بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
استعنت بالله
قال الشيخ الإمام
الأجلّ السيد علم الهدى ، شمس الإسلام ، عماد الدين ، إمام الأئمة ، نور الشريعة ،
قدوة الفريقين : أبو الحسن علي ابن محمد الطبري ، رحمه الله ورضي عنه :
الحمد لله الذي
أكرمنا بتنزيله ، وشرفنا بمعرفة تأويله ، وشفى صدورنا بواضح بيانه ، وهدانا من ظلم
الضلالة ، وعماية الجهالة به ، وجعله ميزان قسط لا يحيف عن الحق غرب لسانه ، وضوء
هدى لا يجتنى من الشهاب نور برهانه ، وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته ، ولا تنال
أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته ..
نحمده على فنون
بلائه ، وضروب آلائه ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من يعتصم
بحبله ، ويأوي في الشبهات إلى حرز عدله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه
ونبيه ، أرسله ببيان أوضحه ، ولسان أفصحه ، وشرع شرحه ، ودين فسحه ، فلم يدع صلوات
الله عليه فسادا إلا أصلحه ، ولا عنادا إلا زحزحه ، صلوات الله عليه ما هلل ملك
وسبحه ، وعلى من نصره وصحبه .. وبعد :
__________________
فإني لما تأملت
مذاهب القدماء المعتبرين ، والعلماء المتقدمين والمتأخرين واختبرت مذاهبهم وآراءهم
، ولحظت مطالبهم وأبحاثهم ، رأيت مذهب الشافعي رضي الله عنه وأرضاه أسدها وأقومها
، وأرشدها وأحكمها ، حتى كان نظره في كبر آرائه ، ومعظم أبحاثه ، يترقى عن حد الظن
والتخمين ، إلى درجة الحق واليقين.
ولم أجد لذلك سببا
أقوى ، وأوضح وأوفى ، من تطبيقه مذهبه على كتاب الله تعالى ، الذي :
(لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ
حَمِيدٍ) ..
وأنه أتيح له درك
غوامض معانيه ، والغوص على تيار بحره لاستخراج ما فيه ، وأن الله فتح عليه من
أبوابه ، ويسر عليه من أسبابه ، ورفع له من حجابه ، ما لم يسهل لمن سواه ، ولم
يتأت لمن عداه ، فكان على ما أخبر الله تعالى عن ذي القرنين في قوله :
(وَآتَيْناهُ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ، فَأَتْبَعَ سَبَباً).
ولما رأيت الأمر
كذلك ، أردت أن أصنف في أحكام القرآن كتابا أشرح فيه ما انتزعه الشافعي رضي الله
عنه ، من أخذ الدلائل في غوامض المسائل ، وضممت إليه ما نسجته على منواله ،
واحتذيت فيه على مثاله ، على قدر طاقتي وجهدي ، ومبلغ وسعي وجدي ، ورأيت بعض من
عجز عن إدراك مستلكاته فهمه ، ولم يصل إلى أغراض معانيه سهمه ، جعل عجزه عن فهم
معانيه ، سببا للقدح في معاليه. ولم يعلم أن الدر
__________________
در برغم من جهله ،
وأن آفته من قصور فهمه ، وقلة علمه ، وما يضر الشمس قصور الأعمى عن إدراكها ،
والحقائق عجز البليد عن لحاقها ..
ولن يعرف قدر هذا
الكتاب ، وما فيه من العجب العجاب ، إلا من وفر حظه من علوم المعقول والمنقول ،
وتبحر في الفروع والأصول ، ثم أكب على مطالعة هذه الفصول بمسكة صحيحة ، وقريحة
نقية غير قريحة.
وأعوذ بالله من
الإعجاب بالإبداع ، والميل بالهوى إلى بعض الآراء في مظان النزاع ، وأسأله أن يجعل
مجامع مساعينا ، وجل متاعبنا في طلب مرضاته ، إنه ولي قدير ، وبالإجابة جدير ،
فأقول :
لما رأيت أقاويل
المفسرين في أحكام القرآن متجاوزة حد البيان ، آخذة بطرفي الزيادة والنقصان ، جررت
في سرحها هذه الفصول ، المتضمنة من اللفظ والمعنى شفاء كل عليل ، مع انتخابي فيها
قصد السبيل ، وتوقي التعليل والتطويل ...
فالأول في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وما فيه من معنى الضمير ، فإن فيه ضمير فعل لا يستغني
الكلام عنه ، لأن الباء من سائر حروف الجر لا بد أن يتصل بفعل ، إما مظهر مذكور ،
وإما مضمر محذوف.
والمضمر في هذا
الموضع إما أن يكون خبرا أو أمرا.
فإذا كان خبرا
فمعناه : ابدأ بسم الله ، ودل الكلام على هذا الضمير لأن القارئ مبتدئ ، والحال
المشاهدة منبئة عنه ، ومغنية عن ذكره ..
ومعنى الأمر :
ابدءوا بسم الله.
ودل على الأمر
قوله تعالى في موضع آخر (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ)
__________________
ويحتمل أن يكون
أرادهما بالضمير ، لأن الضمير يحتملهما ، ولو صرح بأحدهما امتنعت إرادة الآخر.
وكذلك قوله صلى
الله عليه وسلم : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» ، فإن الحكم لما تعلق بضمير يحتمل رفع الحكم رأسا ، ويحتمل المأثم فلا تبعد إرادتهما ، ولو صرح بأحدهما ولم
يجز إرادة الثاني ..
وقد يجيء من
الضمير المحتمل للأمرين ، ما لا يصح إرادتهما جميعا معا ، فيلحق ذلك بقسم المجمل ،
كقوله : «الأعمال بالنيات» ، وحكمه. متعلق بضمير يحتمل جواز العمل ، ويحتمل فضيلته ،
وإرادة الجواز تنفي إرادة الفضيلة ، وإرادة الفضيلة تقتضي إثبات حكم شيء منه لا
محالة ، مع إلحاق النقصان فيه ونفي الفضيلة عنه ، ويستحيل إرادة نفي الفضيلة
والأصل جميعا في حالة واحدة ، وليس احتمال الضمير للأمرين موجبا عموما من حيث
الصيغة ، ولكنه يحتمل إرادتهما ، فإن معنى العموم : اشتمال اللفظ على معنيين من
جهة واحدة ، وليس مجملا أيضا فإن إرادة الكل جائزة.
والفوائد التي
ينتظمها قوله : «بسم الله» ..
الأمر باستفتاح
الأمور بها تبركا بذلك.
وذكرها على
الذبيحة .
__________________
وشعار من شعائر
الدين.
وطرد الشيطان ،
كما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال : «إذا سمى العبد الله تعالى
على طعامه لم ينل منه الشيطان ، فإذا لم يسمه نال منه معه» ..
وفيه إظهار مخالفة
المشركين الذين يفتتحون أمورهم بذكر الأصنام أو غيرها من المخلوقين ...
وهو مفزع الخائف.
ودلالة من قائله
على انقطاعه إلى الله.
وأنس للسامع.
وإقرار بالألوهية.
واعتراف بالنعمة.
واستغاثه بالله.
وعبادة له .
وفيه اسمان من
أسماء الله تعالى لا يسمى بهما غيره : وهو الله والرحمن ، وهو أشهر أسماء الله تعالى ، الذي ينسب إليه كل اسم ، فيقال : الرؤوف
والكريم من أسماء الله ، ولا يقال : الله من أسماء الكريم.
__________________
سورة البقرة
قوله تعالى في شأن
المنافقين وإظهارهم الإيمان مع إضمار الكفر وعدم الأمر بقتلهم يدل على جواز استتابة الزنديق ، فإنه
تعالى ما أمر بقتلهم.
قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٩).
هو مجاز في حق
الله تعالى ، فإن الخديعة إخفاء الشيء. ولا يخفى على الله شيء. والقوم إن لم
يعرفوا الله تعالى فلا يصح أن يقصدوه بالخداع ، وكذلك إن عرفوه ، ولكنهم عملوا عمل
المخادع ، ووباله رجع إليهم ، وكأنهم إنما يخادعون أنفسهم.
أو يقال : يخادعون
رسول الله ...
وقوله تعالى : (يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (١٥).
يجوز أن يكون
مقابلة الكلام بمثله ، كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها) ، وكذلك (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) الآية ..
__________________
وقيل : إنه لما
رجع وبال الاستهزاء عليهم فكأنه استهزأ بهم.
ولما كانت جريمتهم
أضر على المسلمين ، أخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار ، ودل على أن العقوبات في
الدنيا ليست على أقدار الجرائم ، وإنما هي على قدر مصالح الدنيا ، وجائز أن لا تشرع العقوبة في الدنيا أصلا وإنما تشرع في
الآخرة.
وكان رسول الله
صلّى الله عليه وسلم مأمورا في ابتداء الإسلام بالصفح عنهم ، والدفع بالتي هي أحسن ، وفرض القتال بعد ذلك
للمصلحة.
فيجوز أن يقتل من
يظهر الكفر دون من يسر للمصلحة ، ويجوز خلافه.
ويجوز أن يرد
الشرع بقتل النسوان وأن يرد بخلافه ، والعقل لا يمنع من ذلك.
قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (٢٢).
إبانة للقدرة بأن
جعلها على مثال الفراش ، وليس ذلك لحكم الإطلاق فإنه لو حلف أن لا يبيت على فراش ،
فبات على الأرض لم يحنث ، ولو قال : لا أقعد في السراج فقعد في الشمس لم يحنث ،
لأن الإطلاق لا ينصرف إليه ... وكذلك في قوله : (وَالْجِبالَ
أَوْتاداً) .. فأفهم الفرق بين العرف الشرعي واللغوي ، والمذكور على
وجه التقييد ..
قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً) (٢٩) :
__________________
يدل على إباحة
الأشياء في الأصل ، إلا ما ورد فيه دليل الحظر ، وكذلك قوله : (سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما
فِي الْأَرْضِ) ..
ودل قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
فِراشاً) ، إلى قوله : (فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) (٢٤). على الأمر
باستعمال حجج العقول وإبطال التقليد.
وقال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢٥) : وهو دليل
على أنه أول مبلغ إليهم ..
وقال العلماء :
إذا قال أي عبد بشرني بولادة فلان فهو حر ، أن الأول من المبشرين يعتق دون الثاني
، لأن البشارة حصلت بخبره دون غيره ، وهو ما يحصل به الاستبشار ويأتي على بشرة الوجه.
ولو قال : أي عبد
أخبرني بولادتها عتق الثاني مثل الأول ، ولذلك يقال : ظهرت تباشير الأمر لأوائله ،
ولا تطلق البشارة في الشر إلا مجازا ..
وقيل : هو عام
فيما سر وغم ، لأن أصله فيما يظهر أولا في بشرة الوجه من سرور أو غم ، إلا أنه كثر
فيما يسر فصار الإطلاق أخص به منه بالشر ..
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) (٤١).
يدل على أن الكفر
وإن كان قبيحا ، فالأول من السابق أشد قبحا ، وأعظم لمأتمه وجرمه ، لقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) .. الآية
__________________
وقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً
يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ). وقوله : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) ، وقال عليه السلام : «إن على ابن آدم القاتل من الإثم في
كل قتيل ظلما لأنه أول من سن القتل» .
وقال : «من سن سنة
حسنة» الحديث.
وقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (٤٣).
يجوز أن يرجع إلى
صلاة معهودة ، متقدمة ، ويجوز أن يكون مجملا موقوفا على بيان متأخر عند من يجوز
ذلك.
(وَارْكَعُوا مَعَ
الرَّاكِعِينَ) (٤٣) :
لعله ذكره لأن
صلاة أهل الكتابين لا ركوع فيها ، فأراد أن يخصص الركوع ليعلم به تميز صلاتنا عن
صلاتهم ..
قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً
غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (٥٩).
يدل على أنه لا
يجوز تغيير الأقوال المنصوص عليها ، وأنه يتعين اتباعها.
__________________
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تَذْبَحُوا بَقَرَةً) (٦٧).
هو مقدم في
التلاوة.
وقوله : (قَتَلْتُمْ نَفْساً) (٧٢) مقدم في
المعنى على جميع ما ابتدأ به من شأن البقرة .
ويجوز أن يكون في
النزول مقدما وفي التلاوة مؤخرا ..
ويجوز أن يكون
ترتيب نزولها ، على حسب ترتيب تلاوتها ، فكان الله تعالى أمرهم بذبح البقرة حتى
ذبحوها ، ثم وقع ما وقع من أمر القتيل ، فأمروا أن يضربوه ببعضها ..
ويجوز أن يكون
ترتيب نزولها على حسب ترتيب تلاوتها وإن كان مقدما في المعنى ، لأن الواو لا توجب
الترتيب ، كقول القائل : أذكر إذ أعطيت زيدا ألف درهم إذ بنى داري ، والبناء متقدم
العطية. ونظيره في قصة نوح بعد ذكر الطوفان وانقضائه في قوله :
(قُلْنَا احْمِلْ
فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ـ إلى قوله ـ (إِلَّا قَلِيلٌ) ..
فذكر إهلاك من
أهلك منهم ، ثم عطف عليه بقوله :
(وَقالَ ارْكَبُوا
فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها).
__________________
فالمعنى يجب
مراعاة ترتيبه لا اللفظ ، ويستدل به على جواز تأخير بيان المجمل ..
وقد قيل : إنه كان
عموما وكان ما ورد بعده نسخا ..
فقيل له فهو نسخ
قبل مجيء وقته.
فأجابوا : بأنه قد
جاء وقته وقصروا في الأداء.
وقد قيل فهلا أنكر
عليهم في أول المراجعة؟
فأجابوا : بأن
التغليظ ضرب من الكبر.
ودل عليه قوله : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (٧١).
وقوله : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ
ذلِكَ) (٦٨).
لا يعلم إلا
بالاجتهاد ، فهو دليل على جواز الاجتهاد ، ودليل على اتباع الظواهر مع جواز أن
يكون الباطن على خلافه.
وقوله : (مُسَلَّمَةٌ) (٧١) :
يعني من العيوب ،
وذلك لا يعلم حقيقة وإنما يعلم ظاهرا ..
قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ... الآية) (٧٥).
دليل على أن
العالم بالحق المعاند فيه أبعد عن الرشد ، لأنه علم الوعد والوعيد ولم يثنه ذلك عن
عناده ..
قوله تعالى : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا
أَيَّاماً مَعْدُودَةً) (٨٠) ، فيه رد على
أبي حنيفة في استدلاله بقوله عليه السلام : «دعي الصلاة أيام حيضتك» .. في أن مدة الحيض ما يسمى أيام الحيض ، وأقلها ثلاثة
__________________
وأكثرها عشرة ،
لأن ما دون الثلاثة يسمى يوما أو يومين ، وما زاد على العشرة يقال فيه أحد عشر
يوما ..
فيقال لهم : فقد
قال الله تعالى في الصوم : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وعنى به جميع الشهر ، وقال : (لَنْ تَمَسَّنَا
النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وعنى به أربعين يوما ، وإذا أضيفت الأيام إلى عارض لم يرد
به تحديد العدد ، بل يقال : أيام مشيك وسفرك وإقامتك وإن كان ثلاثين وعشرين وما
شئت من العدد.
ولعله أراد ما كان معتادا لها ، والعادة ست أو سبع .
قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ
بِهِ خَطِيئَتُهُ) (٨١).
فيه دليل على أن
المعلق من اليمين على شرطين لا يتنجز بأحدهما ومثله قوله تعالى:
(.. الَّذِينَ قالُوا
رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) ..
قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٨٣).
يجوز أن يكون
مخصوصا بالمسلمين.
ويجوز أن يكون قد
نسخه الأمر بقتال المشركين ولعنهم.
__________________
ويجوز أن يكون في
الدعاء إلى الله تعالى ..
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ
مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها) (١١٤) :
قوله «منع» : نزل
في شأن المشركين حين منعوا المسلمين من ذكر الله تعالى في المسجد الحرام ، وسعيهم
في خرابه بمنعهم من عمارته بذكر الله وطاعته.
وقوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ
يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) (١١٤).
يدل على أن
للمسلمين إخراجهم منها إذا دخلوها ، لولا ذلك ما كانوا خائفين بدخولها.
ويدل على مثل ذلك
قوله تعالى : (ما كانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) :
وعمارتها تكون
ببنائها وإصلاحها ، والثاني : حضورها ولزومها .. كما يقال : فلان يعمر مسجد فلان ،
أي يحضره ويلزمه ..
قوله عز وجل : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) (١١٥).
يدل على جواز
التوجه إلى الجهات في ، النوافل ، وللمجتهد جواز التعبد بالجميع ..
وقوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) الآية (١١٦) :
__________________
يدل على امتناع
اجتماع الملك والولادة ، إلا جواز الشراء توسلا إلى العتق بقوله عليه السّلام : «فيشتريه
فيعتقه» .. أي بالشراء يعتقه ، كقوله عليه السّلام «الناس عاريان:
فبائع نفسه فموبقها؟؟؟ ، ومشتر نفسه فمعتقها» .. يريد أنه يعتقها بالشراء لا باستئناف عتق.
قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) ، الآية (١٢٤).
دلت على أن التنظف
ونفي الأوساخ والأقذار عن الثياب والبدن مأمور به ، وقد قال سليمان بن فرج أبو
واصل : أتيت أبا أيوب فصافحته فرأى في أظفاري طولا ، فقال :
جاء رجل إلى النبي
عليه السّلام يسأل عن أخبار السماء ، فقال : يجيء أحدكم فيسأل عن أخبار السماء
وأظفاره كأنها أظفار الطير يجتمع فيها الوسخ والنفث؟
وقالت عائشة رضي
الله عنها :
«خمس لم يكن النبي
صلّى الله عليه وسلم : يدعهن في سفر ولا حضر :
المرآة ، والكحل ،
والمشط ، والمدري ، والسواك» .
قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (١٢٤).
__________________
الإمام : من يؤتم
به في أمر الدين ، كالنبي عليه السّلام ، والخليفة والعالم.
أخبر الله تعالى
إبراهيم أنه جاعله للناس إماما ، وسأل إبراهيم ربه أن يجعل من ذريته أئمة ، فقال
تعالى :
(لا يَنالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ) (١٢٤).
ودل قول الله
تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ) على أن الإجابة قد وقعت له في أن من ذريته أئمة ، ولكن لا
إمامة لظالم حتى لا يقتدى به ، ولا يجب على الناس قبول قوله في أمر الدين.
نعم : كان يجوز أن
تظهر المعجزة على يد فاسق ظالم ، ويجب قبول قوله لوجود الدليل ، وإن لم يجب قبول
قول الفاسق ، لعدم ظهور الصدق الذي هو دليل قبول قوله ، فأما دليل المعجزة فلا
يختلف بالظلم وعدمه عقلا ، غير أن العصمة وجبت للأنبياء سمعا.
ويجوز عقلا وجوب
قبول قول الفاسق ، ولكن دلت هذه الآية على أن عهد الله تعالى لا ينال الظالمين.
فيحتمل أن يكون
ذلك النبوة ، ويحتمل أن يكون ما أودعهم من أمر دينه ، وأجاز قولهم فيه ، وأمر
الناس بقبوله منهم.
ويطلق العهد على
الأمر ، قال الله تعالى :
(إِنَّ اللهَ عَهِدَ
إِلَيْنا) ، يعني أمرنا ، وقال :
(أَلَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ). يعني : ألم أقدم إليكم الأمر به.
__________________
وإذا كان عهد الله
هو أوامره ، فقوله : (لا يَنالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ) ، لا يريد به أنهم غير مأمورين لأن ذلك خلاف الإجماع ، فدل
على أن المراد به أن يكونوا بمحل من تقبل منهم أوامر الله ، ولا يؤمنون عليها.
قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) ، يحتج به في كون الحرم مأمنا ، ويحتمل أن يكون معناه جميع
الحرم ، كقوله :
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). وقوله : (فَلا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا). إلا أن معناه أنه مأمن عن النهب والغارات ، ولذلك قال
النبي عليه السّلام في خطبته يوم فتح مكة :
«إن الله حبس عن
مكة الفيل ، وملك عليها رسوله والمؤمنين ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، ثم هي
حرام إلى يوم القيامة ، لا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا
لمنشد» .
نعم ، قد روى أبو
شريح الكعبي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال : «إن الله حرم مكة ولم يحرمها
الناس ، فلا يسفكن فيها دم ، وإن الله تعالى حلها لي ساعة ولم يحلها للناس» .
__________________
ويحتمل أن يكون
جعلها مأمنا ما جعل فيها من العلامة العظيمة على توحيد الله تعالى ، واختصاصه لها
بما يوجب تعظيمها ما شوهد من مر الصيد فيها ، فإن سائر بقاع الحرم مشبهة لبقاع
الأرض ، ويجتمع فيها الكلب والظبي ، فلا يهيج الكلب ، ولا ينفر منه الظبي ، حتى
إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه ، وعاد إلى النفور والهرب.
وقوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ
مُصَلًّى) (١٢٥).
يدل على ركعتي
الطواف وغيرهما من الصلوات.
وقوله : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥).
يدل من وجه على أن
الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة للمقيمين والعاكفين بها أفضل ..
ويدل على اشتراط
الطهارة للطواف ، ويدل على جواز الصلاة في نفس الكعبة ردا على مالك في منع الصلاة
المفروضة في الكعبة . دون النفل.
وأمره بتطهير نفس
البيت يدل على الصلاة ـ التي شرعت الطهارة فيها ـ في نفس البيت.
ودل أيضا قوله
تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) على جواز الصلاة ، إذ الشطى الناحية ، والمصلّى في البيت متوجه إلى ناحية
منه.
__________________
قوله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (١٢٦).
يعني من القحط
والغارة لا على ما ظنه بعض الجهال أنه يمنع من سفك الدم في حق من لزمه القتل. فإن
ذلك يبعد كونه مقصودا لإبراهيم عليه السّلام حتى يقال : إنه طلب من الله أن يكون
في شرعه تحريم قتل من التجأ إلى الحرم ممن حرم الله تعالى عليه دخول الحرم والمقام
فيه وأمره بالخروج ومنع من معاملته. وتعزيره على ظلمه دون أن يكون مراده منه رفع
القبّر؟؟؟ والغارات والنهوب والقتال خاصة إذا قيل : يجوز قطع الأيدي
في السرقة وإقامة الجلدات في الجرائم الموجبة لها. وكيف يحصل معنى الأمن مع هذا؟
ودل سياق الآية
على ذلك. فإنه تعالى قال :
(وَارْزُقْهُمْ مِنَ
الثَّمَراتِ).
وقال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ).
ومنع الله تعالى
من اصطلام أهلها ومنع من الخسف والغرق الذي لجوّ غيرها وجعل في
النفوس المتمردة من تعظيمها والهيبة لها ما صار أهلها متميزين بالأمن عن غيرهم من
أهل القرى.
قوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ) ، يوجب الطواف
__________________
لجميع البيت فمن
سلك الحجر أو علا شاذروان الكعبة وهي من البيت فلم يطف جميع البيت فلا يجوز.
قوله : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) (١٢٧).
معناه : يقولان
ربنا كما قال تعالى :
(وَالْمَلائِكَةُ
باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) معناه : يقولون : أخرجوا أنفسكم.
قوله تعالى : (أَرِنا مَناسِكَنا) (١٢٨).
يقال أن أصل النسك
في اللغة الغسل يقال منه : نسك ثوبه إذا غسله وهو في الشرع اسم للعبادة يقال : رجل
ناسك إذا كان عابدا.
وقال البراء ابن
عازب :
خرج النبي عليه
السّلام يوم الأضحى فقال :
«إن أول نسكنا في
يومنا هذا الصلاة ثم الذبح» .
وقال عز وجل : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ
أَوْ نُسُكٍ) يعني ذبح شاة.
ومناسك الحج : ما
يقتضيه من الذبح وسائر أفعاله.
وقال عليه السّلام
حين دخل مكة محرما :
«خذوا عني مناسككم»
.
__________________
قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ
إِبْراهِيمَ) الآية (١٣٠).
يدل على لزوم
اتباع إبراهيم في شرائعه فيما لم يثبت نسخه.
وقوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما
وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها؟ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٤٢).
يدل على جواز
النسخ : لقوله : (وَلِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) ومعناه : أن الجهات لا تقتضي التوجه في الصلاة إليها
لذواتها وإنما وجود التوجه إليها بإيجاب الله تعالى.
وقد دلت الآية
أيضا على جواز نسخ السنة بالقرآن لأن النبي عليه السّلام كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس ـ وليس
في القرآن ذكر ذلك ـ ثم نسخ.
ومن يأبى ذلك يقول
: قد ذكر ابن عباس أنه نسخ قوله تعالى :
(فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ). وكان التوجه إلى حيث كان من الجهات في مضمون الآية ثم نسخ
بالتوجه إلى الكعبة.
ولما نسخت القبلة
إلى بيت المقدس وصل الخبر إلى أهل قباء في صلاتهم فاستداروا ففهم منه أن الأمة إذا
عتقت وهي في الصلاة أنها تأخذ قناعها وتبني وهذا أصل في قبول خبر الواحد في أمر
الدين.
ويدل على جواز
ثبوت نسخ بقاء الحكم بعد الأمر الأول بقول الواحد.
وأن الدليل الموجب
للعلم بثبوت الحكم غير الدليل المبقي ولذلك
__________________
صح ثبوت النسخ
بقول الواحد.
ويمكن أن يفهم منه
أن المتيمم إذا رأى الماء في خلال الفلاة يتوضأ ويبنى.
وقوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (١٤٤) :
خطاب لمن كان
معاينا للكعبة ولمن كان غائبا عنها.
والمراد لمن كان
حاضرها إصابة عينها ومن كان غائبا عنها ولا يمكنه إصابة عينها فلا يكلف ما لا يطيق
وإنما سبيله الاجتهاد فهو دليل على استعمال الأدلة وهو سبيل القياس في الحوادث
أيضا.
ويدل على أن
الأشبه من الحوادث حقيقة مطلوبة بالاجتهاد ولذلك صح تكليف طلب القبلة بالاجتهاد
لأن لها حقيقة ولو لم يكن هناك قبلة رأسا لما صح تكليفنا طلبها.
قوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ)(هُوَ مُوَلِّيها) (١٤٨) :
يفيد أن لكل قوم
من المسلمين وجهة من أهل سائر الآفاق إلى جهات الكعبة وراءها وقدامها وعن يمينها
أو شمالها كأنه أفاد أنه ليس جهة من جهاتها بأولى أن تكون قبلة من غيرها.
__________________
قوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (١٤٨) :
يدل على أن تعجيل
الطاعات أفضل من تأخيرها.
قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ
حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (١٥٠).
من الناس من يحتج
به في جواز الاستثناء من غير جنسه وقد قال قوم : هو استثناء منقطع ومعناه : لكن الذين ظلموا منهم يتعلقون بالشبهة ويضيعون
موضع الحجة وهو مثل قوله :
(ما لَهُمْ بِهِ مِنْ
عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ). معناه : لكن اتباع الظن.
وقال النابغة :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم
|
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب
|
ومعناه : لكن
بسيوفهم فلول وليس بعيب.
وقيل : أراد
بالحجة المحاجة والمجادلة ومعناه : لئلا يكون للناس عليكم حجاج إلّا الذين ظلموا
منهم يحاجونكم بالباطل.
قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (١٥٢).
يحتمل التفكر في
دلائله.
ومثله قوله : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ).
__________________
وقوله تعالى بعده
: (اسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (١٥٣) : عقب قوله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
يدل على أن الصبر
وفعل الصلاة معونة في التمسك بأدلة العقول الدالة على وحدانيته.
وهو مثل قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ
الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) أخبر أن فعل الصلاة لطف في ترك الفحشاء والمنكر ثم عقبه
بقوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ
أَكْبَرُ).
يعني أن ذكر الله
تعالى بالقلب في دلائله أكبر من فعل الصلاة وأن فعل الصلاة معونة في التمسك بهذا
الذكر ولطف في إدامته.
قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي
سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) الآية (١٥٤) :
قيل دليل على
إحياء الله الشهداء بعد موتهم لا حياة القيامة فإنه قال : «ولكن لا تشعرون».
وإذا كان الله
تعالى يحييهم بعد الموت ليرزقهم فيجوز أن يحيي الكفار ليعذبهم وفيه دليل على عذاب
القبر.
قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ
الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (١٥٥) :
فقدم ذكر ما علم
أنه يصيبهم ليوطنوا أنفسهم عليه فيكون أبعد لهم من الجزع ويكونوا مستعدين له فلا
يكون كالهاجم عليهم.
__________________
وفيه تعجيل ثواب
الله تعالى على العزم وتوطين النفس.
قوله تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ
قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) (١٥٦) :
يعني إقرارهم
بالعبودية في تلك الحالة بتفويض الأمور إليه والرضا بقضائه فيما يبتليهم به وأنه
لا يقضي إلا بالحق كما قال تعالى :
(وَاللهُ يَقْضِي
بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ).
وقوله : (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) إقرار بالبعث وأن الله تعالى يجزي الصابرين على قدر
استحقاقهم.
ثم الصبر على جهات
مختلفة :
فما كان على فعل
الله تعالى فهو بالتسليم والرضا وما كان من فعل العدو فهو بالصبر على جهادهم
والثبات على دين الله تعالى لما يصيبهم من ذلك.
ونبهت الآية على
فرح الصابرين وما في الصبر من تسلية عن الهم ونفي الجزع وفيه صبر على أن الفرائض
لا يثنيه عنها مصاعب الدنيا وشدائدها ..
وفي التلفظ بقوله
تعالى : (إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) غيظ الأعداء لعلمهم بجده واجتهاده ويقتدي به غيره إذا سمعه
وربما ترقى الأمر بالصابر المفكر في الدنيا إلى أن ـ لا يحب ـ البقاء فيها وهو
الزهد في الدنيا والرضا بفعل الله تعالى عالما بأنه صدر من عند من لا يتهم عدله
__________________
ولا يصدر عن غير
الحكمة فعله. وأنه لا يجوز أن يفوته ما قد قدر لحوقه به ومن علم أن لكل مصيبة
ثوابا فينبغي أن لا يحزن لها.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) (١٥٩) مع أمثاله
في القرآن :
يدل على وجوب
إظهار علوم الدين وتبيينها للناس وعم ذلك المنصوص عليه والمستنبط لشمول اسم الهدى
للجميع.
وفيه دليل على
وجوب قبول قول الواحد لأنه لا يجب البيان عليه إلا وقد وجب قبول قوله ..
وقال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا) (١٦٠). فحكم بوجوب
البيان بخبرهم.
فإن قيل : إنه
يجوز أن يكون كل واحد منهم منهيا عن الكتمان ومأمورا بالبيان ليكثر المخبرون
فيتواتر بهم الخبر ..
قلنا : هذا غلط
لأنهم لم ينهوا عن الكتمان إلا وهم ممن يجوز عليهم التواطؤ عليه.
ومتى جاز منهم
التواطؤ على الكتمان جاز منهم التواطؤ في النقل فلا يكون خبرهم موجبا للعلم.
ودلت الآية أيضا
على لزوم إظهار العلم وترك كتمانه ومنع أخذ الأجرة عليه إذ لا تستحق الأجرة على ما
عليه فعله كما لا يستحق الأجرة على الإسلام.
وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً).
__________________
وذلك يمنع أخذ
الأجرة على الإظهار وترك الكتمان لأن قوله : (وَيَشْتَرُونَ بِهِ
ثَمَناً قَلِيلاً) مانع من أخذ البدل عليه من سائر الوجوه إذ كان الثمن في
اللغة هو البدل.
وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا) (١٦٠) :
يدل على أن التوبة
من الكتمان إنما تكون بإظهار البيان وأنه لا يكتفي في صحة التوبة بالندم على
الكتمان فيما سلف دون البيان فيما يستقبل ..
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا
وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) (١٦٠).
فيه دليل على أن
على المسلمين لعن من مات كافرا وأن زوال التكليف عنه بالموت لا يسقط عنه مذمة لعن
المسلمين وكذلك إذا جن الكافر وأنه ليس لعنتنا له بطريق الزجر عن الكفر بل هو جزاء
على الكفر وإظهار قبح كفره ..
وقد قال قول من السلف
إنه لا فائدة في لعن من مات أو جن منهم لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر فإنه لا
يتأثر به ..
والمراد بالآية
على هذا المعنى أن الناس يلعنونه يوم القيامة ليتأثر بذلك ويتضرر به ويتألم قلبه
ويكون ذلك جزاء على كفره كما قال تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ
الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ..
ويدل على صحة هذا
القول أن الآية دالة على الإخبار من الله تعالى بلعنهم لا على الأمر ..
__________________
قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١٦٣).
دل على الاتحاد في
الذات والصفات واستحالة المثل والاتحاد في الوجوه منفردا بالقدم فانتظم وصفه لنفسه
بأنه واحد هذه المعاني ..
وقوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) (١٦٤) :
بيان توحده في
أفعاله وأمر لنا بالاستدلال بها ردا على من نفى حجج العقول ..
واعلم أن الدلالة
الأصلية على الصانع إثبات حدوث الأجسام والجواهر أما قوله تعالى على التفصيل : (إِنَّ فِي خَلْقِ)(السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو من جهة وقوف السماء على غير عمد ودلالة ذلك من جهة
السكون أو الحركة ..
وفيه شيء آخر وهو
أن وقوف الثقيل بلا مساك يقله تتعجب منه العامة مع أن الثقل لا معنى له إلا
اعتمادات يخلقها الله تعالى وليس يجب هوى الجرم وذهابه في جهة دون جهة من جهة كثرة
الأجزاء وقلتها غير أن وقوف العظيم غير هاو متعجّب منه عند من لا يعرف السبب فيه
..
ولا سبب للسكون
إلا خلق الله تعالى السكون فيه ولا يقف حجر في الهواء من غير علاقة ودل ذلك على القدرة وخرق العادة : ولو جاء نبي وتحدى بوقوف
جبل في الهواء دون علاقة كان معجزا ..
__________________
وأما اختلاف الليل
والنهار فلتعاقبهما. وتعاقبهما على سنن واحد يدل على أول لاستحالة حوادث لا أول
لها ..
ودل اتساق هذه
الأفعال وحركات الفلك على أن لها صانعا عالما قادرا يدبرها ويديرها.
ودلالة الفلك من جهة
أن الجسم السيال كيف يحمل الثقل العظيم وكيف صار الفلك على عظمه وثقل ما فيه مسخرا
للرياح وذلك يقتضي مسخرا يسخر الفلك والماء والرياح.
والماء المنزل من
السماء فيه دليل من جهة أن الماء شابه السيلان فارتفاعه عجب ثم إمساكه في السحاب
غير سائل منه حتى ينقله إلى الموضع الذي يريده بالسحاب المسخرة لنقله فيه فجعل
السحاب مركبا للماء والرياح مركبا للسحاب حتى يسوقه من موضع إلى موضع ليعم نفعه
سائر خلقه كما قال الله تعالى :
(أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ). ثم أنزل ذلك الماء قطرة قطرة لا تلتقي واحد مع صاحبتها في
الجو مع تحويل الرياح لها حتى تنزل كل قطرة على حيالها إلى موضعها من الأرض فلولا
أن مدبرا دبره على هذا الوجه كيف كان يجوز أن ينزل الماء من السحاب مع كثرته وهو
الذي تسيل منه السيول العظام على هذا الترتيب والنظام فلو اجتمع القطر وائتلف في
الجو لقد كان يكون نزولها مثل السيول المجتمعة منها عند نزولها إلى الأرض فيؤدي
ذلك إلى هلاك الحرث والنسل.
واعلم أن من عرف
حدوث العالم لأمر مرّ يعلم أن فعل الله تعالى
__________________
في جميع ما ذكرناه
لا بآلة فلا العلاقة ماسكة ولا الماء حامل ولا الريح ولا السحاب مركب ولا الرياح
سابقة فإنها جمادات لا أفعال لها وإنما هذه عادات أجراها الله تعالى وليست موجبة
وكذلك حياة الأراضي بالمياه وخروج أنواع النبات منها ليس بالمياه ولعل إجراء
العادة في إنشاء الخلق على النظام المعلوم تنبيه للعباد عند كل حادث من ذلك على
قدرته والفكر في عظمته وليشعرهم في كل وقت بما أغفلوه ويحرك خواطرهم للفكر فيما
أهملوه فخلق الأرض والسماء ثابتين لا يزولان إلى الوقت المقدر ثم أنشأ الحيوان من
الناس وغيرهم من الأرض ثم أنشأ للجميع رزقا منها وأقواتا تبقي حياتهم بها.
ولم يعطهم ذلك
الرزق جملة فيظنون أنهم مستغنون بما أعطوا بل جعل لهم قوتا معلوما في كل سنة
بمقدار الكفاية لئلا يبطروا ويكونوا مستشعرين بالافتقار إليه في كل حال.
ووكل إليهم بعض
الأسباب التي يتوصلون بها إلى ذلك من الحرث والزراعة ليشعرهم أن للأعمال ثمرات من
الخير والشر فيكون ذلك باعثا لهم إلى فعل الخير ليجتنوا ثمرته واجتناب الشر
ليسلموا من مغبته فيتولى من الأسباب ما لا يتأتى للخلق تحصيله.
ثم جعل تلك
الأسباب داعية لهم إلى الكسب والتبذل في الأعمال الشاقة لئلا يبطروا وجعل أخلاقهم
متفاوتة ليختلف بذلك صناعاتهم ويختلف درجاتهم في المهن والأعمال وأنزل ما أنزل إلى
الأرض بمقدار الحاجة ثم لم يقتصر فيما أنزله من السماء على منافعه في وقت نزوله
حتى جعل للماء مخازن وينابيع في الأرض يجتمع فيها ذلك الماء فيخزن أولا فأولا على
مقدار الحاجة كما قال تعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ
فِي
الْأَرْضِ) وقال :
(وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ
لَقادِرُونَ) ..
ولو كان اقتصر على
ما ينزل من السماء من غير حبس له في الأرض إلى وقت الحاجة لكان قد سال كله وكان في
ذلك هلاك الحيوانات كلها فجعل الأرض بمثابة بيت يأوي إليه الإنسان والسماء بمنزلة
السقف وجعل ما يحدثه من المطر والنبات والحيوان والملابس والمطاعم بمنزلة ما ينقله
الإنسان إلى بيته لمصالحه.
ثم سخر هذه الأرض
لنا وذللها للمشي عليها وسلوك طرقها ومكننا من الانتفاع بها في بناء الدور والبيوت
للسكن من المطر والحر والبرد وتحصينا من الأعداء ولم يحوجنا إلى غيرها وأي موضع
أردنا منها بالانتفاع بها . في إنشاء الأبنية مما هو موجود فيها من الحجارة والجص
والطين ومما يخرج منها من الخشب والحطب أمكننا ذلك. وسهل علينا سوى ما أودعها من
الجواهر التي عقد بها منافعها من الذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس وغير ذلك
كما قال تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) ..
فهذه كلها وما
يكثر تعداده ولا يحيط به علمنا من بركات الأرض ومنافعها ..
ثم لما كانت مدة
أعمارنا وسائر الحيوان لا بد أن تكون متناهية جعلها كفاتا لنا بعد الموت كما جعلها
في الحياة فقال :
__________________
(أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً) ، وقال :
(إِنَّا جَعَلْنا ما
عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) الآية ..
ثم لم يقتصر فيما
خلق من النبات والحيوان على الملذ دون المؤلم ، ولا على الغذاء دون السم ، ولا على
الحلو دون المر ، بل مزج ذلك كله ليشعرنا أنه غير مريد منا الركون إلى هذه الدار ،
لئلا تطمئن نفوسنا إليها فنشتغل بها عن الدار الآخرة التي خلقنا لها ، فكان النفع
في خلق الدواب المؤذية كالنفع في اللذة السارة ، ليشعرنا في هذه الدار كيفية
الآلام ، ليتضح الوعيد بألم الآخرة ، وينزجر عن القبائح ، فإذا رأى حرّا مفرطا
تذكر نار جهنم فيتعوذ بالله منها ، وإذا رأى بردا مفرطا تذكر برد الزمهرير فيتعوذ
منه ، واستدل بالقليل الفاني على الكثير الباقي ، وانزجر عن القبائح طلبا لنعيم
محض لا يشوبه كدر.
وفي قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ) (١٦٤) دلالة على
إباحة ركوب البحر تاجرا وغازيا ، وطالبا صنوف المآرب.
وقال في موضع آخر
:
«هو الّذي يسيّركم
في البرّ والبحر» . وقال :
«ربكم الّذي يزجي
لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله» ..
__________________
فقد انتظم التجارة وغيرها ، كقوله تعالى :
(فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ).
(أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ).
قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) (١٧٣)
عموم في السمك
والجراد وغيرهما.
وللناس كلام في
جواز تخصيص عموم كلام الله تعالى بالسنة ، وقد روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن
أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
«أحلت لنا ميتتان
ودمان ، فأما الميتتان فالسمك والجراد ، وأما الدمان فالطحال والكبد».
وقد روى عمرو بن
دينار عن جابر في قصة جيش الخبط : فإن البحر ألقى إليهم حوتا أكلوا منه نصف شهر ، فلما
رجعوا إلى النبي عليه السلام فأخبروه ، فقال : هل عندكم منه شيء تطعموني؟
وبالجملة : الخبر
عام ، وأيضا الكتاب عام ، فإذا وقع التنازع في الطافي ، لم يصح الاستدلال بعموم الخبر على عموم الكتاب ..
ومنهم من يستدل
على تخصيص عموم آية تحريم الميتة بقوله تعالى :
(أُحِلَّ لَكُمْ
صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ).
__________________
وهذا مع عمومه لا
يصلح لتخصيص عموم تحريم الميتة.
واستدلوا عليه
بقول النبي عليه السلام أنه قال في حديث صفوان بن سليمان الزرقي. عن سعيد بن سلمة
، عن المغيرة بن أبي بردة (عن أبي هريرة) عن النبي عليه السلام أنه قال في البحر :
«هو الطهور ماؤه ،
الحل ميتته» ..
وسعيد بن سلمة
مجهول غير معروف بالتبت ، وقد خالفه في سنده يحيى ابن سعيد الأنصاري فرواه عن المغيرة
بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن رسول الله عليه السلام ، ومثل هذا
الاضطراب في السند يوجب اضطراب الحديث ، وغير جائز تخصيص آية محكمة به.
وقد روى زياد بن
عبد الله البكائي قال : حدثنا سليمان الأعمش ، قال : حدثنا أصحابنا عن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم أنه قال :
«البحر الذكي صيده
، والطهور ماؤه» ..
وهذا أضعف عند أهل
النقل من الأول.
وقد روي فيه حديث
آخر ، وهو ما رواه يحيى بن أيوب ، عن جعفر بن ربيعة وعمرو بن الحارث ، عن بكر بن
سوادة ، عن أبي معاوية العلوي ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن جابر بن عبد الله أن رسول
الله صلّى الله عليه وسلم قال له في البحر :
«هو الطهور ماؤه
الحل ميتته» ..
قال أبو بكر
الرازي ، وهو الذي روى هذه الأخبار :
وحدثنا عبد الباقي
بن قانع ، قال أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال :
أخبرنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال :
أحكام القرآن ج ١
م ٣
حدثنا إسحاق بن
حازم ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر ، عن النبي عليه السلام أنه سئل عن البحر ،
فقال : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
وأما أبو عيسى
الترمذي فإنه يروي حديث سعيد بن سلمة في صحيحه ، ويقول : إنه من آل ابن الأزرق ،
ويقول : إن المغيرة بن أبي بردة ـ وهو من بني عبد الدار ـ أخبره أنه سمع أبا هريرة
يقول :
«سأل رجل رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ونحمل معنا
القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من البحر؟ ..
فقال عليه السلام
: «البحر هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته».
قال أبو عيسى :
وفي الباب عن جابر والفراسي ، ثم قال وهذا حديث حسن صحيح ..
وروى الرازي عن
علي أنه قال :
«ما طفا من صيد
البحر فلا تأكله» .
وروى أيضا عن جابر
وابن عباس كراهة الطافي.
وروى عن أبي بكر
الصديق وأبي أيوب إباحة الطافي من السمك ..
وروى الرازي في
أحكام القرآن ـ بإسناد له متصل عن جابر ـ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال :
«ما ألقى البحر أو
جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه» ..
__________________
وروي بإسناد آخر
عن جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال :
«ما جزر البحر عنه
فكل ، وما ألقي فكل ، وما وجدته طافيا فوق الماء فلا تأكل».
وروي بإسناد آخر
عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«إذا صدتموه (وهو
حي) فكلوه ، وما ألقى البحر (حيا) فمات فكلوه وما وجدتموه ميتا طافيا فلا تأكلوه»
..
وروي بإسناد آخر
عن جابر :
«ما وجدتموه وهو
حي (فمات) فكلوه ، وما ألقى البحر طافيا ميتا فلا تأكلوه» ..
وروى سفيان الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير موقوفا على جابر
..
وبالجملة : هذه
الأخبار لا نعرف صحتها على ما يجب ، ولكن الإشكال في عموم كتاب الله تعالى ،
ويقابله أن عموم كتاب الله تعالى أنفقت الأمة على تطرق التخصيص إليه في غير الطافي
من ميتات السمك فلم يبق وجه العموم معمولا به ، وصار الحديث المتفق على صحته
واستعماله في غير الطافي معمولا به في الطافي ..
وروى أصحابنا عن
سعيد بن بشير ، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس بن مالك أن النبي عليه السلام قال :
__________________
«كل مما طفا على
البحر» ..
وأبان بن أبي عياش
ليس هو ممن يثبت ذلك بروايته.
وقال شعبة : لأن
أزني سبعين زنية أحب إليّ من أن أروى عن ابان ابن أبي عياش ..
وقد أباح أبو
حنيفة الميتة من الجراد ، ومستنده قوله عليه السلام :
«أحلت لنا ميتتان»
، وقضى بذلك على عموم الكتاب في تحريم الميتة ، مع أن مالكا يقول في الجراد
أنه إذا أخذ حيا وقطع رأسه وشوي أكل ، وما أخذ منه حيا فغفل عنه حتى مات لم يؤكل ،
إنما هو بمنزلة ما وجد ميتا قبل أن يصاد فلا يؤكل عنده ، وهو قول الزهري وربيعة ..
وقال مالك : ما
قتله مجوسي فلا يؤكل ..
وقال الليث بن سعد
: أكره الجراد ميتا ، فأما إذا أخذته وهو حي فلا بأس به وقال النبي عليه السلام في
الجراد :
«أكثر جنود الله :
لا آكله ولا أحرمه» ولم يفصل بين ما مات وبين ما قتله آخذه ..
وقال عطاء عن جابر
: غزونا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأصبنا جرادا فأكلناه ..
__________________
وقال عبد الله بن
أبي أوفى :
«غزوت مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلم سبع غزوات فنأكل الجراد ولا نأكل غيره» ..
وكانت عائشة تأكل
الجراد وتقول : «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأكله» ..
وهذه الأخبار
مستعملة بالإجماع في تخصيص بعض ما تناوله عموم الكتاب في السمك والجراد ، وذلك يدل
على بطلان مذهب مالك في الجراد ، ومذهب أبي حنيفة في الطافي ..
ولأن إسالة الدم
إذا لم تعتبر فأي معنى لاشتراط الذكاة في النوعين ، وأي أثر للآدمي واصطياده؟ ..
ودل ظاهر تحريم
الميتة والمنخنقة على تحريم الأجنة كما قاله أبو حنيفة ، وخالفه فيه صاحباه مع
الشافعي ..
ومالك يقول : إن
تم خلقه ونبت شعره أكل وإلا لم يؤكل : وهو قول سعيد بن المسيب ، لأنه عند تمام خلقه تحصل فيه
الحياة والذكاة ، وقبل ذلك لا حياة ، فيبقى على عموم تحريم الميتة.
وذلك ضعيف ، فإنه
إن لم يكن حيا فلا يكون ميتة ، فالميتة ما زايلتها الحياة ..
وقد وردت أخبار في
أن ذكاة الجنين ذكاة أمه ، وبعد حملها على
__________________
أن ذكاة الجنين
مثل ذكاة الأم فإنه عند ذلك لا يكون جنينا ، وإذا تم خرج حيا وفيه حياة مستقرة ،
فلا يخفى حكم الذكاة ، فلا يكون في ذكره فائدة ..
وقد روى مجالد عن
أبي الوداك ، عن أبي سعيد أن النبي عليه السلام سئل عن الجنين يخرج ميتا فقال :
«إن شئتم فكلوه ،
فإن ذكاته ذكاة أمه» .
وأما مالك فإنه
ذهب إلى ما روى في حديث سليمان بن عمران عن ابن البراء ، عن أبيه ، أن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم قضى في أجنة الأنعام بأن ذكاتها ذكاة أمها إذا أشعرت.
وروى الزهري عن
ابن كعب بن مالك قال : كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقولون :
(إذا أشعر الجنين
فإن ذكاته ذكاة أمه» ..
والشافعي يقول : «نحن
نقول بهما جميعا ، إلا أن ذكر الإشعار كان تنبيها على مثله في الذي هو أولى بكونه
جزءا من الأم».
واقتضى عموم تحريم
الميتة المنع من دبغ جلدها ، لو لا الخبر المخصّص واقتضى ظاهر الآية أيضا تحريم الانتفاع بدهن الميتة ، وروى
فيه محمد ابن إسحاق ، عن عطاء ، عن جابر قال :
__________________
لما قدم رسول الله
صلّى الله عليه وسلم مكة أتاه أصحاب الصليب الذين يجمعون الأوداك فقالوا : يا رسول
الله ، إنا نجمع هذه الأوداك وهي من الميتة وغيرها ، وإنما هي للأدم والسفن ، فقال صلّى
الله عليه وسلم :
«لعن الله اليهود
، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها» فبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم : أن الله تعالى إذا
حرم شيئا حرمه على الإطلاق ، ودخل تحته تحريم البيع ..
وذكر عن عطاء أنه
قال : يدهن بشحوم الميتة ظهور السفن ، وهذا قول شاذ ، فظن أصحاب أبي حنيفة ان
تحريم الله تعالى عين الميتة منع الانتفاع بالميتة من الوجوه كلها ، ومنع بيعها ،
ويجوز بيع الأعيان النجسة غير الميتة ، إذ التحريم فيها ليس مضافا إلى العين.
قال الشافعي رحمه
الله : ينبغي من قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ) تحريم لبنها ، وأبو حنيفة حكم بطهارة أنفحتها وألبانها ،
ولم يجعل لموضع الخلقة أثرا في تنجيس ما جاوره بما حدث فيه خلقة ، قال : ولذلك
يؤكل اللحم بما فيه من العروق بمع القطع بمجاورة الدم لدواخلها من غير غسل ولا
تطهير لها ، فدل ذلك على أن موضع الخلقة لا ينجس بالمجاورة لما خلق فيه ، ويلزمه
على مساق هذا الحكم بطهارة ودك الميتة ، فإن الموت لا يحله أصلا ، ونجاسة الخلقة
لا تؤثر فيما جاورها ..
وله أن يقول : إن
الودك في حكم الجزء الباقي معه ، واللبن خلق خلقا ينفصل عن الأصل فيحتلب ويستخرج
منه ، ولو انفصل الودك من الجملة في حياة الجملة كان نجسا بخلاف اللبن ، فإذا لم
ينجس اللبن
__________________
في حالة الحياة
إذا انفصل فإنما ينجس بالمجاورة ، ونجاسة الخلقة لا تؤثر فيما جاورها.
والشعر والعظم من
جملة الميتة ، فعموم التحريم يشملهما.
قوله تعالى : (وَالدَّمَ) أوجب تحريم الدم مطلقا ، وقال في موضع آخر :
(أَوْ دَماً
مَسْفُوحاً) ، فلعل التقييد بالسفح تنبيه على ما يمكن سفحه ليخرج منه
الكبد والطحال ، أو لئلا تتبع العروق وما فيها من الدم في اللحم ..
وقال تعالى : (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) بعد قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ) ، وقال : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَيْتَةً) ـ إلى قوله ـ (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ
فَإِنَّهُ رِجْسٌ) ، فخص اللحم بالذكر ، ولم يقل «حرمت الخنزير» كما قال : «حرمت
الميتة» لأنه معظم ما يقصد منه ، وفيه مراغمة للكفار الذين يتدينون بأكل لحمه ،
ومثله تحريم قتل الصيد
__________________
مع تحريم جميع
الأفعال في الصيد. ونص على تحريم البيع إذا نودي للصلاة لأنه أعظم ما يبتغون به
منافعهم.
فقيل لهم : فلم لا
يخص كجسم الميتة تنبيها على الإجزاء؟ ..
فأجابوا بأنه أريد
به مراغمة الكفار في تخصيص اللحم الذي هو أعظم مقاصدهم من الخنزير بالتحريم ..
قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) (١٧٣) ، ولا يرى
ذلك أصحابنا محرما إلا من جهة الإعتقاد ، ومقتضاه أن النصراني إذا سمى المسيح على
الذبح يحل ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ومذهب عطاء ومكحول والحسن وسعيد بن المسيب ،
والمشرك وإن ذبح على اسم الله تعالى لا يحل.
ونقل عن الشافعي
خلاف ذلك في النصراني يذبح على اسم المسيح ، وليس بصحيح ، فإن الله تعالى أباح لنا
أكل ذبائحهم مع علمه بأنهم يهلون باسم المسيح ، وأن النصراني إذا سمى الله عز وجل
ثالث ثلاثة فإنما يريد بمطلقه المسيح ، وذلك معلوم من اعتقاده ، وبه كفرناه ، وليس
كالمنافق الذي ليس يحكم بكفره ظاهرا بما يعتقده ، والنصراني حكم بكفره لما يعتقده
من الشرك فلا يغيره بالتسمية مع الإعتقاد القبيح .
قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (١٧٣) يحتمل غير
باغ في الميتة ولا عاد في الأكل ، ويحتمل العدوان بالسفر ، فلا جرم اختلف قول
الشافعي في إباحة أكل الميتة للمضطر العاصي بسفره.
ويشهد لأحد
القولين قوله تعالى : (إِلَّا مَا
اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ، فإنه عام.
ويشهد للقول الآخر
قوله : (وَلا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ) ...
__________________
وليس أكل الميتة
عند الضرورة رخصة ، بل هو عزيمة واجبة ، ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيا.
وليس تناول الميتة
من رخص السفر ، أو متعلقا بالسفر ، بل هو من نتائج الضرورة سفرا كان أو حضرا ، وهو
كالإفطار للعاصي المقيم إذا كان مريضا ، وكالتيمم للعاصي المسافر عند عدم الماء ،
وهو الصحيح عندنا ..
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ)(فِي الْقَتْلى) الآية : (١٧٨)
ظن ظانون أن أول
الكلام تام في نفسه ، وأن الخصوص بعده في قوله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) لا يمنع من التعلق بعموم أوله ، وهذا غلط منهم ، لأن
الثاني ليس مستقلا دون البناء على الأول ، إذ قول القائل : «الحر بالحر والعبد
بالعبد» لا يفيد حكم القصاص إلا على وجه البناء على الأول ، فإن الثاني ليس الأول
، وتقديره : كتب عليكم القصاص وهو الحر بالحر قصاصا ، والعبد بالعبد قصاصا ، فوجب
بناء الكلام عليه.
قالوا : أمكن أن
يقال : كتب عليكم القصاص مطلقا ، وقوله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) لنفي قتل غير القاتل ، وهو معنى قوله عليه السلام :
«إن من أعنى الناس
على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة : رجل قتل غير
__________________
قاتله ، ورجل قتل
في الحرم ، ورجل أخذ بذحول الجاهلية» ..
والذي قالوه ممكن
، إلا أن الأظهر ما قلناه من جعل القصاص على هذا الوجه ، فتقديره : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي
الْقَتْلى) وكيفيته (الْحُرُّ بِالْحُرِّ
وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) الآية ..
فمن هذا صار
الشافعي إلى أن الحر لا يقتل بالعبد.
ونفى أبو حنيفة
القصاص بين الأحرار والعبيد مطلقا من الجانبين إلا في النفس.
وأجرى ابن أبي
ليلى القصاص بينهم في جميع الجراحات التي يستطاع فيها القصاص ..
وقال الليث بن سعد
: إذا كان العبد هو الجاني اقتص منه في الأطراف والنفس ، ولا يقتص من الحر بالعبد.
وقال : إذا قتل
العبد الحر فلولي القتيل أن يأخذ نفس العبد القاتل فيكون له ، وإذا جنى على الحر
فيما دون النفس فللمجروح القصاص إن شاء ..
وقال قائلون من
علماء السلف : يقتل السيد بعبده.
وكل ذلك من حيث
التعلق بعمومات وردت في القصاص .. ، ورووا عن سمرة بن جندب ، عن النبي عليه السلام
أنه قال :
__________________
«من قتل عبده
قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه» .
والذي ينفيه يقول
: إنما جعل الله تعالى للولي السلطان في القصاص ، وولي العبد سيده ، فلا يستحق القصاص على نفسه ، إذ ليس
يستحق السيد القصاص على وجه الإرث انتقالا من العبد إليه ، فلا ملك للعبد ، وإنما
يستوفي الإمام نيابة عن المسلمين إذا كان القصاص ثابتا للمسلمين إرثا ، ولا يمكن
ذلك في حق العبد.
ولا خلاف أنه لو
قتل السيد عبده فلا خطأ فلا تؤخذ قيمته منه لبيت مال المسلمين.
وقد روى عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده «أن رجلا قتل عبده متعمدا ، فجلده النبي عليه السلام ، ونفاه
سنة ، ومحا سهمه من المسلمين. ولم يقده به» .
ويحمل خبر سمرة
على أنه كان بعد عتقه ثم قتله أو جدعه ، فسماه عبدا استصحابا للاسم السابق ..
ولهم أن يقولوا :
وخبركم حكاية حال ، فيحمل على أنه كان كافرا ، أو أباح العبد له دم نفسه ..
وقال الشافعي :
يجري القصاص بين الرجال والنساء في النفس وما دونها من الأطراف ، وهو قول مالك
وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي ،
__________________
إلا أن الليث بن
سعد قال : إذا جنى الرجل على امرأته عقلها ولم يقتص منه بها ، وكأنه رأي أن النكاح
ضرب من الرق فأقرن شبهه في القصاص.
وقال عثمان البتي : إذا قتلت امرأة رجلا قتلت ، وأخذ من مالها نصف الدية ،
وكذلك فيما دون النفس ، وإن قتلها الرجل فعليه القود ولا يرد عليها شيء ..
وعمدة من أوجب
القصاص التعلق بالعمومات ولا مخصص ، وليس في شيء منها ضم الدية إلى القصاص ..
وقال عليه السلام
: من قتل قتيلا فوليه بخير النظرين بين أن يقتص أو يأخذ الدية» ، ولم يذكر التخيير.
وترك الشافعي
العمومات في قتل المسلم بالكافر لأنها منقسمة ، فمنها قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) .. ومساق ذلك يدل على الإختصاص بالمسلم ، فإنه قال : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ، ولا يكون الكافر أخا للمسلم ، وقال : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَرَحْمَةٌ).
وأما قوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ
جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً). فلا حجة فيه ، فإنا نجعل له سلطانا وهو طلب الدية.
وأما قوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها). فإخبار عن شريعة
__________________
من قبلنا فلا
يلزمنا ذلك إلا ببيان من شرعنا جديد ، مع أن العموم ليس يسقط ببعض ما ذكروه بالكلية
، إلا أنه يضعف ..
وروى البيلماني
ومحمد بن المنكدر عن النبي عليه السلام أنه أفاد مسلما بكافر ، وقال: «أنا آخر من
وفى بذمته» ، وهما مرسلان لم يلقيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ..
وتأول من أوجب قتل
المسلم بالكافر ما روي أنه عليه السلام قال : «ألا لا يقتل مؤمن بكافر» على أنه ذكره في خطبته يوم فتح مكة ، وقد كان رجل من خزاعة
قتل رجلا من هذيل بذحل الجاهلية ، فقال عليه السلام : «ألا إن كل دم كان في
الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي هاتين ، لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده» ، فكان ذلك تفسيرا لقوله عليه السلام : «كل دم كان في
الجاهلية تحت قدمي هاتين». لأنه مذكور في خطاب واحد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده.
وذكر أهل المغازي
أن عقد الذمة على الجزية كان بعد فتح مكة ، وأنه كان قبل ذلك بين النبي صلّى الله
عليه وسلم والمشركين عهود إلى مدد ، على أنهم داخلون في ذمة الإسلام وحكمه ، وكان
قوله يوم فتح مكة : «لا يقتل مؤمن بكافر» منصرف إلى المعاهد إذ لم يكن هناك ذمي
ينصرف الكلام إليه ..
__________________
ويدل عليه قوله
عليه السلام : «ولا ذو عهد في عهده» ، وهذا يدل على أن عهودهم كانت إلى مدة ،
ولذلك قال : «ولا ذو عهد في عهده» ، كما قال الله تعالى : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى
مُدَّتِهِمْ) ، وقال : (فَسِيحُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ).
وكان المشركون
حينئذ ضربين :
أحدهما : أهل
الحرب ، والآخر : أهل العهد ، ولم يكن هناك أهل ذمة ، فانصرف الكلام إلى الضربين .
وورود هذا الحديث
في خطبة الوداع يبطل هذا التأويل جملة .. وقال عثمان البتي : يقتل الوالد بولده ، للعمومات في
القصاص ، وروى مثل ذلك عن مالك ، ولعلهما لا يقبلان أخبار الآحاد في مقابلة عمومات
القرآن ، وتلك الأخبار منها ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر قال :
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول :
«لا يقتل والد
بولده» .
__________________
وحكم به عمر بمحضر
من الصحابة ، واشتهر بينهم ، فكان كقوله : «لا وصية لوارث» في الاشتهار ..
وروى سعيد بن
المسيب عن عمر قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم مثل الأول .
وروى ابن عباس قال
: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : «لا يقاد الوالد بالولد» ..
ومنهم الذين نفوا
القول من قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً). الآية ، أنه لا يقتل الوالد بمن وليه ابنه إذا قتله الأب
، فإذا لم يقتل به فلا يقتل بالابن ، لأن حق القصاص له في الحالتين جميعا ، وبنوا
عليه أنه لا يقتل به إذا كان مشركا ..
ونهى رسول الله
صلّى الله عليه وسلم حنظلة بن أبي عامر الراهب عن قتل أبيه ، وكان مشركا محاربا
لله ورسوله ، وكان مع قريش يقاتل النبي عليه السلام يوم أحد ، ولذلك لو قذفه لم
يحد على هذا القول ..
أما إذا اشترك
رجلان أو رجال في قتل رجل ظلما فلا شك أن وعيد القتل يلزمهم ، ولا يمكن إخراجهم من
كونهم قاتلين ، فيجعل الكل كشخص واحد.
وإذا قدر ذلك
تعظيما للقتل ، فإذا قتل أحدهما عمدا والآخر خطأ فالمخطئ في حكم آخذ جميع النفس ،
فيثبت لجميعها حكم الخطأ ، وانتفى منها حكم العمد ، إذ لا يجوز ثبوت حكم الخطأ
للجميع ،
__________________
وثبوت حكم العمد
للجميع ، وإذا ثبت حكم العمد للجميع وجب القود فيه.
ولا خلاف أنه لا
يجمع بين دية كاملة وقود ، فوجب لذلك أنه متى وجب للنفس المتلفة على وجه الشركة
شيء من الدية أن لا يجب معه قود على أحد ، فإن وجوب القود يوجب ثبوت حكم العمد في
الجميع ، وثبوت حكم العمد في الجميع ينفي وجوب الأرش لشيء منها ..
وبنى أبو حنيفة
عليه أنه لو كان أحدهما أبا فلا قصاص على الأجنبي ، فإن المحل متى كان واحدا وخرج
فعل الأب عن كونه موجبا لأنه لم يصادف المحل ، صار أيضا الفعل الذي لا يوجب لجميع
المحل.
وخروج الروح به
شبهة في المحل ، ومتى حصل في المحل شبهة امتنع ثبوت الحكم في هذا المحل بفعل
الثاني لاتحاد المحل ، وكل ذلك لحصول مثل الخطاء للنفس المتلفة ، ولا جائز أن يكون
خطأ عمدا موجبا للمال والقود في حالة واحدة ، فكل واحد من القاتلين في حكم المتلف لجميعها ، فوجب بذلك
قسط من الدية على من لم يجب عليه القود ، فيصير حينئذ محكوما للجميع بحكم الخطأ ،
ولا جائز مع ذلك أن يحكم لها بحكم العمد.
وبنوا عليه أنه لو
اشترك رجلان في سرقة مال ابن أحدهما ، فلا قطع على واحد منهما ..
__________________
فإن قيل : فقياس
الوعيد وظاهر القرآن يوجب مؤاخذة العامد بجنايته وأن لا يؤثر خطأ صاحبه في حقه.
قيل : ولكنه لما
وجب بفعله قسط من الدية على العاقلة ، والدية وجبت في مقابلة المحل لخفة في جريمته
صارت حرمة المحل الواحد واهية بالإضافة إلى الخاطئ ، وانتفى عنه حكم العمد المحض ،
فيورث ذلك في حكم الآخر شبهة لاتحاد المحل المجنى عليه ، واستحاله تبعضه ، فصار
الجميع في حكم ما لا قود فيه.
ولما كان الواجب
على الشريك الذي لا قود عليه قسطه من الدية دون جميعها ، ثبت أن الجميع قد صار في
حكم الخطأ ، لو لا ذلك لوجب جميع الدية ، ألا ترى أنهم لو كانوا من أهل القود
لأقدنا منهم جميعا؟ فلما وجب على المشارك الذي لا قود عليه قسطه قسط من الدية قسط
، ودل ذلك على سقوط القود ، وأن النفس قد صارت في حكم الخطأ ، فلذلك
توزعت الدية عليهم ..
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي
الْقَتْلى).
وقال تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وقال تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً) الآية .. ، وذلك يدل لأحد قولي الشافعي على الآخر ، وهو
أنه يتعين القود في العمد ، لأنه تعالى قال : (النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ) ، وحيث يتخير فالواجب أحد أمرين ، فلا يجوز أن يقال إن
القصاص واجب بالقول المطلق ، بل الواجب أحد الأمرين ..
__________________
مثاله أنه إذا قيل
لنا : ما الواجب بالحنث في اليمين؟ فلا يجوز أن نقول إنه العتق أو الكسوة أو
الإطعام ، بل نقول : أحد هذه الخلال الثلاثة لا بعينه.
فإذا لم يكن المال
واجبا بالقتل وجب القود على الخصوم.
وروي عن ابن عباس
أنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
«من قتل في رمياء
أو عمياء تكون بينهم بحجر أو بسوط أو بعصا فعقله عقل خطأ ، ومن قتل عمدا فقود يده
، ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
ولو كان الواجب
أحدهما لما اقتصر على ذكر القود دونهما ، لأنه غير جائز أن يكون له أحد أمرين
فيقتصر النبي عليه السلام بالبيان على أحدهما دون الآخر ..
وعلى القول الآخر
يحتج بقوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) .. الآية ، وهذا يحتمل معاني :
أحدها : أن العفو
ما سهل ، قال الله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) يعني ما سهل من الأخلاق ، وقال صلّى الله عليه وسلم : «أول
الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله» يعني تسهيل الله على عباده.
وقال تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) يعني الولي إذا أعطى شيئا من المال فليقبله وليتبعه
بالمعروف وليؤد القاتل إليه بإحسان ،
__________________
فندبه الله تعالى
إلى أخذ المال إذا تسهل ذلك من جهة القاتل ، وأخبر أنه تخفيف منه ورحمة ، كما قال
عند ذكر القصاص في سورة المائدة ، (فَمَنْ تَصَدَّقَ
بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ، فندبه إلى العفو والصدقة ، وكذلك ندبه بما ذكر في هذه
الآية إلى قبول الدية إذا بذلها الجاني ، لأنه بدأ بذكر عفو الجاني بإعطاء الدية ،
ثم أمر الولي بالاتباع ، وأمر الجاني بالأداء بإحسان.
وهذا خلاف الظاهر
من وجهين :
أحدهما : أن العفو
بعد القصاص يقتضي العفو عنه من مستحقه بإسقاطه.
والثاني : أن
الضمير في «له» يجب أن ينصرف إلى من عليه القصاص ، لأنه الذي تقدم ذكره في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ، والولي لا ذكر له فيما تقدم حتى ينصرف الضمير إليه ، إلا
أنه يستظهر بظاهر قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصاصُ) وذلك يدل على أن القصاص هو المكتوب دون غيره ..
التأويل الثاني :
ما قاله ابن عباس قال : كان القصاص في بني إسرائيل ولم يكن فيهم الدية ، فقال الله
تعالى لهذه الأمة : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) إلى قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ..
قال ابن عباس :
فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ
وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) قال : على هذا أن يتبع بالمعروف ، وعلى هذا أن يؤدي بإحسان
، (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) فيما
__________________
كان كتب على من
قبلكم ، (فَمَنِ اعْتَدى
بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، قال : ذاك بعد قبوله الدية ، فأخبر ابن عباس أن الآية
نزلت ناسخة لما كان على بني إسرائيل من حظر قبول الدية ، وأباحت للولي قبول الدية
إذا بذلها القاتل ، تخفيفا من الله تعالى علينا ، ورحمة بنا.
ولو كان الأمر على
ما ادعاه مخالفنا من إيجاب التخيير لما قال : فالعفو بأن يقبل الدية ، لأن القبول
لا يطلق إلا فيما بذل له غيره ، ولو لم يكن أراد ذلك لقال : إذا اختار الولي.
وكان المقصود بذلك
أن الذي قاله الله تعالى أنه كتب لم يعن به أنه كتب على وجه لا يمكن إسقاطه برضا
من كتب له مثل ما كان على بني إسرائيل ، بل يجوز إسقاطه ، فإذا جاز إسقاطه رغب في
إسقاطه من جهة من عليه القصاص بالمال ، فهذان معنيان ..
المعنى الثالث
للآية ما رواه سفيان بن حسين عن ابن أشوع عن الشعبي قال : كان بين حيّين من العرب
قتال ، فقتل من هذا ومن هذا ، فقال أحد الحيين : لا نرضى حتى يقتل بالمرأة الرجل ،
وبالرجل الرجلين ، وارتفعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فقال عليه السلام
: القتلى بواء ـ أي سواء ـ فاصطلحوا على الديات ، ففضل لأحد الحيين على الآخر ،
فهو قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصاصُ) .. إلى قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ..
قال سفيان بن حسين
: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) يعني فمن فضل له على أخيه شيء فليؤده بالمعروف ، فأخبر
الشعبي عن السبب في نزول الآية ، وذكر سفيان أن العفو ها هنا الفضل ، وهو معنى
يحتمله اللفظ ، قال الله تعالى : (ثُمَّ بَدَّلْنا
مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى
عَفَوْا). يعني حتى كبروا فسمنوا ، وقال صلّى الله عليه وسلم : «أعفوا
اللحى» ، فتقدير الآية : فمن فضل له على أخيه شيء من الديات التي وقع الإصطلاح
عليها فليتبعه مستحقه بالمعروف ، وليؤد إليه بإحسان ..
المعنى الرابع :
أنهم قالوا في الدم بين جماعة إذا عفا عنهم تحول أنصباء الآخرين مالا ، وقوله
تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) يدل على وقوع العفو عن شيء من الدم لا عن جميعه ، فيتحول
نصيب الشركاء مالا ، فعليهم اتباع القائل بالمعروف ، وعليه أداؤه إليهم بإحسان ..
والإتباع بالمعروف
أن لا يكون بتشدد وإيذاء ، وعلى المطلوب منه الأداء بإحسان ، وهو ترك المطل
والتسويف ، (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) أي جواز العفو على مال تخفيف ، ولم يكن ذلك إلا لهذه الأمة
، (فَمَنِ اعْتَدى
بَعْدَ ذلِكَ) أي قتل القاتل بعد أخذ الدية ، (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ).
المعنى الخامس :
أخذ ولي الدم المال بغير رضا القاتل ، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله ، فقيل
لهؤلاء : العفو لا يكون مع أخذه ، ألا ترى أن النبي عليه السلام قال : «العمد قود
إلا أن يعفو الأولياء» فأثبت له أحد السببين من قتل أو عفو ، ولم يثبت له مالا ،
فلئن قيل : إنه إذا عفا عن الدم ليأخذ المال كان عافيا وتناوله لفظ الآية ، قيل له
: لو كان الواجب أحد سببين لجاز أيضا أن يكون عافيا بتركه المال ،
__________________
وأخذ القود ، فلا
ينفك الولي في اختيار أحدهما من عقد قتل أو أحذ المال ، وهذا بعيد.
ويجاب عنه بأن
يقال : عفا لسقوط أثر المال في حق من عليه القود بالإضافة إلى القتل ، وإذا عدل عن
المال إلى القتل لم يظهر لإسقاط المال وقع ، فلا يقال : عفا ، فإن العفو يؤذن
بتخفيف وترفيه عرفا ، وإن كان العدول عن أحدهما إلى الآخر عفوا عن المعدول عنه ،
وإسقاطا له.
فقيل لهم : فهذا
ينفيه الظاهر من وجه آخر ، وهو أنه إذا كان الولي هو العافي بتركه القود وأخذه
المال ، فإنه لا يقال عفا له ـ وإنما يقال عفا عنه ـ إلا بتعسف ، فيقيم اللام مقام
عن ، أو بحمله على أنه عفا له عن الدم ، فيضم حرفا غير مذكور.
وعلى تأويل من
يخالفه : العفو بمعنى التسهيل ، وهو أن يسهل له القاتل إعطاء الأموال ، كما يقال :
سهل الله لك كذا ويسر لك ، فيكون العفو بمعنى التسهيل من جهة القاتل بإعطائه المال
، ولأن قوله : (مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) يقتضي التبعيض.
وعلى أحد قولي
الشافعي هو عفو عن جميع الدم لا عن شيء منه ، فمتى حمل على الجميع كان مخالفا
مقتضى الكلام ، وفي الحمل على كل محمل حيد عن الظاهر من بعض الوجوه ، فلا يبعد أن
يكون الجميع مرادا ، فإن اختيار الدية يوجب إسقاط القصاص ، حتى لو أراد العدول
إليه بعده لا يجوز.
وشهد لأحد القولين
قوله تعالى : (وَكَتَبْنا
عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية ، وقوله صلّى الله عليه وسلم في قصة الربيع
__________________
حين كسرت بنته
جارية : «كتاب الله تعالى القصاص» أخبر أن موجب الكتاب القصاص ، فإن قوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) محكم ظاهر المعنى.
وقوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) محتمل للمعاني والمتشابه يجب رده إلى المحكم.
وقوله تعالى (عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) يدل على أن دية العمد على القاتل.
وقال : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١٧٩) وذلك تنبيه
على الحكمة في شرع القصاص ، وإبانة الغرض منه ، وخص أولي الألباب مع وجود المعنى
في غيرهم لأنهم المنتفعون به ، كما قال : (إِنَّما أَنْتَ
مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها). وقال : (نَذِيرٌ لَكُمْ
بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) ، فأبان أنه منذر الجميع ، ولكنه خص في موضع «من يخشاها»
لأنهم المنتفعون بإنذاره ، وقال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) مع قوله في موضع آخر (هُدىً لِلنَّاسِ) لأن المتقين هم الذين ينتفعون به .. وقال في قصة مريم : (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ
مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) ، لأن المتقي هو الذي يعيذ من استعاذ بالله تعالى.
وقوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) يدل على مراعاة المماثلة في الجراح ، على ما قاله الشافعي
رحمه الله ، وأن يفعل بالقاتل مثل ما فعله ، فإن لم يمت وجب قتله ، فإن القتل لا
بد منه قصاصا لأخذ النفس بالنفس فجمعنا بين قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) وبين قوله : (النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ) وهذا أولى من طرح أحدهما ..
__________________
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ..) الآية (١٨٠) :
فقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) يدل على وجوب الوصية ، وقوله (بِالْمَعْرُوف) أي بالعدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير ، كقوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، (وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ).
وقوله (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) يؤكد الوجوب ...
ووردت أخبار عن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم تدل على وجوب الوصية ، فمنها ما رواه نافع عن ابن
عمر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
«ما حق امرئ مسلم
له مال يوصي فيه ، يمر عليه ليلتان إلا ووصيته عنده مكتوبة».
ثم اختلف الناس في
وجوبها أولا :
فمنهم من قال :
كان ذلك ندبا.
والصحيح أن ذلك
كان واجبا.
وقال ابن عباس في
قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) .. الآية. إنه منسوخ بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) الآية ، ورووا بطرق أنه صلّى الله عليه وسلم قال : «لا
وصية لوارث».
__________________
فإن قيل : كيف
جوزتم نسخ القرآن بأخبار الآحاد؟ ..
فأجابوا : بأن ذلك
لا يمتنع من طريق النظر في الأصول ، فإن بقاء الحكم مظنون فيجوز أن ينسخ بمثله ،
وشرح ذلك في الأصول.
وقد قيل : إن
الإجماع انعقد على تلقي هذا الخبر بالقبول ، ومثل ذلك يجوز أن ينسخ به الكتاب.
وليس في إيجاب
الميراث للورثة ما ينافي جواز الوصية لهم ، لإمكان أن يجتمع الحقان للورثة
بالطريقين ، وإنما ينسخ الشيء ما ينافيه ، والله تعالى لما جعل الميراث بعد الوصية
فمن الذي يمنع من أن يعطي الوارث قسطه من الوصية ، ثم يعطى الميراث بعدها؟.
وقال الشافعي في
كتاب الرسالة : يحتمل أن تكون المواريث ناسخة للوصية ، ويحتمل أن تكون ثابتة معها
، ثم قال : فلما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم من طريق مجاهد ـ وهو منقطع ـ أنه
قال : «لا وصية لوارث» ، استدللنا بما روي عنه عليه السلام في ذلك أن المواريث
ناسخة للوصايا بالوالدين والأقربين مع الخبر المنقطع.
أما قول الشافعي :
يحتمل أن تكون المواريث ناسخة ، فوجه الاحتمال أن الوصية إنما كانت واجبة لتعطي كل
ذي حق حقه ، من ماله بعد موته ، فكان إثبات الحق للوارث في ماله لمكان القرابة ،
ثم كان يميل الموصي بقلبه إلى بعض الورثة ويقصر في حق بعض الورثة ، فعلم الله
تعالى ذلك منهم ، فأعطى كل ذي حق حقه ، ولهذا قال النبي عليه السلام :
«إن الله لم يكل
قسمة مواريثكم إلى ملك مقرب» الحديث .. إلى أن
__________________
قال : «ألا لا
وصية لوارث» ، فكان الميراث قائما مقام الوصية فلم يجز الجمع بينهما ..
والذي ذكره
الشافعي رحمه الله من أن ناسخه الخبر يعترض عليه من وجهين :
أحدهما : أنه
منقطع وهو لا يقبل المراسيل.
الثاني أنه لو كان
متصلا كان نسخ القرآن بالسنة وعنده أن ذلك غير جائز.
ثم قال الشافعي :
قوله عليه السلام : «ألا لا وصية لوارث» لا ينفي الوصية أصلا للأقربين الذين لا
يرثون ودل لفظ الكتاب عليهم ولم يرد ما يوجب نسخه.
وقال الشافعي :
حكم النبي عليه السلام في ستة مملوكين أعتقهم رجل ولا مال له غيرهم ، فجزّأهم رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء ، فأعتق إثنين وأرق أربعة ، والذي أعتقهم
رجل من العرب ، والعرب إنما تملك من لا قرابة بينهم وبينه من العجم ، فأجاز لهم
رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوصية ، فالوصية لو كانت تبطل لغير قرابته بطلت
للعبيد المعتقين لأنهم ليسوا بقرابة للميت وبطلت الوصية للوالدين ..
ويعترض على هذا
بأنه يجوز أن يكون أمه أعجمية فيكونوا أقرباء من قبل أمه عجما فيكون العتق وصية
لأقربائه ، ولأن فيه نسخ القرآن بالسنة.
والذي يقال في ذلك
: أن قوله (وَالْأَقْرَبِينَ) ليس نصا في حق غير الوارث بل يجوز أن يكون قد عنى
بالأقربين الوارثين منهم ، فغاية ما في ذلك تخصيص العموم لا النسخ.
فيقال : اللفظ
احتمل الوارث ونسخ ، ويحتمل أن يقال : إن الناسخ له مطلق قوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) ، ولم يعرف الوصية حتى ينصرف إلى المتقدم المذكور مثل قوله
: (وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) إلى قوله : (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا
بِالشُّهَداءِ) معرفا ..
واستدل محمد بن
الحسن على أن مطلق الأقربين لا يتناول الوالدين بهذه الآية ، ولا خفاء لما فيه من
الضعف ..
قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) (١٨١) :
يدل على أن الفرض
يسقط عن الموصي بنفس الوصية وإن أثم التبديل لا يلحقه.
ويدل أيضا على أن
من كان عليه دين وأوصى بقضائه أنه قد سلم من تبعته في الآخرة ، وإن ترك المعاصي
والوارث قضاءه لا تلحقه تبعته.
قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً)(أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) (١٨٢).
يحتمل أن يكون
معناه أن يعلم من الموصي جنفا أو غيظا على بعض الورثة ، وأن ذلك ربما يحمله عن زي الميراث عن الوارث ، فعلى من خاف ذلك منه أن يرده إلى
العدم ويخوفه عاقبة الجور ، ويدخل بين الموصى له والورثة على وجه الإصلاح لئلا
يقطع عنه الميراث بوصيته ، أو يرجع عن وصية كانت منه إلى غير أهلها قاصدا قطع
الميراث ،
__________________
وهذا وإن كان فيه
أجر عظيم ولكنه قد يظن الظان امتناع جواز ذلك ، ولذلك قال : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وقد وعد بالثواب على مثله وغيره ، فقال : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) إلى قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) ..
الضمير في قوله (بَيْنَهُمْ) يجوز أن يكون يرجع إلى الموصى له والورثة إذا تنازعوا ،
ويجوز أن يرجع إلى الموصي والورثة ، فأفاد بهذه الآية أن على الوصي والحاكم والوارث
، وكل من وقف على جور في الوصية من جهة الخطأ والعمد ردها إلى العدل.
ودل على أن قوله :
(بَعْدَ ما سَمِعَهُ) خاص في الوصية العادلة دون الجائرة.
وفيها الدلالة على
جواز اجتهاد الرأي ، والعمل على غالب الظن ، لأن الخوف من الميل يكون في غالب ظن
الخائف.
وفيها رخصة في
الدخول بينهم على وجه الإصلاح مع ما فيه من زيادة أو نقصان عن الحق بعد أن يكون
ذلك بتراضيهم ..
فرض الصيام في قوله
تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ) (١٨٣).
وقوله : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ) يحتمل ثلاثة معاني كلها منقوله عن أهل التفسير. :
__________________
قال الحسن والشعبي
، وقتادة : كتب على الذين من قبلنا وهم النصارى شهر رمضان أو مقداره من عدد الأيام
، وإنما حولوه وزادوا فيه.
وقال ابن عباس :
كان الصوم من العتمة إلى العتمة ولا يحل بعد النوم أن يأكل ويشرب وينكح ، ثم نسخ
فكان ذلك صوما بالليل لا تشبها بالصائمين ولا عقوبة على أكل حرام بل كان عبادة ...
وقال آخرون :
معناه أنه كتب علينا صيام أيام ، ولا دلالة فيه على مساواته في المقدار ، بل جائز
فيه الزيادة والنقصان ..
وروى عبد الرحمن
بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : أحيل الصيام ثلاثة أحوال ، قدم أولا رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يصوم كل شهر ثلاثة أيام ، وصيام عاشوراء ، ثم إن
الله تعالى فرض الصيام فقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ). وذكر نحو قول ابن عباس الذي ذكرناه وقدمناه ، وليس في
قوله : (كَما كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) دلالة على المراد في العدد في أو صفة الصوم أو في الوقت فكان
اللفظ مجملا ..
وقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ
عَلى سَفَرٍ) (١٨٤) يقتضي تعليق
جواز الإفطار على اسم المرض والسفر ، إلا أن المريض الذي لا يضره الصوم مخصوص
إجماعا ، ولا يعرف له مأخذ أقوى من الإجماع.
وأطلق السفر ولم
يذكر له حدا ، والمسافة القريبة لا تسمى سفرا في العرف ، فلا جرم اختلف العلماء في
تحديده ، فحده أبو حنيفة بثلاثة أيام والشافعي بستة عشر فرسخا ، ولكل مأخذ ..
قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ) (١٨٤) :
قال الشافعي.
ظاهره أن الذين يطيقونه إذا لم يصوموا أطعموا ، ونسخ ذلك في غير الحامل والمرضع ،
وهي في حقهما ظاهره ، ومنه قال علي رضي الله عنه في المريض والمسافر إنه يفطر
ويطعم كل يوم مسكينا صاعا ، ثم قال : وذلك قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ).
وكانت عائشة تقرأ
: «وعلى الذين يطوقونه فدية» وذلك في الشيخ الهرم .
والذي قاله علي ـ رضي
الله عنه ـ فيه نظر ، فإن قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ
مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) يتبع دلالة قوله بعد ذلك : (وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ) على المسافر والمريض ، لأن ما عطف على الشيء غيره لا محالة ، وليس يظهر أيضا حمله على الشيخ الكبير ، فإنه ليس
مطيقا ، بل كان مطيقا ثم عجز ، فعلى هذا قال مالك وربيعة في حق الشيخ الكبير : لا
أرى عليه إطعاما فإن فعل فحسن ، ولم يروا الفدية قائمة مقام الصوم الذي هو عبادة
بدنية ، ولا أن تكليف الصوم لاقاه ، وهم يقولون : الذي نسخ كان ترك الصوم إلى
الإطعام لا قضاء الصوم مع الإطعام ، وقد سمى الله تعالى ذلك فدية ، والفدية ما
يقوم مقام ما يفدى عنه ، فالجمع بين الفدية والقضاء لا وجه له ، وكان الواجب في
الأصل أحد سببين من فدية أو صيام لا على وجه
__________________
الجمع ، فكيف يجوز
الاستدلال به على إيجاب الجمع بينهما على الحامل أو المرضع ..
نعم قال ابن عباس
في الحامل والمرضع عليهما الفدية ولا قضاء عليهما ، فله حجة في ظاهر القرآن في
اقتصاره على إيجاب الفدية دون القضاء ، فكانت الآية دالة في الأصل على التخيير بين
الفدية والصوم ، فلا يجوز أن يتناول الحامل والمرضع لأنهما غير مخيرين ، لأنهما
إما أن يخافا فعليهما الإفطار بلا تخيير ، أو لا يخافا فعليهما الصيام بلا تخيير ،
ولا يجوز أن تتناول الآية فريقين : تقتضي بظاهرها إيجاب الفدية ، ويكون المراد في
أحد الفريقين التخيير بين الإطعام والصيام ، وفي الفريق الآخر إما الصيام على وجه
الإيجاب بلا تخيير أو الفدية بلا تخيير ، وقد تناولهما لفظ الآية من وجه واحد ،
فثبت بذلك أن الآية لم تتناول الحامل أو المرضع.
قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) (١٨٥) يحتمل معاني
، منها :
من كان شاهدا
لمعني مقيما غير مسافر ، كما يقال الشاهد والغائب ، فمقتضاه أن لا يجب على المسافر
، لكنه لما قال : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (١٨٥) بين حكم
المرضى والمسافرين في الإيجاب.
ويحتمل أن يكون
قوله (شَهِدَ ...
الشَّهْرَ) أي علمه ، وذلك يدل على أن من أفاق من الجنون بعد مضي شهر
رمضان فلا قضاء عليه ، خلافا لمالك فإنه قال فيمن بلغ وهو مجنون ، فمكث سنين ثم
أفاق ، فإنه يقضي صيام تلك السنين ولا تقضى الصلاة ، ومالك يحمل قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ) على شهوده بالإقامة وترك السفر دون ما ذكره غيره من شهوده
بالتكليف.
ويصعب عليه الفرق
بين الصغر والجنون فإنهما ينافيان التكليف وليس اسم المرض متناولا له ..
وأبو حنيفة يقول :
قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) لا يمكن أن يراد به شهود جميع الشهر لأنه لا يكون شاهدا
لجميع الشهر إلا بعد مضيه كله ، ويستحيل أن يكون مضيه شرطا للزوم صومه كله ، لأن
الماضي من الوقت يستحيل فعل الصوم فيه ، فعلم أنه لم يرد شهود جميعه ، فتقدير
الكلام عنده : فمن شهد منكم بعض الشهر فليصم ما لم يشهده منه ، وهذا بعيد جدا ..
ومالك يقول : شهد
أي أدرك ، كما يقال : شهد زمان النبي عليه السلام أي أدرك ، والمجنون قد أدرك ذلك
الزمان فلزمه الصوم لزوما في الذمة ..
قوله تعالى : (فَلْيَصُمْهُ) :
والصوم في اللغة :
الإمساك المطلق ، غير مختص بالإمساك عن الأكل والشرب دون غيرهما ، بل كل إمساك فهو
مسمى في لغة صوما ، غير أن الله تعالى أحل الأكل والشرب والجماع إلى أن يصبح ، ثم
أمر بإتمام الصوم إلى الليل ، ففحوى الكلام تحريم أباحه الليل وهو الأشياء الثلاثة
، ولا دلالة فيه على غيرها بل هو موقوف على الدليل ، ولهذا ساغ الإختلاف فيه
واختلف فيه علماء السلف.
وأما الحيض
والاستقاء فلمنافاتهما للصوم ، فلا يعلل أصلا ، فقاس قوم الجنابة على الحيض ، وقاس قوم الحجامة على
الاستقاء ، لأنهما استخراج الفضلة من البدن ..
__________________
وروى ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائما .
قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يدل على جواز القضاء متتابعا ومتفرقا ، فإنه ذكر الأيام
منكرة ، فإذا فرق فقد أتى بما اقتضاه الأمر ، وفهمنا أن تتابع صوم رمضان للشهر لا
لنفس الصوم ، ولذلك لم يكن إفساد يوم منه مانعا صوم الباقي ، وقد قال الله تعالى :
(فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ) فدل على جواز التأخير من غير أن يتحدد بوقت ، وهو كالأمر
المطلق الذي لا يتقيد بوقت ، ويجوز مفرقا ومجموعا ..
والشافعي رأى
تقييد القضاء بالسنة قبل دخول رمضان آخر وقال : إذا دخل رمضان آخر فدى عن كل يوم
بمد ، ورواه عن ابن عباس وابن عمر.
فأما ما روي عن
ابن عباس أن رجلا جاء إليه فقال : مرضت رمضانين ، فقال ابن عباس : استمر بك المرض
أو صححت فيما بينهما؟ ..
قال : بل صححت ،
قال : صم رمضانين ، واطعم ستين مسكينا ..
وعن ابن عمر : أنه
سئل عمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر؟ .. قال : يصوم الذي أدركه ويطعم
عن الأول كل يوم مدا من تمر ولا قضاء عليه ، وهذا يشبه مذهبه في الحامل والمرضع
أنهما يطعمان ولا قضاء عليهما ، وأقوال الصحابة على خلاف القياس قد يحتج بها ..
فقيل لهم فالقضاء
بعد الصوم الآخر مأخوذ من قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ). واللفظ قد تناول الأوقات فلا يجوز أن يكون قد
__________________
أوجب القضاء على
قوم والفدية على قوم آخرين ، بل يقتضي أن يكون الحكم في الكل واحدا ، وغاية قول
الصحابي على خلاف القياس ، أن يتوهم فيه توقيف ، مع احتمال كون احتجاجه بالتوقيف
فاسدا وغلطا ، فظهور هذا من كتاب الله تعالى أولى بالاعتبار والإتباع.
وذكر داود
الأصفهاني أن قضاء رمضان يجب على الفور ، وأنه إذا لم يصم اليوم
الثاني من شوال أثم لأنه لو مات عصى ، وبنى عليه أنه لو وجب عليه عتق رقبة ، فوجد
رقبة تباع بثمن ، فليس له أن يتعداها ويشتري غيرها ، لأن الفرض عليه أن يعتق أول
رقبة يجدها فلا يجزيه غيرها ، ولو كان عنده رقبة فلا يجوز أن يشتري غيرها ، ولو
مات الذي عنده فلا يبطل العتق كما يبطل فيمن نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل
نذره ، وذلك يفسد قوله ..
وقد قال بعض
الأصوليين : إذا مات بعد مضي اليوم الثاني من شوال لا يعصى على شرط العزم.
وقال الرازي أبو
بكر إنه لا يعصى إلى السنة القابلة ، فإن آخر الوقت معلوم ، فبنى عليه أنه لو مات
في خلال السنة لا يعصى ، فقدر القضاء بالسنة ، وذلك خلاف قول الجماعة ، وجعله كوقت
الصلاة لما كان التأخير موسعا عليه إلى آخره ، لم يكن مفرطا بتأخيره إلى أن مات
قبل مضي الوقت ، فكذلك قضاء رمضان.
وأجمعوا على وجوب
الفدية إذا مات قبل مضي السنة لا لكونه
__________________
عاصيا ، كما تجب
على الشيخ الكبير ، وتجب الفدية أيضا على من فاته صوم رمضان ومات في أول يوم من
شوال ...
قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) :
استدل به قوم على
أن المسافر لا صوم عليه ، لأن قوله : (فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ) يدل على أن الصوم المسافر في الأيام الأخر ، ولم يقدروا
الإضمار مثل قول أكثر العلماء : فأفطر فعدة من أيام أخر ، وهذا مذهب يروى عن أبي
هريرة وقال به داود إلا أنه صح أن رسول الله صام في السفر.
وعن عائشة أن حمزة
بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أصوم في السفر؟ .. فقال : «إن
شئت فصم ، وإن شئت فأفطر» ..
وروى أبو سعيد
الخدري وابن عباس وأنس وجابر وأبو الدرداء وسلمة ابن المحبق صيام النبي عليه
السلام في السفر ، ومن خالف في هذا يدفع بظاهر قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). من غير فصل بين المفطر وبين الصائم ..
ورووا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ليس من البر الصوم في السفر» ..
ورووا عن الزهري
عن أبي سلمة عن أبيه قال : قال
__________________
رسول الله صلّى
الله عليه وسلم : «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» .
وبحديث أنس عن
النبي عليه السلام : «إن الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم ، وعن
الحامل والمرضع» ..
ومن يخالف هؤلاء
يقول : روى جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى رجلا يظلل عليه والزحام
عليه فقال : «ليس من البر الصيام في السفر» فجائز أن يكون كل من روى ذلك ، فإنما
حكى ما ذكره النبي عليه السلام في تلك الحال ، وساق بعضهم ذكر السبب وحذفه بعضهم.
وذكر أبو سعيد
الخدري ، أنهم صاموا مع النبي صلّى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان ، ثم إنه
قال لهم : «إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا» ، فكانت عزيمة من
رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو سعيد الخدري :
لقد رأيتني مع
النبي عليه السلام أصوم قبل ذلك وبعده ، فيجوز أن يكون الخبر ورد على سبب ، وهو حال لزوم القتال
مع العلم بالعجز عنه مع فعل الصوم. ولأن قوله : «وأن تصوموا خير لكم» معطوف على كل
من تقدم وبينهم المسافر والمريض ..
ثم إنه إذا صام
أهل بلد تسعة وعشرين يوما للرؤية ، وفي البلد رجل مريض لم يصم ، فإنه يقضي تسعة
وعشرين يوما.
وقال قوم منهم
الحسن بن صالح : إنه يقضي شهرا بشهر من غير
__________________
مراعاة عدد
الأيام. وهذا بعيد ، لقوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ) ، ولم يقل فشهر من أيام أخر.
وقوله : (فَعِدَّةٌ) يقتضي استيفاء عدد ما أفطر فيه ، ولا شك في أنه لو أفطر
بعض رمضان ، وجب قضاء ما أفطر بعدده ، كذلك يجب أن يكون حكم إفطار جميعه في اعتبار
العدد ...
وأجمع أصحاب أبي
حنيفة على أنه إذا صام أهل بلدة ثلاثين للرؤية وأهل بلدة أخرى تسعة وعشرين ، أن
على الذين صاموا تسعة وعشرين قضاء يوم ، وأصحاب الشافعي رحمه الله لا يرون ذلك ،
إذا كانت المطالع في البلدتين يجوز أن تختلف.
وحجة أصحاب أبي
حنيفة قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ) وثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون فوجب على هؤلاء
إكمالها ، ومخالفهم يحتج بما روي عن النبي عليه السلام أنه قال : «صوموا لرؤيته ..
الحديث» ، وذلك يوجب اعتبار عادة كل قوم في بلدهم ..
وروى الشافعي
بإسناده عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، قال : فقدمت
الشام ، فقضيت حاجتها ، فاستهل رمضان وأنا بالشام. فرأينا الهلال ليلة الجمعة ، ثم
قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم
الهلال؟ فقلت : ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته؟ .. فقلت : نعم ، ورآه الناس
وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى يكمل
الثلاثين أو نراه ، فقلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟. قال : لا ، هكذا
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
__________________
فقيل على هذا :
قوله «هكذا أمرنا» يحتمل أن يكون تأول فيه قول النبي عليه السلام : صوموا لرؤيته
وأفطروا لرؤيته».
قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ
الرَّفَثُ) ، الآية) (١٨٧).
الرفث يقع على
الجماع ويقع على الكلام الفاحش ، والمراد به الجماع ها هنا لأنه الذي يمكن أن يقال
فيه : (أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ، ولا خلاف فيه.
وقوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) يعني كاللباس لكم في إباحة المباشرة وملابسة كل واحد منهما
لصاحبه.
