


المقدّمة
بسم اللّٰه
الرحمن الرحيم
الحمد للّٰهعلى نعمائه وآلائه ،
والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه ولا سيّما سيّدهم وخاتمهم محمّد المصطفى ، وعلى
آله المطهّرين الذين أذهب اللّٰه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
لا يخفى على الباحثين سعة الفقه الشيعي
الإمامي وشموليّته ودقّته بالرغم من كلّ الصعوبات والتحدّيات التي واجهها من قبل
السلطات الحاكمة على طول التاريخ؛ ولمميّزاته الخاصّة وقف شامخاً أمامها وأمام
المدارس الفقهيّة الاُخرى بل والمدارس الوضعيّة أيضاً.
ونتيجة للتطوّر السريع في نواحي الحياة
كافّة جاءت الحاجة إلى حركة جديدة في عرض التراث الفقهي بما يواكب روح هذا العصر
وذوقه ليوطّد الأواصر بينه وبين القرّاء والباحثين.
وقد شهدت ساحة التحقيق والتأليف الفقهي
في السنوات الأخيرة نهضة سريعة ساهم فيها مجمع الفكر الإسلامي ـ إضافة إلى نشاطاته
الاُخرى في حقول المعارف الإسلاميّة ـ إسهاماً بارزاً يُكشف من خلال مجموعة آثار
انبثقت عنه ، نذكر منها : تحقيق ونشر تراث الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره ، وتحقيق
هذا الكتاب : «الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» لعلمين من أعلام الفقه
الإمامي هما الشهيدان
رضوان اللّٰه تعالى عليهما اللذان لهما الفضل الكبير في تنمية هذا العلم
وإعلاء منزلته.
وعلى الرغم من تحقيق وطبع الكتاب بسعي
واهتمام بعض العلماء إلّاأنّ اُسرة المجمع رأت تجديد تحقيقه وطبعه لدواعٍ
سيتبيّنها القارئ عند مراجعته ، وسنشير إليها عند الحديث عن مميّزات تحقيقنا.
فنشكر جميع من ساهم في تحقيق وإخراج
الكتاب ، ونسأل اللّٰه تعالى أن يمنّ عليهم وعلينا بمزيد من التوفيق في خدمة
الدين الحنيف ، إنّه خير معين.
الشهيد الأوّل
أبو عبد اللّٰه شمس الدين محمّد
بن مكّي العاملي
، المعروف بالشهيد ، والشهيد الأوّل .
ولد في جزين بجبل عامل في لبنان سنة ٧٣٤ ه
، في بيت علمٍ وتقوى ، وكان والده من علماء عصره.
قطع شوطاً علميّاً في بلده ، ورحل إلى
كثير من معاهد العلم في الأقطار الإسلاميّة ، مثل : الحلّة ، وبغداد ، ودمشق ،
ومكّة المكرّمة ، والمدينة المنوّرة ، وبيت المقدس ، والخليل ، ومصر ، والتقى
علماءها ، إلّاأ نّه بقي في الحلّة أكثر من غيرها على ما يبدو؛ لأنّها كانت معهداً
كبيراً للعلوم الإسلاميّة ، وخاصّة في المذهب الشيعي الإمامي ، وقد تخرّج فيها
كبار فقهائهم ، مثل : ابن إدريس ، والمحقّق ، والعلّامة الحلّي وولده فخر الدين ،
وغيرهم.
أدرك جماعة من تلامذة العلّامة الحلّي ،
وكان أفضلهم ولده فخر الدين ـ فخر المحقّقين ـ فتربّى على يديه تربية علميّة
وروحيّة عالية جدّاً ، وكانت للشهيد منزلة عظيمة عنده ، حتّى قال في إجازته له : «مولانا
الإمام العلّامة
____________________
الأعظم ، أفضل علماء
العالم ، سيّد فضلاء بني آدم ، مولانا شمس الحقّ والدين محمّد بن مكّي بن محمّد بن
حامد أدام اللّٰه أيّامه» .
وقال فيه أيضاً : «استفدت منه أكثر ممّا استفاد منّي» .
وفخر الدين بمكانته العلميّة وورعه وتقواه لا يقول جزافاً.
امتاز الشهيد الأوّل بدقّة نظره وعمقه ،
وإحاطته بالفروع الفقهيّة ومصادرها من الكتاب والسنّة ، وتركيزه في كتبه الفقهيّة
على الفقه الإمامي رغم إحاطته الكاملة بفقه سائر المذاهب الإسلاميّة.
ومن مميّزاته أيضاً تدوين كتاب «القواعد
والفوائد» لاشتماله على كثير من القواعد الفقهيّة ، والاُصوليّة ، وقواعد اللغة ،
وقد أشار إليه في إجازته لابن الخازن بقوله : «لم يعمل للأصحاب مثله»
، وحذا حذوه تلميذه الفاضل المقداد فنظمه وسمّاه ب «نضد القواعد الفقهيّة» ؛
والشهيد الثاني فأ لّف «تمهيد القواعد» ، ثمّ هكذا من تأخّر عنهم.
وتخرّج عليه جماعة من العلماء والفقهاء
متأثّرين بمنهجه في بحوثه الفقهيّة.
ولم يقتصر تفوّقه على الفقه والاُصول ،
بل امتدّ إلى سائر حقول المعرفة الإسلاميّة والأدبيّة ، كما يظهر لمن تتبّع ذلك في
تأليفاته.
واعترف بفضله وتفوّقه كلّ من ترجم له ،
فقال عنه أحد مشايخه من العامّة ، وهو شمس الدين الجزري : «شيخ الشيعة والمجتهد في
مذهبهم ... وإمام في الفقه ،
____________________
والنحو ، والقراءة.
صحبني مدّة مديدة فلم أسمع منه ما يخالف السنّة» .
وقال المحقّق الكركي : «ملك العلماء ،
علم الفقهاء ، قدوة المحقّقين والمدقّقين ، أفضل المتقدّمين والمتأخّرين» .
وقال أيضاً : «الرئيس الفائق بتحقيقاته
على جميع المتقدّمين» .
وبمثل هذه التعبيرات ترجمه الآخرون.
استقرّ في آخر حياته بموطنه جزين
مشتغلاً بتربية جيل من العلماء ومزاولة نشاطاته الاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة
العامّة رغم صعوبة الظروف السياسيّة التي كانت تحكم المنطقة آنذاك.
ولذلك وعوامل اُخرى حيكت ضدّه مؤامرات
من قبل حاسديه ، وتعرّض لمضايقة السلطات ومراقبتها وفرضت عليه الإقامة الجبريّة
مدّة عام واحد ، استشهد في التاسع من جمادى الاُولى سنة ٧٨٦ ه ، ثمّ صُلب ثمّ
اُحرق بأمر الحاكم في دمشق من قبل برقوق أحد مماليك مصر. فعليه السلام والرحمة
والرضوان يوم ولد ، ويوم استشهد ، ويوم يبعث حيّاً.
أساتذته ومشايخه في
الرواية :
أخذ وروى عن كبار علماء الشيعة وأهل
السنّة في مختلف البلاد ، وأجازه عديدون ، فمن الإماميّة :
١ ـ فخر المحقّقين محمّد بن حسن بن يوسف
الحلّي ، ولد العلّامة الحلّي (ت ٧٧١ ه) ، أجازه في الحلّة سنة ٧٥٦ ه.
____________________
٢ ـ السيّد عميد الدين عبد المطّلب بن
الأعرج الحسيني ، ابن اُخت العلّامة الحلّي (ت ٧٥٤ ه) ، أجازه في كربلاء والحلّة
سنة٧٥١ و ٧٥٢ ه.
٣ ـ السيّد تاج الدين محمّد بن القاسم
المعروف بابن مُعَيّة الديباجي الحلّي (ت ٧٧٦ ه) ، أجازه في الحلّة سنة ٧٥٣ و ٧٥٤
ه.
٤ ـ محمّد بن محمّد قطب الدين الرازي
البويهي (ت ٧٦٦ ه) ، حيث اتّفق اجتماع قطب الدين معه سنة ٧٦٦ ه بدمشق وأجازه في
السنة نفسها.
٥ ـ عليّ بن أحمد بن طرّاد المطارآبادي
(ت ٧٦٢ ه).
٦ ـ عليّ بن جمال الدين أحمد الحلّي
المعروف بابن المزيدي (ت ٧٥٧ ه).
٧ ـ السيّد أحمد بن أبي إبراهيم محمّد
بن زهرة الحلبي الحسيني.
٨ ـ السيّد محمّد بن أحمد بن أبي
المعالي الموسوي.
ومن أهل السنّة نحو أربعين شيخاً في
مكّة والمدينة وبغداد ودمشق وبيت المقدس ، منهم : إبراهيم بن جماعة وقاضي القضاة
عبد العزيز بن جماعة وعبد الصمد بن خليل البغدادي.
تلامذته والراوون عنه
:
استقلّ الشهيد الأوّل بالتدريس في
الحلّة وجزين ، كما مارسه في رحلاته إلى الحجاز ومصر وسورية وفلسطين ، فقرأ عليه
وروى عنه علماء كثيرون ، منهم :
١ ـ مقداد بن عبد اللّٰه السيوري
(الفاضل المقداد) (ت ٨٢٦ ه).
٢ ـ محمّد بن عبد العلي بن نجدة الكركي
، أجازه سنة ٧٧٠ ه.
٣ ـ عليّ بن حسن بن محمّد الخازن
الحائري ، أجازه في دمشق سنة ٧٨٤ ه.
٤ ـ محمّد بن علي بن موسى بن الضحّاك
الشامي.
٥ ـ علي بن بشارة العاملي الشقراوي
الحنّاط.
٦ ـ أحمد بن إبراهيم بن حسين الكرواني.
٧ ـ حسين بن محمّد بن هلال الكركي.
٨ ـ محمّد بن محمّد بن زهرة الحسيني
الحلبي.
٩ ـ حسن بن سليمان بن محمّد الحلّي.
١٠ ـ اُمّ الحسن فاطمة بنت الشهيد
الملقّبة ب (ستّ المشايخ).
مؤلّفاته :
ألّف الشهيد الأوّل في غضون عمره القصير
كتباً ورسائل كثيرة في مختلف العلوم الإسلاميّة كالفقه والاُصول والحديث والكلام ،
وفيما يلي سرد بأسمائها :
١ ـ أجوبة مسائل ابن نجم الدين
الأطراوي.
٢ ـ أجوبة مسائل الفاضل المقداد.
٣ ـ أحكام الأموات من الوصيّة إلى
الزيارة.
٤ ـ الأربعون حديثاً.
٥ ـ البيان.
٦ ـ تفسير الباقيات الصالحات.
٧ ـ جامع البين من فوائد الشرحين.
٨ ـ جواز إبداع السفر في شهر رمضان.
٩ ـ حاشية الذكرى.
١٠ ـ حاشية القواعد.
١١ ـ خلاصة الاعتبار في الحجّ
والاعتمار.
١٢ ـ الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة.
١٣ ـ ديوان.
١٤ ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة.
١٥ ـ الرسالة الألفيّة.
١٦ ـ الرسالة النفليّة.
١٧ ـ شرح قصيدة الشهفيني.
١٨ ـ العقيدة الكافية.
١٩ ـ غاية المراد في شرح نكت الإرشاد.
٢٠ ـ القواعد والفوائد.
٢١ ـ اللمعة الدمشقيّة في فقه
الإماميّة.
٢٢ ـ المجموعة.
٢٣ ـ المزار.
٢٤ ـ المسائل الأربعينيّة.
٢٥ ـ المسائل الفقهيّة.
٢٦ ـ المقالة التكليفيّة.
٢٧ ـ الوصيّة.
٢٨ ـ الوصيّة بأربع وعشرين خصلة.
اللمعة الدمشقيّة :
كتاب فقهي يشمل جميع الأبواب الفقهيّة.
ألّفه الشهيد الأوّل في سبعة أيّام
ولم يكن عنده غير المختصر النافع للمحقّق الحلّي ، فجاء متّسماً بالإحاطة
والاستيعاب والاختصار وحسن البيان.
ومن الطبيعي أن يمتاز الكتاب بالعمق
والمتانة؛ لأنّ الشهيد ألّفه في اُخريات حياته؛ ولذلك حظي باستقبال وافرٍ من قِبل
العلماء ، كانت حصيلته شروحاً وتعاليق كثيرة من أهمّها كتاب «الروضة البهيّة»
للشهيد الثاني.
الشهيد الثاني
الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد العاملي
المعروف بالشهيد الثاني. ولد
____________________
في ١٣ شوّال سنة ٩١١
ه ، بقرية جبع من قرى جبل عامل في لبنان
في بيت سادة العلم والتقوى عدّة قرون قبل ولادته وبعدها.
قرأ علوم اللغة والأدب العربي والفقه
على والده إلى أن توفّي سنة ٩٢٥ ه
، ثمّ انتقل إلى ميس ليتمّ دراسته عند الشيخ علي بن عبد العالي الكركي قدس سره.
ثمّ غادرها إلى كرك نوح ، ثمّ رجع إلى موطنه ، ثمّ غادره إلى دمشق ، ثمّ عاد إلى
موطنه ، وهكذا كانت له رحلات إلى مصر ، ومكّة المكرّمة ، والمدينة المنوّرة ،
والقسطنطينيّة ، والعتبات المقدّسة في العراق .
والتقى العلماء في كلّ هذه المواطن
وشاهد منهم التكريم والحفاوة البالغة ، وتعرّف المناهج الدراسيّة السائدة فيها؛
ولذلك كلّه وغيره امتاز الشهيد الثاني بكونه موسوعيّاً في دراسته ، استوعب كثيراً
من معارف عصره وثقافته ، كالأدب العربي ، والفقه ، والاُصول ، والفلسفة ، والتفسير
، والرياضيّات ، وغيرها .
وكانت له إحاطة كاملة بسائر المذاهب
الإسلاميّة ، بل كان يدرّسها في بعلبك بعد رجوعه من القسطنطينيّة .
كلّ ذلك كان سبباً في امتياز الشهيد
الثاني بالعمق في الفكرة والوضوح في التعبير ، والسلاسة في صياغة الألفاظ ، وحسن
السليقة في التبويب ، مضافاً إلى التنوّع في كتاباته ومؤلّفاته ، مع ما كان عليه
من الخوف والقلق من سفك دمه على
____________________
أيدي الطغاة.
فلا غرو أن يقول فيه الحرّ العاملي : «كان
فقيهاً نحويّاً قارئاً متكلّماً حكيماً جامعاً لفنون العلم ، وهو أوّل من صنّف من
الإماميّة في دراية الحديث ...»
هكذا عاش الشهيد حياته التي لم تتجاوز
العقد السادس حتّى حيكت له مؤامرة كما حيكت للشهيد الأوّل من ذي قبل ، فاُخذ من
مكّة المكرّمة مخفوراً إلى مركز الحكومة العثمانيّة ، واستشهد في الطريق
سنة ٩٦٥ أو ٩٦٦ ، فالسلام عليه والرحمة والرضوان يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث
حيّاً.
أساتذته :
قرأ قدس سره مختلف العلوم من فقه وحديث
وكلام وفلسفة و... على علماء كثيرين من الشيعة وأهل السنّة تجاوز عددهم العشرين ،
ومنحه أغلبهم إجازة الرواية عنه ، نذكر منهم :
١ ـ والده عليّ بن أحمد العاملي.
٢ ـ عليّ بن عبد العالي الميسي.
٣ ـ السيّد حسن بن جعفر الأعرجي الكركي.
٤ ـ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي.
٥ ـ محمّد بن عبد الرحمن البكري.
____________________
٦ ـ شمس الدين بن طولون الدمشقي
الشافعي.
٧ ـ شمس الدين محمّد بن مكّي.
٨ ـ شهاب الدين بن النجّار الحنفي.
تلامذته والراوون عنه
:
تتلمذ له وروى عنه عديد من الشخصيّات
العلميّة البارزة ، نتطرّق فيما يلي إلى أسماء بعضهم :
١ ـ الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي ،
والد الشيخ البهائي ، أجازه سنة ٩٤١ ه.
٢ ـ الشيخ عليّ بن زهرة الجبعي.
٣ ـ السيّد عليّ بن حسين العاملي ،
(والد صاحب المدارك).
٤ ـ السيّد عطاء اللّٰه بن بدر
الدين الحسيني الموسوي ، أجازه سنة ٩٥٠ ه.
٥ ـ الشيخ محمود بن محمّد اللاهيجاني ،
منحه إجازة الرواية.
٦ ـ السيّد علي بن الصائغ العاملي ،
أجازه سنة ٩٥٨ ه.
٧ ـ عليّ بن الحسن العودي الجزيني ، وهو
من تلامذته وخواصّه ، ألّف كتاباً في ترجمة اُستاذه سمّاه «بُغية المريد في الكشف
عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد».
٨ ـ سلمان بن محمّد العاملي ، أجازه سنة
٩٥٤ ه.
٩ ـ حسين بن مسلم العاملي ، ابن مشعر
العاملي.
مؤلّفاته :
خلّف الشهيد الثاني ما يناهز سبعين
كتاباً ورسالة قيّمة شكّل أغلبها ينبوعاً
ثرّاً للفقهاء العظام
، واُدرج بعضها في منهج التدريس الفقهي للأوساط العلميّة الشيعيّة. وقد فُقِد قسم
منها ، وطُبع آخر ، وبقي قسم ثالث مخطوطاً في مكتبات مختلفة ينتظر دوره لرؤية
النور.
والقائمة الآتية عرض لمجموعة ، منها :
١ ـ أجوبة المسائل السماكيّة.
٢ ـ أقلّ ما يجب معرفته من أحكام الحجّ
والعمرة.
٣ ـ بغية المريد مختصر منية المريد.
٤ ـ تحقيق الإجماع في زمن الغيبة.
٥ ـ تفسير البسملة ، فرغ منه سنة ٩٤٠ ه.
٦ ـ تمهيد القواعد الاُصوليّة
والعربيّة. ألّفه سنة ٩٥٨ ه.
٧ ـ التنبيهات العليّة على وظائف الصلاة
القلبيّة ، ألّفها سنة ٩٥١ ه.
٨ ـ حاشية الألفيّة ، ألّفها قبل سنة ٩٤٨
ه.
٩ ـ حاشية خلاصة الأقوال.
١٠ ـ رسالة في عدم جواز تقليد الميّت ، ألّفها
سنة ٩٤٩ ه.
١١ ـ رسالة في عشرة مباحث من عشرة علوم.
١٢ ـ رسالة في النيّة.
١٣ ـ رسالة في وجوب صلاة الجمعة ، ألّفها
سنة ٩٥٢ ه.
١٤ ـ روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ،
فرغ من بعضه سنة ٩٤٩ ه.
١٥ ـ الروضة البهيّة في شرح اللمعة
الدمشقيّة ، فرغ منها سنة ٩٥٧ ه.
١٦ ـ شرح البداية في علم الدراية ، ألّفه
سنة ٩٥٩ ه.
١٧ ـ غنية القاصدين في معرفة اصطلاح
المحدّثين.
١٨ ـ الفوائد المليّة لشرح الرسالة
النفليّة.
١٩ ـ كشف الريبة عن أحكام الغيبة ، ألّفه
سنة ٩٤٩ ه.
٢٠ ـ مبرّد الأكباد مختصر مسكّن الفؤاد.
٢١ ـ مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع
الإسلام.
٢٢ ـ مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبّة
والأولاد ، ألّفه سنة ٩٥٤ ه.
٢٣ ـ المقاصد العليّة في شرح الرسالة
الألفيّة.
٢٤ ـ منار القاصدين في أسرار معالم
الدين.
٢٥ ـ مناسك الحجّ والعمرة ، ألّفه سنة ٩٥٠
ه.
٢٦ ـ منية المريد في أدب المفيد
والمستفيد ، ألّفها سنة ٩٥٤ ه.
٢٧ ـ نيّات الحجّ والعمرة.
نحن والروضة البهيّة
:
من أشهر مصنّفات الشهيد الثاني كتاب «الروضة
البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة» ، وهو شرح مزجي للّمعة الدمشقيّة ، يمتاز
باستيعاب المطالب وشمولها مع الاحتفاظ بالاختصار وسلاسة التعبير وتجنّب التعقيد.
أشار فيه إلى بعض الأدلّة وانتقد ـ عند
الحاجة ـ رأي الشهيد الأوّل ، وذكر رأيه الخاصّ أو بعض الآراء أحياناً ، انتهى من
تأليفه سنة ٩٥٧ ه.
ولقد حظي الكتاب باستقبال العلماء
والطلبة له منذ بداية ظهوره ، وصار منهجاً دراسيّاً على مدى عدّة قرون حتّى يومنا
هذا؛ ولذلك غدا محوراً لشروح العلماء وتعاليقهم عليه ، ومن أهمّ تلك الشروح
والتعاليق :
«المناهج السويّة» للشيخ محمّد الفاضل
الإصفهاني (ت ١١٣٧ ه).
حاشية جمال الدين محمّد بن حسين
الخوانساري.
التعليقة الأنيقة لمحمّد عباس بن علي
أكبر الموسوي التستري (ت ١٣٠٦ ه).
حاشية الملّا أحمد التوني (ت ١٠٧١ ه).
حاشية السيّد محمّد جواد العاملي صاحب
مفتاح الكرامة (ت ١٢٢٦ ه).
حاشية السيّد حسين بن محمّد المرعشي ،
سلطان العلماء (ت ١٠٦٤ ه).
حاشية المؤلّف نفسه على الروضة وهي التي
أدرجناها في هامش الكتاب.
حاشية محمّد صالح بن أحمد المازندراني
(ت ١٠٨٦ ه) .
____________________
تحقيق الكتاب
اعتمد منهجنا في تحقيق شرح اللمعة
الدمشقيّة على محاور أساسيّة هي :
مقابلة النسخ الخطّيّة ، وتخريج المصادر
، ومراجعتها ، وتقويم النصوص ، والمراجعة النهائيّة. وشكّلنا لجاناً تتولّى السير
على النهج الذي ارتأيناه.
وفي السطور الآتية تفصيل لبعض ما
أجملناه عن طريقة التحقيق :
أوّلاً ـ النسخ
الخطّيّة :
قسّمنا مخطوطات الكتاب إلى قسمين :
أحدهما يتعلّق بمتن اللمعة ، والآخر بشرحها. فقوبل المتن بنسختي مكتبة الإمام
الرضا عليه السلام بمدينة مشهد ، وهما :
١ ـ المخطوطة المستنسخة بتاريخ ٨٤٩ ه ،
ورمزنا لها ب «ق».
٢ ـ المخطوطة المستنسخة بتاريخ ٩٠٧ ه ،
ورمزنا لها ب «س».
ولا تمتاز إحداهما على الاُخرى سوى أنّ «ق»
متقدّمة بتاريخ استنساخها ، و «س» أوفق مع المتن المصاحب لنسخ الشرح.
وقوبل شرح المتن بثلاث نسخ خطّية وطبعة
حجريّة واحدة. والتوضيح التالي يبيّن أهمّ خصائصها :
١ ـ مخطوطة مكتبة آية اللّٰه
السيّد المرعشي العامّة في قم برقم ٨٩٠٣ ، وتاريخ استنساخها هو يوم السبت من
العشرة الأخيرة لشهر ذي القعدة الحرام سنة ١٠٨٠ ه. ورمزنا لها ب «ع». وتمتاز بأ
نّها :
أ ـ كاملة وذات خطّ جيّد مقروء.
ب ـ مقابلة بدقّة مع نسخة المؤلّف استناداً
إلى مواضع متعدّدة منها صرّحت
بذلك ، ولا سيّما في
الورقة ١٦٥ من آخر الجزء الأوّل؛ لذلك قلّت أخطاؤها ، واعتمدنا عليها أكثر من سائر
النسخ.
ج ـ تحتوي هوامشها على حواشي المؤلّف
بإنشائه مختومة برمز (منه رحمه الله) ، كما جاء فيها أحياناً حاشية سلطان العلماء
وغيره.
٢ ـ مخطوطة مكتبة السيّد المرعشي
العامّة برقم ١٠٠٩٣، ولا يُعلم تاريخ استنساخها ، واُشير في آخرها إلى تاريخين :
أحدهما يتعلّق بكتابة شرح اللمعة ، وهو يوم الثلاثاء٦ جمادى الثانية سنة ٩٥٦ ه ،
والآخر يتعلّق بكتابة هوامشها ، وهو يوم السبت ٢٢ شهر رمضان سنة ١١٣٠ ه. ورمزنا
لها ب «ش». وتمتاز بأ نّها :
أ ـ تشتمل على الجزء الأوّل لشرح اللمعة
من كتاب الطهارة إلى المساقاة.
ب ـ مكتوبة وفقاً لمخطوطة مستنسخة على
الأصل ، ومقروءة على المؤلّف ، وقارئها ولده الشيخ حسن صاحب المعالم.
ج ـ تحتوي على خطأ وسهو في الاستنساخ؛
لأنّها غير مقابلة بنسخة المؤلّف ، وهي أقلّ اعتباراً ووثاقة من نسخة «ع».
٣ ـ مخطوطة مكتبة الإمام الرضا عليه
السلام برقم ٢٧٦٩ ، مستنسخة في شهر جمادى الثانية سنة ١١٠٧ ه ، ولم نعتبرها
مخطوطة مستقلّة فهي مكمّلة للنسخة السابقة؛ لذلك رمزنا لها ب «ش» أيضاً. وتمتاز
بأ نّها :
أ ـ تشتمل على الجزء الثاني لشرح اللمعة
من كتاب الإجارة إلى النهاية.
ب ـ مكتوبة وفقاً لنسخة معتمدة ،
ومقابلة بها ، ومقروءة على العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي الذي أجاز
لقارئها روايتها عنه.
٤ ـ مخطوطة مكتبة المدرسة الفيضيّة في
قم المقدّسة ، وتاريخ استنساخ جزئها الأوّل هو يوم الثلاثاء غرّة جمادى الاُولى
سنة ١٠٦٠ ه ، ورمزنا لها
ب «ف». وتمتاز بأ
نّها :
أ ـ كاملة ذات جزأين وبخطّ مقروء
نسبيّاً وخالية من الهوامش إلّانادراً.
ب ـ مكتوبة وفقاً لنسخة مقروءة على
المصنّف.
٥ ـ الطبعة الحجريّة المتداولة في
الحوزات العلميّة ، وقد طبعت لأوّل مرّة بمدينة تبريز سنة ١٢٩١ ه بالقطع الرحلي
مشحونة بالحواشي وبخطّ عبد الرحيم ابن محمّد تقي. ورمزنا لها ب «ر».
ثانياً ـ السمات
الأساسيّة لخطّة العمل :
برزت بعض الملاحظات المهمّة خلال عمليّة
تحقيق الكتاب ، تشكّل بمجموعها السمات الأساسيّة التي أضفت على عملنا طابعه الخاصّ
به ، وهي :
١ ـ امتازت نسخ الكتاب بقلّة الاختلاف
بينها ، وهو شيء لافت للنظر لم نعثر على نظيره طوال عملنا في تحقيق المصنّفات
التراثيّة.
٢ ـ اكتفينا بالنسخ المذكورة لشرح
اللمعة؛ لأنّها الأفضل على ما يبدو ، وأنّ تكثير النسخ ودرج الاختلاف بينها موجب
لتحيّر القارئ وارتيابه ولإتلاف الوقت والجهد.
٣ ـ اتّخذنا الاعتدال منهجاً في الإشارة
إلى اختلاف النسخ ، فتجنّبنا ذكر الاختلافات اليسيرة والأخطاء الواضحة أو
المظنونة.
٤ ـ رجّحنا ما وافق النسخة «ق» و «س» عند
العثور على اختلاف في المتن المصاحب لنسخ الشرح ، وذكرنا المرجوح في الهامش إذا لم
يثبت خطؤه. وإن كان الاختلاف بين «ق» و «س» أنفسهما نستند إلى ما جاء في نسخ
الشرح.
٥ ـ أشرنا إلى الاختلاف بين نسختي المتن
وهما «ق» و «س» بعلامة * تمييزاً من نسخ الشرح المشار إليها بالأرقام.
٦ ـ قلنا : إنّ نسخة «ع» هي الأصل
المعتمد لدينا ، ورجّحنا في موارد كثيرة ما وافق هذه النسخة إلّافي الخطأ المظنون
ومخالفة قواعد اللغة العربيّة السليمة ، فأثبتنا في المتن ما لم يخالفها.
كما رجّحنا أحياناً بعض ما جاء في سائر
النسخ لأسباب أدبيّة وبلاغيّة. وأنزلنا إلى الهامش ما انفردت به وكان مرجوحاً
لدينا.
٧ ـ لم نذكر ما انفردت النسخ الاُخرى به
غير «ع» ، وإن كان صحيحاً ، إلّا إذا كان مغيّراً للمعنى.
٨ ـ ثبّتنا في هامش كتابنا حواشي
المؤلّف الموجودة في «ع» مع رمزها وهو (منه رحمه الله) ؛ لأنّنا مطمئنّون
بانتسابها إلى المؤلّف ، وأهملنا الحواشي المنسوبة إلى المؤلّف في الطبعة الحجريّة
على كثرتها؛ لشكّنا في صدورها عنه.
٩ ـ فصّلنا بعض الموارد المجملة في
الكتاب ، وذلك بالاعتماد على سائر كتب الشهيد الثاني أو على مصادر اُخرى ، ومن
نماذجه المهمّة هي أنّ الشارح رمى كثيراً من الروايات بضعف السند دون بيان علّته ،
فأثبتنا علّة ذلك ووضّحناها.
١٠ ـ ظفرنا ببعض ما كتبه الشيخ محمّد
الفاضل الإصفهاني في المناهج السويّة من تعليقات على الشرح ابتداءً من بحث الطهارة
إلى آخر الصوم ، وأدرجنا في هذا الكتاب قسماً منها.
١١ ـ زوّدنا نسختنا المحقّقة بهوامش
توضيحيّة وفقاً لما تقتضيه الضرورة؛ تسهيلاً لفهم عبارات الكتاب.
ثالثاً ـ مراحل
التحقيق والمتصدّون له :
١ ـ المقابلة والمشاركون فيها :
يتركّز العمل في هذه المرحلة على مقابلة
المخطوطات ببعضها ، وتسجيل الاختلافات بينها في النسخة المعتمدة.
وأنجزت هذه المهمّة اللجنة الآتية :
أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد
الشفيعي.
ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد
تقي الراشدي.
ج ـ الشيخ صادق الحسّون.
د ـ الأخ رعد المظفّر.
٢ ـ تخريج المصادر والمشاركون فيه :
وهنا يتمّ تخريج مصادر النصوص من آياتٍ
وروايات وأقوال مختلفة ، وتدوين عناوينها في الهامش.
وتشكّلت اللجنة التي اُوكل إليها هذا
العمل من :
أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد علي
الموسوي.
ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد
الشفيعي.
ج ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حافظ
موسى زاده.
د ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد يحيى
الحسيني الأراكي.
ه ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ صادق
الكاشاني.
و ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة
اللّٰه الرحمتي الأراكي.
٣ ـ مراجعة التخريج والمشاركون فيها :
خلاصة العمل في هذه المحطّة هو مراجعة
التخريجات المختلفة بدقّة للتأكّد من سلامتها ، وإكمال ما تبقّى منها.
وأعضاء لجنة المراجعة هم :
أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة
اللّٰه الرحمتي.
ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ صادق
الكاشاني.
ج ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد
باقر حسن پور.
د ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد
الشفيعي.
ه ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد علي
الموسوي.
و ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد
حسين الأحمدي.
ز ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد يحيى
الحسيني الأراكي.
ح ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حافظ
موسى زاده.
ط ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد
محمّد رضي الحسيني الإشكوري.
٤ ـ تقويم النصوص
والمشاركون فيه :
والهدف الحسّاس في المرحلة الرابعة هو
تقويم نصوص الكتاب ، وتصحيحها من خلال مجموع النسخ ، والإشارة إلى مواضع الاختلاف؛
كلّ ذلك للتوصّل إلى أقرب صورة للنصّ الأصلي.
وتأ لّفت لجنة التقويم من :
أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة
اللّٰه الرحمتي الأراكي.
ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد
حسين الأحمدي.
٥ ـ المراجعة النهائية للكتاب :
والمتوخّى هنا هو التأكّد من سلامة سير
مراحل العمل ، ومن دقّة العمل نفسه كوحدة واحدة.
وتولّى ذلك حجّة الإسلام والمسلمين
الشيخ مجتبى المحمودي ، وساعده كلّ من :
أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حافظ
موسى زاده.
ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين السيّد
محمّد رضي الحسيني الإشكوري.
ج ـ الأخ صلاح العبيدي.
كما نوجّه شكرنا الوافر إلى من قام
بإعداد مقدّمة الكتاب ، وهم :
أ ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد
علي الأنصاري.
ب ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ أمر
اللّٰه الشجاعي.
ج ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة
اللّٰه الرحمتي الأراكي.
د ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ صادق
الكاشاني.
ه ـ الأخ صلاح العبيدي.
في نهاية المطاف نشير إلى أنّ غايتنا
الأساسيّة في عملنا هذا ـ بعد نيل رضا البارئ جلّ جلاله ـ هي عرض تراثنا الفقهي
بأدقّ وأفضل صورة تتوصّل إليها جهودنا المحدودة ، ولا نحسب أنّنا بلغنا أقصى درجات
الكمال والسلامة من النقص والخطأ ، فإن سُجّل علينا بعض ما يخلّ بتلك الدقّة فنرجو
تنبيهنا إليه لنتفاداه في الطبعات اللاحقة إن شاء اللّٰه.
كما نرجو من المولى القدير سبحانه أن
يتقبّل شكرنا الجزيل لتوفيقه إيّانا ، ويتقبّل هذا العمل بقبول حسن ، ويظلّلنا
وكلّ المؤمنين برحمته ، إنّه سميع الدعاء.
مجمع الفكر الإسلامي
بسم اللّٰه
الرحمن الرحيم
الحمد للّٰهالذي شرح صدورنا
بلُمعةٍ
من شرائع الإسلام ، كافيةٍ في بيان
____________________
الخطاب ، ونوّر
قلوبنا من لوامع دروس الأحكام ، بما فيه تذكرةٌ وذكرى لاُولي الألباب ، وكرّمنا
بقبول منتهى نهاية الإرشاد وغاية المراد في المعاش والمآب.
والصلاة على من اُرسل لتحرير قواعد
الدين وتهذيب مدارك الصواب ، محمّدٍ الكامل في مقام الفخار ، الجامع من سرائر الاستبصار
للعجب العُجاب ، وعلى آله الأئمّة النجباء ، وأصحابه الأجلّة الأتقياء ، خير آلٍ
وأصحاب.
ونسألك اللّهم أن تنوّر قلوبنا بأنوار
هدايتك ، وتلحظ وجودنا بعين عنايتك ، إنّك أنت الوهّاب.
وبعد ، فهذه تعليقةٌ لطيفة وفوائد خفيفة
، أضفتها إلى المختصر الشريف والمولَّف المنيف ، المشتمل على اُمّهات المطالب
الشرعيّة ، الموسوم ب «اللُمعة الدمشقيّة» من مصنّفات شيخنا وإمامنا المحقّق
البَدل
النحرير
المدقّق ، الجامع بين منقبة العلم والسعادة ومرتبة العمل والشهادة ، الإمام السعيد
أبي عبد اللّٰه
____________________
الشهيد
محمّد بن مكّي ، أعلى اللّٰه درجته ، كما شرّف خاتمته.
جعلتها جاريةً له مجرى الشرح الفاتح
لمغلقه ، والمقيِّد لمطلقه ، والمتمِّم لفوائده ، والمهذِّب لقواعده ، ينتفع به
المبتدئ ، ويستمدّ منه المتوسّط والمنتهي ، تقرّبت بوضعه إلى ربّ الأرباب ، وأجبت
به ملتمس بعض فضلاء الأصحاب ـ أيّدهم اللّٰهتعالى بمعونته ، ووفّقهم لطاعته
ـ اقتصرت فيه على بَحْت
الفوائد ، وجعلتهما ككتابٍ واحد ، وسمّيته : «الروضة البهيّة في شرح اللُمعة
الدمشقيّة» سائلاً من اللّٰه جلّ اسمه أن يكتبه في صحائف الحسنات ، وأن
يجعله وسيلةً إلى رفع الدرجات ، ويُقرنه برضاه ، ويجعله خالصاً من شَوْب سواه ،
فهو حسبي ونعم الوكيل.
قال المصنّف ـ قدّس اللّٰه لطيفه
وأجزل تشريفه ـ :
(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)
«الباء» للملابسة ، والظرف مستقرٌّ حالٌ من ضمير «أبتدئ الكتاب» ، كما في «دخلتُ
عليه بثياب السفر» أو للاستعانة والظرف لغوٌ
كما في «كتبتُ بالقلم» والأوّل أدخل في التعظيم ، والثاني لتمام
____________________
الانقطاع؛ لإشعاره
بأنّ الفعل لا يتمّ بدون اسمه تعالى.
وإضافة «اسم» إلى «اللّٰه» تعالى
دون باقي أسمائه؛ لأنّها معانٍ وصفات ، وفي التبرّك بالاسم أو الاستعانة به كمال
التعظيم للمسمّى ، فلا يدلّ على اتّحادهما ، بل ربّما دلّت الإضافة على تغايرهما.
و «الرحمن الرحيم» اسمان بُنيا للمبالغة
من «رَحِمَ» ك «الغضبان» من «غَضِبَ» ، و «العليم» من «عَلِمَ». والأوّل أبلغ؛
لأنّ زيادة اللفظ تدلّ على زيادة المعنى ، ومختصٌّ به تعالى ، لا لأنّه من الصفات
الغالبة؛ لأنّه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع وليس كذلك ، بل لأنّ
معناه المنعم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها.
وتعقيبه ب «الرحيم» من قبيل التتميم ،
فإنّه لمّا دلّ على جلائل النعم واُصولها ، ذكر «الرحيم» ليتناول ما خرج منها.
(اللّٰهَ أحمَدُ) جَمَع بين التسمية والتحميد في
الابتداء جرياً على قضيّة الأمر في كلّ أمرٍ ذي بال
فإنّ الابتداء يعتبر في العرف ممتدّاً من حين الأخذ في التصنيف إلى الشروع في
المقصود ، فيقارنه التسمية والتحميد ونحوهما؛ ولهذا يقدّر الفعل المحذوف في أوائل
التصانيف «أبتدئ» سواء اعتبر الظرف مستقرّاً أم لغواً؛ لأنّ فيه امتثالاً للحديث
لفظاً ومعنىً ، وفي تقدير غيره معنىً فقط.
وقدّم التسمية اقتفاءً لما نطق به
الكتاب واتّفق عليه اُولو الألباب.
وابتدأ في اللفظ باسم «اللّٰه»
لمناسبة مرتبته في الوجود العيني؛ لأنّه الأوّل فيه ، فناسب كون اللفظي ونحوه كذلك
، وقدّم ما هو الأهمّ وإن كان حقّه التأخّر
____________________
باعتبار المعموليّة؛
للتنبيه على إفادة الحصر على طريقة : (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ).
ونَسَبَ الحمد إليه تعالى باعتبار لفظ «اللّٰه»
لأنّه اسمٌ للذات المقدّسة ، بخلاف باقي أسمائه تعالى؛ لأنّها
صفات كما مرّ؛ ولهذا يُحمل عليه ولا يُحمل على شيءٍ منها ، ونسبة الحمد إلى الذات
باعتبار وصف تُشعر بعلّيّته.
وجَعَلَ جملة الحمد فعليّةً لتجدّده
حالاً فحالاً بحسب تجدّد المحمود عليه. وهي خبريّة لفظاً إنشائيّةٌ معنىً للثناء
على اللّٰه تعالى بصفات كماله ونعوت جلاله ، وما ذكر فردٌ من أفراده.
ولمّا كان المحمود مختاراً مستحقّاً
للحمد على الإطلاق اختار الحمد على المدح والشكر.
(استتماماً لنعمته) نصب على المفعول له ، تنبيهاً على كونه
من غايات الحمد. والمراد به هنا الشكر؛ لأنّه رأسُه
وأظهر أفراده ، وهو ناظر إلى قوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ)
لأنّ الاستتمام طلب
التمام ، وهو مستلزم للزيادة ، وذلك باعث على رجاء المزيد ، وهذه اللفظة مأخوذةٌ
من كلام عليّ عليه السلام في بعض خطبه .
و «النعمة» هي المنفعة الواصلة إلى
الغير على جهة الإحسان إليه ، وهي موجبة للشكر المستلزم للمزيد. ووحّدها للتنبيه
على أن نعم اللّٰه تعالى أعظم من
____________________
أن تُستتمّ على عبدٍ؛
فإنّ فيضه غير متناهٍ كمّاً ولا كيفاً ، وفيها يتصوّر طلب تمام النعمة التي تصل
إلى القوابل بحسب استعدادهم.
«والحمد فضله»
أشار إلى العجز عن القيام
بحقّ النعمة؛ لأنّ الحمد إذا كان من جملة فضله فيستحقّ عليه حمداً وشكراً ، فلا
ينقضي ما يستحقّه من المحامد؛ لعدم تناهي نعمه.
و «اللام» في «الحمد» يجوز كونه : للعهد
الذكري وهو المحمود به أوّلاً ، والذهني الصادر عنه أو عن جميع الحامدين ،
وللاستغراق لانتهائه مطلقاً إليه بواسطةٍ أو بدونها فيكون كلّه قطرة من قطرات بحار
فضله ونفحة
من نفحات جوده ، والجنس وهو راجع إلى السابق باعتبار.
«وإ يّاه أشكر»
على سبيل ما تقدّم من التركيب المفيد لانحصار الشكر فيه ، لرجوع النعم كلّها إليه
وإن قيل للعبد فعل اختياريّ؛ لأنّ آلاته وأسبابه التي يقتدر بها على الفعل لا بدّ
أن ينتهى إليه ، فهو الحقيق بجميع أفراد الشكر. وأردف الحمد بالشكر مع أنّه لامحٌ
له أوّلاً؛ للتنبيه عليه بالخصوصيّة ولمح تمام الآية .
«استسلاماً»
أي انقياداً «لعزّته»
وهي غايةٌ اُخرى للشكر كما مرّ ، فإنّ العبد يستعدّ بكمال الشكر لمعرفة المشكور ،
وهي مستلزمة للانقياد لعزّته والخضوع لعظمته.
وهو ناظر إلى قوله تعالى : (وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ)
لما تشتمل
____________________
عليه الآية من
التخويف المانع من مقابلة نعمة اللّٰه بالكفران ، فقد جمع صدرها وعجزها بين
رتبتي الخوف والرجاء. وقدّم الرجاء؛ لأنّه سوط النفس الناطقة المحرّك لها نحو
الطماح ، والخوف زمامها العاطف بها عن الجماح.
«والشكر طَوْله»
أي : من جملة فضله الواسع ومنّه السابغ ، فإنّ كلّ ما نتعاطاه من أفعالنا مستندٌ
إلى جوارحنا وقدرتنا وإرادتنا وسائر أسباب حركاتنا ، وهي بأسرها مستندةٌ إلى جوده
ومستفادة من نعمه ، وكذلك ما يصدر عنّا من الشكر وسائر العبادات نعمة منه ، فكيف
نقابل نعمته بنعمته؟
وقد روي أنّ هذا الخاطر خطر لداود عليه
السلام وكذلك لموسى عليه السلام فقال : «يا ربّ كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك
إلّابنعمةٍ ثانيةٍ من نعمك؟» وفي روايةٍ اُخرى : «وشكري لك نعمةٌ اُخرى توجب عليّ
الشكر لك» فأوحى اللّٰه تعالى إليه : «إذا عرفت هذا فقد شكرتني» وفي خبرٍ
آخر : «إذا عرفت أنّ النعم منّي رضيتُ منك بذلك شكراً» .
«حمداً وشكراً كثيراً كما هو أهله»
يمكن كون «الكاف» في هذا التركيب زائدة ، مثلها في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)
لأنّ الغرض حمده بما
هو أهله ، لا بحمدٍ يشابه الحمد الذي هو أهله. و «ما» موصولةٌ ، و «هو أهله» صلتها
وعائدها ، والتقدير : الحمد والشكر الذي هو أهله ، مع منافرة تنكيرهما لجعل
الموصول صفة لهما. أو نكرةٌ موصوفةٌ بدلاً من «حمداً وشكراً» لئلّا يلزم التكرار.
وقد تجعل
____________________
«ما» أيضاً زائدة ،
والتقدير : حمداً وشكراً هو أهله.
ويمكن كون «الكاف» حرف تشبيه؛ اعتباراً
بأنّ الحمد الذي هو أهله لا يقدر عليه هذا الحامد ولا غيره ، بل لا يقدر عليه
إلّااللّٰه تعالى ، كما أشار إليه النبيّ صلى الله عليه وآله بقوله : «لا
اُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك»
وفي التشبيه حينئذٍ سؤال أن يلحقه اللّٰه تعالى بذلك الفرد الكامل من الحمد
تفضّلاً منه تعالى ، مثله في قولهم : «حمداً وشكراً مِلء السماوات والأرض»
و «حمداً يفوق حمد الحامدين»
ونحو ذلك.
واختار الحمد بهذه الكلمة؛ لما روي عن
النبيّ صلى الله عليه وآله : «من قال : الحمد للّٰه كما هو أهله ، شغل
كُتّاب السماء ، فيقولون : اللّهم إنّا لا نعلم الغيب ، فيقول تعالى : اكتبوها كما
قالها عبدي وعليّ ثوابها» .
«وأسأله تسهيل ما»
أي الشيء ، وهو العلم الذي «يلزم
حمله وتعليم ما لا يسع» أي لا يجوز «جهله»
وهو العلم الشرعيّ الواجب.
«وأستعينه على القيام بما يبقى أجره»
على الدوام؛ لأنّ ثوابه في الجنّة (أُكُلُهٰا دٰائِمٌ
وَظِلُّهٰا)
.
«ويحسن في الملأ الأعلى ذكره»
أصل الملأ : الأشراف والرؤساء الذين
____________________
يُرجع
إلى قولهم ، ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ
تَرَ إِلَى اَلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ)
قيل لهم ذلك؛ لأنّهم مِلاءٌ بالرأي والغنا ، أو أنّهم يملؤون العين أو القلب
والمراد ب» الملأ الأعلى» الملائكة.
«وتُرجى مثوبته وذخره»
وفي كلّ ذلك إشارةٌ إلى الترغيب فيما هو بصدده : من تصنيف العلم الشرعيّ وتحقيقه
وبذل الجهد في تعليمه.
«وأشهد أن لا إله إلّااللّٰه»
تصريحٌ بما قد دلّ عليه الحمد السابق بالالتزام : من التوحيد. وخصّ هذه الكلمة؛
لأنّها أعلى كلمةٍ وأشرف لفظةٍ نُطق بها في التوحيد ، منطبقةٍ على جميع مراتبه.
و «لا» فيها هي النافية للجنس ، و «إله»
اسمها.
قيل : والخبر محذوف تقديره «موجود» ،
ويضعّف : بأ نّه لا ينفي إمكان إلهٍ معبودٍ بالحقّ غيره تعالى؛ لأنّ الإمكان أعمّ
من الوجود. وقيل : «ممكن» ، وفيه : أنّه لا يقتضي وجوده بالفعل. وقيل : «مستحقٌّ
للعبادة» ، وفيه : أنّه لا يدلّ على نفي التعدّد مطلقاً .
وذهب المحقّقون إلى عدم الاحتياج إلى
الخبر وأنّ «إلّااللّٰه» مبتدأٌ وخبره «لا إله»
إذ كان الأصل «اللّٰه إله» فلمّا اُريد الحصر زيد «لا» و «إلّا» ومعناه :
اللّٰه إله ومعبودٌ بالحقّ لا غيره. أو أنّها نقلت شرعاً إلى نفي الإمكان
والوجود عن
____________________
إلهٍ سوى
اللّٰه مع الدلالة على وجوده تعالى وإن لم تدلّ عليه لغةً.
«وحده لا شريك له»
تأكيدٌ لما قد استفيد من التوحيد الخالص ، حَسُنَ ذكره في هذا المقام لمزيد
الاهتمام.
«وأشهد أنّ محمّداً نبيٌّ أرسله»
قرن الشهادة بالرسالة بشهادة التوحيد؛ لأ نّها بمنزلة الباب لها ، وقد شرّف
اللّٰه نبيّنا صلى الله عليه وآله بكونه لا يُذكر إلّاويذكر معه.
وذكر الشهادتين في الخطبة؛ لما روي عنه
صلى الله عليه وآله : من أنّ «كلّ خطبةٍ ليس فيها تشهّدٌ فهي كاليد الجذماء» .
و «محمّد» عَلَمٌ منقول من اسم المفعول
المضعّف ، وسمّي به نبيّنا صلى الله عليه وآله إلهاماً من اللّٰه تعالى
وتفاؤلاً بأ نّه يَكثر حمدُ الخلق له لكثرة خصاله الحميدة. وقد قيل لجدّه عبد
المطّلب ـ وقد سمّاه في يوم سابع ولادته ، لموت أبيه قبلها ـ : لِمَ سمّيت ابنك محمّداً
وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ فقال : «رجوتُ أن يُحمد في السماء والأرض»
وقد حقّق اللّٰه رجاءه.
و «النبيء» بالهمز من «النبأ» وهو
الخبر؛ لأنّ النبيّ مخبرٌ عن اللّٰه تعالى. وبلا همز ـ وهو الأكثر ـ إمّا
تخفيفاً من المهموز بقلب همزته ياءً ، أو أنّ أصله من «النَّبْوة» ـ بفتح النون
وسكون الباء ـ أي الرفعة؛ لأنّ النبيّ مرفوع الرتبة على غيره من الخلق.
ونبّه بقوله : «أرسله» على جمعه بين
النبوّة والرسالة. والأوّل أعمّ مطلقاً؛ لأ نّه إنسانٌ اُوحي إليه بشرعٍ وإن لم
يؤمر بتبليغه ، فإن اُمر بذلك فرسولٌ أيضاً. أو اُمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب
أو نسخٌ لبعض شرع مَنْ قبله ـ كيوشع عليه السلام ـ
____________________
فإن كان له ذلك
فرسولٌ أيضاً. وقيل : هما بمعنى
وهو معنى الرسول على الأوّل.
«وعلى العالمين»
جمع «العالَم» وهو اسمٌ لما يعلم به ـ كالخاتم والقالب
ـ غُلّب في ما يُعلم به الصانع ، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض ، فإنّها
لإمكانها وافتقارها إلى مؤثّرٍ واجبٍ لذاته تدلّ على وجوده. وجَمَعَه ليشمل ما
تحته من الأجناس المختلفة ، وغلّب العقلاء منهم فجمعه ب «الياء والنون» كسائر
أوصافهم.
وقيل : اسمٌ وضع لذوي العلم من الملائكة
والثقلين
وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع.
وقيل : المراد به الناس ها هنا
فإنّ كلّ واحدٍ منهم عالَمٌ أصغر ، من حيث إنّه يشتمل على نظائر ما في العالَم
الأكبر : من الجواهر والأعراض التي يعلم بها الصانع ، كما يعلم بما أبدعه في
العالم الأكبر.
«اصطفاه»
أي اختاره «وفضّله»
عليهم أجمعين.
«صلّى اللّٰه عليه»
من الصلاة المأمور بها في قوله تعالى : (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً)
وأصلها الدعاء ،
لكنّها منه تعالى مجاز في الرحمة. وغاية
____________________
السؤال بها عائدٌ إلى
المصلّي؛ لأنّ اللّٰه تعالى قد أعطى نبيّه صلى الله عليه وآله من المنزلة
والزلفى لديه ما لا تؤثّر فيه صلاةُ مصلٍّ ، كما نطقت به الأخبار
وصرّح به العلماء الأخيار .
وكان ينبغي إتباعها بالسلام عملاً بظاهر
الأمر وإنّما تركه للتنبيه
على عدم تحتّم إرادته من الآية ، لجواز كون المراد به الانقياد ، بخلاف الصلاة.
«وعلى *آله»
وهم ـ عندنا ـ : عليٌّ وفاطمة والحسنان ، ويطلق تغليباً على باقي الأئمّة عليهم
السلام.
ونبّه على اختصاصهم عليهم السلام بهذا
الاسم بقوله : «الذين
حفظوا ما حَمَله» ـ بالتخفيف ـ من
أحكام الدين «وعقلوا
عنه ** صلى الله عليه وآله ما عن جبرئيل عقله»
ولا يتوهّم مساواتهم له بذلك في الفضيلة؛ لاختصاصه صلى الله عليه وآله عنهم بمزايا
اُخر تصير بها نسبتهم إليه كنسبة غيرهم عليهم السلام من الرعيّة إليهم؛ لأنّهم
عليهم السلام في وقته صلى الله عليه وآله من جملة رعيّته.
ثم نبّه على ما أوجب فضيلتهم وتخصيصهم
بالذكر بعده صلى الله عليه وآله بقوله :
«حتّى قَرَن»
الظاهر عود الضمير المستكن إلى النبيّ صلى الله عليه وآله لأنّه قرن «بينهم وبين محكم
الكتاب» في
قوله صلى الله عليه وآله : «إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتابَ
اللّٰهِ وعترتي أهل بيتي ... الحديث» .
____________________
ويمكن عوده إلى اللّٰه تعالى؛
لأنّ إخبار النبيّ صلى الله عليه وآله بذلك مستندٌ إلى الوحي الإلهي؛ لأنّه (وَمٰا
يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ * إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ)
وهو الظاهر من قوله : «وجعلهم
قدوةً لاُولي الألباب» فإنّ
جاعل ذلك هو اللّٰه تعالى ، مع جواز أن يراد به النبيّ صلى الله عليه وآله
أيضاً. والألباب : العقول. وخصّ ذويهم؛ لأنّهم المنتفعون بالعبر المقتفون لسديد
الأثر.
«صلاةً دائمةً بدوام الأحقاب»
جمع «حُقُب» بضمّ الحاء والقاف ، وهو الدهر ، ومنه قوله تعالى : (أَوْ أَمْضِيَ
حُقُباً)
أي : دائمةً بدوام الدهور. وأمّا «الحُقْب» بضمّ الحاء وسكون القاف ـ وهو ثمانون
سنة ـ فجمعه «حِقاب» بالكسر ، مثل قُفٍّ وقِفاف ، نصّ عليه الجوهري .
«أمّا بعد»
الحمد والصلاة ، و «أمّا» كلمةٌ فيها معنى الشرط؛ ولهذا كانت الفاء لازمةً في
جوابها ، والتقدير : «مهما يكن من شيءٍ بعد الحمد والصلاة فهو كذا» فوقعت كلمة «أمّا»
موقع اسمٍ هو المبتدأ وفعلٍ هو الشرط ، وتضمّنت معناهما ، فلزمها لصوق الاسم
اللازم للمبتدأ للأوّل؛ إبقاءً له بحسب الإمكان ، ولزمها الفاء للثاني. و «بعد»
ظرفٌ زمانيّ
وكثيراً ما يحذف منه المضاف إليه ويُنوى معناه ، فيبنى على الضمّ.
«فهذه»
إشارةٌ إلى العبارات الذهنيّة التي يريد كتابتها إن كان وضع الخطبة قبل التصنيف ،
أو كَتَبها إن كان بعده ، نزّلها منزلة الشخص المشاهَد
____________________
المحسوس ، فأشار إليه
ب «هذه» الموضوع للمشار إليه المحسوس.
«اللُمْعة»
بضمّ اللام ، وهي لغةً : البقعة من الكلأ
إذا يبست وصار لها بياض ، وأصلها من «اللمعان» وهو الإضاءة والبريق؛ لأنّ البقعة
من الأرض ذات الكلأ المذكور كأ نّها تضيء دون سائر البقاع. وعُدّي ذلك إلى محاسن
الكلام وبليغه ، لاستنارة الأذهان به ، ولتميّزه عن سائر الكلام ، فكأ نّه في نفسه
ذو ضياءٍ ونور.
«الدمَشقِيّة»
بكسر الدال وفتح الميم ، نسبها إلى «دمشق» المدينة المعروفة
لأنّه صنّفها بها في بعض أوقات إقامته بها «في فقه الإماميّة» الاثني عشريّة ،
أيّدهم اللّٰه تعالى.
«إجابةً»
منصوبٌ على المفعول لأجله ، والعامل محذوف ، أي صنّفتها إجابةً «لالتماس» وهو :
طلب المساوي من مثله ولو بالادّعاء كما في أبواب الخطابة «بعض الديّانين» أي
المطيعين للّٰهفي أمره ونهيه.
وهذا البعض هو شمس الدين محمّد الآوي
من أصحاب السلطان عليّ ابن مؤيّد
ملك خراسان وما والاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده
____________________
«تيمور لنك» فصار معه
قَسراً ، إلى أن توفّي في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمئة ، بعد أن استشهد المصنّف
قدس سره بتسع سنين.
وكان بينه وبين المصنّف قدس سره مودّة
ومكاتبة على البُعد إلى العراق ثمّ إلى الشام ، وطلب منه أخيراً التوجّه إلى بلاده
في مكاتبة شريفة
أكثر فيها من
____________________
التلطّف والتعظيم
والحثّ للمصنّف رحمه الله على ذلك ، فأبى واعتذر إليه ، وصنّف له هذا الكتاب بدمشق
في سبعة أيّام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد.
وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم
يتمكّن أحدٌ من نسخها منه لضنّه بها ، وإنّما نسخها بعض الطلبة
وهي في يد الرسول تعظيماً لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثمّ
أصلحه المصنّف بعد ذلك بما يناسب
____________________
المقام ، وربّما كان
مغايراً للأصل بحسب اللفظ ، وذلك في سنة اثنين وثمانين وسبعمئة.
ونقل عن المصنّف رحمه الله أن مجلسه
بدمشق في ذلك الوقت ما كان يخلو غالباً من علماء الجمهور لخلطته بهم وصحبته لهم ،
قال : «فلمّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليّ أحدٌ منهم فيراه ،
فما دخل عليّ أحدٌ منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفيّ الألطاف»
وهو من جملة كراماته ، قدّس اللّٰه روحه ونوّر ضريحه.
«وحسبنا اللّٰه»
أي محسبنا وكافينا.
«ونعم الوكيل *»
عطفٌ إمّا على جملة «حسبنا اللّٰه» بتقدير المعطوفة خبريّة ، بتقدير المبتدأ
مع ما يوجبه أي «مقول في حقّه ذلك» أو بتقدير المعطوف عليها إنشائيّة. أو على خبر
المعطوف عليها خاصّة ، فتقع الجملة الإنشائيّة خبر المبتدأ ، فيكون عطفَ مفرد
متعلّقه جملة إنشائيّة. أو يقال : إنّ الجملة التي لها محلٌّ من الإعراب لا حرج في
عطفها كذلك. أو تجعل الواو معترضة لا عاطفة ، مع أنّ جماعةً من النحاة أجازوا عطف
الإنشائيّة على الخبريّة وبالعكس
واستشهدوا عليه بآيات قرآنيّة وشواهد شعريّة .
____________________
«وهي مبنيّةٌ»
أي مرتّبة ، أو ما هو أعمّ من الترتيب «على كتب»
بضمّ التاء وسكونها جمع «كِتاب» وهو فِعال من «الكَتْب» بالفتح ، وهو : الجمع ،
سمّي به المكتوب المخصوص لجمعه المسائل المتكثّرة ، والكتاب أيضاً : مصدرٌ مزيدٌ
مشتقٌّ من المجرّد ، لموافقته له في حروفه الأصليّة ومعناه.
____________________
كتاب الطهارة
«كتاب الطهارة»
مصدر «طهر» بضمّ العين وفتحها ، والاسم
الطُهر بالضمّ «وهي
لغةً : النظافة» والنزاهة من
الأدناس «وشرعاً»
بناءً على ثبوت الحقائق الشرعيّة «استعمالُ طهورٍ مشروطٌ بالنيّة» فالاستعمال
بمنزلة الجنس ، والطهور مبالغةٌ في الطاهر ، والمراد منه هنا : «الطاهر في نفسه
المطهِّر لغيره» جُعل بحسب
الاستعمال متعدّياً وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازماً ، كالأكول.
وخرج بقوله : «مشروط بالنيّة» إزالة
النجاسة عن الثوب والبدن وغيرهما ، فإنّ النيّة ليست شرطاً في تحقّقه وإن اشترطت
في كماله وترتّب الثواب على فعله.
وبقيت الطهارات الثلاث مندرجة في
التعريف ، واجبةً ومندوبة ، مبيحةً وغير مبيحة إن اُريد بالطهور مطلق الماء والأرض
، كما هو الظاهر.
وحينئذٍ ، ففيه : اختيار أنّ المراد
منها ما هو أعمّ من المبيح للصلاة ، وهو خلاف اصطلاح الأكثرين
ـ ومنهم المصنّف في غير هذا الكتاب
ـ أو ينتقض في طرده : بالغسل المندوب ، والوضوء غير الرافع منه ، والتيمّم بدلاً
منهما
____________________
إن قيل به .
وينتقض في طرده أيضاً : بأبعاض كلّ
واحدٍ من الثلاثة مطلقاً؛ فإنّه استعمال طهورٍ
مشروطٌ بالنيّة مع أنّه لا يسمّى طهارة ، وبما لو نذر تطهيرَ الثوب ونحوه من
النجاسة
ناوياً ، فإنّ النذر منعقدٌ؛ لرجحانه.
ومع ذلك فهو من أجود التعريفات؛ لكثرة
ما يرد عليها من النقوض في هذا الباب.
«والطَّهور» بفتح
الطاء «هو
الماء والتراب».
«قال اللّٰه تعالى :
(وَأَنْزَلْنٰا مِنَ
اَلسَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً)
» وهو دليل طهوريّة
الماء ، والمراد ب «السماء» هنا جهة العلو.
«وقال النبيّ
صلى الله عليه وآله : «جُعلتْ
لي الأرض مسجِداً و
طهوراً»
»
وهو دليل طهوريّة التراب.
____________________
وكان الأولى إبداله بلفظ «الأرض» كما
يقتضيه الخبر ، خصوصاً على مذهبه : من جواز التيمّم بغير التراب من أصناف الأرض .
«فالماء»
بقولٍ مطلق «مطهِّرٌ
من الحدث» وهو الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه
عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل ، المانعِ من الصلاة ، المتوقّفِ رفعه على
النيّة «والخبث»
وهو النجَس ـ بفتح الجيم ـ مصدر قولك : «نجِس الشيء» بالكسر ينجَس
فهو نجِس بالكسر.
«وينجس» الماء
مطلقاً «بالتغيّر
بالنجاسة» في
أحد أوصافه الثلاثة ـ اللون والطعم والريح ـ دون غيرها من الأوصاف.
واحترز ب «تغيّره بالنجاسة» عمّا لو
تغيّر بالمتنجّس خاصّةً ، فإنّه لا ينجس بذلك ، كما لو تغيّر طعمه بالدبس النجس
من غير أن تؤثّر نجاسته فيه. والمعتبر من
التغيّر : الحسّي لا التقديري على الأقوى.
«ويطهر بزواله»
أي بزوال التغيّر ولو بنفسه أو بعلاج «إن كان» الماء
«جارياً»
وهو : النابعُ من الأرض مطلقاً غيرُ البئر على المشهور. واعتبر المصنّف في الدروس
فيه دوامَ نبعه .
____________________
وجعله العلّامة
وجماعة
كغيره في انفعاله بمجرّد الملاقاة مع قلّته ـ والدليل النقلي يعضده
ـ وعدمِ
طهره بزوال التغيّر مطلقاً ، بل بما نبّه عليه بقوله : «أو لاقى كرّاً»
والمراد أنّ غير الجاري لا بدّ في طهره مع زوال التغيّر : من ملاقاته كرّاً طاهراً
بعد زوال التغيّر أو معه ، وإن كان إطلاق العبارة قد يتناول ما ليس بمراد ، وهو
طهره مع زوال التغيّر وملاقاته الكرّ كيف اتّفق ، وكذا الجاري على القول الآخر .
ولو تغيّر بعض الماء وكان الباقي كرّاً
طهر المتغيّر بزواله أيضاً كالجاري عنده ، ويمكن دخوله في قوله : «لاقى كرّاً»
لصدق ملاقاته للباقي.
ونبّه بقوله : «لاقى كرّاً» على أنّه لا
يشترط في طهره به وقوعه عليه دفعةً ـ كما هو المشهور بين المتأخّرين
ـ بل تكفي ملاقاته له مطلقاً؛ لصيرورتهما بالملاقاة ماءً واحداً ، ولأنّ الدفعة لا
يتحقّق لها معنى؛ لتعذّر الحقيقيّة وعدم الدليل
____________________
على العرفيّة.
وكذا لا يعتبر ممازجته له ، بل يكفي
مطلق الملاقاة؛ لأنّ ممازجة جميع الأجزاء لا تتّفق ، واعتبار بعضها دون بعض تحكّمٌ
، والاتّحاد مع الملاقاة حاصل.
ويشمل إطلاق الملاقاة ما لو تساوى
سطحاهما واختلف ، مع علوّ المطهِّر على النجس وعدمه.
والمصنّف رحمه الله لا يرى الاجتزاء
بالإطلاق في باقي كتبه
بل يعتبر الدفعة ، والممازجة ، وعلوّ المطهّر أو مساواته. واعتبار الأخير ظاهرٌ
دون الأوّلين ، إلّامع عدم صدق الوحدة عرفاً.
والكرّ المعتبرُ في الطهارة وعدم
الانفعال بالملاقاة «هو
* ألف ومئتا رِطلٍ» بكسر الراء على
الأفصح وفتحها على قلّة «بالعراقي»
وقدره مئة وثلاثون درهماً على المشهور فيهما
.
وبالمساحة ما بلغ مكسّره اثنين وأربعين
شبراً وسبعة أثمان شبر مستوي
____________________
الخلقة
على المشهور والمختار عند المصنّف
وفي الاكتفاء بسبعةٍ وعشرين قولٌ قويّ .
«وينجس»
الماء «القليل» وهو
ما دون الكرّ «والبئر»
وهو : مجمع ماءٍ نابعٍ من الأرض لا يتعدّاها غالباً ولا يخرج عن مسمّاها عرفاً «بالملاقاة»
على المشهور فيهما بل كاد أن يكون إجماعاً.
«ويطهر القليل بما ذكر»
وهو ملاقاته الكرّ على الوجه السابق ، وكذا يطهر بملاقاة الجاري مساوياً له أو
عالياً عليه وإن لم يكن كرّاً عند المصنّف ومن يقول بمقالته فيه وبوقوع الغيث عليه
إجماعاً.
«و»
يطهر «البئر»
بمطهِّر غيره مطلقاً و «بنزح
جميعه للبعير» وهو من الإ بل
بمنزلة الإنسان يشمل الذكر والاُنثى ، الصغير والكبير. والمراد من نجاسته
المستندةُ إلى موته «و»
كذا «الثور»
قيل : هو ذكر البقر
والأولى اعتبار اطلاق اسمه عرفاً مع ذلك «والخمر» قليله
وكثيره «والمسكر»
المائع بالأصالة «ودم
الحدث» وهو الدماء الثلاثة على المشهور «والفُقّاع»
بضمّ الفاء. وألحق به المصنّف في الذكرى العصير العنبي بعد اشتداده بالغليان قبل
ذهاب ثلثيه
وهو بعيد.
ولم يذكر هنا المنيّ ممّا له نفسٌ
والمشهور فيه ذلك ، وبه قطع المصنّف في
____________________
المختصرين
ونسبه في الذكرى إلى المشهور معترفاً فيه بعدم النصّ
ولعلّه السبب في تركه هنا ، لكن دم الحدث كذلك ، فلا وجه لإفراده. وإ يجاب الجميع
لما لا نصّ فيه يشملهما. والظاهر هنا حصر المنصوص بالخصوص.
«و»
نزح «كرٍّ
للدابّة» وهي الفرس «والحمار والبقرة»
وزاد في كتبه الثلاثة البغل
والمراد من نجاستها المستندة إلى موتها.
هذا هو المشهور ، والمنصوص منها مع ضعف
طريقه : الحمار والبغل
وغايته أن يُجبر
ضعفه بعمل الأصحاب ، فيبقى إلحاق الدابّة والبقرة بما لا نصّ فيه أولى.
«و»
نزح «سبعين
دلواً معتادة» على تلك البئر ،
فإن اختلفت فالأغلب «للإنسان»
أي لنجاسته المستندة إلى موته ، سواء في ذلك الذكر
____________________
والاُنثى والصغير
والكبير والمسلم والكافر إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه ، وإلّا اختصّ بالمسلم.
«وخمسين»
دلواً «للدم
الكثير» في نفسه عادةً ـ كدم الشاة المذبوحة ـ
غير الدماء الثلاثة؛ لما تقدّم. وفي إلحاق دم نجس العين بها وجه مخرَّج
«والعذرة الرطبة» وهي فضلة الإنسان. والمرويّ اعتبار ذوبانها
وهو تفرّق أجزائها وشيوعها في الماء. أمّا الرطوبة فلا نصّ على اعتبارها ، لكن
ذكرها الشيخ
وتبعه المصنّف وجماعة
واكتفى في الدروس بكلٍّ منهما
وكذلك تعيّن الخمسين ، والمرويّ : أربعون أو خمسون
وهو يقتضي التخيير ، وإن كان اعتبار الأكثر أحوط أو أفضل.
«وأربعين»
دلواً «للثعلب
والأرنب والشاة والخنزير والكلب والهرّ»
____________________
وشبه ذلك ، والمراد
من نجاسته بالموت
كما مرّ. والمستنَد ضعيف
والشهرة جابرة على ما زعموا «و»
كذا في «بول
الرجل» سنداً
وشهرةً. وإطلاق «الرجل» يشمل المسلم والكافر ، وتخرج المرأة والخنثى ، فيلحق
بولهما بما لا نصّ فيه ، وكذا بول الصبيّة ، أمّا الصبي فسيأتي. ولو قيل فيما لا
نصّ فيه بنزح ثلاثين أو أربعين وجب في بول الخنثى أكثر الأمرين منه ومن بول الرجل
، مع احتمال الاجتزاء بالأقلّ؛ للأصل.
«و» نزح
«ثلاثين» دلواً
«لماء
المطر المخالط للبول والعذرة وخُرء الكلب» في
المشهور ، والمستند روايةٌ مجهولة الراوي .
وإ يجاب خمسين للعذرة وأربعين لبعض
الأبوال والجميع للبعض ـ كالأخير منفرداً ـ لا ينافي وجوب ثلاثين له مجتمعاً
مخالطاً للماء؛ لأنّ مبنى حكم البئر على جمع المختلف وتفريق المتّفق
فجاز إضعاف ماء المطر لحكمه وإن لم تذهب أعيان هذه الأشياء.
____________________
ولو خالط أحدها كفت الثلاثون إن لم يكن
له مقدّر ، أو كان وهو أكثر أو مساوٍ ، ولو كان أقلّ اقتصر عليه. وأطلق المصنّف :
أنّ حكم بعضها كالكلّ
وغيرُه : بأنّ الحكم معلّق
بالجميع
فيجب لغيره مقدّره أو الجميع. والتفصيل أجود.
«و»
نزح «عشر»
دلاء «ليابس
العذرة» وهو غير ذائبها ، أو رطبها ، أو هما
على الأقوال
«وقليل الدم» كدم الدجاجة المذبوحة في المشهور. والمرويّ : «دلاء يسيرة»
وفسّرت بالعشر؛ لأنّه أكثر عددٍ يضاف إلى هذا الجمع ، أو لأنّه أقلّ جمع الكثرة
وفيهما نظر.
____________________
«و»
نزح «سبع»
دلاءٍ «للطير»
وهو الحمامة فما فوقها ، أي لنجاسة موته «والفأرة مع انتفاخها» في
المشهور. والمرويّ
ـ وإن ضعف ـ : اعتبارُ تفسّخها «وبول
الصبيّ» وهو : الذكر الذي زاد سنّه عن حولين
ولم يبلغ الحُلُم. وفي حكمه : الرضيع الذي يغلب أكله على رضاعه أو يساويه «وغسل الجنب»
الخالي بدنه من نجاسةٍ عينيّة.
ومقتضى النصّ نجاسة الماء بذلك لا سلب
الطهوريّة ، وعلى هذا فإن اغتسل مرتمساً طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث. وإن اغتسل
مرتّباً ففي نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأوّل مع اتّصاله به أو وصول الماء إليه ،
أو توقفه على إكمال الغسل ، وجهان. ولا يلحق بالجنب غيره ممّن يجب عليه الغسل؛
عملاً بالأصل ، مع احتماله.
«وخروج الكلب»
من ماء البئر «حيّاً»
ولا يلحق به الخنزير ، بل بما لا نصّ فيه.
«و»
نزح «خمسٍ
لذرق الدجاج» مثلّث الدال في
المشهور. ولا نصّ عليه ظاهراً ، فيجب تقييده ب «الجلّال» كما صنع المصنّف في البيان
ليكون
____________________
نجساً. ويحتمل حينئذٍ
: وجوب نزح الجميع إلحاقاً له بما لا نصّ فيه إن لم يثبت الإ جماع على خلافه ،
وعشرٍ إدخالاً له في العذرة ، والخمسِ للإ جماع على عدم الزائد إن تمّ. وفي الدروس
صرّح بإرادة العموم ـ كما هنا ـ وجعل التخصيص ب «الجلّال» قولاً .
«وثلاث»
دلاءٍ «للفأرة»
مع عدم الوصف «والحيّة»
على المشهور ، والمأخذ فيها ضعيف
وعُلّل : بأنّ لها نفساً فتكون ميتتها نجسة
وفيه : ـ مع الشكّ في ذلك ـ عدم استلزامه للمدّعى.
«و»
اُلحق بها «الوَزَغَة»
بالتحريك. ولا شاهد له كما اعترف به المصنّف في غير البيان
وقطع بالحكم فيه
كما هنا. واُلحق بها العقرب ، وربّما قيل بالاستحباب
لعدم النجاسة ، ولعلّه لدفع وَهْم السمّ.
«ودلو للعُصفور»
بضمّ عينه ، وهو ما دون الحمامة ، سواء كان مأكول اللحم أم لا. وألحق به المصنّف
في الثلاثة
بولَ الرضيع قبل اغتذائه بالطعام في
____________________
الحولين ، وقيّده في
البيان ب «ابن المسلم» وإنّما تركه هنا لعدم النصّ ، مع أنّه في الشهرة كغيره ممّا
سبق.
واعلم أنّ أكثر مستند هذه المقدرات
ضعيفٌ ، لكن العمل به مشهور ، بل لا قائل بغيره على تقدير القول بالنجاسة ، فإنّ
اللازم من اطّراحه كونه ممّا لا نصّ فيه.
«ويجب التراوحُ بأربعة»
رجالٍ كلّ اثنين منها
يُريحان الآخرين «يوماً»
كاملاً من أوّل النهار إلى الليل ، سواء في ذلك الطويل والقصير «عند»
تعذّر نزح الجميع بسبب «الغزارة»
المانعة من نزحه «ووجوب
نزح الجميع» لأحد الأسباب
المتقدّمة. ولا بدّ من إدخال جزءٍ من الليل متقدّماً ومتأخّراً من باب المقدّمة
وتهيئة الأسباب قبل ذلك.
ولا يجزئ مقدار اليوم من الليل والملفّق
منهما. ويجزئ ما زاد عن الأربعة دون ما نقص وإن نهض بعملها. ويجوز لهم الصلاة
جماعةً لا جميعاً بدونها ، ولا الأكل كذلك.
ونبّه بإلحاق «التاء» ل «الأربعة» على
عدم إجزاء غير الذكور ، ولكن لم يدلّ على اعتبار الرجال. وقد صرّح المصنّف في غير
الكتاب
باعتباره ، وهو حسن ، عملاً بمفهوم «القوم» في النصّ
خلافاً للمحقّق حيث اجتزأ بالنساء والصبيان .
____________________
«ولو تغيّر»
ماء البئر بوقوع نجاسةٍ لها مقدّرٌ «جمع بين المقدّر وزوال التغيّر»
بمعنى وجوب أكثر الأمرين ، جمعاً بين المنصوص
وزوال التغيّر المعتبر في طهارة ما لا ينفعل كثيره ، فهنا أولى.
ولو لم يكن لها مقدّر ففي الاكتفاء
بمزيل التغيّر ، أو وجوب نزح الجميع والتراوح مع تعذّره ، قولان ، أجودهما الثاني
ولو أوجبنا فيه ثلاثين أو أربعين اعتبر أكثر الأمرين أيضاً.
«مسائل»
الاُولى :
الماء «المضاف ما»
أي الشيء الذي «لا
يصدق عليه اسم الماء بإطلاقه»
مع صدقه عليه مع القيد ، كالمعتصَر من الأجسام ، والممتزج بها مزجاً يسلبه الإطلاق
ـ كالأمراق ـ دون الممتزج على وجهٍ لا يسلبه الاسم وإن تغيّر لونه كالممتزج
بالتراب ، أو طعمه كالممتزج بالملح ، وإن اُضيف إليهما.
«وهو»
أي الماء المضاف «طاهرٌ»
في ذاته بحسب الأصل «غير
مطهِّرٍ» لغيره
«مطلقاً»
من حدثٍ ولا خبث اختياراً واضطراراً «على»
____________________
القول «الأصحّ
».
ومقابله : قول الصدوق بجواز الوضوء وغسل
الجنابة بماء الورد
استناداً إلى روايةٍ مردودة
وقول المرتضى برفعه مطلقاً الخبث .
«وينجس»
المضاف وإن كثر «بالاتّصال
بالنجس» إجماعاً «وطُهرُه إذا صار»
ماءً «مطلقاً»
مع اتّصاله بالكثير المطلق لا مطلقاً «على»
القول «الأصحّ»
.
ومقابله : طُهره بأغلبيّة الكثير المطلق
عليه وزوال أوصافه
وطهره بمطلق الاتّصال به وإن بقي الاسم .
ويدفعهما ـ مع أصالة بقاء النجاسة ـ :
أنّ المطهِّر لغير الماء شرطه وصول الماء إلى كلّ جزءٍ من النجس ، وما دام مضافاً
لا يتصوّر وصول الماء إلى جميع أجزائه النجسة ، وإلّا لما بقي كذلك. وسيأتي له
تحقيق آخر في
____________________
باب الأطعمة.
«والسؤر»
وهو : الماء القليل الذي باشره جسم حيوانٍ «تابعٌ للحيوان»
الذي باشره في الطهارة والنجاسة والكراهة.
«ويكره سؤر الجلّال» وهو
: المغتذي بعذرة الإنسان محضاً إلى أن ينبت عليها لحمه واشتدّ عظمه ، أو سمّي في
العرف جلّالاً ، قبل أن يُستبرأ بما يزيل الجَلَل «وآكل الجِيَف مع الخلوّ» أي
خلوّ موضع الملاقاة للماء «عن
النجاسة» «و»
سؤر «الحائض
المتّهمة» بعدم التنزّه عن النجاسة. وألحق بها
المصنّف في البيان كل متّهمٍ بها
وهو حسنٌ «و»
سؤر «البغل
والحمار» وهما داخلان في [تبعيّة الحيوان]
في الكراهة ، وإنّما خصّهما لتأكّد الكراهة فيهما «و»
سؤر «الفأرة
والحيّة» وكلّ ما لا يؤكل لحمه إلّاالهرّ
«وولد
الزنا» قبل بلوغه ، أو بعده مع إظهاره
للإسلام.
«الثانية» :
«يستحبّ التباعد بين البئر والبالوعة» التي
يرمى فيها ماء النزح «بخمس
أذرعٍ في» الأرض «الصُّلْبة»
بضمّ الصاد وسكون اللام «أو
تحتيّة» قرار «البالوعة»
عن قرار البئر «وإلّا»
يكن كذلك ، بأن كانت الأرض رَخْوةً والبالوعة مساويةً للبئر قراراً أو مرتفعةً عنه
«فبسبع» أذرع.
____________________
فصور المسألة على هذا التقدير ستٌّ ،
يستحبّ التباعد في أربع منها بخمس ، وهي : الصُّلبة مطلقاً والرَّخوة مع تحتيّة
البالوعة ، وبسبع في صورتين ، وهما : مساواتهما وارتفاع البالوعة في الأرض
الرَّخوة.
وفي حكم الفوقيّة المحسوسة الفوقيّة
بالجهة ، بأن يكون البئر في جهة الشمال ، فيكفي الخمس مع رخاوة الأرض وإن استوى
القراران؛ لما ورد : من «أنّ مجاري العيون من
مهبّ الشمال» .
«ولا تنجس»
البئر «بها»
أي بالبالوعة «وإن
تقاربتا ، إلّامع العلم بالاتّصال»
أي اتّصال ما بها من النجس بماء البئر؛ لأصالة الطهارة وعدم الاتّصال.
«الثالثة» :
«النجاسة» أي
جنسها «عشرة»
:
«البول والغائط من غير المأكول»
لحمه بالأصل أو العارض «ذي
النفس» أي الدم القويّ الذي يخرج من العِرق
عند قطعه.
«والدم والمنيّ من ذي النفس»
آدميّاً كان أم غيره ، برّيّاً أم بحريّاً «وإن اُكل»
لحمه.
«والميتة منه»
أي من ذي النفس وإن اُكل.
«والكلب والخنزير»
البرّيان ، وأجزاؤهما وإن لم تحلّها الحياة ، وما تولّد
____________________
منهما وإن باينهما في
الاسم. أمّا المتولّد من أحدهما وطاهرٍ فإنّه يتبع في الحكم الاسم ولو لغيرهما ،
فإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته وإن حرم لحمه؛ للأصل فيهما.
«والكافر»
أصليّاً ومرتدّاً وإن انتحل الإسلام مع جَحده لبعض ضروريّاته. وضابطه : من أنكر
الإلهيّة أو الرسالة أو بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورةً.
«والمسكر»
المائع بالأصالة.
«والفُقّاع»
بضمّ الفاء ، والأصل فيه : أن يتّخذ من ماء الشعير ، لكن لمّا ورد الحكم فيه
معلّقاً على التسمية ثبت لما اُطلق عليه اسمه مع حصول خاصيّته أو اشتباه حاله.
ولم يذكر المصنّف هنا من النجاسات
العصير العنبي إذا غلا واشتدّ ولم يذهب ثلثاه؛ لعدم وقوفه على دليلٍ يقتضي نجاسته
، كما اعترف به في الذكرى والبيان
لكن سيأتي أنّ ذهاب ثلثيه مطهِّرٌ ، وهو يدلّ على حكمه بتنجّسه
فلا عذر في تركه. وكونه في حكم المسكر ـ كما ذكره في بعض كتبه
ـ لا يقتضي دخوله فيه حيث يُطلَق ، وإن دخل في حكمه حيث يُذكَر.
وهذه النجاسات العشر «يجب إزالتها»
لأجل الصلاة «عن
الثوب والبدن» ومسجِد الجبهة ،
وعن الأواني لاستعمالها فيما يتوقّف على طهارتها ،
____________________
وعن المساجد والضرائح
المقدّسة والمصاحف المشرّفة.
«وعفي»
في الثوب والبدن «عن
دم الجروح والقروح مع السيلان»
دائماً أو في وقتٍ لا يسع زمن فواته
الصلاة. أمّا لو انقطع وقتاً يسعها فقد استقرب المصنّف رحمه الله في الذكرى وجوب
الإزالة لانتفاء الضرر
والذي يستفاد من الأخبار
عدم الوجوب مطلقاً حتى يَبرأ. وهو قويّ.
«وعن دون الدرهم»
البَغلي
سعةً ، وقدّر ب «سعة أخمُص الراحة»
وب «عقد الإ بهام العُليا»
، وب «عقد السبّابة»
ولا منافاة؛ لأنّ مثل هذا الاختلاف يتّفق في الدراهم بضربٍ واحد.
وإنّما يُغتفر هذا المقدار «من»
الدم «غير»
الدماء «الثلاثة»
وألحق
____________________
بها بعضُ الأصحاب
دمَ نجس العين؛ لتضاعف النجاسة. ولا نصّ فيه ، وقضيّة الأصل تقتضي دخوله في
العموم.
والعفو عن هذا المقدار مع اجتماعه موضع
وفاقٍ ، ومع تفرّقه أقوال
أجودها : إلحاقه بالمجتمع.
ويكفي في الزائد عن المعفوّ عنه إزالة
الزائد خاصّةً. والثوب والبدن يُضمّ بعضهما إلى بعض على أصحّ القولين .
ولو أصاب الدم وجهي الثوب فإن تفشّى من
جانبٍ إلى آخر فواحدٌ ، وإلّا فإثنان. واعتبر المصنّف في الذكرى في الوحدة مع
التفشّي رقّة الثوب ، وإلّا تعدّد .
ولو أصابه مائعٌ طاهر ، ففي بقاء العفو
وعدمه قولان للمصنّف في الذكرى
والبيان
أجودهما الأوّل. نعم ، يعتبر التقدير بهما.
____________________
وبقي ممّا يعفى عن نجاسته شيئان :
أحدهما : ثوب المربّية للولد ، والثاني : ما لا يَتمّ صلاة الرجل فيه وحده لكونه
لا يستر عورتيه. وسيأتي حكم الأوّل في لباس المصلّي
وأمّا الثاني فلم يذكره؛ لأنّه لا يتعلّق ببدن المصلّي ولا ثوبه الذي هو شرط في
الصلاة ، مع مراعاة الاختصار.
«ويغسل الثوب مرّتين بينهما عصرٌ»
وهو : كَبْس الثوب بالمعتاد لإخراج الماء المغسول به. وكذا يعتبر العصر بعدهما ،
ولا وجه لتركه.
والتثنية منصوصةٌ في البول
وحَمَل المصنّف
غيره عليه من باب مفهوم الموافقة؛ لأنّ غيره أشدّ نجاسةً.
وهو ممنوع ، بل هي إمّا مساوية أو أضعف
حكماً ، ومن ثَمّ عفي عن قليل الدم دونه ، فالاكتفاء بالمرّة في غير البول أقوى ،
عملاً بإطلاق الأمر ، وهو اختيار المصنّف في البيان جزماً ، وفي الذكرى والدروس
بضربٍ من التردّد.
ويُستثنى من ذلك بولُ الرضيع فلا يجب
عصره ولا تعدّد غَسله.
وهما ثابتان في غيره «إلّافي الكثير
والجاري» ـ بناءً على عدم اعتبار كثرته ـ
فيسقطان فيهما ، ويُكتفى بمجرّد وضعه فيهما مع إصابة الماء لمحلّ النجاسة وزوال
عينها.
«ويُصبّ على البدن مرّتين في غيرهما»
بناءً على اعتبار التعدّد مطلقاً ،
____________________
وكذا ما أشبه البدن
ممّا تنفصل الغسالة عنه بسهولة ، كالحجر والخشب.
«وكذا الإناء»
ويزيد أنّه يكفي صبّ الماء فيه بحيث يصيب النجس وإفراغه منه ولو بآلةٍ لا تعود
إليه ثانياً إلّاطاهرة ، سواء في ذلك المثبت وغيره وما يَشُقّ قلعه وغيره.
«فإن وَلَغ فيه»
أي في الإناء «كلبٌ»
بأن شرب ممّا فيه بلسانه «قُدّم
عليهما» أي على الغسلتين بالماء «مسحه * بالتراب»
الطاهر دون غيره ممّا أشبهه ، وإن تعذّر أو خيف فساد المحلّ. واُلحق بالوُلوغ لطعه
الإناء ، دون مباشرته له بسائر أعضائه.
ولو تكرّر الوُلوغ تداخل كغيره من
النجاسات المجتمعة ، وفي الأثناء يُستأنف. ولو غسله في الكثير كفت المرّة بعد
التعفير.
«ويستحبّ السبع»
بالماء في الوُلوغ ، خروجاً من خلاف من أوجبها
وكذا يستحبّ السبع «في
الفأرة والخنزير» للأمر بها في بعض
الأخبار
التي لم تنهض حجّةً على الوجوب. ومقتضى إطلاق العبارة الاجتزاء فيهما بالمرّتين
كغيرهما.
والأقوى في وُلوغ الخنزير وجوب السبع
بالماء؛ لصحّة روايته
وعليه
____________________
المصنّف في باقي كتبه
.
«و» يستحبّ «الثلاث في الباقي»
من النجاسات؛ للأمر به في بعض الأخبار .
«والغُسالة»
وهي : الماء المنفصل عن المحلّ المغسول بنفسه أو بالعصر «كالمحلّ قبلها»
أي قبل خروج تلك الغسالة ، فإن كانت من الغَسلة الاُولى وجب غَسل ما أصابته تمام
العدد ، أو من الثانية فتنقص واحدة ، وهكذا.
وهذا يتمّ فيما يُغسل مرّتين لا لخصوص
النجاسة ، أمّا المخصوص كالوُلوغ فلا؛ لأنّ الغسالة لا تسمّى وُلوغاً ، ومن ثَمّ
لو وقع لعابه في الإناء بغيره لم يوجب حكمه.
وما ذكره المصنّف أجود الأقوال في
المسألة ، وقيل : إنّ الغسالة كالمحلّ قبل الغَسل مطلقاً
وقيل : بعده
فتكون طاهرة مطلقاً ، وقيل : بعدها .
ويستثنى من ذلك ماء الاستنجاء ، فغسالته
طاهرةٌ مطلقاً ما لم تتغيّر بالنجاسة أو تُصَب
نجاسة خارجة عن حقيقة الحدث المستنجى منه أو محلّه.
____________________
«الرابعة»
:
«المطهِّر عشرة » :
«الماء»
وهو مطهِّرٌ «مطلقاً»
من سائر النجاسات التي تقبل التطهير.
«والأرض»
تطهِّر «باطنَ
النعل» وهو : أسفله الملاصق للأرض «وأسفلَ القدم»
مع زوال عين النجاسة عنهما بها بمشي ودَلكٍ وغيرهما. والحجر والرمل من أصناف
الأرض. ولو لم يكن للنجاسة جرمٌ ولا رطوبةٌ كفى مسمّى الإمساس.
ولا فرق في الأرض بين الجافّة والرطبة
ما لم تخرج عن اسم الأرض. وهل يشترط طهارتها؟ وجهان ، وإطلاق النصّ
والفتوى يقتضي عدمه.
والمراد ب «النعل»
: ما يجعل أسفل الرِجل للمشي وقايةً من الأرض ونحوها ، ولو من خشب. وخشبة الأقطَع
كالنعل.
«والتراب في الوُلوغ»
فإنّه جزء علّةٍ للتطهير ، فهو مطهِّرٌ في الجملة.
____________________
«والجسم الطاهر»
غير اللَزج ولا الصَقيل
«في
غير المتعدّي من الغائط».
«والشمس ما جفّفته»
بإشراقها عليه وزالت عين النجاسة عنه «من الحُصُر والبواري»
من المنقول «وما
لا يُنقل» عادةً مطلقاً : من الأرض وأجزائها ،
والنبات
والأخشاب ، والأبواب المثبتة ، والأوتاد الداخلة ، والأشجار ، والفواكه الباقية
عليها وإن حان أوان قطافها .
ولا يكفي تجفيف الحرارة؛ لأنّها لا
تُسمّى شمساً ، ولا الهواءُ المنفرد بطريقٍ أولى. نعم ، لا يضرّ انضمامه إليها.
ويكفي في طهر الباطن الإشراق على الظاهر مع جفاف الجميع ، بخلاف المتعدّد المتلاصق
إذا أشرقت على بعضه.
«والنار ما أحالته»
رَماداً أو دُخاناً
لا خزفاً وآجراً في أصحّ القولين ، وعليه المصنّف في غير البيان
وفيه قوّى قول الشيخ
بالطهارة فيهما .
«ونقص البئر»
بنزح المقدّر منه. وكما يطهر البئر بذلك فكذا حافّاته وآلات النزح والمباشر وما
يصحبه حالته.
«وذهاب ثلثي العصير»
مطهِّرٌ للثلث الآخر ـ على القول بنجاسته ـ والآلات والمزاول.
____________________
«والاستحالة»
كالميتة والعذرة تصير تراباً ودوداً ، والنطفة والعَلَقة تصير حيواناً غير الثلاثة
، والماء النجس بولاً لحيوانٍ مأكولٍ ولبناً ، ونحو ذلك.
«وانقلاب الخمر خَلّاً»
وكذا العصير بعد غليانه واشتداده.
«والإسلام»
مطهِّرٌ لبدن المسلم من نجاسة الكفر وما يتّصل به : من شعر ونحوه ، لا لغيره كثيابه.
«وتطهر العين والأنف والفم باطُنها وكلُّ
باطنٍ» كالاُذن
والفرج «بزوال
العين» ولا يطهر بذلك ما فيه من الأجسام
الخارجة عنه ، كالطعام والكحل. أمّا الرطوبة الحادثة فيه ـ كالريق والدمع ـ
فبحكمه. وطُهر
ما يتخلّف في الفم من بقايا الطعام ونحوه بالمضمضة مرّتين على ما اختاره المصنّف
من العدد ، ومرّةً في غير نجاسة البول على ما اخترناه .
«ثمّ الطهارة»
على ما علم من تعريفها «اسمٌ
للوضوء والغُسل والتيمّم»
الرافع للحدث أو المبيح للصلاة على المشهور ، أو مطلقاً على ظاهر التقسيم.
____________________
«فهنا فصول ثلاثة *»
«الأوّل»
«في الوضوء»
بضمّ الواو : اسمٌ للمصدر ، فإنّ مصدره «التوضُّؤ»
على وزن «التعلّم»
وأمّا الوَضوء ـ بالفتح ـ فهو الماء الذي يُتوضّأ به. وأصله من «الوَضاءة»
وهي النَّظافة والنَّضارة من ظلمة الذنوب.
«وموجِبه : البول والغائط والريح»
من الموضع المعتاد ، أو من غيره مع انسداده.
واطلاق «الموجِب»
على هذه الأسباب باعتبار إيجابها الوضوءَ عند التكليف بما هو شرطٌ فيه ، كما يطلق
عليها «الناقض»
باعتبار عروضها للمتطهِّر ، و «السبب»
أعمّ منهما مطلقاً ، كما أنّ بينهما عموماً من وجه ، فكان التعبير ب «السبب»
أولى.
«والنوم الغالب»
غلبةً مستهلكةً «على
السمع والبصر» بل على مطلق
الإحساس ، ولكنّ الغلبة على السمع تقتضي الغلبة على سائرها ، فلذا خصّه. أمّا
البصر فهو أضعف من كثيرٍ منها ، فلا وجه لتخصيصه.
«ومزيل العقل»
من جنون وسكر وإغماء.
____________________
«والاستحاضة»
على وجهٍ يأتي تفصيله .
«وواجبه»
: أي واجب الوضوء :
«النيّة»
وهي : القصد إلى فعله «مقارنةً
لغَسل الوجه» المعتبر شرعاً ،
وهو أوّل جزءٍ من أعلاه؛ لأنّ ما دونه لا يسمّى غَسلاً شرعاً ، ولأنّ المقارنة
تعتبر لأوّل أفعال الوضوء ، والابتداء بغير الأعلى لا يعدّ فعلاً «مشتملةً على»
قصد «الوجوب»
إن كان واجباً بأن كان في وقت عبادةٍ واجبةٍ مشروطةٍ به ، وإلّا نوى الندبَ ، ولم
يذكره لأنّه خارجٌ عن الفرض
«والتقرّب
*» به إلى اللّٰه تعالى ، بأن يقصد
فعله للّٰهامتثالاً لأمره ، أو موافقةً لطاعته ، أو طلباً للرفعة عنده
بواسطته ، تشبيهاً بالقرب المكاني ، أو مجرّداً عن ذلك ، فإنّه تعالى غاية كلّ
مقصد «والاستباحة»
مطلقاً ، أو الرفع حيث يمكن ، والمراد رفع حكم الحدث ، وإلّا فالحدث إذا وقع لا
يرتفع.
ولا شبهة في إجزاء النيّة المشتملة على
جميع ذلك ، وإن كان في وجوب ما عدا القربة نظرٌ؛ لعدم نهوض دليلٍ عليه.
أمّا القربة فلا شبهة في اعتبارها في
كلّ عبادة. وكذا تمييز العبادة عن غيرها حيث يكون الفعل مشتركاً ، إلّاأ نّه لا
اشتراك في الوضوء حتّى في الوجوب والندب؛ لأنّه في وقت العبادة الواجبة المشروطة
به لا يكون إلّاواجباً ، وبدونه ينتفي.
«وجري الماء»
بأن ينتقل كلّ جزءٍ من الماء عن محلّه إلى غيره بنفسه أو
____________________
بمعين «على ما دار عليه الإ
بهام» بكسر الهمزة «والوُسطى»
من الوجه «عرضاً
وما بين القصاص» ـ مثلّث القاف ـ
وهو : منتهى منبت شعر الرأس «إلى
آخر الذقَن» بالذال المعجمة والقاف
المفتوحة منه «طولاً»
مراعياً في ذلك مستوي الخلقة فيالوجه واليدين.
ويدخل في الحدّ مواضع التحذيف ـ وهي :
ما بين منتهى العِذار والنَزَعَة المتّصلة بشعر الرأس ـ والعِذار والعارض ، لا
النَزَعَتان بالتحريك ، وهما : البياضان المكتنفان للناصية.
«وتخليل خفيف الشعر»
وهو ما تُرى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب ، دون الكثيف وهو خلافه. والمراد
بتخليله : إدخال الماء خلاله لغَسل البشرة المستورة به. أمّا الظاهرة خلاله فلابدّ
من غسلها ، كما يجب غَسل جزءٍ آخر ممّا جاورها من المستورة من باب المقدّمة.
والأقوى عدم وجوب تخليل الشعر مطلقاً
وفاقاً للمصنّف في الذكرى والدروس
وللمُعْظم
ويستوي في ذلك شعر اللحية والشارب والخدّ والعِذار والحاجب والعَنْفَقَة والهُدُب.
«ثمّ»
غسل اليد «الُيمنى
من المرْفق» بكسر الميم وفتح
الفاء أو بالعكس ، وهو : مجمع عظمي الذراع والعَضُد ، لا نفس المفصل «إلى أطراف الأصابع
ثُمّ» غسل «اليسرى كذلك»
وغسل ما اشتملت عليه الحدود : من لحمٍ زائدٍ وشعرٍ ويدٍ وإصبع ، دون ما خرج وإن
كان يداً ، إلّاأن تشتبه الأصليّة
____________________
فتغسلان معاً من باب
المقدّمة.
«ثمّ مسح مقدّم الرأس»
أو شعره الذي لا يخرج بمدّه عن حدّه ، واكتفى المصنّف بالرأس تغليباً لاسمه على
مانبت عليه «بمسمّاه»
أي مسمّى المسح ، ولو بجزءٍ من اصبع ، مُمِرّاً له على الممسوح ليتحقّق اسمه ، لا
بمجرّد وضعه.
ولا حدّ لأكثره ، نعم يكره الاستيعاب ،
إلّاأن يعتقد شرعيّته فيحرم ، وإن كان الفضل في مقدار ثلاث أصابع.
«ثمّ مسح»
بَشَرَة ظهر «الرجل
اليمنى» من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ، وهما :
قُبّتا القدمين ، على الأصحّ. وقيل : إلى أصل الساق
وهو مختاره في الألفيّة .
«ثمّ»
مسح ظهر «اليسرى»
كذلك «بمسمّاه»
في جانب العرض «ببقيّة
البلل» الكائن على أعضاء الوضوء من مائه «فيهما»
أي في المسحين.
وفهم من إطلاقه المسح أنّه لا ترتيب
فيهما في نفس العضو ، فيجوز النَّكس فيه دون الغسل؛ للدلالة عليه ب «من»
و «إلى»
وهو كذلك فيهما على
أصحّ القولين
وفي الدروس رجّح منع النَّكس في الرأس دون الرجلين
وفي البيان
____________________
عكس ومثله في
الألفيّة .
«مرتّباً»
بين أعضاءالغَسل والمسح : بأن يبتدئ بغسل الوجه ، ثمّ باليد اليمنى ، ثمّ اليسرى ،
ثمّ بمسح الرأس ، ثمّ الرجل اليمنى ، ثمّ اليسرى. فلو عكس أعاد على ما يحصل معه
الترتيب مع بقاء الموالاة. وأسقط المصنّف في غير الكتاب الترتيبَ بين الرجلين .
«موالياً»
في فعله «بحيث
لا يجفّ السابق» من الأعضاء على
العضو الذي هو فيه مطلقاً على أشهر الأقوال
والمعتبر في الجفاف : الحسّي لا التقديري ، ولا فرق فيه بين العامد والناسي
والجاهل.
«وسننه : السِّواك»
وهو دَلْك الأسنان بعود وخِرقة ، وإصبع ونحوها ، وأفضله الغُصن الأخضر ، وأكمله
الأراك. ومحلّه قبل غَسل الوضوء الواجب والندب كالمضمضة ، ولو أخّره عنه أجزأ.
واعلم أن السِّواك سنّةٌ مطلقاً ،
ولكنّه يتأكّد في مواضع ، منها : الوضوء والصلاة ، وقراءة القرآن ، واصفرار
الأسنان وغيره.
«والتسمية»
وصورتها : «بسم اللّٰه وباللّٰه» ويستحبّ إتباعها بقوله : «اللّهُمّ
اجعَلْني من التَّوّابِيْنَ واجعَلْني من المُتَطَهِّرِين» ولو اقتصر على «بسم اللّٰه»
أجزأ. ولو نسيها ابتداءً تداركها حيث ذكر قبل الفراغ كالأكل ، وكذا لو تركها
عمداً.
____________________
«وغسل اليدين»
من الزَّندين
«مرّتين»
من حدث النوم والبول والغائط ، لا من مطلق الحدث ـ كالريح ـ على المشهور. وقيل :
من الأوّلين مرّةً
وبه قطع في الذكرى
وقيل : مرّةً في الجميع ، واختاره في النفليّة ونسب التفصيل إلى المشهور
وهو الأقوى. ولو اجتمعت الأسباب تداخلت إن تساوت ، وإلّا دخل الأقلّ تحت الأكثر.
وليكن الغَسل «قبل إدخالهما الإناء»
الذي يمكن الاغتراف منه؛ لدفع النجاسة الوهميّة أو تعبّداً.
ولا يعتبر
كون الماء قليلاً؛ لإطلاق النص
خلافاً للعلّامة حيث اعتبره .
«والمَضْمَضَة»
وهي : إدخال الماء الفم وإدارته فيه «والاستنشاق»
وهو جذبه إلى داخل الأنف «وتثليثهما»
بأن يفعل كلّ واحدٍ منهما ثلاثاً ولو بغُرْفةٍ واحدة ، وبثلاث أفضل. وكذا يستحبّ
تقديم المضمضة أجمع على الاستنشاق ، والعطف ب «الواو» لا يقتضيه.
«وتثنية الغَسَلات»
الثلاث بعد تمام الغَسلة الاُولى في المشهور ، وأنكرها الصدوق .
____________________
«والدعاء عند كلّ فعلٍ»
من الأفعال الواجبة والمستحبّة المتقدّمة ، بالمأثور.
«وبَدأة الرجل»
في غسل اليدين «بالظَّهر
، وفي» الغَسلة «الثانية بالبطن ، عكس
المرأة» فإنّ السُّنة لها البدأة بالبطن
والختم بالظَّهر ، كذا ذكره الشيخ
وتبعه عليه المصنّف هنا وجماعة .
والموجود في النصوص : بَدأة الرجل بظاهر
الذراع والمرأة
بباطنه
من غير فرقٍ فيهما بين الغسلتين ، وعليه الأكثر .
«ويتخيّر الخنثى*»
بين البَدأة بالظَّهر والبطن على المشهور ، وبين الوظيفتين على المذكور.
«والشاكّ فيه **»
أي في الوضوء «في
أثنائه يستأنف» والمراد ب «الشكّ فيه نفسه في
الأثناء» الشكّ في نيّته؛ لأنّه إذا شكّ فيها
فالأصل عدمها ومع ذلك لا يعتدّ بما وقع من الأفعال بدونها ، وبهذا صدق الشكّ في
أثنائه.
