الفن الخامس
من الطبيعيات
هذا الفن يشتمل
على علل أكوان الكائنات التي لا نفس لها من المعادن والآثار العلوية وما يشبهها
وهو مقالتان :
المقالة الأولى
فيما يحدث من ذلك بناحية الأرض وهى ستة فصول
__________________
[الفصل الأول]
(ا) فصل
فى الجبال وتكوّنها
لنبتدئ أولا
ولنحقق حال تكوّن الجبال.
والمباحث التي يجب
أن تعلم فى ذلك :
أولها حال تكون
الحجارة.
والثاني حال تكوّن
الحجارة الكبيرة أو الكثيرة.
والثالث حال تكوّن ما يكون له ارتفاع وسمو.
فنقول : أما فى
الأكثر فإن الأرض الخالصة لا تتحجر لأن استيلاء أليس
عليها لا يفيدها استمساكا ، بل تفتتا وإنما تتكون الحجارة فى الأكثر على وجهين من التكوّن : أحدهما على سبيل التفجر ، والثاني على سبيل الجمود.
فإن كثيرا من
الأحجار يتكون من الجوهر الغالب فيه الأرضية ، وكثير منها يتكوّن من الجوهر الغالب
عليه المائية. فكثير من الطين يجف ويستحيل أولا شيئا بين الحجر
والطين ، وهو حجر رخو ، ثم يستحيل حجرا. وأولى الطينات بذلك ما كان لزجا ، فإن لم
يكن لزجا فإنه يتفتت فى أكثر الأمر قبل أن يتحجر. وقد شاهدنا فى طفولتنا مواضع كان فيها
الطين الذي يغسل به الرأس ، وذلك فى شط جيحون. ثم شاهدناه قد تحجر تحجرا رخوا ، والمدة قريبة من ثلاث وعشرين سنة.
__________________
وقد تتكون الحجارة
من الماء السيال على وجهين : أحدهما أن يجمد الماء كما يقطر أو كما يسيل برمته.
والثاني يرسب منه فى سيلانه شىء يلزم وجه مسيله ويتحجر.
وقد شوهدت مياه
تسيل ، فما يقطر منها على موضع معلوم ينعقد حجرا أو حصى مختلفة الألوان.
وقد شوهد ماء قاطر
، إذا أخذ لم يجمد وإذا نصب على أرض حجرية تقرب من مسيله انعقد فى الحال حجرا.
فعلمنا أيضا أن لتلك الأرض قوة معدنية ، تحيل السيال إلى
الجمود.
فمبادئ تكوّن
الحجارة ، إما جوهر طينى لزج ، وإما جوهر تغلب فيه المائية. وهذا القسم يجوز أن
يكون جموده من قوة معدنية مجمدة ، ويجوز أن يكون قد غلبت عليه الأرضية على الوجه
الذي ينعقد به الملح ، بأن غلبت الأرضية فيه بالقوة دون
المقدار ؛ وإن لم يكن على نحو كيفية الأرض التي فى الملح ، بل على كيفية
أخرى ، ولكن مشاركة لها فى أنها تتغلب بمعاونة الحرارة ، فلما يصيبه الحر يعقده ، أو قوة أخرى مجهولة عندنا. ويجوز أن يكون بالضد ، فتكون أرضيته تتغلب بقوة باردة يابسة
تعينه. وبالجملة فإن للماء فى طباعه ، على ما علمت ، أن يستحيل إلى الأرضية من غلبة
قوة الأرضية ؛ وللأرض أيضا ، كما علمت ، فى طباعها أن تستحيل إلى المائية من غلبة قوة المائية.
وهاهنا شىء يتخذه
قوم ضلوا فى حيلهم يسمونه لبن العذراء إذا شاءوا ، وهو مركب من ماءين ، ينعقد
جوهرا جاسيا ، وذلك يدل على صحة هذا. ولهم أشياء كثيرة مما يتخذونه حلا وعقدا تصدق
هذه الأحكام. فتكون الأحجار إذن إما لتفجير الطين اللزج فى الشمس ، وإما
لانعقاد المائية من طبيعة ميبسة أرضية ، أو سبب مجفف حار.
__________________
وإن كان ما يحكى من تحجر حيوانات ونبات صحيحا ، فالسبب فيه شدة قوة معدنية محجّرة تحدث فى
بعض البقاع الحجرية ، أو تنفصل دفعة من الأرض فى الزلازل والخسوف ، فتحجر ما تلقاه. فإنه ليس استحالة الأجسام النباتية والحيوانية إلى
الحجرية ، أبعد من استحالة المياه ، ولا من الممتنع فى المركبات أن تغلب عليها قوة
عنصر واحد يستحيل إليه. لأن كل واحد من العناصر التي فيها ، مما ليس من جنس ذلك العنصر ، من شأنه أن يستحيل إلى
ذلك العنصر ، ولهذا ما تستحيل الأجسام الواقعة فى الملاحات إلى الملح ،
والأجسام الواقعة فى الحريق إلى النار.
وأما السرعة
والإبطاء فى الاستحالة ، فأمر يجوز أن يختلف أيضا بحسب القوى المختلفة ؛ فإن كانت
شديدة جدا أحالت فى زمان يسير. وفى بلاد العرب حرة كل من يسكنها ، وأى جسم يقع فيها ، يتلون بلونها. وقد رأيت
رغيفا على صورة الأرغفة المحرقة ، المرققة الوسط ، المرقومة بالسباع ؛ قد تحجر ،
ولونه باق ، وأحد وجهيه عليه أثر التخطيط الذي يكون فى التنور. وجدته ملقى فى جبل قريب من بلدة من بلاد خراسان
تسمى جاجرم ، وحملنه معى مدة. وهذه الأشياء إنما تستغرب لقلة وقوعها ، وأما
أسبابها فى الطبيعة فظاهرة موجودة. وقد تتكون أنواع من الحجارة من النار إذا
أطفئت.
وكثيرا ما يحدث فى
الصواعق أجسام حديدية وحجرية ، بسبب ما يعرض للنارية أن تطفأ فتصير باردة يابسة. وقد يقع فى بلاد الترك فى الصواعق والبروق أجسام نحاسية
على هيئة نصول السهام ، لها زائدة منعطفة إلى فوق ؛ وتقع مثلها فى بلاد الجبل
والديلم وإذا وقعت غارت فى الأرض ويكون جوهر جميع ذلك جوهرا نحاسيا يابسا وقد تكلفت إذابة نصل من ذلك بخوارزم فلم يذب ، ولم يزل يتحلل
منه دخان ملون يضرب إلى الخضرة حتى بقى منه جوهر رمادى. وقد صح عندى بالتواتر ما
كان ببلاد جوزجان ، فى زماننا الذي أدركناه ،
__________________
من أمر جديد لعله
يزن مائة وخمسين منّا ، نزل من الهواء فنقر فى الأرض ، ثم
نبا نبوة أو نبوتين نبوّ الكرة التي ترى بها الحائط ، ثم عاد فنشب فى الأرض ، وسمع الناس لذلك صوتا عظيما هائلا ؛ فلما
تفقدوا أمره ، ظفروا به ، وحملوه إلى والى جوزجان ، ثم كاتبه سلطان خراسان فى عصرنا وهو
الأمير عين الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود بن سبكتكين المظفر
المغلب ، يرسم له إنفاذه أو إنفاذ قطعة منه ، فتعذر نقله لثقله فحاولوا كسر
قطعة منه ، فما كانت الآلات تعمل فيه إلا بجهد ، وكان كل مثقب وكل
مقطع يعمل فيه ينكسر لكنهم فصلوا منه آخر الأمر شيئا فأنفذوه إليه ؛ ورام أن يطبع منه سيفا ، فتعذر عليه.
وحكى أن جملة ذلك
الجوهر كان ملتئما من أجزاء جاورسيّة صغار مستديرة ، التصق بعضها ببعض. وهذا
الفقيه أبو عبيد عبد الواحد بن محمد الجوزجانى ، صاحبى ، شاهد هذا كله. وحدّثت أن كثيرا من السيوف اليمانية الجميلة ، انما تتخذ من مثل هذا الحديد. وشعراء العرب قد وصفوا ذلك فى شعرهم. فهذا
جنس من تكون الحجارة.
وحدثنى ثقة من
مشايخ دولة أصفهان ، وهو أبو منصور هرمزدياد بن مشكوار ، قريب الأمير أبى جعفر محمد بن دستهرار أنه وقع فى جبال طبرستان من الهواء ما صفة وقعه صفة وقع
هذا الحديد ، إلا أنه كان حجارة كبيرة. فهذا جملة القول فى تكون الحجر.
وأما تكون حجر
كبير فيكون إما دفعة ، وذلك بسبب حر عظيم يعافص طينا كثيرا لزجا ، وإما أن يكون قليلا قليلا على تواتر الأيام. وأما الارتفاع فقد يقع
لذلك سبب بالذات ، وقد يقع له سبب بالعرض. أما السبب بالذات ، فكما يتفق عند كثير من الزلازل القوية أن ترفع الريح الفاعلة للزلزلة طائفة من
الأرض ، وتحدث رابية من الروابى دفعة. وأما الذي
__________________
بالعرض ، فأن يعرض
لبعض الأجزاء من الأرض انحفار دون بعض ، بأن تكون رياح نسافة أو مياه حفارة تتفق لها حركة على جزء من الأرض دون جزء ، فيتحفر ما تسيل عليه ويبقى ما لا تسيل عليه رابيا. ثم لا تزال السيول تغوص فى الحفر
الأول إلى أن تغور غورا شديدا ،
ويبقى ما انحرف عنه شاهقا. وهذا كالمتحقق من أمور الجبال وما بينها من الحفور
والمسالك.
وربما كان الماء
أو الريح متفق الفيضان ، إلا أن أجزاء الأرض تكون مختلفة ، فيكون
بعضها لينة وبعضها حجرية ، فينحفر الترابى اللين ، ويبقى الحجرى مرتفعا. ثم لا
يزال ذلك المسيل ينحفر وينحفر على الأيام ، ويتسع ، ويبقى
النتوء ، وكلما انحفر عنه الأرض كان شهوقه أكثر.
فهذه هى الأسباب
الأكثرية لهذه الأحوال الثلاثة. فالجبال تكونها من أحد أسباب تكون الحجارة ،
والغالب أن تكونها من طين لزج جف على طول الزمان ، تحجر فى مدد لا تضبط ، فيشبه أن
تكون هذه المعمورة قد كانت فى سالف الأيام غير معمورة ؛ بل مغمورة فى البحار ،
فتحجرت ، إما بعد الانكشاف قليلا قليلا فى مدد لا تفى التأريخات بحفظ أطرافها ،
وإما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت البحر . والأولى أن يكون بعد الانكشاف ، وأن تكون طينتها تعينها على التحجر ، إذ تكون طينتها لزجة. ولهذا ما يوجد فى كثير من الأحجار ، إذا
كسرت أجزاء الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها. ولا يبعد أن تكون القوة المعدنية
قد تولدت هناك ، فأعانت أيضا ؛ وأن تكون مياه قد استحالت أيضا حجارة ؛ لكن الأولى
أن يكون تكوّن الجبال على هذه الجملة ، وكثرة ما فيها من الحجر لكثرة ما يشتمل عليه البحر من الطين ، ثم ينكشف عنه ؛
وارتفاعها لما حفرته السيول والرياح فيما بينها.
__________________
فإنك إذا تأملت
أكثر الجبال ، رأيت الانحفار الفاصل فيما بينها متولدا من السيول. ولكن ذلك أمر
إنما تم وكان فى مدد كثيرة ، فلم يبق لكل سيل أثره ، بل إنما يرى الأقرب منها عهدا. وأكثر الجبال الآن إنما هى فى الانرضاض والتفتت ؛ وذلك
لأن عهد نشوئها وتكونها إنما كان مع انكشاف المياه عنها يسيرا يسيرا والآن فإنها فى سلطان التفتت ، إلا ما شاء الله من جبال ، إن كانت تتزايد
بسبب مياه تتحجر فيها ، أو سيول تؤدى إليها طينا كثيرا فيتحجر فيها. فقد بلغنى كما أحسب أنه قد شوهد ذلك فى بعض الجبال ؛ وأما ما شاهدته أنا ،
فهو فى شط جيحون ، وليس ذلك الموضع مما
يستحق أن يسمى جبلا. فما كان من هذه المنكشفات أصلب طينة وأقوى تحجرا وأعظم حجما ،
فإنه إذا انهد ما دونه ، بقى أرفع وأعلى.
وأما عروق الطين
الموجودة فى الجبال ، فيجوز أن تكون تلك العروق ليست من صميم مادة التحجر ، لكنها
من جملة ما تفتت من الجبال وتترتب وامتلأ فى الأودية والفجاج ، وسالت عليه المياه ، ورطبته وعشيته أرهاص الجبال
، أو خلطت به طينتها الجيدة. ويجوز أن يكون القديم أيضا من طين البحر غير متفق الجوهر ، فيكون من تربته ما يتحجر تحجرا قويا ، ومنه ما لا يتحجر ، ومنه ما يسترخى تحجره
لكيفية ما غالبة فيه ، أو لسبب من الأسباب التي
لا تعد. ويجوز أن يعرض للبحر أيضا أن يفيض قليلا قليلا على بر مختلط من سهل وجبل ،
ثم ينضب عنه ، فيعرض للسهل منه أن يستحيل طينا ، ولا يعرض ذلك للجبل. وإذا استحال
طينا ، كان مستعدا لأن يتحجر عند الانكشاف ، ويكون تحجره تحجرا سافيا قويا. وإذا وقع الانكشاف على ما تحجر ، فربما يكون المتحجر القديم فى حد ما
استعد للتفتت. ويجوز أن يكون ذلك يعرض له عكس ما
عرض للتربة ، من أن هذا يرطب ويلين ويعود ترابا ، وذلك يستعد للحجرية. كما إذا
نقعت آجرة وترابا وطينا فى الماء ،
__________________
ثم عرضت الآجرّة
والطين والتراب على النار ، عرض للآجرّة أن زادها الاستنقاع استعدادا للتفتت بالنار ثانيا ، وللتراب والطين استعدادا لاستحجار قوى.
ويجوز أن ينكشف
البر عن البحر وكل بعد طبقة. وقد يرى بعض الجبال كأنه منضود سافا فسافا ، فيشبه أن يكون
ذلك قد كانت طينتها فى وقت ما كذلك سافا فسافا ، بأن كان ساف ارتكم أولا ، ثم حدث بعده فى مدة أخرى ساف آخر فارتكم ؛ وكان قد سال على كل ساف جسم من
خلاف جوهره ، فصار حائلا بينه وبين الساف الآخر ؛ فلما تحجرت المادة عرض للحائل أن
انشق وانتثر عما بين السافين. وأن حائلا من أرض البحر قد تكون طينته رسوبية ، وقد تكون طينته قديمة ليست رسوبية ، ويشبه أن يكون ما يعرض له انفصال الأرهاص من الجبال رسوبيا. فهكذا تتكون
الجبال.
__________________
[الفصل الثاني]
(ب) فصل
فى منافع الجبال وتكون السحب والأنداء
منافع الجبال كثيرة ، وذلك لأنه لا يشك شاك فى وفور المنافع المتصلة بالسحب ، وبالأودية
المنبعثة من العيون ، وبالجواهر المعدنية.
فأما السحب فإنها
إنما تتولد ، كما نتبين من بعد من الأبخرة الرطبة إذا تصعدت
بتصعيد الحرارة فوافت الطبقة الباردة من الهواء التي فرغنا من تقديم خبرها.
والعيون أيضا
فإنها إنما تتولد باندفاع المياه إلى وجه الأرض بالعنف ، ولن تندفع
بالعنف إلا بسبب محرّك لها مصعّد إلى فوق. والأسباب المصعدة
للرطوبات إنما هى الحرارات المبخّرة للرطوبات ، الملجئة إياها إلى الصعود. والعيون
أيضا ، فإن مبادئها من البخارات المندفعة صعدا عن تصعيد الحرارة المحتقنة فى الأرض من الشمس والكواكب. والجواهر المعدنية ، فإنها أيضا إنما تتولد ، كما نشرح بعد ، عن الأبخرة المحتقنة فى الأرض.
فيكاد أن يكون المبدأ العنصرى لهذه الأمور النافعة هو البخار وما يجرى مجراه. والبخار
قد يتصعد من أرض صلبة ، وقد يتصعد من أرض رخوة ، وقد يتصعد من البخار والمياه. فالأرض
الرخوة تتفشى منها الأبخرة فى أكثر الأمر قليلا قليلا ،
فلا يكون لاجتماعها سلطان. وأما البحار فيشبه أن يكون حكمها هذا الحكم ، فإنها قلما يتفق فيها حقن للبخار يعتد به. والأرضون الصلبة المتوسطة الصلابة يعرض لها أن تحقن
البخار حقنا متوسطا ، والأرضون الصلبة جدا تحقن البخار حقنا شديدا ، والجبال أقوى الأرضين على حقن
__________________
الحرارة فى ضمنها
، وحبس البخار المتصعد منها ، حتى يقوى اجتماعه
ويعد بقوته منفذا يندفع منه إلى خارج ، وقد تكاثف واستحال مياها
، وصار عيونا. فيكاد أن يكون ما تستقر عليه الجبال مملوءا ماء ، ويكون مثل الجبل
فى حقنه الأبخرة وإلجائه إياها إلى فجر العيون ، مثل الإنبيق الصلب من حديد أو
زجاج أو غيره مما يعد للتقطير ، فإنه إن كان
سخيفا متخذا من خشب متخلخل أو خزف متخلخل لم يحقن
بخارا كثيرا ، ولم يقطر منه شىء يعتد به ، وإذا كان من جوهر صلب لم يدع شيئا من
البخار يتفشى ويتحلل ، بل جمع كله ماء وقطّره. فالجبال كالأنبيق ، وقعر الأرض التي تحته كالقرع ، والعيون كالمثاعب ، والأذناب التي
فى الأنابيق والأودية والبحار كالقوابل. فلذلك ما يرى من أن أكثر العيون إنما يتفجر من
الجبال ونواحيها ، وأقلها فى البرارى ؛ وذلك الأقل لا يكون أيضا إلا حيث تكون أرض صلبة ، أو فى جوار أرض صلبة. فاذا تتبعت الأودية
المعروفة فى العالم ، وجدتها منبعثة من عيون جبلية ، وقد ذكر ذلك وشرح فى كتب عملت فى هذا الشأن. ونحن نتحيل بذلك عليها ، فلتقرأ من هناك ، فإنها خبرته.
وكما أن أكثر
العيون والأودية من الجبال ، فكذلك أكثر السحب تكون من الجبال ، وتجتمع فى الجبال
من الأسباب ما لا تجتمع فى مواضع أخرى. من ذلك أنه يعرض للبخارات بها من الاحتقان
والتقوّى ما يفجّر العيون ، فكيف حالها إذا تصعّدت وهى بعد أبخرة. فإنها لقوتها فى
اندفاعها ولكثافة جرمها لا تتحلل بسرعة ، بل يكون لها أن تندفع إلى الحيز المبرّد
والعاقد للبخار من أحياز طبقات الهواء.
ويعرض لهذا السبب
عونان آخران :
أحدهما : أن فى
باطن الجبال من النداوات ما لا يكون فى باطن الأرضين الرخوة.
والثاني : أن
الجبال يبقى على ظاهرها من الثلوج والأنداء ما لا يبقى على ظاهر سائر الأرضين.
وذلك أن الجبال بسبب ارتفاعها تكون أبرد من أديم القرار ، فقد علم أن
__________________
البعد من أديم
الأرض هو من أحد أسباب البرد. فإنه وإن كان شعاع الشمس قد يقع أيضا على الجبل ، فلا يكون تسخينه كتسخين ما يقع على
الأرض ، لعلل نذكرها فى موضع نؤخره عن هذا الموضع ،
لئلا ينقطع الكلام.
على أن جوهر
الحجارة أشد قبولا للبرد من الأرض الرخوة ، وإذا كانت الأحوال على ما ذكرنا ، فبالحرى أن تكون الأسباب التي تحتاج إليها السحب حتى
تكثر هى فى الجبال أوفر. وذلك لأن المادة فيها ظاهرا وباطنا أكثر ، والاحتقان أشد
، والسبب المغشّى بقوة وهو الحر أقل. فلذلك ما ترى أكثر السحب الماطرة إنما تتولد فى الجبال ، ومنها تتوجه إلى سائر البلاد. وأما الأجسام المعدنية
المحتاجة إلى أبخرة تكون أخلاطها بالأرضية أكثر ، وإقامتها فى مواضع
لا تتفرق عنها أطول ، فلا شىء أطوع لها كالجبال ،
فلذلك يتولد أكثرها بها. وأما الأرضون السهلة ، فكيف يكون فيها البقاء والاحتباس
والاحتقان ، الذي بسببه يتم لها الامتزاج المؤدى إلى استعدادها لصورتها.
فهذه منافع الجبال
، ولها منافع أخرى جزئية ، نفصلها فى العلوم
الطبيعية الجزئية ، مثل الطب وغيره.
ومما يليق بهذا الموضع ، أن تعرف أصول المياه المنبعثة من الأرض.