ويحتمل أن يراد
باللباس الستر ، لأن اللباس هو ما يستره ، وقد سمى الله تعالى الليل لباسا لأنه
يستر كل شيء يشتمل عليه بظلامه ، فالمراد بالآية أن كل واحد منهما يستر صاحبه عن
التخطي إلى ما يهتكه ، ويكون كل واحد منهما متعففا بالآخر مستترا به.
قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ).
أي يساتر بعضكم
بعضا في مواقعة المحظور من الجماع ، والأكل بعد النوم في ليالي الصوم ، كقوله
تعالى : (تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ) يعني : يقتل بعضكم بعضا.
ويحتمل أن يريد به
كل واحد منهم في نفسه بأنه يخونها ، وكان خائنا لنفسه من حيث كان صرره عائدا إليه.
ويحتمل أن يريد به
أنه يعمل عمل المساتر له ، فهو يعامل نفسه بعمل الخائن لها ، والخيانة انتقاص الحق
على وجه المساترة.
__________________
وقوله (فَتابَ عَلَيْكُمْ) يحتمل معنيين :
أحدهما : قبول
التوبة من خيانتهم لأنفسهم.
والآخر التخفيف
عنهم بالرخصة والإباحة ، كقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ
تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ).
(وَعَفا عَنْكُمْ) : يعني خفف عنكم.
وذكر عقيب قتل
الخطأ : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ) يعني تخفيفا ، لأن قاتل الخطأ لم يفعل شيئا يلزمه التوبة
منه.
وقال الله تعالى :
(لَقَدْ تابَ اللهُ
عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي
ساعَةِ الْعُسْرَةِ) ، وإن لم يكن من النبي عليه السلام ما يوجب التوبة منه ..
وقوله : (وَعَفا عَنْكُمْ).
يحتمل العفو عن
المذنب ، ويحتمل التوسعة والتسهيل كقول النبي عليه السلام : «أول الوقت رضوان الله
، وآخره عفو الله» ، يعني تسهيله وتوسعته ..
قوله : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (١٨٧) ، كان رجال
إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه خيطا أبيض وخيطا أسود ، فلا يزال يأكل ويشرب
حتى يتبينا ، قال : فذكر سهل بن سعد الساعدي ـ وهو راوي الحديث ـ أنهم كانوا على
__________________
ذلك حتى نزل قوله
تعالى : (مِنَ الْفَجْرِ) ، فعلموا أنه إنما عنى بذلك الليل والنهار ، ولا يجوز أن
لا يكون في قوله (الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ) بيان للحكم مع الحاجة ، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا
يجوز أصلا ..
ويجوز أن يكون
التجوز بالخيط الأبيض عن الفجر سائغا في لغة قريش دون غيرها من اللغات ، فأشكل على
قوم آخرين ، حتى تبين لهم بقوله من الفجر ، ولا يجب أن يكون البيان بلغة يشترك في
معرفتها جميع الناس قبل أن يتبين لهم بلغة من كان بيانا في لغتهم ..
ويجوز أن يكون قد
قال : (مِنَ الْفَجْرِ) أولا ، لكن قوله (مِنَ الْفَجْرِ) يحتمل أن يكون تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
، على معنى أنه يتبين الخيطان من أجل الفجر ، ويحتمل أن يكون المستبان في نفسه هو
الفجر ..
فإن قيل : كيف
يشبه الليل بالخيط الأسود وهو يشتمل على جميع العالم ، وقد علمنا أن الصبح إنما
شبه بخيط مستطيل أو معترض في الأفق ، أما الليل فليس بينه وبين الخيط مشاكلة؟ ..
الجواب : أن الخيط
الأسود هو السواد الذي في المواضع قبل ظهور الخيط الأبيض فيه ، وهو في ذلك الموضع مساو للخيط
الأبيض الذي يظهر بعده ، فلأجل ذلك سمي الخيط الأسود ، وإذا أباح الله الأكل
والشرب إلى أن يتبين ، فيدل ذلك على جواز الأكل قبل التبين حالة الشك.
__________________
ويدل على أنه لا
نظر إلى الشك إذا أمكن درك اليقين ، وأنه يجوز استصحاب حكم الليل في حق الشاك.
وفيه الدلالة على
أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم ، لما فيه من إباحة الجماع من أول الليل إلى آخره ،
مع العلم بأن المجامع من الليل إذا صادف فراغه من الجماع طلوع الفجر ، أنه يصبح
جنبا ، ثم حكم مع ذلك بصحة صيامه بقوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ).
والذي يخالف هذا
يقول ، إنما أبيح الأكل إلى الفجر لا الجماع ، فإنه لم يقل : «وباشروهن إلى أن
يتبين».
وفيه دليل على أن
البياض بعد تبين الفجر من النهار ، بخلاف البياض بعد غروب الشمس.
وظن قوم أنه إذا
أبيح له الفطر إلى أول الفجر ، فإذا أكل على ظن أن الفجر لم يطلع ، فقد أكل بإذن
الشرع في وقت جواز الأكل ، فلا قضاء عليه ، كذلك قاله مجاهد وجابر بن زيد ، ولا
خلاف في وجوب القضاء ، إذا غم عليه الهلال في أول ليلة من رمضان ، إذا أكل ثم بان
أنه من رمضان ، والذي نحن فيه مثله ، وكذلك الأسير في دار الحرب إذا أكل ظنا أنه
من شعبان ثم بان خلافه ..
قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (١٨٧).
ظاهر ذلك يقتضي
تحريم المباشرة مطلقا لشهوة وغير شهوة ، والمباشرة أن تتصل بشرته ببشرتها ، إلا أن
عائشة كانت ترجل شعر رسول الله وهو معتكف ، فكانت لا محالة تمس بدن الرسول عليه السلام بيدها
،
__________________
ودل ذلك على أن
المباشرة بغير شهوة غير محظورة ..
وزعم قوم أن الآية
لا تدل على المباشرة بالشهوة أيضا ، بعد أن اتفق الناس على أن الجماع مراد به ،
لأن الكناية بها عن الجماع مجاز ، وإذا حمل اللفظ على المجاز فلا يحمل بعينه هو
على الحقيقة.
وهذا ليس بصحيح ،
فإن لفظ المباشرة عموم في الجماع ، لا بطريق المجاز ، بل من حيث أن الجماع مباشرة
، إذ المباشرة هي الإفضاء ببشرته إلى بشرة صاحبه ، فإذا كانت حقيقة المباشرة ـ لا
من حيث المجاز ـ إلصاق البشرة بالبشرة فهي عامة في الجماع وغيرها ، فدلالتها على
الجماع من حيث الحقيقة لا من حيث المجاز ..
قوله : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) يقتضي أن يكون الحظر مختصا بالمسجد ، حتى لو جامع عند
الخروج لا يبطل اعتكافه :
ويحتمل أن يقال :
قوله : (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ
فِي الْمَساجِدِ) معناه : لا تباشروهن حال ما يقال لكم إنكم عاكفون في
المساجد ، والرجل وإن خرج من المسجد لقضاء الحاجة فهو عاكف ، واعتكافه باق.
وأمكن أن يقال :
لا يقال له عاكف في المسجد بل يقال : لم يبطل تتابع اعتكافه ، فأما أن يكون عاكفا
في المسجد لفظا وإطلاقا وهو خارج منه فلا.
ولما كان الرجل
باعتبار قعوده في المسجد ، لا يقال له عاكف ، إذا كان يخرج ويرجع على ما جرت به
العادة ، وإنما يقال عاكف للمواظب ، فيقتضي ذلك زوال اسم العاكف عنه ، إذا كان
يتردد في حاجاته ، ويخرج لأشغاله ، إلا ما لا بد له منه.
قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) (١٨٨) فيه دلالة
على أن حكم الحاكم لا يغير بواطن الأحكام ، ولأن الحاكم يحكم بالظاهر وهو مصيب في
عمله ، لا أنه مصيب ما عند الله تعال حقيقة.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ
هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (١٨٩).
سماه على وحدته
أهلة إذ الأهلة ليست اسما للقمر ، وإنما سمي الهلال هلالا في أول ما يرى ، وما قرب
منه لظهوره في ذلك بعد خفائه ، ومنه الإهلال بالحج وهو إظهار التلبية ، واستهلال
الصبى ظهور حياته بصوت أو حركة ، ويقولون تهلل وجهه إذا ظهر فيه البشر والسرور ،
وليس هناك صوت مرفوع حتى يقال : الإهلال رفع الصوت وإن إهلال الهلال من ذلك لرفع
الصوت عند رؤيته ، قال تأبط شرا :
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه
|
|
برقت كبرق العارض المتهلل
|
وأمكن أن يقال
متهلل لصوت الرعد فإن البرق لا يخلو منه ، واستدل به أصحاب أبي حنيفة على جواز
الإحرام بالحج في سائر السنة ، ومعلوم أنه لم يرد به أفعال الحج فحملوه على
الإحرام به.
فقيل لهم : فقد
قال : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُوماتٌ) ، فأجابوا بأنه لا بد في الكلام من ضمير ولا بيان فيه دونه
، فإن الحج فعل الحاج ، وفعل الحاج لا يكون أشهرا ، فلا بد أن يكون المراد به
أفعال الحج
__________________
ومعناه أفعال الحج
في أشهر معلومات. فقيد تخصيص أفعال الحج بالأشهر المعلومات ، وهو كذلك ، فإنه لو
أحرم بالحج قبل أشهر الحج ، وطاف له وسعى قبل أشهر الحج ، فسعيه ذلك لا يجزيه ،
وعليه أن يعيده ، لأن أفعال الحج لا تجزئ قبل أشهر الحج ، فعلى هذا معنى قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) أي أن أفعاله في أشهر معلومات.
وهذا غلط ، فإنه
إذا قال : «أشهر معلومات» فيجب أن يقع في الأشهر ، فيكون الأشهر المعلومات ظرفا ،
ويكون الفعل واقعا في جميعه ، كالإحرام يقع في الأشهر ويبقى في الأشهر ، فيقال هو
في الأشهر محرم.
ولا يجوز أن يكون
الفعل الذي هو السعي يقع في الأشهر ، وإنما يقع في ساعة من يوم ، ولا يجوز أن يكون
المراد به بقاء الإحرام كما قالوه ، فإنهم قالوا : إذا أحرم بالحج في أشهر الحج أو
في غيرها ، فإذا فاته الوقوف بعرفة فاته الإحرام ، فقول الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ) يعني : دوام الحج وبقاؤه أشهر ، وهذا باطل ، فإن الذي
ذكروه من بقاء الإحرام ، ليس يتحدد له أشهر معلومات ، فإنه لو أحرم من وقت الفوات
، دام الإحرام والحج إلى مثل ذلك الوقت من العام القابل ، والحج لا يتعين له أشهر
، بل أشهره جميع السنة ، وإنما يفوت في وقت خاص ، ولا يبقى أكثر من سنة قط ، فإذا
بطلت تأويلاتهم ، بقي تأويل الآية التي تعلقوا بها ، ووجه ذلك أن قوله : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ
وَالْحَجِّ) معناه : «قل هي مواقيت للناس في الحج» ، فيحصل في الأهلة
المعنيان من غير تفصيل ، فلا دلالة في الآية على أن الأهلة يجب أن تكون مواقيت
للحج ..
نعم الأهلة كلها
مواقيت للناس لا مفهوما من هذا اللفظ ، فإن المفهوم من هذا اللفظ بيان فائدة
الأهلة ، والفائدة حصلت بما قلناه من غير
تفصيل ، ويدل عليه
أن مراد الله تعالى من ذلك بيان الحاجة إلى الأهلة ، ببيان منافعها في كونها
مواقيت للناس ، فإنما يقال ذلك فيما يعتاده الناس ويتعارفونه ، وما اعتاد الناس قط
الإحرام في غير أشهر الحج ولا ندبوا إليه ، ولذلك سمي بعض الشهور أشهر الحج ، وغير
المعتاد لا يحصل به الامتياز في كونه ميقاتا ، وما يعد ميقاتا أصلا ، كما تعد
الشهور كلها بأسرها مواقيت للأعمال والآجال ، فهذا يدل على صحة هذا التأويل وبطلان
تأويلات من يخالف هذا القول ...
قوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (١٨٩) ، هو تنبيه
من الله تعالى على أن يأتوا البر من وجهه ، وهو الوجه الذي أمر الله تعالى به ،
فذكر إتيان البيوت من أبوابها مثلا يشير به إلى أن تأتي الأمور من مأتاها الذي
ندبنا الله تعالى إليه ، وفيه بيان أن ما لم يشرعه الله تعالى قربة ، ولا ندب إليه
لا يصير قربة ، بأن يتقرب به متقرب ، ومثله تحريم الوصال الذي يتقرب به ولا تقرب
فيه. والرهبانية التي يتقرب بها ولا تقرب فيها ..
فرض الجهاد :
قال الله عز وجل :
(وَقاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) (١٩٠) الآية ..
ولا خلاف بين
العلماء في أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ) ، إلى قوله : (ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ، وقوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ) ، وقوله : (وَجادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، (وَلا تُجادِلُوا
أَهْلَ الْكِتابِ).
__________________
الآية .. ، (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا
سَلاماً).
وروى عمرو بن
دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد الرحمن ابن عوف وأصحابا له كانت أموالهم بمكة ،
فقالوا : يا رسول الله ، كنا في عز ومنعة ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أذلاء ،
فقال : «إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم» ، فلما حوله إلى المدينة انكفوا ،
فأنزل الله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الآية ..
وعن ابن عباس في
قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ) وقوله : (وَما أَنْتَ
عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) ، وقوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ) ، وقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) قال :
نسخ هذا كله قوله
تعالى : (فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، وقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) .. الآية ..
واختلف السلف في
أول آية نزلت في القتال ، فروي عن الربيع ابن أنس وغيره أن قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ
__________________
يُقاتِلُونَكُمْ)
أول آية نزلت في
القتال.
وروي عن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه أنه قال : أول آية نزلت في القتال قوله تعالى :
(أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الآية ..
وقال آخرون : قوله
تعالى : (وَقاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ) أول آية نزلت في إباحة قتال من قاتلهم ، والثانية نزلت في
الإذن بالقتال عامة لمن قاتلهم ، ومن لم يقاتلهم من المشركين.
فقال الربيع بن
أنس : أول آية نزلت في الإذن بالقتال في المدينة قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ
يُقاتِلُونَكُمْ) ، فكان النبي عليه السلام بعد ذلك يقاتل من قاتله من
المشركين ويكف عمن كف عنه إلى أن أمر بقتال الجميع ، وهو مثل قوله تعالى :
(فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ..
ويحتمل أن يقال إن
قوله : (الَّذِينَ
يُقاتِلُونَكُمْ) لم يرد به حقيقة القتال ، فإن جواز دفع المقاتل عن نفسه ما
كان محرما قط ، حتى يقال إنه أذن فيه بعد التحريم ، وإنما المراد به الذين
يقاتلونكم دينا ، ويرون ذلك جائزا اعتقادا ، ولم يرد به حقيقة القتال.
وقال آخرون : نزلت
هذه الآية في صلح الحديبية ، فإنه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من صلح الحديبية
إلى المدينة ، حين صده المشركون
__________________
عن البيت ، صالحهم
على أن يرجع عامة القابل ، ويخلو له مكة ثلاثة أيام ، فلما كان في العام القابل ،
تجهز رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا أن لا تفي لهم
قريش ، وأن يصدوهم عن البيت ويقاتلونهم ، وكره أصحاب رسول الله صلّى الله عليه
وسلم قتالهم في الشهر الحرام في الحرم ، فأنزل الله تعالى :
(وَقاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) يعني قريشا الذين صالحوهم ، (وَلا تَعْتَدُوا) فنبذوا في الحرم بالقتال ، ودل عليه ظاهر ما بعده وهو قوله
:
(وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) يعني أن شركهم بالله عز وجل ، أعظم من قتلكم إياهم في
الحرم ، والذي كان منهم من تعذيب من أسلم وظفروا به ، ليفتنوهم عن الدين ، أعظم من
قتالكم إياهم في الشهر الحرام.
وقال : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ
فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ). معناه حتى لا يكون الشرك الذي هو باعث على الفتنة ، ويكون
الدين كله لله ، ولذلك لم يقبل العلماء الجزية من وثنيي العرب ، فإن الله تعالى
قال في حقهم :
__________________
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى
لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).
فأمر الله تعالى
بقتالهم ، حتى لا يكون الشرك ويكون الدين كله لله .
وروي عن أبي بكر
أنه أمر بقتال الشماسنة ، لأنهم يشهدون القتال ويرون ذلك رأيا ، وأن الرهبان من
رأيهم أن لا يقاتلوا ، فأمر أبو بكر أن لا يقتلوا ، ثم قال : قد قال الله سبحانه :
(وَقاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) .. وحمل ذلك أبو بكر رضي الله عنه على المقاتلة دينا
واعتقادا ، فالآية على هذا ثابتة الحكم لا نسخ فيها.
وعلى قول الربيع
بن أنس ، أن النبي عليه السلام والمسلمين ، كانوا مأمورين ـ بعد نزول الآية ـ بقتال
من قاتل دون من كف عنهم ، سواء كان ممن يتدين بالقتال أو لا يتدين وليس بصحيح.
وروي عن عمر بن
عبد العزيز في قوله : (الَّذِينَ
يُقاتِلُونَكُمْ) قال : ذلك في النساء والذرية ، فعلى هذا لا نسخ في الآية.
ويحتمل أن يقال :
إن قوله تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، عام في الرجال والنساء والصبيان ، وهم يقتلون إذا كانت
المصلحة في قتلهم ، على ما عرف من مذهب الشافعي رحمه الله فيه.
__________________
وإذا كانت المرأة
مقاتلة بالمال والرأي والتدبير ، وكانت ذات عز في قومها ، فيجب قتلها ، وإذا كانت
المصلحة في استرقاقها ، فنفع الاسترقاق إذا أوفى على قتلها ، فلا يجوز قتلها.
قوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، يعني كفرهم وتعذيبهم للمؤمنين ، في البلد الحرام والشهر
الحرام ، أعظم مأثما من القتل في الشهر الحرام ، وأنه إذا كان يتوقع منهم مثل ذلك ، وجب قتلهم في البلد
الحرام وفي الشهر الحرام ، وكذلك معنى قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى
لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) ، فعلل القتال والقتل بهذا المعنى ، وهذا يستوي فيه الحرم
وغيره ، والشهر الحرام وغيره.
وكذلك قاله الربيع
بن أنس فإنه قال :
قوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ).
منسوخ بقوله تعالى
: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى
لا تَكُونَ فِتْنَةٌ).
وقال قتادة : هو
منسوخ بقوله : (فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). ، وقد نزل قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) في سورة براءة (التوبة) بعد سورة البقرة ، والذي كان من
خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح ، وقوله فيها : «إن الله تعالى حرم
مكة» الحديث ، نسخه ما بعده ، وسورة براءة فإنها
__________________
نزلت بعد ذلك بمدة
.
وقال ابن عباس
وقتادة ومجاهد والربيع : الفتنة في قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى
لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، الشرك بالله.
وقيل : إنما سمي
الكفر فتنة لأنه يؤدي إلى الهلاك كما تؤدي إليه الفتنة ..
قوله تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)(وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ
أَخْرَجُوكُمْ) (١٩١) :
صفة مشركي قريش ،
فلم يدخل أهل الكتاب في هذا الحكم ، فلا جرم لا تقبل الجزية من المشركين لقوله
تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى
لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ـ يعني كفر ـ (وَيَكُونَ الدِّينُ
لِلَّهِ).
فمد القتال في
حقهم إلى غاية وجود الإسلام ، وفي حق أهل الكتاب إلى غاية وجود الجزية في قوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) لأنهم إذا أعطوا الجزية حصلت منفعة المسلمين ، إلا في حق
من لا يقنع منه بالجزية لعظم جريمته.
وبنى الشافعي رحمه
الله على ذلك جواز قتل النساء المرتدات ، لعظم جرائمهن وكبر ذنوبهن ، وأن ذلك لا
يندفع بالاسترقاق ومنفعته ، كما لا يندفع بالجزية ، وليس إذا عدم القتال منهن فلا
مصلحة في قتلهن ، بل في قتلهن مصالح منها :
__________________
منعهن عن إمداد
الرجال بالأموال ، وبالحث على القتال بإنشاد الأشعار المحركة لطباعهم ، فإنه إذا
حدث الحرب بالعرب أبرزن النساء باعثات على الحرب متناشدات بالأشعار ، وذلك من أعظم
الفتن ، وترى الواحد منهم يقتل نفسه ويرد الأمان قائلا : بأن نساء الحي لا يتحدثن
عني بالجزع في القتال وطلب الأمان.
ففي قتلهن على هذا
الوجه مصالح عظيمة ، وهل يقاتل أكثر الناس إلا ذبا عن النساء؟
غير أنهن إذا حصلن
في السبي ، فالاسترقاق أنفع لسرعة إسلامهن ورجوعهن عن أديانهن ، وبعد فرارهن إلى
أوطانهن بخلاف الرجال.
وليس يتوقع من
القتال إلا أذية المسلمين ، وذلك يحصل للمسلمين بما يصدر منهن وإن لم يباشرن
القتال ، ولم تكن فتنة فني بها خلق في الأكثر ، إلا كان سببه أمور النساء ، والذي
كان من شؤم البسوس ورعيف حولا وغيرهما ، مما نتج الحروب العظيمة وهيج الفتن
الهائلة مشهور معروف ..
قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ
الْحَرامِ) الآية. (١٩٤) روي عن الحسن أن مشركي العرب قالوا للنبي
صلّى الله عليه وسلم : أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ .. قال : نعم ، فأراد
المشركين أن يغتروه في الشهر الحرام فيقاتلوه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ..
__________________
يعني إذا استحلوا
منكم فاستحلوا منهم مثله.
وروي عن ابن عباس
والربيع بن أنس والضحاك ، أن قريشا لما ردت رسول الله عام الحديبية ـ محرما في ذي
القعدة ـ عن البلد الحرام فأعاده الله إليه في مثل ذلك الوقت فقضى عمرته ، وأقصه لما
حيل بينه وبينه في يوم الحديبية ، فيكون على هذا التقدير إخبارا بما أقصه الله تعالى من
الشهر الحرام ، الذي صده المشركون فيه عن البيت بشهر مثله في العام القابل ،
ويتضمن مع ذلك أمرا بالقتال.
فإن قيل : إنه إذا
حمل اللفظ على حقيقة الجزاء انتفى كونه أمرا ، فيقال :
يجوز أن يكون
الإخبار حاصلا في تعويض الله تعالى نبيه من فوات العمرة في الشهر الحرام ، الذي
صده فيه المشركون عن البيت ، بشهر مثله في العام القابل ، وكانت حرمة الشهر الذي
أبدل كحرمة الشهر الذي فات ، فلذلك قال : (وَالْحُرُماتُ)(قِصاصٌ) ، ثم عقب ذلك بقوله : (فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١٩٤).
فأبان أنهم إذا
قاتلوهم في الشهر الحرام ، فعليهم أن يقاتلوهم فيه ، وإن لم يجز الابتداء ..
ويحتمل أن يكون
الابتداء جزاء على ما كان من سابق فعلهم في
__________________
مثل ذلك الوقت ،
ولا يكون قوله (فَمَنِ اعْتَدى) لاستثناء وحكم ، بل يكون معناه :
فمن اعتدى في
الماضي بهتك حرماتكم في الشهر الحرام في البلد الحرام فاعتدوا عليه الآن بمثل ما
اعتدى عليكم في الماضي ، فيكون ذلك إباحة للقتال مطلقا في كل موضع وفي كل وقت ،
ويحتج بذلك في مراعاة المماثلة في القصاص على ما يقوله الشافعي رحمه الله ..
قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) الآية ١٩٥ ،
روى يزيد بن حبيب
عن أسلم بن أبي عمران أنه قال : غزونا القسطنطينية ، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن
خالد بن الوليد ، والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة ، فحمل رجل على العدو ، فقال
الناس : مه مه ، لا إله إلا الله ، يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب :
سبحان الله ، أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ، لما نصر الله تعالى نبيه ،
وأظهر دينه. قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ، فأنزل الله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، والإلقاء بالأيدي إلى التهلكة ، أن نقيم في أموالنا
فنصلحها وندع الجهاد ..
قال الراوي : فلم
يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ،
فأخبر أبو أيوب أن
الإلقاء باليد إلى التهلكة ، هو ترك الجهاد في سبيل الله ، وأن الآية نزلت في ذلك
..
__________________
وروى مثله عن ابن
عباس ، والحسن ، وحذيفة ، وقتادة ، ومجاهد والضحاك.
وروي عن البراء بن
عازب ، أن الإلقاء باليد إلى التهلكة ، هو اليأس من الرحمة بارتكاب المعاصي.
وقيل : هو الإسراف
في الإنفاق حتى لا يجد ما ينفق فيتلف.
وقيل : هو أن
يقتحم الحرب من غير نكاية في العدو.
وقال محمد بن
الحسن في السير الكبير : لو حمل رجل واحد على ألف من المشركين وهو وحده ، لم يكن
به بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ،
لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين. فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم
حتى يصنعوا مثل ما صنعه ، فلا يبعد جوازه ، لأن فيه منفعة للمسلمين على بعض
الوجوه. وإن كان قصده إرهاب العدو ، ليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين ، فلا
يبعد جوازه ، وإذا كان فيه نفع للمسلمين ، فيتلف نفسه لإعزاز الدين وتوهين الكفر ،
فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله :
(اشْتَرى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) الآية .. ، إلى غيرها من آيات مدح الله بها من يذل نفسه لله عز
وجل.
وعلى ذلك ينبغي أن
يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه متى رجا نفعا في الدين فبذل نفسه
فيه حتى قتل ، كان في أعلى درجات الشهداء ، قال الله تعالى :
__________________
(وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ
مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ..
وقد روي عكرمة عن
ابن عباس عن النبي عليه السلام أنه قال : «أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل
تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله» .
وروي أبو سعيد
الخدري عن النبي عليه السلام أنه قال : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
وروى أبو هريرة عن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال : «شر ما في رجل شحّ هالع ، وجبن خالع».
وقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (١٩٦).
فالمنقول عن عمر
وعلي وسعيد بن جبير وطاوس ، أن الإتمام فيهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك ..
وقال مجاهد :
إتمامهما بلوغ آخرهما بعد الدخول فيهما ، وذلك أشبه بالظاهر ، ودل عليه ما بعده
فإنه قال : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) ، والإحصار إنما يمنع الإتمام بعد الشروع ، ويوجب ما
استيسر من الهدى عند ذلك قد وجب الإتمام إجماعا ، ويظهر أن مأخذ وجوبه هذه الآية ،
ولا فصل فيه بين الحج الأول والثاني ، والعمرة الأولى والثانية.
__________________
قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) الآية. ذكر بعض أهل اللغة أنه لا يقال في العدو «أحصرتم»
وإنما يقال حصرتم ، وهو كقوله حبسه إذا جعله في الحبس ، وأحبسه أي عرضه
للحبس ، وقتله إذا أوقع به القتل ، وأقتله إذا عرضه للقتل ، وقبره إذا جعله في
القبر ، وأقبره عرضه للدفن في القبر ، كذلك حصره حبسه وأوقع به الحصر ، وأحصره
عرضه للحصر.
فإذا كان كذلك ،
فالعدو إذا كان بعيدا منه على الطريق ، فهذا هو التعريض للحصر ، وهو متعرض به لأن
ينحصر ، وليس بمحصور في الحال ولا محبوسا ، ولكنه معرض لذلك ، فتقدير الآية :
فإن عرضتم للحبس
والمنع ، وإن لم يلحقكم في الحال حصر ولا منع ، وذلك إنما يكون بالعدو ، أما
المريض فقد احتبس عليه المضي في الحال ، فليس هو معرضا بل هو محصور في الحال ، وقد
حصره المرض ولذلك قال ابن عباس ذهب الحصر الآن.
وكذلك نزلت هذه
الآية في شأن الحديبية ، وما كان من حصر إلا العدو ولا يجوز أن لا يذكر سبب النزول
ويذكر غيره ، مما يدل على العدو بطريق الاستنباط والدلالة ..
__________________
وقال تعالى بعد
قوله : (فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ) ، (وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) ، فلو كان المرض مذكورا في أول الآية ، لم يذكر المرض بعده
، وإذا ذكر المرض في أول الآية ، وكان يحل بذلك الدم المذبوح في محله ، لم يكن
يحتاج إلى فدية.
ولا يجوز أن يكون
المرض ها هنا هوام الرأس ، فإنه ذكر ذلك بعد المرض فقال : (مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ).
ولهم أن يقولوا :
لعله أباح ذلك قبل أن يبلغ الهدى محله ، إذا حلق للأذى والمرض ، أو عنى به مرضا لا
يمنعه من الوصول إلى البيت ، وإلا فأي معنى لذكر المرض عند ذكر الإحلال ، وحكمه
عند عدم الإحلام يثبت؟
ويحتمل على موجب
مذهب أبي حنيفة أن قوله : فمن كان منكم مريضا ، عائدا إلى أول الخطاب ، كما عاد
إليه حكم الإحصار وهو قوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ) ، ثم عطف عليه قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) أي صددتم عن الإتمام ، ثم عقب بقوله (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ
بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ). يعني أيها المحرمون بالحج والعمرة ، ليكون على هذا الرأي
مثبتا حكم المريض ، إذا صد عن الإتمام أن الذي يجب عليه ما استيسر من الهدي ، وأنه
إن لم يكن المريض ممنوعا من الإتمام ، فحكمه كذلك ، ليكون قد بين حكم المرض دون
الإحصار ، والمرض عند الإحصار ..
فقيل لهم : فقد
قال : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) ، وذلك إنما يطلق على العدو لأن الأمن نقيض الخوف ، ويقال
في نقيض المرض الشفاء.
نعم قد يقال : أمن
المرض وزال الخوف منه ، ولكن لا يطلق اسم الأمن عليه غالبا.
وحكي عن ابن
الزبير ، أنه لا يتحلل بالعدو والمرض إلا بأن يلقى البيت ويطوف ..
وقال ابن سيرين :
الإحصار يكون من الحج دون العمرة ، وذهب إلى أن العمرة غير مؤقتة وأنه لا يخشى
الفوات ..
والمذهبان مختلفان
لنص الخبر عام الحديبية ، فإنه عليه السلام تحلل من عمرته وكان محرما بها ..
قوله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) الآية (١٩٦) :
زعموا أن مطلق
المحل هو الحرم ، لقوله عز وجل : (ثُمَّ مَحِلُّها
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
وقال في موضع آخر
: (هَدْياً بالِغَ
الْكَعْبَةِ) فجعل بلوغ الكعبة من صفات الهدي ، كما يجعل التتابع من
صفات الصوم ولا خفاء بوجه الجواب عن هذا .
فقيل لهم : فقد
قال الله تعالى : (وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ
__________________
مَحِلَّهُ) ، فأجابوا بأن ذلك هو الدليل على أن المحل هو الحرم.
فقيل لهم : هو كذلك
في غير المحصر وهو الأصل ، فالإحصار عذر نادر ، ودل قوله تعالى : (مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحلل بذبح وقع في
الحل.
فأجابوا بأن النبي
عليه السلام ذبح في الحرم ، ولكن لما حصل أدنى منع ، جاز أن يقال : إنهم منعوا لمنعهم
الهدي بديا قبل الصلح ، كما وصف المشركين بصد المسلمين عن المسجد الحرام ، وإن
كانوا أطلقوا بعد ذلك ، وقال سبحانه : (يا أَبانا مُنِعَ
مِنَّا الْكَيْلُ) ، وإنما منعوه في وقت وأطلقوه في وقت آخر.
وقد جوز مالك
والشافعي وأبو حنيفة ، ذبح هدي الإحصار في الحج متى شاء.
وأبو يوسف ومحمد
والثوري لا يرون الذبح قبل يوم النحر ، فكأنهم يقيسون الزمان على المكان ،
ويستدلون بقوله تعالى : (حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، والمحل يقع على الوقت والمكان جميعا فكان عموما.
ولا شك أن الله
تعالى ذكر العمرة أيضا ، ووردت الآية في صلح الحديبية ، وهدي العمرة لا يتأقت
بزمان بالاتفاق.
ولهم أن يقولوا :
في الآية ذكر الحج والعمرة ، وذكر محل الهدي فهو عموم إلا ما خصه دليل الإجماع.
ونقول من طريق
النظر : إن الإختصاص بمكان التحلل ، يدل على
__________________
الإختصاص بزمان
التحلل ، وزمان التحلل هو يوم النحر ، وهذا على أصل أبي حنيفة لازم ، أما الشافعي
فإنه يعتبر معنى الحاجة في جواز ترك الزمان والمكان جميعا ، نظرا إلى معنى الرخصة.
ولما قال تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، ظهر منه أنه إذا بلغ الهدي محله جاز الحلق ، وليس فيه
دليل على وجوبه ، بل يجوز أن يكون استباحة المحظور الذي كان ، وهو مذهب أبي حنيفة
ومحمد.
وأبو يوسف يوجبه
في رواية.
والذي لا يوجب
الحلق يقول : إنه لما سقط عنه سائر المناسك التي لم يتعذر فعلها ، مثل الوقوف
بالمزدلفة ، ورمي الجمار ، ولم يمكنه الوصول إلى البيت ، ولا الوقوف بعرفة ، فلا
يلزمه الوقوف بالمزدلفة ، ولا رمي الجمار مع إمكانهما ، لأنهما مرتبان على مناسك
تتقدمهما ، كذلك الحلق مرتب على أفعال أخر ، لم يكن فعله قبلها نسكا.
وحجة أبي يوسف أنه
صلى الله عليه وسلم : أمر بالحلق وترحم على المحلقين ثلاثا.
ويجاب عنه بأنه
أمر وأعاد القول ، لأنه أراد أن يتحللوا ويرجعوا وما كانوا يفعلون ، لأنهم كانوا
ينتظرون نزول القضاء ، بأمر يمكنهم به الوصول إلى العمرة ، ثم إن النبي صلّى الله
عليه وسلم بدأ فنحر هديه وحلق رأسه ، فلما رأوه كذلك ، حلق بعضهم وقصر بعضهم ،
فدعا للمحلقين ثلاثا لمبالغتهم في متابعة رسول الله ، ومسارعتهم إلى أمره ..
ولما قيل له : يا
رسول الله ، دعوت للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة؟
قال : لأنهم لم
يشكوا ، يعني أنهم لم يشكوا في أن الحلق أفضل من التقصير ، واستحقوا الثواب
للمتابعة ..
قوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ). الآية (١٩٦).
ذكر ذلك بعد ما
ذكر شأن المحصر ، فقال ابن عباس وابن مسعود : على المحصر بعد زوال الإحصار حجة
وعمرة ، فإن جمع بينهما في أشهر الحج ، فهو متمتع وعليه دم ، وإن لم يجمعهما في
أشهر الحج فلا دم عليه. وهو قول علقمة ، والحسن ، وإبراهيم ، والقاسم ، وسالم ،
ومحمد بن سيرين ، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه.
وإنما يوجب عليه
أبو حنيفة حجة وعمرة ، إذا حل بالدم ولم يحج من عامه ذلك ، ولو أنه حل من إحرامه
قبل يوم النحر ، ثم زال الإحصار فأحرم بالحج ، ثم حج من علمه لم يكن عليه عمرة ،
لأنه رأى أن هذه العمرة إنما هي العمرة التي تلزم بالفوات ، لأن من فاته الحج
فعليه التحلل لعمل العمرة ، فلما حصل حجه فائتا كان عليه عمرة للفوات.
والدم الذي عليه
في الإحصار ، إنما هو لتعجل إحلاله ، لا لقيام الدم مقام الأعمال التي تلزم
بالفوات ، إذ الدم لا يقوم مقام تلك الأعمال ، ويدل على ذلك : أن الدم لو قام مقام الأعمال ، ما جاز
الدم قبل الفوات ، كما لا يجوز فعل العمرة التي لا تلزم بالفوات قبل الفوات ، لعدم
وقتها
__________________
وسببها ، ودم
الإحصار يجوز ذبحه والإحلال به قبل الفوات ، وهو يوم النحر. وهذا مذهب الشافعي
وأبي حنيفة ومحمد ، وإن خالف فيه أبو يوسف في رواية : فرأى أن الدم بالإحلال لا على أنه قائم مقام
أعمال العمرة ، فدل أن الدم يتعلق بتعجيل الإحلال.
وهذا من أبي حنيفة
دليل دال ، على أنه يجعل أعمال من فاته الحج ، أعمال العمرة وهذا بعيد ، فإنه لم
ينو إلا الحج وما لزمه غيره ، غير أنه إذا فاته من أعمال الحج ما يتأقت ، وهو
الوقوف ، وجب أن يأتي منها بما لا يتأقت ، فالمؤدي أعمال الحج لا غير ، إلا أنه
رخص في المحصر أن يتحلل ، ولا يأتي بأفعال الحج ، لا أن عليه مع الحج عمرة حتى
يقضي الحج ويتداركه مع العمرة ، ولو أمكن تدارك الوقوف دون غيره لفعل ، ولكنه غير
ممكن ، فلا بيان لقوله في إيجاب العمرة مع الحج.
وإذا لم يحل
المحصر حتى فاته الحج ، ووصل إلى البيت ، فعليه أن يتحلل بعمل عمرة.
وقال مالك : يجوز
له أن يبقى محرما حتى يحج في السنة الآتية.
وقال : وإن شاء
تحلل لعمل عمرة ، ولا يجوز ذلك لفائت الحج لتقصيره ، وكأنه يقول: جاز له التحلل
نظرا له ، فإذا اختار الضرر فله ذلك ، وهذا بعيد. فإنه لو جاز له استبقاء الإحرام
، لما جاز التحلل كما لا يجوز له التحلل في السنة الأولى ، حين أمكن فعل الحج به ،
ولقوله وجه على كل حال ..
__________________
ولا يوجب الشافعي
ومالك على المحصر في حجة التطوع قضاء من قابل.
وأبو حنيفة يحتج
بأن آية الإحصار ، نزلت في عام الحديبية ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ، معتمر
، وكان قد اعتمر من قبل الهجرة مرارا ، وقضى العمرة في القابل ، وسميت عمرة القضاء
..
وعندنا يجوز أن
يقضي وإنما الكلام في الوجوب ..
ولما قال تعالى في
المحصر : (وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، قال أبو حنيفة : إذا لم يجد المحصر هديا ، لا يحل حتى
يجد هديا ويذبح عنه.
وقال الشافعي في
قول : يحل ويذبح إذا قدر.
وقيل : إن لم يقدر
على دم أجزأه ، وعليه الطعام ، أو الصيام إن لم يجد ولم يقدر ، وقاسه على دم المتمتع.
واحتج محمد بن
الحسن ، بأن هدي المتمتع منصوص عليه ، وهدي المحصر كذلك ، فلا يقاس المنصوصات
بعضها على بعض.
وذكر غيره أن
الكفارات بالقياس لا يجوز إثباته ، ووجه الجواب عنه بين.
قوله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) إلى قوله : (فَفِدْيَةٌ
__________________
مِنْ
صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ). وقوله تعالى : (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ
رَأْسِهِ) ، يفيد أنه لو كان به قروح في رأسه ، أو جراح ، فاحتاج إلى
سده وتغطيته ، كان حكمه في الفدية حكم الحلق ، وكذلك سائر الأمراض التي تصيبه ،
واحتاج معها إلى لبس الثياب جاز له أن يستبيح ذلك ويفتدى. لأن الله تعالى لم يخصص
شيئا من ذلك ، فهو عموم في الكل.
فعلى هذا إن قال
قائل : (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ
رَأْسِهِ) معناه : فحلق ، ففدية قبل الحلق ، وهو غير مذكور وإن كان مرادا ، وكذلك اللبس وتغطية الرأس
، كل ذلك غير مذكور وهو مراد ، لأن المعنى فيه استباحة ما يحظره الإحرام للعذر ،
وكذلك لو لم يكن مريضا وكان به أذى في بدنه ، يحتاج معه إلى حلق الشعر ، كان في
حكم الرأس في باب الفدية ، إذ كان المعنى معقولا وهو استباحة ما يحرمه الإحرام في
حالة العذر.
وصيام الجبرانات ثلاثة أيام في خبر كعب بن عجرة ، ويحكى فيه خلاف ذلك عن
الحسن وعكرمة ، وأن الصيام لها عشرة أيام كصيام المتمتع.
وأما النسك فأقله
شاة.
والفدية بالصدقة ،
أن يطعم ستة مساكين ثلاثة آصع من تمر أو
__________________
طعام ، فأما
الصدقة بالطعام والدم ، فيمكنه عند الشافعي ، والصيام ، حيث شاء ، وأبو حنيفة يجوز
الصدقة حيث شاء ، لمطلق قوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، غير أن الدم اختص
بالحرم بقوله : (ثُمَّ مَحِلُّها
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ، وقال : (هَدْياً بالِغَ
الْكَعْبَةِ).
والشافعي يرى أن
وجوب الذبح متى كان في الحرم ، أوجب اختصاص التصدق باللحم بالحرم أيضا ، وهذا أيضا
مذكور في علم الخلاف ..
قوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ) الآية .. ، والتمتع كرهه عمر ، لأنه أحب عمارة البيت بكثرة
الزوار له في غير الموسم ، وأراد إدخال الرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم ،
تحقيقا لدعوة إبراهيم عليه السلام بقوله :
(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً
مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).
ورخص الشرع في ذلك
نظرا لأرباب الدور البعيدة ، وليجمعوا بين النسكين في أيام الحج ، مراغمة لأهل
الجاهلية ، في جعلهم العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وأكبر الكبائر.
وسماه الله تعالى
تمتعا ، لأنه تمتع بربح سفر العمرة.
ولزمه الدم لذلك ،
ولم يجب على حاضري المسجد الحرام ، لأنهم لم يربحوا سفرا.
وأبو حنيفة يقول :
لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام ، فإن قرن منهم قارن أو تمتع ، فهو مخطئ ،
وعليه دم لا يأكل منه ، لأنه ليس هو بدم متعة ، إنما هو دم جناية.
__________________
والشافعي يقول :
لهم أن يتمتعوا بلا هدي ..
واحتج أبو حنيفة
بقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ
يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). فانصرف ظاهره إلى القرآن والمتعة ، أي : ليس للحاضرين ذلك
، ولو كان المراد به الدم لقال : «ذلك على من لم يكن».
والشافعي يقول :
لهم ، بمعنى عليهم ، وإلا فالنسك لا يختلف في متعة أهل مكة من القرآن.
والتمتع دليل على
أن القرآن رخصة ، لكنه رآها لأرباب المسافة البعيدة ، وذلك يقتضي كون الإقران أفضل
، لأن الرخصة لا تكون أفضل ، بل هي لمكان الحاجة ، وكونه رخصة ، يقتضي كون الدم دم
جبر ، حتى لا يؤكل منه خلافا لأبي حنيفة.
ثم اعتقد أبو
حنيفة أن استثناء أهل مكة ، إنما كان لإلمامهم بالأهل ، فالإلمام بالأهل بين
العمرة والحج في حق الآفاقي ، يمنع كونه متمتعا ، ولم ينظر إلى صورة السفر ، وقال
: إذا خرج من مكة حتى جاوز الميقات ، فهو متمتع ، إن حج من عامه ذلك ، إذا لم يلم
بأهله بعد العمرة.
وقال أبو يوسف :
إنه ليس بمتمتع ، لأن ميقاته الآن في الحج ميقات أهل بلده ، لأن الميقات صار بينه
وبين مكة ، فكان بمنزلة عوده إلى أهله ، وزعموا أنه لو أحرم بالعمرة في رمضان ،
واعتمر في شوال ، وحج من عامه ، كان متمتعا ، وإن وقع الإحرام في غير أشهر الحج ،
__________________
وقالوا : يعتبر
وقوع أكثر الطواف في أشهر الحج ، فإن وقع في غيره لم يكن متمتعا ، يعني الأكثر.
وشيء من ذلك لا
يعتبر عندنا ..
وأما حاضري المسجد
الحرام ، فهم من كان دون مسافة القصر عند الشافعي ، ودون الميقات عند أبي حنيفة ،
ويبعد جعل أهل ذي الحليفة من حاضري المسجد الحرام ، وبينهم وبين مكة مسيرة عشرة
أيام.
وذكر عبد الله بن
الزبير ، وعروة بن الزبير متعة أخرى : وهو أن يحصر الحاج المفرد بمرض أو أمر يحبسه
فيقدم فيجعلها عمرة ، ويتمتع بحجه إلى العام القابل ويحج ، فهدا المتمتع بالعمرة
إلى الحج ، فكان من مذهبه أن المحصر لا يحل ، ولكنه يبقى على إحرامه ، حتى ينحر
عنه الهدي يوم النحر ، ثم يحلق ويبقي على إحرامه ، حتى يقدم مكة فيتحلل بعمل عمرة
من حجه ..
والذي ذكره ابن
الزبير بخلاف عموم قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) بعد قوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ، ولم يفصل في حكم الإحصار بين الحج والعمرة ، والنبي عليه
السلام وأصحابه ، حين حصروا بالحديبية ، حلق وحل وأمرهم بالإحلال ، وعلى أن الذي
يلزم بالفوات ، ليس بعمرة ، وإنما هو مثل عمل عمرة ، وهي من أعمال الحج.
والله عز وجل يقول
: (فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ). فجعل الهدي معلقا بفعل العمرة والحج ،
__________________
والدم الذي يلزمه
هو بالإحصار ، غير متعلق بوجود الحج بعد العمرة ، وهذه المتعة هي الإحلال إلى
النساء ، لا على الوجه الذي ذكرناه من الجمع بين العمرة والحج في أشهر الحج.
نعم إذا بان أنه
ليس بعمرة ، فالذي قاله أبو حنيفة ، من وجوب قضاء الحج والعمرة على المحصر بعد
التحلل ليس بصحيح.
المتعة الأخرى :
وهي فسخ الحج ، إذا طاف له قبل يوم النحر ، وهذا الحكم غير ثابت ، إلا على قول ابن
عباس ، فإنه كان يراه على ما رواه عطاء عنه ، وأنه كان يقول : لا يطوف أحد بالبيت
قبل يوم النحر إلا حل من حجه ، فقيل له : من أين قلت ذلك؟ ..
فقال : من سنة
رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وأمره الناس في حجة الوداع أن يحلوا ، ومن قول
الله تعالى : (ثُمَّ مَحِلُّها
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ، وتظاهرت الأخبار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر
أصحابه بفسخ الحج ، من لم يكن معه منهم هدي ، ولم يحل هو عليه السلام وقال :
«إني سقت الهدى
فلا أحل إلى يوم النحر» ، ثم أمرهم فأحرموا بالحج يوم التروية ، حين أرادوا الخروج
إلى منى ، وهي إحدى المتعتين اللتين قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله
صلّى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنهما وأضرب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج.
وروي عن بلال بن
الحارث المزني أنه قال : قلت : يا رسول
__________________
الله ، فسخ الحج
لنا خاصة أم لمن بعدنا؟ ..
فقال : لا ، بل
لنا خاصة.
وقال أبو ذر : لم يكن فسخ الحج بعمرة ، إلا لأصحاب رسول الله ..
وقال قوم : إن أمر
النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإحلال ، كان على وجه آخر ، وذكر مجاهد ذلك
الوجه ، وهو أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كانوا فرضوا الحج أولا ،
بل أمرهم أن يهلوا مطلقا ، وينتظرون ما يؤمرون به ، وكذلك أهل على اليمن ، وكذلك
كان إحرام النبي عليه السلام ، ويدل عليه قوله عليه السلام :
«لو استقبلت من
أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة».
وكأنه خرج ينتظر
ما يؤمر به ، وبه أمر أصحابه ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم :
«أتاني آت من ربي
في هذا الوادي المبارك ـ وهو بوادي العقيق ـ فقال : صل بهذا الوادي وقل حجة في
عمرة».
__________________
فهذا يدل على أن
النبي صلّى الله عليه وسلم ، خرج منتظرا ما يؤمر به ، فلما بلغ الوادي أمر بحجة في
عمرة ، ثم أهل أصحاب النبي عليه السلام بالحج ، وظنوا أنه أمرهم بذلك ، فلم يكن
إحرامهم صحيحا ، أو مروا بالمتعة بأن يطوفوا البيت ، ويحلوا ويعملوا عمل العمرة
ويحرموا بالحج ، كما يؤمر من يحرم بشيء لا يسميه أنه يجعله عمرة إن شاء ، وهذا ليس
له وجه ، فإن الصرف إلى الحج إن لم يصح ، فلا حاجة إلى الفسخ ، وإن صح ففسخه هو
الحكم المنسوخ.
ولأن المقصود
إبانة حكم مفسوخ ، وفي وقتنا هذا تمام العمرة ، إذا صرف إلى أحد النسكين ، تعين
فلا يقبل الفسخ ..
والصحيح في ذلك ما
ذكرته عائشة ، وقد أنكرت أن يكون النبي عليه السلام ، أمر بفسخ الحج على حال ،
وقالت :
«خرجنا مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ، فمنا من أهلّ بالحج ، ومنا من أهلّ بالعمرة ، ومنا من
قرن» ، فمن أهل بحج مفرد أو قرن ، لم يحل حتى يقضي مناسك الحج ، ومن أهل بعمرة
وطاف وسعى ، حل من إحرامه حتى يستقبل حجا ..
وروي عن أصحاب أبي
حنيفة ، بناء على الأقوال الأولى ، أن هدي المتعة لا يجزئ قبل يوم النحر ، لأن
النبي عليه السلام قال :
«لو استقبلت من
أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة».
وقد كان النبي
عليه السلام قارنا وقد ساق الهدي ، وقال لعلي : «إني سقت الهدي فلا أحل قبل يوم
النحر» ، فدل على امتناع جواز ذبح الهدى للمتعة قبل يوم النحر.
__________________
وهذا فاسد ، فإنه
بيّنا أن النبي عليه السلام ، لم يأمر أحدا بفسخ الحج وجعله عمرة ، وأن الأمر على
ما قالته عائشة ، وإنما قال عليه السلام ما قال ، لأنهم التمسوا من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، أن يعتمر معهم ، فذكر أنه أحرم بالحج وأنه لا يقضي مناسكه ، إلا في يوم النحر وبعده.
وكانت عائشة وافقت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قالت : أكل نسائك ينصرفن بنسكين وأنا أنصرف
بنسك واحد؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ،
فاعتمرت وانصرفت بنسكين.
وقوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ) الآية (١٩٦). يدل على أن صيام الثلاثة الأيام يجب أن يقع
في الحج ، لا كما قال أبو حنيفة ، إنه يجوز ذلك بعد الإحرام بالعمرة ، قبل الإحرام
بالحج ..
وقوله تعالى : (فِي الْحَجِّ) : إما أن يكون المراد به : في الإحرام بالحج ، أو في أشهر
الحج ، وأحد المعنيين خلاف الإجماع فتعين الثاني .. وكيف يجوز أن يعلق البدل على
عدم الأصل ، ثم يجوز البدل في غير وقت جواز الأصل؟
وإن زعموا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :
«إني سقت الهدي
فلا أحل قبل يوم النحر» ، فهذا هو التحلل من الحج لا غيره.
__________________
ولأصحاب الشافعي
خلاف في جواز تقديم العبادة المالية على وقت الوجوب إذا وجد سببها.
ولكن سبب البدل
يكون بسبب الأصل لا محالة ، فأما أن يمتنع الأصل ، ولا يمتنع البدل فلا وجه له ،
وبه يعلم أن لا سبب قبل الإحرام بالحج ، فإنه إنما يمتنع بإخلاء بعض وقت الحج عن
الإحرام بالحج وشغله بغيره ، فلا يظهر ذلك ولا يتحقق ، قبل الإحرام بالحج.
ولأجل بناء البدل
على الأصل قلنا : إن لم يصم المتمتع قبل يوم النحر ، صام الثلاث بعد أيام التشريق.
:
وقال أبو حنيفة :
لا يصوم بعد أيام الحج ، ويصوم قبل الإحرام بالحج وأيامه ، وهذا تناقض بين ،
وقصارى قوله تعالى : (فِي الْحَجِّ) بيان وقت الجواز ، وأنه يتهيأ له في تلك الحالة ، لأنه
يكون على صورة المقيمين ، وإلا فصيام الثلاثة والسبعة والهدى ميقاتها واحد ، ويجوز
تأخيرها عندنا بعذر السفر ، وهو كأداء الكفارات بعد وجوبها من غير فرق.
وسوى أصحاب
الشافعي بين الأصل والبدل ، وصيام السبعة والثلاثة في أن جميعها شيء واحد.
وفرق أبو حنيفة
وأصحابه بينهما وقالوا : إذا وجد الهدي بعد دخوله في الصوم قبل أن يحل ، فعليه
الهدي ويبطل حكم الصوم.
وعند الشافعي :
كما لا يبطل صوم السبعة بوجود الهدى بعد الثلاثة ، فكذلك بعد الصوم في أول اليوم
أو في ثانيه ، لأن الله تعالى قال : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) (١٩٦) فجعل الجميع
بدلا.
وزعم المخالف أن
صوم الثلاثة يتوقف عليها الحل ، ففرض الهدي قائم عليه ، ما لم يحل وتمضي أيام
النحر التي هي مسنونة للحلق ، فمتى وجد فعليه أن يهدي ، وزعموا أن الهدي مشروط
للإحلال ، لأنه لا يجوز أن يحل قبل ذبح الهدي ، لقوله تعالى :
(وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ).
فمن لم يحل حتى
وجد الهدي ، فعليه الهدي ، لأن الله عز وجل لم يفرق في إيجابه الهدي بين حاله قبل
دخوله في الصوم أو بعده ، وهذا غلط ، ولو كان وجوب الهدي لمكان التوصل به إلى
الإحلال ، ما ثبت وجوبه إلا على هذا الوصف ، ويسقط بالإحلال دون الهدي ، إذا لم
يجد الهدي ولم يصم الثلاثة ، وهذا خلاف الإجماع. ولأنه أوجب الهدى على المتمتع ،
فكان ذلك مضافا إلى تمتعه لا إلى غيره ، وذلك لا يستدعي وصف الإحلال ، ولو كان
لوصف الإحلال ، لما شرع صوم السبعة بدلا عن الهدي بعد الإحلال ، لأن البدل يقصد به
ما قصد بالأصل ، ولا يجوز أن يشرع بعض البدل لمقصود ، وبعضه لمقصود آخر ..
نعم أوجب الله
تعالى عليه الهدي أولا جزاء على تمتعه ، فإذا لم يجد أوجب الصوم ، فإذا ابتدأ
الصوم ها هنا أو صوم الظهار ، فقد صح الصوم ، ومتى صح الصوم ، سقط عنه فرض الرقبة
والهدي لصحة الجزاء المفعول عنه ، ولذلك قالوا في المتيمم إذا رأى الماء في خلال
صلاته ، إن فرض الطهارة بالماء يسقط عنه لهذه الصلاة ، فخرج الوضوء عن كونه شرطا
في حق هذه الصلاة ، وليس يمكن أن يقال إن الصلاة أو الصوم موقوفان لا يحكم بصحتهما
، فإن الوقف إنما يكون إذا لم تكمل شرائط الصحة ، فأما إذا كملت الشرائط ، فلا
يمكن أن يجعل موقوفا ، ولو بطلت العبادة ، فليس بطلانها نظرا إلى الحال ، بل لمكان
الفساد فيما مضى ،
وفساده فيما مضى لعدم شرطه فيما مضى ..
قوله تعالى : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) ، يحتمل الرجوع إلى أهله ويحتمل الصوم في الطريق في حالة
الرجوع من منى.
وقوله (كامِلَةٌ) ، يحتمل أنها كاملة في قيامها مقام الهدي.
ويحتمل أن يزيل به
خيال تأويل مستكره ، وهو أن الواو ربما تذكر بمعنى أو ، فأزال هذا الاحتمال بقوله
: كاملة.
وجعل الشافعي هذا
من البيان الأول ، فقيل له : قوله : ثلاثة وسبعة ، غير مفتقر إلى البيان ، فكيف
يعده من أقسام البيان؟ ..
فأجاب بأنه لا
يحتاج إلى بيان ليخرج به عن حد الإشكال ، ولكنه يخرج به عن حد الاحتمال البعيد
الضعيف ، فجعلناه في أول أقسام البيان ، لأن معناه تجلى على وجه لا مرتقى بعده في
درجات البيان ..
قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (١٩٧).
اختلف الناس في
أشهر الحج ما هي؟ ..
فقال ابن عباس
وابن عمر : إنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة .
وعن ابن مسعود :
أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة .
وعن ابن عباس وابن
عمر في رواية أخرى مثله ، وكذلك روي عن طاوس ومجاهد ..
__________________
وقال قائلون :
يجوز أن لا يكون ذلك اختلافا في حقيقة ، وأن يكون مراد من قال : وذو الحجة أنه
بعضه ، لأن الحج لا محالة ، إنما هو في بعض هذه الأشهر لا في جميعها ، لأنه لا
خلاف أنه ليس يبقى بعد أيام منى شيء من مناسك الحج ، فأريد بعض الشيء يذكر جميعه ،
كما قال صلّى الله عليه وسلم في أيام منى ثلاثة ، وإنما هي يومان وبعض الثالث.
ويقال : حجبت عام
كذا ، وإنما حج في بعضه ، ولقيت فلانا في سنة كذا ، وإنما كان لقاؤه في بعضها ،
وكلمته يوم الجمعة وإنما المراد به البعض .. هذا في فعل لا يستغرق كل الوقت ..
ويحتمل وجها آخر :
وهو أن الجاهلية كانوا ينسئون الشهور ، فيجعلون صفر المحرم ، ويستحلون المحرم على
حسب ما يتفق لهم من الأمور التي يريدون بها القتال ، فأبطل الله تعالى النسيء ،
وأقر وقت الحج على ما كان عليه ابتداؤه يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة إثنا
عشر شهرا منها أربعة حرم : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين
جمادي وشعبان ، فقال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُوماتٌ) ، يعني بها هذه الأشهر ، التي ثبت وقت الحج فيها ، دون ما
كان عليه أهل الجاهلية من تبديل الشهور وتقديم الحج وتأخيره ، وقد كان الحج عندهم
معلقا بأشهر الحج ، التي هي الأشهر الحرم الثلاثة التي يأمنون فيها صادرين وواردين
، فذكر الله تعالى هذه الأشهر ، وأخبر باستقرار أمر الحج فيها ، وحظر عليهم
تغييرها وتبديلها إلى غيرها.
ويحتمل أيضا أن
الله تعالى لما قدم ذكر التمتع إلى الحج ، ورخص فيه وأبطل به ما كانت العرب تعتقده
من حظر العمرة في هذه الأشهر ،
قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، فأفاد بذلك أن الأشهر التي يصح فيها التمتع بالعمرة إلى
الحج ، ويثبت حكمه فيها ، هي هذه الأشهر ، وأن من اعتمر في غيرها ثم حج ، لم يكن
متمتعا ، ولم يكن له حكم التمتع.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ
لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (١٨٩) :
فاستدل بعض
الحنفية ، على كون جميع شهور السنة مواقيت للحج ، كما كانت بأسرها مواقيت للناس ،
ولزمهم من هذا أن يكون الحج المطلق ، عبارة عن الإحرام فقط ، دون سائر الأفعال ،
مع أن الإحرام عندهم ، ليس من الحج ، بل هو شرط الحج ، والذي هو الحج من طواف
القدوم في غير أشهر الحج ، وسعى ، لم يجز إجماعا ، فإذا علم ذلك ، فحمل اللفظ على
بعض الشهور ، أولى من حمل الحج المطلق على الإحرام ، الذي ليس من الحج ، وإنما هو
طريق إليه وشرط له ، ولأن الله تعالى لم يرد جعل الأهلة ميقاتا للحج ، باعتبار
كونها أهلة ، فإن الإحرام ليس يتعين له أول الشهر ، ولا المواقيت أيضا ، وإنما
الأهلة عبارة عن جملة الشهر ، فإن السائل سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على
ما أجمع عليه أهل التفسير وقال : يا رسول الله ، ما بال الهلال يبدو مستدقا ، ثم
ينمو حتى يتكامل ثم ينقص.
وكان السؤال من
معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن زيادة القمر ونقصانه ، فأخبر الله تعالى أن الحكمة
في زيادته ونقصانه ، زوال الالتباس
__________________
عن أوقات الناس في
حجهم ، وحل ديونهم ، وعدد نسائهم ، ومدد حواملهم ، وأجرة أجرائهم وغير ذلك.
ولا شك أن الوقت
في الوقوف متعلق بالهلال ، فالهلال ميقات له ، لأنه به يعرف ، وكذلك الطواف ، فلا
يتضمن ما قلناه ، إطلاق اسم الحج على شرط الحج ، دون نفس الحج.
فإن قيل : فعلى
قولكم أيضا قد قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُوماتٌ) والأفعال كالوقوف ، وسائر الأفعال إنما تقع في غير الأهلة
، بل في وسط الشهر لا في الأشهر ، فليس في شوال من أفعال الحج شيء ، فقد أخرجتم
الحج عن أن يكون اسمه متناولا لشيء من الأفعال سوى الإحرام.
قلنا في جواب ذلك
: إن الإحرام ركن الحج عندنا ، فقوله : (الحجّ أشهر) ، يعني عقد الحج وإنشاؤه في
أشهر معلومات ..
قالوا : احتمل أن
يكون المراد به غالب أحوال الناس ، وكأنه قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) في تعارف الناس ، فمن فرض في هذه الأشهر الحج ، فلا يخلن
بحقه ، وليرفض الفسوق والرفث والجدال كما قال الله تعالى في صوم رمضان : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) ، والمقصود به تهوين الأمر عليهم دعاء إلى فعله ، لا سيما
وليس في قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُوماتٌ) صنفة الأمر ، فيجوز أن يكون إخبارا عن متعارف أحوال الناس
، في إيقاع الإحرام بالحج في هذه الأشهر ، وهذا لأنا لا ننكر احتمال اللفظ له ،
إلا أن الظاهر ما قلناه.
ومما سألوه أن من
فروض الحج ، ما يفعل بعد أشهر الحج ، ويكون مفعولا في وقته ، وهو طواف الزيارة ،
ولم يجز شيئا من فروض الصلاة
يفعل بعد خروج
وقتها ، إلا على وجه القضاء ، فلم يجز أن يكون ركن العبادة باقيا في غير وقتها ،
فبقي إحرامه كاملا بعد أشهر الحج ، وهو يوم النحر قبل رمي الجمار ، حتى قال
الشافعي : «إن جامع يوم النحر قبل رمي الجمار فسد حجه» ، فدل على كونه وقتا
للإحرام بالعبادة ، وليس بقاء العبادة في هذا الوقت ، على نحو بقاء العصر بعد غروب
الشمس ، والصبح بعد طلوع الشمس ، فإن ذلك وقت العذر والضرورة ، لا وقته الأصلي ،
ولذلك لا يجوز تأخير صلاة العصر ، إلى وقت يعلم وقوعها بعد غروب الشمس ، وها هنا
يوم النحر وقت أصلي لأفعال الحج ، فليكن وقتا لعقد الإحرام ..
والجواب عنه ، أنه
وقت لأعمال حج ، لا يتصور بقاء الإحرام به ، فإن الطواف في هذا اليوم ، إنما يكون
لحج يقدم الإحرام به قبل يوم النحر ، وذلك الحج بالاتفاق ، لا يتصور بقاؤه في هذا
الوقت ، والذي ينعقد من الإحرام في هذا الوقت ، لا يتصور أن يكون هذا الوقت وقتا
لأعماله ، فكيف يجوز الاستدلال به؟
بل يقال إن فواته
يدل على أن الوقت الذي لا يبقي فيه الإحرام ، لا يجوز أن يكون وقتا لابتداء مثله ،
وهذا أقرب في الاستدلال.
قوله تعالى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَ الْحَجَّ)
(١٩٧) أي أوجبه على نفسه
فيه.
وظن بعض الناس أنه
لا بد من شيء يصح القصد إليه ، ويصح فرضه ، يعني إيجابه ، وهو التلبية ، وهو مذهب
أبي حنيفة.
والشافعي يقول :
أوجب فيه على نفسه فعل الحج ، وهو منقسم
__________________
إلى كف النفس عن
المحظورات ، كالصوم ، وإلى أفعال تباشرها ..
قوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) الآية (١٩٧) :
قال ابن عمر :
الرفث الجماع.
وعن ابن عباس مثل
ذلك.
وروي عنه أنه
التعريض بالنساء.
والأصل في الرفث
الإفحاش في القول ، وبالفرج الجماع ، وباليد الغمز للجماع ، هذا أصل اللغة.
فدلت الآية ، على
النهي عن الرفث في هذه الوجوه كلها ، ومن أجله حرم العلماء ما دون الجماع في الإحرام
، وأوجبوا في القبلة الدم.
وأما الفسوق
فالسباب ، والجدال والمراء ، وقيل : هو أن تجادل صاحبك حتى تغضبه ،
والفسوق المعاصي ، فدلت الآية على تحريم أشياء لأجل الإحرام ، وعلى تأكيد التحريم
، في أشياء محرمة في غير الإحرام ، تعظيما للإحرام ، ومثله قوله :
«إذا كان يوم صوم
أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن جهل عليه
__________________
فليقل إني امرؤ
صائم » ..
قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا) في هذا المقام ، يعطي التزود للحج حتى لا يتكلوا على الناس
وسؤالهم ، وقوله في مساق ذكر الحج :
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ)(أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) (١٩٨).
يدل على جواز
التجارة في الحج ، حتى لا يتوهم متوهم أن ذلك لا يجوز ، حتى لا يصرفه عن إكمال
الحج ، كما لا يجوز الاصطياد.
قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ)(مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (١٩٨) :
__________________
فيه دليل على أن
الوقوف بعرفة من مناسك الحج ..
وقوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ
النَّاسُ) (١٩٩) .. قيل :
معناه أنه خطاب للحمس وهم قريش ، فإنهم كانوا يقفون بالمزدلفة ، ويقف سائر الناس
بعرفات ، فلما جاء الإسلام ، أمرت قريش بأن تفيض من حيث أفاض الناس ويقفوا منهم ..
وقال الضحاك : إنه
أراد به الوقوف بالمزدلفة ، وأن يفيضوا من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام ، وسماه
الناس ، كما سماه أمة ، لأنه بوحدته أمة كالناس ، وأكثر الناس على القول الأول ، إلا أن قول
الضحاك أقوى من حيث دلالة النظم ، فإن الله تعالى قال : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) ، فذكر الإفاضة من عرفات ، ثم أردف ذلك بقوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ
النَّاسُ) ، وثم تقتضي الترتيب لا محالة ، فعلمنا أن هذه الإفاضة ،
هي بعد الإفاضة من عرفات ، وليس بعدها إفاضة ، إلا من المزدلفة وهي المشعر الحرام
، فكان حمله
__________________
على هذا ، أولى
منه على الإفاضة من عرفة ، لأن الإفاضة من عرفة ، قد تقدم ذكرها ، فلا وجه
لإعادتها.
ويبعد أن يقول : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ،
فَاذْكُرُوا اللهَ) بعد الإفاضة من المشعر الحرام ، ثم أفيضوا من عرفات.
وغاية ما قيل في
القول الآخر : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، عائد إلى الكلام الأول ، وهو الخطاب بذكر الحج ومناسكه ،
ثم قال : أيها المأمورون بالحج من قريش ـ بعد ما تقدم ذكرنا له ـ أفيضوا من حيث
أفاض الناس ، فيكون ذلك راجعا إلى صلة خطاب المأمورين ، وهو كقوله تعالى :
(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى
الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ).
والمعنى : ثم بعد
ما ذكرنا لكم ، أخبركم أنا أتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن.
ويعترض عليه ، أن
ذكر الإفاضة إذا تقدم وعقب بعده بنسك آخر ، يقتضي الإفاضة ، فلا يحسن أن يذكر
بكلمة ثم ما يرجع على الإفاضة من الذي تقدم ، دون أن يرجع إلى ما يليه.
وقد قيل : إن ثم
بمعنى الواو ، ولا يبعد أن يقول : (فَإِذا أَفَضْتُمْ
مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، مثل قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا) .. ومعناه : وكان من الذين آمنوا ، (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) ومعناه «والله شهيد».
__________________
فقيل لهم : قد ذكر
الإفاضة من عرفات ، فأي معنى لذكر الإفاضة ثانيا؟
فأجابوا : بأن
فائدته أن يعلم أنه ليس خطابا لمن كان يقف بها من قبل ، دون من لم يكن يرى الوقوف
بها ، فيكون التاركون للوقوف على ملة إبراهيم في الوقوف بالمزدلفة دون عرفات ،
فأبطل ظان الظان لذلك بقوله : (أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ..
أما كون الوقوف
ركنا لا يصح الحج بدونه ، فإنما علم بالإجماع وفيه إخبار أيضا ، فمنه ما رواه عبد
الرحمن بن يعمر الديلي قال :
سئل النبي عليه
السلام : كيف الحج؟ قال : «يوم عرفة ، من جاء عرفة ليلة جمع قبل الفجر فقدتم حجه»
..
وروى الشعبي عن
عروة بن مضرس الطائي ، أن النبي عليه السلام قال بالمزدلفة :
«من صلّى معنا هذه
الصلاة ، ووقف معنا هذا الموقف ، ووقف بعرفة ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه وقضى تفثه»
.
وليس وجوب الوقوف
والاعتداد به مخصوصا بالليل أو النهار ، فالوقوف نهارا غير مفروض ، وإنما هو مسنون
، وقد دل ما رويناه من الخبر ومطلق قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا) ، على عدم اختصاصه بليل أو نهار ، ولا يعرف لمذهب مالك وجه
، إلا أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون منها ، إذا صارت الشمس على رؤوس الجبال ،
كأنها عمائم الرجال في وجوههم ، وإنما كانوا يدفعون من المزدلفة ، بعد طلوع
__________________
الشمس ، فخالفهم
النبي عليه السلام ، ودفع من عرفات بعد الغروب ، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس ،
فرأى أن خاصية الشريعة في مراغمة الكفار في عاداتهم ، والمراغمة إنما تحصل بالوقوف
ليلا ..
والذي قالوه ، لا
يقتضي أن يكون فرضا ، بل يجوز أن يكون ندبا ، فإثبات الوجوب على هذا المعنى لا وجه
له.
وقوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ
فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، ولم يختلف العلماء في أن المشعر الحرام هو المزدلفة ،
ويسمى جمعا أيضا ، والذكر الثاني في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما
هَداكُمْ) ، هذا الذكر المفعول عند المزدلفة غداة جمع ، فيكون الذكر
الأول غير الثاني ، والصلاة تسمى ذكرا لقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي).
فيجوز أن يفهم منه
تأخير صلاة المغرب ، إلى أن تجمع مع العشاء بالمزدلفة ، وتواترت الأخبار في جمع
النبي عليه السلام بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
واختلف فيمن صلّى
المغرب قبل أن يأتي المزدلفة ، فالشافعي وأبو يوسف يجوزان ، وأبو حنيفة ومحمد لا
يجوزان.
فأما الوقوف
بالمزدلفة فليس بركن عند أكثر العلماء ،
وقال الأصم وابن
علية : إنه ركن ،
وقوله عليه السلام
: الحج عرفة.
ومن وقف بعرفة قبل
أن يطلع الفجر ، فقدتم حجه بإدراك عرفة ، ولم يشترط معه الوقوف بجمع.
__________________
نعم قد قال الله
تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ
عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، والذكر بالإجماع ليس بواجب ، ولعل المراد بالذكر الصلاة
، وهي الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا
اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (٢٠٠) :
قضاء المناسك
أداؤها على التمام مثل قوله تعالى :
(فَإِذا قَضَيْتُمُ
الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً).
وقال صلّى الله
عليه وسلم : «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» يعني : فافعلوا على تمام.
وقوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ
آباءَكُمْ) : فيه معنيان محتملان :
أحدهما : الأذكار
المفعولة في خلال المناسك كقوله :
(إِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ).
وهو مأمور به قبل
الطلاق على مجرى قولهم : إذا حججت فطف بالبيت ، وإذا صليت فتوضأ ، وإذا أحرمت
فاغتسل.
قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ
فَاذْكُرُوا اللهَ) ،
__________________
يجوز أن يريد به
الأذكار المسنونة بعرفات والمزدلفة ، وعند الرمي والطواف ، وقد قيل فيه : إن أهل
الجاهلية ، كانوا يقفون عند قضاء المناسك ، ذاكرين مآثرهم ومفاخرهم ، فأبدلهم الله
تعالى ذلك بذكره والثناء عليه ، وقال صلّى الله عليه وسلم :
«إن الله قد أذهب
عنكم نخوة الجاهلية وتعظيمها للآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب ، لا فضل لعربي
على أعجمي إلا بالتقوى ، ثم تلا :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) إلى قوله (عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ
مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(٢٠٣).
وقال في موضع آخر
: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ
اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ).
فرأى الشافعي : أن
«المعلومات» : العشر الأول من ذي الحية ، وآخرها يوم النحر.
وروي عن علي رضي
الله عنه ، أن «المعلومات» يوم النحر ويومان بعده ، في أيهما شئت.
وروى الطحاوي عن
أبي يوسف ، أنه قال في جواب مسألة أبي العباس الطوسي ، عن الأيام المعلومات ، إنها
أيام النحر ، وقال : روي
__________________
ذلك عن عمر وعلي
رضي الله عنهما وإليه أذهب ، لأنه قال تعالى : (عَلى ما رَزَقَهُمْ
مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ).
وحكى الكرخي عن
محمد ، أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاث : يوم الأضحى ويومان بعده.
وعن أبي حنيفة :
المعلومات : العشر ، ولم يختلف قول أبي حنيفة في ذلك كما لم يختلف قول الشافعي.
واحتجاج من احتج
على أن المعلومات ، أيام النحر ، بقوله تعالى : (عَلى ما رَزَقَهُمْ
مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) ، لا يصح ، لأن في العشر يوم النحر ، وفيه الذبح ، فعلى
قول أبي يوسف ومحمد ، لا فرق بين المعلومات والمعدودات ، لأن المعدودات المذكورة
في القرآن أيام التشريق فلا خلاف ، ولا يشك أحد في أن المعدودات لا تتناول أيام
العشر ، فإن الله تعالى يقول : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثالث.
وروي عن ابن عباس
أن المعلومات العشر ، والمعدودات أيام التشريق ، وهو قول الجمهور ، وليس في الأدلة
ما يقتضي افتراقهما.
ودلالة المعدودات
على أيام التشريق بينة من جهة ما بعدها ، فأما دلالة المعلومات على العشر ، فليست
ظاهرة من جنب الآية.
ولم يختلف أهل
العلم أن أيام منى ثلاثة بعد يوم النحر ، وأن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني منها
، إذا رمى الجمار وينفر ، وأن له أن يتأخر إلى اليوم الثالث ، حتى يرمي الجمار فيه
ثم ينفر.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢٠٤) ، مع قوله: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) ، تنبيه على الاحتياط ، فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا ،
واستبراء أحوال القضاة والشهود ..
قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ
ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(٢١٥) :
يبعد حمله على
الواجب الثابت في الحال ، فإنه لا يجب الإنفاق على اليتامى والمساكين والذي يجب
لهم الزكاة ، وذلك لا ينصرف إلى الوالدين والأقربين ، إلا أنه يحمل على صدقة
التطوع.
ويجوز أن يريد به
الصدقة المتطوع بها.
ويجوز أن يزيد به
إبانة مصارف المال التي يستحق بها الثواب.
وقد قيل : قد
انتسخت بآية الزكاة .. هذا على تقدير كون المراد بالآية الزكاة ، فإنها تجب
لليتامى والمساكين ..
ويبعد أن يقال :
إن المراد في البعض التطوع ، وفي البعض الفرض ، واللفظ واحد ...
__________________
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) (٢١٦).
وذلك إما أن يكون
مجملا موقوفا على بيان يرد ما بعده من البيان ، لامتناع قتال الناس كلهم ، وإما أن
يكون مبنيا على معهود متقدم ، ولا يعقل دون هذين.
قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ
قِتالٍ فِيهِ) الآية (٢١٧) :
وقال عطاء : لم
ينسخ ذلك وكان يحلف عليه.
وقال آخرون : هي
منسوخة بقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ).
ولا شك أن عموم
ذلك ، يرفع خصوص ما قبله عند الشافعي ، وإن خالفه بعض الأصوليين في انتساخ القيد
بالمطلق بعده ، ورأوا نسخ القتال في البلد الحرام ، بعموم قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ) ، وهذا أيضا من قبيل الأول.
نعم صح ورود
العمومين بعد المقيدين.
وذكر الحسن وغيره
، أن الكفار سألوا النبي عليه السلام عن ذلك على جهة التعنيت للمسلمين ،
باستحلالهم القتال في الشهر الحرام.
__________________
وقال آخرون : إن
المسلمين سألوا عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه.
وقيل : إنها نزلت
على سبب ، وهو قتل واقد بن عبد الله الحضرمي مشركا ، فقال المشركون : قد استحل
محمد القتال في الشهر الحرام ، ورأى المشركون مناقضة قولهم بإقامتهم على الكفر ،
مع استعظامهم القتل في الأشهر الحرام ، مع أن الكفر أعظم الإجرام.
فإن وردت الآية العامة
على هذا السبب ، فلا شك في النسخ ، فإن اللفظ العام في موضع السبب نص.
وفيه أيضا شيء آخر
وهو : أن الله تعالى نبه على العلة فقال : إنهم استعظموا القتل في الشهر الحرام ،
فالذي كان منهم أعظم ، وإنما سقطت حرمتهم في الشهر الحرام ، لعظم جرائمهم ، وهو
الكفر بالله في الشهر الحرام.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية (٢١٩) ...
فأما تحريم الخمر
، فيمكن أن يوجد من هذا ، لأن قوله عز وجل :
__________________
(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ
نَفْعِهِما) ، يدل على المفسدة في شربها ، وأن ما فيها من المنفعة لا
يقاوم بالمفسدة.
ويمكن أن يقال :
إن المفسدة في السكر ، وليس في ذلك بيان تحريم القليل الذي لا يسكر.
ويمكن أن يقال لا
، بل في شرب الخمر مفسدة عظيمة ، لإفضاء قليل الشرب إلى كثيره ، وذلك يحتمل أيضا
وليس بنص.
وأما الميسر فهو
في اللغة من التجزئة ، وكل ما جزأته ففد يسرته ، ويقال للجازئ ياسر لأنه يجزر
الجزور ، والميسر : الجزور نفسه إذا جزئ ، وكانوا ينحرون جزورا ، ويجعلونه أقساما
، يتقامرون عليها بالقداح على عادتهم في ذلك ، فكل من خرج له قدح ، نظر إلى ما
عليه من التسمية ، فيحكمون له بما يقتضيه من أسماء القداح ، فسمي على هذا سائر
ضروب القمار ميسرا.
وقال ابن عباس : «الميسر
: القمار».
وقال عطاء : «حتى
لعب الصبيان بالكعاب والجوز».
وكانت المخاطرة في
أول الإسلام مباحة ، حتى خاطر أبو بكر المشركين ، حتى نزلت (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ). فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : «زد في المخاطرة وامدد
في الأجل» ، ثم حظر ذلك
__________________
ونسخ بتحريم
القمار ، وحرم القمار مطلقا ، إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب والإبل
والنصال ، واستثنى ذلك لأن فيه رياضة للخيل وتدريبا لها على الركض
، وفيها قوة واستظهار على العدو ، وقال تعالى :
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ
مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) يقتضي جواز السبق بها ، لما فيه من القوة على العدو ،
وكذلك الرمي.
وظاهر تحريم
الميسر ـ وهو القمار ـ يمنع مخاطرة ، يتوهم فيها إخفاق البعض وإنجاح البعض ، وهو
معنى القمار بعينه ، وظاهره يمنع القرعة في العبيد ، يعتقهم المريض ثم يموت ،
لما فيه من القمار في إنجاح البعض وإخفاق البعض ، لو لا ما فيه من الخبر الصحيح ،
الذي خص هذا العموم لأجله ..
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ
إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ)(٢٢٠) :
واليتيم : هو
المنفرد عن أحد أبويه ، فقد يكون يتيما من جهة الأم مع بقاء أبيه ، وقد يكون يتيما
من جهة الأب مع بقاء الأم ، والإطلاق أظهر في اليتم من قبل الأب.
وظواهر القرآن في
أحكام اليتامى ، محمولة على الفاقدين لآبائهم وهم صغار.
__________________
ولا يحمل ذلك على
البالغ ، إلا على وجه المجاز عند قرب العهد بالبلوغ ، واليتيم في الأصل اسم
للمنفرد ، ولذلك سميت المرأة المنفردة عن الزوج يتيمة ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة
، قال الشاعر :
إن القبور تنكح الأيامى
|
|
النسوة الأرامل اليتامى
|
وتسمى الرابية
يتيمة لانفرادها عما حواليها من الأرض.
ويقولون : الدرة
اليتيمة لأنها كانت مفردة لا نظير لها.
قال ابن عباس :
لما نزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) ، كره المسلمون أن يضموا اليتامى إليهم ، وتحرجوا أن
يخالطوهم في شيء فنزل قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) ..
(وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَأَعْنَتَكُمْ) أي أخرجكم وضيق عليكم ، ولكن وسع ويسر فقال : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ
، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ).
وقال عليه السلام
: «ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة» .
وتوفرت الأخبار في
دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة به.
وقد جوزت الآية
ضروبا من الأحكام :
__________________
أحدها : قوله
تعالى : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ
خَيْرٌ) ، فيه الدلالة على جواز خلط ماله بماله ، وجوز التصرف فيه
بالبيع والشراء إذا وافق الصلاح ، وجواز دفعه إلى غيره مضاربة ، وفيه دلالة على
جواز الاجتهاد في أحكام الحوادث ، لأن الإصلاح الذي تتضمنه الآية إنما يعلم من
طريق الاجتهاد ، وغالب الظن.
فإذا ثبت ذلك ،
فقد اختلف العلماء في أفراد تصرفات في مال اليتيم ونفسه ، ومتعلق كل واحد منهم في
تجويز ما جوزه ظاهر القرآن في ابتغاء المصلحة.
وقال أبو حنيفة :
لولي الطفل أن يشتري ماله لنفسه بأكثر من ثمن مثله ، لأنه إصلاح دل عليه ظاهر
القرآن ، والذي لا يجوز يقول : لم يذكر فيه المصرف بل قال : (إِصْلاحٌ لَهُمْ) من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر ، وعندنا الجد يجوز
له ذلك ، والأب في حق ولده الذي ماتت والدته ، يتصرف على هذا الوجه ، ولا متعلق في
الآية من ، حيث العموم أصلا ، إذ ليس للمصرف ذكر يعم أو يحصر.
ويقول أبو حنيفة :
إذا كان الإصلاح خيرا فيجوز تزويجه ويجوز أن يزوج منه.
والشافعي لا يرى
التزويج أصلا ، إلا من جهة دفع الحاجة ، ولا حاجة قبل البلوغ.
وأحمد يجوز للوصي
التزويج لأنه إصلاح ، ووجه قول الشافعي ما ذكرناه ، والشافعي يجوز للجد التزويج مع
الوصي لا بحكم هذه الآية.
وأبو حنيفة يجوز
للقاضي تزويج اليتيم بظاهر القرآن ، فهذه المذاهب نشأت من هذه الآية ..
فإن ثبت كون
التزويج إصلاحا ، فظاهر الآية يقتضي جوازه ، ودل الظاهر على أن ولي اليتيم يعلمه
أمر الدين والدنيا ، ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات ، وله أن ينفق عليه من
ماله ، وإذا وهب لليتيم شيء فللوصي أن يقبضه له لما فيه من الإصلاح.
نعم ، ليس في ظاهر
الآية ذكر من يجوز له التصرف ولا يجوز ، ويجوز أن يكون معنى قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) ، أي يسألك القوام عن اليتامى الكافلين لهم ، وذلك مجمل لا
يعلم منه غير الكافل والقيم ، وما يشترط فيه من الأوصاف ..
قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ) (٢٢١) :
وقد روي عن ابن
عمر ، أنه كان إذا سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية قال : «إن الله تعالى حرم
المشركات على المسلمين ولا أعلم شيئا من الشرك أكثر من أن يقول : «عيسى ربنا» ..
وأما الباقون
فإنهم جوزوه تعلقا بقوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
ولا تعارض بين هذا
وبين قوله : (وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ) ، فإن ظاهر لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب ، لقوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ
__________________
عَلَيْكُمْ
مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
وقال : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ)
ففرق بينهم في
اللفظ ، وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، إلا بدليل يقتضي
الإفراد تعظيما على خلاف ظاهر اللفظ ، كقوله :
(مَنْ كانَ عَدُوًّا
لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ).
(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ
النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ)
إلا أن ذلك خلاف
الوضع الأصلي ، ولأن اسم الشرك عموم وليس بنص. وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ) بعد قوله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الْمُؤْمِناتِ) نص ، فلا تعارض بين المحتمل وبين ما ليس بمحتمل.
وليس من التأويل
قول القائل : أراد بقوله :
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
أي أوتوا الكتاب
من قبلكم وأسلموا.
وكقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ
يُؤْمِنُ بِاللهِ
__________________
وَما
أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ).
وقوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) الآية.
فإن الله تعالى
قال : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الْمُؤْمِناتِ) ، ثم قال : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
والقسم الثاني على
هذا الرأي هو القسم الأول بعينه.
ولأنه لا يشكل على
أحد جواز التزوج بمن أسلمت وصارت من أعيان المسلمين.
قالوا : فقد قال
الله تعالى : (أُولئِكَ يَدْعُونَ
إِلَى النَّارِ) ، (٢٢١) فجعل العلة في تحريم نكاحهن الدعاء إلى النار.
والجواب عنه أن
ذلك علة لقوله تعالى : (وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ، لأن المشرك يدعو إلى النار.
وهذه العلة تطرد
عندنا في جميع الكفار ، فإن المسلم خير من الكافر مطلقا ، وهذا بين.
فإن زعموا أن قوله
تعالى :
(لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ).
وقوله : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ
لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً).
__________________
وقوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ).
صريح في تحريم
النكاح ، الذي هو سبب الاتحاد والوصلة والسكن والرحمة ، وكيف يجوز أن يحصل لنا مع
الكفار ما قاله الله تعالى :
(خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً)؟
والجواب : أن ذلك
منع من موادة ومخالطة ، ترجع إلى المحاباة في أمر الدين ، وما أوجب الله على
المسلمين من قتالهم والتغليظ عليهم دون التودد إليهم ، في حفظ ذمتهم وعصمتهم ،
ومبايعتهم ومشاراتهم والإنفاق عليهم ، إذا كانوا مملوكين ، إلى غير ذلك مما يخالف
الشرع ، ويورث المودة.
وقد قيل : إن
الآية نزلت في مشركي العرب المحاربين ، الذين كانوا لرسول الله أعداء
وللمؤمنين ، فنهوا عن نكاحهن ، حتى لا يملن بهم إلى مودة أهاليهن من المشركين ،
فيؤدي ذلك إلى التقصير منهم في قتالهم دون أهل الذمة.
والمراد به غير
الذين أمرنا بترك قتالهم ، إلا أن أصحاب الشافعي يتعلقون بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) ، في تحريم الأمة الكتابية مطلقا ، في حالتي وجود طول
الحرة وعدمها.
فقيل لهم : فقد
قال : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، وذلك يعارض هذا؟
__________________
فأجابوا بأن سياق
الآية يدل على الإختصاص بالحرة لأنه قال :
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).
ثم قال : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ
بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ).
وكل ذلك مخصوص
بالحرة ، غير متصور في الأمة بحال.
ولأنه تعالى قال
بعده : (وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ
الْمُؤْمِناتِ).
فلو كان اسم
المحصنات يتناول الإماء لما قال :
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، فدل أن المحصنة المذكورة ها هنا هي الحرة ، فلا تعلق
للمخالف بالآية.
ولهم أن يقولوا
على ما تعلقنا به من عموم لفظ المشركة : إن الآية ظاهرها الحرة ، فإنه تعالى قال :
(وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ
خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ولو كانت المشركة عامة في الجميع ، لما صح هذا القول.
__________________
فعلم أن الآية
سيقت لبيان تحريم المشركات الحرائر ، ثم المشركات الإماء معلومات من طريق الفحوى
والأولى.
وظن قوم أن قوله
تعالى : (وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ، يدل على جواز نكاح الأمة مع وجود الطول ، لأن الله تعال
أمر المؤمنين بتزويج الأمة المؤمنة ، بدلا من الحرة المشركة التي تعجبهم لوجدان
الطول إليها ، وواجد الطول إلى الحرة المشركة ، هو واحده إلى الحرة المسلمة.
وهذا غلط من
الكلام فإنه ليس في قوله : (وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ذكر نكاح الإماء في تلك الحال ، وأنه لا خلاف في أن نكاح
الإماء مكروه مع القدرة على طول الحرة ، وإنما ذلك تنفير عن نكاح الحرة المشركة ،
فإن العرب كانوا بطباعهم نافرين عن نكاح الإماء ، فقال : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ
مُشْرِكَةٍ) ، فإذا نفرتم عن نكاح الأمة المسلمة فإن المشركة أولى بأن
تكرهوا نكاحها.
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) الآية (٢٢٢) :
قد يكون اسما
للحيض نفسه.
ويجوز أيضا أن
يكون موضع الحيض كالمقيل والمبيت ، وهو موضع القيلولة والبيتوتة.
ودل اللفظ على أن
المراد بالمحيض ها هنا الحيض ، لأن الجواب ورد
__________________
بقوله : (قُلْ هُوَ أَذىً) ، وذلك صفة لنفس الحيض لا للموضع الذي فيه.
ويحتمل أن يقال :
قوله (فَاعْتَزِلُوا
النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) ، هو موضع الحيض ، لأن الاعتزال في المحيض لا يتحقق له
معنى إذا أراد به نفس الدم.
وقد كان اليهود
يتجنبون مؤاكلة النساء ومشاربتهن ومجالستهن في الحيض ، فنسخ الإسلام ذلك ، فسأل
المسلمون عن الوطء ، وقالوا : ألا نطأهن يا رسول الله؟ يعني أنه إذا لم نجتنب سائر
الأعضاء منهن ، فلا نجتنب موضع الحيض؟
فاستثنى الله
تعالى موضع الحيض بقوله : (قُلْ هُوَ أَذىً) ، أي موضع الأذى ، وإلا فنفس الدم مجتنب ولا يقرب ، وقد
عرفوا نجاسته ، فإن النجاسة مجتنبة ، وذلك يقتضي كون التحريم مختصا بموضع الأذى ،
وهو الصحيح من مذهب الشافعي.
وعبر عن الموضع
بالأذى ، مع أن الأذى ليس عبارة عن نفس النجاسة ، بل هو كناية عن العيافة في حق متوخي النظافة.
وأبو حنيفة يحرم
ما تحت الإزار ، ويحتج بأن قوله تعالى : (فَاعْتَزِلُوا
النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) ، دال على حظر ما فوق الإزار وما تحته ، غير أنه قام
الدليل فيما فوق الإزار في الإباحة ، وبقي ما دونه على حكم العموم.
__________________
وهذا غير صحيح ،
فإنهم إنما سألوا بناء على ما علموا من استباحة مخالطتها في المأكل والمشرب
والفراش ، وإنما سألوا عن الوطء فقط ، فلا يجوز أن تكون الآية دالة على الاعتزال
المطلق ، مع ما ذكرناه.
وإنما معنى الآية
: قل هو أذى فاعتزلوا إتيان النساء في المحيض ، أو وطء النساء في المحيض ، فهو
مضمر محذوف دل عليه ما بعده وهو قوله تعالى :
(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ
حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ).
فمد التحريم إلى
غاية التحليل ، فذكر بعد الغاية الإتيان ، فدل أن المحرم قبله هو الإتيان فقط.
ويدل عليه حديث
حماد بن سلمة عن ثابت بن أنس ، أن اليهود كانوا يخرجون الحائض من البيت ، ولا
يؤاكلونها ولا يجامعونها في بيت ، فسئل النبي عليه السلام عن ذلك ، فأنزل الله
تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) ، فقال صلى الله عليه وسلم : «جامعوهن في البيوت وافعلوا
كل شيء إلا النكاح» ..
وروي عن عائشة أن
النبي عليه السلام قال لها : «ناوليني الخمرة ، فقالت : إني حائض ، فقال : ليست
حيضتك في يدك» ..
وذلك يدل على حل
كل عضو ليس فيه حيض ، فهذا يدل على معنى الآية ..
__________________
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ).
تنازع أهل العلم
في معناه :
فقال قوم : هو
انقطاع الدم ، فيجوز وطؤها بعد انقطاع الدم ، من غير فرق بين أقل الحيض وأكثره.
ومنهم من حرم قبل
الغسل ، من غير فرق بين أقل الحيض أو أكثره ، وهو قول الشافعي.
وأبو حنيفة أباحه
قبل الغسل ، إذا انقطع الدم على الأكثر ، وحرم إذا انقطع على ما دون الأكثر ، مع
وجوب الغسل عليها ، مع الحكم بطهارتها.
أما من أتاح الوطء
مطلقا ، فإنه يتعلق بقوله تعالى : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، ومعلوم أنها طاهرة وإنما أراد به : حتى يطهرن من العارض
وهو الحيض.
ويقال : طهرت من
الحيض والنفاس «إذا زال الحيض والنفاس ، ولذلك يقال زمان الطهر وزمان الحيض» ، وإنما هو زمان طهر المرأة وإن لم تغتسل للأكثر.
وإذا لم تكن حائضا
فهي طاهرة ، وليس بين كونها حائضا وطاهرة درجة ثالثة ، فقد طهرت إذا.
فهذا قول ظاهر إلا
أن قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، يخالف هذا المذهب ظاهره ،
__________________
وكذلك قراءة
التثقيل في قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ).
وفيه احتمال. وهو
أن يكون معنى قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، أي إذا حل لهن التطهر بالماء والتيمم ، كما قال صلّى
الله عليه وسلم :
«إذا غابت الشمس
أفطر الصائم» أي حل له أن يفطر.
وقال : «من كسر أو
عرج فقد حل وعليه الحج من قابل» ، أي حل له أن يحل.
ويقال للمطلقة إذا
انقضت عدتها ، إنها قد حلت للأزواج ، ومعناه : أنه حل لها أن تتزوج.
وقال النبي عليه
السلام لفاطمة بنت قيس : «إذا حللت فآذنيني» وإذا احتمل ذلك ، لم تزل الغاية عن حقيقتها بحظر الوطء
بعدها فهذا أمر محتمل.
إلا أن الذي ينصر
مذهب الشافعي يقول : إن الله تعالى قال :
(قُلْ هُوَ أَذىً
فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ).
فيقتضي ذلك حتى
يطهرن من الأذى وهو العيافة ، وذلك لا يحصل بنفس انقطاع الدم قبل الاغتسال ، ولذلك
يسن لها أن تتبع بفرصة من مسك أثر الدم لإزالة بقية العيافة.
__________________
فالذي يستحب هذا
القدر ، كيف يرى زوال الأذى بمجرد انقطاع الدم ، ثم لما قال تعالى :
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) قال :
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، وذلك يدل دلالة ظاهرة على تعلق قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) بقوله : (يُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ).
وإنما يحب الله
تعالى المتطهرين باختيارهم لا غير ، فليكن قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) محمولا على التطهر بالاختيار وهو فعل ، ويكون قوله أخيرا ،
بيانا لما تقدم ، وهذا على مذهب الشافعي ، فأما أبو حنيفة ، فإن بعض الأصوليين من
أصحابه يقول :
إنا نعمل
بالقراءتين ، فنحمل القراءة المشددة في قوله : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) على انقطاع الدم على ما دون الأكثر ، فإن عند ذلك لا يحل
الوطء قبل الغسل ، والقراءة المخففة في قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) على انقطاع الدم على الأكثر.
وهذا قول بعيد ،
وأقل ما فيه إخراج قوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) عن كونه حقيقة في الاغتسال ، إذا حمل على انقطاع الدم على
الأكثر ، وحمله على حقيقته في الاغتسال ، إذا كان انقطاع الدم على ما دون الأكثر ،
وذلك بعيد جدا.
ولأن الآية لو
كانت متناولة للحالتين ، كان تقدير الكلام : «حتى يغتسلن» في آية «ولا يغتسلن» في
آية أخرى ، أو قراءة أخرى ، ويكون ذكر المحيط متناولا لهما جميعا ، ولا يكون فيه
بيان المقصود ، فيكون مجملا غير مفيد للبيان.
ولأنه إذا كانت
قراءة التشديد حقيقة في الاغتسال ، وقد حملوها على انقطاع الدم فيما دون الأكثر ،
فيجب أن يتوقف الحل فيه على الاغتسال ، وقد قالوا :
«إذا دخل وقت
الصلاة وإن لم تغتسل حل للزوج وطؤها».
فجعلوا وجوب
الصلاة والصوم مجوزا للوطء ، ولم يجعلوا وجوب الغسل مجوزا.
فإن حملوا قراءة
التشديد على الغسل ، لزمهم أن يوقفوا الحل على الغسل ، فلا هم عملوا بقراءة
التخفيف ولا بقراءة التشديد ، وإن موهوا باعتذارات في وجوب الصلاة ، فلا أثر لها
في إخراج قراءة التشديد عن كونها حقيقة ، ومقصودهم مراعاة القراءتين ، في إلحاق
إحداهما بالحقيقة والأخرى بالمجاز ..
قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (٢٢٣) :
فالحرث المزدرع ،
وهو في هذا الموضع كناية عن الجماع ، وتسمى النساء حرثا لأنهن مزدرع الأولاد .
وقال أكثر الفقهاء
: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ) ، يدل على أن المراد به موضع الحرث.
