

بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدمة النشر
الإمام الأكبر ،
المجتهد المجدّد ، العلّامة البارع ، المدقّق المحقق آية الله العظمى ، كلها ألقاب
لم تفسر السيد محسن الأمين العاملي ، لقد كان من الألقاب أكبر وعلى الغيظ أعظم
وأصبر ، على هذا استظلت العتمة السوداء تحت سماء جبل عامل والنجف والشام ومصر
وفلسطين وغيرهم. لقد كان السيد تاريخا ليس بحجم الجغرافيا وكان محيطا زخارا ومنه
البحار تغترف ، كان وكان ... كان الاسلام في عصره فما بالغنا بالصفات.
وكتابه هذا (رض) :
لواعج الأشجان من أهمّ ما صنّف عن واقعة الطفّ وجهاد واستشهاد الامام الحسين عليهالسلام حيث جاء الكتاب متناسقا في التسلسل التاريخي محقق الروايات
والأحاديث منزها من الشوائب والأغراض النفسية والمذهبية. ونحن إذ نضع هذا الكتاب
بين يدي القارىء الكريم نتوجه بعظيم الشكر للأستاذ الكبير السيد حسن
الأمين نجل المؤلف
لما بذله من جهد في تحقيق وإعادة إعداد هذا الكتاب حتى خرج بهذه الصورة والله من
وراء القصد وهو وليّ التوفيق
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
فاتحة الكتاب
الحمد لله الذي
جعل أعظم الناس بلاء الأنبياء وأوصياءهم ، ثم الأمثل فالأمثل من سائر طبقات الورى
، نحمده تعالى على ما بلى وأبلى وأخذ وأعطى ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله
حجج الله على أهل الدنيا ، الذين امتحنوا بأعظم المصائب فصبروا على ما قدّر الله
وقضى ، وبذلوا أنفسهم في سبيل الله وإحياء دينه بذل الأسخياء فرفعهم الله بذلك الى
الدرجات العلى ، وضاعف الأجر لمن ذكر أو ذكر عنده مصابهم فبكى أو تباكى أو أبكى.
وبعد فيقول العبد
الجاني المتمسك بالعروة الوثقى من ولاء أهل بيت النبي المجتبى صلى الله عليه
وعليهم ما أظلم ليل فدجى ، وطلع فجر فأضاء : إني جامع في هذا الكتاب المسمّى (بلواعج
الأشجان) خبر مقتل الإمام أبي عبد الله الحسين عليهالسلام سيد الشهداء ، وخامس أصحاب العبا ، وأحد ريحانتي الرسول
المصطفى ، وشبلي الإمام المرتضى ، وقرتي عين البتول الزهراء ، وما يرتبط بذلك من
أمور شتى ، على وجه لا يخل إيجازه
عند ذوي النهى ،
ولا يمل أطنابه من استمع أو تلى ، قضاء الحق المودة في القربى ، وتعرضا لمثوبته
تعالى في الدار الأخرى ، وشفاعة رسوله وأوليائه في يوم الجزاء ، آخذا ذلك من الكتب
الموثوق بها والروايات المعتمد عليها بين العلماء ، ورتبته على مقدمة وثلاثة مقاصد
وخاتمة سائلا منه جلّ وعلا أن يجعله خالصا لوجهه وينفع به طول المدى ، ومنه تعالى
نستمد التوفيق والهداية والعصمة وهو حسبنا وكفى.
من فضائل الحسين عليهالسلام
ولد الحسين عليهالسلام بالمدينة في شعبان يوم الثالث منه ، وقيل لخمس خلون منه
سنة ثلاث ، وقيل أربع من الهجرة ، وقيل في أواخر شهر ربيع الأول ، وقيل لثلاث أو
خمس خلون من جمادى الأولى.
ولما ولد جيء به إلى جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فاستبشر به وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وحنكه بريقه وتفل في فمه فلما
كان اليوم السابع سماه حسينا وعق عنه بكبش وأمر أمّه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن
شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به وقال ابن عباس : كان رسول الله
عليهالسلام
يحبه ويحمله على كتفه ويقبل شفتيه وثناياه.
قالت أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس
بن عبد المطلب رأيت فيما يرى النائم كأن عضوا من أعضاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
سقط في بيتي وفي رواية في حجري ، فقلت : يا رسول الله رأيت حلما منكرا ، قال : وما
هو؟ قلت : انه شديد ، قال : وما هو؟ فقصصته عليه فقال : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما
فترضعينه ، فولدت فاطمة الحسين عليهالسلام
فكفلته أم الفضل ، قالت : فأتيت به يوما إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فبينا هو يقبله إذ بال على ثوبه فقرصته قرصة
بكى منها ، فقال
كالمغضب : مهلا يا أم الفضل آذيتني وأبكيت إبني فهذا ثوبي يغسل.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين عليهالسلام.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
في الحسن والحسين عليهماالسلام
: هما ريحانتاي من الدنيا. وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
فيهما هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
فيهما : الهمّ إني أحبهما فأحبهما.
وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يصلي فإذا سجد وثب الحسنان عليهماالسلام
على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار اليهم أن دعوهما ، فلما قضى الصلاة وضعهما
في حجره وقال من أحبني فليحب هذين ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم
يصلي فكان إذا سجد جاء الحسين عليهالسلام
فركب ظهره فإذا رفع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه فإذا سجد عاد على ظهره فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
من صلاته. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم
يجثو للحسنين عليهماالسلام
فيركبان على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما وحملهما صلىاللهعليهوآلهوسلم
مرة على عاتقه فقال رجل : نعم الفرس لكما ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ونعم الفارسان هما.
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم
يخطب على المنبر فجاء الحسنان عليهالسلام
وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل صلىاللهعليهوآلهوسلم
من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : إنما أموالكم وأولادكم فتنة. وكان
يخطب على المنبر إذ خرج الحسين عليهالسلام
فوطأ في ثوبه فسقط فبكى فنزل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن المنبر فضمه إليه وقال : قاتل الله الشيطان ان الولد لفتنة والذي نفسي بيده ما
دريت اني نزلت عن منبري. ومرّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
على بيت فاطمة عليهاالسلام
فسمع الحسين عليهالسلام
يبكي فقال : ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ان
الله تعالى جعل
ذرية كل نبي من صلبه خاصة وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب ، وكانت الزهراء عليهاالسلام ترقص الحسن عليهالسلام وتقول :
أشبه أباك يا
حسن
|
|
واخلع عن الحق
الرسن
|
واعبد آلها ذا
منن
|
|
ولا توال ذا
الأحن
|
وقالت للحسين عليهالسلام :
أنت شبيه بأبي
|
|
لست شبيها بعلي
|
وحج الحسنان عليهماالسلام ماشيين فلم يمرا برجل راكب الّا نزل يمشي. فقال بعضهم لسعد
: قد ثقل علينا المشي ولا نستحسن أن نركب وهذان السيدان يمشيان ، فرغب إليهما سعد
في أن يركبا فقال الحسن عليهالسلام لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام
على أقدامنا ولكننا نتنكب عن الطريق ، فأخذا جانبا من الناس ، وحج الحسين عليهالسلام خمسا وعشرين حجة ماشيا وأن النجائب لتقاد معه. وأقام بعد
وفاة أخيه الحسن عليهماالسلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا وأجلس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الحسن عليهالسلام على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى وأجلس عليا
وفاطمة عليهماالسلام بين يديه ثم لفّ عليهما كساءه أو ثوبه ، ثم قرأ (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ثم قال : هؤلاء أهل بيتي حقا.
وكان إبن عباس مع علمه وجلالة قدره يمسك
بركاب الحسنين عليهماالسلام
حتى يركبا ويقول : هما إبنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم ،
ونظر صلىاللهعليهوآلهوسلم
إلى الحسن والحسين عليهماالسلام
__________________
فقال : من أحب
هذين وآباهما وأمهما كانا معي في درجتي يوم القيامة.
وما عسى أن يقول
القائل فيمن جدّه محمد المصطفى ، وأبوه عليّ المرتضى ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجدته
خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، وعمه جعفر الطيار مع ملائكة السماء ، والبيت
من هاشم أهل المكارم والعلى مع ما له في نفسه من الفضائل التي لا تحصى.
أتاه المجد من
هنّا وهنّا
|
|
وكان له بمجتمع
السيول
|
دخل الحسين عليهالسلام على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول : وا غماه ، فقال له
الحسين عليهالسلام : وما غمك يا أخي؟ قال : ديني وهو ستون ألف درهم ، فقال
الحسين عليهالسلام : هو علي ، قال : اني أخشى أن أموت ، فقال الحسين عليهالسلام : لن تموت حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته ، وكان عليهالسلام يقول : شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء والقسوة على
الضعفاء والبخل عن الاعطاء.
ولما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى
الفرزدق الحسين عليهالسلام
فأعطاه الحسين عليهالسلام
أربعمائة دينار ، فقيل له انه شاعر فاسق ، فقال عليهالسلام
: إن خير مالك ما وقيت به عرضك وقد أثاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
كعب بن زهير وقال في العباس بن مرداس اقطعوا لسانه عني ووفد أعرابي إلى المدينة
فسأل عن إكرام الناس بها فدل على الحسين عليهالسلام
فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بإزائه وأنشأ يقول :
لم يخب الآن من
رجاك ومن
|
|
حرك من دون بابك
الحلقة
|
أنت جواد وأنت
معتمد
|
|
أبوك قد كان
قاتل الفسقة
|
لو لا الذي كان
من أوائلكم
|
|
كانت علينا
الجحيم منطبقة
|
فسلّم الحسين عليهالسلام وقال : يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟
قال : نعم أربعة
آلاف دينار ، فقال : هاتها قد جاء من هو أحق بها منا ، ثم نزع بردته ولفّ الدنانير
فيها وأخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي وأنشأ.
خذها فإني إليك
معتذر
|
|
وأعلم بأني عليك
ذو شفقة
|
لو كان في سيرنا
الغداة عصا
|
|
أمست سمانا عليك
مندفقة
|
لكن ريب الزمان
ذو غير
|
|
والكفّ مني
قليلة النفقة
|
فأخذها الأعرابي
وبكى ، فقال لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ولكن كيف يأكل التراب جودك ،
وبعضهم يروي ذلك عن الحسن عليهالسلام ، ووجد على ظهر الحسين عليهالسلام يوم الطف أثر فسألوا زين العابدين عليهالسلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى
منازل الأرامل واليتامى والمساكين وعلّم عبد الرحمن السلمي ولدا للحسين عليهالسلام الحمد ، فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة
وحشا فاه درّا ، فقيل له في ذلك فقال : وأين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه.
وأنشد الحسين عليهالسلام :
إذا جادت الدنيا
عليك فجد بها
|
|
على الناس طرا
قبل أن تتفلت
|
فلا الجود
يفنيها إذا هي أقبلت
|
|
ولا البخل
يبقيها إذا ما توّلت.
|
ومرّ عليهالسلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء فسلّم عليهم فدعوه إلى
طعامهم ، فجلس معهم وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم ، ثم قال : قوموا إلى منزلي
فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم. ودخلت على الحسن عليهالسلام جارية فحيّته بطاقة ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله
__________________
تعالى ، فقيل له :
تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها ، قال : كذا ادّبنا الله قال الله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ
فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) وكان أحسن منها عتقها.
وقال عليهالسلام صاحب الحاجة لم يكرّم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن رده ،
وجاء أعرابي إلى الحسين بن علي عليهماالسلام فقال : يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن
ادائها فقلت في نفسي أسأل أكرم الناس وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال الحسين عليهالسلام : يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة
أعطيتك ثلث المال ، وان أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وان أجبت عن الكل
أعطيتك الكلّ ، فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله أمثلك يسأل مثلي وأنت من أهل
العلم والشرف؟ فقال الحسين عليهالسلام : بلى سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فقال الأعرابي : سل عما بدا
لك فإن أجبت والا تعلمت منك ولا قوة الّا بالله ، فقال الحسين عليهالسلام : أي الأعمال أفضل؟ فقال الأعرابي : الإيمان بالله ، فقال
الحسين عليهالسلام : فما يزين المهلكة؟ فقال الأعرابي : الثقة بالله ، فقال
الحسين عليهالسلام : فما النجاة من الرجل؟ فقال الأعرابي : علم معه حلم ،
فقال : فإن أخطأه ذلك؟ فقال : مال معه مروءة ، فقال : فإن أخطأه ذلك؟ فقال : فقر
معه صبر ، فقال الحسين عليهالسلام : فإن أخطأه ذلك؟ فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السماء
وتحرقه فانه أهل لذلك ، فضحك الحسين عليهالسلام ورمى إليه بصرة فيها ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته
مائتا درهم وقال : يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ
الأعرابي ذلك وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته.
__________________
وقيل للحسين عليهالسلام : ما أعظم خوفك من ربّك؟ فقال لا يأمن يوم القيامة الّا من
خاف الله في الدنيا. وجنى غلام له جناية توجب العقاب فأمر بضربه ، فقال : يا مولاي
والكاظمين الغيظ ، قال : خلوا عنه ، فقال : يا مولاي والعافين عن الناس ، قال : قد
عفوت عنك ، قال : يا مولاي والله يحب المحسنين ، قال : أنت حر لوجه الله ولك ضعف
ما كنت أعطيك.
من أدب الحسين عليهالسلام
خطب الحسين عليهالسلام فقال : أيها الناس نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم ،
ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه ، واكسبوا الحمد بالنجاح ولا تكسبوا بالمطل ذما
فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافأته فأنه
أجزل عطاء وأعظم أجرا ، واعلموا أن حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا
النعم فتحور نقما ، واعلموا أن المعروف مكسب حمدا ومعقب أجرا ، فلو رأيتم المعروف
رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا مشوها تنفر
منه القلوب وتغض دونه الأبصار.
أيها الناس من جاد
ساد ومن بخل رذل ، وان أجود الناس من أعطى من لا يرجوه ، وأن أعفى الناس من عفا عن
قدرة ، وأن أوصل الناس من وصل من قطعه ، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو فمن
تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى
أخيه كافاه بها في وقت حاجته وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ، ومن نفس
كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ، ومن أحسن ، أحسن الله إليه والله يحب
المحسنين.
وخطب عليهالسلام أيضا فقال : ان الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمه
، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدناءة
شر ، ومجالسة أهل الفسق ريبة. ومما ينسب إلى الحسين عليهالسلام من الشعر قوله :
ذهب الذين أحبهم
|
|
وبقيت فيمن لا
أحبه
|
فيمن أراه يسبني
|
|
ظهر المغيب ولا
أسبه
|
يبغي فسادي ما
استطا
|
|
ع وأمره مما
أربه
|
حنقا يدب إلى
الضرا
|
|
ء وذاك مما لا
أدبه
|
ويرى ذباب الشر
من
|
|
حولي يطن ولا
يذبه
|
وإذا خبا وغر
الصدو
|
|
رفلا يزال به
يشبه
|
أفلا يعيج بعقله
|
|
أفلا يثوب إليه
لبه
|
أفلا يرى أن
فعله
|
|
مما يسور إليه
غبه
|
حسبي بربي كافيا
|
|
ما اختشي والبغي
حسبه
|
ولقلّ من يبغى
علي
|
|
ه فما كفاه الله
ربه
|
وقوله عليهالسلام :
إذا ما عضك الدهر
|
|
فلا تجنح إلى
خلق
|
ولا تسأل سوى
الله
|
|
تعالى قاسم
الرزق
|
فلو عشت وطوفت
|
|
من الغرب إلى
الشرق
|
لما صادفت من
يقدر
|
|
أن يسعد أو يشقي
|
وقوله عليهالسلام :
الله يعلم أن ما
|
|
بيدي يزيد لغيره
|
__________________
وبأنه لم يكتسب
|
|
ه بغيره وبميره
|
لو أنصف النفس
الخؤو
|
|
ن لقصرت من سيره
|
ولكان ذلك منه
أد
|
|
نى شره من خيره
|
__________________
المقصد الأول
في الأمور المتقدمة على القتال
لما مات معاوية وذلك في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة وتخلف بعده ولده
يزيد ، كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان واليا على المدينة
مع مولى لمعاوية يقال له ابن أبي زريق يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين عليهالسلام ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ، ويقول : ان أبى عليك فاضرب
عنقه وابعث إليّ برأسه ، فأحضر
__________________
الوليد : مروان بن
الحكم واستشاره في أمر الحسين عليهالسلام فقال انه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد
ليتني لم أك شيئا مذكورا ، ثم بعث إلى الحسين عليهالسلام في الليل فاستدعاه فعرف الحسين عليهالسلام الذي أراد ، فدعا بجماعة من أهل بيته ومواليه وكانوا
ثلاثين رجلا وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم : ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت
ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي ، فإذا دخلت
إليه فاجلسوا على الباب ، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني ، فصار
الحسين عليهالسلام إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى إليه الوليد
معاوية فاسترجع الحسين عليهالسلام ، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه
ليزيد ، فقال الحسين عليهالسلام : اني أراك لا تقنع بيعتي سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك
الناس ، فقال له الوليد : أجل ، فقال الحسين عليهالسلام : تصبح وترى رأيك في ذلك ، فقال له الوليد : انصرف على اسم
الله حتى تأتينا مع جماعة الناس ، فقال له مروان والله لئن فارقك الحسين الساعة
ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبس
الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب الحسين عليهالسلام عند ذلك وقال : ويلي عليك يا ابن الرزقاء أنت تأمر بضرب عنقي ، وفي رواية أنت تقتلني أم هو كذبت
والله ولؤمت ، ثم أقبل على الوليد فقال : أيها الأمير انا أهل بيت النبوة ومعدن
الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل
النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر
وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ، ثم خرج يتهادى بين مواليه وهو يتمثل بقول
يزيد بن المفرغ.
__________________
لا ذعرت السوام
في غسق الص
|
|
بح مغيرا ولا
دعيت يزيدا
|
يوم اعطي مخافة
الموت ضيما
|
|
والمنايا
يرصدنني أن أحيدا
|
حتى أتى منزله ،
وقيل أنه أنشدهما لما خرج من المسجد الحرام متوجها إلى العراق ، وقيل غير ذلك ،
فقال مروان للوليد : عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ، فقال له
الوليد : ويحك انك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها
وأني قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا لما أن قال لا أبايع ، والله ما أظن أحدا
يلقى الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا
يزكيه وله عذاب أليم ، فقال مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت. يقول
هذا وهو غير حامد له على رأيه ، فأقام الحسين عليهالسلام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة
ستين ، فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار ، فلقيه مروان فقال له : يا أبا عبد
الله اني لك ناصح فاطعني ترشد ، فقال الحسين عليهالسلام وما ذاك قل حتى أسمع ، فقال مروان : اني آمرك ببيعة يزيد
بن معاوية فإنه خير لك في دينك ، ودنياك فقال الحسين عليهالسلام : إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذ قد
بليت الأمة براع مثل يزيد.
وطال الحديث بينه
وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان فلما كان آخر نهار السبت بعث الوليد الرجال
إلى الحسين عليهالسلام ليحضر فيبايع ، فقال لهم الحسين عليهالسلام : أصبحوا ثم ترون ونرى فكفّوا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا
عليه ، فخرج في تلك الليلة وقيل في غداتها وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب
متوجها نحو مكة .
__________________
وقال محمد بن أبي
طالب خرج الحسين عليهالسلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جده صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك
وابن فرختك وسبطك الذي خلقتني في أمتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني
وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي إليك حتى القاك ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا
وساجدا ، فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات ، فلما فرغ من
صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر
ما قد علمت ، اللهم اني أحب المعروف وانكر المنكر وأنا أسألك يا ذا الجلال
والإكرام بحق القبر ومن فيه الا اخترت لي ما هو لك رضا ولرسولك رضا.
ولما عزم الحسين عليهالسلام على الخروج من المدينة مضى في جوف الليل إلى قبر أمه
فودّعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن عليهالسلام ففعل كذلك وخرج معه بنو أخيه وأخوته وجل أهل بيته إلّا
محمد بن الحنفية فانه لما علم عزمه على الخروج من المدينة لم يدر أين يتوجّه فقال
له يا أخي أنت أحب الناس إليّ وأعزهم عليّ ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق
وليس أحد أحق بها منك لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجبت
طاعته في عنقي لأن الله قد شرفك عليّ وجعلك من سادات أهل الجنة تنحّ ببيعتك عن
يزيد وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فان بايعك
الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك
دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك اني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه
الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك فيقتتلون
__________________
فتكون لأول الأسنة
غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا فقال له
الحسين عليهالسلام فأين أذهب يا أخي؟ قال : تخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار
بها فذاك وان تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فأنهم أنصار جدك وأبيك وهم أرأف
الناس وأرقهم قلوبا وأوسع الناس بلادا فأن اطمأنت بك الدار والا لحقت بالرمال وشعف
الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله
بيننا وبين القوم الفاسقين فانك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا فقال
الحسين عليهالسلام : يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجا ولا مأوى لما
بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسين عليهالسلام معه ساعة ثم قال : يا أخي جزاك الله خيرا فقد نصحت وأشفقت
وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، تهيأت لذلك أنا
وأخوتي وبنو أخي وشيعتي أمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن
تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عني شيئا من أمورهم ، ثم دعا الحسين عليهالسلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد :
بسم الله الرحمن
الرحيم ... هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن
الحنفية ، أن الحسين عليهالسلام يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا
عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها
، وأن الله يبعث من في القبور ، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما
وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير
بسيرة جدي وأبي عليّ بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فالله
__________________
أولى بالحق ومن رد
عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي
يا أخي إليك وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، ثم طوى الكتاب وختمه
بخاتمه ثم دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه وخرج من المدينة ، وأقبلت نساء بني عبد
المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسين عليهالسلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسين عليهالسلام فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله
، قالت له نساء بني عبد المطّلب ، فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات
فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وعلي وفاطمة
والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم ، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
وخرج عليهالسلام من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ
قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، ولزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته : لو تنكبت
الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه
حتى يقضي الله ما هو قاض ، فلقيه عبد الله بن مطيع فقال له : جعلت فداك اين تريد؟
قال : أما الآن فمكة وأما بعد فاني استخير الله ، قال : خار الله لك وجعلنا فداك
فاذا اتيت مكة فاياك ان تقرب الكوفة فانها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك وخذل أخوك
واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، الزم الحرم فانت سيد العرب لا يعدل بك أهل
الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب ، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فو
الله لئن هلكت لنسترقن بعدك. وكان دخوله عليهالسلام الى مكة يوم (ليلة خ ل) الجمعة لثلاث مضين من شعبان ،
فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام لأنه خرج من المدينة لليلتين بقيتا من
رجب كما مر ، ودخلها وهو يقرأ : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ
تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ)
__________________
فأقام بمكة باقي
شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثماني ليال من ذي الحجة ، وأقبل اهل مكة ومن
كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون اليه وابن الزبير بها قد لزم جانب
الكعبة وهو قائم يصلي عندها عامة النهار ويطوف ويأتي الحسين عليهالسلام فيمن يأتيه اليومين المتواليين وبين كل يومين مرة ولا يزال
يشير عليه بالرأي وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد علم ان أهل الحجاز لا
يبايعونه ما دام الحسين عليهالسلام باقيا في البلد ، وان الحسين عليهالسلام أطوع في الناس منه وأجل. ولما بلغ أهل الكوفة موت معاوية
وامتناع الحسين عليهالسلام من البيعة أرجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن
صرد الخزاعي ، فلما تكاملوا قام سليمان فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته : يا معشر
الشيعة انكم قد علمتم بأن معاوية هلك وصار الى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه
ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي عليهماالسلام قد خالفه وصار الى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان ،
وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج الى نصرتكم اليوم ، فان كنتم تعلمون
انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا اليه ، وان خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل
من نفسه ، قالوا : بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، فارسلوا وفدا من قبلهم
وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا اليه معهم :
بسم الله الرحمن
الرحيم للحسين بن علي عليهماالسلام من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وعبد الله بن وال
وشيعته من المؤمنين والمسلمين سلام عليك ، اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو
أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم ، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها
أمرها وغصبها فيأها وتآمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها
وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا
__________________
له كما بعدت ثمود
، وانه ليس علينا امام غيرك فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير
في قصر الأمارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه الى عيد ، ولو قد بلغنا انك
أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام ، ان شاء الله تعالى ، والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته يا ابن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي
العظيم.
وقيل انهم سرحوا
الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال وأمروهما بالنجاء ، فخرجا
مسرعين حتى قدما على الحسين عليهالسلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ، ثم لبثوا يومين وانفذوا قيس
بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله بن شداد الأرحبي وعمارة بن عبد
الله السلولي الى الحسين عليهالسلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة ،
وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم ، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب ، وتواترت الكتب
حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب ، ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا
اليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل وكتبوا اليه :
بسم الله الرحمن
الرحيم للحسين بن علي عليهماالسلام من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد فحيهلا فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل
العجل والسلام.
ثم كتب معهما أيضا
شبث بن ربعي وحجاز بن
__________________
ابجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن
الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي :
أما بعد ، فقد
اخضر الجناب وايعنت الثمار فاذا شئت فاقبل على جند لك مجند والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك.
وفي رواية أن أهل
الكوفة كتبوا اليه أن لك هنا مائة ألف سيف فلا تتأخر.
وتلاقت الرسل كلها
عنده فقال الحسين عليهالسلام لهاني وسعيد : خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي سير
إليّ معكما؟ فقالا : يا ابن رسول الله شبث بن ربعي وحجار بن ابجر ويزيد بن الحارث
ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج ومحمد بن عمير بن عطارد ، فعندها قام الحسين عليهالسلام فصلّى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ،
ثم كتب مع هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله :
بسم الله الرحمن
الرحيم من الحسين بن علي الى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد فان هانيا
وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم
وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق
والهدى ، وأنا باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلما بن عقيل ، فان كتب
الي انه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم
وقرأت في كتبكم فاني أقدم اليكم وشيكا ان شاء الله تعالى ،
__________________
فلعمري ما الامام
الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك لله
والسلام.
ودعا الحسين عليهالسلام مسلما بن عقيل وقيل انه كتب معه جواب كتبهم فسرحه مع قيس
بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ،
وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل اليه بذلك
، فأقبل مسلم رحمة الله حتى أتى الى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وودع من أحب من أهله ، واستأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان
الطريق وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير ، فأومآ له الى سنن الطريق بعد ان لاح
لهما ذلك فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا فكتب مسلم الى الحسين عليهالسلام من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر :
أما بعد فاني
أقبلت من المدينة مع دليلين فحادا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا ان
ماتا ، وأقبلنا حتى انتهينا الى الماء فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء
بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا ، فان رأيت اعفيتني منه
وبعثت غيري والسلام. فكتب اليه الحسين عليهالسلام :
أما بعد فقد خشيت
أن لا يكون حملك على الكتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له الا الجبن ،
فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام.
فلما قرأ مسلم
الكتاب قال : أما هذا فلست أتخوفه على نفسي ، فاقبل حتى مر بماء لطيء فنزل ثم
ارتحل عنه فاذا برجل يرمي الصيد فنظر اليه وقد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه ، فقال
مسلم : نقتل عدونا ان شاء الله ، ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن
ابي عبيدة الثقفي وقيل في
غيرها ، وأقبلت
الشيعة تختلف اليه فكلما اجتمع اليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليهالسلام وهم يبكون ، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا
وفي رواية اثنا عشر ألفا ، فكتب مسلم الى الحسين عليهالسلام كتابا يقول فيه :
أما بعد فان
الرائد لا يكذب أهله وان جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا وفي
رواية اثنا عشر الفا فعجل الاقبال حين تقرأ كتابي هذا والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته ، وأرسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي. وعن
الشعبي انه بايع الحسين عليهالسلام أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب
ويسالموا من سالم ، وجعلت الشيعة تختلف الى مسلم حتى علم بمكانه ، فبلغ النعمان بن
بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها وكان من الصحابة
من الأنصار وحضر مع معاوية حرب صفين وكان من أتباعه ، فصعد المنبر وخطب الناس وحذرهم الفتنة ، فقام اليه عبد
الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية فقال له : انه لا يصلح ما ترى الا
الغشم ان هذا الذي أنت عليه رأي المستضعفين ، فقال له النعمان: ان أكون من
المستضعفين في طاعة الله أحب إليّ من أن أكون من الأعزين في معصية الله ، ثم نزل
فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة ومبايعة الناس له
ويقول : ان كان لك في الكوفة حاجة فابعث اليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك
في عدوك ، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف. وكتب اليه عمارة بن الوليد
بن عقبة وعمر بن سعد بنحو ذلك فدعا يزيد سرحون مولى معاوية واستشاره فيمن يولي على
الكوفة ، وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد وهو يومئذ وال على
__________________
البصرة ، وكان
معاوية قد كتب لابن زياد عهدا بولاية الكوفة ومات قبل انفاذه ، فقال سرحون ليزيد :
لو نشر لك معاوية ما كنت آخذا برأيه؟ قال : بلى ، قال : هذا عهده لعبيد الله على
الكوفة ، فضم يزيد البصرة والكوفة الى عبيد الله وكتب اليه بعهده وسيره مع مسلم بن
عمرو الباهلي ، وكتب الى عبيد الله معه :
أما بعد فانه كتب
إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني ان ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا
المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى
تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله
بالبصرة فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والتهيؤ والمسير الى الكوفة من الغد.
وكان الحسين عليهالسلام قد كتب الى جماعة من اشراف البصرة كتابا مع ذراع السدوسي
وقيل مع مولى للحسين عليهالسلام اسمه سليمان ويكنى أبا رزين منهم. الأحنف بن قيس ، ويزيد
بن مسعود النهشلي ، والمنذر بن الجارود العبدي يقول فيه : اني ادعوكم الى الله
والى نبيه فان السنة قد اميتت وان البدعة قد أحييت ، فان تجيبوا دعوتي وتطيعوا
أمري أهدكم سبيل الرشاد ، فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد فلما
حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ فقالوا : بخ بخ أنت
والله فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا ، قال : فاني قد
جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه ، فقالوا : انا الله نمنحك
النصيحة ونجهد لك الرأي فقل حتى نسمع ، فقال : إن معاوية مات فأهون به والله هالكا
ومفقودا ، الا وأنه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث
بيعة عقد بها أمرا ظن ان قد أحكمه وهيهات الذي أراد ، اجتهد والله ففشل وشاور فخذل
، وقد قام ابنه
يزيد شارب الخمور
ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتآمر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم
وقلة علم لا يعرف من الحق موطىء قدميه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين
أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي بن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا
ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو
على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وامام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت الموعظة ، فلا
تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهد الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل
فاغسلوها بخروجكم الى ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ونصرته ، والله لا
يقصر أحد عن نصرته الا أورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وها انا
ذا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت
فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب.
فتكلمت بنو حنظلة
فقالوا : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا أصبت وان غزون بنا
فتحت ، لا تخوض والله غمرة الا خضناها ولا تلقى والله شدة الا لقيناها ، ننصرح
بأسيافنا ونقيك بأبداننا ، اذا شئت فقم.
وتكلمت بنو سعد بن
يزيد فقالوا : يا أبا خالد ان أبغض الأشياء الينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان
صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا (رأيه خ ل) وبقي عزنا فينا ، فامهلنا
نراجع الرأي ونحسن المشورة ونأتيك برأينا.
وتكلمت بنو عامر
بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نقطن ان
ظعنت والأمر اليك ، فادعنا نجبك ومرنا
__________________
نطعك والأمر لك
اذا شئت ، فقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم ابدا ولا
زال سيفكم فيكم.
ثم كتب الى الحسين
عليهالسلام :
بسم الله الرحمن
الرحيم أما بعد فقد وصل اليّ كتابك وفهمت ما ندبتني اليه ودعوتني له من الأخذ بحظي
من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وان الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير
أو دليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته في أرضه ، تفرعتم من
زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق
بني تميم وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الابل الظمآء لورود الماء يوم خمسها ،
وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع.
فلما قرأ الحسين عليهالسلام الكتاب قال مالك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم
العطش الأكبر ، فلما تجهز المشار اليه للخروج الى الحسين عليهالسلام بلغة قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه. وكتب اليه
الأحنف : أما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.
واما المنذر بن
الجارود فانه جاء بالكتاب والرسول الى عبيد الله بن زياد في عشية الليلة التي يريد
ابن زياد ان يذهب في صبيحتها الى الكوفة لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من
عبيد الله ، وكانت بحرية بنت المنذر زوجة عبيد الله ، فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه
، ثم انه خطب الناس وتوعدهم على الخلاف ، وخرج من البصرة واستخلف عليها أخاه عثمان
، وأقبل الى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي رسول يزيد وشريك ابن الأعور
__________________
الحارثي ، وقيل
كان معه خمسمائة فتأخروا عنه رجاء. ان يقف عليهم ويسبقه الحسين عليهالسلام الى الكوفة فلم يقف على أحد منهم ، وسار فلما أشرف على
الكوفة نزل حتى أمسى ودخلها ليلا مما يلي النجف وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، قال
بعضهم انه دخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز ليوهم الناس انه الحسين عليهالسلام والناس قد بلغهم اقبال الحسين عليهالسلام فهم ينتظرونه ، فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين عليهالسلام ، فقالت امرأة : الله أكبر ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فتصايح الناس وقالوا : أنا معك أكثر من أربعين ألفا ، وأخذ
لا يمر على جماعة من الناس الا سلموا عليه وقالوا : مرحبا بك بك يا ابن رسول الله
قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسين عليهالسلام ما ساءه ، وازدحموا عليه حتى أخذوا بذنب دابته ، فحسر
اللثام وقال : انا عبيد الله فتساقط القوم ووطأ بعضهم بعضا ، وفي رواية ان عبد
الله بن مسلم قال لهم لما كثروا : تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد.
وسار حتى وافى
القصر بالليل ومعه جماعة قد التفوا به لا يشكون انه الحسين عليهالسلام فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته ، فناداه بعض من
كان مع ابن زياد ليفتح لهم الباب ، فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسين عليهالسلام فقال : أنشدك الله الا تنحيت والله ما أنا بمسلم اليك
أمانتي ومالي في قتالك من ارب ، فجعل لا يكلمه ، ثم انه دنى فتدلى النعمان من شرف
القصر فجعل يكلمه ، فقال ابن زياد : افتح لا فتحت فقد طال ليلك ، وسمعها انسان من
خلفه فنكص الى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على انه الحسين ، فقال : يا قوم ابن
مرجانه والذي لا إله غيره ، ففتح له النعمان فدخل ، وضربوا الباب في وجوه الناس
وانفضوا.
__________________
وأصبح ابن زياد
فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس ، فخرج اليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال :
أما بعد فان أمير
المؤمنين يزيد ولاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بانصاف مظلومكم واعطاء محرومكم
والاحسان الى سامعكم ومطيعكم وبالشدة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متبع فيكم أمره
ومنفذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالولد البر ، وسوطي وسيفي على من ترك
أمري وخالف عهدي ، فليتق امرؤ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ثم نزل ، وفي
رواية انه قال : فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي (يعني مسلما بن عقيل) ليتقي غضبي ،
وأخذ العرفاء والناس أخذا شديدا فقال : اكتبوا لي الغرباء ومن فيكم من
طلبة أمير المؤمنين ومن فيكم من الحرورية وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ثم يجاء
بهم لنرى رأينا ، فمن يجيء لنا بهم فبريء ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في
عرافته ان لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمن لم يفعل برئت منه
الذمة وحلال لنا دمه وماله ، وايما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين احد
لم يرفعه الينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء.
