فهرس المحتويات

الموضوع

الصفحة

مقدمة المحققة......................................................... ٤٧ ـ ٧٩

مقدمة المؤلف......................................................... ٨٠ ـ ٨٧

الباب الأول ٨٩ ـ ١٢١

في التحاميد المقتبسة من القرآن وما يتصل بها من الثناء على الله

فصل : في نكت التحاميد ٩١

أحسن ما قرأه المؤلف في التحاميد............................................. ٩١

قول لبعض السلف......................................................... ٩١

ما كتبه المعتمد إلى الموفق بعد قتل المهتدي...................................... ٩١

تحميد لعبد العزيز بن عمر................................................... ٩٢

من فصل لابن المعتز ٩٢

قول أعرابي وقد نظر إلى غمار الناس في الحج................................... ٩٣

قول عمر بن عبد العزيز عند وفاة عبد الملك.................................... ٩٣

تحميد لابن عبد كان........................................................ ٩٤

تحميد لإبراهيم بن العباس.................................................... ٩٤

تحميد لأحمد بن يوسف..................................................... ٩٤

تحميد لأبي علي البصير...................................................... ٩٥

تحميد لأبي القاسم الإسكافي................................................. ٩٦

فصل : في دلالة التحميد على ما يكتب من أجله ٩٦

عادة ابن عبد كان في ذلك.................................................. ٩٦

كتاب لسعيد بن حميد في بغلة ولدت......................................... ٩٧

نص من كتاب الأوراق للصولي في بغلة ولدت فلوة.............................. ٩٧

فصل : في عجائب الخلق ٩٨

قول الجاحظ عن بعض المفسرين.............................................. ٩٨

نص من كتاب الشعراء لدعبل................................................ ٩٩

قول بشار بن برد أحسن ما في الأرض والإنسان............................... ١٠٠


الموضوع

الصفحة

تلهف بشار لرؤية الإنسان والسماء وقوله في ذلك............................. ١٠٠

نص من كتاب الفرج بعد الشدة............................................ ١٠٠

قول للجاحظ............................................................. ١٠١

شعر لأبي نواس الحمداني................................................... ١٠٢

من كتاب أخبار أبي نواس للمرزباني.......................................... ١٠٣

تعليق النظام على أبيات لأبي نواس.......................................... ١٠٣

فصل : في لمع من صفاته عزّ ذكره ١٠٣

قول عامر بن عبد القيس لعثمان وقد سأله عن ربه............................ ١٠٣

قول لبعض العلماء........................................................ ١٠٤

طلب بعض الخوارج من الحجاج أن يؤجل ضرب عنقه.......................... ١٠٤

بين أبي حازم الأعرج وسليمان بن عبد الملك.................................. ١٠٥

رأي يزيد بن موسى في تسمية المؤمن......................................... ١٠٥

ما رآه وكيع بن الجراح في منامه.............................................. ١٠٥

فصل : في سعة مغفرته ورحمته ١٠٦

قوله أعرابي وقد سمع ابن عباس يقرأ آية....................................... ١٠٦

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو لم يذنب العباد.......................................... ١٠٦

قول ابن عباس في مغفرة الله تعالى............................................ ١٠٦

قول المطرف بن عبد الله.................................................... ١٠٦

قول لقتادة في توبة العباد................................................... ١٠٧

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله يعطي كل مؤمن..................................... ١٠٧

يأس الزهري لذنب اقترفه................................................... ١٠٧

رأي ابن عباس في أرجى آية................................................ ١٠٨

رأي غيره في أرجى آية..................................................... ١٠٨

فصل : في ذكر نعمته عزوجل ١٠٨

قول لبعض السلف........................................................ ١٠٨

نص من كتاب المبهج...................................................... ١٠٩

قول نوبخت المنجم للمنصور لما عزم على بناء بغداد............................ ١٠٩


الموضوع

الصفحة

فصل : في ذكره سبحانه وتعالى ١٠٩

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرفع الناس درجة........................................... ١٠٩

قول لسعيد بن جبير....................................................... ١١٠

فصل : في تقديره جلّ جلاله ١١٠

قول عمر بن الخطاب لما طعنه أبو لؤلؤة...................................... ١١٠

قول شبيب الخارجي عند غرقه.............................................. ١١٠

شعر لبعضهم............................................................. ١١١

بين ابن الجماز وقتيبة بن مسلم............................................. ١١١

فصل : في الشفاء من عند الله ١١٢

قول سفيان بن عيينة عند مرضه............................................. ١١٢

قول لإبراهيم بن أدهم..................................................... ١١٢

نص من كتاب المبهج...................................................... ١١٢

فصل : في اقتران وعده بالوعيد ١١٢

قول أبي بكر في آيات الرحمة والعذاب........................................ ١١٢

قول بعض النساك......................................................... ١١٣

بين الربيع بن خثيم ابنته.................................................... ١١٣

قول لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام.............................................. ١١٣

فصل : في فقر من ذكر قدرته وجوده وغناه وسائر صفاته ١١٣

بين معاوية وسعيد بن العاص............................................... ١١٣

شعر لأبي الفتح البستي.................................................... ١١٤

قول لأبي حازم............................................................ ١١٤

قول لبعض الحكماء....................................................... ١١٤

سجود المهتدي لما بلغه خبر هزيمة مشاور الشاري.............................. ١١٥

فصل : في ذكر تسخيره تعالى الناس بعضهم بعضا ١١٥

شعر لأبي الفتح البستي.................................................... ١١٦

فصل : في طرف من حكمته       ١١٦

شعر لبعضهم............................................................. ١١٦


الموضوع

الصفحة

شعر لأبي دلامة.......................................................... ١١٦

شعر لابن الرومي......................................................... ١١٧

فصل : في ذكر صبغة الله ١١٧

شعر لبعض الظرفاء........................................................ ١١٧

نص من كتاب المبهج...................................................... ١١٧

فصل : يليق بهذا المكان من الكتاب المبهج يشتمل على فصول مقتبسة من القرآن. ١١٧

الباب الثاني ١٢١ ـ ١٤٢

في ذكر النبي وأجزاء من بعض محاسنه وخصائصه

فصل : في ذكر كرامته على الله عز ذكره واختصاصه به ١٢٣

قول لابن عباس........................................................... ١٢٣

قول لبعض السلف........................................................ ١٢٣

قول لعمر بن عبد العزيز................................................... ١٢٣

قول محمد بن علي بن الحسين في أدب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم........................... ١٢٤

قوله في أرجى آية في القرآن الكريم........................................... ١٢٤

فصل : في الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ١٢٥

أول من قال إن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه هو الهادي.................. ١٢٥

شعر لبعضهم............................................................. ١٢٥

ما كتبه بعض البلغاء....................................................... ١٢٦

من رسالة لابن عباد....................................................... ١٢٦

من كتاب المبهج.......................................................... ١٢٧

فصل : في ذكر أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ١٢٧

فصل : في نبذ من محاسنه وخصائصه عليه‌السلام ١٣٠

فصل : في مثل ذلك ١٣٢

قصة وفد بعض الأعراب ومناداتهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وراء الحجرات................ ١٣٢

فصل : في بعض النكت ١٣٣

رأي أبي جعفر بن محمد الموسوي في عادة الناس في نثر النثارات أمام الملوك........ ١٣٣


الموضوع

الصفحة

فصل : في مثل ذلك ١٣٣

فصل : في اضطرار أعدائه إلى الإقرار بفضله عليه‌السلام ١٣٤

فصل : في ذكر الحكمة في كونه عليه‌السلام بشرا ١٣٥

قول الجاحظ في ذلك...................................................... ١٣٥

فصل : في ذكر الحكمة في كونه أميا لا يكتب ولا يحتسب ولا يقول الشعر ١٣٥

رأي لبعض المتكلمين...................................................... ١٣٦

رأي لبعض المتكلمين في صرف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخطابة والشعر................. ١٣٦

رأي الجاحظ في ذلك...................................................... ١٣٦

فصل : في بعض ما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الكلام المقتبس من القرآن ١٣٨

قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علامة المنافق ثلاث...................................... ١٣٨

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين........................ ١٣٨

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من كثّر سواد قوم............................................... ١٣٩

فصل : في بعض ما جاء عنه من الكلام المقتبس من القرآن الكريم ١٣٩

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من باع دارا أو عقار........................................... ا ١٣٩

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل ينظرون إلا هدما........................................... ١٤٠

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بعثني الله إلى الناس كافة......................................... ١٤٠

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء................................. ١٤٠

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اطلبوا الرزق من الله على أيدي الرحماء............................. ١٤٠

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الدنيا حلوة خضرة........................................... ١٤٠

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا إن التوبة مقبولة............................................. ١٤١

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يتعرض الإنسان بنفسه.......................................... ١٤١

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كل مولود يولد على الفطرة...................................... ١٤١

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : احفظ الله يحفظك.............................................. ١٤١

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا رأى عليا رضي الله........................................... ١٤٢

من دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................................................ ١٤٢


الموضوع

الصفحة

الباب الثالث

في ذكر العترة الزكية رضي الله عنهم ونبذ من فضائلهم وقطعة من فقر أخبارهم وغرر

١٤٣ ـ ١٦٣

ألفاظهم

فصل : في ذكر طرفهم وشرفهم ومجدهم ١٤٥

قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أهل بيتي كسفينة نوح.................................... ١٤٥

رأي ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).......... ١٤٥

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد رأى الحسن والحسين يعثران في أثوابهما........................... ١٤٥

قول محمد بن الحنفية وهو واقف على قبر الحسين بن علي رضي الله عنه.......... ١٤٦

قول الربيع بن خثيم وقد سئل عن مقتل الحسين............................... ١٤٦

قصة عثمان بن حيان المري مع الحسن والحسين عليهما‌السلام......................... ١٤٦

ما كتبه بعض البلغاء....................................................... ١٤٧

فصل : في فقر من أخبارهم ١٤٧

خطبة زينب بنت علي رضي الله عنهما....................................... ١٤٧

شعر لزينب بنت عقيل.................................................... ١٤٩

قول لأبي الأسود.......................................................... ١٥٠

قول سكينة بنت الحسين لأهل العراق بعد مقتل زوجها مصعب بن الزبير......... ١٥٠

فصل : في بعض ما قيل من الأشعار ١٥٠

شعر للسيد الحميري....................................................... ١٥١

شعر لمحمد بن منذر بن جارود.............................................. ١٥١

شعر لعلي بن محمد الحمامي................................................ ١٥١

شعر لأبي هاشم الجعفري................................................... ١٥٢

شعر لبعضهم............................................................. ١٥٣

فصل : في كلام لعلي والحسن وولده رضي الله عنهم ١٥٤

قول لعلي بن أبي طالب.................................................... ١٥٤

جواب الحسن بن علي وقد قيل له فيك عظمة................................ ١٥٤

قوله وقد توجه إلى دار معاوية............................................... ١٥٤

وصية عبد الله بن الحسن لصديق له......................................... ١٥٥


الموضوع

الصفحة

قول عبد الله بن الحسن وقد بعث إليه برأس ابنه قتيلا.......................... ١٥٥

فصل : في كلام الحسين وولده رضي الله عنهم ١٥٥

جواب علي بن أبي طالب وقد سئل عن الناس والنسناس وأشباه الناس............ ١٥٥

بين الحسين وابن عباس في بني أمية.......................................... ١٥٥

كتاب الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص................................. ١٥٦

قول الحسين وقد توجه من المدينة إلى مكة.................................... ١٥٦

كتاب يزيد إلى الحسين وجواب الأخير إليه................................... ١٥٧

قول علي بن الحسين وقد سئل عن سبيه..................................... ١٥٨

قول علي بن الحسين وقد أكثر من البكاء.................................... ١٥٨

قصته مع جارية عثرت فصبت المرق على رأسه................................ ١٥٨

سؤال المنصور جعفر بن محمد عن محمد وإبراهيم ابني الحسن.................... ١٥٩

ما دار بين المأمون وعلي بن موسى الرضا وقد وجبت الصلاة.................... ١٥٩

فصل : في أن الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ١٦٠

من خطبة للسفاح......................................................... ١٦٠

كتاب ابن أبي البغل في تطهير أولاد المقتدر................................... ١٦٠

الباب الرابع

في ذكر الصحابة وما خصهم الله بهم من الفضل والشرف وأقاويل بعضهم في بعض

١٦٣ ـ ٢٠٩

فصل : في ذكرهم عامة ١٦٥

في ذكر بيعة الرضوان...................................................... ١٦٦

فصل : في ذكر أبي بكر الصديق ١٦٧

شعر لأبي تمام............................................................ ١٦٧

استشارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمر وأبي بكر في أسرى قريش............................. ١٦٧

فصل : في حسن آثاره في الإسلام ١٦٨

خطبة أبي بكر بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم........................................ ١٦٨

فصل : في مثل ذلك وذكر شيء من كلامه أيام الردة ١٧٠

قول عمر لأبي بكر لو تجافيت عن زكاة أموال العرب وجواب أبي بكر في ذلك..... ١٧٠

خطبة أبي بكر في غزوة الروم................................................ ١٧١


الموضوع

الصفحة

وصية أبي بكر للجيش الذي بعثه إلى الشام.................................. ١٧٢

خطبة له أخرى........................................................... ١٧٢

فصل : في مكاتباته ١٧٣

كتابه إلى خالد بن الوليد ومن معه من المهاجرين.............................. ١٧٣

كتابه إلى المثنى بن حارثة................................................... ١٧٤

كتابه إلى أهل اليمن...................................................... ١٧٥

فصل : في ذكر استخلافه عمر رضي الله عنه ١٧٥

قول عبد الله بن مسعود في أفرس الناس...................................... ١٧٥

كتاب أبي بكر في استخلافه عمر........................................... ١٧٥

فصل : في ذكر عمر وقطعة من مآثره ١٧٦

خطبة عمر في الاستسقاء.................................................. ١٧٦

خطبة له أخرى........................................................... ١٧٦

قوله وقد قيل له أن يستعمل كاتبا نصرانيا.................................... ١٧٧

وصف علي بن أبي طالب لعمر وقد رآه في دار الصدقة........................ ١٧٨

كتاب أبي عبيدة إلى عمر من الشام وجواب عمر بن الخطاب................... ١٧٨

كتاب عمار بن ياسر يذكر فيه شوكة الروم................................... ١٨٠

جواب عمر في ذلك....................................................... ١٨٠

فصل : في قتله وثناء المسلمين عليه ١٨٠

قوله حين طعنه أبو لؤلؤة................................................... ١٨٠

قوله وقد رأى أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم......................................... ١٨١

قول علي بن أبي طالب بعد دفن عمر بن الخطاب............................. ١٨١

فصل : في ذكر محاسن عثمان ١٨٢

قول لبعض السلف........................................................ ١٨٢

بين أبي هريرة وبعضهم في شأن عثمان....................................... ١٨٢

قول الحسن في قاتل عثمان................................................. ١٨٣

فصل : في غرر من كلامه في الخطب وغيرها ١٨٣

خطبته يوم ارتج عليه...................................................... ١٨٣


الموضوع

الصفحة

خطبة له أخرى........................................................... ١٨٣

ما دار بين صعصعة بن صوحان وعثمان...................................... ١٨٤

فصل : في كلام لعلي في عثمان وكلام فيهما ١٨٤

شكوى عثمان من أبي ذر أمام علي ابن أبي طالب ورد الأخير عليه.............. ١٨٤

قول علي بن أبي طالب لعثمان............................................. ١٨٤

سؤال الحجاج الحسن البصري عن عثمان..................................... ١٨٤

ما دار بين أبي مسلم والزهري عن علي وعثمان............................... ١٨٥

فصل : في نكت من أخبار محاصرة عثمان ١٨٥

كتاب عثمان إلى الناس لما حضر............................................ ١٨٥

ما دار بين زيد بن ثابت والمصريين عند محاصرة عثمان.......................... ١٨٧

قول عثمان وقد بلغه كلام عن عائشة........................................ ١٨٨

فصل : في كلام علي رضي الله عنه المقتبس من القرآن ١٨٩

فقر من كلماته............................................................ ١٨٩

من خطبة له.............................................................. ١٩٠

فصل : في نكت من أخباره ١٩٠

قوله حين أشير عليه بإبقاء معاوية على الشام................................. ١٩٠

قوله لطلحة والزبير حين استأذناه للخروج للعمرة............................... ١٩١

كتاب أم سلمة إلى علي................................................... ١٩١

قول زيد بن صوحان إلى أهل الكوفة حين امتنع بعضهم عن الاستنفار لعلي....... ١٩٢

كتاب علي إلى طلحة والزبير............................................... ١٩٢

قول رجل لعائشة يوم الجمل................................................ ١٩٢

قول طلحة وقد أصيب بسهم يوم الجمل..................................... ١٩٣

ما قالته عائشة حين سقط جملها............................................ ١٩٣

خطبة علي بعد انقضاء حرب الجمل......................................... ١٩٣

خطبته المعروفة بالشقشقية.................................................. ١٩٣

فصل : في نكت من أخباره أيام صفين ١٩٤

قول مسلمة بن زفر لجاسوس لمعاوية ورد الكوفة................................ ١٩٤


الموضوع

الصفحة

قول جرير بن عبد الله لمعاوية وقد ذهب ليحمله على البيعة لعلي................ ١٩٤

دعاء الإمام علي حين أراد التوجه إلى الشام................................... ١٩٥

كتاب معاوية إلى علي..................................................... ١٩٥

جواب علي في ذلك....................................................... ١٩٦

خطبة لعلي لما عزم على الحرب.............................................. ١٩٦

خطبة أخرى له........................................................... ١٩٧

من دعاء ليلة الهرير........................................................ ١٩٨

قوله وقد نظر إلى بعض أصحابه يتألمون من الجراح............................. ١٩٨

قوله حين رفع أهل الشام المصاحف......................................... ١٩٨

قول أبي موسى الأشعري لعمرو بن العاص.................................... ١٩٩

فصل : في نبذ من خبره مع الخوارج ٢٠٠

جواب علي لعفيف بن قيس لما توجه نحو ضرب الخوارج........................ ٢٠٠

فصل : في ذكر مقتله ووصيته ٢٠٠

خطبته بعد عودته من قتال الخوارج.......................................... ٢٠١

قوله عندما طعنه ابن ملجم................................................. ٢٠١

وصيته لولده.............................................................. ٢٠١

فصل : في بعض ما قاله الشعراء في فضله ٢٠٢

شعر لعلي بن محمد بن نصر................................................ ٢٠٢

شعر لبعضهم............................................................. ٢٠٢

فصل : في تسليم الحسن الأمر إلى معاوية ٢٠٣

فصل : في لمع من أقوال الصحابة وأخبارهم................................... ٢٠٤

بين عمر وسحبان......................................................... ٢٠٤

قول أبي عبيدة إذا ذكر الكفرة.............................................. ٢٠٤

قول عثمان للزبير لما حصر................................................. ٢٠٤

قول سعد بن أبي وقاص لأبي محجن......................................... ٢٠٤

بين ابن عمر ومصعب بن الزبير............................................. ٢٠٥

إلحاح الوليد بن عتبة على عبد الله بن الزبير في أمر البيعة ليزيد.................. ٢٠٥


الموضوع

الصفحة

تعريض معاوية لابن عباس بطول لحيته....................................... ٢٠٦

بين معاوية ورجل بايعه وهو مكره............................................ ٢٠٦

قول أبي الأسود الدؤلي في آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم...................................... ٢٠٦

رأي الحسن البصري في معاوية.............................................. ٢٠٦

أقوال لابن عباس.......................................................... ٢٠٦

قول عروة بن الزبير عند قدومه من الشام..................................... ٢٠٦

رؤيا لابن عباس........................................................... ٢٠٦

الباب الخامس

في ذكر الأنبياء عليهم‌السلام ، وغيرهم ممن نطق القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس من فنون أخبارهم ٢٠٩ ـ ٢٦١

فصل : في الاقتباس من قصة آدم........................................... ٢١١

دعاء عبد أعتقه عمر بن عبد العزيز......................................... ٢١١

قدومه على عمر لما ولي الخلافة............................................. ٢١١

شعر لمحمود الوراق......................................................... ٢١٢

قول أبي أمامة في آدم...................................................... ٢١٢

شعر لأبي تمام............................................................ ٢١٢

شعر لأبي الفتح البستي.................................................... ٢١٢

بين المأمون ويحيى بن أكثم.................................................. ٢١٣

قول لبعض السلف........................................................ ٢١٣

بين قاض وثور بن يزيد في مسجد من مساجد مصر........................... ٢١٤

شعر في رافع بن الليث بن نصر بن يسار..................................... ٢١٤

قول لبعض العلماء في القياس............................................... ٢١٤

قول مسمع بن عاصم في شعر لأبي نواس..................................... ٢١٤

بين أبي حنيفة وشيطان الطاق.............................................. ٢١٥

شعر لأبي الجماز وقد بلغه أن الفضل بن إسحاق نعاه.......................... ٢١٥

بين أبي علي الحسن بن محمد البغدادي والشاعر ابن مطران الشاشي............. ٢١٧


الموضوع

الصفحة

فصل : في ذكر قصة نوح عليه‌السلام ٢١٨

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل بيتي كسفينة نوح........................................ ٢١٧

دعاء لنوح............................................................... ٢١٧

دعاء آخر لنوح........................................................... ٢١٧

كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون يخبره بخلع الأمين وقتله....................... ٢١٧

نص من كتاب التاجي للصابي.............................................. ٢١٨

شعر لأبي الحسين المرادي في الأمير نوح الأكبر................................ ٢٢٠

شعر لأبي بكر هبة الله بن الحسن العلاف.................................... ٢٢١

شعر لأبي الفتح البستي.................................................... ٢٢١

فصل : في الاقتباس من قصة إبراهيم عليه‌السلام ٢٢٢

دخول أبي العيناء على صاعد بن مخلد....................................... ٢٢٢

فصل : من الاقتباس من قصة يعقوب ويوسف عليهما‌السلام ٢٣٠

فصل : من الاقتباس من موسى عليه‌السلام........................................ ٢٤٠

أبدع ما قيل في عصا موسى................................................ ٢٤٥

شعر لابن الرومي......................................................... ٢٤٥

شعر أبي السمط في فالج أحمد بن أبي داود................................... ٢٤٦

قول أبي العيناء في مالك بن طوق........................................... ٢٤٧

قول أبي العيناء في ابن المدبر................................................ ٢٤٨

قول لبعض الظرفاء وقد سئل ما ذا يصنع؟.................................... ٢٤٨

فصل : في قصة داود عليه‌السلام ٢٤٨

قول زياد بن أبيه وقد قال له أعرابي قد أوتيت الحكمة.......................... ٢٤٨

جواب أبي قرة الهاشمي وقد سئل عن رجلين تخاصما............................ ٢٤٨

شعر البحتري في غلامه نسيم وقد باعه...................................... ٢٤٩

فصل : في قصة سليمان عليه‌السلام ٢٥٠

قول لبعض الظرفاء........................................................ ٢٥٠

شعر لأبي الشيص في جارية يقال لها هدهد................................... ٢٥٠

بين عبد الله بن طاهر وعبيد الله بن السري................................... ٢٥٠


الموضوع

الصفحة

شعر لعبد الله بن السري................................................... ٢٥١

قول للحسن البصري...................................................... ٢٥١

كتاب ملك الروم إلى الوليد بن عبد الملك وقد أمر بهدم كنيسة النصارى......... ٢٥١

شعر لجحظة البرمكي...................................................... ٢٥٢

فصل : في قصة يونس عليه‌السلام ٢٥٢

تشاؤم مزبد من يوم الأربعاء................................................. ٢٥٢

شعر يوسف بن أبي الساج في حبس المقتدر................................... ٢٥٣

فصل : في شأن عيسى عليه‌السلام ٢٥٤

من قصيدة أبي علي البصير في المستعين...................................... ٢٥٤

كتاب قيصر إلى عمر بن الخطاب........................................... ٢٥٥

جواب عمر في ذلك....................................................... ٢٥٥

شعر لابن خالويه وأبي بكر الخوارزمي........................................ ٢٥٥

شعر لأبي أحمد الحسين بن المتكافي.......................................... ٢٥٦

فصل : في قصص لهم عليهم‌السلام ٢٥٧

قول لبعض السلف........................................................ ٢٥٧

قول جعفر بن محمد الصادق للمنصور لما همّ بهدم المدينة....................... ٢٥٧

بين المتوكل وأبي العيناء..................................................... ٢٥٧

شعر لبعض العرب........................................................ ٢٥٨

فصل : في قصص القرآن ٢٥٨

قول لابن السماك......................................................... ٢٥٨

قول الفرزدق لما أمر عمر بن عبد العزيز بنفيه لفسقه........................... ٢٥٩

شعر لجرير يشمت بالفرزدق................................................ ٢٥٩

قول للربيع بن خثيم وهو في مرضه........................................... ٢٥٩

الباب السادس

في فضل العلم والعلماء ومحاسن ابتداعاتهم ولطائف من استنباطاتهم

٢٦١ ـ ٢٨١

فصل : في فضائل العلم والعلماء............................................ ٢٦٣

شعر لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي....................................... ٢٦٤


الموضوع

الصفحة

فصل : في نكت من ذكر العلم ٢٦٤

قول لابن عباس في ذلك................................................... ٢٦٤

قول للجاحظ............................................................. ٢٦٥

قول لبعضهم............................................................. ٢٦٥

فصل : في أمثال تدخل في ذكر العلم ٢٦٥

قول للأوائل.............................................................. ٢٦٥

شعر لبعضهم............................................................. ٢٦٥

فصل : في فقر تناسب ذلك ٢٦٦

قول لسفيان الثوري........................................................ ٢٦٦

حديث المبرد عن نفسه وقد تكلم بين يدي جعفر بن القاسم الموسوي............ ٢٦٦

قول سليمان بن الحسن الواسطي وقد استدعاه المنصور لتأديب ولده............. ٢٦٧

فصل : في التعليم ٢٦٧

رسالة لأبي زيد البلخي..................................................... ٢٦٧

فصل : في ذم علم الأنساب ٢٦٨

قول لبعض العلماء........................................................ ٢٦٨

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كذب النسابون............................................ ٢٦٨

فصل : في النهي عن كتمان العلم ٢٦٩

فصل : في ذكر الفقه والفقهاء.............................................. ٢٦٩

قول أبي زيد البلخي في ذلك................................................ ٢٦٩

فصل : في ذكر الكلام والمتكلمين ٢٧٠

قول لأبي زيد البلخي...................................................... ٢٧٠

فصل : في لمع وفقر من استنباطاتهم وفقر ودرر من انتزاعاتهم ٢٧٢

قول لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه مقتبس من القرآن....................... ٢٧٢

شعر لمساور الوراق في العسل وماء السماء.................................... ٢٧٢

محمد بن كعب القرظي أقدر الناس على مقابلة كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن الكريم..... ٢٧٢

مقابلة سفيان بن عيينة حديثا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بآية من القرآن الكريم................ ٢٧٣

قول سفيان بن عيينة عن طيب الأكل....................................... ٢٧٣


الموضوع

الصفحة

قول الناس الأشراف في الأطراف............................................ ٢٧٣

قولهم الجار ثم الدار........................................................ ٢٧٤

جواب ابن سيرين وقد سئل عن خبث الحديد................................. ٢٧٤

قول لابن عباس........................................................... ٢٧٤

بين الرشيد وزبيدة......................................................... ٢٧٤

مناظرة بعض الفقهاء ليحيى بن آدم.......................................... ٢٧٥

بين عالم ورئيس دعاه باسمه ولم يكنّه......................................... ٢٧٦

قول بعض المحسنين في طاعة الله............................................. ٢٧٦

نص من كتاب الوزراء للجهشياري........................................... ٢٧٦

فصل : في فضل العقل ٢٧٨

آيات في ذلك............................................................ ٢٧٨

قول سعيد بن المسيب في آية من القرآن...................................... ٢٧٨

قول مجاهد في آية من الذكر الحكيم......................................... ٢٧٨

قول الضحاك في آية....................................................... ٢٧٨

قول الحسن البصري في فضل العقل.......................................... ٢٧٩

الباب السابع

في ذكر الأدب والعقل والموعظة الحسنة ٢٨١ ـ ٢٩٣

فصل : في ذكر الأدب

قول لعلي بن أبي طالب في الأدب.......................................... ٢٨٣

قول الشعبي في الفرق بين العالم والأديب..................................... ٢٨٣

قول ابن عباس وقد سئل عما يكتب......................................... ٢٨٣

قول المنذر بن جارود لابنه.................................................. ٢٨٣

فصل : في الحكمة والموعظة الحسنة ٢٨٤

قول مجاهد في قوله تعالى (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ ...)............................ ٢٨٤

قول الحسن البصري في آية (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ ...)........................ ٢٨٤

قول الحسن البصري لبعض الأمراء وقد تعدى الحدود.......................... ٢٨٥

موعظة أبي حازم الأعرج لبعض ملوك بني مروان............................... ٢٨٥


الموضوع

الصفحة

نصيحة الأوزاعي للمنصور وبكاء الأخير منها................................. ٢٨٥

بين عمرو بن عبيد والمنصور حين دخل عليه بعد الخلافة....................... ٢٨٦

موعظة يحيى بن خالد لابن السماك.......................................... ٢٨٧

موعظة منصور بن عمار لبعض الملوك........................................ ٢٨٧

موعظة بعض الزهاد لبعض الخلفاء........................................... ٢٨٧

أقوال لبعضهم في الإحسان................................................. ٢٨٧

نصيحة محمد بن علي بن الحسين........................................... ٢٨٨

ما كتبه يحيى بن خالد إلى الرشيد وهو في الحبس............................... ٢٨٨

شعر لسابق البربري........................................................ ٢٨٨

شعر لصالح بن عبد القدوس................................................ ٢٨٩

قول لحكيم............................................................... ٢٨٩

موعظة للحسن البصري.................................................... ٢٨٩

قول لبعض الصالحين...................................................... ٢٨٩

شعر لبعضهم............................................................. ٢٩٠

موعظة لابن عباس........................................................ ٢٩٠

كتاب عمر بن عبد العزيز لبعض عماله...................................... ٢٩٠

ما يقوله عمر بن عبد العزيز عندما يجلس للناس............................... ٢٩١

نص من كتاب المتعلمين لأبي بكر الترمذي................................... ٢٩١

الباب الثامن

في ذكر محاسن من الخصال ٢٩٣ ـ ٣٣١

فصل : في فضائل العلم والعلماء ٢٦٣

خطبة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد بلغه أن عيينة بن حصن قد نال بعض الصحابة بالقول.... ٢٦٩

قول للفضيل بن عياض.................................................... ٣٩٧

قول لابن المعتز........................................................... ٣٩٧

قول أبي سليمان الداراني إذا رأى الثلج....................................... ٢٩٧

فصل : في الصبر ٢٩٧

آيات في ذلك............................................................ ٢٩٧


الموضوع

الصفحة

قول الحسن البصري في آية قرآنية............................................ ٢٩٨

قول لعمر بن عبد العزيز................................................... ٢٩٨

قول لغيره................................................................ ٢٩٨

قول ابن عباس وقد نعي إليه بعض أولاده.................................... ٢٩٩

قول للضحاك............................................................ ٢٩٩

فصل : في الشكر ٢٩٩

آيات في ذلك............................................................ ٣٠٠

قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أطال الدعاء والوقوف.................................. ٣٠٠

شعر لمحمود الوراق......................................................... ٣٠٠

فصل : لأبي علي البصير ٣٠١

من كتاب ابن عباد إلى فخر الدولة.......................................... ٣٠١

كتاب آخر له............................................................ ٣٠١

فصل : في العفو ٣٠٢

قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا كان يوم القيامة....................................... ٣٠٣

قول أحمد بن حنبل لأصحابه عندما امتحن................................... ٣٠٣

قول لعلي بن أبي طالب.................................................... ٣٠٣

قول رجل بحضرة الحسن وقد سبه رجل آخر.................................. ٣٠٤

قول أبي أيوب المورياني للمنصور بعد نكبته.................................... ٣٠٤

اعتذار إبراهيم بن المهدي للمأمون........................................... ٣٠٥

نص من كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي.................................. ٣٠٥

شعر لبعضهم............................................................. ٣٠٥

فصل : في صلة الرحم ٣٠٦

قول لمجاهد............................................................... ٣٠٦

من كتاب المنصور إلى عبد الله بن علي....................................... ٣٠٧

فصل : لأبي القاسم الإسكافي ٣٠٧

فصل : في بر الوالدين ٣٠٩

رأي ابن عباس في تفسير آية................................................ ٣٠٩


الموضوع

الصفحة

فصل : لابن عباد ٣٠٩

فصل : في الإنفاق والجود ٣١٠

بين المأمون ومحمد بن عباد المهلبي........................................... ٣١١

بين الفرات بن زيد وعمر بن الخطاب في العطاء............................... ٣١١

كتابة طلحة بن فياض آية على باب داره..................................... ٣١٢

شراء صفوان بن محرز بدنة بعشرة دنانير وقوله في ذلك......................... ٣١٢

شعر لكشاجم............................................................ ٣١٣

تمني الحجاج أن يدرك ثلاثة ، ليتقرب بدمائهم إلى الله.......................... ٣١٣

فصل : في الاقتصاد ٣١٤

سؤال عبد الملك بن مروان جلساءه عن أشعر الناس............................ ٣١٥

بين عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز................................. ٣١٥

فصل : في ذكر المروءة ٣١٦

جواب محمد بن حرب الهلالي وقد سئل عن المروءة............................. ٣١٦

قول لابن عباس........................................................... ٣١٦

قول لبعضهم وقد سئل عن سبب حسن كسوته وظهور رياسته.................. ٣١٧

قول أبي بكر في ارتباط الدواب.............................................. ٣١٧

قول لابن عباس........................................................... ٣١٧

قول جعفر بن محمد في الاستكثار من العبيد.................................. ٣١٧

فصل : في حسن القول للناس ٣١٨

فصل : في المداراة ٣١٨

قول لبعض الحكماء....................................................... ٣١٨

أبو سليمان الخطابي إذا أنشد بيت شعر قرأ آية............................... ٣١٩

فصل : في الصدق ٣١٩

قول للفضيل بن عياض.................................................... ٣١٩

فصل : في الحلم ٣٢٠

قول للحسن في أجل صفات النبي إبراهيم وهي الحلم........................... ٣٢٠

قول لغيره................................................................ ٣٢٠


الموضوع

الصفحة

فصل : في الاعتبار ٣٢١

قول لبعض الصالحين في رؤية نعم الله في كل شيء............................. ٣٢١

ما يقوله الفضل بن عيسى الرقاشي في قصصه................................ ٣٢١

دخول صالح المري على أبي أيوب المورياني بعد نكبته........................... ٣٢١

قول أبي عبيد الله بن سليمان حين بلغه شعر أبي علي بن نصر بن بسام.......... ٣٢٢

شعر لبعضهم............................................................. ٣٢٢

فصل : في المشورة       ٣٢٣

قول للحسن في مشورة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه................................... ٣٢٣

قول الجاحظ في الشورى.................................................... ٣٣٤

شعر لبشار............................................................... ٣٢٤

فصل : في أدب الحرب ٣٢٥

قول المهلب بن أبي صفرة : محرض خير من ألف مقاتل......................... ٣٢٥

قول لبعض أصحاب الجيوش................................................ ٣٢٦

استئذان بعض أصحاب أبي مسلم أباه في الانصراف وهو في حرب.............. ٣٢٦

ما جرى بين المأمون والعباس بن الحسن بن عبيد الله وقد خرجا للقبض على ابن عائشة ٣٢٧

تعظيم سيف الدولة لملك الروم ورأيه في ذلك................................. ٣٢٧

فصل : في أنواع من المكارم والمحاسن ٣٢٨

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أغاث مكروبا.......................................... ٣٢٨

قول بعض الولاة لرجل من رعيته............................................ ٣٢٨

قول لقتادة............................................................... ٣٢٩

من أقوال الأحنف بن قيس................................................. ٣٢٩

شعر لأبي تمام............................................................ ٣٢٩

الباب التاسع

في ذكر معائب الأخلاق من الخلال ومقابح الأعمال وذم العامة والسقّاط وعورات الرجال ٣٣١ ـ ٣٥٣

فصل : في ذم الهوى ٣٣٣


الموضوع

الصفحة

قول ابن عباس : الهوى إله معبود............................................ ٣٣٣

شعر لابن طباطبا......................................................... ٣٣٣

وصية بعض الزهاد........................................................ ٣٣٤

فصل : في كفر النعمة ٣٣٤

قول لبعض الحكماء....................................................... ٣٣٤

قول الحسن في آية......................................................... ٣٣٤

شعر لبعضهم............................................................. ٣٣٥

قول سليمان بن جعفر وقد بلغه قول إبراهيم بن المهدي في عفو المأمون عنه....... ٣٣٥

شعر لأبي تمام............................................................ ٣٣٥

شعر للبحتري............................................................ ٣٣٥

فصل : في البخل ٣٣٦

قول للشعبي.............................................................. ٣٣٦

قول لابن مسعود......................................................... ٣٣٦

قول بعض السلف........................................................ ٣٣٦

فصل : في الظلم ٣٣٧

قول لبعض الحكماء....................................................... ٣٣٧

شعر للمتنبي.............................................................. ٣٣٨

قول أبي عيينة وقد سمع قائلا يقول : الظلم مرتعه وخيم......................... ٣٣٨

قول لعبد الله بن مسعود................................................... ٣٣٨

مجلس فيه ابن عباس وكعب الأحبار.......................................... ٣٣٨

شعر لأبي تمام............................................................ ٣٣٩

خطبة عبد الله بن الزبير لما بلغه أن عبد الملك بن مروان قتل الأشدق............. ٣٣٩

من شعر القاضي أبي بكر.................................................. ٣٣٩

فصل : في الكذب ٣٤٠

قول للحسن.............................................................. ٣٤٠

قول لبعض الحكماء....................................................... ٣٤٠


الموضوع

الصفحة

فصل : في الحسد ٣٤٠

قول الأصمعي إذا أنشد بيت شعر.......................................... ٣٤٠

قول للحسن في الحسد..................................................... ٣٤١

فصل : في ذم ذي الوجهين ٣٤٢

قول الأحنف لبعض أصحابه............................................... ٣٤٢

قول النبي : مثل المنافق مثل الشاة........................................... ٣٤٢

دخول أبي العيناء على عبيد الله بن سليمان وعنده نجاح بن سلمة وآخرون........ ٣٤٣

فصل : في الكبر ٣٤٤

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من كان في قلبه............................................ ٣٤٤

قول لبعض الحكماء....................................................... ٣٤٤

فصل : في ذم الغيبة ٣٤٥

قول الحسن : الغيبة إدام الكلاب........................................... ٣٤٥

قول إبراهيم بن آدم وقد اغتابت جماعة في داره................................ ٣٤٥

قول بعضهم الغيبة فاكهة المرائي............................................. ٣٤٥

فصل : في الظن ٣٤٥

قول عبد الملك بن صالح للرشيد وكان قد تغير عليه............................ ٣٤٥

فصل : في أنواع من الخلال المذمومة ٣٤٦

قول لبعضهم............................................................. ٣٤٦

قول بعض الحكماء........................................................ ٣٤٧

قول الحسن : القنوط تفريط................................................ ٣٤٧

رأي ابن عباس في آية : (هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)...................................... ٣٤٧

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عدلت شهادة الزور........................................ ٣٤٧

فصل : في ذكر العامة والجهال ٣٤٨

شعر لمحمود الوراق......................................................... ٣٤٨

شعر لبعضهم............................................................. ٣٤٨

شعر لمنصور الفقيه........................................................ ٣٤٩

قول لبعضهم وقد نظر إلى بعض العامة يتكلمون في القدر...................... ٣٥٠


الموضوع

الصفحة

فصل : في مثل ذلك من ذم الفساق ٣٥١

قول الحسن إذا نظر إلى جماعة من أهل المدينة................................. ٣٥١

قول عبد الملك بن صالح في الخليفة المهدي.................................... ٣٥١

ما كتبه أبو علي البصير إلى أبي العيناء....................................... ٣٥١

الباب العاشر

في ذكر أنواع من الأضداد والأعداد ٣٥٣

فصل : في ذكر الغنى والفقر................................................ ٣٥٥

نص من كتاب المبهج...................................................... ٣٥٥

قول لبعض المفسرين....................................................... ٣٥٥

شعر لبعضهم............................................................. ٣٥٦

قول ابن عباس في آية : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً)..................................... ٣٥٦

اختيار بعض الصالحين الفقر................................................ ٣٥٦

قول بعض المفسرين........................................................ ٣٥٦

فصل : في فضل المال والسعي في كسبه وذكر التجارة واعتماد الصنعة ٣٥٧

شعر لصاحب الزنج....................................................... ٣٥٧

قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أطيب ما أكل الرجل من كسبه............................ ٣٥٨

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : التاجر الصدوق............................................ ٣٥٨

اشتغال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التجارة.............................................. ٣٥٨

تمني عمر بن الخطاب الموت وهو مسافر يبتغي فضل الله........................ ٣٥٩

فصل : في ضد ذلك ٣٦٠

فصل : في التأني والعجلة ٣٦١

قول بعض الحكماء........................................................ ٣٦١

شعر لمروان بن أبي حفصة.................................................. ٣٦١

من قصيدة سديف بن ميمون في السفاح..................................... ٣٦٢

شعر لأبي تمام............................................................ ٣٦٢

شعر للسري الموصلي...................................................... ٣٦٣

قول أبي العيناء في العجلة.................................................. ٣٦٣


الموضوع

الصفحة

فصل : في الحب والبغض ٣٦٤

فصل : في الشباب والشيب ٣٦٤

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصيكم بالشباب خيرا....................................... ٣٦٤

شعر لعدي بن زيد........................................................ ٣٦٦

فصل : في ذكر القلة والكثرة ٣٦٦

قول بعض العلماء في ذلك................................................. ٣٦٦

فصل : في الأعداد ٣٦٧

قول أبي بكر : ثلاث من كن فيه............................................ ٣٦٧

قول لغيره................................................................ ٣٦٧

قول جعفر بن محمد : عجبت لأربعة........................................ ٣٦٨

قول جعفر بن محمد : أربعة لا تستجاب دعواتهم.............................. ٣٦٨

قول سفيان : أربع لا حساب عليهن......................................... ٣٦٩

قول بعض العلماء : الأرزاق ثلاثة........................................... ٣٦٩

الباب الحادي عشر

في ذكر النساء والأولاد والإخوان ٣٧١ ـ ٣٨٧

فصل : في النكاح وذكر النساء ٣٧٥

قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.......................................................... ٣٧٥

قول بعض الحكماء........................................................ ٣٧٥

قول الأصمعي............................................................ ٣٧٥

خطبة محمد بن الوليد أخت عمر بن عبد العزيز............................... ٣٧٦

حضور المأمون إملاكا وخطبته............................................... ٣٧٦

حضور ابن عباد إملاكا وخطبته............................................. ٣٧٦

قول بعض السلف........................................................ ٣٧٧

فصل : في كيد النساء ٣٧٧

فصل : في خبر المرأة التي لا تتكلم إلا بألفاظ القرآن ٣٧٨

فصل : في نوادر النساء والجواري ٣٨١

قول الجاحظ.............................................................. ٣٨١


الموضوع

الصفحة

ما دار في مجلس نساء من الأشراف.......................................... ٣٨١

زفاف بوران بنت الحسن بن سهل للمأمون................................... ٣٨٣

طلب أمير من بعض جواريه الإتيان بآية من القرآن............................ ٣٨٤

شراء رجل جاريتين لحسن جوابهما واقتباسهما من القرآن........................ ٣٨٤

فصل : في الأولاد ٣٨٥

بين أبي العيناء وأبيه....................................................... ٣٨٥

قول عمر بن عبد العزيز في ابنه عبد الملك.................................... ٣٨٥

قول بعضهم في ذم الأولاد.................................................. ٣٨٥

قول ابن عباس في نزول قوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً).................. ٣٨٦

قول علي في قوله تعالى : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ).............................. ٣٨٦

الباب الثاني عشر ٣٨٧ ـ ٣٩٥

في ذكر الطعام والشراب ٣٨٩

خبر أبي العيناء وقد قدمت له فالوذجة....................................... ٣٨٩

شعبة والتمر.............................................................. ٣٨٩

أبو شراعة في التين........................................................ ٣٨٩

عائشة رضي الله عنها تأكل حبة عنب....................................... ٣٩٠

قول بعض الحكماء........................................................ ٣٩٠

قول مجاهد ، وقتادة ، وأبي قلابة ، وابن أحمد النديم............................ ٣٩٠

فصل : في الماء ٣٩١

آيات.................................................................... ٣٩١

شعر محمد بن حازم....................................................... ٣٩٢

قول بعض المفسرين في ماء البحر............................................ ٣٩٢

بعث ملك الروم إلى معاوية بقارورة وابن عباس يملؤها ماء........................ ٣٩٢

فصل : في العسل ٣٩٣

حديث وآية.............................................................. ٣٩٣


الموضوع

الصفحة

الباب الثالث عشر

في ذكر البيان والخطابة وثمرات الفصاحة ٣٩٥ ـ ٤١٣

فصل : في فضل البيان واللسان ٣٩٧

آيات في البيان............................................................ ٣٩٧

موسى وفرعون............................................................ ٣٩٩

داود وفصل الخطاب....................................................... ٤٠٠

فصل : في نخب من الخطب ٤٠١

الهيثم بن عدي........................................................... ٤٠١

خطبة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم........................................................ ٤٠١

خطبة لأبي بكر رضي الله عنه............................................... ٤٠١

خطبة لعمر رضي الله عنه في الجيش الذي أنفذه لبلاد الروم..................... ٤٠٢

خطبة لعثمان عندما نقم عليه الناس......................................... ٤٠٢

خطبة لعلي رضي الله عنه.................................................. ٤٠٣

خطبة لعمر بن عبد العزيز.................................................. ٤٠٣

خطبة لعبد الملك بن مروان................................................. ٣٠٤

خطبة لسليمان بن عبد الملك............................................... ٤٠٤

خطبة للسفاح بالكوفة..................................................... ٤٠٤

خطبة للمنصور وجوابه على المعترض......................................... ٤٠٥

خطبة لعبد الله بن علي لما قتل مروان بن محمد................................ ٤٠٥

خطبة لداود بن علي...................................................... ٤٠٦

خطبة لصالح بن علي لما أرجف الناس....................................... ٤٠٦

خطبة لابن المعتز بالتوبة.................................................... ٤٠٧

فصل : في المعارضات والمناقضات ٤٠٨

لما احتضر أبو بكر رضي الله تمثلت عائشة ببيت حاتم فذكّرها بالقرآن............ ٤٠٨

لما مر علي رضي الله عنه بإيوان كسرى تمثل رجل بقول الأسود بن يعفر فذكّره بالقرآن ٤٠٨


الموضوع

الصفحة

تمثل متظلم حين حكم له المهتدي بالله بقول الأعشى فذكّره الخليفة بالقرآن....... ٤٠٩

فصل : في المحاضرات ٤١٠

علي مع قوم يلعبون الشطرنج............................................... ٤١٠

فصل : في مقامات السؤال ٤١١

وقوف أعرابي على مضرب عبد الملك بن مروان وطلبه الصدقة................... ٤١١

دخول المنصور الفقيه على بعض الرؤساء وسؤاله............................... ٤١١

فصل : في مقامات الأسرى ٤١١

هشام بن عبد الملك ورجل تكلم بين يديه مجادلا عن نفسه..................... ٤١١

فصل : فيمن تكلم لحاجته وهو في الصلاة ٤١٢

ارتج على الهادي في الصلاة وهابوه ثم فتحوا عليه.............................. ٤١٢

الباب الرابع عشر

في الجوابات المسكتة ٤١٣ ـ ٤٣٣

فصل : فيما صدر منها عن الصدر الأول والسلف الأفضل ٤١٥

بين يهودي وعلي رضي الله عنه............................................. ٤١٥

بين سعد بن أبي وقاص ومعاوية............................................. ٤١٥

تذكير معاوية سعدا بقوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)................ ٤١٥

جواب صعصعة عند إقباله واتجاهه من الفج العميق إلى البيت العتيق............. ٤١٦

قول معاوية لرجل من اليمن................................................. ٤١٦

ما قاله ابن عباس في المختار بن أبي عبيد..................................... ٤١٦

بين وهب بن منبه وابن الزبير............................................... ٤١٧

وصية عمر عند احتضاره................................................... ٤١٧

منع مالك بن المنذر الحسن من الوعظ بجامع الكوفة........................... ٤١٨

الشعبي وعدم حيائه من : لا أدري.......................................... ٤١٨

الوليد بن عبد الملك وابن عبد العزيز في إقصاء الخلافة لرجل من أهل اليمن....... ٤١٩

حوار بين سليمان بن عبد الملك وأبي حازم.................................... ٤١٩

نعي رجل إلى صلة بن أشيم أخاه............................................ ٤٢٠


الموضوع

الصفحة

بين هشام بن عبد الملك وإبراهيم بن أبي عبلة................................. ٤٢٠

قرشي يتصدى لتغلبي وذكر البطحاوات...................................... ٤٢١

فصل : بين المنصور وأبي مسلم الخراساني يوم قتله ٤٢٢

أمر المنصور شبيب بن شيبة بالخروج إلى خراسان.............................. ٤٢٢

بين ابن عون وعمرو عن قيام الساعة........................................ ٤٢٣

خالد بن صفوان يفحمه رجل من بني عبد الدار............................... ٤٢٣

عمرو بن سعيد بن سالم في حراسة المأمون.................................... ٤٢٤

نفقة الحج................................................................ ٤٢٥

ثلاثة لا يحل فيهن المسألة.................................................. ٤٢٥

تظلم أصحاب الصدقات من أحمد بن يوسف للمأمون......................... ٤٢٥

جواب المعتصم على كتاب ملك الروم........................................ ٤٢٦

جواب أحمد بن أبي داود على محمد بن الزيات بعد اغتيابه...................... ٤٢٦

استعداء أبي العيناء على خصومه عند أبي دؤاد................................ ٤٢٦

فصل : في جوابات أبي العيناء ٤٢٨

في معنى أبي العيناء........................................................ ٤٢٨

في ابن رستم وابن مكرم.................................................... ٤٢٨

في إبراهيم بن ميمون...................................................... ٤٢٩

في أحمد بن الضحاك...................................................... ٤٢٩

في نجاح بن سلمة......................................................... ٤٢٩

مع أبي نوح في مضاحكته نصرانيا........................................... ٤٣٠

في جوابه العباس بن رستم.................................................. ٤٣٠

فصل : في جوابات الكتاب والأدباء والظرفاء ٤٣٠

جواب كاتب أرادوا مصادرة أمواله........................................... ٤٣١

كتب محبوس إلى كاتب حابسه............................................. ٤٣١

طفيلي في صحبة قوم من الشعراء............................................ ٤٣٢


الموضوع

الصفحة

الباب الخامس عشر

في ملح النوادر ٤٣٣ ـ ٤٤١

فصل : في نوادر القراء ٤٣٥

قول الحسن في عدم احتمال الثقلاء.......................................... ٤٣٥

قول بعض الظرفاء في أعمى وعمياء......................................... ٤٣٥

حبس رجل في مجلس صاحب ديوان......................................... ٤٣٥

فتى في يمينه خاتم.......................................................... ٤٣٥

في ديوان الاستيفاء........................................................ ٤٣٦

فصل : في نوادر الأعراب ٤٣٦

أعرابي يعتق جارية لاقتحام العقبة............................................ ٤٣٦

أعتق الرشيد ألف عبد لسماعه الخبر........................................ ٤٣٦

تصويب أعرابي قراءة آية لتناقض أولها مع آخرها............................... ٤٣٧

تعليل أعرابي أكله في شهر رمضان........................................... ٤٣٧

منزل أعرابي............................................................... ٤٣٧

فصل : في نوادر عقلاء المجانين ٤٣٨

بهلول ينصح مجنونا........................................................ ٤٣٨

عدم صلاته في جماعة لعدم تمكنه في الأرض.................................. ٤٣٨

مجنون ينجو من الصبيان................................................... ٤٣٩

حبس مجنون ادّعى النبوة في البصرة.......................................... ٤٣٩

الباب السادس عشر

الاقتباس المكروه ٤٤١ ـ ٤٤٥

فصل : في الخروج عن حدّ الاقتباس ٤٤٣

قول أبي تمام مستفرغا قصة يوسف.......................................... ٤٤٣

ما قاله عضد الدولة في أخيه أخذا من سورة الانشراح.......................... ٤٤٣

فصل : في ذكر الخلق مما استأثر الله به في الصفات ٤٤٤


الموضوع

الصفحة

الباب السابع عشر

في الرؤيا وعجائبها والتعبيرات وبدائعها ٤٤٥ ـ ٤٦٣

فصل : في حكايات الرؤيا والتعبير........................................... ٤٤٧

قول ابن عباس في تأويل الأحاديث.......................................... ٤٤٧

قول ابن المسيب وابن سيرين في البشرى أنها الرؤيا............................. ٤٤٧

إجماع المعبرين على اختلاف الرؤيا باختلاف الرائي............................. ٤٤٨

الغل للبر ولغيره........................................................... ٤٤٨

رؤيا سلمان لأبي بكر بعد مؤاخاتهما......................................... ٤٤٨

تفسير ابن سيرين لأذان رجلين بمعنيين مختلفين................................ ٤٤٨

رؤيا الحميدي لأبي حنيفة والشافعي عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................. ٤٤٩

رؤيا المهدي لشريك يكلمه من قفاه وعنده سعيد بن سلم....................... ٤٤٩

رؤيا المهدي عليا بعد حبسه موسى بن جعفر.................................. ٤٥٠

رؤيا رجل أنه يسرق بيضا يضعها تحت الخشب................................ ٤٥١

رؤيا الرشيد ملك الموت وسؤاله عن باقي عمره وإشارته إلى الخمس............... ٤٥١

رؤيا المتوكل عليا وسط نار موقدة وتأويلها..................................... ٤٥٢

رؤيا المتوكل كأن دابة تكلمه وتأويلها......................................... ٤٥٢

فصل : في تعبيرات في القرآن مثبتة ٤٥٣

النخلة ، الحبوب ، الثمار ، الغلام ، الأمرد ، الريح ، إسحاق ، الغرفة ، النوم ٤٥٣ ـ ٤٦١

السفينة ، البقر الأصفر ، الماء ، اللحم ، الحجارة ، الملك ، الحبل ، اللباس ، الحطب

قطع العصا ، ضرب إنسان ، الزنا بالمرأة ، الفطر في رمضان ، قيام الساعة ، الصلاة لغير القبلة ، النور ، الظلمة ، بنيان الطرق ، اللسان ، المفتاح ، أبواب مفتحة السلم ، السكر ، سقوط الأسنان ، النعجة ، الجمال ، الطيور ، الضرب على العود ، دخول مكة ، الضحك

شرب اللبن ، المطر ، النار ، الكبائر ، تقليب الكف ، الجنون ، الجلوس على السرير ، التسبيح والتهليل ، النكاح

استضافة القوم ، اللؤلؤ والياقوت ، شرب الخمر ، مناداة الإنسان ، الفرار من القوم


الموضوع

الصفحة

الباب الثامن عشر

في ذكر الخط والكتاب والحساب ... إلخ ٤٦٣ ـ ٥٦٧

فصل : في فضل الكتاب والكتّاب ٤٦٥

آيات من القرآن.......................................................... ٤٦٦

القسم بالقلم............................................................. ٤٦٧

أمية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلتها للنبي في فضل التعليم................................ ٤٦٧

شعر لأبي الفتح البستي.................................................... ٤٦٨

فصل : في مثل ذلك ٤٦٨

تفسير ابن عباس (أثارة من علم)............................................ ٤٦٨

فصل : في ضد ذلك ٤٧٠

قول لمجان الحكماء......................................................... ٤٧٠

وصف الجاحظ لعامة الكتاب............................................... ٤٧١

فصل : في فضل الحساب ٤٧١

آيات من القرآن في فضله.................................................. ٤٧٢

قول الجاحظ في فضل الحساب.............................................. ٤٧٣

كتاب لأبي إسحاق الصابي................................................ ٤٧٣

فصول كتب العهد........................................................ ٤٧٣

فصل : فيما يقع في العهود من ذكر تقوى الله وأدب الولاية ٤٧٦

لعبد العزيز بن يوسف..................................................... ٤٧٦

رسائل للصابي............................................................ ٤٧٦

للصاحب بن عباد........................................................ ٤٨١

فصل : في اتباع سنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٤٨١

لعبد العزيز بن يوسف..................................................... ٤٨١

للصاحب بن عباد........................................................ ٤٨٢

فصل : في المحافظة على الصلاة ٤٨٢

لعبد العزيز بن يوسف..................................................... ٤٨٣

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٨٣


الموضوع

الصفحة

فصل : في السعي إلى صلاة الجمعة ٤٨٤

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٨٤

فصل : في عرض أهل السجون وإقامة الحدود ٤٨٦

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٨٧

فصل : في ضبط الأطراف وأمان السبل ٤٨٨

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٨٨

فصل : في رد الأباق إلى أربابها ٤٩٠

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩٠

فصل : في تعطيل الحانات والمواخير ٤٩١

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩١

فصل : في تقوية أيدي الحكام والعمال ٤٩٢

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩٢

فصل : في اختيار العمال ٤٩٤

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩٤

فصل : في تعيير الموازين والمكاييل ٤٧٩

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩٧

فصل : في التركات ٤٩٨

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩٨

فصل : في إزالة الرسوم الجائرة ٤٩٨

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩٨

فصل : فيما يختص بالقضاء من العهود ٤٩٩

فصل : في آدابهم ٤٩٩

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٤٩٩

فصل : في ذكر الشهود وإثبات أهل الديانة ٥٠٢

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٥٠٣

فصل : في إقامة الحدود ٥٠٣

لعبد العزيز بن يوسف..................................................... ٥٠٣


الموضوع

الصفحة

فصل : في الاحتياط على أموال اليتامى ٥٠٤

للصاحب بن عباد........................................................ ٥٠٤

فصل : في ذكر الأوقاف والصدقات       ٥٠٥

للصاحب بن عباد........................................................ ٥٠٥

فصل : في استخلاف أهل العلم ٥٠٥

للصاحب بن عباد........................................................ ٥٠٥

فصل : في تزويج الأيامى ٥٠٦

للصاحب بن عباد........................................................ ٥٠٦

فصل : في زمر مختلفة من ألفاظ العهود ٥٠٦

لنوح بن منصور........................................................... ٥٠٦

فصل : في افتتاحات كتب الفتوح وما يتصل بها ٥٠٧

للإسكافي................................................................ ٥٠٧

رسائل لأبي بكر الخوارزمي.................................................. ٥١٢

فصل : فيما يقع من الفتوح في ذكر الأعداء .. إلخ ٥١٣

رسائل للإسكافي.......................................................... ٥١٣

رسائل لابن عباد.......................................................... ٥٢٠

فصل : في معان شتى ٥٢٣

للصابي.................................................................. ٥٢٣

للإسكافي في ذكر رعية.................................................... ٥٢٣

لابن عباد في العفو عن مستأمن............................................. ٥٢٤

لابن عباد في ذكر الرعية................................................... ٥٢٥

لابن عباد في شكر النعمة.................................................. ٥٢٥

فصل : في الحث على الطاعة وتآلف الخارجين عنها ٥٢٦

رسائل للصابي............................................................ ٥٢٦

فصل : في ذكر الصلح وما فيه من الصلاح ٥٢٩

للصاحب بن عباد........................................................ ٥٢٩

للإسكافي في الصلح بين الملك نوح والصغاني................................. ٥٣٠


الموضوع

الصفحة

فصل : في الأحماد والتقريظ ٥٣١

للإسكافي عن الملك نوح................................................... ٥٣١

لابن عباد................................................................ ٣٥٢

لعبد العزيز بن يوسف عن الطائع إلى ركن الدولة.............................. ٣٥٢

فصل : في الشكر وإعظام قدر النعمة ٥٣٢

لابن عباد................................................................ ٥٣٢

لعبد العزيز بن يوسف..................................................... ٥٣٣

فصل : في التقريع والتوبيخ ٥٣٣

لعبد الحميد الكاتب....................................................... ٥٣٣

للإسكافي................................................................ ٥٣٤

لأبي بكر الخوارزمي........................................................ ٥٣٤

فصل : في ذكر شهر رمضان ٥٣٥

إبراهيم بن العباس......................................................... ٥٣٥

للإسكافي................................................................ ٥٣٥

فصل : في أنواع شتى من الكتب السلطانية ٥٣٧

إبراهيم بن العباس في الحج والحجيج.......................................... ٥٣٧

للإسكافي في الحث على الجهاد............................................. ٥٣٧

لابن عباد................................................................ ٥٣٨

لعبد العزيز بن يوسف..................................................... ٥٤٠

سعيد بن حميد في الاستسقاء............................................... ٥٣٩

لابن ثوابة في هدم دار..................................................... ٥٤٠

لطاهر بن الحسن.......................................................... ٥٤١

فصل : في التهاني ٥٤١

فصول : في الكتب الإخوانية ٥٤١

لأبي العيناء............................................................... ٥٤١

كتاب إلى ذمي أسلم...................................................... ٥٤٣

كتب بعضهم في التهنئة بالعزل............................................. ٥٤٤


الموضوع

الصفحة

تهنئة بمولودة.............................................................. ٥٤٥

فصل : في التعازي ٥٤٥

آيات قرآنية.............................................................. ٥٤٦

قول لابن مسعود......................................................... ٥٤٦

تعزية أعرابي معاوية........................................................ ٥٤٦

تعزية رجل الهادي في ابن له................................................. ٥٤٦

تعزية ابن مكرم رجلا في أخيه............................................... ٥٤٧

تعزية محمد بن عبد الملك................................................... ٥٤٧

للإسكافي................................................................ ٥٤٨

لأبي إسحاق الصابي....................................................... ٥٤٨

للإسكافي................................................................ ٥٤٨

لابن عباد................................................................ ٥٥٠

للخوارزمي................................................................ ٥٥١

فصل : في المدح والتقريظ ٥٥١

لابن أبي البغل............................................................ ٥٥١

لابن عباد................................................................ ٥٥١

للخوارزمي................................................................ ٥٥١

لأبي فضل الهمذاني........................................................ ٥٥٣

فصل : في الملاطفات وما يجري مجراها ٥٥٤

لأحمد بن سعيد........................................................... ٥٥٤

للخوارزمي................................................................ ٥٥٥

فصل : في العتاب ٥٥٧

لمحمد بن يحيى............................................................. ٥٥٧

لابن عباد................................................................ ٥٥٧

فصل : كتاب أبي الفرج الببغا إلى بعض أضداده ٥٥٩

فصل : في فنون مختلفة من الرسائل الإخوانية ٥٦٠

لابن العميد.............................................................. ٥٦٠


الموضوع

الصفحة

ليحيى بن خالد إلى الرشيد................................................. ٥٦٤

توقيع الرشيد............................................................. ٥٦٤

ثلاث توقيعات لجعفر بن يحيى.............................................. ٥٦٤

كتابة جعفر بن قاسم الكرخي إلى الوزير عبد الله بن محمد وتوقيع عليها الوزير..... ٥٦٥

توقيع المقتدر لما اضطرب العسكر............................................ ٥٦٥

الباب التاسع عشر

في الأمثال والألفاظ ٥٦٩ ـ ٥٧٥

فصل : في فضل الأمثال ٥٦٩

قول حكيم وابن المقفع وغيره................................................ ٥٦٩

آيات من القرآن اقتبس منها أبو تمام الطائي في سينيته       ٥٧١

فصل : بعض ما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٥٧١

سؤاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فارعة عن أخيها أمية بن أبي الصلت............................... ٥٧١

الغازي في سبيل الله كأم موسى.............................................. ٥٧٢

فصل : في مثل ذلك ٥٧٢

طلب الرشيد من ابن رباح تركيب فص في خاتم................................ ٥٧٣

وقوع الذباب على أنف المنصور وهو يخطب.................................. ٥٧٣

سؤال ابن عبيد عن خلقه................................................... ٥٧٣

فصل : في أن الأمر إذا دبره غير واحد فسد ٥٧٣

قول لبعض الحكماء....................................................... ٥٧٣

قول للعرب............................................................... ٥٧٣

ما قيل للمنصور في أبي مسلم............................................... ٥٧٤

مثل إذا لم يكن إبل....................................................... ٥٧٤

الباب العشرون

في ذكر الشعر والشعراء وأنواع اقتباسهم من ألفاظ القرآن ٥٧٥ ـ ٦٢١

فصل : في ذكر الشعر ٥٧٧

لأبي زيد البلخي.......................................................... ٥٧٧


الموضوع

الصفحة

فصل : في ذكر الشعراء ٥٧٩

فصل : في اختيار لهم يتعلق بالاقتباس ٥٨٠

بيتا الفرزدق عند سليمان بن عبد الملك...................................... ٥٨٠

قول بعضهم في المعنى نفسه................................................. ٥٨٠

بيتا مروان بن أبي حفصة واستحسان الرشيد لهما.............................. ٥٨١

اقتباس أبي نواس وهو يساير الضحاك من آية سمعها من رجل.................... ٥٨٢

أخذ أبي نواس المعنى من شاعر آخر.......................................... ٥٨٢

فصل : في تداول الشعراء معنى أصله من القرآن ٥٨٣

للحميري................................................................ ٥٨٣

لمنصور النميري........................................................... ٥٨٣

للبحتري وأبي تمام والمتنبي................................................... ٥٨٣

لكشاجم والمتنبي.......................................................... ٥٨٤

للمتوكل الليثي والأخطل وابن الرومي وابن أبي شراعة........................... ٥٨٥

فصل : في اقتباساتهم الخفية اللطيفة ٥٨٧

للشداخ الكناني ومروان.................................................... ٥٧٨

لابن الرومي والمتنبي................................................ ٥٨٨ ، ٥٨٩

فصل : في الغزل والنسيب ٥٩٠

لوضّاح اليمن............................................................. ٥٩٠

لمحمد بن أبي زرعة الدمشقي................................................ ٥٩٠

لعلية بنت المهدي ، ولغيرها................................................ ٥٩١

لابن داود الأصبهاني والبستي............................................... ٥٩٢

لابن الرومي وابن بسام..................................................... ٥٩٣

لجحظة البرمكي........................................................... ٥٩٤

للخباز البلدي والسري الموصلي............................................. ٥٩٤

لابن الحجاج............................................................. ٥٩٥

لآخر.................................................................... ٥٩٥


الموضوع

الصفحة

فصل : في المدح ٥٩٦

أبيات لداود بن علي...................................................... ٥٩٦

لأبي العتاهية ومنصور النميري.............................................. ٥٩٦

لأبي الشيص وأبي تمام..................................................... ٥٩٧

للبحتري وابن الرومي...................................................... ٥٩٨

لعلي بن هارون وابن العميد................................................ ٥٩٨

لأبي عبد الله بن الحجاج............................................ ٥٩٩ ، ٦٠٠

لبديع الزمان الهمداني...................................................... ٦٠١

فصل : في العتاب ٦٠١

لابن الرومي.............................................................. ٦٠١

لأبي الشمقمق............................................................ ٦٠٢

لأبي عبد الله الضرير....................................................... ٦٠٢

لأعرابي.................................................................. ٦٠٣

لإسماعيل القراطيسي....................................................... ٦٠٣

لابن الحسن الموسوي (الشريف الرضي)...................................... ٦٠٤

فصل : في التشبيهات ٦٠٤

لابن طباطبا وابن الرومي................................................... ٦٠٤

لكشاجم وغيره وللثعالبي........................................... ٦٠٥ ، ٦٠٦

لابن الرومي.............................................................. ٦٠٦

فصل : في التأذي بالمطر ٦٠٧

شعر لبعض المحسنين....................................................... ٦٠٧

فصل : في ذكر قوله تعالى : (وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) ٦٠٨

لابن الرومي ولبعضهم..................................................... ٦٠٨

فصل : في فنون مختلفة ٦٠٩

لأبي الخطاب............................................................. ٦٠٩

لابن الرومي وكشاجم وآخر................................................ ٦٠٩


الموضوع

الصفحة

للسري الموصلي والقاضي الجرجاني................................... ٦١٠ ، ٦١١

للقاسم بن بابك.......................................................... ٦١١

للبستي................................................................... ٦١٢

لبعض أهل العصر........................................................ ٦١٣

فصل : في ذكر التجنيس ٦١٤

آيات قرآنية.............................................................. ٦١٤

فصل : في الطباق ٦١٥

آيات قرآنية.............................................................. ٦١٥

لابن بسام ولجحظة........................................................ ٦١٥

لابن الحجاج ولأبي طالب الماموني............................................ ٦١٥

لابن بسام وابن وهيب............................................. ٦١٦ ، ٦١٧

للحجاج................................................................. ٦١٨

لآخر في وصف جبة...................................................... ٦١٩

لأبي العباس المصيصي..................................................... ٦١٩

لأبي العلاء الأصفهاني..................................................... ٦٢٠

الباب الحادي والعشرون

في اقتصاص بعض ما في القرآن من الإيجاز ٦٢١ ـ ٦٣٥

فصل : في ذكر الإيجاز ٦٢٣

أمثلة من القرآن................................................... ٦٣٢ ، ٦٣٣

فصل : في ذكر التشبيه ٦٣٤

أمثلة من القرآن........................................................... ٦٣٤

فصل : في الاستعارة ٦٢٦

أمثلة من القرآن........................................................... ٦٢٧

فصل : في المجاز ٦٢٨

كلام الجاحظ............................................................ ٦٢٨

للعرجي.................................................................. ٦٢٨

لخالد القسري وآخر....................................................... ٦٢٩


الموضوع

الصفحة

لليزيدي والكسائي عند العباس بن الحسين بن الحسين.......................... ٦٣٠

للصولي.................................................................. ٦٣٠

وللسلامي لشاعر وللراعي النميري.......................................... ٦٣١

للجاحظ وللفراء.......................................................... ٦٣٢

فصل : فيما يجري مجرى هذا الباب ٦٣٢

الالتفات................................................................. ٦٣٢

لشاعر ولجرير والفرزدق.................................................... ٦٣٣

الباب الثاني والعشرون

في ظرائف التلاوات ٦٣٥ ـ ٦٤٩

فصل : في نقد التفاسير ٦٣٧

الجاحظ عن النظام........................................................ ٦٣٧

أمثلة غريبة في التفسير..................................................... ٦٣٨

فصل : في سياقة التلاوات ٦٣٩

أقوال للإمام علي وابن عباس ومجاهد والضحاك وابن عيينة...................... ٦٣٩

أقوال للسدي وأبي هريرة................................................... ٦٤٠

أقوال للشعبي ومكحول والحسن ومجاهد والضحاك............................. ٦٤٠

أقوال لعمر والشعبي والحسن وابن عباس...................................... ٦٤١

أقوال للحسن وابن عباس والشعبي............................ ٦٤٢ ، ٦٤٣ ، ٦٤٤

الباب الثالث والعشرون

في فنون مختلفة الترتيب ٦٤٩ ـ ٦٨٧

فصل : في الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر ٦٥١

أمثلة من القرآن........................................................... ٦٥١

لزيد بن محمد العلوي...................................................... ٦٥٢

لآخر وللبستي............................................................ ٦٥٣

حديث.................................................................. ٦٥٣

خبر من كتاب التنوخي (الفرج)............................................. ٦٥٣


الموضوع

الصفحة

كتاب معاوية إلى مروان.................................................... ٦٥٤

فصل : في التفاؤل من القرآن ٦٥٤

خبر عن المعتضد بالله...................................................... ٦٥٥

خبر عن المأمون........................................................... ٦٥٥

خبر عن الأمين مع إبراهيم بن المهدي........................................ ٦٥٦

خبر عن عمرو بن الليث................................................... ٦٥٧

فصل : في ذكر القرعة ٦٥٨

آيات من القرآن.......................................................... ٦٥٨

فصل : في حب الوطن ٦٥٩

فصل : في اليمين ٦٦٠

المفسرون................................................................. ٦٦٠

أبو حنيفة ، وشاعر....................................................... ٦٦١

فصل : في ذكر السلطان ٦٦٢

قول للحجاج............................................................. ٦٦٢

من يتيمة ابن المقفع........................................................ ٦٦٢

قول لشاعر.............................................................. ٦٦٤

فصل : في الهدية ٦٦٥

للفضل بن سهل.......................................................... ٦٦٥

فصل : في الرياح ٦٦٥

قول عبد الله بن عمر...................................................... ٦٦٥

فصل : في ذكر الذهب وفضله ٦٦٦

قول أبي زيد البلخي....................................................... ٦٦٦

فصل : في ذكر النار ٦٦٨

قول الجاحظ في عظم شأن النار وقدرها...................................... ٦٦٨

فصل : في ذكر الفيل ٦٧٤

قول الجاحظ فيه.......................................................... ٦٧٤


الموضوع

الصفحة

فصل : في ذكر الإبل ٦٧٥

في فضلها آيات من القرآن.......................................... ٦٧٥ ، ٦٧٦

فصل : في ذكر الخيل ٦٧٧

فصل : في ذكر سور وآي القرآن ٦٧٨

الباب الرابع والعشرون

في الدعوات المستجابة ٦٨٧ ـ ٧٠٩

فصل : في فضل الدعاء وما يتصل به ٦٨٩

آيات قرآنية.............................................................. ٦٨٩

من كتاب الفرج بعد الشدة................................................. ٦٩١

فصل : في أدعية المكروبين ٦٩٣

دعاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحرب................................................ ٦٩٣

دعاؤه يوم حنين........................................................... ٦٩٣

دعاؤه عند القحط........................................................ ٦٩٣

دعاؤه للاستسقاء......................................................... ٦٩٤

دعاء علي يوم الجمل...................................................... ٦٩٤

شكوى رجل من ضيق الحال................................................ ٦٩٤

دعاء الحسن يخلصه من بطش الحجاج........................................ ٦٩٧

فصل : في سائر الدعوات ٦٩٨

دعاء الحاجة لعلي......................................................... ٦٩٨

دعاء الدين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم..................................................... ٦٩٨

دعاء الخوف والصدقة..................................................... ٦٩٩

الدعاء عند مواقعة العدو................................................... ٦٩٩

الدعاء عند أخذ المصحف................................................. ٦٧٠

الدعاء عند النظر إلى السماء............................................... ٦٧٠

الدعاء عند الظلم......................................................... ٧٠٠

الدعاء عند الذنب........................................................ ٧٠٠


الموضوع

الصفحة

الدعاء عند التهمة........................................................ ٧٠١

الدعاء عند افتتاح الأمر.................................................... ٧٠١

الدعاء عند الاصطلاء وعند الدخول إلى الحمام............................... ٧٠١

الدعاء عند دخول بلدة أو منزل............................................. ٧٠١

الدعاء عند الركوب والنزول................................................. ٧٠١

الدعاء عند إتيان الأهل.................................................... ٧٠١

الدعاء عند طلب ولد ذكر................................................. ٧٠١

الدعاء عند لبس ثوب جديد............................................... ٧٠٢

الدعاء عند السهو والنسيان................................................ ٧٠٣

الدعاء عند الشدة......................................................... ٧٠٣

الدعاء عند الوسوسة...................................................... ٧٠٣

الدعاء عند ذكر الوالدين................................................... ٧٠٣

الدعاء عند النظر إلى المرآة................................................. ٧٠٤

الدعاء في طرفي النهار..................................................... ٧٠٤

الدعاء عند رؤية المبتلى.................................................... ٧٠٤

الدعاء عند انكشاف البلاء................................................ ٧٠٤

الدعاء عند النظر إلى الولد................................................. ٧٠٥

الدعاء لأهل البلد......................................................... ٧٠٥

الدعاء عند رؤية الهلال.................................................... ٧٠٥

الدعاء عند البرق والرعد................................................... ٧٠٥

الدعاء عند خوف العين................................................... ٧٠٥

الدعاء عند ركوب السفينة.................................................. ٧٠٦

الدعاء عند الرغبة في العلم والأدب.......................................... ٧٠٦

فصل : في أدعية البلغاء ٧٠٦

للخوارزمي................................................................ ٧٠٧


الموضوع

الصفحة

الباب الخامس والعشرون

في الرقى والأحراز ٧٠٩

فصل : في الرقى من الأوجاع والأمراض ٧١١

رقية الحمى............................................................... ٧١٢

رقية لوجع البطن والإسهال................................................. ٧١٢

رقية لعسر الولادة ولحمى الربع.............................................. ٧١٢

رقية للصداع والشقيقة ووجع الضرس والقوباء.................................. ٧١٤

رقية للمصروع والمجنون..................................................... ٧١٥

فصل : في سائر الرقى ٧١٦

فصل : في الأحراز ٧١٨

فهارس الكتاب........................................................... ٧٢٥

فهرس الأشعار............................................................ ٧٤٩

فهرس الأعلام والقبائل..................................................... ٧٥٦

فهرس الأماكن............................................................ ٧٦٤



المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الثعالبي

لا نظن القارئ بحاجة إلى تعريف بالثعالبي ؛ فهو من الشهرة بمكان يغني محقق كتبه عن كتابة تفصيل عن حياته في مقدمة ما ينشر.