__________________
واشتهر عن مالك
إباحة ذلك.
وقوله (أَنَّى شِئْتُمْ) يحتمل كيف شئتم ، ويحتمل أين شئتم فلفظ (أَنَّى) يحتملهما جميعا.
وروي عن جابر أن
اليهود قالوا للمسلمين : «من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول» ، فأنزل الله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مقبلة ومدبرة ما كان
في الفرج».
ومالك يحتج بقوله
تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ، وأن عموم ذلك يقتضي إباحة وطئهن في الموضع الذي جوزنا
وطأهن فيه.
قيل قوله : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) دال على الإباحة المطلقة لا على موضع الإباحة ، كما لم يدل
على وقت الإباحة في الحائض وغيرها.
ومما تعلق به من
حرم الوطء أن قوله تعالى : (قُلْ هُوَ أَذىً) ، تعليل تحريم وطء الحائض ، بما يقتضي تحريم الوطء في الذي
ينازعنا فيه فإنه موضع الأذى.
__________________
وهذا المعنى كان
يقتضي تحريم وطء المستحاضة ، لو لا الحرج في تحريم وطئها ، لطول أمد الاستحاضة.
ومعنى الأذى ليس
يستقل بتحريم الوطء ، لو لا إيماء الشرع إليه.
فإذا عرفت ذلك
فاعلم أن قولنا : «ليس هذا موضع الحرث» ، لا يظهر دلالته على تحريم الوطء فيه ،
كالوطء فيما دون الفرج ، ولكن دليل التحريم مأخوذ من غير ذلك في قوله تعالى :
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) مع قوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ).
إذ يدل على أن في
المأتي اختصاصا ، وأنه مقصور على موضع الولد.
وروي عن محمد بن
كعب القرظي ، أنه كان لا يرى بذلك بأسا ويتأول فيه قوله تعالى:
(أَتَأْتُونَ
الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
أَزْواجِكُمْ). ولو لم يبح مثله من الأزواج ، لما صح ذلك.
وليس المباح من الموضع
الآخر مثاله ، حتى يقال : تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح.
وهذا فيه نظر ، إذ
معناه : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ، ولذة الوقاع
حاصلة بهما جميعا ، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى.
__________________
قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً
لِأَيْمانِكُمْ) (٢٢٤) فيه معنيان
:
أحدهما : أن يتخذ
يمينه حجة مانعة من البر والتقوى والإصلاح بين الناس ، فإذا طلبت منه المعاونة على
البر والتقوى والإصلاح قال : قد حلفت. فيجعل اليمين معترضة بينه وبين ما ندب إلى
فعله ، أو أمر به من البر والتقوى والإصلاح ، فلا جرم قال الشافعي:
الأيمان لا تحرم
ما أحل الله ، ولا تحل ما حرمه الله عن فعل ، وإن الذي حل لكونه صلاحا ، لا يصير
حراما باليمين ، فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك ، فليفعل وليدع يمينه.
ودل عليه قوله
تعالى :
(وَلا يَأْتَلِ
أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) إلى قوله : (وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ).
قال ابن سيرين :
حلف أبو بكر رضي الله عنه ، في يتيمين كانا في حجره ، وكانا فيمن خاض في أمر عائشة
، أحدهما مسطح وقد شهد بدرا ، وقد أشهد الله تعالى أن لا يصلهما ولا يصيبان منه
خيرا ، فنزلت هذه الآية. :
وفي الخبر : «من
حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير» .
__________________
وهو معنى قوله
تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا
اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ).
والوجه الثاني في
التأويل : أن يكون معنى قوله : (عُرْضَةً
لِأَيْمانِكُمْ) ، يريد به كثرة الحلف ، وهو نوع من الجرأة على الله تعالى
، والابتذال لاسمه في كل حق وباطل ، ومن أكثر من ذكر شيء ، فقد جعله عرضة ، كقول
القائل :
«قد جعلتني عرضة
للومك».
وذم الله تعالى
مكثر الحلف بقوله تعالى :
(وَلا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ).
والمعنى : لا
تعرضوا اسم الله تعالى ، ولا تبتذلوه في كل شيء ، لأن تبروا إذا حلفتم ، وتتقوا
المأثم فيها ، إذا قلت أيمانكم ، لأن كثرتها تبعد عن البر والتقوى ، وتقرب من
المأثم والجرأة على الله تعالى ، وكأن المعنى : إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان
والجرأة عليها ، لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح ، فكونوا بررة أتقياء ،
كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
فأفادت الآية
المعنيين ، ومتضمنهما النهي عن ابتذال اسم الله سبحانه واعتراضه باليمين في كل شيء
، حقا كان أو باطلا ، والنهي أيضا عن جعل اليمين مانعة من البر والتقوى والإصلاح.
ودل ذلك على أن
اليمين يجوز أن يجعل سببا للكفارة كما قاله الشافعي لأن اسم الله المعظم ، صار
متعرضا للابتذال بوصف الحنث ، ووصف
__________________
الحنث راجع إلى
اليمين ، فكانت اليمين سببا ، وليست اليمين عبادة لا يمكن جعلها سببا للكفارة.
فإن الإكثار من
العبادات مندوب إليه ، والإكثار من اليمين منهى عنه.
والإكثار من
العبادات تعظيم الله تعالى ، والإكثار من اليمين تعريض الإسم للابتذال.
فصح على هذا
المعنى جعل اليمين سببا ، على خلاف ما رآه أبو حنيفة ، وجاز لأجله تقديم الكفارة
على الحنث ، وجاز لأجله فهم إيجاب الكفارة في اليمين ، على فعل الغير وعلى فعل
نفسه ، وعلى ما يجب فعله ، وعلى ما لا يجب ، وهو أصل الشافعي في الأيمان ..
قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) (٢٢٥) :
اعلم أن اللغو
مذكور في القرآن على وجوه ، والمراد به معاني مختلفة على حسب اختلاف الأحوال التي
خرج الكلام عليها.
فقال الله تعالى :
(لا تَسْمَعُ فِيها
لاغِيَةً) يعني كلمة فاحشة قبيحة.
و (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا
تَأْثِيماً) على هذا المعنى ، وقال :
__________________
(وَإِذا سَمِعُوا
اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ). يعني الكفر والكلام القبيح.
وقال : (وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَغْلِبُونَ). يعني الكلام الذي لا يفيد شيئا ليشتغل السامعون عنه بذلك
، وقال :
(وَإِذا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً). يعني بالباطل.
ويقال : لغا في
كلامه يلغو إذا أتى بكلام لا فائدة فيه.
وقد روي في لغو
اليمين معان عن السلف :
فروي عن ابن عباس
أنه : هو في الرجل يحلف على الشيء يراه كذلك ، ولا يكون كذلك.
وروي عن مجاهد
وإبراهيم ، قال مجاهد في قوله تعالى : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ
بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ).
أنه يحلف على
الشيء وأنه يعلم ، وهذا في معنى قوله : (بِما كَسَبَتْ
قُلُوبُكُمْ).
وقالت عائشة : «هو
قول الرجل : لا والله ، بلى والله» .
وكثرت أقاويل
السلف فيه ، وأقربها قول سعيد بن جبير : هو الرجل يحلف على الحرام فلا يؤاخذه الله بتركه.
__________________
وذلك يقرب من أحد
تأويلي قوله عز وجل : (وَلا تَجْعَلُوا
اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ).
وقد ظن قوم أن
المراد به ، المؤاخذة في الآخرة ، فتجب الكفارة في الدنيا ، وليس على ما ظنوه ،
فإنه تعالى قال في موضع آخر :
(لا يُؤاخِذُكُمُ
اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ
الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ).
فذلك يدل على أن
المؤاخذة المذكورة في القسم الثاني ، هي المتيقنة في القسم الأول.
وظن أبو حنيفة ،
أن قوله عقدتم ، يدل على ما يتصور عقد العزم عليه من الأفعال ، حتى يخرج منه
اليمين على الماضي ، وذلك إن صح له ، فيخرج منه الأيمان على فعل الغير ، وحنث
النسيان وغيرهما ، فالأقرب في معانيه ، ما قالته عائشة وهو مذهب الشافعي ..
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) (٢٢٦) :
ليس في نظم القرآن
ما يدل على الجماع ، ولا على الحلف على مدة معلومة ، وإنما قال : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ ... تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ).
__________________
واختلفت تصرفات
العلماء في ذلك.
فمنهم من جرى على
العموم ، ومنهم من خص.
فممن خص ذلك علي
وابن عباس ، صارا إلى أنه لو حلف لا يقربها لأجل الرضاع ، لم يكن مؤليا ، وإنما
يكون مؤليا إذا كان على وجه الغضب.
ومنهم من لم يفصل بين اليمين المانعة من الجماع ، والكلام والاتفاق ، ولا
بين الرضا والغضب ، وهو قول ابن سيرين.
والأكثرون على أنه
لا يعتبر قصد المضارة ، حتى لو آلى في حالة رضاها ، كان به مؤليا.
والأولون يقولون :
ما قصد حقها ولا مضارتها.
وفي قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، ما يدل على اعتبار قصد الإضرار.
فالأكثرون اعتبروا
اليمين على ترك الجماع.
وقال الشافعي :
إذا آلى أربعة أشهر ومضت المدة لم يكن مؤليا .
وأبو حنيفة يوقع
به الطلاق ، وإن لم يبق الإيلاء بعده ، لأنه رأى أن قوله تعالى : (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) يدل على ما قاله.
ولكن الشافعي يقول
: قوله : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
... تَرَبُّصُ) ، يدل على أن مدة الأربعة أشهر حق له خالص ، فلا يفوت به
حق له ، ولا يتوجه عليه مطالبة ، أنه أجل مضروب له.
__________________
قوله تعالى : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ) (٢٢٦) :
والفيء في اللغة
الرجوع ، قال الله تعالى :
(حَتَّى تَفِيءَ إِلى
أَمْرِ اللهِ).
أي ترجع إلى أمر
الله.
وعند ذلك قد يظن
الظان : أن ظاهر اللفظ ، يدل على أنه إذا حلف أن لا يجامعها على وجه الضرار ، ثم
قال : قد فئت إليك ، وقد أعرضت عما عزمت عليه من هجران فراشك باليمين ، أن يكون قد
فاء إليها ، سواء كان قادرا على الجماع أو عاجزا.
وقد اتفق أهل
العلم على أنه إذا أمكنه الوصول إليها ، لم يكن فيؤه إلا الجماع.
وأبو حنيفة يقول
فيمن آلى وهو مريض ، أو بينه وبين زوجته المؤلي منها ، مسيرة أربعة أشهر وهي رتقاء
أو صغيرة ، أو هو مجبوب أنه إذا فاء إليها بلسانه ، ومضت المدة والعذر قائم ، فذلك
في صحيح.
والشافعي يخالفه
على أحد مذهبيه ، ووجه قوله : أنه إذا قال القائل : والله لا أجامع فلانة ، فلا
يكون حانثا بقوله أجامعك ، وإنما يكون حانثا
__________________
بما يكون منه مخالفا ، وإنما يكون مخالفا بما يكون به حانثا ، ثم لا يكون حانثا بمجرد القول ، وكذلك لا يكون قد فاء
بمجرد قوله : وإنما هو وعد الفيئة ، إذ لو كان قد فاء حقا لما احتاج بعده إلى
تحقيق مقتضى قوله بالجماع ، وهذا بين.
نعم اختلف قول
الشافعي في المجبوب إذا آلى.
ففي قول : لا
إيلاء له.
وفي قول : يصح
إيلاؤه ويفيء باللسان.
والأول أصح وأقرب إلى مقتضى الكتاب ، فإن الفيء هو الذي يسقط اليمين.
والفيء بالقول لا يسقطه. فإذا بقيت اليمين المانعة من الحنث ، بقي حكم الإيلاء.
قوله عز وجل : (وَإِنْ عَزَمُوا)(الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ) (٢٢٧) :
وذلك يقتضي أن لا
يقع الطلاق بمجرد مضي المدة على ما قاله قوم ، لأن مضي المدة لا يكون عزيمة على
الطلاق ، وإنما عزيمة الطلاق ما يتوقف على قصده.
فأما حكم الله
تعالى الحاصل بمضي المدة ، فلا يصح العزم عليه ، فلا يقال : عزموا على مضي الشهر ،
أو غروب الشمس ، أو طلوعها.
__________________
ومن فوائد هذه
الآية : دلالة عمومها على صحة إيلاء الكافر والمسلم ، سواء كان الإيلاء بعتق ، أو
طلاق ، أو صدقة ، أو حج ، أو يمين بالله.
وأبو حنيفة يقول :
لا يصح من الكافر ما كان بالتزام صدقة أو حج ، ويصح ما كان بطلاق ، أو عتاق ، أو
حلف بالله ، وإن لم يلزمه بالحلف بالله عز وجل شيء ، وصحح الإيلاء ممن لا يلتزم
بالوقاع شيئا ، يتوقى الوقاع لأجل ذلك الأمر ، مع أنه لو آلى بطلاق زوجته ، أو
عتاق عبده ، فمات العبد قبل مضي المدة ، بطل الإيلاء ، لأنه لا يخشى التزاما ،
فكذلك قياس قوله أن لا يصح منه الإيلاء إذا حلف بالله ، لأنه لا كفارة عليه
بالمخالفة.
واحتج محمد بن
الحسن على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث ، بأن قال :
إنه لما حكم الله
تعالى للمولى بأحد حكمين ، من فيء أو عزيمة للطلاق ، فلو جاز تقديم الكفارة على
الحنث ، لبطل الإيلاء بغير فيء ولا عزيمة طلاق ، لأنه إن حنث فلا يلزمه بالحنث شيء
، ومتى لم يلزم الحالف بالحنث شيء ، لم يكن مؤليا ، وفي جواز تقديم الكفارة إسقاط
حكم الإيلاء بغير ما ذكره الله تعالى ، وذلك خلاف الكتاب.
وهذا غير صحيح لأن
الله تعالى إنما أبقى حكم الإيلاء إذا بقيت المضارة ، وإنما تبقى المضارة إذا
كان يتوقع التزام أمر بالوقاع ، فشرط بقاء الإيلاء بقاء حكمه ، فإذا قدمه زال هذا
المعنى ، كما يزول بموت العبد المحلوف على عتقه ، أو المرأة المحلوف على طلاقها ،
وليس يقتضي ذلك مخالفة الكتاب بل يطابق معناه إذا تأمل ..
__________________
قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٢٢٨) :
واختلف أصحاب رسول
الله صلّى الله عليه وسلم وعلماء السلف في الثلاثة :
فقال قوم :
الثلاثة من الحيض ، فما لم تغتسل المرأة من الحيض فزوجها أحق بها.
وقالت عائشة : إذا
دخلت في الحيضة الثالثة فلا سبيل له عليها.
فالثلاثة إذا من
الأطهار.
وأما اسم الأقراء
فيتناول الحيض والطهر جميعا.
واختلفوا في كونه
حقيقة فيهما ، أو مشتركا اشتراكا لا يظهر رجحان أحد المعنيين على الآخر.
وقال قوم : هو
حقيقة في الحيض ومجاز في الطهر ، وذلك بحسب النظر في موضع الاشتقاق ، واختلف فيه :
فمنهم من قال :
القرء من الوقت ، وعلى ذلك شواهد من اللغة.
وقال آخرون : هو
من الجمع والتأليف ، وعلى ذلك شواهد.
فإن كانت حقيقته
الوقت ، فقد ظن بعض أصحاب أبي حنيفة أن الحيض أولى به ، لأن الوقت في الأصل إنما
كان وقتا لما يحدث فيه ،
__________________
والحيض هو الحادث
، وليس الطهر شيئا أكبر من عدم الحيض ، وزوال العارض ، والرجوع إلى ما كان في
الأصل ، فكان الحيض أولى بمعنى الإسم.
وهذا غير صحيح ،
فإن الحيض والطهر وصفان يعتوران على المرأة ، ولكل واحد منهما وقت معلوم أقله وأكثره.
وهم يقولون : لكن
الطهر إنما يعلم بغيره لا بنفسه ، فإن الطهر لا نهاية لأكثره إذ هو عدم الحيض ،
وإنما يعلم بوجود الحيض.
قالوا : وإن كان
القرء اسما للضم والجمع ، فهو أولى بالدم المجتمع.
ولا يتيقن كونه
حالة الطهر ، إذ لا يتعلق به حكم ، وليس يبين لنا أن الدم يجتمع في حالة الطهر ،
بل يجوز أن يجتمع في حالة الحيض ويسيل فيه ، فلا مستند لهذا القول.
وزعموا أن حد
الحقيقة وجد في الحيض ، لأن اسم القرء لا ينتفي عنه أصلا ، ولا يتحقق ذلك في الطهر
، لأنه يوجد الطهر ولا يسمى قرءا بحال مثل طهر الآيسة والصغيرة ، فيظهر أن الطهر
سمي قرءا لمجاورته للحيض ، فالحيض بذلك أولى.
وادعوا تطرق
المجاز إلى قولنا من حيث اللغة من وجهين ، ومن وجه ثالث ، وهو أن مقتضى قولنا
الاكتفاء بقرءين وبعض الثالث ، وإطلاق اسم الجمع على شيئين وبعض الثالث مجاز على
خلاف الحقيقة ، وإنما يعلم ذلك بدليل مثل حمل أشهر الحج على شهرين وبعض الثالث ،
__________________
وإذا جعل للقرء
بدل ، وهو الأشهر ، لا جرم كانت الأشهر ثلاثة تامة من غير نقصان ولا حطيطة ، فليكن
الطهر كذلك.
والذي توجه لأصحاب
الشافعي على هذه الكلمات : أن الذي ذكره هؤلاء من مواضع الاشتقاق ، لا يصح التعويل
عليه في هذا الباب ، فإنه لو قدر التصريح بمحال الاشتقاق على ما قالوه ، لم ينتظم
الكلام.
وإذا كان الإسم
مشتقا من شيء ، فيجب أن يكون بحيث لو صرح بموضع الاشتقاق يستقيم معنى الكلام ، مثل
قول القائل في قوله تعالى :
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي).
والزاني مشتق من
الزنا ، فلو ذكر موضع الاشتقاق وعلق عليه الحد ، يستقيم معنى الكلام.
وها هنا : إن كان
اشتقاق القرء من الوقت ، فإذا ذكر الوقت في نفسه ، أو الضم بلفظ الثلاث ، لم يكن
الكلام مستقيم النظم ، فإنه لو قال :
«والمطلقات يتربصن
بأنفسهن ثلاثة أوقات ، أو ثلاثة اجتماعات» ، ولم يضف الوقت إلى شيء ، والاجتماع
إلى شيء ، لم يصح معنى الكلام في إرادة الحيض والطهر جميعا ..
نعم إنما يستقيم
النظر إلى موضع الاشتقاق من وجه آخر ، وهو أن يجعل القرء مشتقا من الانتقال من حال
إلى حال ، فعل هذا يستقيم الكلام ، إذا ذكر موضع الاشتقاق ، فإنه إذا قيل : معنى
الكلام :
__________________
والمطلقات يتربصن
بأنفسهن ثلاثة أدوار ، أو ثلاثة انتقالات ، فهي متصفة بحالتين فقط.
فتارة تنتقل من
طهر إلى حيض.
وتارة تنتقل من
حيض إلى طهر.
فيستقيم معنى
الكلام في دلالته على الحيض والطهر جميعا ، فيصير الإسم مشتركا.
أو يقال : إذا ثبت
أن القرء هو الانتقال ، فخروجها من حيض إلى طهر غير مراد بالآية أصلا ، ولذلك لم
يكن الطلاق في الحيض طلاقا سنيا مأمورا به.
وقيل : إنه ليس
طلاقا على الوجه المأمور به ، وهو الطلاق للعدة ، فإن الطلاق للعدة ما كان في
الطهر ، وذلك يدل على كون القرء مأخوذا من الانتقال.
فإذا كان الطلاق
في الطهر سببا ، فتقدير الكلام عدتهن ثلاثة انتقالات ، فأولها :
هي الانتقال من
الطهر الذي وقع فيه الطلاق ، والذي هو الانتقال من حيض إلى طهر لم يجعل قرءا ، لأن
اللغة لا تدل عليه ، لكن عرفنا بدليل آخر ، أن الله تعالى لم يرد من حيض إلى طهر ،
واللفظ دل على الانتقال ، والانتقال محصور في الحيض والطهر ، فإذا خرج أحدهما عن
كونه مرادا ، بقي الآخر ، وهو الانتقال من الطهر إلى الحيض مرادا ، فعلى هذا عدتها
ثلاثة انتقالات : أولها : الطهر ، وعلى هذا يمكن استيفاء
__________________
ثلاثة أقراء كاملة
، إذا كان الطلاق في حالة الطهر ، فلا يكون ذلك حملا على المجاز بوجه ما ، وهذا
نظر دقيق في غاية الاتجاه لمذهب الشافعي.
وأكثر ما يرد على
هذا الكلام وجوه :
منها : أن ذلك
خلاف ما قالته عامة العلماء ، من أن القرء طهر أو حيض ، وذلك إحداث قول ثالث.
وهذا لا وجه له ،
فإن القرء حقيقة في الانتقال ، ثم اختلف العلماء في المراد من الانتقال : فإنه
متردد في اللغة بين الحيض والطهر ، فأما أن يكون القرء اسما لنفس الطهر ، أو اسما
لنفس الحيض حقيقة فلا ، والدليل على موضع الاشتقاق قولهم : قرأ النجم : إذا طلع ،
وقرأ النجم إذا أفل ، بمعنى تبدل الأحوال عليه.
نعم وضع اللغة
يقضي أن يكون انتقالها من الطهر إلى الحيض قرءا ومن الحيض إلى الطهر قرءا ثانيا ،
ومن الطهر الثاني إلى الحيض الثاني قرءا ثالثا ، وتنقضي عدتها بدخولها في الحيضة
الثالثة ، غير أن تحريم الطلاق في خاصة الحيض دل على أن ذلك الانتقال ـ وهو من
الحيض إلى الطهر ـ ليس مرادا بالآية.
ويمكن أن يذكر في
ذلك شيء لا يبعد فهمه من دقائق حكم الشريعة ، وهو أن الانتقال من الطهر إلى الحيض
، إنما جعل قرءا لدلالته على براءة الرحم ، فإن الحامل لا تحيض في الغالب ،
فحيضتها علم على براءة رحمها ، والانتقال من حيض إلى طهر بخلافه ، فإن الحائض يجوز
أن تحبل من أعقاب حيضتها ، وإذا تمادى أمد الحمل ، وقوي الولد انقطع دمها ، ولذلك
تمدح العرب بحبل نسائهم في حالة الطهر ، ومدحت عائشة رسول الله بقول تأبط شرا :
ومبرأ من كل غبرحيضة
|
|
وفساد مرضعة
وداء مغيل
|
تعني أن أمة لم
تحمل به في الحيضة الثانية.
ومن أجل ذلك كان
الاستبراء بحيضة ، لأن المسبية لا تعرف حبلها فتستبرئ بحيضة ، فإذا حاضت علمت
براءة رحمها ، إلا أن الاحتياط في العدة أكثر ، فلم يكتف بدلالة واحدة دون
الدلالات الثالثة ، فيحصل من مجموعها ما يقرب من اليقين ، أو ما يتضاعف به الظن
ويقوى ، وإذا تقرر أن الأمر كذلك فالانتقال من الطهر إلى الحيض ، جعل قرءا معتبرا
لهذا المعنى.
فإن قالوا : فإذا
كان الانتقال من الطهر إلى الحيض جعل قرءا ، لدلالة ذلك الانتقال على براءة الرحم
، فذلك الانتقال لم يدل على براءة الرحم لأجل الطهر ، وإنما دلالته للحيض ، فالحيض
هو الأصل في الدلالة ومتى كان هو الأصل في البراءة والدلالة عليها ، فهو أولى بأن
يجعل أصلا في العدة من الطهر ، فإن الطهر يقارن الحمل ، فكيف يقع به الاستبراء؟
وإنما يقع الاستبراء بما ينافيه وهو الحيض ، فيكون دلالة على براءة رحمها من
الحمل.
وربما قرروا ذلك
فقالوا : إن الحيضة الثانية اعتبرت احتياطا ، لأن في التكرار زيادة دلالة على
البراءة.
فلا جرم؟ قيل إن
الاستبراء يكتفي فيه بحيضة واحدة ، ويعتبر في العدة الكاملة زيادة
عدد ، لزيادة الدلالة على قدر رتبة العدة ، فإذا
__________________
تعذر ذلك ، وقيل :
الثلاثة ها هنا مثل الواحدة في الاستبراء ، فليكن العدد المعتبر في العدة الكاملة
من جنس ما اعتبر في الاستبراء ، وليكن العدد عددا يزيد في الدلالة من جنس الأصل ،
والطهر لا دلالة فيه ، فاعتبار العدد من الطهر لا معنى له ، فعدد الثلاثة يجب أن
يوجد من الحيض ، فإذا شرعت في الحيضة الثالثة فليقل : يعتبر تمام دلالة هذه
الثالثة ، كما دلت الحيضتان من قبل ، فاعتبار العدد من الطهر الذي لا دلالة لأصله
مما وجه له.
وربما قالوا :
الحمل إذا ظهر كان أولى من الحيض ، لأن الوضع أقوى من الحيض ، فتفاوت ما بين الحيض والطهر ، كتفاوت ما بين
الحيض والحمل ، ثم الحمل أصلا فليكن الحيض أصلا.
الجواب : أن الذي
قالوه ليس كلاما في مقتضى اللفظ ، وإنما هو قياس في معاني الفقه ، وليس الكلام فيه
، وإنما الكلام في اللفظ ، وهو أن الله تعالى إذا قال : يتربصن ثلاثة انتقالات ،
وعرفنا أنه لم يرد به الانتقالات كلها من الحيض إلى الطهر ، ومن الطهر إلى الحيض ،
فإن ذلك يزيد على الثلاثة ، فعرفنا أنه إنما عنى به الانتقال الذي هو من الطهر إلى
الحيض.
فهذا ما فهمناه من
اللفظ ، وجاز مع ذلك أن يقترن بالعدة قصدان وراء براءة الرحم ، كالاختلاف بالحرية
والرق ، ووجوبها إلى سن اليأس ، في حق التي انقطع حيضها لعلة ، وغير ذلك من
المسائل ، فإذا ثبت ذلك لم يرد عليه كل ما قالوه.
ودل على ما قلناه
، أن الله تعالى قال : (فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ)
__________________
وقال صلّى الله
عليه وسلم لعمر حين طلق ابنة امرأته وهي حائض : مره فليراجعها حتى تحيض ثم تطهر ثم
يجامعها وليدعها حتى تطهر ثم ليطلقها إن شاء ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق
لها النساء.
وذلك إشارة إلى
الطهر فدل أن العدة الطهر ، وأمر بإحصاء العدة عقيب الطهر ، فليكن المحصي بقية
الطهر.
وأبو حنيفة لا يرى
ذلك أصلا ، ولا يحصي عقيب الطلاق شيئا. وقوله تعالى : (لِعِدَّتِهِنَّ) لا يجوز أن يريد به عدة ماضية قبل الطلاق ، كما يقال : «صوموا
لرؤيته» أي لرؤية ماضية ...
فإن قيل : الطلاق
ليس بعدة بالاتفاق ، ولا يخطر ببال عاقل أن يقول : قوله عليه السلام لعمر : «حتى
تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق فتلك العدة» ، معناه : فتلك العدة الماضية ، أعني
الحيضة الماضية ، أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء ، فإذا كان الطلاق في الطهر
والانتقال منه إلى الحيض ، فتقدير الكلام :
إذا طلقتم النساء
يتربصن بعد الطلاق السنى البدعي ثلاثة انتقالات :
أولها : الانتقال
مما سن الطلاق فيه ، وذلك لا يكون إلا الطهر ، وهذا بين ظاهر في تحقيق مذهب
الشافعي من معنى الآية.
فإن قيل : العدة
وأحكامها ثابتة في حالتي الطهر والحيض ، فما معنى قوله تعالى لعدتهن؟
__________________
قيل : العدة
مأخوذة من العد ، فكأنه تعالى قال : فطلقوهن لزمن بعد ذلك من العدة ، وذلك الطهر ،
فإن عدد الثلاث مأخوذ منه وهذا بين.
قالوا : فالمرأة
قبل الدخول يجوز طلاقها في الحيض ، فكيف يصح مطلق الآية على هذا التأويل؟
الجواب : أن معنى
الكلام : إذا طلقتم النساء ذوات العدة ، فطلقوهن لعدتهن.
قالوا : فإذا
طلقها في طهر جامعها فيه ، فبقية الطهر محسوبة ، وإن لم يكن الطلاق سنيا.
الجواب : أن ذلك
مخصوص من هذا العموم بدليل ، وذلك لا ينافي دلالة اللفظ على ما تعلقنا به ، وعلى
أن في حق التي جومعت في طهرها ، وإنما خرج الطلاق عن كونه سببا لوجود ما يحتمل
خروج الطهر به ، عن أن يكون عدة تحصى بأن يبين حملها ، حتى لو كانت آيسة لم يحرم طلاقها في طهر جامعها فيه.
ثم قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ) ، وإن كان عاما في حق المنكوحة الحرة ، والمنكوحة الأمة ،
ولكن الإجماع انعقد على أن عدة الأمة المنكوحة على النصف فتركناه لذلك.
قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ
ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) (٢٢٨) :
قال قائلون : لما
وعظها بترك الكتمان ، دل على وجوب قبول قولها
__________________
فبنى عليه وقوع
الطلاق عليها بقولها إذا قالت : حضت ، وقد علق الطلاق على حيضها.
وهذا عندنا لا
يقوى ، فإنه ليس النهي عن الكتمان دالا على أن قولها حجة على الزوج في قطع نكاحها
، كما لا يدل على وقوع الطلاق على ضرتها ، كيف وقوله تعالى : (يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي
أَرْحامِهِنَّ) ليس يظهر في معنى الحيض لأن الدم إنما يكون حيضا إذا سال ،
ولا يكون حيضا في الرحم ، لأن الحيض حكم يتعلق بالدم الخارج ، فما دام في الرحم
فلا حكم له.
نعم يجوز أن يقال
: إن كل دم سائل لا يكون حيضا ، وإنما يكون حيضا بالعادة والوقت وبراءة الرحم من
الحمل ، فهي إذا قالت : حضت ثلاث حيض ، وهذه الأمور التي يقف عليها الحيض من قبلها
، فالقول قولها : وإنما التصديق متعلق بحيض قد وجد ودم قد سال.
وبالجملة قوله : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ
ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) ، ليس يظهر في الحيض ، وإنما تظهر دلالته على الحمل ، وهو
مما يعرف بغير قولها ، وإذا علق الطلاق على حملها فقالت : أنا حامل ، يقع الطلاق
ما لم تستبرئ ويظهر حملها ، ويجوز أن يكون معنى ذلك منعها من التزوج ، ومنعها من
إهلاك الولد وإجهاض الجنين ، وهذا لا يبعد فهمه من الآية ، فالمعتمد فيه الإجماع.
وقوله تعالى : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٢٢٨):
وليس ذلك شرطا في
النهي عن الكتمان ، وإنما هو على وجه التأكيد وهو كقوله تعالى :
(وَلا تَأْخُذْكُمْ
بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ).
وقول مريم عليها
السلام : (إِنِّي أَعُوذُ
بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا).
قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) الآية (٢٢٨) :
اعلم أن الله
تعالى سماه بعلا ، وذلك يدل على بقاء الزوجية ، ولكن قال بردهن ، وذلك يدل على
وجود سبب يزول به النكاح.
ولا يبعد أن يقال
: زال النكاح ، وله الإستدراك ، كما يزول الملك في زمن الخيار على قول ، وله
الإستدراك.
ودلت هذه الآية
على جواز إطلاق العموم في المسميات ، ثم يعطف عليه بحكم يختص به بعض ما انتظمه
العموم ، فلا يمنع ذلك اعتبار عموم فيما شمله ، في غير ما يختص به المعطوف ، لأن قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) ، عام في المطلقات ثلاثا ، وفيما دونها لا خلاف فيه.
ثم قوله :
وبعولتهن : حكم خاص فيمن كان طلاقها دون الثلاث ، ولم يوجب ذلك
الاقتصار بحكم قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ، على ما دون الثلاث .. ونظيره من القرآن.
__________________
قوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (٢٢٨) :
يقتضي وجوب حقوق
لها في التحصن والنفقة والمهر.
وقوله : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) يقتضي أنه مفضل عليها وذكر الله تعالى بيان ذلك في قوله : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ
بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ).
فأخبر أنه جعل
قيما عليها بما أنفق من ماله ، وفيه دليل على أنه : إذا أعسر بالنفقة لم يكن قيما
عليها ، وإذا لم يكن قيما عليها فهي كلحم على وضم فلا بد لها من قوّام ، ولم يشرع النكاح إلا لتحصينها
وحاجتها إلى القوام ، فإذا زال هذا المعنى ، فالأصل أن لا يثبت الرق على الحرة.
والشافعي يقول :
لكونه قواما عليها ، يمنعها من الحج وصوم التطوع.
واعلم أن قوله
تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) تطرق إليه التخصيص في مواضع : منها في الأمة ، ومنها في
الآيسة والصغيرة ، ومنها في الحامل في قوله :
(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ، (وَاللَّائِي يَئِسْنَ
مِنَ الْمَحِيضِ) ... الآية ).
ومنه ما قبل
الدخول بقوله تعالى : (فَما لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ
__________________
عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَها).
وقوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) خص منه ما قبل الدخول ، وخص منه المطلق ثلاثا.
قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) (٢٢٩) :
فرأى الشافعي أنه
بيان لما يبقى معه الرجعة من الطلاق ، ويدل عليه ما ذكره عقيبه من قوله :
(فَإِمْساكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).
وظن قوم ممن يرى
جمع الطلقات في قرء واحد بدعة ، أن قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، يقتضي التفريق ، لأنه لو طلق إثنتين معا ، لما جاز أن
يقال : طلقها مرتين ، وأن من دفع إلى رجل درهمين ، فلا يقال إنه أعطاه مرتين حتى
يفرق الدفع.
ويقال لهذا القائل
: لو كان المراد به بيان ما ذكره ، لم يكن هذا النظم المذكور دالا ، لأنه ليس
التبديع عنده من جهة جمع فعل الطلاق ، فإنه إن طلقها مرتين في قرء واحد عنده فهو
حرام ، وإن كان قد طلق مرتين حقيقة ، فيحرم عنده أعداد الطلقات في قرء واحد ، تعدد
الإيقاع أو اتحد ، وليس في قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ما ينبئ عن ميقات تحريم المرات وحلها ، فليس في اللفظ بيان
ما ذكروه.
نعم ، إذا كان
الطلاق الواحد يدل على إسقاط الملك ولا يسقط به ، فيحسن أن يقال : إنما يسقط
لمرتين ، إذا كان يسقط بعدد منه ، وليس كإعطاء درهمين معا ، فإن الدراهم الثاني لا
يتعلق بالأول في رجوعهما
__________________
إلى فائدة واحدة ،
ومعنى واحد ، حتى يقال ذلك المعنى لا يثبت بمرة واحدة ، بل يثبت بمرتين ، أما
الطلاق فإسقاط ملك النكاح ، فإذا لم يسقط ملك النكاح بطلقة واحدة ، فالطلقتان منه
في حالة واحدة ، كالطلقتين في ساعتين ، ومثله قوله تعالى :
(نُؤْتِها أَجْرَها
مَرَّتَيْنِ).
لا أن ذلك في
حالتين منفصلتين ، بعد تخلل فاصل بين الآخر الأول والثاني ، فإن نعيم الآخرة متصل ، لا انقطاع له ولا
انفصال فيه.
ويحتمل أن الله
تعالى ذكر بيان الرخصة على خلاف القياس ، فقال : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) أي : لكم أن تطلقوا مرتين وتراجعوا بعدهما ، فإن طلقتم
الثالثة فلا رجعة ، إلا أن تنكح زوجا غيره ، وهذا لا يقتضي كون مخالفة الرخصة بدعة
، ولما كانت هذه الرخصة في إثبات الرجعة مع صريح إسقاط الملك فيما غلب فيه التحريم
، وجعل مبعضه مكملا ، وفاسده صحيحا ، فصحيحه وصريحه في إسقاط الرجعة ، كيف لا يكون
باتا للملك ، وقاطعا للرجعة ، بديهة في قياس الطلاق؟
نعم كرر الله
تعالى الرجعة في مواضع فقال :
(فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) إلى قوله :
(لا تَدْرِي لَعَلَّ
اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً).
وليس في هذا دليل
على أنه إذا أخذ بما هو الأصل في إسقاط ملك هو له أن لا يجوز.
__________________
وربما احتج بعض
الجهال بقوله تعالى :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ).
وظاهره يقتضي تحريم
الثلاث ، لما فيه من تحريم ما أحل الله لنا من الطيبات.
وهذا جهل ، فإن
الله تعالى إنما نهانا عن تحريم طيبات أحلها لنا ، مع بقاء سبب الحل ، كما كانت
العادة جارية به في الجاهلية ، من البحيرة والسائبة ، والوصيلة ، والحام.
فأما إذا كان الحل
عارضا لأجل الملك ، فما دام الملك قائما فله الحل ، فإذا زال الملك ، زال الحل ،
كما يزول الانتفاع بالبيع في العبد والجارية والثوب.
كيف والحل في حق
الأجنبية ، مع أن الأصل في الأبضاع التحريم عجب ، فأما رفع ملك ثبت له ، وحصول
تحريم في ضمن ذلك ، بالرجوع إلى الأصل في تحريم الأجنبيات ، حيث لا ملك ، فلا
تتناوله هذه الآية.
__________________
ومن اعتقد تناول
هذه الآية لتحريم البيع والعتق وسائر الإزالات ثم خص بدليل ، فهو جاهل جدا لمعاني
الكلام.
وما ذكره مالك بن
أنس ، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، والليث ابن سعد ، والحسن بن صالح ، أن
طلاق العدة السني ، أن يطلقها واحدة ، ولا يطلقها في تلك العدة أخرى ، فإنه لا
حاجة إليها في قطع النكاح ، إنما الحاجة إلى الطلقة الأولى ، وهي تبين عند انقضاء
العدة من غير حاجة إلى الثانية ، فأي معنى للثالثة؟
وهذا لازم على أبي
حنيفة ، إذا سلك مسلك النظر في مراعاة الحاجة إلى قطع النكاح.
نعم إذا راجعها
فله أن يطلقها الثانية ، أما الطلاق الثاني في القرء الثاني في عدم الحاجة ،
كالطلاق الثاني في القرء الأول. هذا حسن على قياس أصولهم.
فإن قال من يذب عن
أبي حنيفة : إن ظاهر قوله مرتين ، يبيح في القرءين ، فيبيح في القرء الواحد ،
فاعتبار الأقراء من أي أصل تلقوه وليس في إيقاع الثانية في القرء الثاني فائدة
أصلا ، فلا هو يقطع النفقة ولا أنه يقطع سببا من الأسباب ، إلا أن يقول جاهل إنه
يقطع الميراث ، إن كان في حالة الصحة ومات فجأة ، وهذا جهل عظيم في إباحة اعتقاد
الطلاق لهذا القدر من الغرم ، وجوزوا الطلاق الأول من غير حاجة في حق غير المدخول
بها ، وفيه قطع للنكاح ، ولم يجوزوا الطلقتين ، مع أن الثانية لا حاجة إليها في
قطع هذا النكاح ، وليس في إيقاعها إلا توقع التدرج به إلى منع التزوج بها ابتداء ،
فإذا لم يحرم قطع هذا النكاح من غير حاجة ، فالنكاح الآخر لأن لا يحرم قطعه أولى ،
والنكاح الآخر يجوز قطعه بالطلاق الثالث في القرء الثالث من غير حاجة إليه ، فأي مستند
لهم في اعتبار
صورة الأقراء ، وغاية ما ذكروه مستندا لاعتبار الأقراء ما رواه مالك عن نافع عن
ابن عمر ، أنه طلق امرأته وهي حائض .. القصة .. إلى أن قال له رسول الله صلّى الله
عليه وسلم : مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد
ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء.
وهذا الذي قالوه
فيه نظر ، فإنه روي في بعض الأخبار عن سعيد ابن جبير وزيد بن أسلم ، عن ابن عمر ،
أن النبي عليه السلام ، أمره أن يراجعها حتى تطهر ، ثم قال : إن شاء طلق وإن شاء
أمسك. من غير ذكر هذه الزيادة.
ويجوز أن يقال :
إن الزيادة من الثقة مقبولة ، مع أنه قيل : إذا لم تنقل الزيادة نقل الأصل ، فذلك
يوجب ضعفا ووهيا ...
وأحسن الأحوال
للمخالف أن يقبل منهم هذه الزيادة ، وهي موافقة لأصلنا ، فإنا نقول على مذهب لنا
صحيح ، إنه إذا طلق امرأته في الحيض. وندبناه إلى الرجعة فراجعها ، فإذا طهرت بعد
ذلك ، فيكره له طلاقها ، لأن ذلك يوجب أن يكون قد راجع للطلاق فقط ، لا لغرض آخر ،
ويكره أن تكون الرجعة للطلاق فقط فلا جرم قيل يمسكها إلى أن تحيض مرة أخرى وتطهر ،
وهذا وفق مذهبنا ومقتضى قولنا.
ومستند أبي حنيفة
في إيجاب الفصل بين تطليقتين ، هو هذا الخبر الذي يروونه وبينا وجه الكلام عليه ،
مع أنه نقل عن أبي حنيفة ، أنه إذا طلقها ثم راجعها في ذلك الطهر ، جاز له إيقاع
طلقة أخرى في ذلك الطهر بعينه ، يقدر كأن الطلاق لاقاها في الحيض ، فإذا طهرت لم
لا يجوز أن يطلقها طلقة أخرى وقد تحللت الرجعة؟.
وأبو بكر الرازي
ذكر أن أبا حنيفة ذكر هذه المسألة في الأصول ، ومنعه من إيقاع التطليقة الثانية في
ذلك الطهر وإن راجعها ، حتى يفصل بينهما بحيضة.
قال الرازي : وهذا
هو الصحيح عندنا ، والرواية الأخرى غير معمول بها.
ومما جعلوه مستندا
لقولهم في اعتبار الأقراء ما رواه عطاء الخراساني عن الحسن قال : حدثنا عبد الله
بن عمر ، أنه طلق امرأته وهي حائض ، ثم إنه أراد أن يتبعها بطلقتين أخريين عند
القرئين الباقيين ، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال لابن عمر :
«ما هكذا أمرك
الله تعالى ، إنك قد أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء». وأمرني
رسول الله صلّى الله عليه وسلم فراجعتها وقال : إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك
، فقلت : يا رسول الله ، أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان لي أن أراجعها؟
«قال لا : كانت
تبين فتكون معصية» ، وهذا يرويه عطاء الخراساني وهو ضعيف جدا ، ، نعم تواترت
الأخبار في سائر أخبار ابن عمر ، حين ذكر الطهر الذي هو وقت لإيقاع طلاق السنة : «ثم
طلقها إن شئت» ، ولم يخصص ثلاثا مما دونها كان ذلك طلاقها الإثنين أو الثلاث معا ،
وليس لهم أن يقولوا : إن مطلق قوله «طلق» مخصوص بالأقل ، كلفظه لوكيله : طلق ، لأن
ذلك إنما يكون حيث لا تكون الطلقات مملوكة له ، فأما إذا كانت مملوكة له ، فمطلق
اللفظ يتناول الجنس الذي يملكه.
وقوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) خص منه الزوجان إذا كانا مملوكين ، واختلفوا فيما إذا رق
أحدهما :
فالشافعي يعتبر
الطلاق بالرجال.
وأبو حنيفة يعتبر
عدده بالنساء.
والبتي يقول : من
أي جانب جاء الرق انتقص عدد الطلاق.
وذكر بعض الروافض
، أن الثلاث لا يقعن إذا جمع بينهن ، وإنما يرد إلى واحد.
والحجاج بن أرطأة
كان على هذا المذهب فيما نقله أبو يوسف عنه.
وقال محمد بن
إسحاق بن محمد : ترد إلى واحدة.
وزعموا أن قول
الله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) لبيان الطلاق المشروع ، وحصر المشروع في المذكور وقال :
(إِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ) فإن الطلاق لا يقع إلا على هذا الوجه ، ورأوا أن هذه
التصرف البديع في التصرفات لما شرع على وجه ، لم يثبت إلا على ما شرع ، ولم يشرع
إلا مفرقا ، فلا يثبت إلا مفرقا ، وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم لابن عمر
لما قال :
أرأيت لو طلقتها
ثلاثا؟ .. إذا عصيت ربك وبانت امرأتك يقضي على هذا الكلام ويستأصله.
ولأن الطلقات
مملوكة له جميعا فإن سبب الملك النكاح ، والنكاح بالإضافة إلى الثاني والثالث
واحد.
وكيف لا ، والأصل
أن يزول بدفعه ، ولكن حكم بالعدد منه نظرا للمالك ورخصة ، فإذا جمع عاد إلى الأصل
فوقع.
وصح أن ركانة طلق
امرأته البتة ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه
وسلم فقال : ما
أردت إلا واحدة ، فقال : والله ما أردت إلا واحدة ، ولو كان لا يقع الثلاث لم يكن
لهذا معنى.
واحتج من معنى
وقوع الثلاث بما رواه عكرمة عن ابن عباس قال : «طلق ركانة بن عبد ربه امرأته ثلاثا
في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا ، فسأله رسول الله : كيف طلقتها؟ أطلقتها
ثلاثا في مجلس واحد؟ قال : نعم ، قال : إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت .. قال :
فراجعها ..
وروي ابن جريج عن
طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس :
«ألم تعلم أن
الثلاث كانت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وأبى بكر ، وصدر من خلافة
عمر ترد إلى الواحدة؟ .. قال نعم».
وذكر علماء الحديث
أن هذين الحديثين منكران.
وذكروا عن ابن
عباس أنه قال : كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر
وصدر من خلافة عمر واحدة :
أي أنهم كانوا
يطلقون طلقة واحدة ، هذا الذي يطلقون ثلاثا ، أي ما كانوا يطلقون في كل قرء طلقة ،
وإنما كانوا يطلقون في جميع العدة واحدة إلى أن تبين وتنقضي العدة.
قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسانٍ) (٢٢٩) :
وظاهر الفاء الدال
على التعقيب أن يكون الإمساك عقيب الطلاق ، والإمساك إنما هو الرجعة لأنها ضد حكم
الطلاق ، لأن حكم الطلاق
الفرقة بعد انقضاء
العدة. فسمى الله تعالى الرجعة إمساكا لبقاء الرجعة لها بعد مضي الثلاث حيض ،
وارتفاع حكم البينونة المتعلقة بانقضاء العدة.
وإنما أباح الله
تعالى إمساكا على وصف ، وهو أن يكون بمعروف ، وهو وقوعه على وجه يحسن ويجمل ، ولا
يقصد به الإضرار بها على ما ذكره في قوله :
(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِراراً لِتَعْتَدُوا).
فإنه إنما أباح له
الرجعة على هذه الشريطة ، ومتى راجع بغير معروف ، كان عاصيا ، والرجعة صحيحة.
وظن ظانون أن قوله
تعالى : (فَإِمْساكٌ
بِمَعْرُوفٍ) ، يتناول ما يكون متمسكا به ، والجماع أقوى مقاصد النكاح ،
فكان إمساكا بالمعروف فتحصل به الرجعة وهذا الظن غلط فإن قوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) ، ما كان بالقول ، فإن قابله بقوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، ولا طلاق إلا بالقول ، وكذلك لا إمساك إلا بالقول ، ويدل
عليه أنه قال في موضع آخر :
(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
ولا يقول عاقل إنه
يتناول الجماع ، ليشهد عليه ذوي عدل ، إلا أن يقر بالوطء ، ويشهد على الإقرار ،
وذلك خلاف المشروع ، لأن المشروع الشهادة على نفس الرجعة ، لا على الإقرار بها.
__________________
وقوله تعالى : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، فقد قيل فيه قولان :
أن المراد به الثالثة ..
ورووا عن أبي رزين
أنه قال رجل : يا رسول الله ، أسمع الله تعالى يقول : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ
بِمَعْرُوفٍ) فأين الثالثة؟
فقال : أو تسريح
بإحسان ، وهذا الخبر غير ثابت من طريق النقل ..
وقال الضحاك
والسدي إنه بتركها حتى تنقضي عدتها ، ويظهر هذا المعنى في موضع آخر في قوله :
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٢٣١).
والمراد التسريح
بترك الرجعة إذ يبعد أن يقول : طلقوا واحدة أخرى وقال :
(فَإِذا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ).
ولم يرد به إيقاعا
مستقبلا ، وإنما أراد به تركها حتى تنقضي عدتها ..
نعم ، الثالثة
مذكورة في مساق الخطاب في قوله تعالى :
(فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢٣٠).
فالثالثة مذكورة
في صلة هذا الخطاب ، مفيدة للبينونة الموجبة
__________________
التحريم ، إلا بعد
زوج ، ووجب حمل قوله تعالى : (أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسانٍ) على فائدة مجددة ، وهي وقوع البينونة بالثنتين عند انقضاء العدة.
وعلى أن المقصد من
الآية بيان عدد الطلاق الموجب للتحريم ، ونسخ ما كان جائزا من إيقاع الطلاق بلا
عدد محصور ، فلو كان قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسانٍ) هو الثالثة ، لما أبان عن المقصد في إيقاع التحريم بالثلاث
، إذ لو اقتصر عليه ، لما دل على وقوع البينونة المحرمة لها ، إلا بعد زوج ، وإنما
علم التحريم بقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ، فوجب أن لا يكون معنى قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) الثالثة ، ولو كان قوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسانٍ) بمعنى الثالثة ، كان قوله عقيب ذلك : (فَإِنْ طَلَّقَها) الرابعة ، لأن الفاء للتعقيب ، قد اقتضى طلاقا مستقبلا بعد
ما تقدم ذكره.
فثبت بذلك أن قوله
(أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسانٍ) ، وهو تركها حتى تنقضي عدتها.
وهذا صحيح عندنا ،
إلا أنه إذا لم يكن التسريح المذكور في القرآن بمعنى الطلاق ، فلا يكون فيه دلالة
على كون لفظ السراح صريحا على ما قاله أصحابنا ، لأن الله تعالى ما أراد به بيان
اللفظ ، وإنما أراد به تخلية سبيلها ، حتى تبين بالطلاق المتقدم بعد انقضاء العدة
، من غير
__________________
اعتبار لفظ آخر ،
فليطلب لكون السراح صريحا مأخذ آخر على هذا الرأي ...
قوله تعالى : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ، تبعد دلالته على الوطء مضافا إليها حتى يقال : إن المراد
به حتى تطأ زوجا غيره.
وإنما المراد به
حتى تجتمع بزوج غيره ، والاجتماع يحتمل الوطء ، ويحتمل غيره ، ودل خبر رفاعة على اعتبار الوطء ، ولم يخالف فيه غير سعيد بن المسيب ،
فإنه قال : يكفي النكاح.
ولئن قيل : ترك
دلالة الغاية المذكورة لمجرد خبر رفاعة بعيد.
فيقال : وما بين
الله تفصيل الغاية ، فإنه قال :
(فَلا تَحِلُّ لَهُ
مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). فذكر الوطء شرطا ، ويجوز أن يكون وراء هذا الشرط شرط آخر
، ويجوز أن لا يكون ، مثل قوله :
(وَلا جُنُباً إِلَّا
عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا).
ويجوز أن تغتسل
وتتوقف الاستباحة على شرط آخر.
وذكر شرط وبيان
توقف الحكم عليه ، لا يمنع اعتبار شرط آخر ،
__________________
والدليل عليه أنه
قال : (فَإِنْ طَلَّقَها) ، فاعتبر الطلاق وحل المحل ثابت قبله ، وقال : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ
عَلَيْهِما) (٢٣٠) وانقضاء
العدة معتبر أيضا.
قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ
اللهِ). الآية) (٢٢٩).
وقد قال تعالى في
آية أخرى.
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ
اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا
تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً).
فهذا يمنع أخذ شيء
منه دون رضاها ، إذا كان النشوز منه ..
وقال في آية أخرى
:
(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا
يُقِيما حُدُودَ اللهِ) فقيد بحالة خوف الشقاق ..
وقال في موضع آخر
:
(لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَ
__________________
لِتَذْهَبُوا
بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ..
ومعنى الفاحشة ،
يحتمل أن يكون نشوزا من قبلها ، أو زنا يخرج صدره ، ويحمله على المخاصمة.
وذكر الله تعالى
في موضع آخر ، إباحة أخذ المهر في قوله تعالى :
(وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَ)(نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ
شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
وقال تعالى :
(وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي
بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ).
__________________
قوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْساً) محكم تعضده الأصول ، وهو أنه إذا جاز له أخذ المال منها برضاها في غير
الخلع ، فهو في حال الخلع جائز.
وقال بعض السلف :
إنه لا يجوز إلا في حالة الضرورة وخوف الشقاق وهو باطل ، فإن الغرض من ذكر حال
الشقاق ، بيان الخلع في غالب الحال ، وإلا فعموم قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْساً) ، مع ظهور العلة فيه ، وهو كون المبذول حقا لها ، ولها أن
تهب من شاءت أولى بالاعتبار.
وكذلك يشهد له
قوله عليه السلام :
«لا يحل مال امرئ
مسلم إلا بطيب نفس منه».
واختلف العلماء في
الخلع هل هو فسخ أم طلاق؟
فالذي لا يراه
طلاقا يقول :
قد قال تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ).
ثم قال : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ
اللهِ).
ثم قال بعد ذلك : (فَإِنْ طَلَّقَها) ، فلو كان الخلع طلاقا ، لكان
__________________
الخلع بعد ذكر
طلقتين ثالثا ، وكان قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) بعد ذلك ، دالا على الطلاق الرابع.
وهذا غلط ، فإن
قوله (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، أفاد حكم الاثنتين إذا أوقعهما على غير وجه الخلع ، وأثبت معهما الرجعة بقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) ، ثم ذكر حكمهما إذا كان على وجه الخلع ، فعاد الخلع إلى
الثنتين المقدم ذكرهما.
أو المراد بذلك
بيان الطلاق المطلق ، والطلاق بعوض ، والطلاق الثلاث بعوض كان أو بغير عوض ، فإنه
يقطع الحل إلا بعد زوج.
وظن ظانون أن في
الآية ما يدل على أن المختلعة يلحقها الطلاق ، فإنه قال : (فَإِنْ خِفْتُمْ) ، وذلك بيان الطلاق المقدم ذكره بعوض ، ثم قال :
(فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).
فتكون الثالثة
حاصلة بعد الخلع.
ويدل على أنّ
الثالثة بعد الخلع قوله تعالى في نسق التلاوة :
(فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (٢٣٠) ، عطفا على
ما تقدم ذكره في قوله :
__________________
(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا
يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (٢٢٩).
فأباح لهما
التراجع بعد التطليقة الثالثة ، بشريطة زوال ما كانا عليه من الخوف ، لترك إقامة
حدود الله تعالى ، لأنه جائز أن يندما بعد الفرقة ويحب كل واحد منهما أن يعود إلى
الألفة.
فدل ذلك على أن
هذه الثالثة مذكورة بعد الخلع.
وزعموا أن قوله
تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها
فَلا تَحِلُّ) ، يبعد أن يرجع إلى قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، لأن الذي تخلل من الكلام يمنع بناء قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) ، على قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، بل الأقرب عوده إلى ما يليه كما في الاستثناء ، بلفظ
التخصيص أنه عائد إلى ما يليه ولا يعود إلى ما تقدمه إلا بدلالة ، كما أن قوله
تعالى :
(وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ).
صار مقصورا على ما
يليه ، غير عائد إلى ما تقدمه ، حتى لا يشترط الدخول في أمهات النساء.
وذكروا أن هذا
أبعد من ذلك ، فإن عطفه على ما يليه وما تقدمه ، أقرب من إخراج ما يليه بالكلية
وترك العطف عليه .
وهذا الذي توهمه
هؤلاء باطل ، فإن قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) ، ليس يدل على الثالث ، إلا بتقدير عطفه على عدد مذكور
قبله.
__________________
وقوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ
اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (٢٢٩) ، لا يدل
على طلقتين ، لا تعريضا ولا تصريحا ، حتى يكون قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) مرتبا عليه.
وقوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا
افْتَدَتْ بِهِ) ، مسوق لبيان جواز بذل العوض ، لا لبيان عدد الطلاق
والمقابل للعوض.
وقوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) يدل على عدد الطلاق الذي يثبت فيه حق الرجعة.
وقوله (فَإِنْ طَلَّقَها) ، بيان تمام ذلك العدد ، الذي لا يقترن به الاستدراك.
ثم جواز الافتداء
يستوي فيه الواحد والعدد ، وذلك بين بأول الخاطر ، وليس فيه شبهة على متأمل.
قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية (٢٣١) :
أجمع العلماء على
أن المراد ببلوغ الأجل مقاربة البلوغ ، ولذكر بلوغ الأجل ـ والمراد به مقاربته دون
انقضائه ـ نظائر كثيرة من القرآن واللغة ، قال الله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ومعناه : إذا أردتم الطلاق وقاربتم أن تطلقوا فطلقوا
للعدة.
وقال تعالى :
(فَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ).
__________________
ومعناه : إذا أردت
قراءته.
وقال : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا).
وليس المراد به
العدل بعد القول ، لكن قبله يعزم على أن لا يقول إلا عدلا. فعلى هذا ذكر بلوغ
الأجل ، والمراد به مقاربته دون وجود نهايته.
وإنما ذكر مقاربته
البلوغ عند الأمر بالإمساك بالمعروف ـ وإن كان ذلك عليه في سائر أحوال بقاء النكاح
ـ لأنه وصل به التسريح وهو انقضاء العدة وجمعهما في الأمر ، ومعلوم أن التسريح له
حالة واحدة لا تدوم ، فخص حالة بلوغ الأجل بذلك ، لينتظم المعروف الأمرين جميعا.
وقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) : إباحة الإمساك بمعروف ، فهو القيام بما يجب لها من حق
على زوجها .
والتسريح بالإحسان
أن لا يقصد مضارتها لتطويل العدة عليها بالمراجعة ، وتبين ذلك بقوله عقيب ذلك :
(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِراراً لِتَعْتَدُوا) (٢٣١).
ويجوز أن يكون من
الفراق بالمعروف أن يمتعها عند الفرقة.
فإذا ثبت ذلك
فالشافعي يقول :
«إن عجز عن نفقة
امرأته فليس يمسكها بمعروف ، فيجب عليه أن
__________________
يسرحها بإحسان ،
فإن الله تعالى إنما خيره بين شيئين لا ثالث لهما ، فإذا عجز عن أحدهما تعين
الثاني» ا ه.
فظن بعض الجهلة ،
أن العاجز ممسك بمعروف ، إذ لم يكلف الانفاق في هذه الحالة ، وهذا جهل وحمق ، فإن
العاجز إنما لم يكلف ما عجز عنه ، ونحن لا نكلفه النفقة ، إلا أنا نقول :
إذا عجز عن
الإمساك بالمعروف ، فالتسريح بالإحسان مقدور.
نعم إذا قدر على
نفقة المعسرين فلينفق مما آتاه الله.
ويدل عليه أن
العلماء قالوا : إذا عجز عن الانفاق على عبده أو أمته يقال له : بع عندك أو أمتك ،
لا على معنى أنا نكلف العاجز ، ولكن إن عجز عن النفقة ، فلم يعجز عن البيع.
وإمساك العبد
بالمعروف ليس منصوصا عليه ، وإنما هو مفهوم من النكاح ، فالنكاح بذلك أولى.
قوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً).
بيان النهي عن
تطويل العدة عليها بالمراجعة ، إذا قارب انقضاء العدة راجعها ، فأمر الله تعالى
بالإمساك بالمعروف ، ونهاه عن مضارتها بتطويل العدة عليها.
وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ) (٢٣١).
يدل على أن الرجعة
تنعقد على هذا الوجه ، ويكون بذلك ظالما ، ولو لم يثبت التطويل به ما كان ظالما ،
وكانت رجعته لغوا لا حكم لها.
وقوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) (٢٣١).
__________________
فروي عن أبي
الدرداء أنه كان الرجل يطلق امرأته ثم يرجع فيقول :
كنت لاغيا ، ويعتق
، ويرجع ، ويقول : كنت لاغيا ، فأنزل الله تعالى :
(وَلا تَتَّخِذُوا
آياتِ اللهِ هُزُواً).
وروى عن أبو هريرة
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال :
«ثلاث جدهن جد
وهولهن جد : الطلاق ، والنكاح ، والرجعة».
وإنما ذكر ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تفسيرا لكتاب الله تعالى :
قوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) (٢٣٢).
فذكر أصحاب
الشافعي أن بلوغ الأجل ها هنا حقيقة الانفصال.
وقوله : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) ، خطاب للأولياء ، ونهيهم عن الامتناع من تزويجها.
وذكر أصحاب أبي
حنيفة ، أن معنى هذه الآية لا يتحقق عندكم ، فإن الولي ، إذا كان هو المزوج
والمتصرف فلا يقال : لا تمنعوا فلانا من أن يبيع وأنتم البائعون ، فلو لم يكن إلى
المرأة النكاح لما صح أن يقول : «فلا تمنعوهنّ من النّكاح أن ينكحن» ، وهو لا
يمنعها إنما يمنع نفسه.
وقوله (يَنْكِحْنَ) فعل مضاف إليهن ، وإذا نهاه عن البيع ، وجب
__________________
أن لا يكون له حق
بما نهى عنه من منع المرأة ، فتقدير الكلام : ليس للولي منع المرأة من النكاح ،
إذا تراضوا بينهم بالمعروف وهو الكفؤ ، وإنما نهى الله تعالى عن العضل ، إذا
تراضوا بينهم بالمعروف.
ومما استشهدوا به
أيضا قوله تعالى :
(فَلا تَحِلُّ لَهُ
مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ولم يذكر الولي.
والذي ذكره هؤلاء
غلط ، وذلك أن الله سبحانه إنما قال :
(حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجاً غَيْرَهُ).
وقوله : (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) ، بناء على العادة الجميلة المندوب إليها في الشرع ، وهي
تفويضهن النكاح إلى الأولياء ، بعد الرضا بالأزواج ، واختيارهم ، لا مباشرة المرأة
عقد النكاح دون الأولياء ، فإن ذلك خرم للمروءة ، وهتك للستر ، وفتح لأبواب التهمة
، وشناعة في العرف.
وذكر آخرون أن
الآية بنظمها ، دالة على أن الولي غير مراد بالآية ، فإنه قال في أول الآية :
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ).
وقوله : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) خطاب لمن طلق ، فمعنى ذلك عضلها عن الأزواج بتطويل العدة
عليها.
وغاية ما يرد على
هذا : أن ذلك يخرج قوله (فَإِذا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ) عن البلوغ حقيقة.
__________________
والأول يجيب عن
هذا ، أن حمل البلوغ على مقاربة البلوغ ، لا يلحق اللفظ بالمستكره والبعيد في
مجاري كلام البلغاء.
أما قول القائل : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) يا أولياء ، فيقطع نظام الكلام ، ويضمر ما لم يجر له ذكر
بوجه ، فهو ركيك من الكلام ، مستكره في التأويل.
فقيل لهم : إن
الذي قلتموه فهمناه من قوله قبل هذا :
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا). فكيف يعيد عين ذلك بلفظ هو كناية عن القرب من ذكره باللفظ
الصريح من غير فائدة ، وهذا بين جدا.
ويدلك على ذلك ما
رواه شريك عن سماك ، عن ابن أخي معقل ابن يسار ، عن معقل ، أن أخت معقل كانت تحت
رجل فطلقها ، ثم أراد أن يراجعها ، فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية.
وروى عن الحسن هذه
القصة ، وأن الآية نزلت فيها ، وأن النبي عليه السلام دعا معقلا وأمره بتزويجها
إياه.
وهذا الحديث غير
ثابت على مذهب أهل النقل ، لما في سنده من الرجل المجهول الذي يروى عنه سماك ،
وحديث الحسن مرسل ، ولكنه مشهور ، والمرسل عندهم حجة.
والقاضي إسماعيل
بن إسحاق يرويه في أحكام القرآن عن الحسن قال : «حدثني معقل بن يسار ، الحديث.» ثم
يقول : «ثم تركها حتى انقضت عدتها». ويروى ذلك بأسانيد شتى ..
قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ
حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) الآية (٢٣٣).
إلى قوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٢٣٣).
وذلك يدل على جواز
استئجار الأم على إرضاع ولدها ، سواء كانت مطلقة أو مزوجة.
وعندنا الأم إذا
امتنعت من إرضاع ولدها إلا بأجرة ومؤونة ، فيجوز لها ذلك ، والأب يستأجرها.
وإذا رضيت الأم
بما ترضى به الأجنبية ، فلا تضار والدة بولدها في انتزاعه منها ، فلا يكون للزوج
انتزاع الولد منها ، إذا رضيت بأن ترضعه بأجرة مثلها ، وهي الرزق والكسوة بالمعروف
، وإن لم يرض.
ولما قال : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) جعلن أحق بحضانة الولد ، وذلك يدل على أن الأصل في الحضانة
الأم ، لأن حاجة الولد بعد الرضاع إلى من يحضنه ، كحاجته إلى من يرضعه ، فإذا كانت
في حالة الرضاع أحق به ، وإن كانت المرضعة غيرها ، علمنا أن في كونه عند الأم حقا
لها وللولد جميعا ، وهو أن الأم أرفق وأحنى عليه ، فإذا بلغ سن التمييز ـ وهو السن
الذي يؤمر بالصلاة فيه ، وذلك يدل على التمييز
__________________
والعقل ـ فيخير
بين أبويه ، فإن في تلك الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن والأدب ووظائف العبادات ،
وذلك يستوي فيه الغلام والجارية ، خلافا لأبي حنيفة ، فإنه جعل الأم أولى بالجارية
إلى الحيض والبلوغ ، لحاجتها ـ بخلاف الغلام ـ إلى آداب النساء ، وهذا بعيد ، فإن
الحاجة إلى الوظائف والفرائض الدينية أصلية ، وآداب النساء قريبة ، وليست الحاجة
إليها ضرورية ، وهي قليلة يمكن تحصيلها في مدة يسيرة ، ومع ذلك فهيبة الأب تكفها
عن المساوئ ، وليس للنساء مثل هيبة الرجال ، وفي المسألة أخبار لا تتعلق بمعاني
القرآن ، فتركنا ذكرها) ..
قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا
مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) (٢٣٣).
وظن ظانون أن قوله
: (وَعَلَى الْوارِثِ
مِثْلُ ذلِكَ) من النفقة ، فإنها على الوارث.
وليس ذلك مذهبا
لأبي حنيفة ، فإنه لا يعلقها على الإرث ، وإنما يعلقها على الرحم والمحرمية مع
الإرث ، ولا نعلم في العلماء من يعلق على الإرث ، سوى ما ذكر عن أحمد ، فإنه طرد
ظاهر الإرث حتى قال : الجد من قبل الأم لا نفقة عليه مع وجود ابن العم ، وطرد ذلك
في النساء والرجال والحجب بالأشخاص والأوصاف.
وذلك في غاية
البعد عن الأوضاع الشرعية ، ومع هذا فلا دلالة للقرآن عليه ، فإن قوله تعالى : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) ، يمكن أن يحمل على أقرب مذكور ، وهو نفي المضارة.
وعن ابن عباس
والشعبي : وعلى الوارث أن لا يضار في تفسير هذه الآية.
ولما أراد النفقة
بعد ذلك قال : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ
أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) ذكر الولادة ، ورد الأمر في النفقة إليها.
وقال القاضي أبو إسحاق
إسماعيل بن إسحاق رحمه الله في كتاب «معاني القرآن»:
أما أبو حنيفة
فإنه قال : تجب نفقة الصغير ورضاعه على كل ذي رحم محرم ، مثل أن يكون رجل له ابن
أخت صغير محتاج ، وابن عم صغير محتاج وهو وارثه ، أن النفقة تجب على الحال لابن
أخته الذي لا يرثه ، وتسقط عن ابن العم لابن عمه الوارث ، ثم قال :
وقالوا قولا ليس
في كتاب الله تعالى ، ولا نعلم أحدا قاله ، ثم قال هذا الرجل : وإذا ولد الولد
وأبوه ميت ، فعلى أمه أن ترضعه لأن الله تعالى جعلها المرضعة ، فلا يسقط عن الأم
ما كان واجبا عليها بسقوطه عن الأب بالموت.
فلم ير هذا الرجل
ما وجب عليها بإزاء ما وجب لها ، فإذا لم يكن ما وجب لهم ، لم يجب ما يقابله.
ولا خلاف أنه إذا
انقطع لبنها بمرض أو غيره ، فلا شيء عليها ، وإن أمكنها أن تسترضع ، ولا عليها
نفقة بعد الرضاع ، وكذلك قبله لا فرق.
ومالك لا يوجب
النفقة إلا على الأب للابن ، وعلى الابن للأب ، ولا يوجبها للجد على ابن الابن ..
قوله تعالى : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ
مِنْهُما) (٢٣٣) ،
__________________
يدل على الفطام
قبل الحولين ، وقد يدل على الفطام أيضا بعد الحولين ، لأن الفاء للتعقيب ، فوجب أن
يكون الفصال الذي علقه بإرادتهما بعد الحولين.
وإذا ثبت ذلك ،
فتخصيص تحريم الرضاع بمدة الحولين ، لا بد من تأصل مستنده ، مع أن الليث بن سعد
صار إلى أن إرضاع الكبير ، يوجب تحريم الرضاع ، وانفرد به من بين العلماء.
وروي عن عائشة مثل
ذلك.
وكانت تروي في ذلك
حديث سالم مولى أبي حذيفة أن النبي عليه السلام قال لسهلة بنت سهيل ـ وهي امرأة
أبي حذيفة ـ :
«أرضعيه خمس رضعات
ثم يدخل عليك».
وتمام هذا الحديث
، أن سهلة بنت سهيل قالت : «يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي» ، فقال النبي عليه السلام : «أرضعيه».
وقد روى مسروق في
مقابلته عن عائشة ، أن رسول الله دخل عليها وعندها رجل فقالت : يا رسول الله ، إنه
أخي من الرضاعة ، فقال عليه السلام :
«انظرن من إخوانكن
فإنما الرضاعة من المجاعة» .
وهذا يقتضي اختصاص
الرضاع بالحالة التي يسد اللبن مجاعته ، ويكتفي في غذائه به.
__________________
وقد روي عن أبي
موسى أنه كان يرى رضاع الكبير ، وروي عنه ما يدل على رجوعه ، وهو ما روى أبو حصين
عن أبي عطية قال : قدم رجل بامرأته إلى المدينة فوضعت وتورم ثديها ، فجعل يمجه ويصبه ، فدخل في بطنه جرعة منه ، فسأل أبا موسى فقال :
بانت منك وائت ابن مسعود فأخبره ، ففعل ، فأقبل بالأعرابي إلى الأشعري وقال : أرضيعا
ترى هذا الأشمط؟
«إنما يحرم من
الرضاع ما ينبت اللجم والعظم» ، فقال أبو موسى الأشعري : لا تسألوني ما دام هذا
بين أظهركم.
وقوله : «لا
تسألوني» ، يدل على أنه رجع عن ذلك.
وروى جابر عن رسول
الله أنه قال : «لا يتم بعد حلم ولا رضاع بعد فصال».
وفي حديث آخر : «الرضاع
ما أنبت اللحم وأنشز العظم».
فإذا ثبت أن رضاع
الكبير لا يحرم ، فالشافعي يقدر أثر الرضاع بالحولين.
وأبو حنيفة يزيد
ستة أشهر ويقول : ما يحرم بعد الحولين يحرم ـ فطم أو لم يفطم ، إلى ستة أشهر.
وقال زفر : ما دام
يجتزى باللبن ولم يفطم ، فهو رضاع ، وإن أتى عليه ثلاث سنين.
__________________
وقال الأوزاعي :
إذا فطم لسنة واستمر فطمه ، فليس بعده رضاع.
فأما الشافعي فإنه
يرى : كأن التقدير بستة أشهر ، كالتقدير بسنة ، والتقدير بشهر ، وذلك تحكم لا
مستند له ، وهو مثل تقدير أبي حنيفة في بلوغ الغلام بثمان عشرة سنة ، وقوله :
لا يدفع المال إلى
الذي لم يؤنس رشده ، إلا بعد خمس وعشرين سنة ، وكل ذلك تحكم.
ولا مستند في مثل
ذلك إلا التوقيف ، والتوقيف قوله تعالى :
(وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ
الرَّضاعَةَ).
ونص على أن
الحولين إتمام الرضاعة ، ولفظ الإتمام ، يمنع إمكان الزيادة عليه في الحكم المتعلق
بما قبل التمام.
نعم ، قد قال صلّى
الله عليه وسلم : «من أدرك عرفة فقد تم حجه».
ومعناه تمام
الإدراك الذي لا يلحقه إمكان فوت.
وهذا المعنى متعلق
بالوقوف ، فإذا ظهر لنا هذا المستند ، فالتقدير لستة أشهر بعده ، لا وجه له.
وقد روى جابر أن
النبي عليه السلام قال :
«لا رضاع بعد
الحولين».
وفي رواية : «لا
رضاع بعد فصال» ، والأصل كتاب الله تعالى الدال على تمام الرضاع في الحولين.
وقوله تعالى : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ
مِنْهُما وَتَشاوُرٍ) يدل على فوائد ، منها :
جواز الاجتهاد في
الأحكام ، بإباحة الله تعالى للوالدين التشاور فيما يؤدي إلى صلاح أمر الصغير ،
وذلك موقوف على غالب ظنونهما ، لا على الحقيقة واليقين.
وفيه دليل على أن
الفطام في مدة الرضاع موقوف على تراضيهما ، وأنه ليس لأحدهما أن يفطمه دون الآخر ،
لقوله : (فَإِنْ أَرادا
فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما).
وروي عن قتادة قال
: كان الرضاع واجبا في الحولين ، وكان يحرم الفطام قبله ، ثم خفف وأبيح الرضاع أقل
من هذه المدة ، بقوله تعالى :
(فَإِنْ أَرادا
فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما).
أن يفطما قبل
الحولين وبعدهما ..
قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ)(بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْراً) (٢٣٤) :
نسخ ذلك قوله
تعالى : (مَتاعاً إِلَى
الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) ، وفي ذلك الوقت ، كانت الوصية للأزواج واجبة ، وهي النفقة
إلى الحول ، ثم أبدلت الوصية بالميراث ، إما ربعا في حالة ، أو ثمنا في حالة.
وقوله : (مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ) نسختها العدة أربعة أشهر وعشرا.
ولا خلاف أن هذه
الآية خاصة في غير الحامل.
__________________
واختلفوا في
الحامل المتوفي عنها زوجها على ثلاث مذاهب :
فقال علي رضي الله
عنه ، وإحدى الروايتين عن ابن عباس : عدتها آخر الأجلين.
وقال عمر وابنه ،
وزيد بن ثابت ، وأبو هريرة في آخرين : عدتها أن تضع حملها.
وقال الحسن :
عدتها أن تضع حملها ، وتطهر من نفاسها ، ولا تتزوج وهي ترى الدم.
فأما علي رضي الله
عنه : فإنه ذهب إلى أن قوله : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْراً) يوجب الشهور.
وقوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ، يوجب انقضاء العدة بوضع الحمل.
فجمع بين الآيتين
في إثبات حكمهما في المتوفي عنها زوجها ، وجعل انقضاء عدتها آخر الأجلين ، من وضع
الحمل أو مضي الشهور.
وقال ابن مسعود : من شاء باهلته ، إن قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) نزلت بعد قوله : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْراً).
__________________
فاتفق الجميع على
أن قوله : (وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ) عام في المطلقة والمتوفى عنها زوجها ، وإن كان مذكورا بعد
ذكر الطلاق ، لاعتبار الجميع الحمل في انقضاء العدة.
قالوا جميعا : إن
مضي الشهور لا تنقضي به عدتها إذا كانت حاملا ، حتى تضع حملها ، فلا تعتبر الشهور
معه ، ولم يختلفوا في أن عدة الطلاق تنقضي بوضع الحمل ، من غير ضم الأقراء إليها ،
وقد كان جائزا أن يكون الحمل والأقراء مجموعين عدة لها ، بأن لا تنقضي عدتها بوضع
الحمل ، حتى تحيض ثلاث حيض ، فكذلك يجب أن تكون عدة الحامل المتوفي عنها زوجها في
الحمل ، غير مضموم اليه الشهور.
وقال الأصم : إن
الآيات في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق المرأة والأمة ، فعدة
الحرة والأمة سواء.
وهذا مذهب له وجه
من حيث التوقيف ، فإن العمومات لا فصل فيها بين الحرة والأمة ، وقد استوت الحرة
والأمة في النكاح ، إلا أن الذي نصف ، تلقاه من وجوب العدة باعتبار الحرمة ، وحرمة
الأمة دون حرمة الجرة ، وهذا فيه ضعف ، لاستواء المسلمة والكافرة الحرة في العدة ،
ولأن العدة وجبت لحق الزوج ، وحق الزوج بالإضافة إلى الحرة والأمة واحد ، وهذا بين
، فإن صح الخبر في قوله صلّى الله عليه وسلم :
«طلاق الأمة
طلقتان وعدتها حيضتان فهو متعلق ، وإلا فالمتعلق ضعيف.
واختلف السلف في
المتوفي عنها زوجها إذا لم تعلم بموته وبلغها الخبر.
فقال ابن مسعود
وابن عباس وعطاء وجابر بن زيد : إن عدتها من يوم
يموت ، وكذلك
الطلاق من يوم طلق ، وهو قول فقهاء الأمصار.
وقال علي رضي الله
عنه والحسن البصري :
يوم يأتيها الخبر
في الموت ، وفي الطلاق من يوم طلق.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) يدل على أنه يتعلق بالموت ، وكذلك قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ) يدل على أن العدة متعلقة بالطلاق.
والذي ذهب اليه من
اعتبر بلوغ الخبر ، أن عدة الوفاة قضاء لحق الزوج ، وإنما يتحقق ذلك إذا علمت
واعتزلت وتركت الزينة عن اختيار ، فإذا لم تعلم ، فلا يتحقق هذا المعنى ، وهذا بين
، إلا أنها لو علمت موت الزوج ، فلم تجتنب الزينة ، انقضت عدتها ، فعلم أن المعتبر
في ذلك تقضي الوقت.
فأما السكنى
فللمطلقة لقوله تعالى :
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ سَكَنْتُمْ).
والمتوفى عنها
زوجها لم يذكر في القرآن سكناها.
وقد اختلف قول
الشافعي ، فيما إذا مات عنها زوجها وهي في منزل : فالذي عليه الأكثرون أنها لا
تخرج.
ونقل عن الشافعي
أنه قال : تخرج وتسكن أي منزل شاءت ، إنما الإحداد في الزينة.
وقد ورد في الخبر
عن أخت أبي سعيد الخدري ، أنها استأذنت رسول
__________________
الله صلّى الله
عليه وسلم في عدة وفاة زوجها أن ترجع إلى أهلها من بني عذرة ، فقال لها رسول الله
صلّى الله عليه وسلم :
«امكثي حتى يبلغ
الكتاب أجله».
وليس في لفظ العدة
في كتاب الله ما يدل على الإحداد ، إلا أن الإحداد وجب بالسنة ..
قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) :
فأباح التعريض
بالخطبة وإضمار نكاحها ، من غير إفصاح به.
وفيه دليل على نفي
الحد بالتعريض بالقذف ، فإن الله تعالى لم يجعل التعريض في هذا الموضع بمنزلة
التصريح ، فكذلك لا يحصل التعريض بالقذف كالتصريح ، وإذا خالف الله تعالى بين
حكمهما ، بأن به تفاوت ذنبه ما بين التعريض والتصريح ، والحدود مما يسقط بالشبهات
، فهي في حكم السقوط والنفي آكد من النكاح ، فإذا لم يساو التعريض في النكاح
والتصريح ، وهو آكد في باب الثبوت من الحد ، كان أولى أن لا يثبت بالتعريض من حيث
دل على أنه لو خطبها بعد انقضاء العدة بلفظ التعريض ، لم يقع بينهما عقد النكاح ،
وكان تعريضه بالعقد مخالفا للتصريح ، فالحد أولى أن لا يثبت به ، ومعلوم أن المراد
بالتعريض قد يحصل في الخطبة ، ولكنه دون التصريح فافترقا ، وكذلك في القذف ،
__________________
وقد أمكن أن يكون
التعريض بالقذف لا للمقذوف ، ولكن لشخص آخر متصل به ، وذلك الشخص لا يدري حاله.
وعرض رسول الله
صلّى الله عليه وسلم بخطبة فاطمة بنت قيس وهي في العدة وقال :
«لا تفوتينا نفسك»
وإنما كان يريد خطبتها لأسامة بن زيد ، وفي ذلك رد على مالك في إيجابه الحد
بالتعريض بالقذف ، والاحتجاج بالتعريض بالخطبة على مالك ، وهو لطيف ..
وفي قوله تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى
يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) (٢٣٥).
دليل على تحريم
نكاح المعتدة.
وقوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ
سَتَذْكُرُونَهُنَّ) (٢٣٥).
يعني بالتزويج ،
لرغبتكم فيهن ، ولخوف أن لا يسبقكم إليهن غيركم ، فأباح لهم التوصل إلى المراد
بذلك التعريض دون الإفصاح.
وذلك يدل على جواز
التوصل إلى الأشياء من الوجوه المباحة ، وإن كانت محظورة من وجوه أخر ، نحو ما
أشار الله تعالى إليه في ثمر خيبر ، على ما بينه الفقهاء في كتبهم.
__________________
ولا خلاف بين
الفقهاء : أن من عقد على امرأة نكاحا وهي في عدة غيره ، أن النكاح فاسد.
وبلغ عمر ، أن
امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف وهي في عدتها ، فأرسل إليهما وفرق بينهما
وعاقبهما وقال : لا تنكحها أبدا ، وجعل الصداق في بيت المال ، وفشا ذلك في الناس ،
فبلغ عليا رضي الله عنه ذلك فقال : «يرحم الله أمير المؤمنين ، ما بال الصداق في
بيت المال ، إنهما إن جهلا فيجب على الإمام أن يردهما إلى السنة» ، فقيل له: «فما
تقول فيه أنت» .. فقال : «لها الصداق بما استحل به من فرجها ، ويفرق بينهما ،
وتكمل عدتها من الأول ، ثم تكمل عدتها من الآخر ، ثم يكون خاطبا». فبلغ ذلك عمر
فخطب الناس فقال :
«يا أيها الناس ،
ردوا الجهالات إلى السنة» .
وقال مالك
والأوزاعي والليث بن سعد : لا تحل له أبدا.
قال مالك والليث :
ولا بملك اليمين ، مع أنهم جوزوا التزويج بالمزني بها.
وفي اتفاق عمر
وعلي رضي الله عنهما على انتفاء الحد ، دليل على أن النكاح الفاسد لا يوجب الحد ،
إلا أنه مع الجهل بالتحريم ، متفق عليه ، ومع العلم به ، مختلف فيه ..
قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ
__________________
تَمَسُّوهُنَ
أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) (٢٣٦) :
تقدير الآية : ما
لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة .
وقد نزلت الآية في
رجل من الأنصار ، تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا ، وطلقها قبل أن يمسها.
وكما دل على ذلك
سبب النزول دل السياق عليه ، فإنه تعالى قال معطوفا عليه :
(وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَ فَرِيضَةً فَنِصْفُ
ما فَرَضْتُمْ) (٢٣٧) :
فلو كان الأول
بمعنى ما لم تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة أو لم تفرضوا ، لما عطف عليها المفروض لها
، فعلم أن معناه : ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة ، فيكون أو بمعنى الواو.
وقال تعالى في
مثله :
(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِماً أَوْ كَفُوراً).
__________________
وقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى
سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ).
معناه : وجاء أحد
منكم من الغائط وكنتم مرضى أو مسافرين.
وهذا موجود في
اللغة ، وهو في النفي أظهر من دخولها عليه بمعنى الواو ، مثل ما قدمناه من قوله :
(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِماً أَوْ كَفُوراً).
وقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا
كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما
إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) ، «أو» في هذه المواضع هي بمعنى الواو ..
وقوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً). لما دخلت على المنفي كانت بمعنى الواو. فيشترط وجود المعنيين ،
لوجوب المتعة على هذا التقدير.
وفي عموم قوله : (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) ، دليل على جواز الطلاق في حالة الحيض قبل الدخول .
__________________
وقد زعم قوم أن
المتعة ندب ، وهو قول مالك ، وذكروا أن قوله تعالى : (حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ) ، يدل على أنه ليس بأمر جزم ، فإن التقوى لا تدرى.
ولا شك أن عموم
الأمر بالإمتاع في قوله : (وَمَتِّعُوهُنَّ).
وإضافة الإمتاع
إليهن بلام التمليك في قوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ
مَتاعٌ) يظهر في الوجوب ، وقوله (عَلَى الْمُتَّقِينَ) تأكيد لإيجابها ، لأن كل أحد يجب عليه أن يتقي الله تعالى
في الإشراك به ومعاصيه ، وقد قال الله تعالى في القرآن : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
ومالك يقول : إن
الأصل أن لا يجب للمطلقة شيء ، إذا عاد البضع سليما إليها ، كما لا يجب للبائع شيء
، إذا رجع المبيع سليما اليه.
فقياس ذلك نفي
المتعة. وهذا ضعيف ، فإن هذا القياس ، كان لمنع وجوب عوض البضع وهو المهر للمفوضة
، وليس فيه ما ينفي المتعة التي وجبت في مقابلة الأذى الحاصل بالطلاق ، وليس في
قياس الأصول ما يدفع ذلك بوجه ، وهذا يقتضي أن لا يكون للمملوكة متعة ، إذا طلقت
قبل الفرض والمس ، لأن المتعة تكون للسيد ، وهو لا يستحق مالا في مقابلة تأذي
مملوكته بالطلاق ، ولا أعلم أحدا قال ذلك سوى الأوزاعي والثوري ، فإنهما زعما أن
لا متعة في هذه الحالة.
وذكر أصحاب أبي
حنيفة ، أن مهر المثل مستحق بالعقد ، والمتعة هي بعض مهر المثل ، فتجب لها ، كما
يجب نصف المسمى إذا طلقها قبل الدخول.
__________________
وقال محمد بن
الحسن : لو رهنها بمهر المثل رهنا ، وطلقها قبل الدخول ، كان رهنا بالمتعة ،
ومحبوسا بها ، إن هلك هلك بها.
وذلك بعيد ، مع
الاتفاق على سقوط مهر المثل بالطلاق قبل الدخول وليست المتعة بدلا عن البضع ، فإن المعتبر به حال الرجل
بنص كتاب الله تعالى :
(عَلَى الْمُوسِعِ
قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) (٢٣٦).
فدل ذلك على أنها
ليست بدلا عن البضع.
كيف؟ والمتعة وجبت
في حالة سقوط حقه عن بضعها ، والمهر في مقابلة استحقاقه بعضها ، فبينهما تضاد في
الحقيقة ، لأن أحدهما يدل لاجتماعهما ، والآخر لافتراقهما.
وسبب المتعة أذية
حصلت بالطلاق ، وهو أيضا في طريق النظر مشكل ، فإن الزوج إذا جاز له أن يطلقها
فإنما أسقط حقا لنفسه ، فمن أين يجب عليه مال لها من جهة أنها لا تريد فراقه؟
ولو وجب لها شيء ،
فإنما يجب لأنه فوت عليها حقها ، وذلك يمنع كون الطلاق مباحا.
وعلى أنه لو كانت
المتعة صداقا ، أو عوضا عن صداق ، لما صح الترغيب في المتعة التي تستحق المهر
بالمسيس ، والترغيب في الأحوال كلها في الامتاع واحد.
وذلك يؤكد قول
مالك في أن محل المتع كلها واحد ، كما أن محل الصداق واحد ، فالمتعة في الأحوال
كلها بعد الفراق ، والصداق قبله ،
__________________
فدل مجموع ذلك على
أن تعرية النكاح عن المهر ممكنة ، وفي ذلك سقوط قول الذين زعموا أن المتعة عوض عن
الصداق أو عن البضع.
نعم ، لا خلاف أن
المطلقة قبل الدخول ، لا تستحق المتعة على وجه الوجوب ، إذا وجب لها نصف المهر
المسمى ، فذلك يوهم كون المتعة قائمة مقام المهر ، لأنها وجبت حيث لا فرض ، ولم
تجب عند من أوجبها ، حيث ثبت نصف المفروض.
ويجاب عنه ، بأن
العلة فيه ، أنه لما رجع البضع إليها مع نصف المفروض ، حصل به التسلي ، فزال معنى
التأذي بالفراق. فلم تجب المتعة لعدم سببها ، وهو التأذي بالفراق.
وأما قوله تعالى :
(وَلِلْمُطَلَّقاتِ
مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) عام في حق المطلقات.
واختلف قول
الشافعي رحمه الله في حق المطلقة للدخول بها ، وظاهر العموم لا يقتضي التردد ، إلا
أنه ربما قيل : إن المطلقة بعد المس ، استحقت المهر في مقابلة وطء تقدم ، فلم يرجع
البضع إليها سليما ، حتى يكون ذلك مانعا من التأذي بالفراق الذي هو سبب المتعة.
ويقال في معارضة
ذلك : إن المهر كان في مقابلة وطئات العمر ، وقد عاد إليها ذلك مع كمال المهر ،
فيتردد ويتفاوت النظر ، فلا جرم ، اختلف قول الشافعي فيه.
فأما تقدير المتعة
فإن الله تعالى يقول : (وَمَتِّعُوهُنَّ
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ)(قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ).
__________________
وذلك يقتضي بظاهره
اعتبار حال الرجل ، وذلك يختلف باختلاف الأزمنة.
وذكر بعض علمائنا
، أن حالها معتبر مع ذلك أيضا ، ولو اعتبرنا حال الرجل وحده ، لزم منه أنه لو تزوج
بامرأتين ، إحداهما شريفة والأخرى دنية ، ثم طلقهما قبل الدخول ولم يسم لهما ، أن
يكونا متساويين في المتعة ، فيجب للشريفة مثل ما يجب للدنية ، والله تعالى يقول : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ) وليس ذلك من المعروف ، بل هو في العرف منكر.
ويلزم منه : أن
الموسر العظيم اليسار ، إذا تزوج امرأة دنية فهو مثلها ، وبيانه : أنه لو دخل بها
، وجب لها مهر مثلها إن لم يسم لها شيئا ، ولو طلقها قبل الدخول ، لزمته المتعة
على قدر حاله ، فيكون ذلك أضعاف مهر مثلها ، فتستحق قبل الدخول أضعاف ما تستحقه بعد الدخول ، وذلك يقتضي أن لا يزاد على
قدر المهر الواجب بأعلى غايات الابتذال وهو الوطء.
ثم قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً). (٢٣٧) المراد بالفرض ها هنا ، تقدير المهر وتسميته في
العقد ، وإنما فهم منه الفرض في العقد ، لأنه ذكر المطلقة التي لم يسم لها فرضا
بقوله تعالى :
(إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) ،
__________________
وذلك يقتضي أن
يعقب بذكر من فرض لها في العقد وطلقت.
فأما المفروض لها
بعد العقد ، إذا طلقت قبل الدخول :
فقال أبو حنيفة :
ليس لها مهر مثلها.
ومالك والشافعي
وأبو يوسف : يجعلون لها نصف الفرض.
ويجعل أبو حنيفة
المفروض بعد العقد ، كالذي لم يفرض ، ويوجب المتعة ، وليس له في ذلك مستند ومرجع ،
فإن المفروض بعد العقد ، إذا ألحق بالعقد ، فلم لا يلحقه في حكم التشطير؟ واختلاف
زمان الفرض لا يغير حقيقة المفروض.
وقوله تعالى : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) يتناول ـ بطريق العموم ـ ما بعد العقد.
ولو توهم متوهم ،
أن فيما قبله ما يمنع من هذا العموم ، فليس كذلك ، فإن ما قبله عدم الفرض مطلقا ،
وما بعده إثبات الفرض ، وإثبات الفرض يعم الأحوال.
ولو كان النص على
المفروض عند العقد ، كنا نلحق به المفروض بعد العقد بطريق الاعتبار ، مثل إلحاق
الشيء ، بمثل ما في معناه ..
قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) ، يقوي أحد قولي الشافعي ، وأن مجرد الخلوة لا تقرر المهر
..
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) (٢٣٧) معناه :
الزوجات يكون عفوها أن تترك الصداق ، وهو النصف الذي جعله الله تعالى من بعد
الطلاق ، بقوله : (فَنِصْفُ ما
فَرَضْتُمْ).
وقد يكون الصداق
عقارا وعينا معينة ، فلا يصح العفو فيه ، ولكن معنى العفو ، هو تركها الصداق عليه
على الوجه الجائز في عقود التمليكات ، بأن تملكه إياه بغير عوض.
والعفو التسهيل :
يقال : جاء الأمر عفوا ، أي سهلا سمحا من غير تعويق.
فقال الشافعي : «في
هذا دلالة على جواز هبة المشاع فيما ينقسم وفيما لا ينقسم ، لإباحة الله تعالى
تمليك نصف المفروض الثابت بعد الطلاق».
ولم يفرق بين ما
كان منها عينا أو دينا ، وما يحتمل القسمة وما لا يحتملها ، فوجب اتباع موجب الآية
في جواز هبة المشاع.
نعم : العفو كناية
عن التمليك فتقديره : إلا أن يهبن نصف المهر ويتركنه على الأزواج ، فكان اللفظ
عاما في جميع ما كان صداقا.
نعم يجوز أن يقال
إنه لم يتعرض الشرع لشروط الهبة كالقبض وغيره ، فإن ذلك ليس مقصودا بالذكر ، وإنما
المقصود منه أن كل ما دخل تحت الصداق يصح منه هبة نصفه وتركه على الزوج ، فلئن لم
يتعرض كتاب الله تعالى لشروط العفو ، فدلالته على أن ما دخل تحت الصداق يجب أن
يدخل تحت العفو قائمة.
قوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ) (٢٣٧) فقد اختلف
السلف فيه.
فقال علي وجبير بن
مطعم ، وابن المسيب وقتادة : هو الزوج.
وهو قول أبي حنيفة
وأصحابه والثوري وأصح قولي الشافعي.
وقال مالك : هو الأب في حق البكر ، وهو رواية عن ابن عباس.
ولا شك بأن قوله :
(بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكاحِ) ، محتمل للوجهين اللذين تأولهما السلف عليهما ، فينظر في
أقرب الوجهين إلى معاني الشرع والأصول المحكمة ، التي ترد المتشابهات إليها ، وقد
قال تعالى :
(وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
فذكر تركه الصداق
عليها ، وتركها الصداق عليه.
فاللائق بالبيان
ها هنا أيضا : أنه إذا ذكر العفو من أحد الزوجين ، ذكر من الزوج الآخر ، وقال
تعالى :
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ
اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا
تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً).
وقال : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً).
وكل ذلك منع للزوج
من انتزاع شيء منها ، إلا أن تترك هي عليه ، أو يترك هو عليها ، ما استحق استرجاعه
منها قبل الدخول.
__________________
ولأن قوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، يقتضي كون العقد موجودا في يد من هو في يده ، فأما عقد
غير موجود ، فليس في يد أحد.
نعم بعد الطلاق ،
ليس العقد الذي كان بيد الزوج في الحال ، ولكنه كان بيد الزوج ، والذي كان من
العقد ليس هو بيد الزوج ، ولكنه كان عند وجوده بيد الزوج ، ولأنه قال :
(وَلا تَنْسَوُا
الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (٢٣٧) فندب إلى
الفضل.
وقال : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٢٣٧) ، وليس في
هبة مال الغير إفضال منه إلى غيره.
والمرأة لم يكن
منها إفضال ولا تقوى ، في هبة مال الغير بغير إذن مالكه ..
ولأن الصداق تارة
يكون عينا ، وتارة يكون دينا ، وليس للولي في هبة مالها المعين المشار اليه دخل.
فهذه الأنواع تدل
على صحة قولنا : إن المراد به الزوج ، هذا ما يتعلق باللفظ.
وأما ما يتعلق
بقياس الأصول فبين ، غير أن أقوى ما يرد عليه ، أنا إذا تنازعنا معنى اللفظ ،
وقوله (بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكاحِ) ، يبعد أن يراد به الزوج وقد طلق قبل المس ، وإنما يظهر
ذلك في الولي الذي بيده أن يعقد النكاح ، وقال تعالى :
(وَلا تَعْزِمُوا
عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) (٢٣٥).
ويجاب عنه بأن
قوله : (بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكاحِ) ، يبعد فهم الولي
منه ، بالإضافة
إلى عقد كان ، فإن إلى الولي أن يعقد عقدا آخر غير الأول ، وبيده أن يعقد عقدا غير
موجود ، وليس بيده عقدة معدومة ، وثبوت الولاية له في أن يعقد عقدا آخر ، لا يقتضي جواز
عقده في نكاح مضى ، وليس بيده ما قد مضى ، ولا كان الذي مضى بيده عقدته عند وجوده
، وهذا ظاهر كما ترى.
نعم هو أولى
بالزوج ، لأن الله تعالى أراد أن يميز المرأة عن الزوج بوصف يختص به الزوج ، وهو أن
بيده عقدة النكاح ، فكان ذلك كناية عن الأزواج على وجه مستحسن ، وكان المعنى فيه :
أن الله تعالى رغب الزوجة في العفو ، لأن الزوج لم ينل منها شيئا يقوم مقام ما
أوجبه على نفسه ، فذكر ما يتعلق بأحد النصفين ، ثم عاد وذكر النصف الآخر فقال :
(أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي
بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ).
