب الذى له مدخل فيه ، وقد تكون
بالموقع ، وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع ، لأنه إما أن تعتبر فيه الكلمة أو
حركاتها أو موقعها ، ولا بدّ من هذا الاعتبار فى كل كلمة ، ثم لا بدّ من اعتبار
مثله فى الكلمات ، إذا انضم بعضها إلى بعض ، لأنه قد يكون لها عند الانضمام صفة.
وكذلك لكيفية إعرابها وحركاتها وموقعها ، فعلى هذا الوضع الذى ذكرناه إنما تظهر
مزية الفصاحة بهذه
__________________
الوجوه دون ما
عداها ، فان قال (أى المعارض) فقد قلتم إن فى جملة ما يدخل فى الفصاحة حسن المعنى
فهلا اعتبرتموه؟ قيل له : إن المعانى وإن كان لا بدّ منها فلا تظهر فيها المزية ...
ولذلك نجد المعبّرين عن المعنى الواحد يكون أحدهما أفصح من الآخر والمعنى متفق ...
على أنّا نعلم : أن المعانى لا يقع فيها تزايد ، فإذن يجب أن يكون الذى يعتبر ،
التزايد عند الألفاظ التى يعبّر بها عنها ، على ما ذكرناه فإذا صحت هذه الجملة
فالذى به يظهر المزية ليس إلا الإبدال (الاختيار) الذى به تختص الكلمات ، أو
التقدم والتأخر الذى يختص الموقع ، أو الحركات التى تختص الإعراب ، فبذلك تقع
المباينة (أى بين الكلام) .
ويعقب الدكتور
شوقى ضيف على هذه الفقرة فى كتابه قائلا «وبذلك يقترب عبد الجبار اقترابا شديدا من
عبد القاهر فى تفسيره للنّظم فى كتابه (دلائل الإعجاز) ، وحقا إن عبد القاهر حاول
تفسيره ، ولكن حين تحلّل هذه المعانى تجدها تنحل إلى نفس الكلام الذى حاول به عبد
الجبار تصوير الوجوه الذى يقع بها التفاضل فى فصاحة الكلام .
وهذا ابن حزم
الأندلسى الظاهرى (ت ٤٥٦) ـ قد حدثنا فى كتابه عن معانى الحروف ويعرضه بالتفصيل
لتحديد دلالات (واو العطف) و (الفاء) و (ثم) و (أو) و (من) وإلى والياء ... الخ
مبينا لنا حكم كل حرف من هذه الحروف وموضعه من الخبر حسب مرتبة الكلام .
وليس الأمر مقصورا
على مساهمة القدماء فى نظرية النظم قبل الجرجانى بقرون ، فها هم المحدثون يعارضونه
فى استخفافه باللفظ :
فاللفظ له شأن
أيضا فى الجملة ، كما يقول الدكتور إبراهيم سلامة : إن هناك ألفاظا تحمل فى جرسها
المعنى الذى أسمعه الجرس والوقع نفسه ، وما أسماء الأصوات ودلالتها اللفظية على
معناها إلا من هذا القبيل ، وهناك علم برمّته من «بين علوم الملّة» على حد تعبير
ابن خلدون ، تقتصر مباحثه على مخارج
__________________
الحروف وتقسيم هذه
الحروف إلى مهموسة ومقلقلة ومستعلاة وغيرها ، مما هو مشهور فى مصطلحات التجويد ،
وهناك ألفاظ تكون دلالتها فى كل اللغات من أصواتها ، وقد عقد ابن جنى فصلا خاصا فى
كتابة الخصائص (باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعانى) ، ويرى الدكتور إبراهيم سلامة ،
أن المتتبع لعبد القاهر يجد أنه يعترف بهذه الناحية ، فيجعل لخفة الكلمة وثقلها
على اللسان ووقعها فى الأذن وزنا فى الكلام ـ ولو أنه ذكر طفيف لا يرضى عنه فى
جملته ـ ففي آخر كتابه (دلائل الاعجاز) تقع على النص الآتى (واعلم أنّا لا نأبى أن
تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان ، داخلا فيما يوجب الفضيلة ، وأن
تكون مما يؤكد الإعجاز ، وإنما ننكره ونفيّل رأى من يذهب إليه ، أن يجعله معجزا به
وحده ويجعله الأصل والعمدة ، فيخرج إلى ما ذكرنا من الشّناعات .
وإلى مثل هذا
الرأى يذهب الدكتور مندور ، إذ يرى «أن لجرس الألفاظ وقعا إيجابيا كثيرا ما يعين
الكاتب أو الشاعر على استنفاد إحساسه ، وذلك على أن يسلم من التكلف والصنعة
المقتسرة . ويشاركهما الدكتور بدوى طبانة هذا الرأى بينما يلاحظ الدكتور أحمد أحمد بدوى أن عبد القاهر لم يبين
لنا سر جمال النظم ، ولم يجعلنا نشعر بحسنه وفضيلة ذلك الجمال الذى أشار إلى وجوده
فى توخى معانى النحو .
وبعد ، فإذا كانت
نظرية النظم قد وجدت فى كتب السابقين ، فلم تبرزها فى أبهى صورها إلا كتابات
الجرجانى ـ يقول الدكتور مندور «لقد فطن عبد القاهر إلى أن اللغة ليست مجموعة من
الألفاظ بل مجموعة من العلاقات"Systeme de rapports
" ـ ٥ وحسب الجرجانى أنه الأشعرى الذى خدم إعجاز القرآن بما لم يستطعه أشعرى
سبقه ، ولا أبو الحسن الأشعرى نفسه وكفاه بهذا فخرا.
__________________
الباب الثالث
الإعجاز بين المعتزلة والأشاعرة
الفصل الأول :
الزمخشرى
يجمع بين المدرستين.
الفصل الثانى :
شخصيات
أخيرة.
الفصل الثالث :
الإعجاز
بين المعتزلة والأشاعرة.
الفصل الأول
الزمخشرى
١ ـ المبحث
الكلامى والمبحث البلاغى.
٢ ـ الزمخشرى
والجرجانى.
٣ ـ الزمخشرى
والرمانى.
الزمخشرى
تابعنا جهود
المعتزلة منذ النظام إلى القاضى عبد الجبار ، وقد ند الأشاعرة عن الطريق فبرز منهم
الباقلانى ، وقد قدم كلّ علم من هؤلاء الأفذاذ شيئا ذا بال فى القضية ، وبذا تلونت
بلون معتزلى يصحبه لون أشعرى.
وإذا وصلنا إلى
الزمخشرى وجدنا خلاصة الجهود السابقة ، أو قل ، ذروة الجهود السابقة وقد تحققت على
يديه ، فما أكثر ما تمنى جيل الزمخشرى أن يروا تفسيرا للقرآن الكريم فيه قبس من
أفكار العلماء الجهابذة وخلاصة لآرائهم فى الدفاع عن القرآن وقضاياه وفيه المنافحة
عن إعجازه وبيانه أمام طعن الطاعنين.
وكان الزمخشرى
المعتزلى ، الذى جمع فوعى ، وتأدب وتفقه ، فتصدى للقرآن الكريم ، وتحت إلحاح الملحّين
أخرج كتابه «الكشّاف» ، وعنه قال المترجمون لحياته أنه :
جار الله محمود بن
عمر ، ولد بزمخشر من إقليم خوارزم الفارسى سنة ٤٦٧ ه. حيث كان مذهب الاعتزال لا
يزال مزدهرا ، فكان طبيعيا أن يعتنقه ، وقد أقبل على دراسة العلوم اللغوية
والدينية ورحل كثيرا. فأقام ببغداد مرة وجاور بمكة طويلا ، وبها أملى تفسيره (الكشاف)
وعاد إلى وطنه ، وتوفّى سنة ٥٣٨ ه. وله تصانيف جليلة بجانب الكشاف من أهمها «المفصل»
فى النحو ، وقد عنى به من جاءوا بعده فشرحوه مرارا ، ومن تصانيفه «كتاب الفائق فى
غريب الحديث» وله معجم (أساس البلاغة) وكان كاتبا شاعرا له «أطواق الذهب» وديوان
الشعر .
وقد أشرنا إلى
منهج المعتزلة فى تناول الأعجاز ، الذى يتمثل فى هدم أقاويل
__________________
المغرضين ثم بناء
قضايا العقيدة خالصة من الشوائب ، وهم ـ فى أثناء ذلك يعرضون هذه القضايا من خلال
مفاهيمهم الاعتزالية ، أى من خلال مبادئ الاعتزال الخمسة. التوحيد والعدل والوعد
والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وجاءت آراء
الزمخشرى فى الأعجاز محتوية على الجانبين الكبيرين كلاما وبلاغة.
المبحث الكلامى من
الإعجاز عند الزمخشرى :
سجل الزمخشرى فى
كشافه الدليل القاطع على أن المعانى القرآنية كلّ متناسق ، متجاوب لا تناقض فيه
ولا اختلاف ، يقول عند شرح الآية (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ
فَلا تَقْرَبُوها) [البقرة ـ ١٨٧]
فإن قلت : كيف قيل فلا تقربوها مع قوله (فَلا تَعْتَدُوها) (وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) [البقرة ـ ٢٢٩]؟
قلت : من كان فى طاعة الله والعمل بشرائعه ، فهو متصرف فى حيز الحق ، فنهى أن
يتعداه لأن من تعداه وقع فى حيز الباطل ، ثم بولغ فى ذلك فنهى أن يقرب الحد الذى
هو الحاجز بين الحق والباطل لئلا يدانى الباطل ، وأن يكون فى الواسطة متباعدا عن
الطرف فضلا عن أن يتخطاه كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن لكل ملك حمى ،
وحمى الله محارمه ، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» فالرّتع حول الحمى وقربان
حيّزه واحد .
ويقول عند الآية (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ
الْتَقَتا ، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ ، يَرَوْنَهُمْ
مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) [آل عمران ـ ١٣٠]
فإن قلت : فهذا مناقض لقوله فى سورة الأنفال (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي
أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال ـ ٤٤] قلت
: «قللوا أولا فى أعينهم حتى اجترءوا عليهم ، فلما لاقوهم كثروا فى أعينهم حتى
غلبوا ، فكان التقليل والتكثير فى حالين مختلفين ، ونظيره من المحمول على اختلاف
الأحوال قوله تعالى (فَيَوْمَئِذٍ لا
يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) [الرحمن ـ ٣٩] وقوله
تعالى (وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات ـ ٢٤]
وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى أبلغ فى القدرة وإظهار الآية ويقف عند الآية
__________________
(وَلِسُلَيْمانَ
الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها
وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) [الأنبياء ـ ٨١]
قائلا : فإن قلت : وصفت هذه الرياح بالعصف تارة وبالرخاوة أخرى فما التوفيق بينهما؟
قلت : كانت فى نفسها رخية طيبة كالنسيم ، فإذا مرّت بكرسيه أبعدت به فى مدة يسيرة
على ما قال غدوها شهر ورواحها شهر فكان جمعها بين الأمرين أن تكون رخاء فى نفسها ،
وعاصفة فى عملها ، مع طاعتها لسليمان وهبوبها على حسب ما يريد ويحتكم ، آية إلى
آية ومعجزة إلى معجزة .
وهو يحاول أن يوفق
بين القرآن والحديث النبوى الصحيح ، فالحديث مفسّر للقرآن ومبيّن له ، ويقول عند
الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ، بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا
يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء ـ ٤٩] فان
قلت : أما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «والله أنّى لأمين
فى السماء أمين فى الأرض»؟ قلت : إنما قال ذلك حين قال له المنافقون أعدل فى
القسمة ، إكذابا لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه ، وشتّان من شهد الله له
بالتزكية ، ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم وفى الآية (سِيماهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح ـ ٢٩] فإن
قلت : فقد جاء عن النبى صلىاللهعليهوسلم (لا تقلبوا صوركم)
وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه رأى رجلا قد أثر فى وجهه السجود ، فقال له أن صورة
وجهك أنفك ، فلا تقلب وجهك ، ولا تشن صورتك؟ قلت : ذلك إذا اعتمد بجبهته على الأرض
لتحدث فيه تلك السمة وذلك رياء ونفاق يستعاذ بالله منه ، ونحن فيما حدث فى جبهة
السّجّاد الذى لا يسجد إلا خالصا لوجه الله تعالى إلى غير ذلك .
لقد حكّم الزمخشرى
خمسة الأصول فى التفسير القرآنى ، مؤمنا بها مبادئا للفئة الناجية العدلية ،
الجامعين بين علم العربية والأصول الدينية إذ جعل الآية المناصرة ظواهرها للمذهب الاعتزالى محكمة ،
وتلك التى تخالفه متشابهة ، ثم رد
__________________
المتشابه إلى
المحكم ليخضع تفسيرها للرأى الاعتزالى ومثل هذا فعل القاضى عبد الجبار فى كتابه «متشابه القرآن».
وقد اعتنى الأستاذ
الدكتور مصطفى الجوينى فى كتابه (منهج الزمخشرى فى تفسير القرآن) بتعيين الأصول
الخمسة فى الكشاف من خلال تفسير الزمخشرى للقرآن الكريم .
والقرآن معجز عند
الزمخشرى لصدقه فى الأخبار عن الغيوب .
فعند ما يشرح
الآيتين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي
رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ
أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة ـ ٢٣ و ٢٤]
يشرح عندهما ، لم كانت الأخبار عن الغيوب معجزة. يقول : فإن قلت من أين لك أنه
إخبار بالغيب على ما هو به حتى يكون معجزة؟ قلت : لأنهم لو عارضوه بشيء لم يمتنع
أن يتواصفه الناس ويتناقلوه ، وخفاء مثله فيما عليه مبنى العادة محال ، ولا سيما
والطاعنون فيه أكثف عددا من الذّابّين عنه ، فحين لم ينقل ، علم أنه أخبار بالغيب
على ما هو به ، فكان معجزة .
ثم يومئ الزمخشرى
إلى الآى التى أخبرت بغيب ... مثلا الآيتين (قُلْ إِنْ كانَتْ
لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ ،
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً
بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [البقرة ـ ٩٤ و ٩٥]
من المعجزات لأنه إخبار بالغيب ، وكان كما أخبر به كقوله (ولن تفعلوا) ويقول فى الآية (الَّذِينَ جَعَلُوا
الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر ـ ٩١] وهو
من الإعجاز ، لأنه إخبار بما سيكون وقد كان ويقول فى الآية (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة ـ ٥٤]
وهو من الكائنات التى أخبر عنها فى القرآن قبل كونها وكذا فى حديثه عند تفسير
__________________
الآيات الأولى من
سورة الروم والآيات الثامنة والعشرين من سورة الفتح .
المبحث البلاغى
عند الزمخشرى :
أما الشق الثانى
عند الزمخشرى فى إعجاز القرآن فهو النظم يقول عنه «النظم .. هو أمّ إعجاز القرآن ،
والقانون الذى وقع عليه التحدى ، ومراعاته أهم ما يجب على المفسر» ويقول عن أسرار الجمال القرآنى «وهذه الأسرار والنكت لا
يبرزها إلا علم النظم وإلّا بقيت محتجبة فى أكمامها» .
وقد أقبل الزمخشرى
على الدراسات البلاغية يعب منها وينهل ، فتمثلها تمثلا جعله يؤمن بأن المعرفة
بالبلاغة وأنماطها وأساليبها لا تكشف فقط عن وجوه الإعجاز البلاغى فى القرآن ، بل
تكشف أيضا عن خفايا معانيه وخبيئاتها وذخائرها المكنونة يقول «أن أملأ العلوم ،
بما يغمر القرائح وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح ، من غرائب نكت يلطف مسلكها ،
ومستودعات أسرار يدق سلكها ، علم التفسير ، الذى لا يتم لتعاطيه ، وإجالة النظر
فيه كلّ ذى علم ـ كما ذكر الجاحظ فى كتاب «نظم القرآن» ـ فالفقيه وأن برّز عن
الأقران فى علم الفتاوى والأحكام ، والمتكلم وإن بزّ أهل الدنيا فى صناعة الكلام ،
وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرّية أحفظ والواعظ وإن كان من الحسن البصرى أوعظ ، والنحوى وان كان أنحى من سيبويه ، واللغوى وأن علك اللغات بقوة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ، ولا يغوص على
__________________
شىء من تلك
الحقائق ، إلا رجل قد برع فى علمين مختصين بالقرآن وهما علم المعانى وعلم البيان ،
وتمهل فى ارتيادها آونة ، وتعب فى التنقير عنهما أزمنة ، وبعثته على تتبع مظانها
همّة فى معرفة لطائف حجة الله ، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله ، بعد أن يكون
آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين : تحقيق وحفظ ، كثير المطالعات طويل
المراجعات ، قد رجع زمانا ورجع إليه وردّ وردّ عليه ، فارسا فى علم الإعراب ، مقدّما
فى جملة الكتاب ، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مشتعل القريحة وقّادها» .
إذن فليس التفسير
هو معرفة معانى القرآن الكريم فحسب ، بل هو أيضا بيان لأسرار إعجازه .
وبنظرة عامة ، نرى
أن الزمخشرى قد لاحظ ، ما للتعبير باسم الإشارة من جمال وذلك فى الآية الكريمة (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي
فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) [يوسف ـ ٣٢] يقول
: ولم تقل فهذا ، وهو حاضر ، رفعا لمنزلته فى الحسن واستحقاق أن يحبّ ويفتتن به
وربأ بحاله واستبعادا لمحله ويقول أيضا فى الآية (ما هذِهِ الْحَياةُ
الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) [العنكبوت ـ ٦٤]
هذه : فيها ازدراء للدنيا وتصغير لأمرها وفى استعمال اسم الموصول مزايا فى النظم القرآنى والجملة الاسمية فيها جمال يسفر عنه الزمخشرى فى الآية (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ
عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) [لقمان ـ ٣٣] فإن
قلت : قوله ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، وأراد عن طريق من التوكيد لم يرد
عليه ما هو معطوف عليه؟ قلت : الأمر كذلك لأن الجملة الاسمية آكد من الفعلية ، وقد
انضم إلى ذلك قوله (هو) وقوله (مولود) ، والسبب فى مجيئه على هذا السنن : أن
الخطاب للمؤمنين ، وعليتهم قبض آباؤهم على الكفر ، وعلى الدين
__________________
الجاهلى ، فأريد
حسم أطماعهم ، وأطماع الناس فيهم أن ينفعوا آباءهم فى الآخرة ، وأن يشفعوا لهم ،
وأن يغنوا عنهم من الله شيئا ، فكذلك جىء به على الطريق الآكد فى لفظ (المولود) أن
الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذى ولد منه ، لم تقبل شفاعته ، فضلا أن يشفع لمن
فوقه من أجداده ، لأن «الولد» يقع على الولد وولد الولد ، بخلاف المولود فانه لمن
ولد منك .
وفى تقديم الخبر
على المبتدأ يشير الزمخشرى إلى ما فيه من مزية وعرضها فى آية (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ
حُصُونُهُمْ) [الحشر ـ ٢] فان
قلت : أىّ فرق بين وظنوا أن حصونهم «تمنعهم» أو «مانعتهم» وبين النظام الذى جاء
عليه؟ قلت : فى تقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها ، ومنعها
إياهم ، وفى تصيير ضميرهم اسما لأنّ واسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم فى
أنفسهم أنهم فى عزّة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع فى مغازتهم ،
وليس ذلك فى قولك «وظنوا أن حصونهم تمنعهم» .
وتعرض لاستخدام
التثنية وكيف تكون أبلغ وآكد فى تقدير المعنى المراد ويستوحى الجمال النفسى المعنوى فى التعبير بلفظة التأنيث
لبيان الضعف واللين والرخاوة وفى زيادة النسب قوة للفعل المسندة إليه .
وفى التنكير حسن ،
أشار إليه الزمخشرى فى الآية (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً
وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة ـ ١٢] فإن
قلت : لم قيل أذن واعية على التوحيد والتنكير؟ قلت : للإيذان بأن الوعاة فيهم قلّة
، ولتوبيخ الناس بقلة من يعى منهم ، للدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت
عن الله فهى السواد الأعظم عند الله ، وأن ما سواها لا يبالى باله ، وإن ملئوا ما
بين الخافقين .
__________________
وللإضمار سر جمالى
يشير إلى معانى الفخامة والشهرة حتى ليغنى عن التصريح ولاستعمال الأفعال وجوه من الحسن وقف عندها الزمخشرى
معالجا ، فوقف عند استعمال الفعل اللازم والفعل الماضى .
والفعل المضارع وكذا وقف عند استعمال اسم الفاعل فى الآية (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) [الحج ـ ٢] ثم
يبين الجمال الكامن فى حذف المفعول به فى الآية (فَلا تَجْعَلُوا
لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة ـ ٢٢]
فمفعول تعلمون متروك كأنه قيل : وأنتم من أهل العلم والمعرفة ، والتوبيخ فيه آكد ،
أى أنتم العرّافون المميزون ، ثم إنّ ما أنتم عليه فى أمر ديانتكم من جعل الأصنام
لله أندادا ، هو غاية الجهل ونهاية سخافة العقل .
والزمخشرى يرى فى «البدل»
جمالا معنويا ، مفاده أنه تأكيد وتكرير ، فضيلته فضيلة المفسّر والتفسير ،
والتفصيل بعد الإجمال ، وذلك فى آية (وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء ـ ١١]
وكذا فى آية (صِراطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة ـ ٧] وهى
بدل من الصراط المستقيم ، وهو فى حكم تكرير العامل كأنه قيل اهدنا الصراط المستقيم
، اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم .
__________________
واستخدام أداة (يأيها)
للنداء فيه ضروب من التأكيد تستوقف الزمخشرى فى الآية (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبَّكُمُ) [البقرة ـ ٢١].
أسلوب الإيجاز :
وحين يعرض
الزمخشرى لأسلوب الإيجاز فى القرآن يشير إلى قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة ـ ٢] فإن
قلت : فهلا قيل هدى للضالين؟ قلت : لأن الضالين فريقان ، فريق علم بقاؤهم على
الضلالة ، وهم المطبوع على قلوبهم ، وفريق علم أن مصيرهم إلى الهدى ، فلا يكون هدى
للفريقين الباقين على الضلالة ، فبقى أن يكون هدى لهؤلاء ، فلو جىء بالعبارة
المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال فاختصر الكلام بإجرائه على
الطريقة التى ذكرنا ، وقيل «هدى للمتقين» .
ويقول فى الآية (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ
وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) [القصص ـ ٤٥] وما
كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحيناه إليك ، فذكر سبب الوحى الذى هو إطالة
الفترة ، ودل به على المسبّب على عادة الله عزوجل فى اختصاراته .
أسلوب التكرار :
ويطيل الوقوف عند
أسلوب التكرار ويكرر المعانى النفسية الكامنة وراء مثل قوله (فإن قلت : ما فائدة
تكرير قول (فَذُوقُوا عَذابِي
وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر ـ ١٥]؟ قلت
: فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ، ادّكارا واتعاظا ، وأن
يستأنفوا تنبّها واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك ، والبعث عليه ، وأن يقرع لهم
العصا مرات ، ويقعقع لهم الشّنّ تارات ، لئلا يغلبهم اللهو ولا تستولى عليهم
الغفلة ، وهكذا حكم التكرير كقوله (فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) عن كل نعمة عدّها فى سورة الرحمن ، وقوله
__________________
(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) عند كل آية أوردها فى سورة المرسلات ، وكذلك تكرير الأنباء
والقصص فى أنفسها لتكون تلك العبرة حاضرة للقلوب ، مصوّرة للأذهان مذكورة غير
منسية فى كل أوان .
وعن التكرير فى
القرآن يقول «مذهب كل تكرير جاء فى القرآن ، فمطلوب به تمكين المكرّر فى النفوس» ويقول الدكتور الجوينى «فجماع غاية التكرير عنده تمكين
المعانى فى النفوس وبسطها بالإيضاح والتفسير ، لتوقظ الغافل أو تثير الفكر الراكد»
.
أسلوب الالتفات :
وبحسن الالتفات
والتفنن فيه يطرى القرآن الكريم نشاط السامع ، يقول الزمخشرى فى الآية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ) [الفاتحة ـ ٥] ...
الالتفات فى علم البيان قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ،
ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس ـ ٢٢] وقوله
تعالى (وَاللهُ الَّذِي
أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ) [فاطر ـ ٩] وقد
التفت امرؤ القيس فى ثلاثة أبيات .. وذلك على عادة افتنانهم فى الكلام وتصرفهم فيه
، ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب ، كان ذلك احسن تطرية لنشاط السامع ،
وإيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد ، وقد تختص مواقعه بفوائد ، ومما
اختص به هذا الموضع ، أنه لما ذكر الحقيق بالحمد ، وأخرى عليه تلك الصفات العظام ،
تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء ، وغاية الخضوع والاستعانة فى المهمات
، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات ، فقيل إياك : يا من هذه صفاته ، نخصّ
بالعبادة والاستعانة لا نعبد غيرك ولا نستعينه ، ليكون الخطاب أدل على أن العبارة
له لذلك التميز ، الذى لا تحق له العبادة إلا به .
__________________
ومن استعمالات
الالتفات ما يرمى إلى غاية التفخيم والتعظيم مثل الآية (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ،
لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء ـ ٦٤].
وعرض الزمخشرى
لأسلوب الوصل والاستئناف فى القرآن ، ورأى أن الاستئناف أقوى من الوصل بحرف الوصل
، وذلك عند تفسيره لآية (يا قَوْمِ اعْمَلُوا
عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ
يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) [هود ـ ٩٣].
ويتنبه الزمخشرى
إلى ايحاءات الألفاظ وما تلقيه من ظلال معنوية ونفسية ، فتراه يقف عند الآية (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا
مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) [البقرة ـ ٢٣٣]
قائلا : فان قلت : كيف قيل بولدها وبولده؟ قلت : لما نهيت المرأة عن المضارة أضيف
إليها الولد استعطافا ـ عليه ، وأنه ليس بأجنبى منها ، فمن حقها أن تشفق عليه
وكذلك الوالد . ويشير إلى ما بين لفظتى (كسبت) و (اكتسبت) من فروق فى
الآية (لَها ما كَسَبَتْ
وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة ـ ٢٨٦]
قائلا : فإن قلت : لم خصّ الخير بالكسب والشر بالاكتساب؟ قلت : فى الاكتساب اعتمال
، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهى منجذبة اليه وأمّارة به كانت فى تحصيله أعمل
وأجد ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه ولما لم تكن كذلك فى باب الخير وصفت بما لا دلالة
فيه على الاعتمال ويستعرض غيرها من الألفاظ ذات الدلالات العميقة فى النفس
الانسانية كحديثه عن (طبن) و (شىء) فى آية (وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
فَكُلُوهُ هَنِيئاً) [النساء ـ ٤]
وشرحه آية (لَبِئْسَ ما كانُوا
يَصْنَعُونَ) [المائدة ـ ٦٣]
مستشفى المعانى
__________________
النفسية وراء لفظة
«يصنعون» وكذا إشارته إلى لفظ وجه فى الآية (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) [يوسف ـ ٩].
التحليل الجمالى
للنظم :
والزمخشرى يحلل
جماليا المعانى النفسية الكامنة وراء نظم الكلام ، ففي الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات ـ ٣]
يقول : وهذه الآية بنظمها الذى رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسما لأنّ
المؤكّدة ، وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معا ، والمبتدأ اسم الاشارة ،
واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم ، وإيراد الجزاء نكرة مبهما
أمره ، ناظرة فى الدلالة على غاية الاعتداد والارتضاء لما فعل الذين
وقروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من خفض أصواتهم وفى الإعلام بمبلغ عزّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقدر شرف منزلته ، وفيها تعريض بعظيم ما ارتكب الرافعون
أصواتهم ، واستيجابهم ضد ما استوجب هؤلاء.
ويتابع الزمخشرى
قوله فى الآى بعد ما سبق (إِنَّ الَّذِينَ
يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) .. فورود الآية على النمط الذى وردت عليه ، فيه ما لا يخفى
على الناظر من بينات إكبار محل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإجلاله ، منها مجيئها على النظم المسجل على الصائحين
بالسّفه والجهل لما أقدموا عليه ، ومنها لفظ الحجرات وإيقاعها كناية عن موضع خلوته
ومقيله مع بعض نسائه ، ومنها المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذى تبين به
ما استنكره عليهم. ومنها التعريف باللام دون الإضافة ، ومنها أن شفع ذمّهم
باستجفائهم واستركاك عقولهم ، وقلة ضبطهم لمواقع التمييز فى المخاطبات ، تهوينا
للخطب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتسلية له ، وإماطة لما تداخله من إيحاش تعجرفهم وسوء
أدبهم.
ثم هو يستعيننا أن
نتذوق معه حلاوة الآى فيكر مرة أخرى عليها من أول
__________________
السورة مستجلبا
جديدا فى جمالها كاشفا عن خبيء من أسرار حسنها ... .
وكذا الآى (الم ، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ١ ـ ٢]
فبعد أن يورد وجوها فى إعرابها ينأى بنا عن رياضة النحو ويسلك وادى الجمال
الأسلوبى للقرآن ناظما معانيها فى سلك معنوى واحد .
ويستعين ثقافته فى
تحليله الجمالى للآى ـ يستعين ثقافته المنطقية فى الكشف عن وجوه الحسن فى الآية (الم ، تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ) [السجدة ـ ٣] ..
يقول ... هذا أسلوب صحيح محكم أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين ، وأن ذلك ما لا
ريب فيه ، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله (أَمْ يَقُولُونَ
افْتَراهُ) لأن أم هى المنقطعة الكائنة بمعنى بل ، والهمزة إنكارا
لقولهم وتعجيبا لظهور أمره فى عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه ، ثم أضرب عن
الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك. ونظيره أن يعلل العالم فى المسألة بعلة صحيحة
جامعة قد احترز فيها أنواع الاحتراز ، كقول المتكلمين النظر أول الأفعال الواجبة
على الاطلاق التى لا يعرى عن وجوبها مكلّف ، ثم يعترض عليه فيها ، ببعض ما وقع
احترازه منه ، فيرده بتلخيص أنه احترز من ذلك ثم يعود إلى تقرير كلامه وتمشيته . ويستعين ثقافته العلمية فى الكشف عن مزية نظم الآية (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ
فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك ـ ١٩].