ولما سمع مسلم بن
عقيل مجيء عبيد الله الى الكوفة ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس خرج
من دار المختار الى دار هاني بن عروة في جوف الليل ودخل في أمانه ، فأخذت الشيعة
تختلف اليه في دار هاني على
__________________
تستر واستخفاء من
عبيد الله وتواصوا بالكتمان ، وألحّ عبيد الله في طلب مسلم ولا يعلم اين هو ، وكان
شريك بن الأعور الهمداني لما جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد نزل دار هاني
فمرض ، وكان شريك من محبي أمير المؤمنين عليهالسلام وشيعته عظيم المنزلة جليل القدر ، فأرسل اليه ابن زياد انه
يريد ان يعوده ، فقال شريك لمسلم : ان هذا الفاجر عائدي فادخل بعض الخزائن فاذا
جلس أخرج اليه فاقتله ، ثم أقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فان برئت سرت
الى البصرة حتى اكفيك أمرها وعلامتك ان أقول اسقوني ماء ونهاه هاني عن ذلك. وكان
مسلم شجاعا مقداما جسورا ، فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله
جعل يقول اسقوني ماء ، فلما رأى ان أحدا لا يخرج خشي ان يفوته فأخذ يقول :
ما الانتظار
بسلمى ان تحييها
|
|
كأس المنية
بالتعجيل اسقوها
|
فتوهم ابن زياد
وخرج ، فلما خرج دخل مسلم والسيف في كفه فقال له شريك : ما منعك من قتله؟ قال هممت
بالخروج فتعلقت بي امرأة وقالت لي نشدتك الله ان قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في
وجهي فرميت السيف وجلست ، فقال هاني : يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرت منه
وقعت فيه. وفي رواية انه قال : منعني من قتله خصلتان؟ كراهية هاني ان يقتل في داره
، وحديث ان الايمان قيد الفتك ، فقال له هاني : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا
فاجرا كافرا.
ولما خفي على ابن
زياد حديث مسلم دعى مولى له يقال له معقل فأعطاه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف درهم
وأمره بحسن التوصل الى أصحاب مسلم ، وان يدفع اليهم المال ويقول لهم استعينوا به
على حرب عدوكم ويعلمهم انه من أهل حمص ويظهر لهم انه منهم ، وقال له : انك لو قد
أعطيتهم المال اطمأنوا اليك ووثقوا بك ، فتردد اليهم حتى تعرف مقر مسلم
وتدخل عليه ، فجاء
معقل حتى جلس الى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلي ، فسمع قوما
يقولون : هذا يبايع للحسين عليهالسلام ، فقال له معقل : اني امرء من أهل الشام أنعم الله علي بحب
أهل هذا البيت ومن أحبهم ، وتباكى له وقال : معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء
رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فاغتر ابن بنت
عوسجة بذلك ، فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة لينا صحن وليكتمن ، ثم أدخله
على مسلم فأخذ بيعته وأمر أبا تمامة الصائدي بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض
أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشتري لهم به السلاح وكان بصيرا وفارسا من فرسان
العرب ووجوه الشيعة ، وأقبل معقل يختلف اليهم فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما
احتاج اليه ابن زياد فكان يخبره وقتا وقتا ، وبلغ الذين بايعوا مسلما خمسة وعشرين
ألف رجل فعزم على الخروج ، فقال هاني : لا تعجل ، وخاف هاني عبيد الله على نفسه
فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فسأل عنه ابن زياد فقيل هو مريض ، فقال : لو علمت
بمرضه لعدته ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكانت
رويحة بنت عمرو هذا تحت هاني فقال لهم : ما يمنع هاني من اتياننا؟ فقالوا : ما
ندري وقد قيل انه مريض ، قال : قد بلغني ذلك وبلغني انه بريء وانه يجلس على باب
داره فألقوه ومروه ان لا يدع ما عليه من حقنا فاني لا أحب ان يفسد عندي مثله من
اشراف العرب ، فأتوه ووقفوا عشية على بابه فقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير
فانه قد ذكرك وقال لو أعلم انه مريض لعدته ، فقال لهم : المرض يمنعني ، فقالوا :
انه قد بلغه انك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والابطاء والجفاء لا
يحتمله السلطان من مثلك لأنك سيد في قومك ونحن نقسم عليك الا ركبت معنا ، فدعا
بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها حتى اذا دنى من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي
كان ، فقال لحسان بن
أسماء بن خارجة :
يا ابن الأخ اني والله لهذا الرجل لخائف فما ترى؟ قال : يا عم والله ما أتخوف عليك
شيئا ولم تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم مما كان شيئا وكان محمد بن
الأشعث عالما به ، فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا على عبيد الله ، فلما طلع قال
عبيد الله لشريح القاضي وكان جالسا عنده :
أنتك بخائن
رجلاه تسعى
|
|
يقود النفس منها
للهوان
|
فلما دنى من ابن
زياد التفت الى شريح وأشار الى هاني وأنشد بيت عمرو بن معد يكرب الزبيدي :
أريد حياته (حباءه
خ ل) ويريد قتلي
|
|
عذيرك من خليلك
من مراد
|
وكان أول ما قدم
مكرما له ملطفا به ، فقال له هاني : وما ذاك أيها الأمير؟ قال : ايه يا هاني ما
هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين جنت بمسلم بن عقيل
فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح في الدور حولك وظننت ان ذلك يخفى علي ، قال
: ما فعلت ذلك وما مسلم عندي ، قال : بلى قد فعلت ، فلما كثر ذلك بينهما وأبى هاني
الا مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فقال : أتعرف هذا؟ قال : نعم ،
وعلم هاني عند ذلك انه كان عينا عليهم وانه قد أتاه بأخبارهم فسقط في يده ساعة ثم راجعته نفسه فقال : اسمع مني وصدق مقالتي فو الله
ما كذبت والله ما دعوته الى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول
فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته وقد كان من أمره ما قد بلغك ،
فان شئت اعطيتك الآن موثقا تطمئن به ورهينة تكون في يدك حتى انطلق وأخرجه من داري
فاخرج من ذمامه وجواره ، فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به
، قال : لا والله لا أجيئك به أبدا
__________________
أجيبك بضيفي
تقتله. قال والله لتأتيني به ، قال : والله لا آتيك به.
فلما كثر الكلام
بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره فقال : اصلح
الله الأمير خلني واياه حتى أكمله ، فقام فخلى به ناحية فقال له : يا هاني أنشدك
الله ان تقتل نفسك وان تدخل البلاء في عشيرتك فو الله اني لأنفس بك عن القتل ، ان
هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه اليهم فانه ليس عليك بذلك
مخزاة ولا منقصة انما تدفعه الى السلطان ، فقال هاني : والله ان علي في ذلك الخزي
والعار ان أدفع جاري وضيفي وأنا صحيح اسمع وأرى شديد الساعدين كثير الأعوان ،
والله لو لم أكن الا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو
يقول : والله لا أدفعه أبدا ، فسمع ابن زياد ذلك فقال : أدنوه مني فأدنوه منه ،
فقال : والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك ، فقال هاني : اذا والله لتكثر البارقة
حول دارك ، فقال ابن زياد : وا لهفاه عليك ابالبارقة تخوفني وهاني يظن ان عشيرته
سيمنعونه ، ثم قال أدنوه مني فادني منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه
وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ونثر لحم جبينه
وخده على لحيته حتى كسر القضيب ، وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الشرطي
ومنعه ، فقال عبيد الله الحروري سائر اليوم قد حل دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت
الدار وأغلقوا عليه بابه ، فقال : اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به ، فقام اليه أسماء
بن خارجة وقيل حسان بن اسماء فقال : ارسل غدر سائر اليوم أمرتنا ان نجيئك بالرجل
حتى اذا جئناك به هشمت انفه ووجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت انك تقتله ، فقال
له عبيد الله : وانك لههنا فأمر به فضرب وأجلس ناحية ، فقال : انا لله وانا اليه
راجعون الى نفسي
__________________
انعاك يا هاني ،
فقال محمد بن الأشعث : قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا انما الأمير
مؤدب.
وفي رواية ان ابن
زياد قال لهاني لما دخل عليه : يا هاني اما تعلم ان أبي قدم هذا البلد فلم يترك
أحدا من هذه الشيعة الا قتله غير أبيك وغير حجر وكان من حجر ما قد علمت ، ثم لم
يزل يحسن صحبتك ، ثم كتب الى أمير الكوفة ان حاجتي قبلك هاني ، قال : نعم ، قال :
فكان جزائي ان خبأت في بيتك رجلا يقتلني ، قال : ما فعلت فعند ذلك أخرج الذي كان
عينا عليهم.
وبلغ عمرو بن
الحجاج ان هانيا قد قتل ، فاقبل في مذحج حتى احاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم نادى
وقال : انا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة
وقد بلغهم ان صاحبهم قد قتل فاعظموا ذلك ، فقيل لابن زياد : هذه فرسان مذحج بالباب
، فقال لشريح القاضي : أدخل على صاحبهم فانظر اليه ثم أخرج وأعلمهم انه حي لم يقتل
، فدخل شريح فنظر اليه فقال هاني لما رأى شريحا : يا لله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي
أين أهل المصر والدماء تسيل على لحيته اذ سمع الصيحة على باب القصر فقال : اني
لأظنها اصوات مذحج وشيعتي من المسلمين انه ان دخل علي عشرة نفر انقذوني ، فلما سمع
كلامه شريح خرج اليهم فقال لهم : ان الأمير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم
أمرني بالدخول اليه فأتيته فنظرت اليه فأمرني ان القاكم وأعرفكم انه حي وان الذي
بلغكم من قتله باطل ، فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه : اما اذا لم يقتل فالحمد
لله ثم انصرفوا.
ولما ضرب عبيد
الله هانئا وحبسه خاف ان يثب به الناس ، فخرج فصعد المنبر ومعه اشراف الناس وشرطه
وحشمه ، فخطب خطبة موجزة وحذر الناس وهددهم ، فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من
قبل باب التمارين
يشتدون ويقولون :
قد جاء ابن عقيل ، فدخل عبيد الله القصر مسرعا وأغلق ابوابه. قال عبد الله بن حازم
: انا والله رسول ابن عقيل الى القصر لأنظر ما فعل هاني ، فلما ضرب وحبس ركبت فرسي
فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر ، فاذا نسوة من مراد مجتمعات ينادين
يا عبرتاه يا ثكلاه ، فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر فأمرني ان أنادي في أصحابه وقد
ملأ بهم الدور حوله وكانوا فيها أربعة آلاف رجل ، فقال لمناديه : ناد يا منصور أمت
وكان ذلك شعارهم فنادى ، فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه فاجتمع اليه أربعة آلاف
، فعقد لعبد الله بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة وقال : سر أمامي في الخيل ،
وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد وقال : انزل في الرجال ، وعقد لأبي
تمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان ، وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ،
وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب وأقبل نحو القصر ، وتداعى الناس واجتمعوا
فما لبثنا الا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس والسوق وما زالوا يتوثبون حتى
المساء ، وبعث عبيد الله الى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر ، وأحاط مسلم
بالقصر فضاق بعبيد الله أمره ، وكان أكثر عمله ان يمسك باب القصر وليس معه ثلاثون
رجلا من الشرط وعشرون رجلا من اشراف الناس وأهل بيته وخاصته ، وأقبل من نأى عنه من
اشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين ، وجعل من في القصر مع ابن
زياد يشرفون على أصحاب مسلم فينظرون اليهم وأصحاب مسلم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم
ويفترون على عبيد الله وعلى أمه وأبيه ، فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وامره ان يخرج
فيمن اطاعه من مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب
ويحذرهم عقوبة السلطان ، وأمر محمد بن الأشعث ان يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضر موت
فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس ، وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي
وشبث بن ربعي
التميمي وحجار بن ابجر السلمي (العجلي خ ل) وشمر بن ذي الجوشن العامري (الضبابي خ
ل) وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا اليهم لقلة عدد من معه من الناس ، فخرج
كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم ، وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة
، فبعث ابن عقيل الى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني ، فلما رأى ابن
الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه ، وجعل محمد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع
وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم السلطان ، حتى اجتمع اليهم
عدد كثير من قومهم وغيرهم ، فصاروا الى ابن زياد من قبل دار الروميين ، فقال له
كثير : أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير فاخرج بنا اليهم فأبى عبيد الله ،
وعقد شبث بن ربعي لواء فأخرجه ، وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم
شديد ، فأمر عبيد الله من عنده من الاشراف أن يشرفوا على الناس فيمنوا أهل الطاعة
الزيادة والكرامة ويخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة ويعلموهم وصول الجند من
الشام اليهم. وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس ان تغرب فقال : أيها الناس الحقوا
بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين
يزيد قد أقبلت ، وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن أقمتم على حربه ولم تنصرفوا من
عشيتكم ان يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام ، وان يأخذ البريء
منكم بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية الا اذاقها وبال
ما جنت أيديها. وتكلم الاشراف بنحو من ذلك ، فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون
، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل الى
ابنه وأخيه ويقول : غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به
فينصرف ، فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل في خمسمائة ، فلما اختلط الظلام
جعلوا يتفرقون ،
فصلى المغرب وما
معه الا ثلاثون نفسا في المسجد ، فلما رأى انه قد أمسى وليس معه الا أولئك النفر
خرج متوجها الى أبواب كندة فلم يبلغ الأبواب الا ومعه عشرة ، ثم خرج من الباب فاذا
ليس معه انسان ، فالتفت فاذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله
ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو ، فمضى على وجهه متحيرا في أزقة الكوفة لا يدري
أين يذهب ، حتى خرج الى دور بني جبلة من كندة فمضى حتى اتى الى باب امرأة يقال لها
طوعة ام ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها وتزوجها السيد الحضرمي فولدت له بلالا ،
وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره ، فسلم عليها ابن عقيل فردت عليهالسلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ، ودخلت ثم خرجت فقالت : يا عبد
الله ألم تشرب؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب الى أهلك فسكت ، ثم أعادت مثل ذلك فسكت ،
ثم قالت في الثالثة : سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فانه لا يصلح
لك الجلوس على بابي ولا أحله لك ، فقام وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل
ولا عشيرة فهل لك في أجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم ، قالت : يا عبد الله
وما ذاك؟ قال : انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني ، قالت : أنت
مسلم؟ قال : نعم ، قالت : أدخل فدخل الى بيت في دارها غير البيت الذي تكون فيه
وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ ، ولم يكن بأسرع من ان جاء ابنها فرآها تكثر
الدخول في البيت والخروج منه فقال لها : والله انه ليريبني كثرة دخولك الى هذا
البيت وخروجك منه منذ الليلة ان لك لشأنا ، قالت له : يا بني اله عن هذا ، قال :
والله لتخبريني ، قالت له ، اقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء ، فألحّ عليها فقالت
، يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به ، قال : نعم فأخذت عليه
الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت.
ولما تفرق الناس
عن مسلم طال الأمر على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع
اولا ، فقال لأصحابه : اشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم يجدوا أحدا ،
قال : فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ، فنزعوا الأخشاب من سقف المسجد وجعلوا
يخفضون بشعل النار في ايديهم وينظرون وكانت أحيانا تضيء لهم وتارة لا تضيء كما
يريدون ، فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى
حتى تنتهي الى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها فلا يرون أحدا
حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر ، فلما لم يروا شيئا اعلموا ابن زياد بتفرق
القوم ، ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج اصحابه معه وأمرهم
فجلسوا قبيل العتمة ، وأمر عمر بن نافع فنادى الا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلّى العتمة الا في المسجد ، فلم يكن الا ساعة
حتى امتلأ المسجد من الناس ، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة وأقام الحرس خلفه ،
وأمرهم بحراسته من أن يدخل اليه من يغتاله وصلى بالناس ، ثم صعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال :
__________________
أما بعد فان ابن
عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمة الله من رجل
وجدناه في داره ومن جاء به فله ديته ، اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم
وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا ، يا حصين بن نمير ، وهو صاحب شرطته ، ثكلتك
أمك ان ضاع باب من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به ، وقد سلطتك على دور
أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم ، وأصبح غدا واستبرأ الدور وجس
خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ، ثم دخل القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره
على الناس ، فلما أصبح جلس مجلسه واذن للناس فدخلوا عليه ، وأقبل محمد بن الأشعث
فقال مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ، ثم أقعده الى جنبه.
وأصبح ابن تلك
العجوز فغدا الى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل من أمه ،
فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فساره ، فعرف ابن زياد سراره ،
فقال له ابن زياد في جنبه بالقضيب : قم فاتني به الساعة ، فقام وبعث معه قومه لأنه
علم ان كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم ، فبعث معه عبيد الله بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار
التي فيها مسلم ، فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم انه قد اتي
فخرج اليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من
الدار ، ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك فأخرجهم مرارا وقتل منهم جماعة ، واختلف هو
وبكر بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في
السفلى وفصلت لها ثنيتاه ، وضربه مسلم في رأسه
__________________
ضربة منكرة وثناه
بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع الى جوفه ، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق
البيت وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يرمونها عليه من
فوق البيت ، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا سيفه في السكة ، فقال محمد بن الأشعث ،
لك الأمان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم
القرن :
أقسمت لا أقتل
الا حرا
|
|
وأن رأيت الموت
شيئا نكرا
|
أخاف أن أكذب أو
اغرا
|
|
أو أخلط البارد
سخنا مرا
|
رد شعاع الشمس
فاستقرا
|
|
كل امرىء يوما
ملاق شرا
|
أضربكم
ولا أخاف ضرا
|
فقال له محمد بن
الأشعث : انك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ان القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا
ضائريك ، وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال فأسند ظهره الى جنب تلك الدار ،
فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان ، فقال آمن أنا؟ قال : نعم ، فقال للقوم
الذين معه : الي الأمان؟ قال القوم له : نعم الا عبيد الله بن العباس السلمي فانه
قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحى ، فقال مسلم : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت
يدي في أيديكم.
وفي رواية انه لما
سمع وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحاربهم حتى قتل منهم جماعة ، وفي
رواية أحد وأربعين رجلا ، فنادى اليه ابن الأشعث لك الأمان ، فقال : وأي أمان
للغدرة الفجرة ، وأقبل يقاتلهم ويرتجز بالأبيات المتقدمة ، فنادوا اليه انك لا
تكذب ولا تغر فلم يلتفت الى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد ان أثخن بالجراح ، فطعنه رجل
من خلفه الى الأرض فأخذ أسيرا.
قال الراوي فأتي
ببغلة فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه وكأنه عند ذلك يئس من نفسه ، فدمعت
عيناه ثم قال : هذا أول الغدر ، فقال
له محمد بن الأشعث
: أرجو أن لا يكون عليك بأس ، قال : وما هو الا الرجاء أين أمانكم انّا لله وإنّا
إليه راجعون وبكى ، فقال له عبيد الله بن العباس : ان من يطلب مثل الذي تطلب اذا
نزل به مثل ما نزل بك لم يبك ، فقال : والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل ارثي
وان كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكني ابكي لأهلي المقبلين الي ، ابكي لحسين
وآل حسين. ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال : يا عبد الله اني أراك والله ستعجز عن
أماني ، فهل عندك خير تستطيع ان تبعث من عندك رجلا على لساني ان يبلغ حسينا فاني
لا أراه الا وقد خرج اليوم أو هو خارج غدا وأهل بيته ، ويقول له ان ابن عقيل بعثني
اليك وهو أسير في ايدي القوم لا يرى انه يمسي حتى يقتل ، وهو يقول لك ارجع فداك
ابي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم
بالموت أو القتل ، ان أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي ، فقال ابن الأشعث :
والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد اني قد أمنتك.
وأقبل ابن الأشعث
بابن عقيل الى باب القصر واستأذن ودخل على ابن زياد فأخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر
إياه وما كان من أمانه ، فقال له عبيد الله : وما أنت والأمان كأنا أرسلناك لتؤمنه
، انما أرسلناك لتأتينا به فسكت.
وانتهي بابن عقيل
الى باب القصر وقد اشتد به العطش ، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن فيهم
عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو الباهلي وكثير بن شهاب ، واذا قلة فيها ماء بارد موضوعة على الباب ، فقال مسلم : اسقوني من
هذا الماء ، فقال
__________________
له مسلم بن عمرو :
أتراها ما ابردها لا والله لا تذوق منها قطرة ابدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم ،
فقال له مسلم : ويلك من أنت؟ فقال : انا الذي عرف الحق اذ أنكرته ونصح لامامه اذ
غششته واطاعه اذ خالفته ، انا مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال له ابن عقيل : لأمك
الثكل ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك انت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار
جهنم مني ، ثم جلس فتساند الى الحائط وبعث عمرو بن حريث وقيل عمارة بن عقبة غلاما
له فأتاه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له : اشرب ، فأخذ كلما شرب امتلأ
القدح دما من فمه فلا يقدر ان يشرب ففعل ذلك مرة أو مرتين ، فلما ذهب في الثالثة
ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال : الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته ،
وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة يرثي بها مسلما رضي الله عنه :
يا مسلم بن عقيل
لا أغب ثرى
|
|
ضريحك المزن
هطالا وهتانا
|
بذلت نفسك في
مرضاة خالقها
|
|
حتى قضيت بسيف
البغي ظمآنا
|
كأنما نفسك
اختارت لها عطشا
|
|
لما درت ان
سيقضي السبط عطشانا
|
فلم تطق ان تسيغ
الماء عن ظمأ
|
|
من ضربة ساقها
بكر بن حمرانا
|
وخرج رسول ابن
زياد فأمر بادخاله اليه ، فلما دخل مسلم لم يسلم عليه بالأمرة ، فقال له الحرسي :
الا تسلم على الأمير فقال : ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه وان كان لا يريد قتلي
فليكثرن سلامي عليه ، فقال له ابن زياد : لعمري لتقتلن ، قال : فدعني أوصي الى بعض
قومي ، قال : افعل ، فنظر مسلم الى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال : يا
عمران بيني وبينك قرابة ولي اليك حاجة وهي سر ، فامتنع عمر أن يسمع منه ، فقال له
ابن زياد : ولم تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك ، فقام معه فجلس بحيث ينظر اليهما
ابن زياد ، فقال له : ان علي بالكوفة دينا سبعمائة درهم فبع سيفي
ودرعي فاقضها عني
، واذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها ، وابعث الى الحسين عليهالسلام من يرده فاني قد كتبت اليه أعلمه ان الناس معه ولا أراه
الا مقبلا ، فقال عمر لابن زياد : اتدري أيها الأمير ما قال لي انه ذكر كذا وكذا ،
فقال ابن زياد : لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن ، اما ماله فهو له ولسنا
نمنعك ان تصنع به ما أحب ، واما جثته فانا لن نشفعك فيها ، وفي رواية فانا لا
نبالي اذا قتلناه ما صنع بها ، واما حسين فانه ان لم يردنا لم نرده.
وفي رواية انه حين
دخل قال له الحرسي : سلم على الأمير فقال : اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير ، فقال
ابن زياد : لا عليك سلمت ام لم تسلم فانك مقتول ، فقال له مسلم : ان قتلتني فلقد
قتل من هو شر منك من هو خير مني ، فقال له ابن زياد : قتلني الله ان لم أقتلك قتلة
لم يقتلها أحد في الاسلام ، فقال له مسلم : اما انك احق من احدث في الاسلام ما لم
يكن ، وانك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها
منك ، فقال ابن زياد : يا عاق يا شاق خرجت على امامك وشققت عصا المسلمين وألحقت
الفتنة ، فقال مسلم : كذب انما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، واما الفتنة فانما
الحقتها انت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، وانا أرجو ان يرزقني الله
الشهادة على يدي شر بريته ، فقال له ابن زياد : منتك نفسك امرا حال الله دونه
وجعله لأهله ، فقال له مسلم : ومن أهله يا ابن مرجانة اذا لم نكن نحن أهله ، فقال
ابن زياد : أهله أمير المؤمنين يزيد ، فقال مسلم : الحمد لله على كل حال رضينا
بالله حكما بيننا وبينكم ، فقال له ابن زياد : أتظن ان لك في الأمر شيئا؟ فقال له
مسلم : والله ما هو الظن ولكنه اليقين. وقال له ابن زياد : ايه ابن عقيل أتيت
الناس وهم جميع وأمرهم ملتئم فشتتت أمرهم بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم
على بعض ، قال :
كلا لست لذلك أتيت ، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير
رضى منهم ، وحملتموهم على غير ما أمركم الله به ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ،
فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة ،
وكنا أهل ذلك ، فقال له ابن زياد : وما أنت وذاك يا فاسق ، لم لم تعمل بذلك اذ أنت
بالمدينة تشرب الخمر ، قال مسلم : انا أشرب الخمر ، اما والله ان الله ليعلم انك
تعلم انك غير صادق ، وان أحق بشرب الخمر مني وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين
ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغضب
والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا ، فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم
عليا والحسن والحسين وعقيلا ، وأخذ مسلم لا يكلمه. وفي رواية انه قال له : أنت
وأبوك أحق بالشتيمة فاقض ما أنت قاض يا عدو الله.
ثم قال ابن زياد :
اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده ، فقال مسلم: والله لو كان بيني
وبينك قرابة ما قتلتني ، فقال ابن زياد : اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف
، فدعي بكر بن حمران ، فقال له : اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه ، فصعد به وهو
يكبر ويستغفر الله ويسبحه ويصلي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا
، فضرب عنقه واتبع رأسه جثته ، ونزل بكر الذي قتله مذعورا ، فقال له ابن زياد : ما
شأنك؟ فقال: أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلا أسود شنيء الوجه حذائي عاضا على
اصبعه أو قال على شفته ، ففزعت منه فزعا لم أفزعه قط ، فقال ابن زياد : لعلك دهشت.
فقام محمد بن الأشعث الى عبيد الله ابن زياد فكلمه في هاني بن عروة فقال : انك قد
عرفت
__________________
منزلة هاني في
المصر وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه اني وصاحبي سقناه اليك وأنشدك الله لما
وهبته لي فاني أكره عداوة المصر وأهله ، فوعده ان يفعل ، ثم بدا له وأمر بهاني في
الحال وقال : أخرجوه الى السوق فاضربوا عنقه ، فاخرج هاني حتى اتي بها الى مكان من
السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ،
يا مذحجاه يا مذحجاه أين مذحج ، فلما رأى ان أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من
الكتاف ثم قال : اما من عصا أو سكين او حجارة او عظم يحاجز بها رجل عن نفسه ،
ووثبوا اليه فشدوه وثاقا ، ثم قيل له : أمدد عنقك ، فقال : ما انا بها سخي وما انا
بمعينكم على نفسي ، فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم
يصنع شيئا ، فقال له هاني : الى الله المعاد اللهم الى رحمتك ورضوانك ، ثم ضربه
أخرى فقتله. وبصر عبد الرحمن بن الحصين المرادي بعد ذلك بقاتل هاني فحمل عليه
بالرمح فطعنه فقتله وأخذ بثأر هاني.
وفي مسلم وهاني رحمهماالله تعالى يقول عبد الله بن الزبير الأسدي ، ويقال انها للفرزدق.
وقيل انها لسليمان
الحنفي :
فان كنت لا
تدرين ما الموت فانظري
|
|
الى هاني في
السوق وابن عقيل
|
الى بطل قد هشم
السيف وجهه
|
|
وآخر يهوي من
طمار قتيل
|
اصابهما فرخ
البغي فأصبحا
|
|
أحاديث من يسري
بكل سبيل
|
تري جسدا قد
غيّر الموت لونه
|
|
ونضح دم قد سال
كل مسيل
|
__________________
فتى كان أحيى من
فتاة حيية
|
|
واقطع من ذي
شفرتين صقيل
|
أيركب اسماء الهماليج آمنا
|
|
وقد طلبته مذحج
بذحول
|
تطوف حواليه مراد وكلهم
|
|
على رقبة من سائل ومسول
|
فان انتم لم
تثأروا بأخيكم
|
|
فكونوا بغايا أرضيت بقليل
|
__________________
مقتل مسلم وهاني
وقال آخر يخاطب
محمد بن الأشعث :
وتركت عمك لم
تقاتل دونه
|
|
فشلا ولو لا أنت
كان منيعا
|
وقتلت وافد حزب
آل محمد
|
|
وسلبت أسيافا له
ودروعا
|
وكان ابن زياد لما
حوصر في القصر اتي برجل يسمى عبد الأعلى الكلبي كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل ،
فأخذه كثير بن شهاب وبعث به الى ابن زياد ، فقال لابن زياد : انما اردتك فأمر به
فحبس ، وأتي برجل آخر يقال له عمارة الأزدي كان خرج أيضا لنصرة مسلم بن عقيل فحبسه
ابن زياد أيضا ، فلما قتل مسلم وهاني. دعا ابن زياد بعبد الأعلى فقال له : خرجت
لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب ، فطلب منه ابن زياد ان يحلف على ذلك
بالايمان المغلظة فلم يحلف ، فأمر ابن زياد ان يذهبوا به الى جبانة السبيع ويضربوا
عنقه ، فانطلقوا به اليها وقتلوه وأمر بعمارة الأزدي ان يذهبوا به الى قومه فضربت
عنقه فيهم.
وكان خروج مسلم في
الكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة
يوم الترويه ،
وقتله يوم الأربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه على رواية المفيد. وفي رواية ان قتله
كان يوم التروية.
وأمر ابن زياد
بجثة مسلم وهاني فصلبتا بالكناسة ، وبعث برأسيهما الى يزيد بن معاوية مع الزبير بن
الأروح التميمي وهاني بن ابي حية الوداعي وأخبره بأمرهما. وكان رأس مسلم أول رأس
حمل من رؤوس بني هاشم وجثته أول جثة صلبت ، فأعاد يزيد الجواب اليه يشكره على فعله
وسطوته ويقول له : قد بلغني ان حسينا قد سار الى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين
الأزمان وبلدك من بين البلدان وابتليت به من بين العمال وعندها تعتق أو تعود عبدا
، فظع المناظر والمسالح واحبس على الظنة وخذ على التهمة واكتب اليّ في كل ما يحدث.
وكان يزيد بن
معاوية قد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة الى مكة في عسكر عظيم وولاه أمر
الموسم وأمره على الحاج كلهم فحج بالناس ، وأوصاه بقبض الحسين عليهالسلام سرا وان لم يتمكن منه يقتله غيلة ، وأمره ان يناجز الحسين عليهالسلام القتال ان هو ناجزه ، فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن
سعيد الى مكة في جند كثيف. ثم ان يزيد دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من
شياطين بني أمية وأمرهم بقتل الحسين عليهالسلام على أي حال اتفق ، فلما علم الحسين عليهالسلام بذلك عزم على التوجه الى العراق ، وكان قد احرم بالحج وقد
وصله قبل ذلك كتاب مسلم بن عقيل ببيعة أهل الكوفة له ، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا
والمروة وقصر من شعره وأحل من احرام الحج وجعلها عمرة مفردة لأنه لم يتمكن من
اتمام الحج مخافة ان
__________________
يقبض عليه ، فخرج
من مكة يوم الثلاثاء وقيل يوم الأربعاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، فكان
الناس يخرجون الى منى والحسين عليهالسلام خارج الى العراق ، وقيل خرج عليهالسلام يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجة ، ولم يكن علم بقتل
مسلم بن عقيل لأن مسلما قتل في ذلك اليوم الذي خرج فيه الحسين عليهالسلام الى العراق او بعده بيوم أو بخمسة أيام أو ستة ولما عزم
الحسين عليهالسلام على الخروج الى العراق جاءه أبو بكر عمر بن عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام المخزومي فنهاه عن الخروج الى العراق ، فقال له الحسين عليهالسلام : جزاك الله خيرا يا ابن عم قد اجتهدت رأيك ومهما يقض الله
يكن ، وجاءه عبد الله بن عباس فنهاه عن الخروج أيضا فقال : أستخير الله وأنظر ما
يكون ، ثم أتاه مرة ثانية فأعاد عليه النهي وقال : ان أبيت الا الخروج فاخرج الى
اليمن ، فقال الحسين عليهالسلام : يا ابن عم اني والله لأعلم انك ناصح مشفق وقد أزمعت
وأجمعت المسير ، ثم خرج ابن عباس فمر بابن الزبير وأنشد :
يا لك من قبرة
بمعمر
|
|
خلالك الجو
فبيضي واصفري
|
ونقري ما شئت ان
تنقري
|
|
هذا حسين خارج
فأبشري
|
وجاءه عبد الله بن
الزبير فأشار عليه بالعراق ثم خشي ان يتهمه فقال : لو أقمت لما خالفنا عليك ، فلما
خرج ابن الزبير قال الحسين عليهالسلام : ان هذا ليس شيء أحب اليه من ان أخرج من الحجاز.
وجاءه عبد الله بن
عباس وعبد الله بن الزبير فأشارا عليه بالامساك عن المسير الى الكوفة ، فقال لهما
: ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قد أمرني بأمر
وأنا ماض فيه فخرج ابن عباس وهو يقول وا حسيناه.
ثم جاءه عبد الله
بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال ، فقال له : يا أبا عبد
الرحمن أما علمت ان من هوان الدنيا على
الله ان رأس يحيى
بن زكريا أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل ، أما تعلم ان بني اسرائيل كانوا
يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون
ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي
انتقام ، اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ، وكان الحسين عليهالسلام يقول : وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام
لاستخرجوني حتى يقتلوني ، والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت ، والله لا
يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم
حتى يكونوا أذل من فرام المرأة.
وجاءه محمد بن
الحنفية في الليلة التي أراد الحسين عليهالسلام الخروج في صبيحتها عن مكة ، فقال له : يا أخي ان أهل
الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى ، فان رأيت ان
تقيم فانك أعز من بالحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية
بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ، فقال له ابن الحنيفة : فان خفت ذلك
فصر الى اليمن او بعض نواحي البر فانك امنع الناس به ولا يقدر عليك أحد ، فقال :
أنظر فيما قلت ، فلما كان السحر ارتحل الحسين عليهالسلام فبلغ ذلك ابن الحنيفة ، فأتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها
فقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ، قال : بلى ، قال : فما حداك على
الخروج عاجلا ، قال : أتاني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فان الله قد شاء ان
يراك قتيلا ، فقال محمد بن الحنفية : انا لله وانا اليه راجعون فما معنى حملك
هؤلاء النسوة معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ، فقال : ان الله قد شاء ان يراهن
سبايا ، فسلم عليه ومضى.
__________________
وسمع عبد الله بن
عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل ، فقال : اين تريد
يا ابن رسول الله؟ قال : العراق ، قال : مهلا ارجع الى حرم جدك ، فأبى الحسين عليهالسلام ، فلما رأى ابن عمر اباءه قال : يا أبا عبد الله اكشف لي
عن الموضع الذي كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقبله منك ، فكشف الحسين عليهالسلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى وقال : استودعك الله يا
أبا عبد الله فانك مقتول في وجهك هذا. وفي رواية انه قبل ما بين عينيه وبكى وقال :
استودعك الله من قتيل.