رغب الزوج في أن
يثبت على ما ساقه إليها وقد ابتذلها بالطلاق ، وقطع طمعها في وصلته ، ولذلك قال :
(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا
يُقِيما حُدُودَ اللهِ) (٢٢٩) فإن قيل :
فقد قال الله تعالى :
(وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية.
وذلك بيان الحكم
في الأزواج ، ثم قال :
__________________
(فَنِصْفُ ما
فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكاحِ).
وقد ذكر بلفظ
المغايبة عادلا عن المخاطبة ، ولو كان المراد به الزوج ، لقال : إلا أن تعفون أو
يعفو ، ليكون جاريا على نسق التلاوة ، وموجب سابق الخطاب.
ويجاب عنه : بأن
الله تعالى أراد أن يبين بطريق الكناية ، صفة تتميز بها المرأة عن الرجل ، فعدل عن
المخاطبة إلى قوله : (أَوْ يَعْفُوَا
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ).
فإن قيل : لما قال
تعالى : (فَنِصْفُ ما
فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا) ، اقتضى ذلك من حيث الظاهر ، أن يكون عفوهن وعفو الذي بيده
عقدة النكاح ، راجعا إلى النصف المذكور ، وهذا يدل على بعد حمل المطلق على الزوج.
ويجاب عنه : بأن
قوله : (فَنِصْفُ ما
فَرَضْتُمْ) ، تعرض لأحد النصفين ، فلا يبعد أن يتعرض للنصف الآخر ، ليكون
حكم العفو في جميع الصداق مذكورا.
فإن قيل قوله (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) يرجع إلى حق وجب لها عليه ، فيصح منها العفو عن ذلك بأن
تتركه عليه ، فأما إذا سقط النصف الآخر ، فلم يجب له عليها حق حتى يعفو عنه.
نعم له أن يهب لها
شيئا من ماله ، وذلك الذي يهبه ليس صداقا ولا من جملته ، فلا يتحقق معنى العفو فيه
، وإنما هو على معنى الهبة ، والعفو إنما يتحقق في شيء مستحق لها عليه.
فيجاب عنه : بأنه
يتحقق معنى العفو ، بأن يكون قد سلم الصداق
إليها ، فلما
طلقها رجع عليها بنصفه ، فإذا عفا فمعناه : ترك حقه عليها ، وإن كان بطريق الهبة.
وقد بينا أن
الصداق تارة يكون عينا ، وتارة يكون دينا ، ولا يتحقق معنى العفو فيه ، إلا أن
يجعل العفو كناية عن الهبة بضرب من المجاز.
وأقوى كلام لمن
يحمل على الولي ، أن العفو منهما يجب أن يرجع إلى النصف المذكور ، لا إلى النصف
الذي لم يجر له ذكر ، وقد ذكرنا الكلام عليه.
والذي وجه عليهم
من قوله تعالى (وَأَنْ تَعْفُوا
أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٢٣٧) ، وأن ذلك
إنما يتحقق في الذي يسقط حق نفسه لا حق غيره ، فهو أقوى كلام عليهم ، في أن المراد
به الزوج.
ولكن ربما يقولون
: عنى به الذي بيده عقدة النكاح والنساء ، ولأن الذي بيده عقدة النكاح أفرد ذكره ،
ولو كان هو المعنى لقال : «وأن تعفوا أنتم أقرب للتقوى».
ولو عنى به جميع
النساء لقال : وأن تعفون ، فلما قال : (وَأَنْ تَعْفُوا) جمع بينهما. وإذا جمع النساء مع الرجال ، كان جمعهم على
التذكير.
وهذا غلط عظيم ،
فإنه إذا ذكر الجميع وغلب لفظ التذكير لأجل إرادة الولي ، لزم منه أن يكون العفو
أقرب للتقوى في حق الولي ، كما كان أقرب للتقوى في حق الزوج والمرأة ، وذلك محال.
قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ
الْوُسْطى) (٢٣٧) :
يدل على تأكيد
الأمر في الصلاة الوسطى.
ويدل على
المفروضات المعهودات في اليوم والليلة ، فإن دخول الألف واللام عليها إشارة إلى
معهود.
فأما الوسطى ، فلا
تبين إلا إذا بانت الأولى والأخرى.
وروي عن زيد بن
ثابت أنه قال : هي الظهر ، لأنه عليه السلام ، كان يصلي في الهجير ، فلا يكون
وراءه إلا القليل ، وذلك أن الناس في قائلتهم وفي تجارتهم ، فلما كانت أثقل
الصلوات على الصحابة أنزل الله ذلك.
وقال زيد بن ثابت
: إنما سماها الله الوسطى ، لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين.
ولا شك أن ما من
صلاة من الصلوات الخمس بعينها ، إلا وقبلها صلاتان وبعدها صلاتان.
وقال عمر وابن عباس
: هي العصر ، وفي بعض مصاحف الصحابة : تعبير العصر : إما تفسيرا ، وإما قراءة منسوخة.
وفي بعض الأخبار
عن علي رضي الله عنه أنه قال : قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن صلاة العصر حتى قربت
الشمس أن تغيب ، فقال النبي عليه السلام :
«اللهم املأ قلوب
الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا».
وقال علي رضي الله
عنه : «كنا نرى أنها صلاة الفجر».
وعن ابن عباس عن
النبي عليه السلام مثل ذلك.
__________________
وذكروا أن العصر
سميت الوسطى لأنها بين صلاتين من صلاة النهار ، وصلاتين من صلاة الليل.
وقيل : إن أول
الصلوات كان وجوب الفجر ، وآخرها العشاء ، فكانت العصر هي الوسطى في الوجوب.
ومن قال الوسطى هي
الظهر ، قال : لأنها وسطى صلاة النهار من الفجر والعصر.
ومن قال الصبح ،
فقد قال ابن عباس : لأنها تصلي في سواد من الليل ، وبياض من النهار ، فجعلها وسطى
في الوقت.
والرواية عن ابن
عباس في ذلك صحيحة ، لم يختلف الثقاة فيها ، فلذلك اختار الشافعي أن الوسطى هي
صلاة الصبح ، وإفرادها مبين ، في قوله (أَقِمِ الصَّلاةَ) ـ إلى قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ
إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).
واعلم أن الوسطى
إنما تقدر في العدد الوتر ، فإنك إذا أخذت واحدة بقيت أربعة : اثنتان قبلها
واثنتان بعدها ، وذلك يقتضي إخراج الوتر من الواجبات ، لأنها تكون ستا مع الوتر ،
فلا تكون الواحدة منها وسطى في الإيجاب ، إلا أن يقال إنها الظهر ، لأنها بين
صلاتي نهار ، الفجر والعصر ، فيقدر العدد الوتر لصلوات النهار ، وذلك ضعيف جدا.
فإن قوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) انصرف إلى الصلوات الخمس المعهودة بجملتها ، فتبعيضها خلاف
المفروض قطعا.
وقد قيل إنها وسطى
الصلوات المكتوبات ، وليس الوتر من المكتوبات
__________________
لأنه يسمى واجبا ،
وهذا أيضا ضعيف ، لأن الاختلاف في التسمية كان لتمييز المختلف فيه بين العلماء ،
من المتفق عليه ، ولا يجوز أن يكون ذلك معتبرا عند الله في إخراج الوتر عن جملة
الواجبات ، لاختلاف يقع بين العلماء في عبارة ، فيضعوا سمة للمختلف فيه ، وأخرى
للمتفق عليه.
وأقرب ما قيل في
دفع ذلك : أن وجوب الوتر زيادة وردت بعد فرض المكتوبات ، لقوله صلّى الله عليه
وسلم :
«إن الله زادكم
صلاة وهي الوتر».
وإنما سميت وسطى بعد
الوتر ، وهذا لأنه ادعاء نسخ للذي ورد في القرآن من معنى الوسطى ، بالاحتمال
المجرد ، وذلك لا وجه له.
قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ).
اعلم أن القنوت في
أصل اللغة هو الدوام على الشيء ، قال ابن عباس : قوموا لله قانتين : أي مطيعين.
وقال ابن عمر :
القنوت هو طول القيام ، وقرأ (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ
آناءَ اللَّيْلِ) وقال صلّى الله عليه وسلم :
«أفضل الصلاة طول
القنوت» يعني القيام.
وقال مجاهد :
القنوت هو السكوت ، والقنوت الطاعة ، ومن حيث
__________________
كان أصل القنوت
الدوام على الشيء ، جاز أن يسمى مديم الطاعة قانتا. وكذلك من أطال القيام والقراءة
والدعاء في الصلاة ، أو أطال الخنوع والسكوت ، كل هؤلاء فاعلون للقنوت ..
وروي أن النبي
عليه السلام قنت شهرا ، يدعو فيه على حي من أحياء العرب ـ أراد به إطالة قيام
الدعاء.
وروي عن أبي عمرو
الشيباني قال :
«كنا نتكلم في
الصلاة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت».
فأبان أن ذلك
يقتضي النهي عن الكلام في الصلاة ، وكذلك قال زيد ابن أرقم.
وقد ورد القنوت في
القرآن لا بمعنى السكوت في قوله :
(وَمَنْ يَقْنُتْ
مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) والمراد به الخشوع والطاعة.
وقال في موضع آخر
: (وَأَطِعْنَ اللهَ
وَرَسُولَهُ).
وقال في قصة مريم
: (اقْنُتِي لِرَبِّكِ).
ورد في التفسير عن
مجاهد ، أنها كانت تقوم حتى تتورم قدماها.
والشافعي يرى أن الأمر
بالسكوت إنما يتناول العالم بالصلاة ، فأما الساهي عن الشيء ، فلا يتناوله الأمر ،
وهذا مما لا يشك فيه محصل.
__________________
وروى الشافعي حديث
ذي اليدين ، وأن أبا هريرة قال : صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحد صلاتي
العشاء الظهر أو العصر.
وتحريم الكلام في
الصلاة كان بمكة ، لأن ابن مسعود لما قدم من أرض الحبشة ، كان الكلام محرما ، لأنه
سلم على النبي عليه السلام فلم يرد عليه ، وأخبره بنسخ الكلام في الصلاة.
فإن قال قائل : قد
جرى الكلام في الصلاة والسهو أيضا ، وقد كان قال صلّى الله عليه وسلم :
«التسبيح للرجال
والتصفيق للنساء» فلم لم يسبحوا؟
فيقال : لعله في
ذلك الوقت لم يكن أمرهم بذلك ، ولأنه ورد في الخبر أن رسول الله صلّى الله عليه
وسلم ، صلى ركعتين ، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ، فوضع يديه عليها ، إحداهما
على الأخرى ، يعرف الغضب في وجهه ، وخرج سرعان الناس فقالوا :
أقصرت الصلاة؟
فقام رجل طويل
اليدين ـ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين ـ فقال : يا رسول
الله ، أنسيت أم قصرت الصلاة؟
فأقبل على القوم
فقال : أصدق ذو اليدين؟ .. فقالوا : نعم. فجاء فصلى بنا الركعتين الباقيتين وسلم
وسجد سجدتي السهو» .
فأخبر أبو هريرة
بما كان منه ومنهم من الكلام ، ولم يمنعه ذلك من البناء ، ولم يسبحوا ، لأنهم
توهموا أن الصلاة قصرت.
__________________
وقال بعض المخالفين
: قول أبي هريرة : صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، يحتمل أن يكون مراده
أنه صلى بالمسلمين وهو منهم كما روي عن البراء ابن سبرة أنه قال : قال لنا رسول
الله صلّى الله عليه وسلم : «إنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف ، وأنتم اليوم بنو
عبد الله ، ونحن اليوم بنو عبد الله» ، وإنما عنى به أنه قال لقومه.
وهذا بعيد ، فإنه
لا يجوز أن يقول «صلى بنا» ، وهو إذ ذاك كافرا ليس أهلا للصلاة ، ويكون ذلك كذبا ،
وفي حديث البراء هو كان في جملة القوم ، وسمع من رسول الله ما سمع.
قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (٢٣٩) :
لما ذكر الله
تعالى وجوب الصلاة بشروطها وحدودها ، وأمر بالقنوت والصمت وملازمة الخشوع وترك
العمل ، قال :
(فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) ، أرخص في جواز ترك بعض الشروط ، تعظيما لأمرها ، وتأكيدا
لوجوبها.
وقد روي عن ابن
عمر في صلاة الخوف أنه قال :
إن كان خوفا أشد
من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير
مستقبليها.
__________________
قال نافع : لا أرى
ابن عمر قال ذلك إلا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
وإذا ثبت جواز ترك
الشروط ، ففيه دليل على أن الصلاة لا تفسد ، خلافا لأبي حنيفة.
وفي الآية أيضا
دليل على أن الماشي يصلي في القتال على حسب حاله ، لأنه تعالى قال : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ
رُكْباناً).
ومالك يقول :
الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة ، والأمر بالقنوت لا فرق فيه بين كلام وكلام
..
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ) الآية (٢٤٣) :
قد قيل إنهم فروا
من الطاعون .
وقيل إنهم فروا من
القتال.
وقد كره قوم
الفرار من الطاعون والوباء والأراضي السقيمة.
وقصة عمر في خروجه
إلى الشام مع أبي عبيدة معروفة ، وفيها أنه رجع ، وروى عبد الرحمن بن عوف أن رسول
الله صلّى الله عليه وسلم قال : «إذا سمعتم أن الطاعون في أرض فلا تقدموا عليه ،
وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه». فحمد عمر الله تعالى
وانصرف.
وبالجملة ، الفرار
منه يجوز أن يكره ، لما فيه من تخلية البلاد ، ولا
__________________
تخلو من مستضعفين
يصعب عليهم الخروج منها ، ولا يتأتى لهم ذلك ، ويتأذون بخلو البلاد عن المياسير ،
الذين كانوا أركانا للبلاد ، ومغوثة للمستضعفين .
وإذا كان الوباء
بأرض فلا يدخلها ، لئلا يلحقه الغموم والكرب في المقام ، مع الوجل الذي لا يخلو
منه الإنسان ، وذلك يشغله عن مهمات دينه ودنياه.
ولما عزم عمر على
الرجوع فقال له أبو عبيدة :
أفرارا من قدر
الله؟ .. فقال له عمر :
لو غيرك يقولها يا
أبا عبيدة ، نفر من قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت بها واديا
له عدوتان ، إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيتها الخصبة رعيتها بقدر الله
، وإن رعيتها الجدبة رعيتها بقدر الله؟ ..
ولا نعلم خلافا ،
في أن الكفار أو قطاع الطريق ، إذا قصدوا بلدة ضعيفة لا طاقة لأهلها بالقاصدين ،
فلهم أن يتنحوا من بين أيديهم ، وإن كانت الآجال المقدرة لا تزيد ولا تنقص ...
قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٤٤) :
من قبيل ما تأخر
بيانه إلى وقت الحاجة ، لأن السبيل مجمل ، وقد بينه في مواضع عدة ..
__________________
قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ
قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (٢٤٥).
ترغيب في أعمال
البر والإنفاق في سبيل الخير ، بألطف كلام وأبلغه.
وسماه قرضا تأكيدا
لاستحقاق الثواب به ، إذ لا يكون قرضا إلا والعوض مستحق به ، فكأنه قال : أوجبت
لكم عبادي العوض.
فجهلت اليهود أو
تجاهلت وقالت :
«إن الله يستقرض
منا فنحن إذا أغنياء وهو فقير إلينا).
وعرف المسلمون
معنى الكلام ، ووثقوا بوعد الله وثوابه ، فبادروا إلى الصدقات ، فكان ذلك في
التلطف والترغيب ، بمثابة الرأفة والرحمة ، وإن كانت الرحمة منا تدل على رقة وتحزن
وتأثر يلحقه.
وكذلك القول في
الغضب المضاف إلى الله تعالى.
والعجب من الجهال
كيف لم يفهموا هذه الكنايات.
قوله عز وجل : (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ
مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) الآية (٢٤٧) :
يدل على أن
الزعامة والإمامة ليست وراثة متعلقة بأهل بيت النبوة ولا الملك ، وأن ذلك مستحق
بالعلم والقوة لا بالنسب ، ولا حظ للنسب مع العلم وفضائل النفس ، وأنها مقدمة
عليه.
__________________
فإن الله تعالى
أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته ، وإن كانوا أشرف منه نسبا.
وذكر الجسم ها هنا
، كناية عن فضل قوته ، لاقتران فضل القوة بزيادة الجسم غالبا ، ولم يرد به عظم
الجسم بلا قوة ، لأن ذلك لاحظ له في القتال ، بل هو وبال على صاحبه إذا لم يكن به
قوة فاضلة ..
قوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) (٢٤٩).
وذكر أبو بكر
الرازي من أصحاب أبي حنيفة في أحكام القرآن : أن ذلك يدل على أن الشرب من النهر ،
إنما يكون بالكرع فيه ، ووضع الشفة عليه ، لأنه كان حظر الشرب منه إلا لمن اغترف
غرفة بيده ، وهذا يدل على أن الاغتراف منه ليس بشرب ، وهو تصحيح لقول أبي حنيفة
فيمن قال :
«إن شربت من ماء
الفرات فعبدي حر» ، أنه محمول على أن يكرع فيه ، فأما إذا اغترف منه أو شرب بإناء
لم يحنث».
وهذا بعيد ، فإن
الله تعالى أراد ابتلاءهم بالنهر ، ليتبين المحقق بنيته في الجهاد من المعذر ، فمن
شرب منه ـ أي من مائة ـ فأكثر ، فقد عصى الله تعالى ، ومن اغترف غرفة بيده أقنعته.
فهجموا على النهر
بعد عطش شديد ، فوقع أكثرهم في النهر ، وأكثروا الشرب ، فإن بذلك ضعف نيتهم في
أنهم يجبنون عن لقاء العدو ،
__________________
وأطاع قوم قليل
عددهم ، فلم يزيدوا على الاغتراف ضابطين لأنفسهم ، فأبانوا بذلك عن ضبطهم لأنفسهم
، وصبرهم في الشدائد ، وقوى الله بذلك قلوبهم.
وليس حكم اليمين
مأخوذا من هذا الجنس ، بل هو مأخوذ من دلالة اللفظ ، يدل عليه أن الآية حجة عليهم
من وجه آخر ، فإنه قال : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ)
(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) ، فاستثنى المغترف من الشارب ، ولو لم يكن اللفظ الأول
دالا عليه ، لما صح الاستثناء منه إلا بتقدير ، كونه استثناء منقطعا ، وظاهر
الاستثناء يدل على خلافه.
قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (٢٥٦) :
قال كثير من
المفسرين : هو منسوخ بآية القتال .
وروي عن الحسن
وقتادة ، أنها خاصة في أهل الكتاب الذين يقرون على الجزية ، دون مشركي العرب ،
فإنهم لا يقرون على الجزية ، ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف .
وكل ذلك محتمل ،
يجوز أن يكون قد نزل قبل الأمر بالقتال ، فلما لاح عنادهم ، أمر المسلمون بقتالهم
..
نعم ، مشركو العرب
والعجم ، لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، وكذلك المرتد ..
فإن قال قائل :
فما معنى إكراههم على الإسلام ، وأن لا يقبل منهم
__________________
الجزية؟ وكيف
يتحقق إكراهه على الإسلام ، وذلك الإسلام لا ينفعه عند الله تعالى؟ .. وما معنى
الحمل على ما لا ينفع؟ .. ولأي معنى فرق بين المشرك والكتابي في هذا المعنى ،
والعناد الداعي إلى القتال كان في حق أهل الكتاب أشد ، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم
حرفوا وكتموا الحق من بعد علمه ، والمشركون كانوا أبعد من ذلك؟ ..
والجواب : أن
الكفار أكرهوا على إظهار الإسلام ، لا على الاعتقاد الذي لا يصح الإكراه عليه.
نعم ، الدليل
منصوب على تبديل الباطل بالحق ، اعتقادا بالقلب وإظهارا باللسان.
لأن تلك الدلائل
من حيث ألزمتهم اعتقاد الإسلام ، اقتضت منهم إظهاره ، والقتال لإظهار الإسلام ،
وكانت الحكمة في ذلك أن مجالسته المسلمين ، وسماعه للقرآن ، ومشاهدته لدلائل
الرسول عليه السلام ، مع ترادفها عليه تدعوه إلى الإسلام ، وتوضح عنده فساد
اعتقاده.
والحكمة الثانية ،
أن في نسلهم من يعتقد التوحيد ، فلم يجز أن يقتلوا ، مع العلم بأنه سيكون من
أولادهم من يعتقد الإسلام والإيمان.
ولما أعلم الله
تعالى نوحا ، أن قومه لا يلدون إلا فاجرا كفارا ، لا جرم دعا عليهم بالهلاك
والاستئصال.
ويجوز أن يكون
اختلاف أحوال أهل الشرك ، وأهل الكتاب في ذلك ، أن الكتابي إذا خالطنا ، ورأى
توافق ما بين الشرائع ، وصدق الإعلام والآيات ، كان ذلك أدعى إلى إيمانه ، فإن كتب
الله يصدق
__________________
بعضها بعضا ، فهذا
هو السبب في الفرق بين الكتابي والمشرك ، لا جرم إذا قبل الجزية ، فلا يجوز إكرامه
على الإسلام ، وإذا أكره عليه لم يصح إسلامه ، خلافا لأبي حنيفة فإنه حكم بإسلامه
، مع أن الردة لا يثبت حكمها حالة الإكراه.
قوله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِي حَاجَ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ
الْمُلْكَ)(٢٥٨):
يدل على تسمية
الكافر ملكا ، إذا آتاه الله الملك والعز والرفعة في الدنيا.
ويدل على جواز
المحاجة في الدين ، وأن لا فرق بين الحق والباطل ، إلا بظهور حجة الحق ودحض
الباطل.
قوله : (كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً
أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) (٢٥٩) :
يدل على أن قول
هذا القائل ، لم يكن كذبا ، لأنه أخبر عما عنده ، فكأنه قال : عندي أني لبثت يوما
أو بعض يوم.
ومثله قول أصحاب
الكهف : (لَبِثْنا يَوْماً
أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، وإنما لبثوا ثلاثمائة وتسع سنين ، ولم يكونوا كاذبين ،
لأنهم أخبروا بما
__________________
عندهم ، كأنهم
قالوا : الذي عندنا ، وفي ظنوننا ، أنا لبثنا يوما أو بعض يوم.
ونظيره قول النبي
عليه السلام في قصة ذي اليدين : لم أقصر ولم أنس.
وفي الناس من يقول
: إنه كذب على معنى وجود حقيقة الكذب منه ، ولكن لا نؤاخذه به ، وإلا فالكذب هو
الإخبار عن الشيء ، على خلاف ما هو به ، وذلك لا يختلف بالعلم والجهل ، وهذا بين
في نظر الأصول ، فعلى هذا يجوز أن يقال :
إن الأنبياء لا
يعصمون عن الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو به ، إذا لم يكن عن قصد ، كما لا
يعصمون عن السهو والنسيان ، فهذا ما يتعلق بهذه الآية ..
قوله تعالى : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما
كَسَبْتُمْ) (٢٦٧) :
يعم الفرض والنفل
، من طريق الندب والوجوب ، وإن كان الأمر أظهر في جهة الوجوب ، إلا أن تقوم دلالة
الندب.
فمن هذا الوجه
يظهر أن يقال : هو أولى بالواجب.
ومن جهة أخرى ،
وهو أن في النفل أداء القليل والكثير والجيد والرديء.
وقوله : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) ، يؤكد الاختصاص بالواجب ، فإن هذا الكلام ، إنما يذكر في
الديون إذا اقتضاها طالبها ، ولا يتسامح بالرديء عن الجيد ، إلا على إغماض وتساهل .
__________________
والرد إلى الإغماض
في اقتضاء الدين ، يدل على أن ذلك وارد في قضاء دين الله تعالى ، وأن الجنس الرديء
، إذا لم يخف عليكم ، فكيف يخفى علي؟ ..
وقد احتج قوم لأبي
حنيفة بقوله : (وَمِمَّا أَخْرَجْنا
لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (٢٦٧) أن ذلك عموم
في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره ، وفي سائر الأصناف ، ورأوا ظاهر الأمر للوجوب ،
وهذا بعيد.
فإن المراد به ،
بيان الجهات التي تعلق حق الله تعالى بها ، وليس ذكر مقدار ما وجب فيه الحق مقصودا
، ولا بيان مالا زكاة فيه ، ولذلك لم يتعرض للنصاب في كل ما يعتبر فيه النصاب شرعا
، ولم يذكر من جنس ما يكتسب ما تتعلق الزكاة به ، وإن لم تتعلق الزكاة بكل ما
يكتسب ، وهذا بين في خروج الآية عن الدلالة على مقصودهم.
قوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا
هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (٢٧١) :
فيه دلالة على أن
إخفاء الصدقات مطلقا أولى. وأنها حق الفقير ، وأنه يجوز لرب المال أن يفرقها بنفسه
، على ما هو أحد قولي الشافعي.
وعلى القول الآخر
، ذكروا أن المراد بالصدقات ها هنا ، هو التطوع بعد الفرض الذي إظهاره أولى ، لئلا
تلحقه تهمة ، ولأجل ذلك قيل : صلاة النفل فرادى أفضل ، والجماعة في الفرض أولى ،
لأن إظهار الفرض أبعد عن التهمة.
قال الله تعالى :
(لَيْسَ عَلَيْكَ
هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢٧٢)
ظاهر السياق ،
تعلق الكلام بما تقدم من قوله : (إِنْ تُبْدُوا
الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ).
وذكر بعد قوله (مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) (٢٧٢) ، فدل
المساق والمتقدم ، على أن المراد به الصدقة عليهم ، وإن لم يكونوا على دين
الإسلام.
وروى سعيد بن جبير
مرسلا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال : (لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم.
وقال عليه السلام
: تصدقوا على أهل الأديان.
وكره الناس أن
يتصدقوا على المشركين ، فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ
هُداهُمْ).
ونظير ذلك قوله
تعالى : (وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً ، وَيَتِيماً وَأَسِيراً).
والأسير في دار
الإسلام لا يكون إلا مشركا.
ونظيره قوله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ
لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ).
وظواهر هذه الآيات
تقتضي جواز صرف الصدقات إليهم جملة ، إلا أن النبي عليه السلام ، خص من ذلك
الزكوات المفروضة.
واتفق العلماء أن
زكوات الأموال ، لا تصرف إليهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:
__________________
«خذ الصدقة من
أغنيائهم وردها في فقرائهم» ، والذي يتولاه رب المال بنفسه ، لا يتناوله هذا الخير
، إلا أنه في معناه ، لأن الكل كان مأخوذا من أرباب الأموال إلى زمان عثمان.
ورأى أبو حنيفة ،
أن غير زكاة المال يجوز صرفها إليهم ، مثل صدقة الفطر ، نظرا إلى عموم الآية ، في
البر وإطعام الطعام وإطلاق الصدقات.
ورأى الشافعي أن
الصدقات الواجبة بجملتها مخصوصة منها ، لقوله عليه السلام في صدقة الفطر :
«اغنوهم عن الطلب
في هذا اليوم».
وظاهر أن ذلك كان
لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد ، وهذا لا يتحقق في المشركين.
ودل أيضا ، وجوب
اعتاق العبد المسلم في كفارة القتل ، على أن المفروض من الصدقات لا يصرف إلى
الكافر.
ومعاذ كما يأخذ
صدقات الأموال ، فكان يأخذ صدقة الفطر أيضا.
واللفظ شامل
للجميع ، وهو قوله عليه السلام له : «خذ الصدقة من أغنيائهم وردها في فقرائهم» .
على أن قول الله
تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ
هُداهُمْ) ، ليس ظاهرا في الصدقات وصرفها إلى الكفار ، بل يحتمل أن
يكون معناه : (لَيْسَ عَلَيْكَ
هُداهُمْ) ابتداء ، وقوله (وَما تُنْفِقُوا مِنْ
شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ، للفقراء.
__________________
يعني : وما تنفقوا
للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ، والمراد بالإنفاق فقراء المهاجرين.
وقوله تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ
التَّعَفُّفِ) (٢٧٣) يدل على أن
اسم الفقير يجوز أن يطلق على من له كسوة ذات قيمة ، ولا يمنع ذلك من إعطائه
الزكاة.
وقد أمر الله
تعالى بإعطاء هؤلاء القوم ، وكانوا من المهاجرين الذين يقاتلون مع رسول الله صلّى
الله عليه وسلم ، غير مرضى ولا عميان.
ولما قال تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) ، دل على أن للسيما أثرا في اعتبار حال من تظهر عليه ، حتى
لو رأينا ميتا في دار الإسلام ميتا وعليه زنار غير مجبوب ، لا يدفن في مقابر المسلمين ، ويقدم ذلك على حكم الدار
على قول أكثر العلماء.
ومثله قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ
الْقَوْلِ) ، فدلت الآية على جواز صرف الصدقة إلى من له ثياب وكسوة
وزي المتجمل ، واتفق العلماء على ذلك ، وإن اختلفوا بعده في مقدار ما
يحرم أخذ الصدقة.
وأبو حنيفة اعتبر
مقدار ما تجب فيه الزكاة.
__________________
والشافعي اعتبر
قوت سنة.
ومالك اعتبر ملك
أربعين درهما.
والشافعي لا يصرف
الزكاة إلى المكتسب.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ
الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ
الْمَسِّ) (٢٧٥) والربا في
اللغة هو الزيادة.
وربما لا تعرف
العرب بيع الدرهم بالدرهم نساء ربا ، إلا أن الشرع أثبت زيادات جائزة ، وحرم أنواعا من
الزيادة ، فجوز الزيادة من جهة الجودة ، ولم يجوز من جهة المدة.
وإذا اختلف الجنس
، يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا نقدا ، ولا يجوز متماثلا نسيئة.
وكل ذلك لا يقتضيه
لفظ الربا ، ولكن ذلك لا يمنع التعلق بعموم
__________________
اللفظ ، وعموم
اللفظ يقتضي تحريم الزيادة مطلقا ، إلا ما خصه الشرع.
وقوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ).
يقتضي جواز ما لا
زيادة فيه ، إلا ما خصه دليل الشرع ، فنحن نحتاج إلى البيان فيما لم يرد باللفظ ،
وما دل عليه اللفظ محرم مع غيره ، فلا بد من بيان في الذي ما أريد باللفظ ، وفي
تخصيص بعض ما أريد باللفظ.
والله تعالى حرم
الربا ، فمن الربا ما كانوا يعتادونه في الجاهلية من إقراض الدنانير والدراهم
بزيادة.
والنوع الآخر
تحريم الإسلام الدراهم في الدراهم والدنانير من غير زيادة.
ورأى ابن عباس ،
أن سياق الآية يدل على أن المذكور في كتاب الله ربا النساء ، لا ربا الفضل فإنه
قال : (فَلَهُ ما سَلَفَ).
(وَذَرُوا ما بَقِيَ
مِنَ الرِّبا) (٢٧٨).
وقال : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ
إِلى مَيْسَرَةٍ) (٢٨٠).
وقال تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (٢٧٩).
وقال عليه السلام
في خطبة الوداع : «كل ربا موضوع ، ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، قضى
الله أن لا ربا ، وإن العباس بن عبد المطلب موضوع ، وإن كل دم كان في الجاهلية
فإنه موضوع ، وأول دمائكم أضع دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في
بني ليث فقتلته
هذيل» .
وإن كان الربا
ينقسم أقساما ، فالذي في القرآن يدل على تحريم الزيادة ، من غير نظر في جنس المال
وما يقابله ، ولا دلالة فيه على تحريم النساء من غير زيادة في نفس المال ، لأن ذلك
لا يعد زيادة في النسيء ، ولا يقال : أكل الربا ، ومن أجل ذلك جوز بعض العلماء ـ وهو
مالك ـ الأجل في القرض ، إلا أنا منعنا من ذلك ، لا من جهة الآية ، بل من جهة
أخرى.
والذي كان في
الجاهلية كان القرض بزيادة ، وما كانوا يؤجلون إلا بزيادة في نفس النسيء.
ونقل عن الشافعي ،
أن لفظ الربا لما كان غير معلوم ، أورث احتمالا في البيع ، والصحيح أن الربا غير
مجمل ، ولا البيع كما ذكرناه ، فإن ما لا زيادة فيه ، جاز على عموم حكم البيع.
نعم خص من الربا
زيادة أبيحت ، وخص من البيع بياعات نهى عنها ، وعموم اللفظ معتبر فيما سوى
المخصوص.
ورد الله تعالى
على المشركين في قولهم : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) (٢٧٥) ، وذلك أنهم
زعموا أنه لا فرق بين الزيادة المأخوذة على وجه الربا ، وبين الأرباح المكتسبة
بضروب البياعات ، من حيث غاب عنهم وجه المصلحة ، وتحريم الزيادة على وجه دون وجه ،
فأبان الله تعالى أنه عز وجل إذا حرم الربا وأحل البيع ، فلا بد أن يشتمل المنهي
عنه على مفسدة ، والمباح على مصلحة ، وإن غابتا عن
__________________
مرأى نظر العباد ،
فعلى هذا كل ما وجد فيه حد البيع ، فيجوز أن يحتج فيه بعموم البيع.
وأما قوله تعالى :
(فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) (٢٧٥) :
يدل على أن ما سلف
من المقبوض قبل نزول تحريم الربا ، لا يتعقب بالفسخ ، ويدل على أنه أراد غير
المقبوض.
قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) (٢٧٨).
ظاهره أنه أبطل من
الربا ما لم يكن مقبوضا ، وإن كان معقودا عليه قبل نزول آية التحريم ، ولا يتعقب
بالفسخ ما كان مقبوضا.
وقال تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ) (٢٧٩).
وهو تأكيد لإبطال
ما لم يقبض منه ، فإذن رأس المال الذي لا ربا فيه ، فاستدل بعض العلماء على ذلك ،
على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم ذلك العقد أبطل العقد ، كما
إذا اشترى مسلم صيدا ، ثم أحرم المشتري قبل القبض ، أو البائع ، بطل البيع ، لأنه
طرأ عليه قبل القبض ما أوجب تحريم العقد ، كما أبطل الله تعالى من الربا ما لم
يقبض ، لأنه طرأ عليه ما أوجب تحريمه قبل القبض ، ولو كان مقبوضا لم يؤثر ، هذا
مذهب أبي حنيفة ، وهو قول لأصحاب الشافعي.
ويستدل به على أن
هلاك المبيع في يد البائع ، وسقوط القبض فيه ، يوجب بطلان العقد خلافا
لبعض السلف.
__________________
ويروى هذا الخلاف
عن أحمد.
ويمكن أن يقال إن
هذا الاستدلال ، إنما يصح على رأي من يقول إن العقد في الربا في الأصل كان منعقدا
، حتى يقال : إن الذي انعقد من قبل بطل بالإسلام قبل القبض ، فإذا منع انعقاد الربا في الأصل ، لم يكن هذا
الكلام صحيحا.
وهذا لأن الربا
كان محرما في الأديان ، وما كان تحريمه في شرعنا حتى يقال كان مباحا من قبل.
وإنما حرم بعد
العقد ، ليصح الاستدلال بطريان المنافي من التحريم على فساد العقد قبل القبض ،
وانبرامه بعض القبض.
فأما إذا قلنا إن
العقد لم ينعقد من الأصل ، والذي فعلوه في الشرك كان على عادة الجاهلية ، لا بناء
على شريعة ، فلا يستقيم هذا الكلام ، بل يقال : ما قبضوه منه ، كان بمثابة أموال
وصلت إليهم بالنهب والسلب ، فلا يتعرض له ، فعلى هذا لا يصح الاستشهاد به على ما
ذكروه من المسائل.
واشتمال شرائع من
قبلنا من الأنبياء على تحريم الربا ، كان مشهورا ومذكورا في كتاب الله ، كما أخبر
عن اليهود في قوله :
(وَأَخْذِهِمُ
الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ).
وذكر في قصة شعيب
أن قومه أنكروا عليه وقالوا :
(أَصَلاتُكَ
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا
ما نَشؤُا)؟
__________________
فعلى هذا لا
يستقيم الاستدلال به.
نعم ، يفهم من هذا
أن العقود الواقعة في دار الحرب ، إذا ظهر عليها الإمام ، لا يعترض عليها بالفسخ ،
وإن كانت معقودة على فساد.
وبالجملة ، فإنه
تخللت مدة طويلة بين نزول الآية وبين خطبة النبي عليه السلام بمكة ، ووضعه الربا
الذي لم يكن مقبوضا من عقود الربا بمكة ، قبل أن تفتح ، ولم يميز بين ما كان منها
قبل نزول الآية وما كان بعدها.
ويمكن أن يستدل به
على أن الأنكحة التي جرت في الشرك ، لا تتعقب بالنقض بعد انبرامها كما في البيع
بعد الانبرام.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ
إِلى مَيْسَرَةٍ) (٢٨٠) عام في
الربا وغيره من الديون.
إلا أن الربا يكون
في رأس المال ، لأن الله تعالى جعل لهم رأس المال ، فقال : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ) ... وفي غير الربا حكمه بين.
وكان شريح يرى حبس
المعسر في غير الربا من الديون ، ويرى أن الإنظار مخصوص بالربا.
فإن كان معتقدا
لوجوب الزيادة على رأس المال في الربا ، وأنه يجب فيه الإنظار بعد التوبة ، فهذا
خلاف الإجماع ، وإن كان يقول في رأس المال يجب الإنظار فإنه واجب ، وفي غيره من
الديون الواجبة لا يجب الإنظار فهو غلط ، فإنه لا فرق بينه وبين غيره من الديون ،
بحال ، بعد أن جعل الله تعالى له رأس المال بعد التوبة.
نعم إن الله تعالى
ذكر الإنظار بعد ذكر الربا ، وذلك لا يمنع من التعلق بعمومه في الديون كلها.
وقوله : (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) مع قوله (فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ) يدل على ثبوت المطالبة لصاحب الدين على المدين ، وجواز أخذ
ماله بغير رضاه.
ويدل على أن
الغريم متى امتنع من أداء الدين مع الإمكان ، كان ظالما ، فإن الله تعالى يقول : (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ، فجعل له المطالبة برأس ماله ، وإذا كان له حق المطالبة ،
فعلى من عليه الدين لا محالة وجوب قضائه.
وقوله : (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) ، يدل على أن من عليه رأس المال بالامتناع من أداء رأس المال اليه ظالم ، كما أنه بطلب الزيادة ظالم ، وأن الممتنع من أداء رأس المال اليه
ظالم مستحق للعقوبة وهي الحبس ..
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) (٢٨٢) :
فقد ذهب بعض علماء
السلف : إلى وجوب الاشهاد فيما قل وجل ، وفيما حل وأجل من الديون ، واليه ذهب أبو
داود وابنه أبو بكر ، ورووا عن ابن عباس أنه قال لما قيل له إن الدين منسوخة فقال
:
لا والله بل آية
الدين محكمة ما فيها نسخ.
__________________
وروي عن أبي سعيد
الخدري والشعبي والحسن ، أن الاشهاد في آية المداينة منسوخ بقوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) (٢٨٣).
فاختلفت الأقوال
على ما ترى ، فنقول وبالله التوفيق.
إن قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، لم يتبين تأخر نزولها عن صدر الآية المشتملة على الأمر
بالاشهاد ، بل وردا معا ، ولا يجوز أن يرد الناسخ والمنسوخ معا جميعا في حالة
واحدة ، فدل ذلك على أن الأمر بالإشهاد ندب لا واجب ، والذي يزيده وضوحا أنه قال :
(فَإِنْ أَمِنَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، ومعلوم أن هذا الأمن لا يقع إلا بحسب الظن والتوهم ، لا
على وجه الحقيقة ، وذلك يدل على أن الشهادة إنما أمر بها لطمأنينة قلبه لا لحق
الشرع ، فإنها لو كانت لحق الشرع ما قال : (فَإِنْ أَمِنَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
ولا ثقة بأمن
العباد ، إنما الاعتماد على ما يراه الشرع مصلحة.
فالشهادة متى شرعت
في النكاح ، لم تسقط بتراضيهما وأمن بعضهم بعضا ، فدل ذلك أن الشهادة شرعت
للطمأنينة ، ولأن الله تعالى جعل لتوثيق الديون طرقا :
منها : الكتاب.
ومنها : الرهن.
ومنها الإشهاد.
ولا خلاف بين
علماء الأمصار ، أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب ، فيعلم من ذلك مثله
في الإشهاد.
وما زال الناس
يتبايعون سفرا وحضرا ، وبرا وبحرا ، وسهلا وجبلا
من غير إشهاد مع
علم الناس بذلك من غير نكير ، ولو وجب الإشهاد لما تركوا النكير على تاركه.
ومعلوم أن الإنسان
في غير البيع والشراء ، قد يأتمن الرجل على ماله فلا يحرم عليه ، ولو باعه شيئا
وأسلفه الثمن ، يجوز إذا ائتمنه على ثمنه.
فإذا ملك الإنسان
الثمن بالبيع ، فسواء ائتمن عليه المشترى أو اختلفا بعد استيفائه منه ، فالكل واحد
، وذلك يدل على أن الأمر بالإشهاد ندب.
وقد ظن بعض الناس
أن قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) دليل على جواز التأجيل في القروض على ما قاله مالك ، إذ لم
يفصل بين القرض وسائر عقود المداينات ، وهذا غلط منه ، لأن الآية ليس فيها بيان
جواز التأجيل في سائر الديون ، وإنما فيها الأمر بالإشهاد ، إذا كان دينا مؤجلا ،
ثم يعلم بدلالة أخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه.
قوله : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما
عَلَّمَهُ اللهُ) (٢٨٢) :
ظن ظانون أنه قد
كان وجب في الأول على كل من اختاره المتبايعان ، أن يكتب ، وكان لا يجوز له أن
يمتنع ، حتى نسخه قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ
وَلا شَهِيدٌ).
وهذا بعيد ، فإنه
لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من كان ، وإنما كان ذلك على
وجه آخر ، وهو أنه من علم ذلك بينه لهما ، وليس عليه أن يكتبه ، ولكن يبينه لهما حتى يكتباه
أو يكتبه لهما أجير أو متبرع بإملاء من يعلمه ، كما لو استفتيناه في صوم أو صلاة
تطوعا أو فرضا ، فعليه بيان الشريعة في ذلك ، فهذا مثله ، ولو كانت
__________________
الكتابة واجبة ،
لما صح الاستئجار عليها ، لأن الإجارة على فعل الواجبات باطلة ، ولم يختلف العلماء
في جواز الإجارة على كتب كتاب الوثيقة.
قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما
عَلَّمَهُ اللهُ) : (٢٨٢) :
نهى الكاتب أن
يكتب على خلاف العدل الذي أمر الله به ، وهذا النهي على الوجوب ، إذ المراد به
كتبه على خلاف ما توجبه أحكام الشرع ، كما لا يصلي النفل بغير طهارة وستر ، لا
لوجوب النفل ، ولكن لأنها إذا أديت فلا يجوز أداؤها إلا بشروطها.
قوله عز وجل : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) : عند الحكم بما أقر به على نفسه.
وقوله تعالى : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا
يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً).
فيه دلالة على أن
من أقر لغيره بشيء ، فالقول فيه قوله ، لأن البخس هو النقص ، فلما وعظه في ترك
البخس ، دل على أنه إذا بخس كان قوله مقبولا.
وهو مثل قوله : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ
ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) ، لما وعظهن في الكتمان ، دل على أن المرجع في ذلك إلى
قولهن ..
ومثله قوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ
يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) ، فدل على أنهم متى كتموها ، كان القول قولهم فيها.
__________________
وكذلك وعظه الذي
عليه الحق في تركه البخس ، دليل على أن المرجع إلى قوله فيما عليه.
وقال صلّى الله
عليه وسلم : «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» ، فجعل القول قول المدعى
عليه دون المدعي ، وأوجب عليه اليمين ، وهو معنى قوله : (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) في إيجاب الرجوع إلى قوله :
وقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ
سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ
وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) (٢٨٢) :
اعلم أنه تعالى
ذكر السفيه في مواضع من كتابه في أمر الدين والدنيا :
فأما في أمر الدين
، فمثل قوله تعالى : (سَيَقُولُ
السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا
عَلَيْها).
وقال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ
النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) الآية.
وإنما ذلك في أمر
الدين.
وقال في نوع آخر :
(وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً).
فهذا وإن كان خطاب
غير السفهاء ، ولكن المراد بقوله : (أَمْوالَكُمُ) أي أموالهم ، ولذلك قال : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها
وَاكْسُوهُمْ).
__________________
فعلم به أن المراد
بقوله «أموالكم» ، الأموال التي أضيفت إليكم ولاية لا ملكا.
وذلك يدل دلالة
ظاهرة ، على أن على السفيه في أمواله ولاية ، وأن أمر أمواله مفوض إلى وليه ، حتى
إنه يرزقه منه ويكسوه ، فقال : أموالكم ، وأراد به أموالكم من حيث نفاذ التصرف ،
وأموالهم من حيث الملك.
ومثله قوله تعالى
: (فَتُوبُوا إِلى
بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي ليقتل بعضكم بعضا.
وقال في موضع آخر (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا
عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) أي يسلم بعضكم على بعض.
وأصل السفه في
الدين والدنيا واحد ، وهو الخفة والجهل بموضع الحط والأمر الذي قصد له ، فالسفيه في الدين والسفيه في رأيه هو
الجاهل فيه ، ومنه قول الشاعر :
نخاف أن تسفه أحلامنا
|
|
ونخمل الدهر مع الخامل
|
والبذيء اللسان
يسمى سفيها ، لأنه لا تكاد تتفق البذاءة إلا في جهال الناس وأصحاب العقول الخفيفة.
وجمع الله تعالى
بين السفيه والضعيف ، والضعيف ها هنا عند المفسرين هو العاجز عن الإملاء ، إما
بعيّه أو خرسه أو جهله بأداء الكلام.
فليملل وليه من يقوم مقامه ، وليس في ذلك تصريح بأن إقرار الولي عليه
مقبول.
__________________
وفي هذه الآية
دليل ظاهر على أن الحجر ثابت على السفيه ، ولا فيه بيان معنى السفه الذي يقتضي
الحجر على الحر الثابت شرعا ، بل قوله تعالى :
(إِذا تَدايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ) ، إلى قوله : (فَإِنْ كانَ الَّذِي
عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) ، يدل على أن المداينة جرت معه ، فإنه قال : إذا تداينتم ،
ثم قال : فإن لم يستطع بعض المتداينين أن يكتبوا فليكتب الولي بالعدل ، وليس الضعف
اسما للمحجور عليه ، فإنه يتناول الخرف والأخرس والعيي ..
نعم قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) يدل على ذلك ، على ما سنبينه في سورة النساء.
فأما قوله سفيها
أو ضعيفا بعد أن ابتدأ الآية ، فقد اقتضى أن يكون الذي عليه الحق جائز المداينة
والتصرف ، فأجاز تصرف هؤلاء كلهم ، فلما بلغ إلى حال إملاء الكتاب والإشهاد ، ذكر
من لا يكمل لذلك ، إما لجهل بالشروط أو ضعف عقل ، لا يحسن معه الإملاء.
فإن لم يوجد نقصان عقله حجر عليه ، إما لصغره أو لخرف وكبر سن ، لأن
قوله (ضَعِيفاً) يحتمل الأمرين جميعا.
وذكر معهما من لا
يستطيع أن يمل هو لمرض أو لكبر سن ، فثقل لسانه عن الإملاء ، وإذا كان كذلك فليس
على المريض ومن ثقل لسانه
__________________
بخرس وليّ ، عند
أحد من العلماء ، مثل ما يثبت على الصبي والسفيه عند من يحجر عليه.
نعم يبقى أن يقال
إن قوله : (إِذا تَدايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ) ، يقتضي كون المداينة جارية مع السفيه والضعيف وغيرهما.
ولا شك أن السفيه
لا يمنعه السفه من الإملاء إذا لم يكن موليا عليه ، فإن منعه من الإملاء ، فهو
الضعيف الذي لا يستطيع أن يمل ، فما معنى ذكر السفه ها هنا؟ فيقال : معناه أن
السفيه لخفة عقله لا يستطيع الشرائط ، إلا أن يشار اليه ويعرف الشرائط فيه.
وبالجملة لفظ
السفيه مشترك ، يشتمل على معان مختلفة ، فيجوز إطلاقه على الصبي والمجنون والكافر
وبذيء اللسان والمنافق ، وهؤلاء لا يستحقون الحجر.
نعم لما قال الله
عز وجل : (وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) ، عرفنا أن المراد به سفه يتعلق بالمال ، وسيأتي بيانه إن
شاء الله .. قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ، ظن ظانون أن ذلك يتناول الأحرار والعبيد ، لأن العبيد من
رجالنا وأهل ديننا.
فقيل لهم : قد قال
: (إِذا تَدايَنْتُمْ) وساق الخطاب إلى قوله : (مِنْ رِجالِكُمْ) ، وظاهر الخطاب تناوله للذين يتداينون ، والعيد لا يملكون
ذلك دون إذن السادة.
ولعلهم يقولون إن
خصوص أول الآية لا يمنع التعلق بعموم آخرها ، وفيه من اختلاف الأصوليين ما لا
يخفى.
__________________
وأقوى ما قيل في
رد شهادة العبيد من دلالة كتاب الله تعالى ، أن الله تعالى جعل الشهادة منصبا ،
وجعل الشاهد قواما بالقسط لإحياء حقوق المسلمين ، فقال : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ).
وإنما يبين معنى
كونه ناهضا به ، إذا دعي إليها وأجاب ووجبت عليه الإجابة ، كما قال تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا).
ولا يتصور استقلال
العبد بهذا المعنى ، لكونه ممنوعا من الخروج إلى القاضي ، وتصحيح دعوى المدعى ،
ولأجل ذلك لم يجعل أهلا للولاية في حق أولاده ، لأنها تستدعي القيام بالنظر ، ولا
يتأتى ذلك مع قيام الرق ، فلم يثبت له المنصب.
والمرأة في معنى
الاستقلال ، لما كانت دون الرجل ، أثر ذلك في شهادتها وولايتها جميعا ، ولكن لا
يسلب الأمران عنها.
ولأجل ذلك لم يكن
العبد مساويا للحر في الجمعة حتى لا تنعقد به ، فإنها تستدعي أسبابا لا تتهيأ للعبد.
ولأن الشهادة منصب
أخذ على الشاهد فيه تخير ضروب من الوقار وحفظ الحرمة ، حتى يتخير من الحرف أعلاها
وأولاها ، ومن الأفعال أرتبها وأحسنها ، ولا تخير من العبد أصلا ، فإن السيد يصرفه
كيف شاء ، في دنيات الأعمال وعليتها ، فليس يؤهل لمنصب لا يستقل به ، ولذلك لم يكن
وليا ولا حاكما.
وقد جمع الله
تعالى بين درجة الشاهد والحاكم فقال : (كُونُوا
__________________
قَوَّامِينَ
بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى
أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ
فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ
تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا).
فجعل الحاكم شاهدا
لله تعالى ، ولم يجعل العبد أهلا له ، لأن المقصود منه الاستقلال بهذا المهم إذا
دعت الحاجة اليه ، ولا يتأتى ذلك من العبد أصلا. فكذلك منصب الشهود.
وقد جعل الله
تعالى للعبد المملوك نهاية المثل في عدم القدرة فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً
مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ).
وكيف يكون بهذه
المثابة من يقدر على تنفيذ قوله في الغير في الدماء والفروج؟ ولم يثبت له قول نافذ
في حكم ما ، إلا فيما لا طريق اليه إلا من جهته ، كالإسلام والطلاق ، فإن الحجر
عليه فيه يؤذن بامتناع الطلاق رأسا ، وفيه مفسدة وارعة عن النكاح ، وكذا الإقرار بالدم عند بعض العلماء ، فإنه لا
طريق إلى الخلاص عن المظلمة إلا من هذه الجهة.
فأما الشهادة فلا
تدعو الضرورة فيها إلى العبيد لقيام الحر بها دونهم ، فهذا تمام هذا المعنى.
فأما الشهادة فلا
تدعو الضرورة فيها إلى العبيد الحر بها دونهم ، فهذا تمام هذا المعنى.
وفيه معنى آخر ،
وهو أن قبول قول زيد على عمرو ، بعيد عن قياس
__________________
الأصول ، إلا أن
الشرع رأى ذلك لمصلحة إحياء الحقوق وخوفا من ضياعها ، ولأجل ذلك كانت الشهادة من
فروض الكفايات كالجهاد ، فإذا لم يكن من أهل الخطاب بالجهاد ، ولو حضر وقاتل لم
يسهم له ، وجب ألا يكون من أهل الخطاب بالشهادة ، ومتى شهد لم تقبل شهادته ، ولم
يكن له حكم الشهود ، كما لم يثبت له حكم المجاهد ، وإن شهد القتال في استحقاق
السهم.
ولما أثر نقص
لأنوثة في منصب الولاية ، سلب استقلال المرأة بالشهادة ، إلا أن يكون معها رجل.
فإثبات استقلال
العبيد بالشهادة إيفاء رتبتهم على رتبة النساء ، فإن كان كذلك ، فلتكن رتبتهم
موفية على رتبتهن في الولاية ، والأمر بالعكس من ذلك ، وذلك يدل على سقوط رتبة
الشهادة في حق العبيد.
نعم يقبل خبر
العبيد على الانفراد وخبر النسوة كمثل ، لأن طريق قبول الخبر شيء ، وطريق قبول
الشهادة شيء ، فليس يتعلق بالخبر دعوى واستحضار لأداء الشهادة ، ويتعلق ذلك
بالشهادة.
فالذي يروي الخبر
، يخبر عما علمه ، سواء استشهد أو لم يستشهد ، وليس يتعلق قبوله بحاكم ومجلس حكم ،
وإنما سبيله إخبار عن شيء شاهده إن كان قد شاهده.
وأما الشهادة ،
فسبيلها سبيل إيجاب حق على ممتنع باستحضار واستدعاء ، ولا يتأتى ذلك للعبد على ما
بيناه من قبل.
وقد نقل عن علي
رضي الله عنه إجازة شهادة الصبيان ، وذلك لم يثبت عنه ، مع أن قوله (مِنْ رِجالِكُمْ) لا يتناوله.
__________________
ولا يقبل خبره
أيضا ، ولا يلزم بخبره حكم ، فإن عدالته غير ثابتة ، ولا أنه بالمعاصي يأثم ، فلا
عبرة بقوله.
وكيف يوثق بقول من
يعلم أنه لو كذب فلا يؤاخذ بالكذب ، ولا تبعة عليه في الآخرة؟
ودلت الآية على أن
الأعمى من أهل الشهادة فإنه من رجالنا ، ولكن إذا علم يقينا ، مثل ما روى ابن عباس
قال :
سئل النبي صلّى
الله عليه وسلم عن الشهادة فقال : ترى هذه الشمس فاشهد على مثلها أو دع.
وذلك يدل على
اشتراط معاينة الشاهد لما يشهد به ، لا من يشهد بالاستدلال الذي يجوز أن يخطئ.
نعم يجوز له وطء
امرأته إذا عرف صوتها ، لأن الإقدام على الوطء جائز بغالب الظن ، فلو زفت اليه
امرأة وقيل هذه امرأتك ، وهو لا يعرفها جاز له وطؤها.
ويحل له قبول هدية
جاره بقول الرسول.
ولو أخبر مخبر عن
زيد بإقرار أو بيع أو قذف أو غصب ، لما جاز له إقامة الشهادة على المخبر عنه ، لأن
سبيل الشهادة اليقين والمشاهدة ، وفي غيرها يجوز استعمال غالب الظن ، ولذلك قال
الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف : إذا علمه قبل العمى جازت له الشهادة بعد العمى
، ويكون العمى الحائل بينه وبين المشهود عليه ، كالغيبة والموت في المشهود عليه ،
فهذا مذهب هؤلاء.
__________________
والذي يمنع أداء
الأعمى فيما يحمل بصيرا لا وجه لقوله على ما يجب بعد أن كان الأعمى مرضيا عدلا.
وتصح شهادته
بالنسب الذي يثبت بالخبر المستفيض ، كما يخبر عما تواتر حكمه من الرسول صلّى الله
عليه وسلم.
ومن العلماء من
قبل شهادة الأعمى فيما طريقة الصوت ، لأنه رأى أن الاستدلال بذلك يترقى إلى حد
اليقين ، ورأى أن اشتباه الأصوات كاشتباه الصور والألوان ، وهو ضعيف يلزم منه جواز
الاعتماد على الصوت للبصير.
ومقتضى عموم كتاب
الله تعالى ، تجويز شهادة البدوي على القروي ، لأنه قد يكون عدلا مرضيا وهو من
رجالنا وأهل ديننا ، وكونه بدويا ككونه من أهل بلد آخر.
وفي السلف من لا
يجوز ذلك ، وهو رواية ابن وهب عن مالك ، ومذهب أحمد.
والعمومات في
القرآن الدالة على قبول شهادة العدول ، تسوي بين القروي والبدوي ، مثل قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
(وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ) ـ إلى قوله ـ (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَداءِ) (٢٨٢).
واختلاف الأماكن
أيّ أثر له؟
وقد روى أبو هريرة
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال :
«لا تجوز شهادة
بدوي على صاحب قرية» .
__________________
وليس فيه فرق بين
القروي في الحضر أو في السفر ، ومتى كان في السفر فلا خلاف في قبوله.
وروى عكرمة عن ابن
عباس ، أنه شهد أعرابي عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رؤية الهلال ، فأمر
بلالا أن ينادي في الناس فيصوموا غدا .
فقبل شهادة
الأعرابي وأمر الناس بالصيام.
وجائز أن يكون خبر
أبي هريرة في وقت كان الشرك والنفاق والتساهل في أمر الدين غالبا على أهل البادية
، كما قال تعالى :
(وَمِنَ الْأَعْرابِ
مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ
عَلَيْهِمْ).
فإنما منع قبول
شهادة من هذه صفته من الأعراب.
وقد وصف الله
تعالى قوما آخرين من الأعراب فقال :
(وَمِنَ الْأَعْرابِ
مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ
عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) الآية. فمن كانت هذه صفته فبعيد أن لا تقبل شهادته ، مع
قبولها على البدوي الآخر المماثل له ، وقبولها على القروي في السفر.
قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) من رجالكم فإن
__________________
لَمْ
يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) الآية (٢٨٢) :
اعلم أن ظاهر
الآية يقتضي أن تكون شهادة النساء شهادة ضرورة معدولا بها عن أصل الشهادة ، فإنه
قال : واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين.
فاقتضى الظاهر عدم
القدرة على الرجلين ، إلا أنه جوز على خلاف الظاهر للإجماع ، وشرط كون الرجل معهن
، فلم يجعل لهن رتبة الاستقلال ، فدل مجموع ذلك على أن شهادة النساء شرعت في
المداينات التي كثر الله تعالى أسباب توثيقها ، لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلوى بها وتكررها ،
فجعل التوثيق :
تارة بالكتابة.
وتارة بالإشهاد.
وتارة بالرهن.
وتارة بالضمان.
فأدخل في جميع ذلك
شهادة النساء مع الرجال.
ولا يتوهم عاقل أن
قوله : (إِذا تَدايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ) يشتمل على دين المهر مع البضع ، وعلى الصلح عن دم العمد ،
فإن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين ، بل هي شهادة على النكاح ، ولو شهد على
المهر فيقبل ، نعم لا يصير النكاح تبعا للمهر بحال.
نعم ، ما ليس بمال
إذا كان تبعا للمال ، مثل الأجل المذكور في
__________________
المداينة ، فيقبل
فيه شهادة النساء مع الرجال ، لأن الأجل يؤول إلى المآل.
فإن قال قائل :
المهر في النكاح تابع للنكاح ، ولا يجب إلا معه ، فلم يثبت بشهادة النساء ، وليس
المهر من جملة المداينات المذكورة في الآية؟
قلنا : لأن المهر
من حيث كان دينا ، سلك به مسلك الديون كلها في أنواع التوثيق ، كالرهون والضمان
وغيرهما ، فألحق بقياس الأموال.
فإن قال قائل :
العتق تعددت جهات تحصيله ، وكذلك الطلاق ، وتزيد جهاتها من الكنايات والصرائح
والتعليق والتنجيز على جهات تحصيل الأموال ، فلم لم يجعل ذلك ملحقا بالأموال؟
فالجواب : أن
الحاجة لا تتكرر إلى توثيق جهات الطلاق مسيس الحاجة إلى الوثائق في المداينات ،
ولذلك بالغ الشرع في إبانة جهات الوثائق فيها ، وقال في الرجعة والطلاق :
(وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ).
قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) ، يدل على تفويض الأمر إلى اجتهاد الحكام ، فربما تفرس في
الشاهد غفلة أو ريبة ، فيرد شهادته لذلك.
وفيه دليل على
جواز استعمال الاجتهاد في الأحكام الشرعية.
ويدل قوله : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) على أنه لا مبالاة يكونه مسلما فإنه قال : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ).
__________________
فقسم المسلمين إلى
مرضيين وغير مرضيين ، فلم تقبل شهادة غير مؤمنين.
وليس يعلم كونه
مرضيا بمجرد الإسلام ، وإنما يعلم بالنظر في أحواله.
ولا يعتبر بظاهر
قوله : (أنا مسلم) فربما انطوى على ما يوجب رد شهادته مثل قوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي
قَلْبِهِ) إلى قوله: (وَاللهُ لا يُحِبُّ
الْفَسادَ).
وقال : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ
أَجْسامُهُمْ) الآية ..
فكل ذلك دليل على
ما قلناه.
وظاهر قوله : (مِنَ الشُّهَداءِ) يقتضي قبول شهادة الأب لابنه والولد لأبيه ، لأن الشاهد
مرضي ولو لم يكن مرضيا ، وتطرقت التهمة إلى حاله باستيلاء الهوى عليه لامتنعت
شهادته مطلقا ، ولأمكن أن يقال : إن الذي يشهد لولده كاذبا ، يشهد للأجنبي لعرض
يتعجله من مال أو جاه أو غيره ، فيشهد التابع لمتبوعه ، والمرؤوس لرئيسه ، إلى غير
ذلك.
غير أنه لا ينظر
إلى شيء من ذلك ، خاصة إذا شهد لأحد ولديه على الآخر.
__________________
إلا أن العلماء
أجمعوا على خلاف ذلك ، إلا خلاف شاذ لا يعتد به يحكى عن عثمان البتى .
ولعل السبب فيه أن
الذي بينه وبين الابن من الاتحاد في الذات ، حتى يقال هو بعضه ، يقتضي جعل شهادته
له في معنى شهادته لنفسه ، فإذا كانت فيه شبهة الشهادة لنفسه ، كان مدعيا من تلك
الجهة ، والبينة على المدعي ، ولا تسمع شهادته لنفسه فيما هو مدع فيه.
ولا شك أن هذا في
غاية الجلاء مع المصير إلى تمييز أملاكهما التي هي محل الشهادة.
ويجب على الابن
الحد بوطء جارية أبيه ، ولا يجعل الاتحاد بينهما شبهة في الحد ، فكذلك لا يجعل
شبهة في شهادته وإلحاقها بالدعوى ..
نعم ظن أبو حنيفة
أن شهادة الزوج لزوجته لا تقبل ، لتواصل منافع الأملاك بينهما ، وهي محل الشهادة ،
والذي يخالفه يقول :
ولكن ذلك التواصل
يعرض للزوال ، فليس كتواصل الولادة ، فإذا ظهر التفاوت من وجه.
والأصل قبول
الشهادة إلا حيث خص ، فما عدا المخصوص يبقى على الأصل.
وزاد أبو حنيفة
على هذا وقال :
كل شهادة ردت
للتهمة فإنها لا تقبل أبدا ، مثل شهادة الفاسق ، إذا ردت لفسقه ثم تاب وأصلح ،
ومثل شهادة أحد الزوجين للآخر إذا ردت ، ثم شهد بها بعد زوال الزوجية.
__________________
فجعل العلة مجرد
التهمة في الذي تقدم من الشهادة ، وزاد عليه فقال :
لا تقبل شهادة
الأجير للمستأجر ، وقبل شهادة من له الدين لمن عليه الدين ، فلم ير الزوجية لعينها
مانعة قبول الشهادة حتى إذا زالت قبلت ، وقال : لو شهد العبد فردت شهادته ثم عتق
فأعاد قبلت ، وكذا الصبي ، لأن زوال الرق معلوم حقيقة ، وزوال التهمة غير معلوم
حقيقة ، وزوال الزوجية معلوم حقيقة ، غير أن الرد لم يكن لها وإنما كان للتهمة ،
ولا يعلم زوالها حقيقة ، فجعلوا التهمة مانعة.
ولا شك أن التهمة
في الشهادات كلها خاصة ، هي تهمة المعصية ، وتهمة المعصية شبهة في الحدود ، فهلا
ردت شهادته في الحدود مثلا.
فعلم أن سبب رد
الشهادة للولد ليس هو تهمة الكذب ، ولكن ما بينهما من الاتحاد ، مع خروج شهادته عن
كونها شهادة لنفسه ، حتى لا يكون من وجه مدعيا ، وهذا المعنى بعيد عن التهمة ، فلم
يقتض رد شهادة أخرى ، أو بحال ذلك على الإجماع ولا يقيد بخلاف البتى ولا يصح النقم
فيه ، فهذا تمام البيان في ذلك.
والحوالة على
التعبد أولى لضعف المعنى ، لولا أن الشافعي رد شهادة العدو على العدو مع العدالة ،
وقبل شهادته في حادثة أخرى ، وإن كانت تسفط بالتهمة.
ويمكن أن يقال :
إن رد شهادة العدو على تعبد ثبت بخبر ورد فيه ، فإن المعنى كيفما قدر ضعيف جدا.
وحاصل القول أن
العدالة ، وقلة الغفلة ، هي من شرائط الشهادات وقد انتظمها قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) ـ مع قلة حروفه وبلاغة لفظه ووجازته واختصاره وظهور فوائده
، وجميع ما
ذكرناه من المعاني
التي استنبطها السلف من مضمونه وتحريهم موافقته مع احتماله لجميع ذلك ، يدل على
أنه كلام الله تعالى ومن عنده ، إذ ليس في وسع البشر إيراد لفظ على هذه الوجازة
يتضمن هذه المعاني البديعة.
قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ
إِحْداهُمَا الْأُخْرى).
يدل على أنه لا
يجوز لأحد أن يشهد على الآخر ، وإن رأى الخط ، إلا أن يكون ذاكرا لما يشهد به.
ثم قال : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) ، فدل ذلك على أن الكتاب إنما أمر به ليتذكر به كيفية
الشهادة ، وأنها لا تقام إلا بعد حفظها وإتقانها.
وفيه الدلالة على
أن الشاهد إذا قال لا أذكر ، ثم تذكر ، يجوز له إقامة الشهادة .
ثم إن الله تعالى
إنما ذكر في المداينات الحجج التي تستقل بإثبات المداينات ، ولم يتعرض لما سواها ،
وقد ظن ظانون من أصحاب أبي حنيفة ، أن إسقاط العدد المذكور في القرآن لا يجوز ،
وأن الذي جعله الشرع سببا لا يجوز تغييره والنقصان منه ، ولا يحط منه وصف الرضا
وهو العدالة ، ولا الوصف الآخر وهو العدد ، ثم قال :
(ذلِكُمْ أَقْسَطُ
عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا).
__________________
وأبان أن ذلك أدنى
ما يتعلق به مقصود الشرع ، وأن القدر المقصود من الاحتياط والحجة المعتبرة هذا
المذكور في القرآن ، وذلك ينفي إيجاب الحكم بالشاهد واليمين ، فإن اليمين دون
الشهادة لا محالة ، وقد أبان الله تعالى أن أدنى درجات الاحتياط هو المذكور ، فلا
يثبت بما دونه ، وهذا حسن بين.
والذي يقبل الشاهد
واليمين يقول :
معنى قوله تعالى :
(وَأَدْنى أَلَّا
تَرْتابُوا) في الشهادة وحدها ، لا فيها وفي غيرها ، والشاهد واليمين
جنسان مختلفان لا تعرض لهما في القرآن.
ويقول أصحاب
الشافعي في قول : إن الحكم باليمين ، غير أن الشاهد يقوى جانبه ، ويصير هو بمثابة
المدعى عليه الذي ظهر جانبه باليد ، فعلى هذا لا يستقيم التعلق بالقرآن في تحقيق
غرضهم ..
قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا).
روي عن جماعة من
المفسرين أن المراد به : إذا دعوا لإقامتها.
وعن قتادة : إذا
دعوا إلى إثبات الشهادة في الكتاب ، فأما عند الإثبات فلا يجب على الشهود الحضور
عند المتعاقدين ، وإنما على المتداينين أن يحضرا عند الشهود ، فإذا حضراهم وسألاهم
إثبات شهادتهم في الكتاب ، فهذه الحال هي التي يجوز أن تراد بقوله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) لإثبات الشهادة ، فأما إن ثبتت بشهادتهم ، ثم دعوا
لإقامتها عند الحاكم ، فهذا الدعاء هو لحضورهما عند الحاكم ، ولا يحضر الحاكم
__________________
عند الشاهدين ،
ليشهدا عنده وإنما على الشهود الحضور عند الحاكم.
فالدعاء الأول
إنما هو لإثبات الشهادة في الكتاب ، والدعاء الثاني لحضورهم عند الحاكم وإقامة الشهادة
عنده.
واللفظ يحتمل
الأمرين جميعا ، ولا معنى لاختلاف المفسرين في معناه ، إذا كان اللفظ يدل عليهما
من طريق العموم.
وقوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجالِكُمْ) ، يجوز أن يكون متناولا للأمرين جميعا ، وإن كان قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ
إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ، يرجع جانب التحمل ، ولكن ذكر بعض ما يتناوله اللفظ لا
يمنع التعلق بعمومه فيما أمكن تعميمه فيه ، على رأي أكثر الأصوليين ، وإن خالفهم
قوم في ذلك وادعوا التوقف ، وليس ذلك بالبعيد عندنا على ما شرحناه في الأصول ، مع
أن اسم الشهداء لا يكون حقيقة ، إلا في حالة إقامة الشهادة عند الحاكم ، وإن كان
ينطلق على غيره بطريق المجاز مثل قوله :
(وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ).
فسماهم شهيدين
وأمرنا باستشهادهما قبل أن يشهدا. وهو بمثابة قوله :
(فَلا تَحِلُّ لَهُ
مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢٣٠).
فسماه زوجا قبل أن
يتزوج.
وقوله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) ، الآية) ، يدل على أن إقامة الشهادة تجب حيث لا يجد
المستشهد غيره ، وهو فرض على الكفاية ، كالجهاد والصلاة على الجنائز وغسل الموتى
ودفنهم ، متى قام به قوم سقط عن الباقين.
ومعنى الفرض على
الكفاية ، أنه لا يجوز للكل الامتناع منه لما فيه من إبطال الوثائق وضياع الحقوق ،
ولا يتعين فرضه على كل أحد ، فإنه لا خلاف أنه ليس على كل أحد من الناس تحملها ،
هذا أصل في فروض الكفايات الواجبة على الكافة ، إلا أنهم إذا أدى بعضهم سقط عن
الباقين ، فإذا لم يكن في الكتاب إلا شاهدان ، فقد تعين الفرض عليهما متى دعيا
لإقامتهما بقوله : (وَلا يَأْبَ
الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا).
وقال تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ
يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (٢٨٣).
وقال تعالى : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ).
وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ).
وإذا كان عنهما
مندوحة بإقامة غيرهما فقد سقط الفرض عنهما لما وصفناه.
قوله تعالى : (وَلا تَسْئَمُوا)(أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ
كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) يعني القليل الذي يعتاد تأجيله ، ومعلوم أنه لم يرد به
القيراط والدانق ، إذ لا يعتاد المداينة بمثله إلى أجل.
وقوله (إِلى أَجَلِهِ) يعني إلى محل أجله ، فيدل ذلك على أنه يكتب الأجل في
الكتاب ومحله ، كما يكتب أصل الدين.
__________________
ويستدل به على أنه
يكتب صفة الدين ونقده وجودته ومقداره ، لأن الأجل بعض أوصافه ، فحكم سائر أوصافه
بمنزلته ..
قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ).
فيه بيان الغرض
الذي لأجله أمر بالكتاب واستشهاد الشهود ، والوثيقة والاحتياط للمتداينين عند
الحاجة ورفع الخلاف ، وبين الغرض الذي لأجله أمر بالكتاب ، وأخبر بأن ذلك أنفى
للريب ، وأبقى للحق ، وأدعى إلى رفع النزاع ، وأنه إذا لم يكتب فيرتاب الشاهد ،
فلا ينفك بعد ذلك من أن يقيمها على ما فيها من الاختلاط والاحتياط ، غير مراع
شرائط الاحتياط ، فيقدم على محظور أو يتركها فلا يقيمها فيضيع حق الطالب.
ويستدل بذلك على
أن الشهادة لا تصح إلا مع القطع واليقين ، وأنه لا يجوز إقامتها إذا لم يذكرها وإن
عرف خطه ، لأن الله تعالى أخبر أن الكتاب مأمور به لئلا يرتاب بالشهادة.
ويستدل به أيضا
على أن هذا الاستشهاد والكتاب ، إذا كان الاحتياط في المداينات فهي للاحتياط
للنكاح ، حتى لا يستشهد بمن ليس بمرضي من فاسق ، ومجلود في قذف ، وكافر وعبد ،
خلافا لمن زعم أن تلك الشهادة ليست للاحتياط ، ومعلوم أن الشهادة في موضع الندب ،
إذا كانت للاحتياط ، ففي موضع الوجوب أولى أن تكون للاحتياط ..
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً
تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) (٢٨٢) ، فرخص في
ترك الكتاب في التجارة الحاضرة رفعا للحرج.
ودل ظاهر قوله : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) ، على أن الشهادة عامة في التجارات كلها.
__________________
وقد نسخ ذلك بقوله
: («فَإِنْ أَمِنَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (٢٨٣) ، وقد بينا
ذلك فيما سلف.
قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ).
قال ابن عباس :
معناه أن يجيء الرجل إلى الكاتب فيقول : إني على حاجة ، فيقول له : إنك قد أمرت أن
تجيب ، فلا يضار بمثل هذا القول.
وقال الحسن : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) أي لا يكتب ما لم يؤمر به ويزيد في الشهادة.
وقرأ الحسن وقتادة
وعطاء : (.. لا يُضَارَّ) بكسر الراء ..
وقرأ ابن مسعود
ومجاهد : (لا يُضَارَّ) بفتح الراء ، فكانت إحدى الروايتين نهيا لصاحب الحق عن
مضارة صاحب الحق ، وكلاهما مستعمل ، ومن مضارة الشاهد القاعد عن الشهادة إذا لم يكن
سواه ، فكذلك على الكاتب إذا لم يجد غيره ..
قوله تعالى في
التجارة : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) وفرقة بينها وبين المؤجل يوهم بظاهره ، أن عليهم كتب الدين
المؤجل والإشهاد فيه وأن الجناح يلحقهم إذا لم يكتبوها ، ويبعد أن يقال في ترك
المندوب إن عليه جناحا ، ففي التجارة الحاضرة إن كان ترك الشهادة
__________________
دليلا على كون
الشهادة مندوبا إليها ، فتارك المندوب لا جناح عليه.
وقوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً
تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) (٢٨٢) يدل على أن
في غيرها عليهم جناحا.
ويقال في الجواب
عن هذا : الجناح يطلق على الضرورة ، فكأنه تعالى قال : لا ضرر عليهم في حياطة
الأموال ، لأن كل واحد تسلم ما استحق عليه بإزاء تسليم الآخر ، ومتى لحقه ضرر
وأفضى الأمر إلى منازعة ومشاجرة ، فربما تداعى إلى الإثم واللجاج ، فأراد بقوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا
تَكْتُبُوها) ، أي ليس عليكم ذلك أيضا ..
قوله تعالى : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ
بِكُمْ) (٢٨٢).
عطفا على ذكر
المضارة ، يدل على أن مضارة الطالب الكاتب والشهيد ، ومضارتهما له فسق ، بقصد كل
واحد منهم إلى مضارة صاحبه بعد نهيه عنها.
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ
تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢٨٣) :
استدل به مجاهد
على أن الرهن لا يكون إلا في السفر.
وأما كافة العلماء
فجوزوه في الحضر والسفر ، لأنه صح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رهن درعا عند
يهودي بالمدينة ، وأخذ منه شعيرا لأهله ، غير أن ذكر السفر بناء على غالب الأحوال
، في عدم وجود الكاتب والشهيد فيها ، فينوب الرهن منا بهما ، لا أن الرهن مفيد
فائدة الشهادة والكتاب
__________________
من كل وجه ، فإن
الذي يختص بالرهن ، إعداد المرهون لاستيفاء الحق منه عند ضيق الطالب ، فهو وثيقة
لجانب الاستيفاء بإبانة محل الاستيفاء ، كالضمان فإنه وثيقة بتحديد محل
الاستيفاء عند عسر استيفائه من المضمون عنه ، إلا أن خاصية الرهن إنما تظهر عند
ازدحام الغرماء ، وخاصة الضمان حاصلة في غير هذه الحالة.
فإذا تقرر ذلك ،
فهذا الرهن الذي له خاصية الشهادة عند عدم الشهادة ، فإن الرهن إذا كان مقبوضا ،
لا يتأتى للراهن الامتناع من توفية حق المرتهن ، فإنه يأخذ المرهون بحقه.
وإن ادعى الراهن
على المرتهن الملك في المرهون ، فالمرتهن يكفيه في دفع دعواه أن يقول : لا يلزمني
تسليم هذا إليك.
وإذا قال ذلك وحلف
عليه ، بطل عن الراهن في العين عند المحل ، وكان للمرتهن بيعه وأخذ الحق من ثمنه ، وهذا
كلام ظاهر كما ترى ، فصار الرهن مفيدا مثل مقصود الشهادة والكتاب ، وإن كان له
خاصية يتفرد بها ، فلأجل ما فيه من فائدة الشهادة أمر الله فيه بالقبض ، وخصه
بالسفر ، لأنه يغلب فيه عدم الكتاب والشهود.
وقوله : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) ، يدل على اعتبار القبض الذي به
__________________
يحصل معنى الوثيقة
الحاصلة بالشهادة ، فإن المرهون إذا كان في يد الراهن فلا يتأتى فيه معنى الشهادة.
ويتلقى من الآية
وجوب الإقباض ، وكون القبض شرطا في الرهن لأن معنى الوثيقة ليس يحصل إلا به.
ويمكن أن يستدل به
على أن المقصود الأصلي في الرهن توثيق الدين لاستيفاء الحق منه ، فإنه خص بالسفر
لهذا المقصود لما لا سواه مما يتأتى في السفر والحضر ، ومع الشهود وعدم الشهود
والكتاب.
وفيه دليل على أنه
لا يجوز للراهن استرجاع المرهون من يد المرتهن ، لما فيه من بطلان المعنى الذي به
يقوم الرهن مقام الشهادة والكتاب ، ولأجله جعل بدلا عنهما ، وما شرع في الأصل إلا
على هذا الوجه. فكان هذا الوجه هو المقصود الأصلي بالرهن.
والذين يخالفون
هذا الرأي من أصحاب الشافعي يقولون :
إن المقصود بآية
المداينات توثق الحقوق عن الضياع والتقوى من جهة وجوبه لا من جهة الاستيفاء ،
ولذلك لم يتعرض للضمان ، فإن الضمان لا يفيد التوثيق من جهة الوجوب على معنى أن
الشهادة إذا لم تكن ، ربما يجحد الحق فيذهب وجوبه ، وكذا الكتاب والرهن في هذا
المعنى يفيد مع الجحود الذي به يفوت وجوب الحق ، والضمان لا يفيد شيئا من هذا المعنى
، فلا جرم لم يتعرض له ها هنا ، وتعرض للرهن الذي يفيد فائدة الشهادة في هذه الجهة
، إذا تعذر الوصول إلى الشهادة بالسفر ، لأن السفر في الرهن أصل ، ولكن بالسفر
يحصل العذر في الشهادة والكتاب فشرع الرهن.
وأما خاصية الرهن
التي لا توجد في غير الرهن من الوثائق فهي استيفاء الدين من العين ، فجاز رهن
المتاع نظرا إلى الخاصية ، وجاز الانتفاع بالمرهون في مدة الرهن نظرا إليها ، فهذا
تمام البيان في ذلك.
نعم ها هنا شيء ،
وهو أنه إذا كان خاصية الرهن استيفاء الحق منه عند مزاحمة الغرماء. فيتخلص بالرهن
عن مزاحمتهم ، فمن أجل ذلك قال مالك :
إذا كان لرجل على
رجل دين ، فباع من له الدين ممن عليه الدين شيئا ، وجعل الدين عليه رهنا ، قال :
يجوز على ما رواه ابن القاسم عنه ، لأنه يخلص به عن مزاحمة الغرماء فإنه حائز ما
عليه.
وقال غيره من
العلماء : لا يجوز ، لأنه لا يتحقق إقباضه ، والقبض شرط لزوم الرهن ، ولأنه لا بد
من أن يستوفي الحق منه عند المحل ، ويكون الاستيفاء من ماليته لا من عينه ولا
يتصور ذلك في الدين.
ولأن الدين مملوك
ثابت بالإضافة إلى من له الدين إنما هو ثابت بالإضافة إلى من له الدين.
ولا خلاف عند
العلماء أن تعديل المرهون جائز عند الأجنبي.
وقال ابن أبي ليلى
: لا يجوز حتى يقبضه المرتهن ، وكأنه رأى ابتداء القبض تعبدا ، ورأى التعبد في
مباشرته القبض ، وهو لعله لا يجوز التوكيل فيه ، وهذا بعيد.
ولابن أبي ليلى أن
يقول : إنه إذا لم يجز جعل المبيع المحبوس على يدي عدل ، لم يخرج عن ضمان البائع ،
ولم يصح أن يكون العدل وكيلا للمشتري في قبضه ، فكذلك يجب أن لا يخرج من قبض
الراهن بوضعه على يدي عدل.
__________________
وهذا غلط ، فإنه
إذا صار العدل وكيلا للمشتري في القبض ، بطل حق البائع وسقط بالكلية ، وخرج من
ضمانه ، وتم البيع للمشتري ، فلا يبقى للبائع علقة ، وفي كون العدل وكيلا للمرتهن
تحقيق معنى الرهن ، فكان العدل قابضا للمرتهن وهو قابض للمشتري ، كما كان قابضا
للمرتهن ، فلا فرق من حيث المعنى بينهما.
نعم البائع إذا
وضع المبيع عند عدل بقي محبوسا ، ولم يكن العدل وكيل المشتري ، لأن في كونه وكيلا
له إبطال الحبس ، وفي كون العدل وكيلا للمرتهن تحقيق الحبس ، فوضح الجواب من هذا
الوجه.
واستخرج الشافعي
من كون الرهن وثيقة أنه غير مضمون ، فإن الوثيقة يزداد بها الدين وكادة ، لا أنه
يتعرض بها الدين لعرض السقوط ، فسقوط الدين بهلاك الوثيقة ، يوقع خللا في معنى
الوثيقة.
وهم يقولون : وما
وقع الخلل في معنى الوثيقة ، فإن الدين لا يسقط عند من يخالفه ، ولكن كان الرهن
وثيقة للاستيفاء ، وقد حصل بهلاكه الاستيفاء حتى قالوا :
إذا رهن برأس مال
السلم ، فتلف قبل التفوق ، صار رأس المال مستوفى حتى لا يضر الافتراق ، ويجب تسليم
المسلم فيه عند المحل ، فلم يكن ذلك مخالفا معنى الوثيقة ، بل كان محققا معنى
الوثيقة.
والشافعي يقول :
قد خالف مقصود الوثيقة ، فإن الوثيقة ما عقدت له حتى يفوت الحق على هذا الوجه ،
ولا أن يقدر هذا القبض من غير أن يكون المقبوض ملكا للقابض مقصودا للمرتهن ، فقد
فات المقصود من هذا الوجه أن يقدر هذا القبض من غير أن يكون المقبوض ملكا للقابض ،
فصح ما قلناه عن الشافعي.
واستدل الشافعي
بما رواه ابن أبي ذؤيب ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم قال : «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه».
قال الشافعي :
ووصله ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم : وذكر أبو بكر
الرازي أن أبا بكر بن أبي شيبة قال : قوله صلّى الله عليه وسلم : له غنمه وعليه
غرمه ، من كلام سعيد بن المسيب.
وروى مالك وابن
أبي ذؤيب ويونس عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
قال : لا يغلق.
قال يونس بن يزيد
قال ابن شهاب ، وكان ابن المسيب يقول : «الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه» ،
فأخبر ابن شهاب أن هذا من قول سعيد بن المسيب لا عن النبي صلّى الله عليه وسلم.
وقوله : «لا يغلق
الرهن» ، ذكر قوم أن معناه : أنهم كانوا يرهنون في الجاهلية ويقولون : إن جئتك
بالمال وقت كذا وكذا وإلا فهو لك ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم : لا يغلق
الرهن.
تأوله على ذلك
مالك وسفيان وطاوس وإبراهيم النخعي ، وإلا فيبعد أن يقال : إذا ضاع قد غلق الرهن ،
ولم يبق الرهن ، وإنما يقال : ضاع.
نعم الشافعي يحمل
قوله «لا يغلق الرهن» ، أي لا يصير محتبسا بيد المرتهن ، معطل المنافع كالمغلوق ، ولكن الراهن ينتفع به فله غنمه وعليه غرمه.
__________________
ومعنى الغرم ، أنه
يلزمه حكم تلفه ، فإذا تلف فإنما تلف على الراهن حتى يجب عليه الدين ، أو إبدال
مرهون آخر إذا كان قد شرط الرهن في العقد.
وهم يقولون على
الراهن غرمه ، حال بقائه ، حتى لا يملك المرتهن بعد الأجل الرهن ، وإنما الدين على
الراهن كما كان من قبل.
وله غنمه أي
زيادته ، فإذا زادت قيمته فالزيادة للراهن وإذا نقصت فعلى الراهن تكلف الزيادة إلى
تمام الدين.
وزعموا أن ذلك يدل
على أن الشرط الذي لا يوافق الرهن إذا ذكر في العقد ، لا يفسد العقد بل يفسد الشرط
، وهذا الذي ذكروه ، وتقدير حكاية لا يدل اللفظ عليها ، وقد عرفنا أن تقدير
الحكايات لتنزيل الألفاظ عليها لا يجوز ، والشافعي يحكم بفساد الرهن باشتراط الملك
للمرتهن عند انقضاء الأجل ، وأبو حنيفة يخالف في ذلك ..
قوله تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) (٢٨٢) يدل على أنه
مؤتمن فيما يورده ويصدره ، فيقتضي ذلك قبول قول الراهن إذا اختلف هو والمرتهن في
مقدار الدين ، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأكثر العلماء.
ومالك يقول :
القول قول المرتهن ، فيما بينه وبين قيمة الرهن ، ولا يصدق على أكثر من ذلك ،
وكأنه يرى أن الرهن وثمنه شاهد للمرتهن.
وقوله تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) يرد عليه ، فإن الذي عليه الحق هو الراهن ..
فإن قال قائل : إن
الله تعالى جعل الرهن بدلا عن الشهادة ، والكتاب والشهادة دالة على صدق المشهود له
، والرهن الذي هو بدله قام مقامه ،
إلى أن يبلغ قيمته
، فإذا بلغ قيمته فلا وثيقة في الزيادة.
فإذا قال الراهن :
رهنت بخمسين ، والمرتهن يدعي مائة ، وقيمة الشيء مائة فصاعدا ، كان الرهن شاهدا له
، وإذا كان دون ذلك الذي ادعاه صار في الفضل على قدر قيمة الرهن مدعيا وعليه
البينة؟
والجواب عنه : أن
الرهن لا يدل على أن قيمته يجب أن تكون مقدار الدين ، فإنه ربما رهن الشيء بالقليل
والكثير ، نعم لا ينقص الرهن غالبا عن مقدار الدين ، فأما أن يطابقه فلا ، وهذا
القائل يقول : يصدق المرتهن مع اليمين في مقدار الدين ، إلى أن يساوي قيمة الرهن ،
وليس العرف على ذلك ، فربما نقص الدين عن الرهن وهو الغالب ، فلا حاصل لقولهم هذا
بوجه ما.
قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) إلى قوله : (فَإِنَّهُ آثِمٌ
قَلْبُهُ) ، يدل على أنه لما عزم على أنه لا يؤديها ، وترك أداءها
باللسان ، رجع لمأثم إلى الوجهين جميعا ، فقوله : (آثِمٌ قَلْبُهُ) ، مجاز هو آكد من الحقيقة في الدلالة على الوعيد ، وهو من
بديع البيان ولطيف الإعراب عن المعاني.
واعلم بعد ذلك أن
الذي أمر الله تعالى به ، من الشهادة والكتاب لمراعاة صلاح ذات البين ، ونفي
التنازع المؤدي إلى فساد ذات البين. لئلا يسول له الشيطان الجحود بالباطل ، وتجاوز
ما حدته الشريعة له ، أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق ، ولأجله حرم الشارع
البياعات المجهولة التي تؤدي إلى الاختلاف وفساد ذات البين ، وإيقاع التضاغن
والتباين ، ومثله ما حرمه الله تعالى من الميسر والقمار وشرب الخمر بقوله :
(إِنَّما يُرِيدُ
الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) .. الآية
__________________
فمن تأدب بأدب
الله تعالى في أوامره وزواجره ، حاز صلاح الدنيا والدين ، قال الله تعالى :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ
فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ، وَإِذاً
لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً ، وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً
مُسْتَقِيماً).
ويمكن أن يستدل
بهذه الآيات على وجوب حفظ المال في التصرفات ، ولأجله قال تعالى :
(وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) الآية ..
وقال : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ، إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ).
وروى أبو هريرة أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال :
«لا يحب الله
إضاعة المال في غير وجهه».
فربما حمله اختلال
حاله ، وكثرة عياله وأثقاله ، على اقتحام أمور ذميمة تعود عليه بالوبال وذهاب
الدين والدنيا ..
قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (٢٨٤) :
ظن قوم أنها
منسوخة بقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٢٨٦).
__________________
وقال آخرون : لا
يجوز تقدير نسخها لأنه خبر ولا ينسخ الخبر ، وهذا بعيد.
فإن قوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ، يحتمل أن يكون معناه : إن شاء أن يحاسبكم ، إذا لم ينسخ
، فيكون في قوله يحاسبكم إضمار وتقييد.
وقد قيل لا يجوز
أن يكون ناسخه قوله (لا يُكَلِّفُ اللهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، فإن ذلك واجب لا يجوز ورود الشرع بخلافه ، وهذا على قول
من لا يجوز تكليفه ما لا يطاق ، على أن قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، يمنع تكليف ما لا يطاق ، فإن قوله : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ
تُخْفُوهُ) ليس نصا فيما لا يطاق ، بل هو في أعمال القلب : مثل الشك ،
أو النفاق ، وكتمان الشهادة ، وكتمان الحقوق ، وقد قال الله تعالى في موضع آخر :
(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ
بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ
أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا). الآية ..
وقال تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ـ أي شك ـ نعم ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه
قال :
«إن الله عفا
لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعلموا به».
وقد حمله العلماء على
ما يلزمه من الأحكام مثل الطلاق ، والعتاق ،
__________________
والبيع ، التي لا
يلزمه حكمها ما لم يتكلم به ، والذي ذكره في الآية ، فيما يؤاخذ العبد به بينه
وبين الله تعالى في الآخرة.
قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها) يمنع تكليف الزمن القيام للصلاة ، وربما يؤخذ منه ، وإن
كان قادرا على الفعل غير أنه يلحقه حرج عظيم ، فلا يجب عليه فعله ، لأن الله تعالى
لم يقل : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، طاقتها ، ولكن قال : (إِلَّا وُسْعَها).
وأخبر أنه لا يكلف
الله أحدا إلا ما اتسعت له قدرته وإمكانه ، دون ما تضييق عليه وتعنيت.
وقال الله تعالى :
(وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَأَعْنَتَكُمْ).
وقال في نعت النبي
صلّى الله عليه وسلم : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما
عَنِتُّمْ) ..
قوله تعالى : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) يقتضي رفع المؤاخذة بالمنسي.
والمؤاخذة منقسمة
إلى مؤاخذة في حكم الآخرة ، وهو الإثم والعقاب.
وإلى مؤاخذة في
حكم الدنيا ، وهو إثبات التبعات والغرامات ، والظاهر نفي حكم جميع ذلك.
وقوله عليه السلام
: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» ، يقتضي رفع الخطإ مطلقا ورفع حكمه ، فلا جرم قال
الشافعي في المنهيات كلها ، الفعل المنسي كلا فعل ، فإذا تكلم ساهيا ، أو سلم
ساهيا ، أو أتى بالفعل الكثير ساهيا ، فلا تبطل صلاته أصلا ..
__________________
قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا
اكْتَسَبَتْ).
استدل به على أن
من قتل غيره بمثقل وتخنيق وتغريق ، فعليه ضمانه قصاصا أو دية ، خلافا لمن جعل ديته
على العاقلة ، وذلك يخالف الظاهر.
ويدل على أن سقوط
القصاص عن الأب ، لا يقتضي سقوطه عن شريكه.
ويدل على وجوب
الحد على المرأة العاقلة ، إذا مكنت مجنونا من نفسها.
قوله تعالى : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ
عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا).
يحتج به في نفي
الحرج والضيق المنافي ظاهره الحنيفية السهلة السمحة ، وهذا بين.
قوله تعالى : (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) (٢٨٦) :
يحتمل نفي ما يثقل
من التكاليف ، نحو قتل النفس الذي كلف بنو إسرائيل.
ويجوز أن يعبر عما
يثقل ، بأنه لا يطيقه كقولك : ما أطيق الكلام ، وما أستطيع أن أرى فلانا ، ولا
يريد نفي القدرة.
وقال تعالى : (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) :
__________________
والمراد بجميع ذلك
استثقاله فقط.
ويجوز أن يراد به
نفي القدرة رأسا على الفعل والترك جميعا ، فهذا تمام ما حضرنا من معاني القرآن في
سورة البقرة.
تم الجزء الأول
بحمد الله تعالى ويليه الجزء الثاني وأوله سورة آل عمران والله المستعان.


سورة آل عمران
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ
الْكِتابَ).
فجعل الله آيات
الكتاب منقسمة إلى المحكم والمتشابه ، وسمى المحكمات أم الكتاب ، وذلك يقتضي رد
المتشابهات إليها ، فإن الأم لا يظهر لها معنى هاهنا ، سوى أنها الأصل لما سواها ، ويفهم منها معاني المتشابهات ، وذلك يقتضي كون المتشابه
محتملا لمعاني مختلفة ، يتعرف مراد الله منها بردها إلى المحكمات ، وإن كان كثير
منها يستدل بالأدلة العقلية على معرفة المراد منها.
معاني المتشابهات
، وذلك يقتضي كون المتشابه محتملا لمعاني مختلفة ، يتعرف مراد الله منها بردها إلى
المحكمات ، وإن كان كثير منها يستدل بالأدلة العقلية على معرفة المراد منها.
ويمكن أن يقال :
سميت المحكمات أمّا : لأنها أنفع لعباد الله تعالى ، وأفضل من المتشابهات ، كما
سميت فاتحة الكتاب أم الكتاب ، وسميت مكة أم القرى.
ويحتمل أن يقال :
سمّي المحكمات أم الكتاب لأنه يلوح معناها ،
__________________
فيستنبط منها
الفوائد ، ويقاس عليها فسماها أم الكتاب : أي الأم والأصل من الكتاب.
فعلى المحمل الأول
، إذا قلنا معنى أم الكتاب أن المتشابهات مردودة إلى المحكمات ، ومعتبرة بها ،
ومقيسة عليها ، فالمتشابهات هي التي تحتمل معاني مختلفة ، فيتعرف مراد الله منها
بالمحكمات.
وإذا لم يقل ذلك ،
فالمتشابهات يجوز أن يعنى بها ما لم يعلم معناه من آيات الساعة وغيرها ، وحروف
التهجي التي ظن قوم أنها أودعت معاني لا يعلمها إلا الله ، وإن كان ذلك فاسدا
عندنا.
والمتعلق بالأحكام
أن تأويل ما يتعلق بأحكام الشرع واجب ، وما لا يتعلق به فلا يجب ويجوز.
وقد ظن قوم أنه لا
يجوز لأنه تعالى قال :
(فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما
تَشابَهَ مِنْهُ) (٧).
وقد جعل قوم تمام
الكلام عند قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ) (٧) وجعل الواو في
قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) للجمع.
ومنهم من جعل تمام
للكلام عند قوله : (إِلَّا اللهُ) ، وأن معناه (وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) يعني تأويل المتشابهات ، والراسخون في العلم يعلمون بعضه
قائلين : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ
مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ، بما نصب من الدلائل في المحكم ، ومكن من رده اليه ، فإذا
علموا تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا : آمنا بالجميع ، كل من عند ربنا ، وما
لم يحط علمنا به من الخفايا مما في شرعه المصالح ، فعلمنا عند ربنا.
__________________
ومن الناس من حرم
تأويل المتشابهات ورأى أن معنى قوله في المحكمات : (هُنَّ أُمُّ
الْكِتابِ) أي فواتح السور ، أو هي الأوامر والنواهي ومجامع التكاليف
التي هي عماد الدين ، كما أن عماد الباب أم الباب ، واستدل بقوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ).
وقال قوم : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لا يجوز أن يكون مضموما إلى قوله : (إِلَّا اللهُ) ، لأنها لو كانت للجمع لقال : ويقولون آمنا به ، ويستأنف
ذكر الواو لاستئناف الخبر.