الكناية والتعريض
:
صورة من صور
البيان القرآنى يعرض لها الزمخشرى فى مبحثه الجمالى ، تلك هى أسلوب الكناية
والتعريض فى القرآن. يقول مفرقا بين الكناية والتعريض فإن قلت : أى فرق بين
الكناية والتعرض؟ قلت : الكناية : أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له كقولك :
طويل النجاد والحمائل ، لطول القامة ، وكثير الرماد
__________________
للمضياف ،
والتعريض : أن تذكر شيئا تدل به على شىء لم تذكره ، كما يقول المحتاج للمحتاج
إليه. جئت لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ، ولذلك قالوا : وحسبك بالتسليم منّى
تقاضيا.
وكأن إمالة الكلام
الى عرض يدل على الغرض ، ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده وأمام الآية (كَيْفَ تَكْفُرُونَ
بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة ـ ٢٨] ،
يعرض متفلسفا لأسلوب الكناية فيها قائلا : فإن قلت : فما تقول فى «كيف» ، حيث كان
إنكارا للحال التى يقع عليها كفرهم؟ قلت : حال الشيء تابعة لذاته ، فاذا امتنع
ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال ، فكان إنكار حال الكفر لأنها تبيع ذات الكفر
ورديفها ، إنكارا لذات الكفر وثباتها على طريق الكناية ، وذلك أقوى لإنكار الكفر
وأبلغ ، وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها ـ وقد علم أن كلّ
موجود لا ينفك عن حال وصفة عند وجوده ، ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات ـ كان
إنكارا لوجوده على الطريق البرهانى .
ويبين عن المزية
المعنوية للتعريض فى الآية (وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ ـ ٢٤] ...
وهذا من الكلام المنصف الذى كان من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به : قد
أنصفك صاحبك ، وفى درجه بعد تقدمه ما قدم من التقرير البليغ ، دلالة غير خفية على
من هو من الفريقين على الهدى ، ومن هو فى الضلال المبين ، ولكن التعريض والتورية
أفضل بالمجادل وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينى ... ومنه
بيت حسان.
أتهجوه ولست له
بكفء
|
|
فشرّكما لخيركما
الفداء
|
__________________
التمثيل والتخييل
:
أسلوب آخر من
أساليب القرآن يعالجه الزمخشرى فى مبحثه ، أسلوب التمثيل والتخييل ، يقول شارحا
دور المثل فى التعبير الأدبى ... ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل
والنظائر ، شأن ليس بالخفى فى إبراز خبيئات المعانى ، ورفع الأستار عن الحقائق ،
حتى تريك المتخيّل فى صورة المحقّق ، والمتوهّم فى معرض المتيقن ، والغائب كأنه
شاهد ، ولأمر ما أكثر الله فى كتابه المبين وفى سائر كتبه أمثاله ، وفشت فى كلام
رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكلام الأنبياء والحكماء قال تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها
لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [الحشر ـ ٢١] ومن
سور الإنجيل سورة الأمثال .
ويقول فى أسلوب
الآية (إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ ، فَأَبَيْنَ أَنْ
يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها ، وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ، إِنَّهُ كانَ
ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب ـ ٧٢] ...
ونحو هذا من الكلام كثير فى لسان العرب ، وما جاء القرآن إلّا على طرقهم وأساليبهم
.. وكذلك تصوير عظم الأمانة وصعوبة أمرها وثقل محملها والوفاء بها ، فإن قلت : قد
علم وجه التمثيل فى قولهم للذى لا يثبت على رأى واحد : أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى
، لأنك مثّلت حاله فى تمثله وترجّحه بين الرأيين ، وتركه المضى على أحدهما ، بحال
من يتردد فى ذهابه ، فلا يجمع رجليه للمضى فى وجهة ، وكل واحد من الممثّل به شىء
مستقيم ، داخل تحت الصحة والمعرفة ، وليس كذلك ما فى هذه الآية ، فإن عرض الأمانة
على الجماد وإبائه واشفاقه محال فى نفسه غير مستقيم ، فكيف صح بناء التمثيل على
المحال به؟ وما مثال هذا إلا أن تشبه شيئا والمشبه به غير معقول؟ قلت : الممثّل به
فى الآية ، وفى قولهم : قيل للشحم أين تذهب لقال ، أسوّى العوج ، وفى نظائره ،
مفروض ، والمفروضات تتخيّل فى الذهن كما المحققات ، مثّلت حال التكليف فى صعوبته
وثقل محمله ، بحاله المفروضة لو عرضت على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنها
وأشفقن منها .
__________________
ويشرح الزمخشرى
المزية المعنوية فى أسلوب التمثيل فى الآية (وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا بَلى شَهِدْنا) [الأعراف ـ ١٧٢]
ويبين المزية المعنوية فى أسلوب التمثيل فى الآية (فَما بَكَتْ
عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان ـ ٢٩] إلى
غيرهما من آيات تحتوى على أسلوب التمثيل .
التعبيرات النفسية
:
التعبيرات النفسية
صورة من صور البيان القرآنى المتعددة ، ونريد به الأسلوب الذى يستوحيه الزمخشرى
أحاسيس وخلجات نفسية يقول مثلا فى الآية التى تتحدث عن الزانى والزانية (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي
دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [النور ـ ٢] من
باب التهييج وإلهاب الغضب لله ودينه ويقول فى الآية (الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [البقرة ـ ١٤٧]
ونهيه عن الامتراء. وجلّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يكون ممتريا من باب التهييج لزيادة الثبات والطمأنينة
وأن يكون لطفا لغيره .
وهذه معان
يستوحيها من الآية (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ
قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) [الأنبياء ـ ١١]
واردة عن غضب شديد ، ومنادية على سخط عظيم ، لأن القصم أفظع الكسر ، وهو الكسر
الذى يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف القصم وأراد بالقرية أهلها ولذلك وصفها بالظلم . إلى غيرها من آيات .
البيان القرآنى
وأسلوب الشعر :
والبيان القرآنى ـ
وهو نمط من بيان العرب ـ يجرى أحيانا على أسلوب الشعر يجرى عليه فى مساءلة الرسوم
: يقول الزمخشرى فى الآية (وَسْئَلْ مَنْ
أَرْسَلْنا مِنْ
__________________
قَبْلِكَ
مِنْ رُسُلِنا) [الزخرف ـ ٤٥] ليس
المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال ، لاحالته ، ولكنه مجاز عن النظر فى أديانهم
والفحص عن مللهم ، هل جاءت عبادة الأوثان قط فى ملة من ملل الأنبياء؟ وكفاه نظرا
وفحصا نظره فى كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه وأخبار الله فيه بأنهم يعبدون
من دون الله ، ما لم ينزّل به سلطانا وهذه الآية فى نفسها كافية لا حاجة إلى
غيرها. والسؤال الواقع مجازا عن النظر ، حيث لا يصح السؤال على الحقيقة ، كثير :
منه مساءلة الشعر الديار والرسوم والأطلال وقول من قال : سل الأرض من شقّ أنهارك؟ وغرس
أشجارك؟ وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا .
ويجرى البيان
القرآنى على أسلوب الشعر فى الفاصلة. يقول الزمخشرى فى الآية (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا
سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب ـ ٦٧].
يقال ضل السبيل وأضله إياه ، وزيادة الألف لإطلاق الصوت ، جعلت فواصل الآى كقوافى
الشعر ، وفائدتها الوقف ، والدلالة على أن الكلام قد انقطع ، وإن ما بعده مستأنف .
الجناس :
يقول الزمخشرى فى
الآية (وَقِيلَ يا أَرْضُ
ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْماءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ
، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود ـ ٤٤]. يقال
: بعد بعدا وبعدا ، إذا أرادوا البعد البعيد ، حيث الهلاك والموت ونحو ذلك ، ولذلك
اختص بدعاء السوء ، ومجىء أخباره على الفعل المبنى للمفعول ، للدلالة على الجلالة
والكبرياء ، وأن تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل ، وتكوين مكوّن قاهر ،
وأن فاعلها فاعل واحد لا يشارك فى أفعاله ، لا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره يا أرض
ابلعى ماءك ، ويا سماء أقلعى ، ولا أن يقضى ذلك الأمر الهائل غيره ، ولا أن تستوى
السفينة على متن الجودى وتستقر عليه إلا بتسويته وإقراره ، ولما ذكرنا من المعانى
والنكت ، استفصح علماء البيان هذه الآية ، ورقّصوا لها رءوسهم ، لا لتجانس
الكلمتين وهما قوله : ابلعى
__________________
وأقلعى ، وذلك وأن
كان لا يخلى الكلام من حسن فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التى هى اللب
وما عداها قشور .
ثم يشير إلى
الجناس الكائن فى الآية (وَجِئْتُكَ مِنْ
سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) . [النمل ـ ٢٢].
المشاكلة :
ومن بديع القرآن
المشاكلة ، يقول الزمخشرى فى الآية (إِنَّ اللهَ لا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة ـ ٢٦] ..
يجوز أن تقع هذه العبارة فى كلام الكفرة ، فقالوا أما يستحى رب محمد أن يضرب مثلا
بالذباب والعنكبوت ، فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال وهو فمن من
كلامهم بديع وطراز عجيب منه قول أبى تمام :
من مبلغ أفناء
يعرب كلّها
|
|
أنّى بنيت الجار
قبل المنزل
|
ويشهد رجل عند
شريح ، فقال : إنك لسبط الشهادة ، فقال الرجل : إنها لم تجعّد عنى ، فقال : لله
بلاءك ، وقبل شهادته ، فالذى سوّغ بناء الجار وتجعيد الشهادة هو مراعاة المشاكلة
ولو لا بناء الدار لم يصح بناء الجار ولو لا سبوطه الشهادة لامتنع تجعيدها ، ولله
در أمر التنزيل وإحاطته بفنون البلاغة وشعبها لا تكاد تستغرب منها فنا ، إلا عثرت
عليه فيه على أقوم مناهجه وأسد مدارجه .
__________________
وبمثل هذا يقف عند
الآية (صِبْغَةَ اللهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) . [البقرة ـ ١٣٨].
أسلوب اللف :
ومن صور بديع
القرآنى أيضا أسلوب اللف ، والزمخشرى هنا يبحث جماليا أسلوب اللف فى الآية
التشريعية (وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة ـ ١٨٥] ...
شرع ذلك يعنى جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر ، وأمر المرخص له بمراعاة عدة
ما أفطر فيه ، ومن الترخيص فى إباحة الفطر ، فقوله «لتكملوا» علة الأمر بمراعاة
العدة ، و «لتكبروا» علة ما علم من كيفية القضاء والخروج من عهدة الفطر ، «ولعلكم
تشكرون» علة الترخيص والتيسير ، وهذا نوع من اللف لطيف المسلك لا يكاد يهتدى إلى
تبينه إلا النّقّاب المحدث من علماء البيان .
ويرى أن هذه الآية
أيضا من أسلوب اللف وهى (وَمِنْ رَحْمَتِهِ
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ
فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص ـ ٧٣].
بلاغة القرآن :
والزمخشرى يرى أن
فى القرآن بليغا وأبلغ ، وهذا الإحساس الفنى لم يصوره الزمخشرى ، ولم يشبع القول
فيه ، ولكنه ـ كما سنرى ـ مر به سريعا. يعلل لرأيه هذا قائلا «ليس بواجب أن يجيء
بالآكد فى كل موضع ولكن يجيء بالوكيد تارة والآكد أخرى ، كما يجيء بالحسن فى موضع
وبالأحسن فى غيره ليفتن الكلام افتنانا . ولنتتبع تطبيقه العملى لرأيه هذا ... يقول فى الآية (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ
أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف ـ ٢٧)
وهذا تحذير آخر أبلغ من الأول (إِنَّهُ يَراكُمْ
هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ٥ [الأعراف ـ ٢٧] ويقول فى الآية (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا
كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا
__________________
رَادَّ
لِفَضْلِهِ ، يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ) [يونس ـ ١٠٧] وهو
أبلغ من قوله (إِنْ أَرادَنِيَ
اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ
مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) [الزمر ـ ٣٨] فهو
هنا يرسل الحكم إرسالا دون تفصيل لوجه العلو فى مرتبة البلاغة. وكذلك نراه يقول فى
الآية (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي
بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج ـ ٢٠] ..
وهو أبلغ من قوله (وَسُقُوا ماءً
حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [محمد ـ ١٥] ويقول
فى الآية (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ
بِهِ لَقادِرُونَ) [المؤمنون ـ ١٨]
.. وهو أبلغ فى الأبعاد من قوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) [الملك ـ ٣٠] وقد
فصل شيئا هنا فى الآية (قُلْ لا تُسْئَلُونَ
عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سبأ ـ ٢٥] هذا
أدخل فى الإنصاف وأبلغ فيه من (وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ ـ ٢٤] حيث
أسند الإجرام إلى المخاطبين والعمل إلى المخاطبين [سبأ ـ ٢٤].
الزمخشرى ينبهر
بإعجاز القرآن :
وهو إن كان حينا
يطرب لجمال البيان القرآنى وإعجازه فيحاول الإشارة إلى سره فإنه حينا آخر لا يملك
إلا أن يعجب وينبهر بالإعجاز ، فيطلق عبارة الإحسان فحسب ، يقول مرة «وأسرار
التنزيل ورموزه فى كل باب بالغة اللطف والخفاء جدا ، يدقّ على تفطن العالم ويزل عن
تبصّره» ويقف عند الآى (وَتَرَى الْجِبالَ
تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ، صُنْعَ اللهِ الَّذِي
أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ ، مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ، وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ،
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ
إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل ، ٨٨ ـ ٩٠]
يقف عندها مبهورا مأخوذا يقول : فانظر إلى
__________________
بلاغة هذا الكلام
، وحسن نظمه ، وترتيبه ، ومكانة إضماده ، ورصافة تفسيره ، وأخذ بعضه بحجز بعض ، كأنما أفرغ إفراغا
واحدا ، ولأمر ما أعجز القوى وأخرس الشقاشق ويقول فى الآى (وَقالَتِ امْرَأَتُ
فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ
نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [القصص ـ ٩] ... ما
أحسن نظم هذا الكلام عند المرتاض بعلم محاسن النظم وفى الآية (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) [الفرقان ـ ٢١]
يقول : هذه الجملة فى حسن استئنافها غاية ويقول فى الآية (وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ، أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ،
أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) [الرعد ـ ٣٣] ..
وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التى ورد عليها مناد على نفسه بلسان طلق دلق ، أنه
ليس من كلام البشر لمن عرف وانصف من نفسه .
الزمخشرى
والجرجانى :
مرت بنا جهود
الزمخشرى فى إعجاز القرآن ، وما قدمه فى تفسير القرآن من يد بيضاء. وقد أخذ
الزمخشرى عن السّالفين وبخاصة الجرجانى ، بل أنه طبّق نظرية الجرجانى فى النظم ،
على ما وردت عليه فى الدلائل ، ولكن كانت للزمخشرى إضافات جليلة. ولم يضف
البلاغيون بعده كثيرا إلى ما أضافه ، بل أنهم لم يستوفوا إضافاته .
لقد طبق على
القرآن كله ، ما جاء متفرقا فى «دلائل الإعجاز» ، كى التقى بالباقلانى ، وكذا الرمانى.
وهذا الالتقاء له مغزاه. فالجهود التى نبتت فى بيئة المعتزلة ومنهم وتلقفها
الأشاعرة ، عادت إليهم وقد نضجت ، وعلى أيديهم أثمرت وكان نتاجها الكشاف للزمخشرى.
وإذا استفاد «الكشاف»
من «الدلائل» ، فقد استفاد «الدلائل» من
__________________
«المغنى» ، كما
استفاد «الباقلانى» من «الرمانى».
الكشاف والدلائل :
هناك إلماعة صريحة
وحيدة الى عبد القاهر الجرجانى ، وردت فى الكشاف معترفا فيها الزمخشرى بإمامة
الجرجانى ، حيث يقول معجبا : «وقد ملح الإمام عبد القاهر فى قوله لبعض من يأخذ
عنه.
ما شئت من زهزهة
والفتى
|
|
بمصقلاباذ لسقي
الزروع
|
ويعلق الدكتور
الجوينى على هذا بقوله (ولكن حين عرض الزمخشرى لنظم القرآن ، عرض له من ناحية
الجمال الحادث عن أحكام معانى النحو ، مما لا يدع سبيلا لشك ، فى أن الزمخشرى إنما
يتأثر عبد القاهر فى بحثه الإعجاز القرآنى ، وإن كانت بعد للزمخشرى المعتزلى
شخصيته فى البحث الإعجازى .
وفى الدلائل ،
تصدى الجرجانى لمبحث التقديم والتأخير الذى استهله بأن النحاة لم يلاحظوا فى
التقديم شيئا سوى العناية والاهتمام يسوقونهما من غير تعليل ومن غير تفسير لسبب
العناية والاهتمام ، وقد مضى الجرجانى يوضح أن المسألة أدق مما تصوروا ، دارسا
دراسة مفصلة للتقديم مع الاستفهام بالهمزة ، ومع النفى ، وفى الخبر المثبت ، حين
يتقدم المسند إليه ، وأثبت مما لا يقبل الشك أنك إذا قلت لشخص : أأنت قلت هذا
الشّعر ، كان الشك فى قائل الشعر ، أما إذا قلت له : أقلت هذا الشعر. كان الشك فى
الفعل نفسه ، وعلى هذا الأساس الآية الكريمة (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ
أَتَّخِذُ وَلِيًّا) [الأنعام ـ ١٤]
فإن الإنكار فيها موجه لاتخاذ غير الله لا اتخاذ الولى من حيث هو .
ويقول الزمخشرى
تعليقا على هذه الآية (أولى غير الله همزة الاستفهام ، دون الفعل الذى هو «أتخذ» لأن
الإنكار فى اتخاذ غير الله وليا ، لا فى اتخاذ الولى ،
__________________
فكان أولى
بالتقديم ونحو (أَفَغَيْرَ اللهِ
تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر ـ ٦٤] و (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) [يونس ـ ٥٩].
وقد مضى عبد
القاهر يذكر أن المسند إليه إذا ولى النفى فى مثل : ما أنا فعلت ذلك ، أفاد تخصيصه
بنفى الخبر الفعلى ، وبذلك يكون فعل قد فعل ، ونفى البتة عن المتكلم .
وعلى ضوء هذه
القاعدة قال الزمخشرى فى التعليق على آية التنزيل الواردة على لسان قوم شعيب (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) [هود ـ ٩١] : قد
دل إيلاء ضميره حرف النفى ، على أن الكلام واقع فى الفاعل لا فى الفعل ، كأنه قيل
: وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الأعز علينا ، ولذلك قال فى جوابهم (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ
اللهِ) [هود ـ ٩٢] ولو
قيل ما عززت علينا لم يصح هذا الجواب .
ومضى عبد القاهر
يذكر أنه إذا لم يكن فى العبارة نفى ولا استفهام وتقدم المسند إليه وكان معرفة مثل
(أنا فعلت) فان التقديم حينئذ أما يفيد تخصيص المسند إليه بالمسند ، وأما يفيد
تقوية الحكم وتأكيده فى ذهن السامع .
ونرى الزمخشرى يقف
بإزاء بعض الآيات التى قدم فيها المسند الأول على أن الغرض من التقديم هو التخصيص
، يقول فى تفسير الآية (اللهُ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد ـ ٢٦] أى
الله وحده يبسط الرزق ويقدره دون غيره ويقول فى تفسيره الآية (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً ، مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) [الزمر ـ ٢٣]
إيقاع اسم الله مبتدأ ، وبناء نزّل عليه فيه تفخيم لأحسن الحديث ، ورفع منه
واستشهاد على حسنه وتأكيد لاستناده إلى الله وأنه من عنده وأن مثله لا يجوز أن
يصدر إلا عنه وتنبيه على أنه وحى معجز مباين لسائر الأحاديث .
__________________
ويتكلم عبد القاهر
فى حذف المسند اليه ، ويقول : أنه يحذف عند تعيينه وقيام القرينة ، وحينئذ يكون
حذفه أبلغ من ذكره ، ويطنب فى الحديث عن حذف المفعول به وأنه قد يحذف إذا أراد
المتكلم أصل الفعل بدون أى تخصيص له ممن وقع عليه ، ويقول «المتكلم قد يريد
المفعول ، ولكنه لا يذكره لدلالة الحال عليه ، وقد يكون غرضه حينئذ من حذفه البيان
بعد الإبهام نحو ما يلاحظ فى فعل المشيئة مثل (لو شئت لأتيت) أصله لو شئت الاتيان
لأتيت ، ويستثنى من هذا الفعل وعبارته أن يكون متعلقة خاصا مثل (لو شئت أبكى دما
لبكيت فإن المفعول حينئذ لا يصح حذفه ، لأنه ليس فى الكلام ما يدل عليه ، ويقول ،
أنّ المفعول قد يحذف لدفع توهم السامع أو للاختصار .
وترى الزمخشرى
يصدر عن هذه الآراء فى تعليقه على آية القصص (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من
الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر
الرّعاء وأبونا شيخ كبير) يقول : فإن قلت : لم ترك المفعول غير مذكور فى قوله (يسقون)
ـ و (تذودان) ـ و (لا نسقى) قلت : لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ، ألا ترى أنه
إنما رحمهما لأنهما كانتا على الزياد ، وهم على السقى ولم يرحمهما لأن مزودهما غنم
ومستقيهم أبل مثلا. وكذلك قولهما (لا نسقى حتى يصدر الرعاء) المقصود فيه السقى لا
المسقى .
وفى آية البقرة (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ
بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) [البقرة ـ ٢٠]
يقول الزمخشرى : «مفعول «شاء» محذوف لأن الجواب يدل عليه ، والمعنى ولو شاء الله
أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ، ولقد تكاثر هذا الحذف فى شاء وأراد ، لا
يكادون يبرزون المفعول إلا فى الشيء المستغرب كنحو قولك ، فلو شئت أن أبكى دما
لبكيت ، وقوله تعالى (لَوْ أَرَدْنا أَنْ
نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) [الأنبياء ـ ١٧] و
(لَوْ أَرادَ اللهُ
أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (الزمر ـ ٤).
__________________
ويميز عبد القاهر
بين صور الخبر ملاحظا أنه إذا كان اسما دل على الثبوت وإذا كان فعلا دل على التجدد
.
وترى الزمخشرى فى
آية البقرة (اللهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ) [البقرة ـ ١٥]
يقول لم يقل الله مستهزئ بهم ليكون مطابقا لقوله (إِنَّما نَحْنُ
مُسْتَهْزِؤُنَ) لأن يستهزئ يفيد حدوث الاستهزاء وتجدده وقتا بعد وقت .
ويسهب عبد القاهر
فى بيان الفروق بين صور الخبر المنكّر والمعرّف وتحوله إلى مسند إليه على نحو ما
تصور ذلك الجمل الآتية (زيد منطلق) و (زيد المنطلق) و (المنطلق زيد) وقد ذهب إلى
أن العبارة الأولى تقال لخالى الذهن عن أى انطلاق ، بينما الثانية تقال لمن عرف أن
انطلاقا حدث من إنسان ولم يعرف اتصاف زيد بذلك ، فأنت تعرّفه به على وجه الاختصاص
، واللام فى «المنطلق» للعهد ، وقال عبد القاهر : قد يؤكدون هذا التخصيص بضمير
الفصل ، فيقولون (زيد هو المنطلق) ، وهو قصر قد يكون تحقيقا ، وقد يكون على وجه
المبالغة مثل (زيد هو الجواد) أى الكامل فى الجود ، وواضح أن (أل) فى كلمة (المنطلق)
فى هذا التعبير الثانى للجنس ، وقد يراد بها أفراده ، وقد يراد بها حقيقة الجنس ،
كمن يقول (زيد هو البطل) ، يقصد أنه هو وحده الذى يمثل البطولة ، وقد يخصّص الجنس
كقولك (هو الصديق حين لا يوجد صديق) ويقرن عبد القاهر بين القصر الملاحظ فيه حقيقة
الجنس وبين اسم الموصول اذا وقع خبرا فى مثل (أخوك الذى يؤازرك فى الملمات) ويقول
: إن (المنطلق زيد) أقوى فى القصر من (زيد المنطلق) ، لأن كلمة (المنطلق) حين
تقدّم تصبح اللام فيها لاستغراق الجنس ، وبذلك يكون القصر أشد وأوثق ، ويعرض
للمسند إليه إذا كان اسم موصول ، ويقول : إنه يستخدم حين لا يكون معروفا من أحواله
سوى الصلة .
وكل هذه القواعد
نجدها مبسوطة فى تفسير الزمخشرى لآية البقرة (وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ) [البقرة ـ ٥] يقول
: «هم» فصل ، وفائدته الدلالة على أن
__________________
الوارد بعده خبر
لا صفة ، والتوكيد ، وإيجاب فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره» والفائدة
الأولى نحوية خالصة ، وأما الفائدتان الثانية والثالثة فتلتقيان مع كلام عبد
القاهر فى أن ضمير الفصل يفيد تأكيد الاختصاص ، ويقف الزمخشرى عند تعريف كلمة (المفلحون)
قائلا «ومعنى التعريف فى (المفلحون) الدلالة على المتقين هم الناس الذين عنهم بلغك
أنهم يفلحون فى الآخرة ... أو على أنهم الذين أن حصلت صفة المفلحين وتحققوا ما هم
، وتصورا بصورتهم الحقيقية ، فهم لا يعدون تلك الحقيقة»
أما ما كتبه عبد
القاهر فى جملة الحال الاسمية والفعلية ومتى تقترن بالواو ومتى يستحب ومتى يمتنع فهو لدى الزمخشرى حين يعلق على آية الأعراف (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها
فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف ـ ٤] أن
الواو حذفت من قوله (أو هم قائلون) استثقالا لاجتماع حرفى عطف ، لأن واو الحال هى
واو العطف استعيرت للوصل ، وعدّ سقوط الواو من مثل (جاءنى زيد وهو فارس) خبيثا كأنه يؤثر ذكر الواو ، وآثر فى هذا التعبير إن حذفت منه
الواو أن يقال (جاءنى زيد فارسا) ، ومر بنا كيف أن عبد القاهر كان يرى امتناع حذف
الواو فيه .
ويقف عبد القاهر
عند طائفة من التعبيرات الدقيقة ، من ذلك استخدام كلمة (كل) فإنها إن دخلت فى حيز
النفى مثل (ما كل ما يتمنّى المرء يدركه) كانت لنفى الشمول وإن تقدمت النفى مثل (كل
ذلك لم يكن) كانت لشمول النفى بحيث يعم جميع الأفراد .
ولم يتعرض الزمخشرى
لهذه القاعدة ، ولعله رآها لا تطرد فى القرآن مثل آية (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ) [البقرة ـ ٢٧٦]
فإن نفى الحب فى الآية مسلط على جميع الأفراد. ونراه فى مواضع كثيرة ينص على أن
النكرة فى سياق
__________________
النفى تعم ، من
ذلك قوله «إن الريب فى آية (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة ـ ٢] نفى
على سبيل الاستغراق ، إذ عمّ النفى جميع أفراد الريب .
ووقف عبد القاهر
عند حذف المسند مع القرينة فى مثل آية الأنعام (وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ الْجِنَّ) [الأنعام ـ ١٠٠]
فقد قدر أن الجملة انتهت عند شركاء ، وأن كلمة الجن كأنها إجابة لسائل سأل : ما ذا
جعلوا شركاء الله؟ وجوز الزمخشرى أن تكون كلمة (الجن) مرفوعة ، كأنه قيل : من
هم؟ فقيل الجن .
ووقف عبد القاهر
أيضا عند آية البقرة (وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة ـ ٩٦]
ولاحظ أن التنكير فى كلمة (حياة) للدلالة على الازدياد منها لا على أصلها ويقول الزمخشرى : نكّر كلمة حياة لأنه أراد حياة مخصوصة
وهى الحياة المتطاولة ، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبىّ على (الحياة) .
ويطيل عبد القاهر
النظر فى أساليب الأسناد الخبرى وتأكيدها بإنّ ، فهو يأتى مجردا منها لخالى الذهن
، والشاك والمتردد ، ومقترنا بها لمن عقد قلبه على النفى وقد يضاف إليها تأكيد ثان
للمنكر مبالغة فى الجزم بالخبر . ويقول الزمخشرى تعليقا على آيات يس (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ
الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ، إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ
فَكَذَّبُوهُما ، فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ، فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ
، قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ
شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ، قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا
إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) [يس من ١٣ ـ ١٦]
فان قلت : لم قيل (إنا اليكم مرسلون) أوّلا و (إنا اليكم لمرسلون) آخرا؟ قلت : لأن
الأول ابتداء إخبار والثانى جواب عن إنكار أى أن التعبير الأول لم يأت لخالى الذهن ، وإنما جاء
__________________
خبرا مبدوءا به
وإن كانوا تلقوه بالشك ، ولذلك أكده لهم الرسل بمؤكد واحد حتى إذا عادوا فى
الإنكار أكدوه لهم بمؤكدين وهما إنّ واللام.
ويفيض عبد القاهر
فى الحديث عن صور القصر وأدلته وهى (إنما) و (ما وإلا) والعطف (بلا) .
ونرى الزمخشرى يقف
كثيرا بازاء (إنما) يقول تعليقا على آية البقرة (قالُوا إِنَّما
نَحْنُ مُصْلِحُونَ) : إنما لقصر الحكم على شىء كقولك : إنما ينطلق زيد أو لقصر
الشيء على حكم كقولك : إنما زيد كاتب ، ومعنى (إِنَّما نَحْنُ
مُصْلِحُونَ) [البقرة ـ ١١] أن
صفة المصلحين خلصت لهم وتمخضت من غير شائبة وبمثل هذا يذهب فى تعليقه على آية (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما
إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [الأنبياء ـ ١٠٨]
ويلاحظ فيها أنه أجرى (أنما) بالفتح مجرى (إنما) بالكسر .