__________________
الفصل الثالث
(ج) فصل
فى منابع
المياه
فنقول : إن المياه
المنبعثة من الأرض ، منها مياه العيون السيالة ، ومنها مياه العيون الراكدة ،
ومنها مياه الآبار ، ومنها مياه القنى ، ومنها مياه النز.
فأما مياه العيون
السيالة ، فإنها تنبعث من أبخرة كثيرة ، قوية الاندفاع ، كثيرة المادة ، تفجر الأرض بقوة انفجارها ، ثم لا تزال تفيض مستتبعة موادها ، على ما تعلمه.
وأما مياه العيون
الراكدة ، فإنها مياه حدثت من أبخرة بلغ من قوتها أن اندفعت إلى وجه الأرض ، لكن
لم يبلغ من قوتها وكثرة مادتها أن يطرد تاليها سابقها طردا ويدفعه ويسيّحه.
وأما مياه الآبار
والقنى ، فإنها معانة فى ظهورها وبروزها بالصناعة. وذلك لأنها لما كانت ناقصة القوة عن أن تشق الأرض وتبرز ، قصرت لها المسافة فأزيل عن وجهها ثقل التراب المتراكم ، حتى يخلص الحفر إلى مستقر
البخارات. فحينئذ تصادف منفذا تندفع إليه بأدنى حركة ؛ فما لم يجعل له منها مسيل ولم يضف إليه من جنسه ما يمده فهو بئر ؛ وما جعل له ذلك ،
فهو قناة.
ونسبة القنى إلى
الآبار ، نسبة العين السيالة إلى العين الراكدة. والسيالة أفضل ، لأن هذه الحركة تلطفها. ومع ذلك فإن مدتها ، فى الاختلاط فى حركتها إلى البروز بالأرضية المتولدة من اختلاطاتها بعفونات ، تقصر.
__________________
وأما النز فهو
أردأ المياه ، وإنما يتولد من بخارات لها مادة كثيرة ، وليس لها من قوة الاندفاع
ما يخرق الأرض بقوة ؛ بل اندفاعها متيسر ، وأرضها رخوة
يتحلل عنها أكثر ما يتبخر والذي يبقى
ويحتبس ، تطول مدة مخالطته للأرض إلى أن يبرز ؛ لأن حركته إلى البروز بطيئة ، فيعفن ويتغير فى طريقه عند مخالطته
للأرضية.
والعيون الراكدة
والآبار الراكدة إذا نزحت ، يجلب إليها بدل ما ينزح منها. وذلك لأنه إنما كان
للبخار الذي هو مادة تلك العين أن يندفع إلى أن يبلغ المبلغ الذي كان استقر قديما
عليه فقط ، فإذا بلغ ذلك المبلغ صار فى الثقل بحيث لا يتمكن ما تحته أن يقله ويزيحه
؛ بل يكون ما وقف من ذلك سدا ، كما كانت الأرض قبل أن تحفر.
فإذا نقص من ذلك الثقل ، قدر البخار المندفع إلى جهته أن يتصعد ويحرك ما يغمره من فوق إلى الحد المحدود.
__________________
[الفصل الرابع]
(د) فصل
فى الزلازل
وأما الزلزلة ،
فإنها حركة تعرض لجزء من أجزاء الأرض بسبب ما تحته ، ولا محالة أن ذلك السبب يعرض له أن يتحرك ثم يحرك ما فوقه. والجسم الذي يمكن أن يتحرك تحت الأرض ، ويحرك الأرض ، إما جسم بخارى
دخانى قوى الاندفاع كالريح ، كما يشق الخوابى إذا تولد فى العصير ؛ وإما جسم مائى
سيال ؛ وإما جسم هوائى ؛ وإما جسم نارى ؛ وإما جسم أرضى. والجسم النارى لا يحدث تحت الأرض ، وهو نار صرفة ؛ بل يكون لا محالة فى حكم الدخان
القوى وفى حكم الريح المشتعلة. والجسم الأرضى لا تعرض له
الحركة أيضا إلا لسبب مثل السبب الذي عرض لهذا الجسم الأرضى. فيكون السبب الأول
الفاعل للزلزلة ذلك. فأما الجسم الريحى نار يا كان أو غير نارى ، فإنه يجب أن يكون هو المنبعث تحت الأرض ، الموجب لتمويج الأرض فى أكثر الأمر.
وأما الجسم
الهوائى ، فإنه أيضا وإن عرض له حركة من تلقاء نفسه لم تعرض له إلا أن يكون فى حكم
الريحى والبخارى والدخانى ، وإن تحرك بحركة شىء آخر ، مثل ماء يسيل إلى بعض الأغوار دفعه محرّك الهواء بقوة ، ومثل انهدام يقع من نقض أركان هوة ومغارة
فيسقط إلى أسفل سقوطا يقلقل الهواء والأرض المتصلة به ؛ كما يعرض للسطوح إذا سقطت على القرار الذي تحتها ، كان
المبدأ حركة ماء أو أرض ويكون بتوسط هواء أيضا.
__________________
فهذه هى الوجوه
التي يمكن أن تعرض معها الزلزلة ، إما بخار ريحى أو نارى قوى يتحرك فيحرك الأرض. وهذا هو الوجه الأكثر. فإنه لا شىء أقوى على تحريك الأرض الحركة السريعة القوية التي للزلزلة من
الريح ، وإما مياه تسيل دفعة ، وهذا رأى ديمقراطيس ، وإما انهدام بعض أركان
القرار.
وربما كانت
للزلازل أسباب فوق الأرض ، كجبال يعرض لها أن تسقط قللها أو أجزاء كبيرة منها
سقوطا قويا فتتزلزل الأرض ، على ما كان يراه رجل يقال له أراكيماس
، يرى ، وحده سبب الزلزلة ؛
وإن لم تكن من قوة حركة الأرض عن سبب قوة ، قوة ما تستحق أن تسمى زلزلة. وكان هذا الرجل يقول : إن الزلازل تعرض من ذلك فى وقتى كثرة الأمطار وقلتها. أما كثرة الأمطار فإنها توجب انتقاع القلل
والرعون وترطبها ، وذلك يؤدى إلى انفصالها وسقوطها ؛ وأما قلة
الأمطار فلأنها توجب اليبس المفتت ، والتفتت مما
يسهّل تفرّق الاتصال. وليس هذا المذهب بذلك السديد كله ، فكثيرا ما تعرض زلازل فى بلاد لم
تندك فى قربها قلل جبال ولا رعونها ؛ ولو كان كل زلزلة لذلك ، لكان كل زلزلة تصير فى آخرها أضعف ، ولمّا
كانت زلزلة فى بلد ليس به جبل أقوى كثيرا منها فى بعض الأوقات منها فى البلاد الجبلية التي تصاقبه ، وربما لم يشاهد فى البلاد الجبلية المطيفة بتلك البقعة ، وشوهدت بتلك البقعة.
__________________
وأما انكساغورس
فإنه ينسب العلة إلى الهواء ، وذلك لأن عنده أن الأرض محمولة على الهواء يدعمها انبساطا عليها ، وأن الجنبة السافلة متخلخلة ، والتي نحن عليها متكاثفة
للأمطار التي تعرّى وجهها. فإذا نفذ الهواء فى التخلخل الذي بتلك الجنبة ، ثم
لم يجد طريقا إلى الانفصال والصعود الطبيعى الذي له ، وذلك من الجهة التي نحن عليها ، زلزل الأرض.
وبطلان هذا المذهب
يتحقق أولا بالخطإ الواقع فى هيئة الأرض ، وسبب وقوفها. وثانيا ، فما بال الزلازل إنما تكون فى أوقات بعينها من الفصول ،
وهذه العلة موجودة فى سائر الأوقات؟ واقتصاره ، فى
تعليل كثافة وجه الأرض على الأمطار ، عجز وقد تعرض مع الزلازل أحوال ، فربما كانت
نافعة ، وربما كانت ضارة. أما النافعة ، فإن اتفق أن تشتمل تلك الرياح على مواد
بخارية توجهها وتسوقها إلى جهة من الأرض ، أو
تجذبها إليها مستتبعة ، فتعينها على التفجير
للأرض ، فتتفجر عيونا. وأما الضارة ، فما يعرض من أن لا تكون المادة الريحية بهذه الصفة ، بل تكون يابسة مائلة إلى طبيعة النارية ، فتشتعل
نارا عند الحركة القوية ، فإن من شأن الحركة القوية أن تحيل الدخان والبخار
والهواء نارا ، فكثيرا ما تشتعل المنافخ والكيران إذا ألحّ عليها بالنفخ نارا. فإذا كان سبب الزلزلة قويا
جدا ، خسف الأرض باندفاعه وخروجه. وربما خلص نارا محرقة ، وربما حدثت أصوات هائلة
ودوى يدل على شدة الريح. فإن وجدت هذه الريح المصوتة منفذا واسعا بعد المنفذ الذي
تصوت فيه ، حدث عن اندفاعها صوت ولم تزلزل.
ومن الدليل على أن
أكثر أسباب الزلزلة هى الرياح المحتقنة ، أن البلاد التي تكثر فيها الزلزلة إذا
حفرت فيها آبار وقنى كثيرة حتى كثرت مخالص الرياح والأبخرة ، قلت الزلازل بها.
وأكثر ما تكون الزلازل إنما تكون عند فقدان الرياح ، لأن مواد الرياح يعرض لها
الاحتباس ، وفى مثل هذه الحال كثيرا ما ترى فى الجو سحب مستطيلة
__________________
استطالة توجبها
الرياح المختلفة إذا تهابّت وغلب منها واحد فامتد وحبس المغلوب فى
قعر الأرض. وفى أكثر الأوقات فقد يتبع سكون الزلزلة ريح تهب ، لأن السبب ينفصل
ويخرج إلى خارج. وكثيرا ما يكون فى وقت الزلازل غمامات راكدة فى الجو ، ويكون الجو
ضبابيا ، وذلك لفقدان الرياح فى ذلك الوقت. وربما حدثت الزلزلة بعد اختلاف رياح
متمانعة يمنع بعضها بعضا عن الهبوب وتمنع موادها عن التخلص والبروز من الأرض ،
فتحقنها قسرا فى الأرض. وذلك يكون فى الأكثر ليلا لتخصيف البرد وجه الأرض ، وبالغدوات أيضا وقد يكون فى أنصاف النهار بسبب شدة جذب
الحر للبخار ، مع تجفيف وجه الأرض وإعادة البرد إلى داخلها على سبيل
التعاقب.
وأكثر ما تكون
الزلزلة فى بلاد متخلخلة غور الأرض ، متكاثفة وجهها ، أو مغمورة الوجه بماء يجرى ، أو ماء غمر كثير لا يقدر الريح على خرقه.
وخصوصا إذا كان متحركا ، فإن المتحرك أشد ممانعة لأنه يسبق بحركته خرق الخارق إياه
، بل أسباب كثرة الزلازل ثلاثة : أحدها هذا ، والثاني عظم الريح ، والثالث كثرة تولدها.
وقلما تكون
الزلزلة فى الشتاء ، لشدة إجماد برده للبخار الدخانى. فإن عرض دل على أن رطوبة ذلك
الشتاء أشد من برودته ، فيولد ببلته وقلة برده بخارا
كثيرا. وقلما تعرض الزلزلة أيضا فى الصيف ، لشدة تحليله ، فإن حدثت فى الصيف ، دلت
على أن السنة يابسة فيكثف وجه الأرض باليبس ، وتخصف مسامها فتحتبس فيها الرياح ولا تخرج ، حتى تجتمع لها مادة كثيرة تقوى على الزلازل ؛ وأكثر ما
يكون ، يكون ربيعا وخريفا.
والكسوفات ربما
كانت سببا للزلازل ، لفقدان الحرارة الكائنة عن الشعاع دفعة ؛ ويعقب البرد الحاقن
للرياح فى تجاويف الأرض بالتخصيف بغتة. والبرد الذي يعرض دفعة يفعل
__________________
من ذلك ما لا يفعله العارض بالتدريج. تأمل ذلك فى الأبدان وفى جزئيات تجارب صناعة الطب وغيرها.
والزلازل تختلف فى
قوة أوائلها وأواخرها ، فليس يمكن أن تجرى على منهاج واحد. وإذا كانت حركات الرياح المحتقنة ، منها ما يكون على الاستقامة إلى فوق ، ومنها ما
يكون مع ميل إلى جهة ، لم تكن جهات الزلازل متفقة ؛ بل كان من الزلازل رجفية ، ما يتخيل معها أن الأرض تقذف إلى فوق ، ومنها ما تكون اختلاجية عرضية رعشية ، ومنها ما تكون مائلة إلى القطرين كليهما ويسمى
القطقط. وما كان منه مع ذهابه فى العرض ، يذهب فى الارتفاع أيضا ، يسمى سلّميا. ولو لا الموانع ، لكانت حركاتها
كلها رجفية ، لأن حركة الريح إلى فوق ، والموانع هى فقدان التجاويف والتعاريج ، إلا فى جهة. ولأن المنافذ التي تنفذ فيها
الرياح الفاعلة للصوت عند الزلزلة مختلفة ، فكذلك الأصوات الحادثة منها تسمع مختلفة. وكما أن البصر يستبق السمع ، فإنه إذا اتفق أن قرع إنسان من بعد جسما على جسم ، رأيت القرع قبل أن
تسمع الصوت. لأن الإبصار ليس فى زمان ، والاستماع يحتاج فيه إلى أن يتأدى تموج
الهواء الكائن إلى السمع ، وذلك فى زمان. كذلك الصوت فى الزلازل
يسمع قبل الزلزلة ، وذلك لأن تموج الهواء أسرع وأسبق من تموج الأرض الكثيفة. ومن
منافع الزلازل تفتيح مسام الأرض للعيون ، وإشعار قلوب فسقة العامة رعب الله تعالى.
__________________
[الفصل الخامس]
(ه) فصل
فى تكوين
المعدنيات
وقد حان لنا أن
نتكلم فى أحوال الجواهر المعدنية ، فنقول : إن الأجسام المعدنية تكاد أن تكون أقسامها أربعة : الأحجار ، والذائبات ، والكباريت ، والأملاح. وذلك أن من الأجسام المعدنية ما هو سخيف الجوهر ، ضعيف التركيب والمزاج. ومنها ما هو قوى الجوهر ؛ وما هو قوى الجوهر ، فمنه ما ينطرق ،
ومنه ما لا ينطرق. وما هو ضعيف الجوهر ، فمنه ما هو ملحى تحله الرطوبة بسهولة مثل الشب والزاج والنوشادر والقلقند ، ومنه ما هو دهنى لا ينحل بالرطوبة وحدها بسهولة مثل
الكبريت والزرنيخ. وأما الزئبق فهو من جملة القسم الثاني على أنه عنصر المنطرقات ،
أو شبيه بعنصر المنطرقات. وجميع المنطرقات ذائبة ولو بالجبلة ، وأكثر ما لا ينطرق ولا يذوب بالإذابة الرسمية وإنما يلين بعسر. ومادة
المنطرقات جوهر مائى يخالط جوهر أرضيا مخالطة شديدة لا يبرأ منه ، ويجمد الجوهر
المائى منه بالبرد بعد فعل الحرفيه وإنضاجه ، ويكون
فى جملة ما هو حي بعد لم يجمد لدهنيته ، ولذلك ينطرق.
وأما الحجريات من
الجواهر المعدنية الجبلية ، فمادتها أيضا
مائية ، ولكن ليس جمودها بالبرد وحده ؛ بل جمودها باليبس المحيل للمائية إلى
الأرضية. وليس فيها رطوبة حية دهنية ، فلذلك لا تنطرق. ولأجل أن أكثر انعقادها
باليبس ، فلذلك لا يذوب أكثرها إلا أن يحتال عليه بالحيل الطبيعية المذيبة.
__________________
وأما الشب
والنوشادر فمن جنس الأملاح ، إلا أن نارية النوشادر أكثر من أرضيته ، فلذلك يتصعد
بكليته ، فهو ماء خالطه دخان حار لطيف جدا كثير النارية ، وانعقد باليبس.
وأما الكباريت
فإنها قد عرض لمائيتها أن تخمرت بالأرضية والهوائية تخمرا شديدا
بتخمير الحرارة حتى صارت دهنية ، ثم انعقدت بالبرد.
وأما الزاجات
فإنها مركبة من ملحية وكبريتية وحجارة ، وفيها قوة بعض الأجساد الذائبة. وما كان منها مثل القلقند والقلقطار فكونها من جلالة الزاجات ، وإنما تنحل منها الملحية مع ما فيها من الكبريتية ، ثم
تنعقد وقد استفادت قوة معدن أحد الأجساد ؛ فما استفاد من قوة الحديد احمرّ واصفرّ
كالقلقطار وما استفاد من قوة النحاس اخضر ، ولذلك ما أمكن أن تعمل هذه بالصناعة.
وأما الزئبق فكأنه
ماء خالطته أرضية لطيفة جدا كبريتية مخالطة شديدة ، حتى أنه لا ينفرد
منه سطح لا يغشاه من تلك اليبوسة شىء. فلذلك لا يعلق باليد ، ولا ينحصر أيضا انحصارا شديدا بشكل ما يحويه ؛ بل يثبت على شكل ما ؛ اللهم إلا أن يغلب. وبياضه
من صفاء تلك المائية ، وبياض الأرضية اللطيفة التي فيه وبممازجة الهوائية إياه. ومن شأن الزئبق أن ينعقد بروائح الكباريت ، ولذلك يمكن أن يعقد بالرصاص أو رائحة الكبريت بسرعة ، فيشبه أن يكون الزئبق أو ما يشبهه هو عنصر جميع الذائبات ، فإنها كلها عند الذوب
تصير إليه ؛ لكن أكثر ما يكون ذوبه بعد الحمى ، فيرى زئبقه محمرا. وأما الرصاص فلا
يشك مشاهده إذا ذاب أنه زئبق ، لأنه يذوب قبل الحمى ، وإذا حمى فى الذوب كان لونه
كلون سائر الذائبات. أعنى فى الحمرة النارية. ولذلك ما يعلق
الزئبق بهذه الأجساد كلها ، لأنه من جوهرها. لكن هذه الأجساد يختلف
__________________
تكونها عنه بسبب
اختلاف الزئبق ، وما يجرى مجراه فى نفسه ؛ وبسبب اختلاف ما يخالطه حتى يعقده. فإن كان الزئبق نقيا وكان ما يخالطه فيعقده قوة كبريت أبيض غير محرق ولا درن ، بل هو أفضل مما يتخذه أهل الحيلة ، كان منه الفضة. وإن كان الكبريت مع نقائه أفضل من ذلك وأنصع ، وكان فيه قوة صباغية نارية لطيفة غير محرقة أفضل من الذي يتخذه أهل الحيلة ، عقده ذهبا. ثم إن كان
الزئبق جيد الجوهر ، ولكن الكبريت الذي يعقده غير نقى ، بل فيه قوة احتراقية ، كان
منه مثل النحاس. وإن كان الزئبق رديئا دنسا متخلخلا أرضيا ، وكان كبريته نجسا أيضا ، كان منه الحديد. وأما الرصاص القلعى فيشبه أن
يكون زئبقه جيدا ، إلا أن كبريته ردئ وغير شديد المخالطة ، وكأنه مداخل إياه سانا فسافا ، فلذلك يضر. وأما الآنك فيشبه أن يكون
ردئ الزئبق ، ثقيلة طينته ، ويكون كبريته رديئا منتنا ضعيفا ، فلذلك لم يستحكم
انعقاده. وليس يبعد أن يحاول أصحاب الحيل حيلا تصير بها أحوال انعقادات الزئبق
بالكباريت انعقادات محسوسة بالصناعة ، وإن لم تكن الأحوال الصناعية على حكم
الطبيعية وعلى صحتها ، بل تكون مشابهة
أو مقاربة لذلك ، فيقع التصديق
بأن جهة كونها فى الطبيعة هذه الجهة ، أو مقاربة لها ، إلا
أن الصناعة تقصر فى ذلك عن الطبيعة ولا تلحقها وإن اجتهدت.
وأما ما يدعيه
أصحاب الكيمياء ، فيجب أن تعلم أنه ليس فى أيديهم أن يقلبوا الأنواع قلبا حقيقيا ،
لكن فى أيديهم تشبيهات حسية ، حتى يصبغوا الأحمر صبغا أبيض
شديد الشبه بالفضة ، ويصبغوه صبغا أصفر شديد الشبه بالذهب ؛ وأن يصبغوا الأبيض أيضا
__________________
أى صبغ شاءوا ،
حتى يشتد شبهه بالذهب أو النحاس ؛ وأن يسلبوا الرصاصات أكثر ما فيها من النقص
والعيوب ، إلا أن جواهرها تكون محفوظة ، وإنما يغلب عليها كيفيات مستفادة بحيث
يغلط فى أمرها ، كما أن للناس أن يتخذوا الملح والقلقند والنوشادر وغيره.