ولما خرج الحسين عليهالسلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص أمير الحجاز من
قبل يزيد عليهم أخوه يحيى بن سعيد ليردوه فأبى عليهم ، وتدافع
الفريقان وتضاربوا بالسياط ثم امتنع عليهم الحسين عليهالسلام وأصحابه امتناعا شديدا ومضى الحسين عليهالسلام على وجهه فبادروا وقالوا : يا حسين الا تتقي الله تخرج من
الجماعة وتفرق بين هذه الأمة ، فقال : لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل
وانا بريء مما تعملون.
وعن علي بن الحسين
عليهالسلام قال : خرجنا مع الحسين عليهالسلام فما نزل منزلا ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقتله
، وقال يوما ، ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغي من
بغايا بني اسرائيل.
وكتب عمرو بن سعيد
وهو والي المدينة بأمر الحسين عليهالسلام الى يزيد ، فلما قرأ الكتاب تمثل بهذا البيت :
فان لا تزر أرض
العدو وتأته
|
|
يزرك عدو او
يلومنك كاشح
|
ثم سار عليهالسلام حتى مر بالتنعيم ، فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث
__________________
بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن الى يزيد بن معاوية وعليها
الورس والحلل ، فأخذ الهدية وقال لأصحاب الجمال : من أحب ان ينطلق معنا الى العراق
وفيناه كراه واحسنا معه صحبته ومن أحب ان يفارقنا أعطيناه كراه بقدر ما قطع من
الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون فمن فارق أعطاه حقه ومن سار معه أعطاه كراه
وكساه ثم سار عليهالسلام حتى أتى الصفاح فلقيه الفرزدق الشاعر.
قال الفرزدق :
حججت بأمي سنة ستين ، فبينما انا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم اذ لقيت الحسين عليهالسلام خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمن هذا القنطار
فقيل للحسين بن علي عليهماالسلام ، فأتيته وسلمت عليه وقلت له : اعطاك الله سؤلك وأملك فيما
تحب بأبي انت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج ، فقال : لو لم أعجل لأخذت ،
ثم قال لي : من أنت؟ قلت : رجل من العرب فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك ، ثم
قال لي : اخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبير سألت قلوب الناس معك وأسيافهم عليك
والقضاء ينزل من السماء. والله يفعل ما يشاء ، فقال : صدقت لله الأمر من قبل ومن
بعد وكل يوم ربنا هو في شأن ، ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو
المستعان على اداء الشكر ، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته
والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء
من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرك راحلته وقال : السلام عليك.
__________________
وألحق عبد الله بن
جعفر الحسين عليهالسلام بابنيه عون ومحمد ، وكتب على ايديهما اليه كتابا يقول فيه
:
اما بعد فاني
اسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له
ان يكون فيه هلاكك واستئصال اهل بيتك ، وان هلكت اليوم طفىء نور الأرض فانك علم
المهتدين ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالمسير فاني في أثر كتابي والسلام.
وصار عبد الله الى
عمرو بن سعيد فسأله ان يكتب للحسين عليهالسلام أمانا ويمنيه البر والصلة ، فكتب له وانفذه مع أخيه يحيى
بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه وجهدا به في الرجوع ، فقال
: اني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
في المنام وأمرني
بما أنا ماض له ، فقالا له : فما تلك الرؤيا ، قال : ما حدثت بها أحدا وما انا
محدث بها احدا حتى القى ربي عزوجل ، فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا
بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو الى مكة.
وسار الحسين عليهالسلام نحو العراق مسرعا لا يلوي على شيء حتى بلغ وادي العقيق ،
فنزل ذات عرق فلقيه رجل من بني أسد يسمى بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن
أهله فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية ، فقال : صدق اخو بني اسد ان
الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ولما بلغ الحسين عليهالسلام الى الحاجز من بطن الرمة كتب كتابا الى جماعة من أهل الكوفة منهم سليمان بن صرد
الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وغيرهم وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي ،
وذلك قبل ان يعلم بقتل مسلم يقول فيه :
__________________
بسم الله الرحمن
الرحيم من الحسين بن علي الى اخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم ، فاني احمد
اليكم الله الذي لا إله الا هو ، أما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه
بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله ان يحسن لنا الصنيع
وان يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من
ذي الحجة يوم التروية ، فاذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فاني قادم
عليكم في ايامي هذه ان شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان مسلم بن عقيل
قد كتب اليه قبل ان يقتل بسبع وعشرين ليلة ، فأقبل قيس بكتاب الحسين عليهالسلام الى الكوفة وكان ابن زياد لما بلغه مسير الحسين عليهالسلام من مكة الى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطته حتى نزل
القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية الى خفان وما بين القادسية الى القطقطانة (القطقطانية
خ ل) والى جبل لعلع ، قال الناس : هذا الحسين يريد العراق ، (فلما) انتهى قيس الى
القادسية اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه ، فأخرج قيس الكتاب وخرقه ، فحمله الحصين
الى ابن زياد فلما مثل بين يديه قال له : من أنت؟ قال انا رجل من شيعة أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه ، قال : فلماذا خرقت الكتاب؟ قال : لئلا تعلم ما
فيه ، قال : وممن الكتاب والى من ، قال : من الحسين عليهالسلام الى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف اسماءهم ، فغضب ابن زياد
وقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم او تصعد المنبر فتسب
الحسين بن علي وأباه وأخاه والا قطعتك اربا اربا ، فقال قيس : اما القوم فلا أخبرك
بأسمائهم واما سب الحسين وأبيه وأخيه فافعل. وفي رواية انه قال له : اصعد المنبر
فسب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي ، فصعد قيس فحمد الله واثنى عليه
وصلى على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأكثر من الترحم
على علي والحسن والحسين ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني أمية ، ثم قال
: أيها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم وانا رسوله اليكم وقد خلفته بالحاجز فأجيبوه ، فأمر به ابن
زياد فرمي من أعلى القصر فتطع فمات ، فبلغ الحسين عليهالسلام قتله فاسترجع واستعبر بالبكاء ولم يملك دمعته ، ثم قرأ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ثم قال : جعل الله له الجنة ثوابا اللهم اجعل لنا ولشيعتنا
منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب (خ ل) مذخور ثوابك انك
على كل شيء قدير.
ثم اقبل الحسين عليهالسلام من الحاجز يسير نحو العراق حتى انتهى الى ماء من مياه
العرب ، فاذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به ، فلما رأى الحسين عليهالسلام قام اليه فقال : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك
واحتمله فأنزله ، فقال له الحسين عليهالسلام : كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب اليّ أهل العراق
يدعونني الى أنفسهم ، فقال له عبد الله : أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة
الاسلام ان تنتهك ، انشدك الله في حرمة قريش ، انشدك الله في حرمة العرب ، فو الله
لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا ،
والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأتي الكوفة
ولا تعرض نفسك لبني أمية ، فأبى الحسين عليهالسلام الا ان يمضي :
وكان عبيد الله بن
زياد امر فأخذ ما بين واقصة الى طريق الشام الى طريق البصرة فلا يدعون احدا يلج
ولا أحدا يخرج ، وأقبل الحسين عليهالسلام لا يشعر بشيء حتى لقي الأعراب فسألهم فقالوا : لا والله ما
ندري غير انا لا
__________________
نستطيع ان نلج ولا
نخرج فسار تلقاء وجهه.
وكان زهير بن
القين البجلي قد حج في تلك السنة وكان عثمانيا ، فلما رجع من الحج جمعه الطريق مع
الحسين عليهالسلام ، فحدث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا : كنا مع زهير بن
القين حين أقبلنا من مكة ، فكنا نساير الحسين عليهالسلام فلم يكن شيء أبغض الينا من أن نسير معه في مكان واحد أو
ننزل معه في منزل واحد ، فاذا سار الحسين تخلف زهير بن القين واذا نزل الحسين تقدم
زهير ، فنزلنا يوما في منزل لم نجد بدا من أن ننزل معه فيه فنزل هو في جانب ونزلنا
في جانب آخر ، فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا اذ أقبل رسول الحسين عليهالسلام حتى سلم ثم دخل ، فقال : يا زهير ان أبا عبد الله بعثني
اليك لتأتيه ، فطرح كل انسان منا ما في يده كأن على رؤوسنا الطير كراهة ان يذهب
زهير الى الحسين عليهالسلام ، فقالت له امرأته وهي ديلم بنت عمرو : سبحان الله ايبعث
اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فلو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت ، فأتاه زهير
على كره ، فما لبث ان جاء مستبشرا قد أشرق وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ورحله فحول الى
الحسين عليهالسلام ، ثم قال لامرأته : أنت طالق الحقي بأهلك فاني لا احب ان
يصيبك بسببي الا خيرا وقد عزمت على صحبة الحسين عليهالسلام لأفديه بروحي واقيه بنفسي ، ثم اعطاها مالها وسلمها الى
بعض بني عمها ليوصلها الى أهلها ، فقامت اليه وبكت وودعته وقالت : خار الله لك
أسألك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليهالسلام ، وقال لأصحابه : من أحب منكم ان يتبعني والا فهو آخر
العهد مني ، اني سأحدثكم حديثا ، انا غزونا بلنجر وهي بلدة ببلاد الخزر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ففرحنا
، فقال لنا سلمان الفارسي : اذا أدركتم قتال شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم
معهم مما أصبتم من الغنائم ،
__________________
فأما انا
فاستودعكم الله ولزم الحسين عليهالسلام حتى قتل معه.
ولما نزل الحسين عليهالسلام الخزيمية أقام بها يوما وليلة ، فلما أصبح أقبلت اليه أخته
زينب فقالت : يا أخي الا أخبرك بشيء سمعته البارحة ، فقال الحسين عليهالسلام : وما ذاك؟ فقالت خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت
هاتفا يهتف ويقول :
الا يا عين
فاحتفلي بجهد
|
|
ومن يبكي على
الشهداء بعدي
|
على قوم تسوقهم
المنايا
|
|
بمقدار الى
انجاز وعد
|
فقال لها الحسين عليهالسلام : يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن.
ثم سار عليهالسلام حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة ، وقيل ممسيا فوضع رأسه فرقد ، ثم استيقظ فقال
: رأيت هاتفا يقول : أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم الى الجنة ، فقال له ابنه علي
: يا أبه أفلسنا على الحق ، فقال : بلى يا بني والذي اليه مرجع العباد ، فقال : يا
أبه اذا لا نبالي بالموت ، فقال الحسين عليهالسلام : جزاك الله يا بني خير ما جزى ولدا عن والده ثم بات في
الموضع ، فلما أصبح اذا برجل من أهل الكوفة يكنى أباهرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه
ثم قال : يا ابن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فقال الحسين عليهالسلام : ويحك يا أبا هرة ان بني أمية أخذوا مالي فصبرت وشتموا
عرضي فصبرت وطلبوا دمي فهربت ، وايم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله
ذلا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلطن الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ
اذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم.
وروى عبد الله بن
سليمان والمنذر ابن المشمعل الأسديان قالا : لما
__________________
قضينا حجنا لم تكن
لنا همة الا اللحاق بالحسين عليهالسلام لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقاتنا مسرعين
حتى لحقناه بزرود ، فلما دنونا منه اذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق
حين رأى الحسين عليهالسلام ، فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى ومضينا نحوه ، فقال
أحدنا لصاحبه : اذهب بنا الى هذا لنسأله فان عنده خبر الكوفة ، فمضينا اليه فقلنا :
السلام عليك ، فقال : وعليكما السلام ، قلنا : ممن الرجل؟ قال : أسدي ، قلنا له:
ونحن أسديان فمن أنت؟ قال : أنا بكر بن فلان وانتسبنا له ، ثم قلنا له : أخبرنا عن
الناس من ورائك؟ قال : لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة
ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق ، فأقبلنا حتى لحقنا الحسين عليهالسلام فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا ، فجئنا حين نزل فسلمنا
عليه فرد علينا السلام ، فقلنا له : رحمك الله ان عندنا خبرا ان شئت حدثناك علانية
وان شئت سرا ، فنظر الينا والى أصحابه ثم قال : ما دون هؤلاء سر ، فقلنا له : رأيت
الراكب الذي استقبلته عشية أمس ، قال : نعم وقد أردت مسألته ، فقلنا : قد والله
استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل ، وانه حدثنا انه
لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ورآهما يجران في السوق بأرجلهما ، فقال : انا
لله وانا اليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا ، فقلنا له : ننشدك الله في
نفسك وأهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل
نتخوف ان يكونوا عليك ، فنظر الى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قتل مسلم؟ فقالوا :
والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين عليهالسلام وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا انه قد عزم رأيه
على المسير ، فقلنا له : خار الله لك ، فقال : رحمكما الله ، فقال له أصحابه : انك
والله ما أنت مثل مسلم ولو قدمت الكوفة لكان الناس اليك أسرع فسكت ، وارتج الموضع
بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع عليه
كل مسيل ، ثم
انتظر حتى اذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه اكثروا من الماء فاستقوا واكثروا ،
وكان لا يمر بماء الا أتبعه من عليه ، ثم ارتحلوا فسار حتى انتهى الى زبالة ،
فأتاه بها خبر عبد الله بن يقطر وهو أخو الحسين عليهالسلام من الرضاعة وكان سرحه الى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا
يعلم بقتله ، فأخذته خيل الحصين فسيره من القادسية الى ابن زياد ، فقال له : اصعد
فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب ثم أنزل حتى أرى فيك رأيي ، فصعد فاعلم الناس
بقدوم الحسين عليهالسلام ولعن ابن زياد وأباه ، فألقاه من القصر فتكسرت عظامه وبقي
به رمق ، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه فعيب عليه ، فقال :
أردت ان أريحه ، فلما بلغ الحسين عليهالسلام خبره اخرج الى الناس كتابا فقرأ عليهم وفيه:
بسم الله الرحمن
الرحيم ، اما بعد فانه قد أتاني خبر فظيع قتل مسلم ابن عقيل وهاني بن عروة وعبد
الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس
عليه ذمام ، فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا
معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا اليه ، وكان قد اجتمع اليه مدة مقامه بمكة
نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة ، وانما فعل ذلك لعلمه بأن أكثر من اتبعوه
انما اتبعوه ظنا منهم انه يقدم بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، فكره ان يسيروا معه
الا وهم يعلمون ما يقدمون عليه وقد علم انه اذا بين لهم لم يصحبه الا من يريد
مواساته والموت معه وقيل ان خبر مسلم وهاني اتاه في زبالة أيضا.
وقال السيد ان الفرزدق لقي الحسين عليهالسلام فسلم عليه وقال : يا ابن رسول الله كيف تركن الى أهل
الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك
__________________
مسلم بن عقيل
وشيعته ، فاستعبر الحسين عليهالسلام باكيا ثم قال : رحم الله مسلما فلقد صار الى روح الله
وريحانه وتحياته ورضوانه ، اما انه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ، ثم أنشأ يقول:
فان تكن الدنيا
تعد نفيسة
|
|
فان ثواب الله
أعلى وأنبل
|
وان تكن الأبدان
للموت انشأت
|
|
فقتل امرىء
بالسيف في الله أفضل
|
وان تكن الأرزاق
قسما مقدرا
|
|
فقلة حرص المرء
في السعي أجمل
|
وان تكن الأموال
للترك جمعها
|
|
فما بال متروك
به المرء يبخل
|
فلما كان وقت
السحر أمر الحسين عليهالسلام أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ، ثم سار من زبالة حتى مر ببطن
العقبة فنزل عليها ، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن يوذان فسأله اين تريد؟
فقال له الحسين عليهالسلام : الكوفة ، فقال الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت فو الله ما
تقدم الا على الأسنة وحد السيوف ، وان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة
القتال ووطأوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذا الحال التي
تذكر فاني لا أرى لك أن تفعل ، فقال له الحسين عليهالسلام : يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب
على أمره ، ثم قال عليهالسلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فاذا
فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم ثم سار عليهالسلام من بطن العقبة حتى نزل شراف ، فلما كان في السحر أمر
فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ، ثم سار منها حتى انتصف النهار فبينا هو يسير اذ
كبر رجل من أصحابه ، فقال الحسين عليهالسلام : الله أكبر لم كبرت؟ قال : رأيت النخل ، فقال له جماعة من
أصحابه : والله ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط ، فقال لهم الحسين عليهالسلام : فما ترونه؟ قالوا : نراه والله اسنة الرماح وآذان الخيل
، قال : وأنا والله أرى ذلك ، ثم قال عليهالسلام : ما لنا ملجأ نلجأ اليه فنجعله في ظهورنا
ونستقبل القوم
بوجه واحد؟ فقالوا له : بلى هذا ذو جشم وهو جبل الى جنبك فمل اليه عن يسارك فان
سبقت اليه فهو كما تريد ، فأخذ اليه ذات اليسار وملنا معه ، فما كان بأسرع من ان
طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها وعدلنا ، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا
الينا كأن اسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا الى ذي جشم (خشب خ ل)
فسبقناهم اليه ، وأمر الحسين عليهالسلام بابنيته فضربت ، وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل
الحسين عليهالسلام في حر الظهيرة والحسين عليهالسلام وأصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم ، فقال الحسين عليهالسلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء. ورشفوا الخيل
ترشيفا أي أسقوها قليلا ، فأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من
الفرس فاذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها
، فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه
، فلما رأى الحسين عليهالسلام ما بي وبفرسي من العطش قال : انخ الرواية والرواية عندي
السقاء ، ثم قال : يا ابن الأخ انخ الجمل فانخته ، فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال
الحسين عليهالسلام : اخنث السقاء أي أعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه
بيده فشربت وسقيت فرسي ، وكانت ملاقاة الحر للحسين عليهالسلام على مرحلتين من الكوفة.
ولما التقى الحر
مع الحسين عليهالسلام قال له الحسين عليهالسلام : النا ام
__________________
علينا؟ فقال : بل
عليك يا أبا عبد الله ، فقال الحسين عليهالسلام : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، وكان مجيء الحر
من القادسية ، وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره ان ينزل القادسية
، وتقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليهالسلام ، فلم يزل الحر موافقا للحسين عليهالسلام حتى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليهالسلام الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت الاقامة خرج الحسين عليهالسلام في ازار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها
الناس انها معذرة الى الله واليكم اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ان
أقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق ، فان كنتم
على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم ، وان لم تفعلوا
وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم الى المكان الذي جئت منه اليكم فسكتوا ، فقال
للمؤذن : أقم فأقام الصلاة ، فقال للحر أتريد أن تصلي بأصحابك؟ قال : لا بل تصلي
أنت ونصلي بصلاتك ، فصلى بهم الحسين عليهالسلام ، ثم دخل فاجتمع اليه أصحابه ، وانصرف الحر الى مكانه الذي
كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع اليه جماعة من أصحابه وعاد الباقون الى صفهم
الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها.
فلما كان وقت
العصر أمر الحسين عليهالسلام ان يتهيأوا وللرحيل ففعلوا ، ثم أمر مناديه فنادى بالعصر
وأقام فاستقدم الحسين عليهالسلام ، وقام فصلى ثم سلم وانصرف اليهم بوجهه فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فانكم ان تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن
أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين
ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور ، والعدوان ، وان أبيتم الا الكراهية لنا والجهل
بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما اتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت
عنكم ، فقال له
الحر : انا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فقال الحسين عليهالسلام لبعض أصحابه : يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي ، فأخرج خرجين
مملوءين صحفا فنثرت بين يديه ، فقال له الحر : انا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك
وقد أمرنا اذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله ، فقال له
الحسين عليهالسلام : الموت أدنى اليك من ذلك ، ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا
فركبوا وانتظر حتى ركبت نساؤه ، فقال لأصحابه : انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال
القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليهالسلام للحر : ثكلتك امك ما تريد؟ فقال له الحر : أما لو غيرك من
العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا
من كان ولكن مالي الى ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه ، فقال له الحسين عليهالسلام : فما تريد؟ قال : أريد ان انطلق بك الى الأمير عبيد الله
بن زياد ، فقال : اذا والله لا أتعبك ، فقال : اذا والله لا أدعك فترادا القول
ثلاث مرات ، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر اني لم أؤمر بقتالك انما أمرت ان
لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك الى
المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب الى الأمير عبيد الله بن زياد فلعل الله ان
يرزقني العافية من ان ابتلي بشيء من أمرك ، فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب
والقادسية ، فتياسر الحسين عليهالسلام وسار والحر يسايره.
ثم ان الحسين عليهالسلام خطبهم فحمد الله وأنثى عليه ثم قال : أيها
__________________
الناس ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقا على الله ان
يدخله مدخله ، الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا
الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، واني أحق
بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، (خ ل) ، وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ولا تخذلوني ،
فان وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم ، وانا الحسين بن علي ابن فاطمة بنت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم ولكم بي أسوة ، وان لم تفعلوا
ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي
، مسلم بن عقيل ، والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ، ومن نكث
فانما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام ، فقال له الحراني : أذكرك الله في
نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ، فقال له الحسين عليهالسلام
: أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني ، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن
عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وآله فخوفه ابن عمه وقال : أين تذهب فانك مقتول ، فقال :
__________________
سأمضي وما
بالموت عار على الفتى
|
|
اذا ما نوى حقا
وجاهد مسلما
|
وواسى الرجال
الصالحين بنفسه
|
|
وفارق مثبورا
وودع مجرما
|
أقدم نفسي لا
أريد بقاءها
|
|
لتلقى خميسا في
الوغى وعرمرما
|
فان عشت لم أندم
وان مت لم ألم
|
|
كفى بك ذلا ان
تعيش وترغما
|
فلما سمع الحر ذلك
تنحى عنه وجعل يسير ناحية عن الحسين عليهالسلام.
ولم يزل الحسين عليهالسلام سائرا حتى انتهوا الى عذيب الهجانات فاذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة لنصرة الحسين عليهالسلام على رواحلهم وفيهم نافع بن هلال البجلي وهو يجنب فرسا له
يقال له الكامل ومعهم دليل يقال له الطرماح بن عدي الطائي وكان قد امتار لأهله من
الكوفة ميرة ، فأراد الحر حبسهم أو ردهم الى الكوفة فمنعه الحسين عليهالسلام من ذلك وقال: لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي انما هؤلاء
أنصاري وهم بمنزلة من جاء معي فان بقيت على ما كان بيني وبينك والا ناجزتك ، فكف
الحر عنهم.
ثم سألهم الحسين عليهالسلام عن خبر الناس فقالوا : أما الاشراف فقد استمالهم ابن زياد
بالأموال فهم إلب واحد عليك ، وأما سائر الناس فأفئدتهم لك وسيوفهم مشهورة عليك ،
قال : فهل لكم علم برسولي قيس بن مسهر؟ قالوا : نعم قتله ابن زياد ، فترقرقت عينا
الحسين عليهالسلام ولم يملك دمعته ثم قال : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى
نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا واجمع بيننا وبينهم في
مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك وقال له الطرماح بن عدي : أذكرك الله في نفسك
لا يغرنك أهل الكوفة فو الله ان دخلتها لتقتلن واني لأخاف ان لا تصل اليها وما رأى
__________________
معك كثير أحد ولو
لم يقاتلك الا هؤلاء لكفى ، ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة جمعا عظيما يريدون
المسير اليك فأنشدك الله ان قدرت ان لا تقدم اليهم شبرا فافعل ، وطلب منه ان يذهب
معه الى بلاد قومه حتى يرى رأيه وان ينزل جبلهم أجاء ويبعث الى من بأجاء
وسلمى وهما جبلان لطيء ، وتكفل له بعشرين ألف طائي يضربون بين يديه بأسيافهم ،
فجزاه الحسين عليهالسلام وقومه خيرا وقال له : ان بيننا وبين القوم قولا لا نقدر
معه على الانصراف ، فان يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا وكفى ، وان يكن ما لا
بد منه ففوز وشهادة ان شاء الله. وسار الطرماح مع الحسين عليهالسلام ثم ودعه ووعده ان يوصل الميرة لأهله ويعود لنصره ، فلما
عاد بلغه خبر قتله في عذيب الهجانات فرجع.
وقال الحسين عليهالسلام لأصحابه : هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة؟ فقال
الطرماح بن عدي : نعم يا ابن رسول الله انا أخبر الطريق ، قال : سر بين أيدينا
فسار الطرماح أمامهم وجعل يرتجز ويقول :
يا ناقتي لا
تذعري من زجر
|
|
وامضي بنا قبل
طلوع الفجر
|
نجيز فتيان وخير
سفر
|
|
آل رسول الله آل
الفخر
|
السادة البيض
الوجوه الزهر
|
|
الطاعنين
بالرماح السمر
|
الضاربين
بالسيوف البتر
|
|
حتى تجلي بكريم
النجر
|
الماجد الجد
الرحيب الصدر
|
|
أصابه الله بخير
أمر
|
عمره الله بقاء
الدهر
|
|
يا مالك النفع
معا والضر
|
اين حسينا سيدي
بالنصر
|
|
على الطغاة من
بقايا الكفر
|
على اللعينين
سليلي صخر
|
|
يزيد لا زال
حليف الخمر
|
__________________
وابن زياد العهر بن العهر
ولم يزل الحسين عليهالسلام سائرا حتى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به وقيل الى القطقطانة ، فرأى فسطاطا مضروبا فسأل عنه فقيل انه لعبيد الله بن
الحر الجعفي ، وكان من شجعان أهل الكوفة ، فأرسل اليه الحسين عليهالسلام يدعوه ، فاسترجع وقال : والله ما خرجت من الكوفة الا
كراهية أن يدخلها الحسين وانا بها وأبى أن يأتي ، فجاء اليه الحسين عليهالسلام ودعاه الى نصرته فاستعفاه ، فقال له الحسين عليهالسلام : فان لم تكن ممن ينصرنا فاتق ان تكون ممن يقاتلنا ، فو
الله لا يسمع واعيتنا احد ثم لا ينصرنا الا هلك ، فقال : اما هذا فلا يكون أبدا ان
شاء الله تعالى.
وفي رواية انه قال
للحسين عليهالسلام : ولكن هذا فرسي خذه اليك فو الله ما ركبته قط وانا أروم
شيئا الا بلغته ولا أرادني أحد الا نجوت عليه ، فاعرض عنه الحسين عليهالسلام بوجهه وقال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ، ثم تلا : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ
عَضُداً).
فلما كان آخر
الليل أمر الحسين عليهالسلام فتيانه فاستقوا من الماء ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بنى
مقاتل ليلا ، قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثم
انتبه وهو يقول : انا لله وانا اليه
__________________
راجعون والحمد لله
رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا ، فأقبل اليه ابنه علي بن الحسين ، فقال : يا
أبه جعلت فداك مم حمدت واسترجعت؟ قال : يا بني اني خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس
وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسير اليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت الينا ، فقال
له : يا أبه لا أراك الله سوءا ألسنا على الحق؟ قال : بلى والذي اليه مرجع العباد
، قال : اذا لا نبالي ان نموت محقين ، فقال له الحسين عليهالسلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.
فلما أصبح نزل
فصلى الغداة ثم عجل الركوب ، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد ان يفرقهم فيأتيه الحر
فيرده وأصحابه ، فجعل اذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه وارتفعوا ، فلم
يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا الى نينوى ، فاذا راكب على نجيب له عليه السلاح
متنكب قوسا مقبل من الكوفة وهو مالك بن بشير الكندي فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلما انتهى اليهم سلم على
الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين عليهالسلام وأصحابه ودفع الى الحر كتابا من ابن زياد ، فاذا فيه اما
بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا
بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا
يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام ، فعرض لهم الحر وأصحابه ومنعوهم من السير
وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية ، فقال له الحسين عليهالسلام ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق؟ قال : بلى ولكن كتاب الأمير
عبيد الله قد وصل يأمرني
__________________
فيه بالتضييق عليك
وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك ، فقال له الحسين عليهالسلام : دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى
والغاضرية او هذه يعني شفية ، فقال : لا أستطيع هذا رجل قد بعث علي عينا. فقال
زهير بن القين للحسين عليهالسلام ، اني والله لا أرى ان يكون بعد الذي ترون الا أشد مما
ترون ، يا ابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم
، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به ، فقال الحسين عليهالسلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال ، فقال له زهير : سر بنا الى هذه
القرية حتى ننزلها فانها حصينة وهي على شاطىء الفرات فان منعونا قاتلناهم فقتالهم
أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم ، فقال الحسين عليهالسلام : ما هي؟ قال : العقر ، قال : اللهم أعوذ بك من العقر. وفي
رواية ان زهيرا قال له : فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلاء فانها على
شاطىء الفرات فنكون هناك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم ، قال : فدمعت
عينا الحسين عليهالسلام ثم قال : اللهم اني أعوذك من الكرب والبلاء.
ثم قام الحسين عليهالسلام خطيبا في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : انه قد نزل
بنا من الأمر ما قد ترون وان الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء ولم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، الا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه
، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين
الا برما . وقيل انه خطب بهذه الخطبة بذي جشم حين التقى مع الحر ،
وقيل بكربلا والله أعلم ، فقام زهير بن القين فقال : قد سمعنا هداك
__________________
الله يا ابن رسول
الله مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك الى
الاقامة فيها ، ووثب هلال بن نافع (نافع بن هلال خ ل) البجلي فقال : والله ما
كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك. وقام
برير بن خضير فقال : والله يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا ان
نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.
ثم ان الحسين عليهالسلام قام وركب وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى
حتى بلغ كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة احدى وستين ، فلما وصلها قال : ما
اسم هذه الأرض فقيل كربلاء فقال : اللهم اني أعوذ بك من الكرب والبلاء. ثم أقبل
على أصحابه فقال : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت
معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون ثم قال : أهذه كربلا؟ قالوا : نعم يا ابن
رسول الله ، فقال : هذا موضع كرب وبلاء انزلوا ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل
رجالنا ومسفك دمائنا ، فتزلوا جميعا ونزل الحر وأصحابه ناحية ثم ان الحسين عليهالسلام جمع ولده واخوته وأهل بيته ثم نظر اليهم فبكى ساعة ، ثم قال
: اللهم انا عترة نبيك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
وقد ازعجنا وطردنا
وأخرجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا ، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على
القوم الظالمين ، وجلس الحسين عليهالسلام يصلح سيفه ويقول :
يا دهر أف لك من
خليل
|
|
كم لك بالاشراق
والأصيل
|
من طالب وصاحب
قتيل
|
|
والدهر لا يقنع
بالبديل
|
وكل حي سالك
سبيلي
|
|
ما أقرب الوعد
من الرحيل
|
__________________
وانما الأمر الى الجليل
فسمعت أخته زينب
بنت فاطمة ذلك فقالت : يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل ، فقال : نعم يا أختاه ،
فقالت زينب : وا ثكلاه يعنى الحسين إلي نفسه وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن
الجيوب ، وجعلت أم كلثوم تنادي وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسيناه وا
ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله ، فقال لها الحسين عليهالسلام : يا أختاه تعزي بعزاء الله فان سكان السماوات يفنون وأهل
الأرض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون ، ثم قال : يا أختاه يا ام كلثوم وأنت يا
زينب وانت يا فاطمة وانت يا رباب انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن
علي وجها ولا تقلن هجرا.
وفي رواية عن زين
العابدين عليهالسلام ان الحسين عليهالسلام قال هذه الأبيات عشية اليوم التاسع من المحرم. قال علي بن
الحسين عليهالسلام : اني لجالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي
عمتي زينب تمرضني ، اذ اعتزل ابي في خباء له وعنده جون مولى ابي ذر الغفاري وهو
يعالج سيفه ويصلحه وابي يقول : (يا دهر اف لك من خليل) الى آخر الأبيات المتقدمة ،
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت
السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل ، واما عمتي فانها لما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن
شأن النساء الرقة والجزع لم تملك نفسها ان وثبت تجرّ ثوبها حتى انتهت اليه ونادت
وا ثكلاه ليت الموت اعدمني الحياة ، اليوم ماتت امي فاطمة وابي علي واخي الحسن يا
خليفة الماضي وثمال الباقي ، فنظر اليها الحسين عليهالسلام فقال لها : يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان ، فقالت ، بأبي
وأمي تستقل نفسي لك الفداء فردت عليه غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال : (لو ترك
القطا ليلا لنام) فقالت : يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي وأشد
على نفسي ، ثم لطمت
وجهها وأهوت الى
جيبها فشقته وخرت مغشية عليها ، فقام اليها الحسين عليهالسلام فصب على وجهها الماء حتى أفاقت ثم عزاها بما مر ، ثم قال :
وكل شيء هالك الا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده ،
جدي خير مني وابي خير مني وامي خير مني واخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
أسوة ، فعزاها بهذا
ونحوه وقال لها : يا أختاه اني أقسمت عليك فابري قسمي ، لا تشقي علي جيبا ولا
تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا انا هلكت.
وكتب الحر الى
عبيد الله بن زياد يعلمه بنزول الحسين عليهالسلام بكربلاء فكتب ابن زياد الى الحسين عليهالسلام.
اما بعد فقد بلغني
يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب اليّ أمير المؤمنين يزيد ان لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير او الحقك باللطيف الخبير او ترجع الى
حكمي وحكم يزيد والسلام.
فلما قرأ الحسين عليهالسلام الكتاب ألقاه من يده وقال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة
المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول : الجواب يا أبا عبد الله ، فقال : ما له
عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب ، فرجع الرسول الى ابن زياد فأخبره ،
فاشتد غضبه وجهز اليه العساكر وجمع الناس في مسجد الكوفة وخطبهم ومدح يزيدا وأباه
وذكر حسن سيرتهما ووعد الناس بتوفير العطاء وزادهم في عطائهم مائة مائة ، وأمر
بالخروج الى حرب الحسين عليهالسلام.
__________________
المقصد الثاني
في صفة القتال
فلما كان من الغد
وهو اليوم الثالث من المحرم قدم عمر بن سعد بن وقاص في أربعة آلاف ، وكان ابن زياد
قد ولاه الرأي وأرسل معه أربعة آلاف لقتال الديلم ، فلما جاء الحسين عليهالسلام قال له : سر اليه فاذا فرغت سرت الى عملك فاستعفاه ، فقال
: نعم على ان ترد الينا عهدنا ، فاستمهله واستشار نصحاءه فنهوه عن ذلك ، فبات
ليلته مفكرا فسمعوه وهو يقول :
دعاني عبيد الله
من دون قومه
|
|
الى خطة فيها
خرجت لحيني
|
فو الله لا أدري
واني لواقف
|
|
على خطر لا
أرتضيه ومين
|
أأترك ملك الري
والري رغبة
|
|
ام أرجع مذموما
بقتل حسين
|
وفي قتله النار
التي ليس دونها
|
|
حجاب وملك الري
قرة عين
|
وجاءه حمزة بن
المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته فقال له : أنشدك الله يا خال ان تسير الى الحسين
فتأثم عند ربك وتقطع رحمك ، فو الله لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو
كان لك خير لك من أن تلقى الله
__________________
بدم الحسين ، فقال
له ابن سعد : فاني أفعل ان شاء الله. (وجاء) ابن سعد الى ابن زياد فقال : انك
وليتني هذا العمل يعني الري وتسامع به الناس فان رأيت ان تنفذ لي ذلك وتبعث الى
الحسين من اشراف الكوفة من لست خيرا منه وسمي له أناسا ، فقال له ابن زياد: لست
استشيرك في من أبعث ان سرت بجندنا والا فابعث الينا بعهدنا ، قال : فاني سائر.