والذين خالفوا هذا
الرأي ذكروا أنّ مثل هذا شائع ، وقد وجد مثله في القرآن ، وهو قوله في شأن قسم
الفيء.
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى
رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) إلى قوله : (شَدِيدُ الْعِقابِ).
ثم تلاه بالتفصيل
، وتسميه من يستحق هذا الفيء فقال :
(لِلْفُقَراءِ
الْمُهاجِرِينَ) ، إلى قوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ
مِنْ بَعْدِهِمْ).
وهم لا محالة
داخلون في استحقاق الفيء كالأولين ، والواو فيه للجمع ثم قال : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا
وَلِإِخْوانِنَا).
كذلك قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، يقولون معناه : والراسخون في العلم يعلمون تأويل ما نصب
لهم الدلالة عليه من المتشابه قائلين : «ربنا آمنا» ، فصاروا معطوفين على ما قبله
داخلين في خبره.
__________________
ولأنهم إذا منعوا
تأويل المتشابه ، ووجب اتباع الظاهر ، تناقضت الظواهر ووقعت الأحكام العقلية
والسمعية ، وهؤلاء الذين ينظرون إلى هذا الظاهر ، أو لا ينظرون إلى ظاهر الواو في
دلالته على الجمع المذكور» ولم يحلوا ذلك على الابتداء وقطع المعطوف عليه ، وذلك
خلاف ظاهر دلالة الواو وهذا بين».
فأما قوله تعالى :
(فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ، ابْتِغاءَ
الْفِتْنَةِ) ، فمثل ما روي عن الربيع بن أنس ، أن هذه الآية نزلت في
وفد نجران لما حاجوا النبي صلّى الله عليه وسلم في المسيح فقالوا :
أليس هو كلمة الله
وروح منه ؛؟
فقال : بلى.
فقالوا : حسنا ،
أي أنا لا نسمع منك بعد هذا قولك إنه عبد الله ، بعد أن قلت إنه روح الله ، فنزل
قوله تعالى :
(فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ).
__________________
ثم أنزل تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ
كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ، الآية.
وقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ
الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ).
معناه : إن كون
عيسى عبد الله ، محكم على معنى أن التأويل لا يتطرق إلى الآيات الدالة على أن عيسى
عبد الله.
وقوله : «كلمة
الله» يحتمل أن يكون معناه : أنه الذي بشر به في كتب الأنبياء المتقدمين ، ومثله
قوله تعالى : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) الآية.
فسماه كلمة وقولا من
حيث قدم البشارة به.
وسمى روحه ، لأنه
خلق من غير ذكر ، بل أمر جبريل عليه السلام فنفخ في جيب مريم فقال :
(فَنَفَخْنا فِيهِ
مِنْ رُوحِنا) ، فأضاف الروح إلى نفسه تشريفا له كبيت الله ، وأرض الله ،
وسماء الله.
وقد سمى القرآن
روحا ، لأنه يحيي به من الضلال ، وسمى عيسى روحا ، لأنه كان يحيي به الناس في أمور
دينهم ، فصرف أهل الزيغ ذلك إلى مذاهبهم الفاسدة ، وإلى ما يعتقدونه من الكفر
والضلال ، فهذا مثال المحكم والمتشابه ، الذي يجب أن يرد معناه إلى معنى المحكم.
__________________
قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ
بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) الآية (٢١) ، يدل على جواز الأمر بالمعروف مع خوف القتل .
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) الآية (٢٣).
فيه دلالة على أن
من دعا خصمه إلى الحكم لزمته إجابته ، لأنه دعا إلى كتاب الله تعالى .
قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية (٢٨).
__________________
يدل على أنه لا
يجوز أن يتخذ منهم أولياء وأن يلاطفوا ، ومثله من كتاب الله :
(لا تَتَّخِذُوا
بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً).
وقال : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
وقال : (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وقال : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ).
__________________
وقال : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ).
وقال : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ
ذِكْرِنا ، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا).
وقال : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
وقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ
الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).
وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). وقال : (وَلا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ
الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ).
فنهى بعد النهي عن
مجالستهم وملاطفتهم ، عن النظر إلى أموالهم وأحوالهم في الدنيا.
وروي أن النبي
صلّى الله عليه وسلم مر بإبل بني المصطلق ، وقد عبست بأبوالها من السمن ، فتقنع بثوبه ومضى يقول : يقول الله عز
وجل :
(وَلا تَمُدَّنَّ
عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ).
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
__________________
أَوْلِياءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ).
وقال عليه السلام
: (أنا بريء من مسلم مع مشرك ، فقيل : يا رسول الله ، ولم؟ قال : لا تراءى نارهما)
.
قوله تعالى : (تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٢٨). يدل على أن
إظهار الموافقة في الاعتقاد وغيره جائز للتقية ، وفي نفي الولاية ، دليل على قطع
الولاية بينهما في المال والنفس جميعا.
قوله تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ
يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (٤٤).
__________________
يمكن أن يستدل به
على جواز القرعة في إعتاق في مرضه إذا مات ولا مال له غيرهم ، وفيه نظر ، فإن ذلك كان إقراعا فيما يثبت بتراضيهم ، وكانت
القرعة طلبا للرضا ، ورفعا لطلب الاختصاص بطريق الحكم ، كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا
أقرع بين نسائه ، لأن التراضي على ما خرجت به القرعة جائز من غير قرعة ،
وكذلك كان حكم كفالة مريم عليها السلام ، وغير جائز وقوع التراضي على نقل الحرية
عمن وقعت عليه.
قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ) (٦١) .
واعلم أن في هذا
دلالة على أن الحسن والحسين رضي الله عنهما ابنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم
لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة ، وقال الله تعالى : (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) ، ولم يكن للنبي صلّى الله عليه وسلم بنون غيرهما ، وقال
للحسن :
__________________
«إن ابني هذا سيد»
.
وقال فيه حين بال
عليه وهو صغير :
«لا ترزموا ابني
هذا» .
وهما من ذريته
أيضا ، كما جعل الله عيسى من ذرية إبراهيم بقوله :
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ
داوُدَ ، وَسُلَيْمانَ ، وَأَيُّوبَ ، وَيُوسُفَ ، وَمُوسى ، وَهارُونَ ،
وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) ، وإنما نسبته إليه من جهة أمه لأنه لا أب له.
وقال كثير من
العلماء : إن هذا مخصوص بالحسن والحسين أن يسميا ابني رسول الله صلّى الله عليه
وسلم دون غيرهما ، لقوله عليه السلام :
__________________
«كل سبب ونسب
ينقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي» .
وقد قال بعض
أصحابنا : فمن أوصى لولد فلان ، ولم يكن لصلبه ولد ، وله ولد ابن ، وولد ابنة ، أن
الوصية لولد الابن دون ولد الابنة ، وهو قول الشافعي ، وإلا فإذا استولد الهاشمي جارية حبشية كان الولد متشرفا
بأبيه.
قوله تعالى : (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمْ ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا
يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً)(مِنْ دُونِ اللهِ) (٦٤).
معناه : ألا نتبعه
في تحليل شيء أو تحريمه إلا فيما حلّله الله تعالى ، وهو نظير قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ
أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) معناه أنهم أنزلوهم منزلة ربهم ، في قبول تحريمهم وتحليلهم
لما لم يحرمه الله تعالى ولم يحله ، وهذا يدل على بطلان القول بالاستحسان المجرد ،
الذي لا يستند إلى دليل شرعي ، مثل استحسانات أبي حنيفة في التقديرات التي قدرها
دون مستندات بينة.
وفيه رد على
الروافض الذين يقولون : يجب قبول قول الإمام دون إبانة مستند شرعي ، وأنه يحل ما
حرمه الله ، من غير أن يبين مستندا من الشريعة.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥)
__________________
يدل على أن الكافر
لا يجعل أهلا لقبول شهادته لأنه تعالى وصفه بأنه كذاب.
قوله تعالى : (يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ
وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً)(قَلِيلاً) (٧٧).
يدل على أن المال
لا يصير حلالا له إذا قضى القاضي بحكم الظاهر .
قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي
إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) (٩٣). وهذا يدل على جواز إطلاق الله تعالى للأنبياء تحريم ما
أرادوا تحريمه ، ويعصمهم عن الزلل في اختياراتهم ، ويدل على جواز النسخ
أيضا ، وظاهر ذلك أنه حرمه بنفسه ، لا أنه حرم عليه بالوحي ، فإن الله تعالى أضاف
التحريم اليه ، ولم يكن ذلك بالاجتهاد في النظر في أدلة الشرع ، فإن الذي كان
حلالا من قبل نصا لا يتصور الاجتهاد المأخوذ من أصول
__________________
الشرع في تحريمه ،
والاجتهاد طلب أدلة الشرع والنظر في معانيها ، وقد كان ذلك حلالا من جهة الشرع ،
فعلم أنه صار محرما بعد الإباحة بتحريم يعقوب على نفسه لا بالاجتهاد ، بل كان
مأذونا له في أن يحرم ما شاء على نفسه ، ولم يحرمها الله تعالى ، وربما يدل ذلك
على أن الذي كان من يعقوب انتسخ ثانيا من جهة الشريعة ، وقد كان رسول الله صلّى
الله عليه وسلم حرم مارية على نفسه ، ولم يحرمها الله تعالى .
وربما يدل ذلك على
أن الذي كان من يعقوب انتسخ بهذا .
ويجوز أن يقال :
ومع تحريم مارية ليس نسخا لغيرها.
ويمكن أن يقال :
مطلق قوله تعالى : (لِمَ تُحَرِّمُ ما
أَحَلَّ اللهُ لَكَ) يقتضي أن لا يختص بالشافعي .
وقد رأى الشافعي
أن وجوب الكفارة في ذلك غير معقول المعنى فجعلها مخصوصا لموضع النص.
وأبو حنيفة رأى
ذلك أصلا في تحريم كل مباح وأجراه مجرى اليمين .
__________________
قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) ـ إلى قوله ـ (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً) (٩٦ ، ٩٧).
قوله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ
إِبْراهِيمَ).
__________________
والآية في ذلك أن
قدميه دخلتا في حجر صلد بقدرة الله عز وجل ، ليكون ذلك آية ودلالة على توحيد الله
، وصدق نبوة إبراهيم.
ومن الآية فيه :
إمحاق الأحجار في موضع الرمي .
وامتناع الطير من
العلو عليه ، وإنما يطير حوله لا فوقه : وتعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته ـ وقد
كانت العادة جارية بذلك ـ ومن جملة ذلك : هلاك أصحاب الفيل.
فقال الشافعي :
لما ذكر الله تعالى أن فيها آيات بينات جعل من جملتها : «أن من دخله كان آمنا» ،
وأن ذلك كان من الآيات في أن الله تعالى جعل لذلك الموضع هيبة ووقارا وعظمة في
نفوس المفسدين المتمردين ، كما قال تعالى :
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ
هذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) بأن يجبي اليه ثمرات كل شيء وهو بواد غير ذي زرع ، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
وقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً
آمِناً).
فقوله : (كانَ آمِناً) : مرتبا على ذكر الآيات ، ظاهر في كونه خبرا عن شيء كان ،
وذلك لا يدل على أن من عصى الله تعالى ، والتزم حد الله تعظيما لأمر الله وإجلالا
لدينه ، فهرب مما وجب ، وصاحب الشرع يحرم عليه الالتجاء إلى الحرم ، فإنه أمر
تسليم النفس لحق الله تعالى ، أنه يكون آمنا.
__________________
وهذا ليس بتأويل ،
إنما هو دليل مأخوذ من ظاهر لفظ الخبر ، وهو قوله «كان» ومن ظاهر السياق في ذكر
الآيات وعد كونه آمنا في جملتها.
فإذا قيل : معناه
لا تقتلوا أنتم ، فليس ينتظم ذلك في سياق الآية ، سيما وهو يضطر إلى الخروج بقطع
المير عنه ، فهو خائف صباحا ومساء ، فكونه آمنا يخالف ذلك.
ويدل على ذلك أن
القائل إذا قال : من دخل هذا الموضع كان آمنا ، ثم لزمته حدود النفس وعقوبات على
الأطراف ، فإذا قيل : إنها تستوفى منه ، لم يتحقق معنى الأمن مع ذلك ، وعد إطلاق
لفظ الأمن على كل داخل ، مع إيجاب هذه العقوبات عليه مستلزما.
فإذا تقرر ذلك ،
فكيف تترك العمومات في القصاص والزواجر لهذا الكلام الوارد في معرض الآيات بلفظ
الخبر؟
وهل جاز الحبس في
الحرم الملتجئ اليه في دين عليه إلا لعموم قوله عليه السلام :
الي الواجد يحل
عرضه وعقوبته» .
وهل وجب القصاص في
النفس وغيرها ، إلا على وجه واحد بقوله تعالى :
(وَكَتَبْنا
عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) الآية .
__________________
أولا يعلمون أنه
إذا قطعت أطرافه لم تكن آمنة ، ولا الداخل آمنا ، فإن قطع الطرف يخشى منه هلاك
النفس؟
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ) الآية (٩٧) :
والاستطاعة وردت
مطلقة ، وفسرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، بالزاد والراحلة ، لا على معنى أن
الاستطاعة مقصورة عليها ، فإن المريض ، والخائف ، والشيخ الذي لا يثبت على الراحلة
، والزمن ، وكل من تعذر عليه الوصول ، فهو غير مستطيع للسبيل إلى الحج ، وإن كان
واجدا للزاد والراحلة.
فدل أن مراد النبي
صلّى الله عليه وسلم بقوله : «الاستطاعة الزاد والراحلة» ، إبانة أن من أمكنه
المشي إلى البيت ولم يجد زادا أو راحلة ، لا يلزمه الحج ، فبين النبي صلّى الله
عليه وسلم ، أن لزوم فرض الحج مخصوص بالركوب دون المشي ، وأن من لا يمكنه الوصول
اليه إلا بالمشي الذي يشق عليه ويعسر ، فلا حج عليه ، وذلك تنبيه على أن كل من لا
يصل إلى البيت إلا بمشقة شديدة ، فقد سقط عنه الحج ، وقد قال الله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
مِنْ حَرَجٍ).
والمرأة لما كانت
كلحم على وضم ، وكان ما يتوق ـ من خروجها دون محرم ونسوة ثقات ـ من الضرر على نفسها ،
أعظم من ضرر المشي
__________________
في حق القادر عليه
، فعلم بسقوط فرض المشي لما فيه من المشقة ، سقوط ما فوقه ، وهذا بالغ حدا.
نعم هذا الذي
قلناه من المنصوص عليه ، ودلالته في سقوط الحج ، لضرر يعود إلى من عليه الحج ، مع
أنه قد ورد في منع وجوب الحج على المرأة ، وعلى الزمن الذي لا يستطيع ركوب الراحلة إلا بمشقة شديدة
أخبار خاصة .
وقد يمتنع وجوب
الحج الضرر يرجع إلى الغير ، إلى الحاج ، كأن يكون عليه دين ، أو يكون أجيرا ، والمرأة إذا أرادت حجة الإسلام وهي منكوحة.
والاستطاعة تنعدم
بهذه الجهات والأسباب ، إذا امتنعت الاستطاعة ، لضرر يرجع إلى الماشي ، فلأن تمتنع
بحق الغير أولى ، فإن الماشي إن تكلف المشقة ربح الثواب ، وأما من له الحق فإنه
يتضرر من غير نفع يحصل له في مقابلته ، وذلك يدل على أن الأمر فيه أعظم.
مع أنه يمكن أن
يذكر فيه معنى آخر ، وهو أن الحج قد ثبت بالدليل أنه على التراخي ، وهذه الحقوق
على الفور ، والحج لا يفوت ، وهذه
__________________
الحقوق تفوت ،
والحج حق الله ، وهذه الحقوق للآدمي ، فربما يجري فيها زيادة مضايقة لحاجة الآدمي
، وليس الشروع في هذه المعاني من مقصودنا إنما مقصودنا : اقتباس هذه الأحكام من
هذه الآية الواردة في معنى الاستطاعة.
وهاهنا نوع آخر من
الكلام ، وهو أن الذين لا استطاعة لهم من المكلفين قسمان :
أحدهما : إذا تكلف
المشقة وحج وقع عن فرض حجة الإسلام.
والآخر : إذا حج
لم تقع عن حجة الإسلام.
فالقسم الأول
كالمرأة إذا سافرت دون محرم أو نسوة ثقات ، أو تكلف الماشي المشي ، أو المريض تكلف
المشقة.
والقسم الآخر
كالعبد يحج دون إذن مولاه ، فإنه لا يقع عن حجة الإسلام ، حتى إذا عتق وجبت حجة
الإسلام.
مع أن القسمين على
سواء في سقوط خطاب الأداء فيهما .
وقد خالف في العبد
قوم من السلف ، وحكى الرازي هذا المذهب عن الشافعي ، وهو منه غلط ، ولم يختلف قول
الشافعي في هذا المعنى ، ولا عن أصحابه وجه على ما رواه عنه الرازي.
والفارق بين
القسمين : إن كان من وصل إلى البيت ولزمه الحج ، كالفقير والمريض الذي سهل عليه
ذلك العذر من العمل ، أو بسقط صاحب الحق ، مثل المديون والأجير والزوج ، أو لصاحبة المحرم مثل
__________________
المرأة ، فيلزمهم
الحج ، فإذا حجوا بأنفسهم وقع الموقع ، فإنه يعلم بوجوب الحج عليهم عند حضور البيت
، أو رصا من له الحق أن امتناع الأداء عارض ، وأن الوجوب لولا العارض ثابت ، وإذا
أدى الحج ، فليس في منع الاعتداد به عن حجة الإسلام إضرار بالغريم ، فلا حج عليه
، فدل أن المانع في الخطاب ، وأن الخطاب قاصر عنه لنقص فيه ، بالإضافة إلى الحج ،
فلا جرم لا يقع عن حجة الإسلام بحال.
فإن قال قائل :
ولو وقع السؤال عن هذا وقيل : العبد إذا كان حاضرا في المسجد الحرام وأذن له السيد
، فلم لا يلزمه الحج؟
قلنا هذا سؤال على
الإجماع ، وربما لا يعلل ذلك ، ولكن إذا ثبت هذا الحكم بالإجماع ، استدللنا به على
أنه لا يعتد بحجه في حال الرق على حجة الإسلام ، ولعل المعنى فيه : أن الرق ضرب
على الكافر في الأصل ، ولم يكن حج الكافر معتدا به ، ولما ضرب عليه الرق ، ضرب
عليه ضربا مؤبدا ، فلم يكن في حالة الكفر أهلا لأداء عبادة الحج ، ولما ضرب الرق
المؤبد عليه ، تقاصر عنه الخطاب أبدا ، فلم يدخل تحت خطاب الحج بوجه.
وأما الفقر؟؟؟
فعارض لا يدوم ، والمرض كمثل ، وقد سبق الخطاب ، وكذا المنكوحة ، فهذا هو السبب
فيه.
نعم العبد لا جمعة
عليه ، وإذا أداها سقط الفرض ، لأن عليه الظهر ، والجمعة قائمة مقامه ، وليس عليه
شيء يقوم الحج مقامه ، وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال
:
«أيما صبي حج ثم
أدرك ، فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما أعرابي
__________________
حج ثم هاجر ،
فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق ، فعليه أن يحج حجة أخرى» .
وهذا إذا صح أغنى
عن تكلف كل معنى.
وظاهر قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ) الاكتفاء بحجة واحدة .
قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) الآية (١٠٢) :
قد قيل إنه منسوخ
، لأن حقه تعالى يقتضي القيام بحقوق الله في حالة الأمن والخوف وترك التقية فيها ،
ثم نسخ حالة التقية بقوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) فيقال لهذا القائل : هو عند الإكراه مستطيع ، فيقول : إذا
عظمت المشقة يحسن أن يقال : هو غير مستطيع كما قال تعالى : (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) ، ويقال لهم : ما معنى حق تقاته إلا امتثال أمر الله تعالى
على نحو ما أمر؟ وإلا فقد تعالى الله عن الغرض في عبادتنا ، وإنما يتقي معاصي الله
خوفا من عقوبته لترك الأمر ، فلا بد من تأمل الأمر ، فكل من امتثل أمر الله تعالى
فقد أتقاه حق تقاته ، فعلى هذا لا نسخ فيه .
__________________
قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا
تَفَرَّقُوا) (١٠٣) وحبل الله
في عهده في قول ، والقرآن في قول آخر ، وكل ذلك صحيح.
وقوله : (وَلا تَفَرَّقُوا) : يجوز أن يراد به التفرق في أصول الدين ، مثل قوله تعالى
:
(وَأَنَّ هذا صِراطِي
مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ
سَبِيلِهِ).
ويجوز أن يكون
معناه : «ولا تفرقوا» متابعين للهوى والأغراض المختلفة ، وكونوا في دين الله
إخوانا ، فيكون ذلك منعا لهم عن التقاطع والتدابر ، ودل عليه ما بعده وهو قوله
تعالى :
__________________
(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) (١٠٣).
وليس فيه دليل على
تحريم الاختلاف في الفروع ، فإن ذلك ليس اختلافا ، إذ الاختلاف ما يتعذر معه
الائتلاف والجمع ، وليس اختلاف حكم الحائض والطاهرة في الصوم والصلاة ، واختلاف
حكم المقيم والمسافر في الإتمام والقصر ، اختلافا من حيث إن الواجب على كل واحد
منهم ، غير الواجب على الآخر ، والاختلاف إذا هو كالاختلاف في الصناعات والحرف
وأصغار الأشياء ، ومراسم الناس في أنها سبب الانتظام ، وإنما منع الله اختلافا هو
سبب الفساد ، فهذا حكم مسائل الاجتهاد ، فإن الاختلاف فيها سبب لاستخراج الغوامض
ودقائق معاني الشرع ، فاعلمه.
وما زالت الصحابة
مختلفين في أحكام الحوادث ، وهم مع ذلك متواصلون ، وقال رسول الله صلّى الله عليه
وسلم في مثل ذلك :
«اختلاف أمتي رحمة»
.
__________________
قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ)(يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١٠٣) :
وذلك يدل على أنه
فرض لكنه فرض على الكفاية.
ولعل قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) يدل على ذلك ، فإنه يقتضي بظاهره أنه إذا قام به البعض ،
سقط عن الباقين ، فإنه قال : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
أُمَّةٌ).
أي إن جميعكم ربما
لا يمكنهم ذلك ، فليتول قوم منكم حتى يكون المعروف مأتيا والمنكر مرفوضا ، وقد أمر
الله تعالى بالأمر بالمعروف في مواضع في كتابه لا حاجة بنا إلى ذكرها ، ووردت في
ذلك أخبار أوفاها ما رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه
قال :
«من رأى منكم
منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف
الإيمان» .
وقد قال الله
تعالى في هذا المعنى :
(وَإِنْ طائِفَتانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ
__________________
بَغَتْ
إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى
أَمْرِ اللهِ).
وقال : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي
إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ) ـ إلى قوله ـ (كانُوا لا
يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ).
وقد قال الله
تعالى :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) الآية.
وليس ذلك ناسخا
لوجوب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكنه إذا أمكنه إزالته بلسانه
فليفعله ، وإن لم يمكنه إلا بالعقوبة والقتل فليفعله ، وإن انتهى بدون القتل لم
يجز بالقتل وهذا يتلقى من قوله تعالى :
(فَقاتِلُوا الَّتِي
تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ).
وعليه بنى العلماء
: أنه إذا دفع الصائل على النفس ، أو على المال عن نفسه ، أو عن ماله ، أو مال
غيره ، أو نفس غيره ، فله ذلك ولا شيء عليه ، ولو رأى زيد عمرا وقد قصد مال بكر ،
فيجب عليه أن يدفعه عنه ، إذا لم يكن صاحب المال قادرا عليه ولا راضيا به ، ولو
قصد ماله ، فيجوز له أن يتركه عليه ولا يدفعه ، وفي الصيال على النفس خلاف.
__________________
ولو كان في يد
الغاصب مال غيره وسعك أن تبيعه ، ويقتله إن لم يقف ، وكذلك في السارق إذا أخذ
المتاع فيجوز ابتياعه ، والسارق الذي ينقب البيوت كمثل ، حتى قال العلماء : لو
فرضنا قوما من أصحاب المكوس والضرائب والأموال الذين في أيديهم أموال الناس ، وهم
ممتنعون من إيصالها إلى الملاك ، ولا ينفعهم الردع بالكلام والملام والتخويف بالله
، فيجوز قتلهم من غير إنذار ، لأنهم لا يقبلون ذلك من أحد لقوله تعالى :
(لا يَضُرُّكُمْ مَنْ
ضَلَّ) يعني : لم يقبل منكم ولا يقدر على منعه من الظلم ، فعليك
نفسك.
وقال تعالى في ذكر
أصحاب السبت .
(أَنْجَيْنَا
الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا).
فدل ذلك على أن من
لم ينه عن الظلم ، جعل راضيا به حتى وجب تعذيبه ، وقد نسب قتل الأنبياء المتقدمين
، إلى من كان في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم من اليهود ، الذين كانوا موالين
لأسلافهم القاتلين لأنبيائهم.
وبنى الشافعي عليه
: أن فعل الفاعل ، إذا كان في نفسه قبيحا ومفسدة فيجوز دفع الفاعل عنه لما يأتي
على نفسه ، ولا ضمان على قاتله ، مثل أن يصول مجنون أو بهيمة على مال لرجل أو نفسه
، فيجوز للمصول عليه ولغيره قتله ، ولا ضمان عليه ، وهو من قبيل النهي عن المنكر ،
وليس معنى النهي تكليف الفعل ، ولكنه دفع الفاعل عن الفعل القبيح والظلم والتشنيع.
__________________
وأبو حنيفة يخالف
في ذلك ، لأنه يرى أن القاتل ليس ظالما بفعله ، ويقال له إنه ليس ظالما بفعله ،
إلا لأن الفعل غير قبيح ولا مفسدة ، ولكن لجهل الفاعل ، ولو علمه كان به ظالما
ولحقه الذم واللوم والسفه ، وهذا بين.
ومن جملة ذلك :
أنه إذا كان في بلد الإسلام من يضلل الناس بشبهة وبدعة ، فإنه يجب إزالته بما أمكن
، لأنه نهي عن المنكر ، ومن لم يكن داعيا للناس إلى ذلك ، وإنما يذعن إلى الحق ،
فإقامة الدلائل على صحة قول أهل الحق وتبيين فساد شبهه ، ما لم يخرج على أهل الحق
بسيفه ، ويكون له أصحاب يمتنع بهم عن الإمام ، فإن خرج داعيا إلى مقالته مقاتلا
عليها ، فهذا الباغي الذي أمر الله تعالى بقتاله حتى يفيء إلى أمر الله
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا بِطانَةً)(مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) (الآية ١١٨) :
فيه دلالة ، على
أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في شيء من أمور المسلمين من العمالات والكتابة.
ولما استكتب أبو
موسى رجلا من أهل الذمة ، كتب اليه عمر يعنفه ويلومه ويتلو عليه هذه الآية.
وقيل لعمر : إن هاهنا
رجل من أهل الحيرة لم ير رجل أحفظ منه ولا أخط بقلم ، فإن رأيت أن تتخذه كاتبا ،
قال :
__________________
«قد اتخذت إذا
بطانة من دون المؤمنين» .
قوله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (١٥٩) :
يدل على جواز
الاجتهاد في الأمور ، والأخذ بالمظنون مع إمكان الوحي ، فإن الله
تعالى أذن لرسول صلّى الله عليه وسلم في ذلك.
قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) ، ومن يغلل يأت
__________________
بِما
غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الآية (١٦١) :
وفيها دليل على أن
الغلول فيما قلّ وكثر ، من أصناف الأموال ، وأن الأموال الواصلة
إلينا من الكفار مشتركا فيما بين الغانمين ، إلا فيما استثنى من الأطعمة لأخبار
اختصت بها.
__________________
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة النساء
قوله تعالى :
(وَاتَّقُوا اللهَ
الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) الآية (١) :
يدل على تأكيد
الأمر في صلة الرحم ، والمنع من قطيعتها ، وهي اسم
__________________
لكافة الأقارب من
غير فرق بين المحرم وغيره ، وأبو حنيفة يعتبر الرحم المحرم في منع الرجوع في
الهبة ، ويجوز الرجوع في حق بني الأعمام ، مع أن القطيعة موجودة والقرابة حاصلة ،
ولذلك تعلق بها الإرث والولاية وغيرهما من الأحكام ، فاعتبار المحرم زيادة على نص
الكتاب من غير مستند ، وهم يرون ذلك نسخا ، سيما وفيه إشارة إلى التعليل بالقطيعة
، وقد جوزها في حق بني الأعمام وبني الأخوال والخالات.
قوله تعالى : (وَآتُوا)(الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) الآية (٢) :
روى عن الحسن أنه
قال : لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم ، فجعل ولي اليتيم
يعزل مال اليتيم عن ماله ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأنزل
الله تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ).
وإنما قال الحسن
ذلك لأنه تعالى قال :
(وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ) إلى قوله (وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَهُمْ إِلى
__________________
أَمْوالِكُمْ) ، وكل ذلك بعد البلوغ لا يتقرر ، والمعنى بقوله :
(وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ) ، أي أموالهم للأكل والشرب واللباس والثياب والمفارش
والمساكن ، فلما نزل ذلك ، عزل أولياء اليتامى طعامهم من طعام اليتامى ، وملابسهم
من ملابس اليتامى ، فجعل يفضل له من طعامه ، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد ، فاشتد
ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فنزل قوله تعالى :
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) الآية.
ويجوز أن يكون قول
الله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ) عنى به البالغ ، وسمّي يتيما لقرب عهده بالبلوغ ، ولذلك
قال : (وَآتُوا الْيَتامى
أَمْوالَهُمْ).
والظاهر منه أنهم
يؤتون أموالهم إيتاء لا بمعنى الإطعام والكسوة ، ولكنه بمعنى تسليطه عليه ، ونهى
الولي عن إمساك ماله بعد البلوغ عنه ، ولكن لم يشترط الرشد هاهنا ، وشرط إيناس
الرشد والابتلاء في قوله :
(وَابْتَلُوا
الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً
فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ، فكان ذلك مطلقا وهذا مقيد.
وذكر الرازي في
أحكام القرآن : أنه لما لم يقيّد الرشد في موضع ، وقيّد في موضع ، وجب استعمالهما
والجمع بينهما فأقول :
إذا بلغ خمسا
وعشرين سنة وهو سفيه لم يؤنس منه الرشد ، وجب دفع المال اليه ، وإن كان دون ذلك لم
يجب عملا بالآيتين ، وهذا في غاية البعد ، فإنه تعالى قال :
__________________
(وَابْتَلُوا
الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) ، وذلك يقتضي اعتياد إيناس الرشد عقيب بلوغ النكاح من غير
تطاول المدة.
وقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) ، يقتضي مثل ذلك ، فإن اسم اليتيم إنما يطلق على قبل البلوغ
حقيقة ، وعلى قرب العهد بالبلوغ مجازا ، فإما أن يقال : إنه يتناول ابن خمس وعشرين
سنة فصاعدا إلى مائة ، وهو جهل عظيم.
والعجيب أن أبا
حنيفة إنما أطلق الحجر ، لأنه قال قد بلغ أشده وصار يصلح أن يكون جدا ، فإذا صار
يصلح أن يكون جدا ، فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم ، وباسم اليتم ، وهل ذلك إلا
في غاية البعد .
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ
النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) الآية (٣). واختلفت أقاويل المفسرين في معناه :
__________________
فروى الزهري عن
عروة بن الزبير عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ في قول الله تعالى :
(وَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) قالت :
يا ابن أختي : هي
اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن
يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا عن أن
ينكحوهن إلا أن يقسطوا ، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .
قال عروة : قالت
عائشة ـ رضي الله عنها ـ :
وإن الناس استفتوا
رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ، فأنزل الله :
(وَما يُتْلى
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ) .. إلى قوله : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَّ).
قالت : والذي ذكر
الله تعالى أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي فيها : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي) ..
وقوله في الآية
الأخرى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَّ) ، رغبة أحدكم عن يتيمته التي هي في حجره حين تكون قليلة
المال والجمال ، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء ،
إلا
__________________
بالقسط من أجل
رغبتهم عنهن ، وهذا ما أورده البخاري في صحيحه ، وفيه دلالة على أن اليتيمة يجوز تزويجها .
وروي عن سعيد بن
جبير والضحاك والربيع غير هذا التأويل ، وهو أن معنى الآية : «كما خفتم في حق
اليتامى فخافوا في حق النساء الذي خفتم في اليتامى ألا تقسطوا فيهن».
وروي عن مجاهد : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) ، أي تحرجتم من أكل أموالهم ، فتحرجوا من الزنا وانكحوا
نكاحا طيبا مثنى وثلاث ورباع.
والمشكل أن عائشة
رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الآية في ذلك ، وذلك لا يقال بالرأي وإنما يقال
توقيفا ، ولا يمكن أن يحمل على الجد ، لأنه لا يجوز له نكاحها ، فعلم أن المراد له
ابن العم ومن هو أبعد منه من سائر الأولياء.
ويمكن أن يحمل على
البالغة لأن عائشة رضي الله عنها قالت :
ثم إن الناس
استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله تعالى :
(وَيَسْتَفْتُونَكَ
فِي النِّساءِ ـ إلى قوله ـ فِي
يَتامَى النِّساءِ).
__________________
والصغار لا يسمين
نساء .
فإن قيل : قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتامى) حقيقة في الصغيرة بدليل عليه السلام : «لا يتم بعد حلم» ، واسم النساء يتناول الصغيرة في قوله :
(فَانْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ).
(وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ).
(وَأُمَّهاتُ
نِسائِكُمْ).
ويقال في الجواب
عنه :
إن اسم النساء في
قبيل الإناث ، كاسم الرجال في قبيل الذكور ، واسم الرجل لا يتناول الصغير ، فاسم
النساء والمرأة لا يتناول الصغيرة والصغائر ، وفي الإناث التي وقع الاستشهاد بها ،
يمكن أن يكون اللفظ لغير الصغيرة ، ولكن يثبت مثل ذلك الحكم في الصغيرة بدلالة
الإجماع.
وقول القائل : اسم
اليتيم لا يتناول ما بعد البلوغ ، فهو مسلم من حيث الحقيقة ، غير أنه يطلق مجازا ،
بدليل أنه ذكر النساء ، ولا يمكن تعطيل لفظ النساء الذي هو حقيقة في البالغات .
__________________
فإن قيل :
فالبالغة يجوز التزوج بها بدون مهر المثل برضاها ، فأي معنى لذلك الجواب؟
يقال إن معناه أن
يستضعفها الولي ويستولى على مالها ، وهي لا تقدر على مقاومته ، ولذلك قال :
(إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ).
ولما ثبت أن
المراد باليتيمة البالغة ، ولم يكن في كتاب الله دلالة على جواز تزويج الصغيرة ،
لا جرم صار ابن شبرمة إلى أن تزويج الآباء للصغار لا يجوز ، وهو مذهب الأصم ، لأن
نكاح الصغيرة يتخير بتفويت من غير تعجيل مصلحة ، على ما قررناه في تصانيفنا في
مسائل الخلاف ، وإذا ثبت ذلك فلا يجوز ذلك تلقيا من القياس ولا توقيفا.
وقد قال قائلون :
بل في كتاب الله ما يدل على جواز تزويج الصغيرة ، فإن الله تعالى يقول :
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ
مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ
أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ).
__________________
فحكم بصحة طلاق
الصغيرة التي لم تحض ، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح ، وهذا لا دافع له إلا أن
يقال :
النكاح في حق
الصغيرة ، إن لم يتصور ، فالوطء الموجب للعدة متصور ، وليس في القرآن ذكر الطلاق
في حق الصغيرة ، إنما فيه ذكر العدة ، والعدة تجب بالوطء ، والوطء متصور في النكاح
الفاسد ، وعلى حكم الشبهة في حق الأمة تزوجها مولاها وهي صغيرة فتوطأ.
والاعتماد على ما
روي أن النبي صلّى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ،
زوجها أبوها أبو بكر» .
وربما لا يقولون :
لا يحتج بما كان في حق رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فإن نكاح رسول الله صلّى
الله عليه وسلم لا يفتقر إلى الولاء.
وعماد كلامهم أن
تزويج الصغيرة يتخير بتفويت في مقابلة نجح موهوم ، ولا يتحقق ذلك في حق رسول الله
صلّى الله عليه وسلم ، إذ لا يتوقع فوات مصلحة الصغيرة من نكاح رسول الله صلّى
الله عليه وسلم.
وقد يقال في
الجواب عن ذلك : إن المرأة ربما أرادت الدنيا بعد البلوغ ، وأرادت التفرغ إلى
نفسها ولم ترد زوجا فالتوقع قائم» .
__________________
ويمكن أن يقال :
إن نكاح الصغيرة
ليس بعيدا عن المصلحة ، ولذلك اطردت به العادة واستمرت عليه العامة ، فإن المقصود
منه الألفة ، فإذا ألفيت المرأة صغيرة لم تمارس الرجال ولم تعرف الهوى ، ترسخت
المودة بينهما ، فقد قيل في المثل :
ما الحب إلا
للحبيب الأول ..
والشاعر يقول :
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى
|
|
فصادف قلبا فارغا متمكنا
|
قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) الآية (٣) :
__________________
ظن قوم أن الواو
تقتضي الجميع ، فحل جميع هذا العدد الذي يخرج منه الاثنان والثلاث والأربع إلى تسع
.
وقال جمهور
العلماء : المراد به إباحة الثنتين إن شاء ، والثلاث إن شاء ، والأربع إن شاء ،
وأنه مخير في أن يجمع من هذه الأعداد ما شاء ، فتقدير الكلام : تخيروا في هذه
الأعداد.
فإن قيل : فلفظ
التخيير قد عدم هاهنا ، وإنما ذكر لفظ الجمع ، ولم يكن كقوله :
(فَكَفَّارَتُهُ
إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).
__________________
قيل : ذلك لأن
الله تعالى إنما أراد به بيان الأصلح لعباده ، بالإضافة إلى أحوالهم ، فإن أمكنه
أن يعدل في الأربع نكح الأربع ، وإلا نكح الثلاث ، وإلا نكح المثنى فإن خاف ألا
يعدل فواحدة ، فتقديره : ثلاث ورباع في حالة.
وهذا يرد عليه أن
في أي وقت قدرتموه ، فقد جاز له نكاح الأربع ، فلا معنى لتقدير ذلك.
وقد قيل : الواو
على حقيقتها ولكنه على وجه البدل ، كأنه قال : ثلاث بدلا من مثنى ، ورباع بدلا من
ثلاث ، لا على الجمع بين الأعداد.
ومن قال هذا قال :
لو قيل بأو لجاز أن لا يكون الثلاث لصاحب المثنى ، ولا الرباع لصاحب الثلاث ، فأفاد
بذكر الواو إباحة الأربع لكل واحد ممن دخل في الخطاب ، وأيضا فإن المثنى دخل في
الثلاث ، والثلاث دخل في الرباع ، إذ لم يثبت أن كل واحد من الأعداد مراد مع
الأعداد الأخر على وجه الجمع فيكون تسعة ، وهذا كقوله :
(قُلْ أَإِنَّكُمْ
لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ
أَنْداداً) إلى قوله (قَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ).
والمعنى في أربعة
أيام باليومين المذكورين بدءا ، ثم قال :
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ).
__________________
ولو أن ذلك كذلك ،
لصارت الأيام كلها ثمانية ، وقد علم أن ذلك ليس كذلك.
لقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ).
فذلك المثنى داخل
في الثلاث. والثلاث في الرباع ، فيكون الجميع أربعا ، وهذا ما عليه جمهور العلماء.
ثم هذا العدد في
الأحرار دون العبيد ، فإن سياق الكلام يدل عليه ، وهو قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) ، والعبد لا يملك النكاح بنفسه ، لتوقف نكاحه على إذن
مولاه ، ولأن الأصل امتناع النكاح في حق العبد ، لمنافاة الرق الاستقلال بالملك ،
غير أن الشرع أباح له لمكان الحاجة ، فكان الأصل الاقتصار على الواحد ، غير أنه
جعل مشطرا ، والزيادة عليه تعنت على أصل المنع .
قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
فَواحِدَةً) الآية (٢).
فالمراد به العدل
في القسم بينهن كما قال تعالى في آية أخرى :
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا
أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ
الْمَيْلِ).
والمراد به ميل
القلب ، والعدل الذي يمكنه فعله ويخاف ألا يفعل لإظهار الميل بالفعل ، فيجب عليه
الاقتصار على الواحدة إذا خاف إظهار الميل والجور ومجانية العدل.
__________________
ثم قال : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الآية (٣).
فدل ذلك على أن لا
عدد في ملك اليمين ، ولا وجوب القسم والعدل فيهن ، فإنه تعالى قال :
(فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً).
يزول له الخوف من
الميل ، (أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ).
فإنه لا يجب فيهن
العدل.
وظن قوم أن المراد
به العطف على قوله : (فَانْكِحُوا) وتقديره : فانكحوا ما طاب لكم من النساء أو ما ملكت
أيمانكم ، وهذا يدل عند هذا القائل على أنه يجوز التزويج بأربع إماء ، كما جاز
التزويج بأربع حرائر.
وهذا فيه نظر ،
لأن العطف رجع إلى أقرب مذكور ، والمذكور آخرا قوله تعالى :
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
وذلك يقتضي أن
يكون الذي يعدل اليه خيفة الحيفة وترك العدل ، لا يجب فيه مراعاة العدل ، وذلك ملك
اليمين.
فإن قيل : الضمير
المتقدم هو النكاح ، وقوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ) ، لا يستقل بنفسه ، فلا بد من عطف على ضمير متقدم ، ولا
متقدم إلا النكاح.
وإذا قلتم المراد
به : (أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ) لم يستقم إثبات ضمير الفعل المتقدم في هذا المحل ، فإنه لا
نكاح في ذلك اليمين.
والجواب عنه : أن
العطف على ما ذكره أخيرا من تحريم إظهار الميل ، وأنه إذا كان كذلك يخلص بواحدة أو
بملك يمين ، ويدل على ذلك أنه لو رجع ذلك إلى نكاح الإماء كان تقدير الكلام :
فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، أو انكحوا ما ملكت أيمانكم ، وذلك يقتضي الجمع
بينهما ، والجمع ممتنع محرم جميعا.
وليس يمكن أن يقال
: إنه قال :
(فَانْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، ولم تدخل فيه الإماء ، ثم قال : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) على البدل من النساء ، فإن ذلك مكروه بالإجماع ، وقد بين
الله خلافه في موضع آخر فقال :
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
وأبان اشتراط خوف
العنت ، فيكون مبينا حكم نكاح الأمة هاهنا ، وذلك بعيد من القول.
والدليل على ذلك
أيضا : أن ظاهر قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ). إضافة جمع إلى جمع ، وذلك يقتضي توزيع الآحاد على الآحاد ،
فتقدير قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ) أي ما ملكت يمين كل واحد منكم ، ولا يتصور ذلك في ملك
النكاح ، فدل على أن الضمير هو الوطء لا العقد.
نعم ورد مثله في
موضع آخر وهو قوله :
__________________
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
ولكن خالفنا ظاهر
إضافة الجمع إلى الجمع وقلنا : المراد به نكاح ملك يمين الغير ، ودل عليه قوله
تعالى :
(فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ).
ولما بين نكاحهن
قال : (وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
وها هنا قال :
(أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ) ثم قال : (وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) ، ولم يتعرض لصداق الأمة ، ولو جرى ذكر نكاحها لذكر الصداق
، كما ذكر حق النساء.
قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) الآية (٣).
أي تميلوا.
وقد قيل معناه ألا
تميلوا ، وأصل العول مجاوزة الحد ، فالعول في الفريضة مجاوزته لحد السهام المسماة
، وعال إذا حاد ، وعال يعيل إذا افتقر ، ويقال أيضا : إذا تبختر.
قال الشافعي رضي
الله عنه :
وهذا يدل أن على
الرجل مئونة امرأته ، فقيل له : معنى قوله : أن لا تعولوا ـ أي لا تميلوا ـ وهو
الميل الذي نهى الله عنه وأمر بضده في حق النساء.
__________________
والشافعي يقول :
إذا كثر عيال الرجل يقال هو معيل ، وقد عال يعول ، ويقال : هو يعول جمعا ، فقيل له
: في الآية ذكر الواحدة ، وملك اليمين ، والنفقة واجبة في جميع ذلك؟
فقال : نفقة ملك
اليمين هو متمكن من دفعها بالبيع والتزويج من غير خسران ، ويصعب عليه مفارقة أم
أولاده.
فقيل له : فقد
يتزوج الرجل بالمرأة الواحدة وعليه نفقتها؟
قال : هو أدنى ألا
يقال فيه كثر العيال.
والشافعي رضي الله
عنه حجة في اللغة.
وقد روي عن زيد بن
أسلم في قول الله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا
تَعُولُوا) قال :
يقول : ذلك أدنى
ألا يكثر من تعولون.
وقال أبو زيد فيه
: ذلك أقل لنفقتك ، للواحدة أقل من ثنتين وثلاث وأربع ، وجاريتك أهون عليك من
العيال.
ويدل على ما قاله
الشافعي : أنه لو كان المراد به الميل ، فإذا كثر عدد النساء أم قل فلا يختلف
الميل ، وإنما يختلف القيام بحقوقهن ، فإنهن إذا كثرن تكاثرت الحقوق عليه.
أما إظهار ميل
الطبع ونفاره ، فلا يختلف بكثرة العدد وقلته.
وهذا يدل على أن
المراد بقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا
تَعُولُوا) ما قاله.
وقد تجاوز بعض من
صنف أحكام القرآن حد الإنصاف عند حكاية كلام الشافعي ، وكفاه جهله بقدر الشافعي
جوابا له.
قوله تعالى : (وَآتُوا)(النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية (٤) :
والنحلة هاهنا
الفريضة ، وهو مثل ما ذكره الله تعالى عقيب ذكر المواريث (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ).
والخطاب يدل على
الأزواج ، ونهيهم عن منع الصداق عنهم ، وعلى الولي الذي يأخذ المهر ولا يعطيها ، مع أن ما تقدم من قوله : (فَانْكِحُوا) يدل على أنه خطاب للأزواج.
وإذا كان خطابا
للأزواج فيجوز أن يقال سمي نحلة ، والنحلة في الأصل العطية ، وإنما سماه عطية ،
لأن الزوج لا يملك من بدله شيئا ، فكان ذلك ترغيبا في إبقاء صداقها وسياقة مهرها
إليها على قدر مئونة ، ظانا أن ذلك منه نحلة ، ولا تعطوهنّ المهور كارهين ، ظانين
أن ذلك غرامة ، ولكن لتكون أنفسهم طيبة به.
قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) :
وذلك يدل على أن
للمرأة هبة الصداق من زوجها ، بكرا كانت أو
__________________
ثيبا ، خلافا
لمالك ، فإنه منع من هبة البكر الصداق من زوجها ، وجعل ذلك للولي ، مع أن الملك
لها ، وذلك في غاية البعد.
قوله تعالى : (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ، ليس المقصود صورة الأكل ، وإنما المراد به الاستباحة بأي
طريق كان ، وهو المعنى بقوله تعالى في الآية التي بعدها :
(إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً).
وليس المراد نفس
الأكل ، إلا أن الأكل لما كان أو في أنواع التمتع بالمال ، عبر عن التصرفات بالأكل
، فهذا ما سبق إلى الفهم ، وعلم أن الأكل بصورته ليس معنيا.
ومثله قوله تعالى
: (إِذا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ).
يعلم أن صورة
البيع ليست مقصودة ، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى ، مثل النكاح وغيره
، ولكن ذكر البيع لأنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى ، فيكون معنى سابقا إلى
الفهم ، ونظائره كثيرة في الكتاب والسنة .
وقوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ
نِحْلَةً) مع قوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ
عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) ، يدل على أنه أراد : فإن طبن قبل أن تؤتوهن صدقاتهن نحلة
، وذلك هو الإبراء ، فدل ذلك على أن من وهب
__________________
لإنسان دينا له
عليه أن البراءة قد وقعت بنفس الهبة .
وقوله تعالى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) ، يدل على عموم الحكم في البكر والثيب.
وقوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) الآية (٥) :
قال ابن عباس :
الآية مجراة على حقيقتها ، والمراد منها النهي عن دفع المال إلى الصبيان والنسوان
، وتسليطهم على مال نفسه حتى يستنفذوه في أسرع مدة فيبقون عالة ، وهو يبقى عائلا
مستضعفا.
وقال ابن عباس :
السفيه من ولدك وعيالك.
وقال : المرأة من
أسفه السفهاء.
وفيه تنبيه عن
النهي عن تضييع الأموال.
نعم الهبة على
الأولاد والنسوان جائزة ، ولكن لا بأن يجعل المال في أيديهم ، ولكن بأن ينصب فيما
عليهم في الموهوب منهم ، وقد نهى الله تعالى عن التبذير ، ومن التبذير تسليم المال
إلى من ينفقه في غير وجهه.
والأولى أن يسلم
ذلك إلى نائبه ، أو يكون في يده ، وهو وليه.
وإنما حكمهم على
هذا التأويل قوله تعالى : (أَمْوالَكُمُ) وقوله تعالى : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) أي منها.
وقد قيل : معناه
أموالهم ، وفيه تنبيه على دفع مال السفيه اليه ، فمعناه لا تؤتوهم أموالهم ، وإنما
أضافها إليهم ، كما قال : (وَلا تَقْتُلُوا
__________________
أَنْفُسَكُمْ) يعني بعضكم بعضا.
وقال : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا
عَلى أَنْفُسِكُمْ).
يريد من يكون فيها
، وذكروا أن هذا التأويل أولى ، فإن السفه صفة ذم ، وهذا يعترض عليه ، فإن السفه
في الأصل الخفة ، وليس ذلك صفة ذم ولا مفيدا لعصيان ، والمعنيان مختلفان.
قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى
إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوالَهُمْ) الآية (٦).
واعلم أن كثيرا من
العلماء جوزوا إذن الولي للصبي في التجارات وتسليم المال اليه ، حتى يتصرف وتبدو
بياعاته وتصرفاته ، وليس في العلماء من يقول إنه إذا اختبر الصبي فوجد رشيدا ارتفع
عنه الولاية ، وأنه يجب دفع ماله اليه ، وإطلاق يده في التصرف ، وذلك يدل على أن
الابتلاء في الصبي ليس يفيد العلم المعتبر برشده ، فكذلك قال الله تعالى :
(وَابْتَلُوا
الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً).
__________________
فدل ذلك على أن
الابتلاء قبل البلوغ لا بدفع المال اليه ، ولا بأن يبقى بعقله ورأيه ، حتى يزعم
بكونه رشيدا ، فإنه لو كان كذلك ما توقف وجوب دفع المال على بلوغ النكاح ، بل دل
على أن الابتلاء قبل البلوغ في أمر الدين والدنيا ، بأن يربيه على الخيرات
والطاعات ، ويندبه إلى المراشد وتأمل التصرفات والتجارات ، حتى يكون نشوّه على
الخيرات ، فإذا بلغ النكاح نفعه ما تقدم من التدريب ، ويحصل به إيناس الرشد ، وهو
إحساس الرشد ، مثل قوله تعالى : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً).
يعني أحسستها
وأبصرتها ، وذلك يدل على أن الذي يجري في الصبي غير موثوق به شرعا ، إنما هو توطئة
وتمهيد لزمان البلوغ الذي يوثق فيه بإيناس الرشد ، فهذا تحقيق لمذهب الشافعي رضي
الله عنه ، ويرد على من خالفه ، ثم قال الشافعي :
ولما قال تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) ، وهو يقتضي صلاح الدين والدنيا ، والفاسق غير رشيد ولا
مأمون ، وهذا لأن التبذير يتولد من غلبة الهوى ، والهوى منشأ الفسق ، ولا يؤمن من
الفاسق صرف المال إلى المحصور المنكور ، وذلك تبذير وإن قل ، فإنه لا يكتسب به
محمدة في الدنيا والآخرة ، والكثير في الطاعات ليس بتبذير ، على ما عرف من أقوال
السلف رضوان الله عليهم أجمعين ، فهذا معنى الآية.
قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ)(وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ
بِالْمَعْرُوفِ) الآية (٦) :
__________________
توهم متوهمون من
السلف بحكم هذه الآية ، أن للوصي أن يأكل من مال الصبي قدرا لا ينتهي إلى حد السرف
، وذلك خلافا ما أمر الله تعالى به في قوله :
(لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ
مِنْكُمْ).
ولا يتحقق ذلك في
مال اليتيم.
فقوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) يرجع إلى أكل مال نفسه دون مال اليتيم فمعناه :
ولا تأكلوا أموال
اليتيم مع أموالكم ، بل اقتصروا على أكل أموالكم ، وقد دل عليه قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى
أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً).
وبان بقوله تعالى
: (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ، الاقتصار على البلغة حتى لا يحتاج إلى أكل مال اليتيم ،
فهذا تمام معنى هذه الآية ، فقد وجدنا آيات محكمات بمنع أكل مال الغير بغير رضاه ،
سيما في حق اليتيم ، ووجدنا هذه الآية محتملة للمعاني ، فحملها على موجب الآيات
المحكمات متعين .
وقد جوز أبو حنيفة
للوصي أن يعمل في مال الصبي مضاربة ، فيأخذ منه مقدار ربحه ، وإذا جاز ذلك ، فلم
لا يجوز أن يأكل من ماله إذا عمل فيه ، فيأخذ أجر المثل بل هو أولى ، فإن أجر
المثل معلوم في وضع
__________________
الشرع ، ومقدار
أجرة عمله مأخوذ من العادة ، وأما الربح فهو نتيجة الشرط وليس أجرة عمله ، وهو على
قدر الشرط ، وأي قدر شرطه العامل الوصي لنفسه من الربح ، فهو متحكم فيه ، وإنما
الشرط للعامل من جهة رب المال ، وإلا فالواجب أجر المثل في القراض الفاسد ، وهاهنا
إذا لم يكن أجر المثل مع أنه أقرب ، فالتحكم بالتقدير من جهة العامل كيف يحتمل ،
والربح أبعد عن الاستحقاق ، فإن الربح زيادة على عين مال اليتيم ، والزيادة تبع
المزيد عليه ، وليس للوصي في مال اليتيم حق.
وأما الأجرة : ففي
مقابلة العمل ، والعمل حق للوصي ، وأنه من منفعة فهو أولى ببذلها ، فلا وجه لمذهب
أبي حنيفة ، والعمومات التي ذكرناها من قبل محكمة في إبطال التصرف في مال اليتيم
بطريق القراض وغيره.
فإن قال من ينصر
مذهب السلف ، إن القضاة يأخذون أرزاقهم لأجل عملهم للمسلمين ، فهلا كان للوصي كذلك
، إذا عمل لليتيم ولم لا يأخذ الأجرة بقدر عمله؟
قيل له : اعلم أن
أحدا من السلف لم يجوز للوصي أن يأخذ من مال الصبي مع غنى الوصي ، بخلاف القاضي ،
فذلك فارق بين المسألتين.
وبعد : فالذي يفصل
بينهما من طريق المعنى يقول :
إن الرزق ليس
كأجرة الشيء ، وإنما هو شيء جعله الله تعالى لكل من قام بشيء من أمور الإسلام ،
فللمقابلة بينهم من مال الله تعالى ، وللفقهاء سهم ، مع أنهم لم يعملوا شيئا
يستحقون عليه الأجرة ، لأن اشتغالهم بالفتوى وتفقيه الناس ، فرض لا يؤخذ عليه أجر
، وكذلك الخلفاء لهم سهم من مال الله تعالى ، وقد كان للنبي صلّى الله عليه وسلم
سهم من الخمس والصفي
وسهم من الغنيمة ،
وما كان يأخذ الأجرة على شيء يقوم به من أمر الدين ، وكيف يجوز ذلك مع قول الله
تعالى :
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ
مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ).
(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ).
فالذي يأخذه
الفقهاء والقضاة والخلفاء ، لا يأخذون من مال واحد معين ، وإنما يأخذون من مال
الله الذي لا يتعين له مالك ، وقد جعل الله ذلك المال الضائع حقا لأصناف بأوصاف ،
والقضاة من جملتهم ، والوصي إنما يأخذ بعمله مال شخص معين من غير رضاه ، وعمله
مجهول وأجرته مجهولة ، وذلك بعيد عن الاستحقاق.
واعلم أن الاحتياط
الذي أمر الله به في حق اليتامى ، وأن لا يدفع إليهم أموالهم إلا بعد إيناس الرشد
، يدل لا محالة بطريق الأولى على أن الأولياء من الأوصياء ، والأقارب والحكام ، لا
بد وأن يكونوا عدولا ذوو رشد.
والفاسق المتهم من
الآباء ، والمرتشي من الحكام والأوصياء ، والأمناء غير المأمونين ، لا يجوز جعلهم
أولياء وحكاما ، ويدل على ذلك أن الحاكم إذا فسق انعزل.
قوله تعالى : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ
أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) ،
__________________
يؤذن بالاحتياط
القاطع للدعوى الباطلة ، كما أمر بالاحتياط في المداينات قطعا للمنازعة ، لا جرم
قال الشافعي رضي الله عنه :
لو ادعى تسليم
المال إلى الصبي بعد البلوغ وأنكر الصبي ، لم يصدق إلا بينة.
نعم المودع يصدق
في الرد دون بينة ، لمصلحة تعلقه بالوديعة ، في أنه لا يرضى المودع بالإشهاد على
ردها ، لما فيه من إشهار أمرها ، والودائع تعرض في خفية ، ولأن المودع ائتمنه فرضي
بقوله واعتقد أمانته.
وأما الائتمان من
جهة الصبي فلم يجز أصلا ، وفي هذا المعنى نظر ، فإن الوصي في معنى النائب عن الصبي
، فكذلك كان نائبا عنه في التصرفات ، فيجوز أن يكون نائبا عنه في الحفظ حكما ، وإن
لم توجد الاستنابة من جهة الصبي خاصة الآن ، فإن نيابته عن الصبي ظاهرة ، وكذلك
إذا ادعى تلف المال.
قيل : ولو لا
النيابة كان ضامنا للمال ، لأنه ممسك مال غيره دون استنابة.
ومما يتعلق به
الشافعي رضي الله عنه ، أن الله تعالى إنما أمر بالإشهاد ، لأن دعواه مردودة في
الرد دون البينة.
ويمكن أن يقال :
فائدته ظهور أمانته وبعده عن التهمة ، وقطع دعوى الصبي بالباطل ، وسقوط اليمين عن
الوصي.
وقد أمر النبي
صلّى الله عليه وسلم الملتقط بالإشهاد على اللقطة في حديث عياض بن حمار المجاشعي ،
أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :
«من وجد لقطة
فليشهد ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب» .
__________________
فأمره بالإشهاد
ليظهر أمانته وتزول الشبهة عنه.
قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) إلى قوله (نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٧).
لا شك في كونه
مجملا في بيان المقدار ، غير أن الذين لا يحجبون شخصا بشخص في بعض الأحوال ، مثل
الأخ بالجد عند قوم ، والذين يورثون بالرحم ، يحتجون بعموم هذه الآية ويقولون : إن
ما فيها من الإجمال في المقدار ، لا يمنع الاحتجاج بعمومها ، في حق الأقارب ، وهو
عندهم مثل قوله تعالى :
(خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ).
وأنه يحتج به في
غير موضع الإجمال ، وهو إبانة أصل الأمر بحسن الفعل ، وهذا بيّن.
فيقال في حق العمة
مثلا والخالة والخال : إن لهم نصيبا مما ترك الأقربون ، وإنهم في هذا المعنى
يقدمون على الأجانب.
نعم ذكر قتادة أن
الآية وردت على سبب ، وهو أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، فأنزل
الله تعالى هذه الآية ، وذلك لا يمنع التعلق بعموم الآية ، لإمكان أنهم كانوا
يورثون الذكور من ذوي الأرحام وغيرهم من الأقارب ، فأبطل الله تعالى ما كانوا عليه
في الجاهلية ، وهذا مما يعترفون بكونه عاما.
وفيه دلالة على
جعل القرابة مطلقة للميراث ، إلا أنه لم يجعل لهم إلا النصيب المفروض لا المال
المطلق ، وليس في الآية ذلك النصيب المفروض.
__________________
نعم في الآية نصيب
مجمل لا جرم يفهم منه أن لهم نصيبا مجملا ،
قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا
الْقُرْبى وَالْيَتامى) الآية (٨) :
فيه أقاويل مختلفة
للسلف ، فنقل عن ابن عباس ، أنها محكمة ليست بمنسوخة.
وقال سعيد بن
المسيب : هي منسوخة بالميراث.
وروى عكرمة عن ابن
عباس أنها محكمة ليست بمنسوخة ، وهي في قسمة المواريث فيرضخ لهم ، فإن كان المال
عقارا أو فيه تقصير لا يقبل الرضخ ، اعتذر إليهم ، فهو قوله تعالى : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).
والقول الثالث عن
ابن عباس : أنها في وصية الميت لهؤلاء ، وهي منسوخة بالميراث ، فكأن الموصي أمر به
في الشيء الذي يوصي فيه ، ودل عليه قوله تعالى :
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ
لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) الآية (٩).
قال : يقول له من
حضر : اتق الله وصلهم وبرهم وأعطهم ، ولا حاجة إلى تقدير النسخ ، بل أمكن أن يحمل
على الندب .
__________________
والذين قالوا :
إنها منسوخة لعلهم قالوا : ظاهر قولهم (فَارْزُقُوهُمْ
مِنْهُ) الوجوب ، ولا وجوب هاهنا ، فبقي أنه منسوخ ، وليس ذلك من
النسخ في شيء إنما هو حمل اللفظ على بعض مقتضياته ، وإنما النسخ أن يثبت أن ذلك
كان من قبل على ما الآن عليه ، ثم نسخ.
فأما قوله : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا
مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا)(عَلَيْهِمْ) الآية (٩).
اختلف السلف في
تأويله ، فقال قوم منهم ابن عباس : هو الرجل يحضره الموت ، فيقول له من يحضره : أوص لفلان
ولفلان ، فيأمر الموصي بالإسراف فيما يعطيه لليتامى والمساكين ، وندب له أن يزيد
على الثلث ، وهذا كان قبل أن تكون الوصية محصورة في الثلث ، فيحثه من حضره على أن
يوصي بأكثر المال لأقاربه اليتامى والمساكين ، فقال الله تعالى : لا تأمروه بما لا
تفعلوه لو حضركم الموت.
وفيه بيان أن
المستحب له إذا كان ورثته ضعفاء وهو قليل المال ، أن لا يوصي بشيء ، أو يوصي بأقل
من الثلث ، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لسعد لما رده إلى الثلث فقال :
«والثلث كثير»
الحديث .
فأبان له أن
استغناء الورثة بفضلها ، أولى من استغناء غيرهم.
__________________
وقال مقسم ، معنا
، ضد ذلك ، وهو أن يقول الرجل للذي حضره الموت : أمسك عليك مالك ، ولو كانوا ذوي
قرابته لأحب أن يوصي لهم.
فتأوله الأولون
على نهي الحاضرين عن الحث على الوصية ، وتأوله مقسم على نهي من يأمره بتركها.
وقال الحسن : هو
الرجل يكون عند الميت فيقول : أوص بأكثر من الثلث من مالك ، وهو الأوجه ، إلا أن
يكون ذلك في وقت كانت الوصية بأكثر من الثلث لازما ، فأما إذا توقفت على إجازة
الورثة ، فلا نهي عليه.
وعن ابن عباس
رواية أخرى ، أنه في ولاية مال اليتيم وحفظه والاحتياط في التصرف فيه ، وهذه
المعاني بجملتها يجوز أن تكون معنية بالآية ، إذ لا تناقض فيها ، ويجمعها مراعاة
المصلحة للورثة واليتامى والموصى ..
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ
الْيَتامى ظُلْماً) الآية (١٠) :
الآية محكمة لا
نسخ فيها ، لأن الظلم ما أبيح قط ، وإنما المنسوخ أنه تعالى لما قال :
(وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) ، تحرج كثير من المسلمين عن طعام اليتيم ، فعزلوه حتى نزل
قوله :
__________________
(وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ
فَإِخْوانُكُمْ) ، مع أن ذلك أيضا ليس منسوخا فإن قوله :
(وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) ، إنما عنى به غير هذه الحالة ، فهو تخصيص عموم الآية ،
والنسخ راجع إلى رفع ما قد ثبت قبل بما يخالفه ، ولم يثبت أن مخالطة الأيتام كانت
محرمة ثم إنها رفعت ، فهذا معنى الكلام.
قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية (١١) :
اعلم أن الناس في
الجاهلية كانوا يخصصون الذكور المقاتلين على الخيل والذابين عن الحرم بالميراث ،
وما كانوا يورثون الصغار ولا الإناث ، وقد ورد في بعض الآثار ، أن الأمر كان على
ذلك في صدر الإسلام ، إلى أن نسخته هذه الآية ، ولم يثبت عندنا اشتمال الشريعة على
ذلك ، بل ثبت خلافه ، فإن هذه الآية نزلت في ورثة سعد بن الربيع ، حين جاءت امرأة
بابنتها من سعد فقالت : يا رسول الله :
هاتان ابنتا سعد
قتل أبو هما معك يوم أحد وقد استوفى عمهما مالهما ، وإن المرأة لا تنكح إلا ولها
مال ، فنزلت هذه الآية .
وقيل : نزلت في
ورثة ثابت بن قيس بن شماس ، والأول أصح عند أهل النقل ، فاسترجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الميراث من العم
، ولو كان ثابتا من قبل في شرعنا ما استرجعه.
__________________
ولم يثبت قط في
شرعنا أن الصبي ما كان يعطى الميراث حتى يقاتل على الفرس ، ويذب عن الحريم.
واعلم أن الميراث
كان يستحق في أول الإسلام بأسباب :
منها : الحلف
والتبني والمعاقدة :
ومنه قوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ).
وقال آخرون : ما
كان الميراث ثابتا قط بالمعاقدة ، والذي في القرآن من قوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ
فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من الموالاة والنصرة والمعافاة والمشورة.
نعم هذا الخيال
إنما نشأ من شيء ، وهو أن الله تعالى قال :
(وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً).
فظنوا أن الآية
دلت على ثبوت الميراث بوجه آخر ، وليس الأمر كذلك ، فإن المراد بذلك : وأولوا
الأرحام أولى من المؤمنين ، فإن المؤمنين ورثة ، إذ المراد ذوو الأرحام.
وقوله : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى
أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) الوصية ، وإلا فلا ثبوت للميراث بالمعاقدة من جهة النص ،
والآثار متعارضة ، والذي في القرآن :
__________________
(وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
إنما عنى به في
الميراث بالإسلام ، إذا لم تكن قرابة ، فإن الشافعي رضي الله عنه ، يرى المسلمين
ورثة في ذلك الوقت ، ما كان الإسلام كافيا في هذا المعنى دون المهاجرة مع الإسلام
، وإلا فلا وجه لدعوى من يدعي أن المحالفة المجردة ، أو الهجرة المجردة ، مورثة مع
وجود الهجرة في حق ذوي الأرحام والعصبات ، إذ جائز أن يكون قوله : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي : آتوهم نصيبهم من الوصية ، ولعله كانت الوصية واجبة
لهؤلاء ، ثم نسخت الوصية ، والأول أظهر.
وأبو حنيفة يرى
التوريث بالحلف والمعاقدة ، ويقول : إن حكمها ما نسخ ، ولكن جعلت الرحم أولى منها.
فهو يرى أن
الأسباب التي يورث بها شتى ، فمنها الإسلام ، ومنها المعاقدة والتواخي في الدين ،
والاتحاد في الديوان ، وفوقها الولاء ، وفوقها الزوجية ، وكان الرجل إذا مات اعتدت
امرأته سنة كاملة في بيته ، ينفق عليها من تركته ، وهو قوله :
(وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) ـ إلى قوله (مَتاعاً إِلَى
الْحَوْلِ) ثم نسخ ذلك بالربع والثمن.
وقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، نسخ به وجوب الميراث للذين ذكر ميراثهم في كتاب الله
تعالى ، والأقربون الذين ليسوا بوارثين ، فأبان دخولهم تحت اللفظ تعينا ، ولكن
اللفظ عموم في حقهم ، فلم يتبين قطعا وجوب الوصية لأولئك النفر ، الذين لم يبين
الله ميراثهم ، فلا نسخ من هذا الوجه ، وإنما هو تخصيص عموم.
__________________
والدليل عليه أن
كل الميراث لهؤلاء المذكورين ، وما قال الشرع للعصبة كل الميراث وللبنتين الثلثان
، بل كان يقال : للوصية قسط واجب ، فما يفضل عنها فهو لكذا ، ولم يتبين وجوب
الوصية في هذه الآية بل قال : (مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ، وربما كان الدين أو لم يكن ، وربما كانت الوصية أو لم
تكن ، فهذا تمام ما يتعلق بهذا النوع.
قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، حقيقة في أولاد الصلب فأما ولد الابن فإنما يدخل فيه
بطريق المجاز ، وإذا حلف لا ولد له وله ولد ابن لم يحنث ، فإذا أوصى لولد فلان ، لم يدخل فيه ولد ولده ، وأبو
حنيفة يقول : إنه يدخل فيه إن لم يكن له ولد صلب ، ومعلوم أن حقائق الألفاظ لم تتغير بما قالوه.
وقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ) : ليس فيه تقدير ميراث كل واحد منهم ومبلغ ما يستحقه ، بل
فيه أن ما كان من قليل أو كثير فبين الأولاد على هذه النسبة ، وذلك يتناول ما فضل
عن أصحاب الفرائض ، وما يأخذون من جميع المال إذا لم يكن صاحب فرض.
__________________
وإذا لم يكن في ميراثهم
تحديد ، فالذي يصل إليهم هو تمام حقهم قل أو كثر ، وذلك يقتضي تقديم أصحاب الفرائض
، فإنه لو لم يفعل ذلك لم يكمل لهم حقهم ، وإذا قدم وفضل شيء ، فقد استوفى العصبة
تمام حقه ، فهذا وجه البداية بأصحاب الفروض.
قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (١١) :
ولم يبين حكم
الاثنتين ، فنقل عن ابن عباس أن الآية نص قاطع في أن لا يزاد منه بسبب الثلثين شيء
، فإن قوله : (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) تقييد نصا ، ونفي لما دون هذا العدد.
قال قائلون من
العلماء : إن بيان الاثنتين كان ظاهرا في كتاب الله تعالى ، وإنما احتاج إلى بيان
أن الثنتين فصاعدا لا يزيد حقهم على الثلثين ، فكان قوله : (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) لنفي المزيد.
ووجه دلالة الآية
على بيان حكم الاثنتين ، أن الله تعالى لما أوجب للبنت الواحدة مع الابن الثلث ،
فإذا كان لها مع الذكر الثلث ، فلأن لا تنقص من الثلث مع البنت أولى ، ولو جعلنا
للبنتين النصف ، نقصت حصة الواحدة من الثلث.
ويمكن أن يعترض
على هذا فيقال : إنما استحقت الثلث مع الذكر ، لا لأن المأخوذ ثلث التركة التامة ،
بل لأنها عصبة بأخيها ، والمال بينهما أثلاث ، ولا يأخذان إلا ما بقي في حالة ،
وكل المال في حالة .. أما البنت فتأخذ مقدارا من جملة التركة من غير نقصان من نصف
الجملة ، وذلك مقيد بشرط ، فإذا لم يوجد الشرط لم يثبت القدر.
__________________
ويدل عليه أنه لو
قال قائل : الابن ربما أخذ أقل من نصف التركة ، والبنت لا تأخذ أقل من نصف جميع
التركة ، فيقال : لأن الابن عصبة فيأخذ ما بقي ، والبنت صاحبة الفرض ، وهذا بيّن.
ومما ذكره العلماء
في ذلك ، أن الله تعالى قال : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فلو ترك بنتا وابنا ، كان للابن سهمان ثلثا المال ، وهو حظ
الأنثيين ، وهذا مثل الأول.
والاعتراض عليه
كما مضى ، فإن الابن لا يستحق ثلثي جميع التركة ، بل يستحق بالعصوبة أي قدر ، وتلك
العصوبة تشمل الذكر والأنثى ، والمال بينهما على نسبة التفاوت.
وأقوى ما قيل فيه
، أن الله تعالى جعل للأختين الثلثين في نص الكتاب فقال : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) ، ومعلوم أن أولاد الميت أولى من أولاد أب الميت ، فدل أن
بيان الاثنتين مقدر في كتاب الله تعالى.
واحتيج إلى بيان
نفي المزيد على الثلثين عند زيادة عدد البنات ، ولم يتعرض لهذا المعنى في ميراث
الأخوات ، لأن فيما ذكر من ميراث البنات بيان ذلك ، ولم يذكر بيان البنتين في
ميراث البنات ، لأن فيما ذكر من ميراث الأخوات بيان ذلك ، فاشتملت الآيتان على
بيان نفي المزيد عند زيادة العدد ، وعلى بيان ميراث البنتين ، وهذا غاية البيان .
واستدلوا أيضا على
ذلك بما روي عن ابن مسعود ، أن النبي صلّى الله عليه وسلم
__________________
قضى في بنت ، وبنت
ابن ، وأخت ، بأن للبنت النصف ، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين ، والباقي للأخت
، فإذا كان للبنت مع ابنة الابن من التركة الثلثان ، فالبنتان أحق بذلك وأقرب ،
لأنهما أقرب من بنت الابن ، وإن أمكن أن يعترض على هذا ، فإن الذي لبنت الابن فرض
آخر ، وليس من ميراث البنت في شيء ، وإنما الكلام في أن النصف إذا كان للواحد ،
فهل يزداد ذلك لسبب وجود بنت أخرى ، أو يتقاسمان ذلك النصف ، فأما السدس فلا تعلق
له بفريضة البنت أصلا ، وإنما اتفق أن المبلغين صارا إلى مقدار الثلثين.
وقضى رسول الله
صلّى الله عليه وسلم في تركة سعد بن الربيع ، للبنتين الثلثين ، وللزوجة الثمن ،
والباقي لأخته .
وقضى بذلك في
ابنتي ثابت بن قيس بن شماس .
والآية ليست نصا
في نفي ما دون الثلثين عما دون الثلاث من البنات ، بل محتملة ما ذكرناه .
وقد قيل : قوله «فوق»
صلة وتأكيد ، كأنه قال : «فإن كنّ نساء اثنتين» ومثله: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) ، وهذا تأويل بعيد ، وما ذكرناه أولا هو الصحيح ، ومما دلت
الآية عليه أنه لما لم يبين مقدار ميراث البنتين ، عرفنا من قوله تعالى في حق الأخ
(وَهُوَ يَرِثُها إِنْ
لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) ، أن الأخ لما جعل عصبة حائزا للميراث مطلقا ، فالابن بذلك
أولى.
__________________
وجملة القول فيه
أن الله تعالى لما بين كيف يقتسم الذكور والإناث ، لم يحد ميراثهم بحد ، لأنهم
يرثون المال مرة جميعه ، ومرة ما فضل عن فرض ذوي السهام ، ولو حد لهم حدا ، لضاربو
ذوي السهام إذا ضاق المال عن حمل السهام ، ولأزيدوا عليه إذا انفردوا ، وتحرجوا عن
حكم من يرث بالتعصيب إلى حكم من يرث بالفرض ، فهذا بيان معنى التعصيب في ميراث .
قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ)(لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) (١١) :
فظاهره يقتضي أن
يكون لكل واحد منهما السدس مع الولد ، ذكرا كان أو أنثى ، فيقتضي ذلك إلى إنه إذا كان الولد بنتا فلها النصف ، ولا تستحق أكثر من
النصف لقوله : (وَإِنْ كانَتْ
واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).
فوجب بحكم الظاهر
أن يعطي الأب السدس لقوله : (وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ، ويبقى السدس يستحقه الأب بحكم التعصيب.
__________________
فاجتمع للأب
الاستحقاق من جهتين : التعصيب والفرض.
وإن كان الولد
ذكرا ، فللأبوين السدسان بحكم النص ، والباقي للابن لأنه أقرب العصبات من الأب ،
فخرجت منه مسألة البنت والأبوين ، وما ذكره الفرضيون من الجمع للأب بين الفرض
والتعصيب.
وقال عز وجل : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) ، ولم يذكر نصيب الأب ، فاقتضى ظاهر اللفظ أن للأب الثلثين
، إذ ليس هناك مستحق غيره ، وقد أثبت لهما أولا ، فاقتضى ظاهر اللفظ المساواة لو
اقتصر على قوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) ، دون تفصيل نصيب الأم ، فلما ذكر نصيب الأم ، دل على أن للأب الثلثين ، وهو الباقي بحكم العصوبة ،
وبين الله تعالى ميراث الأم مع الأب ، وفرض لغيرها من الورثة عند الانفراد مثل
البنت والأخت وغيرهما من أصحاب الفروض ، كالزوج والزوجة.
والحكمة فيه : أنه
عز وجل أراد أن يبين حجبها بمن لا يرث في قوله : (وَلِأَبَوَيْهِ) إلى قوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ
إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) ، فلو ذكر ميراثها؟؟؟ منفردة ، لاحتمل أنها لا يحجبها من
لا يرث مثل الأخوة مع الأب ، فأزال هذا الإشكال ، وأفاد هذه الفائدة ، حتى لا
يتوهم أن الذي لا يرث بحاجب الأشخاص ، كالأخوة الذين يحجبون بالأوصاف مثل القتل
والرق والكفر ، فهذا بيان هذا المعنى.
ثم قال تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ) ، وقد حجبها
__________________
جماهير العلماء
بأخوين ، وانفرد ابن عباس ، فاعتبر في حجبها من الثلث إلى السدس ، ولا شك أن ظاهر قوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ
إِخْوَةٌ) ، يقتضي أن ما دون ذلك وضعت العرب له اسم التثنية ، وقد
غايرت العرب بين المنزلتين ، أعني منزلة التثنية والجمع في ظاهر إطلاق اللفظ.
وليس الكلام في أن
معنى الجمع هل يتحقق في الإثنين أم لا ، فإن المعنى بذلك أن لفظ الجمع المركب من
الجيم والميم والعين حقيقة في الإثنين ، فإنه مشتق من الاجتماع والضم ، ويتحقق ذلك
في الاثنتين تحققه في الثلاثة ، وإنما الكلام في لفظ الأخوة هل يظهر إطلاقه على
موضع الأخوان؟
ويجوز أن تفترق
منازل الجموع في إطلاق ألفاظ ، مثل قول القائل عشرة دراهم ومائة درهم ، وقد لا
تفترق ، فيكون التعبير عن الإثنين مثل التعبير عن الثلاثة ، من غير أن ترتيب
المنازل من التثنية والواحد أن الجمع مثل قولك : قمنا لنفسه وأخرى معه ، ولنفسه
وآخرين معه من غير فصل.
فإذا تقرر ذلك ،
فليس في قول القائل إن لفظ الجمع حقيقة في الاثنين أخذا من موضع الاشتقاق وهو
الجمع ، جواب عن احتجاج ابن عباس بظاهر كتاب الله عز وجل في إطلاق الأخوة في موضع
الأخوين ، وهذا بيّن .
نعم ، قد يطلق لفظ
الأخوة على الأخوين معدولا به عن الأصل ، كما يطلق لفظ الجمع في موضع الواحد ،
ويعبر عن الواحد بلفظ الاثنين
__________________
مثل قوله : (نَحْنُ قَسَمْنا) ، والتعبير عن الواحد بلفظ الاثنين كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ) وهو يريد الواحد ، إلا أن كل ذلك خلاف الأصل والوضع ، وليس
الكلام فيه.
وليس يبقى بعد
النزول عن الظاهر إلا أن يقال : النص وإن ورد في الثلاث ، فلا يمتنع الاثنتين به
بطريق الاعتبار.
ووجه الاعتبار أن
الله تعالى الحق الاثنين بالثلاث فيما يتعلق بميراث الأخوة في استحقاق الثلثين ،
وفيما يتعلق بميراث البنات ، وغاير بين الواحدة والثنتين ، فيدل ذلك على أن حكم
الاثنتين أقرب إلى الثلاث منه إلى الواحد.
ولابن عباس أن
يعترض على هذا الكلام من أوجه :
أن الله تعالى شرط
في حجب الأمهات عددا فقال : (إن كان له إخوة) ، وذلك يقتضي التقييد الذي لا يجوز
تركه وإلغاؤه ، فإذا حصل بالثنين بطل فحوى الكلام في التقييد.
ولو قال للواحد :
فإن كان له أربعة إخوة فلأمه السدس ، كان الكلام ركيكا ، وأن عدد الأربعة لا يتعلق
به حكم ، فالتقييد بالثلاث مثل ذلك على رأي من لا يجعل لهذا القيد أثرا.
الوجه الثاني : أن
الأصل في حق كل مستحق للميراث ، أن لا يسقط ولا ينتقض إلا بتوقيف قاطع ، والأم
مستحقة بقرابتها ، فما لم يثبت قاطع في حجبها لا يسقط حقها ، فإذا شهد الظاهر
للثلاثة وجب الرجوع إلى الأصل ، فكان الذي لا يحجب الأم بالاثنتين متعلق بالظاهر ،
ومتعلق بالأصل في ميراث الأم.
__________________
الوجه الثالث : أن
مساواة الأخوين للثلاث في حكم من أحكام الميراث ، لا يقتضي مساواتهما لهم في كل
حكم ، فإن الزوجة الواحدة تساوي للعدد في الميراث ، والجدة الواحدة تساوي الجدات
في نصيب الجدات ، وبنت الابن مع البنت الواحدة حكمها حكم الجماعة ، فإنه لا يفرق
بين بنت الابن الواحدة وبين الجماعة من بنات الابن ، وكذلك في الأخوات من الأب مع
الأخت من الأب والأم ، فليس لذلك قانون مطرد.
وغاية الأمر فيه
أن يقال في حق الأخوة والأخوات وما في منزلتهم الأمر كذلك.
وإذا لم يختلف
مقدار ميراثهم في الاثنتين والجماعة ، لم يختلف مقدار قولهم في الحجب في حق الاثنتين
والعدد ، وفي حق الزوجان لا يختلف ميراثهن بالواحدة والعدد ، إلا أنه لا يظهر حكم
ميراثهن في حجب حرمان أو إسقاط ، فكأن الشرع يقول لنا ، كمال قوة الأخوة في
الميراث ، يقتضي حجب الأم ، الثلث إلى السدس ، وكمال قوتهم بكمال حقوقهم في
الميراث ، وفي ذلك يستوي الاثنان والجماعة.
ولما كانت قوة
قرابة أولاد الميت وأولاد أولاده ، أو في من قوة قرابة أولاد أب الميت ، لا جرم
أصل ميراث الأولاد دون كماله كان كافيا في حجب الأم ، مثل البنت الواحدة وبنت
الابن الواحدة ، وإن كان ميراث الثنتين أوفى.
وإنما يظهر أثر
ذلك في معنى آخر ، وهو أن قوة قرابتي الأولاد إذا لم تكف في حرمان أولاد الابن ، فكمال قوة بنات الصلب
في الميراث تكفي في إسقاط أولاد الابن.
__________________
وكذلك كمال ميراث
الأخوات من الأب والأم كاف في إسقاط أولاد الأب فقط ، فإذا قلنا لا يقع حجب الأم
بالأخت الواحدة ، وإنما يقع بكمال قوتهم من الميراث ، فذلك يقتضي التسوية بين
الاثنين والثلاث ، وهذا بيّن ظاهر ، وهو نظر دقيق في نصرة قول جماهير العلماء .
ويمكن أن يقال إن
العدد الكثير من الصحابة لم يتفقوا على مخالفة الظاهر إلا بتوقيف.
أما هذا المعنى
الذي قلناه فدقيق ، لبعد اجتماع الجم الغفير على ذلك ، وترك الظاهر بسببه ، فيظهر
تقدير توقيف ، وإن لم ينقل ، يعلم أنهم به تركوا الظاهر ، والعلم عند الله.
فهذا وجه منقول عن
كافة الصحابة في مخالفة الظاهر.
الوجه الآخر : ما
نقل عن قتادة أنه قال : إنما يحجب الأخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب ، لأنه
يقوم بنكاحهم ، ويلزمه المؤن بسببهم لتحقيق إربهم ، فأما الأخوة من الأم ، فخارجون
عن ذلك ولا يحجبون مع الأب ، فخالف به مطلق قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ).
وليس لقوله هذا
وجه ، فإن الذي يلتزم من المؤن ليس يلتزمه عوضا عن الميراث ، بل يلتزمه بحكم
الأبوة ، ولا تعلق لذلك بالميراث ، فلو
__________________
كان الإبن كافرا ،
فعلى الأب نفقته أيضا ولا يحجب الأم .
الوجه الثالث في
مخالفة الظاهر : ما نقل عن ابن عباس ، أن الأخوة مع الأب لا يحجبون الأم ، إلا عن
قدر يأخذونه هم ، فإذا فرضنا أخوين وأبوين ، فللأم السدس ، وللأخوين السدس الذي
حجبت عنه الأم ، والباقي للأب ، وذلك خلاف الظاهر ، فإنه تعالى قال : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ
الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).
وتقديره : فإن كان
له إخوة مع الأب ، ويبعد أن يكون للأخوين مع الأب ميراث.
وهو يقول : ليس
ذلك ميراثا من الأخ ، وإنما الأم قد حجبت بالأخوة ، فيرجع إليهم لا إلى الأب ،
فيقال : فإذا حجبوا بالأب ، فليس لهم من الميراث شيء ، ولا لها الثلث ، فيقول الأب
: أنا أسقطهم من الميراث ، وهم أسقطوا ، فيجعل كأن السدس لم يكن لك ، فأنا المستحق
لذلك بحكم العصوبة ، وهذا في غاية الوضوح ، فهذه هي المذاهب المنتزعة من الظاهر.
وصار بعض الناس
إلى أن الأخوات لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس ، لأن كتاب الله في الأخوة ،
وليست قوة ميراث الإناث مثل قوة ميراث الذكور حتى تقتضي العبرة الإلحاق.
ومقتضى أقوالهم أن
لا يدخلن مع الأخوة في لفظ الأخوة ، فإن لفظ
__________________
الأخوة بمطلقه لا
يتناول الأخوات (مع البنات ) كما أن لفظ البنين لا يتناول البنات ، وذلك يقتضي أن لا
تحجب الأم بالأخ والأخت من الثلث إلى السدس ، وهو خلاف إجماع المسلمين ،
وإذا كن مرادات بالآية مع الأخوة ، كن مرادات على الانفراد.
ولو كان ذلك لقوة
الذكورة ، لاستوى الأخ الواحد والعدد ، لأن ميراث الأخوة يستوي فيه الواحد والعدد
، فهذا تمام المذاهب في الأوجه المنتزعة من الآية.
بقيت ها هنا مسألة
واحدة دقيقة ، وهي أنه إذا كان في الفريضة زوج وأم ، وأخ وأخت لأم ، فلا خلاف بين
الصحابة أن للزوج النصف ، وللأم السدس ، وللأخ وللأخت من الأم الثلث ، وقد تمت
الفريضة.
أما عامة الصحابة
، فلأنهم حجبوا الأم بالأخ والأخت من الثلث إلى السدس ، فاستقام لهم ذلك ها هنا.
وأما ابن عباس ،
فلأنه لا يرى العول ، ولو جعل للأم الثلث لعالت المسألة ، وهو لا يرى ذلك ، وإذا
قيل له : فلم كانت الأم بالنقصان أولى من الأخوين؟ لم يجد كلاما ظاهرا عليه.
وفيه دليل ظاهر
على ما قاله أهل الإجماع من العلماء ، وتخطئة ابن عباس في قوله.
ثم أبان الله
تعالى ميراث الزوج والزوجة وحجبها بالولد من الربع إلى الثمن ، ومن النصف إلى
الربع ، وميراثهما على نسبة ميراث العصبات :
__________________
(لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، إلا أن ميراث العصبات لا يتعذر ، وهذا مقدر ، وميراث
العصبات يشترك فيه الذكور والإناث ، وها هنا لا يتصور الشركة.
إذا عرفنا ذلك ،
فأعلم أن كل من يحجبه الإبن يحجبه ابن الابن بالإجماع من الزوج والزوجة والإخوة ،
وذلك إما أن يدل على أن اسم الولد يتناول ابن الابن ، أو يتلقى من الإجماع.
وإذا تبين ذلك ،
فقول الله عز وجل في ميراث الأزواج والأمهات (إِنْ لَمْ يَكُنْ
لَكُمْ وَلَدٌ) مطلق ، ولكن جمهور العلماء خصوا الحجب بمن يرث ، فأما من
لا يرث كالكافر والمملوك ، فلا يحجب ولا يرث.
وصار ابن مسعود أن
من لا يرث من هؤلاء يحجب حجب النقصان ، ولا يحجب حجب الحرمان ، وذكرنا فرقة بين
الحجبين في مسائل الروايا ، وهو فرق حسن ، وصورته أن الأب الكافر لا يحجب عنده ابن
نفسه عن ميراث جده. وأنه بمنزلة المعدوم في ذلك ، فأعتبر أصحابنا حجب النقصان به ،
وذكرنا فرقة بينهما.
وكافة العلماء
يقولون إن الله تعالى إنما شرع الحجب لأن الذي ينقص من نصيبه يرجع إلى الحاجب في
الأغلب ، فقوة ميراثه تقتضي ذلك ، وأما الكافر فلا يتصور هذا في حقه ، فكان
كالمعدوم ، وسره يرجع إلى أن الوراثة خلافة ، إلا أن بعض الخلفاء أولى ببعض ، فمن
حجب حجب
__________________
الحرمان ، أخذ
نصيب المحروم ، ومن حجب حجب النقصان ، أخذ نصيبه غالبا ، وهذا بيّن.
لما ذكر الله
الولد ، وأجمع العلماء على أن ابن الإبن مثل الإبن ، فعرفنا به أن المعتبر الميراث
لا اسم الولد ، وإذا تبين ذلك ، فلا خلاف في الإبن والبنت وابن الابن وبنت الإبن ،
أن الميراث بينهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لا بحكم الظاهر ، فإن مطلق لفظ أولاده لا يتناول أولاد
أولاده ، وولد ولده ليس ولده تحقيقا ، فإنه لو كان اسم الولد حقيقة فيه بالإضافة
إلى الجد ، ما كان حقيقة بالإضافة إلى الأب ، فإن الجهة الواحدة إذا كان الإسم
حقيقة فيها ، لم يكن حقيقة في جهة أخرى تغايرها من طريق العموم ، وإنما يكون على وجه
الاستقراء بذلك الاشتراك ، وذلك يقتضي الإجمال عند الإطلاق ، وإذ تبين ذلك وعرف ،
لم يدخل ولد الإبن إلا بطريق الإجماع ، فإذا ثبت ذلك ، فإذا ترك بنتا وابنة ابن ،
فللبنت النصف بالتسمية ، ولابنة الإبن السدس ، وما بقي للعصبة ، فاستحقاق ابنة
الابن للسدس ليس مأخوذا من التسمية ، وإنما أخذ من الإجماع.
فإذا ترك اثنتين
وابنة ابن وابن ابن ابن فكمثل.
وقال ابن مسعود :
إذا أخذ البنات الثلثين ، فليس لبنات الإبن شيء ، وإن كان معهن ذكر ، وكذلك في
الأخوات من الأب ذكر ، درجتهن بعد فرض الأخوات من الأب والأم الثلثين ، وأنه لو كان
بدلهن عم وابن عم ، كان لا تأخذ ابنة الابن شيئا ، فكذلك مع الولد الذكر.
وأما جماهير
العلماء فإنهم يقولون إن بنات الإبن لا يأخذن فرض البنات ، وإنما يأخذن بجهة أخرى
وهي جهة العصب ، وإنما كان يمتنع
ذلك لو أخذن في
هذا الوقت بذلك الفرض الذي أخذ به غيرهن من البنات ، فأما إذا أخذن بوجه غير ذلك ،
فليس هو من أولئك في شيء ، فيجعل ما بقي من المال بعد الثلثين كأنه جملة مال لا
فريضة فيه مسماة لأحد ، فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
ونشأ منه أنا إذا
جعلنا هذا المال كأنه لا فريضة فيه لأحد أصلا ، فإذا كان في الفريضة بنات ابن وذكر
أسفل منهن ، فلا بد وأن يعصبهن ، فإنه لو لم يعصبهن أخذن بالفرض ، ونحن قدرنا
المال كأن لا فرض فيه أصلا بحال ، فإذا قدرنا ذلك ، فلو فضلت العليا من بنات
البنين على من هو أسفل منها من بني البنين في الثلث الذي يبقى ، لم تكن الفريضة قد
مضت.
فإن قيل : كيف جاز
أن ترث بنت الابن بسبب ابن الابن ، ولو لا مكانه لم يرث شيئا؟ قيل : كما أنا إذا
فرضنا ابنا وعشر بنات أخذن أكثر من الثلثين ، ولو كن منفردات لم يأخذن ، فصار لهن
بسبب التعصيب أكثر مما لهن عند الانفراد ، وربما كان التعصيب سببا للسقوط في بعض
المواضع.
فإن قيل : فإذا
فرض اثنتين وبنت ابن وأخت فلم لا يجعل الثلث الباقي بعد فرض البنتين لبنت الابن ،
وتجعل عصبة كما جعلتم الأخت عصبة ، فإن بنوة الميت أولى بالميراث من بني أبي الميت
، وعندكم أن الباقي بعد فرض البنتين للأخت ، ولم لا يجعل لها العصوبة ها هنا على
قياس حالها عند الانفراد كما جعل للأخت المعصوبة؟
ووجه الجواب عنه
أنا بإعطائنا بنات الصلب الثلثين ، قضينا حق الإناث من أولاد الصلب من الميراث ،
فلو أخذت بنت الإبن لأخذت ببنوة الميت.
فإن قلتم : الذي
أخذ به البنات بالفرض ، فهلا أثبتم العصوبة ها هنا وهي جهة أخرى؟
فالجواب عنه أن
العصوبة إنما تثبت إذا كانت الجهة في الأصل مخالفة لجهة ميراث البنت ، فيعدل من
الفرض إلى العصوبة لغرض حفظ الجهة ، أما إذا كانت الجهة واحدة وقد قضى من الميراث
حقها ، فلا وجه لإثبات الميراث لها ثابتا بجهة العصوبة.
نعم إذا كان هناك
ابن ابن فليس ميراث الذكر من جنس ميراث الإناث ، وكذلك لو كانت ابنة وابن ابن ،
فالباقي لابن الابن ، لا بطريق أنه تكملة الثلثين ، ولو كان يدل ذلك ابنة ابن ،
فلها تكملة الثلثين ، فيدل ذلك على اختلاف الجهة.
ويدل على ذلك أنا
إذا فرضنا أختا لأب وأم وأختا لأب ، فلولد الأب السدس تكملة الثلثين ، ولو كان
أولاد الأب والأم اثنتين ، فلا شيء لأولاد الأب إلا أن يكون معهن ذكر يعصب ، وهو
نظير مسألتنا ، سوى أن الأسفل في الدرجة لا يعصب الأخوات للأم لوجه آخر ، فهذا
تمام البيان في ذلك.
وقال ابن مسعود :
في البنت وبنت الإبن وابن الإبن ، أن للبنت النصف ، والباقي بين الذكر والأنثى على
التفاوت ، كفرائض أولاد الصلب ، إلا أنه قال : ما لم يزد نصيب بنات الابن على
السدس ، فلا نعطيهن أكثر من السدس ، وجعل لهن الأضر من المقاسمة ، أو سدس جميع
المال.
فلم يعتبر الفرض
على حدة هذه الحالة ، ولا التعصيب على حدة ، لكنه اعتبر القسمة في منع الزيادة على
القسمة ، فاعتبر المقاسمة في النقصان ، وهو بعيد لا وجه له.
وإذا نحن بينا
ميراث الأمهات والزوجات والأزواج ومن يحجبهن فيتعلق بما إليه ، انتهى الكلام أن
الله تعالى قال : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) ، فاقتضى ذلك أن للأم الثلث والباقي للأب ، إذا لم يكن ثم
إخوة ولا أولاد ميت ، فعلى هذا قال ابن عباس في زوج وأبوين : إن للأم الثلث الكامل
، فيكون ميراثها ، زائدا على ميراث الأب.
وكذلك قال في زوجة
وأبوين.
وتابعه ابن سيرين
في المرأة والأبوين وخالفه في الزوج والأبوين ، لئلا يكون تفضيلا للأم على الأب.
واعلم أن
الاستدلال بالقرآن في مخالفة ابن عباس ممكن هين ، وذلك أن الله تعالى جعل الميراث
بين الأبوين أثلاثا ، مثل ما بين الإبن والبنت في قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ) ، وجعل بين الأخ والأخت أثلاثا ، فإذا سمى للزوج والزوجة
ما سمى لهما ، وأخذا نصيبهما ، كان الباقي بين الإبن والبنتين على ما كان قبل
دخولهما ، وكذلك بين الأخ والأخت ، يجب أن يكون على هذه النسبة ، فاعلم أن ذلك
إنما يكون إذا كان الابن يأخذ بالعصوبة ، فأما إذا كان يأخذ بالفرض فهو والأم سواء
، فإنه إذا كان في الفرض أبوان وابن ، فللأبوين السدسان والباقي للابن ، لأنه لا
عصوبة للأب أصلا مع الابن ، وإنما يأخذ بالفرض ، فكان الذكر والأنثى في هذا المعنى
سواء كأولاد الأم.