وهناك مواضع كثيرة
فى «الكشّاف» ، نستطيع أن نضعها بجوار «الدلائل» وبجوار «الأسرار» أيضا ، ولكن نحن
لا نستقصى بلى نشير فقط إلى أوجه التأثير والتأثر بين الجرجانى والزمخشرى ، وإلى
أى مدى استفاد الثانى من الأول.
ولقد تحدث
الجرجانى عن الكناية ، ووقف بخاصة عند الكناية عن صفة مثل (طويل النجاد) و (كثير
الرماد) وإلى شبيهه ذهب الزمخشرى فى تعريفه الفرق بين الكناية
والتعريض ، حيث يعلق على آية البقرة (وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) [البقرة ـ ٢٣٥] من
تعريف لاصطلاح التعريض الكناية .
والاستعارة ، قد
قسمها الزمخشرى ـ كما فعل الجرجانى ـ إلى تصريحية
__________________
ومكنية ، وأنها تجرى
فى الأسماء والأفعال ، واجراؤها فى الأخيرة ، إنما يكون فى المصادر ، يقول تعليقا
على آية الزمر (وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر ـ ٦٩] قد
استعار الله عزوجل النور للحق والقرآن والبرهان فى مواضع من التنزيل ، وهذا
من ذاك ، والمعنى : (وأشرقت الأرض) بما يقيمه فيها من الحق والعدل . وهى استعارة تصريحية أصلية ، ويقول فى آية البقرة (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة ـ ١٦]
ومعنى اشتراء الضلالة بالهدى اختيارها عليه ، واستبدالها به ، على سبيل الاستعارة
، لأن الاشتراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر وهى استعارة تبعية فى الفعل ، ونراه يصرّح ـ على هدى من
عبد القاهر ـ بأن الاستعارة فى الفعل لا تجرى فيه ، وإنما تجرى فى المصدر ، يقول
تعليقا على آية الكهف (فَوَجَدا فِيها
جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) [الكهف ـ ٧٧] ،
استعيرت الارادة للمداناة والمشارفة ، وواضح أنه يجعل الاستعارة فى المصادر ، ونراه يوجه
الاستعارة المكنية فى الآيات ، يقول تعليقا على آية البقرة : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ
مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) [البقرة ـ ٢٧]
النقض : الفسخ ، وأبطال التركيب. فإن قلت من أين ساغ استعمال النقض فى أبطال العهد؟
قلت : من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين
المتعاهدين .. وهذا من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم
يرمزوا إليه بذكر شىء من روادفه فينبهوا بتلك الرمزة على مكانه ، ونحو قولك شجاع
يفترس أقرانه ، وعالم يغترف منه الناس ... لم تقل هذا إلا وقد نبهت على الشجاع
والعالم بأنهما أسد وبحر .
ويقول تعليقا على
آية الإسراء (وَاخْفِضْ لَهُما
جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء ـ ٢٤]
جعل لذلك بهما جناحا خفيضا كما جعل «لبيد» للشمال (الريح) يدا ، وللقرّة (البرد)
زماما مبالغة فى التذلل والخضوع .
__________________
وهذه صور
الاستعارة المكنية وقد صورها الزمخشرى فى آية مريم (وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم ـ ٤] على
هذا النحو : شبه الشيب بشواظ النار فى بياضه وانتشاره فى الشّعر وفشوّه فيه وأخذه
منه كل مأخذ ، باشتعال النار ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة ، ثم أسند الاشتعال إلى
مكان الشعر وهو الرأس وأخرج الشيب مميزا ... فصحّت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة .
واعتقد بعد هذه
الإشارات الموجزة ، أنه يحق لنا القول ، بأن الزمخشرى قد وضع كتابى الجرجانى غير
بعيد منه وهو يكتب كتابه الكشاف. ولكن كانت له شخصيته الاعتزالية الأدبية الواضحة
وإضافاته التى انفرد بها.
الزمخشرى
والباقلانى :
وقد التقى
الزمخشرى مع الباقلانى ، وذلك فى الحديث عن فواتح السور ، فقد ذكر الزمخشرى فى
حديثه عن آيتى (الم ذلِكَ الْكِتابُ
لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة ، ١ ـ ٢]
أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف
أسامى حروف المعجم أربعة عشر سواء هى الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف
والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون فى تسع وعشرين سورة على
عدد حروف المعجم ثم إذا نظرت فى هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس
الحروف ، بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها : الصاد والكاف والهاء والسين والحاء
ومن المجهورة نصفها : الألف واللام والميم والراء والعين والظاء والقاف والهاء
والنون ، ومن الشديدة نصفها : الألف والكاف والطاء والقاف ، ومن الرخوة نصفها :
اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ومن
المطبقة نصفها : الصاد والطاء ، ومن المنفتحة نصفها : الألف واللام والميم والراء
والكاف والهاء والسين والحاء والقاف والياء والنون ، ومن المستعلية نصفها : القاف
والصاد والطاء ، ومن المنخفضة نصفها : الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء
والياء والعين والسين والحاء والنون ومن حروف القلقلة نصفها : القاف والطاء ، ثم
إذا استقريت الكلمة وتراكيبها رأيت الحروف التى ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس
المعدودة : ... الخ .
__________________
وهذه الفكرة هى
إحدى المعانى التى اعتبرها الباقلانى فى جملة وجوه إعجاز القرآن ، وهى المعنى
التاسع ، الذى يقول فيه (إن الحروف التى بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرين حرفا
وعدد السور التى أفتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة ، وجملة ما ذكر من هذه
الحروف فى أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة ، وهو أربعة عشر حرفا ، ليدل
بالمذكور على غيره وليعرفوا أنّ هذا الكلام منتظم من الحروف التى ينظمون بها
كلامهم والذى تنقسم إليه هذه الحروف على ما قسمه أهل العربية وبنوا عليها وجوهها ـ
أقسام نحن ذاكروها ـ فمن ذلك أنهم قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة فالمهموسة
منها عشرة .
وليس التقسيم من
مبتكرات الباقلانى. وقد تكون الفكرة نفسها فى الإعجاز ليست من مبتكراته أيضا ـ ولكنه
مجرد التقاء.
الزمخشرى والرمانى
:
يقول الدكتور
الجوينى : يظهر أن عادة الأقدمين فى التأليف ، كانت النقل عمن يعجبون به دون
أسناده لصاحبه إمّا لشهرة القول عنه ، وإما لأن العلم ملك الجميع يؤخذ منه ما يؤخذ
ويترك ما يترك ما دامت الشخصية الناقلة تسيطر على ما تنقل بعلمها ومعرفتها ، ولا
تكتفى بتقليد أو نقل فحسب ، ولعل ابن تغرى بردى قد أنصف حين قال : «إن الزمخشرى
سلك مسلك الرمانى ونهج نهجه فى التفسير» والحق أن الزمخشرى أفاد من تفسير الرمانى
كما أفاد من تفسير الزجاج .
ويعرض الدكتور عبد
العال مكرم ، قضية الكشاف وجزء عم. ويحققها ثم ينتهى إلى أن الزمخشرى لم يستفد فقط
بل نقل منه نصوصا بأسرها ، وكان واجب الأمانة العلمية يقتضى بأن يشير إلى ذلك فى
كتابه .
__________________
والذى يهمنا من
هذا الأمر أن الأثر المعتزلى استمر ثرّا حتى وصل إلى الزمخشرى ، الذى أخذ خلاصة
الفكر المعتزلى ، وما ابتكره الفكر الأشعرى ، وجعله فى سفر واحد ، ولم يطغ الأخذ
على شخصيته التى برزت واضحة فى فهمه وفنه وإضافاته.
الفصل الثانى
شخصيات أخيرة
١ ـ ابن حزم
الأندلسى
٢ ـ الرازى
٣ ـ السكاكى
سنقف أمام بعض
المتكلمين ، كشخصيات برزت مع غروب شمس الفن فى الأعجاز ، وقفة قصيرة ، لننتهى
بعدها إلى الصورة الأخيرة لجهود المعتزلة والأشاعرة فى الميدان.
وهؤلاء المتكلمون
هم : ابن حزم الأندلسى الظاهرى (ت ٤٥٦) ، ثم الرازى الأشعرى (ت ٦٠٦). ثم السكاكى
المعتزلى (ت ٦٢٦).
أولا : ابن حزم
الأندلسى المتكلم الظاهرى :
هو أبو محمد بن
حزم الظاهرى وقال ابن حيان وغيره : كان ابن حزم صاحب حديث وفقه وجدل ، وله كتب
كثيرة فى المنطق والفلسفة ـ لم يخل فيها من غلط ـ وكان شافعى المذهب يناضل الفقهاء
عن مذهبه ثم صار ظاهريا ، فوضع الكتب فى هذا المذهب وثبت عليه إلى أن مات . ولد سنة ٣٨٤ ه وتوفى سنة ٤٥٦ ه ولما كان ظاهريا متحمسا
راح يطبق الأصول الظاهرية على العقائد ، ولم يأخذ إلا بظاهر اللفظ فى القرآن
الكريم وبالأحاديث الصحيحة ، ولقد نقد من وجهة نظره هذه ، جميع الفرق الإسلامية
المختلفة نقدا شديدا فى كتابه المشهور «الفصل فى الملل والأهواء والنحل» وهاجم
الأشاعرة بعنف وبخاصة رأيهم فى صفات الله ، أما فيها يتعلق بالعبارات فطريقة الأخذ
بظاهر اللفظ ، ووفق بين هذه التعابير والتفسير الروحى للقرآن» .
ابن حزم والاعجاز
:
أولا ـ الجانب
الكلامى :
ناقش ابن حزم
الإعجاز من جانبيه ، الكلامى والبلاغى ، وهاجم المخالفين بشدة ، ثم بين رأيه الذى
يرتضيه فى المسألة ، كلامية كانت أم بلاغية ، ولذا سنكتفى بالإشارة إلى آرائه
النهائية التى أوضحها فى «الفصل» ، وإذا احتاج الأمر إلى نقاش بين فكرتين عرضنا
لذلك.
__________________
يتساءل ابن حزم :
هل الإعجاز متماد أم قد ارتفع بتمام قيام الحجة فى حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ ثم يعرض الآراء المؤيدة والمعارضة ، ويقول : قال جمهور
أهل الإسلام إن الاعجاز باق إلى يوم القيامة والآية بذلك باقية أبدا كما كانت وهذا
هو الحق الذى لا يحل القول بغيره .
ويسأل ثانية : ما
المعجز منه أنظمه أم فى نصه من الإخبار بالغيوب؟ ويجيب بأنه «قال بعض أهل الكلام
نظمه ليس معجزا وإنما إعجازه : ما فيه من الإخبار بالغيوب ، وقال سائر أهل الإسلام
بل كلا الأمرين ، معجز بنظمه وبما فيه من الأخبار بالغيوب ، وهذا هو الحق ، الذى
ما خالفه فهو ضلال ، وبرهان ذلك (فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة ـ ٢٣]
فكان تعالى على أنهم لا يأتون بمثل سورة من سوره ، وأكثر سوره ليس إخبار بغيب ،
فكان من جعل المعجز لأخبار الذى فيه بالغيوب مخالفا لما نص الله تعالى على أنه
معجز من القرآن فسقطت هذه الأقاويل الفاسدة. والحمد لله رب العالمين .
ويسأل : ما مقدار
المعجز منه؟ والأشعرية قالت ـ ومن وافقهم ـ «إن المعجز إنما هو مقدار أقل سورة منه
وهو (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ) [الكوثر ـ ١]
فصاعدا وإن ما دون ذلك معجز ، واحتجوا فى ذلك بقول الله تعالى (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) [يونس ـ ٣٨] قالوا
: ولم يتحدّ تعالى بأقل من ذلك. ثم أورد ابن حزم رأيه قائلا : وذهب سائر أهل
الإسلام إلى أن القرآن كلّه قليله وكثيره معجز ، وهذا هو الحق الذى لا يجوز خلافه .
وبعد أن صرف ابن
حزم جهده فى مناقشة الآراء الكلامية ، انصرف إلى :
الجانب البلاغى :
يقول ما وجه
إعجازه : ويجيب : قالت طائفة ، إعجازه كونه فى أعلى مراتب البلاغة ، وقالت طوائف :
إنما وجه إعجازه أن الله منع الخلق من القدرة على
__________________
معارضته فقط ، أما
الطائفة التى قالت إن اعجازه لأنه فى أعلى درج البلاغة ، فإنهم شغبوا فى ذلك بأن
ذكروا آيات منه ، فى قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة ـ ١٧٩]
ونحو هذا وموّه بعضهم بأن
قال : لو كان كما تقولون من أن الله تعالى منع معارضته فقط ، لوجب أن يكون أغث ما
يمكن أن يكون من الكلام ، فكانت تكون الحجة بذلك أبلغ ، وما نعلم لهم شغبا غير
هذين ، وكلاهما لا حجة لهم فيه ... واستطرد فى بيان غثاثة ما ذهبوا إليه ثم يقول وإن قالوا : فقولوا أنتم هل القرآن موصوف بأنه فى
أعلى البلاغة أم لا؟ قلنا : وبالله تعالى التوفيق : ـ إن كنتم تريدون أن الله
تعالى ، قد بلغ به ما أراد فنعم ، هو فى هذا المعنى فى الغاية التى لا شىء أبلغ
منها ، وإن كنتم تريدون هل هو فى أعلى درج البلاغة من كلام المخلوقين فلا ، لأنه
ليس من نوع كلام المخلوقين لا من أعلاه ولا من أدناه ولا من أوسطه. وبرهان هذا أن
إنسانا لو أدخل فى رسالة له أو خطبة أو تأليف أو موعظة حروف الهجاء المقطعة لكان
خارجا عن البلاغة المعهودة جملة بلا شك فصح : أنه ليس من نوع بلاغة الناس أصلا ، وان
الله تعالى منع الخلق من مثله وكساه الاعجاز وسلبه جميع كلام الخلق . فالقرآن معجز عند ابن حزم.
أولا : لإخباره بالغيوب.
ثانيا : لنظمه الذى لا يقدر عليه العباد.
ثالثا : لأن الله تعالى صرف الناس عن مثله.
وسبق أن رأينا
الباقلانى يرى أن القرآن معجز لأنه «لا يقدر العباد عليه» .
وأخيرا يرى أبو
زهرة أن ابن حزم «مجتهد مطلق ، فما هو بمنتم لمذهب حتى
__________________
يقال : أنه مجتهد
منتسب ، أو مجتهد فى المذهب ، لأن أهل الظاهر لا يعتبرون أنفسهم أصحاب مذهب بحيث
ينتمى إليه من ينتمى ،
بل أن الملك الذى يجمعهم هو اقتصارهم فى الاستدلال على النصوص ، واستخراج الفقه من
ينابيعه الثلاثة فقط وهى الكتاب والسنة واتفاقهم على عدم تعليل الأحكام ، وليس
فيهم تابع ومتبوع ، وقد اتفق المنهاج فى جملته لا فى تفصيله ولا يتبع أحد أحدا ،
بل الجميع يقتبسون من النور المحمدى ، ولا فرق بين داود وابن حزم فى هذا فلا يقال
، أنّ ابن حزم تابع لداود ، حتى يقال أنّه منتسب إليه وليس مجتهدا مطلقا .
ثانيا ـ فخر الدين
الرازى :
وهو فخر الدين
محمد بن عمر الرازى ، ولد سنة ٥٤٤ ه بالرّى ، وفيها بدأ تثقفه على أبيه وغيره من
متكلمى بلدته وفقهائها وحكمائها وقد تحول مع أستاذه الحكيم أبى محمد الجبلى إلى (مراغة)
بأذربيجان ، موغلا فى دراسة الفلسفة والعلوم الدينية ، وأخذ يطوّف ببعض البلدان
وامتدت رحلاته إلى الهند ، وأخيرا ألقى عصاه بمدينة (هرات) وفيها لبى نداء ربه فى
سنة ٦٠٦ ه ، وله مع المعتزلة محاولات كلامية عنيفة ويبدو أنه كان يميل إلى مذهب
الأشاعرة.
وهو يمتاز فى
مؤلفاته بدقة التفكير وحدّة المنطق والقدرة على تشعيب المسائل وتعريفها وحصر
أقسامها حصرا يحيط بها إحاطة تامة ، وفى ذلك يقول الصفدى (أتى فى كتبه بما لم يسبق
إليه ، لأنه يذكر المسألة وتقسيمها وقسمة فروع ذلك التقسيم ، ويستدل بأول السّير
والتقسيم فلا يشذ فيه عن تلك المسألة فرع له بها علاقة ، فانضبطت له القواعد
وانحصرت له المسائل .
واتجه بهذه
الطريقة إلى البلاغة باعتبارها مدار الإعجاز القرآنى ، فألف فيها مصنفة (نهاية
الإيجاز فى دراية الإعجاز) وواضح من عنوانه أنه قصد فيه إلى
__________________
الاجمال والاختصار
، ونراه يعلن فى فاتحته أنه سيعنى بتنظيم ما صنعه عبد القاهر فى كتابه (دلائل
الإعجاز) و (أسرار البلاغة) وقد نوّه بعمل عبد القاهر وبراعته فى استنباط أصول هذا
العلم وقوانينه وأدلته وبراهينه ، وعقب على ذلك بأنه (أهمل رعاية ترتيب الأصول
والأبواب وأطنب فى الكلام كل الأطناب) ثم يقول (ولما وفقنى الله لمطالعة ، هذين
الكتابين ، التقطت منهما معاقد فوائدهما ، ومقاصد فرائدهما ، وراعيت الترتيب مع
التهذيب ، والتحرير مع التقرير ، وضبطت أوابد الإجمالات فى كل باب بالتقسيمات
اليقينية وجمعت متفرقات الكلم فى الضوابط العقلية ، مع الاجتناب عن الأطناب الممل
والاحتراز عن الاختصار المخل» .
فالكتاب إذن تنظيم
وتبويب لما كتبه الجرجانى ، وإذا تقدمنا فى قراءته وجدنا الرازى يذكر ، على بن
عيسى الرمانى ، وينقل عنه مرار ، وكذا يلمّ بأطراف من آراء الزمخشرى ، كما يرد
طائفة من الألوان البديعية.
ثالثا : السكاكى :
ولد سراج الدين
أبو يعقوب يوسف بن محمد بن على السكاكى فى خوارزم سنة ٥٥٥ ه ، وقد أجمع المؤرخون
له على أنه ظل إلى نهاية العقد الثالث من حياته يعنى يصنع المعادن ، حتى وقر فى
نفسه أن يخلص للعلم ويتفرغ له ، وإذا هو يكبّ عليه ويحاول أن يلتهمه التهاما ،
ومضى يعبّ من جداول الفلسفة والمنطق والاعتزال والفقه وأصوله وعلوم اللغة والبلاغة
، وله مصنفات مختلفة لعل أهمها (المفتاح) يقول عنه ياقوت الحموى أنه (فقيه متكلم
متفنن فى علوم شتى وهو أحد أفاضل العصر الذين سارت بذكرهم الرّكبان) واختلف من
ترجموا له فى تعيين سنة وفاته أهي سنة ٦٢٣ ه أم سنة ٦٢٧ ه والراجع أنه توفى سنة
٦٢٦ ه .
__________________
وكتاب (المفتاح)
هو غرة مصنفاته ، وقد قسمه إلى ثلاثة أقسام أساسية تحدّث فى القسم الأول منها عن
علم الصرف ، وما يتصل به من الاشتقاق الصغير والكبير والأكبر ، وجعل القسم الثانى
لعلم النحو ، وأما القسم الثالث فخص به علم المعانى والبيان ، وألحق بهما نظرة فى
الفصاحة والبلاغة ودراسة للمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية ، ووجد أن علم
المعانى يحتاج من ينظر فيه إلى الوقوف على الحد والاستدلال أو بعبارة أخرى إلى
الوقوف على علم المنطق ، ففتح له مبحثا أحاط فيه بمسائل ، ووجد أيضا أن من يتدرب
على علمى المعانى والبيان يحتاج إلى الوقوف على علمى العروض والقوافى فأفرد لهما
المبحث الأخير من الكتاب ، وبذلك اشتمل (المفتاح) على علوم الصرف والنحو والمعانى
والبيان والمنطق والعروض والقوافى ، ونراه يصدر فى تقديمه له ، طريقته فى تصنيفه ،
قائلا : «وما ضمنت جميع ذلك كتابى هذا إلا بعد ما ميزت البعض عن البعض التمييز
المناسب ، ولخّصت الكلام على حسب مقتضى المقام هناك ، ومهدت لكل من ذلك أصولا
لائقة ، وأوردت حججا مناسبة ، وقررت ما صادفت من آراء السلف ـ قدس الله أرواحهم ـ بقدر
ما احتملت من التقرير ، مع الإرشاد إلى ضروب مباحث قلّت عناية السلف بها وإيراد لطائف
مفتنّة ما فتق أحد بها رتق أذن» .
وشهرته إنما دوت
بالقسم الثالث من الكتاب ـ الخاص بعلمى المعانى والبيان ولواحقهما من الفصاحة
والبلاغة والمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية ، فقد أعطى لهذا كله الصيغة
النهائية التى عكف العلماء من بعده ، يتدارسونها ويشرحونها مرارا ، إذ استطاع أن
ينفذ من خلال الكتابات البلاغية قبله إلى عمل ملخص دقيق لما نثره أصحابها من آراء
، وما استطاع أن يضيفه إليها من أفكار وصاغ ذلك كله ، صيغة مضبوطة محكمة استعان
فيها بقدرته المنطقية فى التعليل والتسبيب وفى التجريد والتحديد والتعريف والتقسيم
والتفريغ والتشعيب ، وكان عمدته فى النهوض بذلك تلخيص الفخر الرازى وكتابى عبد
القاهر «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» ثم الكشاف للزمخشرى فانه استوعبه
استيعابا دقيقا.
__________________
ثم أنّ ذلك عنده
لم يشفع بتحليلات عبد القاهر والزمخشرى التى كانت تملأ نفوسنا إعجابا «فقد تحولت
البلاغة فى تلخيصه إلى علم بأدق المعانى لكلمة علم فهى قوانين وقواعد تخلو من كل
ما يمتع النفس إذ سلّط عليها المنطق بأصوله ومناهجه الحادة ، حتى فى لفظها
وأسلوبها الذى لا يحوى أى جمال» .
السكاكى ومحاولة
مع الذوق :
قلنا أن السكاكى
وضع حدودا فاصلة وحصر البلاغة فى علمى المعانى والبيان فقط ، ثم مضى فى أثر الفخر
الرازى ، يجعل للبلاغة حدا أعلى وما يقرب منه ، وحدا أسفل وبينهما مراتب كثيرة
تتفاوت بتفاوت البلغاء ، أما الطرف الأعلى وما يقرب منه فهو حد الإعجاز القرآنى ،
وينوه بالذوق ، وأن الإعجاز لا يدرك إلّا به يقول «اعلم أن شأن الإعجاز عجيب يدرك
ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفهما ، وكالملاحة ومدرك الاعجاز
عندى هو الذوق . ولا يلبث أن يقول «أنّ علمى المعانى والبيان هما الوسيلة
لاكتساب الذوق الذى تدرك به مواطن الجمال البلاغى ، على أنهما لا يكشفان كشفا تاما
على وجه الاعجاز لتعذر الإحاطة بكل أسرار القرآن البلاغة .
وحقا استطاع
السكاكى أن يسوى من نظرات عبد القاهر والزمخشرى علمى المعانى والبيان ولكن بعد أن
أخلاهما من تحليلاتهما الممتعة البارعة للنصوص الأدبية ، وبعد أن سوى قواعدهما
تسوية منطقية عويصة ، حتى ليصبح المنطق وأيضا الفلسفة جزءا منهما لا يتجزأ وحتى
ليحتاج كتابه فى هذا القسم إلى الشرح تلو الشرح» .
وبعد ، فها نحن
هؤلاء ما زلنا فى دائرة الجرجانى والزمخشرى ، ومهما تقدمنا فى الدرس فلن يجدينا
شيئا. فسنجد أنفسنا قد دخلنا أدغال الشروح والتلخيصات والتهميشات وهلم جرا.
__________________
وكأن ما مرّ بنا
بعد الجرجانى والزمخشرى ، ومضات نور ضئيل فى معترك الميدان ، وبعدها أغلق باب
الاجتهاد ، حتى جاءت عصور الظلام ، وتاه البحث الأدبى فى دياجير الجهل ، فتجمدت
ينابيعه.
وآن لنا أن نتساءل
، ما حصيلة الجهود التى قدمتها مدرسة الاعتزال للإعجاز؟ ثم ما خلاصة جهود الأشاعرة
أيضا؟ ومتى التقوا؟ ومتى اختلفوا؟
الفصل الثالث
إعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة
١ ـ نظرة عامة.
٢ ـ المعتزلة
والاعجاز.
٣ ـ الإعجاز بين
المعتزلة والأشاعرة.
نظرة عامة
المعتزلة والإعجاز
من السهل علينا أن
نلحظ ثلاث قضايا بارزة فى جهود المعتزلة حينما عالجوا الإعجاز. فمثلا نجد؟؟؟
كالقول بالصّرفة قد كثر فيها القول بين القبول والرفض ، وكذا نجد أن الآراء
متباينة فى إرجاع إعجاز القرآن للنظم أم للفصاحة ، أما القضية الثالثة فهى الاجماع
على أن من إعجاز القرآن أنه صادق فى إخباره عن الغيوب. ولنفصّل القول :
أولا : القول
بالصرفة عند المعتزلة :
ذكر جولد تسيهر فى
حديثه عن المعتزلة والقرآن الكريم «.. نعم وجد فى دوائرهم من يرفض أو يضعّف
الاعتقاد بعدم القدرة على الاتيان بمثل القرآن فى الآية (٨٨ من سورة الأسراء) بل
الاعتقاد بإعجازه ، بل القدرة على أحسن منه اعتمادا على وجهات من النظر العقلى ،
بيد أن مما يخالف الواقع ذلك الغض من شأن القرآن فى مقابلة الإشادة بأحكام نظمه ،
على أنه مبدأ مدرسى عام للمعتزلة» .
ونريد هنا ـ أن
نناقش أدلة الجاحظ بتفصيل ، لنرى أين يضع الصرفة فى بحثه للإعجاز ، ثم ننتقل إلى
ما قيل عن أستاذه.
١ ـ ذكر الجاحظ
أنه لم يعارض أحد من العرب القرآن بسورة من مثله أو بعشر سور مثله ، وقال عن
الرسول صلىاللهعليهوسلم «وجاء بهذا الكتاب
الذى نقرؤه ، فوجب العمل بما فيه ، وأنه تحدى البلغاء والخطباء والشعراء بنظمه
وتأليفه فى المواضع الكثيرة ، والمحافل العظيمة ، فلم يرم ذلك أحد ولا تكلفه ولا
أتى ببعضه ولا شبيه منه ، ولا ادّعى أنه قد فعل ، فيكون ذلك الخبر
__________________
باطلا ، وليس قول
جمعهم أنه كان ـ كاذبا ـ معارضة لهذا الخبر ، إلا أن يسموا الإنكار معارضة» .
٢ ـ ذكر أن العرب
لم يسكتوا أمام القرآن لأنه «لا يجوز أن يطبقوا على ترك المعارضة وهم يقدرون عليها»
.
٣ ـ وأنهم حاولوا
فعجزوا «وهل يذعن الأعراب وأصحاب الجاهلية للتقريع بالعجز والتوقيف على النقص ثم
لا يبذلون مجهودهم ولا يخرجون مكنونهم وهم أشد خلق الله أنفة ، وأفرط حمية ،
وأطلبه بطائلة وقد سمعوه فى كل منهل» .
٤ ـ ثم أنهم عرفوا
عجزهم وأن مثل ذلك لا يتهيأ لهم «فرأوا أن الاضطراب عن ذكره والتغافل عنه فى هذا
الباب وأن قرعهم به ، أمثل لهم فى التدبير وأجدر أن لا ينكشف أمرهم للجاهل والضعيف»
.
فالقرآن معجز عند
الجاحظ لنظمه ، ثم لأن العرب حاولوا معارضته فعجزوا ، مع أن الكلام سيد عملهم.
وأما عن الصرفة ،
فهى وجه من وجوه إعجاز القرآن ، ولكن تأتى مرتبتها بعد مرتبة التحدى والتجربة
والفشل ثم الاعتراف بالعجز ، وهنا يأتى لطف الله بالناس ، من أن يطمع فى القرآن
طامع ويتكلفه ويشغب بما سمح له فيتعلق به البسطاء ، وتكثر المحاكمة وتنتشر البلبلة
بين الناس «فلما علم الله تبارك وتعالى أن الناس لا يدركون مصالحهم بأنفسهم ولا
يشعرون بعواقب أمورهم بغرائزهم ، صرف أوهام المشاغبين عن العبث» . (يُرِيدُونَ
لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْكافِرُونَ) [الصف ـ ٨].
ولا يتعارض هذا مع
قولنا ، أن القول بالصرفة ، نبع من المبدأ الثانى للمعتزلة ،
__________________
فالعدل الإلهى الذى منح حرية الإرادة للانسان ، وامكان القدرة ، ثم هيأ
للعقل أن يفكر ويجرب معارضة القرآن ، حتى إذا فشل اعترف بالعجز ، قد صرف أوهام من
يريدون أن يتكلفوه ، حتى لا يتعلق الناس بذبالات الممخرقين ، ويختلط الأمر.
وأغلب الظن أن
القول بالصرفة عند النظام لا يخرج عن هذا الإطار ، وأذهب إلى أن الرأى الذى يتناقل
الأشاعرة عنه فيه من التحريف ما فيه ـ يقول الدكتور الحاجرى عن رأى الجاحظ فى
الصرفة «إنما هى ـ كما يقول فى موضع آخر ـ إلى أن لا يكون أهل الشّغب متعلق حين
يحاول المعارضة محاول ، فيأتى بما يتاح له من ذلك مضطربا أو ملفقا أو مستكرها ،
وليس يبعد عندنا ـ أن يكون هذا هو تأويل الصرفة عند النظام فى حقيقة الأمر ، وإنما
حرّفه خصومه بعد أن فهموه على النحو الذى رأينا» .