ولا أمنع أن يبلغ
فى التدقيق مبلغا يخفى الأمر فيه على الفرهة. وأما أن يكون الفصل المنوع يسلب أو يكسى ، فلم يتبين لى إمكانه ؛ بل بعيد عندى جوازه ، إذ
لا سبيل إلى حل المزاج إلى المزاج الآخر ، فإن هذه الأحوال المحسوسة يشبه أن لا
تكون هى الفصول التي بها تصير هذه الأجساد أنواعا ، بل هى عوارض ولوازم وفصولها
مجهولة ؛ وإذا كان الشىء مجهولا كيف يمكن أن يقصد قصد إيجاده أو إفقاده. وأما سلخ
هذه الأصباغ والأعراض من الروائح والأوزان أو كسوها ، فهذا مما لا يجب أن يصر على جحده ،
لفقدان العلم به ، فليس يقوم البتة برهان على امتناعه. ويشبه أن تكون النسبة
التي بين العناصر فى تركيب كل جوهر من هذه المعدودة ، غيرها فى التركيب الآخر. وإذا كان كذلك ، لم يعد إليه ، إلا أن يفك التركيب إعادة
إياه إلى تركيب ما يراد إحالته إليه. وليس ذلك مما يمكن بأدائه حفظ الاتصال ، وإنما يختلط به شىء غريب أو قوة غريبة.
ولنا فى هذا كلام
طويل ، لو شئنا لقلناه. لكن الفائدة فى
ذلك قليلة ، والحاجة عنه منقطعة فى هذا الباب.
__________________
[الفصل السادس]
(و) فصل
فى أحوال المسكونة وأمزجة البلاد
وإذ قد تكلمنا فى حال تكون الجبال ، وما يتفجر فى الارض من العيون ، وما يحدث فيها من الزلازل ، وما يتكون فيها من المعادن ؛
فبالحرى أن نتكلم فى حال المسكون كيف هو من الأرض.
فنقول أولا : إنا
كنا قد أشرنا فيما تقدم إلى أن الواجب بحكم طبيعة الماء والأرض
أن تكون الأرض فى ضمن الماء ، ويكون الماء محيطا بها من جميع الجوانب ؛ ولكن
الوجود ليس على ذلك ، وليس على ما هو طبيعى للأرض والماء ، بل ما هو طبيعى لنظام الكل.
وذلك أنه لما كان من شأن العناصر أن يستحيل بعضها إلى بعض بأجزائها ، كانت الأرض
لو وجدت على ما هو طبيعى لها لم يثبت. لأن فى طبيعة الأرض أن تستحيل أجزاء منها
ماء أو نارا ، أو غيرهما من الجواهر الأخرى. وتلك الجواهر
أيضا قد تستحيل أجزاء منها أرضا ، فما
يستحيل من الأرض إلى غيره ينقص من جملة حجم الأرض ، فيلزم ضرورة أن يقع هناك ثلمة
فى تدوير الأرض ، وغور إذا كانت الأرض يابسة لا تجتمع إلى شكلها الطبيعى ، بل يبقى
عليها الشكل المستفاد. وما يستحيل إلى الأرض يكون لا محالة زيادة ونتوّا ملحقا بها
، فلا ينبسط عليها انبساط الماء المهراق على ماء غيره ، حتى يصير منهما حجم واحد مستدير ؛ فيلزم ضرورة أن يتولد
على كريّة الأرض تضريس من غور ونجد ، وخصوصا وللكواكب لا محالة تأثير فى إيجاب هذه
الإحالة بحسب المسامتات التي تتبدل بحسب حركاتها ؛ وخصوصا الثوابت الصائرة تارة إلى الجنوب وتارة
__________________
إلى الشمال ،
والأوجات والحضيضات المتغيرة فى أمكنتها. فيشبه أن تكون هذه أسبابا عظاما فى إحداث المائية فى جهة أو نقلها إليها ، وإبطال المائية من جهة أو نقلها عنها إذ نقل المائية من جهة إلى جهة إنما يكون بتوسط إحداث المائية فى جهة وإفنائها
من جهة ، وإحداثها إنما يكون بتبخير الرطوبة وتصعيدها بالتبخير إلى جهة خاصة من الأرض ، وإن كان كل واحد منهما يعظم ويكثر على الدهر حتى يؤثر فى هيئة شكل الماء لسيلان الماء إلى الغور
وكشفه للنجد.
وقد أعان على هذا أسباب أخرى ، إذ لا بد من حدوث طين بين الماء والأرض ، ولا بد من نفوذ قوة
الشمس والكواكب إلى الطين وتحجيرها إياه إذا انكشف حتى تتخلق الجبال ، على ما قلناه. فإذا كان كذلك ، لم
يكن بد من أن يكون بر وبحر ، وفى ذلك حكم إلهية لولاها لم يكن للحيوانات الأرضية
التي تعيش بالنسيم مكان طبيعى. فلمثل هذا السبب ما انكشف من الأرض شىء برّا.
والأولى أن يكون المستولى على الأرض هو الماء الذي من حقه أن يفيض على كليتها.
ثم أن أصحاب الرصد
وجدوا ربع الأرض برا وإذا وجد هذا ، فمن الذي يطمع فى أن يكون غيره برا يعتد به ، إلا جزائر قليلة. فإن انكشاف الربع كثير ، ووجد
هذا الربع آخذا فى طوله نصف دور الأرض ، على ما سنوضح هذا فى الفن الذي نتكلم فيه على الهيئة ، ووجد عرضه آخذا ربع دور الأرض إلى ناحية الشمال ، حتى يكون
الربع الشمالى بالتقريب منكشفا ثم لم يقم برهان واضح على أن الأرباع الأخرى مغمورة بالماء ، إلا ما يوجبه أغلب الظن بسبب وجوب
غمور الماء للأرض. إذ الماء بحسب غالب الظن أكثر لا محالة من الأرض أضعافا ،
لأنه يشبه أن يكون كل عنصر بحيث لو استحال بكليته إلى عنصر آخر كان مثله ، والماء
يتصغر حجمه عند الاستحالة أرضا. وأما أمر كون الشمس
__________________
فى ناحية الجنوب
أقرب إلى الأرض ، ووجوب تسخين قوى بسبب ذلك ، فليس ذلك مما يقع به تفاوت بعيد فإن خروج الشمس عن المركز ليس بالكثير ، وليس مما يوجب جزم
القول بأن العمارة لا تحتمل أن تكون عنده.
ولنفرض أن ما تحت
مدار نقطة الجدى قد يشتد حره ، فليس يبعد أن يكون الإمعان إلى ناحية القطب الجنوبى
يتدارك ذلك ، فيكون إمكان العمارة هناك أو غل من إمكان العمارة
فى القطب الشمالى. فهذا الربع يشبه أن يكون حده الجنوبى وهو خط الاستواء مختارا فى
أكثر المواضع على البحر. ويشبه أن تكون العمارة التي تتعدى ذلك
إلى الجنوب عمارة لا يعتد بها ، ولا يكون أولئك الناس ناسا يعتد بهم وهم مع ذلك
جزيريون ليسوا مقيمين على بر متصل بالبر الأعظم. ثم يشبه أن يكون حده الشمالى حيث
ارتفاع القطب ، مثل تمام الميل. ولم يتبين لنا بعد أن مثل ذلك الموضع موضع يصلح
لتوالد الناس فيه ولمقامهم الدائم فيه أو لا يصلح لذلك ، بل يمكن أن يسافروا إليه
فى الصيف ولا تكثر هناك إقامتهم. وعسى أن يكون ذلك الموضع أو ما وراءه إن لم يكن
صالحا لأن يتوالد فيه الناس ، كان صالحا لأن يتولد فيه حيوانات مخصوصة.
وجميع هذه الأحكام
منّى ظنية ، ولا أجزم فى شىء منها. فلنضع أولا أنه لا مانع بسبب البحر ، ولنعتبر المانع إنما هو بسبب قرب الشمس وبعدها الذي
هو سبب الحر والبرد ، ولننظر فى الأحكام التي يوجبها ذلك فى الأقاليم.
فنقول : إن قوما
جعلوا كرة الأرض مقسومة بخمسة أقسام ، تفصلها دوائر موازية لمعدل النهار. فمن ذلك
دائرتان تفصلان الغامر الخراب من العالم ، بسبب القرب من القطب وشدة البرد ، إحداهما
شمالية والأخرى جنوبية. وهاتان تفصلان من الأرض قطعتين طبليتين تحيط بكل واحدة منهما
طائفة من محيط الكرة وسطح مستقيم ،
__________________
والحد المشترك
بينهما دائرة. وأما الحد بين الغامر والعامر من جهة الحر عندهم ، فهو ما بين
البلاد التي تكون خارجة عن مجاز الشمس إلى الأرض المحترقة التي تحاذيها الشمس بمدارها ،
فتسخنها تسخينا لا يحتمل عندهم الحيوان المقام فيه. وهو مكشف بين العمارتين ،
فتكون الأرض المحترقة محدودة بدائرتين شمالية وجنوبية تليهما من جهة القطبين عمارتان ، فتكون ثلاثة قطوع دفيّة يحيط بكل واحد منها من
الجانبين سطحا دائرتين ، ويصل بينهما سطح دفى ، وكذلك تكون هيئة العمارتين. لكن
السطحين المحيطين بكل واحد منهما لا يكونان متساويين ، بل الذي يلى القطب يكون أصغر. وأما سطحا دفّ الأرض المحترقة عندهم فمتساويان.
فهذا هو قول قدماء
المشائين ، وليس التحقيق والوجود على ما حكوه. فإن هاهنا بلادا عروضها أقل من
الميل ، والشمس تسامت الرءوس فيها مرارا ، وهى عامرة. وقد وجدت بلاد تقرب من خط
الاستواء ، بل قد دوّن الثقات أحوال بلاد موضوعة فى خط الاستواء ومنها
سرنديب. والقياس يجوّز ، بل يوجب أن تكون بقعة خط الاستواء أصلح
المواضع للسكنى وأولاها بالاعتدال ، ولكن ذلك لا يفهم إلا بعد تقديم مقدمات ، فإنه
يجب ان تتحقق أسباب شدة تسخن الجو وأن تعرف أيضا كيفية ملاءمة ذلك للسكان وغير
ملاءمته.
فنقول : بالحرى أن
يكون السبب الأول فى سخونة الجو الذي يلينا هو الشمس وليس ذلك لأن الشمس حارة ،
ولا لأن الشمس تقهر شيئا من النار وتنزله ، ولا لأن الشعاع شىء نارى ينفصل منه.
فقد علمت أن للفلك طبيعة ، بحيالها غير هذه الأربع ، وعلمت
من خلال ما مضى لك أنه لا يجوز أن يكون الشعاع الشمسى يقهر النار إلى الهبوط ،
وستعلم أيضا أن الشعاع ليس جسما أو قوة تأتى منتقلة من الشمس إلى الأرض مارة فى
الوسط ؛ بل هو شىء يحدث فى المقابل القابل للضوء دفعة إذا توسط بينهما جسم لا يمنع
فعل ذلك فى هذا بالموازاة ؛ وذلك
الجسم هو الشاف. لكن الجسم القابل للحر ، إذا أضاء سخن ،
__________________
وكلما اشتدت
الإناءة اشتد الحر. وليست الحرارة إنما تشتد فى الصيف بسبب أن الشمس تصير أقرب
مسألة منا ؛ بل هى أبعد حينئذ مسافة ، لأنها أوجية ، لكنها فى الصيف أقرب مسامتة ،
وهى فى الشتاء أقرب مسافة وأبعد مسامتة. والشعاع الذي يقع من الشمس يكون كأنه شىء
يفيض منه على صورة مخروط أو اسطوانة مثلا ، وتكون واسطته ، وهو الذي لو توهمناه
شيئا متصلا بين الشمس وبين المستضيء ، كان خارجا من مركز الأرض ، نافذا فى وسط تلك
الصورة كالمحور أو كالسهم ؛ هى أشد المواضع تسخينا لأنه
أشد المواضع إنارة ، لأن الأطراف أضعف فى التأثيرات من الواسطة المكتنفة من كل جهة
بالسبب المقوى ، فما يسقط عليه هذا السهم المتوهم يكون أشد إضاءة فلذلك يكون أشد سخونة ، وما يبعد عن هذا السهم يكون أقل اضاءة فيكون أقل
سخونة ، أعنى السخونة التي تلزم من نفس المسامتة المضيئة فقط.
والذي يقال من أمر
التفاف الأشعة ورجوعها على زوايا حادة تارة ومنفرجة أخرى ، فهو تشبيه لا حقيقة له . فإن الضوء لا ذات له فى الجو البتة ، وكل ما له ضوء فإنه يرى والجو لا يرى البتة ، بل هو شاف. لكن ليس كل ما يسخن الجو من الشمس إنما هو بهذه المسامنة ، وإلا لكان الحر
والشمس فى نقطة السرطان أشد منه وهى فى نقطة الأسد ؛
وليس كذلك ، وإلا لكان الحر والشمس فى نقطة الجوزاء مساويا للحر وهى فى نقطة الأسد
، والحر وهى فى نقطة النور مساويا للحر وهى فى نقطة السنبلة ، وليس الأمر كذلك ،
ولكانت البلدان التي هى أقرب إلى مجاز الشمس لا تكون البتة أبرد من البلاد النائية
عنه ، وقد يكون كثيرا.
وبالجملة فإن
الشمس لو كان يجوز لها أن تنتقل دفعة إلى نقطة السرطان ، لكانت لا تسخن البلاد
التي تحتها تسخينا شديدا مفرطا ، بل كان يكون إلى حد ما. وهذا مثل
__________________
النار التي تدخل
بيتا ما دفعة ، فإنها لا تؤثر تأثيرا كبيرا ، وإنما تؤثر بالمداومة ؛ فإن
المداومة تزيد كل وقت حرا إلى حر ، وتجعل الهواء أيضا شديد الاستعداد للتسخن. ولهذا ما تكون الحرارة بعد زوال الشمس فى الصيف أشد منها قبله ، والنسبة واحدة.
فهذه البلاد التي
تلينا يعرض لها أن الشمس تقرب منها بتدريج يتقدمه تسخين بعد تسخين ؛ ثم إذا وازاها وحاذاها ، عرض أن يقيم عندها مدة لا تتنحى عن رءوسها ، لأن الميول عند قرب من المنقلبين تقل وتصغر جدا ؛ ثم إن كانت تسامت الرأس وتجاوزه ، عاودت المسامتة عن قريب ، ويكون النهار أيضا طويلا والليل قصيرا ، فيدوم
إلحاح الشمس عليها بالتسخين ، لكون مددها متقاربة ومع ذلك طويلة ، ومع ذلك حافظة لقرب واحد من الشمس ، فيكون الحر متجاوزا للحد.
وأما فى خط
الاستواء ، فإن الشمس تبلغ المسامتة دفعة ، لأن الميول هناك تكثر وتتفاوت تفاوتا
لا يؤثر إلا أثر المسامتة والمغافصة ، ثم تبعد عن سمت
الرؤوس بسرعة ، ولا تلح عليها ، وتأخذ كل ساعة تزداد بعدا إلى أن يبعد الميل كله ،
غير ملحة ولا لجوج ، ويكون النهار مساويا لليل فى الطول والقصر. ثم لا تعود إلى
سمت الرأس عن قرب ، بل إلى نصف السنة. ثم تكون المسامتة خفيفة على الجملة المذكورة. ثم تأخذ فى البعد ، فلا يشتد الحر
جدا ، لما قلناه ، ولا يشتد أيضا البرد.
وذلك لأن بلادنا
وخصوصا حيث نحن ، فقد يكون بعد الشمس فيها عن سمت رءوسنا ضعف الميل ، وزيادة بعد
سمت رءوسنا عن مدار البروج. فيعرض برد شديد ، ثم يتعقبه حر شديد ، وتبتلى الأبدان
بالانتقال من ضد إلى ضد. وأما هناك فلا ينتقل
__________________
من ضد إلى ضد ، بل
إنما ينتقل من واسطة اعتدال إلى حد غير بعيد. ولو كان هناك حر دائم وكانت الأبدان
هنالك قد نشأت على مزاجه ، لا تنفعل عنه كثيرا ، ولا يعرض لها خروج بعيد عما نشأت عليه ، لكانت لا تحس بأمر مغير ، فكيف وليس هناك
إفراط البتة. وللأبدان ملاءمة لما نشأت عليه ، حتى لا تنفعل عنه كثيرا. تأمل ذلك فى حال أبدان الترك ، فإنهم لا ينفعلون من برد
بلادهم انفعالا شديدا ، ولا الحبشة ينفعلون من حر
بلادهم انفعالا شديدا. وربما كان البدوى بخراسان يشكو البرد ، فى وقت ما يكون
الخراسانى يشكو الحر فى وقت واحد. وقد شاهدت هذا ببخارا من حال بدوى حضرها فى ماه
أرديبهشت أو خرداد وقد تسلط بها أكثر الحر وهو يرتعد ويتزمل ويستغيث
من البرد ، وأهل البلد يتأذون من الحر ؛ لأن مزاج العربى ألف مزاجا حارا ، وألف الآخر مزاجا باردا ؛ فيكون ذلك المزاج باردا بالقياس إلى الأعرابى ، حارا
بالقياس إلى البخارى بحسب مزاجه الذي له فى ظاهر بشرته.
وأما خط الاستواء
، فتكون الأحوال فيه متقاربة. فمن يكون منشأه فى ذلك المزاج لا يحس البتة بتغير
ببلاده محسوس ، ويتشابه عنده حال هواء بلده ، ويكون كأنه فى ربيع
دائم ، اللهم إلا أن يتفق هناك من أسباب الحر غير ما هو منسوب إلى قرب الشمس
وبعدها من الأسباب التي نذكرها.
فهذا هو المذهب
الصحيح الحق ، فهكذا يجب أن يتصور حال المعمورة ، من جهة تأثير الشمس فيها. لكن البلاد أيضا قد يختلف حرها وبردها
بسبب آخر ، وهو أن البلاد المشرفة ، أبرد من الغائرة والتي بينها وبين الجنوب
جبال. وناحية الشمال واضحة برية من الجبال ، أبرد من التي الجبال فيها شمالية
لسببين : أحدهما أن الشمس لا يستوى
تسخين
__________________
ما ينعكس عنه حرها
بمقابلها ، وما ينعكس فى جهة مخالفة
لها. والثاني من جهة الريح. فإن الشمالية تبرّد ، والجنوبية تسخّن ، وأيهما حبس
بسد حبس مقتضاه.
وإذا تشابهت
البلاد فى هذه الأحوال فالشمالية أبرد من الجنوبية ، وإن اختلفت فى هذه الأحوال جاز أن تكون الشمالية أسخن من الجنوبية. وأما اختلافها فى أنها شرقية وغربية ، فلا يوجب اختلافا فى الحر والبرد إذا
كان عرضها واحدا. والذي قيل : إن الشرقية إنما هى أسخن من الغربية ،
بسبب أن الغربية تكون الشمس آخذه عنها فى حركتها ومودّعة إياها ، والشرقية تكون آخذة إليها فى حركتها ؛ فهو كلام من لا بصر له البتة. فإن كل نقطة من
الأرض تأخذ إليها الشمس ، وتأخذ عنها بالسواء ؛ وليس الشرق شرقا والغرب غربا ، إلا
بالإضافة ؛ فإن كان الشرق أسخن من الغرب ، فيجب أن يكون السبب فيه البحر الذي خلفه
والذي عن الجنوب منه ، فإن الشمس قبل أن توافى سمت الرأس منهم تسامت البحر وتجرى
عليه فتثير بخارا حارا كثيرا. وكذلك إذا حاذت الناحية لم تعدم بحرا قريبا. والبلاد البحرية تسخن بمجاورة البحر إذا كان بحرها
يبخّر كثيرا ، ثم يشتد عنها انعكاس الشعاع إلى البخار بحيث يؤثر فى البخار ويحميه. وإن لم تكن هذه العلة موجودة كانت مجاورة البحر مما
يبرّد بسبب برد الماء.
وأما ناحية المغرب ، فالشمس لا تأتيها ولها مرور ببحر معتد به ؛ بل البحر منهم إلى الغرب فى قربهم ، وخليج
يأخذ من شماله إلى جنوبه ، ولا يبلغ قرب مسامتة منطقة
__________________
البروج ؛ ومدار
الشمس جنوبى عنهم ، فلا يحاذى الخليج الشمالى ولا يسامته. فإذا حاذت البحر الذي وراءهم ، كانت آخذة فى البعد منهم
ومما يجب أن يعلم
أن لممرات الكواكب تأثيرات فى الحر والبرد ، وفى سائر الأحوال ، وإن كانت مما لا يدرك. والله
أعلم.
__________________
المقالة الثانية
وهى تشتمل على الأحداث والكائنات التي لا نفس لها ؛
مما يكون فوق الأرض. وهى ستة فصول
[الفصل الأول]
(ا) فصل
فى السحب وما ينزل منها وما يشبه ذلك
فنقول أولا : فى
كيفية تولد السحاب : إن السحاب جوهر بخارى متكاثف طاف فى الهواء ، ومن شاء أن
يتأمل ذلك أمكنه ، إذا حصر الجبال الشامخة ، وتأمل تكوّن السحاب فيها. وهذا الجوهر
البخارى كأنه متوسط بوجه ما بين الماء والهواء ، فلا يخلو إما أن يكون ماء قد
تحلّل وتصعّد ، أو يكون هواء قد تقبض واجتمع. وقد يعرض تكون السحاب من كلا الوجهين
جميعا. وذلك أنا كثيرا ما شاهدنا الهواء يبرد فى أعالى الجبال الباردة فينقبض بعد الصحو سحابا دفعة ، ثم يثلج. وقد شاهدت هذا بجبل طبرستان عند ويمة وبجبال
طوس. وأما تصعد البخار وانعقاده سحابا ماطرا ، فذلك أمر قد
شاهدناه كثيرا فى كل البلاد الجبلية. وهذا البخار ليس يحتاج كل مرة أن يبلغ الموضع
البارد الشديد البرد فى الجو ، فقد شاهدنا البخار
وقد صعد فى بعض الجبال صعودا يسيرا حتى كأنه مكبّة موضوعة على وهدة تحتها قرية ، إحاطة تلك الوهدة لا يبلغ نصف فرسخ.