وقبل ان يحارب
الحسين عليهالسلام سار ابن سعد الى قتال الحسين عليهالسلام بالأربعة آلاف التي كانت معه ، وانضم اليه الحر وأصحابه
فصار في خمسة آلاف ، ثم جاءه شمر في أربعة آلاف ، ثم أتبعه ابن زياد بيزيد اين
ركاب الكلبي في الفين والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف وفلان المازني في
ثلاثة آلاف ونصر ابن فلان في الفين فذلك عشرون ألف فارس تكملت عنده الى ست ليال
خلون من المحرم ، وبعث كعب بن طلحة في ثلاث آلاف وشبث بن ربعي الرياحي في ألف
وحجار بن ابجر في ألف فذلك خمسة وعشرون ألفا ، وما زال يرسل اليه بالعساكر حتى
تكامل عنده ثلاثون الفا ما بين فارس وراجل ، ثم كتب اليه اني لم أجعل لك علة في
كثرة الخيل والرجال فانظر لا أصبح ولا امسي الا وخبرك عندي غدوة وعشية وكان يستحثه
لستة أيام مضين من المحرم. وقال حبيب بن مظاهر للحسين عليهالسلام : يا ابن رسول الله ههنا حي من بني أسد بالقرب منا تأذن لي
في المصير اليهم لأدعوهم الى نصرتك فعسى الله أن يدفع بهم عنك فأذن له ، فخرج
اليهم في جوف الليل وعرفهم بنفسه انه أسدي وقال : اني قد اتيتكم بخير ما أتى به
وافد الى قوم ، أتيتكم أدعوكم الى نصر ابن بنت نبيكم فانه في عصابة من المؤمنين
الرجل منهم خير من ألف رجل لن لن يخذلوه ولن يسلموه ابدا وهذا عمر بن سعد قد أحاط
به ، وانتم قومي وعشيرتي وقد اتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا
بها شرف الدنيا والآخرة ، فاني
أقسم بالله لا يقتل
احد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
في عليين ، فوثب اليه رجل منهم اسمه عبد الله بن بشر فقال : انا أول من يجيب الى
هذه الدعوة ، ثم جعل يرتجز ويقول :
قد علم القوم
اذا تواكلوا
|
|
واحجم الفرسان
أو تثاقلوا
|
اني شجاع بطل
مقاتل
|
|
كانني ليث عرين
باسل
|
ثم تبادر رجال
الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليهالسلام ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي الى ابن سعد فأخبره
بالحال ، فأرسل اليهم اربعمائة فارس مع الأزرق فالتقوا معهم قبل وصولهم الى الحسين
عليهالسلام بيسير فتناوشوا واقتتلوا ، فصاح حبيب بالأزرق ويلك مالك
ومالنا انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك فأبى الأزرق ان يرجع ، وعلمت بنو أسد انه لا
طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين الى حيهم وارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد
ان يبيتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر الى الحسين عليهالسلام فأخبره فقال : لا حول ولا قوة الا بالله ، وأراد ابن سعد
ان يبعث الى الحسين عليهالسلام رسولا يسأله ما الذي جاء به فعرض ذلك على جماعة من الرؤساء
فكلهم ابى استحياء من الحسين عليهالسلام لأنهم كاتبوه ، فقام اليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان
فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء ، فقال : انا أذهب اليه والله لئن شئت لا فتكن به ،
فقال عمر : ما أريد ان تفتك به ولكن اذهب فسله ما الذي جاء به فأقبل ، فلما رآه
ابو تمامة الصائدي قال للحسين عليهالسلام : أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض واجرأه
على دم وافتكه ، وقام اليه فقال له : ضع سيفك ، قال : لا والله ولا كرامة انما انا
رسول فان سمعتم مني والا انصرفت ، قال : فآخذ بقائم سيفك ثم تكلم ، قال : لا والله
لا تمسه ، قال : اخبرني بما جئت به وانا ابلغه عنك ولا أدعك
تدنو منه فانك
فاجر فاستبا وانصرف الى عمر بن سعد فأخبره ، فأرسل قرة بن قيس الحنظلي ، فلما رآه
الحسين عليهالسلام مقبلا قال : أتعرفون هذا؟ قال حبيب بن مظاهر : نعم هذا رجل
من حنظلة تميم وهو ابن اختنا وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا
المشهد ، فجاء حتى سلم على الحسين عليهالسلام وبلغه رسالة عمر بن سعد ، فقال له الحسين عليهالسلام : كتب الي أهل مصركم هذا ان أقدم فأما اذا كرهتموني فاني
انصرف عنكم ، فقال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة اين ترجع الى القوم الظالمين
انصر هذا الرجل الذي بآبائه ايدك الله بالكرامة ، فقال له : ارجع الى صاحبي بجواب
رسالته وأرى رأيي ، فانصرف الى ابن سعد فأخبره فقال : أرجو ان يعافيني الله من
أمره ، وكتب الى ابن زياد بذلك ، فلما قرأ الكتاب قال :
الآن اذ علقت
مخالبنا به
|
|
يرجو النجاة ولات حين مناص
|
ثم كتب الى ابن
سعد ان أعرض على الحسين ان يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه فاذا هو فعل ذلك رأينا
رأينا ، فقال ابن سعد : قد خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية.
وورد كتاب ابن
زياد في الأثر الى ابن سعد ان حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء. فلا يذوقوا منه
قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان ، فبعث عمر في الوقت عمرو بن الحجاج في
خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين عليهالسلام وأصحابه وبين الماء ومنعوهم ان يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل
قتل الحسين عليهالسلام بثلاثة ايام. ونادى عبد الله بن حصين الأزدي بأعلى صوته يا
حسين تنظرون الى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا
عطشا ، فقال
__________________
الحسين عليهالسلام : اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا. قال حميد بن مسلم
والله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فو الله الذي لا اله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى
يبغر ثم يقيء ويصيح العطش العطش ، ثم يعود فيشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى
عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتى هلك.
فلما اشتد العطش
على الحسين عليهالسلام وأصحابه أمر أخاه العباس بن علي عليهالسلام فسار في عشرين راجلا يحملون القرب وثلاثين فارسا فجاؤوا
حتى دنوا من الماء ليلا وأمامهم نافع بن هلال البجلي يحمل اللواء ، فقال عمرو بن
الحجاج من الرجل؟ قال : نافع ، قال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء
الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئا ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين
عطشان هو وأصحابه ، فقالوا : لا سبيل الى سقي هؤلاء انما وضعنا بهذا المكان
لنمنعهم الماء ، فقال نافع لرجاله : املأوا قربكم فملأوها ، وسار اليهم عمرو بن
الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فكشفوهم وأقبلوا بالماء ، ثم عاد
عمرو بن الحجاج وأصحابه وأرادوا ان يقطعوا عليهم الطريق ، فقاتلهم العباس وأصحابه
حتى ردوهم وجاؤوا بالماء الى الحسين عليهالسلام.
وضيق القوم على
الحسين عليهالسلام حتى نال منه العطش ومن أصحابه ، فقال له يزيد بن الحصين الهمداني : يا ابن رسول الله أتأذن لي ان أخرج الى القوم
فاذن له فخرج اليهم ، فقال : يا معشر الناس ان الله عزوجل بعث محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم
بالحق بشيرا ونذيرا
وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا ، وهذا
__________________
ماء الفرات تقع
فيه خنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين ابنه ، فقالوا : يا يزيد قد أكثرت
الكلام فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله ، فقال الحسين عليهالسلام: أقعد يا يزيد ثم وثب الحسين عليهالسلام متوكئا على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته فقال : أنشدكم الله
هل تعرفونني؟ قالوا : نعم أنت ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وسبطه ، قال : أنشدكم
الله هل تعلمون ان جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
قالوا : اللهم نعم ، قال
: أنشدكم الله هل تعلمون ان أمي فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
قالوا : اللهم نعم ،
قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان ابي علي بن ابي طالب عليهالسلام؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان جدتي
خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة اسلاما؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم
الله هل تعلمون ان سيد الشهداء حمزة عم ابي؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم
الله هل تعلمون ان الطيار في الجنة عمي؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله
هل تعلمون ان هذا سيف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
انا متقلده؟ قالوا : اللهم
نعم ، قال : انشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
انا لابسها؟ قالوا : اللهم
نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان أول القوم اسلاما واعلمهم علما
وأعظمهم حلما وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فبم تستحلون دمي
وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد
في يد ابي يوم القيامة؟ قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت
عطشا.
فلما خطب هذه
الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وارتفعت أصواتهن ، فوجه اليهن أخاه
العباس وعليا ابنه وقال لهما : سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن.
وأرسل الحسين عليهالسلام الى عمر بن سعد مع عمرو بن قرطة الأنصاري
اني أريد ان اكلمك
فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك ، فخرج اليه ابن سعد في عشرين وخرج الحسين عليهالسلام في مثلها فأمر الحسين عليهالسلام أصحابه فتنحوا وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ،
وأمر ابن سعد أصحابه فتنحوا وبقي معه ابنه حفص وغلام له ، فقال له الحسين عليهالسلام : ويلك يا ابن سعد اما تتقي الله الذي اليه معادك اتقاتلني
وأنا ابن من علمت ، ذر هؤلاء القوم وكن معي فانه أقرب لك الى الله ، فقال ابن سعد
: أخاف ان تهدم داري ، فقال الحسين عليهالسلام : انا ابنيها لك ، فقال : أخاف ان تؤخذ ضيعتي ، فقال
الحسين عليهالسلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز ، فقال : لي
عيال وأخاف عليهم ثم سكت ولم يجبه الى شيء ، فانصرف عنه الحسين عليهالسلام وهو يقول : مالك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم
حشرك فو الله اني لأرجو ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا ، فقال : في الشعير
كفاية عن البر مستهزءا بذلك القول.
وفي رواية انه عليهالسلام لما رأى نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله
انفذ الى عمر بن سعد أني أريد أن القاك ، فاجتمعا ليلا بين العسكرين وتناجيا طويلا
، ثم التقى الحسين عليهالسلام وعمر بن سعد مرارا ثلاثا أو أربعا ، ثم كتب عمر الى ابن
زياد :
اما بعد فان الله
قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة ، هذا الحسين قد أعطاني ان يرجع الى
المكان الذي منه اتى او ان يسير الى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما
لهم وعليه ما عليهم ، او ان يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما
بينه وبينه رأيه وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح.
وعن عقبة بن سمعان
انه قال : والله ما أعطاهم الحسين عليهالسلام ان يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير الى ثغر من الثغور ،
ولكنه قال : دعوني أرجع الى
المكان الذي أقبلت
منه او اذهب في هذه الأرض العريضة. يقول المؤلف : وهذا هو الذي يقوى في نفسي. قال
: فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال : هذا كتاب ناصح لأميره مشفق على قومه ، فقام اليه
شمر بن ذي الجوشن وقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك والى جنبك ، والله لأن رحل
من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف
والعجز ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فان عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وان عفوت
كان ذلك لك ، فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت الرأي رأيك ، أخرج بهذا الكتاب الى
عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فاذا فعلوا فليبعث بهم الي
سلما وان أبوا فليقاتلهم ، فان فعل فاسمع له وأطع وان أبى فأنت أمير الجيش فاضرب
عنقه وابعث الي برأسه. وكتب الى ابن سعد اني لم أبعثك الى الحسين عليهالسلام لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا
لتعتذر عنه ، ولا لتكون له عندي شافعا ، انظر فان نزل الحسين وأصحابه على حكمي
واستسلموا فابعث بهم اليّ سلما وان ابوا فازحف اليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم
لذلك مستحقون ، فان قتلت الحسين عليهالسلام فأوطىء الخيل صدره وظهره فأنه عاق شاق قاطع ظلوم ، ولست
أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به ،
فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل
بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا والسلام. فلما قرأ ابن
سعد الكتاب قال له : مالك ويلك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي ، والله
اني لأظنك انت نهيته ان يقبل ما كتبت به اليه وأفسدت علينا أمرا كنا قد رجونا ان
يصلح ، لا يستسلم والله حسين ان نفس أبيه لبين جنبيه ، فقال له شمر بن ذي الجوشن :
أخبرني بما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند
والعسكر ، قال :
لا ولا كرامة لك ولكن انا اتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة.
ونهض عمر بن سعد
الى الحسين عليهالسلام عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم ، وجاء شمر حتى وقف
على أصحاب الحسين عليهالسلام فقال : اين بنو أختنا يعني العباس وجعفر وعبد الله وعثمان
ابناء علي عليهالسلام ، فقال الحسين عليهالسلام : أجيبوه وان كان فاسقا فانه بعض اخوالكم فقالوا له : ما تريد؟ فقال لهم : أنتم يا بني أختي آمنون
فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين عليهالسلام والزموا طاعة يزيد ، فقالوا له : لعنك الله ولعن أمانك
اتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له وفي رواية فناداه العباس ابن أمير المؤمنين عليهماالسلام تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله ، أتأمرنا
ان نترك أخانا وسيدنا الحسين ابن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ،
فرجع الشمر الى عسكره مغضبا. وكان ابن خالهم عبد الله بن أبي المحل بن حزام ، وقيل
جرير بن عبد الله بن مخلد الكلابي قد أخذلهم أمانا من ابن زياد وأرسله اليهم مع
مولى له ، وذلك ان أمهم ام البنين بنت حزام زوجة علي عليهالسلام هي عمة عبد الله هذا ، فلما رأوا الكتاب قالوا : لا حاجة
لنا في أمانكم امان الله خير من أمان ابن سمية.
ثم نادى عمر بن
سعد يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري فركب الناس ، ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين
عليهالسلام جالس امام بيته محتب بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه ،
فسمعت أخته زينب الضجة فدنت من أخيها فقالت يا أخي اما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت
، فرفع الحسين عليهالسلام رأسه فقال : اني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
الساعة في المنام فقال :
انك تروح الينا ، فلطمت اخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسين عليهالسلام : ليس لك
__________________
الويل يا أخيه
اسكتي رحمك الله. وفي رواية انه عليهالسلام جلس فرقد ، ثم استيقظ وقال : يا أختاه رأيت الساعة جدي
محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون : يا حسين انك رائح الينا عن
قريب. وقال له العباس : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثم قال : يا عباس اركب انت حتى
تلقاهم وتقول لهم : ما بالكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم ، فأتاهم في نحو
عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا : قد جاء أمر الأمير
ان نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه او نناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع الى أبي
عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ، ورجع العباس اليه بالخبر ، ووقف أصحابه
يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين عليهالسلام ، فلما أخبره العباس بقولهم قال له : ارجع اليهم فان
استطعت ان تؤخرهم الى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه
ونستغفره فهو يعلم اني كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار
وأراد الحسين عليهالسلام أيضا أن يوصي أهله ، فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد ،
فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي : سبحان الله والله لو أنهم من الترك أو الديلم
وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد ، وقال له ، قيس بن الأشعث بن قيس :
اجبهم لعمري ليصبحنك بالقتال فأجابوهم الى ذلك.
فجمع الحسين عليهالسلام أصحابه عند قرب المساء ، قال علي بن الحسين عليهماالسلام فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وانا اذ ذاك مريض ، فسمعت ابي
يقول لأصحابه : اثني على الله احسن الثناء وأحمده على السراء والضراء ، اللهم اني
أحمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا اسماعا
وأبصارا وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين.
اما بعد فاني لا
أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت
ابر ولا أوصل من
أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ، الا واني لأظن يوما لنا من هؤلاء الا واني قد
اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه
جملا ، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني
وهؤلاء القوم فانهم لا يريدون غيري ، فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد
الله بن جعفر : ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا ارانا الله ذلك ابدا ، بدأهم بهذا
القول العباس ابن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه ، ثم نظر
الى بني عقيل فقال : حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا فقد أذنت لكم ، قالوا : سبحان
الله فما يقول الناس لنا وماذا نقول لهم ، انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا
خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما
صنعوا ، لا والله ما نفعل ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى
ترد موردك فقبح الله العيش بعدك وقام اليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : انحن نخلي
عنك وقد أحاط بك هذا العدو وبما نعتذر الى الله في اداء حقك ، لا والله لا يراني
الله أبدا وأنا أفعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه
بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك او أموت معك.
وقام سعيد بن عبد الله الحنفي فقال : لا والله يا ابن رسول الله لا نخليك ابدا حتى
يعلم الله انا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
، والله لو علمت
اني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا ثم اذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى
ألقى حمامي دونك ، وكيف لا أفعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا
انقضاء لها ابدا وقام زهير بن القين وقال : والله يا ابن رسول الله لوددت اني قتلت
ثم نشرت الف مرة وان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان
من اخوانك وولدك وأهل بيتك. وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا وقالوا :
أنفسنا لك الفداء
نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فاذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما
علينا.
ووصل الخبر الى
محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بأن ابنه قد اسر بثغر الري ، فقال : عند الله
احتسبه ونفسي ما كنت احب ان يؤسر وأبقى بعده ، فسمع الحسين عليهالسلام قوله فقال : رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك
ابنك ، فقال : اكلتني السباع حيا ان فارقتك ، قال : فاعط ابنك هذا هذه الأثواب
البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب برود قيمتها الف دينار فحملها
مع ولده.
وأمر الحسين عليهالسلام أصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض
، ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن
ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم وقام الحسين عليهالسلام وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ،
وباتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد.
سمة العبيد من
الخشوع عليهم
|
|
لله أن ضمتهم
الأسحار
|
فاذا ترجلت
الضحى شهدت لهم
|
|
بيض القواضب
انهم أحرار
|
فعبر اليهم في تلك
الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا ، قال بعض أصحاب الحسين عليهالسلام : مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا ، وكان الحسين عليهالسلام يقرأ : (وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي
لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ
الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال :
نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم ، فقال
__________________
له برير بن خضير :
يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين ، فقال له : من أنت ويلك؟ قال : انا برير بن
خضير فتسابا.
وأصبح الحسين عليهالسلام فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون
فارسا وأربعون راجلا وقيل ثمان وأربعون راجلا وفي رواية ثمانون راجلا وعن الباقر عليهالسلام انهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وقيل كانوا
سبعين فارسا ومائة راجل ، فجعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في
الميسرة ، واعطى رايته العباس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب
كان من وراء البيوت ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل وان
يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم ، فنفعهم ذلك.
وأصبح ابن سعد في
ذلك اليوم وهو يوم الجمعة او يوم السبت ، فعبا أصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن
الحجاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عروة (عزرة خ ل) بن قيس ،
وعلى الرجالة شبث بن ربعي وأعطى الراية دريدا مولاه ، وجعل على ربع أهل المدينة
عبد الله الأزدي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد
الرحمن الجعفي ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي.
وأمر الحسين عليهالسلام بفسطاط فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل عندها نورة
ثم دخل ليطلي فروي ان برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا
على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن :
يا برير ما هذه ساعة باطل ، فقال برير : لقد علم قومي اني ما أحببت الباطل كهلا
ولا شابا وانما أفعل ذلك استبشارا بما نصير اليه ، فو الله ما هو الا ان نلقى
هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين ثم ركب الحسين عليهالسلام دابته ودعا
بمصحف فوضعه أمامه
، فروي عن علي بن الحسين عليهماالسلام انه قال : لما صبحت الخيل الحسين عليهالسلام رفع يديه وقال :
اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، وانت رجائي في كل شدة ، وانت لي في كل أمر نزل بي ثقة
وعدة ، كم من كرب يضعف فيه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت
فيه العدو ، أنزلته بك وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ففرجته عني وكشفته ،
فأنت ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة.
وركب أصحاب عمر بن
سعد وأقبلوا يجولون حول بيوت الحسين عليهالسلام فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي
كان ألقي فيه ، فنادى شمر بأعلى صوته يا حسين اتعجلت النار قبل يوم القيامة ، فقال
الحسين عليهالسلام : من هذا كأنه شمر؟ فقالوا :
نعم ، قال : يا
ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا ، ورام مسلم بن عوسجة ان يرميه بسهم فمنعه
الحسين عليهالسلام من ذلك ، فقال له : دعني حتى أرميه فانه الفاسق من أعداء
الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه ، فقال له الحسين عليهالسلام : لا ترمه فاني اكره ابدأهم بقتال واقبل رجل من عسكر ابن
سعد يقال له ابن ابي جويريه المزني ، فلما رأى النار تتقد نادى يا حسين أبشروا
بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ، فقال الحسين عليهالسلام : اللهم اذقه عذاب النار في الدنيا ، فنفر به فرسه وألقاه
في تلك النار فاحترق ثم برز تميم بن حصين الفزاري فنادى يا حسين ويا أصحاب حسين
أما ترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات ، والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا
الموت جرعا.
ولما ركب أصحاب
ابن سعد قرب الى الحسين عليهالسلام فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين
يديه برير بن خضير ، فقال له
الحسين عليهالسلام : كلم القوم ، فتقدم برير فقال : يا قوم اتقوا الله فان
ثقل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
قد أصبح بين أظهركم ،
هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه بهم ،
فقالوا : نريد ان نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم ، فقال لهم برير :
أفلا تقبلون منهم ان يرجعوا الى المكان الذي جاؤوا منه ، ويلكم يا أهل الكوفة
أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها ، يا ويلكم أدعوتم أهل
بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى اذا أتوكم أسلمتموهم وحلئتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ، ما لكم لا
سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم ، فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ، ما
تقول ، فقال برير : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة ، اللهم اني أبرأ اليك من
فعال هؤلاء القوم اللهم الق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان ، فجعل القوم
يرمونه بالسهام فرجع الى ورائه.
وتقدم الحسين عليهالسلام حتى وقف بازاء القوم فجعل ينظر الى صفوفهم كأنهم السيل ،
ونظر الى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها
دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته ،
فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها ،
واراكم قد اجتمعتم على امر قد اسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل
بكم نقمته وجنبكم رحمته ، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم ، اقررتم بالطاعة
وآمنتم بالرسول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ثم انكم زحفتم
الى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم
، فتبا لكم ولما تريدون انا لله وانا اليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم
فبعدا للقوم الظالمين ، فقال
__________________
ابن سعد : ويلكم
كلموه فانه ابن أبيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر
فتقدم شمر فقال : يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم ، فقال : أقول اتقوا
الله ربكم ولا تقتلوني فانه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم
وجدتي خديجة زوجة نبيكم ، ولعله قد بلغكم قول نبيكم الحسن والحسين سيدا شباب أهل
الجنة وفي رواية انه دعا الحسين براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته يا أهل العراق
وكلهم (وجلهم خ ل) يسمعون ، فقال : أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم
بما يحق لكم علي وحتى اعذر اليكم ، فان اعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وان لم
تعطوني النصف عن أنفسكم فاجمعوا رأيكم ، ثم لا يكون امركم عليكم غمة ، ثم أقضوا
الي ولا تنظرون ، ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، فلما سمع
اخواته وبناته كلامه هذا صحن وبكين وارتفعت أصواتهن ، فأرسل اليهن أخاه العباس
وابنه عليا وقال : اسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن ، ثم انه عليهالسلام حمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو اهله ، وصلى على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وعلى ملائكته وانبيائه وقال ما لا يحصى كثرة ، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده
أبلغ في منطق منه.
له من علي في
الحروب شجاعة
|
|
ومن أحمد عند
الخطابة قيل
|
ثم قال : اما بعد
فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا الى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح
ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ، ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول
المؤمنين بالله والمصدق برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وبما جاء به من عند ربه ، أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي ، أو ليس جعفر الطيار في
الجنة بجناحين عمي ، أولم يبلغكم ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة ، فان صدقتموني بما أقول
__________________
وهو الحق والله ما
تعمدت كذبا مذ علمت ان الله يمقت عليه أهله ، وان كذبتموني فان فيكم من ان سألتموه
عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد
الساعدي والبراء بن عازب
وزيدا بن أرقم وأنس بن مالك ، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
لي ولأخي ، اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ، فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد
الله على حرف ان كان يدري ما تقول فقال له حبيب بن مظاهر : والله اني لأراك تعبد
الله على سبعين حرفا (سبعين الف حرف خ ل) وأنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد
طبع الله على قلبك ثم قال لهم الحسين عليهالسلام
: فان كنتم في شك من هذا أفتشكون في اني ابن بنت نبيكم ، فو الله ما بين المشرق
والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته او
مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة ، فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى يا شبث بن ربعي
ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا اليّ ان قد
أينعت الثمار واخضرت الجنان وانما تقدم على جند لك مجندة ، فقال له قيس بن الأشعث
: ما ندري ما تقول ولكن أنزل على حكم بني عمك فانهم لن يروك الا ما تحب ، فقال له
الحسين عليهالسلام
: لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار (اقر اقرار خ ل) العبيد ، ثم
نادى يا عباد الله (إِنِّي عُذْتُ
بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ)
أعوذ بربي وربكم من
كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. ثم انه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ثم
ركب فرسه وتهيأ للقتال وفي رواية انه عليهالسلام
ركب ناقته وقيل فرسه وخرج الى الناس ، فاستنصتهم فأبوا ان ينصتوا
حتى قال لهم : ويلكم ما عليكم ان تنصتوا لي
__________________
فتسمعوا قولي
وانما ادعوكم الى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من
المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على
قلوبكم ، ويلكم الا تنصتون الا تسمعون ، فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا :
انصتوا له ، فحمد الله وأنثى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الملائكة والأنبياء والرسل وأبلغ في المقال ، ثم قال
: تبا لكم ايتها الجماعة وترحا أحين استصرختمونا والهين (ولهين متحيرين خ
ل) فأصرخناكم موجفين (مؤدين مستعدين خ ل) سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم وحششتم علينا نارا قد حناها (اججناها خ ل) على عدوكم وعدونا
فأصبحتم البا على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم
ولا أمل أصبح لكم فيهم الا الحرام من الدنيا انالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه ، من غير
حدث كان منا ولا رأي تفيل لنا ، فهلا لكم الويلات اذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها والسيف
__________________
مشيم (لم يشهر خ ل)
والجاش طامن والرأي لما يستحصف ولكن اسرعتم اليها كطيرة الدبا وتداعيتم اليها كتداعي (كتهافت خ ل) الفراش ، فسحقا (فقبحا
خ ل) لكم يا عبيد الأمة (فانما أنتم من طواغيت الأمة خ ل) وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي
الكتاب (الكلم خ ل) ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء
وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين وصرّاخ أئمة المستهزئين (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) ، (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ
لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) ...(وَفِي الْعَذابِ هُمْ
خالِدُونَ) وأنتم ابن حرب واشياعه تعضدون وعنا تخاذلون ، أجل والله
الخذل فيكم معروف وشجت عليه اصولكم وتأزرت عليه فروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت
صدوركم فكنتم أخبث ثمر (شيء خ ل) شجا للناظر وأكلة للغاصب ، الا لعنة الله على
الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، فأنتم
والله هم الا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة (وهيهات ما آخذ الدنية خ ل) يأبى
الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود (وحجور خ ل) طابت وحجور (وحجر خ ل) طهرت
وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر (من ان تؤثر خ ل) طاعة اللئام على مصارع الكرام ،
الا قد
__________________
اعذرت وانذرت ،
الا واني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد (العتاد خ ل) وكثرة العدو وخذلان الناصر (وخذلة
الأصحاب) (الناصر خ ل) ، ثم وصل عليهالسلام كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي فقال :
فان نهزم
فهزامون قدما
|
|
وان نغلب فغير
مغلبينا
|
وما ان طبنا جبن ولكن
|
|
منايانا ودولة
آخرينا
|
اذا ما الموت
رفع عن أناس
|
|
كلاكله اناخ بآخرينا
|
فافنى ذلكم
سروات قومي
|
|
كما أفنى القرون
الأولينا
|
فلو خلد الملوك
اذن خلدنا
|
|
ولو بقي الكرام
اذن بقينا
|
فقل للشامتين
بنا أفيقوا
|
|
سيلقى الشامتون
كما لقينا
|
ثم قال : اما
والله لا تلبثون بعدها الاكريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق
المحور ، عهد عهده الي ابي عن جدي فاجمعوا امركم وشركائكم ثم لا
يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون (ثم كيدوني جميعا فلا تنظرون خ ل)
اني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط
مستقيم ، اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام
ثقيف يسقيهم كاسا مصبرة ولا يدع فيهم احدا الا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي
ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فانهم غرونا وكذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك
توكلنا واليك انبنا واليك المصير.
__________________
ثم قال ادعوا لي
عمر بن سعد فدعي له وكان كارها لا يحب ان يأتيه ، فقال : يا عمر أنت تقتلني وتزعم
ان يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان ، والله لا تتهنى بذلك ابدا عهدا
معهودا فاصنع ما أنت صانع ، فانك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، ولكأني برأسك على
قصبة قد نصب بالكوفة يتراماه الصبيان ويتخذونه غرضا بينهم ، فاغتاظ ابن سعد من
كلامه ثم صرف بوجهه عنه ونادى بأصحابه ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم انما هي اكلة
واحدة.
وخرج زهير بن
القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح ، فقال : يا أهل الكوفة بدار من عذاب الله
بدار (نذار خ ل لكم) ان حقا على المسلم نصيحة المسلم ونحن حتى الآن أخوة على دين
واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا نحن أمة
وأنتم امة ، ان الله قد ابتلانا واياكم بذرية محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
لينظر ما نحن وأنتم عاملون
، انا ندعوكم الى نصره وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ، فسبوه وأثنوا على ابن
زياد ، فقال لهم : يا عباد الله ان ولد فاطمة احق بالود والنصر من ابن سمية ، فان
كنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم ، فلعمري ان يزيد يرضى من طاعتكم بدون
قتل الحسين عليهالسلام ، فرماه شمر بسهم وقال : اسكت اسكت الله نامتك ابرمتنا بكثرة كلامك ، فقال زهير : يا ابن البوال على عقبيه ما
اياك اخاطب انما انت بهيمة والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين وابشر بالخزي
يوم القيامة والعذاب الأليم ، فقال شمر : ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال :
أفبالموت تخوفني والله للموت معه احب الي من الخلد معكم ، ثم رفع صوته وقال : عباد
الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي فو الله
__________________
لا تنال شفاعة
محمد قوما اهرقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم ، فأمره
الحسين عليهالسلام فرجع.
ولما رأى الحر بن
يزيد ان القوم قد صمموا على قتال الحسين عليهالسلام قال لعمر بن سعد : أمقاتل انت هذا الرجل؟ قال : اي والله
قتالا أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي ، قال : فما لكم فيما عرضه عليكم رضى ،
قال : اما لو كان الأمر الي لفعلت ولكن اميرك قد ابى ، فاقبل الحر حتى وقف من
الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس ، فقال له : يا قرة هل سقيت فرسك
اليوم؟ قال : لا ، قال : فما تريد ان تسقيه ، قال : قرة فظننت والله انه يريد أن
يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان أراه حين يصنع ذلك ، فقلت له : لم اسقه وانا منطلق
فأسقيه ، فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فو الله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت
معه الى الحسين عليهالسلام ، فأخذ الحر يدنو من الحسين عليهالسلام قليلا قليلا ، فقال له المهاجر بن اوس : ما تريد يا ابن
يزيد أتريد ان تحمل فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل وهي الرعدة ، فقال له المهاجر : ان
أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة
ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، فقال الحر : اني والله أخير نفسي بين الجنة
والنار فو الله اني لا اختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت ، ثم ضرب فرسه قاصدا
الى الحسين عليهالسلام ويده على رأسه وهو يقول : اللهم اليك أنيب فتب علي فقد
ارعبت قلوب اوليائك واولاد بنت نبيك ، وقال للحسين عليهالسلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن
الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في (الى خ ل) هذا المكان ، وما ظننت ان القوم
يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت انهم
ينتهون بك الى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت ، واني قد جئتك تائبا مما كان مني الى
ربي مواسيا لك بنفسي
حتى أموت بين يديك
فهل ترى لي من توبة ، فقال له الحسين عليهالسلام نعم يتوب الله عليك فانزل ، قال : انا لك فارسا خير مني راجلا
اقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري ، فقال له الحسين عليهالسلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك ، فاستقدم امام الحسين عليهالسلام فقال : يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر ادعوتم هذا العبد الصالح حتى اذا جاءكم اسلمتموه
وزعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم
بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة فصار كالأسير في
أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن
ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه
، فهاهم قد صرعهم العطش ، بئس ما خلقتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ ،
فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى وقف امام الحسين عليهالسلام وروى ابن نما انه قال للحسين عليهالسلام : لما وجهني عبيد الله اليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي
أبشر يا حر بخير فالتفت فلم ار احدا ، فقلت : والله ما هذه بشارة وانا أسير الى
الحسين عليهالسلام وما كنت احدث نفسي باتباعك ، فقال : لقد أصبت أجرا وخيرا.
ونادى عمر بن سعد
يا دريد ادن رايتك فأدناها ، ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين عليهالسلام وقال : اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمى ، وأقبلت
السهام من القوم كأنها القطر فلم يبق من أصحاب الحسين عليهالسلام احد الا اصابه من سهامهم ، فقال عليهالسلام لأصحابه : قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لا بد منه فان
هذه السهام رسل القوم اليكم ، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من
أصحاب الحسين عليهالسلام
__________________
جماعة ، فعندها
ضرب الحسين عليهالسلام يده الى لحيته وجعل يقول : اشتد غضب الله على اليهود اذ
جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصارى اذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على
المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن
بنت نبيهم ، اما والله لا أجيبهم الى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وانا
مخضب بدمي فروي عن مولانا الصادق عليهالسلام انه قال : سمعت ابي يقول لما التقى الحسين عليهالسلام وعمر بن سعد وقامت الحرب على ساق انزل الله النصر حتى رفرف
على رأس الحسين عليهالسلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء
الله ، ثم صاح الحسين عليهالسلام : اما من مغيث يغيثنا لوجه الله اما من ذاب يذب عن حرم
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وكان يزيد بن زياد بن
المهاجر (مهاصر خ ل) الكندي ويكنى ابا الشعثاء في أصحاب ابن سعد ، فلما ردوا على
الحسين عليهالسلام ما عرضه عليهم عدل اليه فقاتل بين يديه وجعل يرتجز ويقول :
انا يزيد وابي
المهاجر
|
|
اشجع من ليث بغيل
خادر
|
يا رب اني
للحسين ناصر
|
|
ولابن سعد تارك
وهاجر
|
وجثا بين يدي
الحسين عليهالسلام فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة أسهم وكان راميا ، وكلما
رمى يقول له الحسين عليهالسلام : اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة ، فقتل خمسة من أصحاب
عمر بالنشاب ، وكان أول من قتل.