وإذا تدبرنا رأى
الرمانى سنجده يدور فى نفس الدائرة ، وذلك حينما يشرح لنا كيف أن الصرفة تعتبر
عنده أحد وجوه الإعجاز. يقول «وأما الصرفة فهى صرف الهمم عن المعارضة ، وعلى ذلك
كان يعتمد أهل العلم فى أن القرآن معجز من جهة صرف الهمم عن المعارضة ، وذلك خارج
عن العادة كخروج سائر المعجزات التى دلت على النبوة ـ وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز
التى يظهر فيها للعقول» .
فهو يذكر ذلك ،
بعد أن ناقش كيف أنه معجز لترك المعارضة مع توافر دواعى العرب وشدة حاجتهم لها ،
ثم إعجازه لتحدّيه الكافة ، وليس مع التحدى صرفة ، إلا أن يصرف ـ المتكلفون فيه ـ عن
أن يعارضوه بالشّبه فتعظم القصة ، وتحتاج إلى محاكمة ويقع الزلل.
__________________
ومهما أحكمنا
إغلاق دائرة الاعتزال على مبدأ الصرفة وجعلناه نبعا من صميم عقائدهم ، فلا مشاحة
فى أنه مزود بقدر يجعله إلى الجبر أقرب. فالطامعون مصرفون كرها عن أن يعبثوا
بمقدسات المسلمين ولكنهم أرادوا ـ أن يحاولوا ـ وهذا مسيلمة قد حاول وغيره قد حاول
، فلما ذا لم تستمر هذه المحاولات وتنضج فتقدم شيئا؟ إلى هنا. نجيب بأنهم أرادوا
فصرف الله أوهامهم.
ولكن القاضى عبد الجبار
يعطى للقضية عمقا أعمق ، وفهما أنضج ، ويفتح لها بابا يتصل بقدرة الانسان وبارادته
ثم بعقله وبمنطقه يقول «إنا نقول ـ أن دواعيهم انصرفت عن المعارضة ، لعلمهم بأنها
غير ممكنة ، على ما دللنا عليه ، ولو لا علمهم بذلك لم تكن لتنصرف دواعيهم ، لأنا
نجعل انصراف دواعيهم تابعا لمعرفتهم بأنها متعذرة» . ثم يقول «واعلم ... أن أحدّ ما يتبين به عظم شأن القرآن
فى الأعجاز : أنه لا وجه يطعن به الملحدة ، وسائر من خالف فى نبوة (محمد) صلىاللهعليهوسلم ، إلا وهو غير قادح فى كونه معجزا ، بل يكشف عن وجه من
وجوه الإعجاز ، لو صحت مطاعنهم ـ ويتميز بذلك من سائر المعجزات لأن وجوه القدح
فيها لا تتضمن ـ أن صحت ـ كونه معجزا» .
وبهذا الرأى الذى
أولاه القاضى اهتماما ـ تحولت الأنظار عن الصّرفة وعن المناقشات فى تفريعها
وتشقيقها ، وانغلق باب القول فيها ، وذلك بأن المعارض حتى وإن موّه على نفسه وجرب
حظه فى الطعن فلن يفلح فى طمس دعوى الأعجاز وفشله ثابت باستدلال العقل وتجارب
الأولين.
ثانيا : النظم
والفصاحة عند المعتزلة :
سئل الرمانى : لكل
كتاب ترجمة فما ترجمة كتاب الله عزوجل فقال : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ
وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) [إبراهيم ـ ٥٢].
والمعتزلة حين
ناقشوا الجانب البلاغى فى القرآن ، وجدنا الفراء ينادى بأن
__________________
نلتمس إعجاز
القرآن فى قوالبه اللغوية ، ويعنى بهذا ، الإعجاز الكامن فى موسيقا ألفاظ القرآن ،
ثم فى نزوله بأفصح اللغات .
أما الجاحظ فقد
احتفل بفكرة النظم احتفالا كبيرا جاعلا منها دليلا على إعجاز القرآن ونراه دائما مشغوفا بجودة اللفظ وحسنه وبهائه ، ويروح فى «بيانه»
يتحدث عن جزالة الألفاظ وفخامتها ورقتها وعذوبتها وخفتها وسهولتها ، وينشد ذلك فى
كل جانب من جواب كتابه هذا ، بل أنه قد عرض للحروف التى هى جوهر الألفاظ ملاحظا أن
فيها ما لا يقترن بعضه إلى بعض فى الكلام وتعرّض لتلاقى الكلمة مع الكلمة ملاحظا أن من الألفاظ ما
يتنافر بعضه مع بعض ، ويطيل الوقوف إزاء بعض أشعار يشتد فيها التنافر بين ألفاظها
لينكشف للقارئ ما فيها من ثقل ومئونة على اللسان ثم ينقل دائرة الكلام إلى القرآن فيشير فيه إلى مواقع
الألفاظ وكيف أن الكلمة المرادفة لأخرى لا يصح أن تستخدم مكانها وأن الكلمات
كأفراد الأسرة ، وفى الأقل ، منها ما تقوم بينها واشجة الرحم . ويضرب لنا مثلا للفظ الموجز الدال على معان عديدة تتوارد
على الذهن عقيب التفكير فيها ، مثل قوله تعالى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها ، أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) [النازعات ـ ٣٠]
ويقول : وقالت الحكماء : إنما تبنى المدائن على الكلأ والمحتطب ، فجمع بقوله «أخرج
منها ماءها ومرعاها» النّجم والشّجر واليقطين والبقل والعشب ، فذكر ما يقوم على ساق وما يتفنن وما يتسطح وكل ذلك مرعى ، ثم قال على النسق («مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ») [النازعات ـ ٣٣]
فجمع بين الشجر والماء والكلا والماعون كله ، لأن الملح لا يكون إلا بالماء ولا
تكون النار إلا من الشجر ... .
__________________
فجزالة اللفظ
شاغله ، وفخامته وسلاسته همه ، فنراه يحمل على غرابة الألفاظ وعلى من يتشبهون
بالبدو الجفاة فى استخدام الآبد الوحشى من الألفاظ ، فإنهم إن كانوا إنما رووا هذا الكلام
لأنه يدل على فصاحة ، فقد باعده الله من صفة البلاغة والفصاحة ، وإن كانوا إنما
دوّنوه فى الكتب ، وتدابروه فى المجالس لأنه غريب ، فأبيات من شعر العجاج وشعر
الطرماح وأشعار هذيل تأتى لهم من حسن الرصف على أكثر من ذلك .
وقد أداه هذا إلى
أن يقول أنّ «المعانى مطروحة فى الطريق يعرفها الأعجمى والعربى ، والبدوى والقروى
، وإنما الشأن فى إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وفى صحة
وجودة السبك وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير» ويطلب الجاحظ إلى كل من يريد الوقوف على معانى الكتاب
والسنة وقوفا دقيقا أن يفقه أسرار ودلالة ألفاظها وصيغها فقها حسنا ونتيجة هذه الدراسات عند الجاحظ أن كتابنا المنزل ، معجز
وإعجازه فى نظمه ويقول أيضا «إعجازه فى نظمه وأسلوبه العجيب المباين
لأساليب العرب فى الشعر والنثر» .
وليس من شك فى أن
كتابه المفقود الذى صنّفه فى (نظم القرآن) كان يشتمل على كثير من ملاحظاته
البلاغية» ، على أنه لم يسقط المعانى جملة فقد كان يرى رأى العتابى
فى أنها تحل من الألفاظ محل الروح من البدن .
__________________
وإذا تركنا الجاحظ
إلى الرمانى (ت ٣٨٦) ، فسنجد أنه يرى ، أن البلاغة لا النظم سر من أسرار إعجاز
القرآن.
وقد كانت هناك
جهود بذلت فى الميدان بعد الجاحظ مباشرة حتى وصلت إلى الرمانى ، وجدت مباحث ابن
قتيبة (ت ٢٧٦) والمبرد (ت ٢٨٥) وثعلب (ت ٢٩١) وابن المعتز (٢٩٤) وقدامة بن جعفر (٣٣٧)
وهم ليسوا معتزلة ولكنهم اشتركوا فى القول.
فتمهد الطريق
للرمانى ليمسك بأعنّته ، ويضع الصياغات النهائية لبعض فنون البلاغة ، ويؤنس طريق
البلاغيين من بعده فيسيرون على الهدى .
قلنا أن الرمانى
قد رفض فكرة النظم وعرض فكرة البلاغة سرا من أسرار الإعجاز يقول فى رسالته (النكت)
فأما البلاغة فعلى ثلاث طبقات ، منها ما هو أعلى طبقة وما هو أدنى طبقة ومنها ما
هو فى الوسائط بين أعلى طبقة وأدنى طبقة ، فما كان فى أعلاها فهو معجز وهو بلاغة
القرآن ، وما كان دون ذلك فهو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس ، وليست البلاغة إفهام
المعنى لأنه قد يفهم المعنى متكلمان أحدهما بليغ والآخر عيى ، ولا البلاغة أيضا
بتحقيق اللفظ على المعنى ، لأنه قد يحقق اللفظ على المعنى ، وهو غث مستكره ونافر
متكلف ، وإنما البلاغة ، إيصال المعنى إلى القلب فى حسن صورة من اللفظ فأعلاها طبقة فى الحسن بلاغة القرآن وأعلى طبقات البلاغة للقرآن
خاصة ، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب ، كإعجاز الشعر المفهم للعرب خاصة كما أن
ذلك معجز للكافة .
ثم هو يفصل هذا
التعريف ، فيتناول الأمر من جهتيه. أولهما : الأثر النفسى
__________________
(إيصال المعنى الى
القلب) والآخر : من ناحية الصورة البيانية للبلاغة (فى حسن صورة من اللفظ).
فيقسم البلاغة على
هذا الأساس إلى أقسام عشرة : ما يختص بالمعانى والصورة البيانية ، كالإيجاز
والتشبيه والمبالغة وحسن البيان ، ثم ما يختص باللفظ كالتلاؤم والفواصل والتجانس
من محسنات الأسلوب اللفظية ثم يتكلم فى أثناء عرضه لتلك الفنون عن أثر كل منها فى
النفس ، وعن أى طريق تتسلل إليها؟ عن السمع؟ أم عن طريق البصر؟ أم عن طريق الذوق؟
فالقرآن عنده فى
أعلى درجات البلاغة وهو أيضا فى أعلى درجات التلاؤم اللفظى وكل تلاؤم عداه فى
المرتبة الوسطى . ثم يرى أن السبب فى التلاؤم اللفظى التوسط بين التقارب
والتباعد فى مخارج الحروف
وبامتزاج التلاؤم
اللفظى مع حسن البيان وصحة البرهان ينتج القول الجميل الرائع حتى يصل إلى مرتبة
الاعجاز.
وبعد الرمانى ـ جاء
الباقلانى الأشعرى ، الذى رجع إلى فكرة النظم عند الجاحظ (المعتزلى) ولكن المدرسة
الجبائية أكملت طريق الرمانى ، فتكلمت عن الفصاحة بشروطها الثلاثة ، فالكلمة لا
تعد فصيحة فى نفسها ، إذ لا بدّ من ملاحظة صفات مختلفة لها ، لا بدّ من ملاحظة
إبدالها (اختيارها) ونظائرها ، ولا بدّ من ملاحظة حركاتها فى الأعراب ، ولا بدّ من
ملاحظة موقعها فى التقديم والتأخير.
ثم يظهر الجرجانى ـ
وينادى بفكرة النظم ، لا كما نادى بها الجاحظ ولا الباقلانى ، وإنما كما أوضحتها
المدرسة الجبائية. وأما الزمخشرى ـ فقد خرج من الدائرة بأكملها وأحل محلها نظرية
المعانى والبيان. وسار على نهجه التابعون.
ثالثا : الأخبار
عن الغيوب :
وهذا مبحث هام ،
لا يقل أهمية عن مباحث علم الكلام فى الإعجاز ولا عن الجانب البلاغى بنواحيه
المتعددة.
__________________
وقيمة مبحث
الأخبار عن الغيوب ، أنه نبع لا ينفد ، يظل يلهم الإنسان المكلف بأن يتدبر القرآن
وأن يزيل الغشاء عن البصيرة ، وأن يتأمل ما ذا حدث فى الأزمان الغابرة وما ذا يحدث
له وأمامه ، ثم هو يجد الإشارات والدلالات فى قرب أو بعد موجودة فى القرآن.
والإنسان هو مركز دائرة الغيب ، ما بعد عن إدراكه فهو غيب له ، وما بعد عن إدراك
آبائه ، فهو غيب لهم دونه أن كان قد اكتشف سره. إذن فشئون الكون بعظائمه ودقائقه ،
كلها غيب بالنسبة للانسان ، وشئون النفس البشرية وخلجاتها ونزعاتها كلها غيب له
أيضا.
ومن ثمّ ، أخبرنا
القرآن عن قوم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ، وما كنا نعلم من شأنهم أمرا ، فكان هذا
غيبا مضى. معجزا من القرآن وأخبرنا عن أحداث لم يتوقعها العرب آنذاك ثم حدثت بعد
ذكرها فى القرآن بوقف قليل ، كقوله تعالى (قُلْ
لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) [الفتح ـ ١٦] وغيرها. فكان غيبا فى المستقبل القريب وهو معجز.
ومنه ما كان غيبا
فى المستقبل البعيد ، مثل حكاية القرآن عن اليهود أنهم أن كانوا صادقين بكونهم
أولياء الله فليتمنوا الموت ثم قال (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ
أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [الجمعة ـ ٧] فما
تمناه منهم أحد.
وقد تكلم النّظّام
بخاصة عن الغيب الماضى والغيب المستقبل (القريب والبعيد) ثم أشار إلى الغيب الكامن
فى النفس البشرية ، وأن القرآن أخبر عما فى نفوس قوم وبما سيقولونه وهذا وما أشبه
فى القرآن كثير .
وعلى مدى العصور
والأجيال تنكشف للناس غيوب عديدة فى أنفسهم وفى عالمهم وفى واقعهم ، ويقرءون
القرآن فيجدون إشارات ودلائل فيدركون بعمق مدى قصورهم أمام ملكوت الله سبحانه
وتعالى ، ومدى صحة قوله عز اسمه (ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام ـ ٣٨]
ومدى إعجاز القرآن لما فيه من أسرار
__________________
عجيبة لا تنفد ،
وهى معجزة لأنها لا تنفد ، ومعجزة أيضا لأنها لا تنكشف للانسان إلا بعد لأى وعلى
فترة من الزمن.
بل إن هذه الغيوب
التى تنكشف للإنسان كلما ازداد تأملا فى القرآن لتأكد له أنه حين يستضيء بهدى
القرآن الكريم تنسجم له السعادة التى ينشدها.
ولا أريد هنا أن
أعود إلى ما ذكرته المعتزلة فى هذه الصدد ، ولكنى أشير إلى أن المعتزلة بمعالجتهم
نظرية الاعجاز ، ركزوا الانتباه إلى هذا المبحث ، وبعدهم حدثتنا عنه الأشاعرة
وغيرهم.
وهم قد وقفوا فيه
عند علمهم ، ثم تناوله مفكرون فى عصر النهضة الفكرية وشعبوا هذا الغيب الغائب عن
الإنسان فى نفسه وفى كونه الذى يعيش فيه وفى مجتمعه وفى القوانين والأحكام
والشرائع ، وفى ميادين عديدة ، فأصابوا وأخطئوا ، ولكنهم يجتهدون يريدون أن يثبتوا
إعجازه لما فيه من غيوب وصدق الله العظيم وقوله الحق فى كتابه العزيز (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ
فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود ـ ١] فيه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة ـ ٢](وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِهِ) [المائدة ـ ١٦].
وبعد فلن ينتهى
الحديث عن المعتزلة عند هذا الحد فهو متصل ، حين ننتقل إلى دراسة النظرية بين جهود
المعتزلة وجهود الأشاعرة أو بمعنى آخر أوجه الاختلاف التى كانت بينهما حين درسا
النظرية. ومن الطبيعى أن يختلفا لأن المبادئ الأساسية بينهما قد اختلفت وفى
الاختلاف نشاط وثراء للقضية.
الإعجاز بين
المعتزلة والأشاعرة :
مر بنا كيف تناول
المعتزلة والأشاعرة ، قضية الإعجاز القرآنى ، وكان فى تناول كل مدرسة منهما الأثر
الواضح على القضية ، مما تستطيع معه ، أن تشير إلى هذه السمات الاعتزالية التى
خططت معالجتها ، وكذا الأشعرية.
وقد اتفقت
المدرستان فى نقاط ، كما اختلفتا فى نقاط ، وكان مصدر اختلافهما مبادئهما التى
ارتضوها.
ومن ثم سنحاول أن
نتعرف على نقاط الاختلاف ثم نقفيها بتلك التى اتفقوا
فيها. وبذلك نعطى
القضية صورتها الأخيرة ، على يد هاتين المدرستين العظيمتين.
وسنقسم القول هنا
إلى الجانبين الكبيرين فى تناولها ، وهما الجانب الكلامى والجانب البلاغى.
أولا : الجانب
الكلامى فى الاعجاز بين المعتزلة والأشاعرة :
وسنقسم هذا الجانب
إلى :
١ ـ دليل النبوة
عند المعتزلة والأشاعرة.
٢ ـ خلق القرآن
وقدمه عندهما.
٣ ـ المنهج العقلى
بينهما.
أولا : دليل
النبوة عند المعتزلة والأشاعرة :
ذهب المتكلمون
المعتزلة فى معرض دفاعهم عن نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم إلى أن الدليل على صدق دعواه ، أحواله هو وأخلاقه ، عليه
أفضل الصلاة السلام وتعاليمه ثم تأتى المعجزات دليلا فى الدرجة الثانية وخالفهم فى
ذلك الأشاعرة.
فالقاضى عبد
الجبار ، بعد أن يعرّف (المعجز) فى علم الكلام بأنه «الفعل الذى يدل على صدق مدعى النبوة
، يقول ولهذه الجملة لم يعتمد شيوخنا فى إثبات نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم على المعجزات التى إنما تعلم بعد العلم بنبوغه صلىاللهعليهوسلم لأن ثبوت ذلك فرع على ثبوت النبوة ، فكيف يصح أن يستدل به
على نبوة ، وجعلوا هذه المعجزات مؤكدة وزائدة فى شرح الصدور فيمن يعرفها من جهة
الاستدلال .
فالمتشكك فى
النبوة ، سيتشكك فى كل ما جاء عنها ، أمّا المصدق بها فسيكون أمامه الطريق لكى
يعقل إعجاز المعجز ، ثم يتدبر كيفية إعجازه. هذا رأى المعتزلة.
أما الأشعرية ،
فيرون أن المعجزات هى الدليل الأول على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيورد الإسفرايينى رأى أبى الحسن الأشعرى ، «واعلم أن
تحقيق نبوة المصطفى
__________________
صلىاللهعليهوسلم ظاهرة فى كتاب الله تعالى حين قال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ
وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب ـ ٤٥ و ٤٦]
وحيث قال (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب ـ ٤٠]
وذلك مذكور فى غير موضع من الكتاب .
وعن الباقلانى فى
الإعجاز أنه قال : الذى يوجب الاهتمام التام لمعرفة إعجاز القرآن أن نبوة نبينا عليهالسلام بنيت على هذه المعجزة . وهذا عبد الملك الجوينى أمام الحرمين يقول «الدليل على
ثبوت نبوة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، المعجزات» .
أما أبو منصور
الماتريدى ، فقد أيد قول المعتزلة فى أن دليل النبوة النبى نفسه عليه الصلاة
والسلام ـ وأحواله ، ثم القرآن الكريم وإعجازه ، وارتضى هذا الرأى الفيلسوف ابن
رشد .
ثانيا : خلق
القرآن وقدمه بين المعتزلة والأشاعرة :
لقد قالت الأشعرية
أن القرآن قديم ، تبعا لقولهم أن كلام الله تعالى قديم وقالت المعتزلة أن القرآن مخلوق تبعا لتنزيهم الله تعالى
عن أن يشاركه قدماء آخرون .
وذهب الأشاعرة إلى
إثبات الكلام النفسى ، وقالوا ، كلامه تعالى معنى واحد بسيط قائم بذاته تعالى قديم
.
وليس شىء من
القرآن مخلوقا عند أبى الحسن الأشعرى ، لا القائم بالنفس
__________________
ولا المتلو فى
المصاحف ، يقول «لا يجوز أن يقال أن شيئا من القرآن مخلوق لأن القرآن بكماله غير
مخلوق» وهو يريد بذلك لفظ القرآن ومعناه.
ومن هنا دار الجدل
بين الكلام القديم والكلام المحدث المخلوق ، بين المعتزلة والأشاعرة ، وتطرق بهم
الجدل إلى نظرية إعجاز القرآن ، وكان جدلهم يدور حول إعجاز المتلو لا إعجاز القائم
بالذات الالهية ثم راح المعتزلة ينظرون إلى القرآن ، نصا دينيا مخلوقا ،
فظهر بينهم رأى الصرفة ، وظهرت قضية تفضيل اللفظ على المعنى. ولكن الأشاعرة قد
رفضوا رأى الصرفة وبهرجوه ، وجنحوا ، على يد الجرجانى ، إلى تفضيل المعنى ، ويقصد
به ذلك المعنى القائم بالنفس.
وقد رد ابن سنان
الخفاجى المعتزلى ، على عبد القاهر ، قائلا «فأما من ذهب إلى أن الكلام معنى فى
النفس من المجبّرة ، فإنّ الذى حملهم على هذا المذهب الواضح الفساد ، ظهور أدلة
نظّار المسلمين على حدوث هذا الكلام المعقول ، وتقديم بعض حروفه على بعض ، فلم
يتمكنوا من الاعتراف بأنه من جنس الأصوات المتقطعة مع القول بأن كلام الله عز اسمه
قديم فادّعوا لذلك أن الكلام غير هذا الصوت المسموع ، وأنه معنى قائم بالنفس
ليسوّغ لهم قدمه على بعض الوجوه» .
ولا نقول مع
الدكتور درويش الجندى ، إن نظرية النظم عند الجرجانى قامت على أساس دينى وأن هذا
الأساس الدينى هو الحافز لعبد القاهر على أن يكتب ما كتب من هذه البحوث البلاغية . ولكن نقول أن جانب المعنى القائم بالنفس نظرية أشعرية كان
لها نصيب كبير فى نظرية النظم عند الجرجانى ـ بجانب بحوثه فى الجمال والتذوق ،
وصلة المنطق باللغة والنحو.
__________________
ومهما يكن من شىء
فإن قضية خلق القرآن ، وما نتج عنها من مشكلات ونتاج فى الفكر الإسلامى والأدب
العربى ، قد جنح لها فلسفيا أبو منصور الماتريدى حينما عالج القضية من وحى أفكار
المدرستين معتزلة وأشعرية ، ففرق بين نوعين من الكلام «أحدهما نفسى ، وهو المعنى
القديم القائم بذاته تعالى ، وهو ليس من جنس كلام البشر ، أى ليس من جنس الحروف
والأصوات ومن ثم فهو صفة ذاتية له ، والله متّصف بالكلام منذ الأزل على هذا
الاعتبار ، أما النوع الآخر فهو المؤلف من حروف وأصوات ، وهذا لا شك فى أنه حادث
ومخلوق» ثم فسر لما ذا نفى المعتزلة صفة الكلام مع أنها قديمة ، فقال : وأنّهم
خرجوا على مبدئهم المشهور ، فقاسوا عالم الغيب على عالم الشهادة ، ولو التزموا هذا
المبدأ لعلموا أن «من أحبّ تقدير كلام الله بكلام المخلوق فهو مغفّل» على حد
تعبيره ، فالكلام النفسى صفة قديمة لا يعلم حقيقتها ، ولا كيف يتصف الله بها. ونحن
لا نستطيع سماع كلامه أو قراءته إلا بواسطة ، فموسى لم يسمع كلام الله الأزلى
حقيقة ، وإنما سمع صوتا يدل عليه» ويقول الماتريدى «إن المعتزلة نظروا إلى ناحية اللفظ ،
واعتبر الأشعرية ناحية المعنى ، ولم يكن هناك ما يوجب هذا الخلاف كله لأن المشكلة
أقرب أن تكون لفظية من أن تكون حقيقية وجوهرية .
وكان هذا الحل هو
الذى ارتضاه أهل السنة الذين يفرقون بين صفة الكلام النفسى القديم ولفظ القرآن
المخلوق هو الحل الذى يسلّم به متأخرو الأشعرية كإمام الحرمين ، وقد انتهت مشكلة
خلق القرآن بكل شرورها ، وما اكتنفها من سوء فهم ، عند ما سلّم الغزالى بهذا الرأى
.
ثالثا : منزلة
العقل عند المعتزلة والأشاعرة :
أن للعقل عند
المعتزلة مكانة سامية ، يقول الزمخشرى «امش فى دينك تحت
__________________
راية السلطان ،
ولا تقنع بالرواية عن فلان وفلان ، فما الأسد المحتجب فى عرينه أعز من الرجل
المحتج على قرينه ، وما العنز الجرباء تحت الشّمال البليل ، أذل من المقلد عند صاحب الدليل» .
وأما القضايا التى
شغلتهم دفاعا عن الدين الحنيف أمام المشبهة والملحدين وأصحاب الأهواء ، نادوا
بمبادئهم الخمسة المعروفة ، وأثبتوا أن القرآن لا تناقض فيه ولا اختلاف وذلك عن
طريق العقل ، الذى أباح لهم بتمكنهم فى اللغة أن يفتحوا بابا واسعا من المجاز
اللغوى يتسع لكل ما نادوا به من نظريات وما دافعوا عنه من قضايا. ولم يرتض
الأشاعرة هذا المنهج وهاجموه.
يقول القاضى عبد
الجبار «وإذا وجب تقدم ما ذكرناه من المعرفة ، ليصح أن يعرف أن كلامه تعالى حق
ودلالة ، فلا بد من أن يعرض ما فى كتاب الله من الآيات الواردة فى العدل والتوحيد
، على ما تقدم له من العلم ، فما وافقه حمله على ظاهره ، وما خالف الظاهر حمله على
المجاز ، وإلا كان الفرع ناقضا للأصل ، ولا يمكن فى كون كلامه تعالى دلالة سوى هذه
الطريقة ، فإذا ثبت ما قدمناه ، لم يمكنكم ادعاء الاختلاف والمناقضة فيه ، لأن
محكمه ومتشابهه سواء فى أنهما لا يدلان ، وفى أن الواجب على المكلّف عرضها على
دليل العقول» . وقد سبقه الجاحظ الى تقرير هذه الحقيقة .
إذن اهتم المعتزلة
بالعقل أيما اهتمام ، ولكن ليس معنى هذا أنه يطغى على السمع فالقرآن هو المقدم على
العقل ، وهو الأصل ـ لا كما يتبادر إلى ذهن بعض الباحثين. وقد أوضح القاضى عبد
الجبار ذلك فى كتابه (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) فقد رتب فى الفصل الأول منه
الأدلة وأوضح رأيه فى أن دلالة العقل لا يطعن فى جعل الكتاب هو الأصل فقال فى بيان
هذه الأدلة (أولها دلالة العقل ، لأن به يميز بين الحسن والقبيح ، ولأن به يعرف أن
الكتاب حجة ،
__________________
وكذلك السنة
والإجماع ـ ويقول «وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم فيظن أن الأدلة هى الكتاب
والسنة والإجماع فقط ، أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر وليس الأمر
كذلك ، لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل ، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة ،
وكذلك السنة والإجماع» ثم يقول «وإن كنا نقول إن الكتاب هو الأصل من حيث أن فيه
التنبيه على ما فى العقول ، كما أن فيه الأدلة على الأحكام» .
والعقل وتقديمه
أدى بهم ـ ليتساوقوا مع متطلباته وألّا ينقلبوا إلى التناقض ـ أن يتوسعوا فى
التأويل ، بالرغم من أنهم كانوا مسبوقين فى هذا المضمار ، إلا أن فضلهم فى
استطاعتهم أن يحفظوا كلام الله. ويقدسونه عن مطاعن المتشككين ، على وجه يطابق
العقل .
والذى ساعد
المعتزلة على التوسع فى التأويل والإلحاح فى المجاز ، اعتقادهم بأن اللغة توفيقية
لا توفيقية.
وقد ظهرت هذه
المسألة : اللغة اصطلاح أم توقيف؟ بين المعتزلة والأشاعرة؟ يقول ابن تيمية أنه «لم
يقل بها أحد قبل أبى هاشم الجبائى ، إذ تنازع الأشعرى وأبو هاشم فى مبدأ اللغات ،
فقال أبو هاشم هى اصطلاحية ، وقال الأشعرى هى توفيقية ، ثم خاص الناس بعدهما فى
هذه المسألة .
وقد حمل ابن فارس
راية الأشاعرة فى أن أصل اللغة توقيف ، ووراء هذا الرأى معتقدهم أن الله خالق
لأفعال عباده وأما المعتزلة ، فيمثل رأيهم أبو على الفارسى وابن جنى ،
فيريان أنها اصطلاح ، ويرفضان المواضعة لأن «القديم سبحانه لا يجوز أن يوصف بأن
يواضع أحدا على شىء ، إذ أن المواضعة لا بدّ معها
__________________
من ايماء وإشارة
بالجارحة نحو المومأ إليه والمشار نحوه ، والقديم لا جارحة له فيصح الإيماء
والاشارة منه» .
فالقول باصطلاح
اللغة يخدم رأى المعتزلة فى التوحيد من ناحية ، والعدل أو حرية الإرادة من ناحية
أخرى ، ويخدم أيضا ناحية الاتساع اللغوى ، يقول ابن جنى «اللغات على اختلافها حجة»
.
ولكن ، أدى الأمر
بالمعتزلة إلى الشطط أحيانا ، وإلى اختراق الحواجز أحيانا أخرى فتقدم العقل ،
والتوسع فى التأويل ، مع الاعتقاد بأن اللغة اصطلاح وأن أكثرها مجاز لا حقيقة ، فقد أوردهم المضايق فى بعض أحوالهم ، والذى يطالع متشابه
القرآن للقاضى عبد الجبار أو تفسير الكشاف للزمخشرى ، يضع يده وبسهولة على مواطن
نزق العقل وجفاف أحكامه وعدم مطاوعته ـ أحيانا ـ لأحكام العقل نفسه بل أحكام الذوق
والكياسة فى الحديث عن الرسول وعن غيره من شخصيات لها قدرها.