وكنا نحن فوق تلك
الغمامة فى الصحو وكان الهواء خريفيا ليس بذلك البارد
جدا ، فكان أهل القرية يمطرون من تلك الغمامة. فعلمنا أن البخار كثيرا ما يؤدى به
تكاثفه وتواتر مدده وبطء حركته المصعدة إياه إلى فوق ، فيحوج إلى أن يتكاثف ويقطر
مثل المعصور ، وربما أحوجته الرياح إلى ذلك إما مانعة إياه عن الصعود بحركتها فوق ، وإما ضاغطة إياه
إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال حائلة قدام الريح أو بسبب اختلاف رياح متقابلة ، وإما
لإلحاق المتأخر بالمتقدم الواقف وإلصاقه به من غير أن
يكون حاجز من قدام ، وإما لشدة بردها فيكثف به السحاب.
__________________
وإنما يكثر المطر
بأرض الحبشة مع حرارتها لاندفاع الأبخرة إليها وانضغاطها فى جبالها وهى بين يدى رياحها. وأما فى أكثر الأمر فإن الأبخرة تتصعد وتعلو إلى الحيز
البارد من الهواء فتبرد ويعين ذلك انفصال ما ينفصل عنها من الدخان الحار اليابس
الذي نذكره. وقد شاهدنا ذلك الانفصال على بعض قلل الجبال. فإذا بردت بالسببين انعقدت هناك غماما ، ثم يستحيل ماء فيثقل فينزل.
والدّيمة والوابل إنما تكون من أمثال هذه الغيوم. وأما ما كان من جنس الغيوم
الأولى ، فإنها تصب شيئا وتنقشع ، وإنما مثلها مثل الطل ، فإن الطل ليس يتكون من سحاب ، بل من البخار اليومى المتباطئ الصعود القليل المادة إذا أصابه برد الليل وكثفه وعقده ماء ينزل نزولا ثقيلا فى أجراء صغار جدا لا نحس بنزولها إلا عند اجتماع شىء يعتد به ،
فإن جمد كان صقيعا.
وهذا السحاب يعرض
له كثيرا أنه كما يأخذ فى التكاثف ، وفى أن يجتمع فيه حب القطر ، يجمد ولم تتخلق الحبات بحيث تحس فينزل جامدا فيكون ذلك هو الثلج ، ونظيره من البخار الفاعل للطل هو الصقيع.
وأما إذا جمد بعد ما صار ماء وصار حبّا كبارا ، فهو البرد. وأكثر البرد إنما يكون فى الربيع والخريف ، ولا يكون فى الشتاء. وذلك لأن البرد الشتوى إن كان شديدا ، فعل الثلج ،
وأجمد السحاب ، ولا يمهله ريثما ينعقد حبا ؛ وإن كان ضعيفا ، لم يفعل شيئا.
وأما فى الربيع
والخريف فإن السحاب ما دام لم يتكاثف بعد تكاثفا يعتد به يكون الحر مكتنفا إياه فلا يجمد ثلجا ؛ حتى إذا استحكم استحصافه وأحاط به الهواء الحار
والرياح القوية الحارة ، هربت البرودة دفعة إلى باطن السحاب
، واستحصف السحاب دفعة
__________________
على ما علمت من
التعاقب المشروح فيما سلف صورته. ويكون الاستحصاف قد جمع البخار قطرا ، قد عرض له استعداد شديد للجمود لخلخلة الحر إياه. كما أن الماء الحار أسرع جمودا من البارد ، فيجمد وقد صار قطرا
كبارا. ولذلك ما يكون البرد فى الخريف أكثر لأن الصيف يكون قد أفاد الأجسام زيادة
تخلخل ، والمتخلخل أقبل لأثير البرد والحر جميعا.
ولا يظن ظان أن البرد يكون أجزاء صغار جامدة ، ثم تتصل فى الجو فإن اليابس الجامد
يعسر اتصاله. ولكن السبب ما أشرنا إليه من التحام يقع دفعة لأجزاء السحاب يستحيل
به ماء بغتة ، أو بعد ما انتظم فيجمد حبا كبارا ، أو لأنه
ينزل رش مطر. وكلما يجتمع حينئذ يضر به البرد ، لا سيما إذا وافى حيز الحرارة. فإن الفعل العرضى من الحرارة حينئذ ، يكون أشد. على أنه قد يتفق أن يكون من أسباب تكون البرد
مغافصة ريح باردة لسحاب حار قريب من الأرض فيجمعه بحركته جمعا ، وتجمد أجزاؤه ببرده ، وقد شاهدنا هذا أيضا. وما كان من البرد نازلا من سحب بعيدة ؛ يكون قد صغر وذاب
واستدار لذوبان زواياه بالاحتكاك فى الجو. وأما الكبار وخصوصا التي لا استدارة
فيها ، فهى التي تنزل من سحب دوان. ولو كانت المادة غير جامدة لكان منها المطر
المسمى بالقطقط. فإن المطر يعرض له أن تكون أجزاؤه فى ابتداء تكونه صغارا جدا ثم تجتمع وتكبر ، ويعرض له مرة أخرى فى الانحدار إذا طالت مسافتها
أن تنفصل ماء وتتجزأ كالماء. فإنك إذا صببته من موضع عال ،
وافى القرار وقد تشتت وتفرق. وإنما يصير بردا بعد الاجتماع الأول أو معه.
__________________
وقد حدّثت أن ببلاد الجبل قطعة بردة وقعت من السماء فنقلت إلى بدر بن حسنويه تزن كذا منا.
ويقل البرد فى الصيف ، لأن البخار الرطب الثقيل يقل فيه ، وفى الشتاء
لأنه يجمد سحابا ، ويكثر فى الخريف ، إذا استفادت الأرض بلة بالنّشف وقوى فيها لقلة التحلل وبمعونة الليل. فإذا تحللت مع قوة من الحرارة معتدلة ، كانت مادة بخارية تصعد إلى الحيز المولد للبرد ، ولا تصعد إلى الحيز المحلل لأصل المادة.
فهكذا يتولد المطر
والثلج والبرد والمطل والصقيع. وأما الضباب فهو من جوهر الغمام إلا أنه ليس له
قوام السحاب فما كان منه منحدرا من العلو وخصوصا عقيب الأمطار ، فإنه ينذر بالصحو.
وما كان منه مبتدئا من الأسفل متصعدا إلى فوق ولا
يتحلل فهو ينذر بالمطر.
ويجب أن تعلم أن
نسبة المطر إلى الثلج نسبة الطل إلى الصقيع. وللرياح تأثير فى تكون الثلج والصقيع. كما أن لها تأثيرا فى تكون المطر والثلج ، وإن
اختلف وجه التأثير. فإن الرياح الشمالية تفعل فى الأكثر
صحوا لقرب مهابّها منا ، فإنها تجتمع فى آخر مهابها. وإنما
تولد عندنا الغيوم إذا هبت منا ببعيد ، وبالجملة هى رطبة
وإن أقشعت. والرياح الجنوبية جماعة للغيوم عندنا ، وإن كانت طرادة لها فى مبادى مهابّها. لكن الشمالى مع ذلك ثلجى والجنوبى مطرى والشمالى صقيعى والجنوبى طلى ؛ إلا فى بلاد بنواحى طوس فإن الشمالى بها لم يبرد بعد
لأنها مبتدئة ، والجنوبى قد برد بما اجتاز عليه.
__________________
وإذ قد بينا هذه المعانى
فيجب أن نعلم أن جميع الآثار العلوية تابعة لتكون البخار والدخان ، وذلك لأن الحرارة السمائية إذا أثرت فى البلة الأرضية أصعدت منها أبخرة ، وخصوصا إذا
أعانتها حرارة محتقنة فى الأرض ، فما تصعد من جوهر الرطب فهو بخار وصعوده
بطيء ثقيل ، وما يصعد من جوهر اليابس فهو دخان وصعوده خفيف
سريع. والبخار حار رطب ، والدخان حار يابس ، وقلما يتصعد بخار ساذج أو دخان ساذج ، بل إنما يسمى الواحد منهما باسم الغالب ، وفى
أكثر الأمر فيصعدان من الأرض مختلطين.
لكن البخار ينتهى تصعده إلى حد قريب ، والدخان إذا كان قويا انفصل عنه مرتقيا
مجاوزا إياه إلى حد النار. وقد شاهدنا انفصال الدخان عن السحاب ، ونحن فى قلل جبال
شاهقة. ورأينا المنفصل الدخانى يخلف سطح السحاب المتراكم
من تحت ، ويسرع إلى فوق وهو أسود يشم منه رائحة الحريق. فالبخار مادة السحاب والمطر
والثلج والطل والجليد ، وعليه تتراءى الهالة وقوس قزح والشميسات والنيازك. والدخان مادة الريح والصواعق والشهب والرجوم وذوات الاذناب من
الكواكب والعلامات الهائلة. وسيرد عليك تفصيل جميع ذلك.
__________________
[الفصل الثاني]
(ب) فصل
فى المقدمات
التي توطأ
لتعليم
السبب الفاعل
للهالة وقوس قزح وسائر ما يشبههما
فلنقدم أول شىء ، ولنعرف حال الخيالات التي تتكون فى الجو ، مثل
الهالة وقوس قزح والنيازك والشمسيات ؛ فإن هذه كلها تشترك فى أنها خيالات. ومعنى
الخيال هو أن يجد الحس شبح شيء مع صورة شيء آخر ، كما نجد صورة الإنسان مع صورة
المرآة ، ثم لا يكون لتلك الصورة انطباع حقيقى فى مادة ذلك الشىء الثاني الذي
يؤديها ويرى معها. كما أن صورة الإنسان لا تكون منطبعة بالحقيقة ولا قائمة فى المرآة ، وإلا لكان لها مقر معلوم ، ولما كانت تنتقل
بانتقال الناظر فيه ، والمرئى ساكن.
والمذاهب المعتد بها فى إدراك البصر لهذه الأشباح ثلاثة مذاهب :
مذهب أصحاب
الشعاعات ، وهم يرون أنه يخرج من البصر شعاع فيمتد هو بنفسه إلى
الصقيل الذي هو المرآة ويحيل ما يشوبه من الشعاع الذي فى العالم إلى طبعه ويجعله كالآلة
له ، فيلقى الأملس ، ثم ينعكس عنه ما را على الاستقامة ، حتى يلقى شيئا يقابل ما انعكس عنه ، فيدرك معا الأملس
الذي هو المرآة وذلك الشىء ، فيخيل عنده أنه يدرك صورة ذلك الشىء فى المرآة.
قالوا : وليس
الأمر كذلك ، وإلا لما كان المرئى ينتقل عن المرآة بانتقال
الرائى ، ولكان الرائى لا يرى بعد ما بين المرآة وبين المرئى ، والرائى يرى ذلك البعد وإن نظر فى المرآة.
__________________
ومذهب الطبيعيين
المحصلين ؛ وهو أنه لا يخرج من البصر شعاعات البتة ؛ بل من شأن المرئى إذا قابل
البصر وبينهما مشف ، والمرئى مضىء بالفعل ، أن صورته تتشبح فى العين من
غير أن يكون ذلك كشىء يخرج ويلاقى المشف المتوسط وينفذ فيه الى البصر البتة ، بل إنما يحدث الشبح فى العين نفسها ، ويكون المشف المتوسط مؤديا بمعنى أنه يمكن من تأثير ذى الشبح بشبحه. فى العين والعلة التي بها يمكن إلقاء الشبح ، هو وقوع الضوء على ذى الشبح دون
القابل. وهذه من الأفعال الطبيعية التي لا يحتاج فيها
إلى مماسة بين الفاعل والمفعول ، بل تكفى فيها
المحاذاة.
وكذلك إيقاع الشعاع ، فإن اتفق أن كان الجسم ذو الشبح صقيلا تأدى إلى العين أيضا
صورة جسم آخر ، نسبته من الصقيل نسبة الصقيل من العين ، لا بأن يقبل الصقيل فى نفسه شيئا ينطبع فيه البتة ، بل يكون تأدى
صورته سببا لتأدى صورة ما يكون منه ومن العين على نسبة مخصوصة. وأكثر
ما يتعجب من هذا أنه كيف يرى ما لا يحاذى ولا تنطبع صورته فيما يحاذى؟ وهذا ليس فيه إلا العجب والندرة فقط. ولو كانت العادة فى
التأثيرات الطبيعية جرت على أن عامتها تكون بالمحاذيات ولا تكون بالمماسة ، كما لا يبصر البصر الآن شيئا بالمماسة ، لكان إذا اتفق
أن يقال فى شىء : إنه يؤثر بالمماسة ، استندر ذلك وتعجب منه. وكذلك الحال فى التعجب الذي يعرض من وجود جسم يؤثر على نصبة ووضع غير متعارف ، مثله فى تأثير سائر الأجسام. وأما أن هذا ممتنع ، فلا برهان عليه ، بل هو موجود واجب ، إذ كان من شأن الصقيل أن ترى مع صورته صورة شىء آخر ، وهو يؤديه من غير أن يقبله
؛ بل يكون ممكنا لذى الصورة من إيقاع شبحه فى العين ، كما
__________________
المشف ممكن ، إلا أن المشف يمكن مفارقا محاذيا حتى يؤثر ، وهذا يمكن مفارقا محاذى المحاذى.
ثم البرهان يمنع من صحة غير هذا ، كما ستعلمه. والصوت قد يسمع من أى محاذاة اتفقت ، لأن له ناقلا ينقله الى السمع. وليس يتعجب من ذلك ولا يقال : لم
ينقله ، ولم كان القرع صوتا ؛ لأن ذلك كذلك نفسه وطبعه ، فكذلك هاهنا.
فهذا المذهب فى
تأدى الأشباح الى البصر ، عكس المذهب الأول. ونحن سنتكلم فيه فى غير هذا الموضع.
والمذهب الثالث ،
مذهب من يقول : إن شبح المرئى يتصور كما هو فى المرآة ، فإذا رؤيت المرآة بالمحاذاة رؤى أيضا الشبح المنطبع فيها. وهذا
المذهب مضطرب لا حقيقة له. وهذا الانطباع قول لا معنى له ، لأن انطباع صورة شىء فى
شىء يوجبه نوع من المحاذاة لا يتغير عن موضع إلى موضع
بزوال شىء ثالث لا تأثير له فيه. كما أن الضوء إذا نقل على الوجه المحاذى لوّن
الشىء مع انتقاله عكسا ، مثل ما يعرض للحائط أن يخضر بسبب انعكاس الضوء عن الحضرة
إليه. فإن ذلك اللون يلزم موضعا واحدا بعينه ولا يختلف على المنتقلين.
وأنت ترى صورة
الشجرة فى الماء ، ينتقل مكانها من الماء مع انتقالك. وفرق بين اللون المستقر فى
الشىء نفسه ، وإن كان فى غيره ؛ وبين اللون الساطع إليه من غيره ، ما دام محاذيا له بتوسط الضوء سطوعا مستقرا ، إلى أن تزول
المحاذاة ، مثل البرق ومثل صبغ الياقوت لليد ؛ وبين الخيال الذي لا حقيقة ارتسام
له.
فهذا المذهب لا حقيقة له ، بل الصورتان إنما تتحدان فى الأبصار وإحداهما علة بوجه
ما لتأدى الأخرى إلى البصر. فإذا رؤيتا معا ، ظن أن
إحداهما فى الأخرى. وكيف كان
__________________
فإن هاهنا مراى لا يشك فى وجودها . وسواء أخرج من البصر شىء فانعكس عن المرآة إلى المرئى ، أو كان تأثير
من المرئى فى الرائى بواسطة المرآة ، فإن الأحكام التي نحن فى اعتبارها متفقة ،
لأن الأشكال والخطوط التي ترتسم فيما بين ذلك تكون واحدة. فلهذا ما لم يشاق المعلم الأول
فى هذا الموضع من كتابه ، بل استعمل انعكاس البصر ، إذ كان ذلك أشهر وأعرف ؛ وإذ
لم يكن بين القول فى الحس والمحسوس بعد ، فجرى على المشهور.
وأما تحقيق هذه
الجملة ، ففى الفن الذي يلى هذا الفن. وقد حاول قوم من الطبيعيين تعليم أسباب هذه
الخيالات السحابية ، محاولات متكلفة بعيدة من العقول ،
أحوجهم اليها ما هو متشدد فيه من التعصب على أصحاب الأشعة من الرياضيين ، والتصلب
فى مذهب المشائين مع القصور عن الواجب من البصيرة ، فصاروا الى جانب من المحال أشد
من القول بالشعاع. حتى قال بعضهم : إن الهالة شكل تموج يقع فى السحاب لصدمة نور النير أو لتحليله وسطا وتركه أطرافا متساوية البعد عن
الوسط ، وغير ذلك من أقاويل لا يقولها إلا من يتوهم أن الهالة مستقرة فى سحاب
معين.
فنقول الآن : إن
الفرق بين الصور الحقيقية المنطبعة فى موادها وبين خيالات الأشباح التي يظن أنها
فى المرايا ، أن هذه تنتقل مع المنتقل ، والحقيقة تلزم مواضعها. وهذه يتخيل أنها تقرب مما يقرب من المرئيات مواجها لها فى
المرايا وتبعد مما يبعد عنها ، وتلك تلزم مواضعها. وهذه توجد
متخيلة فى ظواهر أجسام صقيلة ، وتلك لا تكون كذلك. وإذا كان الجسم الصقيل مشفا ، ورأى مشفا بالفعل ، لم يمكن أن يرى عليه هذا الخيال. فإذا رؤى عليه الخيال لم يؤد ما وراءه ولم يكن مشفا بالفعل حينئذ بالقياس إلى ما وراءه. وإن كان وراء
__________________
الجسم الشفاف جسم
ذو لون يحدده ، أرى هذا الخيال ؛ وإن لم يكن وراءه ما
يحدده ، نفذ فيه البصر ، ولم ير هذا الخيال.
وهذه كلها مقدمات
تجربية. ونقول أيضا : إن المرايا إذا كانت بحيث لا يحدها الحس ، لم يمكن أن يؤدّى اللون والشكل معا ؛ فإن كانت صغارا ، أدت اللون ، ولم تف بأداء الشكل.
لأن الجسم لا يمكن أن يرى مشكلا إلا وهو بحيث يقسّمه الحس ، فكيف يرى ما لا ينقسم فى الحس مشكلا؟ وإن كانت مفردة ، فربما عجز البصر
عن إدراك ما يؤديه من اللون أيضا. فإن كثرت وتلاقت ، أدى كل واحد منها اللون ، ولم
يؤد واحد منها الشكل. فاتصل من جملتها من تأدية اللون ما لو كانت متصلة متحدة ، لأدت مع ذلك اللون الشكل. وإذا كان المرئى فى مشف ثان وراءه وبينهما سطح بالفعل ، فإنه يؤدى مقدار الشىء أعظم مما ينبغى أن يؤديه ،
وخصوصا إذا كان سيالا مثل ما يرى الشىء فى الماء ، إلا أنه يقصر فى تأدية لونه ،
فيريه أقل سوادا وصبغا من سواده
وصبغه. فإن كان ذلك الشىء خارجا عن ذلك السطح ، وكان ذلك السطح
يؤديه على أنه مرآة ، رؤى ذلك الشىء أصغر حجما ، وأشد سوادا من سواده. وأقل بياضا من
بياضه.
والبصر يعرض له
الغلط فى الشىء من وجوه ، منها فى مقدار الشىء كما
ذكرناه من أنه تارة يراه أعظم وتارة يراه أصغر ؛ ومنها فى
شكله ، فإن البعيد لا يحس بزواياه ولا بتقبيبه ، بل
يرى مستديرا مسطحا ؛ ومنها فى وضع أجزائه ، فإن
البعيد لا يحس بخشونته ؛ ومنها فى لونه ، فإنه تارة يرى الشىء أشد صبغا وتارة أقل صبغا ؛ ومنها فى وضعه من شىء آخر ،
__________________
فإن البعيد جدا لا
يحس البعد الذي بين الرائى وبينه ولا الذي بينه وبين بعيد آخر مثله ، كما لا يحس البعد بين القمر والثوابت فى جهة ارتفاعها. والأجسام المضيئة إذا انعكس ضوؤها
عن المرايا القريبة منها ، لم يبعد أن يخيّل لون نير. فإن بعدت وكانت مظلمة لم يبعد أن تتركب من الضوء ومن الظلمة ألوان أخرى. كما أن الضوء إذا وقع على السحابة السوداء
رؤيت حمراء ، وكذلك يجوز أن يكون حال الضوء الخيالى فى شىء بعيد وأسود معا. وإذا قام قائم وحاذى بصره أشياء كثيرة أو شيئا واحدا عظيما مما من شأنه أن يؤدى الشبح ، فليس يجب أن تكون كل تلك الأشياء والشىء بحيث يؤدى شبح شىء واحد أو أشياء كثيرة ، بل ربما كانت النسبة مع بعض تلك الأجزاء نسبة توجب أداء شبح ما ، ومع أجزاء أخرى نسبة توجب أداء شبح آخر. وربما كانت الأجزاء الأخرى لا توازى ما
يوجب تأدية شبحه ، فتتعطل تلك الأجزاء ويبقى الفعل لما يوازى ذا الشبح الواحد الذي قد مر ذكره.