____________________
وأمّا الشكّ في أنّه
هل توضّأ أو هل شرع فيه أم لا؟ فلا يتصوّر تحقّقه في الأثناء. وقد ذكر المصنّف في
مختصريه
الشكّ في النيّة في أثناء الوضوء وأ نّه يستأنف ، ولم يعبّر ب «الشك في الوضوء»
إلّاهنا.
«و»
الشاكّ فيه بالمعنى المذكور «بعده»
أي بعد الفراغ «لا
يلتفت» كما لو شكّ في غيرها من الأفعال.
«و»
الشاكّ «في
البعض يأتي به» أي بذلك البعض
المشكوك فيه إذا وقع الشكّ «على
حاله» أي حال الوضوء بحيث لم يكن فرغ منه ،
وإن كان قد تجاوز ذلك البعض «إلّامع
الجَفاف» للأعضاء السابقة عليه «فيعيد»
لفوات الموالاة.
«و»
لو شكّ في بعضه «بعد
انتقاله» عنه وفراغه منه «لا يلتفت»
والحكم منصوصٌ
متّفقٌ عليه.
«والشاكّ في الطهارة»
مع تيقّن الحدث «محدثٌ»
لأصالة عدم الطهارة «والشاكّ
في الحدث» مع تيقّن الطهارة «متطهِّرٌ»
أخذاً بالمتيقّن.
«و»
الشاكّ «فيهما»
أي في المتأخّر منهما مع تيقّن وقوعهما «محدثٌ»
لتكافؤ الاحتمالين ، إن لم يَستفد من الاتّحاد والتعاقب حكماً آخر ، هذا هو الأقوى
والمشهور. ولا فرق بين أن يَعلم حاله قبلهما بالطهارة ، أو بالحدث ، أو يَشكّ.
وربّما قيل : بأ نّه يأخذ ـ مع علمه
بحاله ـ ضدَّ ما علمه
لأنّه إن كان متطهِّراً
____________________
فقد علم نقض تلك
الحالة وشكّ في ارتفاع الناقض لجواز تعاقب الطهارتين ، وإن كان محدثاً فقد علم
انتقاله عنه بالطهارة وشكّ في انتقاضها بالحدث؛ لجواز تعاقب الأحداث.
ويشكل : بأنّ المتيقّن حينئذٍ ارتفاع
الحدث السابق ، أمّا اللاحق المتيقّن وقوعه فلا ، وجواز تعاقبه لمثله مكافئٌ
لتأخّره عن الطهارة ، ولا مرجّح. نعم
لو كان المتحقّق طهارةً رافعةً وقلنا بأنّ المجدّد
لا يرفع أو قطع بعدمه ، توجّه الحكم بالطهارة في الأوّل ، كما أنّه لو علم عدم
تعاقب الحدثين بحسب عادته أو في هذه الصورة ، تحقّق الحكم بالحدث في الثاني ،
إلّاأ نّه خارجٌ عن موضع النزاع ، بل ليس من حقيقة الشكّ في شيءٍ إلّابحسب
ابتدائه.
وبهذا يظهر ضعف القول باستصحاب الحالة
السابقة
بل بطلانه.
(مسائل)
«مسائل يجب على المتخلّي ستر العورة»
قُبُلاً ودُبراً عن ناظر محترم «وترك
*» استقبال «القبلة»
بمقاديم بدنه «ودَبْرها»
كذلك ، في البناء وغيره.
«وغَسل البول بالماء»
مرّتين كما مرّ
«و»
كذا يجب غسل «الغائط»
____________________
بالماء «مع التعدّي»
للمخرَج ، بأن تجاوز حواشيه وإن لم يبلغ الألية.
«وإلّا»
أي وإن لم يتعدّ الغائطُ المخرَجَ «فثلاثة أحجارٍ»
طاهرةٍ جافّةٍ قالعةٍ للنجاسة «أبكارٍ»
لم يُستنج بها بحيث تنجّست به «أو
بعد طهارتها» إن لم تكن أبكاراً
وتنجّست. ولو لم تتنجّس ـ كالمكمّلة للعدد بعد نقاء المحلّ ـ كفت من غير اعتبار
الطُّهر «فصاعداً»
عن الثلاثة إن لم يَنق المحلّ بها «أو شبهها»
من ثلاث خِرَقٍ أو خزفاتٍ أو أعوادٍ ، ونحو ذلك من الأجسام القالعة للنجاسة غير
المحترمة. ويعتبر العدد في ظاهر النصّ
وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة ، فلا يُجزي ذو الجهات الثلاث ، وقطع المصنّف في
غير الكتاب
بإ جزائه. ويمكن إدخاله على مذهبه في «شبهها».
واعلم أنّ الماء مجزٍ مطلقاً ، بل هو
أفضل من الأحجار على تقدير إجزائها ، وليس في عبارته هنا ما يدلّ على إجزاء الماء
في غير المتعدّي. نعم ، يمكن استفادته من قوله سابقاً : «الماء مطلقاً»
ولعلّه اجتزأ به.
«ويستحبّ التباعد»
عن الناس بحيث لا يُرى؛ تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله فإنّه لم يُرَ قطُّ
على بولٍ ولا غائط .
«والجمعُ بين المطهِّرين»
الماء والأحجار ، مقدِّماً للأحجار في المتعدّي وغيره مبالغةً في التنزيه ،
ولإزالة العين والأثر على تقدير إجزاء الحجر. ويظهر
____________________
من إطلاق «المطهِّر»
استحبابُ عددٍ من الأحجار يطهِّر
ويمكن تأدّيه بدونه لحصول الغرض.
«وتركُ استقبال»
جِرْم «النيّرين»
ـ الشمس والقمر ـ بالفرج ، أمّا جهتهما فلا بأس «و»
تركُ استقبال «الريح»
واستدبارها بالبول والغائط لإطلاق الخبر
ومن ثَمّ أطلق المصنّف ، وإن قيّد في غيره ب «البول»
.
«وتغطيةُ الرأس»
إن كان مكشوفاً؛ حذراً من وصول الرائحة الخبيثة إلى دِماغه ، وروي : التقنّع معها .
«والدخول ب»
الرجل «اليسرى»
إن كان ببناءٍ ، وإلّا جعلها آخر ما يقدّمه. «والخروج ب»
الرجل «اليمنى»
كما وصفناه ، عكس المسجد.
«والدعاء في أحواله»
التي ورد استحباب الدعاء فيها ـ وهي : عند الدخول ، وعند الفعل ، ورؤية الماء ،
والاستنجاء ، وعند مسح بطنه إذا قام من موضعه ، وعند الخروج ـ بالمأثور .
«والاعتماد على»
الرجل «اليسرى»
وفتح اليمنى.
«والاستبراء»
وهو : طلب براءة المحلّ من البول بالاجتهاد ، الذي هو :
____________________
مسح ما بين المقعدة
وأصل القضيب ثلاثاً ، ثمّ نَتْره
ثلاثاً ، ثمّ عصر الحشفة ثلاثاً.
«والتَّنَحْنُح ثلاثاً»
حالة الاستبراء ، ونسبه المصنّف في الذكرى إلى سلّار
لعدم وقوفه على مأخذه.
«والاستنجاء باليسار»
لأنّها موضوعةٌ للأدنى ، كما أنّ اليمين للأعلى كالأكل والوضوء.
«ويكره باليمنى»
مع الاختيار؛ لأنّه من الجَفاء «و»
يكره البول «قائماً»
حذراً من تخبيل الشيطان
«ومطمِّحاً»
به في الهواء للنهي عنه
«وفي
الماء» جارياً وراكداً؛ للتعليل في أخبار
النهي : بأنّ للماء أهلاً فلا تُؤذِهم بذلك .
«و»
الحدثُ في «الشارع»
وهو : الطريق المَسْلوك «والمشرَع»
وهو : طريق الماء للواردة «والفِناء»
بكسر الفاء ، وهو : ما امتدّ من جوانب الدار ، وهو حريمها خارج المملوك منها «والملعَن»
وهو : مجمع الناس أو منزلهم أو قارعة الطريق أو أبواب الدور «و»
تحت الشجرة «المثمرة»
وهي : ما من شأنها أن تكون مثمرةً وإن لم تكن كذلك بالفعل ، ومحلّ الكراهة ما يمكن
أن تبلغه الثمار عادةً وإن لم يكن تحتها «وفيء النُزّال»
وهو : موضع الظلّ المعدّ لنزولهم ، أو ما هو أعمّ منه كالمحلّ الذي يرجعون إليه
وينزلون به ، من
____________________
«فاء يفيء» إذا رجع «والجِحَرَة»
بكسر الجيم وفتح الحاء والراء المهملتين ، جمع «جُحر» بالضم فالسكون ، وهي : بيوت
الحشار.
«والسِّواكُ»
حالته ، روي : أنّه يورث البَخَر .
«والكلامُ»
إلّابذكر اللّٰه تعالى «والأكلُ
والشربُ» لما فيه من المهانة ، وللخبر .
«ويجوز حكاية الأذان»
إذا سمعه
على المشهور ، و «ذكر
اللّٰه» لا يشمله أجمع؛
لخروج «الحيَّعلات»
منه؛ ومن ثمّ حكاه المصنّف في الذكرى بقوله : وقيل .
«وقراءة آية الكرسي»
وكذا مطلق حمد اللّٰه وشكره وذكره؛ لأنّه حَسَنٌ على كلّ حال «وللضرورة»
كالتكلّم لحاجةٍ يخاف فوتها لو أخّره إلى أن يفرغ.
ويستثنى أيضاً الصلاة على النبيّ صلى
الله عليه وآله عند سَماع ذكره ، و «الحَمْدلة»
عند العُطاس منه ومن غيره ، وهو من الذكر. وربّما قيل باستحباب التَّسْميت
منه أيضاً .
ولا يخفى وجوبُ ردّ السلام وإن كره السلام عليه. وفي كراهة ردّه مع
____________________
تأديّ الواجب بردّ
غيره وجهان.
واعلم أنّ المراد ب «الجواز» في حكاية
الأذان ـ وما في معناه ـ معناه الأعمّ؛ لأنّه مستحبٌّ لا يستوي طرفاه ، والمراد
منه هنا الاستحباب؛ لأنّه عبادة لا تقع إلّاراجحة وإن وقعت مكروهة ، فكيف إذا
انتفت الكراهة.
«الفصل الثاني»
«في الغُسل»
«وموجبه»
ستّةٌ : «الجَنابةُ»
بفتح الجيم «والحيضُ
والاستحاضةُ مع غَمس القُطنة»
سواء سال عنها أم لا؛ لأنّه موجبٌ حينئذٍ في الجملة «والنفاسُ ومسُّ الميّت النجس»
في حال كونه «آدميّاً».
فخرج الشهيد والمعصوم ومن تمّ غسله
الصحيح وإن كان متقدّماً على الموت ، كمن قدّمه ليُقتل فقُتل بالسبب الذي اغتسل
له. وخرج ب «الآدمي»
غيرهُ من الميتات الحيوانيّة ، فإنّها وإن كانت نجسةً إلّاأنّ مسّها لا يوجب غسلاً
، بل هي كغيرها من النجاسات في أصحّ القولين
وقيل : يجب غَسل ما مسّها وإن لم يكن برطوبة .
«والموتُ»
المعهود شرعاً ، وهو موت المسلم ومن بحكمه غير الشهيد.
____________________
«وموجِب الجَنابة»
شيئان :
أحدهما : «الإنزال»
للمني يَقَظَةً ونوماً «و»
الثاني : «غيبوبة
الحشفة» وما في حكمها ، كقدرها من مقطوعها «قُبُلاً أو دُبراً»
من آدميٍّ وغيره ، حيّاً وميّتاً ، فاعلاً وقابلاً «أنزل»
الماء «أو
لا».
ومتى حصلت الجَنابة لمكلّفٍ بأحد
الأمرين تعلّقت به الأحكام المذكورة :
«فيحرم عليه قراءة العزائم»
الأربع وأبعاضها ، حتى البَسْمَلَة وبعضها إذا قصدها لأحدها.
«واللبثُ في المساجد»
مطلقاً «والجواز
في المسجدين» الأعظمين بمكّة
والمدينة «ووضعُ
شيءٍ فيها» أي في المساجد مطلقاً وإن لم يستلزم
الوضعُ اللبثَ ، بل لو طرحه من خارج ، ويجوز الأخذ منها.
«ومسُّ خطّ المُصْحَف»
وهو كلماته وحروفه المفردة وما قام مقامها ـ كالتشديد والهمزة ـ بجزءٍ من بدنه
تحلّه الحياة «أو
اسمِ اللّٰه تعالى»
مطلقاً «أو»
اسمِ «النبيّ
أو» أحد «الأئمّة عليهم السلام»
المقصود بالكتابة ولو على درهم أو دينار في المشهور .
«ويكره»
له «الأكل
والشرب حتّى يتمضمض ويستنشق»
أو يتوضّأ ،
____________________
فإن أكل قبل ذلك خيف
عليه البَرَص ، وروي : أنّه يورث الفقر
ويتعدّد بتعدّد الأكل والشرب مع التراخي عادةً لا مع الاتّصال.
«والنومُ إلّابعد الوضوء»
وغايته هنا إيقاع النوم على الوجه الكامل .
وهو غير مبيح؛ إمّا لأنّ غايته الحدث ، أو لأنّ المبيح للجنب هو الغسل خاصّة.
«والخضابُ»
بحِنّاءٍ وغيره. وكذا يكره له أن يجنب وهو مختضب.
«وقراءة ما زاد على سبع آيات»
في جميع أوقات جنابته. وهل يصدق العدد بالآية المكرّرة سبعاً؟ وجهان.
«والجوازُ في المساجد»
غير المسجدين ، بأن يكون للمسجد بابان فيدخل من أحدهما ويخرج من الآخر. وفي صدقه
بالواحد من غير مكثٍ وجهٌ. نعم ، ليس له التردّد في جوانبه بحيث يخرج عن المجتاز.
«وواجبه : النيّة»
وهي القصد إلى فعله متقرّباً ، وفي اعتبار الوجوب والاستباحة أو الرفع ما مرّ
«مقارنةً»
لجزءٍ من الرأس ومنه الرقبة إن كان مرتّباً ، ولجزءٍ من البدن إن كان مرتمساً بحيث
يتبعه الباقي بغير مهلة.
«وغسلُ الرأس والرقبة»
أوّلاً ، ولا ترتيب بينهما؛ لأنّهما فيه عضوٌ واحد ، ولا ترتيب في نفس أعضاء
الغُسل بل بينهما ، كأعضاء مسح الوضوء ، بخلاف أعضاء غَسله فإنّه فيها وبينها.
«ثمّ»
غَسل الجانب «الأيمن
ثمّ الأيسر» كما وصفناه ،
والعورة تابعة للجانبين. ويجب إدخال جزءٍ من حدود كلّ عضوٍ من باب المقدّمة
كالوضوء.
____________________
«وتخليلُ مانع وصول الماء»
إلى البشرة ، بأن يُدخِل الماء خلاله إلى البشرة على وجه الغَسل.
«ويستحبّ الاستبراء»
للمُنزِل ـ لا لمطلق الجنب ـ بالبول ليزيل أثر المنيّ الخارج ، ثمّ بالاجتهاد بما
تقدّم من الاستبراء. وفي استحبابه به
للمرأة قولٌ ، فتستبرئ عَرْضاً ، أمّا بالبول فلا؛ لاختلاف المخرجين.
«والمضمضةُ والاستنشاقُ»
كما مرّ
«بعد
غَسل اليدين ثلاثاً» من الزَندين ،
وعليه المصنّف في الذكرى
وقيل : من المرفقين
واختاره في النفليّة
وأطلق في غيرهما
كما هنا ، وكلاهما مؤدٍّ للسنّة وإن كان الثاني أولى.
«والموالاةُ»
بين الأعضاء بحيث كلّما فرغ من عضوٍ شرع في الآخر ، وفي غَسل نفس العضو؛ لما فيه
من المسارعة إلى الخير والتحفّظ من طريان المفسِد. ولا تجب في المشهور إلّالعارض ،
كضيق وقت العبادة المشروطة به ، وخوف فجأة الحدث للمستحاضة ، ونحوها. وقد تجب
بالنذر؛ لأنّه راجح.
«ونَقضُ المرأة الضفائر»
جمع «ضفيرة»
وهي : العَقيصَة المجدولة من الشعر ، وخَصّ المرأة؛ لأنّها مورد النصّ
وإلّا فالرجل كذلك؛ لأنّ الواجب غَسل
____________________
البشرة دون الشعر ،
وإنّما استُحبّ النقض للاستظهار والنصّ.
«وتثليثُ الغَسل»
لكلّ عضوٍ من أعضاء البدن الثلاثة ، بأن يغسله ثلاث مرّات.
«وفعلُه»
أي الغُسل بجميع سُنَنه الذي من جملته تثليثه «بصاعٍ»
لا أزيد ، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : «الوُضوء بمُدٍّ ،
والغُسل بصاعٍ ، وسيأتي أقوامٌ بعدي يستقلّون ذلك ، فاُولئك على خلاف سنّتي ،
والثابتُ على سنّتي معي في حَظيرة القُدس» .
«ولو وجد»
المجنب بالإنزال «بَلَلاً»
مشتبهاً «بعد
الاستبراء» بالبول أو الاجتهاد مع تعذّره «لم يلتفت ، وبدونه»
أي بدون الاستبراء بأحد الأمرين «يغتسل»
ولو وجده بعد البول من دون الاستبراء بعده وجب الوضوء خاصّةً ، أمّا الاجتهاد بدون
البول مع إمكانه فلا حكم له.
«والصلاةُ السابقة»
على خروج البلل المذكور «صحيحةٌ»
لارتفاع حكم السابق ، والخارجُ حدثٌ جديد وإن كان قد خرج عن محلّه
إلى محلٍّ آخر. وفي حكمه ما لو أحسّ بخروجه فأمسك عليه فصلّى ثمّ أطلقه.
«ويسقط الترتيب»
بين الأعضاء الثلاثة «بالارتماس»
وهو غَسل البدن أجمع دفعةً واحدةً عرفيّةً ، وكذا ما أشبهه كالوقوف تحت المجرى
والمطر الغزيرين؛ لأنّ البدن يصير به عضواً واحداً.
«ويعاد»
غسل الجنابة «بالحدث»
الأصغر «في
أثنائه على
____________________
الأقوى»
عند المصنّف وجماعة
وقيل : لا أثر له مطلقاً
وفي ثالث : يوجب الوضوء خاصّة
وهو الأقرب ، وقد حقّقنا القول في ذلك برسالةٍ مفردة .
أمّا غير غسل الجنابة من الأغسال فيكفي
إتمامه مع الوضوء قطعاً. وربّما خرّج بعضهم
بطلانه كالجنابة ، وهو ضعيف جدّاً.
«وأمّا الحَيض»
«فهو ما»
أي الدم الذي «تراه
المرأة بعد» إكمال «تسع»
سنين هلاليّة «وقبل»
إكمال «ستّين»
سنة «إن
كانت» المرأة «قُرَشيّة»
وهي المنتسبة بالأب إلى النضر بن كنانة ، وهي أعمّ من الهاشميّة ، فمن عُلم
انتسابها إلى قريش بالأب لزمها حكمُها ، وإلّا فالأصل عدم كونها منها «أو نَبَطيّة»
منسوبة إلى «النَّبَط»
وهم ـ على ما ذكره الجوهري
ـ : قوم ينزلون البطائح بين
____________________
العراقين ، والحكم
فيها مشهور ، ومستنده غير معلوم ، واعترف المصنّف بعدم وقوفه فيها على نصّ
والأصل يقتضي كونها كغيرها.
«وإلّا»
يكن كذلك «فالخمسون»
سنة مطلقاً غاية إمكان حيضها.
«وأقلّه ثلاثة»
أيام «متوالية»
فلا يكفي كونها في جملة عشرةٍ على الأصحّ «وأكثره عشرة»
أيّام ، فما زاد عنها ليس بحيضٍ إجماعاً.
«وهو أسودُ أو أحمرُ حارٌّ له دفعٌ»
وقوّةٌ عند خروجه «غالباً»
قيّد ب «الغالب»
ليندرج فيه ما أمكن كونه حيضاً ، فإنّه يحكم به وإن لم يكن كذلك ، كما نبّه عليه
بقوله :
«ومتى أمكن كونه»
أي الدم «حيضاً»
بحسب حال المرأة بأن تكون بالغةً غير يائسة ، ومدّتِه بأن لا ينقص عن ثلاثة ولا
يزيد عن عشرة ، ودوامِه كتوالي الثلاثة ، ووصفِه كالقويّ مع التمييز
ومحلِّه كالجانب إن اعتبرناه ، ونحو ذلك «حُكم به».
وإنّما يعتبر الإمكان بعد استقراره فيما
يتوقّف عليه ، كأيّام الاستظهار ، فإنّ الدم فيها يمكن كونه حيضاً ، إلّاأنّ الحكم
به موقوف على عدم عبور العشرة ، ومثلُه القولُ في أوّل رؤيته مع انقطاعه قبل
الثلاثة.
«ولو تجاوز»
الدمُ «العشرةَ
فذات العادة الحاصلة باستواء»
الدم «مرّتين»
أخذاً وانقطاعاً ، سواء كان في وقتٍ واحدٍ بأن رأت في أوّل شهرين سبعةً مثلاً ، أم
في وقتين كأن رأت السبعة في أوّل شهرٍ وآخره ، فإنّ السبعة تصير عادةً وقتيّةً
وعدديّةً في الأوّل ، وعدديّةً في الثاني ، فإذا تجاوز عشرة «تأخذها»
أي العادة فتجعلها حيضاً.
____________________
والفرق بين العادتين الاتّفاق على
تحيُّض الاُولى برؤية الدم ، والخلاف في الثانية ، فقيل : إنّها فيه كالمضطربة لا
تتحيّض إلّابعد ثلاثة
والأقوى أنّها كالاُولى.
ولو اعتادت وقتاً خاصّةً ـ بأن رأت في
أوّل شهرٍ سبعةً وفي أوّل آخر ثمانيةً ـ فهي مضطربة العدد لا ترجع إليه عند
التجاوز ، وإن أفاد الوقت تحيّضها برؤيته فيه بعد ذلك كالاُولى إن لم نُجز ذلك
للمضطربة.
«وذات التمييز»
وهي التي ترى الدم نوعين أو أنواعاً «تأخذه»
بأن تجعل القويّ حيضاً والضعيف استحاضة «بشرط عدم تجاوز حدّيه»
قلّةً وكثرةً ، وعدم قصور الضعيف وما يُضاف إليه من أيّام النقاء عن أقلّ الطهر.
وتعتبر القوّة بثلاثة : اللونِ ،
فالأسود قويّ الأحمر ، وهو قويّ الأشقَر ، وهو قوي الأصفر ، وهو قويّ الأكدر.
والرائحةِ ، فذو الرائحة الكريهة قويّ ما لا رائحة له ، وما له رائحةٌ أضعف.
والقوامِ ، فالثخين قويّ الرقيق ، وذو الثلاث قويّ ذي الاثنين ، وهو قويّ ذي
الواحد ، وهو قويّ العادم.
ولو استوى العدد وإن كان مختلفاً فلا
تمييز.
وحكم الرجوع إلى التمييز ثابتٌ «في المبتدأة»
بكسر الدال وفتحها ، وهي من لم يستقرّ لها عادةٌ؛ إمّا لابتدائها أو بعده مع
اختلافه عدداً ووقتاً «والمضطرِبة»
وهي من نسيت عادتها وقتاً ، أو عدداً ، أو معاً.
وربّما اُطلقت على ذلك وعلى من تكرّر
لها الدم مع عدم استقرار العادة
____________________
وتختصّ المبتدأة على
هذا بمن رأته أول مرّة ، والأوّل أشهر.
وتظهر فائدة الاختلاف في رجوع ذات القسم
الثاني من المبتدأة إلى عادة أهلها وعدمه.
«ومع فقده»
أي فقد التمييز بأن اتّحد الدم المتجاوز لوناً وصفةً ، أو اختلف ولم تحصل شروطه «تأخذ المبتدأة عادةَ
أهلها» وأقاربها من الطرفين أو أحدهما ،
كالاُخت والعمّة والخالة وبناتهنّ.
«فإن اختلفن»
في العادة وإن غلب بعضهنّ «فأقرانها»
وهنّ من قاربها
في السنّ عادةً. واعتبر المصنّف في كتبه الثلاثة
فيهنّ وفي الأهل اتّحاد البلد؛ لاختلاف الأمزجة باختلافه. واعتبر في الذكرى أيضاً
الرجوع إلى الأكثر عند الاختلاف
وهو أجود. وإنّما اعتبر في الأقران الفقدان دون الأهل؛ لإمكانه فيهنّ دونهنّ؛ إذ
لا أقلّ من الاُمّ. لكن قد يتّفق الفقدان بموتهنّ وعدم العلم بعادتهنّ ، فلذا عبّر
في غيره
ب «الفقدان» و «الاختلاف» فيهما.
«فإن فُقدن»
الأقران «أو
اختلفن فكالمضطربة في» الرجوع إلى
الروايات ، وهي «أخذ
عشرة» أيّام «من كلّ *
شهرٍ
وثلاثة من آخر »
مخيّرةً في الابتداء بما شاءت منهما «أو سبعة سبعة»
من كلّ شهر أو ستّة ستّة
____________________
مخيّرةً في ذلك
وإن كان الأفضل لها اختيار ما يوافق مزاجها منها ، فتأخذ ذات المزاج الحارّ السبعة
، والبارد الستّة ، والمتوسّط الثلاثة والعشرة ، وتتخيّر في وضع ما اختارته حيث
شاءت من أيّام الدم ، وإن كان الأولى الأوّل. ولا اعتراض للزوج في ذلك. هذا في
الشهر الأوّل ، أمّا ما بعده فتأخذ ما يوافقه وقتاً.
وهذا إذا نسيت المضطربة الوقت والعدد
معاً. أمّا لو نسيت أحدهما خاصّةً ، فإن كان الوقت أخذت العدد كالروايات ، أو
العدد جعلت ما تيقّن من الوقت حيضاً أوّلاً أو آخراً أو ما بينهما ، وأكملته بإحدى
الروايات على وجهٍ يطابق. فإن ذكرت أوّله أكملته ثلاثة متيقّنةً وأكملته بعددٍ
مرويّ. أو آخره تحيّضت بيومين قبله متيقّنة وقبلهما تمام الرواية. أو وسطه المحفوف
بمتساويين وأ نّه يومٌ حفّته بيومين واختارت رواية السبعة لتطابق الوسط ، أو يومان
حفّتهما بمثلهما فتيقّنت أربعة واختارت رواية الستّة فتجعل قبل المتيقّن يوماً
وبعده يوماً. أو الوسطَ بمعنى الأثناء مطلقاً حفّته بيومين متيقّنة وأكملته بإحدى
الروايات متقدّمةً أو متأخّرةً أو بالتفريق. ولا فرق هنا بين تيقّن يومٍ وأزيد
ولو ذكرت عدداً في الجملة فهو المتيقّن خاصّةً وأكملته بإحدى الروايات قبله أو
بعده أو بالتفريق. ولا احتياط لها بالجمع بين التكليفات عندنا وإن جاز فعله.
«ويحرم عليها»
أي : على الحائض مطلقاً «الصلاةُ»
واجبةً ومندوبةً «والصومُ
، وتقضيه» دونها ، والفارق النصّ
لا مشقّتها بتكرّرها ولا غير ذلك.
____________________
«والطوافُ»
الواجب والمندوب وإن لم يُشترط فيه الطهارة؛ لتحريم دخول المسجد مطلقاً عليها.
«ومسُّ»
كتابة «القرآن»
وفي معناه : اسم اللّٰه تعالى وأسماء الأنبياء والأ ئمّة عليهم السلام ، كما
تقدّم .
«ويكره حمله»
ولو بالعِلاقة
«ولمسُ
هامشه» وبين سطوره «كالجنب».
«ويحرم»
عليها «اللبثُ
في المساجد» غير الحرمين ،
وفيهما يحرم الدخول مطلقاً كما مرّ
وكذا يحرم عليها وضع شيءٍ فيها كالجنب «وقراءة العزائم»
وأبعاضها «وطلاقها»
مع حضور الزوج أو حكمه
ودخوله بها وكونها حائلاً ، وإلّا صحّ. وإنّما أطلق لتحريمه في الجملة ، ومحلّ
التفصيل باب الطلاق وإن اعتيد هنا إجمالاً.
«ووطؤها قبلاً عالماً عامداً ، فتجب
الكفّارة» لو فعل «احتياطاً»
لا وجوباً على الأقوى. ولا كفّارة عليها مطلقاً ، والكفّارة «بدينار»
أي مثقال ذهبٍ خالصٍ مضروب «في
الثُّلث الأوّل ، ثمّ نصفه في الثُّلث الثاني ، ثمّ ربعه في الثُّلث الأخير»
ويختلف ذلك باختلاف العادة وما في حكمها من التمييز والروايات ، فالأوّلان أوّلٌ
لذات الستّة ، والوسطان وسطٌ ، والأخيران آخر ، وهكذا. ومصرفها مستحقّ الكفارة ،
ولا يعتبر فيه التعدّد.
____________________
«ويكره»
لها «قراءة
باقي القرآن» غير العزائم من غير
استثناءٍ للسبع. «و»
كذا يكره له «الاستمتاع
بغير القُبُل» مما بين السُرّة
والرُكبة. ويكره لها إعانته عليه إلّاأن يطلبه فتنتفي الكراهة عنها؛ لوجوب الإ
جابة. ويظهر من العبارة كراهة الاستمتاع بغير القُبُل مطلقاً ، والمعروف ما
ذكرناه.
«ويستحبّ»
لها «الجلوس
في مصلّاها» إن كان لها محلٌّ
معدٌّ لها ، وإلّا فحيث شاءت «بعد
الوضوء» المنويّ به التقرّب دون الاستباحة «وتذكر اللّٰهَ
تعالى بقدْر الصلاة» لبقاء التمرين على
العبادة ، فإنّ الخير عادة .
«ويكره لها الخضاب»
بالحِنّاء وغيره كالجنب.
«وتترك ذاتُ العادة»
المستقرّة وقتاً وعدداً أو وقتاً خاصّةً العبادة * المشروطة بالطهارة «برؤية الدم»
أمّا ذات العادة العدديّة خاصّةً فهي كالمضطربة في ذلك كما سلف
«وغيرُها»
من المبتدأة والمضطربة «بعد
ثلاثة»
احتياطاً. والأقوى جواز تركهما برؤيته أيضاً خصوصاً إذا ظنّتاه حيضاً ، وهو
اختياره في الذكرى
واقتصر في الكتابين على الجواز مع ظنّه خاصّة .
____________________
«ويكره وطؤها»
قُبُلاً «بعد
الانقطاع قبل الغُسل على الأظهر»
خلافاً للصدوق رحمه الله حيث حرّمه
ومستند القولين الأخبار المختلفة ظاهراً
والحمل على الكراهة طريق الجمع. والآية
ظاهرةٌ في التحريم قابلةٌ للتأويل.
«وتقضي كلَّ صلاةٍ تمكّنت من فعلها قبله»
بأن مضى من أوّل الوقت مقدارُ فعلها وفعل ما يعتبر فيها ممّا ليس بحاصلٍ لها
طاهرةً «أو
* فعل ركعة مع الطهارة»
وغيرها من الشرائط المفقودة «بعده».
«وأمّا الاستحاضة»
«فهي ما»
أي الدم الخارج من الرَحِم الذي «زاد على العشرة»
مطلقاً «أو
العادة مستمرّاً» إلى أن تجاوز
العشرة ، فيكون تجاوزها كاشفاً عن كون السابق عليها بعد العادة استحاضةً «أو بعد اليأس»
ببلوغ الخمسين أو الستّين على التفصيل
«أو
بعد النفاس» كالموجود بعد
العشرة أو فيها بعد أيّام العادة مع تجاوز العشرة ، إذا لم يتخلّله نقاءُ أقلّ
الطهر أو يصادفْ أيّام العادة في الحيض
____________________
بعد مضيّ عشرةٍ
فصاعداً من أيّام النفاس أو يحصلْ فيه تمييزٌ
بشرائطه.
«ودمُها»
أي : دم
الاستحاضة «أصفر
بارد رقيق فاتر» أي يخرج بتثاقل
وفتور لا بدفع «غالباً»
ومقابل الغالب ما تجده في الوقت المذكور فإنّه يحكم بكونه استحاضةً وإن كان بصفة
دم الحيض؛ لعدم إمكانه.
ثمّ الاستحاضة تنقسم إلى قليلة وكثيرة
ومتوسّطة؛ لأنّها إمّا أن لا تَغمس القطنة أجمع ظاهراً وباطناً ، أو تغمسها كذلك
ولا تسيل عنها بنفسه إلى غيرها ، أو تسيل عنها إلى الخرقة.
«فإذا لم يغمس القطنةَ تتوضّأ لكلّ صلاة
مع تغييرها *» القطنةَ؛ لعدم
العفو عن هذا الدم مطلقاً ، وغَسلِ ما ظهر من الفرج عند الجلوس على القدمين ،
وإنّما تركه؛ لأنّه إزالة خبثٍ قد علم ممّا سلف.
«وما يغمسها بغير سيلٍ يزيد»
على ما ذكر في الحالة الاُولى «الغُسلَ
للصبح» إن كان الغمس قبلها ، ولو كانت صائمةً
قدّمته على الفجر واجتزأت به للصلاة. ولو تأخّر الغمس عن الصلاة فكالأوّل.
«وما يسيل»
يجب له جميع ما وجب في الحالتين ، وتزيد عنهما
أنّها «تغتسل
أيضاً للظهرين» تجمع بينهما به «ثمّ العشاءين
**» كذلك «وتغيّر
*** الخرقة فيهما»
أي في الحالتين ـ الوسطى والأخيرة ـ لأنّ الغمس
____________________
يوجب رطوبةَ ما لاصق
الخرقة من القطنة وإن لم يسل إليها فتنجس ، ومع السيلان واضح. وفي حكم تغييرها
تطهيرها.
وإنّما يجب الغسل في هذه الأحوال مع
وجود الدم الموجب له قبل فعل الصلاة وإن كان في غير وقتها إذا لم تكن قد اغتسلت له
بعده ، كما يدلّ عليه خبر الصحّاف
وربّما قيل : باعتبار وقت الصلاة
ولا شاهد له .
(وأمّا النِّفاس»
بكسر النون «فدم الولادة معها»
بأن يقارن خروج جزءٍ ـ وإن كان منفصلاً ـ ممّا يُعدّ آدميّاً أو مبدأ نشوء آدميٍّ
، وإن كان مُضغةً مع اليقين. أمّا العَلَقَة ـ وهي القطعة من الدم الغليظ ـ فإن
فرض العلم بكونها مبدأ نشوء إنسانٍ كان دمها نفاساً ، إلّاأ نّه بعيدٌ «أو بعدها»
بأن يخرج الدم بعد خروجه أجمع.
ولو تعدّد الجزء منفصلاً أو الولد
فلكلٍّ نفاسٌ وإن اتّصلا. ويتداخل منه ما اتّفقا فيه.
واحترز بالقيدين عمّا يخرج قبل الولادة
، فلا يكون نفاساً بل استحاضة ، إلّا مع إمكان كونه حيضاً.
____________________
«وأقلّه مسمّاه»
وهو وجوده في لحظةٍ ، فيجب الغُسل بانقطاعه بعدها. ولو لم ترَ دماً فلا نفاس
عندنا.
«وأكثره قدْر العادة في الحيض»
للمعتادة على تقدير تجاوزه العشرة ، وإلّا فالجميع نفاس وإن تجاوزها كالحيض «فإن لم تكن»
لها عادة «فالعشرة»
أكثره على المشهور.
وإنّما يُحكم به نفاساً في أيّام العادة
وفي مجموع العشرة مع وجوده فيهما أو في طرفيهما. أمّا لو رأته في أحد الطرفين
خاصّة أو فيه وفي الوسط فلا نفاس لها في الخالي عنه متقدّماً ومتأخّراً ، بل في
وقت الدم أو الدمين فصاعداً وما بينهما ، فلو رأت أوّله لحظةً وآخر السبعة
لمعتادتها فالجميع نفاس ، ولو رأته آخرها خاصّةً فهو النفاس. ومثله رؤية المبتدأة
والمضطربة في العشرة ، بل المعتادة على تقدير انقطاعه عليها.
ولو تجاوز فما وُجد منه في العادة وما
قبله إلى أوّل زمان الرؤية نفاسٌ خاصّةً ، كما لو رأت رابع الولادة مثلاً وسابعها
لمعتادتها واستمرّ إلى أن تجاوز العشرة فنفاسها الأربعة الأخيرة من السبعة خاصّةً
، ولو رأته في السابع خاصّةً فتجاوزها فهو النفاس خاصّةً ، ولو رأته من أوّله
والسابع وتجاوز العشرة ـ سواء كان بعد انقطاعه أم لا ـ فالعادة خاصّةً نفاس ، ولو
رأته أوّلاً وبعد العادة وتجاوز فالأوّل خاصّةً نفاس ، وعلى هذا القياس.
«وحكمها كالحائض»
في الأحكام الواجبة والمندوبة والمحرّمة والمكروهة.
وتفارقها في الأقلّ والأكثر ، والدلالة
على البلوغ ، فإنّه مختصّ بالحائض لسبق دلالة النفساء
بالحمل ، وانقضاء العدّة بالحيض دون النفاس غالباً ،
____________________
ورجوع الحائض إلى
عادتها وعادة نسائها والروايات والتمييز دونها. ويختصّ النفاس بعدم اشتراط أقلّ
الطُهر بين النفاسين ـ كالتوأمين ـ بخلاف الحيضتين.
«ويجب الوضوء مع غُسلهنّ»
متقدّماً عليه أو متأخّراً «ويستحبّ
قبله» وتتخيّر فيه بين نيّة الاستباحة
والرفع مطلقاً ـ على أصحّ القولين
ـ إذا وقع بعد الانقطاع.
«وأمّا غُسل المسّ»
للميّت الآدمي النجس «فبعد البرد وقبل
التطهير» بتمام الغُسل ، فلا غُسل بمسّه قبل
البرد وبعد الموت. وفي وجوب غَسل العضو اللامس قولان
أجودهما ذلك ، خلافاً للمصنّف
وكذا لا غُسل بمسّه بعد الغُسل. وفي وجوبه بمسّ عضوٍ كَمُلَ غسله قولان ، اختار
المصنّف عدمه .
وفي حكم الميّت جزؤه المشتمل على عظمٍ ،
والمبانُ منه من حيٍّ ، والعظم
____________________
المجرّد عند المصنّف
، استناداً إلى دوران الغسل معه وجوداً وعدماً
وهو ضعيف.
«ويجب فيه»
أي في غُسل المسّ «الوضوء»
قبله أو بعده ، كغيره من أغسال الحيّ غير الجنابة.
و «في» في قوله : «فيه» للمصاحبة ،
كقوله تعالى : (اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ)
و (فَخَرَجَ عَلىٰ قَوْمِهِ فِي
زِينَتِهِ)
إن عاد ضميره إلى «الغُسل»
وإن عاد إلى «المس» فسببيّة.
____________________
«القول في أحكام
الأموات»
«وهي خمسة» :
«الأوّل : الاحتضار»
وهو السوق ، أعاننا اللّٰه عليه
وثبّتنا بالقول الثابت لديه. سُمّي به؛ لحضور الموت أو الملائكة الموكَّلة به أو
إخوانه وأهله عنده.
«ويجب»
كفايةً «توجيهه»
أي المحتضر ـ المدلول عليه بالمصدر ـ «إلى القبلة»
في المشهور بأن يُجعل على ظهره ويُجعل باطن قدميه إليها «بحيث لو جلس استقبل»
ولا فرق في ذلك بين الصغير والكبير. ولا يختصّ الوجوب بوليّه ، بل بمن علم
باحتضاره ، وإن تأكّد فيه وفي الحاضرين.
«ويستحبّ نقله إلى مصلّاه»
وهو ما كان أعدّه للصلاة فيه أو عليه ، إن تعسّر عليه الموت واشتدّ به النزع ، كما
ورد به النصّ
وقيّده به المصنّف في غيره .
____________________
«وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمّة *
عليهم
السلام» والمراد ب «التلقين»
التفهيم ، يقال : «غلامٌ لَقِنٌ» أي : سريع الفهم ، فيعتبر إفهامه ذلك ، وينبغي
للمريض متابعته باللسان والقلب ، فإن تعذّر اللسان اقتصر على القلب «وكلمات الفرج»
وهي : «لَاإلهَ إلّااللّٰهُ الحَليمُ الكَرِيمُ ـ إلى قوله ـ وَسَلامٌ عَلى
المُرْسَلينَ وَالحَمْدُ للّٰهِ رَبِّ العَالَمِينَ» وينبغي أن يُجعل خاتمة
تلقينه «لا إلهَ إلّااللّٰهُ» ، فمن كان آخر كلامه «لا إله إلّااللّٰه»
دخل الجنّة .
«وقراءة القرآن عنده»
قبل خروج روحه وبعده؛ للبركة والاستدفاع ، خصوصاً «يس» و «الصافّات» قبله لتعجيل
راحته.
«والمصباحُ إن مات ليلاً»
في المشهور ، ولا شاهد له بخصوصه ، وروي ضعيفاً : دوام الإسراج .
«ولتُغمض عيناه»
بعد موته معجّلاً لئلّا يقبح منظره «ويُطبَق فُوه»
كذلك. وكذا يستحبّ شدّ لَحييه بعِصابةٍ ، لئلّا يسترخي «وتمدّ يداه إلى جنبيه» وساقاه
إن كانتا منقبضتين ، ليكون أطوع للغسل وأسهل للدرج في الكفن «ويُغطّى بثوب»
للتأسّي
ولما فيه من الستر والصيانة.
____________________
«ويُعجّل تجهيزه»
فإنّه من إكرامه «إلّامع
الاشتباه» فلا يجوز التعجيل فضلاً عن رجحانه «فيُصبر عليه ثلاث
أيّام» إلّاأن يُعلم قبلها لتغيّرٍ وغيره من
أمارات الموت ، كانخساف صُدْغَيْه وميل أنفه وامتداد جلدة وجهه وانخلاع كفّه من
ذراعه واسترخاء قدميه وتقلّص اُنثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة .
«ويكره حضور الجنب و*
الحائض
عنده» لتأذّي الملائكة بهما
وغاية الكراهة تحقّق الموت وانصراف الملائكة «وطرح حديدٍ على بطنه»
في المشهور ، ولا شاهد له من الأخبار. ولا كراهة في وضع غيره للأصل. وقيل : يكره
أيضاً .
«الثاني : الغُسل»
«ويجب **
تغسيل
كلّ» ميّتٍ «مسلمٍ أو بحكمه»
كالطفل والمجنون المتولّدين من مسلم ، ولقيطِ دار الإسلام أو دار الكفر وفيها
مسلمٌ يمكن تولّده منه ، والمسبيِّ بيد المسلم على القول بتبعيّته في الإسلام ـ
كما هو مختار المصنّف
ـ وإن كان المسبيّ ولد زنا. وفي المتخلّق من ماء الزاني المسلم نظرٌ :
____________________
من انتفاء التبعيّة
شرعاً ، ومن تولّده منه حقيقةً وكونه ولداً لغةً فيتبعه في الإسلام ، كما يحرم
نكاحه.
ويستثنى من المسلم من حكم بكفره من
الفرق كالخارجيّ والناصب والمجسِّم ، وإنّما ترك استثناءه؛ لخروجه عن الإسلام
حقيقةً وإن اُطلق عليه ظاهراً.
ويدخل في حكم المسلم الطفل «ولو سقطاً إذا كان له
أربعة أشهر». ولو كان دونها
لُفّ في خرقةٍ ودُفن بغير غُسل.
«بالسِّدر»
ـ أي بماءٍ مصاحبٍ لشيءٍ من السدر ، وأقلّه ما يطلق عليه اسمه ، وأكثره أن لا يخرج
به الماء عن الإطلاق ـ في الغَسلة الاُولى «ثمّ»
بماءٍ مصاحبٍ لشيءٍ من «الكافور»
كذلك «ثّم»
يُغسل ثالثاً بالماء «القَراح»
وهو : المطلق الخالص
من الخليط ، بمعنى كونه غير معتبرٍ فيه ، لا أنّ سلبه عنه معتبرٌ ، وإنّما المعتبر
كونه ماءً مطلقاً.
وكلّ واحدٍ من هذه الأغسال «كالجنابة»
يُبدأ بغَسل رأسه ورقبته أوّلاً ، ثمّ بميامنه ، ثمّ مياسره ، أو يغمسه في الماء
دفعةً واحدةً عرفيّة ، مقترناً في أوّله «بالنيّة»
وظاهر العبارة ـ وهو الذي صرّح به في غيره
ـ الاكتفاء بنيّةٍ واحدة للأغسال الثلاثة ، والأجود التعدّد بتعدّدها.
ثمّ إن اتّحد الغاسل تولّى هو النيّة ،
ولا تُجزي من غيره. وإن تعدّد واشتركوا في الصبّ نووا جميعاً. ولو كان البعضُ
يَصُبّ والآخر يُقلِّب نوى الصابّ؛
____________________
لأ نّه الغاسل حقيقةً
، واستحبّت من الآخر. واكتفى المصنّف في الذكرى بها منه أيضاً
ولو ترتّبوا ـ بأن غسل كلّ واحدٍ منهم بعضاً ـ اعتبرت من كلّ واحدٍ عند ابتداء
فعله.
«والأولى بميراثه أولى بأحكامه»
بمعنى أنّ الوارث أولى ممّن ليس بوارثٍ وإن كان قريباً. ثمّ إن اتّحد الوارث اختصّ
، وإن تعدّد فالذكر أولى من الاُنثى ، والمكلّف من غيره ، والأب من الولد والجد.
«والزوج أولى»
بزوجته «مطلقاً»
في جميع أحكام الميّت ، ولا فرق بين الدائم والمنقطع.
«ويجب المساواةُ»
بين الغاسل والميّت «في
الرجوليّة والاُنوثيّة» فإذا كان الوليّ
مخالفاً للميّت أذن للمماثل لا أنّ ولايته تسقط؛ إذ لا منافاة بين الأولويّة وعدم
المباشرة. وقيّد ب «الرجوليّة»
لئلّا يخرج تغسيل كلٍّ من الرجل والمرأة ابن ثلاث سنين وبنته ، لانتفاء وصف
الرجوليّة في المغَسَّل الصغير ، ومع ذلك لا يخلو من القصور
كما لا يخفى.
وإنّما يعتبر المماثلة «في غير الزوجين»
فيجوز لكلٍّ منهما تغسيل صاحبه اختياراً ، فالزوج بالولاية ، والزوجة معها أو بإذن
الوليّ. والمشهور أنّه من وراء الثياب وإن جاز النظر. ويغتفر العصر هنا في الثوب
كما يغتفر في الخرقة الساترة للعورة مطلقاً ، إجراءً لهما مجرى ما لا يمكن عصره.
ولا فرق في الزوجة بين الحرّة والأمة ،
والمدخول بها وغيرها. والمطلّقة رجعيّةً زوجةٌ بخلاف البائن. ولا يقدح انقضاء
العدّة
في جواز التغسيل عندنا ،
____________________
بل لو تزوّجت جاز لها
تغسيله وإن بَعُد الفرض.
وكذا يجوز للرجل تغسيل مملوكته غير
المزوّجة وإن كانت اُمّ ولد ، دون المكاتبة وإن كانت مشروطةً. دون العكس؛ لزوال
ملكه عنها. نعم ، لو كانت اُمّ ولدٍ غير منكوحةٍ لغيره عند الموت جاز.
«ومع التعذّر»
للمساوي في الذكورة والاُنوثة «فالمَحرَم»
ـ وهو : من يحرم نكاحُه مؤبّداً بنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة ـ يُغَسِّل مَحرمَه الذي
يزيد سنّه عن ثلاث سنين «من
وراء الثياب».
«فإن تعذّر»
المحرَم والمماثل «فالكافر»
يُغسِّل المسلم «والكافرة»
تغسِّل المسلمة «بتعليم
المسلم» على المشهور. والمراد هنا صورة الغُسل
، ولا يعتبر فيه النيّة ، ويمكن اعتبار نيّة الكافر كما يعتبر نيّته في العتق.
ونفاه المحقّق في المعتبر؛ لضعف المستند
وكونه ليس بغسلٍ حقيقي لعدم النيّة
وعذره واضح.
«ويجوز تغسيل الرجل ابنة ثلاث سنين
مجرّدةً. وكذا المرأة» يجوز لها تغسيل ابن
ثلاث سنين مجرّداً وإن وجد المماثل. ومنتهى تحديد السنّ الموتُ ، فلا اعتبار بما
بعده وإن طال. وبهذا يمكن وقوع الغُسل لولد الثلاث تامّةً من غير زيادة ، فلا يَرد
ما قيل : إنّه يعتبر نقصانها ليقع الغُسل قبل تمامها .
«والشهيد»
وهو المسلم ـ ومن بحكمه ـ الميّتُ في معركة قتالٍ أمر به
____________________
النبيّ صلى الله عليه
وآله أو الإمامُ أو نائبهما الخاصّ وهو في حزبهما بسببه
أو قُتل في جهادٍ مأمورٍ به حال الغَيبة ، كما لو دَهَم على المسلمين من يُخاف منه
على بيضة الإسلام فاضطرّوا إلى جهادهم بدون الإمام أو نائبه ، على خلافٍ في هذا
القسم سُمّي بذلك؛ لأنّه
مشهودٌ له بالمغفرة والجنّة «لا
يُغَسَّل ولا يُكفَّن بل يُصلّى عليه»
ويدفن بثيابه ودمائه ، ويُنزع عنه الفَرو والجلود كالخفّين وإن أصابهما الدم.
ومن خرج عمّا ذكرناه يجب تغسيله وتكفينه
وإن اُطلق عليه اسم «الشهيد»
في بعض الأخبار ، كالمطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليه والنفساء والمقتول دون
ماله وأهله من قطّاع الطريق وغيرهم .
«وتجب إزالة النجاسة»
العَرَضيّة «عن
بدنه أوّلاً» قبل الشروع في
غُسله.
«ويستحبّ فتق قميصه»
من الوارث أو من يأذن له «ونزعه
من تحته» لأنّه مظنّة النجاسة ، ويجوز غُسله
فيه بل هو أفضل عند الأكثر ، ويَطهر بطُهره من غير عصر. وعلى تقدير نزعه تُستر
عورته وجوباً به أو بخرقة ، وهو أمكن للغسل ، إلّاأن يكون الغاسل غير مبصرٍ أو
واثقاً من نفسه بكفّ البصر فيستحبّ استظهاراً.
____________________
«وتغسيله على ساجةٍ»
وهي : لوحٌ من خشبٍ مخصوص ، والمراد وضعه عليها أو على غيرها ممّا يؤدّي فائدتها
حفظاً لجسده من التلطّخ. وليكن على مرتفعٍ ومكان الرِجلين منحدراً «مستقبلَ القبلة».
وفي الدروس : يجب الاستقبال به
ومال إليه في الذكرى
واستقرب عدمه في البيان
[وهو قويّ] .
«وتثليث الغسلات»
بأن يغسل كلّ عضوٍ من الأعضاء الثلاثة ثلاثاً ثلاثاً في كلّ غَسلة «وغسل يديه»
أي يدي الميّت إلى نصف الذراع ثلاثاً «مع كلّ غسلة»
وكذا يستحبّ غسل الغاسل يديه مع كلّ غَسلةٍ إلى المرفقين «ومسحُ بطنه في»
الغسلتين «الأوّلتين»
قبلهما تحفّظاً من خروج شيءٍ بعد الغُسل لعدم القوّة الماسكة ، إلّاالحامل التي
مات ولدها فإنّها لا تمسح حذراً من الإ جهاض «وتنشيفه»
بعد الفراغ من الغُسل «بثوبٍ»
صوناً للكفن من البلل «وإرسال
الماء في غير الكنيف» المعدّ للنجاسة ،
والأفضل أن يُجعل في حفيرةٍ خاصّةٍ به «وترك ركوبه»
بأن يجعله الغاسل بين رجليه «وإقعاده
وقَلْمِ ظفره
وترجيل
شعره» وهو تسريحه ، ولو فعل ذلك دُفن ما
ينفصل من شعره وظفره معه وجوباً.
____________________
«الثالث : الكفن»
«والواجب»
منه ثلاثة أثواب : «مِئزَر»
بكسر الميم ثمّ الهمزة الساكنة ، يَستر ما بين السرّة والركبة ، ويستحبّ أن يستر
ما بين صدره وقدمه «وقميص»
يصل إلى نصف الساق ، وإلى القدم أفضل ، ويجزئ مكانه ثوبٌ ساتر لجميع البدن على
الأقوى «وإزار»
بكسر الهمزة ، وهو : ثوبٌ شاملٌ لجميع البدن.
ويستحبّ زيادته
على ذلك طولاً بما يمكن شدّه من قِبَل رأسه ورجليه ، وعرضاً بحيث يمكن جعل أحد
جانبيه على الآخر. ويراعى في جنسها القصد بحسب حال الميّت. ولا يجب الاقتصار على
الأدون ، وإن ماكس الوارث أو كان غير مكلَّف.
ويعتبر في كلّ واحدٍ منها أن يستر البدن
بحيث لا يحكي ما تحته ، وكونه من جنس ما يصلّي فيه الرجل. وأفضله القطن الأبيض.
وفي الجلد وجهٌ بالمنع ، مال إليه
المصنّف في البيان
وقطع به في الذكرى؛ لعدم فهمه من إطلاق الثوب ، ولنزعه عن الشهيد
وفي الدروس اكتفى بجواز الصلاة فيه للرجل
كما ذكرناه.
____________________
هذا كلّه «مع القدرة»
أمّا مع العجز فيجزئ من العدد ما أمكن ولو ثوباً واحداً. وفي الجنس يُجزئ كلّ مباح
، لكن يقدّم الجلد على الحرير ، وهو على غير المأكول : من وَبَرٍ وشعرٍ وجلد. ثمّ
النجس ، ويحتمل تقديمه
على الحرير وما بعده ، وعلى غير المأكول خاصّةً ، والمنع من غير جلد المأكول
مطلقاً.
«ويستحبّ»
أن يزاد للميّت «الحِبَرة»
بكسر الحاء وفتح الباء الموحّدة ، وهو ثوبٌ يمنيٌّ ، وكونها عبْريّةً ـ بكسر العين
نسبة إلى بلد باليمن ـ حمراء. ولو تعذّرت الأوصاف أو بعضها سقطت واقتصر على الباقي
ولو لفافة بدلها.
«والعِمامة»
للرجل ، وقدْرها ما يؤدّي هيئتها المطلوبة شرعاً ، بأن تشتمل على حَنَكٍ وذؤابتين
من الجانبين تُلقيان على صدره على خلاف الجانب الذي خرجتا منه. هذا بحسب الطول ،
وأمّا العرض فيعتبر فيه إطلاق اسمها.
«والخامسة»
وهي خرقةٌ طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض نصف ذراعٍ إلى ذراع ، يُثفِر
بها الميّتَ ذكراً أو اُنثى ، ويَلفّ بالباقي حَقويه وفخذيه
إلى حيث ينتهي ، ثمّ يدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي إليه. سُمّيت «خامسة»
نظراً إلى أنّها منتهى عدد الكفن الواجب ـ وهو الثلاث ـ والندب وهو الحبرة
والخامسة. وأمّا العمامة فلا تُعدّ من أجزاء الكفن اصطلاحاً وان استحبّت.
«وللمرأة القناع»
يُستر به رأسها بدلاً «عن
العمامة و» يزاد عنه لها
____________________
«النَّمَط»
وهو ثوبٌ من صوفٍ فيه خُططٌ تخالف لونه شاملٌ لجميع البدن فوق الجميع. وكذا تزاد
عنه خرقةٌ اُخرى يُلفّ بها ثدياها وتُشدّ إلى ظهرها على المشهور ، ولم يذكرها
المصنّف هنا ولا في البيان
ولعلّه لضعف المستند ، فإنّه خبرٌ مرسلٌ مقطوع ، وراويه سهل بن زياد .
«ويجب إمساس مساجده السبعة بالكافور»
وأقلّه مسمّاه على مسمّاها.
«ويستحبّ كونه ثلاثة عشر درهماً وثُلثاً»
ودونه في الفضل أربعة دراهم ، ودونه مثقال وثُلث ، ودونه مثقال «ووضع الفاضل»
منه عن المساجد «على
صدره» لأنّه مسجد في بعض الأحوال.
«وكتابة اسمه وأ نّه يشهد الشهادتين
وأسماء الأئمة عليهم السلام»
بالتربة الحسينيّة ، ثمّ بالتراب الأبيض «على العمامة والقميص والإزار والحبرة
* والجريدتين»
المعمولتين «من
سَعَف النخل» أو من السِّدْر أو
من الخلاف أو من الرُّمّان «أو»
من «شجرٍ
رطبٍ» مرتّباً في الفضل كما ذكر ، يُجعل
إحداهما من جانبه الأيمن والاُخرى من الأيسر «فاليمنى عند التَّرقوة **»
واحدة التّراقي ، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر «بين القميص وبشرته ، والاُخرى بين
القميص والإزار من جانبه الأيسر»
فوق الترقوة ، ولتكونا خضراويّتين ليستدفع عنه بهما العذاب ما دامتا كذلك.
والمشهورُ أنّ قدْر كلّ واحدةٍ طول عظم ذراع الميّت ، ثمّ قدر شبر ، ثمّ أربع
أصابع.
____________________
واعلم أنّ الوارد في الخبر من الكتابة
ما روي : أنّ الصادق عليه السلام كتب على حاشية كفن ابنه إسماعيل : «إسماعيل يشهد
أن لا إله إلّااللّٰه»
وزاد الأصحاب الباقي كتابةً ومكتوباً عليه ومكتوباً به؛ للتبرّك ، ولأ نّه خيرٌ
محض مع ثبوت أصل الشرعيّة ، ولهذا
اختلفت عباراتهم فيما يُكتب عليه من أقطاع الكفن .
وعلى ما ذُكر لا يختصّ الحكم بالمذكور ، بل جميع أقطاع الكفن في ذلك سواء ، بل هي
أولى من الجريدتين؛ لدخولها في إطلاق النصّ بخلافهما.
«وليخط»
الكفن إن احتاج إلى الخياطة «بخيوطه»
مستحبّاً «ولاتبلّ
بالريق» على المشهور فيهما ، ولم نقف فيهما
على أثر.
«وتكره الأكمام المبتدأة»
للقميص ، واحترز به عمّا لو كُفّن في قميصه ، فإنّه لا كراهة في كُمّه بل تقطع منه
الأزرار «وقطعُ
الكفن بالحديد» قال الشيخ : سمعناه
مذاكرةً من الشيوخ وعليه كان عملهم
«وجعل
الكافور في سمعه وبصره على الأشهر»
خلافاً للصدوق ، حيث استحبّه
استناداً إلى روايةٍ
____________________
معارَضةٍ بأصحّ منها
وأشهر .
«ويستحبّ اغتسال الغاسل قبل تكفينه»
غُسل المسّ إن أراد هو التكفين «أو
الوضوء» الذي يجامع غُسل المسّ للصلاة ، فينوي
فيه الاستباحة أو الرفع أو إيقاع التكفين على الوجه الأكمل ، فإنّه من جملة
الغايات المتوقّفة على الطهارة. ولو اضطرّ لخوفٍ على الميّت أو تعذّرت الطهارة غسل
يديه من المَنكِبين ثلاثاً ثمّ كفّنه. ولو كفّنه غير الغاسل فالأقرب استحباب كونه
متطهّراً؛ لفحوى اغتسال الغاسل أو وضوئه.
«الرابع : الصلاة
عليه *»
«وتجب»
الصلاة «على»
كلّ «من
بَلَغ» أي أكمل «ستّاً ممّن لهحكم
الإسلام» من الأقسام المذكورة في غُسله ، عدا
الفرق المحكوم بكفرها من المسلمين.
«وواجبها : القيام»
مع القدرة ، فلو عجز عنه صلّى بحسب المكنة كاليوميّة. وهل يسقط فرض الكفاية عن
القادر بصلاة العاجز؟ نظرٌ : من صدق الصلاة الصحيحة عليه ، ومن نقصها مع القدرة
على الكاملة. وتوقّف في الذكرى
لذلك.
____________________
«و»
استقبال المصلّي «القبلة
، وجعل رأس الميّت إلى يمين المصلّي»
مستلقياً على ظهره بين يديه ، إلّاأن يكون مأموماً فيكفي كونه بين يدي الإمام
ومشاهدته له ، وتُغتفر الحيلولة بمأمومٍ مثله ، وعدم
تباعده عنه بالمعتدّ به عرفاً. وفي اعتبار ستر عورة المصلّي وطهارته من الخبث في
ثوبه وبدنه وجهان.
«والنيّة»
المشتملة على قصد الفعل ، وهو الصلاة على الميّت المتّحد أو المتعدّد وإن لم يعرفه
، حتى لو جهل ذكوريّته واُنوثيّته جاز تذكير الضمير وتأنيثه مؤوّلاً ب «الميّت» و
«الجنازة» متقرّباً ـ وفي اعتبار نيّة الوجه من وجوبٍ وندبٍ كغيرها من العبادات
قولان للمصنّف في الذكرى
ـ مقارنةً للتكبير ، مستدامة الحكم إلى آخرها.
«وتكبيراتٌ خمس»
إحداها تكبيرة الإحرام في غير المخالف «يتشهّد الشهادتين عقيب الاُولى ، ويصلّي
على النبيّ وآله عقيب الثانية»
ويستحبّ أن يضيف إليها الصلاة على باقي الأنبياء عليهم السلام «ويدعو للمؤمنين
والمؤمنات» بأيّ دعاء اتّفق ـ وإن كان المنقول
أفضل ـ «عقيب
الثالثة ، و» يدعو «للميّت»
المكلّف المؤمن «عقيب
الرابعة ، وفي المستضعفين *»
وهو الذي لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه «بدعائه»
وهو : «اللّهم اغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم»
«و»
يدعو في الصلاة على
____________________
«الطفل»
المتولّد من مؤمنَين «لأبويه»
أو من مؤمنٍ له. ولو كانا غير مؤمنَين دعا عقيبها بما أحبّ ، والظاهر حينئذٍ عدم
وجوبه أصلاً. والمراد بالطفل غير البالغ وإن وجبت الصلاة عليه.
«والمنافق»
وهو هنا المخالف مطلقاً
«يقتصر»
في الصلاة عليه «على
أربع» تكبيرات «و* يلعنه»
عقيب الرابعة. وفي وجوبه وجهان ، وظاهره هنا وفي البيان الوجوب
ورجّح في الذكرى والدروس عدمه .
والأركان من هذه الواجبات سبعة أو ستّة
: النيّة ، والقيام للقادر ، والتكبيرات.
«ولا يشترط فيها الطهارة»
من الحدث إجماعاً «ولا
التسليم» عندنا إ جماعاً ، بل لا يُشرَع بخصوصه
إلّامع التقيّة ، فيجب لو توقّفت عليه.
«ويستحبّ إعلام المؤمنين به»
أي بموته ليتوفّروا على تشييعه وتجهيزه ، فيُكتب لهم الأجر وله المغفرة بدعائهم ،
وليُجمع فيه بين وظيفتي التعجيل والإعلام ، فيُعلم منهم مَن لا ينافي التعجيل
عرفاً ، ولو استلزم المُثلة
حرم.
«ومشيُ المشيِّع خلفه أو إلى جانبيه»
ويكره أن يتقدّمه لغير تقيّة «والتربيعُ»
وهو حمله بأربعة رجالٍ من جوانب السرير الأربعة كيف اتّفق ، والأفضل التناوب ،
وأفضله : أن يبدأ في الحمل بجانب السرير الأيمن ـ وهو الذي يلي يسار الميّت ـ
فيحمله بكتفه الأيمن ، ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيمن فيحمله
____________________
بالأيمن كذلك ، ثمّ
ينتقل إلى مؤخّره الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر ، ثمّ ينتقل إلى مقدّمه الأيسر
فيحمله بالكتف الأيسر كذلك.
«والدعاء»
حال الحمل بقوله : «بسم اللّٰه ، اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، اللّهم
اغفر للمؤمنين والمؤمنات»
وعند مشاهدته بقوله : «اللّٰه أكبر ، هذا ما وعدنا اللّٰه
ورسوله وصدق اللّٰه ورسوله ، اللّهم زدنا إيماناً وتسليماً ، الحمد
للّٰهالذي تعزّز بالقدرة ، وقهر العباد بالموت
الحمد للّٰهالذي لم يجعلني من السواد المخترم»
وهو الهالك من الناس على غير بصيرة أو مطلقاً ، إشارة إلى الرضا بالواقع كيف كان
والتفويض إلى اللّٰه تعالى بحسب الإمكان.
«والطهارة ولو تيمّماً * مع»
القدرة على المائيّة مع «خوف
الفوت» وكذا بدونه على المشهور.
«والوقوف»
أي وقوف الإمام أو المصلّي وحده «عند وسط الرجل وصدر المرأة على الأشهر»
ومقابل المشهور قول الشيخ في الخلاف : إنّه يقف عند رأس الرجل وصدر المرأة
وقوله في الاستبصار : إنّه عند رأسها وصدره
والخنثى هنا كالمرأة.
«والصلاة في»
المواضع «المعتادة»
لها للتبرّك بها بكثرة من صلّى
____________________
فيها ، ولأنّ السامع
بموته يقصدها.
«ورفع اليدين في التكبير كُلِّه على
الأقوى» والأكثر على اختصاصه بالاُولى ،
وكلاهما مرويٌّ
ولا منافاة فإنّ المندوب قد يترك أحياناً ، وبذلك يظهر وجه القوّة.
«ومن فاته بعض التكبيرات»
مع الإمام «أتمّ
الباقي» بعد فراغه «وَلاءً»
من غير دعاء «ولو
على القبر» على تقدير رفعها ووضعها فيه ، وإن
بَعُد الفرض.
وقد أطلق المصنّف وجماعة جواز الوَلاء
حينئذٍ
عملاً بإطلاق النصّ
وفي الذكرى : لو دعا كان جائزاً إذ هو نفي وجوب لا نفي جواز
وقيّده بعضهم بخوف الفوت على تقدير الدعاء وإلّا وجب ما أمكن منه
وهو أجود.
«ويُصلّي على من لم يُصلّ عليه يوماً
وليلة» على أشهر القولين «أو دائماً»
على القول الآخر
وهو الأقوى.
____________________
والأولى قراءة «يُصلّي»
في الفعلين مبنيّاً للمعلوم ، أي يُصلّي مَن أراد الصلاة على الميّت إذا لم يكن
هذا المريد قد صلّى عليه ولو بعد الدفن المدة المذكورة أو دائماً ، سواء كان قد
صُلّي على الميّت أم لا. هذا هو الذي اختاره المصنّف في المسألة .
ويمكن قراءته مبنيّاً للمجهول ، فيكون
الحكم مختصّاً بميّتٍ لم يُصلَّ عليه ، أمّا من صُلّي عليه فلا تُشرَع الصلاة عليه
بعد دفنه. وهو قولٌ لبعض الأصحاب
جمعاً بين الأخبار
ومختار المصنّف أقوى.
«ولو حضرت جنازةٌ في الأثناء»
أي في أثناء الصلاة على جنازةٍ اُخرى «أتمّها ثم استأنف»
الصلاة «عليها»
أي على الثانية ، وهو الأفضل مع عدم الخوف على الثانية. وربّما قيل : بتعيّنه إذا
كانت الثانية مندوبةً؛ لاختلاف الوجه .
وليس بالوجه.
وذهب العلّامة
وجماعةٌ من المتقدّمين
والمتأخّرين
إلى أنّه يتخيّر بين قطع الصلاة على الاُولى واستئنافها عليهما ، وبين إكمال
الاُولى وإفراد الثانية
____________________
بصلاةٍ ثانية ،
محتجّين برواية عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام : «في قوم كبّروا على جنازةٍ
تكبيرةً أو تكبيرتين ووضعت معها اُخرى ، قال عليه السلام : إن شاؤوا تركوا الاُولى
حتّى يفرغوا من التكبيرة الأخيرة ، وإن شاؤوا رفعوا الاُولى وأتمّوا التكبير على
الأخيرة ، كلّ ذلك لا بأس به» .
قال المصنّف في الذكرى : والرواية
قاصرةٌ عن إفادة المدّعى؛ إذ ظاهرها أنّ ما بقي من تكبير الاُولى محسوبٌ للجنازتين
، فإذا فرغوا من تكبير الاُولى تخيّروا بين تركها بحالها حتى يُكملوا التكبير على
الأخيرة ، وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة ، وليس في هذا دلالةٌ على
إبطال الصلاة على الاُولى بوجه ، هذا مع تحريم قطع الصلاة الواجبة. نعم ، لو خيف
على الجنائز قُطعت الصلاة ثمّ استأنف عليها؛ لأنّه قطعٌ لضرورة
وإلى ما ذكره أشار هنا بقوله :
«والحديث»
الذي رواه عليّ بن جعفر عليه السلام «يدلّ على احتساب ما بقي من التكبير * لهما
ثمّ يأتي بالباقي للثانية ، وقد حقّقناه في الذكرى»
بما حكيناه عنها.
ثمّ استشكل بعد ذلك الحديث : بعدم تناول
النيّة أوّلاً للثانية فكيف يُصرف باقي التكبيرات إليها ، مع توقّف العمل على
النيّة؟ وأجاب : بإمكان حمله على إحداث نيّةٍ من الآن لتشريك باقي التكبير على
الجنازتين .
وهذا الجواب لا معْدل عنه ، وإن لم
يصرّح بالنيّة في الرواية؛ لأنّها أمرٌ قلبيٌّ
____________________
يكفي فيها مجرّد
القصد إلى الصلاة على الثانية إلى آخر ما يُعتبر فيها. وقد حقّق المصنّف في مواضع
: أنّ الصدر الأوّل ما كانوا يتعرّضون للنيّة
لذلك ، وإنّما أحدث البحث عنها المتأخّرون ، فيندفع الإشكال.
وقد ظهر من ذلك أن لا دليل على جواز
القطع ، وبدونه يتّجه تحريمه.
وما ذكره المصنّف : من جواز القطع على
تقدير الخوف على الجنائز ، غير واضح؛ لأنّ الخوف إن كان على الجميع أو على الاُولى
فالقطع يزيد الضرر على الاُولى ولا يزيله؛ لانهدام ما قد مضى من صلاتها الموجب
لزيادة مكثها ، وإن كان الخوف على الأخيرة فلا بدّ لها من المكث مقدار الصلاة
عليها ، وهو يحصل مع التشريك الآن والاستئناف. نعم ، يمكن فرضه نادراً بالخوف على
الثانية ، بالنظر إلى تعدّد الدعاء مع اختلافهما فيه ، بحيث يزيد ما يتكرّر منه
على ما مضى من الصلاة.
وحيث يختار التشريك بينهما فيما بقي
ينوي بقلبه على الثانية ، ويكبّر تكبيراً مشتركاً بينهما ـ كما لو حضرتا ابتداءً ـ
ويدعو لكلّ واحدةٍ بوظيفتها من الدعاء مخيّراً في التقديم إلى أن يُكمل الاُولى ،
ثمّ يُكمل ما بقي من الثانية.
ومثله ما لو اقتصر على صلاةٍ واحدةٍ على
متعدّد ، فإنّه يُشرِّك بينهم فيما يتّحد لفظه ويُراعي في المختلف ـ كالدعاء لو
كان فيهم مؤمن ومجهول ومنافق وطفل ـ وظيفة كلّ واحد ، ومع اتّحاد الصنف يُراعي
تثنية الضمير وجمعه وتذكيره وتأنيثه ، أو يذكّر مطلقاً مؤوّلاً ب «الميّت» أو
يؤنّث مؤوّلاً ب «الجنازة» والأوّل أولى.
____________________
«الخامس : دفنه»
«والواجب مواراته في الأرض»
على وجهٍ يحرس جثّته عن السباع ويُكتم رائحته عن الانتشار. واحترز ب «الأرض»
عن وضعه في بناءٍ ونحوه وإن حصل الوصفان «مستقبل القبلة»
بوجهه ومقاديم بدنه «على
جانبه الأيمن» مع الإمكان.
«ويستحبّ»
أن يكون «عمقه
*» أي الدفن مجازاً ، أو القبر المعلوم
بالمقام «نحو
قامةٍ» معتدلةٍ ، وأقلّ الفضل إلى الترقوة.
«ووضع الجنازة»
عند قربها من القبر بذراعين أو ثلاثٍ عند رجليه «أوّلاً ونقل الرجُل»
بعد ذلك «في
ثلاث دفعات» حتى يتأهّب للقبر
وإنزاله في الثالثة «والسبقُ
برأسه» حالة الإنزال «والمرأة»
توضع ممّا يلي القبلة وتُنقل دفعةً واحدةً وتُنزل «عَرْضاً»
هذا هو المشهور ، والأخبار خالية عن الدفعات.
«ونزول الأجنبيّ»
معه ، لا الرحم وإن كان ولداً «إلّافيها»
فإنّ نزول الرحم معها أفضل ، والزوج أولى [بها]
منه ، ومع تعذّرهما فامرأةٌ صالحة ثمّ أجنبيٌّ صالح.
«وحَلّ عُقَد الأكفان»
من قِبَل رأسه ورجليه «ووضع
خدّه» الأيمن «على التراب»
خارج الكفن.
____________________
«وجعلُ»
شيءٍ من «تربة
*» الحسين عليه السلام «معه»
تحت خدّه أو في مطلق الكفن أو تلقاء وجهه. ولا يقدح في مصاحبته لها احتمالُ وصول
نجاسته إليها؛ لأصالة عدمه مع ظهور طهارته الآن.
«وتلقينه»
الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم السلام واحداً بعد واحد ممّن نزل معه إن كان
وليّاً ، وإلّا استأذنه ، مُدنياً فاه إلى اُذنه قائلاً له : «اسمع» ثلاثاً قبله.
«والدعاءُ له»
بقوله : «بسم اللّٰه وباللّٰه وعلى ملّة رسول اللّٰه صلّى
اللّٰه عليه وآله ، اللّهمّ عبدك نزل بك ، وأنت خير منزول به ، اللّهمّ افسح
له في قبره ، وألحقه بنبيّه ، اللّهمّ إنّا لا نعلم منه إلّاخيراً وأنت أعلم به
منّا» .
«والخروج من»
قِبَل «الرجلين»
لأنّه باب القبر ، وفيه احترامٌ للميّت «والإهالة»
للتراب من الحاضرين غير الرحم «بظهور
الأكُفّ مسترجعين» أي قائلين : «إنّا للّٰهوإنّا
إليه راجعون» حالة الإهالة ،
يقال : رجَّع واسترجع ، إذا قال ذلك .
«ورفع القبر»
عن وجه الأرض مقدار «أربع
أصابع» مفرّجات إلى شبر لا أزيد ، ليُعرف فيزار
ويُحترم ، ولو اختلفت سطوح الأرض اغتفر رفعه عن أعلاها وتأدّت السنّة بأدناها.
«وتسطيحه»
لا يُجعل له في ظهره سنم؛ لأنّه من شعار الناصبة وبِدَعهم
____________________
المحدثة مع اعترافهم
بأ نّه خلاف السنّة مراغمةً للفرقة المحقّة .
«وصبّ الماء عليه من قبل رأسه»
إلى رجليه «دوراً»
إلى أن ينتهي إليه «و»
يُصبّ «الفاضل
على وسطه» وليكن الصابّ مستقبلاً.
«ووضع اليد عليه»
بعد نضحه بالماء مؤثّرةً في التراب مفرّجة الأصابع. وظاهر الأخبار أنّ الحكم مختصٌ
بهذه الحالة ، فلا يستحبّ تأثيرها بعده ، روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال :
«إذا حُثي عليه التراب وسُوّي قبره فضع كفّك على قبره عند رأسه وفرِّج أصابعك
واغمز كفّك عليه بعد ما ينضح بالماء»
والأصل عدم الاستحباب في غيره. وأما تأثير اليد في غير التراب فليس بسنّة مطلقاً ،
بل اعتقاده سنّةً بدعةٌ.
«مترحِّماً»
عليه بما شاء من الألفاظ ، وأفضله «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه وأصعِد إليك روحه
ولقِّه منك رضواناً وأسكن قبره من رحمتك ما تُغنيه عن رحمة من سواك»
وكذا يقوله كلّما زاره مستقبلاً.
«وتلقين الوليّ»
أو من يأمره «بعد
الانصراف» بصوتٍ عالٍ إلّامع التقيّة «ويتخيّر»
الملقّن «في
الاستقبال والاستدبار» لعدم ورود معيِّن.
«ويستحبّ التعزية»
لأهل المصيبة ، وهي «تَفْعِلَة» من «العزاء» وهو الصبر ، ومنه «أحسن اللّٰه
عزاءك» أي صبرك وسلوَك ، يُمدّ ويُقصّر. والمراد بها الحمل على الصبر والتسلية عن
المصاب بإسناد الأمر إلى حكمة اللّٰه تعالى وعدله وتذكيره بما وعد
اللّٰه الصابرين وما فعله الأكابر من المصابين ، فمن عزّى مصاباً
____________________
فله مثل أجره
ومن عزّى ثكلى كُسي بُرداً في الجنّة .
وهي مشروعة «قبل الدفن»
إجماعاً «وبعده»
عندنا.
«وكلّ أحكامه»
أي أحكام الميّت «من
فروض * الكفاية» إن كانت واجبةً «أو ندبها»
إن كانت مندوبةً.
ومعنى الفرض الكفائي : مخاطبة الكلّ به
ابتداءً على وجهٍ يقتضي وقوعه من أيّهم كان وسقوطه بقيام من فيه الكفاية ، فمتى
تلبّس به من يُمكنه القيام به سقط عن غيره سقوطاً مراعى بإكماله ، ومتى لم يتّفق
ذلك أثم الجميع في التأخّر عنه ، سواء في ذلك الوليّ وغيره ممّن علم بموته من
المكلّفين القادرين عليه.
____________________
«الفصل الثالث»
«التيمّم»
«وشرطه عدمُ الماء»
بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر.
«أو عدم الوصلة * إليه»
مع كونه موجوداً : إمّا للعجزعن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكِبَر أو مرضٍ أو
ضعف قوّةٍ ولم يجد معاوناً ولو باُجرةٍ مقدورة ، أو لضيق الوقت بحيث لا يُدرك منه
معه بعد الطهارة ركعة ، أو لكونه في بئرٍ بعيد القعر يتعذّر الوصول إليه بدون الآلة
وهو عاجز عن تحصيلها ولو بعوضٍ أو شقّ ثوبٍ نفيس أو إعارة ، أو لكونه موجوداً في
محلٍّ يُخاف من السعي إليه على نفسٍ أو طَرَفٍ أو مالٍ محترمةٍ أو بُضعٍ أو عرض أو
ذهاب عقلٍ ولو بمجرّد الجبن ، أو لوجوده بعوضٍ يعجز عن بذله لعُدمٍ أو حاجةٍ ولو
في وقت مترقّب.
ولا فرق في المال المخوف ذهابه والواجب
بذله عوضاً ـ حيث يجب حفظ الأوّل وبذل الثاني ـ بين القليل والكثير. والفارق النصّ
لا أنّ الحاصل
بالأوّل العوض على الغاصب وهو منقطع وفي الثاني الثواب وهو دائم؛ لتحقّق الثواب
____________________
فيهما مع بذلهما
اختياراً طلباً للعبادة لو اُبيح ذلك ، بل قد يجتمع في الأوّل العوض والثواب بخلاف
الثاني.
«أو الخوف من استعماله»
لمرضٍ حاصلٍ ـ يخاف زيادته أو بطؤه أو عُسر علاجه ـ أو متوقّعٍ ، أو بردٍ شديد
يشقّ تحمّله ، أو خوف عطشٍ حاصلٍ أو متوقّعٍ في زمانٍ لا يحصل فيه الماء عادةً أو
بقرائن الأحوال لنفسٍ محترمةٍ ولو حيواناً.
«ويجب طلبه»
مع فقده في كلّ جانبٍ «من
الجوانب الأربعة غلوة سهمٍ»
ـ بفتح الغين ـ وهي : مقدار رمية من الرامي بالآلة معتدلين «في»
الأرض «الحَزْنة»
ـ بسكون الزاء المعجمة ـ خلاف السهْلة ، وهي : المشتملة على نحو الأشجار والأحجار
والعلوّ والهبوط المانع من رؤية ما خلفه «و»
غلوة «سهمين
في السَّهْلة» ولو اختلفت في
الحزونة والسهولة توُزّع بحسبهما.
وإنّما يجب الطلبُ كذلك مع احتمال وجوده
فيها ، فلو علم عدمه مطلقاً أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقاً أو فيه ، كما أنّه
لو علم وجوده في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم يخرج الوقت.
وتجوز الاستنابة فيه ، بل قد تجب ولو
باُجرةٍ مع القدرة. ويشترط عدالة النائب إن كانت اختياريّة وإلّا فمع إمكانها ،
ويُحتسب لهما على التقديرين. ويجب طلب التراب كذلك لو تعذّر مع وجوبه.
«ويجب»
التيمّم «بالتراب
الطاهر أو الحجر» لأنّه من جملة
الأرض
____________________
إجماعاً. و «الصعيد»
المأمور به هو وجهها ، ولأ نّه ترابٌ اكتسب رطوبةً لزجة وعملت فيه الحرارة فأفادته
استمساكاً. ولا فرق بين أنواعه : من رُخام وبرام
وغيرهما.
خلافاً للشيخ حيث اشترط في جواز
استعماله فقدَ التراب
أمّا المنع منه مطلقاً فلا قائل به.
ومن جوازه بالحجر يستفاد جوازه بالخَزَف
بطريقٍ أولى؛ لعدم خروجه بالطبخ عن اسم «الأرض»
وإن خرج عن اسم «التراب»
كما لم يخرج الحجر مع أنّه أقوى استمساكاً منه. خلافاً للمعتبر محتجّاً بخروجه ،
مع اعترافه بجواز السجود عليه. وما يخرج عنها بالاستحالة يمنع من السجود عليه وإن
كانت دائرة السجود أوسع بالنسبة إلى غيره.
«لا بالمعادن»
كالكُحل والزَرْنيخ وتراب الحديد ونحوه «و»
لا «النورة»
والجصّ بعد خروجهما عن اسم الأرض بالإحراق ، أمّا قبله فلا.
«ويكره»
التيمّم «بالسَّبخة»
ـ بالتحريك فتحاً وكسراً والسكون ، وهي : الأرض المالحة النشّاشة ـ على أشهر
القولين
، ما لم يَعلُها ملحٌ يمنع إصابة بعض الكفّ للأرض ، فلا بدّ من إزالته «والرمل»
لشبههما بأرض المعدن ، ووجه الجواز بقاء اسم الأرض.
«ويستحبّ من العوالي»
وهي ما ارتفع من الأرض؛ للنصّ
ولبعدها
____________________
من النجاسة؛ لأنّ
المهابط تُقصد للحدث ، ومنه سمّي «الغائط» لأنّ أصله المنخفض ، سُمّي الحالّ باسمه
لوقوعه فيه كثيراً.
«والواجب»
في التيمّم «النيّة»
وهي القصد إلى فعله ـ وسيأتي بقيّة ما يُعتبر فيها ـ مقارنةً لأوّل أفعاله «و»
هو «الضرب
على الأرض بيديه» معاً ، وهو وضعهما
بمسمّى الاعتماد ، فلا يكفي مسمّى الوضع على الظاهر. خلافاً للمصنّف في الذكرى ،
فإنّه جعل الظاهر الاكتفاء بالوضع
ومنشأ الاختلاف تعبير النصوص بكلٍّ منهما
وكذا عبارات الأصحاب
فمن جوّزهما جعله دالّاً على أنّ المؤدّى واحد ، ومن عيّن الضرب حمل المطلق على
المقيَّد.
وإنّما يعتبر اليدان معاً مع الاختيار ،
فلو تعذّرت إحداهما ـ لقطعٍ أو مرضٍ أو ربطٍ ـ اقتصر على الميسور ومسح الجبهة به
وسقط مسح اليد.
ويحتمل قوّياً مسحها بالأرض ، كما يمسح
الجبهة بها لو كانتا مقطوعتين ، وليس كذلك لو كانتا نجستين ، بل يمسح بهما كذلك مع
تعذّر التطهير ، إلّا أن تكون
____________________
متعدّية أو حائلة
فيجب التجفيف وإزالة الحائل مع الإمكان ، فإن تعذّر ضرب بالظهر إن خلا منها ،
وإلّا ضرب بالجبهة في الأوّل وباليد النجسة في الثاني ، كما لو كان عليها جبيرة.
والضرب «مرّةً للوضوء»
أي لتيمّمه الذي هو بدل منه «فيمسح
بهما جَبهته من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى»
بادئاً بالأعلى ، كما أشعر به «من»
و «إلى»
وإن احتمل غيره.
وهذا القدر من الجبهة متّفقٌ عليه. وزاد
بعضهم مسحَ الحاجبين
ونفى عنه المصنّف في الذكرى البأس .
وآخرون مسح الجبينين
وهما المحيطان بالجبهة يتّصلان بالصُّدْغَين. وفي الثاني قوّة؛ لوروده في بعض
الأخبار الصحيحة
أمّا الأوّل فما يتوقّف عليه منه من باب المقدّمة لا إشكال فيه وإلّا فلا دليل
عليه.
«ثمّ»
يمسح «ظهر
يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند»
بفتح الزاي ، وهو موصل طرف الذراع في الكفّ «إلى أطراف الأصابع ، ثمّ»
مسح ظهر «اليسرى»
ببطن اليمنى «كذلك»
مبتدئاً بالزند إلى الآخر ، كما أشعر به كلامه. «ومرّتين للغُسل»
إحداهما يمسح بها جبهته والاُخرى يديه.
«ويتيمّم * غير الجنب»
ممّن عليه حدثٌ يوجب الغُسل عند تعذّر
____________________
استعمال الماء مطلقاً
«مرّتين»
إحداهما بدلاً من الغُسل بضربتين ، والاُخرى بدلاً من الوضوء بضربة. ولو قدر على
الوضوء خاصّةً وجب وتيمّم عن الغُسل كالعكس ، مع أنّه يصدق عليه أنّه محدثٌ غير
جنب ، فلا بدّ في إخراجه من قيد ، وكأ نّه تركه اعتماداً على ظهوره.
«ويجب في النيّة»
قصد «البدليّة»
من الوضوء أو الغسل إن كان التيمّم بدلاً عن أحدهما كما هو الغالب ، فلو كان
تيمّمه لصلاة الجنازة أو للنوم على طهارة أو لخروجه جنباً من أحد المسجدين ـ على
القول باختصاص التيمّم بذلك كما هو أحد قولي المصنّف
ـ لم يكن بدلاً من أحدهما ، مع احتمال بقاء العموم بجعله فيها بدلاً اختياريّاً.
«و»
يجب فيه نيّة «الاستباحة»
لمشروطٍ بالطهارة «والوجه»
من وجوب أو ندب ، والكلام فيهما كالمائيّة
«والقربة»
ولا ريب في اعتبارها في كلّ عبادةٍ مفتقرةٍ إلى نيّة ، ليتحقّق الإخلاص المأمور به
في كلّ عبادة.
«وتجب»
فيه «الموالاة»
بمعنى المتابعة بين أفعاله بحيث لا يُعدّ مُفرِّقاً عرفاً. وظاهر الأصحاب الاتّفاق
على وجوبها. وهل يبطل بالإخلال بها أو يأثم خاصّةً؟ وجهان. وعلى القول بمراعاة
الضيق فيه مطلقاً
يظهر قوّة الأوّل ، وإلّا فالأصل يقتضي الصحّة.
«ويستحبّ نفض اليدين»
بعد كلّ ضربةٍ بنفخ ما عليهما من أثر الصعيد ، أو مسحهما ، أو ضرب إحداهما
بالاُخرى.
____________________
«وليكن»
التيمّم «عند
آخر الوقت» بحيث يكون قد بقي منه مقدار فعله مع
باقي شرائط الصلاة المفقودة والصلاة تامّة الأفعال علماً أو ظنّاً ، ولا يؤثّر فيه
ظهور الخلاف «وجوباً
مع الطمع في الماء» ورجاء حصوله ولو
بالاحتمال البعيد «وإلّا
استحباباً» على أشهر الأقوال بين المتأخّرين .
والثاني ـ وهو الذي اختاره المصنّف في
الذكرى
وادّعى عليه المرتضى
والشيخ الإ جماع
ـ : مراعاة الضيق مطلقاً.
والثالث : جوازه مع السعة مطلقاً ، وهو
قول الصدوق .
والأخبار بعضها دالٌّ على اعتبار الضيق
مطلقاً
وبعضها غير منافٍ له
فلا وجه للجمع بينها بالتفصيل. هذا في التيمّم المبتدأ.
أمّا المستدام ، كما لو تيمّم لعبادةٍ
عند ضيق وقتها ولو بنذر ركعتين في وقتٍ معيّن يتعذّر فيه الماء ، أو عبادةٍ راجحةٍ
بالطهارة ولو ذكراً ، جاز فعل
____________________
غيرها به مع السعة.
«ولو تمكّن من»
استعمال «الماء
انتقض» تيمّمه عن الطهارة التي تمكّن منها ،
فلو تمكّن مَن عليه غير غسل الجنابة من الوضوء خاصّةً انتقض تيمّمه خاصّةً ، وكذا
الغسل.
والحكم بانتقاضه بمجرّد التمكّن مبنيٌّ على
الظاهر ، وأمّا انتقاضه مطلقاً فمشروطٌ بمضيّ زمانٍ يسع فعل المائيّة متمكّناً
منها ، فلو طرأ بعد التمكّن مانعٌ قبله كشف عن عدم انتقاضه ـ سواء شرع فيها أم لا
ـ كوجوب الصلاة بأوّل الوقت والحجّ للمستطيع بسير القافلة ، مع اشتراط استقرار
الوجوب بمضيّ زمانٍ يسع الفعل؛ لاستحالة التكليف بعبادةٍ في وقت لا يسعها. مع
احتمال انتقاضه مطلقاً كما يقتضيه ظاهر الأخبار
وكلام الأصحاب .
وحيث كان التمكّن من الماء ناقضاً ، فإن
اتّفق قبل دخوله في الصلاة انتقض إ جماعاً على الوجه المذكور ، وإن وجده بعد
الفراغ صحّت وانتقض بالنسبة إلى غيرها.
«ولو وجده في أثناء الصلاة»
ولو بعد التكبير «أتمّها»
مطلقاً «على
الأصحّ» عملاً بأشهر الروايات
وأرجحها سنداً ، واعتضاداً بالنهي الوارد عن
____________________
قطع الأعمال
ولا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة.
وحيث حُكم بالإتمام فهو للوجوب على
تقدير وجوبها ، فيحرم قطعها والعدول بها إلى النافلة؛ لأنّ ذلك مشروطٌ بأسبابٍ
مسوِّغة. والحمل على ناسي الأذان قياس. ولو ضاق الوقت فلا إشكال في التحريم.
وهل ينتقض التيمّم بالنسبة إلى غير هذه
الصلاة على تقدير عدم التمكّن منه بعدها؟ الأقرب العدم؛ لما تقدّم : من أنّه
مشروطٌ بالتمكّن ، ولم يحصل ، والمانع الشرعي كالعقلي.
ومقابل الأصحّ أقوالٌ :
منها : الرجوع ما لم يركع .
ومنها : الرجوع ما لم يقرأ .
ومنها : التفصيل بسعة الوقت وضيقه .
والأخيران لا شاهد لهما ، والأوّل مستند
إلى روايةٍ
معارضةٍ بما هو أقوى منها .
____________________
كتاب الصلاة
«كتاب الصلاة»
«وفصوله أحد عشر»
:
«الأوّل»
«في أعدادها»
«والواجب سبع»
صلوات : «اليوميّة»
الخمس الواقعة في اليوم والليلة. نُسبت إلى اليوم تغليباً ، أو بناءً على إطلاقه
على ما يشمل الليل «والجُمعة
والعيدان والآيات والطواف والأموات والمُلتزَم بنذرٍ* وشبهه».
وهذه الأسماء إمّا غالبةٌ عرفاً ، أو
بتقدير حذف المضاف في ما عدا الاُولى ، والموصوف فيها.
وعدُّها سبعةً أسدُّ ممّا صنع مَن قَبله
، حيث عدّوها تسعةً بجعل الآيات ثلاثاً بالكسوفين .
____________________
وفي إدخال صلاة الأموات اختيار إطلاقها
عليها بطريق الحقيقة الشرعيّة ، وهو الذي صرّح المصنّف باختياره في الذكرى
ونفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها
ولا طهور
والحكم بتحليلها بالتسليم
ينافي الحقيقة.
وبقي من أقسام الصلاة الواجبة صلاة
الاحتياط والقضاء ، فيمكن دخولُهما في «الملتزم»
ـ وهو الذي استحسنه المصنّف
ـ وفي «اليوميّة» ؛ لأنّ الأوّل مكمِّلٌ لما يُحتمل فواته منها ، والثاني فعلها في
غير وقتها. ودخول الأوّل في «الملتزم» والثاني في «اليوميّة» ، وله وجهٌ وجيه.
«والمندوب»
من الصلاة «لا
حصر له» فإنّ الصلاة خير
موضوع ، فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر .
«وأفضله الرواتب»
: اليوميّة التي هي ضعفها
«فللظهر
ثمان»
____________________
ركعاتٍ «قبلها ، وللعصر ثمان»
ركعاتٍ «قبلها
، وللمغرب أربع بعدها».
«وللعشاء ركعتان جالساً»
أي : الجلوس ثابت فيهما بالأصل لا رخصة؛ لأنّ الغرض منهما واحدةٌ ليكمل بها ضِعْف
الفريضة ، وهو يحصل بالجلوس فيهما؛ لأنّ الركعتين من جلوس ثوابُهما ركعةٌ من قيام «ويجوز قائماً»
بل هو أفضل على الأقوى ؛ للتصريح به في بعض الأخبار
وعدم دلالة ما دلّ على فعلهما جالساً
على أفضليّته ، بل غايته الدلالة على الجواز ، مضافاً إلى ما دلّ على أفضليّة
القيام في النافلة مطلقاً
ومحلّهما «بعدها»
أي بعد العشاء. والأفضل جعلهما بعد التعقيب وبعد كلّ صلاةٍ يريد فعلها بعدها.
واختلف كلام المصنّف في تقديمهما على
نافلة شهر رمضان الواقعة بعد العشاء وتأخيرهما عنها ، ففي النفليّة قطع بالأوّل
وفي الذكرى بالثاني
وظاهره هنا الأوّل نظراً إلى البعديّة. وكلاهما حسن.
«وثمان *»
ركعات صلاة «الليل
، وركعتا الشفع» بعدها «وركعة الوتر ، وركعتا
الصبح قبلها».
هذا هو المشهور روايةً
وفتوىً. وروي ثلاث وثلاثون بإسقاط
____________________
الوتيرة
وتسع وعشرون
وسبع وعشرون
بنقص العصريّة أربعاً أو ستّاً
مع الوتيرة ، وحُملَ على المؤكّد منها ، لا على انحصار السنّة فيها.
«وفي السفر»
والخوف الموجبين للقصر «تتنصّف
الرباعيّة ، وتسقط راتبة المقصورة»
ولو قال : «راتبتها» كان أقصر ، فالساقط نصفُ الراتبة ـ سبع عشرة ركعة ـ وهو في
غير الوتيرة موضع وفاقٍ ، وفيها على المشهور ، بل قيل : إنّه إجماعيٌّ أيضاً .
ولكن روى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه
السلام عدم سقوطها معلِّلاً بأ نّها زيادةٌ في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ
ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع
قال المصنّف في الذكرى : وهذا قويّ لأنّه خاصٌّ ومعلّل ، إلّاأن ينعقد الإجماع على
خلافه ونبّه بالاستثناء على
دعوى ابن إدريس الإجماع
____________________
عليه
مع أنّ الشيخ في النهاية صرّح بعدمه
فما قوّاه في محلّه.
«ولكلّ ركعتين من النافلة تشهّدٌ وتسليم»
هذا هو الأغلب. وقد خرج عنه مواضع ، ذكر المصنّف منها موضعين بقوله : «وللوتر بانفراده»
تشهّدٌ وتسليم «ولصلاة
الأعرابي» من التشهّد والتسليم «ترتيب الظهرين بعد الثنائيّة»
فهي عشر ركعات بخمس تشهّدات وثلاث تسليمات كالصبح والظهرين.
وبقي صلوات اُخر ، ذكرها الشيخ في
المصباح
والسيّد رضي الدين بن طاووس في تتمّاته
يُفعل منها
بتسليمٍ واحدٍ أزيد من ركعتين. تَرَكَ المصنّف والجماعة استثناءَها؛ لعدم اشتهارها
وجهالة طريقها. وصلاة الأعرابي توافقها في الثاني دون الأوّل.
____________________
«الفصل الثاني»
«في شروطها»
«وهي سبعة» :
«الاوّل : الوقت»
والمراد هنا وقت اليوميّة ، مع أنّ
السبعة شروطٌ لمطلق الصلاة غير الأموات في الجملة.
فيجوز عود ضمير «شروطها» إلى المطلق ،
لكن لا يلائمه تخصيص الوقت باليوميّة ، إلّاأن يؤخذ كون مطلق الوقت شرطاً ، وما
بعد ذِكْرِه مجملاً من التفصيل حكمٌ آخر لليوميّة.
ولو عاد ضمير «شروطها» إلى «اليوميّة»
لا يحسن؛ لعدم المميِّز مع اشتراك الجميع في الشرائط بقولٍ مطلق.
إلّاأنّ عوده إلى «اليوميّة» أوفق لنظم
الشروط ، بقرينة تفصيل الوقت وعدم اشتراطه للطواف والأموات والملتزم إلّابتكلّفٍ
وتجوّز ، وعدم اشتراط الطهارة من الحدث والخبث في صلاة الأموات وهي إحدى السبعة.
واختصاصُ اليوميّة بالضمير مع اشتراكه؛ لكونها الفرد الأظهر من بينها والأكمل ، مع
انضمام قرائن
لفظيّة بعد ذلك.
«فللظهر»
من الوقت «زوال
الشمس» عن وسط السماء وميلها عن دائرة نصف
النهار «المعلوم
بزيد الظلّ» أي زيادته ـ مصدران
ل «زاد
الشيء» ـ «بعد نقصه»
وذلك في الظلّ المبسوط ، وهو الحادث من المقاييس القائمة على سطح الاُفق؛ فإنّ
الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخصٍ قائمٍ على سطح الأرض بحيث يكون عموداً على سطح
الاُفق ظلُّ طويل إلى جهة المغرب ، ثمّ لا يزال ينقص كلّما ارتفعت الشمس حتى تبلغ
وسط السماء ، فينتهي النقصان إن كان عرضُ المكان المنصوب فيه المقياس مخالفاً لميل
الشمس في المقدار ، ويُعدم الظلّ أصلاً إن كان بقدره ، وذلك في كلّ مكانٍ يكون
عرضه مساوياً للميل الأعظم للشمس أو أنقص عند ميلها بقدره وموافقته له في الجهة.
ويتّفق في أطول أيّام السنة تقريباً في
مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وما قاربها في العرض ، وفي مكّة قبل الانتهاء
بستّة وعشرين يوماً ، ثم يحدث ظلٌّ جنوبيٌّ إلى تمام الميل وبعده إلى ذلك المقدار
، ثمّ يُعدم يوماً آخر.
والضابط : أنّ ما كان عرضه زائداً على
الميل الأعظم لا يُعدم الظلّ فيه أصلاً ، بل يبقى عند زوال الشمس منه بقيّة تختلف
زيادةً ونقصاناً ببُعد الشمس من مسامتة رؤوس أهله وقربها. وما كان عرضه مساوياً
للميل يُعدم فيه يوماً وهو أطول أيّام السنة. وما كان عرضه أنقص منه ـ كمكّة
وصنعاء ـ يُعدم فيه يومين عند مسامتة الشمس لرؤوس أهله صاعدةً وهابطة ، كلّ ذلك مع
موافقته له في الجهة ، كما مرّ.
أمّا الميل الجنوبي فلا يُعدم ظلّه من
ذي العرض مطلقاً ، لا كما قاله المصنّف رحمه الله في الذكرى ـ تبعاً للعلّامة ـ :
من كون ذلك بمكّة وصنعاء في أطول
أيّام السنة
فإنّه من أقبح الفساد. وأوّل من وقع فيه الرافعيّ من الشافعيّة
ثم قلّده فيه جماعة منّا
ومنهم من غير تحقيقٍ
للمحلّ ، وقد حرّرنا البحث في شرح الإرشاد .
وإنّما لم يذكر المصنّف هنا حكم حدوثه
بعد عدمه؛ لأنّه نادر ، فاقتصر على العلامة الغالبة ، ولو عبّر ب «ظهور الظل في
جانب المشرق» ـ كما صنع في الرسالة الألفيّة
ـ لشمل القسمين بعبارةٍ وجيزة.
«وللعصر الفراغ منها ولو تقديراً»
بتقدير أن لا يكون قد صلّاها ، فإنّ وقت العصر يدخل بمضيّ مقدار فعله الظهر بحسب
حاله : من قصر وتمام ، وخفّة وبُطء ، وحصول الشرائط وفقدها ، بحيث لو اشتغل بها
لأتمّها ، لا بمعنى جواز فعل العصر حينئذٍ مطلقاً ، بل تظهر الفائدة لو صلّاهاناسياً
قبل الظهر ، فإنّها تقع صحيحة إن وقعت بعد دخول وقتها المذكور ، وكذا لو دخل قبل
أن يُتمّها.
«وتأخيرها»
أي العصر «إلى
مصير الظلّ» الحادث بعد الزوال «مثله»
* أي مثل ذي الظلّ وهو المقياس «أفضل»
من تقديمها على ذلك الوقت. كما أنّ
____________________
فعل الظهر قبل هذا
المقدار أفضل ، بل قيل بتعيّنه
بخلاف تأخير العصر.
«وللمغرب ذهاب الحمرة المشرقيّة»
وهي الكائنة في جهة المشرق ، وحدّه قمّة الرأس.
«وللعشاء الفراغ منها»
ولو تقديراً على نحو ما قُرّر للظهر ، إلّاأ نّه هنا لو شَرَع في العشاء تماماً
تامّة الأفعال فلا بدّ من دخول المشترك وهو فيها ، فتصحّ مع النسيان ، بخلاف
العصر.
«وتأخيرها إلى ذهاب»
الحمرة «المغربيّة
أفضل» بل قيل بتعيّنه
كتقديم المغرب عليه. أمّا الشفق الأصفر والأبيض فلا عبرة بهما عندنا.
«وللصبح طلوع الفجر»
الصادق ، وهو الثاني المعترض في الاُفق.
«ويمتدّ وقت الظهرين إلى الغروب»
اختياراً على أشهر القولين
لا بمعنى أنّ الظهر تشارك العصر في جميع ذلك الوقت ، بل يختصّ العصر من آخره
بمقدار أدائها ، كما يختصّ الظهر من أوّله به.
وإطلاق «امتداد وقتهما»
باعتبار كونهما لفظاً واحداً؛ إذ امتداد
وقت
____________________
مجموعه
من حيث هو مجموع إلى الغروب لا ينافي عدم امتداد بعض أجزائه ـ وهو الظهر ـ إلى ذلك
، كما إذا قيل : «يمتدّ وقت العصر إلى الغروب» لا ينافي عدم امتداد بعض أجزائها ـ
وهو أوّلها ـ إليه.
وحينئذٍ فإطلاق الامتداد على وقتهما
بهذا المعنى بطريق الحقيقة لا المجاز ، إطلاقاً لحكم بعض الأجزاء على الجميع أو
نحو ذلك.