أما الأشاعرة ،
فقد احترموا العقل أيضا ، ولكنهم ـ فى ضوء مبادئهم ـ لم ينساقوا معه إلى نهاية
الطريق ، فهذا الجرجانى يهاجم المجازات الاعتزالية فى التأويل ويسمى المعتزلة (محبّى
الإغراب فى التأويل) ويصف محاولتهم هذه «بالإفراط» وابن قيم الجوزية ، يعلق على توفيق المعتزلة بين قوانين
العقل وحقائق النص بأن «فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأى على الوحى ،
والهوى على العقل» .
والحق أن قضية
الإعجاز قد استفادت ، من مبدأ التوسع المجازى عند المعتزلة وبخاصة فى المجال
البلاغى ، وهذه جهود الجاحظ والقاضى عبد الجبار والزمخشرى تشهد بذلك. وقد أفرد
الزمخشرى ، كتاب «أساس البلاغة» للتحقيق العملى بأن معظم اللغة مجاز ، فالكتاب
خادم لقضية الاعجاز من وجهها الاعتزالى ،
__________________
يقول فى المقدمة «ومن
خصائص هذا الكتاب تأسيس قوانين فصل الخطاب والكلام الفصيح ، بإفراد المجاز عن
الحقيقة والكناية عن التصريح» . وإذا كان الأشاعرة قد أخذوا على المعتزلة شطحاتهم فى
إكراه اللغة على استيعاب مبادئهم ، فإن بعض الأشاعرة قد تأثر فى تفسيره للقرآن ،
أفكارا شاعت فى البيئة الاعتزالية ، يسجل ذلك ابن تيمية فى كتابه قائلا (وقد رأيت
من العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر فى كتابه وكلامه من تفسيرهم ما يوافق أصولهم ،
التى يعلم أو يعتقد فسادها ، ولا يهتدى لذلك» .
الجانب البلاغى فى
الإعجاز بين المعتزلة والأشاعرة :
مر بنا أوجه الخلاف
، الناتجة عن المبادئ الخاصة بين المعتزلة والأشاعرة فى الجانب الكلامى. وهم أيضا
فى الجانب البلاغى قد اختلفت وجهات نظرهم.
وسنقسم الحديث هنا
الى قسمين :
أولا
: الإعجاز البلاغى بينهما.
ثانيا
: الفواصل والسجع ورأيهما فيها.
١ ـ الإعجاز
البلاغى بينهما :
لاحظنا أن الجاحظ
يرجع إعجاز القرآن لنظمه ، وألف فى ذلك كتابا سقط من يد الزمن وكرر فى مواضع من
كتاباته هذا الرأى من مثل قوله «فى كتابنا المنزّل الذى يدلنا على أنه صدق نظمه
البديع الذى لا يقدر على مثله العباد» وقد اعتنى باللفظ عناية خاصة ولكنه لم يسقط المعانى جملة ،
وكان يرى رأى العتابى من أنها تحل من الألفاظ محل الروح من البدن» .
وأما أبو هاشم
الجبائى ، فقد رأى أن النظم لا يصلح أن يكون مفسرا لفصاحة الكلام ، لأن النظم قد
يكون واحدا ، ويفضل أديب صاحبه فيه ، وأنه لا يوجد فى
__________________
الكلام إلا اللفظ
والمعنى ولا ثالث لهما وإذن فلا بد أن تكون الفصاحة راجعة إليهما بحيث يكون اللفظ
جزلا والمعنى حسنا» .
وهو بذلك يرد على
الجاحظ رأيه فى النظم.
والرمانى كان على
نفس الدرب حين رأى أن إعجاز القرآن لبلاغته التى فسرها بأنها ليست مجرد أفهام
المعنى لأنه «قد يفهم المعنى متكلمان أحدهما بليغ والآخر عيىّ ، وليست البلاغة
تحقيق اللفظ على المعنى لأنه قد يحقق اللفظ على المعنى وهو غث مستكره ونافر متكلف
، إنما البلاغة : إيصال المعنى الى القلب فى حسن صورة من اللفظ» .
وقد لاحظ القاضى
عبد الجبار ـ تلميذ الجبائى ـ أن فى فكرة شيخه نقصا لأنه لم يلاحظ صورة تركيب
الكلام ، وهى أساسية فى بلاغة العبارة وفصاحتها .
إذن قد تجنبت
المدرسة الاعتزالية فكرة النظم ـ متمثلة فى الجبائى والرمانى وعبد الجبار ـ سببا
لإعجاز القرآن وجنحت إلى فكرة الفصاحة. بينما تعود الأشعرية إلى فكرة النظم ، التى
هى تغاير ما ذهب إليه الجاحظ ، وتنحل فى جوهرها إلى فكرة الفصاحة التى قالت بها
المدرسة البهشمية الاعتزالية. فهذا الباقلانى يرى أن القرآن «بديع النظم عجيب
التأليف متناه فى البلاغة إلى الحد الذى يعلم عجز الخلق عنه» .
وهو هنا يرى رأى
الرمانى الذى أراد أن يصور إعجاز القرآن عن طريق تصوير ما فيه من وجوه البلاغة
التى أحصاها فى رسالته.
وفى الدلائل لعبد
القاهر نراه ، يبدئ ويعيد فى إبطال أن يكون مردّ الفصاحة إلى اللفظ أو المعنى ـ كما
زعم الجبائى المعتزلى ـ وأن لم يصرّح باسمه ـ إنما مردّها إلى النظم أو بعبارة
أخرى ، إلى الأسلوب وخصائصه وكيفياته. وقد عقد
__________________
عبد القاهر فصلا
فى الدلائل ، لتحقيق القول فى البلاغة والفصاحة والبيان والبراعة ، ذهب فيه إلى أن
هذه الأوصاف لا ترجع إلى اللفظ وإنما ترجع إلى النظم وأن اللفظة المفردة من حيث هى لفظة لا وزن لها فى فصاحة ،
وبيان ، وبلاغة وهو كذلك ينكر أن يكون للمعانى مزية فى البلاغة ، كما أنكر
ذلك بالقياس إلى الألفاظ من حيث هى ألفاظ ، وهو لا يقصد بالمعانى مجرد مدلول اللفظ
، وانما يريد المعنى الاضافى للتعبير من تقديم وتأخير وتعريف وتنكير وذكر وحذف
وقصر ووصل وفصل وما إلى ذلك من خصائص العبارات ، أى المعنى الثانى للمدلول ، أو
معنى المعنى للفظ» .
وهكذا سلّمت
الأشاعرة برأى المدرسة الجبّائيّة البهشميّة ، متمثلة فى عبد القاهر الذى مهد
الطريق بدوره للزمخشرى المعتزلى ، أن يطبق ما ذهب إليه الجرجانى.
وقد عدل الزمخشرى
عن فكرة النظم والفصاحة ، وقد تنازعها المعتزلة والأشاعرة ـ فى الظاهر ـ وآثر
اصطلاحا جديدا يدلل به على إعجاز المعجز ، وهو أنه يرجع الى علمى المعانى والبيان ويتأثره فى ذلك السكاكى ومن هذا النبع يصدر الرواة من البلاغيين.
٢ ـ الفواصل
والسجع. بين المعتزلة والأشاعرة :
اختلف الرأى بين
المعتزلة والأشاعرة ، فى تسمية نهايات الآيات أهي فواصل أم سجع؟ يقول الباقلانى «ذهب
أصحابنا كلهم إلى نفى السجع من القرآن ، وذكره الشيخ أبو الحسن الأشعرى رضى الله
عنه ، فى غير موضع فى كتبه» .
__________________
ويذكر أن
المخالفين للأشعرية ذهبوا إلى إثبات السجع فى القرآن وزعموا أن ذلك مما يبيّن به
فضل الكلام وأنه من الأجناس التى يقع فيها التفاضل فى البيان والفصاحة كالتجنيس
والالتفات وما أشبه ذلك من الوجوه التى تعرف بها الفصاحة .
وقبل الباقلانى ،
قد رفض الفراء المعتزلى أن يسمى ما فى القرآن سجعا ، وسمى نهايات الآيات باسم رءوس
الآيات .
وأغلب الظن أن
الرمانى قد استحسن رأى أبى الحسن الأشعرى ، فأخذ به وعرّف الفاصلة على هذا الأساس
بقوله «الفواصل حروف متشاكلة فى المقاطع توجب حسن الإفهام للمعانى والفواصل بلاغة
والأسجاع عيب ، وذلك أن الألفاظ تابعة للمعانى ، وأما الأسجاع فالمعانى تابعة لها»
.
ولم ير ابن سنان
الخفاجى ـ المائل إلى الاعتزال ـ رأى الرمانى فى إنكار السجع وحمل عليه ، ذاهبا
إلى أنه لا فرق بين السجع والفواصل ، وأن السجع يحمد ما دام يأتى طوعا سهلا تابعا
للمعانى ، ويقول أن القرآن لم يرد فيه إلا ما هو من القسم المحمود لعلوه فى
الفصاحة ، ويذكر أن من فواصله متماثلا ، ويريد به المسجوع ، ومتقاربا ويريد به
المزدوج .
وقد انشغل
الجرجانى بنظرية النظم ، ولم يصرح برأى واضح فى السجع القرآنى ، ولكنه ناقشه من
جانب المعنى ، فهو عنده لا يحسن إلا فى نسق مستو منتظم ، وأن الجمال البلاغى لا
يردّ إليه فى ذاته ، كما لا يردّ الى مجرد السهولة الظاهرة فى الألفاظ والسلامة
مما يسهل على اللسان .
وقد تابع الزمخشرى
عبد القاهر فى شأن السجع . وكذا السكاكى .
__________________
والذى حدا
بالأشاعرة إلى نفى السجع أنهم ظنوا أن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، قد ذمه فى حديث الجنين حين قال : «أسجع كسجع الكهان» ،
مما أدى بالباقلانى أن يرى أن السجع مذموم ، فلا يصح أن يكون فى دليلا على نبوته
عليه الصلاة والسلام .
وقد أخطأ
الباقلانى فيما ذهب ، فهذا السجع المقصود هو الركيك منه الذى لا يقع إلا فى كلام
الضعفاء ، ومنه نوع آخر يقع فيه اللفظ موقعه الرائع ، وهو فى ذلك تابع للمعانى
وهذا هو النوع المحمود منه الذى جاء المأثور الصحيح عن بلغاء الجاهلية وفصحاء
الاسلام وورد فى أحاديث الرسول على أكمل وجه وأتم نسق اتفق وجوده فى كلام البشر ،
وإليه يريغ المثبتون للسجع فى القرآن القائلون بأن ما كان منه كذلك هو نهاية
النهايات وأبعد الغايات فى البلاغة ، وقد بان بطلاوته وصفاء لفظه وتمكن معناه ، عن
جميع ما جرى هذا المجرى من كلام الخلق .
وهكذا ، يكاد
الطريق بين المدرستين يتجه اتجاها واحدا فى النظرة إلى السجع ، لو لا أن خرج على
رأى الرمانى ، ابن سنان الخفاجى الحلبى ، فتحول الطريق إلى اتجاهين ، الاتجاه
الأول الذى كان فى بيئة الأشعرية ، وذلك الاتجاه الاعتزالى الذى نادى به الخفاجى ،
معترفا للقرآن بوجود السجع فيه ، وتابعه فى ذلك ـ ابن حمزة العلوى وابن الأثير وسار الأمر.
الإعجاز بين
المعتزلة والأشاعرة :
استطاع المتكلمون ـ
معتزلة وأشاعرة ـ أن يبنوا صرحا هائلا فى الفكر الإسلامى برغم بلاء الفقهاء
والأدباء واللغويين ـ كل فى ميدانه ـ بيد أن بلاء المتكلمين كان أشد وصوتهم كان
أعلى ، وذلك حين تكلموا فى مسائلهم الفلسفية المدافعة عن العقيدة أمام هجوم
الطاعنين.
__________________
ومن المسائل التى
شغلتهم لاتصالها بأصل العقيدة الاسلامية مسألة إعجاز القرآن الكريم ، فالحياة
الفكرية الإسلامية فى أساسها مبنية على تعاليم هذا الهدى الحنيف والأعداء قد طعنوا
فيه وفى نزوله وفى إعجازه ، وفى نبوة الرسول عليه صلوات الله وبركاته ، فدافع
المتكلمون عن كل هذا وتعرضوا للإعجاز كقضية ماسة بكيان الفكر الاسلامى.
وقد تصدينا لبعض
الكتب التى كتبت فى الإعجاز وهناك أخرى ضاعت مع الزمن ، من مثل كتاب أبى عبد الله
محمد بن زيد الواسطى المتوفى (٣٠٦ ه) وهو بعنوان «إعجاز القرآن» وقد شرحه
الجرجانى شرحين وللمعتزلى الزاهد ابن الأخشيد كتاب (نقل القرآن) هذا غير الكتب التى ألفت من المعتزلة بخاصة فى «تفسير
القرآن» «ومعانى القرآن» «ومتشابه القرآن» «والرد على الملحدين».
وقضية الإعجاز هى
الصلة التى ربطت المتكلمين بالمدارس الأدبية ، لأن لها اتصالا بفنه وبلاغته ، وبأسلوبه
وروعته ، بجانب ما فى القضية من مشكلات فلسفية ، ومن هنا جاءت الكتب التى انشغلت
بقضية الإعجاز ، فيها فلسفة وأدب ، وفيها فن ومنطق ، وفيها جدل وشعر ، ومن ثمّ
تبلورت قضية للإعجاز ، لها جانبان بارزان ، الأول منهما فلسفى جدلى ، والآخر بلاغى
أدبى.
ولأنّ المعارضين
كانوا مفكرين ، سواء أكانوا أصحاب ديانات سماوية ، أم أصحاب فرق عقائدية ، وسلاحهم
كان المنطق والثقافة الواسعة والتمرس بالجدل ، أصبح أصحاب الحديث القدامى لا
يملئون مكانهم فى الدفاع عن الدين أمام هؤلاء : ولم يكن بدّ من أن تظهر طائفة لها
نصيبها من الفلسفة بجانب نصيبها من الأدب والفن والثقافة ، لتدافع عن هذا الدين
الحنيف وكانت طائفة المتكلمين ، يقول الغزالى الأشعرى «فقد ألقى الله تعالى على
لسان رسوله عقيدة هى الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم .. ثم ألقى الشيطان فى
وساوس المبتدعة أمورا مخالفة ما فيه صلاح دينهم ودنياهم .. ثم ألقى الشيطان فى
وساوس المبتدعة
__________________
أمورا مخالفة
للسنة فلهجوا بها ، وكادوا يشوشون عقيدة الحق على أهلها ، فأنشأ الله تعالى طائفة
المتكلمين وحرك دواعيهم لنصرة السنة بكلام مرتّب يكشف عن تلبيسات أهل البدعة
المحدثة على خلاف السنة المأثورة ، عنه نشأ علم الكلام وأهله» .
وقد نهض طائفة
المعتزلة ـ المتكلمين ـ كما مر بنا ـ لمناهضة الروافض ودارت المجالس ، وألفت الكتب فى بيان كيدهم على الإسلام وكان عماد المعتزلة فى تفكيرهم أن يجمعوا بين الشرع والعقل
ـ حتى انفصل الأشعرى عنهم بعد أن أحس أنهم أفرطوا فى تقدير العقل ، فأراد أن يقترب
من الشرع بالعقل نفسه الذى جعل المعتزلة ـ تفرط على نفسها فى الاعتداد به ، وظهرت
مدرسة الأشاعرة مقابلة لأساتذتها المعتزلة وصار لكل متكلمون وأدباء وعلماء. وقد
تكلمت مدرسة الأشاعرة فى قضية الإعجاز قضية هامة أصيلة فى الفكر الاسلامى. وكان من
طبيعة الحال أن تتأثر فى معالجتها بمبادئها التى ارتضتها لنفسها.
كما ظهرت
الماتريديّة ، أصحاب أبى منصور الماتريدى ، تلك المدرسة التى أرادت هى الأخرى أن
تجمع بين الشرع والعقل ـ وكانت أقرب إلى المعتزلة منها إلى الأشاعرة .
وحقا ـ كما قال
الجاحظ ـ إن كبار المتكلمين ورؤساء الناظرين كانوا فوق أكثر الخطباء وأبلغ من كثير
من البلغاء .
وقد عالج اللغويون
مسائل البيان ونظرية الأدب والبلاغة وفى القرآن بخاصة وعالجها أيضا المتكلمون
الذين لم يرتضوا أسلوب اللغويين ، واعتبروهم قد ضيقوا مجالات الفن ولم يتعمقوا ولم
ينكشفوا ما وراء الألفاظ من معان بعيدة ، ولم يجنحوا
__________________
إلى ادراك الصور
الفنية ، ولم يسبروا أغواره ليخرجوا عجائبه ، ويذوقوا الأدب والبلاغة ذوقا أدبيا ،
يملأ النفس روعة والحسى جلالا ويتدرج من القدرة البشرية إلى الإعجاز الالهى.
وحين استعرضنا
جهودهم فى الميدان الفنى للاعجاز ، لمسنا أثر تعمق المتكلمين فى دراستهم ، ومدى
سداد منهجهم الذى أدى إلى إضافات فى فنون البلاغة ، أضيفت إلى جهود الذين سبقوهم
من الرواة والشعراء والنقاد ، وما كان غيرهم بمستطيع ذلك. لو لا المتكلمون.
ونريد أن تشير هنا
الى فضلهم على البلاغة العربية عامة وعلى قضية الإعجاز بخاصة ، فى جانبها الفنى.
ونلخص ذلك فى :
أولا : المجاز
اللغوى.
ثانيا : التأثير
النفسى.
ثالثا : دراسة
الجمال والذوق الأدبى.
أولا : المجاز
اللغوى :
وقد لجأ المعتزلة
لهذا الباب حتى يتسع أمامهم القول ، وحتى يفلتوا من تلك القيود التى ألزمهم بها
المجسّمة وغيرهم من الطوائف ، وبخاصة حين عالجوا التشبيه فى القرآن الكريم ، ولقد
هاجموا اللغويين والمفسرين البسطاء الذين يلتزمون ظاهر اللفظ ، وراحوا ينزّهون
الذات الالهية عن كل ما ينالها من حسّيّة ، وجنحوا إلى الصور الذهنية والخيالات
المتضمنة ليبرزوا معانيها البعيدة فى نفوس الناس. وكان عدتهم فى ذلك المجاز
اللغوى. وقد قال الجاحظ «فللعرب أمثال واشتقاقات وأبنية وموضع كلام يدل عندهم على
معانيهم وإرادتهم ، ولتلك الألفاظ مواضع آخر ، ولها حينئذ دلالات أخرى ، فمن لم
يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة والشاهد والمثل ، فإذا نظر فى الكلام وفى ضروب من
العلم وليس هو من أهل هذا الشأن ، هلك وأهلك» .
وهذا المرتضى فى «أماليه»
يقول «وكلام العرب وحى واشارات واستعارات
__________________
ومجازات ، ولهذا
الحال كان كلامهم فى المرتبة العليا من الفصاحة فإن الكلام متى خلا من الاستعارات
وجرى كله على الحقيقة كان بعيدا عن الفصاحة ، بريّا من البلاغة ، وكلام الله تعالى
أفصح الكلام» «وأساس البلاغة»
للزمخشرى بنى لتطبيق هذا الرأى على اللغة.
وقد رأينا كيف
عالج المعتزلة اللغة على أنها اصطلاحية لا توفيقية ليتسنى لهم مقالهم ، ولكن
الجرجانى الأشعرى يأخذ على المعتزلة إفراطهم فى المجاز حتى ليقودهم الأمر إلى
المسارب الضيقة والخروج الفاحش. وهو محقّ فى ذلك ، أما الأساس المجازى نفسه فلم
يعترض عليه.
ومن ثمّ شقق
المتكلمون الكلام ، وداروا معه حيث دار ، وأخرجوا لنا كنوزه وكان لهم فضلهم.
ثانيا : التأثير
النفسى :
للمعتزلة الباع
الطويل فى هذا الميدان ، وهذه صحيفة بشر بن المعتمر (ت ٢١٠) التى رواها الجاحظ فى
البيان ، وفيها ينصح بشر كل أديب سواء أكان خطيبا أم كاتبا أم شاعرا بأشياء هامة
من ناحية الألفاظ والمعانى وكيفية التهيؤ لها حتى تصدر منه كما يصدر الماء من
ينبوعه ويشرح أيضا جانب تأثير الخطيب أو الأديب فى نفوس المستمعين أو القراء قائلا
: ينبغى للمتكلم أن يعرف أقدار المعانى ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين ، وبين
أقدار الحالات ، فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاما ، ولكل حالة من ذلك مقاما ، حتى
يقسّم الكلام على أقدار المعانى ، ويقسم المعانى على أقدار المقامات وأقدار المستمعين
على أقدار تلك الحالات ... .
وارتباط التأثير
فى النفس بجانب الإعجاز والإطناب فى البلاغة لأنهما يتصلان مباشرة بنفس المستمع أو
القارئ.
وقد توسع الجاحظ
فى الحديث عن الأطناب والايجاز ومواضعها ، من ذلك
__________________
حديثه عن الترداد
والتكرار فى القصص القرآنى ، يقول «وقد رأينا الله عزوجل ردد ذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب وإبراهيم ولوط وعاد
وثمود ، وكذلك ذكر الجنة النار وأمور كثيرة ، لأنه خاطب جميع الأمم من العرب وجميع
أصناف العجم ، وأكثرهم عىّ غافل ، ومعاند مشغول الفكر ساهى القلب» .
ويكرر مع بشر فكرة
مطابقة الكلام لمعانيه وللأحوال المختلفة وطبقات المستمعين حتى لا ينفد الكلام إلى
السمع إلا وتنفد معه المعانى إلى القلب يقول «وأحسن الكلام ما كان قليه يغنيك عن
كثيره ، ومعناه فى ظاهر لفظه .. وإذا كان المعنى شريفا واللفظ بليغا وكان صحيح
الطبع بعيدا عن الاستكراه ومنزها عن الاختلال ، مصونا عن التكلف ، صنع فى القلوب
صنيع الغيث فى التربة الكريمة» .
ويعرف الرمانى
البلاغة بأنها ايصال المعنى الى القلب فى حسن صورة من اللفظ ويرجع القاضى عبد
الجبار تفاضل ناظم عن ناظم فى اختيار الألفاظ ، والتأثير على المستمع الى ما يسميه
ب «قوة المحاضرة» .
وقد شارك الأشاعرة
المعتزلة فى هذا المضمار ، فنجد الباقلانى يعتبر الوجه العاشر من وجوه القرآن ،
أثره فى النفوس ، يقول «ومعنى عاشر وهو : أنه سهّل سبيله ، فهو خارج عن الوحشى
المستكره ، والغريب المستنكر ، وعن الصنعة المتكلفة ، وجعله قريبا الى الافهام ،
يبادر معناه لفظه إلى القلب ، ويسابق المغزى منه عبارته الى النفس ، وهو مع ذلك
ممتنع المطلب ، عسير المتناول ، غير مطمع مع قربه فى نفسه ولا موهم مع دنوه فى
موقعه أن يقدر عليه أو يظفر به» .
أما الجرجانى ،
فغنيّ عن البيان ما وجهه من عناية لهذا الجانب ، فهو فى (الأسرار) يثور على تعقيد
المعقدين فى كتبهم الذين ينسون أنهم يتكلمون ليفهموا ، ويقولون ليبينوا ، ويريدون
البلاغة فيتكلفونها ، فيصيرون «كمن ثقّل
__________________
العروس بأصناف
الحلىّ حتى ينالها من ذلك مكروه فى نفسها» .
والناظم يتميز ـ عند
الجرجانى ـ عن ناظم آخر بقدر معانيه التى قصد إليها وأغراضه التى قصد لها ،
وأغراضه التى من أجلها وضع الكلام ، وسبيل هذا الأمر «سبيل الأصباغ التى تعمل منها
الصور والنفوس ، فكما أنك ترى الرجل قد تهدى فى الأصباغ التى عمل منها الصورة والنقش فى ثوبه الذى نسج
، إلى ضرب من التخير والتدبر فى أنفس الأصباغ وفى مواقعها ومقاديرها وكيفية مزجه
لها وترتيبه إياها إلى ما لا يتهدّ إليه صاحبه ، فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب وصورته
أغرب ، كذلك حال الشاعر والشاعر فى توخيمها معانى النحو ووجوهه التى علمت أنها
محصول النظم» .
ويستند إلى هذا
الجانب فى كتاب «أسرار البلاغة» ، استنادا قويا حين يتكلم عن التشبيه والتمثيل
والاستعارة .
وتسلم الزمخشرى
الجهد الجرجانى وطبّقه على القرآن الكريم فتكلم عن أساليب الاشارة الشعورية
المصورة فى القرآن وذلك حين يتحدث عن تفسير الآية التى تتحدث عن الزانى والزانية . وعن القرية الظالمة وغيرها .
ولا نقول : إن
المتكلمين قد ابتكروا هذا الجانب وتكلموا فيه ، ولكن نقول : إنهم اهتموا به وأعطوه
منزلة سامية ، وأبرزوه ومنحوه ما يستحق من الاهتمام.
ثالثا : دراسة الجمال
والذوق الأدبى :
وكذا أولى
المتكلمون الجمال والذوق ، بالدرس والعناية ولا نريد هنا ، أن نفصل القول فى مبحث
الجمال أو الذوق الأدبى ، ولكنها إشارة لجهد المتكلمين فيها ، أو بمعنى أدق ، لفضل
المتكلمين ـ فى بحثهما ـ والمادة «قد تكون
__________________
واحدة ولكن اختلاف
الصور التى تعرض فيها تعطيها قيما جمالية مختلفة» .
وسبق أن تكلم بشر
فى صحيفته عن التوعر «فان التوعر يسلمك إلى التعقيد ، والتعقيد هو الذى يستهلك
معانيك ، ويشين ألفاظك» . والجاحظ يكرر دائما القول فى أنه «لا ينبغى أن يكون اللفظ
عاميا وساقطا سوقيا» وأن المعانى (إذا كسيت الألفاظ الكريمة وألبست الأوصاف
الرفيعة تحولت فى العيون عن مقادير صورها ، وأربت على حقائق أقدارها ، بقدر ما
زيّنت ، وحسب ما زخرفت ، فقد صارت الألفاظ فى معانى المعارض ، وصارت المعانى فى
معنى الجوارى ، والقلب ضعيف وسلطان الهوى قوى) .
ومر بنا كيف اعتنى
القاضى عبد الجبار بالذوق وسماه «القدر الضرورى» ، أو «الآلة» ، أو «الألطاف» ، أو
«التأييد الالهى» ، وكيف أنه شىء يختلف حسب نصيب كل مجتهد ، وهذه الأنصبة تتفاوت
صعدا إلى أن تقف عند نهاية .
والباقلانى يتحدث
عن تفضيل الله العربية على غيرها ، وقد جعلت لذلك لنظم القرآن ، وعلق بها الإعجاز
فصار دلالة على النبوة لما بها من خصائص ذاتية متميزة والوجه العاشر فى إعجاز القرآن عنده يرجع إلى سهولة سبيله
وخروجه عن الوحشى المستكره .
ونراه يقرر أيضا «أن
الكلام موضوع للإبانة عن الأغراض التى فى النفوس وإذا كان كذلك ، وجب أن يتخيّر من
اللفظ ، ما كان أقرب إلى الدلالة على المراد ، وأوضح فى الإبانة عن المعنى المطلوب
، ولم يكن مستكره المطلع على الأذن ، ولا مستنكر المورد على النفس ، حتى يتأبى
بغرابته فى اللفظ عن الأفهام ،
__________________
أو يمتنع بتعويض
معناه عن الابانة ، ويجب أن يتنكب ما كان عامى اللفظ ، مبتذل العبارة ، ركيك
المعنى ، سفسافى الوضع مجتلب التأسيس ، على غير أصل ممهد ولا طريق موطّد .
أما الجمال عند
الجرجانى فهو موضوعى ، لا يخضع للأقوال العامة والقوانين المأثورة ، بقدر ما يرى
للحسن مصدرا معلوما وعلة مفهومة وسبيلا يتخذ للوصول إليه . وهو يفرق بين الجمال والذوق ، فالأول يحتاج إلى قاعدة ،
تتميز بالصفة المعقولة ، أما الذوق فهو باب «لا تقوى عليه العبارة ، ولا تملك فيه
الاشارة ، وأن طريق التعليم إليه مسدود وباب التفهيم دونه مغلق» والجمال يمكن إدراكه عند الجرجانى ، بينما الذوق عنده «شىء
فطرى طبعى لا يجتلب» .
والزمخشرى يطبق
هذه الملاحظات على تفسيره (الكشاف) بما سبق الاشارة اليه ، وذلك فى تحليله جماليا
المعانى النفسية الكامنة فى الآية (إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ
قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات ـ ٣] وفى
غيرها .
وكذا السكاكى ،
يرى أن الذوق وسيلة من وسائل كشف الإعجاز فى القرآن ، إلا أنه جعله يكتسب بعلمى
المعانى والبيان . وهو والجرجانى على حق فالذوق فطرى مكتسب وطبعى يربّى
بالتمرين والممارسة.
إن المتكلمين
تركوا أثرا له قيمته فى ميدان الكلام والأدب والإعجاز فالجاحظ يفرد لأول مرة كتابا
فى (البيان والتبيين) ، سجّل فيه ملاحظاته وملاحظات معاصريه العرب والسابقين ،
وكذا الأجانب فى البلاغة ، وهو ـ بعد ـ غير
__________________
منازع ـ مؤسس
البلاغة العربية والرمانى يصور الايجاز تصويرا نهائيا بحيث لم يضف إليه
البلاغيون التالون شيئا .
والمدرسة الجبائية
صاحبة فكرة الأسلوب البليغ القائم على ضم الكلمات مع اعتبار إعراب كل كلمة وحركاتها
وموقعها وكذا الاعتبار مثله فى الكلمات اذا انضم بعضها الى بعض ، وسموا هذا الوجه
بالفصاحة .
والباقلانى صاحب
المنهج المقارن ، بين القرآن وبين روائع الأدب العربى جاهليا وعباسيا ، ليثبت
بالدليل أن القرآن مما لا يقدر عليه العباد ، وأن هذه الروائع على قيمتها تحتوى
على الغث والركيك والسفساف ، الشيء الذى تبرأ منه القرآن.