وتلك الأجزاء
تتعطل على وجهين : فإنها تتعطل إما لفقدان شىء من شأنه أن يؤدى شبحه ، فإذا كانت
لا مؤدى لها وللأجزاء المقدم ذكرها مؤدى اختلفا ، وإما لأن ما نسبته إليه نسبة الأداء ، ليس يبلغ من قوة إرساله الشبح وتمثيله إياه مثلا فى المرآة
قوة الشىء الآخر ، إما للبعد ، وإما لضعف اللون. وأقوى ما يرسل شبحه هو الأقوى ضوءا ،
وكلما اشتد الضوء اشتد التأثير حتى يمنع أيضا من تأثير أشياء أخرى من شأنها أن تؤثر. فإذا كان تمثل الشبح مرئيا فى مرايا من شأنها تأدية الشبح ، فبالحرى أن لا يتعطل تشبح ما سواه فى أجزاء أخرى من
الأجزاء التي يخصها فى النسبة. فإذا كانت المرآة متشابهة الوضع ، وجب أن تكون النسبة بين الرائى وبين أجزاء
المرآة وبين المرئى واحدة. فيجب
__________________
أن تكون الزوايا
التي تحدث من خطوط تتوهم خارجة من البصر إلى المرآة ومن المرآة إلى الشىء ذى الشبح
فتتصل عند المرآة ، هى زوايا متساوية من جميع الجهات. فيكون تمثل الشكل المرتسم
بين زوايا الناظر والمرآة والشبح مستديرا ، كأن
الشكل المرتسم بين زوايا الناظر والمرآة والمرئى قد أدير على نفسه بأن يحفظ الخط
الذي بين الشىء ذى الشبح والرائى ثابتا فى الوضع ويدار عليه الشكل. لأن التجزئة
إنما تقع فيما نحن بسبيله على المرآة ، وأما الرائى والمرئى فكشيء لا ينقسم ،
فيكون المرئى مكان طرف المحور ، والشبح المتخيل مكان منطقة المحور ، وأعنى بذلك أوسع دائرة ترتسم على ما يحيط به الشكل المرتسم من الحركة المذكورة.
فهذه الأشباح تتبدل أماكنها بحسب حركاتك ، فإن توجهت إليها تقدمت إليك ، وإن نكصت عنها تأخرت عنك ، وإن علوت علت ، وإن نزلت نزلت ، وإن تركتها يمنة وحاذيتها بالانتقال حاذتك بالمرافقة ، وإن تركتها يسرة وحاذيتها بالانتقال حاذتك بالمرافقة ، وبهذا نعلم أنها خيالية.
فهذه الأشياء
كمقدمات وتوطئات ، بعضها يعوّل فيه على صناعة الهندسة ، وبعضها على
علم البصر ، ونحن نتكلم فيه فى موضعه ، وبعضها على الامتحان بالحس.
__________________
[الفصل الثالث]
(ج) فصل
فى الهالة وفى قوس قزح
وأما الهالة فإنها
دائرة بيضاء تامة أو ناقصة ترى حول القمر وغيره ، إذا قام دونه سحاب لطيف لا يغطيه
، لأنه يكون رقيقا. فمن أحب أن يتراءى بأنه شديد التعصب على أصحاب الشعاع ، قال إن
سطح الغمام كرى ، وكذلك سطوح الأجسام البسيطة ؛ ومما يدل على كرية السحاب أنه
متشاكل البعد عن الأرض وعن المركز قال : وإذا وقع عليه شعاع القمر حدث من الشعاع
ومنه قطع مستدير. وقال من هو أقدم من هؤلاء : إن الشعاع إذا سقط على السحاب كان
شبيها بحجر يلقى على الماء فيحدث هناك موج مستدير مركزه المسقط. قالوا
: ووسطه يكون كالمظلم ، لأنه يتحلل لقوة الشعاع.
وهذان القولان من
جنس الخرافة. وذلك لأن الهالة لو كانت كما قالا لكان لها موضع معلوم من السحاب ،
وليس كذلك ؛ بل يراها الذين تختلف مقاماتها فى مواضع مختلفة من السحاب ، وعلى أن
ضوء القمر ليس مما يختصر قطعه بموضع من السحاب دون موضع ، أو يكون سقوطه وتحليله على موضع دون موضع ؛ بل هذا كله من جنس الكلام الذي يجب أن
يترفع عنه أهل البصيرة ، إنما الهالة خيال ، ولذلك يختلف منظره. وإنما يتخيل عن ضوء القمر أو عن ضوء نير
غيره ، لإشراق السحاب به على سبيل التأدية لا على سبيل التكيف به. وذلك إذا كان
السحاب مائيا لطيف الأجزاء رقيقا لا يغم القمر أو الكوكب ، وأدى نفس الكوكب مع أداء شبح الكوكب ، لا على استقامة ما بين الناظر والمنظور إليه. فإن الشىء إنما يرى على الاستقامة نفسه
__________________
لا شبحه ، وإنما
يؤدى شبحه زائلا عن محاذاة الاستقامة التي بينه وبين الرائى ضرورة. فإذا
كان جميع أجزاء السحاب أو أكثره مستعدا لهذه التأدية ، وكانت نسبة كل مرآة فى وضعها من الرائى والكوكب يجب أن تكون نسبة واحدة من
جميع جوانب الكوكب ، وجب أن يكون ما يرى من الهالة مستديرا.
على أنك يجب أن
تعلم أن الهالة إذا لم تكن من نير على سمت الرأس ، وجب أن يكون السحاب ثخينا ، حتى تكون الخطوط البصرية التي تكون من وراء النير
والرائى تقع من السحاب على مرأى أقرب إلى السطح الباطن ، والخطوط البصرية التي نقابلها أذهب فى عمق السحاب حتى تستوى ؛ وإلا فإنها إن وقعت على سطح واحد كرى كانت التي فى الجانب
الأبعد أطول. ولأن ما يخرج عن المرآة وما يدخل فيها مما لا يخيل ، لا يكون له إشراق ما يردّ الضوء ويعكسه إلى البصر ، فيخيل أن خارجه وداخله أسود ؛ فإن
كل ما نقص من إشراقه عن الأبيض ، ووضع فى جنب الأبيض يرى أسود.
وداخل الهالة يعرض له سبب آخر ، وهو أن قوة الشعاع الذي للكوكب تخفى حجم السحاب
الذي لا يستره ، فكأنه ليس هناك سحاب ولا شىء آخر لأن ما فيه من السحاب ليس يستر القمر ، إذ كان هو سحابا رقيقا. ويعرض للصغير والرقيق أن لا يرى فى الضوء القوى خصوصا إذا كان
بحيث لا يستر الشىء فيكون كأنه ليس موجودا ، مثل ما لا ترى اللهبات الجوية فى الصحراء ، وإن رؤى لم ير مضيئا بل أسود مثل الشعلة فى النهار ،
وإذا لم ير أو رؤى أسود يتخيل كأن هناك منفذا
أو مدخلا أو شيئا أسود. ومتى أردت أن تتأمل هذا ، فتأمل السحابة الرقيقة التي
تجتاز تحت القمر ترى كأنها ليست أو ترى ضعيفة سوداء. فإذا فارقت
محاذاته ، رؤيت أثخن حجما وأظهر عينا.
فإن تمزقت الهالة
__________________
من جميع الجهات
متحللة ، دلت على الصحو. وإن انتظمت حتى ثخن السحاب وبطلت الهالة ، دلت
على المطر ؛ لأن هذه الأجزاء الرطبة المائية القليلة تكون قد صارت كثيرة. فإن
تمزقت من جهة دلت على ريح تأتى من تلك الجهة ، وأنها هى التي مزقته لا سيما ومبادئ الريح من فوق. وقلما تكون حول الشمس هالة ، لأن الشمس فى الأكثر تحلل السحب الرقيقة التي تبلغ من رقتها أن لا تستر
الشمس. وربما أخرجت عنها البخار الدخانى فيلتحم ويتكاثف. ومع ذلك فقد تكون حول
الشمس هالة وهو الطفاوة ، وذلك فى الندرة. والتي تكون من الهالات تحت الشمس ، أدل
على المطر من الخيالات القزحية التي تكون قبالتها. وإذا وقعت سحابة بهذه الصفة تحت
سحابة ، أمكن أن تتولد هالة تحت هالة. والتحتانية تكون أعظم من الفوقانية ، لأنها
أقرب ، فتكون تأديتها المرئى بأجزاء أبعد من الوسط.
ومنهم من ذكر أنه رأى سبع هالات معا وهو بعيد. وقد حكى بعضهم أنه رأى
هالة ، فلما قدرت بالكواكب التي حاذت أقطارها كانت قريبة من
خمسة وأربعين اسطاذيا. وأكثر ما تكون الهالة فتكون مع عدم الريح ، فلذلك تكثر مع السحب الدوانى. وقد رأيت حول الشمس فيما بين
سنة تسعين وثلاث مائة وإحدى وتسعين هالة تامة فى ألوان قوس قزح وأخرى ناقصة مولية
الحدبة إليها ، فعلى هذه الصورة تكون الهالة. وقد رأيت بعد ذلك بزمان له قدر عشرين
سنة هالة تطيف بالشمس فيها قليل قوسية خفية. وإنما تتقزح
هالة الشمس أحيانا ، إذا كتف السحاب وأظلم. وهالة الشمس تخالف قوس قزح فى أن محور هذه الدائرة ينتهى إلى البصر وإلى المرئى فى الجانبين
جميعا. وتكون الهالة منطقة لذلك المحور ، ويكون مركز دائرتها على هذا الخط بين الرائى والمرئى. وأما القوس
__________________
فإن الرائى والشمس
يكونان جميعا على خط المحور ، لكن مركز دائرة المنطقة لا يكون واقعا بينهما. والقوس
لا يزيد على نصف دائرة لكن الهالة قد تتم دائرة ، وقلما ترى الهالة مكسورة بالأفق
ـ د لقرب النير من الأفق ، لأن خط البصر فى مثل هذه الحال يصيب من السحاب فى الأكثر عمقا كثيرا فى أكثر الأمر. والهالة الشمسية فى الأكثر إنما ترى إذا كانت الشمس تقرب
من وسط السماء ، والقوس لا ترى إلا إذا كانت الشمس تقرب من الأفق. وقد رأيت بهمذان هالة حول القمر قوسية اللون ، وكان ذلك لأن السحاب كان أغلظ فشوش
فى أداء الضوء ، وعرض ما يعرض للقوس مما نذكره.
واعلم أن الكلام
فى الهالة فهو كالمحصل المحقق عندى. وأما القوس فقد حصل عندى من أمره أحوال ، وبقيت أحوال لم أتحققها بعد ، ولا يقتضى ما يقال فيها.
وقد شاهدت مرارا أن ارتسام هذه القوس ليس على السحاب الكثيف ، وليس يقنعنى ما يقوله أصحابنا من
المشائين فيها ، وأنا واصف لك أولا حال القوس فى ارتسامها حيث لا سحاب كثيف على ما
شاهدت ، ثم واصف لك السبب فى كونها نصف دائرة أو أقل من نصف دائرة لا غير ، ومعط لك السبب فى أن القوس لا تحدث فى جميع أوقات
النهار الصيفى وتحدث فى الشتاء. وأما الألوان فلم يتحصل لى أمرها بالحقيقة ، ولا عرفت سببها ، ولا قنعت بما يقولون ، فإن كله كذب وسخف.
وأقول : أما أن
هذا العارض لا بد من أن يكون وراءه فى أكثر الأمر سحاب مائى مستوى الأجزاء ، فأمر توجبه المشاهدة لأن هذا الأثر لا
يكون فى نفس السحاب البتة ، ولا نفس السحاب هو الذي يؤديه ، لكن
البصر يغلط فلا يميز بين مكان مرآته وبين السحاب الذي يكون وراءه. فأول ما عرفت
هذا هو فى البلاد الجبلية ، فقد شاهدت فيها مرارا كثيرة
__________________
سحابا يتولد مع
مثله هذا الأثر ، وكان ذلك السحاب مشرفا شاهقا وجهته حيث جهة الجبل. وظهر الأثر ، فوقع بصرى أول ما وقع على
ذروته ومنتصف قوسه ، وتخيلت أنه فى ذلك السحاب ، فلما تأملت أسافله ، كان قائما
فيما بيننا وبين الجبل قياما فى الجو ، وأنه لو لا الجبل لكان يتوهم أنه فى السحاب
الكدر. ورأيت القوس مرة وهى مرتسمة فى الجو المصحى قدام جبل ، إلا أن ذلك الجو رطب مائى من غير ضباب ولا شىء ، وكان موضعه ما بيننا
وبين الجبل لا يزيد عليه ارتفاعه. ورأيت مرة أخرى قوسين عظيمتين تلى ذروتيهما وأوسط حدبتيهما سحاب ، ويلى طرفيهما جبال ، فيرى كل واحد منهما كأنه مرتسم على الجبل وعلى السحاب ؛ وذلك لأن البصر
لا يفرق بين شفيفه وبين ما خلفه ، فيرى كأنه ملتصق به.
وقد تواترت منى
هذه التجربة بعد ذلك مرارا ، فظهر لى أن السحاب الكدر ليس يصلح أن يكون مرآة البتة
لحدوث هذا الخيال ، وإنما ينعكس للبصر منه عن هواء رطب
منتشر فيه أجزاء صغار من الماء مشفة صافية كالرش ، وليست بحيث تكدر وتزيل الإشفاف
، لكنها إذا لم يكن وراءها ملون لم تكن مرآة. وذلك كالبلورة ،
فإنها إذا سترت من الجانب الآخر صارت مرآة فى الجهة التي تليك ، وإن لم
تستر وتركت ووراءها فضاء مشف غير محصور لم تكن مرآة. فيجب أن يكون فى أكثر الأمر
وراء هذا الهواء الرطب شىء لا يشف : إما جبل ، وإما سحاب مظلم ، حتى يرتسم هذا الأثر منعكسا عن
الأجزاء المائية الشافة المنتشرة الواقعة فى الجو
، دون البخارية الكدرة ؛ فإنها إذا كانت بخارية كدرة لم تصلح لذلك.
__________________
ورأينا مثل هذا
الخيال يتولد فى أرجاء الماء إذا انتضح عن أجنحة الآلة المنصوبة فى وجه الماء رشّ
ماء صغير الأجزاء طلّى ، توازيه الشمس ، فيحدث دائرة بالوان
القوس. وكذلك إذا أخذ الإنسان الماء فى فمه ، ونفخه فى الجو حذاء الشمس أو السراج . ورأينا الشمعة فى الحمام يتولد حواليها من رطوبة جو الحمام هذا الخيال ؛ بل قد رأينا فى الغدوات حول الشمس خيالا هلالى الشكل قوسى اللون ، والسبب فيه رطوبة المنتبه عن نومه ، فكان إذا مسحت العين لم يظهر منه شىء. وقد رأينا فى بعض
الحمامات هذا الخيال منطبعا تمام الانطباع فى حائط الحمام ، ليس على سبيل الخيال ،
بل كان الشعاع يقع على جام الكوة فينفذ فى الرش المملوء منه هواء الحمام ، ثم يقع
على حائط الحمام وهو شعاع مضىء ، ثم ينعكس عنه فى الهواء الرشى إلى الحائط الآخر
ألوان قوس مستقرة ليس مما تبرح موقعه بانتقال الناظر. وقد يحكى أن هذه الألوان تظهر من ماء ينتشر من مجاديف
السفن فى البحر ؛ ومن ضعف بصره حتى صار كأنه لا ينفذ فى الجو فقد يتخيل له ذلك ، يتخيل له أشباح أشياء أخرى ، وربما يخيل له شبح نفسه أمامه ، فإن الهواء يصير بالقياس إلى بصره محدودا
منقطعا. وأكثر ما يعرض هذا الخيال حول السراج ، وما لا يكون له شفيف ولون قوى
فإنه يرى أرجوانيا ذا لون واحد. فالذى صح عندى أن مرآة
هذا الأثر ليس هو بسحاب مظلم لا يشف ، بل هو جو رطب فيه أجزاء مائية رشية كثيرة مشفة ، ولكنه يحتاج أن يكون خلفه مثل هذا
السحاب أو جبل أو سترة أخرى من نفسه أو من غيره.
وقد رأيت بجبل بين
أبيورد وبين طوس ، وهو مشرف جدا ، كان قد أطبق تحته غيم عظيم عام ، وهو دون قلّته
بمسافة يعتد بها ، لكن الهواء الذي فوقه كان بهذه الصفة ؛
__________________
وقد كانت ظهرت هذه القوس على الغمام ، ونحن ننزل عنه إلى الغمام ، فنرى هذا الخيال ما
بيننا وبين الغمام المتراكم متشبحا على السحاب ، منثلم الاستدارة ، لصق الجبل ، لا ينقص
عن الدائرة إلا قدر ما يكسره الجبل. وكنا كلما أمعنا فى النزول صغر قدره ونقص قطره
، حتى صارت دائرة صغيرة جدا ، لأن قربها منا وبعد الشمس عنها كان يزيد ويصير المخروط البصرى أصغر قطعا ؛ فلما قربنا من السحاب
وكدنا نخوض فيه اضمحل ، ولم يتخيل بعد. فهذا هو صورة
المرآة التي تخيّل هذا الخيال. وأما لونه فلعله إنما لا يكون منيرا أبيض ، لأن مرآته بعيدة عن النير ، ليس كما يرى فى الهالة. فلذلك يختلط الضوء الخيالى بشيء من جنس الظلمة ، فتتولد حمرة وأرجوانية وغير ذلك.
وأما شكله ، فأعلم
أنه يجب أن يكون مستديرا ، وأعلم علته وهو ما قد دللت عليه. ولذلك فإن الشمس إذا كانت على الأفق وجب ضرورة أن ترى من
القوس نصف دائرة ، وذلك لأن القوس ليس وضعها وضع الهالة موازيا للأرض حتى يكون
جميع ما تخيله مرئيا ، فيرى الخيال ؛ وإنما وضع القوس وضع مقاطع
للأفق لا مواز له. فإذا كانت الشمس على الأفق قطعت الأفق من
الدائرة الموهومة له نصفها لا محالة ، فإن ارتفعت الشمس ارتفع محور المنطقة ، فانحطت المنطقة لا محالة ، فنقصت القوس لا محالة. حتى إذا ارتفعت
الشمس ارتفاعا كبيرا لم يكن قوس ، وأما إذا كان ارتفاعها إلى حدّ كان قوس. فلذلك يجوز أن تحدث القوس فى بعض البلاد فى الشتاء فى أنصاف النهار. ولا
تحدث فى الصيف ، لقلة ارتفاع الشمس فى أنصاف نهار الشتاء وكثرته فى أنصاف نهار
الصيف.
__________________
وكلما كانت القوس
أتم وأقرب من نصف دائرة كانت أصغر ، أى من دائرة أصغر ، وكلما كانت أصغر منه كانت أكبر. وفى الحالة الأولى تكون أقوم على الأفق ، وفى
الحالة الثانية تكون زاويتها على الأوفق مما يلى الشمس أشد انفراجا ، لأن مركز
دائرتها كلما ارتفعت الشمس انخفض ومال
إلى الجهة التي تفارقها الشمس. وأما وجوب كون الألوان ثلاثة ،
ومرافقة لون أصفر إياها ، وما يرى معها فى الأحيان
بأعيانها ، وترتيبها ، فليس يمكننى أن أقف على السبب فيه. والذي يقال إن السبب فيه
اختلاف وضع سحابتين وامتزاج لون ثالث
منهما فشيء لا أصل له ، ولا هناك سحابتان بوجه من الوجوه ، بل يجوز أن ترتسم فى جو
متشابه الأحوال قوس مع ثلاثة أحوال. ولا ما قيل إن الناحية العليا تكون أقرب إلى
الشمس ، وانعكاس البصر يكون أقوى فترى حمرة ناصعة ، وأن الناحية السفلى أبعد منها
وأقل لذلك إشراقا فيرى فى الطوق الثاني حمرة إلى السواد وهو الأرجوانى ، وأنه يتولد
فيما بينهما لون كراثى كأنه مركب من إشراق حمرة الفوقانى وكدر ظلمة السفلانى ، فكله ليس بشيء لأن الأولى هو أن يكون الأقرب ناصع الحمرة ، ثم لا يزال كذلك على التدريج يضرب إلى الأرجوانية والقتمة ، فيكون طرفه الآخر أقتم أرجوانيا.
وأما انفصال هذه
الألوان بعضها عن بعض حتى يكون عرض واحد متشابه الحمرة وآخر متشابه الأرجوانية
وبينهما قطع ، فلا معنى له.