«و»
وقت «العشاءين
إلى نصف الليل» مع اختصاص العشاء
من آخره بمقدار أدائها ، على نحو ما ذكرناه في الظهرين.
«و»
يمتدّ وقت «الصبح
حتّى تطلع الشمس» على اُفق مكان
المصلّي وإن لم تظهر للأبصار.
«و»
وقت «نافلة
الظهر من الزوال إلى أن يصير الفيء»
وهو الظلّ الحادث بعد الزوال ـ سمّاه في وقت الفريضة «ظلّاً» وهنا «فيئاً» وهو أجود؛
لأنّه مأخوذ من «فاء» إذا رجع ـ مقدارَ «قدمين»
أي سُبعي قامة المقياس؛ لأنّها إذا قُسّمت سبعة أقسام يقال لكلّ قسم : «قدمٌ».
والأصل فيه : أنّ قامة الإنسان غالباً سبعة أقدام بقدمه.
«وللعصر * أربعة أقدام»
فعلى هذا تُقدّم نافلة العصر بعد صلاة الظهر أوّلَ وقتها أو في هذا المقدار وتؤخّر
الفريضة إلى وقتها ، وهو ما بعد المثل. هذا هو
____________________
المشهور رواية
وفتوىً.
وفي بعض الأخبار ما يدلّ على امتدادهما
بامتداد وقت فضيلة الفريضة
وهو زيادة الظلّ بمقدار مثل الشخص للظهر ومثليه للعصر. وفيه قوّة.
ويناسبه المنقول من فعل النبيّ صلى الله
عليه وآله والأئمّة عليهم السلام وغيرهم من السلف : من صلاة نافلة العصر قبل
الفريضة متّصلةً بها .
وعلى ما ذكروه من الأقدام لا يجتمعان
أصلاً لمن أراد صلاة العصر في وقت الفضيلة ، والمرويّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله
كان يُتبع الظهر بركعتين من سُنّة العصر ، ويؤخّر الباقي إلى أن يريد صلاة العصر ،
وربّما أتبعها بأربع وستّ وأخّر الباقي .
وهو السرّ في اختلاف المسلمين في أعداد
نافلتيهما ، ولكن أهل البيت أدرى بما فيه.
ولو أخّر المتقدّمة على الفرض عنه لا
لعذر نقص الفضل وبقيت أداءً ما بقي وقتها. بخلاف المتأخّرة ، فإنّ وقتها لا يدخل
بدون فعله.
«وللمغرب إلى ذهاب»
الحمرة «المغربيّة».
«وللعشاء كوقتها»
فتبقى أداءً إلى أن ينتصف الليل. وليس في النوافل ما يمتدّ بامتداد وقت الفريضة
على المشهور
سواها.
____________________
«وللّيل* بعد نصفه»
الأوّل «إلى
طلوع الفجر» الثاني.
والشفع والوتر من جملة صلاة الليل هنا ،
وكذا تشاركها في المزاحمة بعد الفجر لو أدرك من الوقت مقدار أربع. كما يُزاحَم
بنافلة الظهرين لو أدرك من وقتها ركعة. أما المغربيّة فلا يُزاحَم بها مطلقاً ،
إلّاأن يتلبّس منها بركعتين فيتمّهما مطلقاً.
«وللصبح حتّى تطلع الحمرة»
من قبل المشرق ، وهو آخر وقت فضيلة الفريضة ، كالمثل والمثلين للظهرين والحمرة
المغربية للمغرب. وهو يناسب رواية المثل ، لا القدم.
«وتُكره النافلة المبتدأة **»
ـ وهي التي يُحدثها المصلّي تبرّعاً ، فإنّ «الصلاة قربان كلّ تقي»
واحترز بها عن ذات السبب ، كصلاة الطواف والإحرام وتحيّة المسجد عند دخوله
والزيارة عند حصولها والحاجة والاستخارة والشكر وقضاء النوافل مطلقاً ـ في هذه
الأوقات الخمسة : المتعلّق اثنان منها بالفعل «بعد صلاتيالصبح»
إلى أن تطلع الشمس «والعصر»
إلى أن تغرب «و»
ثلاثة بالزمان «عند
طلوع الشمس» أي بعده حتى ترتفع
ويستولي شعاعها وتذهب الحمرة ، وهنا يتّصل وقت الكراهتين : الفعلي والزماني «و»
عند «غروبها»
أي ميلها إلى الغروب واصفرارها حتّى يكمل بذهاب الحمرة المشرقيّة ، وتجتمع هنا
الكراهتان في وقت واحد «و»
عند «قيامها»
في وسط
____________________
السماء ووصولها إلى
دائرة نصف النهار تقريباً إلى أن تزول.
«إلّايوم الجمعة»
فلا تكره النافلة فيه عند قيامها؛ لاستحباب صلاة ركعتين من نافلتها حينئذٍ ، وفي
الحقيقة هذا الاستثناء منقطع؛ لأنّ نافلة الجمعة من ذوات الأسباب ، إلّاأن يقال
بعدم كراهة المبتدأة فيه أيضاً ، عملاً بإطلاق النصّ
باستثنائه .
«ولا تقدّم»
النافلة «الليليّة»
على الانتصاف «إلّالعذرٍ»
كتعب وبردٍ ورطوبة رأسٍ وجنابة ـ ولو اختياريّة ـ يشقّ معها الغسل ، فيجوز تقديمها
حينئذٍ من أوّله بعد العشاء بنيّة التقديم أو الأداء ، ومنها الشفع والوتر «وقضاؤها أفضل»
من تقديمها في صورة جوازه.
«وأوّل الوقت أفضل»
من غيره «إلّا»
في مواضع ترتقي إلى خمسة وعشرين ، ذكر أكثرَها المصنّف في النفلية
وحرّرناها مع الباقي في شرحها
وقد ذكر منها هنا ثلاثة مواضع :
«لمن يتوقّع زوالَ عذره»
بعد أوّله ، كفاقد الساتر أو وصفه ، والقيام وما بعده من المراتب الراجحة على ما
هو به إذا رجا القدرة في آخره ، والماء على القول بجواز التيمّم مع السعة ،
ولإزالة النجاسة غير المعفوّ عنها.
«ولصائم يتوقّع»
غيرُه «فِطرَه»
ومثله من تاقت نفسه إلى الإفطار بحيث ينافي الإقبال على الصلاة.
____________________
«وللعشاءين»
للمُفيض من عرفة «إلى
المشعر» وإن تثلّث الليل.
«ويعوَّل في الوقت على الظن*»
المستند إلى وِرْدٍ
بصنعةٍ أو درسٍ ونحوهما
«مع
تعذّر العلم» أمّا مع إمكانه فلا
يجوز الدخول بدونه.
«فإن»
صلّى بالظنّ حيث يتعذّر
العلم ثمّ انكشف وقوعها في الوقت أو «دخل وهو فيها أجزأ»
على أصحّ القولين
«وإن
تقدّمت» عليه بأجمعها «أعاد»
وهو موضع وفاقٍ.
«الثاني : القبلة»
«وهي»
: عينُ «الكعبة
للمُشاهد» لها «أو حكمه»
وهو : مَن يقدر على التوجّه إلى عينها بغير مشقّةٍ كثيرة لا تُتحمّل عادةً ولو
بالصعود إلى جبلٍ أو سطحٍ «وجهتها»
وهي السمت الذي يُحتمل كونها فيه ويُقطع بعدم خروجها عنه لأمارةٍ شرعيّة «لغيره»
أي غير المشاهد ومَن بحكمه .
وليست الجهة للبعيد محصِّلةً عينَ
الكعبة وإن كان البُعد عن الجسم
____________________
يوجب اتّساع جهة
محاذاته؛ لأنّ ذلك لا يقتضي استقبال العين؛ إذ لو اُخرجت خطوطٌ متوازيةٌ من مواقف
البعيد المتباعدة المتّفقة الجهة على وجهٍ يزيد على جرم الكعبة لم تتّصل الخطوط
أجمع بالكعبة ضرورةً ، وإلّا لخرجت عن كونها متوازية.
وبهذا يظهر الفرق بين العين والجهة ،
ويترتّب عليه بطلان صلاة بعض الصفّ المستطيل زيادةً عن قدر الكعبة لو اعتُبر
مقابلة العين.
والقول بأنّ البعيد فرضه الجهة أصحّ
القولين في المسألة ، خلافاً للأكثر
حيث جعلوا المعتبر للخارج عن الحرم استقباله ، استناداً إلى روايات ضعيفة .
ثمّ إن علِمَ البعيد بالجهة بمحراب
معصومٍ أو اعتبار رصديٍّ ، وإلّا عوَّل على العلامات المنصوبة لمعرفتها نصّاً أو
استنباطاً.
«وعلامة»
أهل «العراق
ومن في سمتهم» كبعض أهل خراسان
ممّن يقاربهم في طول بلدهم «جَعلُ
المغرب على الأيمن والمشرق على الأيسر والجَدي »
حال غاية ارتفاعه أو انخفاضه «خَلْفَ
المنكب الأيمن».
____________________
وهذه العلامة ورد بها النصّ خاصّة
علامةً للكوفة وما ناسبها
وهي موافقة للقواعد المستنبطة من الهيئة وغيرها
فالعمل بها متعيّنٌ في أوساط العراق ـ مضافاً إلى الكوفة ـ كبغداد والمشهدين
والحِلّة.
وأمّا العلامة الاُولى : فإن اُريد فيها
بالمغرب والمشرق الاعتداليّان ، كما صرّح به المصنّف في البيان
أو الجهتان اصطلاحاً ـ وهما المقاطعتان لجهتي الجنوب والشمال بخطّين بحيث يحدث
عنهما زوايا قوائم ـ كانت مخالفة للثانية كثيراً؛ لأنّ الجَدي حال استقامته يكون
على دائرة نصف النهار المارّة بنقطتي الجنوب والشمال ، فجعلُ المشرق والمغرب على
الوجه السابق على اليمين واليسار يوجب جعل الجَدي بين الكتفين قضيّةً للتقاطع ،
فإذا اعتُبر كون الجدي خَلْفَ المنكب الأيمن لزم الانحراف بالوجه عن نقطة الجنوب
نحو المغرب كثيراً ، فينحرف بواسطته الأيمنُ عن المغرب نحوَ الشمال والأيسرُ عن
المشرق نحوَ الجنوب ، فلا يصحّ جعلهُما معاً علامةً لجهةٍ واحدة. إلّاأن يُدّعى
اغتفارُ هذا التفاوت ، وهو بعيدٌ خصوصاً مع مخالفة العلامة للنصّ
والاعتبار ، فهي إمّا فاسدة
____________________
الوضع ، أو تختصّ
ببعض جهات العراق ، وهي أطرافه الغربيّة ـ كالموصل وما والاها ـ فإنّ التحقيق أنّ
جهتهم نقطة الجنوب ، وهي موافقةٌ لما ذُكر في العلامة.
ولو اعتُبرت العلامة المذكورة غير
مقيّدةٍ بالاعتدال ولا بالمصطلح بل بالجهتين العرفيّتين انتشر الفسادُ كثيراً بسبب
الزيادة فيهما والنقصان الملحِق لهما : تارةً بعلامة الشام ، واُخرى بعلامة العراق
، وثالثةً بزيادةٍ عنهما. وتخصيصُهما
حينئذٍ بما يوافق الثانية يُوجب سقوط فائدة العلامة.
وأمّا أطراف العراق الشرقيّة ـ كالبصرة
وما والاها من بلاد خراسان ـ فيحتاجون إلى زيادة انحراف نحوَ المغرب عن أوساطها
قليلاً ، وعلى هذا القياس.
«وللشام»
من العلامات «جعلُه»
أي الجَدْي في تلك الحالة «خلفَ
الأيسر» الظاهر من العبارة كون «الأيسر» صفةً
للمَنكِب بقرينة ما قبله ، وبهذا صرّح في البيان
فعليه يكون انحراف الشامي عن نقطة الجنوب مشرقاً بقدر انحراف العراقي عنها مغرباً.
والذي صرّح به غيره
ووافقه المصنّف في الدروس
وغيرها
أنّ الشامي يجعل الجَدي خلفَ الكتف لا المَنكِب. وهذا هو الحقّ الموافق للقواعد؛
لأنّ انحراف الشامي أقلّ من انحراف العراقي المتوسّط ، وبالتحرير التامّ ينقص
الشامي عنه جزأين من تسعين جزءاً ممّا بين
____________________
الجنوب والمشرق أو
المغرب.
«و»
جعلُ «سُهيل»
أوّل طلوعه ـ وهو بروزه عن الاُفق ـ «بين العينين»
لا مطلق كونه ، ولا غاية ارتفاعه؛ لأنّه في غاية الارتفاع يكون مُسامِتاً للجنوب؛
لأنّ غاية ارتفاع كلِّ كوكبٍ يكون على دائرة نصف النهار المسامتة له كما سلف .
«وللمغرب»
والمراد به بعض المغرب
ـ كالحبشة والنوبة ـ لا المغرب المشهور
«جعل
الثُريّا والعَيُّوق »
عند طلوعهما «على
يمينه وشماله» الثُريّا على
اليمين والعيُّوق على اليسار.
وأمّا المغرب المشهور فقبلته تقرب من
نقطة المشرق وبعضُها يميل عنه نحو الجنوب يسيراً.
«واليمن مقابل *
الشام»
ولازم المقابلة : أنّ أهل اليمن يجعلون سُهيلاً طالعاً بين الكتفين مقابلَ جعلِ
الشامي له بين العينين ، وأ نّهم يجعلونالجَدي مُحاذياً لاُذنهم اليمنى ، بحيث
يكون مقابلاً للمَنكِب الأيسر ، فإنّ مقابله يكون إلى
____________________
مقدم الأيمن.
وهذا مخالفٌ لما صرّح به المصنّف في
كتبه الثلاثة
وغيره : من أن اليمني يجعل
الجَدي بين العينين وسُهيلاً غائباً بين الكتفين ، فإنّ ذلك يقتضي كونَ اليمن
مقابلاً للعراق لا للشام.
ومع هذا الاختلاف فالعلامتان مختلفتان
أيضاً؛ فإنّ جَعْلَ الجَدي طالعاً بين العينين يقتضي استقبال نقطة الشمال ،
وحينئذٍ فيكون نقطة الجنوب بين الكتفين ، وهي موازيةٌ لسُهيل في غاية ارتفاعه ـ
كما مرّ ـ لا غائباً.
ومع هذا فالمقابلة للعراقي لا للشامي.
هذا بحسب ما يتعلّق بعباراتهم. وأمّا
الموافق للتحقيق : فهو أنّ المقابل للشام من اليمن هو صنعاء وما ناسبها ، وهي لا
تناسب شيئاً من هذه العلامات ، وإنّما المناسب لها عَدَن
وما والاها ، فتدبّر.
«و»
يجوز أن «يُعوَّل
على قبلة البلد» من غير أن يجتهد «إلّامع علم الخطأ»
فيجب حينئذٍ الاجتهاد. وكذا يجوز الاجتهاد فيها تيامناً وتياسراً وإن لم يعلم
الخطأ.
والمراد ب «قبلة البلد»
محراب مسجده وتوجّه قبوره ونحوه ، ولا فرق بين الكبير والصغير. والمراد به بلد
المسلمين ، فلا عبرة بمحراب المجهولة
كقبورها ، كما لا عبرة بنحو القبر والقبرين للمسلمين ، ولا بالمحراب المنصوب في
طريقٍ
____________________
قليلة المارّة منهم.
«فلو فقد الأمارات»
الدالّة على الجهة المذكورة هنا وغيرها «قلَّد» العدل
العارف بها ، رجلاً كان أم امرأة ، حرّاً أم عبداً.
ولا فرق بين فقدها لمانع من رؤيتها
كغَيْم ، ورؤيته كعمىً ، وجهلٍ بها كالعامّي مع ضيق الوقت عن التعلّم على أجود
الأقوال ، وهو الذي يقتضيه إطلاق العبارة. وللمصنّف وغيره في ذلك اختلاف .
ولو فَقَد التقليد صلّى إلى أربع جهات
متقاطعة على زوايا قوائم مع الإمكان ، فإن عجز اكتفى بالممكن.
والحكم بالأربع حينئذٍ مشهور ، ومستنده
ضعيف واعتباره حَسَنٌ؛
لأنّ الصلاة كذلك تستلزم إمّا القبلة أو الانحراف عنها بما لا يبلغ اليمين واليسار
، وهو موجبٌ للصحّة مطلقاً
ويبقى الزائد عن الصلاة الواحدة واجباً من باب المقدّمة؛ لتوقّف الصلاة إلى القبلة
أو ما في حكمها الواجب
عليه ، كوجوب الصلاة
____________________
الواحدة في الثياب
المتعدّدة المشتبهة بالنجس لتحصيل
الصلاة في واحدٍ طاهر. ومثل هذا يجب بدون النصّ ، فيبقى النصّ
له شاهداً وإن كان مرسلاً.
وذهب السيّد رضي الدين بن طاووس هنا إلى
العمل بالقرعة
استضعافاً لسند الأربع ، مع ورودها لكلّ أمرٍ مشتبه ، وهذا منه. وهو نادر.
«ولو انكشف الخطأ»
بعد الصلاة بالاجتهاد أو التقليد ـ حيث يسوغ ـ أو ناسياً للمراعاة «لم يُعد ما كان بين
اليمين واليسار» أي ما كان دونهما
إلى جهة القبلة وإن قلّ «ويُعيد
ما كان إليهما» محضاً «في وقته»
لا خارجه.
«والمستدبر»
وهو الذي صلّى إلى ما يقابل سَمْتَ القبلة الذي تجوز الصلاة إليه اختياراً «يُعيد ولو خرج الوقت»
على المشهور؛ جمعاً بين الأخبار الدالّ أكثرها على إطلاق الإعادة في الوقت
وبعضُها على تخصيصه بالمتيامن والمتياسر
وإعادة المستدبر مطلقاً .
والأقوى الإعادة في الوقت مطلقاً؛ لضعف
مستند التفصيل الموجب لتقييد
____________________
الصحيح
المتناول بإطلاقه موضع النزاع.
وعلى المشهور كلّ ما خرج عن دَبْر
القبلة إلى أن يصل إلى اليمين واليسار يلحق بهما ، وما خرج عنهما نحو القبلة يلحق
بها.
«الثالث : ستر *»
العورة
وهي «القُبُل والدُّبر للرجل»
والمراد ب «القُبُل»
: القضيب والاُنثيان ، وب «الدُّبُر»
: المخرج لا الأليان في المشهور .
«وجميع البدن عدا الوجه»
وهو ما يجب غَسله منه في الوضوء أصالةً «والكفّين»
ظاهرهما وباطنهما من الزَّندين «وظاهر
القدمين» دون باطنهما ، وحدُّهما مفصل الساق.
وفي الذكرى والدروس ألحق باطنهما بظاهرهما
وفي البيان استقرب ما هنا
وهو أحوط «للمرأة».
ويجب ستر شيءٍ من الوجه والكفّ والقدم
من باب المقدّمة. وكذا في عورة الرجل.
____________________
والمراد ب «المرأة» الاُنثى البالغة؛
لأنّها تأنيث «المرء»
وهو الرجل ، فتدخل فيها الأمة البالغة ، وسيأتي جواز كشفها رأسَها.
ويدخل الشعر في ما يجب ستره ، وبه قطع
المصنّف في كتبه
وفي الألفيّة جَعَله أولى .
«ويجب كون الساتر طاهراً»
فلو كان نجساً لم تصحّ الصلاة.
«وعُفي عمّا مرّ »
: من ثوب صاحب القروح والجروح بشرطه
وما نجس بدون الدرهم من الدم.
«وعن نجاسة»
ثوب «المربّية
للصبيّ» بل لمطلق الولد وهو مورد النصّ
فكان التعميم أولى «ذات
الثوب الواحد» فلو قدرت على غيره
ولو بشراء أو استئجارٍ أو استعارةٍ لم يُعفَ عنه. واُلحق بها المربّي ، وبه الولد
المتعدّد.
ويشترط نجاسته ببوله خاصّةً ، فلا يُعفى
عن غيره ، كما لا يُعفى عن نجاسة البدن به.
وإنّما أطلق المصنّف نجاسة المربّية من
غير أن يُقيِّد ب «الثوب»
لأنّ الكلام في الساتر. وأمّا التقييد ب «البول» فهو مورد النصّ ، ولكن المصنّف
أطلق النجاسة
____________________
في كتبه كلّها .
«ويجب غَسله كلّ يومٍ مرّةً»
وينبغي كونها آخر النهار لتصلّي فيه أربع صلوات متقاربة بطهارةٍ أو نجاسةٍ خفيفة.
«و»
كذا عُفي «عمّا
يُتعذّر إزالته ، فيُصلّي فيه للضرورة»
ولا يتعيّن عليه الصلاة عارياً ، خلافاً للمشهور.
«والأقرب تخيير المختار»
وهو الذي لا يضطرّ إلى لبسه لبردٍ وغيره «بينه»
أي بين أن يُصلّي فيه صلاةً تامّة الأفعال «وبين الصلاة عارياً ، فيومئ للركوع
والسجود» كغيره من العُراة قائماً مع أمن
المُطّلع ، وجالساً مع عدمه. والأفضل الصلاة فيه مراعاةً للتماميّة وتقديماً لفوات
الوصف على فوات أصل الستر ، ولولا الإجماع على جواز الصلاة فيه عارياً ـ بل الشهرة
بتعيّنه ـ لكان القول بتعيّن الصلاة فيه متوجّهاً.
أمّا المضطر إلى لبسه فلا شبهة في وجوب
صلاته فيه.
«ويجب كونه»
أي الساتر «غير
مغصوبٍ» مع العلم بالغصب.
«وغير جلدٍ وصوفٍ وشَعرٍ»
ووَبرٍ «من
غير المأكول ، إلّاالخزّ»
وهو دابّةٌ ذات أربع
تُصاد من الماء ، ذكاتها كذكاة السمك ، وهي معتبرةٌ في جلده لا وَبَره إجماعاً «والسَّنْجاب»
مع تذكيته لأنّه ذو نفس. قال المصنّف في الذكرى : وقد اشتهر بين التجّار
والمسافرين أنّه غير مذكّى ، ولا عبرة بذلك ، حملاً لتصرّف
____________________
المسلمين على ما هو
الأغلب .
«وغير ميتةٍ»
فيما يقبل الحياة كالجلد. أمّا ما لا يقبلها ـ كالشعر والصوف ـ فتصحّ الصلاة فيه
من ميّتٍ إذا أخذه جزّاً ، أو غَسَل موضَع الاتّصال.
«وغيرَ الحرير»
المحض أو الممتزج على وجهٍ يستهلك الخليط لقلّته «للرجل والخنثى»
واُستثني منه ما لا يتمّ الصلاة فيه ، كالتِكّة
والقَلَنْسُوَة وما يُجعل منه في أطراف الثوب ونحوها ممّا لا يزيد عن أربع أصابع
مضمومة. أمّا الافتراش له فلا يُعدّ لُبساً كالتدثّر به والتوسّد والركوب عليه.
«ويسقط ستر الرأس»
وهو الرقبة فما فوقها «عن
الأمة المحضة» التي لم ينعتق منها
شيء وإن كانت مدبّرة أو مكاتبةً مشروطة أو مطلقةً لم تؤدّ شيئاً أو اُمّ ولدٍ ،
ولو انعتق منها شيءٌ فكالحرّة «والصبيّة»
التي لم تبلغ ، فتصحّ صلاتُها تمريناً مكشوفة الرأس.
«ولا تجوز الصلاة في ما يستر ظهر القدم
إلّامع الساق» بحيث يُغطّي شيئاً
منه فوق المَفْصِل على المشهور. ومستند المنع
ضعيف جدّاً والقول بالجواز قويٌّ متين.
«وتستحبّ :»
الصلاةُ «في»
النعل «العربيّة»
للتأسّي .
____________________
«وترك السود * عدا العِمامة والكساء
والخُفّ» فلا يُكره الصلاة فيها سُوداً وإن كان
البياض أفضل مطلقاً.
«وترك»
الثوب «الرقيق»
الذي لا يحكي البدن ، وإلّا لم تصحّ.
«واشتمالُ الصمّاء»
والمشهور أنّه الالتحاف بالإزار وإدخال طرفيه تحت يده وجمعهما على منكب واحد.
«ويكره : ترك التحنّك **»
وهو إدارة جزءٍ من العمامة تحت الحَنَك «مطلقاً»
للإمام وغيره بقرينة القيد في الرداء. ويمكن أن يريد بالإطلاق تركه في أيّ حالٍ
كان وإن لم يكن مصلّياً؛ لإطلاق النصوص باستحبابه والتحذير من تركه ، كقول الصادق
عليه السلام : «من تعمّم ولم يتحنّك فأصابه داءٌ لا دواء له فلا يلومنَّ إلّا نفسه»
حتّى ذهب الصدوق إلى
عدم جواز تركه في الصلاة .
«وتركُ الرداء»
وهو ثوب أو ما يقوم مقامه يُجعل على المنكبين ثمّ يُردّ ما على الأيسر على الأيمن «للإمام»
أمّا غيره من المصلّين فيستحبّ له الرداء ، ولكن لا يكره تركه بل يكون خلافُ
الأولى.
«والنقاب للمرأة واللثام لهما»
أي للرجل والمرأة. وإنّما يكرهان إذا لم يمنعا شيئاً من واجبات القراءة «فإن منعا القراءة
حَرُما» وفي حكمها الأذكار الواجبة.
____________________
«وتكره»
الصلاة «في
ثوب المتَّهم بالنجاسة أو الغصب*»
في لباسه «وفي»
الثوب «ذي
التماثيل» أعمّ من كونها مثال حيوان أو
غيره «أو
خاتمٍ فيه صورة» حيوان ، ويمكن أن
يريد بها ما يعمّ المثال ، وغايَرَ بينهما تفنّناً ، والأوّل أوفق للمغايرة «أو قباءٍ مشدودٍ في
غير الحرب» على المشهور.
قال الشيخ : ذكره عليّ بن بابويه
وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم أجد به خبراً مسنداً .
قال المصنّف في الذكرى ـ بعد حكاية قول
الشيخ ـ : قلت : قد روى العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال : «لا يصلّي
أحدُكم وهو مُحزَّم»
وهو كنايةٌ عن شدّ الوسط. وظاهر استدراكه لذكر الحديث جعله دليلاً على كراهة
القباء المشدود. وهو بعيد.
ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شدّ
الوسط ويمكن الاكتفاء في
دليل الكراهة بمثل هذه الرواية.
____________________
«الرابع : المكان»
الذي يُصلّى فيه
والمراد به هنا : ما يشغله من الحيِّز
أو يعتمد عليه ولو بواسطةٍ أو وسائط.
«ويجب كونه غير مغصوب»
للمصلّي ولو جاهلاً بحكمه الشرعي أو الوضعي ـ لا بأصله ـ أو ناسياً له أو لأصله ،
على ما يقتضيه إطلاق العبارة. وفي الأخيرين للمصنّف رحمه الله قولٌ آخر بالصحّة
وثالث بها في خارج الوقت خاصّة
ومثله القول في اللباس.
واحترزنا بكون المصلّي هو الغاصب عمّا
لو كان غيره ، فإنّ الصلاة فيه بإذن المالك صحيحةٌ في المشهور
كلّ ذلك مع الاختيار ، أمّا مع الاضطرار ـ كالمحبوس فيه ـ فلا منع.
«خالياً من نجاسة متعدّية»
إلى المصلّي أو محمولِه الذي يُشترط طهارته على وجهٍ يمنع من الصلاة ، فلو لم
تتعدّ أو تعدّت على وجهٍ يُعفى عنه ـ كقليل الدم ـ أو إلى ما لا يتمّ الصلاة فيه
لم يضرّ.
____________________
«طاهِرَ * المسجَد»
بفتح الجيم ، وهو القدر المعتبر منه في السجود مطلقاً .
«والأفضل المسجِد»
لغير المرأة أو مطلقاً بناءً على إطلاق المسجِد على بيتها بالنسبة إليها كما
ينبِّه عليه.
«وتتفاوت»
المساجد «في
الفضيلة» بحسب تفاوتها في ذاتها أو عوارضها ،
ككثير الجماعة.
«فالمسجد الحرام بمئة ألف صلاة»
ومنه الكعبة وزوائده الحادثة وإن كان غيرهما أفضل ، فإنّ القدر المشترك بينها فضله
بذلك العدد وإن اختصّ الأفضل بأمرٍ آخر لا تقدير فيه ، كما يختصّ بعض المساجد
المشتركة في وصفٍ بفضيلةٍ زائدة عمّا اشترك فيه مع غيره.
«والنبويّ»
بالمدينة «بعشرة
آلاف **» صلاة ، وحكم زيادته الحادثة كما مرّ.
«وكلٌّ من مسجد الكوفة والأقصى»
سُمّي به بالإضافة إلى بُعده عن المسجد الحرام «بألف»
صلاة.
«و»
المسجد «الجامع»
في البلد للجمعة أو الجماعة وإن تعدّد «بمئة».
____________________
«و»
مسجد «القبيلة»
كالمحلّة في البلد «بخمس
وعشرين».
«و»
مسجد «السوق
باثنتي عشرة».
«ومسجد المرأة بيتها»
بمعنى أنّ صلاتها فيه أفضل من خروجها إلى المسجد ، أو بمعنى كون صلاتها فيه
كالمسجد في الفضيلة ، فلا تفتقر إلى طلبها بالخروج. وهل هو كمسجدٍ مطلقٍ أو كما
تريد الخروج إليه فيختلف بحسبه؟ الظاهر الثاني.
«ويُستحبّ اتّخاذ المساجد استحباباً
مؤكّداً» فمن بنى مسجداً بنى اللّٰه له
بيتاً في الجنة
وزيد في بعض الأخبار : «كمفحص
قطاة»
وهو كمقعد الموضع الذي تكشفه القطاة وتليّنه بجؤجؤها لتبيض فيه ، والتشبيه به
مبالغةٌ في الصغر بناءً على الاكتفاء برسمه حيث يمكن الانتفاع به في أقلّ مراتبه
وان لم يُعمل له حائطٌ ونحوه.
قال أبو عبيدة الحذّاء ـ راوي الحديث ـ
: مرّ بي أبو عبد اللّٰه عليه السلام في طريق مكّة وقد سوّيت أحجارَ المسجد
فقلت : جعلت فداك! نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ فقال : نعم .
ويُستحبّ اتّخاذها «مكشوفة»
ولو بعضها ، للاحتياج إلى السقف في أكثر البلاد لدفع الحرّ والبرد «والميضاة»
وهي المطهرة
للحدث والخبث
____________________
«على بابها»
لافي وسطها على تقدير سبق إعدادها على المسجديّة ، وإلّا حرم في الخبثيّة مطلقاً
والحدثيّة إن أضرّت بها «والمنارة
مع حائطها» لا في وسطها مع تقدّمها على المسجديّة
كذلك ، وإلّا حرم. ويمكن شمول «كونها
مع الحائط» استحباب أن لا تعلو عليه ، فإنّها إذا
فارقته بالعلوّ فقد خرجت عن المعيّة ، وهو مكروه.
«وتقديمُ الداخل»
إليها «يمينه
والخارج» منها «يساره»
عكس الخلاء ، تشريفاً لليُمنى فيهما.
«وتعاهدُ نعله»
وما يصحبه من عصا وشبهه ، وهو استعلام حاله عند باب المسجد احتياطاً للطهارة ، «والتعهّد»
أفصح من «التعاهد»
لأنّه يكون بين اثنين ، والمصنّف تبع الرواية .
«والدعاءُ فيهما»
أي الدخول والخروج بالمنقول وغيره.
«وصلاةُ التحيّة قبلَ جلوسه»
وأقلّها ركعتان ، وتتكرّر بتكرّر الدخول ولو عن قربٍ ، وتتأدّى بسنّةٍ غيرها
وفريضةٍ وإن لم ينوها معها؛ لأنّ المقصود بالتحيّة أن لا تنتهك حرمة المسجد
بالجلوس بغير صلاةٍ وقد حصل ، وإن كان الأفضل عدم التداخل.
وتكره إذا دخل والإمام في مكتوبةٍ أو
والصلاة تقام أو قَرُب إقامتها بحيث لا يفرغ منها قبله ، فإن لم يكن متطهّراً أو
كان له عذر مانع عنها فليذكر اللّٰه تعالى.
وتحيّةُ المسجد الحرام الطواف ، كما أنّ
تحيّة الحَرَم الإحرام ، ومِنى الرمي.
____________________
«ويحرم : زَخْرَفَتُها»
وهو نقشها بالزُخرُف وهو الذهب ، أو مطلق النقش كما اختاره المصنّف في الذكرى
وفي الدروس أطلق الحكم بكراهة الزخرفة والتصوير ثمّ جعل تحريمهما قولاً
وفي البيان حرّم النقش والزخرفة والتصوير بما فيه روح
وظاهر الزَخْرَفَة هنا النقش بالذهب. فيصير أقوال المصنّف بحسب كتبه ، وهو غريب
منه.
«و»
كذا يحرم «نقشها
بالصور*» ذوات الأرواح دون غيرها ، وهو لازمٌ
من تحريم النقش مطلقاً لا من غيره ، وهو قرينةٌ اُخرى على إرادة الزخرفة بالمعنى
الأوّل خاصّة ، وهذا هو الأجود. ولا ريب في تحريم تصوير ذي الروح في غير المساجد
ففيها أولى ، أمّا تصوير غيره فلا.
«وتنجيسُها»
وتنجيسُ آلاتها كفرشها ، لا مطلق إدخال النجاسة إليها في الأقوى.
«وإخراجُ الحصى منها»
إن كانت فرشاً أو جزءاً منها ، أمّا لو كانت قمامةً استُحبّ إخراجها ، ومثلها
التراب ، ومتى اُخرجت على وجه التحريم «فتعاد»
وجوباً إليها أو إلى غيرها من المساجد حيث يجوز نقلُ آلاتها إليه ومالُها ، لغناء
الأوّل أو أولويّة الثاني.
«ويُكره : تعليتها»
بل تُبنى وسطاً عرفاً.
«والبُصاق فيها»
والتنخّم ونحوه ، وكفّارته دفنه.
____________________
«ورفع الصوت»
المتجاوزُ للمعتاد ولو في قراءة القرآن «وقتلُ القَمْل *»
فيُدفن لو فُعِل.
«وبريُ النَّبْل ، و»
هو داخلٌ في «عمل
الصنائع **» وخَصّه لتخصيصه في
الخبر فتتأكّد كراهته.
«وتمكينُ المجانين والصبيان»
منها مع عدم الوثوق بطهارتهم أو كونهم غير مميِّزين ، أمّا الصبيّ المميِّز
الموثوق بطهارته المحافظ على أداء الصلوات فلا يُكره تمكينه ، بل ينبغي تمرينه كما
يمرّن على الصلاة.
«وإنفاذُ الأحكام»
إمّا مطلقاً ـ وفعل عليٍّ عليه السلام له بمسجد الكوفة
خارجٌ ـ أو مخصوص بما فيه جدال وخصومة أو بالدائم لا ما يتّفق نادراً ، أو بما
يكون الجلوس فيه لأجلها لا بما إذا كان لأجل العبادة فاتّفقت الدعوى ، لما في
إنفاذها حينئذٍ من المسارعة المأمور بها. وعلى أحدها يُحمل فعل عليٍّ عليه السلام
، ولعلّه بالأخير أنسب ، إلّاأنّ دكّة القضاء به لا تخلو من منافرةٍ للمحامل.
«وتعريفُ الضوالّ ***»
إنشاداً ونشداناً
والجمع بين وظيفتي تعريفها في المجامع وكراهتها في المساجد فعله خارجَ الباب.
____________________
«وإنشاد الشعر»
لنهي النبيّ صلى الله عليه وآله عنه وأمره بأن يقال للمنشد : «فَضَّ اللّٰه
فاك»
ورُوي نفي البأس عنه
وهو غير منافٍ للكراهة.
قال المصنّف في الذكرى : ليس ببعيد حمل
إباحة إنشاد الشعر على ما يقلّ منه وتكثر منفعته ، كبيت حكمةٍ أو شاهدٍ على لغةٍ
في كتاب اللّٰه تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وشبهه؛ لأنّه من
المعلوم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يُنشد بين يديه البيت والأبيات من
الشعر في المسجد ولم يُنكر ذلك
وألحق به بعضُ الأصحاب
ما كان منه موعظةً أو مدحاً للنبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام أو
مرثيةً للحسين عليه السلام ونحو ذلك؛ لأنّه عبادة لا تنافي الغرض المقصود من
المساجد. وليس ببعيد. ونهي النبيّ صلى الله عليه وآله محمولٌ على الغالب من أشعار
العرب الخارجة عن هذه الأساليب.
«والكلام فيها بأحاديث الدنيا»
للنهي عن ذلك
ومنافاته لوضعها فإنّها وُضعت للعبادة.
«وتُكره الصلاة في الحمام»
وهو البيت المخصوص الذي يُغتسَل فيه لا المَسْلخ وغيره من بيوته وسطحه. نعم ،
تُكره في بيت ناره من جهة النار ، لا من حيث الحمّام.
«وبيوت الغائط»
للنهي عنه
ولأنّ الملائكة لا تدخل بيتاً يُبال فيه
____________________
ولو في إناءٍ
فهذا أولى.
«و»
بيوت «النار»
وهي المُعدّة لإضرامها فيها كالأ تُّون
والفُرن
لا ما وُجد فيه نارٌ مع عدم إعداده لها ، كالمسكن إذا اُوقدت فيه وإن كثر.
«و»
بيوت «المجوس»
للخبر ولعدم انفكاكها عن
النجاسة وتزول الكراهة برشّه.
«والمَعطن»
بكسر الطاء واحد المعاطن ، وهي مَبارك الإ بل عند الماء للشرب.
«ومجرى الماء»
وهو المكان المُعدّ لجريانه وإن لم يكن فيه ماء.
«والسَبِخة»
بفتح الباء واحدة السِباخ ، وهي الشيء الذي يعلو الأرض كالملح ، أو بكسرها وهي
الأرض ذات السباخ.
«وقُرى النمل»
جمع قرية ، وهي مجتمع ترابها حول
جُحرتها.
«و»
في نفس «الثلج
اختياراً» مع تمكّن الأعضاء ، أمّا [بدونه]
فلا مع الاختيار.
«وبين المقابر»
وإليها ولو قبراً «إلّابحائلٍ
ولو عنَزَةً» بالتحريك ـ وهي
العصا في أسفلها حديد ـ مركوزةً أو معترضةً «أو بُعد عشرة أذرع»
____________________
ولو كانت القبور
خَلفه أو مع أحد جانبيه فلا كراهة.
«وفي الطريق»
سواء كانت مشغولةً بالمارّة أم فارغةً إن لم يُعطّلها ، وإلّا حرم.
«و»
في «بيت
فيه مجوسيٌّ» وإن لم يكن البيت
له.
«وإلى نارٍ مُضرمة»
أي مُوقدة ولو سراجاً أو قنديلاً. وفي الرواية كراهة الصلاة إلى المجمرة من غير
اعتبار الإضرام
وهو كذلك ، وبه عبّر المصنّف في غير الكتاب .
«أو»
إلى «تصاوير»
ولو في الوسادة ، وتزول الكراهة بسترها بثوبٍ ونحوه «أو مصحفٍ أو بابٍ مفتوحين»
سواء في ذلك القارئ وغيره ، نعم يشترط الإ بصار ، واُلحق به التوجّه إلى كلّ شاغلٍ
من نقش وكتابة ، ولا بأس به.
«أو وجه إنسان»
في المشهور فيه وفي الباب المفتوح ولا نصّ عليهما ظاهراً ، وقد يُعلّل بحصول
التشاغل به «أو
حائط يَنِزُّ من بالوعةٍ»
يُبال فيها ، ولو نَزّ بالغائط فأولى ، وفي إلحاق غيره من النجاسات وجهٌ.
«وفي مرابض* الدوابّ»
جمع مَرْبَض وهو مأواها ومقرُّها ولو عند الشرب «إلّا»
مرابض «الغنم»
فلا بأس بها
للرواية معلّلاً بأ نّها سكينة وبركة .
____________________
«ولا بأس بالبِيعَة والكنيسة
مع
عدم النجاسة» نعم ، يُستحبّ رَشّ
موضع صلاته منها وتركه حتى يجفّ.
وهل يشترط في جواز دخولها إذن أربابها؟
احتمله المصنّف في الذكرى
تبعاً لغرض الواقف وعملاً بالقرينة ، وفيه قوّة. ووجه العدم إطلاق الأخبار بالإذن
في الصلاة بها .
«ويُكره تقديم المرأة على الرجل أو
محاذاتها له» في حالة صلاتهما
من دون حائلٍ أو بُعد عشرة أذرع «على»
القول «الأصحّ»
والقول الآخر التحريم وبطلان صلاتهما مطلقاً ، أو مع الاقتران وإلّا المتأخّرة عن
تكبيرة الإحرام
ولا فرق بين المحرَم والأجنبيّة ، والمقتدية والمنفردة ، والصلاة الواجبة
والمندوبة.
«ويزول»
المنع كراهةً وتحريماً «بالحائل»
المانع من نظر أحدهما الآخر ولو ظلمةً وفقد بصر في قولٍ
لا تغميض الصحيح عينيه في الأصحّ «أو
____________________
بُعد
* عشرة أذرع» بين موقفيهما .
«ولو حاذى سجودها قَدَمه فلا منع»
والمرويّ في الجواز كونها تُصلّي خلفه
وظاهره تأخّرها في جميع الأحوال عنه بحيث لا يحاذي جزءٌ منها جزءاً منه ، وبه عبّر
بعضُ الأصحاب
وهو أجود.
«ويُراعى في مسجَد الجبهة»
وهو القدر المعتبر منه في السجود ، لا محلّ جميع الجبهة أن يكون من «الأرض أو نباتها غير **
المأكول والملبوس عادةً» بالفعل أو بالقوّة
القريبة منه بحيث يكون من جنسه ، فلا يقدح في المنع توقّف المأكول على طحنٍ وخبزٍ
وطبخٍ ، والملبوس على غزلٍ ونسجٍ وغيرها
ولو خرج عنه بعد أن كان منه كقشر اللوز ونحوه
ارتفع المنع ، لخروجه عن الجنسيّة. ولو اعتيد أحدهما في بعض البلاد دون بعض
فالأقوى عموم التحريم. نعم ، لا يقدح النادر كأكل المخمصة
والعقاقير المتّخذة للدواء من نباتٍ لا يغلب أكله.
«ولا يجوز»
السجود «على
المعادن» لخروجها عن اسم الأرض بالاستحالة ،
ومثلها الرماد وإن كان منها. وأمّا الخَزَف فيبنى على خروجه
____________________
بالاستحالة عنها ،
فمن حكم بطُهره لزمه القول بالمنع من السجود عليه؛ للاتّفاق على المنع ممّا خرج
عنها بالاستحالة وتعليل من حكم بطهره بها ، ولكن لمّا كان القول بالاستحالة بذلك
ضعيفاً كان جواز السجود عليه قويّاً.
«ويجوز»
السجود «على
القِرطاس» في الجملة إجماعاً؛ للنصّ الصحيح
الدالّ عليه
وبه خرج عن أصله المقتضي لعدم جواز السجود عليه؛ لأنّه مركّب من جزأين لا يصحّ
السجود عليهما ، وهما : النورة وما مازجها من القطن والكتّان وغيرهما ، فلا مجال
للتوقّف فيه في الجملة.
والمصنّف هنا خصّه بالقرطاس «المتّخذ من النبات»
كالقطن والكتّان والقنَّب
، فلو اتّخذ من الحرير لم يصحّ السجود عليه.
وهذا إنّما يُبنى على القول باشتراط كون
هذه الأشياء ممّا لا يلبس بالفعل حتى يكون المتّخذ منها غير ممنوع ، أو كونه غير
مغزولٍ أصلاً إن جوّزناه فيما دون المغزول ، وكلاهما ممّا
لا يقول به المصنّف. وأمّا إخراج الحرير فظاهر على هذا؛ لأنّه لا يصحّ السجود عليه
بحال.
وهذا الشرط على تقدير جواز السجود على
هذه الأشياء ليس بواضح؛ لأ نّه تقييد لمطلق النصّ أو تخصيص لعامّه من غير فائدة؛
لأنّ ذلك لا يُزيله عن حكم مخالفة الأصل ، فإنّ أجزاء النورة المُنبثّة فيه بحيث
لا يُتميّز من جوهر الخليط جزءٌ يتمّ عليه السجود كافيةٌ في المنع ، فلا يفيده ما
يخالطها من الأجزاء التي يصحّ السجود عليها منفردة.
____________________
وفي الذكرى جوّز السجود عليه إن اتّخذ
من القنّب ، واستظهر المنع من المتّخذ من الحرير ، وبنى المتّخذ من القطن والكتّان
على جواز السجود عليهما .
ويُشكل تجويزه القنّب على أصله ، لحكمه
فيها بكونه ملبوساً في بعض البلاد
وأنّ ذلك يوجب عموم التحريم.
وقال فيها أيضاً : في النفس من القرطاس
شيءٌ ، من حيث اشتماله على النورة المستحيلة
عن اسم الأرض بالإحراق.
قال : إلّاأن نقول : الغالب جوهر
القرطاس أو نقول : جمود النورة يردّ إليها اسم الأرض .
وهذا الإ يراد متّجه لو لا خروج القرطاس
بالنصّ الصحيح
وعمل الأصحاب. وما دَفَع به الإشكال غيرُ واضحٍ؛ فإنّ أغلبيّة المُسوِّغ لا يكفي
مع امتزاجه بغيره وانبثاث أجزائهما بحيث لا يُتميّز ، وكون جمود النورة يردّ إليها
اسم الأرض في غاية الضعف.
وعلى قوله رحمه الله لو شكّ في جنس
المتّخذ منه ـ كما هو الأغلب ـ لم يصحّ السجود عليه؛ للشكّ في حصول شرط الصحّة ،
وبهذا ينسدّ باب السجود عليه غالباً ، وهو غير مسموعٍ في مقابل النصّ وعمل
الأصحاب.
«ويكره»
السجود على «المكتوب»
منه مع ملاقاة الجبهة لما يقع عليه اسم السجود خالياً من الكتابة. وبعضهم لم يعتبر
ذلك بناءً على كون
المداد عَرَضاً لا يحول بين الجبهة وجوهر القرطاس. وضعفه ظاهر.
____________________
«الشرط الخامس :
طهارة البدن من الحدث والخبث»
«وقد سبق» بيان
حكمها مفصّلاً .
«الشرط السادس : ترك
الكلام» في أثناء الصلاة
وهو ـ على ما اختاره المصنّف
والجماعة
ـ : ما تُركّب من حرفين فصاعداً وإن لم يكن كلاماً لغةً ولا اصطلاحاً.
وفي حكمه الحرف الواحد المفيد ـ كالأمر
من الأفعال المعتلّة الطرفين ، مثل «ق» من الوقاية ، و «ع» من الوعاية؛ لاشتماله
على مقصود الكلام وإن أخطأ بحذف هاء السكت ـ وحرفُ المدّ؛ لاشتماله على حرفين
فصاعداً.
ويُشكل : بأنّ النصوص خاليةٌ عن هذا
الإطلاق ، فلا أقلّ من أن يرجع فيه إلى الكلام لغةً أو اصطلاحاً. وحرف المدّ وإن
أطال مدَّه بحيث يكون
بقدر أحرفٍ لا يخرج عن كونه حرفاً واحداً في نفسه ، فإنّ المدّ ـ على ما حقّقوه
ـ
____________________
ليس بحرفٍ ولا حركةٍ
، وإنّما هو زيادةٌ في مطّ
الحرف والنفَس به ، وذلك لا يُلحقه بالكلام.
والعجب! أنّهم جزموا بالحكم الأوّل مطلقاً
، وتوقّفوا في الحرف المُفهم من حيث كون المبطل الحرفين فصاعداً ، مع أنّه كلامٌ
لغةً واصطلاحاً.
وفي اشتراط كون الحرفين موضوعين لمعنىً
وجهان ، وقطع المصنّف بعدم اعتباره
وتظهر الفائدة في الحرفين الحادثين من التنحنح ونحوه. وقطع العلّامة بكونهما
حينئذٍ غير مبطلين ، محتجّاً بأ نّهما ليسا من جنس الكلام
وهو حسن.
واعلم أنّ في جعل هذه التروك من الشرائط
تجوّزاً ظاهراً ، فإنّ الشرط يعتبر كونه متقدّماً على المشروط و
مقارناً له ، والأمر هنا ليس كذلك.
«و»
ترك «الفعل
الكثير عادة» وهو ما يخرج به
فاعلُه عن كونه مصلّياً عرفاً. ولا عبرة بالعدد ، فقد يكون الكثير فيه قليلاً
كحركة الأصابع ، والقليل فيه كثيراً كالوَثْبَة الفاحشة.
ويعتبر فيه التوالي ، فلو تفرّق بحيث
حصلت الكثرة في جميع الصلاة ولم يتحقّق الوصف في المجتمع منها لم يضرّ ، ومن هنا
كان النبيّ صلى الله عليه وآله يحمل اُمامة ـ وهي ابنة ابنته
ـ ويضعها كلّما سجد ثمّ يحملها إذا قام .
ولا يقدح القليلُ ، كلُبس العمامة
والرداء ومسح الجبهة وقتلِ الحيّة
____________________
والعقرب ، وهما
منصوصان .
«وترك السكوت الطويل»
المخرج عن كونه مصلّياً «عادة»
ولو خرج به عن كونه قارئاً بطلت القراءة خاصّة.
«وترك البكاء»
بالمدّ ، وهو ما اشتمل منه على صوتٍ ، لا مجرّد خروج الدمع. مع احتماله؛ لأنّه «البكا»
مقصوراً ، والشكّ في كون الوارد منه في النصّ
مقصوراً أو ممدوداً ، وأصالة عدم المدّ معارضٌ بأصالة صحّة الصلاة ، فيبقى الشكّ
في عروض المبطل مقتضياً لبقاء حكم الصحّة.
وإنّما يشترط ترك البكاء «للدنيا *»
كذهاب مالٍ وفقد محبوب وإن وقع على وجهٍ قهريٍّ في وجهٍ
واحترز بها عن الآخرة ، فإنّ البكاء لها ـ كذكر الجنّة والنار ودرجات المقرّبين
إلى حضرته ودركات المبعدين عن رحمته ـ من أفضل الأعمال
ولو خرج منه حينئذٍ حرفان فكما سلف.
«وترك القهقهة»
وهي الضحك المشتمل على الصوت وإن لم يكن فيه ترجيعٌ ولا شدّة. ويكفي فيها وفي
البكاء مسمّاهما ، فمن ثَمّ أطلق. ولو وقعت على وجهٍ لا يمكن دفعه ففيه وجهان.
واستقرب المصنّف في الذكرى البطلان .
«والتطبيق»
وهو وضع إحدى الراحتين على الاُخرى راكعاً بين ركبتيه؛
____________________
لما روي من النهي عنه
والمستند ضعيف ،
والمنافاة به من حيث الفعل منتفية ، فالقول بالجواز أقوى ، وعليه المصنّف في
الذكرى .
«والكتف»
وهو وضع إحدى اليدين على الاُخرى بحائلٍ وغيره فوق السُرّة وتحتها بالكفّ عليه
وعلى الزَّنْد؛ لإطلاق النهي عن التكفير
الشامل لجميع ذلك «إلّالتقيّةٍ»
فيجوز منه ما تأدّت به ، بل يجب ـ وإن كان عندهم سنّة ـ مع ظنّ الضرر بتركها ، لكن
لا تبطل الصلاة بتركها حينئذٍ لو خالف؛ لتعلّق النهي بأمرٍ خارج ، بخلاف المخالفة
في غسل الوضوء بالمسح.
«والالتفات إلى ما وراءه»
إن كان ببدنه أجمع ، وكذا بوجهه عند المصنّف
وإن كان الفرض بعيداً. أمّا إلى ما
دون ذلك ـ كاليمين واليسار ـ فيكره بالوجه ويبطل بالبدن عمداً من حيث الانحراف عن
القبلة.
«والأكل والشرب»
وإن كان قليلاً كاللقمة ، إمّا لمنافاتهما وضع الصلاة ، أو لأنّ تناول المأكول
والمشروب ووضعه في الفم وازدراده
أفعال كثيرة. وكلاهما ضعيف؛ إذ لا دليل على أصل المنافاة. فالأقوى اعتبار الكثرة
فيهما عرفاً ، فيرجعان إلى الفعل الكثير ، وهو اختيار المصنّف في كتبه الثلاثة
«إلّافي
____________________
الوتر
لمريد الصوم *» وهو عطشان «فيشرب»
إذا لم يستدع منافياً غيره وخاف فجأة الصبح قبل إكمال غرضه منه ، ولا فرق فيه بين
الواجب والندب.
واعلم أنّ هذه المذكورات أجمع إنّما
تنافي الصلاة مع تعمّدها عند المصنِّف مطلقاً ، وبعضها إجماعاً
وإنّما لم يقيّد هنا اكتفاءً باشتراطه تركها ، فإنّ ذلك يقتضي التكليف به المتوقّف
على الذكر؛ لأنّ الناسي غير مكلَّف ابتداءً .
نعم ، الفعل الكثير ربّما توقّف المصنّف
في تقييده ب «العمد» لأنّه أطلقه في البيان
ونسب التقييد في الذكرى إلى الأصحاب
وفي الدروس إلى المشهور
وفي الرسالة الألفيّة جعله من قسم المنافي مطلقاً
ولا يخلو إطلاقه هنا من دلالةٍ على القيد إلحاقاً له بالباقي. نعم ، لو استلزم
الفعل الكثير ناسياً انمحاء صورة الصلاة رأساً توجّه البطلان أيضاً ، لكنّ الأصحاب
أطلقوا الحكم.
«الشرط السابع :
الإسلام»
«فلا تصحّ العبادة»
مطلقاً ـ فتدخل الصلاة ـ «من
الكافر» مطلقاً وإن كان مرتدّاً ملّيّاً أو
فطريّاً «وإن
وجبت عليه» كما هو قول الأكثر ، خلافاً
____________________
لأبي حنيفة حيث زعم أنّه
غير مكلَّفٍ بالفروع فلا يعاقب على تركها
وتحقيق المسألة في الاُصول .
«والتمييز»
بأن يكون له قوّةٌ يمكنه بها معرفة أفعال الصلاة ليميِّز الشرطَ من الفعل ، ويقصد
بسببه فعل العبادة ، «فلا
تصحّ من المجنون والمغمى عليه و»
الصبيّ «غير
المميِّز لأفعالها» بحيث يُفرِّق
بين ما هو شرطٌ فيها وغير شرط ، وما هو واجبٌ وغير واجب إذا نُبّه عليه.
«ويُمرَّن الصبيّ»
على الصلاة «لستّ»
وفي البيان لسبع
وكلاهما مرويّ
ويُضرب عليها لتسعٍ
ورُوي لعشرٍ
ويتخيّر بين نيّة الوجوب والندب. والمراد ب «التمرين» التعويد على أفعال
المكلّفين ليعتادها قبل البلوغ فلا يشقّ عليه بعده.
____________________
«الفصل الثالث»
«في كيفيّة الصلاة»
«ويستحبّ»
قبلَ الشروع في الصلاة «الأذان
والإقامة» وإنّما
جعلهما من الكيفيّة خلافاً للمشهور ـ من جعلهما من المقدّمات ـ نظراً إلى مقارنة
الإقامة لها غالباً ، لبطلانها بالكلام ونحوه بينها وبين الصلاة ، وكونِها أحدَ
الجزأين ، فكانا كالجزء المقارن ، كما دخلت النيّة فيها مع أنّها خارجةٌ عنها
متقدّمةٌ عليها على التحقيق.
وكيفيّتهما «بأن ينويهما»
أوّلاً لأنّهما عبادة ، فتفتقر في الثواب عليها
إلى النيّة ، إلّاما شذّ
«ويُكبِّر
أربعاً في أوّل الأذان ، ثم التشهّدان»
بالتوحيد والرسالة «ثمّ
الحيّعلات الثلاث ، ثم التكبير ، ثمّ التهليل ، مثنى *»
مثنى ، فهذه
____________________
ثمانية عشر فصلاً.
«والإقامة مثنى»
في جميع فصولها ، وهي فصول الأذان إلّاما يخرجه
«ويزيد
بعد «حيّ على خير العمل»
«قد
قامت الصلاة» مرّتين ، ويُهلِّل في
آخرها مرّة» واحدة. ففصولها
سبعة عشر ، تنقص عن الأذان ثلاثة ، ويزيد اثنين. فهذه جملة الفصول المنقولة شرعاً.
«ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه»
الفصول «في
الأذان والإقامة ، كالتشهّد بالولاية»
لعليّ عليه السلام «وأنّ
محمّداً وآله خيرُ البريّة»
أو خير البشر «وإن
كان الواقع كذلك» فما كلّ واقعٍ
حقّاً يجوز إدخاله في العبادات الموظّفة شرعاً المحدودة من اللّٰه تعالى ،
فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعاً ، كما لو زاد في الصلاة ركعةً أو تشهّداً
ونحو ذلك من العبادات. وبالجملة ، فذلك من أحكام الإ يمان ، لا من فصول الأذان.
قال الصدوق : إنّ إدخال ذلك فيه من وضع
المفوِّضة
وهم طائفة من الغُلاة. ولو فعل هذه الزيادة أو أحدها بنيّة أنّه منه أثم في
اعتقاده ، ولا يبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقاد ذلك لا حرج. وفي المبسوط أطلق عدم
الإثم به
ومثله المصنّف في البيان .
«واستحبابهما»
ثابتٌ «في
الخمس» اليوميّة خاصّةً ، دون غيرها من
الصلوات وإن كانت واجبة ، بل يقول المؤذِّن للواجب منها : «الصلاة»
ثلاثاً بنصب
____________________
الأوّلين أو رفعهما أو
بالتفريق
«أداءً
وقضاءً ، للمنفرد والجامع».
«وقيل»
والقائل به المرتضى والشيخان «يجبان
في الجماعة»
لا بمعنى اشتراطهما في الصحّة ، بل في ثواب الجماعة ، على ما صرّح به الشيخ في
المبسوط
، وكذا فسّره به المصنّف في الدروس عنهم
مطلقاً .
«ويتأكّدان في الجهريّة ، وخصوصاً الغداة
* والمغرب» بل أوجبهما فيهما الحسنُ مطلقاً
والمرتضى فيهما على الرجال وأضاف إليهما الجمعة
ومثله ابن الجنيد
وأضاف الأوّل الإقامة مطلقاً ، والثاني هي على الرجال مطلقاً .
____________________
«ويستحبّان للنساء سرّاً»
ويجوزان جهراً إذا لم يسمع الأجانبُ من الرجال ، ويُعتدّ بأذانهنّ لغيرهنّ.
«ولو نسيهما»
المصلّي ولم يذكر حتّى افتتح الصلاة «تداركهما ما لم يركع»
في الأصحّ ، وقيل : يرجع العامد دون الناسي
، ويرجع أيضاً للإقامة لو نسيها لا للأذان وحده.
«ويسقطان عن الجماعة الثانية»
إذا حضرت لتصلّي في مكانٍ فوجدت جماعةً اُخرى قد أذّنت وأقامت وأتمّت الصلاة «ما لم تتفرّق الاُولى»
بأن يبقى منها ولو واحداً مُعقِّباً ، فلو لم يبق منها أحدٌ كذلك ـ وإن لم يتفرّق
بالأبدان ـ لم يسقطا عن الثانية. وكذا يسقطان عن المنفرد بطريقٍ أولى. ولو كان
السابق منفرداً لم يسقطا عن الثاني
مطلقاً.
ويشترط اتّحاد الصلاتين أو الوقت
والمكان عرفاً
وفي اشتراط كونه مسجداً وجهان ، وظاهر الإطلاق عدم الاشتراط ، وهو الذي اختاره
المصنّف في الذكرى .
ويظهر من فحوى الأخبار
أنّ الحكمة في ذلك مراعاة جانب الإمام السابق في عدم تصوير الثانية بصورة الجماعة
ومزاياها. ولا يشترط العلم بأذان
____________________
الاُولى وإقامتها ،
بل عدم العلم بإهمالها لهما ، مع احتمال السقوط عن الثانية مطلقاً ، عملاً بإطلاق
النصّ ومراعاة الحكمة.
«ويسقط الأذان في عصرَي عرفة»
لمن كان بها «والجمعة
، وعشاء» ليلة «المزدلفة»
وهي المشعر. والحكمة فيه ـ مع النصّ
ـ استحباب الجمع بين الصلاتين ، والأصل في الأذان الإعلام ، فمن حضر الاُولى صلّى
الثانية فكانتا كالصلاة الواحدة.
وكذا يسقط في الثانية عن كلّ جامعٍ ولو
جوازاً. والأذان لصاحبة الوقت ، فإن جمع في وقت الاُولى أذّن لها وأقام ثمّ أقام
للثانية. وإن جمع في وقت الثانية أذّن أوّلاً بنيّة الثانية ثم أقام للاُولى ثم
للثانية.
وهل سقوطه في هذه المواضع رخصة فيجوز
الأذان ، أم عزيمة فلا يُشرع؟ وجهان :
من أنّه عبادةٌ توقيفيّةٌ ولا نصّ عليه
هنا بخصوصه والعموم مخصَّصٌ بفعل النبيّ صلى الله عليه وآله فإنّه جمع بين الظهرين
والعشاءين بغير
مانع بأذان وإقامتين
وكذا في تلك المواضع. والظاهر أنّه لمكان الجمع لا لخصوصيّة البقعة.
ومن أنّه ذكرٌ للّٰهتعالى فلا
وجه لسقوطه أصلاً ، بل تخفيفاً ورخصةً.
ويشكل بمنع كونه بجميع فصوله ذكراً ،
وبأنّ الكلام في خصوصيّة العبادة لا في مطلق الذكر.
____________________
وقد صرّح جماعةٌ من الأصحاب ـ منهم
العلّامة
ـ بتحريمه في الثلاثة الاُوَل ، وأطلق الباقون سقوطَه مع مطلق الجمع.
واختلف كلام المصنّف رحمه الله ففي الذكرى
توقّف في كراهته في الثلاثة
استناداً إلى عدم وقوفه فيه على نصٍّ ولا فتوى ، ثمّ حكم بنفي الكراهة وجزم
بانتفاء التحريم فيها وببقاء الاستحباب في الجمع بغيرها مؤوِّلاً الساقطَ بأ نّه
أذان الإعلام وأنّ الباقي أذان الذكر والإعظام
وفي الدروس قريب من ذلك ، فإنّه قال : ربّما قيل بكراهته في الثلاثة وبالغ من قال
بالتحريم
وفي البيان : الأقرب أنّ الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيّته
وتوقّف في غيرها .
والظاهر التحريم فيما لا إجماع على
استحبابه منها؛ لما ذكرناه. وأمّا تقسيم الأذان إلى القسمين فأضعف؛ لأنّه عبادةٌ
خاصّةٌ أصلُها الإعلام ، وبعضها ذكرٌ وبعضها غير ذكر ، وتأدّي وظيفته بإ يقاعه
سرّاً ينافي اعتبار أصله ، والحيّعلات تُنافي ذكريّته ، بل هو قسمٌ ثالث وسنّة
متّبعة ، ولم يوقعها الشارع في هذه المواضع ، فيكون بدعةً. نعم ، قد يُقال : إنّ
مطلق البدعة ليس بمحرَّم ، بل ربّما قسّمها بعضهم إلى الأحكام الخمسة
ومع ذلك لا يثبت الجواز.
____________________
«ويستحبّ : رفع الصوت بهما للرجل»
بل لمطلق الذكر ، أمّا الاُنثى فتُسِرّ بهما كما تقدّم
وكذا الخنثى.
«والترتيل فيه»
ببيان حروفه وإطالة وقوفه من غير استعجال.
«والحَدْرُ»
وهو الإسراع «فيها»
بتقصير الوقف على كلّ فصل لا تركه؛ لكراهة إعرابهما ، حتّى لو ترك الوقف أصلاً
فالتسكين أولى من الإعراب ، فإنّه لغة عربيّة والإعراب مرغوب عنه شرعاً ، ولو أعرب
حينئذٍ ترك الأفضل ولم تبطل. أمّا اللحن ففي بطلانهما به وجهان .
ويتّجه البطلان لو غيّر المعنى كنصب «رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله» ؛
لعدم تماميّة الجملة به بفوات المشهود به لغةً وإن قصده؛ إذ لا يكفي قصد العبادة
اللفظيّة عن لفظها.
«و»
المؤذِّن «الراتب
يقف على مرتفع» ليكون أبلغ في رفع
الصوت وإ بلاغه المصلّين ، وغيره يقتصر عنه مراعاةً لجانبه ، حتّى يكره سبقه به ما
لم يُفرِط بالتأخير.
«واستقبال القبلة»
في جميع الفصول خصوصاً الإقامة. ويكره الالتفات ببعض فصوله يميناً وشمالاً وإن كان
على المنارة عندنا .
____________________
«والفصل بينهما بركعتين»
ولو من الراتبة «أو
سجدةٍ أو جلسةٍ» والنصّ ورد بالجلوس
ويمكن دخول السجدة
فيه فإنّها جلوس وزيادة
مع اشتمالها على مزيّةٍ زائدة «أو
خُطوةٍ» ولم يجد بها المصنّف في الذكرى حديثاً
لكنّها مشهورة «أو سَكتَةٍ»
وهي مرويّةٌ في المغرب خاصّةً
ونسبها في الذكرى إلى كلام الأصحاب مع السجدة والخطوة
وقد ورد النصّ بالفصل بتسبيحة
فلو ذكرها كان حسناً.
«ويختصّ المغرب بالأخيرتين *»
الخُطوة والسكتة ، أمّا السكتة فمرويّةٌ فيه
وأمّا الخطوة فكما تقدّم. وروي فيه الجلسة وأ نّه إذا فعلها كان كالمُتشحّط بدمه
في سبيل اللّٰه
فكان ذكرها أولى.
«ويكره الكلام في خلالهما»
خصوصاً الإقامة ، ولا يعيده به ما لم يخرج
عن الموالاة. ويعيدها به مطلقاً على ما أفتى به المصنّف
____________________
وغيره
والنصّ ورد بإعادتها بالكلام بعدها .
«ويستحبّ الطهارة»
حالتهما ، وفي الإقامة آكدُ ، وليست شرطاً فيهما عندنا من الحدثين. نعم ، لو أوقعه
في المسجد بالأكبر لغا؛ للنهي
المفسد للعبادة.
«والحكاية لغير المؤذِّن»
إذا سمع كما يقول المؤذِّن وإن كان في الصلاة ، إلّا الحيّعلات فيها فيُبدلها
بالحوقلة
ولو حكاها بطلت
لأنّها ليست ذكراً ، وكذا يجوز إبدالها في غيرها. ووقت حكاية الفصل بعد فراغ
المؤذِّن منه أو معه. وليقطع الكلام إذا سمعه غير الحكاية وإن كان قرآناً.
ولو دخل المسجد أخّر التحيّة إلى الفراغ
منه [«ويكره
الترجيع»] .
«ثمّ يجب القيام» حالة
النيّة والتكبير والقراءة. وإنّما قدّمه على النيّة والتكبير مع أنّه لا يجب
قبلهما؛ لكونه شرطاً فيهما والشرط مقدّمٌ على المشروط. وقد أخّره المصنّف عنهما في
الذكرى والدروس
نظراً إلى ذلك وليتمحّض جزءاً من الصلاة ، وفي الألفيّة أخّره عن القراءة
ليجعله واجباً في الثلاثة ، ولكلٍّ وجهٌ «مستقلاً *»
به غير مستندٍ إلى شيءٍ بحيث لو اُزيل السِّناد سقط «مع المكنة».
____________________
«فإن عجز»
عن الاستقلال في الجميع «ففي
البعض» ويستند فيما يعجز عنه.
«فإن عجز»
عن الاستقلال أصلاً «اعتمد»
على شيءٍ مقدِّماً على القعود ، فيجب تحصيل ما يعتمد عليه ولو باُجرةٍ مع الإمكان.
«فإن عجز»
عنه ولو بالاعتماد أو قدر عليه ولكن عجز عن تحصيله «قعد»
مستقلّاً كما مرّ ، فإن عجز اعتمد.
«فإن عجز اضطجع»
على جانبه الأيمن ، فإن عجر فعلى الأيسر. هذا هو الأقوى ومختاره في كتبه الثلاثة
ويفهم منه هنا التخيير ، وهو قولٌ
ويجب الاستقبال حينئذٍ بوجهه.
«فإن عجز»
عنهما «استلقى»
على ظهره وجعل باطنَ قدميه إلى القبلة ووجهَه بحيث لو جلس كان مستقبلاً كالمُحتضَر.
والمراد ب «العجز»
في هذه المراتب حصول مشقّةٍ كثيرة لا تُتحمّل عادةً ، سواء نشأ منها زيادة مرضٍ أو
حدوثُه أو بُطءُ برئه أو مجرّد المشقّة البالغة ، لا العجز الكلّي.
«ويُومئ للركوع والسجود بالرأس»
إن عجز عنهما. ويجب تقريب الجبهة إلى ما يصحّ السجود عليه أو تقريبه إليها
والاعتماد بها عليه ووضع باقي المساجد معتمداً ، وبدونه لو تعذّر الاعتماد. وهذه
الأحكام آتيةٌ في جميع المراتب السابقة. وحيث يُومئ لهما برأسه يزيد السجود انخفاضاً
مع الإمكان.
____________________
«فإن عجز»
عن الإ يماء به «غمّض
عينيه لهما *» مُزيداً للسجود
تغميضاً «وفتَحَهما»
بالفتح «لرفعهما»
وإن لم يكن مُبصراً مع إمكان الفتح قاصداً بالأبدال تلك الأفعال ، وإلّا أجرى الأفعال
على قلبه ، كلّ واحدٍ في محلّه ، والأذكارَ على لسانه ، وإلّا أخطرها بالبال.
ويلحق البدلَ حكمُ المبدل في الركنيّة
زيادةً ونقصاناً مع القصد ، وقيل : مطلقاً .
«والنيّة» وهي
القصد إلى الصلاة المعيّنة ، ولمّا كان القصد متوقّفاً على تعيين المقصود بوجهٍ ليمكن
توجّه القصد إليه اعتُبر فيها إحضارُ ذاتِ الصلاة وصفاتِها المميّزة لها حيث تكون
مشتركة ، والقصدُ إلى هذا المعيَّن مُتقرّباً.
ويلزم من ذلك كونُها «معيّنة الفرض **»
من ظهرٍ أو عصرٍ أو غيرهما «والأداء»
إن كان فَعَلها في وقتها «أو
القضاء» إن كان في غير وقتها «والوجوب»
والظاهر أنّ المراد به المجعول غايةً؛ لأنّ قصد الفرض يستدعي تميّز
الواجب. مع احتمال أن يريد به الواجب المميِّز ، ويكون الفرض إشارةً إلى نوع
الصلاة؛ لأنّ الفرض قد يراد به ذلك ، إلّاأ نّه غير مصطلح شرعاً ، ولقد كان أولى
بناءً على أنّ الوجوب الغائي لا دليل على وجوبه ، كما نبّه عليه المصنّف
____________________
في الذكرى
ولكنّه مشهوريٌّ ، فجرى عليه هنا «أو الندب»
إن كان مندوباً ، إمّا بالعارض كالمعادة لئلّا ينافي الفرض الأوّل؛ إذ يكفي في
إطلاق الفرض عليه حينئذٍ كونه كذلك بالأصل ، أو ما هو أعمّ بأن يراد بالفرض أوّلاً
ما هو أعمّ من الواجب ، كما ذكر في الاحتمال ، وهذا
قرينةٌ اُخرى عليه.
وهذه الاُمور كلّها مميّزاتٌ للفعل
المنويّ ، لا أجزاءٌ للنيّة؛ لأنّها أمرٌ واحدٌ بسيط وهو القصد ، وإنّما التركيب
في متعلّقه ومعروضه ، وهو الصلاة الواجبة أو المندوبة المؤدّاة أو المقضاة.
وعلى اعتبار الوجوب المعلَّل يكون آخر
المميِّزات ما قبل الواجب
ويكون قصده لوجوبه إشارةً إلى ما يقوله المتكلّمون : من أنّه يجب فعل الواجب
لوجوبه أو ندبه أو لوجههما من الشكر أو اللطف أو الأمر أو المركّب منها أو من
بعضها على اختلاف الآراء
ووجوب ذلك أمر مرغوبٌ عنه؛ إذ لم يحقّقه المحقّقون ، فكيف يُكلَّف به غيرهم!
«والقربة»
وهي غاية الفعل المتعبَّد به ،
قرب الشرف لا الزمان والمكان؛ لتنزّهه تعالى عنهما. وآثرها لورودها كثيراً في
الكتاب
والسنّة
____________________
ولو جَعَلها
للّٰهتعالى كفى.
وقد تلخّص من ذلك : أنّ المعتبر في
النيّة أن يحضر بباله مثلاً صلاةَ الظهر الواجبة المؤدّاة ، ويقصد فعلها
للّٰهتعالى. وهذا أمرٌ سهل وتكليفٌ يسير ، قلّ أن ينفكّ عن ذهن المكلّف عند
إرادته الصلاة ، وكذا غيرها. وتجشّمها زيادةً على ذلك وسواسٌ شيطاني ، قد اُمرنا
بالاستعاذة منه والبُعد عنه .
«وتكبيرة الإحرام» نسبت
إليه؛ لأنّ بها يحصل الدخول في الصلاة ويحرم ما كان محلّلاً قبلها من الكلام
وغيره.
ويجب التلفّظ بها باللفظ المشهور «بالعربيّة»
تأسّياً بصاحب الشرع ـ عليه الصلاة والسلام ـ حيث فَعَل كذلك وأمرنا
بالتأسّي به .
«و»
كذا تعتبر العربيّة في «سائر
الأذكار الواجبة» أمّا المندوبة
فيصحّ بها وبغيرها في أشهر القولين .
هذا مع القدرة عليها ، أمّا مع العجز
وضيق الوقت عن التعلّم فيأتي بها حَسَب ما يعرفه من اللغات ، فإن تعدّد
تخيّر مراعياً ما اشتملت عليه من المعنى ،
____________________
ومنه الأفضليّة .
«وتجب المقارنة للنيّة»
بحيث يُكبِّر عند حضور القصد المذكور بالبال من غير أن يتخلّل بينهما زمانٌ وإن
قلَّ على المشهور
والمعتبر حضور القصد عند أوّل جزءٍ من التكبير ، وهو المفهوم من المقارنة بينهما
في عبارة المصنّف ، لكنّه في غيره اعتبر استمراره إلى آخره إلّامع العسر
والأوّل أقوى.
«واستدامة حكمها»
بمعنى أن لا يحدث نيّة تنافيها ولو في بعض مميّزات المنويّ «إلى الفراغ»
من الصلاة ، فلو نوى الخروج منها ولو في ثاني الحال قبلَه أو فَعَل بعضَ المنافيات
كذلك أو الرياء ولو ببعض
الأفعال ونحو ذلك بطلت.
«وقراءة الحمد وسورة كاملة» في
أشهر القولين
«إلّامع
الضرورة» كضيق وقتٍ وحاجةٍ يضرّ فوتُها وجهالةٍ
لها مع العجز عن التعلّم ، فتسقط السورة من غير تعويضٍ عنها.
هذا «في»
الركعتين «الأوّلتين»
سواء لم يكن غيرهما كالثنائيّة أم كان
____________________
كغيرها «ويجزي في غيرهما»
من الركعات «الحمد
وحدها أو التسبيح» بالأربع المشهورة «أربعاً»
بأن يقولها مرّةً «أو
تسعاً» بإسقاط التكبير من الثلاث على ما دلّت
عليه رواية حَريز
«أو
عشراً» بإثباته في الأخيرة «أو اثني عشر *»
بتكرير الأربع ثلاثاً.
ووجه الاجتزاء بالجميع ورودُ النصّ
الصحيح بها
ولا يقدح إسقاط التكبير في الثاني؛ لذلك ولقيام غيره مقامه وزيادة.
وحيث تأدّى
الواجب بالأربع جاز ترك الزائد ، فيُحتمل كونه مستحبّاً نظراً إلى ذلك ، وواجباً
مخيَّراً التفاتاً إلى أنّه أحد أفراد الواجب وجواز تركه إلى بدل وهو الأربع وإن
كان جزؤه
كالركعتين والأربع في مواضع التخيير. وظاهر النصّ
والفتوى : الوجوب ، وبه صرّح المصنّف في الذكرى
وهو ظاهر
____________________
العبارة هنا.
وعليه فلو شرع في الزائد عن مرتبةٍ فهل
يجب عليه البلوغ إلى اُخرى؟ يحتمله؛ قضيّة للوجوب وإن جاز تركه قبل الشروع ،
والتخيير ثابتٌ قبل الشروع فيوقعه على وجهه أو يتركه حذراً من تغيير
الهيئة الواجبة. ووجهُ العدم : أصالةُ عدم وجوب الإكمال ، فينصرف إلى كونه ذكراً
للّٰهتعالى إن لم يبلغ فرداً آخر.
«والحمد»
في غير الاُوليين «أولى»
من التسبيح مطلقاً؛ لرواية محمّد بن حكيم عن أبي الحسن عليه السلام
وروي أفضليّة التسبيح مطلقاً
ولغير الإمام
وتساويهما
وبحسبها اختلفت الأقوال
واختلف اختيار المصنّف ، فهنا رجّح القراءة مطلقاً ، وفي الدروس للإمام والتسبيح
للمنفرد
وفي البيان جعلهما له سواء
وتردّد في الذكرى
والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من تعسّف.
____________________
«ويجب الجهر»
بالقراءة على المشهور
«في
الصبح واُوليي * العشاءين والإخفات في البواقي»
للرجل.
والحقّ أنّ الجهر والإخفات كيفيّتان
متضادّتان مطلقاً ، لا يجتمعان في مادّة ، فأقلّ الجهر : أن يسمعه من قرب منه
صحيحاً مع اشتمالها على الصوت الموجب لتسميته جهراً عرفاً ، وأكثره : أن لا يبلغ
العُلوّ المفرط. وأقلّ السرّ : أن يسمع نفسه خاصّةً صحيحاً أو تقديراً ، وأكثره :
أن لا يبلغ أقلّ الجهر.
«ولا جهر على المرأة»
وجوباً ، بل تتخيّر بينه وبين السرّ في مواضعه إذا لم يسمعها من يحرم استماعه
صوتها. والسرّ أفضل لها مطلقاً.
«ويتخيّر الخنثى»
بينهما في موضع الجهر إن لم يسمعها الأجنبيّ ، وإلّا تعيّن الإخفات. وربّما قيل :
بوجوب الجهر عليها مراعيةً عدم سماع الأجنبيّ مع الإمكان ، وإلّا وجب الإخفات
وهو أحوط.
«ثمّ الترتيل»
للقراءة ، وهو لغةً : الترسّل فيها والتبيين بغير بَغْي
وشرعاً ـ قال في الذكرى ـ : هو حفظ الوقوف وأداء الحروف
وهو المرويّ عن ابن عبّاس
وقريب منه عن عليّ عليه السلام ، إلّاأ نّه قال : «وبيان الحروف»
بدل
____________________
«أدائها» «والوقوفُ»
على مواضعه ، وهي : ما تمّ لفظه ومعناه أو أحدهما ، والأفضل : التامّ
ثمّ الحسن
ثمّ الكافي
على ما هو مقرّر في محلّه
ولقد كان يُغني عنه ذكر الترتيل على ما فسّره به المصنّف
فالجمع بينهما تأكيد. نعم ، يحسن الجمع بينهما لو فُسِّر الترتيلُ بأ نّه : «تبيين
الحروف من غير مبالغة» كما فسّره به في المعتبر والمنتهى
أو «بيان الحروف وإظهارُها من غير مَدٍّ يشبه الغناء» كما فسّره به في النهاية
وهو الموافق لتعريف أهل اللغة
«وتعمّد
الإعراب»
إمّا بإظهار حركاته وبيانها بياناً شافياً بحيث لا يندمج بعضها في بعض إلى حدٍّ لا
يبلغ حدّ المنع ، أو بأن لا يكثر الوقوف الموجب للسكون خصوصاً في الموضع المرجوح ،
ومثلُه حركة البناء. «وسؤال
الرحمة والتعوّذ من النقمة»
عند آيتيهما «مستحبٌّ»
خبرُ «الترتيل»
وما عُطف عليه. وعَطَفها ب «ثمّ»
____________________
الدالّ
على التراخي؛ لما بين الواجب والندب من التغاير.
«وكذا»
يُستحبّ «تطويل
السورة في الصبح» ك «هل أتىٰ»
و «عمَّ» لا مطلق التطويل «وتوسّطها
في الظهر والعشاء» ك «هل أتاك» و «الأعلى»
كذلك «وقصرُها في العصر
والمغرب» بما دون ذلك.
وإنّما أطلق ولم يخصّ التفصيل بسُوَر
المفصَّل؛ لعدم النصّ على تعيّنه
بخصوصه عندنا ، وإنّما الوارد في نصوصنا هذه السور وأمثالها
لكنّ المصنّف
وغيره قيّدوا الأقسام
بالمفصَّل ، والمراد به : ما بعد «محمّد» أو «الفتح» أو «الحجرات» أو «الصفّ» أو «الصافّات»
إلى آخر القرآن. وفي مبدئه أقوالٌ اُخر
أشهرها الأوّل. سُمّي مفصَّلاً؛ لكثرة فواصله بالبسملة بالإضافة إلى باقي القرآن ،
أو لما فيه من الحُكم المفصَّل؛ لعدم المنسوخ منه.
«و»
كذا يُستحبّ قصر السورة «مع
خوف الضيق» بل قد يجب.
«واختيار «هل أتىٰ»
و «هل
أتاك» في صبح الاثنين ، و» صبح «الخميس»
فمن قرأهما في اليومين وقاه اللّٰه شرّهما .
____________________
«و»
سورة «الجمعة
والمنافقين في ظهريها وجمعتها»
على طريق الاستخدام
وروي أنّ «من
تركهما فيها متعمّداً فلا صلاة له»
حتّى قيل بوجوب
قراءتهما في الجمعة وظهرها
لذلك وحُملت الرواية على تأكّد الاستحباب جمعاً .
«والجمعة والتوحيد في صبحها»
وقيل : الجمعة والمنافقين
وهو مرويٌّ أيضاً .
«والجمعة والأعلى في عشاءيها»
المغرب والعشاء. ورُوي في المغرب : الجمعة والتوحيد
ولا مشاحّة في ذلك؛ لأنّه مقام استحباب.
«وتحرم»
قراءة «العزيمة
في الفريضة» على أشهر القولين
فتبطل
____________________
بمجرّد الشروع فيها
عمداً؛ للنهي
ولو شرع فيها ساهياً عدل عنها وإن تجاوز نصفها ما لم يتجاوز موضَع السجود ومعه ،
ففي العدول أو كمالها والاجتزاء بها مع قضاء السجود بعدها وجهان ، في الثاني قوّة
ومال المصنّف في الذكرى إلى الأوّل .
واحترز ب «الفريضة»
عن النافلة ، فيجوز قراءتها فيها ، ويسجد لها في محلّه. وكذا لو استمع فيها إلى
قارئٍ أو سمع على أجود القولين .
ويحرم استماعها في الفريضة ، فإن فعل أو
سمع اتّفاقاً وقلنا بوجوبه له أومَأ لها وقضاها بعد الصلاة. ولو صلّى مع مخالفٍ
تقيّةً فقرأها تابعه في السجود ولم يعتدّ بها على الأقوى. والقائل بجوازها منّا لا
يقول بالسجود لها في الصلاة ، فلا منع من الاقتداء به من هذه الجهة ، بل من حيث
فعله ما يعتقد المأموم الإ بطال به.
«ويستحبّ الجهرُ»
بالقراءة «في
نوافل الليل ، والسرُّ في»
نوافل «النهار»
وكذا قيل في غيرها من الفرائض
بمعنى استحباب الجهر بالليلية منها والسرّ في نظيرها نهاراً كالكسوفين. أمّا ما لا
نظير له فالجهر مطلقاً ، كالجمعة
____________________
والعيد
والزلزلة. والأقوى في الكسوفين ذلك؛ لعدم اختصاص الخسوف بالليل.
«وجاهل الحمد يجب عليه التعلّم»
مع إمكانه وسعة الوقت «فإن
ضاق الوقتُ قرأ ما يحسن منها»
أي من الحمد. هذا إذا سُمّي قرآناً ، فإن لم يُسمّ لقلّته فهو كالجاهل بها أجمع.
وهل يقتصر عليه أو يعوّض عن الفائت؟
ظاهر العبارة : الأوّل ، والدروس : الثاني
وهو الأشهر.
ثمّ إن لم يعلم غيرَها من القرآن كرّر
ما يعلمه بقدر الفائت ، وإن علم ففي التعويض منها أو منه قولان
مأخذهما : كون الأبعاض أقربَ إليها ، وأنّ الشيء الواحد لا يكون أصلاً وبدلاً.
وعلى التقديرين فيجب مساواته له في الحروف ، وقيل : في الآيات
والأوّل أشهر.
ويجب مراعاة الترتيب بين البدل والمبدل
، فإن علم الأوّل أخّر البدل ، أو الآخر قدّمه ، أو الطرفين وسّطه ، أو الوسطَ
حفّه به ، وهكذا ...
ولو أمكنه الائتمام قدّم على ذلك؛ لأنّه
في حكم القراءة التامّة
ومثله
____________________
ما لو أمكن متابعة
قارى ٍ أو القراءة من المُصحف ، بل قيل بإجزائه اختياراً
والأولى اختصاصه بالنافلة.
«فإن لم يحسن»
شيئاً منها «قرأ
من غيرها بقدرها» أي بقدر الحمد
حروفاً ، وحروفها مئة وخمسة وخمسون حرفاً بالبسملة ، إلّالمن قرأ «مالك»
فإنّها تزيد حرفاً ، ويجوز الاقتصار على الأقلّ. ثم قرأ السورة إن كان يُحسن سورةً
تامّةً ولو بتكرارها عنهما مراعياً في البدل المساواة.
«فإن تعذّر»
ذلك كلّه ولم يحسن شيئاً من القراءة «ذكر اللّٰه تعالى بقدرها»
أي بقدر الحمد خاصّةً. أمّا السورة فساقطةٌ كما مرّ .
وهل يجتزى بمطلق الذكر أم يعتبر الواجب
في الأخيرتين؟ قولان ، اختار ثانيهما المصنّف في الذكرى
لثبوت بدليّته عنها في الجملة. وقيل : يُجزئ مطلق الذكر وإن لم يكن بقدرها
عملاً بمطلق الأمر
والأوّل أولى.
ولو لم يحسن الذكر ، قيل : وقف بقدرها
لأنّه كان يلزمه عند القدرة على القراءة قيامٌ وقراءةٌ ، فإذا فات أحدهما بقي
الآخر. وهو حسن.
____________________
«والضحى وألم نشرح سورةٌ»
واحدة «والفيل
ولإ يلاف سورةٌ» في المشهور
فلو قرأ إحداهما في ركعة وجبت الاُخرى على الترتيب. والأخبار خاليةٌ من الدلالة
على وحدتهما ، وإنّما دلّت على عدم إجزاء إحداهما
وفي بعضها تصريحٌ بالتعدّد مع الحكم المذكور
والحكم من حيث الصلاة واحدٌ ، وإنّما تظهر الفائدة في غيرها.
«وتجب البسملة بينهما»
على التقديرين في الأصحّ
لثبوتها بينهما تواتراً ، وكِتْبَتِها
في المصحف المجرَّد عن غير القرآن حتّى النُقَط
والإعراب ، ولا ينافي ذلك الوحدة لو سلّمت كما في سورة النمل .
«ثمّ يجب الركوع منحنياً إلى أن تصل
كفّاه» معاً
«ركبتيه»
فلا يكفي وصولهما بغير انحناءٍ كالانخناس
مع إخراج الركبتين ، أو بهما. والمراد بوصولهما بلوغهما قدراً لو أراد إيصالهما
وصلتا؛ إذ لا يجب الملاصقة. والمعتبر
____________________
وصول جزء من باطنه
لاجميعه ، ولا رؤوس الأصابع «مطمئنّاً»
فيه بحيث تستقرّ الأعضاء «بقدر
واجب الذكر» مع الإمكان.
«و»
الذكر الواجب «هو
«سبحان ربّي العظيم وبحمده»
أو «سبحان
اللّٰه» ثلاثاً» للمختار «أو مطلق الذكر
للمضطرّ» وقيل : يكفي المطلق مطلقاً
وهو أقوى؛ لدلالة الأخبار الصحيحة عليه
وما ورد في غيرها مُعّيناً
غير منافٍ له؛ لأنّه بعض أفراد الواجب الكلّي تخييراً ، وبه يحصل الجمع بينهما
بخلاف ما لو قيّدناه ، وعلى تقدير تعيّنه فلفظ «وبحمده»
واجبٌ أيضاً تخييراً لا عيناً؛ لخُلُوّ كثيرٍ من الأخبار عنه
ومثله القول في التسبيحة الكبرى مع كون بعضها ذكراً تامّاً.
ومعنى «سبحان ربّي»
تنزيهاً له عن النقائص ، وهو منصوبٌ على المصدر بمحذوفٍ من جنسه ، ومتعلّق الجارّ
في «وبحمده»
هو العامل المحذوف ، والتقدير : سبَّحتُ اللّٰه تسبيحاً وسبحاناً وسبّحته
بحمده ، أو بمعنى : والحمد له ، نظير (مٰا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
بِمَجْنُونٍ)
أي : والنعمة له.
«ورفع الرأس منه»
فلو هوى من غير رفعٍ بطل مع التعمّد ، واستدرَكَه مع النسيان «مطمئنّاً»
ولا حدّ لها
، بل مسمّاها فما زاد ، بحيث لا يخرج بها عن
____________________
كونه مصلّياً.
«ويُستحبّ : التثليث في الذكر»
الأكبر «فصاعداً»
إلى ما لا يبلغ السأم ، فقد عُدّ على الصادق عليه السلام ستّون تسبيحةً كبرى
إلّاأن يكون إماماً ، فلا يزيد على الثلاث إلّامع حُبّ المأمومين الإطالة. وفي كون
الواجب مع الزيادة على مرّةٍ الجميع أو الأولى ، ما مرّ في تسبيح الأخيرتين.
وأن يكون العدد «وتراً»
خمساً ، أو سبعاً ، أو ما زاد منه. وعَدُّ الستّين لا ينافيه؛ لجواز الزيادة من
غير عدّ ، أو بيان جواز المزدوج.
«والدعاءُ أمامَه»
أي أمامَ الذكر بالمنقول ، وهو «اللّهمّ
لك ركعت ... إلخ» .
«وتسويةُ الظَّهر»
حتّى لو صُبَّ عليه ماءٌ
لم يزل لاستوائه.
«ومدُّ العُنُق»
مستحضراً فيه : آمنت بك ولو ضَرَبتَ عُنُقي .
«والتجنيحُ»
بالعضدين والمرفقين بأن يُخرجهما عن ملاصقة جنبيه فاتحاً إبطيه كالجناحين.
«ووضعُ اليدين على»
عيني «الرُّكبتين»
حالةَ الذكر أجمع مالئاً كفّيه منهما «والبَدءةُ»
في الوضع «باليمين»
حالةَ كونهما «مُفرَّجتين»
غيرَ
____________________
مضمومتي الأصابع.
«والتكبيرُ له»
قائماً قبلَ الهُويّ «رافعاً
يديه إلى حِذاء شَحْمَتي اُذُنيه»
كغيره من التكبيرات.
«وقولُ «سمع اللّٰه لمن
حمده» و* «الحمد للّٰهربّ العالمين»»
... «في»
حالة «رفعه»
منه مطمئنّاً. ومعنى «سمع» هنا : «استجاب» تضميناً ، ومن ثَمّ عدّاه ب «اللام» ،
كما عدّاه ب «إلى» في قوله تعالى : (لاٰ
يَسَّمَّعُونَ إِلَى اَلْمَلَإِ اَلْأَعْلىٰ)
لمّا ضمّنه معنى «يُصغون» وإلّا فأصل السماع متعدٍّ بنفسه ، هو خبرٌ معناه الدعاء
، لا ثناء على الحامد.
«ويُكره أن يركع ويداه تحت ثيابه»
بل تكونان بارزتين أو في كُمَّيه ، نسبه المصنِّف في الذكرى إلى الأصحاب
؛ لعدم وقوفه على نصٍّ فيه .
«ثمّ تجب سجدتان ** على الأعضاء السبعة»
: الجبهة والكفّين والركبتين وإ بهامي الرجلين. ويكفي من كلٍّ منها مسمّاه حتى
الجبهة على
____________________
الأقوى. ولا بدّ مع
ذلك من الانحناء إلى ما يساوي موقفه أو يزيد عليه أو ينقص عنه بما لا يزيد عن
مقدار أربع أصابع مضمومةً.
«قائلاً فيهما : «سبحان ربّي الأعلى
وبحمده» أو ما مرّ» من الثلاثة الصغرى
اختياراً ، أو مطلق الذكر اضطراراً ، أو مطلقاً على المختار «مطمئنّاً بقدره»
اختياراً.
«ثمّ رفع رأسه»
بحيث يصير جالساً ، لا مطلق رفعه «مطمئنّاً»
حال الرفع بمسمّاه.
«ويستحبّ : الطُمأنينة»
بضمّ الطاء «عقيبَ»
السجدة «الثانية»
وهي المسمّاة بجلسة الاستراحة ، استحباباً مؤكّداً ، بل قيل بوجوبها .
«والزيادةُ على»
الذكر «الواجب»
بعددٍ وترٍ ، ودونه غيره.
«والدعاءُ»
أمامَ الذكر «اللهمّ
لك سجدت ... الخ» .
«والتكبيرات الأربع»
للسجدتين ، إحداها بعد رفعه من الركوع مطمئنّاً فيه ، وثانيتها بعد رفعه من السجدة
الاُولى جالساً مطمئنّاً ، وثالثتها قبل الهُويّ إلى الثانية كذلك ، ورابعتها بعد
رفعه منه معتدلاً.
«والتخويةُ للرجل»
بل مطلق الذَكَر ، إمّا في الهُويّ إليه بأن يسبق بيديه ثمّ يهوي بركبتيه؛ لما روي
: «أنّ
عليّاً عليه السلام كان إذا سجد يتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر ، يعني بروكه»
أو بمعنى تجافي
الأعضاء حالةَ السجود بأن يجنح
____________________
بمرفقيه ويرفعهما عن
الأرض ولا يفترشهما كافتراش الأسد ، ويُسمّى هذا «تخوية»
لأنّه إلقاء الخُويّ بين الأعضاء. وكلاهما مستحبٌّ للرجل ، دون المرأة ، بل تسبق
في هُويّها بركبتيها وتبدأ بالقعود وتفترش ذراعيها حالتَه لأنّه أستر. وكذا
الخنثى؛ لأنّه أحوط. وفي الذكرى سمّاهما تخوية
كما ذكرناه.
«والتورّك بين السجدتين»
بأن يجلس على وركه الأيسر ويُخرجَ رجليه جميعاً من تحته جاعلاً رجله اليُسرى على
الأرض وظاهرَ قدمِه اليُمنى على باطن اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، هذا في
الذكَر. أمّا الاُنثى فترفع ركبتيها وتضع باطنَ كفّيها على فخذيها مضمومتي
الأصابع.
«ثمّ يجب التشهّد عقيبَ» الركعة
«الثانية»
التي تمامها القيام من السجدة الثانية «و»
كذا يجب «آخر
الصلاة» إذا كانت ثلاثيّةً أو رباعيّةً.
«وهو : أشهد أن لا إله إلّااللّٰه
وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل
محمّد».
وإطلاق التشهّد على ما يشمل الصلاة على
محمّدٍ وآله إمّا تغليبٌ أو حقيقةٌ شرعيّة.
وما اختاره من صيغته أكملُها ، وهي
مجزئة بالإجماع ، إلّاأ نّه غير متعيّنٍ عند المصنّف ، بل يجوز عنده حذف «وحده لا شريك له»
ولفظة «عبده»
مطلقاً ، أو مع إضافة الرسول إلى المُظهَر .
وعلى هذا فما ذكر هنا يجب تخييراً ،
كزيادة التسبيح. ويمكن أن يريد
____________________
انحصاره فيه؛ لدلالة
النصّ الصحيح عليه
وفي البيان تردّد في وجوب ما حذفناه ، ثمّ اختار وجوبه تخييراً .
ويجب التشهّد «جالساً مطمئنّاً
بقدره».
«ويستحبّ التورّك»
حالَته كما مرّ «والزيادة
في الثناء والدعاء» قبلَه وفي أثنائه
وبعده بالمنقول .
«ثم يجب التسليم» على
أجود القولين عنده
وأحوطهما عندنا «وله
عبارتان : السلام علينا وعلى عباد اللّٰه الصالحين ، أو السلام عليكم ورحمة
اللّٰه وبركاته» مخيّراً فيهما «وبأ يّهما بدأ»
كان هو الواجب وخرج به من الصلاة و «استُحبّ الآخر».
أمّا العبارة الاُولى : فعلى الاجتزاء
بها والخروج [بها]
من الصلاة دلّت الأخبار الكثيرة
وأمّا الثانية : فمخرِجةٌ بالإجماع ، نقله المصنّف
____________________
وغيره .
وفي بعض الأخبار تقديم الأوّل مع
التسليم المستحبّ والخروج بالثاني
وعليه المصنّف في الذكرى والبيان .
وأمّا جعل الثاني مستحبّاً كيف كان ـ
كما اختاره المصنّف هنا ـ فليس عليه دليلٌ واضح ، وقد اختلف فيه كلام المصنّف :
فاختاره هنا وهو من
آخر ما صنّفه ، وفي الرسالة الألفيّة وهي من أوّله .
وفي البيان أنكره غاية الإنكار ، فقال ـ
بعد البحث عن الصيغة الاُولى ـ : وأوجبها بعض المتأخّرين وخيّر بينها وبين «السلام
عليكم» وجَعَل الثانية منهما مستحبّة ، وارتكب جواز «السلام علينا وعلى عباد
اللّٰه الصالحين» بعد «السلام عليكم» ولم يُذكر ذلك في خبرٍ ولا مصنّفٍ ، بل
القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلونها مقدّمة عليه .
وفي الذكرى نقل وجوب الصيغتين تخييراً
عن بعض المتأخّرين ، وقال : إنّه قويٌّ متين إلّاأ نّه لا قائل به من القدماء ،
وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقّاً! ثمّ قال : إنّ الاحتياط للدين الإتيان
بالصيغتين جميعاً بادئاً ب «السلام علينا» لا بالعكس ، فإنّه لم يأت به خبرٌ
منقول ولا مصنّفٌ مشهور سوى ما في بعض كتب
____________________
المحقّق. ويعتقد ندبَ
«السلام
علينا» ووجوبَ الصيغة الاُخرى .
وما جعله احتياطاً قد أبطله في الرسالة
الألفيّة ، فقال فيها : إنّ من الواجب جعل المُخرِج ما يقدّمه من إحدى العبارتين ،
فلو جعله الثانية لم يجزئ .
وبعد ذلك كلّه ، فالأقوى الاجتزاء في
الخروج بكلّ واحدة منهما. والمشهور في الأخبار تقديم «السلام علينا ... الخ»
مع التسليم المستحبّ ، إلّاأ نّه ليس احتياطاً كما ذكره في الذكرى؛ لما قد عرفت من
حكمه بخلافه ، فضلاً عن غيره.
«ويُستحبّ فيه التورّك»
كما مرّ.
«وإ يماء المنفرد»
بالتسليم «إلى
القبلة ، ثمّ» يومئ «بمؤخّر عينيه عن
يمينه».
أمّا الأوّل : فلم نقف على مستنده ،
وإنّما النصّ
والفتوى على كونه إلى القبلة بغير إيماءٍ ، وفي الذكرى ادّعى الإجماع على نفي الإ
يماء إلى القبلة بالصيغتين
وقد أثبته هنا وفي الرسالة النفليّة .
وأمّا الثاني : فذكره الشيخ
وتبعه عليه الجماعة
واستدلّوا عليه
____________________
بما لا يفيده .
«والإمامُ»
يومئ «بصفحة
وجهه يميناً» بمعنى أنّه يبتدئ
به إلى القبلة ثمّ يشير بباقيه إلى اليمين بوجهه.
«والمأموم كذلك»
أي يومئ إلى يمينه بصفحة وجهه كالإمام مقتصراً على تسليمةٍ واحدةٍ إن لم يكن على
يساره أحدٌ «وإن
كان على يساره أحدٌ سلّم اُخرى»
بصيغة «السلام
عليكم» «مومئاً»
بوجهه «إلى
يساره» أيضاً. وجعل ابنا بابويه الحائط
كافياً في استحباب التسليمتين للمأموم
والكلام فيه وفي الإ يماء بالصفحة كالإ يماء بمؤخّرِ العين من عدم الدلالة عليه ظاهراً
، لكنّه مشهورٌ بين الأصحاب لا رادّ له.
«وليقصد المصلّي»
بصيغة الخطاب في تسليمه «الأنبياءَ
والملائكةَ والأئمّةَ والمسلمين من الإنس والجنّ»
بأن يُحضرهم بباله ويخاطبهم به ، وإلّا كان تسليمه بصيغة الخطاب لغواً وإن كان
مُخرِجاً عن العهدة.
«و»
يقصد «المأموم»
به مع ما ذكر «الردّ
على الإمام» لأنّه داخلٌ فيمن
حيّاه ، بل يُستحبّ للإمام قصد المأمومين به على الخصوص مضافاً إلى غيرهم. ولو
كانت وظيفة المأموم التسليم مرّتين فليقصد بالاُولى الردّ على الإمام وبالثانية
مقصده.
____________________
«ويُستحبّ السلام المشهور»
قبلَ الواجب ، وهو : السلام عليك أيّها النبيّ ورَحمة اللّٰه وبركاته ،
السلام على أنبياء اللّٰه ورسله ، السلام على جبرئيلَ وميكائيلَ والملائكة
المقرّبين ، السلام على محمّد بن عبد اللّٰه خاتم النبيّين لا نبيَّ بعدَه .
____________________
«الفصل الرابع»
«في باقي مستحبّاتها»
قد ذكر في تضاعيفها
وقبلها جملةً منها ، وبقي جملةٌ اُخرى «وهي»
:
«ترتيل التكبير»
بتبيين حروفه وإظهارها شافياً.
«ورفعُ اليدين به»
إلى حِذاء شَحمتي اُذُنيه «كما
مرّ» في تكبير الركوع ، ولقد كان بيانه في
تكبير الإحرام أولى منه فيه؛ لأنّه أوّلها ، والقول بوجوبه فيه
زيادة «مستقبلَ
القبلة ببطون اليدين» حالةَ الرفع «مجموعةَ الأصابع
مبسوطةَ الإ بهامين» على أشهر القولين ،
وقيل : يضمّهما إليها
____________________
مبتدئاً به عند
ابتداء الرفع وبالوضع عند انتهائه على أصحّ الأقوال .
«والتوجّهُ بستّ تكبيراتٍ»
أوّل الصلاة قبل تكبيرة الإحرام ـ وهو الأفضل ـ أو بعدها أو بالتفريق في كلّ صلاةٍ
فرضٍ أو
نفلٍ على الأقوى ، سرّاً مطلقاً «يُكبِّر ثلاثاً»
منها «ويدعو»
بقوله : «اللّهمّ أنت الملك الحقّ لا إله إلّا أنت ...»
«واثنتين
ويدعو» بقوله : «لبّيك وسعديك ...»
«وواحدةً
ويدعو» بقوله : «يا محسنُ قد أتاك
المسيءُ ...»
ورُوي أنّه يجعل هذا الدعاء قبل التكبيرات
، فلا يدعو بعد السادسة ،
وعليه المصنّف في الذكرى
ـ مع نقله ما هنا ـ والدروس والنفليّة
وفي البيان كما هنا
والكلّ حسنٌ. ورُوي جعلُها ولاءً من غير دعاءٍ بينها
والاقتصار على خمس
وثلاث .