ثم ارتمى الناس
وتبارزوا فكان أصحاب الحسين عليهالسلام كما قيل فيهم :
__________________
قوم اذا نودوا
لدفع ملمة
|
|
والخيل بين مدعس
ومكردس
|
لبسوا القلوب
على الدروع واقبلوا
|
|
يتهافتون على
ذهاب الأنفس
|
فبرز يسار مولى زياد
وسالم مولى عبيد الله بن زياد وقالا : من يبارز ، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن
خضير ، فقال لهما الحسين عليهالسلام : اجلسا ، فقام عبد الله بن عمير الكلبي فاستأذن الحسين عليهالسلام في مبارزتهما وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين ، فنظر اليه
الحسين عليهالسلام وقال : اني احسبه للأقران قتالا واذن له ، وكان قد خرج من
الكوفة ليلا ومعه امرأته ام وهب الى الحسين عليهالسلام لأنه لما رأى العساكر تعرض بالنخيلة لتسير الى حرب الحسين عليهالسلام قال : والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، واني
لأرجو ان لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أقل ثوابا عند الله من
جهاد المشركين ، فأخبر زوجته فقالت : اصبت أخرج واخرجني معك ، فلما برز قال له
يسار : من أنت؟ فانتسب له ، فقال له : لست أعرفك ليخرج الي زهير بن القين او حبيب
بن مظاهر او برير بن خضير ، فقال له ابن عمير : يا ابن الفاعلة وبك رغبة عن مبارزة
احد من الناس ولا يبرز اليك أحد الا وهو خير منك ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد
وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد ، فانه لمشتغل بضربه اذ شد عليه سالم مولى عبيد
الله فصاحوا به قد رهقك العبد فلم يعبأ به حتى غشيه ، فبدره بضربة اتقاها ابن عمير
بيده اليسرى فأطارت أصابع كفه ، ثم شد عليه ابن عمير فضربه حتى قتله ، فرجع وقد
قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول :
ان تنكروني فأنا
ابن كلب
|
|
حسبي ببيتي في
عليم حسبي
|
اني امرؤ ذو مرة
وعضب
|
|
ولست بالخوار عند النكب
|
__________________
اني زعيم لك ام وهب
|
|
بالطعن فيهم
صادقا والضرب
|
ضرب
غلام مؤمن بالرب
|
ثم قاتل قتالا شديدا
حتى قتل رجلين آخرين ، فقتله هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمي ، وخرجت
امرأته فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه وتقول : هنيئا لك الجنة ، فأمر شمر
غلاما له يقال له رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها وبرز عمر بن خالد الصيداوي ، فقال له الحسين عليهالسلام : تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة ، فحمل هو وسعد مولاه وجبار
بن الحارث السلماني ومجمع بن عبيد الله العائذي فأوغلوا في أصحاب عمر بن سعد ،
فعطف عليهم أصحاب ابن سعد فقطعوهم عن اصحابهم ، فحمل العباس بن علي عليهماالسلام فاستقذهم وقد جرحوا ثم حملوا
__________________
فقاتلوا حتى قتلوا
في مكان واحد.
وحمل عمرو بن
الحجاج على ميمنة اصحاب الحسين عليهالسلام فيمن كان معه من أهل الكوفة ، فلما دنا من اصحاب الحسين عليهالسلام جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على
الرماح فذهبت الخيل ترجع ، فرشقهم أصحاب الحسين عليهالسلام بالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرحوا آخرين.
وجاء رجل من بني
تميم يقال له عبد الله بن حوزة فقال : يا حسين أبشر بالنا ، فقال له الحسين عليهالسلام : كذبت بل اقدم على رب رحيم وشفيع مطاع ، ثم رفع الحسين عليهالسلام يديه فقال : اللهم حزه (جره خ ل) الى النار ، فاضطرب به
فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسرى بالركاب وارتفعت اليمنى ، فشد عليه مسلم بن
عوسجة فضرب رجله اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه بكل حجر ومدر حتى مات وعجل
الله بروحه الى النار.
وكان مسروق بن
وائل الحضرمي قد خرج مع ابن سعد وقال : لعلي اصيب رأس الحسين فأصيب به منزلة عند
ابن زياد ، فلما رأى ما صنع بابن حوزة بدعاء الحسين عليهالسلام رجع وقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم
أبدا.
ونشب القتال فخرج
برير بن خضير الهمداني وكان زاهدا عابدا ، وكان اقرأ أهل زمانه وكان يقال له سيد
القراء وهو يقول :
انا برير وابي
خضير
|
|
لا خير فيمن ليس
فيه خير
|
وجعل يحمل على
القوم وهو يقول : اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا مني يا قتلة اولاد
البدريين ، اقتربوا مني يا قتلة اولاد رسول رب
العالمين وذريته
الباقين ، فخرج اليه يزيد بن معقل فقال لبرير : هل تذكر وأنت تقول : ان فلانا كان
على نفسه مسرفا وان معاوية ضال مضل وان امام الهدى والحق علي بن أبي طالب ، فقال
له برير : اشهد ان هذا رأيي وقولي ، فقال يزيد : اشهد انك من الضالين ، فقال له
برير : هلم اباهلك ولندع الله ان يلعن الكاذب منا وان يقتل المحق منا المبطل ،
فتباهلا ثم تبارزا فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة فلم يضره شيئا
وضربه برير ضربة قدت المغفر ووصلت الى دماغه فسقط والسيف في رأسه ، فحمل عليه رضي
بن منقذ العبدي فاعتنق بريرا واعتركا ساعة ، ثم ان بريرا رمى به الى الأرض وقعد
على صدره ، فحمل كعب بن جابر الأزدي على برير وطعنه بالرمح في ظهره ، فنزل برير عن
ابن منقذ بعد ان عض انفه فقطعه ، وأقبل اليه كعب بن جابر فضربه بسيفه حتى قتله
رضوان الله عليه ، فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته ، أعنت على ابن فاطمة
وقتلت بريرا سيد القراء لا اكلمك ابدا وقيل ان الذي قتل بريرا رجل يقال له بحير بن
اوس الضبي ، فلما قتله جعل يقول : وقيل بل قالها كعب بن جابر :
سلي تخبري عني
وأنت ذميمة
|
|
غداة حسين
والرماح شوارع
|
ألم آت اقصى ما
كرهت ولم يخل
|
|
غداة الوغى
والروع ما انا صانع
|
معي يزنّي لم
تخنه كعوبه
|
|
وأبيض مشحوذ
الغرارين قاطع
|
فجردته في عصبة
ليس دينهم
|
|
كديني واني بعد
ذاك القانع
|
ولم ترعيني
مثلهم في زمانهم
|
|
ولا قبلهم في
الناس اذ أنا يافع
|
أشد قراعا
بالسيوف لدى الوغى
|
|
الا كل من يحمي
الذمار مقارع
|
وقد صبروا للطعن
والضرب حسّرا
|
|
وقد جالدوا لو
ان ذلك نافع
|
__________________
فابلغ عبيد الله
اذ ما لقيته
|
|
باني مطيع
للخليفة سامع
|
قتلت بريرا ثم
جلت بهمة
|
|
غداة الوغى لما
دعا من يقارع
|
(قتلت بريرا ثم حملت نعمة
|
|
ابا منقذ لما
دعا من يماصع خ ل)
|
ثم ذكر له بعد ذلك
ان بريرا كان من عباد الله الصالحين ، وجاءه ابن عم له وقال : ويحك يا بحير قتلت
بريرا بن خضير فبأي وجه تلقى ربك غدا فندم الشقي ، وقيل ان رضي بن منقذ اجاب كعب
بن جابر فقال :
فلو شاء ربي ما
شهدت قتالهم
|
|
ولا جعل النعماء
عندي ابن جابر
|
لقد كان ذا عارا
علي وسبة
|
|
يعيرها الأبناء
عند المعاشر
|
فيا ليت اني كنت
في الرحم حيضة
|
|
ويوم حسين كنت
ضمن المقابر
|
فيا سوأتا ماذا
أقول لخالقي
|
|
وما حجتي يوم
الحساب القماطر
|
ثم برز وهب بن
حباب الكلبي ويقال انه كان نصرانيا فأسلم على يدي الحسين عليهالسلام وكانت معه أمه وزوجته ، فقالت أمه : قم يا بني فانصر ابن
بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : افعل يا أماه ولا أقصر ، فبرز وهو يقول :
ان تنكروني فأنا
ابن الكلبي
|
|
سوف تروني وترون
ضربي
|
وحملتي وصولتي
في الحرب
|
|
ادرك ثأري بعد
ثأر صحبي
|
وادفع الكرب
امام الكرب
|
|
ليس جهادي في
الوغى باللعب
|
ثم حمل ولم يزل
يقاتل حتى قتل جماعة ثم رجع الى امرأته وأمه وقال : يا أماه أرضيت ، فقالت : ما
رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليهالسلام ، فقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك ، فقالت له
أمه يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم
القيامة ، فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، وأخذت امرأته عمودا
__________________
وأقبلت نحوه وهي
تقول : فداك ابي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فأقبل كي يردها الى
النساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أن أموت معك ، فقال الحسين عليهالسلام : جزيتم من أهل بيت خيرا ارجعي الى النساء رحمك الله
فانصرفت اليهن ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
وقال الحر للحسين عليهالسلام : فاذا كنت أول من خرج عليك فأذن لي ان أكون أول قتيل بين
يديك لعلي أكون ممن يصافح جدك محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم غدا في القيامة فحمل على اصحاب عمر بن سعد وهو يتمثل بقول
عنترة :
ما زلت أرميهم
بغرة وجهه
|
|
ولبانه حتى تسربل بالدم
|
ثم جعل يرتجز
ويقول :
اني انا الحر
ومأوى الضيف
|
|
أضرب في أعناقكم
بالسيف
|
عن خير من حل
بأرض الخيف
|
|
أضربكم ولا أرى
من حيف
|
وروي انه كان
يرتجز أيضا ويقول :
آليت لا أقتل
حتى أقتلا
|
|
ولن أصاب اليوم
الا مقبلا
|
أضربهم بالسيف
ضربا معضلا
|
|
لا ناكلا عنهم
ولا معلللا
|
لا عاجزا عنهم
ولا مبدلا
|
|
احمي الحسين
الماجد المؤملا
|
__________________
وقاتل قتالا شديدا
فروي انه لما لحق بالحسين عليهالسلام قال رجل من بني تميم من بني الحرث يقال له يزيد بن سفيان :
اما والله لو لحقته لا تبعته السنان ، فبينما الحر يقاتل وان فرسه لمضروب على
اذنيه وحاجبيه وان الدماء لتسيل اذ قال الحصين : يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه
، قال :
نعم ، فما لبث
الحر ان قتله وقتل اربعين فارسا وراجلا حتى عقر فرسه ، فقاتلهم راجلا قتالا شديدا
وهو يقول :
ان تعقروا بي
فأنا ابن الحر
|
|
أشجع من ذي لبد
هزبر
|
وفي رواية انه كان
يرتجز ويقول :
اني انا الحر
ونجل الحر
|
|
أشجع من ذي لبد
هزبر
|
ولست بالجبان
عند الكر
|
|
لكنني الوقاف
عند الفر
|
وجعل يضربهم بسيفه
حتى قتل نيفا وأربعين رجلا ، وفي رواية ثمانية عشر رجلا ، وكان يحمل هو وزهير بن
القين فاذا حمل احدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ، وفي ذلك
يقول عبيد الله بن عمرو البدائي من بني البداء وهم من كندة :
سعيد بن عبد
الله لا تنسينه
|
|
ولا الحر اذ آسى
زهيرا على قسر
|
ثم حملت الرجالة
على الحر وتكاثروا عليه ، فاشترك في قتله أيوب ابن مسرح ورجل آخر من فرسان أهل
الكوفة ، فاحتمله أصحاب الحسين عليهالسلام حتى وضعوه بين يدي الحسين عليهالسلام وبه رمق ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : انت الحر كما
سمتك أمك حر في الدنيا والآخرة وروي انه أتاه الحسين عليهالسلام ودمه يشخب ، فقال : بخ بخ لك يا حر أنت حر كما سميت في
الدنيا والآخرة.
وخرج من اصحاب
الحسين عليهالسلام نافع بن هلال البجلي وقيل هلال بن نافع ، فقاتل قتالا
شديدا وجعل يقول :
انا ابن هلال
البجلي
|
|
انا على دين علي
|
ودينه
دين النبي
|
فبرز اليه رجل من
بني فظيعة يقال له مزاحم (واجم خ ل) بن حريث ، فحمل عليه نافع فقتله ، وكان قد كتب
اسمه على فوق نبله وكانت مسمومة ، فقتل بها اثني عشر او ثلاثة عشر رجلا
سوى من جرح ، فجعل يقول :
أرمي بها معلمة
أفواقها
|
|
والنفس لا
ينفعها اشفاقها
|
مسمومة تجري بها
اخفاقها
|
|
ليملأن أرضها رشاقها
|
فلم يزل يرميهم
حتى فنيت سهامه ، ثم ضرب يده الى سيفه فاستله وجعل يقول :
انا الغلام
اليمني البجلي
|
|
ديني على دين
حسين وعلي
|
ان أقتل اليوم
فهذا أملي
|
|
فذاك رأيي
والاقي عملي
|
فكسروا عضديه واخذ
اسيرا ، فأخذه شمر واتى به الى ابن سعد ، فقال له ابن سعد : ويحك يا نافع ما حملك
على ما صنعت بنفسك ، قال ان ربي يعلم ما أردت والدماء تسيل على وجهه ولحيته وهو
يقول : لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ولو بقيت لي عضد وساعد ما
أسرتموتي ، فانتضى شمر سيفه ليقتله ، فقال له نافع : والله لو كنت من المسلمين
لعظم عليك ان تلقى الله بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه
، فقتله شمر.
__________________
وخرج عمرو بن قرطة
الأنصاري فاستأذن الحسين عليهالسلام فأذن له ، فبرز وهو يرتجز ويقول :
قد علمت كتيبة
الأنصار
|
|
اني سأحمي حوزة
الذمار
|
ضرب غلام غير
نكس شاري
|
|
دون حسين مهجتي
وداري
|
فقاتل قتال
المشتاقين الى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن
زياد وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي الى الحسين عليهالسلام سهم الا اتقاه بيده ولا سيف الا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل
الى الحسين عليهالسلام سوء حتى أثخن بالجراح ، فالتفت الى الحسين عليهالسلام وقال : يا ابن رسول الله أوفيت؟ قال : نعم انت امامي في
الجنة فاقرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
عني السلام وأعلمه اني في
الأثر ، فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. وكان له أخ مع عمر بن سعد ، فقال للحسين عليهالسلام : أضللت أخي وغررته حتى قتلته ، فقال الحسين عليهالسلام : ان الله لم يضل أخاك بل هداه وأضلك ، قال : قتلني الله
ان لم أقتلك او أموت دونك فحمل ، واعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه نافع فصرعه ،
فحمل أصحابه فاستنقذوه.
وبرز جون مولى ابي
ذر الغفاري وكان عبدا أسود ، فقال له الحسين عليهالسلام : انت في اذن مني فانما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا
، فقال : يا ابن رسول الله انا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله ان
ريحي لنتن وان حسبي للئيم وان لوني لأسود فتنفس علي بالجنة فيطيب ريحي ويشرف حسبي
ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ، ثم برز
وهو يقول :
__________________
كيف ترى الكفار
ضرب الأسود
|
|
بالسيف ضربا عن
بني محمد
|
اذب عنهم
باللسان واليد
|
|
أرجو به الجنة
يوم المورد
|
ثم قاتل حتى قتل
فوقف عليهالسلام فقال : اللهم بيض وجهه وطيب ريحه وأحشره مع الأبرار وعرف
بينه وبين محمد وآل محمد وعن الباقر عليهالسلام ان الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى ، فوجدوا
جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك.
وبرز عمرو بن خالد
الصيداوي فقال للحسين عليهالسلام : يا أبا عبد الله قد هممت ان الحق بأصحابي وكرهت ان أتخلف
وأراك وحيدا من أهلك قتيلا ، فقال له الحسين عليهالسلام : تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة ، فتقدم فقاتل حتى قتل.
وجاء حنظلة بن سعد
(أسعد خ ل) الشبامي فوقف بين يدي الحسين عليهالسلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ، فما أحقه بقول
عرقلة بن حسان الدمشقي :
ويرد صدر
السمهري بصدره
|
|
ماذا يؤثر ذابل
في يذبل
|
وكأنه والمشرفي
بكفه
|
|
بحر يكر على
الكماة بجدول
|
وأخذ ينادي يا قوم
اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما
الله يريد ظلما للعباد ، يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما
لكم من الله من عاصم ، يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من
افترى ، فقال له الحسين عليهالسلام يا ابن سعد (أسعد خ ل) رحمك الله انهم قد استوجبوا العذاب
حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق ونهضوا اليك يشتمونك
__________________
واصحابك ، فكيف
بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحين ، قال : صدقت جعلت فداك أفلا نروح الى ربنا
ونلحق باخواننا؟ قال : بلى رح الى ما هو لك خير من الدنيا وما فيها والى ملك لا
يبلى ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
عليك وعلى أهل
بيتك وجمع بيننا وبينك في الجنة ، فقال الحسين عليهالسلام : آمين آمين ، وتقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا عليه
فقتلوه.
وبرز مسلم بن
عوسجة وهو يرتجز ويقول :
ان تسألوا عني
فاني ذو لبد
|
|
من فرع قوم من
ذرى بني أسد
|
فمن بغانا حائد
عن الرشد
|
|
وكافر بدين جبار
صمد
|
فقاتل قتالا شديدا
:
وصاح عمرو بن
الحجاج بالناس يا حمقاء أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما
مستميتين لا يبرز اليهم منكم أحد ، والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم ،
فقال ابن سعد : صدقت ، ثم أرسل الى الناس من يعزم عليهم ان لا يبارز رجل منكم رجلا
منهم وصاح عمرو بن الحجاج يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم لا ترتابوا في قتل
من مرق من الدين وخالف الامام ، فسمعه الحسين عليهالسلام فقال : يا عمرو أعليّ ، تحرض الناس ، انحن مرقنا من الدين
ام أنتم ، والله لتعلمن لو قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم اينا المارق.
ثم حمل عمرو بن
الحجاج في أصحابه على الحسين عليهالسلام من نحو الفرات فاضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي
رحمة الله عليه وبقي به رمق ، وانصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فاذا
مسلم صريع ، فمشى اليه الحسين عليهالسلام ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال الحسين عليهالسلام : رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
وما بدلوا تبديلا
، ودنا منه حبيب فقال : عز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة ، فقال له مسلم قولا
ضعيفا : بشرك الله بخير ، ثم قال له حبيب : لو لا اني اعلم اني في الأثر من ساعتي
هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك ، فقال له مسلم : فاني أوصيك بهذا وأشار الى
الحسين عليهالسلام فقاتل دونه حتى تموت ، فقال له حبيب : لأنعمنك عينا ثم مات
رضوان الله عليه ، وصاحت جارية له يا سيداه يا ابن عوسجاه ، فنادى أصحاب ابن سعد
مستبشرين قتلنا مسلما بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي : ثكلتكم أمهاتكم اما أنكم
تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون أنفسكم لغيركم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ، اما
والذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم اذربيجان قتل ستة من
المشركين قبل ان تلتئم خيول المسلمين.
ثم تراجع القوم
الى الحسين عليهالسلام ، فحمل شمر في الميسرة على ميسرة أصحاب الحسين عليهالسلام فثبتوا له وطاعنوه وحملوا على الحسين عليهالسلام وأصحابه من كل جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسين عليهالسلام قتالا شديدا ، فأخذت خيلهم تحمل وانما هي اثنان وثلاثون
فارسا ، فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة الا كشفته ، فلما رأى ذلك عروة (عزرة خ ل)
بن قيس وهو على خيل أهل الكوفة بعث الى ابن سعد ، اما ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم
من هذه العدة اليسيرة ابعث اليهم الرجال والرماة.
وقاتل أصحاب
الحسين عليهالسلام القوم أشد قتال خلقه الله حتى انتصف النهار فبعث ابن سعد
الحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة فاقتتلوا حتى دنوا من الحسين عليهالسلام وأصحابه ، فلما
رأوا صبر أصحاب الحسين عليهالسلام تقدم الحصين الى أصحابه ان يرشقوا أصحاب الحسين عليهالسلام بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم وجرحوا
الرجال وبقي الحسين عليهالسلام وليس معه فارس واشتد القتال بينهم فقاتلوهم أشد قتال
خلقه الله ولم يقدروا
ان يأتوهم الا من جانب واحد لاجتماع أبيتهم وتقارب بعضها من بعض ، فأرسل عمر بن
سعد الرجال ليقوضوها عن ايمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم ، وأخذ الثلاثة والأربعة من
أصحاب الحسين عليهالسلام يتخللون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوض وينهب فيرمونه عن
قريب فيصرعونه فيقتلونه ، فقال ابن سعد : احرقوها بالنار فأحرقت ، فقال لهم الحسين
عليهالسلام : دعوهم يحرقوها فانهم اذا فعلوا ذلك لم يجوزوا اليكم فكان
كما قال.
وقيل ان شمرا حمل
حتى بلغ فسطاط الحسين عليهالسلام فطعنه بالرمح ونادى علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على
أهله ، فصاحت النساء وخرجن ، وصاح به الحسين عليهالسلام أنت تحرق بيتي على أهلي أحرقك الله بالنار ، فقال حميد بن
مسلم : أتقتل الولدان والنساء والله ان في قتل الرجال لما يرضى به أميرك فلم يقبل
، فأتاه شبث بن ربعي فقال : أفزعنا النساء ثكلتك أمك فاستحيا وانصرف. وحمل شمر بن
ذي الجوشن في أصحابه على أصحاب الحسين عليهالسلام ، فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين عليهالسلام ، فكشفوهم عن البيوت وقتلوا ابا عذرة (عزرة خ ل) الضبابي
من أصحاب شمر ، وعطف عليهم شمر فقتل منهم ورد الباقين الى مواضعهم.
وكان يقتل من أصحاب
الحسين عليهالسلام الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ، ويقتل من أصحاب
ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم.
وقتل ابو ثمامة
الصائدي ابن عم له كان عدوه ، وحضر وقت صلاة الظهر فقال ابو ثمامة الصيداوي للحسين
عليهالسلام : يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك
ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب ان ألقى الله
ربي وقد صليت هذه
الصلاة ، فرفع الحسين عليهالسلام رأسه الى السماء وقال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين
الذاكرين نعم هذا أول وقتها ، ثم قال : سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا ، فقال
لهم الحصين بن نمير : انها لا تقبل ، فقال له حبيب بن مظاهر : زعمت لا تقبل الصلاة
من آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأنصارهم وتقبل منك يا
خمار ، فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب ، فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس
ووقع عنه الحصين فاستنقذه اصحابه وشدوا على حبيب فقتل رجلا منهم وقال الحسين عليهالسلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي : تقدما امامي
حتى اصلي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف ،
فوصل الى الحسين عليهالسلام سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النبال بنفسه ما
زال ولا تخطى ، فما زال يرمى بالنبل حتى سقط الى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم
لعن عاد وثمود اللهم ابلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت
ثوابك في نصر ذرية نبيك ، وفي رواية انه قال : اللهم لا يعجزك شيء تريده فابلغ
محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم
نصرتي ودفعي عن الحسين عليهالسلام وارزقني مرافقته في دار الخلود ، ثم قضى نحبه رضوان الله
عليه ، فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح وقيل صلى
الحسين عليهالسلام وأصحابه فرادى بالايماء.
وتقدم سويد بن
عمرو بن ابي المطاع وكان شريفا كثير الصلاة ، ثم جعل يرتجز ويقول:
أقدم حسين اليوم
تلقى أحمدا
|
|
وشيخك الحبر
عليا ذا الندى
|
وحسنا كالبدر
وافى الأسعدا
|
|
وعمك القرم
الهمام الأرشدا
|
حمزة ليث الله
يدعى أسدا
|
|
وذا الجناحين
تبوأ مقعدا
|
في
جنة الفردوس يعلو صعدا
|
فقاتل قتال الأسد
الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ،
فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين عليهالسلام ، فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل رضوان
الله عليه ، فكان آخر من بقي من أصحاب الحسين عليهالسلام.
وخرج زهير بن
القين وهو يرتجز ويقول :
انا زهير وانا
ابن القين
|
|
اذودكم بالسيف عن حسين
|
ان حسينا احد
السبطين
|
|
من عترة البر
التقي الزين
|
ذاك رسول الله
غير المين
|
|
أضربكم ولا أرى
من شين
|
يا
ليت نفسي قسمت قسمين
|
ثم قال مخاطبا
للحسين عليهالسلام
أقدم هديت هاديا
مهديا
|
|
اليوم تلقى جدك
النبيا
|
وذا الجناحين
الفتى الكميا
|
|
وأسد الله
الشهيد الحيا
|
وحسنا
والمرتضى عليا
|
فقاتل قتالا شديدا
حتى قتل على رواية تسعة عشر رجلا وعلى رواية أخرى مائة وعشرين رجلا ، فشد عليه
كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه ، فقال الحسين عليهالسلام حين صرع زهير : لا يبعدك الله يا زهير ولعن قاتلك ، لعن
الذين مسخوا قردة وخنازير.
وجاء عابس بن شبيب
(ابي شبيب خ ل) الشاكري ومعه شوذب مولى
__________________
بني شاكر ، فقال :
يا شوذب ما في نفسك ان تصنع؟ قال : ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أقتل ، قال : ذلك الظن بك ، فتقدم بين يدي ابي عبد
الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى أحتسبك انا فان هذا يوم ينبغي لنا ان نطلب
فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فانه لا عمل بعد اليوم وانما هو الحساب ، وتقدم شوذب
فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته استودعك الله ، ثم قاتل
حتى قتل ، وتقدم عابس فقال : يا أبا عبد الله اما والله ما أمسى على وجه الأرض
قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ، ولو قدرت على ان أدفع عنك الضيم او القتل
بشيء أعز من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد الله اني على
هداك وهدى أبيك ، ثم مضى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه ، قال ربيع بن
تميم الحارثي : فلما رأيته مقبلا عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس
، فقلت : أيها الناس هذا الأسد الأسود هذا ابن شبيب (ابي شبيب خ ل) القوي لا يخرجن
اليه أحد منكم أرموه بالحجارة فرموه حتى قتل ، وفي رواية انه أخذ ينادي الا رجل
لرجل فتحاماه الناس لشجاعته ، فقال لهم ابن سعد : ارضخوه بالحجارة فرموه بالحجارة
من كل جانب ، فلما رأى ذلك القى درعه ومغفرة وشد على الناس فهزمهم بين يديه ، قال
الرواي : فو الله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس ، ثم أحاطوا به من كل
جانب فقتلوه ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة كل يقول : انا قتلته ، فقال ابن
سعد : لا تختصموا هذا لم يقتله انسان واحد حتى فرق بينهم بهذا القول.
وبرز حبيب بن
مظاهر الأسدي وهو يقول :
انا حبيب وابي
مظاهر
|
|
فارس هيجاء وحرب
تسعر
|
أنتم أعد عدة
وأكثر
|
|
ونحن أعلى حجة
وأظهر
|
وأنتم عند الوفاء
أغدر
|
|
ونحن أوفى منكم
وأصبر
|
حقا واتقى منكم واعذر
وقال أيضا :
أقسم لو كان لكم
اعدادا
|
|
او شطركم وليتم
الأكتادا
|
يا شر قوم حسبا
وآدا
|
|
وشرهم قد علموا
اندادا
|
فقاتل قتالا شديدا
فقتل رجلا من بني تميم اسمه بديل بن صريم ، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه ، فذهب
ليقوم فضربه الحصين بن نمير على رأسه بالسيف فوقع ونزل اليه التميمي فاحتز رأسه ،
فهد مقتله الحسين عليهالسلام وقال : عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي. وقال الحصين
للتميمي : انا شريكك في قتله ، قال : لا والله قال : اعطني الرأس أعلقه في عنق
فرسي ليرى الناس اني شاركتك في قتله ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد
فأعطاه الرأس فجال به في الناس ثم رده اليه ، فلما رجع الى الكوفة علقه في عنق
فرسه وكان لحبيب ابن يسمى القاسم قد راهق ، فجعل يتبع الفارس الذي معه رأس أبيه
فارتاب به ، فقال : مالك تتبعني؟ قال : ان هذا الرأس الذي معك رأس ابي فاعطني اياه
حتى أدفنه ، فقال : ان الأمير لا يرضى ان يدفن وأرجو ان يثيبني ، فقال : لكن الله
لا يثيبك الا أسوأ الثواب ، وبكى الغلام ثم لم يزل يتبع اثر قاتل أبيه بعد ما أدرك
حتى قتله وأخذ بثأر أبيه ، وذلك انه كان في عسكر فهجم عليه وهو في خيمة له نصف
النهار فقتله وأخذ رأسه. وقيل ان حبيبا قتل من أصحاب ابن سعد اثنين وسبعين رجلا.
وبرز عمرو بن خالد
الأزدي وهو يقول :
اليك يا نفس الى
الرحمن
|
|
فابشري بالروح
والريحان
|
__________________
اليوم تجزين على
الاحسان
|
|
قد كان منك غابر
الزمان
|
ما خط في اللوح
لدى الديان
|
|
لا تجزعي فكل حي
فاني
|
والصبر أحظى لك
بالأمان
|
|
يا معشر الأزد
بني قحطان
|
ثم قاتل حتى قتل
رحمة الله عليه ، فتقدم ابنه خالد بن عمرو وهو يرتجز ويقول :
صبرا على الموت
بني قحطان
|
|
كيما تكونوا في
رضى الرحمن
|
ذي المجد والعزة
والبرهان
|
|
وذي العلى
والطول والاحسان
|
يا ابتا قد صرت
في الجنان
|
|
في قصر در حسن
البنيان
|
ثم تقدم فلم يزل
يقاتل حتى قتل رحمهالله تعالى.
وبرز سعد بن حنظلة
التميمي وهو يقول :
صبرا على
الأسياف والأسنة
|
|
صبرا عليها
لدخول الجنه
|
وحور عين ناعمات
هنة
|
|
لمن يريد الفوز
لا بالظنه
|
يا نفس للراحة
فاجهدنه
|
|
وفي طلاب الخير
فارغبنه
|
ثم حمل وقاتل
قتالا شديدا حتى قتل رضوان الله عليه.
وخرج عمير بن عبد
الله المذحجي وهو يرتجز ويقول :
قد علمت سعد وحي
مذحج
|
|
اني لدى الهيجاء
ليث محرج
|
اعلو بسيفي هامة
المدجج
|
|
واترك القرن لدى
التعرج
|
فريسة
الضبع الأذل الأعرج
|
ولم يزل يقاتل حتى
قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي.
وخرج عبد الرحمن
بن عبد الله اليزني وهو يقول :
انا ابن عبد
الله من آل يزن
|
|
ديني على دين
حسين وحسن
|
أضربكم ضرب فتى
من اليمن
|
|
أرجو بذاك الفوز
عند المؤتمن
|
ثم حمل فقاتل حتى
قتل.
وخرج يحيى بن سليم
المازني وهو يرتجز ويقول :
لأضربن القوم
ضربا فيصلا
|
|
ضربا شديدا في
العداة معجلا
|
لا عاجزا فيه
ولا مولولا
|
|
ولا أخاف اليوم
موتا مقبلا
|
لكنني
كالليث أحمي أشبلا
|
ثم حمل فقاتل حتى
قتل رحمهالله.
وخرج قرة بن ابي
قرة الغفاري وهو يرتجز ويقول :
قد علمت حقا بنو
غفار
|
|
وخندف بعد بني
نزار
|
بأني الليث لدى
الغبار
|
|
لأضربن معشر
الفجار
|
بكل عضب ذكر
بتار
|
|
ضربا وجيعا عن
بني الأخيار
|
رهط
النبي السادة الأبرار
|
ثم حمل فقاتل حتى
قتل.
وخرج مالك بن انس
المالكي (الكاهلي خ ل) وقيل انس بن حارث الكاهلي وهو يرتجز ويقول :
قد علمت مالك والذودان
|
|
والخندفيون وقيس
عيلان
|
__________________
بأنّ قومي آفة
الأقران
|
|
لدى الوغى وسادة
الفرسان
|
مباشر الموت
بطعن آن
|
|
لسنا نرى العجز
عن الطعان
|
آل علي شيعة
الرحمن
|
|
آل زياد شيعة الشيطان
|
ثم حمل فقاتل حتى
قتل على رواية ابن شهر اشوب أربعة عشر رجلا ، وعلى رواية الصدوق في الأمالي ثمانية
عشر رجلا ، ثم قتل رحمهالله وخرج عمرو بن مطاع الجعفي وهو يقول:
انا ابن جعف
وابي مطاع
|
|
وفي يميني مرهف
قطاع
|
واسمر في رأسه
لمناع
|
|
يرى له من ضوئه
شعاع
|
اليوم قد طاب
لنا القراع
|
|
دون حسين الضرب
والسطاع (كذا)
|
يرجى بذاك الفوز
والدفاع
|
|
عن حر نار حين
لا انتفاع
|
ثم حمل فقاتل حتى
قتل.
وخرج أنيس بن معقل
الأصبحي وهو يقول :
انا أنيس وأنا
ابن معقل
|
|
وفي يميني نصل
سيف مصقل
|
اعلو به الهامات
وسط القسطل
|
|
عن الحسين
الماجد المفضل
|
ابن
رسول الله خير مرسل
|
فقاتل حتى قتل .
__________________
وخرج الحجاج بن
مسروق الجعفي وهو مؤذن الحسين عليهالسلام وهو يقول :
اقدم حسينا
هاديا مهديا
|
|
اليوم نلقى جدك
النبيا
|
ثم أباك ذا
الندى عليا
|
|
ذاك الذي نعرفه
وصيا
|
والحسن الخير
الرضا الوليا
|
|
وذا الجناحين
الفتى الكميا
|
وأسد
الله الشهيد الحيا
|
ثم حمل فقاتل حتى
قتل .
وخرج شاب قتل أبوه
في المعركة وكانت أمه معه ، فقالت له أمه : أخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول
الله فخرج ، فقال الحسين عليهالسلام : هذا شاب قتل ابوه ولعل أمه تكره خروجه ، فقال الشاب :
امي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
أميري حسين ونعم
الأمير
|
|
سرور فؤاد
البشير النذير
|
علي وفاطمة
والدا
|
|
ه فهل تعلمون له
من نظير
|
له طلعة مثل شمس
الضحى
|
|
له غرة مثل بدر
منير
|
وقاتل حتى قتل ،
وحز رأسه ورمي به الى عسكر الحسين عليهالسلام ، فحملت أمه رأسه وقالت : أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا
قرة عيني ، ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول
:
انا عجوز سيدي
ضعيفة
|
|
خاوية بالية
نحيفة
|
أضربكم بضربة
عنيفة
|
|
دون بني فاطمة
الشريفة
|
__________________
وضربت رجلين
فقتلتهما ، فأمر الحسين عليهالسلام بصرفها ودعا لها.
وخرج جنادة بن
الحارث الأنصاري وهو يقول :
انا جناد وانا
ابن الحارث
|
|
لست بخوار ولا
بناكث
|
عن بيعتي حتى
يرثني وارث
|
|
اليوم شلوي في
الصعيد ماكث
|
وحمل فلم يزل
يقاتل حتى قتل .
وخرج عمرو بن
جنادة وهو يقول :
أضق الخناق من
ابن سعد وارمه
|
|
من عامه بفوارس
الأنصار
|
ومهاجرين مخضبين
رماحهم
|
|
تحت العجاجة من
دم الكفار
|
خضبت على عهد
النبي محمد
|
|
فاليوم تخضب من
دم الفجار
|
ثم قاتل حتى قتل رحمهالله تعالى.
ولما رأى أصحاب
الحسين عليهالسلام انهم قد غلبوا وانهم لا يقدرون ان يمنعوا الحسين عليهالسلام ولا أنفسهم تنافسوا في ان يقتلوا بين يديه ، فجاءه عبد
الله وعبد الرحمن ابناء عروة (عزرة خ ل) الغفاريان ، فقالا : يا أبا عبد الله عليك
السلام قد حازنا الناس اليك فأحببنا ان نقتل بين يديك ، قال مرحبا بكما ادنوا مني
فدنوا منه وجعلا يقاتلان ، وجعل عبد الرحمن يرتجز ويقول :
قد علمت حقا بنو
غفار
|
|
وخندف بعد بني
نزار
|
لنضربن معشر
الفجار
|
|
بكل عضب ذكر بتار
|
يا قوم ذو دوا
عن بني الأخيار
|
|
بالمشرفي والقنا
الخطار
|
__________________
فقاتل حتى قتل.