وليس فى ذلك الرش اختلاف استعداد. ولو لا ذلك لكان لا تتبدل بالقرب والبعد مواقع تلك
الألوان. فإنك كلما قربت من الموضع الأول انتقل وترك كل لون على تدريجه ، وكلما بعدت انتقل إلى خلاف ذلك. لأن
الانتقال الأول متباعد عن مقامك الأول ، والثاني متقارب إليه ؛ وكلما علوت علا معك ، وكلما نزلت نزل معك ؛ فتجد كل
بقعة
__________________
صالحة لكل لون.
ولو أمكنك أن تقرب الشمس إليك لقربت القوس منك وكبرت ، ولو أمكنك أن تزيدها بعدا محسوسا تباعدت القوس عنك وصغرت. وبعض من لا يحقق ظن
أنك إذا قربت من القوس قربت منك وإذا بعدت بعدت عنك ؛ وهو خطأ. وتولّد هذا الكراثى أيضا بين
الأرجوانى والأحمر الناصع بديع. فإن اللون الممتزج منهما شىء هو أشد نصوعا من
الأرجوانى وأشد أرجوانية من الناصع ، لا لون كراثى لا مناسبة
له مع واحد منهما. ولأن يتولد الكراثى بين الأصفر وبين الأسود والنيلى ، أولى من أن يتولد بين أحمر ناصع وبين أرجوانى.
وبالجملة فإن
أصحابنا من المشائين لم يأتوا فى أمر هذه الألوان وهذه الفصول بشيء فهمته ، وعسى
أن يكون عند غيرى منه ما يفهمه ونفهمه. ولعلك تحب أن لا تطلب علة هذه الألوان كلها فى المرآة ، ولا فى ذى الشبح ، بل فى بصرك ،
بأن تعلم أن لا حقيقة للشبح فى المرآة ، ولا اختلاف للون فى المرئى. ولعل الأولى أن تطلب فى بصرك ؛ ثم تطلب أن فى الراكد القائم الذي لا يتبدل ، كيف تختلف الألوان أيضا؟ واجهد فى هذا جهدك ،
ستصل إليه.
وهذه القوس فى أكثر الأمر يلى الأرض منها لون ، ويلى الجو
منها لون ، يشتدان معا عند الوسط ، وربما كان فى الوسط لون آخر
غير ذينك. والذي أحدثته من أمر هذه القوس ، لست واثقا به بعد ، حتى أودعه كتابى هذا. لكنى أعلم بالجملة أنه خيال
، وأنه لا يمكن أن يكون منه أكثر من قوسين ، لأن الثاني منهما يكاد أن لا يظهر ، فالثالث كيف نطمع فيه؟ ومعنى قوله لا يمكن هاهنا وفيما يجرى مجراه ، هو أنه بعيد ، ليس أنه مستحيل.
__________________
فهذا مقدار معرفتى
من أمر القوس وسائر ما بقى فيه يجب أن يطلب من عند غيرى.
وأما الشميسات
فإنها خيالات كالشموس عن مراى ، شديدة الاتصال والصقالة ، تكون فى جنبة الشمس ، فتؤدى شكلها ولونها ، أو تقبل ضوءا
شديدا فى نفسها ، وتشرق على غيرها بضوئها ، وتعكسها أيضا. وأما النيازك
فإنها أيضا خيالات فى لون قوس قزح ، إلا أنها ترى مستقيمة ، لأنها تكون فى جنبة
الشمس يمنة عنها أو يسرة لا تحتها ولا أمامها. وسبب استقامتها أنها إما أن تكون قطعا صغارا من دوائر كبار فترى مستقيمة لا سيما إذا توالت من سحب ، وإما لأن
مقام الناظر وأوضاع السحب بحيث يرى المنحدب مستقيما. وليس ما يقال فيها إنه عن
سحابتين أيضا أو أكثر بشيء ، كما ليس ما قيل من ذلك فى القوس بشيء. ولو كان بحسب اختلاف سحب لاتفقت مداخلة الألوان عن تركيب الأصباغ مختلفة
الأشكال والوضع من الشمس واحد. وقلما تكون هذه عند كون الشمس فى نصف النهار ، بل
عند الطلوع والغروب ، لا سيما عند الغروب ، ففى ذلك الوقت يكثر تمدد السحاب. وكثيرا ما تتفق لهذه أن تساير الشمس طالعة وغاربة ، وذلك لأن الشمس فى هذا الوقت تحلل السحاب الرقيق فى الأكثر. وهذه الشميسات تدل على المطر ، لأنها تدل على وفور أبخرة رطبة. قال بعضهم : إنها إن كانت
شمالية عن الشمس قلت دلالتها هذه ، وإن كانت جنوبية اشتدت. وقد غفل هذا عن أن
السحب التي عنها تتأدى هذه الخيالات لا يبلغ بعدها عنا أن يتميز ما بين
شماليها عن جنوبيها ؛ وأنه لا يبعد أن يكون ما هو شمالى عندنا يصير جنوبيا منا عن
فراسخ قريبة ، والجنوبى شماليا.
__________________
وقد حاول بعض
الطبيعيين فى تعليل ما يرى من القوس تارة نصف دائرة وتارة أقل ، فقال : إن ذلك
بسبب أن الشمس إذا كانت فى الأفق كان الذي يليها نصف طوق الشمس ، وإذا ارتفعت جعل ذلك ينقص شيئا. وهذا شىء لم أفهمه ، ولا اشتهيت أن
أفهمه.
والقمر قد يحدث
قوسا خياليا ؛ لا يكون له ألوان ، وذلك لأنه لا يكون فى العالم من الضوء ليلا ما
يكون نهارا ، حتى يرى ضوء ينعكس رؤية ضعيفة مغلوبة بالضوء الساطع فى النواحى ، فيرى بعضه
مثلا أحمر ، وبعضه بالخلاف ؛ بل الأشياء البراقة ، والمضيئة ، والعاكسة للنور ، ترى فى الليل رؤية واضحة جدا ، غير
مغلوبة بضوء غالب. ولذلك ما كانت النار ترى فى النهار حمراء وأرجوانية منكسرة النور ، وترى فى الليل بيضاء منيرة ، وذلك بسبب غلبة ضوء الشمس فى
النهار ، فيكون خيال ضوء القمر فى السحاب أضوأ من
لون السحاب فى الليل فيرى أبيض ، وخيال ضوء الشمس عن شىء بعيد منه يكون أقل ضوءا من ضوء النهار فيرى ملونا ، لا شديد الإشراق. وأما قوس الليل فإنه إنما يقع
فى الأحيان وعلى سبيل الندرة ، فإنها تحتاج فى تكونها إلى أن يكون النير شديد
الإضاءة حتى ينعكس منه خياله. فإن الأشياء الضعيفة اللون لا ينعكس عنها ضوؤها
انعكاسا يظهر. وأن يكون أيضا الجو شديد الاستعداد ، فإنه
إن كان قاصرا لم يؤد خيال ما ليس بذلك البالغ فى كيفيته ، وإنما يكون القمر شديد
الإضاءة عند ما يتبدر فى الشهر مرة ، فيقل أن يجتمع تبدره والاستعداد التام من
الجو ، فلهذا لا تتولد قوسه إلا فى الندرة.
__________________
الفصل الرابع
(د) فصل
فى الرياح
وقد حان لنا أن
نتكلم فى أمر الرياح ، فنقول : كما أن المطر وما يجرى مجراه إنما يتولد عن البخار
الرطب ، فكذلك الريح وما يجرى مجراها تتولد عن البخار اليابس الذي هو الدخان. ويتولد
عنه على وجهين : أحدهما أكثرى والآخر أقلى. أما الأكثرى فإذا صعدت أدخنة كثيرة إلى فوق ، ثم عرض لها أن ثقلت فهبطت لبرد أصابها ، أو لأنها قد حبستها حركة الهواء
العالى عن النفوذ ، فرجعت تارة مطيعة لحركة ذلك الهواء فى جهة ، وتارة فى جهة
أخرى. وذلك أنه ليس يلزم فى المندفع تارة مطيعة لحركة ذلك الهواء فى جهة ، وتارة
فى جهة أخرى. وذلك أنه ليس يلزم فى المندفع الى فوق ما ظنه بعض المتشككين أنه إذا ضغط من فوق إلى أسفل بحركة معارضة ، يكون لا إلى أسفل ، بل إلى
جهة أن يلزم تلك الجهة. فربما أوجبت هيئة صعوده وهيئة لحوق المادة به أن ينكس إلى
خلاف جهة المتحرك المانع ، كالسهم يصيب جسما متحركا إلى جهة فيعطفه تارة إلى جهته ، إن كان الحابس كما يقدر على صرف المتحرك عن متوجهه ، يقدر أيضا على صرفه الى جهة حركة نفسه ، وتارة إلى
خلاف تلك الجهة ، إذا كان المعاوق يقدر على الحبس ولا يقدر على الصرف.
فلهذا السبب ما
توجد الريح بعد صعودها مائلة فى حركتها النازلة إلى جانب وجانب ، وربما اضطرها
أيضا إلى ذلك هيئة ما يتصعد من تحت ، فخصص لها ذلك جانبا ؛
ومنعها من أن تنزل سافلا على الاستقامة ، وهذا الجنس من الرياح فى أكثر الأمر
تتحرك قبلها سحب ، ثم تهب هى. وكثيرا ما رأينا الأبخرة والأدخنة المتصعدة من
الأتونات وما يجرى مجراها ، يعرض لها أن تنزل من أقصى الجو بعد ارتفاعها ، والجو
سجسج ، فينذر بهبوب رياح عاصفة.
__________________
وهذه الرياح التي
تصرف الأدخنة من غير قسر ، فهى فى أكثر الأمر لا تكون قوية فى ابتداء وصولها. وكان أصحابنا يتأملون ذلك وينذرون بحدوث رياح قوية فى
الوقت فيصيبون ، ويتعجب الحاضرون. فهذا هو الأمر الأكثرى فى تولد الرياح.
ومن الرياح أيضا
ما يتولد قبل انتهاء الأدخنة إلى معاوقة الحركة العالية ، وقبل انتهائها إلى حيز التبريد. وذلك حين ما تكون هذه الأدخنة المتصعدة تنصرف إلى جهة ما انصرافا قويا ، لعلة غير الوصول إلى العلو المحض.
وذلك إما لأن لها منفذا متعرجا فى التصعد ، وإما لرياح باردة هابة فوقها تمنعها عن الارتقاء وتصرفها من حيث تلاقيها إلى أولى الجهات
بوضعها ، وإما لرياح أخرى تلتقى بها. ويتفق أن تتلاحق أيضا أدخنة أخرى تمدها ، إما
من مصعدها ، وإما من منابع أخرى ، فتتصل بها كالعيون
للأودية. فحينئذ تتصل رياح قوية فى تلك الجهة ، لاستمرار الاتصال ، وقوة انجذاب
البعض إثر البعض ، وخصوصا إذا أصابها برد يحبسها عن الصعود ، وينقلها ، ويميلها
إلى الهبوط منجرة بعضها إثر بعض.
وربما هبت الريح
لحركة الهواء وحدها إذا تخلخل جهة من
الهواء للسخونة فانبسط فسال له الهواء. لكن الريح بالحقيقة ما
يتولد عن الدخان اليابس ؛ ولو كان الهواء مادة الريح ، لما كان يمتد هبوبه زمانا
طويلا ؛ بل مقدار ما يحركه شىء أو يخلخله. وكثيرا ما تهب الرياح ، ونحن نعلم أن
الشمس قد خلخلت فى ممرها ما من شأنه أن
يتخلخل ، وكثيرا ما تهب رياح من جهات مقابلة للجهات التي منها يتوقع
ما يكون من خلخلة الشمس.
ومما يدل على أن
مادة الريح غير مادة المطر ، الذي هو البخار الرطب ، هو أنهما فى أكثر الأمر
يتمانعان. والسنة التي يكثر فيها المطر لكثرة البخار
الرطب تقل الرياح ، والسنة التي تكثر فيها الرياح تكون سنة جدب وقلة مطر. لكنه كثيرا ما يتفق أن يعين المطر على
__________________
حدوث الريح تارة بأن يبل الأرض ، فيعدها لأن يتصعد منها دخان ، فإن الرطوبة تعين على تحلل اليابس وتصعده ، وتارة بما يبرد البخار الدخانى فيعطفه ، كما أنه قد يسكنه
بمنع حدوث البخار الدخانى وقهره والريح أيضا كثيرا ما تعين على تولد المطر بأن تجمع السحاب
أو بأن تقبض برودة السحاب إلى باطن ، للتعاقب المذكور أو تعين على تحلل ما فيه من
البخار الدخانى ، أو تكون متولدة عن المنفصل منه من البخار الدخانى فيبرد بانفصاله. وإن كانت باردة أعانت أيضا بالتبريد. وأما فى أكثر الأمر فإن المطر يبل البخار
الدخانى ويثقله ويجمده ويمنعه أن يصعد أو يتصل بعضه ببعض.
فإذا نزل بثقله المستفاد عن الترطيب ، ضعفت حركته. وكذلك
الريح فى أكثر الأمر تحلل السحاب وتلطف مادته بحرارتها ، أو تبدده بحركتها.
وبالجملة فإن
مبادئ هبوب الرياح كيف كانت توجب الصحو بما تبدد. وليس يمكن عندى أن نعطى الرياح المختلفة أحكاما فى المعونة على المطر
أو الصحو كلية بحسب البلدان كلها ، بل يجب أن يختص بالبقاع المختلفة لها أحكام خاصة. والرياح المولدة
للسحاب تسمى رياحا سحابية ، واسم الرياح السحابية يقع فى الأكثر ، بحسب عاداتنا على هذه الرياح وقد يقال رياح سحابية ، وخصوصا فى القديم ، لما كان من الرياح ينفصل عن السحاب إلى ناحية
الأرض ، ولأنها منضغطة مقسورة فهى قوية العصف جاعفة مغرقة. والزوبعة أكثرها من الرياح السحابية الثقيلة الرطبة التي تندفع إلى
فوق فتصدم سحابة فتلونها وتصرفها فتستدير نازلة ؛ وهذه أردأها.
وربما زادها تعرج المنافذ التفافا وتلولبا ،
__________________
كما يعرض للشعر أن
ينجعد بسبب التواء منبته من المسام. وربما كانت الزوبعة من مادة
ريحية هبطت إلى أسفل ، وقرعت الأرض ، ثم انثنت ، فلقيتها ريح أخرى من جنسها فلوتها.
وعلامة الزوبعة
النازلة أن تكون لفائفها تصعّد وتنزل معا ، كالراقص. وعلامة الصاعدة أن لا ترى
للفائفها إلا الصعود. وإنما يعرض لها كل ذلك التشكل ، ثم يلزمها ، لثقل طبعها ، وثخونة جوهرها ، لرطوبتها. ولو كانت لطيفة ، لم
يلزمها ذلك التشكل.
وقد تحدث الزوبعة
أيضا من تلاقى ريحين شديدتين أو غير شديدتين. وربما كانت شديدة
قوية ثابتة تقلع الأشجار وتختطف المراكب من البحر. وربما اشتملت على طائفة من السحاب أو غيره فترى كأن تنينا يطير فى الجو. والرياح التي تبتدئ من السحاب متصلة المادة
، منها ساذجة ، ومنها ملتهبة صاعقة ؛ وشرها الصاعقة الزوبعية. وقد يقال رياح
سحابية على الكذب لرياح تهب ، فعارضتها رياح سحابية ، فصرفتها معها ، كالجزء منها ، أو التي منعتها الرياح السحابية
عن الهبوب ، فلما انقضت هبت ، فظنت سحابية.
والمهاب المحدودة
للرياح اثنا عشر ، لأن الأفق يتحدد باثنى عشر حدا ، ثلاثة مشارق ،
وثلاثة مغارب ، وثلاث نقط شمالية ، وثلاث نقط جنوبية. فالمشارق
الثلاثة : مشرق الاعتدال ، ومشرق الصيف ، وهو مطلع نقطة السرطان ، ومشرق الشتاء وهو مطلع نقطة الجدى ؛ ويقابلها مغارب ثلاثة.
والنقط الشمالية والجنوبية الثلاث تقاطع خط نصف النهار والأفق ، ونقطتا تقاطع دائرتين موازيتين لدائرة نصف النهار ، مماستين للدائرتين الدائمتى الظهور
والخفاء ، من غير قطع.
ولهذه الرياح أسام
باليونانية وبالعربية ليست تحضرنا الآن ، والمشهورات عند العرب ريح الشمال ، وريح
الجنوب ، والصبا وهى المشرقية ، والدّبور وهى المغربية ، والبواقى
__________________
تسمى نكباء. ويشبه
أن تكون هذه الأربع هى الغالبة ، ومن الأربع الشمال والجنوب ، فإن مهبيهما مستعدان
لأن تتولد منهما الرياح عند تأثير الشمس استعدادا شديدا. ومن الناس من يجعل الريح المغربية لبردها فى عداد الشمال ، والمشرقية لحرها فى عداد الجنوب.
فتكون أمهات
الرياح عنده ريحين : فالرياح التي تأتى من ناحية الشمال ، هى أبرد الرياح. وذلك لأن معنى قولنا
إنها شمالية ، هى أنها تكون شمالية بالقياس إلى بلادنا.
وناحية الشمال منا
باردة ، وفيها جبال وثلوج كثيرة ، فتبرّد الرياح المارة بها إلينا.
فإن جاز أن تمتد
إلى ناحية الجنوب لم يبعد أن تسخن بمرورها بالبلاد الحارة.
والجنوبية هى أسخن
الرياح ، لأنها إنما تصل إلى ديارنا وقد جاوزت بلادا محرقة حارة أو ابتدأت منها إن كانت تلك قلما تصل إلينا. فالجنوبية ، وإن فرضناها
أنها ابتدأت من موضع بارد ، فلا محالة أنها إذا وصلت إلينا تكون قد سخنت ؛ فكيف ما
كان منها مهبه ومبدؤه من المواضع الحارة ، ولذلك هى كدرة ، وإن كانت
ابتدأت من صفاء ؛ وهى أيضا كدرة رطبة لما يخالطها من بخارات عفنة من أبخرة من البحار التي فى جهة الجنوب منا. وهذا فى أكثر الأمر.
وقد يمكن أن تهب
رياح من نواحى جنوبية قريبة منا باردة فتبرّد ، وأن تهب رياح شمالية وتلقى البحار
والبوادى الرمضة وتحمل أبخرتها فتسخّن. ولكن الحكم الذي
حكمنا به ، إنما هو حكم بحسب الأغلب من البلدان ، وبحسب رياح تأتى بالحقيقة من
بعد.
وأما الرياح
المشرقية والمغربية فيجب أن تكون أقرب إلى الاعتدال ، وأن يقع لها اختلاف كبير
بسبب اختلاف البلدان الكائن بسبب البحار والجبال.
__________________
والرياح المشرقية
تأتينا ونحن لا على طرف البحر ، مارة على اليبس متسخنة بالشمس ؛ وأما المغربية
فتأتينا مارة على البحار. والمشرق أسخن من المغرب لأنه أكثر يبسا وبرية ، وإنما البحر فى جانبين منه فقط ، وقد تتباعد العمارة عنه فيها.
وكان القدماء
ينسبون الريح الشرقية الصيفية ، أعنى التي من مشرق الصيف ، إلى أنها فعالة للسحب
جذابة لها. والريح الشرقية الشتويه إلى أنها تجفف ابتداء ، ثم ترطب
انتهاه.
تجفف ابتداء لأنها تحلل الموجود من البخارات الجامدات. فإذا حللت الجامد ، أثارت رياحا جديدة. ويجعلون الغربية الجنوبية مقابلة للشرقية الصيفية ، وينسبون الشمالية الشرقية
والغربية الصيفية إلى أنها تثير الثلوج. ووجدوا المشرقية ربيعية صيفية ، والغربية
خريفية شتوية.
وهذه أحكام تتغير
بحسب المعمورة. ولكن تشترك فى أن كل ريح إنما يشتد هبوبها ويتصل بأن تكون الشمس فى
جهتها ، وأن الشمس لا تقدر على إحداث ريح
قوية من جنبة جامدة ، إلا بعد مدة ، وفى الأول إنما تحلل. وأن أحكامها
فى الشمال بالقياس إلينا أعجل منها فى الجنوب. والصيف تقل فيه الريح لعوز المادة ، والشتاء تقل فيه لعوز الفاعل وربما اتفق أن تكثر ،
إذا اتفق من الأسباب ما يضاد المانعين. وقد يتفق أيضا أن تقل فى الربيع للجمود ، وفى الخريف لليبس إلى أن يستعيد بالنشف أو بالمطر بلّه. فإن الجامد واليابس الصرف لا
يدخنان ولا يبخران.
والرياح الباردة
قد تختلف ، فتكون أبرد وأقل بردا ، وهى من نوع واحد. وكذلك الحارة قد تكون أحر ،
وأقل حرا ، وهى من نوع واحد. والسبب فى ذلك اختلاف يعرض لما تمر به
__________________
من البلاد وللمادة
التي عنها تكون ، وللفصل من فصول السنة. وما كان من هذه الرياح متضادة ، فقلما يتفق
لها الهبوب معا ؛ لا سيما ما كانت كذلك بالحقيقة ، وكانت من أبعد الطرفين ؛ وإما من موضعين
متقاربين شمالا وجنوبا. فقد تهب لأن السبب الفاعل للرياح وهو الشمس لا يكون مائلا فى وقت واحد
إلى الجهتين المتضادتين. فإن اتفق لا بسبب فى الفاعل ، بل بسبب فى المنفعل ، حدثت زوبعة ، وقهرت إحداهما الأخرى. وأكثر ما تحدث تحدث ربيعا وخريفا ، لأن الشمس لا تكون قد سارت عن إحدى الجهتين إلى الأخرى سيرا بعيدا. وأولى الوقتين
به الخريف ، لأن النظام فيه أقل. وقد يتفق فى بعض البلاد أن توجد ريح دون ضدها.