____________________
«ويتوجّه»
أي : يدعو بدعاء التوجّه ، وهو : «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
اَلسَّمٰاوٰاتِ وَاَلْأَرْضَ ... الخ»
«بعد
التحريمة» حيث ما فعلها.
«وتربُّعُ المصلّي قاعداً»
لعجزٍ أو لكونها نافلة ، بأن يجلس على ألييه وينصب ساقيه وركبتيه
كما تجلس المرأة متشهّدةً «حال
قراءته».
«وثَنْيُ رجليه حال ركوعه»
جالساً بأن يَمُدَّهما ويُخرجَهما من ورائه ، رافعاً الييه عن عقبيه ، مُجافياً
فخذيه عن طَيّة رُكبتيه ، منحنياًقدر ما يُحاذي وجهه ما قدّام رُكبتيه.
«وتورُّكُه حالَ تشهّده»
بأن يجلس على وَرِكه الأيسر كما تقدّم ، فإنّه مشترك بين المصلّي قائماً وجالساً.
«والنظر قائماً إلى مسجده»
بغير تحديق
بل خاشعاً به «وراكعاً
إلى ما بين رجليه ، وساجداً إلى»
طرف «أنفه
، ومتشهّداً إلى حِجْره» كلُّ ذلك مرويّ
إلّاالأخير
فذكره الأصحاب
ولم نقف على مستنده. نعم ، هو مانع مند
____________________
النظر إلى ما يشغل
القلبَ ، ففيه مناسبةٌ كغيره.
«ووضعُ اليدين قائماً على فخذيه بحذاء
رُكبتيه ، مضمومة الأصابع»
ومنها الإ بهام «وراكعاً
على عيني ركبتيه ، الأصابع والإ بهام مبسوطة»
هنا «جُمَع»
تأكيدٌ لبسط الإ بهام والأصابع ، وهي مؤنّثة سماعيّة ، فلذلك أكّدها بما يؤكّد به
جمع المؤنّث. وذكر «الإ
بهام» لدفع الإ بهام
وهو تخصيصٌ بعد التعميم؛ لأنّها إحدى الأصابع «وساجداً بحذاء اُذُنيه ، ومتشهّداً
وجالساً» لغيره «على فخذيه كهيئة القيام»
في كونها مضمومة الأصابع بحذاء الركبتين.
«ويستحبّ القنوت»
استحباباً مؤكّداً ، بل قيل بوجوبه
«عقيبَ
قراءة الثانية» في اليوميّة مطلقاً
وفي غيرها ، عدا الجمعة ففيها قنوتان : أحدهما في الاُولى قبلَ الركوع والآخر في
الثانية بعده ، والوتر ففيها قنوتان : قبلَ الركوع وبعدَه. وقيل : يجوز فعل القنوت
مطلقاً قبلَ الركوع وبعده
وهو حسنٌ؛ للخبر
وحملُهُ على التقيّة ضعيفٌ؛ لأنّ العامّة لا يقولون بالتخيير.
وليكن القنوت «بالمرسوم»
على الأفضل ، ويجوز بغيره «وأفضله
كلمات الفرج»
وبعدها «اللّهمّ
اغفر لنا وارحمنا وعافِنا واعفُ عنّا في الدنيا والآخرة إنّك على كلّ شيءٍ قدير»
«وأقلّه سبحان
اللّٰه ثلاثاً أو خمساً».
____________________
ويستحبّ رفعُ اليدين به موازياً لوجهه ،
بطونهما إلى السماء مضمومتي الأصابع إلّاالإ بهامين ، والجهرُ به للإمام والمنفرد
، والسرُّ للمأموم.
ويفعله الناسي قبلَ الركوع بعدَه وإن
قلنا بتعيّنه قبله اختياراً ، فإن لم يذكره حتّى تجاوز قضاه بعد الصلاة جالساً ،
ثمّ في الطريق مستقبلاً. ويتابع المأمومُ إمامَه فيه وإن كان مسبوقاً.
«وليدعُ فيه وفي أحوال الصلاة لدينه
ودُنياه من المباح» والمراد به هنا
مطلق الجائز ، وهو غير الحرام «وتبطل»
الصلاة «لو
سأل المحرَّم» مع علمه بتحريمه وإن
جهل الحكم الوضعي وهو البطلان. أمّا جاهلُ تحريمه ففي عذره وجهان ، أجودهما العدم
، صرّح به في الذكرى
وهو ظاهر الإطلاق هنا.
«والتعقيبُ»
وهو الاشتغال عقيبَ الصلاة بدعاءٍ أو ذكر ، وهو غير منحصر لكثرة ما ورد منه عن أهل
البيت عليهم السلام.
«وأفضله التكبير ثلاثاً رافعاً»
بها يديه إلى حذاء اُذنيه ، واضعاً لهما على ركبتيه أو قريباً منهما مستقبلاً
بباطنهما القبلة.
«ثمّ التهليل بالمرسوم»
وهو : «لا
إله إلّااللّٰه إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ... الخ»
.
«ثمّ تسبيح الزهراء عليها السلام»
وتعقيبها ب «ثمّ»
من حيث الرتبة لا الفضيلة ، وإلّا فهي أفضله مطلقاً ، بل روي أنّها
أفضل من ألف ركعة
____________________
لا تسبيحَ عَقِبَها
، وكيفيّتها أن «يكبّر
أربعاً وثلاثين» مرّة «ويحمّد ثلاثاً
وثلاثين ، ويسبّح ثلاثاً وثلاثين»
.
«ثمّ الدعاء»
بعدَها بالمنقول
ثمّ «بما
سَنَح».
«ثمّ سجدتا الشكر ، ويعفِّر بينهما»
جبينيه وخدّيه الأيمن منهما ثمّ الأيسر ، مفترشاً ذراعيه وصدره وبطنه ، واضعاً
جبهته مكانها حالَ الصلاة ، قائلاً فيهما : «الحمد للّٰهشكراً شكراً»
مئة مرّة ، وفي كلّ عاشرة «شكراً
للمجيب»
ودونَه «شكراً»
مئة وأقلّه «شكراً»
ثلاثاً
«ويدعو»
فيهما وبعدهما «بالمرسوم»
.
____________________
«الفصل الخامس»
«في التروك»
يمكن أن يريد بها ما يجب تركه ، فيكون «الالتفات»
إلى آخر الفصل
مذكوراً بالتبع ، وأن يريد بها ما يُطلب تركه أعمّ من كون الطلب مانعاً من النقيض.
«وهي : ما سلف»
في الشرط السادس .
«والتأمين»
في جميع أحوال الصلاة وإن كان عقيب الحمد أو دعاءً «إلّالتقيّةٍ»
فيجوز حينئذٍ ، بل قد يجب «وتبطل
الصلاة» بفعله لغيرها؛ للنهي عنه
في الأخبار
المقتضي للفساد في العبادة. ولا تبطل بقوله : «اللّهمّ
____________________
استجب» وإن كان
بمعناه ، وبالغ من أبطل به
كما ضعف قولُ من كرّه التأمين
بناءً على أنّه دعاءٌ باستجابة ما يدعو به وأنّ الفاتحة تشتمل على الدعاء ، لا
لأنّ قصد الدعاء بها يوجب استعمال المشترك في معنييه على تقدير قصد الدعاء بالقرآن
، وعدم فائدة التأمين مع انتفاء الأوّل ، وانتفاء القرآن مع انتفاء الثاني
لأنّ قصد الدعاء بالمنزَّل منه قرآناً لا ينافيه ، ولا يوجب الاشتراك؛ لاتّحاد
المعنى ، ولاشتماله على طلب الاستجابة لما يدعو به أعمَّ من الحاضر ، وإنّما الوجه
النهي.
ولا تبطل بتركه في موضع التقيّة؛ لأنّه
خارجٌ عنها. والإ بطال في الفعل مع كونه كذلك؛ لاشتماله على الكلام المنهيّ عنه.
«وكذا تركُ الواجب عمداً»
ركناً كان أم غيره. وفي إطلاق الترك على ترك الترك
ـ الذي هو فعل الضدّ وهو الواجب ـ نوعٌ من التجوّز.
____________________
«أو»
ترك «أحد
الأركان الخمسة ولو سهواً ، وهي : النيّة والقيام والتحريمة والركوع والسجدتان
معاً» أمّا إحداهما فليست ركناً على المشهور
، مع أنّ الركن بهما يكون مركّباً ، وهو يستدعي فواته بفواتها .
واعتذار المصنّف عنه في الذكرى : بأنّ
الركن مسمّى السجود ولا يتحقّق الإخلال به إلّابتركهما معاً
خروجٌ عن المتنازع؛ لموافقته على كونهما معاً هو الركن ، وهو يستلزم الفوات
بإحداهما ، فكيف يدّعي أنّه مسمّاه؟ ومع ذلك يستلزم بطلانها بزيادة واحدة لتحقّق
المسمّى ، ولا قائل به. وبأنّ انتفاء الماهيّة هنا غير مؤثّرٍ مطلقاً وإلّا لكان
الإخلال بعضوٍ من أعضاء السجود مبطلاً بل المؤثّر انتفاؤها رأساً
فيه ما مرّ
والفرق بين الأعضاء غير الجبهة وبينها : بأ نّها واجبات خارجة عن حقيقته ـ كالذكر
والطمأنينة ـ دونها.
ولم يذكر المصنّف حكم زيادة الركن مع
كون المشهور أنّ زيادته على حدّ نقيصته؛ تنبيهاً على فساد الكلّية في طرف الزيادة
، لتخلّفه في مواضع كثيرة لا تبطل بزيادته سهواً ، كالنيّةِ فإنّ زيادتها موكِّدةٌ
لنيابة الاستدامة الحكميّة عنها تخفيفاً ، فإذا حصلت كان أولى ، وهي مع التكبير
فيما لو تبيّن للمحتاط الحاجةُ إليه أو سلّم على نقصٍ وشرع في اُخرى قبل فعل
المنافي مطلقاً
والقيام إن جعلناه
____________________
مطلقاً ركناً كما
أطلقه ، والركوعِ فيما لو سبق به المأمومُ إمامَه سهواً ثمّ عاد إلى المتابعة ،
والسجود فيما لو زاد واحدةً إن جعلنا الركن مسمّاه ، وزيادة جملة الأركان غير
النيّة والتحريمة فيما إذا زاد ركعةً آخر الصلاة وقد جلس بقدر واجب التشهّد أو
أتمّ المسافر ناسياً إلى أن خرج الوقت.
واعلم أنّ الحكم بركنيّة النيّة هو أحد
الأقوال فيها
، وإن كان التحقيق يقتضي كونها بالشرط أشبه.
وأمّا
القيام : فهو ركنٌ في الجملة إجماعاً على ما
نقله العلّامة
ولولاه لأمكن القدح في ركنيّته؛ لأنّ زيادته ونقصانه لا يُبطلان إلّامع اقترانه
بالركوع ، ومعه يُستغنى عن القيام؛ لأنّ الركوع كافٍ في البطلان. وحينئذٍ فالركن
منه إمّا ما اتّصل بالركوع ويكون إسناد الإ بطال إليه بسبب كونه أحدَ المعرّفين له
، أو يُجعل ركناً كيف اتّفق ، وفي موضعٍ لا تبطل بزيادته ونقصانه يكون مستثنىً
كغيره. وعلى الأوّل ليس مجموع القيام المتّصل بالركوع ركناً ، بل الأمر الكلّي
منه؛ ومن ثَمّ لو نسي القراءة أو أبعاضَها لم تبطل الصلاة. أو يُجعل الركن منه ما
اشتمل على ركنٍ كالتحريمة ، ويُجعل من قبيل المعرِّفات السابقة .
وأمّا التحريمة : فهي التكبير المنوّي
به الدخول في الصلاة ، فمرجع ركنيّتها
____________________
إلى القصد؛ لأنّها
ذكر لا تُبطل بمجرّده.
وأمّا الركوع : فلا إشكال في ركنيّته ،
ويتحقّق بالانحناء إلى حدّه ، وما زاد عليه ـ من الطمأنينة والذكر والرفع منه ـ
واجباتٌ زائدةٌ عليه ، ويتفرّع عليه بطلانها بزيادته كذلك وإن لم يصحبه غيره. وفيه
بحث .
وأمّا السجود : ففي تحقّق
ركنيّته ما قد عرفته.
«وكذا الحدث»
المبطل للطهارة من جملة التروك التي يجب اجتنابها. ولا فرق في بطلان الصلاة به بين
وقوعه عمداً وسهواً على أشهر القولين .
«ويحرم قطعُها»
أي قطع الصلاة الواجبة «اختياراً»
للنهي عن إبطال العمل
المقتضي له إلّاما أخرجه الدليل. واحترز ب «الاختيار»
عن قطعها لضرورةٍ ، كقبض غريم ، وحِفظ نفس محترمة من تلفٍ أو ضررٍ ، وقتل حيّة
يخافها على نفس محترمة ، وإحراز مال يخاف ضياعَه ، أو لحدثٍ يخاف ضررَ إمساكه ولو
بسريان النجاسة إلى ثوبه أو بدنه ، فيجوز القطع في جميع ذلك.
____________________
وقد يجب لكثيرٍ من هذه الأسباب ، ويُباح
لبعضها ، كحفظ المال اليسير الذي لا يضرّ فوتُه وقتلِ الحيّة التي لا يخاف أذاها.
ويُكره لإحراز يسير المال الذي لا يبالى بفواته. وقد يُستحبّ لاستدراك الأذان
المنسيّ وقراءة الجمعتين
في ظهريها ونحوهما ، فهو ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة.
«ويجوز قتلُ الحيّة»
والعقرب في أثناء الصلاة من غير إبطالٍ إذا لم يستلزم فعلاً كثيراً؛ للإذن فيه نصّاً
«وعدُّ الركعات بالحصى»
وشبهها خصوصاً لكثير السهو «والتبسّم»
وهو : ما لا صوت فيه من الضحك ، على كراهيّة.
«ويُكره : الالتفات يميناً وشمالاً»
بالبصر أو الوجه ، ففي الخبر : «إنّه
لا صلاة لملتفتٍ»
وحُمل على نفي الكمال جمعاً ، وفي خبرٍ آخر عنه صلى الله عليه وآله : «أما يخاف الذي يحوّل
وجهه في الصلاة أن يحوّل اللّٰه وجهه وجه حمار»
والمراد تحويل وجه
قلبه كوجه قلب الحمار : في عدم اطّلاعه على الاُمور العلْويّة وعدم إكرامه
بالكمالات العَليّة.
«والتثاؤب»
بالهمز ، يقال : تثاءَبتُ ، ولا يقال : تثاوَبْتُ قاله الجوهري .
«والتمطّي»
وهو : مدّ اليدين ، فعن الصادق عليه السلام : أنّهما من الشيطان .
«والعبثُ»
بشيءٍ من أعضائه؛ لمنافاته الخشوعَ المأمورَ به ، وقد رأى
____________________
النبيّ صلى الله عليه
وآله رجلاً يعبث في الصلاة ، فقال : «لو خشع قلبُ هذا لخشعت جوارحُه» .
«والتنخّمُ»
ومثلُه البصاق ، وخصوصاً إلى القبلةِ واليمين وبين يديه.
«والفَرْقَعة»
بالأصابع.
«والتأوّه بحرفٍ»
واحد ، وأصله قوله : «أوَّهْ» عند الشكاية والتوجّع ، والمراد هنا النطق به على
وجهٍ لا يظهر منه حرفان «والأنينُ
به» أي بالحرف الواحد ، وهو مثل التأوّه ،
وقد يخصّ «الأنين» بالمريض.
«ومدافعةُ الأخبثين»
البولِ والغائطِ «أو
الريح» لما فيه من سلب الخشوع والإقبال
بالقلب الذي هو روح العبادة ، وكذا مدافعةُ النوم. وإنّما يُكره إذا وقع ذلك قبل
التلبّس بها مع سعة الوقت ، وإلّا حرُم القطع إلّاأن يخاف ضرراً.
قال المصنّف في البيان : ولا يُجبره
فضيلة الائتمام أو شرف البقعة ، وفي نفي الكراهة باحتياجه إلى التيمّم نظرٌ .
«تتمّة»
:
المرأة كالرجل في جميع ما سلف إلّاما
استُثني ، وتختصّ عنه أنّه :
«يستحبّ للمرأة»
حُرّةً كانت أم أمةً «أن
تجمع بين قدميها في القيام ، والرجل يفرِّق بينهما بشبرٍ إلى فِتر*»
ودونه قدر ثلاث أصابع مُفرَّجات «وتضُمّ ثَدْييها إلى صدرها»
بيديها.
____________________
«وتضعُ يديها فوق رُكبتيها راكعةً»
ظاهره أنّها تنحني قدر انحناء الرجل وتخالفه في الوضع. وظاهر الرواية أنّه يجزئها
من الانحناء أن تبلغ كفّاها ما فوق
رُكبتيها؛ لأنّه علّله فيها بقوله : «لئلّا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتُها»
وذلك لا يختلف
باختلاف وضعهما ، بل باختلاف الانحناء.
«وتجلس»
حال تشهّدها وغيره «على
ألييها» بالياءين من دون تاءٍ بينهما على غير
قياس ، تثنية «ألية»
بفتح الهمزة فيهما والتاء في الواحدة.
«وتبدأ بالقعود»
على تلك الحالة «قبلَ
السجود» ثمّ تسجد.
«فإذا تشهّدت ضمّت فخذيها ورفعت رُكبتيها
من الأرض ، فإذا نهضت انسلّت»
انسلالاً معتمدة على جنبيها بيديها من غير أن ترفع عجيزَتها.
ويتخيّر الخنثى بين هيئة
الرجل والمرأة.
____________________
«الفصل السادس»
«في بقيّة الصلوات»
الواجبة
وما يختاره من
المندوبة
«فمنها : الجمعة»
«وهي : ركعتان كالصبح عوضَ الظهر»
فلا يُجمع بينهما ، فحيث تقع الجمعة صحيحةً تُجزئ عنها. وربّما استفيد من حكمه
بكونها عوضها مع عدم تعرّضه لوقتها : أنّ وقتها وقت الظهر فضيلةً وإجزاءً ، وبه
قطع في الدروس والبيان
وظاهر النصوص يدلّ عليه
وذهب جماعةٌ إلى امتداد وقتها إلى المثل خاصّة
ومال إليه المصنّفُ في الألفيّة
ولا شاهد له ، إلّاأن يقال بأنّه
____________________
وقتٌ للظهر أيضاً.
«ويجب فيها تقديمُ الخُطبتين المشتملتين
على حمدِ اللّٰه» تعالى بصيغة «الحمد
للّٰه» «والثناء
عليه»
بما سنح. وفي وجوب الثناء زيادةً على الحمد نظرٌ ، وعبارة كثير ـ ومنهم المصنّف في
الذكرى
ـ خاليةٌ عنه. نعم ، هو موجودٌ في الخُطَب المنقولة عن النبيّ وآله عليه وعليهم
السلام
إلّاأ نّها تشتمل على زيادةٍ على أقلّ الواجب «والصلاةِ على النبيّ وآله عليهم السلام»
بلفظ «الصلاة» أيضاً ، ويُقرنها بما شاء من النِسَب
«والوعظِ»
من الوصيّة بتقوى اللّٰه ، والحثّ على الطاعة ، والتحذير من المعصية
والاغترار بالدنيا ، وما شاكل ذلك ، ولا يتعيّن له لفظ ، ويُجزي مسمّاه ، فيكفي «أطيعوا
اللّٰه» أو
«اتّقوا اللّٰه» ونحوه. ويحتمل وجوب الحثّ على الطاعة والزجر عن المعصية؛
للتأسّي
«وقراءة
سورةٍ خفيفةٍ» قصيرةٍ ، أو آيةٍ
تامّة الفائدة بأن تجمع معنىً مستقلّاً يُعتدّ به : من وعدٍ أو وعيد أو حُكمٍ أو
قصّةٍ تدخل في مقتضى الحال ، فلا يُجزي مثل (مُدْهٰامَّتٰانِ)
و (أُلْقِيَ اَلسَّحَرَةُ سٰاجِدِينَ) .
____________________
ويجب فيهما : النيّة ، والعربيّةُ ،
والترتيبُ بين الأجزاء كما ذُكر والموالاةُ ، وقيامُ الخطيب مع القدرة ، والجلوسُ
بينهما ، وإسماعُه
العددَ المعتبر ، والطهارةُ من الحدث والخبثِ في أصحّ القولين
والسترُ ـ كلّ ذلك للاتّباع ـ وإصغاءُ من يمكن سماعه من المأمومين ، وتركُ الكلام
مطلقاً .
«ويُستحبّ : بلاغةُ الخطيب»
بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي : ملكةٌ يقتدر بها على التعبير عن مقصوده بلفظٍ
فصيح ـ أي خالٍ عن ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وعن كونها غريبة وحشيّة ـ
وبين البلاغة التي هي : ملكةٌ يقتدر بها على التعبير عن الكلام الفصيح المطابق
لمقتضى الحال بحسب الزمان والمكان والسامع والحال.
«ونزاهتُه»
عن الرذائل الخُلقيّة والذنوب الشرعيّة ، بحيث يكون مؤتمراً بما يأمر به ، منزجراً
عمّا ينهي عنه؛ لتقع موعظته في القلوب ، فإنّ الموعظة إذا خرجت من القلب دخلت في
القلب ، وإذا خرجت من مجرّد اللسان لم تتجاوز الآذان.
«ومحافظتُه على أوائل الأوقات»
ليكون أوفق لقبول موعظته.
«والتعمّمُ»
شتاءً وصيفاً ـ للتأسّي
ـ مضيفاً إليها الحنكَ والرداءَ ، ولُبس
____________________
أفضل الثياب ،
والتطيّبُ.
«والاعتمادُ على شيءٍ»
حال الخطبة : من سيفٍ أو قوسٍ أو عصاً؛ للاتّباع .
«ولا تنعقد»
الجمعةُ «إلّابالإمام»
العادل عليه السلام «أو
نائبه» خصوصاً أو عموماً «ولو»
كان النائب «فقيهاً»
جامعاً لشرائط الفتوى «مع
إمكان الاجتماع في الغيبة»
هذا قيد في الاجتزاء بالفقيه حالَ الغيبة؛ لأنّه منصوبٌ من الإمام عليه السلام
عموماً بقوله : «انظروا
إلى رجلٍ قد روى حديثنا ...»
وغيره .
والحاصل أنّه مع حضور الإمام عليه
السلام لا تنعقد الجمعة إلّابه أو بنائبه الخاصّ ـ وهو المنصوب للجمعة أو لما هو
أعمّ منها ـ وبدونه تسقط ، وهو موضع وفاق.
وأمّا في حال الغيبة ـ كهذا الزمان ـ
فقد اختلف الأصحاب في وجوب الجمعة وتحريمها ، فالمصنّف هنا أوجبها مع كون الإمام
فقيهاً؛ لتحقّق الشرط وهو إذن الإمام الذي هو شرطٌ في الجملة إجماعاً ، وبهذا
القول صرّح في الدروس أيضاً .
وربّما قيل بوجوبها حينئذٍ وإن لم
يَجْمعها فقيهٌ
عملاً بإطلاق الأدلّة ، واشتراطُ الإمام عليه السلام أو مَن نصبَه إن سلِّم فهو
مختصّ بحالة الحضور أو بإمكانه ، فمع عدمه يبقى عموم الأدّلة من الكتاب والسُنّة
خالياً عن المعارِض. وهو ظاهر
____________________
الأكثر ومنهم المصنّف
في البيان
فإنّهم يكتفون بإمكان الاجتماع مع باقي الشرائط.
وربّما عبّروا عن حكمها حال الغيبة
بالجواز تارةً
وبالاستحباب اُخرى
نظراً إلى إجماعهم على عدم وجوبها حينئذٍ عيناً ، وإنّما تجب على تقديره تخييراً
بينها وبين الظهر ، لكنّها عندهم أفضل من الظهر ، وهو معنى الاستحباب ، بمعنى أنّها
واجبةٌ تخييراً مستحبّةٌ عيناً ، كما في جميع أفراد الواجب المخيَّر إذا كان بعضها
راجحاً على الباقي ، وعلى هذا ينوي بها الوجوب وتُجزئ عن الظهر.
وكثيراً ما يحصل الالتباس في كلامهم
بسبب ذلك حيث يشترطون الإمامَ أو نائبَه في الوجوب إجماعاً ، ثمّ يذكرون حال الغيبة
ويختلفون في حكمها فيها ، فيوهم أنّ الإجماع المذكور يقتضي عدمَ جوازها حينئذٍ
بدون الفقيه ، والحال أنّها في حال الغيبة لا تجب عندهم عيناً ، وذلك شرط الواجب
العيني خاصّةً.
ومن هنا ذهب جماعةٌ من الأصحاب إلى عدم
جوازها حال الغيبة
لفقد الشرط المذكور.
ويُضعَّف بمنع عدم حصول الشرط أوّلاً؛
لإمكانه بحضور الفقيه ، ومنع اشتراطه ثانياً؛ لعدم الدليل عليه من جهة النصّ فيما
علمناه.
____________________
وما يظهر من جعل مستنده الإجماع فإنّما
هو على تقدير الحضور ، أمّا في حال الغيبة فهو محلّ النزاع فلا يُجعل دليلاً فيه ،
مع إطلاق القرآن الكريم
بالحثّ العظيم المؤكَّد بوجوهٍ كثيرة ، مضافاً إلى النصوص المتضافرة على وجوبها
بغير الشرط المذكور ، بل في بعضها ما يدلّ على عدمه
نعم ، يعتبر اجتماع باقي الشرائط ، ومنه الصلاة على الأئمة ولو إجمالاً ، ولا
ينافيه ذكرُ غيرهم.
ولولا دعواهم الإجماع على عدم الوجوب
العيني
لكان القول به في غاية القوّة ، فلا أقلّ من التخييري مع رجحان الجمعة.
وتعبير المصنّف وغيره ب «إمكان الاجتماع»
يريد به الاجتماع على إمام عدل؛ لأنّ ذلك لم يتّفق في زمن ظهور الأئمة غالباً ،
وهو السرُّ في عدم اجتزائهم بها عن الظهر مع ما نُقل من تمام محافظتهم عليها
ومن ذلك سرى الوهم .
____________________
«واجتماع خمسةٍ»
فصاعداً أحدهم الإمام في الأصحّ
وهذا يشمل شرطين :
أحدهما : العدد وهو الخمسة في أصحّ
القولين لصحّة مستنده
وقيل : سبعة
ويشترط كونهم ذكوراً أحراراً مكلَّفين مقيمين ، سالمين من المرضِ والبُعدِ
المُسقِطَين. وسيأتي ما يدلّ عليه.
وثانيهما : الجماعة بأن يأتمّوا بإمام
منهم ، فلا تصحّ فرادى.
وإنّما يُشترطان في الابتداء لا في
الاستدامة ، فلو انفضّ العددُ بعدَ تحرّم
الإمام أتمّ الباقون ولو فُرادى مع عدم حضور من ينعقد به الجماعة ، وقبلَه تسقط.
ومع العود في أثناء الخطبة يُعاد ما فات من أركانها.
«وتسقط»
الجمعةُ «عن
المرأةِ» والخنثى ، للشكّ في ذكوريّته الذي هو
شرط الوجوب.
«والعبدِ»
وإن كان مبعَّضاً واتّفقت في نوبته ، مهاياً
أم مدبَّراً أم مكاتَباً
____________________
لم يؤدِّ جميع مال
الكتابة .
«والمسافر»
الذي يلزمه القصر في سفره ، فالعاصي به وكثيرُه وناوي إقامة عشرةٍ كالمقيم.
«والهِمِّ»
وهو : الشيخ الكبير الذي يعجز عن حضورها أو يشقّ عليه مشقّة لا تُتحمّل عادة.
«والأعمى»
وإن وجَدَ قائداً أو كان قريباً من المسجد.
«والأعرج»
البالغِ عَرَجُه حدَّ الإقعاد أو الموجب لمشقّة الحضور كالهِمِّ.
«ومَن بَعُدَ»
منزلُه عن موضعٍ تُقام فيه الجمعة ـ كالمسجد ـ «بأزيد من فرسخين»
والحال أنّه يتعذّر عليه إقامتها عنده أو فيما دون فرسخ.
«ولا تنعقد جمعتان في أقلّ من فرسخ»
بل يجب على من يشتمل عليه الفرسخ الاجتماع على جمعةٍ واحدة كفاية. ولا يختصّ
الحضور بقومٍ إلّاأن يكون الإمام فيهم
فمتى أخلّوا به أثموا جميعاً.
____________________
ومحصَّل هذا الشرط وما قبله أنّ مَن
بَعُد عنها بدون فرسخ يتعيّن عليه الحضور ، ومن زاد عنه إلى فرسخين يتخيّر بينه
وبين إقامتها عنده ، ومن زاد عنهما يجب إقامتُها عنده أو فيما دون الفرسخ مع
الإمكان ، وإلّا سقطت.
ولو صلّوا أزيدَ من جمعةٍ في ما دون
الفرسخ صحّت السابقة خاصّة ، ويعيد اللاحقة ظهراً ، وكذا المشتبهة
مع العلم به في الجملة. أمّا لو اشتبه السبقُ والاقتران وجب إعادة الجمعة مع بقاء
وقتها خاصّة ـ على الأصحّ ـ مجتمعين أو متفرّقين بالمعتبر
والظهرِ مع خروجه.
«ويحرم السفر»
إلى مسافةٍ أو الموجب تفويتَها «بعد
الزوال على المكلّف بها» اختياراً؛ لتفويته
الواجبَ وإن أمكنه إقامتُها في طريقه؛ لأنّ تجويزه على تقديره دوريٌّ
نعم ، يكفي ذلك في سفرٍ قصيرٍ لا يُقصَّر فيه ، مع احتمال الجواز فيما لا قصرَ فيه
مطلقاً؛ لعدم الفوات. وعلى تقدير المنع في السفر الطويل يكون عاصياً به إلى محلٍّ
لا يمكنه فيه العود إليها ، فتُعتبر المسافة حينئذٍ.
ولو اضطرّ إليه شرعاً ـ كالحجّ حيث يفوت
الرِفقَة ، أو الجهاد حيث لا يحتمل الحال تأخيره ـ أو عقلاً بأداء التخلّف إلى
فوات غرضٍ يضرّ به فواتُه لم يحرم ، والتحريم على تقديره مؤكَّد. وقد روي : أنّ
قوماً سافروا كذلك فخُسف بهم ، وآخرون اضطرم عليهم خباؤهم من غير أن يروا ناراً .
____________________
«ويزاد في نافلتها»
عن غيرها من الأيّام «أربع
ركعات» مضافةً إلى نافلة الظهرين يصير الجميع
عشرين ، كلّها للجمعة فيها .
«والأفضل جعلُها»
أي العشرين «سُداس»
متفرّقة
ستّاً ستّاً «في
الأوقات الثلاثة» المعهودة ، وهي :
انبساط الشمس بمقدار ما يذهب شعاعها ، وارتفاعُها وقيامها وسطَ النهار قبل الزوال «وركعتان»
وهما الباقيتان من العشرين عن الأوقات الثلاثة تُفعل «عند الزوال»
بعدَه على الأفضل ، أو قبلَه بيسيرٍ على رواية
ودون بسطها كذلك جعلُ ستّ الانبساط بين الفرضين ، ودونَه فعلُها أجمع يومَ الجمعة
كيف اتّفق.
«والمُزاحَم»
في الجمعة «عن
السجود» في الركعة الاُولى يسجد بعد قيامهم
عنه و «يلتحق»
ولو بعد الركوع «فإن»
لم يتمكّن منه إلى أن سجد الإمام في الثانية و «سجد مع ثانية الإمام نوى بهما»
الركعةَ «الاُولى»
لأنّه لم يسجد لها بعدُ ، أو يُطلق فتنصرفان إلى ما في ذمّته. ولو نوى بهما
الثانية بطلت الصلاة؛ لزيادة الركن في غير محلّه.
وكذا لو زُوحم عن ركوع الاُولى وسجودها
، فإن لم يدركهما مع ثانية الإمام فاتت الجمعة ـ لاشتراط إدراك ركعةٍ منها معه ـ
واستأنف الظهر. مع احتمال العدول؛ لانعقادها صحيحةً والنهي عن قطعها مع إمكان
صحّتها.
____________________
«صلاة : صلاة العيدين»
واحدهما «عيد»
مشتقٌّ من «العود»
لكثرة عوائد اللّٰه تعالى فيه على عباده وعود السرور والرحمة بعوده ، وياؤه
منقلبة عن واو. وجمعُه على «أعياد»
غير قياس؛ لأنّ الجمع يُردّ إلى الأصل ، والتزموه كذلك ، للزوم الياء في مفرده
وتميّزه عن جمع «العود».
«وتجب»
صلاة العيدين وجوباً عينيّاً «بشروط
الجمعة» العينيّة. أمّا التخييريّة فكاختلال
الشرائط؛ لعدم إمكان التخيير هنا «والخطبتان
بعدها»
بخلاف الجمعة. ولم يذكر وقتَها ، وهو ما بين طلوع الشمس والزوال.
وهي ركعتان كالجمعة.
«ويجب فيها التكبير زائداً عن المعتاد»
من تكبيرة الإحرام وتكبير الركوع والسجود «خمساً في»
الركعة «الاُولى
وأربعاً في الثانية» بعد القراءة فيهما
في المشهور
«والقنوت
بينها» على وجه التجوّز وإلّا فهو بعد كلّ
تكبير. وهذا التكبير والقنوت جزءان منها ، فيجب حيث تجب ، ويُسنّ حيث تُسنّ ،
فتبطل بالإخلال بهما عمداً على التقديرين.
«ويستحبّ»
القنوت «بالمرسوم»
وهو : «اللهمّ أهل الكبرياء
____________________
والعظمة ... الخ»
ويجوز بغيره وبما سنح.
«ومع اختلال الشروط»
الموجبة «تُصلّى
جماعةً وفُرادى مستحبّاً»
ولا يعتبر حينئذٍ تباعد العيدين بفرسخ. وقيل : مع استحبابها تصلّى فرادى خاصّةً
وتسقط الخطبة في الفرادى.
«ولو فاتت»
في وقتها لعذرٍ وغيره «لم
تُقضَ» في أشهر القولين؛ للنصّ
وقيل : تُقضى كما فاتت
وقيل : أربعاً مفصولة
وقيل : موصولةً
وهو ضعيف المأخذ .
____________________
«ويستحبّ : الإصحار بها»
مع الاختيار للاتّباع
«إلّابمكّة»
فمسجدها أفضل.
«وأن يَطْعَمَ»
بفتح حرف المضارعة فسكون الطاء ففتح العين ، مضارع «طَعِم»
بكسرها كعَلِم ، أي يأكل «في»
عيد «الفطر
قبل خروجه» إلى الصلاة «وفي الأضحى بعد عوده
من اُضحيّته» بضمّ الهمزة وتشديد
الياء؛ للاتّباع
والفرق لائح. وليكن الفَطرُ في الفطر على الحُلو؛ للاتّباع
وما روي شاذّاً : من الإفطار فيه على التربة المشرّفة
محمولٌ على العلّة جمعاً.
«ويُكرَه التنفّل قبلها»
بخصوص القبليّة
«وبعدَها»
إلى الزوال بخصوصه للإمام والمأموم «إلّابمسجد النبيّ صلى الله عليه وآله»
فإنّه يُستحبّ أن يقصده الخارج إليها ويُصلّي به ركعتين قبل خروجه؛ للاتّباع
نعم ، لو صلّيت في المساجد لعذرٍ أو غيره استُحبّ صلاة التحيّة للداخل وإن كان
مسبوقاً والإمام يخطب؛ لفوات الصلاة المُسقط للمتابعة.
____________________
«ويستحبّ التكبير»
في المشهور ، وقيل : يجب
للأمر به
«في
الفِطر عقيبَ أربع» صلوات «أوّلها المغرب
ليلَتَه ، وفي الأضحى عقيبَ خمس عشرة»
صلاةً للناسك «بمنى
، و» عقيبَ «عشرٍ بغيرها»
وبها لغيره «أوّلها
ظهر النحر *» وآخرها صبح آخر
التشريق ، أو ثانيه. ولو فات بعضُ هذه الصلوات كبَّر مع قضائها ، ولو نسي التكبير
خاصّة أتى به حيث ذكر.
«وصورته : «اللّٰه أكبر ،
اللّٰه أكبر لا إله إلّااللّٰه واللّٰه أكبر ، اللّٰه أكبرُ
** على ما هدانا» ويزيد في» تكبير «الأضحى»
على ذلك «اللّٰه
أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»
ورُوي فيهما غيرُ ذلك بزيادةٍ ونقصان
وفي الدروس اختار «اللّٰه
أكبر ـ ثلاثاً ـ لا إله إلّااللّٰه واللّٰه أكبر ، الحمد للّٰهعلى
ما هدانا وله الشكر على ما أولانا»
والكلّ جائزٌ ، وذكر
اللّٰه حسنٌ على كلّ حال.
«ولو اتّفق عيدٌ وجمعةٌ تخيّر القرويُّ»
الذي حضرها
في البلد من قريته قريبةً كانت أم بعيدةً «بعد حضور العيد في»
حضور «الجمعة»
فيصلّيها واجباً ، وعدمه فتسقط ويصلّي الظهر ، فيكون وجوبها عليه تخييريّاً.
والأقوى عموم التخيير لغير الإمام ، وهو
الذي اختاره المصنّف في غيره
____________________
أمّا هو فيجب عليه
الحضور ، فإن تمّت الشرائط صلّاها ، وإلّا سقطت عنه. ويُستحبّ له إعلام الناس بذلك
في خطبة العيد.
«ومنها» صلاة «الآيات»
جمع «آية» وهي العلامة ، سُمّيت بذلك
الأسباب المذكورة؛ لأنّها علامات على أهوال الساعة وأخاويفها وزلازلها وتكوير
الشمس والقمر.
«و»
الآيات التي تجب لها الصلاة «هي
: الكسوفان» كسوفُ الشمس وخسوفُ
القمر ، ثنّاهما
باسم أحدهما تغليباً ، أو لإطلاق الكسوف عليهما حقيقةً ، كما يُطلق الخسوف على
الشمس أيضاً ، و «اللام»
للعهد الذهني ، وهو الشائع من كسوف النيّرين دون باقي الكواكب أو انكساف الشمس
بها.
«والزلزلة»
وهي رجفة الأرض «والريحُ
السوداء أو الصفراء ، وكلُّ مخوّفٍ سماويّ»
كالظلمة السوداء [أو]
الصفراء المنفكّة عن الريح ، والريح العاصفة زيادةً على المعهود وإن انفكّت عن
اللونين أو اتّصفت بلونٍ ثالث. وضابطه : ما أخاف معظمَ الناس. ونسبة الأخاويف إلى
السماء باعتبار كون بعضها فيها ، أو أراد بالسماء مطلق العلوّ ، أو المنسوبة إلى
خالق السماء ونحوه؛ لإطلاق نسبته إلى اللّٰه تعالى كثيراً.
ووجه وجوبها للجميع صحيحة زرارة عن
الباقر عليه السلام
المفيدةُ للكلّ ، وبها
____________________
يُضعَّف قول من خصّها
بالكسوفين
أو أضاف إليهما شيئاً مخصوصاً كالمصنِّف في الألفيّة .
وهذه الصلاة ركعتان في كلّ ركعة سجدتان
وخمس ركوعات وقيامات وقراءات.
«وتجب فيها : النيّة والتحريمة وقراءة
الحمد وسورة ، ثمّ الركوع ، ثمّ يرفع»
رأسه منه إلى أن يصير قائماً مطمئنّاً ، «ويقرأهما هكذا خمساً ، ثمّ يسجد سجدتين
، ثمّ يقوم إلى الثانية ويصنع كما صنع أوّلاً»
هذا هو الأفضل.
«ويجوز له»
الاقتصار على «قراءة
بعض السورة» ولو آيةً «لكلّ ركوعٍ ، ولا
يحتاج إلى» قراءة «الفاتحة إلّافي»
القيام «الأوّل»
ومتى اختار التبعيض «فيجب
إكمال سورةٍ في كلّ ركعةٍ مع الحمد مرّةً»
بأن يقرأ في الأوّل
الحمد وآية ، ثمّ يفرِّق الآيات على باقي القيامات بحيث يُكملها في آخرها.
«ولو أتمّ مع الحمد في ركعةٍ سورةً»
أي قرأ في كلّ قيام منها الحمدَ وسورةً تامّة «وبعّض في»
الركعة «الاُخرى»
كما ذكر «جاز
، بل لو أتمّ السورةَ فيبعض الركوعات وبعّض في آخر جاز».
والضابط : أنّه متى ركع عن سورةٍ تامّةٍ
وجب في القيام عنه الحمد ويتخيَّر بين إكمال سورة معها وتبعيضها ، ومتى ركع عن بعض
سورةٍ تخيّر في القيام بعده بين القراءة من موضع القطع ومن غيره من السورة
متقدّماً ومتأخّراً ، ومن غيرها ،
____________________
وتجب إعادة الحمد
فيما عدا الأوّل ، مع احتمال عدم الوجوب في الجميع. ويجب مراعاة سورةٍ فصاعداً في
الخمس.
ومتى سجد وجب إعادة الحمد سواء كان
سجوده عن سورةٍ تامّةٍ أم بعضِ سورة كما لو كان قد أتمّ سورةً قبلَها في الركعة ،
ثمّ له أن يبني على ما مضى أو يشرع في غيرها ، فإن بنى عليها وجب سورة غيرها
كاملةً في جملة الخمس.
«ويستحبّ : القنوت عقيب كلّ زوجٍ *»
من القيامات تنزيلاً لها منزلة الركعات ، فَيَقْنت قبل الركوع الثاني والرابع ،
وهكذا.
«والتكبيرُ للرفع من الركوع»
في الجميع ـ عدا الخامس والعاشر ـ من غير تسميع ، وهو قرينة كونها غير
ركعات.
«والتسميعُ»
وهو قول «سمع
اللّٰه لمن حمده» «في الخامس والعاشر»
خاصّةً ، تنزيلاً
للصلاة منزلة ركعتين. هكذا ورد النصّ بما يوجب اشتباه حالها
ومن ثَمّ حصل الاشتباه لو شُكّ في عددها نظراً إلى أنّها ثنائيّة أو أزيد. والأقوى
أنّها في ذلك ثنائيّة وأنّ الركوعات أفعال ، فالشكّ فيها في محلّها يوجب فعلَها ،
وفي عددها يوجب البناء على الأقلّ ، وفي عدد الركعات مبطل.
____________________
«وقراءة»
السُّور «الطُّوال»
كالأنبياء والكهف «مع
السعة» ويُعلم ذلك بالإرصاد وإخبار مَنْ يفيد
قولُه الظنَّ الغالب من أهله أو العدلين ، وإلّا فالتخفيف أولى حذراً من خروج
الوقت ، خصوصاً على القول بأ نّه الأخذ في الانجلاء. نعم ، لو جعلناه إلى تمامه
اتّجه التطويل ، نظراً إلى المحسوس.
«والجهرُ فيها»
وإن كانت نهاريّةً على الأصحّ .
«وكذا يجهر * في الجمعة والعيدين»
استحباباً إجماعاً.
«ولو جامعت»
صلاةُ الآيات «الحاضرةَ»
اليوميّة «قدَّم
ما شاء» منهما مع سعة وقتهما «ولو تضيّقت إحداهما»
خاصّةً «قدّمها»
أي المضيَّقة؛ جمعاً بين الحقّين «ولو تضيّقتا»
معاً «فالحاضرة»
مقدّمةٌ؛ لأنّ الوقت لها بالأصالة. ثمّ إن بقي وقت الآيات صلّاها أداءً ، وإلّا سقطت
إن لم يكن فرّط في تأخير إحداهما ، وإلّا فالأقوى وجوب القضاء.
«ولا تصلّى»
هذه الصلاة «على
الراحلة» وإن كانت معقولة «إلّا لعذرٍ»
كمرضٍ وزَمَنٍ يشقُّ معهما النزول مشقّةً لا تتحمّل عادة ، فتُصلّى على الراحلة
حينئذٍ «كغيرها
من الفرائض».
«وتُقضى»
هذه الصلاةُ «مع
الفوات وجوباً مع تعمّد الترك أو نسيانه»
بعد العلم بالسبب مطلقاً «و**»
مع «استيعاب
الاحتراق» للقرص أجمع «مطلقاً»
سواءٌ علم به أم لم يعلم حتّى خرج الوقت. أمّا لو لم يعلم به ولا استوعب الاحتراق
فلا قضاء ـ وإن ثبت بعد ذلك وقوعُه بالبيّنة أو التواتر ـ في المشهور.
____________________
وقيل : يجب القضاءُ مطلقاً
وقيل : لا يجب مطلقاً وإن تعمّد ما لم يستوعب
وقيل : لا يقضي الناسي ما لم يستوعب .
ولو قيل بالوجوب مطلقاً في غير الكسوفين
وفيهما مع الاستيعاب
كان قويّاً ، عملاً بالنصّ في الكسوفين
وبالعمومات في غيرهما .
«ويُستحبّ الغسل»
للقضاء «مع
التعمّد والاستيعاب» وإن تركها جهلاً ،
بل قيل بوجوبه .
«وكذا يُستحبّ الغسل : للجمعة»
استطرد هنا ذكر الأغسال المسنونة لمناسبةٍ ما. ووقته ما بين طلوع الفجر يومَها إلى
الزوال ، وأفضله ما قَرُب إلى الآخر ، ويُقضى بعدَه إلى آخر السبت ، كما يعجّله
خائفُ عدم التمكّن منه في وقته من الخميس.
«و»
يومي «العيدين».
____________________
«و فرادى»
شهر «رمضان»
الخمس عشرة ، وهي العدد الفرد من أوّله إلى آخره.
«وليلةِ الفطر»
أوّلها.
«وليلتي نصف رجب وشعبان»
على المشهور في الأوّل ، والمروّي في الثاني .
«و»
يوم «المبعث»
وهو السابع والعشرين من رجب ، على المشهور .
«والغدير»
وهو الثامن عشر من ذي الحجّة.
«و»
يوم «المباهلة»
وهو رابع عشري
ذي الحجّة على الأصحّ ، وقيل : خامس عشريه .
«و»
يومِ «عرفة»
وإن لم يكن بها.
«ونيروزِ الفرس»
والمشهور الآن أنّه يوم نزول الشمس
الحَمَلَ ، وهو الاعتدال الربيعي.
«والإحرام»
للحجّ أو العمرة.
____________________
«والطوافِ»
واجباً كان أم ندباً.
«وزيارةِ»
أحد «المعصومين»
ولو اجتمعوا في مكانٍ واحدٍ تداخل كما يتداخل باجتماع أسبابه مطلقاً .
«و»
ل «السعي
إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة»
أيّامٍ من صَلْبه مع الرؤية ، سواء في ذلك مصلوب الشرع وغيره.
«والتوبة عن فسقٍ أو كفرٍ»
بل عن مطلق الذنب وإن لم يوجب الفسق ، كالصغيرة النادرة. ونبّه
بالتسوية على خلاف المفيد حيث خصّه بالكبائر .
«وصلاة الحاجة و»
صلاة «الاستخارة»
لا مطلقهما ، بل في موارد مخصوصةٍ من أصنافهما ، فإنّ منهما ما يُفعل بغُسل وما
يفعل بغيره ، على ما فُصّل في محلّه.
«ودخول الحرم»
بمكّة مطلقاً.
«و»
لدخول «مكّة
والمدينة» ـ شرّفهما اللّٰه تعالى ـ
مطلقاً ، وقيّد المفيدُ دخولَ المدينة بأداء فرضٍ أو نفلٍ.
____________________
«و»
دخول «المسجدين»
الحرمين. وكذا لدخول الكعبة ـ أعزّها اللّٰه تعالى ـ وإن كانت جزءاً من
المسجد إلّاأ نّه يُستحبّ لخصوص دخولها. وتظهر الفائدة فيما لو لم ينو دخولها عند
الغسل السابق ، فإنّه لا يدخل فيه ، كما لا يدخل غسل المسجد في غسل دخول مكّة
إلّابنيّته عنده ، وهكذا ... ولو جمع المقاصد تداخلت.
«ومنها» : الصلاة «المنذورة
وشبهها»
من المُعاهَد والمحلوف عليه.
«وهي تابعةٌ للنذر المشروع»
وشبهه ، فمتى نذر هيئةً مشروعةً في وقت إ يقاعها أو عدداً مشروعاً انعقدت.
واحترز ب «المشروع» عمّا لو نذرها عند
ترك واجبٍ أو فعلِ محرَّمٍ شكراً ، أو عكسه زجراً ، أو ركعتين بركوعٍ واحد أو
سجدتين ، ونحو ذلك. ومنه نذر صلاة العيد في غيره ، ونحوها .
وضابط المشروع : ما كان فعله جائزاً قبل
النذر في ذلك الوقت ، فلو نذر ركعتين جالساً أو ماشياً ، أو بغير سورة ، أو إلى
غير القبلة ماشياً أو راكباً ونحو ذلك انعقد. ولو أطلق فشرطُها شرط الواجبة في
أجود القولين .
____________________
«ومنها : صلاة
النيابة»
«بإجارةٍ»
عن الميّت تبرّعاً أو بوصيّته النافذة «أو تحمُّل *»
من الوليّ وهو أكبر الوُلْد الذكور «عن الأب»
لما فاته من الصلاة في مرضه ، أو سهواً ، أو مطلقاً ، وسيأتي تحريره
«وهي
بحسب ما يُلتزَم ** به» كيفيّةً وكمّيّةً.
«ومن المندوبات :
صلاة الاستسقاء»
وهو طلب السُّقيا ، وهو أنواعٌ ، أدناه
الدعاء بلا صلاةٍ ولا خَلْفَ صلاةٍ ، وأوسطه الدعاء خَلْفَ الصلاة ، وأفضله
الاستسقاء بركعتين وخُطبتين.
«وهي كالعيدين»
في الوقت والتكبيرات الزائدة في الركعتين والجهر والقراءة والخروج إلى الصحراء
وغير ذلك ، إلّاأنّ القنوت هنا بطلب الغيث وتوفير المياه والرحمة.
«ويُحوِّل»
الإمام وغيرُه «الرداء
يميناً ويساراً» بعد الفراغ من
الصلاة ، فيجعل يمينَه يسارَه وبالعكس؛ للاتّباع
والتفؤّل
ولو جعل مع ذلك
____________________
أعلاه أسفله وظاهره
باطنه كان حسناً. ويُترك محوّلاً حتى يُنزع.
«ولتكن»
الصلاة «بعدَ
صوم ثلاثة» أيّام ، أطلق بعديّتها عليها تغليباً؛
لأ نّها تكون في أوّل الثالث «آخرها
الاثنين» وهو منصوصٌ
فلذا قدّمه «أو
الجمعة» لأنّها وقتٌ لإجابة الدعاء ، حتّى
رُوي : أنّ العبد ليسأل الحاجة فيُؤخَّر قضاؤها إلى الجمعة
«و»
بعدَ «التوبة»
إلى اللّٰه تعالى من الذنوب وتطهير الأخلاق من الرذائل «وردِّ المظالم»
لأنّ ذلك أرجى للإ جابة ، وقد يكون القحط بسبب هذه ، كما روي .
والخروج من المظالم من جملة التوبة
جزءاً أو شرطاً ، وخصّها اهتماماً بشأنها.
وليخرجوا حُفاةً ونِعالُهم بأيديهم في
ثيابِ بِذْلَةٍ
وتخشّعٍ ،. ويُخرجون الصبيان والشيوخَ والبهائمَ؛ لأنّهم مظنّة الرحمة على
المذنبين. فإن سُقُوا وإلّا عادوا ثانياً وثالثاً من غير قُنوطٍ ، بانين على الصوم
الأوّل إن لم يفطروا بعدَه ، وإلّا فبصومٍ مستأنفٍ.
«ومنها : نافلة شهر
رمضان»
«وهي»
في أشهر الروايات «ألف
ركعة» موزَّعة على الشهر «غير
____________________
الرواتب»
:
«في»
الليالي «العشْرين»
الاُوَل «عشرون
، كلّ ليلةٍ ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء»
ويجوز العكس.
«وفي»
كلّ ليلةٍ من «العَشر
الأخير ثلاثون» ركعةً ، ثمان منها
بعد المغرب والباقي بعد العشاء. ويجوز اثنتا عشرة بعد المغرب والباقي بعد العشاء .
«وفي ليالي الأفراد»
الثلاث ـ وهي التاسعة عشرة والحادية والعشرين والثالثة والعشرين ـ «كلّ ليلة مئة»
مضافةً إلى ما عُيّن لها سابقاً ، وذلك تمام الألف ، خمسمئة في العشرين ، وخمسمئة
في العَشر.
«ويجوز الاقتصارُ عليها فيُفرَّق
الثمانين» المتخلّفة ، وهي العشرون في التاسعة
عشر والستّون في الليلتين بعدها «على الجُمع»
الأربع ، فيصلّي في يوم كلّ جمعةٍ
عشراً بصلاة عليٍّ وفاطمة وجعفر عليهم السلام ـ ولو اتّفق فيه خامسة تخيّر في
الساقطة ، ويجوز أن يجعل لها قسطاً يتخيّر في كمّيته ـ وفي ليلة آخر جمعة عشرون
بصلاة عليٍّ عليه السلام وفي ليلة آخر سبتٍ عشرون بصلاة فاطمة عليها السلام. وأطلق
تفريق الثمانين على الجُمع مع وقوع عشرين منها ليلةَ السبت تغليباً ، ولأ نّها
عشيّة جمعة تُنسب إليها في الجملة.
ولو نقص الشهر سقطت وظيفة ليلة
الثلاثين. ولو فات شيءٌ منها استُحبّ قضاؤه ولو نهاراً وفي غيره
والأفضل قبل خروجه.
____________________
«ومنها» :
«نافلة الزيارة» للأنبياء
والأئمة عليهم السلام ، وأقلّها ركعتان تُهدى للمزور. ووقتها بعد الدخول والسلام ،
ومكانها مشهدُه وما قاربه. وأفضله عند الرأس ، بحيث يجعل القبر على يساره ولا
يستقبل شيئاً منه.
«و»
صلاة «الاستخارة»
بالرقاع الستّ وغيرها.
«و»
صلاة «الشكر»
عند تجدّد نعمةٍ أو دفع نقمةٍ على ما رُسِّم في كتبٍ مطوّلةٍ أو مختصّةٍ به.
«وغير ذلك»
من الصلوات المسنونة ، كصلاة النبيّ صلى الله عليه وآله يومَ الجمعة وعليٍّ
وفاطمةَ وجعفرٍ وغيرهم عليهم السلام.
وأمّا النوافل المطلقة : فلا حصر لها ،
فإنّها قربان كلِّ تقيٍّ
وخيرُ موضوعٍ ، فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر .
____________________
«الفصل السابع»
«في» بيان أحكام «الخلل»
الواقع «في الصلاة»
الواجبة
«وهو»
: أي الخلل «إمّا»
أن يكون صادراً «عن
عمدٍ» وقصدٍ إلى الخلل ، سواء كان عالماً
بحكمه أم لا «أو
سهوٍ» بعُزُوب
المعنى عن الذهن حتّى حصل بسببه إهمال بعض الأفعال «أو شكٍّ»
وهو : تردّد الذهن بين طرفي النقيض حيث لا رجحانَ لأحدهما على الآخر.
والمراد بالخلل الواقع عن عمد وسهو :
تركُ شيءٍ من أفعالها ، وبالواقع عن شكٍّ : النقصُ الحاصل للصلاة بنفس الشكّ ، لا أنّه
كان سبباً للترك
كقسيميه.
«ففي العمد تبطل»
الصلاة «بالإخلال
*» أي بسبب الإخلال «بالشرط»
كالطهارة والستر «أو
الجزء» وإن لم يكن ركناً ، كالقراءة وأجزائها
حتّى الحرف الواحد. ومن الجزء الكيفيّة؛ لأنّها جزءٌ صوريّ «ولو كان»
المخلُّ «جاهلاً»
بالحكم الشرعي كالوجوب ، أو الوضعي كالبطلان «إلّاالجهر والإخفات»
في مواضعهما فيُعذر الجاهل بحكمهما وإن علم به في
____________________
محلّه ، كما لو ذكر
الناسي.
«وفي السهو يبطل ما سلف »
من السهو عن أحد الأركان الخمسة إذا لم يذكره حتّى تجاوز محلَّه.
«وفي الشكّ»
في شيء من ذلك «لا
يلتفت إذا تجاوز محلَّه» والمراد بتجاوز
محلّ الجزء المشكوك فيه : الانتقال إلى جزءٍ آخر بعدَه ، بأن شكّ في النيّة بعد أن
كبّر ، أو في التكبير بعد أن قرأ ، أو شرع فيهما ، أو في القراءة و
أبعاضها بعد الركوع ، أو فيه بعد السجود ، أو فيه أو في التشهّد بعد القيام. ولو
كان الشكّ في السجود بعد التشهّد أو في أثنائه ولمّا يقم ففي العود إليه قولان ،
أجودهما العدم. أمّا مقدّمات الجزء ـ كالهُويّ والأخذ في القيام قبل الإكمال ـ فلا
يُعدّ انتقالاً إلى جزء ، وكذا الفعل المندوب كالقُنوت.
«ولو كان»
الشكّ «فيه»
أي في محلّه «أتى
به» لأصالة عدم فعله «فلو ذكر فِعلَه»
سابقاً بعد أن فَعَلَه ثانياً «بطلت»
الصلاة «إن
كان ركناً» لتحقّق زيادة الركن المبطلة وإن كان
سهواً. ومنه ما لو شكّ في الركوع وهو قائمٌ فركع ثمّ ذكر فِعلَه قبل رفعه في أصحّ
القولين
لأنّ ذلك هو الركوع والرفع منه أمرٌ
____________________
زائدٌ عليه كزيادة
الذكر والطمأنينة «وإلّا»
يكن ركناً «فلا»
إبطال؛ لوقوع الزيادة سهواً.
«ولو نسي غير الركن»
من الأفعال ولم يذكر حتّى تجاوز محلّه «فلا التفات»
بمعنى أنّ الصلاة لا تبطل بذلك
ولكن قد يجب له شيء آخر من سجودٍ أو قضاءٍ أوهما ، كما سيأتي «ولو لم يتجاوز محلَّه
أتى به».
والمراد بمحلّ المنسيّ : ما بينه وبين
أن يصير في ركن ، أو يستلزم العودُ إلى المنسيّ زيادةَ ركن ، فمحلّ السجود
والتشهّد المنسيّين ما لم يركع في الركعة اللاحقة له وإن قام؛ لأنّ القيامَ لا
يتمحّض للركنيّة إلى أن يركع كما مرّ ، وكذا القراءة وأبعاضها وصفاتها بطريقٍ أولى.
وأمّا ذكر السجود وواجباته غير وضع الجبهة فلا يعود إليها متى رفع رأسه وإن لم
يدخل في ركن. وواجبات الركوع كذلك؛ لأنّ العود إليها يستلزم زيادة الركن وإن لم
يدخل في ركن.
«وكذا الركن»
المنسيّ يأتي به ما لم يدخل في ركنٍ آخر ، فيرجع إلى الركوع ما لم يصر ساجداً ،
وإلى السجود ما لم يبلغ حدَّ الراكع
وأمّا نسيان التحريمة إلى أن شرع في القراءة ، فإنّه وإن كان مبطلاً مع أنّه لم
يدخل في ركن ، إلّا أنّ البطلان مستندٌ إلى عدم انعقاد الصلاة من حيث فوات
المقارنة بينها وبين النيّة ـ ومن ثَمّ جعل بعض الأصحاب المقارنة ركناً
ـ فلا يحتاج إلى الاحتراز عنه؛ لأنّ الكلام في الصلاة الصحيحة.
«ويُقضى»
من الأجزاء المنسيّة التي فات محلُّها «بعد»
إكمال
____________________
«الصلاة : السجدة»
الواحدة «والتشهّدُ»
أجمع ، ومنه الصلاة على محمّد وآله «والصلاةُ على النبيّ وآله»
لو نسيها منفردة ، ومثله ما لو نسي أحد التشهّدين فإنّه أولى بإطلاق التشهّد عليه.
أمّا لو نسي الصلاة على النبيّ خاصّةً أو على آله خاصّةً فالأجود أنّه لا يُقضى ،
كما لا يُقضى غيرها
من أجزاء التشهّد على أصحّ القولين .
بل أنكر بعضهم
قضاءَ الصلاة على النبيّ وآله؛ لعدم النصّ ، وردّه المصنِّف في الذكرى بأنّ
التشهّد يُقضى بالنصّ فكذا أبعاضه تسويةً بينهما .
وفيه نظرٌ؛ لمنع كلّية الكبرى
وبدونها لا يفيد ، وسند المنع أنّ الصلاة ممّا تُقضى ولا يقضى أكثر أجزائها ، وغير
الصلاة من أجزاء التشهّد لا يقول هو بقضائه مع ورود دليله فيه. نعم ، قضاء أحد
التشهّدين قويٌّ؛ لصدق اسم التشهّد عليه ، لا لكونه جزءاً ، إلّاأن يُحمل التشهّد
على المعهود.
والمراد بقضاء هذه الأجزاء : الإتيان
بها بعدها من باب (فَإِذٰا قُضِيَتِ
اَلصَّلاٰةُ)
لا القضاء المعهود ،
إلّامع خروج الوقت قبلَه.
«ويسجد لهما»
كذا في النسخ بتثنية الضمير جعلاً للتشهّد والصلاة بمنزلةِ
____________________
واحدٍ؛ لأنّها جزؤه ،
ولو جمعه كان أجود «سجدتي
السهو».
والأولى تقديم الأجزاء على السجود لها ،
كتقديمها عليه بسببٍ غيرها وإن تقدّم ، وتقديم سجودها على غيره وإن تقدّم سببه
أيضاً. وأوجب المصنِّف ذلك كلَّه في الذكرى
لارتباط الأجزاء بالصلاة وسجودها بها.
«ويجبان أيضاً»
مضافاً إلى ما ذُكر «للتكلّم
ناسياً ، وللتسليم في الأوّلتين ناسياً»
بل للتسليم في غير محلّه مطلقاً.
«و»
الضابط : وجوبهما «للزيادة
أو النقيصة غير المبطلة» للصلاة؛ لرواية
سفيان بن السمط عن الصادق عليه السلام
ويتناول ذلك زيادةَ المندوب ناسياً ونقصانَه حيث يكون قد عزم على فعله كالقُنوت.
والأجود خروج الثاني؛ إذ لا يُسمّى ذلك نقصاناً. وفي دخول الأوّل نظرٌ؛ لأنّ السهو
لا يزيد على العمد.
وفي الدروس : أنّ القول بوجوبهما لكلّ
زيادةٍ ونقصانٍ لم نظفر بقائله ولا بمأخذه
والمأخذ ما ذكرناه ، وهو من جملة القائلين به
وقبلَه الفاضل
وقبلَهما الصدوق .
«وللقيام في موضع قعودٍ وعكسِه»
ناسياً ، وقد كانا داخلين في الزيادة والنقصان ، وإنّما خصّهما تأكيداً؛ لأنّه قد
قال بوجوبه لهما مَن لم يقل
____________________
بوجوبه لهما مطلقاً .
«وللشكّ بين الأربع والخمس»
حيث تصحّ معه الصلاة .
«وتجب فيهما : النيّة»
المشتملة على قصدهما وتعيينالسبب إن تعدّد ، وإلّا فلا. واستقرب المصنّف في
الذكرى اعتباره مطلقاً
وفي غيرها
عدمَه مطلقاً .
واختلف أيضاً اختياره في اعتبار نيّة
الأداء والقضاء فيهما
وفي الوجه. واعتبارهما أولى. والنيّة مقارنةٌ لوضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه
، أو بعد الوضع على الأقوى.
«وما يجب في سجود الصلاة»
من الطهارة وغيرها من الشرائط ، ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، والسجود
على الأعضاء السبعة وغيرِهما من الواجبات والذكر ، إلّاأ نّه هنا مخصوص بما رواه
الحلبي عن الصادق عليه السلام .
____________________
«وذِكْرُهُما : بسم اللّٰه
وباللّٰه وصلّى اللّٰه على محمّد وآل محمّد»
وفي بعض النسخ
: وعلى آل محمّد ، وفي الدروس : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد
«أو
بسم اللّٰه وباللّٰه والسلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّٰه
وبركاته» أو بحذف واو العطف من السلام. والجميع
مرويّ مجزئ.
«ثمّ يتشهّد»
بعد رفع رأسه معتدلاً «ويُسلِّم».
هذا
هو المشهور بين الأصحاب ، والرواية الصحيحة
دالّة عليه. وفيه أقوالٌ اُخر
ضعيفة المستند.
«والشاكّ في عدد الثنائيّة ، أو
الثلاثيّة ، أو في الأوّلتين من الرباعيّة ، أو في عددٍ غير محصور»
بأن لم يَدْرِ كم صلّى ركعةً «أو
قبل إكمال السجدتين» المتحقّق بإتمام
ذكر السجدة الثانية «فيما
يتعلّق بالأوّلتين» وإن أدخل معهما
____________________
غيرَهما ، وبه يمتاز
عن الثالث «يعيد»
الصلاة ، لا بمجرّد الشكّ بل بعد استقراره بالتروّي عند عروضه ولم يحصل ظنٌّ بطرفٍ
من متعلّقه ، وإلّا بنى عليه في الجميع ، وكذا في غيره من أقسام الشكّ.
«وإن أكمل»
الركعتين «الأوّلتين»
بما ذكرناه من ذكر الثانية وإن لم يرفع رأسَه منها «وشكّ في الزائد»
بعد التروّي «فهنا
صورٌ خمس» تعمّ بها البلوى أو أنّها منصوصة ،
وإلّا فصور الشكّ أزيد من ذلك ، كما حرّره في رسالة الصلاة
وسيأتي أنّ الاُولى غير منصوصة :
«الشكّ بين الاثنتين والثلاث»
بعد الإكمال.
«والشكّ بين الثلاث والأربع»
مطلقاً «ويبني
على الأكثر فيهما ثمّ يحتاط»
بعد التسليم «بركعتين
جالساً أو ركعةٍ قائماً».
«والشكّ بين الاثنتين والأربع ، يبني على
الأربع ويحتاط بركعتين قائماً».
«والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع
يبني على الأربع ويحتاط بركعتين قائماً ثمّ بركعتين جالساً»
على المشهور ، ورواه ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام عاطفاً لركعتي الجلوس ب «ثُمّ»
كما ذَكَر هنا ،
فيجب الترتيب بينهما ، وفي الدروس جعله أولى
وقيل : يجوز إبدال الركعتين جالساً بركعةٍ قائماً؛ لأنّها أقرب إلى المحتمل فواته
وهو حسن.
«وقيل : يصلّي ركعةً قائماً وركعتين
جالساً ، ذكره» الصدوق «ابن*
____________________
بابويه»
وأبوه وابن الجنيد
«وهو
قريب» من حيث الاعتبار؛ لأنّهما ينضمّان حيث
تكون الصلاة اثنتين ، ويجتزئ بإحداهما حيث تكون ثلاثاً ، إلّاأنّ الأخبار
تدفعه.
«والشكّ بين الأربع والخمس ، وحكمه قبل
الركوع كالشكّ بين الثلاث والأربع»
فيهدم الركعة ويتشهّد ويسلِّم ويصير بذلك شاكّاً بين الثلاث والأربع ، فيلزمه
حكمه. ويزيد عنه سجدتي السهو لما هدمه من القيام وصاحَبَه من الذكر.
«وبعدَه»
أي بعد الركوع ـ سواء كان قد سجد أم لا ـ تجب «سجدتا السهو»
لإطلاق النصّ بأنّ من لم يدرِ أربعاً صلّى أم خمساً يتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي
السهو .
«وقيل : تبطل الصلاة لو شكّ ولمّا يكمل
السجود إذا كان قد ركع »
لخروجِهِ عن المنصوص ـ فإنّه لم يكمل الركعة حتّى يصدق عليه أنّه شكّ بينهما ـ
وتردِّده
بين محذورين : الإكمال المُعرِّض للزيادة ، والهدم المُعرِّض للنقصان.
«والأصحّ الصحّة؛ لقولهم عليهم السلام :
ما أعاد الصَلاة فقيهٌ» يحتال فيها
ويُدبّرها حتّى لا يعيدها
ولأصالة عدم الزيادة ، واحتمالُها لو أثّر لأثّر في جميع صورها ، والمحذور إنّما
هو زيادة الركن ، لا الركن المحتمل زيادته.
____________________
«مسائل» سبع
الاُولى :
«لو غلب على ظنّه»
بعد التروّي «أحدُ
طرفي ما شكّ فيه» أو أطرافِه «بنى عليه»
أي على الطرف الذي غلب عليه ظنُّه.
والمراد أنّه غلب ظنُّه عليه ثانياً بعد
أن شكّ فيه أوّلاً؛ لأنّ الشكّ لا يجامع غلبةَ الظنّ؛ لما عرفت من اقتضاء الشكّ
تساوي الطرفين والظنّ رجحانَ أحدهما. ولا فرق في البناء على الطرف الراجح بين
الاُوليين وغيرهما ، ولا بين الرباعيّة وغيرها.
ومعنى البناء عليه : فرضُه واقعاً
والتزام حكمه من صحّةٍ وبطلان وزيادةٍ ونقصان ، فإن كان في الأفعال وغلب الفعلُ
بنى على وقوعه ، أو عدمُهُ فَعَله إن كان في محلّه ، وفي عدد الركعات يجعل الواقعَ
ما ظنَّه من غير احتياط ، فإن غلب الأقلُّ بنى عليه وأكمل ، وإن غلب الأكثرُ من
غير زيادةٍ في عدد الصلاة ـ كالأربع ـ تشهَّدَ وسلَّم ، وإن كان زيادة ـ كما لو
غلب ظنّه على الخمس ـ صار كأ نّه زاد ركعةً آخر الصلاة ، فتبطل إن لم يكن جلس عقيب
الرابعة بقدر التشهّد ، وهكذا ...
«ولو أحدث قبل الاحتياط أو الأجزاء
المنسيّة» التي تُتلافى بعد الصلاة «تطهّر وأتى بها *»
من غير أن تبطل الصلاة «على
الأقوى» لأنّه صلاةٌ منفردة ، ومن ثَمّ وجب
فيها النيّة والتحريمة والفاتحة ، ولا صلاة إلّابها ، وكونُها جبراً لما يُحتمل
نقصه من الفريضة ـ ومن ثمّ وجبت المطابقة بينهما ـ لا يقتضي
____________________
الجزئيّة ، بل يحتمل
ذلك والبدليّة؛ إذ لا يقتضي المساواة من كلّ وجه ، ولأصالة الصحّة
وعليه المصنِّف في مختصراته .
واستضعفه في الذكرى ، بناءً على أنّ
شرعيّته ليكون استدراكاً للفائت منها ، فهو على تقدير وجوبه جزءٌ ، فيكون الحدث
واقعاً في الصلاة
ولدلالة ظاهر الأخبار
عليه.
وقد عرفت دلالةَ البدليّة
والأخبار إنّما دلّت على الفوريّة ولا نزاع فيها ، إنّما الكلام في أنّه بمخالفتها
هل يأثم خاصّة ـ كما هو مقتضى كلّ واجب ـ أم يبطلها؟
وأمّا الأجزاء المنسيّة فقد خرجت عن
كونها جزءاً محضاً ، وتلافيها بعد الصلاة فعلٌ آخر ، ولو بقيت على محض الجزئيّة
كما كانت لبطلت بتخلّل الأركان بين محلّها وتلافيها.
«ولو ذكر ما فعل فلا إعادة إلّاأن يكون
قد أحدث» أي : ذكر نقصانَ الصلاة بحيث يحتاج
إلى إكمالها بمثل ما فعل صحّت الصلاةُ وكان الاحتياط متمّماً
____________________
لها ، وإن اشتمل على
زيادة الأركان من النيّة والتكبير ، ونقصان بعضٍ كالقيام لو احتاط جالساً ، وزيادةِ
الركوع والسجودِ في الركعات المتعدّدة
للامتثال المقتضي للإجزاء. ولو اعتبرت المطابقة محضاً لم يَسْلُم احتياطٌ ذكر
فاعِلُه الحاجة إليه؛ لتحقّق الزيادة إن لم تحصل المخالفة. وشمل ذلك
ما لو أوجب الشكُّ احتياطين.
وهو ظاهرٌ مع المطابقة ، كما لو تذكّر أنّها
اثنتان بعد أن قدَّم ركعتي القيام. ولو ذكر أنّها ثلاث احتُمل كونُه كذلك ـ وهو
ظاهر الفتوى
لما ذكر
ـ وإلحاقُه بمن زاد ركعةً آخر الصلاة سهواً. وكذا لو ظهر الأوّل بعد تقديم صلاة
الجلوس أو الركعة قائماً إن جوّزناه. ولعلّه السرّ في تقديم ركعتي القيام.
وعلى ما اخترناه لا تظهر المخالفة
إلّافي الفرض الأوّل من فروضها ، وأمره سهلٌ مع إطلاق النصّ وتحقّق الامتثال
الموجب للإجزاء. وكيف كان ، فهو أسهل
من قيام ركعتين من جلوسٍ مقام ركعةٍ من قيام إذا ظهرت الحاجة إليه في جميع الصور.
____________________
هذا إذا ذكر بعد تمامه. ولو كان في
أثنائه فكذلك مع المطابقة أو لم يتجاوز القدر المطابق ، فيسلّم عليه. ويشكل مع
المخالفة ، خصوصاً مع الجلوس إذا كان قد ركع للاُولى؛ لاختلال نظم الصلاة. أمّا
قبله فيُكمِل الركعة قائماً ، ويغتفر ما زاده من النيّة والتحريمة كالسابق. وظاهرُ
الفتوى اغتفارُ الجميع.
أمّا لو كان قد أحدث أعاد؛ لظهوره في
أثناء الصلاة ، مع احتمال الصحّة. ولو ذكر بعد الفراغ تمامَ الصلاة فأولى بالصحّة
، ولكنّ العبارة لا تتناوله وإن دخل في «ذَكَر ما فعل»
إلّاأنّ استثناءَه الحدَثَ ينافيه؛ إذ لا فرق في الصحّة بين الحالين. ولو ذكر
التمام في الأثناء تخيّر بين قطعه وإتمامه ، وهو الأفضل.
«الثانية» :
«حكم الصدوق»
أبو جعفر محمّد «بن
بابويه بالبطلان» بطلانِ الصلاة «في»
صورة «الشكّ
بين الاثنتين والأربع»
استناداً إلى مقطوعة محمّد بن مسلم ، قال : «سألته عن الرجل لا يدري أصلّى ركعتين أم
أربعاً؟ قال : يعيد الصلاة»
.
«والرواية مجهولة المسؤول»
فيُحتمل كونُه غيرَ إمام ، مع معارضتها بصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه
السلام في من لا يدري أركعتان صلاته أو أربع؟ قال : «يسلِّم ويُصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب
ويتشهّد وينصرف»
وفي معناها غيرها
ويمكن حمل المقطوعة على من شكّ قبل إكمال السجود ، أو
____________________
على الشكّ في غير
الرباعيّة.
«الثالثة»
:
«أوجب»
الصدوق «أيضاً
الاحتياط بركعتين جالساً لو شكّ في المغرب بين الاثنتين والثلاث وذهب وهمه»
أي ظنّه «إلى
الثالثة
عملاً
برواية عمّار» ابن موسى «الساباطي عن الصادق
عليه السلام وهو»
أي عمّار «فَطَحيّ»
المذهب ، منسوبٌ إلى الفَطَحيّة ـ وهم القائلون بإمامة عبد اللّٰه بن جعفر
الأفطح ـ فلا يُعتدّ بروايته ، مع كونها شاذّة والقول بها نادرٌ. والحكم ما تقدّم
: من أنّه مع ظنّ أحد الطرفين يبني عليه من غير أن يلزمه شيء .
«وأوجب»
الصدوق «أيضاً
ركعتين جلوساً * للشكّ بين الأربع والخمس وهو»
قول «متروك»
وإنّما الحقّ فيه ما سبق من التفصيل
من غير احتياط ، ولأنّ الاحتياط جبرٌ لما يُحتمل نقصُه ، وهو هنا منفيٌّ قطعاً.
____________________
وربّما حُمل على
الشكّ فيهما قبل الركوع ، فإنّه يوجب الاحتياط بهما ، كما مرّ .
«الرابعة» :
«خيّر ابن الجنيد »
رحمه الله «الشاكَّ
بين الثلاث والأربع بين البناء على الأقلّ ولا احتياط * أو على الأكثر ويحتاط
بركعةٍ» قائماً «أو ركعتين»
جالساً «وهو
خِيَرة الصدوق »
ابن بابويه ، جمعاً بين الأخبار الدالّة على الاحتياط المذكور
وروايةِ سهل بن اليسع عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «يبني على يقينه ويسجد
للسهو»
بحملها على التخيير ، ولتساويهما في تحصيل الغرض من فعل ما يُحتمل فواته ، ولأصالة
عدم فعله ، فيتخيّر بين فعله وبدله.
«وتردّه»
هذا القول «الرواياتُ
المشهورة» الدالّةُ على البناء على الأكثر :
إمّا مطلقاً كرواية عمّار عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام ، قال : «إذا سهوتَ فابنِ على الأكثر ، فإذا فرغت
وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنتَ أتممت لم يكن عليك شيءٌ ، وإن ذكرت أنّك
كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»
وغيرها .
____________________
وإمّا بخصوص المسألة كرواية عبد الرحمن
بن سيابة وأبي العبّاس عنه عليه السلام : «إذا لم تدرِ ثلاثاً صلّيت أو أربعاً
ووقع رأيك على الثلاث فابنِ على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فسلِّم وانصرف ،
وإن اعتدل وهمُك فانصرف وصلّ ركعتين وأنت جالس»
وفي خبرٍ آخر عنه عليه
السلام : «هو
بالخيار إن شاء صلّى ركعةً قائماً أو ركعتين جالساً»
.
وروايةُ ابن اليسع مُطرَّحةٌ لموافقتها
لمذهب العامّة ، أو محمولةٌ على غلبة الظنّ بالنقيصة.
«والخامسة» :
«قال عليّ بن بابويه رحمه الله في الشكّ
بين الاثنتين والثلاث : إن ذهب الوهم»
وهو الظنّ «إلى
الثالثة أتمّها رابعةً ثم احتاط بركعة ، وإن ذهب الوهم إلى الاثنتين بنى عليه
وتشهّد في كلّ ركعة» تبقى عليه ، أي
بعدها. أمّا على الثانية فظاهر ، وأمّا على الثالثة فلجواز أن تكون رابعةً بأن
تكون صلاته عند شكّه ثلاثاً ، وعلى الرابعة ظاهر «وسَجَدَ للسهو ، وإن اعتدل الوهم تخيّر
بين البناء على الأقلّ والتشهّد في كلّ ركعة ، وبين البناء على الأكثر والاحتياط».
وهذا القول مع ندوره لم نقف على مستنده «والشهرة»
بين الأصحاب في أنّ حكم هذا الشاكّ مع اعتدال وهمه البناء على الأكثر والاحتياط
المذكور «تدفعه».
____________________
والتحقيق : أنّه لا نصّ من الجانبين على
الخصوص ، والعموم
يدلّ على المشهور ، والشكّ بين الثلاث والأربع منصوصٌ
، وهو يناسبه.
واعلم أنّ هذه المسائل مع السابعة
خارجةٌ عن موضوع الكتاب ، لالتزامه فيه أن لا يذكر إلّاالمشهور بين الأصحاب؛
لأنّها من شواذّ الأقوال. ولكنّه أعلم بما قال.
«السادسة» :
«لا حكم للسهو مع الكثرة»
للنصّ الصحيح الدالّ عليه ، معلّلاً بأ نّه إذا لم يلتفت تركه الشيطان ، فإنّما
يريد أن يُطاع فإذا عُصي لم يَعُد
والمرجع في الكثرة إلى العرف ، وهي تحصل بالتوالي ثلاثاً وإن كان في فرائض.
والمراد بالسهو ما يشمل الشكّ ، فإنّ
كلّاً منهما يُطلق على الآخر استعمالاً شرعيّاً أو تجوّزاً؛ لتقارب المعنيين.
ومعنى عدم الحكم معها : عدمُ الالتفات
إلى ما شكَّ فيه من فعلٍ أو ركعةٍ ، بل يبني على وقوعه وإن كان في محلّه ، حتّى لو
فعله بطلت. نعم ، لو كان المتروك ركناً لم تؤثّر الكثرة في عدم البطلان ، كما أنّه
لو ذكر تركَ الفعل في محلّه استدركه. ويبني على الأكثر في الركعات ما لم يستلزم
الزيادة على المطلوب منها فيبني على المصحِّح.
____________________
وسقوط
سجود السهو لو فَعَل ما يوجبه بعدها أو تَرَكَ ، وإن وجب تلافي المتروك بعد الصلاة
تلافاه من غير سجود.
وتتحقّق الكثرة في الصلاة الواحدة
بتخلّل الذكر ، لا بالسهو عن أفعال متعدّدة مع استمرار الغفلة. ومتى ثبتت بالثلاث
سقط الحكم في الرابع ، ويستمرّ إلى أن تخلو من السهو والشكّ فرائضُ يتحقّق فيها
الوصف ، فيتعلّق به حكم السهو الطارئ ، وهكذا ...
«ولا للسهو في السهو»
أي في موجَبه من صلاة وسجود ، كنسيان ذكرٍ أو قراءةٍ ، فإنّه لا سجود عليه. نعم ،
لو كان ممّا يُتلافى تلافاه من غير سجود.
ويمكن أن يريد ب «السهو»
في كلٍّ منهما : الشكّ أو ما يشمله على وجه الاشتراك ولو بين حقيقة الشيء ومجازه ،
فإنّ حكمه هنا صحيح.
فإن استُعمل في الأوّل فالمراد به الشكّ
في موجب السهو من فعلٍ أو عددٍ ـ كركعتي الاحتياط ـ فإنّه يبني على وقوعه ، إلّاأن
يستلزم الزيادة كما مرّ. أو في الثاني فالمراد به موجب الشكّ كما مرّ. وإن استُعمل
فيهما فالمراد به الشكّ في موجب الشكّ ـ وقد ذُكر أيضاً ـ أو الشكّ في حصوله.
وعلى كلّ حالٍ لا التفات ، وإن كان
إطلاق اللفظ على جميع ذلك يحتاج إلى تكلُّف.
«ولا لسهو الإمام»
أي شكِّه ، وهو قرينةٌ لما تقدّم
«مع
حفظ المأموم وبالعكس» فإنّ الشاكّ من
كلٍّ منهما يرجع إلى حفظ الآخر ولو بالظنّ ، وكذا يرجع الظانُّ إلى المتيقِّن. ولو
اتّفقا على الظنّ واختلف محلُّه تعيَّن الانفراد. ويكفي
____________________
في رجوعه تنبيهه
بتسبيحٍ ونحوه. ولا يشترط عدالة المأموم. ولا يتعدّى إلى غيره وإن كان عدلاً. نعم
، لو أفاده الظنّ رجع إليه لذلك ، لا لكونه مُخبراً.
ولو اشتركا في الشكّ واتّحد لزمهما
حُكمُه ، وإن اختلف رجعا إلى ما اتّفقا عليه وتركا ما انفرد كلٌّ به ، فإن لم
يجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ، كما لو شكّ أحدُهما بين الاثنين والثلاث والآخر
بين الأربع والخمس.
ولو تعدّد المأمومون واختلفوا مع الإمام
فالحكم كالأوّل في رجوع الجميع إلى الرابطة والانفراد بدونها. ولو اشترك بين
الإمام وبعض المأمومين رجع الإمام إلى الذاكر منهم وإن اتّحد ، وباقي المأمومين
إلى الإمام.
ولو استُعمل «السهو»
في معناه أمكن في العكس لا الطرد
بناءً على ما اختاره جماعةٌ ـ منهم المصنّف في الذكرى
ـ من أنّه لا حكم لسهو المأموم مع سلامة الإمام عنه ، فلا يجب عليه سجود السهو لو
فعل ما يوجبه لو كان منفرداً. نعم ، لو ترك ما يُتلافى مع السجود سقط السجود خاصّة.
ولو كان الساهي الإمام فلاريب في الوجوب عليه ، إنّماالخلاف في وجوب متابعة
المأموم له وإن كان أحوط.
«السابعة» :
«أوجب ابنا بابويه»
عليّ وابنه محمّد الصدوقان «رحمهما
اللّٰه سجدتيالسهو على من شكّ بين الثلاث والأربع وظنّ الأكثر»
ولا نصّ عليهما
____________________
في هذا الشكّ بخصوصه
، وأخبار الاحتياط خاليةٌ منهما ، والأصل يقتضي العدم.
«وفي رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق
عليه السلام : «إذا ذهب وهمك إلى
التمام ابدأ في كلّ صلاةٍ فاسجد سجدتي السهو»»
فتصلح دليلاً لهما؛
لتضمّنها مطلوبهما.
«وحملت»
هذه الرواية «على
الندب».
وفيه نظرٌ؛ لأنّ الأمر حقيقةٌ في الوجوب
، وغيرُها من الأخبار لم يتعرّض لنفي السجود ، فلا منافاة بينهما إذا اشتملت على
زيادة ، مع أنّها غير منافيةٍ لجبر الصلاة؛ لاحتمال النقص ، فإنّ الظنّ بالتمام لا
يمنع النقص ، بخلاف ظنّ النقصان ، فإنّ الحكم بالإكمال جابر. نعم ، يمكن ردّها من
حيث السند .
____________________
«الفصل الثامن»
«في القضاء»
«يجب قضاء الفرائض اليوميّة مع الفوات
حال البلوغ والعقل والخُلُوّ عن الحيض والنفاس والكفر الأصليّ»
احترز به عن العارضي بالارتداد ، فإنّه لا يسقطه ، كما سيأتي.
وخرج ب «العقل»
المجنونُ فلا قضاء عليه ، إلّاأن يكون سببه بفعله ، كالسكران مع القصد والاختيار
وعدم الحاجة.
وربّما دخل فيه المغمى عليه ، فإنّ
الأشهر عدم القضاء عليه وإن كان بتناول الغذاء المؤدّي إليه مع الجهل بحاله أو
الإكراه عليه أو الحاجة إليه كما قيّده به المصنّف في الذكرى
بخلاف الحائض والنُفساء ، فإنّهما لا تقضيان مطلقاً وإن كان السبب من قِبَلهِما.
والفرق أنّه فيهما عزيمة وفي غيرهما رخصة ، وهي لا تناط بالمعصية.
والمراد ب «الكفر الأصلي»
هنا : ما خرج عن فِرَق المسلمين منه
____________________
فالمسلم يقضي ما تركه
وإن حُكم بكفره كالناصبي وإن استبصر ، وكذا ما صلّاه فاسداً عنده.
«ويُراعى فيه»
أي في القضاء «الترتيب
بحسب الفوات» فيقدّم الأوّل منه
فالأوّل مع العلم ، هذا في اليوميّة. أمّا غيرها ففي ترتّبه في نفسه وعلى اليوميّة
وهي عليه قولان
ومال في الذكرى إلى الترتيب
واستقرب في البيان عدمه
وهو أقرب.
«ولا يجب الترتيب بينه وبين الحاضرة»
فيجوز تقديمها عليه مع سعة وقتها وإن كان الفائت متّحداً أو ليومه على الأقوى .
«نعم ، يُستحبّ»
ترتيبها عليه ما دام وقتها واسعاً ، جمعاً بين الأخبار التي دلّ بعضها على المضايقة
وبعضها على غيرها
بحمل الاُولى على الاستحباب.
____________________
ومتى تضيّق وقت الحاضرة قُدّمت إجماعاً
، ولأنّ الوقت لها بالأصالة.
«ولو جهل الترتيب سقط»
في الأجود؛ لأنّ «الناس
في سعةٍ ممّا لم يعلموا»
ولاستلزام فعله بتكرير الفرائض على وجهٍ يحصّله الحرجَ والعسرَ المنفيّين في كثيرٍ
من موارده. وسهولتُهُ في بعضٍ يستلزم إيجابُه فيه إحداثَ قولٍ ثالث.
وللمصنّف قولٌ ثان ، وهو تقديم ما ظُنّ
سبقه ثم السقوط ، اختاره في الذكرى .
وثالثٌ وهو العمل بالظنّ أو الوهم فإن
انتفيا سقط ، اختاره في الدروس .
ولبعض الأصحاب رابع ، وهو وجوب تكرير
الفرائض حتّى يُحصّله
فيصلّي من فاته الظهران من يومين ظهراً بين عصرين أو بالعكس؛ لحصول الترتيب بينهما
على تقدير سبق كلّ واحدة. ولو جامعهما مغربٌ من ثالثٍ صلّى الثلاث قبل المغرب
وبعدها ، أو عشاءٌ معها فَعَل السبع قبلها وبعدها ، أو صبحٌ معها فَعَل الخمس عشرة
قبلها وبعدها ، وهكذا ...
والضابط : تكريرها على وجهٍ يحصل
الترتيب على جميع الاحتمالات ، وهي : اثنان في الأوّل ، وستّة في الثاني ، وأربعة
وعشرون في الثالث ، ومئة وعشرون في الرابع ، حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقاً في عدد
الفرائض المطلوبة. ولو اُضيف إليها سادسةٌ صارت الاحتمالات سبعمئة وعشرين.
وصحّته على الأوّل من ثلاث وستّين فريضة
، وهكذا ...
____________________
ويمكن صحّتها من دون ذلك ، بأن يصلّي
الفرائض جُمَع كيف شاء مكرّرة عدداً ينقص عنها بواحدٍ ، ثم يختمه بما بدأ به منها
، فيصحّ فيما عدا الأوّلين من ثلاث عشرة في الثالث ، وإحدى وعشرين في الرابع ،
وإحدى وثلاثين في الخامس ، ويمكن فيه بخمسة أيّام ولاءً والختم بالفريضة الزائدة.
«ولو جهل عينَ الفائتة»
من الخمس «صلّى
صبحاً ومغرباً» معيَّنين. «وأربعاً مطلقاً *»
بين الرباعيّات الثلاث ، ويتخيّر فيها بين الجهر والإخفات وفي تقديم ما شاء من
الثلاث ، ولو كان في وقت العشاء ردّد بين الأداء والقضاء.
«والمسافر يصلّي مغرباً وثنائيّة مطلقة»
بين الثنائيّات الأربع مخيّراً ، كما سبق. ولو اشتبه فيها القصر والتمام فرباعيّةٌ
مطلقةٌ ثلاثيّاً وثنائيّةٌ مطلقةٌ رباعيّاً ومغربٌ ، يُحصِّل الترتيب عليهما .
«ويقضي المرتدّ»
فطريّاً كان أم ملّيّاً إذا أسلم «زمان ردّته»
للأمر بقضاء الفائت ، خرج عنه الكافر الأصلي وما في حكمه
فيبقى الباقي. ثمّ إن قُبلت توبته ـ كالمرأة والملّي ـ قضى ، وإن لم تُقبل ظاهراً
ـ كالفطري على المشهور ـ فإن اُمهل بما يمكنه القضاء قَبل قتله قضى ، وإلّا بقي في
ذمّته. والأقوى قبول توبته مطلقاً .
«و»
كذا يقضي «فاقد»
جنس «الطهور»
من ماءٍ وتراب عند التمكّن «على
الأقوى» لما مرّ
ولرواية زرارة عن الباقر عليه السلام في مَن صلّى
____________________
بغير طهور ، أو نسي
صلوات ، أو نام عنها ، قال : «يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعةٍ ذكرها ، ليلاً أو
نهاراً»
وغيرها من الأخبار الدالّة عليه صريحاً .
وقيل : لا يجب
لعدم وجوب الأداء ، وأصالةِ البراءة ، وتوقّف القضاء على أمرٍ جديد.
ودفعُ الأوّل واضحٌ؛ لانفكاك كلٍّ منهما
عن الآخر وجوداً وعدماً ، والأخيرَين بما ذُكر .
«وأوجب ابنُ الجنيد الإعادة على العاري
إذا صلّى» كذلك لعدم الساتر «ثمّ وجد الساترَ في
الوقت» لا في خارجه ، محتجّاً بفوات شرط
الصلاة ـ وهو الستر ـ فتجب الإعادة ، كالمتيمّم.
«وهو بعيدٌ»
لوقوع الصلاة مجزيةً بامتثال الأمر فلا يَستعقِب القضاءَ ، والسترُ شرطٌ مع القدرة
لا بدونها.
نعم ، روى عمّار عن أبي عبد
اللّٰه عليه السلام في رجل ليس عليه إلّاثوبٌ ولا تحلّ الصلاة فيه ، وليس
يجد ماءً يغسله ، كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويُصلّي ، فإذا أصاب ماءً غسله
وأعاد الصلاة» .
____________________
وهو ـ مع ضعف سنده
ـ لا يدلّ على مطلوبه؛ لجواز استناد الحكم إلى التيمّم.
«ويُستحبّ قضاء النوافل الراتبة»
اليوميّة استحباباً مؤكَّداً ، وقد رُوي «أنّ من تركه تشاغلاً بالدنيا لقى
اللّٰه مستخِفّاً متهاوناً مضيِّعاً لسنّة رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله»
.
«فإن عجز»
عن القضاء «تصدّق»
عن كلّ ركعتين بمُدٍّ ، فإن عجز فعن كلّ أربع ، فإن عجز فعن صلاة الليل بمُدٍّ وعن
صلاة النهار بمُدٍّ ، فإن عجز فعن كلّ يوم بمُدٍّ. والقضاء أفضل من الصدقة.
«ويجب على الوليّ»
وهو الولدُ الذكر الأكبر ، وقيل : كلّ وارثٍ مع فقده
«قضاءُ
ما فات أباه» من الصلاة «في مرضه»
الّذي مات فيه.
«وقيل»
: ما فاته «مطلقاً
وهو
أحوط» وفي الدروس قطع بقضاء مطلق ما فاته
وفي الذكرى نقل عن المحقّق وجوب قضاء ما فاته لعذر كالمرض والسفر والحيض ، لا ما
تركه عمداً مع قدرته عليه ، ونفى عنه البأس ، ونقل عن شيخه عميد الدين نُصرته .
____________________
فصار للمصنّف في المسألة ثلاثة أقوال.
والروايات تدلّ بإطلاقها على الوسط. والموافق للأصل ما اختاره هنا.
وفِعلُ الصلاة على غير الوجه المُجزئ
شرعاً كتركها عمداً؛ للتفريط.
واحترز المصنّفُ ب «الأب»
عن الاُمّ ونحوها من الأقارب ، فلا يجب القضاءُ عنهم على الوارث في المشهور.
والروايات مختلفة ، ففي بعضها ذُكر «الرجل»
وفي بعضٍ «الميّت»
ويمكن حمل المطلق
على المقيَّد ، خصوصاً في الحكم المخالف للأصل.
ونقل في الذكرى عن المحقّق وجوبَ القضاء
عن المرأة ، ونفى عنه البأس ، أخذاً بظاهر الروايات ، وحملاً للفظ «الرجل»
على التمثيل .
ولا فرق ـ على القولين ـ بين الحرّ
والعبد على الأقوى.
وهل يشترط كمال الوليّ عند موته؟ قولان
واستقرب في الذكرى اشتراطه؛ لرفعِ القلم عن الصبيّ والمجنون
وأصالةِ البراءة بعد ذلك. ووجهُ الوجوب عند بلوغه إطلاقُ النصّ وكونُه في مقابلة
الحَبْوةَ.
ولا يشترط خُلوّ ذمّته من صلاة واجبةٍ؛
لتغاير السبب ، فيلزمان معاً. وهل
____________________
يجب تقديم ما سبق
سببه؟ وجهان ، اختار في الذكرى الترتيب .
وهل له استئجار غيره؟ يحتمله؛ لأنّ
المطلوب القضاء وهو ممّا يقبل النيابة بعد الموت ، ومن تعلّقها بحيٍّ واستنابتُه
ممتنعة. واختار في الذكرى المنعَ
وفي صوم الدروس الجوازَ
وعليه يتفرّع تبرّعُ غيره به.
والأقرب اختصاصُ الحكم بالوليّ فلا
يتحمّلها وليُّه ، وإن تحمَّل ما فاته عن نفسه.
ولو أوصى الميّت بقضائها على وجهٍ تُنفذ
سقطت عن الوليّ ، وبالبعض وجب الباقي.
«ولو فات المكلّف»
من الصلوات «ما
لم يُحصه» لكثرته «تحرّى»
ـ أي اجتهد ـ في تحصيل ظنٍّ بقدرٍ «وبنى على ظنّه»
وقضى ذلك القدر ، سواء كان الفائت متعدّداً كأيّام كثيرة ، أم متّحداً كفريضةٍ
مخصوصةٍ متعدّدة.
ولو اشتبه الفائت في عددٍ منحصرٍ عادةً
وجب قضاء ما تيقّن
به البراءة ، كالشكّ بين عشر وعشرين. وفيه وجهٌ بالبناء على الأقلّ
ضعيفٌ.
«ويعدل إلى»
الفريضة «السابقة
لو شرع في» قضاء «اللاحقة»
ناسياً مع إمكانه ، بأن لا يزيد عددُ ما فعل عن عدد السابقة أو تجاوَزَه ولمّا
يركع في الزائدة؛ مراعاةً للترتيب حيث يمكن.
والمراد ب «العدول»
أن ينوي بقلبه تحويلَ هذه الصلاة إلى السابقة
____________________
ـ إلى آخر مميّزاتها
ـ متقرِّباً. ويحتمل عدم اعتبار باقي المميِّزات ، بل في بعض الأخبار دلالةٌ عليه .
«ولو تجاوز محلّ العدول»
بأن ركع في زائدةٍ عن عدد السابقة «أتمّها ثمّ تدارك السابقة لا غير»
لاغتفار الترتيب مع النسيان ، وكذا لو شرع في اللاحقة ثمّ علم أنّ عليه فائتة. ولو
عدل إلى السابقة ثمّ ذكر سابقةً اُخرى عدل إليها ، وهكذا .... ولو ذكر بعد العدول
براءته من المعدول إليها عدل إلى اللاحقة المنويّة أوّلاً أو فيما بعده ، فعلى هذا
يمكن ترامي العدول ودوره.
وكما يعدل من فائتة إلى مثلها ، فكذا من
حاضرةٍ إلى مثلها ـ كالظهرين لمن شرع في الثانية ناسياً ـ وإلى فائتةٍ ، استحباباً
على ما تقدّم
أو وجوباً على القول الآخر. ومن الفائتة إلى الأداء لو ذكر براءته منها. ومنهما
إلى النافلة في موارد
ومن النافلة إلى مثلها لا إلى فريضة. وجملة صُوَره ستّ عشرة ، وهي الحاصلة من ضرب
صور المعدول عنه وإليه ـ وهي أربع : نفلٌ وفرضٌ أداءً وقضاءً ـ في الآخر.
____________________
«مسائل»
(الاُولى)
:
«ذهب المرتضى وابنُ الجنيد
وسلّار
إلى وجوب تأخير اُولي الأعذار إلى آخر الوقت» محتجّين
بإمكان إيقاع الصلاة تامّة بزوال العذر فيجب ، كما يُؤخِّر المتيمّم بالنصّ
والإجماع ، على ما ادّعاه المرتضى .
«وجوّزه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله
أوّل الوقت »
وإن كان التأخير أفضل.
«وهو الأقرب»
لمخاطبتهم بالصلاة من أوّل الوقت بإطلاق الأمر
____________________
فتكون مجزئةً؛
للامتثال.
وما ذكروه من الإمكان معارَضٌ بالأمرِ
واستحباب المبادرة إليها في أوّل الوقت ، ومجرّدُ الاحتمال لا يوجب القدرة على
الشرط ، ويمكن فواتها بموتٍ وغيره فضلاً عنه
والتيمّم خرج بالنصّ
وإلّا لكان من جملتها. نعم ، يستحبّ التأخيرُ مع الرجاء؛ خروجاً من خلافهم ،
ولولاه لكان فيه نظر.
«الثانية»
:
«المرويّ في المبطون » وهو
من به داء البَطَن ـ بالتحريك ـ من ريحٍ أو غائطٍ على وجهٍ لا يمكنه منعُه مقدار
الصلاة : الوضوء لكلّ صلاةٍ و «البناءُ»
على ما مضى منها «إذا
فجأه الحدث» في أثنائها بعد
الوضوء ، واغتفارُ هذا الفعل وإن كثر. وعليه جماعةٌ من المتقدّمين .
«وأنكره بعض الأصحاب»
المتأخّرين
وحكموا باغتفار ما يتجدّد من
____________________
الحدث بعد الوضوء ، سواء
وقع في الصلاة أم قبلها إن لم يتمكّن من حفظ نفسه مقدار الصلاة ، وإلّا استأنفها ،
محتجّين بأنّ الحدث المتجدّد لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة ـ لأنّ المشروط عَدَمٌ
عند عَدَمِ شرطه ـ وبالأخبار الدالّة على أنّ الحدث يقطع الصلاة .
«والأقرب الأوّل ، لتوثيقِ رجال الخبر»
الدالّ على البناء على ما مضى من الصلاة بعد الطهارة «عن الباقر*
عليه
السلام» والمراد توثيق رجاله على وجهٍ يستلزم
صحّةَ الخبر ، فإنّ التوثيق أعمّ منه عندنا ، والحال أنّ الخبرَ الوارد في ذلك
صحيحٌ باعتراف الخصم
فيتعيّن العمل به؛ لذلك «وشهرتِهِ
بين الأصحاب» خصوصاً المتقدّمين.
ومن خالف حُكمَه أوَّلَه بأنّ المراد ب
«البناء»
الاستئناف .
وفيه : أنّ البناء على الشيء يستلزم سبق
شيءٍ منه يُبنى عليه ، ليكون الماضي بمنزلة الأساس لغةً وعرفاً ، مع أنّهم لا
يوجبون الاستئناف ، فلا وجه لحملهم عليه.
والاحتجاج بالاستلزام
مصادرةٌ؛ وكيف يتحقّق التلازم مع ورود النصّ
____________________
الصحيح بخلافه؟
والأخبارُ الدالّة على قطع مطلق الحدث
لها مخصوصةٌ بالمستحاضة والسَّلس اتّفاقاً ، وهذا الفرد يشاركهما بالنصِّ الصحيح
ومصيرِ جمعٍ إليه
وهو كافٍ في التخصيص. نعم ، هو غريبٌ ، لكنّه ليس بعادم للنظير ، فقد ورد صحيحاً
قطع الصلاة والبناء عليها في غيره
مع أنّ الاستبعاد غير مسموع.
«الثالثة» :
«يُستحبّ تعجيل القضاء» استحباباً
مؤكَّداً ، سواء الفرض والنفل ، بل الأكثر على فوريّة قضاء الفرض
وأ نّه لا يجوز الاشتغال عنه بغير الضروريّ : من أكل ما يُمسك الرمق ، ونومٍ يضطرّ
إليه ، وشغلٍ يتوقّف عليه
ونحو ذلك. وأفرده بالتصنيف جماعة
وفي كثيرٍ من الأخبار دلالةٌ عليه
إلّاأنّ حملها على
____________________
الاستحباب المؤكَّد
طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على التوسعة .
«ولو كان»
الفائتُ «نافلةً
لم ينتظر بقضائها مثلَ زمان فواتها»
من ليلٍ أو نهارٍ ، بل يقضي نافلة الليل نهاراً وبالعكس؛ لأنّ اللّٰه تعالى
جعل كلّاً منهما خِلْفةً للآخر
وللأمر بالمسارعة إلى أسباب المغفرة
وللأخبار .
وذهب جماعةٌ من الأصحاب إلى استحباب
المماثلة
استناداً إلى روايةِ إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه السلام : «أفضلُ قضاء النوافل
قضاء صلاة الليل بالليل وصلاة النهار بالنهار»
وغيرها .