وهذا يرد عليه
الزوج والزوجة ، لأنه جعل بينهما على نسبة التفاوت ، مع أنهما يأخذان بالفرض المحض
، وعلى أن الأب إذا كان يأخذ بالتعصيب في زوج وأبوين ، فالعصب مانع ، فلا نظر إلى
التفصيل ،
وغاية ما يقال فيه
أن عصوبة الأب غير متمحضة ، بل هي عصوبة مشوبة بجهة الولادة ، ولذلك يجمع له بين
الفرض والتعصيب ، فيجوز أن يكون جهة العصوبة بالابن الذي هو أولى العصبات ، وأما
تعطيل جهة الولادة فلا ، وإذا لم يعطل جهة الولادة حال كونه عصبة ، ولم تتمحض
عصوبته ، تعلق به على كل حال أن لا تفضل الأم على الأب مع تساويهما في الولاية ،
بل يراعى في حق الأب جهة الولادة وجهة العصوبة جميعا ، وذلك يقتضي تفضيله عليها ،
فهذا منتهى الممكن في نصرة مذهب جماهير العلماء.
ونظر ابن عباس جلي
جدا ، وينشأ منه أن الجم الغفير إذا خالفوا النظر الجلي فلا يخالفون إلا بالتوقيف.
ويمكن أن يقال في
مقابلته : وابن عباس إذ أظهر الخلاف ، كان من الواجب أن يحتج عليه بذلك التوقيف ،
ولم يثبت ذلك ، فهو مشكل والعلم عند الله تعالى.
وحاصل نظر الجمهور
يرجع إلى أنه إذا وجب أن يبدأ بالزوجة أو الزوج ، ويعطي كل واحد منهما نصيبه ،
فزال الفرض المنصوص لهما بالزوج والزوجة ، لأن المنصوص لهما إذا لم يكن زوج ولا
زوجة ، فإذا أعطيناهما حقهما نظرنا إلى ما يبقى بعد ذلك ، فيجعل بمنزلة جملة المال
الذي لا فرض فيه لأحد الأبوين ، فيقسم بينهما ، فيعطي الأم ثلثه ، ويعطي الأب ما
بقي ، لأن النقيصة لما دخلت عليهما من قبل الزوج أو الزوجة ، وجب أن تكون داخلة
عليهما على قدر حصصهما إذا لم يكن الأب في هذا الموضع بمنزلة العصبة الذين تبدأ
بأهل الفرض ، ثم يعطون ما بقي لأن أولئك غير مسمين ، والأبوان إذا كانا هما
الوارثان ففرض كل واحد منهما معلوم ، فلما دخل عليهما فرض الزوج والزوجة دخل على
كل واحد منهما بقدر حصته.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً
أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (١٢) :
قرئ : يورث بفتح
الراء والتخفيف على ما لم يسم فاعله.
وقرئ : بكسر الراء
والتخفيف وقد سمي فاعله.
فمن كسر ، نصب
كلالة على المفعول به ، وجعلها اسما للورثة ، وجعل الفاعل للتوريث هو الرجل الميت
، وجعل كان يعني وقع وحدث ، فلا يحتاج إلى خبر.
ومن قرأ بفتح
الراء ، نصب كلالة على الحال من الضمير في يورث ، وهو ضمير الرجل ، وجعل الكلالة
اسما للميت ، وجعل كان يعني حدث.
ويحتمل أن يجعل
كلالة خبرا لكان.
فلم يختلف العلماء
في أن الكلالة اسم لمن لا ولد له ، واختلفوا في أنه هل هو اسم لمن لا والد له؟
فقال قائلون : هو اسم لمن لا ولد له ، فبنوا عليه أن أولاد الأم لا يرثون مع الأب
، لأن الكلالة اسم لمن لا ولد له ، فأما من له والد ، فليس خارجا من الكلالة.
واعلم أن هذا يتصل
به مسألة أخرى ، وهو أن الله تعالى يقول : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) الآية. فجعل للأخوات من الأب والأم الثلثين ، وللواحدة
النصف ، وذلك لا يتصور مع البنت والأب ، وسمى الله تعالى ذلك كلالة فقال : (يَسْتَفْتُونَكَ
__________________
قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) ، فأطلق اسم الكلالة ، ولا بد وأن يكون المعنى ها هنا :
ليس له ولد ولا والد ، فإن المذكور من الميراث لا يتصور إلا عند فقد الوالد والولد
، ويدل على أن الكلالة اسم لمن لا والد له ولا ولد.
قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ
مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) ، يقتضي أن يكون ذلك الباقي للأب ، ثم قال : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ) ، فلم يجعل للإخوة ميراثا مع الأب ، فخرج الولد من الكلالة
والوالد جميعا ، لأنه لم يورثهم مع الأب ، كما لم يورثهم مع الإبن ، والإبنة أيضا
ليست بكلالة كالابن ، فلا جرم أولاد الأم يسقطن بها ، لأنه تعالى شرط في توريث
أولاد الأم أن يكون الميت كلالة ، أو الوارث كلالة ، فإن ترك بنتا أو ابنتين وإخوة
وأخوات لأم فالبنت ليست بكلالة ، فلا يستحق الأخوات الثلث.
واختلف أهل اللغة
في اشتقاق الكلالة :
فمنهم من قال : هو
من قوله : كلت الرحم إذا تباعدت ، ولحت إذا قربت ، يقال هو ابن عمي لحا ، أي هو
ابن أخي ، وهو ابن عمي كلالة ، أي من عشيرتي. قال الشاعر :
ورثتم قناة الملك لا عن كلالة
|
|
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
|
يعني ورثتموها
بالآباء لا بالإخوة والعمومة.
__________________
ويمكن أن يكون
مأخوذا من الكلال وهو الإعياء ، ومنه قولهم : مشى حتى كل : أي بعدت المسافة فطال
سيره حتى كل. وكلّ البعير إذا طال الطريق حتى أعيا ، وكلّ السيف إذا طال الضرب به
، وكلت الرحم إذا ضعفت فطال نسبه ، فتكون الكلالة من بعد النسب وبعد القرابة.
وقيل : أخذ من
الإكليل المحيط بالرأس.
وروي عن عمر في
الكلالة بعد النسب وبعد القرابة روايتان مختلفتان ، فتارة لا يجعل الوالد كلالة ،
وتارة كان يجعله كلالة.
وردّ رسول الله
صلّى الله عليه وسلم على عمر لما سأله عن الكلالة إلى آية الصيف.
ولا شك أن عمر لا
يخفى عليه معنى الكلالة من جهة اللغة ، وذلك يدل على أن معنى الكلالة شرعا غير
مفهوم من الإسم لغة ، ولذلك لم يجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمر عن سؤاله في
معنى الكلالة ، ووكله إلى استنباطه.
وفي ذلك دليل على
جواز تفويض الإجماع إلى آراء المستنبطين ، كما فوضها رسول الله صلّى الله عليه
وسلم إلى رأي عمر.
وفيه دلالة على
بطلان قول من يقول : لا يجوز استنباط معاني القرآن ، فإن رسول الله صلّى الله عليه
وسلم قال : «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ » ،
__________________
فإن ذلك إنما قاله
رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيمن قال فيه بما سنح في وهمه ، وخطر على باله ، من
غير استدلال عليه بالأصول ، وإن من استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفقة
فهو ممدوح.
بقيت ها هنا دقيقة
أخرى وهي خاتمة النظر ، وذلك أن الجد من حيث كان أصل النسب خارج عن الكلالة كالأب
والابن ، وعليه بنى العلماء سقوط أولاد الأم به ، لأن الله تعالى شرط في ميراثهم
عدم الولد والوالد ، وفقد الأصل والفرع ، ولا يتحقق ذلك مع الجد ، وموضع اشتقاق
الكلالة يقتضيه أيضا.
ولأجل ذلك قلنا إن
آية الصيف تدل أيضا على أن الجد خارج ، فإن الله تعالى شرط في وراثة الأخت نصف
التركة أن تكون كلالة ، فلا جرم لا ترث النصف مع الجد ولا الأخ يرثها مع الجد بل
يقاسمها ، والله تعالى إنما شرط الكلالة في استحقاق النصف فقط وذلك مشروط بعدم
الجد.
ويدل عليه أن
الكلالة لا تتناول البنت ، والأخت ترث مع البنت ، إلا أنها لا ترث على الوجه
المذكور في آية الصيف وهو النصف ، وإنما ترث الباقي من نصيب البنت ، فهذا تمام
معنى آية الكلالة ، وقد وردت في آية الصيف عدة أخبار تركنا ذكرها للاستغناء عنها
في فهم معنى الآية.
ومما استنبطه
العلماء من آية الكلالة بعد فهم معناها مسألة المشركة ، وقد اختلف فيها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ،
فروي عن علي إسقاط أولاد الأب والأم ، وروي عن زيد التشريك .
__________________
ولا شك أن ظاهر
قوله تعالى : (فَإِنْ كانُوا
أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) ، يتناول أولاد الأم جملة ، وقوله : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) ، يتناولهم من جهة الأب لا من جهة الأم ، فتعين الجمع بين
الاثنتين ، فمتى أمكن التوريث بقرابة الأبوة ، وجبت مراعاتها لقوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها
وَلَدٌ) ، معناه يرثها بقرابة الأبوة ، وإن لم يكن التوريث بقرابة
الأبوة ، وجب اتباع ظاهر قوله : (فَهُمْ شُرَكاءُ فِي
الثُّلُثِ) ، فأخذنا حكم التشريك والتعصيب من الآيتين الواردتين في حق
الكلالة ، وذلك بيّن
نعم إذا فرضنا
زوجا وأما ، وأخا من أم ، وإخوة من أب وأم ، فلولد الأم السدس ، والسدس الباقي بين
أولاد الأب والأم ، لأن قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا
إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، ينفي التوريث بالفرض ما أمكن التوريث بالعصوبة ، فإذا
أمكن توريث بالعصوبة ، وجب اتباع الآية الأخرى.
ومن يخالف هذا
المذهب يقول : إنما جعل الله تعالى الإخوة شركاء في الثلث مبنيا على قوله تعالى : (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ، ولا يتصور استحقاق السدس ها هنا ، فتقدير الآية : للواحد
السدس وللإثنين الثلث ، ولا يتصور ذلك في ولد الأب والأم ، فعند ذلك يضعف التعليق
بالظاهر من حيث الاسم ، ويبقى التعليق من حيث المعنى ، وهو أنه لما جعلت قرابة
الأمومة مورثة ، وقد وجدت العلة المورثة في حق الأب والأم ، فينجر الكلام عند ذلك
إلى طريق المعنى.
__________________
وإذا ثبت
الاستنباط من الكلام في مسألة المشركة ، فالأخت مع البيت عصبة عند جماهير العلماء.
وقيل لابن عباس
وابن الزبير : إن عليا وعبد الله وزيدا يجعلون الأخوات مع البنات عصبة ، فقال : «أنتم
أعلم أم الله؟» ، يقول الله عز وجل : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ
لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) ، فجعل لها النصف عند عدم الولد ، فكيف تجعلون لها مع
الولد النصف؟
وعامة العلماء
يرون معنى الآية : إن امرؤ هلك ليس له ولد ذكر ، ولذلك قال : (وَهُوَ يَرِثُها) يعني الأخ ، ولا شك أن الأخ يرث مع البنت.
ومثله قوله تعالى
: (وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) ، ومعناه عند الجميع : إن كان له ولد ذكر.
ولا خلاف بين
الصدر الأول ومن بعدهم من الفقهاء ، أنه لو ترك ابنة وأبوين ، أن للبنت النصف
وللأبوين السدسان والباقي السدسان والباقي للأب ، ولو ترك ابنة وأبا فللبنت النصف
وللأب النصف ، وقد أخذ في هاتين المسألتين مع الولد أكثر من السدس.
والسر في ذلك أن
الذي تأخذه الأخت بعد أصحاب الفرائض ، ليس هو النصف الذي كان مفروضا لها ، إذا لم
يكن ولد ، فإن ذلك فرض ، وهذا مأخوذ بالتعصيب ، لأنها عصبة فتأخذ الباقي ، فتارة
يكون الباقي نصفا ، وتارة أقل من ذلك ، وربما ترك الميت ابنتين فصاعدا فتأخذ الأخت
ما بقي بعد الثلثين ، وربما كان مع الأخت أخواتها ، فيأخذون جميع ما يبقى ، فعلم
به أن الذي تأخذه الأخت في هذا الموضع ، إنما تأخذه بمعنى غير المعنى الذي كان فرض
لها مع البنت.
فإذا كان المعنى
الذي تأخذ به في هذا الموضع غير ذلك المعنى ، لم يدخل أحد المعنيين على الآخر ،
وكان لكل واحد منهما معنى حكم على جهته.
نعم بنت الإبن لا
تستحق الباقي بعد بنتي الصلب ، لأن الجهة واحدة في البنت وبنت الابن ، وأما الجهة
فمختلفة ها هنا.
وليس يمكن إسقاط
أولاد الإبن ، مع مشابهتهم لأولاد الصلب في تعصيب الأخت وغيره ، وإعطاء
الأبعد ، وليس يمكن الترتيب في الفرض ، فدعت الضرورة الى تعصيبهن ، هذا تمام ما يقال في هذا الباب.
فإن قال قائل :
فهلا قلتم لابنة الابن ما يبقى بعد بنتي الصلب؟ وإن بنت الابن في ذلك أولى من ابن
ابن العم البعيد ، فإنها تدلي ببنوة الميت ، وابن العم يدلي ببنوة جد الميت ،
وشتان ما بينهما ، فإن قلتم : لا شيء لها ، علم أن ذا الفرض لا يصير عصبة ، مخافة
صرف المال إلى من هو أبعد منه في القرابة ، فكذلك الإلزام في الأخت من الأب مع
الأختين للأب والأم ، فإنه لا يصرف إليها الباقي بعد الثلثين بحكم العصوبة ،
تقديما لقرابتها على قرابة ابن ابن العم ، وهذا سؤال حسن.
والجواب عنه : أن
السبب في ذلك أن الله تعالى شرع فرض البنات جملة واحدة ، سواء كن بنات صلبه أو
بنات ابنه ، فجعل غاية حقهن الثلثين ، وجعل غاية حق الأخوات سواء كن لأم وأب أو
لأب الثلثين ،
__________________
ودل عليه مطلق
قوله تعالى : (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) إلى قوله : (فَإِنْ كانَتَا
اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) الآية ، فوقعت الفريضة لهم جملة ، لأنهم جميعا ولد الميت
أو ولد أبى الميت ، فإذا كان ذلك كمال حقهم من التركة ، يقع الكلام منهم بعضهم مع
بعض في البداية ببعضهم على بعض ، فإذا استوفى الأخوات للأب وللأم حصصهم ، كان
الباقي للعصبة لأنهم يقولون لأولاد الأب : سواء علينا كنتم لأب وأم ، أم كنتم لأب
وقد استوفى فرض الأخوات ، فليس لكن بعده شيء؟ وإن كان هناك أخ لأب سقط كلام العصبة
، لأن الإخوة يقولون : أنتم لا حق لكم مع أخ لاب بوجه ، فإنه ذكر عصبة لا يأخذ ما
يأخذه بفرض الإناث.
السؤال : على هذا
من أوجه :
أحدها : أنه إن
صار نصيب الأخوات من الأب مستوفى في فريضة الأخوات للأب والأم وليس يبقى بعد ذلك
لهن حق في الميراث ، فلم تأخذ الأخت للأب مع أخيها ، وهلا قال لها الأخ : قد صارت حصتك مستوفاة في ميراث
الأخت للأب والأم ، فلا حق لك أصلا بوجه من الوجوه ، فلا جرم صار ابن مسعود إلى أن
الباقي للأخ دون الأخت.
وأبى ذلك غيره حتى
قال زيد بن ثابت : هذا من قضاء أهل الجاهلية. أي إنهم كانوا يورثون الذكور دون
الإناث.
إلا أن ابن مسعود
يقول : أنا أورث الإناث ، ولكن نصيبهم مستوفى في ميراث أولاد الأب والأم ، فهذا
تمام هذا القول في الاعتراض.
الوجه الثاني في
الاعتراض ، أن قول القائل إن ميراث أولاد الأب
__________________
صار مستوفى لا وجه
له ، فإن حقهم لا يصير مستوفى لغيرهم ، وكل من يحجب شخصا ، لا يقال صار ميراثه
مستوفى للحاجب ، بل يقال : لا ميراث للمحجوب مع الحاجب ، فإذا تقرر ذلك فالثلثان
لأولاد الأب والأم وبنات الابن معهن ، ويبقى النظر بعد ذلك في أنهم حجبوا بمن
فوقهم ، فلم يحرمون من دونهم مثل مسألتنا سواء؟
الوجه الثالث :
أنه لو جاز أن يقال هذا ، جاز أن يقال : إن ميراث أولاد الأب شبيه بميراث أولاد
الميت في الثلثين والنصف ، وتعصيب الأخ للأخت ، فيمكن أن يقال من أجل ذلك إنه
ميراث الولادة ، إلا أنه ولادة أب الميت ، ولذلك تشابه الميراث ، فإذا أخذت البنات
الثلثين ، صار حق الأولاد مستوفى على أبلغ الوجوه وهو ولادة الميت ، وميراث أولاد
أبي الميت من جنس ذلك بلا شك ، فيصرف الفاضل إلى العصبة.
الجواب عن السؤال
الأول : أن الأخت إنما تأخذ مع أخيها بجهة أخرى غير الجهة التي يستحق بها الأخوات
الفرض ، كما تأخذ بنت الابن مع ابن الابن ما يبقى ، وإن وجد بنتا الابن.
فإن قلت : فلم
يعصبها أخوها كما يعصب ابن الابن أخته؟ ولعل المعنى فيه أنها تقول نحن استوينا في
القرب ، وإنما لك فضل بالذكورة ، فالمال بيننا على تلك النسبة ، إذ يبعد أن يأخذه
الأبعد في الدرجة بحكم البنوة ، أو من في درجتها وهي لا تأخذ.
أو يقال : إن قوة
عصوبة الابن اقتضت فعصبت أخته ، وقد بعدت تلك القوة إلى أولاد الأب وإن تقاصرت عنه
في بعض الوجوه ، فكان التعصيب لهذا المعنى ، وإذا ثبت التعصيب اختلفت الجهة ، فلم
يكن توفية ميراث الأخوات بالفرض مانعا جهة أخرى يستحق بها الميراث ، وهذا بيّن.
والجواب عن الفصل
الثاني ، وهو قولهم إن ميراث أولاد الأب
لا يصير مستوفى ،
فإنهم محجوبون ، وإنما ذلك حق أولاد الأب والأم ، فالأمر كذلك على بعض الوجوه ،
غير أن الذي قلنا إنه ليس لأولاد الأب الإناث أكثر من هذا القدر الصحيح ، والذي
قالوه ثالثا إنه ليس لأولاد الأب إلا ما يشبه ميراث الأولاد ، فهو الكلام الواقع ،
وما ذكروه من تشابه الميراثين فكمثل ، ولكن مع هذا إذا فرضنا بنتا وأختا ، لم نقل
إن الأخت تأخذ مكملة الثلثين ، مثل ما يقال في الأخت من الأب مع الأخت من الأب
والأم ، وذلك يدل على وجه على افتراق الميراثين.
واعلم أن هذا كله
تعلل ، والأصل فيه التوقيف ، وهو ما روي هزيل ابن شرحبيل أن أبا موسى الأشعري سئل
عن رجل ترك ابنته وابنة ابنه وأخته لأبيه وأمه. فقال : لبنته النصف ، وما بقي
فللأخت من الأب والأم. وقال : ائت ابن مسعود فسيقول مثل ما قلت ، فسأل ابن مسعود
عن ذلك وأخبره بما قال أبو موسى ، فقال ابن مسعود : وكيف أقول ما قال أبو موسى
وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول : للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس
تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت من الأب والأم .
وروى أبو حسان عن
الأسود بن يزيد الكوفي ، أن معاذ بن جبل وهو على اليمن ورث مال رجل توفي وترك
ابنته وأخته ، فجعل للابنة النصف ولأخته النصف ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم
حي يومئذ .
وروى الأعمش عن
إبراهيم عن الأسود قال : كان ابن الزبير يقول في بنت وأخت : المال للبنت ، فقلت له
: إن معاذا قضى فينا باليمن للبنت النصف وللأخت النصف الباقي ، فقال ابن الزبير ،
فأنت رسولي إلى ابن
__________________
عتبة ـ وكان قاضيه
على الكوفة ـ مره فليأخذ بذلك ، فترك ابن الزبير قوله لما جاءه ما لم يمكن دفعه .
فصل
اعلم أن الله
تعالى قال في ميراث الإخوة : (وَهُوَ يَرِثُها إِنْ
لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) ، فجعل الأخ عصبة ، ولم يفصل بين الأخ من الأب والأم ،
والأخ من الأب ، وجعل للأخت مطلقا النصف ، وللأختين الثلثين ، سواء كن من الأب أو
من الأب والأم ، ولم يفرد قرابة الأمومة ، لا في حق الأخ ولا في حق الأخت ، ولو
انفردت قرابة الأمومة عن قرابة الأبوة ، لكان للأخت من الأب والأم الثلثان : النصف
بقرابة الأبوة ، والسدس بقرابة الأمومة ، وذلك كل المال ، فإذا ثبت ذلك ، علم به
اتحاد القرابتين في حقه في استحقاق مقدار المال ، ورجعت زيادة قرابة الأمومة إلى
تأكيد قرابة الأبوة ، حتى تقدم على ولد الأب ، وتنزل زيادة قرابة الأمومة ، منزلة
زيادة درجة العصبات مثل الابن وابن الابن.
فإذا تبين ذلك ،
فإذا فرضنا ابني عم ، أحدهما أخ لأم ، لم تتحد قرابة الأمومة ببنوة العم ، بل لمن
اجتمعت فيه القرابتان ، السدس بقرابة الأمومة ، والباقي بينه وبين ابن عمه ، وقال
عمر وابن مسعود : المال للأخ من الأم.
ولم يختلفوا في
الأخوين لأم ، أحدهما ابن عم ، أن لهما الثلث بنسب الأم ، وما بقي فلابن العم
خاصة.
وفي المسألة
الأولى شبهوا بأخوة الأم ، وأنها تتحد بأخوة الأب.
__________________
وهذا بعيد ، فإن
الجهة هناك واحدة ، واختلفت الجهة فيما نحن فيه ، والأصل نفي الاتحاد بين الجهتين
وتوفير مقتضى كل علة عليها ، إلا ما كان مستثنى في حق الإخوة ، والنافي منفي على
أصله.
إذا ثبت الحكم في
هذه المسائل فقد قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ، قدم الوصية على الدين في ثلاثة مواضع.
نعم أفاد بقوله : «أو»
نفي اعتبار جمع الأمرين ، فإنه لو قال : «من بعد وصية ودين» بالعطف ، لا أحتمل أن
يقال : يعتبر وجود الأمرين ، وإذا قال : «أو دين» ، علم به أن اجتماعهما لا يعتبر
، ومثله قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ
آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، أي لا تطعهما ولا كل واحد منهما ، ومثله قول القائل :
جالس الحسن أو ابن سيرين ، هو أما بمجالستهما أو مجالسة أحدهما ، فإذا قال : جالس
الحسن وابن سيرين ، احتمل أن يكون قد أمر بمجالستهما مجتمعين ومنفردين.
يبقى أن يقال :
إنه تعالى قدم الدين على الوصية.
فيقال : إن المراد
به استثناؤهما من جملة الميراث ، وهما بالإضافة إلى التركة واحد ، فإنهما مقدمان
على حق الورثة ، وليس يظهر أثر التقديم بالإضافة إلى الورثة ، وإنما تتفاوت الوصية
والدين في أنفسهما عند قطع النظر عن حق الورثة ، وليس في الآية تعرض لذلك ، وهذا
بين ، وكأنه تعالى ذكر الوصية قبل الدين ، لأن الوصية أغلب وأكثر من الدين ، فإنه
قد يموت كثير ولا دين عليه ، ولا يموت الإنسان غالبا إلا ويكون
__________________
قد أوصى بوصية ،
ولأن قضاء الدين من التركة كان مشهورا ، ولعل الحاجة إلى بيان الوصية كان أكثر
وأظهر ، وعن علي رضي الله عنه قال : قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالدين قبل
الوصية وأنتم تقرءونها من بعد وصية يوصى بها أو دين .
واعلم أن قوله
تعالى : (مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ، لا يقتضي اختصاص الوصية ببعض المال ، كما لا يقتضي ذلك
في الدين ، إذ ظاهره العموم ، إلا أن الخبر الصحيح ورد عن الزهري عن عامر بن سعد
عن أبيه ، قال : مرض أبي مرضا شديدا أشفى منه ، فعاده رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال : يا رسول
الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا كلاله ، أفأتصدق بالثلثين؟ قال : لا. قال :
فالشطر؟ قال : لا. قال : فالثلث؟ قال : الثلث والثلث كثير ، إنك أن تترك ورثتك
أغنياء ، خير من أن تدعهم عالة يتكففون وجوه الناس ، وإنك إن تنفق نفقة إلا أجرت
فيها ، حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك. فقلت : يا رسول الله ، أتخلف عن هجرتي؟
قال : لن تخلف بعدي ، فتعمل عملا تريد به وجه الله تعالى ، إلا تزداد رفعة ودرجة ،
لعلك أن تخلف فينتفع بك أقوام ويضرّ بك أقوام آخرون ، ثم قال : اللهم امض لأصحابي
هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثي رسول الله صلّى الله عليه
وسلم أن مات بمكة.
فدل الخبر على أن
الزيادة على الثلث غير جائزة ، فإن النقصان عن الثلث مستحب.
__________________
ودل به على أنه
إذا كان قليل الحال وورثته فقراء ، فالمستحب أن لا يوصي أصلا.
وفيه دليل على أن
الصدقة في المرض وصية غير جائزة إلا من الثلث ، لأن سعدا قال: أتصدق بجميع مالي؟
فقال : لا ، إلا أن يرده إلى الثلث.
وقول سعد : أتخلف
عن هجرتي؟ .. معناه أنه يموت بمكة وهي داره التي هاجر منها إلى المدينة ، وقد كان
النبي صلّى الله عليه وسلم نهى المهاجرين عن أن يقيموا بعد النفر أكثر من الثلاث ،
وهاجر سعد مع النبي صلّى الله عليه وسلم وتخلف بعده ، حتى نفع الله به أقواما وضرّ
به آخرين ، وفتح الله على يديه بلاد العجم وأزال ملك الأكاسرة.
وإذ قال تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ
دَيْنٍ) ، فيدل ظاهره على أن كل من كان عليه ما يسمى دينا ، فلا
يأخذ الوارث تركته.
ومساق ذلك أن دين
الزكاة يؤخذ من ماله بعد الموت ، وكذلك الحج ، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
سماه دين الله وجعله أحق الديون.
ومن الجهالات قول
الرازي إن ذلك دين الله ، فلا يفهم من مطلق اسم الدين ، فإن الاختلاف في المضاف
اليه لا في اسم الدين.
ولو قال قائل دين
الآدمي ينطلق عليه اسم الدين لأنه مضاف إلى الآدمي ، كان مثل ذلك.
ومطلق قوله «يوصي»
، لا فصل فيه بين الوصية للوارث والأجنبي ، إلا أن الأخبار قيدت بالوصية للأجنبي على ما رواه الفقهاء في كتبهم ، ودل الإجماع أيضا عليه.
__________________
ومطلق قوله تعالى
: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) ، يقتضى التسوية بين مقدار الثلث وما فوقه ، إلا أنه إذا
كان هناك وارث معين استثناء رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقوله : «إنك إن تدع
ورثتك أغنياء» الحديث.
فإذا لم يكن وارث
معين بقي عند أبي حنيفة على موجب العموم ، إلا أن الشافعي رضي الله عنه يقول :
قوله : (يُوصِي بِها أَوْ
دَيْنٍ) ، ما ورد إلا في موضع الوراثة ، ولم يرد مطلقا ، فكيف يمكن
الاستدلال بعمومه ، وهذا قاطع في منع الاستدلال بعموم الآية في الوصية ، وإذا لم
يمكن ذلك ، يبقى لنا أن الأصل امتناع إضافة التصرف إلى ما بعد الموت إلا بقدر ما
استثنى ، وقد شرحنا ذلك في مسائل الخلاف ، وإنما مقصودنا بهذا الكتاب البحث عن
معاني كتاب الله.
قوله تعالى في
مساق الوصية : (غَيْرَ مُضَارٍّ) ، أي غير مضار بالوصية ، وذلك بأن يوصي بأكثر من الثلث.
وقوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ) ، يمتنع التعلق بعموم آية الوصية فيما يقع التنازع فيه ،
فإنه لا يدري أنه من قبيل المضارة أم لا ، فيمتنع التعلق بعمومه لمكان الاستثناء
المبهم ، وهذا بين في منع التعلق بالعموم في الوصية ، ومما يتعلق بمعاني الآية أن
عموم قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي
أَوْلادِكُمْ) ، مع ذكر الزوجة والإخوة والأخوات ، يدل على ميراث القاتل
والرقيق والكافر ، غير أن الأخبار الخاصة منعت منه ، وإذا صار مضمون الخبر مقدما ،
فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
__________________
«لا يتوارث أهل
ملتين شتى» .
ولم يختلف الناس
في أن الكافر لا يرث المسلم.
نعم ، نقل عن
معاوية أنه ورث المسلم من قريبه الكافر.
وقيل هو قول معاذ.
وإذا كان قوله
عليه الصلاة والسلام : «لا يتوارث أهل ملتين شتى» قاضيا على عموم الآية في حق
الكافر الأصلي والمسلم ، قضى عليه في حق المرتد حتى لا يرثه المسلم».
وقال ابن شبرمة
وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والأوزاعي في إحدى الروايتين : ما اكتسبه المرتد بعد
الردة فهو لورثته المسلمين.
وقال أبو حنيفة :
ما اكتسبه المرتد في الردة فهو فيء ، وما كان مكتسبا في حال الإسلام ، ثم ارتد
يرثه ورثته المسلمون إذا قتل على الردة عند أبي حنيفة ، ولا يورث عنه ما اكتسبه في
الإسلام.
وأما ابن شبرمة
وأبو يوسف ومحمد ، فلا يفصلون بين الأمرين ، ومطلق قوله عليه السلام :
«لا وراثة بين أهل
ملتين شتى» ، يدل على بطلان أقوالهم.
تم انتزاع معاني
الفرائض من آيات المواريث.
__________________
قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ
نِسائِكُمْ) الآية (١٥) :
الأكثرون على أن
الآية منسوخة بما نزل في سورة النور : (الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي) الآية.
والسبيل الذي جعله
تعالى لهن : الرحم والجلد.
وقوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ
فَآذُوهُما) ، كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت ، وكان
الرجل إذا زنا أوذي بالتعيير والضرب بالنعال ، فنزلت : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية.
واعلم أن الآية إن
كانت ناسخة فليس فيها فرق بين الثيب والبكر ، وذلك يدل على أنه كان حكما عاما في
البكر والثيب.
وورد في الأخبار
الصحيحة عن عبادة بن الصامت في هذه الآية : (وَاللَّاتِي
يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) ، قال : كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنزل عليه
الوحي ، فكان إذا نزل عليه الوحي تربّد لونه ، وكرب له ، وصرفنا أبصارنا عنه فلم
ننظر اليه ، فلما سرّي عنه قال : «خذوا عني».
قال : قلنا : نعم
يا رسول الله ، قال : قد جعل الله لهن سبيلا : الثيب بالثيب الرجم ، والبكر بالبكر
جلد مائة ونفي سنة .
__________________
وقال الحسن : كان
أول حدود النساء كن يحبسن في بيوت لهن حتى نزلت الآية التي في النور : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) .. الآية ، قال عبادة : «كنا عند رسول الله صلّى الله عليه
وسلم» فذكر مثل الحديث الأول.
وروي عن الحسن
وعطاء أن المراد بقوله تعالى (فَآذُوهُما) الرجل والمرأة.
وقال السدي :
البكر من الرجال والنساء.
وعن مجاهد : أنه
أراد الرجلين الزانيين ، وأراد بالأول المرأتين الزانيتين.
وذكروا أن الظاهر
يدل عليه ، فإنه قال تعالى أولا :
(وَاللَّاتِي
يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) ، فاقتضى ذلك فاحشة مخصوصة من النساء.
وقال : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) فاقتضى ذلك فاحشة مخصوصة بالرجال ، فالأول فاحشة بين
النساء ، والثاني فاحشة بين الرجال.
فعلى هذا المذكور
من سورة النور ليس نسخا للأول من الفاحشتين ، إذ لا يتعلق الجلد بها ، وفي تعلقه
بالفاحشة الثانية اختلاف قول بين العلماء.
ولا شك أن موجب
الفاحشة وهو الحبس في البيت ، منسوخ كيفما قدر الأمر ، فأما الفاحشة الثانية
فموجبها الإيذاء ، وذلك ثابت الحكم غير منسوخ على قول بعض العلماء ، وتأويل السدي
أقرب إلى الظاهر ، وقول غيره يحتمل ، فيمكن أن تكون الآيتان نزلتا معا ، فأفردت
المرأة بالحبس ،
__________________
وجمعا جميعا في
الأذى ، وتكون فائدة إفرادها بالذكر ، إفرادها بالحبس إلى أن تموت ، وذلك حكم لا
يشاركها فيه الرجل ، وقرنت المرأة بالرجل في ذكر الأذى لاشتراكهما.
ويجوز أن تكون
المرأة من قبل مشاركة الرجل في الأذى ، ثم زيد في حدها الإمساك في البيت.
واعلم أن قوله : (يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) ، الظاهر كونه مقدما على قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ).
فإن قوله : (يَأْتِيانِها) كناية لا بد له من مظهر متقدم مذكور في الخطاب ، أو معهود
معلوم عند المخاطب ، فالظاهر رجوع الكناية إلى ما تقدم ذكره من الفاحشة ، فيقتضي
ذلك أن يكون حبس المرأة متقدما ، ثم تعذر زيادة الأذى على الحبس إن كان المراد
بقوله : (وَالَّذانِ
يَأْتِيانِها) الرجل والمرأة ، مع أن إضافة الفاحشة إلى المرأة ، يبعد
إضافتها ثانية إليها ، إلا بتقدير أمر جديد ، والأذى يشتمل على الحبس وما سواه ،
وليس فيه دلالة مصرحة بالزيادة ليعتقد مضموما إلى ما تقدم.
والظاهر أن قوله :
«واللّذان» كناية عن الرجلين ، لا عن الرجل والمرأة ، لتقدم بيان فاحشة المرأة.
قيل لهؤلاء وقد
قال الله تعالى (ما تَرَكَ عَلى
ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) من غير أن يتقدم ذكر المكنى عنه بالهاء.
وقال : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ) فيجوز في قوله : (وَالَّذانِ
يَأْتِيانِها مِنْكُمْ).
__________________
فأجابوا : إن
المفهوم من ذكر الإنزال : القرآن ، ومن قوله على ظهرها من دابة : الأرض ، فاكتفى
بقرينة الحال عن ذكرها صريحا.
وقال السدي : إن
قوله (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي
الْبُيُوتِ) : في الثيبين ، وقوله : (وَالَّذانِ
يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) : في البكرين.
وكيفما قدر فلا بد
من شيء منسوخ في الآية.
والصحيح أنه نسخ
بقوله عليه السلام : «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا» الحديث.
ويجب أن يكون قوله
: (الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي) نازلا بعد قوله عليه السلام : «جعل الله لهن سبيلا» ، فإنه
لو نزل قبل هذا الخبر ، ما كان لقوله عليه السلام : «خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلا» معنى ، وذلك يدل على نسخ الكتاب بالسنة.
وعلى هذا إذا نزلت
آية النور بعد خبر عبادة ، فإنما يكون متضمنا بعض حكم زنا البكر ، من غير تعرض
لزنا الثيب ، ومن غير تعرض لنفي سنة ، وذلك في القلب منه شيء.
وكيف ترك الأمر
العظيم الأهم من زنا الثيب ورجمه بقول : الزانية والزاني ، فيأتي بالألف واللام
الدالين على استغراق الجنس ، ويقول بعد ذلك : (وَلا تَأْخُذْكُمْ
بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) ، وذلك لأجل المبالغة ، فيتعرض لمزيد تغليظ عليهم ليس من
جنس الحد ، ويقول في تمام التغليظ : (وَلْيَشْهَدْ
عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
فيظهر من مجموع
هذه المبالغة في التغليظ أنه لو كان ثم حد آخر أو في
__________________
منه ، لكان أولى
بأن يتعرض له ، فيظهر بذلك الاحتمال الآخر وهو أن قوله : (فَآذُوهُما) ، (و (فَأَمْسِكُوهُنَّ) ، لم ينسخه خبر عبادة ، وإنما نسخه الذي في النور ، فكان
ذلك شاملا للبكر والثيب جميعا على وجه واحد ، فإن الثيب أكثر من يصدر منهم الزنا ،
فكيف لا يتعرض لهن.
يبقى أن يقال :
فما معنى قوله عليه السلام : «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا» والسبيل كان سابقا؟
فيقال : إن ذلك من
أخبار الآحاد ، فلا يعترض به على هذا الأمر المقطوع به الذي قلناه.
أو يقال : قوله «قد
جعل الله لهن سبيلا» ، بيان حكم الله تعالى ، وحكم الله تعالى يجوز أن يرد في
دفعتين ، فإذا ورد ثانيا ، كان تتمة السبيل الذي أطلقه كتاب الله تعالى.
وفيه شيء آخر من
الإشكال ، وذلك أن الله تعالى يقول في الآية الأولى :
(فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي
الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) الآية (١٥).
ويقول في الآية
الثانية : (فَآذُوهُما فَإِنْ
تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) الآية (١٦).
فإن كان الذي وجب
على الرجلين ، أو على الرجل والمرأة على اختلاف المعنيين ، عين الحبس ، فإذا عزر
المعزر منه ، وجب الإعراض عنه ، تاب أو لم يتب بقوله :
(فَإِنْ تابا
وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) ، فإنه يقتضي عقابا دائما يسقطه التوبة والصلاح والإخلاص ،
ويكون ذلك الحبس ، فيقتضي ذلك أن يكون الإيذاء عبارة عن الحبس أيضا ، كما كان في
الأولى ، إلا أن الله تعالى عبر عنهما بعبارتين مختلفتين.
فهذا تمام ما تيسر
تقريره ها هنا ، مع ما فيه من الإشكال.
وقد أنكرت الخوارج
الرجم ، لأجل أن الذي في سورة النور لا يحتمل أن يكون في وقت اختلاف حد البكر
والثيب كما قررناه ، وإذا كان كذلك فلا بد وأن يكون تمام الحد هو القدر المذكور في
سورة النور في حق البكر والثيب جميعا ، فإذا كان كذلك ، فشرع الرجم نسخ لهذه الآية
، ونسخ القرآن بأخبار لا يجوز بوجه.
قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى) .. إلى قوله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً).
بيان الوقت الذي
تقبل فيه التوبة ، ليس متعلقا بأحكام التوبة في الدنيا ، فأراد أن يبين حكمها في
الآخرة.
قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا
النِّساءَ كَرْهاً) الآية (١٩) :
ذكر ابن عباس في
هذه الآية أنه إذا مات الرجل ، كان أولياؤه أحق بامرأته من ولي نفسها ، إن شاء
بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، فنزلت هذه الآية في ذلك
، فكانوا يورثون وارثه المال ، وكان من الطاعة منهم أن يلقي أقرب الناس اليه عليها
ثوبا فيرث نكاحها ، فمات ابن عامر ، زوج كبشة بنت عامر ، فجاء ابن
__________________
عامر من غيرها ،
فألقى عليها ثوبا فلم يقربها ولم ينفق عليها ، فشكت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم
، فأنزل الله تعالى :
(لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً).
وقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا
بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ).
أمر للأزواج
بتخلية سبيلها ، إذا لم يكن فيها حاجة ، فلا يضرّ بها في إمساكها حتى تضجر ،
فتفتدى ببعض مالها .
كذا فسره ابن
عباس.
وقال الحسن : هو
نهي لولي الزوج الميت أن يمنعها من التزويج على ما كان عليه أمر الجاهلية.
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ).
يحتمل زناها الذي
يجوز للرجل من أجله أن يهجرها ويزجرها ، ويجوز أن يكون نشوزها ، فهذا معنى الآية ،
وشرحنا أحكام الخلع في سورة البقرة.
وذكر عطاء
الخراساني أن الرجل كان إذا أصابت امرأته فاحشة ، أخذ ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ
ذلك.
وقال زيد بن أسلم
في هذه الآية : (لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) : كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ، ورث
__________________
امرأته من يرث
ماله ، فكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد ، فكان أهل تهامة يسيء الرجل
صحبة امرأته حتى يطلقها ، ويشترط عليها ألا تنكح من أراد حتى تفتدى منه ببعض ما
أعطاها ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك.
قال زيد : وأما
قوله : (إِلَّا أَنْ
يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، فإنه كان في الزنا ثلاثة أنحاء وقال :
(وَلا تَقْرَبُوا
الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) ، فلم ينته الناس.
ثم نزل : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ
نِسائِكُمْ) إلى قوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ
لَهُنَّ سَبِيلاً).
كانت المرأة الثيب
إذا زنت فشهد عليها أربعة ، عضلت فلم يتزوجها أحد ، فهي التي قال الله عز وجل :
(لا تَعْضُلُوهُنَ
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
قال زيد : ثم
نزلت.
(وَالَّذانِ
يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) ، فهذين البكرين اللذين لم يتزوجا ، فآذوهما أن يعرفا
بذنبهما فيقال : يا زان ، يا زانية ، حتى يرى منهما توبة ، حتى نزل السبيل فقال :
(الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، فهذا للبكرين ، فقال زيد: وكان للثيب الرجم.
وفي الذي ذكره زيد
جواب عن قول القائل : إن قوله : (فَآذُوهُما)
__________________
يجب أن يكون الحبس
، فإن التعزير إذا أقيم وجب الإعراض عنه ، فإنه قال :
معنى الإيذاء له
أن يعرف بالفاحشة تعبيرا فيقال : يا زان ، يا زانية ، إلى أن يتوبا فيسقط التعيير.
قوله تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
معناه مثل معنى
قوله : (فَإِمْساكٌ
بِمَعْرُوفٍ) ، وذلك توفية حقها من المهر والنفقة ، وأن لا يعبس في
وجهها بغير ذنب ، وأن يكون مطلقا في القول ، لا فظا ولا غليظا ، ولا مظهر ميلا إلى
غيرها.
قوله تعالى : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً).
بيان استحباب
الإمساك بالمعروف ، وإن كان على خلاف هوى النفس.
وفيه دليل على أن
الطلاق مكروه.
قوله : (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) الآية (٢١) :
يستدل به من أوجب
المهر بالخلوة.
وقال قوله تعالى :
(مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ) ، يعم المخلو بها وغيرها.
وقوله : (وَقَدْ أَفْضى) ، يدل في حق المخلو بها وغيرها ، والإفضاء حمله القراء على
الوطء.
__________________
وقيل : أصله مأخوذ
من الفضاء ، وهو المكان الذي ليس فيه بناء حاجز عن إدراك ما فيه ، فسميت الخلوة
إفضاء لزوال المانع من الوطء.
ويقال في تقدير
ذلك الأصل : أن لا يأخذ شيئا منها بعد أن ملكت ، إلا أن الإجماع حصل في حق غير
المخلو بها.
ويقال في الجواب
عنه : بل الأصل أن المعوض متى عاد سليما إليها ، فيرد كمال العوض إلى الزوج ، إلا
فيما استثنى من الوطأة الواحدة ، أو الموت ، أو بقاء نصف المهر عليها عند الطلاق ،
والكلام يتقاوم ويخرج عن معنى أحكام القرآن.
قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ
مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) الآية (٢٢):
اعلم أن النكاح في
أصل اللغة بمعنى الجمع والضم ، وهذا المعنى في الوطء أظهر ، غير أنه في عرف الشرع
للعقد ، حتى إذا قال لامرأة أجنبية : إن نكحتك فعبدي حر وامرأتي طالق ، تعلق الحنث
بالعقد لا بالوطء دون العقد ، ولا يجوز عند كثير من الأصوليين ، أن يكون اللفظ
محمولا على الحقيقة وعلى المجاز جميعا ، فيراد المعنيان.
فإذا ثبت ذلك ،
فالّتي عقد الأب عليها ، مراد الآية إجماعا ، ودل عليه نظيره : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلابِكُمْ) الآية (٢٣).
وسيقت الآيات
بعدها لتحريم العقد ، وقال : (وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ).
ولا يجوز أن يريد
به الوطء دون النكاح ، فإن ذلك محرم لا بهذه العلة ، بل الزنا محرم على الإطلاق ،
وإنما يكون قد حرم ما كان تحريمه لأجل نكاح الأب ، وهو عقد نكاح الابن ، وهذا لا
يشك فيه عاقل.
ودل على ذلك أيضا
قوله : (وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) الآية (٢٣). معناه : دخلتم بهن من نسائكم ، ولا يكون ذلك
إلا في النكاح .
وليس يخفى على
عاقل ، أن تحريم منكوحة الأب على الابن ، ليس للتغليظ على الابن بحرام صدر من الأب
، بل هو لتعظيم الأب في منكوحة بمثابة أم لابنه ، وامرأة ابنه بمثابة بنت له ،
فإذا كان ذلك بطريق الكرامة والمحرمية ، فلا يقتضي الزنا المجرد ذلك.
وذكر الرازي أن
الله تعالى غلظ أمر الزنا بإيجاب الرجم تارة ، وبإيجاب الجلد أخرى ، فمن التغليظ
إيجاب التحريم ، وذكر هذا المعنى في شرح معنى هذه الآية ، وذلك غلط فاحش منه ،
فإنه لا يتوهم التغليظ على الابن في زنا الأب ، مع أن المزنية غير محرمة على
الزاني ، فهذا تمام هذا المعنى .
ثم إن الرازي قال
:
زعم الشافعي أن
الله تعالى لما أوجب الكفارة على قاتل الخطأ ، كان قاتل العمد أولى بذلك ، إن كان
حكم العمد أعظم من حكم الخطإ ، ألا ترى أن الوطء لا يختلف حكمه أن يكون بزنا أو
بغير الزنا ، فيما يتعلق به من فساد الحج والصوم؟ فكذلك ما نحن فيه.
وهذا الذي ذكره
غاية الجهل ، فإن الشافعي لما قال ذلك في حكم الكفارة التي محلها القتل ، الذي هو محظور
غير مستحق ، ولذلك لا تجب
__________________
في القتل المباح ،
وأما المحرمية فإنها كرامة ونعمة ، وتعلقت في الأصل بالنكاح الصحيح ، قال الشافعي :
الكفارة في الأصل
وجبت لمعنى كرامة في الآدمي ، وثبتت في النكاح ، وأثبتت في حق الابن بسبب نكاح
الأب ، إنما أثبتت لمعنى ، كان الزنا أولى بذلك المعنى.
فالذي ذكره يدل
على أنه لم يفهم معنى كلام الشافعي رضي الله عنه ، ولم يميز بين محل ومحل ، ولكل
مقام مقال ، ولتفهم معاني كتاب الله رجال ، وليس هو منهم ، وعلى هذا فساد العبادات
، فإن فسادها للجنايات على العبادة ، والزنا في هذا المعنى مثل الوطء بالنكاح.
وقد اعترف بعض من
ادعى الإنصاف منه ، أن المحرمية لا تثبت بطريق التغليظ ، فإن هذا النمط من الكلام
باطل ، فتكلف في الزنا جهة رأى أنه يقتضي الكرامة من تلك الجهة ، وتلك الجهة باطلة
قطعا ولسنا لنذكرها.
وذكر الشافعي
مناظرة بينه وبين مسترشد طلب الحق منه في هذه المسألة ، فأوردها الرازي متعجبا
منها ومنبها على ضعف كلام الشافعي فيها ، ولا شيء أدل على جهل الرازي ، وقلة
معرفته بمعاني الكلام من سياقته لهذه المناظرة ، واعتراضاته عليها ، ونحن نبين
كلام الشافعي رضي الله عنه :
اعلم أن كلام
الشافعي دل أولا ، على أن الله تعالى ما أثبت المحرمية في زوجة الأب كان الوطء أو
لم يكن في حق الابن إلا كرامة ونعمة ،
__________________
ولا يتهيأ لعاقل
أن يقول إن الشرع يجعل زوجة الإنسان محرما لابنه حتى يجوز له أن يخلو بها ، ويسافر
معها ، ويراها بمثابة أمه من الرضاعة والنسب بطريق العقوبة ، وإذا تقرر ذلك قال
الشافعي رضي الله عنه :
فقال لي قائل : لم
قلت : إن الحرام لا يحرم الحلال؟
قلت : قال الله
تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ).
وقال : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) إلى قوله (دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ، أفلست تجد التنزيل إنما يحرم من سمى بالنكاح أو الدخول
في النكاح؟
قال : بلى.
قلت : أفيجوز أن
يكون الله تعالى حرم بالحلال شيئا ، وحرمه بالحرام ، والحرام ضد الحلال؟ والنكاح
مندوب اليه ، مأمور به ، وحرم الزنا فقال : (وَلا تَقْرَبُوا
الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).
فهذا تمهيد
الدلالة من إمامنا الشافعي رضي الله عنه ، وأشار بها إلى أن الشارع حرم زوجة الأب
من غير دخول مثلا على الابن ، وإذا ثبت ذلك ، فإذا أردنا فهم المعنى منه لنلحق به
ما سواه ، لم يكن فهم معنى التغليظ ، وإنما يفهم منه معنى الكرامة ، والكرامة إنما
تليق بسبب مباح أو مندوب اليه ، فلا يتصور فهم معنى الكرامة في إثبات المحرمية ،
وحليلة الأب والابن وأم المرأة ، ثم يقاس عليه الزنا الذي لا يليق به الكرامة ،
فإنهما ضدان ، فلا يتعرف من أحدهما ضد مقتضاه في الآخر بطريق الاعتبار والقياس ،
وهذا في نظر أهل الأصول والتحقيق من الضروريات ، فقال هذا الجاهل ـ أعني الرازي :
ـ
__________________
تلا الشافعي آيتين
، وليس فيهما أن التحريم لا يقع بغيرهما ، كما لا ينفي الحلال إيجاب التحريم
بالوطء ، بملك اليمين وبسط القول فيه ومعناه هذا ، ولم يعلم هذا الجاهل معنى كلام
الشافعي رضي الله عنه ، فاعترض عليه بما قاله ، وعجب الناس من ذلك وقال :
في هذه المناظرة
أعجوبة لمن تأمل ، فكان كما قال القائل :
وكم من عائب قولا صحيحا
|
|
وآفته من الفهم السقيم
|
ويعلم الله تعالى
، أن الذي حمله لا يلتبس على من شذا من التحقيق طرفا ، غير أن فرط التعصب يعمي عين البصيرة
بالمرة ، وظن الجاهل أن الشافعي رضي الله عنه ، رأى القياس ممتنعا في الضدين مطلقا
، وأنه لم ير قياس الشيء على خلافه ، وقال :
المتضادان قد يجتمعان
في وجوه ، وكفاه جهلا وخزيا أنه لم يفهم هذا الكلام الذي ذكره الشافعي على وضوحه.
ثم كلام الشافعي ،
قال له : أجد جماعا وجماعا ، فلعل السائل ظن أن هذا الكلام الحكيم معلق على صورة
الجماع ، مثل الغسل وفساد العبادات ، فقال الشافعي :
هذا جماع لو فعلت
حمدت عليه ، وذلك لو فعلت رجمت به ، فرده إلى المعنى الأول.
أي إن العاقل لا
يفهم من تحريم زوجة الأب بنفس العقد على تقدير أنها كرامة ، ولا من تحريم حليلة
الابن مذكورا بلفظ الحليلة مثل تلك
__________________
الكرامة ، فيما هو
محظور محض ، سماه الله تعالى مقتا وفاحشة ، وقال : (وَساءَ سَبِيلاً).
وقال له السائل :
هل توضحه بأكثر من هذا؟
قال : نعم ، أفنجعل
الحلال الذي هو نعمة ، قياسا على الحرام الذي هو نقمة؟
والعجب أن الرازي
ذكر هذا وقال :
هذا تكرار المعنى
الأول ، ولم يفهم مقصوده مع هذا الإيضاح ، ثم ألزم وطء الحائض ، والوطء في النكاح
الفاسد ، والجارية المجوسية ، وأن الوطء في هذه المواضع بمنزلة نفس النكاح ، مع أن
ذلك مزجور عنه محرم ، وهذا لا يخفي وجه الجواب عنه ، لما تشتمل عليه
هذه الوطئات من معنى الحرمة واقتضائها للكرامة في أمر النسب والعدة ، وتمام الجواب عنه مذكور في
مسائل الخلاف ، غير أن مقصودنا الآن فهم معنى الآية التي سيقت لبيان مجرد العقد في
حق الابن ، وصار العقد المجرد مرادا به بالإجماع ، كيف يمكن أن يفهم منه الزنا؟
ثم حكى زيادة على
ما قلناه للشافعي رضي الله عنه ، ووجد في كتبه ، استشهادات من المسائل بعيدة ،
وجواب الشافعي عنها ، وكذب الجاهل في تلك الزيادات.
والمنقول عن
الشافعي رضي الله عنه في كتبه ، هذا الذي ذكرناه من القواطع الأصولية ، التي
يتلقاها العقل والشرع بالقبول والاتباع.
__________________
والعجب أنه كما لم
يفهم كلام الشافعي ، لم يفهم كلام السائل أيضا ، حيث قال : «أجد جماعا وجماعا».
قال : السائل قصد
بذلك أن يتبين أن المعنى إذا لم يتضح فاسد وجه فيه الشبه . فقال : «أجد جماعا وجماعا» والشافعي أبان الفرق بينهما
بالمعنى الذي ذكره ، فلا هو اهتدى إلى وجه الشبه ، ولا إلى وجه الحجة ، وإنما كان
الذي ناظره محمد بن الحسن .
ثم قال هذا الجاهل
بفرط جهله : وسرور الشافعي بمناظرة مثله ، يدل على أنهما كانا كالمتقاربين في
المناظرة ، وإلا فلو كان عنده في معنى المبتدي والغبي العامي ، لما أثبت مناظرته
إياه في كتابه ، ولو كلم به المبتدئون من أصحابنا لما خفى عليهم عوار هذه الحجاج ،
وضعف السائل والمسئول فيه .
هذا لفظ الرازي
نقلته على وجهه من كتابه الذي سماه أحكام القرآن .
والذي ذكره من الوقيعة
في إمامنا الشافعي رضي الله عنه ، يكفيه في الجواب عنه جهله بقدر الشافعي أولا ،
وجهله بكلامه الذي حكيناه وشرحناه ، ولله يوم يخسر فيه المبطلون.
__________________
ولو أن المحققين
يعلمون أن في إيضاحنا لجهله بمعنى كلام الشافعي أتم انتصار منه ، لتجاوزنا ذلك إلى
ما سواه.
ومما ذكره الشافعي
رضي الله عنه أن قال :
كيف يتهيأ لعاقل
أن يفهم من قوله تعالى :
(وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) أن من قبل امرأة بشهوة ، حرم على ابنه التزوج بها تلقيا من
قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ).
أترى ذلك من قبيل
ما يسمى نكاحا على تقدير عرف الشرع ، أو عرف اللغة وموجبها؟
ولو نظر إلى فرجها
فكذلك ، ولو نظر إلى سائر بدنها فلا ، ولو نظرت إلى فرج رجل ، حرم على ابنه أن
ينكحها تلقيا من قوله (وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ) ، أو تلقيا من قوله : (وَأُمَّهاتُ
نِسائِكُمْ) أو من قوله : (وَحَلائِلُ
أَبْنائِكُمُ).
أليس ترك هذا
القول خيرا من نصرته مع ما فيه من المخازي؟
وظاهر مذهب
الشافعي رضي الله عنه ، أن اللمس بشهوة في ملك اليمين وفي النكاح ، لا يوجب تحريم
ما يتعلق تحريمه بالوطء.
قوله : إلّا ما قد
سلف : فيه نظر ، فإنه قال : (وَلا تَنْكِحُوا) ثم قال : (إِلَّا ما قَدْ
سَلَفَ).
وظاهر ذلك أن الذي
سلف كان نكاحا ، إلا أن قوله : (إِنَّهُ كانَ
فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) يرده فمعنى قوله (إِلَّا ما قَدْ
سَلَفَ) ، أي إلا ما قد سلف فإنكم غير مؤاخذين به.
فعلى هذا قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، استثناء منقطع كقولهم : «لا تلق إلا ما لقيت ، يعني لكن
ما لقيت فلا لوم عليك فيه».
وقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً). يعني بعد النهي ، وإلا فقبل النهي ليس بفاحشة ، لا قبل
المبعث ولا بعده ، فعلى هذا قوله : (إِلَّا ما قَدْ
سَلَفَ) ، يعني فإنه يسلم منه بتركه والتوبة منه.
نعم ، في هذه
الآية دلالة ظاهرة للشافعي رضي الله عنه ، في أن من تزوج امرأة ابنه ، ثم وطئها مع
العلم بالنهي والتحريم إنه زان ، لأنه تعالى قال :
(إِنَّهُ كانَ
فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً).
كما قال : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ
فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).
فذكر في نكاح
امرأة الأب مثل ذلك.
فإن قيل : إنه إذا
كان عندكم النكاح بمعنى العقد ، والعقد لم ينعقد ، فليس ثم زنا ، فما معنى قوله : (فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) والفاحشة عندكم ترجع إلى العقد ، وليس في ذلك ما يوجب الحد؟
وهذا سؤال القوم.
والجواب عنه : أنه
لما جعل العقد فاحشة ، لم يكن فاحشة لعينه ، وإنما كان فاحشة لحكمه ومقصوده ،
فلولا أن مقصوده أعظم وجوه الفواحش ، وليس فيه شبهة ، ما جعل الذريعة اليه فاحشة
ومقتا ، وهذا في غاية الوضوح فاعلمه.
__________________
قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) الآية (٢٣) :
حرم الله تعالى من
النسب سبعا ومن الصهر سبعا ثم قال :
(كِتابَ اللهِ
عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ).
واللفظ ليس حقيقة
في أمهات الأمهات ، وأمهات الآباء ، والأجداد : والتحريم شامل ، نعم اسم الأمهات ينطلق عليهن عرفا ، فلا جرم اكتفى بإطلاق
العرف عن ذكرهن.
والدليل على أن
اسم الأمهات ليس حقيقة في الجدات ، أن الصحابة لم يفهموا من ميراث الأبوين ميراث
الجدات والأجداد ، حتى بينه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، واستنبطه أهل الإجماع
بدقيق النظر ، وروى لهم الراوي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أطعم الجدة
بالسدس ، واختلفوا في الجد مع الأخ ، ولم يجهلوا معنى الاسم ، وكان الإجماع انعقد
على تحريم الجدات وهو الأصل.
فإذا ثبت ذلك ،
فقد حرم الله تعالى بعد الأمهات الأخوات ، وذكر بنات الأخوات ، وبنات الأخ ، لأن
اسم الأخ لا يتناول ابن الأخ مجازا ولا حقيقة.
واعلم أن الله
تعالى وضع هذا التحريم على ترتيب عجيب ، فحرم أولا أصول الإنسان عليه وفصوله ،
وفصول أصوله الأولى بلا نهاية ، وحرم فصول فصوله بلا نهاية ، وحرم أول فصول كل أصل
ليس قبله أصل إلى غير نهاية ، وهو أولاد الإخوة والأخوات ، وحرم أول فصل من كل أصل
قبله أصل آخر بينه وبين الناكح ، وهو أولاد الجد وأبو
__________________
الجد ، فإن
التحريم مقصور ، وابنة الخال ، على أول فصل ، فابنة العم ، وابنة العمة ، وابنة
الخالة حلال ، ثم قال : و (أُمَّهاتُكُمُ
اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ).
فحرم من الرضاع ما
حرم من النسب ، غير أن في الرضاع لم يذكر بنات الأخ والعمات والخالات من الرضاعة ،
ودل على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
وقال تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ).
وقد حرم الله
تعالى الأم من الرضاعة ، من غير تعرض لما به يحصل الرضاع من مقدار الرضاع ومدته ، فالتعلق بهذه الآية في إثبات
التحريم بالرضعة الواحدة تعلق بالعموم ، الذي سيق لغرض آخر غير غرض التعميم ، إلا
أن صيغة العموم وقعت صلة في الكلام زائدة ، ليتوصل بها إلى غرض آخر يستنكره في
سياقته ، للتعريج على ذكر تفصيل ما يتعلق به حرمة الرضاع ، وفي مثله يقول الشافعي
رضي الله عنه.
الكلام يجمل في
غير مقصوده ويفصل في مقصوده.
وفي الأصوليين من
يخالف ذلك.
وقد شرحنا ذلك في
تصانيفنا في الأصول ، واليد العليا لمن يذب عن مذهب الشافعي رضي الله عنه في ذلك ،
وهو منع الاستدلال بهذا الجنس من العموم.
وذكر الرازي في
هذا المقام ، أن أخبار آحاد النصوص لا يجوز أن
__________________
يخصص بها هذا
العموم ، فضلا عن منع التعلق به ، وفيما قدمناه ما يبين فساد قوله.
واختلف الناس في
لبن الفحل ، وهو أن يتزوج المرأة فتلد منه ولدا ويدر لها لبنا بعد ولادتها منه ،
فترضع منه صبيا.
فأكثر العلماء على
أن لبن هذا الفحل ، يحرم هذا الصبي على أولاد الرجل ، وإن كانوا من غيرها ، ومن لا
يعتبر لا يوجب تحريما بينه وبين أولاده من غيرها.
فمن قال بلبن
الفحل ابن عباس.
وقال ابن سيرين :
كرهه قوم ، ولم ير به قوم بأسا ، ومن كرهه كان أفقه.
وهو قول القاسم بن
محمد ، وعليه الفقهاء المعتبرون مثل الشافعي ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ،
والليث ، وأبي حنيفة وأصحابه جميعا.
وخالف سعيد بن
المسيب ، وإبراهيم النخعي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقالوا : لبن الفحل لا يحرم
شيئا من قبل الرجل.
وقوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ) ، يدل على أن الفحل أب ، لأن اللبن منسوب اليه ، فإنه در
بسبب ولده وهذا ضعيف ، فإن الولد خلق من ماء الرجل والمرأة جميعا ، واللبن من
المرأة ولم يخرج من الرجل ، وما كان من الرجل إلا وطء هو سبب لنزول الماء منه ،
وإذا حصل الولد ، خلق الله للبن ، من غير أن يكون اللبن مضافا إلى
__________________
الرجل بوجه ما ،
ولذلك لم يكن للرجل حق في اللبن ، وإنما اللبن لها فلا يمكن أخذ ذلك من القياس على
الماء.
وقول رسول الله
صلّى الله عليه وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، يقتضي التحريم من
الرضاع ، ولا يظهر وجه نسبة الرضاع إلى الرجل ، مثل ظهور نسبة الماء اليه ،
والرضاع منها ، لا جرم الأصل فيه حديث الزهري وهشام ابن عروة عن عروة عن عائشة رضي
الله عنها ، أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة ، بعد
أن نزل الحجاب ، قالت : فأبيت أن آذن له ، فلما جاء النبي صلّى الله عليه وسلم
أخبرته ، فقال : ليلج عليك ، فإنه عمك تربت يمينك ، وقال : أبو القعيس زوج المرأة
التي أرضعت عائشة رضي الله عنها .. وهذا أيضا خبر واحد .
ويحتمل أن يكون
أفلح مع أبي بكر رضيعي لبان ، فلذلك قال : «ليلج عليك فإنه عمك» ، وإلا فلم يثبت
أنه كان الرضاع قبل التزوج أو بعده ، أو كانت امرأة أبي قعيس ولدت منه ، فإن قدرت
هذه الأمور ، فيجوز أن يقدر به ما قال المخالف.
وبالجملة ، القول
فيه مشكل والعلم عند الله تعالى ، ولكن العمل عليه والاحتياط في التحريم أولى ، مع
أن قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ) ، يقوي قول المخالف فاعلمه.
قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ
اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) الآية (٢٣) :
__________________
اعلم أن السلف
اختلفوا في اشتراط الدخول في أمهات النساء.
فروي عن عليّ
اشتراط ذلك ، مثل ما في الربائب ، وروي عن جابر مثل ذلك ، وهو قول مجاهد وابن
الزبير.
وأكثر العلماء على
خلاف ذلك في الفرق بين الربائب وأمهات النساء.
فأما من جمع
بينهما يقول :
الشرط إذا تعقب
جملا رجع على الجميع ، كالشرط والاستثناء بالمشيئة ، وذلك ما قررناه في الأصول ،
وأصحاب الشافعي وأبي حنيفة يسلمون الشرط والاستثناء بالمشيئة ، ورجوعهما إلى
الجميع ، فوجب عليهما أن يفرقوا بينهما على كل حال.
فكان الفرق أن
قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) ، ثم قال : (مِنْ نِسائِكُمُ
اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ، فنعت الربائب بنعت لا يتقرر ذلك النعت في أمهات النساء ،
ثم ذكر إضافة ، فالظاهر أن الإضافة وهي قوله : (مِنْ نِسائِكُمُ) لصاحبة الصفة ، وكانت كالصفة الثانية ، فلم يظهر رد النعت
الثاني إلى أمهات الثاني ، وقبله وصف لا يتصور فيهن ، بل الثاني يتبع الأول.
ولو قال ظاهرا : «وأمهات
نسائكم اللاتي دخلتم بهن» ، أو هم أن أمهات النساء من النساء ، وذلك وصف للربائب ،
لا وصف أمهات النساء ، فتقرير اللفظ بنات نسائكم اللاتي دخلتم بهن.
والمخالف يقول :
بل تقديره من حيث العطف : «وأمهات نسائكم وبنات نسائكم» وذلك يقتضي الجمع ، فكأنه
قال :
«وأمهاتهن وبناتهن»
، فانصرف الثاني إلى ما انصرف الأول اليه ،
فتقديره : وأمهات
نسائكم ، وبنات نسائكم اللاتي في حجوركم ، ونساؤكم ممن قد دخلتم بهن.
ويجاب عنه بأن
الأسماء المتحدث عنها المذكورة ، هي التي يصرف النعت إليها دون الأسماء المضاف
إليها ، إلا أن يتبين أن النعوت للأسماء المضاف إليها بنص ، أو بضرب من الدليل
يقوم مقامه ، فإنك إذا قلت : لعلي بن محمد بن أبي الحسن عليّ ألف درهم ، تكون
الكنية لعلي دون محمد ، وتقول زيد بن عبد الله الفقيه قال : ظاهر أن الفقيه هو
الاسم المتحدث عنه.
فحاصل القول ، أن
الحكم إنما ورد في أمهات النساء وفي الربائب ، وكانت الإضافة من النساء اللاتي
دخلتم بهن لا تليق بأمهات النساء ، وهي تليق بالربائب ، جعل الشرط فيه فيهن ، وقام
مقام النعت ، وكان جعل ذلك للنساء اللاتي أضيف الأمهات إليهن ، إذ الأمهات
والربائب جميعا دون الربائب ليس بمنصوص ، ولم يجر فيه ما وصفتم من قولكم : وبنات
نسائكم ونسائكم ممن قد دخلتم بهن ، فإن ذلك بإضمار أمور يخرج بها اللفظ عن ظاهره.
وبالجملة لو جعل
قوله : (وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) تمام الكلام ، ويجعل (مِنْ نِسائِكُمُ
اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) ، فيخرج الربائب اللاتي قد أجمعوا عليها من اللبن ، فيكون تقديره : «وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن».
__________________
ولا شك أن كلام
المخالف ليس ينقطع بذلك ، إلا أنه يقال :
ساق الله تعالى
محرمات عدة مبهمة ، وليس فيها تقييد ، وجعل في آخرها تقييدا ، فالأصل اتباع العموم
وترك المشكوك فيه ، والاحتياط للتحريم يقتضي ذلك فاعلمه.
وفي الناس من خص
التحريم بالتي توصف بكونها ربيبة ، وقال :
إذا لم تكن في حجر
الزوج ، وكانت في بلد آخر ، وفارق الأم بعد الدخول ، فله أن يتزوج بها ، وهذا قول
علي رضي الله عنه ، على ما يرويه عنه مالك بن أوس ، فإن صح هذا عنه فيقال :
يجوز أن يكون الله
تعالى قد أجرى ذلك على الغالب ، من غير أن تكون هذه الصفة شرطا في التحريم ، إلا
أن عليا يقول : فإن كان كذلك وثبت ، فلم اعتبرتم هذا الوصف في قطع الشرط المذكور
بعده عن الأول ، وإنما قطعتموه بتخلل هذا الوصف في قطع الربائب ، وفيه إبانة اتصال
الوصف الثاني بالأول.
وأعلم أن قول الله
تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ) لم يستوعب المحرمات بالنسب والرضاع جميعا ، فإنا بينا أن
الآية ما تناولت
__________________
الجدات من قبل
الأم والأب حقيقة ، ولا خالات الأب والجد وعماتهم ، ولا خالات الأم وعماتهن .
وفي الرضاع لم
يذكر بنات الأخ ، وبنات الأخت ، والخالات والعمات من الرضاعة ، وكل ذلك مفوض إلى
بيان رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
ولا يقال ذكر من
ذكر ، والسكوت عما سكت عنه لوجه صحيح ، بل هو على ما شاء الله وأراده ، لمصلحة خفية
لم يطلع عليها ، تولى بيان البعض وسكت عن البعض :
وإذا ثبت ذلك
فقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ) الآية يقتضي تحريمهن مطلقا بملك اليمين وذلك النكاح ، فإن
الله تعالى أبان تحريم الاستمتاع ، وحرم النكاح ، لأنه طريق إلى الاستمتاع ، وإذا
ثبت ذلك وتقرر فقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ) إلى قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا
بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) ، يقتضي تحريم الاستمتاع ، إلا أن تحريم الاستمتاع بمنع
النكاح ولا يمنع ملك اليمين ، فنتيجته تحريم وطء المذكورين بملك اليمين ، الذين لا
يعتقون بالشراء.
واعلم أنه لا خلاف
في تحريم وطء الأمهات ، والأخوات من النسب ، والرضاع بملك اليمين ، وأن السبع
اللواتي حرمن بالنسب ، واللواتي حرمن بالنسب والصهر ، حرم وطؤهن في ملك اليمين ،
ولا خلاف في تحريم الجمع بين وطء الأم والبنت بملك اليمين ، وإذا دخل بالأم ، حرمت
البنت أبدا بملك اليمين ، وحليلة الأب والابن محرمتان يملك اليمين.
__________________
وإذا ثبت ذلك
وتقرر فالله تعالى يقول :
(وَحَلائِلُ
أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ)(أَصْلابِكُمْ).
وإنما أنزلت الآية
على ما قاله عطاء بن أبي رباح في النبي صلّى الله عليه وسلم تزوج امرأة زيد فنزلت
:
(وَما جَعَلَ
أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ).
و (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ
رِجالِكُمْ) وكان يقال له : زيد بن محمد.
وسميت زوجة
الإنسان حليلته ، لأنها تحل معه في فراش واحد.
وقيل : لأنه يحل
منها الجماع بعقد النكاح.
والأمة ، وإن
استباح فرجها بالملك ، لا تسمى حليلة ، ولا تحرم على الأب ما لم يطأها ، وعقد نكاح
الابن عليها يحرمها على أبيه تحريما مؤبدا.
وإذا تعلق التحريم
باسم الحليلة ، اقتضى ذلك تحريمهن بالعقد دون شرط الوطء ، فشرط الوطء زيادة ، لا
يفتضيها اللفظ ، وإذا ثبت ذلك فموطوءة الأب بملك اليمين أو بالشبهة ، لا تسمى
حليلة من حيث الإطلاق ، ولكن اقتضى الإجماع إلحاقها بها.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ).
__________________
نفي للأدعياء ،
ولكنه لا ينفي الرضاع ، والتحريم به ثابت ، وليس الإسم بحقيقته متناولا للوطء بملك
اليمين ، وهو بحقيقته متناول لنفس النكاح ، فإن اسم الحليلة حقيقة في نفس ملك
النكاح.
وقوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ).
معناه تحريم الجمع
على الوجه الذي حرم الأفراد من المحرمات ، وفي الذي تقدم حرم الاستمتاع.
فتقدير الكلام :
ولا تجمعوا بين الأختين في الوطء ، وذلك يعم الوطء في النكاح وملك اليمين ، إلا أن
ذلك في النكاح يمنع أصل النكاح ، ولا يمنع ملك اليمين ، فإذا ثبت ذلك وتقرر ، نشأ
منه أن الجمع بين الأختين في النكاح لا يجوز ، ونشأ منه تحريم وطء الأختين بملك
اليمين.
وفي هذا على
الخصوص نقل خلاف عن السلف ، ثم زال الاختلاف.
وإذا تبين أن
المنصوص على تحريمه جمع مضاف اليه ، حتى يقال هو الذي يمسكهما ويطؤهما ، فإذا زال
النكاح ، زال هذا المعنى من كل وجه ، ولم يكن إمساك المعتدة مضافا اليه ، فيقتضي
هذا أن لا يكون النهي عن الجمع متنا ، ولا من نكح الأخت في عدة الأخت ، وإذا تبين
ذلك ، بقيت على مقتضى قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ) وهذا بين حسن ، فكان الأصل الإباحة ، ثم طرأ مانع. زال
المانع فرجع إلى الأصل.
قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ).
__________________
يحتمل أن يكون
معناه معنى قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) في قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما
نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، ويحتمل معنى زائدا ، وهو جواز ما سلف ، وأنه إذا جرى
الجمع في الجاهلية ، كان النكاح صحيحا ، وإذا جرى في الإسلام ، خير بين الأختين ،
على ما قاله الشافعي رضي الله عنه ، من غير إجراء عقود الكفار ، على موجب الإسلام
ومقتضى الشرع ، فهذا تحقيق القول في محتملات هذا اللفظ ، فلا جرم ، قال الشافعي
رضي الله عنه :
إذا أسلم الكافر
عن أختين ، خير بينهما ، سواء جمعهما في عقد واحد أو في عقدين.
وأبو حنيفة يبطل
نكاحهما إن جمع في عقد واحد ، وتعين الأولى إن فرق.
والشافعي لما رأى
قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ
سَلَفَ) غير نص في مقصوده ، أراد أن يستدل بالنص ، فاستدل بحديث
فيروز الديلمي والحارث ابن قيس .
والعجب أن الرازي قال في أحكام القرآن :
لما لم يجز أن
يبتدئ المسلم عقدا على أختين ، لم يجز أن يبقى له عقد على الأختين ، وإن لم يكونا
أختين في حال العقد ، كما إذا تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأة واحدة ، واستوى حكم
الابتداء والانتهاء.
ونقلنا هذا الكلام
بلفظه ، وذكر بعده كلمات يسيرة ، ثم نقل
__________________
احتجاج الشافعي
رضي الله عنه ، بحديث فيروز الديلمي ، والحارث بن قيس وقال :
يحتمل أن يكون
العقد قد كان قبل نزول التحريم ، فكان صحيحا إلى أن طرأ التحريم ، فلزمه اختيار
أربع منهن ومفارقة سائرهن ، كرجل له امرأتان ، فطلق إحداهما ثلاثا ، فيقال له :
اختر أيتهما شئت ، لأن العقد كان صحيحا إلى أن طرأ التحريم.
ووجه على نفسه
سؤالا فقال :
إن قال قائل : لو
كان ذلك يختلف ، لسأله النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك.
فأجاب بأن قال :
قيل له :
يجوز أن يكون
النبي صلّى الله عليه وسلم قد علم ذلك ، فاكتفى بعلمه عن مسألته.
نقلنا هذا الفصل
بلفظه ، متعجبين من جهله بسياقه بكلاميه ، وأنه كيف تناقض أول كلامه وآخره مع تفاوت ما بين الأول
والآخر ، وفي النوع الواحد من الكلام.
كيف لم يتصور عين
التناقض ، وذكر في التأويل أنه يحتمل أن يكون العقد كان قبل نزول التحريم ، فكان
صحيحا إلى أن طرأ عليه التحريم؟ فلم يجعل طريان التحريم مانعا اختيار الأربع ، لأن
العقد في الأول كان صحيحا على الجميع ، ثم قال قبله كلمات : لما لم يجز أن يبتدئ
المسلم عقدا على أختين ، لم يجز أن يبقى له عقد على أختين ، وإن لم يكونا أختين في
حالة العقد ، كرجل تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأة واحدة.
__________________
فليت شعري ، نكاح
الرضيعتين في الأول كان صحيحا حتى بطل الجميع بطريان الرضاع ، أم نكاح فيروز
الديلمي لما كان صحيحا في الأول ، لم يبطل بما طرأ من الإسلام ، وكيف يتصور الجمع
بينهما؟ وكيف يتم له هذا القياس ، وقد جعل الطارئ من التحريم كالمقارن بدليل
الرضاع ..؟
وتأويل خبر
الديلمي ينقض هذا القياس ، فإن النكاح لما كان صحيحا عنده لم ينقض ، وفي الرضاع
كان صحيحا ونقض.
وكيف يتصدى
للتصنيف في الدين من هذا مبلغ علمه ومقدار فهمه ، فيرسل الكلام إرسالا من غير أن
يتحقق ما يقول ، ويحصل على نفسه ما يورده ، ثم يتعرض للطعن فيمن لو عمر عمر نوح ،
ما اهتدى إلى مبادئ نظره في الحقائق؟ فنسأل الله تعالى التوفيق ، ونسأله النجاة من
عمى البصيرة واتباع الهوى.
واعلم أن المنصوص
على تحريمه في كتاب الله تعالى ، هو الجمع بين الأختين ، وقد وردت آثار متواترة في
النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، رواه علي وابن عباس وابن عمر وأبو
موسى وجابر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعائشة ، وعليه الإجماع ، إلا ما نقل عن طائفة من الخوارج
، فإنهم زعموا أن قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ) ، لا يدفع بأخبار الآحاد ، وذلك متهم بناء على أن أخبار
الآحاد لا يخص بها عموم الكتاب.
والأخبار في تحريم
الجمع بين العمتين والخالتين ، إن كانت مقرونة في بيان رسول الله صلّى الله عليه
وسلم ببيان الآية ، فتخصيص ، وإن تقدم الخبر فقوله :
__________________
(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ) ، منزل على موجب الخصوص ، وإن تراخى فنسخ ، وللناس في نسخ
الكتاب بأخبار الآحاد كلام ، والصحيح جوازه.
ومع أن قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ، ليس نصا أصلا ، وإذا لم يثبت التاريخ ، فالمطلق منهم
محمول على المقيد ، على قول الشافعي رضي الله عنه ، وهو قول أكثر الأصوليين.
وعند قوم منهم
يتعارضان ، وهو قول كثير من المحققين ، والتعارض ها هنا سبب التحريم ، فإن تعارض
المبيح والمحرم يقتضي التحريم لا محالة.
قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ)(مِنَ النِّساءِ) (٣٤) :
الآية عطف على
المحرمات.
ثم قال : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
والمراد به أن
ذوات الأزواج محرمات على غير الأزواج.
قوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، في تأويل علي وابن عباس ، في رواية وابن عمر ، والآية في
ذوات الأزواج من النساء ، أبيح وطؤهن بملك اليمين ، وحصلت الفرقة بالسبي ، وورد
ذلك في سبايا أوطاس ، وكان لهن أزواج في المشركين ، فتحرج المسلمون من غشيانهن ،
وأنزل الله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، أي هن لكم .
__________________
وتأوله ابن مسعود
، وأبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وجابر وابن عباس في رواية عكرمة : أنه في جميع
ذوات الأزواج من السبايا وغيرهن ، وأنهن إذا ملكن حل وطؤهن ، وكانوا يقولون : بيع
السيد أمته المزوجة من أجنبي ، موجب للفرقة بينها وبين زوجها.
وظن هؤلاء أن
الآية عامة ، ولا نظر إلى خصوص النسب ، والصحيح أن ذلك مختص بالسبي الوارد على
نكاح غير محترم ، وأن تصرف الرجل في ملكه بالبيع ، لا يبطل حقا لغيره على وجه
اللزوم ، إذا لم يكن بين إثباتهما تناقض ، وليس نكاح المتزوج مانعا لملك اليمين ،
ولو كان مناقضا ، لم يجز ابتداء النكاح ، فهذا سبب الاختصاص.
وإنما رفع الله
نكاح الأزواج الحربيّين ، ليخلص الملك للمسلمين ، وإنما يخلص الملك بانقطاع حق
الزوج في المحل ، وإنما ينقطع حق الزوج بسقوط حرمته ، فهذا هو السبب وهو ظاهر.
وفيه سر آخر ، وهو
أن انقطاع نكاح الحربي لم يكن لإثبات الحل في حق السابي ، ولكنه لتصفية الملك له ،
ولذلك لو كانت المسبية أخته من الرضاعة ، أو كانت مجوسية ، انقطع النكاح ، فإنه لو
لم ينقطع ، لم يصف له الملك ، ولم تنقطع الرحمة والعلقة ، وكان الملك ناقصا ، ولذلك
تنقطع الإجارات والديون والعلق كلها ، فهذا هو السبب فيه.
وأبو حنيفة لا يرى
للسبي أثرا ، ويقول : انقطاع النكاح باختلاف الدار ، فإذا سبي الزوجان معا ، لم
ينقطع النكاح.
والذي ذكره بعيد
من أوجه :
منها : أن المنقول
في سبايا أو طاس أنهن كن ستة آلاف رجل وامرأة ، فكيف يمكن أن يقال لم يكن فيهم
امرأة معها زوجها ، وأنه امتد الأمر حتى اختلفت الدار؟
والوجه الثاني :
أن الله تعالى يقول : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، فأحال على ملك اليمين لا على اختلاف الدار ، وجعل ملك
اليمين هو المؤثر ، فيتعلق به من حيث العموم والتعليل جميعا ، إلا ما خصه الدليل.
وها هنا سؤال :
وهو أنه يقال : قال : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، فإن كان النكاح قد ارتفع فليست محصنة.
قيل : المقصود
بذلك رفع الحرج ، بسبب أنها ذات زوج ، وإبانة أنا لا نمسك بعصم الكوافر ، وعلق
الحربيين حتى لا يتحرج بذلك السبب ، فمعناه : واللواتي كن ذوات الأزواج إذا
سبيتموهن ، فحكمه كذا.
وتمام البيان في
ذلك ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، قال في رواية أبي سعيد الخدري في سبايا
أو طاس : «لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض» ، ولم يجعل
لفراش الزوج السابق أثرا ، حتى يقال إنّ المسبية مملوكة ، ولكنها كانت زوجة زال
نكاحها ، فتعتد عدة الإماء ، إلا ما نقل عن الحسن بن صالح ، فإنه قال :
عليها العدة
حيضتان إذا كان لها زوج في دار الحرب.
وكافة العلماء
رأوا استبراءها ، واستبراء التي لا زوج لها واحد في أن الجميع بحيضة .
فإذا ثبت ذلك ،
فذلك يدل على أنه عند السبي لم يعتبر عصمة الكافر وحرمته ، حتى لم يجب عقدة النكاح
أيضا ، من حيث أن إيجاب عدة
__________________
النكاح تعويق ينشأ
من عصمة الكافر وحرمته ، ولا حرمة الكافر حتى يتعوق بسببه حق المسلم في الملك.
ولو أن المرأة
هاجرت إلى دار الإسلام ، أو أسلمت وانفسخ النكاح ، فإنما يوجب عدة النكاح ، فدل أن
جواز الوطء المجرد للاستبراء لمكان زوال النكاح لملك اليمين ، لا باختلاف الدار ،
وهذا في غاية الظهور لأصحاب الشافعي رحمة الله عليهم وعليه.
قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) :
يحتمل ما وراء
ذوات المحارم من أقاربكم ، ويحتمل ما عدا المحرمات ، وهو الأظهر.
قوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ).
خطاب للأزواج كلهم
، فكأنه قال : تبتغون بأموالكم ، فمقتضاه ابتغاء كل واحد بمال نفسه.
وظن بعض الجهال أن
المراد بذلك ، أن كل واحد منهم يصدقها ما يسمى أموالا ، وظاهره يقتضي أكثر من
العشرة ، وحكاية هذا الكلام كافية في الرد على قائله ، كيف وقد قال تعالى :
(وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ)؟ وذلك يقتضي إيجاب نصف المفروض قليلا كان أو كثيرا.
قوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ).
يمنع كون عتق
الأمة صداقا لها ، خلافا لأحمد ، لدلالة الآية على
__________________
كون المهر مالا ،
وليس في العتق تسليم مال ، وإنما فيه إسقاط الملك من غير أن استحقت به تسليم مال
إليها ، فإن الذي كان يملكه المولى من عبده ، لم ينتقل إليها ، وإنما يسقط.
فإذا ، لم يسلم
الزوج إليها شيئا ، ولم تستحق عليه شيئا ، وإنما أتلف به ملكه فلم يكن مهرا ، وهذا
بين.
وقد جوز الشافعي
رضي الله عنه جعل منفعة الحر صداقا ، ولا خلاف في منفعة العبيد ، وإنما يجعل صداقا
، لأنها تستحق عليه تلك المنفعة وهي مال ، ووردت فيه أخبار وهي نصوص ، والشروع
فيها خروج عن معاني القرآن ، والذي ورد في الخبر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم
أعتق صفية ، وجعل عتقها صداقا ، لا يعارض استدلالنا بالقرآن ، لإمكان أنه كان مخصوصا
له ، فإن نكاحه جاز بلا مهر ، فليس يعارض ذلك استدلالنا بلفظ هو نص في حق الأمة.
وقال أيضا :
(وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
وذلك يدل على أن
العتق لا يكون صداقا من وجوه :
منها أنه قال
تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) ، وذلك أمر يقتضي الإيجاب ، وإعطاء العتق لا يصح.
والثاني قوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ، وذلك محال في العتق ، ومتصور في المنفعة.
قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) يحتمل وجهين :
__________________
أحدهما : الإحصان
بعقد النكاح ، فتقدير الكلام : اطلبوا منافع البضع بأموالكم على وجه النكاح ، لا
على وجه السفاح ، فيكون للآية على هذا الوجه عموم.
ويحتمل أن يقال :
محصنين أي الإحصان صفة لهن ، ومعناه لتزوجوهن على شرط الإحصان فيهن.
وقد قال الشافعي
رضي الله عنه : الإحصان مجمل يتردد بين معاني جمة ، فيفتقر إلى البيان.
والوجه الأول أولى
، لأنه متى أمكن جري الآية على عمومها والتعلق بمقتضاها فهو أولى ، ولأن مقتضى
الوجه الثاني أن المسافحات لا يحل التزوج بهن ، وذلك خلاف الإجماع.
ويدل عليه أيضا ،
أن الله تعالى ذكر نظيره في الإحصان في حق الإماء فقال :
(وَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ
أَخْدانٍ).
ثم قال : (فَإِذا أُحْصِنَّ) ، معناه فإذا تزوجن.
وقال : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ).
فتقدير الكلام على
هذا : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) غير زنا ، وهذا كلام ظاهر المعنى ، ومقتضاه : إطلاق لفظ
الإباحة ، على وجه التعميم ، وفيه إخبار عن كونها محصنة.
والإحصان في الأصل
هو المنع ، فقد يطلق على العقد ، لأن صاحبه
__________________
يمنع نفسه من
الحرام ، ويطلق على الإسلام.
قال الله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ) ، روي في بعض الأخبار : إذا أسلمن ، وإن كان له معنى آخر
ذكرناه.
وقال تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) : ذوات الأزواج ، وسميت محصنة لأن النكاح يحصنها من
السفاح.
وفي الخبر : من
تزوج فقد حصن ثلثي دينه .
وتقول الفقهاء :
الإحصان معتبر في الرجم.
ويقولون : هو
معتبر في حد القاذف ، وتختلف معانيهما والأحكام المعتبرة فيهما.
وسمي الزنا سفاحا
لأنه سفح الماء وهو صبه ، يقال : سفح دمه ، وسفح الجبل أسفله ، لأنه موضع مصب
الماء ، وسافح الرجل إذا زنى ، لأنه صب ماءه من غير أن يلحقه حكم مائه في ثبوت
النسب ، ووجوب العدة وسائر أحكام النكاح.
ويسمى الزاني
مسافحا ، لأنه ليس يتعلق به حكم ثابت مستمر ، وهو نسب أو عدة أو مهر ، ويفهم من
ذلك أن لا نسب ولا فراش ، ولأجل ذلك لم يثبت الشافعي رضي الله عنه التحريم والعتق
في المخلوقة من ماء الزنا ، واقتضى ذلك أيضا أن لا يثبت في حقها النسب ، لأنها
مسافحة ، كما أنه مسافح ، ولكن انفصال الولد منها محسوس ، فلا يمكن تضييع حق الولد
مع أن فيه خلافا لبعض أهل العلم ، أخذا بلفظ المسافحة ،
__________________
وتحقيق الفرق بين
جانبه وجانبها في النسب ، ذكرناه على الاستقصاء في مجموعاتنا في الخلاف.
قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً).
ذكر الله تعالى
ذلك بعد قوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوالِكُمْ) ، وذلك يقتضي بيان حكم الدخول في النكاح المذكور أولا ،
وأنه لا يجوز حط شيء ، وحبس قدر ما من المهر ، بأي سبب طارئ.
ولو لم يقدر ذلك ،
لم يفهم من قوله تعالى : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) معنى بوجه ما ، فإن الله تعالى أمر بابتغاء البضع بالأموال
قبل الاستمتاع ، فذكر الاستمتاع ينبغي أن يكون سببا لأمر ما ، وليس هو إلا تقدير
الصداق المذكور أولا ، حتى لا يتوهم سقوط شيء منه لعارض.
وظن ظانون أن هذه
الآية وردت في نكاح المتعة ، وأن المهر فيه يتعلق بالدخول لا بنفس العقد ولا ميراث
فيه.
ونقل عن ابن عباس
أنه تأول قوله : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) إلى أجل مسمى (فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ).
وروي عنه انه رجع
عن ذلك لأخبار كثيرة وردت في النهي عن متعة النساء ، وتحريم لحوم الحمر الأهلية ،
ومن رواة الحديث على.
وروي عن ابن عباس
أنه قال : نسخه قوله تعالى : (إِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ) ، وأشار به إلى أنه لا نكاح إلا له طلاق ، وإلا له عدة ،
وإلا فيه ميراث ، والله تعالى يقول :
__________________
(وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ).
والذي ذكره هؤلاء
في معنى قوله تعالى : (فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) الآية ، لا يحتمل ما ذكره هذا القائل الذي حمله على نكاح
المتعة ، فإن الأجر بمعنى المهر ، قال تعالى :
(وَلا جُناحَ
عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).
فلما ذكر النكاح
علم أنه أراد به الصداق.
وقال تعالى : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ).
فدل على أن محصنات
ومحصنين عنى به التزويج ، لأن محصنات ذكر مع النكاح ، لقوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ).
__________________
قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ).
معناه جواز
الإبراء عن بعض الصداق أو هبة بعضه ، وتقدير الكلام :
أن تبتغوا
بأموالكم محصنين ـ أي متزوجين ـ بهن ، فإذا استمتعتم بهن فآتوهن أجورهن ، ولا
تنقصوا شيئا ، وإن جرى فراق أو سبب ، إلا أن تكون قد حطت شيئا من الصداق ، فالحق
لها ، والمحطوط لا يجب توفيره عليها إذا استمتع.
واستدل قوم بذلك
على جواز الزيادة ، وذلك غلط ، فإن الآية ما وردت في موضع الزيادة ، فإنه لما قال
تعالى : (فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) ، اقتضى جواز إعطاء ما فرض لها أولا ، فقوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) يرجع إلى الرخصة في ترك الإيتاء ، بعد الأمر بالإيتاء في
غير موضع الرخصة ، وهذا بين لا شك فيه.
فإن قيل : فقد قال
تعالى : (فِيما تَراضَيْتُمْ) ، والإبراء لا يتوقف على تراضيهما.
الجواب : أن
الإبراء وإن كان على المذهب الصحيح ، لا يتوقف على تراضيهما ، فالهبة موقوفة على
ذلك ، والإبراء في أحد الوجهين لأصحابنا وإن لم يقف ، فالمعلوم العرف أن ذلك يجري
بتراضيهما ، والمقصود بقوله : (فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ) ، طيبة قلبها ، وأن لا ينقص من أجرها شيئا» والإبراء يصدر
منها.
وقال : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ، إلا إذا طابت نفسها ، وقد صرح بذلك في موضع آخر فقال : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ
نِحْلَةً فَإِنْ
طِبْنَ
لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
فهذا المشكل من
هذه الآية ، يعرف من المبين المحكم في الآية الأخرى.
ويدل عليه أن الله
تعالى يقول :
(وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ).
فجعل عند الطلاق
شطر المفروض ، وإذا تبين ذلك ، فهذا الذي زيد ، إن كان صداقا كان مفروضا ، فإذا
طلقها وقد فرض لها ، فيجب أن يشطر ذلك ، فإن الله حكم بتشطير نصف المفروض.
قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ
طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) الآية (٢٥) :
اعلم أن التعرض
لإحدى الصفتين المتضادتين ، والنزول عن كلام مطلق ، يدل قطعا على أن التقيد
المذكور مقصود ، لتعلق الحكم عليه ، وأنه لا يجوز إلغاؤه ، نعم قد يجوز أن يذكر
أحد الحالتين ، والمسكوت عنه أولى بالحكم المذكور من المنطوق به ، فيتعرض لإحدى
الحالتين تنبيها على ما هو أول بالحكم من المذكور ، ولو أطلق الحكم لأمكن استثناء
المذكور : بيانه أنه تعالى ، قال :
(وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) إلى قوله (إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ
خِطْأً كَبِيراً).
__________________
والقتل محرم عند
زوال هذه الحالة لأنه لو قال : «ولا تقتلوا أولادكم» مطلقا ، أو قال : «ولا تقتلوا
أولادكم حال غناكم ، لأمكن أن يتوهم جواز ذلك حالة الشقاق والإملاق ، لئلا يشقى
المولود له في تربيته فقال : (لا تقتلوهنّ (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) لعذر الإملاق ، (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ
وَإِيَّاكُمْ) ، فهذا يسمى التنبيه.
ومثله قوله تعالى
: (لا تَأْكُلُوا
الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) ، فحرم الربا ، وإن كان له فيه النفع الكثير ، فإذا لم
يجوز لغرض عظيم ، فتحريمه لما دونه أولى.
وقال : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ
لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) ، ليس أنه يتصور أن يقوم عليه برهان ، ولكن المشركين قالوا
لا نترك ديننا ودين آبائنا ، فذم التقليد واتباع السلف وترك البرهان والإعراض عن
الدليل.
ففي أمثال ذلك
يجوز تخصيص إحدى الحالتين ، تنبيها على ما هو الأولى بالحكم المذكور من الحالة
الأخرى.
أما ها هنا فإنما
تعرض لحالة الضرورة في جواز النكاح ، فلا يقال حال عدم الحاجة أولى بجواز نكاح
الأمة ، والأمة في هذا المعنى أوفى من الحرة ، فإذا تبين ذلك ، فذكر حالة الحاجة
تنبيه على جعل الحاجة علة الإباحة ، فإذا لم توجد الحاجة تحرم ، فإن الذي يفهم من
ثبوت الحاجة ، وأن ثبوته كان لأجلها ، يعلم انتفاؤه عند عدم الحاجة ، وهذا مقطوع
به.
وإنما ذكرنا هذه
الأمثلة ، وأجبنا عليها لأن الرازي لم ير لهذه
__________________
الآية دلالة على
ضد المذكور عند عدم الحاجة ، ورأى أن ذكر الحاجة في إباحة النكاح ، تنزل منزلة ذكر
الإملاق والحاجة في تحريم القتل ، ولم يجعل لهما مفهوما ، وقد غلط من وجهين :
أحدهما : أن كل ما استشهد به له مفهوم وفحوى ، ولكنه من قبيل
مفهوم الموافقة والتنبيه بالمذكور على مثله في غير المذكور ، والقسم الآخر مفهوم
المخالفة ، وهو التنبيه بالمذكور على خلافه الذي لم يذكر ، وهذان قسمان يعرفان
لمحال الخطاب ، ومواضع الكلام ، ومواقع العلل والمعاني.
والرازي ظن أن
الأدلة في القسمين على ما عدا المذكور ، فأبان من نفسه جهله بنوعي المفهوم وقال :
وبينا ذلك في أصول الفقه ، فظلم نفسه بالتصدي للتصنيف في الأصول ، قبل معرفة هذه
الأمور الجلية ، كما ظلم نفسه بالتصنيف في معاني القرآن وأحكامه ، قبل إحكام
معانيه.
فإذا ثبت ذلك ،
فيبقى ها هنا نظر ، وهو أنه إن قال قائل : قد وردت ألفاظ عامة في النكاح مثل قوله
تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) إلى قوله (أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ) ، وادعى هذا المحتج به أن معناه : أو نكاح ما ملكت أيمانكم
، وهذا غلط ، فإن معناه : (فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) ، لا يخشى فيه الجور ، أو ما ملكت
__________________
أيمانكم ، فإن
العدل في العدد فيه غير واجب أصلا ، بل يبقى لهم التعلق بالعموم.
وتعلق أيضا بقوله
: (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الْمُؤْمِناتِ ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ) وقوله : (وَأَنْكِحُوا
الْأَيامى مِنْكُمْ).
فزاد أن الاحتجاج
بالعموم يقاوم الاحتجاج بالمفهوم ، وهذا ركيك من القول ، فإن ما احتجوا به من
العمومات سيق للحرائر ، ودل عليه سياق الآيات : (وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً).
وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ، عنى به الحرائر ، فإنه تعالى قال بعده بكلمات وتخلل فاصل
:
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ
الْمُؤْمِناتِ).