والرياح المتضادة
قد يعرض لها أن تتعاون على فعل واحد تعاون الريحين المتضادتين اللتين إحداهما من مغرب الشتاء والثانية من مشرق الصيف.
فإنهما تتعاونان على ترطيب الهواء ، لأن كل واحد منهما مرطب ، هذا لشماليته ، وذلك لمغربيته البحرية. وأما الغير المتضادة فلا تتمانعان فى هبوبهما ،
ولكن يتفق لهما تارة أن تتعاونا وتارة أن لا
تتعاونا. ويتفق للريح الواحدة أن يضاد مبدؤها منتهاها ، مثل الريح الهابة من المشرق الشتوى فإنها تحدث أولا يبسا.
قالوا : لأن الشمس كما تشرق ، تجفف الرطوبة المجتمعة ليلا ، وتحلل. ثم إذا طلعت
وبقيت حللت البخارات فزادت رطوبة فحملتها تلك الريح.
ثم للرياح خواص
تختص بكل واحدة منها ؛ يجب أن يتعرف ذلك من الكتب الجزئية. ومن شأن الرياح
الاثنتى عشرة أن تهب كل واحدةمنها عند ميل الشمس إلى جهته ،
__________________
ولكن ليس فى أول
ما تصل إليه ، وخصوصا الشمالية والجنوبية ، لأن الشمالية والجنوبية لا تهب كما توافى الشمس ناحيتها أولا ، وذلك لأن الشمس تحلل الحاصل من البخار
والدخان لقربها ، ولا تقدر على أن تحلل الجامد من
الرطوبات إلى البخار بسرعة فى أول وصولها. وما لم تحللها
وتسيلها وتبل بها الأرض ، لا تعد الأرض لأن تدخن عن الحرارة دخانا كثيرا. فإن الأرضية تعين على تصعيدها مخالطة المائية. ولهذه العلة قد تتأخر عشرين يوما ، وخصوصا الجنوبية التي لا تهب
عند القطب ، بل تهب من دون البحر من الأرض اليابسة ، لأن
اليابس أبطأ انحلالا.
فلذلك هذه الرياح
تتأخر قريبا من شهرين ، وتسمى البيضاء لإحداثها الصحو ، وبيضية لأن من خاصيتها أن
تحبل الدجاج بيضا من غير سفاد. وكان يجب أن تقل هذه الرياح الجنوبية صيفا ، ولكن
السبب فى أنها لم تقل أن الرياح الشمالية تنقل إلى تلك الجهة رطوبات ، فترطب تلك الأرض ،
وتعدها للتسخين. ولو لا أن تلك الأرض واسعة كبيرة ، لما كانت رياحها عظيمة.
وأما فى الشتاء
فلا يتفق أن يبلغنا ما يحدث من الرياح الجنوبية لبعد المسافة ، فإذا جاوزت
الشمس ذلك المكان أخذت تهب ، وأما عند بعد الشمس عنها جدا فالأولى أن لا تهب. وأما
سائر الرياح فليس الأمر فيها بهذا التأكيد.
وهذه الرياح التي
تهب مع حركة الشمس تمسى الحولية ، وأكثر ما تهب نهارا بسبب الشمس. وكل ريح فإن قوتها فى البلاد التي
تبتدئ منها ، وضعفها فيما يقابلها. وأكثر الرياح هى الشمالية والجنوبية ، لوفور
المواد عند كل واحد من القطبين ، المواد المعدة
__________________
بترطيبها الأرض
لتصعيد الأدخنة عنها ، واستحالتها رياحا. وأما سائر الرياح فإنها
إنما تهب فى الأقل. وكما قد اتفق أن ظن قوم أن للمياه معدنا فيه كليتها ، وهو فى
غور الأرض ؛ كذلك قد ظن قوم أن للرياح أيضا معدنا يحصرها فى غور الأرض. وأنها تهب
من هناك بقدر. ولو كان الأمر كذلك لكانت الرياح التي تنبعث من الأرض تبتدئ قوية ثم
تضعف ، كالماء المنبثق فإنه فى ابتدائه يقوى ثم يضعف. وليس توجد حال الأرض التي
منها تبتدئ الرياح فى هبوبها هكذا ، بل على عكسه ، وإنما تشتد الرياح فى أعلى الجو. وأيضا لو كان المهب فى الأصل واحدا ، لما هبت رياح متضادة معا. ومع ذلك فإن الريح القليلة التي ليست كلية
الريح ، فقد يحدث من احتقانها فى الأرض زلزلة ورجفة. فلو كانت للرياح كلية محصورة فى الأرض ، لكانت قد خسفت البقعة المنحصرة فيها ، وتخلصت دفعة.
ومما يليق أن يلحق
بهذا الفصل حال الرعد والبرق والصواعق والكواكب الرجمة ، ثم الكلام على الشهب وذوات الأذناب والعلامات الهائلة فى الجو.
__________________
[الفصل الخامس]
(ه) فصل
فى الرعد والبرق والصواعق وكواكب الرجم والشهب الدائرة وذوات الأذناب
فنقول : إن من شأن
البخار المتولد منه الغمام أن يصحبه ، وخصوصا فى الفصول الحارة ، بخار دخانى.
فمنه ما تسهل مفاصاته إياه ، ومنه ما يصعب فلا يفاصيه بل يبقى فيه ويبرد لبرده.
وذلك لأن كثافة الغمام تحبسه فلا تدعه أن ينفذ فى الهواء البارد نفوذه السريع ، لو انفرد النفوذ الذي يعجل به عن تأثير البرد فيه بسرعة. فإنه
إذا كان خالصا أسرع ولم ينتظر مدة ، فى مثلها يتم له التغير والانفعال. وهو بسرعة حركته يحفظ الحرارة أيضا ، فإذا احتبس مدة ما فى
البخار المائى ، وبرد هذا البخار ، فإنه أسرع تبردا من الدخان ، لأن طبيعة البرد
فى الماء أقوى منها فى الأرض. ولذلك رجوعها إلى
طبيعتها ، أسرع من رجوع الأرض إلى طبيعتها ، وحركته إلى فوق أبطأ من حركتها. وإذا كان كذلك تعاون برده وحبسه على جمع الدخان وتبريده وقسره إياه إلى انحصار فى ذاته ، لتكاثف البخار حوله قسرا
يشبه العصر. وتجد أعلى السحاب أعصى فى الانخراق له ، لزيادة تكاثفه ،
فتعاون الأسباب على عقده ريحا يأخذ نحو الجهة التي يتفق لها
النزول عنها والنفوذ فيها ، ويستحيل ريحا عاصفة فى السحاب ، ويمتد إلى الجهة
المتخلخلة من السحاب فى أكثر الأمر ، وهى الجهة التي تلى الأرض ، لأنها أسخن من
الجهة الفوقانية المتلبدة بالبرد وأسخف. وإذا كان تدافعها لاتصال المادة يلجئها إلى الانفصال ، فربما انفصلت
لا عن جهة ميلها فى خروج الدخان المتدافع إلى فوق من منفذ ليس إلى فوق ، بل
إلى أسفل. وربما كان احتباسها فى السحاب بالغا
__________________
فى تبريدها ،
فأعان ميلها إلى أسفل بردها. ولو كان هذا البخار يقدر لخفته على التفصى من كثافة
أعالى السحاب ، فلم تقاومه كثافته ، وبقيت فيه حرارته لما أحتبس ريحا. والريح إذا عصفت فى الهواء الرقيق اللطيف سمع لها صوت شديد ، فكيف فى سحاب كثيف؟ فيجب أن يسمع له صوت الرعد. ولأن هذا الدخان
الطيف متهيئ للاشتعال ، فإنه يشتعل بأدنى بسبب مشعل ، فكيف بالحركة الشديدة والمحاكة القوية مع جسم كثيف؟ والحك نفسه أولى
بالإسخان من نفس الحركة أو مثلها.
وقد علم هذا فى
موضع آخر ، فلا عجب أن تحيله المحاكة والاضطراب والانضغاط الى حرارة مفرطة ، فيشتعل لهذه العلل نارا ويستحيل برقا. وإذا شئت أن تعلم أن الأشياء اللطيفة يسهل اشتعالها بأدنى حركة ، فتأمل
ما يحدث من إمرارك اليد على الأشياء السود فى الليل ، فإنك ترى أضواء والتهابات
لطيفة تحدث من تلك الحركة اللطيفة ، فكيف إذا حرك الشىء اللطيف المختلط من مائية
وأرضية ، عمل فيهما الحرارة والحركة والخلخلة المازجة عملا قرب بمزاجه من الدهنية ، حركة شديدة وهى مستعدة لطيفة دخانية؟
وربما كان
اشتعالها من اختناق الحر هربا من البرد. وقد يعرض أن تمطر بعض
البقاع التي فى جوهرها سبخة أو لزوجة دهنية ، ثم تتصعد
من تلك البقعة أبخرة دسمة لطيفة ، تشتعل من أدنى سبب شمسى أو برقى. ويرى على وجه
الأرض شعل مضيئة غير محرقة إحراقا يعتد به للطفها ، ويكون حالها كحال
شعلة القطن المنفوش ، بل كحال النار التي تشتعل فى بخار شراب مجعول فيه الملح والنوشادر ، إذا وضعت قنينة فى جمر فبخر فقرب من بخاره سراج فاشتعل ، وبقى مشتعلا مدة قيام البخار. على أن المطر يكون ألطف وأرق كثيرا ، ولا يكون برق إلا ومعه رعد ،
لأنه لا يكون إلا من ريح تضطرب فى الغمام ثم تتخلص مشتعلة.
__________________
لكن البرق يرى ،
والرعد يسمع ولا يرى ، فإذا كان حدوثهما معا رؤى البرق فى الآن وتأخر سماع الرعد ،
لأن مدى البصر أبعد من مدى السمع. فإن البرق يحس فى الآن بلا زمان ، والرعد الذي يحدث مع البرق يحس بعد زمان. لأن الإبصار لا يحتاج فيه إلا إلى
موزاة وإشفاف ، وهذا لا يتعلق وجوده بزمان. وأما السمع فيحتاج فيه إلى تموج الهواء ، أو ما يقوم مقامه ، ينتقل به
الصوت إلى السمع ، وكل حركة فى زمان.
ولهذا ما يرى وقع
الفأس ، وهو إذا كان يستعمل فى موضع بعيد قبل أن يحس بالصوت بزمان محسوس القدر ،
وأما إذا قرب فلا يمكنك أن تفرق بين ذلك الزمان القصير وبين الآن. فسبب البرق
والرعد فى أكثر الأمر هو الحركة الريحية التي تحدث صوتا وتشتعل اشتعالا. وربما كان
البرق أيضا سبب الرعد ، فإن الريح المشتعلة تطفأ فى السحاب ، فيسمع لانطفائها صوت بعده بزمان للمعنى المذكور. والسبب فى حدوث ذلك الصوت ، أن السبب الأول أنه يحدث من مفاعلة ما بين النار والرطوبة حركة عنيفة سريعة تكون هى سبب الصوت ، كما أنا إذا أطفأنا النار فيما بين أيدينا حدث صوت دفعة ، لحدوث
حركة هوائية عنيفة دفعة ، بقرع ذلك المتحرك سائر الهواء بحركته السريعة الصاعدة أو
المائلة قرعا شديدا يحدث منه الصوت. والغالب أن مع كل برق رعدا.
وإن لم يسمع. فإنه
لن تنفذ فى الغيم نار متحركة إلا وهناك نشيش أو غليان أو خفق للريحية ولا يبعد أن لا يكون مع الرعد برق ، فليس كلما عصفت ريح بقوة اشتعلت.
والذي يقال من
حدوث الرعود بسبب تصاك الغيوم فبعيد ، إلا أن يكون لها من الحركات ما يصير فى
أحكام الرياح.
والرعود تختلف
أصواتها بحسب الرياح الخارقة والسحب المخروقة ، وبحسب أوضاع بعضها عند بعض ، وبحسب أن مبدئها من خفق وصفق ، أو من طفو وخمود. والشمال لبرده وحقنه للحر يحدث فى السحاب رعدا وبرقا كثيرا.
__________________
وقد قيل فى الرعد والبرق أقاويل ، ليست بصحيحة ، كمن قال : إن البرق شعاع الشمس يحتبس
فى السحاب ، أو أنه قطعة من نار الأثير يختنق فيه ؛ وكمن قال :
إنه عكس شعاعى. وأنت فلا يسعك بعد ما تحققته من الأصول أن لا تتحقق ، ولا تحقق بطلان هذه الأقاويل. ولو كان البرق
شعاعا استأسر فى غمام ، لكانت السحب الناشئة ليلا لا تبرق. وأما جرم الأثير فلا زاج له الى أسفل زجا بغتة ، وطباعه طاف ، ومحركه مدبر. وأما الصاعقة فإنها ريح سحابية مشتعلة ، ليست بلطيفة لطف البرق الذي لأجله لا
يبقى شعاع البرق زمانا يعتد به ، بل يتحلل ويطفأ ، بل هى ريح سحابية مشتعلة تنتهى
إلى الأرض ، لا ضوؤها وحده ، بل جرمها المشتعل لاستحصافه واجتماع ثقله الأرضى ، أو لاضطراره إلى ذلك المأخذ والجهة ، على ما نبأنا به. وقوامها مع ذلك مختلف : فربما كانت ريحا سحابية
ساذجة ، فتكون صاعقة لطيفة ؛ وربما كانت لافحة فقط ؛
وربما كانت سافعة اللون ، وربما كانت مؤثرة فيما يقوم فى وجهها ،
لكنها تنفذ فى الأجسام المتخلخلة ، ولا تحرقها ، ولا تبقى فيها أثرا ؛ وربما كانت أغلظ من ذلك فتنفذ فى المتخلخل نفوذا يبقى فيه أثر سواد ، وتذيب ما تصادمه من الأجسام المتكاثفة ، ولذلك ما تذيب الضباب
المضببة على التّرسة ونحوها المتخذة من الفضة والنحاس ، ولا تحرق التّرسة ، بل ربما سودتها ؛ وكذلك قد تذيب الذهب فى الصرة ولا تحرق الصرة ، إلا ما يحترق عن الذوب ؛ وربما كانت شرا من ذلك ؛ وربما كانت سحابية زوبعية مشتعلة ، وتكون من مادة كثيفة ، فتكون شر الصواعق.
__________________
وبالجملة فالصواعق
رياح سحابية مشتعلة ، وربما طفئت هذه الصواعق فتستخيل أجساما أرضية بحسب المزاج الذي يكون فيها ، وعلى ما اقتصصنا لك من خبرها. وإذا أرادت صاعقة أن تصعق ، تقدمتها فى أكثر الأمر ريح.
وأما الآثار
المحسوسة فى أعلى الجو فإنها متكونة من الدخان ، إذ البخار لا يتصعد الى ما هنالك لثقل حركته ، ولأنه يبرد فيما دون ذلك. وأما الدليل على
أنها تتكون من دخان ، فلأن الهواء والبخار الرطب لا يشتعل البتة ، والأجسام اليابسة الثقيلة لا تحصل هناك حتى تشتعل إلا ما
كان منها لطيفا دخانيا. ومن ذلك شهب الرجم ، ومادتها أيضا البخار الدخانى اللطيف
السريع التحلل. وذلك أن هذا الدخان إذا وصل إلى الجو المحرق اشتعل وسرى فيه الاشتعال
كأنه يقذف ، ويكون كما يشتعل يتحلل فيرى كأن كوكبا ينقذف ، وقد يتفق أن يبقى
اشتعاله طويلا قطعة يسيرة من الزمان ، وقد يكون له شرر ، هذا إذا
كانت المادة أكثف. وقد يتفق وجود هذا العرض بسبب البرد ، إذا حصل البخار الدخانى ، وعرض أن يسخن لشدة اشتمال البرد
عليه لما ندرى فاشتعل ، أو كان سبب اشتعاله انضغاطه من البرد. فحركته من ذلك إلى
أسفل لثقله الكائن عن البرد ، فيشتعل من الحركة. وكثيرا ما تسقط الرجم ويرى له رماد.
ويجب أن نتكلم
هاهنا فى علة طفوء النار ، حتى يتوصل به إلى معرفة شيء مما نريد أن نقوله من هذا.
فنقول : إن المفهوم عند الجمهور من قولنا طفئت النار أنه زال الضوء والإشراق
الموجود فى الجرم المسمى عندهم نارا ، حتى يبقى مثلا دخانا أو هواء أو شيئا آخر إن
أمكن. ومعنى أنبا لم تطفأ ، ليس هو أن تثبت نارا واحدة بعينها تبقى متعلقة فى موضع
واحد على حسب ظن من يظن أن النار تغتذى فتبقى هى واحدة تحفظها مادة الدخان
__________________
المستعدة للاشتعال ؛ بل معنى أنها لا تطفأ هاهنا أنها لا يزال يخلف متضرمها متجددا ، فإن كل نار عنيتها مما يعرف عند الجمهور نارا فإنها تبطل وتتجدد أخرى على
الاتصال ، فتكون فى الحقيقة طفوء وتجدد ما. لكنهم ما داموا يرون التجدد ثابتا ،
يقولون : إن النار لم تطفأ. والسبب فى أن النار تثبت بالتجدد ، أن كل ما حصل منها
أمعن إلى فوق بطبعه ، فيلحقه من البرد ما يطفئه لضعفه إذا بعد عن مبدئه وأمعن فى حيز الغربة. ولما كان الضوء ، كما علمت ، ليس شيئا
يلزم ذات النار الصرفة ، بل يعرض للنار إذا كانت متعلقة بمادة دخانية ، ويكون حامل
الضوء تلك المادة الدخانية ، وقد ثبت هذا فيما سلف. كأن
طفوء النار إما بسبب فى نفس القوة الفاعلة للاشتعال والإشراق ، وإما بسبب فى القوة القابلة ، أعنى جوهر الدخان.
فمن المعلوم أن
القوة الطبيعية الفاعلة ما دامت ملاقية للمادة القابلة ،
فمن المستحيل أن يبطل فعلها إلا ببطلانها. فإذا بطل هذا
الإشراق ، فالسبب فيه لا محالة ، إما من جهة الفاعل بأن تكون تلك النار قد استحالت ببرد غشيها أو رطوبة هواء أو شىء آخر
، وهذا هو الطفو الذي يكون فى حيز الهواء أو الماء بسبب البرد والرطوبة ؛ وإما بسبب المادة فإنها إذا استحالت استحالة تامة إلى النارية حتى لم يبق فيها من طبيعة الأرضية شىء فبطلت
الدخانية فلم يكن للنار شىء تتعلق به وتشرق فيه ، بل صار الشىء كله نارا
شافة ، والشاف ليس يضيء بضوء نفسه. وإذا كان كذلك غابت النار عن الحس ، وقيل إنها طفئت.
فهذه الشهب
والكواكب وذوات الأذناب وغير ذلك يستحيل أن تطفأ وهى فى العلو بالسبب
الأول ، لأن البرد والرطوبة لا سلطان لهما هناك ، بل إنما تطفأ بالسبب الثاني وهو
أن مادتها تستحيل بالكمال نارا فنشف فلا ترى ضوءا. ويجوز أن يقال للشعلة المرتقية
__________________
إلى ما هناك ما
دامت لم تطفأ منها إنها واحدة بالعدد ثابتة فى الشعلة بعينها ، إلى أن تستحيل لا كالموجودة هاهنا. فإن التي هناك لا تحتاج إلى أن تتحرك إلى موضع آخر ويخلفها غيرها ، فإن موضعها الطبيعى هو ذاك. ولا البرد أيضا يفسدها ، إذ لا برد هناك.
ويجوز أيضا أن يكون ثبات ما لا يطفأ هناك على سبيل التجدد ، إذا كانت المادة ذات
مدد ، وكانت غير حاصلة مع الاشتعال فى حقيقة الموضع الطبيعى ،
بل فى أقرب تخومه ، فيكون على الاتصال جزء يشتعل ويشف بالاستحالة التامة ، ويلحق
مقامه جزء آخر يشتعل ويشف ، فتكون
الصورة محفوظة. فإن كانت المادة لطيفة وخفيفة حتى حصل لها
باللطافة أن كانت سريعة الاستحالة إلى النارية ، وبالخفة أن تمكنت من الحصول فى
الحيز الذي فيه النار قوية جدا ، اضمحل اشتعالها دفعة وخلصت نارا ، وشفت. فإن كانت المادة كثيفة وذات مدد وثقيلة ،
فإنها تبطئ استحالتها نارا خالصة ، ولا يكون لها برد مطفئ ، ولا أيضا تصعد صعودا
سريعا ممعنا فى حيز النار إلى أن تبلغ المكان الشديد قوة النارية ،
فيعرض لذلك أن يبقى التهابها واشتعالها مدة طويلة إما على صورة ذؤابة أو ذنب ، وأكثره شمالى وقد يكون جنوبيا ، وإما على صورة
كوكب من الكواكب ، كالذى ظهر فى سنة سبع وتسعين وثلاث مائة للهجرة ، فبقى قريبا من ثلاثة أشهر يلطف ويلطف حتى اضمحل ، وكان فى ابتدائه إلى السواد
والخضرة ، ثم جعل كل وقت يرمى بالشرر ويزداد بياضا ويلطف حتى اضمحل. وقد يكون على
صورة لحية ، أو صورة حيوان له قرون ، وعلى سائر الصور ؛ وإنما يكون ذلك إذا كانت هناك
مادة كثيفة واقفة ، تلطف أجزاؤها يسيرا يسيرا وتتحلل عنه متصعدة كزوائد شعرية أو قرنية. ومنها المسماة أعنزا كأن تشريرها تشعير. وكل ما ثبت منها
__________________
مدة لا يطفأ لزمه
أن يتبع حركة الهواء الدائر بحركة الفلك ، فلزم أن كان له شروق وغروب.