والجرجانى ، يستحق
مكانا بين الخالدين ، من علماء الدراسات النقدية ، لا لسعة أفقه ، ووفرة معارفه
ودقة تحليله فحسب ، ولكن لنجاحه فى التوفيق بين ما يتطلبه الذوق الأدبى ومناهج
التفكير الموضوعى .
والزمخشرى ، هو
صاحب التفسير المشهور الذى انتزع إعجاب الأشاعرة مع المعتزلة ، بالرغم من اعتزال
صاحبه.
وإذا كنا قد قسمنا
المتكلمين إلى معتزلى وأشعرى ، فأنا نراهم قد اتصلت بينهم وشائج لم تعترف بالحدود
، ولا باختلاف الآراء ، فقد كانوا جميعا يؤمنون بمدى ضرورة الثقافة الواسعة ومدى
قيمة الاطلاع على نتاج العقول الناضجة بغض النظر عن كونهم معتزلة وأشاعرة.
ولم يترك الجاحظ
أديبا مهما اختلفت مدرسته العقيدية ، إلّا وأثر فيه وعلى وأسهم الباقلانى
والجرجانى.
والرمانى المعتزلى
، وقف موقف المبتكرين فى ميدان البلاغة ، فرأينا أفكاره فيمن أتى بعده من البلغاء
والأدباء والمتكلمين ، وهذا أثره فى الباقلانى واضح ، والمدرسة.
__________________
الجبائية تلك التى
فتقت الكلام فى نظرية النظم متبلورة على يد القاضى ، قد أعطت النغم الذى يضرب عليه
الجرجانى ، ويبنى نظريته فى النظم.
والزمخشرى قد
تناول التّركة من الجرجانى وطبقها على القرآن بعقل واع ونفس متفتحة.
إذن فالتأثير والتأثر
متصل بين المدرستين ولكنه من المعتزلة ابتدأ وإلى الأشاعرة وصل ، ثم إلى المعتزلة
عاد على يد الزمخشرى.
ولكن بالرغم من
هذه الجهود الجبارة التى أنفق فيها المتكلمون حياتهم مع غيرهم من اللغويين
والأدباء والمتفلسفة الذين شغلوا بالقرآن واعجازه فإنهم فاتهم أن ينظروا إلى إعجاز
القرآن بنظرة شاملة مستوعبة. فهذا الزمخشرى ، وهو خلاصة الفكر البلاغى فى مدرسة
المتكلمين ـ يقول عنه الدكتور الجوينى ـ «أما مبحثه فى الإعجاز القرآنى فقد كان
يساير ما اتسم به البحث البلاغى على مدى العصور ، وهو النظرة الجزئية إلى العبارة
أو العبارتين فى النص أدبى ، لا تعدوه إلى العمل الأدبى كله ، حقا ، قد ظفر
الزمخشرى بنتائج ذات بال من وقفاته الجمالية القصيرة ، ولكن ما كان يفيده من تحليل
للنص القرآنى كاملا كان يصل به إلى نتائج أكثر قيمة ، ولهذا فلن تتوقع مثلا أن
يفرد بابا للتشبيه فى القرآن ، ولأمثال القرآنى ، وللقسم فيه أو للاستعارة
القرآنية أو لأدب الجدل ، أو لغير ذلك من مباحث ترتاد الميادين الأدبية أو النفسية
فى القرآن. ومع ذلك كله ، فما نجده عند الزمخشرى من مباحث جميلة ، هى غاية ما وصل
إليه الدرس البيانى فى عصره ، محدودا بما كان له من طاقات وما أوتيه من أسباب .
ونخلص من هذا بأن
الشغف بالجزئيات لم يتح للباحثين القدامى فرصة «لإدراك الخصائص العامة المشتركة ،
التى يصدر عنها كتاب الله فى تصويره وتعبيره فيهز النفوس ويحرك المشاعر ويفيض
الدموع» .
وأصبح لا بد
لدراسة التعبير فى هذا كتاب المعجز من منهج جديد للدراسة ومن مبحث عن الأصول
العامة للجمال الفنى فيه ، ومن بيان للسمات المطردة
__________________
التى تميز هذا
الجمال ، عن كل ما عرفته العربية من قول البشر ، وتفسر الإعجاز الفنى تفسيرا يستمد
من تلك السمات المتفرّدة فى القرآن الكريم.
إن لهذا الكتاب
العظيم لخصائص مشتركة ، وطريقة موحدة فى التعبير عن جميع الأغراض سواء كان الغرض
تبشيرا أو تحذيرا أو قصة وقعت أو حادثا سيقع ، منطقا للاقناع ، أو دعوة إلى
الايمان ، وصفا للحياة الدنيا. أو للحياة الآخرة.
وهذا ما تركه
القدامى للمحدثين ، تركوا لهم واجبا يلتزمون به ، وأن يكملوا الطريق بعد ما قدم
المتكلمون أقصى ما يستطيعون.
خاتمة
(١) خلاصة البحث.
(٢) نتائجه
الأساسية.
(٣) المصادر
والمراجع.
خلاصة البحث ونتائجه الأساسية
١ ـ الخلاصة :
فى ختام بحثنا عن
المتكلمين وإعجاز القرآن ـ يجدر بنا أن نقدم ملخصا للأفكار التى عرضناها فى غضونه
، وما أن نستوفيها نذكر أهم النتائج التى خرجنا بها من هذا الطواف الطويل.
وقد ذكرنا فى
المقدمة أن طبيعة البحث اقتضت أن يكون فى تمهيد ، وثلاثة أبواب. وكان الباب الأول
فى ثلاثة فصول ، الأول منها عن النظام والجاحظ والثانى عن الجبائى والرمانى
والثالث عن القاضى عبد الجبار ، أما الباب الثانى ففي فصلين أولهما عن الباقلانى
والثانى عن الجرجانى ، أما الباب الثالث فكان فى ثلاثة فصول. الأول فى الزمخشرى
والثانى عن شخصيات أخيرة والثالث فى النظرية بين المعتزلة والأشاعرة.
وقد انقسم التمهيد
إلى قسمين :
ا ـ نشأة علم
الكلام وازدهاره.
ب ـ المعتزلة
والأشاعرة.
وقد بينت فى نشأة
علم الكلام الذى هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الايمانية بالأدلة العقلية ، بينت
أنه نشأ بسبب من القرآن الكريم والسنة الشريفة ، بينما لاحظت أن الحديث عن ازدهار
علم الكلام هو من جانب آخر حديث عن جهود المتكلمين أنفسهم ، وما كانت جهودهم سوى
نموه وتطوره وازدهاره.
وفى القسم الثانى
من التمهيد ، تعرضت لنشأة المعتزلة وارتفاع شأنهم ثم للهزيمة التى أصيبوا بها
لأسباب ذكرتها فى العموم وفى الخصوص لانشقاق الحسن الأشعرى عليهم.
وقد ارتبطت أصول
المعتزلة الخمسة بالدفاع عن الدين ضد الأفكار والآراء التى انتشرت آنذاك بين
المسلمين أو بين أعدائهم خارج الاسلام. لذا أشرت إلى الدواعى التى أدت الى تبلور
هذه الأصول عند المعتزلة.
أما تلك القضية
الكبرى التى شغلت العالم العربى فى عصر العباسيين وهى قضية خلق القرآن وما جرته من
بلايا ذاق ويلاتها المسلمون طوال عهد المأمون والمعتصم والواثق فقد أفردت لها
الحديث ولنشأتها ولتطور احداثها ثم لاختلاف رأى الأشاعرة عن رأى المعتزلة فيها.
وحين استعرضت
الأشاعرة تكلمت عن أوجه الخلاف العقيدى بينهما ، فقد كانت هناك مسائل كبرى فرقتهم
مع مسائل أخرى جمعتهم على صعيد واحد.
وفى الفصل الأول
من الباب الأول ـ تكلمت عن النظام ـ بعد أن تكلمت عن منهج المعتزلة فى معالجة قضية
الإعجاز. ولاحظت أن المنهج يقوم على ثلاثة أسس الأول : هو هدم دعاوى المغرضين
الحاقدين على الاسلام. والثانى : إثبات النبوة ودحض حجج المنكرين لها. والثالث :
إيضاح ما يحتويه القرآن من إعجاز وذلك استتبع أن ينقسم الحديث عنه إلى قسمين
كبيرين أحدهما فلسفى أى مناقشة المغرضين الذين كانوا متصلين بالفلسفة أشد الاتصال ـ
منطقيا والآخر بلاغى أى ابراز وجه الجمال وبديع النظم فى القرآن الكريم. بعد هذا.
تكلمت عن حياة النظام وثقافته وقيمته فى عالم الفكر الفلسفى الاسلامى. وكان أهم ما
فى فكر النظام بالنسبة لاعجاز القرآن أنه قال بالصرفة أى أن الله سبحانه وتعالى
صرف الناس عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو لم يفعل لأتوا بمثله.
ولم يكن المجال
يتسع أن نشرح الرأى فى هذا الذى ذهب إليه النظام فأرجأته إلى مكان آخر ولا سيما أن
للجاحظ رأيا كهذا فى إعجاز القرآن.
وللجاحظ جهود
بارزة فى الدفاع عن إعجاز القرآن ، إذ هدم دعاوى المغرضين ثم أبرز حجج النبوة ثم
شرح رأيه فى إعجاز القرآن وكان رأى الجاحظ أن القرآن معجز لنظمه ومعجز أيضا للصرفة
لأنه لو طمع فى تقليد القرآن طامع لتكلفه ولو تكلفه لتعلق به الناس مما سيؤدى إلى
بلبلة الأفكار والشّغب ومن هنا صرف الله أوهام العرب عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
وفى الفصل الثانى
من الباب الأول تكلمت عن الجبائى (أبى على وابنه أبى
هاشم) ولم تكن لدى
النصوص الكافية عن حياة هذين العلمين الشهيرين فى حياة المعتزلة سوى ما دونه عنهما
تلميذهما النابه القاضى عبد الجبار. وهما قد قاما بنفس الدور الذى قام به المعتزلة
السابقون من هدم الأكاذيب والدفاع عن النبوة وشرح أوجه الاعجاز وكان رأيهما أن
القرآن معجز لفصاحته.
كما تكلمت عن
الرمانى أبى الحسن على بن عيسى وكتابه الشهير فى إعجاز القرآن (النكت فى إعجاز
القرآن). وترجع أهمية الرمانى فى أنه قد عالج مسائل فى البلاغة ووضع لها الصيغ
النهائية لبعض فنونها الأمر الذى أدى بالبلاغيين التالين أن يتأثروا خطاه ، وذلك
فى أثناء معالجته اعجاز القرآن الذى يرجع عنده إلى سبع أسباب هى ترك المعارضة مع
شدة الدواعى ، والتحدى للكافة ، والصّرفة والبلاغة والأخبار الصادقة عن الأمور
المستقبلة ونقض العادة وقياسه بكل معجز.
وفى الفصل الثالث
تكلمت عن علم من أفذاذ المعتزلة هو القاضى عبد الجبار ، وله فضل على المعتزلة لا
ينكر إذ كشفت لنا كتبه مدى الظلم الواقع على المعتزلة من خصومهم الأشاعرة الذين
زيفوا آراءهم وحجبوا عنا الدور العظيم الذى قام به هؤلاء الكبار. وهم الأساتذة
للأشاعرة ولكنها العصبية.
هدم القاضى دعاوى
المغرضين وبنى الحقائق الثابتة ودافع عن القرآن والنبوة ثم شرح رأيه فى اعجاز
القرآن وعنده أن القرآن بالاضافة إلى إعجازه البلاغى معجز أيضا بزوال الاختلاف
والتناقض عنه. وأنه معجز بتضمنه الأخبار عن الغيوب. وأن أظهر ما يتبين به شأن
الإعجاز أنه لا وجه يطعن به الملحدة وسائر من خالف فى نبوة الرسول صلىاللهعليهوسلم الا وهو غير قادح فى كونه معجزا.
وفى الباب الثانى ـ
تكلمت فى الفصل الأول منه عن الباقلانى وقد قسمت هذا الفصل إلى قسمين كان أحدهما
فى الباقلانى والإعجاز والثانى فى الباقلانى والجاحظ والرمانى لصلة وثيقة ربطت
المعتزليّين بالباقلانى الأشعرى ، ورأى الباقلانى فى الإعجاز ينحصر فى ثلاثة وجوه
هى : الأخبار عن الغيوب وفى أمّية الرسول صلىاللهعليهوسلم وفى أن القرآن بديع النظم عجيب التأليف متناه فى البلاغة
الى الحد الذى يعلم عجز الخلق عنه.
وقد انشغل
الباقلانى بالجانب الفلسفى من قضية الاعجاز فشرح رأى الأشاعرة فى القضايا المختلفة
وبخاصة تلك التى يخالف الأشاعرة فيها أساتذتهم المعتزلة ـ حين قالوا بخلق القرآن
وبأن الله تعالى لا يرى يوم القيامة وبأن الإنسان خالق لأفعاله مسئول عنها مسئولية
كاملة وأن العقل هو المسيطر على تحرك الكائنات وبه يحاسبون وعليه يكافئون.
وفى الفصل الثانى
من الباب الثانى تكلمت عن الجرجانى ـ وإذا كان الجرجانى لم يسترسل فى الجانب
الفلسفى استرسال الباقلانى فانه قد أفرغ جهدا جيدا فى الجانب البلاغى من القضية
وكان ذلك فى كتابه دلائل الإعجاز خاصة ويكمله كتابه أسرار البلاغة.
ويرى الجرجانى أن
إعجاز القرآن يرجع إلى نظمه وذلك النظم عبارة عن توخى معانى النحو ـ وحين يقرر عبد
القاهر نظريته فى النظم نراه يعتمد على جانبين كبيرين هما الجانب العقلى ـ أى
اثبات إعجاز نظم القرآن عقليا ثم الجانب النفسى أى مخاطبة نفسية القارئ واحساساته
ونزوعه الى تلمس الجمال فيصحبه الجرجانى عن طريق العقل والنفس الى كشف اعجاز
القرآن. وقد أشرنا أن لنظريته بذورا سلفية ، فهى ليست من مبتكرات الجرجانى بل أكثر
من ذلك أنه قد استفاد فيها مما ظهر فى الدرس المعتزلى من رأى المدرسة الجبائية
الذى قررته على يد أبى على وصاغته على أبى هاشم ونقحته على يد القاضى عبد الجبار.
ولكن هذا لا ينفى
، أن للجرجانى أثرا وامتيازا فى معالجة إعجاز القرآن ، وفضلا على البلاغة العربية
لا ينكرهما باحث جاد.
وفى الباب الثالث
، الذى انقسم الى ثلاثة فصول وهو بعنوان بين المعتزلة والأشاعرة تكلمت فى الفصل
الأول منه عن الزمخشرى الذى جمع بين المدرستين (معتزلة وأشعرية) ثم انتقلت فى
الفصل الثانى إلى الحديث عن ثلاث شخصيات وهم ابن حزم الظاهرى والرازى الأشعرى
والسكاكى المعتزلى ، وكان لا مفر من التعرض لهم لما قدموه لقضية الإعجاز ـ برغم
أنهم لم يقدموا الجديد ذا البال ـ بعد ما أمتعنا الجرجانى وسابقوه وأطربنا
الزمخشرى العظيم بما أضفى من جديد وما قدم من جهد فى الإعجاز.
وفى الفصل الثالث ـ
تكلمت عن الإعجاز بين المعتزلة والأشاعرة ـ وتعرضت فيه إلى أوجه الخلاف الذى وقع
بين المدرستين الكبيرتين ثم أبرزت الملامح الرئيسية فى معالجة متكلمى المدرستين ـ لاعجاز
القرآن وأسراره.
وبهذا انتهى بحثى
فى جهود المتكلمين ـ الذين قدموا للقرآن أجل ما يمكن وللبلاغة أعظم ما يفيد
وأظهروا من أسرار القرآن ما أذهل وأدهش وجعل المعترض يفحم ـ ولله درّهم فيما شغلوا
به أنفسهم وعليه ثوابهم ، وصدق الله العظيم وقوله الحق (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد ـ ٧].
٢ ـ النتائج الأساسية
ويحسن بنا أن
نساير طبيعة البحث التى انقسمت إلى جانب فلسفى وجانب بلاغى ، فنستعرض أهم النتائج
الأساسية التى خرجنا بها بعد دراستنا للمعتزلة والأشاعرة دراسة فلسفية وبلاغية ثم
نوضح النتائج العامة للبحث كله.
أولا : أهم نتائج
الجانب الفلسفى :
١ ـ نشأ علم
الكلام مرتبطا بالقرآن وبالسنة النبوية.
٢ ـ نادى المعتزلة
بأصول خمسة ، هى فى مجموعها تلبية لصد عدوان المغرضين وأصحاب الديانات الأخرى على
الإسلام.
٣ ـ تعتبر قضية
إعجاز القرآن إحدى قضايا علم الكلام. فقد تعرضت نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم لهجوم شديد وكذا القرآن الكريم وإعجازه ـ فدافع عنهما
المتكلمون مستخدمين نفس أسلحة الأعداء من فلسفة ودين وثقافة.
٤ ـ التزم
المتكلمون منهجا فى دفاعهم عن الإعجاز ويتلخص هذا المنهج فى هدم دعاوى المغرضين
وبيان حجج النبوة ثم شرح أسرار الاعجاز.
٥ ـ لم يناد
النظام برأى الصرفة الشهير كما تصوره الأشاعرة ، وأوضح الجاحظ رأيه فى الصّرفة
بأنها تأتى فى المرتبة بعد التجربة وظهر هذا الأمر جليا عند القاضى عبد الجبار.
٦ ـ اسهمت المدرسة
الجبائية بنصيب وافر فى الدفاع عن الإعجاز. وعلى رأسها القاضى عبد الجبار.
٧ ـ لم تتخلف
المدرسة الاشعرية فى هذا المضمار متمثلة فى الباقلانى والجرجانى.
٨ ـ قد اختلفت
المدرسة الأشعرية عن المدرسة الاعتزالية فى بعض المبادئ الأصلية التى قامت عليها
كل فرقة وما يخصنا منها مسألة دلالة النبوة والمعجزة. رأت المعتزلة أن النبى
وأحواله هما دلالة النبوة وتأتى المعجزات تالية فى الدرجة. واقتصرت الأشاعرة على
المعجزات فقط دلالة على نبوة
النبى. وأما فى
مسألة خلق القرآن فقد أيده المعتزلة ونفاه الأشاعرة. كما رأى الأشاعرة أن المعتزلة
قد بالغوا فى انتهاج المنهج العقلى لدراسة القضايا الدينية فخففوا من وطأة هذا
المنهج.
٩ ـ وكان الخلاف
بين المعتزلة والأشاعرة فى مسألة خلق القرآن ـ لفظيا ـ إذ نظر المعتزلة إلى جانب
اللفظ ونظر الأشاعرة إلى جانب المعنى وجاء الماتريدى فوفق بين الرأيين وانتهت
المشادة.
١٠ ـ قد اتفقت
الدرستان على مسائل كبرى فى علم الكلام لأن هدفهما كان الدفاع على الدين الاسلامى.
ثانيا : أهم نتائج
الجانب البلاغى :
١ ـ حمل المعتزلة
لواء بيان إعجاز القرآن بلاغة وعلى رأسهم الجاحظ والرمانى والزمخشرى ـ كما أضافت
المدرسة الأشعرية إضافات طيبة على يد الباقلانى والجرجانى بخاصة.
٢ ـ تنازعت
المدرستان تحديد إعجاز القرآن بلاغة بين النظم والفصاحة ـ حتى خرج منهما الزمخشرى
وقرر أن إعجاز القرآن يرجع إلى علمى المعانى والبيان. ولفظ «علم» ـ فيما أرى ـ بمعنى
الإحاطة ، وليس معناه القوانين الثابتة ، والتقعيد كما فهمه السكاكى.
٣ ـ انتجت لنا
المدرستان نتائج قيمة فى الميدان البلاغى عن طريق دراسة الإعجاز فى القرآن وظهر
فضلهما فى تطبيق مبدأ المجاز اللغوى على ألفاظ القرآن خاصة وعلى اللغة عامة. ثم فى
الاهتمام بالتأثير النفسى على القارئ أو المستمع ، ثم فى دراسة الجمال ومواطنه
والذوق الأدبى وقيمته.
٣ ـ النتائج العامة
١ ـ عاشت البلاغة
العربية تستمد حياتها من قضية الإعجاز ، حتى قبيل عصر الشروح والتلخيصات.
٢ ـ لم يكن فى وسع
غير المتكلمين أن يقوموا بما قاموا هم به ، نظرا لطبيعة تكوين المتكلمين فلسفيا
ودينيا وأدبيا.
٣ ـ كان للمتكلمين
ابتكارات عديدة فى ميدان البلاغة بصورة لم يستطع أن يحققها غيرهم من الأدباء ، وقد
جفت ينابيع البلاغة بعد الزمخشرى على يد المتكلمين أيضا وذلك لأنهم افتقدوا شروط
أولية فى صفات المتكلم وهى أن يحسن العلم بالدين والأدب بقدر ما يحسن العلم
بالفلسفة والمنطق وهم قد أحسنوا العلم بالفلسفة فقط فوقعت المحنة.
٤ ـ انتهت جهود
المتكلمين بأن أصبح لدينا قضية متكاملة للإعجاز لها جانبان أحدهما فلسفى والآخر
بلاغى ولها تاريخ نشء وتطور وازدهار.
٥ ـ تصدّر
المعتزلة قمة البحث الفلسفى والبلاغى فى القضية وجاء الأشاعرة ليستقوا منهم
وليضيقوا ما استطاعوا.
٦ ـ لم يتوصل
المتكلمون فى دراستهم للاعجاز إلى النظرة الكلية للقرآن ولم يدرسوه كلا متكاملا ـ سوى
ما حاول الباقلانى ولم يستمر ـ الأمر الذى قام به المحدثون خير قيام.
٧ ـ تعتبر
الدراسات القديمة والحديثة التى تتصل بالقرآن. من شتّى جوانبه هى فى صميم قضية
الإعجاز ـ والحديثة منها خاصة تعتبر تكملة لما قام به المتكلمون. لأنها نبذت
النظرة الجزئية للقرآن وإعجازه ، وراحت تنظر إليه أثرا سماويا متكاملا ـ بالرغم من
ذلك فاننا لا نستطيع أن ندرس الإعجاز إلا من بداية الطريق وبدايته كانت مع
المتكلمين ، المعتزلة والأشاعرة.
وبذلك نصل إلى
النتيجة المرجوة ، والله الموفق وهو على كل شىء قدير.
الفهارس الفنية
١ ـ المخطوطات
والمصادر والمراجع.
٢ ـ الآيات
القرآنية.
٣ ـ الأعلام.
٤ ـ الأبيات
الشعرية.
٥ ـ المصطلحات
البلاغية.
٦ ـ الفهرست
التفصيلى.
أولا : المخطوطات والمصادر والمراجع
ا ـ المخطوطات :
١ ـ الداودى :
طبقات المفسرين ، مخطوط بدار الكتب تحت رقم ١٦٨ تاريخ ـ ص ١٢٩.
٢ ـ ابن مكتوم :
تلخيص ابن مكتوم ، مخطوط بدار الكتب رقم ٢٠٦٩ ، تاريخ تيمور ص ١٢٩.
ب ـ المصادر :
القرآن الكريم.
١ ـ ابن الأثير ـ ضياء
الدين أبو الفتح.
المثل السائر ، ط
نهضة مصر ـ الأولى ١٩٦٩ م ، تحقيق د. أحمد الحوفى ، ود. بدوى طيانة.
١٢٥ و ٢١٩ و ٤٣٤.
٢ ـ ابن الأثير ـ أبو
الحسن على بن محمد الشيبانى ا ـ الكامل. ط الأزهرية ، القاهرة ١٣٠١ ه ٢٨ و ٣٣ و ٣٤
و ٧٤ و ٨٥
ب ـ اللباب فى
تهذيب الأنساب ، طبع مصر ١٣٥٦ ه ١٣٦٩ ه ١٦٩.
٣ ـ الأسفرايينى ـ
يعقوب بن اسحاق التبصير فى الدين ، تحقيق الكوثرى ، ط الخانجى بمصر ١٩٥٥ والمثنى
ببغداد.
٢٥ و ٣١ و ٧٠ و ٢٢٤.
٤ ـ الأشعرى ، أبو
الحسن على بن اسماعيل ا ـ الإبانة عن أصول الديانة ، ط إدارة الطباعة المنيرية.
٣٧ و ٣٨ و ٢٢٤ و ٢٢٥
ب ـ مقالات
الإسلاميين ، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد.
٣٠ و ٥٠ و ٥٤
٥ ـ ابن أبى
الإصبع بديع القرآن تحقيق د. حفنى محمد شرف ط دار نهضة مصر ، الثانية.
٢١٩
٦ ـ الأصفهانى :
محمد باقر الموسوى.
روضات الجنات فى
أحوال العلماء ، ط ١٣٤٧ ص ١٦٩
٧ ـ ابن أبى
أصيبعة : أحمد بن القاسم أبو العباس عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ط مصر ١٢٩٩ ـ ١٣٠٠
ه ص ٢٠٦
٨ ـ الأنبارى :
عبد الرحمن بن محمد أبو البركات نزهة الألباء فى طبقات الأدباء ط القاهرة ١٢٩٤ ه
ص ٧٤ و ١٢٩.
٩ ـ الباقلانى ـ أبو
بكر محمد بن الطيب ا ـ إعجاز القرآن ، تحقيق السيد أحمد صقر ط دار المعارف ١٩٦٣ م
من ١٠١ ـ ١١٨ ، ومن ١٢٠ ـ ١٢٤ و ١٢٦ و ١٤٠ و ١٩٩ و ٢٠٥ و ٢٢٤ و ٢٣١ و ٢٣٢ و ٢٣٤ و
٢٣٩ و ٢٤١ و ٢٤٢.
ب ـ التمهيد ـ ط
المكتبة الشرقية ، بيروت ١٩٥٧ م تحقيق الأب ريتشارد يوسف مكارثى ص ١٠٢.
١٠ ـ البغدادى ـ الخطيب
البغدادى تاريخ بغداد ـ ط مصر ١٣٤٩ ٢٧ و ٧٤ و ٨٧ و ١٠١.
١١ ـ البغدادى ـ أبو
منصور عبد القاهر.
الفرق بين الفرق ـ
ط المعارف ١٩١٠ م القاهرة تحقيق محمد بدر ٢٥ و ٢٨ و ٣١ و ٣٤
١٢ ـ البيهقى :
إسماعيل بن الحسين مناقب أحمد. ص ٢٨
١٣ ـ ابن تغرى
بردى ، أبو المحاسن النجوم الزاهرة ـ الطبعة الأولى ، دار الكتب ١٩٣٣ م ٧٤ و ١٢٩
١٤ ـ ابن تيمية ا ـ
الإيمان ط السعادة الطبعة الأولى ١٣٢٥ م ص ٢٢٨
ب ـ مقدمة فى أصول
التفسير ، الطبعة الأولى الترقى ، دمشق ١٩٣٩ م ص ٢٣٠
ح ـ منهاج السنة
النبوية فى نقض الشيعة القدرية ، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ط القاهرة ص ٧١.
١٥ ـ التوحيدى :
أبو حيان الإمتاع والمؤانسة ، تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين. بيروت ٧٤ و ١٠١ و ١٥٨.
١٦ ـ الجاحظ ا ـ البيان
والتبيين ط السندوبى الرابعة ١٩٥٦ م ٥٨ و ٥٩ و ٦٠ و ٦٢ و ٨٠ و ١٢٢ و ١٤٣ و ٢١٧ و ٢٣٦
و ٢٣٨ و ٢٣٩ و ٢٤١.
ب ـ حجج النبوة (ضمن
رسائل الجاحظ ـ ط هارون) ٦٠ و ٦١
ح ـ الحيوان. ط
هارون ٢٢ و ٥٠ و ٥٣ و ٥٥ و ٥٦ و ٥٧ و ٥٨ و ٥٩ و ٦٠ و ٦١ و ٦٢ و ١٦١ و ٢١٤ و ٢١٧ و
٢١٨ و ٢٢٧ و ٢٣٠ و ٢٣٧
د ـ رسائل الجاحظ
ط هارون ٤٦.
ه ـ خلق القرآن. (ضمن
رسائل الجاحظ) ٥٣ و ٥٠ و ٥٧ و ١١٩ و ٢١٤ و ٢١٨ و ٢٣٠
و ـ رسالة فى الجد
والهزل (ضمن رسائل الجاحظ) ط هارون ١٦١
ز ـ فى صناعة
الكلام ، على هامش الكامل ط المطبعة التقدمية العلمية ١٣٢٣ ه ص ٢٢
١٧ ـ الجرجانى :
عبد القاهر ا ـ الأسرار ، تحقيق محمد رشيد رضا ، الطبعة السادسة ١٩٦٠ م مكتبة
القاهرة ١٢٩ و ١٣٠ و ١٥٢ و ١٥٨ و ١٥٩ و ٢٢٩ و ٢٣٣ و ٢٤٠.
ب ـ الدلائل ،
تحقيق محمد عبده ومحمد الشنقيطى ، نشر مكتبة القاهرة ، ١٢٩ و ١٣١ و ١٣٧ و ١٣٨ و ١٣٩
و ١٤٠ و ١٤١ و ١٤٢ و ١٥٩ و ١٩٠ و ١٩٨ و ٢٣٢ و ٢٣٣ و ٢٤٠ و ٢٤٢.
ح ـ الرسالة
الشافية ، تحقيق محمود شاكر ، ضمن كتاب الدلائل تحقيق شاكر ، ط الخانجى ١٩٨٤ م ١٣٣
و ١٣٨ و ١٤٠
١٨ ـ ابن جنى :
أبو الفتح عثمان الخصائص تحقيق محمد على النجار ص ١٥٦
١٩ ـ الجوينى ـ إمام
الحرمين عبد الملك لمع الأدلة فى قواعد عقائد أهل السنة والجماعة تحقيق د. فوقية
حسين محمود ، الطبعة الأولى ١٩٦٥ م ص ٢٢٤.