وفي رواية الصدوق
في الأمالي انه برز عبد الله بن عروة الغفاري وهو يقول :
قد علمت حقا بنو
غفار
|
|
اني اذب في طلاب
الثار
|
بالمشرفي
والقنا الخطار
|
وأتاه فتيان وهما
سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد الله بن سريع الجابريان وهما ابناء عم واخوان لأم وهما يبكيان فقال لهما يا ابني
أخي ما يبكيكما فو الله اني لأرجو ان تكونا بعد ساعة قريري العين ، فقالا : جعلنا
الله فداك والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك وقد أحيط بك ولا نقدر على
ان ننفعك (نمنعك خ ل) ، فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما
اياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين ، ثم استقدما وقالا : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال
: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ، فقاتلا حتى قتلا.
وخرج غلام تركي
كان للحسين عليهالسلام وكان قارئا القرآن ، فجعل يقاتل ويرتجز ويقول:
البحر من طعني
وضربي يصطلي
|
|
والجو من سهمي
ونبلي يمتلي
|
اذا حسامي في
يميني ينجلي
|
|
ينشق قلب الحاسد
المبجل
|
فقتل جماعة ثم سقط صريعا ، فجاء اليه الحسين عليهالسلام فبكى
__________________
ووضع خده على خده
، ففتح عينيه فرأى الحسين عليهالسلام فتبسم ثم صار الى ربه.
وحدث مهران مولى
بني كاهل قال : شهدت كربلاء مع الحسين عليهالسلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل على قوم الا كشفهم ،
ثم رجع الى الحسين عليهالسلام وهو يرتجز ويقول :
أبشر هديت الرشد
تلقى أحمدا
|
|
في جنة الفردوس
تعلو صعدا
|
فقلت : من هذا؟
فقالوا : أبو عمر النهشلي ، وقيل الخثعمي ، فاعترضه عامر بن نهشل فقتله واحتز رأسه
، وكان ابو عامر هذا متهجدا كثير الصلاة.
وبرز مالك بن
ذودان وأنشأ يقول :
اليكم من مالك
الضر غام
|
|
ضرب فتى يحمي عن
الكرام
|
يرجو
ثواب الله ذي الأنعام
|
فقاتل حتى قتل.
وبرز ابراهيم بن
الحصين الأسدي وهو يرتجز ويقول :
اضرب منكم مفصلا
وساقا
|
|
ليهرق اليوم دمي
اهراقا
|
ويرزق الموت ابو
اسحقا
|
|
اعني بني
الفاجرة الفساقا
|
وقاتل حتى قتل.
وكان يأتي الرجل
بعد الرجل الى الحسين عليهالسلام فيقول : السلام عليك
__________________
يا ابن رسول الله
، فيجيبه الحسين عليهالسلام ويقول : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَنْتَظِرُ) حتى قتلوا عن آخرهم ، ولم يبق مع الحسين عليهالسلام سوى أهل بيته وهم : ولد علي ، وولد جعفر ، وولد عقيل ،
وولد الحسن ، وولد الحسين ، فاجتمعوا يودع بعضهم بعضا ، وعزموا على الحرب وكانوا
سبعة عشر رجلا في المتفق عليه ، وقيل ازيد من ذلك ، وفيهم يقول سراقة الباهلي :
عين إبكي بعبرة
وعويل
|
|
واندبي ان ندبت
آل الرسول
|
سبعة منهم لصلب علي
|
|
قد ابيدوا وسبعة
لعقيل
|
وابن عم النبي
عونا أخاهم
|
|
ليس فيما ينوبهم
بخذول
|
وسمي النبي غودر
فيهم
|
|
قد علوه بصارم
مسلول
|
واندبي كلهم
فليس اذا ما
|
|
ضن بالخير كلهم
بالبخيل
|
لعن الله حيث حل
زيادا
|
|
وابنه والعجوز
ذات البعول
|
فخرج علي بن
الحسين الأكبر وقيل الأصغر وأمه ليلى بنت ابي قره بن عروة بن مسعود الثقفية وامها
ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، وكان من أصبح الناس وجها وأحسنهم خلقا وكان عمره
تسع عشرة سنة وقيل ثمان عشرة سنة وقيل خمس وعشرون سنة وهو أول قتيل يوم كربلا من
آل ابي طالب ، فاستأذن أباه في القتال فاذن له ، ثم نظر إليه نظر آيس منه وأرخى
عينيه فبكى ، ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم
__________________
فقد برز اليهم
غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه ،
اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا
ترضى الولاة عنهم ابدا فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا ، وصاح يا
ابن سعد قطع الله رحمك ولا بارك لك في أمرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما
قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ثم رفع صوته وتلا (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً
وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ
بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فشد علي على الناس وهو يقول :
انا علي بن
الحسين بن علي
|
|
نحن وبيت الله اولى بالنبي
|
تالله لا يحكم
فينا ابن الدعي
|
|
اضرب بالسيف
احامي عن أبي
|
ضرب
غلام هاشمي علوي
|
فجعل يشد عليهم ثم
يرجع الى أبيه فيقول : يا أباه العطش ، فيقول له الحسين عليهالسلام: اصبر حبيبي فانك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
بكأسه وفي رواية انه
قال : يا ابه العطش قتلني وثقل الحديد اجهدني فهل الى شربة من الماء سبيل ، فبكى
الحسين عليهالسلام وقال : وا غوثاه يا بني من اين آتي لك بالماء قاتل قليلا
فما أسرع ما تلقى جدك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
فيسقيك بكأسه الأوفى
شربة لا تظمأ بعدها ابدا ، فجعل يكر كرة بعد كرة وأهل الكوفة يتقون قتله ، فقتل
أربعة وأربعين رجلا على رواية الصدوق في الأمالي ، وعلى رواية محمد بن أبي طالب
تمام المائتين ولم يذكره غيره فيما علمناه ، فنظر اليه مرة بن منقذ العبدي فقال :
علي اثام العرب ان هو فعل مثل ما أراه يفعل ومر بي ان لم أثكله امه ، فمرّ يشد على
الناس كما كان يفعل فاعترضه
__________________
مرة بن منقذ وطعنه
بالرمح ، وقيل بل رماه بسهم فصرعه ، فنادى يا أبتاه عليك السلام هذا جدي يقرئك
السلام ويقول لك : عجل القدوم علينا ، واعتوره الناس فقطعوه بأسيافهم ، فجاء
الحسين عليهالسلام حتى وقف عليه وقال : قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم
على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا ، وخرجت زينب بنت علي عليهماالسلام وهي تنادي يا حبيباه ويا ابن أخاه وجاءت فاكبت عليه فجاء
الحسين عليهالسلام فأخذ بيدها وردها الى الفسطاط ، وأقبل بفتيانه وقال :
احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون
أمامه.
وبرز عبد الله بن
مسلم بن عقيل بن ابي طالب وامه رقية بنت علي بن ابي طالب عليهالسلام وهو يرتجز ويقول :
اليوم القى
مسلما وهو ابي
|
|
وفتية بادوا على
دين النبي
|
ليسوا بقوم
عرفوا بالكذب
|
|
لكن خيار وكرام
النسب
|
من
هاشم السادات أهل الحسب
|
فقتل ثلاثة رجال ، فرماه عمرو بن صبيح الصيداوي بسهم ، فوضع عبد الله يده
على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ الى جبهته فسمرها فلم يستطع ان يحركها ، ثم
طعنه أسيد بن مالك بالرمح في قلبه فقتله وعمرو بن صبيح هذا أخذه المختار وطعنه
بالرماح حتى مات وقيل ان قاتل عبد الله بن مسلم زيد بن رقاد (ورقاء خ ل) وكان يقول
: رميته بسهم وكفه على جبهته يتقي النبل فأثبت كفه في جبهته فما استطاع ان يزيل كفه
عن جبهته ، وقال : حين رميته : اللهم انهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا
، ثم رماه بسهم آخر وكان يقول : جئته وهو ميت فنزعت سهمي من جوفه ولم أزل انضنض
__________________
الآخر عن جبهته
حتى أخذته وبقي النصل ، وهذا أتاه أصحاب المختار فلم يطعنوه ولم يضربوه ولكن جعلوا
يرمونه بالنبل والحجارة حتى سقط فأحرقوه حيا.
وخرج محمد بن مسلم
بن عقيل بن ابي طالب فقاتل حتى قتل ، قتله ابو جرهم الأزدي ولقيط بن ياسر الجهني.
وخرج محمد بن ابي
سعيد بن عقيل بن ابي طالب فقاتل حتى قتل ، رماه لقيط بن ياسر الجهني بسهم فقتله.
وخرج جعفر بن عقيل
بن ابي طالب وهو يرتجز ويقول :
انا الغلام الا
بطحي الطالبي
|
|
من معشر في هاشم
وغالب
|
ونحن حقا سادة
الذوائب
|
|
هذا حسين أطيب
الأطائب
|
من
عترة البر التقي الغالب
|
فقتل خمسة عشر
فارسا على رواية محمد بن أبي طالب ورجلين على رواية ابن شهر اشوب ، فقتله عبد الله
بن عروة الخثعمي ، وقيل بشر بن سوط (حوط خ ل) الهمداني.
وخرج عبد الرحمن
بن عقيل بن ابي طالب وهو يقول :
ابي عقيل
فاعرفوا مكاني
|
|
من هاشم وهاشم
اخواني
|
كهول صدق سادة
الأقران
|
|
هذا حسين شامخ
البنيان
|
وسيد
الشيب مع الشبان
|
فقتل على رواية
محمد بن ابي طالب وابن شهر اشوب سبعة عشر فارسا ، فحمل عليه عثمان بن خالد الجهني
وبشر بن سوط (حوط خ ل) الهمداني فقتلاه ، وهذان اخذهما المختار فضرب أعناقهما
واحرقهما بالنار.
وخرج عبد الله
الأكبر بن عقيل بن ابي طالب فقتله عثمان بن خالد وبشر بن سوط (حوط خ ل) أيضا ، وقيل
عمرو بن صبيح.
وحمل الناس على
الحسين عليهالسلام وأهل بيته من كل جانب ، فخرج محمد بن عبد الله بن جعفر بن
ابي طالب وأمه زينب بنت أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقيل الخوصاء من بني تيم اللات بن ثعلبة وهو يقول :
اشكو الى الله
من العدوان
|
|
قتال قوم في
الردى عميان
|
قد تركوا معالم
القرآن
|
|
ومحكم التنزيل
والتبيان
|
وأظهروا
الكفر مع الطغيان
|
ثم قاتل حتى قتل
عشرة أنفس ، فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فقتله.
وخرج أخوه عون بن
عبد الله بن جعفر عليهالسلام وأمه أيضا زينب بنت أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقيل جمانة بنت المسيب بن نجبة وهو يقول :
ان تنكروني فأنا
ابن جعفر
|
|
شهيد صدق في
الجنان أزهر
|
يطير فيها بجناح
أخضر
|
|
كفى بهذا شرفا
في المحشر
|
ثم قاتل حتى قتل
على رواية ابن شهر اشوب ثلاثة فوارس وثمانية عشر رجلا ، فحمل عليه عبد الله بن
قطبة الطائي فقتله .
وخرج أخوهما عبيد
الله بن عبد الله بن جعفر فقاتل حتى قتل.
__________________
وخرج القاسم بن
الحسن بن علي بن ابي طالب عليهالسلام وأمه ام ولد وهو غلام لم يبلغ الحلم ، فلما نظر الحسين عليهالسلام اليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ، ثم
استأذن عمه في المبارزة فأبى ان يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى
اذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :
ان تنكروني فأنا
ابن الحسن
|
|
سبط النبي
المصطفى والمؤتمن
|
هذا حسين
كالأسير المرتهن
|
|
بين أناس لا
سقوا صوب المزن
|
فقاتل قتالا شديدا
حتى قتل على صغر سنه على بعض الروايات خمسة وثلاثين رجلا وعلى رواية الصدوق في
الأمالي انه برز وهو يقول :
لا تجزعي نفسي فكل
فاني
|
|
اليوم تلقين ذوي
الجنان
|
فقتل منهم ثلاثة.
قال حميد بن مسلم : خرج علينا غلام كأن وجهه شقة قمر وفي يده سيف وعليه قميص وازار
ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى انها كانت اليسرى ، فقال لي عمرو بن سعد بن
نفيل الأزدي : والله لأشدن عليه ، فقلت : سبحان الله وما تريد بذلك والله لو ضربتي
ما بسطت اليه يدي دعه يكفيكه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه ، فقال : والله لأشدن
عليه ، فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه ، ووقع الغلام الى الأرض لوجهه
ونادى يا عماه ، فجلى الحسين عليهالسلام كما يجلي الصقر ، ثم شد شدة ليث أغضب فضرب عمرو بن سعد بن
نفيل بالسيف فاتقاها بالساعد فقطعها من لدن المرفق فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ،
ثم تنحى عنه الحسين عليهالسلام ، وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه فوطئت الخيل عمرا بأرجلها حتى
مات ، وانجلت الغبرة فاذا بالحسين عليهالسلام قائم على رأس الغلام وهو
__________________
يفحص برجليه
والحسين عليهالسلام يقول : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك
وأبوك ، ثم قال عليهالسلام : عز والله على عمك ان تدعوه فلا يجيبك او يجيبك فلا ينفعك
صوت والله كثر واتره وقلّ ناصره ، ثم حمله ووضع صدره على صدره وكأني أنظر الى رجلي
الغلام يخطان الأرض ، فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي والقتلى من أهل بيته ثم قال :
اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم احدا ، فسألت عنه فقيل لي هو القاسم
بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهالسلام.
وصاح الحسين عليهالسلام في تلك الحال صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي ، فو
الله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم ابدا.
وخرج ابو بكر بن
الحسن بن علي بن ابي طالب وأمه ام ولد فقاتل حتى قتل ، رماه عبد الله بن عقبة
الغنوي وقيل حرملة بن كاهل بسهم فقتله.
وخرج عبد الله بن
الحسن بن علي بن ابي طالب عليهالسلام وأمه ام ولد فقاتل حتى قتل ، رماه حرملة بن كاهل بسهم
فقتله.
وتقدمت اخوة
الحسين عليهالسلام عازمين على ان يموتوا دونه ، فأول من خرج منهم ابو بكر بن علي واسمه عبيد الله وأمه ليلى بنت مسعود من بني نهشل ،
فتقدم وهو يرتجز ويقول :
شيخي علي ذو
الفخار الأطول
|
|
من هاشم الصدق
الكريم المفضل
|
هذا حسين ابن
النبي المرسل
|
|
عنه نحامي
بالحسام المصقل
|
تفديه
نفسي من أخ مبجل
|
فلم يزل يقاتل حتى
قتله زجر بن بدر النخعي.
__________________
ثم برز من بعده
أخوه عمر بن علي وهو يقول :
أضربكم ولا أرى
فيكم زجر
|
|
ذاك الشقي
بالنبي قد كفر
|
يا زجر يا زجر
تدانى من عمر
|
|
لعلك اليوم تبوء
من سقر
|
شر مكان في حريق
وسعر
|
|
لأنك الجاحد يا
شر البشر
|
ثم حمل على زجر
قاتل أخيه فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكرا وهو يقول :
خلوا عداة الله
خلوا عن عمر
|
|
خلوا عن الليث
الهصور المكفهر
|
يضربكم بسيفه
ولا يفر
|
|
وليس فيها
كالجبان المنحجر
|
فلم يزل يقاتل حتى
قتل.
وخرج محمد الأصغر
بن علي بن ابي طالب وامه ام ولد ، فرماه رجل من تميم من بني ابان بن دارم فقتله
وجاء برأسه.
وخرج عبد الله بن
علي وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية فقاتل حتى قتل.
ولما رأى العباس
بن علي كثرة القتلى من أهله قال لأخوته من أبيه وأمه ، وهم عبد الله وجعفر وعثمان
وأمهم ام البنين بنت خالد بن حزام الكلابية واسمها فاطمة : يا بني أمي تقدموا حتى
اراكم قد نصحتم لله ولرسوله فانه لا ولد لكم ، فبرز عبد الله بن علي وكان عمره
خمسا وعشرين سنة وهو يقول :
انا ابن ذي
النجدة والأفضال
|
|
ذاك علي الخير
ذو الفعال
|
__________________
سيف رسول الله
ذو النكال
|
|
في كل يوم ظاهر
الأهوال
|
فاختلف هو وهاني
بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هاني ، ثم برز بعده اخوه جعفر بن علي
وكان عمره تسع عشرة سنة وهو يقول :
اني انا جعفر ذو
المعالي
|
|
ابن علي الخير
ذي النوال
|
حسبي
بعمي شرفا وخالي
|
فحمل عليه هاني بن
ثبيت الحضرمي أيضا فقتله وجاء برأسه ، وقيل رماه خولى فأصاب شقيقته او عينه.
ثم برز بعده أخوه
عثمان بن علي فقام مقام اخوته ، وكان عمره احدى وعشرين سنة وهو يقول :
اني أنا عثمان
ذو المفاخر
|
|
شيخي علي ذو
الفعال الطاهر
|
هذا حسين خيرة
الأخاير
|
|
وسيد الصغار
والأكابر
|
(وسيد الكبار والأصاغر خ ل)
|
|
بعد الرسول
والوصي الناصر
|
فرماه خولى بن
يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه ، وحمل عليه رجل من بني ابان بن دارم فقتله
وجاء برأسه.
وبرز من بعدهم
اخوهم العباس بن علي وهو اكبرهم ويكنى ابا الفضل ويلقب بالسقا وقمر بني هاشم وهو
صاحب لواء الحسين عليهالسلام ، وكان العباس عليهالسلام وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض ،
فيروى انه خرج يطلب الماء وحمل على القوم وهو يقول :
لا أرهب الموت
اذا الموت رقا
|
|
حتى اوارى في
المصاليت لقا
|
نفسي لسبط
المصطفى الطهر وقا
|
|
اني انا العباس
اغدو بالسقا
|
__________________
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
ففرقهم ، وضربه
زيد بن ورقاء على يمينه فقطعها ، فأخذ السيف بشماله وحمل وهو يرتجز ويقول :
والله ان قطعتم
يميني
|
|
اني احامي ابدا
عن ديني
|
وعن امام صادق
اليقين
|
|
نجل النبي
الطاهر الأمين
|
فضربه حكيم بن
الطفيل على شماله فقطعها ، فقال :
يا نفس لا تخشي
من الكفار
|
|
وأبشري برحمة
الجبار
|
مع النبي السيد
المختار
|
|
قد قطعوا ببغيهم
يساري
|
فأصلهم
يا رب حر النار
|
فضربه آخر بعمود
من حديد فقتله ، فبكى الحسين عليهالسلام لقتله بكاء شديدا ، ولنعم ما قال القائل :
احق الناس ان
يبكى عليه
|
|
فتى ابكى الحسين
بكربلاء
|
أخوه وابن والده
علي
|
|
ابو الفضل
المضرج بالدماء
|
ومن واساه لا
يثنيه شيء
|
|
وجاد له عطش
بماء
|
وللمؤلف عفى الله
عن جرائمه من قصيدة :
لا تنس للعباس
حسن مقامه
|
|
بالطف عند
الغارة الشعواء
|
واسى أخاه بها
وجاد بنفسه
|
|
في سقي أطفال له
ونساء
|
رد الألوف على
الألوف معارضا
|
|
حد السيوف بجبهة
غراء
|
وللمؤلف أيضا من
قصيدة أخرى :
واذكر أبا الفضل
هل تنسى فضائله
|
|
في كربلا حين جد
الأمر والتبسا
|
واسى أخاه
وفاداه بمهجته
|
|
وخاض في غمرات الموت
منغمسا
|
آلى بأن لا يذوق
الماء وهو يرى
|
|
اخاه ظمآن من
ورد له يئسا
|
ففز ابا الفضل
بالفضل الجسيم بما
|
|
اسديته فعليك
الفضل قد حبسا
|
قضيت حق الأخا
والدين متبذلا
|
|
للنفس في سقي
اطفال له ونسا
|
ويروى في كيفية
قتله عليهالسلام غير ذلك وسيأتي قريبا .
وكانت ام البنين
ام هؤلاء الأخوة الأربعة القتلى تخرج الى البقيع فتندبهم أشجى ندبة وأحرقها فيجتمع
الناس اليها ، فكان مروان بن الحكم يجيء فيمن يجيء فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.
وبرز أحمد بن محمد
الهاشمي وهو يقول :
اليوم ابلو حسبي
وديني
|
|
بصارم تحمله
يميني
|
فقاتل حتى قتل.
وخرج غلام من خباء
من أخبية الحسين عليهالسلام وفي اذنيه درتان ، فأخذ بعود من عيدانه وهو مذعور فجعل
يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان ، فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه
بالسيف فقتله ، فصارت امه شهربانويه تنظر اليه ولا تتكلم كالمدهوشة.
ونادى الحسين عليهالسلام هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، هل من موحد يخاف الله
فينا هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا ، هل من معين يرجو ما عند الله في اعانتنا.
فارتفعت اصوات النساء بالعويل فتقدم الى باب الخيمة وقال لزينب : ناوليني ولدي
الصغير حتى أودعه فأتي بابنه عبد الله وأمه الرباب بنت امرىء القيس ، فأخذه وأجلسه
في حجره وأومأ اليه ليقبله ، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه
، فقال لزينب :
__________________
خذيه ، ثم تلقى
الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال : هون علي ما نزل به انه
بعين الله. وفي رواية انه قال : اللهم لا يكن أهون عليك من فصيل ، قال الباقر عليهالسلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الى الأرض. وفي رواية انه صبه
في الأرض ثم قال : يا رب ان كنت حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير
منه وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين ، ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهل بيته وفي
رواية انه حفر له بجفن سيفه ورمله بدمه فدفنه ، وحرملة هذا أخذه المختار فقطع يديه
ثم أحرقه بالنار.
وعطش الحسين عليهالسلام حتى اشتد عليه العطش ، فدنا ليشرب من الماء فرماه الحصين
بن نمير بسهم فوقع في فمه الشريف ، فجعل يتلقى الدم من فمه ويرمي به الى السماء.
وحمل القوم على
الحسين عليهالسلام فغلبوه على عسكره وقد اشتد به العطش ، فركب المسناة يريد
الفرات وبين يديه العباس أخوه ، فاعترضتهما خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني ابان بن
دارم ، فقال لهم : ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء ، فحالوا
بينه وبين الفرات ، فقال الحسين عليهالسلام ، اللهم اظمأه ، وفي رواية اللم اقتله عطشا ولا تغفر له ،
فغضب الدارمي ورماه بسهم فاثبته في حنكه الشريف ، فانتزع الحسين عليهالسلام السهم وبسط يديه تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم ، فرمى
به نحو السماء ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : اللهم اني أشكو اليك ما يفعل بابن
بنت نبيك ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا.
فمكث ذلك الرجل يسيرا
ثم صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى ، وكان يصيح من الحر في بطنه والبرد في ظهره
وبين يديه المراوح والثلج وخلفه كانون وكان برد له الماء فيه السكر وعساس فيها
اللبن وهو يقول : اسقوني اهلكني العطش فيؤتي بالعس او القلة فيه الماء واللبن
والسويق
يكفي جماعة فيشربه
ويضطجع هنيئة ثم يقول : اسقوني قتلني الظمأ ، فما زال كذلك حتى انقدت بطنه انقداد
بطن البعير. ذكر ذلك الطبري وابو الفرج بن عبد الرحمن الجوزي وابن الأثير في
الكامل بتفاوت يسير وغيرهم.
ثم ان الحسين عليهالسلام رجع الى مكانه وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعباس
فاقتطعوه عنه ، فجعل العباس عليهالسلام يقاتلهم وحده حتى قتل ، وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء
الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد ان اثخن بالجراح فلم يستطع حراكا ، فبكى
الحسين عليهالسلام لقتله بكاء شديدا.
ثم ان الحسين عليهالسلام دعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل
مقتلة عظيمة ، ثم حمل على الميمنة وهو يقول :
القتل اولى من
ركوب العار
|
|
والعار اولى من
دخول النار
|
والله
ما هذا وهذا جاري
|
ثم حمل على
الميسرة وهو يقول :
انا الحسين بن
علي
|
|
آليت ان لا
انثني
|
أحمي عيالات ابي
|
|
أمضي على دين
النبي
|
ولما بقي الحسين عليهالسلام في ثلاثة او أربعة من أصحابه ، وفي رواية ثلاثة رهط من
أهله قال : ابغوني ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا اجرد منه بعد قتلي
فاني مقتول مسلوب ، فأتي بتبان قال : لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ولا ينبغي لي
ان ألبسه ، وفي رواية انه قال : هذا لباس اهل الذمة ، فأخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله
تحت ثيابه ، وفي رواية انه اتي بشيء اوسع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه ،
فلما قتل جردوه منه.
ثم استدعى بسراويل
من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وانما فزرها لئلا يسلبها بعد قتله ،
فلما قتل عليهالسلام سلبها منه بحر (ابجر خ ل) ابن كعب وتركه مجردا ، فكانت يدا
بحر بعد ذلك تيبسان في الصيف كأنهما عودان وترطبان في الشتاء فتنضحان دما وقيحا
الى ان أهلكه الله تعالى.
وأقبل الحسين عليهالسلام على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الذين معه يحمونه حتى
قتل الثلاثة وبقي وحده وقد أثخن بالجراح في رأسه وبدنه فجعل يضاربهم بسيفه ، وحمل
الناس عليه عن يمينه وشماله ، فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ، ثم حمل على الذين
عن يساره فتفرقوا.
قال بعض الرواة :
فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه اربط جأشا ولا أمضى
جنانا ولا أجرأ مقدما منه ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وان كانت الرجالة
لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى اذا شد فيها
الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم
الجراد المنتشر ، ثم يرجع الى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة الا بالله.
فلما رأى شمر ذلك
استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة ، وأمر الرماة ان يرموه فرشقوه بالسهام حتى
صار كالقنفذ فاحجم عنهم فوقفوا بازائه ، وجاء شمر في جماعة من أصحابه فحالوا بينه
وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله ، فصاح الحسين عليهالسلام ويلكم يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا
تخافون يوم المعاد فكونوا احرار في دنياكم هذه وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عربا
كما تزعمون ، فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة ، فقال : أقول اني أقاتلكم
وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض
لحرمي ما دمت حيا ، فقال شمر : لك ذلك يا ابن فاطمة ، ثم صاح اليكم عن حرم الرجل
واقصدوه بنفسه فلعمري هو
كفوء كريم فقصدوه
بالحرب ، وجعل شمر يحرضهم على الحسين عليهالسلام فجعلوا يحملون على الحسين عليهالسلام والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك يطلب شربة من
ماء فلا يجد ، وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى اجلوه عنه.
ولما أثخن بالجراح
وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عليهالسلام عن فرسه الى الأرض على خده الأيمن ثم قام ، وخرجت أخته
زينب الى باب الفسطاط وهي تنادي وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت
على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل وقد دنا عمر بن سعد ، فقالت : يا عمر
أيقتل ابو عبد الله وأنت تنظر اليه ، فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته
وصرف وجهه عنها ولم يجبها بشيء ، فنادت ويلكم اما فيكم مسلم فلم يجبها أحد بشيء.
وقاتل عليهالسلام راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد
على الخيل وهو يقول : أعلى قتلي تجتمعون اما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد
الله الله أسخط عليكم لقتله مني ، وايم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بهوانكم ثم
ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ، اما والله لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم
وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم.
وكان على الحسين عليهالسلام جبة من خز وكان معتما مخضوبا بالوسمة ، ولم يزل يقاتل حتى
اصابه اثنان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف
اذ أتاه حجر فوقع على جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له
ثلاث شعب فوقع على قلبه ، فقال عليهالسلام : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ثم رفع رأسه الى السماء
وقال : الهي تعلم انهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن بنت
نبي غيره ، ثم أخذ
السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف ووقف.
ولما رجع الحسين عليهالسلام من المسناة الى فسطاطه بعد قتل أخيه العباس أقبل الشمر في
جماعة من أصحابه فأحاطوا به ، فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم
الحسين عليهالسلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف وكان على رأسه برنس وقيل
قلنسوة ، فقطع البرنس ووصل السيف الى رأسه فامتلأ البرنس دما ، فقال له الحسين عليهالسلام : لا أكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم
الظالمين ، ثم ألقى البرنس أو القلنسوة ودعا بخرقة فشد بها رأسه واستدعى بقلنسوة
أخرى فلبسها واعتمّ عليها وأخذ الكندي البرنس وكان من خز ، فلما قدم على أهله أخذ
يغسل عنه الدم ، فقالت له امرأته : أسلب ابن رسول الله تدخل بيتي اخرجه عني ، فلم
يزل ذلك الرجل فقيرا بشر طول عمره وهذا أخذه المختار وقطع يديه ورجليه وتركه يضطرب
حتى مات.
ورجع شمر ومن معه
عن الحسين عليهالسلام الى مواضعهم ، فمكثوا هنيئة ثم عادوا اليه ، فأخذ الحسين عليهالسلام يشد عليهم فينكشفون عنه ، ثم انهم أحاطوا به ، فخرج عبد
الله بن الحسن بن علي عليهماالسلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء ، فلحقته زينب بنت علي عليهماالسلام لتحبسه ، فقال لها الحسين عليهالسلام : احبسيه يا أختي فأبى وامتنع عليها امتناعا شديدا ، وجاء
يشتد الى عمه الحسين حتى وقف الى جنبه وقال : لا أفارق عمي ، فاهوى بحر (ابجر خ ل)
بن كعب الى الحسين عليهالسلام بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة اتقتل عمي
، فضربه بحر (ابجر خ ل) بالسيف فاتقاها الغلام بيده فاطنها الى الجلد فاذا هي
معلقة ، فنادى الغلام يا عماه او يا أماه ، فأخذه الحسين عليهالسلام فضمه الى صدره وقال: يا ابن اخي اصبر على ما نزل
بك واحتسب في ذلك
الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وعلي وحمزة وجعفر
والحسن صلى الله عليهم أجمعين ، فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه ، فرفع
الحسين عليهالسلام يديه وقال : اللهم امسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات
الأرض اللهم ، فان متعتهم الى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة
منهم ابدا فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا ، ثم ضارب الرجالة حتى
انكشفوا عنه وكان قد ضعف عن القتال ، وتحاماه الناس فمكث طويلا من النهار ، وكلما
جاءه أحد انصرف عنه كراهية ان يلقى الله بدمه.
قال هلال بن نافع
: اني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ ابشر ايها الأمير فهذا شمر قد قتل
الحسين ، فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وانه ليجود بنفسه ، فو الله ما رأيت قتيلا
مضمخا بدمه احسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة
في قتله ، فاستسقى في تلك الحال ماء فسمعت رجلا يقول : والله لا تذوق الماء حتى
ترد الحامية فتشرب من حميمها ، فسمعته يقول : انا ارد الحامية فأشرب من حميمها لا
والله بل أرد على جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأسكن معه في داره في
مقعد صدق عند مليك مقتدر وأشرب من ماء غير آسن وأشكو اليه ما ارتكبتم مني وفعلتم
بي ، فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا.
وصاح شمر بالفرسان
والرجالة ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم ، فحملوا عليه من كل جانب
، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى وضرب الحسين عليهالسلام زرعة فصرعه ، وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا
بها لوجهه وكان قد اعيا وجعل يقوم ويكبو ،
وطعنه سنان بن أنس
النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ورماه بسهم فوقع في نحره ، فسقط وجلس قاعدا ، فنزع
السهم من نحره وقرن كفيه جميعا فكلما امتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو
يقول : هكذا ألقى الله مخضبا بدمي مغصوبا عليّ حقي. وقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه
: أنزل ويحك الى الحسين فأرحه وقيل بل قال سنان لخولى بن يزيد احتز رأسه ، فبدر
خولي ليحتز رأسه فضعف وارعد ، فقال له سنان وقيل شمر : فت الله في عضدك مالك ترعد
، ونزل سنان وقيل شمر اليه فذبحه ، ثم احتز رأسه الشريف وهو يقول : والله اني
لأحتز رأسك واعلم انك السيد المقدم وابن رسول الله وخير الناس ابا واما ثم دفع
الرأس الشريف الى خولي فقال : احمله الى الأمير عمر بن سعد ، وفي ذلك يقول الشاعر
:
فأيّ رزية عدلت
حسينا
|
|
غداة تبيره كفا
سنان
|
وكان سن الحسين عليهالسلام يوم قتل سبعا وخمسين سنة ، او ستا وخمسين سنة وخمسة أشهر
وسبعة أيام او خمسة ايام او تسعة أشهر وعشرة ايام ، او ثمانية أشهر وسبعة أيام او
خمسة ايام على اختلاف الروايات والأقوال المتقدمة في مولده عليهالسلام ، وقيل ثمان وخمسون سنة ، وقيل خمس وخمسون سنة وستة أشهر.
__________________
المقصد الثالث
في الأمور المتأخرة عن قتله عليهالسلام
واقبل القوم على
سلب الحسين عليهالسلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه فصار أبرص
وامتعط شعره ، ووجد في قميصه عليهالسلام مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة ، وقيل وجد في
ثيابه مائة وعشرون رمية بسهم ، وفي جسده الشريف ثلاث وثلاثون طعنة برمح وأربع
وثلاثون ضربة بسيف.
وعن الصادق عليهالسلام انه وجد بالحسين عليهالسلام ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة . وعن الباقر عليهالسلام انه وجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون جراحة وفي رواية
ثلاثمائة وستون جراحة ، وأخذ سراويله بحر (ايچر خ ل) بن كعب التميمي فصار زمنا
مقعدا من رجليه ، وأخذ ثوبه أخ لإسحاق بن حوية ولبسه فتغير وجهه وحص شعره وبرص
بدنه ، وأخذ قطيفة له كانت من خز قيس بن الأشعث بن قيس ، وأخذ عمامته الأخنس بن
مرثد وقيل جابر بن يزيد فاعتم بها فصار معتوها ، وأخذ برنسه مالك بن النسر كما مر
وأخذ نعليه الأسود بن خالد ، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل
__________________
عمر اعطاها
المختار لقاتله ، وأخذ سيفه الفلافس النهشلي من بني دارم ، وقيل جميع بن الخلق
الأودي ، وقيل الأسود بن حنظلة التميمي ، وأخذ القوس والحلل الرجيل بن خيثمة
الجعفي ، وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي وقطع أصبعه مع الخاتم ، وهذا أخذه
المختار فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك ، ومال الناس على الفرش (الورس
خ ل) والحلل والإبل فانتهبوها وانتهبوا رحله وثقله وسلبوا نساءه ، ونحرت الإبل
التي كانت مع الحسين عليهالسلام فلم يؤكل لحمها لأنه كان أمرّ من الصبر ، وروي انه لما جعل
اللحم في القدر صار نارا.
وكان مع الحسين عليهالسلام ورس وطيب فاقتسموه فلما صاروا الى بيوتهم صار دما. وعن
مشائخ من طيء انهم قالوا : وجد شمر بن ذي الجوشن في رحل الحسين عليهالسلام ذهبا فدفع بعضه الى ابنته فدفعته الى صائغ يصوغ منه حليا
فلما ادخله النار صار نحاسا وقيل نارا ، وما تطيبت امرأة من ذلك الطيب الا برصت.