ويكفي أن نذكر فقط أنه أبو منصور عبد الملك بن محمد بن اسماعيل ، المولود في نيسابور سنة ٣٥٠ ه‍ ، والمتوفى سنة ٤٢٩ ه‍ (١). وأن لقبه الثعالبي إما نسبة إلى مهنة خياطة جلود الثعالب ، أو الشغل بفرائها. وهي مهنة امتهنها بعض أهله فتلقب بها ..

ولا نعني بالتعريف به سلسلة النسب أو سيرة حياته الشخصية ، فهاتان المعرفتان مما تفتقد إليهما سيرة الثعالبي نفسها ، إذ لا تجد في تراجم من كتب عنه توضيحا لجوانب حياته الأولى ، وكل ما تجده إشارات عابرة لا تختلف عما يذكر عن الأدباء والشعراء عامة. وهي لا تختلف هما يذكر عن متوسطي الثقافة والمال ؛ الانخراط مع الصبيان في الكتاب (٢) ، أو الاشتغال بمهمة تعليم الصبيان نفسها. إلا أن كتبه أفادتنا كثيرا من خلال ملاحظاته العابرة التي أنارت بعض الجوانب المتعلقة بنضجه الفكري والأدبي. فقد ذكر مؤدبا له علّمه الشعر واللغة (٣) ، وأشار إلى علاقاته بأصدقائه من الأدباء أو رجال الدولة من الأمراء والوزراء.

__________________

(١) زهر الآداب ٣١٢ / ٥٠٢ ، معاهد التنصيص ٣ / ٢٦٦ ، دمية القصر ٢ / ٢٢٦ وفيات الأعيان ٣ / ١٨٠ ، شذرات الذهب ٣ / ١٤٦ ، العبر في خبر من غبر / ١٤٦.

(٢) دراسة توثيقية ٢٤١.

(٣) اللطف واللطائف : ٢٩ ، القاهرة ١٣٢٤ ه‍ ١٩٠٦ م وهنا اختلف الباحثون في تحديد الخبر الوارد ؛ لأن الأبيات التي أوردها الثعالبي قالها في مؤدب علّمه الشعر واللغة. فهل هو مؤدب خاص انتدبه أهله له لتعليم ابنهم أم (ملاحظات ص ٢٠٣) إنه أحد معلمي الكتاتيب علق شخصه في ذهن الثعالبي ، فذكره في أبيات معظّما مكانته. وقد ذهب الأستاذ هلال ناجي إلى استنتاج مفاده أن الثعالبي لم يكن من عائلة فقيرة ، أو متوسطة الحال ، إنما من عائلة انتدبت مؤدبا لتأديب ابنها عبد الملك ، بينما رأى آخرون أنه كان من أسرة فقيرة الحال دفعت به إلى الكتاتيب في نيسابور ، ليتلقى العلم مستفيدين من النص منه.

دراسة توثيقية ص ٢٤١.


لقد كان للشخصيات السياسية والثقافية التي اتصل بها الثعالبي أثرها الكبير في حياته وأدبه. وهو أثر تجاوز ما يمكن أن يشاع حول أدبائنا ومفكرينا القدماء ، من كونهم يتصلون بالملوك والأمراء طلبا للعطاء والهدايا. تجاوز الثعالبي هذه الصلة من خلال علاقاته الوطيدة التي ربطته بهذه الشخصيات والتي يبدو إعجابه بها من خلال ما نقله عنهم ، وأنهم كانوا يبادلونه الحب والإعجاب ، فمعظمهم إن لم يكونوا أدباء وشعراء حقا فهم مثقفون يتصيدون الأخبار النادرة ويتبادلون الأشعار ، ويجمعون الأدباء والشعراء ليس تحقيقا للمنافسة السياسية فحسب ، بل لأن معظمهم من المولعين بالأدب حقا ؛ لذا نجد إطراء الثعالبي لهم إطراء ينسجم مع ما نهل من مجالسهم من زاد المسامرات ، وحصيلة المجالس الأدبية الشيقة التي جمعت أدباء العصر كأبي الفتح البستي ، وأبي بكر الخوارزمي ، وبديع الزمان الهمداني ، وغيرهم كثير (١).

فأبو الفتح البستي الوزير الأديب الشاعر : علي بن محمد بن الحسين المتوفى سنة ٤٠٠ ه‍ (٢) ، ترجم له الثعالبي ترجمة طويلة ، وذكر كثيرا من أشعاره ، وغرر أقواله (٣) ، وأهدى إليه كتابا أحسن ما سمعت (٤). وكانا يتبادلان الأشعار كقول البستي في الثعالبي :

قلبي مقيم بنيسابور عند أخ

ما مثله حين تستقرى البلاد أخ

له صحائف أخلاق مهذبة

منها الحجى والعلى والظرف تنتسخ (٥)

ونقل الثعالبي كثيرا من أخبار تلازمهما ومصاحبتهما إذ كانا يتبادلان الأحاديث والمسامرات ، فقد ذكر في كتابه تحفة الوزراء خبرا ورد فيه : (وقال لي يوما أبو الفتح البستي بنيسابور ، وقد أخذنا بأطراف الأحدايث بيننا : ما أحوج الأمير سيف الدولة يعني السلطان يمين الدولة وأمين الملة ـ أعزّ الله تعالى أنصاره ـ أنه كان إذ ذاك صاحب الجيش للأمير نوح

__________________

(١) راجع مصادر الثعالبي في كتابه (يتيمة الدهر) في مجلة المجمع العلمي العراقي العدد ١٤ المجلد ٣٢ بغداد سنة ١٩٨١ م.

(٢) وفيات الأعيان ٣ / ٣٧٦ ، ٣٧٨.

(٣) خاص الخاص ٢٤١ ، ٢٤٢.

(٤) يتيمة الدهر ٢ / ٢٤٢ ، وانظر ديوان البستي ٢٤١ ، ٢٧٥ ، ٣١١.

(٥) يتيمة الدهر ٢ / ٢٤٢.


ابن منصور الساماني رضي الله عنه ، ويلقب بسيف الدولة ، إلى وزير كما أنشدتني لنفسك) :

كتب الأمير كتائب في المعركه

والرأي منه طبيب رأي المملكه

وإذا رأى بالظن خطبا مشكلا

أضحت ستور الغيب عنه مهتكه

ومنجّم كما أنشدتني لنفسك :

صديق لنا عالم بالنجوم

يحدّثنا بلسان الملك

ويكتم أسرار سلطانه

ولكن ينمّ بسر الفلك (١)

وأما أبو بكر الخوارزمي فقد ذكر بعضهم تلمذته عليه (٢). واكتفى آخرون بالحكم على أنه درس الأدب معه ، وأنه كان مصدرا رئيسا من مصادر معلوماته (٣).

واتصل الثعالبي بنيسابور بالأمير أبي نصر أحمد بن علي الميكالي وفتحت هذه الصلة له أباوب المجد على مصاريعها ، لأنها يسرت له الاطلاع على المكتبة الضخمة للأمير أبي الفضل عبيد الله الميكالي أحد أبناء الأمير المذكور ، ووجد فيها أجواء طيبة ورعاية عالية استطاع أن يبدع في ظلالها (٤) ، وان يكتب للعربية كتبا خلدته وخلدت ما سطر من أخبار وأشعار وطرائف. وكثيرا ما ذكر الثعالبي صديقه الأمير أبا الفضل الميكالي هذا بكل ما يوحى بالحب والمودة والإعجاب بأدبه وعلمه ، وقد أكثر من الاقتباس والتمثيل برسائله مبديا إعجابه به ، وتقديره لأدبه. وضمن كتابه اليتيمة اقتباسات من أشعاره ونثره (٥). وذكره أيضا في ثمار القلوب وتمثل بأشعاره (٦). وأهدى له أكثر من خمسة من آثاره الأدبية :

__________________

(١) تحفة الوزراء ٤٧ / ٤٨.

(٢) يتيمة الدهر ٢ / ٢٤٢.

(٣) راجع ملاحظات عن سيرة الثعالبي للدكتور قاسم السامرائي ترجمة ابتسام مرهون ، مجلة المناهل المغربية العدد (١٨) ١٩٨٠ مصادر الثعالبي ـ مجلة المجمع العلمي العراقي عدد ١٤ مجلد ٣٢ / ١٩٨١.

(٤) اليتيمة ٣ / ٢٤٠.

(٥) الجزء الرابع من اليتيمة ترجمة الميكالي.

(٦) ثمار القلوب : ٣ ، سحر البلاغة ، ط. أحمد عياد دمشق ، تتمة اليتيمة ١ / ٨٩.


ـ فضل من اسمه الفضل (١).

برد الأكباد في الأعداد كتبه لأبي الفضل بعد أن نكب هو وأخوه أبو إبراهيم ، وطردا من منصبيهما ، ثم استردا ملكيتيهما سنة ٤٢١ ه‍ بشفاعة أحد القضاة (٢).

ـ فقه اللغة وسر العربية (٣).

ـ ثمار القلوب في المضاف والمنسوب (٤).

ـ خصائص البلدان (٥).

ـ سحر البلاغة (٦).

وقد صرح الثعالبي بما لا يقبل الشك أنه كانت بينه وبين الميكالي صداقة وطيدة أساسها المودة والإخاء ، لا المنصب السياسي أو الجاه الاجتماعي ، لذلك اقتبس الثعالبي كثيرا من أقوال الميكالي وتعليقاته في معظم كتبه بما في ذلك الكتب التي أهداها لغيره مثل خاص الخاص ، والإيجاز والإعجاز.

ونجد في مراسلات الميكالي للثعالبي من ناحية أخرى صدى لهذه الصداقة ، فالحصري ينقل في إحدى رسائل الميكالي التي يذكر فيها تشوقه ولهفته للقائه ومحداثته :

(... كتابي وأنا أشكو إليك شوقا لو عالجه الأعرابي لما صبا إلى رمل عالج ، أو كابده الخليّ لانثنى على كبد ذات حرق ولواعج ، ولذم زمانا يفرق فلا يحسن جمعا ..) (٧).

وقال الميكالي أشعارا في الثعالبي ، وهي مما ينقلها الأخير في الترجمة التي خصّها للميكالي في كتاب اليتيمة ، فقد أورد الثعالبي أبياتا للميكالي قال عنها بأنها مما قالها في مؤلف

__________________

(١) اليتيمة ٤ / ٤٣٣.

(٢) ملاحظات عن سيرة الثعالبي ٢١٥.

(٣) فقه اللغة : مقدمة الكتاب : ٢٩.

(٤) بروكلمان ١ / ٣٣٨ ، الملحق ١ / ٥٠٠.

(٥) دراسة توثيقية ٢٦٨.

(٦) يتيمة الدهر ٢ / ٢٣٤.

(٧) زهر الآداب ١ / ٥٠١.


الكتاب :

أخ لي أما الودّ منه فرائد

وألفاظه بين الحديث فرائد

إذا غاب يوما لم ينب عنه شاهد

وإن شهد ارتاحت إليه المشاهد (١)

وحين ذهب الثعالبي إلى جرجان اتصل بالأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير ، وكان من جملة ما ألف وأهدى لهذا الأمير كتابان : المبهج (٢) والتمثيل والمحاضرة (٣).

وحين عاد إلى نيسابور اتصل بالأمير أبي المظفر نصر بن ناصر الدين سبكتكين (٤) صاحب الجيش وأهدى إليه :

ـ الاقتباس من القرآن الكريم.

ـ المتشابه ـ أجناس التجنيس (٥).

ـ غرر السير (٦).

ومن الذين اتصل بهم الثعالبي ، وكان له الأثر الكبير في حياته الأمير خوارزمشاه أبو العباس مأمون بن مأمون الذي اتصل به الثعالبي وتوطدت صلته به ، وذكره في أكثر من كتاب. قال الثعالبي في مقدمة كتابه نثر النظم ، واصفا أيامه وأفعاله وأقواله : (أيام مولانا الملك المؤيد العالم العادل المسدد ، ولي النعم أبي العباس خوارزم شاه أدام الله سلطانه ، وحرس عزه ومكانه مواقيت الشرف والفضل ، وأوقاته تواريخ الكرم والمجد ، وساعاته مواسم الأدب والعلم ، وأنفاسه نعم وأقواله نغم ، وأفعاله سير ، وآثاره غرر ، وألفاظه درر ،

__________________

(١) يتيمة الدهر ٤ / ٣٧٥.

(٢) الإيجاز والإعجاز : ١٢٢ وراجع مقدمة المبهج.

(٣) مقدمة التمثيل والمحاضرة.

(٤) هو أبو المظفر نصر بن ناصر الدين صاحب الجيش وهو أخو ابن القاسم محمود بن سبكتكين الغزنوي ت ٣٨٩ ه‍ وقد ذكره الثعالبي في لطائف المعارف ٢٠٥ ، وانظر معجم الأسرات الحاكمة ص ٨.

(٥) أجناس التجنيس : المقدمة ـ تحقيق إبراهيم السامرائي العدد العاشر من مجلة كلية الآداب ١٩٦٧.

(٦) بروكلمان الملحق ١ / ٥٨١ وقد أنكر بروكلمان وكايتاني نسبته إلى الثعالبي. ولكن روزنثال وزوتنبرج وبوسورث أيدوا نسبته إليه. انظر بوسورث ترجمة لطائف المعارف عن ملاحظات عن سيرة الثعالبي.


ومعاليه تباهي النجوم ارتفاعا ، ومكارمه تضاهي الجو اتساعا ، ومحاسنه تباري الشمس ظهورا ، وفضائله تجاري القطر وفورا ، فالله يديم جمال الزمان ببقائه ، وكمال العز والرفعة ببهائه (١).

وذكره في مقدمة كتاب الكناية ، والتعريض باسمه الكامل : (عونك اللهم على شكر نعمتك في ملك كملك ، وبحر في قصر ، وبدر في دست ، وغيث يصدر عن ليث ، وعالم في ثوب عالم ، وسلطان بين حسن وإحسان :

لو لا عجائب صنع الله ما نبتت

تلك الفضائل في لحم ولا عصب

هذه صفة تغني عن التسمية ، ولا تحوج إلى التكنية ، إذ هي مختصة بمولانا الأمير السيد المؤيد ، ولي النعم أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه مولى أمير المؤمنين أدام الله سلطانه) (٢).

وقد ذكر البيهقي ترجمة خوارزم شاه مأمون مع بعض أخباره مع الثعالبي فقد نقل في تاريخه عن كتاب مسامرة خوارزم لأبي الريحان البيروني ترجمة خوارزم شاه ووصفه بأنه كان آخر أمراء أسرته إذ انتهت بوفاته دولة المأمونيين ، وأنه كان رجلا فاضلا شهما نشيطا أديبا يرعى الأدباء والعلماء ، ثم ينقل خبر (البيروني) عمّن حدثه عن الثعالبي يحكي فيه حديثا جرى بينه وبين خوارزم شاه فيصف الثعالبي بقوله :

(وكان قد رحل إلى خوارزم شاه فترة ، وألف باسمه كتبا كثيرة سمعته يقول كنا ذات يوم في مجلس الشراب نتحدث في الأدب فجرى الحديث ...) (٣).

وقد أورد الثعالبي نفسه خبرا ذكر فيه أن خوارزم شاه اقترح عليه أن يقول شعرا في خوارزم فقال :

__________________

(١) رسائل الثعالبي.

(٢) الكناية والتعريض : ١. وانظر تحفة الوزراء : ٣٠.

(٣) تاريخ البيهقي : ٧٣٤.


لله برد خوارزم إذا كلبت

أنيابه وكست أبداننا الرعد (١)

وقد أهدى الثعالبي لخوارزم شاه مأمون بن مأمون مؤلفاته التالية :

ـ النهية في الطرد والغنية (٢).

ـ اللطائف والظرائف (٣).

ـ نثر النظم وحل العقد (٤).

ـ الملوكي (٥).

وهيأ له هذا الأمير فرصة التعرف بالوزير أبي عبد الله الحمدوني وزير خوارزم شاه ، وأهدى إليه كتاب تحفة الوزراء حين قال :

(وبعد فإني حين خدمت مولانا ملك الزمان وفريد العصر والأوان خوارزم شاه ثبت الله ملكه ، وجعل الدنيا كلها ملكه بالكتاب المسمى بالملوكي خطر لي أن أخدم وزيره الأعظم ومشيره الأفخم أبا عبد الله الحمدوني بهذا الكتاب في سياسة الوزراء ، وإن كان مقامه الشريف مستغنيا عن ذلك لسلوكه تلك المسالك ، وإنما قصدت به استجداء مواهبه الجسام ، ومكارمه العظام ووسمته بتحفة الوزراء ...) (٦).

هؤلاء هم أشهر الشخصيات التي أهدى إليها الثعالبي بعض مؤلفاته. وهناك شخصيات كثيرة غيرها أهدى إليها كتبه الأخرى ، وكلها تدلنا على شخصية الثعالبي وأدبه ، وإذا كانت هذه الشخصيات سياسية ولها أدوار إدارية في الدولة فهذا أمر لا يهمنا بقدر ما تهمنا الصورة الطيبة التي رسمها الثعالبي لعلاقته بهم ، وهي صورة الصداقة الوطيدة

__________________

(١) خاص الخاص : ٢٤١ ، ٢٤٢ اليتيمة : ٤ / ٣٠٣ ، ٣٤٦.

(٢) ملاحظات ص ٢٢١.

(٣) مقدمة اللطائف ٦ / ١٨ طبعة عزة أفندي.

(٤) نثر النظم : ص ٢.

(٥) ذكر إهداءه له في تحفة الوزراء : ٣٨ ، وانظر : ملاحظات عن سيرة الثعالبي : ٢٢٦.

(٦) ذكر إهداءه له في تحفة الوزراء : ٣٨ ، وانظر : ملاحظات عن سيرة الثعالبي : ٢٢٦.


والاحترام المتبادل التي لم يكن فيها الثعالبي أقل منزلة وكرامة من أولئك الذين خاضوا غمار السياسة والوزارة. وإذا كانت بعض هذه الأجواء لا تميل إلى العربية لغة تأليف وتخاطب وأدب ، فقد فرض الثعالبي شخصيته العربية حين ألّف كل ما ألّف بالعربية ، ولم يستهوه استعمال غيرها في كل ما كتب ، فكان له دوره العظيم في خدمة العربية وتسجيل مآثر معاصريه ممن كانت له إسهامات في الشعر والنثر (١).

ونستطيع أن نعد الثعالبي محظوظا في حياته وبعد وفاته ، ولا نريد بالحظ إلّا توافر سبل الشهرة والخير له .. فقد عرف معاصروه من الأدباء والمفكرين ورجال السياسة قدره ، وتلقوه بالإكرام ، حتى إذا توفاه الله بقيت كتبه متداولة بين الناس .. ولم يصبها ما أصاب كتب غيره من الأدباء والمؤلفين ممن لم يقلّوا عنه شهرة وأدبا. لقد ضاعت كثير من مؤلفات مفكرينا القدماء ، واندثرت إلّا بقايا أسماء ذكرت في تراجمهم ؛ ونظرة سريعة إلى فهرست ابن النديم ، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي أو كشف الظنون أخيرا تدلنا على ضخامة ما ضاع وتبعثر من تراثنا العربي القديم. أما الثعالبي فقد شاء الله له أن تلقى كتبه رواجا أيام حياته ، وأن يبقى معظمها متداولا سالما من عوارض الأيام والاندثار عبر القرون الطويلة حتى إذا ازدهرت حركة النشر والتحقيق في عصرنا هذا كان نصيب الثعالبي وافرا من الدراسات الأكاديمية الجادة أولا ، وفي جهود المحققين والناشرين ثانيا.

لقد كتبت عن الثعالبي أكثر من رسالة جامعية في البلاد العربية وأبحاث جادة كثيرة كتبها عرب ومستشرقون ، بعضها تناولت حياته بالدرس والبحث ، وأخرى تناولت كتبه ومؤلفاته دراسة وتحقيقا. فكان منها ما كتبه بروكلمان (٢) في دائرة المعارف الإسلامية ، وما كتبه بوسورث في مقدمة اللطائف (٣) أو في بحوثه الأخرى عن الغزنويين أو الساميين ثم دراسة الأستاذ عبد الفتاح الحلو كما أشار إليها في مقدمة التمثيل والمحاضرة (٤) ، ودراسة الأخ

__________________

(١) انظر ملاحظات عن سيرة الثعالبي : ٢٠٤.

(٢) تاريخ الأدب العربي ١ / ٣٣٨ ، الملحق ١ / ٥٠٠.

(٣) ترجمة بوسورت للطائف المعارف في ادنبرة ١٩٦٣ م عن ملاحظات عن سيرة الثعالبي.

(٤) راجع مقدمة التمثيل والمحاضرة.


الدكتور محمود الجادر (الثعالبي ناقدا وأديبا) (١). وأخيرا دراسة الأستاذ محمد اشهبار عن يتيمة الدهر في المملكة المغربية (٢) ، وغير هذه الرسائل كتبت عنه دراسات جادة في مقدمات كتبه المحققة مثل مقدمة إبراهيم الأبياري وحسن كامل الصيرفي في كتاب لطائف المعارف ، ٢ ـ ١٠ ـ ١ ومقدمة ثمار القلوب ، ومقدمتي كتاب الاقتباس من القرآن الكريم ، وتحفة الوزراء (٣) ، ثم مقدمة الأستاذ هلال ناجي لكتاب الأنيس في غرر التجنيس. وأخيرا هناك دراستان جادتان تناولتا مؤلفات الثعالبي ، الأولى دراسة د. قاسم السامرائي التي نشرها في مجلةBibiotheca Orintali في عددJuli سنة ١٩٧٥ وقد ترجمتها د. ابتسام مرهون الصفار عام ١٩٨٠ ونشرت في مجلة المناهل المغربية ، العدد ١٨ ، السنة السابعة باسم (ملاحظات عن سيرة الثعالبي) والدراسة الأخيرة هي ما كتبه د. محمود الجادر باسم (دراسة توثيقية في مؤلفات الثعالبي) التي نشرها في مجلة معهد البحوث والدراسات العربية العدد الثاني عشر ١٩٨٣. وقد ذكر في هذه الدراسة أعداد كتب الثعالبي التي عني محققو كتبه بإحصائها قائلا : ٢ ـ ١٠ ـ ٢ (ويبدو أن أوسع القوائم الحديثة كانت تلك التي عنى بها بعض محققي كتب الثعالبي بإدراجها في مقدماتهم فقد جمع الأستاذ أحمد عبيد ستة وثلاثين كتابا في مقدمته لكتاب سحر البلاغة ، وجمع الأستاذان إبراهيم الإبياري ، وحسن كامل الصيرفي أسماء ثلاثة وتسعين كتابا في مقدمتهما لكتاب لطائف المعارف. وقدم الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو أسماء أربعة وثمانين كتابا في مقدمته لكتاب التمثيل والمحاضرة وجمعت الدكتورة ابتسام مرهون الصفار أسماء خمسة وتسعين كتابا في مقدمتها لكتاب الاقتباس من القرآن الكريم. أما في مقدماتها لكتاب تحفة الوزراء فقد أوصلت العدد إلى واحد ومائة) (٤). وأوصل الأستاذ هلال ناجي عدد مؤلفات الثعالبي إلى تسعة ومائة في مقدمة (الأنيس في غرر التجنيس) (٥) ، أما الدكتور الجادر نفسه فقد ذكر في دراسته عن (الثعالبي ناقدا وأدبيا) ستة ومائة كتاب ثبت له منها

__________________

(١) الثعالبي ناقدا وأديبا. بغداد ١٩٧٦ ص ٦٦ فما بعدها.

(٢) دراسة تحليلية لكتاب يتيمة الدهر سنة ١٩٧٩. (رسالة ماجستير بإشرافي في جامعة محمد بن عبد الله ، كلية الآداب).

(٣) الاقتباس من القرآن الكريم : ص ١٠ فما بعدها ، تحفة الوزراء ص ٢ فما بعدها.

(٤) دراسة توثيقية ص ٢٤٦.

(٥) الأنيس في غرر التجنيس : المقدمة ص ٣٨٥ ، ٣٩٤ مجلة المجمع العلمي العراقي ج ١ في المجلد الثالث والثلاثين ص ٢.


خمسة وتسعون (١). أما في دراسته التوثيقية فقد أثبت في القائمة مائة وستين كتابا ثبت له منها مائة وثمانية ، وما سواها منسوب لغيره ، أو هي من كتبه التي سميت بأكثر من اسم واحد ؛ لذلك لا نجد هنا مسوغا لإعادة ما كتب ، اللهم إلا سرد قائمة بأسماء مؤلفاته المطبوعة ثم المخطوطة فالمفقودة معتمدين على أحدث قوائم المؤلفات المذكورة أعلاه (٢).

مؤلفاته المطبوعة :

* أجناس التجنيس ـ المتشابه ـ التجنيس

طبع باسم المتشابه بتحقيق إبراهيم السامرائي في مجلة كلية لآداب جامعة بغداد ، العدد العاشر ١٩٦٧.

* أحسن ما سمعت ـ أحسن ما سمع ـ اللآلئ والدرر

طبع في مصر طبعة محمد صادق عنبر ١٣٢٤ ه‍ ، مطبعة الجمهور ، وطبع بترجمة ريشر في ليبزج سنة ١٩١٦.

* الإعجاز والإيجاز ـ الإيجاز والإعجاز ـ الإعجاز في الإيجاز ـ غرر البلاغة وطرف البراعة ـ أحاسن كلام النبي والصحابة (مختصر الإيجاز والإعجاز) وطبع باسم الإعجاز في الإيجاز ضمن مجموعة خمس رسائل سنة ١٣٠١ ه‍ بالقسطنطينية. وطبعه اسكندر آصاف في مصر ١٨٩٧ ه‍ ، وطبع بيروت في دار صعب ودار البيان بالأوفسيت.

* الاقتباس من القرآن الكريم

القسم الأول بتحقيق د. ابتسام مرهون الصفار. بغداد ١٩٧٢.

__________________

(١) الثعالبي ناقدا وأدبيا : ٤٣.

(٢) ملاحظات عن سيرة الثعالبي : وقائمة د. محمود الجادر التي نشرها في مقال دراسة توثيقية لمؤلفات الثعالبي ، مجلة معهد البحوث والدراسات العربي العدد الثاني عشر ١٤٠٣ / ١٩٨٣. وأخيرا قائمة الأستاذ هلال ناجي في مقدمة التوفيق للتفليق الذي حققه بالاشتراك مع د. زهير زاهد وطبع في المجمع العلمي العراقي ١٩٨٥.


* الأنيس في غرر التجنيس

تحقيق الأستاذ هلال ناجي في مجلة المجمع العلمي العراقي. بغداد ١٩٨٢ المجلد الثالث والثلاثون.

* برد الأكباد في الأعداد ـ الأعداد

القسطنطينية (مجموعة رسائل) سنة ١٣٠١ ه‍ وطبع في النجف بالأوفيست ، وبتحقيق إحسان ذنون الثامري. دار ابن حزم ، ٢٠٠٦.

* تتمة اليتيمة

طبع بطهران مطبعة فردين ١٣٥٣ ه‍ بتحقيق عباس إقبال.

* تحسين القبيح وتقبيح الحسن

تحقيق شاكر العاشور ١٩٨١ ضمن مطبوعات وزارة الأوقاف ونشره من قبل متسلسلا في مجلة الكتاب العراقية ١٩٧٤ ـ ١٩٧٥

* تحفة الوزراء ـ سر الوزارة ـ السياسة

مطبوع بتحقيق ابتسام مرهون ، وحبيب الراوي بغداد ، وزارة الأوقاف ١٩٧٧.

* ترجمة الكاتب في آداب الصاحب ، تحقيق علي ذيب زايد ، عمان ، ٢٠٠١.

* التمثيل والمحاضرة ـ الأمثال (نسخة مكتبة الأحمدية هي التمثيل والمحاضرة).

طبعت منتخبات منه ضمن أربع رسائل للثعالبي في القسطنطينية سنة ١٣٣٢ ه‍.

وطبع سنة ١٩٦١ بتحقيق عبد الفتاح الحلو.

* التوفيق للتفليق

تحقيق الأستاذ هلال ناجي ود. زهير زاهد مطبعة المجمع العلمي العراقي سنة ١٩٨٥ م

* ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ـ المضاف والمنسوب

طبع الفصل الرابع مع مقدمة الكتاب في مجلة المشرق ببيروت العدد ١٢ سنة ١٩٠٠ (الجادر).

وطبع كاملا سنة ١٣٢٦ ه‍ بمصر ثم طبع بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم في القاهرة ١٩٦٥.

* خاص الخاص

تونس سنة ١٢٩٣ ه‍. وطبع بالقاهرة بنشرة الشيخ محمد السمكري سنة ١٣٢٦


وطبع ببيروت سنة ١٩٦٦ دار مكتبة الحياة.

* سحر البلاغة ـ لباب الآداب (منتخبات منه) ـ لباب الأدب ـ ملح البراعة

طبعت منتخبات منه في القسطنطينية (أربع رسائل). وطبع كاملا بتحقيق أحمد عبيد في دمشق (خلو من سنة الطبع).

* الظرائف واللطائف ـ اللطائف والظرائف ـ الطرائف واللطائف ـ يواقيت المواقيت (مع المحاسن والظرائف في كتاب واحد).

مصر ١٢٧٥ ه‍ وبمصر أيضا سنة ١٣٠٠ و ١٣١٠ وباسم يواقيت المواقيت مصر ١٢٩٦ ه‍ وطبع في القاهرة أيضا سنة ١٣٠٧ ه‍ وطبع على الحجر ببغداد ١٢٨٢ ه‍ باسم اللطائف والظرائف وطبع بطهران ١٢٨٦ ه‍.

* غرر أخبار ملوك الفرس

باريس ١٩٠٠ بتحقيق زوتنبرك.

طهران ١٩٦٣ وذهب ناشره إلى انه لأبي المنصور الميرغني الثعالبي.

* فقه اللغة وسر العربية ـ سر العربية ـ فقه اللغة ـ باريس ١٨٦١ م.

مصر طبعة حجرية ١٢٨٤ ه‍ ، وبدون تحقيق في مصر سنة ١٣٣٨ ه‍.

بيروت بتحقيق لويس شيخو اليسوعي ١٨٨٥ م. القاهرة. النعساني ١٩٠٧. وطبع باسم سر الآداب بطهران ١٨٥٨ ، وطبع أيضا في القاهرة ١٩٣٦. وفي القاهرة أيضا بتحقيق إبراهيم الإبياري ١٩٣٨.

* الكناية والتعريض ـ الكنى ـ الكنايات ـ الكناية ـ النهاية في الكناية

مصر ١٣٢٦ ه‍ مطبعة السعادة. بغداد بالأوفيست ١٩٧١. مكة المكرمة ١٣٠١.

منتخبات منه مطبوعة في القسطنطينية (أربع رسائل) دار صعب ودار البيان ببيروت بالأوفيست ضمن كتاب (رسائل الثعالبي).

اللطف واللطائف ـ لطائف الظرفاء ـ لطائف الصحابة والتابعين

طبع بليدن. وطبع بباريس بلا عنوان (عن الأستاذ هلال ناجي). وباسم اللطف واللطائف بتحقيق د. عمر الأسعد. بيروت سنة ١٩٨٠ م. وطبعه د. قاسم السامرائي


بليدن سنة ١٩٧٨ عن طريق تصوير المخطوط. اللطف واللطائف تحقيق د. محمود الجادر ط ١ دار العروبة للنشر الكويت سنة ١٩٨٤.

* المبهج

منتخبات منه ضمن (أربع رسائل) القسطنطينية. وطبع بمصر ١٩٠٤ مطبعة النجاح.

* ما جرى بين المتنبي وسيف الدولة

لايبسك ١٨٤٧

* مرآة المروءات وأعمال الحسنات ـ مرآة المروءة

مصر ١٨٩٨ م بدون تحقيق. وطبع بمصر أيضا سنة ١٣١٨ ه‍ / ١٩٠٠ م.

* المنتحل ـ المنتخل

مصر ١٣٢١ وبتصحيح أحمد أبي علي.

* من غاب عنه المطرب ـ من اعوزه المطرب

القسطنطينية (ضمن مجموع التحفة البهية) مطبعة الجوائب. بيروت بتصحيح اللبابيدي ١٣٠٩. وبتحقيق د. النبوي عبد الواحد شعلان. مكتبة الخانجي ١٩٨٤.

* نثر النظم وحل العقد ـ النظم والنثر وحل عقد السحر ـ حل العقد

دمشق ١٣٠٠ / ١٣٠١ ه‍ (وعلى هامشه الفرائد والقلائد) مصر ١٣١٧ ه‍. وطبع بالأوفيست بمطابع دار صعب ، دار البيان ، وبهامشه الفرائد والقلائد.

* نسيم السحر

طبع في العدد الأول في مجلة الكتاب. بتحقيق محمد حسن آل ياسين ، ونشر بتحقيق د. ابتسام مرهون. في مجلة المورد العدد الأول ١٩٧١.

* النهية في الطرد والغنية

مكة ١٢٠١ ه‍. القاهرة ١٣٢٦.


مؤلفاته المخطوطة والمفقودة :

* الآداب

مخطوط في المدينة المنورة برقم ١١٧١ ه‍ ٧ أدب ، مخطوط الفاتيكان رقم ١٦٦٢ ، مخطوط عاطف أفندي ٢٢٣١.

* الأحاسن في بدايع البلغاء ـ الأحاسن من كلام البلغاء

مفقود.

* أحاسن المحاسن

مخطوط بباريس رقم ٣٣٠٦.

* الأدب مما للناس فيه أرب

مفقود.

* إفراد المعاني

مفقود.

* ألف غلام ـ الغلمان

مفقود.

* أنس المسافر ـ أنس الشعراء

مفقود.

* أنس الوحيد :

انفرد الأستاذ هلال ناجي بذكره وأن له نسخة خطية ببرلين برقم MS.OR.QU ٢٠٨٣.

* الأنوار البهية في تعريف مقامات سيد البرية

مفقود.

* الأنوار في آيات النبي : (لعله الكتاب السابق نفسه)

ذكر الأستاذ هلال ناجي أن هناك نسخة منه في : MS.OR برقم ٢٠٨٣.

* البراعة في الكلم والصناعة ـ البراعة في التكلم بالصناعة


مفقود.

* بهجة المشتاق

مفقود.

* تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح :

مفقود.

* تحفة الظرفاء وفاكهة اللطفاء

مخطوط بالمدينة المنورة مكتبة عارف حكمت برقم ١٥٤.

* التدلي في التسلي

مخطوط في مكتبة عارف حكت بالمدينة المنورة (٣١ مجاميع).

* التغزل بمائتي غلام ـ الغلمان

ذكر الأستاذ هلال ناجي أن هناك نسخة منه في برلين برقم ٨٣٣٤.

* التفاحة

مفقود.

* تفضيل المقتدرين وتنصل المعتذرين

مفقود.

* تفضيل الشعر

مخطوط ضمن مجموع رقم ٩٤٠ حكيم أوغلو. تركيا.

* الثلج والمطر

مفقود.

* جوامع الكلم

مفقود.


* حشو اللوزينج

مفقود.

* خصائص البلدان

مفقود.

* وذكر الأستاذ هلال ناجي أن هناك قطعة منه في برلين يحققها الآن د. محمد المعيبد.

* خصائص الفضائل

مفقود.

* خصائص اللغة

انفرد بذكره د. قاسم السامرائي وأشار إلى نسخة منه في المكتبة الظاهرية برقم ٢٠٦.

* الخوارزميات

مفقود.

* ديوان شعره

مفقود.

* زاد سفر الملوك

مخطوط في جستربتي برقم ٥٠٦٧ (ذكر الأستاذ هلال ناجي أنه يعكف على تحقيقه).

* سجع المنثور :

مخطوط في معهد إحياء المخطوطات بجامعة الدول العربية برقم (١٠٥٥ ق ٤٩٥) نسخة في طوب قبو سراي بتركيا رقم ٢٣٣٧.

* سر البلاغة وملح البراعة

مخطوط بدار الكتب رقم (٤ ش).

* سر البيان ـ سحر البيان.

مفقود ذكر د. محمد جبار المعيبد أن لديه نسخة يحققها (عن هلال ناجي).

* سر الحقيقة

مخطوط في مكتبة فيض الله رقم ٢١٣٣.


* سر الصناعة

مفقود.

* شعار الندماء

مفقود.

* الشوق ـ المشوق ـ المشرق

مفقود.

* صنعة الشعر والنثر

مفقود.

* طبقات الملوك

مفقود.

* الطرف من شعر البستي

مفقود.

* العشرة المختارة

ذكر هلال ناجي أن هناك نسخة منه في رامبور رقم ٣٧٥٨ (٣).

* عمل في الأدب

ذكره د. قاسم السامرائي وفي بروكلمان ١ / ٥٠٢ (الملحق).

* عنوان المعارف

مفقود.

* عيون الآداب

مفقود.

* عيون المعارف ـ عنوان المعارف

مفقود. ذكره الحلو في مقدمة التمثيل والمحاضرة.

* عين النوادر

مفقود.


* غرر البلاغة ـ غرر البلاغة وطرف البراعة

مخطوط في مكتبة بشير أغا أيوب برقم ١٥٠ برلين ٨٣٤١ ، كوبرلي ١٢٩٠.

* المتحف البريطاني ٧٧٥٨ (ثلث ٦٣) بطرسبورع ثان ٦٦٩ ، فيض الله ١٦٧٦ ، الفاتح ٣٥٤٣٢.

* الفصول الفارسية

مفقود.

* الفصول في الفضول ـ الأصول في الفصول

مفقود.

* فضل من اسمه الفضل

مفقود.

* الفوائد والأمثال

مخطوط في مكتبة عارف حكمت بالمدينة برقم (٥٢ قديم ـ ٣١ جديد).

* قراضة الذهب

انفرد بذكره الأستاذ هلال ناجي ، وأشار إلى نسخة مخطوطة في مكتبة بايزيد برقم (٣٢٠٧). ونود أن نذكر أن لابن رشيق كتابا مطبوعا بهذا الاسم.

* لباب الأحاسن

مفقود.

* لباب الأدب ـ لباب الآداب. (كما ذكره بروكلمان)

مخطوط في المكتبة السليمانية بتركيا برقم ٢٨٧٩.

* لطائف الظرائف ـ ولعله لطائف الصحاب أو لطائف الظراف

(بروكلمان ١ / ٣٤٠).

مخطوط في معهد شعوب آسيا بالاتحاد السوفييتي.

* اللطيف في الطب ـ الطبيب

مفقود.


* اللمع الفضة

مفقود.

* محاسن الأدب

مخطوط لدى الأستاذ هلال ناجي لم يذكر أصلها ولا رقمها.

* مدح الشيء وذمه

مفقود.

* المديح (ولعله الكتاب السابق نفسه)

مفقود.

* مفتاح الفصاحة

مفقود.

* الملح والطرف

مفقود.

* ملح النوادر

مفقود.

* الملوكي ـ أدب الملوك ـ منادمة الملوك ـ سراج الملوك

مخطوط ذكر د. قاسم السامرائي أن له نسخة في مكتبة عزة أفندي برقم ١٨٠٨ ، المتحف البريطاني (ثالث ٦٤) ٦٣٦٨ ..OR.

* من غاب عنه المؤنس

مفقود.

* المهذب من اختيار ديوان أبي الطيب وأحواله وسيرته وما جرى بينه وبين الملوك والشعراء.

مخطوط في مكتبة فيض الله ضمن مجموع برقم ٢١٣٣ / ٦ وذكره الأستاذ هلال ناجي.

* مؤنس الوحيد

مخطوط في كمبردج رقم ١٢٨٧.


* نتائج المذاكرة

مخطوط مكتبة عارف حكمت بالمدينة برقم (٣١ مجاميع).

* نزهة الألباب وعمدة الكتاب


كتاب الاقتباس

ألف الثعالبي كتاب الاقتباس من القرآن الكريم للأمير الغزنوي نصر بن ناصر الدين أخي السلطان محمود بن سبكتكين ، وكان أميرا للجيش في خراسان حتى وفاته سنة ٤١٢ ه‍ ، وأهدى إليه هذا الكتاب فضلا عن كتابين آخرين هما غرر السير والمتشابه (١) ويبدو أن علاقة صداقة وطيدة قد ربطت بينهما. وهذا شأن الثعالبي فيمن يختارهم لإهداء كتبه ومؤلفاته ، فمعظمهم كما أسلفنا من الأدباء أو المولعين بالأدب والشعر ، وقد اقتبس الثعالبي فعلا كثيرا من أقوال نصر بن ناصر الدين هذا ، وتمثل بها في كثير من كتبه بما فيها كتبه التي أهداها إلى غيره مثل ثمار القلوب ، وخاص الخاص ، والإيجاز والإعجاز (٢).

وقد ذكر الثعالبي كتاب الاقتباس في كتابه يتيمة الدهر (٣) في الباب الثالث في ذكر أبي إسحاق الصابي ، ووصف أدبه ومحاسن كلامه مشيرا إلى أنه اختار كلامه المقتبس من القرآن الكريم ، وأورده في فصول كتاب الاقتباس قائلا :

(وكان يعاشر المسلمين أحسن عشرة ، ويخدم الأكابر أرفع خدمة ، ويساعدهم على صيام شهر رمضان ، ويحفظ القرآن حفظا يدور على طرف لسانه ، وسن قلمه وبرهان ذلك ما أوردته في كتاب الاقتباس من فصوله التي أحسن فيها كل الإحسان وحلاها بآي القرآن).

وذكره أيضا في كتابه الكناية والتعريض في فصل سماه (الكناية عن الغلام) وذكر فيه ما سماه بمكروه الاقتباس (نبهت عليه في كتاب الاقتباس من القرآن) (٤).

وهكذا يثبت اسم هذا الكتاب ، وإن كان قد سماه بالاقتباس فقط على سبيل الاختصار في إشارة اليتيمة ، وباسمه الكامل (الاقتباس من القرآن) في كتاب الكناية والتعريض.

__________________

(١) ملاحظات عن سيرة الثعالبي ٢٣٤.

(٢) نفسه.

(٣) يتيمة الدهر ٢ / ٢٤٣.

(٤) الكناية والتعريض : ١٩.


أما سنة تأليف كتاب الاقتباس ، فيمكن تحديدها على التقريب من خلال تتبع الإشارتين السابقتين. فقد كتب الثعالبي كتاب اليتيمة أول مرة سنة ٣٨٣ ه‍ (١). وكان تولي السلطان محمود الغزنوي السلطة سنة ٣٨٩ ه‍ (٢) وأن أخاه نصرا قد تولى إمارة الجيش في عهده فإن إشارة الثعالبي لا بد أن تكون في النسخة الثانية التي كتب فيها كتاب اليتيمة بشكله النهائي سنة ٤٠٣ ه‍ (٣). وعلى هذا تكون سنة تأليف الاقتباس بعد سنة ٣٨٩ ه‍ ، وذكر د. محمود الجادر أنه صحّ لديه أن سنة تأليف الثعالبي لكتاب الاقتباس هي قبل سنة ٣٩٦ ه‍ (٤).

منهج الكتاب :

وهب الثعالبي قدرة على استيعاب المادة التي يكتب فيها وتبويبها وفق منهج علمي دقيق لا يحيد عنه ولا يتناساه. ويبدو منهجه واضحا في يتيمة الدهر وثمار القلوب. أما كتاب الاقتباس هذا فقد صرح في مقدمته بنظرته الفاحصة ورغبته في تتبع النصوص المتعلقة بالاقتباس من القرآن الكريم ثم تبويبها وترتيبها. وهو ينبهنا على توفر الرغبة الشديدة في نفسه قبل البدء بالكتابة ، والرغبة الأكيدة في التصنيف في هذا الموضوع واتباع منهج يبوب فيه المادة ويصنفها. إن هذه الرغبة وعملية البحث قد أخذتا من الثعالبي وقتا طويلا شهورا وأعواما وليس هذا من باب المبالغة والثناء ؛ لأن الثعالبي كان صادقا في وصف حالة كثيرا ما تنتاب المؤلفين والكتاب ، وهي حصول الرغبة الأكيدة في التأليف التي تحث صاحبها على الكتابة ، ثم يعتورها فتور يقصر أو يطول أياما وشهورا إلى أن تجتمع إليه الهمة مرة أخرى ، فيكمل المشروع الذي بدأه من فترة طويلة ، وقد يكون الحافز على إتمام البحث والكتابة حدثا ما أو شخصية لها مكانتها الاجتماعية والسياسية يهدى إليها الكتاب. المهم أن فكرة التأليف لم تبدأ برغبته في الحصول على الحظوة لدى من أهدي إليه الكتاب ، وإنما سبقتها بأعوام ، فهي

__________________

(١) ملاحظات عن سيرة الثعالبي ٢٣٤.

(٢) الكامل لابن الأثير : حوادث سنة ٣٨٩ فما بعدها.

(٣) ملاحظات عن سيرة الثعالبي ٢٣٤.

(٤) دراسة توثيقية : ٢٥٣.


رغبة خالصة في البحث ذاته ، لكن شخصية المهدى إليه كانت حافزا على إتمام البحث ، وإشباع الرغبة وتحقيقها في استكمال مادة الكتاب وتبويبها. وهكذا نقل الثعالبي تجربته في تأليف هذا الكتاب منذ أن كان مجرد رغبة ، إلى أن تحقق في فترات كتابة متفرقة حتى إتمامه وإهدائه إلى الأمير نصر بن ناصر الدين أخي أبي القاسم محمود بن سبكتكين الغزنوي :

(هذا كتاب طالما كانت تحضرني النية القوية في تصنيفه وترصيفه ، وتعدني الأيام معونة على تبويبه وترتيبه ، فتخلف ، وكنت آخذ في تأليفه يوما ، وأدعه أياما ، وأقبل عليه شهرا وأعرض عنه عاما إلى أن لاح استفتاح مدخله واستتمام عمله لأوحد الزمان ، وحسنة القرآن ، ومن فضله الله تعالى ذكره بشرف الانتساب والاكتساب ، وجمع له محاسن ذوي الألباب وآتاه الحكمة وفصل الخطاب ، وأحيا به جميع العلوم والآداب الأمير الأجل صاحب الجيش أبي المظفر) (١).

إن دراسة كتاب الاقتباس تدلنا على توافر ظاهرتين مهمتين فيه :

الأولى : المنهج الذي التزم به الثعالبي في جميع أبواب الكتاب وفصوله.

الثانية : ذوقه الرفيع في اختيار النصوص الأدبية شعرا ونثرا.

لقد كان الثعالبي أديبا شاعرا ومؤلفا ناقدا واسع الاطلاع ذا ذوق رفيع في اختيار النصوص الشعرية ، وآراء سديدة في نقد الأدب بصورة عامة (٢). وقد وجد أن القرآن الكريم معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم العظيمة كان ـ وما يزال ـ المعين الثر الذي يقتبس منه الشعراء والأدباء ألفاظهم وصورهم ومعانيهم متمثلين بآياته الكريمة في مخاطباتهم وأشعارهم ، عارفين أن هذا الاقتباس يكسي كلامهم (معرضا ما لحسنه غاية ، ومأخذا ما لرونقه نهاية ، ويكسبه حلاوة وطلاوة ما فيها إلا معسولة الجملة والتفصيل ، ويستفيد جلالة وفخامة ليست فيهما إلا مقبولة الغرة والتحجيل) (٣).

__________________

(١) الاقتباس ١ / ٢١.

(٢) راجع كتاب (الثعالبي ناقدا واديبا).

(٣) الاقتباس ١ / ٢٤.


وقد وجد الثعالبي أن الاقتباس من القرآن الكريم ظاهرة عامة في الأدب العربي ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه وهو أفصح العرب لهجة ، وأحسنهم فصاحة وبيانا ، قد اقتبس من معاني القرآن وألفاظه الكثير في حديثه وخطبه ، وكذلك فعل السلف الصالح من الصحابة والتابعين لكن الثعالبي لم يكتف بإيراد هذه الأقوال المأثورة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحابته ، بل تجاوزها إلى الشعراء والأدباء بدءا من عصر صدر الإسلام حتى شعراء زمانه إلا أن نصوصه الشعرية والأدبية جاءت موزعة حسب الأبواب والفصول ، وما اختار لها من موضوعات لا حسب الشخصيات والعصور. لذا تجدها موزعة يجمعها رباط واحد هو الموضوع أو المحور الذي عنون به الباب أولا والفصول التي اندرجت تحته ثانيا. فقد يختار من الرسالة الواحدة أكثر من فقرة ويوردها في أكثر من فصل لأن كل فقرة تتحدث عن فكرة معينة يمكن أن تدرج ضمن عنوان خاص في فصل يختاره لها فقد وجدناه مثلا يلجأ إلى رسالة واحدة من رسائل أبي إسحاق الصابي فيقسمها في ذهنه إلى معان يوزعها على أكثر من فصل ففي الباب الثامن عشر الذي ذكر فيه فضل الخط والكتاب والحساب وفصوص من فصول العهود وقسمه إلى (٤١) فصلا تمثل بكتابات أبي إسحاق الصابي وابن العميد والإسكافي وفي فصل ما قيل في (تقوية أيدي الحكام والعمال) اقتبس فقرة من نسخة العهد الذي كتبه أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى أبي الحسين علي بن ركن الدولة الملقب بفخر الدولة (١) ، وتبعه فصل في (اختيار العمال وتوصية كل منهم ما يقتضيه عمله) اختار له أيضا من الرسالة ذاتها ، ثم تبعه فصل في (تعيير الموازين والمكاييل والمنع من التطفيف) ونصه الوحيد الذي أورده في هذا الفصل هو من عهد أبي إسحاق الصابي .. كل هذا بتقسيم واع لمنهجه في اختيار النصوص وفق المعاني التي تتفرع من موضوع الباب الكبير الذي يكتب فيه.

لقد قسم الثعالبي كتابه إلى خمسة وعشرين بابا وقسم كل باب إلى فصول تفاوتت في الطول والقصر وتفاوت عددها في كل باب وعدد النصوص التي اندرجت تحتها.

فالباب الأول في التحاميد المقتبسة من القرآن وما يتصل بها من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر طرف من فضله ونعمته وسعة رحمته وسائر صفاته وأفعاله ـ جلّ جلاله ـ

__________________

(١) راجع الرسالة في المختار من رسائل الصابي : ٩٦ ، ١٠٨.


وقد قسمه إلى ستة عشر فصلا.

الباب الثاني في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأجزاء من بعض محاسنه وخصائصه التي أفرده بها ، وفضله على جميع خلقه. وقد قسمه إلى اثني عشر فصلا ذكر فيها كرامته على الله ـ عز ذكره ـ وارتفاع مقداره عنده ، ثم فصل في الصلاة عليه ، وفصل في ذكر أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفصل في نبذ من محاسنه وخصائصه عليه‌السلام ، وفصل آخر مثله وفصلين آخرين في ذكر خصائص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأخرى. وتبعتها فصول قصار عن ذكر الحكمة في كونه عليه‌السلام بشرا ، وآخر في ذكر الحكمة من كونه أميا. ثم يختتم الباب بفصلين عن بعض ما جاء من الكلام المقتبس معناه من القرآن الكريم.

أما الباب الثالث فقد خصه في ذكر العترة الزكية رضي الله عنهم ، ونبذ من فضائلهم. وقد قسمه إلى ستة فصول : الأول في ذكر طرفهم وشرفهم ومجدهم ، وفصل في فقر من أخبارهم. وقد يوحي عنوان هذا الفصل أن فيه أخبارا تاريخية لا علاقة لها بموضوع الكتاب ، ولكن تتبع نصوصه يدلنا على ان الثعالبي ما يزال قيد منهجه الدقيق ، فهو يختار فقرا من أخبار العترة الزكية مما يرد فيها أقوال فيها اقتباس من الذكر الحكيم. ثم يليه فصل في بعض ما قيل فيهم من الأشعار ويورد فيه أيضا ما قيل فيهم من أشعار مقتبسة معانيها من القرآن الكريم. ويليه فصلان من كلام لعلي والحسن وولده ، وآخر في كلام الحسين وولده رضي الله عنهم. ويختم الباب بفصل شامل سماه (فصل في أن الله أذهب عنهم الرجس أهل البيت وطهرهم تطهيرا) أورد فيه نصين متأخرين الأول من خطبة للسفاح ، والآخر من كتاب لابن أبي البغل كاتب المقتدر ينضويان ، تحت معنى هذا الفصل.

أما الباب الرابع فهو في ذكر الصحابة وما خصهم الله به من الفضل والشرف ، وأقاويل بعضهم في بعض ، وغرر من محاسن كلامهم ونكت أخبارهم. ويقع في عشرين فصلا ، بدأه بفصل في ذكرهم عامة ، ثم بدأ بإيراد فصول عن الصحابة متبعا المنهج التاريخي في إيراد أسمائهم ففصل في ذكر أبي بكر الصديق ، وفصل في حسن آثاره في الإسلام وفصل في ذكر شيء من كلامه أيام الردة ، وآخر في مكاتباته. ويختم هذه الفصول المتعلقة بالخليفة أبي بكر رضي الله عنه بفصل في ذكر استخلافه عمر رضي الله عنه. وبعدها تبدأ الفصول


التي خصها للخليفة الثاني. ففصل في ذكره ، وقطعة من أخباره ذكر فيه فقرا من مكاتباته ورسائله وخطبه ، ثم فصل في قتله وثناء المسلمين عليه ، ويلحقه بأربعة فصول تخص الخليفة عثمان ثم ستة فصول أخرى تخص الإمام علي وختمه بفصل عن تسليم الحسن الأمر إلى معاوية ليختم الباب بعده بفصل في لمع من أقوال الصحابة وأخبارهم. كل هذه الأقوال والأخبار التاريخية اختارها الثعالبي لما تضمنته من كلام مقتبس من القرآن الكريم.

ومن الواضح أنه تتبع في هذه الأبواب الأربعة منهجا لعلنا نستطيع وصفه بأنه منهج ديني إذ اختار موضوعاته حسب أهميتها من الناحية الدينية فبدأه بذكر الله تعالى وصفاته ثم بذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم عترته الزكية ثم باب في الصحابة رتبهم كما قلنا حسب دورهم وتسلسلهم التاريخي ،

وأما الباب الخامس فإنه يبدأ في ذكر الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم ممن نطق القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس من فنون أغراضهم في قصصهم. وقد قسم هذا الباب إلى فصول تتبع فيها ذكر الأنبياء بمسار تاريخي حيث يبتدأ بفصل في الاقتباس من قصة آدم عليه‌السلام ، ثم في ذكر قصة نوح ، وفصل في الاقتباس من قصة إبراهيم عليه‌السلام ، وفصل في الاقتباس من قصة يعقوب ويوسف عليهما‌السلام.

وبعد موضوع الأنبياء يختار الثعالبي الباب السادس في ذكر فضل العلم والعلماء ويقع في عشرة فصول مترابطة مع موضوع الباب الرئيس.

أما الباب السابع فهو في ذكر الأدب والعقل والحكمة والموعظة الحسنة. ويعطي هذا الباب مفتاحا للثعالبي في تفرع الأبواب التي تليه حيث يعدد في الباب الثامن محاسن الأخلاق والخصال إذ يدرجها في تسعة عشر فصلا. ويليه الباب التاسع حيث يتناول فيه عكس هذه الخصال وهو في ذكر معائب الأخلاق وذم الغاغة والسقّاط والجهال. ويقع في ثلاثة عشر فصلا.

أما الباب العاشر فإنه يركّب فيه بعض الصفات الواردة في البابين السابقين. أعني أنه خصه لذكر أنواع من الأضداد والأعداد وقسمه إلى ثمانية فصول : فصل في ذكر الغنى والفقر وآخر في فضل المال والسعي في كسبه وذكر التجارة واعتماد الصنعة ، ثم فصل في


ضد ذلك وفصل في التأني والعجلة وفي الحب والبغض والشباب والشيب ، وفصل في ذكر القلة والكثرة. والفصل الأخير في الأعداد.

في كل هذه الأبواب السابقة وجدنا العلاقة قوية بين الباب والذي يليه وهي علاقة تسلسل تاريخي أو علاقة منطقية في تسلسل موضوعات الأبواب. أما بعد هذا فإن أبواب الكتاب تأتي موضوعاتها منفصلة الواحدة عن التي تليها. وهذا أمر طبيعي لأن الأبواب العشرة الأولى مترابطة من حيث موضوعاتها ومادتها كترابط ذكر الله تعالى وصفاته بذكر صفات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومآثره ، وصلتهما بالباب الثالث الذي خصه للعترة الزكية حيث تلاه باب في ذكر الصحابة ، إلا أن أبواب الكتاب الأخرى لا يمكن أن نجد لها هذا الترابط لطبيعة موضوعاتها وليس بسبب منهج الثعالبي ذاته. فالباب الحادي عشر في ذكر النساء والأولاد والإخوان ، والباب الثاني عشر في ذكر الطعام والشراب ، والباب الثالث عشر في ذكر البيان والخطابة وثمرات الفصاحة ، والباب الرابع عشر في الجوابات المسكتة ، والباب الخامس عشر في ملح النوادر. والباب السادس عشر في الخروج عن حد الاقتباس. وذكر فيه فصلين الأول فيه قول أبي تمام مستفرغا قصة يوسف والثاني في ذكر المكروه في وصف الخلق ، وكأن الثعالبي يختم بهذا الباب موضوعات الأبواب السابقة التي يمكن وضعها في إطار خاص من المعاني.

أما الأبواب السابع عشر إلى الخامس والعشرين فقد تناول فيها موضوعات شتى. فالباب السابع عشر في الرؤيا وعجائبها والتعبيرات وبدائعها. والباب الثامن عشر في ذكر الخط والكتاب والحساب. وطبيعة هذا تحدد مختارات الثعالبي الأدبية إذ نجدها لا تتجاوز النثر إلى الشعر ـ ومعظمها من كتب ورسائل الكتاب وكتاباتهم وعهودهم. والباب التاسع عشر في الأمثال والألفاظ وهو باب قصير لا يتجاوز الأربع صفحات. أما الباب العشرون فهو في ذكر الشعر والشعراء وأنواع اقتباساتهم من ألفاظ القرآن الكريم تناول فيه الثعالبي اقتباسات الشعراء لمعنى من معاني القرآن الكريم ، وتداولهم لمعنى أصله في القرآن ، وفي اقتباساتهم الخفية اللطيفة. ثم يبدأ بعد هذا بتقسيم اقتباساتهم وفق منهج جديد يوزع النصوص حسب المعاني الشعرية ، ففصل في الغزل والنسيب وفصل في المدح ، وآخر في العتاب ثم في


التشبيهات ، وفي التأذي بالمطر .. الخ. وينتقل بعد هذا إلى إيراد فصول تتعلق بالأسلوب ، ففصل في ذكر التجنيس وفصل في الطباق ، موردا في كل هذا نصوصا شعرية اقتبس فيها الشعراء معانيهم ، أو أساليبهم في الذكر الحكيم.

أما الباب الحادي والعشرون فهو يكاد يكون مكملا للقسم الثاني من الباب العشرين أعني بها الفصول التي خصها للتجنيس أو الطباق. فالباب الحادي والعشرون أورد فيه فصولا في ذكر الإيجاز والإعجاز ، وفصل في ذكر التشبيه وآخر في الاستعارة وآخر في المجاز والالتفات وما يجري مجراه.

أما الباب الثاني والعشرون فقد خصّه لظرائف التلاوات وبدأه بفصل في نقد التفاسير وإيراد الغريب أو الطريف منها. أما عنوان الباب الثالث والعشرون فهو في فنون شتى مختلفة الترتيب أورد منها فصلا عن الفرج بعد الشدة ، وآخر في التفاؤل بالقرآن ، وآخر في ذكر القرعة ثم فصل في حب الوطن ، وفصل في ذكر السلطان ، وفصل في الهدية ، وآخر في ذكر النار وفي ذكر الإبل ، وفي ذكر الخيل. وحق لأبي منصور الثعالبي أن يدرج هذه الفصول ضمن باب فنون مختلفة.

وبعدها ويأتي الباب الرابع والعشرون في الدعوات المستجابة. وقد اتبع فيه المنهج السابق نفسه في تقسيمه الباب إلى فصول متفرعة ، ففصل في فضل الدعاء وما يتصل به ، وفصل في أدعية المكروبين ، ثم فصل في سائر الدعوات حيث يقسم هذه الدعوات إلى حالة الداعين ، ففصل في الدعاء عند الحاجة ، وفصل في دعاء الدين ، ودعاء الخوف ، ودعاء الصدقة ، والدعاء عند مواقعة العدو.

ثم يختم الكتاب بالباب الخامس والعشرين وهو في الرقى والأحراز ، ويقسمه إلى فقرات أيضا حسب المعاني والأغراض ، مثلما فعل في باب الأدعية ، ففصل في الرقى من الأوجاع ، أو الأمراض ، كرقى الحمى ، ورقية وجع البطن ، وفصل في سائر الرقى للمضروب ، ثم يختمه بفصل في الأحراز.

لقد أثار البابان الأخيران من كتاب الاقتباس شك الدكتور محمود الجادر ، فخيل إليه أن (أصل الكتاب ثلاثة وعشرون بابا وأن البابين الأخيرين مقحمان عليه لبعدهما التام عما


هو مألوف في كتب الثعالبي من منهج ومادة ، فضلا عما يعزز القناعة بهذه الحقيقة من أن عنوان الباب الثالث والعشرون هو في فنون شتى مختلفة الترتيب. وهو عنوان يستخدمه الثعالبي عادة في الفصول الختامية من كتبه) (١).

إن هذا الرأي يعتمد على فرضيتين :

الأولى : إن البابين الأخيرين بعيدان عما هو مألوف في كتب الثعالبي منهجا ومادة ، والواقع أن طبيعة كتاب الاقتباس ومادته تختلف بحد ذاتها عن مواد كتب الثعالبي الأخرى فهي تدور جميعها حول القرآن الكريم وما اقتبس من آياته وألفاظه فإذا راجعت البابين الأخيرين وجدتهما لم يخرجا عن إطار الأبواب السابقة ؛ لكونهما مستمدين من القرآن الكريم. فجميع فصول الأدعية والأحراز إنما هي اقتباسات من آي الذكر الحكيم. وحري بالثعالبي أن يختم كتابه بهما بعد أن تطرق إلى سائر الموضوعات والمعاني التي تدور على ألسنة الكتاب والشعراء. وقد مرّ بنا أن الثعالبي قسم البابين الأخيرين إلى فصول متبعا المنهج نفسه الذي سار عليه في سائر أبواب الكتاب. ويجرنا هذا القول إلى ملاحظة أخرى لها علاقة بفكرة كون البابين الأخيرين مختلفين عما هو مألوف في كتب الثعالبي وهي أن موضوع كتاب الاقتباس ألزمت الثعالبي ، أن تكون نصوصه في جميع أبواب الكتاب من نمط النصوص المختارة ، وعلى مستوى رفيع من الجمال الفني ، والترفع عن الابتذال والمجون ، وكل ما يخدش الذوق والأخلاق. فالثعالبي لم يختر إلّا الاقتباس الجيد من القرآن الكريم ، لذا وجدنا نصوصه في هذا الكتاب رفيعة بخلاف نصوصه في كتبه الأخرى التي تجدها متنوعة بتنوع الشعراء الذين يتمثل بهم ، أو يترجم لهم. أما موضوع كتاب الاقتباس فقد أظهر ذوق الثعالبي الرفيع في اختيار النصوص شعرا ونثرا ؛ لأن قصده كما أوضحه في مقدمة كتابه هو إبراز فضل القرآن الكريم في مدّ السلف الصالح من الصحابة والأدباء والشعراء بمعين من الأفكار والصور الثرة التي استمدوها من القرآن الكريم ، ووشحوا بها مخاطباتهم ومحاوراتهم وأشعارهم ليمنحوا كتاباتهم شيئا من جمال الآيات القرآنية ، وروعة معانيها وإشاراتها. وقد

__________________

(١) دراسة توثيقية : ٢٥٣ ، ٢٥٤.


اشترط الثعالبي في مقدمته إيراد الجيد الجميل مما اقتبس من القرآن الكريم وأنه يورد (في هذا الكتاب من محاسنها كل ما تروق أصوله وفصوله ويفيد مسموعه ومحصوله).

أما الفرضية الثانية التي اعتمد عليها الأخ الدكتور محمود الجادر في افتراض كون البابين الأخيرين من كتاب الاقتباس مقحمين عليه ، فهي ما حمله الباب الثالث والعشرون من عنوان هو (فنون شتى مختلفة الترتيب) وأن هذا العنوان يستخدمه الثعالبي عادة في الفصول الختامية من كتبه. إن هذه الفرضية مردودة أيضا لأن الثعالبي نفسه قد استخدم عنوان هذا الباب في غير الفصول الختامية من أبواب كتاب الاقتباس من القرآن الكريم نفسه فالباب الثامن عشر الذي عنونه الثعالبي ب (ذكر الخط والكتاب والحساب) يقع في واحد وأربعين فصلا ، كان عنوان الفصل السابع والعشرين هو (في معان شتى) ومع ذلك لم يختم الثعالبي به الباب بل أورد بعده أربعة عشر فصلا.

يضاف إلى هذا كله أن الثعالبي ذكر بعد المقدمة بأنه سيذكر أبواب كتابه ليسهل للقارئ معرفته. وفعلا عرض بعد ذلك أبواب الكتاب عرضا موجزا ، ذاكرا عناوين فقراته وفصوله وعددها أحيانا ، قائلا (وإذ قد استمررت في تصديره فأنا ذاكر أبوابه ليفرد كل منهما بذاته ، وتقرب على الناظر فيه وجوه إيراده). ثم عرض الثعالبي بعد هذا القول أبواب الكتاب بما فيهما البابين الأخيرين ـ مما يرجح أن الكتاب الذي بين أيدينا يقع في خمسة وعشرين بابا حسب ما قسمّه الثعالبي.

مخطوطة كتاب الاقتباس :

لم نعثر إلّا على نسخة واحدة من كتاب الاقتباس في القرآن الكريم ، صورناها عن نسخة مصورة في مكتبة معهد المخطوطات العربية التابعة لجامعة الدول العربية. وأصل هذه المصورة عن مكتبة سليم أغا برقم ٣٨. ورقم المخطوط المصور في معهد المخطوطات العربية هو ن ٨٢٦ في ٧٧٥ / ٨٩٨. وقد وجدنا في الورقة ٥٠ والورقة ٩٠ من المخطوط ختما للسلطان سليم أغا ورد فيه :


(قد وقف هذا الكتاب المستطاب لوجه الله الملك الوهاب الحاج سليم أغا وشرط بأن لا يخرج ، ولا يرهن. ومن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه).

يقع المخطوط في مائة وتسع عشرة ورقة قياس الواحدة منها ٢٢* ١٥ سم ومكتوب بخط يعود إلى القرن الحادي عشر ، وخطه مقروء إلا أن فيه كثيرا من التحريف والتصحيف والأخطاء الإملائية التي شوهت نصوصه ، ومسخت أخباره في كثير من الأحيان. وإذا كانت النسخ الكثيرة المتعددة للمخطوط الواحد تجهد المحقق لما يقتضي ذلك منه المقارنة والمقابلة بينها فإنّ انفراد المخطوط بنسخة واحدة من كتاب ما يعني بذل الكثير من الجهد للوصول إلى النص الذي يقرب من النسخة الأم التي كتبها المؤلف.

إن التصحيف والتحريف اللذين وقعا في المخطوط متنوعان يشملان أخطاء إملائية وأخرى إعرابية ، وتصحيفا كثبرا للآيات الكريمة ، وتشويها للنصوص الشعرية فضلا عن التحريف في كتابة كلمات المخطوط مما يخرج النص المقروء في كثير من المواضع عن مستواه الذي طلبه له المؤلف. إلا أن الله سبحانه وتعالى فتح لنا في كثير من المواضع ما استغلق فهمه أو قراءته ، فكان لنا الرأي الذي اعتقدناه ونرجو أن يكون صائبا في تقويم ما أخطأ الناسخ في نسخه ، وتحقيق أسماء الأعلام والمواضع التي صحفت أو حرفت. وسنورد أمثلة إساءات النسخ في النسخ تتعلق بالأخطاء الإملائية والإعرابية ، وأخرى في تصحيف أسماء الأعلام والمواضع والأشعار فتجد مثلا :

فإن قضاؤه حق ـ فإن قضاءه حق.

أقسم بحياة أحد ـ أحد.

أمر طاهر بن الحسين الكتاب ـ الكتاب.

موسى بغا هزم مساور الشارى ـ مساور.

كانوا هاشمين مياسيرا ـ مياسير.

ثبوت أبواب الكتاب ـ أبواب.

توجه يوم ـ يوما.


ونشير إلى بعض مواضع التصحيف الواقعة في أسماء الأعلام منها :

(مزبد) وهو من أصحاب النوادر نسخ الناسخ اسمه : ب (مزيد بد) مرة ، ونسخه بشكل (من يد) مرة أخرى.

(ابن الرومي) الشاعر ، نسخ اسمه (الدومي).

(أبو الأسود الدؤلي) كتب في المخطوط (أبو السود).

(أبو دلامة زند بن الجون) كتب (زيد).

(محمد بن الحنفية) كتب (محمد بن الحنيفية).

(عبيدة بن الحارث بن المطلب) كتبه الناسخ محرفا اسمه واسم جده ب (يزيد بن الحارث بن عبد المطلب).

(قال أبو جنيفة الشيطان الطلق) وأبو حنيفة هذا هو الإمام المعروف ولا يمكن أن يوصف باللفظين الواردين في نص المخطوط ، وإنما صوابه (لشيطان الطاق) وهو محمد بن علي بن النعمان البجلي ولاء ، نسب إلى سوق في طاق المحامل بالكوفة ، كان يجلس للصرف عليه.

(الوليد بن عتبة) والي المدينة أيام يزيد بن معاوية كتب (الوليد بن عقبة).

(عمرو بن العاص) كتب (الحسين بن العاص).

ومن أمثلة التصحيف ما يأتي :

(إنهم كالأنعام ..) صوابها (إن هم إلا كالأنعام). وهي الآية ٤٤ من سورة الفرقان.

(يعتلل الله) صوابه (تعتاله العلة) أي تصيبه العلة.