وجُمع بينهما بالحمل بالأفضل
والفضيلة؛ إذ عدم انتظار مثل الوقت فيه مسارعةٌ إلى الخير ، وهو فضل. كذا أجاب في
الذكرى
وهو يُؤذِن بأفضليّة المماثلة؛ إذ لم يذكر الأفضل إلّافي دليلها. وأطلق في باقي
كتبه استحبابَ التعجيل
____________________
والأخبار به كثيرة
إلّاأ نّها خاليةٌ عن الأفضليّة.
«وفي جواز النافلة لمن عليه فريضةٌ قولان
أقربهما الجواز»
للأخبار الكثيرة الدالّة عليه
«وقد
بيّنّا مأخذه في كتاب الذكرى »
بإ يراد ما ورد فيه من الأخبار ، وحرّرنا نحن ما فيه في شرح الإرشاد .
واستند المانع أيضاً إلى أخبار دلّت على
النهي وحَمْلُه على
الكراهة طريق الجمع ، نعم يعتبر عدم إضرارها بالفريضة. ولا فرق بين ذوات الأسباب
وغيرها.
____________________
«الفصل التاسع»
«في صلاة الخوف»
«وهي مقصورةٌ سفراً»
إجماعاً «وحضراً»
على الأصحّ؛ للنصّ
وحُجّةُ مشترِط السفر بظاهر الآية
ـ حيث اقتضت الجمع ـ مندفَعةٌ بالقصر للسفر المجرَّد عن الخوف ، والنصُّ محكّمٌ
فيهما «جماعةً»
إجماعاً «وفرادى»
على الأشهر
لإطلاق النصّ واستنادُ مشترطِها إلى فعل النبيّ صلى الله عليه وآله لها جماعة
لا يدلّ على الشرطيّة ، فيبقى ما دلّ على الإطلاق سالماً.
وهي أنواعٌ كثيرة تبلغ العشرة
أشهرُها صلاةُ ذات الرِقاع ، فلذا لم يَذكُر
____________________
غيرها.
ولها شروط أشار إليها
بقوله :
«ومع إمكان الافتراق فرقتين»
لكثرة المسلمين أو قوّتهم ، بحيث يقاوِم كلّ فرقةٍ العدوَّ حالةَ اشتغال الاُخرى
بالصلاة وإن لم يتساويا عدداً.
«و»
كون «العدوّ
في خلاف» جهة «القبلة»
إمّا في دَبرها أو عن
أحد جانبيها بحيث لا يمكنهم القتال مصلّين إلّابالانحراف عنها ، أو في جهتها مع
وجود حائلٍ يمنع من قتالهم.
واشتُرط ثالثٌ وهو : كون العدوّ ذا
قوّةٍ يُخاف هجومُه عليهم حالَ الصلاة
فلو أمن صلّوا بغير تغيير يذكر هنا ، وتَرَكَه اختصاراً وإشعاراً به من الخوف.
ورابعٌ وهو : عدم الاحتياج إلى الزيادة
على فرقتين
لاختصاص هذه الكيفيّة بإدراك كلّ فرقةٍ ركعة. ويمكن الغَناء عنه في المغرب.
ومع اجتماع الشروط «يصلّون صلاةَ ذات
الرِقاع» سُمّيت بذلك؛ لأنّ القتال كان في سفح
جبلٍ فيه جُدَدٌ
حُمرٌ وصفرٌ وسودٌ كالرقاع ، أو لأنّ الصحابة كانوا حُفاةً فلفّوا على أرجلهم
الرِقاع من جلودٍ وخِرَقٍ لشدّة الحرّ ، أو لأنّ الرقاع كانت في ألويتهم ، أو
لمرور قومٍ به حُفاةً فتشقّقت أرجلُهم فكانوا يَلفّون عليها الخِرَق ، أو لأنّها
اسم شجرة كانت في موضع الغزوة ، وهي على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر أرُوما.
وقيل : موضعٌ من نجد ، وهي أرض غَطفان .
____________________
«بأن يصلّي الإمام بفرقةٍ ركعةً»
في مكانٍ لا يبلغهم سهام العدوّ ، ثمّ ينفردون بعد قيامه «ثمّ يتمّون»
ركعةً اُخرى مُخفَّفةً ويُسلّمون ويأخذون موقفَ الفرقة المقاتلة
«ثمّ
تأتي» الفرقة «الاُخرى»
والإمامُ في قراءة الثانية «فيصلّيبهم
ركعةً» إلى أن يرفعوا من سجود الثانية
فينفردون ويُتمّون صلاتَهم «ثمّ
ينتظرهم» الإمام «حتّى يتمّوا ويسلّم بهم».
وإنّما حكمنا بانفرادهم ـ مع أنّ
العبارة لا تقتضيه ، بل ربما دلّ سلامُه بهم على بقاء القُدوَة ـ تبعاً للمصنّف
حيث ذهب في كتبه إلى انفرادهم
وظاهرُ الأصحاب ـ وبه صرّح كثيرٌ منهم
ـ بقاءُ القُدوة. ويتفرّع عليه تحمّل الإمام أوهامَهم على القول به. وما اختاره
المصنّف لا يخلو من قوّةٍ.
«وفي المغرب يصلّي بإحداهما ركعتين»
وبالاُخرى ركعةً مخيّراً في ذلك. والأفضل تخصيص الاُولى بالاُولى ، والثانية
بالباقي؛ تأسّياً بعليّ عليه السلام ليلة الهَرير
وليتقاربا في إدراك الأركان والقراءة المتعيّنة. وتكليفُ الثانية بالجلوس للتشهّد
الأوّل مع بنائها على التخفيف يندفع باستدعائه زماناً على التقديرين ،
____________________
فلا يحصل بإ يثار
الاُولى تخفيفٌ ، ولتكليف الثانية بالجلوس للتشهّد الأوّل على التقدير الآخر .
«ويجب»
على المصلّين «أخذُ
السلاح» للأمر به
المقتضي له ، وهو آلة القتال والدفع : من السيف والسكّين والرمح وغيرِها وإن كان
نجساً ، إلّاأن يمنع شيئاً من الواجبات أو يؤذي غيرَه ، فلا يجوز اختياراً.
«ومع الشدّة»
المانعة من الافتراق كذلك والصلاة جميعاً بأحد الوجوه المقرّرة في هذا الباب «يُصلّون بحسب المكنة»
ركباناً ومشاةً جماعةً وفُرادى. ويُغتفر اختلاف الجهة هنا بخلاف المختلفين في
الاجتهاد؛ لأنّ الجهات قبلة في حقّهم هنا. نعم ، يشترط عدم تقدّم المأموم على
الإمام نحوَ مقصده. والأفعال الكثيرة المفتقر إليها مغتفرة هنا.
ويُؤْمون «إيماءً مع تعذّر»
الركوع و «السجود»
ولو على القَرَبوس بالرأس ، ثمّ بالعينين فتحاً وغمضاً كما مرّ
ويجب الاستقبال بما أمكن ولو بالتحريمة ، فإن عجز سقط.
«ومع عدم الإمكان»
أي إمكان الصلاة بالقراءة والإ يماء للركوع والسجود «يجزيهم عن كلّ ركعةٍ»
بدل القراءة والركوع والسجود وواجباتهما «سبحان اللّٰه والحمد للّٰهولا
إله إلّااللّٰه واللّٰه أكبر»
مقدّماً عليهما
النيّة والتكبير ، خاتماً بالتشهّد والتسليم. قيل : وهكذا صلّى عليٌّ عليه السلام
وأصحابه ليلةَ الهَرير
____________________
الظهرين والعشاءين .
ولا فرق في الخوف الموجب لقصر الكمّية
وتغيّر
الكيفيّة بين كونه من عدوٍّ ولُصٍّ وسَبُعٍ ، لا من وَحَلٍ وغَرَقٍ بالنسبة إلى
الكميّة ، أمّا الكيفيّة فجائزٌ حيث لا يمكن غيرها مطلقاً. وجوّز في الذكرى لهما
قصر الكميّة مع خوف التلف بدونه ورجاء السلامة به وضيق الوقت
وهو يقتضي جواز الترك لو توقّف عليه ، أمّا سقوط القضاء بذلك فلا؛ لعدم الدليل.
____________________
«الفصل العاشر»
«في صلاة المسافر» التي
يجب قصرُها كمّيةً
«وشروطها» :
«قصد»
المسافة ، وهي ثمانية فراسخ كلُّ فرسخٍ ثلاثة أميال ، كلّ ميل أربع آلاف ذراع ،
فتكون المسافة «ستّة
وتسعين ألف ذراع» حاصلة من ضرب ثلاثة
في ثمانية ثمّ المرتفع في أربعة. وكلّ ذراع أربع وعشرون إصبعاً ، كلّ إصبع سبع
شَعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر ـ وقيل : ستّ
ـ عرضُ كلّ شَعيرة سبع شَعَرات من شَعْر البِرذَون
، ويجمعها مسير يوم معتدل الوقت والمكان والسير لأثقال الإ بل. ومبدأ التقدير من
آخر خِطّة البلد
المعتدل ، وآخر محلّته في المتّسع عرفاً.
____________________
«أو نصفها لمريد الرجوع ليومه»
أو ليلته أو الملفَّق منهما مع اتّصال السير عرفاً ، دون الذهاب في أوّل أحدهما
والعود في آخر الآخر ونحوه ، في المشهور
وفي الأخبار الصحيحة الاكتفاء به مطلقاً
وعليه جماعةٌ مخيِّرين في القصر والإتمام جمعاً
وآخرون في الصلاة خاصّةً
وحملها الأكثر على مريد الرجوع ليومه فيتحتّم القصر
أو يتخيّر ، وعليه المصنّف في الذكرى
وفي الأخبار
ما يدفع هذا الجمع بمعنييه.
وخرج بقصد المقدَّر السفرُ إلى المسافة
بغيره ، كطالب حاجةٍ يرجع متى وجدها إلّاأن يعلم عادةً توقّفه على المسافة ، وفي
إلحاق الظنّ القويّ به وجهٌ قويٌّ. وتابع متغلّبٍ يفارقه متى قَدَر مع إمكانه
عادةً. ومثله الزوجة والعبد يُجوّزان الطلاق والعتق مع ظهور أمارتهما. ولو ظنّ
التابع بقاءَ الصحبة قصّر مع قصد المسافة ولو تبعاً. وحيث يبلغ المسافة يقصّر في
الرجوع مطلقاً
ولا يضمّ إليه
____________________
ما بقي من الذهاب بعد
القصد متّصلاً به ممّا يقصر عن المسافة.
«وأن لا يقطع السفر بمروره على منزله»
وهو ملكُه من العقار الذي قد استوطنه ، أو بلدُه الذي لا يخرج عن حدودها الشرعيّة
ستّة أشهر فصاعداً بنيّة الإقامة الموجبة للإتمام ، متواليةً أو متفرّقةً ، أو
منويّ الإقامة على الدوام مع استيطانه المدّة وإن لم يكن له به ملكٌ. ولو خرج
الملك عنه أو رجع عن نيّة الإقامة ساوى غيره «أو نيّةِ مُقام عشرة»
أيّام تامّة بلياليها متتالية ، ولو بتعليق السفر على ما لا يحصل عادةً في أقل
منها «أو
مُضيِّ ثلاثين يوماً» بغير نيّة الإقامة
وإن جزم بالسفر «في
مصرٍ» أي في مكان معيّن. أمّا المصر بمعنى
المدينة أو البلد فليس بشرط. ومتى كملت الثلاثون أتمّ بعدها ما يصلّيه قبل السفر
ولو فريضةً.
ومتى انقطع السفر بأحد هذه افتقر العود
إلى القصر إلى قصد مسافةٍ جديدة ، فلو خرج بعدها
بقي على التمام إلى أن يقصد المسافة ، سواء عزم على العود إلى موضع الإقامة أم لا.
ولو نوى الإقامة في عدّة مواطن في
ابتداء السفر أو كان له منازلُ ، اعتُبرت المسافة بين كلّ منزلين وبين الأخير
وغايةِ السفر ، فيقصِّر في ما بلغه ، ويُتمّ في الباقي وإن تمادى السفر.
«وأن لا يكثر سفرُه»
بأن يسافر ثلاث سفرات إلى مسافةٍ ولا يقيم بين سفرتين منها عشرة أيّام في بلده أو
[غيره]
مع النيّة ، أو يصدق عليه
____________________
اسم «المُكاري»
وإخوته ، وحينئذٍ فيتمّ في الثالثة. ومع صدق الاسم يستمرّ
متمّاً إلى أن يزول الاسم ، أو يقيم عشرة أيّام متوالية أو مفصولة بغير مسافة في
بلده أو مع نيّة الإقامة ، أو يمضي عليه أربعون يوماً متردّداً في الإقامة أو
جازماً بالسفر من دونه.
ومن يكثر سفرُه «كالمكاري»
بضمّ الميم وتخفيف الياء ، وهو مَنْ يُكري دابّته لغيره ويذهب معها فلا يقيم ببلده
غالباً لإعداده نفسَه لذلك «والملّاح»
وهو صاحب السفينة «والأجير»
الذي يُؤجِر نفسه للأسفار «والبريد»
المُعِدّ نفسَه للرسالة ، أو
أمين البيدر
أو الاشتقان
وضابطه : من يسافر إلى المسافة ولا يقيم العشرة كما مرّ.
«وألّا يكون»
سفرُه «معصيةً»
بأن يكون غايته معصيةً أو مشتركةً بينها وبين الطاعة أو مستلزمةً لها ، كالتاجر في
المُحرَّم ، والآبق ، والناشزِ والساعي على ضررِ محترم ، وسالك طريقٍ يُغلَب فيه
العَطَب ولو على المال. واُلحق به تاركُ كلّ واجبٍ به بحيث ينافيه.
____________________
وهي مانعةٌ ابتداءً واستدامةً ، فلو عرض
قصدُها في أثنائه انقطع الترخّص حينئذٍ وبالعكس. ويُشترط حينئذٍ كون الباقي مسافةً
ولو بالعود ، لا بضمِّ باقي الذهاب إليه.
«وأن يتوارى عن * جُدران بلده»
بالضرب في الأرض لا مطلق المواراة «أو يخفى عليه أذانُه»
ولو تقديراً ، كالبلد المنخفض والمرتفع ومختلفِ الأرض ، وعادِم الجدار
والأذان والسمع والبصر.
والمعتبرُ : آخرُ البلد المتوسّط فما
دون ، ومحلّتُه في المتّسع ، وصورةُ الجدار والصوت ، لا الشبح والكلام.
والاكتفاء بأحد الأمرين مذهب جماعة
والأقوى اعتبار خفائهما معاً ذهاباً وعوداً ، وعليه المصنّفُ في سائر كتبه .
ومع اجتماع الشرائط «فيتعيّن القصرُ»
بحذف أخيرتي الرباعيّة «إلّا
في» أربعة مواطن : «مسجدي مكّة والمدينة»
المعهودين «ومسجد
الكوفةوالحائر» الحسيني «على مشرِّفه السلام»
وهو ما دار عليه سور حضرته الشريفة «فيتخيّر»
فيها بين الإتمام والقصر «والإتمامُ
أفضل» ومستنَدُ الحكم أخبارٌ كثيرة
وفي بعضها : أنّه من مخزون علم اللّٰه .
____________________
«ومَنَعَه»
أي التخيير «أبو
جعفر» محمّد «بن بابويه»
وحَتَم القصرَ فيها كغيرها
والأخبارُ الصحيحة حجّة عليه.
«وطرّد المرتضى وابن الجنيد الحكمَ في
مشاهد الأئمة عليهم السلام »
ولم نقف على مأخذه. وطرّد آخرون الحكمَ في البلدان الأربع
وثالثٌ في بلدي المسجدين الحرمين دون الآخرين
ورابعٌ في البلدان الثلاثة غير الحائر
ومال إليه المصنّف في الذكرى
والاقتصار عليها موضع اليقين في ما خالف الأصل.
«ولو دخل عليه الوقتُ حاضراً»
بحيث مضى منه قدْر الصلاة بشرائطها المفقودة قبل مجاوزة الحدّين «أو أدركه بعد»
انتهاء «سفره»
بحيث أدرك منه ركعةً فصاعداً «أتمّ»
الصلاة فيهما «في
الأقوى *» عملاً بالأصل
____________________
ولدلالة بعض الأخبار
عليه والقولُ الآخر القصر
فيهما وفي ثالث التخيير
ورابعٍ القصر في الأوّل والإتمام في الثاني .
والأخبار متعارضة ، والمحصَّل ما اختاره هنا.
«ويُستحبّ جبر كلّ مقصورةٍ»
ـ وقيل : كلّ صلاةٍ تُصلّى سفراً
ـ «بالتسبيحات
الأربع ثلاثين مرّة» عقيبها. والمرويّ
التقييد .
وقد رُوي استحبابُ فعلها عقيبَ كلّ فريضةٍ في جملة التعقيب
فاستحبابها عقيب المقصورة يكون آكد.
وهل يتداخل الجبر والتعقيب أم يستحبّ
تكرارها؟ وجهان ، أجودهما الأوّل؛ لتحقّق الامتثال فيهما.
____________________
«الفصل الحادي عشر»
«في الجماعة»
«وهي مستحبّة في الفرائض»
مطلقاً
«متأكّدةٌ
في اليوميّة» حتّى أنّ الصلاة
الواحدة منها تعدل خمساً أو سبعاً وعشرين صلاةً مع غير العالم ، ومعه ألفاً. ولو
وقعت في مسجد تضاعف بمضروب عدده في عددها
، ففي الجامع مع غير العالم ألفان وسبعمئة ، ومعه مئة ألف. وروي أنّ ذلك مع اتّحاد
المأموم ، فلو تعدّد تضاعف في كلّ واحدٍ بقدر المجموع في سابقه
إلى العشرة ، ثمّ لا يُحصيه إلّااللّٰه تعالى.
و «واجبةٌ في الجمعة والعيدين»
مع وجوبهما.
و «بدعةٌ في النافلة»
مطلقاً «إلّافي الاستسقاء ، والعيدين المندوبة ،
____________________
والغدير» في قولٍ لم
يجزم به المصنّف إلّاهنا ، ونسبه في غيره إلى التقيّ
ولعلّ مأخذه شرعيّتها في صلاة العيد وأ نّه عيد «والإعادة»
من الإمام أو المأموم أو هما ، وإن ترامت على الأقوى.
«ويُدركها»
أي الركعة «بإدراك
الركوع» بأن يجتمعا في حدّ الراكع ولو قبل ذكر
المأموم. أمّا إدراك الجماعة فسيأتي أنّه يحصل بدون الركوع. ولو شكّ في إدراك حدّ
الإجزاء لم يحتسب ركعةً؛ لأصالة عدمه ، فيتبعه في السجود ثمّ يستأنف.
«ويشترط : بلوغُ الإمام»
إلّاأن يؤمّ مثلَه ، أو في نافلة عند المصنّف في الدروس
وهو يتمّ مع كون صلاته شرعيّةً لا تمرينيّة.
«وعقلُه»
حالة الإمامة وإن عرض له الجنون في غيرها ، كذي الأدوار على كراهة.
«وعدالتُه»
وهي مَلَكةٌ نفسانيّةٌ باعثةٌ على ملازمةِ التقوى ـ التي هي القيام بالواجبات وترك
المنهيّات الكبيرة مطلقاً ، والصغيرة مع الإصرار عليها ـ وملازمةِ المروءة ، التي
هي اتّباع محاسن العادات واجتناب مساوئها وما يُنفر عنه من المباحات ويُؤذِن
بِخسَّة النفس ودناءة الهمّة.
وتُعلم : بالاختبار المستفاد من التكرار
المُطْلِع على الخُلق من التخلّق والطبع من التكلّف غالباً ، وبشهادة عدلين بها ،
وشياعها ، واقتداء العدلين به في الصلاة بحيث يُعلَم ركونهما إليه تزكيةً.
ولا يقدح المخالفة في الفروع ، إلّاأن
تكون صلاته باطلة عند المأموم.
____________________
وكان عليه أن يذكر اشتراط طهارة مولد
الإمام؛ فإنّه شرطٌ إجماعاً ، كما ادّعاه في الذكرى
فلا تصحّ إمامة ولد الزنا وإن كان عدلاً أمّا ولدُ الشبهة ومن تنالُه الألسن من
غير تحقيق فلا.
«وذكوريّته»
إن كان المأموم ذكراً أو خُنثى.
«وتؤمّ المرأة مثلها»
و «لا»
تؤمّ «ذكراً
ولا خنثى» لاحتمال ذكوريّته «ولا تؤمّ الخنثى غير
المرأة» لاحتمال اُنوثيّته وذكوريّة المأموم
لو كان خنثى.
«ولا تصحّ مع»
جسمٍ «حائلٍ
بين الإمام والمأموم» يمنع المشاهدة أجمع
في سائر الأحوال للإمام أو من يشاهده من المأمومين ولو بوسائط منهم ، فلو شاهد
بعضه في بعضها كفى ، كما لا تمنع حيلولة الظلمة والعمى «إلّافي المرأة خلف
الرجل» فلا يمنع الحائل مطلقاً مع علمها
بأفعاله الّتي يجب فيها المتابعة.
«ولا مع كون الإمام أعلى»
من المأموم «بالمعتدّ»
به عرفاً في المشهور ، وقدّره في الدروس ب «ما لا يُتخطّى»
وقيل : بشبر
ولا يضرّ علوّ المأموم مطلقاً ما لم يؤدّ إلى البعد المُفرط ، ولو كانت الأرض
منحدرة اغتفر فيهما.
ولم يذكر اشتراط عدم تقدّم المأموم ،
ولا بدّ منه. والمعتبر فيه العَقِبُ قائماً ، والمقعدُ ـ وهو الأليةُ ـ جالساً ،
والجَنْبُ نائماً.
«وتُكره القراءة»
من المأموم «خلفه
في الجهريّة» التي يسمعها
____________________
ولو همهمةً «لا في السرّيّة ، ولو
لم يسمع ولو همهمة» وهي الصوت الخفيّ
من غير تفصيل الحروف «في
الجهريّة قرأ» المأموم الحمد
سرّاً «مستحبّاً»
هذا هو أحد الأقوال في المسألة .
أمّا ترك القراءة في الجهريّة المسموعة
فعليه الكلّ ، لكن على وجه الكراهة عند الأكثر
والتحريم عند بعضٍ
للأمر بالإنصات لسامع القرآن
وأمّا مع عدم سماعها ـ وإن قلّ ـ فالمشهور الاستحباب في اُولييها. والأجود إلحاق
اُخرييها بهما. وقيل : تلحقان بالسرّية .
وأمّا السرّية فالمشهور كراهة القراءة
فيها ، وهو اختيار المصنّف في سائر كتبه
ولكنّه هنا ذهب إلى عدم الكراهة. والأجود المشهور.
____________________
ومن الأصحاب من أسقط القراءة وجوباً
أو استحباباً
مطلقاً ، وهو أحوط. وقد روى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام ، قال : كان
أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من قرأ خلف إمامٍ يأتمّ به بُعث على غير فطرة .
«وتجب»
على المأموم «نيّةُ
الائتمام ب» الإمام «المعيَّن»
بالاسم أو الصفة أو القصد الذهني ، فلو أخلّ بها أو اقتدى بأحد هذين أو بهما وإن
اتّفقا فعلاً لم يصحّ. ولو أخطأ تعيينه بطلت وإن كان أهلاً لها.
أمّا الإمام فلا تجب عليه نيّة الإمامة
، إلّاأن تجب الجماعة ـ كالجمعة ـ في قولٍ
، نعم يستحبّ. ولو حضر المأموم في أثناء صلاته نواها بقلبه متقرّباً.
«ويقطع النافلةَ»
إذا أحرم الإمام بالفريضة ، وفي بعض الأخبار : قَطَعَها متى اُقيمت الجماعة ولمّا
يُكملها ليفوز بفضيلتها أجمع .
«وقيل : و»
يقطع «الفريضةَ»
أيضاً «لو
خاف الفوت»
أي فوت الجماعة في مجموع الصلاة. وهو قويٌّ ، واختاره المصنّف في غير الكتاب
وفي
____________________
البيان جعلها
كالنافلة .
«وإتمامُها ركعتين»
ندباً «حسنٌ»
ليجمع بين فضيلة الجماعة وترك إ بطال العمل. هذا إذا لم يخف الفوت ، وإلّا
قَطَعَها بعد النقل إلى النفل.
ولو كان قد تجاوز ركعتين من الفريضة ففي
الاستمرار أو العدول إلى النفل خصوصاً قبل ركوع الثالثة؟ وجهان ، وفي القطع قوّة.
«نعم يقطعها»
أي الفريضة «لإمام
الأصل» مطلقاً استحباباً في الجميع.
«ولو أدركه بعد الركوع»
بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حدّه «سجد»
معه بغير ركوعٍ إن لميكن ركع أو ركع طلباً لإدراكه فلميُدركه «ثمّ استأنف النيّة»
مؤتمّاً إن بقيللإمام ركعةٌ اُخرى ، ومنفرداً بعد تسليم الإمام إن أدركه في
الأخيرة «بخلاف
إدراكه بعد السجود» فإنّه يجلس معه
ويتشهّد مستحبّاً إن كان يتشهّد ويكمل صلاته «فإنّها تجزيه ويُدرك فضيلةَ الجماعة»
في الجملة «في
الموضعين» وهما : إدراكه بعد الركوع وبعد
السجود؛ للأمر بها
وليس إلّالإدراكها ، وأمّا كونها كفضيلة مَنأدركها من أوّلهافغيرُ معلوم. ولو
استمرّ في الصورتين قائماً إلى أن فرغ الإمام أو قام أو جلس معه ولم يسجد صحّ
أيضاً من غير استئناف.
والضابط : أنّه يدخل معه في سائر
الأحوال ، فإن زاد معه ركناً استأنف النيّة وإلّا فلا. وفي زيادة سجدةٍ واحدةٍ
وجهان ، أحوطهما الاستئناف. وليس لمن لم يُدرك الركعة قطع الصلاة بغير المتابعة
اختياراً.
«وتجب»
على المأموم «المتابعة»
لإمامه في الأفعال إجماعاً ، بمعنى أن لا يتقدّمه فيها ، بل إمّا أن يتأخّر عنه
وهو الأفضل ، أو يقارنه ، لكن مع المقارنة
____________________
تفوت فضيلة الجماعة
وإن صحّت الصلاة ، وإنّما فَضْلُها مع المتابعة.
أمّا الأقوال ، فقد قطع المصنّف بوجوب
المتابعة فيها أيضاً في غيره
وأطلق هنا بما يشمله. وعدم الوجوب أوضح إلّافي تكبيرة الإحرام فيُعتبر تأخّره بها
، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد. وكيف تجب المتابعة في ما لا يجب سماعه ولا إسماعه
إجماعاً؟! مع إيجابهم علمَه بأفعاله ، وما ذاك إلّالوجوب المتابعة فيها.
«فلو تقدّم»
المأموم على الإمام في ما يجب فيه المتابعة «ناسياً تدارك»
ما فعل مع الإمام «وعامداً»
يأثم و «يستمرّ
*» على حاله حتّى يلحَقَه الإمام. والنهي
لاحقٌ لترك المتابعة لا لذات الصلاة أو جزئها ، ومن ثَمّ لم تبطل ، ولو عاد بطلت؛
للزيادة. وفي بطلان صلاة الناسي لو لم يعد قولان
أجودهما العدم. والظانّ كالناسي ، والجاهل عامد.
«ويُستحبّ إسماع الإمام مَنْ خلفه»
أذكارَه ليتابعه فيها وإن كان مسبوقاً ما لم يؤدّ إلى العُلُوّ المفرط ، فيسقط
الإسماع المؤدّي إليه.
«ويكره العكس»
بل يُستحبّ للمأموم ترك إسماع الإمام مطلقاً عدا تكبيرة الإحرام لو كان الإمام
منتظراً له في الركوع ونحوه
وما يفتح به
____________________
على الإمام
والقنوت على قول .
«وأن يأتمّ كلٌّ من الحاضر والمسافر
بصاحبه» مطلقاً. وقيل : في فريضة مقصورة ، وهو
مذهبه في البيان
«بل»
ب «المساوي»
في الحضر والسفر أو في الفريضة غير المقصورة.
«وأن يؤمّ الأجذمُ والأبرصُ الصحيحَ» للنهي
عنه وعمّا قبله في الأخبار
المحمول على الكراهة جمعاً.
«والمحدودُ بعد توبته»
للنهي كذلك
وسقوطِ محلّه من القلوب.
«والأعرابيُّ»
وهو المنسوب إلى «الأعراب»
وهم سكّان البادية «بالمهاجر»
وهو المدني المقابل للأعرابي ، أو المهاجر حقيقة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
ووجه الكراهة في الأوّل مع النصّ بُعدُه عن مكارم الأخلاق ومحاسن الشِيَم
المستفادة من الحضر. وحرّم بعض الأصحاب إمامةَ الأعرابي
عملاً بظاهر النهي
ويمكن أن يريد به من لا يعرف محاسنَ الإسلام وتفاصيلَ الأحكام منهم ، المعنيّ
بقوله تعالى : (اَلْأَعْرٰابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفٰاقاً)
أو على من
____________________
عرف ذلك وترك
المهاجرة مع وجوبها عليه ، فإنّه حينئذٍ تمتنع إمامته؛ لإخلاله بالواجب من التعلّم
والمهاجرة.
«والمتيمّم بالمتطهّر بالماء»
للنهي ونقصه ، لا بمثله.
«وأن يُستناب المسبوق»
بركعةٍ أو مطلقاً إذا عرض للإمام مانعٌ من الإتمام ، بل ينبغي استنابة من شهد
الإقامة.
ومتى بطلت صلاة الإمام فإن بقي مكلّفاً
فالاستنابة له ، وإلّا فللمأمومين. وفي الثاني
يفتقرون إلى نيّة الائتمام بالثاني. ولا يُعتبر فيها سوى القصد إلى ذلك. والأقوى
في الأوّل ذلك. وقيل : لا؛ لأنّه خليفة الإمام فيكون بحكمه .
ثمّ إن حصل قبل القراءة قرأ المستخلف أو
المنفرد. وإن كان في أثنائها ، ففي البناء على ما وقع من الأوّل أو الاستئناف أو
الاكتفاء بإعادة السورة التي فارق فيها أوجهٌ ، أجودها الأخير. ولو كان بعدها ففي
إعادتها وجهان ، أجودهما العدم.
«ولو تبيّن»
للمأموم «عدم
الأهليّة» من الإمام للإمامة بحدثٍ أو فسقٍ أو
كفرٍ «في
الأثناء انفرد» حين العلم. والقول
في القراءة كما تقدّم.
«وبعد الفراغ لا إعادة»
على الأصحّ مطلقاً للامتثال. وقيل : يعيد في الوقت لفوات الشرط .
وهو ممنوعٌ مع عدم إفضائه إلى المدّعى.
«ولو عرض للإمام مُخرجٌ»
من الصلاة لا يُخرج عن الأهليّة كالحدث
____________________
«استناب»
هو ، وكذا لو تبيّن كونه خارجاً ابتداءً لعدم الطهارة ، ويمكن شمول «المخرج»
في العبارة لهما.
«ويُكره الكلام»
للمأموم والإمام «بعد»
قول المؤذّن : «قد
قامت الصلاة» لما روي أنّهم
بعدها كالمصلّين .
«والمصلّي خلف من لا يقتدى به»
لكونه مخالفاً «يؤذِّن
لنفسه ويقيم» إن لم يكن وقع
منهما ما يُجزئ عن فعله ، كالأذان للبلد إذا سمعه أو مطلقاً «فإن تعذّر»
الأذان لخوف فوت واجب القراءة «اقتصر
على» قوله : «قد قامت»
الصلاة مرّتين «إلى
آخر الإقامة» ثمّ يدخل في الصلاة
منفرداً بصورة الاقتداء فإن سبقه الإمامُ بقراءة السورة سقطت ، وإن سبقه بالفاتحة
أو بعضها قرأ إلى حدّ الراكع وسقط عنه ما بقي ، وإن سبق الإمامَ سبّح اللّٰه
استحباباً إلى أن يركع. فإذا فعل ذلك غُفر له بعدد من خالفه وخرج بحسناتهم ، رُوي
ذلك عن الصادق عليه السلام .
«ولا يؤمّ القاعدُ القائم»
وكذا جميع المراتب لا يؤمّ الناقصُ فيها الكامل؛ للنهي
والنقص. ولو عرض العجز في الأثناء انفرد المأمومُ الكاملُ حينئذٍ إن لم يمكن
استخلاف بعضهم.
«ولا الاُمّي»
وهو من لا يحسن قراءة الحمد والسورة أو أبعاضهما ولو حرفاً أو تشديداً أو صفةً
واجبة «القارئَ»
وهو من يحسن ذلك كلَّه. ويجوز بمثله مع تساويهما في شخص المجهول أو نقصان المأموم
وعجزهما عن
____________________
التعليم لضيق الوقت
وعن الائتمام بقارئٍ أو أتمّ منهما. ولو اختلفا فيه لم يجز وإن نقص قدر مجهول
الإمام ، إلّاأن يقتدي جاهلُ الأوّل بجاهل الآخر ثمّ ينفرد عنه بعد تمام معلومه ،
كاقتداء محسن السورة خاصّة بجاهلها ، ولا يتعاكسان.
«ولا المؤوف اللسان»
كالألثغ ـ بالمثلّثة ـ وهو الذي يبدّل حرفاً بغيره ، وبالمثنّاة من تحت ، وهو
الّذي لا يبين الكلام ، والتمتام والفأفاء وهو الذي لا يحسن تأدية الحرفين «بالصحيح»
أمّا من لم تبلغ آفته إسقاطَ الحرف ولا إبدالَه أو تكرَّره فتكره إمامته بالمتقِن
خاصّة.
«ويُقدَّم الأقرأ»
من الأئمّة لو تشاحّوا أو تشاحّ المأمومون ، وهو الأجود أداءً وإتقاناً للقراءة
ومعرفة أحكامها ومحاسنها وإن كان أقلّ حفظاً.
فإن تساووا فالأحفظ ، فإن تساووا فيهما «فالأفقه»
في أحكام الصلاة ، فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها. وأسقط المصنّف في الذكرى
اعتبار الزائد لخروجه عن كمال الصلاة
وفيه : أنّ المرجِّح لا ينحصر فيها ، بل كثيرٌ منها كمال في نفسه ، وهذا منها ، مع
شمول النصّ
له.
فإن تساووا في الفقه والقراءة «فالأقدم هجرةً»
من دار الحرب إلى دار الإسلام ، هذا هو الأصل. وفي زماننا قيل : هو السبق إلى طلب
العلم وقيل : إلى سكنى
الأمصار
مجازاً عن الهجرة الحقيقية؛ لأنّها مظنّة الاتّصاف بالأخلاق
____________________
الفاضلة والكمالات
النفسيّة ، بخلاف القرى والبادية. وقد قيل : إنّ الجفاء والقسوة في الفدادين
بالتشديد ، أو حذف المضاف. وقيل : يُقدَّم أولاد من تقدّمت هجرته على غيره .
فإن تساووا في ذلك «فالأسنّ»
مطلقاً أو في الإسلام ، كما قيّده في غيره .
فإن تساووا فيه «فالأصبح»
وجهاً لدلالته على مزيد
عناية اللّٰه تعالى
أو ذِكراً بين الناس؛ لأنّه يُستدلّ على الصالحين بما يجري اللّٰه لهم على
ألسنة عباده .
ولم يذكر هنا ترجيحَ الهاشمي؛ لعدم دليل
صالح لترجيحه ، وجعله في الدروس بعد الأفقه
وزاد بعضهم في المرجِّحات بعد ذلك :
الأتقى ، والأورع ، ثمّ القرعة
____________________
وفي الدروس جعل
القرعة بعد الأصبح
وبعض هذه المرجِّحات ضعيف المستند ، لكنّه مشهور.
«و»
الإمام «الراتب»
في مسجدٍ مخصوص «أولى
من الجميع» لو اجتمعوا «وكذا صاحب المنزل»
أولى منهم ومن الراتب «و»
صاحب «الإمارة»
في إمارته أولى من جميع مَن ذُكر أيضاً. وأولويّة هذه الثلاثة سياسةٌ أدبيّةٌ لا
فضيلةٌ ذاتيّة ، فلو أذنوا لغيرهم انتفت الكراهة.
ولا يتوقّف أولويّة الراتب على حضوره ،
بل يُنتظَر لو تأخّر ، ويُراجَع إلى أن يضيق وقت الفضيلة فيسقط اعتباره.
ولا فرق في صاحب المنزل بين المالك
للعين والمنفعة ، وغيره كالمستعير. ولو اجتمعا فالمالك أولى. ولو اجتمع مالك الأصل
والمنفعة فالثاني أولى.
«ويُكره إمامة الأبرص والأجذم والأعمى
بغيرهم» ممّن لا يتّصف بصفتهم؛ للنهي عنه
المحمول على الكراهة جمعاً ، وقد تقدّم
____________________
كتاب الزكاة
«كتاب الزكاة»
«وفصوله أربعة»
«الأوّل»
«تجب زكاة المال على البالغ العاقل» فلا
زكاة على الصبيّ والمجنون في النقدين إجماعاً ، ولا في غيرهما على أصحّ القولين
نعم يستحبّ. وكذا لو اتّجر الوليّ أو مأذونه للطفل واجتمعت شرائط التجارة.
«الحرّ*»
فلا تجب على العبد لو
قلنا بملكه؛ لعدم تمكّنه من التصرّف
____________________
بالحجر عليه وإن أذن
له المولى؛ لتزلزله. ولا فرق بين القنّ والمدبَّر واُمّ الولد والمكاتَب الذي لم
يتحرّر منه شيء. أمّا من تبعّضت رقّيّته فيجب في نصيب الحريّة بشرطه.
«المتمكّن من التصرّف»
في أصل المال ، فلا زكاة على الممنوع منه شرعاً ، كالراهن غير المتمكّن من فكّه
ولو ببيعه ، وناذر الصدقة بعينه مطلقاً أو مشروطاً وإن لم يحصل شرطه على قول
والموقوف عليه بالنسبة إلى الأصل ، أمّا النتاج فيزكّى بشرطه. أو قهراً ، كالمغصوب
والمسروق ، والمجحود إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه ـ فيجب فيما زاد على الفداء ـ
أو بالاستعانة ولو بظالم. أو لغيبةٍ
بضلالٍ أو إرثٍ لم يقبض ولو بوكيله.
«في الأنعام»
الجارّ يتعلّق بالفعل السابق ، أي تجب الزكاة بشرطها في الأنعام «الثلاثة»
: الإ بل والبقر والغنم بأنواعها : من عِرابٍ وبَخاتيّ
وبقرٍ وجاموس ، ومَعزٍ وضأن. وبدأ بها وبالإ بل؛ للبدأة بها في الحديث
ولأنّ الإ بل
____________________
أكثر أموال العرب «والغلّات الأربع»
: الحنطة بأنواعها ومنها العَلَس
والشعير ومنه السُّلت
والتمر والزبيب «والنقدين»
الذهب والفضّة.
«ويستحبّ»
الزكاة «فيما
تُنبت الأرض من المكيل والموزون»
واستثنى المصنّف في غيره الخُضَر
وهو حسن. وروي استثناء الثمار أيضاً
«وفي
مال التجارة» على الأشهر روايةً
وفتوى «وأوجبها ابن بابويه
فيه »
استناداً إلى روايةٍ
حَمْلُها على الاستحباب طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على السقوط.
«وفي إناث الخيل السائمة»
غير المعلوفة من مال المالك عرفاً ، ومقدار زكاتها «ديناران»
كلّ واحد مثقالٌ من الذهب الخالص ، أو قيمته وإن زادت عن عشرة دراهم «عن العتيق»
وهو الكريم من الطرفين «ودينار
عن غيره» سواء كان رديء الطرفين وهو البرذون ـ
بكسر الباء ـ أم طرف الاُمّ وهو الهجين ، أم طرف الأب وهو المُقْرِف. وقد يطلق على
الثلاثة اسم «البرذون».
ويُشترط مع السوم : أن لا تكون عوامل ،
وأن يخلص للواحد رأسٌ كاملٌ
____________________
ولو بالشركة كنصف
اثنين. وفيهما خلاف ، والمصنّف على الاشتراط في غيره
فتركه هنا يجوز كونه اختصاراً أو اختياراً.
«ولا يستحبّ في الرقيق والبغال والحمير»
إجماعاً.
ويشترط بلوغ النصاب ، وهو المقدار الذي
يشترط بلوغه في وجوبها أو وجوب قدرٍ مخصوص منها.
«فنُصُب الإ بل اثنا عشر»
نصاباً : «خمسةٌ»
منها «كلّ
واحدٍ خمسٌ» من الإ بل «في كلّ واحدٍ»
من النصب الخمسة «شاةٌ»
بمعنى أنّه لا يجب فيما دون خمس ، فإذا بلغت خمساً ففيها شاة ، ثمّ لا تجب في
الزائد إلى أن تبلغ عشراً ففيها شاتان ، ثمّ لا يجب شيءٌ في الزائد إلى أن يبلغ
خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ، ثمّ في عشرين أربع ، ثمّ في خمس وعشرين خمس. ولا فرق
فيها بين الذكر والاُنثى ، وتأنيثها هنا تبعاً للنصّ
بتأويل الدابّة ، ومثلها الغنم بتأويل الشاة.
«ثمّ ستٌّ وعشرون»
بزيادة واحدة ففيها «بنت
مَخاض» بفتح الميم ، أي بنت ما من شأنها أن
تكون ماخضاً أي حاملاً ، وهي ما دخلت في السنة الثانية «ثمّ ستٌّ وثلاثون»
وفيها «بنت
لبون» بفتح اللام ، أي بنت ذات لبنٍ ولو
بالصلاحيّة ، وسنّها سنتان إلى ثلاث «ثمّ ستٌّ وأربعون»
وفيها «حِقّة»
بكسر الحاء ، سنّها ثلاث سنين إلى أربع فاستحقّت الحمل أو الفحل «ثمّ إحدى وستّون
فجَذَعة» بفتح الجيم والذال ، سنّها أربع سنين
إلى خمس ، قيل : سمّيت
____________________
بذلك لأنّها تجذع
مقدّم أسنانها أي تُسقطه «ثمّ
ستٌّ وسبعون ف» فيها «بنتا لبون ، ثمّ إحدى
وتسعون» وفيها «حِقّتان».
«ثمّ»
إذا بلغت مئة وإحدى وعشرين ففي «كلّ
خمسين حِقّة وكلّ أربعين بنت لبون».
وفي إطلاق المصنّف الحكم بذلك بعد
الإحدى وتسعين نظرٌ؛ لشموله ما دون ذلك ، ولم يقل أحدٌ بالتخيير قبل ما ذكرناه من
النصاب ، فإنّ من جملته ما لو كانت مئة وعشرين ، فعلى إطلاق العبارة فيها ثلاث
بنات لبون وإن لم تزد الواحدة ، ولم يقل بذلك أحدٌ من الأصحاب ، والمصنّف قد نقل
في الدروس والبيان
أقوالاً نادرة وليس من جملتها ذلك ، بل اتّفق الكلّ على أنّ النصاب بعد الإحدى
وتسعين لا يكون أقلّ من مئة وإحدى وعشرين ، وإنّما الخلاف فيما زاد.
والحامل له على الإطلاق أنّ الزائد عن
النصاب الحادي عشر لا يحسب إلّا بخمسين ـ كالمئة وما زاد عليها ـ ومع ذلك فيه
حقَّتان ، وهو صحيح ، وإنّما يتخلّف في المئة وعشرين. والمصنّف توقّف في البيان
في كون الواحدة الزائدة جزءاً من الواجب أو شرطاً؛ من حيث اعتبارها في العدد نصّاً
وفتوىً
ومن أنّ إ يجاب بنت اللبون في كل أربعين يخرجها فيكون شرطاً لا جزءاً ـ وهو الأقوى
ـ فتجوّز هنا وأطلق عدّه بأحدهما.
واعلم أنّ التخيير في عدّه بأحد العددين
إنّما يتمّ مع مطابقته بهما
____________________
ـ كالمئتين ـ وإلّا
تعيّن المطابق ، كالمئة وإحدى وعشرين بالأربعين ، والمئة وخمسين بالخمسين ، والمئة
وثلاثين بهما. ولو لم يطابق أحدهما تحرّى أقلّهما عفواً ، مع احتمال التخيير
مطلقاً.
«وفي البقر نصابان : ثلاثون فتبيع»
وهو ابن سنةٍ إلى سنتين «أو
تبيعة» مخيّراً
في ذلك ، سمّي بذلك لأنّه تبع قرنه اُذنه ، أو تبع اُمّه في المرعى «وأربعون فمُسنّة»
اُنثى سنّها ما بين سنتين إلى ثلاث ، ولا يجزئ المُسنّ.
وهكذا أبداً يعتبر بالمطابق من العددين
وبهما مع مطابقتهما ، كالستّين بالثلاثين ، والسبعين بهما ، والثمانين بالأربعين ،
ويتخيّر في المئة وعشرين.
«وللغنم خمسة»
نُصُب : «أربعون
فشاة ، ثمّ مئة وإحدى وعشرون فشاتان ، ثمّ مئتان وواحدة فثلاث ، ثمّ ثلاثمئة
وواحدة فأربع على الأقوى»
وقيل : ثلاث
نظراً إلى أنّه آخر النصب وأنّ في كلّ مئةٍ حينئذٍ شاةً بالغاً ما بلغت. ومنشأ
الخلاف اختلاف الروايات ظاهراً ، وأصحّها سنداً ما دلّ على الثاني
وأشهرها بين الأصحاب ما دلّ على الأوّل .
«ثمّ»
إذا بلغت أربعمئة فصاعداً «في
كلّ مئةٍ شاةٌ» وفيه إجمالٌ ـ كما
سبق في آخر نصب الإ بل ـ لشموله ما زاد عن الثلاثمئة وواحدة ولم تبلغ
____________________
الأربعمئة ، فإنّه
يستلزم وجوب ثلاث شياه خاصّةً. ولكنّه اكتفى بالنصاب المشهور إذ لا قائل بالواسطة.
«وكلّما نقص عن النصاب»
في الثلاثة ، وهو ما بين النصابين وما دون الأوّل «فعفوٌ»
كالأربع من الإ بل بين النصب الخمسة وقبلها ، والتسع بين نصابي البقر ، والتسع
عشرة بعدهما ، والثمانين بين نصابي الغنم.
ومعنى كونها عفواً : عدمُ تعلّق الوجوب
بها ، فلا يسقط بتلفها بعد الحول شيءٌ ، بخلاف تلف بعض النصاب بغير تفريط ، فإنّه
يسقط من الواجب بحسابه.
ومنه تظهر فائدة النصابين الأخيرين من
الغنم على القولين؛ فإنّ وجوب الأربع في الأزيد والأنقص يختلف حكمه مع تلف بعض
النصاب كذلك ، فيسقط من الواجب بنسبة ما اعتبر من النصاب ، فبالواحدة من الثلاثمئة
وواحدةٍ ، جزءٌ من ثلاثمئة جزءٍ وجزءٍ من أربع شياه ، ومن الأربعمئة جزءٌ من
أربعمئة جزءٍ منها.
«ويشترط فيها»
أي في الأنعام مطلقاً «السَّوم»
وأصله الرعي ، والمراد هنا الرعي من غير المملوك ، والمرجع فيه إلى العرف ، فلا
عبرة بعَلْفها يوماً في السنة ولا في الشهر. ويتحقّق العَلْف بإطعامها المملوكَ
ولو بالرعي ، كما لو زرع لها قصيلاً ، لا ما استأجره من الأرض لترعى فيها أو دفعه
إلى الظالم عن الكَلَأ ، وفاقاً للدروس .
ولا فرق بين وقوعه لعذر وغيره.
وفي تحقّقه بعلْف غير المالك لها على
وجهٍ لا يستلزم غرامة المالك وجهان : من انتفاء السوم ، والحكمة. وأجودهما
التحقّق؛ لتعليق الحكم على الاسم لا على الحكمة ، وإن كانت مناسبة.
وكذا يشترط فيها أن لا تكون عوامل عرفاً
ولو في بعض الحول وإن كانت
____________________
سائمة. وكان عليه أن
يذكره.
«والحول»
ويحصل هنا «بمضيّ
أحد عشر شهراً هلاليّة» فيجب بدخول الثاني
عشر وإن لم يكمل.
وهل يستقرّ الوجوب بذلك أم يتوقّف على
تمامه؟ قولان
أجودهما الثاني ، فيكون الثاني عشر من الأوّل ، فله استرجاع العين لو اختلّت
الشرائط فيه مع بقائها أو علم القابض بالحال ، كما في كلّ دفعٍ متزلزلٍ أو معجّلٍ
أو غير مصاحبٍ للنيّة.
«وللسِّخال»
وهي الأولاد «حولٌ
بانفرادها» إن كانت نصاباً مستقلّاً بعد نصاب
الاُمّهات ، كما لو ولدت خمسٌ من الإ بل خمساً ، أو أربعون من البقر أربعين أو
ثلاثين.
أمّا لو كان
غير مستقلٍّ ، ففي ابتداء حوله مطلقاً ، أو مع إكماله النصاب الذي بعده ، أو عدم
ابتدائه حتّى يكمل الأوّل فيُجزئ الثاني لهما؟ أوجهٌ ، أجودها الأخير.
فلو كان عنده أربعون شاةً فولدت أربعين
لم يجب فيها شيءٌ ، وعلى الأوّل فشاةٌ عند تمام حولها. أو ثمانون فولدت اثنين
وأربعين فشاةٌ للاُولى
خاصّةً ، ثمّ يستأنف حول الجميع بعد تمام الأوّل.
____________________
وعلى الأوّلين تجب اُخرى عند تمام حول
الثانية.
وابتداء حول السخال «بعد غنائها بالرعي»
لأنّها زمن الرضاع معلوفةٌ من مال المالك وإن رعت معه. وقيّده المصنّف في البيان
بكون اللبن عن معلوفة ، وإلّا فمن حين النِّتاج
؛ نظراً إلى الحكمة في العَلْف ـ وهي الكلفة على المالك ـ وقد عرفت ضعفه .
واللبن مملوكٌ على التقديرين. وفي قولٍ ثالثٍ : أنّ مبدأه النِّتاج مطلقاً .
وهو المرويّ صحيحاً
، فالعمل به متعيّن.
«ولو ثُلِمَ النصاب قبل»
تمام «الحول»
ولو بلحظةٍ «فلا
شيء» لفقد الشرط «ولو فرّ به»
من الزكاة على الأقوى ، وما فاته به من الخير أعظم ممّا أحرزه من المال ، كما ورد
في الخبر .
«ويُجزئ»
في الشاة الواجبة في الإ بل والغنم «الجَذَعُ من الضأن»
وهو ما كمل سنّه سبعة أشهر «والثنيُّ
من المعز» وهو ما كمل سنّه سنة. والفرق : أنّ
ولد الضأن ينزو حينئذٍ ، والمعز لاينزو إلّابعد سنة. وقيل : إنّما يُجذع كذلك إذا
كان أبواه شابّين ، وإلّا لم يُجذِع إلى ثمانية أشهر .
____________________
«ولا تؤخذ الرُّبّى»
بضمّ الراء وتشديد الباء ، وهي الوالدة من الأنعام عن قربٍ إلى خمسة عشر يوماً؛
لأنّها نفساء ، فلا تجزي وإن رضي المالك. نعم ، لو كانت جُمع رُبّى لم يكلّف غيرها
«ولا
ذاتُ العوار *» بفتح العين وضمّها
، مطلق العيب «ولا
المريضةُ» كيف كان «و»
لا «الهَرِمة»
المُسنّة عرفاً.
«ولا تُعدّ الأكولة»
بفتح الهمزة ، وهي المعدّة للأكل ، وتؤخذ مع بذل المالك لها لا بدونه «ولا فحل الضِّراب»
وهو المحتاج إليه لضرب الماشية عادةً ، فلو زاد كان كغيره في العدّ. أمّا الإخراج
فلا مطلقاً. وفي البيان : أوجب عدّها مع تساوي الذكور والإناث أو زيادة الذكور دون
ما نقص
وأطلق .
«وتجزئ القيمة»
عن العين مطلقاً «و»
الإخراج «من
العين أفضل» وإن كانت القيمة
أنفع.
«ولو كانت الغنم **»
أو غيرها من النِّعَم «مِراضاً»
جُمَع «فمنها»
مع اتّحاد نوع المرض ، وإلّا لم يُجزِ الأدون.
ولو ماكس المالك قُسِّط واُخرج وسطٌ
يقتضيه ، أو القيمة كذلك. وكذا لو كانت كلّها من جنسٍ لا يخرج ، كالرُّبّى
والهَرِم والمعيب.
«ولا يُجمَع بين مفترقٍ في الملك»
وإن كان مشتركاً أو مختلطاً متّحد المَسْرَح والمُراح والمَشرع والفحل والحالب
والِمحلَب ، بل يعتبر النصاب في كلّ ملكٍ على حدته «ولا يفرَّق بين مجتمعٍ فيه»
أي في الملك الواحد وإن تباعد ،
____________________
بأن كان له بكلّ بلدٍ
شاةٌ.
«وأمّا النقدان : فيشترط فيهما النصاب
والسكّة» وهي النقش الموضوع للدلالة على
المعاملة الخاصّة بكتابةٍ وغيرها وإن هجرت ، فلا زكاة في السبائك ، والممسوح وإن
تُعومل به ، والحُليِّ ، وزكاته إعارته استحباباً. ولو اتُّخذ المضروب بالسكّة
آلةً للزينة وغيرها لم يتغيّر الحكم وإن زاده أو نقصه ، ما دامت المعاملة به على
وجهه ممكنة.
«والحول»
وقد تقدّم .
«فنصاب الذهب»
الأوّل «عشرون
ديناراً» كلّ واحدٍ مثقالٌ ، وهو درهمٌ وثلاثة
أسباع درهم «ثمّ
أربعة دنانير» فلا شيء فيما دون
العشرين ولا فيما دون أربعة بعدها ، بل يعتبر الزائد أربعةً أربعةً أبداً.
«ونصاب الفضّة»
الأوّل «مئتا
درهم» والدرهم نصف المثقال وخُمسه ، أو
ثمانية وأربعون حبّة شعير متوسّطةً ، هي ستّة دوانيق
«ثمّ
أربعون درهماً» بالغاً ما بلغ ،
فلا زكاة فيما نقص عنهما .
«والمُخرَج»
في النقدين «ربع
العُشر» فمن عشرين مثقالاً نصف مثقال ، ومن
الأربعة قيراطان ، ومن المئتين خمسة دراهم ، ومن الأربعين درهم. ولو أخرج ربع
العشر من جملة ما عنده من غير أن يعتبر مقداره مع العلم باشتماله على النصاب
الأوّل أجزأ ، وربّما زاد خيراً. والواجب الإخراج «من العين ، وتُجزئ القيمة»
كغيرهما.
____________________
«وأمّا الغلّات»
الأربع : «فيشترط
فيها التملّك بالزراعة» إن كان ممّا يُزرع «أو الانتقال»
أي انتقال الزرع أو الثمرة مع الشجرة أو منفردةً إلى ملكه «قبل انعقاد الثمرة»
في الكرم ، وبُدُوّ الصلاح ـ وهو الاحمرار أو الاصفرار ـ في النخل «و»
انعقاد «الحَبّ»
في الزرع ، فتجب الزكاة حينئذٍ على المنتقل إليه وإن لم يكن زارعاً. وربّما اُطلقت
الزراعة على ملك الحبّ والثمرة على هذا الوجه.
وكان عليه أن يذكر بُدُوّ الصلاح في
النخل لئلّا يدخل في الانعقاد ، مع أنّه لا قائل بتعلّق الوجوب فيه به ، وإن كان
الحكم بكون الانتقال قبل الانعقاد مطلقاً يوجب الزكاة على المنتقَل إليه صحيحاً ،
إلّاأ نّه في النخل خالٍ عن الفائدة؛ إذ هو كغيره من الحالات السابقة.
وقد استفيد من فحوى الشرط أنّ تعلّق
الوجوب بالغلّات عند انعقاد الحبّ والثمرة وبدوّ صلاح النخل. وهذا هو المشهور بين
الأصحاب. وذهب بعضهم إلى أنّ الوجوب لا يتعلّق بها إلى أن يصير أحدَ الأربعة
حقيقةً
وهو بلوغها حدّ اليُبس الموجب للاسم. وظاهر النصوص دالٌّ عليه .
«ونصابها»
الذي لا تجب فيها بدون بلوغه ـ واكتفى عن اعتباره شرطاً بذكر مقداره تجوّزاً ـ «ألفان وسبعمئة رطلٍ
بالعراقي» أصله خمسة أوسُق ،
____________________
ومقدار الوَسْق ستّون
صاعاً ، والصاع تسعة أرطالٍ بالعراقي ، ومضروب ستّين في خمسة ثمّ في تسعة تبلغ
ذلك.
«وتجب»
الزكاة «في
الزائد» عن النصاب «مطلقاً»
وإن قلّ ، بمعنى أن ليس له إلّانصابٌ واحد ، ولا عفو فيه.
«والمُخرَج»
من النصاب وما زاد «العُشر
إن سقي سَيحاً» بالماء الجاري على
وجه الأرض ، سواءً كان قبل الزرع ـ كالنيل ـ أم بعده «أو بَعْلاً»
وهو شربه بعروقه القريبة من الماء «أو عِذياً»
بكسر العين ، وهو أن يُسقى بالمطر «ونصف العُشر بغيره»
بأن سُقي بالدلو والناضح والدالية ، ونحوها.
«ولو سقي بهما فالأغلب»
عدداً مع تساويهما في النفع ، أو نفعاً ونموّاً لو اختلفا ، وفاقاً للمصنّف
ويحتمل اعتبار العدد والزمان مطلقاً. «ومع التساوي»
فيما اعتبر التفاضل فيه فالواجب «ثلاثة أرباع العُشر»
لأنّ الواجب حينئذٍ في نصفه العشر ، وفي نصفه نصفُه ، وذلك ثلاثة أرباعه من
الجميع.
ولو اُشكل الأغلب احتمل وجوب الأقلّ
للأصل ، والعشر للاحتياط ، وإلحاقه بتساويهما لتحقّق تأثيرهما والأصل عدم التفاضل.
وهو الأقوى.
واعلم أنّ إطلاقه الحكم بوجوب المقدّر
فيما ذكر يؤذن بعدم اعتبار استثناء المؤونة ، وهو قول الشيخ رحمه الله محتجّاً
بالإ جماع عليه منّا ومن العامّة
ولكنّ المشهور بعد الشيخ استثناؤها ، وعليه المصنّف في سائر كتبه وفتاواه
والنصوص
____________________
خاليةٌ من استثنائها
مطلقاً. نعم ورد استثناء حصّة السلطان
وهو أمرٌ خارجٌ عن المؤونة وإن ذكرت منها في بعض العبارات
تجوّزاً.
والمراد ب «المؤونة»
ما يغرمه المالك على الغلّة من ابتداء العمل لأجلها ـ وإن تقدّم على عامها ـ إلى
تمام التصفية ويُبس الثمرة. ومنها البذر ، ولو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة.
ويعتبر النصاب بعد ما تقدّم منها على
تعلّق الوجوب ، وما تأخّر عنه يستثنى ولو من نفسه ويُزكّى الباقي وإن قلّ. وحصّة
السلطان كالثاني.
ولو اشترى الزرع أو الثمرة فالثمن من
المؤونة. ولو اشتراها مع الأصل وُزّع الثمن عليهما ، كما يوزّع المؤونة على
الزكويّ وغيره لو جمعهما. ويُعتبر ما غَرَمه بعده ويسقط ما قبله ، كما يسقط اعتبار
المتبرّع وإن كان غلامه أو ولده.
____________________
«الفصل الثاني»
«أنّما تستحبّ زكاة التجارة مع» مضيّ
«الحول»
السابق «وقيام
رأس المال فصاعداً» طول الحول ، فلو
طلب المتاع بأنقص منه وإن قلّ في بعض الحول فلا زكاة «ونصاب الماليّة»
وهي النقدان بأ يّهما بلغ إن كان أصله عَروضاً ، وإلّا فنصاب أصله وإن نقص بالآخر.
وفهم من الحصر أنّ قصد الاكتساب عند
التملّك ليس بشرطٍ. وهو قويٌّ ، وبه صرّح في الدروس
وإن كان المشهور خلافه ، وهو خيرة البيان .
ولو كانت التجارة بيد عاملٍ فنصيب
المالك من الربح يُضمّ إلى المال. ويعتبر بلوغ حصّة العامل نصاباً في ثبوتها عليه.
وحيث تجتمع الشرائط «فيُخرج ربع عُشر
القيمة» كالنقدين.
«وحكم باقي أجناس الزرع»
الذي يستحبّ فيه الزكاة «حكمُ
الواجب» في اعتبار النصاب ، والزراعة وما في
حكمها ، وقدرِ الواجب وغيرها.
____________________
«ولا يجوز تأخير الدفع»
للزكاة «عن
وقت الوجوب» إن جعلنا وقته ووقت
الإخراج واحداً ، وهو التسمية بأحد الأربعة. وعلى المشهور فوقت الوجوب مغايرٌ لوقت
الإخراج؛ لأنّه بعد التصفية ويُبس الثمرة. ويمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوبَ
الإخراج لا وجوب الزكاة ، ليناسب مذهبه؛ إذ يجوز على التفصيل تأخيره عن أوّل وقت
الوجوب ـ إجماعاً ـ إلى وقت الإخراج. أمّا بعده فلا «مع الإمكان»
فلو تعذّر ـ لعدم التمكّن من المال أو الخوف من التغلّب أو عدم المستحقّ ـ جاز
التأخير إلى زوال العذر «فيضمن»
بالتأخير لا لعذرٍ وإن تلف المال بغير تفريط «ويأثم *»
للإخلال بالفوريّة الواجبة. وكذا الوكيل والوصيّ بالتفرقة لها ولغيرها.
وجوَّز المصنّف في الدروس تأخيرها
لانتظار الأفضل أو التعميم
وفي البيان كذلك ، وزاد تأخيرها لمعتاد الطلب منه بما لا يؤدّي إلى الإهمال
وآخرون شهراً وشهرين مطلقاً
خصوصاً مع المزيّة. وهو قويٌّ.
«ولا يُقدّم ** على وقت الوجوب»
على أشهر القولين
«إلّاقرضاً
،
____________________
فيحتسب
*» بالنيّة «عند الوجوب بشرط بقاء
القابض على الصفة» الموجبة للاستحقاق
، فلو خرج عنها ولو باستغنائه بنمائها ـ لا بأصلها ، ولا بهما ـ اُخرجت على غيره.
«ولا يجوز نقلها عن بلد المال إلّامع
إعواز المستحقّ» فيه فيجوز إخراجها
إلى غيره مقدّماً للأقرب إليه فالأقرب ، إلّاأن يختصّ الأبعد بالأمن. واُجرة النقل
حينئذٍ على المالك «فيضمن»
لو نقلها إلى غير بلد «لا
معه» أي لا مع الإعواز «وفي الإثم قولان»
أجودهما ـ وهو خيرة الدروس ـ العدم
لصحيحة هشام عن الصادق عليه السلام
«ويجزئ»
لو نقلها وأخرجها في غيره على القولين. مع احتمال العدم؛ للنهي
على القول به.
وإنّما يتحقّق نقل الواجب مع عزله قبله
بالنيّة ، وإلّا فالذاهب من ماله؛ لعدم تعيينه وإن عدم المستحقّ.
ثمّ إن كان المستحقّ معدوماً في البلد
جاز العزل قطعاً ، وإلّا ففيه نظر : من أنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو ما
في حكمه مع الإمكان. واستقرب في الدروس صحّة العزل بالنيّة مطلقاً
وعليه تبنى المسألة هنا. وأمّا نقل قدر الحقّ
____________________
بدون النيّة فهو كنقل
شيءٍ من ماله ، فلا شبهة في جوازه مطلقاً.
فإذا صار في بلدٍ آخر ففي جواز احتسابه
على مستحقّيه مع وجودهم في بلده ـ على القول بالمنع ـ نظر : من عدم صدق النقل
الموجب للتغرير بالمال ، وجواز كون الحكمة نفع المستحقّين بالبلد. وعليهيتفرّع ما
لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره.
«الفصل الثالث»
في المستحقّ»
اللام للجنس أو الاستغراق؛ فإنّ
المستحقّين لها ثمانية أصناف «وهم
* الفقراء والمساكين ، ويشملهما من لا يملك مؤونة سنة »
قوّة وفعلاً
له ولعياله الواجبي النفقة بحسب حاله في الشرف وما دونه.
واختلف في [أنّ]
أيّهما أسوأ حالاً
مع اشتراكهما فيما ذكر ، ولا ثمرة مهمّة في تحقيق ذلك؛ للإ جماع على إرادة كلٍّ
منهما من الآخر حيث يُفرد ، وعلى
____________________
استحقاقهما من الزكاة
، ولم يقعا مجتمعين إلّافيها ، وإنّما تظهر الفائدة في اُمورٍ نادرة.
«والمرويّ»
في صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام «أنّ المسكين أسوأ حالاً»
لأنّه قال : «الفقير
الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه»
وهو موافقٌ لنصِّ
أهل اللغة
أيضاً.
«والدار والخادم»
اللائقان بحال مالكهما كمّيةً وكيفيّةً «من المؤونة»
ومثلهما : ثياب التجمّل وفرس الركوب وكتب العلم ، وثمنها لفاقدها. ويتحقّق مناسبة
الحال في الخادم بالعادة أو الحاجة ولو إلى أزيد من واحد ، ولو زاد أحدها في
إحداهما تعيّن الاقتصار على اللائق.
«ويُمنع ذو الصنعة»
اللائقة بحاله «والضَّيعة»
ونحوها من العَقار «إذا
نهضت بحاجته» والمعتبر في الضيعة
نماؤها لا أصلها في المشهور. وقيل : يعتبر الأصل
ومستند المشهور ضعيف
وكذا الصنعة بالنسبة إلى الآلات.
ولو اشتغل عن الكسب بطلبِ علمٍ دينيٍّ
جاز له تناولها وإن قدر عليه لو ترك. نعم ، لو أمكن الجمع بما لا ينافيه تعيَّن.
«وإلّا»
تنهضا بحاجته «تناول
التتمّة» لمؤونة السنة «لا غير»
إن أخذها دفعةً أو دفعات. أمّا لو اُعطي ما يزيد دفعةً صحّ ، كغير المكتسِب. وقيل
:
____________________
بالفرق
واستحسنه المصنّف في البيان
وهو ظاهر إطلاقه هنا ، وتردّد في الدروس .
ومَن تجب نفقته على غيره غنيٌّ مع بذل
المنفق ، لا بدونه مع عجزه.
«والعاملون»
عليها «وهم
السعاة في تحصيلها» وتحصينها بجبايةٍ
وولايةٍ وكتابةٍ وحفظٍ وحسابٍ وقسمةٍ وغيرها. ولا يشترط فقرهم؛ لأنّهم قسيمهم. ثمّ
إن عُيّن لهم قدرٌ بجعالة أو إجارة تعيّن ، وإن قصر ما حصّلوه عنه فيُكمل لهم من
بيت المال ، وإلّا اُعطوا بحسب ما يراه الإمام.
«والمؤلّفة قلوبهم ، وهم كفّارٌ يُستمالون
إلى الجهاد» بالإسهام لهم منها «قيل»
والقائل المفيد
والفاضلان
«ومسلمون
أيضاً» وهم أربع فرق : قومٌ لهم نظراء من
المشركين إذا اُعطي المسلمون رغب نظراؤهم في الإسلام ، وقومٌ نيّاتهم ضعيفةٌ في
الدين يُرجى بإعطائهم قوّة نيّتهم ، وقومٌ بأطراف بلاد الإسلام إذا اُعطوا منعوا
الكفّار من الدخول أو رغّبوهم في الإسلام ، وقومٌ جاوروا قوماً تجب عليهم الزكاة
إذا اُعطوا منها جَبَوها منهم وأغنوا عن عامل. ونسبه
____________________
المصنّف إلى القيل؛
لعدم اقتضاء ذلك الاسمَ ، إذ يمكن ردّ ما عدا الأخير إلى سبيل اللّٰه ،
والأخير إلى العِمالة. وحيث لا يُوجب البسط ويُجعل
الآية لبيان المصرف ـ كما هو المنصور ـ تقلّ فائدة الخلاف؛ لجواز إعطاء الجميع من
الزكاة في الجملة.
«وفي الرقاب»
جَعَل الرقاب ظرفاً للاستحقاق تبعاً للآية وتنبيهاً على أنّ استحقاقهم ليس على وجه
الملك أو الاختصاص كغيرهم؛ إذ يتعيّن عليهم صرفها في الوجه الخاصّ بخلاف غيرهم. ومثلهم
سبيل اللّٰه.
والمناسب لبيان المستحقّ التعبير ب «الرقاب»
و «سبيل
اللّٰه» بغير حرف الجرّ «وهم المكاتبون»
مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة «والعبيد تحت الشدّة»
عند مولاهم أو من سلّطه عليهم. والمرجع فيها إلى العرف ، فيُشترون منها ويُعتقون
بعد الشراء ، ونيّة الزكاة مقارنةٌ لدفع الثمن إلى البائع أو العتق. ويجوز شراء
العبد وإن لم يكن في شدّةٍ مع تعذّر المستحقّ مطلقاً على الأقوى ، ومعه من سهم «سبيل اللّٰه»
إن جعلناه كلّ قربة.
«والغارمون ، وهم المدينون في غير معصيةٍ»
ولا يتمكّنون من القضاء ، فلو استدانوا وأنفقوه في معصيةٍ مُنعوا من سهم «الغارمين»
، وجاز من سهم «الفقراء»
إن كانوا منهم بعد التوبة إن اشترطناها ، أو من سهم «سبيل اللّٰه»
«والمرويّ»
عن الرضا عليه السلام مرسلاً : «أنّه
لا يُعطى مجهول الحال» فيما أنفق هل هو في
طاعةٍ أو معصية؟
وللشكّ في الشرط. وأجازه
____________________
جماعةٌ
حملاً لتصرّف المسلم على الجائز. وهو قويٌّ.
«ويُقاصّ الفقير بها»
بأن يحتسبها صاحب الدين ـ إن كانت عليه ـ عليه ويأخذها مقاصّةً من دَينه وإن لم
يقبضها المديون ولم يوكِّل في قبضها ، وكذا يجوز لمن هي عليه دفعها إلى ربّ الدين
كذلك «وإن
مات» المديون مع قصور تركته عن الوفاء أو
جهل الوارث بالدين ، أو جحوده وعدم إمكان إثباته شرعاً والأخذ
منه مقاصّةً. وقيل : يجوز مطلقاً
بناءً على انتقال التركة إلى الوارث فيصير فقيراً ، وهو ضعيفٌ؛ لتوقّف تمكّنه منها
على قضاء الدين لو قيل به «أو
كان واجب النفقة» أي كان الدين على
من تجب نفقته على ربّ الدين ، فإنّه يجوز مقاصّته به منها. ولا يمنع منها وجوب
نفقته؛ لأنّ الواجب هو المؤونة لا وفاء الدين. وكذا يجوز له الدفع إليه منها
ليقضيه إذا كان لغيره ، كما يجوز إعطاؤه غيره ممّا لا يجب بذله كنفقة الزوجة.
«وفي سبيل اللّٰه ، وهو القُرب
كلّها» على أصحّ القولين
لأنّ سبيل اللّٰه لغةً : الطريق إليه ، والمراد هنا الطريق إلى رضوانه
وثوابه ، لاستحالة التحيّز عليه ،
____________________
فيدخل فيه ما كان
وصلةً إلى ذلك ، كعمارة المساجد ومعونة المحتاجين وإصلاح ذات البين وإقامة نظام
العلم والدين. وينبغي تقييده ب «ما لا يكون فيه معونة لغنيّ لا يدخل في
الأصناف». وقيل : يختصّ بالجهاد السائغ
والمرويّ الأوّل .
«وابن السبيل ، وهو المنقطع به»
في غير بلده «ولا
يمنع غناه في بلده مع عدم تمكّنه من الاعتياض عنه»
ببيع أو اقتراضٍ أو غيرهما ، وحينئذٍ فيُعطى ما يليق بحاله من المأكول والملبوس
والمركوب إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء الوَطَر أو إلى محلٍّ يمكنه الاعتياض فيه ،
فيُمنع حينئذٍ. ويجب ردّ الموجود منه وإن كان مأكولاً على مالكه أو وكيله ، فإن
تعذّر فإلى الحاكم ، فإن تعذّر صَرفَه بنفسه إلى مستحقّ الزكاة.
ومنشئ السفر مع حاجته إليه ولا يقدر على
مال يُبلغه ابنُ سبيلٍ على الأقوى.
«ومنه»
أي من ابن السبيل «الضيف»
بل قيل : بانحصاره فيه
إذا كان نائياً عن بلده وإن كان غنيّاً فيها مع حاجته إلى الضيافة. والنيّة عند
شروعه في الأكل ، ولا يُحتسب عليه إلّاما أكل وإن كان مجهولاً.
____________________
«وتشترط العدالة في من عدا المؤلّفة»
قلوبهم من أصناف المستحقّين. أمّا المؤلّفة فلا؛ لأنّ كفرهم مانعٌ من العدالة ،
والغرض منهم يحصل بدونها. أمّا اعتبار عدالة العامل فموضع وفاق. وأمّا غيره
فاشتراط عدالته أحد الأقوال في المسألة
بل ادّعى المرتضى فيه الإ جماع
«فلو
كان السفر» من ابن السبيل «معصيةً مُنع»
كما يُمنع الفاسق في غيره.
«و»
لا تعتبر العدالة في الطفل؛ لعدم إمكانها فيه ، بل «يُعطى الطفل ولو كان أبواه فاسقين»
اتّفاقاً.
«وقيل : المعتبر»
في المستحقّ ـ غير من استثني باشتراط العدالة أو بعدمها ـ «تجنّب الكبائر »
دون غيرها من الذنوب وإن أوجبت فسقاً؛ لأنّ النصّ ورد على منع شارب الخمر
وهو من الكبائر ، ولم يدلّ على منع الفاسق مطلقاً ، واُلحق به غيره من الكبائر
للمساواة.
وفيه نظر؛ لمنع المساواة وبطلان القياس
، والصغائر إن أصرّ عليها لحقت
بالكبائر ، وإلّا لم توجب الفسق ، والمروءة غير معتبرةٍ في العدالة هنا ـ على
____________________
ما صرّح به المصنّف
في شرح الإرشاد
ـ فلزم من اشتراط تجنّب الكبائر اشتراط العدالة.
ومع ذلك لا دليل على اعتبارها ، والإ
جماع ممنوع. والمصنّف لم يرجّح اعتبارها
إلّافي هذا الكتاب. ولو اعتبرت لزم منع الطفل؛ لتعذّرها منه ، وتعذّر الشرط غير
كافٍ في سقوطه ، وخروجه بالإ جماع موضع تأمّلٍ.
«ويعيد المخالف الزكاة لو أعطاها مثله»
بل غير المستحقّ مطلقاً «ولا
يعيد باقي العبادات» التي أوقعها على
وجهها بحسب معتقده. والفرق أنّ الزكاة دينٌ وقد دفعه إلى غير مستحقّه ، والعبادات
حقٌّ اللّٰه تعالى وقد أسقطها عنه رحمةً ، كما أسقطها عن الكافر إذا أسلم.
ولو كان المخالف قد تركها أو فعلها على غير الوجه قضاها. والفرق بينه وبين الكافر
قدومه على المعصية بذلك والمخالفة للّٰه تعالى ، بخلاف ما لو فعلها على
الوجه ، كالكافر إذا تركها.
«ويشترط»
في المستحقّ «أن
لا يكون واجب النفقة على المعطي»
من حيث الفقر ، أمّا من جهة الغُرم والعَمولة
وابن السبيل ونحوه إذا اتّصف بموجبه فلا ، فيدفع إليه ما يوفي دينه والزائد عن
نفقة الحَضَر. والضابط : أنّ واجب النفقة إنّما يُمنع من سهم الفقراء لقوت نفسه
مستقرّاً في وطنه.
«ولا هاشميّاً إلّامن قبيله»
وهو هاشميٌّ مثله وإن خالفه في النسب «أو
____________________
تعذّر»
كفايته من «الخمس»
فيجوز تناول قدر الكفاية منها حينئذٍ ، ويتخيّر بين زكاة مثله والخمس مع وجودهما ،
والأفضل الخمس؛ لأنّ الزكاة أوساخٌ في الجملة .
وقيل : لا يتجاوز من زكاة غير قبيله قوت
يومٍ وليلة ، إلّامع عدم اندفاع الضرورة به
، كأن لا يجد في اليوم الثاني ما يدفعها به.
هذا كلّه في الواجبة ، أمّا المندوبة
فلا يُمنع منها ، وكذا غيرها من الواجبات على الأقوى.
«ويجب دفعها إلى الإمام مع الطلب بنفسه
أو بساعيه» لوجوب طاعته مطلقاً «قيل : و»
كذا يجب دفعها إلى «الفقيه»
الشرعي «في»
حال «الغيبة»
لو طلبها بنفسه أو
وكيله؛ لأنّه نائبٌ للإمام كالساعي ، بل أقوى. ولو خالف المالك وفرّقها بنفسه لم
يُجز؛ للنهي المفسد للعبادة. وللمالك استعادة العين مع بقائها أو علم القابض.
«ودفعها إليهم ابتداءً»
من غير طلبٍ «أفضل»
من تفريقها بنفسه؛ لأ نّهم أبصر بمواقعها وأخبر بمواضعها «وقيل»
والقائل المفيد والتقيّ
____________________
«يجب»
دفعها ابتداءً إلى الإمام أو نائبه ، ومع الغيبة إلى الفقيه المأمون ـ وألحق
التقيّ الخمس ـ محتجّين
بقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً)
والإ يجاب عليه يستلزم الإ يجاب عليهم ، والنائب كالمنوب. والأشهر الاستحباب.
«ويُصدَّق المالك في الإخراج بغير يمين»
لأنّ ذلك حقٌّ له كما هو عليه ولا يعلم إلّامن قبله. وجاز احتسابها من دينٍ وغيره
ممّا يتعذّر الإشهاد عليه. وكذا تُقبل دعواه عدمَ الحول وتلفَ المال وما يُنقِص
النصاب ما لم يُعلم كذبه. ولا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلّامع الحصر؛ لأنّه نفيٌ.
«ويستحبّ قسمتها على الأصناف»
الثمانية؛ لما فيه من فضيلة التسوية بين المستحقّين ، وعملاً بظاهر الاشتراك «وإعطاء جماعةٍ من كلّ
صنفٍ» اعتباراً بصيغة الجمع. ولا يجب
التسوية بينهم ، بل الأفضل التفضيل بالمرجِّح.
«ويجوز»
الدفع إلى الصنف «الواحد*»
والفرد الواحد منه؛ لما ذكرناه من كونه لبيان المصرف ، فلا يجب التشريك.
«و»
يجوز «الإغناء»
وهو إعطاء فوق الكفاية «إذا
كان دفعةً» واحدة؛ لاستحقاقه حال الدفع ،
والغَناء متأخّرٌ عن الملك فلا ينافيه. ولو أعطاه دفعات امتنعت المتأخّرة عن
الكفاية.
«وأقلّ ما يُعطى»
المستحقّ «استحباباً
ما يجب في أوّل» نُصُب «النقدين»
إن كان المدفوع منهما وأمكن بلوغ القدر. فلو تعذّر ، كما لو اُعطي
____________________
ما في الأوّل لواحدٍ
سقط الاستحباب في الثاني
إذا لم يجتمع منه نُصُبٌ كثيرةٌ تبلغ الأوّل.
ولو كان المدفوع من غير النقدين ، ففي
تقديره بأحدهما مع الإمكان وجهان ، ومع تعذّره ـ كما لو وجب عليه شاةٌ واحدة لا
تبلغه ـ يسقط قطعاً. وقيل : إنّ ذلك على سبيل الوجوب مع إمكانه
وهو ضعيف.
«ويستحبّ دعاء الإمام أو نائبه للمالك»
عند قبضها منه؛ للأمر به في قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)
بعدأمره بأخذها منهم ، والنائب كالمنوب. وقيل : يجب
لدلالة الأمر عليه. وهو قويٌّ ، وبه قطع المصنّف في الدروس
ويجوز بصيغة «الصلاة»
للاتّباع
ودلالة الأمر ، وبغيرها؛ لأنّه معناها لغةً ، والأصل هنا عدم النقل. وقيل : يتعيّن
لفظ «الصلاة»
لذلك.
والمراد ب «النائب» هنا ما يشمل الساعي
والفقيه ، فيجب عليهما أو
____________________
يستحبّ. أمّا
المستحقّ فيستحبّ له بغير خلاف.
«ومع الغيبة لا ساعي ولا مؤلّفة * إلّالمن
** يحتاج إليه» وهو الفقيه إذا
تمكّن من نصب الساعي وجبايتها. وإذا وجب الجهاد في حال الغيبة واحتيج إلى التأليف
فيجوز بالفقيه وغيره. وكذا سهم «سبيل
اللّٰه» لو قصرناه على
الجهاد.
وأسقط الشيخ رحمه الله
سهم «المؤلّفة»
بعد موت النبي صلى الله عليه وآله؛ لبطلان التأليف بعده. وهو ضعيف.
«وليخصّ بزكاة النعم المتجمّل»
وزكاة النقدين والغلّات غيرهم ، رواه عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه
السلام
معلّلاً بأنّ أهل التجمّل يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجلّ
الأمرين عند الناس «وإ
يصالها إلى المستحيي *** من قبولها هديةً»
واحتسابها عليه بعد وصولها إلى يده أو يد وكيله مع بقاء عينها.
____________________
«الفصل الرابع»
«في زكاة الفطرة»
وتطلق على الخلقة ، وعلى الإسلام.
والمراد بها على الأوّل زكاة الأبدان مقابل المال ، وعلى الثاني زكاة الدين
والإسلام ، ومن ثمّ وجبت على من أسلم قبل الهلال.
«ويجب على البالغ العاقل الحرّ»
لا على الصبيّ والمجنون والعبد ، بل على من يعولهم إن كان من أهلها. ولا فرق في
العبد بين القِنّ والمدبَّر والمكاتب ، إلّا إذا تحرّر بعض المطلق فيجب عليه
بحسابه. وفي جزئه الرقّ والمشروط قولان ، أشهرهما وجوبها على المولى ما لم يَعُله
غيره «المالك قوت سنته»
فعلاً أو قوّةً ، فلا تجب على الفقير ، وهو من يستحقّ الزكاة لفقره. ولا يشترط في
مالك قوت السنة أن يفضل عنه أصواعٌ بعدد من يُخرج عنه.
فيخرجها «عنه وعن عياله»
من ولدٍ وزوجةٍ وضيفٍ «ولو
تبرّعاً» والمعتبر في الضيف وشبهه صدق اسمه قبل
الهلال ولو بلحظة. ومع وجوبها عليه تسقط عنهم وإن لم يخرجها ، حتّى لو أخرجوها
تبرّعاً بغير إذنه لم يبرأ من وجبت
____________________
عليه ، وتسقط عنه لو
كان بإذنه.
ولا يشترط في وجوب فطرة الزوجة والعبد
العيلولة ، بل تجب مطلقاً ما لم يَعُلْهما غيره ممّن تجب عليه. نعم ، يشترط كون
الزوجة واجبة النفقة ، فلا فطرة للناشز والصغيرة.
«وتجب»
الفطرة «على
الكافر» كما يجب عليه زكاة المال «ولا تصحّ منه»
حال كفره ، مع أنّه لو أسلم بعد الهلال سقطت عنه وإن استحبّت قبل الزوال ، كما
تسقط الماليّة لو أسلم بعد وجوبها. وإنّما تظهر الفائدة في عقابه على تركها لو مات
كافراً ، كغيرها من العبادات.
«والاعتبار بالشروط * عند الهلال»
فلو اُعتق العبد بعده أو استغنى الفقير أو أسلم الكافر أو أطاعت الزوجة لم تجب.
«وتستحبّ»
الزكاة «لو
تجدّد السبب» الموجب «ما بين الهلال»
وهو الغروب ليلة العيد «إلى
الزوال» من يومه.
«وقدرها صاع»
عن كلّ إنسان «من
الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأرز»
منزوع القشر الأعلى «أو
الأقِط» وهو لبنٌ جافّ «أو اللبن»
وهذه الاُصول مجزيةٌ وإن لم تكن قوتاً غالباً. أمّا غيرها فإنّما يُجزئ مع غلبته
في قوت المُخرج.
«وأفضلها التمر»
لأنّه أسرع منفعةً وأقلّ كلفةً ، ولاشتماله على القوت والإدام
«ثمّ
الزبيب» لقربه من التمر في أوصافه «ثمّ ما يغلب على قوته»
من الأجناس وغيرها.
____________________
«والصاع تسعة أرطالٍ ولو من اللبن في
الأقوى» هذا غايةٌ لوجوب الصاع لا لتقديره ،
فإنّ مقابل الأقوى إجزاء ستّة أرطالٍ منه أو أربعة
لا أنّ الصاع منه قدرٌ آخر.
«ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت»
من غير انحصارٍ في درهمٍ عن الصاع أو ثلثي درهم. وما ورد منها مقدّراً
منزّل على سعر ذلك الوقت.
«وتجب النيّة فيها وفي الماليّة»
من المالك أو وكيله عند الدفع إلى المستحقّ ، أو وكيله عموماً كالإمام ونائبه
عامّاً أو خاصّاً ، أو خصوصاً كوكيله. ولو لم ينو المالك عند دفعها إلى غير
المستحقّ ووكيله الخاصّ فنوى القابض عند دفعها إليه أجزأ.
«ومن عزل إحداهما»
بأن عيّنها في مالٍ خاصٍّ بقدرها بالنيّة «لعذرٍ»
مانعٍ من تعجيل إخراجها «ثمّ
تلفت» بعد العزل بغير تفريط «لم يَضمن»
لأنّه بعد ذلك بمنزلة الوكيل في حفظها. ولو كان لا لعذرٍ ضمن مطلقاً إن جوّزنا
العزل معه. وتظهر فائدة العزل في انحصارها في المعزول ، فلا يجوز التصرّف فيه ،
ونماؤه تابع ، وضمانه كما ذكر.
«ومصرفها مصرف الماليّة»
وهو الأصناف الثمانية.
«ويستحبّ أن لا يقصر العطاء»
للواحد «عن
صاعٍ» على الأقوى ،
____________________
والمشهور أنّ ذلك على
وجه الوجوب ، ومال إليه في البيان
ولا فرق بين صاع نفسه ومن يعوله «إلّامع الاجتماع»
أي اجتماع المستحقّين «وضيق
المال» فيسقط الوجوب أو الاستحباب ، بل
يُبسَط الموجود عليهم بحسبه. ولا تجب التسوية وإن استحبّت مع عدم المرجِّح.
«ويستحبّ أن يخصّ بها المستحقّ من
القرابة والجار» بعده ، وتخصيص أهل
الفضل بالعلم والزهد وغيرهما وترجيحهم في سائر المراتب.
«ولو بان الآخذ غير مستحقٍّ ارتجعت»
عيناً أو بدلاً مع الإمكان ، «ومع
التعذّر تُجزئ إن اجتهد» الدافع بالبحث عن
حاله على وجهٍ لو كان بخلافه لظهر عادةً ، لا بدونه بأن اعتمد على دعواه الاستحقاق
مع قدرته على البحث «إلّاأن
يكون» المدفوع إليه «عبده»
فلا يُجزئ مطلقاً؛ لأنّه لم يخرج عن ملك المالك.
وفي الاستثناء نظر؛ لأنّ العلّة في نفس
الأمر مشتركةٌ ، فإنّ القابض مع عدم استحقاقه لا يملك مطلقاً وإن برئ الدافع ، بل
يبقى المال مضموناً عليه ، وتعذّر الارتجاع مشتركٌ ، والنصّ مطلقٌ .
____________________
كتاب الخمس
«كتاب الخمس»
«ويجب في»
سبعة أشياء :
الأول : «الغنيمة» :
وهي ما يحوزه المسلمون بإذن النبي أو
الإمام عليهم السلام من أموال أهل الحرب بغير سَرِقَةٍ ولا غِيلةٍ
من منقول وغيره. ومن مال البغاة إذا حواها العسكر عند الأكثر ، ومنهم المصنّف في
خمس الدروس
وخالفه في الجهاد
وفي هذا الكتاب
ومن الغنيمة فداء المشركين وما صولحوا عليه.
وما أخرجناه من الغنيمة بغير إذن الإمام
والسرقة والغيلة من أموالهم فيه الخمس أيضاً ، لكنّه لا يدخل في اسم الغنيمة
بالمعنى المشهور؛ لأنّ الأوّل
____________________
للإمام خاصّةً ،
والثاني لآخذه. نعم ، هو غنيمة بقولٍ مطلق ، فيصحّ إخراجه منها .
وإنّما يجب الخمس في الغنيمة «بعد إخراج المُؤَن *»
وهي ما اُنفق عليها بعد تحصيلها بحفظٍ وحملٍ ورعيٍ ونحوها. وكذا يُقدّم عليه
الجعائل على الأقوى.
«و» الثاني : «المعدِن»
:
بكسر الدال وهو ما استُخرج من الأرض
ممّا كانت أصله ثمّ اشتمل على خصوصيةٍ يعظم الانتفاع بها ، كالملح والجصّ وطين
الغَسل وحجارة الرحى ، والجواهر : من الزبرجد والعقيق والفيروزج وغيرها.
«و» الثالث : «الغوص»
:
أي : ما اُخرج به : من اللؤلؤ والمرجان
والذهب والفضّة ـ التي ليس عليها سكّة الإسلام ـ والعنبر ، والمفهوم منه الإخراج
من داخل الماء ، فلو اُخذ شيءٌ من ذلك من الساحل أو عن وجه الماء لم يكن غوصاً ،
وفاقاً للمصنّف في الدروس
وخلافاً للبيان
وحيث لا يلحق به يكون من المكاسب ، وتظهر الفائدة في الشرائط.
وفي إلحاق صيد البحر بالغوص أو المكاسب؟
وجهان ، والتفصيل حسنٌ ، إلحاقاً لكلٍّ بحقيقته.
____________________
«و» الرابع : «أرباح
المكاسب»
من تجارةٍ وزراعةٍ وغرسٍ وغيرها ممّا
يكتسب من غير الأنواع المذكورة قسيمها ولو بنماءٍ وتولّدٍ وارتفاع قيمةٍ وغيرها ،
خلافاً للتحرير حيث نفاه في الارتفاع .
«و» الخامس : «الحلال
المختلط بالحرام»
«ولا يتميّز ولا يُعلم صاحبه»
ولا قدره بوجه ، فإنّ إخراج خمسه حينئذٍ يطهّر المال من الحرام.
فلو تميّز كان للحرام حكم المال المجهول
المالك حيث لا يعلم.
ولو علم صاحبه ولو في جملة قومٍ منحصرين
فلا بدّ من التخلّص منه ولو بصلحٍ ، ولا خمسَ. فإن أبى ، قال في التذكرة : دفع
إليه خمسه إن لم يعلم زيادته ، أو ما يغلب على ظنّه إن علم زيادته أو نقصانه .
ولو علم قدره ـ كالربع والثلث ـ وجب
إخراجه أجمع صدقةً لا خمساً.
ولو علم قدره جملةً لا تفصيلاً ، فإن
علم أنّه يزيد عن الخُمس خمّسه وتصدّق بالزائد ولو ظنّاً ، ويحتمل قويّاً كون
الجميع صدقة. ولو علم نقصانه عنه اقتصر على ما يتيقّن به البراءة صدقةً على الظاهر
، وخُمساً في وجهٍ. وهو أحوط.
ولو كان الحلال الخليط ممّا يجب فيه
الخمس خمّسه بعد ذلك بحسبه.
____________________
ولو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ففي
الضمان له وجهان ، أجودهما ذلك.
«و» السادس : «الكنز»
وهو المال المذخور تحت الأرض قصداً في
دار الحرب مطلقاً ، أو دار الإسلام ولا أثر له عليه ، ولو كان عليه أثره فلقطةٌ
على الأقوى.
هذا إذا لم يكن في ملكٍ لغيره ولو في
وقت سابق ، فلو كان كذلك عرّفه المالك ، فإن اعترف به فهو له بقوله مجرّداً ،
وإلّا عرّفه مَن قبله من بائع وغيره ، فإن اعترف به وإلّا فمَن قَبلَه ممّن يمكن.
فإن تعدّدت الطبقة وادّعوه أجمع قسّم عليهم بحسب السبب. ولو ادّعاه بعضهم خاصّةً
فإن ذكر سبباً يقتضي التشريك سُلّمت إليه حصّته خاصّةً وإلّا الجميع. وحصّة الباقي
كما لو نفوه أجمع ،
فيكون للواجد إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلّا فلقطة.
ومثله الموجود في جوف دابّةٍ ولو
سَمَكَةٍ مملوكةٍ بغير الحيازة ، أمّا بها فلواجده؛ لعدم قصد المحيز إلى تملّك ما
في بطنها ولا يعلمه ، وهو شرط الملك على الأقوى.
وإنّما يجب في الكنز «إذا بلغ عشرين
ديناراً» عيناً أو قيمةً. والمراد ب «الدينار»
المثقال كغيره ، وفي الاكتفاء بمئتي درهم وجهٌ احتمله المصنّف في البيان
مع قطعه بالاكتفاء بها في المعدن ، وينبغي القطع بالاكتفاء بها هنا؛ لأنّ صحيح
البزنطي عن الرضا عليه السلام تضمّن : أنّ ما يجب الزكاة منه في مثله
____________________
ففيه الخمس .
«قيل : والمعدن كذلك»
يشترط بلوغه عشرين ديناراً
ونسبته إلى القول تدلّ على توقّفه فيه ، مع جزمه به في غيره
وصحيح البزنطي دالٌّ عليه
فالعمل به متعيّن.
وفي حكمها بلوغه مئتي درهم ـ كما مرّ ـ
عند المصنّف ، مع أنّ الرواية هنا لا تدلّ عليه.
«وقال الشيخ في الخلاف : لا نصاب له »
بل يجب في مسمّاه ، وهو ظاهر الأكثر نظراً إلى الاسم. والرواية حجّةٌ عليهم.
«واعتبر أبو الصلاح»
التقيّ الحلبي «فيه
ديناراً
كالغوص»
استناداً إلى روايةٍ قاصرة
نعم ، يعتبر الدينار أو قيمته في الغوص قطعاً. واكتفى المصنّف عن اشتراطه فيه
بالتشبيه هنا.
ويعتبر النصاب في الثلاثة
بعد المؤونة التي يغرمها على تحصيله : من
____________________
حفرٍ ، وسبكٍ في
المعدن ، وآلة الغوص أو أرشها ، واُجرة الغوّاص في الغوص ، واُجرة الحفر ونحوه في
الكنز. ويعتبر النصاب بعدها مطلقاً في ظاهر الأصحاب.
ولا يعتبر اتّحاد الإخراج في الثلاثة ،
بل يضمّ بعض الحاصل إلى بعضٍ وإن طال الزمان أو نوى الإعراض ، وفاقاً للمصنّف
واعتبر العلّامة عدم نيّة الإعراض
وفي اعتبار اتّحاد النوع وجهان ، أجودهما اعتباره في الكنز والمعدن دون الغوص ،
وفاقاً للعلّامة .
ولو اشترك جماعةٌ اعتبر بلوغ نصيب كلٍّ
نصاباً بعد مؤونته.
«و» السابع : «أرض
الذمّي المنتقلة إليه من مسلم»
سواء انتقلت إليه بشراءٍ أم غيره ، وإن
تضمّن بعض الأخبار لفظ «الشراء»
وسواء كانت ممّا فيه
الخمس ـ كالمفتوحة عنوةً حيث يصحّ بيعها ـ أم لا ، وسواء اُعدّت للزراعة أم لغيرها
، حتّى لو اشترى بستاناً أو داراً اُخذ منه خمس الأرض؛ عملاً بالإطلاق. وخصّها في
المعتبر بالاُولى .
____________________
وعلى ما اخترناه فطريق معرفة الخمس : أن
تُقَوَّم مشغولةً بما فيها باُجرةٍ للمالك. ويتخيّر الحاكم بين أخذ خمس العين
والارتفاع.
ولا حول هنا ولا نصاب ولا نيّة. ويحتمل
وجوبها عن الآخذ لا عنه ، وعليه المصنّف في الدروس
والأوّل في البيان .
ولا يسقط ببيع الذمّي لها قبل الإخراج
وإن كان لمسلمٍ ، ولا بإقالة المسلم له في البيع الأوّل. مع احتماله هنا؛ بناءً
على أنّها فسخٌ ، لكن لما كان من حينه ضعف.
«و»
هذه الأرض «لم
يذكرها كثير» من الأصحاب ، كابن
أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد وسلّار والتقيّ. والمتأخّرون أجمع والشيخ
من المتقدّمين على وجوبه فيها ، ورواه أبو عبيدة الحذّاء في الموثّق عن الباقر
عليه السلام .
«وأوجبه أبو الصلاح في الميراث والصدقة
والهبة» محتجّاً بأ نّه نوع اكتسابٍ وفائدةٍ
فيدخل تحت العموم
«وأنكره
ابن ادريس»
والعلّامة
____________________
للأصل ، والشكّ في
السبب.
«والأوّل حسن»
لظهور كونها غنيمة بالمعنى الأعمّ فتلحق بالمكاسب؛ إذ لا يشترط فيها حصوله
اختياراً ، فيكون الميراث منه. وأمّا العقود المتوقّفة على القبول فأظهر؛ لأنّ
قبولها نوعٌ من الاكتساب ، ومن ثمّ يجب القبول حيث يجب كالاكتساب للنفقة ، وينتفي
حيث ينتفي كالاكتساب للحجّ ، وكثيراً ما يذكر الأصحاب أنّ قبول الهبة ونحوها
اكتساب
وفي صحيحة عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني
ما يرشد إلى الوجوب فيها.
والمصنّف لم يرجّح هذا القول إلّاهنا ،
بل اقتصر في الكتابين على مجرّد نقل الخلاف
وهو يشعر بالتوقّف.
«واعتبر المفيد
في
الغنيمة والغوص والعنبر» ذِكره بعد الغوص
تخصيصٌ بعد التعميم ، أو لكونه أعمّ منه من وجه لإمكان تحصيله من الساحل أو عن وجه
الماء ، فلا يكون غوصاً كما سلف «عشرين ديناراً عيناً أو قيمةً».
«والمشهور أنّه لا نصاب للغنيمة»
لعموم الأدلّة ، ولم نقف على ما أوجب إخراجه لها منه
فإنّه ذكرها مجرّدةً عن حجّة. وأمّا الغوص فقد عرفت
____________________
أنّ نصابه دينار
للرواية عن الكاظم عليه السلام
وأمّا العنبر فإن دخل فيه فبحكمه ، وإلّا فبحكم المكاسب. وكذا كلّ ما انتفى فيه
الخمس من هذه المذكورات لفقد شرطٍ ولو بالنقصان عن النصاب.
«ويعتبر»
في وجوب الخمس «في
الأرباح» إخراج «مؤونته ومؤونة عياله»
الواجبي النفقة وغيرهم حتّى الضيف «مقتصداً»
فيها ، أي : متوسّطاً بحسب اللائق بحاله عادةً ، فإن أسرف حُسب عليه ما زاد ، وإن
قَتَرَ حُسب له ما نقص.
ومن المؤونة هنا : الهديّة والصلة
اللائقان بحاله ، وما يؤخذ منه في السنة قهراً ، أو يصانع به الظالم اختياراً ،
والحقوق اللازمة له بنذرٍ وكفّارةٍ ومؤونة تزويج ودابّةٍ وأمةٍ وحجٍّ واجبٍ إن
استطاع عام الاكتساب ، وإلّا وجب في الفضلات السابقة على عام الاستطاعة. والظاهر
أنّ الحجّ المندوب والزيارة وسفر الطاعة كذلك. والدين المتقدّم والمقارن لحول
الاكتساب من المؤونة.
ولا يُجبر التالف من المال بالربح وإن
كان في عامه. وفي جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجهٌ ، قطع به المصنّف في
الدروس .
ولو كان له مالٌ آخر لا خمس فيه ففي أخذ
المؤونة منه ، أو من الكسب ، أو منهما بالنسبة ، أوجه. وفي الأوّل احتياط ، وفي
الأخير عدل ، وفي الأوسط قوّة.
____________________
ولو زاد بعد تخميسه
زيادةً متّصلةً أو منفصلة وجب خمس الزائد ، كما يجب خمسه ممّا لا خمس في أصله ،
سواء اُخرج الخمس أوّلاً من العين أم القيمة.
والمراد ب «المؤونة»
هنا مؤونة السنة. ومبدؤها ظهور الربح ، ويتخيّر بين تعجيل إخراج ما يعلم زيادته
عليها والصبر به إلى تمام الحول ، لا لأنّ الحول معتبرٌ فيه ، بل لاحتمال زيادة المؤونة
ونقصانها ، فإنّها مع تعجيله تخمينيّة.
ولو حصل الربح في الحول تدريجاً اعتبر
لكلّ خارجٍ حولٌ بانفراده. نعم ، توزّع المؤونة في المدّة المشتركة بينه وبين ما
سبق عليهما ، ويختصّ بالباقي ، وهكذا ...
وكما لا يعتبر الحول هنا لا يعتبر
النصاب ، بل يخمّس الفاضل وإن قلّ ، وكذا غير ما ذكر له نصاب. أمّا الحول فمنفيٌّ
عن الجميع.
والوجوب في غير الأرباح مضيّق.
«ويقسّم» الخمس «ستّة
أقسام»
على المشهور؛ عملاً بظاهر الآية
وصريح الرواية
«ثلاثة»
منها «للإمام
عليه السلام» وهي سهم
اللّٰه ورسوله وذي القربى. وهذا السهم وهو نصف الخمس «يصرف إليه»
إن كان «حاضراً
، وإلى نوّابه» وهم : الفقهاء
العدول الإماميّون الجامعون لشرائط الفتوى؛ لأنّهم وكلاؤه.
____________________
ثمّ يجب عليهم فيه ما يقتضيه مذهبهم ،
فمن يذهب منهم إلى جواز صرفه إلى الأصناف على سبيل التتمّة ـ كما هو المشهور بين
المتأخّرين منهم
ـ يصرفه على حسب ما يراه من بسطٍ وغيره ، ومن لا يرى ذلك يجب عليه أن يستودعه له
إلى ظهوره ، فإذا حضرته الوفاة أودعه من ثقة ، وهكذا ما دام «غائباً ، أو يُحفظ»
أي يحفظه من يجب عليه بطريق الاستيداع ، كما ذكرناه في النائب وليس له أن يتولّى
إخراجه بنفسه إلى الأصناف مطلقاً ولا لغير الحاكم الشرعي ، فإن تولّاه غيره ضمن.
ويظهر من إطلاقه صرف حقّه عليه السلام
إلى نوّابه : أنّه لا يحلّ منه حال الغيبة شيءٌ لغير فريقه.
والمشهور بين الأصحاب ـ ومنهم المصنّف
في باقي كتبه
وفتاواه ـ استثناء المناكح والمساكن والمتاجر من ذلك ، فتباح هذه الثلاثة مطلقاً
والمراد من الأوّل : الأمة المسبيّة حال الغيبة وثمنها ، ومهر الزوجة من الأرباح.
ومن الثاني : ثمن المسكن منها أيضاً. ومن الثالث : الشراء ممّن لا يعتقد الخمس ،
أو ممّن لا يخمّس ، ونحو ذلك. وتركه هنا إمّا اختصاراً أو اختياراً؛ لأنّه قولٌ
لجماعةٍ من الأصحاب
والظاهر الأوّل؛ لأنّه ادّعى في البيان إطباق الإماميّة
____________________
عليه
نظراً إلى شذوذ المخالف.