٢٠ ـ حاجى خليفة
كشف الظنون ص ١٢٩ و ١٣٥
٢١ ـ ابن حزم
الأندلسى ا ـ الإحكام ص ١٦٢
ب ـ الفصل فى
والأهواء والنحل ص ١٠١ و ٢٠٤ و ٢٠٥ و ٢٢٥
٢٢ ـ الخطابى :
حمد بن محمد بيان إعجاز القرآن ، تحقيق محمد خلف الله ود. محمد زغلول سلام ، ضمن
ثلاث رسائل فى الإعجاز ط دار المعارف ٥١ و ١٥٩
٢٣ ـ الخفاجى :
أبو سنان سر الفصاحة ، تحقيق عبد المتعال الصعيدى ط صبيح ١٩٦٩ م ١٢٥ و ٢١٩ و ٢٢٥ و
٢٣٣
٢٤ ـ ابن خلدون ـ المقدمة
ـ الطبعة الأولى ، ط على عبد الواحد وافى ١٩٦٠ م ١٩ و ٢٠ و ٣٥
٢٥ ـ ابن خلكان
وفيات الأعيان ط الطباعة المصرية ١٢٧٥ ه ١٩ و ٢٨ و ٣٥ و ٦٧ و ٧٤ و ١٠١ و ١٦٩
٢٦ ـ الخياط
الانتصار ، تحقيق د. ينبرج ط دار الكتب ١٩٢٥ ٢٩ و ٣٠ و ٣١ و ٣٤ و ٣٥ و ٥٢ و ٥٣ و ٥٤
و ٥٨ و ٦٢ و ١١٩ و ٢٢١ و ٢٣٦.
٢٧ ـ الدوانى :
شرح القصائد العضدية تحقيق د. دنيا باسم الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين»
ص ٣٩.
٢٨ ـ الذهبى دول
الاسلام ، ط حيدرآباد ـ ١٣٦٤ ه الثانية ص ٢٨
٢٩ ـ الرازى ـ فخر
الدين ا ـ اعتقادات فرق المسلمين ، ص ٧٠
ب ـ نهاية الإيجاز
فى دراية الإعجاز ، مطبعة الآداب والمؤيد ١٣١٧ ه ٢٠٧ و ٢١٩
٣٠ ـ ابن رشد.
مناهج الأدلة فى
عقائد أهل الملة تحقيق د. محمود قاسم ، الطبعة الثالثة القاهرة ١٩٦٩ م ٢٢٤.
٣١ ـ ابن رشيق
القيروانى العمدة تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة ١٩٢٣ م ١٤٣ و ١٥٩
٣٢ ـ الرمانى ،
أبو الحسن على بن عيسى النكت فى إعجاز القرآن ، ضمن ثلاث رسائل فى الإعجاز تحقيق
محمد خلف الله ود. محمد زغلول سلام ، ط دار المعارف.
٧٥ و ٧٧ و ١٢٣ و ١٢٦
و ١٣١ و ١٥٠ و ٢١٥ و ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٣٠ و ٢٣٣ و ٢٣٩.
٣٣ ـ الزمخشرى.
ا ـ أطواق الذهب ،
مطبعة السعادة سنة ١٣٢٨ ه ص ٢٢٧.
ب ـ الكشاف ط
المطبعة العامرية الشرقية ١٣٨١ ه من ١٧٠ ـ ١٩٨ ، ٢٢٤ و ٢٣٠ و ٢٣٢ و ٢٤٠ و ٢٤٢.
٣٤ ـ السبكى.
طبقات الشافعية ط
المطبعة الحسينية الأولى ٣٥ و ٧٠ و ١٢٩ و ٢٠٦ و ٢٠٧.
٣٥ ـ السكاكى ـ أبو
يعقوب يوسف بن أبى بكر المفتاح ـ الطبعة الأولى المطبعة الأدبية ـ مصر.
٢٠٨ و ٢٠٩ و ٢٣٢ و
٢٣٣ و ٢٤٢.
٣٦ ـ السمعانى ـ أبو
سعيد عبد الكريم بن أبى بكر محمد الأنساب ـ ط ليدن ١٩١٢ م ٧٤ و ١٦٩.
٣٧ ـ السيوطى ـ جلال
الدين ا ـ بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والمفسرين ط السعادة القاهرة ١٣٢٨ ه
الأولى ٧٤.
ب ـ طبقات
المفسرين.
١٦٩.
ح ـ لب اللباب ـ ٢٠٧.
د ـ المزهر ـ ط
الحلبى تحقيق محمد جاد المولى والبجاوى ومحمد أبو الفضل إبراهيم.
٢٢٨ و ٢٢٩.
٣٨ ـ سيبويه.
الكتاب ـ ط هارون.
١٥٥ و ١٥٦
٣٩ ـ الشريف
الرضى.
تلخيص البيان فى
مجازات القرآن تحقيق محمد عبد الغنى حسن ط الحلبى القاهرة ١٩٥٥ م ص ٦٩.
٤٠ ـ الشهرستانى.
الملل والنحل ، ط
الحلبى القاهرة ١٩٦١ م ١٩ و ٢٥ و ٣٠ و ٣٨ و ٥٠.
٤١ ـ الصاحب بن
عباد.
رسائل الصاحب.
تحقيق د. عبد الوهاب عزام ود. شوقى ضيف ط الأولى ١٩٤٧ م ، لجنة التأليف والترجمة
والنشر ص ٨٥.
٤٢ ـ الطبرى ـ أبو
جعفر محمد بن جرير.
١ ـ تاريخ الأمم
والملوك ، ط الحسينية القاهرة الطبعة الأولى بدون تاريخ.
٢٧ و ٣٣ و ٣٤.
٢ ـ جامع البيان
عن تفسير آى القرآن تحقيق محمود شاكر وأحمد شاكر ط دار المعارف ص ٤٦.
٤٣ ـ القاضى عبد
الجبار الأسدآبادي.
ا ـ إعجاز القرآن
، تحقيق أمين الخولى.
٥١ و ٥٢ و ٦٧ و ٦٨
و ٦٩ و ٧١ ـ ٧٣ و ٨٧ و ٨٨ و ٨٩ و ٩٠ ـ ٩٦ و ١٠٣ و ١٠٤ و ١٠٦ و ١٣٣ و ١٦٢ و ٢١٦ و ٢٢٧
و ٢٣١ و ٢٣٩ و ٢٤١ و ٢٤٣.
ب ـ تنزيه القرآن
عن المطاعن ـ ط دار النهضة الحديثة ـ بيروت ، بدون تاريخ ٣٣ و ٣٩ و ٥٢ و ٩٠ و ٩٢ و
٩٣ و ٢٢٤.
ح ـ شرح الأصول
الخمسة تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان ط الأولى ١٩٦٥ م ـ القاهرة.
٣١ و ٣٨ و ٥٥ و ٧١
و ٨٥ و ٨٦ و ٩٢.
د ـ فضل المعتزلة.
٢٢٨.
ه ـ متشابه القرآن
، تحقيق د. عثمان محمد زرزور ، ط دار التراث ١٩٦٩ م.
٣٤ و ٥٢ و ٦٨ و ٨٥
و ٢٢٤.
و ـ المغنى فى
أبواب التوحيد والعدل ٨٧ و ٨٨.
٤٤ ـ ابن عبد ربه
العقد الفريد ـ ط لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة ١٩٤٦ م ٤٧.
٤٥ ـ أبو عبيدة
معمر بن المثنى مجاز القرآن. تحقيق محمد فؤاد سزكين الخانجى ١٩٥٤ م ٤٨ و ١٥٨.
٤٦ ـ ابن عساكر
تبيين كذب المفترى ، تحقيق محمد بن زاهد الكوثرى ٣٥ و ٨٧ و ١٠١.
٤٧ ـ العسقلانى ـ ابن
حجر شهاب الدين أحمد ا ـ ميزان الاعتدال فى معرفة الرجال ، ط السعادة القاهرة ١٣٢٥
ه الأولى ٢٧.
ب ـ لسان الميزان ـ
ط حيدرآباد ١٣٢٩ ه ٨٧ و ٢٠٦
٤٨ ـ العسكرى ،
أبو هلال الصناعتين ، ط صبيح ١٢٤ و ١٤٣ و ١٥٢ و ١٥٩ و ١٨٦ و ٢١٩
٤٩ ـ العلوى ، ابن
حمزة العلوى.
الطراز ـ ط بيروت
١٢٥ و ٢١٩ و ٢٣٤
٥٠ ـ ابن العماد
الحنبلى شذرات الذهب ، ط القاهرة ١٣٥٠ ه ٢٨ و ٣٤ و ٧٤ و ١٠١ و ١٢٩ و ٢٠٦ و ٢٠٧.
٥١ ـ الغزالى ـ أبو
حامد محمد بن محمد ا ـ الاقتصاد فى الاعتقاد ، ط السعادة القاهرة الثانية ١٣٢٧ ه
٢٩ و ٣٥.
ب ـ المنقذ من
الضلال ، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ط الأنجلو القاهرة ١٩٥٥ م ، الثانية.
١٩ و ٢٣٦.
٥٢ ـ الفارابى
إحصاء العلوم ، تحقيق د. عثمان أمين نشر دار الفكر العربى ١٩.
٥٣ ـ أبو الفداء
المختصر فى أخبار البشر ط مصر ١٩٢٤ م ٧٤ و ٨٥ و ١٦٩.
٥٤ ـ الفراء ـ أبو
زكريا يحيى بن زياد.
معانى القرآن ،
تحقيق أحمد يوسف نجاتى ومحمد على النجار ، ط دار الكتب المصرية ١٩٥٥ م ٤٨ و ٢٣٣.
٥٥ ـ ابن قتيبة ...
عبد الله بن مسلم ا ـ تأويل مختلف الحديث ، ط كردستان العلمية القاهرة ١٣٢٦ ه ٢١.
ب ـ تأويل مشكل
القرآن ، تحقيق السيد أحمد صقر.
ط دار إحياء الكتب
العربية الأولى ١٩٥٤ م ٣٤ و ٤٨ و ٥١.
ح ـ الشعر
والشعراء تحقيق أحمد شاكر ط الخانجى ١٥٢.
د ـ عيون الأخبار
، ط دار الكتب القاهرة ١٩٢٥ م ٢٧.
٥٦ ـ قدامة بن
جعفر نقد الشعر تحقيق كمال مصطفى ـ الخانجى ١٩٦٣ م ١٥٩
٥٧ ـ القرطبى.
التذكار فى أفضل
الأذكار ط المعارف العلمية ٤٦.
٥٨ ـ القفطى ،
جمال الدين أبو الحسن أبو يوسف إنباه الرواة ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط دار
الكتب القاهرة ١٩٥٢ م ٧٥ و ١٢٩ و ١٣٠ و ١٦٩.
٥٩ ـ ابن قيم
الجوزية الحنبلى ا ـ إعلام الموقعين عن رب العالمين ط الشيخ فرج الله زكى الكردى ،
مطبعة النيل ـ مصر ٢١ و ٢٢٩.
ب ـ الصواعق
المرسلة ، ط مكة المكرمة ١٣٢٨ ه ـ ١٩٢٩ م ٢٨.
ح ـ الطرق الحكمية
، ط الآداب والموائد ـ القاهرة ١٣١٧ ه ٢١.
د ـ المناقب. (مناقب
أحمد بن حنبل) ط مصر ١٩٣٠ م ٣٤.
٦٠ ـ الكتبى :
فوات الوفيات ط
مصر ١٣٢٤ ه ١٢٩
٦١ ـ ابن كثير.
تاريخ ابن كثير ،
الطبعة الأولى ١٩٦٦ م ط مكتبة المعارف بيروت والنصر بالرياض ١٠٣ و ١٦٩
٦٢ ـ الماتريدى ،
أبو منصور شرح الفقه الأكبر ، ط حيدرآباد ٢٢٦.
٦٣ ـ المبرد أبو
العباس محمد بن يزيد الكامل ط المكتبة التجارية ٤٦ و ٤٨ و ١٥٨
٦٤ ـ المرتضى ـ الشريف
على بن الحسين ا ـ أمالى المرتضى ـ ط السعادة ١٣٢٥ ه ١٤٠ و ٢٣٨
ب ـ المنية والأمل
(ذكر المعتزلة) تحقيق توما أرنولد ١٣١٦ ه القاهرة ٢٥ و ٥٠ و ٥٢ و ٥٣ و ٥٦ و ٥٧ و
٦٧ و ٧٠ و ٧٤ و ٨٥.
٦٥ ـ المسعودى
التنبيه والإشراف ، تحقيق عبد الله الصاوى بغداد ١٩٣٨ م ٥٣.
٦٦ ـ ابن المعتز ،
عبد الله البديع ، تحقيق كراتشقوفسكى ط دار الحكمة ، دمشق.
٤٨.
٦٧ ـ المقرى.
نفح الطيب ٢٠٣.
٦٨ ـ النحاس ، أبو
جعفر الناسخ والمنسوخ ط المكتبة العلامية ١٩٥٧ م ٥٦.
٦٩ ـ ابن النديم
الفهرست ط التجارية ٢٢ و ٥٠ و ٧٠ و ١٦١ و ٢٣٥.
٧٠ ـ ابن هشام
السيرة النبوية ط السقا ١٩٣٦ م ٤٧.
٧١ ـ اليافعى ،
أبو محمد عبد الله.
مرآة الجنان وعبرة
اليقظان ط حيدرآباد ١٣٣٨ ـ الأولى.
١٢٩.
٧٢ ـ ياقوت الحموى
ـ شهاب الدين أبو عبد الله.
معجم الأدباء ط
دار المأمون بأشراف د. أحمد الرفاعى ٧٤ و ١٢٩ و ١٥٨ و ١٦٩ و ٢٠٧ و ٢١٦.
٧٣ ـ اليعقوبى ـ أحمد
بن يعقوب بن جعفر بن واضح تاريخ اليعقوبى ـ ط بريل ١٨٨٣ م ٢٧.
ح ـ المراجع ١ ـ إبراهيم
سلامة بلاغة أرسطو بين العرب واليونان ، ط مخيمر القاهرة ١٩٥٠ م ١٦٣.
٢ ـ أحمد أمين ا ـ
ضحى الإسلام ، الطبعة السابعة ، النهضة المصرية القاهرة.
٢٠ و ٣٩ و ٥٥ و ٢٠٣
ب ـ ظهر الإسلام ،
الطبعة السابعة ، النهضة المصرية ـ القاهرة ٣٧.
ح ـ فجر الإسلام ،
الطبعة الثامنة ـ القاهرة ١٩٦١ م ٢٣ و ٢٦
د ـ «بحث عن
المعتزلة» فى فجر الإسلام هامش ١ ص ١٧
٣ ـ أحمد أحمد
بدوى.
عبد القاهر
الجرجانى ، سلسلة أعلام العرب رقم ٨ ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة
والنشر ١٩٦٢.
١٣٠ و ١٣١
٤ ـ أمين الخولى
فن القول ، ط الحلبى ١٩٤٧ م ١٣٠ و ١٦٠
٥ ـ أحمد مكى
الأنصارى أبو زكريا الفراء ، ط المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ، القاهرة
١٩٦٤ م ٢١٧.
٦ ـ أوليرى ١ ـ العرب
قبل الإسلام ص ٤٥.
٢ ـ مسالك الثقافة
الإغريقية ص ٧٢.
٧ ـ بدران أبو
العنين بدران أصول الفقه ـ ط دار المعارف ١٩٦٩ م ١٦٠
٨ ـ بدوى طبانة
البيان العربى ـ ط الأنجلو سنة ١٩٥٦ م ، الأولى ١٦٣.
٩ ـ جولد تسيهر.
مذاهب التفسير
الإسلامى ـ تحقيق عبد الحليم النجار والخانجى القاهرة ١٩٥٥ ٢١٣ و ٢٢٨
١٠ ـ الجوينى ،
مصطفى الصاوى منهج الزمخشرى فى تفسير القرآن ، ط دار المعارف ٦٣ و ١٧٢ و ١٧٨ و ١٩٩
و ٢٤٤.
١١ ـ حاجى خليفة
كشف الظنون ط ١٩٣٢ م ١٣١.
١٢ ـ حسن إبراهيم
حسن تاريخ الاسلام ، الطبعة الخامسة ١٩٦٠ م ، مكتبة النهضة المصرية.
٨٥ و ١٠١
١٣ ـ حسن السندوبى
أدب الجاحظ ، ط القاهرة ٥٨
١٤ ـ حمودة غرابة
الأشعرى (أبو الحسن) ط الرسالة القاهرة ـ ١٩٥٢ م ٣٦ و ٣٩
١٥ ـ خلف الله ،
محمد خلف الله أحمد من الوجهة النفسية ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة
١٩٤٧ م ١٣١ و ١٥٣ و ٢٤٣
١٦ ـ درويش الجندى
نظرية عبد القاهر فى النظم ط نهضة مصر ، ١٩٦٠ م ٢٢٥.
١٧ ـ زكريا
إبراهيم ابن حزم الأندلسى ـ سلسلة أعلام العرب ٥٦ ، ط الدار المصرية للتأليف
والترجمة.
٢٠٣.
١٨ ـ زهدى جار
الله المعتزلة ط القاهرة ١٩٤٧ م ٣٥.
١٩ ـ أبو زهرة ـ محمد
ا ـ أبو حنيفة ، حياته وعصره ، ط دار الفكر العربى ، الطبعة الثالثة ١٩٦٠ القاهرة
٣٤ و ١٦٠ و ٢٠٣
ب ـ أصول الفقه ،
ط مخيمر القاهرة ١٩٥٧ م ١٦٠
ح ـ ابن حزم
الأندلسى ، دار الفكر العربى ط الثانية ١٣٩ و ٢٠٦
٢٠ ـ سليمان دنيا
الشيخ محمد عبده بين الفلسفة والكلاميين الطبعة الأولى ١٩٥٨ م الحلبى ٣٨ و ١٠٧ و ٢٢٤
٢١ ـ السيد أحمد
صقر مقدمة كتاب الإعجاز للباقلانى ط دار المعارف ٢٣٤
٢٢ ـ شوقى ضيف
البلاغة تطور وتاريخ ط دار المعارف ٤٩ و ٧٤ و ٧٨ و ٩٤ و ١١٥ و ١٣١ و ١٦٢ و ١٧٤ و ١٨٩
و ٢٠٩ و ٢١٨ و ٢٤٣.
٢٣ ـ صبحى الصالح
، وفريد جبر ا ـ فلسفة التفكير الدينى. بيروت ١٩٦٧ م ٢٠
ب ـ مباحث فى علوم
القرآن ، الجامعة السورية دمشق ١٩٥٨ م ٢٤٤
٢٤ ـ طه الحاجرى
الجاحظ ط دار المعارف ٢١٥
٢٥ ـ عبده الشمالى
تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية ، الطبعة الرابعة ، بيروت ١٩٦٥ م دار صادر ص ٣٦.
٢٦ ـ عبد العال
سالم مكرم القرآن وأثره فى الدراسات النحوية. ط دار المعارف ١٩٦٨ م ١٩٩
٢٧ ـ عبد الكريم
الخطيب إعجاز القرآن ط دار الفكر العربى ، الأولى ١٩٦٤ م ١٣١
٢٨ ـ عز الدين
إسماعيل الأسس الجمالية فى النقد العربى الطبعة الأولى ١٩٥٥ م دار الفكر العربى
١٥٤ و ٢٤١
٢٩ ـ على مصطفى
الغرابى تاريخ الفرق الإسلامية ط صبيح القاهرة الثانية ١٩٥٨ م ٣٥ و ٥٥
٣٠ ـ عون ، حسن
عون أول كتاب فى نحو العربية ـ مجلة كلية الآداب بالاسكندرية ، المجلد الحادى عشر
لسنة ١٩٥٧ م ص ٤٨ وما بعدها
٣١ ـ كارل
بروكلمان تاريخ الأدب العربى ، ترجمة عبد الحليم النجار ، ط دار المعارف ١٩٦١ م ٧٤
٣٢ ـ كارل نيلينو
بحوث فى المعتزلة ، ترجمة عبد الرحمن بدوى ، ضمن كتاب «التراث اليونانى فى الحضارة
الاسلامية» ط النهضة المصرية ١٩٤٠ م القاهرة ٢٤ و ٢٦ و ٢٧
٣٣ ـ محمد زاهد
الكوثرى مقدمة تبيين كذب المفترى لابن عساكر ٣٠
٣٤ ـ محمد عبده (الشيخ
الإمام) رسالة التوحيد تحقيق الطناحى دار الهلال ١٩٦٣ م ١٩.
٣٥ ـ محمد مندور ا
ـ فى الميزان الجديد ، ط نهضة مصر القاهرة ، الثانية ١٦٣
ب ـ النقد المنهجى
، ط نهضة مصر القاهرة ١٦٣.
٣٦ ـ محمد يوسف
موسى القرآن والفلسفة ط دار المعارف ١٩٦٦ م ٢١ و ٣٠
٣٧ ـ محمود قاسم
مقدمة مناهج الأدلة لابن رشد ٣٩ و ٢٢٦ و ٢٣١
٣٨ ـ مصطفى عبد
الرازق تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية لجنة التأليف والترجمة والنشر ١٩٦٦ م ١٩
٣٩ ـ مصطفى ناصف
النظم فى دلائل الإعجاز ، حوليات آداب عين شمس المجلد الثالث ١٩٥٢ م ١٥٦
٤٠ ـ منير سلطان
البديع تأصيل وتجديد ط منشأة المعارف بالاسكندرية ١٩٨٥ م ١٨٦
٤١ ـ النشار ـ على
سامى النشار نشأة التفكير الفلسفي فى الإسلام ط دار المعارف ١٩٦٦ م ، الرابعة ٢٥ و
٢٩ و ٣٠ و ٣٩ و ٥٦
٤٢ ـ نيبرج مقدمة
كتاب الانتصار للخياط ص ٣٢ و ٣٤
٤٣ ـ هاملتون جب
دراسات فى حضارة الإسلام ، ترجمة إحسان عباس ومحمد نجم ومحمود زائد ، بيروت ١٩٦٤ ،
مؤسسة فرانكلين ص ٤٧.
ثانيا : الآيات القرآنية
(١)
الفاتحة
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ) (٥) ـ ١٧٨ (صِراطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٧) ـ ١٧٦.
(٢)
البقرة
(الم ذلِكَ
الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (١ و ٢) ١٨١ و ١٩٨
(هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ) (٢) ١٧٧ و ١٩٥ و ٢٢٢
(وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ) (٥) ١٩٣
(إِنَّما نَحْنُ
مُصْلِحُونَ) (١١) ـ ١٩٦
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ) (١٥) ـ ١٩٣
(فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ) (١٦) ـ ١٤٧
(أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) (١٦) ـ ١٩٧
(لَوْ شاءَ اللهُ
لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) (٢٠) ـ ٢٩٢
(يا أَيُّهَا
النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (٢١) ـ ١٧٧
(فَلا تَجْعَلُوا
لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٢) ـ ١٧٦
(فَأْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِهِ) (٢٣) ـ ٢٠٤
(وَإِنْ كُنْتُمْ
فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) (٢٣ و ٢٤) ـ ١٧٢
(إِنَّ اللهَ لا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٢٦) ١٨٦
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ
بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (٢٨) ـ ١٨٢
|
|
(قُلْ إِنْ كانَتْ
لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) (٩٤ و ٩٥) ـ ١٧٢
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) (٩٦) ـ ١٩٥
(صِبْغَةَ اللهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (١٣٨) ـ ١٨٧
(الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١٤٧) ـ ١٨٤
(وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ) (١٧٩) ـ ٧٧ و ٢٠٥
(وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) (١٨٥) ـ ١٨٧
(تِلْكَ حُدُودُ
اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) (١٨٧) ـ ١٧٠
(وَلكِنَّ الْبِرَّ
مَنِ اتَّقى) (١٨٩) ـ ١٢٣
(هَلْ يَنْظُرُونَ
إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) (٢١٠) ـ ١٣٨
(وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللهِ) (٢٢٩) ـ ١٧٠
(لا تُضَارَّ
والِدَةٌ بِوَلَدِها) (٢٣٣) ـ ١٧٩
(وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) (٢٣٥) ـ ١٩٦
(وَاللهُ لا يُحِبُّ
كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (٢٧٦) ـ ١٩٤
(لَها ما كَسَبَتْ
وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (٢٨٦) ـ ١٧٩
(٣)
آل عمران
(وَمَكَرُوا
وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ـ (٥٤) ـ ٧٩
(قَدْ كانَ لَكُمْ
آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) (١٣٠) ـ ١٧٠
|
__________________
(٤)
النساء
(وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَ) (٤) ـ ١٧٩
(وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (١١) ـ ١٧٦
(حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٢٣) ـ ٧٢
(أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) (٤٩) ـ ١٧١
(لَوْ كانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٨٢) ـ ٩٦
(وَلَوْ أَنَّهُمْ
إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) (٦٤) ـ ١٧٩
(٥)
المائدة
(وَيُخْرِجُهُمْ
مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) (١٦) ـ ٢٢٢
(لَبِئْسَ ما كانُوا
يَصْنَعُونَ) (٦٣) ١٧٩
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) (٩٤) ـ ١٧٢.
(وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) (٨٢ و ٨٣) ـ ٤٦.
(٦)
الأنعام
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ
أَتَّخِذُ وَلِيًّا) (١٤) ـ ١٨٩
(إِنْ هذا إِلَّا
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥) ـ ٤٥
(ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (٣٨) ـ ٢٢١
(وَلَوْ تَرى إِذْ
وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) (٢٧) ـ ٨٠
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ الْجِنَ) (١٠٠) ـ ١٩٥
(٧)
الأعراف
(وَكَمْ مِنْ
قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً) (٤) ـ ١٩٤
(إِنَّا جَعَلْنَا
الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٧) ـ ١٨٧
(إِنَّهُ يَراكُمْ
هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (٢٧) ـ ١٨٧
(وَإِذْ نَتَقْنَا
الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) (١٧١) ـ ٧٨
(وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) (١٧٢) ـ ١٨٤
|
|
(٨)
الأنفال
(إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (٢) ـ ٩١.
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ
اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) (٨) ـ ٧٦.
(وَيُقَلِّلُكُمْ
فِي أَعْيُنِهِمْ) (٤٤) ـ ١٧٠
(٩)
التوبة
(بَراءَةٌ مِنَ
اللهِ) (١) ١٢٣
(١٠)
يونس
(حَتَّى إِذا
كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) (٢٢) ـ ١٧٨
(قُلْ فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (٣٨) ـ ٢٠٤
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ
اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ) (١٠٧) ـ ١٨٧
(انْصَرَفُوا صَرَفَ
اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١٢٧) ـ ٧٩
(آللهُ أَذِنَ
لَكُمْ) (٥٩) ١٩١
(١١)
هود
(كِتابٌ أُحْكِمَتْ
آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) (١) ـ ٢٢٢
(وَلَوْ أَنَّ
قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (٤٢) ـ ٩٢ و ١٢٢ و ١٢٣
(وَقِيلَ يا أَرْضُ
ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) (٤٤) ـ ١٨٥
(وَما أَنْتَ
عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) (٩١) ـ ١٩١
(أَرَهْطِي أَعَزُّ
عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) (٩٢) ـ ١٩١
(يا قَوْمِ
اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) (٩٣) ـ ١٧٩
(وَبِئْسَ الْوِرْدُ
الْمَوْرُودُ) (٩٨) ـ ٦٩
(١٢)
يوسف
(يَخْلُ لَكُمْ
وَجْهُ أَبِيكُمْ) (٩) ـ ١٨٠
(قالَتْ فَذلِكُنَّ
الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (٣٢) ـ ١٧٤
(وَسْئَلِ
الْقَرْيَةَ) (٨٢) ـ ٧٧ و ١٢٢ و ١٢٣ و ١٣٩
(١٣)
الرعد
(لَوْ أَنَّ
قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) (٣١) ـ ٧٧
(اللهُ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (٢٦) ـ ١٩١
|
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) (٢٨) ـ ٩١
(الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ) (٢٩) ـ ٩٢.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ) (٣٣) ـ ١٨٩
(١٤)
إبراهيم
(هذا بَلاغٌ
لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) (٥٢) ـ ٢١٦
(١٥)
الحجر
(الَّذِينَ جَعَلُوا
الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١) ـ ١٧٢
(١٦)
النحل
سورة النحل كلها
١١٧
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) (١٢٥) ـ ٢٠
(١٧)
الإسراء
(وَاخْفِضْ لَهُما
جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (٢٤) ـ ١٩٧
(قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) (٨٨) ـ ٥٤ و ٢١٣
(١٨)
الكهف
(وَكَلْبُهُمْ
باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (١٨) ـ ١٥١
(فَوَجَدا فِيها
جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (٧٧) ـ ١٩٧
(١٩)
مريم
(وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً) (٤) ـ ١٤٥ و ١٩٨
(٢٠)
طه
(الرَّحْمنُ عَلَى
الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥) ـ ١٣٩
(٢١)
الأنبياء
(وَكَمْ قَصَمْنا
مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) (١١) ١٨٤
(لَوْ أَرَدْنا أَنْ
نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) (١٧) ـ ١٩٢
(وَلِسُلَيْمانَ
الرِّيحَ عاصِفَةً) (٨١) ـ ١٧١
(قُلْ إِنَّما يُوحى
إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١٠٨) ـ ١٩٦
(٢٢)
الحج
(يَوْمَ تَرَوْنَها
تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) (٢) ـ ١٧٦
|
|
(يُصْهَرُ بِهِ ما
فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) (٢٠) ـ ١٨٨
(٢٣)
المؤمنون
(وَإِنَّا عَلى
ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) (١٨) ـ ١٨٨
(٢٤)
النور
(وَلا تَأْخُذْكُمْ
بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (٢) ـ ١٨٤
(وَالَّذِينَ
كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) (٣٩) ـ ٧٨
(٢٥)
الفرقان
(لَقَدِ
اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢١) ـ ١٨٩
(٢٧)
النمل
(وَجِئْتُكَ مِنْ
سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٢٢) ـ ١٨٦
(وَتَرَى الْجِبالَ
تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (٨٨ ـ ٩٠) ـ ١٨٨
(٢٨)
القصص
(إِنَّ فِرْعَوْنَ
عَلا فِي الْأَرْضِ) (٤) ـ ١١٢
(وَقالَتِ امْرَأَتُ
فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) (٩) ـ ١٨٩
(وَلَمَّا وَرَدَ
ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) (٢٣) ـ ١٩٢
(ما كُنْتَ مِنَ
الشَّاهِدِينَ وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) (٤٥) ـ ١٧٧
(وَمِنْ رَحْمَتِهِ
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. لِتَسْكُنُوا فِيهِ) (٧٣) ـ ١٨٧
(٢٩)
العنكبوت
(ما هذِهِ الْحَياةُ
الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) (٦٤) ـ ١٧٤
(٣٠)
الروم
(الم غُلِبَتِ
الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) (١ و ٢) ٥٤ وهامش ١٧٣
(٣١)
لقمان
(وَاخْشَوْا يَوْماً
لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) (٣٣) ـ ١٧٤
(٣٢)
السجدة
(الم ، تَنْزِيلُ
الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١ و ٢) ١٨١
|
(٣٣) الأحزاب
(ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) (٤٠) ـ ٢٢٤
(يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (٤٥ و ٤٦) ٢٢٤
(وَقالُوا رَبَّنا
إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) (٦٧) ـ ١٨٥
(إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) (٧٢) ١٨٣
(٣٤)
سبأ
(وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٤) ٨٠ و ١٨٢ و ١٨٨.