فدل أن المراد
بالمحصنة في الآية الحرة ، فإن الإحصان يطلق بمعنى الإسلام ، ولا يحتمل ها هنا مع
قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الْمُؤْمِناتِ) ، مع قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
فذكروا أن المراد
به التزويج ، ولا يحتمل ها هنا ، فإن المحصنات من
__________________
النساء يعني
المتزوجات في أقسام المحرمات ، فإذا بطل ذلك ، فلا يحتمل إلا معنى الحرة.
وقد أجمع المفسرون
هنا على أن المراد بالمحصنات ها هنا الحرائر ، ودل السياق عليه في ذكر نكاح الأمة ، نعم قال تعالى :
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) ولم يقل : «واللواتي أوتين الكتاب من قبلكم» ، فوقع الشرط
في المؤمنات دون الكتابيات ، فلا جرم ، قال قائلون من أصحابنا : لو قدر على نكاح
الكتابية دون نكاح المسلمة ، فجائز له نكاح الأمة.
ويلزم عليه على
مذهب الشافعي رضي الله عنه جواز إدخال الأمة على الحرة الكتابية.
وفيه خلل من وجه
آخر ، وهو استواء نكاح الكتابية والمسلمة في الأحكام كلها ، وإذا كانت القدرة على
نكاح المسلمة مانعة نكاح الأمة ، فإذا لم يمتنع نكاح الأمة بالقدرة على نكاح الحرة
الكتابية ، فالقدرة على نكاح المسلمة كذلك ، فإن القدرة على مثل الشيء كالقدرة على
الشيء.
وفيه أيضا بطلان
فهم معنى ارقاق الولد ، وأن ذلك مانع ، وأن هذا موجود في نكاح الحرة الكتابية ، فهذا تمام هذا
النوع.
والأصح أنه لا فرق
بينهما ، وأن القدرة على مثل الشيء كالقدرة على الشيء.
الوجه الآخر في
الجواب : أن هذه العمومات ما قصد بها تفصيل
__________________
شرائط النكاح ، من
الشهادة والولاية ، والخلو عن العدة ، وإنما قصد بها الندب إلى أصل النكاح ، فأما
الشرائط فلا ذكر لها ، والذي يطلق القول العام ، لا يخطر له الشرط في نكاح الأمة.
فأما إذا قال : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ) الآية. مع قوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ
الْعَنَتَ مِنْكُمْ) ، فلا بد وأن يكون قاصدا إبانة شرط ، ولم يقصد به نزولا عن
كلام عام ، وإبانة وجه خاص ، كان قوله هجرا ركيكا ، فقصد التفرقة بين الحالتين
ضروري في هذا الكلام ، والتعرض للشرائط لا يظهر في العمومات التي ذكروها.
فليفهم الفاهم هذا
، فإنه مقطوع به ، ولا يهتدي إليه إلا الموفقون المتعمقون في العلم.
ومما يعارضون به
ما قلناه ، أنه تعالى قال : (وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ... قالوا :
وذلك يجوز نكاح
الأمة مع القدرة على مهر المشركة ، والقادر على مهر المشركة ، قادر على مثله في حق
المسلمة ، وهذا ركيك جدا.
فإن المراد به :
أنهم كانوا لا يعافون عن نكاح المشركات ، ويعافون من نكاح الإماء خيفة إرقاق الولد
، فأبان الله تعالى أن الأمة مع إفضاء نكاحها إلى رق الولد ، خير من المشركة التي
لا يجوز نكاحها قط ، والأمة يجوز نكاحها في بعض الأحوال ، فهذا تمام الرد على
هؤلاء في محاولة المعارضة.
وحكى القاضي إسماعيل
بن إسحاق المالكي عن السلف مذاهبهم في هذه الآية وفق مذهبنا ثم قال :
__________________
وحكي عن أبي حنيفة
وأصحابه أنهم قالوا : لا بأس أن يتزوج الحر المسلم الأمة ، مع وجود الطول إلى حرة
، من غير خشية العنت ، ثم قال :
هذا قول تجاوز
فساده فساد ما يحتمل التأويل ، لأنه لا محظور في كتاب الله تعالى إلا على الجهة
التي أبيحت ، ثم وجّه على نفسه سؤالا فقال :
يمكن أن يقول ذلك
على الاختيار لا على التحريم.
فأجاب أنه قد بين
موضع الاختيار لهم من موضع الحظر بقوله تعالى : (وَأَنْ تَصْبِرُوا
خَيْرٌ لَكُمْ) ، فكان هذا موضع الاختيار ، ولو كان الأول على الاختيار
لهم لم يحتاجوا إلى اختيار ثان ، فحيث جاز ، وهو عند خوف العنت ذكر موضع الاختيار
، فعند عدم الخوف ، يستحيل أن يبقى الأمر على ذلك الاختيار.
والذي ذكره كلام
صحيح.
وحكى الرازي هذا
من كلامه أول كلامه ، في أنه لا يحتمل التأويل ثم قال :
وقد اختلف السلف
فيه ولو كان فيه نص ما اختلفوا ، نقل عن علي مثل ذلك ، ولم يثبت ذلك الذي صح.
ونقل إسماعيل القاضي عن علي أنه قال :
__________________
لا ينبغي للحر أن
يتزوج الأمة وهو يجد طولا ينكح به الحرة ، فإن فعل فرق بينهما وعزر .
وعن ابن عباس أنه
قال :
من ملك ثلاثمائة
درهم وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الأمة.
ثم الاحتجاج بالنص
على وجهين :
منه ما يستوي في
درك معناه الخاص والعام ، ويعلم ذلك بأوائل الأفهام ، فهذا لا يختلف فيه ، وما لا
يعلم إلا بالارتياء والبحث ، فهذا يجوز أن يختلف فيه ، وما نحن فيه من هذا القبيل
، فإذا ثبت ذلك.
ثم حكي عن داود
الأصبهاني في حق إسماعيل شيئا ، وذكر ما يدل على تهجينهما وسوء اعتقاده فيهما ،
وليس ذلك ببعيد منه ، فإنه كان مكفرهما ، لمخالفتهما له في الاعتزال ومذهب أهل
البدعة والقدر ، وقد شحن كتابه المصنف في أحكام القرآن بالرد على أهل السنة ،
وتسميتهم مرجئة ومجبرة ، ويتجمل بالاعتزال ويتظاهر به ، عليه وعليهم ما يستحقون.
وذكر وجها آخر
فقال : إن خوف العنت وعدم الطول ليسا بضرورة ، لأن الضرورة ما يخاف فيها فساد
النفس أو فساد عضو ، وليس في عدم الطول ذلك ، ولذلك لم يجز هذا العذر نكاح الأمة
الكتابية عند الشافعي رضي الله عنه ، ولا نكاح المشركة بالاتفاق ، فإذا ثبت ذلك ،
استوى وجود هذا العذر وعدمه.
وهذا يدل على جهله
بأوضاع الأصول وقواعد الأحكام ، فإن الذي
__________________
جوز لمكان الحاجة
، ينقسم أقساما ويترتب على أبحاث مختلفة.
فمنها ما يعتبر
فيه غاية الحاجة.
ومنها ما يعتبر
فيه دون ذلك ، كالتيمم عند عدم الماء.
ومنها ما يعتبر
فيه مظنة الحاجة لا صورتها.
ومنها ما يعتبر
فيه ضرر ظاهر ، وإن لم يفض إلى هلاك نفس أو فساد عضو ، كالقيام في الصلاة ،
والصيام في المرض ، والجمع بين الصلاتين ، فيجوز أن يجعل خوف العنت داخلا في أقسام
الحاجات ، وإن كان الأمر في الكتابية الأمة والمجوسية أعظم من ذلك ، فلا يحل بهذا
النسب.
ثم مراتب تلك
الحاجات مختلفة تعلم بالأدلة الشرعية ، فليس فيما ذكره ما يرفع التعلق بالعموم من
هذه الآية.
وحكى عن أبي يوسف
القاضي أنه قال :
تأويل الآية : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ
طَوْلاً) ، لعدم الحرة في ملكه ، وقال : وجود الطول هو كون الحرة
تحته.
فلزمه على هذا ،
أن من ليس عنده حرة ، فهو غير مستطيع للطول إليها ، فالطول عنده هو وطء الحرة.
وهذا التأويل في
غاية الضعف فإنه لما قال : (وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ) ، فيقتضي أن يكون غير مستطيع أمرا ، والذي لا حرة تحته ،
قادر على نكاح الحرة ووطئها إذا نكح.
فإن قال : هو عاجز
في الحال قبل النكاح ، فلا يخفى أن في مثل ذلك لا يقال هو غير مستطيع للوطء ،
وإنما الطول الفضل والغنى ، قال الله تعالى :
(اسْتَأْذَنَكَ
أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ).
وعلى أن الذي
الحرة عنده لا ينكح الأمة .
وإن كان عاجزا عن
وطئها كالغائبة والصغيرة والرتقاء ، فلا حاصل لهذا التأويل بوجه ، فكيف يتوهم ذلك
وقد قال تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ
الْعَنَتَ مِنْكُمْ).
والقادر على نكاح
الحرة ، كيف يخشى العنت إذا عشقها وصار مفتتنا بها؟ فيقال في الجواب عنه :
فإن عندك لا يعتبر
الخوف من هذا الوجه ، فلا وجه لاعتباره.
نعم ها هنا دقيقة
، وهي : أن الحرة إذا كانت في نكاح الحر عندنا ، فلا تحل له الأمة ، سواء خاف
العنت أو لم يخف ، وسواء قدر على الحرة أم لم يقدر ، كغيبتها أو رتقها ، فليس يحرم
نكاح الأمة ها هنا لوجود الطول ، أو لأمن العنت ، بل لعين نكاح الحرة.
وكان الشافعي رضي
الله عنه يقول : الظاهر من وجود النكاح الطول والأمن ، فلا مبالاة بنكاح نادر لا
يفضي إلى ذلك ، بل يحسم الباب.
نعم الغيبة عن
ماله جعلت عدما شرعا في أصل آخر ، وهو جواز أخذ الصدقة ، فيلقى ذلك من ذلك الأصل ،
فلم يمكن اعتبار غيبة المال بالنادر الذي لا ينظر إليه.
وها هنا مذهب
لمالك وهو أنه يقول : إذا كانت الحرة معه وهو غير
__________________
واجد للطول في حق
أخرى ، ويخشى لعشقه أن يزني بالأمة ، فله التزوج بالأمة والحرة في حيازته.
فقيل لهم : فإذا
قلتم مع وجود الحرة يتزوج بالأمة ، فقدرته على طول أخرى لا يزيد على هذه الحرة ،
فوجود هذه الحرة إذا لم يمنع ، فالقدرة على مثلها في الابتداء لم يمنع ، وكيف
ينتظم ذلك وأبو حنيفة لما قال : وجود الحرة يمنع والقدرة لا تمنع ، كان ذلك أمثل
من قول مالك في هذا.
وقد حكى ابن وهب
عن مالك ، أنه لا بأس أن يتزوج الرجل الأمة على الحرة ، والحرة على الأمة ، والحرة
بالخيار .
وقال ابن القاسم
في الأمة تنكح على الحرة ، أرى أن يفرق بينهما ، ثم رجع فقال :
تخير الحرة إن
شاءت أقامت وإن شاءت فارقت.
فوجه إسماعيل
المالكي على نفسه هذا السؤال ، وأراد أن يفصل بين حرة موجودة معه ، وبين القدرة
على حرة ، فإن الوجود لا يمنع ، والقدرة تمنع فقال :
إن الذي عنده حرة
قد تزوجها ، فليس له بعد الامتحان أنه يخاف العنف ، وإن عشق الجارية لا يندفع
بنكاح الحرة ، والذي يريد أن يتزوج وهو يجد الطول فهو شاك ، فلعله إذا تزوج حرة
زال خوف العنت وأنس بها ، فنحن اعتبرنا عدم الطول عند خوف العنت ، فما لم يقع
الأمن ، فهو شاك لا يدري أيخاف أم لا ، فإذا وقع وهو متيقن أنه قد خاف ، فهو
الموضع الذي قد أبيح؟
__________________
وهذا في غاية
الركاكة ، وحاصله أن القدرة مانعة للنكاح الذي اعتبرت مانعة لأجله ، وإن نكح حرة
وهو قادر فلا ينكح ، وإن نكح حرة وخرج عن كونه قادرا فله نكاح الأمة ، وجعل القدرة
مانعة ، من غير أن يكون المنع لأجل المقدور عليه وهو النكاح ، وهذا في غاية البعد.
قوله تعالى : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ).
يدل على اعتبار
الإيمان على الوجه الذي تقدم ذكره في أول الآية ، وكيفية الاستدلال بها.
ومن الجهالات
العظيمة قول الرازي : إن قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، يتناول الإماء والكتابيات ، مع أنه تعالى ذكر ذلك ثم قال
: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ).
فأبان أن إطلاق
المحصنة ما تناول الأمة المؤمنة ، أفتراها متناولة للكافرة؟ وذلك في غاية الركاكة.
__________________
نعم ها هنا شيء ،
وهو أنه إن قال قائل : قد أبان الله تعالى أقسام المحرمات بالرضاع وبالنسب ثم قال
: (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ) : فأشبه أن يكون ما بعده تعرض لبيان ما يكره من الأنكحة
وما لا يكره ، مع الإجزاء ، ليكون كتاب الله تعالى مستوعبا للقسمين ، فأبان بعد
قوله :
(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ).
وقال بعده :
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) لإبانة المكروه من النكاح.
ولذلك قال :
(مُحْصَناتٍ غَيْرَ
مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ).
وقال : (الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ).
ولو نكح غير مؤمنة
يجوز ، لأن القصد بيان المكروه لا بيان المحرم.
والجواب عنه ، أن
المقصود بالأول بيان حكم المحرمات اللواتي لا تحل بحال ، وذكر بعده ما يجوز أن
يباح في بعض الأحوال ، وذكر بعده ما يحرم لفقد شرط في العقد ، لا لتحريم في المحل
، فلم يقل المحل محرم ، ولكنه أبان عن شرط العقد.
ودل على بطلان هذا
التأويل قوله تعالى :
(وَأَنْ تَصْبِرُوا
خَيْرٌ لَكُمْ).
ودل عليه أيضا
قوله :
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، مع أن نكاحها مكروه ، فهذا يدل على بطلان التأويل قطعا.
إذا تمهد هذا
الأصل ، فيبقى بعده النظر في أن الشافعي رضي الله عنه يجوز للعبد نكاح الأمة مع
الحرة ، وقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) ، عام في الجميع.
فقال الشافعي رضي
الله عنه : لا طول للعبد .
فقيل له ، إذا
كانت الحرة تحته فهو مستطيع؟
فقال : النكاح لا
يسمى طولا ، فإنما جعلنا نكاح الحرة في حق الحرة مانعا لا بحكم الآية ، لا سيما ومساق الآية يدل على الاختصاص ، فإنه تعالى قال
: (فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) فاعتبر إذن أهلهن ولم يتعرض لإذن المولى في حق المتزوج ،
فدل أن الآية للأحرار.
فكأنا نتعلق
بالعموم في قوله : (وَأَنْكِحُوا
الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) الآية. إلا فيما استثنى ، والاستثناء بالشرط وقع في حق
الحرة ، فبقي العبد على الأصل في العموم ، وهذا واضح فاعلمه.
ولما لم يكن اللفظ
متناولا لنكاح الأمة عند إدخال الحرة على الأمة ، لا جرم قال الشافعي رضي الله عنه
:
إن الله تعالى جوز
نكاح الأمة لخوف العنت ، ولم يكن هذا الخوف
__________________
نسخا محرما من
الابضاع في شيء من أصول الشرع ، فكان هذا خاصا في هذا الحكم ، فلم يكن لنا أن
نتوسع في الاعتبار ، فإذا صار هذا المعنى مانعا ابتداء النكاح ، فلا يمكن أن يجعل
على خصوصه ، وخروجه عن أصول الشرع ، قاطعا دوام النكاح الذي هو أثبت من الابتداء ،
بل يقتصر على ما ورد ، ولا يتعدى ، كما اقتصرنا على الحر ولم نتعده ، وليس
يتبين لنا أن العبد مثل الحر في هذا المعنى الدقيق المتعلق بالتفصيل ، ويترقى
الكلام في هذا التفصيل والتصرف في غوامض هذه المراتب إلى أعلى الغايات في الدقة ،
والمتأمل يعرف به بعد غور الشافعي ، ولطف نظره في مغمضات الأصول ومآخذ الأحكام ،
والله تعالى يوفقنا للوقوف على معاني كلامه.
قوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) : دليل على اشتراط
الإذن في نكاحها ، والرازي يسلم ذلك .
واحتج بأن جعله
شرطا ، وترك لأجله العمومات في نكاح العبد والحر ، وما أسرع ما نسي سابق قوله :
فإن تخصيص الإباحة بحال وشرط لا يدل على نفي ما عداه ، ثم قال : ما نعلم أحدا
استدل به قبل الشافعي ، ثم قال : ولو كان هذا دليلا لكانت الصحابة أولى بالسبق إلى
الاستدلال به في هذه المسألة ونظائرها من المسائل ، مع كثرة ما اختلفوا فيه ، ثم على قرب العهد بهذا الكلام استدل بمثله ، وقد روي
عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في عموم الأحوال أنه قال :
__________________
إذا تزوج العبد
بغير إذن سيده فهو عاهر .
فإن احتج من يجوز
التزويج بها بإذن سيده بقوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) وأن اللفظ بعمومه يدل عليه ، والشافعي رضي الله عنه يقول
بموجب الآية ، فإنه لا يجوز نكاحها إلا بإذنها ، وليس فيه أن الإذن المجرد كفى عما
ليس فيه بإسقاط سائر الشرائط عند وجود الإذن .
قوله تعالى : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ).
يدل على وجوب
المهر لها في عموم الأحوال.
وقوله : «بالمعروف»
، يمنع الغلو في المهر والتقصير.
فأضاف الأجور
إليهن لوجوبه بسبب نكاحهن ، وتقديره : فانكحوهن بإذن أهلهن ، وآتوهن أجورهن بإذن
أهلهن ، فإنه كلام مفيد بنفسه لا حاجة إلى تعليقه على غيره ، فتم الكلام بنفسه.
وروى عن مالك أن
الأمة تستحق المهر ، وهذا بعيد ، فإنها لو كانت قابضة للمهر إلى نفسها ، لكانت
مستحقة للأجرة إذا أجرها السيد.
وربما قال :
النكاح حقها ، ولذلك لا يجوز تزويجها من مجبوب ،
__________________
وإذا زوجت فلها
الخيار إذا علمت . وربما يقال : لا ينعقد العقد.
وليس نكاح الأمة
نقل الملك إلى غيره ، بل هو إثبات الحق في منافع بضعها للزوج على وجه لم يكن ،
فلذلك لم يجز النكاح بلفظ التمليك عند أكثر العلماء ؛ وهذا كلام له وجه.
إلا أن المهر لا
تملكه المرأة ، لأجل أنها لا تملك شيئا ؛ والعبد إذا خالع زوجته فلا
يملك البدل عندنا ؛ وإنما ذلك للسيد ، لأن للسيد حقا في منافع بضع العبد ؛ ولكنه
لما لم يملكه العبد ، كان السيد أحق به.
ولعل مالكا يقول
أيضا في الأمة إذا وطئت بالشبهة ، أن المهر يكون لها ، وهذا مبني على أن العبد هل
يتصور أن يكون له ملك مستقل به ، والمسألة فرع ذلك الأصل.
ثم إن إسماعيل بن
إسحاق المالكي قال : زعم بعض العراقيين أنه إذا زوج أمته من عبده فلا مهر ، وهذا
خلاف الكتاب والسنة ، وأطنب فيه.
وأجاب الرازي عن
ذلك : بأنا نوجب المهر ، ولكنه يسقط بعد الوجوب لئلا يكون استباحة البضع بغير بدل
، ثم يسقط في الثاني حتى يستحقه المولى ، لأنها لا تملك والمولى هو الذي يملك مالها ، ولا يثبت للمولى على عبده دينا ، وهو مثل قول بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه في وجوب
القصاص على الأب ثم سقوطه.
__________________
والذي ذكره الرازي
لا يقطع تشغيب إسماعيل ، فإنه إنما شنع بأمر فقال :
أفيجوز أن يكون
الصداق فرضا من فرض الله تعالى لحرمة البضع حتى لا يتبذل دون الصداق ثم يغشى
النساء من غير مهر؟
والرازي إن قال له
: يجب بنفس العقد فلا يقول : إنه يجب عندنا لغشيان شيء.
ولا شك أن الوطء
يعري عن المهر في حق الأمة المزوجة ، وفيه بشاعة ، فإن الغشيان كيف خلا عن وجوب
المهر ، وعلى أن إيجاب المهر في هذا العقد فيه إشكال ، فإن المهر لو وجب لوجب لشخص
على شخص ، فمن الذي أوجب له وعلى من وجب؟
فإن قلت : وجب
للسيد على العبد ، فهذا محال أن يثبت له دين على عبده.
وإن قلت : وجب لا
على أحد ، فمحال.
وكما أن العقد
يقتضي الإيجاب ، فالملك يقتضي الإسقاط ، وليس له إيجابه ضرورة الإسقاط ، كما يقال
: إن إثبات الملك للابن ضرورة العتق ، فإن العتق لا يتصور بدون الملك ، فأما إسقاط
المهر فلا يقتضي إثباته ، بل يمكن أن يقال : لا يجب المهر أصلا بوجه من الوجوه ،
فإنه لو وجب لوجب للسيد ، وهذا بيّن في نفسه ، وهو الصحيح من مذهبنا.
وأما استبعاد
إسماعيل بن إسحاق ، فلا وجه له ، لأن الله تعالى أوجب المهر إذا أمكن إيجابه ، وقد
دل الدليل على أن العبد لا يملك بالتمليك أصلا ، وإذا لم يملك ولا بد من مالك ،
والسيد استحال أن
يكون مالكا ،
فامتنع لذلك ، فيكون الكلام عائدا إلى أصل آخر ، وهو أن العبد هل يملك أم لا؟
ويخرج عن مقصودنا.
قوله تعالى : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ).
قد مضى بشرحه ،
وبينا أن معناه أن يكون العقد عليها بنكاح صحيح ، وأن لا يكون الوطء على وجه الزنا
: لأن الإحصان هو النكاح ، والسفاح هو الزنا.
(وَلا مُتَّخِذاتِ
أَخْدانٍ) : يعني لا يكون وطؤها على حسب ما كان عليه عادة الجاهلية
في اتخاذ الأخدان.
قال ابن عباس :
كان قوم منهم يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما بطن وخفي منه.
والخدن هو الصديق
للمرأة زنا بها سرا ، فنهى الله عز وجل عن الفواحش ما ظهر منها ومن بطن ، وحرم
الوطء إلا على ملك نكاح أو ملك يمين ، ويقرب منه نهي النبي عليه السلام : عن مهر
البغي ، فإنه يرجع إلى أنه أوجب المهر لحرمة الوطء وحرمة سبب الوطء ؛ وأما البغي
فلا مهر لها.
__________________
قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ
بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ).
فقال قوم : «فإذا
أحصن» بالضم يدل على التزويج ، ويفهم منه أن الأمة لا يجب عليها الحد وإن أسلمت
حتى تتزوج ، وهو قول ابن عباس.
ومن قرأ بالفتح
حمله على الإسلام ، وأن عليها الحد إذا أسلمت ، وهو قول أكثر العلماء في معنى
الآية ، ولا عبرة بالمعنيين في إيجاب الحد ، فإن الحد واجب على الآمة الكافرة إذا
زنت ، ودلت الأخبار عليه ، وعلى التسوية بين الحرة والآمة في هذا المعنى.
فإذا ثبت ذلك فإن
قال قائل : فما فائدة ذكر الإحصان بمعنى الإسلام والنكاح ولا أثر لهما؟
قيل : أما الإسلام
، فإنما ذكر على أحد المعنيين ، لأنهن كن يحسبن البغاء مباحا ، واتخاذ الخدن مباحا
، وإذا جرى ذلك على اعتقاد الإباحة فلا حد.
وقوله : إذا أسلمن
، يعني أن بالإسلام كن يعرفن تحريم ذلك ، وقبل الإسلام ما كن يعرفن ذلك.
الوجه الآخر ؛ إن
حمل قوله «أحصن» على النكاح ، فإنما ذكر النكاح حتى لا يتوهم متوهم أنه يريد
عقوبتها بالنكاح ؛ كما أراد في حق الحرة إذا تزوجت ؛ فأبان الله تعالى أنها وإن
تزوجت وهي مسلمة ، فعليها مثل ما كان من قبل ؛ ثم ذكر الله تعالى الإحصان في حق
الإماء وقال :
__________________
(فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ
ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) ، ولم يرد به الرجم ، إذ لا نصف له ؛ فإذا لم يرد الرجم ،
فلا يمكن أن يكون الإحصان في الحرة بمعنى النكاح ؛ لأن الحرة إذا أحصنت بالنكاح
فعليها الرجم ؛ فيكون المراد بالمحصنة ها هنا الحرة ؛ فالإحصان في حق الأمة بمعنى النكاح ؛ وفي حق الحرة بمعنى
الحرية ، فاختلف معنى الإحصان باختلاف محاله.
إذا ثبت ذلك فالله
تعالى يقول : (فَإِذا أُحْصِنَّ) الآية. ذكر حكم الأمة والحرة ، وفهمت الأمة منه أن العبد
والحر مثلهما في معناهما ، كما قال :
(إِنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ).
والأحرار المؤمنون
الغافلون كمثلهن ، لأن المعنى في الكل واحد ، وهذا من أجلى مراتب الأقيسة.
والشافعي رضي الله
عنه أورد هذا المثال في باب القياس ، عند ذكر مراتب الأقيسة ومثله قوله عليه
السلام :
«من أعتق شركا له
في عبد عتق عليه الباقي» .
وبالجملة : إذا
ظهر مقصود الشرع في المسكوت عنه والمنطوق به ، استوى الكل في الاعتبار.
__________________
قوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).
يدل على جواز عطف
الواجب على الندب ، لأن النكاح ندب وإيتاء المهر واجب.
وقال تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ
النِّساءِ).
ثم قال : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً).
ويصح عطف الندب
على الواجب أيضا ، كقوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ، فالعدل واجب والإحسان ندب.
وقال الشافعي رضي
الله عنه في قوله : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ) الكتابة ندب والإيتاء واجب.
وقال أبو حنيفة في
قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ، الحج واجب ، والعمرة ندب ، إلى غيره من الأمثلة.
قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ).
بينا معناه ، وأنه
حرم ذلك لئلا يكون إرقاقا للولد.
وهذا يصلح أن يفهم
منه معنى التحريم ، فيفهم مثل هذا الحكم في مثل هذا المحل ، فمقتضاه أن لا يحرم
على العبد ولا ينقطع الدوام ، وهو
__________________
نظر دقيق بينا
وجهه من قبل ، فإذا أراد أبو حنيفة حمله على معنى الاستحباب ، كان متحكما ، ونحن
متعلقون بالأصل والظاهر.
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) الآية (٢٦).
يدل على أنه يبين
لنا ما بنا حاجة إلى معرفته ، إما بنص أو بدلالة نص ، وذلك يدل على امتناع خلو
واقعة عن حكم الله تعالى ، فإنه لو خلت لم يكن مريدا ، إلا أن يبين لنا ، ومنه قال
تعالى :
(ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).
وقوله تعالى : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ) الآية (٢٦).
معناه في بيان
مالكم فيه الصلاح كما بينه لنا ، وإن اختلفت العبارات في أنفسها ، إلا أنها مع
اختلافها متفقة في باب المصالح.
قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ).
اعلم أن في الناس
من ظن أن غير التجارة من الهبات والصدقات ، داخل تحت قوله بالباطل ، إلا أنه ينسخ
بالإجماع ، أو بقوله : (ليس عليكم جناح (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ
بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) ، وهذا نقل عن ابن عباس ، والحسن.
__________________
والذي هو الحق ،
أنه لا يفهم من أكل بالباطل ، تحريم الهبات التي يبتغي بها الأغراض الصحيحة ،
وإنما حرم الله تعالى أكل المال بالباطل ، والباطل الذي لا يفضي إلى غرض صحيح ،
مثل أكل المال بالقمار والخمر والاغرار ، قال الله تعالى :
(وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ).
فالنهي مقيد بوصف
، وهو أن تأكله بالباطل.
وقد تضمن ذلك :
أكل أبدال العقود الفاسدة ، كأثمان البياعات الفاسدة ، وكل شيء ما أباحه الله
تعالى ، فأما الذي أباحه الله تعالى من العقود ، فلا مدخل فيه.
ثم إن الله تعالى
قال : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً). فظاهره يقتضي إباحة سائر التجارات الواقعة عن تراض ،
والتجارة اسم واقع على عقود المعاوضات المقصود بها طلب الأرباح ، قال الله تعالى.
(هَلْ أَدُلُّكُمْ
عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).
فسمى الايمان
تجارة على وجه المجاز ، تشبيها بالتجارات التي يقصد بها الأرباح.
وقال تعالى : (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) ، كما سمى بذل النفوس لجهاد الكفار يقصد بها الأرباح ، قال
الله تعالى :
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) الآية.
__________________
وقال تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما
لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ، وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ
كانُوا يَعْلَمُونَ).
فسمى ذلك بيعا
وشراء على وجه المجاز ، تشبيها بعقود الأشربة والبياعات ، التي يحصل بها الأعواض.
كذلك سمى الإيمان
بالله تجارة لما يستحقون به من جزيل الثواب.
واستدل أصحاب أبي
حنيفة ومالك بهذه الآية على نفي خيار المجلس ، فإن الله تعالى قد أباح كل ما اشتري
بعد وقوع التجارة عن تراض ، وما يقع من ذلك بإيجاب الخيار ، خارج عن ظاهر الآية
مخصص لها بغير دلالة ، ونظير ذلك استدلالهم بقوله تعالى :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
فألزم كل عاقد
الوفاء بما عقد على نفسه ، وذلك عقد قد عقده كل واحد منهما على نفسه ، فألزمه الوفاء
به ، وفي إثبات الخيار نفي للزوم الوفاء به ، وذلك خلاف مقتضى الآية.
وقال تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً
تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها
وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ).
ثم أمر عند عدم
الشهود بأخذ وثيقة الرهن ، وذلك مأمور به عند عقد البيع قبل التفرق ، لأن قوله
تعالى :
__________________
(إِذا تَدايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ).
فأمر بالكتابة عند
عقد المداينة ، وأمر بالكتابة بالعدل ، وأمر الذي قد أثبت الدين عليه بقوله.
(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي
عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً).
فلو لم يكن عقد
المداينة موجبا للحق عليه قبل الافتراق لما قال : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي
عَلَيْهِ الْحَقُّ). ولما وعظه بالبخس وهو لا شيء عليه ، لأن ثبوت الخيار له
يمنع ثبوت الدين للبائع في ذمته ، وفي إيجاب الله تعالى الحق عليه بعقد المداينة
في قوله : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي
عَلَيْهِ الْحَقُّ) ، دليل على نفي الخيار وإيجاب الثبات.
ثم قال : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجالِكُمْ) تحصينا للمال ، وقطعا لتوقع الجحود ، ومبالغة في الاحتياط.
وقال تعالى : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ
صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ
لِلشَّهادَةِ ، وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً).
فلو كان لهما
الخيار قبل التفرق لم يكن في الشهادة احتياط ، ولا كان أقوم للشهادة إذا لم يمكن
إقامة الشهادة بثبوت المال.
ثم قال تعالى : (إِذا تَبايَعْتُمْ) ، وإذا : كلمة تدل على الوقت ، فاقتضى ذلك الأمر بالشهادة
عند وقوع التبايع من غير ذكر الفرقة ، فأمر
__________________
برهن مقبوضة في
السفر ، بدلا من الاحتياط بالاشهاد في الحضر ، وفي إثبات الخيار إبطال الرهن إذ
غير جائز إعطاء الرهن بدين لم يجب بعد.
فدلت الآية بما
تضمنته من الأمر بالإشهاد على عقد المداينة ، والتبايع من غير تعوض للافتراق أن لا
خيار ، إذ كان إثبات الخيار مانعا معنى الاشهاد والرهن ، فهذا كلام الرازي بأحكام
القرآن حكيناه بلفظه ،
والجواب عنه : أن
الله تعالى وتقدس ، أمر بالإشهاد والكتابة بناء على غالب الحال في أن الشهود
يطلعون على الافتراق والبيع جميعا ، وليس للبيع مما يدوم غالبا أو يتمادى زمانه ،
حتى يجري الإشهاد على أحدهما دون الآخر ، فأراد الله تعالى بيان الوثائق على ما
جرت به العادة من البيع ، ويدل على ذلك ، أن قبل القبض لا ينبرم العقد في البيع
وفي الصرف ، وإذا تفرق المتبايعان بطل الصرف ، وإذا هلك المبيع قبل القبض بطل
البيع ، فتبطل الوثائق جملة ، وذلك لم يمنع الإرشاد إلى الوثائق في البياعات
والمداينات ، وكذلك بالقول في خيار الرؤية فيما لم يره في خيار الشرط ، فلا حاصل
لما قاله هؤلاء فاعلمه.
ووراء ذلك تعلق
الرازي بفنون ، يفع الجواب عنها في مسائل الخلاف ، لا تعلق لها بمعاني القرآن ،
وذلك عادته ، فإنه إذا انتهى إلى مسألة مختلف فيها ، بين أبي حنيفة وغيره ، يستقصي
الكلام فيها فيما يتعلق بالخبر والقياس ، ويخرج بها عن مقصود الكتاب.
قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) الآية. معناه :
لا يقتل بعضكم
بعضا ، وهو نظير قوله تعالى :
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ).
__________________
أي حتى يقتلوا
بعضكم ، ومجازه أنهم كالشخص الواحد ، والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا.
ويحتمل أن يقال :
ولا تقتلوا أنفسكم في الحرص على الدنيا وطلب المال ، بأن يحمل نفسه على الغرر
المؤدي إلى التلف.
ويحتمل «ولا
تقتلوا أنفسكم» في حال ضجر أو غضب.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً
وَظُلْماً).
الوعيد في ذلك
يجوز أن يرجع إلى أكل المال بالباطل ، وقتل النفس بغير حق ، ويجوز أن يرجع إلى كل
ما نهى الله عنه فيما تقدم ، وقيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ، ليخرج منه فعل
السهو والغلط ، وذكر الظلم والعدوان مع تقارب معانيهما لاختلاف ألفاظهما ، حسن في
الكلام ، كما يقال : «ألفى قولها كذبا ومينا» ، وحسن العطف لاختلاف اللفظين ، يقال
بعدا وسحقا ، وحسن لاختلاف اللفظ.
قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) ، الآية (٣٢).
ورد في تفسيره عن
مجاهد عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، تغزوا الرجال ولا تغزوا وتذكر
الرجال ولا نذكر ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا) ، الآية) .
__________________
ونزل : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ).
وروى قتادة عن
الحسن :
«لا يتمنى أحد
المال وما يدريه لعل هلاكه في ذلك المال ».
وقال قتادة : كان
أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي ، فلما جاء الإسلام ، وجعل للمرأة
النصف من نصيب الذكر ، قال النساء ، «لو كان أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال ،
وقلن : إنا لنرجو أن نفضل عليهم في الآخرة» ، فنزل قول الله تعالى :
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ
مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ).
فللمرأة الجزاء
على الحسنة عشر أمثالها كما للرجال.
قال : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) ، ونهى الله أن تتمنى المرأة ما فضل الله بعضهم على بعض ،
لأن الله تعالى أعلم بصالحهم منهم ، فوضع القسمة منهم على التفاوت على ما علم من
مصالحهم.
وبالجملة : التمني
إذا لم يفض إلى حسد في ابتغاء زوال نعمة الغير أو تباغض ، فلا نهي عنه ، فإن
الواحد منا يود أن يكون إماما وسيدا في الدين والدنيا ، ولا نهي عنه ، وإن علم
قطعا أنه لا يكون.
وورد في الخبر أن
الشهيد يقال له : تمن ، فيقول :
__________________
أتمنى أن أرجع إلى
الدنيا ، وأقتل في سبيل الله
ورسول الله صلّى
الله عليه وسلم ، كان يتمنى إيمان أبي طالب وأبي لهب وصناديد قريش ، مع علمه بأنه
لا يكون ، وكان يقول : «واشوقاه إلى إخواني الذين يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولا
يروني» .
وذلك كله يدل على
أن التمني لا ينهى عنه إذا لم يكن داعية الحسد والتباغض ، والتمني المنهي عنه في
الآية من هذا القبيل ، ومنه النهي عن الخطبة على خطبة أخيه ، لأنه داعية الحسد
والمقت.
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا
تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ، الآية (٣٣) :
قال ابن عباس
ومجاهد : المولى ها هنا العصبة.
وقال السدي :
الورثة.
وأصل المولى : من
ولي الشيء يليه ، وهو إيصال الولاية في التصرف ، والمولى لفظ مشترك يطلق على وجوه
، فيسمى المعتق مولى والمعتق كمثل ، ويقال : المولى الأسفل والأعلى ، لاتصال كل
واحد منهما بصاحبه ، ويسمى الناصر المولى.
(وَأَنَّ الْكافِرِينَ
لا مَوْلى لَهُمْ).
__________________
ويسمى ابن العم
مولى ، والجار مولى.
وقد بسط المتكلمون
من أهل السنة أقوالهم في هذا في الرد على الإمامية ، عند احتجاجهم بقوله عليه
السلام :
«من كنت مولاه
فعلي مولاه» ، فمعنى الولاء هاهنا العصبة ، لقوله عليه السلام:
«ما أبقت السهام
فلأولى عصبة ذكر» .
وقوله «فلأولى
عصبة ذكر» يدل على أن المراد بقوله : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا
مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) هم العصبات .
ومن العصبات
المولى الأعلى لا الأسفل ، على قول أكثر العلماء ، لأن المفهوم في حق العتق ، أنه
المنعم على المعتق ، وكالموجد له ، فاستحق ميراثه لهذا المعنى.
وحكى الطحاوي عن
الحسن بن زياد : أن المولى الأسفل ، يرث من الأعلى واحتج فيه بما روي : أن رجلا
أعتق عبدا له ، فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه
وسلم ميراثه للغلام المعتق .
قال الطحاوي : ولا
معارض لهذا الحديث ، فوجب القول به ، ولأنه إذا أمكن إثبات الميراث للمعتق ، على
تقدير أنه كالموجد له ، فهو
__________________
شبيه بالأب ،
والمولى الأسفل شبيه بالابن ، وذلك يقتضي التسوية بينهما في الميراث.
والأصل أن الاتصال
يعم.
وفي الخبر : ومولى
القوم منهم» .
والذين خالفوا هذا
وهم الجمهور قالوا :
الميراث يستدعي
القرابة ولا قرابة ، غير أنا أثبتنا للمعتق الميراث بحكم الإنعام على المعتق ،
فيقتضي مقابلة الإنعام بالمجازاة ، وذلك لا ينعكس في المولى الأسفل.
وأما الابن فهو
أولى الناس بأن يكون خليفة أبيه وقائما مقامه ، وليس المعتق صالحا لأن يقوم مقام
معتقه ، وإنما المعتق قد أنعم عليه ، فقابله الشرع بأن جعله أحق لمولاه المعتق ،
ولا يوجد هذا في المولى الأسفل ، فظهر الفرق بينهما.
قوله تعالى : (والذين
عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) الآية (٣٣).
قال ابن عباس في
ذلك : كان المهاجر يرث الأنصاري دون ذي رحمه بالأخوة التي جعلها الله تعالى بينهم
بالإسلام فلما نزلت :
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا
مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ)
__________________
نسخت ، ثم قرأ : (والّذين
عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) من النصر والرفادة والوصاية ، وقد ذهب الميراث.
وعن ابن عباس : (والّذين
عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) ، فكان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر ،
فأنزل الله تعالى :
(وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) يقول : «إلا أن توصوا» .
وعن سعيد بن جبير
في قوله تعالى : (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال:
كان الرجل يعاقد
الرجل في الجاهلية فيموت فيرثه.
وعاقد الصديق أبو
بكر رضي الله عنه رجلا ، فورثه لما مات
وقال سعيد بن
المسيب :
هذا في الذين
كانوا يتبنون رجالا ويورثوهم ، فأنزل الله تعالى فيهم ، أن يجعل لهم من الوصية ،
ورد الميراث إلى المولى من ذوي الرحم والعصبة .
إذا ثبت هذا فأبو
حنيفة ، وأبو يوسف ، وزفر ، ومحمد ، صاروا
__________________
إلى أن الميراث بالمعاقدة
، لم ينفسخ عند فقد الأقربين والمولى ، بل يتعلق بها الميراث عند عدم الرحم
والولاء ، فإن الله تعالى جعل ذوي الأرحام أولى ، فإذا لم يكونوا بقي على حكم
الآية ، وهذا بعيد ، فإن الذي في الآية :
(ولكل جعلنا موالي
ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عاقدت أيمانكم).
فأثبت الميراث
بالمعاقدة عند وجودها ، وعلى أن قوله : (فَآتُوهُمْ
نَصِيبَهُمْ) ، ليس نصا في الميراث ، بل معناه : من النصرة والمعونة
والرفاد.
قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ)(عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ) الآية (٣٤).
ورد في الخبر ، أن
رجلا لطم امرأته لنشوزها عنه فجرحها ، فاستعدت عليه إلى رسول الله صلّى الله عليه
وسلم ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : القصاص ، فأنزل الله تعالى :
(وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).
__________________
ثم أنزل : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ
بِما فَضَّلَ اللهُ).
وقيل : ما كان
الضرب على النشوز مشروعا ثم شرع.
ودلت الآية على أن
الزوج يقوم بتدبير المرأة ، وتأديبها ، وإمساكها في بيتها ، ومنعها من البروز ،
وأن عليها طاعته وقبول أمره ، ما لم تكن معصية.
وقوله تعالى : (بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) ، يدل على أن الزوج جعل قوّاما عليها ، حابسا لها على نفسه
، ومانعا من البروز لأجل ما أنفق عليها من المال.
نعم بين الله
تعالى أمر النفقة في مواضع في كتابه في قوله :
(لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ).
وقول النبي صلّى
الله عليه وسلم :
ولكن في هذه الآية
ذكر علة النفقة ، فلا جرم ، فهم العلماء منهما أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما
عليها ، حتى زال الحبس في الدار على المذاهب كلها ، ولها فسخ النكاح على مذهب
الشافعي رضي الله عنه ، لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها ، وحابسا لها ، فقد أخل
غرض التحصين بالنكاح ، فإن الغرض من النكاح على مذهب الشافعي رضي الله عنه ، لأنه
إذا خرج عن كونه قواما عليها ، وحابسا لها فقد أخل غرض التحصين بالنكاح ، فإن
الغرض من النكاح تحصينها ، وإلا فهن حبائل الشيطان وعرضة الآفات ، فإذا لم يكن
قواما عليها ، كان لها فسخ العقد ، لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح ، وفيه
دلالة ظاهرة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح ، عند الإعسار بالنفقة والكسوة.
__________________
قوله تعالى : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ) الآية (٣٤).
أمر الله تعالى
بمراعاة الترتيب في استيفاء الحق من الممتنع على هذا الوجه ، فإن لم يتأت إلا
بالضرب والايجاع فيجوز ، ولكن الضرب هو القدر الذي يصلحها له ويجعلها على توفية
حقه.
وليس له أن يضرب
ضربا يتوقع منه الهلاك ، فإن المقصود الصلاح لا غيره ، فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك
وجب الضمان ، وكذلك القول في ضرب المؤدب لتعليم غلامه القرآن والأدب ، ولأجله قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
«لصاحب الحق يد
ولسان» .
وقال : «مطل
الواجد يحل عرضه وعقوبته».
يعني قوله : «يحل
عرضه» أن يقول : يا ظالم يا معتدي.
وعنى بعقوبته :
طلب حبسه.
نعم : الصائل على
مال الإنسان له دفعه عن ماله ، وإن لم يتأت إلا بالقتل ، لأن المال يخلص له عند
ذلك ، وهاهنا إذا نشزت ، فليس في هلاكها استيفاء الحق بل فيه تفويته ، فإنما رخص
في ضرب مصلح وهذا بين.
قوله تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً).
قال أبو عبيدة ،
معناه : لا تعللوا عليهن بالذنوب.
__________________
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) الآية (٣٥).
اختلف الناس في
المخاطبين بهذا الخطاب.
فقال سعيد بن جبير
: «إنه السلطان الذي يترافعان إليه».
وقال السدي :
الرجل والمرأة.
قال الشافعي رضي
الله عنه :
والذي يشبه ظاهر
هذه الآية ، أنه فيما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاتهما ، وذلك أني وجدت الله
تعالى أذن في نشوز الزوج بأن يصطلحا ، وسن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك ،
وسن في نشوز المرأة بالضرب ، وأذن في خوفها أن لا يقيما حدود الله بالخلع ، وذلك
شبيه أن يكون برضا المرأة ، وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئا ، إذا أراد استبدال
زوج مكان زوج ، فلما أمن فيمن خفنا الشقاق بينهما بالحكمين ، دل ذلك على أن حكمهما
غير حكم الأزواج ، فإذا كان كذلك بعث حكما من أهله ، وحكما من أهلها ، ولا يبعث
الحكمين إلا مأمونين برضا الزوجين ، ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا
ذلك ، ووجدنا حديثا بإسناده عن عليّ يدل على أن الحكمين وكيلان للزوجين ، وهذا
مذهب أبي حنيفة ، وهو أصح المذاهب للشافعي ، وإن حكى عن الشافعي فيه قول آخر على
موافقة مذهب مالك ، وهو أن الحكمين ينفردان دون رضا الزوجين إذا رأيا ذلك ، وهو
بعيد ، فإن إقرار الزوج بالظلم لا
__________________
ينافي النكاح ،
ولا ظلم المرأة مناف لذلك ، والظلم إذا ظهر من أي جانب كان ، وجب دفعه بطريقة ،
فأما أن يكون ظهور ظلم الظالم بينهما للحكمين طريقا إلى دفع النكاح دون رضا
الزوجين فلا ، وليس يزيد ظهور ذلك ظلما على إقرار الزوج أو الزوجة بالظلم.
نعم قد يقول
القائل : إذا استمرت الوحشة ، فلا وجه لتبقية الخصومة ناشبة بينهما ، فاشتباه
الحال في ذلك ، كاشتباه الحال في المتبايعين إذا تخالفا.
وهذا بعيد ،
فإنهما إذا تخالفا فلا يتصور بقاء العقد على نعت الإختلاف ليكون العقد على وضعين
متضادين ، وها هنا لا شيء يوجب منع بقاء العقد ، وخللا في معنى العقد ، إنما يظهر
من أحدهما ظلم فيدفعه الحاكم فأما فسخ النكاح فلا ، وليس كالإيلاء ، فإن هناك رجع
النعت إلى المقصود وهو الاستمتاع.
وبالجملة إن كان
للقول الآخر وجه ، فمن حيث وقوع الخلل في السكن المقصود بالنكاح ، لاستمرار
الخصومة بينهما ، وذلك يقتضي أن يكون هذا قريبا من الإيلاء ، وقد قال مالك :
وللحكمين أن
يخالعانها دون رضاها ، وهذا بعيد ، فإن الحاكم لا يملك ذلك ، فكيف يملكه الحكمان؟ ..
نعم سميا حكمين ـ وإن
كان الوكيل لا يسمى حكما ـ لأنه أشبه فعلهما ، فهما يجتهدان ويتحريان الصلاح في
إنفاذ القضايا بالعدل ، إذا وكلا بذلك من جهة الزوجين ، وما قضى به الحكمان من شيء
فهو جائز
__________________
ولكن برضا الزوجين
لا دون رضاهما ، والله تعالى إذا رأيناه يقول :
(فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).
فكيف يفهم منه
جواز الخلع دون رضا الزوجين ، وقد حظر الشرع أخذ شيء منها دون شريطة الخوف.
ودلت الآيات
المطلقة ، على أن لا يحل أكل المال إلا أن يكون تجارة عن تراض منكم.
ودل قول الرسول
صلّى الله عليه وسلم ، على أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه.
وفي رواية : بطيبة
من نفسه .
قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ) الآية (٣٦) :
يدل على أن من أتى
بطاعة لغير الله ، لا تقع عن جهة القربة ، لأنه أشرك به شيئا ، وترك الإخلاص ،
ولأجله قال علماؤنا :
من توضأ أو اغتسل
لتبرد أو تنظيف ، لم يكن له أن يصلي به ، لأنه أشرك به شيئا.
فإذا خرج الفعل عن
كونه لله ، فلم يكن قربة ، ولذلك قلنا :
إذا أحس بداخل في
الركوع وهو إمام لم ينتظره ، لأنه يخرج ركوعه بانتظاره عن كونه لله خالصا ، ثم قال
تعالى :
__________________
(وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً).
فأوجب الله تعالى
طاعة الوالدين في غير معصية الخالق ، ولا يعني بطاعة الوالدين أن يكون لهما صرف
منافع بدنه بعد البلوغ إلى ما شاء ، وتكليفهما أفعالا ، وإنما هو على ما ذكره الله
تعالى :
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) الآية ..
وليس للوالدين منع
الولد من الأسفار للتجارة والزيارة وطلب الفوائد.
نعم يكره له أن
يجاهد دون إذنهما ، فإن في ذلك تغريرا بالمهجة.
ومن تعظيم
الوالدين أن لا يقتله الولد ، إلا إذا كان محاربا كافرا .
ثم ذكر الجار ذي
القربى ، وهو الجار الذي له حق القرابة ، والجار الجنب ، للبعيد منك نسبا ، إذا كان مؤمنا ، فيجتمع حق الجوار
والإيمان ، وورد في حق الجار أخبار عدة.
والصاحب بالجنب :
قيل هو الرفيق في السفر ، وقيل هو الجار الملاصق ، وخصه الله تعالى بالذكر تأكيدا
لحقه على الجار غير الملاصق.
والجار لفظ مجمل
يتردد بين معاني ، فقد يقال لأهل المحلة جيران ، ولأهل الدرب جيران. وجعل الله
تعالى الاجتماع في مدينة جوارا ، قال الله تعالى :
__________________
(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ
الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي
الْمَدِينَةِ) إلى قوله : (ثُمَّ لا
يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً)
فجعل اجتماعهم في
المدينة جوارا.
والإحسان قد يكون
بمعنى المواساة ، وقد يكون بمعنى حسن العشرة ، وكف الأذى والمحاماة دونه.
وابن السبيل : هو
المسافر ينزل عندك فتكرمه وتضيفه.
(وَما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ) : هو الإحسان إليه بالإنفاق ، وكسوته ومراعاته بالمعروف.
هذا هو الأصل ،
فجمعت الآية أمورا منها الندب ، ومنها الواجب.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبُخْلِ) (٣٧) :
البخل المذموم في
الشرع الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى ، وهو مثل قوله :
(وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ
هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
ونزلت الآية في
اليهود ، الذين بخلوا بالمال ، فلم يعطوا منه حق
__________________
الله تعالى ،
ومنعوا الأنصار من أداء حق الله ، وخوفوهم بالفقر ، ومنعوا العلم ، وكتموا ما
علموا من صفة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم ، والمباهاة ، بل يقول :
كان ذلك من فضل
الله ، وما كان من قوتي ولا من عندي ، فيتحدث بالنعم على وجه الشكر ، كما قال
تعالى :
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ..
وقال عليه السلام
: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا أفصح العرب ولا فخر».
فأراد بذكره
التحدث بنعم الله تعالى ، وأن يبلغ أمته من منزلته عند الله ، ما يجب على أمته أن
يعرفوه ، وليعطوه من التعظيم حقه طاعة الله تعالى.
وقال عليه السلام
: «لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس ابن متى».
وقد كان عليه
السلام خيرا منه ، ولكنه نهى أن يقال ذلك على وجه الافتخار.
وقال الله تعالى :
(فَلا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى).
__________________
ومنه قوله صلّى
الله عليه وسلم : «احثوا في وجوه المداحين التراب» .
وذلك لئلا تزهو
النفس وتترف ، فإن النفس إذا ما مالت إلى شيء لطلب حظها ، تولد منها قوة الهوى
وضعف اليقين.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ
رِئاءَ النَّاسِ ..) الآية (٣٨) :
معناه : الكفار
الذين يبخلون بالأموال لوجه الله ، وينفقون رثاء وسمعة ، في غير مرضاة الله.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) الآية (٤٣) :
اختلف العلماء في
المراد بالسكر بالآية.
فقال قائلون : هو
السكران الذي لا يعلم حقيقته ، وهذا معتل من وجه : فإن الذي لا يعقل كيف ينهى.
فقيل في ذلك :
أراد به النهي عن التعرض للسكر ، إذا كان عليهم فرض الصلاة ، والنهي على أن عليهم
أن يعيدوها ، وهذا بعيد من وجه ، وهو أن السكر إذا نافى ابتداء الخطاب ، ينافي
دوامه ، وهذا حسن في إبطال هذا القول ، إلا أن يقال :
إن ذلك نهي عن
السكر ، وإزالة العقل بشرب القدر المسكر ، حالة وجوب الصلاة ، وهذا رفع ما دل
اللفظ عليه بالكلية ، كأنه تعالى قال :
__________________
«لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى» ، أي في حالة سكركم ، فلا وجه للتأويل.
الوجه الآخر :
قالوا المراد به السكران الذي لم ينتبذ نقصان عقله إلى حد يزول التكليف معه ، بل هو فاهم للخطاب ،
وهذا بعيد ، فإنه إن كان كذلك ، فلا يكون منهيا عن فعل الصلاة ، بل الإجماع منعقد
على أنه مأمور بفعل الصلاة والحالة هذه.
ومن أجل ذلك قال
الحسن ، وقتادة ، في هذه الآية : فإنها منسوخة الحكم.
وعلى الجملة ،
اضطراب هذه المحامل ينشأ منه قول الشافعي رضي الله عنه : وهو أن المراد من الصلاة
موضع الصلاة ، فتقديره : لا تقربوا المساجد التي هي مواضع الصلاة وأنتم سكارى ،
فإنه يتوقع منكم الفحش في المنطق ، وتلويث المسجد ، ولذلك قال : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ، يعني أن السكران ربما نزق ، فتكلم بما لا يجوز له ، كما قال علي:
إذا سكر هذى ،
وإذا هذى افترى.
فنهاهم عن دخول
المسجد والصلاة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم جماعة.
وهذا تأويل حسن
تشهد له الأصول والمعقول ، ومن أجله عطف عليه قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) ، وذلك يقتضي جواز العبور للجنب في المساجد.
وأبو حنيفة يخالف
ذلك ويقول :
__________________
بل المراد به
الصلاة ، ولذلك قال : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما
تَقُولُونَ) والذي ذكرتم يعلم ذلك.
فيقال : هذا في
ضرب المثل ، كالذي يقول للغضبان : اتئد وتثبت حتى يرجع إليك نفسك وتعلم ما تقول ،
إلا أن المراد به عدم العلم حقيقة.
وأبو حنيفة يخالف
ذلك ويقول : بل المراد به أيضا ، إذا حمل ذلك على الصلاة حمل قوله : إلا عابري
سبيل ، على الجنب المسافر إذا لم يجد الماء ، فإنه يتيمم ويصلي ، فيتعين إضمار عدم
الماء فيه ، وإذا عدم الماء في الحضر ، كان كذلك.
وأحسبه يقول : بنى
على الغالب ، في أن الماء لا يعدم في الحضر ، فيقال : فالذي يتيمم ليس جنبا عندكم
حتى يصلي صلوات التيمم ، وأحسبه يمنع هذا أيضا ويكابر ، فيقال له :
إن تيمم الجنب ،
قد ذكره الله تعالى بعد هذا ، بل فصل فقال :
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى
أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً).
وكيف يذكر المسافر
والسفر ، ثم يذكر بعده من غير فصل؟ وهذا واضح في بطلان قوله :
وأما إذا أراد
التيمم ، ذكر الوجوه التي بها يجوز التيمم ، فذكر المرض وذكر السفر ، وذكر المجيء
من الغائط ، وعدم الماء مطلقا في أي موضع كان ، فكيف عنى بعابر السبيل المسافر ها
هنا ، ولم يذكر
__________________
عدم الماء ، وهو
الشرط لا السفر؟ وهذا لا جواب عنه فاعلمه ، ولأن الله تعالى قال : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ، فأحال المنع على عدم العلم بالقول ، والسكران الطافح في
سكره ، المغشى عليه ، تمتنع الصلاة ، عليه ، لأنه لا يعلم ما يقول ، بل لأنه محدث
غير طاهر ، ولا ساجد ولا راكع ولا ناو ، فدل أن الامتناع إنما نشأ من القول فقط ،
وذلك على الوجه الذي قلناه في تنزيه المسجد عن هجر القول والخنا في المنطق ، ومن
أجل ذلك بطل تأويل من حمل السكر على النوم ، لأن النائم لا يصلي ، ولا يتصور منه
الصلاة مع النوم ، ولا طهارة مع النوم.
وبالجملة ، كل ما
اعترضنا به على الفصل الأول ، فهو متوجه ها هنا فاعلم.
فإن قيل : سبب
نزول هذه الآية ، ما روي عن علي رضي الله عنه أنه دعا رجل من الأنصار قوما فشربوا
من الخمر ، فتقدم عبد الرحمن ابن عوف لصلاة المغرب فقرأ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ، فالتبس عليه فأنزل الله تعالى :
(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ
وَأَنْتُمْ سُكارى).
والجواب أن المراد
به ما قلناه ، فإنه إذن التبس عليه ، وتلا بداخل المسجد ، حتى تكلم بما لا يجوز ،
وإلا فالصلاة واجبة في تلك الحالة قطعا ، والذين منعوا اجتياز الجنب في المسجد ،
عرفوا أن كثيرا من السلف حملوا الآية على ما قلناه ، وإن كان منهم من خالف.
قال : ومذاهب
السلف مستقصاة في كتب الائمة ، وليس ذكرها متعلقا بغرضنا ، إلا أن منهم من تعلق
بما روي عن جسرة بنت دجاجة أنها قالت : «سمعت عائشة رضي الله عنها تقول :
جاء رسول الله
صلّى الله عليه وسلم ، ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال : وجهوا هذه
البيوت عن المسجد ، ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل لهم رخصة ، فخرج
إليهم بعد فقال : وجهوا هذه البيوت فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» .
قال : فأمرهم
بتوجيه البيوت الشارعة في المسجد ، صيانة للمسجد عن اجتياز الجنب ، لأنه لو أراد
القعود ، لم يكن لقوله «وجهوا هذه البيوت فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» معنى
، لأنه القعود منهم بعد دخول المسجد ، لا تعلق له بكون البيوت شارعة إليه ، فدل
أنه إنما أمر بتوجيه البيوت ، لئلا يضطروا عند الجنابة إلى الاجتياز في المسجد ،
إذا لم يكن لبيوتهم أبواب غير ما هي شارعة إلى المسجد.
والاعتراض على هذا
، أن الخبر لا يجوز أن يثبت ، فإن الغالب من أحوالهم المنقولة ، أنهم كانوا
يغتسلون في بيوتهم ، ولأن المنع من المرور لو كان المقصود ، ولم يتأت لهم الاغتسال
في بيوتهم ، لقال لهم : اتخذوا أبوابا تجتازون منها للاغتسال.
ويدل عليه أنه لو
كان باب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، لأفضى إلى المسجد وأبواب حجر نسائه ،
وباب أبي بكر ، وباب عليّ ، وقال :
«سدوا هذه الخوخات
غير خوخة أبي بكر وعليّ».
وعلى أن الذي ذكره
هذا القائل ، تسليم منه لجواز ذلك من قبل ، ويدعى نسخا لا يصح وقوع النسخ به.
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى
سَفَرٍ أَوْ جاءَ
__________________
أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ).
قوله : «إن كنتم
مرضى» يمنع من التوضؤ ، وأن يكون من إمساس الماء خطر الهلاك أو فساد
عضو ، وليس المراد به مطلق المرض إجماعا ، وقد أطلق الله المرض في مواضع من كتابه
، وباطنه رخصا مختلفة ، والمراد به الأمراض المختلفة ، لا نوع واحد من المرض ،
فقال تعالى في موضع : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
والمراد ما يظهر
أثره في منع الصوم.
وقال : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ
بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ).
وعنى به نوعا آخر.
وها هنا عنى
بالمرض ، القروح التي تمنع إيصال الماء إلى الأعضاء ، ويخشى منه فساد عضو وهلاك
الجملة ، أو طول الضنا على ما اختلف العلماء فيه.
ثم قال تعالى : (أَوْ عَلى سَفَرٍ) ، بناء على الغالب ، ولا يشترط فيه السفر الطويل ، بل ما
يسمى سفرا ، فإن عموم كتاب الله تعالى يدل عليه.
وفي اللفظ أيضا
خلاف ، والفرق بينهما عند من فرق مأخوذ من
__________________
السنة ، وورد في
تيمم المجروح أخبار ذكرها الفقهاء في كتبهم ، وهي صحيحة ، دالة على أنه يتيمم.
قوله تعالى :
(أَوْ لامَسْتُمُ
النِّساءَ). اعلم أولا أنه روي عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن
النبي صلّى الله عليه وسلم ، «قبل بعض نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ» .
وروى إبراهيم
التيمي عن عائشة ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم «كان يتوضأ ثم يقبل ثم يصلي
ولا يتوضأ ، ربما فعله بي» .
وعن شبابة مولى
عائشة رضي الله عنها قالت : ربما يلقاني رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وهو خارج إلى الصلاة ،
فيقبلني ثم يأتي المسجد ، فيصلي ولا يتوضأ.
كل ذلك رواه
القاضي إسماعيل بن إسحاق بأسانيده المتصلة في كتاب أحكام القرآن.
وروى بإسناده عن
الشعبي قال : قال علي : اللمس الجماع ولكنه كنى عنه.
وروى بإسناد عن
عاصم الأحوال ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : الملامسة والمباشرة الجماع.
__________________
وروى بإسناده عن
عاصم الأحوال ، عن بكر بن عبد الله قال : قال ابن عباس :
أن الله حي كريم
يكنى عما شاء ، وإن المباشرة والرفث والتغشي والإفضاء والمسيس عنى به الجماع.
قال : والتغشي
قوله : (فَلَمَّا تَغَشَّاها).
والإفضاء : قوله (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ).
وروى بإسناده عن
سعيد بن جبير ، قال : كنا على باب ابن عباس واختلفنا في الملامسة باليد ، ومن كان
عربيا قال الجماع ، فخرج ابن عباس فقال : فيم يختصمون؟ قالوا في الملامسة ، فمن
كان عربيا قال الجماع ، ومن كان مولى قال اللمس باليد ، فقال : هو من فريق الموالي
إن الله حكيم يكني ما شاء ، فكنى الجماع ملامسة ، وكنى الجماع مباشرة.
وأكثر القاضي
إسماعيل في هذه الرواية ، وأسندها كلها عن الصحابة والتابعين.
واعلم أنه روي في
مقابلة ذلك بأسانيد صحيحة عن عبد الله بن عمر أنه قال : قبلة الرجل امرأته وجسها
بيده من الملامسة ، ومنها الوضوء.
وحديث القبلة منكر
:
قال إسماعيل بن
اسحق : حديث حبيب بن أبي ثابت في القبلة عرضه على نصر بن علي وعيسى بن شاذان ، فعجبوا
منه وأنكروه.
وهو مما يعتد به
على حبيب بن أبي ثابت ، ومن يحسن أمره يقول :
__________________
أراد أنه صلّى
الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، فغلط بهذا ، فهذا غاية ما قاله :
والذي يحمل
الملامسة على الجماع يقول : إن الله تعالى ذكر الأحداث كلها بألفاظ هي كناية ، فإنه ذكر الغائط وهو كناية ، فيظهر أن يكون هذا أيضا
كناية عن الجماع.
وهذا يجاب عنه بأن
الغائط كناية مشهورة غالبة في عرف الاستعمال حتى لا يعرف من المتعارف سواه ،
والكناية المشهورة في الجنابة الجماع ، فالجماع كناية عن اللفظ الأصلي الذي يستحي
عن ذكره ، مثل الغائط كناية عن الفضلة المستقذرة ، فالله تعالى لم يكن عن سبب
الجنابة باللفظ الأصلي الموضوع للكناية ، وإنما ذكر الملامسة ، وما اشتهر في العرف
أن يكنى بها عن سبب الجنابة ، فلو أراد الكناية ، لذكر اللفظ الموضوع للكناية ، وهذا
بين ظاهر لا غبار عليه .
ومن وجه آخر : وهو
أنه ذكر الغائط وهو سبب الوضوء دون الغسل ، فيظهر أن يكون قرينه سبب الوضوء ، لأنه
تعالى أفرد الجنابة فقال :
(وَلا جُنُباً إِلَّا
عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا).
وذكر في موضع : «فاطهروا»
وهو يعني الغسل.
والمخالف يقول :
ذكر الله تعالى الجنابة ولم يذكر سببها ، ثم ذكر بعد ذلك سبب الحدث ، وهو المجيء
من الغائط ، فيشبه أن يكون قد
__________________
ذكر سبب الجنابة ،
والسبب الأصلي في الحدث خروج الغائط ، والأصلي في الجنابة الجماع ، فيشبه أن يكون
قد جمع الله بينهما.
ومن وجه آخر ، وهو
أن الله تعالى وتقدس ، قد بين حكم طهارة الجنب والمحدث عند وجود الماء ، فيشبه أن
يتبين طهارتهما من عدمه ، ولا يكون ذلك إلا بحمل الملامسة على الجنابة ، ليكون قد
بين أحوالهما عند عدم الماء ووجوده ، فأما عند وجوده ، فهو أنه ذكر السكر الناقض
للطهارة والجنابة ، ثم ذكر عند عدم الماء حكم المحدث ، فيشبه أن يكون قد ذكر حكم
الجنب أيضا.
هذا ما ذكروه وهو
ضعيف جدا ، فإن الله تعالى ذكر حكم السكران لا لإيجاب الطهارة ، ولكن للمنع من
دخول المسجد ، كما ذكرناه ، وذكر الجنب على هذا الوجه ، فلم يكن فيه تعرض
للطهارتين ، إذ لم يذكر ما يحتاج فيه إلى الطهارتين ، فإن دخول المسجد لا يحتاج
فيه إلى الطهارتين ، إنما يحتاج فيه إلى إحداهما ، فلما فرغ من بيان دخول المسجد
قال :
(وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ).
تعرض للتيمم في حق
المحدث ، لبيان حكم طهارته بعد الفراغ من أمر المسجد ، فلم يكن الحكم الثاني
متعلقا بالأول.
والدليل على ذلك ،
اختلاف أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم في تيمم الجنب.
فقال بعضهم : لا
يصلي ولا يتيمم حتى يجد الماء ، لأن التيمم إنما
__________________
ذكره الله تعالى
مع ما يكون منه الوضوء ، ولم يذكر في موضع الجنابة.
وذهب قوم من أصحاب
رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، أن الجنب يتيمم للرواية عن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم ، ولهم أن يقولوا : يجوز أن يكون ذلك في القرآن ولكنه يستدرك بالاجتهاد
والنظر ، مثل ما بينا وجهه ، وليس كل ما في القرآن يكون جليا يدركه كل واحد ،
ولذلك لم يفهم كثير من الناس أن الجنب يصح صومه إذا أصبح جنبا ، حتى احتج ابن عباس
بقوله تعالى :
(فَالْآنَ
بَاشِرُوهُنَّ) إلى قوله (حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ، ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ).
فإباحة المباشرة
إلى الصبح تقتضي وقوع الغسل بعد الصبح ، وهذا لم يفهمه غيره ، وهو في القرآن
تحقيقا.
واستدل بالقرآن في
أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، إلى غير ذلك من احتجاجات غامضة بالقرآن ، فيجوز أن
يكون هذا أيضا في القرآن ولكنه لا يعرف قبل اعمال الفكر وإجالة الاجتهاد ، وهذا
بيّن.
وبالجملة ، هذا
أقرب من أن يقال : إن الله تعالى ذكر طهارة الجنب والمحدث عند وجود الماء ، ثم
يذكر طهارة المحدث عند عدمه ولا يذكر طهارة الجنب ، مع أن الإشكال في تيمم الجنب
أعظم ، فإن فيه تسوية بين المحدث والجنب في الطهارة عند عدم الماء ، مع افتراقهما
عند وجودة.
وقد ذكر محمد بن
مسلمة في الآية التي تقارب هذه في سورة
__________________
المائدة تقديما وتأخيرا ، يقتضي اشتمال كتاب الله تعالى على تيمم
الجنب.
وإذا قررنا ذلك
زال هذا الخيال.
فقال محمد بن
مسلمة قال الله تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ، الآية ، فإنما نسقها وسياقتها فيما يرى ، والله أعلم :
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة من نوم ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو
لامستم النساء ، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، إلى قوله : إلى الكعبين ،
وإن كنتم جنبا فاطهروا ، يعني بالماء.
وقد فسره في موضع
آخر : حتى تغتسلوا ، وإن كنتم مرضى أو على سفر ، ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا
، ليكون ذاكرا للطهارتين عند عدم الماء ووجوده ، وفي القرآن تأخير وتقديم في قوله
:
(وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) إلى قوله : (إِلَّا قَلِيلاً).
وقال الله تعالى :
(وَلَوْ لا فَضْلُ
اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) فعلى هذا ، لو لا فضل الله عليهم لا تبعوا الشيطان إلا
قليلا ، يرجع إلى ما قال قبلها مما أمرهم أن يردوه إلى الرسول ، وإلى أولي الأمر
منهم
__________________
وأخبرهم أنه يعلمه
الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا ، فكان الاستثناء إلى ها هنا.
ويكثر في القرآن
التقديم والتأخير في النسق.
وروى مالك عن زيد
بن أسلم ، مما دل على التقديم والتأخير فقال : قوله تعالى :
(إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ) : معناه من المضاجع ، فالنوم بسبب الحدث ، والغائط وملامسة
النساء : سببان آخران للوضوء ، مثل القيام من المضاجع ، فهذه أسباب ثلاثة.
وقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) ، نسق الوجه واليدين ، ومنصوب على ما تقدم من الفعل الواقع
عليه في قوله : (فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ) فأضمر ذلك ، فقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، له موجب آخر غير المذكور ، فلا يجوز أن يذكر غسل الوجه
واليدين موجبا للغائط المذكور بعده ، فليكن الموجب مقدما على الموجب ، وهذا بين ،
ولأنا لو لم نقدر هذا ، عددنا السفر والمرض حدثا ، والغائط ولمس النساء ، وليس
المرض والسفر حدثا ، ولا هما من أسباب الحدث.
الاعتراض عليه أن
المخالف يقول : لا يمكن أن تحمل الآية على وجه لا يحتاج فيه إلى تقديم وتأخير ،
فإنه تعالى قال (إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ) محدثين ، من غير أن يذكر سبب الحدث ، ذكر الطهارة الصغرى ،
ثم قال مطلقا : (وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، من غير أن يكون ذاكرا لسبب الجنابة ، ثم قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى
سَفَرٍ) ، فذكر السبب بعد ذكر المسبب ، وأراد أن يتعرض للسببين
الأصليين اللذين يحصل بهما الحدثان غالبا ، فقال : (أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ)
والسبب الأصلي
للجنابة الجماع ، والحدث خروج الخارج من السبيلين والنوم وزوال العقل حدث ، بناء
على توهم خروج الخارج ، فرجع إليه ، وفي حق الرجل ، السبب الأصلي الجماع ، وخروج
المنى ملحق به ، فهذا لا يحتاج إلى تقديم وتأخير ، بل يكون الكتاب مبينا حكم
الطهارتين عند وجوب السبب المطلق ، ومبينا تفصيل السببين على الوجه الأصلي ، وهذا
حسن بين.
ويدل على أنه لا
حاجة إلى التقديم والتأخير ، أنه إذا أمكن التقديم والتأخير في آية الطهارة
المذكورة في سورة المائدة ، فلا يمكن ذلك في قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ
سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً).
ثم قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى
سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ).
وليس الذي تقدم ها
هنا مما سن به نسق الخطاب في التقديم والتأخير ، ولأجل ذلك روى الأعمش عن أبي وائل
، قال : كنت جالسا مع أبي موسى وعبد الله بن مسعود فقال أبو موسى :
أرأيت لو أن رجلا
أجنب فلم يجد الماء شهرا ، يتيمم ثم يصلي؟
فقال عبد الله :
لا يتيمم ، وإن لم يجد الماء شهرا ، ثم ذكر له حديث عمار فرجع عنه ، وذكر أنه لم يرجع ، وقال : إن عمر لم يقنعه قول
عمار ، وذكر أنه لو رخصنا لهم في ذلك ، استثقلوا الاغتسال عند وجود الماء وقنعوا
بالتيمم.
__________________
وهذا يدل على أنهم
لم يروا في كتاب الله تعالى تيمم الجنب ، ولم يرشد رسول الله صلّى الله عليه وسلم
عمارا ، لكنه كما أرشد عمر إلى الآية السيف مع ما فيها من الإشكال.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَماناتِ)(إِلى أَهْلِها) الآية (٥٨).
فيه دليل على وجوب
رد الأمانة إذا طلبها مالكها ، وقبل الطلب لا يخفى وجوب الرد ، فإن في وجوب ردها
قبل الطلب بطلان جواز الإمساك ، وفيه بطلان مقصود الائتمان ، وهو الحفظ المقصود
للمالك وهذا عام في حق الجميع ، وإن كان قوله تعالى من بعد : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ، مخصوصا بالحكام ، غير أن خصوص الآخر لا يرفع التعلق
بعموم الأول على رأي كثير من الأصوليين وإن كان فيهم من يخالف مخالفة لها وجه حسن.
وقد روى أنس بن
مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، أنه قال :
«لا تزال هذه
الأمة بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت» .
ومثله قوله تعالى
في قصة داود :
(فَاحْكُمْ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) الآية.
__________________
وقال تعالى :
(إِنَّا أَنْزَلْنَا
التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) إلى قوله : (فَلا تَخْشَوُا
النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
فأمر الحكام بهذه
الخلال الثلاثة وأخذها عليهم.
أن لا يتبعوا
الهوى.
وأن يخشوه ولا
يخشوا الناس.
وأن لا يشتروا
بآياته ثمنا قليلا.
قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) آية (٥٩).
يحتمل أن يراد به
الفقهاء والعلماء.
ويحتمل أن يراد به
الأمراء ، وهو الأظهر ، لما تقدم من ذكر العدل في قوله : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ).
وقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) : يدل على أن أولي الأمر هم الفقهاء ، لأنه أمر سائر الناس
بطاعتهم ، وأمر أولي الأمر برد المتنازع فيه إلى كتاب الله ، وسنة نبيه عليه
السلام ، وليس لغير العلماء معرفة كيفية الرد إلى الكتاب والسنة.
وزعم قوم ، أن
المراد بأولي الأمر ، علي والأئمة المعصومين ، ولو كان كذلك ما كان لقوله تعالى : (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)
__________________
معنى ، بل قال
ردوه إلى الإمام وإلى أولي الأمر ، فإن قوله هذا هو المحكم على الكتاب والسنة عند
هؤلاء ، لأنه تعالى أمرهم بطاعة أولي الأمر في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم
، ولم يكن علي إماما على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وليس هذا من أحكام
القرآن المتعلقة بالفقه ، وإنما بيان ذلك في أصول الإمامة.
ووجوب طاعة الرسول
، ليس متلقى من أدلة الفقه ، وإنما هو مدلول المعجزة فقط.
قوله تعالى :
(وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) الآية (٨٦).
ذكر الرازي أن في
هذه الآية دلالة أن من ملك غيره شيئا بغير بدل فأراد الرجوع فيه ، فله ذلك ، ما لم
يثبت منه ، وإذا وهب لغير ذي رحم ، فله الرجوع ما لم يثبت ، ومتى أثبت فلا رجوع له
فيها.
وهذا الاستنباط
ركيك جدا ، فإن في التحية ليس يرد تلك التحية ، ولا إن ردها متصور ، ولا أنه يمكن
الرجوع فيها ، وإنما قوله :
(أَوْ رُدُّوها) أي ردوا مثلها ؛ فإن التحية في قضية العرف طلب الجواب فإذا
لم يجب ، كان إيحاشا ، وأما الهبة فإنها تبرع ، فلو اقتضت عوضا خرجت عن كونها
تبرعا ، بل كان معاوضا ، وليس جواب التحية بأحسن منها ، أو مثلا مخرجا للتحية عن
موضعها.
__________________
قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ
فِئَتَيْنِ) الآية : (٨٨).
هؤلاء كانوا
أسلموا بمكة ولم يهاجروا ، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين تقيه وتحببا
إليهم.
قال الله تعالى : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ
حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
يعني يسلموا
ويهاجروا ، لأن الهجرة تتبع الإسلام ، وهو كقوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) وكل ذلك كان حالة كانت الهجرة فرضا.
وقال عليه السلام
: «أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين ، وأنا بريء من كل مسلم مع مشرك ،
قيل : لم يا رسول الله؟ قال : لأبرأ آثارهما».
ثم نسخ فرض
الهجرة.
وروى ابن عباس أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : «لا هجرة ولكن جهاد ونية ، وإذا
استنفرتم فانفروا» .
وقال عليه السلام
: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،
__________________
والمهاجر من هجر
ما نهى الله عنه»
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) الآية (٩٠).
قال أبو عبيد :
يصلون يعني ينسبون إليهم ، والانتساب يكون بالخلف تارة ، وبالرحم والولاء ، وجائز
أن يدخل في عهدهم على حسب ما كان من رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينه وبين قريش
في الموادعة ، فدخلت خزاعة في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو كنانة في
عهد قريش ثم نسخت العقود بقوله تعالى :
(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) إلى قوله تعالى : (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
وقال : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) ، أي لكم مثل ما لهم ، فإذا عقد الإمام عقد هدنة مع قوم من
الكفار ، فكل من يدخل في خبرهم من مناسيبهم بالحلف والرحم والولاء ، داخل في
عهدهم.
نعم ، نسخ العهد
مع المشركين بإعزاز الله الدين ، وأمر المسلمين ، بأن لا يقبلوا منهم إلا السيف أو
الإسلام ، بقوله تعالى :
(فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
__________________
فنسخ به الصلح
والهدنة ، وتقريرهم على الكفر ، وأمر المسلمين بقتالهم ، حتى يسلموا أو يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون ، إن كانوا أهل كتاب ، أو السيف أو الإسلام ، إن لم
يكونوا من أهل الكتاب. فالمنسوخ ذلك العهد .. فإذا دعت حاجة الزمان إلى مهادنة
الكفار من غير جزية يؤدونها إليه ، فكل من انتسب إلى المعاهدين صار منهم واشتمل
الأمان عليهم.
قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ
مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ..) الآية (٩٢).
معناه ما كان له
ذلك في حكم الله تعالى.
واختلف الناس في
معنى إلا ، فقال قائلون هو استثناء منقطع بمعنى لكن ، كأنه قال : لكن قد يقتله خطأ
، فإذا قتله فحكمه كيت وكيت ، والاستثناء المنقطع ذكروا له شواهد في أشعار العرب ،
مثل قول النابغة : إلا الأواري ، وغيره ، وقد شرحناه في أصول الفقه.
وقال آخرون : هو
استثناء صحيح ، وفائدته أن له أن يقتله خطأ في بعض الأحوال ، وهو أن يرى عليه لبسة
المشركين والانحياز إليهم فيظنه مشركا ، وقتله في هذا الوقت على هذا الوجه جائز ،
كما روى الزهري عن عروة بن الزبير ، أن حذيفة بن اليمان قاتل مع رسول الله صلّى
الله عليه وسلم يوم أحد ، فأخطأ المسلمون يومئذ بأبيه يحسبونه من العدو ، وتحاملوا
عليه بأسيافهم ، فطفق حذيفة يقول :
إنه أبي ، فلا
يفهموا قوله حتى قتلوه ، فقال عنه ذلك : يغفر الله
__________________
لكم وهو أرحم
الراحمين ، وبلغت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فزاد حذيفة عنده خيرا.
فأما قول من قال :
إنه منقطع من كل وجه ، وليس فيه معنى الاستثناء بوجه ما فهو بعيد ، فإنه مكابرة
النص ، وإلا لا بد أن يتحقق معناه على بعض الوجوه ، إما مجازا وإما حقيقة ، فأما
إبطال وجه المجاز والحقيقة فتعطيل لا تأويل.
والذي ذكره من
المعنى الثاني يقتضي أن يكون قتله مباحا من جهة الله تعالى إذا ظنه مشركا ، وإذا
ظنه مشركا فهو يتعمد قتله ولا يراه خطأ ، وإذا قال الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ
مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) يقتضي أن يقال إنما يباح إذا وجد بشرط ، وشرط الإباحة أن
يكون خطأ ، وإذا أبيح له على شرط ، فلا بد وأن يعلم وجود الشرط حتى تصح الإباحة ،
ولا يتصور أن يعلم أنه خطأ ، فإنه لو علمه خطأ علم التحريم ، فدل أن القتل ليس
مباحا في هذه الحالة ، فإنه لو كان مباحا كان مباحا على شرط ، والشرط يجب أن يعلمه
من أبيح له ، ولأن من يجوز له دفعه عن نفسه ، فكيف يكون مباحا له؟ ودفعه جائز ،
والذي أباحه الله تعالى ، هو الذي إذا علم المرء حقيقة الحال كان مباحا ، ويكون
مباحا لمصلحة في النفس ، وقتل المسلم المعصوم ليس من مصلحة حال ، فليس مباحا إذن ،
فأقرب قول فيه أن يقال :
قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ
مُؤْمِناً) ، اقتضى تأثيم قاتله لاقتضاء النهي عن ذلك ، فقوله إلا خطأ
دفع المأثم عن قاتله ، فإنما دخل الاستثناء على ما تضمنه اللفظ من استحقاق المأثم
، وأخرج منه قاتل الخطأ بالاستثناء ، فالاستثناء مستعمل في حقيقته على هذا الوجه ،
فإنه يرجع إلى المأثم الذي هو يتضمن القتل.
قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ).
ورأى العلماء
إيجاب تحرير الرقبة المؤمنة ، والإيمان معتبرها هنا ، لا لأن ذكر الإيمان ينفي من
طريق الفحوى غيره من حيث الإسم ، ولكن مقادير العبادات لا تعرف بالرأي والقياس ،
فليس يمكن أن يقال : إن الرقبة المؤمنة إذا حررت ، فأي قدر يتعلق به من الثواب ،
وعلى أي درجة هو من القربة ، وأن ذلك القدر هل هو مقدم إليه ، أم يحصل الاجزاء
بغيره مما دونه؟ فلما لم يتصور إحاطة ظن المستنبطين به ، لا جرم وجب الاقتصار على
المذكور ، ومنع إلحاق ما دونه به.
ومعلوم أن اعتاق
الكافر دون اعتاق المؤمن ، فليس لنا أن نقيسه عليه ، فيتعين اتباع مورد النص وموضع
الإسم ، وهذا حسن بين.
والذي قيل فيه ،
إن معناه : أنه عجز شخص بقتله عن طاعة الله تعالى ، فتعين عليه تحرير رقبة مثله ،
معنى ضعيف ، فإنما نشترط صفة الإيمان في اعتاق الرقبة عن المقتول الكافر ، فلا
حاصل لهذا المعنى ، وهذا بين في منع قياس الكافر على المؤمن.
ولو ورد النص في
تحرير المؤمن بقتل المؤمن ، ما جاز لنا أن نقيس الكافر عليه ، ولا جاز أن نقول إذا
قتل عليه مسلم كافرا ، فيجب عليه إعتاق المؤمن ، بل أمكن أن يقال يجزى الكافر عن
الكافر ، ولكن الله تعالى نص عليه في قوله :
(وَإِنْ كانَ مِنْ
قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
__________________
إِلى
أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ).
إلا أنه إذا ثبت
ذلك ، فيظهر منه أن اعتبار الظهار واليمين بالقتل في هذا الحكم من طريق القياس
بعيد ، فإن الكفارات وضعت على أوضاع مختلفة : مثلا : التحرير في اليمين والظهار
والقتل واحد ، فوجب من كل واحد من هذه الأجناس ، الرقبة على الصفة التي وجدت في
الآخر من السلامة من العيب.
ثم الأصل أن يكون
البدل قائما مقام الأصل ، ومع هذا جعل بدل الرقبة في اليمين صيام ثلاثة أيام ،
وجعل في القتل والظهار صيام شهرين متتابعين ، وقياس التفاوت في البدل ، وقد استوت
أوصاف البدل في الكفارات كلها ، وقد جعل الله تعالى صوم ستين يوما معدلا بإطعام
ستين مسكينا ، وجعل في اليمين صيام ثلاثة أيام معدلا بإطعام عشرة مساكين ، فكيف
يتأتى الاعتبار مع اختلاف هذه الأوضاع؟
وعند ذلك اعتمد
الشافعي في اشتراط الإيمان في تحرير الرقبة في كفارة الظهار ، على حديث الأمة
الخرساء وهو مشهور ، وإن كان في القياس وجه يمكن تمشيته.
وقد ذكرنا في كتب
الخلاف ، أن الله تعالى ذكر صيام الشهرين المتتابعين ، ثم قال : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) ، ولم يكن من الخاطئ ما يقتضي التوبة ، وقد قال تعالى : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) ، مع أن التوبة حقيقتها الندم.
ويقال في الجواب
عنه توبة من الله : أي عدم المؤاخذة في ترك التحفظ والتصون ، مع إمكان عده من حملة
الذنوب.
__________________
ثم قال تعالى : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) ، فإنها في الآية إيجاب الدية مطلقا ، وليس فيه إيجابها
على العاقلة أو على القاتل ، وإنما أخذ ذلك من السنة ، ولا شك أن إيجاب المساواة
على العاقلة خلاف قياس الأصول من الغرامات وضمان المتلفات ، والذي أوجب على
العاقلة ، لم يجب تغليظا ، ولا أن وزر القاتل عليهم ، ولكنه مواساة محضة.
واعتقد أبو حنيفة
أنها باعتبار النصرة لازمة ، وإنما هي إلى اختيار من في الديوان ، وأما الناشئ من
القرابة فيه لازم لا يزول ، وما كل نصرة تعتبر ، فإن الزوج ينصر زوجته ولا يتحمل
عقلها ، والمؤمنون ينصر بعضهم بعضا ، والأصل عدم التحمل إلا حيث أثبت التحمل ، وقد
أثبت التحمل في نصرة الأقارب ، فلا يجوز طرح وصف القرابة وإلغاؤها.
ثم اعلم أن الله
تبارك وتعالى ، أطلق الدية ولم يبين مقدارها ، فلا نعلم مقدارها إلا من حيث بيان
آخر ، ولا يفهم من إيجاب أصل الدية إبانة التفاوت بين العمد والخطأ وشبه العمد ،
ولا بين الكافر والمسلم ، ولا أصل المساواة ، وإنما المساواة والتفاوت صفات
وكيفيات ، تعلم من بيان آخر ، ولا نعلم منه التسوية بين الحر وغيره في مقدار الدية
ولا التفاوت ، فهذا بين يعرف بمبادئ النظر.
وقد غلط الرازي
فيه من وجوه عدة ، وعثر عثرات متتابعة ، وظن أن الله تبارك وتعالى لما ذكر في قتل
المعاهد : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلى أَهْلِهِ) أن المراد به مثل دية المسلم في المقدار ، ولم يعلم أن هذا
الكلام لا تعلق له بالمقدار ، فإنه لو اقتصر على ذكر دية المسلم ، لم يفهم منه
المقدار ، وضم مثله إليه في المعاهد ، كيف يكون بيانا للمقدار؟ وإذا قال القائل :
من أتلف دما فعليه ضمانة ، ومن أتلف ثوبا فعليه ضمانه ،
ومن أتلف بهيمة
فعليه ضمانها ، لا يفهم منه المساواة في المقدار ولا التفاوت ، وإنما ذلك معلوم من
بيان آخر ، وهذا لا ريب فيه.
نعم ذكر الله
تعالى تحرير الرقبة في ثلاثة مواضع ، ولم يذكر الدية في قوله : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ
وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، فاحتمل أن يقال الدية تجب وتكون لبيت المال ، ولكن الله
تعالى إنما ذكر في الموضعين الدية المسلمة إلى أهله ، فإذا لم يكن له وارث مسلم
ولكنه مسلم ، فإذا قتل فلا دية لأهله ، فلم يذكر الدية لأهله لذلك.
وذكر ذاكرون
تأويلا آخر فقالوا قوله :
(فَإِنْ كانَ مِنْ
قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ).
إنما كان في صلح
النبي صلّى الله عليه وسلم أهل مكة ، لأنه من لم يهاجر لم يورث لأنهم كانوا
يتوارثون بالهجرة ، قال الله تعالى :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا).
فلم يكن لمن لم
يهاجر ورثة من المسلمين يستحقون ميراثه ، فلم تجب الدية ثم نسخ ذلك بقوله :
(وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).
والشافعي رضي الله
عنه يقول : إذا قتل مسلما في دار الحرب في
__________________
الغارة والحرب ،
أو في دار السلام إلا أنه في الحرب والغارة ، فعليه كفارة ولا دية في ظاهر المذهب.
ولا شك أن ذلك
بعيد عن قياس الأصول ، لأن الجهل بصفة الشيء لا يسقط ضمانه إذا كان مضمونا ، ومن
أجله صار صائرون إلى وجوب الضمان ، وذكروا أن السكوت عن ذكر الضمان لا يسقط الضمان
، فإن قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِناً خَطَأً) ، يتناول كل مؤمن ، لبيان أنه لا يجب فيه دية تسلم إلى
أهله ، فإن أهله كفار ، فأراد أن يتبين به أن أهله لا يستحقون من ديته شيئا ، وأنه
ليس لأهله أن يصدقوا ، فإنه لا حق لهم في ديته.
وهذا بين ليكون
جمعا بين دلالة السكوت ودلالة العموم.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً
فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها).
ظن أصحاب أبي
حنيفة ، أن الله تعالى نص على حكم الخطأ ، وأوجب التحرير فيه في ثلاثة مواضع ، ثم
قال من بعدها من غير فصل :
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) ، فإيجاب الكفارة فيها خلاف الظاهر.
والجواب عنه : أن
الله تعالى ذكر في الخطأ تمام ما أوجب فيه ، ثم أبان للعمد مزية على الخطأ وذكر
تلك المزية ، وذلك لا ينفي إيجاب ما وجب في الخطأ ، كما لا ينفي إيجاب الدية وإن وجبت
في الخطأ ، وإنما أوجب الله تعالى الكفارة في الخطأ ، تعظيما لأمر الدم في مقابلته
بالكفارة ،
__________________
وشرع في العمد
مزية ، فلا ينبغي أن تكون المزية مسقطة ما قد وجب في الخطأ ، ولذلك قال الشافعي
رضي الله عنه : إذا وجبت الكفارة في الخطأ ، فلأن تجب في العمد أولى.
وقال إذا شرع
السجود في السهو ، فلأن يشرع في العمد أولى.
وقد قال تعالى في
الخطأ (تَوْبَةً مِنَ اللهِ). معناه أنه إنما أوجبه الله عليكم ليتقبل الله توبتكم فيما
أنتم منسوبون به إلى التقصير.
وقيل : معنى
التوبة التوسعة ، وهي توسعة من الله ورحمة ، كما قال : (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ).
وقال تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ
وَالْمُهاجِرِينَ) : أي وسع الله على النبي والمهاجرين والأنصار وخفف عنهم :
فهذا تمام البيان في هذه الآية.
قول الله تعالى : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) : ومعلوم أنه كلفنا التتابع على حسب الإمكان ، فالحيض لا
يقطع التتابع في صوم الشهرين ، وليس إذا انقطع التتابع لمدى لا يمكن الاحتراز عنه
ما دل على أنه ينقطع ، لما لا يمكن الاحتراز منه .
قوله عز وجل :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) الآية (٩٤).
روي أن سبب نزول
الآية ، أن سرية للنبي صلّى الله عليه وسلم ، لقيت رجلا ومعه غنيمات له ، فقال :
__________________
السلام عليكم ، لا
إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فقتله رجل من القوم ، فلما رجعوا أخبروا النبي
صلّى الله عليه وسلم بذلك فقال :
لم قتلته وقد أسلم؟
فقال : إنما قالها
متعوذا.
فقال : هلا شققت
عن قلبه؟ وحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ديته إلى أهله ورد عليهم غنيماته .
وهذا مما يحتج في
قبول توبة الزنديق إذا أظهر الإسلام ، لأن الله تعالى لم يفرق بين الزنديق وغيره
متى أظهر الإسلام.
ومقتضى الطلاق ،
أن من قال لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أو قال إني مسلم ، يحكم له بحكم
الإسلام ، لأن قوله تعالى :
(لِمَنْ أَلْقى
إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) ، إنما معناه لمن استسلم ، فأظهر الانقياد لما دعى إليه من
الإسلام ، فإذا قرئ السلام وهو إظهار تحية الإسلام ، فلا جرم قال علماؤنا :
إنما نحكم له
بالإسلام إذا أظهر ما ينافي سائر اعتقاده ، فإذا قال اليهودي أو النصراني ، أنا
مسلم لم يصر مسلما ، لأنهم كلهم يقولون نحن مسلمون ، فهو كما قال أنا على الدين
الحق.
نعم ، المشركون
قالوا : لا نقول نحن مسلمون ، فحالهم في هذا خلاف حال اليهود والنصارى ، وقد قال
رسول الله صلّى الله عليه وسلم :
__________________
«أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني؟؟؟ دماءهم وأموالهم إلا
بحقها» .
وإنما عنى به
المشركين ، لأن اليهود والنصارى يطلقون قول لا إله إلا الله ولا يتمانعون منه ،
وإن لزمهم الشرك في التفصيل فقول : لا إله إلا الله ، إنما كان على إسلام مشركي
العرب ، لأنهم كانوا لا يعترفون به إلا استجابة لدعوة النبي صلّى الله عليه وسلم ،
وقد بين الله تعالى ذلك فقال :
(إِنَّهُمْ كانُوا
إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ).
واليهود والنصارى
يوافقون على إطلاق هذه الكلمة ، وإنما يخالفون في نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم ،
فمتى أظهر مظهر منهم الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلم ، فهو مسلم ، حتى قال
قائلون من أصحابنا : وإن هو قال محمد رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ فلا يحكم
بإسلامه ، لإمكان أن يكون من العيسوية ، حتى يقول محمد رسول الله صلّى الله عليه
وسلم إلى الكافة.
وقال قائلون : ولا
بذلك أيضا يصير مسلما ، لأن فيهم من يقول محمد رسول الله إلى كافة الناس ، ولكنه
سيبعث وما بعث بعد.
وإذا تبين ذلك ،
فما لم يقل أنا بريء من اليهودية والنصرانية ، لا يصير مسلما.
ومن أجل هذه
الاعتبارات والشرائط ، صار من صار إلى أن توبة الزنديق لا تقبل ، لأنا لم نعرف في
حقه علما يظهر به مخالفة مقتضى
__________________
اعتقاده ، لأن
دينه الذي يعتقده أن يدخل مع كل قوم فيما يهوونه ، وأن كل دين على اختلاف الأديان
كلها ينجر باطنه إلى المخازي التي يعتقدونها ، فلم يظهر لنا منه ما يخالف مقتضى
اعتقاده ، فكان كاليهودي إذا قال لا إله إلا الله.
وهذا دقيق حسن ،
وقد شرحنا هذه المسألة من الأصول ومسائل الخلاف.
واعلم أن في الآية
إشكالا ، من حيث إن الله تعالى قال :
(إِذا ضَرَبْتُمْ فِي
سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ
لَسْتَ مُؤْمِناً). الآية (٩٤).
وذلك يمنع جزم
الحكم بإسلامه ، والتشكك من أمره ، من غير أن يحكم له بالكفر ولا الإيمان ، كالذي
يخبر بالخبر ولا يعلم صدقه من كذبه ، فلا يجوز لنا تكذيبه ، وليس ترك تكذيبه مما
يقتضي تصديقه ، كذلك ما وصفنا من مقتضى الآية : ليس فيه إثبات الإيمان ولا الكفر
إنما فيه الأمر بالتثبت حتى يتبين حاله ، إلا أن الآثار التي ذكرناها قد أوجبت
الحكم بإسلامه ، فإنه عليه السلام قال : أقتلت مسلما؟ أو قتلته بعد ما أسلم.
وفيه أيضا سرّ آخر
، وهو أنا ربما نقول إنا لا نعلم إسلامه الذي هو إسلام حقيقة عند الله تعالى ،
وربما غلب على ظننا كذبه ، ولكن تجرى عليه أحكام الإسلام.
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) الآية (٩٥).
يدل على أن كثرة
الجزاء على قدر شرف العمل ، وأن الذي لا
يجاهد لا يثاب
ثواب المجاهدين ، إلا أن يعلم الله تعالى من نيته أنه لو كان الجهاد لجاهد ، فإنه
يستحق الأجر على قدر نيته ، لقوله تعالى : (غَيْرُ أُولِي
الضَّرَرِ).
وفيه رد على
المعتزلة ، لأنهم يمنعون التسوية بين أولي الضرر والمجاهد على فاسد أصولهم ، ونص
القرآن يبطل قولهم.
قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ
يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية (١٠١).
فأباح القصر
بشرطين : الضرب في الأرض ، والخوف.
وظن ظانون أن
المراد بالقصر ها هنا ، القصر في صفة الصلاة ، بترك الركوع والسجود إلى الإيماء ،
وترك القيام إلى الركوب.