(إلى الوزارتين العلاق) صوابها إلى (ذي) الوزارتين إلى (ذي) العلا.

يبكون من قتلت سيوفهم

ظلما بكا منقطع القلب

كتب هذا البيت في المخطوط :

ظلما بكاء قوله .. الكلب


ونكتفي بهذه الأمثلة وعشرات غيرها كثيرة تحفل بها هوامش الكتاب لنقول إننا بذلنا ما استطعنا بذله من جهد وعناية في ضبط النصوص وتحقيقها. وقد مضى على تحقيق القسم الأول ما يزيد عن العشر سنوات ظهرت خلالها دواوين بعض الشعراء وحققت كتب تراثية كثيرة أعانتنا على تصويب بعض النصوص. وقد عنّت لنا أيضا ملاحظات وإضافات أغنت الكتاب ، وأوجبت إعادة تحقيقه وطبعه لاستدراك ما فات تحقيقه في الطبعة الأولى.

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).

صدق الله العظيم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، والحمد لله رب العالمين ، حمد الشاكرين على نعمه التي لا يبلغ أقاصي حمد الحامدين أوائل (١) حدودها ، ومنحه التي لا تؤدى بها باب شكر الشاكرين أداء (٢) حقوقها. وصلواته على أشرف الخلق جرثومة ، وأزكاهم أرومة ، وأبعد الأنبياء في الفضل غاية ، وأبهرهم معجزة وآية محمد خير مولود دعا إلى خير معبود. وعلى آله المنتجبين.

هذا كتاب طالما كانت تحضرني النيّة القوية في تصنيفه وترصيفه ، وتعدني الأيام معونة على تبويبه وترتيبه فتخلف ، وكنت آخذ في تأليفه يوما ، وأدعه أياما ، وأقبل عليه شهرا ، وأعرض عنه عاما إلى أن لاح لي استفتاح مدخله ، واستتمام علمه لأوحد الزمان ، وحسنة القرآن ، ومن فضّل الله تعالى ذكره بشرف الانتساب والاكتساب ، وجمع له محاسن ذوي الألباب ، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب ، وأحيا به جميع العلوم والآداب ، وخصّه بالمعالي المشهورة ، وأفرده بالمآثر المأثورة ، الأمير الأجل صاحب الجيش أبي المظفر (٣) ، فسهل الطريق وساعد (على) (٤) التوفيق ، ويسّر ورد المنهل فوردته ، وأصاب الغرض فقصدته ، واستنبت بدولته إتمام ما حاولته. واستوى النظام على ما دبّرته ، وتهيأ الفراغ من هذا الكتاب الذي لو لا ما أتهمه من حسن رأيي فيه ، وأخافه من فتنة إعجابي به ، لقلت : إنه كتاب بديع المصنع ، شريف المودع ، جليل الموقع ، هنيّ المرتع ، مريّ المكرع (٥) لذيذ المترع ، أنيس المرأى والمسمع ، أنيق المبدأ والمقطع ، مفيد المغزى والمنتجع. وجعلته مجتمعا على كل ما استحسنته ،

__________________

(١) في الأصل : (اوابك) وهو تحريف في النسخ.

(٢) في الأصل : (اداى).

(٣) أبو المظفر هو نصر بن ناصر الدين صاحب الجيش ، وهو أخو أبي القاسم محمود سبكتكين الغزنوي كان حاكما على نيسابور سنة ٣٨٩ ه‍ ، ذكره الثعالبي في لطائف المعارف ٢٠٥ ، وانظر أيضا : معجم الأنساب والأسرات الحاكمة ص ٨.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) في الأصل : (المركع) صوابه : المكرع كما أثبتناه والمكرع : المشرب ، من كرع في الماء يكرع كروعا ، إذا تناوله في موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا إناء. انظر : الصحاح (كرع).


واخترته من اللمع والفقر ، والنكت (١) من اقتباس الناس على اختلافهم طبقاتهم ، وتفاوت درجاتهم من كتاب الله عز اسمه في خطبهم ومخاطباتهم وحكمهم ، وآدابهم ، وأمور معاشهم ومعادهم ، وفي مكاتباتهم ، ومحاوراتهم ، ومواعظهم ، وأمثالهم ، ونوادرهم ، وأشعارهم ، وسائر أغراضهم. وضمنته من محاسن انتزاعهم وبدائع اختراعاتهم ، وعجائب استنباطاتهم ، واحتجاجاتهم منه ، ما ليس السوقة بأحوج إليه من الملوك ، ولا الكتاب ، والشعراء بأرغب فيه من الفقهاء والعلماء ، ولا المجان والظرفاء بأحرص عليه من الزهاد والحكماء ، إذ هو مقتبس الألفاظ ، والمعاني من أحسن الكلام ، وأقوم النظام ، وأنور النور ، وأشفاه لما في الصدور ، ذلك كلام ربّ العزة ، وبيانه ، ووحيه وفرقانه ، وخير كتبه أنزله على خير رسله محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله حين جمرات الخطابة متوقدة ، وأسلحة البلاغة مسددة ، وأسواق الفصاحة (٢) نافقة وأعلام السلاطة خافقة ، والقوم إذ يسلقون الناس بألسنة كالسيوف ، ويرمون من أفواههم بقوارع كالحتوف ، بين شيطان مريد لسانه أمضى من سنانه ، وجبار عنيد كلامه أنفذ من سهامه فما هؤلاء (إلا) (٣) أن صكّ أسماعهم هذا القول الفصل الجزل ، والسهل القريب ، البعيد ، العجيب ، تلوح عليه سمات الإعجاز بين الإطالة والإيجاز ، وتتراءى فيه أوضح المحجة ، وأبين الحجة وتكشف (٤) به الأدلة وتزاح العلة ، حتى أذعنوا صاغرين لفضله ، وأقروا بالعجز عن الإتيان (٥) بمثله ، وأيقن ـ إلا من ضرب على أذنه ، وطبع على قلبه ـ أنه معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودليله ، وبرهانه ، كما كانت آية موسى عليه‌السلام في تلقف عصاه ما يأفكون ، وبروز (٦) يده بيضاء من غير سوء (٧) معجزة له في زمان السحرة

__________________

(١) في الأصل : (وافقر والنكت والنقر).

(٢) النافقة : الرائحة.

(٣) زيادة ليست بالأصل.

(٤) في الأصل : (ويتكشف).

(٥) في الأصل : (الإيتان).

(٦) من قوله تعالى في سورة الأعراف : ١١٧ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).

(٧) من قوله تعالى في سورة طه : ٢٢ (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) وانظر سورة القصص ٣٢.


والمهرة ، وكما (أن) (١) إبراء عيسى عليه‌السلام الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى (٢) ـ بإذن الله ـ معجزة له في زمان الأطباء الألباء. ولما اتسع نطاق الإسلام ، وامتد رواق الإيمان ، وأثبت في الآفاق شعاع الدين ، واستضاءت القلوب بنور اليقين ، لم يتعرض لمعارضة القرآن منطيق مدره (٣) ، ولا شاعر مصقع (٤) إلّا ختم على خاطره وفنه ، وإنما قصارى المتحلين بالبلاغة ، والحاطبين في حبل البراعة أن يقتبسوا من ألفاظه ومعانيه في أنواع مقاصدهم ، أو يستشهدوا ويتمثلوا به (٥) في فنون مواردهم ومصادرهم ، فيكتسي كلامهم بذلك الاقتباس معرضا (٦) ما لحسنه غاية ، ومأخذا ما لرونقه نهاية ، ويكسب حلاوة وطلاوة ما فيها إلّا معسولة الجملة والتفصيل. ويستفيد جلالة وفخامة ليست فيهما إلا مقبولة الغرة والتحجيل (٧). هذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو أفصح العرب لهجة وأعذبهم عذبة (٨) وأحسنهم إفصاحا وبيانا ، وأرجحهم في الحكمة البالغة ميزانا ، قد اقتبس من معاني القرآن وألفاظه في الكثير من كلامه ، والجمّ الغفير من مقاله. وكذلك السلف الأفضل من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين ، ومن بعدهم إلى يومنا من كل طبقة. فما أكثر ما عوّلوا على الاقتباس من القرآن فرصّعوا كلامهم (٩) ترصيعا ، وتعاطوا فنونه جميعا. وسأورد في هذا الكتاب من محاسنها كل ما تروق أصوله وفصوله ، ويفيد مسموعه ومحصوله. وإذ قد استمررت في تصديره ، فأنا ذاكر أبوابه ؛ ليفرد كل منهما بذاته وتقرب على الناظر فيه وجوه إيراده. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

__________________

(١) في الأصل : (كما ابرأ) وما بين القوسين ليست في الأصل.

(٢) في قوله تعالى في سورة المائدة : ١١٠ (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي).

(٣) المدره : زعيم القوم والمتكلم عنهم.

(٤) المصقع : الخطيب البليغ.

(٥) في الأصل : (ويتمثل).

(٦) المعرض : المظهر يقال عرض له أمر كذا ، يعرض أي ظهر.

(٧) التحجيل : في الأصل بياض في قوائم الفرس. والغرة : بياض في جبهته ، وذلك من صفات الفرس الأصيل وقد استعملها الثعالبي مجازا.

(٨) العذبة : طرف اللسان.

(٩) في الأصل : (أحلامهم).


الباب الأول من كتاب الاقتباس

في التحاميد ، وما يتصل به من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر طرف من فضله ، ونعمه ، وسعة رحمته ، وسائر صفاته وأفعاله جلّ جلاله ، وتقدست أسماؤه. وهو ستة عشر فصلا.

الباب الثاني

في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجزاء من بعض محاسنه وخصائصه التي أفرده الله عزوجل بها ، وفضّله على جميع خلقه بما وهب له من الكلام المقتبس من القرآن وهو اثنا عشر فصلا.

الباب الثالث

في ذكر العترة الزكية ، والشجرة النبوية ، وإيراد نبذ من فضائلهم ومآثرهم ، وقطعة من فقر أخبارهم ، وغرر ألفاظهم وهو ستة فصول.

الباب الرابع

في ذكر الصحابة وما خصهم الله تعالى من الفضل والشرف ، وأقاويل بعضهم في بعض ، وغرر من محاسن كلامهم ونكت أخبارهم رضي الله عنهم أجمعين وهو عشرون فصلا.

الباب الخامس

في ذكر الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم ممن نطق القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس منه في فنون أغراضهم من قصصهم وتمثلوا به في أحوالهم ، وهو اثنا عشر فصلا.


الباب السادس

في فضل العلم والعلماء ، وفقر من محاسن انتزاعاتهم ولطائف من استنباطاتهم. وهو عشرة فصول.

الباب السابع

في ذكر الأدب والعقل والحكمة ، والموعظة الحسنة. وهو ثلاثة فصول.

الباب الثامن

في ذكر محاسن الخصال ، ومكارم الأفعال ، وطرائف الآداب.

الباب التاسع

في ذكر معائب الخلال ، ومقابح الأفعال ، وذكر العامة والسقّاط (١) والجهال ، وعورات الرجال.

الباب العاشر

في ذكر أنواع من الأضداد ، والأعداد ، وهو ثلاثة فصول.

الباب الحادي عشر

في ذكر النساء والأولاد ، والإخوان. وهو ستة فصول.

__________________

(١) الأصل : (والسقعاط) وهو تحريف في النسخ.


الباب الثاني عشر

في ذكر الطعام والشراب وهو أربعة فصول.

الباب الثالث عشر

في ذكر البيان والخطابة ، وثمرات الفصاحة والبلاغة.

الباب الرابع عشر

في ذكر الجوابات المسكتة.

الباب الخامس عشر

في ملح النوادر.

الباب السادس عشر

في الاقتباس المكروه.

الباب السابع عشر

في ذكر الرؤيا ، وعجائبها ، والتعبيرات وبدائعها.

الباب الثامن عشر

في ذكر الخط والكتاب والحساب ، ونصوص من فصول العهود ، وكتب الفتوح ونخب من ألفاظ الرسائل السلطانية ، والإخوانية ، والتوقيعات ، وكتابات الجيوش (١) في أشياء مختلفة.

__________________

(١) في الأصل : (النفوس) والصواب : ما هو مثبت أعلاه ..


الباب التاسع عشر

في الأمثال والألفاظ التي تجري مجراها ، والتنبيه على مواضع استعمالها والتمثل بها.

الباب العشرون

في ذكر الشعر والشعراء ، واقتباساتهم من ألفاظ القرآن ومعانيه.

الباب الحادي والعشرون

في اقتباس بعض ما في القرآن من الإيجاز والإعجاز ، والتشبيه والاستعارة والتجنيس ، والطباق ، وما يجري مجراها.

الباب الثاني والعشرون

في فنون مختلفة الترتيب ، في طرائف التأويلات ولطائفها.

الباب الثالث والعشرون

في فنون مختلفة الترتيب.

الباب الرابع والعشرون

في الدعوات المستجابة.


الباب الخامس والعشرون

في الرقى والأحراز.

فهذا أطال الله بقاء مولانا ، ثبت أبواب الكتاب ، والله تعالى يبارك له فيه ويقرّ عينه ، ويشرح صدره ، ويسرّ قلبه به ، مع تبليغه به إياه أقصى الأوطار ، وأطول الأعمار في أكمل المسار. وأحسن (١) السعادات التي أهّله لها ، والنعم التي عمه وخصه بها من فترة (٢) تشوبها أو تنقصها ، أو ردية تثلها وتنقضها. آمين اللهم آمين.

__________________

(١) في الأصل : (وحرّاسة).

(٢) في الأصل : (فتوه) والفترة : وهي الضعف والانكسار.



الباب الأول

في

التحاميد المقتبسة من القرآن وما يتصل بها

من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر

طرف من فضله ، ونعمه ، وسعة رحمته ، وسائر

صفاته وأفعاله جلّ جلاله



الباب الأول

في التحاميد المقتبسة من القرآن وما يتصل بها من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر طرف من فضله ونعمته وسعة رحمته (١) ، وسائر صفاته وأفعاله جل جلاله.

فصل

في نكت التحاميد

أحسن ما قرأته وسمعته في فصل (٢) التحميد ، وأوجزه ، وألطفه قول أحد البلغاء :

أحقّ ما ابتدى (٣) به خطاب ، وصدّر به كتاب حمد الله الذي جعله فاتحة تنزيل وخاتمة دعوى أهل جنته ؛ فقال تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤).

وقال بعض السلف : إن الله تعالى رضي من شكر المؤمنين له على (٥) إدخاله إياهم الجنة بأن قالوا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٦).

لما قتل المهتدي (٧) وقام (٨) المعتمد (٩) كتب إلى الموفق (١٠) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

__________________

(١) في الأصل : (رحمه).

(٢) في الأصل : (مصل).

(٣) في الأصل : (ابتدي).

(٤) يونس : ١٠.

(٥) في الأصل : (علي).

(٦) الزمر : ٧٤.

(٧) هو المهتدي بالله أبو إسحاق محمد بن محمد بن الواثق الخليفة العباسي. ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة وثمانين. وبويع سنة ٢٥٥ ه‍ وقتل سنة ٢٥٦ ه‍. تاريخ الخلفاء ٣٦٣.

(٨) في الأصل : (واقام).

(٩) المعتمد على الله هو أبو العباس وقيل أبو جعفر أحمد بن المتوكل بن المعتصم ولد سنة ٢٢٩ ه‍ وتوفي سنة ٢٧٩ ه‍. والموفق هو طلحة أبو المعتمد. انظر تاريخ الخلفاء ٣٦٣ ، ٣٦٤.

(١٠) هو أبو أحمد طلحة بن جعفر المتوكل أمير عباسي لم يل الخلافة اسما ، ولكنه تولاها فعلا. ولد ببغداد ومات فيها سنة ٢٧٨ ه‍. انظر تاريخ بغداد ١٢٧ ، ٢. الكامل لابن الأثير : حوادث سنة ٢٧٨ ه‍.


أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (١).

عبد العزيز بن عمر (٢) : الحمد لله الذي جعل أهل طاعته أحياء في مماتهم ، وجعل أهل معصيته أمواتا في حياتهم. يريد قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ (اللهِ) (٣) (أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٤). وقوله عزّ ذكره : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (٥). وقوله تعالى : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٦).

وفي هذا المعنى ينشد :

لقد أسمعت لو ناديت حيّا

ولكن لا حياة لمن تنادى (٧)

وقرأت في فصل لابن المعتز أستحسنه جدا (٨) وهو :

__________________

(١) فاطر : ٣٤.

(٢) في الأصل : (عمير) وهو عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ابن الخليفة عمر بن عبد العزيز. توفي سنة ١٤٤ ه‍ ، وروى عن أبيه. انظر تهذيب التهذيب ٣ / ١٦٩.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) آل عمران : ١٦٩.

(٥) النمل : ٨٠.

(٦) النحل : ٢١.

(٧) البيت لكثير عزة في ديوانه من قصيدة راثيا بها صديقه تقع في ٢٤ بيتا. وقبله :

يعز عليّ أن نغدو جميعا

وتصبح ثاويا رهنا بواد

فلو فوديت من حدث المنايا

وقيتك بالطريف وبالتلاد

(٨) في الأصل : (فبدا).


الحمد لله الذي لما خلق الإنسان جعل عقله دليله ، والرسل هداته والملائكة ، رقباءه (١) والشهود عليه جوارحه ، ثم جعله حسيب نفسه (٢) ، وردّ إليه كتابه يوم نشره (٣) ، يقرأه (٤) ، فلا يفقد حسنة عملها (٥) ، ولا يجد فيه سيئة لم يقترفها (٦). لم يلزمه الله عبادته حتى فرغ من هدايته ، وأزاح علله ، بأن ضمن الرزق له ، ثم وعده ، وتوعده ، وأمره ، وعلمه (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٧).

نظر أعرابي إلى غمار الناس في الموسم ، فقال :

الحمد لله الذي أحصاهم عددا ، ولم يهمل منهم أحدا (٨).

لما توفي عبد الملك بن عمر (٩) بن عمر بن عبد العزيز قال عمر (١٠) :

الحمد لله الذي جعل الموت واجبا (١١) (١٢) على خلقه ، ثم سوّى فيه بينهم. فقال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (١٣).

__________________

(١) في الأصل : (رقباه).

(٢) في الأصل : (نفيسه).

(٣) في الأصل : (بشره).

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ) الإسراء ١٣ ، ١٤.

(٥) في الأصل : (علمها).

(٦) في الأصل : (سبيه .. نقترفها).

(٧) غافر : ٦٤.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى ـ مريم : ٩٤ ، ٩٥ (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً).

(٩) عبد الملك بن عبد العزيز هو ابن الخليفة الأموي عمر كان صالحا تقيا قيل إنه كان يستشيره أبوه. نظر تاريخ الخلفاء : ٢٤٠.

(١٠) الخبر في التعازي : (حتما واجبا) وفي الأصل : (واجبا عليّ).

(١١) الخبر في التعازي والمراثي للمبرد : ٤٦.

(١٢) آل عمران : ١٨٥ ، الأنبياء : ٣٥. وبعد الآية في التعازي : فليعلم ذوو النهى أنهم صائرون إلى قبورهم مفردون بأعمالهم ، واعلموا أن عند الله مسألة فاحصة فقال جل وعز (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).

(١٣) ابن عبد كان هو محمد بن عبد كان كاتب الدولة الطولوزية. كان بليغا مترسلا وأديبا. وله ديوان رسائل. انظر الفهرست : ٢٠٣.


ابن عبد كان (١) : الحمد لله ذي العز الشامخ ، والسلطان الباذخ ، والنعم السوابغ ، والحجج البوالغ ليس له كفء مكاثر ، ولا ضدّ منافر ، إذ (٢) به لا ينقض التدبير ، ويتم (٣) التقدير. يدرك الأبصار ، ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير (٤).

إبراهيم بن العباس (٥) : الحمد لله ذي الأسماء الحسنى والمثل الأعلى (٦) لا يؤوده حفظ (٧) كبير ولا يعزب عنه علم صغير (٨) [يَعْلَمُ] (٩) (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) ، (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (١٠).

أحمد بن يوسف (١١) : الحمد لله خلق الأشياء كلّها على غير مثال ، وأنشأها على غير حدود ، ودبّر الأمور بلا مشير ، وقضى في الدهور بلا ظهير. وأمسك (١٢) السماء

__________________

(١) في الأصل : (إذن).

(٢) في الأصل : (ولا).

(٣) في الأصل : (بدوك).

(٤) من قوله تعالى في سورة الأنعام : ١٠٣ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

(٥) إبراهيم بن العباس أبو إسحاق الكاتب أحد البلغاء الشعراء الفصحاء ترأس ديوان الرسائل في عهد جماعة من الخلفاء. انظر الفهرست : ١٨٢.

(٦) في الأصل : (الحسنى .. الأعلى).

(٧) إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة : ٢٥٥ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

(٨) من سورة يونس : ٦١ (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

(٩) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وهو من الآية ١٩ من سورة غافر.

(١٠) الأنعام : ٥٩.

(١١) أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح ، وزير من كبار الكتاب. ولي ديوان الرسائل للمأمون ، ثم استوزره. توفي سنة ٢١٣ ه‍ انظر تاريخ بغداد ٥ / ٢١٦.

(١٢) في الأصل : (ومسك).


بقدرته (١) ، وبناها بإرادته وأسكنها ملائكته الذين اصطفاهم لمجاورته وجبلهم على طاعته (٢) ، ونزههم عن معصيته ، وجعلهم سكان سماواته ، وحملة عرشه ، ورسله إلى أنبيائه (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٣). وبسط [الأرض] (٤) لكافة خلقه ، وقسم بينهم الأرزاق ، وقدّر لهم الأقوات. فهم في قبضته يتقلبون ، وعلى أقضيته يجرون ، حتى يرث الأرض ومن عليها (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) (٥).

وقال سعيد بن حميد (٦) : الحمد لله الذي خلق السماء بأيده فرفعها (٧) ، ودحا الأرض بقدرته (٨) فبسطها ، وبث فيها من كل دابة ، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير (٩).

وقال أبو علي البصير (١٠) : الحمد لله الذي قدّر فسوى ، وخلق فهدى ، ولم يترك خلقه سدى (١١) ، ولكنه امتحنهم وابتلاهم ، وأمرهم ودعاهم لما يحييهم ، وندبهم إلى ما ينجيهم فقال : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١٢).

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الحج : ٦٥ (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ).

(٢) في الأصل : (عليّ).

(٣) في الأصل : (ولا يفترون).

(٤) في الأصل : (وبسطها).

(٥) من قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) مريم : ٤٠ ومن قوله تعالى : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) الأنبياء : ٨٩.

(٦) سعيد بن حميد أبو عثمان ، كان متكلما فصيحا وله كتب ورسائل ، وتولى الرسائل للمستعين توفي بعد سنة ٢٥٧ ه‍ انظر الفهرست ١٨٥.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الذاريات : ٤٧.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) النازعات : ٣٠.

(٩) من قوله تعالى في سورة الشورى : ٢٩.

(١٠) أبو علي البصير شاعر بليغ مترسل كانت بينه وبين أبي العيناء مهاجاة ومكاتبات ، وله فيه عدة أشعار : الفهرست ١٨٤.

انظر : كتابنا (أبو العيناء الأديب البصري الظريف) : ص ٤٥.

(١١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة القيامة : ٣٦ (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً).

(١٢) النساء : ٥٩.


وقال أبو القاسم علي بن محمد الإسكافي (١). الحمد لله المعزّ المذل ، المرشد المبطل الذي يزهق الباطل بنعمائه (٢) ، (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) (٣)(وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٤).

وقال (٥) : الحمد لله السابغ عطاؤه ، النافذ قضاؤه ، الذي ينتقم من الظالمين (٦) (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (٧).

فصل

في دلالة التحميد على ما يكتب من أجله

إذا كان المنشئ مبرّزا أشار في أول كلامه إلى غرضه. وهذه عادة لابن عبد كان المصري مشهورة مستحسنة. كتب في رسالة ذكر فيها استقامة الحال ، من والي الجيش وأمنه فقال :

الحمد لله مقلب القلوب (٨) ، وعلام الغيوب (٩) الجاعل بعد العسر يسرا (١٠) ، وبعد التفرق (١١) اجتماعا.

__________________

(١) أبو القاسم الإسكافي ، أديب بليغ قيل : بأنه لسان خراسان وغرتها ، وواحدها وأوحدها في الكتابة والبلاغة. انظر يتيمة الدهر ٤ / ٩٥.

(٢) في الأصل : (بنعماته).

(٣) من قوله تعالى في سورة يونس : ٨٢.

(٤) من قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة : ٣٣.

(٥) في الأصل : (وقال .. وله الحمد لله).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) السجدة : ٢٢ وقوله تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم : ٤٧.

(٧) من سورة الأنعام : ١٤٧.

(٨) من قوله تعالى : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) النور : ٣٧.

(٩) من قوله تعالى : (قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) المائدة : ١٠٩.

(١٠) من سورة الطلاق : ٧ (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً).

(١١) في الأصل : (تفرق).


وحكى أحمد بن مهران عن سعيد بن حميد قال :

ولدت بغلة في أيام المعتمد وكنت على ديوان الرسائل إذ ذاك ، فأمرت أن أنشئ كتابا في ذلك ، فلم أدر كيف أكتب ، وكيف أفتتح ، فغلبتني عيناي ، فأتاني آت في منامي (١). وقال لي : اكتب :

الحمد لله (الذي يقر في الأرحام ما يشاء بقدرته) (٢) ، ويصور فيها ما يريد بحكمته.

قال : فابتهلت ، وابتدأت ، وأنشأت الكتاب عليه.

وذكر الصولي في كتاب الأوراق : أن كتاب صاحب البريد بالدينور (٣) في سنة ثلاثمائة ورد على المقتدر يذكر أن بغلة [ولدت] (٤) فلوة ، ونسخته (٥). وقال :

الحمد لله. كبّرت (٦) لله ، الموقظ بعبره (٧) قلوب الغافلين ، والمرشد بآياته عقول (٨) العارفين ، الخالق لما يشاء كيف يشاء بلا مثال (٩) ، ذلك الله البارئ المصور له الأسماء الحسنى (١٠). وفيما قضاه المصور في الأرحام ما يشاء أن الموكل بالتطواف (١١) بقرميسين (١٢) رفع يذكر أن بغلة لرجل يعرف بأبي بردة من أصحاب أحمد بن أبي علي المري وضعت

__________________

(١) في الأصل : (مقامي).

(٢) من قوله تعالى في سورة الحج : ٥ (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ).

(٣) الدينور : مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين. معجم البلدان (دينور).

(٤) زيادة يقتضيها السياق ليست في الأصل.

(٥) الخبر والرسالة في تاريخ الطبري : حوادث سنة ٣٠٠ ه‍ وذكر الخبر ولم تذكر الرسالة في المنتظم ٦ / ١١٥.

(٦) في الأصل : (وكبرت).

(٧) في الأصل : (بعيرة) وفي الطبري : (بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الموقظ ...).

(٨) في الطبري : (الباب العارفين).

(٩) في الطبري : (الخالق ما يشاء بلا مثال).

(١٠) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الإسراء : ١١٠ (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الأعراف : ١٨٠ ، والحشر : ٢٤.

(١١) في الأصل : القطوف أو بقرمليسين والصواب ما أثبتناه وكما في الطبري.

(١٢) في الأصل : قرمليسن والصواب قرماسين أو قرميسين مدينة في بلاد الجبل. انظر مختصر البلدان : ١٩٣ ، وفي معجم البلدان (قرميسين بلد معروف بينه وبين همدان ثلاثون فرسخا قرب الدينور) وفي الطبري قرماسين.


فلوة ، ويصف (١) اجتماع الناس لذلك ، وتعجبهم (٢) مما عاينوا منه ، فبعثت من جاءني بالبغلة ، فوجدتها كميتا (٣) خلوقية (٤). ورأيت الفلوة سوية الخلق ، تامة الأعضاء ، يشبه ذنبها أذناب الدواب (٥) (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٦).

فصل

في عجائب الخلق

قال الجاحظ :

كان بعض المفسرين يقول (٧) : من أراد أن يعرف قوله جلّ ذكره : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨) فليوقد نارا عظيمة ، وسط غيضة (٩) ، أو في صحراء (١٠). ثم لينظر [إلى] (١١) ما يغشى تلك النار من أصناف الخلق والحشرات والهمج (١٢) ، فإنه سيرى صورا ، ويتعرف خلقا لم يكن يظن أن الله خلق شيئا من ذلك في هذا العالم (١٣). قال الله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا

__________________

(١) في الأصل : (ويصفر).

(٢) في الطبري : (تعجبوا لما عاينوا).

(٣) الكميت : صفة للفرس ، وهو الذي يضرب لونه بين الحمرة والسواد.

(٤) الخلوقية : من الخلق ، أي تامة الخلق يقال (رجل خليق ومختلق أي تام الخلق).

(٥) في الطبري : (فوجهت من أحضرني البغلة والفلوة ، فوجدت البغلة كمتاء خلوقية ، والفلوة سوية الخلق تامة الأعضاء ، منسدلة الذنب ، سبحان الملك القدوس ، لا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب).

(٦) المؤمنون : ١٤.

(٧) النص من الحيوان ٢ / ١١٠.

(٨) النحل : ٨.

(٩) الغيضة : الأجمة ، وهي مغيض ماء يجتمع ، فينبت فيه الشجر والجمع غياض. الصحاح : (غيض).

(١٠) في الحيوان : (في صحراء برية).

(١١) زيادة ليست في الأصل.

(١٢) في الأصل : (المهج). والصواب ما أثبتناه وكما ورد في الحيوان. والهمج : ضرب من البعوض.

(١٣) في الحيوان : (في ذلك).


تَعْلَمُونَ) (١) ، (فما كان سبيله أن يعلم (٢) ، فلينظر فيما ذكر الله عز اسمه) (٣).

وذكر دعبل (٤) في كتاب الشعراء أنه عثر على قهندز (٥) في مرو فوجدوا فيه سنين (٦) كبيرين في كل واحد منهما وزن منوين (٧) ، فحملتا إلى عبد الله بن المبارك (٨) فتعجب منهما ، وقال (٩).

أتيت بسنّين قد رمّتا

من الطين (١٠) لما أثاروا الدفينا (١١)

على قدر منوين إحداهما

يقلّ (١٢) بها المرء شيئا رزينا

ثلاثون أخرى على قدرها

تباركت يا أحسن الخالقينا (١٣)

__________________

(١) النحل : ٨.

(٢) عبارة (سبيله أن يعلم) كررت مرتين في أصل المخطوط.

(٣) ما بين القوسين غير موجود في نص الحيوان.

(٤) هو دعبل بن علي بن رزين ، شاعر متقدم مطبوع ، هجاء ، له ديوان شعر مطبوع ، وله كتاب طبقات الشعراء. انظر ترجمته في الفهرست : ٢٣٥.

(٥) في الأصل :

(٦) في الأصل : (مهبند) والقهنندز : معرب كهن دز أي قلعة عتيقة. انظر : تاريخ البيهقي : ٢٨٠٣ الشاهنامة ـ ترجمة عزام. (تسنتين ، كبيرتين .. واحدة).

(٧) في الأصل : (مئوين) والصواب ما أثبتناه والمنوان مثنى من وهو وزن رظلين ، والجمع أمنان.

(٨) عبد الله بن المبارك من سكان خراسان جمع بين الزهد والورع والفقه واللغة والشعر ، ولد سنة ١١٨ وتوفي نحو سنة ١٨١.

انظر صفة الصفوة ٤ / ١٠٩.

(٩) في الأصل : (تسنتين كبيرتين).

(١٠) في الأصل : (الحصين).

(١١) الخبر في شعر عبد الله بن المبارك ص ٦٣ عن تاريخ دمشق ٦ / ٢٦١ أو ما بعدها ، وبهجة المجالس ٢ / ١٥٥ م مصادر أخرى.

وفيه أن عبد الله بن المبارك سمع يقول : حفروا بخراسان حفيرا فوجدوا فيها رأس إنسان ، فوزنوا سنا من أسنانه فإذا فيه سبعة أساتير فقال عبد الله بن المبارك ... والأساتير يوازي ٥ ، ٢٠ غراما فوزن السن يقارب ١٥٠ غراما.

(١٢) في الأصل : (يقبل) وروايته في شعر عبد الله بن المبارك :

على وزن منوين إحداهما

تقل بها الكف شيئا رزينا

(١٣) روايته في شعر عبد الله بن المبارك : (ثلاثين أخرى على قدرها).


قال الأصمعي : كان بشار بن برد يقول : ما في الأرض أحسن من الإنسان. فإذا قيل له ، فكيف؟ قال : سمعت الله يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١).

قال : فعلمت أن القول لم يطلق هذا الإطلاق ، وهو يمر بالمتصنعين ، والعيابين والمعاندين ، فلا يعارضه أحد بالتكذيب ، إلّا والأمر على ما وصف.

قال : وحكى غير الأصمعي أن بشارا ـ كان أعمى أكمه ـ كذلك قال يوما بعد أن أطال السكوت ، وتنفس الصعداء :

أما والله ، إني لست أتلهف على ما يفوتني من رؤية هذا العالم إلا على شيئين اثنين. قيل : وما هما يا أبا معاذ؟ قال : الإنسان والسماء. قيل ولم؟ قال : لأن الله يقول (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٢) ويقول (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) (٣) فلا شيء أحسن مما ذكره الله (بأنه) (٤) خلقه في أحسن تقويم ، ومما ذكر أنه زينه ، أفلا تشق (٥) عليّ رؤيتهما؟ وفي الله عوض من كل فائت.

وفي كتاب الفرج بعد الشدة (٦) بإسناده لصاحبه أن عيسى بن موسى الهاشمي (٧) كانت له امرأة من بنات أعمامه لا يرى بها الدنيا. فقال لها يوما وقد أعجبته جدا (٨) : أنت طالق إن لم تكوني أحسن من القمر. فصكّت وجهها ودقت صدرها (٩). ثم قامت واستترت ،

__________________

(١) التين : ٤.

(٢) نفسها.

(٣) الملك : ٥.

(٤) في الأصل : (فأن الله).

(٥) في الأصل : (فلا تشق).

(٦) الفرج بعد الشدة كتاب لأبي علي المحسن التنوخي وهو كتاب مطبوع أكثر من طبعة.

(٧) عيسى بن موسى الهاشمي أحد رجال العباسيين وقوادهم المشهورين ، وكان ولي عهد الخليفة المنصور قبل أن يجعلها في ابنه المهدي. انظر مروج الذهب ج ٣ / ٢٥٢ ، ٢٨١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٥.

(٨) في الأصل : (وجدا).

(٩) في الأصل : (بحذها).


ولم تشك في أنها طلقت. وبلغ الهم بتلك الحال من عيسى كل مبلغ ، واشتد جزعه ، واضطرابه فأمر بجميع أعيان الفقهاء فلما حضروا استفتاهم فيها ، فما منهم إلّا من أفتى بطلاقها ، وفيهم شاب (١) ، رث الهيئة (٢) ، لا ينطق. فقال عيسى : ما سكوتك يا فتى؟ فقام ونادى بأعلى صوته : أمسك عليك زوجك أيها الأمير ، فإن الله تعالى يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ). فلا شيء أحسن منه. فقالوا جميعا : لقد قال قولا سديدا ، وحكموا له بالإصابة ، واتفقوا على أنها لم تطلّق ، فسري عن عيسى ، وسرّ غاية السرور ، وأمر للفتى بصلة وخلعة (٣).

قال الجاحظ (٤) :

أو ما علمت (٥) أن الإنسان الذي خلق الله السموات والأرض وما بينهما لأجله (٦) كما قال الله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (٧).

وقال : إنما سمّوه العالم الصغير سليل العالم الكبير (٨) ، ووجدوا له الحواس الخمس ، ووجدوه يأكل اللحم والحب ، ويجمع بين ما تقتاته البهيمة والسبع ، ووجدوا فيه صولة

__________________

(١) في الأصل : (شاءت).

(٢) في الأصل : (الهبة).

(٣) الخبر في الفرج بعد الشدة : ٤١١ وفيه : أن عيسى بن موسى الهاشمي حين احتجبت زوجته عنه بات ليلة عظيمة ، فلما أصبح غدا على المنصور وأخبره الخبر ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، إن تمّ علي طلاقها تلفت نفسي عليها ، وكان الموت أحب من الحياة ، وأظهر للمنصور جزعا شديدا. فأحضر المنصور الفقهاء واستفتاهم. فقال جميع من حضر : قد طلقت إلّا رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة (رضي الله عنه) ، فإنه سكت فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) فلا شيء يا أمير المؤمنين أحسن من الإنسان. فقال المنصور لعيسى بن موسى : قد فرّج الله عزوجل عنك ، والأمر على ما قال ، فأقم على زوجتك وارسلها أن أطيعي زوجك. والآية من سورة التين : ٤.

(٤) النص في الحيوان ١ / ٢١٢.

(٥) في الأصل : (وما علمت).

(٦) في الحيوان ١ / ٢١٢ : (من أجله).

(٧) الجاثية : ١٣.

(٨) في الحيوان : (لما وجدوا فيه من جمع أشكال ما في العالم الكبير ووجدنا له الحواس الخمس ، ووجدوا فيه المحسوسات الخمس).


الجمل ، ووثوب الأسد وغدر الذئب ، وروغان الثعلب ، وحنين (١) الصفرد (٢) ، وجمع الذرة ، وصنعة (٣) السرفة (٤) ، وجود الديك ، وإلف الكلب ، واهتداء الحمام.

وقال : وسمّوه العالم الصغير ، لأنه يصور كل شيء بيده ، ويحكي صوته بفمه ، ولأن أعضاءه (٥) مقسومة على البروج الإثني عشر ، والنجوم السبعة وفيه الصفراء ؛ وهي من نتاج النار ، والسوداء ؛ وهي من نتاج الأرض ، وفيه الدم وهو من نتاج الهواء. وفيه البلغم ؛ وهو من نتاج الماء (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)

في قول الله (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) (٦) يعني : الوجه الحسن (٧).

اقتبس أبو فراس الحمداني اللفظ والمعنى فقال في الغزل (٨).

كان قضيبا له انثناء

وكان بدرا له ضياء (٩)

فزاده ربّه عذارا

تمّ به الحسن والبهاء

لا تعجبوا ربّنا قدير

يزيد في الخلق ما يشاء (١٠)

__________________

(١) في الأصل : (وحيتين).

(٢) الصفرد : طائر تسميه العامة أبا المليح. وفي المثل أجبن من صفرد. انظر لسان العرب (صفر).

(٣) في الأصل : (وصغد) وهو خطأ في النسخ. والسرفة دويبة سوداء الرأس ، وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقائق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها. لسان العرب (سرف).

(٤) نفسه.

(٥) حدث تقديم وتأخير في هذا النص الذي نقله الثعالبي من الجاحظ.

(٦) من قوله تعالى في سورة فاطر : ١ (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ).

(٧) في تفسير الطبري ٢٢ / ١١٤ : أن الزيادة في خلق أجنحة الملائكة وتفاوتها ، وورد هذا الشرح في تفسير الرازي ٢٦ / ٢. ومن المفسرين من خصصه. وقال المراد به : الوجه الحسن ، ومنهم من قال : الصوت الحسن ، ومنهم من قال : كل وصف محمود.

والأولى أن يعم.

(٨) الأبيات في ديوان أبي فراس ٢ / ٥.

(٩) بعده في ديوان أبي فراس :

وكان يحكي الهلال وجها

والناس في حبه سواء

(١٠) روايته في ديوان أبي فراس :

كذلك الله كلّ وقت

يزيد في الخلق ما يشاء


وقرأت في أخبار أبي نواس من الكتاب المستنير تأليف أبي عبيد الله المرزباني (١) أن أبا نواس لما انشد النظّام (٢) قوله (٣) :

سبحان من خلق الخل

ق من ضعيف مهين

يسوقه من قرار

إلى قرار مكين (٤)

يحول شيئا فشيئا

في الحجب دون العيون (٥)

حتى بدت حركات

مخلوقة من سكون

قال النظام : نبهتني والله لشيء كنت عنه غافلا. ووضع كتابه في الحركة والسكون.

فصل

في لمع من صفاته عزّ ذكره

يروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه خرج يوما من داره ، وقد جاء عامر بن عبد القيس (٦) فقعد في دهليزه. فلما رأى عثمان به رجلا شيخا متلفعا بعباءة أنكره وأنكر مكانه. فقال : يا أعرابي : أين ربك؟

__________________

(١) هو محمد بن عمران بن موسى ، أبو عبد الله إخباري ، مؤرخ أديب ، صاحب كتابي معجم الشعراء والموشح المشهورين. ذكر له ابن النديم كتاب المستنير في أخبار الشعراء المحدثين.

(٢) النظام هو إبراهيم بن سيار البصري أحد كبار المعتزلة ، وإليه تنسب الفرقة النظامية. توفي في خلافة المعتصم سنة بضع وتسعين وعشرين ومائتين. انظر : تاريخ بغداد ٦ / ٩٧.

(٣) الأبيات في ديوانه : ٦١٩.

(٤) روايته في الديوان :

يسوقه في هواء

إلى قرار مكين

(٥) روايته في الديوان :

في الحجب شيئا فشيئا

يحور دون العيون

(٦) عامر بن عبد القيس بن ثابت التميمي ، ويقال عامر بن عبد الله ، تابعي ثقة من كبار التابعين ، وكان بينا فصيحا توفي في خلافة معاوية. انظر صفة الصفوة ٣ / ١١٦ ، ١٣٥ ، الإصابة ١ / ١٤٧.


قال : بالمرصاد (١) يا أمير المؤمنين.

(ويقال) (٢) إن عثمان لم يفحمه أحد غير عامر هذا.

قال بعض العلماء : من شأن الله كل يوم أن يجيب داعيا ، ويعطي سائلا ، ويغني فقيرا ، ويشفي سقيما ، ويهلك جبارا عنيدا (٣) ، وذلك قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٤).

وأتي الحجاج برجل من الخوارج ، وأمر بضرب عنقه. فقال له :

إن رأيت أن تؤخرني إلى غد فافعل.

فقال : ولم؟

فأنشأ يقول :

عسى فرج يأتي به الله إنه

له كل يوم في خليقته أمر

فقال الحجاج : انتزعته من قول الله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٥). وأمر بتخلية سبيله.

__________________

(١) من قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) الفجر : ١٤.

(٢) ما بين القوسين زيادة من هامش المخطوط. وفي تاريخ الطبري ٥ / ٩٤ : نقل هذا الخبر في سياق حديث عن اجتماع الناس على عثمان ، وأنهم قرروا أن يرسلوا رجلا منهم يكلمه ، فأرسلوا عامر بن عبد القيس ، فأتاه فدخل عليه ، فقال له : إن ناسا من المسلمين اجتمعوا ، فنظروا في أعمالك ، فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله عزوجل ، وتب إليه ، وانزع عنها. قال عثمان : انظر إلى هذا ، فإن الناس يزعمون أنه قارئ ، ثم هو يجيئني ، فيكلمني في المحقرات. فو الله ما يدري أين الله. قال عامر :

بلا والله لأدري ، إن الله بالمرصاد لك ..

(٣) أورد الطبري آراء العلماء في تفسير الآية المذكورة أعلاه ، ومعظمها تجمع على أنه سبحانه وتعالى كل يوم يجيب داعيا.

ويكشف كربا ، ويجيب مضطرا ، ويغفر ذنبا ، وكل يوم هو في شأن خلقه ، فيفرج كرب ، ذي كرب ويرفع قوما ويخفض آخرين ، وغير ذلك. انظر : جامع البيان ٢٧ / ١٣٤.

(٤) الرحمن : ٢٩.

(٥) نفسها.


ولما خوّف (١) أبو حازم الأعرج (٢) سليمان بن عبد الملك بوعيد الله (٣) للمذنبين ، قال سليمان : فأين رحمة الله؟ قال قريب من المحسنين.

سئل يزيد بن موسى ، لم سمي الله بالمؤمن؟ فقال : لأنه يؤمن من عذابه من آمن.

وكيع بن الجراح (٤) قال :

رأيت في المنام رجلا له جناحان فقلت له : من أنت؟

فقال : ملك من ملائكة الله تعالى.

فقلت له : أسألك؟

قال : سل.

فقلت : ما اسم الله الأعظم؟

فقال : الله.

فقلت : وما برهان ذلك؟

قال : إنه قال لموسى عليه‌السلام (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) (٥) ولو كان له اسم أعظم منه لقاله تعالى ذكره.

__________________

(١) في الأصل : (خيروا).

(٢) أبو حازم الأعرج اسمه سلمان ، مولى عزة الأشجعية ، كان من خيار زمانه حكمة وزهدا. توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز : مشاهير علماء الأمصار : ١٠٨.

(٣) الخبر في البيان والتبيين ٣ / ١٤٣ وفي ثمار القلوب : ٢٤ قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم الأعرج وقد خوفه الله في موعظته له حتى أبكاه. فأين رحمة الله؟ فقال أبو حازم (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

(٤) وكيع بن الجراح ، يكنّى أبا سفيان الكوفي العابد. امتنع عن قضاء الكوفة. ولد سنة ١٢٨ ه‍. توفي نحو ١٩٦. انظر صفة الصفوة ٣ / ١٠٢.

(٥) طه : ١٤.


فصل

في سعة مغفرته ورحمته

سمع أعرابي ابن عباس يقرأ : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (١) فقال : نجونا ورب الكعبة ، ما أنقذنا منها وهو يريد أن يلقينا فيها. فقال ابن عباس : خذوها من غير فقيه.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لو لم يذنب العباد لخلق الله عبادا يذنبون فيغفر لهم إنه هو الغفور الرحيم) (٢).

وعن ابن عباس في قوله : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ) (٣) قال : غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله ، وقابل التوب ممن قالها ، شديد العقاب لمن لم يقلها (٤).

أتى مطرف بن عبد الله (٥) مجلس مالك (بن) (٦) دينار وقد قام فقال له أصحابه لو تكلمت؟

فقال : هذا ظاهر حسن (إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (٧).

__________________

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) هناك أكثر من حديث في هذا المعنى ، راجع مادة (ذنب) في معجم فنسنك ، ألا من مذنب مستغفر : مسند الإمام أحمد ١ / ١٢٠ ، ٥٠٩ هل من مذنب ٣ / ٢٤ ، ٤٩ في مسند الإمام أحمد أيضا.

(٣) غافر : ٣.

(٤) في تفسير الطبري ٢٤ / ٤١ (شديد العقاب لمن عاقبه من أهل العصيان).

(٥) مطرف بن عبد الله بن الشخير ، يكنى أبا عبد الله. كان زاهدا من كبار التابعين ، ثقة فيما رواه من الأحاديث. ولد في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتوفي في الكوفة نحو سنة ٨٧ ه‍ انظر حلية الأولياء ٢ / ١٩٨ ، ٢١٢ وانظر أيضا الأعلام. الزركلي ٨ / ٥٤.

(٦) في الأصل : (مالك دينار) وهو خطأ في النسخ ، ومالك هذا يكنى أبا يحيى من أشهر رواة الحديث ، كان ورعا زاهدا يكتب المصاحف بالأجرة ويأكل من كسبه. انظر حلية الأولياء ٢ / ٣٥٧.

(٧) الإسراء : ٢٥ ، والخبر في الحيوان ٣ / ١٦٠.


قتادة في قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) (١). قال ، اجتمع أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن كل ذنب أتاه عبد عمدا فهو بجهالة (٢).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) : (إن الله يعطي كل مؤمن جوازا على الصراط وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله الغفور الرحيم لفلان بن فلان. أما بعد ، فادخلوا جنة عالية ، قطوفها دانية) (٤).

قال :

قارف الزهري (٥) ذنبا فاستوحش من الناس وهام على وجهه ، فقال له زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم : يا زهري ، لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أشد عليك من ذنبك (٦).

فقال الزهري : الله يعلم حيث يجعل رسالته. (٧) ورجع إلى حاله وأهله.

قال ابن عباس :

__________________

(١) النساء : ١٧.

(٢) هذا رأي ابن مجاهد ، والضحاك وعكرمة. ورأى آخرون أن كل شيء عصي به ، فهو جهالة عمدا كان أو غيره. راجع آراءهم في تفسير الطبري ٤ / ٢٩٩.

(٣) كتب الصحاح ومعجم فنسنك خلو من هذا الحديث. وكل حديث لم نوثقه هذا شأنه.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) الحاقة ١٩ ـ ٢٢.

(٥) الزهري هو محمد بن مسلم ، يكنى أبا بكر أحد الفقهاء والمحدثين التابعين لقي عشرة من الصحابة ، وروى عنه جماعة من الأئمة توفي نحو ١١٤ ه‍ وقيل ١٢٣ ه‍ وقيل ١٢٥ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٣١٨.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر : ٥٦ وقوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الزمر : ٥٣.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام : ١٢٤.


أرجى آية في كتابه عز ذكره (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١). قال : وأرجى منها قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٢).

وقال غيره :

أرجى آية في كتاب الله عزوجل (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٣). قال : يعني علوا في الأرض كعلو فرعون ، وفسادا كفساد فرعون ، والعاقبة للمتقين الذين تبرأوا من هاتين الخصلتين ، والله أعلم.

فصل

في ذكر نعمته عزوجل

قول بعض السلف :

إذا أردت أن تعلم نعمة الله عليك ، فغمض عينيك ، ثم افتحها ؛ ليتبين لك مصداق قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٤).

وقلت في كتاب المبهج (٥) :

__________________

(١) النساء : ٤٨.

(٢) الزمر : ٥٣.

(٣) القصص : ٨٣.

(٤) إبراهيم : ٣٤.

(٥) النص في المبهج : ٥١ وأوله : (تعالى الله ما ألطف صنعته ، وما أتقن صنيعته وما أحسن صبغته. سبحان من لا تعده الأوهام والألسنة ، ولا تغيره الشهر والسنة ، ولا تأخذه النوم والسنة).


سبحان من لا يحصر نعمه حاصر ، فكل حساب عنها قاصر (١) (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٢).

لما بنى المنصور مدينة بغداد أخبره نوبخت المنجم بما تدل عليه النجوم من طول ثباتها وكثرة عمارتها ، وانصباب (٣) الدنيا عليها ، وفقر الناس إليها. فقال المنصور : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٤).

ويقال إن الكتّاب أخذوا قولهم (٥) وأتم نعمته عليك وزادها (٦) أخذوه من قول عدي ابن الرقاع العاملي (٧).

صلّى الإله على امرئ ودعته

وأتمّ نعمته عليك وزادها

فصل

في ذكره سبحانه

سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أرفع عباد الله درجة يوم القيامة فقال : (الذاكرون الله كثيرا والذاكرات) (٨).

__________________

(١) في المبهج ٥١ : سبحان من لا يخلى عبيده عند المحن من المنح ، وفي النقم من النعم ، سبحان مقدر الأقوات على اختلاف الأوقات ، سبحان من نعمه لا تحصى ، مع كثرة ما يعصى.

(٢) إبراهيم : ٣٤ وهي غير موجودة في تحميد المبهج.

(٣) في الأصل : (وانصاب).

(٤) الحديد : ٢١.

(٥) في الأصل : (قوله).

(٦) القول إشارة إلى يوسف الآية : ٦ ، وفي الأصل : (زاد فيها).

(٧) عدي بن الرقاع بن زيد بن مالك من عامله ، شاعر كبير من أهل دمشق. كان مهاجيا لجرير ومدح بني أمية انظر : معجم الشعراء : ٨٦.

(٨) من قوله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب : ٣٥.


قيل : يا رسول الله والمجاهد في سبيل الله؟

قال : لو ضرب بسيفه في الكفار حتى يخضب دما وينكسر ، لكان الذاكرون الله أفضل (١).

وعن سعيد بن جبير ، في قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٢). قال اذكروني بالظلمة أذكركم بالعصمة (٣).

فصل

في تقديره جل جلاله

لما طعن أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في المحراب يصلي بالناس صلاة الصبح جمع ملحفته (٤) على بطنه وقال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٥).

ولما خرج شبيب الخارجي (٦) من الكوفة يريد الأهواز ، وقد فعل الأفاعيل ارتطم فرسه في (نهر) دجيل (٧) فغرق وهو يقول (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٨).

__________________

(١) في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري أنه قال : قلت يا رسول الله أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال الذاكرون الله كثيرا. قال قلت ، والغازي في سبيل الله؟ قال : لو ضرب بسيفه في الكفار المشركين حتى ينكسر).

(٢) البقرة : ١٥٢. وفي الأصل : (اذكروني).

(٣) ورد غير هذا التفسير عن سعيد بن جبير في تفسير الطبري ٢ / ٣٧ وهو اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي.

(٤) الملحفة : واحدة الملاحف وهي نوع من الثياب. الصحاح (لحف).

(٥) الأحزاب : ٣٨.

(٦) شبيب الخارجي هو أبو الضحاك شبيب بن يزيد خرج على الدولة الأموية ، وقاتله الحجاج في معارك عديدة ، ونجا بنفر قليل من أصحابه ، ثم مرّ بجسر دجيل ، ونفر به فرسه فألقاه في الماء ومات. انظر : الطبري ٧ / ٢٥٥ البداية والنهاية ٩ / ٢٠ ، الأعلام ٣ / ٢٢٩.

(٧) في الأصل : (وحل).

(٨) الأنعام : ٩٦ وفي تاريخ الطبري : أن حافر رجل فرس شبيب نزل على حرف السفينة فسقط في الماء. فلما سقط قال : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) فارتمى في الماء ثم ارتفع فقال : ذلك تقدير العزيز الحكيم. وفي البداية والنهاية : إنه لما ألقاه جواده في نهر دجيل قال له رجل : أغرقا يا أمير المؤمنين؟ قال : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).


وقال بعض الشعراء :

كم من لبيب راجح علمه

مستحصف الرأي (١) مقل (٢) عديم

ومن جهول وافر ماله

(ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)

قال : دخل (٣) أبو الجماز على قتيبة بن مسلم (٤) ، وبين يديه رجل يضرب بالعصا. فقال له :

أيها الأمير ، قد جعل الله لكل شيء قدرا (٥) ، ووقّت له وقتا (٦) فالعصا للأنعام والهوام ، والبهائم العظام. والسوط للحدود ، والتعزيز (٧). والدرة (٨) للتأديب ، والسيف لقتال العدو والقود (٩). فقال قتيبة :

صدقت. وأمر برفع الضرب عن المضروب ، وتخلية (١٠) سبيله.

__________________

(١) مستحصف الرأي : أي حكيم العقل.

(٢) في الأصل : (عذيم) والصواب عديم من العدم. وهو الفقر ، واعدم الرجل افتقر فهو معدم وعديم.

(٣) في الأصل : (وحل).

(٤) قتيبة بن مسلم الباهلي : كان أبوه كبير القدر عند يزيد بن معاوية ، وكانت له أخبار كثيرة فيما وراء النهر وتولى خراسان مدة ١٣ سنة وقتل بفرغانة. انظر معجم الشعراء : ٢١٢ ، الأعلام ٢٨ : ٦.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الطلاق : ٣.

(٦) إشارة إلى آيات كثيرة من القرآن الكريم انظر مثلا العنكبوت : ٢٩.

(٧) التعزير : التأديب ومنه سمي الضرب دون الحد تعزيرا. الصحاح (عزر).

(٨) الدرة : التي يضرب بها انظر (الصحاح) (درر).

(٩) القود : القصاص. انظر لسان العرب (قود).

(١٠) في الأصل : (وتحلية).


فصل

في الشفاء ، من عند الله تعالى

قيل لسفيان بن عيينة (١) في مرض عرض له ، ألا ندعو لك طبيبا؟

فقال : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢).

وقيل في مثل ذلك لإبراهيم بن أدهم (٣). فقال (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (٤).

وقلت في كتاب المبهج : إذا مسّك الضر فالله يكفيك ، وإذا شفّك السقم فالله يشفيك.

فصل

في اقتران وعده بوعيده عزوجل

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : إن الله عزوجل قرن (٥) آية العذاب بآية الرحمة ؛ ليكون العبد راغبا ، راهبا. قال الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٦) ، (وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧). وقال جل ذكره : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٨). وقال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو

__________________

(١) سفيان بن عيينة يكنى أبا محمد مولى بني هلال بن عامر مات سنة ١٩٨. انظر الطبقات : ٢٨٤.

(٢) الأنعام : ١٧.

(٣) إبراهيم بن أدهم يكنى أبا إسحاق العجلي البلخي الزاهد توفي في بلاد الروم سنة ١٦١ ه‍ ، انظر صفة الصفوة ٤ / ١٢٧.

(٤) الشعراء : ٨٠.

(٥) في الأصل : (قزوزا به).

(٦) الأنفال : ٢٥ ، البقرة : ١٩٦.

(٧) المائدة : ٩٨.

(٨) الحجر : ٤٩ ، ٥٠.


مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) (١).

وكان بعض النساك إذا أوى إلى فراشه قال : يا ليت أمي لم تلدني.

فقالت له امرأته : إن الله قد أحسن إليك وهداك (٢).

قال : أجل ، ولكن بيّن لنا أنّا واردوها ، ولم يبين لنا أنا صادرون عنها يعني قوله (تعالى) (٣) (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (٤).

قالت ابنة الربيع بن خثيم (٥) له : يا أبت ما لك لا تنام ، والناس نيام؟

فقال : يا بنية ، أخاف البيات (٦). إن الله تعالى يقول (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) (٧).

فصل

في فقر من ذكر قدرته وجوده وغناه وسائر صفاته

قال معاوية (٨) لسعيد بن العاص (٩) : كم ولدك؟

قال : عشرة ، أكثرهم الذكور.

__________________

(١) فصلت : ٤٣.

(٢) في الأصل : (وهزاك).

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) مريم : ٧١.

(٥) الربيع بن خثيم من بني ثور بن عبد مناة ، يكنى أبا يزيد. توفي زمن ابن زياد. انظر الطبقات : ١٤١. جمهرة أنساب العرب : ٢٠١ ، حلية الأولياء ٢ / ١٠٥.

(٦) البيات من قولهم : بيّت العدو أي أوقع بهم ليلا والاسم البيات.

(٧) الأعراف : ٩٧.

(٨) في الأصل : (معوية).

(٩) سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، كان ممن ندبه عثمان لكتابة القرآن. غزا طبرستان وجرجان ، وولي المدينة لمعاوية.

توفي نحو ٥٣ ه‍. الإصابة ٢ / ٤٦.


فقال معاوية : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (١).

وقال سعيد : (يؤتى الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء) (٢).

وأنشدني أبو الفتح علي بن محمد البستي (٣) الكاتب لنفسه في الاقتباس من هذه الآية :

إذا خدم السلطان قوم ليشرفوا (٤)

به وينالوا كلّما يتشوفوا

خدمت إلهي ، واعتصمت بحبله

ليعصمني من كل ما أتخوّف

وخدمة (٦) من يولى السلاطين ملكهم

وينزعه عنهم أجلّ وأشرف (٥)

قيل لأبي حازم : أنت مسكين.

فقال : كيف أكون مسكينا ، ولمولاي السموات والأرض ، وما بينهما ، وما تحت الثرى (٧).

قال (٨) بعض الحكماء :

لا يزال تراث الأوائل ينتقل إلى الأواخر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين (٩). قال الله تعالى (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ

__________________

(١) في الأصل : (الذكورة).

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) آل عمران : ٢٦.

(٣) البستي أبو الفتح علي بن محمد ، أديب وشاعر ، كثر في شعره البديع والتجنيس توفي نحو ٤٠٠ ه‍ وقيل ٤٠٧ ه‍ في بخارى.

انظر يتيمة الدهر ٤ / ٣٠٣ وفيات الأعيان ٣ / ٥٨.

(٤) في الأصل : (ليشرفوا ... يتشوق).

(٥) في الأصل : (وخدمت).

(٦) الأبيات غير موجودة في ديوانه.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى من سورة طه : ٦ (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى).

(٨) في الأصل : (قا).

(٩) من قوله تعالى في سورة مريم : ٤٠ (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ).


خَبِيرٌ) (١).

لما جاء البشير إلى المهتدي بأن موسى بن بغا (٢) هزم مساور الشاري (٣) وأصحابه وقتل (٤) فيهم مقتلة عظيمة. نزل من سريره ، وسجد على التراب وجعل يقول : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) (٥).

فصل

في ذكر تسخيره تعالى الناس بعضهم بعضا

قد أخبر الله تعالى ما دبّر عليه عباده من تصييرهم (٦) في درجات متفاضلة ، وبيّن علة ذلك بقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) (٧). وقال تعالى (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) (٨). فوصف عزّ ذكره أنهم لم يكونوا يستغنون في قوام معايشهم على أن يكونوا

__________________

(١) آل عمران : ١٨٠.

(٢) موسى بن بغا من كبار القواد الأتراك كان أبوه أحد غلمان المعتصم. ولما مات بغا سنة ٢٤٨ ه‍ تقلد موسى ما كان يتقلده أبوه ، وضم إليه أصحابه. انظر : مروج الذهب ٤ / ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨.

(٣) مساور الشاري بن عبد الحميد مولى بجيلة. والشاري نسبة إلى الشراة وهم فرقة من الخوارج. انظر التنبيه والأشراف ص ٣٦٦ ط خياط ، اللباب ٢ / ٤.

(٤) في الأصل : (وقيل).

(٥) آل عمران : ١٦٠.

(٦) في الأصل : (تصييرهم).

(٧) الأنعام : ١٦٥.

(٨) الزخرف : ٣٢.


متفاضلي درجات الرفعة ، والضعة ، والغنى والفقر والسعة (١) ، والضيق ، ليتعايشوا بذلك ، ويتعاونوا في المعايش التي لا بد لهم من الترافد فيها (٢).

وأنشدني أبو الفتح لنفسه في هذا المعنى :

سبحان من سخّر الأقوام بعضهم

بعضا حتى استوى التدبير واطردا

كلّ بما عنده مستبشر فرح

يرى السعادة فيما نال واعتقدا

فصار يخدم هذا ذاك من جهة

وذاك من جهة هذا وإن بعدا (٣)

فصل

في ذكر طرف من حكمته

قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٤).

وقال الشاعر مقتبسا من الآية :

ما كلّف الله نفسا فوق طاقتها

ولا تجود يد إلّا بما تجد

قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٥).

قال أبو دلامة زند بن الجون (٦) مقتبسا من هذه الآية :

__________________

(١) في الأصل : (والفقير والضيق).

(٢) الترافد : التعاون. الصحاح : (رفد).

(٣) الأبيات في ديوانه ص ٢٤١ نقلا عن مخطوطة الاقتباس.

(٤) البقرة : ٢٨٦.

(٥) الرعد : ١١.

(٦) في الأصل : (زيد) والصواب : زند : شاعر كثير النوادر صاحب بديهة وظرف ، كان مدّاحا للخلفاء. انظر طبقات الشعراء : ٦٢.


أبا (١) مجرم ما غيّر الله نعمة

على عبده حتى يغيرها العبد (٢)

قال الله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٣).

قال ابن الرومي (٤) مقتبسا من هذه الآية :

أرى الشيطان يوعدني شرورا

ووعد الله بالخيرات أوفى

فصل

في ذكر صبغة الله تعالى

قال بعض الظرفاء :

أربع بربع للربيع وكن به

ضيفا يكن ندماءك الأنوار (٥)

__________________

(١) في الأصل : (أيا).

(٢) البيت في الشعر والشعر (ط دار المعارف) ٧٥١ ، الأغاني (دار الكتب) ١٠ / ٢٣٥ طبقات الشعراء ٦٢. وقد ذكر ابن المعتز أنه قاله في أبي مسلم الخراساني. وكان الأخير قد توعده بالقتل لشيء بلغه عنه. فلما قتل المنصور أبا مسلم دخل أبو دلامة ورأس أبي مسلم في الطست فأنشد البيت وبعده :

أبا مجرم خوفتني القتل فأنتحى

عليك بما خوفتني الأسد الورد

أفي دولة المنصور حاولت غدرة

ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد

(٣) البقرة : ٢٦٨.

(٤) في الأصل : (الدومي).

(٥) هناك ارتباك وخطأ في نسخ البيتين وإذ روى البيت الأول هكذا :

أربع بربع الربيع وكن به

صيفا تكن برمال الأنوار

وقد وجدت البيتين في أحسن ما سمعت ص ٢٣٠ فصححت رواية البيت الأول.


من فاقع في ناصع في قانئ (٢)

في ناضر قد صاغها الجبار (١)

يشير إلى قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (٣).

ولى في كتاب المبهج :

تعالى الله ، ما ألطف صبغته ، وأبدع صيغته ، وأحسن صنعته.

فصل

يليق بهذا المكان من الكتاب المبهج

يشتمل على فصول مقتبسة من القرآن

سبحان (٤) من لا تحدّه الأوهام والألسنة. ولا تغيّره (٥) الشهر والسنة ، ولا يأخذه النوم ولا السنة (٦). لا يأس مع فضل الله ، ولا يأس من روح الله (٧) ، قد ينصر (٨) الله

__________________

(١) في الأصل : (قال) ، وهو خطأ في النسخ لا يستقيم معه الوزن. والأرجح أن تكون قانئ والقانئ : الأحمر. من قولهم قنا الرجل لحيته بالخضاب تقنئة ، وقد قنأت هي من الخضاب ، تقنأ قنوء اشتدت حمرتها. انظر الصحاح (قنأ).

(٢) في الأصل : (في ناضر صاغها). روايته في أحسن ما سمعت.

من قانئ في ناضر في فاقع

في ناصع صبّاغها الجبار

والفاقع الخالص الصفرة أو الحمرة ، وقيل خلوص الصفرة. والفقع شدة البياض أو الصفرة أو الحمرة وفي نثر النظم :

من أخضر في أحمر في أصفر

في أبيض صبّاغها الجبار

(٣) البقرة : ١٣٨.

(٤) النص من منتخبات من رسائل الثعالبي (المبهج) : ٥١.

(٥) في الأصل : (لا تغيره).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) البقرة : ٢٥٥.

(٧) بعده في المبهج : من رداه الله برداء الإيمان ، فقد أهله لليمن والأمن والأمان.

(٨) في الأصل : (قد يضر).


بالحرب (١) الأضعف على العدد المضعف (مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) (٢).

لا يقرع باب السماء بمثل الدعاء (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (٣).

__________________

(١) في الأصل : (الحر) وأثبتنا نص المبهج.

(٢) البقرة : ٢٤٩.

(٣) الفرقان : ٧٧.



الباب الثاني

في

ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجزاء

من بعض محاسنه وخصائصه التي أفرده الله عزوجل

بها ، وفضّله على جميع خلقه بما وهب له

من الكلام المقتبس من القرآن



الباب الثاني

في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجزاء (من) (١) بعض محاسنه وخصائصه التي أرفده بها ، وفضّله على جميع خلقه (بما وهب له منها) (٢) وشيء من كلامه المقتبس من القرآن.

فصل

في ذكر كرامته على الله عزّ ذكره

واختصاصه به وارتفاع مقداره عنده وعلو منزلته لديه

عن ابن عباس :

والله ثم والله ، ما خلق الله ، ولا برأ ، ولا ذرأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما سمعناه أقسم بحياة أحد غيره حيث قال : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٣) يعني وحياتك يا محمد (٤).

وقال بعض السلف :

إنما جعل الله النبي عليه‌السلام (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ (٥) لأن النفس أمّارة بالسوء. والنبي (٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأمر إلا بما فيه صلاح الدارين.

وقال عمر بن عبد العزيز :

__________________

(١) في الأصل : (واجرا بعض).

(٢) في الأصل : (وهب منها) والتصويب من فهرس المخطوطة التي وجدت في أول الكتاب.

(٣) الحجر : ٧٢.

(٤) أورد الطبري هذا التفسير عن ابن عباس ولكنه لم يورد عبارة (والله ثم والله ..) انظر : جامع البيان ١٤ / ٤٤.

(٥) الأحزاب : ٦.

(٦) في الأصل : (والببتى).


من كرامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ربه أنه أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب. فقال تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١).

المفسرون في قوله تعالى (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٢) قالوا : ستذكر حين أذكر. وكفى به شرفا (٣) وفخرا (٤).

محمد بن علي بن الحسين (٥) رضي الله عنهم :

إن الله تعالى أدّب نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأحسن الأدب فقال : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٦). فلما علم انه قبل الأدب قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٧) ، فلما استحكم له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أحبه قال لأمته : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٨).

وقال يوما لجلسائه (٩) : إنكم تقولون إن أرجى آية من كتاب الله عزوجل (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ

__________________

(١) التوبة : ٤٣.

(٢) الانشراح : ٤.

(٣) في الأصل : (تشرفا).

(٤) جاء في تفسير الطبري ٣ / ٢٣٥ : (لا أذكر إلا ذكرت معي ، وذلك قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله).

(٥) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يكنى أبا جعفر ، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. توفي سنة ١١٨ ه‍ انظر : الطبقات : ٢٥٥.

(٦) الأعراف : ١٩٩.

(٧) القلم : ٤.

(٨) الحشر : ٧.

(٩) في الأصل : (لجلسا به).


الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (١) ، ونحن أهل البيت نقول (٢) أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله :

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٣) ، وذلك أنه لما نزلت هذه الآية قال عليه‌السلام لجبريل : يعطيني ربي حتى أرضى؟ قال : نعم. فإني أسأله أن (٤) يعطيني حتى أرضى ، وهو أن لا يعذب أمتي بالنار.

فصل

في الصلاة عليه

أول من قال إن الله تعالى ، أمركم بأمر بدأ فيه (٥) بنفسه ، وثنى بملائكته ، فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦) (الهادي) (٧) بن المهدي بن المنصور ، ثم تلفاه الخلفاء ، والخطباء بعده إلى يومنا هذا. وقال بعض الشعراء :

صلّى الإله على ابن آمنة التي

جاءت (٨) به سبط البنان كريما

قل للذين رجوا شفاعة أحمد

صلوا عليه وسلموا تسليما

__________________

(١) الزمر : ٥٣.

(٢) في الأصل : (يقول).

(٣) الضحى : ٥.

(٤) في الأصل : (عن).

(٥) في الأصل : (برأ).

(٦) الأحزاب : ٦٥.

(٧) في الأصل : (المهدي) وليس في ولد الخليفة المهدي من اسمه المهدي والصواب الهادي. انظر : جمهرة أنساب العرب : ٢٢.

(٨) في الأصل : (جارته).


وكتب بعض البلغاء :

صلى الله على محمد ذي المحتد الكريم ، والشرف العميم والحسب (١) الصميم ، والخلق العظيم ، والدين القويم ، والقلب السليم الذي (٢) دعا إلى الله بإذنه على حين فترة من الرسل (٣) ، واختلاف من الملل ، وتشعب من السبل قوما يعبدون ما ينحتون (٤) ، والله خلقهم وما يعبدون (٥) ، فصدّع (٦) بأمر ربه ، وبلّغ ما تحمّل من رسالاته حتى أتاه اليقين ، (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) (٧).

ولابن عباد من رسالة :

صلّى الله (٨) على المبارك مولده ، السعيد مورده ، القاطعة حجته ، السامية درجته الذي نسخت بملته (٩) ، الملل ، وبنحلته النحل ، وصار العاقب والخاتم والقاطع ، والجازم ، قد أفرد بالزعامة وحده ، وختم ألا نبيّ (١٠) بعده. لم يكتب كاتب إلا ابتدأ مصليا عليه ، ولا يختم إلّا بردّ السلام والتحية إليه ، ذاك البشير النذير ، السراج المنير (١١) ، محمد سيد الأولين والآخرين.

__________________

(١) في الأصل : (والحسيب).

(٢) في الأصل : (الدى).

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) المائدة : ١٩.

(٤) في الأصل : (ما تنحتون).

(٥) في الأصل : (وما يعبد).

(٦) في الأصل : (وصرع). وصدع بأمر ربه أي أظهر دينه والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الحجر : ٩٤

(٧) من قوله تعالى : (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) التوبة : ٤٨.

(٨) في الأصل : (علىّ).

(٩) في الأصل : (التي نسخت بمثلته وبنحلته البخل) وهو تحريف في النسخ.

(١٠) في الأصل : (بني).

(١١) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) الأحزاب : ٤٥ ، ٤٦.


ومن كتابي المعروف بالمبهج (١).

صلّى الله على محمد الذي (٢) ما هو إلا شفاء السقيم (٣) ، والهادي إلى الصراط المستقيم ، والدليل إلى النعيم المقيم ، والمجير (٤) من عذاب اليوم العقيم.

فصل

في ذكر أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وابن مسعود ، وعائشة ، وغيرهم (رضي الله عنهم) دخل حديث بعضهم في بعض قالوا جميعا :

كان رسول الله يعود المرضى ، ويشيع الجنائز ، ويجيب الداعي (٥) ولو إلى كف (٦) حشف (٧). ويقول (٨) : (لو دعيت إلى ذراع (٩) لأجبت ، ولو أهدى إليّ كراع لقبلت).

وكان يصافح الغنى ، والفقير ، ويبدأ بالسلام ، ويجلس مع المساكين ، والضعفاء ، ويلبس العباء ، ويمشى في الأسواق ويركب الحمار (١٠) ، ويأكل على الأرض ، ويقول إنما أنا

__________________

(١) النص في فصل بعنوان : (في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم) المبهج ٥٢.

(٢) في المبهج : (خيرة الله وخاصته ، وأثرته وخالصته أخلص الخالصين وأخص الأخصين ورحمة للدانين والقاصين ، وشفيع للمذنبين والعاصين).

(٣) في الأصل : (المستقيم).

(٤) في الأصل : (المحير) وفي المبهج : (والمجبر من عذاب يوم عقيم).