«وثلاثة»
أقسام وهي بقيّة الستّة «لليتامى»
وهم الأطفال الذين لا أب لهم «والمساكين»
والمراد بهم هنا ما يشمل الفقراء ، كما في كلّ موضعٍ يذكرون منفردين «وأبناء السبيل»
على الوجه المذكور في الزكاة «من
الهاشميّين» المنتسبين إلى هاشم
«بالأب»
دون الاُمّ ودون المنتسبين إلى المطّلب ـ أخي هاشم ـ على أشهر القولين .
ويدلّ على الأوّل استعمال أهل اللغة ،
وما خالفه يحمل على المجاز؛ لأنّه خيرٌ من الاشتراك. وفي الرواية عن الكاظم عليه
السلام ما يدلّ عليه
وعلى الثاني أصالة عدم الاستحقاق ، مضافاً إلى ما دلّ على عدمه من الأخبار
واستضعافاً لما استدلّ به القائل منها
وقصوره عن الدلالة.
«وقال المرتضى»
رضى الله عنه : يستحقّ المنتسب إلى هاشم «و»
لو «بالاُمّ»
استناداً إلى قوله صلى الله عليه وآله عن الحسنين عليهما السلام : «هذان ابناي إمامان ...»
____________________
والأصل في الإطلاق
الحقيقة. وهو ممنوعٌ ، بل هو أعمّ منها ومن المجاز ، خصوصاً مع وجود المعارض. وقال
المفيد وابن الجنيد : يستحقّ المطّلبي أيضاً
وقد بيّنّاه.
«ويشترط فقر شركاء الإمام عليه السلام»
أمّا المساكين فظاهر. وأمّا اليتامى فالمشهور اعتبار فقرهم؛ لأنّ الخمس عوض الزكاة
، ومصرفها الفقراء في غير من نُصّ على عدم اعتبار فقره ، فكذا العوض ، ولأنّ
الإمام عليه السلام يقسّمه بينهم على قدر حاجتهم ، والفاضل له والمُعْوِز عليه ،
فإذا انتفت الحاجة انتفى النصيب.
وفيه نظرٌ بيّن ، ومن ثمّ ذهب جماعة إلى
عدم اعتباره فيهم
لأنّ اليتيم قسيمٌ للمسكين في الآية
وهو يقتضي المغايرة. ولو سلّم عدمه ـ نظراً إلى أنّها لا تقتضي المباينة ـ فعند
عدم المخصّص يبقى العموم. وتوقّف المصنّف في الدروس .
«ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد
التسليم» وإن كان غنيّاً في بلده ، بشرط أن
يتعذّر وصوله إلى المال على الوجه الذي قرّرناه في الزكاة
وظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه ، وإلّا كان دليل اليتيم آتياً فيه.
«ولا تعتبر العدالة»
لإطلاق الأدلّة. «ويعتبر
الإ يمان» لاعتباره في
____________________
المعوّض بغير خلافٍ
مع وجوده ، ولأ نّه صلةٌ وموادّة والمخالف بعيد عنها
وفيهما نظرٌ ، ولا ريب أنّ اعتباره أولى.
وأمّا الأنفال
فهي المال الزائد للنبيّ صلى الله عليه وآله
والإمام عليه السلام بعده على قبيلهما ، وقد كانت لرسول اللّٰه صلى الله
عليه وآله في حياته بالآية الشريفة
وهي بعده للإمام القائم مقامه.
وقد أشار إليها بقوله : «ونفل الإمام عليه
السلام» الذي يزيد به عن قبيله ، ومنه سُمّي
نفلاً :
«أرضٌ انجلى عنها»
أهلها وتركوها «أو
سُلّمت *» للمسلمين «طوعاً»
من غير قتال ، كبلاد البحرين «أو
باد أهلها» أي هلكوا ، مسلمين كانوا أم كفّاراً ،
وكذا مطلق الأرض الموات التي لا يعرف لها مالك.
«والاجام»
بكسر الهمزة وفتحها مع المدّ ، جمع «أجمة»
بالتحريك المفتوح ، وهي : الأرض المملوءة من القصب ونحوه في غير الأرض المملوكة.
«ورؤوس الجبال ، وبطون الأودية»
والمرجع فيهما إلى العرف «وما
يكون بها» من شجرٍ ومعدنٍ وغيرهما ، وذلك في غير
أرضه المختصّة به.
«وصوافي ملوك الحرب»
وقطائعهم ، وضابطه : كلّ ما اصطفاه ملك
____________________
الكفّار لنفسه واختصّ
به من الأموال المنقولة وغيرها غير المغصوبة من مسلمٍ أو مسالم.
«وميراث فاقد الوارث»
الخاصّ ، وهو من عدا الإمام ، وإلّا فهو عليه السلام وارث من يكون كذلك.
«والغنيمة بغير إذنه»
غائباً كان أم حاضراً على المشهور ، وبه روايةٌ مرسلة
إلّاأ نّه لا قائل بخلافها ظاهراً.
والمشهور أنّ هذه الأنفال مباحةٌ حال
الغيبة ، فيصحّ التصرّف في الأرض المذكورة بالإحياء وأخذُ ما فيها من شجرٍ وغيره.
نعم ، يختصّ ميراث من لا وارث له بفقراء
بلد الميّت وجيرانه؛ للرواية .
وقيل : بالفقراء مطلقاً
؛ لضعف المخصِّص. وهو قويٌّ. وقيل : مطلقاً كغيره .
و «أمّا المعادن»
الظاهرة والباطنة في غير أرضه عليه السلام «فالناس فيها شَرعٌ»
على الأصحّ؛ لأصالة عدم الاختصاص. وقيل : هي من الأنفال أيضاً .
____________________
أمّا الأرض المختصّة به فما فيها من
معدنٍ تابعٌ لها؛ لأنّه من جملتها. وأطلق جماعةٌ كون المعادن للناس من غير تفصيل
والتفصيل حسن.
هذا كلّه في غير المعادن المملوكة تبعاً
للأرض أو بالإحياء؛ فإنّها مختصّةٌ بمالكها.
____________________
كتاب الصوم
«كتاب الصوم»
«وهو الكفّ»
نهاراً كما سيأتي التنبيه عليه
«عن
الأكل والشرب مطلقاً» المعتاد منهما
وغيره «والجماع
كلّه» قُبُلاً ودُبراً ، لآدميّ وغيره على
أصحّ القولين
«والاستمناء»
وهو طلب الإمناء بغير الجماع مع حصوله ، لا مطلق طلبه وإن كان محرّماً أيضاً ،
إلّاأنّ الأحكام الآتية لا تجري فيه. وفي حكمه : النظر ، والاستمتاع بغير الجماع ،
والتخيّل لمعتاده معه كما سيأتي
«وإ
يصال الغبار المتعدّي» إلى الحلق غليظاً
كان أم لا ، بمحلَّلٍ كدقيق ، وغيره كتراب. وتقييده ب «الغليظ»
في بعض العبارات
ـ ومنها الدروس
ـ لا وجه له.
____________________
وحدّ الحلق : مخرج
الخاء المعجمة «والبقاء
على الجنابة» مع علمه بها ليلاً
، سواء نوى الغسل أم لا «ومعاودة
النوم جنباً بعد انتباهتين»
متأخّرتين عن العلم بالجنابة وإن نوى الغسل إذا طلع الفجر عليه جنباً ، لا بمجرّد
النوم كذلك.
«فيُكفِّر»
من لم يكفّ عن أحد هذه السبعة اختياراً في صومٍ واجبٍ متعيّن ، أو في
شهر رمضان مع وجوبه؛ بقرينة المقام «ويقضي»
الصوم مع الكفارة «لو
تعمّد الإخلال» بالكفّ المؤدّي إلى
فعل أحدها.
والحكم في الستّة السابقة قطعيٌّ. وفيالسابع
مشهوريٌّ ، ومستنده
غير صالح .
ودخل في «التعمّد»
الجاهل بتحريمها وإفسادها. وفي وجوب الكفّارة عليه خلاف ، والذي قوّاه المصنّف في
الدروس عدمه
وهو المرويّ
وخرج
____________________
الناسي فلا قضاء عليه
ولا كفّارة ، والمكرَه عليه ولو بالتخويف فباشر بنفسه على الأقوى.
واعلم أنّ ظاهر العبارة كون ما ذكر
تعريفاً للصوم كما هو عادتهم ، ولكنّه غير تامّ؛ إذ ليس مطلق الكفّ عن هذه الأشياء
صوماً كما لا يخفى. ويمكن أن يكون تجوّز فيه ببيان أحكامه ، ويؤيّده أنّه لم
يعرِّف غيره من العبادات ولا غيرها في الكتاب غالباً. وأمّا دخله من حيث جعله
كفّاً وهو أمرٌ عدميٌّ ، فقابل للتأويل بإرادة العزم على الضدّ أو توطين النفس
عليه ، وبه يتحقّق معنى الإخلال به؛ إذ لا يقع الإخلال إلّابفعلٍ ، فلا بدّ من
ردّه إلى فعل القلب. وإنّما اقتصر على الكفّ مراعاةً لمعناه اللغوي.
«ويقضي»
خاصّةً من غير كفّارةٍ «لو
عاد» الجنب إلى النوم ناوياً للغسل ليلاً «بعد انتباهةٍ»
واحدةٍ فأصبح جنباً. ولا بدّ مع ذلك من احتماله الانتباه عادةً ، فلو لم يكن من
عادته ذلك ولا احتمله كان من أوّل نومه كمتعمّد البقاء عليها. وأمّا النومة
الاُولى فلا شيء فيها وإن طلع الفجر بشرطيه.
«أو احتقن بالمائع»
في قولٍ
والأقوى عدم القضاء بها وإن حرمت. أمّا بالجامد ـ كالفتائل ـ فلا على الأقوى.
«أو ارتمس»
بأن غمس رأسه أجمع في الماء دفعةً واحدةً عرفيّة وإن بقي البدن «متعمّداً»
والأقوى تحريمه من دون إفسادٍ أيضاً. وفي الدروس أوجب به القضاء والكفّارة
وحيث يكون الارتماس في غسلٍ مشروعٍ يقع
____________________
فاسداً مع التعمّد
للنهي ولو نسي صحّ.
«أو تناول»
المفطر «من
دون مراعاةٍ ممكنةٍ» للفجر أو الليل
ظانّاً حصوله «فأخطأ»
بأن ظهر تناوله نهاراً «سواء
كان مستصحب الليل» بأن تناول آخر
الليل من غير مراعاةٍ بناءً على أصالة عدم طلوع الفجر «أو النهار»
بأن أكل آخر النهار ظنّاً أنّ الليل دخل فظهر عدمه ، واكتفى عن قيد «ظنّ الليل»
بظهور الخطأ ، فإنّه يقتضي اعتقاد خلافه. واحترز ب «المراعاة الممكنة»
عمّن تناول كذلك مع عدم إمكان المراعاة لغيمٍ أو حبسٍ أو عمىً حيث لا يجد من
يقلّده فإنّه لا يقضي؛ لأنّه متعبّدٌ بظنّه. ويفهم من ذلك أنّه لو راعى فظنّ فلا
قضاء فيهما وإن أخطأ ظنّه. وفي الدروس استقرب القضاء في الثاني دون الأوّل ،
فارقاً بينها باعتضاد ظنّه بالأصل في الأوّل وبخلافه في الثاني .
«وقيل»
والقائل الشيخ
والفاضلان
: «لو
أفطر لظلمةٍ موهِمةٍ» أي : موجِبةٍ لظنّ
دخول الليل «ظانّاً»
دخوله من غير مراعاةٍ بل استناداً إلى مجرّد الظلمة المثيرة للظنّ «فلا قضاء»
استناداً إلى أخبار
تقصر عن الدلالة مع تقصيره في المراعاة ، فلذلك نسبه إلى «القيل».
____________________
واقتضى حكمه السابق وجوب القضاء مع عدم
المراعاة وإن ظنّ. وبه صرّح في الدروس .
وظاهر القائلين : أنّه لا كفّارة مطلقاً
، ويشكل عدم الكفّارة مع إمكان المراعاة والقدرة على تحصيل العلم في القسم الثاني؛
لتحريم التناول على هذا الوجه ووقوعه في نهار يجب صومه عمداً ، وذلك يقتضي بحسب
الاُصول الشرعيّة وجوب الكفّارة ، بل ينبغي وجوبها وإن لم يظهر الخطأ بل استمرّ
الاشتباه؛ لأصالة عدم الدخول مع النهي عن الإفطار.
وأمّا في القسم الأوّل فوجوب القضاء
خاصّةً مع ظهور الخطأ متوجّه؛ لتبيّن إفطاره في النهار ، وللأخبار
لكن لا كفّارة عليه؛ لجواز تناوله حينئذٍ بناءً على أصالة عدم الدخول. ولولا النصّ
على القضاء لأمكن القول بعدمه؛ للإذن المذكور. وأمّا وجوب
الكفّارة على القول المحكيّ
فأوضح. وقد اتّفق لكثير من الأصحاب في هذه المسألة عباراتٌ قاصرةٌ عن تحقيق الحال
جدّاً ، فتأمّلها. وعبارة المصنّف هنا جيّدةٌ لولا إطلاق عدم الكفّارة.
واعلم أنّ المصنّف نقل القول المذكور
جامعاً بين توهّم الدخول بالظلمة وظنّه ، مع أنّ المشهور ـ لغةً واصطلاحاً ـ أنّ
الوهم اعتقادٌ مرجوح وراجحه الظنّ ، وعبارتهم وقعت أنّه : لو أفطر للظلمة الموهِمة
وجب القضاء ولو ظنّ لم يفطر ، أي لم يفسد صومه ، فجعلوا الظنّ قسيماً للوهم.
____________________
فجمعه هنا بين الوهم والظنّ ـ في نقل
كلامهم ـ إشارةٌ إلى أنّ المراد من «الوهم» في كلامهم أيضاً الظنّ؛ إذ لا يجوز
الإفطار مع ظنّ عدم الدخول قطعاً ، واللازم منه وجوب الكفّارة ، وإنّما يقتصر على
القضاء لو حصل الظنّ ثمّ ظهرت المخالفة ، وإطلاق الوهم على الظنّ صحيحٌ أيضاً؛
لأنّه أحد معانيه لغةً .
لكن يبقى في كلامهم سؤال الفرق بين
المسألتين؛ حيث حكموا مع الظنّ بأ نّه لا إفساد ، إلّاأن يفرّق بين مراتب الظنّ ، فيراد
من «الوهم» أوّل مراتبه ، ومن «الظنّ» قوّة الرجحان ، وبهذا المعنى صرّح بعضهم .
وفي بعض تحقيقات المصنّف على كلامهم :
أنّ المراد من «الوهم»
ترجيح أحد الطرفين لأمارةٍ غير شرعيّة ، ومن «الظنّ»
الترجيح لأمارةٍ شرعيّة
فشرّك بينهما في الرجحان ، وفرّق بما ذَكَر. وهو ـ مع غرابته ـ لا يتمّ؛ لأنّ
الظنّ المجوِّز للإفطار لا يفرق فيه بين الأسباب المثيرة له. وإنّما ذكرنا ذلك
للتنبيه على فائدة جمعه هنا بين الوهم والظنّ تفسيراً لقولهم.
واعلم أنّ قوله : «سواء كان مستصحب
الليل أو النهار» جرى فيه على قول الجوهري : «سواءٌ عليَّ قمتَ أو قعدتَ»
وقد عدّه جماعةٌ من
النحاة ـ منهم ابن هشام في المغني
ـ من الأغاليط ، وأنّ الصواب العطف بعد سواء ب «أم»
بعد همزة التسوية ، فيقول : «سواء
أكان كذا أم كذا» كما قال تعالى : (...
سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ
____________________
أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ...)
(...
سَوٰاءٌ عَلَيْنٰا أَجَزِعْنٰا أَمْ صَبَرْنٰا ...
... سَوٰاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صٰامِتُونَ)
وقس عليه ما يأتي من نظائره في الكتاب وغيره ، وهو كثير.
«أو تعمّد القيء»
مع عدم رجوع شيءٍ منه إلى حلقه اختياراً ، وإلّا وجبت الكفّارة أيضاً. واحترز ب «التعمّد»
عمّا لو سبقه بغير اختياره ، فإنّه لا قضاء مع تحفّظه كذلك.
«أو اُخبر بدخول الليل فأفطر»
تعويلاً على قوله.
ويشكل : بأ نّه إن كان قادراً على
المراعاة ينبغي وجوب الكفّارة ـ كما سبق ـ لتقصيره وإفطاره حيث يُنهى
عنه ، وإن كان مع عدمه فينبغي عدم القضاء أيضاً إن كان ممّن يسوغ تقليده له كالعدل
، وإلّا فكالأوّل. والذي صرّح به جماعة : أنّ المراد هو الأوّل .
«أو»
اُخبر «ببقائه»
أي : بقاء الليل «فتناول»
تعويلاً على الخبر «ويظهر*
الخلاف» حالٌ من الأمرين ، ووجوب القضاء
خاصّةً هنا متّجهٌ مطلقاً؛ لاستناده إلى الأصل ، بخلاف السابق. وربّما فُرق في
الثاني بين كون
____________________
المخبر بعدم الطلوع
حجّةً شرعيّة ـ كعدلين ـ وغيره ، فلا يجب القضاء معهما؛ لحجيّة قولهما شرعاً.
ويفهم من القيد أنّه لو لم يظهر الخلاف
فيهما لا قضاء. وهو يتمّ في الثاني دون الأوّل؛ للنهي
والذي يناسب الأصل فيه وجوب القضاء والكفّارة ما لم تظهر الموافقة ، وإلّا
فالإثم خاصّةً. نعم ، لو كان في هذه الصور جاهلاً بجواز التعويل على ذلك جاء فيه
الخلاف في تكفير الجاهل ، وهو حكمٌ آخر.
«أو نظر إلى امرأةٍ»
محرّمةٍ؛ بقرينة قوله : «أو
غلامٍ فأمنى» مع عدم قصده
الإمناء ولا اعتياده «ولو
قصد فالأقرب الكفّارة ، وخصوصاً مع الاعتياد؛ إذ لا ينقص عن الاستمناء بيده أو
ملاعبه *» وما قرّبه حسنٌ ، لكن يفهم منه : أنّ
الاعتياد بغيرِ قصد الإمناء غير كافٍ. والأقوى الاكتفاء به ، وهو ظاهره في الدروس .
وإنّما وجب القضاء مع النظر إلى المحرّم
مع عدم الوصفين؛ للنهي عنه
فأقلّ مراتبه الفساد ، كغيره من المنهيّات في الصوم : من الارتماس والحقنة
وغيرهما. والأقوى عدم القضاء بدونهما كغيره من المنهيّات وإن أثم؛ إذ لا دلالة
للتحريم على الفساد؛ لأنّه أعمّ ، فلا يفسد إلّامع النصّ عليه ، كالتناول والجماع
____________________
ونظائرهما. ولا فرق
حينئذٍ بين المحلّلة والمحرّمة إلّافي الإثم وعدمه.
«وتتكرّر الكفّارة»
مع فعل موجبها «بتكرّر
الوطء» مطلقاً ولو في اليوم الواحد ، ويتحقّق
تكرّره بالعود بعد النزع «أو
تغاير الجنس» بأن وطئ وأكل ،
والأكل والشرب غيران «أو
تخلّل التكفير» بين الفعلين وإن
اتّحد الجنس والوقت «أو
اختلاف الأيّام» وإن اتّحد الجنس
أيضاً.
«وإلّا»
يكن كذلك ، بأن اتّحد الجنس ـ في غير الجماع ـ والوقت ولم يتخلّل التكفير «فواحدةٌ»
على المشهور ، وفي الدروس : قطعاً
وفي المهذّب : إجماعاً
وقيل : تتكرّر مطلقاً
وهو متّجهٌ ـ إن لم يثبت الإجماع على خلافه ـ لتعدّد السبب الموجب لتعدّد المسبّب
، إلّاما نصّ فيه على التداخل ، وهو منفيٌّ هنا. ولو لوحظ زوال الصوم بفساده
بالسبب الأوّل لزم عدم تكرّرها في اليوم الواحد مطلقاً ، وله وجهٌ ، والواسطة
ضعيفة.
ويتحقّق تعدّد الأكل والشرب بالازدراد
وإن قلّ ، ويتّجه في الشرب اتّحاده مع اتّصاله وإن طال؛ للعرف .
«ويتحمّل عن الزوجة المكرَهة»
على الجماع «الكفّارة
والتعزير» المقدّر على الواطئ «بخمسةٍ وعشرين سوطاً
فيعزّر خمسين» ولا تحمّل في
____________________
غير ذلك كإكراه الأمة
، والأجنبيّة ، والأجنبيّ لهما ، والزوجة له ، والإكراه على غير الجماع ولو للزوجة
، وقوفاً مع النصّ
وكون الحكم في الأجنبيّة أفحش لا يفيد أولويّة التحمّل؛ لأنّ الكفّارة مخفِّفة
للذنب ، فقد لا يثبت في الأقوى ، كتكرار الصيد عمداً. نعم ، لا فرق في الزوجة بين
الدائم والمستمتع بها.
وقد يجتمع في حالةٍ واحدة الإكراه
والمطاوعة ابتداءً واستدامةً ، فيلزمه حكمه ويلزمها حكمها.
ولا فرق في الإكراه بين المجبورة
والمضروبة ضرباً مضرّاً حتّى مكّنت على الأقوى. وكما ينتفي عنها الكفّارة ينتفي
القضاء مطلقاً .
«ولو طاوعته فعليها»
الكفّارة والتعزير مثله.
«القول في شروطه»
أي : شروط وجوب الصوم وشروط صحّته.
«ويعتبر في الوجوب البلوغ والعقل»
فلا يجب على الصبيّ والمجنون والمغمى عليه ، وأمّا السكران فبحكم العاقل في الوجوب
لا الصحّة «والخلوّ
من الحيض والنفاس والسفر»
الموجب للقصر ، فيجب على كثيره والعاصي به ونحوهما. وأمّا ناوي الإقامة عشراً ومن
مضى عليه ثلاثون يوماً متردّداً ففي معنى المقيم.
____________________
«و»
يعتبر «في
الصحّة التمييز» وإن لم يكن
مكلّفاً. ويعلم منه : أنّ صوم المميّز صحيحٌ ، فيكون شرعيّاً ، وبه صرّح في الدروس
ويمكن الفرق بأنّ
الصحّة من أحكام الوضع فلا يقتضي الشرعيّة. والأولى كونه تمرينيّاً لا شرعيّاً ،
ويمكن معه الوصف بالصحّة كما ذكرناه. خلافاً لبعضهم
حيث نفى الأمرين. أمّا المجنون فينتفيان في حقّه؛ لانتفاء التمييز ، والتمرين
فرعه. ويشكل ذلك في بعض المجانين لوجود التمييز فيهم.
«والخلوّ منهما»
من الحيض والنفاس ، وكذا يعتبر فيهما الغسل بعده عند المصنّف
فكان عليه أن يذكره؛ إذ الخلوّ منهما لا يقتضيه ، كما لم يقتضه في شرط الوجوب؛ إذ
المراد بهما فيه نفس الدم ، لوجوبه على المنقطعة وإن لم تغتسل «ومن الكفر»
فإنّ الكافر يجب عليه الصوم كغيره ، ولكن لا يصحّ منه معه.
«ويصحّ من المستحاضة إذا فعلت الواجب من
الغسل» النهاريّ ـ وإن كان واحداً ـ بالنسبة
إلى الصوم الحاضر ، أو مطلق الغسل بالنسبة إلى المقبل. ويمكن أن يريد كونه مطلقاً
شرطاً فيه مطلقاً؛ نظراً إلى إطلاق النصّ
والأوّل أجود؛ لأنّ غسل العشاءين لا يجب إلّابعد انقضاء اليوم ، فلا يكون شرطاً في
صحّته. نعم ، هو شرطٌ في اليوم الآتي ، ويدخل في غسل الصبح لو اجتمعا.
____________________
«ومن المسافر في دم المتعة»
بالنسبة إلى الثلاثة لا السبعة «وبدل
البَدَنة» وهو ثمانية عشر يوماً للمفيض من عرفات
قبل الغروب عامداً «والنذر
المقيّد به» أي : بالسفر ، إمّا
بأن نذره سفراً أو سفراً وحضراً وإن كان النذر في حال السفر ، لا إذا أطلق وإن كان
الإطلاق يتناول السفر ، إلّاأ نّه لا بدّ من تخصيصه بالقصد منفرداً أو منضمّاً.
خلافاً للمرتضى رحمه الله حيث اكتفى بالإطلاق
لذلك ، وللمفيد حيث جوّز صوم الواجب مطلقاً عدا شهر رمضان
«قيل»
والقائل ابنا بابويه
: «وجزاء
الصيد» وهو ضعيف؛ لعموم النهي
وعدم ما يصلح للتخصيص.
«ويُمرَّن الصبيّ»
وكذا الصبيّة على الصوم «لسبع»
ليعتاده فلا يثقل عليه عند البلوغ. وأطلق جماعةٌ
تمرينه قبل السبع وجعلوه بعد السبع مشدّداً.
«وقال ابنا بابويه
والشيخ
في النهاية
:»
يمرّن «لتسعٍ»
والأوّل أجود ، ولكن يشدّد للتسع.
ولو أطاق بعض النهار خاصّةً فعل.
ويتخيّر بين نيّة الوجوب والندب؛ لأنّ
____________________
الغرض التمرين على
فعل الواجب ، ذكره
المصنّف
وغيره وإن كان الندب أولى.
«والمريض يتبع ظنّه»
فإن ظنّ الضرر به أفطر وإلّا صام. وإنّما يتبع ظنّه في الإفطار ، أمّا الصوم فيكفي
فيه اشتباه الحال.
والمرجع في الظنّ إلى ما يجده ولو بالتجربة
في مثله سابقاً ، أو بقول من يفيد قوله الظنّ ولو كان كافراً. ولا فرق في الضرر
بين كونه لزيادة المرض وشدّة الألم ـ بحيث لا يحتمل
عادةً ـ وبطء برئه.
وحيث يحصل الضرر ولو بالظنّ لا يصحّ
الصوم؛ للنهي عنه
«فلو
تكلّفه مع ظنّ الضرر قضى».
«وتجب فيه النيّة»
وهي القصد إلى فعله «المشتملة على الوجه»
من وجوبٍ أو ندب «والقربة»
أمّا القربة فلا شبهة في وجوبها ، وأمّا الوجه ففيه ما مرّ
خصوصاً
____________________
في شهر رمضان؛ لعدم
وقوعه على وجهين.
وتعتبر النيّة «لكلّ ليلةٍ»
أي فيها «والمقارنة»
بها لطلوع الفجر «مجزئة»
على الأقوى إن اتّفقت؛ لأنّ الأصل في النيّة مقارنتها للعبادة المنويّة ، وإنّما
اغتفرت هنا للعسر.
وظاهر جماعةٍ تحتّم إيقاعها ليلاً
ولعلّه لتعذّر المقارنة ، فإنّ الطلوع لا يعلم إلّابعد الوقوع ، فتقع النيّة بعده
، وذلك غير المقارنة المعتبرة فيها.
وظاهر الأصحاب أنّ النيّة للفعل
المستغرق للزمان المعيّن يكون بعد تحقّقه لا قبله؛ لتعذّره كما ذكرناه. وممّن صرّح
به المصنّف في الدروس في نيّات أعمال الحجّ ، كالوقوف بعرفة ، فإنّه جعلها مقارنةً
لما بعد الزوال
فيكون هنا كذلك ، وإن كان الأحوط جعلها ليلاً؛ للاتّفاق على جوازها فيه.
«والناسي»
لها ليلاً «يجدّدها
إلى الزوال» بمعنى أنّ وقتها
يمتدّ إليه ، ولكن يجب الفور بها عند ذكرها ، فلو أخّرها عنه عامداً بطل الصوم.
هذا في شهر رمضان والصوم المعيّن. أمّا
غيره ـ كالقضاء والكفّارة والنذر المطلق ـ فيجوز تجديدها قبل الزوال وإن تركها
قبله عمداً ، بل ولو نوى الإفطار. وأمّا صوم النافلة فالمشهور أنّه كذلك. وقيل :
بامتدادها فيه إلى الغروب
____________________
وهو حسنٌ وخيرة
المصنّف في الدروس .
«والمشهور بين القدماء الاكتفاء بنيّةٍ
واحدةٍ للشهر »
شهر رمضان ، «وادّعى
المرتضى في» المسائل «الرسّيّة فيه الإجماع
»
وكذا ادّعاه الشيخ رحمه الله
ووافقهم من المتأخّرين المحقّق في المعتبر
والعلّامة في المختلف
استناداً إلى أنّه عبادةٌ واحدة.
«والأوّل»
وهوإ يقاعها لكلّ ليلةٍ «أولى»
وهذا يدلّ على اختياره الاجتزاء بالواحدة ، وبه صرّح أيضاً في شرح الإرشاد
وفي الكتابين اختار التعدّد .
وفي أولويّة تعدّدها عند المجتزئ
بالواحدة نظرٌ؛ لأنّ جعله عبادةً واحدةً يقتضي عدم جواز تفريق النيّة على أجزائها
، خصوصاً عند المصنّف ، فإنّه قطع بعدم جواز تفريقها على أعضاء الوضوء وإن نوى
الاستباحة المطلقة ، فضلاً عن نيّتها لذلك العضو .
نعم ، من فرّق بين العبادات وجعل بعضها ممّا يقبل الاتّحاد
____________________
والتعدّد ـ كمجوِّز
تفريقها في الوضوء
ـ يأتي عنده هنا الجواز من غير أولويّة؛ لأ نّها تناسب الاحتياط ، وهو منفيٌّ ،
وإنّما الاحتياط هنا الجمع بين نيّة المجموع والنيّة لكلّ يوم. ومثله يأتي عند
المصنّف في غسل الأموات ، حيث اجتزأ في الثلاثة بنيّةٍ
لو أراد الاحتياط بتعدّدها لكلّ غسل ، فإنّه لا يتم إلّابجمعها ابتداءً ثمّ النيّة
للآخرين.
«ويشترط في ما عدا»
شهر «رمضان
التعيين» لصلاحيّة الزمان ولو بحسب الأصل له
ولغيره ، بخلاف شهر رمضان؛ لتعيّنه شرعاً للصوم ، فلا اشتراك فيه حتّى يميّز
بتعيينه.
وشمل «ما عداه»
النذر المعيّن ، ووجه دخوله ما أشرنا إليه : من عدم تعيّنه بحسب الأصل. والأقوى
إلحاقه بشهر رمضان ، إلحاقاً للمتعيّن
العرضي بالأصلي؛ لاشتراكهما في حكم الشارع به. ورجّحه في البيان
وألحق به الندب المعيّن كأيّام البيض. وفي بعض تحقيقاته مطلق المندوب ، لتعيّنه
شرعاً في جميع الأيّام إلّاما استثني ، فيكفي نيّة القربة
وهو حسن.
وإنّما يكتفى في شهر رمضان بعدم تعيّنه
بشرط ألّا يعيّن غيره ، وإلّا بطل فيهما على الأقوى؛ لعدم نيّة المطلوب شرعاً وعدم
وقوع غيره فيه. هذا مع العلم ،
____________________
أمّا مع الجهل به ـ
كصوم آخر شعبان بنيّة الندب ـ أو النسيان فيقع عن شهر رمضان.
«ويعلم» شهر رمضان :
«برؤية الهلال»
فيجب على من رآه وإن لم يثبت في حقّ غيره.
«أو شهادة عدلين»
برؤيته مطلقاً.
«أو شياعٍ»
برؤيته ، وهو : إخبار جماعةٍ بها تأمن النفس من تواطئهم على الكذب ويحصل بخبرهم
الظنّ المتاخم للعلم. ولا ينحصر في عدد ، نعم يشترط زيادتهم عن اثنين ليفرق بين
العدل وغيره. ولا فرق بين الكبير والصغير والذكر والاُنثى والمسلم والكافر ، ولا
بين هلال رمضان وغيره. ولا يشترط حكم الحاكم في حقّ من علم به أو سمع الشاهدين.
«أو مضيّ ثلاثين»
يوماً «من
شعبان».
«لا ب»
الشاهد «الواحد
في أوّله» خلافاً لسلّار رحمه الله حيث اكتفى به
فيه بالنسبة إلى الصوم خاصّةً
فلا يثبت لو كان منتهى أجل دينٍ أو عدّةٍ أو مدّة ظهارٍ ونحوه. نعم ، يثبت هلال
شوال بمضيّ ثلاثين منه تبعاً وإن لم يثبت أصالة بشهادته.
«ولا يشترط الخمسون مع الصحو»
كما ذهب إليه بعضهم
استناداً إلى روايةٍ
حملت على عدم العلم بعدالتهم وتوقّف الشياع عليهم؛ للتهمة ـ كما يظهر
____________________
من الرواية ـ لأنّ
الواحد مع الصحو إذا رآه ، رآه جماعةٌ غالباً.
«ولا عبرة بالجدول»
وهو : حسابٌ مخصوصٌ مأخوذٌ من تسيير القمر ، ومرجعه إلى عدّ شهرٍ تامّاً وشهرٍ
ناقصاً في جميع السنة مبتدئاً بالتامّ من المحرّم؛ لعدم ثبوته شرعاً ، بل ثبوت ما
ينافيه ، ومخالفته مع الشرع للحساب أيضاً ، لاحتياج تقييده ب «غير السنة الكبيسيّة»
أمّا فيها فيكون ذو
الحجّة تامّاً.
«والعدد»
وهو : عدّ شعبان ناقصاً أبداً ورمضان تامّاً أبداً. وبه فسّره في الدروس .
ويطلق على عدّ خمسةٍ من هلال الماضي
وجعل الخامس أوّل الحاضر ، وعلى عدّ شهرٍ تامّاً وآخر ناقصاً مطلقاً ، وعلى عدّ
تسعة وخمسين من هلال رجب ، وعلى عدّ كلّ شهرٍ ثلاثين. والكلّ لا عبرة به.
نعم ، اعتبره بالمعنى الثاني جماعةٌ
ـ منهم المصنّف في الدروس
ـ مع غُمّة
الشهور كلِّها ، مقيّداً بعدّ ستّةٍ في الكبيسيّة ، وهو موافقٌ للعادة ، وبه
____________________
روايات
ولا بأس به. أمّا لو غَمّ شهرٌ وشهران خاصّةً ، فعدّها ثلاثين أقوى ، وفي ما زاد
نظرٌ : من تعارض الأصل والظاهر ، وظاهر الاُصول ترجيح الأصل.
«والعُلُوّ»
وإن تأخّرت غيبوبته إلى بعد العشاء.
«والانتفاخ»
وهو : عِظَم جِرمه المستنير حتّى رُئي بسببه قبل الزوال ، أو رُئي رأس الظلّ فيه
ليلة رؤيته.
«والتطوّق»
بظهور النور في جِرمه مستديراً. خلافاً لبعض
حيث حكم في ذلك بكونه للّيلة الماضية.
«والخفاء ليلتين»
في الحكم به بعدها .
خلافاً لما روي في شواذّ الأخبار : من
اعتبار ذلك كلّه .
«والمحبوس»
بحيث غُمّت عليه الشهور «يتوخّى»
أي يتحرّى شهراً يغلب على ظنّه أنّه هو ، فيجب عليه صومه «فإن»
وافق أو ظهر متأخّراً أو استمرّ الاشتباه أجزأ وإن «ظهر التقدّم أعاد».
____________________
ويلحق ما ظنّه حكمُ الشهر في وجوب
الكفّارة في إفساد يومٍ منه ووجوب متابعته وإكماله ثلاثين ـ لو لم ير الهلال ـ
وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة. ولو لم يظن شهراً تخيّر في كلّ سنةٍ شهراً
مراعياً للمطابقة بين الشهرين.
«والكفّ»
عن الاُمور السابقة وقته «من
طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب»
الحمرة «المشرقيّة»
في الأشهر.
«ولو قدم المسافر»
بلده أو ما نوى فيه الإقامة عشراً ـ سابقةً على الدخول أو مقارنةً أو لاحقةً ـ قبل
الزوال ، ويتحقّق قدومه برؤية الجدار أو سماع الأذان في بلده وما نوى فيه الإقامة
قبله ، أمّا لو نوى بعده فمن حين النيّة «أو برأ المريض قبل الزوال»
ظرفٌ للقدوم والبُرء «ولم
يتناولا» شيئاً من مفسد الصوم «أجزأهما الصوم»
بل وجب عليهما.
«بخلاف الصبيّ»
إذا بلغ بعد الفجر «والكافر»
إذا أسلم بعده «والحائض
والنفساء» إذا طهرتا «والمجنون والمغمى
عليه ، فإنّه يعتبر زوال العذر»
في الجميع «قبل
الفجر» في صحّته ووجوبه ، وإن استحبّ لهم
الإمساك بعده ، إلّاأ نّه لا يسمّى صوماً.
«ويقضيه»
أي : صوم شهر رمضان «كلُّ
تاركٍ له عمداً أو سهواً أو لعذرٍ»
من سفرٍ ومرضٍ وغيرهما «إلّاالصبيّ
والمجنون» إجماعاً «والمغمى عليه»
في الأصحّ
«والكافر
الأصلي» أمّا العارضي ـ كالمرتدّ ـ فيدخل في
الكلّية. ولا بدّ من تقييدها ب «عدم قيام غير القضاء مقامه»
ليخرج الشيخ
____________________
والشيخة وذو العطاش
ومن استمرّ به المرض إلى رمضان آخر ، فإنّ الفدية تقوم مقام القضاء.
«وتستحبّ المتابعة في القضاء»
لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان
«وروايةُ
عمّار عن الصادق عليه السلام تتضمّن استحباب التفريق »
وعمل بها بعض الأصحاب
لكنّها تقصر عن مقاومة تلك ، فكان القول الأوّل أقوى.
وكما لا تجب المتابعة لا يجب الترتيب ،
فلو قدّم آخره أجزأ ، وإن كان أفضل. وكذا لا ترتيب بين القضاء والكفّارة وإن كانت
صوماً.
«مسائل»
الاُولى :
«من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة والصوم
في الأشهر» أمّا
الصلاة فموضع وفاق. وإنّما الخلاف في الصوم ، من حيث عدم اشتراطه بالطهارة من
الأكبر إلّامع العلم ، ومن ثمّ لو نام جنباً أوّلاً فأصبح يصحّ صومه وإن تعمّد
تركه طول النهار ، فهنا أولى. ووجه القضاء فيه صحيحة الحلبي
عن الصادق عليه السلام وغيرها .
____________________
ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين اليوم
والأيّام وجميع الشهر. وفي حكم الجنابة الحيض والنفاس لو نسيت غسلهما بعد الانقطاع
، وفي حكم رمضان المنذور المعين.
ويشكل الفرق على هذا بينه وبين ما ذكر :
من عدم قضاء ما نام فيه وأصبح.
وربّما جمع بينهما : بحمل هذا على
الناسي وتخصيص ذاك بالنائم عالماً عازماً فضعف حكمه بالعزم ، أو بحمله على ما عدا
اليوم الأوّل. ولكن لا
يدفع إطلاقهم ، وإنّما هو جمعٌ بحُكم آخر. والأوّل أوفق ، بل لا تخصيص فيه لأحد
النصّين؛ لتصريح ذاك بالنوم عامداً عازماً وهذا بالناسي.
ويمكن الجمع أيضاً : بأنّ مضمون هذه
الرواية نسيانه الغسل حتّى خرج الشهر ، فيفرق بين اليوم والجميع عملاً بمنطوقهما.
إلّاأ نّه يشكل : بأنّ قضاء الجميع
يستلزم قضاء الأبعاض؛ لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى.
ونسب المصنّف القول إلى الشهرة دون
القوّة وما في معناها ، إيذاناً بذلك ، فقد ردّه ابن إدريس والمحقّق
لهذا أو لغيره.
«ويتخيّر قاضي»
شهر «رمضان»
بين البقاء عليه والإفطار «ما
بينه» الضمير يعود إلى «الزمان»
الذي هو ظرف المكلف المخيّر ،
____________________
و «ما» ظرفيّةٌ
زمانيّة ، أي : يتخيّر في المدّة التي بينه حال حكمنا عليه بالتخيير «وبين الزوال»
حتّى لو لم يكن هناك بينيّةٌ ، بأن كان فيه أو بعده فلا تخيير؛ إذ لا مدّة. ويمكن
عوده إلى «الفجر» بدلالة الظاهر ، بمعنى تخييره ما بين الفجر والزوال.
هذا مع سعة وقت القضاء. أمّا لو تضيّق
بدخول شهر رمضان المقبل لم يجز الإفطار. وكذا لو ظنّ الوفاة قبل فعله ، كما في كلّ
واجبٍ موسّع ، لكن لا كفّارة هنا بسبب الإفطار ، وإن وجبت الفدية مع تأخيره عن
رمضان المقبل.
واحترز ب «قضاء رمضان» عن غيره ، كقضاء
النذر المعيّن حيث أخلّ به في وقته ، فلا تحريم فيه. وكذا كلّ واجبٍ غير معيّن ،
كالنذر المطلق والكفّارة ، إلّا قضاء رمضان ، ولو تعيّن لم يجز الخروج منه مطلقاً.
وقيل : يحرم قطع كلّ واجب
عملاً بعموم النهي عن إبطال العمل .
ومتى زالت الشمس حرم قطع قضائه «فإن أفطر بعده أطعم
عشرة مساكين» كلّ مسكين مدّاً أو
إشباعه «فإن
عجز» عن الإطعام «صام ثلاثة أيّام»
ويجب المضيّ فيه مع إفساده ، والظاهر تكرّرها بتكرّر السبب ، كأصله.
«الثانية» :
«الكفّارة في شهر رمضان والنذر المعيّن
والعهد» في
أصحّ
____________________
الأقوال
«عتق
رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً»
وقيل : هي مرتّبة بين الخصال الثلاث
والأوّل أشهر.
«ولو أفطر على محرّم»
أي أفسد صومه به «مطلقاً»
أصليّاً كان تحريمه ـ كالزنا ، والاستمناء ، وتناول مال الغير بغير إذنه ، وغبار
ما لا يجوز تناوله ، ونُخامة الرأس إذا صارت في الفم ـ أم عارضيّاً ، كوطء الزوجة
في الحيض ، وماله النجس «فثلاث»
كفّارات وهي أفراد المخيّرة سابقاً مجتمعةً ، على أجود القولين
للرواية الصحيحة عن الرضا عليه السلام
وقيل : واحدة كغيره
استناداً إلى إطلاق كثيرٍ من النصوص
وتقييدها بغيره طريق الجمع.
____________________
«الثالثة» :
«لو استمرّ المرض» الذي
أفطر معه شهر رمضان «إلى
رمضان آخر فلا قضاء» لما أفطره «ويُفدي عن كلّ يوم
بمُدٍّ» من طعامٍ في المشهور والمرويّ
وقيل : القضاء لا غير
وقيل : بالجمع
وهما نادران. وعلى المشهور لا تتكرّر الفدية بتكرّر السنين. ولا فرق بين رمضان
واحد وأكثر.
ومحلّ الفدية مستحقّ الزكاة لحاجته وإن
اتّحد. وكذا كلّ فدية.
وفي تعدّي الحكم إلى غير المرض ـ كالسفر
المستمرّ ـ وجهان ، أجودهما وجوب الكفّارة مع التأخير لا لعذر ، ووجوب القضاء مع
دوامه.
«ولو برأ»
بينهما «وتهاون»
في القضاء بأن لم يعزم عليه في ذلك الوقت ، أو عزم في السعة فلمّا ضاق الوقت عزم
على عدمه «فدى
وقضى».
«ولو لم يتهاون»
بأن عزم على القضاء في السعة وأخّر اعتماداً عليها فلمّا ضاق الوقت عرض له مانعٌ
عنه «قضى
لا غير» في المشهور.
والأقوى ما دلّت عليه النصوص الصحيحة
: من وجوب الفدية مع القضاء على من قدر عليه ولم يفعل حتّى دخل الثاني ، سواء عزم
عليه أم لا. واختاره
____________________
المصنّف في الدروس
واكتفى ابن ادريس بالقضاء مطلقاً
عملاً بالآية
وطرحاً للرواية ـ على أصله ـ وهو ضعيف.
«الرابعة» :
«إذا تمكّن من القضاء ثمّ مات قضى عنه
أكبر ولده الذكور» وهو
من ليس له أكبر منه وإن لم يكن له ولدٌ متعدّدون ، مع بلوغه عند موته ، فلو كان
صغيراً ففي الوجوب عليه بعد بلوغه؟ قولان
ولو تعدّدوا وتساووا في السنّ اشتركوا فيه على الأقوى ، فيقسّط عليهم بالسويّة ،
فإن انكسر منه شيءٌ فكفرض الكفاية. ولو اختصّ أحدهم بالبلوغ والآخر بكبر السنّ
فالأقرب تقديم البالغ. ولو لم يكن له ولدٌ بالوصف لم يجب القضاء على باقي الأولياء
وإن كانوا أولاداً؛ اقتصاراً في ما خالف الأصل على محلّ الوفاق ، وللتعليل بأ نّه
في مقابل الحبوة.
«وقيل»
: يجب القضاء على «الوليّ
مطلقاً »
من مراتب الإرث حتّى الزوجين والمعتق وضامن الجريرة ، ويقدّم الأكبر من ذكورهم
فالأكبر ثمّ
____________________
الإناث. واختاره في
الدروس
ولا ريب أنّه أحوط.
ولو مات المريض قبل التمكّن من القضاء
سقط.
«وفي القضاء عن المسافر»
لما فاته منه بسبب السفر «خلافٌ
، أقربه مراعاة تمكّنه من المُقام والقضاء»
ـ ولو بالإقامة في أثناء السفر ـ كالمريض.
وقيل : يُقضى عنه مطلقاً
لإطلاق النصّ
وتمكّنه من الأداء ، بخلاف المريض. وهو ممنوعٌ؛ لجواز كونه ضروريّاً كالسفر الواجب.
فالتفصيل أجود.
«ويُقضى عن المرأة والعبد»
ما فاتهما على الوجه السابق كالحرّ؛ لإطلاق النصّ
ومساواتهما للرجل الحرّ في كثيرٍ من الأحكام. وقيل : لا
لأصالة البراءة وانتفاء النصّ الصريح. والأوّل في المرأة أولى وفي العبد أقوى.
والوليّ فيهما كما تقدّم.
«والاُنثى»
من الأولاد على ما اختاره «لا
تقضي» لأصالة البراءة ، وعلى القول الآخر
تقضي مع فقده.
____________________
«و»
حيث لا يكون هناك وليٌّ أو لم يجب عليه القضاء «يتصدّق من التركة عن اليوم بمدٍّ»
في المشهور. هذا إذا لم يوص الميّت بقضائه ، وإلّا سقطت الصدقة حيث يقضى عنه.
«ويجوز في الشهرين المتتابعين صومُ شهرٍ
والصدقة عن آخر» من مال الميّت على
المشهور. وهذا الحكم تخفيفٌ عن الوليّ بالاقتصار على قضاء الشهر. ومستند التخيير
روايةٌ في سندها ضعف
فوجوب قضاء الشهرين أقوى. وعلى القول به ، فالصدقة عن الشهر الأوّل والقضاء
للثاني؛ لأنّه مدلول الرواية. ولا فرق في الشهرين بين كونهما واجبين تعييناً
كالمنذورين ، وتخييراً ككفّارة رمضان. ولا يتعدّى إلى غير الشهرين؛ وقوفاً مع النصّ
لو عمل به.
«الخامسة» :
«لو صام المسافر» حيث
يجب عليه القصر «عالماً
أعاد» قضاءً؛ للنهي المفسد للعبادة «ولو كان جاهلاً»
بوجوب القصر «فلا»
إعادة. وهذا أحد المواضع التي يعذر فيها جاهل الحكم.
«والناسي»
للحكم أو للقصر «يلحق
بالعامد» لتقصيره في التحفّظ. ولم يتعرّض له
الأكثر مع ذكرهم له في قصر الصلاة بالإعادة في الوقت خاصّةً؛ للنصّ
والذي يناسب حكمها فيه عدم الإعادة؛ لفوات وقته ومنع تقصير الناسي ، ولرفع الحكم
عنه ، وإن كان ما ذكره أولى.
____________________
ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار
أفطرا وقضيا قطعاً.
«وكلّما قَصُرت الصلاة قصر الصوم»
للرواية
وفرقُ بعض الأصحاب
بينهما في بعض الموارد ضعيفٌ «إلّاأ
نّه يشترط» في قصر الصوم «الخروج قبل الزوال»
بحيث يتجاوز الحدّين قبله ، وإلّا أتمّ وإن قصّر الصلاة على أصحّ الأقوال
لدلالة النصّ الصحيح عليه
ولا اعتبار بتبييت نيّة السفر ليلاً.
«السادسة» :
«الشيخان» ذكراً
واُنثى «إذا
عجزا» عن الصوم أصلاً أو مع مشقّةٍ شديدة «فديا بمُدٍّ»
عن كلّ يومٍ «ولا
قضاء» عليهما لتعذّره.
وهذا مبنيٌّ على الغالب من أنّ عجزهما
عنه لا يرجى زواله؛ لأنّهما في نقصان ، وإلّا فلو فرض قدرتهما على القضاء وجب ،
وهل يجب حينئذٍ الفدية معه؟ قطع به في الدروس .
____________________
والأقوى أنّهما إن عجزا عن الصوم أصلاً
فلا فدية ولا قضاء ، وإن أطاقاه بمشقّةٍ شديدةٍ لا يتحمّل مثلها عادةً فعليهما
الفدية ، ثمّ إن قدرا على القضاء وجب. والأجود حينئذٍ ما اختاره في الدروس من
وجوبها معه؛ لأنّها وجبت بالإفطار أوّلاً بالنصّ الصحيح
والقضاء وجب بتجدّد القدرة ، والأصل بقاء الفدية؛ لإمكان الجمع ، ولجواز أن تكون
عوضاً عن الإفطار لا بدلاً من القضاء.
«وذو العُطاش»
بضمّ أوّله ، وهو : داءٌ لا يروى صاحبه ولا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار «المأيوس من برئه كذلك»
يسقط عنه القضاء ، ويجب عليه الفدية عن كلّ يومٍ بمدّ «ولو برأ قضى»
وإنّما ذكره هنا لإمكانه؛ حيث إنّ المرض ممّا يمكن زواله عادةً بخلاف الهَرَم.
وهل يجب مع القضاء الفدية الماضية؟
الأقوى ذلك ، بتقريب ما تقدّم ، وبه قطع في الدروس
ويحتمل أن يريد هنا القضاء من غير فدية ، كما هو مذهب المرتضى .
واحترز ب «المأيوس من برئه» عمّن يمكن
برؤه عادةً ، فإنّه يفطر ، ويجب القضاء حيث يمكن ـ كالمريض ـ من غير فدية. والأقوى
أنّ حكمه كالشيخين يسقطان عنه مع العجز رأساً ، وتجب الفدية مع المشقّة.
«السابعة» :
«الحامل المُقْرِب والمرضع القليلة اللبن» إذا
خافتا على الولد
____________________
«يفطران * ويفديان»
بما تقدّم ، ويقضيان مع زوال العذر. وإنّما لم يذكر القضاء مع القطع بوجوبه؛
لظهوره ، حيث إنّ عذرهما آيلٌ إلى الزوال فلا تزيدان عن المريض.
وفي بعض النسخ «ويُعيدان»
بدل «ويفديان»
وفيه تصريحٌ بالقضاء وإخلالٌ بالفدية. وعكسه أوضح؛ لأنّ الفدية لا تستفاد من
استنباط اللفظ بخلاف القضاء.
ولو كان خوفهما على أنفسهما فكالمريض
تفطران وتقضيان من غير فدية. وكذا كلّ من خاف على نفسه.
ولا فرق في ذلك بين الخوف لجوعٍ وعطش ،
ولا في المرتضع بين كونه ولداً من النسب والرضاع ، ولا بين المستأجرة والمتبرّعة.
نعم ، لو قام غيرها مقامها متبرّعاً أو آخذاً مثلها أو أنقص ، امتنع الإفطار.
والفدية من مالهما وإن كان لهما زوجٌ والولد له. والحكم بإفطارهما
خبرٌ معناه الأمر ، لدفعه الضرر.
«ولا يجب صوم النافلة بشروعه فيه»
لأصالة عدم الوجوب. والنهي عن قطع العمل
مخصوصٌ ببعض الواجب.
«نعم ، يكره نقضه بعد الزوال»
للرواية المصرِّحة بوجوبه حينئذٍ
المحمولة على تأكّد الاستحباب؛ لقصورها عن الإ يجاب سنداً
وإن صرّحت به متناً.
____________________
«إلّالمن يُدعى إلى طعام»
فلا يكره له قطعه مطلقاً ، بل يكره المضيّ عليه ، ورُوي أنّه أفضل من الصيام
بسبعين ضعفاً
ولا فرق بين من هَيّأ له طعاماً وغيره ، ولا بين من يشقّ عليه المخالفة وغيره ،
نعم يشترط كونه مؤمناً. والحكمة ليست من حيث الأكل ، بل إجابة دعاء المؤمن وعدم
ردّ قوله. وإنّما يتحقّق الثواب على الإفطار مع قصد الطاعة به لذلك ونحوه ، لا
بمجرّده؛ لأنّه عبادةٌ يتوقّف ثوابها على النيّة.
«الثامنة» :
«يجب تتابع الصوم» الواجب
«إلّاأربعة
: النذر المطلق» حيث لا يضيق وقته
بظنّ الوفاة أو طروء العذر المانع من الصوم «وما في معناه»
من العهد واليمين «وقضاء»
الصوم «الواجب»
مطلقاً كرمضان ، والنذر المعيّن وإن كان الأصل متتابعاً ـ كما يقتضيه إطلاق
العبارة ـ وهو قولٌ قويّ. واستقرب في الدروس وجوب متابعته كالأصل
«وجزاء
الصيد» وإن كان بدل النعامة على الأشهر «والسبعة في بدل الهدي»
على الأقوى. وقيل : يشترط فيها المتابعة كالثلاثة
وبه روايةٌ حسنة .
____________________
«وكلّما أخلّ بالمتابعة»
حيث تجب «لعذرٍ»
كحيضٍ ومرضٍ وسفرٍ ضروريٍّ «بنى»
عند زواله ، إلّاأن يكون الصوم ثلاثة ، فيجب استئنافها مطلقاً ، كصوم كفّارة
اليمين ، وكفّارة قضاء رمضان ، وثلاثة الاعتكاف ، وثلاثة المتعة حيث لا يكون
الفاصل العيد بعد اليومين.
«ولا له»
أي : لا لعذر «يستأنف
، إلّافي» ثلاثة مواضع : «الشهرين المتتابعين»
كفّارةً ونذراً وما في معناه «بعد»
صوم «شهرٍ
ويومٍ من الثاني ، وفي الشهر»
الواجب متتابعاً بنذرٍ أو في كفّارة على عبدٍ بظهارٍ أو قتل خطاً «بعد»
صوم «خمسة
عشر يوماً ، وفي ثلاثة المتعة»
الواجبة في الحج بدلاً عن الدم «بعد»
صوم «يومين
ثالثهما العيد» سواء علم ابتداءً
بوقوعه بعدهما أم لا ، فإنّ التتابع يسقط في باقي الأوّلين مطلقاً ، وفي الثالث
إلى انقضاء أيّام التشريق.
«التاسعة» :
«لا يفسد الصيام بمصّ الخاتم» وشبهه
، وأمّا مصّ النواة فمكروه «وزقّ
الطائر ، ومضغ الطعام» ، وذوق المَرَق ،
وكلّ ما لا يتعدّى إلى الحلق.
«ويكره : مباشرة النساء»
بغير الجماع ، إلّالمن لا يحرِّك ذلك شهوته.
«والاكتحال بما فيه مسك»
أو صَبِرٌ .
«وإخراج الدم المضعف ، ودخول الحمّام»
المضعف.
«وشمّ الرياحين وخصوصاً النَّرْجِس»
بفتح النون فسكون الراء فكسر
____________________
الجيم ، ولا يكره
الطيب ، بل روي استحبابه للصائم
وأ نّه تحفته .
«والاحتقان بالجامد»
في المشهور. وقيل : يحرم ويجب به القضاء .
«وجلوس المرأة والخنثى في الماء»
وقيل : يجب القضاء عليهما به
، وهو نادر «والظاهر
أنّ الخَصِيّ الممسوح كذلك»
لمساواته لهما في قرب المنفذ إلى الجوف.
«وبلّ الثوب على الجسد»
دون بلّ الجسد بالماء وجلوس الرجل فيه وإن كان أقوى تبريداً.
«والهَذَر»
وهو : الكلام بغير فائدة دينيّة ، وكذا استماعه ، بل ينبغي أن يَصُمّ سمعَه وبصرَه
وجوارحَه بصومه إلّابطاعة اللّٰه تعالى : من تِلاوة القرآن أو ذكر أو دعاء.
«العاشرة» :
«يستحبّ من الصوم» على
الخصوص «أوّل
خميسٍ من الشهر ، وآخر خميسٍ منه ، وأوّل أربعاء من العشر الأوسط»
فالمواظبة عليها تعدل صوم الدهر وتُذهب بوَحَر الصدر
وهو : وسوسته. ويختصّ باستحباب قضائها لمن فاتته ،
____________________
فإن قضاها في مثلها
أحرز فضيلتهما.
«وأيّام البيض»
بحذف الموصوف ، أي : أيّام الليالي البيض ، وهي : الثالث عشر والرابع عشر والخامس
عشر من كلّ شهر ، سمّيت بذلك؛ لبياض لياليها جُمَع
بضوء القمر ، هذا بحسب اللغة. وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنّ آدم عليه
السلام لمّا أصابته الخطيئة اسودّ لونه فاُلهم صوم هذه الأيّام فابيضّ بكلّ يومٍ
ثُلثه فسمّيت بيضاً لذلك ،
وعلى هذا فالكلام جارٍ على ظاهره من غير حذف.
«ومولد النبيّ صلى الله عليه وآله»
وهو عندنا
سابع عشر من شهر ربيع الأوّل على المشهور
«ومبعثه
ويوم * الغدير والدحو» للأرض أي : بسطها
من تحت الكعبة ، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة.
«وعرفة لمن لا يُضعفه عن الدعاء»
الذي هو عازمٌ عليه في ذلك اليوم كمّيةً وكيفيّةً. ويستفاد منه أنّ الدعاء ذلك
اليوم أفضل من الصوم «مع
تحقّق الهلال» فلو حصل في أوّله
التباسٌ لغيمٍ أو غيره كره صومه لئلّا يقع في صوم العيد.
«والمباهلة والخميس والجُمعة»
في كلّ اُسبوع «وستّة
أيّامٍ بعد عيد الفطر» بغير فصلٍ متواليةً
، فمن صامها مع شهر رمضان عدلت صيام السنة. وفي الخبر : أنّ المواظبة عليها تعدل
صوم الدهر
وعُلّل في بعض الأخبار : بأنّ
____________________
الصدقة بعشر أمثالها
، فيكون رمضان بعشرة أشهر والستّة بشهرين وذلك تمام السنة
فدوام فعلها كذلك يعدل دهر الصائم. والتعليل وإن اقتضى عدم الفرق بين فعلها
متواليةً ومتفرّقةً بعده بغير فصلٍ ومتأخّرةً ، إلّاأنّ في بعض الأخبار اعتبار
القيد فيكون فضيلةً زائدةً
على القدر. وهو إمّا تخفيفٌ للتمرين السابق ، أو عودٌ إلى العبادة للرغبة ودفع
احتمال السأم.
«وأوّل ذي الحجّة»
وهو مولد إبراهيم الخليل عليه السلام ، وباقي العشر غير المستثنى «ورجب كلّه وشعبان
كلّه *».
«الحادية عشرة» :
«يستحبّ الإمساك» بالنيّة؛
لأنّه عبادة «فيالمسافر
والمريض بزوال عذرهما بعد التناول»
وإن كان قبل الزوال «أو
بعد الزوال» وإن كان قبل
التناول.
ويجوز للمسافر التناول قبل بلوغ محلّ
الترخص وإن علم بوصوله قبله ، فيكون إيجاب الصوم منوطاً باختياره ، كما يتخيّر بين
نيّة المقام المسوِّغة للصوم وعدمها.
«و»
كذا يستحبّ الإمساك لكلّ «من
سلف من ذوي الأعذار» التي «تزول في أثناء النهار»
مطلقاً ، كذات الدم والصبيّ والمجنون والمغمى عليه والكافر يسلم.
____________________
الثانية عشرة» :
«لا يصوم الضيف بدون إذن مضيّفه» وإن
جاء نهاراً ما لم تزل الشمس. مع احتماله مطلقاً؛ عملاً بإطلاق النصّ
«وقيل
: بالعكس أيضاً» وهو مرويٌّ
لكن قلّ من ذكره .
«ولا المرأة والعبد»
بل مطلق المملوك «بدون
إذن الزوج والمالك ، ولا الولد»
وإن نزل «بدون
إذن الوالد» وإن علا. ويحتمل
اختصاصه بالأدنى ، فإن صام أحدهم بدون إذنٍ كره.
«والأولى عدم انعقاده مع النهي»
لما روي : من أنّ الضيف يكون جاهلاً والولد عاقّاً والزوجة عاصيةً والعبد آبقاً
وجعله أولى يؤذن بانعقاده. وفي الدروس استقرب اشتراط إذن الوالد والزوج والمولى في
صحّته والأقوى الكراهة
بدون الإذن مطلقاً في غير الزوجة والمملوك؛ استضعافاً لمستند الشرطيّة ومأخذ
التحريم. أمّا فيهما فيشترط الإذن ، فلا ينعقد بدونه. ولا فرق بين كون الزوج
والمولى حاضرين وغائبين ، ولا بين أن يُضعفه عن حقّ مولاه وعدمه.
«الثالثة عشرة» :
«يحرم صوم العيدين» مطلقاً
«وأيّام
التشريق» وهي الثلاثة بعد العيد
____________________
«لمن كان بمنى»
ناسكاً أو غير ناسك «وقيّده
بعض الأصحاب» وهو العلّامة رحمه
الله «بالناسك»
بحجٍّ أو عمرة
والنصّ مطلقٌ
فتقييده يحتاج إلى دليلٍ.
ولا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعاً
وإن اُطلق تحريمها في بعض العبارات ـ كالمصنّف في الدروس
ـ فهو مراد من قيّد. وربّما لحظ المُطلق أنّ جمعها كافٍ عن تقييد كونها بمنى؛ لأنّ
أقلّ الجمع ثلاثة ، وأيّام التشريق لا تكون ثلاثةً إلّابمنى ، فإنّها في غيرها
يومان لا غير. وهو لطيف.
«وصوم يوم الشكّ»
وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدّث الناس برؤية الهلال أو شهد به من لا يثبت
بقوله «بنيّة
الفرض» المعهود وهو رمضان وإن ظهر كونه منه؛
للنهي أمّا لو نواه واجباً
عن غيره ـ كالقضاء والنذر ـ لم يحرم
وأمّا بنيّة النفل فمستحبٌّ عندنا وإن لم يصم قبله «ولو صامه بنيّة النفل أجزأ إن ظهر كونه
من رمضان» وكذا كلّ واجبٍ معيّنٍ فُعل بنيّة
الندب مع عدم علمه ، وفاقاً للمصنّف في الدروس .
«ولو ردّد»
نيّته يوم الشكّ ـ بل يوم الثلاثين مطلقاً ـ بين الوجوب إن
____________________
كان من رمضان والندب
إن لم يكن «فقولان
، أقربهما الإجزاء»
لحصول النيّة المطابقة للواقع ، وضميمة الآخر غير قادحة؛ لأنّها غير منافية ، ولأ
نّه لو جزم بالندب أجزأ عن رمضان إجماعاً ، فالضميمة المتردَّد فيها أدخل في
المطلوب.
ووجه العدم : اشتراط الجزم في النيّة
حيث يمكن ، وهو هنا كذلك بنيّة الندب ، ومنع كون نيّة الوجوب أدخل على تقدير الجهل
، ومن ثمّ لم يجز لو جزم بالوجوب فظهر مطابقاً.
ويشكل : بأنّ التردّد ليس في النيّة؛
للجزم بها على التقديرين ، وإنّما هو في الوجه ، وهو على تقدير اعتباره أمرٌ آخر ،
ولأ نّه مجزومٌ به على كلّ واحدٍ من التقديرين اللازمين على وجه منع الخلوّ.
والفرق بين الجزم بالوجوب والترديد فيه : النهي عن الأوّل شرعاً المقتضي للفساد ، بخلاف
الثاني.
«ويحرم نذر المعصية»
بجعل الجزاء شكراً على ترك الواجب أو فعل المحرّم ، وزجراً على العكس «وصومه»
الذي هو الجزاء؛ لفساد الغاية وعدم التقرّب به.
«و»
صوم «الصمت»
بأن ينوي الصوم ساكتاً ، فإنّه محرّمٌ في شرعنا ، لا الصوم ساكتاً بدون جعله وصفاً
للصوم بالنيّة.
«والوصال»
بأن ينوي صوم يومين فصاعداً لا يفصل بينهما بفطر ، أو صوم يومٍ إلى وقتٍ متراخٍ عن
الغروب. ومنه أن يجعل عشاءه سَحوره بالنيّة ، لا إذا أخّر الإفطار بغيرها أو تركه
ليلاً.
____________________
«وصوم الواجب سفراً»
على وجهٍ موجبٍ للقصر «سوى
ما مرّ» : من المنذور المقيّد به ، وثلاثة
الهدي ، وبدل البَدَنة ، وجزاء الصيد على القول.
وفُهم من تقييده ب «الواجب»
جواز المندوب ، وهو الذي اختاره في غيره على كراهية
وبه روايتان
يمكن إثبات السنّة بهما. وقيل : يحرم
لإطلاق النهي في غيرهما
ومع ذلك يستثنى ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة المشرّفة. قيل : والمشاهد .
«الرابعة عشرة» :
يعزَّر من أفطر في شهر رمضان عامداً
عالماً» بالتحريم «لا»
إن أفطر «لعذرٍ»
كسلامةٍ من غرق ، وإنقاذ غريقٍ ، وللتقيّة قبل الغروب ، وآخر رمضان وأوّله ، مع
الاقتصار على ما يتأدّى به الضرورة ، فلو زاد فكمن لا عذر له «فإن عاد»
إلى الإفطار ثانياً بالقيدين «عزّر»
أيضاً «فإن
عاد» إليه ثالثاً بهما «قتل»
ونسب في الدروس قتله في الثالثة إلى مقطوعة سماعة
وقيل :
____________________
يقتل في الرابعة
وهو أحوط. وإنّما يقتل فيها
مع تخلّل التعزير مرّتين أو ثلاثاً ، لا بدونه.
«ولو كان مستحلّاً»
للإفطار ، أي : معتقداً كونه حلالاً ، ويتحقّق بالإقرار به «قتل»
بأوّل مرّة «إن
كان ولد على الفطرة» الإسلاميّة ، بأن
انعقد حال إسلام أحد أبويه «واستتيب
إن كان عن * غيرها» فإن تاب ، وإلّا
قتل.
هذا إن كان ذكراً ، أمّا الاُنثى فلا
تقتل مطلقاً ، بل تحبس وتضرب أوقات الصلوات إلى أن تتوب أو تموت.
وإنّما يكفر مستحلّ الإفطار بمجمع على
إفساده الصوم بين المسلمين ، بحيث صار ضروريّاً ، كالجماع والأكل والشرب
المعتادين. أمّا غيره فلا على الأشهر ، وفيه لو ادّعى الشبهة الممكنة في حقّه قُبل
منه ومن هنا يعلم أنّ إطلاقه الحكم ليس بجيّد.
«الخامسة عشرة» :
«البلوغ الذي يجب معه العبادة : الاحتلام» وهو
خروج المنيّ من قُبُله مطلقاً في الذكر والاُنثى ، ومن فرجيه في الخنثى «أو الإنبات»
للشعر الخشن على العانة مطلقاً «أو
بلوغ» أي إكمال «خمس عشرة سنةً»
هلاليّة «في
الذكر» والخنثى «و»
إكمال «تسع
في الاُنثى» على المشهور. «وقال»
____________________
الشيخ «في المبسوط وتبعه ابن حمزة : بلوغها»
أي المرأة «بعشر
، قال ابن إدريس : الإجماع»
واقع «على
التسع »
ولا يعتدّ بخلافهما؛ لشذوذه والعلم بنسبهما وتقدّمه عليهما وتأخّره عنهما.
وأمّا الحيض والحمل للمرأة فدليلان على
سبقه. وفي إلحاق اخضرار الشارب وإنبات
اللحية بالعانة قولٌ قويّ .
ويعلم السنّ بالبيّنة والشياع لا
بدعواه. والإنبات بهما وبالاختبار ، فإنّه جائزٌ مع الاضطرار إن جعلنا محلّه من
العورة ، أو بدونه على المشهور. والاحتلام بهما وبقوله. وفي قبول قول الأبوين أو
الأب في السنّ وجهٌ.
____________________
«ويلحق بذلك الاعتكاف»
وإنّما جعله من لواحقه؛ لاشتراطه به ،
واستحبابه مؤكّداً في شهر رمضان ، وقلّة مباحثه في هذا المختصر عمّا
يليق بالكتاب المفرد.
«وهو مستحبّ»
استحباباً مؤكّداً «خصوصاً
في العشر الأواخر من شهر رمضان»
تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله ، فقد كان يواظب عليه فيها ، تضرب له قبّةٌ
بالمسجد من شعر ويُطوى فراشه
وفاته عام بدر بسببها فقضاها في القابل
فكان صلى الله عليه وآله يقول : «إنّ اعتكافها يعدل حجّتين وعمرتين»
.
«ويشترط»
في صحّته «الصوم»
وإن لم يكن لأجله «فلا
يصحّ إلّا من مكلّفٍ يصحّ منه الصوم في زمان يصحّ صومه»
واشتراط التكليف فيه مبنيٌّ على أنّ عبادة الصبيّ تمريناً ليست صحيحةً ولا شرعيّةً
، وقد تقدّم ما يدلّ على
____________________
صحّة صومه
وفي الدروس صرّح بشرعيّته
فليكن الاعتكاف كذلك ، أمّا فعله من المميّز تمريناً فلا شبهة في صحّته كغيره «وأقلّه ثلاثة أيّام»
بينها ليلتان ، فمحلّ نيّته قبل طلوع الفجر. وقيل : يعتبر الليالي
فيكون قبل الغروب أو بعده على ما تقدّم .
«والمسجد الجامع»
وهو ما يجمِّع
فيه أهل البلد وإن لم يكن أعظم ، لا نحو مسجد القبيلة «والحصر في الأربعة»
: الحرمين وجامع الكوفة والبصرة
أو المدائن بدله
«أو
الخمسة» المذكورة
بناءً على اشتراط صلاة نَبيٍّ أو إمامٍ فيه «ضعيفٌ»
؛ لعدم ما يدلّ على الحصر ، وإن ذهب إليه الأكثر.
«والإقامة بمعتكفه ، فيبطل»
الاعتكاف «بخروجه»
منه وإن قصر الوقت «إلّالضرورةٍ»
كتحصيل مأكولٍ ومشروب ، وفعل الأوّل في غيره لمن عليه فيه غضاضة ، وقضاء حاجةٍ ،
واغتسال واجبٍ لا يمكن فعله فيه ،
____________________
ونحو ذلك ممّا لابدّ
منه ولا يمكن فعله في المسجد ، ولا يتقدّر معها بقَدرٍ إلّا زوالها. نعم ، لو خرج
عن كونه معتكفاً بطل مطلقاً ، وكذا لو خرج ناسياً فطال ، وإلّا رجع حيث ذكر ، فإن
أخّر بطل «أو
طاعةٍ ، كعيادة مريضٍ» مطلقاً ، ويلبث
عنده بحسب العادة لا أزيد «أو
شهادةٍ» تحمّلاً وإقامةً ، إن لم يمكن بدون
الخروج ، سواء تعيّنت عليه أم لا «أو تشييع مؤمنٍ»
وهو توديعه إذا أراد سفراً إلى ما يعتاد عرفاً. وقيّده ب «المؤمن» تبعاً للنصّ
بخلاف المريض لإطلاقه .
«ثمّ لا يجلس لو خرج ، ولا يمشى تحت ظلٍّ
اختياراً» قيدٌ فيهما أو في الأخير ، لأنّ
الاضطرار فيه أظهر ، بأن لا يجد طريقاً إلى مطلبه إلّاتحت ظلٍّ ، ولو وجد طريقين
إحداهما لا ظلّ فيها سلكها وإن بعدت ، ولو وجد فيهما قدّم أقلّهما ظلاًّ ، ولو
اتّفقا قدراً فالأقرب. والموجود في النصوص هو الجلوس تحت الظلال
أمّا المشي فلا ، وهو الأقوى ، وإن كان ما ذكره أحوط. فعلى ما اخترناه ، لو تعارض
المشي في الظلّ بطريقٍ قصير وفي غيره بطويلٍ قدّم القصير ، وأولى منه لو كان
القصير أطولهما ظلّاً.
«ولا يصلّي إلّابمعتكفه»
فيرجع الخارج لضرورةٍ إليه ، وإن كان في مسجدٍ آخر أفضلٍ منه ، إلّامع الضرورة ـ
كضيق الوقت ـ فيصلّيها حيث أمكن
____________________
مقدّماً للمسجد مع
الإمكان. ومن الضرورة إلى الصلاة في غيره إقامة الجمعة فيه دونه فيخرج إليها.
وبدون الضرورة لا تصحّ الصلاة أيضاً؛ للنهي .
«إلّافي مكّة»
فيصلّي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء ، ولا يختصّ بالمسجد.
«ويجب»
الاعتكاف «بالنذر
وشبهه» من عهدٍ ويمين ونيابةٍ عن الأب إن
وجبت واستئجارٍ عليه.
ويشترط في النذر وأخويه إطلاقه فيحمل على ثلاثة ، أو تقييده بثلاثةٍ فصاعداً أو
بما لا ينافي الثلاثة كنذر يومٍ لا أزيد. وأمّا الأخيران
فبحسب الملزم
فإن قصر عنها اشترط إكمالها في صحّته ولو عن نفسه.
«وبمضيّ يومين»
ولو مندوبين ، فيجب الثالث «على
الأشهر» لدلالة الأخبار عليه
«وفي
المبسوط : يجب بالشروع»
مطلقاً. وعلى الأشهر يتعدّى إلى كلّ ثالثٍ على الأقوى ، كالسادس والتاسع لو اعتكف
خمسةً وثمانية. وقيل : يختصّ بالأوّل خاصّةً
وقيل : في المندوب دون ما لو نذر خمسةً
____________________
فلا يجب السادس
ومال إليه المصنّف في بعض تحقيقاته
والفرق : أنّ اليومين في المندوب منفصلان عن الثالث شرعاً ، ولمّا كان أقلّه
ثلاثةً كان الثالث هو المتمِّم للمشروع ، بخلاف الواجب ، فإنّ الخمسة فعلٌ واحدٌ
واجبٌ متّصلٌ شرعاً.
وإنّما نسب الحكم إلى الشهرة؛ لأنّ
مستنده من الأخبار غير نقيّ السند
ومن ثَمَّ ذهب جمعٌ إلى عدم وجوب النقل مطلقاً .
«ويستحبّ»
للمعتكف «الاشتراط»
في ابتدائه للرجوع فيه عند العارض «كالمُحرم»
فيرجع عنده وإن مضى يومان. وقيل : يجوز اشتراط الرجوع فيه مطلقاً
فيرجع متى شاء وإن لم يكن بعارض. واختاره في الدروس
والأجود الأوّل ، وظاهر العبارة يرشد إليه؛ لأنّ المحرم يختصّ شرطه بالعارض ، إلّاأن
يجعل التشبيه في أصل الاشتراط.
ولا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب
وغيره ، لكن محلّه في الواجب وقت النذر وأخويه لا وقت الشروع. وفائدة الشرط في
المندوب سقوط الثالث
____________________
لو عرض بعد وجوبه ما
يجوّز الرجوع وإبطال الواجب مطلقاً.
«فإن شرط وخرج فلا قضاء»
في المندوب مطلقاً ، وكذا الواجب المعيّن. أمّا المطلق فقيل : هو كذلك
وهو ظاهر الكتاب ، وتوقّف في الدروس
وقطع المحقّق بالقضاء
وهو أجود.
«ولو لم يشترط ومضى يومان»
في المندوب «أتمّ»
الثالث وجوباً ، وكذا إذا أتمّ الخامس وجب السادس ، وهكذا ... كما مرّ .
«ويحرم عليه نهاراً ما يحرم على الصائم»
حيث يكون الاعتكاف واجباً ، وإلّا فلا ، وإن فسد
في بعضها.
«وليلاً ونهاراً الجماع»
قُبلاً ودُبراً «وشمّ
الطيب» والرياحين على الأقوى؛ لورودها معه في
الخبر وهو مختاره في
الدروس
«والاستمتاع
بالنساء» لمساً وتقبيلاً وغيرهما ، ولكن لا
يفسد به الاعتكاف على الأقوى ، بخلاف الجماع.
«ويفسده ما يفسد الصوم»
من حيث فوات الصوم الذي هو شرط الاعتكاف.
«ويكفّر»
للاعتكاف زيادةً على ما يجب للصوم «إن أفسد الثالث»
____________________
مطلقاً «أو كان واجباً»
وإن لم يكن ثالثاً.
«ويجب بالجماع في الواجب نهاراً كفّارتان
إن كان في شهر رمضان» إحداهما عن الصوم
والاُخرى عن الاعتكاف. «وقيل
:» تجب الكفّارتان بالجماع في الواجب «مطلقاً »
وهو ضعيف. نعم ، لو كان وجوبه متعيّناً بنذرٍ وشبهه وجب بإفساده كفارةٌ بسببه ،
وهو أمرٌ آخر. وفي الدروس ألحق المعيّن برمضان مطلقاً .
«و»
في الجماع «ليلاً»
كفّارةٌ «واحدة»
في رمضان وغيره ، إلّاأن يتعيّن بنذرٍ وشبهه فيجب كفّارةٌ بسببه أيضاً؛ لإفساده.
ولو كان إفساده بباقي مفسدات الصوم غير
الجماع وجب نهاراً كفّارةٌ واحدة ، ولا شيء ليلاً ، إلّاأن يكون متعيّناً بنذرٍ
وشبهه فيجب كفّارته أيضاً .
ولو فعل غير ذلك من المحرّمات على
المعتكف ـ كالتطيّب والبيع والمماراة ـ أثم ولا كفّارة. ولو كان بالخروج في واجبٍ
متعيّن بالنذر وشبهه وجبت كفّارته. وفي ثالث المندوب الإثم والقضاء لا غير ، وكذا
لو أفسده بغير الجماع.
وكفّارة الاعتكاف ككفّارة رمضان في قولٍ
وكفارة ظهار في آخر
____________________
والأوّل أشهر ،
والثاني أصحّ روايةً .
«فإن أكره المعتكفة»
عليه نهاراً في شهر رمضان مع وجوب الاعتكاف «فأربع»
اثنتان عنه واثنتان يتحمّلهما عنها «على الأقوى»
بل قال في الدروس : إنّه لا يعلم فيه مخالفاً سوى صاحب المعتبر
وفي المختلف : أنّ القول بذلك لم يظهر له مخالف
ومثل هذا هو الحجّة ، وإلّا فالأصل يقتضي عدم التحمّل فيما لا نصّ عليه ، وحينئذٍ
فيجب عليه ثلاث كفّارات : اثنتان عنه للاعتكاف والصوم ، وواحدة عنها للصوم؛ لأنّه
منصوص التحمّل. ولو كان الجماع ليلاً فكفّارتان عليه على القول بالتحمّل.
____________________
كتاب الحجّ
«كتاب الحجّ»
«وفيه فصول»
:
الفصل «الأوّل»
«في شرائطه وأسبابه»
«يجب الحجّ على المستطيع»
بما سيأتي «من
الرجال والنساء والخناثى على الفور»
بإجماع الفرقة المحقّة ، وتأخيره كبيرة موبقة. والمراد بالفوريّة وجوب المبادرة
إليه في أوّل عام الاستطاعة مع الإمكان. وإلّا ففيما يليه ، وهكذا ...
ولو توقّف على مقدّمات من سفر وغيره وجب
الفور بها على وجه يدركه كذلك. ولو تعدّدت الرفقة في العام الواحد وجب السير مع
أولاها ، فإن أخّر عنها وأدركه مع التالية ، وإلّا كان كمؤخِّره عمداً في
استقراره.
«مرّةً»
واحدة «بأصل
الشرع ، وقد يجب بالنذر وشبهه»
من العهد واليمين «والاستئجار
، والإفساد» فيتعدّد بحسب وجود
السبب.
«ويستحب تكراره»
لمن أدّاه واجباً «ولفاقد
الشرائط» متكلّفاً «ولا يجزئ»
ما فعله مع فقد الشرائط عن حجّة الإسلام بعد حصولها «كالفقير»
يحجّ ثم يستطيع «والعبد»
يحجّ «بإذن
مولاه» ثم يُعتق ويستطيع فيجب الحجّ ثانياً.
«وشرط وجوبه : البلوغ والعقل والحريّة
والزاد والراحلة» بما يناسبه ـ قوّة
وضعفاً ، لا شرفاً وضعةً ـ فيما يفتقر إلى قطع المسافة وإن سهل المشي وكان معتاداً
له أو للسؤال. ويستثنى له
من جملة ماله : داره وثيابه وخادمه ودابّته وكتب علمه اللائقة بحاله كمّاً وكيفاً
، عيناً وقيمة «والتمكّن
من المسير» بالصحّة وتخلية الطريق وسعة الوقت.
«وشرط صحّته الإسلام»
فلا يصحّ من الكافر وإن وجب عليه.
«وشرط مباشرته مع الإسلام»
وما في حكمه «التمييز»
فيباشر أفعاله المميِّز بإذن الوليّ «ويُحرم الوليّ عن غير المميّز»
إن أراد الحجّ به «ندباً»
طفلاً كان أو مجنوناً ، مُحرماً كان الوليّ أم محلّاً؛ لأنّه يجعلهما محرمين بفعله
، لا نائباً عنهما ، فيقول : اللهمّ إنّي أحرمت بهذا ـ إلى آخر النيّة ـ ويكون
المولّى عليه حاضراً مواجهاً له ، ويأمره بالتلبية إن أحسنها وإلّا لبّى عنه ،
ويُلبسه ثوبي الإحرام ، ويُجنّبه تروكه. وإذا طاف به أوقع به صورةَ الوضوء وحَمَله
ولو على المشي ، أو ساق به أو قاد به ، أو استناب فيه ، ويصلّي عنه ركعتيه إن نقص
سنُّه عن ستّ ، ولو أمره بصورة الصلاة فحسن؛ وكذا القول في سائر الأفعال فإذا فعل
به ذلك فله أجر حِجّة .
____________________
«وشرط صحّته من العبد إذن المولى»
وإن تشبّث بالحريّة كالمدبَّر والمبعَّض ، فلو فعله بدون إذنه لغا. ولو أذن له فله
الرجوع قبل التلبّس ، لا بعده.
«وشرط صحة الندب من المرأة إذن الزوج»
أمّا الواجب فلا. ويظهر من إطلاقه أنّ الولد لا يتوقّف حجّه مندوباً على إذن الأب
أو الأبوين وهو قول الشيخ رحمه الله
ومال إليه المصنِّف في الدروس
وهو حسن إن لم يستلزم السفرَ المشتمل على الخطر ، وإلّا فاشتراط إذنهما أحسن.
«ولو اُعتق العبد»
المتلبّس بالحجّ بإذن المولى «أو
بلغ الصبيّ ، أو أفاق المجنون»
بعد تلبّسهما به صحيحاً «قبل
أحد الموقفين صحّ وأجزأه عن حجّة الإسلام»
على المشهور ، ويجدّدان نيّة الوجوب بعد ذلك. أمّا العبد المكلّف فبتلبّسه به ينوي
الوجوب بباقي
أفعاله ، فالإجزاء فيه أوضح.
ويشترط استطاعتهم له سابقاً ولاحقاً؛
لأنّ الكمال الحاصل أحد الشرائط ، فالإجزاء من جهته. ويشكل ذلك في العبد إن أحلنا
ملكه. وربّما قيل : بعدم اشتراطها فيه للسابق
أمّا اللاحق فيعتبر قطعاً.
«ويكفي البذل»
للزاد والراحلة «في
تحقّق الوجوب» على المبذول له «ولا يشترط صيغة خاصّة»
للبذل من هبة وغيرها من الاُمور اللازمة ، بل يكفي مجرّده بأي صيغة اتّفقت ، سواء
وثق بالباذل أم لا ، لإطلاق النصّ
ولزوم
____________________
تعليق الواجب بالجائز
يندفع بأنّ الممتنع منه إنّما هو الواجب المطلق ، لا المشروط كما لو ذهب المال قبل
الإكمال ، أو منع من السير ونحوه من الاُمور الجائزة
المسقطة للوجوب الثابت إجماعاً.
واشترط في الدروس التمليك أو الوثوق به
وآخرون التمليك ، أو وجوب بذله بنذر وشبهه
والإطلاق يدفعه. نعم يشترط بذل عين الزاد والراحلة ، فلو بذل له أثمانهما لم يجب
القبول وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين. ولا يمنع الدينُ وعدمُ المستثنيات
الوجوبَ بالبذل. نعم لو بذل له ما يكمل الاستطاعة اشترط زيادة الجميع عن ذلك ،
وكذا لو وهب مالاً مطلقاً. أمّا لو شرط الحجّ به فكالمبذول ، فيجب عليه القبول إن
كان عين الزاد والراحلة ، ـ خلافاً للدروس
ـ ولا يجب لو كان مالاً غيرهما؛ لأنّ قبول الهبة اكتساب وهو غير واجب له. وبذلك
يظهر الفرق بين البذل والهبة ، فإنّه إباحة يكفي فيها الإ يقاع.
ولا فرق بين بذل الواجب ليحجّ بنفسه ،
أو ليصحبه فيه فينفق عليه «فلو
* حجّ
به بعض إخوانه أجزأه عن الفرض»
لتحقّق شرط الوجوب.
«ويشترط»
مع ذلك كله «وجود
ما يمون به عياله الواجبي النفقة إلى حين رجوعه»
والمراد بها هنا ما يعمّ الكسوة ونحوها حيث يحتاجون إليها ،
____________________
ويعتبر فيها القصد
بحسب حالهم.
«وفي»
وجوب «استنابة
الممنوع» من مباشرته بنفسه «بكبر أو مرض أو عدوّ
قولان ، والمرويّ» صحيحاً «عن عليّ عليه السلام
ذلك» حيث أمر شيخاً لم يحجّ ولم يطقه من
كبره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه ، وغيره من الأخبار
والقول الآخر عدم الوجوب لفقد شرطه الذي هو الاستطاعة
وهو ممنوع. وموضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب ، وإلّا وجبت قولاً
واحداً.
وهل يشترط في وجوب الاستنابة اليأس من
البرء أم يجب مطلقاً وإن لم يكن مع عدم اليأس فوريّاً؟ ظاهر الدروس الثاني
وفي الأوّل قوّة ، فيجب الفوريّة كالأصل حيث يجب.
ثمّ إن استمرّ العذر أجزأ «ولو زال العذر»
وأمكنه الحجّ بنفسه «حجَّ
ثانياً» وإن كان قد يئس منه ، لتحقّق
الاستطاعة حينئذٍ ، وما وقع نيابة إنّما وجب للنصّ؛ وإلّا لم يجب ، لوقوعه قبل شرط
الوجوب.
«ولا يشترط»
في الوجوب بالاستطاعة زيادة على ما تقدّم «الرجوع إلى كفاية»
من صناعة أو حرفة أو بضاعة أو ضيعة ، ونحوها «على الأقوى»
عملاً بعموم النصّ
وقيل : يشترط
وهو المشهور بين المتقدّمين ، لرواية
____________________
أبي الربيع الشامي
وهي لا تدلّ على مطلوبهم ، وإنّما تدلّ على اعتبار المؤونة ذاهباً وعائداً ، ومؤونة
عياله كذلك ، ولا شبهة فيه.
«و»
كذا «لا»
يشترط «في
المرأة» مصاحبة «المحرَم»
وهو هنا الزوج ، أو من يحرم نكاحه عليها مؤبَّداً بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة وإن
لم يكن مسلماً ، إن لم يستحلّ المحارم كالمجوسي «ويكفي ظنّ السلامة»
بل عدم الخوف على البُضع أو العِرض
بتركه وإن لم يحصل الظنّ بها عملاً بظاهر النصّ
وفاقاً للمصنّف في الدروس .
ومع الحاجة إليه يشترط في الوجوب عليها
سفره معها ، ولا يجب عليه إجابتها إليه تبرّعاً ولا باُجرة ، وله طلبها فتكون
جزءاً من استطاعتها.
ولو ادّعى الزوج الخوف عليها أو عدم أمانتها
وأنكرته عُمل بشاهد الحال مع انتفاء البيّنة ، ومع فقدهما يقدَّم قولها. وفي
اليمين نظر : من أنّها لو اعترفت نَفَعَه .
وقرّب في الدروس عدمه
وله حينئذٍ منعها باطناً؛ لأنّه محقّ عند نفسه ، والحكم مبنيّ على الظاهر.
____________________
«والمستطيع يجزيه الحجّ متسكّعاً»
أي متكلّفاً له بغير زاد ولا راحلة ، لوجود شرط الوجوب وهو الاستطاعة. بخلاف ما لو
تكلّفه غير المستطيع.
«والحجّ مشياً * أفضل»
منه ركوباً «إلّامع
الضعف عن العبادة فالركوب أفضل ، فقد ** حجّ الحسن عليه السلام ماشياً مراراً ،
قيل : إنّها خمس وعشرون حجّة »
وقيل : عشرون ، رواه الشيخ في التهذيب
ولم يذكر في الدروس غيره
«والمحامل
تُساق بين يديه» وهو أعلم بسنّة جده
ـ عليه الصلاة والسلام ـ من غيره ، ولأ نّه أكثر مشقّة ، وأفضل الأعمال أحمزها .
وقيل : الركوب أفضل مطلقاً
تأسّياً بالنبي صلى الله عليه وآله فقد حجّ راكباً
قلنا : فقد طاف راكباً ولا يقولون بأفضليّته كذلك ، فبقي أن فعله صلى الله عليه وآله
وقع لبيان الجواز ، لا الأفضليّة.
والأقوى التفصيل الجامع بين الأدلّة
بالضعف عن العبادة من الدعاء والقراءة ووصفها من الخشوع ، وعدمه.
____________________
وألحق بعضهم بالضعف كون الحامل له على
المشي توفير المال
لأنّ دفع رذيلة الشُحّ عن النفس من أفضل الطاعات. وهو حسن. ولا فرق بين حجّة
الإسلام وغيرها.
«ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه»
عن الحجّ ، سواء مات في الحلّ أم الحرم ، محرماً أم محلّاً كما لو مات بين
الإحرامين ، في إحرام الحجّ أم العمرة. ولا يكفي مجرّد الإحرام على الأقوى. وحيث
أجزأ لا يجب الاستنابة في إكماله.
وقبله
تجب من الميقات إن كان مستقرّاً ، وإلّا سقط ، سواء تلبّس أم لا.
«ولو مات قبل ذلك وكان»
الحجّ «قد
استقرّ في ذمّته» بأن اجتمعت له
شرائط الوجوب ومضى عليه بعده مدّة يمكنه فيها استيفاء جميع أفعال الحجّ فلم يفعل «قُضي عنه»
الحجّ «من
بلده في ظاهر الرواية» الأولى أن يراد بها
الجنس؛ لأنّ ذلك ظاهر أربع روايات في الكافي
أظهرها دلالة رواية أحمد ابن أبي نصر عن محمّد بن عبد اللّٰه ، قال : «سألت أبا الحسن الرضا
عليه السلام عن الرجل يموت فيوصي بالحجّ من أين يُحجّ عنه؟ قال عليه السلام : على
قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله من منزله فمن الكوفة ، فإن
لم يسعه من الكوفة فمن المدينة»
.
وإنّما جعله ظاهرالرواية ، لإمكان أن
يراد بماله ما عيّنه اُجرة للحجّ
____________________
بالوصيّة ، فإنّه
يتعيّن الوفاء به مع خروج ما زاد عن اُجرته من الميقات من الثلث إجماعاً ، وإنّما
الخلاف فيما لو أطلق الوصيّة أو عُلم أنّ عليه حجّة الإسلام ولم يوصَ بها.
والأقوى القضاء عنه من الميقات خاصّة؛
لأصالة البراءة من الزائد ، ولأنّ الواجب الحجّ عنه والطريق لا دخل لها في حقيقته
، ووجوب سلوكها من باب المقدّمة. وتوقّفه على مؤونة فيجب قضاؤها عنه ، يندفع بأنّ
مقدّمة الواجب إذا لم تكن مقصودة بالذات لا تجب ، وهو هنا كذلك؛ ومن ثمَّ لو سافر
إلى الحجّ لا بنيّته أو بنيّة غيره ثمّ بدا له بعد الوصول إلى الميقات الحجُّ
أجزأ. وكذا لو سافر ذاهلاً أو مجنوناً ثم كمل قبل الإحرام ، أو آجر نفسه في الطريق
لغيره ، أو حجّ متسكّعاً بدون الغرامة أو في نفقة غيره ، أو غير ذلك من الصوارف عن
جعل الطريق مقدّمة للواجب. وكثيرٌ من الأخبار ورد مطلقاً في وجوب الحجّ عنه
وهو لا يقتضي زيادة على أفعاله المخصوصة.
والأولى حمل هذه الأخبار على ما لو عيّن
قدراً. ويمكن حمل غير هذا الخبر
منها على أمرٍ آخر
مع ضعف سندها ، واشتراك «محمّد
بن عبد اللّٰه» في سند هذا الخبر
بين الثقة والضعيف والمجهول.
ومن أعجب العجب هنا أنّ ابن إدريس ادّعى
تواتر الأخبار بوجوبه من البلد
وردّه في المختلف بأ نّه لم يقف على خبر واحد فضلاً عن التواتر
وهنا
____________________
جعله ظاهرَ الرواية ،
والموجود منها أربع ، فتأمّل.
ولو صحّ هذا الخبر لكان حمله على إطلاقه
أولى؛ لأنّ ماله المضاف إليه يشمل جميع ما يملكه ، وإنّما حملناه لمعارضته للأدلّة
الدالّة على خلافه مع عدم صحّة سنده. ونسبة الحكم هنا إلى ظاهر الرواية فيه نوع
ترجيح مع توقّف. ولكنّه قطع به في الدروس .
وعلى القول به «فلو ضاقت التركة»
عن الاُجرة من بلده «فمن
حيث بلغت» إن أمكن الاستئجار من الطريق «ولو من الميقات»
إن لم تحتمل سواه؛ وكذا لو لم يمكن بعد فوات البلد أو ما يسع منه إلّامن الميقات.
ولو عيّن كونها من البلد فأولى بالتعيين من تعيين مالٍ يسعه منه ، ومثله ما لو
دلّت القرائن على إرادته.
ويعتبر الزائد من الثلث مع عدم إجازة
الوارث إن لم نوجبه من البلد ابتداءً ، وإلّا فمن الأصل.
وحيث يتعذّر من الميقات يجب من الأزيد
ولو من البلد حيث يتعذَّر من أقرب منه من باب مقدّمة الواجب حينئذٍ ، لا الواجب في
الأصل.
«ولو حجّ»
مسلماً «ثم
ارتدّ ، ثم عاد» إلى
الإسلام «لم
يعد» حجّه السابق «على الأقرب»
للأصل ، والآية
والخبر .
____________________
وقيل : يعيد
؛ لآية الإحباط
أو لأنّ المسلم لا يكفر. ويندفع باشتراطه بالموافاة عليه
ـ كما اشتُرط في ثواب الإ يمان ذلك ـ ومنع عدم كفره للآية المثبتة للكفر بعد الإ
يمان وعكسه .
وكما لا يبطل مجموع الحجّ كذا بعضه ممّا
لا يعتبر استدامته حكماً كالإحرام ، فيبني عليه لو ارتدّ بعده.
«ولو حجّ مخالفاً ثمّ استبصر لم يُعد ،
إلّاأن يخلّ بركن» عندنا
لا عنده ، على ما قيّده المصنّف في الدروس
مع أنّه عكس في الصلاة فجعل الاعتبار بفعلها صحيحة عنده لا عندنا
والنصوص خالية من القيد
ولا فرق بين من حكم بكفره من فِرَق المخالفين وغيره في ظاهر النصّ .
ومن الإخلال بالركن حجّه قِراناً بمعناه عنده
لا المخالفة في نوع الواجب المعتبر عندنا .
وهل الحكم بعدم الإعادة لصحّة العبادة
في نفسها بناءً على عدم اشتراط
____________________
الإ يمان فيها ، أم
إسقاطاً للواجب في الذمّة كإسلام الكافر؟ قولان
وفي النصوص ما يدلّ على الثاني .
«نعم يستحبّ الإعادة»
للنصّ وقيل : يجب
بناءً على اشتراط الإ يمان المقتضي لفساد المشروط بدونه ، وبأخبار
حملها على الاستحباب طريق الجمع.
____________________
«القول في حجّ
الأسباب»
بالنذر وشبهه
والنيابة
«لو نذر الحجّ وأطلق كفت المرّة»
مخيّراً في النوع والوصف ، إلّاأن يعيّن أحدهما ، فيتعيّن الأوّل مطلقاً ، والثاني
إن كان مشروعاً ، كالمشي والركوب ، لا الحِفاء
ونحوه .
«ولا يجزئ»
المنذور «عن
حجّة الإسلام» سواء وقع حالَ
وجوبها أم لا ، وسواء نوى به حجّة الإسلام أم النذر أم هما ، لاختلاف السبب
المقتضي لتعدّد المسبّب.
«وقيل»
والقائل الشيخ
ومن تبعه
«إن
نوى حجّة النذر أجزأت» عن النذر وحجّة
الإسلام على تقدير وجوبها حينئذٍ «وإلّا فلا»
استناداً إلى رواية
حُملت على نذر حجّة الإسلام.
«ولو قيّد نذره بحجّة الإسلام فهي واحدة»
وهي حجّة الإسلام ، وتتأكّد بالنذر بناءً على جواز نذر الواجب. وتظهر الفائدة في
وجوب الكفّارة مع تأخيرها
____________________
عن العام المعيَّن أو
موته قبل فعلها مع الإطلاق متهاوناً. هذا إذا كان عليه حجّة الإسلام حال النذر ،
وإلّا كان مراعى بالاستطاعة ، فإن حصلت وجب بالنذر أيضاً. ولا يجب تحصيلها هنا على
الأقوى. ولو قيّده بمدّة معيّنة فتخلّفت الاستطاعة عنها بطل النذر.
«ولو قيّد غيرها»
أي غير حجّة الإسلام «فهما
اثنتان» قطعاً. ثم إن كان مستطيعاً حالَ النذر
وكانت حجّة النذر مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن السنة الاُولى قدّم حجّة الإسلام
، وإن قيّده بسنة الاستطاعة كان انعقاده مراعى بزوالها قبل خروج القافلة ، فإن
بقيت بطل ، لعدم القدرة على المنذور شرعاً ، وإن زالت انعقد.
ولو تقدّم النذر على الاستطاعة ثم حصلت
قبل فعله قُدّمت حجّة الإسلام إن كان النذر مطلقاً أو مقيّداً بما يزيد عن تلك السنة
أو بمغايرها ، وإلّا قدّم النذر ورُوعي في وجوب حجّة الإسلام بقاء الاستطاعة إلى
الثانية.
واعتبر المصنّف في الدروس في حجّ النذر
الاستطاعة الشرعيّة
وحينئذٍ فتُقدّم حجّة النذر مع حصول الاستطاعة بعده وإن كان مطلقاً ، ويراعى في
وجوب حجّة الإسلام الاستطاعة بعدها. وظاهر النصّ
والفتوى كون استطاعة النذر عقليّة ، فيتفرّع عليه ما سبق.
ولو أهمل حجّة النذر في العام الأوّل ،
قال المصنّف فيها
تفريعاً على
____________________
مذهبه : وجبت حجّة
الإسلام أيضاً. ويشكل بصيرورته حينئذٍ كالدين ، فيكون من المؤونة.
«وكذا»
حكم «العهد
واليمين».
«ولو نذر الحجّ ماشياً وجب»
مع إمكانه ، سواء جعلناه أرجح من الركوب أم لا على الأقوى ، وكذا لو نذره راكباً.
وقيل : لا ينعقد غير الراجح منهما .
ومبدؤه بلد الناذر على الأقوى عملاً
بالعرف ، إلّاأن يدلّ على غيره فيُتّبع. ويحتمل أوّل الأفعال ، لدلالة الحال عليه
، وآخره منتهى أفعاله الواجبة ، وهي رمي الجمار؛ لأنّ المشي وصف في الحجّ المركّب
من الأفعال الواجبة ، فلا يتمّ إلّا بآخرها. والمشهور ـ وهو الذي قطع به المصنّف
في الدروس
ـ أنّ آخره طواف النساء .
«ويقوم في المعبر»
لو اضطرّ إلى عبوره ، وجوباً على ما يظهر من العبارة
____________________
وبه صرّح جماعة
استناداً إلى رواية
تقصر ـ لضعف سندها ـ عنه. وفي الدروس جعله أولى
وهو أولى خروجاً من خلاف من أوجبه وتساهلاً في أدلّة الاستحباب. وتوجيهُه بأنّ
الماشي يجب عليه القيام وحركة الرجلين ، فإذا تعذّر أحدهما لانتفاء فائدته بقي
الآخر مشتركٌ؛ لانتفاء الفائدة فيهما وإمكان فعلهما بغير الفائدة.
«فلو ركب طريقه»
أجمع «أو
بعضَه قضى ماشياً» للإخلال بالصفة فلم
يُجز. ثمّ إن كانت السنة معيّنة فالقضاء بمعناه المتعارف ، ويلزمه مع ذلك كفّارة
بسببه. وإن كانت مطلقة فالقضاء بمعنى الفعل ثانياً ولا كفّارة. وفي الدروس : لو
ركب بعضه قضى ملفّقاً ، فيمشي ما ركب ويتخيّر فيما مشى منه ، ولو اشتبهت الأماكن
احتاط بالمشي في كلّ ما يجوز فيه أن يكون قد ركب
وما اختاره هنا أجود.
«ولو عجز عن المشي ركب»
مع تعيين السنة أو الإطلاق واليأس من القدرة ولو بضيق وقته لظنّ الوفاة ، وإلّا
توقّع المكنة.
«و»
حيث جاز الركوب «ساق
بدنة» جبراً للوصف الفائت ، وجوباً على ظاهر
العبارة ومذهبِ جماعة
واستحباباً على الأقوى ، جمعاً بين
____________________
الأدلّة
وتردّد في الدروس
هذا كلّه مع إطلاق نذر الحجّ ماشياً أو نذرهما لا على معنى جعل المشي قيداً لازماً
في الحجّ بحيث لا يريد إلّاجمعهما ، وإلّا سقط الحجّ أيضاً مع العجز عن المشي.
«ويشترط في النائب»
في الحج
«البلوغ والعقل والخُلوّ»
أي خُلوّ ذمّته «من
حجٍّ واجب» في ذلك العام «مع التمكّن منه ولو
مشياً» حيث لا يشترط فيه الاستطاعة كالمستقرّ
من حجّ الإسلام ثم يذهب المال ، فلا تصحّ نيابة الصبيّ ، ولا المجنون مطلقاً ، ولا
مشغول الذمّة به في عام النيابة؛ للتنافي. ولو كان في عام بعده ـ كمن نذره كذلك أو
استؤجر له ـ صحّت نيابته قبلَه ، وكذا المعيَّن حيث يعجز عنه ولو مشياً ، لسقوط
الوجوب في ذلك العام للعجز وإن كان باقياً في الذمّة. لكن يراعى في جواز استنابته
ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة عادة. فلو استؤجر كذلك ثم اتّفقت الاستطاعة
على خلاف العادة لم ينفسخ ، كما لو تجدّدت الاستطاعة لحجّ الإسلام بعدها ، فيقدّم
حجّ النيابة ، ويراعى في وجوب حجّ الإسلام بقاؤها إلى القابل.