والرازي اختار هذا
وقال : الذي حمله على أن القصر عزيمة عندهم ، وأن فريضة الصلاة في حق المسافر ما
نزلت إلا ركعتين فلا قصر ، ولا يقال في العزيمة لا جناح ، ولا يقال فيما شرع
ركعتين إنه قصر ، كما لا يقال في صلاة الصبح ذلك ، فلا جرم اختار الأول.
واحتج عليه بأن
الله تعالى قيد القصر بشرطين ، والذي يعتبر فيه الشرطان إنما هو صلاة الخوف.
والذي ذكره فاسد
من وجهين :
أحدهما : أن صلاة
الخوف لا يعتبر فيها الشرطان ، فإنه لو لم يضرب في الأرض ، ولم يوجد السفر ، بل
جاءنا الكفار وغزونا في بلادنا ، فتجوز صلاة الخوف ، فلا يعتبر وجود الشرطين على
ما قاله.
فإن حملنا على قصر
الصفة ، لم يشترط فيه الضرب في الأرض.
وإن حملنا على قصر
الركعات ، لم يعتبر فيه الخوف ، فسقط ترجيحه أحد الحملين على الآخر ، باعتبار
الشرطين فيه.
الثاني : أن في
الأخبار ما يدل على أن المراد بكتاب الله تعالى ما قلناه ، وهو ما روي عن يعلى بن
أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : كيف نقصر وقد أمنّا؟ وقال الله
تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) الآية ، فقال : عجبت مما عجبت ، فسألت النبي صلّى الله
عليه وسلم فقال : «صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» .
وقوله لرسول الله
صلّى الله عليه وسلم : ما لنا لا نقصر وقد أمنّا؟ دليل قاطع على أن مفهوم الآية
القصر في الركعات ، ولم يذكر أصحاب أبي حنيفة على هذا تأويلا يساوي الذكر.
وإذا قالوا لم
يشرع الله في السفر إلا ركعتين ، فليست الأربعة مشروعة ، وإذا لم تكن الأربعة
مشروعة ما دام السفر ، فلم صح الاقتداء بالمقيم ، وإذا اقتدي به ، فلم لزمته
الأربع؟ وقد قالوا : لو اقتدي به في التشهد لزمه الأربع ، ومالك يشترط إدراك ركعة.
فإن قيل لنا :
وعندكم ، لم لزمته الأربع؟
قيل : إن نوى
الأربع ، فليلزمه الأربع ، وإن لم ينو فلا ، فهو صحيح على أصلنا.
فأما عندهم
فاختلاف الصلاتين يمنع القدوة ، وهذا بيّن.
__________________
ولا فرق بين سفر
الحج والغزو ، وسفر التجارة.
وابن مسعود يقول :
لا نقصر إلا في حج أو جهاد.
وعطاء يقول : لا
أرى القصر إلا في سبيل من سبل الله عز وجل.
وقول الله تعالى :
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) يعم كل سفر.
وقال مالك : إذا
خرج للصيد لا لمعاشه ولكن متنزها ، أو خرج لمشاهدة بلده متنزها ومتلذذا ، لم يقصر.
وقال الشافعي رضي
الله عنه : لا قصر في سفر المعصية.
وقد شرحنا ذلك في
سورة البقرة.
وقوله (ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) مطلق ، وقوله : يمسح المسافر ثلاثة أيام مطلق ، غير أن
الإطلاق يقيد بالمعنى المفهوم من الرخص.
ولعل أبا حنيفة
يرى القصر عزيمة فيقول : صلاة غير المقيم لم تشرع إلا كذلك ، فإذا لم تشرع في غير
حالة الإقامة إلا كذلك ، لم تكن شرعت لإعانته على ما هو بصدده.
إلا أن هذا الكلام
باطل بالوجوه التي قدمناها.
والإشكال أنه ليس
في كتاب الله تعالى تقييد المدة ، ويعتبر في السفر مسيرة ثلاثة أيام أو ستة عشر
فرسخا ، على ما اختلف العلماء وبينا سببه فيما تقدم فلا نعيده.
قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ
لَهُمُ الصَّلاةَ) الآية (١٠٢).
مذهب الشافعي رضي
الله عنه في صلاة الخوف ، أن العدو إذا كان في غير وجه القبلة ، جعل الإمام القوم
صفين ، وصلى بطائفة ركعة ، وطائفة وجاه العدو ، فإذا سجد سجدوا معه ، وإذا قام
قاموا معه ونووا مفارقته ، وأتموا الصلاة لأنفسهم ، وأطال الإمام القيام حتى تحصر
الطائفة الأخرى بعد انصراف الطائفة الأولى إلى وجاه ، وصلى الإمام بالطائفة الأخرى
ركعة وتشهد وسلم ، وقضى القوم بقية صلاتهم.
وإن كان العدو في
جهة القبلة ، أحرم بهم جميعا وحرسه صف وسجد مع القيام صف ، وباقي الصلاة على ما تقدم.
والفرق بين كون
العدو في جهة القبلة ، وكونه في جهة أخرى ، أن العدو إذا كان في غير جهة القبلة ،
فإنما يحرم بطائفة واحدة ، وإذا كانوا في جهة واحدة أحرم بهم.
وللناس اختلافات
كثيرة في صلاة لخوف ، وأبو حنيفة من بينهم يقول : يركع لإمام بقوم ويسجد وينصرفون
وهم في الصلاة ، ويجيء القوم الآخرون فيصلي بهم ركعة ثم ينصرفون ويجيء الأولون
فيقضون بقية صلاتهم.
فأثبتوا ترددات
كثيرة في الصلاة من غير حاجة ، والله تعالى يقول :
(وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ
وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) الآية (١٠٢).
فظن أن السجود
يجري على حقيقته.
__________________
ولكن لما لم يقل
إنهم ينصرفون كرة أخرى ، حمل الشافعي قوله : فإذا سجدتم يعني فإذا صليتم ، فالذي ذكره الشافعي رضي الله عنه ، ليس
فيه إلا أن المأموم يقطع نية القدرة ، وذلك ليس نية بعد.
وعلى ما قاله أبو
حنيفة تجري ترددات في خلال الصلاة ، وهي خارقة نظام الصلاة من غير حاجة ، ومعلوم
أن قطع نية القدوة أمثل من احتمال ترددات لا لحاجة في خلال الصلاة.
وأبو حنيفة قد قال
في الذي سبقه الحدث ، إنه يتردد وصلاته صحيحة ، وذلك أيضا خلاف الأصول ، فلا جرم قال أبو
يوسف : الذي كان من ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في صلاة الخوف ، لا
يجوز مثله بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فإنما كان مختصا به لئلا يفوت
الناس الجماعة معه ، لأنه رأى أشياء تخرم نظام الصلاة ، فأما نحن ، فلا يحتمل ما
يخالف نظام الصلاة ، وإنما قصارى ما يفعله المأموم قطع نية القدوة فقط ، وذلك غير
ممنوع شرعا.
وإذا كان الخوف
أشد من ذلك ، وكان التحام القتال ، فإن المسلمين يصلون على ما أمكنهم مستقبلي
القبلة ومستدبريها ، وأبو حنيفة وأصحابه الثلاثة متفقون على أنهم لا يصلون والحالة
هذه ، بل يؤخرون الصلاة ، وإن قاتلوا في الصلاة قالوا فدت الصلاة.
وحكي عن الشافعي
رضي الله عنه : إن تابع الطعن والضرب فسدت صلاته.
وليس في القرآن
تعرض لذلك على الخصوص ، وإنما فيه :
__________________
«فلا جناح عليكم
أن تقصروا من الصلاة».
وهم يحملون ذلك
على قصر الأوصاف ، وقصر الأوصاف عند الخوف ، يشتمل على حالة التحام القتال.
نعم ، صح أن رسول
الله صلّى الله عليه وسلم ، صلى صلاة الخوف في مواضع ، على اختلاف في الصفات ، ولم
يصلّ يوم الخندق أربع صلوات حتى مضى هوى من الليل ثم قال :
«ملأ الله بيوتهم
وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى ».
فقضاهن على
الترتيب ، ولم يكن مشتغلا بالقتال حالة الحفر ، ولا كان الكفار ثم ، وإنما كانوا يستعدون لهم ، والدليل على أنه لم يجر قتال
إلا مناوشة في طرف مع بعضهم ، قوله تعالى :
(وَكَفَى اللهُ
الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ).
وذلك يدل على أنه
لم يجر قتال ، فعلم أن ذلك كان مخصوصا منسوخا ، ويعلم ضرورة أن الأفعال في القتال
، مثل الأفعال من المشي والحركات ثم الجيئة والذهاب في خلال صلاة الخوف عندهم لا
تنافي صحة الصلاة على ما هو مذهبهم ، فالقتال من أي وجه كان منافيا.
قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ
بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ
وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) الآية (١٠٢).
فيه إباحة وضع
السلاح ، لما فيه من المشقة اللاصقة به في حمل السلاح
__________________
في حالة المرض
والوحل والطين ، فيجوز أن يؤخذ منه أن من توحل ووقع في الطين وضاق عليه وقت الصلاة
، فيجوز له أن يصلي بالإيماء ، كما يجوز له في حالة المرض إذا لم يمكنه السجود ،
لأن الله تعالى سوى بين المرض والمطر.
قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ
فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) الآية (١٠٣).
واعلم أن الله
تعالى ذكر لفظ الذكر في غير هذا الموضع ، وأراد به الصلاة في قوله تعالى :
(الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ).
فروي أن عبد الله
بن مسعود ، رأى الناس يضجون في المسجد فقال : ما هذه الضجة؟ قالوا : أليس الله
تعالى يقول : أذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم؟ قال : إنما يعني بهذه الصلاة
المكتوبة ، إن لم تستطع قائما فقاعدا ، وإلا فعلى جنبك.
وقال الحسن في
قوله تعالى : (الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ).
هذه رخصة من الله
تعالى للمريض أن يصلي قاعدا ، فإن لم يستطع فعلى جنبه.
والمراد نفس
الصلاة ، لأن الصلاة ذكر الله تعالى ، وقد اشتملت على الأذكار المفروضة والمسنونة
، فسماها الله تعالى ذكرا لذلك ، وسماها ركوعا ، وكل ذلك تعبير عن الصلاة بما
تشتمل عليه الصلاة.
فأما الذكر الذي
في قوله عز وجل : (فَإِذا قَضَيْتُمُ
الصَّلاةَ)
__________________
فيحتمل أن يكون
معناه ذكر الله تعالى بالقلب وباللسان وهو الظاهر ، فإنه تعالى ذكر ذلك بعد الفراغ
من الصلاة ، فقال : (فَإِذا قَضَيْتُمُ
الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ).
وقوله تعالى : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) ، معناه فإذا رجعتم إلى أوطانكم ، فعودوا إلى إتمام الصلاة
ودعوا القصر ، فإنه زال الخوف والسفر ، فارجعوا إلى إتمام الأركان إن كان القصر
قصرا في الأوصاف ، قال الله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ
كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً).
قال عبد الله بن
مسعود : موقوت : منجم ، كلما مضى نجم دخل نجم آخر. وقال زيد بن أسلم مثل ذلك ،
فنزلت الآية على أن الصلاة مفروضة في أوقات معلومة على نوب مضبوطة ، غير أن هذه
دلالة حملية ، وأشار إلى تفاصيلها في مواضع أخر من كتابه ، من غير
تحديد أوائلها وأواخرها ، وبين على لسان الرسول صلّى الله عليه وسلم مقاديرها فيما
ذكره الله تعالى في الكتاب في أوقات الصلوات ، فمن جملة تلك الآيات.
قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ).
وروي عن ابن عباس
أنه قال :
دلوك الشمس ،
زوالها عن بطن السماء لصلاة الظهر ، إلى غسق الليل ، وهو صلاة المغرب.
وروي عن ابن عمر
مثل ذلك في دلوكها أنه زوالها.
__________________
وقال ابن مسعود :
دلوكها : زوالها.
وروي عنه وعن ابن
عباس في رواية أخرى ، أن دلوكها غروبها ، واللفظ يحتمل المعنيين.
والدلوك في الأصل
الميل ، فدلوك الشمس ميلها ، وقد تميل تارة للزوال وتارة للغروب ، فقال الرازي :
إذا عنى بالدلوك
أول الوقت ، وغسق الليل نهايته ، لأنه تعالى قال : إلى غسق الليل وإلى غاية.
ومعلوم أن وقت
الظهر لا يتصل بغسق الليل ، لأن بينهما وقت العصر ، فالأظهر أن يكون المراد بالدلوك
ها هنا هو الغروب ، وغسق الليل اجتماع الظلمة ، لأن وقت المغرب يتصل بغسق الليل
ويكون نهايته.
والاعتراض على ما
ذكر أن يقال :
إنه لو كان على ما
ذكره ، ما كان في كتاب الله إشارة إلى صلاة الظهر والعصر ، والظهر أول ما نزل من
الصلوات ، والعصر الصلاة الوسطى عند الأكثرين ، فكيف يجوز أن لا يقع التعرض لهما ،
ويقع التعرض لصلاة الليل أولا إلى صلاة الفجر ويغفل صلاتي النهار مع أن الميل في
الشمس غير غروب الشمس ، فإن الشمس تميل قبل أن تغرب ، فلا يقال : مالت الشمس بمعنى
غربت ، إلا أن يقال : مالت للغروب ، فإنه يقال للشمس وقت الظهر : إنها مائلة ، ولا
يقال لها بعد ما غربت مائلة.
يبقى أن يقال : إن
الله تعالى قال : (إِلى غَسَقِ
اللَّيْلِ) ، ولا يتصل أول الظهر بغسق الليل ، فيقال : ليس كذلك ، فإن
ما بين زوال الشمس المعبر عنه بالدلوك ، إلى غسق الليل ، وقت لصلوات عدة ،
وهي الظهر ،
والعصر ، والمغرب ، فيفيد ذلك أن من وقت الزوال إلى غسق الليل ، لا يخرج أن يكون
وقتا لصلاة ، فيدخل فيه الظهر والعصر والمغرب ، فأبان الله تعالى أن بين زوال
الشمس إلى غسق الليل وقت لصلوات عدة ، فيدخل فيها الظهر والعصر والمغرب ، ويحتمل
أن يدخل فيه العتمة أيضا ، لأن الغاية قد تدخل في الحكم ، كقوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ، وقوله : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ، والغسل داخل في شرط الإباحة.
وإذا حمل الدلوك
على الزوال ، اشتملت الآية على خمس صلوات ، فالأربعة من الزوال إلى غسق الليل ،
والخامسة قرآن الفجر.
ولما كان بين
الصبح والظهر وقت ليس من أوقات الصلوات المفروضة ، أبان الله تعالى أن من وقت
الزوال إلى وقت العتمة وقتا للصلاة مفعولة فيه.
وأفرد الفرد
بالذكر ، إذ كان بينه وبين الصلوات المفروضة وقت ليس من أوقات الصلوات المفروضة ،
وقال تعالى في بيان المواقيت أيضا على نحو ما سلف.
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ
طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ).
وروي عن عمر وعن
الحسن في قوله طرفي النهار.
الصبح والظهر
والعصر.
وزلفا من الليل :
المغرب والعشاء.
فعلى هذا القول قد
انتظمت الآية الصلوات الخمس.
__________________
وروى يونس عن
الحسن : (أَقِمِ الصَّلاةَ
طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) قال : المغرب والعشاء.
فعلى هذا القول قد
انتظمت الآية الصلوات الخمس.
وعن الحسن في
رواية : أقم الصلاة طرفي النهار ، قال : هو الفجر والعصر.
وعن ابن عباس :
جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة.
(فَسُبْحانَ اللهِ
حِينَ تُمْسُونَ) : المغرب والعشاء ، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : الفجر ، (وَعَشِيًّا) : العصر ، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) ، الظهر.
وعن الحسن مثله.
وعن ابن عباس : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ
وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى).
قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) : تحريض على الجهاد ، ونهي عن الونا والضعف.
وذكر العلة فيه
فقال : (وَتَرْجُونَ مِنَ
اللهِ ما لا يَرْجُونَ) أي إن الألم الذي ينالكم محتمل في مقابلة عظيم الثواب عند
الله تعالى ،
__________________
ذلك ليعلم أن
المشاق في التكاليف محتملة ، لما يرجى فيها من ثواب الله تعالى.
قوله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ
اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً).
سبب نزولها مذكور
في التفاسير ، وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد ، إلا
بعد أن يعلم أنه محق.
قوله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ
اللهُ) ، يحتمل الوحي والاجتهاد جميعا ، وفيه دليل على أن وجود
السرقة في يد إنسان لا يجب الحكم عليه بها ، لأن الله تعالى نفى الحكم عن اليهودي
بوجود السرقة عنده ، إذ كان جائزا أن يكون هو الآخذ ، وذلك مذكور في التفاسير .
وليس ذلك مثل ما
فعله يوسف عليه السلام ، حين جعل الصاع في رحل أخيه ، ثم أخذ الصاع ، واحتبسه عنده ، فإنه إنما حكم عليهم بما
كان عندهم أنه جائز ، وكانوا يسترقون السارق ، فاحتبسه عنده ، وكان له أن يتوصل
إلى ذلك ولا يسترقه ، ولا قال إنه سارق ، وإنما قال ذلك رجل عنده ظنه سارقا.
وقد نهي الله
تعالى عن الحكم بالظن والهوى ، بقوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً
مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
__________________
وقال عليه السلام
: «إياكم والظن فإنه أكذب الحديث» .
قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ
ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى). زيادة تغليظ في الزجر عنه ، وتقبيح حاله ، وتبيين للوعيد
فيه ، إذا كان معاندا بعد ظهور الآيات الدالة على صدق الرسول عليه السلام.
وقرن اتباع غير
سبيل المؤمنين بمعاينة رسول الله فيما ذكر من الوعيد ، فدل على صحة إجماع الأمة
على ما قررناه في تصانيفنا في الأصول ، وبينا ما يرد عليه من الاعتراض ومنع
الاحتجاج .
قوله تعالى : (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ).
فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : عن ابن
عباس رواية : «فليغيرن خلق الله» ، أي يغيرن دين الله بتحريم الحلال ، وتحليل
الحرام ، ومثله قوله تعالى :
(لا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
وروي عن ابن عباس
وأنس أنه الخصاء.
وروي عن الحسن أنه
الوشم.
وروي عن الحسن أنه
كان لا يرى بأسا بإخصاء الدابة.
__________________
وعن طاوس وعروة
مثله.
وقوله (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ
حَنِيفاً).
ظاهر في وجوب
اتباع ملة إبراهيم ، إذا لم يظهر لنا ناسخ من شرعنا ، وفيه دليل على أنه ليس
للعباد تحريم ما أحله الله تعالى باليمين.
وقوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) الآية ، وقد ذكرنا معناها.
قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها
نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما) ، فأباح الله تعالى الصلح ، فروي عن علي وابن عباس ، أنهما
أجازا لهما أن يصلحا على ترك بعض مهرها أو بعض أيامها ، أن يجعلها لغيرها.
وقال عمر : ما
اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
وروى سماك عن
عكرمة عن ابن عباس قال : حسبت سودة أن يطلقها رسول الله فقالت : يا رسول الله ، لا
تطلقني وأمسكني واجعل النوبة لعائشة ففعل ، فنزلت هذه الآية.
ونزلت أيضا في
المرأة تكون عند الرجل ، فيزيد طلاقها ويتزوج غيرها ، فتقول أمسكني ولا تطلقني ،
ثم تزوج وأنت في حل من النفقة
__________________
والقسم ، فذلك
قوله : (فَلا جُناحَ
عَلَيْهِما) ـ إلى قوله ـ (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).
فهذه الآية دالة
على وجوب القسم بين النساء ، إذا كان تحته جماعة وعلى وجوب القسم لها بالكون عندها
، إذا لم يكن عنده إلا واحدة ،
تم الجزء الثاني
بحمد الله تعالى ، ويليه الجزء الثالث وأوله سورة
المائدة ، والله
المستعان.
__________________
فهارس الجزء الاول والثاني
فهرس
الموضوعات
فهرس
الآيات
فهرس
الأحاديث
فهرس الموضوعات
الموضوع
|
|
الصفحة
|
مقدمة
|
|
أ
|
التعريف بالمؤلف
|
|
ه
|
التعريف بالكتاب
وطريقة المؤلف
|
|
ط
|
مقدمة المؤلف
|
|
١
|
القول في بسم
الله الرحمن الرحيم وما فيه من معنى الضمير
|
|
٣
|
الفوائد التي
ينتظمها قوله : «بسم الله»
|
|
٤
|
سورة البقرة
قوله تعالى : في
شأن المنافقين وإظهارهم الإيمان مع إضمار الكفر وعدم الأمر بقتلهم.
|
|
٦
|
قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ
آمَنُوا)
|
|
٦
|
قوله تعالى : (يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)
|
|
٦
|
قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
فِراشاً)
|
|
٧
|
قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً) ودلالته على إباحة الأشياء في الأصل.
|
|
٧
|
الأمر باستعمال
حجج العقول وإبطال التقاليد
|
|
٨
|
قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا). والفرق بين البشارة والإخبار.
|
|
٨
|
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) .. ودلالته على أن الأول من السابق إلى الكفر أشد قبحا.
|
|
٨
|
قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ
وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)
|
|
٩
|
قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً
غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) ، وجوب اتباع النصوص بلا تغيير.
|
|
٩
|
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تَذْبَحُوا بَقَرَةً).
|
|
١٠
|
قوله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ
ذلِكَ) ، ودلالته على جواز الاجتهاد ، وإتباع الظواهر.
|
|
١١
|
قوله تعالى : (مُسَلَّمَةٌ).
|
|
١١
|
قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا
لَكُمْ) ، ودلالته على أن العالم المعاند أبعد عن الرشد.
|
|
١١
|
قوله تعالى : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا
أَيَّاماً مَعْدُودَةً) ، وإطلاق الأيام على ما فوق العشرة.
|
|
١١
|
قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً
وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) ، ودلالته على أن المعلق من اليمين على شرطين لا يتنجز
بأحدهما.
|
|
١٢
|
قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ، ولمن يكون القول وفي أي مجال؟
|
|
١٢
|
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ
مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها) ، وسبب نزوله.
|
|
١٣
|
قوله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ
يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) ، ودلالته على جواز إخراجهم منها إذا دخلوها.
|
|
١٣
|
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) ، ودلالته على جواز التوجه إلى الجهات في النوافل.
|
|
١٣
|
قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ، ودلالته على امتناع اجتماع الملك والولادة إلا جواز
الشراء توسلا إلى العتق.
|
|
١٣
|
قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) ، ودلالتها على الأمر بالتنظف.
|
|
١٤
|
قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، ودلالته على وقوع الإجابة له في أن من ذريته أئمة ولكن
لا إمامة لظالم ، والمراد بالعهد ، والقول في خبر الفاسق.
|
|
١٥
|
قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً
لِلنَّاسِ وَأَمْناً) ، والمراد بالبيت ومعنى الأمن.
|
|
١٦
|
قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ
مُصَلًّى) ، ودلالته على ركعتي الطواف.
|
|
١٧
|
قوله تعالى : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعاكِفِينَ) ، ودلالته على أن الطواف للغرباء أفضل ، واشتراط الطهارة
للطواف وجواز الصلاة في نفس الكعبة.
|
|
١٧
|
قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ).
|
|
١٧
|
قوله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) ، أي من القحط والغارة.
|
|
١٨
|
قوله تعالى : (لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ).
|
|
١٨
|
قوله تعالى : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا).
|
|
١٩
|
قوله تعالى : (أَرِنا مَناسِكَنا) ، ومعنى النسك.
|
|
١٩
|
قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ
إِبْراهِيمَ) ، ودلالته على لزوم اتباع إبراهيم في شرائعه فيما لم
يثبت نسخه.
|
|
٢٠
|
قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) ، ودلالته على جواز النسخ.
|
|
٢٠
|
قوله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ، ودلالته على استعمال الأدلة ، وعلى أن الأشبه من
الحوادث حقيقة مطلوبة بالاجتهاد.
|
|
٢١
|
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) ، ودلالته على أن كل جهات الكعبة قبلة.
|
|
٢١
|
قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ، ودلالته على أن تعجيل الطاعات أفضل من تأخيرها.
|
|
٢٢
|
قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ
حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، وهل الاستثناء متصل أو منقطع.
|
|
٢٢
|
قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ، والمراد بالذكر.
|
|
٢٢
|
قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاةِ) ، ودلالته على أن الصبر وفعل الصلاة معونة في التمسك
بأدلة العقول الدالة على وحدانيته.
|
|
٢٣
|
قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي
سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) ، ودلالته على حياة الشهداء ، وعلى عذاب القبر.
|
|
٢٣
|
قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ
الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) ـ إلى ـ
|
|
٢٣
|
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ، ودلالته على تعجيل الثواب على العزم وتوطين النفس.
|
|
٢٣
|
قوله تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) ، ودلالته على التفويض والرضا بالقضاء.
|
|
٢٤
|
قوله تعالى : (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، ودلالته على الإقرار بالبعث والجزاء جهات الصبر.
|
|
٢٤
|
ما في التلفظ
بقوله : (إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) من الفوائد.
|
|
٢٤
|
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) ، ودلالته على وجوب إظهار علوم الدين وتبيينها ووجوب
قبول قول الواحد.
|
|
٢٥
|
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا) ، ودلالته على وجوب البيان ، وعدم جواز أخذ الأجرة على
إظهار العلم.
|
|
٢٥
|
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) ، ودلالته على منع أخذ الأجرة على الإظهار وترك الكتمان.
|
|
٢٥
|
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا) ، وبيان كيفية التوبة من الكتمان.
|
|
٢٦
|
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا
وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) ، ودلالته على لعن من مات كافرا ، وأنه جزاء له على كفره
والخلاف في ذلك.
|
|
٢٦
|
قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، ودلائله ...
|
|
٢٧
|
قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) ، ودلالته على التوحيد والاستدلال عليه ووجه الدلالة في
الآية من حجج العقول الناتجة عن إدراك ما في هذه المخلوقات من أسرار تظهر عظمة
الإله.
|
|
٢٧
|
قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ) ، ودلالته على إباحة ركوب البحر للتجارة.
|
|
٣١
|
قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةَ) ، والكلام في تخصيص عموم عموم كلام الله تعالى بالسنة
وما استثنى من التحريم ، والكلام على الجنين.
|
|
٣٢
|
قوله تعالى : (وَالدَّمَ) ، وهل يتقيد بالمسفوح أم لا؟
|
|
٤٠
|
قوله تعالى : (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) ، والسبب في تخصيص اللحم بالذكر.
|
|
٤٠
|
قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) ، والكلام فيه.
|
|
٤١
|
قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا
عادٍ) ، والقول في العدوان وحكم أكل الميتة في الضرورة.
|
|
٤١
|
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) والقول فيه.
|
|
٤٢
|
هل يقتل الحر
بالعبد؟ الآراء في ذلك.
|
|
٤٢
|
القصاص بين
الرجال والنساء ، والآراء فيه.
|
|
٤٤
|
قتل المسلم
بالكافر والاختلاف فيه.
|
|
٤٥
|
قتل الوالد
بولده والآراء فيه.
|
|
٤٧
|
المشتركون في
القتل والقصاص منهم.
|
|
٤٨
|
هل يتعين القود
في العمد.
|
|
٤٩
|
قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الآية ، وما قيل في معانيه.
|
|
٥١
|
قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا
أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، والحكمة في شرعه ، ولما ذا خص أولي الألباب بالذكر؟
|
|
٥٦
|
قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) ، ودلالته على مراعاة المماثلة في الجراح وغيره.
|
|
٥٦
|
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ، والكلام على الوصية.
|
|
٥٧
|
حكم الوصية
للوالدين والأقربين.
|
|
٥٨
|
قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) ، ودلالاته.
|
|
٦٠
|
قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ
إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) ، ومعناه.
|
|
٦٠
|
فرض الصيام في
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، والمراد بما كتب على من قبلنا.
|
|
٦١
|
قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ
عَلى سَفَرٍ) ، وما يقتضيه والمراد بالسفر.
|
|
٦٢
|
قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ) ، والقول في الحامل والمرضع.
|
|
٦٢
|
قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ) ، ومعانيه.
|
|
٦٤
|
قوله تعالى : (فَلْيَصُمْهُ) والمراد به ، وعلة الفطر بالحيض والاستقاء
|
|
٦٥
|
قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، والقول في قضاء رمضان.
|
|
٦٦
|
قوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، والاستدلال به على أن المسافر لا صوم عليه ، والكلام
عن الصوم في السفر ، واستيفاء عدد ما أفطر فيه.
|
|
٦٦
|
قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ
الرَّفَثُ) ، الآية ، والمراد بالرفث.
|
|
٧١
|
قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) ، والمراد باللباس.
|
|
٧١
|
قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ
تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) ، ومعناه.
|
|
٧١
|
قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ، وقوله (وَعَفا عَنْكُمْ). ومعناه.
|
|
٧٢
|
قوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ).
|
|
٧٢
|
قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ
عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) ، والمراد بالمباشرة والكلام على الاعتكاف.
|
|
٧٤
|
قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) ، ودلالته على أن حكم الحاكم لا يغير بواطن الأحكام ،
وعلى الحكم بالظاهر.
|
|
٧٦
|
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ
هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) والكلام على مواقيت الحج.
|
|
٧٦
|
قوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا
الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) ، ودلالته على أن ما لم يشرعه الله تعالى قربة ولا ندب
إليه لا يصير قربة.
|
|
٧٨
|
فرض الجهاد ،
وتدرج نزول الآيات فيه.
|
|
٧٨
|
قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ
الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ، الآية.
|
|
٧٨
|
هل تقتل المرأة؟
ومتى؟ قوله تعالى : (وَالْفِتْنَةُ
أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ، والمراد بالفتنة.
|
|
٨٣
|
قوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، وهل نسخ أم لا؟ القول في قتل النساء والأسباب التي
تجيزه.
|
|
٨٤
|
قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ
الْحَرامِ) ، والقتال في الأشهر الحرم.
|
|
٨٥
|
قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) والمراد به.
|
|
٨٧
|
قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
لِلَّهِ) ، ومعنى الإتمام.
|
|
٨٩
|
قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) ، والمراد به.
|
|
٨٩
|
قوله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، والمراد بالمحل.
|
|
٩٢
|
قوله تعالى : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) ، والقول في تحلل المحصر.
|
|
٩٥
|
قوله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ـ إلى قوله ـ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ
أَوْ نُسُكٍ) وما يشتمل عليه من الفوائد.
|
|
٩٧
|
قوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ) ، والكلام على التمتع وحكمه وسبب تسميته بذلك ، وأنواع
التمتع.
|
|
٩٩
|
قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) ، الآية.
|
|
١٠٥
|
قوله تعالى : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) ، والمقصود بالرجوع
|
|
١٠٦
|
قوله تعالى : (كامِلَةٌ) ، والمراد به.
|
|
١٠٨
|
قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، والكلام على أشهر الحج.
|
|
١٠٨
|
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ
هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ).
|
|
١١٠
|
قوله تعالى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) ، والمراد بفرض الحج.
|
|
١١٢
|
قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) ، والمقصود بكل منهما.
|
|
١١٣
|
قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا).
|
|
١١٤
|
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ
تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ).
|
|
١١٤
|
قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ
فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، ودلالته على أن الوقوف بعرفة من مناسك الحج.
|
|
١١٤
|
قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ
النَّاسُ) ودلالته على الإفاضة من المزدلفة وهي المشعر الحرام.
|
|
١١٥
|
قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) ، والمراد به ودلالته على الجمع بين المغرب والعشاء
بالمزدلفة.
|
|
١١٨
|
قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ
فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً).
|
|
١١٩
|
قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ
مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وبيان الأيام المعدودات ، والأيام المعلومات.
|
|
١٢٠
|
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ
قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، ودلالته على لزوم الاحتياط واستبراء أحوال القضاة
والشهود.
|
|
١٢٢
|
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ
ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ) والأقربين وبيان المراد بالنفقة.
|
|
١٢٢
|
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) ، وهل هو مجمل أو مبني على معهود تقدم.
|
|
١٢٣
|
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ).
|
|
١٢٣
|
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ) ، الآية.
|
|
١٢٤
|
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ
إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) والمراد باليتيم.
|
|
١٢٦
|
قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ) ، وحكم نكاح غير المسلمة.
|
|
١٢٩
|
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) الآية. والمراد بالمحيض.
|
|
١٣٤
|
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ) ، والمراد بالتطهر
|
|
١٣٦
|
قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) ، والكلام على معناه ، وحكم الوطء في غير الفرج.
|
|
١٤٠
|
قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً
لِأَيْمانِكُمْ) ، ومعناه.
|
|
١٤٣
|
قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ
فِي أَيْمانِكُمْ) ، والمراد باللغو.
|
|
١٤٥
|
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ، الكلام على الإيلاء.
|
|
١٤٧
|
قوله تعالى : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ) ، وبم يكون الفيء؟
|
|
١٤٩
|
قوله تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ
اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
|
|
١٥٠
|
قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) والمراد بالقرء.
|
|
١٥٢
|
قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ
ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) ، وما يدل عليه.
|
|
١٦٠
|
قوله تعالى : (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، والمقصود منه.
|
|
١٦١
|
قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ) ، والكلام على الرجعة
|
|
١٦٢
|
قوله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) ، والكلام على حقوق كل من الزوجين وأن الرجل قوام على
المرأة.
|
|
١٦٣
|
قوله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) والقول في جمع الطلقات في قرء واحد.
|
|
١٦٤
|
قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، والمراد بالإمساك.
|
|
١٧١
|
قوله تعالى : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) ، وبم تحل المطلقة ثلاثا لمن طلقها.
|
|
١٧٥
|
قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما
حُدُودَ اللهِ) ، والكلام على الخلع.
|
|
١٧٦
|
قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية ، والمراد ببلغن أجلهن.
|
|
١٨١
|
قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً
لِتَعْتَدُوا).
|
|
١٨٢
|
قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ
نَفْسَهُ) ومضارة الزوجة بالرجعة.
|
|
١٨٣
|
قوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) ، وطلاق الهازل.
|
|
١٨٣
|
قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) ، وحق الزوج في الرجعة.
|
|
١٨٤
|
قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ
أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) إلى قوله (بِالْمَعْرُوفِ) ، ودلالته على جواز استئجار الأم على إرضاع ولدها ، ومن
أحق بحضانة الولد؟
|
|
١٨٧
|
قوله تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا
مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) ، وهل هو في النفقة أم لا؟
|
|
١٨٨
|
وله تعالى : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ
مِنْهُما) ، ودلالته على الفطام قبل وبعد الحولين والكلام على الرضاع
المحرم.
|
|
١٨٩
|
قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) والكلام على العدة.
|
|
١٩٣
|
قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) والخطبة في العدة.
|
|
١٩٧
|
قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ
سَتَذْكُرُونَهُنَّ) ، وما يدل عليه.
|
|
١٩٨
|
قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) ، والطلاق قبل الدخول.
|
|
١٩٩
|
قوله تعالى :
الكلام على المتعة.
|
|
٢٠٢
|
قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) ، وصداق المطلقة قبل الدخول بها.
|
|
٢٠٥
|
قوله تعالى : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، والمراد به.
|
|
٢٠٧
|
قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ
الْوُسْطى) ، وما يدل عليه. وبيان المراد بالصلاة الوسطى.
|
|
٢١٢
|
قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) ، والمراد بالقنوت.
|
|
٢١٥
|
قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ
رُكْباناً) ، وصلاة الخوف والكلام في الصلاة.
|
|
٢١٨
|
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ) ، الآية. والمراد بهم وحكم الخروج من الديار في الطاعون.
|
|
٢١٩
|
قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
|
|
٢٢٠
|
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ
قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) ، والحث على الانفاق.
|
|
٢٢١
|
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ
طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) الآية ، ودلالتها على أن الزعامة والإمامة ليست وراثة
متعلقة بأهل بيت النبوة ولا الملك.
|
|
٢٢١
|
قوله تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي
وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً
بِيَدِهِ) ، والاستثناء في اليمين ، والمراد بالشرب.
|
|
٢٢٢
|
قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ، والدعوة إلى الإسلام.
|
|
٢٢٣
|
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ
إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ).
|
|
٢٢٥
|
قوله تعالى : (كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً
أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) ، وتحديد المراد بالكذب.
|
|
٢٢٥
|
قوله تعالى : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما
كَسَبْتُمْ) ، وفيم يكون.
|
|
٢٢٦
|
قوله تعالى : (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ) ، ومتى تجب الزكاة في الزروع.
|
|
٢٢٧
|
قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا
هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ، وإخفاء الصدقة ودلالته على أنها حق الفقير.
|
|
٢٢٧
|
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ
اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، والصدقة على غير المسلم.
|
|
٢٢٧
|
قوله تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ
مِنَ التَّعَفُّفِ) ، ودلالته على أن اسم الفقير يجوز أن يطلق على من له
كسوة ذات قيمة.
|
|
٢٣٠
|
قوله تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) ، ودلالته على أن للسيما أثرا في اعتبار حال من تظهر
عليه وتحديد المراد بالفقير على المذاهب المختلفة.
|
|
٢٣٠
|
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا
يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ
الْمَسِّ) ، والكلام على الربا.
|
|
٢٣١
|
قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، ودلالته على جواز ما لا زيادة فيه إلا ما خصه الشارع.
|
|
٢٣٢
|
قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ
فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) ، ودلالته على أنه أراد غير المقبوض.
|
|
٢٣٤
|
قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) ، ودلالته على أنه لا يتعقب بالفسخ ما كان مقبوضا.
|
|
٢٣٤
|
قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ) ، وما فيه من الدلالات.
|
|
٢٣٤
|
تحريم الربا قبل
الإسلام.
|
|
٢٣٥
|
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ
إِلى مَيْسَرَةٍ) وثبوت المطالبة لصاحب الدين على المدين.
|
|
٢٣٦
|
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) ، والكلام على الدين.
|
|
٢٣٧
|
قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ
كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ، وهل تجب الكتابة على من طلب منه ذلك؟ ومتى؟
|
|
٢٣٩
|
قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ
كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ، ودلالته على وجوب العدل في الكتابة.
|
|
٢٤٠
|
قوله تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَقُّ) ، وبيان ما يمليه.
|
|
٢٤٠
|
قوله تعالى : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا
يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) ، والإقرار على النفس بالشيء.
|
|
٢٤٠
|
قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ
فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) والمراد بالسفيه.
|
|
٢٤١
|
قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجالِكُمْ) ، وشروط الشاهد ، والكلام على شهادة العبد والمرأة
والصبي والأعمى والبدوي على القروي.
|
|
٢٤٤
|
شهادة البدوي
على القروي.
|
|
٢٤٩
|
قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ
رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) ، والكلام على شهادة النساء.
|
|
٢٥٠
|
قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) وتفرس الحكام في الشهداء.
|
|
٢٥٢
|
شهادة الأب
لابنه.
|
|
٢٥٤
|
من شرائط
الشهادات.
|
|
٢٥٥
|
قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ
إِحْداهُمَا الْأُخْرى).
|
|
٢٥٦
|
قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا).
|
|
٢٥٦
|
قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما
دُعُوا).
|
|
٢٥٧
|
قوله تعالى : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ
صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ).
|
|
٢٥٩
|
قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ
وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ).
|
|
٢٦٠
|
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً
تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ).
|
|
٢٦٠
|
قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ).
|
|
٢٦٠
|
قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ).
|
|
٢٦١
|
قوله تعالى : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ
بِكُمْ).
|
|
٢٦٢
|
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ
تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) والكلام على الرهن.
|
|
٢٦٢
|
خاصية الرهن
التي لا توجد في غيره من الوثائق.
|
|
٢٦٤
|
رهن الدين.
|
|
٢٦٥
|
ضمان الرهن
|
|
٢٦٦
|
قوله تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَقُّ) ، ودلالته على أنه مؤتمن فيما يورده ويصدره.
|
|
٢٦٨
|
قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) إلى قوله (فَإِنَّهُ آثِمٌ
قَلْبُهُ).
|
|
٢٦٩
|
قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) وهل هي منسوخة أم لا؟ والكلام على ذلك.
|
|
٢٧٠
|
قوله تعالى : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ، والكلام على تكليف ما لا يطاق.
|
|
٢٧١
|
قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها) وما في الدين من يسر.
|
|
٢٧٢
|
قوله تعالى : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) يقتضي رفع المؤاخذة بالمنسي.
|
|
٢٧٢
|
قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا
اكْتَسَبَتْ) ، والضمان على من قتل غيره بمثقل وتخنيق وتغريق.
|
|
٢٧٣
|
قوله تعالى : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما
حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) ، ودلالته على نفي الحرج والضيق المنافي ظاهره الحنيفية
السهلة السمحة.
|
|
٢٧٣
|
قوله تعالى : (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا
بِهِ) ، وبيانه.
|
|
٢٧٣
|
الجزء الثاني
سورة آل عمران
الموضوع
|
|
الصفحة
|
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ
الْكِتابَ) ، والكلام على المحكم والمتشابه.
|
|
٢٧٧
|
قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ
بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) ، والكلام عليه.
|
|
٢٨٢
|
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) ، والكلام عليه.
|
|
٢٨٢
|
قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) والكلام عن العلاقة مع الكافرين.
|
|
٢٨٢
|
قوله تعالى : (تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)
|
|
٢٨٥
|
قوله تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) ، والكلام على القرعة.
|
|
٢٨٥
|
قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ) ، ودلالته على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلّى
الله عليه وسلم.
|
|
٢٨٦
|
قوله تعالى : (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا
وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا
يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ، ومعنى اتخاذ الأرباب.
|
|
٢٨٨
|
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، والدلالة على عدم قبول شهادة الكافر.
|
|
٢٨٨
|
قوله تعالى : (يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ
وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) ، ودلالته على أن حكم الحاكم لا يصير المال حلالا له.
|
|
٢٨٩
|
قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي
إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) ، ودلالته على جواز إطلاق الله للأنبياء تحريم ما أرادوا
تحريمه.
|
|
٢٨٩
|
قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ
لِلنَّاسِ) ـ إلى قوله ـ (وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ، وبيان الآيات البينات.
|
|
٢٩١
|
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ومعنى الاستطاعة.
|
|
٢٩٤
|
قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) ، وهل هو منسوخ أم لا.
|
|
٢٩٨
|
قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ
جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ، ومعنى الحبل ، وهل يدخل فيه الاختلاف في الفروع.
|
|
٢٩٩
|
قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ) ، والكلام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
|
|
٣٠١
|
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ، والكلام على الاستعانة بأهل الذمة.
|
|
٣٠٤
|
قوله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، ودلالته.
|
|
٣٠٥
|
قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ
وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، والكلام على الغلول.
|
|
٣٠٥
|
سورة النساء
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحامَ) ، والكلام على صلة الرحم.
|
|
٣٠٧
|
قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) ، والكلام على مخالطتهم.
|
|
٣٠٨
|
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا
فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ
وَرُباعَ) ، وأقوال المفسرين في معناه.
|
|
٣١٠
|
قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
فَواحِدَةً).
|
|
٣١٩
|
قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).
|
|
٣٢٢
|
قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ
نِحْلَةً) ، والكلام على حكم الصداق.
|
|
٣٢٢
|
قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
|
|
٣٢٤
|
قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ
أَمْوالَكُمُ) ، وبيان المراد بالسفهاء وحكم ذلك.
|
|
٣٢٦
|
قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا
بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ
أَمْوالَهُمْ).
|
|
٣٢٧
|
قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ، وبيان المراد بالمعروف ـ وحكم الأجر على العمل.
|
|
٣٢٨
|
قوله تعالى : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ
أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) ، وفائدة الإشهاد.
|
|
٣٣١
|
قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ
الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ـ إلى قوله ـ (نَصِيباً
مَفْرُوضاً) ، والكلام عليه.
|
|
٣٣٣
|
قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا
الْقُرْبى وَالْيَتامى) ، والأقوال فيه.
|
|
٣٣٤
|
قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا
مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) ، والمراد بالقول السديد ، والكلام على حكم الوصية.
|
|
٣٣٥
|
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ
الْيَتامى ظُلْماً) والكلام عليه.
|
|
٣٣٦
|
قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، والكلام على الميراث بين الجاهلية والإسلام.
|
|
٣٣٧
|
قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ، والمراد بالأولاد.
|
|
٣٤٠
|
قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ) ، ودلالته على تقديم أصحاب الفرائض في الميراث.
|
|
٣٤٠
|
قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ
اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا
النِّصْفُ) ، والكلام على ميراث الاثنتين فما فوق.
|
|
٣٤١
|
قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ
مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) ، والكلام على ميراث الأبوين مع الولد.
|
|
٣٤٤
|
قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ
وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) ، والكلام على ميراث الأبوين إن لم يكن له ولد.
|
|
٣٤٥
|
قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) والكلام على الحجب.
|
|
٣٤٥
|
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً
أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ، ومعنى الكلالة ، والكلام على مسألة المشركة.
|
|
٣٥٨
|
قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها
أَوْ دَيْنٍ) ، والكلام على الوصية مع الدين.
|
|
٣٦٩
|
قوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ) ، وفائدته في الوصية.
|
|
٣٧٢
|
قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ
مِنْ نِسائِكُمْ) ، وهل هو منسوخ أم لا؟
|
|
٣٧٤
|
قوله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ
فَآذُوهُما) ، والكلام عليه.
|
|
٣٧٤
|
قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) ـ إلى قوله ـ (لا
يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) ، وبيان الوقت الذي تقبل فيه التوبة.
|
|
٣٧٩
|
قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا
النِّساءَ كَرْهاً) ، ودلالته.
|
|
٣٨٠
|
قوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا
بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) ومعناه.
|
|
٣٨٠
|
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ) ، والمراد بالفاحشة.
|
|
٣٨٠
|
قوله تعالى : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ودلالته على كراهية الطلاق.
|
|
٣٨٢
|
قوله تعالى : (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) ، ودلالته على إيجاد المهر بالخلوة.
|
|
٣٨٢
|
قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ
مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، ومعنى النكاح.
|
|
٣٨٣
|
قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، ومعناه.
|
|
٣٩٠
|
قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) ، ودلالتها على زنا من تزوج امرأة ابنه ووطئها مع العلم
بالنهي.
|
|
٣٩١
|
قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) وبيان المحرمات من النسب ومن الصهر والترتيب العجيب في
هذا التحريم.
|
|
٣٩٢
|
قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي
أَرْضَعْنَكُمْ) وبيان ما يحرم من الرضاع.
|
|
٣٩٣
|
قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ، والكلام على لبن الفحل.
|
|
٣٩٣
|
قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ
وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ) ، والكلام على اشتراط الدخول في أمهات النساء.
|
|
٣٩٥
|
قوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ
مِنْ أَصْلابِكُمْ) ومعنى الحليلة.
|
|
٤٠٠
|
قوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ) والمراد بالجمع المحرم.
|
|
٤٠١
|
قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ، وما أفاده من الأحكام وبيان الخلاف بين أبي حنيفة
والشافعي في الأختين إذا جمعا في نكاح واحد.
|
|
٤٠١
|
قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا
ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).
|
|
٤٠٥
|
قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) وبيان المشار إليه بذلكم.
|
|
٤٠٨
|
قوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) ، وبيان من توجه إليه الخطاب.
|
|
٤٠٨
|
قوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) ، وهل يجوز أن يكون عتق الأمة صداقا.
|
|
٤٠٨
|
قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) وبيان وجوهه. ومعنى الإحصان.
|
|
٤٠٩
|
قوله تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) ، والكلام على نكاح المتعة.
|
|
٤١٢
|
قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) ومعناه.
|
|
٤١٣
|
قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ
طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) والرد على الرازي حيث لم ير لهذه الآية دلالة على ضد
المذكور عند عدم الحاجة.
|
|
٤١٥
|
قوله تعالى : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) ، ودلالته على اعتبار الإيمان في الفتيات.
|
|
٤٢٦
|
قوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) ، ودلالته على اشتراط الإذن في نكاحها.
|
|
٤٢٩
|
قوله تعالى : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ) ، ودلالته على وجوب المهر بلا غلو ولا تقصير.
|
|
٤٣٠
|
قوله تعالى : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) وبيان أن معناه بنكاح صحيح.
|
|
٤٣٣
|
قوله تعالى : (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) وبيان المراد به ومعنى الخدن.
|
|
٤٣٣
|
قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ
بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ).
|
|
٤٣٤
|
قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ
مِنْكُمْ) ، والحكمة فيه ألا يسترق الولد.
|
|
٤٣٦
|
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) ، ودلالته على امتناع خلو واقعة عن حكم الله.
|
|
٤٣٧
|
قوله تعالى : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ) ، وأن المراد به السنن في بيان ما فيه الصلاح.
|
|
٤٣٧
|
قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وتمييز الباطل من غيره ومعنى التجارة.
|
|
٤٣٧
|
قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، ومعناه.
|
|
٤٤١
|
قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً
وَظُلْماً) ولمن الوعيد في الآية.
|
|
٤٤٢
|
قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ
بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) ، وما قيل في تفسيره.
|
|
٤٤٢
|
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا
تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ، والمراد بالمولى ، والكلام على حديث : من كنت مولاه
فعلي مولاه.
|
|
٤٤٤
|
قوله تعالى : «والذين
عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم». والمقصود بالمعاقدة والأحكام المترتبة عليها.
|
|
٤٤٦
|
قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ) وما تدل عليه.
|
|
٤٤٨
|
قوله تعالى : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ) ، وبيان كيفية التعامل مع النساء.
|
|
٤٥٠
|
قوله تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) ، ومعناه.
|
|
٤٥٠
|
قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) ، والكلام في ذلك.
|
|
٤٥١
|
قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئاً) ، وما يدل عليه.
|
|
٤٥٣
|
قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، والكلام على طاعة الوالدين وعلى ما اشتملت عليه الآية
من بيان الجوار والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم.
|
|
٤٥٤
|
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وبيان ذم البخل.
|
|
٤٥٥
|
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ
رِئاءَ النَّاسِ) ، ومعناه ٤٥٧ قوله تعالى : (يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) والمراد.
|
|
٤٥٧
|
قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) ، والكلام عليه.
|
|
٤٥٨
|
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى
سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) ، والآراء فيه.
|
|
٤٦١
|
قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ، والمراد باللمس.
|
|
٤٦٣
|
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) ، والكلام على الأمانة.
|
|
٤٧١
|
قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وبيان المراد بأولي الأمر.
|
|
٤٧٢
|
قوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ
فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها).
|
|
٤٧٣
|
فهرس الآيات القرآنية
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ)
|
٤٢
|
فصلت
|
٢
|
(وَآتَيْناهُ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً)
|
٨٤
|
الكهف
|
٢
|
(اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ)
|
١
|
العلق
|
٣
|
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها)
|
٤٠
|
الشورى
|
٦
|
(فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)
|
١٩٤
|
البقرة
|
٦
|
(وَالْجِبالَ
أَوْتاداً)
|
٧
|
النبأ
|
٧
|
(سَخَّرَ لَكُمْ ما
فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)
|
٢٠
|
لقمان
|
٨
|
(سَخَّرَ لَكُمْ ما
فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)
|
١٣
|
الجاثية
|
٨
|
(وَلَيَحْمِلُنَّ
أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ)
|
١٣
|
العنكبوت
|
٨
|
(لِيَحْمِلُوا
أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ...)
|
٢٥
|
النحل
|
٩
|
(مَنْ قَتَلَ
نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ ...)
|
٣٢
|
المائدة
|
٩
|
(قُلْنَا احْمِلْ
فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)
|
٤٠
|
هود
|
١٠
|
(وَقالَ ارْكَبُوا
فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها ...)
|
٤١
|
هود
|
١٠
|
(أَيَّاماً
مَعْدُوداتٍ ...)
|
١٨٤
|
البقرة
|
١٢
|
(إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا)
|
٣٠
|
فصلت
|
١٢
|
(إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا)
|
١٣
|
الأحقاف
|
١٢
|
(ما كانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ)
|
١٧
|
التوبة
|
١٣
|
(إِنَّ اللهَ عَهِدَ
إِلَيْنا ...)
|
١٨٣
|
آل عمران
|
١٥
|
(أَلَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ)
|
٦٠
|
يس
|
١٥
|
(وَإِذْ جَعَلْنَا
الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً)
|
١٢٥
|
البقرة
|
١٦
|
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)
|
١٩١
|
البقرة
|
١٦
|
(فَلا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا)
|
٢٨
|
التوبة
|
١٦
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)
|
١٤٤
|
البقرة
|
١٧
|
(وَارْزُقْهُمْ مِنَ
الثَّمَراتِ)
|
٣٧
|
إبراهيم
|
١٨
|
(فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)
|
٣٧
|
إبراهيم
|
١٨
|
(وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)
|
٢٩
|
الحج
|
١٨
|
(وَالْمَلائِكَةُ
باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ)
|
٩٣
|
الأنعام
|
١٩
|
(فَفِدْيَةٌ مِنْ
صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)
|
١٩٦
|
البقرة
|
١٩
|
(فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)
|
١١٥
|
البقرة
|
٢٠
|
(ما لَهُمْ بِهِ
مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ)
|
١٥٧
|
النساء
|
٢٢
|
(أَلا بِذِكْرِ
اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
|
٢٨
|
الرعد
|
٢٢
|
(إِنَّ الصَّلاةَ
تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)
|
٤٥
|
العنكبوت
|
٢٣
|
(وَاللهُ يَقْضِي
بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ...)
|
٢٠
|
غافر
|
٢٤
|
(إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ ...)
|
١٧٤
|
البقرة
|
٢٥
|
(ثُمَّ يَوْمَ
الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ)
|
٢٥
|
العنكبوت
|
٢٦
|
(أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ)
|
٢٧
|
السجدة
|
٢٨
|
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ ...)
|
٢١
|
الزمر
|
٣٠
|
(وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ)
|
١٨
|
المؤمنون
|
٣٠
|
(وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)
|
١٠
|
فصلت
|
٣٠
|
(أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً)
|
٢٥
|
المرسلات
|
٣١
|
(إِنَّا جَعَلْنا ما
عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها)
|
٧ ـ ٨
|
الكهف
|
٣١
|
(هُوَ الَّذِي
يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)
|
٢٢
|
يونس
|
٣١
|
(رَبُّكُمُ الَّذِي
يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ)
|
٦٦
|
الإسراء
|
٣١
|
(فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ)
|
١٠
|
الجمعة
|
٣٢
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(أَنْ تَبْتَغُوا
فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ)
|
١٩٨
|
البقرة
|
٣٢
|
(أُحِلَّ لَكُمْ
صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ)
|
٩٦
|
المائدة
|
٣٢
|
(أَوْ دَماً
مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ)
|
١٤٥
|
الأنعام
|
٤٠
|
(حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)
|
٣
|
المائدة
|
٤٠
|
(إِلَّا مَا
اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)
|
١١٩
|
المائدة
|
٤١
|
(وَلا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ)
|
٢٩
|
النساء
|
٤١
|
(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ
فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)
|
٤٥
|
المائدة
|
٤٥
|
(فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ)
|
٤
|
التوبة
|
٤٧
|
(فَسِيحُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)
|
٢
|
التوبة
|
٤٧
|
(وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً)
|
٨
|
العنكبوت
|
٤٨
|
(وَكَتَبْنا
عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)
|
٤٥
|
المائدة
|
٥٠
|
(وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ..)
|
٣٣
|
الإسراء
|
٥٠
|
(خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)
|
١٩٩
|
الأعراف
|
٥١
|
(ثُمَّ بَدَّلْنا
مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا)
|
٩٥
|
الأعراف
|
٥٤
|
(إِنَّما أَنْتَ
مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)
|
٤٥
|
النازعات
|
٥٦
|
(نَذِيرٌ لَكُمْ
بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ)
|
٤٦
|
سبأ
|
٥٦
|
(قالَتْ إِنِّي
أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا)
|
١٨
|
مريم
|
٥٦
|
(وَالْجُرُوحَ
قِصاصٌ)
|
٤٥
|
المائدة
|
٥٦
|
(وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
|
٢٣٣
|
البقرة
|
٥٧
|
(وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ)
|
١٩
|
النساء
|
٥٧
|
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ)
|
٧ و ٣٢
|
النساء
|
٥٧
|
(تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ)
|
٨٥
|
البقرة
|
٧١
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ
فَتابَ عَلَيْكُمْ)
|
٢٠
|
المزمل
|
٧٢
|
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ)
|
٩٢
|
النساء
|
٧٢
|
(لَقَدْ تابَ اللهُ
عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ)
|
١١٧
|
التوبة
|
٧٢
|
(الَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)
|
١٩٧
|
البقرة
|
٧٦
|
(ادْفَعْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ)
|
٣٤
|
فصلت
|
٧٨
|
(فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ)
|
١٣
|
المائدة
|
٧٨
|
(وَجادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
|
١٢٥
|
النحل
|
٧٨
|
(وَلا تُجادِلُوا
أَهْلَ الْكِتابِ)
|
٤٦
|
العنكبوت
|
٧٨
|
(وَإِذا خاطَبَهُمُ
الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)
|
٦٣
|
الفرقان
|
٧٨
|
(أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)
|
٧٧
|
النساء
|
٧٩
|
(لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ)
|
٢٢
|
الغاشية
|
٧٩
|
(وَما أَنْتَ
عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)
|
٤٥
|
ق
|
٧٩
|
(فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ)
|
١٣
|
المائدة
|
٧٩
|
(قُلْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ)
|
١٤
|
الجاثية
|
٧٩
|
(فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
|
٥
|
التوبة
|
٧٩
|
(قاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ)
|
٢٩
|
التوبة
|
٧٩
|
(أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)
|
٣٩
|
الحج
|
٨٠
|
(فَمَنِ اعْتَدى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى)
|
١٩٤
|
البقرة
|
٨٠
|
(عَلَيْكُمْ
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ)
|
١٩١
|
البقرة
|
٨١
|
(حَيْثُ
أَخْرَجُوكُمْ)
|
|
|
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(وَقاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)
|
١٩٣
|
البقرة
|
٨١
|
(وَقاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...)
|
٣٩
|
الأنفال
|
٨٢
|
(وَقاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ)
|
١٩٠
|
البقرة
|
٨٢
|
(وَاقْتُلُوهُمْ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
|
٨٩
|
النساء
|
٨٢
|
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)
|
٥
|
التوبة
|
٨٣
|
(حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ)
|
٢٩
|
التوبة
|
٨٤
|
(إِنَّ اللهَ
اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ)
|
١١١
|
التوبة
|
٨٨
|
(وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى)
|
١٧
|
لقمان
|
٨٩
|
(ما أَصابَكَ ثُمَّ
مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)
|
٣٣
|
الحج
|
٩٢
|
(هَدْياً بالِغَ
الْكَعْبَةِ)
|
٩٥
|
المائدة
|
٩٢
|
(وَالْهَدْيَ
مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)
|
٢٥
|
الفتح
|
٩٣
|
(يا أَبانا مُنِعَ
مِنَّا الْكَيْلُ)
|
٦٣
|
يوسف
|
٩٣
|
(فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)
|
٣٧
|
إبراهيم
|
٩٩
|
(ثُمَّ آتَيْنا
مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)
|
١٥٤
|
الأنعام
|
١١٦
|
(ثُمَّ كانَ مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا ...)
|
١٧
|
البلد
|
١١٦
|
(ثُمَّ اللهُ
شَهِيدٌ ...)
|
٤٦
|
يونس
|
١١٦
|
(أَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي)
|
١٤
|
طه
|
١١٨
|
(فَإِذا قَضَيْتُمُ
الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً)
|
١٠٣
|
النساء
|
١١٩
|
(إِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ)
|
١
|
الطلاق
|
١١٩
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى)
|
١٣
|
الحجرات
|
١٢٠
|
ـ إلى قوله ـ (عَلِيمٌ
خَبِيرٌ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما)
|
٢٨
|
الحج
|
١٢٠
|
(رَزَقَهُمْ مِنْ
بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ...)
|
١
|
المنافقون
|
١٢٢
|
(قاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)
|
٢٩
|
التوبة
|
١٢٣
|
(فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
|
٥
|
التوبة
|
١٢٣
|
(الم غُلِبَتِ
الرُّومُ)
|
١ و ٢
|
الروم
|
١٢٥
|
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ
مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)
|
٦٠
|
الأنفال
|
١٢٦
|
(وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ)
|
٥
|
المائدة
|
١٢٩
|
(الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ)
|
٢٢١
|
البقرة
|
١٢٩
|
(ما يَوَدُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ)
|
١٠٥
|
البقرة
|
١٣٠
|
(لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ)
|
١
|
البينة
|
١٣٠
|
(مَنْ كانَ عَدُوًّا
لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ)
|
٩٨
|
البقرة
|
١٣٠
|
(وَإِذْ أَخَذْنا
مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ...)
|
٧
|
الأحزاب
|
١٣٠
|
(وَإِنَّ مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ ...)
|
١٩٩
|
آل عمران
|
١٣١
|
(مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ)
|
١١٣
|
آل عمران
|
١٣١
|
(لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...)
|
٢٢
|
المجادلة
|
١٣١
|
(لا تَتَّخِذُوا
بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ...)
|
١١٨
|
آل عمران
|
١٣١
|
(لا يَتَّخِذِ
الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ)
|
٢٨
|
آل عمران
|
١٣٢
|
(خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ...)
|
٢١
|
الروم
|
١٣٢
|
(وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
|
٥
|
المائدة
|
١٣٣
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ)
|
٢٤
|
النساء
|
١٣٣
|
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ ...)
|
٢٥
|
النساء
|
١٣٣
|
(وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ)
|
٥ و ٦
|
المؤمنون
|
١٤١
|
(أَتَأْتُونَ
الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
أَزْواجِكُمْ ...)
|
١٦٦،١٦٥
|
الشعراء
|
١٤٢
|
(وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)
|
٢٢
|
النور
|
١٤٣
|
(وَلا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ)
|
١٠
|
القلم
|
١٤٤
|
(كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)
|
١١٠
|
آل عمران
|
١٤٤
|
(لا تَسْمَعُ فِيها
لاغِيَةً)
|
١١
|
الغاشية
|
١٤٥
|
(لا يَسْمَعُونَ
فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً)
|
٢٥
|
الواقعة
|
١٤٥
|
(وَإِذا سَمِعُوا
اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)
|
٥٥
|
القصص
|
١٤٦
|
(وَالْغَوْا فِيهِ
لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)
|
٢٦
|
فصلت
|
١٤٦
|
(وَإِذا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)
|
٧٢
|
الفرقان
|
١٤٦
|
(لا يُؤاخِذُكُمُ
اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ)
|
٨٩
|
المائدة
|
١٤٧
|
(يُؤاخِذُكُمْ بِما
عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ)
|
٩
|
الحجرات
|
١٤٩
|
(الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي ...)
|
٢
|
النور
|
١٥٤
|
(فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَ)
|
١
|
الطلاق
|
١٥٨
|
(وَلا تَأْخُذْكُمْ
بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ...)
|
٢
|
النور
|
١٦٢
|
(إِنِّي أَعُوذُ
بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا)
|
١٨
|
مريم
|
١٦٢
|
(الرِّجالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ...)
|
٣٤
|
النساء
|
١٦٣
|
(وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ)
|
٤
|
الطلاق
|
١٦٣
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(فَما لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها)
|
٤٩
|
الأحزاب
|
١٦٤
|
(وَبُعُولَتُهُنَّ
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)
|
٢٢٨
|
البقرة
|
١٦٤
|
(نُؤْتِها أَجْرَها
مَرَّتَيْنِ)
|
٣١
|
الأحزاب
|
١٦٥
|
(لا تَدْرِي لَعَلَّ
اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)
|
١
|
الطلاق
|
١٦٥
|
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَ)
|
٨٧
|
المائدة
|
١٦٦
|
(اللهُ لَكُمْ وَلا
تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا)
|
٢٣١
|
البقرة
|
١٧٢
|
(فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
|
٢
|
الطلاق
|
١٧٢
|
(وَأَشْهِدُوا
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى
تَغْتَسِلُوا)
|
٤٣
|
النساء
|
١٧٥
|
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ
اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ ...)
|
٢٠
|
النساء
|
١٧٦
|
(وَلا يَحِلُّ
لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ...)
|
٢٢٩
|
البقرة
|
١٧٦
|
(لا يَحِلُّ لَكُمْ
أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ...)
|
١٩
|
النساء
|
١٧٧
|
(وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ...)
|
٤
|
النساء
|
١٧٧
|
(وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ...)
|
٢٣٧
|
البقرة
|
١٧٧
|
(وَرَبائِبُكُمُ
اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ ..)
|
٢٣
|
النساء
|
١٨٠
|
(إِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ)
|
١
|
الطلاق
|
١٨١
|
(فَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)
|
٩٨
|
النحل
|
١٨١
|
(وَإِذا قُلْتُمْ
فَاعْدِلُوا ...)
|
١٥٢
|
الأنعام
|
١٨٢
|
(فَلا تَحِلُّ لَهُ
مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)
|
٢٣٠
|
البقرة
|
١٨٥
|
(مَتاعاً إِلَى
الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ)
|
٢٤٠
|
البقرة
|
١٩٣
|
(وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ)
|
٤
|
الطلاق
|
١٩٤
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ)
|
٢٤٠
|
البقرة
|
١٩٦
|
(أَسْكِنُوهُنَّ
مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ)
|
٦
|
الطلاق
|
١٩٦
|
(وَلا تُطِعْ
مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)
|
٢٤
|
الإنسان
|
٢٠٠
|
(وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ)
|
٦
|
المائدة
|
٢٠١
|
(وَعَلَى الَّذِينَ
هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)
|
١٤٦
|
الأنعام
|
٢٠١
|
(وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ...)
|
٤
|
النساء
|
٢٠٨
|
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ
اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ ...)
|
٢٠
|
النساء
|
٢٠٨
|
(وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)
|
٧٨
|
الإسراء
|
٢١٤
|
(أَمَّنْ هُوَ
قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ)
|
٩
|
الزمر
|
٢١٥
|
(وَمَنْ يَقْنُتْ
مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)
|
٣١
|
الأحزاب
|
٢١٦
|
(وَأَطِعْنَ اللهَ
وَرَسُولَهُ)
|
٣٣
|
الأحزاب
|
٢١٦
|
(اقْنُتِي لِرَبِّكِ)
|
٤٣
|
آل عمران
|
٢١٦
|
(لَبِثْنا يَوْماً
أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)
|
١٩
|
الكهف
|
٢٢٥
|
(وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)
|
٨
|
الإنسان
|
٢٢٨
|
(لا يَنْهاكُمُ
اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ
مِنْ دِيارِكُمْ ...)
|
٨
|
الممتحنة
|
٢٢٨
|
(وَما تُنْفِقُوا
مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ)
|
٦٠
|
الأنفال
|
٢٢٩
|
(وَأَنْتُمْ لا
تُظْلَمُونَ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)
|
٣٠
|
محمد
|
٢٣٠
|
(وَلا يَحِلُّ
لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ)
|
٢٢٨
|
البقرة
|
٢٤٠
|
(وَلا تَكْتُمُوا
الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)
|
٢٨٣
|
البقرة
|
٢٤٠
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(سَيَقُولُ
السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ)
|
١٤٢
|
البقرة
|
٢٤١
|
(قِبْلَتِهِمُ
الَّتِي كانُوا عَلَيْها وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ
قالُوا)
|
١٣
|
البقرة
|
٢٤١
|
(أَنُؤْمِنُ كَما
آمَنَ السُّفَهاءُ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ
لَكُمْ قِياماً)
|
٥
|
النساء
|
٢٤١
|
(وَارْزُقُوهُمْ
فِيها وَاكْسُوهُمْ)
|
٥
|
النساء
|
٢٤١
|
(فَتُوبُوا إِلى
بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)
|
٥٤
|
البقرة
|
٢٤٢
|
(فَإِذا دَخَلْتُمْ
بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ)
|
٦١
|
النور
|
٢٤٢
|
(عِنْدِ اللهِ
مُبارَكَةً طَيِّبَةً كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)
|
١٣٥
|
النساء
|
٢٤٥
|
(كُونُوا
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ)
|
١٣٥
|
النساء
|
٢٤٦
|
(ضَرَبَ اللهُ
مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)
|
٧٥
|
النحل
|
٢٤٦
|
(وَأَشْهِدُوا
ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)
|
٢
|
الطلاق
|
٢٤٩
|
(وَمِنَ الْأَعْرابِ
مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً)
|
. ٩٨
|
التوبة
|
٢٥٠
|
(وَيَتَرَبَّصُ
بِكُمُ الدَّوائِرَ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ)
|
٩٩
|
التوبة
|
٢٥٠
|
(وَيَتَّخِذُ ما
يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا)
|
٢٠٤ ، ٢٠٥
|
البقرة
|
٢٥٣
|
(وَيُشْهِدُ اللهَ
عَلى ما فِي قَلْبِهِ) ... إلى :
(وَاللهُ لا يُحِبُّ
الْفَسادَ وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ)
|
٤
|
المنافقون
|
٢٥٣
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(وَأَقِيمُوا
الشَّهادَةَ لِلَّهِ)
|
٢
|
الطلاق
|
٢٥٩
|
(وَلا تَسْئَمُوا
أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ)
|
١٣٥
|
النساء
|
٢٥٩
|
(إِنَّما يُرِيدُ
الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ)
|
٩١
|
المائدة
|
٢٦٩
|
(وَالْبَغْضاءَ فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ
خَيْراً لَهُمْ)
|
٦٦
|
النساء
|
٢٧٠
|
(وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ)
|
٥
|
النساء
|
٢٧٠
|
(وَلا تُبَذِّرْ
تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ)
|
٢٦ ، ٢٧
|
الإسراء
|
٢٧٠
|
(الشَّياطِينِ
وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)
|
٢٢٥
|
البقرة
|
٢٧١
|
(إِنَّ الَّذِينَ
يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) ...
|
١٩
|
النور
|
٢٧١
|
(فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ)
|
١٠
|
البقرة
|
٢٧١
|
(وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَأَعْنَتَكُمْ)
|
٢٢٠
|
البقرة
|
٢٧٢
|
(عَزِيزٌ عَلَيْهِ
ما عَنِتُّمْ ...)
|
١٢٨
|
التوبة
|
٢٧٢
|
(لا تُؤاخِذْنا إِنْ
نَسِينا)
|
٢٨٦
|
البقرة
|
٢٧٢
|
(وَكانُوا لا
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً)
|
١٠١
|
الكهف
|
٢٧٣
|
(الجزء الثاني)
(ما أَفاءَ اللهُ
عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)
|
٧
|
الحشر
|
٢٧٩
|
(رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ)
|
١٠
|
الحشر
|
٢٧٩
|
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى
عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ)
|
٥٩
|
آل عمران
|
٢٨١
|
(هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ)
|
٧
|
آل عمران
|
٢٨١
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ)
|
٣٤
|
مريم
|
٢٨١
|
(يَمْتَرُونَ
فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا)
|
١٢
|
التحريم
|
٢٨١
|
(لا تَتَّخِذُوا
بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً)
|
١١٨
|
آل عمران
|
٢٨٣
|
(لا تَجِدُ قَوْماً
يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
|
٢٢
|
المجادلة
|
٢٨٣
|
(فَلا تَقْعُدْ
بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
|
٦٨
|
الأنعام
|
٢٨٣
|
(فَلا تَقْعُدُوا
مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ)
|
١٤٠
|
النساء
|
٢٨٣
|
(وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)
|
١١٣
|
هود
|
٢٨٤
|
(فَأَعْرِضْ عَنْ
مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ)
|
٢٩
|
النجم
|
٢٨٤
|
(إِلَّا الْحَياةَ
الدُّنْيا وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)
|
١٩٩
|
الأعراف
|
٢٨٤
|
(يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ)
|
٤
|
التحريم
|
٢٨٤
|
(عَلَيْهِمْ* يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى)
|
٥١
|
المائدة
|
٢٨٤
|
(أَوْلِياءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا
بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ)
|
١٣١
|
طه
|
٢٨٤
|
(زَهْرَةَ الْحَياةِ
الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ)
|
١
|
الممتحنة
|
٢٨٥
|
(أَوْلِياءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ ، وَسُلَيْمانَ
، وَأَيُّوبَوَيُوسُفَ ، وَمُوسى ، وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ...
|
، ٨٤ ـ ٨٥
|
الأنعام
|
٢٨٧
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(لِمَ تُحَرِّمُ ما
أَحَلَّ اللهُ لَكَ) ...
|
١
|
التحريم
|
٢٩٠
|
(فَلْيَعْبُدُوا
رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) ...
|
٣ ـ ٤
|
قريش
|
٢٩٢
|
(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ
لَهُمْ حَرَماً آمِناً)
|
٥٧
|
القصص
|
٢٩٢
|
(وَكَتَبْنا
عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ـ ...)
|
٤٥
|
المائدة
|
٢٩٣
|
(وَأَنَّ هذا
صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا)
|
١٥٣
|
الأنعام
|
٢٩٩
|
(السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا)
|
٩
|
الحجرات
|
٣٠٢
|
(بَيْنَهُما فَإِنْ
بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ
إِلى أَمْرِ اللهِ ...)
|
|
|
|
(لُعِنَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ...)
|
٧٨ ـ ٧٩
|
المائدة
|
٣٠٢
|
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
...)
|
١٠٥
|
المائدة
|
٣٠٢
|
(فَقاتِلُوا الَّتِي
تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ)
|
٩
|
الحجرات
|
٣٠٢
|
(أَنْجَيْنَا
الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا ...)
|
١٦٥
|
الأعراف
|
٣٠٣
|
(وَيَسْئَلُونَكَ
عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ)
|
٢٢٠
|
البقرة
|
٣٠٨
|
(وَإِنْ
تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)
|
٣
|
النساء
|
٣١٣
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
ولا تنكحوا ما
نكح آباؤكم من النساء
|
٢٢
|
النساء
|
٣١٣
|
وأمهات نسائكم
|
٢٣
|
النساء
|
٣١٣
|
(إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ)
|
٩٨
|
النساء
|
٣١٤
|
(وَاللَّائِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ)
|
٤
|
الطلاق
|
٣١٤
|
(ارْتَبْتُمْ
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ
مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ).
|
٨٩
|
المائدة
|
٣١٧
|
(قُلْ أَإِنَّكُمْ
لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ
أَنْداداً).
|
٩ ، ١٠
|
فصلت
|
٣١٨
|
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ)
|
١٢
|
فصلت
|
٣١٨
|
(خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)
|
٥٤
|
الأعراف
|
٣١٩
|
(خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)
|
٣
|
يونس
|
٣١٩
|
خلق السماوات
والأرض في ستة أيام
|
٧
|
هود
|
٣١٩
|
ولن تستطيعوا أن
تعدلوا بين النساء ولو حرصتم
|
١٢٩
|
النساء
|
٣١٩
|
(وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ)
|
٢٥
|
النساء
|
٣٢١
|
إِذا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ
وَذَرُوا الْبَيْعَ)
|
٩
|
الجمعة
|
٣٢٥
|
(وَلا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ)
|
٢٩
|
النساء
|
٣٢٧
|
(فَإِذا دَخَلْتُمْ
بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ)
|
٦١
|
النور
|
٣٢٧
|
(قُلْ ما
سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)
|
٤٧
|
سبأ
|
٣٣١
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
قل ما أسألكم
عليه من أجر
|
٥٧
|
الفرقان
|
٣٣١
|
(قُلْ ما
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)
|
٨٦
|
ص
|
٣٣١
|
(خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ)
|
١٠٣
|
التوبة
|
٣٣٣
|
والذين عاقدت
أيمانكم فآتوهن نصيبهم
|
٢٣
|
النساء
|
٣٣٨
|
(وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ)
|
٦
|
الأحزاب
|
٣٣٨
|
(اللهِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما
لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
|
٧٢
|
الأنفال
|
٣٣٩
|
فَإِنْ
كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ)
|
١٧٦
|
النساء
|
٣٤٢
|
(الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي)
|
٢
|
النور
|
٣٧٤
|
(ما تَرَكَ عَلى
ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ)
|
٤٥
|
فاطر
|
٣٧٦
|
(إِنَّا
أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
|
١
|
القدر
|
٣٧٦
|
(وَلا تَأْخُذْكُمْ
بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ)
|
٢
|
النور
|
٣٧٧
|
(وَلا تَقْرَبُوا
الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً)
|
٣٢
|
الإسراء
|
٣٨١
|
(الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)
|
٢
|
النور
|
٣٨١
|
(مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَ)
|
٢٣٧
|
البقرة
|
٣٨٢
|
(وَلا تَقْرَبُوا
الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً)
|
٣٢
|
الإسراء
|
٣٨٦
|
(وَما جَعَلَ
أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ)
|
٤
|
الأحزاب
|
٤٠٠
|
(ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ)
|
٤٠
|
الأحزاب
|
٤٠٠
|
(وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً).
|
٢٣٧
|
البقرة
|
٤٠٨
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(وَآتُوا النِّساءَ
صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً)
|
٤
|
النساء
|
٤٠٩
|
(وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ)
|
٢٢١
|
البقرة
|
٤٢٠
|
(اسْتَأْذَنَكَ
أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ)
|
٨٦
|
التوبة
|
٤٢٤
|
(وَأَنْكِحُوا
الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)
|
٣٢
|
النور
|
٤٢٨
|
إِنَّ
الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ)
|
٢٣
|
النور
|
٤٣٥
|
(إِنَّ اللهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)
|
٩٠
|
النحل
|
٤٣٦
|
(فَكاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)
|
٣٣
|
النور
|
٤٣٦
|
(وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)
|
١٩٦
|
البقرة
|
٤٣٦
|
(ما فَرَّطْنا فِي
الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)
|
٣٨
|
الأنعام
|
٤٣٧
|
(لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ
مِنْكُمْ)
|
٢٩
|
النساء
|
٤٣٧
|
(وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ)
|
١٨٨
|
البقرة
|
٤٣٨
|
(هَلْ أَدُلُّكُمْ
عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)
|
١٠
|
الصف
|
٤٣٨
|
(يَرْجُونَ تِجارَةً
لَنْ تَبُورَ)
|
٢٩
|
فاطر
|
٤٣٨
|
(إِنَّ اللهَ
اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ...)
|
١١١
|
التوبة
|
٤٣٨
|
(وَلَقَدْ عَلِمُوا
لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ، وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)
|
١٠٢
|
البقرة
|
٤٣٩
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
|
١
|
المائدة
|
٤٣٩
|
(إِلَّا أَنْ
تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ)
|
٢٨٢
|
البقرة
|
٤٣٩
|
(إِذا تَدايَنْتُمْ
بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)
|
٢٨٢
|
البقرة
|
٤٤٠
|
(وَلْيُمْلِلِ
الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ
شَيْئاً)
|
٢٨٢
|
البقرة
|
٤٤٠
|
(وَأَنَّ
الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ)
|
١١
|
محمد
|
٤٤٤
|
(وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)
|
١١٤
|
طه
|
٤٤٨
|
(لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ)
|
٧
|
الطلاق
|
٤٤٩
|
(فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)
|
٢٢٩
|
البقرة
|
٤٥٣
|
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما)
|
٢٣
|
الإسراء
|
٤٥٤
|
(لَئِنْ لَمْ
يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ)
|
٦٠
|
الأحزاب
|
٤٥٥
|
(وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ
بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ)
|
١٨٠
|
آل عمران
|
٤٥٥
|
(وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
|
١١
|
الضحى
|
٤٥٦
|
(فَلا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى)
|
٣٢
|
النجم
|
٤٥٦
|
(إِنْ كُنْتُمْ
مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ)
|
١٨٥
|
البقرة
|
٤٦٢
|
(فَمَنْ كانَ
مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ)
|
١٩٦
|
البقرة
|
٤٦٢
|
(فَالْآنَ
بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)
|
١٨٧
|
البقرة
|
٤٦٧
|
الآية
|
رقمها
|
السورة
|
الصفحة
|
(وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)
|
٨٣
|
النساء
|
٤٦٨
|
(وَلَوْ لا فَضْلُ
اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً)
|
٢١
|
النور
|
٤٦٨
|
(فَاحْكُمْ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى)
|
٢٦
|
ص
|
٤٧١
|
(إِنَّا أَنْزَلْنَا
التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ)
|
٤٤
|
المائدة
|
٤٧٢
|
(بَراءَةٌ مِنَ
اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا
فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)
|
١ ـ ١١
|
التوبة
|
٤٧٥
|
فهرس الأحاديث
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان»
|
الطبراني عن
ثوبان وصححه
|
٤
|
|
السيوطي
|
|
«إنما الأعمال
بالنيات»
|
الشيخان وغيرها
|
٤
|
«إن على ابن آدم
القاتل من الإثم»
|
البخاري ، مسلم
، الترمذي ،
|
٩
|
|
ابن ماجة ،
النسائي.
|
|
«من سن سنة حسنة
...»
|
مسلم ، الترمذي
، أحمد ، أبو داود ، ابن ماجة ، ابن حبان ، مالك في الموطأ
|
٩
|
«دعي الصلاة
أيام حيضتك»
|
البخاري
|
١١
|
«فيشتريه فيعتقه
...»
|
مسلم ، أبو داود
، الترمذي ، البخاري في الأدب المفرد
|
١٤
|
«الناس عاريان :
|
فبائع نفسه مسلم
في صحيحه
|
١٤
|
فموبقها ...»
|
|
|
«خمس لم يكن
النبي صلّى الله عليه وسلم :
|
يدعهن رواه
الطبراني في الأوسط والبيهقي في سفر ولا حضر : المرآة ، في سننه والخرائطي في
مكارم
|
|
والكحل ...»
|
الأخلاق
|
١٤
|
«إن الله حبس عن
مكة الفيل ...»
|
البخاري ومسلم
|
١٦
|
«إن الله حرم
مكة ولم يحرمها
|
البخاري ومسلم
|
١٦
|
الناس»
|
|
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«إن أول نسكنا
في يومنا هذا
|
أبو داود
الطيالسي والبخاري
|
١٩
|
الصلاة ..»
|
|
|
«خذوا عني
مناسككم»
|
رواه مسلم وأبو
داود والنسائي
|
١٩
|
«أحلت لنا
ميتتان ودمان ...»
|
مالك والحاكم
والبيهقي
|
٣٢
|
«ما ألقى البحر
أو جزر عنه
|
أبو داود مرفوعا
، الثوري ،
|
٣٤
|
فكلوه»
|
الترمذي ،
والبخاري
|
|
«أكثر جنود الله
لا آكله ولا
|
رواه أبو داود
|
|
أحرمه»
|
|
٣٦
|
«غزوت مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلم
|
البخاري
|
|
سبع غزوات فنأكل
الجراد ولا
نأكل غيره».
|
|
|
«إن شئتم فكلوه
، فإن ذكاته
|
رواه جماعة من
الثقات عن
|
|
ذكاة أمه»
|
يحيى بن سعيد
|
٣٨
|
«مر رسول الله
صلّى الله عليه وسلم بشاة ميتة»
|
مالك بسنده عن
عبد الله بن عباس
|
٣٨
|
«لعن الله
اليهود ، حرمت عليهم
|
ابن ماجة في
سننه
|
|
الشحوم»
|
|
٣٩
|
«إن من أعتى
الناس على الله تعالى
|
رواه الإمام
أحمد وأصحاب
|
|
يوم القيامة»
|
السنن بنحوه
|
٤٣
|
«من قتل عبده
قتلناه ، ومن جدع
|
ابن ماجة
والنسائي وأبو داود
|
|
عبده جدعناه»
|
|
٤٤
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«عمرو بن شعيب :
أن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلّى الله عليه وسلم ونفاه سنة ، ومحا سهمه».
|
رواه ابن ماجة
|
٤٤
|
«من قتل قتيلا
فوليه بخير النظرين
بين أن يقتص أو
يأخذ الدية»
|
البخاري
|
٤٥
|
«قال عليه
الصلاة والسلام : أنا آخر من وفى بذمته ..»
|
الدار قطني
|
٤٦
|
«ألا لا يقتل
مؤمن بكافر»
|
البخاري ، أحمد
، والترمذي وابن ماجة ، وأبو داود
|
٤٦
|
«ألا إن كل دم
كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي هاتين ، لا يقتل مؤمن بكافر»
|
رواه أبو داود
وابن ماجة
|
٤٦
|
«لا يقتل والد
بولده»
|
ابن ماجة في
سننه وأحمد في مسنده ، والنسائي
|
٤٧
|
«من قتل في
رمياء أو عمياء تكون بينهم بحجر أو بسوط»
|
ابن ماجة وأبو
داود بنحوه
|
٥١
|
«أول الوقت
رضوان الله ، وآخره عفو الله»
|
الترمذي والدار
قطني والبيهقي
|
٥١
|
«العمد قود إلا
أن يعفو الأولياء»
|
رواه الطبراني
في المعجم الكبير
|
٥٤
|
«ما حق امرئ
مسلم له مال
|
مالك وأحمد
والستة
|
|
يوص فيه ، يمر
عليه ليلتان إلا ووصيته عنده مكتوبة»
|
|
٥٧
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«لا وصية لوارث»
|
أبو داود
والترمذي
|
٥٨
|
«عن ابن عباس أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلم احتجم صائما»
|
البخاري ، وابن
ماجة
|
٦٦
|
«إن شئت فصم ،
وإن شئت فأفطر»
|
البخاري ، مالك
، مسلم
|
٦٨
|
«ليس من البر
الصوم في السفر»
|
أحمد والشيخان
وأبو داود والترمذي وابن ماجة
|
٦٨
|
«الصائم في
السفر كالمفطر في الحضر»
|
ابن ماجة مرفوعا
، والطبري ، والنسائي ، وابن المنذر
|
٦٩
|
«إن الله تعالى
وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم ، وعن الحامل والمرضع»
|
أحمد والأربعة
|
٦٩
|
«عن أبي سعيد
الخدري قال : لقد رأيتني مع النبي عليه السلام أصوم قبل ذلك وبعده»
|
مسلم بنحوه
|
٦٩
|
«صوموا لرؤيته
وأفطروا لرؤيته»
|
مسلم وغيره
|
٦٩
|
«أول الوقت
رضوان الله ، وآخره
|
تقدم تخريجه ص
٥١ عفو الله»
|
٧٢
|
«كانت عائشة رجل
شعر رسول صلّى الله عليه وسلم وهو معتكف»
|
مالك ، والبخاري
ومسلم الله
|
٧٤
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«أتاه رجلان في
فتنة ابن الزبير فقالا : إن الناس قد ضيعوا ، وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلّى
الله عليه وسلم»
|
البخاري في
صحيحه
|
٨٢
|
«إن الله تعالى
حرم مكة»
|
البخاري ومسلم
في صحيحهما
|
٨٣
|
«أفضل الشهداء
حمزة بن عبد المطلب»
|
الحاكم وصححه
|
٨٩
|
«إني سقت الهدي
فلا أحل قبل يوم النحر»
|
متفق عليه بنحوه
|
١٠٤
|
«إذا كان يوم
صوم أحدكم ، فلا يرفث ولا يجهل ...»
|
البخاري ، ومسلم
، وابن ماجة في سننه والموطأ بنحوه
|
١١٤
|
«كانت قريش ومن
دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الخمس ...»
|
البخاري في
صحيحه
|
١١٥
|
«من صلى معنا
هذه الصلاة ووقف معنا هذا الموقف ...»
|
الترمذي في سننه
|
١١٧
|
«فما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فأتموا»
|
البخاري ، ومسلم
، وأحمد في مسنده
|
١١٩
|
«إن أهل
الجاهلية كانوا يقفون عند قضاء المناسك ذاكرين مآثرهم ومفاخرهم»
|
ابن عباس ، وأنس
بن مالك وجماعة
|
١٢٠
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«زد في المخاطرة
وامدد في الأجل»
|
ابن جرير ،
الترمذي ، والنسائي وابن أبي حاتم
|
١٢٥
|
«لا سبق إلا في
خف ، أو حافر ، أو نصل»
|
أحمد والأربعة
|
١٢٦
|
«ابتغوا في
أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة»
|
الطبراني في
الأوسط والبيهقي
|
١٢٧
|
«حماد بن سلمة
عن ثابت عن أنس أن اليهود كانوا يخرجون الحائض من البيت ...»
|
مسلم ، والترمذي
|
١٣٦
|
«عن عائشة أن
النبي صلّى الله عليه وسلم قال ابن ماجة في سننه لها : ناوليني الخمرة فقالت :
إني حائض فقال : ليست حيضتك في يدك»
|
|
١٣٦
|
«من كسر أو عرج
فقد حل وعليه الحج من قابل»
|
ابن ماجة في
سننه ، ومسلم في صحيحه
|
١٣٨
|
«إذا حللت
فأذنيني»
|
ابن ماجة في
سننه
|
١٣٨
|
«من أتى امرأته
وهي مدبرة جاء ولده أحول»
|
البخاري في
صحيحه ومسلم في صحيحه ، والترمذي في سننه ، وأبو داود
|
١٤١
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«من حلف على
يمين فرأى غيرها خيرا منها ...»
|
ابن ماجة في
سننه ، ومسلم في صحيحه ، وبنحوه عند الإمام أحمد وأبي داود
|
١٤٣
|
«هو قول الرجل :
لا والله ، بلى
|
البخاري في
صحيحه ، ومالك والله» في الموطأ
|
١٤٦
|
«خبر رفاعة»
|
رواه ابن ماجة ،
وأبو داود ، والترمذي والنسائي ، والطبري
|
١٧٥
|
«أرضعيه خمس
رضعات ثم يدخل عليك»
|
ابن ماجة في
سننه ، ومسلم ، وأبو داود ، ومالك في الموطأ
|
١٩٠
|
«انظرن من
إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة ...»
|
ابن ماجة ،
البخاري ، مسلم ، أبو داود
|
١٩٠
|
«يا أيها الناس
، ردوا الجهالات إلى السنة»
|
ابن المبارك
|
١٩٩
|
«حديث قام رجل
طويل اليدين ـ كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين ...»
|
البخاري بنحوه
|
٢١٧
|
«إنا وإياكم كنا
ندعى عبد رواه مسعر بن كدام مناف ...»
|
|
٢١٨
|
«قال نافع لا
أرى ابن عمر قال رواه الشيخان ذلك إلا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم»
|
|
٢١٩
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«كل ربا موضوع ،
ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ...»
|
أبو داود في باب
وضع الربا
|
٢٣٣
|
«لا تجوز شهادة
بدوي على صاحب قرية»
|
ابن ماجة ، وأبو
داود ، والحاكم
|
٢٤٩
|
«شهد أعرابي عند
رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رؤية الهلال ...»
|
ابن ماجة ، أبو
داود
|
٢٥٠
|
(الجزء الثاني)
«أنا برىء من
مسلم مع مشرك.
|
رواه أبو داود
|
|
لا تراءى نارهما»
|
|
٢٨٥
|
«كان صلى الله
عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه»
|
رواه البخاري
ومسلم وأبو داود
|
٢٨٦
|
«إن ابني هذا
سيد»
|
رواه البخاري
|
٢٨٧
|
«لا ترزموا ابني
هذا»
|
رواه ابن أبي
شيبة وأبو يعلى
|
٢٨٧
|
«كل سبب ونسب
منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي»
|
رواه الدار قطني
في سننه ، والحاكم والطبراني بسند قال الهيثمي رجاله ثقات
|
٢٨٨
|
«لي الواجد يحل
عرضه وعقوبته»
|
رواه أحمد وأبو
داود والنسائي وابن ماجة والحاكم
|
٢٩٣
|
«أيما صبي حج ثم
أدرك فعليه أن يحج حجة أخرى»
|
الخطيب في
التاريخ والضياء في المختارة والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح
|
٢٩٨
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«اختلاف أمتي
رحمة»
|
البيهقي
والطبراني والديلمي
|
٣٠٠
|
«من رأى منكم
منكرا فليغيره بيده»
|
أحمد ومسلم وابن
ماجة
|
٣٠١
|
«قالت عائشة : (وإن
خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى» هي اليتيمة تكون في جحر وليها»
|
رواه البخاري
ومسلم وأبو داود والنسائي
|
٣١١
|
«تزوج عائشة
وسنها سبع سنين وبنى بها وهي بنت تسع»
|
النسائي
|
٣١٥
|
«الثلث والثلث
كثير»
|
رواه البخاري في
صحيحه
|
٣٣٥
|
«تكفيك آية الصف»
قاله لعمر حين سأله عن الكلالة»
|
مالك ومسلم وابن
جرير والبيهقي
|
٣٦٠
|
«من قال في
القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»
|
أبو داود
والترمذي والنسائي
|
٣٦٠
|
«للابنة النصف
ولابنة الإبن السدس تكملة الثلثين»
|
رواه البخاري
بنحوه والنسائي وأبو داود
|
٣٦٧
|
«جعل معاذ
للابنة النصف ولأخته النصف ورسوله الله حي»
|
رواه البخاري
وأبو داود والدارمي
|
٣٦٧
|
«قضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية»
|
رواه أحمد
والترمذي وابن ماجة
|
٣٧٠
|
«اللهم امض
لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم»
|
رواه مالك
والطيالسي وأحمد والبخاري
|
٣٧٠
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«لا وصية لوارث»
|
رواه أحمد وأبو
داود والترمذي
|
٣٧١
|
«لا يرث الكافر
المسلم ولا المسلم الكافر»
|
رواه البخاري
ومسلم
|
٣٧٣
|
«خذوا عني ، قد
جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب الرجم»
|
أحمد ومسلم
والدارمي وأبو داود
|
٣٧٤
|
يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب»
|
رواه مسلم
والبخاري ومسلم بنحوه
|
٣٩٣
|
«ليلج عليك فانه
عمك (أي من الرضاعة)»
|
رواه البخاري
ومسلم
|
٣٩٥
|
«نهى أن يجمع
بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها»
|
رواه البخاري
ومسلم
|
٤٠٤
|
«لا توطأ حامل
ولا حائل حتى تحيض»
|
رواه مسلم
|
٤٠٧
|
«من تزوج فقد
أحرز نصف دينه»
|
رواه الحاكم
وصححه بنحوه
|
٤١١
|
«إذا تزوج العبد
بغير إذن سيده فهو عاهر»
|
رواه الترمذي
وابن ماجة باسناد حسن وأبو داود
|
٤٣٠
|
«نهى عن ثمن
الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن»
|
رواه البخاري
ومسلم وأصحاب السنن
|
٤٣٣
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«من أعتق شركا
له في عبد»
|
رواه ابن ماجة ،
ورواه البخاري بنحوه
|
٤٣٥
|
«قالت أم سلمة :
يا رسول الله يغزو الرجال ولا يغزو النساء»
|
رواه أحمد
والترمذي والحاكم
|
٤٤٢
|
«قول الشهداء :
نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى»
|
رواه مسلم وأحمد
وابن ماجة بروايات متقاربة
|
٤٤٤
|
«كان يتمنى
إيمان أبي طالب وقال : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله»
|
رواه البخاري
ومسلم
|
٤٤٤
|
«من كنت مولاه
فعلي مولاه»
|
رواه أحمد
والنسائي وابن ماجة والترمذي وابن حبان والحاكم
|
٤٤٥
|
«ما أبقت السهام
فلأولى عصبة ذكر»
|
رواه البخاري
ومسلم
|
٤٤٥
|
«أعتق رجل عبدا
فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق فجعل رسول الله ميراثه للغلام المعتق»
|
رواه الترمذي
وحسنه والطحاوي في شرح معاني الآثار
|
٤٤٥
|
«مولى القوم
منهم»
|
رواه البخاري
ومسلم وأحمد
|
٤٤٦
|
«كان المهاجر
يرث الأنصاري دون ذوي رحمه بالأخوة»
|
رواه البخاري
|
٤٤٦
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«لطم رجل امرأة
لنشوزها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : القصاص ، فأنزل الله تعالى : (الرجال
قوامون على النساء) الآية»
|
رواه ابن جرير
الواحدي في أسباب النزول وابن أبي حاتم وغيرهم
|
٤٤٨
|
«لصاحب الحق يد
ولسان»
|
رواه الشيخان
ونحوه
|
٤٥٠
|
«لا يحل مال
امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه»
|
ورد بمعناه فيما
أخرجه البخاري ومسلم
|
٤٥٣
|
«أنا سيد ولد
آدم ولا فخر»
|
رواه أحمد
والترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجة
|
٤٥٦
|
«أحثوا في وجوه
المداحين التراب»
|
رواه أحمد ومسلم
وأبو داود
|
٤٥٧
|
«وجهوا هذه
البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض جنب».
|
رواه أبو داود
وفي صحيح ولا مسلم ما يشير إليه
|
٤٦١
|
«سدوا كل خوخة
في المسجد إلا
|
رواه البخاري
|
|
خوخة أبي بكر
|
|
٤٦١
|
«قبل بعض نسائه
ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ»
|
رواه الطبراني
في الأوسط
|
٤٦٣
|
الحديث
|
تخريجه
|
الصفحة
|
«كان يتوضأ ثم
يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ»
|
رواه أحمد وأبو
داود والنسائي وابن ماجة
|
٤٦٣
|
«قول عائشة :
ربما يلقاني رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو خارج إلى الصلاة فيقبلني ثم يأتي
المسجد فيصلي ولا يتوضأ»
|
رواه الطبري
|
٤٦٣
|
«لا تزال هذه
الأمة بخير ما إذا قالت صدقت»
|
رواه أحمد وأبو
يعلى والبزار كلهم بمعناه مع اختلاف
|
٤٧١
|
(تم بحمد الله ،
ويليه الجزء الثالث)
|