(٥) في الأصل : (المرسي ... الراعي).

(٦) في الأصل : (والوالي).

(٧) الحشف : أردأ التمر. وفي المثل : أحشفا وسوء كيلة. لسان العرب (حشف).

(٨) في صحيح البخاري ٣ / ٢٠١ : (لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدى إليّ ذراع لقبلت) وفي الحاشية كراع بدلا من ذراع.

وفي رواية أخرى : (لو دعيت إلى ذراع لأجبت ، ولو أهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت) وانظر الكافي ج ٦ / ٢٧٤ وفيه : (لو أن مؤمنا دعاني إلى طعام ذراع شاة لأجبت ، وانظر أقوال الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وصفاته هذه في البيان والتبيين ٢ / ٣٠.

(٩) في الأصل : (دماغ).

(١٠) في الأصل : (وبركت).


عبد آكل كما يأكل العبد (١). وكان يمزح ولا يقول إلا حقا. مازح (٢) عجوزا فقال : (إن الجنة لا يدخلها العجز). فبكت وجزعت ، فقرأ عليه‌السلام (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً) (٣).

وكان يعقل البعير ، ويعلف الناضج (٤) ، ويخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويصلح الدلو.

وكان يقول : (لا تفضلوني (٥) على من سبح الله في الظلمات الثلاث) يعني يونس عليه‌السلام (٦). ولا شك في أنه أفضل منه ، ومن جميع الأنبياء عليهم‌السلام ، ولكنه كان يعطي التواضع حقه.

وأتى يوما برجل فأخذته الرّعدة فقال له : (هوّن (٧) عليك فإنما أنا بشر مثلكم (٨) ، ولست بملك ، ولا جبار ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد) (٩).

وكان عليه‌السلام هيّن المؤونة لين الجانب. كما قال الله تعالى (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (١٠).

__________________

(١) في الأصل : (العبد).

(٢) في الأصل : (مازج).

(٣) الواقعة ٣٥ ـ ٣٧ وورد في تفسير هذه الآية : (هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز ، رمصا شمصا ، خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى) انظر تفسير الطبري ٢٧ / ١٨٧.

(٤) في الأصل : (بعقل ... ويرفع) والناضج البعير يستقى عليه. والأنثى ناضجة.

(٥) في الأصل : (لا يفضلوني).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) الأنبياء : ٨٧ ـ ٨٨.

(٧) انظر في هذا المعنى سورة فصلت : ٦ وآيات أخرى.

(٨) في الأصل : (هين).

(٩) القديد : اللحم المقدد أي المجفف. لسان العرب (قدد).

(١٠) آل عمران : ١٥٩. والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة وروايته فيه : هوّن عليك ، فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.


وكان كريم الطبيعة ، جميل العشرة ، طلق الوجه ، هشّا بشّا ، بساما في غير ضحك ، متواضعا من غير ذل ، جوادا من غير سرف ، رقيق القلب كما قال الله تعالى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).

وكان لم يتجشأ قط من شبع (٢) ، ولا مدّ يده إلى طمع ، وما كان أكل قط وحده ، ولا منع رفده (٣) ، ولا ضرب عبده ، ولا ضرب أحدا إلا في سبيل ربه.

وكان يتوسد (٤) يده ويغضّ من نفسه ، فذلك قول الله تعالى فيه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٥) ، ولا عظيم أعظم ممن عظّمه الله ، ولو لم يكن من كرم خلقه ، وشرف نفسه ، وحسن عفوه ، وسماحة طبعه ، ورجاحة (٦) علمه إلّا ما كان منه يوم فتح مكة ؛ لكان (٧) ذلك من أكمل الكمال. وقد كانوا قتلوا أعمامه وأولياءه (٨) ، وقلاه أنصاره بعد أن حصروه (٩) في الشّعاب ، وعذّبوا أصحابه بأنواع العذاب ، وجرحوه في بدنه ، وآذوه في نفسه وسفّهوا رأيه ، (١٠) وأجمعوا على كيده. فلما دخل مكة عنوة بغير جهد (١١) ، وظهر عليهم على صغر منهم (١٢). قام خطيبا فحمد الله ، وأثنى عليه. قال : ألا إني أقول لكم ما قال أخي يوسف لأخوته (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (١٣).

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) في الأصل : (يبحش).

(٣) في الأصل : (رقده).

(٤) في الأصل : (يتوسل). وورد في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٦ / ٢٠٦ كان يتوسد يمينه عند المنام.

(٥) القلم : ٤.

(٦) في الأصل : (وسجاحة ... وتخانة).

(٧) في الأصل : (مله لقد كان).

(٨) في الأصل : (أولياه).

(٩) في الأصل : (حضروه).

(١٠) في الأصل : (عليه).

(١١) في الأصل : (جهرهم).

(١٢) يفي الأصل : (صفر).

(١٣) يوسف : ٩٢ والخطبة في البيان والتبيين ٢ / ٣٠ ويقال إنه حين وقف خطيبا فيهم قال : (يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا. أخ كريم وابن أخ كريم. قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء) السيرة ٢ / ٤١٢ ، الطبري ٣ / ١٢٠.


فصل

في نبذ من محاسنه وخصائصه عليه‌السلام

لا وصف أبلغ ، ولا مدح أمدح مما ذكر الله تعالى به نبيه محمدا عليه‌السلام في آي كثيرة من كتابه فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (١). وقال : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ) (٢) (الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٣) وما من نبي إلّا قد كان مرسلا إلى قوم معلومين ، وأمة مخصوصة سواه عليه‌السلام فإنه كان مبعوثا إلى الأحمر والأسود كما قال الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٤). وقال : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (٥). وقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (٦). وقال : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٧) وقال : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (٨) وقد قرن طاعته بطاعته ، وجعل العمل بقوله كالعمل بكتابه فقال :

__________________

(١) الأحزاب : ٥ ، ٤٦.

(٢) في الأصل : (عنهم).

(٣) الأعراف : ١٥٧.

(٤) الأعراف : ١٥٨.

(٥) المدثر : ٣٦.

(٦) سبأ : ٢٨.

(٧) الفرقان : ١.

(٨) النساء : ٧٩.


(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١).

وذكر قضاءه ، وناهيك به منزلة ودرجة فقال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٢).

ومن خصائصه عليه‌السلام : أن معجزات الأنبياء قبله كانت ملحوظة (٣) تدركها الأبصار ، فهي زائلة بزوال أصحابها ، ذاهبة مع ذهابها (٤) ، ومعجزته صلى‌الله‌عليه‌وسلم معقولة تدركها البصائر أبدا ما دامت السموات والأرض ، ألا ترى أن القوم طالبوه بمعجزة تعاينها العيون فقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) (٥). فقال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٦). ثم قال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى) (٧) (عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٨) فكم تحت قوله (وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) من الإشارة إلى المعجزة والنص (٩) عليها ، والإذكار بها.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الأحزاب : ٣٦.

(٣) في الأصل : (ملحوطة).

(٤) كذا في الأصل والأرجح ذهابهم.

(٥) الرعد : ٢٧.

(٦) العنكبوت : ٥٠.

(٧) في الأصل : (تبلى. ودكرى).

(٨) العنكبوت : ٥١.

(٩) في الأصل : (والنصر).


فصل

في مثل ذلك

لما نادى رجل من وفد تميم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسمه من وراء الحجرات أنكر الله عليهم سوء الأدب في مناداته ، وعدولهم عن تكنيته (١). إلى تسميته فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٢) ونبّه الناس على الأدب في إجلاله (٣) وإعظامه. قال تعالى (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) (٤). وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) (٥) وأثنى على (٦) من يغض صوته عنده فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ [اللهِ] أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٧).

__________________

(١) في الأصل : (تبنيته).

(٢) الحجرات : ٤.

(٣) في تفسير الطبري ٢٦ / ١٢٦ : أن الآية نزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وراء حجراته. يا محمد إخراج إلينا. وعن زيد بن أرقم أنه قال : جاء أناس من العرب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال بعضهم لبعض ، انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد به ، وإن يكن ملكا نعش في جناحه. قال : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته بذلك .. قال ثم قدموا إلى حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلوا ينادونه ، يا محمد فأنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّ الَّذِينَ ...). وقيل إنها نزلت في الأقرع بن حابس حين أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فناداه. فقال : يا محمد ، إن مدحي زين ، وإن شتمى شين. فخرج إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ، ويلك .. فأنزل الله الآية.

(٤) النور : ٦٣.

(٥) الحجرات : ٢.

(٦) في الأصل : (عليه).

(٧) الحجرات : ٣.


فصل

في بعض النكت

سمعت أبا جعفر محمد بن موسى الموسوي (١) يقول : إن رسم النثارات للملوك وغيرهم (٢) من الكبراء والرؤساء (٣) مأخوذ من أدب الله تعالى في شأن رسوله عليه‌السلام حيث قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (٤). فكأن اليوم من يبتغي إلى الملك والرئيس مسألة (٥) فيقدم عليه ، ويقدم (٦) نثارا بين يديه ، إنما يتصدق بذلك عنه ، شكرا لله على ما يسّر من لقائه سالما في نفسه وماله (٧) ، ويسأله أن يرى فيه برأيه من التصدق به ، أو غير ذلك ، فلو تولى إعطاءه الفقراء لكان الشك قد نفع في ذلك (الذي) (٨) يترجح بين التصديق والتكذيب.

فصل

في مثل ذلك

الحبيب أخصّ (٩) من الخليل (١٠) في الشائع المستفيض من العادات. وقد اتخذ الله إبراهيم خليلا (١١). وقال لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (١٢). يعني أحبك.

__________________

(١) أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي أديب حدث عنه الثعالبي في أكثر كتبه. انظر ثمار القلوب : ٤٦٢ ، يتيمة الدهر ٤ / ١١٥.

(٢) في الأصل : (في عيدهم). وهو تحريف في النسخ.

(٣) في الأصل : (الكبرا والدوسا).

(٤) المجادلة : ١٢.

(٥) في الأصل : (فسأله).

(٦) في الأصل : (وتقدم).

(٧) في الأصل : (وحباله) وهو تحريف.

(٨) زيادة ليست في الأصل.

(٩) في الأصل : (لخص).

(١٠) الخليل لغة الصديق.

(١١) من الآية ١٢٥ في سورة النساء : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً).

(١٢) الضحى : ٣.


وفي مقتضى هذه اللفظة أنه اتخذه حبيبا كما اتخذ إبراهيم خليلا. ومما يؤيد هذا ويؤكده (أن) (١) الله تعالى (لا) يحب (٢) أحدا ما لم يؤمن به ، ويتبعه ، فذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٣).

فصل

في اضطرار أعدائه إلى الإقرار بفضله عليه‌السلام

ذكر صاحب كتاب مجد الفرس في كتابه :

إن جماعة من الزنادقة اجتمعوا في منزل رجل من المسلمين ، فتناول أحدهم مصحفا من مصلاه ، فجعل ينظر فيه ، ويبكى. فقيل له في [م] (٤) ذلك. فقال : لهفى على حكيم مثله أفناه (٥) الدهر ؛ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما انتهى إلى هذه الآية : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٦) ، بكى حتى بلّ ثوبه. وقال : سبحان الله ما أقلّ (٧) شكر العرب. فعل أبو القاسم ما ينصف وكافأوه بكسر رباعيته (٨) ، وإدماء حر الوجه ، وحللوا حرامه وحرموا حلاله ، وطردوه وهمّوا به (٩) ، وقالوا شاعر ،

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

(٣) آل عمران : ٣١.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) في الأصل : (أفتاه).

(٦) الأنفال : ٢٦.

(٧) في الأصل : (كما اقل).

(٨) في الأصل : الرباعية وصوابه : رباعيته كثمانية ، وهي السن التي بين الثنية والناب. انظر لسان العرب (ربع).

(٩) في الأصل : (وهموا).


وساحر ومجنون (١) وكاهن (٢) ، يعلمه بشر (٣). ثم قتلوا أولاده. وسبوا ذريته.

فصل

في ذكر الحكمة من كونه عليه‌السلام بشرا

قال الجاحظ :

الشكل أفهم عن شكله (٤) ، وأسكن إليه ، وأحبّ إليه (٥) ، وذلك موجود في البهائم ، وضروب السباع ، وأنواع الطير ، والصبيّ عن الصبيّ أفهم ، وإليه أسرع وبه آنس ، وكذلك العالم والعالم والجاهل والجاهل. قال الله تعالى لنبيه : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (٦) والإنسان عن الإنسان أفهم وطباعه إلى طباعه أقرب ، وعلى قدر ذلك يكون موقع ما يسمع منه.

فصل في ذكر الحكمة من كونه أميا (٧)

لا يكتب ولا يحسب ولا يقول الشعر

قال الله تعالى لنبيه عليه‌السلام : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٨).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) الأنبياء : ٥ ، وقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) الصافات : ٣٦.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) الحاقة : ٤١ ، ٤٢.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) النحل : ١٠٣.

(٤) في الأصل : (شكلة).

(٥) في الأصل : (وأصب).

(٦) الأنعام : ٩.

(٧) في الأصل : (وكونه امثالا).

(٨) العنكبوت : ٤٨. وفي الأصل : (نتلو من قبله).


قال بعض المتكلمين (١) : إن الله عز ذكره جعل نبيه أميا لا يكتب ، ولا يحسب ، ولا ينسب ، ولا يقرض الشعر ، ولا يتكلف الخطابة ، ولا يعتمد (٢) البلاغة ، لينفرد الله تعالى بتعليمه الفقه ، وأحكام الشريعة ويقصره على [معرفة] (٣) مصالح الدين دون ما تتباهى (٤) به العرب من قيافة (٥) الأثر والبشر والعلم بالأنواء ، وبالخيل ، وبالأنساب (٦) ، وبالأخبار وتكلف قول الأشعار ؛ ليكون إذا جاء بالقرآن العظيم (٧) ، وتكلم بالكلام العجيب (٨) ، كان ذلك أدل على أنه من الله.

وزعم أن الله لم يمنعه معرفة آدابهم ، وأخبارهم ، وأشعارهم ليكون أنقص حظا (٩) من الكاتب الحاسب ، والخطيب الناسب ، ولكن ليجعله نبيا ، وليتولى [من] (١٠) تعليمه ما هو أزكى ، وأنمى. فإنما نقّصه ليزيده ، ومنعه ليعطيه ، وحجبه (١١) عن القليل ليجلّي (١٢) له الكثير.

قال الجاحظ : قد أخطأ هذا الشيخ ، ولم يرد إلّا الخير (١٣). وقال بمبلغ علمه ، ومنتهى رأيه ، ولو قال (١٤) : إن أداة (١٥) الكتابة والحساب وقرض الشعر ، ورواية جميع النسب قد كانت تامة ، وافرة ، مجتمعة كاملة ، ولكنه صرف تلك القوى ، وتلك (١٦) الاستطاعة إلى ما هو

__________________

(١) النص من البيان والتبيين ٤ / ٣٢ وفيه : وكان شيخ من البصريين يقول إنّ الله إنما جعل نبيه ...

(٢) في الأصل : (ولا يعقد).

(٣) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وهي من البيان والتبيين وكررت في المخطوط مرتين.

(٤) في الأصل : (يتناهى).

(٥) في الأصل : (قيامه) وفي البيان والتبيين : (والبشر من العلم).

(٦) في الأصل : (الحيل والانتساب).

(٧) في البيان : الحكيم.

(٨) في الأصل : (بكلام عجيب) والتصويب من البيان.

(٩) في الأصل : (خطا).

(١٠) زيادة ليست في الأصل.

(١١) في الأصل : (صحبته).

(١٢) في الأصل : (التحيلى).

(١٣) في الأصل : (الحين).

(١٤) في البيان : ولو زعم.

(١٥) في الأصل : (ارادة).

(١٦) في الأصل : (فتلك).


أزكى بالنبوة ، وأشبه بمرتبته الرسالة ، (ولو) (١) كان (٢) احتاج إلى الخطابة لكان أخطب الخطباء ، وأنسب من كل ناسب ، وأقيف (٣) من كل قايف ، ولو كان في ظاهره (٤) أنه كاتب حاسب ، وشاعر ناسب ، ومقتف قائف (٥) ، ثم أعطاه برهانات الرسالة وعلامات النبوة ما كان ذلك بمانع من إيجاب تصديقه ، وإلزام (٦) طاعته والانقياد (٧) لأمره على سخطهم ورضاهم ، ومكروههم ، ومحبوبهم (٨) ، ولكنه أراد أن لا تكون للقلوب عرجة (٩) عن معرفة ما جاء به ولا يكون للناعب متعلق عما به إليه ، حتى لا يكون دون المعرفة بحقه حجاب وإن رق ؛ وليكون ذلك أخف في المؤونة ، وأسهل في المحنة ، فلذلك صرف نفسه عن الأمور التي كانوا يتكلفونها ، ويتنافسون فيها. فلما طال هجرانه لقرض الشعر ، وروايته (١٠) صار لسانه لا ينطق به ، والعادة توأم الطبيعة. فأما في غير ذلك فإنه كان أنطق من كل منطيق ، وأنسب من كل ناسب ، وأقيف (١١) من كل قايف وكانت الآلة أوفر ، والأداة (١٢) أكمل ، إلا أنها كانت مصروفة إلى ما هو أردّ. وبين أن يضيف إليه العجز ، وبين أن يضيف إليه العادة الحسنة ، وامتناع الشيء عليه من طول الهجران له ، فرق لكان قال قولا سديدا (١٣).

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في البيان : إذا احتاج البلاغة لكان أبلغ البلغاء وإذا احتاج إلى الخطابة.

(٣) في البيان : واقوف.

(٤) بعدها في البيان : والمعروف من شأنه أنه ...

(٥) في البيان : ومتفرس قائف.

(٦) في البيان : تصديقه ولزوم طاعته.

(٧) في الأصل : (والإيقياد).

(٨) من هنا إلى ... إليه مختلف عن نص البيان والتبيين.

(٩) في البيان والتبيين : (ولكنه أراد ألا يكون للشاغب متعلق عما دعا إليه حتى لا يكون دون المعرفة).

(١٠) في الأصل : (ورواتبه).

(١١) في الأصل : (واقبف).

(١٢) في الأصل (وأدواية) ... (أود) كذا في الأصل.

(١٣) في البيان والتبيين : (الهجران له فرق) وما بعدها غير موجود فيه.


فصل

(في فبض ما جاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

من الكلام المقتبس (١) معناه من القرآن

قال عليه‌السلام : «علامة المنافق ثلاث : إذا اؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف ، وإذا حدث (٢) كذب».

ومعناه مقتبس من قوله الله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا) (٣) (بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما) (٤) (أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٥).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صبر على أذى جاره ، أورثه الله داره». ومعناه مقتبس من قول الله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) (٦).

__________________

(١) في الأصل : (المقتبسة).

(٢) في الأصل : (أتمنى .. حدت). في مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٠٠ قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث إذا كن في الرجل فهو المنافق الخالص ، إن حدث كذب وإن وعد أخلف ، وإن ائتمن خان. ومن كانت فيه خصلة منهن لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.

(٣) في الأصل : (نخلوا).

(٤) في الأصل : (نما).

(٥) في الأصل : (ومنهم من عاد الله) وهو خطأ والآية من التوبة : ٧٥ ـ ٧٧.

(٦) إبراهيم : ١٣ ، ١٤ ، والحديث غير موجود في كتب الصحاح.


وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر (١). كأن معناه من قول الله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

" من كثّر سواد قوم ، فهو منهم" : فكأنه من قول الله تعالى ذكره : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣).

فصل في بعض ما جاء عنه عليه‌السلام من الكلام (٤)

المقتبس (٥) من ألفاظ القرآن

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«ومن باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنها في مثلها كان (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) (٦).

__________________

(١) الحديث في سنن ابن ماجة ج ٢ / ٤٤٧ عن أبي هريرة عن النبي يقول الله عزوجل .. وفي مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٣٤ وأنه قرأ الآية بعد قوله هذا (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(٢) السجدة : ١٧.

(٣) في الأصل : (يتوله) وهو خطأ في النسخ والآية من المائدة : ٥١.

(٤) في الأصل : (كلام).

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) إبراهيم : ١٨. والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٤٢٧ وفيه : من باع دارا ، ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها.


وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«هل ينظرون إلا هدما مبيدا (١) ، أو مرضا مفسدا ، أو الدجال فشر مستطر ، والساعة أدهى وأمر (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«بعثني الله إلى الناس كافة بإقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة بحقها ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا». (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إذا أقيمت الصلاة ، وحضر العشاء ، فابدأوا بسر النفس اللوامة».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«اطلبوا الرزق من الله على أيدي الرحماء من أمتي ولا تطلبوه من القاسية (قلوبهم) (٤) ، فإن اللعنة تنزل بهم».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إن الدنيا حلوة خضرة نضرة ، وإن الله مستعملكم فيها ، فينظر (٥) كيف تفعلون (٦)».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) في الأصل : «مقيدا» والمبيد من باد الشيء يبيد بيدا وبيودا : هلك.

(٢) من قوله تعالى : (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) القمر : ٤٦.

(٣) فصلت : ٤٦.

(٤) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل ، وهو اقتباس من القرآن من سورة الزمر : ٢٢.

(٥) في الأصل : «نصره».

(٦) في الأصل : «مستعملكم» والحديث في سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٢٥ برواية أخرى عن سورة بن نصرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام خطيبا فكان فيما قال «إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ، ألا فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء». وفي سنن الترمذي ٩ / ٤١ ، نثر الدر ١ / ٥٢ «مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون».


«ألا إن التوبة مقبولة ، إلا أن يتعرض (١) الإنسان بنفسه» ثم تلا (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه حتى يعرب عنه لسانه ، فإما شاكرا ، وإما كفورا» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«احفظ الله يحفظك ، وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك بالشدة. وإذا سألت فاسأل الله. فإن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه (٤) ، وإذا استعنت فاستعن بالله. فإن اليقين مع الصبر (٥) ، وإن مع العسر يسرا (٦)».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إنما مثلي ومثل الناس كرجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل (٧) الفراش يتهافت فيها ، وجعل ينتزعهن عنها ، ويحول بينها وبينها ، فها أنا أبعدهم (٨) عن النار وهم يقتحمون فيها» (٩).

__________________

(١) يتعرض من التعريض وهو خلاف التصريح ، ويقال عرض الكاتب إذا كتب مثبجا ولم يبين ويجوز أن يكون معناها يتعرض الإنسان أي يتظاهر بالتوبة ويبدي غير ما يظهر. الصحاح (عرض).

(٢) النساء : ١٧.

(٣) الحديث في موطأ مالك ١ / ٢٤١ برواية أخرى هي : (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تناتج الإبل في بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء قالوا : يا رسول الله ، أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين».

(٤) من قوله تعالى في البقرة : ١٨٦.

(٥) الحديث في مسند الإمام أحمد ١ / ٣٠٧ «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك ، وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله».

(٦) من سورة الانشراح : ٦.

(٧) في الأصل : «أضاءت .. حول ...»

(٨) في الأصل : أخذهم.

(٩) الحديث في مسند الإمام أحمد ٣ / ٣٩٢ برواية أخرى وهي : مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها ، وهو يذهبن عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي.


ويروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا رأى (١) عليا رضي الله عنه بعد غزوة مؤتة يقول : «اللهم إنك أثكلتني بعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب (٢) يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر يوم مؤتة وهذا علي ف (لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) (٣).

ومن دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«اللهم اجمع على الهدى أمرنا ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سواء السبيل (٤) ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، واصرف عنا (الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) (٥) ، (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٦).

__________________

(١) في الأصل : (أعرى).

(٢) في الأصل : «يزيد بن الحارث بن عبد المطلب» والصواب ما هو مثبت أعلاه وهو عبيدة بن الحارث بن المطلب من أبطال قريش في الجاهلية والإسلام أسلم قبل أن يدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم دار الأرقم وعقد له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثاني لواء عقده بعد أن قدم المدينة وقتل في معركة بدر سنة ٢ ه‍. انظر سيرة ابن هشام ٢ / ٦٢٥.

(٣) الأنبياء : ٨٩.

(٤) في الأصل : «واهدانا سوا».

(٥) من قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) الأعراف : ٣٣.

(٦) من قوله تعالى : (وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) البقرة : ١٢٨.


الباب الثالث

في

ذكر العترة الزكية ، والشجرة النبوية ، وإيراد نبذ

من فضائلهم وآثارهم وقطعة من فقر أخبارهم ،

وغرر ألفاظهم



الباب الثالث

في ذكر العترة الزكية رضي الله عنهم ونبذ من فضائلهم ، وقطعة من فقر أخبارهم وغرر ألفاظهم.

فصل

في ذكر طرفهم وشرفهم ومجدهم

قال الله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (١) وقال تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢). وقال عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أهل بيتي كسفينة نوح عليه‌السلام من ركب فيها نجا ، ومن تأخر عنها هلك (٤)».

ابن عباس في قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٥) ، قال : علي وأولاده لهم مودة في قلوب المؤمنين.

يروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينما هو يخطب إذ أقبل (٦) الحسن والحسين رضي الله عنهما يعثران (٧) في أثوابهما. فنزل عن المنبر ، واحتضنهما (٨) ثم قال : «صدق الله (أَنَّما أَمْوالُكُمْ

__________________

(١) الزخرف : ٤٤.

(٢) الشعراء : ٢١٤.

(٣) الشورى : ٢٣. وانظر : تفسيرها في تفسير الطبري ٢٥ / ٢٢ ، ٢٣.

(٤) ذكر أيضا في ثمار القلوب : ٢٩ ، ووضعه الألباني ضمن سلسلة الأحاديث الضعيفة ١٠ / ٤.

(٥) مريم : ٩٦.

(٦) في الأصل : (إذا قيل).

(٧) في الأصل : (بعثران).

(٨) في الأصل : (واختصهما).


وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (١) ، والله ما صبرت إذ رأيتهما حتى نزلت إليهما».

لما توفى الحسن (٢) رضي الله عنه قام محمد بن الحنفية (٣) على قبره وقد اغرورقت عيناه فقال : روح وريحان وجنة نعيم لك يا (أبا) (٤) محمد. ولا غرو ، وأنت سليل (٥) النبوة ، وربيب الرسالة ، ورضيع لبان الحكمة ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة.

ولما قتل (٦) الحسين صلوات الله عليه أتى قوم الربيع بن خثيم (٧) فقالوا (٨) : والله لنستخرجن منه كلاما. فقالوا له : قد قتل الحسين ، فما أجابهم إلا بدموعه وقال : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٩).

وكان عثمان بن حيان المري (١٠) على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك فأساء بعبد الله والحسن ابني الحسين إساءة عظيمة ، فلما عزل أتياه فقالا له : ألا تنظر ما كان بيننا ، فإن العزل قد محاه كله ، فكلّفنا (١١) أمرك ، وابتسط إلينا في حوائجك ، فلجأ إليهما عثمان ، فبلغا له

__________________

(١) التغابن : ١٥.

(٢) في الأصل : (الحسين) والصواب : الحسن وهو ابن علي عليهما‌السلام والرواية في تذكرة الخواص : ٢٢٤ وفيها رحمك الله يا أبا محمد لئن عزت حياتك لقد هدّت وفاتك ، ولنعم الروح روح عمّر به بدنك ، ولنعم البدن تضمّنه كفنك وكيف لا ، وأنت سليل الهدى ...».

(٣) في الأصل : «الحنيفية». وفي عيون الأخبار ٢ / ٢١٤ : أن الحسين بن علي قال عند قبر أخيه الحسن عليهما‌السلام : رحمك الله يا أبا محمد إن كنت لتناصر الحق مضانه ، وتؤثر الله عند تداحض الباطل ، ولا غرو وأنت ابن سلالة النبوة ، ورضيع الحكمة ، فإلى روح وريحان وجنة نعيم. أعظم الله لنا ولك الأجر.

(٤) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل ، إذ أن الحسن بن علي يكنى أبا محمد ، انظر تذكرة الخواص : ٢٢٥.

(٥) في الأصل : (سليك).

(٦) في الأصل : (ولها قبل).

(٧) مرت ترجمته.

(٨) الخبر في طبقات ابن سعد ٦ / ١٣٢ وحلية الأولياء ٢ / ١١١ وفيهما أنه قال : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

(٩) البقرة : ١١٣.

(١٠) في الأصل : جبان والصواب : حيان كان واليا على المدينة سنة ٩٤ ه‍ وعزله سليمان سنة ٩٦ ه‍ انظر تاريخ الطبري ٨ / ٩٢ ـ ١٠٢.

(١١) في الأصل : «وكلفنا ... وابتسط إلينا في».


كل ما أراد ، فجعل عثمان يقول : (الله يعلم حيث يجعل رسالته) (١).

وكتب بعض البلغاء : ما أقول في قوم هم حجة الله على الورى ، وفيهم أنزل هل أتى (٢) و (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣).

فصل

في فقر من أخبارهم

انصرف علي بن الحسين رضي الله عنهما (٤) تعتاله العلة إلى الكوفة بعد المقتل (٥) وإذا نساء الكوفة متهتكات ، متسلبات للمصيبة ، والناس بين أنّة ورنّة (٦) فأومأت زينب ابنة علي رضي الله عنهما إلى الناس بالسكوت. فسكتت الأنفاس ، وهدأت الأجراس. ثم قالت (٧) :

__________________

(١) من قوله تعالى في الأنعام : ١٢٤ (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً). وذكر الواحدي في أسباب النزول ص ٢٥١ أن سبب نزول هذه الآية أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سقى ليلا وأخذ شعيرا أجرا على عمله هذا ، فلما قبضه وطحن ثلثه وجعلوا فيه شيئا ليأكلوا يقال له الخزيرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا له الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك فنزلت هذه الآية.

وهناك رواية أخرى لسبب نزول الآية في الكشاف ٤ / ١٧٤ تفسير البيضاوي ٧٧٥ وفيهما : أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أناس معه فقالوا له : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما رضي الله عنهم صوم ثلاثة أيام إن برئا فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي كرم الله وجهه من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص فوضعوه بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فآثروه وباتوا لم يذوقوا شيئا .. الخ فنزلت الآية.

(٣) الشورى : ٢٣.

(٤) في الأصل : «يعتال الله» والصواب ما أثبتناه ومعناه خرج عليلا.

(٥) في الأصل : «المضل متسيلبات» ويقال سلبت المرأة إذا كانت محدة تلبس ثياب السواد.

(٦) في الأصل : (وربه).

(٧) في بلاغات النساء : ٢٥ أن الخطبة لأم كلثوم ابنة علي وليست للسيدة زينب وفي رواية الخطبة خلاف في بعض الألفاظ وزيادة ونقصان.


يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والختر (١) ، والمكر والغدر ، لا رأقت (٢) العبرة ، ولا هدأت الزفرة (٣) ، فإنما مثلكم (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً) (٤) (بَيْنَكُمْ) هل فيكم إلا ملق الإماء (٥) ، وغمز الأعداء ، كمرعى على دمنة (٦) وفضة ملحودة (٧) ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون (٨). فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا (٩) فقد بؤتم بعارها (١٠) ، وشنارها (١١).

قتل سليل الرسالة (١٢) ، وسيد شبيبة (١٣) أهل الجنة بين أظهركم ، تعسا ونكسا. فقد خاب السعى (١٤) وتبت الأيدي ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة (١٥).

__________________

(١) في الأصل : «في الخبر». والختر الغدر والخديعة ، وهو أقبح الغدر.

(٢) في الأصل : (لا ردأت). ورقأ الدمع إذا جف وسكن.

(٣) في بلاغات النساء : (ولا هدأت الرنة).

(٤) الدخل ما يدخل في الشيء وليس منه ، والقول من الآية ٩٣ من النحل.

(٥) في الأصل : (الإيماء). وأثبتنا نص بلاغات النساء وفيه أيضا ، ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف وملق الإماء.

(٦) في الأصل : (ذمنة). والدمنة ، آثار الديار بعد الرحيل عنها من بعر ورماد وغيرهما. وفي بلاغات النساء وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة.

(٧) في الأصل : (قصة كجلوده). وهو تحريف في النسخ. والملحودة المدفونة في لحدها تريد أنهم لا ينتفع بهم.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) المائدة : ٨٠. بعدها في بلاغات النساء ، أتبكون؟ أي والله فابكوا ، وإنكم والله أحرياء بالبكاء. فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا.

(٩) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) التوبة : ٨٢.

(١٠) في الأصل : (فقد بنم بغارها).

(١١) الشنار : أقبح العيب.

(١٢) في بلاغات النساء : لن ترحضوها يغسل بعدها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة .. ولها تتمة غير موجودة في رواية الثعالبي.

(١٣) في الأصل : (شبية).

(١٤) في الأصل : (حاب).

(١٥) إشارة إلى قوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) البقرة : ٦١.


أتدرون ويلكم أيّ كبد لرسول الله فريتم (١) ، وأي دم له سكبتم (٢) ، وأي كريمة أصبتم. ولقد جئتم (٣) شيئا إدا (٤) (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) (٥) (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (٦).

ولما كان يوم الطف خرجت زينب ابنة عقيل تندب قتلاها (٧) ، وتقول :

ما ذا تقولون إن قال النبيّ لكم

ما ذا صنعتم وأنتم آخر الأمم (٨)

في أهل بيتي وأولادي وتكرمتي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم (٩)

__________________

(١) فريتم : أي قطعتم وشققتم.

(٢) في الأصل : (سكنتم).

(٣) في الأصل : (جنم).

(٤) في الأصل : (إذا) والأدّ الأمر العظيم المنكر.

(٥) في الأصل : (ينفطر).

(٦) مريم : ٩٠.

(٧) في الطبري ٦ / ٢٢١ : أن نساء بني هاشم حملهم يزيد من الشام إلى المدينة ، فلما دخلوها خرجت امرأة من بني عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تلقاهم وهي تبكي وتقول الأبيات. وفي ج ٦ / ٢٦٨ أن ابنة عقيل بن أبي طالب خرجت حاسرة رأسها ، ومعها نساؤها وهي حاسرة تلوي بثوبها وتقول الأبيات.

(٨) في الأصل : (أجزاء).

(٩) في الأصل : ـ صرحوم بدم).

ورواية البيت في الطبري :

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم

وبعده :

ما كان هذا جزائي أن نصحت لكم

إن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

وفي أمالي ابن الشجري : ١٦٨ :

بأهل بيتي وأنصاري وذريتي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان ذاك جزائي أن نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم

وفي رواية أخرى نسب البيتان إلى أبي الأسود الدؤلي. والرواية المثبتة أرجح ؛ فالشعر غير وارد في ديوان أبي الأسود ولم تنسبه المصادر إلا لزينب بنت عقيل.


فقال أبو الأسود الدؤلي (١) نقول (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢).

ولما ارتحلت سكينة ابنة الحسين رضي الله عنهما بعد مقتل زوجها مصعب بن الزبير (٣) عن الكوفة ارتفعت أصوات أهلها بالبكاء فقالت سكينة :

لا أحسن الله عليكم الخلافة ، من أهل بلد قتلوا جدي ، وأبي وزوجي فأيتموني (٤) صغيرة وأرملوني كبيرة (٥) ثم أنشأت تقول شعرا (٦) :

يبكون من قتلت سيوفهم

ظلما بكا متقطع القلب (٧)

كبكاء إخوة يوسف وهم

حسدا له ألقوه في الجبّ (٨)

فصل

في بعض ما قيل من الأشعار

قال السيد الحميري (٩) :

إن العباد تفرّقوا من واحد

فلأحمد السبق الذي هو أفضل

__________________

(١) في الأصل : (السود).

(٢) الأعراف : ٢٣.

(٣) مصعب بن الزبير بن العوام ، يكنى أبا عبد الله. ثار في العراق زمن الخليفة عبد الملك بن مروان قتل سنة اثنتين وسبعين.

انظر الطبقات : ٢٤١.

(٤) في الأصل : (وإني وزوجي وايتموني).

(٥) في الأغاني ١٦ / ١٥٨ ط دار الكتب : أن قوما من أهل الكوفة جاءوا يسلمون على سكينة فقالت لهم : الله يعلم أني أبغضكم ، قتلتم جدي عليا وأبي الحسين ، وأخي عليا وزوجي مصعب فبأي وجه .. أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة.

(٦) في الأصل : (يقول).

(٧) البيتان في غرر السير ذكرهما الثعالبي على سبيل التمثيل. ورواية الشطر الثاني من البيت الأول : ظلما بكاء قوله الكلب.

(٨) روايته في غرر السير :

كبكاء إخوة يوسف وهم

ظلما له ألقوه في الجب

(٩) السيد الحميري هو إسماعيل بن محمد بن ربيعة بن مفرغ الحميري كان شاعرا ظريفا اشتهر بمديحه لأهل البيت. انظر طبقات الشعراء : ٣٢ فما بعدها.


أم من ينادي الناس حين يخصّه (٢)

بالوحي قم يا أيها المزمل (١)

وقال محمد بن منذر بن جارود :

وحسبي من الدنيا كفاف يقيمني

وأثواب كتان أزور بها قبري (٣)

وحبي ذوي قربى النبيّ محمد

فما سؤلنا إلا المودة من أجر (٤)

يعني قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٥).

وقال علي بن محمد الحمامي (٦) :

بأمركم يا آل أحمد أصبحت

قريش ولاة الأمر دون ذوي الذكر

إذا ما أناخت في ظلال بيوتها

أنختم ببيت الطّهر في محكم الذكر (٧)

يعني قوله تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٨).

أناس هم عدل القرآن ومألف

البيان وأصحاب المفاخر في بدر

ومازهم الجبار عنكم بخلة

يراها (ذوو) (٩) الأقدار يانعة القدر

وأعطاهم الخمس الذي فضلوا به

بآية (ذي) القربى على العسر واليسر

__________________

(١) في الأصل : (خصه) والبيتان غير موجودين في ديوانه.

(٢) إشارة إلى مطلع سورة المزمل : ١.

(٣) في الأصل : (قربى) وهو تحريف.

(٤) في الأصل : (فما سألنا إلا المودة من أجر).

(٥) الشورى : ٢٣.

(٦) ذكره الثعالبي في خاص الخاص : ١٢٧.

(٧) في الأصل : (أنختكم ببيت).

(٨) الأحزاب : ٣٣.

(٩) في الأصل : (ذوي).


يعني قوله جل ذكره : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (١). وقال (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ) (٢). فخص بني هاشم قرباه دون بني فهر يعني قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٣).

إذا قلتم منا الرسول فقولنا

أتوا يا رسول الله فخرا على (٤) فخر

قال أبو هاشم الجعفري (٥) :

لي نفس أحبت الله في الله

حسينا ولا تحب يزيدا (٦)

يا ابن أكّالة الكبود لقد

أصبحت من لابسي الكساء كيودا (٧)

__________________

(١) الأنفال : ٤١. وفي الأصل : (خمسة ولذي القربى).

(٢) الشعراء : ٢١٤.

(٣) نفسها.

(٤) في الأصل : (فخر).

(٥) هو محمد بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب شاعر مقل سكن الكوفة ، وله أشعار فيما جرى بين العباسين والطالبيين من نزاع حول الخلافة. انظر معجم الشعراء : ٣٨٢.

(٦) روايته في أمالي ابن الشجري : ١٨٦ :

لي نفس تحب في الله والله

حسينا ولا تحب يزيدا

وما بين القوسين زيادة في أمالي ابن الشجري.

(٧) روايته في أمالي ابن الشجري :

يا بن أكالة الكبود لقد أن

ضجت من لابس الكساء الكبودا


أي هول ركبت عذّبك الر

حمن في ناره عذابا شديدا (١)

لهف نفسي على يزيد وأشياع

يزيد ضلّوا ضلالا بعيدا (٢)

وقال بعضهم :

أيا قتيلا عليك

كان النبي المعزّى

قد أقرح الحزن قلبي

كأن في القلب وخزا (٣)

إذا ذكرت حسينا

ورأسه يوم حزّا

إلى اللعين يزيد

سارت به البرد جمزا (٤)

فظل ينكث منه

يديه ينهز (٥) نهزا

فسوف يصلى سعيرا (٦)

به يدور ويخزى

__________________

(١) روايته في الأصل : أي هول ركبت عذبك الله البره من. وهو خطأ أثبتناه مكانه رواية ابن الشجري. وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) آل عمران : ٥٦.

(٢) بعده في أمالي ابن الشجري : ١٨٦ :

يا أبا عبد الله يا بن رسول الل

ه يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي

معك في كربلاء قتيلا شهيدا

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) النساء : ١٦.

(٣) أقرح بمعنى جرح ، والوخز الطعن بالرمح وغيره.

(٤) البرد جمع بريد. ذكر الخوارزمي في مفتاح العلوم : ٤٢ أصل كلمة البريد وأنها سمى بها البغل والرسول الذي يركبه سمى بريدا أيضا. والجمز ضرب من السير أشد في العنق.

(٥) في الأصل : (فضل ينكث منه يديه نهرا). ونهزه مثل نكزه أي ضربه ودفعه.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً) الانشقاق : ١٠ ـ ١٢.


فصل

في كلام لعلي والحسن وولده رضي الله عنهم

قال رضي الله عنه :

الفقيه كل الفقيه من لا يقنط الناس من رحمة الله (١) ، ولا يرخص لهم في معاصي الله ، ولا يؤمنهم مكر الله (٢) ، ولا ييؤسهم من روح الله (٣).

وقيل للحسن بن علي عليهم‌السلام ، فيك عظمة.

قال : كلا ، ولكن عزة. قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٤).

وتوجه يوما (٥) إلى دار معاوية فسأل عنه ، وعمن عنده. فقيل : هو جالس وعنده عمرو بن العاص (٦) ، والمغيرة (٧) ، وفلان ، وفلان. فقال : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٨).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر : ٥٦. وقوله تعالى : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) الزمر : ٥٣.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الأعراف : ٩٩.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) يوسف : ٨٧.

(٤) في الأصل : (فلله) والآية من سورة المنافقون : ٨.

(٥) في الأصل : (يوم).

(٦) عمرو بن العاص بن وائل بن هشام أمه سلمى بنت النابغة من بني جيلان يكنى أبا عبد الله. مات بمصر يوم الفطر سنة اثنتين ويقال ثلاث وأربعين. الطبقات : ٢٦.

(٧) المغيرة بن شعبة بن عامر بن مسعود ، يكنى أبا عبد الله. ولي البصرة نحوا من ستين ، وشارك في الفتوح وولي الكوفة ، ومات بها سنة ٥٠ ه‍ انظر الطبقات : ٥٣.

(٨) النحل : ٢٦.


وقال عبد الله بن الحسن (١) لصديق له : أوصيك بتقوى الله ، فإنه جعل لمن اتقاه المخرج مما يكره ، والرزق من حيث لا يحتسب يعني قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٢).

لما قتل محمد بن عبد الله بن الحسن (٣) بعث المنصور برأسه إلى أبيه ، وهو في جيشه ، فلما وضع بين يديه قال :

مرحبا ، وأهلا يا أبا القاسم ، أما والله ، لقد كنت من الذين قال الله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (٤) (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٥). ومن الذين قال جلّ جلاله (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (٦). فرحمة الله عليك ، وعلى من معك (٧).

فصل

في كلام الحسين وولده رضي الله عنهم

جاء رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال :

أخبرني عن الناس ، وعن أشباه الناس ، وعن النسناس. فقال للحسين :

__________________

(١) عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام. وقد عده الجاحظ من خطباء بني هاشم وبلغائهم. انظر الطبقات : ٢٥٨ ، البيان والتبيين ٢ / ١٧٤ ، ٢٣٣.

(٢) الطلاق : ٢ ، ٣.

(٣) محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالنفس الزكية. أمه هند بنت أبي عبيدة ابن عبد الله قتل سنة خمس وأربعين ومائة. الطبقات : ٢٦٩.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) الإنسان : ٧.

(٦) الرعد : ٢٠.

(٧) في الأصل : (معاك).


أجب عمك يا بني.

فأقبل عليه وقال : أما الناس فنحن. قال تعالى : (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) (١).

وأمّا أشباه الناس فمن والانا وأحبنا. قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (٢). وأما النسناس فهذا السواد. قال الله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) (٣). فقام علي وقبّل رأسه.

جرى بين الحسين وابن عباس كلام في ذكر يزيد وبني أمية. فقال الحسين : يا ابن عمي ، والله إنهم ليعدّن لي كما عدت اليهود في السبت (٤).

وكتب إليه عمرو (٥) بن سعيد بن العاص ينهاه عن الخلاف والشقاق. فكتب إليه :

(إنه لن يشاق من دعا الله إلى الله وعمل صالحا) (٦).

__________________

(١) البقرة : ١٩٩.

(٢) في الأصل : (فهو مني) والآية من سورة إبراهيم : ٣٦.

(٣) في الأصل : (إنهم كالأنعام) والآية من سورة الفرقان : ٤٤.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء : ١٥٤. (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً).

(٥) في الأصل : (سعيد بن العاص) والصواب عمرو بن العاص عامل يزيد على مكة الذي كتب إليه : (فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك وأن يهديك لما يرشدك ، بلغني أنك قد توجهت إلى العراق ، وإني أعيذك بالله من الشقاق ..) انظر جمهرة رسائل العرب ٢ / ٨٦.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى في سورة النساء : ١٥٤. (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). الحشر : ٤ وقوله تعالى : إشارة إلى قوله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) فصلت : ٣٣.


فكتب إليه (١) : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢).

ورد عليه كتاب يزيد في الموعظة والتحذير فكتب إليه :

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٣).

ولما هرب من المدينة ، وواليها الوليد بن عتبة (٤) يطالبه بالبيعة ليزيد ، خرج يريد مكة (٥) ، وجعل يسير ، ويقرأ هذه الآية (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦) ، فلما نظر إلى جبال مكة جعل يتلو : ف (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) (٧).

وقال للحر بن يزيد (٨) وقد سار لمحاربته بأمر عبيد الله بن زياد :

__________________

(١) في الأصل : (وكتب).

(٢) يونس : ٤١.

(٣) يونس : ٤١.

(٤) في الأصل : (عقبة) والصواب : عتبة وهو الوليد بن عتبة بن أبي حرب الأموي ، أمير من رجالات بني أمية ولي المدينة سنة ٥٧ ه‍ ، وكتب إليه يزيد أن يأخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير ، فأخبرهما بما يريده يزيد فاستمهلاه إلى الصباح ، ثم خرجا ليلا ، فعزله يزيد سنة ٦٠ ه‍ وتوفي سنة ٦٤ ه‍. انظر نسب قريش : ١٣٣.

(٥) في الأصل : (خرج يزيد ملكه) وهو تحريف في النسخ.

(٦) القصص : ٢١.

(٧) نفسها : ٢٢.

(٨) الحر بن يزيد التميمي اليربوعي كان من أشراف تميم ، وأرسل لاعتراض جيش الحسين رضي الله عنه ومحاربته فالتقى به ، وانضم معه وقاتل بين يديه قتالا عجيبا حتى قتل. جمهرة أنساب العرب : ٢٢٧ ، الطبري ٦ / ٢٧٠ فما بعدها.


بئس الإمام إمامك ، فإنه ممن ذكر الله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (١).

وقيل لعلي رضي الله عنه بعد المقتل ، كيف انسبيت يا ابن رسول الله. فقال : كبني إسرائيل (يذبحون أبناءهم. ويستحيون نساءهم) (٢).

وكان يكثر البكاء ليلا ، ونهارا ، فقيل له في [ذلك] (٣). فقال :

لا تلومني فإنّ يعقوب فقد ابنا من أحد عشر ابنا ، فبكى حتى ابيضّت عيناه من الحزن (٤). وقد رأيت بضعة عشر رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة. أفترون حزني عليهم يذهب من قلبي أبدا؟!

وكان مرة يأكل ، فأتته جارية بقطعة فيها مرقة فتعثرت بطرف البساط ، وانصبت المرقة على رأسه وثيابه. فقالت الجارية :

(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) (٥) قال : وقد كظمت.

قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) (٦).

قال : قد عفوت.

__________________

(١) في الأصل : (يبصرون) والقول من الآية ٤١ من سورة القصص. وقد نسب القول في الطبري ٦ / ٢٣٢ إلى أحد أصحاب الحسين وهو أبو الشعثاء. وفيه : عصيت ربك ، وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ثم تمثل بالآية.

(٢) إشارة إلى الآية : ٤٩ البقرة.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) آل يوسف : ٨٤.

(٥) آل عمران : ١٣٤.

(٦) نفسها.


فقالت : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١). قال : أنت حرة لوجه الله ، ومزوّجة بمن أحببت ، ومجهّزة بما شئت.

سأل المنصور جعفر بن محمد عن محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن ، فقال :

يا أمير المؤمنين ، أتلو عليك آية من كتاب الله فيها منتهى علمي بهما.

قال : هات على اسم الله.

قال : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) (٢). فقبّل المنصور ما بين عينيه وقال : حسبك.

حضر الرضا علي بن موسى (٣) عند المأمون ، ووجبت الصلاة ، فأتى المأمون بالطست ، والإبريق. واشتغل بتوضيته عدة من الخدم. فقال له الرضا :

يا أمير المؤمنين لو توليت هذا بنفسك ، فإن الله تعالى يقول (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٤).

فقال المأمون : سمعا وطاعة. وأمر الخادم (٥) بالانصراف ، وتولى الوضوء بنفسه.

__________________

(١) نفسها.

(٢) سورة الحشر : ١٢. وفي الأصل : (فإن اخرجوا).

(٣) هو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق الملقب بالرضا ثامن الأئمة الإثني عشر عند الإمامية ، زوجه المأمون ابنته وعهد إليه بالخلافة من بعده. ومات في حياة المأمون سنة ٢٠٣ ه‍.

(٤) الكهف : ١١٠.

(٥) في الأصل : (الخاوم).


فصل

في أن الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا

يقال : إن أحسن ما حفظ من كلام السفاح قوله من خطبة (١) له :

الحمد لله الذي اصطفى الإسلام دينا لنفسه ، فكرّمه (٢) ، وشرّفه ، وعظّمه ، واختاره له ، وأيّده (٣) ، وجعلنا (٤) أهله ، وكهفه ، وحصنه والقوّام به ، والذائدين عنه ، والناصرين له.

وألزمنا كلمة التقوى ، وجعلنا أحقّ بها وأهلها. وخصّنا برحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرابته وأنشأنا من شجرته (٥) ، واشتقّنا من نبعته (٦) ، وجعله من أنفسنا (٧) ، فوضعنا من الإسلام وأهله بالمنزل الرفيع (٨) ، وذكرنا في كتابه المنزل على نبيه المرسل فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٩).

ومن كتاب لابن أبي البغل (١٠) في تطهير أولاد المقتدر :

__________________

(١) الخطبة في تاريخ الطبري حوادث سنة ١٣٢.

(٢) في الطبري : (تكرمة).

(٣) في الطبري : (وايده بنا).

(٤) في تاريخ الطبري : (وجعلنا أحق بها وأهلها وخصنا برحم رسول الله).

(٥) في تاريخ الطبري : (وأنشأنا من آبائه وأنبتنا في شجرته).

(٦) في الأصل : (نعمته).

(٧) في الطبري : (جعله من أنفسنا عزيزا ، ما عنتنا ، حريصا علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم).

(٨) في الطبري : (بالموضع الرفيع وأنزل على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم. فقال عزّ من قائل فيما أنزل من محكم كتابه).

(٩) الأحزاب : ٣٣ وبعدها في الطبري وقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وقال : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) وقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) فأعلمهم جلّ ثناؤه فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبا تكرمة لنا ، وفضلا علينا ، والله ذو الفضل العظيم .. ولها تكملة طويلة فلتراجع.

(١٠) ابن أبي البغل اسمه محمد بن يحيى بن أبي البغل ، يكنى أبا الحسن استدعي من أصفهان وكان يلي الوزارة في أيام المقتدر ، وكان بليغا مترسلا وشاعرا ، وله ديوان رسائل. انظر الفهرس : ٢٠٣ ، الوزراء للصابي : ١٨٥ ، ١٨٦ ، ٢٨٥ ، ٢٩٢ ، ٢٩٤.


اتصل بي خبر الأمراء بالتطهير الذي لو لا الأخذ بالسنة فيه ، والتأدب بأدب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في استعماله لأغنى عنه فيهم قديم ما حكم (١) به لهم من الطهارة في كتابه الناطق ، ووصيه الصادق. إذ يقول عزوجل (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢). وصلّى الله على محمد وعلى آله الذين أذهب عنهم الأرجاس. وطهرهم (٣) من الأنجاس وجعل مودتهم (٤) أجرا له على الناس.

__________________

(١) في الأصل : (احكم).

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) في الأصل : (واطهرهم).

(٤) في الأصل : (فودتهم).



الباب الرابع

في

ذكر الصحابة وما خصّهم الله تعالى من الفضل

والشرف ، وأقاويل بعضهم في بعض ، وغرر من

محاسن كلامهم ونكت أخبارهم رضي الله عنهم

أجمعين



الباب الرابع

في ذكر الصحابة وما خصّهم الله تعالى من الفضل والشرف ، وأقاويل بعضهم في بعض ، وغرر من محاسن كلامهم ونكت أخبارهم.

فصل

في ذكرهم عامة

قد ذكر الله تعالى ذكره أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهم في آية من كتابه تشتمل (١) على جميع الحروف ، ومدحهم بها ، ونبه على ارتفاع مقاديرهم وعلو درجاتهم فيها فقال عز من قائل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ) (٢) (رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٣). فكل من أساء القول فيهم ، يخلو كلامه من هذه الحروف التي مدحهم الله بها. وأثنى عليهم وذكرهم في آية من كتابه فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا

__________________

(١) في الأصل : (مشتمل).

(٢) في الأصل : (تريهم).

(٣) الفتح : ٢٩.


فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١).

وقال فيهم : (لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢).

وقال جل ذكره فيهم : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٣).

وذكر بيعة الرضوان (٤) فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٥).

وقال عزّ ذكره : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) (٦) (تَحْتَ الشَّجَرَةِ).

__________________

(١) التوبة : ٢٠ ـ ٢٢. وفي الأصل : (أحر).

(٢) التوبة : ٨٨ ، ٨٩ ، وفي الأصل (أمنوا وجاهدوا).

(٣) نفسه. (١٠٠).

(٤) بيعة الرضوان كانت قبل صلح الحديبية حين أرسل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عثمان ، ليفاوض قريشا ، وكان المسلمون عند الحديبية فاحتبسته قريش ، وبلغ المسلمين أنه قتل فدعا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمين إلى بيعة الرضوان بأن بايعوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت ، أو على عدم الفرار وتم ذلك تحت شجرة مثمرة. انظر سيرة ابن هشام ٣ / ٣١٤ الطبري حوادث سنة ٨ ه‍.

(٥) الفتح : ١٠.

(٦) في الأصل : (يباعون) والصواب : يبايعونك والآية من سورة الفتح : ١٨.


فصل

في ذكر أبي بكر الصديق

قال الله تعالى في شأن الصديق : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) (١) وقال في مصاحبته رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) (٢) حتى صارت هذه الكلمة مثلا لكل متآخين (٣) متصافيين يقتربان ، ولا يكادان يفترقان.

كما قال أبو تمام :

ثانيه في كبد السماء ولم يكن

لاثنين ثان إذ هما في الغار (٤)

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استشاره وعمر رضي الله عنهما في أسرى قريش ، فأشار أبو بكر بالمنّ عليهم ، وإطلاقهم. وأشار عمر بعرضهم على السيف ، واستقصاء أموالهم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحمد لله (الذي) (٥) أيدني بكما. أما أحدكما ، فسهل رحيم رفيق ، مثله كمثل إبراهيم عليه‌السلام إذ قال : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦) ، وكمثل عيسى عليه‌السلام إذ قال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ

__________________

(١) الزمر : ٣٣.

(٢) التوبة : ٤٠.

(٣) في الأصل : (متواخين).

(٤) البيت في بدر التمام ج ١ / ٣٦٢ من قصيدة يمدح بها المعتصم ومطلعها :

الحق أبلج والسيوف عوار

فحذار من أسد العرين حذار

وذكر الصولي أن البيت يروى : (لاثنين ثالث إذ هما).

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) إبراهيم : ٣٦.


أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١). وأما الآخر ، فصلب في دين الله ، قوي شديد مثله كمثل نوح عليه‌السلام إذ قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (٢) ، وموسى عليه‌السلام إذ قال : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٣).

فصل

في حسن آثاره في الإسلام

لما قبض الله نبيه (٤) صلوات الله عليه لم يجسر أحد من المسلمين على نعيه ، ولم يستجر ذكر موته (٥) ، لجلالته في النفوس ، وعظم شأنه في القلوب ، حتى قام أبو بكر رضي الله عنه خطيبا بعد أن حمد الله ، وأثنى عليه (٦) :

__________________

(١) المائدة : ١١٨.

(٢) نوح : ٢٦ ، ٢٧.

(٣) يونس : ٨٨ وفي الأل : (حتى مروا العذاب).

(٤) في الأصل : (بينه).

(٥) في الأصل : (يستحز قوته).

(٦) الخطبة في سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ق ٢ : ٦٥٥ وفي تاريخ الطبري : حوادث سنة ١١ ه‍ وسيرة عمر بن الخطاب ص ٣٤ ، أن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلم الناس. فقال اجلس يا عمر. فقال أبو بكر : أما بعد : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان .. قال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها. نثر الدر ٢ / ١٧. وفي تاريخ ابن خلدون ٢ / ٨٥١ وفي البداية والنهاية ٦ / ٣١٢ أنه خطب بعد أحداث الردة في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : الحمد لله الذي هدى فكفى ، وأعطى فأغنى. إن الله بعث محمدا والعلم شريد ، والإسلام غريب طريد وقد رث حبله ، وخلف عهده ... ثم يذكر النص المذكور أعلاه.


أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد (١) الله ، فإن الله حي لا يموت (٢). والله قد نعاه الله إلى نفسه في أيام حياته فقال (٣) (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٤). ثم قال : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (٥) و (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (٦) ثم قال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٧) ألا إن محمدا قد مضى (٨) لسبيله. ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به ، فدبّروا ، وانظروا وهاتوا آراءكم. فبكى الناس ، ونادوه من كل جانب ، نصبح (٩) ، وننظر في ذلك إن شاء الله.

ثم كان من شأن يوم السقيفة وأمر البيعة ما قرن الله الخير والخيرة به. وكان من احتجاج أبي بكر على الأنصار في استحقاق الإمامة دونهم أنه قال (١٠) :

__________________

(١) في الأصل : (بعيد محمدا ... بعيد).

(٢) بعدها في نثر الدر : (أيها الناس الآن كثر أعداؤكم ، وقل عددكم ، وركب الشيطان منكم هذا المركب) ثم وردت ثلاث آيات غير المذكورة في النص أعلاه.

(٣) هنا ينتهي نص ابن خلدون وفيه يذكر أن أبا بكر تلا الآية : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية في المنزل. قال عمر : فما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فوقعت على الأرض ما تحملني رجلاي. وعرفت أنه مات. وقيل إنه تلا معها : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ).

(٤) الزمر : ٣٠.

(٥) الأنبياء : ٣٤.

(٦) آل عمران : ١٨٥.

(٧) آل عمران : ١٤٤.

(٨) في الأصل : (قضى).

(٩) في الأصل : (نصيح).

(١٠) في البيان والتبيين ٣ / ١٤٧ ، عيون الأخبار ٢ / ٢٣٣ ، العقد الفريد ٢ / ١٣ (أيها الناس نحن المهاجرون أول الناس إسلاما ، وأكرمهم أحسابا ، وأوسطهم دارا ، وأحسنهم وجوها ، وأكثر الناس ولادة وأمسهم رحما برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أسلمنا قبلكم ، وقدمنا في القرآن عليكم فقال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ ...).


نحن الذين أنزل الله فينا (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١) في كتاب الله.

وقد أمركم الله أن تكونوا معنا بقوله (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٣) ، فاتفقت الكلمة (٤) ، ونزلت الرحمة ، وتم أمر البيعة.

فصل

في مثل ذلك وذكر شيء من كلامه أيام الردة (٥)

[حين] (٦) امتنعت (٧) العرب عن الزكاة قال عمر لأبي بكر :

لو تجافيت عن زكاة أموال العرب في عامك ، ورفقت بهم ، ورجوت أن يرجعوا عما هم عليه. فقد علمت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول (٨) : «أمرت أن (٩) أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، محمد رسول الله. فإذا قالوها عصموا مني أموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله».

__________________

(١) الحشر : ٨.

(٢) في الأصل : (قوله).

(٣) التوبة : ١١٩.

(٤) في الأصل : (فإن ضعفت الكافة).

(٥) في الأصل : (الدودة).

(٦) زيادة ليست في الأصل.

(٧) في الأصل : (فأنصفعت).

(٨) في البداية والنهاية ٦ / ٣١١ وفيه أن أبا بكر قال : والله لو منعوني عقالا. وفي رواية أخرى عفاقا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأقاتلنهم على منعها. إن الزكاة حق المال. والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة. ثم ذكر له رواية أخرى لخطبته وخبره عند وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٩) في الأصل : (أأن).


فقال أبو بكر : والله لو منعوني عقال (١) ناقة مما كان يأخذ منهم النبي صلوات الله عليه لقاتلتهم عليه أبدا حتى ينجز الله وعده. فإن قضاءه (٢) حق ، ووعده صادق لا خلف فيه. وقد قال الله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (٣).

فقال عمر : سمعا وطاعة لأمرك يا خليفة رسول الله. ثم كان ما كان من إظهار الله إياه عليهم ، واستقامة أمر المسلمين والإسلام بيمن خلافته ، وقوة يقينه ، وثبات عزمه رضي الله عنه.

ولما خطب الناس يدعوهم إلى غزو الروم (٤) سكتوا جميعا فوثب عمر ، وقال :

يا معشر المسلمين ما لكم لا تجيبون خليفة (٥) رسول الله ، وقد دعاكم إلى الجنة التي وعد المتقون. أما والله (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ) (٦) (بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) (٧).

__________________

(١) العقال ، صدقة عام. انظر الصحاح ، لسان العرب (عقل).

(٢) في الأصل : (قضاؤه).

(٣) النور : ٥٥.

(٤) في الأصل : (الدم).

(٥) في الأصل : (لا يحبون خليفة).

(٦) في الأصل : (والي).

(٧) من سورة التوبة : ٤٢ وفي الأصل : (عليكم وهو. إشارة إلى قوله تعالى : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً).


وقام خالد بن سعيد بن العاص (١) ، وأقبل على أبي بكر فقال له : (والله) (٢) لأن يتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق (٣) أحب إلي من أن أقعد (٤) عن دعوتك أو أبطئ عن إجابتك.

وأوصى أبو بكر الجيش الذين بعثهم إلى الشام (٥) فقال :

اذكروا الله عند كل مصعد ومهبط ، ولا تقتلوا امرأة (٦) ، ولا صبيا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا تقعروا (٧) نخلا ، ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة لا حاجة (٨) لكم في ذبحها ، ولا تخربوا عامرا (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٩). ثم رفع يده إلى السماء بعد أن استقبل القبلة فقال :

اللهم إنك خلقتنا ، ولم نك شيئا مذكورا ، ثم بعثت إلينا رسولك محمدا بشيرا ونذيرا ، فهديتنا به وكنا ضلّالا. وحبّبت إلينا الإيمان ، وكنا كفارا ، وقويتنا به وكنا ضعافا ، وجمعتنا به وكنا أشتاتا. فأمرتنا أن نقاتل (١٠) المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله ، أو يعطوا الجزية عن يد

__________________

(١) خالد بن سعيد بن العاص قال الواقدي عنه ، إنه خامس من أسلم من العرب وصدق رسول الله. وأرسله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع من أرسلهم إلى اليمن ليفقهوا أهلها ، واشترك في فتوح الشام مع خالد بن الوليد. انظر طبقات فقهاء اليمن : ١٤ ، ٢٢ ، ٢٣ ، تاريخ الطبري حوادث سنة ١٠ ه‍ ج ٣ / ٢٨ فما بعدها.

(٢) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(٣) اقتباس من قوله تعالى : (فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) الحج : ٣١.

(٤) في الأصل : (الراقعة).

(٥) وصيته في تاريخ الطبري ٣ / ٢١٣. الكامل لابن الأثير ٢ / ١٦٢ وفيهما : (أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني : لا تخونوا ولا تغلوا ، ولا تصدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ، ولا شيخا كبيرا ، ولا امرأة).

(٦) في الأصل : (المرأة).

(٧) في الأصل : (ولا تعقروا) وقعر النخل قطعها من أصولها ومنه قوله تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ).

(٨) في الأصل : (شاة ولا حاجة .. ولا تحزنوا).

(٩) الحج : ٤٠.

(١٠) في الأصل : (يقاتل).


وهم صاغرون (١). اللهم إنا أصبحنا نطلب رضاك ، ونجاهد من عاداك وعبد معك إلها سواك. اللهم فانصر عبادك المؤمنين على عبادك المشركين. اللهم شجّع جبانهم ، وثبّت أقدامهم ، وزلزل أقدام أعدائهم ، واقذف الرعب في قلوبهم ، وأيد خضراءهم ، واستأصل شأفتهم (٢) ، واقطع دابرهم ، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم. وكن للمسلمين وليا ، وبهم حفيا (٣) ، وثبّتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة يا أرحم الراحمين (٤).

وخطب يوما فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه :

أيها الناس إني قائل قولا من وعاه فعلى الله جزاؤه. ألا إن الموعظة حياة ، والمؤمنون إخوة ، وعلى الله قصد السبيل. ولو شاء لهداكم أجمعين فأتوا الهدى تهدوا ، واجتنبوا الغي ترشدوا ، (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٥).

فصل

في مكاتباته

كتب إلى خالد بن الوليد ومن معه من المهاجرين والأنصار (٦) :

أما بعد ، فالحمد لله الذي أنجز (٧) وعده ، ونصر عبده (٨) ، وهزم الأحزاب وحده. وقد فرض على عباده الجهاد فقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ

__________________

(١) من قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) الوبة : ٢٩.

(٢) في الأصل : (شفأتهم) والشأفة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب. يقال في المثل استأصل الله شأفتهم : أي أذهبهم الله كما أذهب تلك القرحة بالكي ، انظر الصحاح : (شأف).

(٣) حفيا من الحفاوة وهي المبالغة بالعناية. منه يقال حفيت به حفاوة ، وتحفيت به أي بالغت في إكرامه وإلطافه. الصحاح (حفا).

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) إبراهيم : ٢٧.

(٥) النور : ٣١.

(٦) الخطبة في فتوح الشام : ٤٦.

(٧) في الأصل : (انحزم).

(٨) في الأصل : (عزه) وفي فتوح الشام (ونصر دينه ، وأعز وليه وأذل عدوه ، وغلب الأحزاب بعده ..) وبعدها نص غير موجود أعلاه.


تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١). وأطيعوا الله فيما فرض عليكم (٢) ، وثقوا بوعوده وارغبوا في الجهاد وإن عظمت المئونة أو بعدت الشقة. (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٣). ألا وإني أمرت خالد بن الوليد بالسير إلى العراق (٤) ليلحق بالمثنى بن حارثة (٥) ، فيكون عونا له على محاربته الفرس ، فسيروا معه ، ولا تثاقلوا (٦) عنه. كفانا الله وإياكم المهم من أمور الدارين برحمته.

وكتب إلى المثنى بن حارثة :

أما بعد ، فإني وجهت إليك خالد بن الوليد فاستقبله (٧) بجميع من (٨) معك وساعده وآزره ، ولا تعصين له أمرا (٩). فإنه من الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) (١٠).

__________________

(١) البقرة : ٢١٦.

(٢) في فتوح الشام : ٥٥ : (فاستتموا وعد الله إياكم ، وأطيعوه فيما فرض عليكم ، وإن عظمت فيه المؤونة ، واشتدت فيه الرزية).

(٣) التوبة : ٤١.

(٤) في فتوح الشام : (لا يبرحه حتى يأتيه أمري ، فسيروا معه ولا تثاقلوا عنه ، ولا تنفلتوا عنه فإنه سبيل يعظم الله فيه الأجر لمن حسنت فيه نيته. وعظمت في الخير رغبته فإذا قدمتم العراق فكونوا به حتى يأتيكم أمري كفانا الله وإياكم أمور الدنيا والآخرة والسلام.

(٥) المثنى بن حارثة الشيباني صحابي فاتح من كبار القادة. أسلم سنة ٩ ه‍ واشترك في الفتوحات زمن أبي بكر وعمر توفي نحو ١٤ ه‍. انظر الإصابة ٣ / ٣٤١.

(٦) في فتوح الشام : ٥٥ فإنه سبيل يعظم الله فيه الأجر لمن حسنت فيه نيته ، وعظمت في الخير رغبته. فإذا قدمتم العراق فكونوا بها حتى يأتيكم أمري. كفانا الله وإياكم مهم أمور الدنيا والآخرة والسلام عليكم ورحمة الله.

(٧) في فتوح الشام : فاستقبله بمن معك من قومك ثم ساعده وآزره وكاتفه.

(٨) في الأصل : (يجمع).

(٩) في فتوح الشام : (ولا تخالفن له رأيا).

(١٠) الفتح : ٢٩ وفي فتوح الشام : ما أقام معك فهو الأمير ، فإن شخص عنك فأنت على ما كنت عليه والسلام عليك.


وكتب إلى أهل اليمن (١) يحرضهم على الجهاد كتابا في فصل منه :

سارعوا ـ رحمكم الله ـ إلى فريضة ربكم ، وسنة نبيكم ، فإلى إحدى الحسنيين ؛ إما الشهادة التي جعل (٢) الله فيها السعادة ، وإما الفتح والغنيمة.

فصل

في ذكر استخلافه عمر رضي الله عنه

قال عبد الله بن مسعود (٣) :

أفرس الناس ثلاثة : العزيز الذي تفرّس (٤) في يوسف عليه‌السلام. فقال لامرأته (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) (٥) ، وصفورا (٦) بنت (شعيب) (٧) إذ رأت موسى عليه‌السلام فقالت لأبيها (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (٨) ، وأبو بكر حين استخلف عمر على أمر الأمة.

ولما احتضر أبو بكر أملى في استخلاف عمر كتابا في نهاية الإيجاز والإبداع (٩) ونسخته :

__________________

(١) الرسالة في تاريخ ابن عساكر ١ / ١٢٨ وروايتها : وقد استنفرنا المسلمين إلى جهاد الروم بالشام. وقد سارعوا إلى ذلك. وقد حسنت بذلك نيتهم وعظمت حسبتهم ، فسارعوا عباد الله إلى ما سارعوا إليه ، ولتحسن نيتكم فيه. فإنكم إلى إحدى الحسنيين إما الشهادة وإما الفتح والغنيمة.

(٢) في الأصل : (إلى).

(٣) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن هذيل من كبار الصحابة بعثه عمر بن الخطاب معلما ووزيرا إلى أهل الكوفة ومات بالمدينة سنة ٣٢ ه‍ الطبقات : ابن خياط ١٦.

(٤) القول في لطائف المعارف ٧٦ ، سيرة عمر بن الخطاب : ٣٩.

(٥) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل. والآية من سورة يوسف : ٢١.

(٦) في الأصل : (وصفرا) والصواب : صفورا وهي ابنة شعيب وقيل ابنة أخي شعيب وربما يكون صوابها وصغرى بنات. انظر لطائف المعارف ٧٧.

(٧) زيادة ليست في الأصل.

(٨) القصص : ٢٦.

(٩) ذكر الجاحظ في البيان والتبيين ٢ / ٤٥ هذه الوصية برواية أخرى تختلف عن هذه تماما. وفيها يخاطب أبو بكر عمر ويوصيه بتقوى الله وبأمور تلزمه في الخلافة.


بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند آخر عهده في الدنيا (١) ، وأول عهده بالآخرة (٢) في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي (٣) فيها الفاجر.

أما بعد فإني استخلف (٤) عليكم عمر بن الخطاب فإنه برّ (٥) وعدل ، فذلك ظني به ، ورأيي فيه. وإن جار وبدل ، فلا علم لي بالغيب. والخير أردت. لكل امرئ ما اكتسب (٦) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٧).

فصل

في ذكر عمر وقطعة من مآثره

لما خطب عمر رضي الله عنه خطبة الاستسقاء (٨) لم يزد بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه محمد صلوات الله عليه وسلامه على الاستغفار ، حتى نزل عن المنبر. فقيل له في ذلك. فقال : أما سمعتم الله يقول : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (٩).

قال : فهطلت السماء بمثل أفواه القرب.

وخطب يوما فقال :

__________________

(١) بعدها في الكامل للمبرد : خارجا عنها ، داخلا فيها في الحال.

(٢) والخطبة في الكامل للمبرد ١ / ٦ ، الإمامة والسياسة ١ / ١٦ ، العقد الفريد ٢ / ٢٠٧ ، نثر الدر ٢ / ١٥ ، صبح الأعشى ٩ / ٣٥٩.

(٣) في الأصل : (ويبقى) وبعدها في الكامل : (ويصدق الكاذب).

(٤) في نثر الدر : (إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإنه بر وعدل ، فذلك علمي به).

(٥) في الأصل : (فإنه بر) وفي الكامل : (فذلك علمي به ورأيي فيه).

(٦) من قوله تعالى في سورة النور : ١١ (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) وبعدها في نثر الدر : (مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ).

(٧) الشعراء : ٢٢٧.