«والإسلام»
إن صحّحنا عبادةَ المخالف ، وإلّا اعتبر الإ يمان أيضاً ، وهو الأقوى. وفي الدروس
حكى صحّة نيابة غير المؤمن عنه قولاً
مشعراً بتمريضه ، ولم يرجّح شيئاً.
«وإسلام المنوب عنه واعتقاده الحقّ»
فلا يصحّ الحجّ عن المخالف
____________________
مطلقاً «إلّاأن يكون أبا
النائب» وإن علا للأب ـ لا للاُمّ ـ فيصحّ وإن
كان ناصبياً. واستقرب في الدروس اختصاص المنع بالناصب ويستثنى منه الأب
والأجود الأوّل؛ للرواية
والشهرة. ومنعه بعض الأصحاب مطلقاً
وفي إلحاق باقي العبادات به وجه خصوصاً إذا لم يكن ناصبياً.
«ويشترط نيّة النيابة» بأن
يقصد كونه نائباً. ولمّا كان ذلك أعمّ من تعيين من ينوب عنه نبّه على اعتباره
أيضاً بقوله : «وتعيين
* المنوب عنه قصداً» في نيّة كلّ فعل
يفتقر إليها. ولو اقتصر في النيّة على تعيين المنوب عنه بأن ينوي أنّه عن فلان
أجزأ؛ لأنّ ذلك يستلزم النيابة عنه. ولا يستحبّ التلفّظ بمدلول هذا القصد «و»
إنّما «يستحبّ»
تعيينه «لفظاً
عند» باقي «الأفعال»
وفي المواطن كلّها بقوله : «اللهمّ
ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأْجرْ فلان بن فلان ، وأْجُرني في نيابتي عنه»
وهذا أمر خارج عن النيّة ، متقدّم عليها أو بعدها.
«وتبرأ ذمّته»
أي ذمّة النائب من الحجّ ، وكذلك ذمّة المنوب عنه إن كانت مشغولة «لو مات»
النائب «مُحرِماً
بعد دخول الحرم» ظرفٌ للموت لا
للإحرام «وإن
خرج منه» من الحرم «بعد»
دخوله. ومثله ما لو خرج من الإحرام أيضاً ، كما لو مات بين الإحرامين ، إلّاأ نّه
لا يدخل في العبارة؛ لفرضه الموت في حال كونه محرماً ولو قال : «بعد الإحرام ودخول
____________________
الحرم» شملهما ، لصدق
البعديّة بعدهما. وأولويّة الموت بعدَه منه حالتَه ممنوعة.
«ولو مات قبل ذلك»
سواء كان قد أحرم أم لا لم يصحّ الحجّ عنهما. وإن كان النائب أجيراً وقد قبض
الاُجرة «استُعيد
من الاُجرة بالنسبة» أي بنسبة ما بقي من
العمل المستأجر عليه ، فإن كان الاستئجار على فعل الحجّ خاصّة أو مطلقاً وكان موته
بعد الإحرام استحقّ بنسبته إلى بقيّة أفعال الحجّ ، وإن كان عليه وعلى الذهاب
استحقّ اُجرة الذهاب والإحرام واستُعيد الباقي ، وإن كان عليهما وعلى العود
فبنسبته إلى الجميع. وإن كان موته قبلَ الإحرام ففي الأوّلين
لا يستحقّ شيئاً ، وفي الأخيرين
بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.
وأمّا القول بأ نّه يستحقّ مع الإطلاق
بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه ومن أفعال الحجّ والعود ـ كما ذهب إليه
جماعة ـ ففي غاية الضعف؛
لأنّ مفهوم الحجّ لا يتناول غير المجموع المركَّب من أفعاله الخاصة ، دون الذهاب
إليه وإن جعلناه مقدّمة للواجب ، والعود الذي لا مدخل له في الحقيقة ولا ما يتوقّف
عليها بوجهٍ.
«ويجب»
على الأجير «الإتيان
بما شُرط عليه» من نوع الحجّ ووصفه
«حتى
الطريق مع الغرض» قيدٌ في تعيّن
الطريق بالتعيين ، بمعنى أنّه لا يتعيّن به إلّامع الغرض المقتضي لتخصيصه ،
كمشقّته وبُعده حيث يكون داخلاً في الإجارة لاستلزامهما زيادةَ الثواب ، أو بُعدَ
مسافة الإحرام ، ويمكن كونه قيداً في وجوب الوفاء بما شرط مطلقاً ، فلا يتعيّن
النوع كذلك إلّامع الغرض ، كتعيين
____________________
الأفضل أو تعيّنه على
المنوب عنه ، فمع انتفائه كالمندوب والواجب المخيّر كنذر مطلق أو تساوي منزلي
المنوب [عنه]
في الإقامة يجوز العدول عن المعيَّن إلى الأفضل ، كالعدول من الإفراد إلى القران
ومنهما إلى التمتّع ، لا منه إليهما ، ولا من القران إلى الإفراد.
لكن يشكل ذلك في الميقات ، فإنّ المصنّف
وغيره أطلقوا تعيَّنه بالتعيين
من غير تفصيل بالعدول إلى الأفضل وغيره ، وإنّما جوّزوا ذلك في الطريق والنوع
بالنصّ
ولمّا انتفى في الميقات أطلقوا تعيَّنه به وإن كان التفصيل فيه متوجّهاً أيضاً ،
إلّاأ نّه لا قائل به.
وحيث يعدل إلى غير المعيَّن مع جوازه
يستحقّ جميع الاُجرة ، ولا معه لا يستحقّ في النوع شيئاً. وفي الطريق يستحقّ بنسبة
الحجّ إلى المسمّى للجميع ، وتسقط اُجرة ما تركه من الطريق ، ولا يُوزَّع للطريق
المسلوك؛ لأنّه غير ما استؤجر عليه. وأطلق المصنّف وجماعة الرجوع عليه بالتفاوت
بينهما
وكذا القول في الميقات. ويقع الحجّ عن المنوب عنه في الجميع وإن لم يستحقّ في
الأوّل
اُجرةً.
«وليس له الاستنابة إلّامع الإذن»
له فيها «صريحاً»
ممّن يجوز له الإذن فيها كالمستأجر عن نفسه أو الوصيّ ، لا الوكيل إلّامع إذن
الموكِّل له في ذلك «أو
إيقاع العقد مقيَّداً بالإطلاق»
لا إيقاعه مطلقاً ، فإنّه يقتضي المباشرة
____________________
بنفسه. والمراد
بتقييده بالإطلاق أن يستأجره ليحجّ مطلقاً بنفسه أو بغيره أو بما يدلّ عليه كأن
يستأجره لتحصيل الحجّ عن المنوب. وبإ يقاعه مطلقاً أن يستأجره ليحجّ عنه ، فإن هذا
الإطلاق يقتضي مباشرته ، لا استنابته فيه. وحيث يجوز له الاستنابة يشترط في نائبه
العدالة ، وإن لم يكن هو عدلاً.
«ولا يحجّ عن اثنين في عامٍ»
واحد؛ لأنّ الحجّ وإن تعدّدت أفعاله عبادة واحدة فلا يقع عن اثنين. هذا إذا كان
الحجّ واجباً على كلّ واحد منهما أو اُريد إ يقاعه عن كلٍّ منهما ، أمّا لو كان
مندوباً واُريد إيقاعه عنهما ليشتركا في ثوابه ، أو واجباً عليهما كذلك ، بأن ينذرا
الاشتراك في حجّ يستنيبان فيه كذلك فالظاهر الصحّة فيقع في العام الواحد عنهما ،
وفاقاً للمصنِّف في الدروس .
وعلى تقدير المنع لو فعله عنهما لم يقع
عنهما ، ولا عنه. أمّا استئجاره لعمرتين أو حجّة مفردة وعمرة مفردة فجائز ، لعدم
المنافاة.
«ولو استأجراه لعام»
واحد «ف»
إن «سبق
أحدهما» بالإجارة «صحّ»
السابق وبطل اللاحق «وإن
اقترنا» بأن أوجباه معاً فقبلهما ، أو وكّل
أحدهما الآخر ، أو وكّلا ثالثاً فأوقع صيغة واحدة عنهما «بطلا»
لاستحالة الترجيح من غير مرجِّح. ومثله ما لو استأجراه مطلقاً ، لاقتضائه التعجيل.
أمّا لو اختلف زمان الإيقاع صحّ وإن اتّفق العقدان ، إلّامع فوريّة المتأخر وإمكان
استنابة من يعجّله ، فيبطل.
«وتجوز النيابة في أبعاض الحجّ»
التي تقبل النيابة «كالطواف»
وركعتيه «والسعي
والرمي» لا الإحرام والوقوف والحلق والمبيت بمنى
«مع
العجز» عن مباشرتها بنفسه ، لغيبةٍ أو مرضٍ
يعجز معه ولو عن أن يُطاف أو يُسعى به. وفي إلحاق الحيض به فيما يفتقر إلى الطهارة
وجه ، وَحَكَم الأكثر بعدولها إلى
____________________
غير النوع لو تعذّر
إكماله لذلك .
«ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب»
مقدّماً على الاستنابة «ويحتسب
لهما» لو نوياه ، إلّاأن يستأجره للحمل لا
في طوافه أو مطلقاً ، فلا يحتسب للحامل؛ لأنّ الحركة مع الإطلاق قد صارت مستحقّة
عليه لغيره ، فلا يجوز صرفها إلى نفسه. واقتصر في الدروس على الشرط الأوّل .
«وكفّارة الإحرام»
اللازمة بسبب فعل الأجير موجبَها «في مال الأجير»
لا المستنيب؛ لأنّه فاعل السبب وهي كفّارة للذنب اللاحق به.
«ولو أفسد حجّه قضى في»
العام «القابل»
لوجوبه بسبب الإفساد ، وإن كانت معيّنة بذلك العام «والأقرب الإجزاء»
عن فرضه المستأجر عليه بناءً على أنّ الاُولى فرضه والقضاء عقوبة
«ويملك
الاُجرة» حينئذٍ ، لعدم الإخلال
____________________
بالمعيّن والتأخير في
المطلق.
ووجه عدم الإجزاء في المعيّنة بناءً على
أن الثانية فرضه ظاهر ، للإخلال بالمشروط ، وكذا في المطلق ـ على ما اختاره
المصنّف في الدروس : من أنّ تأخيرها عن السنة الاُولى لا لعذر يوجب عدمَ الاُجرة
ـ بناءً على أن الإطلاق يقتضي التعجيل ، فيكون كالمعيَّنة ، فإذا جعلنا الثانية
فرضَه كان كتأخير المطلق فلا يجزئ ولا يستحقّ اُجرة.
والمرويّ في حسنة زرارة أنّ الاُولى
فرضه ، والثانية عقوبة
وتسميتها حينئذٍ فاسدة مجاز ، وهو الذي مال إليه المصنّف. لكن الرواية مقطوعة ،
ولو لم نعتبرها لكان القول بأن الثانية فرضه أوضح ، كما ذهب إليه ابن إدريس .
وفصَّل العلّامة في القواعد غريباً ،
فأوجب في المطلقة قضاء الفاسدة في السنة الثانية والحجّ عن النيابة بعد ذلك
وهو خارج عن الاعتبارين؛ لأنّ غايته أن تكون العقوبة هي الاُولى ، فتكون الثانية
فرضه ، فلا وجه للثالثة. ولكنّه بنى على أن الإفساد يوجب الحجّ ثانياً ، فهو سبب
فيه كالاستئجار ، فإذا جعلنا الاُولى هي الفاسدة لم تقع عن المنوب ، والثانية وجبت
بسبب الإفساد وهو خارج
____________________
عن الإجارة ، فتجب
الثالثة. فعلى هذا ينوي الثانية عن نفسه ، وعلى جعلها الفرض ينويها عن المنوب ،
وعلى الرواية ينبغي أن يكون عنه مع احتمال كونها عن المنوب أيضاً.
«ويستحبّ»
للأجير «إعادةُ
فاضل الاُجرة» عمّا أنفقه في
الحجّ ذهاباً وعوداً «والإتمام
له» من المستأجر عن نفسه أو من الوصيّ مع
النصّ لا بدونه «لو أعوز»
وهل يستحبّ لكلّ منهما إجابة الآخر إلى ذلك؟ تنظّر المصنّف في الدروس
: من أصالة البراءة ، ومن أنّه معاونة على البرّ والتقوى.
«وتركُ نيابة المرأة الصرورة»
وهي التي لم تحجّ ، للنهي عنه في أخبار
حتّى ذهب بعضهم إلى المنع
لذلك. وحملُها على الكراهة طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على الجواز
«و»
كذا «الخنثى
الصرورة» إلحاقاً لها بالاُنثى ، للشكّ في
الذكوريّة. ويحتمل عدم الكراهة ، لعدم تناول «المرأة»
التي هي مورد النهي لها.
«ويشترط علمُ الأجير بالمناسك»
ولو إجمالاً ، ليتمكّن من تعلّمها تفصيلاً
ولو حجّ مع مرشد عدل أجزأ.
«وقدرته عليها»
على الوجه الذي عُيّن ، فلو كان عاجزاً عن الطواف
____________________
بنفسه واستؤجر على
المباشرة لم يصحّ ، وكذا لو كان لا يستطيع القيام في صلاة الطواف. نعم لو رضي
المستأجر بذلك حيث يصحّ منه الرضا جاز.
«وعدالتُه»
حيث تكون الإجارة عن ميّتٍ أو من يجب عليه الحجّ «فلا يُستأجر فاسق»
أمّا لو استأجره ليحجّ عنه تبرّعاً لم تعتبر العدالة ، لصحّة حجّ الفاسق ، وإنّما
المانع عدم قبول خبره.
«ولو حجّ»
الفاسق عن غيره «أجزأ
*» عن المنوب عنه في نفس الأمر وإن وجب
عليه استنابة غيره لو كان واجباً ، وكذا القول في غيره من العبادات كالصلاة والصوم
والزيارة المتوقّفة على النيّة.
«والوصيّة بالحجّ» مطلقاً
من غير تعيين مالٍ «ينصرف
إلى اُجرة المثل» وهو ما يُبذل
غالباً للفعل المخصوص لمن استجمع شرائط النيابة في أقلّ مراتبها ، ويُحتمل اعتبار
الأوسط. هذا إذا لم يوجد من يأخذ أقلّ منها وإلّا اقتصر عليه ، ولا يجب تكلّف تحصيله.
ويعتبر ذلك من البلد أو الميقات على الخلاف.
«ويكفي»
مع الإطلاق «المرّة
، إلّامع إرادة التكرار» فيكرّر حسب ما دلّ
عليه اللفظ ، فإن زاد عن الثلث اقتصر عليه إن لم يُجز الوارث ، ولو كان بعضه أو
جميعه واجباً فمن الأصل.
«ولو عيّن القدرَ والنائبَ تعيّنا»
إن لم يزد القدر عن الثلث في المندوب وعن اُجرة المثل في الواجب ، وإلّا اعتبرت
الزيادة من الثلث مع عدم إجازة الوارث. ولا يجب على النائب القبول ، فإن امتنع
طلباً للزيادة لم يجب إجابته ، ثم يُستأجر غيره بالقدر إن لم يُعلم إرادة تخصيصه
به ، وإلّا فباُجرة المثل إن لم يزد عنه أو يُعلم إرادته خاصّة ، فيسقط بامتناعه
بالقدر أو مطلقاً.
____________________
ولو عيَّن النائب خاصّة اُعطي اُجرة مثل
من يحجّ مجزياً ، ويحتمل اُجرة مثله فإن امتنع منه أو مطلقاً استؤجر غيره إن لم
يعلم إرادة التخصيص ، وإلّا سقط.
«ولو عيّن لكلّ سنة قدراً»
مفصّلاً كألف ، أو مجملاً كغلّة بستان «وقصُر كمل من الثانية»
فإن لم تسع الثانية «فالثالثة»
فصاعداً ما يُتمّم اُجرة المثل ولو بجزءٍ وصُرف الباقي مع ما بعده كذلك.
ولو كانت السنون معيَّنة ففضل منها فضلة
لا تفي بالحجّ أصلاً ففي عودها إلى الورثة أو صرفها في وجوه البرّ؟ وجهان ،
أجودهما الأوّل إن كان القصور ابتداءً ، والثاني إن كان طارئاً. والوجهان آتيان
فيما لو قصُر المعيَّن لحجّة واحدة ، أو قصُر ماله أجمع عن الحجّة الواجبة. ولو
أمكن استنماؤه أو رُجي إخراجه في وقتٍ آخر وجب مقدّماً على الأمرين.
«ولو زاد»
المعيّن للسنة عن اُجرة حجّة ولم يكن مقيّداً بواحدة «حُجّ»
عنه به «مرتين»
فصاعداً إن وسع «في
عام *» واحد «من اثنين »
فصاعداً. ولا يضرّ اجتماعهما معاً في الفعل في وقت واحد؛ لعدم وجوب الترتيب هنا
كالصوم ، بخلاف الصلاة. ولو فضل عن واحدة جزءٌ اُضيف إلى ما بعده إن كان ، وإلّا
ففيه ما مرّ.
«والوَدَعيّ»
لمال إنسانٍ «العالم
بامتناع الوارث» من إخراج الحجّ
الواجب عليه عنه «يستأجر
عنه من يحجّ أو» يحجّ عنه هو «بنفسه»
وغير الوديعة من الحقوق الماليّة حتى الغصب بحكمها. وحكمُ غيره من الحقوق التي
تخرج من أصل المال ـ كالزكاة والخمس والكفّارة والنذر ـ حكمُه. والخبر
هنا
____________________
معناه الأمر ، فإن
ذلك واجب عليه ، حتى لو دفعه إلى الوارث اختياراً ضمن.
ولو علم أنّ البعض يؤدّي ، فإن كان
نصيبه يفي به بحيث يحصل الغرض منه وجب الدفع إليهم ، وإلّا استأذن من يؤدّي مع
الإمكان ، وإلّا سقط.
والمراد بالعلم هنا ما يشمل الظنّ
الغالب المستند إلى القرائن. وفي اعتبار الحجّ من البلد أو الميقات ما مرّ .
«ولو كان عليه حجّتان إحداهما نذر فكذلك»
يجب إخراجهما
فما زاد «إذ
الأصحّ أنّهما من الأصل» لاشتراكهما في
كونهما حقّاً واجباً ماليّاً. ومقابل الأصحّ إخراج المنذورة من الثلث ، استناداً
إلى رواية
محمولة على نذرٍ غير لازم ، كالواقع في المرض.
ولو قصر المال عنهما تحاصّتا فيه ، فإن
قصرت الحصّة عن إخراج الحجّة بأقل ما يمكن ووسع الحجّ خاصّة أو العمرة صرف فيه
فإن قصر عنهما ووسع أحدهما ، ففي تركهما والرجوع إلى الوارث ، أو البرّ ـ على ما
تقدّم ـ أو تقديم حجّة الإسلام ، أو القرعة؟ أوجه. ولو وسع الحجّ خاصّة أو العمرة
، فكذلك.
____________________
ولو لم يسع أحدهما
فالقولان. والتفصيل آتٍ فيما لو أقرّ بالحجّتين أو علم الوارث أو الوصي كونهما
عليه.
«ولو تعدّدوا»
من عنده الوديعة أو الحقّ وعلموا بالحقّ وبعضهم ببعض «وزّعت»
اُجرة الحجّة وما في حكمها عليهم بنسبة ما بأيديهم من المال. ولو أخرجها بعضهم بإذن
الباقين ، فالظاهر الإجزاء؛ لاشتراكهم في كونه مال الميّت الذي يُقدّم إخراج ذلك
منه على الإرث. ولو لم يعلم بعضهم بالحقّ تعيّن على العالم بالتفصيل. ولو علموا به
ولم يُعلم بعضهم ببعض فأخرجوا جميعاً أو حجّوا فلا ضمان مع الاجتهاد على الأقوى ،
ولا معه ضمنوا ما زاد على الواحدة. ولو علموا في الأثناء سقط من وديعة كلّ منهم ما
يخصّه من الاُجرة ، وتحلّلوا ما عدا واحد بالقرعة إن كان بعد الإحرام. ولو حجّوا
عالمين بعضهم ببعض صحّ السابق خاصّة وضمن اللاحق ، فإن أحرموا دفعةً وقع الجميع عن
المنوب وسقط من وديعة كلّ واحدٍ ما يخصّه من الاُجرة الموزّعة وغرم الباقي.
وهل يتوقّف تصرّفهم على إذن الحاكم؟
الأقوى ذلك مع القدرة على إثبات الحقّ عنده؛ لأنّ ولاية إخراج ذلك قهراً على
الوارث إليه. ولو لم يمكن فالعدم أقوى ، حذراً من تعطيل الحقّ الذي يعلم من بيده
المال ثبوته ، وإطلاق النصّ
إذنٌ له.
«وقيل : يفتقر إلى إذن الحاكم»
مطلقاً
بناءً على ما سبق. «وهو
بعيد» لإطلاق النصّ وإفضائه إلى مخالفته حيث
يتعذّر.
____________________
«الفصل الثاني»
«في أنواع الحجّ»
«وهي ثلاثة : تمتّعٌ»
وأصله التلذّذ سمّي هذا النوع به ، لما يتخلّل بين عمرته وحجّه من التحلّل الموجب
لجواز الانتفاع والتلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام مع ارتباط عمرته بحجّه حتى أنّهما
كالشيء الواحد شرعاً ، فإذا حصل بينهما ذلك فكأ نّه حصل في الحجّ.
«وهو فرض من نأى»
أي بَعُد «عن
مكّة بثمانية وأربعين ميلاً من كلّ جانب على الأصحّ»
للأخبار الصحيحة الدالّة عليه
والقول المقابل للأصحّ اعتبار بُعده باثني عشر ميلاً
حملاً للثمانية والأربعين على كونها موزّعة على الجهات الأربع ، فيخص
كلّ واحدة اثني عشر.
ومبدأ التقدير منتهى عمارة مكّة إلى
منزله ، ويُحتمل إلى بلده مع عدم سعتها جدّاً ، وإلّا فمحلّته.
____________________
«و»
يمتاز هذا النوع عن قسيميه أنّه «يقدّم عمرته على حجّه ناوياً بها التمتع»
بخلاف عُمرتيهما فإنّها مفردة بنيّته.
«وقران وإفراد»
ويشتركان في تأخير العمرة عن الحجّ وجملة الأفعال. وينفرد القران بالتخيير في عقد
إحرامه بين الهدي والتلبية ، والإفراد بها
وقيل : القران : أن يقرن بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة
فلا يحلّ إلّابتمام أفعالهما مع سوق الهدي. والمشهور الأوّل.
«وهو»
أي كلّ واحد منهما «فرض
من نقص عن ذلك» المقدار من المسافة
مخيّراً بين النوعين ، والقران أفضل.
«ولو أطلق الناذر»
وشبهه للحجّ «تخيّر
في الثلاثة» مكّياً كان أم
اُفقيّاً «وكذا
يتخيّر من حجّ ندباً» والتمتّع أفضل
مطلقاً وإن حجّ ألفاً وألفاً .
«وليس لمن تعيّن عليه نوعٌ»
بالأصالة أو العارض «العدول
إلى غيره على الأصحّ» عملاً بظاهر الآية
وصريح الرواية
وعليه الأكثر
والقول الآخر جواز التمتّع للمكّي
وبه روايات
حملُها على الضرورة
____________________
طريقُ الجمع.
أمّا النائي فلا يجزئه غير التمتّع
اتّفاقاً «إلّالضرورة»
استثناء من عدم جواز العدول مطلقاً.
ويتحقّق ضرورة المتمتّع بخوف الحيض
المتقدّم على طواف العمرة بحيث يفوت اختياريّ عرفة قبل إتمامها ، أو التخلّف عن
الرفقة إلى عرفة حيث يحتاج إليها ، وخوفه من دخول مكّة قبل الوقوف لا بعدَه ،
ونحوه .
وضرورة المكّي بخوف الحيض المتأخّر عن
النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهّر ، وخوف عدوّ بعدَه ، وفوت الصحبة
كذلك.
«ولا يقع»
وفي نسخةٍ لا يصحّ
«الإحرام
بالحجّ» بجميع أنواعه أ«وعمرة التمتّع إلّافي»
أشهر الحجّ «شوّال
وذي القعدة وذي الحجّة» على وجهٍ يدرك باقي
المناسك في وقتها ، ومن ثَمّ ذهب بعضهم إلى أنّ أشهر الحجّ الشهران وتسع من ذي
الحجّة
لفوات اختياري عرفة اختياراً بعدَها. وقيل : عشر
لإمكان إدراك الحجّ في العاشر بإدراك المشعر وحده ، حيث لا يكون فوات عرفة
اختياريّاً. ومن جعلها الثلاثة نظر إلى كونها ظرفاً زمانيّاً لوقوع أفعاله في
الجملة. وفي جعل الحجّ أشهراً ـ بصيغة الجمع ـ في الآية
إرشاد إلى
____________________
ترجيحه. وبذلك يظهر
أنّ النزاع لفظي.
وبقي العمرة المفردة ، ووقتها مجموع
أيّام السنة.
«ويشترط في التمتّع جمع الحجّ والعمرة
لعامٍ واحد» فلو أخّر الحجّ عن
سنتها صارت مفردة ، فيتبعها بطواف النساء. أمّا قسيماه فلا يشترط إيقاعهما في سنة
في المشهور ، خلافاً للشيخ حيث اعتبرها في القران
كالتمتّع.
«والإحرام بالحجّ له»
أي للتمتّع «من
مكّة» من أيّ موضع شاء منها «وأفضلها المسجد»
الحرام «ثمّ»
الأفضل منه «المقام
، أو تحت الميزاب» مخيّراً بينهما ،
وظاهره تساويهما في الفضل. وفي الدروس : الأقرب أنّ فعله في المقام أفضل من الحِجر
تحت الميزاب
وكلاهما مرويّ .
«ولو أحرم»
المتمتّع بحجّه
«بغيرها»
أي غير مكّة «لم
يجز إلّامع التعذّر» المتحقّق بتعذّر
الوصول إليها ابتداءً ، أو تعذّر العود إليها مع تركه بها نسياناً أو جهلاً ، لا
عمداً. ولا فرق بين مروره على أحد المواقيت وعدمه.
«ولو»
تلبّس بعمرة التمتّع و «ضاق
الوقت عن إتمام العمرة» قبلَ الإكمال
وإدراك الحجّ «بحيض
أو نفاس أو عذر*» مانعٍ عن الإكمال
بنحو ما مرّ «عدل»
بالنيّة من العمرة المتمتّع بها «إلى»
حجّ «الإفراد»
وأكمل
____________________
الحجّ بانياً على ذلك
الإحرام «وأتى
بالعمرة» المفردة «من بعد»
إكمال الحجّ ، وأجزأه عن فرضه ، كما يجزئ لو انتقل ابتداءً للعذر. وكذا يعدل من
الإفراد وقسيمه إلى التمتّع للضرورة ، أمّا اختياراً فسيأتي الكلام فيه
ونيّة العدول عند إرادته قصد الانتقال إلى النُسُك المخصوص متقرّباً.
«ويشترط في»
حجّ «الإفراد
النيّة» والمراد بها نيّة الإحرام بالنُسُك
المخصوص. وعلى هذا يمكن الغنى عنها بذكر الإحرام ، كما يُستغنى عن باقي النيّات
بأفعالها. ووجه تخصيصه أنّه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثرة
أحكامه. بل هو في الحقيقة عبارة عن النيّة؛ لأنّ توطين النفس على ترك المحرَّمات
المذكورة لا يخرج عنها؛ إذ لا يعتبر استدامته. ويمكن أن يريد به نيّة الحجّ جملة ،
ونيّة الخروج من المنزل كما ذكره بعض الأصحاب
وفي وجوبهما نظر أقربه العدم. والذي اختاره المصنّف في الدروس الأوّل .
«وإحرامه»
به «من
الميقات» وهو أحد الستّة الآتية وما في حكمها
«أو
من دويرة أهله ، إن كانت أقرب»
من الميقات «إلى
عرفات» اعتبر القرب إلى عرفات؛ لأنّ الحجّ
بعد الإهلال به من الميقات لا يتعلّق الغرض فيه
____________________
بغير عرفات ، بخلاف
العمرة ، فإنّ مقصدها بعد الإحرام مكّة ، فينبغي اعتبار القرب فيها إلى مكّة ،
ولكن لم يذكره هنا. وفي الدروس أطلق القرب
وكذا أطلق جماعة
والمصرَّح به في الأخبار الكثيرة هو القرب إلى مكّة مطلقاً
فالعمل به متعيّن ، وإن كان ما ذكره هنا متوجّهاً.
وعلى ما اعتبره المصنّف من مراعاة القرب
إلى عرفات فأهل مكّة يحرمون من منزلهم؛ لأنّ دويرتهم أقرب من الميقات إليها. وعلى
اعتبار مكّة فالحكم كذلك ، إلّاأنّ الأقربيّة لا تتمّ لاقتضائها المغايرة بينهما.
ولو كان المنزل مساوياً للميقات أحرم منه.
ولو كان مجاوراً بمكّة قبل مضيّ سنتين
خرج إلى أحد المواقيت ، وبعدهما
يساوي أهلَها.
«و»
يشترط «في
القران ذلك» المذكور في حجّ
الإفراد «و»
يزيد «عقده»
لإحرامه «بسياق
الهدي وإشعاره» بشقّ سنامه من
الجانب الأيمن ، ولطخه بدمه «إن
كان بدنة ، وتقليده إن كان»
الهدي «غيرها»
أي غير البدنة «بأن
يعلِّق في رقبته نعلاً قد صلّى»
السايق «فيه
ولو نافلة. ولو قلّد الإبل»
بدَلَ إشعارها «جاز».
____________________
«مسائل»
«الاُولى» :
«يجوز لمن حجّ ندباً مفرداً العدول إلى» عمرة
«التمتّع»
اختياراً وهذه هي المتعة التي أنكرها الثاني
«لكن
لا يلبّي بعد طوافه وسعيه»
لأنّهما محلّلان من العمرة في الجملة ، والتلبية عاقدة للإحرام فيتنافيان؛ ولأنّ
عمرة التمتّع لا تلبية فيها بعد دخول مكّة.
«فلو لبّى»
بعدهما «بطلت
متعته» التي نقل إليها «وبقي على حجّه»
السابق؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام
ولأنّ العدول كان مشروطاً بعدم التلبية. ولا ينافي ذلك الطواف والسعي؛ لجواز
تقديمهما للمفرد على الوقوف. والحكم بذلك هو المشهور وإن كان مستنده لا يخلو من
شيء.
«وقيل»
والقائل ابن إدريس
«لا
اعتبار إلّابالنيّة» إطراحاً للرواية
وعملاً بالحكم الثابت من جواز النقل بالنيّة ، والتلبية ذكر لا أثر له في المنع.
«ولا يجوز العدول للقارن»
تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله حيث بقي على حجّه لكونه قارناً وأمر من لم يسق
الهدي بالعدول .
____________________
«وقيل»
: لا يختصّ جواز العدول بالإفراد المندوب بل «يجوز العدول عن الحجّ الواجب أيضاً »
سواء كان متعيّناً أم مخيّراً بينه وبين غيره كالناذر مطلقاً وذي المنزلين
المتساويين؛ لعموم الأخبار الدالّة على الجواز
«كما
أمر به النبي صلى الله عليه وآله من لم يَسُق من الصحابة »
من غير تقييد بكون المعدول عنه مندوباً أو غير مندوب «وهو قويّ»
لكن فيه سؤال الفرق بين جواز العدول عن المعيّن اختياراً وعدم جوازه ابتداءً
بل ربّما كان الابتداء أولى ، للأمر بإتمام الحجّ والعمرة للّٰه
ومن ثمّ خصّه بعض الأصحاب بما إذا لم يتعيّن عليه الإفراد وقسيمه
كالمندوب والواجب المخيَّر ، جمعاً بين ما دلّ على الجواز مطلقاً
وما دلّ على اختصاص كلّ قوم بنوع
وهو أولى إن لم نقل بجواز العدول عن الإفراد إلى التمتّع ابتداءً.
____________________
«الثانية» :
«يجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكّة
الطواف والسعي» للنصّ
على جوازه مطلقاً
«إمّا
الواجب أو الندب» يمكن كون ذلك على
وجه التخيير؛ للإطلاق ، والترديد؛ لمنع بعضهم من تقديم الواجب
والأوّل مختاره في الدروس
وعليه فالحكم مختصّ بطواف الحجّ ، دون طواف النساء ، فلا يجوز تقديمه إلّالضرورة
كخوف الحيض المتأخّر.
وكذا يجوز لهما تقديم صلاة طوافٍ يجوز
تقديمه ، كما يدلّ عليه قوله : «لكن
يجدّدان التلبية عقيب صلاة الطواف»
يعقدان بها الإحرام لئلّا يحلّا. «فلو تركاها أحلّا على الأشهر»
للنصوص الدالّة عليه
وقيل : لا يحلّان إلّابالنيّة
وفي الدروس جعلها أولى
وعلى المشهور ينبغي الفوريّة بها عقيبها ، ولا يفتقر إلى إعادة نيّة الإحرام ،
بناءً على ما ذكره المصنّف من أنّ التلبية كتكبيرة الإحرام لا تعتبر بدونها
لعدم الدليل على ذلك ، بل إطلاق هذا دليل على ضعف
____________________
ذاك. ولو أخلّا
بالتلبية صار حجّهما عمرة وانقلب تمتّعاً ولا يجزئ عن فرضهما؛ لأ نّه عدول
اختياري.
واحترز بهما عن المتمتّع فلا يجوز له
تقديمهما على الوقوف اختياراً ، ويجوز
مع الاضطرار كخوف الحيض المتأخّر ، وحينئذٍ فيجب عليه التلبية ، لإطلاق النصّ. وفي
جواز طوافه ندباً وجهان ، فإن فعل جدّد التلبية كغيره.
«الثالثة» :
«لو بَعُد المكّي» عن
الميقات «ثم
حجّ على ميقاتٍ أحرم منه وجوباً»
لأنّه قد صار ميقاته بسبب مروره كغيره من أهل المواقيت إذا مرّ بغير ميقاته وإن
كان ميقاته دويرة أهله.
«ولو»
كان له منزلان بمكّة أو ما في حكمها وبالآفاق الموجبة للتمتّع و «غلبت إقامته في
الآفاق تمتّع» وإن غلبت بمكّة وما
في حكمها قرن أو أفرد. «ولو
تساويا» في الإقامة «تخيّر»
في الأنواع الثلاثة.
هذا إذا لم يحصل من إقامته بمكّة ما
يوجب انتقال حكمه ، كما لو أقام بمنزله الآفاقي ثلاث سنين وبمكّة سنتين متواليتين
وحصلت الاستطاعة فيها ، فإنّه حينئذٍ يلزمه حكم مكّة وإن كانت إقامته في الآفاقي
أكثر ، لما سيأتي.
ولا فرق في الإقامة بين ما وقع منها
حالَ التكليف وغيره ، ولا بين ما أتمّ الصلاة فيها وغيره ، ولا بين الاختيارية
والاضطراريّة ، ولا بين المنزل المملوك عيناً ومنفعة والمغصوب ، ولا بين أن يكون
بين المنزلين مسافة القصر وعدمه ،
____________________
لإطلاق النصّ في ذلك
كلّه ومسافة السفر إلى
كلٍّ منهما لا يحتسب عليهما.
ومتى حكم باللحوق بأحد المنزلين اعتبرت
الاستطاعة منه ، ولو اشتبه الأغلب تمتّع.
«والمجاور بمكّة»
بنيّة الإقامة على الدوام أو لا معها من أهل الآفاق سنتين «ينتقل»
فرضُه «في
الثالثة إلى الإفراد والقران ، وقبلها»
أي قبل الثالثة «يتمتّع»
هذا إذا تجدّدت الاستطاعة في زمن الإقامة ، وإلّا لم ينتقل ما وجب من الفرض.
والاستطاعة تابعة للفرض فيهما
إن كانت الإقامة بنيّة الدوام ، وإلّا اعتبرت من بلده.
ولو انعكس الفرض بأن أقام المكّي في
الآفاق ، اعتبرت نيّة الدوام وعدمه في الفرض والاستطاعة إن لم تسبق الاستطاعة
بمكّة كما مرّ
كما يعتبر ذلك في الآفاقي لو انتقل من بلدٍ إلى آخر يشاركه في الفرض. ولا فرق
أيضاً بين الإقامة زمن التكليف وغيره ، ولا بين الاختياريّة والاضطراريّة؛ للإطلاق
.
«ولا يجب الهدي على غير المتمتّع»
وإن كان قارناً ، لأنّ هدي القران غير واجب ابتداءً وإن تعيّن بعد الإشعار أو
التقليد للذبح.
«وهو»
أي هدي التمتّع «نسكٌ»
كغيره من مناسك الحجّ ـ وهي أجزاؤه من الطواف والسعي وغيرهما ـ «لا جبرانٌ»
لما فات من الإحرام له من
____________________
الميقات ، على
المشهور بين أصحابنا.
وللشيخ رحمه الله قولٌ بأ نّه جبران .
وجعله تعالى من الشعائر
وأمره بالأكل منه
يدلّ على الأوّل.
وتظهر الفائدة فيما لو أحرم به من
الميقات أو مرّ به بعد أن أحرم من مكّة فيسقط الهدي على الجبران ، لحصول الغرض ،
ويبقى على النسك. أمّا لو أحرم من مكّة وخرج إلى عرفات من غير أن يمرّ بالميقات
وجب الهدي على القولين وهو موضع وفاق.
«الرابعة» :
«لا يجوز الجمع بين النسكين» الحجّ
والعمرة «بنيّة
واحدة» سواء في ذلك القران وغيره على المشهور
«فيبطل»
كلّ منهما؛ للنهي
المفسد للعبادة كما لو نوى صلاتين. خلافاً للخلاف حيث قال : ينعقد الحجّ خاصّة
وللحسن حيث جوّز ذلك وجعله تفسيراً للقران مع سياق الهدي .
«ولا إدخال أحدهما على الآخر»
بأن ينوي الثاني «قبلَ»
كمال «تحلّله
من الأوّل» وهو الفراغ منه ، لا مطلق التحلّل «فيبطل الثاني إن كان
____________________
عمرة»
مطلقاً حتى لو أوقعها قبلَ المبيت بمنى ليالي التشريق «أو»
كان الداخل «حجّاً»
على العمرة «قبل
السعي» لها.
«ولو كان»
بعدَه و «قبلَ
التقصير وتعمّد ذلك فالمرويّ»
صحيحاً عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «أنّه يبقى على حجّة
مفردة »
بمعنى بطلان عمرة التمتّع وصيرورتها بالإحرام قبلَ إكمالها حجّة مفردة فيكملها ثم
يعتمر بعدها عمرة مفردة.
ونسبته إلى المرويّ يشعر بتوقّفه في
حكمه من حيث النهي عن الإحرام الثاني ، وبوقوع خلاف ما نواه إن أدخل حجّ التمتّع ،
وعدم صلاحيّة الزمان إن أدخل غيره ، فبطلان الإحرام أنسب. مع أنّ الرواية ليست
صريحة في ذلك؛ لأ نّه قال : «المتمتّع إذا طاف وسعى ثمَّ لبّى قبل أن يقصّر فليس
له أن يقصّر وليس له متعة».
قال المصنّف في الدروس : يمكن حملها على
متمتّعٍ عدل عن الإفراد ثمّ لبّى بعد السعي؛ لأنّه روي التصريح بذلك في رواية
اُخرى والشيخ رحمه الله
حملها على المتعمّد ، جمعاً بينها وبين حسنة عمّار المتضمّنة أنّ من دخل في الحجّ
قبل التقصير ناسياً لا شيء عليه .
وحيث حكمنا بصحّة الثاني وانقلابه
مفرداً لا يجزئ عن فرضه؛ لأنّه عدول اختياري ولم يأت بالمأمور به على وجهه ،
والجاهل عامد.
«ولو كان ناسياً صحّ إحرامه الثاني»
وحجّه ، ولا يلزمه قضاء التقصير؛
____________________
لأ نّه ليس جزءاً بل
محلّلاً «ويستحبّ
جبره بشاة» للرواية
المحمولة على الاستحباب جمعاً. ولو كان الإحرام قبل إكمال السعي بطل ووجب إكمال
العمرة.
واعلم أنّه لا يحتاج إلى استثناء من
تعذّر عليه إتمام نسكه ، فإنّه يجوز له الانتقال إلى الآخر قبل إكماله؛ لأنّ ذلك
لا يسمّى إدخالاً ، بل انتقالاً وإن كان المصنّف قد استثناه في الدروس .
____________________
«الفصل الثالث»
«في المواقيت»
واحدها ميقات ، وهو لغةً : الوقت
المضروب للفعل والموضع المعيّن له ، والمراد هنا الثاني.
«لا يصحّ الإحرام قبل الميقات إلّابالنذر
وشبهه» من العهد واليمين «إذا وقع الإحرام في
أشهر الحجّ» هذا شرط لما يشترط
وقوعه فيها ، وهو الحجّ مطلقاً وعمرة التمتّع.
«ولو كان عمرة مفردة لم يشترط»
وقوع إحرامها في أشهره ، لجوازها في مطلق السنة ، فيصحّ تقديمه على الميقات بالنذر
مطلقاً. والقول بجواز تقديمه بالنذر وشبهه أصحّ القولين وأشهرهما ، وبه أخبارٌ
بعضها صحيح
فلا يُسمع إنكار بعض الأصحاب له
؛ استضعافاً لمستنده.
____________________
«ولو خاف مريد الاعتمار في رجب تقضّيه
جاز له الإحرام قبل الميقات»
أيضاً ، ليدرك فضيلة الاعتمار في رجب الذي يلي الحجّ في الفضل .
وتحصل بالإهلال فيه وإن وقعت الأفعال في غيره ، وليكن الإحرام في آخر جزءٍ من رجب
تقريباً لا تحقيقاً.
«ولا يجب إعادته فيه»
في الموضعين في أصحّ القولين
للامتثال المقتضي للإجزاء ، نعم يستحبّ خروجاً من خلاف من أوجبها.
«ولا»
يجوز لمكلّف أن «يتجاوز
الميقات بغير إحرام» عدا ما استثني من :
المتكرّر ، ومن دخلها لقتال؛ ومن ليس بقاصد مكّة عند مروره على الميقات.
ومتى تجاوزه غير هؤلاء بغير إحرام «فيجب الرجوع إليه»
مع الإمكان «فلو
تعذّر بطل» نسكه «إن تعمّده»
أي تجاوزه بغير إحرام عالماً بوجوبه ، ووجب عليه قضاؤه وإن لم يكن مستطيعاً بل كان
سببه إرادة الدخول ، فإنّ ذلك موجب له كالمنذور. نعم لو رجع قبل دخول الحرم فلا
قضاء عليه وإن أثم بتأخير الإحرام. «وإلّا»
يكن متعمّداً بل نسي أو جهل أو لم يكن قاصداً مكّة ثم بدا له قصدها «أحرم من حيث أمكن».
«ولو دخل مكّة»
معذوراً ثم زال عذره بذكره وعلمه ونحوهما «خرج إلى أدنى الحلّ»
وهو ما خرج عن منتهى الحرم إن لم يمكنه الوصول إلى أحد المواقيت «فإن تعذّر»
الخروج إلى أدنى الحلّ «فمن
موضعه» بمكّة «ولو أمكنه الرجوع إلى الميقات وجب»
لأنّه الواجب بالأصالة ، وإنّما قام غيره مقامه للضرورة ، ومع إمكان الرجوع إليه
لا ضرورة. ولو كمل غير المكلَّف بالبلوغ
____________________
والعقل والعتق بعد
تجاوز الميقات فكمن لا يريد النسك .
«والمواقيت»
التي وقّتها رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله لأهل الآفاق ثم قال : «هنّ لهنّ ولمن أتى
عليهنّ من غير أهلهنّ»
«ستة»
:
«ذو الحُلَيفة»
بضم الحاء وفتح اللام والتاء بعد الفاء
بغير فصل ، تصغير «الحَلَفة»
بفتح الحاء واللام ، واحد الحلفاء ، وهو النبات المعروف ، قاله الجوهري
أو تصغير «الحِلْفة»
وهي اليمين لتحالف قومٍ من العرب به. وهو ماء على ستّة أميال من المدينة ، والمراد
الموضع الذي فيه الماء. وبه مسجد الشجرة ، والإحرام منه أفضل وأحوط ، للتأسّي
وقيل : بل يتعيّن منه
لتفسير ذي الحليفة به في بعض الأخبار
وهو جامع بينها «للمدينة».
«والجُحْفَة»
وهي في الأصل مدينة أجحف بها السيل ، على ثلاث مراحل من مكّة «للشام»
وهي الآن لأهل مصر.
«وَيَلمْلَم»
ويقال : «ألملم»
وهو جبل من جبال تهامة «لليمن».
____________________
«وقَرْن المنازل *»
بفتح القاف فسكون الراء ، وفي الصحاح : بفتحها وأنّ اُويساً منها
وخطّؤوه فيهما؛ فإنّ اُويساً يمنيٌّ منسوب إلى قَرَن ـ بالتحريك ـ بطن من مراد ،
وقَرن جبل صغير ميقات «للطائف».
«والعقيق»
وهو وادٍ طويل يزيد على بريدين «للعراق
، وأفضله : المسلخ **» وهو أوّله من جهة
العراق ، ورُوي أنّ أوّله دونه بستّة أميال
وليس في ضبط «المسلخ» شيء يعتمد عليه. وقد قيل : إنّه بالسين والحاء المهملتين ،
واحد المسالح وهو المواضع العالية
وبالخاء المعجمة لنزع الثياب به «ثمّ»
يليه في الفضل «غمرة»
وهي في وسط الوادي «ثمّ
ذات عرق» وهي آخره إلى جهة المغرب ، وبُعدها عن
مكّة مرحلتان قاصدتان
كبُعد «يَلَمْلَم» و «قَرْن» عنها.
«وميقات حجّ التمتّع مكّة»
كما مرّ
«وحجّ
الإفراد منزله» لأنّه أقرب إلى
عرفات من الميقات مطلقاً
لما عرفت من أنّ أقرب المواقيت إلى مكّة مرحلتان هي ثمانية وأربعون ميلاً ، وهي
منتهى مسافة حاضري مكّة «كما
____________________
سبق
» من أنّ من كان
منزله أقرب إلى عرفات فميقاته منزله. ويشكل بإمكان زيادة منزله بالنسبة إلى عرفة
والمساواة فيتعيّن الميقات فيهما وإن لم يتّفق ذلك بمكّة.
«وكلّ من حجّ على ميقات»
كالشامي يمرّ بذي الحليفة «فهو
له» وإن لم يكن من أهله ، ولو تعدّدت
المواقيت في الطريق الواحد ـ كذي الحليفة والجحفة والعقيق بطريق المدني ـ أحرم من
أوّلها مع الاختيار ، ومن ثانيها مع الاضطرار ، كمرض يشقّ معه التجريد وكشف الرأس
، أو ضعفٍ ، أو حرٍّ ، أو بردٍ بحيث لا يتحمّل ذلك عادة ، ولو عدل عنه جاز التأخير
إلى الآخر اختياراً. ولو أخّر إلى الآخر عمداً أثم وأجزأ على الأقوى.
«ولو حجّ على غير ميقاتٍ كفته المحاذاة»
للميقات ، وهي مسامتته بالإضافة إلى قاصد مكّة عرفاً إن اتّفقت.
«ولو لم يحاذ»
ميقاتاً «أحرم
من قدرٍ تشترك فيه المواقيت»
وهو قدر بُعد أقرب المواقيت من مكّة ، وهو مرحلتان كما سبق علماً أو ظنّاً في برٍّ
أو بحر. والعبارة أعمّ ممّا اعتبرناه؛ لأنّ المشترك بينها يصدق باليسير ، وكأ نّه
أراد تمام المشترك.
ثم إن تبيّنت
الموافقة أو استمرّ الاشتباه أجزأ ، ولو تبيّن تقدّمه قبل تجاوزه أعاده ، وبعدَه
أو تبيّن تأخّره وجهان : من المخالفة ، وتعبّده بظنّه المقتضي للإجزاء.
____________________
«الفصل الرابع»
«في أفعال العمرة»
المطلقة
«وهي : الإحرام ، والطواف ، والسعي ،
والتقصير» وهذه الأربعة تشترك فيها عمرة الإفراد
والتمتّع.
«ويزيد في عمرة الإفراد بعد التقصير طواف
النساء» وركعتيه. والثلاثة الاُول منها أركان
دون الباقي. ولم يذكر التلبية من الأفعال كما ذكرها في الدروس
إلحاقاً لها بواجبات الإحرام كلُبس ثوبيه.
«ويجوز فيها»
أي في العمرة المفردة «الحلق»
مخيّراً بينه وبين التقصير «لا
في عمرة التمتّع» بل يتعيّن التقصير
، ليتوفّر الشَعر في إحرام حجّه المرتبط بها.
____________________
«القول في الإحرام»
«يستحبّ : توفير شعر الرأس لمن أراد
الحجّ» تمتّعاً وغيره «من أوّل ذي القعدة ،
وآكد منه» توفيره عند «هلال ذي الحجّة»
وقيل : يجب التوفير وبالإخلال به دم شاة
ولمن أراد العمرة توفيره شهراً.
«واستكمال التنظيف»
عند إرادة الإحرام «بقصّ
الأظفار ، وأخذ الشارب ، والإطلاء»
لما تحت رقبته من بدنه وإن قرب العهد به «ولو سبق»
الإطلاء على يوم الإحرام «أجزأ»
في أصل السُنّة وإن كانت الإعادة أفضل «ما لم يمضِ خمسة عشر يوماً»
فيعاد.
«والغسل»
بل قيل بوجوبه
ومكانه الميقات إن أمكن فيه ، ولو كان مسجداً فقُربُه عرفاً. ووقته يوم الإحرام
بحيث لا يتخلّل بينهما حدث ، أو أكل ، أو طيب ، أو لُبس ما لا يحلّ للمحرم. ولو
خاف عوزَ الماء فيه قدّمه في أقرب أوقات إمكانه إليه ، فيلبس ثوبيه بعده. وفي
التيمّم لفاقد الماء بدله قولٌ للشيخ
لا بأس به ، وإن جُهل مأخذه.
«وصلاة سنّة الإحرام»
وهي ستّ ركعات ، ثم أربع ، ثم ركعتان قبل
____________________
الفريضة إن جمعهما.
«والإحرام عقيب»
فريضة «الظهر
، أو فريضةٍ» إن لم يتّفق الظهر
ولو مقضيّة إن لم يتّفق وقت فريضة مؤدّاة «ويكفي النافلة»
المذكورة
«عند
عدم وقت الفريضة».
وليكن ذلك كلّه بعد الغسل ولُبس الثوبين
، ليحرم عقيب الصلاة بغير فصل.
«ويجب فيه : النيّة المشتملة على
مشخّصاته» من كونه إحرام حجّ أو عمرة تمتّع أو
غيره ، إسلاميٍّ أو منذورٍ ، أو غيرهما. كلّ ذلك «مع القربة»
التي هي غاية الفعل المتعبّد به.
«ويقارن بها»
قوله : «لبّيك
اللهمّ لبّيك ، لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك لبّيك».
وقد أوجب المصنّف وغيره النيّة للتلبية
أيضاً ، وجعلوها متقدّمة على التقرّب بنيّة الإحرام بحيث يجمع النيّتين جملةً
لتتحقّق المقارنة بينهما ، كتكبيرة الإحرام لنيّة الصلاة. وإنّما وجبت النيّة
للتلبية دون التحريمة؛ لأنّ أفعال الصلاة متّصلة حسّاً وشرعاً ، فيكفي نيّة واحدة
للجملة كغير التحريمة من الأجزاء ، بخلاف التلبية فإنّها من جملة أفعال الحجّ وهي
منفصلة شرعاً وحسّاً ، فلا بدّ لكلّ واحد من نيّة. وعلى هذا فكان إفراد التلبية عن
الإحرام وجعلها من جملة الأفعال أولى ، كما صنع في غيره
وبعض الأصحاب جعل نيّة التلبية بعد نيّة الإحرام وإن حصل بها فصل
وكثيرٌ منهم لم يعتبروا المقارنة بينهما
____________________
مطلقاً
والنصوص خالية عن اعتبار المقارنة ، بل بعضها صريح في عدمها .
و «لبّيك» نُصب على المصدر ، وأصلُه «لَبّاً
لك» أي إقامة أو إخلاصاً ، من «لبَّ بالمكان» إذا أقام به ، أو من «لُبِّ الشيء»
وهو خالصه. وثُنّي تأكيداً أي إقامة بعد إقامة وإخلاصاً
بعد إخلاص ، هذا بحسب الأصل. وقد صار موضوعاً للإجابة ، وهي هنا جواب عن النداء
الذي أمر اللّٰه تعالى به إبراهيم بأن يؤذّن في الناس بالحجّ
ففعل. ويجوز كسر «إنّ»
على الاستئناف ، وفتحها بنزع الخافض وهو لام التعليل. وفي الأوّل تعميم ، فكان
أولى.
«ولُبس ثوبي الإحرام»
الكائنين «من
جنس ما يُصلّي فيه» المحرمُ ، فلا
يجوزان من جلدِ وصوفِ وشعرِ وَوَبرِ ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد المأكول مع عدم
التذكية ، ولا في الحرير للرجال ، ولا في الشافّ
مطلقاً
ولا في النجس غير المعفوّ عنها في الصلاة. ويعتبر كونهما غير مخيطين ، ولا ما أشبه
المخيط كالمُحيط من اللبد ، والدرع المنسوج كذلك والمعقود. واكتفى المصنّف عن هذا
____________________
الشرط بمفهوم جوازه
للنساء .
يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر
بأن يغطّي به منكبيه ، أو يتوشّح به بأن يغطّي به أحدهما ، وتجوز الزيادة عليهما ،
لا النقصان.
والأقوى أن لُبسهما واجب ، لا شرط في
صحّته ، فلو أخلّ به اختياراً أثم وصحّ الإحرام.
«والقارن يعقد إحرامه بالتلبية»
بعد نيّة الإحرام «أو
بالإشعار أو * التقليد» المتقدّمين
وبأيّهما بدأ استحبّ الآخر. ومعنى عقده بهما على تقدير المقارنة واضح ، فبدونها لا
يقع أصلاً. وعلى المشهور يقع ولكن لا يحرم به محرّمات الإحرام بدون أحدهما.
«ويجوز»
الإحرام في «الحرير
والمخيط للنساء» في أصحّ القولين
____________________
على كراهة ، دون
الرجال والخناثي.
«ويُجزئ»
لبس «القباء»
أو القميص «مقلوباً»
بجعل ذيله على الكتفين ، أو باطنه ظاهره من غير أن يخرج يديه من كُمّيه. والأوّل
أولى وفاقاً للدروس
والجمع أكمل. وإنّما يجوز لُبس القباء كذلك «لو فقد الرداء»
ليكون بدلاً منه. ولو أخلّ بالقلب أو أدخل يده في كُمّه فكلُبس المخيط.
«و»
كذا يجزئ «السراويل
لو فقد الإزار» من غير اعتبار
قلبه. ولا فدية في الموضعين.
«ويستحبّ للرجل»
بل لمطلق الذكر : «رفع
الصوت بالتلبية» حيث يُحرم إن كان
راجلاً بطريق المدينة ، أو مطلقاً بغيرها. وإذا علت راحلته البيداء
راكباً بطريق المدينة ، وإذا أشرف على الأبطح
متمتّعاً. وتُسرّ المرأة والخنثى ، ويجوز الجهر حيث لا يسمع الأجنبيّ. وهذه التلبية
غير ما يعقد به الإحرام إن اعتبرنا المقارنة ، وإلّا جاز العقد بها ، وهو ظاهر
الأخبار .
«وليجدّد* عند مختلف الأحوال»
بركوب ونزول ، وعُلوٍّ وهبوط ، وملاقاةِ أحد ، ويقظةٍ وخصوصاً بالأسحار ، وأدبارِ
الصلوات «ويضاف
إليها
____________________
التلبيات
المستحبّة» وهي لبَّيك ذا المعارج لبّيك ... .
«ويقطعها المتمتّع إذا شاهد بيوت مكّة»
وحدّها عقبة المدنيّين إن دخلها من أعلاها ، وعقبة ذي طوى [إن دخلها]
من أسفلها «والحاجّ
إلى زوال عرفة ، والمعتمر مفردة * إذا دخل الحرم»
إن كان أحرم بها من أحد المواقيت. وإن كان قد خرج لها من مكّة إلى خارج الحرم فإذا
شاهد بيوت مكّة ، إذ لا يكون حينئذٍ بين أوّل الحرم وموضع الإحرام مسافة.
«والاشتراط »
قبل نيّة الإحرام متّصلاً بها بأن يحلّه حيث حبسه ، ولفظه المرويّ : اللّهمّ إنّي
اُريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسُنّة نبيّك صلى الله عليه وآله ، فإن
عرض لي شيءٌ يحبسني فحلّني حيثُ حبستني لقَدَرك الذي قدّرت عليَّ ، اللهمّ إن لم
تكن حجّةً فعمرة ، اُحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومُخّي وعَصَبي من
النساء والثياب والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة .
«ويكره : الإحرام في»
الثياب «السود»
بل مطلق الملوَّنة بغير البياض ، كالحمراء «والمعصفرة وشبهها **»
وقيّدها في الدروس بالمشبعة
فلا يكره بغيره ، والفضل في البيض من القطن.
«والنوم عليها»
أي نوم المُحرم على الفُرُش المصبوغة بالسواد والعُصْفُر
____________________
وشبهه
من الألوان.
«والوَسِخة»
إذا كان الوَسَخ ابتداءً ، أمّا لو عرض في أثناء الإحرام كره غسلها ، إلّا
لنجاسة.
«والمُعلَمة»
بالبناء للمجهول ، وهي المشتملة على لونٍ آخر يخالف لونها ، حالَ عملها كالثوب
المحُوك من لونين ، أو بعدَه بالطرز
والصبغ.
«ودخولُ الحمّام»
حالة الإحرام.
«وتلبيةُ المنادي»
بأن يقول له : «لبيّك»
لأنّه في مقام التلبية للّٰه ، فلا يُشرك غيرَه فيها ، بل يجيبه بغيرها من
الألفاظ ، كقوله : يا سعد ، أو يا سعديك.
«وأمّا التروك المحرّمة فثلاثون»
:
«صيد البرّ»
وضابطه : الحيوان المحلّل الممتنع بالأصالة. ومن المحرَّم : الثعلب والأرنب والضبّ
واليربوع والقُنفذ والقُمّل والزُنبور والعظاءة ، فلا يحرم قتل الأنعام وإن توحّشت
، ولا صيد الضبُع والنمر والصقر وشبهها من حيوان البرّ ، ولا الفأرة والحيّة
ونحوهما.
ولا يختصّ التحريم بمباشرة قتلها ، بل
يحرم الإعانة عليه «ولو
دلالةً» عليها «وإشارةً»
إليها بأحد الأعضاء ، وهي أخصّ من الدلالة. ولا فرق في تحريمهما على المُحرم بين
كون المدلول مُحرِماً ومُحلّاً ، ولابين الخفيّة والواضحة. نعم ، لو كان المدلول
عالماً به بحيث لم يفده زيادة انبعاث عليها فلا حكم لها. وإنّما أطلق المصنّف صيد
البرّ مع كونه مخصوصاً بما ذُكر؛ تبعاً للآية
واعتماداً
____________________
على ما اشتهر من
التخصيص. «ولا
يحرم صيد البحر ، وهو ما يبيض ويفرِّخ»
معاً «فيه»
لا إذا تخلّف أحدهما وإن لازم الماء كالبطّ. والمتولّد بين الصيد وغيره يتبع الاسم
، فإن انتفيا عنه وكان ممتنعاً فهو صيد إن لحق بأحد أفراده.
«والنساء بكلّ استمتاع»
من الجماع ومقدّماته «حتى
العقد» والشهادة عليه وإقامتها وإن تحمّلها
مُحلّاً أو كان العقد بين مُحلّين.
«والاستمناء»
وهو استدعاء المنيّ بغير الجماع.
«ولُبس المخيط»
وإن قلّت الخياطة «وشبهه»
ممّا أحاط كالدرع المنسوج واللبد المعمول كذلك.
«وعقد الرداء»
وتخليله وَزرّه ونحو ذلك ، دون عقد الإزار ونحوه ، فإنّه جائز. ويستثنى منه
الهميان فعُفي عن خياطته.
«ومطلق الطيب»
وهو الجسم ذو الريح الطيّبة المتّخذ للشمّ غالباً ، غير الرياحين ، كالمسك والعنبر
والزعفران وماء الورد. وخرج بقيد «الاتّخاذ للشمّ»
ما يُطلب منه الأكل أو التداوي غالباً كالقَرنفُل والدارصيني وسائر الأبازير
الطيّبة فلا يحرم شمّه. وكذا ما لا ينبت للطيب كالفُوتَنج
والحِنّاء والعُصْفُر. وأمّا ما يقصد شمّه من النبات الرطب كالورد والياسمين فهو
ريحان ، والأقوى تحريم شمّه أيضاً ، وعليه المصنّف في الدروس
وظاهره هنا عدم التحريم ، واستثني منه الشيح والخزامي والإذخر والقيصوم إن سُمّيت
ريحاناً .
____________________
ونبّه بالإطلاق على خلاف الشيخ حيث خصّه
بأربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس
وفي قول آخر له بستّة ، بإضافة العود والكافور إليها
ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة والعطر في المسعى .
«والقبض من كريه الرائحة»
لكن لو فعل فلا شيء عليه غير الإثم ، بخلاف الطيب.
«والاكتحال بالسواد والمطيَّب»
لكن لا فدية في الأوّل ، والثاني من أفراد الطيب.
«والادّهان»
بمطيَّب وغيره اختياراً ، ولا كفّارة في غير المطيَّب منه ، بل الإثم «ويجوز أكل الدهن غير
المطيَّب» إجماعاً.
«والجدال ، وهو قول : لا واللّٰه
وبلى واللّٰه» وقيل : مطلق اليمين
وهو خيرة الدروس
وإنّما يحرم مع عدم الحاجة إليه ، فلو اضطرّ إليه لإثبات حقّ أو نفي باطل ،
فالأقوى جوازه ، ولا كفّارة.
«والفسوق ، وهو الكذب»
مطلقاً .
«والسباب»
للمسلم.
____________________
وتحريمهما ثابت في الإحرام وغيره ولكنّه
فيه آكد ، كالصوم والاعتكاف. ولا كفّارة فيه سوى الاستغفار.
«والنظر في المرآة»
بكسر الميم وبعد الهمزة ألف. ولا فديه له.
«وإخراج الدم اختياراً»
ولو بحكّ الجسد والسواك. والأقوى أنّه لا فدية له. واحترز بالاختيار عن إخراجه
لضرورة ، كبطّ جرح
وشقّ دُمَل وحجامةٍ وفصدٍ عند الحاجة إليها ، فيجوز إجماعاً.
«وقلع الضرس»
والرواية به مجهولة مقطوعة
ومن ثمَّ أباحه جماعة
خصوصاً مع الحاجة. نعم ، يحرم من جهة إخراج الدم ، ولكن لا فدية له ، وفي روايته :
أنّ فيه شاة .
«وقصّ الظفر»
بل مطلق إزالته أو بعضه اختياراً ، فلو انكسر فله إزالته. والأقوى أنّ فيه الفدية
كغيره؛ للرواية .
«وإزالة الشعر»
بحلقٍ ونتفٍ وغيرهما مع الاختيار ، فلو اضطرّ ـ كما لو نبت في عينه ـ جاز إزالته ،
ولا شيء عليه. ولو كان التأذّي بكثرته لحرٍّ أو قمّل جاز أيضاً ، لكن يجب الفداء؛
لأنّه محلّ المؤذي لا نفسه ، والمعتبر إزالته بنفسه ، فلو كشط
جلدة عليها شعر فلا شيء في الشعر؛ لأنّه غير مقصود بالإ بانة.
____________________
«وتغطية الرأس للرجل»
بثوبٍ وغيره حتى بالطين والحِنّاء والارتماس وحمل متاع يستره أو بعضَه. نعم ،
يستثنى عصام القِربة وعصابة الصُداع وما يستر منه بالوسادة. وفي صدقه باليد وجهان
، وقطع في التذكرة بجوازه
وفي الدروس جعل تركه أولى
والأقوى الجواز ، لصحيحة معاوية بن عمّار
والمراد بالرأس هنا منابت الشعر حقيقةً أو حكماً ، فالاُذنان ليستا منه ، خلافاً
للتحرير .
«و»
تغطية «الوجه»
أو بعضه «للمرأة»
ولا تصدق باليد كالرأس ، ولا بالنوم عليه. ويستثنى من الوجه ما يتمّ به ستر الرأس؛
لأنّ مراعاة الستر أقوى ، وحقّ الصلاة أسبق «ويجوز لها سدل القناع إلى طرف أنفها
بغير إصابة وجهها» على المشهور ،
والنصّ خالٍ من اعتبار عدم الإصابة
ومعه لا يختصّ بالأنف
بل يجوز الزيادة. ويتخيّر الخنثى بين وظيفة الرجل والمرأة ، فتغطّي الرأس أو الوجه
، ولو جمعت بينهما كفّرت.
«والنقاب»
للمرأة ، وخصّه مع دخوله في تحريم تغطية الوجه تبعاً للرواية
وإلّا فهو كالمستغنى عنه.
____________________
«والحِنّاء للزينة»
لا للسنّة سواء الرجل والمرأة ، والمرجع فيهما إلى القصد. وكذا يحرم قبلَ الإحرام
إذا بقي أثره إليه ، والمشهور فيه الكراهة وإن كان التحريم أولى .
«والتختّم للزينة»
لا للسُنّة والمرجع فيهما إلى القصد أيضاً.
«ولُبس المرأة ما لم تعتده من الحُليّ».
«وإظهار المعتاد»
منه «للزوج»
وغيره من المحارم. وكذا يحرم عليها لُبسه للزينة مطلقاً. والقول بالتحريم كذلك هو
المشهور ، ولا فدية له سوى الاستغفار.
«ولُبس الخُفّين للرجل ، وما يستر ظهرَ
قدميه» مع تسميته لُبساً والظاهر أنّ بعض
الظَهر كالجميع إلّاما يتوقّف عليه لُبس النعلين.
«والتظليل للرجل الصحيح سائراً»
فلا يحرم نازلاً إجماعاً ، ولا ماشياً إذا مرّ تحت المحمل ونحوه. والمعتبر منه ما
كان فوق رأسه ، فلا يحرم الكون في ظلّ المحمل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه.
واحترز بالرجل عن المرأة والصبيّ فيجوز لهما الظلّ اتّفاقاً ، وبالصحيح عن العليل
ومن لا يتحمّل الحَرّ والبرد بحيث يشقّ عليه بما لا يتحمّل عادة ، فيجوز له الظلّ
لكن تجب الفدية.
«ولُبس السلاح اختياراً»
في المشهور وإن ضعف دليله ، ومع الحاجة إليه يباح قطعاً ، ولا فدية فيه مطلقاً.
«وقطع شجر الحرم وحشيشه»
الأخضرين «إلّاالإذْخِر
، وما ينبت في ملكه ، وعُودَي المَحالة»
بالفتح وهي البَكَرة الكبيرة التي يستقى بها على الإ بل ، قاله الجوهري
وفي تعدّي الحكم إلى مطلق البَكَرَة نظرٌ : من ورودها لغةً
____________________
مخصوصة ، وكون الحكم
على خلاف الأصل «وشجر
الفواكه» ويحرم ذلك
على المحُلّ أيضاً؛ ولذا لم يذكره في الدروس من محرّمات الإحرام.
«وقتل هوامّ الجسد»
بالتشديد جمع هامّة ، وهي دوابّه كالقُمل والقراد. وفي إلحاق البُرْغوث بها قولان
أجودهما العدم. ولا فرق بين قتله مباشرةً وتسبيباً كوضع دواءٍ يقتله «ويجوز نقله»
من مكان إلى آخر من جسده. وظاهر النصّ
والفتوى عدم اختصاص المنقول إليه بكونه مساوياً للأوّل أو أحرز ، نعم لا يكفي ما
يكون معرِضاً لسقوطه قطعاً أو غالباً.
____________________
«القول في الطواف»
«ويشترط فيه : رفع الحدث»
مقتضاه عدم صحّته من المستحاضة والمتيمّم ، لعدم إمكان رفعه في حقّهما وإن استباحا
العبادة بالطهارة. وفي الدروس : أنّ الأصحّ الاجتزاء بطهارة المستحاضة والمتيمّم
مع تعذّر المائيّة
وهو المعتمد. والحكم مختصّ بالواجب ، أمّا المندوب فالأقوى عدم اشتراطه بالطهارة
وإن كان أكمل ، وبه صرّح المصنّف في غير الكتاب .
«و»
رفع «الخبث»
وإطلاقه أيضاً يقتضي عدم الفرق بين ما يُعفى عنه في الصلاة وغيره. وهو يتمّ على
قول من منع من إدخال مطلق النجاسة المسجد
ليكون منهيّاً عن العبادة به. ومختار المصنّف تحريم الملوِّثة خاصّة
فليكن هنا كذلك ، وظاهر الدروس القطع به وهو حسن ، بل قيل : بالعفو عن النجاسة هنا
مطلقاً .
«والختان في الرجل»
مع إمكانه فلو تعذّر وضاق وقته سقط. ولا يعتبر في المرأة. وأمّا الخنثى فظاهر
العبارة عدم اشتراطه في حقّه. واعتباره قويّ لعموم النصّ
إلّاما اُجمع على خروجه. وكذا القول في الصبيّ وإن لم يكن مكلَّفاً
____________________
كالطهارة بالنسبة إلى
صلاته.
«وستر العورة»
التي يجب سترها في الصلاة ويختلف بحسب حال الطائف في الذكورة والاُنوثة.
«وواجبه : النيّة»
المشتملة على قصده في النُسك المعيّن من حجٍّ أو عمرةٍ ، إسلاميٍّ أو غيره ، تمتّع
أو أحد قسيميه ، والوجه على ما مرّ
والقربة والمقارنة للحركة في الجزء الأوّل من الشوط.
«والبدأةُ بالحَجَر الأسود»
بأن يكون أوّل جزءٍ من بدنه بإزاءأوّل جزءٍ منه حتّى يمرّ عليه كلّه ولو ظنّاً.
والأفضل استقباله حالَ النيّة بوجهه للتأسّي
ثمّ يأخذ في الحركة على اليسار عقيب النيّة. ولو جعله على يساره ابتداءً جاز مع
عدم التقيّة ، وإلّا فلا. والنصوص مصرِّحةٌ باستحباب الاستقبال
وكذا جمع من الأصحاب .
«والختم به»
بأن يحاذيه في آخر شوط
كما ابتدأ أوّلاً ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان.
____________________
«وجعلُ البيت على يساره»
حالَ الطواف ، فلو استقبله بوجهه أو ظهره أو جَعَله على يمينه ولو في خطوة منه
بطل.
«والطواف بينه وبين المقام»
حيث هو الآن ، مراعياً لتلك النسبة من جميع الجهات ، فلو خرج عنها ولو قليلاً بطل
، وتُحتسب المسافة من جهة الحِجْر من خارجه وإن جعلناه خارجاً من البيت. والظاهر
أنّ المراد بالمقام نفس الصخرة ، لا ما عليه من البناء ، ترجيحاً للاستعمال الشرعي
على العرفي لو ثبت.
«وإدخال الحِجر»
في الطواف للتأسّي
والأمر به
لا لكونه من البيت ، بل قد رُوي أنّه ليس منه
أو أنّ بعضه منه
وأمّا الخروج عن شيء آخر خارجَ الحِجر فلا يعتبر
إجماعاً.
«وخروجه بجميع بدنه عن البيت»
فلو أدخل يده في بابه حالتَه أو مشى على شاذَروانه
ولو خُطوة أو مسّ حائطه من جهته ماشياً بطل ، فلو أراد مسّه وقف حالته ، لئلّا
يقطع جزءاً من الطواف غير خارج عنه.
____________________
«وإكمال السبع»
من الحَجَر إليه شوطٌ «وعدم
الزيادة عليها ، فيبطل إن تعمّده»
ولو خطوةً. ولو زاد سهواً فإن لم يكمل الشوط الثامن تعيّن القطع ، فإن زاد
فكالمتعمّد. وإن بلغه تخيّر بين القطع وإكمال اُسبوعين ، فيكون الثاني مستحبّاً.
ويقدّم صلاةَ الفريضة على السعي ، ويؤخّر صلاة النافلة.
«والركعتان خلفَ المقام»
حيث هو الآن ، أو إلى أحد جانبيه ، وإنّما أطلق فعلهما خلفَه تبعاً لبعض الأخبار
وقد اختلفت عبارته في ذلك فاعتبر هنا خلفه ، وأضاف إليه «أحد جانبيه»
في الألفيّة
وفي الدروس : فَعَلَهما في المقام ، ولو منعه زحام أو غيره صلّى خلفه أو إلى أحد جانبيه
والأوسط أوسط.
ويعتبر في نيّتهما قصد الصلاة للطواف المعيّن متقرّباً ، والأولى إضافة الأداء.
ويجوز فعل صلاة الطواف المندوب حيث شاء من المسجد ، والمقام أفضل.
«وتواصُلُ أربعة أشواط ، فلو قطع»
الطواف «لدونها
بطل» مطلقاً «وإن كان لضرورة ، أو دخول البيت»
أو صلاة فريضة ضاق وقتُها. وبعد الأربعة يباح القطع لضرورةٍ ، وصلاة فريضةٍ
ونافلةٍ يخاف فوتها ، وقضاءِ حاجة مؤمن ، لا مطلقاً. وحيث يقطعه يجب أن يحفظ موضعه
ليُكمل منه بعد العود ، حذراً من الزيادة أو النقصان. ولو شكّ أخذ بالاحتياط. هذا
في طواف الفريضة ، أمّا النافلة فيبني فيها لعذرٍ مطلقاً ويستأنف قبل بلوغ الأربعة
لا له مطلقاً
وفي
____________________
الدروس أطلق البناء
فيها مطلقاً .
«ولو ذكر»
نقصان الطواف «في
أثناء السعي ترتّبت صحّته وبطلانه على الطواف»
فإن كان نقصان الطواف قبلَ إكمال أربع استأنفهما ، وإن كان بعده بنى عليهما وإن لم
يتجاوز نصف السعي ، فإنّه تابع للطواف في البناء والاستئناف.
«ولو شكّ في العدد»
أي عدد الأشواط «بعده»
أي بعد فراغه منه «لم
يلتفت» مطلقاً «وفي الأثناء يبطل إن شكّ في النقيصة»
كأن شكّ بين كونه تامّاً أو ناقصاً ، أو في عدد الأشواط مع تحقّقه عدم الإكمال «ويبني على الأقلّ إن
شكّ في الزيادة على السبع»
إذا تحقّق إكمالها إن كان على الركن
ولو كان قبلَه بطل أيضاً مطلقاً كالنقصان ، لتردّده بين محذورين : الإكمال المحتمل
للزيادة عمداً ، والقطع المحتمل للنقيصة. وإنّما اقتصر عليه بدون القيد ، لرجوعه
إلى الشكّ في النقصان.
«وأمّا نفل الطواف فيبني»
فيه «على
الأقلّ مطلقاً» سواء شكّ في الزيادة
أم النقصان ، وسواء بلغ الركن أم لا. هذا هو الأفضل ، ولو بنى على الأكثر حيث لا
يستلزم الزيادة جاز أيضاً كالصلاة.
«وسننه : الغسل»
قبل دخول مكّة «من
بئر ميمون» بالأبطح ، «أو»
بئر «فخّ»
على فرسخ من مكّة بطريق المدينة «أو غيرهما».
«ومضغ الإذخر»
بكسر الهمزة والخاء المعجمة.
«ودخول مكّة من أعلاها»
من عقبة المدنيّين ، للتأسّي
سواء في ذلك
____________________
المدني وغيره «حافياً»
ونعلُه بيده «بسكينة»
وهو الاعتدال في الحركة «ووقار»
وهو الطمأنينة في النفس وإحضار البال والخشوع .
«والدخول من باب بني شيبة»
ليطأ هُبل ـ وهو الآن في داخل المسجد بسبب توسعته ، بإزاء باب السلام عند الأساطين
ـ «بعد
الدعاء * بالمأثور» عند الباب .
«والوقوف عند الحجر»
الأسود.
«والدعاء فيه»
أي في حالة الوقوف مستقبلاً رافعاً يديه «وفي حالات الطواف»
بالمنقول .
«وقراءة القدر ** وذكر اللّٰه
تعالى».
«والسكينة في المشي»
بمعنى الاقتصاد فيه مطلقاً في المشهور
«والرَمَل»
بفتح الميم ـ وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخُطى ، دون الوثوب والعدْو «ثلاثاً»
وهي الاُولى
«والمشي
أربعاً» بقيّةَ الطواف «على قول»
الشيخ في المبسوط في طواف القدوم خاصّة
وإنّما أطلقه لأنّ
____________________
كلامه الآن فيه.
وإنّما يستحبّ ـ على القول به ـ للرجل الصحيح دون المرأة والخنثى والعليل ، بشرط
أن لا يؤذي غيره ولا يتأذّى به ، ولو كان راكباً حرّك دابّته. ولا فرق بين الركنين
اليمانيّين
وغيرهما. ولو تركه في الأشواط أو بعضها لم يقضِه.
«واستلام الحجر»
بما أمكن من بدنه. والاستلام بغير همزٍ : المسُّ ، من السِلام بالكسر وهي الحجارة
بمعنى مسّ السِلام ، أو من السَلام وهو التحيّة ، وقيل : بالهمز من «اللأمة»
وهي الدِرع ، كأ نّه اتّخذه جنّة وسلاحاً .
«وتقبيله»
مع الإمكان وإلّا استلمه بيده ثم قبَّلها «أو الإشارة إليه»
إن تعذّرا. وليكن ذلك في كلّ شوط ، وأقلّه الفتح والختم.
«واستلام الأركان»
كلّها كلّما مرّ بها خصوصاً اليماني والعراقي ، وتقبيلهما؛ للتأسّي .
«و»
استلام «المستجار
في» الشوط «السابع»
وهو بحذاء الباب دون الركن اليماني بقليل.
«وإلصاق البطن»
ببشرته به في هذا الطواف لإمكانه ، وتتأدّى السنّة في غيره من طواف مجامع للُبس
المخيط ولو من داخل الثياب «و»
إلصاق
____________________
بشرة «الخدّ به»
أيضاً.
«والدعاء وعدّ ذنوبه عنده»
مفصَّلة ، فليس من مؤمنٍ يُقرّ لربّه بذنوبه فيه إلّا غفرها له إن شاء
اللّٰه تعالى ، رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام .
ومتى استلم حفظ موضعه بأن يثبت رجليه
فيه ولا يتقدّم بهما حالتَه ، حذراً من الزيادة في الطواف أو النقصان.
«والتداني من البيت»
وإن قلّت الخُطى ، فجاز اشتمال القليلة على مزيّة وثواب زائد على
الكثيرة وإن كان قد ورد «في
كلّ خُطوةٍ من الطواف سبعون ألف حسنة»
ويمكن الجمع بين
تكثيرها والتداني ، بتكثير الطواف.
«ويكره الكلام في أثنائه بغير الذكر
والقرآن» والدعاء والصلاة على النبيّ صلى الله
عليه وآله. وما ذكرناه يمكن دخوله في «الذكر».
«مسائل»
الاُولى :
«كلّ طواف»
واجبٍ «ركنٌ»
يبطل النسك بتركه عمداً كغيره من الأركان «إلّاطواف النساء»
والجاهل عامد. ولا يبطل بتركه نسياناً ، لكن يجب تداركه «فيعود»
إليه «وجوباً
مع المكنة» ولو من بلده «ومع
____________________
التعذّر»
والظاهر أنّ المراد به المشقة الكثيرة وفاقاً للدروس
ويحتمل إرادة العجز عنه مطلقاً
«يستنيب»
فيه. ويتحقّق البطلان بتركه عمداً وجهلاً بخروج ذي الحجّة قبلَ فعله إن كان طواف
الحجّ مطلقاً ، وفي عمرة التمتّع بضيق وقت الوقوف إلّاعن التلبّس بالحجّ قبلَه. وفي
المفردة المجامعة للحجّ والمفردة عنه إشكال
ويمكن اعتبار نيّة الإعراض عنه.
«ولو نسي طواف النساء»
حتى خرج من مكة «جازت
الاستنابة» فيه «اختياراً»
وإن أمكن العود ، لكن لو اتّفق عوده لم يجز الاستنابة. أمّا لو تركه عمداً وجب
العود إليه مع الإمكان ، ولا تحلّ النساء بدونه مطلقاً حتى العقد ، ولو كان امرأة
حرم عليها تمكين الزوج على الأصحّ. والجاهل عامد كما مرّ ولو كان المنسيّ بعضاً من
غير طواف النساء بعد إكمال الأربع جازت الاستنابة فيه كطواف النساء.
«الثانية» :
«يجوز تقديم طواف الحجّ وسعيه للمفرد»
وكذا القارن «على
الوقوف» بعرفة اختياراً ، لكن يجدّدان التلبية
عقيب صلاة كلّ طواف كما مرّ
«و»
كذا يجوز تقديمهما «للمتمتّع
عند الضرورة» كخوف الحيض والنفاس
المتأخّرين ، وعليه تجديد التلبية أيضاً. «وطواف النساء لا يقدَّم لهما»
____________________
ولا للقارن «إلّالضرورة».
«وهو»
أي طواف النساء «واجب
في كلّ نُسُك» حجّاً كان أم عمرة «على كلّ فاعل»
للنُسُك «إلّا
* عمرة التمتّع» فلا يجب فيها «وأوجبه فيها بعض
الأصحاب »
وهو ضعيف.
ويشمل قوله : «كلّ فاعل»
الذكرَ والاُنثى ، الصغيرَ والكبير ، ومن يقدر على الجماع وغيره ، وهو كذلك ،
إلّاأنّ إطلاق الوجوب على غير المكلَّف مجاز ، والمراد أنّه ثابت عليهم حتى لو
تركه الصبيّ حرم عليه النساء بعد البلوغ حتى يفعله أو يُفعل عنه. «وهو متأخّر عن السعي»
فلو قدّمه عليه عامداً أعاده بعده ، وناسياً يجزئ ، والجاهل عامد.
«الثالثة» :
«تحرم»
لبس «البُرطُلَّة»
بضمّ الباء والطاء وإسكان الراء وتشديد اللام المفتوحة ـ وهي قلنسوة طويلة كانت
تُلبس قديماً ـ «في
الطواف» لما روي من النهي عنها معلّلاً بأ
نّها من زيّ اليهود .
«وقيل»
والقائل ابن إدريس واستقربه في الدروس : «يختصّ»
التحريم «بموضع
تحريم ستر الرأس »
كطواف العمرة؛ لضعف مستند
____________________
التحريم .
وهو الأقوى. ويمكن حمل النهي على الكراهة بشاهد التعليل. وعلى تقدير التحريم لا
يقدح في صحّة الطواف؛ لأنّ النهي عن وصفٍ خارجٍ عنه. وكذا لو طاف لابساً للمخيط.
«الرابعة» :
«رُوي عن عليّ عليه السلام بسند ضعيف «في امرأة نذرت الطواف
على أربع» يديها ورجليها «أنّ عليها طوافين »
بالمعهود ، وعمل بمضمونه الشيخ رحمه الله
«وقيل»
والقائل المحقّق
: «يقتصر»
بالحكم «على
المرأة» وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع
النصّ «ويبطل
في الرجل» لأنّ هذه الهيئة غير متعبَّد بها
شرعاً ، فلا ينعقد في غير موضع النصّ
«وقيل»
والقائل ابن إدريس
: «يبطل
فيهما »
لما ذكر ، واستضعافاً للرواية. «والأقرب
الصحّة فيهما» للنصّ ، وضعف السند
منجبر بالشهرة ، وإذا ثبت في
____________________
المرأة ففي الرجل
بطريق أولى.
والأقوى ما اختاره ابن إدريس من البطلان
مطلقاً. وربّما قيل : ينعقد النذر دون الوصف
ويُضعَّف بعدم قصد المطلق.
«الخامسة» :
«يستحبّ إكثار الطواف»
لكلّ حاضر بمكّة «ما
استطاع ، وهو أفضل من الصلاة»
تطوّعاً «للوارد»
مطلقاً ، وللمجاور في السنة الاُولى ، وفي الثانية يتساويان فيشرِّك بينهما ، وفي
الثالثة تصير الصلاة أفضل كالمقيم.
«وليكن»
الطواف «ثلاثمئة
وستّين طوافاً ، فإن عجز»
عنها «جعلها
أشواطاً» فتكون أحداً وخمسين طوافاً. ويبقى
ثلاثة أشواط تلحق بالطواف الأخير ، وهو مستثنى من كراهة القران في النافلة بالنصّ
واستحبّ بعض الأصحاب إلحاقه بأربعة اُخرى لتصير مع الزيادة طوافاً كاملاً ، حذراً
من القران
واستحباب ذلك
لا ينافي الزيادة. وأصل القران في العبادة مع صحّتها لا ينافي الاستحباب
وهو حسن وإن استحبّ الأمران.
____________________
«السادسة» :
«القران»
بين اُسبوعين بحيث لا يجعل بينهما تراخياً ـ وقد يطلق على الزيادة عن العدد مطلقاً
ـ «مبطل
في طواف الفريضة ، ولا بأس به في النافلة ، وإن كان تركه أفضل»
ونبّه بأفضليّة تركه على بقاء فضل معه ، كما هو شأن كلّ عبادة مكروهة.
وهل تتعلّق الكراهة بمجموع الطواف أم
بالزيادة؟ الأجود الثاني إن عرض قصدها بعد الإكمال ، وإلا فالأوّل ، وعلى
التقديرين فالزيادة يستحقّ عليها ثواب في الجملة وإن قلّ.
«القول في السعي
والتقصير»
«ومقدّماته»
كلّها مسنونة :
«استلام الحجر»
عند إرادة الخروج إليه.
«والشرب من زمزم ، وصبّ الماء منه عليه»
من الدلو المقابل للحَجَر ، وإلّا فمن غيره. والأفضل استقاؤه بنفسه. ويقول عند
الشرب والصبّ : «اللهم
اجعله علماً نافعاً ، ورزقاً واسعاً ، وشفاءً من كلّ داء وسُقم»
.
«والطهارة»
من الحدث على أصحّ القولين ـ وقيل يشترط ـ ومن الخبث أيضاً.
«والخروج من باب الصفا»
وهو الآن داخل في المسجد كباب بني شيبة ، إلّا أنّه معلَّم باُسطوانتين ، فليخرج
من بينهما. وفي الدروس : الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما
أيضاً.
«والوقوف على الصفا *»
بعد الصعود إليه حتّى يرى البيت من بابه «مستقبلَ الكعبة».
«والدعاء والذكر»
قبل الشروع بقدر قراءة البقرة مترسّلاً للتأسّي
وليكن الذكر مئة تكبيرة وتسبيحة وتحميدة وتهليلة ، ثم الصلاة على النبيّ وآله صلى
الله عليه وآله مئة.
____________________
«وواجبه : النيّة»
المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرّباً مقارنة للحركة وللصفا بأن يصعد عليه ،
فيجزئ من أي جزءٍ كان منه أو يُلصق عقبه به إن لم يصعد ، فإذا وصل إلى المروة ألصق
أصابع رجليه بها إن لم يدخلها ليستوعب سلوك المسافة التي بينهما في كلّ شوط.
«والبدأة بالصفا والختم بالمروة ، فهذا
شوط ، وعوده» من المروة إلى
الصفا «آخر
، فالسابع» يتمّ «على المروة».
«وترك الزيادة على السبعة * فيبطل»
لو زاد «عمداً»
ولو خطوة «والنقيصة
، فيأتي بها» وإن طال الزمان إذ
لا تجب الموالاة فيه ، أو كان دون الأربع
بل يبني ولو على شوط.
«وإن ** زاد سهواً تخيّر بين الإهدار»
للزائد «وتكميل
اُسبوعين» إن لم يذكر حتى أكمل الثامن ، وإلّا
تعيّن إهداره «كالطواف»
وهذا القيد
يمكن استفادته من التشبيه. وأطلق في الدروس الحكم
وجماعة
والأقوى تقييده بما ذكر. وحينئذٍ فمع الإكمال يكون الثاني مستحبّاً. «ولم يُشرّع استحباب
السعي إلّاهنا» ولا يُشرّع ابتداءً
مطلقاً.
«وهو»
أي السعي «ركن
يبطل» النُسُك «بتعمّد تركه»
وإن جهل
____________________
الحكم ، لا بنسيانه
بل يأتي به مع الإمكان ، ومع التعذّر يستنيب كالطواف. ولا يحلّ له ما يتوقّف عليه
من المحرّمات حتى يأتي به كَمَلاً أو نائبه.
«ولو ظنّ فعلَه فواقع»
بعد ان أحلّ بالتقصير «أو
قلّم» ظفره «فتبيّن الخطأ»
وأ نّه لم يُتمّ السعي «أتمّه
وكفّر ببقرة» في المشهور ،
استناداً إلى روايات دلّت على الحكم
وموردها ظنّ إكمال السعي بعد أن سعى ستّة أشواط.
والحكم مخالف للأُصول الشرعيّة من وجوه
كثيرة : وجوب الكفّارة على الناسي في غير الصيد ، والبقرة في تقليم الظفر أو
الأظفار ، ووجوبها بالجماع مطلقاً ، ومساواته للقَلْم. ومن ثَمّ أسقط وجوبها بعضهم
وحملها على الاستحباب
وبعضهم أوجبها للظنّ وإن لم تجب على الناسي
وآخرون تلقّوها بالقبول مطلقاً .
ويمكن توجيهه بتقصيره هنا في ظنّ
الإكمال ، فإنّ من سعى ستّة يكون على الصفا ، فظنّ الإكمال مع اعتبار كونه على
المروة تقصير ، بل تفريط
واضح. لكنّ المصنّف وجماعة فرضوها قبل إتمام السعي مطلقاً
فيشمل ما يتحقّق فيه العذر
____________________
كالخمسة. وكيف كان
فالإشكال واقع.
«ويجوز قطعه لحاجة وغيرها»
قبل بلوغ الأربعة ، وبعدها على المشهور. وقيل : كالطواف
«والاستراحة
في أثنائه» وإن لم يكن على رأس الشوط مع حفظ
موضعه ، حذراً من الزيادة والنقصان.
«ويجب التقصير»
وهو إبانة الشعر أو الظفر بحديدٍ ونتفٍ وقرضٍ وغيرها «بعدَه»
أي بعد السعي «بمسمّاه»
وهو ما يصدق عليه أنّه أخذ من شعر أو ظُفر. وإنّما يجب التقصير متعيّناً «إذا كان سعي العمرة *»
أمّا في غيرها فيتخيّر بينه وبين الحلق. «من الشعر»
متعلّق بالتقصير ـ ولا فرق فيه بين شعر الرأس واللحية وغيرهما ـ «أو الظفر»
من اليد أو الرجل. ولو حلق بعض الشعر أجزأ ، وإنّما يحرم حلق جميع الرأس أو ما
يصدق عليه عرفاً.
«وبه يتحلّل من إحرامها»
فيحلّ له جميع ما حرم بالإحرام حتى الوقاع.
«ولو حلق»
جميع رأسه عامداً عالماً «فشاة»
ولا يجزئ عن التقصير؛ للنهي
وقيل : يجزئ
لحصوله بالشروع والمحرّم متأخّر. وهو متّجه مع تجدّد القصد. وناسياً أو جاهلاً لا
شيء عليه. ويحرم الحلق ولو بعد التقصير.
«ولو جامع قبل التقصير عمداً فبدنة
للموسر ، وبقرة للمتوسط ، وشاة للمعسر»
والمرجع في الثلاثة إلى العرف بحسب حالهم ومحلّهم. ولو كان جاهلاً أو ناسياً فلا
شيء عليه.
____________________
«ويستحبّ التشبّه * بالمحرمين بعده»
أي بعد التقصير بترك لُبس المخيط وغيره كما يقتضيه إطلاق النصّ
والعبارة وفي الدروس اقتصر على التشبّه بترك المخيط
«وكذا»
يستحبّ ذلك «لأهل
مكّة في الموسم» أجمع ، أي موسم
الحجّ ، أوّلُه وصول الوفود إليهم محرمين ، وآخره العيد عند إحلالهم.
____________________
«الفصل الخامس»
«في أفعال الحجّ»
«وهي : الإحرام ، والوقوفان ، ومناسك منى
، وطواف الحجّ ، وسعيه ، وطواف النساء ، ورمي الجمرات ، والمبيت بمنى»
والأركان منها خمسة : الثلاثة الاُوَل ، والطواف الأوّل ، والسعي.
«القول في الإحرام
والوقوفين»
«يجب بعد التقصير الإحرام بالحجّ على
المتمتّع» وجوباً موسَّعاً ، إلى أن يبقى للوقوف
مقدار ما يمكن إدراكه بعد الإحرام من محلّه.
«ويستحبّ»
إيقاعه «يومَ
التروية» وهو الثامن من ذي الحجّة ، سُمِّي
بذلك؛ لأنّ الحاجّ كان يتروّى الماء لعرفة من مكّة ، ـ إذ لم يكن بها ماءٌ كاليوم
ـ فكان بعضهم يقول لبعض : تروّيتم لتخرجوا «بعد صلاة الظهر»
وفي الدروس : بعد الظهرين المتعقّبتين لسنّة الإحرام
الماضية
والحكم مختصّ بغير الإمام والمضطرّ ، وسيأتي استثناؤهما.
____________________
«وصفته كما مرّ »
في الواجبات والمندوبات والمكروهات.
«ثمّ الوقوف»
بمعنى الكون «بعرفة
من زوال التاسع إلى غروب الشمس مقروناً بالنيّة»
المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرّباً بعد تحقّق الزوال بغير فصل. والركن من
ذلك أمرٌ كلّي وهو جزءٌ من مجموع الوقت بعد النيّة ولو سائراً. والواجب الكلّ.
«وحدّ عرفة : من بطن عُرَنَة»
بضمّ العين المهملة وفتح الراء والنون «وثَوِيَّة»
بفتح المثلّثة وكسر الواو وتشديد الياء المثنّاة من تحت المفتوحة «ونَمِرَة»
بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء ، وهي بطن عُرَنة ، فكان يستغني عن التحديد بها «إلى الأراك»
بفتح الهمزة «إلى
ذي المجاز» وهذه المذكورات حدود لا محدود ، فلا
يصحّ الوقوف بها.
«ولو أفاض»
من عرفة «قبل
الغروب عامداً ولم يَعُدْ فبدنة ، فإن عجز صام ثمانية عشر يوماً»
سفراً أو حضراً ، متتابعة أو غير متتابعة في أصحّ القولين
وفي الدروس أوجب فيها المتابعة هنا وجعلها في الصوم أحوط
وهو أولى.
ولو عاد قبل الغروب فالأقوى سقوطها وإن
أثم. ولو كان ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه إن لم يعلم بالحكم قبل الغروب ، وإلّا
وجب العود مع الإمكان ، فإن أخلّ به فهو عامد. وأمّا العود بعد الغروب فلا أثر له.
«ويكره الوقوف على الجبل»
بل في أسفله بالسفح «وقاعداً»
أي
____________________
الكون بها قاعداً «وراكباً»
بل واقفاً ، وهو الأصل في إطلاق الوقوف على الكون ، إطلاقاً لأفضل أفراده عليه.
«والمستحبّ : المبيت بمنى ليلة التاسع
إلى الفجر» احترز بالغاية عن توهّم سقوط الوظيفة
بعد نصف الليل كمبيتها ليالي التشريق.
«ولا يقطع مُحسِّراً»
بكسر السين ، وهو حدّ منى إلى جهة عرفة «حتّى تطلع الشمس».
«والإمام يخرج»
من مكّة «إلى
منى قبل الصلاتين» الظهرين يوم
التروية ليصلّيهما بمنى. وهذا كالتقييد لما أطلقه سابقاً من استحباب إيقاع الإحرام
بعد الصلاة المستلزم لتأخّر
الخروج عنها «وكذا
ذو العذر» كالهِمّ
والعليل والمرأة وخائف الزحام ، ولا يتقيّد خروجه بمقدار الإمام كما سلف ، بل له
التقدّم بيومين وثلاثة.
«والدعاء عند الخروج إليها»
أي إلى منى في ابتدائه «و»
عند الخروج «منها»
إلى عرفة «وفيها»
بالمأثور .
«والدعاء بعرفة»
بالأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام
خصوصاً دعاء الحسين
وولده زين العابدين عليهما السلام
«وإكثار
الذكر» للّٰهتعالى بها.
____________________
«وليذكر إخوانه بالدعاء ، وأقلّهم أربعون».
روى الكليني عن عليّ ابن إبراهيم عن أبيه ، قال : رأيت عبد اللّٰه بن جندب
بالموقف فلم أر موقفاً كان أحسنَ من موقفه ، ما زال مادّاً يده إلى السماء ودموعه
تسيل على خدّيه حتى تبلغ الأرض ، فلمّا [انصرف]
الناس قلت : يا أبا محمّد ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك! قال : واللّٰه
ما دعوت فيه إلّالإخواني ، وذلك لأنّ أبا الحسن موسى عليه السلام أخبرني أنّه من
دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش «ولك مئة ألف ضعف مثله»
وكرهت أن أدَعَ مئة ألف ضعف لواحدة لا أدري تستجاب أم لا .
وعن عبد اللّٰه بن جندب قال : كنت
في الموقف ، فلمّا أفضت أتيت إبراهيم ابن شعيب فسلّمت عليه وكان مصاباً با حدى
عينيه وإذا عينه الصحيحة حمراء كأ نّها عَلَقةُ دم. فقلت له : قد اُصبت با حدى
عينيك وأنا واللّٰه مشفق على الاُخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلاً ، قال :
لا واللّٰه يا أبا محمّد ما دعوت لنفسي اليوم دعوة ، قلت : فلمن دعوت؟ قال :
دعوت لإخواني؛ لأنّي سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول : من دعا لأخيه
بظهر الغيب وكّل اللّٰه به ملكاً يقول : «ولك مثلاه»
فأردت أن أكون أنا أدعو لإخواني ، والملك يدعو لي؛ لأني في شكّ من دعائي لنفسي ، ولست
في شكّ من دعاء الملك لي .
«ثمّ يُفيض»
أي ينصرف ، وأصله الاندفاع بكثرةٍ اُطلق على الخروج من عرفة لما يتّفق فيه من
اندفاع الجمع الكثير منه كإفاضة الماء ، وهو متعدٍّ ، لا لازم ،
____________________
أي يُفيض نفسَه «بعد غروب الشمس»
المعلوم بذهاب الحمرة المشرقيّة بحيث لا يقطع حدود عرفة حتى تغرب «إلى المشعر»
الحرام «مقتصداً»
متوسّطاً «في
سيره ، داعياً إذا بلغ الكثيب الأحمر»
عن يمين الطريق بقوله : «اللهمّ
ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلِّم لي ديني ، وتقبّل مناسكي. اللهم لا تجعله آخر
العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه أبداً ما أبقيتني»
.
«ثمّ يقف به»
أي يكون بالمشعر «ليلاً
إلى طلوع الشمس. والواجب الكون»
واقفاً كان ، أم نائماً ، أم غيرهما من الأحوال «بالنيّة»
عند وصوله. والأولى تجديدها بعد طلوع الفجر ، لتغاير الواجبين ، فإنّ الواجب
الركني منه اختياراً المسمّى فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، والباقي واجب
لا غير ، كالوقوف بعرفة.
«ويستحبّ : إحياء تلك الليلة»
بالعبادة «والدعاء
والذكر والقراءة» فمن أحياها لم يمت
قلبه يوم تموت القلوب.
«ووطء الصرورة المشعر برجله»
ولو في نعل أو ببعيره. قال المصنّف في الدروس : والظاهر أنّه
المسجد الموجود الآن .
____________________
«والصعود على قُزَح»
بضمّ القاف وفتح الزاء المعجمة. قال الشيخ رحمه الله : هو المشعر الحرام ، وهو جبل
هناك يستحبّ الصعود عليه
«وذكر
اللّٰه عليه» وجَمْعٌ أعمّ منه .
«مسائل» :
«كلٌّ من الموقفين ركن»
وهو مسمّى الوقوف في كلّ منهما «يبطل
الحجّ بتركه عمداً ، ولا يبطل»
بتركه «سهواً»
كما هو حكم أركان الحجّ أجمع «نعم
لو سهى عنهما» معاً «بطل»
وهذا الحكم مختصّ بالوقوفين ، وفواتهما أو أحدهما لعذر كالفوات سهواً.
ولكلٍّ من الموقفين
اختياريٌّ واضطراريٌّ. فاختياريّ عرفة : ما بين الزوال والغروب. واختياريّ المشعر
: ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس «واضطراريّ عرفة ليلة النحر»
من الغروب إلى الفجر «واضطراريّ
المشعر» من طلوع شمسه «إلى زواله».
وله
اضطراريٌّ آخر أقوى منه؛ لأنّه مشوب بالاختياري ، وهو اضطراري عرفة ليلة النحر ،
ووجه شوبه : اجتزاء المرأة به اختياراً والمضطرّ
____________________
والمتعمّد مطلقاً مع
جبره بشاة ، والاضطراري المحض ليس كذلك.
والواجب من الوقوف الاختياري : الكلّ ،
ومن الاضطراري : الكلّي ، كالركن من الاختياري.
وأقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري
ثمانية ، أربعة مفردة ، وهي كلّ واحد من الاختياريّين والاضطراريّين ، وأربعة
مركّبة ، وهي الاختياريّان والاضطراريّان ، واختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر
وعكسه.
«وكلّ أقسامه يجزئ»
في الجملة لا مطلقاً ، فإنّ العامد يبطل حجّه بفوات كلّ واحد من الاختياريّين «إلّاالاضطراريّ
الواحد» فإنّه لا يجزئ مطلقاً على المشهور.
والأقوى إجزاء اضطراريّ المشعر وحده ،
لصحيحة عبد اللّٰه بن مسكان
عن الكاظم عليه السلام .
أمّا اضطراريّه السابق فمجزئ مطلقاً كما
عرفت. ولم يستثنه هنا؛ لأنّه جعله من قسم الاختياري ، حيث خصّ الاضطراريّ بما بعد
طلوع الشمس ، ونبّه على حكمه أيضاً بقوله : «ولو أفاض قبل الفجر عامداً فشاة»
وناسياً لا شيء عليه. وفي إلحاق الجاهل بالعامد كما في نظائره ، أو الناسي قولان ،
وكذا في ترك أحد الوقوفين .
«ويجوز»
الإفاضة قبل الفجر «للمرأة
والخائف» بل كلّ مضطرّ
____________________
كالراعي والمريض
والصبيّ مطلقاً ورفيق المرأة «من
غير جبر» ولا يخفى أنّ ذلك مع نيّة الوقوف
ليلاً كما نبّه عليه بإ يجابه النيّة له عند وصوله .
«وحدّ المشعر ما بين الحياض * والمأزِمين»
ـ بالهمز الساكن ثمّ كسر الزاء المعجمة ـ وهو الطريق الضيّق بين الجبلين ، «ووادي مُحَسِّر»
وهو طرف منى كما سبق
فلا واسطة بين المشعر ومنى.
«ويستحبّ : التقاط حصى الجمار منه»
لأنّ الرمي تحيّة لموضعه كما مرّ
فينبغي التقاطه من المشعر ، لئلّا يشتغل عند قدومه بغيره «وهو ** سبعون»
حصاة ، ذكّر الضمير ، لعوده على «الملقوط» المدلول عليه بالالتقاط ، ولو التقط
أزيد منها احتياطاً حذراً من سقوط بعضها أو عدم إصابته فلا بأس.