(قُلْ لا
تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٥) ١٨٨.
(وَقالُوا ما هذا
إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) (٤٣) ـ ٤٥
(٣٥)
فاطر
(وَاللهُ الَّذِي
أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) (٩) ـ ١٧٨
(٣٦)
يس
(وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) (١٣ ـ ١٦) ـ ١٩٥
(وَضَرَبَ لَنا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) (٧٨ و ٧٩) ـ ٨١
(٣٧)
الصافات
(وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢٤) ـ ١٧٠
(أَإِنَّا
لَتارِكُوا آلِهَتِنا) (٣٦) ـ ٤٥
(٣٩)
الزمر
(لَوْ أَرادَ اللهُ
أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٤) ـ ١٩٢
(اللهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً) (٢٣) ـ ١٩١
(إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ
بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) (٣٨) ـ ١٨٨
(أَفَغَيْرَ اللهِ
تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (٦٤) ـ ١٩١
(وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) (٦٩) ـ ١٩٧
(٤٠)
غافر
سورة غافر كلها
١١٧
|
|
(٤١)
فصلت
(وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (٢٦) ـ ٤٦
(٤٢)
الشورى
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ) (١١) ـ ٣٠
(وَكَذلِكَ
أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (٥٢) ـ ١١٨
(وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٣) ـ ١١٨
(٤٣)
الزخرف
(وَسْئَلْ مَنْ
أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) (٤٥) ـ ١٨٤
(فِي السَّماءِ
إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (٨٤) ـ ٣٠
(٤٤)
الدخان
(كَمْ تَرَكُوا مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) (٢٦) ـ ٨٠
(فَما بَكَتْ
عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٢٩) ـ ١٨٤
(إِنَّ يَوْمَ
الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٠) ـ ٨١
(إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) (٥١) ـ ٨١
(٤٧)
محمد
(وَسُقُوا ماءً
حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (١٥) ـ ١٨٨
(طاعَةٌ وَقَوْلٌ
مَعْرُوفٌ) (٢١) ـ ١٢٣
(٤٨)
الفتح
(قُلْ
لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) (١٦) ـ ٢٢١
(هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ) (٢٨) ـ ١٧٣
(سِيماهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (٢٩) ـ ١٧١
(٤٩)
الحجرات
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) (٣) ـ ١٨٠ و ٢٤٢
(إِنَّ الَّذِينَ
يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) (٤) ـ ١٨٠
(٥٠)
ق
(ق وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ) (١ و ٢) ـ ٧٩
|
(نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ) (١٦) ـ ٣٠
(٥١)
الذاريات
(كَذلِكَ ما أَتَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ) (٥٢) ـ ٤٥
(٥٢)
الطور
(وَالطُّورِ
وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) (١) ـ ٧٩
(٥٤)
القمر
(فَذُوقُوا عَذابِي
وَنُذُرِ) (١٥) ـ ١٧٧
(٥٥)
الرحمن
(فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، آيات عديدة ، ١٧٧
(خَلَقَ الْإِنْسانَ
مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) (١٤) ـ ٧٨
(فَيَوْمَئِذٍ لا
يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) ـ ١٧٠
(٥٧)
الحديد
(وَجَنَّةٍ عَرْضُها
كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٢١) ـ ٧٨
(٥٨)
المجادلة
(ما يَكُونُ مِنْ
نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) (٧) ـ ٣٠
(٥٩)
الحشر
(وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) (٢)
ـ ١٧٥
(٦١)
الصف
(يُرِيدُونَ
لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) (٨) ـ ٢١٤
(وَتِلْكَ
الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) (٢١) ـ ١٨٣
(٦٢)
الجمعة
(أَنَّكُمْ
أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ ـ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) (٧ و ٨) ـ ٥٤ و ٢١٦
(٦٧)
الملك
(أَوَلَمْ يَرَوْا
إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) (١٩) ـ ١٨١
(أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) (٣٠) ـ ١٨٨
|
|
(٦٩)
الحاقة
(لِنَجْعَلَها
لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١٢) ـ ١٧٥
(إِنَّهُ لَقَوْلُ
رَسُولٍ كَرِيمٍ) (٤٢) ـ ٤٥
(٧٤)
المدثر
(إِنَّهُ فَكَّرَ
وَقَدَّرَ ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) (١٨ ـ ٢٤) ـ ٧٢.
(٧٧)
المرسلات
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) ، آيات عديدة ، ١٧٨
(٧٩)
النازعات
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها) (٣٠) ـ ٢١٧
(مَتاعاً لَكُمْ
وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٣) ـ ٢١٧
(٨٩)
الفجر
(وَجاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢٢) ٨٠ و ١٣٩
(١٠٨)
الكوثر
(إِنَّا
أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١) ـ ٢٠٤
(١١٢)
الإخلاص
(لَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ) (٤) ـ ١٥٥
|
ثالثا : فهرست الأعلام
(ا)
الآمدى ١٦٠
إبراهيم «عليهالسلام»
٢٣٩
إبراهيم سلامة
١٦٢ و ١٦٣
الأبهرى ١٠١
أبىّ بن كعب ١٩٥
ابن الأثير ١٢٥
أحمد أمين ١٤ و
١٩ و ٢٦ و ٣٦ و ٥٥
أحمد بدوى ١٣ و
١٦٤
أحمد بن أبى
دؤاد ٢٨ و ٣٤
أحمد بن حنبل ٣٤
أحمد بن عيسى ٢٧
ابن الأخشيد ٥٠ و
٢٣٥
الأخنس بن شريق
٤٧
|
|
أرسطو ٤٨
أرسلان ـ ألب ٣٧
إسحاق بن
إبراهيم ٣٣
إسحاق بن حنين
٤٨
أبو إسحاق بن
عياشى ٨٦
إسحاق بن وهب ٤٩
بنو إسرائيل ٥٩
الإسفرايينى (أبو
إسحاق) ٣٦ و ١٠١
الإسفرايينى ـ عبد
الجبار (أبو القاسم) ١٠١
الإسكافى ٣٢
أبو الأسود
الدؤلى ١٣٥
الأشعرى (أبو
الحسن) ٣٥ و ٣٦ و ٣٧ و ٤٩ و ٥٠ و ٦٧ و ١٠١ و ١٠٦ و ١٢٣ و ٢٢٣ و ٢٢٤ و ٢٣٢ و ٢٣٣
الأعشى ١٣٣
|
إقليدس ٧٢
امرؤ القيس ١١٢ و
١٣٣ و ١٣٥
الأمويون ٢٤ و ٢٦
أمين الخولى ١٣
(ب)
الباقلانى ١٥ و
٢٢ و ٣٦ و ٤٩ و ١٠١ ـ ١٢٦ و ١٤٠ و ١٦٩ و ١٨٩ و ١٩٨ و ١٩٩ و ٢٢٠ و ٢٢٤ و ٢٣١ و ٢٣٢
و ٢٣٣ و ٢٣٤ و ٢٣٩ و ٢٤١ و ٢٤٣ و ٢٤٩ و ٢٥١ و ٢٥٢ و ٢٥٤
الباهلى ١٠١
البحترى ١١٣
بدوى طبانة ١٦٤
بشار بن برد ١٣٦
بشر المريسى ٢٧
بشر بن المعتمر
٢٣٨ و ٢٣٩ و ٢٤١
بيوضى «العالم
الإباضى» ١٤
(ت)
أبو تمام ١١٣
ابن تيمية ٢٣٠
|
|
(ث)
ثعلب ٢١٩
ثمامة بن أشرس
٢٧ و ٢٨ و ٣٤
ثمود (قبيلة)
٢٣٩
(ج)
الجاحظ ١٦ و ٢٢ و
٣٢ و ٤٥ و ٥٠ و ٥٢ و ٥٣ و ٥٦ و ٥٩ ـ ٦٩ و ٦٠ ـ ٦٢ و ١١٩ ـ ١٢١ و ١٣٤ و ١٣٥ و ١٣٨
و ١٤٣ و ١٦١ و ٢١٣ و ٢١٤ و ٢١٥ و ٢١٧ و ٢١٨ و ٢٢٧ و ٢٣٠ و ٢٣١ و ٢٣٦ و ٢٣٧ و ٢٤١
و ٢٤٢ و ٢٤٩ و ٢٥٠ و ٢٥٤
جب هاملتون ٤٧
الجبائى (أبو
على) ١٥ و ٣٥ و ٤٥ و ٥٠ و ٦٧ و ٦٨ و ٦٩ و ٧٠ و ٨٦ و ٢٣١ و ٢٤٩ و ٢٥٠
الجبائى (أبو
هاشم) ١٥ و ٧٠ و ٧١ و ٧٢ و ٧٣ و ٧٥ و ٨٦ و ٩٣ و ٩٤ و ٢٢٨ و ٢٣٠ و ٢٥١ و ٢٥٢
جبريل (عليهالسلام)
٣٣ و ٨٩
الجرجانى ـ عبد
القاهر ١٥ و ٢٢ و ٤٩ و ١٠٣ و ١٠٤ و ١٠٧ و ١١٨ و ١٢٩ ـ ١٦٣ و ١٨٩ ـ ١٩٧ و ٢٠٧ ـ ٢١٠
و ٢٢٠ و ٢٢٥ و ٢٢٩ و ٢٣٢ و ٢٣٣ و ٢٣٥ و ٢٣٨ و ٢٣٩ و ٢٤٠ و ٢٤١ و ٢٤٢ و ٢٤٤ و ٢٤٩
و ٢٥٢ و ٢٥٤
جعفر بن حرب ٣٢
ابن جنى ١٥٦ و ١٦٤
و ٢٢٨ و ٢٢٩
|
أبو جهل ٤٧
جهم بن صفوان ٣١
جولد تسيهر ٢١٣
الجوينى ـ عبد
الملك ٣٦ و ١٠١ و ٢٢٦
الجوينى ـ مصطفى
الصاوى ١٧٢ و ١٧٨ و ١٩٠ و ١٩٩ و ٢٤٤
(ح)
ابن حزم
الأندلسى ١٥ و ١٦٢ و ٢٠٣ ـ ٢٠٦ و ٢٥٢
الحسن البصرى ٢٥
و ٢٦ و ٧٠ و ١٧٣
حسن عون ١٥٦
حسان بن ثابت
١٣٧
الحطيئة ١٣٥
حماد عجرد ١١٦
أبو حنيفة ٢٠
(خ)
الخطابى ـ أبو
سليمان حمد بن محمد ١٥٨
الخفاجى ـ ابن
سنان ١٢٤ و ١٢٥ و ٢٢٥ و ٢٣٣ و ٢٣٤
ابن خلدون ١٩ و
١٦٢
الخلفاء
الراشدون ١١٢
ابن خلكان ١٩
|
|
الخليل بن أحمد
٧٢
الخوارج ٢٤
الخياط ـ صاحب
كتاب «الانتصار» ١٦ و ٢٨ و ٥١ و ٥٤
(د)
داود الظاهرى
٢٠٦
درويش الجندى
٢٢٥
(ر)
الرازى ـ فخر
الدين ١٥ و ٤٩ و ٧٠ و ٢٠٣ و ٢٠٦ و ٢٠٨ و ٢٠٩ و ٢٥٢
ابن الراوندى ١٥
و ٣٤ و ٥٣ و ٥٤ و ٥٥ و ٦٧ و ٦٨ و ٧٠ و ٨٦.
الرسول الكريم صلىاللهعليهوسلم ٢٠ و ٢١ و ٢٤ و ٢٦ و ٢٩ و ٣٧ و ٤٥ و ٤٦ و ٤٧ و ٤٨ و ٥٠ و
٥١ و ٦٠ و ٨٦ و ٨٧ و ٨٨
ابن رشيق
القيروانى ١٤٣ و ١٥٩
الرمانى ـ أبو
الحسن على بن عيسى ١٥ و ٢٢ و ٤٥ و ٧٤ و ٧٥ و ٧٧ و ٧٨ و ٨١ و ١١٣ و ١١٤ و ١١٥ و ١١٩
و ١٢٢ و ١٢٣ و ١٢٥ و ١٨٩ و ١٩٩ و ٢١٥ و ٢١٦ و ٢١٨ و ٢٣١ و ٢٣٢ و ٢٣٣ و ٢٣٤ و ٢٣٩
و ٢٣٤ و ٢٤٩ و ٢٥١
ابن الرومى ١١٣ و
١١٦
(ز)
زاهد الكوثرى ٨٧
|
الزمخشرى ١٥ و ١٦
و ٢٢ و ١٦٩ ـ ٢٠٠ و ٢٠٧ ـ ٢١٠ و ٢٢٦ و ٢٢٩ و ٢٣٢ و ٢٣٣ و ٢٤٠ و ٢٤٠ و ٢٤٢ و ٢٤٣ و
٢٤٤ و ٢٤٩ ـ ٢٥٢
أبو زهرة ـ محمد
٢٠٥
زهير ١٣٣
(س)
ابن السّبّاك ـ محمد
بن صبيح ٢٧
أبو سفيان ٤٧
السكاك الرافضى
٣٢
السكاكى ـ أبو
يعقوب ١٥ و ١٦ و ٤٩ و ٢٠٣ و ٢٠٧ و ٢٠٨ و ٢٠٩ و ٢٣٢ و ٢٣٣ و ٢٤٢ و ٢٥٢
سليمان ـ الملك
سليمان ٥٧
أبو سهل
النوبختى ٢٢
سيبويه ٧٢ و ١٥٥
و ١٧٣
السيد أحمد صقر
١٠٣
السيرافى ـ أبو
سعيد ، الحسن بن المرزبانى ٧٤ و ١٥٧
(ش)
الشيرازى ١٠١
الشريف الرضى ٦٩
الشريف المرتضى
١٤
|
|
شعيب «عليهالسلام»
٢٣٩
شوقى ضيف ٧٨ و ١١٥
و ١٦٢
الشهرستانى ١٤ و
١٩
شيطان الطاق ٢٢
(ص)
صالح ، صاحب
غيلان الدمشقى ٢٥
الصديق ـ أبو
بكر ٢١
الصفدى ٢٠٦
صمصام الدولة
١٠٢
(ط)
الطبرى ـ محمد بن
جرير ٧٠
طلحة بن الزبير
٢٣ و ٢٦
طه الحاجرى ٢١٥
(ع)
عائشة ـ أم
المؤمنين ٢٣ و ٢٤
عاد (قبيلة) ٢٣٩
عبّاد المعتزلى
٥٠
ابن عباد ٣٧
ابن عباس ١٣٥
|
عبد الجبار
الأسدآبادي «القاضى» ١٥ و ١٦ و ٢٢ و ٤٥ و ٦٧ و ٦٨ و ٦٩ و ٧١ و ٧٤ و ٨١ و ٨٥ و ٨٨
و ٨٩ و ٩١ و ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ١٠٥ و ١٠٦ و ١٦١ و ١٦٢ و ١٦٩ و ١٧٢ و ٢١٦ و ٢٢٣ و ٢٢٧
و ٢٢٨ و ٢٣١ و ٢٣٩ و ٢٤١ و ٢٤٩ و ٢٥١ و ٢٥٢ و ٢٥٤
عبد العال سالم
مكرم ١٩٩
عبد العزيز بن
يحيى الكنانى ٢٢
أبو عبد الله ـ الشيخ
أبو عبد الله ٨٦
عبد الله بن
الزبير ٢٦
عبد الله بن عمر
٤٦ و ١٧١
عبد الله بن
مسعود ٥١
عبد الله بن
يزيد الإباضي ٢٢
عبد الكريم
عثمان ٨٦
أبو عبيدة معمر
بن المثنى ٦٠ و ١٥٨
عثمان بن عفان
٢١ و ٢٣ و ٥١ و ٦٧ و ٨٨
العدلية ٢٦
عزير «عليهالسلام»
٢٩
العسكرى ـ أبو
هلال ١٢٤ و ١٤٣ و ١٥٢ و ١٥٩
عضد الدولة
البويهى ١٠١
أبو على بن حرب
الهلالى ٢٢
|
|
أبو على بن خلود
٨٦
على بن أبى طالب
٢١ و ٢٣ و ٢٤ و ٢٦
أبو على الفارسى
٧٤ و ١٢٩ و ١٥٦ و ٢٢٨
أبو على بن يحيى
بن كامل ٢٢
العلوى ـ يحيى
بن حمزة ١٢٥ و ٢٣٤
عمر بن الخطاب
٢١ و ٢٣ و ٤٦ و ٥١
عمرو بن العاص
٢٦
عمرو بن عبيد ٢٢
و ٢٦ و ٢٧
ابن العميد ـ الوزير
الكاتب ٣٧
عنترة بن شداد
١٣٦
عيسى بن صبيح
المردار ٥٠
أبو عيسى الوراق
٣٤
(غ)
الغزالى (الإمام
أبو حامد) ١٠١ و ٢٢٦ و ٢٣٥
غيلان الدمشقى
٢٥
(ف)
ابن فارسى ٢٢٨
أبو فراس
الحمدانى ١١٦
|
الفراء ٢٣٣
أبو الفتح الفضل
بن جعفر بن الفرات ١٥٧
فلاسفة اليونان
١٦١
فناخسرو بن ركن
الدولة (أبو شجاع) ١٠١
ابن فورك ١٠١
(ق)
أبو القاسم
البلخى ٧٠ و ٩٩
ابن قبة ٢٢
ابن قتيبة ١٥٢ و
٢١٩
قدامة بن جعفر
٤٩ و ١٢١ و ١٥٩ و ٢١٩
القدرية ٢٦
ابن القرية ١٧٣
القزوينى ـ أبو
يوسف المعتزلى ٧٠
القطيعى ١٠١
ابن قيم الجوزية
٢٢٩
(ك)
كسرى ١١١
كيسان ٥٧
|
|
(ل)
لوط عليهالسلام ٢٣٩
(م)
الماتريدى ـ أبو
منصور ٢٢٤ و ٢٢٦ و ٢٣٦
المأمون ـ الخليفة
العباسى ١٩ و ٢٨ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤
المبرد ـ محمد
بن يزيد ٢١٩
متى بن يونس ـ أبو
بشر ٤٨ و ١٥٧
المتنبى ١١٦
المتوكل الخليفة
العباسى ٢٨ و ٣٣
ابن مجاهد ١٠١
المجسطى ٧٢
المحاسبى
البغدادى ٢٢
محمد بن الجنيد
٢٢
معبد الجهنى ٢٥
محمد حسن
الفارسى ـ أبو الحسين ١٢٩
محمد خلف الله
١٥٢
محمد مندور ١٦٤
المرتضى ٢٣٧
|
ابن المرتضى ٥٧ و
٧١
مروان بن محمد
٢٧
المستشرقون ١٦
أبو مسلم بن بحر
٧٠
المسعودى ، صاحب
«مروج الذهب» ٥٣
المسيح عليهالسلام ٢٩ و ٥٧
مصطفى ناصف ١٥٦
معاوية بن أبى
سفيان ٢٣ و ٢٦
ابن المعتز ٤٨ و
٢١٩
المعتصم ـ الخليفة
العباسى ٢٨ و ٣٤
المنصور ـ أبو
جعفر ، الخليفة العباسى ٢٧
المهدى ـ الخليفة
العباسى ٢٧
موسى عليهالسلام ٢٩ و ٢٣٩
موسى الأسوارى
٥٠
(ن)
النابغة الشاعر
١٣٣
النجاشى ١١١
النظام ـ إبراهيم
بن سيّار ١٦ و ٢٢ و ٣٢ و ٤٥ و ٤٩ و ٥٢ و ٥٣ و ٥٤ و ٥٥ و ٥٦ و ١٣٨ و ١٦٩ و ٢١٥ و
٢٢١ و ٢٤٩ و ٢٥٠
|
|
نوح عليهالسلام ٥٧
أبو نواس ـ الحسن
بن هانئ ١١٣ و ١١٦
(ه)
هارون عليهالسلام ٢٧ و ٢٣٩
أبو هريرة ٢٦
هشام بن الحكم
٢٢ و ٣٢
هشام بن عبد
الملك ٢٥
هشام القوطى ٥٠
هود عليهالسلام ٢٣٩
(و) الواثق
الخليفة العباسى ٢٨ و ٣٣ و ٣٤
الواسطى ـ محمد
بن يزيد المعتزلى ٥٠ و ١٣١ و ٢٣٥
واصل بن عطاء ٢٢
و ٢٥ و ٢٧ و ٣١ و ٥٠
الوليد بن
المغيرة ٤٧
(ى)
يحيى بن عادياء
٧٤
يحيى بن مبارك
٢٨
يزيد بن الوليد
٢٧
يعقوب الشحام ـ أبو
يوسف ٦٧
اليمان بن رباب
٢٢
|
رابعا : الأبيات الشعرية
الألف
أتهجوه ـ الفداء
١٨٢
الباء
كأن مثار ـ كواكبه
١٣٦
الحاء
ولمّا قضينا من
منى ـ ماسح ١٥٢
الراء
ولا أصبح الحى
الخلوف ـ النذر ١١٦
إذا شئت ـ ونزار
١١٦
اللام
من مبلغ ـ المنزل
١٨٦
الميم
وخلا الذباب ـ المترنم
١٣٦
خامسا : المصطلحات البلاغية
«ا»
الاستعارة ٧٥ و
٧٨ و ١١٤ و ١٢٢ و ١٤٤ و ١٦١ و ١٩٦ و ١٩٧
الإسناد الخبرى
١٩٥
الإطناب ٢٣٨
الالتفات ١٠٩ و
١٧٨
الإيجاز ٧٥ و ٧٨
و ١١٤ و ١٦١ و ١٢٢ و ١٧٧ و ٢٤٣
«ب»
البديع ١١٠ و ١١١
و ١٢١ و ١٤٢
«ت»
التشبيه ٧٥ و ٧٨
و ١١٤ و ١٢٢ و ١٦٠
التضمين ٧٥ و ٨٠
و ١٢٢
التقديم
والتأخير ١٧٥ و ٢٣٢
التكرار ٢٣٩
التلاؤم ٧٥ و ٧٩
و ١١٤ و ١٢٢
|
|
التنكير ١٩٥ و ٢٣٢
التمثيل والتخييل
١٨٣
«ج»
الجناس ٧٥ و ٧٩ و
١١٤ و ١٢٢ و ١٨٥
«ح»
الحذف ١٦١
حسن البيان ٧٥ و
١١٤
«س»
السجع ١٠٧ و ١٠٨
و ١١٠ و ١٢٣ و ١٢٤ و ١٢٥ و ٢٣٢ و ٢٣٣
«ف»
الفصاحة ٩٤ و ١١٠
و ١١١
فصاحة الكلام ٧٢
و ٧٣ و ١٦١
الفواصل ٧٥ و ١١٤
و ١٢٥ و ١٤٤ و ٢٣٢ و ٢٣٣
«ق»
القصر و «الحصر»
١٦٠ و ١٩٦
|
«ك»
الكناية ١٦٠ و ١٩٦
و ٢٣٠
الكناية
والتعريض ١٨١
«لام»
اللف والنشر ١٨٧
«م»
المبالغة ٧٥ و ١١٤
و ١٢٢
المجاز ١٤٠ و ١٦٠
و ٢٢٩ و ٢٣٠ و ٢٣٧
المشاكلة ١٨٦
«ن»
النظم ١٨٠ و ٢٣٣
و ٢٤٤
|
|
|
سادسا ـ الفهرست التفصيلى
تمهيد : علم الكلام ١٩ ـ ٣٩
النشأة والازدهار
١٩ ـ المعتزلة والأشاعرة ٢٣ ـ (المعتزلة ٢٣ ـ مشكلة خلق القرآن ٣٢ ـ الأشاعرة ٣٥ ـ
الأشاعرة ومشكلة خلق القرآن ٣٧ ـ ٣٩).
الباب
الأول : المعتزلة
وإعجاز القرآن ٤٥ ـ ٦٣
الفصل
الأول : النظام والجاحظ
٤٥ ـ (القرآن وإعجازه ٤٥ ـ المعتزلة والإعجاز ٥٠ ـ النظام وإعجاز القرآن ٥٢ ـ الجاحظ
وإعجاز القرآن ٥٦ ـ ٦٣)
الفصل الثانى : الجبائى والرمانى ٦٧ ـ ٨١ الجبائى أبو على ٦٧ ـ أبو هاشم
الجبائى ٧٠ ـ الرمانى والإعجاز ٧٤ ـ ٨١
الفصل
الثالث : القاضى عبد
الجبار ٨٥ ـ ٩٦ القاضى والجبائيان ٨٦ ـ القاضى والإعجاز ٨٧ ـ ٩٦.
الباب الثانى : الأشاعرة وإعجاز القرآن ١٠١ ـ
الفصل
الأول : الباقلانى ١٠١ ـ
١٢٦
نموذج من تحليل
الباقلانى لروعة آيات الذكر الحكيم ١١٧ ـ الباقلانى والجاحظ ١١٩ ـ الباقلانى
والرمانى ١٢٢ ـ ١٢٦.
الفصل
الثانى : عبد القاهر
الجرجانى ١٢٩ ـ ١٦٣ الجرجانى والإعجاز ١٣٠ ـ الجرجانى والمفسرون ١٣٨ الجرجانى بين
أهل الظاهر والمعتزلة ١٣٨ ـ الجانب البلاغى عند الجرجانى (النظم) ـ ١٤٠ ـ المعنى
والنحو ١٤٥ ـ تقرير نظرية النظم عند الجرجانى ١٤٨ الجانب العقلى ١٤٨ ـ الجانب
النفسى ١٥١ ـ نظرية النظم لها بذور سلفية ١٥٥ ـ نظرية النظم فى بيئة المتكلمين ١٦١
ـ ١٦٣.
الباب
الثالث : الإعجاز بين
المعتزلة والأشاعرة ١٦٩ ـ
الفصل
الأول : الزمخشرى ١٦٩ ـ
٢٠٠ المبحث الكلامى من الإعجاز عند الزمخشرى ١٧٠ ـ ١٧٢ المبحث البلاغى من
الإعجاز عند
الزمخشرى ١٧٣ ـ ١٨٨ (الإيجاز ١٧٧ ـ أسلوب الالتفات ١٧٨ ـ التحليل الجمالى للنظم
١٨٠ ـ الكناية والتعريض ١٨١ ـ التمثيل والتخييل ١٨٣ ـ التعبيرات النفسية ١٨٤ ـ الجناس
١٨٥ ـ المشاكلة ١٨٦ ـ أسلوب اللف ١٨٧ ـ بلاغة القرآن ١٨٧ ـ الزمخشرى ينبهر بإعجاز
القرآن ١٨٨) ـ الزمخشرى والجرجانى ١٨٩ ـ الكشاف والدلائل ١٩٠ ـ الزمخشرى
والباقلانى ١٩٨ ـ الزمخشرى والرمانى ١٩٩ ـ ٢٠٠.
الفصل
الثانى : شخصيات أخيرة
٢٠٣ ـ ٢١٠ ابن حزم الأندلسى ٢٠٣ ـ فخر الدين الرازى ٢٠٦ ـ السكاكى ٢٠٧ ـ ٢١٠.
الفصل
الثالث : إعجاز القرآن
بين المعتزلة والأشاعرة ٢١٣ نظرة عامة ـ المعتزلة والأشاعرة ٢١٣ ـ ٢٢٢ القول
بالصّرفة عند المعتزلة ٢١٣ ـ النظم والفصاحة عند المعتزلة ٢١٦ ـ الإخبار بالغيوب
٢٢٠ ـ ٢٢٢.
الإعجاز بين
المعتزلة والأشاعرة ٢٢٢ ـ ٢٥٦
أولا : الجانب الكلام فى الإعجاز بين المعتزلة والأشاعرة ٢٢٣ ـ ٢٣٠
دليل النبوة عند
المعتزلة والأشاعرة ٢٢٣ ـ خلق القرآن وقدمه بين المعتزلة والأشاعرة ٢٢٤ ـ منزلة العقل
عند المعتزلة والأشاعرة ٢٢٦ ـ ٢٣٠.
ثانيا : الجانب البلاغى فى الإعجاز بين المعتزلة والأشاعرة ٢٣٠ ـ
٢٣٤.
الاعجاز البلاغى
بينهما ٢٣٠ ـ الفواصل والسجع بين المعتزلة والأشاعرة ٢٣٢ ـ ٢٣٤.
ثالثا : الإعجاز بين المعتزلة والأشاعرة ٢٣٤ ـ ٢٤٥ المجاز اللغوى
٢٣٧ ـ التأثير النفسى ٢٣٨ ـ دراسة الجمال والذوق الأدبى ٢٤٠ ـ ٢٤٥ خلاصة البحث
ونتائجه الأساسية ٢٤٩ ـ ٢٥٥ الخلاصة ٢٤٩ ـ النتائج الأساسية ٢٥٤ و ٢٥٥ ـ النتائج
العامة ٢٥٦ ـ الفهارس الفنية ـ ٢٥٧.
|