(٨) الخبر في سيرة عمر بن الخطاب : ١١٩ وفيه : أن عمر بن الخطاب خطب هذه الخطبة عام الرمادة ، وذلك في السنة الثامنة عشر للهجرة حين أصابت الناس مجاعة شديدة بالمدينة وما حولها وانقطع المطر. وانظر اختلاف رواية الخطبة في العقد الفريد ٤ / ٦٤. الكامل لابن الأثير ٣ / ٢٣٠.

(٩) نوح : ١٠ ، ١١.


لو شئت لدعوت بصلاء (١) ، وصياب (٢) وكراكر (٣) وأسنمة (٤) ، ولكن الله عاب قوما فقال : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) (٥).

فقامت عجوز في أخريات الناس ، وقالت :

يا أمير المؤمنين ، هذه الآية إنما هي في الكفار ، (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) (٦).

فقال عمر : الله أكبر كلكم أفقه من عمر حتى العجائز!

وقيل لعمر رضي الله عنه : هاهنا غلام نصراني كاتب (٧) من أهل الحيرة (٨) فلو اتخذته كاتبا ، فقال :

لقد اتخذت بطانة من دون المؤمنين (٩) وتلا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١٠).

__________________

(١) في الأصل : بصلا والصلاء بالكسر والمد الشواء لأنه يصلى بالنار.

(٢) في الأصل : (صاب) والصياب الخالص من كل شيء. لسان العرب مادة (صيب). وفي نثر الدر ٢ / ٣٨ بداية لهذه الخطبة بمعناها ، وأنه قالها للربيع بن زياد بن الحارث : (يا ربيع إنا لو نشاء ملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب ولكنى رأيت الله عزوجل نعى على قوم شهواتهم فقال : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) الصلائق الرقاق.

والسبائك ما سبك من الدقيق ، وأخذ خالصه. والصناب الخردل بالزبيب.

(٣) كراكر جمع كركرة وهي كما يقول الجوهري : رحى زور البعير أي أعلى صدره.

(٤) أسنمة جمع السنام ويريد : أنه لو شاء لاختار ما يشاء لنفسه من الطيبات والطعام ، ولكنه زهد في ذلك لأن الله تعالى يقول : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا).

(٥) الأحقاف : ٢٠.

(٦) في الأصل : (وذلكم).

(٧) في الأصل : (كانت).

(٨) في تاريخ الطبري : إن هاهنا رجل من أهل الأنبار له بصر بالديوان.

(٩) في تاريخ الطبري ٤ / ٢٠٢ : (لقد اتخذت إذن بطانة) ولم يذكر في الخبر تلاوته الآية الكريمة.

(١٠) المائدة : ٥١.


دخل علي رضي الله عنه يوما دار الصدقة ، فنظر إلى عمل عمر قائما في شمس يوم شديد الحر ، وهو يملي في إبل الصدقة وألوانها وأسنانها. فقال علي لعثمان رضي الله عنهما :

أسمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله تعالى : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (١) فهذا والله القوي الأمين (٢).

ولما ورد على عمر كتاب أبي عبيدة بن الجراح من الشام يذكر له مسير الروم إليه بقضهم وقضيضهم وأساقفهم وقسسهم ، وإنهم قد نزلوا في أربعمائة ألف من بين فارس وراجل موضعا يقال له اليرموك ، ويستمده الجيوش ويقول له :

إنك إن قصرت في مسيرها فاحتسب أنفس المسلمين إن أقاموا ، ودينهم إن انهزموا ، فقد جاءهم مالا قبل (لهم) (٣) به.

لم يتمالك عمر أن بكى وبكى المسلمون بالمدينة. وقالوا :

يا أمير المؤمنين ابعثنا جميعا أو أسر بنا. وترجح (٤) برأيه في ذلك ، فأشار علي رضي الله عنه بلزوم المدينة ، لتكون المفزع (٥) والملجأ للمسلمين بإمداد أبي عبيدة بالرجال والأموال وقال له : ثق بالله يا أمير المؤمنين ، ولا تيأس من روح الله (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٦). فقبل رأيه ، وكتب إلى أبي عبيدة (٧) :

__________________

(١) القصص : ٢٦.

(٢) الخبر في أسد الغابة ٤ / ٧١ عن أبي بكر العبسي أنه قال دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب فجلس عثمان في الظل ، وقام علي على رأسه يملي عليه ما يقول عمر. وعمر قائم في يوم شديد الحر عليه بردتان سوداوان ، متزر بواحدة وقد وضع الأخرى على رأسه وهو يتفقد إبل الصدقة فيكتب ألوانها وأسنانها ، فقال علي لعثمان ، أما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عزوجل : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) وأشار بيده إلى عمر فقال ، هذا هو القوي الأمين.

(٣) زيادة ليست في الأصل ، وفي فتوح الشام : (فاحتسب أنفس المسلمين إن هم أقاموا ، ودينهم إن هم تفرقوا).

(٤) ترجح أي مال واضطرب ، يقال ترجحت الأرجوحة بالغلام أي مالت.

(٥) في الأصل : (المقرع) والصواب المفزع. انظر الصحاح مادة (فزع).

(٦) يوسف : ٨٧.

(٧) الرسالة في فتوح الشام : ٨٢ وقد حذفت منها عبارات وآيات.


أما بعد فقد ورد علي كتابك تذكر فيه مسير الروم بقضهم (١) وقضيضهم فإن الله ـ تعالى ـ رأى أماكنهم ، حين بعث محمدا صلوات الله عليه ، وأعزه بالنصر ، ونصره بالرعب ، فقال وهو لا يخلف الميعاد : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٢). وقد علمت أبا عبيدة أنه لم تكن شدة قط إلّا جعل الله بعدها فرجا فلا تهولنك (٣) كثرة من جاءك من الكفرة الفجرة ؛ فإن الله برئ منهم. ومن يبرأ الله منه فلن ينصره. ولا توحشك قلة المسلمين وكثرة الكافرين (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٤). وليس بقليل من كان الله معه ، فأقم بمكانك ، وتوكل على الله ، واستظهر به وكفى بالله ظهيرا ، ووليا ونصيرا.

وقد كتبت في كتابك (٥) أن أحتسب المسلمين إن هم (٦) أقاموا ، ودينهم إن هم (٧) انهزموا. وليس الأمر (٨) كما ذكرت ـ رحمك الله يا أبا عبيدة ـ ؛ لأنك قد علمت أن المسلمين إن هم أقاموا ، وصبروا وقتلوا ، فما عند الله خير للأبرار. وقد قال الله تعالى : (مِنَ

__________________

(١) يقال : جاءوا قضهم بقضيضهم أي جاءوا بأجمعهم. لسان العرب (قضض). وفي فتوح الشام فقد قدم علي أبو ثمالة بكتابك ، يخبرني فيه بنفير الروم إلى المسلمين برا وبحرا ومما جاشوا عليكم وأساقفهم ، قسسهم ورهبانهم. إن ربنا المحمود عندنا والصانع لنا. والرسالة في فتوح الشام : ١٦٢ مع اختلاف في الرواية.

(٢) التوبة : ٣٣.

(٣) في الأصل : (يهولنك) وفي فتوح الشام : ٨٢ فلا تهولنك ، كثرة ما جاءك منهم فإن الله منهم بريء ، ومن يبرأ الله منهم كان قمنا أن لا تنفعه كثرة. وأن يكله الله إلى نفسه ، ويخذله ، ولا توحشك قلة المسلمين في المشركين فإن الله معك.

(٤) البقرة : ٢٤٩.

(٥) عبارة (في كتابك) غير موجودة في نص فتوح الشام. وانظر جزءا من كتابه في نثر الدر ٢ / ٢٨.

(٦) في الأصل : (أنهم) وفي فتوح الشام : (أنفس المسلمين إن هم).

(٧) في الأصل : (انهم).

(٨) في فتوح الشام : وأيم الله لو لا استثناؤك بهذا لقد كنت أسأت ولعمري إن أقام لهم المسلمون وصبروا فأصيبوا لما عند الله خبير للأبرار.


الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (١) (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢). وإنهم بحمد الله منصورون ، فأخلصوا (٣) نياتكم وارفعوا إليه رغباتكم و (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٤). وإني موجه إليكم الجيوش قبل أن تواقعوا العدو إن شاء الله.

ثم جهّز العساكر ووهب الله النصر والفتح.

وكتب إليه عمار بن ياسر يذكر شدة شوكة الفرس ، وكثرة عددهم ، واستفحال أمرهم. فكتب إليه عمر :

يد الله فوق أيديهم ، وسيمدكم الله بجند من الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم (٥) ، والزلازل في أقدامهم ، حتى يهزمهم هزيمة يكون فيها بوارهم (٦) ، ودمارهم إن شاء الله.

فصل

في قتله وثناء المسلمين عليه

لما طعن أبو لؤلؤة عمر (٧) ـ رضي الله عنه ـ في المحراب جمع إليه ملحفته وتلا : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٨).

__________________

(١) من هنا يبدأ نص الآية في فتوح الشام.

(٢) ما بين القوسين سقط من نص المخطوط والآية من سورة الأحزاب : ٢٣.

(٣) في الأصل : وأخلصوا.

(٤) آل عمران : ٢٠٠.

(٥) إشارة إلى الآية ١٠ من سورة الفتح.

(٦) البوار : الهلاك. الصحاح ، لسان العرب (بور).

(٧) في الأصل : (طعنه .. وعمر ..).

(٨) الأحزاب : ٣٨.


ولما صار لما به ، دخل إليه نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعودونه فلما نظر إليهم استعبر باكيا ، وبكوا بين يديه. فقالوا :

لا أبكى الله عينيك يا أمير المؤمنين ، وأبشر بالخير كله فإنك من الذين أنزل الله فيهم : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (١) وممن قال فيهم : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) (٢). ولقد صحبت رسول الله حتى بشّرك بالجنة في غير موطن ، وفارق الدنيا وهو عنك راض ، ثم خلّفت خليفة ، وأحسنت الخلافة ، ووليت أمور المؤمنين فلم تأخذك في الله لومة لائم. وعدلت في الرعية ، وقسمت بينهم بالسوية ، فجزاك عن نبيه وخليفته وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

ولما مضى عمر رضي الله عنه لسبيله وجهز ، أقبل علي رضي الله عنه باكيا ثم قال للناس :

هذا الفاروق قد مضى نحبه ، ولقي ربه. وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يتقدم ولا يتأخر [إلا] (٣) وهو على بينة من ربه ، حتى كأن ملكا يسدده. وكان شفيقا (٤) على المسلمين ، رءوفا بالمؤمنين شديدا على الكافرين ، فرحمة الله ورضوانه عليه. وو الله ما أحد من عباد الله أحب من أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجّى بين أظهركم.

__________________

(١) الفتح : ١٨.

(٢) نفسه : ٢٩.

(٣) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.

(٤) في الأصل : (شفيا).


فصل

في ذكر محاسن عثمان رضي الله عنه

قال بعض السلف : من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ، ومن أحب عمر ، فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان ، فقد استنار بنور الله ، ومن أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.

المدائني (١) عن ابن سيرين (٢) قال :

كان علي يقول في عثمان : أشهد أنه من الذين قال الله في حقهم (٣) : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٤).

وجاء قوم إلى أبي هريرة يعيبون (٥) عثمان فقال لهم :

لا تذكروا ذا النورين إلا بخير (٦). فما انتهوا ولم يرتدعوا ، فرمى (٧) أبو هريرة بسيفه حتى غرز في الجدار (٨) وتلا : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) (٩).

__________________

(١) المدائني هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني ولد سنة ١٣٥ وتوفي سنة ٢١٥ كان مؤرخا راويا للأخبار والآداب. الفهرست : ١٥٣.

(٢) ابن سيرين محمد يكنى أبا بكر أحد أئمة المسلمين زاهد واعظ عرف بتأويله الأحلام توفي نحو ١١٠ ه‍ انظر حلية الأولياء ٢ / ٢٦٣ تاريخ بغداد ٥ / ٣٣١.

(٣) في أنساب الأشراف ج ٥ / ٨ عن محمد بن حاطب أنه قال يوما لعلي : هؤلاء سيسألونا عن عثمان غدا فما نقول؟ قال : نقول : كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا ، وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا.

(٤) الأنبياء : ١٠١.

(٥) في الأصل : (يعينون).

(٦) في الأصل : (لانحين).

(٧) في الأصل : (قدمى).

(٨) في الأصل : (الحرر).

(٩) الأعراف : ٧٩.


وعن الحسن بن علي كرم الله وجههما :

كيف لا أسب قاتل عثمان ، وقد سبّه الله في كتابه فقال : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (١).

فصل

في غرر من كلامه في الخطب وغيرها

خطب يوما فارتج عليه فقال :

سيجعل الله بعد عسر يسرا ، وبعد عيّ نطقا ، وأنتم إلى إمام (فعّال) (٢) أحوج منكم (٣) إلى إمام قوّال (٤).

وخطب يوما فساق الكلام إلى شكاية الرعية فقال :

وأنا منهم بين ألسنة لداد ، وسيوف حداد ، وقلوب شداد. قد برئ الله منهم ، يوم لا ينطقون. ولا يؤذن لهم فيعتذرون.

صعصعة بن صوحان (٥) قال :

__________________

(١) النساء : ٩٣.

(٢) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.

(٣) في الأصل : (اجوج) وفي عيون الأخبار ٢ / ٢٣٥ أن عثمان حين صعد على ذروة المنبر فرماه الناس بأبصارهم فقال : إن أول مركب صعب ، وإن مع اليوم أياما. وما كنا بخطباء وإن نعش لكم تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله. وفي الفاضل للوشاء : أن عثمان صعد المنبر فارتج عليه فقال : أيها الناس سيجعل الله بعد عسر يسرا وبعد عي بيانا ، وإنكم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى إمام قوال أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وفي بهجة المجالس في باب من خطب فارتج عليه ص ٧٣ أنه قال (وليناكم وعدلنا فيكم ، عدلنا عليكم خير من خطبتنا فيكم وإن أعش يأتكم الكلام على وجهه). والخبر في نزهة الجليس ٧٣.

(٤) في الأصل : (فقال). والمشهور : (قوال).

(٥) صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي من سادات عبد قيس. من أهل الكوفة كان خطيبا بليغا شهد صفين مع علي توفي بالكوفة نحو ٦٠ ه‍. تهذيب ٤ / ٤٢٢.


ما أعياني جواب أحد كما أعياني جواب عثمان : دخلت إليه يوما فقلت :

أخرجنا من ديارنا ، وأموالنا أن قلنا ربنا الله ، فقال :

يا صعصعة نحن الذين أخرجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا ربنا الله ، فمنا من مات بأرض الحبشة ، ومنا من مات بالمدينة.

ومن كلام عثمان (ما يزع) (١).

فصل

في كلام لعلي في عثمان وكلام فيهما

شكا عثمان إلى علي أبا ذر الغفاري (٢) فقال له علي :

أنا أشير عليك فيه بما قال مؤمن آل فرعون : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (٣).

وقال يوما (٤) لعثمان :

قد أبلغ الناس عنك أمورا تركها خير لك من الإقامة (عليها) (٥) فاتق الله ، وتب إليه فإنه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات.

قال الحجاج للحسن البصري (٦) : ما تقول (٧) في عثمان وعلي فقال : أقول فيهما ما قال من هو خير مني بين يدي من هو شر منك. قال : ومن هما؟ قال : موسى وفرعون. ثم

__________________

(١) في الأصل يزغ ولعل صوابه : ما يزع أي ما يزجر ويكف عن السيئات.

(٢) أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة الغفاري صحابي جليل نفاه عثمان إلى الشام وأرجعه معاوية إلى المدينة ، فنفاه عثمان مرة أخرى إلى الربذة فتوفي نحو ٣٢ ه‍. انظر طبقات ابن سعد ٤ / ١٦١ ـ ١٧٥ ، الإصابة ٧ / ٦٠.

(٣) غافر : ٢٨.

(٤) في الأصل : (يوم).

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) الحسن البصري أبو سعيد الحسن بن يسار فقيه زاهد واعظ توفي نحو ١١٠ ه‍ حلية الأولياء ٢ / ١٣١ فما بعدها.

(٧) في الأصل : (وفى).


تلا : (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (١).

التقى الزهري (٢) وأبو مسلم (٣) في الطواف (٤) فقال له أبو مسلم :

ما تقول في علي وعثمان؟ فتحيّر (٥) الزهري ولم يحر جوابا. فقال أبو مسلم :

ويحك هلّا قلت كما قال الله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦).

فصل

في نكت من أخبار محاصرة عثمان رضي الله عنه

لما حوصر فاشتد الأمر عليه كتب إلى الناس كتابا نسخته (٧) :

أما بعد ، فإني أذكركم الله ربكم الذي انعم عليكم بالإسلام وهداكم من الضلالة (٨) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٩) ف (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ

__________________

(١) طه : ٥١ ، ٥٢.

(٢) الزهري محمد بن شهاب ، تابعي جليل. كان أول من دوّن الحديث بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز. توفي نحو ١٢٣ ه‍.

(٣) أبو مسلم هو عبد الله بن ثوب الخولاني ، تابعي كبير فقيه زاهد. كان يسمى حكيم الأمة. انظر حلية الأولياء ٢ / ١٢٢ فما بعدها.

(٤) في الأصل : (الطراف).

(٥) في الأصل : (فيتحرى).

(٦) البقرة : ١٣٤.

(٧) في الأصل : (بنسخته). الرسالة في الطبري ٥ / ١٤٤.

(٨) في الطبري : وأنقذكم من الكفر وأراكم من البينات ، وأوسع عليكم من الرزق ونصركم على العدو وأسبغ عليكم نعمته.

(٩) إبراهيم : ٣٤.


مُسْلِمُونَ) (١) (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢). (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣) (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤) ألا وقد علمتم أن الله رضي لكم السمع (٥) والطاعة ، وحذّركم المعصية والفرقة (٦) ؛ لتكون له الحجة عليكم إن عصيتموه. فاقبلوا (٧) أمره ، واحذروا عذابه ؛ فإنكم (٨) لم تجدوا أمة هلكت قبلكم إلا من بعد ما اختلفت ، ولم يكن لها رأس يجمعها. ومتى تفعلون بي (٩) ما أزمعتم عليه (١٠) ؛ لم تقيموا صلاة (١١) ولم تخرجوا زكاة ، ويسلط عليكم عدوكم ويستحل (١٢) بعضكم دماء بعض (١٣). وتكونوا شيعا (لَسْتَ) (١٤) (مِنْهُمْ فِي

__________________

(١) آل عمران : ١٠٢.

(٢) نفسها : ١٠٤.

(٣) نفسها : ١٠٥.

(٤) نفسها : ٧٧ وقد حذف من نص الثعالبي آيات ذكرها الطبري.

(٥) في تاريخ الطبري : الطاعة والجماعة.

(٦) في الطبري : (والاختلاف).

(٧) في الطبري : فاقبلوا نصيحة الله عزوجل ، واحذروا عذابه.

(٨) في الطبري : لن تجدوا أمة هلكت إلا بعد أن تختلف إلا أن يكون لها رأس يجمعها.

(٩) في الأصل : (لي).

(١٠) في الأصل : (ما أن منعتم).

(١١) في الطبري : ومتى ما تفعلون ذلك لا تقيمون الصلاة جميعا وسلط عليكم عدوكم.

(١٢) في الأصل : (واستحل).

(١٣) في الطبري : ومتى يفعل ذلك لا يقيم الله سبحانه دينا ، وتكونوا شيعا.

(١٤) في الأصل : (ليس).


شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) (١) وقد علمتم (٢) أن شعيبا لما نسبه قومه إلى الشقاق قال : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (٣) ، ألا إني قد أنصفتكم ، وأعطيت في نفسي الرضى على أن أعمل فيكم بالكتاب والسنة ، وأسير فيكم السيرة الحسنة ، وأعزل عن أمصاركم من كرهتم ، فأولي عليكم من أحببتم. وكتابي هذا معذرة مني (٤) إلى الله تعالى ثم إليكم وتنصل مما كرهتم (٥) (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦). فاكتفوا مني بهذا العهد. (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٧). وإني أتوب إلى الله من كل ما كرهتموه ، وأستغفر الله في (٨) ذلك فإنه لا (٩) يغفر الذنوب إلا الله (١٠). والسلام.

وأشرف عثمان يوما على محاصريه. ومعه زيد بن ثابت فناداه المصريون :

__________________

(١) الأنعام : ١٩٥ وقد ذكر الطبري الآية كاملة في نصه.

(٢) في الطبري : وإني أوصيكم بما أوصاكم الله وأحذركم عذابه ، فإن شعيبا عليه‌السلام قال لقومه.

(٣) هود : ٨٩.

(٤) في الأصل : (معدودة).

(٥) من قوله : ألا إني غير موجود في نص الطبري. وقد حذف الثعالبي أيضا نصا طويلا من الرسالة.

(٦) يوسف : ٥٣.

(٧) الإسراء : ٣٤.

(٨) في الأصل : (استغفروا الله من).

(٩) في الطبري : وإن عاقبت أقواما فما أبتغي بذلك إلا الخير وإني أتوب إلى الله عزوجل من كل عمل عملته ، وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلا هو. إن رحمة ربي وسعت كل شيء .. والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته أيها المؤمنون المسلمون. تاريخ الطبري ٥ / ١٤٠.

(١٠) إشارة إلى قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) آل عمران : ١٣٥.


يا هذا إنا قد كرهناك فاعتزلنا ، وإلا قتلناك. فتكلم زيد : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) (١) فصاح به الناس وسبوه.

وتكلم في بعض الأيام عبد الله بن سلام (٢) فكان من كلامه (٣) أنه قال :

إياكم وقتل هذا الشيخ ، فإنه خليفة ولي (٤) الله. ما قتل نبي إلا قتل به سبعون ألفا من أمته ، وما قتل خليفة لنبي إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا.

فنادوه من كل جانب أعزب (٥) يا يهودي. فقال لهم :

أتقولون هذا لمن قال الله فيه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) (٦) ، وقال في آية أخرى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٧).

فلم يلتفتوا إلى قوله حتى كان ما كان من قتل عثمان رضي الله عنه.

وروى أنه بلغ عثمان عن عائشة رحمها الله كلام كرهه فتلا : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا

__________________

(١) الأنعام : ١٥٩.

(٢) عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي يكنى أبا يوسف ، صحابي أسلم عند قدوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة في السنة الأولى للهجرة وكان اسمه الحصين فأبدله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولما كانت الفتنة بين علي ومعاوية اعتزلها وأقام بالمدينة إلى أن مات نحو سنة ٤٣ ه‍. انظر التنبيه والإشراف : ٢٠١ ، طبقات فقهاء اليمن : الجعدي ٥٧ ، صفة الصفوة ١ / ٣٠١.

(٣) في أنساب الأشراف ٥ / ١٥ : أن عثمان هو الذي طلب من عبد الله بن سلام أن يخرج إليهم ، فخرج إليهم ووعظهم ، وعظم حرمة المدينة ، وقال لهم إنه ما قتل خليفة قط إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا. فقالوا كذبت يهودي ابن يهودي.

(٤) لعل صوابها خليفة نبي الله.

(٥) أعزب أي تباعد. انظر الصحاح (عزب).

(٦) الأحقاف : ١٠ وقد أضيفت كلمة (واستكبرتم) خطأ بعد كلمة وكفرتم فحذفناها.

(٧) الرعد : ٤٣.


صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا) [عنهما] (١) (مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (٢).

فصل

في كلام علي رضي الله عنه المقتبس من القرآن

يقال إنه اقتبس أحسن كلامه (منه) (٣) وأنه فرع (٤) قوله من القرآن ، مثل قوله السائر الذي هو أحكم مقال بعد كلام الأنبياء عليهم‌السلام :

قيمة كل امرئ ما يحسنه. فإنه مقتبس مما نطق به القرآن في قصة طالوت : (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) (٥).

وقوله رضي الله عنه : المرء مخبوء تحت لسانه ، مقتبس من قصة يوسف عليه‌السلام ، (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ [الْيَوْمَ]) (٦) (لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ).

وقوله : الناس أعداء ما جهلوا. من قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) (٧).

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) التحريم : ١٠.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) في الأصل : (فأنه).

(٥) البقرة : ٢٤٧.

(٦) ما بين القوسين ساقط من المخطوط والآية من سورة يوسف : ٥٤.

(٧) يونس : ٣٩.


وخطب علي رضي الله عنه فقال في خطبته :

عباد الله الموت ليس منه فوت إن أقمتم له أخذكم. وإن هربتم منه أدرككم. ألا وإن القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار. ألا وإن وراءه (يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (١) و (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (٢).

ألا وإن وراء ذلك اليوم نار حرها شديد ، وقعرها بعيد. ليست لله فيها رحمة.

فارتفعت أصوات من حوله بالبكاء. فقال :

ألا وإن وراءها جنة كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين (٣).

فصل

في نكت من أخباره

لما بويع رضي الله عنه واستقام له بعض الأمر. أشير عليه بأن يقر معاوية على الشام وعبد الله بن عامر بن كريز (٤) على البصرة (٥) ريثما تستقر الأمور في قرارها ، امتنع عن ذلك. وقال : (ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ [عَضُداً]) (٦).

__________________

(١) المزمل : ١٧.

(٢) الحج : ٢.

(٣) من قوله تعالى في سورة آل عمران : ١٣٣ (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).

(٤) عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة ، يكنى أبا عبد الرحمن. ولد بمكة وولي البصرة أيام عثمان سنة ٢٩ ه‍ ومات بمكة. ودفن بعرفات سنة ٥٩ ه‍ القصد والأمم ٧٢ ، الإصابة ٣ / ٦١.

(٥) في الأصل : (النصرة).

(٦) الكهف : ٥١ وفي الأصل : (متخذا المضلين).


ولما استأذنه طلحة والزبير في العمرة قال لهما : انطلقا ، فما العمرة تريدان.

ولما خرج طلحة والزبير وعائشة وقد خرجوا من مكة إلى البصرة كتبت أم سلمة (١) إلى علي :

أما بعد ، فإن طلحة والزبير وعائشة (٢) قد خرجوا من مكة يريدون (٣) البصرة واستنفروا الناس إلى حربك. ولم يخف معهم إلا من كان في قلبه مرض. و (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٤) والله كافيكهم وجاعل دائرة السوء عليهم.

فكتب إليها :

(عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (٥).

ولما أخبرت حفصة أم كلثوم بنت علي باجتماع الناس إلى عائشة بالبصرة قالت لها :

إنك وعائشة إن تظاهرتما على أبي. (فقد تظاهرتما على من (٦) كان الله مولاه ، وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) (٧).

ولما توجه إلى البصرة أنفذ (٨) الحسن وعمار بن ياسر (٩) رضي الله عنهما إلى الكوفة لاستنفارها (١٠) فلما وردها أجابت طائفة ، وامتنع الآخرون. وكثر الكلام بين الناس فوثب

__________________

(١) أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد روت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انظر الطبقات ٣٣٤.

(٢) في شرح نهج البلاغة ٢ / ٧٨ : فإن طلحة والزبير وأشياعهم شياع الضلالة يريدون أن يخرجوا لعائشة إلى البصرة ومعهم ابن الحزان عبد الله بن عامر بن كريز. ويذكرون أن عثمان قتل مظلوما وأنهم يطالبون بدمه والله كافيهم بحوله وقوته ولو لا ما نهانا الله عنه من الخروج ، وأمرنا به من لزوم البيوت لم أدع الخروج إليك.

(٣) في الأصل : (كدورون).

(٤) الفتح : ١٠.

(٥) المؤمنون : ٤٠.

(٦) في الأصل : (جرى كان).

(٧) إشارة إلى الآية : ٤ التحريم.

(٨) في الأصل : (انعدا).

(٩) زيادة ليست في الأصل والخبر في تاريخ الطبري حوادث سنة ٣٦ ه‍ وفيه أن الحسن وعمارا لما دخلا المسجد قالا : أيها الناس إن أمير المؤمنين يقول إني خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما وإني أذكر الله عزوجل رجلا رعى لله حقا إلا نفر ، فإن كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذ مني. والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني.

(١٠) في الأصل : (لاستقار).


زيد بن صوحان (١) العبدي فقال :

(الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَ) (٢) (الْكاذِبِينَ) (٣). أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق راشدين. فاستجاب أكثرهم ونفروا مع الحسن.

ولما نزلت (٤) الفئتان بالبصرة أنفذ علي إلى طلحة والزبير ينذرهما ويحذرهما عاقبة البغي والنكث ، ويشير عليهما بالطاعة. فأجاباه بأن قالا :

إنك لست راضيا (٥) دون أن ندخل في طاعتك ونحن لا ندخل فيها أبدا ، (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) (٦).

ولما حمي الوطيس يوم الجمل وكادت تكون الدائرة (٧) على عسكر عائشة غضبت ودعت بكف من حصى (٨) فحصبت (٩) بها عسكر علي وقالت : شاهت الوجوه. فصاح بها رجل من أصحابه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (١٠).

__________________

(١) زيد بن صوحان بن حجر العبدي من بني عبد القيس ، تابعي من أهل الكوفة له رواية عن عمر وعلي. شهد الفتح فقطعت شماله يوم نهاوند وقاتل يوم الجمل مع الإمام علي حتى قتل سنة ٣٦ ه‍ تاريخ بغداد ٨ / ٤٣٩.

(٢) في الأصل : (المكاذبين).

(٣) العنكبوت : ١ ـ ٣.

(٤) في الأصل : (تراث).

(٥) في الأصل : (ناضيا).

(٦) طه : ٧٢.

(٧) في الأصل : (الديرة).

(٨) في الأصل : (خصى).

(٩) في الأصل : (فحصنت) وحصبت معناها رمت.

(١٠) الأنفال : ١٧.


ولما رمي طلحة بالسهم المسموم فأصابه. سقط لما به ، وأغمي عليه. فلما أفاق نظر إلى الدم يسيل منه ، فاسترجع وقال :

إنا عنينا بهذه الآية من كتاب الله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (١).

ولما سقط الجمل قالت عائشة : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) (٢) فقال رجل : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) (٣).

وخطب علي بعد انقضاء حرب الجمل فكان من قوله فيها :

وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي ، فجاهدتهما بعدما عذرت وأنذرت حتى (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) (٤).

وقال في خطبة أخرى (٥) :

وما راعني إلا انثيال (٦) الناس عليّ كعرف الضبع يسألونني أن أبايعهم ، حتى لقد وطئ الحسنان (٧) ، وشق عطفاي (٨). فلما نهضت بالأمر فسقت شرذمة ، ونكث آخرون ، كأن

__________________

(١) نفسها : ٢٥.

(٢) مريم : ٢٣.

(٣) النور : ١٧.

(٤) من قوله تعالى في سورة التوبة : ٤٨ (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ). وهناك أكثر من خطبة للإمام علي يذكر فيها نكث طلحة والزبير بيعتهما. انظر جمهرة خطب العرب ١ / ٢٨٨ ، ٢٨٩ ، ٣٠٣.

(٥) من خطبة مشهورة عرفت بالشقشقية. انظر شرح نهج البلاغة ١ / ٦٦ ورواية الخطبة هناك : فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول (تِلْكَ الدَّارُ ...) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.

(٦) في الأصل : (الانتشال).

(٧) في الأصل : (الحسنان).

(٨) في الأصل : (عطفاي) بعدها في نهج البلاغة (مجتمعين حولي كربيضة الغنم).


لم يسمعوا قول الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١).

فصل

في نكت من أخباره في أيام صفين

ورد جاسوس لمعاوية الكوفة قبل أيام صفين. فقيل له : ما وراءك؟ فقال : تركت بالشام خمسين ألفا خاضبين (٢) لحاهم من دماء أعينهم على قميص عثمان. وقد عاهدوا الله ألا يشيموا (٣) سيوفهم حتى يقتلوا قتلة عثمان. فقال له مسلمة بن زفر العبسي ، أتخوف المهاجرين والأنصار ببكاء أهل الشام على قميص عثمان؟ والله ما قميصه بقميص يوسف (٤). ولا بكاؤهم عليه ببكاء يعقوب (٥) ولئن بكوه بالشام لقد خذلوه بالحجاز.

ولما ورد جرير بن عبد الله (٦) على معاوية لأخذ البيعة منه ، راوغه معاوية وطاوله [في] (٧) الأمر. فقال له جرير :

يا معاوية ما أظن قلبك (إلا) مطبوعا عليه و (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ) (٨) (مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (٩).

__________________

(١) القصص : ٨٣ بعد هذه الآية تتمة للخطبة في شرح نهج البلاغة.

(٢) في الأصل : (خاضئين لحاهم).

(٣) يشيموا أي يغمدوا. الصحاح ، اللسان : (شمم).

(٤) إشارة إلى الآية : ١٨ من سورة يوسف : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ).

(٥) إشارة إلى الآيتين : ١٦ ، ١٧ من سورة يوسف : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ).

(٦) جرير بن عبد الله البجلي ، أبو عمر وقيل أبو عبد الله روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان إسلامه في السنة التي توفي فيها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتوفي نحو سنة ٥١ ه‍. انظر تهذيب التهذيب ٢ / ٧٤ وأخباره في الإمامة والسياسة.

(٧) زيادة ليست في الأصل.

(٨) زيادة ليست في الأصل.

(٩) غافر : ٣٥.


ولما أراد علي رضي الله عنه المسير إلى الشام. دعا بفرسه وقال : بسم الله. فلما استوى قال (١) : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا [لَهُ]) (٢) (مُقْرِنِينَ (١٣) (وَإِنَّا) (٣) (إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (٤). ورأى نخلا وراء نخل فقال : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) (٥) (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) (٦) ونظر في مسيره إلى إيوان كسرى فقال : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (٧).

ولما نزل صفين وجاءت رسل معاوية بالمحالات (٨) أجابهم بما لم يسمعوا فيه فقال : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٩).

وكتب معاوية (١٠) :

__________________

(١) في الأصل : (قال).

(٢) ما بين القوسين ساقط من أصل المخطوط.

(٣) في الأصل : (عايليون).

(٤) الزخرف : ١٣ ، ١٤.

(٥) في الأصل : (باصقات).

(٦) ق : ١٠.

(٧) الشعراء : ١٢٨ ـ ١٣٠.

(٨) المحالات جمع محالة وهي الحيلة.

(٩) النمل : ٨٠ ، ٨١.

(١٠) الكتاب في الإمامة والسياسة ١ / ٤٩. وقد أجاب فيه معاوية على كتاب الإمام علي في توليته الشام ، وطلبه البيعة منه ، والقدوم إليه في ألف رجل من أهل الشام. وهو أيضا في وقعة صفين : ١٠٥.


ليس بيني وبين قيس عتاب

غير طعن الكلى وضرب الرقاب

فكتب إليه علي :

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١).

ولما صح عزمه على القراع (٢) خطب أصحابه فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه (٣) :

يا أيها الناس إن الله تعالى قد دلّكم (عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٤). وجعل ثوابه لكم المغفرة (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (٥) وقد أخبركم بالذي يجب عليكم فيها فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (٦). ألا فرصّوا صفوفكم ، وقدموا الدارع (٧) ، وأخّروا الحاسر. وعضّوا على النواجذ (٨) ، فإنه أنبى (٩) للسيوف عن الهام (١٠). ثم قرأ : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) (١١). ألا واحذروا الفرار (١٢) في الزحف ولا

__________________

(١) القصص : ٥٦.

(٢) القراع : القتال ، ومقارعة الأبطال قرع بعضهم بعضا. اللسان (قرع).

(٣) الخطبة في نهج البلاغة ١٨ ـ ١٨٠ ، وقد بدأت فيه من قوله : (فقدموا الدارع).

(٤) الصف : ١٠.

(٥) التوبة : ٧٢.

(٦) الصف : ٤.

(٧) في الأصل : (الدرّاع). والصواب ما أثبتناه.

(٨) في نهج البلاغة : (وعضوا على الأضراس).

(٩) في الأصل : (ابنى).

(١٠) من هنا يختلف نص الخطبة في نهج البلاغة ١٨١.

(١١) التوبة : ١٤ وفي الأصل : (ويشفي).

(١٢) في الأصل : (القران).


تتعرضوا لمقت الله. فإن مردكم إليه. وهو تعالى يقول : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (١).

وخطبهم يوما آخر ، فقال :

إن الله بعث محمدا بشيرا ونذيرا للعالمين (٢). وأمينا على التنزيل ، وشهيدا على هذه الأمة (٣). وأنتم معاشر العرب في شرّ دين وجور (٤). بين حجارة جلس (٥) وحيات صم. تشربون الأجاج (٦). وتأكلون الجشب (٧). وتسفكون دماءكم (٨) بينكم ، وتقتلون أولادكم ، ولا ترجون لله وقارا. ولا يؤمن أكثركم بالله إلّا وأنتم مشركون. فمن الله عليكم برسول من أنفسكم. (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٩). فأمركم بأداء الأمانة (١٠) ، وصلة الرحم (١١) ، وحقن الدماء ، ونهاكم (١٢) عن التحاسد (١٣) والتنازع (١٤).

__________________

(١) الأحزاب : ١٦.

(٢) إشارة إلى سورة سبأ : ٢٨ والبقرة : ٧٩ ، ٨٠ ، ١١٩ وآيات كثيرة أخرى.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) النساء : ٤١ ولفظ (شهيدا) غير موجود في نهج البلاغة.

(٤) الجور : الميل عن القصد. وفي نهج البلاغة : (على شر دين وفي شر دار).

(٥) في الأصل : (حبيس) والجلس : الحجارة الغليظة الخشنة وفي نهج البلاغة : (حجارة خشن).

(٦) الأجاج : المالح. وروايتها في نهج البلاغة : (الكدر).

(٧) في الأصل : (الخشب) والتصويب من نهج البلاغة. والجشب من الطعام الغليظ.

(٨) بعدها في نهج البلاغة : (وتقطعون أرحامكم والأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة) وينتهي بعدها النص فيه.

(٩) التوبة : ١٢٨.

(١٠) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) النساء : ٥٨.

(١١) إشارة إلى قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) النساء : ١.

(١٢) في الأصل : (وانهاكم).

(١٣) الخطبة في نهج البلاغة مع خلاف في الرواية.

(١٤) العبارة الأخيرة إشارة إلى قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) الأنفال : ٤٦.


واستمر في الخطبة ثم ساق الكلام إلى ذكر أهل الشام فقال :

ودعوناهم فلم يجيبوا إلى الحق والبرهان ، ولم يتناهوا عن الطغيان والعدوان وقد أنذرناهم ، ونبذنا إليهم على سواء (١) إن الله لا يحب الخائنين.

ومن دعائه في ليلة الهرير (٢) :

اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب (٣) ، ورفعت الأيدي ، ومدت الأعناق ، وطلبت الحوائج. وشخصت الأبصار (٤). اللهم (افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٥).

ونظر يوما إلى بعض أصحابه يتألمون من الجراح فقرأ : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (٦).

ولما حمل أهل الشام المصاحف على رؤوس الرماح ودعوا إليها. تقدم رجل منهم على فرس أبلق (٧) في يده مصحف قد فتحه. ثم وقف بين الجمعين وجعل يقرأ : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ

__________________

(١) في الأصل : (سوا) والقول إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) الأنفال : ٥٨.

(٢) الهرير معركة دارت بين جيش الإمام علي وجيش معاوية سنة ٣٧ ه‍ وكانت في ليلة شديدة على المسلمين يضرب بها المثل في الشدة. كثر فيها القتلى من الجانبين. انظر شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٤ وأول الدعاء فيه : «اللهم يا صمد ، يا إله محمد ، إليك ..».

(٣) قبلها في نهج البلاغة : (اللهم إليك أمضت القلوب ، ومدت الأعناق ، ونقلت الأقدام).

(٤) في شرح نهج البلاغة : (وشخصت الأبصار ، وطلبت الحوائج) وبعدها : (اللهم نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا. ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الفاتحين. سيروا على بركة الله).

(٥) الأعراف : ٨٨.

(٦) محمد : ٣١.

(٧) الأبلق : صفة للفرس من البلق ، إذا كان في لونه سواد وبياض.


يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

فكأنما كانت تلك الحرب نارا صبت عليها ماء. ثم اتفقوا على نصب الحكمين يتأولون قول الله تعالى : ف (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ) (٢) (بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) (٣). وقوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤).

ولما كان من خديعة (٥) عمرو بن العاص لأبي موسى (٦) ما كان. قال له أبو موسى :

عليك لعنة الله. فو الله ما أنت إلا كما قال الله : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧).

__________________

(١) النور : ٤٨ ـ ٥١.

(٢) في الأصل : (شقاقا).

(٣) النساء : ٣٤.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) في الأصل : (حذيفة).

(٦) أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس بن سليم من بني الأشعر ، صحابي ولد في زبيد اليمن وقدم مكة عند ظهور الإسلام وأسلم. ولاه عمر بن الخطاب البصرة وافتتح أصبهان والأهواز. عزله علي عن الكوفة بعد التحكيم فأقام فيها إلى أن مات سنة ٤٤ ه‍. انظر : الإصابة ٣ / ٣٥١.

(٧) الحشر : ١٦.


فصل

في نبذ من خبره مع الخوارج

لما سار علي رضي الله عنه إلى قتال الخوارج بالنهروان (١). قال له عفيف بن قيس :

يا أمير المؤمنين لا تخرج في هذه الساعة. فإنها لعدوك عليك. فقال علي :

(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢). ثم تمم المسير إليهم فطحن أكثرهم طحنا.

ولما قال ذو الثدية حرقوص بن زهير (٣) : والله ما نريد بقتالك إلا وجه الله. قرأ : (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (٤). ثم قال : منهم أهل النهروان ورب الكعبة.

فصل

في ذكر مقتله ووصيته

لما قدم من حرب الخوارج ، استقبله الناس يهنئونه بالظفر. فلما نزل دخل المسجد الأعظم ، فصلى ركعتين. ثم صعد المنبر فخطب ، فأوجز (٥) ثم ضرب بيده على لحيته وهي

__________________

(١) النهروان : قال ياقوت عنها هي ثلاث نهروانات الأعلى والأوسط والأسفل ، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها الأعلى متصل ببغداد. وكان بها وقعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع الخوارج مشهورة. معجم البلدان ٤ / ٨٤٧.

(٢) هود : ٥٦.

(٣) في الأصل : الندبة ، وهو حرقوص بن زهير المعروف بذي الثدية رأس من رؤوس الخوارج قتله الإمام علي في النهروان.

انظر : الإصابة ١ / ٤٧٢.

(٤) الكهف : ١٠٣ ، ١٠٤.

(٥) في الأصل : (فأوجس).


بيضاء فقال : (والله ليخضبنها بدمها إذا انبعث أشقاها) (١). ثم أنشد :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مراد (٢)

ولما ضرب الضربة التي مات فيها رضي الله عنه قال :

إن عشت ، فأنا ولي دمي (٣). وإن أفن فالفناء ميعادي. والعفو قربة لي ، وحسنة لكم (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٤).

ولما اشتد به الأمر جمع ولده. فقال :

إني أوصيكم بتقوى الله. فاتقوا الله و (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٥). (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٦). (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٧) كما أمركم الله (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الشمس : ١٢ ـ ١٥ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها).

(٢) قيل إن الإمام عليا كان يتمثل بهذا البيت كلما رأى ابن ملجم. فقيل له : ولم لا تقتله إذا كنت تعرف أنه قاتلك؟ فيقول :

كيف أقتل قاتلي.

ورواية البيت في شرح نهج البلاغة ٢ / ٤٣٢ :

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

والبيت لعمرو بن معد يكرب كما في ديوان عمرو بن معد يكرب : ٦٥ وهو في خاص الخاص : ٢٥.

(٣) الرواية في الأصل : (إن أتوفى) وهو تحريف والصواب ما أثبتناه. في نهج البلاغة : إن عشت ، فأنا ولي دمي ، وإن مت فضربة بضربة.

(٤) النور : ٢٢.

(٥) البقرة : ١٣٢.

(٦) آل عمران : ١٠٣.

(٧) البقرة : ٨٣.


وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١) وعليكم يحفظ وصية جدكم في الصلاة. وما ملكت أيمانكم. والزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم. وصيام شهر رمضان فإنه جنّة (٢) لكم. ثم الحج ، فهو الشريعة التي بها أمرتم. وأستودعكم الله. وأستغفر الله لي ولكم.

فصل

في بعض ما قاله الشعراء في فضله

قال علي بن محمد بن نصر بن بسام (٣) :

إن عليا لم يزل محنة (٤)

لرابح منا ومغبون

أحلّه (٥) من نفسه المصطفى

محلة لم تك في الدون

فارجع إلى الأعراف حتى ترى

ما فعل القوم بهارون (٦)

يريد قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى (٨).

وقال بعض الشعراء (٩) :

__________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) الجنة : ما يستتر به.

(٣) علي بن محمد بن نصر بن بسام يكنى أبا الحسن شاعر لسن هجاء ، ذكر له ياقوت جملة مصنفات ونشر د. مزهر السوداني مجموعا لشعره في مجلة المورد ١٩٨٦. والأبيات في مجموعة الشعري ق ١٤٢ وهي في أعيان الشيعة ٤٢ / ٢٤.

(٤) المحنة : واحدة المحن التي يمتحن بها الإنسان. والمغبون المخدوع يقال : غبنته في البيع أي خدعته.

(٥) في الأصل : (أمله).

(٦) في أعيان الشيعة : (ما صنع الناس) وفي البيت إشارة إلى فعلة يهود وصنيعهم بهارون حين استخلفه موسى ، كما ورد في سورة الأعراف : ١٤٢ فما بعدها.

(٧) في الأصل : (قوله تعالى).

(٨) الحديث رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي ، والترمذي مناقب ٢٠ ، ومسند الإمام أحمد ١ / ١٧٠.

(٩) البيتان لابن بسام في مجموعة الشعري ص ٢٢٦.


أحلف بالله وآياته

شهادة (١) صادقة خالدة

إن علي بن أبي طالب

إمامنا في سورة المائدة

يريد قول الله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٢).

يقال إنها نزلت في علي لما سمع سائلا ، وهو في صلاته فأعطاه خاتمه (٣).

فصل

في تسليم الحسن الأمر إلى معاوية

لما رأى رضي الله عنه سكون الدهماء (٤). حقن الدماء في ترك منازعة معاوية وتسليم الأمر إليه. قام فأوجز وقال (٥) :

أما بعد ، فإن الله هدى أولكم (٦) بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا (٧) وإن هذا الأمر الذي تنازعت فيه ومعاوية إما حق رجل هو أحق به مني فسلمته ، وأما حقي فتركته لصلاح الأمة : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٨).

__________________

(١) في الأصل : (وسهادة).

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) في أسباب النزول للواحدي : ١١٣ أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأنه أعطى خاتمه سائلا وهو راكع في الصلاة. وانظر أيضا أسباب النزول / السيوطي : ٩٠.

(٤) الدهماء ودهماء الناس جماعتهم.

(٥) الخطبة في تاريخ الطبري ٦ / ٩٣.

(٦) في الأصل : (هذا ولكم).

(٧) إلى هنا ينتهي نص الطبري الموافق لرواية الثعالبي. وتتمة الخطبة في تاريخه : وإن لهذا الأمر مدة ، وإن الدنيا دول ، وإن الله تعالى قال لنبيه : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

(٨) الأنبياء : ١١١.


فصل

في لمع من أقوال الصحابة وأخبارهم

لما قال عمر لسحبان (١) وهو يدون الدواوين :

مع من تريد أن أكتبك؟ قال :

مع (٢) الذين (لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) (٣).

وكان أبو عبيدة بن الجراح إذا ذكر الكفرة الذين بإزائه (٤) قال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٥).

ولما حصر عثمان ومنع (٦) الماء. قال للزبير (٧). (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) (٨).

وقال سعد بن أبي وقاص (٩) لأبي محجن الثقفي (١٠) لما اتهمه بشرب الخمر بعد أن استتابه مرات : (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) (١١) ، وأمر بحبسه.

__________________

(١) سبحان بن زفر بن إياس الباهلي من باهلة. خطيب يضرب به المثل في البيان يقال : أخطب من سحبان ، وأفصح من سحبان. أسلم زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يلاقه ، وأقام في دمشق أيام معاوية وله شعر وأخبار. انظر الإصابة ٢ / ١٠٨ ، بلوغ الإرب ٣ / ١٥٦ ، البيان والتبيين في مواضع عديدة. انظر ج ١ / ١ ، ٢ ، ٦ ، ٤٨ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ، ٣٤٨. ج ٢ / ١٤.

(٢) في الأصل : (من).

(٣) القصص : ٨٣.

(٤) في الأصل (بارابه) والصواب بإزائه أي بحذائه.

(٥) البقرة : ١٨.

(٦) في الأصل : (وخضع).

(٧) الزبير بن العوام بن خويلد يكنى أبا عبد الله ، أمه صفية بنت عبد المطلب توفي سنة ٣٦ ه‍. الطبقات ١٣.

(٨) سبأ : ٥٤.

(٩) في الأصل : (سعيد) والصواب : سعد بن أبي وقاص وهو من بني زهرة بن كلاب يكنى أبا إسحاق ولاه عمر وعثمان الكوفة. مات بالمدينة سنة ٥٥ ه‍. الطبقات : ١٥.

(١٠) أبو محجن الثقفي اسمه عمرو بن حبيب. وقيل اسمه كنيته. أحد الأبطال الشعراء في الجاهلية والإسلام. كان منهمكا بشرب الخمر فحده عمر عدة مرات. ثم لحق بسعد بن أبي وقاص في القادسية. توفي بأذربيجان وقيل في جرجان سنة ٣٠ ه‍. انظر : الإصابة ٤ / ١٧٣.

(١١) يوسف : ٩٥.


وكان ابن عمر إذا لقي (١) مصعب بن الزبير بعد قتله المختار (٢) ، ومن كان معه من أصحابه أعرض عنه ، وإذا سلم عليه مصعب لم يجبه. فقال له يوما :

أسلم عليك فلا تجيبني!

[قال] (٣) : لقتلك من قتلت من أهل الصلاة.

فقال : إنهم كانوا كفرة فجرة (٤).

فقال ابن عمر : والله لو كانوا معزي لابنك لكنت في ذبحها من المسرفين ، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (٥).

ولما ألح الوليد بن عتبة (٦) على عبد الله بن الزبير في أمر البيعة ليزيد قال له : أمهلني هذه الليلة لأبايع صبح غد (٧). فقال الوليد : مثلي ومثلك كما قال الله تعالى : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (٨). فلما جنّ (٩) الليل ، هرب عبد الله إلى مكة.

وكان (١٠) أهل مكة قد بايعوا عليا. ثم أخذ منهم بسر بن أرطأة (١١) البيعة لمعاوية ، فأنفذ إليهم علي من الكوفة حارثة بن قدامة (١٢) فلما دخل مكة واستقبله الناس ، وبخهم

__________________

(١) في الأصل : (لقي).

(٢) المختار بن أبي عبيد الثقفي ثار بعد مقتل الحسين ، وملك الكوفة ، وقاتله الحجاج وقتل سنة ٦٧ ه‍. انظر تاريخ الطبري ٧ / ١٦١.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) في الأصل : (فجرة فجرة).

(٥) ص : ٨٨.

(٦) الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب الأموي أمير من رجالات بني أمية ولي المدينة سنة ٥٧ ه‍ أيام معاوية وعزله يزيد سنة ٦٠ توفي نحو ٦٤ ه‍. انظر نسب قريش : ١٣٣ ، ٤٣٣.

(٧) في الأصل : (غدا).

(٨) هود : ٨١.

(٩) في الأصل : (اجن).

(١٠) في الأصل : (وقال).

(١١) وفي الأصل : (بشر أرطأة) والصواب ما هو مثبت. واسمه عمر بن عويمر بن عمران القرشي. روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عنه جماعة. سكن دمشق وشهد صفين مع معاوية. توفي أيام الوليد بن عبد الملك سنة ٨٦ ه‍. انظر تهذيب التهذيب ١ / ٤٣٦.

(١٢) حارثة بن قدامة السعدي من أصحاب الإمام علي بعثه في طلب بسر بن أرطأة حين قتل بسر عبد الله وقثم ابني عبيد الله بن عباس ، فخرج حارثة مسرعا. وبعد مقتل علي دعا أهل المدينة إلى البيعة للحسن فبايعوا. انظر : الأغاني : ١٦ / ٢٧١.


وقال لهم : أخاف أن تكونوا من الذين (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١).

لما عرض معاوية بابن عباس بطول اللحية. تلا ابن عباس : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) (٢).

قال رجل لمعاوية : قد بايعتك ، وأنا كاره.

فقال : قد جعل الله في الكره خيرا كثيرا (٣).

ولما بلغ معاوية قول أبي الأسود الدؤلي (٤) :

بنو عم النبي وأقربوه

أحبّ الناس كلّهم إليّا (٥)

فإن يك حبهم رشدا (أصبه) (٧)

وفيهم أسوة إن كان غيا (٦)

ذكر الحسن البصري معاوية فقال :

قاتله الله من شيخ أدرد (٨) نعق بأقوام (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٩).

__________________

(١) البقرة : ١٤.

(٢) الأعراف : ٥٨.

(٣) يريد قوله تعالى : (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء : ١٩.

(٤) أبو الأسود هو ظالم بن عمرو بن سفيان. قيل إنه أول من وضع علم النحو وأنه أخذه عن الإمام علي بن أبي طالب. انظر : طبقات النحويين ١٣ : فما بعدها ، مراتب النحويين ١٠ طبقات ابن خياط : ١٩١.

(٥) في الأصل : (إلينا). والبيتان في ديوانه : ١٧٧. وذكر فيه أن أبا الأسود كان جارا لبني قشير وكانوا أصهاره. وكان بعضهم يكلمه كثيرا ويرد عليه في حبه علي بن أبي طالب فقال أبو الأسود .. الأبيات ومطلع القصيدة :

يقول الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر لا تنسى عليا

(٦) سقطت الكلمة من المخطوط وقد أثبتناها من رواية الديوان ، وواضح أنه سقط من نص المخطوط بقية الخبر.

(٧) يبدو أن هناك تكملة ساقطة من أصل المخطوط تتعلق بجواب معاوية لأبي الأسود.

(٨) في الأصل : (ادره).

(٩) هود : ٩٨.


وكان ابن عباس إذا قرأ : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) (١). قال : أنا من القليل.

٢ ـ ١٠٧ ـ ٣ وكان يقول : لا يحل شري المغنيات (٢) ، ولا بيعهن ، ولا التجارة في أثمانهن. ثم يتلو : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣).

لما قدم عروة بن الزبير (٤) من الشام (٥). وقد أصيب في سفره برجله وابنه محمد (٦) ترك في محله فقال : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) (٧).

أصبح ابن عباس ذات يوم مهموما فسئل عن ذلك فقال : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (٨). وقد رأيت البارحة كأن أبا قبيس (٩) صار دخانا. ثم طار قطعا وفيه الصفا (١٠) وهو ركن من أركان الإسلام. فما أوّلت ذلك إلا بوفاة أمير المؤمنين علي. فما لبث أن ورد نعيه.

__________________

(١) الكهف : ٢٢.

(٢) في الأصل : (المقنات).

(٣) لقمان : ٦.

(٤) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب. أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، ويكنى أبا عبد الله توفي سنة ثلاث وتسعين. الطبقات لابن خياط ٢٤١ ، نسب قريش : ٢٤٣.

(٥) في التعازي للمدائني : ٤٤ أن عروة بن الزبير قدم على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد بن عروة ، فدخل محمد دار الدواب ، فضربته دابة ، فخر وحمل ميتا ، ووقع في رجل عروة الأكلة ، ولم يدع ورده تلك الليلة. فقال له الوليد : اقطعها وإلا أفسدت عليك سائر جسدك فقطعت بالمنشار وهو شيخ كبير ولم يمسكه أحد فقال : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً).

(٦) في الأصل : (محمدا).

(٧) الكهف : ٦٢.

(٨) البقرة : ٣٠.

(٩) أبو قبيس : جبل مشرف على الحرم المكي. انظر معجم البلدان : ٤ / ٣٤.

(١٠) الصفا : جبل بين بطحاء مكة والمسجد ، وهو يكوّن المكان المرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي. انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٩٧.



الباب الخامس

في

ذكر الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم ممن نطق

القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس من فنون

أغراضهم من قصصهم وتمثلوا به من أحوالهم



الباب الخامس

ذكر الأنبياء عليهم‌السلام وغيرهم ممن نطق القرآن بأخبارهم ، وما اقتبس الناس من فنون أغراضهم من قصصهم وتمثلوا به من أحوالهم.

فصل

في الاقتباس من قصة آدم عليه‌السلام

كان لآل عياش (بن) (١) أبي ربيعة عبد صالح يسمى زيادا (٢). فطلبه عمر بن عبد العزيز فأعتقه (٣). فقال : يا رب قد رزقتني العتق الأصغر في هذه الدنيا فلا تحرمني العتق الأكبر في الدار الآخرة.

ثم قدم على عمر لما ولي الخلافة فقال له عمر : يا زياد ، (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (٤). فقال : يا أمير المؤمنين إني لا أخاف عليك أن تخاف ، ولكني أخاف أن لا تخاف ، ولقد علمت أن آدم أذنب ذنبا واحدا فأخرج من الجنة وشقق الكتب (٥) ، وصيح به في الأمم : وعصى آدم ربه فغوى (٦). فالنجا ، النجا (٧).

__________________

(١) في الأصل : (عياش أبي ربيعة) والصواب ما اثبتناه وهو أخو أبي جهل بن هشام لأمه. قيل إن إسلامه كان قديما وهاجر إلى الحبشة مع المستضعفين. قتل في اليرموك. انظر الاستيعاب ٣ / ١٢٣٢ ، وانظر أيضا جمهرة نسب العرب : ٢٣٠.

(٢) في الأصل : (زياد).

(٣) في الأصل : (فاعتقده).

(٤) الأنعام : ١٥.

(٥) كذا في الأصل.

(٦) من قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) طه : ١٢١.

(٧) في الأصل : (النخا النخا).


وهذا المعنى أراد محمود بن الحسين الوراق (١) قال :

يا ساهرا يرنو بعيني راقد (٢)

ومشاهدا للأمر غير مشاهد

تصل الذنوب إلى الذنوب (٤) وترتجي

درك الجنان بها وخوف (٣) العابد

أنسيت أن الله أخرج آدما

منها إلى الدنيا بذنب واحد

قال أبو أمامة (٥) : لا شك في أن آدم كان أعقل من جميع أولاده. والله تعالى يقول :

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٦).

وقال أبو تمام :

لا تنسين تلك العهود فإنما

سميت إنسانا لأنك ناسي (٧)

وأنشدني أبو الفتح علي بن محمد البستي (٨) :

__________________

(١) محمود بن الحسن الوراق شاعر أكثر شعره في الحكم توفي نحو سنة ٢٣٠ ه‍. انظر طبقات الشعراء ٣٦٧ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٨٧ ، البيتان في مجموع شعره : ٦١ ورواية البيت الأول في القسم الثاني من الاقتباس : (ومشاهد).

(٢) في الأصل : (يربو ـ راقدي) وفي العقد الفريد (يا غافلا ترنو ..).

(٣) في الأصل : (تصل الذنوب وترتجي) وروايته في العقد الفريد ٣ / ١٧٩ وأحسن ما سمعت : ٢٥ :

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي

درك الجنان بها وفوز العابد

(٤) الأصل : (وقوف).

(٥) أبو أمامة صدى بن عجلان بن وهب من أهل الشام مات سنة ٨٦ ه‍. انظر طبقات ابن خياط : ٤٦.

(٦) طه : ١١٥.

(٧) البيت في ديوانه ٢ / ٥٧٠ من قصيدة يمدح بها أبو تمام أحمد بن المعتصم ومطلعها :

ما في وقوفك ساعة من باس

تقضى ذمام الأربع الأدراس

(٨) البيتان في ديوانه ص ٤٣.


يا أكثر الناس إحسانا إلى الناس

وأعظم الناس إغضاء عن الناس (١)

نسيت وعدك والنسيان مغتفر (٢)

فاغفر فأول ناس أول الناس

قال المأمون ليلة ليحيى بن أكثم (٣) ، وهو يريد الانصراف : بكر غدا (٤) للمساعدة على الهريسة. فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا والصبح كفرسي رهان. فلما أصبح ركب إلى دار المأمون مغلّسا (٥). فحين أخذ مجلسه بحضرته جاء الطباخ ووقف. فقال المأمون : يا يحيى أتعلم ما يعني؟ قال : لا ، يا أمير المؤمنين. قال : يعني أنه (٦) نسي من اتخاذ الهريسة بما أمرناه. فقال يحيى : لا جرم إنه يعامل بما عومل به آدم حين أخرج من الجنة (٧) ، وعوقب.

قال بعض السلف : الحسد أول ذنب عصى الله به في السماء والأرض ، أما في السماء فحسد إبليس لآدم حين امتنع عن السجود (٨) له ، وأما في الأرض فحسد ابن آدم أخاه لما قبل منه القربان (٩) حتى قتله (١٠).

__________________

(١) روايته في الأصل : (يا أكثر إحسانا إلى الناس).

(٢) في الأصل : (مفتقر).

(٣) يحيى بن أكثم كان قاضيا ومن كبار الفقهاء. روى عن سفيان بن عيينة ، وحدث عنه الترمذي. انظر ميزان الاعتدال ١ / ١٧٤ ، طبقات الحنابلة ١ / ٤١٠.

(٤) في الأصل : (عدا).

(٥) في الأصل : (مغلسا) والمغلس من الغلس وهو ظلمة آخر الليل. لسان العرب (غلس).

(٦) في الأصل : (لاته).

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) البقرة : ٣٦.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) الحجر : ٣٣ وقوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) الإسراء : ٦١.

(٩) إشارة إلى قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة : ٢٧.

(١٠) سيرد الخبر مرة أخرى في فصل الحسد.


جلس قاض في مسجد من مساجد مصر فيه ثور بن يزيد (١). فلما أخذ القاضي في (قراءة) (٢) القرآن انتهى إلى آية سجدة ، فسجد وسجد القوم فلما رفع رأسه إذا ثور لم يسجد ، فقرأ القاضي : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) (٣) (أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٤). فهرب ثور ولم يعد إلى ذلك المسجد.

وقيل : إن أول من ذكر معنى قولهم : (النار ولا العار) إبليس. فقد حكى الله تعالى عنه (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٥).

وأخذ في طريقه (٦) رافع بن الليث بن نصر بن سيار (٧) حيث قال :

النار (٨) لا العار فكن سيدا

فرّ من العار إلى النار

وتلك أخلاق كنانية (٩)

خص بها نصر بن سيار

فهن (١٠) في ليث وفي رافع (١١)

تراث جبار لجبار

__________________

(١) ثور بن يزيد الكلاعي يكنى أبا خالد أحد الحفاظ. كان صحيح الحديث. توفي سنة ١٣٥ ه‍ ميزان الاعتدال ١ / ١٧٤.

(٢) في الأصل : (القاضي) وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(٣) في الأصل : (أبا).

(٤) الحجر : ٣٠ ، ٣١.

(٥) الإسراء : ٦١.

(٦) في الأصل : (بعضهم في طريقة).

(٧) في الأصل : (ابن سيال) والصواب ما أثبتناه وهو رافع بن الليث بن نصر بن سيار ثار زمن الرشيد ودعا إلى نفسه وانتدب لقتاله هرثمة فقيل إنه قتل سنة ١٩٤ ، ١٩٥ ه‍. انظر تاريخ الطبري ٦ / ٥٠٨ مطبعة الاستقامة. الأبيات في حماسة الظرفاء ١ / ٢٠ مع بيتين.

(٨) في الأصل : (لا النار لا العار فكن سيدا).

(٩) في الأصل : (نكاية فشت بينهم) والتصويب في حماسة الظرفاء.

(١٠) في الأصل : (فهو).

(١١) في الأصل : (نافع) والصواب : رافع ، وهو المشار إليه أعلاه.


وقال بعض العلماء : إياكم والقياس فإن أول من قاس إبليس حيث قال : (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١).

وسئل بعض السلف عن شر (٢) المكاسب قال : كسب الدلالين لأنهم أكذب الناس ، ولا تتمشى (٣) أمورهم إلّا بالكذب. فأول من دلّ إبليس حيث قال لآدم : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (٤).

لما أنشد مسمع بن عاصم (٥) قول أبي (٦) نواس :

عجبت من إبليس في كبره

وخبث ما أظهر من نيته (٧)

تاه (٩) على آدم في سجدة

وصار قوادا (٨) لذريته

قال : وأبيك لقد ذهب (١٠) مذهبا.

__________________

(١) الأعراف : ١٢.

(٢) في الأصل : (شراء).

(٣) في الأصل : (يتمشى).

(٤) طه : ١٢٠.

(٥) مسمع بن عاصم ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٣ / ١٧٠ ط. السعادة له رواية في الحديث وقيل إنه لا يتابع على حديثه.

(٦) في الأصل : (أبا).

(٧) البيتان في ديوان أبي نواس ط. الغزالي : ٣١٥ وأحسن ما سمعت : ٢٦ ورواية البيت الأول في الديوان عجبت من إبليس في تيهه وروايته في أحسن ما سمعت :

عجبت من إبليس في لعنته

وخبث ما أظهر من نيته

(٨) في الأصل : (تاه عن).

(٩) في الأصل : (قوادا) والتصويب من الديوان.

(١٠) في الأصل : (اذهب).


لما مات جعفر بن محمد (١). قال أبو حنيفة لشيطان (٢) الطاق : مات إمامك (٣) فقال : لكن إمامك من (المنظرين) (٤) إلى يوم الوقت المعلوم (٥).

بلغ أبا عبد الله بن الجماز (أن) الفضل بن إسحاق (٦) نعاه فقال :

زعم الفضل بأني (٨)

قد نعاني الناعيان (٧)

نعياني (١٠) قبل وقتي

بدهور وزمان (٩)

أنا والشيخ (١١)

(و) إبليس جميعا منظران

حكى المعروف بجراب الدولة (١٢) في كتابه المنسوب إليه قال : كان لي غلام اطلعت منه على خيانة في سعيه (١٣) خبر الوظيفة ، فقرعته ووبخته (١٤). فقال لي : ألا تستح أن تتكلم

__________________

(١) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي المعروف بالصادق أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر روى عن أبيه ومحمد بن المنكدر ، وعطاء وعروة. وروى عنه خلق كثير. تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٣.

(٢) شيطان الطاق هو محمد بن علي بن النعمان البجلي بالولاء نسب إلى سوق في طاق المحامل بالكوفة كان يجلس للصرف به.

(٣) في العقد الفريد إن هذه الحادثة عند المهدي وإنه لما سمع كلام شيطان الطاق ضحك من قوله وأمر له بعشرة آلاف ج ٤ / ٤٢. والخبر في المزاح الثقيل ولعله موضوع.

(٤) في الأصل : (المنظر).

(٥) من قوله تعالى في سورة الحجر : ٣٤ ـ ٣٧ في إبليس حين أبى أن يسجد وطرده الله تعالى من الجنة (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).

(٦) الفضل بن إسحاق أبو العباس المعروف بالبزاز روى عنه أبو أحمد بن عبدوس السراج وعبد الله بن أحمد بن حنبل غيرهما. ووصف بأنه ثقة مأمون. انظر تاريخ بغداد ١٢ / ٣٦١.

(٧) في الأصل : (ثاني).

(٨) في الأصل : (الناعياني).

(٩) في الأصل : (يعياني).

(١٠) في الأصل : (بدهوز زماني).

(١١) في الأصل : (أنا والشيخ إبليس) وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(١٢) جراب الدولة واسمه أحمد بن محمد بن علوجة السجزي يكنى أبا العباس. كان طنبوريا وأحد الظرفاء المعروفين. وله كتاب في النوادر والمضاحك في سائر الفنون والنوادر. ذكره ابن النديم : ٢٢٥ في الفهرست. وفي الأصل : (المروف بجراب).

(١٣) في الأصل : (سعة).

(١٤) في الأصل : (وويحته).


في الخبر. فقلت : إن الله أخرج آدم وحواء من الجنة بسبب الخبر ، أفلا أخاصمك فيه. فخرس ، وترك عادته.

سمعت بعض المشايخ (يقول) (١) لما صرف أبو علي الحسن بن محمد البغدادي عن عمل البريد بإيلاق (٢) وأتى) (٣) بأبي محمد بن مطران الشاشي (٤) الشاعر التقيا في طريقهما ، وجمعتهما (٥) بعض المنازل. وهذا وارد (٦) وهذا صادر. فتحادثا ، وتذاكرا ، وتمازحا وتمالحا. فقال أبو علي لأبي محمد : جعل الله مقامك بإيلاق مدة حمل عرش (٧) بلقيس. وقال أبو محمد : وجعل مقامك (في) الحضرة نظرة إبليس. عنى أبو علي قول الله تعالى حكاية عن آصف (٨) (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٩) وعنى أبو محمد (١٠) قوله تعالى إبليس : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ) (١١) (الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (١٢).

__________________

(١) في الأصل : (بقوله).

(٢) إيلاق مدينة من بلاد الشاش المتصلة ببلاد الترك على عشرة فراسخ من مدينة الشاش. ياقوت ، معجم البلدان ١ / ٤٢١.

(٣) في الأصل : (وولى) وإن كانت كذلك وجب أن يكون ما بعدها أبو محمد.

(٤) في الأصل : (باب محمد المطرابي الشاش) والصواب ابن مطران شاعر مشهور من بلاد مما وراء النهر. كان الصاحب معجبا بشعره. انظر : يتيمة الدهر ٤ / ١١٤ فما بعدها.

(٥) في الأصل : (وجمعهما).

(٦) في الأصل : (أورد).

(٧) في الأصل : (العرش).

(٨) آصف : قيل إنه كاتب سليمان صلوات الله عليه دعا بالاسم الأعظم فرأى سليمان العرش مستقرا عنده. عن القاموس المحيط (أصف).

(٩) النمل : ٤٠.

(١٠) في الأصل : (أبى).

(١١) في الأصل : (يوما).

(١٢) الحجر : ٣٧ ، ٣٨.


فصل

في ذكر قصة نوح عليه‌السلام

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عترتي (١) كسفينة نوح من ركب فيها نجا. ومن تأخر عنها (٢) هلك».

ويروى أن نوحا عليه‌السلام كان يحمد الله إذا أكل ، وإذا شرب ، وإذا لبس ، وإذا نام. فأثنى عليه عند ذكره فقال : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (٣).

قال الصولي في كتاب الوزراء (٤) :

كان أول ما ارتفع به أمر (٥) أحمد بن يوسف أن المخلوع لما قتل ، أمر طاهر بن الحسين الكتاب أن يكتبوا بذلك إلى المأمون. فأطالوا فقال طاهر : أريد أحسن من هذا كله.

وأوجزه (٦). فوصف له أحمد بن يوسف فأمر بإحضاره. فحضر. وكتب (٧) :

أما بعد ، فإن المخلوع وإن كان قسيم أمير (٨) المؤمنين في النسب واللحمة (٩). فقد فرق كتاب الله بينهما (١٠) في الولاية والحرمة ، فيما اقتص علينا من نبأ نوح (١١) عليه‌السلام

__________________

(١) في ثمار القلوب ص ٢٩ : إن عترتي ، والحديث أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك ج ٣ / ١٥١ بلفظ (ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) ، ورواه الخطيب البغدادي ج ١٢ / ٩١ وأخرجه بمصادره الأميني في الغدير ج ٢ / ٣٠١.

(٢) في الأصل : (منها).

(٣) الإسراء : ٣.

(٤) الخبر في الوزراء والكتاب : الجهشياري : ٣٠٤ ، ونقله الثعالبي أيضا في أحسن ما سمعت : ٢٦.

(٥) في الأصل : (آجر).

(٦) في الأصل : (وأوجزوا).

(٧) في الوزراء والكتاب عن علي بن أبي سعيد أنه رأى محمد وقد أدخله ذو الرياستين على ترس بيده إلى المأمون فلما رآه سجد ثم أمره المأمون أن ينشئ كتابا عن طاهر بخبره ليقرأه على الناس فكتب عدة كتب لم يرضها ، واستطالها فكتب أحمد بن يوسف في ذلك كتابا.

(٨) في الأصل : (قسم).

(٩) اللحمة : القرابة.

(١٠) في الوزراء والكتاب : فقد فرق حكم الكتاب والسنة بينه وبينه.

(١١) في الوزراء ، فيما اقتص عليه من نبأ نوح.


وابنه حيث قال : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (١) ولا صلة لأحد في معصية (٢) الله ، ولا قطعية ما كانت في ذات الله.

وكتب إلى أمير المؤمنين : وقد قتل الله المخلوع وردأه ردء نكثه ووصلت (٣) لأمير (٤) المؤمنين الدنيا والآخرة ، أما الدنيا ففي (٥) رأس المخلوع. وأما الآخرة : فالبردة (٦) والقضيب والحمد لله الآخذ له ممن خان عهده ، ونكث عقده. حتى رد لأمير المؤمنين الألفة وأقام به الشريعة.

فرضي طاهر بذلك وأنفذه ، ووصل أحمد بن يوسف ، وعلا قدره ، حتى استوزره المأمون (٧).

وقرأت في كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي (٨) فصلا في هذا المعنى استحسنته جدا (٩) وهو (في ذكر من أفسد وجار) (١٠) : قد نطق الكتاب ببراءة نوح [من] (١١) ولده ،

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود : ٤٦.

(٢) في الوزراء والكتاب : ولا قطيعة ما كانت القطيعة في ذات الله.