«والهرولة»
وهي الإسراع فوق المشي ودون العدو كالرَمَل «في وادي مَحَسِّر»
للماشي والراكب فيحرِّك دابّته ، وقدرها مئة ذراع أو مئة خُطوة ، واستحبابها
مؤكَّد حتى لو نسيها رجع إليها وإن وصل إلى مكّة «داعياً»
حالةَ الهرولة «بالمرسوم»
وهو : «اللهمّ سلِّم عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي ، واخلفني فيمن تركت بعدي» .
____________________
«القول في مناسك منى»
جمع مَنسك ، وأصله موضع النُسك وهو
العبادة ، ثم اُطلق اسم المحلّ على الحالّ. ولو عبَّر بالنُسك كان هو الحقيقة.
ومِنى بكسر الميم والقصر : اسم مذكّر
منصرف ، قاله الجوهري
وجوّز غيره تأنيثه
سُمّي به المكان المخصوص؛ لقول جبرائيل عليه السلام فيه لإبراهيم عليه السلام : «تمنّ على ربّك ما شئت»
.
ومناسكها «يومَ النحر»
ثلاثة «وهي
: رمي جمرة العقبة» التي هي أقرب
الجمرات الثلاث إلى مكّة ، وهي حدّها من تلك الجهة «ثمّ الذبح ، ثم الحلق»
مرتَّباً كما ذكر «فلو
عكس عمداً أثم وأجزأ *».
«وتجب النيّة في الرمي»
المشتملة على تعيينه ، وكونه في حجّ الإسلام أو غيره ، والقربة ، والمقارنة لأوّله.
والأولى التعرّض للأداء والعدد ، ولو تداركه بعد وقته نوى القضاء.
«وإكمال السبع **»
فلا يُجزي ما دونها ، ولو
اقتصر عليه استأنف إن
____________________
أخلّ بالموالاة عرفاً
ولم تبلغ الأربع ، ولو كان قد بلغها قبل القطع كفاه الإتمام.
«مصيبة للجمرة»
وهي البناء المخصوص ، أو موضعه وما حوله ممّا يجتمع من الحصا ، كذا عرَّفها
المصنّف في الدروس
وقيل : هي مجمع الحصا دون السائل
وقيل : هي الأرض
ولو لم يصب لم يحتسب ،
ولو شكّ في الإصابة أعاد؛ لأصالة العدم.
ويُعتبر كون الإصابة «بفعله»
فلا يُجزي الاستنابة فيه اختياراً ، وكذا لو حصلت الإصابة بمعونة غيره ولو حصاة
اُخرى. ولو وثبت حصاة بها فأصابت لم يحتسب الواثبة ، بل المرميّة إن أصابت. ولو
وقعت على ما هو أعلى من الجمرة ثم وقعت فأصابت كفى ، وكذا لو وقعت على غير أرض الجمرة
ثم وثبت إليها بواسطة صدم الأرض وشبهها.
واشتراط كون الرمي بفعله أعمّ من
مباشرته بيده ، وقد اقتصر هنا وفي الدروس عليه
وفي رسالة الحجّ اعتبر كونه مع ذلك باليد
وهو أجود.
«بما يُسمّى رمياً»
فلو وضعها أو طرحها من غير رمي لم يُجز؛ لأنّ الواجب صدق اسمه. وفي الدروس نسب ذلك
إلى قول
وهو يدلّ
____________________
على تمريضه.
«بما يسمّى حجراً»
فلا يُجزي الرمي بغيره ولو بخروجه عنه بالاستحالة. ولا فرق فيه بين الصغير والكبير
ولا بين الطاهر والنجس ، ولا بين المتّصل بغيره ـ كفصّ الخاتم لو كان حجراً
حرميّاً ـ وغيره «حرمّياً»
فلا يُجزئ من غيره ، ويعتبر فيه أن لا يكون مسجداً ، لتحريم إخراج الحصا منه
المقتضي للفساد في العبادة «بِكراً»
غير مرميّ بها رمياً صحيحاً ، فلو رُمي بها بغير نيّة أو لم يصب لم يخرج عن كونها
بِكراً. ويعتبر مع ذلك كلِّه تلاحُق الرمي ، فلا يُجزئ الدفعة وإن تلاحقت الإصابة
، بل يحتسب منها واحدة. ولا يعتبر تَلاحق الإصابة.
«ويستحبّ : البُرْش
» المشتملة على ألوان
مختلفة بينها وفي كلّ واحدة منها ، ومن ثمّ اجتزأ بها عن المنقّطة ، لا كما فعل في
غيره وغيره
ومن جمع بين الوصفين أراد بالبُرش المعنى الأوّل ، وبالمنقّطة الثاني «الملتقطة»
بأن يكون كلّ واحدة منها مأخوذة من الأرض منفصلة ، واحترز بها عن المكسَّرة من حجر
، وفي الخبر «التقط
الحصى ولا تكسرنّ منه شيئاً»
«بقدر الأنمُلة»
ـ بفتح الهمزة وضم الميم ـ رأس الأصبع.
«والطهارة»
من الحدث حالة الرمي في المشهور ، جمعاً بين صحيحة
____________________
محمّد بن مسلم
الدالّة على النهي عنه بدونها ، ورواية أبي غسّان
بجوازه على غير طهر ، كذا علّله المصنّف
وغيره . وفيه نظر؛ لأنّ
المجوّزة مجهولة الراوي فكيف يُؤوّل الصحيح لأجلها ، ومن ثَمّ ذهب جماعة من
الأصحاب ـ منهم المفيد والمرتضى
ـ إلى اشتراطها والدليل معهم.
ويمكن أن يريد طهارة الحصى ، فإنّه
مستحبّ أيضاً على المشهور ، وقيل بوجوبه .
وإنّما كان الأوّل أرجح؛ لأنّ سياق
أوصاف الحصى أن يقول : «الطاهرة»
لينتظم مع ما سبق منها ، ولو اُريد الأعمّ منهما كان أولى.
«والدعاء»
حالة الرمي وقبله وهي بيده بالمأثور .
«والتكبير مع كلّ حصاة»
ويمكن كون الظرف للتكبير والدعاء معاً.
«وتباعد»
الرامي عن الجمرة «نحو
خمس عشرة ذراعاً» إلى عشر.
«ورميها خَذْفاً»
والمشهور في تفسيره : أن يضع الحصاة على بطن إبهام اليد اليمنى ويدفعها بظُفر
السبّابة ، وأوجبه جماعة منهم ابن إدريس بهذا المعنى
____________________
والمرتضى
لكنّه جعل الدفع بظُفر الوسطى.
وفي الصحاح : الخذف بالحصى الرمي بها
بالأصابع
وهو غير منافٍ للمرويّ الذي فسّروه به بالمعنى الأوّل؛ لأنّه قال في رواية البزنطي
عن الكاظم عليه السلام : «تخذفهنّ
خذفاً ، وتضعها على الإ بهام وتدفعها بظفر السبابة»
وظاهر العطف أنّ ذلك
أمر زائد على الخذف ، فيكون فيه سنّتان : إحداهما رميها خذفاً بالإصابع لا بغيرها
وإن كان باليد ، والاُخرى جعله بالهيئة المذكورة. وحينئذٍ فتتأدّى سنّة الخذف
برميها بالأصابع كيف اتّفق. وفيه مناسبة اُخرى للتباعد بالقدر المذكور ، فإنّ
الجمع بينه وبين الخذف بالمعنيين السابقين بعيد ، وينبغي مع التعارض ترجيح الخذف ،
خروجاً من خلاف موجبه .
«واستقبال الجمرة هنا»
أي في جمرة العقبة ، والمراد باستقبالها كونه مقابلاً لها لا عالياً عليها ، كما
يظهر من الرواية «ارمها
من قِبَل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها»
وإلّا فليس لها وجه
خاصّ يتحقّق به الاستقبال ، وليكن مع ذلك مستدبراً للقبلة
«وفي
الجمرتين الأخيرتين
يستقبل
القبلة».
____________________
«والرمي ماشياً»
إليه من منزله ، لا راكباً. وقيل : الأفضل الرمي راكباً
تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله
ويضعّف بأ نّه صلى الله عليه وآله رمى ماشياً أيضاً ، رواه عليّ بن جعفر عن أخيه
عليه السلام .
«ويجب في الذبح»
لهدي التمتّع «جذع
من الضأن» قد كمل سنّه سبعة أشهر. وقيل : ستّة
«أو
ثني من غيره» وهو من البقر
والمعز ما دخل في الثانية ، ومن الإ بل في السادسة.
«تام الخلقة»
فلا يُجزي الأعور ولو ببياض على عينه ، والأعرج ، والأجرب ، ومكسور القرن الداخل ،
ومقطوع شيء من الاُذن ، والخصيّ ، والأبتر ، وساقط الأسنان لكبر وغيره ، والمريض.
أمّا شقّ الاُذن من غير أن يذهب منها شيء وثقبها ووسمها وكسر القرن الظاهر وفقدان
القرن والاُذن خلقةً ورضّ الخصيتين ، فليس بنقص وإن كره الأخير.
«غير مهزول»
بأن يكون ذا شحم على الكليتين وإن قلّ.
«ويكفي فيه الظنّ»
المستند إلى نظر أهل الخبرة ، لتعذّر العلم به غالباً ، فمتى ظنّه كذلك أجزأ وإن
ظهر مهزولاً ، لتعبّده بظنّه «بخلاف
ما لو ظهر ناقصاً ، فإنّه لا يُجزئ»
لأنّ تمام الخلقة أمر ظاهر ، فتبيّن خلافِه مستند إلى تقصيره.
وظاهر العبارة : أنّ المراد ظهور
المخالفة فيهما
بعد الذبح؛ إذ لو ظهر
____________________
التمام قبله أجزأ
قطعاً . ولو ظهر الهزال
قبله مع ظنّ سمنه عند الشراء ففي إجزائه قولان
، أجودهما الإجزاء؛ للنصّ
وإن كان عدمه أحوط.
ولو اشتراه من غير اعتبار أو مع ظنّ
نقصه أو هزاله لم يُجزِ ، إلّاأن تظهر الموافقة قبل الذبح. ويحتمل قويّاً الإجزاء
لو ظهر سميناً بعده ، لصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق عليه السلام .
«ويستحبّ : أن يكون ممّا عُرّف به»
أي حضر عرفات وقت الوقوف ، ويكفي قول بائعه فيه.
«سميناً»
زيادةً على ما يعتبر فيه «ينظر
ويمشي ويبرك في سواد» الجارّ متعلّق
بالثلاثة على وجه التنازع ، وفي رواية «ويبعر في سواد»
إمّا بكون هذه المواضع وهي العين والقوائم والبطن والمبعر سوداً ، أو بكونه ذا ظلّ
عظيم لسمنه وعظم جثّته بحيث ينظر فيه ويبرك ويمشي مجازاً في السمن ، أو بكونه رعى
ومشى ونظر وبرك وبعر في السواد ، وهو الخُضرة والمرعى زماناً طويلاً فسمن لذلك.
قيل : والتفسيرات الثلاثة مرويّة عن أهل البيت عليهم السلام .
____________________
«إناثاً من الإ بل والبقر ، ذُكراناً من
الغنم» وأفضله الكبش والتيس من الضأن
والمَعز.
«وتجب النيّة»
قبل الذبح مقارنةً له. ولو تعذّر الجمع بينها وبين الذكر في أوّله قدّمها عليه ،
مقتصراً منه على أقلّه جمعاً بين الحقّين «ويتولّاها الذابح»
سواء كان هو الحاجّ أم غيره؛ إذ يجوز الاستنابة فيهما
اختياراً. ويستحبّ نيّتهما ، ولا يكفي نيّة المالك وحده «ويستحبّ جعل يده»
أي الناسك «معه»
مع الذابح لو تغايرا «و»
يجب «قسمته
بين الإهداء» إلى مؤمن «والصدقة»
عليه مع فقره «والأكل»
ولا ترتيب بينها. ولا يجب التسوية ، بل يكفي من الأكل مسمّاه ، ويعتبر فيهما
أن لا ينقص كلّ منهما عن ثلثه. وتجب النيّة لكلّ منها مقارنةً للتناول أو التسليم
إلى المستحقّ أو وكيله. ولو أخلّ بالصدقة ضمن الثلث ، وكذا الإهداء إلّاأن يجعله
صدقة. وبالأكل يأثم خاصّة.
«ويستحبّ نحر الإ بل قائمة قد ربطت»
يداها مجتمعتين «بين
الخفّ والركبة» لتمتنع من الاضطراب
، أو تُعقل يدها اليسرى من الخفّ إلى الركبة ويوقفها على اليمنى ، وكلاهما مرويّ .
«وطعنها
من» الجانب «الأيمن»
بأن يقف الذابح على ذلك الجانب ويطعَنها في موضع النحر ، فإنّه متّحد «والدعاء عنده»
بالمأثور .
«ولو عجز عن السمين فالأقرب إجزاء
المهزول ، وكذا الناقص» لو عجز
____________________
عن التامّ ، للأمر
بالإتيان بالمستطاع
المقتضي امتثاله للإجزاء ، ولحسنة معاوية ابن عمّار «إن لم تجد فما تيسّر لك»
وقيل : ينتقل إلى الصوم
لأنّ المأمور به هو الكامل ، فإذا تعذّر انتقل إلى بدله وهو الصوم.
«ولو وجد الثمن دونه»
مطلقاً «خلّفه
عند من يشتريه ويهديه» عنه من الثِقات إن
لم يُقِم بمكّة «طولَ
ذي الحجّة» فإن تعذّر فيه فمن القابل فيه ، ويسقط
هنا الأكل فيصرف الثلثين في وجههما ، ويتخيّر في الثلث الآخر بين الأمرين
مع احتمال قيام النائب مقامه فيه
ولم يتعرّضوا لهذا الحكم.
«ولو عجز»
عن تحصيل الثقة أو «عن
الثمن» في محلّه ولو بالاستدانة على ما في
بلده والاكتساب اللائق بحاله وبيع ما عدا المستثنيات في الدين «صام»
بدله عشرة أيّام «ثلاثة»
أيّام «في
الحجّ متوالية» إلّاما استثني «بعد التلبّس بالحجّ»
ولو من أوّل ذي الحجّة ، ويستحبّ السابع وتالياه ، وآخر وقتها آخر ذي الحجّة «وسبعة إذا رجع إلى
أهله» حقيقة أو حكماً ، كمن لم يرجع فينتظر
مدّة لو ذهب لوصل إلى
أهله عادةً ، أو مُضيّ شهر. ويفهم من تقييد الثلاثة بالموالاة دون السبعة عدم
اعتبارها فيها. وهو أجود
____________________
القولين ، وقد تقدّم .
«ويتخيّر مولى»
المملوك «المأذون»
له في الحجّ «بين
الإهداء عنه ، وبين أمره بالصوم»
لأنّه عاجز عنه ففرضه الصوم ، لكن لو تبرّع المولى بالإخراج أجزأ ، كما يُجزئ عن
غيره لو تبرّع عليه متبرّع ، والنصّ ورد بهذا التخيير
وهو دليل على أنّه لا يملك شيئاً ، وإلّا اتّجه وجوب الهدي مع قدرته عليه. والحجر
عليه غير مانع منه ، كالسفيه.
«ولا يجزئ»
الهدي «الواحد
إلّاعن واحد ، ولو عند الضرورة»
على أصحّ الأقوال
وقيل : يُجزئ عن سبعة وعن سبعين
اُولي خوان واحد. وقيل : مطلقاً
وبه رواياتٌ
محمولةٌ على المندوب جمعاً ، كهدي القران قبل تعيّنه والاُضحية ، فإنّه يطلق عليها
الهدي. أمّا الواجب ولو بالشروع في الحجّ المندوب فلا يُجزئ إلّاعن واحد ، فينتقل مع
العجز ولو بتعذّره إلى الصوم.
«ولو مات»
من وجب عليه الهدي قبل إخراجه «اُخرج»
عنه «من
صلب المال» أي من أصله وإن لم يوصَ به ، كغيره من
الحقوق الماليّة الواجبة.
«ولو مات»
فاقده «قبل
الصوم صام الوليّ» وقد تقدّم بيانه
____________________
في الصوم
«عنه
العشرة على قول »
لعموم الأدلّة بوجوب قضائه ما فاته من الصوم .
«ويقوى مراعاة تمكّنه منها»
في الوجوب. فلو لم يتمكّن لم يجب كغيره من الصوم الواجب. ويتحقّق التمكّن في
الثلاثة بإمكان فعلها في الحجّ ، وفي السبعة بوصوله إلى أهله ، أو مضيّ المدّة
المشترطة إن أقام بغيره ومضيّ مدّة يمكنه فيها الصوم ، ولو تمكّن من البعض قضاه
خاصّة. والقول الآخر وجوب قضاء الثلاثة خاصّةً
وهو ضعيف.
«ومحلّ الذبح»
لهدي التمتّع «والحلقِ
مِنى. وحدُّها : من العقبة»
وهي خارجة عنها «إلى
وادي مُحَسِّر» ويظهر من جعله
حدّاً خروجُه عنها أيضاً.
والظاهر من كثير أنّه منها .
«ويجب ذبح هدي القران متى ساقه وعقد به
إحرامه» بأن أشعره أو قلَّده ، وهذا هو سياقه
شرعاً ، فالعطف تفسيري وإن كان ظاهر العبارة تغايرهما. ولا يخرج عن ملك سائقه بذلك
وإن تعيّن ذبحه ، فله ركوبه وشرب لبنه ما لم يضرّ به أو بولده ، وليس له إبداله
بعد سياقه المتحقّق بأحد الأمرين.
____________________
«ولو هلك»
قبل ذبحه أو نحره بغير تفريط «لم
يجب» إقامة «بدله»
ولو فرَّط فيه ضمنه.
«ولو عجز»
عن الوصول إلى محلّه الذي يجب ذبحه فيه «ذبحه»
أو نحره وصرفه في وجوهه في موضع عجزه «و»
لو لم يوجد فيه مستحقّ «أعلمه
علامة الصدقة» بأن يغمسَ نعله في
دمه ويضربَ بها صفحة سنامه ، أو يكتبَ رقعةً ويضعها عنده يؤذن بأ نّه هدي. ويجوز
التعويل عليها هنا في الحكم بالتذكية وإ باحة الأكل؛ للنصّ
وتسقط النيّة المقارنة لتناول المستحقّ. ولا تجب الإقامة عنده إلى أن يوجد وإن
أمكنت.
«ويجوز بيعه لو انكسر»
كسراً يمنع وصوله «والصدقة
بثمنه» ووجوب ذبحه في محلّه مشروطٌ بإمكانه
وقد تعذّر فيسقط. والفارق بين عجزه وكسره في وجوب ذبحه وبيعه النصّ .
«ولو ضلّ فذبحه الواجد»
عن صاحبه في محلّه «أجزأ»
عنه للنصّ
أمّا لو ذبحه في غيره أو عن غيره أو لابنيّته لم يُجزِ.
«ولا يجزئ ذبح هدي التمتّع»
من غير صاحبه لو ضلّ «لعدم
التعيين *» للذبح ، إذ يجوز لصاحبه إبداله قبل
الذبح ، بخلاف هدي القران فإنّه يتعيّن ذبحه بالإشعار أو التقليد ، هذا هو
المشهور.
____________________
والأقوى ـ وهو الذي اختاره في الدروس
ـ الإجزاء؛ لدلالة الأخبار الصحيحة عليه
وحينئذٍ فيسقط الأكل منه ويصرف في الجهتين الاُخريين.
ويستحبّ لواجده تعريفه قبل الذبح وبعده
ما دام وقت الذبح باقياً ، ليدفع عن صاحبه غرامة الإ بدال.
«ومحلّه»
أي محلّ ذبح هدي القران «مكّة
إن قرنه ب» إحرام «العمرة ، ومِنى إن
قرنه بالحجّ» ويجب فيه ما يجب في
هدي التمتّع على الأقوى. وقيل : الواجب ذبحه خاصّة إن لم يكن منذور الصدقة
وجزم به المصنّف في الدروس
ثمّ جعل الأوّل قريباً ، وعبارته هنا تشعر بالثاني؛ لأنّه جعل الواجب الذبح وأطلق .
«ويجزئ الهدي الواجب عن الاُضحيّة»
بضمّ الهمزة وكسرها وتشديد الياء المفتوحة فيهما وهي ما يُذبح يوم عيد الأضحى
تبرّعاً وهي مستحبّة استحباباً مؤكّداً ، بل قيل : بوجوبها على القادر
وروي استحباب الاقتراض لها وأ نّه دين مقضيّ
فإن وجب على المكلَّف هدي أجزأ عنها «والجمع»
بينهما «أفضل»
وشرائطها وسننها كالهَدْي.
____________________
«ويستحبّ التضحية بما يشتريه»
وما في حكمه
«ويُكره
بما يربّيه» للنهي عنه
ولأ نّه يورث القسوة.
«وأيّامها»
أي أيّام الاُضحيّة «بمنى
أربعة ، أوّلها النحر ، وبالأمصار»
وإن كان بمكّة «ثلاثة»
أوّلها النحر كذلك. وأوّل وقتها من يوم النحر طلوع الشمس ومضيّ قدر صلاة العيد
والخطبتين بعده
ولو فاتت لم تُقضَ ، إلّاأن تكون واجبة بنذر وشبهه.
«ولو تعذّرت تصدّق بثمنها»
إن اتّفق في الأثمان ما يجزئ منها أو ما يريد إخراجه «فإن اختلفت ، فثمن
موزَّع عليها »
بمعنى إخراج قيمة منسوبة إلى القيم المختلفة بالسويّة ، فمن الاثنين النصف ، ومن
الثلاث الثلث ، وهكذا ... فلو كان قيمة بعضها مئة وبعضها مئة وخمسين ، تصدَّق بمئة
وخمسة وعشرين ، ولو كانت ثالثة بخمسين تصدق بمئة. ولا يبعد قيام مجموع القيمة مقام
بعضها لو كانت موجودة
وروي استحباب الصدقة بأكثرها
وقيل : الصدقة
____________________
بالجميع أفضل
فلا إشكال حينئذٍ في القيمة.
«ويكره أخذ شيءٍ من جلودها وإعطاؤها
الجزّار» أجرةً ، أمّا صدقةً إذا اتّصف بها فلا
بأس. وكذا حكم جِلالها
وقلائدها تأسّياً بالنبيّ صلى الله عليه وآله
وكذا يكره بيعها وشبهه «بل
يتصدّق بها» وروي جعلُه مصلّى
ينتفع به في البيت .
«وأمّا الحلق : فيتخيّر بينه وبين
التقصير ، والحلق أفضل» الفردين الواجبين
تخييراً «خصوصاً
للملبِّد» شَعرَه ، وتلبيده هو أن يأخذ عسلاً
وصمغاً ويجعله في رأسه ، لئلّا يَقْمَل أو يتّسخ «والصرورة»
وقيل : لا يجزئهما إلّا الحلق
للأخبار الدالّة عليه
وحملت على الندب جمعاً.
«ويتعيّن على المرأة التقصير»
فلا يجزئها الحلق ، حتى لو نذرته لغا ، كما لا يجزئ الرجل في عمرة التمتّع وإن
نذره.
ويجب فيه النيّة المشتملة على قصد
التحلّل من النُسك المخصوص متقرّباً ، ويجزئ مسمّاه كما مرّ .
«ولو تعذّر»
فعلُه «في
منى» في وقته «فعل بغيرها»
وجوباً «وبعث
بالشعر إليها ليُدفن» فيها «مستحبّاً»
فيهما من غير تلازم ،
____________________
فلو اقتصر على أحدهما
تأدّت سنّته خاصّة.
«ويُمرّ فاقد الشعر الموسى على رأسه»
مستحبّاً إن وجد ما يُقصّر منه غيره
وإلّا وجوباً ، ولا يجزئ الإمرار مع إمكان التقصير؛ لأنّه بدل عن الحلق اضطراري
والتقصير قسيم اختياري ، ولا يعقل إجزاء الاضطراري مع القدرة على الاختياري. وربما
قيل بوجوب الإمرار على من حلق في إحرام العمرة وإن وجب عليه التقصير من غيره
لتقصيره بفعل المحرَّم .
«ويجب تقديم مناسك منى»
الثلاثة «على
طواف الحجّ فلو أخّرها» عنه «عامداً فشاة ، ولا
شيء على الناسي. ويعيد الطواف»
كلّ منهما ، العامد اتّفاقاً والناسي على الأقوى. وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو
الناسي قولان ، أجودهما الثاني في نفي الكفّارة ووجوب الإعادة
وإن فارقه
في التقصير.
ولو قدّم السعي أعاده أيضاً على الأقوى.
ولو قدّم الطواف أو هما على التقصير فكذلك. ولو قدّمه على الذبح أو الرمي ففي
إلحاقه بتقديمه على التقصير خاصّة وجهان ، أجودهما ذلك. هذا كلّه في غير ما استثني
سابقاً من تقديم المتمتّع لهما اضطراراً ، وقسيميه مطلقاً.
____________________
«وبالحلق»
بعد الرمي والذبح «يتحلّل»
من كلّ ما حرّمه الإحرام «إلّامن
النساء والطيب والصيد» ولو قدّمه عليهما
أو وسّطه بينهما ، ففي تحلّله به
أو توقّفه على الثلاثة قولان ، أجودهما الثاني .
«فإذا طاف»
طوافَ الحجّ «وسعى»
سعيَه «حلّ
الطيب». وقيل : يحلّ بالطواف خاصّة
والأوّل أقوى؛ للخبر الصحيح .
هذا إذا أخّر الطواف والسعي عن الوقوفين
أمّا لو قدّمهما على
أحد الوجهين
ففي حلّه من حين فعلهما أو توقّفه على أفعال منى وجهان ، وقطع المصنّف في الدروس
بالثاني .
وبقي من المحرّمات النساء والصيد «فإذا طاف للنساء حللن
له» إن كان رجلاً ، ولو كان صبيّاً
فالظاهر أنّه كذلك من حيث الخطاب الوضعي ، وإن لم يحرمن عليه حينئذٍ فيحرمن بعد
البلوغ بدونه إلى أن يأتي به.
____________________
وأمّا المرأة فلا إشكال في تحريم الرجال
عليها بالإحرام ، وإنّما الشكّ في المحلِّل ، والأقوى أنّها كالرجل. ولو قدَّم
طواف النساء على الوقوفين ففي حلّهن به أو توقّفه على بقيّة المناسك الوجهان. ولا
يتوقّف المحلّل على صلاة الطواف عملاً بالإطلاق .
وبقي حكم الصيد غير معلوم من العبارة
وكثير من غيرها. والأقوى حِلّ الإحراميّ منه
بطواف النساء.
«ويُكره له * لُبس المخيط قبل طواف
الزيارة» وهو طواف الحجّ ، وقبل السعي أيضاً ،
وكذا يُكره تغطية الرأس «والطيب
حتى يطوف للنساء».
____________________
«القول في العود إلى
مكّة للطوافين والسعي»
«يُستحبّ تعجيل العود من يوم النحر»
متى فرغ من مناسك منى «إلى
مكّة» ليومه «ويجوز تأخيره إلى الغد. ثم يأثم
المتمتّع» إن أخّره «بعده»
في المشهور. أمّا القارن والمفرد فيجوز لهما تأخيرهما طولَ ذي الحجّة لا عنه «وقيل : لا إثم»
على المتمتّع في تأخيره عن الغد «ويجزئ طول ذيالحجّة
» كقسيميه. وهو
الأقوى ، لدلالة الأخبار الصحيحة عليه
واختاره المصنّف في الدروس
وعلى القول بالمنع لا يقدح التأخير في الصحة وإن أثم.
«وكيفيّة الجميع كما مرّ »
في الواجبات والمندوبات ، حتى في سنن دخول مكّة من الغسل والدعاء وغير ذلك. ويجزئ
الغسل بمنى ، بل غسل النهار ليومه والليل لليلته ما لم يحدث ، فيعيده «غير أنّه»
هنا «ينوي
بها» أي بهذه المناسك «الحجّ»
أي كونها مناسكه ، فينوي طواف حجّ الإسلام حج التمتّع ، أو غيرهما من الأفراد ،
مراعياً للترتيب ، فيبدأ بطواف الحجّ ثم بركعتيه ، ثم السعي ، ثم طواف النساء ثم
ركعتيه.
____________________
«القول في العود إلى
منى»
«ويجب بعد قضاء مناسكه بمنى العود إليها»
هكذا الموجود في النسخ ، والظاهر أن يقال : «بعد قضاء مناسكه بمكّة العود إلى منى»
لأنّ مناسك مكّة متخلّلة بين مناسك منى أوّلاً وآخراً. ولا يحسن تخصيص مناسك منى
مع أنّ بعدها ما هو أقوى ، وما ذكرناه عبارة الدروس
وغيرها
والأمر سهل.
وكيف كان فيجب العود إلى منى إن كان خرج
منها «للمبيت
بها ليلاً» ليلتين أو ثلاثاً ـ كما سيأتي تفصيله
ـ مقروناً بالنيّة المشتملة على قصده في النُسُك المعيّن بالقربة بعد تحقّق
الغروب. ولو تركها ففي كونه كمن لم يبت أو يأثم خاصّة مع التعمّد ، وجهان : من
تعليق وجوب الشاة على من لم يبت وهو حاصل بدون النيّة ، ومن عدم الاعتداد به شرعاً
بدونها «ورمي
الجمرات الثلاث نهاراً» في كلّ يوم يجب
مبيت ليلته.
«ولو * بات بغيرها فعن كلّ ليلة شاة»
ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المختار والمضطرّ في وجوب الفدية ، وهو ظاهر الفتوى
والنصّ
وإن جاز خروج المضطرّ منها ، لمانع خاصّ أو عامّ ، أو حاجة ، أو حفظ مال ، أو
تمريض مريض. ويحتمل سقوط الفدية عنه. وربما بني الوجهان على أنّ الشاة هل هي
كفّارة أو
____________________
فدية وجبران؟ فتسقط
على الأوّل دون الثاني. أمّا الرعاة وأهل سقاية العبّاس
فقد رخّص لهم فيترك المبيت من غير فدية.
ولا فرق في وجوبها بين مبيته بغيرها
لعبادة وغيرها «إلّاأن
يبيت بمكّة مشتغلاً بالعبادة»
الواجبة أو المندوبة مع استيعابه الليلة بها إلّاما يضطرّ إليه ، من أكل وشرب
وقضاء حاجة ونوم يغلب عليه ، ومن أهمّ العبادة الاشتغال بالطواف والسعي ، لكن لو
فرغ منهما قبل الفجر وجب عليه إكمالها بما شاء من العبادة.
وفي جواز رجوعه بعده
إلى منى ليلاً نظر : من استلزامه فوات جزء من الليل بغير أحد الوصفين ـ أعني
المبيت بمنى ، وبمكّة متعبّداً ـ ومن أنّه تشاغل بالواجب. ويظهر من الدروس جوازه
وإن علم أنّه لا يدرك منى إلّابعد انتصاف الليل
ويشكل بأنّ مطلق التشاغل بالواجب غير مجوِّز.
«ويكفي»
في وجوب المبيت بمنى «أن
يتجاوز» الكون بها «نصف الليل»
فله الخروج بعده منها ولو إلى مكّة .
«ويجب في الرمي الترتيب»
بين الجمرات الثلاث «يبدأ
بالاُولى» وهي أقربها إلى المشعر تلي مسجد الخيف
«ثم
الوسطى ، ثم جمرة العقبة».
____________________
«ولو نكس»
فقدّم مؤخّراً «عامداً»
كان «أو
ناسياً بطل» رميه أي مجموعه من
حيث هو مجموع ، أمّا رمي الاُولى فإنّه صحيح وإن تأخّرت ، لصيرورتها أوّلاً ،
فيعيد على ما يحصل معه الترتيب. فإن كان النَكس محضاً ـ كما هو الظاهر ـ أعاد على
الوسطى وجمرة العقبة ، وهكذا.
«ويحصل الترتيب بأربع حَصَيات»
بمعنى أنّه إذا رمى الجمرة بأربع وانتقل إلى ما بعدها صحّ وأكمل الناقصة بعد ذلك.
وإن كان أقلّ من أربع استأنف التالية. وفي الناقصة وجهان ، أجودهما الاستئناف
أيضاً. وكذا لو رمى الأخيرة دون أربع ثمّ قطعه؛ لوجوب الولاء.
هذا كلّه مع الجهل أو النسيان. أمّا مع
العمد فيجب إعادة ما بعد التي لم تكمل مطلقاً؛ للنهي عن الاشتغال بغيرها قبل إكمالها
وإعادتها إن لم تبلغ الأربع
وإلّا بنى عليها واستأنف الباقي. ويظهر من العبارة عدم الفرق بين العامد وغيره ،
وبالتفصيل قطع في الدروس .
«ولو نسي»
رميَ «جمرةٍ
أعاد على الجميع إن لم تتعيّن»
لجواز كونها الاُولى ، فتبطل الأخيرتان.
«ولو نسي حصاة»
واحدة واشتبه الناقص من الجمرات «رماها على الجميع»
لحصول الترتيب بإكمال الأربع؛ وكذا لو نسي اثنتين وثلاثاً .
ولا يجب الترتيب هنا؛ لأنّ الفائت من واحدة ووجوب الباقي من باب المقدّمة ، كوجوب
____________________
ثلاث فرائض عن واحدة
مشتبهة من الخمس. نعم ، لو فاته من كلّ جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب
، لتعدّد المرميّ
بالأصالة. ولو فاته ما دون أربع وشكّ في كونه من واحدة أو اثنتين أو ثلاث وجب رمي
ما يحصل معه يقين البراءة مرتّباً ، لجواز التعدّد. ولو شكّ فيأربع كذلك استأنف
الجميع.
«ويستحبّ : رمي»
الجمرة «الاُولى
عن يمينه» أي يمين الرامي ويسارها بالإضافة إلى
المستقبل.
«والدعاء»
حالةَ الرمي وقبلَه بالمأثور .
«والوقوف عندها»
بعد الفراغ من الرمي مستقبلَ القبلة ، حامداً مصلّياً داعياً سائلاً القبول.
«وكذا الثانية»
يستحبّ رميها عن يمينه ويسارها ، واقفاً بعده كذلك.
«ولا يقف عند الثالثة»
وهي جمرة العقبة مستحبّاً ، ولو وقف لغرضٍ فلا بأس.
«وإذا بات بمنى ليلتين * جاز له النفر في
الثاني عشر بعد الزوال» لا قبلَه «إن كان قد اتّقى
الصيد والنساء» في إحرام الحجّ
قطعاً ، وإحرام العمرة أيضاً إن كان الحجّ تمتّعاً على الأقوى. والمراد باتّقاء
الصيد : عدم قتله ، وباتّقاء النساء : عدم جماعهنّ. وفي إلحاق مقدّماته وباقي
المحرّمات المتعلّقة بهنّ ـ كالعقد ـ وجه. وهل يفرق فيه بين العامد وغيره؟ أوجه
ثالثها الفرق بين الصيد والنساء ،
____________________
لثبوت الكفّارة فيه
مطلقاً ، دون غيره «ولم
تغرب عليه الشمس ليلة الثالث عشر بمنى».
«وإلّا»
يجتمع الأمران الاتّقاء وعدم الغروب ، سواء انتفيا أم أحدهما «وجب المبيت ليلة
الثالث عشر»
ولا فرق مع غروبها عليه بين من تأهّب للخروج قبلَه فغربت عليه قبل أن يخرج وغيره ،
ولا بين من خرج ولم يتجاوز حدودها حتى غربت وغيره. نعم لو خرج منها قبلَه ثم رجع
بعده لغرضٍ ـ كأخذ شيء نسيه ـ لم يجب المبيت. وكذا لو عاد لتدارك واجبٍ بها. ولو
رجع قبل الغروب لذلك فغربت عليه بها ففي وجوب المبيت قولان
أجودهما ذلك.
«و»
حيث وجب مبيت ليلة الثالث عشر وجب «رمي الجمرات»
الثلاث «فيه
، ثم ينفر في الثالث عشر ، ويجوز قبلَ الزوال بعد الرمي».
«ووقته»
أي وقت الرمي «من
طلوع الشمس إلى غروبها» في المشهور. وقيل :
أوّله الفجر وأفضله عند الزوال .
«ويرمي المعذور»
كالخائف والمريض والمرأة والراعي «ليلاً. ويقضي الرمي لو فات»
في بعض الأيّام «مقدّماً
على الأداء» في تاليه ، حتّى لو
فاته رمي يومين قدّم الأوّل على الثاني وختم بالأداء. وفي اعتبار وقت الرمي في
القضاء قولان ، أجودهما ذلك
وتجب نيّة القضاء فيه. والأولى الأداء فيه في
____________________
وقته. والفرق وقوع ما
في ذمّته أوّلاً على وجهين ، دون الثاني.
«ولو رحل»
من مِنى «قبله»
أي قبل الرمي أداءً وقضاءً «رجع
له» في أيّامه «فإن تعذّر»
عليه العود «استناب
فيه» في وقته ، فإن فات استناب «في القابل»
وجوباً إن لم يحضر ، وإلّا وجبت المباشرة.
«ويستحبّ النفر في الأخير »
لمن لم يجب عليه «والعود
إلى مكّة لطواف الوداع» استحباباً مؤكّداً
، وليس واجباً عندنا
ووقته عند إرادة الخروج بحيث لا يمكث بعده إلّامشغولاً بأسبابه ، فلو زاد عنه
أعاده. ولو نسيه حتى خرج استحبّ العود له وإن بلغ المسافة من غير إحرام ، إلّاأن
يمضي له شهر. ولا وداع للمجاور.
ويُستحبّ : الغسل لدخولها ، والدخول من
باب بني شيبة ، والدعاء كما مرّ .
«ودخول الكعبة»
فقد رُوي : أنّ دخولها دخول في رحمة اللّٰه ، والخروج منها خروج من الذنوب
وعصمة فيما بقي من العمر ، وغفران لما سلف من الذنوب
«وخصوصاً
الصرورة» وليدخلها بالسكينة والوقار ، آخذاً
بحلقتي الباب عند الدخول.
«والصلاة بين الاُسطوانتين»
اللتين تليان الباب «على
* الرخامة
____________________
الحمراء».
ويستحبّ أن يقرأ في اُولى الركعتين «الحمد»
و «حم السجدة» وفي الثانية بعدد آيها وهي ثلاث أو أربع وخمسون.
«و»
الصلاة «في
زواياها» الأربع
كلّ زاوية ركعتين ، تأسّياً بالنبي صلى الله عليه وآله
«واستلامها»
أي الزوايا والدعاء والقيام بين الركن
الغربي واليماني رافعاً يديه ملصقاً به
ثم كذلك في الركن اليماني ، ثم الغربي ، ثم الركنين الآخرين ، ثم يعود إلى الرخامة
الحمراء فيقف عليها ويرفع رأسه إلى السماء ويطيل الدعاء ويبالغ في الخشوع وحضور
القلب.
«والدعاء عند الحطيم»
سُمّي به ، لإزدحام الناس عنده للدعاء واستلام الحجر فيحطم بعضهم بعضاً ، أو
لانحطام الذنوب عنده ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، أو لتوبة اللّٰه فيه على آدم
فانحطمت ذنوبه «وهو
أشرف البقاع» على وجه الأرض على
ما ورد في الخبر عن زين العابدين وولده الباقر عليهما السلام
وهو
____________________
«ما بين الباب والحجر»
الأسود * ويلي الحطيم في الفضل عند المقام ، ثم الحِجر ، ثم ما دنا من البيت.
«واستلام الأركان»
كلِّها «والمستجار
وإتيان زمزم والشرب منها»
والامتلاء ، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله : «ماء زمزم لما شُرب له»
فينبغي شربه
للمهمّات الدينيّة والدنيويّة. فقد فعله جماعة من الأعاظم لمطالب مهمّة فنالوها ،
وأهمّها طلب رضى اللّٰه والقرب منه والزلفى لديه. ويستحبّ مع ذلك حمله
وإهداؤه.
«والخروج من باب الحنّاطين»
سمّي بذلك لبيع الحِنطة عنده أو الحنوط ، وهو باب بني جُمح با زاء الركن الشامي
داخل في المسجد كغيره ، فيخرج من الباب المسامت له مارّاً من عند الأساطين إليه
على الاستقامة ليظفر به.
«والصدقة بتمر يشتريه بدرهم»
شرعي ، ويجعلها قبضة قبضة بالمعجمة وعُلّل في الأخبار بكونه كفّارة لما لعلّه دخل
عليه في حجّه من حكّ أو قملةٍ سقطت ، أو نحو ذلك
ثم إن استمرّ الاشتباه فهي صدقة مطلقة ، وإن ظهر له موجب يتأدّى بالصدقة فالأقوى
إجزاؤها ، لظاهر التعليل كما في نظائره. ولا يقدح اختلاف الوجه ، لابتنائه على الظاهر؛
مع أنّا لا نعتبره.
«والعزم على العود»
إلى الحجّ ، فإنّه من أعظم الطاعات ، ورُوي أنّه من المنسئات في العمر ، كما أنّ
العزم على تركه مقرِّب للأجل والعذاب
ويستحبّ
____________________
أن يضمّ إلى العزم سؤال
اللّٰه تعالى ذلك عند الانصراف.
«ويستحبّ الإكثار من الصلاة بمسجد الخيف»
لمن كان بمنى فقد رُوي : «أنّه من صلّى به مئة ركعة عدلت عبادة سبعين عاماً ، ومن
سبّح اللّٰه فيه مئة تسبيحة كُتب له أجر عتق رقبة ، ومن هلّل اللّٰه
فيه مئة عدلت إحياء نسمة ، ومن حمد اللّٰه فيه مئة عدلت خراج العراقين يُنفق
في سبيل اللّٰه»
«وإنّما سُمِّي خيفاً؛ لأ نّه مرتفع عن الوادي ، وكلّ ما ارتفع عنه سُمّي خيفاً»
«وخصوصاً
عند المنارة» التي في وسطه «وفوقها إلى القبلة
بنحو من ثلاثين ذراعاً» وكذا عن يمينها
ويسارها وخلفها ، روى [تحديده]
بذلك معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام وأنّ ذلك مسجد رسول اللّٰه صلى
الله عليه وآله ، وأ نّه صلّى فيه ألف نبي
والمصنّف اقتصر على الجهة الواحدة ، وفي الدروس أضاف يمينها ويسارها كذلك
ولا وجه للتخصيص. وممّا يختصّ به من الصلوات صلاة ستّ ركعات في أصل الصومعة .
«ويحرم إخراج من التجأ إلى الحرم بعد
الجناية» بما يوجب حدّاً أو تعزيراً أو قصاصاً
، وكذا لا يُقام عليه فيه. «نعم
يُضيَّق عليه في المطعم
____________________
والمشرب»
بأن لا يزاد منهما على ما يسدّ الرمق ببيع ولا غيره ولا يُمكَّن من ماله زيادة على
ذلك «حتى
يخرج» فيُستوفى منه.
«فلو جنى في الحرم قوبل»
بمقتضى جنايته «فيه»
لانتهاكه حرمة الحرم ، فلا حرمة له. وألحق بعضهم به مسجد النبي صلى الله عليه وآله
ومشاهد الأئمة عليهم السلام
وهو ضعيف المستند .
____________________
«الفصل السادس»
«في كفّارات الإحرام»
اللاحقة بفعل شيء من
محرّماته
«وفيه بحثان»
:
«الأوّل في» كفّارة «الصيد»
«ففي النعامة بدنة»
وهي من الإ بل الاُنثى التي كمل سنّها خمس سنين ، سواء في ذلك كبير النعامة
وصغيرها ، ذَكَرُها واُنثاها. والأولى المماثلة بينهما في ذلك.
«ثمّ الفضّ »
أي فضّ ثمن البدنة لو تعذّرت «على
البرّ وإطعام ستّين» مسكيناً «والفاضل»
من قيمتها عن ذلك «له
، ولا يلزم * الإتمام لو أعوز»
ولو فضل منه ما لا يبلغ مدّاً أو مدّين دفعه إلى مسكين آخر وإن قلّ.
«ثمّ صيام ستّين يوماً»
إن لم يقدر على الفضّ ، لعدمه أو فقره. وظاهره عدم الفرق بين بلوغ القيمة على
تقدير إمكان الفضّ الستّين وعدمه. وفي الدروس
____________________
نسب ذلك إلى قولٍ
مشعراً بتمريضه. والأقوى جواز الاقتصار على صيام قدر ما وسعت من الإطعام ، ولو زاد
ما لا يبلغ القدر صام عنه يوماً كاملاً.
«ثمّ صيام ثمانية عشر يوماً»
لو عجز عن صوم الستّين وما في معناها
وإن قدر على صوم أزيد من الثمانية عشر. نعم لو عجز عن صومها وجب المقدور. والفرق
ورود النصّ بوجوب الثمانية عشر
لمن عجز عن الستّين
الشامل لمن قدر على الأزيد ، فلا يجب. وأمّا المقدور من الثمانية عشر فيدخل في
عموم «فأتوا منه ما استطعتم»
لعدم المعارض. ولو شرع في صوم الستّين قادراً عليها فتجدّد عجزه بعد تجاوز
الثمانية عشر اقتصر على ما فعل وإن كان شهراً ، مع احتمال وجوب تسعة حينئذٍ؛
لأنّها بدل عن الشهر المعجوز عنه.
«والمدفوع إلى المسكين»
على تقدير الفضّ «نصف
صاع» مدّان في المشهور ، وقيل : مدّ
وفيه قوّة.
«وفي بقرة الوحش وحماره بقرة أهليّة»
مسنّة فصاعداً ، إلّاأن ينقص سنّ المقتول عن سنّها فيكفي مماثله فيه «ثمّ الفضّ»
للقيمة على البرّ لو تعذّر «ونصف
ما مضى» في الإطعام والصيام مع باقي الأحكام ،
فيطعم ثلاثين ، ثم يصوم ثلاثين ، ومع العجز تسعة.
«وفي الظبي والثعلب والأرنب شاة ، ثمّ
الفضّ» المذكور لو تعذّرت
____________________
الشاة «وسدس ما مضى»
فيطعم عشرة ، ثم يصوم عشرة ، ثم ثلاثة. ومقتضى تساويها في الفضّ والصوم أنّ قيمتها
لو نقصت عن عشرة لم يجب الإكمال ، ويتبعها الصوم. وهذا يتمّ في الظبي خاصّة؛ للنصّ
أمّا الآخران
فألحقهما به جماعة
تبعاً للشيخ
ولا سند له ظاهراً. نعم ورد فيهما شاة
فمع العجز عنها يرجع إلى الرواية العامّة با طعام عشرة مساكين لمن عجز عنها ثمّ
صيام ثلاثة
، وهذا هو الأقوى. وفي الدروس نسب مشاركتهما له إلى الثلاثة
وهو مشعر بالضعف. وتظهر فائدة القولين في وجوب إكمال إطعام العشرة وإن لم تبلغها
القيمة على الثاني ، والاقتصار في الإطعام على مُدّ.
«وفي كسر بيض النعام لكلّ بيضة بَكْرَة
من الإ بل» وهي الفتيّة منها ، بنت المخاض
فصاعداً مع صدق اسم الفتيّ. والأقوى إجزاء البَكر؛ لأنّ مورد النصّ البكارة
وهي جمع ل «بَكر» و «بَكرة» «إن
تحرّك الفرخ» في البيضة «وإلّا»
يتحرّك «أرسل
فحولة الإ بل في إناث» منها «بعدد البيض ، فالناتج
هدي» بالغ الكعبة ، لا كغيره من الكفّارات.
ويعتبر في الاُنثى صلاحيّة الحمل ، ومشاهدة الطَرْق وكفاية الفحل للاُناث عادة.
ولا فرق بين كسر البيضة بنفسه
____________________
ودابّته ، ولو ظهرت
فاسدةً أو الفرخ ميّتاً فلا شيء. ولا يجب تربية الناتج بل يجوز صرفه من حينه ،
ويتخيّر بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاجّ ، كغيره من مال الكعبة.
«فإن عجز»
عن الإرسال «فشاة
عن البيضة» الصحيحة «ثمّ»
مع العجز عن الشاة «إطعام
عشرة مساكين» لكلّ مسكين مُدّ ،
وإنّما أطلق؛ لأنّ ذلك ضابطه حيث لا نصّ على الزائد ، ومصرف الشاة والصدقة كغيرهما
لا كالمبدل
«ثم
صيام ثلاثة» أيّام لو عجز عن
الإطعام.
«وفي كسر كلّ بيضة من القطا والقَبج»
ـ بسكون الباء ـ وهو الحَجَل «والدرّاج
من صغار الغنم إن تحرّك الفرخ»
في البيضة. وكذا أطلق المصنّف هنا وجماعة
وفي الدروس جعل في الأوّلين مخاضاً من الغنم
أي من شأنها الحمل ، ولم يذكر الثالث. والنصوص خالية عن ذكر الصغير.
والموجود في الصحيح منها : أنّ في بيض
القطاة بكارة من الغنم
وأمّا المخاض فمذكور في مقطوعة
والعمل على الصحيح. وقد تقدّم أنّ المراد بالبكر الفتيّ ، وسيأتي أنّ في قتل القطا
والقَبْج والدرّاج حمل مفطوم
والفتيّ أعظم منه ،
____________________
فيلزم وجوب الفداء
للبيض أزيد ممّا يجب في الأصل ، إلّاأن يحمل الفتيّ على الحمل فصاعداً ، وغايته
حينئذٍ تساويهما في الفداء ، وهو سهل.
وأما بيض القبج والدرّاج فخالٍ عن النصّ
، ومن ثَمّ اختلفت العبارات فيها ، ففي بعضها
اختصاص موضع النصّ وهو بيض القطا ، وفي بعض
ـ ومنه الدروس
ـ إلحاق القبج ، وفي ثالثٍ
إلحاق الدرّاج بهما. ويمكن إلحاق القبج بالحمام في البيض؛ لأنّه صنف منه.
«وإلّا»
يتحرّك الفرخ «أرسل
في الغنم بالعدد» كما تقدّم في
النعام. «فإن
عجز» عن الإرسال «فكبيض النعام»
كذا أطلق الشيخ
تبعاً لظاهر الرواية
وتبعه الجماعة
وظاهره : أنّ في كلّ بيضة شاة ، فإن عجز أطعم عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة
أيّام.
ويشكل بأنّ الشاة لا تجب في البيضة
ابتداءً ، بل إنّما يجب نتاجها حين تولد على تقدير حصوله ، وهو أقلّ من الشاة
بكثير ، فكيف يجب مع العجز؟
____________________
وفسّره جماعة من المتأخّرين
ـ منهم المصنّف
ـ بأنّ المراد وجوب الأمرين الأخيرين
دون الشاة.
وهذا الحكم هو الأجود ، لا لما ذكروه ـ
لمنع كون الشاة أشقّ من الإرسال ، بل هي أسهل على أكثر الناس؛ لتوقّفه على تحصيل
الإناث والذكور ، وتحرّي زمن الحمل ومراجعتها إلى حين النتاج ، وصرفه هدياً للكعبة
، وهذه اُمور تعسر على الحاجّ غالباً أضعاف الشاة ـ بل لأنّ الشاة يجب أن تكون
مجزئة هنا بطريق أولى؛ لأ نّها أعلى قيمة وأكثر منفعة من النتاج ، فيكون كبعض
أفراد الواجب ، والإرسال أقلّه. ومتى تعذّر الواجب انتقل إلى بدله ، وهو هنا
الأمران الآخران
من حيث البدل العامّ لا الخاصّ ، لقصوره عن الدلالة؛ لأنّ بدليّتهما عن الشاة
يقتضي بدليتهما عما هو دونها قيمةً بطريقٍ أولى.
«وفي الحمامة وهي المطوَّقة أو ما تَعُبُّ
الماء» بالمهملة أي تشربه من غير مصّ كما
تَعُبُّ الدوابّ ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير.
و «أو»
هنا يمكن كونُه للتقسيم بمعنى كون كلّ واحد من النوعين حماماً ، وكونُه للترديد ،
لاختلاف الفقهاء وأهل اللغة في اختيار كلّ منهما ، والمصنّف في الدروس اختار
الأوّل خاصّة
واختار المحقّق والعلّامة الثاني خاصّة
والظاهر
____________________
أنّ التفاوت بينهما
قليل ، أو منتفٍ ، وهو يصلح لجعل المصنِّف كلّاً منهما معرِّفاً. وعلى كلّ تقدير
فلا بدّ من إخراج القطا والحَجَل من التعريف؛ لأنّ لهما كفّارة معيّنة غير كفّارة
الحمام ، مع مشاركتهما له في التعريف ، كما صرّح به جماعة .
وكفّارة الحمام بأيّ معنى اعتبر «شاة على المحرم في
الحلّ ، ودرهم على المحلّ في الحرم»
على المشهور. وروي أنّ عليه فيه القيمة
وربّما قيل بوجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة
أمّا الدرهم فللنصّ
وأمّا القيمة فله أو لأنّها تجب للمملوك في غير الحرم ، ففيه أولى. والأقوى وجوب
الدرهم مطلقاً في غير الحمام المملوك ، وفيه الأمران معاً ، الدرهم للّٰهوالقيمة
للمالك. وكذا القول في كلّ مملوك بالنسبة إلى فدائه وقيمته.
«ويجتمعان»
الشاة والدرهم «على
المحرم في الحرم» الأوّل لكونه
محرماً ، والثاني لكونه في الحرم. والأصل عدم التداخل ، خصوصاً مع اختلاف حقيقة
الواجب.
«وفي فرخها حَمَلٌ»
ـ بالتحريك ـ من أولاد الضأن ما سنّه أربعة أشهر فصاعداً «ونصف درهم عليه»
أي على المحرم في الحرم «ويتوزّعان
على أحدهما» فيجب الأوّل على
المحرم في الحلّ ، والثاني على المحلّ في الحرم بقرينة ما تقدّم ترتيباً وواجباً.
____________________
«وفي بيضها درهم وربع»
على المحرم في الحرم «ويتوزّعان
على أحدهما» وفي بعض النسخ «إحداهما»
فيهما أي الفاعلين أو
الحالتين ، فيجب درهم على المحرم في الحلّ وربعٌ على المحلّ في الحرم.
ولم يُفرِّق في البيض بين كونه قبل
تحرّك الفرخ وبعده. والظاهر أنّ مراده الأوّل ، أمّا الثاني فحكمه حكم الفرخ كما
صرّح به في الدروس
وإن كان إلحاقه به مع الإطلاق لا يخلو من بُعدٍ.
وكذلك لم يُفرِّق بين الحمام المملوك
وغيره ، ولا بين الحرمي وغيره.
والحقّ ثبوت الفرق كما صرّح به في
الدروس
وغيره فغير المملوك حكمه
ذلك ، والحرمي منه يشتري بقيمته ـ الشاملة للفداء ـ علفاً لحمامه ، وليكن قمحاً؛
للرواية
والمملوك كذلك مع إذن المالك أو كونه المتلف ، وإلّا وجب ما ذكر للّٰهوقيمته
السوقيّة للمالك.
«وفي كلّ واحد من القطا والحَجَل
والدرّاج حَمَل مفطوم رعى*»
قد كمل سنّه أربعة أشهر ، وهو قريب من صغير الغنم في فرخها. ولا بُعد في تساوي
فداء الصغير والكبير ، كما ذكرناه .
وهو أولى من حمل المصنّف «المخاض»
الذي اختاره ثَمّ على «بنت
____________________
المخاض» أو على أنّ
فيها هنا مخاضاً بطريق أولى؛ للإجماع على انتفاء الأمرين.
وكذا ممّا قيل : من أنّ مبنى شرعنا على
اختلاف المتّفقات واتّفاق المختلفات
فجاز أن يثبت في الصغير زيادة على الكبير. والوجه ما ذكرناه؛ لعدم التنافي بوجه.
هذا على تقدير اختيار صغير الغنم في
الصغير كما اختاره المصنّف
أو على وجوب الفتيّ كما اخترناه
وحَمْلِه على الحَمَل ، وإلّا بقي الإشكال.
«وفي كلّ من القنفذ والضبّ واليربوع
جَدْيٌ» على المشهور. وقيل : حمل فطيم
والمرويّ الأوّل
وإن كان الثاني مجزئاً بطريق أولى ، ولعلّ القائل فسّر به الجدي.
«وفي كلّ من القُبّرة»
بالقاف المضمومة ثم الباء المشدّدة بغير نون بينهما «والصعوة»
وهي عصفور صغير له ذنب طويل يرمح به
«والعصفور»
بضمّ العين وهو ما دون الحمامة ، فيشمل الآخرين
وإنّما جمعها تبعاً للنصّ
ويمكن أن يريد به العصفور الأهلي ـ كما سيأتي تفسيره به في الأطعمة ـ فيغايرهما
____________________
«مدّ»
من «طعام»
وهو هنا
ما يؤكل من الحبوب وفروعها والتمر والزبيب وشبهها.
«وفي الجرادة تمرة»
وتمرة خير من جرادة
«وقيل
: كفّ من طعام »
وهو مرويّ أيضاً
فيتخيّر بينهما جمعاً ، واختاره في الدروس .
«وفي كثير الجراد شاة»
والمرجع في الكثرة إلى العرف ، ويحتمل اللغة فيكون الثلاثة كثيراً ، ويجب لما دونه
في كلّ واحدة تمرة أو كفّ «ولو
لم يمكن التحرّز» من قتله ، بأن كان
على طريقه بحيث لا يمكن التحرّز منه إلّابمشقّة كثيرة لا تتحمّل عادة ، لا الإمكان
الحقيقي «فلا
شيء».
«وفي القملة»
يلقيها عن ثوبه أو بدنه وما أشبههما أو يقتلها «كفّ»
من «طعام»
ولا شيء في البرغوث وإن منعنا قتله.
وجميع ما ذكر حكم المحرم في الحلّ. أمّا
المحلّ في الحرم فعليه القيمة فيما لم ينصّ على غيرها ، ويجتمعان على المحرم في
الحرم. ولو لم يكن له قيمة فكفّارته الاستغفار.
«ولو نفَّر حمام الحرم وعاد»
إلى محلّه «فشاة»
عن الجميع «وإلّا»
يَعُد «فعن
كلّ واحدة شاة» على المشهور ،
ومستنده غير معلوم. وإطلاق الحكم
____________________
يشتمل مطلق التنفير
وإن لم يخرج من الحرم. وقيّده المصنّف في بعض تحقيقاته
بما لو تجاوز الحرم.
وظاهرهم أنّ هذا حكم المحرم في الحرم ،
فلو كان محلّاً فمقتضى القواعد وجوب القيمة إن لم يعد ، تنزيلاً له منزلة الإتلاف.
ويشكل حكمه مع العود ، وكذا حكم المحرم
لو فعل ذلك في الحلّ. ولو كان المُنفَّر واحدة ففي وجوب الشاة مع عودها وعدمه
تَساوي الحالتين ، وهو بعيد.
ويمكن عدم وجوب شيءٍ مع العود وقوفاً
فيما خالف الأصل على موضع اليقين وهو «الحمام» وإن لم نجعله اسم جنس يقع على
الواحدة.
وكذا الإشكال لو عاد البعض خاصّة وكان
كلّ من الذاهب والعائد واحدة. بل الإشكال في العائد وإن كثر؛ لعدم صدق «عود الجميع»
الموجب للشاة.
ولو كان المنفِّر جماعة ففي تعدّد
الفداء عليهم أو اشتراكهم فيه ، خصوصاً مع كون فعل كلّ واحد لا يوجب النفور ،
وجهان. وكذا في إلحاق غير الحمام به ، وحيث لا نصّ ظاهراً ينبغي القطع بعدم
اللحوق. فلو عاد فلا شيء ، ولو لم يعد ففي إلحاقه بالإتلاف نظر ، لاختلاف
الحقيقتين.
ولو شكّ في العدد بني على الأقلّ ، وفي
العود على عدمه ، عملاً بالأصل فيهما.
«ولو أغلق على حمام وفراخ وبيض فكالإتلاف
مع جهل الحال أو علم التلف»
فيضمن المحرمُ في الحلّ كلَّ حمامة بشاة ، والفرخَ بحمل ، والبيضةَ بدرهم.
والمحلُّ في الحرم الحمامةَ بدرهم ، والفرخَ بنصفه ، والبيضة بربعه. ويجتمعان على
من جمع الوصفين. ولا فرق بين حمام الحرم وغيره إلّاعلى الوجه السابق.
____________________
ولو باشر الإتلاف جماعة أو تسبّبوا أو
باشر بعض وتسبّب الباقون «فعلى
كلٍّ فداء» لأنّ كلّ واحد من الفعلين موجب له.
وكذا لو باشر واحد اُموراً متعدّدة يجب لكلّ
منها الفداء ، كما لو اصطاد وذبح وأكل ، أو كسر البيض وأكل ، أو دلّ على الصيد
وأكل. ولا فرق بين كونهم محرمين ومحلّين في الحرم والتفريق ، فيلزم كلّاً حكمه ،
فيجتمع على المحرم منهم في الحرم الأمران.
«وفي كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي
عينيه أو يديه أو رجليه القيمة ، والواحد بالحساب»
ففيه نصف القيمة ، ولو جمع بينه وبين آخر من اثنين فتمام القيمة ، وهكذا ...
هذا هو المشهور. ومستنده ضعيف
وزعموا أنّ ضعفه منجبر بالشهرة. وفي الدروس جزم بالحكم في العينين ، ونسبه في
اليدين والرجلين إلى القيل .
والأقوى وجوب الأرش في الجميع؛ لأنّه
نقص حدث على الصيد ، فيجب أرشه حيث لا معيِّن يعتمد عليه.
«ولا يدخل الصيد في ملك المحرم بحيازة
ولا عقد ولا إرث» ولا غيرها من
الأسباب المملِّكة كنذره له. هذا إذا كان عنده ، أمّا النائي فالأقوى دخوله في
ملكه ابتداءً اختياراً كالشراء وغيره كالإرث ، وعدم خروجه بالإحرام ، والمرجع فيه
إلى العرف.
____________________
«ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة
بتلك اليد» الجانية ، وليس في العبارة أنّه نتفها
باليد حتى يشير إليها ، بل هي أعمّ ، لجواز نتفها بغيرها. والرواية وردت بأ نّه
يتصدّق باليد الجانية
وهي سالمة من الإ يراد.
ولو اتّفق النتف بغير اليد جازت الصدقة
كيف شاء ويجزئ مسمّاها. ولا تسقط بنبات الريش ، ولا تجزئ بغير اليد الجانية.
ولو نتف أكثر من ريشة ففي الرجوع إلى
الأرش عملاً بالقاعدة أو تعدّد الصدقة بتعدّده؟ وجهان ، اختار ثانيهما المصنّف في
الدروس
وهو حسن إن وقع النتف على التعاقب ، وإلّا فالأوّل أحسن إن أوجب أرشاً ، وإلّا
تصدّق بشيءٍ ، لثبوته بطريق أولى. ولو نتف غير الحمامة أو غير الريش فالأرش. ولو
أحدث ما لا يوجب الأرش نقصاً ضمن أرشه. ولا يجب تسليمه باليد الجانية؛ للأصل.
«وجزاؤه»
أي جزاء الصيد مطلقاً يجب إخراجه «بمنى»
إن وقع «في
إحرام الحجّ ، وبمكة في إحرام العمرة»
ولو افتقر إلى الذبح وجب فيهما أيضاً كالصدقة. ولا تجزئ الصدقة قبل الذبح ،
ومستحقّه الفقراء والمساكين بالحرم فعلاً أو قوّة كوكيلهم فيه. ولا يجوز الأكل منه
إلّابعد انتقاله إلى المستحقّ بإذنه ، ويجوز في الإطعام التمليك والأكل.
____________________
«البحث الثاني»
«في» كفّارة «باقي
المحرّمات»
«في الوطء»
عامداً عالماً بالتحريم «قبلاً
أو دبراً قبل المشعر وإن وقف بعرفة»
على أصحّ القولين «بدنة
، ويتمّ حجه ويأتي به من قابل »
فوريّاً إن كان الأصل كذلك «وإن
كان الحجّ نفلاً» ولافرق في ذلك بين
الزوجة والأجنبيّة ، ولا بين الحرّة والأمة. ووطء الغلام كذلك في أصحّ القولين
دون الدابّة في الأشهر.
وهل الاُولى فرضه والثانية عقوبة ، أو
بالعكس؟ قولان
والمرويّ الأوّل ، إلّا أنّ الرواية مقطوعة
وقد تقدّم .
____________________
وتظهر الفائدة في الأجير لتلك السنة ،
أو مطلقاً ، وفي كفّارة خلف النذر وشبهه لو عيّنه بتلك السنّة ، وفي المفسد
المصدود
إذا تحلّل ثم قدر على الحجّ لسنته أو غيرها.
«وعليها مطاوعةً مثلُه»
كفّارة وقضاء.
واحترزنا بالعالم العامد عن الناسي ولو
للحكم ، والجاهل ، فلا شيء عليهما. وكان عليه تقييده وإن امكن إخراج الناسي من حيث
عدم كونه محرّماً في حقّه. أمّا الجاهل فآثم.
«ويفترقان إذا بلغا موضع الخطيئة بمصاحبة
ثالث» محترم «في»
حجّ «القضاء»
إلى آخر المناسك.
«وقيل :»
يفترقان «في
الفاسد أيضاً» من موضع الخطيئة
إلى تمام مناسكه
وهو قويّ مرويّ
وبه قطع المصنّف في الدروس .
____________________
ولو حجّا في القابل على غير تلك الطريق
فلا تفريق وإن وصل
إلى موضع يتّفق فيه الطريقان كعرفة ، مع احتمال وجوب التفريق في المتّفق منه. ولو
توقّفت مصاحبة الثالث على اُجرة أو نفقة وجبت عليهما.
«ولو كان مكرهاً لها تحمّل»
عنها «البدنة
لا غير» أي لا يجب عليه القضاء عنها ، لعدم
فساد حجّها بالإكراه ، كما لا يفسد حجّه لو أكرهته. وفي تحمّلها عنه البدنة وتحمّل
الأجنبيّ لو أكرههما وجهان ، أقربهما العدم؛ للأصل.
ولو تكرّر الجماع بعد الإفساد تكرّرت
البدنة لا غير ، سواء كفَّر عن الأوّل أم لا. نعم لو جامع في القضاء لزمه ما لزمه
أوّلاً ، سواء جعلناها فرضه أم عقوبة. وكذا القول في قضاء القضاء.
«وتجب البدنة»
من دون الإفساد بالجماع «بعد
المشعر إلى أربعة أشواط من طواف النساء. والأولى»
بل الأقوى «بعد
خمسة» أي إلى تمام الخمسة ، أمّا بعدها فلا
خلاف في عدم وجوب البدنة. وجعلُه الحكمَ أولى يدلّ على اكتفائه بالأربعة في
سقوطها. وفي الدروس قطع باعتبار الخمسة ونسب اعتبار الأربعة إلى الشيخ والرواية
وهي ضعيفة .
نعم يكفي الأربعة في البناء عليه وإن وجبت الكفّارة. ولو كان قبل إكمال الأربعة
فلا خلاف في وجوبها.
«ولكن لو كان قبل طواف الزيارة»
أي قبل إكماله وإن بقي منه خطوة «وعجز عن البدنة تخيّر بينها وبين بقرة
أو شاة» لا وجه للتخيير بين البدنة
____________________
وغيرها بعد العجز
عنها ، فكان الأولى أنّه مع العجز عنها يجب بقرة أو شاة. وفي الدروس أوجب فيه بدنة
، فإن عجز فبقرة ، فإن عجز فشاة
وغيره خيّر بين البقرة والشاة
والنصوص خالية عن هذا التفصيل ، لكنّه مشهور في الجملة ـ على اختلاف ترتيبه ـ
وإنّما اُطلق في بعضها الجزور
وفي بعضها الشاة .
«ولو جامع أمته المحرمة بإذنه محلّاً
فعليه بدنة أو بقرة أو شاة ، فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاة أو صيام ثلاثة»
أيّام ، هكذا وردت الرواية
وأفتى بها الأصحاب
وهي شاملة بإطلاقها ما لو أكرهها أو طاوعته
لكن مع مطاوعتها يجب عليها الكفّارة أيضاً بدنة ، وصامت عوضها ثمانية عشر يوماً مع
علمها بالتحريم ، وإلّا فلا شيء عليها.
والمراد بإعساره الموجب للشاة أو الصيام
: إعساره عن البدنة والبقرة. ولم يقيَّد في الرواية والفتوى الجماعُ بوقت ، فيشمل
سائر أوقات إحرامها التي يحرم الجماع بالنسبة إليه ، أمّا بالنسبة إليها فيختلف الحكم
كالسابق ، فلو كان قبل الوقوف بالمشعر فسد حجّها مع المطاوعة والعلم.
____________________
واحترز بالمحرمة بإذنه عمّا لو فعلته
بغيره ، فإنّه يلغو فلا شيء عليهما. ولا يلحق بها الغلام المحرم بإذنه وإن كان
أفحش ، لعدم النصّ ، وجواز اختصاص الفاحش بعدم الكفّارة عقوبةً ، كسقوطها عن معاود
الصيد عمداً للانتقام .
«ولو نظر إلى أجنبيّة فأمنى»
من غير قصد له ولا عادة «فبدنة
للموسر» أي عليه «وبقرة للمتوسّط ،
وشاة للمعسر» والمرجع في
المفهومات الثلاثة إلى العرف.
وقيل : ينزَّل ذلك على الترتيب ، فتجب
البدنة على القادر عليها فإن عجز عنها فالبقرة ، فإن عجز عنها فالشاة
وبه قطع في الدروس
والرواية تدلّ على الأوّل ، وفيها أنّ الكفارة للنظر لا للإمناء
ولو قصده أو كان من عادته فكالمستمني ، وسيأتي.
«ولو نظر إلى زوجته بشهوة فأمنى فبدنة»
وفي الدروس جزور
والظاهر اجزاؤهما ، وبغير شهوة لا شيء وإن أمنى ما لم يقصده أو يعتده.
«ولو مسّها فشاة إن كان بشهوة وإن لم يمن
، وبغير شهوة لا شيء» وإن أمنى ما لم
يحصل أحد الوصفين .
«وفي تقبيلها بشهوة جزور»
أنزل أم لا ، ولو طاوعته فعليها مثله «وبغيرها»
أي بغير شهوة «شاة»
أنزل أم لا مع عدم الوصفين.
____________________
«ولو أمنى بالاستمناء أو بغيره من
الأسباب التي تصدر عنه فبدنة».
وهل يفسد به الحجّ مع تعمّده والعلم
بتحريمه؟ قيل : نعم
وهو المرويّ
من غير معارض. وينبغي تقييده بموضع يُفسِده الجماع. ويُستثنى من الأسباب التي
عمّمها ما تقدّم من المواضع التي لا توجب البدنة بالإمناء ، وهي كثيرة.
«ولو عقد المحرم أو المحلّ لمحرم على
امرأة فدخل ، فعلى كلّ منهما»
أي من العاقد والمحرم المعقود له «بدنة»
والحكم بذلك مشهور ، بل كثير منهم لا ينقل فيه خلافاً ، ومستنده رواية سماعة
وموضع الشكّ وجوبها على العاقد المحلّ. وتضمّنت أيضاً وجوب الكفّارة على المرأة
المحلّة مع علمها بإحرام الزوج. وفيه إشكال ، لكن هنا قطع المصنّف في الدروس بعدم
الوجوب عليها
وفي الفرق نظر.
وذهب جماعة إلى عدم وجوب شيء على المحلّ
فيهما سوى الإثم استناداً إلى الأصل وضعف مستند الوجوب
أو بحمله على الاستحباب
والعمل بالمشهور أحوط. نعم لو كان الثلاثة محرمين وجبت على الجميع ، ولو كان
العاقد والمرأة محرمين خاصّة وجبت الكفّارة على المرأة مع الدخول والعلم بسببه ،
لا بسبب العقد. وفي وجوبها على العاقد الإشكال ، وكذا الزوج.
____________________
«والعمرة المفردة إذا أفسدها»
بالجماع قبل إكمال سعيها أو غيره «قضاها في الشهر الداخل ، بناءً على أنّه
الزمان بين العمرتين» ولو جعلناه عشرة
أيّام اعتبر بعدها. وعلى الأقوى من عدم تحديد وقت بينهما يجوز قضاؤها معجّلاً بعد
إتمامها وإن كان الأفضل التأخير ، وسيأتي ترجيح المصنّف عدم التحديد.
«وفي لُبس المخيط»
وما في حكمه «شاة»
وإن اضطرّ.
«وكذا»
تجب الشاة في «لُبس
الخفّين» أو أحدهما «أو الشُمِشك»
بضمّ الشين وكسر الميم «أو
الطيب ، أو حلق الشعر» وإن قلّ مع صدق
اسمه ، وكذا إزالته بنتف ونورة وغيرهما.
«أو قصّ * الأظفار»
أي أظفار يديه ورجليه جميعاً «في
مجلس ، أو يديه» خاصّة في مجلس «أو رجليه»
كذلك «وإلّا
فعن كلّ ظفر مدّ» ولو كفّر لما لا
يبلغ الشاة ثم أكمل اليدين أو الرجلين لم يجب الشاة ، كما أنّه لو كفَّر بشاة
لأحدهما ثم أكمل الباقي في المجلس تعدّدت. والظاهر أنّ بعض الظفر كالكلّ ، إلّاأن
يقصّه في دفعات مع اتّحاد الوقت عرفاً فلا يتعدّد فديته.
«أو قلع ** شجرةٍ من الحرم صغيرةٍ»
غير ما استثني
ولا فرق هنا بين المحرم والمحلّ. وفي معنى قلعها قطعها من أصلها. والمرجع في
الصغيرة والكبيرة إلى العرف. والحكم بوجوب شيء للشجرة مطلقاً هو المشهور ، ومستنده
رواية مرسلة .
____________________
«أو ادّهن بمطيّب *»
ولولضرورة. أمّا غيرالمطيّب فلا شيء فيه وإن أثم.
«أو قلع ضرسه»
مع عدم الحاجة إليه في المشهور ، والرواية به مقطوعة
وفي إلحاق السنّ به وجه بعيد. وعلى القول بالوجوب لو قلع متعدّداً فعن كلّ واحد
شاة وإن اتّحد المجلس.
«أو نتف إبطيه»
أو حلقهما «وفي
أحدهما إطعام ثلاثة مساكين»
أمّا لو نتف بعض كلّ منهما فأصالة البراءة تقتضي عدم وجوب شيء. وهو مستثنى من عموم
إزالة الشعر الموجب للشاة؛ لعدم وجوبها لمجموعه ، فالبعض أولى.
«أو أفتى بتقليم الظفر فأدمى المستفتي.
والظاهر أنّه لا يشترط كون المفتي محرماً»
لإطلاق النصّ
ولا كونه مجتهداً ، نعم يشترط صلاحيّته للإفتاء بزعم المستفتي ليتحقّق الوصف
ظاهراً. ولو تعمّد المستفتي الإدماء فلا شيء على المفتي. وفي قبول قوله في حقّه
نظر ، وقرَّب المصنّف في الدروس القبول
ولا شيء على المفتي في غير ذلك ، للأصل ، مع احتماله.
«أو جادل»
بأن حلف بإحدى الصيغتين
أو مطلقاً «ثلاثاً
صادقاً» من غير ضرورة إليه ، كإثبات حقّ أو
دفع باطل يتوقّف عليه. ولو زاد الصادق عن ثلاث ولم يتخلّل التكفير فواحدة عن
الجميع. ومع تخلّله فلكلّ ثلاث شاة «أو واحدة كاذباً».
____________________
«وفي اثنتين كاذباً * بقرة. وفي الثلاث»
فصاعداً «بدنة»
إن لم يكفِّر عن السابق ، فلو كفَّر [عن]
كلّ واحدة فالشاة ، أو اثنتين فالبقرة. والضابط اعتبار العدد السابق ابتداءً أو
بعد التكفير ، فللواحدة شاة ، وللاثنتين بقرة ، وللثلاث بدنة.
«وفي الشجرة الكبيرة»
عرفاً «بقرة»
في المشهور. ويكفي فيها وفي الصغيرة كون شيءٍ منها في الحرم ، سواء كان أصلها أم
فرعها. ولا كفّارة في قلع الحشيش وإن أثم في غير الإذخر وما أنبته الآدمي. ومحلّ
التحريم فيهما
الأخضر ، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقاً لا قلعه إن كان أصله ثابتاً.
«ولو عجز عن الشاة ** في كفّارة الصيد»
التي لا نصّ على بدلها «فعليه
إطعام عشرة مساكين» لكلّ مسكين مدّ «فإن عجز صام ثلاثة
أيّام» وليس في الرواية التي هي مستند الحكم
تقييد بالصيد
فتدخل الشاة الواجبة بغيره من المحرمات.
«ويتخيّر بين شاة الحلق ـ لأذىً أو غيره
ـ وبين إطعام عشرة» مساكين «لكلّ واحد مدّ ، أو
صيام ثلاثة» أيّام. أمّا غيرها
فلا ينتقل إليهما إلّامع العجز عنها ، إلّافي شاة وطء الأمة ، فيتخيّر بينها وبين
الصيام كما مرّ .
____________________
«وفي شعر سقط من لحيته أو رأسه»
قلَّ أم كثر «بمسّه
كفّ» من «طعام. ولو كان في الوضوء»
واجباً أم مندوباً «فلا
شيء» وألحق به المصنّف في الدروس الغسل
وهو خارج عن مورد النصّ
والتعليل بأ نّه فعل واجب فلا يتعقّبه فدية يوجب إلحاق التيمّم وإزالة النجاسة
بهما ولا يقول به.
«وتتكرّر الكفّارة بتكرّر الصيد عمداً أو
سهواً» أمّا السهو فموضع وفاق. وأما تكرّره
عمداً فوجهه صدق اسمه الموجب له ، والانتقام منه
غير منافٍ لها؛ لإمكان الجمع بينهما. والأقوى عدمه ، واختاره المصنّف في الشرح
للنصّ عليه صريحاً في صحيحة ابن أبي عمير
مفسِّراً به الآية ، وإن كان القول بالتكرار أحوط. وموضع الخلاف العمد بعد العمد.
أمّا بعد الخطأ أو بالعكس فيتكرّر قطعاً. ويعتبر كونه في إحرام واحد أو في التمتع
مطلقاً ، أمّا لو تعدّد في غيره تكرّرت.
«وبتكرّر اللُبس»
للمخيط «في
مجالس» فلو اتّحد المجلس لم يتكرّر ، اتّحد
جنس الملبوس أم اختلف ، لبسها دفعةً أم على التعاقب ، طال المجلس أم قصر.
«و»
بتكرّر «الحلق
في أوقات» متكثّرة عرفاً وإن اتّحد المجلس «وإلّا فلا»
يتكرّر.
____________________
وفي الدروس جعل ضابط تكرّرها في الحلق
واللُبس والطيب والقُبلة تعدّدَ الوقت ، ونقل ما هنا عن المحقّق
ولم يتعرّض لتكرّر ستر ظهر القدم والرأس.
والأقوى في ذلك كلّه تكرّرها بتكّرره
مطلقاً مع تعاقب الاستعمال لُبساً وطيباً وستراً وحلقاً وتغطيةً وإن اتّحد الوقت
والمجلس ، وعدمه مع إيقاعها دفعة بأن جمع من الثياب جملة ووضعها على بدنه وإن
اختلفت أصنافها.
«ولا كفّارة على الجاهلِ والناسي في غير
الصيد» أمّا فيه فتجب مطلقاً حتى على غير المكلَّف
، بمعنى اللزوم في ماله أو على الوليّ.
«ويجوز تخلية الإ بل»
وغيرها من الدوابّ «للرعي
في الحرم» وإنّما يحرم مباشرة قطعه على المكلّف
محرماً وغيره.
____________________
«الفصل السابع»
«في الإحصار والصدّ»
أصل الحصر : المنع ، والمراد به هنا :
منع الناسك بالمرض عن نسك يفوت الحجّ أو العمرة بفواته مطلقاً كالموقفين ، أو عن
النسك المحلِّل على تفصيل يأتي.
والصدّ : بالعدوّ وما في معناه مع قدرة
الناسك بحسب ذاته على الإكمال.
وهما مشتركان
في ثبوت أصل التحلّل بهما في الجملة.
ويفترقان : في عموم التحلّل ، فإنّ
المصدود يحلّ له بالمحلِّل كلّ ما حرّمه الإحرام والمحصَر ما عدا النساء. وفي مكان
ذبح هدي التحلّل ، فالمصدود يذبحه أو ينحره حيث وُجد المانع ، والمحصَر يبعثه إلى
محلّه بمكّة ومنى. وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلّل للمحصَر دون المصدود؛ لجوازه
بدون الشرط.
وقد يجتمعان على المكلَّف بإن يمرض
ويصدّه العدوّ ، فيتخيّر في أخذ حكم ما شاء منهما وأخذ الأخفّ من أحكامهما؛ لصدق
الوصفين الموجب للأخذ بالحكم ، سواء عرضا دفعةً أم متعاقبين.
و «متى اُحصر»
الحاجّ «بالمرض
عن الموقفين» معاً أو عن أحدهما
مع فوات الآخر أو عن المشعر مع إدراك اضطراري عرفة خاصّة دون العكس ،
____________________
وبالجملة متى اُحصر
عمّا يفوت بفواته الحجّ «أو»
اُحصر المعتمر عن «مكّة»
أو عن الأفعال بها وإن دخلها «بعث»
كلّ منهما «ما
ساقه» إن كان قد ساق هدياً «أو»
بعث «هدياً
أو ثمنه» إن لم يكن ساق. والاجتزاء بالمسوق
مطلقاً هو المشهور؛ لأنّه هدي مستيسر .
والأقوى عدم التداخل إن كان السياق
واجباً ولو بالإشعار أو التقليد ، لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدّد المسبَّب. نعم
، لو لم يتعيّن ذبحه كفى ، إلّاأنّ إطلاق «هدي السياق»
حينئذٍ عليه مجاز. وإذا بعث واعَدَ نائبه وقتاً معيّناً لذبحه أو نحره.
«فإذا بلغ الهديُ محلّه ، وهي منى إن كان
حاجّاً ، ومكّة إن كان معتمراً»
ووقت المواعدة «حلق
أو قصّر وتحلّل» بنيّته «إلّامن النساء حتى
يحجّ» في القابل ، أو يعتمر مطلقاً «إن كان»
النسك الذي دخل فيه «واجباً»
مستقرّاً «أو
يطاف عنه للنساء» مع وجوب طوافهنّ في
ذلك النسك «إن
كان ندباً» أو واجباً غير مستقرّ بأن استطاع له
في عامه.
«ولا يسقط الهدي»
الذي يتحلّل به «بالاشتراط»
وقتَ الإحرام أن يحلّه حيث حبسه كما سلف «نعم له تعجيل التحلّل»
مع الاشتراط من غير انتظار بلوغ الهدي محلّه ، وهذه فائدة الاشتراط فيه.
وأمّا فائدته في المصدود فمنتفية ،
لجواز تعجيله التحلّل بدون الشرط. وقيل : إنّها سقوط الهدي
وقيل : سقوط القضاء على تقدير وجوبه بدونه .
____________________
والأقوى أنّه تعبّد
شرعي ودعاء مندوب؛ إذ لا دليل على ما ذكروه من الفوائد.
«ولا يبطل تحلّله»
الذي أوقعه بالمواعدة «لو
ظهر عدم ذبح الهدي» وقتَ المواعدة ولا
بعده ، لامتثاله المأمور المقتضي لوقوعه مجزياً يترتّب عليه أثره «ويبعثه في القابل»
لفوات وقته في عام الحصر «ولا
يجب الإمساك عند بعثه» عمّا يُمسكه المحرم
إلى أن يبلغ محلّه «على
الأقوى» لزوال الإحرام بالتحلّل السابق ،
والإمساك تابع له. والمشهور وجوبه؛ لصحيحة معاوية بن عمّار : «يبعث من قابل ويمسك
أيضاً»
وفي الدروس اقتصر على المشهور
ويمكن حمل الرواية على الاستحباب ، كإمساك باعث هديه من الآفاق تبرّعاً.
«ولو زال عذره التحق»
وجوباً وإن بعث هديه «فإن
أدرك ، وإلّا تحلّل بعمرة»
وإن ذُبح أو نحر هديُه على الأقوى؛ لأنّ التحلّل بالهدي مشروط بعدم التمكّن من
العمرة ، فإذا حصل انحصر فيه. ووجه العدم : الحكم بكونه محلَّلاً قبل التمكّن ،
وامتثال الأمر المقتضي له.
«ومن صُدّ بالعدوّ عمّا ذكرناه»
من الموقفين ومكّة «ولا
طريق غيره» أي غير المصدود عنه «أو»
له طريق آخر ولكن «لا
نفقة» له تبلغه ولم يَرجُ زوال المانع قبل
خروج الوقت «ذبح
هديه» المسوق أو غيره كما تقرّر «وقصّر أو حلق وتحلّل
حيث صُدّ حتى من النساء» من غير تربّص ولا
انتظار طوافهنّ.
«ولو اُحصر عن عمرة التمتّع فتحلّل
فالظاهر حلّ النساء أيضاً»
إذ لا طواف لهنّ بها حتى يتوقّف حلّهن عليه. ووجه التوقّف عليه إطلاق الأخبار
بتوقّف حلّهنّ عليه
من غير تفصيل.
____________________
واعلم أنّ المصنّف وغيره أطلقوا القول
بتحقّق الصدّ والحصر بفوات الموقفين ومكّة في الحجّ والعمرة ، وأطبقوا على عدم
تحقّقه بالمنع عن المبيت بمنى ورمي الجمار ، بل يستنيب في الرمي في وقته إن أمكن
وإلّا قضاه في القابل.
وبقي اُمور :
منها : منع الحاجّ عن مناسك منى يوم
النحر إذا لم يُمكنه الاستنابة في الرمي والذبح ، وفي تحقّقهما به
نظر : من إطلاق النص
وأصالة البقاء. أمّا لو أمكنه الاستنابة فيهما فعل وحلق ، أو قصّر مكانه وتحلّل
وأتمّ باقي الأفعال.
ومنها : المنع عن مكّة وأفعال منى معاً
، وأولى بالجواز هنا لو قيل به ثمَّ. والأقوى تحقّقه هنا؛ للعموم .
ومنها : المنع عن مكّة خاصّة بعد
التحلّل بمنى. والأقوى عدم تحقّقه ، فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الصيد والطيب
والنساء إلى أن يأتي ببقيّة الأفعال ، أو يستنيب فيها حيث يجوز. ويحتمل مع خروج ذي
الحجّة التحلّل بالهدي ، لما في التأخير إلى القابل من الحرج.
ومنها : منع المعتمر عن أفعال مكّة بعد
دخولها. وقد أسلفنا أنّ حكمه حكم المنع عن مكّة لانتفاء الغاية بمجرّد الدخول.
ومنها : الصدّ عن الطواف خاصّة فيها وفي
الحجّ. والظاهر أنّه يستنيب فيه كالمريض مع الإمكان ، وإلّا بقي على إحرامه
بالنسبة إلى ما يحلّله إلى أن يقدر
____________________
عليه أو على
الاستنابة.
ومنها
: الصدّ عن السعي خاصّة ، فإنّه محلِّل
في العمرة مطلقاً ، وفي الحجّ على بعض الوجوه وقد تقدّم
وحكمه كالطواف. واحتمل في الدروس التحلّل منه في العمرة
لعدم إفادة الطواف شيئاً. وكذا القول في عمرة الإفراد لو صُدّ عن طواف النساء ،
والاستنابة فيه أقوى من التحلّل.
وهذه الفروض يمكن في الحصر مطلقاً ، وفي
الصدّ إذا كان خاصّاً
إذ لا فرق فيه بين العامّ والخاصّ بالنسبة إلى المصدود ، كما لو حبس بعض الحاجّ
ولو بحقّ يعجز عنه ، أو اتّفق له في تلك المشاعر من يخافه. ولو قيل بجواز
الاستنابة في كلّ فعل يقبل النيابة حينئذٍ كالطواف والسعي والرمي والذبح والصلاة
كان حسناً. لكن يستثنى منه ما اتّفقوا على تحقّق الصدّ والحصر به ، كهذه الأفعال
للمعتمر.
____________________
«خاتمة»
«تجب العمرة»
على المستطيع إليها سبيلاً «بشروط
الحجّ» وإن استطاع إليها خاصّة. وإلّا أن
تكون عمرة تمتّع فيشترط في وجوبها الاستطاعة لهما معاً ، لارتباط كلّ منهما
بالآخر.
وتجب أيضاً بأسبابه الموجبة له لو
اتّفقت لها كالنذر وشبهه والاستئجار والإفساد. وتزيد عنه بفوات الحجّ بعد الإحرام .
ويشتركان أيضاً في وجوب أحدهما تخييراً لدخول مكّة لغير المتكرّر ، والداخل لقتالٍ
، والداخل عقيب إحلال من إحرام ولمّا يمض شهر منذ الإحلال ، لا الإهلال.
«ويؤخّرها القارن والمفرد»
عن الحجّ مبادراً بها على الفور وجوباً كالحجّ. وفي الدروس : يجوز تأخيرها إلى
استقبال المحرَّم وليس منافياً للفور .
«ولا تتعيّن»
العمرة بالأصالة «بزمان
مخصوص» واجبة ومندوبة ، وإن وجب الفور
بالواجبة على بعض الوجوه ، إلّاأنّ ذلك ليس تعييناً للزمان. وقد يتعيّن زمانها
بنذر وشبهه.
«وهي مستحبّة مع قضاء الفريضة في كلّ شهر»
على أصحّ الروايات .
«وقيل : لا حدّ»
للمدّة بين العمرتين
«وهو
حسن» لأنّ فيه جمعاً
____________________
بين الأخبار الدالّ
بعضها على الشهر
، وبعض
على السنة
، وبعض على عشرة أيّام
بتنزيل ذلك على مراتب الاستحباب. فالأفضل الفصل بينهما بعشرة أيّام ، وأكمل منه
بشهر ، وأكثر ما ينبغي أن يكون بينهما السنة.
وفي التقييد بقضاء الفريضة إشارة إلى
عدم جوازها ندباً مع تعلّقها بذمّته وجوباً؛ لأنّ الاستطاعة للمفردة ندباً يقتضي
الاستطاعة وجوباً غالباً ، ومع ذلك يمكن تخلّفه لمتكلّفها حيث يفتقر إلى مؤونة
لقطع المسافة وهي مفقودة. وكذا لو استطاع إليها وإلى حجّها
ولم تدخل أشهر الحجّ ، فإنّه لا يخاطب حينئذٍ بالواجب فكيف يمنع من المندوب؟ إذ لا
يمكن فعلها واجباً إلّابعد فعل الحجّ. وهذا البحث كلّه في المفردة.
____________________
فهرس المحتويات
مقدّمة مجمع الفكر الإسلامي...................................................... ٧
الشهيد الأوّل.................................................................... ٩
أساتذته ومشايخة في
الرواية.................................................... ١١
تلامذته والراوون عنه......................................................... ١٢
مؤلّفاته..................................................................... ١٣
اللعمة الدمشقيّة............................................................. ١٥
الشهيد الثاني.................................................................. ١٥
أساتذته.................................................................... ١٧
تلامذته والراوون عنه......................................................... ١٨
مؤلّفاته..................................................................... ١٨
نحن والروضة البهيّة........................................................... ٢٠
تحقيق الكتاب.................................................................. ٢٢
أوّلاً ـ النسخ
الخطّيّة........................................................... ٢٢
ثانياً ـ السمات
الأساسيّة لخطّة العمل........................................... ٢٤
ثالثاً ـ مراحل
التحقيق والمتصدّون له............................................. ٢٥
كتاب الطهارة.................................................................. ٤٧
تعريف
الطهارة............................................................... ٤٩
بعض أحكام الماء............................................................ ٥٠
الكلام في الكر.............................................................. ٥٣
الكلام في الماء
القليل......................................................... ٥٤
الكلام في البئر.............................................................. ٥٤
مسائل..................................................................... ٦٢
الاُولى ـ أحكام
الماء المضاف والأسآر......................................... ٦٢
الثانية ـ استحباب التباعد بين البئر والبالوعة.................................. ٦٤
الثالثة ـ النجاسات......................................................... ٦٥
مقدار الدم المعفوّ
عنه................................................... ٦٧
كيفية غسل الثوب
والبدن والإناء......................................... ٦٩
في الغسالة............................................................. ٧١
الرابعة : المطهّرات......................................................... ٧٢
الطهارات الثلاث............................................................... ٧٥
الفصل الأوّل في
الوضوء وموجباته.............................................. ٧٥
واجبات الوضوء........................................................... ٧٦
سنن الوضوء.............................................................. ٧٩
الشك في الطهارة.......................................................... ٨١
مسائل في التخلّي......................................................... ٨٣
الفصل الثاني في الغسل
وموجباته............................................... ٨٩
موجب الجنابة وأحكامها................................................... ٩٠
واجبات الغسل ومستحباته............................................... ٩١
أحكام غسل الجنابة..................................................... ٩٣
أحكام الحيض............................................................ ٩٤
أحكام الاستحاضة...................................................... ١٠١
أحكام النفاس........................................................... ١٠٣
غسل المسّ............................................................. ١٠٥
القول في أحكام
الأموات.................................................... ١٠٧
الأول ـ الاحتضار........................................................ ١٠٧
الثاني ـ الغسل........................................................... ١٠٩
الثالث ـ الكفن.......................................................... ١١٥
الرابع ـ الصلاة عليه...................................................... ١١٩
الخامس ـ دفنه........................................................... ١٢٧
الفصل الثالث في
التيمّم.................................................... ١٣١
موارد وجوب التيمّم...................................................... ١٣١
في ما يتيمّم به.......................................................... ١٣٢
واجبات التيمّم
وبعض أحكامه............................................ ١٣٤
كتاب
الصلاة............................................................. ١٤١
الفصل الأوّل في
أعدادها.................................................... ١٤٣
الفصل الثاني في
شروطها.................................................... ١٤٩
الشرط الأول ـ الوقت.................................................... ١٤٩
الشرط الثاني ـ القبلة...................................................... ١٥٧
الشرط الثالث ـ ستر
العورة................................................ ١٦٥
الشرط الرابع ـ المكان
الذي يصلّى فيه...................................... ١٧١
أحكام المساجد....................................................... ١٧٢
أماكن تكره الصلاة
فيها............................................... ١٧٧
كراهة تقدّم المرأة
على الرجل........................................... ١٨٠
في ما يصح السجود عليه.............................................. ١٨١
الشرط الخامس ـ طاهرة
البدن من الحدث والخبث............................. ١٨٤
الشرط السادس ـ ترك
الكلام والفعل الكثير و................................ ١٨٤
الشرك السابع ـ الإسلام
والتمييز........................................... ١٨٨
الفصل الثالث في كيفية
الصلاة.............................................. ١٩١
الأذان والإقامة.......................................................... ١٩١
القيام.................................................................. ١٩٩
النية................................................................... ٢٠١
تكبيرة الاحرام........................................................... ٢٠٣
القراءة.................................................................. ٢٠٤
الركوع.................................................................. ٢١٤
السجود................................................................ ٢١٧
التشهد................................................................. ٢١٩
التسليم................................................................ ٢٢٠
الفصل الرابع في باقي
مستحباتها.............................................. ٢٢٥
الفصل الخامس في باقي
التروك............................................... ٢٣١
الأفعال المكروهة في
الصلاة............................................... ٢٣٦
تتمّة في ما يستحب للمرأة
في الصلاة...................................... ٢٣٧
الفصل السادس في بقيّة
الصلوات الواجبة وما يختاره من المندوبة................... ٢٣٩
صلاة الجمعة............................................................ ٢٣٩
صلاة العيدين........................................................... ٢٤٩
صلاة الآيات........................................................... ٢٥٣
بعض الأغسال المستحبة.................................................. ٢٥٧
الصلاة المنذورة وشبهها................................................... ٢٦٠
صلاة النيابة............................................................ ٢٦١
صلاة الاستسقاء........................................................ ٢٦١
نافلة شهر رمضان....................................................... ٢٦٢
نافلة الزيارة و........................................................... ٢٦٤
الفصل السابع في بيان
أحكام الخلل الواقع في الصلاة الواجبة..................... ٢٦٥
قضاء الأجزاء المنسيّة..................................................... ٢٦٧
الكلام في سجدتي السهو................................................. ٢٦٨
أحكام الشكوك......................................................... ٢٧١
مسائل................................................................. ٢٧٤
الفصل الثامن في
القضاء.................................................... ٢٨٥
مسائل................................................................. ٢٩٤
الأولى ـ حكم تأخير
الصلاة لأُولي الأعذار................................ ٢٩٤
الثانية ـ حكم المبطون.................................................. ٢٩٥
الثالثة ـ استحباب
تعجيل القضاء........................................ ٢٩٧
الفصل التاسع في صلاة
الخوف.............................................. ٣٠١
الفصل العاشر في صلاة
المسافر التي يجب قصرها كمّيةً.......................... ٣٠٧
الفصل الحادي عشر في
الجماعة.............................................. ٣١٥
كتاب الزكاة............................................................... ٣٢٩
الفصل الأول ـ في من
تجب عليه الزكاة........................................ ٣٣١
زكاة الأنعام ونُصُبها...................................................... ٣٣٣
زكاة النقدين............................................................ ٣٤١
زكاة الغلاّت الأربع....................................................... ٣٤٢
الفصل الثاني ـ زكاة
التجارة................................................... ٣٤٥
حكم تأخير دفع الزكاة................................................... ٣٤٦
حكم نقل الزكاة......................................................... ٣٤٧
الفصل الثالث ـ في
المستحقّ................................................. ٣٤٩
أصناف المستحقّين للزكاة................................................. ٣٤٩
في ما يشترط في
مستحقيّ الزكاة........................................... ٣٥٥
أحكام أُخرى في دفع
الزكاة............................................... ٣٥٧
الفصل الرابع ـ في
زكاة الفطرة................................................. ٣٦١
في من تجب عليه زكاة
الفطرة.............................................. ٣٦١
مقدار زكاة الفطرة........................................................ ٣٦٢
أحكام أُخرى لزكاة
الفطرة................................................. ٣٦٣
كتاب
الخمس............................................................. ٣٦٥
في ما
يجب في الخمس....................................................... ٣٦٥
الأول ـ الغنيمة.......................................................... ٣٦٧
الثاني ـ المعدن........................................................... ٣٦٨
الثالث ـ الغوص......................................................... ٣٦٨
الرابع ـ أرباح
المكاسب.................................................... ٣٦٩
الخامس ـ الحلال
المختلط بالحرام............................................ ٣٦٩
السادس ـ الكنز......................................................... ٣٧٠
السابع ـ أرض الذمّي
المتنقلة إليه من مسلم.................................. ٣٧٢
في
ما يعتبر في وجوب الخمس................................................ ٣٧٥
تقسيم الخمس............................................................. ٣٧٦
الأنفال................................................................... ٣٨٠
كتاب
الصوم.............................................................. ٣٨٣
المفطرات............................................................... ٣٨٥
القول في شروط الصوم................................................... ٣٩٤
طرق ثبوت شهر رمضان.................................................. ٤٠١
مسائل................................................................. ٤٠٥
الأولى ـ حكم من نسي
غسل الجنابة..................................... ٤٠٥
الثانية ـ الكفارة....................................................... ٤٠٧
الثالثة ـ استمرار
المرض إلى رمضان آخر.................................. ٤٠٩
الرابعة ـ في من تمكّن
من القضاء ثم مات.................................. ٤١٠
الخامسة ـ حكم صوم
المسافر........................................... ٤١٢
السادسة ـ حكم الشيخ
والشيخة وذي العطاش........................... ٤١٣
السابعة ـ حكم الحامل المقُرب والمرضع.................................... ٤١٤
الثامنة ـ وجوب تتابع الصوم ومستثنياته................................... ٤١٦
التاسعة ـ في ما يكره للصائم فعله........................................ ٤١٧
العاشرة ـ في ما يستحبّ صومه من الأيّام................................. ٤١٨
الحادية عشرة في من يستحبّ له الإمساك................................ ٤٢٠
الثانية عشرة ـ حكم صوم الضيف والمرأة
والمملوك والولد.................... ٤٢١
الثالثة عشرة ـ الصوم المحرّم.............................................. ٤٢١
الرابع عشرة ـ حكم من أفطر عمداً عالماً
في شهر رمضان................... ٤٢٤
الخامسة عشرة ـ كيفيّة معرفة البلوغ....................................... ٤٢٥
الاعتكاف................................................................ ٤٢٧
شروط صحة الاعتكاف.................................................. ٤٢٧
في ما يفسد الاعتكاف................................................... ٤٣٢
كتاب الحجّ............................................................... ٤٣٥
الفصل الأوّل ـ في
شرائط وأسبابه............................................. ٤٣٧
حكم من مات بعد
الاحرام............................................... ٤٤٤
لو حجّ مسلماً ثم
ارتدّ.................................................... ٤٤٦
لو حجّ مخالفاً ثم
استبصر................................................. ٤٤٧
القول في حجّ الأسباب
بالنذر وشبهه والنيابة................................... ٤٤٩
شروط النائب في الحج................................................... ٤٥٣
أحكام النيابة........................................................... ٤٥٤
الوصية بالحجّ........................................................... ٤٦١
الفصل الثاني ـ في
أنواع الحجّ................................................. ٤٦٥
مسائل................................................................. ٤٧١
الاُولى ـ
جواز العدول من حجّ الإفراد ندباً إلى التمتّع....................... ٤٧١
الثانية ـ جواز الطواف والسعي للقارن
والمفرد إذا دخلا مكة................. ٤٧٣
الثالثة ـ لو بَعُد المكيّ عن الميقات........................................ ٤٧٤
الرابعة ـ عدم جواز الجمع بين النُسُكين بنيّة واحدة......................... ٤٧٦
الفصل الثالث ـ في
المواقيت.................................................. ٤٧٩
الفصل الرابع ـ في
أفعال العمرة المطلقة......................................... ٤٨٥
القول في الإحرام......................................................... ٤٨٦
تروك الإحرام............................................................ ٤٩٢
القول في الطواف........................................................... ٤٩٩
واجباته................................................................. ٥٠٠
سننه................................................................... ٥٠٣
مسائل................................................................. ٥٠٦
الاُولى ـ ركنيّة
الطواف.................................................. ٥٠٦
الثانية ـ حكم تقدير
طواف الحجّ وسعيه على الوقوف...................... ٥٠٧
الثالثة ـ حكم لبس
البرطُلَّة في الطواف................................... ٥٠٨
الرابعة ـ حكم نذر
الطواف على أربع.................................... ٥٠٩
الخامسة ـ استحباب
إكثار الطواف...................................... ٥١٠
السادسة ـ حكن القران
بين أُسبوعين في الطواف.......................... ٥١١
القول في السعي
والتقصير................................................. ٥١٢
الفصل الخامس ـ في
أفعال الحجّ............................................... ٥١٧
القول في الإحرام
والوقوفين................................................ ٥١٧
مسائل.............................................................. ٥٢٢
القول في مناسك مني..................................................... ٥٢٥
الرمي................................................................ ٥٢٥
الذبح............................................................... ٥٣٠
الحلق................................................................ ٥٣٩
القول في العود إلى
مكّة للطوافين والسعي................................... ٥٤٣
القول في العود إلى
مني................................................... ٥٤٤
استحباب العود إلى مكة
لطواف الوداع و................................ ٥٤٩
حرمة إخراج الملتجئ
إلى الحرم........................................... ٥٥٢
الفصل السادس ـ في
كفّارات الإحرام اللاحقة بفعل شيء من محرّماته............... ٥٥٥
البحث الأوّل ـ في
كفّارة الصيد............................................ ٥٥٥
البحث الثاني ـ في
كفّارة باقي المحرّمات...................................... ٥٦٨
الفصل السابع ـ في
الإحصار والصدّ.......................................... ٥٧٩
خاتمة ـ موارد وجوب
العمرة واستحبابها......................................... ٥٨٤
فهرس المحتويات............................................................ ٥٨٦
|