قال حميد بن مسلم : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد
، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين عليهالسلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا واقبلت نحو الفسطاط
وقالت : يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لا حكم الا لله يا لثارات رسول
الله ، فأخذها زوجها وردها الى رحله.
وانتهوا الى علي
بن الحسين زين العابدين عليهالسلام وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض وكان مريضا بالذرب أي
الإسهال وقد أشرف على الموت ومع شمر جماعة من الرجالة ، فقالوا له : الا نقتل هذا
العليل ، فأراد شمر قتله فقال له حميد بن مسلم : سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هو
صبي وانه لما به فلم يزل يدفعهم عنه حتى جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين
، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء ولا تتعرضوا
لهذا الغلام المريض
ومن أخذ من متاعهن شيئا فليرده فلم يرد أحد شيئا. وفي رواية انهم اشعلوا النار في
الفسطاط فخرجن منه النساء باكيات مسلبات.
ونادى عمر بن سعد
في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل ظهره وصدره ، فانتدب منهم عشرة وهم إسحاق
بن حوية (حيوة خ ل) الذي سلب قميص الحسين عليهالسلام ، والأخنس بن مرثد الذي سلب عمامة الحسين عليهالسلام ، وحكيم بن الطفيل الذي اشترك في قتل العباس عليهالسلام ، وعمرو بن صبيح الصيداوي الذي رمى عبد الله بن مسلم بسهم
فسمر يده في جبهته ، ورجاء بن منقذ العبدي ، وسالم بن خيثمة الجعفي ، وصالح بن وهب
الجعفي ، وواحظ بن غانم ، وهاني بن ثبيت الحضرمي الذي قتل جماعة من الطالبيين كما
مر ، وأسيد بن مالك فداسوا الحسين عليهالسلام بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره ، وجاء هؤلاء العشرة حتى
وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحدهم :
نحن رضضنا الصدر
بعد الظهر
|
|
بكل يعبوب شديد
الأسر
|
فقال ابن زياد :
من أنتم؟ فقالوا : نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين عليهالسلام حتى طحنا جناجن صدره ، فأمر لهم بجائزة يسيرة.
قال أبو عمرو
الزاهد : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا ، وهؤلاء اخذهم المختار
فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا ، وفي خبر ان أحدهم
وهو الأخنس كان واقفا بعد ذلك في قتال فجاء سهم لم يعرف راميه ففلق قلبه فهلك ،
وسرح عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشوراء برأس الحسين عليهالسلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي الى عبيد
الله بن زياد.
قال الطبري وابن
الأثير : فوجد القصر مغلقا فأتى بالرأس الى منزله فوضعه تحت أجانه ودخل فراشه ،
وقال لامرأته النوار : جئتك بغنى الدهر هذا رأس الحسين عليهالسلام معك في الدار ، فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت
برأس ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
لا يجمع رأسي لا يجمع
رأسي ورأسك بيت ، وقامت من الفراش فخرجت الى الدار ، قالت : فما زلت انظر الى نور
يسطع مثل العمود من السماء الى الاجانة ورأيت طيرا أبيض يرفرف حولها وذكر ابن نما
نحوا من ذلك ، وخولى هذا قتله أصحاب المختار واحرقوه وكان مختفيا في مخرجه ، فدلت
عليه امرأته العيوف بنت مالك وكانت تعاديه منذ جاء برأس الحسين عليهالسلام ، فلما سألوها عنه قالت : لا أدري وأشارت بيدها الى
المخرج.
وأمر ابن سعد
برؤوس الباقين من أصحاب الحسين عليهالسلام وأهل بيته فقطعت (فنظفت خ ل) وكانت اثنين وسبعين رأسا وسرح
بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث بن قيس وعمرو بن الحجاج ، فاقبلوا حتى
قدموا بها على ابن زياد وروي ان الرؤوس كانت سبعين رأسا وروي ثمانية وسبعين رأسا ،
فاقتسمتها القبائل لتتقرب بها الى ابن زياد والى يزيد لعنهما الله تعالى ، فجاءت
كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وقيل
بعشرين وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت بنو أسد
بستة عشر رأسا. وقيل بستة أرؤس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الناس بثلاثة
عشر رأسا وقيل بسبعة.
ثم ان ابن سعد صلى
على القتلى من أصحابه ودفنهم وترك الحسين عليهالسلام وأصحابه بغير دفن ، وأقام بقية اليوم العاشر واليوم الثاني
الى زوال الشمس ، ثم نادى في الناس بالرحيل وتوجه الى الكوفة ، وحمل معه
نساء الحسين عليهالسلام وبناته واخواته ومن كان معه من الصبيان وفيهم علي بن
الحسين عليهالسلام قد نهكته العلة والحسن بن الحسن المثنى وكان قد واسى عمه
في الصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح ، وكان قد نقل من المعركة وقد أثخن بالجراح
وبه رمق فبرأ وأخواه زيد وعمر أبناء الحسن السبط عليهالسلام ، وتدل بعض الروايات على وجود الباقر عليهالسلام معهم ، وساقوهم كما يساق سبي الترك والروم ، فقال النسوة :
بحق الله الا ما مررتم بنا على مصرع الحسين عليهالسلام ، فرموا بهم على الحسين عليهالسلام وأصحابه وهم صرعى ، فلما نظر النسوة الى القتلى صحن وضربن
وجوههن قال الراوي : فو الله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين عليهالسلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب يا محمداه صلى عليك مليك السما
، هذا حسينك مرمل بالدما مقطع الاعضا وبناتك سبايا ، الى الله المشتكى والى محمد
المصطفى والى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء ، يا محمداه
هذا حسين بالعرى تسفي عليه ريح الصبا قتيل أولاد البغايا ، وا حزناه وا كرباه عليك
يا أبا عبد الله. اليوم مات جدي رسول الله ، يا أصحاب محمد هؤلاء ذرية المصطفى
يساقون سوق السبايا.
وفي بعض الروايات
: وا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسبين محزوز
الرأس من القفا مسلوب العمامة والردى ، بأبي من أضحى عسكره في يوم الاثنين نهبا ،
بأبي من فسطاطه مقطع العرى ، بأبي من لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى ، بأبي من
نفسي له الفدى ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي من شيبته
تقطر الدما ، بأبي من جده رسول اله السما ، بأبي من هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمد
المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء ، بأبي من
ردّت له الشمس حتى صلى. قال : فأبكت والله
كل عدو وصديق ، ثم
ان سكينة بنت الحسين عليهالسلام اعتنقت جسد أبيها فاجتمع عدة من الاعراب حتى جروها عنه.
ولما رحل ابن سعد
عن كربلا خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية الى الحسين عليهالسلام وأصحابه فصلوا على تلك الجثث الطواهر ودفنوها ، فدفنوا
الحسين عليهالسلام حيث قبره الآن ودفنوا ابنه عليا الأكبر عند رجليه ، وحفروا
للشهداء من أهل بيته ولأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليهالسلام ، فجمعوهم فدفنوهم جميعا في حفيرة واحدة وسووا عليهم
التراب ويقال ان أقربهم دفنا الى الحسين عليهالسلام ولده علي الأكبر ، فيزورهم الزائر من عند قبر الحسين عليهالسلام ويومي الى الأرض التي نحو رجليه بالسلام عليهم. ودفنوا
العباس بن علي عليهماالسلام في موضعه الذي قتل فيه على المسناة بطريق الغاضرية حيث
قبره الآن ، ودفنوا بقية الشهداء حول الحسين عليهالسلام في الحائر.
قال المفيد عليه
الرحمة : ولسنا نحصل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل الا أنا لا نشك ان الحائر
محيط بهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
وسار ابن سعد
بسبايا أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فلما قاربوا الكوفة
اجتمع أهلها للنظر إليهن ، فأشرفت امرأة من الكوفيات وقالت : من أي الأسارى انتن؟
فقلن لها : نحن أسارى آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فنزلت من سطحها فجمعت
لهن ملاء وأزرا ومقانع ، وجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : اتنوحون وتبكون من أجلنا فمن ذا الذي قتلنا؟ قال بشر بن
خزيم الأسدي : ونظرت الى زينب بنت علي عليهماالسلام يومئذ فلم أر خفرة انطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير
المؤمنين عليهالسلام ، وقد أو مأت الى الناس ان اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت
الأجراس ، ثم قالت:
__________________
خطبة زينب بنت أمير المؤمنين عليهماالسلام بالكوفة
الحمد لله والصلاة
على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد يا أهل
الكوفة يا أهل الختل والغدر اتبكون ، فلا رقأت الدمعة ولا قطعت الرنة ، إنما مثلكم
كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، الا وهل فيكم
الا الصلف النطف ، والصدر الشنف (الا الصلف والعجب
والشنف والكذب خ ل) ، وملق الاماء ، وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كفضة على ملحودة ، الا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفي
العذاب أنتم خالدون ، اتبكون وتنتحبون ، أي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ،
فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها ابدا ، وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ،
ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار
حجتكم ، (محجتكم خ ل) ، ومدرة سنتكم ، الا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب
السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة
والمسكنة ، ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
فريتم (فرثتم خ ل)
، وأي كريمة له ابرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم ، لقد جئتم
بها صلعاء ، عنقاء ، سؤاء ، فقماء ، نأناء . وفي رواية خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملىء السماء ، افعجبتم ان مطرت السماء دما فلعذاب
الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار ، وان ربكم لبالمرصاد.
قال : فو الله لقد
رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا الى
جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الكهول ،
وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى .
وروى زيد بن موسى
عن أبيه عن جده عليهمالسلام قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلا فقالت :
خطبة فاطمة الصغرى عليهاالسلام بالكوفة
الحمد لله على عدد
الرمل والحصى وزنة العرش الى الثرى ، أحمده
__________________
وأؤمن به وأتوكل
عليه وأشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ، وان أولاده ذبحوا بشط
الفرات بغير ذحل ولا ترات. اللهم اني أعوذ بك ان افتري عليك الكذب أو ان أقول عليك
خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب عليهالسلام ، المسلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس
في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ما
دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته اليك محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك اللهم
لومة لائم ولا عذل عاذل ، هديته اللهم للإسلام صغيرا وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل
ناصحا لك ولرسولك حتى قبضته اليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها ، راغبا في
الآخرة مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فهديته الى صراط مستقيم.
أما بعد يا أهل
الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم
بنا ، فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء
فهمه وحكمته ، وحجته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته وفضلنا
بنبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
على كثير ممن خلق تفضيلا بينا
، فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد ترك أو
كابل كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت
لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء (اجتراء خ ل) على الله ومكرا مكرتم والله خير
الماكرين ، فلا تدعونكم أنفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من
أموالنا ، فإن ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزء العظيم في كتاب من قبل ان
نبرأها ان
__________________
ذلك على الله يسير
، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ،
تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات فتسحتكم بما كسبتم (فيسحتكم بعذاب خ ل) ، ويذيق بعضكم بأس بعض ثم
تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، الا لعنة الله على الظالمين ،
ويلكم اتدرون أية يد طاعنتنا منكم ، وأية نفس نزعت الى قتالنا ، أم بأية رجل مشيتم
الينا تبغون محاربتنا ، والله قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على افئدتكم ،
وختم على سمعكم وعلى بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون ، فتبا لكم يا أهل الكوفة ، أي
ترات لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قبلكم وذحول له لديكم بما غدرتم
بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه وعترته الطيبين الأخيار. وافتخر بذلك مفتخر من
الظالمين فقال :
نحن قتلنا عليا
وبني علي
|
|
بسيوف هندية
ورماح
|
وسبينا نساءهم
سبي ترك
|
|
ونطحناهم فأي
نطاح
|
بفيك أيها القائل
الكثكث والأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم واذهب عنهم الرجس ،
فاكظم واقع كما اقعى أبوك فإنما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه ،
أحسدتمونا ويلكم على ما فضلنا الله عليكم.
فما ذنبنا ان
جاش دهرا بحورنا
|
|
وبحرك ساج ما يواري الدعا مصا
|
__________________
ذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله لو نورا فما له فما له من نور. فارتفعت الأصوات
بالبكاء والنحيب وقالوا : حسبك يا ابنة الطيبين فقد احرقت قلوبنا وانضجت نحورنا
واضرمت أجوافنا فسكتت.
وخطبت أم كلثوم
بنت علي عليهماالسلام في ذلك اليوم من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :
خطبة أم كلثوم عليهاالسلام بالكوفة
يا أهل الكوفة
سوأة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه
ونكبتموه ، فتبا لكم وسحقا لكم أي دواه دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم ، وأي
دماء سفكتموها ، وأي كريمة اصبتموها ، وأي صبية سلبتموها ، وأي أموال انتهبتموها ،
قتلتم خير رجالات بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
ونزعت الرحمة من قلوبكم ، الا ان حزب
الله هم الملفحون وحزب الشيطان هم الخاسرون ، ثم قالت :
قتلتم أخي ظلما
فويل لأمكم
|
|
ستجزون نارا
حرها يتوقد
|
سفكتم دماء حرم
الله سفكها
|
|
وحرمها القرآن
ثم محمد
|
فضج الناس بالبكاء
والنحيب ، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن ولطمن خدودهن
ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال فلم ير باك وباكية أكثر من ذلك اليوم. ثم ان
زين العابدين عليهالسلام أومأ الى الناس ان اسكتوا فسكتوا ، فقام قائما فحمد الله
وأثنى عليه وذكر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بما هو أهله فصلى عليه ، ثم قال :
خطبة علي بن الحسين عليهالسلام بالكوفة
ايها الناس من
عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا أعرفه بنفسي ، أنا
علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله ،
أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك
فخرا.
أيها الناس
ناشدتكم بالله هل تعلمون انكم كتبتم الى أبي وخدعتموه واعطيتموه من أنفسكم العهد
والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه ، فتبا لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم ،
بأيه عين تنظرون الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
إذ يقول لكم : قتلتم عترتي
وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ، فارتفعت أصوات النساء بالبكاء من كل ناحية ، وقال
بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون ، فقال عليهالسلام : رحم الله امرءا أقبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله ورسوله
وأهل بيته فان لنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقالوا بأجمعهم : نحن كلنا سامعون
مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله
فأنا حرب لحربك وسلم لسلمك ، لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا ، فقال عليهالسلام : هيهات هيهات ايها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات
أنفسكم ، أتريدون ان تأتوا الي كما أتيتم إلى آبائي من قبل ، كلا ورب الراقصات فان
الجرح لما يندمل ، قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم ينسني ثكل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وثكل أبي وبني أبي ووجده بين
لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش صدري ، ومسألتي ان لا تكونوا لنا ولا علينا ، ثم قال :
لا غرو ان قتل
الحسين فشيخه
|
|
قد كان خير من
حسين واكرما
|
فلا تفرحوا يا
أهل كوفان بالذي
|
|
أصاب حسينا كان
ذلك اعظما
|
قتيل بشط النهر
روحي فداؤه
|
|
جزاء الذي أرداه
نار جهنما
|
__________________
ثم قال : رضينا
منكم رأسا برأس فلا يوم لنا ولا علينا.
وجاء سنان بن أنس
النخعي الى باب ابن زياد فقال :
أوقر ركابي فضة
أو ذهبا
|
|
إني قتلت السيد
المحجبا
|
قتلت خير الناس
أما وأبا
|
|
وخيرهم إذ
ينسبون نسبا
|
فلم يعطه ابن زياد
شيئا. وقيل ان سنانا أنشد هذه الأبيات على باب فسطاط عمر بن سعد فحذفه بالقضيب
وقال : أو مجنون أنت؟ والله لو سمعك ابن يزيد لضرب عنقك. وقيل المنشد لها عند ابن
سعد هو الشمر وقيل ان قاتل الحسين عليهالسلام انشدها عند يزيد لعنه الله والله اعلم.
ثم ان ابن زياد
لعنه الله جلس في قصر الامارة وأذن للناس اذنا عاما ، وأمر باحضار رأس الحسين عليهالسلام فوضع بين يديه ، فجعل ينظر اليه ويتبسم ، وكان في يده قضيب
فجعل يضرب به ثناياه ويقول : انه كان حسن الثغر وفي رواية انه قال : لقد أسرع
الشيب اليك يا أبا عبد الله : ثم قال : يوم بيوم بدر.
وكان عنده أنس بن مالك فبكى وقال : كان
أشبههم برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكان مخضوبا بالوسمة ، وكان الى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وهو شيخ كبير ، فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له : ارفع قضيبك عن هاتين
الشفتين فو الله الذي لا اله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
ما لا أحصيه كثرة يقبلهما ، ثم انتحب باكيا ، فقال له ابن زياد : ابكى الله عينيك
أتبكي لفتح الله والله لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فنهض زيد بن
أرقم من بين يديه وصار الى منزله وفي رواية انه نهض وهو يقول : ايها الناس أنتم العبيد
بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة ، والله ليقتلن خياركم وليستعبدن
شراركم فبعدا لمن رضي بالذل
والعار ، ثم قال : يا
ابن زياد لأحدثنك حديثا أغلظ عليك من هذا ، رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ثم وضع يده على يافو خيهما ، ثم
قال : اللهم اني استودعك إياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
عندك يا ابن زياد.
وادخل نساء الحسين عليهالسلام
وصبيانه على ابن زياد ، فالبست زينب عليهاالسلام
ارذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها اماؤها ، فقال ابن زياد
: من هذه؟ فلم تجبه ، فاعاد الكلام ثانيا وثالثا يسأل عنها فلم تجبه ، فقال له بعض
امائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فأقبل عليها ابن زياد فقال لها : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ،
فقالت زينب : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
وطهرنا من الرجس تطهيرا ، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا ، فقال : كيف
رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك ، فقالت : ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا
الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم (فتتحاجون إليه وتختصمون عنده خ
ل) فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة ، فغضب ابن زياد واستشاط وكأنه
هم بها ، فقال عمرو بن حريث : ايها الأمير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من
منطقها ولا تذم على خطائها ، فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي (نفسي خ ل) من
طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك ، فرقت زينب وبكت وقالت له : لعمري لقد
قتلت كهلي وأبرزت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت ،
فقال ابن زياد : هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا ، فقالت : ما
__________________
للمرأة والسجاعة
ان لي عن السجاعة لشغلا ولكن صدري نفث بما قلت ، ولنعم ما قال الشاعر :
تصان بنت الدعي
في كلل المل
|
|
ك وبنت الرسول
تبتذل
|
يرجى رضى
المصطفى فواعجبا
|
|
تقتل أولاده
ويحتمل
|
وعرض عليه علي بن
الحسين عليهماالسلام ، فقال : من أنت؟ فقال : أنا علي بن الحسين ، فقال : أليس
قد قتل الله عليا بن الحسين. فقال له علي : قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس ،
فقال : بل الله قتله ، فقال علي بن الحسين : الله يتوفى الأنفس حين موتها ، فغضب
ابن زياد وقال : وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي اذهبوا به فاضربوا عنقه ،
فتعلقت به عمته زينب وقالت : يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت : لا
والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلني معه ، فنظر ابن زياد اليها وإليه ساعة ثم قال :
عجبا للرحم والله اني لأظنها ودت أني قتلتها قتلها معه دعوه فاني أراه لما به .
وفي رواية ان عليا
بن الحسين عليهماالسلام قال لعمته : اسكتي يا عمه حتى أكلمه ، ثم اقبل عليه فقال :
أبا لقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ، ثم
امر ابن زياد بعلي بن الحسين عليهالسلام وأهل بيته فحملوا الى دار بجنب المسجد الأعظم ، فقالت زينب
بنت علي عليهماالسلام : لا تدخلن علينا عربية الا أم ولد أو مملوكة فانهن سبين
كما سبينا.
قال ابن الأثير :
قال بعض حجاب ابن زياد : دخلت معه القصر حين قتل الحسين عليهالسلام فاضطرم في وجهه نارا ، فقال بكمه هكذا على وجهه وقال : لا
تحدثن بهذا أحدا. ثم ان ابن زياد قام من مجلسه ودخل المسجد فصعد المنبر فقال :
الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب ابن
الكذاب وشيعته ، فما زاد على هذا الكلام شيئا
__________________
حتى قام اليه عبد
الله بن عفيف الأزدي وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم
الجمل والأخرى في يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم يصلي فيه الى الليل ثم ينصرف
، فقال : يا ابن مرجانة ان الكذب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه يا عدو
الله ، اتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين ، فغضب ابن
زياد وقال : من هذا المتكلم فقال : أنا المتكلم يا عدو الله أتقتل الذرية الطاهرة
التي قد اذهب الله عنها الرجس وطهرهم تطهيرا وتزعم انك على دين الاسلام ، وا غوثاه
أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان
محمد رسول رب العالمين ، فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه وقال : عليّ به ،
فتبادرت اليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه ، فنادى بشعار الأزد يا مبرور وفي
الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل فاجتمعوا وانتزعوه من الجلاوزة ، وقيل وثب
اليه فتيان منهم ، وقيل قامت الأشراف من الأزد من بني عمه فخلصوه منهم وأخرجوه من
باب المسجد وانطلقوا به الى منزله ، فقال ابن زياد : اذهبوا الى هذا الأعمى أعمى
الأزد أعمى الله قلبه كما أعمى عينيه فأتوني به ، فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا
واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم ، وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر
وضمهم الى محمد بن الأشعث وأمره بقتال القوم ، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل بينهم
جماعة من العرب ووصل أصحاب ابن زياد الى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب
واقتحموا عليه ، فصاحت ابنته أتاك القوم من حيث تحذر ، فقال : لا عليك ناوليني
سيفي فناولته إياه فجعل يذب عن نفسه ويقول :
أنا ابن ذي
الفضل عفيف الطاهر
|
|
عفيف شيخي وابن
أم عامر
|
كم دارع من
قومكم وحاسر
|
|
وبطل جدلته
مغاور
|
وجعلت ابنته تقول
: يا أبت ليتني كنت رجلا أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة ،
وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فليس يقدم عليه أحد ، وكلما
جاؤوه من جهة قالت ابنته : يا أبه جاؤوك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به ،
فقالت ابنته : وا ذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به ، فجعل يدير سيفه ويقول :
أقسم لو يفسح لي
عن بصري
|
|
ضاق عليكم موردي
ومصدري
|
قال : فما زالوا
به حتى أخذوه ثم حمل فأدخل على ابن زياد ، فلما رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك ،
فقال له عبد الله : يا عدو الله وبماذا أخزاني.
والله لو فرج لي
عن بصري
|
|
ضاق عليكم موردي
ومصدري
|
فقال له ابن زياد
: يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان؟ قال : يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة
وشتمه ما أنت وعثمان اساء أم أحسن وأصلح أم أفسد والله تبارك وتعالى ولي خلقه يقضي
بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ، ولكن سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه ، فقال
ابن زياد : والله لا أسألك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة ، فقال عبد الله بن
عفيف : الحمد لله رب العالمين أما اني قد كنت أسأل الله ربي ان يرزقني الشهادة من
قبل ان تلدك أمك ، وسألت الله ان يجعل ذلك على يد ألعن خلقه وابغضهم اليه ، فلما
كف بصري يئست من الشهادة الى الآن ، فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها
وعرفني الإجابة منه في قديم دعائي ، فقال ابن زياد : اضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب
في السبخة.
ثم دعا ابن زياد
بجندب بن عبد الله الأزدي وكان شيخا فقال : يا عدو الله ألست صاحب أبي تراب؟ قال :
بلى لا أعتذر منه ، قال : ما أراني الا
متقربا الى الله
بدمك ، قال : إذن لا يقربك الله منه بل يباعدك ، قال : شيخ قد ذهب عقله وخلى
سبيله.
ولما أصبح ابن
زياد أمر برأس الحسين عليهالسلام فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها ، فروي عن زيد بن
أرقم انه قال : مر به علي وهو على رمح وأنا في غرفة لي ، فلما حاذاني سمعته يقرأ :
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ
أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) فوقف والله شعري وناديت رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب
وأعجب. ولما فرغ القوم من التطواف به في الكوفة ردوه الى باب القصر ويحق التمثل
هنا بقول بعض الشعراء يرثي قتيلا من آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
رأس ابن بنت
محمد ووصيه
|
|
للناظرين على
قناة يرفع
|
والمسلمون بمنظر
وبمسمع
|
|
لا منكر منهم
ولا متفجع
|
كحلت بمنظرك
العيون عماية
|
|
واصم رزؤك كل
اذن تسمع
|
ايقظت أجفانا
وكنت لها كرى
|
|
وأنمت عينا لم
تكن بك تهجع
|
ما روضة الا
تمنت انها
|
|
لك حفرة ولخط
قبرك مضجع
|
ثم ان ابن زياد
نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب وهي أول رؤوس نصبت في الاسلام بعد رأس مسلم بن
عقيل بالكوفة. (وكتب) ابن زياد الى يزيد يخبره بقتل الحسين عليهالسلام وخبر أهل بيته ، وتقدم الى عبد الملك بن الحارث السلمي
فقال : انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة (وكان أميرا عليها وهو من
بني أمية) فتبشره بقتل الحسين عليهالسلام ، وقال : لا يسبقنك الخبر اليه ، قال عبد الملك : فركبت
راحلتي وسرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش ، فقال : ما الخبر؟ قلت : الخبر عند
الأمير تسمعه ، قال : انا لله وانا إليه راجعون قتل والله
__________________
الحسين ، ولما
دخلت على عمرو بن سعيد قال : ما وراءك؟ فقلت : ما يسر الأمير قتل الحسين بن علي ،
فقال : اخرج فناد بقتله ، فناديت فلم اسمع واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم
على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله ، فدخلت على عمرو بن سعيد فلما رآني
تبسم الي ضاحكا ثم تمثل بقول عمرو بن معد يكرب الزبيدي ، وقيل انه لما سمع أصوات
نساء بني هاشم ضحك وتمثل بذلك فقال :
عجّت نساء بني
زياد عجة
|
|
كعجيج نسوتنا
غداة الأرنب
|
ثم قال عمرو هذه
واعية بواعية عثمان ، ثم صعد المنبر وخطب الناس واعلمهم قتل الحسين عليهالسلام ، وقال في خطبته : انها لدمة بلدمة وصدمة بصدمة كم خطبة
بعد خطبة وموعظة بعد موعظة حكمة بالغة فما تغني النذر ، والله لوددت ان رأسه في
بدنه وروحه في جسده ، أحيانا كان يسبنا ونمدحه ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته ولم
يكن من أمره ما كان ، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه يريد قتلنا إلا ان ندفعه عن
أنفسنا فقام عبد الله بن السائب فقال : لو كانت فاطمة حية فزأت رأس الحسين عليهالسلام لبكت عليه ، فجبهه عمرو بن سعيد وقال : نحن أحق بفاطمة منك
أبوها عمنا وزوجها أخونا وابنها ابننا ، لو كانت فاطمة حية لبكت عينها وحرت كبدها
وما لامت من قتله ودفعه عن نفسه.
وخرجت أم لقمان
بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين عليهالسلام حاسرة ومعها اخواتها أم هاني واسماء ورملة وزينب بنات عقيل
بن أبي طالب تبكي قتلاها بالطف وهي تقول :
ماذا تقولون ان
قال النبي لكم
|
|
ماذا فعلتم
وأنتم آخر الأمم
|
بعترتي وبأهلي
بعد مفتقدي
|
|
منهم أسارى
وقتلى ضرجوا بدم
|
__________________
ما كان هذا
جزائي إذ نصحت لكم
|
|
ان تخلفوني بسوء
في ذوي رحمي
|
فلما كان الليل من
ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي
يسمعون صوته ولا يرون شخصه :
ايها القاتلون
جهلا حسينا
|
|
ابشروا بالعذاب
والتنكيل
|
كل أهل السماء
يدعو عليكم
|
|
من نبي وملائك
وقبيل
|
قد لعنتم على
لسان ابن داو
|
|
د وموسى وصاحب
الإنجيل
|
رواه الطبري
وغيره.
ودخل بعض موالي
عبد الله بن جعفر فنعى اليه ابنيه عونا وجعفرا فاسترجع ، وجعل الناس يعزونه فقال
مولى له يسمى أبو السلاسل : هذا ما لقينا من الحسين ، فحذفه عبد الله بن جعفر
بنعله ثم قال : يا ابن اللخناء اللحسين تقول هذا ، والله لو شهدته لا حببت ان لا
أفارقه حتى اقتل معه ، والله انه لمما يسخي نفسي عنهما ويهون عليّ المصاب بهما
انهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه. ثم اقبل على جلسائه فقال : الحمد
الله عز علي مصرع الحسين ان لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي (ولدي خ ل).
وقال شهر بن حوشب
: بينما أنا عند أم سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ وقالت : قتل الحسين عليهالسلام ، قالت أم سلمة : فعلوها ملأ الله قبورهم نارا ووقعت مغشيا
عليها.
وأما يزيد فانه
لما وصله كتاب ابن زياد اجابه عليه يأمره بحمل رأس الحسين عليهالسلام ورؤوس من قتل معه وحمل أثقاله ونسائه وعياله فأرسل ابن
زياد الرؤوس مع زجر بن قيس وانفذ معه ابا بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان
في جماعة من أهل الكوفة الى يزيد ، ثم أمر ابن زياد بنساء
الحسين عليهالسلام وصبيانه فجهزوا ، وأمر بعلي بن الحسين عليهماالسلام فغل بغلّ الى عنقه ، وفي رواية في يديه ورقبته ، ثم سرح
بهم في أثر الرؤوس مع محفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن وحملهم على الأقتاب ،
وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم
الرؤوس ، فلم يكلم علي بن الحسين عليهالسلام أحدا منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام ، فلما انتهوا
الى باب يزيد رفع محفر بن ثعلبة صوته فقال : هذا محفر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين
باللئام الفجرة ، فأجابه علي بن الحسين عليهماالسلام ما ولدت أم محفر أشر والأم وعن الزهري انه لما جاءت الرؤوس
كان يزيد في منظرة على جيرون فأنشد لنفسه :
لما بدت تلك
الحمول وأشرقت
|
|
تلك الشموس على
ربى جيرون
|
نعب الغراب فقلت
صح أو لا تصح
|
|
فلقد قضيت من
الغريم ديوني
|
ولما قربوا من
دمشق دنت أم كلثوم من شمر فقالت له : لي إليك حاجة ، فقال : ما حاجتك؟ قالت : إذا
دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة وتقدم اليهم ان يخرجوا هذه الرؤوس من
بين المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر الينا ونحن في هذه الحال ، فأمر
في جواب سؤالها ان تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا ، وسلك
بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق ، فوفقوا على درج باب المسجد
الجامع حيث يقام السبي ، وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين عليهالسلام وعياله وقال : الحمد لله الذي أهلككم وقتلكم وأراح البلاد
من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم ، فقال له علي بن الحسين : يا شيخ هل قرأت
القرآن؟ قال : نعم ، قال : فهل عرفت هذه الآية : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
__________________
عَلَيْهِ
أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال : قد قرأت ذلك ، فقال له علي : فنحن القربى يا شيخ ،
فهل قرأت في بني اسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبى
حَقَّهُ) فقال : قد قرأت ذلك ، فقال علي : فنحن القربى يا شيخ ، فهل
قرأت هذه الآية (وَاعْلَمُوا أَنَّما
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) قال نعم ، فقال له علي : فنحن القربى يا شيخ ، ولكن هل
قرأت (إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال: قد قرأت ذلك ، فقال علي : فنحن أهل البيت الذين
اختصنا الله بآية الطهارة يا شيخ ، قال : فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به
وقال : بالله إنكم هم؟ فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : تالله انا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
انا لنحن هم ، فبكى الشيخ
ورمى عمامته ثم رفع رأسه الى السماء وقال : اللهم اني ابرأ اليك من عدو آل محمد من
جن وانس ، ثم قال : هل لي من توبة؟ فقال له : نعم ان تبت تاب الله عليك وأنت معنا
، فقال : أنا تائب ، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل.
وعن سهل بن سعد
انه قال : خرجت الى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار
كثيرة الأشجار وقد علقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء
يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي : ترى لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن ، فرأيت
قوما يتحدثون فقلت : يا قوم لكم بالشام عيدا لا نعرفه نحن ، قالوا : يا شيخ نراك
غريبا ظ فقلت : أنا سهل بن سعد قد رأيت محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم
، قالوا : يا سهل ما
أعجبك السماء لا تمطر دما والأرض لا تخسف بأهلها ، قلت : ولم
__________________
ذاك؟ قالوا : هذا
رأس الحسين عترة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهله يهدى من أرض العراق ،
فقلت : وا عجبا يهدى رأس الحسين عليهالسلام والناس يفرحون ، قلت : من أي باب يدخل ، فأشاروا الى باب
يقال له باب الساعات ، فبينا أنا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا ، فإذا
نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فإذا من ورائه نسوة
على جمال بغير وطاء ، فدنوت من أولهن فقلت : يا جارية من أنت؟ فقالت : أنا سكينة
بنت الحسين ، فقلت لها : ألك حاجة الي فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه ،
قالت : يا سهل قل لصاحب هذا الرأس ان يقدم الرأس امامنا حتى يشتغل الناس بالنظر
اليه ولا ينظروا الى حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، قال سهل : فدنوت من
صاحب الرأس فقلت له : هل لك ان تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار ، قال : ما هي؟
قلت : تقدم الرأس أمام الحرم ففعل ذلك ودفعت اليه ما وعدته.
وروي ان بعض فضلاء
التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين عليهالسلام بالشام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه ، فلما وجدوه بعد إذ
فقدوه سألوه عن سبب ذلك فقال : ألا ترون ما نزل بنا ، ثم أنشأ يقول :
جاؤوا برأسك يا
ابن بنت محمد
|
|
مترملا بدمائه
ترميلا
|
وكأنما بك يا
ابن بنت محمد
|
|
قتلوا جهارا
عامدين رسولا
|
قتلوك عطشانا
ولما يرقبوا
|
|
في قتلك التأويل
والتنزيلا
|
ويكبرون بان
قتلت وإنما
|
|
قتلوا بك
التكبير والتهليلا
|
ثم ادخل ثقل
الحسين عليهالسلام ونساؤه ومن تخلف من أهله على يزيد وهم مقرنون في الحبال
وزين العابدين عليهالسلام مغلول ، فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي
بن الحسين عليهالسلام : أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
لو رآنا على هذه
الصفة ، فلم يبق في القوم أحد إلا
وبكى ، فأمر يزيد
بالحبال فقطعت وأمر بفك الغل عن زين العابدين عليهالسلام.
ثم وضع رأس الحسين
عليهالسلام بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن فاليه. وفي رواية
انه لما ادخل نساء الحسين عليهالسلام على يزيد والرأس بين يديه جعلت فاطمة وسكينة يتطاولان
لينظران الى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس ، فلما رأين الرأس صحن فصاح
نساء يزيد وولولت بنات معاوية ، فقالت فاطمة بنت الحسين عليهالسلام : أبنات رسول الله سبايا يا يزيد ، فبكى الناس وبكى أهل
داره حتى علت الأصوات ورآه علي بن الحسين عليهماالسلام فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا.