(٣) من هنا تختلف رواية الثعالبي عن رواية الوزراء والكتاب إذ ورد فيه : واحصد لأمير المؤمنين أمره ، وأنجز له ما كان ينتظره من وعده ، فالحمد لله الراجع إلى أمير المؤمنين معلوم حقه ، الكائد له من ختر عهده ، ونقض عقده. حتى ردّ الله به الألفة بعد فرقتها ، وأحيا به الأعلام بعد دروسها ، وجمع به الأمة بعد فرقتها والسلام. وانظر الطبري ١٠ / ٢١٤ ، معجم الأدباء ٥ / ١٦٧ ، زهر الآداب ٢ / ٣٨.

(٤) في الأصل : (إلى).

(٥) في الأصل : (في).

(٦) البردة والقضيب من شارات الخلافة. والبردة هي بردة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي كان الخلفاء يلبسونها بالأعياد وعند توليهم الخلافة.

والقضيب عود كان للنبي يأخذه بيده ، وهو من تركاته وهو ثالث علامات الخلافة. فإذا تولى الخليفة جاءوه بالبردة والخاتم والقضيب. انظر : شرح الأستاذ ميخائيل عواد في تحقيقه لرسوم دار الخلافة : ٨١.

(٧) في الوزراء والكتاب ٣٠٤ فلما عرض النسخة على ذي الرياستين رجع نظره فيها. قال لأحمد بن يوسف : ما أنصفناك وأمر بصلات وكسى وكراع وغير ذلك. وقال له : إذا كان غدا فاقعد في الديوان وليقعد جميع الكتاب بين يديك. واكتب إلى الآفاق.

(٨) في الأصل : (الصاني).

(٩) في الأصل : (جيدا).

(١٠) في الأصل : (في ذكر من أفسر وبجار).

(١١) ما بين القوسين ليس في الأصل والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود : ٤٦.


وإبراهيم عليه‌السلام (من) (١) والده. ورأينا صاحب الشريعة صلوات الله عليه وصل أرحام أهله ، وقطعها بالحق. وسنّ (٢) ذلك لمن بعده من هذا الخلق. ولم يكن بجبار بقربة مولانا الملك رحما ، ولا ألصق به نسبا ، ولا أيسر عنده ذنبا ، ولا أخف جريرة ، وجرما من نوح إلى ابنه (٣) ، ومن إبراهيم إلى أبيه ، ومن أبي لهب وهو العم غير مرفوع ، وصنو الأب غير ممنوع. فما حميتهم عروق الوشيجة (٤) بينهم وبين الأنبياء المقربين من الأفعال الذميمة. ثم لم يرض الله تعالى ذكره بأن يجعل هذه القطيعة واجبة مع الخلاف في الدين حتى أوجبها مع العداوة بين الأقارب من المؤمنين فأعلمهم نصا أن من أزواجهم وأولادهم عدوا لهم (٥) فأمرهم وحذرهم من شره ، وشحنائه.

ونسب (٦) لأبي الحسين المرادي (٧) في الأمير نوح الأكبر (٨) رحمه‌الله لما رجع من بخارى بعد إنجازه منها إلى سمرقند :

إن كنت نوحا فقد لاقيت كفّارا

فلا تذر منهم في الأرض ديارا (٩)

فإن تذرهم يضلوا ثم لا يلدوا

إلّا ـ بربك ـ كفارا وفجارا (١٠)

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة الممتحنة : ٤.

(٢) في الأصل : (وشنّ).

(٣) في الأصل : (أبيه).

(٤) في الأصل : (الرشيحة) والوشيجة هي الرحم والقرابة.

(٥) نص الآية الكريمة : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن : ١٤.

(٦) في الأصل : (أنسيت).

(٧) في الأصل : (الحسن) والصواب أبو الحسن وهو محمد بن محمد المرادي شاعر من شعراء بخارى. ترجم له الثعالبي في يتيمة الدهر ٤ / ٧٤ : ٧٦.

(٨) نوح الأكبر هو نوح بن نصر بن أحمد الساماني أبو محمد أمير. كان صاحب ماوراء النهر ، وليها بعد وفاة أبيه سنة ٣٣١ ه‍.

وأقام ببخارى توفي نحو ٣٤٣ ه‍. انظر : اللباب ١ / ٥٢٣ ، وانظر أيضا : طبقات سلاطين الإسلام : ١٢٨.

(٩) البيت إشارة إلى قوله تعالى في سورة نوح : ٢٦ (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً).

وديار : أي أحد. انظر : الصحاح (دور) ، لسان العرب (دور) وأصل رواية البيت إذ كنت.

(١٠) البيت إشارة إلى تتمة الآية السابقة (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً).


غرّقهم (٢) تحت طوفان السيوف ودر

من في السفينة محمودين (١) عمّارا

إن السفينة سلطان الأمير ومن

فيها بنو الدين أعوانا وأنصارا

نوح بن نصر بن خير العالمين كما

أن المرادي خير الناس أشعارا

وقال أبو بكر هبة الله بن الحسن العلاف (٣) لفنا خسرو (٤) :

يا علم العالم في الجود

مثلك جود (٥) غير موجود

بل استوى الجود على جرمه (٦)

كما استوى الفلك على الجود

وأنشدني أبو الفتح البستي لنفسه (٧) :

لأن كدّر الدهر الخئون مشاربي

ومات أميري (٨) ناصر الدين والملك

فلي من يقيني بالإله وفضله

أمير يقيني السوء في النفس والملك (٩)

فإن ماج طوفان الخلاف فإنني (١١)

هنالك نوح واعتزالي للفلك (١٠)

__________________

(١) في الأصل : (عرفهم).

(٢) في الأصل : (ممدودين).

(٣) كذا في الأصل ، والصواب أبو بكر هبة الله الحسن بن علي بن أحمد النهرواني شاعر عاش ببغداد ونادم بعض الخلفاء ، وكف بصره. توفي نحو ٣١٨ وقيل ٣١٩ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ١ / ٣٨٠ ، ٣٨٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ٣٧٩. جمع شعره صبيح رديف ببغداد ١٩٧٤ وأخلّ المجموع بالبيتين.

(٤) (فنا خسرو) في الأصل منا خسرو وهو الملقب بعماد الدولة. أحد المغلبين على الملك في الدولة العباسية. تولى ملك فارس ثم ملك الأهواز ، وبلاد الجزيرة ، توفي نحو ٣٣٨ وقيل بشيراز. انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٧٨. وفي الأصل : (فنا خسرة).

(٥) في الأصل : (جودا).

(٦) في الأصل : (خدمه) والصواب : جرمه.

(٧) الأبيات في ديوان البستي ٥٧.

(٨) في الأصل : (أمير ناصر الدين ذا الملك).

(٩) في الأصل :

فلي من نفسي بالإله وفضله

أمين نفسي في النفس والملك

(١٠) في الأصل : (فالفلك) وهو تحريف. وروايته في الديوان : وإن جاش طوفا الهلاك فإنني

(١١) وقبله في الديوان :

ومن عددي كف الأذى وقناعتي

وصبري في هذا الزمان من الهلك


فقولوا (٢) لإخواني اطمئنوا وأبشروا

جميعا فإني والسلامة في السلك (١)

فصل

في الاقتباس من قصة إبراهيم عليه‌السلام

دخل أبو العيناء (٣) على صاعد بن مخلد (٤) بعد انقطاع كان منه. فقال له : يا أبا العيناء : ما الذي أخرك عنا؟ فقال : أيّد الله الوزير (٥) ، ابنتي. قال : كيف؟ قال : قالت لي : قد كنت تغدو (٦) من عندنا فتأتي بالخلعة السخية (٧) ، والصلة السنية ، ثم أنت (٨) الآن تغدو مسدفا (٩) وترجع مغتما صفر اليدين ، بخفي حنين (١٠) فإلى (١١) من؟ قلت : إلى (ذي الوزارتين) (١٢) إلى ذي العلا (١٣). قالت : أفيشغلك (١٤)؟ فقلت : لا. قالت : أفيعطيك؟ قلت :

__________________

(١) الأصل : (فقلوا).

(٢) روايته في الديوان :

(فقولوا لإخواني استقيموا وأبشروا).

(٣) هو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد الأهوازي من تلامذة أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري كان من الظرفاء الأذكياء ، وكان اديبا شاعرا توفي نحو ٢٨٣ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ١ / ٥٠٤ ، نكت الهميان : ٢٦٥ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٢٣ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٠٧ انظر أخباره في كتابنا (أبو العيناء الأديب البصري الظريف)

(٤) صاعد بن مخلد : وزير من أهل بغداد كان نصرانيا وأسلم وكان كثير التعبد والصدقة استكتبه الموفق ولقب بذي الوزارتين. توفي نحو ٢٧٦ ه‍. انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ٥ / ١٠١.

(٥) في الأصل : (الوزيري).

(٦) في الأصل : (تعدوا).

(٧) في الأصل : (السرية).

(٨) في الأصل : (ايت).

(٩) مسدفا من السدف وهو من الأضداد بمعنى الضوء والظلمة : أي تذهب مستبشرا متأملا الحصول على الجائزة.

(١٠) خفا حنين. مثل يضرب للخيبة وأصله إن حنينا كان إسكافيا فساومه أعرابي بخفين فاختلفا ، فأراد غيظه فألقى أحد الخفين في طريقه ثم استقام على الطريق فألقى له الآخر ، وكمن له. فلما رأى الأعرابي الخف الأول قال : ما أشبه هذا بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته. ومضى حتى انتهى إلى الآخر فأناخ راحلته ورجع ليأخذ الثاني فركب حنين راحلته ومضى بها ورجع هو إلى أهله خائبا. المستقصى ١ / ١٠٦ ، ثمار القلوب : ٣٨٥. وفي الأصل : (بخفي حسن).

(١١) في الأصل : (قالي).

(١٢) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل. وفي الأصل : (الوزارتين).

(١٣) في الأصل : (الغلاف).

(١٤) في الأصل : (فيشفعك).


لا. قالت : أفيرفع مجلسك؟ قلت : لا. قالت : يا أبتى (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (١). فضحك صاعد وأمر له بثلاث آلاف (٢) درهم. قال : ألفان لك. وألف لابنتك لئلا تضربنا بقوارع (٣) القرآن.

قال المبرد (٤) : سمعت (٥) ابن الأعرابي (٦) يقول : إذا سمعت الرجل يقول : رأيت فلانا فاعلم أنه قد عابه. فقلت : أوجد من ذلك (٧) في القرآن؟ فقال : نعم (٨). قول الله عز ذكره في قصة إبراهيم (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٩) أي يعيبهم. وفي الشعر قول عنترة :

لا تذكري فرسي وما أطعمته

فيكون جلدك مثل جلد الأجرب (١٠)

استقرض رجل (١١) الأصمعي قرضا. فقال : نعم وكرامة. ولكن سكّن قلبي برهان

__________________

(١) مريم : ٤٢.

(٢) في الأصل : (بثلاثة ألف).

(٣) في الأصل : (بحيلا يضربنا).

(٤) في الأصل : (ابن المبرد) والصواب : المبرد وهو محمد بن يزيد إمام العربية في زمانه وصاحب كتاب الكامل ت ٢٨٦ ه‍ ، انظر بغية الوعاة ١١٦.

(٥) في الأصل : (سمعني ابن الأعرابي).

(٦) ابن الأعرابي : هو أبو عبد الله محمد بن زياد أحد الرواة اللغويين المشهورين أخذ عن المفضل والكسائي ولد نحو ١٥٠ ه‍ وتوفي سنة ٢٣١. نزهة الألباء : ١٠٣.

(٧) في الأصل : (أوجدني).

(٨) في الأصل : (بعم).

(٩) الأنبياء : ٦٠.

(١٠) البيت في ديوانه : ٣٣ من قصيدة يخاطب بها امرأته التي كانت تلومه على حبه فرسه ، ولأنه يؤثره باللبن الخالص.

(١١) في الأصل : (استقرض الرجل) والرواية في ثمار القلوب : ١٩ مع تغيير بسيط.


يساوي ضعف ما تسلمته (١). فقال : سبحان الله ، إبراهيم عليه (السلام) (٢) كان واثقا بربه حين قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٣).

قال زياد في خطبته بالبصرة (٤).

والله (٥) ، لآخذن الجار بالجار ، والمقبل بالمدبر ، والقريب بالغريب. فقام (٦) إليه رجل (٧) فقال : أيها الأمير ، إن إبراهيم عليه‌السلام أدى عن الله تعالى أحسن مما قلت. قال الله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٨) ، وأنت (٩) تزعم أنك تأخذ بعضنا ببعض (١٠). وايم الله ما ذلك لك. فقال زياد : صدقت ولكني لا أصل إلى الحق حتى أخوض الباطل خوضا (١١).

__________________

(١) في الأصل : (برهان .. يسلمه).

(٢) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وقد سقطت تتمة الخبر وهي كما في ثمار القلوب فقال له : يا أبا سعيد ألست واثقا بي : فقال بللا ولكن هذا خليل الله كان واثقا بربه حين قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

(٣) البقرة : ٢٦٠.

(٤) من خطبته المعروفة بالبتراء والتي لم يحمد الله فيها ولم يصل على النبي وأولها : أما بعد فإن الجهالة والجهلاء ، والضلالة العمياء ، والفي الموفى على النار ما فيه سفاؤكم ، ويشتمل عليه حلماؤكم. البيان والتبيين ٢ / ٦٢.

(٥) في البيان والتبيين ٢ / ٦٣ : وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالولي والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر ، والمطيع بالعاصي ، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : أنج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم.

(٦) في الأصل : (بالمولى ... قام).

(٧) في البيان والتبيين ٢ / ٦٥ : أن الذي قام هو أبو بلال مرداس بن أدية وهو يهمس ويقول : أنبأنا الله بغير ما قلت فقال.

(٨) النجم : ٣٧ ، ٣٨ وبعدهما في رواية الجاحظ آية أخرى وهي : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

(٩) في الأصل : (وآيت).

(١٠) في البيان والتبيين : وأنت تزعم أنك تأخذ البرئ بالسقيم والمطيع والمقبل بالمدبر. فسمعه زياد ، فقال : إنا لا نبلغ ما نريد فيك وفي أصحابك حتى نخوض إليكم الباطل خوضا.

(١١) ورد في لسان العرب مادة (خوض) خاض الغمرات : اقتحمها.


مجاهد (١) في قوله عز ذكره : (ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) (٢). قال : قيامه عليهم بنفسه (٣).

دخل الحسين الجمل المصري (٤) على قادم من مكة ، وعنده أقوام يهنئونه ، وبين أيديهم طباق حلواء ، وليس يمد (٥) أحدهم يده إليها. فقال : يا قوم لقد أذكرتموني ضيف إبراهيم. فقالوا : وكيف؟ فقرأ : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) (٦). ثم قال : كلوا رحمكم الله ، فضحكوا من قوله ، فأكلوا ، وأكل معهم (٧).

دخل الشعبي (٨) على صديق له فلما أراد القيام (٩) قال له : لا تتفرق إلا عن ذواق. فقال الشعبي : فأتحفني بما عندك ، ولا تتكلف (١٠) لي بما لا يحضرك. فقال : أي التحفتين أحب (إليك) (١١) تحفة إبراهيم ، أم تحفة مريم؟ فقال الشعبي : أما تحفة (إبراهيم فعهدي بها الساعة

__________________

(١) هو مجاهد بن جبر مولى مخزوم من كبار التابعين بمكة أخذ العلم عن ابن عباس وروى عنه كثيرون توفي نحو ١٠٢ ه‍ أو ١٠٤. انظر : طبقات الفقهاء ـ الشيرازي : ٤٥.

(٢) الذاريات : ٢٤.

(٣) وفي ثمار القلوب : ٣٣ : ثم ما لبث أن جاء بعجل سمين فقربه إليهم قال : ألا تأكلون.

(٤) في الأصل : (الجمل المصوي) والصواب : المصري وهو الحسين بن عبد السلام يكنى أبا عبد الله. شاعر مشهور مدح الخلفاء والأمراء. وكان شرها في الطعام دنيء الثوب ولد سنة ١٧٠ وتوفي نحو ٢٥٨ ه‍. معجم الأدباء ٤ / ٧٧ وانظر : يتيمة الدهر ١ / ٤٠٠.

(٥) في الأصل : (بمد).

(٦) هود : ٧٠.

(٧) الخبر في ثمار القلوب ٣٣.

(٨) الشعبي هو عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي من همدان وكان من كبار التابعين بالكوفة ولد لست خلت من خلافة عثمان ومات سنة أربع ومائة وقيل سبع ومائة. طبقات الفقهاء الشيرازي ٦١.

(٩) في الأصل : (الداد).

(١٠) في الأصل : (ولا نتكلف).

(١١) ما بين القوسين زيادة لم تكن في الأصل.


وأريد تحفة مريم) (١). فدعا له بطبق من رطب. فإنما (٢) عنى بتحفة إبراهيم اللحم ؛ لأن في قصته (٣) (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٤) وعنى بتحفة مريم الرطب ، لأن في قصتها : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٥).

كان حامد الكاف (٦) يقول : إن المرء (٧) إذا ضاف إنسانا حدّث (٨) بسخاء إبراهيم (٩). وإذا أضافه إنسان حدث بوفد (١٠) عيسى عليهما‌السلام.

ولما قال المتوكل لأبي العيناء أتشرب معنا النبيذ (١١)؟ قال له : يا أمير المؤمنين : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ) (١٢).

__________________

(١) في الأصل : (وأما تحفة) وقد سقطت جملة ما بين القوسين. وتصويب النص من ثمار القلوب ٣٣. والخبر في الكناية والتعريض ص ٤٩ مع اختلاف في الألفاظ.

(٢) في الأصل : (فلما).

(٣) في الأصل : (قصة).

(٤) هود : ٦٩ : وفي الأصل : (حينئذ) وهو خطأ في النسخ.

(٥) مريم : ٢٥.

(٦) كذا في الأصل ولم أهتد إلى اسمه الصحيح أو إلى ترجمته.

(٧) في الأصل : (المرأى).

(٨) في الأصل : (جدث).

(٩) سخاء إبراهيم إشارة إلى قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) الذاريات : ٢٤ ـ ٢٦.

(١٠) في الأصل : (إنسان حدن بوهد) ، والقول إشارة إلى قوله تعالى في سورة المائدة ١١٢ ـ ١١٤ (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ).

(١١) في الأصل : (لدن ... البيذ).

(١٢) البقرة : ١٣٠.


لما كلّف عبد الله بن الحسن بن الحسن (١) (إبراز) ابنيه محمد (٢) وإبراهيم من مستترهما ، وأخذ بذلك أشد أخذ جعل يقول : والله إن بليتي (٣) لأعظم (٤).

في سورة الصافات. وقال : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٥) ثم قال بعد قصة الذبح : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٦) فصح أن قولك إسحاق كان بعد الذبح وقد سمى الله تعالى العم أبا إذ ذكر إسماعيل في جملة الآباء وهو عم يعقوب فقال حكاية عن أبناء يعقوب : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) (٧). والعرب تسمي العم أبا.

ويروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (ردوا علي أبي) يعني عمه العباس.

قال أبو سعيد الرستمي (٨) في دار أبي القاسم الصاحب بن عباد (٩) :

__________________

(١) عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي من العباد المعروفين وكان ذا هيبة ولسان شديد. وكانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز توفي نحو ١٤٥ ه‍ في محبسه بالهاشمية. انظر : مقاتل الطالبين : ١٣٢ فما بعدها.

(٢) في الأصل : (إيران ... محمد).

(٣) في الأصل : (بيتي).

(٤) سقطت ورقة من أصل المخطوط عند هذا الخبر مع كون الترقيم متسلسلا صحيحا.

(٥) الصافات : ١٠٢.

(٦) سورة الصافات : ١١٢.

(٧) البقرة : ١٣٣.

(٨) أبو سعيد الرستمي هو محمد بن الحسن بن محمد بن رستم من أبناء أصبهان ، ومن أصدقاء الثعالبي وعده في الطبقة الأولى من الشعراء وترجم له. انظر : يتيمة الدهر ٣ / ٣٠٠ فما بعدها.

(٩) البيتان من قصيدة طويلة مطلعها في يتيمة الدهر ٣ / ٢٠٦ :

نصبن لحبات القلوب حبائلا

عشية حل الحاجيات حبائلا


هي الدار أبناء الندى من حجيجها (٢)

نوازل في ساحاتها وقوافلا (١)

قواعد إسماعيل يرفع سمكها (٣)

لنا كيف لا نعتدّهن معاقلا

قرأت في أخبار مزبد (٤) أنه كان له ديك قديم الصحبة في داره ، وعرف بجواره. فأقبل الأضحى ، ووافق مزبد رقة الحال ، وخلو المنزل من كل خير وميرة. فلما أراد أن يغدو (٥) إلى المصلّى أوصى امرأته بذبح الديك ، واتخاذ طعام منه للعيد (٦) ، وخرج لشأنه (٧). فأرادت المرأة (أن) (٨) تأخذه ، وتفعل ما أمرها زوجها. فجعل الديك يصيح ويثب (٩) ، ويطير من جدار إلى جدار ، ويسقط من دار إلى دار ، حتى أسقط على هذا من الجيران لبنة ، وكسر لذلك (١٠) غضارة (١١) ، وقلب لآخر قارورة. فسألوا المرأة عن القصة في أخذها إياه. فأخبرتهم ، فقالوا جميعا : والله لا نرضى أن تبلغ (١٢) الحاجة بأبي إسحاق ما نرى (١٣) وكانوا هاشميين ،

__________________

(١) في الأصل : (الدار ابدا ... حجيجهما).

(٢) بعده في يتيمة الدهر ٣ / ٢٠٦ :

يزرنك بالآمال مثنى وموحدا

ويصدرن بالأموال دثرا وحاملا

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) البقرة : ١٢٧.

(٤) القصة في ثمار القلوب ٣٧٢ ، وذكر عبد السلام هارون في تحقيقه لهذا الاسم أن اسمه كثيرا ما يقع التحريف فيه. فيقال مزيد ، وهو مزبد المدائني من أصحاب النوادر والفكاهة. انظر : الحيوان ج ٥ / ١٨٤. وقد ذكر له الجاحظ عدة أخبار ونوادر.

انظر : الحيوان ٥ / ١٩٢ ، ١٩٣.

(٥) في الأصل : (يعدوا).

(٦) في ثمار القلوب ٣٧٢ : واتخاذ الطعام لإقامة رسم العيد.

(٧) في الأصل : (لسانه).

(٨) زيادة ليس في الأصل ، وفي ثمار القلوب : فعمدت المرأة لتمسكه فجعل يصبح ويثب من جدار إلى جدار ، ومن دار إلى دار.

(٩) في الأصل : (ويفعل .. ويثبت).

(١٠) في الأصل : (كذلك).

(١١) في الأصل : (عصارة). والغضار : الطين الحر ، والغضارة الصحفة المتخذة منه.

(١٢) في الأصل : (نبلغ).

(١٣) في الأصل : (ما يروى) وفي ثمار القلوب : إن يبلغ حال أبي إسحاق إلى ما نرى.


مياسير (١) ، أجوادا فبعث أحدهم بشاة وبقرة وذبحت (٢) (امرأة) (٣) شاتين. وأنفذ بعضهم بقرة. وتباروا (٤) في الإهداء حتى غصّت (٥) دار مزبد بالشياه والبقر. وذبحت (٦) المرأة ما شاءت ، ونصبت القدور (٧) ، وشجر للشواء (٨) التنور. فلما رجع مزبد (٩) إلى منزله فشاهد ما في داره (١٠) قال لامرأته : ما هذا الخصب الذي لم أعهده (١١) ، فقصت عليه قصة الديك ، وما ساق الله بسببه إليهم من الخيرات. فامتلأ سرورا ، وقال (١٢) : احتفظي بهذا الديك ، لأن الله لم يفد (١٣) إسماعيل إلّا بذبح واحد فقال : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١٤). وقد فدا (١٥) هذا الديك الشاء والبقر.

__________________

(١) في الأصل : (فكانوا ... مياسيرا).

(٢) كذا في الأصل والأرجح أن تكون وبعثت.

(٣) في الأصل : (المرأة) وفي ثمار القلوب : وبعضهم شاتين.

(٤) في ثمار القلوب : وتغالوا في الإهداء.

(٥) في الأصل : (غضبت).

(٦) في الأصل : (ود المرآة) وهو تحريف في النسخ.

(٧) في الأصل : (القرون) وفي ثمار القلوب : ونصبت القدر.

(٨) في الأصل : (الشواب).

(٩) في الأصل : (من يد).

(١٠) في ثمار القلوب : وكر مزبد راجعا إلى منزله فرأى روائح الشواء قد امتزجت بالهواء.

(١١) في ثمار القلوب : أنّى لك هذا الخير فقصت عليه قصة الديك.

(١٢) في ثمار القلوب ٣٧٣ وقال لها : احتفظي بهذا العلق النفيس وأكرمي مثواه ، فإنه أكرم على الله من نبيه إسماعيل عليه‌السلام. قالت : وكيف؟ قال لأن الله تعالى لم يفد إسماعيل إلا بذبح واحد. قال الله تعالى : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) وقد فدا هذا الديك بكل هذه الشياه والبقر.

(١٣) في الأصل : (يقد).

(١٤) الصافات : ١٠٧.

(١٥) في الأصل : (وقد).


فصل

في الاقتباس من قصة يعقوب ويوسف عليهما‌السلام

قيل للحسن البصري وقد اشتد جزعه على أخيه سعيد : أنت تنهى عن الجزع ، وقد صرت منه إلى غاية. فقال : سبحان من لم يجعل الحزن عارا على يعقوب. فجعل جوابه احتجاجا. يريد قوله عزوجل : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (١).

وقيل له : أيكذب المؤمن؟

فقال : أنسيتم إخوة يوسف (٢).

وتكلم يوما فارتفعت أصوات من حوله بالبكاء فقال :

عجّ كعجيج (٣) النساء ، وبكاء كبكاء إخوة يوسف.

قال الشعبي : حضرت شريحا (٤) وبين يديه امرأة تخاصم زوجها وتبكي.

فقلت لزوجها : يا فلان ، هذه مظلومة.

فقال : يا هذا إن إخوة يوسف (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) (٥) وهم ظالمون.

حكى الجاحظ (٦) قال :

__________________

(١) يوسف : ٨٤.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) يوسف : ١٦.

(٣) العجيج : ارتفاع الصوت والضجيج. وفي الأصل : (كعجيج النساء ولا عزم وبكاء).

(٤) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم يكنى أبا أمية من أشهر القضاة في صدر الإسلام. ولي قضاء الكوفة زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية واستعفى أيام الحجاج فأعفاه سنة ٧٧ ه‍. توفي بالكوفة نحو ٧٨ ه‍. انظر : لطائف المعارف : ١٤٠.

حلية الأولياء ٤ / ١٣٢ انظر أخباره كتاب القاضي شريح للدكتور بدري محمد فهد.

(٥) يوسف : ١٦.

(٦) الخبر في الحيوان ٦ / ٤٧٧ وفيه يقول : إن اسم الذئب الذي أكل يوسف رجحون. فقيل له : فإن يوسف لم يأكله الذئب. وإنما كذبوا على الذئب ، ولذلك قال الله عزوجل (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) قال : فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.


قال أبو علقمة : إن اسم الذيب الذي أكل يوسف دمعون. فقيل له : إن يوسف لم يأكله الذئب.

فقال : فهذا اسم الذئب الذي لم يأكله.

قيل : فينبغي أن يكون الاسم لجميع الذئاب.

وأنشد أبو عبد الله المرزباني (١) في كتاب المستنير لأبي الشيص (٢) :

وقائلة ، وقد بصرت بدمع

على الخدين منهمل سكوب (٣)

أتكذب في البكاء وأنت خلو (٤)

قديما ما جسرت على ذنوب

قميصك والدموع تجول فيه

وقلبك ليس بالقلب الكئيب

نظير قميص يوسف يوم جاءوا

على لبّاته (٥) بدم كذوب

فقلت لها : فداك أبي وأمي

رجمت بسوء ظنك بالغيوب

وكان يقال : لا تلقّن صاحبك الشر ، فاخلق به ألا (٦) تلقنه ويحتج به عليك. ألا ترى أن يعقوب عليه‌السلام قال لبنيه في شأن يوسف : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) (٧) فتلقوه (٨) من فمه. وقالوا : (يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) (٩).

__________________

(١) أبو عبد الله المرزباني وقيل أبو عبيد الله واسمه محمد بن عمران بن موسى أديب مشهور ولد نحو ٢٩٧ وتوفي نحو ٣٨٤ وقيل ٣٧٨ ه‍. انظر : معجم الشعراء (أ) فما بعدها.

(٢) أبو الشيص : هو محمد بن عبد الله بن رزين الخزاعي. وهو ابن عم دعبل الشاعر كثرت أخباره مع صريع الغواني ، وأبي نواس ودعبل. انظر : طبقات الشعراء ٢٧ فما بعدها. وقد جمع شعره عبد الله الجبوري.

(٣) الأبيات في ديوانه ق ٦ ص ٢٤ مع بيتين آخرين ورواية الشطر الثاني من البيت الأول في الديوان (منحدر سكوب).

(٤) في الأصل : (خلق). والتصويب من الديوان. وفي رواية الثعالبي في ثمار القلوب. ٣٥٠.

(٥) في الأصل : (على أبيه) وقد أثبتنا رواية ثمار القلوب. وفي الديوان : (على ألبابه).

(٦) في الأصل : (أن تلقنه). والسياق يقتضي إضافة ألا ..

(٧) يوسف : ١٣.

(٨) في الأصل : (فتلقونه).

(٩) يوسف : ١٧.


وقال الشاعر :

عليّ والله فيما لفّقوا كذبوا

ككذب أولاد يعقوب على الذيب

كتب أبو العيناء إلى أحمد بن أبي دؤاد (١) :

جعلني (٢) الله فداك ، مسّنا الضرّ ، وبضاعتنا المودة والشكر. فإن تعط أكن كما قال الشاعر :

إنّ الشهاب الذي يحمي ذماركم (٥)

لا يخمد الدهر لكن جمرة (٣) يقد (٤)

فإن لم تفعل ، فلسنا كمن يلمزك في الصدقات ، فإن (٦) يعطوا (مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) (٧).

[يقال] : من عرف بالكذب لم يجز صدقه.

وفي الأمثال السائرة : لا يقبل الصدق من الكذاب ، وإن أتى بمنطق صواب.

وفي قصة يوسف : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (٨).

__________________

(١) أحمد بن أبي دؤاد يكنى أبا عبد الله القاضي. قال عنه ابن خلكان بأنه كان معروفا بالمروءة ، والعصبية ، وله مع المعتصم أخبار مأثورة أصيب بالفالج في أول خلافة الواثق ، وتوفي سنة ٢٤٠ ه‍. وفيات الأعيان : ١ / ٦٣ ، ٦٤.

(٢) الخبر في المصون : ٨٦ وبدأ فيه بقوله : (جعلني الله فداك مسّنا وأهلنا الضر).

(٣) في الأصل : (دماءكم يحمد).

(٤) في الأصل : (صوة).

(٥) في المصون : (أنا الشهاب .. إلا ضوءه يقد).

(٦) في الأصل : (فإم لم يعطوا) وهو خطأ.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) التوبة : ٥٨. وفي المصون (وإن لم تعطنا فلسنا ممن يلزمك يسخطون).

(٨) يوسف : ١٧.


ومن أمثال العرب في حفظ السر : صدرك أوسع لسرك من دمك.

وفي قصة يوسف : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١).

قال الحسن البصري : من أحسن عبادة الله في شبيبته لقّاه الله الحكمة في اكتهاله ، كما قال الله تعالى في شأن يوسف : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٢).

نظر شيخ إلى امرأتين تتلاعبان في الطريق. فقال : إنكن صويحبات يوسف.

فقالت إحداهن : يا عم ، فمن ألقاه في غيابة الجب. نحن أم أنتم؟

قيل لأبي الحارث جميز (٣) وهو في ثياب منخرقة (٤) : ألا يكسوك محمد بن يحيى (٥)؟

فقال : لو كان له بيت مملوء إبرا وجاءه (٦) يعقوب ومعه النبيون (٧) شفعاء (٨) ، والملائكة ضمناء يطلب منه إبرة ؛ ليخيط بها قميص يوسف الذي قدّ من دبر ما أعاره إياها. فكيف يكسوني (٩)!!

__________________

(١) نفسها : ٥.

(٢) نفسها : ٢٢.

(٣) أبو الحارث جميز ، وفي الأصل (جمبن) وقد ذكره الجاحظ في البخلاء : ١٧ ، ٧٢ ، ٩٧ ، ١٩٧. وأشار إلى طائفة من نوادره وأخباره. وفي الوزراء والكتاب للجهشياري ٤٢ أبو الحارث جميز وكان ممن حظي عند محمد بن يحيى البرمكي وكان الأخير يألفه.

(٤) في الأصل : (منحرقة. والخبر في ثمار القلوب : ٣٥.

(٥) هو محمد بن يحيى بن خالد البرمكي استعمله الرشيد على الزمام ، ثم حبسه بعد مقتل جعفر ، ثم عفا عنه ، وقد برّ به الأمين والمأمون من بعده. انظر : الوزراء والكتاب ١٩٣ ، ٢٢٤ ، ٢٩٧.

(٦) في الأصل : (ابرا وجاه).

(٧) في الأصل : (الندون).

(٨) في الأصل : (شفعا).

(٩) في الوزراء والكتاب : ٢٤٢ : أن يحيى بن خالد هو الذي سأل أبا الحارث ، وأنه قال له : أنت خاص به وثوبك مخرّق ، قال : والله ما أقدر على إبرة أخيطه بها ، ولو ملك محمد بيتا من بغداد إلى النوبة مملوء إبرا ، ثم جاء جبريل ، وميكائيل ومعهما يعقوب النبي يضمنان له عنه إبرة ، ويسألونه إعارته إياها ، ليخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر ما فعل.


وقال العباس بن الأحنف (١) :

وقد زعمت جمل بأني أريدها

على نفسها تبّا لذلك من فعل (٢)

سلوا عن قميصي مثل شاهد يوسف

فإنّ قميصي لم يكن قدّ من قبل (٣)

قال المتنبي :

كأن كل سؤال في مسامعه

قميص يوسف في أجفان يعقوب (٤)

وقال أبو عثمان الخالدي (٥) للمهلبي (٦) الوزير ، وذكر معز الدولة أبا الحسن (٧) :

__________________

(١) العباس بن الأحنف من بني حنيفة. كان شاعرا ظريفا مفوها ، منشؤه بغداد. عرف بغزله الرقيق. انظر : طبقات الشعراء : ٢٥٤ ـ ٢٥٧.

(٢) روايته في ديوان العباس : ٢١٣.

وقد زعمت يمن بأني أريدها. في ثمار القلوب : وقد زعمت جمل.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) يوسف : ٢٦ ، ٢٧.

(٤) في الأصل : (كأن كل سواك) والبيت في ديوان المتنبي ١ / ٩٥ ، ويريد المتنبي بالبيت أن الممدوح يسر ويبتهج إذا سمع سؤال سائل يستجديه ابتهاج يعقوب حين شمّ قميص يوسف ، وذلك لكرمه وجوده.

والبيت من قصيدة يمدح بها المتنبي كافورا سنة أربع وأربعين وثلثمائة ومطلعها :

من الجآذر في زي الأعاريب

حمر الحلي والمطايا والجلابيب

وفي بيت المتنبي إشارة إلى قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) يوسف : ٩٦.

(٥) أبو عثمان الخالدي : هو سعيد بن هاشم شاعر وأديب ، وهو أخو محمد الذي عرف وإياه باسم الخالديين. ولهما الكتاب المشهور (الأشباه والنظائر) انظر : الفهرست : ٢٤٦ ، اللباب ١ / ٣٣٩.

(٦) المهلبي : هو الحسن بن محمد بن هارون المكنى أبا محمد من ولد المهلب بن أبي صفرة ، استوزره معز الدولة وبقي في وزارته ثلاث عشرة سنة توفي سنة ٣٥١ ه‍ ، انظر : المنتظم : ٧ ، ٩ ، ١٠. يتيمة الدهر ٢ / ٢٢٣.

(٧) معز الدولة : هو أبو الحسن أحمد بن بويه. دخل بغداد سنة ٣٣٤ ه‍ واعترف الخليفة المستكفي به ومنحه ثقته ، ولقبه أمير الأمراء فضلا عن لقب معز الدولة. انظر : طبقات سلاطين الإسلام ١٣٥.


إن غبت أودعك الإله حياضه

وإذا قدمت أباحك الترحيبا (١)

ويكون من مقة (٢) كتابك عنده

كقميص يوسف إذ أتى يعقوبا

ولأبي العباس أحمد بن إبراهيم الضبي (٣) من كتاب كتبه إلى أبي سعيد الشبيبي (٤) :

وصل كتاب شيخ (٥) الدولتين فكان في الحسن (٦) روضة حزن بل جنة عدن.

وفي شرح الصدور (٧) ، وأنس القلوب قميص يوسف إذ وافى يعقوب (٨).

قال أبو طالب المأموني (٩) لابن عباد ، وقد أحسن جدا (١٠) :

وعصبة بات فيها الغيظ متقدا

إذ شدت لي فوق أعناق الورى رتبا (١١)

فكنت يوسف والأسباط هم وأبو ال

أسباط أنت ودعواهم دما كذبا (١٢)

__________________

(١) البيتان في ثمار القلوب ٣٦ وخاص الخاص : ١٨٥ وهما في ديوان الخالديين ص ١٠٨ وفيه : (أودعك الإله حياظه).

(٢) المقة : المحبة. انظر : الصحاح (ومق) ورواية البيت في الأصل : (وبلون من ... بقميص).

(٣) أحمد بن إبراهيم الضبي يكنى أبا العباس ، وزير فخر الدولة البويهي كان من العقلاء الأفاضل توفي نحو ٣٩٨ ه‍. انظر : معجم الأدباء ١ / ٦٥ ـ ٧٤.

(٤) أبو سعيد الشبيبي : هو أحمد بن شبيب ، شاعر أديب كان جامعا بين القلم والسيف وكان مختصا بالدولة السامانية ، والدولة البويهية وسمي صاحب الجيشين. انظر : يتيمة الدهر ٤ / ٢٤٢.

(٥) في الأصل : (الشيخ). وهو تحريف ، والكتاب في ثمار القلوب : ٣٧ ، المتنبي ما له وما عليه : ٢١ ، إرشاد الأريب ١ / ٦٧. وفي ثمار القلوب : فكان رحمة الله عند أيوب عليه‌السلام ، وقميص يوسف عند أجفان يعقوب.

(٦) في الأصل : (الحبس) وأثبتنا رواية المتنبي ما له وما عليه وفي كتاب من غاب عنه المطرب (وهو الحسن).

(٧) في من غاب عنه المطرب : (وفي شرح النفس وبسط الأنس وبرد الأكباد والقلوب وقميص).

(٨) في من غاب عنه المطرب : (وقميص يوسف على أجفان) وفي إرشاد الأريب : وبسط الأنس ، وبرد الأكباد والقلوب وقميص يوسف في أجفان القلوب.

(٩) أبو طالب المأموني : هو عبد السلام بن الحسين شاعر وأديب يتصل نسبه بالمأمون العباسي. ولد ببغداد ، وتعلم فيها.

وامتدح الصاحب بن عباد ولقي بنيسابور بعض أولاد الخلفاء. انظر : يتيمة الدهر ٤ / ٨٤ ـ ١١٢.

(١٠) قال الثعالبي في خاص الخاص : ١٨٥ معلقا على البيتين بأنهما من معجزات شعره ، وقوله هذا من قصيدة في تضمين كل قصة يوسف عليه‌السلام وذكرا أيضا في أحسن ما سمعت : ٢٨.

(١١) في الأصل : (أن تبا).

(١٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) يوسف : ١٨.


وقال ابن المعتز (١) :

بنو هاشم عودوا نعد لمودة

فإنا إلى الحسنى سراج التعطف (٢)

وإلّا فإني لا أزال عليكم

محالف (٣) أحزان كثير التلهف

لقد بلغ الشيطان من آل هاشم

مبالغه (٤) من قبل (في) (٥) آل يوسف

وقال آخر :

يا شبه من كان الذي

قطّعن أيديهنّ فيه (٦)

وشبيه من بقميصه

جاء البشير إلى أبيه

لم لا ترقّ لمدنف

أسهرت ليلة ممرضيه

وقال آخر :

من كفّ يقظان الشمائل ناعس ال

ألحاظ (يفديه) (٧) الغزال الأهيف

ويروق لي ذقنّ له مستودع

جبا ومن ذى (٨) الجب يطلع يوسف

__________________

(١) الأبيات في ديوانه : ٢٧٨ (ط دمشق).

(٢) في ديوان ابن المعتز :

بنى عمنا عودوا نعد لمودة

فإنا إلى الحسنى سراع التعطف

(٣) في الأصل : (مخالف).

(٤) في الأصل : (مبالغة).

(٥) زيادة ليست في الأصل أثبتناها من رواية الديوان.

(٦) في الأصل : (يا شبه من البرق وقطن .. والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) يوسف : ٣١.

(٧) في الأصل : (يمديه).

(٨) في الأصل : (ذا). وفي القول إشارة إلى الآية الكريمة : (فِي غَيابَتِ الْجُبِ) وقوله تعالى : (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) يوسف : ١٠ ، ١٥.


ومن أحسن ما قيل في سجن يوسف ، وحسن عاقبته قول البحتري لمحمد بن يوسف (١) :

أما في رسول الله يوسف أسوة

لمثلك محبوسا على الضيم والإفك (٢)

أقام جميل الصبر (٤) في السجن برهة (٥)

فآض به الصبر (٣) الجميل إلى الملك

وقال محمد بن زيد العلوي (٦) :

وراء مضيق الخوف متسع الأمن

وأول معروج به آخر الحزن

فلا تيأسن فالله ملّك يوسفا

خزانته بعد الخلاص من السجن (٧)

__________________

(١) البيتان في ديوان البحتري ٣ / ١٥٦٧ من قصيدة مطلعها :

جعلت فداك الدهر ليس بمنفك

من الحادث المشكو والنازل المشكي

(٢) رواية البيت في الديوان :

أما في نبي الله يوسف أسوة

لمثلك محبوسا على الظلم والإفك

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) يوسف : ٣٢.

(٣) في الأصل : (صبر).

(٤) في الأصل : (نزهة) وفي أحسن ما سمعت : ٢٨ : (مدة).

(٥) في الأصل : (فاضر به الجميل إلى الملك) والصواب فآض. وهو من قولهم آض يئيض أيضا أي عاد. يقال آض فلان إلى أهله أي رجع. وروايته في أحسن ما سمعت ٢٨ :

أقام جميل الصبر في السجن مدة

فآض به الصبر الجميل إلى الملك

(وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) يوسف : ٥٦.

(٦) محمد بن زيد العلوي بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وهو المعروف بالداعي صاحب طبرستان. قتل أيام المعتضد سنة ٢٨٩ ه‍ مقاتل الطالبيين ٤٩٥.

(٧) البيت الثاني في المنتحل ٢٦٤ ، ورواية الشطر الثاني منه (خزائنه) وهي الأرجح. وفي القول إشارة إلى قوله تعالى (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) يوسف : ٥٥.


وقال أبو عبد الله الأسمى العلوي من قصيدة في مرثية الداعي (١) وتعزية ابنه المحبوس :

فلا تيأس فيوسف كان قدما

أتاه الملك في سجن البغايا

وموسى بعد ما في اليّم ألقي

حباه الله سلطانا وآيا (٢)

عوتب بعض العلماء على خطبته عمل السلطان فقال : لقد خطبه وطلبه الصديق ابن إسرائيل بن الذبيح بن الخليل عليهم‌السلام في ملك مصر. فقال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٣). أي كاتب حاسب.

٢ ـ ١٣٠ ـ ٢ لما وصف عبد العزيز بن يحيى (٤) للمأمون (٥) استدعاه ، فلما رآه قال :

إلا أني اخترتك فما أقبح (٦) وجهك؟! ..

فقال : يا أمير المؤمنين : إن حسن الوجه ليس مما ينال منه الحظوة عند (٧) الملوك. وإني سمعت الله حكى في كتابه العزيز عن يوسف قول الملك : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٨) ، ولم يقل : إني صبيح مليح. وهل سجن إلا لحسن وجهه ، وولي إلّا لعلمه؟.

__________________

(١) الداعي : هو محمد بن زيد المذكور أعلاه ، وابنه المحبوس هو زيد بن محمد الذي أسر بعد قتل أبيه وحمل إلى خراسان. مقاتل الطالبيين : ٤٩٥ ولم أهتد إلى ترجمة الشاعر ومعرفته.

(٢) آيا : جمع آية. الصحاح (أيا).

(٣) يوسف : ٥٥.

(٤) عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز الكناني المكي ، كان من تلامذة الإمام الشافعي ، قدم بغداد أيام المأمون ، وكان يلقب بالغول لدمامته ، توفي نحو ٢٤٠ ه‍. تهذيب التهذيب ٦ / ٣٦٣.

(٥) في الأصل : (المأمون).

(٦) في الأصل : (إلى ن اخترتك فافتح وتصحينا) وهو تحريف في النسخ.

(٧) في الأصل : (عبد).

(٨) يوسف : ٥٥.


فقال : أحسنت ، وأمر بإكرامه.

استأذن آدم بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (١) على يعقوب بن الربيع (٢) وهو على الشراب ، فأمر برفعه ، والإذن له. فلما دخل قال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) (٣) (٤). فأمر برد الشراب ، ونادمه (٥).

لما استقبل عبد الملك بن مروان أخاه عبد العزيز عند مشرفه من مصر ، وأثقاله على ألف حمل. سئل بعض أصحابه :

على كم كانت البداءة؟

فقال : على ثلاثمائة جمل.

(قال) : ما عير أحق أن يقال لها (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) (٦) من هذه.

فبلغ كلامه هذا عبد العزيز فقال : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) (٧).

عن عطاء الخراساني (٨) : الحوائج إلى الشبان أسهل منها إلى الشيوخ ؛ ألم تر (٩) أن يوسف قال لأخوته : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) (١٠).

__________________

(١) في الأصل : (آدم بن عبد العزيز) والصواب ما أثبتناه وهو حفيد عمر بن عبد العزيز منّ عليه أبو العباس السفاح بالعفو وحقن دمه ..

وكان ماجنا خليعا ، وكان الخليفة المهدي يقربه ويصطفيه ، الأغاني ١٤ / ٥٨ ـ ٦٠ ، طبعة ساسى جمهرة أنساب العرب : ١٠٦.

(٢) يعقوب بن الربيع بن يونس ، شاعر طريف كان أكثر شعره في رثاء جارية له اسمها ملك. وكان الرشيد يأنس به قبل الخلافة. معجم الشعراء ٤٩٧.

(٣) في الأصل : (تقلدون) وهو تحريف في النسخ.

(٤) يوسف : ٩٤.

(٥) الخبر في ثمار القلوب ٣٨ ، وسماه آدم بن عمر بن عبد العزيز خطأ.

(٦) يوسف : ٧٠.

(٧) نفسها : ٧٧.

(٨) عطاء الخراساني : هو ابن أبي مسلم واسم أبيه ميسرة وقيل : عبد الله مولى هذيل. توفي نحو سنة ١٣٣ ه‍. انظر الطبقات : ابن خياط ٣١٣.

(٩) في الأصل : (ألم ير إلى).

(١٠) يوسف : ٩٢.


و (قال) (١) أبوهم : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٢). وإنه أخّر الدعاء إلى وقت السحر (٣) ، لأن وقت السحر مرجو الاستجابة.

قال بعض الشعراء (٤) :

إن أكن مذنبا فحظي عقاب (٥)

فهب لي عقوبة التأديب

قل كما قال يوسف لبن

ي يعقوب لما أتوه (٦) لا تثريب

فصل

في الاقتباس من قصة موسى عليه‌السلام

قال لي : (أبو) (٧) نصر بن سهل بن المرزبان : هل تعرف بيت شعر فيه بشارة ، وشماته ، ومجازاة ، واعتراض ، وانفصال؟.

فقلت : لا ، ولكني أعرف آية من كتاب الله تعالى فيها خبران ، وأمران ، ونهيان ، وبشارتان.

فقال : عرّفني هذه الآية ، لأنشدك ذلك البيت.

فقرأت عليه قوله تعالى في قصة موسى عليه‌السلام : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) يوسف : ٩٨ ، وفي الأصل : (أنه هو الغفار).

(٣) في الأصل : (السجد).

(٤) في الأصل : (الشعر).

(٥) في الأصل : (فحظي خطاب) كذا في المخطوط والبيت فيه خلل.

(٦) في الأصل : (لما أبوه).

(٧) في الأصل : (نصر) والصواب أبو نصر وهو الأديب المعروف بسهل بن المرزبان من أدباء نيسابور ترجم له الثعالبي وذكر له أشعارا ومؤلفات. انظر يتيمة الدهر ٤ / ٣٩٢.


إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (١) ، فأنشدني من أبيات :

سوف نبرا ويمرضون ونجفو (٢)

فإن عاتبوا أقل ذا بذاكا

كان علي بن هشام ، أهدى جاريته صرفا إلى المأمون ، وكانت بارعة (٣) الجمال ، والغناء ، وكاتبة. وأوصاها (٤) ، أن تتجسس له أخبار المأمون ليلة ، فلما انصرف سقطت منه رقعة صغيرة وفيها : (يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ) (٥). فقال المأمون : إن في هذه تحذيرا. ولم يقف على كاتبها. فلما قتل علي انكشفت القصة ، وإذا هي رقعة صرف تحذّره (٦) مما يجري عليه.

كان موسى بن عبد الملك (٧) متحاملا على نجاح بن سلمة ، سيئ الرأي به ، شديد البغض له. فلما سلّم (٨) إليه تلف على يده في المطالبة. فقال المتوكل يوما لأبي العيناء :

ما قولك في نجاح بن سلمة؟

فقال : أقول فيه ما قال الله : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (٩).

فضحك المتوكل ، وتغير لموسى. وعلم موسى أنه أتي من أبي العيناء فتوعده بالقتل.

__________________

(١) القصص : ٧.

(٢) في الأصل : (وتجفوهم).

(٣) في الأصل : (صرف ... بادعة).

(٤) في الأصل : (وكاتبة وساطعة).

(٥) القصص : ٢٠.

(٦) في الأصل : (تخذود).

(٧) موسى بن عبد الملك الأصبهاني يكنى أبا عمران من أصحاب ديوان الخراج في الدولة العباسية. وكان من فضلاء الكتاب وأعاينهم ، وله ديوان رسائل. انظر : وفيات الأعيان ٢ / ١٤١. والخبر في نثر الدر ٣ / ٢٠٣ ، وزهر الآداب ١ / ٢٨٤ ، نكت الهميان : ٢٦٨.

(٨) في الأصل : (سلن).

(٩) القصص : ١٥.


فقال له أبو العيناء : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) (١) ، فكفّ عنه موسى ، ثم ترضّاه بمال أنفذه إليه (٢).

قال بعض السلف : إن الفرار مما لا يطاق من سير المرسلين. يعني ما كان من فرار موسى (٣).

قال بعض السلف [عن] (٤) ابن عائشة : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ؛ فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلّمه الملك الجبار.

تعرض رجل للرشيد وهو في الطواف فقال :

يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلام غليظ فاحتمله. فقال :

لا ، ولا كرامة لك. إن الله قد بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٥).

وكان يحيى بن معاذ (٦) إذا قرأ هذه الآية قال : هذا رفقك بمن يدعي الربوبية ، فكيف رفقك بمن يقرّ بالعبودية.

__________________

(١) نفسها : ١٩.

(٢) الخبر في زهر الآداب ١ / ٢٨٤ وفيه : أن قول أبي العيناء بلغ نجاح بن سلمة. وفي ذيل زهر الآداب : ٣٣٢ أن نجاح بن سلمة كان قد ضمن الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك بمال عظيم للمتوكل ، فاحتال عبد الله بن يحيى حتى تضمناه بذلك وعاد عليه الأمر ، ثم اغتاله موسى بن عبد الملك فقتله ، فبلغ الأمر المتوكل فأكبره وهمّ بالإيقاع بموسى ، فتلطف عبيد الله بن يحيى وعمه الفتح بن خاقان حتى سكن غضبه. واتفق ذلك في ولادة المعتز فاشتغل باللهو والسرور بذلك. فدخل أبو العيناء بعد ذلك على المتوكل ، وكان واجدا على موسى بن عبد الملك. فقال : ما تقول : في نجاح بن سلمة؟ قال ما قاله عزوجل (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ).

(٣) في الأصل : (القرار .. ستر .. قرار).

(٤) يبدو أن كلمة سقطت بعد قوله بعض السلف وأرجح أن تكون (عن) لأن القول منسوب إلى ابن عائشة في ثمار القلوب ٣٩ والإيجاز والإعجاز ٣٦ وابن عائشة هذا هو عبد الرحمن بن عبيد الله. وعائشة أمه هي أم محمد بنت عبد الله بن عبيد الله من تيم قريش ، أديب شاعر له شعر في هجاء أحمد بن أبي دؤاد وغيره. انظر : معجم الشعراء : ٣٣٨.

(٥) طه : ٤٤.

(٦) يحيى بن معاذ الرازي : واعظ زاهد من أهل الري أقام ببلخ ، ومات بنيسابور. توفي نحو ٢٥٨ ه‍. انظر : صفة الصفوة ٤ / ٧١ ـ ٨٠.


رأى علي بن يقطين (١) الحسين بن راشد واقفا بباب يحيى بن خالد حين مضى في حاجة له ورجع فرآه ، فقال له :

أنت (٢) واقف بباب هذا بعد؟

فقال : نعم ، وما وقف موسى بباب فرعون أكثر. فبلغ ما جرى بينهما يحيى بن خالد ، ودخل إليه ابن راشد فقضى (٣) حاجته. ثم قال خالد :

الحمد لله الذي لم يجعل معك عصا ولا جعلني أدّعي ما ادّعى فرعون ، فاستحيا ابن راشد ، ورجع.

لما حج أبو مسلم تحفّى بالحرم ، وتحفّى الناس. فقيل له في ذلك ، فقال :

سمعت الله يقول لموسى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (٤) ، وهذا الوادي أكرم من ذلك الوادي. قال الله تعالى لموسى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (٥).

قال بعض المفسرين : كانت من جلد غير زكي (٦).

قال الزهري : ليس كما قال ، بل أعلمه حق المقام الشريف ، والمدخل الكريم : ألا ترى أن الناس إذا دخلوا على الملوك كيف ينزعون نعالهم (٧) خارجا.

__________________

(١) علي بن يقطين بن موسى البغدادي مولى بني أسد كان أبوه يقطين بن موسى داعية طلبه مروان ، فهرب ، وهربت أمه به إلى المدينة ، حتى ظهرت الدولة العباسية وهو محبوس. انظر : الرجال للحسن بن داود ، ص ٢٥٣.

(٢) في الأصل : (ابت).

(٣) في الأصل : (قضى).

(٤) طه : ١٢.

(٥) نفسها. ويبدون تكرار الآية ليس من الأصل.

(٦) انظر : الكشاف ٣ / ٥٥ ، زاد المسير ٢٧٣.

(٧) في الأصل : (رجالهم).


قرأ الرشيد يوما حكاية الله تعالى عن فرعون : (يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١) ، فقال : والله لأولينّها أحدا من خدمي ، فولاها الخصيب (٢). وفيه يقول أبو نواس (٣) :

رماكم أمير المؤمنين بحيّة

أكول لحيات البلاد شروب

فإن يك باقي إفك فرعون فيكم (٤)

فإنّ عصى موسى بكفّ خصيب

وقال أعرابي لعبد الله بن طاهر :

دان لك الشام بأقطارها

وأذعن المؤمن والكافر

أنت عصا موسى التي ألقيت

تلقف (٥) ما يأفكه الساحر

وقال البحتري للمعتز بالله :

تعجّبت (٦) من فرعون إذ ظنّ أنه

إله لأنّ النيل من تحته يجري

__________________

(١) الزخرف : ٥١.

(٢) هو الخصيب بن عبد الحميد الدهقاني من ولاة مصر أيام الرشيد. له أخبار كثيرة مع أبي نواس ، وقد امتدحه الأخير : انظر أخبار أبي نواس ، ص ٣١ ، ٦٠ ، ٦٣ ، ٧٧ ، ١٢٩ ، وانظر المستطرف ١ / ٢٧٥.

(٣) البيتان في ديوان أبي نواس ٤٨٤ (ط الغزالي) أخبار أبي نواس ٣٢ مع تقديم البيت الثاني على الأول. وقيل : إن أهل مصر شغبوا على الخصيب فقال له أبو نؤاس : أنا أعفيك من قتالهم. فذهب إليهم وهم مجتمعون بالمسجد ، وألقى عليهم الأبيات فتفرقوا وقبل البيتين :

منحتكم يا أهل مصر نصيحتي

ألا فخذوا من ناصح بنصيب

ولا تثبوا وثب السفاه فتركبوا

على حد حامي الظهر غير ركوب

(٤) روايته في الديوان : فإن يك فيكم إفك فرعون باقيا. وهي الأرجح.

(٥) في الأصل : (تلطف ما يأفك).

(٦) في الأصل : (تعجب مني). البيتان في ديوان البحتري ٢ / ١٠٥٣ من قصيدة مطلعها :

حبيب سرى في خفية وعلى دعر

يجوب الدجى حتى التقينا على قدر


ولو شاهد الدنيا وعاين ملكها (١)

لقلّ لديه ما يكنّز من مصر

ولما وقف عبد الله بن طاهر على مصر قال :

اخزى الله فرعون ، فما كان أخسه وأدنى همته. ملك هذه القرية فقال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢) والله لا دخلتها ترفعا عنها.

قال (أبو) الحسن بن ناصر العلوي :

كان حالي لما أتى

وداع (٣) الحبيب وقلبي وجب

يمين ابن عمران عند العصا

وقد حوّلت حية تضطرب

وقال بعض الظرفاء :

قل لمن يحمل العصا

حيث أمسى وأصبحا (٤)

ما حوتها يد امرئ

بعد موسى فأفلحا

أبدع ما قال ابن الرومي (٥) :

مديحي عصا موسى وذلك أنني

ضربت به بحر الندى فتضحضحا (٦)

__________________

(١) روايته في الديوان : ولو شاهد الدنيا وجامع ملكها .. ما كثر.

(٢) النازعات : ٢٤.

(٣) روايته في الأصل : (كان لما أتت وداع الحبيب).

(٤) البيتان منسوبان لأبي الطيب الشعري من أهل الشام كما في ثمار القلوب ٣٩.

(٥) الأبيات في ثمار القلوب ٣٩ وفي ديوان ابن الرومي ٢ / ٧١ (ط محمد شريف سليم) من قصيدة طويلة قالها في إسماعيل بن بلبل ومطلعها :

عقيد الندى أطلق مدائحجمة

حبائس عندي قد أنى أن تسرّحا

(٦) تضحضح : أي ترقرق. الصحاح (ضحح) والبيت إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) البقرة : ٦٠.


فيا ليت شعري إذ ضربت به الصّفا

أيبعث لي منه جداول سيّحا

كتلك التي أبدت ثرى الأرض يابسا

وأبدت عيونا في الحجارة سفّحا (١)

سأمدح بعض الباخلين لعله

إن اطّرد المقياس أن يتمسحا

ولو لم يفترع إلّا هذا المعنى البكر (٢) ، لكان من أشعر الناس ، إذ شبّه مديحه بعصا موسى التي ضرب (بها) (٣) البحر فيبس ، فضرب بها الحجر فانبجس (٤) ، وذلك أن ابن الرومي مدح جوادا فبخل ، فقال سأمدح بخيلا (٥) لعله أن يجود (٦) على هذا القياس.

لما فلج أحمد بن أبي دؤاد وكسر (٧) لسانه ، قال فيه أبو السمط :

ما ضرّ أحمد من كسر اللسان وقد

أضحت إليه أمور الناس يمضيها (٨)

موسى بن عمران لم ينقص نبوته

كسر اللسان لأحكام يقضّيها

بل كان أدّى على عيّ بمنطقه

رسائل الله بالآيات يبديها

لسان أحمد سيف مسّه طبع (٩)

من علّة وشفاء الله جاليها

__________________

(١) في الأصل : (كهلك التي أبدت قرى يابسا) والبيت إشارة إلى قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) البقرة : ٧٤.

(٢) في الأصل : (لو لم يقترع إلا هذا المعنى الذكر).

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) انبجس : أي انفجر.

(٥) في الأصل : (نخيلا).

(٦) في الأصل : (يجوز).

(٧) في الأصل : (أحمد بن داود بكسر) وقد ذكر الثعالبي في كتاب ثمار القلوب ، ص ١٦٣ ، أن فالج أحمد بن أبي داود ضرب به المثل ، لأنه كان قاضي قضاة المعتصم ، والواثق وكان من الشرف والكرم بالمنزلة العالية ، وكان مصروف الهمة إلى استبعاد الأحرار وغرضا لمدائح الشعراء. ولما أصابته عين الكمال فلج فصار ، فالجه مثلا في أدواء الأشراف وعاهاتهم.

(٨) يمضيها : أن ينفذها ، لسان العرب (مضا).

(٩) الطبع : الصدأ ، الصحاح (طبع).


قيل لأبي العيناء : ما تقول في مالك بن طوق (١)؟ قال : لو كان في زمان بني إسرائيل ، ونزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره (٢).

لما شكا أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان (٣) اختلال حاله ، لتأخر أرزاقه. قال له:

ألم نكن (٤) كتبنا إلى ابن المدبر (٥) فما فعل في أمرك شيئا؟

قال : نعم ، كتبت إلى رجل قد قصّر من همته طول الفقر ، وذلّ الأسر (٦) ومعاناة محن الدهر فأخفقت (٧) ، وما ألححت.

فقال : أنت اخترته يا أبا العيناء.

قال : وما علي! (٨) قد (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) فما كان فيهم رجل رشيد (٩) فأخذتهم الرجفة. وقد اختار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن أبي (١٠) سرح كاتبا ، فلحق

__________________

(١) في الأصل : (ملك البرطوق) وهو تحريف في النسخ. ومالك هذا هو مالك بن طوق بن عتاب التغلبي ، يكنى أبا كلثوم أمير من أشراف الفرسان والأجواد كان فصيحا. وله شعر توفي نحو ٢٩٥ ه‍ انظر : الأعلام ٦ / ١٣٧.

(٢) الخبر في وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ ، زهر الآداب ١ / ٢٨٤ ، وذيل زهر الآداب ٢٣٤ وفيه : لو كان في زمن بني إسرائيل ونزل ذبح البقرة ما ذبح غيره. قيل فأخوه عمر؟ قال : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً).

(٣) في الأصل : (عبيد الله بن سلمان) وهو تحريف. ويعرف بابن وهب يكنى أبا القاسم وزير من أكابر الكتاب استوزره المعتمد العباسي والمعتضد واستمرت وزارته عشر سنين توفي نحو ٢٨٨ ه‍ انظر : فوات الوفيات ٢ / ٢٧. والخبر في زهر الآداب ١ / ٢٨٦ ووفيات الأعيان ٤ / ٣٤٤ ، أخبار الأذكياء : ٨٨ ، أخبار الظراف ٧٣ ، معجم الشعراء ٧ / ٦١.

(٤) في وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ : أليس قد كتبت إلى إبراهيم بن المدبر.

(٥) في الأصل : (ابن المدني) وهو تحريف وابن المدبر هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن المدبر ، وزير من الكتاب المترسلين الشعراء ، استوزره المعتمد لما خرج من سامراء يريد مصر سنة ٢٦٩ ه‍. توفي ببغداد نحو ٢٧٩ ه‍. إرشاد الأريب ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

(٦) علّق ابن خلكان على الخبر بأن أبا العيناء إنما ذكر ذل الأسر ، لأن إبراهيم المذكور كان قد أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة ، وسجنه ، فنقب السجن وهرب. وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦.

(٧) في زهر الآداب ١ / ٨٦ : فأخفقته مني طلبتي ، وفي وفيات الأعيان ٣ / ٤٦٦ : فأخفق سعي وخابت طلبتي.

(٨) في وفيات الأعيان : فقال : وما عليّ أيها الوزير في ذلك وقد اختار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن أبي سرح كاتبا ، فرجع إلى المشركين.

(٩) في الأصل : ألحان والكلام اقتباس من قوله تعالى في سورة الأعراف : ١٥٥ (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ).

(١٠) ابن أبي سرح : هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أسلم قبل الفتح ، واستكتبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان يكتب موضع الغفور العزيز الحكيم وأشباه ذلك ، فأطلع عليه النبي ، فهرب إلى مكة مرتدا ، فأهدر النبي دمه ثم أسلم وحسن إسلامه ، وولي مصر سنة ٢٤ ه‍ فأقام عليها إلى أن حصر عثمان. ومات بالشام. التنبيه والأشراف : ٢٤٦ ، زهر الآداب ١ / ٣٤٤.


بالمشركين مرتدا ، واختار علي رضى الله عنه أبا موسى الأشعري حاكما فحكم عليه.

ورئي (١) بعض الظرفاء ... (٢) في قرية.

فقيل له (٣) : ما تصنع؟

فقال : ما صنع موسى والخضر ، يعني قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) (٤).

فصل

في قصة داود عليه‌السلام

لما خطب زياد خطبته البتراء (٥) فاستحسنها السامعون. قام إليه رجل وقال (٦) :

أشهد أيها الأمير ، أنك قد أوتيت الحكمة وفصل (٧) الخطاب.

فقال له : كذبت ، ذلك داود عليه‌السلام.

سئل أبو قرة الهاشمي (٨) بين يدي المأمون عن خصمين اختلفا يجوز أن يكون كلاهما محقين؟ فقال : لا ، قيل (٩) : فإن (١٠) أحدهما مدع للباطل لا محالة. قال : بلى. قيل :

__________________

(١) في الأصل : (وروى).

(٢) كلمة لن نتبين قراءتها.

(٣) في الأصل : (فقيل لها).

(٤) الكهف : ٧٧.

(٥) ذكر الجاحظ في البيان والتبيين ٢ / ٦١ : أن زيادا قدم البصرة واليا لمعاوية ابن أبي سفيان فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها ولم يصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل قال الحمد لله على أفضاله وإحسانه ، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه ، اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا.

(٦) في البيان والتبيين ٢ / ٦٥ : أن الذي قام لزياد وقال القول المذكور هو عبيد الله بن الأهتم. وفي ذيل الآمالي ١٨٥ أنه صفوان ابن الأهتم.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى في نبي الله داود : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) ص : ٢٠.

(٨) ذكره الجاحظ في البيان والتبيين ٢ / ١٠٤.

(٩) في الأصل : (قل).

(١٠) في الأصل : (فليس .. مدعيا).


أليس قد اختصم علي والعباس إلى أبي بكر في ميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن كان المخطئ منهما ، ومن المحق (١). فقال أبو قرة : لا أزعم أن واحدا منهما كان مخطئا ، وأقول إنهما في ذلك مثل جبريل وميكائيل حين دخلا على داود عليه‌السلام فقالا : (خَصْمانِ بَغى) (٢) (بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) (٣) وما كانا (٤) مخطئين ، لأنهما يعلمان (٥) داود ظلمه ، وأنه نقل ما ليس له.

ولما باع البحتري غلامه (٦) نسيما (٧) إبراهيم بن الحسن بن سهل (٨) ، ثم ندم على بيعه وسأله الإقالة ، (٩) فلم يفعل كتب له قصيدة منها :

أبا الفضل في تسع وتسعين نعجة

غنى لك عن ظبي بساحتنا فرد (١٠)

أتأخذه مني وقد أخذ الجوى

مآخذه مما أسرّ وما أبدي (١١)

__________________

(١) في الأصل : (قل).

(٢) في الأصل : (بغوا).

(٣) ص : ٢٢.

(٤) في الأصل : (يكونا).

(٥) في الأصل : (يعلما).

(٦) في الأصل : (غلاما).

(٧) في الأصل من وهي زيادة لا موجب لها.

(٨) إبراهيم بن الحسن بن سهل ذكره الصولي في أخبار البحتري وذكر أن البحتري باعه غلامه نسيما وأنه كان أصدق الناس للبحتري ، انظر : أخبار البحتري : ١٢٧.

(٩) الإقالة : الفسخ في البيع. يقال أقلته البيع إذا فسخته. انظر : الصحاح ، لسان العرب (قيل).

(١٠) البيتان في ديوان البحتري ١ / ٥٣ من قصيدة مطلعها :

دعا عبرتي تجري على الجور والقصد

أظن نسيما قارف الهجر من بعدي

(١١) في الأصل : (فيما استسر وأبدى).


فصل

في قصة سليمان عليه‌السلام

قال بعض العلماء :

العلم آلة يرتفع بها الصغير على الكبير ، والمملوك على المالك. ألا ترى الهدهد وهو (من) (١) محقرات الطير (٢) قال لسليمان (٣) وهو الذي أقلّ ملكا (٤) لا ينبغي لأحد من بعده :

(أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٥). قيل في قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) (٦) أي لأفرّق بينه وبين إلفه.

قال أبو الشيص في جارية (٧) يقال لها هدهد (٨) :

لا تأمننّ على سرّي وسرّكم

غيري وغيرك أو طيّ القراطيس

أو طائرا ساجليه وابعثيه

ما زال (٩) صاحب تدبير وتحسيس (١٠)

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : (الطين) والصواب أنه من محقرات الطير.

(٣) في الأصل : (سليمان).

(٤) في الأصل : (مكأ) وهو تحريف في النسخ وفيه إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ص : ٣٥.

(٥) النمل : ٢٢.

(٦) نفسها : ٢١.

(٧) في الأصل : (جارته).

(٨) الأبيات في أشعار أبي الشيص : ٦٩ ، نثار الأزهار : ٨٥.

(٩) في الأصل : (ماء الصاحب) وهو تحريف ، وفي أشعار أبي الشيص ما زال صاحب تنقير وتأسيس ، وتحسس من تحسست الشيء إذا تخبرت خبره ، الصحاح (حسس).

(١٠) في الأصل : سأحليه وأنعته في نثار الأزهار : ٨٥ :

أو طائر ساجليه وابعثيه لنا

ما زال صاحب تبيين وتأسيس


سود براثنه ميل ذوائبه

صفر حمالقه في الحسن مغموس (١)

قد (٢) قد كان همّ سليمان ليذبحه

لو لا سعايته في ملك بلقيس

لما سار عبد الله بن طاهر (٣) إلى مصر لمحاربة (عبيد الله بن السري) (٤) المتغلب عليها منعه ابن السري (٥) (من) (٦) دخولها. ثم بعث إليه ليلا بألف وصيف (٧) ووصيفة ، مع كل واحد وواحدة ألف دينار في كيس حرير فأمر بردّها. وقال للرسول (٨) :

قل لمرسلك : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (٩)

__________________

(١) في الأصل : (صما حماليقه) وهو خطأ في النسخ والتصويب من نثار الأزهار : ٨٥٠ :

سود ترائبه ميل ذوائبه

صفر حماليقه في الحبر مغموس

(٢) في الأصل : (فقد كان) ورواية الشطر الثاني في نثار الأزهار : لو لا سياسته في ملك بلقيس.

(٣) عبد الله بن طاهر كان واليا على الدينور ، ثم على خراسان ثم الشام ومصر ، وكان المأمون كثير الاعتماد عليه ، توفي نحو ٢٢٨ أو ٢٣٠ ه‍ بمرو. انظر وفيات الأعيان ٢ / ٢٧١.

(٤) في الأصل : (عبد الله بن البيسرى) والصواب ما أثبتناه وعبيد الله بن السري كان قد خرج على الخلافة العباسية ، وجمع جموعا من أهل الأندلس ، وتغلبوا على الإسكندرية وسار إليه عبد الله بن طاهر ، وقضى على حركته. انظر : الكامل ابن الأثير ٦ / ٣٩٧ ، ط صادر.

(٥) في الأصل : (ابن اليسرى).

(٦) زيادة ليست في الأصل.

(٧) في الكامل : وأنفذ إليه ألف وصيف ووصيفة.

(٨) في الكامل ٦ / ٣٩٧ : أنه قال للرسول : أرجع الهدايا وكتب إلى عبد الله بن طاهر لو قبلت هديتك نهارا لقبلتها ليلا (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) قال : فحينئذ طلب الأمان.

(٩) النمل : ٣٦ ، ٣٧.


فلما أبلغه الرسول ذلك طلب الأمان فأمنه على نفسه ، وأهله وماله ، ففعل. وكتب إليه :

أخي أنت ومولاي

ومن أشكر نعماه

فما أحببت من شيء

فإني (١) الدهر أهواه

وما (٢) تكره من شيء

فإني لست أرضاه

لك الله على ذاك

لك الله لك الله

قال الحسن البصري :

ما أنعم الله على عبد نعمة إلّا وعليه منة سليمان عليه‌السلام فإن الله تعالى قال له : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣).

لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم :

إنك قد هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها. فإن كان حقا فقد أخطأ أبوك ، وإن كان باطلا ، فقد أخطأت أنت في مخالفته (٤).

فكتب إليه :

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) (٥).

قال جحظة البرمكي في الغزل :

__________________

(١) في الأصل : (فان).

(٢) في الأصل : (ومن).

(٣) ص : ٣٩.

(٤) في الأصل : (خالفته).

(٥) الأنبياء : ٧٨ ، ٧٩.


يا قريب المزار نائي اللقاء

ومريض الجفون من غير داء (١)

هب لعيني من الكرى قدر ما

أمهل ذو الجنّ يوم عرض سباء

فصل

في قصة يونس عليه‌السلام

جاء (٢) رجل إلى مزبّد فقال : أحب أن تخرج معي في حاجة (٣) لي. فقال :

هذا يوم الأربعاء (٤) ، ولست أبرح من بيتي.

فقال له الرجل : وما تكره من يوم الأربعاء وفيه ولد يونس بن متى؟

فقال : لا جرم ، بانت (٥) بركته في اتساع موضعه في بطن الحوت ، وحسن كسوته من ورق اليقطين (٦).

قال : وفيه ولد يوسف أيضا. قال :

فما أحسن ما فعل به إخوته حتى طال حبسه وغربته.

وقال : وفيه أوحى الله تعالى إلى إبراهيم. قال :

فكيف رأيت (٧).

__________________

(١) البيتان غير موجودين في ديوان جحظة (جحظة البرمكي الأديب الشاعر) للدكتور مزهر السوداني المنشور سنة ١٩٧٧.

(٢) الخبر في ثمار القلوب : ٥٢٢.

(٣) في ثمار القلوب : ٥٢٢ : أحب أن تخرج معي وتصل حاجتي في حاجة لي.

(٤) في ثمار القلوب ٥٢٢ : هذا يوم الأربعاء استثقله ولست أبرح من منزلي.

(٥) في الأصل : (ثابت) وفي ثمار القلوب : (وقد باتت بركته في اتساع موضعه ، وحسن كسوته حتى وصل على ورق القرع.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ) الصافات : ١٤٢ ، ١٤٣.

(٧) في ثمار القلوب : ٥٢٢ : قال فما كان أبرد الأتون الذي أوقدوه له ، حتى خلّصه الله تعالى منه. وقد سقطت هذه العبارة من نص الاقتباس.


قال : وفيه نصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأحزاب (١).

قال نعم ، ولكن بعد (٢) (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) (٣).

وقال يوسف بن أبي الساج (٤) في حبس المقتدر :

ولست بهيّاب المنية إذ أتت

ولكنني رهن التأسف والأسى

وإني لأرجو أن أؤوب مسلما

كما سلم الرحمن في اللّج يونسا

فصل

في شأن عيسى عليه‌السلام

لما قام المستعين أمر عيسى بن فرخنشاه (٥) أبا علي البصير أن يعمل قصيدة في المستعين يحرضه بها على عقد البيعة (٦) لابنه العباس فقال قصيدة منها (٧) :

بك الله حاط (٨) الدين واحتاط أهله

من الموقف الدحض الذي مثله يردي

__________________

(١) في ثمار القلوب : (يوم الأحزاب).

(٢) في الأصل : (بمر).

(٣) الأحزاب : ١٠ ، ١١ ، وبعدهما في ثمار القلوب. فهذا يوم الأربعاء عامة ، وأما الأربعاء التي لا تدور فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (آخر أربعاء من الشهر نحس مستمر).

(٤) في الأصل : (السياح) والصواب ما أثبتناه وهو أمير من كبار قواد الدولة العباسية ، قلده المقتدر نواحي المشرق سنة ٣١٤ ه‍.

قتل سنة ٣١٥ ه‍ انظر الكامل في التاريخ : حوادث سنة ٣١٥ ه‍.

(٥) كذا في الأصل : (بن فرخا) وفي الطبري : عيسى بن فرخنشاه وهو الذي ولّاه الخليفة المستعين ديوان الخراج بعد قتل أوتامش ، وعزل الفضل بن مروان ، وأثبته المسعودي في مروج الذهب ٧٠ عيسى بن فرحنشاه.

(٦) في الأصل : (العينة).

(٧) الأبيات في مروج الذهب ٤ / ٧٠ وهي في أشعار أبي علي البصير : مجلة المورد العددان الثالث والرابع ١٩٧٢.

(٨) في الأصل : (حفظ) وهو تحريف ، والصواب : (حاط) وكذلك رواية المسعودي.


فولّ ابنك العباس عهدك إنه

له موضع واكتب إلى الناس بالعهد

فإن خلّفته (١) السّن فالعقل بالغ

به رتبة الشيخ الموفق للرشد

فقد (٢) كان يحيى أوتي الحكم مثله

صبيا وعيسى كلّم الناس في المهد

فلما عرضت على المستعين قال : لا برّأني الله (٣) ، وأنا أجعل العهد إلى من لعل الناس يحتاجون إليه في الوقت ، فلا يطيق القيام بأمورهم ، ولكن إن عشنا وكبر قليلا فعلت ذلك إن شاء الله.

كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

أما بعد فإنّ رسلي أخبروني أنّ عندكم شجرا تحمل مثل أذواب (٤) الخمر ، ثم ينفلق عن مثل اللؤلؤ الأبيض ، ثم يصير كالزمرد الأخضر ثم يصير كالياقوت الأحمر ، ثم ينضج كالعسل فيكون عصمة للمقيم ، وزادا للمسافر ، فلئن صدقوا : إن هذه من شجر (٥) الجنة.

فكتب إليه عمر :

أما بعد فإن رسلك صدقوك. هي شجرة عندنا يقال لها النخلة ، وهي التي أنبتها الله ، ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله ، فإن الله مثّل عيسى كمثل آدم : خلقه من تراب ، ثم قال له : كن فيكون.

أنشد ابن خالويه (٦) :

ألم تر أن الله قال لمريم

وهزّي إليك النخل يسّاقط الرّطب (٧)

__________________

(١) في الأصل : (فقته).

(٢) في مروج الذهب : (لقد).

(٣) في الأصل : (تراني).

(٤) في الأصل : (أذاب) والأذواب والأذوابة ما في أبيات النحل من العسل ، انظر : الصحاح ، لسان العرب مادة (ذوب).

(٥) في الأصل : (شحرة).

(٦) ابن خالويه : هو الحسين بن أحمد بن خالويه ، يكنى أبا عبد الله ، لغوي نحوي مشهور ، كانت له مع المتنبي مجالس ومباحث. عهد إليه سيف الدولة بتربية أولاده توفي نحو ٣٧٠ ه‍ ، نزهة الأباء : ٢١٤ ، لسان الميزان ٢ / ٢٦٧ ، غاية النهاية ١ / ٢٣٧.

(٧) البيتان في ثمار القلوب ٤٧٠ قبله في أحسن ما سمعت : ٣١ : توكل على الرحمن في طلب العلا.

توكل على الرحمن في طلب العلا

ودع عنك قول الناس في تركك الطلب

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) مريم : ٢٥.


ولو شاء أن تجنيه من غير هزّها

جنته ، ولكن كلّ شيء له سبب (١)

وقال أبو بكر الخوارزمي (٢) من قصيدة (٣) :

وما كنت في تركيك إلا كتارك

طهورا وراض بعده بالتيمم (٤)

وذى خلّة (٥) يأتي عليلا ليشتفي

به وهو جار للمسيح ابن مريم

وقال أيضا لأبي أحمد الحسين بن المتكافي :

يقولون سعر البر (٦) يخشى ارتفاعه

وإن خانت الأيام عهدا فربما

فقلت سواء (٧) رخصه وغلاؤه

إذا عاش لي الشيخ الحسين مسلّما

وكيف (٨) أبالي بالطبيب وبالرقى

إذا كنت جارا للمسيح ابن مريما

__________________

(١) روايته في ثمار القلوب : ٤٧٠ :

ولو شاء أن تجنيه من غير هزة

جنته ولكن كل رزق له سبب

(٢) أبو بكر الخوارزمي : محمد بن العباس ، أحد الشعراء العلماء المترسلين ولد سنة ٣٢٣ توفي سنة ٣٨٣ ه‍. انظر أخباره في يتيمة الدهر ٤ / ١٩٤ فما بعدها.

(٣) البيت من قصيدة طويلة في اليتيمة ٤ / ٢٠٥ وهما في ثمار القلوب : ٦٠ ، احسن ما سمعت : ٢٦.

(٤) روايته في ثمار القلوب : ٤٧ :

وقد كنت في تركيك لي مثل تارك

طهورا وراض بعده بالتيمم

وفي البيت إشارة إلى الآية ٥٩ من سورة آل عمران.

(٥) كذا في الأصل ، وفي ثمار القلوب ، وكذلك أحسن ما سمعت : ٣١ وذي علة. وهي الرواية التي نرجحها لأن (خلة) على الأرجح محرفة عن علة التي يقتضيها سياق الكلام. وبعد البيت الأول في ثمار القلوب :

وراوي كلام يقتفى إثر باقل

ويترك قسّا جانبا وابن أهتم

(٦) البر : جمع برة من القمح. اللسان ، الصحاح (برر).

(٧) في الأصل : (سوا رخصه وغلاه).

(٨) في الأصل : (وليف) والرقى : التمائم.


فصل

في قصص لهم عليهم‌السلام

قال بعض السلف :

إن الله تعالى يحتج بأربعة على أربع ، يحتج بسليمان على الأغنياء ، وعلى العبيد بيوسف ، وعلى المرضى بأيوب ، وعلى الفقراء بالمسيح عليهم‌السلام.

لما همّ المنصور بهدم دور المدينة ، وإحراق نخلها عند خروج إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن. فقال له جعفر بن محمد :

يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف قدر فغفر. فاقتد بمن شئت منهم.

فقال : حسبك. ونقض عزمه (١).

لما قال المتوكل لأبي العيناء (٢) : إلى كم تمدح الناس ، وتذمهم؟

قال : يا أمير المؤمنين ، ما أحسنوا ، وأساءوا. وهذه آيات تعلمتها من الله تعالى ، فإن رضي عن عبد مدحه ، وأطراه ، و (إن) سخط على آخر شتمه ورماه (٣).

__________________

(١) الخبر في الأمالي ابن الشجري : ٢٧٧ وفيه قول عن أبي الفضل بن الربيع وهو : أن المنصور لما قدم المدينة قال ابعث إلى جعفر بن محمد العلوي ـ يعني الصادق ـ ومن يأتيني به قال : فأمسكت عنه ، لكي ينساه قال : ألم آمرك أن تبعث إلى جعفر بن محمد العلوي وأن تأتيني به قتلني الله إن لم اقتله ، فأمسكت عنه ، لكي ينساه فقال لي الثالثة واغلظ لي : ألم آمرك أن تبعث إلى جعفر بن محمد العلوي به. قتلني الله إن لم أقتله ، فبعثت إليه فجاء ، فدخلت عليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين جعفر بن محمد بالباب ، فأذن له ، فدخل. فلما دخل قال جعفر : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال له أبو جعفر : لا سلام عليك يا عدو الله ، تلحد في سلطاني ، وتبغي الغوائل في ملكي ، قتلني الله إن لم أقتلك. فقال له جعفر : يا أمير المؤمنين إن سليمان بن داود أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وأنت الصالح. فأطرق طويلا فمد يده فصافحه حتى أجلسه على مفرشه ...

(٢) الخبر في الديارات ٥٨ ، الأمالي للمرتضى ١ / ٢٩٩ زهر الآداب ١ / ٢٨١ ، ذيل زهر الآداب ٣٣٢ ، مروج الذهب ٤ / ١٤٧ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٤٥ ، نور القبس ٢ / ٣٨٨ مع اختلاف في ألفاظه.

(٣) في الأصل : (وزناه) وهو إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) القلم : ١٠ ـ ١٣.


قال : وكيف؟

قال : قال : في أيوب (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١). وفي الوليد بن المغيرة (٢) (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (٣) والزنيم الملحق بالقوم وليس منهم.

لبعض العرب :

لها حكم لقمان وصورة يوسف

ومنطق داود وعفّة مريم (٤)

ولي سقم أيوب وغربة يونس

وأحزان يعقوب ووحشة آدم

فصل

في قصص القرآن

قال ابن السماك (٥) :

طلبت المال ففكّرت في قارون ، ثم طلبت الرئاسة ، ففكرت في فرعون ، ثم طلبت الجلادة (٦) ، ففكرت في عاد ، ثم طلبت الزهد ، ففكرت في بلعم بن باعور (٧) ثم ما رأيت شيئا يقرّب إلى الله تعالى كقلب ورع ، ولسان صادق ، وبدن صابر.

__________________

(١) ص : ٤٤.

(٢) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم من زعماء قريش وألدّ أعداء الإسلام في بدء الدعوة الإسلامية. وهو الذي نزلت فيه الآية الكريمة المذكورة أعلاه. جمهرة أنساب العرب : ١٤٤ ، ١٤٧.

(٣) في الأصل : (زيم) والآية من سورة القلم : ١٣.

(٤) النص في ثمار القلوب ٤٤ وفيه : (ونغمة داود وعفة مريم).

(٥) ابن السماك هو أبو العباس محمد بن صبيح مولى بني عجل الكوفي الزاهد المشهور كان حسن الكلام ، وصاحب مواعظ ، لقي جماعة من الصدر الأول توفي بالكوفة سنة ١٨٣ ه‍. الكنى والألقاب ١ / ٣١١.

(٦) الجلادة : الصلابة والبأس.

(٧) في الأصل : (ناعور) والصواب بلعم بن باعور ، وهو رجل يذكر في قصة موسى عليه‌السلام ، ويذكر بأنه كان رجلا قد آتاه علما ، ثم جحد بنعمة ربه. انظر : تاريخ الطبري ١ / ٢٢٦.


لما أراد عمر بن عبد العزيز نفي الفرزدق لفسق ظهر عليه منه أجلّه ثلاثا.

فقال الفرزدق :

أتنهرني وتوعدني ثلاثا

كما وعدت لمهلكها ثمود (١)

فبلغ ذلك الخبر جريرا (٢) ، فشمت به وقال :

وسمّيت نفسك أشقى ثمود (٤)

فقالوا : هلكت ولم تبعد (٣)

وقد أجّلوا (٥) حين حلّ العذاب

ثلاث ليال إلى الموعد

قيل للربيع بن خثيم في مرضه : ألا ندعو لك طبيبا فقرأ : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) (٦) وقد كان فيهم أطباء ، فما المداوي بقي ولا المداوى ، هلك الباعث والمبعوث.

__________________

(١) روايته في ديوان الفرزدق ١ / ١٨٤ :

وأوعدني فأجلني ثلاثا

كما وعدت لمهلكها ثمود

وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) هود : ٦٥.

(٢) في الأصل : (حرير).

(٣) أشقى ثمود عاقر الناقة الذي ذكر في قوله تعالى : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) الشمس : ١٢.

(٤) في الأصل : (وشمث) وروايته في الديوان ١ / ١٢٨ :

وشبهت نفسك أشقى ثمود

فقالوا ضللت ولم تهتد

(٥) في الأصل : (وقد أخلو).

(٦) الفرقان : ٣٨.



الباب السادس

في

فضل العلم والعلماء ، وفقر من محاسن

انتزاعاتهم ولطائف من استنباطاتهم



الباب السادس

في فضل العلم والعلماء ومحاسن ابتداعاتهم ولطائف من استنباطاتهم

فصل

في فضائل العلم والعلماء

من فضائل العلم أن شهادة أهله مقرونة بشهادة (الله) (١) والملائكة في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) (٢).

وأولى الناس بالإجلال في الإعظام العلماء ؛ لأنهم ورثة الأنبياء ، ومن رفع الله درجاتهم فقال : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٣).

وذكرهم تعالى في علم التأويل مع نفسه فقال : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٤).

وأخبر أن الأمثال التي يضربها للناس لا يعقلها إلّا هم فقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها [لِلنَّاسِ] وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٥).

اقتبس عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي (٦) قوله :

__________________

(١) زيادة ليست في النص يقتضيها السياق.

(٢) آل عمران : ١٨.

(٣) المجادلة : ١١.

(٤) آل عمران : ٧.

(٥) العنكبوت : ٤٣ ، وفي الأصل : (وما يعلمها. وبعد الآية زيادة من خطأ النساخ وهي والذين لا يعلمون.

(٦) عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي شاعر مشهور كان ينحى في شعره منحى الأعراب. له قصيدة عرفت بالعجيبة ، وهو أحد من نسخ شعره بماء الذهب. انظر : طبقات الشعراء : ٢٧٦ جمع شعره ذاكر العاني سنة ١٩٨٠.


سلي إن جهلت الناس عنا وعنكم

وليس سواء عالم وجهول (١)

وقال عز ذكره : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) (٢) وقال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٣).

فصل

في نكت ذكر العلم

قال ابن عباس :

العلم أكثر من أن يحصى ، فخذوا من كل شيء أحسنه.

قتادة (٤) :

لو استغنى عالم عن التعلم مع جلاله مقدارا ، لاستغنى عن ذلك نجيّ (٥) الله موسى.

وقد قال للخضر عليهما‌السلام : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (٦).

__________________

(١) البيت ليس لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي بل هو للسموأل بن عاديا اليهودي من قصيدة مطلعها :

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل

انظر : ديوان السموأل ص ٩٢ والبيت من شواهد النحو ، حيث قدم خبر ليس على اسمها. ورواية الشطر الثاني منه : فليس سواء .. وروي منسوبا للحارثي في مجموع شعره ص ٩٠ نقلا عن شرح حماسة أبي تمام للمرزوقي ١ / ١١٠.

(٢) الرعد : ١٩.

(٣) فاطر : ٢٨.

(٤) قتادة بن دعامة بن كريز السدوسي يكنى أبا الخطاب. مات سنة سبع عشرة ومائة. انظر : الطبقات : ٢١٣ ، وفيات الأعيان ٣ / ٢٤٨.

(٥) في الأصل : (يحبى).

(٦) الكهف : ٦٦.


قال الجاحظ :

العلم أبعد سببا ، وأوسع بحرا من أن يبلغ غايته أحد ، ولو عمّر عمر نوح (١). قال الله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٢).

وقال بعضهم :

من استكثر (٣) شيئا من علمه ، أو ظن أن العلم غاية ، فقد بخس العلم ، لأن الله تعالى يقول (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٤).

فصل

في أمثال تدخل في ذكر العلم

قالت الأوائل : من جهل شيئا عاداه.

وفي القرآن : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٥) (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (٦). وقالت العرب : لا تهرف (٧) بما لا تعرف.

وفي القرآن : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٨).

وقال الشاعر :

__________________

(١) في الأصل : (عمر سفينة) وهي زيادة من النساخ لأن الذي عمر هو نوح وليس سفينته.

(٢) يوسف : ٧٦.

(٣) في الأصل : (استكبر).

(٤) الإسراء : ٨٥.

(٥) الإسراء : ٣٦.

(٦) الأحقاف : ١١ ، وفي الأصل : (يهتدوا).

(٧) في الصحاح : (هرف) الهرف : الإطناب في المدح والثناء على الشيء إعجابا به يقال : لا تهرف بما لا تعرف.

(٨) الإسراء : ٣٦.


تمام العمى طول السكوت وإنما

شفاء العمى يوما سؤالك من يدري (١)

وفي القرآن : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢).

العامة : ما من ظلمة إلا وفوقها طاقة (٣).

فصل

في فقر تناسب هذا الباب

قال سفيان الثوري :

الكاتب : العالم ، واحتج بقوله تعالى : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٤). أي يعلمون.

قال المبرد (٥) :

تكلمت يوما بين يدي جعفر بن القاسم الهاشمي ، وأنا حدث فاستحسن ما جئت به. وقال أنت اليوم عالم ، ولا تظن قولي لك : أنت اليوم عالم ، أعني به أنك لم تكن عندي قبل ذلك ، إن الله تعالى يقول : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (٦). وقد كان له الأمر قبل ذلك اليوم.

__________________

(١) في الأصل : (شفا العمى يوما سوالك من يدري).

(٢) الأنبياء : ٧.

(٣) جاء في الصحاح مادة (طمم) : كل شيء كثر علا وغلب فقد طمّ يطم. يقال فوق كل ذي طامة طامة. ومنه سميت القيامة طامة.

(٤) الطور : ٤١.

(٥) المبرد هو أبو العباس محمد بن يزيد عالم في اللغة والأدب أخذ عن أبي عمر الجرمي وأبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وغيرهم. ولد سنة ٢١١ ، توفي سنة ٢٨٥ ه‍. انظر : نزهة الألباء : ١٤٨ فما بعدها.

(٦) الانفطار : ١٩.


ولما أراد المنصور أن يضم بعض العلماء إلى المهدي ، وصف له سليمان بن الحسن الواسطي فاستدعاه ، وقرّبه. ثم قال له : أعالم (١) أنت؟ فسكت ، ولم يجبه. فقال : ما لك لا تتكلم؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن قلت أنا عالم ، كنت قد زكّيت نفسي. وقد نهى الله عن ذلك فقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (٢). وإن قلت لست بعالم ، وقد قرآت القرآن. كنت حقرت ما عظم الله. فأعجب به ، وضمّه إلى المهدي.

فصل

في التعليم

عير (٣) أبو زيد البلخي (٤) بأنه معلم ، فكتب رسالة حسنة في فضل التعليم يقول فيها :

وليس يستغني أحد عن التعليم والتعلم ؛ لأن الحاجة تضطره (٥) إليها في جميع الديانات ، والصناعات ، والآداب ، والأنساب ، والمذاهب ، والمكاسب ، فما يستغني كاتب ولا حاسب ، ولا صانع ، ولا أحد من كل مكسب ومذهب من أن يتعلم صناعته ممن هو أعلم منه ، ويعلمها لمن هو أجهل (٦) منه. وقوام الخلق بالعلم والتعليم. والمعلم أفضل من المتعلم ، لأن صفة العلم دالة على التمام والإفادة. والمتعلم صفة دالة على النقصان والاستفادة. وحسبك جهلا من رجل يعمد إلى فعل قد وصف به الخالق نفسه ، ثم رسوله عليه‌السلام ،

__________________

(١) في الأصل : (اعلم).

(٢) النجم : ٣٢.

(٣) في الأصل : (غير).

(٤) أبو زيد البلخي هو أحمد بن سهل. ولد في بلخ نحو ٢٣٥ وتوفي نحو سنة ٣٢٢ ه‍ عرضت عليه الوزارة فرفضها. كان معلما للصبيان ، ثم رفعه العلم إلى رتبة علية فكان يجمع بين العلوم القديمة والحديثة ، ويسلك في مؤلفاته طريق الفلاسفة.

الفهرست ٢٠٤.

(٥) في الأصل : (يضطر).

(٦) في الأصل : (فمن جهل).


فيذمه (١). وقد قال الله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (٢). وقال تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٣). وقال في وصف نبيه عليه‌السلام : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (٤).

فصل

في ذم علم الأنساب

قال بعض العلماء : كيف يدّعي مخلوق علم الأنساب كلها ، والله تعالى يقول : (وَعاداً وَثَمُودَ [وَأَصْحابَ الرَّسِ] وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) (٥). ثم قال : (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) (٦). وقال تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) (٧).

وقال النبي صلوات الله عليه : كذب النسابون ثلاث مرات.

وكان ينسب إلى معد بن عدنان ، وينسب أولاد قحطان. ثم يمسك ، ويقول : أضلّت مضر أنسابها ، ما خلّف معد (٨) ، ما خلّف قحطان.

__________________

(١) في الأصل : (فيزمته).

(٢) البقرة : ٣١.

(٣) الكهف : ٦٥.

(٤) البقرة : ١٥١.

(٥) الفرقان : ٣٨ وما بين العضادتين سقط من أصل المخطوط.

(٦) إبراهيم : ٩ والآية جاءت بعد قوله تعالى : (قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ).

(٧) النساء : ١٦٤.

(٨) في الأصل : (معد واليمن).


فصل

في النهي عن كتمان العلم

قال الله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١).

فصل

في ذكر الفقه والفقهاء

قال أبو زيد البلخي :

الفقه من أجلّ صناعات الدين ، وذلك بسبب ما يلزم أهله من التفقه في فروع (٢). الدين ، إذ كان الله قد أكمل أصوله في كتابه ، وعلى لسان رسوله كما قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (٣) وقد علم أن هذا الكمال إنما اشترط للدين من جهة أصوله لوقوعها جميعا في ضمن كتاب الله ، وسنن رسوله المشهورة. فأما إكماله من جهة فروعه فأمر لم يكن يتصور في العقول مكانه بسبب النوازل الجارية (٤) ، والحوادث الزمانية ، إذ كانت تخرج إلى ما لا نهاية له. فاضطر السلف الأول من أهل الدين لهذا المعنى إلى تفريع الأصول والتفقه كما قال فيها ، ليريحوا علل العوام فيما تلزمهم الحاجة

__________________

(١) التوبة : ١٢٢.

(٢) في الأصل : (الفروع).

(٣) المائدة : ٣.

(٤) في الأصل : (الجزية).


إليه من أبواب الفتيا كما قال الله تعالى : (وَما كانَ [الْمُؤْمِنُونَ] لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ [مِنْهُمْ طائِفَةٌ] لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (١) (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (٢). فكان الغرض من تفريعهم ما فرعوه عن الأصول المحددة في كتاب الله ، والسنن المأثورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجعلوا تلك المسائل المفرعة عدة للحوادث الواقعة. وكان مثلهم في تقديم العناية التي قدموها بذلك من الأطباء المشفقين على أنفس الناس وأجسادهم باستنباطهم لهم من فنون العلاجات والأدوية (٣) ؛ لتكون معدة لمقابلة العلل المخوفة إذا عرضت لها. فحدث بعدهم من طلاب الفقه من جعل غرضه فيما يطلبه منها نيل الرياسة في العامة ، والحظوة (٤) عند الملوك والرؤساء (٥) والتسلط على أموال اليتامى والضعفاء مع استعمال الحيل في إبطال حقوقهم والقول بها. فانقلبت الصناعة على جلالة قدرها ، وعلو خطرها من مرتبة الحمد إلى مرتبة الذم باختلاف الغرضين.

فصل

في ذكر الكلام والمتكلمين

قال أبو زيد :

صناعة الكلام في غاية الجلال والشرف ، ومن الصناعات المحتاج إليها في قوام الدنيا إذ كانت صناعة البحث والنظر ، ولا غنى بالناس عن استعمالها في تمييز الحق من الباطل ، والخطأ من الصواب في جميع ما يعتقدونه. وهي موضوعة بإزاء أصول الدين كما أن صناعة الفقه موضوعة بإزاء فروعه. فكما لا يستغنى عن التفقه في فروع الدين بصناعة الفقه ، كذلك

__________________

(١) في الأصل : (إلى).

(٢) التوبة : ١٢٢ (وما بين القوسين ساقط من أصل المخطوط).

(٣) في الأصل : (الأودية).

(٤) في الأصل : (الخطوة).

(٥) في الأصل : (الدوسا).


لا يستغنى في الاستبصار في أصول الدين عن صناعة الكلام التي هي صناعة البحث والنظر. وكان السلف الصالح من أهلها إنما شغلوا أنفسهم باستعمالها ، والإقبال عليها ؛ ليصيروا بها متمهرين بالمشاركة بين الملل (١) المختلفة ، والنحل المتغايرة ، ويعرفوا بذلك الفضل الذي يحصل لدين الإسلام على ما سواه من الأديان فيكونوا على يقين من أمرهم على ما يعتقدونه من أصول دينهم (٢) ، وليكونوا على بصيرة ، كما اشترط الله على رسوله في قوله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٣) ، وليقوموا بمجادلة الملحدين الخاطئين على الإسلام إذا قصدوا الإلحاد فيه ، والغض منه ، إذ كان الجهاد مقتسما قسمين : أحدهما الذبّ عنه باللسان ، والآخر الذب عنه باليد. والذب باللسان أبلغ في نصره وتأييده في كثير من الأحوال (والأوقات) (٤). وكانوا يتعاطون هذه الصناعة حسبة وابتغاء للقربة إلى الله تعالى ، والزلفة لديه. ثم حدّت قوم من متعاطييها سلكوا فيها سبيل من تقدم ، بالمباهاة باللدد (٥) في باب الجدال لقطع الخصوم والاستعلاء في مجالس المناظرة لكي يذكر بالتبريز فيها ، وقلة الاحتفال عند خوف الانقطاع ، ولزوم الحجة بحمل النفس على الدعاوى الشنيعة والاعتلالات المستكرهة ، والشذوذ على الآراء المتلقاة من الجميع بالقبول. فصيروا هذه الصناعة ـ على (نفاسة) (٦) خطرها ، وشدة الحاجة في قوام أصول الدنيا إليها ـ واقعة في حسن الذم ، وصيّروا الموسومين بها عرضة ألسن عائبيها ومنقصيها.

__________________

(١) في الأصل : (الملك).

(٢) في الأصل : (فيهم).

(٣) يوسف : ١٠٨.

(٤) في الأصل : (الأقوات).

(٥) اللدد : شدة الخصومة. الصحاح ، لسان العرب (لدد).

(٦) في الأصل : (حفاسة).


فصل

في لمع وفقر (١) من استنباطات العلماء

وفقر ، ودرر من انتزاعاتهم

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

من كان (ذا) (٢) داء قديم ، فليستوهب امرأته درهما من مهرها ، وليشتر به عسلا ، وليشربه بماء السماء ، ليكون قد اجتمع له الهنيء والمريء والشفاء المبارك. يريد قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٣) وقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) (٤) وقوله عزّ ذكره : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) (٥).

وفي العسل بماء السماء يقول مساور الوراق (٦) :

وبدأت بالعسل الشديد بياضه

عمدا أباكره بماء سماء

إني سمعت بقول ربك (٧) فيهما

فجمعت بين مبارك وشفاء

كان محمد بن كعب القرظي (٨) من أقدر الناس على مقابلة أخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بآي القرآن. فلما رأى قوله عليه‌السلام : من جدّد وضوءه ، جدّد الله مغفرته. قال : سوف أجد في

__________________

(١) في الأصل : (ورعد).

(٢) زيادة ليست في الأصل.

(٣) النساء : ٤.

(٤) النحل : ٦٩.

(٥) ق : ٩.

(٦) مساور الوراق الكوفي ، ذكره ابن حيان في الثقات. انظر : تهذيب التهذيب : ١٠٣.

(٧) في الأصل : (إني سمعت يقول وربك).

(٨) في الأصل : (القزطي) والصواب القرظي وهو أبو حمزة ، وقيل أبو عبد الله المدني من حلفاء الأوس كان أبوه من سبي قريظة. سكن الكوفة ثم المدينة. وروى عن العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود. توفي سنة ١١٧ ه‍ الطبقات ٢٦٤ ، وانظر : تهذيب التهذيب : ٣ / ٢١٢.


كتاب الله تعالى ما يوافق معناه. ثم قال بعد أيام : قد وجدت ذلك ، وهو قوله في آية الوضوء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ...) (١) إلى قوله : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢) ألا ترى أنه بالتطهير تمام النعمة. وهو المغفرة.

وكان سفيان بن عيينة (٣) يجري في طريق القرظي برده على الاستخراجات ، والانتزاعات. فسئل : هل يجد في القرآن ما يصدّق الذي يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : ما من مؤمن يموت إلا مات شهيدا. فقال : أمهلوني ثلاثة أيام. فأمهل ، ثم قال : قد وجدت ظاهرا مكشوفا وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٤).

وسئل عن طيب (٥) الأكل فقال : هو بالحرام منه أشبه بالحلال ، لأن الله تعالى يقول : (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً) (٦) ولم يقل كلوا في الأرض.

وسئل عن قولهم : الناس الأشراف بالأطراف ، هل تجد معناه في كتاب الله؟ قال : نعم في سورة يس : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (٧). فلم يكن في المدينة خير. وكان ينزل أقصاها.

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) سفيان بن عيينة ، يكنى أبا محمد مولى هلال بن عامر مات سنة ١٩٨. انظر : الطبقات : ٢٨٤.

(٤) الحديد : ١٩.

(٥) في الأصل : (طين).

(٦) البقرة : ١٦٨.

(٧) يس : ٢٠.


وسئل عن قولهم : (الجار ثم الدار) هل تجد معناه في كتاب الله؟

فقال : بلى ، هذه امرأة فرعون تقول : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) (١) أما تراها أرادت (٢) الجار ثم المنزل.

وسئل ابن سيرين عن خبث الحديد يحل شربه للتداوي به أم لا؟

فقال : لا أرى فيه بأسا ، وأراه من المنافع التي قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) (٣).

كان ابن عباس يقول :

لا تقولوا والذي خاتمه على فمي ، فإنما يختم الله على فم الكافرين (٤).

وكان يقول : لا تقولوا (٥) الناس انصرفوا من الصلاة بل قولوا : قضوا الصلاة ، وفرغوا من الصلاة. لقوله تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٦).

الزهريّ (٧) :

أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد ، لقوله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (٨).

قالت زبيدة للرشيد في كلام جرى بينهما :

__________________

(١) التحريم : ١١.

(٢) في الأصل : (إرادة).

(٣) الحديد : ٢٥.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ ...) يس : ٦٤ ، ٦٥.

(٥) في الأصل : قول الناس انصرفوا .. ويقول.

(٦) التوبة : ١٢٧.

(٧) في الأصل : (الزهد) ، والصواب : (الزهري) وقد مرت ترجمته.

(٨) العلق : ١٩.


أنت من أهل النار.

فقال الرشيد : وأنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة. فارتابت قلوبهما فبعثا إلى أبي يوسف (١) ، واستدعياه ، فاستفتياه. فقال :

يا أمير المؤمنين : هل تخاف مقام ربك (ولك) (٢) جنتان (٣) ، وأم جعفر حلال كما كانت؟ فسري (٤) عنهما وأمر له بصلة وخلعة.

ناظر بعض الفقهاء يحيى بن آدم (٥) فقال :

أما تستحي! تزعم أن شيئا قليله حلال وكثيره حرام؟ أفي كتاب الله وجدت هذا أم في سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال يحيى :

نعم وجدت هذا في كتاب الله تعالى : إن الله أحل من نهر طالوت غرفة وحرم ما سواها (٦) ، وأحل لمن اضطر إليها بقدر ما يقيمه ، وحرّم عليه الشبع ، وأحلّ من النساء أربعا (٧) وحرّم الخامسة. ولو لا الرابعة لحلت الخامسة. فأفحمه.

دعا بعض العلماء رئيسا باسمه. فغضب ، وقال له :

أين التكنية لا أبا لك؟ فقال :

__________________

(١) أبو يوسف : هو يعقوب بن إبراهيم بن خنيس بن سعد من أهل الكوفة وهو صاحب أبي حنيفة ، وأفقه أهل عصره. ولد سنة ١٣٠ ه‍ ، وتوفي سنة ١٨٢. انظر : وفيات الأعيان ٥ / ٤٣٠.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) الرحمن : ٤٦.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) يحيى بن آدم بن سليمان الأموي يكنى أبا زكريا. قال عنه ابن شيبة : إنه ثقة كثير التحديث. مات سنة ثلاث ومائتين.

تهذيب التهذيب ١١ / ١٧٥.

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) البقرة : ٢٤٩.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) النساء : ٣.


إن الله تعالى قد سمّى أحبّ خلقه إليه ، فقال : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (١). وكنّى أبغض خلقه إليه ، فقال : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (٢).

قال بعض المحسنين :

إن طاعة العبد لسيده تنقسم ثلاثة أقسام : منها عمل القلب ، وهو الإخلاص في اعتقاد العبودية. كما قال الله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٣). ومنها عمل اللسان وهو وصفه بما يستحقه من المدح والثناء عليه كما قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٤) ومنها عمل الجوارح وهو مباشرة ما (٥) عرف فيه رضاه من وجوه الخدمة ، كما قال الله تعالى : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦).

قرأت في كتاب أخبار الوزراء والكتاب لأبي عبد الله بن عبدوس الجهشياري (٧) :

حضر (٨) المأمون جماعة من المتكلمين ، ومحمد بن عبد الملك حاضر. فقال المأمون :

قد كنت (٩) أحفظ من كتاب الله أشياء عنى بها لا إله إلا الله ، وقد استترت عني ، فأخبروني بها. فلم يكن عند واحد منهم علم ذلك غير محمد بن عبد الملك (١٠) فقال : يا أمير

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) المسد : ١.

(٣) البينة : ٥.

(٤) الأعراف : ١٨٠.

(٥) في الأصل : (كلما).

(٦) في الأصل : (واسجدوا واركعوا) والصواب ما أثبتناه ، الحج : ٧٧.

(٧) هو أبو عبد الله محمد بن عبدوس الكوفي المعروف بالجهشياري ، مؤرخ قديم نال مكانة كبيرة عند الوزراء توفي نحو ٣٣١ ه‍ وكتابه الوزراء والكتاب مطبوع في القاهرة سنة ١٩٣٨ بتحقيق مصطفى السقا وآخرين.

(٨) النص غير موجود في كتاب الوزراء والكتاب ولعله في الأقسام الضائعة منه.

(٩) في الأصل : (كتب).

(١٠) محمد بن عبد الملك ، كاتب مترسل ، مشهور استوزره المعتصم والواثق ثم نكبه المتوكل وسجنه وعذبه فمات ببغداد سنة ٢٣٣ ه‍ انظر : تاريخ بغداد ٢ / ٣٣٢.


المؤمنين ، أنا أحفظها أفأذكرها (١)؟ قال : نعم يا ابن عبد الملك. فقال محمد :

قال الله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) (٢) يعني لا إله إلا الله.

وقال تعالى : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) (٣) يعني لا إله إلّا الله.

وقال عز ذكره : (قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) (٤) يعني لا إله إلّا الله.

وقال تعالى : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) (٥) يعني لا إله إلّا الله.

وقال تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (٦) يعني لا إله إلّا الله.

وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٧) يعني لا إله إلّا الله.

وقال جل ذكره : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) (٨).

فاستحسن المأمون جوابه (٩).

قال : ما من مؤمن يموت إلّا مات (شهيدا) (١٠) ...... الباب وفي ثلاثة أيام فإنها إلي قد وجدت في الذكر وقول السنة ، والموعظة الحسنة.

__________________

(١) في الأصل : (اذكرها).

(٢) الفتح : ٢٦.

(٣) غافر : ١٢.

(٤) يونس : ١٠٨.

(٥) الرعد : ١٤.

(٦) المائدة : ٥ وقد وقع خطأ في نسخ الآية فكتب بالله بدل الإيمان.

(٧) الأحزاب : ٧٠.

(٨) في الأصل : (الثلاثة) وهو خطأ في النسخ والآية من سورة إبراهيم : ٢٧.

(٩) في الأصل : (بجاوبتم).

(١٠) زيادة ليست في الأصل. وقد مرّ بنا هذا القول من قبل. النص أصابه التلف ولم تبق منه إلّا هذه الكلمات.


فصل

في فضل العقل

قال الله تعالى في تعظيم شأن العقل : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١).

وقال عز ذكره : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢).

وقال تعالى : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣).

قال سعيد بن المسيب (٤) في قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٥) قال : ذوي عقل.

مجاهد في قوله تعالى : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (٦) ، أي عقل.

__________________

(١) البقرة : ١٦٤.

(٢) ص : ٢٩.

(٣) البقرة : ٢٦٩.

(٤) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب ، يكنى أبا محمد توفي سنة ثلاث. ويقال أربع وتسعين للهجرة. الطبقات : ٢٤٤.

(٥) الطلاق : ٢.

(٦) ق : ٣٧.


قال الضحاك في قوله تعالى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَ) (١) : أي عاقلا.

قال الحسن البصري : العقل : الذي يهدي إلى الجنة ، ويحمي (٢) من النار ، أما سمعت قوله تعالى حكاية عن أهل النار : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٣).

__________________

(١) في الأصل : (وتحق) والآية من سورة يس : ٧٠.

(٢) في الأصل : (نحمي).

(٣) الملك : ١٠.



الباب السابع

في

ذكر الأدب والعقل والحكمة والموعظة الحسنة



الباب السابع

في ذكر الأدب والعقل والحكمة والموعظة الحسنة

فصل

في ذكر الأدب

علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) (١). قال : أدبوهم أدبا حسنا.

سئل الشعبي عن الفرق (٢) بين العالم والأديب. فقال :

العالم من يقصد فنا واحدا من العلم فيتقنه ، والأديب من يأخذ من كل علم أحسنه.

وقيل لابن عباس : ما تكتب؟ قال :

أحسن ما أسمع ، ثم تلا : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (٣).

قال المنذر بن جارود (٤) لابنه الحكيم :

يا بني أحيي لياليك بالنظر في الأدب ، فإن القلب بالنهار طائر ، وبالليل ساكن ، فكلما أودعته شيئا قبله. ثم قرأ : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٥).

__________________

(١) التحريم : ٦.

(٢) في الأصل : (الرفق).

(٣) الزمر : ٥٥.

(٤) ذكر له ابن عبد البر أخبارا في كتابه (بهجة المجالس).

(٥) المزمل : ٦.


فصل

في الحكمة والموعظة الحسنة

قال الله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (١).

قال مجاهد في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا) (٢). وقوله تعالى : إن الله أحلّ من نهر طالوت (٣) في القول. وقال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) (٤).

قال الحسن البصري :

يا ابن آدم اذكر قول ربك : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٥). وقد جعلك حسيب نفسك.

__________________

(١) البقرة : ٢٦٩ وما بين القوسين أصابه التلف في المخطوط.

(٢) من سورة سبأ : ١٠ عن داود عليه‌السلام : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) وقد فسر الآية بآية البقرة : ٢٥١ في قصة طالوت وجالوت : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) : وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى عن طالوت إذ أحلّ غرفة من الماء فلما قفل بالجنود قال : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) البقرة : ٢٤٩.

(٤) البقرة : ٢٣١ وما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٥) الإسراء : ١٣ ، ١٤.


وشهد بعض الأمراء وقد تعدّى في إقامة الحدود ، وزاد في عدد الضرب ، فكلّمه في ذلك ، فلما رآه لا يتعظ ، قال :

أما أنك لا تضرب إلّا نفسك ، فإن شئت فقلّل ، وإن شئت فكثّر. ثم تلا : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (١).

دخل أبو حازم الأعرج على بعض الملوك من بني مروان. فقال له :

يا أبا حازم ما المخرج فيما نحن فيه؟

قال : تنظر إلى ما عندك ، فلا تضعه إلّا في حقه ، وما ليس عندك فلا تأخذه من حقه إلّا في حقه.

فقال : ومن يطيق ذلك يا أبا حازم؟

فقال : من أجل ذلك ملئت جهنم من الجنّة والناس أجمعين (٢).

وقال الأوزاعي (٣) للمنصور :

إنك ابتليت بخلة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها (٤). وقد جاء في تفسير هذه الآية : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) (٥) أن الصغيرة : التبسم ، والكبيرة : الضحك. فما ظنك بما سواهما؟ فانظر

__________________

(١) البقرة : ١٧٥.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هود : ١١٩.

(٣) الأوزاعي : هو عبد الرحمن بن عمرو المكنّى أبا عمرو ، محدث واعظ زاهد ، توفي سنة ١٥٧ ه‍ ، انظر : الطبقات ٣١٥ ـ ٣١٦ ، حلية الأولياء ٦ / ١٣٥ فما بعدها.

(٤) يريد قوله تعالى : (عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) الأحزاب : ٧٢.

(٥) الكهف : ٤٩.


لنفسك يا أمير المؤمنين. قال : فبكى المنصور بكاء شديدا (١).

قال : دخل عمرو بن عبيد (٢) على المنصور قبل الخلافة ، وهو يأكل فقال :

يا جارية هل في القدر بقية؟

فقالت : لا.

قال : عندك ما يشترى به فاكهة لأبي عثمان؟

قالت : لا. فقرأ المنصور : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (٣).

ثم دخل إليه في أيام خلافته فقال :

يا أمير المؤمنين ، تذكر يوم قلت للجارية ، كذا وكذا.

قال : نعم ، وتذكر قراءتك هذه الآية؟

قال : نعم.

قال : فقد أهلك الله عدوك ، واستخلفك ، فانظر كيف تعمل.

__________________

(١) الخبر في حلية الأولياء ٦ / ١٣٧ ، وفيه : إن المنصور هو الذي بعث على الأوزاعي وسأله الموعظة : والخبر طويل جدا.

والنص الذي ذكره الثعالبي : وأرغب في جنة السموات والأرض التي يقول فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها) يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقي قبلك لم يصل إليك. وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك.

يا أمير المؤمنين تدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك؟ (الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) قال : الصغيرة : التبسم ، والكبيرة : الضحك ، فكيف بما عملته الأيدي. وحدثت به الألسن يا أمير المؤمنين.

(٢) عمرو بن عبيد : أبو عثمان البصري أحد الزهاد المشهورين ، اشتهر بمواعظه للمنصور ، وله خطب كثيرة ورسائل. تاريخ بغداد ١٢ / ١٦٦.

(٣) الأعراف : ١٢٩ ، والخبر في تاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٦٨ وفيه : إن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي قال : قال : كنت أطلب العلم مع أبي جعفر المنصور في الخلافة فأدخلني منزله فقدم إليّ طعاما لا لحم فيه. ثم قال : يا جارية أعندك حلواء؟

قالت : لا ، قال : ولا التمر؟ قالت : لا ، فاستلقى وقرأ (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) الآية ١٠٠ فلما ولي الخلافة وفدت إليه. فقال : كيف سلطاني من سلطان بني أمية؟ قلت : ما رأيت في سلطانهم من الجور شيئا إلا رأيته في سلطانك. فقال : إنا لا نجد الأعوان. قلت : قال عمر بن عبد العزيز إن السلطان بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها إن كان برا أتوه ببرهم ، وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم. فأطرق.


قال يحيى بن خالد (١) لابن السماك :

عظني.

فقال : لقد خاب وخسر من لم يكن له [مكان] في جنة عرضها السموات والأرض (٢). فسكت.

وقال بعض الملوك لمنصور بن عمار (٣) : عظني واوجز.

فقال : ما أرى إساءة تكبر عن عفو الله ، ولا تيأس من روح الله (٤). وربما أخذ الله على الصغيرة فلا تأمن مكر الله.

وقال بعض الخلفاء لبعض الزهاد :

هات عظني. فقال : لقد وعظك الله أحسن العظة ، فقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٥).

وقال بعضهم :

لو علم الله أن العدل يكفي عباده لما قرن (٦) به الإحسان في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٧).

__________________

(١) يحيى بن خالد بن برمك ، عهد إليه المهدي تربية ابنه الرشيد فكان الرشيد يسميه أبي. توفي سنة ٢٩٠ ه‍. انظر : وفيات الأعيان ٥ / ٢٧٢.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) آل عمران : ١٣٣.

(٣) منصور بن عمار ، أحد كبار الزهاد الوعاظ له مواعظ وأخبار كثيرة. انظر حلية الأولياء ٩ / ٣٢٦.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) يوسف : ٨٧.

(٥) النحل : ٩٠.

(٦) في الأصل : (فدن).

(٧) النحل : ٩٠.


وقال آخر :

يا أيها الإنسان عليك بالإحسان ، فإن الله أمر به ، وأحب عليه وضمن الجزاء عليه (١).

وقال محمد بن علي بن الحسين لابنه جعفر رضي الله عنهما :

إذا أنعم الله عليك نعمة ، فقل : الحمد لله ، وإذا أحزنك أمر فقل : لا حول ولا قوة إلا بالله. وإذا أبطأ عليك الرزق فقل : أستغفر الله.

وقال بعض الحكماء : ليس مع الله وحشة ، ولا بغيره أنس ، فلا تستوحش لقلة أهل الطريق التي تسلكها فإن (إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) (٢).

كتب يحيى بن خالد من الحبس إلى الرشيد :

يا أمير المؤمنين إن كان الذنب خاصا ، فلا تعمم (٣) العقوبة. فإن الله تعالى يقول (٤) :

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٥).

وقال سابق البربري (٦) :

حصادك يوما (ما) (٧) زرعت وإنما

يدان الفتى يوما بما هو دائن

فعاون على الخيرات تظفر ولا تكن

على الإثم والعدوان ممن يعاون (٨)

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) النحل : ٩٠ وقوله : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة : ١٩٥ وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) التوبة : ١٢٠.

(٢) النحل : ١٢٠.

(٣) في الأصل : (فلا تغمى بعدها) في الوزراء والكتاب للجهشياري : ٢٥٣ فإن لي سلامة البريء ، ومودة الولي.

(٤) في الأصل : (يقطر) وهو تحريف في النسخ.

(٥) الأنعام : ١٦٤ ، وفي الوزراء والكتاب أن الرشيد كتب إليه : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).

(٦) سابق البربري : شاعر معروف بالحكمة والمواعظ ، قرن شعره ابن المعتز بمحمود الوراق ، وصالح بن عبد القدوس. طبقات الشعراء : ٣٦٨.

(٧) زيادة ليست في الأصل.

(٨) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).


وقال صالح بن عبد القدوس (١) :

تقضى الحلم وانكشفت ظلال

وصار الصقر رهنا لانكفات (٢)

فلو أن المفرّط كان حيا

توخى الباقيات الصالحات (٣)

(قال) (٤) حكيم :

عليكم بالجادة (٥) فإنها المنهج ، وإياكم وبنيات (٦) الطرق ، فإن الله تعالى يقول : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٧).

الحسن :

عظ نفسك ، فإن رأيتها تتعظ فعظ غيرها ، وإلا فاستحيي من خالقك ، فإنه يقول :

(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (٨).

وقال بعض الصالحين :

لا تسمعوا كلام أهل البدع ، ونزّهوا أسماعكم عنه ، كي تصونوا ألسنتكم عن ذلك. وقد أدب الله تعالى بهذا الأدب فقال : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ

__________________

(١) صالح بن عبد القدوس : شاعر من العصر العباسي اتهم في عهد المهدي بالزندقة فقتله وشعره مليء بالحكمة. انظر : طبقات الشعراء ٩٠ ، تاريخ بغداد ٩ / ٣٠٣ ، جمع شعره عبد الله الخطيب : ١٩٦٧ وقد أخل المجموع بالبيتين.

(٢) في الأصل : (الصفر هنا لانكفات). من كفت يكفت كفتا وكفتانا وكفاتا ، أي أسرع في العدو والطيران ، وتقبض فيه.

والكفت أيضا تقلب الشيء ظهرا لبطن ، وبطنا لظهر ، وانكفتوا إلى منازلهم أي انقلبوا.

(٣) زيادة ليست في الأصل.

(٤) زيادة ليست في الأصل.

(٥) الجادة معظم الطريق : الصحاح (جدد).

(٦) في الأصل : (بينات) والصواب ما أثبتناه. والمقصود ببنيات الطرق : الطرق الصغار التي تنشعب من الجادة.

(٧) الأنعام : ١٥٣.

(٨) البقرة : ٤٤.


آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) (١). وقال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا [فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ]) (٢).

ومن هذا المعنى اقتبس من قال :

نحّي عن الطرق وبسّاطها

وعد عن الجانب (٣) والمشتبه

وسمعك صن عن سماع القبيح

كصون اللسان عن النطق به

فإنّك عند استماع القبيح

شريك لقائله فانتبه

ابن عباس :

احفظ الله يحفظك ، وخصّه [بالذكر] تجده أمامك ، وتعرّف إليه في الرخاء يعرفك (٤) في الشدة. وإذا سألت فاسأل الله. وإن استعنت فاستعن بالله. فإن اليقين مع الصبر. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) و (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥).

كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله :

أما بعد ، فأصلح ما استطعت. (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٦).

وأحسن ، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا (٧).

__________________

(١) النساء : ١٤٠.

(٢) الأنعام : ٦٨. وما بين القوسين ساقط من المخطوط.

(٣) في الأصل : (وعد من الجانب) ولعلها كما أثبتناه.

(٤) في الأصل : (يعرفه).

(٥) الشرح : ٦.

(٦) يوسف : ٩٠.

(٧) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) الكهف : ٣٠.


وكان إذا جلس للناس (١) يقرأ : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢).

ذكر أبو بكر محمد بن عمر الترمذي (٣) الوراق في كتاب (المتعلمين) (٤) فصلا فيمن يتهالك في موعظة من لا يتعظ. فقال : ومن ذلك إشغال (٥) قلبه وإفراطه فيمن يريد إرشاده وعظته وسهوه في ذلك عن [ذكر] الله عز ذكره ، وعن قضائه ، وقسمته ، وعن نفسه ، وعن قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٦). وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٧).

__________________

(١) في الأصل : (الناس).

(٢) الشعراء : ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٣) هو أبو بكر محمد بن عمر الترمذي من المحدثين المشهورين له كتب في المعاملات. الفهرست : ٣٢٩.

(٤) في الأصل : (المستقطين) ولم يرد اسم هذا الكتاب ضمن كتب الترمذي ، وذكر له كتاب العالم والمتعلم. انظر : معجم المؤلفين ١١ / ٧٨.

(٥) في الأصل : (شغال وقلبه).

(٦) القصص : ٥٦.

(٧) الأنعام : ٣٥.



الباب الثامن

في

ذكر محاسن الخصال ، ومكارم الأفعال وطرائف

الآداب



الباب الثامن

في ذكر محاسن من الخصال.

فصل

في التقوى

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (١).

وقال : (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٢).

وقال تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٣).

وقال : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (٤).

وقال : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [وَيَغْفِرْ لَكُمْ] وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٥).

وقال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٦).

__________________

(١) المائدة : ٣٥.

(٢) آل عمران : ٧٦.

(٣) المائدة : ٢٧.

(٤) النحل : ١٢٨.

(٥) الأنفال : ٢٩.

(٦) الحجرات : ١٣.


وقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١).

وقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (٢).

حدّث الهيثم بن ميمون عن بعض أصحابه ، فيهم بلال (٣) وسلمان (٤) ، وصهيب (٥) ومعاذ (٦) كانوا جلوسا في المسجد فجاء عيينة بن حصن (٧) يجر رداءه. فقال :

من هؤلاء السّقاط؟. فقام إليه معاذ ، فلبّبه (٨) ، وانطلق به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبره بالخبر ، فتمعر (٩) وجهه وأمر فنودي إلى الصلاة الجامعة. وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد. فلا أعرفن أحدكم يقول ما قال هذا الغطفاني. ألا إن الله هو الرب ، والدين هو الإسلام. والقرآن هو الإمام. وآدم هو السبب ، خلق من طين. وأنا رسول الله إلى (الناس) (١٠) كافة ، و (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١١).

__________________

(١) الطلاق : ٢ ، ٣.

(٢) الطلاق : ٤.

(٣) بلال بن رباح الحبشي ، أبو عبد الله مؤذن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخازنه على بيت ماله. توفي في دمشق سنة ٢٠ ه‍. التهذيب ١ / ٥٠٢.

(٤) سلمان الفارسي : صحابي أصله من أصبهان ، شهد كثيرا من المعارك ، مات في المدائن في خلافة عثمان وقيل سنة ٣٦ ه‍ أو ٣٧ ه‍. انظر : التهذيب ٤ / ١٣٨.

(٥) صهيب بن سنان الرومي صاحب رسول الله ، وكان قد أسلم وعذب كثيرا في بدء الدعوة وهاجر مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وشهد بعض المغازي. الاستيعاب ٢ / ٧٢٢.

(٦) هو معاذ بن جبل بن عمر بن أوس. شهد مع النبي معارك عديدة. وأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اليمن ، وروى عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة. انظر : الطبقات : ٣٠٤.

(٧) عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر. كان من المؤلفة قلوبهم. أسلم قبل الفتح ، ولم تصح له رواية. وشهد حنين والطائف.

ارتد في زمن أبي بكر ثم عاد إلى الإسلام وقيل إن عمر قتله على الردة. انظر الإصابة ٣ / ٥٥.

(٨) لبّبه تلبيا : إذا جمع ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جره. انظر : الصحاح (لبب).

(٩) تمعر لونه عند الغضب ، إذا تغير. انظر : الصحاح ، لسان العرب (معر).

(١٠) زيادة ليست في الأصل.

(١١) الحجرات : ١٣.


قال الفضيل بن عياض (١) :

إن (٢) الله جعل أرزاق المتقين (٣) من حيث لا يحتسبون.

وكان عبد الرحمن بن أبي عماد الحبشي ـ من عبّاد أهل مكة ، وكان يلقب بالنفس لعبادته ـ يستمع يوما غناء سلامة ... (٤).

وقال ابن المعتز : التقوى أنفع الزاد في المعاد (٥).

وكان أبو سليمان الداراني (٦) يقول : ما رأيت الثلج يسقط إلا ذكرت تطاير الكتب يوم القيامة. وما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي الحشر (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٧).

فصل

في الصبر

قال الله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) (٨) ، (اصْبِرُوا) (٩) ، (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٠) ، (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا

__________________

(١) في الأصل : (الفاضل بن عياض) والصواب ما أثبتناه وهو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي. زاهد عابد ولد بخراسان وقدم إلى الكوفة ثم انتقل إلى مكة ، وفيها مات سنة ١٨٧ ه‍ انظر صفة الصفوة ٨ / ٨٤ فما بعدها.

(٢) في الأصل : (إلى أن).

(٣) في الأصل : (إلا في) والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٢ ، ٣.

(٤) كذا النص ويبدو أن هناك تتمة ساقطة من المخطوط.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) البقرة : ١٩٧.

(٦) في الأصل : (الداري) والصواب الداراني نسبة إلى داريا من غوطة دمشق وهو ابن حبيب الداراني قاض من ثقات التابعين من أهل الشام وكان ينعت بقاضي الخلفاء. استمر في قضاء دمشق ثلاثين سنة توفي سنة ١٢٠ ه‍. انظر تهذيب التهذيب ٦ / ٢٤٦.

(٧) ق : ٤١.

(٨) البقرة : ٤٥.

(٩) آل عمران : ٢٠٠.

(١٠) النحل : ١٢٦.


وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) (١).

وقال : (صَبْراً جَمِيلاً) (٢).

وقال : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٣).

وقال : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (٤).

وقال الحسن البصري :

إني لأعجب ممن كفر بعد (سماعه) (٥) هذه الآية : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) (٦).

وقال عمر بن عبد العزيز :

ما أنعم الله على عبد نعمة وانتزعها منه ، ثم عاضه عنها الصبر إلا ما كان عاضه عنه أفضل مما انتزعه منه. ثم قرأ : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٧).

وقال غيره : جعل الله لكل ضرب من الأجر (٨) والثواب (٩) حسابا معدودا ، وحدّا محدودا إلّا الصبر ، فإنه جعل أجره بلا حساب حيث قال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ

__________________

(١) الفرقان : ٧٥.

(٢) المعارج : ٥.

(٣) المدثر : ٧.

(٤) الإنسان : ١٢.

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) الأعراف : ١٣٧.

(٧) الزمر : ١٠.

(٨) في الأصل : (الآخر).

(٩) في الأصل : (الثواب).


أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١).

قيل : نعي إلى ابن عباس بعض أولاده ، وهو في سفر ، فاسترجع وقال : صبرا لحكم الله. ثم نزل وصلّى ركعتين ، وركب. ثم قال : قد فعلنا ما أمر الله تعالى ، يعني قوله (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (٢).

وقال الضحاك (٣) في قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٤). قال : نتقي الزنا ، ونصبر على العزوبة.

فصل

في الشكر

قال الله تعالى : (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) (٥).

(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٦).

(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٧).

__________________

(١) الزمر : ١٠.

(٢) البقرة : ٤٥.

(٣) الضحاك : هو أبو بحر بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة ، كان من سادات التابعين أدرك عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يصحبه.

وشهد كثيرا من الفتوحات. توفي سنة ٦٧ ه‍. الطبقات : ٢٩ ، ١٢٧ ، ١٨٥ ، ٣٠١.

(٤) يوسف : ٩٠.

(٥) القمر : ٣٥.

(٦) سبأ : ١٣.

(٧) سبأ : ١٣. ولعلها من تكرار الناسخ.


(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (١).

(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (٢).

(اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٣).

(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (٤).

(بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٥).

لما قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تورمت قدماه. قيل :

يا رسول الله أليس قد غفر الله ما تقدم من ذنبك ، وما تأخر؟.

فقال عليه‌السلام. أفلا أكون عبدا شكورا

وقال محمود الوراق (٦) :

فلو كان يستغنى عن الشكر ماجد

لعزة نفس أو علّو مكان

لما أمر الله العباد بشكره

فقال : اشكروني (٧) أيها الثقلان

__________________

(١) النساء : ١٤٧.

(٢) النحل : ١١٤.

(٣) لقمان : ١٤.

(٤) الزمر : ٧.

(٥) الزمر : ٦٦.

(٦) البيتان في معجم الأدباء ١٧ / ٢٩ منسوبان لكلثوم العتابي.

(٧) في الأصل : (اشكر) والبيتان في ديوانه ١٢٥ ، الفاضل ٩٥ والإعجاز والإيجاز ٥٤٠ ونثر النظم وحل العقد ص ٥٥ وروايته في أحسن ما سمعت ١٩ :

لما أمر الله الحكيم بشكره

فقال اشكروا لي أيها الثقلان

وكذلك رواية الشطر الثاني في أدب الدنيا والدين ١٦٠.


فصل

لأبي علي البصير

إن الله قال وله المثل الأعلى ، خلق العباد وهو غني عنهم ، ليحسن إليهم ، وينعم ، ويتفضل عليهم ، وعرّفهم مصالحهم ، وحاطهم بالمكاره (١) التي يرونها (٢) مبثوثة جلالا لهم ، وجعل ما في الأرض مسخّرا لهم ، ثم رضي على ثواب ذلك بأن يحمدوه عليه ، وينسبوا الإحسان منه إليه ، ولم يرض لشاكر نعمته بما قدّم عنده منها دون أن أوجب له مزيدا. فقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٣). فسمي التارك لشكره كافرا ، وأوعده على تركه عذابا شديدا.

وقرأت لابن عباد فصلا من كتاب له إلى فخر الدولة (٤) استحسنه جدا ، وهو :

لعل مولانا ـ أعز الله نصره وحفظ على الدنيا حلمه ـ تأمل في خادمه (٥) ـ وما أزال إليه ـ قول الله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) (٦). وإلّا فأين استحقاق (٧) الخدم من هذه النعم التي تغشي ناظر الفرقد ، وترد الثريا بطرف الأرمد.

وله من كتاب :

__________________

(١) في الأصل : (في المكاره).

(٢) في الأصل : (يدونها).

(٣) إبراهيم : ٧.

(٤) فخر الدولة : هو علي ابن ركن الدولة أمير تولى الري سنة ٣٦٦ ه‍ انظر : معجم الأسرات الحاكمة ٢٧ ، طبقات سلاطين الإسلام ١٣٧.

(٥) في الأصل : (ظلمة).

(٦) الزخرف : ٥٩.

(٧) في الأصل : (استحقا).


فالملوان (١) يتعاقبان على ما يختاره ميامن ، ومياسر. وصنع الله يضيف إلى (٢) مآثره مآثر (٣) ، (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (٤).

وله أيضا :

إن كلمة الشكر أزكى مقال ، (ولدوام) (٥) النعم (٦) أوثق عقال. (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٧).

ولغيره : الشكر قبول النعمة (٨) ، مفتاح الزيادة. والله تعالى قال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (٩). ويقول : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) (١٠).

فصل

في العفو

قال الله تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١١) (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢).

__________________

(١) الملوان : الليل والنهار ، الصحاح ، لسان العرب : (ملو).

(٢) في الأصل : (يستضيف لنا) ومآثر.

(٣) في الأصل : (مباشر).

(٤) الأنعام : ٥٣.

(٥) في الأصل : (ولد أوهن) وهو خطأ في النسخ.

(٦) في الأصل : تكرار للكلمة : النعم ، وهو خطأ في النسخ أيضا.

(٧) لقمان : ١٢.

(٨) في الأصل : قبل النعمة ومفتاح.

(٩) إبراهيم : ٧.

(١٠) سبأ : ١٥.

(١١) المائدة : ١٣.

(١٢) النور : ٢٢.


وقال : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (١).

حذيفة بن اليمان (٢) قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين أجرهم على الله تعالى؟

فلا يقوم إلا العافون عن الناس ، فيؤمر بهم إلى الجنة. ثم تلا : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٣).

ولما امتحن (٤) أحمد بن حنبل (٥) قال لأصحابه :

اشهدوا أني جعلت المعتصم في حلّ ؛ (٦) لأني (٧) قرأت قوله تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٨).

وقال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في قوله : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٩) قال :

رضى بلا عتاب.

__________________

(١) الزخرف : ٨٩.

(٢) حذيفة بن اليمان واسم اليمان حسل بن جابر من بني عيسى أمه امرأة من الأنصار. يكنى أبا عبد الله. مات بالكوفة سنة ٣٠ ه‍ الطبقات ٤٨ ، ١٣٠.

(٣) الشورى : ٤٠.

(٤) في الأصل : (اختص) وهو تحريف في النسخ.

(٥) وهو أحمد بن حنبل بن أسد بن إدريس الإمام المحدث الفقيه المشهور انظر ترجمته في طبقات الحنابلة ١ / ٤ فما بعدهما.

(٦) الحل من قولهم حل يحل حلالا وهو حل أي طلق. الصحاح (حلل).

(٧) في الأصل : (لا في).

(٨) الشورى : ٤٠.

(٩) الحجر : ٨٥.


سبّ رجل رجلا بحضرة (الحسن) (١). فلما فرغ قام المسبوب ، وهو يمسح العرق عن وجهه ، ويقرأ : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٢) قال الحسن : عقلها والله ، وفهمها ، إذ ضيّعها (٣) الجاهلون.

ولما نكب المنصور أبا أيوب المورياني (٤) استدعاه إلى حضرته وجعل يوبخه ، ويقرعه. فقال أبو أيوب :

يا أمير المؤمنين. ما أسألك أن تعطف علي بحرمة ، ولا تقيلني لخدمة ، ولكن استعمل فيّ أدب (الله) (٥) تعالى في أنه يقول : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ) (٦) (عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (٧).

وقد عفا الله عن ذنوب علم حقائقها ، وقبل توبة عرف ما كان قبلها (٨).

فقال المنصور : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩).

__________________

(١) في الأصل : (بحضرة).

(٢) الشورى : ٤٣.

(٣) في الأصل : ضيع.

(٤) في الأصل : (المرزباني) والصواب المورياني نسبة إلى موريان من قرى الأحواز. كان المنصور قد اشتراه صبيا قبل الخلافة.

وثقفه ثم اختصه السفاح أيام خلافته ، واستوزره المنصور بعد نكبة البرامكة ، ثم نكبه. انظر : الوزراء والكتاب الجهشياري ١٢١ ، الفخري ١٢١ الكامل ٥ / ١٥٣.

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) في الأصل : (عن).

(٧) الشورى : ٢٥.

(٨) نكب المنصور أبا أيوب المورياني كما يذكر ابن الطقطقي ، لأنه عهد إليه بعمارة أرض الأحواز ، وأعطاه ثلثمائة ألف درهم فأخذ أبو أيوب المال ، ولم يصنع بالضيعة شيئا. وصار في كل سنة يحمل عشرين ألف درهم. ويقول : هذه حاصل الضيعة المستجدة. ثم وشي به عند المنصور. فذهب بنفسه إلى الضيعة. وتأكد من خيانة أبي أيوب فنكبه ، وقيل : لأن المورياني سمّ ابنا من أبناء المنصور وقتله حسدا لمكانته العظيمة في نفس المنصور ولم يكن يعلم أن الفتى الذي اختصه المنصور هو ابنه.

انظر : الوزراء والكتاب للجهشياري : ١٢٢ ، الفخري ١٢٨.

(٩) يونس : ٩١.


ومن كلام إبراهيم بن المهدي (١) في الاعتذار إلى المأمون (٢) ، والتماس العفو منه :

يا أمير المؤمنين ، ولي الثأر (٣) محكم في القصاص ، وأن (٤) تعفو أقرب للتقوى.

وقرأت في كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي :

كان أبو الحسن (٥) بن ناصر مشتهرا بالشرب ، واتخاذ الندماء ، وسماع الغناء فهجره أبوه (٦) من أجل فعله ، فخرج إلى أذربيجان. وبقي بها مدة (٧). وتاب من فعله. فكاتبه أبوه في العودة إليه. فعاد إليه. فلما رآه قال له : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٨).

قال الشاعر :

صلي مدنفا خائفا

سيرضيك عما اقترف

ولا تذكري ما مضى

عفا الله عما سلف

ولبعضهم :

__________________

(١) هو إبراهيم بن المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور وأمه شكلة ، عاصر المأمون وبايعه أهل بغداد بعد قتل الأمين ، ثم عفا عنه المأمون بعد قدومه العراق. انظر : معجم الأدباء ٢ / ١٥٧ ، وانظر أيضا كتاب الخليفة المغني إبراهيم بن المهدي. / بدري محمد فهد وقد مرت ترجمته أيضا.

(٢) القول من رسالة بعث بها إبراهيم بن المهدي إلى المأمون يستعطفه فيها. وقد وقع المامون في حاشية هذه الرسالة (القدرة تذهب الحفيظة والندم توبة ، وبينهما عفو الله وهو أكثر مما يسأله) انظر : بغداد : ابن طيفور : ١٠١ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٥٨ ، تاريخ بغداد ٦ / ١٤٤ ، انظر أيضا : الخليفة المغني : ١٦٥.

(٣) في الأصل : (النار) والصواب ما هو مثبت.

(٤) من قوله تعالى في سورة البقرة : ٢٣٧.

(٥) في الأصل : (أبو الحسين) وأبو الحسن هذا ذكر له الثعالبي شعرا في ثمار القلوب : ٣٨٠.

(٦) في الأصل : (أباه) وهو خطأ في النسخ.

(٧) في الأصل : (مرة).

(٨) المائدة : ٣٤.


يستوجب العفو الفتى إذا اعترف

بما جناه وانتهى عما اقترف (١)

[لقوله قل للذين كفروا

إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف] (٢)

فصل

في صلة الرحم

من فضيلة صلة الرحم أن يقول الرجل لصاحبه عند الحاجة الشديدة : أسألك بالله ، وبالرحم إعظاما لحقها (واتحافا) بالبرهان (٣).

قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (٤).

٢ ـ ١٨٠ ـ ١ وقد ذم قاطع الرحم فقال : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥).

وقال في مدح واصلي الرحم : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (٦).

وفي الخبر :

__________________

(١) في الأصل : (يستوجب العفو الفتى إذا ما اعترف) وهي زيادة في النسخ.

(٢) البيت الثاني زيادة اقتضاها السياق لإتمام معنى البيت الأول الذي تمثل به الثعالبي في باب العفو وهما معا منسوبان لأبي حفص الشهرزوري ص ١٣١.

(٣) في الأصل : (رابحا).

(٤) النساء : ١.

(٥) البقرة : ٢٧.

(٦) الرعد : ٢١.


القاطع لرحمه ملعون. برهان ذلك قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (١).

قال مجاهد :

قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) ... (٢).

وقرأت في كتاب كتبه المنصور إلى عبد الله بن علي (٣). وهذا مكان فصل منه :

أما بعد ، فإني نظرت إلى أمرك ، وما ركبت من نصيبك ورحمك ، وخدمتك (٤) ، وخاصك ، وعامتك ، فلم (٥) أجد لذلك مثل مدافعة قطيعتك بالصلة ، ومباعدتك بالمقاربة ، وكثرة ذنوبك بقلة التثريب (٦).

ووجدت ذلك في أدب الله تعالى ، وأمره. فإنه قال : عز من قائل : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٧) ولعمرك ما فرّق كلّ حميم مثل نزغة الشيطان (٨). وإني أذكر الله الذي هو آخذ بناصيتك ، وحائل بينك وبين

__________________

(١) محمد : ٢٢ ، ٢٣.

(٢) الإسراء : ٢٦. ويبدو أن هناك سقطا بعد القول.

(٣) في الأصل : (عبد الله بن معلى) وهو خطأ في النسخ والصواب ما أثبتناه ، وقد ورد في تاريخ الطبري ٩ / ١٧٢ أن المنصور لما عزل سليمان عن البصرة توارى عبد الله بن علي وأصحابه فبلغ ذلك المنصور فكتب إلى والي البصرة أن يرسل إليه عبد الله بن علي وله الأمان ، فلما أتى بعبد الله وجماعته إلى المنصور حبسهم ، وقتل بعضهم. وانظر أيضا : الكامل لابن الأثير ٥ / ٤٩٦ ، البداية والنهاية : حوادث سنة ١٣٩.

(٤) في الأصل : (وخدمتك).

(٥) في الأصل : (فكم).

(٦) التثريب كالتأنيب والتعبير والاستقصاء في اللوم. الصحاح (ثرب).

(٧) فصلت : ٣٤.

(٨) كذا في الأصل ولعل صوابها ما فرّق بين حميم وحميم مثل .. وفيه إشارة إلى قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) فصلت : ٣٤.


قلبك ومعادك الذي أنت صائر إليه. والرحم التي أمرت بصلتها ، والعهد الذي أنت مسئول عنه. وأدعوك إلى ما أمر الله به من التواصل والتعاون على البر والتقوى (١) ، وأنهيك عما نهى الله عنه من قطيعة الأرحام والفساد في الأرض ، وأحذرك عقوبة الله ومقته على ذلك ، إنه تعالى يقول : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢).

فصل

لأبي القاسم الإسكافي

عليك بتقوى الله ، ومراقبته في هذه الخطة (٣) التي ركبتها ، والظلمة التي دخلتها. واعلم أن الله تعالى قد وصله بقوله بالرحم فقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) (٤) (الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) تنزيها (٥) منه تعالى لها عن دواعي الانقطاع والانفصام وتنبيها على ما جعله الله لها من (الحرمات) (٦) العظام.

__________________

(١) في النص إشارات كثيرة إلى آيات قرآنية كريمة (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) الرحمن : ٤١ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) الأنفال : ٢٤ و (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) الإسراء : ٣٤.

(٢) محمد : ٢٢ ـ ٢٤.

(٣) الخطة : الطريقة يقال الزم ذلك الخط ولا تظلم عنه شيئا. اللسان (خطط).

(٤) في الأصل : (والتوا الله) وهو خطأ في النسخ ، والآية من النساء : ١.