واما زينب عليهاالسلام فانها لما رأته أهوت الى جيبها فشقته ، ثم نادت بصوت حزين
يقرح القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله ، يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء
سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى ، فأبكت والله كل من كان حاضرا في المجلس ويزيد
ساكت. ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليهالسلام وتنادي يا حبيباه يا سيد أهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع
الأرامل واليتامى يا قتيل أولاد الأدعياء ، فأبكت كل من سمعها ، وكان في السبايا
الرباب بنت امرىء القيس زوجة الحسين عليهالسلام وهي أم سكينة بنت الحسين عليهالسلام وهي التي يقول فيها الحسين عليهالسلام :
لعمرك انني لأحب
دارا
|
|
تحل بها سكينة
والرباب
|
احبهما وابذل
فوق جهدي
|
|
وليس لعاذل عندي
عتاب
|
ولست لهم وان عتبوا
مطيعا
|
|
حياتي أو يغيبني
التراب
|
فقيل ان الرباب
أخذت الرأس ووضعته في حجرها وفبلته وقالت :
وا حسينا فلا
نسيت حسينا
|
|
اقصدته أسنة
الأعداء
|
غادروه بكربلاء
صريعا
|
|
لا سقى الله
جانبي كربلاء
|
والرباب هذه بعد
رجوعها الى المدينة خطبها الأشراف من قريش فقالت : والله لا كان لي حمو بعد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وعاشت بعد الحسين
عليهالسلام سنة ثم ماتت كمدا على الحسين عليهالسلام ولم تستظل بعده بسقف.
ولما وضعت الرؤوس
بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين عليهالسلام جعل يتمثل بقول الحصين بن الحمام المري.
صبرنا وكان
الصبر منا سجية
|
|
بأسيافنا تفريق
هاما ومعصما
|
أبى قومنا ان
ينصفونا فانصفت
|
|
قواضب في
ايماننا تقطر الدما
|
نفلق هاما من رجال اعزة
|
|
علينا وهم كانوا اعق وأظلما
|
ودعا بقضيب خيزران
، وجعل ينكت به ثنايا الحسين عليهالسلام ، ثم قال : يوم بيوم بدر ، وكان عنده أبو برزة الأسلمي
فقال : ويحك يا يزيد اتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمة ، أشهد لقد رأيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
يرشف ثناياه وثنايا
أخيه الحسن ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له
جهنم وساءت مصيرا ، فغضب يزيد وأمر باخراجه فاخرج سحبا وفي رواية انه قال : أما
انك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفعيك ويجيء هذا ومحمد شفيعه ، ثم قام
فولى.
وقال : يحيى بن
الحكم أخو مروان بن الحكم وكان جالسا مع يزيد :
لهام بجنب الطف أدنى قرابة
|
|
من ابن زياد
العبد ذي الحسب الوغل
|
سمية أضحى نسلها
عدد الحصى
|
|
وبنت رسول الله
ليس لها نسل
|
__________________
فضرب يزيد في صدره
وقال : اسكت وفي رواية ، انه اسرّ اليه وقال : سبحان الله أفي هذا الموضع ما يسعك
السكوت.
وكان يحيى قد سأل
أهل الكوفة الذين جاؤوا بالسبايا والرؤوس ما صنعتم فأخبروه ، فقال : حجبتم عن محمد
صلىاللهعليهوآلهوسلم
يوم القيامة لن أجامعكم على
أمر أبدا.
وفي رواية ان يزيد
دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثم دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه
فادخلوا عليه والناس ينظرون ، ثم قال يزيد لعلي بن الحسين عليهماالسلام : يا ابن الحسين أبوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني
فصنع الله به ما قد رأيت ، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : (ما أَصابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ
أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما
فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) فقال يزيد لابنه خالد : أردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه
، فقال له يزيد : (ما أَصابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) فقال علي بن الحسين عليهالسلام يا ابن معاوية وهند وصخر لم تزل النبوة والأمرة لآبائي
وأجدادي من قبل ان تولد ، ولقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر وأحد والأحزاب
في يده راية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأبوك وجدك في أيديهما رايات
الكفار. ثم قال علي بن الحسين عليهالسلام : ويلك يا يزيد انك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت من
أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي ، إذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد ودعوت بالويل
والثبور ان يكون رأس أبي الحسين ابن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم وهو وديعة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
فيكم ، فابشر بالخزي
__________________
والندامة إذا
اجتمع الناس ليوم القيامة.
وفي رواية انه لما
أنشد يزيد الأبيات السابقة قال له علي بن الحسين عليهماالسلام : بل ما قال الله أولى (ما أَصابَ مِنْ
مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ
أَنْ نَبْرَأَها) فقال يزيد : (ما أَصابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) وجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعري وزاد يزيد فيها
البيتين الأخيرين .
ليت أشياخي ببدر
شهدوا
|
|
جزع الخزرج من
وقع الأسل
|
فأهلوا واستهلوا
فرحا
|
|
ثم قالوا يا
يزيد لا تشل
|
قد قتلنا القرم
من ساداتهم
|
|
وعدلناه ببدر فاعتدل
|
(فجزيناهم ببدر مثلها
|
|
واقمنا ميل بدر
فاعتدل خ ل)
|
لعبت هاشم
بالملك فلا
|
|
خبر جاء ولا وحي
نزل
|
لست من خندف ان لم انتقم
|
|
من بني أحمد ما
كان فعل
|
«فقامت» زينب بنت علي عليهالسلام فقالت :
خطبة زينب عليهاالسلام بالشام
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله (سبحانه خ ل) كذلك حيث يقول : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا
السُّواى أَنْ
__________________
كَذَّبُوا
بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) أظننت يا يزيد حيث (حين خ ل) أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق
السماء فأصبحنا نساق كما يساق الاماء ان بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وان ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلا مهلا (لا تطش جهلا خ) أنسيت قول الله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا
إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك واماءك وسوقك بنات
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت
وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن
ولي ، وكيف ترتجي مراقبة ابن من لفظ فوه
__________________
أكباد الأزكياء ونبت لحمه بدماء الشهداء ، وكيف يستبطىء في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والاحن
والأضغان ، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :
لأهلوا واستهلوا
فرحا
|
|
ثم قالوا يا
يزيد لا تشل
|
منحنيا على ثنابا
أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
ونجوم الأرض من آل عبد
المطلب ، وتهتف بأشيخاك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم
ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت ، اللهم خذ لنا
__________________
بحقنا وانتقم ممن
ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا ، فو الله ما فريت الا جلدك ولا حززت الا لحمك ، ولتردن على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
بما تحملت من سفك
دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم (وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ) وحسبك بالله حاكما وبمحمد خصيما وبجبرائيل ظهيرا ، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وايكم شر مكانا وأضعف جندا ولئن جرت علي الوادهي مخاطبتك ، اني لا ستصغر قدرك واستعظم
تقريعك واستكبر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى ، الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله
__________________
النجباء بحزب
الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك
الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما
قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعول ، فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا
ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند وإيامك إلا عدد
وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا
بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا
الخلافة انه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل ، فقال يزيد مجيبا لها :
يا صيحة تحمد من
صوائح
|
|
ما أهون النوح
على النوائح
|
واستشار يزيد أهل
الشام فيما يصنع بهم ، فقال له بعضهم : لا تتخذ
__________________
من كلب سوء جروا ،
فقال له النعمان بن بشير : انظر ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يصنعه بهم فاصنعه بهم ونظر رجل من أهل الشام أحمر الى فاطمة بنت الحسين عليهماالسلام
، فقال : يا أمير هب لي هذه الجارية ، قالت فاطمة : فارتعدت وظننت ان ذلك جائز عندهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب
وقلت : يا عمتاه أوتمت واستخدم ، وكانت عمتي تعلم ان ذلك لا يكون ، فقالت عمتي :
لا حبا ولا كرامة لهذا الفاسق ، وقالت للشامي : كذبت والله ولؤمت والله ما ذاك لك
ولا له ، فغضب يزيد وقال : كذبت ان ذلك لي ولو شئت ان أفعل لفعلت ، قالت زينب :
كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا ان تخرج من ملتنا وتدين بغيرها ، فاستطار يزيد
غضبا وقال : اياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ، قالت زينب : بدين
الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك ان كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوة
الله ، قالت له : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكأنه استحيا وسكت ، فعاد
الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا.
وفي رواية فقال الشامي : من هذه الجارية فقال : هذه فاطمة بنت الحسين عليهالسلام وتلك زينب بنت علي ، فقال الشامي : الحسين ابن فاطمة وعلي
بن أبي طالب ، فقال : نعم ، فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد تقتل عترة نبيك وتسبي
ذريته ، والله ما توهمت الا انهم سبي الروم ، فقال يزيد : والله لا لحقنك بهم ثم
أمر به فضربت عنقه.
ثم دخل نساء
الحسين عليهالسلام وبناته على نساء يزيد فقمن إليهن وصحن وبكين واقمن المأتم
على الحسين عليهالسلام ، ثم أمر لهم يزيد بدار تتصل بداره وقيل أمر بهم الى منزل
لا يكنهم من حر ولا برد ، فأقاموا فيه حتى تقشرت وجوههم ، وكانوا مدة مقامهم
بالشام ينوحون على الحسين عليهالسلام.
وأمر يزيد بمنبر وخطيب
وأمر الخطيب ان يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما ، فصعد الخطيب
المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم بالغ في ذم أمير المؤمنين والحسين الشهيد وأطنب في
مدح معاوية ويزيد فذكر هما بكل جميل ، ولقد أجاد ابن سنان الخفاجي حيث يقول :
يا أمة كفرت وفي
أفواهها ال
|
|
قرآن فيه ضلالها
ورشادها
|
أعلى المنابر
تعلنون بسبه
|
|
وبسيفه نصبت لكم
أعوادها
|
تلك الخلائق
بينكم بدرية
|
|
قتل الحسين وما
خبت أحقادها
|
فصاح به علي بن
الحسين عليهماالسلام ويلك ايها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ
مقعدك من النار. ثم قال علي بن الحسين عليهماالسلام : يا يزيد أتأذن لي حتى أصعد هذه الأعود فأتكلم بكلمات لله
فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب ، فأبى يزيد عليه ذلك ، فقال الناس : يا
أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا ، فقال : انه ان صعد لم
ينزل الا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان ، فقيل له وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال : انه
من أهل بيت زقوا العلم زقا ، فلم يزالوا به حتى أذن له ، فصعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه ، ثم خطب خطبة أبكى فيها العيون وأوجل منها القلوب ، ثم قال :
من خطبة لزين العابدين عليهالسلام بالشام
ايها الناس اعطينا
ستا وفضلنا بسبع ، اعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في
قلوب المؤمنين ، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ومنا الصديق ، ومنا الطيار ،
ومنا أسد الله وأسد رسوله ، ومنا سبطا هذه الأمة ، من عرفني فقد عرفني ومن لم
يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ، أيها الناس انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ،
انا ابن
من حمل الركن
بأطراف الردا ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، وأنا
ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حج ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق في
الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ
به جبرائيل الى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ،
وأنا ابن من صلى بملائكة السما ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن
محمد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا
اله إلا الله أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر
الهجرتين ، وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، انا ابن
صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور
المجاهدين وزين العابدين ، وتاج البكائين ، واصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل
يس رسول رب العالمين ، أنا ابن المؤيد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل. أنا ابن
المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين ، والمجاهد اعداءه
الناصبين ، وافخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من
المؤمنين ، وأول السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله
على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، ولسان
حكمة الله وعيبة علمه ، سمح سخي ، بهي بهلول زكي ابطحي رضي ، مقدام همام ، صابر
صوام ، مهذب قوام ، قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب ، اربطهم عنانا واثبتهم جنانا ،
وامضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة ، أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت
الأعنة طحن الرحى ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز وكبش العراق ، مكي مدني
، حنيفي عقبي ، بدري احدي ، شجري مهاجري ، من العرب
سيدها ومن الوغى
ليثها ، وارث المشعرين وأبو السبطين الحسن والحسين ، ذاك جدي علي بن أبي طالب عليهالسلام.
ثم قال : انا ابن
فاطمة الزهراء ، انا ابن سيدة النساء ، فلم يزل يقول : أنا أنا حتى ضج الناس
بالبكاء والنحيب وخشي يزيد ان يكون فتنة ، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام ، فلما
قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، قال علي عليهالسلام لا شيء أكبر من الله ، فلما قال : أشهد ان لا إله إلا الله
، قال علي بن الحسين : شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ، فلما قال المؤذن : أشهد ان
محمدا رسول الله ، التفت من فوق المنبر الى يزيد فقال : محمد هذا جدي أم جدك يا
يزيد ، فان زعمت انه جدك فقد كذبت وكفرت وان زعمت انه جدي فلم قتلت عترته ، ولله در
القائل :
يصلى على
المبعوث من آل هاشم
|
|
ويغزى بنوه ان
ذا لعجيب
|
وعن ابن لهيعة عن
أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال : لقيني رأس الجالوت فقال : والله ان بيني وبين
داود لسبعين أبا وان اليهود تلقاني فتعظمني ، وأنتم ليس بين ابن نبيكم وبينه الا
أب واحد ، قتلتم ولده.
وعن زين العابدين عليهالسلام قال : لما أتي برأس الحسين عليهالسلام الى يزيد كان يتخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين عليهالسلام ويضعه بين يديه ويشرب عليه ، فحضر ذات يوم في مجلسه رسول
ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائهم ، فقال : يا ملك العرب هذا رأس من؟ فقال
له يزيد : مالك ولهذا الرأس ، فقال : اني إذا رجعت الى ملكنا يسألني عن كل شيء
رأيته فأحببت ان أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه حتى يشاركك في الفرح والسرور ، فقال
يزيد : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، فقال الرومي : ومن أمه؟ فقال : فاطمة
بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فقال النصراني : أف لك ولدينك لي دين
أحسن من دينك ، ان أبي من حوافد داود وبيني
وبينه آباء كثيرة
والنصارى يعظمونني ويأخذون من تراب قدمي تبركا بي بان أبي من حوافد داود ، وأنتم
تقتلون ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وما بينه وبين نبيكم إلا أم واحدة فأي دين دينكم ، ثم قال ليزيد : هل سمعت حديث
كنيسة الحافر؟ فقال له : قل حتى اسمع ، فقال : ان بين عمان والصين بحرا مسيرة ستة
أشهر ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين
فرسخا ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، ومنها يحمل الكافور والياقوت أشجارهم
العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفيها
كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر ، في محرابها حقة ذهب معلقة فيها حافر يقولون :
ان هذا حافر حمار كان يركبه نبيهم عيسى عليهالسلام
، وقد زينوا حول الحقة بالذهب والديباج يقصدها في كل عام عالم من النصارى يطوفون
حولها ويقبلونها ويرفعون حوائجهم الى الله تعالى ، هذا شأنهم ودأبهم بحافر يزعمون
انه حافر حمار كان يركبه عيسى نبيهم ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم ، فلا بارك الله
فيكم ولا في دينكم ، فقال يزيد : اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده ، فلما
أحس النصراني بذلك قال له : اتريد ان تقتلني؟ قال : نعم ، قال : اعلم اني رأيت
البارحة نبيكم في المنام يقول : يا نصراني أنت من أهل الجنة ، فتعجبت من كلامه ،
وأنا أشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ، ثم وثب الى رأس الحسين عليهالسلام
فضمه الى صدره وجعل صدره يقبله ويبكي حتى قتل.
وخرج زين العابدين
عليهالسلام يوما يمشي في أسواق دمشق ، فاستقبله المنهال بن عمرو ،
فقال له : كيف امسيت يا ابن رسول الله؟ قال : أمسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون
يذبحون ابناءهم ويستحيون نسائهم ، يا منهال امست العرب تفتخر على العجم بان محمدا
عربي ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها ، وامسينا معشر أهل بيته
ونحن
مغصوبون مقتولون
مشردون ، انا لله وأنا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال ، ولله در مهيار حيث قال
:
يعظمون له أعواد
منبره
|
|
وتحت أرجلهم
أولاده وضعوا
|
بأي حكم بنوه
يتبعونكم
|
|
وفخركم انكم صحب
له تبع
|
ودعا يزيد يوما
بعلي بن الحسين عليهماالسلام وعمرو بن الحسن عليهالسلام ، وكان عمرو غلاما صغيرا يقال ان عمره احدى عشرة سنة ،
فقال له : أتصارع هذا يعني ابنه خالدا؟ فقال له عمرو : لا ولكن اعطني سكينا واعطه
سكينا ، ثم اقاتله ، فقال يزيد (شنشنة اعرفها من أخزم هل تلد الحية إلا حية).
وكان يزيد وعد علي
بن الحسين عليهماالسلام يوم دخولهم عليه ان يقضي له ثلاث حاجات ، فقال له : اذكر
حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن ، فقال له : الأولى : ان تريني وجه سيدي
ومولاي وأبي الحسين عليهالسلام فاتزود منه وانظر اليه وأودعه.
والثانية : ان ترد
علينا ما أخذ منا.
والثالثة : ان كنت
عزمت على قتلي ان توجه مع هؤلاء النساء من يردهن الى حرم جدهن صلىاللهعليهوآلهوسلم
، فقال : اما وجه أبيك فلن تراه
أبدا ، وأما قتلك فقد عفوت عنك ، واما النساء فما يردهن غيرك الى المدينة ، واما
ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته ، فقال عليهالسلام : أما مالك فلا نريده وهو موفر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ
منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ومقنعتها وقلادتها وقميصها ، فأمر برد ذلك وزاد فيه من
عنده مائتي دينار فأخذها زين العابدين وفرقها في الفقراء والمساكين وفي رواية ان
يزيد قال لعلي بن الحسين عليهماالسلام : ان شئت أقمت عندنا فبررناك ، وان شئت رددناك الى المدينة
، فقال : لا أريد الا المدينة.
ثم ان يزيد (لع)
أمر برد السبايا والأسارى الى المدينة ، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في
جماعة ، فلما بلغوا الى العراق قالوا للدليل : مر بنا على طريق كربلا ، فلما وصلوا
الى موضع المصرع وجدوا جابرا بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من
آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، فتوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم
وأقاموا المأتم ، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياما.
وعن كتاب بشارة
المصطفى وغيره بسنده عن الأعمش بن (عن خ ل) عطية العوفي ، قال : خرجت مع جابر بن
عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسين عليهالسلام ، فلما وردنا كربلا دنا جابر من شاطىء الفرات فاغتسل ثم
اتزر بازار وارتدى بآخر ، ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ، ثم لم يخط خطوة
إلا ذكر الله تعالى ، حتى إذا دنا من القبر قال: المسنيه فالمسته إياه ، فخر على
القبر مغشيا عليه ، فرششت عليه شيئا من الماء ، فلما أفاق قال : يا حسين ثلاثا ،
ثم قال : حبيب لا يجيب حبيبه ، ثم قال : وانى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على
أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك ، أشهد انك ابن خير النبيين ، وابن سيد المؤمنين ،
وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكسا ، وابن سيد النقبا ، وابن
فاطمة سيدة النسا ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين ، وربيت في حجر
المتقين ، ورضعت من ثدي الايمان ، وفطمت بالاسلام ، فطبت حيا وطبت ميتا ، غير ان
قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ، ولا شاكة في حياتك ، فعليك سلام الله ورضوانه ،
وأشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.
ثم جال ببصره حول
القبر وقال : السلام عليكم ايتها الأرواح التي
حلت بفناء الحسين عليهالسلام وأناخت برحله ، أشهد انكم اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ،
وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم
اليقين ، والذي بعث محمدا بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطية (ابن عطية خ ل) : فقلت لجابر :
فكيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فرق بين رؤوسهم
وأبدانهم وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج ، فقال لي : يا عطية (يا ابن عطية خ ل)
سمعت حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يقول : من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم ، والذي بعث محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم
بالحق ان نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليهالسلام
وأصحابه ، قال عطية (ابن عطية : خ ل) : فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من
ناحية الشام فقلت يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام ، فقال جابر لعبده:
انطلق الى هذا السواد وأتنا بخبره ، فان كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا
لعلنا نلجأ الى ملجأ ، وان كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى ، قال : فمضى
العبد فما كان بأسرع من ان رجع وهو يقول : يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله ، هذا
زين العابدين قد جاء بعماته واخواته ، فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس الى
ان دنا من زين العابدين عليهالسلام
، فقال الإمام : أنت جابر؟ فقال : نعم يا ابن رسول الله ، فقال : يا جابر ههنا
والله قتلت رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا.
ثم انفصلوا من كربلا طالبين المدينة ،
قال بشير بن جذلم : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليهماالسلام
فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال : يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل
تقدر على شيء منه؟ قلت بلى يا ابن رسول الله اني لشاعر ، قال : فادخل المدينة وانع
أبا عبد الله ، قال
بشير : فركبت فرسي
وركضت حتى دخلت المدينة ، فلما بلغت مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :
يا أهل يثرب لا
مقام لكم بها
|
|
قتل الحسين
فادمعي مدرار
|
الجسم منه
بكربلاء مضرج
|
|
والرأس منه على
القناة يدار
|
ثم قلت : يا أهل المدينة هذا علي بن
الحسين مع عماته واخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله اليكم
اعرفكم مكانه ، قال : فما بقيت بالمدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن
مكشوفة شعورهن ، مخمشة وجوههن ، ضاربات خدودهن ، وهن يدعون بالويل والثبور ، ولم
يبق بالمدينة أحد إلا خرج وهم يضجون بالبكاء ، ، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ،
ولا يوما أمرّ على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وسمعت جارية تنوح على الحسين عليهالسلام
وتقول :
نعى سيدي ناع
نعاه فاوجعا
|
|
وأمرضني ناع
نعاه فافجعا
|
فعينيّ جواد
بالدموع واسكبا
|
|
وجودا بدمع بعد
دمعكما معا
|
على من دهى عرش
الجليل فزعزعا
|
|
فاصبح هذا المجد
والدين اجدعا
|
على ابن نبي
الله وابن وضيه
|
|
وان كان عنا
شاحط الدار اشسعا
|
ثم قالت : أيها
الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله عليهالسلام وخدشت منا قروحا لما تندمل ، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت :
انا بشير بن جذلم وجهني مولاي علي بن الحسين عليهماالسلام وهو نازل بموضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ونسائه ، قال : فتركوني مكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتى
رجعت اليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطأت رقاب
الناس حتى قربت من باب الفسطاط ، وكان علي بن الحسين عليهماالسلام داخلا ، فخرج معه خرقة يمسح بها دموعه وخلفه خادم معه كرسي
فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة ، وارتفعت
أصوات الناس
بالبكاء من كل ناحية يعزونه ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة ، فأومأ بيده ان اسكتوا
فسكنت فورتهم ، فقال :
خطبة زين العابدين عليهالسلام بالمدينة
الحمد لله رب
العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين بارىء الخلائق أجمعين ، الذي بعد
فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع
الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاظعة
الكاظة الفادحة الجائحة.
أيها القوم ان
الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الاسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله
وعترته وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان ، وهذه
الرزية التي لا مثلها رزية.
أيها الناس فأي
رجالات منكم يسرون بعد قتله ، أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ، أم أي عين منكم تحبس
دمعها وتضن عن انهمالها ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ،
والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج
البحار ، والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون.
يا أيها الناس أي
قلب لا ينصدع لقتله ، أم أي فؤاد لا يحن إليه ، أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي
ثلمت في الاسلام ولا يصم.
أيها الناس أصبحنا مطرودين ، مشردين ،
مذودين ، شاسعين عن الأمصار ، كأنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا
مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين
ان هذا الا اختلاق ، والله لو ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم
في الوصاية بنا
لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فانا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها
وأوجعها وأفجعها ، وأكظها وأفظعها ، وأمرها وافدحها ، فعند الله نحتسب فيما اصابنا
وما بلغ بنا انه عزيز ذو انتقام.
فقام صوحان بن
صعصعة بن صوحان وكان زمنا ، فاعتذر اليه بما عنده من زمانة رجليه ، فأجابه بقبول
معذرته وحسن الظن فيه وترحم على أبيه.
ثم دخل زين
العابدين عليهالسلام الى المدينة فرآها موحشة باكية ، ووجد ديار أهله خالية
تنعى أهلها وتندب سكانها. ولنعم ما قال الشاعر :
مررت على أبيات
آل محمد
|
|
فلم ارها
أمثالها يوم حلت
|
فلا يبعد الله
الديار وأهلها
|
|
وان أصبحت منهم
برغم تخلت
|
وقال آخر :
ولما وردنا ماء
يثرب بعدما
|
|
اسلنا على السبط
الشهيد المدامعا
|
ومدت لما نلقاه
من ألم الجوى
|
|
رقاب المطايا
واستلانت خواضعا
|
وجرع كأس الموت
بألطف أنفس
|
|
كرام وكانت
للرسول ودائعا
|
وبدل سعد الشم
من آل هاشم
|
|
بنحس فكانوا
كالبدور طوالعا
|
وقفنا على
الاطلال نندب أهلها
|
|
اسى ونبكي
الخاليات البلاقعا
|
خاتمة فيها فصلان
فصل في مدفن رأس الحسين عليهالسلام
اختلفت الروايات
والأقول في ذلك على وجوه :
الأول : انه عند
أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام بالنجف ، ذهب اليه بعض علماء الشيعة استنادا الى أخبار
وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الأئمة عليهمالسلام وفي بعضها ان الصادق عليهالسلام قال لولده اسماعيل : انه لما حمل الى الشام سرقه مولى لنا
فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهذا القول مختص بالشيعة.
الثاني : انه مدفون
مع جسده الشريف وفي البحار انه المشهور بين علمائنا الإمامية ، رده علي بن الحسين عليهماالسلام انتهى. وفي اللهوف انه أعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف ،
وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه (انتهى). واعتمده هو أيضا في كتاب
الأقبال وقال ابن نما الذي عليه المعول من الأقوال : انه أعيد الى الجسد بعد ان
طيف به في البلاد ودفن معه (انتهى). وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد الى بدنه
بكربلا من الشام. وقال الطوسي : ومنه زيارة الأربعين وقال سبط بن الجوزي في تذكرة
الخواص : اختلفوا
في الرأس على أقوال أشهرها انه يعني يزيد رده الى المدينة مع السبايا ، ثم رد الى
الجسد بكربلا فدفن معه ، قاله هشام وغيره (انتهى). فهذا القول مشترك بين الشيعة
وأهل السنة.
الثالث : انه
مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين عليهالسلام رواه في الكافي بسنده عن الصادق عليهالسلام.
الرابع : انه دفن
بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة عليهاالسلام ، وان يزيد أرسله الى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن
عند أمه الزهراء عليهاالسلام ، وان مروان بن الحكم كان يومئذ بالمدينة فأخذه وتركه بين
يديه ، وقال :
يا حبذا بردك في
اليدين
|
|
ولونك الأحمر في
الخدين
|
والله لكأني انظر
إلى أيام عثمان ، حكاه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات.
الخامس : انه
بدمشق قال سبط بن الجوزي : حكى ابن أبي الدنيا قال : وجد رأس الحسين عليهالسلام في خزانة يزيد بدمشق ، فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس ، وكذا
ذكر البلادري في تاريخه ، قال : هو بدمشق في دار الامارة ، وكذا ذكر الواقدي أيضا (انتهى).
ويروى ان سليمان بن عبد الملك قال : وجدت رأس الحسين عليهالسلام في خزانة يزيد بن معاوية ، فكسوته خمسة أثواب من الديباج
وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته. وفي رواية انه مكث في خزائن بني أمية حتى
ولي سليمان بن عبد الملك ، فطلب فجيء به وهو عظم أبيض ، فجعله في سفط وطيبه وجعل
عليه ثوبا ودفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز
سأل عن موضعه فنبشه وأخذه والله اعلم ما صنع به. وقال بعضهم : الظاهر من دينه انه
بعث به
الى كربلا فدفنه
مع الجسد الشريف. وروى ابن نما عن منصور بن جمهور انه دخل خزانة يزيد لما فتحت
فوجد بها جونة حمراء ، فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجونة فانها كنز من كنوز
بني أمية ، فلما فتحها إذ فيها رأس الحسين عليهالسلام وهو مخضوب بالسواد ، فلفه في ثوب ودفنه عند باب الفراديس
عند البرج الثالث مما يلي المشرق (انتهى). أقول وكأنه هو الموضع المعروف الآن
بمسجد أو مشهد رأس الحسين عليهالسلام بجانب المسجد الأموي بدمشق وهو مشهد مشيد معظم.
السادس : انه
بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهور. حكى سبط بن الجوزي عن عبد الله بن عمر
الوراق أن يزيد لعنه الله قال : لأبعثنه الى آل أبي معيط عن رأس عثمان وكانوا
بالرفة ، فبعثه اليهم فدفنوه في بعض دورهم ، ثم ادخلت تلك الدار في المسجد الجامع
، قال : وهو إلى جنب سدرة هناك وعليه شبه النيل لا يذهب شتاء ولا صيفا.
السابع : انه بمصر
نقله الخلفاء الفاطميون من باب الفراديس الى عسقلان ، ثم نقلوه الى القاهرة ، وله
فيها مشهد عظيم يزار ، نقله سبط بن الجوزي ، أقول حكى غير واحد من المؤرخين ان
الخليفة العلوي بمصر أرسل الى عسقلان ، وهي مدينة كانت بين مصر والشام ، والآن هي
خراب ، فاستخرج رأسا زعم انه رأس الحسين عليهالسلام وجيء به إلى مصر ، فدفن فيها في المشهد المعروف الآن ، وهو
مشهد معظم يزار والى جانبه مسجد عظيم رأيته في سنة احدى وعشرين بعد الثلاثمائة
وألف ، والمصريون يتوافدون الى زيارته أفواجا رجالا ونساء ويدعون ويتضرعون عنده.
وأخذ العلويين لذلك الرأس من عسقلان ودفنه بمصر كأنه لا ريب فيه ، لكن الشأن في
كونه رأس الحسين عليهالسلام.
فصل وجه خروج الحسين عليهالسلام الى الكوفة
ومما يدل على ان
الحسين عليهالسلام كان موطنا نفسه على القتل وظانا أو عالما في بعض الحالات
بأنه يقتل في سفره ذلك خطبته التي خطبها حين عزم على الخروج الى العراق التي يقول
فيها :
خط الموت على ولد
آدم ... الخ ، فان أكثر فقراتها يدل على ذلك.
ونهي عمر بن عبد
الرحمن بن الحارث بن هشام له بمكة عن الخروج وإقامته البرهان على أن ذلك ليس من
الرأي بقوله : انك تأتي بلدا فيه عماله وامراؤه ومعهم بيوت الأموال ، وإنما الناس
عبيد الدينار والدرهم ، فلا آمن عليك ان يقتلك من وعدك نصره ومن أنت أحب إليه ممن
يقاتلك معه ، وعدم أخذ الحسين عليهالسلام بقوله : مع اعتذاره اليه واعترافه بنصحه.
ونهي ابن عباس له
أيضا محتجا بنحو ذلك من ان الذين دعوه لم يقتلوا أميرهم وينفوا عدوهم ويضبطوا
بلادهم ، بل دعوه وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم ، فكأنهم دعوه الى
الحرب ولا يؤمن ان يخذلوه
ويكونوا أشد الناس
عليه ، ومعاودته للنهي ذاكرا له نحوا من ذلك ومشيرا عليه باليمن ، فلم يقبل ،
وجوابه لمحمد بن الحنفية حين أشار عليه بعدم الخروج الى العراق فوعده النظر ثم
ارتحل في السحر ، فسأله ابن الحنفية فقال له الحسين عليهالسلام
: أتاني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
بعدما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فان الله قد شاء ان يراك قتيلا ، قال : ما معنى
حملك هذه النسوة معك؟ قال : ان الله قد شاء ان يراهن سبايا.
وقول ابن عمر له
حين نهاه عن الخروج فأبى : انك مقتول في وجهك هذا ، فانه دال على أن ظاهر الحال
كان كذلك ، وما ظهر لابن عمر ما كان ليخفى على الحسين عليهالسلام.
وقول الفرزدق له :
قلوب الناس معك وأسيافهم عليك وقول بشر بن غالب له : اني خلفت القلوب معك والسيوف
مع بني أمية ، وتصديق الحسين عليهالسلام له.
ونهي عبد الله بن جعفر له وقوله : إني
مشفق عليك من هذا الوجه ان يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، وقول الحسين عليهالسلام
له : اني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، وامتناعه من ان يحدث بتلك الرؤيا.
ونهي عبد الله بن
مطيع له وقوله : والله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك واباء الحسين عليهالسلام الا ان يمضي.
وقول الاعراب له :
انا لا نستطيع ان نلج ولا نخرج القاضي باستيلاء بني أمية استيلاء تاما وخطورة
الأمر.
واخبار اخته زينب عليهاالسلام بما سمعته حين نزل الخزيمية. وما رآه في منامه بالثعلبية
وقوله لأبي هرة : وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية ونظره الى بني
عقيل حين أخبره
الأسديان بقتل مسلم وهاني وأشارا عليه بالرجوع ، وأخبراه انه ليس له بالكوفة ناصر
بل هم عليه ، وقوله لهم : ما ترون فقد قتل مسلم وامتناعهم عن الرجوع حتى يموتوا أو
يدركوا أثارهم ، وقوله للأسديين : لا خير في العيش بعد هؤلاء.
والحمد لله الذي
وفق لجمع هذا الكتاب المميز بين القشر واللباب ، والحاوي من شوارد الأخبار ما لم
يجتمع مثله في كتاب ، مع مراعاة الحد الوسط بين الايجاز والأطناب ، والقارىء
المصنف يعلم امتيازه عن غيره مما صنف في هذا الباب ، فاسأله تعالى ان يكون وسيلة
لشفاعة الحسين وجده وأبيه وأهل بيته عليهمالسلام في يوم الحساب ، وأمنا من العقاب ، وزيادة في الثواب.
وقد فرغ من تسويده جامعه العبد الجاني
على نفسه محسن ابن المرحوم السيد عبد الكريم الحسيني العاملي نزيل دمشق الشام ،
عفى الله عن جرائمه ، عصر يوم الجمعة المبارك الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام
، الذي هو من شهور سنة تسع وعشرين بعد الألف وثلاثمائة من هجرة سيد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ببلدة دمشق الشام صانها الله عن طوارق الحدثان ، والحمد لله وحده.
وصلى الله على
سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
الفهرس
مقدمة الناشر.................................................................... ٥
فاتحة الكتاب.................................................................... ٧
من فضائل الحسين عليهالسلام.......................................................... ٩
من أدب الحسين
عليهالسلام.......................................................... ١٧
المقصد الأول : في الأمور المتقدمة على
القتال...................................... ٢١
مقتل مسلم وهاني.............................................................. ٥٥
المقصد الثاني : في صفة القتال.................................................... ٨١
المقصد الثالث : في الأمور المتأخرة عن
قتله....................................... ١٤٧
خطبة زينب بنت أمير المؤمنين عليهماالسلام بالكوفة.................................... ١٥٣
خطبة فاطمة الصغرى عليهاالسلام بالكوفة............................................ ١٥٤
خطبة أم كلثوم عليهاالسلام بالكوفة................................................... ١٥٧
خطبة علي بن الحسين عليهالسلام بالكوفة............................................ ١٥٧
خطبة زينب عليهاالسلام بالشام...................................................... ١٧٣
من خطبة لزين العابدين عليهالسلام بالشام............................................ ١٧٩
من خطبة زين العابدين عليهالسلام بالمدينة............................................. ١٨٧
خاتمة فيها فصلان : فصل في مدفن رأس
الحسين عليهالسلام............................ ١٨٩
الفهرس...................................................................... ١٩٧
|