(٥) في الأصل : (تتيرها).

(٦) في الأصل : (الجهات) ويجوز أن تكون الحرمات كما أثبتناه.


فصل

في بر الوالدين

قال الله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (١). وقال عز ذكره : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٢) فأمر بشكر الوالدين بعد شكره.

وقال ابن عباس في قوله : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (٣) قال : هم الذين بروا الآباء ، والأولاد. وكما لوالديك عليك حقا ، فلولدك عليك حقا.

فصل

لابن عباد

أما والذي تحشمته (٤) اعتدادا به ، وإحمادا (٥). فقد كنت أحب ـ غير رادّ لقوله ، ولا محادّ (٦) لحكمته ـ أن يراني أسر به ، وأخص ، وأجدّ في مودته وأشد من أن يجريني بهذا القول مجرى الأباعد ، ويعلم أني أفرض في موالاته (٧) ما يفرضه الولد للوالد. وإنما ضربت الوالد مثلا لما قرن الله الشكر بشكره ، وإلّا فهو السيد عظّم الله خطره ، وأودع صحف المجد خبره.

__________________

(١) العنكبوت : ٨.

(٢) لقمان : ١٤.

(٣) في الأصل : (في عليين). والآية من المطففين : ١٨.

(٤) تحشمته من الحشمة وهي الحياء والانقباض. القاموس المحيط ٤ / ٦٧.

(٥) إحمادا ، من قولهم أحمده أي وجده محمودا. انظر لسان العرب (حمد).

(٦) محاد من المحادة وهي المخالفة ، ومنع ما يجب عليك. لسان العرب (حدد).

(٧) في الأصل : (مولاته).


فصل

في الإنفاق والجود

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) (١).

وقال : و (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (٣).

(وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (٤) (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٥).

(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٦).

(وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) (٧).

__________________

(١) البقرة : ٢٥٤.

(٢) نفسها : ٢٧٤.

(٣) نفسها : ٢٦٧.

(٤) في الأصل : (ما أتها).

(٥) الطلاق : ٧.

(٦) البقرة : ٢٧٢.

(٧) التغابن : ١٦.


(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

وعاتب الله قوما في إمساكهم عن الإنفاق فقال :

(لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) (٢).

قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي (٣) :

إنك متلاف (٤).

فقال : يا أمير المؤمنين منع الجود (٥) سوء الظن بالمعبود. وهو تعالى يقول : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٦).

وقد قيل في تفسير قوله : (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) : إن المخلوق يرزق ، فإذا سخط قطع الرزق. والخالق تعالى يسخط (٧) فلا يقطع الرزق.

دخل الفرات بن زيد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعطي الناس ، فتمثل بقول المتلمس (٨) :

__________________

(١) الحشر : ٩.

(٢) الإسراء : ١٠٠.

(٣) محمد بن عباد المهلبي من أبناء المهلب بن أبي صفرة. أمير البصرة زمن المأمون. توفي نحو ٢١٦ ه‍. وله أخبار في الأغاني ط ساسي ج ٥ / ٢٤ ، ٦ / ١٦٧ ، ٩ / ٩٣ ، ٩٤.

(٤) النص في نهاية الإرب ٣ / ٢٩٥ وربيع الأبرار ٣ / ٧٠٣ وفيه أن المأمون أمر له بمائة ألف وقال : إن مادتك والله مادتي ، فأنفق ولا تبخل.

(٥) في الأصل : (الموجود).

(٦) سبأ : ٣٩.

(٧) في الأصل : (سخط).

(٨) المتلمس هو جرير بن عبد العزى شاعر جاهلي وهو خال طرفة بن العبد. انظر : خزانة الأدب ٣ / ٧٣ ، ديوانه بتحقيق حسن كامل الصيرفي. القاهرة ١٩٧٠ والبيتان في ديوانه ق ٢ ص ١٧٢.


لحفظ المال أيسر من بغاه (٢)

وسعي في البلاد بغير زاد (١)

وإصلاح القليل يزيد فيه

ولا يبقى الكثير مع الفساد

فقال عمر : قول الله أفضل ، وأصدق : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣).

كتب (٤) طلحة بن الفياض على باب داره : أيها الضيف (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (٥).

كان الربيع بن خيثم (٦) لا يطعم إلّا صحيحا ، ولا يكسو إلّا جديدا ، ولا يعتق إلا سويا. يتأول قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (٧).

اشترى صفوان بن (محرز) (٨) بدنة (٩) بعشرة دنانير. فقيل له :

أتشتري (١٠) هذه بعشرة دنانير ، وليس عندك غيرها؟. فقال :

__________________

(١) في الأصل : (بقاه) وروايته في نهاية الإرب ٣ / ٣١٤ : وحبس المال أيسر من بغاه.

(٢) روايته في نهاية الإرب ٣ / ٣١٤ وضرب في البلاد بغير زاد.

(٣) الحشر : ٩.

(٤) في الأصل : (دخل).

(٥) الحجر : ٤٦.

(٦) مرت ترجمته.

(٧) البقرة : ٢٦٧.

(٨) في الأصل : (صفوان بن محدربه) وهو تحريف في النسخ ، والصواب بن محرز وهو ابن زيادة المازني ، وقيل : الباهلي. كان ثقة وله فضل وورع. مات سنة ٧٤ ه‍. وفي ولاية عبد الملك. انظر : الطبقات : ١٩٣.

(٩) في الأصل : (بدته).

(١٠) في الأصل : (اشترى).


نعم ، سمعت الله تعالى يقول : (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) (١) فأحببت تفخيم الخير. فقال تعالى (٢) : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٣). [وقال الشاعر] :

إن يكن عاقك عن إنجاز ما أنفقت خطب

فتأوّل في كتاب الله فيما يستحب

لن ينال (٤) البّر منفق مما يحب

وقال الله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (٥).

قال أبو الفتح كشاجم (٦) مقتبسا :

والمؤثرون على النفوس هم الأولى

فضلوا الورى بشمائل وخلائق (٧)

قال الحجاج :

كنت أشتهي أن أدرك ثلاثة ، فأتقرب إلى الله بدمائهم :

أبا سماك الأسدي (٨) ، فإنه ضلّ له بعير يعز عليه فقال : يا رب ، لئن لم ترد علي ضالتي لا صلّيت ، ولا زكّيت فوجدها ، فقال يخاطب نفسه : عرف ربك صبري ، عرفك ، فرد

__________________

(١) من قوله تعالى في سورة الحج : ٣٦ (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ).

(٢) في الأصل : (نقال).

(٣) آل عمران : ٩٢ ، وما بين القوسين زيادة في الأصل.

(٤) في الأصل : (لن ينالوا).

(٥) الحشر : ٩.

(٦) كشاجم هو محمود بن الحسين بن السندي شاعر أديب ومن الكتاب المشهورين توفي نحو ٣٦٠ ه‍. انظر الفهرست لابن النديم ٢٠٦.

(٧) في الأصل : (نفوسهم الأولى) وهي زيادة من النساخ والبيت من ديوانه ق ٣٦ ص ٢٧١.

(٨) أبو سماك الأسدي هو سمعان بن هبيرة بن مساحق بن بجير بن أسامة. انظر : نوادر المخطوطات م ٥ / ٢٨٢. وفي جمهرة الأمثال للعسكري ١ / ٥٧٢ أبو سمال.


عليك ضالتك (١). وعبيد الله بن زياد بن ظبيان (٢) ، فإنه خطب يوما ، فأحسن ، فقال له قومه : كثّر الله فينا مثلك ، فقال : هيهات ، هيهات. لقد سألتم شططا ، ومقاتل بن مسمع (٣) فإنه ولي فارس (وأتاه) (٤) الناس من العراقين ، فأعطاهم الأموال الكثيرة ، فلما عزل ، ورجع إلى البصرة ، دخل مسجدها فبسط الناس أرديتهم ليمشي عليها ، وجعلوا يدعون له ، ويثنون (٥) عليه ، فالتفت إلى بعض أصحابه فقال : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦).

فصل

في الاقتصاد

قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا) (٧) (خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٨).

وقال الله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) (٩).

__________________

(١) في جمهرة الأمثال ١ / ٥٧٢ : عن نفطويه عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال : كان أبو سمال الأسدي متهما في دينه ، فضلت ناقته ، فحلف لا يصلي أو يردها الله ، فأصابها ، وقد علق زمامها. فقال : علم الله أنها صيرى يقول : أصررت على يميني فردها. فضرب به المثل.

(٢) عبيد الله بن زياد بن ظبيان من فتاك العرب كان مقربا من عبد الملك بن مروان. وهو الذي قتل مصعب بن الزبير. مات في عمان سنة ٧٥ ه‍. انظر البصائر والذخائر : ٢٨٣.

(٣) مقاتل بن مسمع من بني مازن له أخبار في الكوفة بعد وفاة يزيد بن معاوية ، وكان في جيش مصعب بن الزبير في حرب المختار أميرا على الرجال. انظر الطبري ٢ / ٤٥٩ ، ٧٢٥ (ط الأوروبية).

(٤) في الأصل : (وانتهم).

(٥) الصافات : ٦١.

(٦) في الأصل : (وانتهم).

(٧) في الأصل : (عدنا).

(٨) الحجر : ٢١.

(٩) في الأصل : (بقدره). والآية من سورة الشورى : ٢٧.


قال عبد الملك بن مروان يوما لجلسائه : من أشعر الناس؟ فقالوا الذي قال :

فأنفق وأتلف إنما المال عارة

وكله مع الدهر الذي هو آكله

فقال عبد الملك : قول الله أصدق ، وأحسن : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (١).

وقال يوما لعمر بن عبد العزيز : كيف نفقتك يا أبا حفص؟ فقال : يا أمير المؤمنين الحسنة بين المسألتين. قال : وكيف (٢)؟ قال : يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٣).

وسئل بعضهم عن الاقتصاد. فقال :

هو قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (٤).

وهذا الأدب ليس في الإنفاق وحده بل في كل معنى من المعاني يستحب التوسط ، ويكره الإفراط ألا تسمع العرب تقول (٥) : لا يكن حبك كلفا ، ولا بغضك تلفا.

وتقول : لا تكن حلوا فتحتسى ، ولا مرا فتلفظ (٦).

__________________

(١) الفرقان : ٦٧.

(٢) في الأصل : (وكفف) وهو تحريف.

(٣) الفرقان : ٦٧.

(٤) الإسراء : ٢٩.

(٥) في الأصل : (يقول).

(٦) في الأصل : (فتجشأ) وهو تحريف في النسخ. وفي الفاخر : ٢٤٧ : (لا تكن حلوا فتزدرد ولا مرا فتلفظ).


وفي الخبر : إن المنبت لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى (١).

وفي القرآن الكريم : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (٢).

فصل

في ذكر المروءة

سئل محمد بن حرب الهلالي (٣) عن المروءة فقال :

جماعها في قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٤).

قال ابن عباس :

كل ما شئت من الطيبات ، والبس ما أحببت من الثياب السرية. إذا أخطأتك اثنتان سرف أو مباهاة (٥) ثم قرأ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ

__________________

(١) المثل في مجمع الأمثال ١ / ١ والمنبتّ : المنقطع عن أصحابه في السفر. والظهر الدابة. قال عليه الصلاة والسلام لرجل اجتهد في العبادة حتى هجمت عيناه أي غارتا فلما رآه قال له : (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، إن المنبت ..) أي الذي يجد في سيره حتى ينبت أخيرا. ويضرب المثل لمن يبالغ في طلب الشيء ، ويفرط حتى ربما يفوته على نفسه.

(٢) الإسراء : ١١٠.

(٣) محمد بن حرب الهلالي. ذكر الجاحظ في البيان والتبيين أخبارا رواها عنه وأقوالا بليغة. انظر البيان والتبيين ٢ / ٧٤ ، ٧٧ ، ١١٥ ، ١٥١ ، ١٧٩ ، ٢٥٧ ، وذكر أبو الفرج الأصفهاني أنه كان على شرطة محمد بن سليمان العباسي. انظر الأغاني ١٧ / ٨٨.

(٤) النحل : ٩٠.

(٥) القول في عيون الأخبار ٣ / ٣٩٦ : (كل ما شئت) والبس ما شئت إذا ما أخطأك شيئان ، سرف ومخيلة.


مِنَ الرِّزْقِ) (١).

وكان إذا خرج (إلى) (٢) المسجد يرتدي [أفخر ثيابه] (٣) يتناول قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٤).

قيل لبعضهم في حسن كسوة وظهور رياسة فقال :

إنما آخذ بأدب الله تعالى في قوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٥). ولسان الحال أنطق من لسان المقال لا سيما والنبي صلوات الله عليه يقول : (إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه).

وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول :

لا يمنعكم من ارتباط الدواب خوف قوتها ، فإن الله تعالى لم يخلق دابة إلا رزقها ، وإذا جعلها لكم جعل أرزاقها عندكم. يريد قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ [إِلَّا] عَلَى اللهِ رِزْقُها) (٦).

وكان جعفر بن محمد (٧) رضي الله عنهما يقول :

استكثروا من العبيد والخدم ، فإن مرافقها ، وأرزاقها على الله تعالى.

__________________

(١) الأعراف : ٣٢.

(٢) زيادة ليست في الأصل.

(٣) الكلمة غير واضحة في المخطوط ولعلها : (أفخر ثيابه).

(٤) الأعراف : ٣١.

(٥) الضحى : ١١.

(٦) هود : ١٦. وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل.

(٧) جعفر بن محمد الإمام أبو عبد الله جعفر المعروف بالصادق بن محمد الباقر أحد الأئمة الإثني عشر. توفي سنة ١٣٨. انظر وفيات الأعيان ١ / ٢٩١.


فصل

في حسن القول للناس

قال الله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (١).

وقال تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢).

وأمر نبيه موسى وأخاه هارون بتليين القول لفرعون فقال لهما : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٣).

وقال تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) (٤).

فصل

في المداراة (٥)

قال بعض الحكماء : من العقل بعد الإيمان بالله المداراة. وينبغي للعاقل أن يداري زمانه مداراة السابح الجاري (٦). وقد أمر الله تعالى بها في قوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (٧).

__________________

(١) البقرة : ٨٣.

(٢) الإسراء : ٥٣.

(٣) طه : ٤٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط من أصل المخطوط والآية من سورة البقرة : ٢٦٣.

(٥) في الأصل : (المراراة).

(٦) في الأصل : (الماء الجاري). والقول في ثمار القلوب ٤١٩.

(٧) المؤمنون : ٩٦.


كان (١) أبو سليمان الخطابي البستي (٢) إذا أنشد قوله :

ما دمت حيا فدار الناس كلهم

فإنما أنت في دار المداراة (٣)

تلا قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (٤).

فصل

في الصدق

قال الله تعالى : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٥). وقال : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) (٦).

وقال الفضيل بن عياض (٧) :

__________________

(١) في الأصل : (قال) والصواب : (كان).

(٢) أبو سليمان الخطابي : هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطابي البستي كان فقيها أديبا محدثا ، سمع بالعراق أبا علي الصفار ، وأبا جعفر الرزاز. وروى عنه الحاكم النيسابوري. انظر وفيات الأعيان ١ / ٤٥٥.

(٣) البيت في ، التمثيل والمحاضرة ٤١٩ ، يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٤ وفيات الأعيان ١ / ٤٥٥ وبعده.

من يدري يدري ومن لم يدر سوف يرى

عمّا قليل نديما للندامات

وبعده في أحسن ما سمعت ١٥٧ :

دنياك ثغر فكن منها على حذر

فالثغر مثوى مخافات وآفات

(٤) المؤمنون : ٩٦.

(٥) التوبة : ١١٩.

(٦) الأحزاب : ٢٤.

(٧) مرت ترجمته.


إن الله يسأل الصادقين عن صدقهم ، منهم عيسى. بن مريم فكيف الكاذبين المرائين (١) الذين قيل فيهم : (رب صائم قائم ليس له من صومه إلا الجوع ومن قيامه إلا السهر) (٢).

فصل

في الحلم

قال الحسن :

ما نعت (٣) الله تعالى نبيا من أنبيائه أجل (٤) مما نعتهم به من الحلم ، فإنه قال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ) (٥) يعني أن الحلم في الناس عزيز.

وقال بعضهم (٦) : إن الحلم أجلّ من العقل لأنّ الله تعالى تسمّى به ، ولم يتسم بالعقل.

وفي قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٧) أمر منه ـ عزّ ذكره ـ بالحلم. وكذلك قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٨).

__________________

(١) في الأصل : (المرابين).

(٢) في النص إشارة إلى سؤال الله عزوجل عيسى بن مريم في سورة المائدة : ١١٦. النص في حلية الأولياء ٨ / ١٠٨ وفيه أنه قال : (ما تزين الناس بشيء أفضل من الصدق ، والله عزوجل يسأل الصادقين عن صدقهم منهم عيسى بن مريم عليه‌السلام. كيف بالكذابين المساكين ثم بكى. وقال : أتدرون في أي يوم يسأل الله عزوجل عيسى بن مريم عليه‌السلام؟ يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين ، آدم فمن دونه. ثم قال : وكم من قبيح تكشفه القيامة غدا.

(٣) في الأصل : (بعث).

(٤) في الأصل : (اقل أنبيائهم أقل).

(٥) هود : ٧٥.

(٦) في الأصل : (بعض).

(٧) الفرقان : ٦٣.

(٨) الأعراف : ١٩٩.


فصل

في الاعتبار

قال الله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (١).

وقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٢).

وقال بعض الصالحين : إني لأخرج من منزلي فما تقع عيني على شيء إلا ولله عليّ فيه نعمة ، ولي في ذلك عبرة. ثم قرأ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٣).

وكان الفضل بن عيسى الرقاشي (٤) يقول في قصصه :

اسأل (٥) الأرض فقل من شق (٦) أنهارك وحثا ترابك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ، فإن لم تجبك جوابا أجابتك اعتبارا. ثم يقرأ (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (٧).

قال صالح المري (٨) :

دخلت دار أبي أيوب المورياني (٩) بعد زوال أمره فاستفتحت بثلاث آيات استخرجها من كتاب الله تعالى في الاعتبار بخراب المساكن ، قوله تعالى : (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ

__________________

(١) الحشر : ٢.

(٢) النازعات : ٢٦.

(٣) آل عمران : ١٣ ، النور : ٤٤.

(٤) في الأصل : (الفاضل) والصواب : الفضل بن عيسى بن إبان الرقاشي الواعظ البصري. كان من رجال المعتزلة. انظر : تهذيب التهذيب ٨ / ٢٨٣ وثقه بعضهم. وقال النسائي عنه إنه ضعيف.

(٥) في الأصل : (سئل).

(٦) في الأصل : (أشق).

(٧) يوسف : ١٠٥.

(٨) صالح المري بن بشير بن وادي. كان من أحد رجال الحديث توفي سنة ١٢٧ ه‍. الطبقات : ٢٢٣.

(٩) في الأصل : (المرزباني) والصواب : المورياني وقد مر بنا تحقيق هذا الاسم في فصل العفو ، وانظر أيضا الفخري ١٢٨.


تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) (١). وقوله : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٢) وقوله : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) (٣). قال : فخرج إليّ أسود وقال : يا أبا بشر ، هذه سخطة المخلوق ، كيف سخطة الخالق.

لما اتصل بعبيد الله بن سليمان أن علي بن نصر بن بسّام قال (٤) :

بقربك داران مهدومتان (٥)

ودارك ثالثة تهدم

فليت السلامة للمنصفين

ترجّى فكيف (٦) لمن يظلم

يعني دار صاعد (٧) وأبي الصقر (٨) الوزيرين كانا قبله. قال عبيد الله : وعظ نفسه بدار أبيه (٩) فقد كانت أحسن من دورنا. وقد وعظ الله تعالى في خير موضع من كتابه فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) (١٠) (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١١). وهذا عدي بن زيد يقول :

__________________

(١) القصص : ٥٨.

(٢) القمر : ١٥.

(٣) النمل : ٥٢.

(٤) البيتان في مجموعه الشعري ق ١٢٢.

(٥) في الأصل : (ذاراري) ورواية البيت في المجموع (داران).

(٦) روايته في الديوان : (دامت ففكيف).

(٧) مرت ترجمته.

(٨) في الأصل : أبو القصر ، والصواب : أبو الصقر ، هو إسماعيل بن بلبل استوزره الموفق لأخيه المعتمد وجمع له السيف والقلم.

انظر الفخري ١٧٨.

(٩) في الأصل وعظ وما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.

(١٠) في الأصل : (يشيروا).

(١١) الروم : ٩.


أين كسرى الملوك أبو

ساسان أم قبله سابور (١)

وقال آخر :

وإنّا مورثون كما ورثنا

عن الآباء إن متنا وبنّا (٢)

وقال آخر :

كلّ إلى الغاية محثوث

والمرء موروث ومبعوث

فكن حديثا حسنا ذكره

بعدك في الناس أحاديث

فصل

في المشورة

قال الحسن :

إن الله تعالى لم يأمر نبيه بمشاورة أصحابه لحاجة منه إلى آرائهم (٣) ، وإنما أراد أن يعلمنا ما في المشورة من الفضل حيث قال : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (٤).

__________________

(١) البيت في ديوان عدي ٨٧ وروايته :

أين كسرى كسرى الملوك

أنو شروان أم أين قبله سابور

من قصيدة مطلعها :

أرواح مودّع أم بكور

لك فاعلم لأي حال تسير

(٢) في الأصل : (بتنا).

(٣) في الأصل : (أدائهم).

(٤) آل عمران : ١٥٩.


قال الأصمعي :

قلت لبشار بن برد : ما سمعت أحسن من شعرك في المشورة :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

بحزم نصيح أو نصاحة (١) حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

فإنّ الخوافي قوة للقوادم

فقال : إن المشاور بين إحدى الحسنيين ، بين صواب (٢) يفوز بثمرته ، أو خطأ يشارك في مكروهه (٣). فقلت : أنت في هذا الكلام أشعر منك في شعرك.

قال الجاحظ :

الشورى لقاح العقول وبريد (٤) الصواب (٥) ، والمستشير (٦) على طرف النجاح. (واستشارة المرء برأي أخيه من عزم الأمور ، وحزم التدبير) (٧).

__________________

(١) الخبر والبيتان في ديوانه ٤ / ١٧٢ وفي نهاية الإرب ٦ / ٧١ ورواية البيت فيه :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن

برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تحسب الشورى عليك غضاضة

فإنّ الخوافي رافدت القوادم

وهذان البيتان من قصيدة كان بشار بن برد قد كتب بها إلى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن يمدحه بها ، ويحرضه على أبي جعفر المنصور فمات إبراهيم قبل وصول القصيدة إليه ، فخاف بشار من اشتهارها فقلبها وجعل التحريض على أبي مسلم الخراساني فقال :

أبا مسلم ما طيب عيش بدائم

ولا سالم عما قليل بسالم

(٢) في الأصل : (فقوات).

(٣) العبارة الأخيرة في ثمار القلوب : ٤١٧.

(٤) في الأصل : (القول وريد).

(٥) في الأصل : (الصواث).

(٦) في الأصل : (المستشين).

(٧) العبارة في التمثيل والمحاضرة : ٤١٧ غير منسوبة للجاحظ.


وقد أمر الله تعالى بالمشورة أكمل الخلق لبابة (١) ، وأولاهم بالإصابة ، فقال لرسوله الكريم الحكيم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٢).

وقال الشاعر :

شاور صديقك في الخفي المشكل (٤)

(واقبل) (٣) نصيحة مشفق متفضل

فالله قد أوصى النبي محمدا

في قوله : شاورهم (٥) وتوكل

فصل

في أدب الحرب

قد أمر الله تعالى في الحرب بالاجتماع ، والتعاضد فقال : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (٦).

وكان المهلب بن أبي صفرة يقول :

محرّض خير من ألف مقاتل ، ثم يقرأ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) (٧) ، وقوله (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (٨).

__________________

(١) اللبابة : الحسب الخالص. القاموس المحيط (لبب).

(٢) آل عمران : ١٥٩.

(٣) في الأصل : (والمشكل).

(٤) في الأصل : (أقبل نصحة).

(٥) في الأصل : (وشاورهم). وفي البيت إشارة إلى الآية السابقة : آل عمران : ١٥٩.

(٦) التوبة : ٣٦.

(٧) الأنفال : ٦٥.

(٨) النساء : ٨٤.


وقد جمع الله آداب الحرب بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١).

فأمر أولا بالثبات عند لقاء العدو ، ثم بذكر (٢) الله الذي به يستنزل النصر ، ثم بطاعة الله التي لا بد منها في جميع الأحوال ، ثم بطاعة الرئيس التي لك غنمها ، وعليك عدمها ، ثم نهى عن التنازع المؤدي إلى التخالف ، وذهاب الريح ، وكلال الجدّ (٣) ثم أمر بالصبر الذي هو ملاك الأمر. ومن أخذ بهذه الآداب الحسنة في الحرب فلا بد من إفلاحه وإنجاحه.

قال بعض أصحاب الجيوش :

التعزير (٤) مفتاح البؤس ، وقد نهى الله عن ذلك فقال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٥).

ومن وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه. وقد ذمّ الله الإذاعة فقال : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) (٦).

استأذن بعض أصحاب أبي مسلم إياه في الانصراف ، وهو في بعض الحروب فقرأ بعض قوّاده : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

__________________

(١) الأنفال : ٤٥ ، ٤٦.

(٢) في الأصل : (يذكر).

(٣) الجد : الرزق والعظمة. القاموس المحيط (جدد).

(٤) التعزير : التعظيم ، ولعل المقصود بها المبالغة في التعظيم كما نهى الله سبحانه في الآية المذكورة عن الإسراف المؤدي إلى التهلكة.

(٥) البقرة : ١٩٥.

(٦) النساء : ٨٣.


وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (١). فغضب أبو مسلم ، وهم بقتله. فقال المستأذن أيها الأمير :

هذه منسوخة بقوله تعالى : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢). فأذن له ، وقد سكن عنه الغضب.

لما ركب المأمون للقبض على ابن عائشة الخارج (٣) كان من علية شيعته العباس بن الحسن بن عبيد الله العلوي (٤) ، فجمعوا إليه وخدمه بالأسلحة الشاكة. فقال له المأمون :

(ويحك) (٥) ما هذه الخرجة؟

فقال : اتباعا لقول الله تعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) (٦) ، فاستحسن ذلك من كلامه واستصحبه.

حكى أبو عبد الله ابن خالويه (٧) ، قال :

بلغني عن ابن نفيس صاحب كان لسيف الدولة أنه حكى حكاية ظريفة قال :

__________________

(١) التوبة : ٤٥.

(٢) النور : ٦٢.

(٣) كذا في الأصل ، وهو إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة خرج على المأمون سنة عشر ومائتين وسعى في البيعة لإبراهيم بن المهدي فقبض عليه المهدي وحبسه ، ثم قتله وصلبه. انظر : الطبري ١٠ / ٢٦٩ ، ٢٧٠ حوادث سنة ٢١٠.

(٤) العباس بن الحسن بن عبد الله العلوي من ولد العباس بن علي بن أبي طالب كان من أصحاب الرشيد : جمهرة أنساب العرب ٦٧.

(٥) في الأصل : (وقرر) ولم يرد ذكر الصحبة في الطبري.

(٦) التوبة : ١٢٠.

(٧) أبو عبد الله بن خالويه لغوي نحوي مشهور جالس سيف الدولة ، وله مع المتنبي مجالس ومباحث توفي سنة ٣٧٠ ه‍. وفيات الأعيان ١ / ٤٣٣.


قلت لسيف الدولة وهو يكتب إلى ملك الروم : أيها الأمير أراك تدني (١) ملك الروم إلى طاعتك ، فتجعله أكبر من ملك ، فضحك وقال :

و (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) (٢).

فصل

في أنواع من المكارم والمحاسن

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من أغاث مكروبا ، أغاثه الله يوم الفزع الأكبر).

وقال يوما : (من أعطى فشكر ، وابتلى فصبر ، وظلم فاستغفر) ثم سكت. فقالوا :

ما له يا رسول الله؟

فقال (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣).

وكان يقال : قد جمع الله محاسن الخصال ، ومكارم الأخلاق في قوله : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٤).

وقال بعض الولاة لرجل من رعيته :

قد أمرنا باستعمال العدل معك في صناعتك ، ومعاشك.

قال : وما يجزيني ذلك أيها الأمير ، مع خدمتي وحرمتي؟ (٥).

فقال : وهل وراء العدل شيء؟.

__________________

(١) في الأصل : (تدثى).

(٢) محمد : ٣٥.

(٣) الأنعام : ٨٢.

(٤) الأعراف : ١٩٩.

(٥) في الأصل : (وجرمتي).


فقال : نعم ، الإحسان الذي قرنه الله به في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (١).

وقال بعض الصالحين لابنه :

يا بني عليك بالقناعة ، فإن (من) لم تغنه قناعة لم تغنه (١) مال.

كان قتادة يقول :

ما استقصى كريم قط. أما سمعتم قول الله تعالى : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) (٢).

وكان الأحنف (٣) يقول :

التغافل من أفعال الكرام ، ثم يقول : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (٤).

وهذا المعنى أراده أبو تمام في قوله :

ليس الغبيّ بسيد (٦) في قومه

لكنّ سيد قومه المتغابي (٥)

__________________

(١) النحل : ٩٠.

(٢) في الأصل : يغنه.

(٣) التحريم : ٣.

(٤) هو الأحنف بن قيس يكنى أبا بحر الضحاك المعروف بالأحنف وقيل اسمه صخر ، وهو الذي يضرب به المثل في الحلم. كان من سادات التابعين أدرك النبي ، ولم يصحبه توفي سنة ٦٧ ه‍ وقيل ٧٦ ه‍ وقيل ٧٧ ه‍. انظر وفيات الأعيان ٢ فما بعدها.

(٤) الأنعام : ٦٨.

(٥) في الأصل : (بسيدو).

(٦) البيت من قصيدة يمدح بها أبو تمام مالك بن طوق التغلبي ومطلعها :

لو أنّ دهرا رد رجع جوابي

أو كفّ من شاديه طول عتابي

نظر : بدر التمام : ٨٢.



الباب التاسع

في

ذكر معائب الأخلاق من الخلال ، ومقابح

الأعمال ، وذم العامة والسقّاط والجهال

وعورات الرجال



الباب التاسع

في ذكر معائب الأخلاق من الخلال ومقابح (١) (الأعمال) وذم الغاغة (٢) والسقّاط ، والجهال ، وعورات (٣) الرجال.

فصل

في ذم الهوى

قال ابن عباس :

الهوى إله معبود ، ثم قرأ (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (٤).

وقال ابن طباطبا من أبيات :

سمتني ما محا الهوى من ضميري

فالهوى اليوم حبله منك واهي

بعدما كان لي هواك إلها

طالما قد عبدته كالإله

قيل لبعض الزهاد (٥) :

أوصنا.

قال : خالفوا أهواءكم تسلموا من الضلالة فإن الله يقول : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) (٦) ويقول : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٧) ويقول :

__________________

(١) في الأصل : (مفاتح) وما بين القوسين زيادة ليست في الأصل وقد ذكرت في ثبت الكتاب.

(٢) في الأصل : (الفاغة) والغاغة : السقاط من الناس وهو في الأصل شيء يشبه البعوض ولا يعض لضعفه. انظر : القاموس المحيط (غوغ).

(٣) في الأصل : (وعوارف) وهو خطأ صوبناه من مقدمة الكتاب.

(٤) الجاثية : ٢٣.

(٥) في الأصل : (الرهاة).

(٦) القصص : ٥٠.

(٧) ص : ٢٦.


(وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (١) ، ويقول : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (٢).

فصل

في كفر النعمة

قال بعض الحكماء : كفر النعمة طبيعة مركبة في الإنسان. قال الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) (٣) ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٤).

قال الحسن : في قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٥) قال :

هو الذي ينسى النعم ، ويذكر المصائب.

قال بعضهم :

يا أيها الظالم في فعله

والظلم مردود على من ظلم

إلى متى أنت ، وحتى متى

تشكو المصاب وتنسى النعم؟

بلغ سليمان بن جعفر بن أبي جعفر قول إبراهيم بن المهدي :

__________________

(١) المائدة : ٧٧.

(٢) الأنعام : ٥٦.

(٣) الحج : ٦٦ في الأصل) : إن الإنسان لكفور مبين) وهو خطأ في النسخ.

(٤) إبراهيم : ٣٤.

(٥) العاديات : ٦.


والله ما عفا عني المامون صلة لرحمي ، ولا تقربا (١) إلى الله بحقن دمي ، ولكن قامت له سوق في العفو ، فكره أن يقدح (٢) فيها فيها بقتلي.

فقال سليمان : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (٣). أما المأمون فقد فاز بذكرها ، وفضلها ، وجميل الأحدوثة عنها (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٤). قال الله تعالى : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٥).

قال أبو تمام :

أشكر نعمى منك مكفورة

وكافر النعمة كالكافر (٦)

قال البحتري :

سأجهد في شكر لنعماك إنني

أرى الكفر للنعماء ضربا من الكفر (٧)

__________________

(١) في عيون الأخبار ١ / ١٠٠ : ولا محبة لاستحيائي ، ولا قضاء لحق.

(٢) يقدح : أي يطعن. والخبر في عيون الأخبار ٢ / ٢٥٢ : عمومتي ، ولكن قامت له سوق في العفو ، فكره أن يفسدها بي. انظر أيضا : الخليفة المغنى : ٨٧.

(٣) عبس : ١٧.

(٤) الكهف : ٢٩.

(٥) النمل : ٤٠.

(٦) البيت الأول في بدر التمام في شرح ديوان أبي تمام ١ / ٥١٦ وتمثل به الثعالبي في المنتحل : ٨٩ وهو من قصيدة يمدح بها أبا سعيد ، ومطلعها :

قل للأمير الأريحي الذي

كفّاه للبادي وللحاضر

(٧) البيت الثاني من قصيدة يمدح بها المعتز ومطلعها :

حبيب سرى في خفية وعلى ذعر

يجوب الدجى حتى التقينا على قدر

ديوان البحتري ج ١ / ١٠٥٤.


فصل

في البخل

كان الشعبي يقول :

والله ما أفلح بخيل قط ، ثم يقرأ (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

قال ابن مسعود في قوله تعالى :

(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢) قال : يطوّق بثعبان فينقر رأسه ، ثم ينظم في عنقه فيقول : أنا مالك بخلت به.

وقال بعض السلف :

لو لم ينطق القرآن في ذم (٣) البخيل إلا بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٤).

وقال غيره : قد ذم الله تعالى : من منع خيره ، وأمر (٥) بالبخل غيره ، فإياك أن تكنه.

__________________

(١) الحشر : ٩.

(٢) آل عمران : ١٨٠.

(٣) الأصل : (دم).

(٤) النساء : ٣٧ وفي الأصل : (ولا تحسبن). ولعلّ بعدها كلمة ساقطة هي مثلا (لكفى).

(٥) في الأصل : (ويأمر).


فصل

في الظلم

قال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ) (١).

ثم قال : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢).

وقال : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٣).

وقال تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٤).

وقال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ) (٥).

وقال تعالى : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) (٦).

قال بعض الحكماء :

الظلم خطة في الحيوان لا سيما في الإنسان (٧) ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (٨).

قال المتنبي :.

__________________

(١) الصف : ٧.

(٢) الصف : ٧.

(٣) العنكبوت : ٤٩.

(٤) البقرة : ٢٧٠.

(٥) إبراهيم : ٤٢.

(٦) نوح : ٢٨.

(٧) في الأصل : (في الإنسان لا سيما في الإنسان) وهو تحريف في النسخ ولعلها كما أثبتناها. والخطة الطريقة والعادة.

(٨) إبراهيم : ٣٤.


والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم (١)

سمع ابن عيينة قائلا يقول : الظلم مرتعه وخيم. فقرأ : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (٢) ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٣).

وقال عبد الله بن مسعود :

لما نزلت هذه الآية : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٤) شق ذلك على أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقالوا : يا رسول الله أيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال عليه‌السلام : ((الظلم ها هنا الشرك ، أما سمعتم قوله تعالى حكاية عن لقمان : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٥))).

جمع ابن عباس وكعب الأحبار (٦) مجلس جرى فيه ذكر الظلم والظلمة.

فقال كعب : إني واجد في التوراة : أن من يظلم يخرب بيته (٧).

فقال ابن عباس : أنا أوجدك هذا في القرآن.

فقال : هات يا بن (٨) عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقرأ : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) (٩).

__________________

(١) البيت في ديوان المتنبي ٤ / ١٢٥.

(٢) طه : ١١١.

(٣) الشعراء : ٢٢٧.

(٤) الأنعام : ٨٢.

(٥) لقمان : ١٣ والحديث أخرجه البخاري وأورده ابن كثير في تفسيره ٣ / ٤٤٤.

(٦) كعب الأحبار هو كعب بن ماتع بن ذي هجن الحميري تابعي كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود في اليمن ، أسلم زمن أبي بكر ، وقدم المدينة زمن عمر ، فأخذ عنه الصحابة أخبار الأمم الغابرة. انظر حلية الأولياء ٥ / ٣٦٤.

(٧) في الأصل : (يجرب نبيه).

(٨) في الأصل : (أبى أحد).

(٩) النمل : ٥٢.


ومن ها هنا روى عنه عليه‌السلام : (اليمين الكاذبة تدع الديار (١) بلاقع). وقد اقتبس أبو تمام هذا المعنى فقال :

وبلاقعا حتى كأنّ قطينها

حلفوا يمينا خلّفتك غموسا (٢)

لما بلغ عبد الله بن الزبير (٣) أن عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد الأشدق (٤) قام خطيبا فقال في خطبته :

أما بعد ، فإن (أبا ذبان) (٥) قتل (لطيم) (٦) الشيطان ، ثم قرأ : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧).

أنشد القاضي أبو بكر لنفسه :

وظالما قلت له واعظا

الظلم مما ينكر (٨) العالمون

أقصر عن الظلم وأمسك يدا

فإنه لا يفلح الظالمون

__________________

(١) في الأصل : الربار) والبلاقع : الخالية.

(٢) البيت في ديوان أبي تمام : من قصيدة ١٣١ يمدح بها أبا الغيث موسى بن إبراهيم ومطلعها :

أقشيب ربعهم أراك دريسا

وقرى ضيوفك لوعة ورسيسا

القطين : السكان ، واليمين الغموس هي الكاذبة.

(٣) في الأصل : (عبد الله) وهو تحريف في النسخ.

(٤) عمرو بن سعيد الأشدق ، ولي المدينة لمعاوية ويزيد ثم طلب الخلافة وغلب على دمشق وخرج على عبد الملك بن مروان ، فقتله عبد الملك سنة ٧٠ ه‍ ، ولقب بلطيم الشيطان وقد قال الجاحظ إن هذا اللقب يقال لمن به لقوة أو شتر إذا سب. انظر الحيوان ٦ / ١٧٨ ، لطائف المعارف : ٣٧.

(٥) في الأصل : (أبا الرمان) وهو تحريف في النسخ والصواب أبو ذبان وهي كنية عبد الملك ابن مروان قيل لشدة بخزه وموت الذبان إذا دنت من فمه. انظر : لطائف المعارف ٣٦ ، ثمار القلوب : ٥٩.

(٦) في الأصل : (لظليم) وهو تحريف في النسخ ، ولطيم الشيطان لقب عمرو بن الأشدق والخطبة في البيان والتبيين ١ / ٤٠٦ ، ٢ / ٩٥ ،

ثمار القلوب : ٥٩ ، لطائف المعارف : ٣٦.

(٧) الأنعام : ١٢٩.

(٨) في الأصل : (سكر) والصواب ما أثبتناه أعلاه.


فصل

في الكذب

قال الحسن :

ينبغي للمؤمن أن ينزه دينه عن الكذب فإن الله تعالى قد نسبه إلى من لا يؤمن به فقال : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) (١). وقال عز ذكره : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (٢).

قال بعض الحكماء :

الكذب بين مهانة الدنيا ، وعذاب الآخرة ، فإن الله تعالى يقول : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٣).

فصل

في الحسد

كان الأصمعي إذا أنشد :

إن العرانين تلقاها محسّدة

ولن ترى للئام الناس حسّادا (٤)

__________________

(١) النحل : ١٠٥.

(٢) الصف : ٧.

(٣) البقرة : ١٠.

(٤) البيت للمغيرة بن حبناء شاعر آل المهلب وقبله :

إلى المهلب قوم إن مدحتهم

كانوا الأكارم آباء وأجدادا

وفي العقد الفريد ٢ / ١٥٦ إن المنصور قال لسليمان بن معاوية المهلبي : ما أسرع حسد الناس إلى قومك؟ فقال يا أمير المؤمنين ..

والعرانين السادة الأشراف ، الواحد عرنين.


تلا قوله تعالى : (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) (١).

قال الحسن :

الحسد أسرع في الدين من النار في يبس العرفج (٢) ، وما أوتي المحسود من حاسد إلا من قبل فضل الله عنده ، ونعمته عليه. قال الله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ (اللهُ) مِنْ فَضْلِهِ) (٣).

والحسد عقيد الكفر ، وضد الحق. وقد ذم الله به أهل الكفر فقال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (٤).

وفيه تتولد العداوة ، وهو سبب كل قطيعة ، ومنتج كل وحشة ، ومفرق كل جماعة ، وقاطع كل رحم بين الأقرباء ، ومحدث كل فرقة بين الأصدقاء ، وملقح كل شر بين الخلطاء. ثم هو أول خطيئة ظهرت في السماء ، وأول معصية حدثت في الأرض ، أما التي في السماء فمعصية إبليس لما حسد آدم (٥). وأما (٦) التي في الأرض فقتل ابن آدم حسدا (٧) له كما حكى

__________________

(١) الفرقان : ٣١.

(٢) العرفج شجر سهلي. القاموس المحيط (عرفج).

(٣) ما بين القوسين ساقط من المخطوط والآية من سورة النساء : ٥٤.

(٤) البقرة : ١٠٩.

(٥) في لطائف المعارف ٥ : أما في السماء فما كان من حسد إبليس لآدم حينترفع عن السجود ، وهو في العقد الفريد / ٣٢٠ غير منسوب.

(٦) نسب الثعالبي القول ابتداء من هذه الجملة في لطائف المعارف : ٥ إلى بعض السلف.

(٧) في لطائف المعارف : وأما في الأرض فما كان من حسد قابيل لأخيه هابيل على تقبل القربان منه دونه ، حتى قتله ، فأصبح من النادمين. وفي العقد الفريد : وأما في الأرض فحسد قابيل هابيل.


الله عنه ، قال تعالى (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١). وقد أمر الله بالتعوذ من شر الحاسد إذا حسد (٢).

فصل

في ذم ذي الوجهين

قال الأحنف يوما لأصحابه :

إن ذا الوجهين خليق ألا يكون وجيها عند الله (٣).

فقالوا له : وكيف ذو الوجهين يا أبا بحر؟

قال : كما قال الله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (٤) وكما قال عز ذكره : (وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) كذا في الأصل. والصواب : فأصبح من الخاسرين. المائدة : ٣٠. أما قوله : فأصبح من النادمين ، فهو من قوله تعالى : (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة : ٣١.

(٢) من قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) الفلق : ٥.

(٣) في البيان والتبيين ٢ / ١٢٩ : أنه سمع رجلا يطري يزيد عند معاوية ، حتى إذا خرج ذمهما فقال له : (صه فإن ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيها).

(٤) البقرة : ١٤.

(٥) آل عمران : ١١٩.


(مثل المنافق مثل الشاة الغائرة بين الغنمين تهوى إلى هذه مرة ، وإلى تلك أخرى). ثم قرأ. (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (١).

وقد وصفهم بأجلّ لفظ ، وأحسن معنى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

وقال تعالى فيهم : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) (٣).

دخل أبو العيناء على عبيد الله بن يحيى بن خاقان (٤) ، وعنده نجاح بن سلمة وموسى ابن عبد الملك ، وأحمد بن إسرائيل (٥). فقال :

وأشار إليهم : أيها الوزير (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (٦).

فقال نجاح : كذبت يا عدو الله. فقال أبو العيناء : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٧).

__________________

(١) النساء : ١٤٣.

(٢) في الأصل خطأ في كتابة الآية إذ كتبت عبارة (قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) قبل عبارة (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ). وصواب الآية كما أثبتناها وهي من سورة النساء : ١٤١.

(٣) التوبة : ٨.

(٤) في الأصل : (عبيد الله بن سليمان).

(٥) أحمد بن إسرائيل أبو جعفر الأنباري أحد الكتاب الأذكياء ولي الوزارة للمعتز وقتله الأتراك سنة ٢٥٥ ه‍. انظر الفخري : ١٨١.

(٦) الحشر : ١٤.

(٧) الأنعام : ٦٧.


فصل

في الكبر

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر لم يرح رائحة الجنة) (١). ثم قرأ : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) (٢).

وقال بعض الحكماء :

إياكم والكبر ، فإن إبليس لما تكبر عن امتثال أمر الله تعالى قال له : (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (٣).

وقال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) (٤).

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٥).

__________________

(١) في صحيح مسلم ١ / ٦٥ : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).

(٢) الزمر : ٦٠.

(٣) الأعراف : ١٣.

(٤) الأعراف : ١٤٦.

(٥) لقمان : ١٨.


فصل

في ذم الغيبة

قال الحسن :

الغيبة إدام الكلاب التي في النار. قال الله سبحانه : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (١).

أضاف إبراهيم بن آدم قوما فلما تمكنوا في مجلسه ، أخذوا في غيبة الناس. فقال لهم : إن الناس يأكلون الخبز باللحم ، وأنتم تأكلون اللحم قبل الخبز ، ثم قرأ (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) (٢).

وقال بعضهم :

الغيبة فاكهة المرائي ، وبستان الملوك ، ومرتع النساء ، وإدام كلاب أهل النار.

فصل

في الظن

قال الله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٣).

وقال تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (٤).

__________________

(١) الحجرات : ١٢.

(٢) الحجرات : ١٢.

(٣) النجم : ٢٨.

(٤) الحجرات : ١٢.


دخل عبد الملك بن صالح (١) على الرشيد ، وكان الرشيد واجدا (٢) عليه ، متغيرا له ، فسلّم عبد الملك ، وجلس ، وأقبل الرشيد يعاتبه ، ويقرعه. فأقبل عليه عبد الملك كأنه صقر ، وقال :

يا أمير المؤمنين ، اتق الله فيما ولاك ، ورعيته فيما استرعاك ، ولا تضع الكفر مكان الشكر ، ولا العقاب موضع الثواب ، فقد والله محضتك (٣) النصيحة ، وشددت أواخي (٤) ملكك بأثقل من يلملم (٥) ، فالله (الله) في ذي رحمك أن تقطعه برجم (٦) أفصح الكتاب بآية (أنه) (٧) إثم.

فرضي عنه الرشيد ، ورجع له.

فصل

في أنواع من الخلال (٨) المذمومة

قيل لبعضهم : قال يحيى بن خالد : الشرف (٩) في السرف ، فقال قول الله أحق أن يتبع : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (١٠).

__________________

(١) عبد الملك بن صالح بن علي العباسي أمير من بني العباس ، ولاه الهادي ثم عزله الرشيد ، ثم ولاه الرشيد ، وبلغه أنه يطلب الخلافة ، فحبسه ثم أطلقه الأمين وولاه توفي نحو ١٩٦ ه‍. انظر : فوات الوفيات ٢ / ١٢ ، مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ ، النجوم الزاهرة ٢ / ٩٠ ، ١٥١ ، تاريخ ابن الأثير ٦ / ١٨٠ فما بعدها.

(٢) في الأصل : (وامرا).

(٣) في الأصل : (مخصتك النصيحة) وفي الكامل لابن الأثير : فقد نخلت لك النصيحة ، ومحضت لك الطاعة. وقوله هذا في مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ وروايته تختلف عن رواية الثعالبي وابن الأثير.

(٤) في الكامل : وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم ، وتركت عدوك منشغلا.

(٥) يلملم : موضع على ليلتين من مكة ، وقيل هو جبل من الطائف على مسيرة ليلتين أو ثلاث. انظر : معجم البلدان ٤ / ١٠٣٦.

(٦) في الأصل : (يرحم) وفي الكامل لابن الأثير : فالله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن وصلته بظن أفصح الكتاب. وللنص تتمة.

(٧) ما بين القوسين زيادة ليست في الأصل في مروج الذهب ٣ / ٣٤٤ : وإن الرشيد قال للأصمعي بعد أن سمع كلامه : والله والله يا أصمعي لقد نظرت إلى موضع السيف في عنقه مرارا ، يمنعني في ذلك إبقائي على قومي في مثله. وفي الكامل لابن الأثير ، والله لو لا بقائي على بني هاشم لضربت عنقك ، ثم أعاده إلى مجلسه.

(٨) في الأصل : (الحلال).

(٩) في الأصل : (البشرف في).

(١٠) غافر : ٤٣.


وقال بعض الحكماء :

المنّ يهدم الصنعة ، ويفسد المعروف. وقد نهى الله عنه فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (١).

وقال بعضهم :

الفخر عند الرجاء لؤم ، وعند البلاء حمق.

وقال الحسن :

القنوط تفريط ، وهو من الضلالة. قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (٢).

وقال ابن عباس في قوله تعالى : (هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (٣). قال :

هو المشّاء بالنميمة ، المفرق بين الجمع ، المصدّع (٤) بين الإخوان. وقد ذمّ الله تعالى ذلك : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (٥).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

عدلت (٦) شهادة الزور بالإشراك بالله. قال الله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (٧).

__________________

(١) البقرة : ٢٦٤.

(٢) الحجر : ٥٦.

(٣) الهمزة : ١ وفي تفسير الطبري ج ٣٠ / ٢٩٢ : عن ابن عباس أيضا قال هم المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة الباغون أكبر العيب.

(٤) في الأصل : (المصدن نبي).

(٥) القلم : ١٠ ، ١١.

ورد هذا التفسير في جامع البيان ٣٠ / ٢٩٢.

(٦) الحديث في شرح صحيح الترمذي ج ٩ / ١٧٤ ، ١٧٥ وقد قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إحدى خطبه.

(٧) الحج : ٣٠.


فصل

في ذكر العامة والجهال

قال الله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١).

وكان محمود الورّاق اقتبس منه :

يا ساهرا يرنو بعيني راقد

ومشاهدا (٢) للأمر غير مشاهد (٣)

٢ ـ ٢١٠ ـ ١ وكان بعضهم إذا نظر إلى العامة قال : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) (٤) (وَهُمْ رُقُودٌ) (٥).

وقال الله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (٦).

__________________

(١) الأعراف : ١٩٨.

(٢) في الأصل : (ومشاهد) والبيت في ديوانه ق ٤٩ ، ٦١ مع ثلاثة أبيات أخرى. وروايته فيه (يا ناظرا يرنو ..).

(٣) وهو في العقد الفريد ٣ / ١٧٩ وروايته :

يا غافلا ترنو بعيني راقد

ومشاهد للأمر غير مشاهد

وبعده :

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي

درك الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدما

منها إلى الدنيا بذنب واحد

(٤) في الأصل : (إيقاظ).

(٥) الكهف : ١٨.

(٦) البقرة : ١٣.


منه اقتبس من قال :

جهلت ولم تعلم بأنّك جاهل

فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري (١)

قال الله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢).

وقال منصور الفقيه :

يا معرضا إذ رآني

لمّا رآني ضريرا

كم قد رأيت بصيرا

أعمى وأعمى بصيرا (٣)

وقال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٤). فلو كانوا صما وبكما ، وكانوا لا يعقلون لما عيّرهم بذلك ، كما لم يعيّر من خلقه أعمى ، (وكما) (٥) لم يعير من خلقه معتوها لم يعقل ، وكما لم يلم الدواب ولم يعاقب السباع ، ولكن سمّى البصير المتعامي ، والسميع المتصام (٦) أصما ، والعاقل المتجاهل جاهلا. وقد قال الله

__________________

(١) البيت للخليل بن أحمد الفراهيدي. انظر شعره ق ١٦ ومعه ثلاثة أبيات أخرى وروايته فيه (جهلت فلم تدر) وروايته في الأصل (فمن لي بأن يدري ..).

(٢) الحج : ٤٦.

(٣) البيت في شعر منصور بن إسماعيل الفقيه ٩٦ وهما في معجم الشعراء ٢٨ ، يتيمة الدهر ٢ / ١٤٤.

(٤) الأنفال : ٢١ ، ٢٢.

(٥) في الأصل : (وكيف).

(٦) في الأصل : (المتعام أصم).


تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (١). فلو عنى أن عماهم كعمى العميان وصممهم كصمم الصمّ لما قال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢) ، وإنما ذلك كقوله : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (٣). وقد قال الله تعالى لناس يبصرون ويسمعون (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٤) ، فذلك على المثل.

ونظر بعضهم إلى قوم من العامة يتكلمون في القدر ، وقد علت أصواتهم في الجدال. فقال :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (٥).

وقد ذم الله قوما يخافون الناس أشد من خوفهم الله فقال تعالى : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٦).

__________________

(١) محمد : ٢٣.

(٢) محمد : ٢٤. وفي الأصل : (أفلا يبصرون).

(٣) النمل : ٨٠.

(٤) البقرة : ١٨.

(٥) الحج : ٣ ، ٤ وما بين القوسين ساقط في الأصل.

(٦) الحشر : ١٣.


فصل

في مثل ذلك من ذم الفساق

كان الحسن إذا نظر إلى أصحاب الدنيا قال :

رفعوا الطين (١) ، ووضعوا الدين ، وركبوا البراذين ، واتبعوا الشياطين ، وأشبهوا الدهّاقين خلافا على المتقين ، وهكذا أفعال المجانين فسوف يعلمون.

وكان محمد بن عبد الملك بن صالح (٢) يقول :

ما فسق من أهل البيت رجل (٣) ، حتى استخلف المهدي ، فحدثت (٤) في عصره أحداث ، (و) (٥) اشتهر باللذات. ولقد أدركت من مضى من أهل بيتي يصونون عن الدنس أعراضهم ، ويحفظون من العار أنسابهم ثم (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ) (٦) (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٧).

كتب أبو علي البصير (٨) إلى أبي (٩) العيناء :

أخبرني فلان أنك أصبحت متخضبا بالوسمة ، فعرفت أنك التمست بذلك الزينة عند أهل الدنيا لما رأيت من قبح وجهك عند أهل الآخرة بتركك الصلاة ، واتباعك

__________________

(١) في الأصل : (الطير).

(٢) محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس كان غاية في الرفعة ومن جلة قومه مدحه البحتري وحبيب.

انظر جمهرة أنساب العرب : ٣٦.

(٣) في الأصل : (رجلا).

(٤) في الأصل : (فحدث).

(٥) زيادة ليست في الأصل.

(٦) في الأصل : (المصلاة).

(٧) مريم : ٥٩.

(٨) في الأصل : (البصيرى).

(٩) في الأصل : (أبو).


(الشهوات) (١) ، ومنعك الصدقات ، واستحلالك الحرمات ، وكلما أردت ذلك كنت (٢) عند أهل السماء من الممقوتين ، وعند الصالحين من المارقين الذين قال الله فيهم : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) (٣).

__________________

(١) زيادة ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : (كتب).

(٣) الأنفال : ٢٣.


الباب العاشر

في

ذكر أنواع من الأضداد ، والأعداد



الباب العاشر

في ذكر أنواع من الأضداد ، والأعداد

فصل

في ذكر الغنى والفقر

قلت في الكتاب المبهج :

لو لم يكن في الغنى إلا أنه من صفات الله تعالى لكفى (١) به فضلا. وقد سمّى الله تعالى المال خيرا (٢) في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً) (٣).

وقال المفسرون في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٤) ، أي لحب المال وسمّى الله جلّ اسمه الخيل خيرا في قصة سليمان عليه‌السلام. فقال حكاية عنه : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) (٥). وسمّى الطعام خيرا في قصة موسى عليه‌السلام حيث قال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٦).

عن عبد الرحمن : يا حبّذا المال أصون به عرضي ، وأقرضه (٧) ربي ، فيضعفه.

__________________

(١) في الأصل : (وكفى).

(٢) في الأصل : (خير).

(٣) البقرة : ١٨٠ والنص غير موجود في ما نشر من المبهج.

(٤) العاديات : ٨.

(٥) ص : ٣٢.

(٦) القصص : ٢٤.

(٧) في الأصل : (وافرضه) والقول إشارة إلى الآية الكريمة : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) البقرة : ٢٤٥ وقد سقط سند الخبر.


قال شاعر :

حالان (لا) (٢) تحسن الدنيا بغيرهما

 .... (١) فيه الجود والولد

زين الحياة هما لو كان غيرهما

كان الكتاب به في ديننا يرد

يعني قوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٣).

قال ابن عباس : في قوله تعالى : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) (٤) أي مالا إلى مالكم.

وقد اختار قوم من الصالحين الفقر لقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٥). وقوله : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٦) وقوله : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (٧).

قال بعض المفسرين في قوله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٨) (قال : ما) جددوا (٩) لله معصية إلّا جدد لهم نعمة يستدرجهم بها.

وكان يقال : شر الفقراء الذين يسألون الناس إلحافا ، ويأكلون إسرافا (١٠).

__________________

(١) فراغ في الأصل.

(٢) فراغ في الأصل.

(٣) الكهف : ٤٦.

(٤) هود : ٥٢.

(٥) العلق : ٦ ، ٧.

(٦) فصلت : ٥٠.

(٧) التغابن : ١٥.

(٨) الأعراف : ١٨٢.

(٩) في الأصل : (ما جدد الله معصية إلا أخذ). وانظر تفسير الآية في تفسير الطبري ج ٩ / ١٣٥.

(١٠) إشارة إلى قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) البقرة : ٢٧٣ وقوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).

الأعراف : ٣١.


فصل

في فضل المال والسعي في كسبه (و) ذكر التجارة

واعتماد الصنعة

مدح الله تعالى قوما يسعون في طلب فضله فقال : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) (١).

وأمر الله تعالى بالحركة في الطلب ، وحث عليها فقال : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٢).

وقال تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (٣).

وقال صاحب البصرة (٤) :

إذا الأرض ضاق بها زندها

ففسحتها في فراق الزناد

إذا صارم قرّ (٦) في غمده

حوى غيره الفضل يوم الجلاد (٥)

ولو يستوي بالقعود النهوض

لما ذكر الله فضل الجهاد

__________________

(١) المزمل : ٢٠.

(٢) النساء : ١٠٠.

(٣) الجمعة : ١٠.

(٤) في الأصل : (التبصرة) والصواب : البصرة ، ويريد به صاحب الزنج المعروف ، انظر ثورة الزنج ـ فيصل السامر.

(٥) في الأصل : (فرمى).

(٦) في الأصل : (حرى) والبيتان في تاريخ الطبري ٨ / ٣١١ وقبلها :

رأيت المقام على الاقتصاد

قنوعا به ذلة في العباد


قال تعالى : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (١). فجعلهم في الرخصة مع المجاهدين الذين هم أهل الجنة.

وعنه عليه‌السلام :

أطيب ما أكل الرجل من كسبه.

والكسب في كتاب الله تعالى التجارة (٢).

وعنه عليه‌السلام :

التاجر الصدوق مع النبيين ، والصديقين ، والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وقد غبر (٣) عليه‌السلام برهة من دهره تاجرا ، وشخص مسافرا واشترى حاضرا وباع ، وما شان (٤) أمره في ذلك. قال المشركون : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) (٥). فيستغنى بها عن الشراء والبيع والقيام في الأسواق (٦) ، فأوحى الله إليه : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ

__________________

(١) المزمل : ٢٠.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) البقرة : ١٧٢.

(٣) في الأصل : (عبر).

(٤) في الأصل : (واباع رما شبهان).

(٥) الفرقان : ٧ ، ٨ وفي الأصل : (انزل عليه).

(٦) إشارة إلى قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) هود : ١٢.


إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) (١) فأخبر أن الأنبياء قبله قد كانت لهم تجارات ، وصناعات.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :

ما من ميتة بعد القتل في سبيل الله (أحبّ إليّ) من أن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض ، وأبتغي من فضل الله.

وقال بعض السلف :

الأسواق موائد الله في أرضه فمن أتاها أصاب منها (٢) ، ثم قرأ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) (٣) يعني (٤) التجارة في الأسواق.

وقال رجل لمعروف (٥) :

يا أبا محفوظ : أتحرك في طلب الرزق أم لا؟

فقال : تحرّك ، فإن الله تعالى قال لمريم : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٦) ولو شاء الله أن ينزله من غير أن تسعى في هز هذه النخلة لفعل.

__________________

(١) الفرقان : ٢٠ وما بين القوسين ليست في الأصل.

(٢) في الأصل : (اصخاب).

(٣) البقرة : ٢٦٧.

(٤) في الأصل : (معنى).

(٥) هو معروف بن فيروز الكرخي المكنى أبو محفوظ ، زاهد متصوف كان مولى للإمام علي الرضا توفي سنة ٢٠٠ ه‍. صفة الصفوة ٢ / ١٧٩ ، طبقات الحنابلة ١ / ٣٨١ ـ ٣٨٩ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٩٩.

(٦) مريم : ٢٥.


فصل

في ضد ذلك

كان الحسن رحمه‌الله يقول :

لعن الله أقواما أقسم الله فلم يصدقوه. ثم يقرأ : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (١).

وقال محمود الورّاق :

لقد خّمن الله رزق العباد

 .... وابه من رزقه (٢)

فلا يشعر القلب خوف المعاش

فيتهم الله في صدقه

ويقطع رزقك بعد الضمان

والهرّ والكلب في رزقه

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

(ما أوحي إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إليّ أن : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٣).

__________________

(١) الذاريات : ٢٢ ، ٢٣.

(٢) كذا في الأصل ، والأبيات ليست في ديوانه.

(٣) الحجر : ٩٨ ، ٩٩.


فصل

في التأني والعجلة

قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ) (١) (جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ) (٢).

قال بعض الحكماء :

ينبغي للوالي أن يتثبت (٣) في كل ما انتهى إليه ، ولا يعجل (٤) حتى ينظر (٥) الحال فيه ، ويأخذ بأدب سليمان عليه (السلام) (٦) إذ قال : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٧).

وأنشد الأصمعي قول مروان بن أبي حفصة (٨) :

إليك قصرنا (١٠) النصف من صلواتنا

مسيرة شهر بعد شهر نحاوله (٩)

__________________

(١) في الأصل : (إذا).

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) في الأصل : (يثبت).

(٤) في الأصل : (تعجل).

(٥) في الأصل : (تنظر).

(٦) زيادة ليست في الأصل.

(٧) النمل : ٢٧.

(٨) في الأصل : (مردان بن حفصة).

(٩) في الأصل : (قصدنا).

(١٠) في الأصل : (عد شهر يخاوله). وفي البيت إشارة إلى قصر الصلاة عن السفر ، والبيتان في مجموعة (مروان بن أبي حفصة وشعره) ص ٢٦.


ولسنا نخاف (٢) أن يخيب رجاؤنا

لديك ، ولكن أحسن (١) البر عاجله

ولما أنشد سديف بن ميمون السفّاح (٣) قصيدته التي يحرض بها على استئصال بني أمية ، ومنها (٤) :

لا يغرنّك ما ترى من رجال

إن تحت الضلوع داء دويّا

فضع السيف ، وارفع السوط حتى

لا ترى فوق ظهرها أمويا (٥)

قال : يا سديف (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (٦) ثم أمر بقتلهم.

ولأبي تمام قصيدة (٧) :

قد كان وعدك لي بحرا فصيّرني

يوم (٨) الزماع إلى الضحضاح والوشل (٩)

__________________

(١) في الأصل : (بخافل) وفي مجموع شعره : (ولا نحن نخشى).

(٢) في الأصل : (أهنا).

(٣) سديف بن ميمون قيل : إنه من موالي بني العباس ، شاعر وأديب كان في أيام الأمويين وعند قيام دولة العباسيين توجه نحوهم ، وحرضهم على بني أمية ، ثم إنه والى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن حين خرج على المنصور ، فقتل بأمر من المنصور. انظر : الأغاني ٤ / ٩٤.

(٤) الخبر والأبيات في طبقات الشعراء : ٤٠ ، الأغاني ج ٤ / ٩٤ وأولها :

يا بن عم النبي أنت ضياء

استبنا بك اليقين الجليا

(٥) روايته في الأغاني ج ٤ / ٩٤ :

جرّد السيف وارفع العفو حتى

لا نرى فوق ظهرها أمويا

(٦) الأنبياء : ٣٧.

(٧) البيتان من قصيدة له طويلة (ديوانه ص ١٨٨) مطلعها :

ما لي بعادية الأيام من قبل

لم يثن كيد النوى كيدي ولا حيلي

(٨) في الأصل : لوم. والزماع من زمعت بالأمر : إذا أقدمت ، ولم تثن ويريد به الفراق.

(٩) في الأصل : (الورشل) والضحضاح : الماء اليسير. والوشل : مثله.


وبيّن الله هذا في بريته

في قوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (١)

وللسري الموصلي (٢) من قصيدة (٣) :

ما بال رسمي من جدوى يديك عفا

فصار أوضح منه دارس الطل (٤)

لقد تجاوزت بي وقتي وأي (٦) حيا

في غير إبانه يشفى من الغلل (٥)

وقد تمهلت شهرا بعده كملا

وإنما (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (٧)

قيل لأبي العيناء : لا تعجل (٨) إن العجلة من الشيطان.

قال (٩) : لو كانت من الشيطان لما قال كليم الرحمن : (عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِ) (١٠).

__________________

(١) الأنبياء : ٣٧.

(٢) هو أبو الحسن السري بن احمد الكندي الموصلي شاعر أديب كانت له مهاجاة مع الشاعرين الخالديين ، وقد آذاه الخالديان وسببا قطع رسمه من سيف الدولة. توفي نحو سنة ٣٦٠ ه‍ معجم الأدباء ٤ / ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ديوان المعاني ١ / ٣٢٣ ، ج ٢ / ١٧.

(٣) الأبيات من قصيدة يمدح بها يروخ التركي وقد قصده يستنجزه رسما كان له عليه ، وأول القصيدة :

حمى الأمير أمان الخائف الوجل

وراحتاه حياة السهل والجبل

(٤) قد حدث خطأ كبير في نسخ البيت في المخطوطة إذ كتب في الأصل (قد كان جدوى يدك عنى / فما أوضح منه دارس الطلل) وقد صوبناه من رواية الديوان.

(٥) الحيا : المطر.

(٦) إبانه : وقته ، الغلل : شدة العطش.

(٧) الأنبياء : ٣٧.

(٨) في الأصل : (لا يعجل).

(٩) في الأصل : (قالت).

(١٠) طه : ٨٤.


فصل

في الحب والبغض

قال الله تعالى في تراجع القلوب بعد تنافرها : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) (١).

وقال جلّ ذكره : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (٢).

فصل

في الشباب والشيب

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

(أوصيكم (بالشباب) (٣) خيرا ، فإنه أرق (قلبا) (٤). إن الله بعثني بشيرا ونذيرا فحالفني الشباب ، وخالفني الشيوخ) ثم قرأ (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) (٥).

وقال الصولي في كتاب فضل الشباب على الشيب الذي ألفه للمقتدر بالله (٦) :

__________________

(١) في الأصل : (غاديتم) والآية من سورة الممتحنة : ٧.

(٢) الأنفال : ٦٣.

(٣) في الأصل : (بالعينات).

(٤) في الأصل : (قده).

(٥) الحديد : ١٦.

(٦) في الأصل : (المقيدد) والصواب المقتدر.


إن السن لا تؤخر مؤخرا (١) ولا تؤخر مقدما ، بل ربما عدل بجليل الأمور ، ومهم الخطوب (الفتيان) (٢) لاستقبالهم إياها (٣) ، وسرعة حركاتهم ، وحدة أذهانهم ، وتيقّظ طباعهم ، ولأنهم (٤) على بناء المجد أحرص ، وإليه أحب وأحوج. وقد أخبر الله ـ عزوجل ـ عن يحيى بن زكريا عليهما‌السلام (أنه منح) الحكمة في سن الصبى فقال : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٥) ، فلم يمنعه صغر سنه من أن أتاه الحكمة وأهّله لحملها والاستقلال بها بالكتاب والقوة.

قال ابن عباس في قوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٦) قال :

أوتي الفهم والعبارة وهو ابن سبع سنين.

وقد ذكر الله تعالى الفتية في غير موضع من كتابه فقال : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) عددا (٧) وقال : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) (٨) ، وقال تعالى : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٩).

وقال المفسرون في قوله تعالى : (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) (١٠) قالوا : الشيب. ومن ذلك قال الحكماء : الشيب نذير المنية.

__________________

(١) في الأصل : (موجدا).

(٢) في الأصل : القيتان.

(٣) في الأصل : (لاستقبال أباهم) وهو تحريف في النسخ.

(٤) في الأصل : (ولا يهتم).

(٥) مريم : ١٢.

(٦) نفسها.

(٧) الكهف : ١٠.

(٨) نفسها : ١٣.

(٩) الأنبياء : ٦٠.

(١٠) فاطر : ٣٧.


وقال عدي بن زيد في الجاهلية :

وافتضاض السّواد من نذر الشيب

وما بعده لحي نذير

فصل

في ذكر القلة والكثرة

قال بعض العلماء :

الكثرة ليست مما وجد في كتاب الله تعالى ، وإنما الممدوحون هم الأقلون ، لأنا سمعنا الله يثني على أهل القلة ، ويمدحهم ، ويذم أهل الكثرة ، حيث يقول : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (١).

وقال : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) (٢). (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٣).

وقال تعالى في ذم أهل الكثرة : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (٤).

وقال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥).

__________________

(١) البقرة : ٨٣.

(٢) المائدة : ١٣.

(٣) سبأ : ١٣.

(٤) البقرة : ١٠٩.

(٥) نفسها : ١٠٠.


وقال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (١).

وقال : (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٢) (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (٣).

وقال : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) (٤).

فصل

في الأعداد

روي (٥) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول :

ثلاث من كن فيه كن عليه : البغي والنكث ، والمكر ، قال الله تعالى : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٦) وقال تعالى : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (٧) وقال :

(وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٨).

وقال غيره :

__________________

(١) نفسها ٢ / ٢٤٣.

(٢) المائدة : ١٠٣.

(٣) الأعراف : ١٧.

(٤) نفسها : ١٠٢.

(٥) الخبر في التمثيل والمحاضرة : ٤٧٣ ، وفي الأصل ثلاث مرات.

(٦) يونس : ٢٣.

(٧) الفتح : ١٠ وفي الأصل : (وممن).

(٨) فاطر : ٤٣.


ثلاث من صانهن الله فلا خوف عليه (١) : (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٢) ، (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) (٣) ، (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (٤).

وعن جعفر بن محمد رضي الله عنهما :

عجبت لأربعة يغفلون (٥) عن أربعة :

عجبت لمن يبتلى بالغم كيف يذهب عنه أن يقول : (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٦). والله تعالى يقول : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٧).

وعجبت لمن يخاف العدو ، وكيف لا يقول : حسبي الله ونعم الوكيل (٨) والله يقول : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) (٩).

__________________

(١) في الأصل : (خلف عليهن).

(٢) التوبة : ١٢٠.

(٣) يوسف : ٥٢.

(٤) يونس : ٨١.

(٥) في الأصل : (يعقلون).

(٦) الأنبياء : ٨٧.

(٧) نفسها : ٨٨.

(٨) من قوله تعالى في سورة آل عمران : ١٧٣ (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

(٩) آل عمران : ١٧٤.


وعجبت لمن كابد العدو ، وكيف لا يقول : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١) والله يقول : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) (٢).

وعجبت لمن يستحسن شيئا ، ويتمناه كيف لا يقول : (ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) (٣).

وعنه رضي الله عنه : أربعة لا تستجاب دعواهم :

رجل جالس في بيته ، فاتح فاه ، يقول : يا رب ارزقني ، فيقول الله : ألم آمرك بالطلب ، ألم تسمع قولي : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٤).

ورجل له امرأة مؤذية يقول : يا رب خلصني منها فيقول له : ألم أجعل أمرها بيدك.

ورجل كان له مال فأتلفه (٥) إسرافا ، ثم جعل يقول : يا رب اخلف عليّ. فيقول : ألم تسمع قولي : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٦).

ورجل دفع مالا إلى رجل بغير بيّنة (٧) ، ثم طالبه ، فأنكر. فجعل يقول : يا ربّ ، أنصفني منه ، فيقول له : ألم آمرك بالشهادة ، ألم تسمع قولي : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) (٨).

__________________

(١) غافر : ٤٤.

(٢) نفسها : ٤٥.

(٣) الكهف : ٣٩ ، ٤٠.

(٤) الجمعة : ١٠.

(٥) في الأصل : فابله).

(٦) الفرقان : ٦٧.

(٧) في الأصل : يعبر بينه).

(٨) البقرة : ٢٨٢.


وكان سفيان يقول :

أربع لا حساب عليهن فيهن : سدّ الجوع (١) ، وردّ العطش (٢) ، وستر العورة ، والاستكنان من البرد والحر.

قال بعض العلماء :

الأرزاق ثلاثة : رزق معلوم ، ورزق مقسوم ، ورزق مضمون.

فالمعلوم قول الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٣).

والمقسوم قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤).

والمضمون قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٥).

__________________

(١) في الأصل : (الجوعة).

(٢) في الأصل : (الطعشة).

(٣) الحجر : ٢١.

(٤) الزخرف : ٣٢.

(٥) الذاريات : ٢٢ ، ٢٣.

الاقتباس من القرآن الكريم - ١

المؤلف:
الصفحات: 370