ويقل تكون أمثال هذه الآثار ، لأنه يقل أن تكون مادة دخانية يتأتى لها أن تبلغ ذلك الموضع ولا
تتبدد فى الطريق ، وأن تكون كثافتها الكثافة التي تبقى لها مشتعلة فلن تصعّدها إلا قوة شديدة. وقد يعرض أن تكون أدخنة
تصعد إلى الجو أكثف وأغلظ وأرطب من ذلك فلا تشتعل ، بل تتجمر ، فترى منها فى الجو علامات حمر هائلة. وربما كانت عكوسا عن إشراق الشمس ، كما يرى فى الصبح ، وعلى الغيوم
المشرقية صبيحة ، والمغربية أصيلا. وربما تفحمت وتراكمت وبقيت وخيلت أنها
هوات فى الجو وأخاديد أو منافذ مظلمة فى السماء تختلف بحسب اختلاف ثخنها وعرضها ، فما استعرض وقل ثخنه سمى وهدة ، وما ازداد ثخنه وإن لم
يزدد عرضه سمى غورا وهوة. والأضيق أشد تخييلا لذلك ، لأن من
شأن الأسود أن يحكى البعد والمنفذ المظلم.
وإذا اجتمع لونان
أسود وأبيض فى سطح واحد ، خيل الأبيض أنه أقرب والأسود أنه أبعد ؛ لأن الأبيض أشبه
بالظاهر ، والظاهر أشبه بالقريب ؛ والأسود بالضد ؛ والطبيعة آلف للنور والبياض. وهذه الآثار كلها تدل على الرياح وقلة الأمطار ، وعلى
فساد الجو ويبسه واستحراره ، وعلى الأمراض الحارة اليابسة القاتلة.
__________________
[الفصل السادس]
(و) فصل
فى الحوادث الكبار التي تحدث فى العالم
ومما يخلق بنا أن
نتكلم فيه فى هذا الموضع أمر الطوفانات ، فنقول : إن
الطوفان هو غلبة من أحد العناصر الأربعة على الربع المعمور كله أو بعضه ، أو كون أحد العناصر غالبا بهذه الصفة ، على حسب ما يرى أهل اللغة استعماله عليه.
والأعرف عند الجمهور من أمر الطوفانات ، وهو ما كان من الماء ، وكأن هذا الاسم
إنما وضع لهذا المعنى.
فنقول : إن السبب
فى وقوع الطوفانات اجتماعات من الكواكب على هيئة من الهيئات توجب تغليب أحد العناصر فى المعمورة ، قد عاونتها أسباب أرضية واستعدادات عنصرية.
فالمائية منها قد تقع من انتقالات البخار على صقع كبير دفعة ، لأسباب عظيمة ريحية توجب ذلك ، أو أسباب توجب شدة من المد ، ومن أمطار دائمة ، ولاستحالة مفرطة تقع للهواء إلى المائية. والنارية تعرض من اشتعالات الرياح العاصفة ، وهذه أشد انتشارا. والأرضية تعرض لسيلان مفرط يقع من الرمال على برارى عامرة أو لكيفية تسيّل أرضية باردة
مجمدة ، مما حدثنا عنه. والهوائية تقع من حركات ريحية شديدة جدا مفسدة. ومما يقنع فى
وجود هذه وحدوثها كثرة الأخبار المتواترة فى حديث طوفان الماء.
وما يقنع فى إثبات
ذلك أن الأشياء القابلة للزيادة والنقصان والقلة والكثرة ، وإن كان أكثر الوجود
فيها الوجود المتوسط بين طرفى الإفراط
والتفريط وما يقرب منه ، فإن طرفهما
__________________
لا يخرج عن حد الإمكان. وكما قد يتفق كثيرا أن تأتى السنون على بقاع عظيمة من المعمورة فلا
يكون فيها مطر البتة ، وذلك فى جانب النقصان ؛ فكذلك قد يمكن أن يفرط المطر دفعة واحدة ، ويستحيل الهواء إلى طبيعة مائية دفعة ،
إذ كان ما بين هذه الأوساط مختلفا بالزيادة والنقصان ، وكذلك فى
سائر الطوفانات. وإن كان ما نحدس من اتباع البخار
لجهة من الفلك صحيحا ، فيجب أن ينتقل بانتقاله حتى يعم وقتا ما هذه النواحى التي لا يجوز أن تتعداها العمارة ، وهو أن يحصل الموضع الناقل للبحر الأعظم بانتقاله من الفلك كأوج أو حضيض أو شىء آخر غيره فى قرب معدل النهار ، فيسيح
الماء على المكان الذي يجب أن تكون فيه المعمورة ، وينكشف قطب أو قطبان ، وينتقل إليها البر المقابل للبحر ، وهناك
مانع من العمارة ، فتكون الأرض مقسومة إلى بر وبحر ليس أحدهما بمحتمل للعمارة بالحيوانات المتنفسة من الهواء. وكذلك إن كان حال الميل ، وما نحدس من تغيره وزواله شيئا يثبت له حقيقة ، وحتى يصح أن يكون لفلك البروج انطباق أو شبه انطباق مع دائرة معدل النهار ، إن
جميع ذلك مما يوجب فساد العمارة ، وإن لم يكن ذلك أيضا بممكن ؛ فإن ما قلناه من
الإفراطات وما نصححه من إمكان انتقال البحار من ناحية قطب إلى قطب غير خارجة عن
الإمكان.
ونحن نعلم بأقوى
حدس أن ناحية الشمال كانت مغمورة بالماء حتى تولدت الجبال. والآن
فإن البحار جنوبية ، فالبحار منتقلة ، وليس يجب أن يكون انتقالها محدودا ، بل يجوز فيه وجوه كثيرة ،
بعضها يؤذن بانقطاع العمارة ، فيشبه أن تكون فى
العالم قيامات تتوالى فى سنين لا تضبط تواريخها. وليس
بمستنكر أن تفسد الحيوانات والنباتات أو أجناس
__________________
منها ، ثم تحدث
بالتولد دون التوالد. وذلك لأنه لا برهان البتة على امتناع وجود الأشياء وحدوثها بعد انقراضها على
سبيل التولد دون التوالد ، فكثير من الحيوانات يحدث بتولد وتوالد ؛ وكذلك النبات. وقد تتحد حيات من الشعر ، وعقارب من التبن والباذروج ، والفأر يتولد
من المدر ، والضفادع تتولد من المطر ؛ وجميع هذه الأشياء فلها أيضا توالد. وليس
إذا انقطع هذا التولد ، فلم يشاهد فى سنين كثيرة ، يوجب أن لا يكون له وجود فى الندرة ، عند تشكل نادر يقع من الفلك لا يتكرر إلى حين ، واستعداد
من العناصر لا يتفق إلا فى كل طرف زمان طويل ؛ بل نقول : إن كل ما يتولد من
العناصر بمزاج ما يؤدى إلى وجود نوع لوقوع ذلك المزاج
بسبب اجتماع العناصر على مقادير معلومة. فما دامت العناصر موجودة ، وانقسامها إلى
تلك المقادير واجتماعها ممكنا ، فالمزاج الحادث منها ممكن. فإن كان الامتزاج الأول
غير كاف ، بل إنما يتكون بامتزاج ثان وثالث ، فإنه كما أن الحيوان يتولد عن امتزاج الأخلاط بعد امتزاج العناصر ، فليس بمستنكر
أن يحدث الاجتماع الثاني ، والامتزاج الثاني بعد حدوث الامتزاج الأول من غير بذر أو
منى.
فإن ظن أن ذلك
يمتنع ، إلا فى مكان محدود وقوة محدودة كالرحم والنطفة ، فإن الكلام بعد المسامحة قائم فى المزاج الذي
يقع للرحم ، حتى يتكون فيه ما يتكون ؛ والذي يقع للنطفة ، حتى يتكون منها ما يتكون. فإن
الكلام فى ذلك كالكلام فى الأصل. فإن جميع هذه إنما تتكون عن امتزاج ينتهى إلى العناصر ، فإن ابتداء ذلك من العناصر ثم يستحيل ، والرحم مثلا ليس يفعل شيئا إلا ضبطا وجمعا وتأدية ، وأما الأصل فهو الامتزاج
، والامتزاج عن الاجتماع. وهذا الاجتماع كما يمكن أن يقع عن قوى جامعة فى
الرحم وغيره ، فلا يبعد أن يقع بأسباب أخرى ، وبالاتفاق. فإنه ليس جزء من الأرض
__________________
يستحيل أن يوافى
جزءا من الماء ، ويلتقى به على وزن معلوم ؛ وليس يمتنع أن يقع ذلك الوزن
ولا معاوق ، فلا يحتاج إلى صوان. وأما القوى
الفعالة فيهبها واهب القوى ، إذا حصل المستعد ، فيفعل بعد المزاج الأول ما
يجب فى تكميل النوع من الأمزجة الثانية والثالثة ، ويرفدها التدبير العالى رفدا كافيا.
نعم إن كانت مثلا رحم ، كان ذلك أسلس وأوفق ؛ وإن لم تكن ، فليس مستحيلا فى العقل أن يقع ذلك من
حركات وأسباب أخرى. فإن كان الرحم يفيد شيئا غير المزاج الذي تستعد به للصورة ، فيكون الرحم علة مفيدة للصور.
وليس هذا هو مذهب
أهل الحق من المشائين ، بل الصور والقوى الجوهرية إنما تستفاد كلها من المبادئ التي هى موجودة دائما لا تتغير إذا وقع الاستعداد
، والاستعداد هو المزاج. فإذا كان جائزا أن تجتمع الأركان على نسبة من أجزائها توجب أى
مزاج كان ، وتتركب تركبا ثانيا على أى نسبة كانت ، وكانت الاستعدادات تحصل من ذلك ، وكان لا يجب أن يعارض ذلك دائما ما هو مفسد مضاد ، وكان الفيض الواهب للصور من عند المبادئ الدائمة ، فبالحرى أن يجوز
تكوّن أى مركب شئت من العناصر لا على سبيل التوالد. ولو لا هذا
لكان يجوز أن يقع للأنواع انقطاع ، وذلك لأنه ليس بواجب أن يكون عن كل إنسان إنسان ضرورة ، ولا عن كل واحد من الناس ، وكذلك عن كل شجرة ؛ بل ذلك جائز أكثرى ، ولا
يستحيل أن يفرض وقت ما يتفق فيه أن تنصرم كائنات من غير أن يتكون
عن كل واحد منها خالف ، إذ لا يوجد ولا واحد منها واجبا بالضرورة أن يتكون منه آخر. لأن الجماع الذي هو مبدأ التوالد
__________________
إرادى لا ضرورى ،
ووقوع البذور فى البيادر طبيعى من جملة الأكثرى لا من جملة الضرورى ، أو إرادى.
ولا شىء من هذين يجب ضرورة ، وما لا يجب ضرورة فيجوز أن يقع فى
النادر بخلاف ذلك.
فلو لم تكن حركات
ونسب عائدة من الأفلاك توجب كون أشخاص من هذه الأنواع مبتدأة حتى لا يكون لشىء من الأنواع انقطاع ، بحيث لا يعود ، لكان يجوز أن يقع انقطاع لا عود له ، ولكان
هذا لجائز قد وقع فيما لا نهاية له من قدرة الله. وأنت إذا تأملت الصناعات وجدتها
مخترعة عن روية النفس ، أو من إلهام الله ؛ وأنها لا يكون مبدؤها إلا روية شخص أو
إلهام شخص. فإن الكلى متوهم لا وجود له ، وما مبدؤه جزئى حادث فهو حادث بعد ما لم
يكن أصلا. فكل صناعة حادثة ، ويدل على حدوثها تزيدها كل وقت ، ويدل حدوثها على أن
الناس منشئون بعد انقراض. لأن كثيرا منها بحيث لا يصح قوام شخص الإنسان الذي لا
يختص بخاصية إلهام ، ومعونة إلهية مخالفة للموجود لنا دونها ، فيجب أن يكون الإنسان
الذي أنشأه مستغنيا عنها بخاصية تكون لناس ليسوا أمثالنا. وليس يجوز أن يقال : إن تلك
الخاصية لم تزل موجودة للناس الأولين ، ثم انقرضت ، بل إنما توجد تلك الخاصية لناس
بأعيانهم ، فيكون أول إنسان أو أول ناس فى هذا الاتصال المتأدى إلينا قد خص بها.
وإذا كان كذلك ، وجب أن يكونوا قد حدثوا لا بالولادة.
وهذه الخاصية إما استغناء لسبب فى الجبلة كالبهائم ، ثم ينبعه انبعاث إرادة لإنشاء الصناعة بسبب غير ذلك المستغنى ، أو لشدة الاستظهار للمستغنى ، أو إلهام سماوى يوصل عن قريب إلى مفروغ عنه ، يكون ذخيرة
إلى وقت طلب الآخر بالروية والفكر.
__________________
المصطلحات
(ا)
آن ٧٧
ابتداء ٧١
إبصار ٧٢ ـ ٧٧
بالاتفاق ٨٥
أتون (أتونات)
٦٦
أثر ٦٠
آثار ٧٩ ـ ٨٢
آثار علوية ٩ ـ ١٠
ـ ٤٦
أثير ٧٨
آجرّة ١٦ ـ ١٧
إجماد ٢٦
احتباس ٢٠ ـ ٢٥
ـ ٧٥
احتقان (البخارات)
١٩ ـ ٢٠ ـ ٧٤
أحجار ١١ ـ ١٢ ـ
١٥ ـ ٢٨ ـ ٢٩
أخاديد ٨٢
أداء ٥٢ ـ ٥٣ ـ ٥٥
ـ ٥٨
أديم ١٩
أديم الأرض ١٩
أديم القرار ١٩
ارتقاء ٦٧
أرجوان ٦٠
أرجوانى ٦٢ ـ ٦٣
أرجوانية ٦١ ـ ٦٢
ـ ٦٣ ـ ٦٤
|
|
أرض ٩ ـ ١٠ ـ ١١
ـ ١٣ ـ ١٤ ـ ١٥ ـ ١٨ ـ ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢١ ـ ٢٥ ـ ٣٢ ـ ٣٩ ـ ٤٥ ـ ٤٦ ـ ٦٨ ـ ٧٣ ـ ٧٤ ـ ٧٥
ـ ٧٦ ـ ٧٨
أرض رخوة ١٨
أرض سهلة ٢٠
أرض صلبة ١٨
أرضية ١١ ـ ١٢ ـ
٢٠ ـ ٢١ ـ
٢٢ ـ ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٧٣
ـ ٧٦ ـ
٨٠ ـ ٨٣
أرهاص ١٦ ـ ١٧
استحالة ١٣ ـ ٣٣
ـ ٧٤ ـ ٨٠ ـ ٨١
استحجار ١٧
استحرار ٨٢
استحصاف ٤٥ ـ ٧٨
استظهار ٨٧
على الاستقامة
٤٨ ـ ٦٦
استمساك ١١
استنقاع ١٧
إسخان ٧٦
(اسطاذيا) ٥٧
اسطوانة ٣٦
اشتعال ٧٦ ـ ٧٩
ـ ٨٠ ـ ٨١
إشراق ٥٦ ـ ٦٢ ـ
٦٥ ـ ٧٩ ـ ٨٠
|
أشعة ٣٦
إشفاف ٥٩ ـ ٧٧
أصداف ١٥
أصل ٨٥ ـ ٨٧
إضاءة ٣٦ ـ ٦٥
أضواء ٧٦
أعنز (م. عنز) ٨١
أفق ٥٨ ـ ٦١ ـ ٦٢
ـ ٦٤ ـ ٦٩
أكوان الكائنات
٩ ـ ١٠
التفاف (الزوبعة)
٦٨
التهاب ٧٦ ـ ٨١
إلحاح الشمس ٣٧
امتزاج ٢٠ ـ ٦٢
ـ ٨٥
امتزاج أول ٨٥
امتزاج ثان ٨٥
أمراض حارة
يابسة ٨٢
انبعاث ٨٧
أنبيق ١٩
انتقاع ٢٤
انحفار ١٤ ـ ١٦
انحلال ٧٣
أنداء (م. ندى)
١٧ ـ ١٩
اندفاع (الريح)
٢٥
انرضاض ١٦
|
|
انصراف (الأدخنة)
٦٧
انضغاط ٤٤ ـ ٧٦
ـ ٧٩
انطباع (الصورة)
٤٨ ـ ٥٠ ـ ٦٠
انطباق ٨٤
انعقاد ١٢ ـ ٢٨
ـ ٣٠ ـ ٤٣
انعكاس ٣٩ ـ ٥٠
ـ ٥١ ـ ٦٢
انفجار (الأرض)
٢١
انفراج (الزاوية)
٦٢
انفعال ٧٥
انقراض ٨٧
آنك ٣٠
انكشاف ١٥ ـ ١٦
انهدام ٢٣ ـ ٢٤
أوج ٨٤
(أوجات) ٣٣
أودية ١٦ ـ ١٨ ـ
١٩ ـ ٦٧
(ب)
بئر راكدة (آبار
راكدة) ٢٢
باذروج ٨٥
بحر (بحار) ١٨ ـ
٧٠ ـ ٧١ ـ ٨٤
بخار (أبخرة) ١٨
ـ ١٩ ـ ٢٠ ـ
٢١ ـ ٢٢ ـ ٢٦ ـ ٣٩
ـ ٤٤ ـ
٤٦ ـ ٤٧ ـ ٦٤ ـ ٧٣
ـ ٧٥ ـ
٧٦ ـ ٧٩ ـ ٨٣ ـ ٨٤
بخار دخانى ٥٧ ـ
٦٨ ـ ٧٥ ـ ٧٩
|
__________________
بخار رطب ٦٦ ـ ٦٧
ـ ٧٩
بخار ريحى ٢٤
بخار ساذج ٤٧
بخار مائى ٧٥
بخار متصعد ١٩
بخار محتقن ١٨
بخار نارى ٢٤
بخار يابس ٦٦
بخارات ١٩ ـ ٢١
ـ ٢٢ ـ ٧١
بذر (بذور) ٨٥ ـ
٨٦
برارى ١٩ ـ ٨٣
برد ٤٤ ـ ٤٥ ـ ٤٦
ـ ٧٥
برّد ١٩ ـ ٣٤ ـ ٣٧
ـ ٣٩ ـ ٤٥ ـ
٤٦ ـ ٦٧ ـ ٧٥ ـ ٧٦
ـ ٧٩ ـ
٨٠ ـ ٨١
برق (بروق) ١٣ ـ
٥٠ ـ ٧٤ ـ
٧٥ ـ ٧٦ ـ ٧٧ ـ ٧٨
برية ٧١
بصر ٤٨ ـ ٤٩ ـ ٥٠
ـ ٥١ ـ
٥٢ ـ ٥٦ ـ ٥٨ ـ ٥٩
ـ ٦٢ ـ ٦٣
(علم) البصر ٥٤
بقعة (بقاع) ١٣
ـ ٢٤ ـ ٣٥ ـ
٦٢ ـ ٦٨ ـ ٧٤ ـ ٧٦
ـ ٨٤
بل ٧٣
|
|
بلّة أرضية ٤٦ ـ
٤٧ ـ ٧١
بيادر ٨٧
بيضاء (رياح) ٧٣
بيضية (رياح) ٧٣
(ت)
تأدى (الصورة ،
الخيالات) ٤٩ ـ ٥٠
تأدية ٥٢ ـ ٥٣ ـ
٥٥ ـ ٥٦ ـ ٥٧
تبخير ٣٣
تبدّر (القمر)
٦٥
تبريد ٧٦
تجاويف الأرض ٢٦
ـ ٢٧
تجربة (تجارب)
٢٧
تجربى ٥٢
تجفيف ٢٦
تحتانى ٥٧
تحجر ١١ ـ ١٣ ـ ١٥
ـ ١٦ ـ ١٧
تحجير ٣٣
تحلل ١٣ ـ ١٩ ـ ٤٣
ـ ٤٦ ـ
٥٧ ـ ٦٨ ـ ٧٨ ـ ٧٩
تحليل ٢٦ ـ ٥٥
تخصيف ٢٦
تخلخل ٢٥ ـ ٤٥ ـ
٦٧
تخوم ٨١
تدبير عال ٨٦
تدريج ٦٢
تراب ١٦ ـ ١٧ ـ ٢١
ترابى ١٥
|
تربة ١٦
ترطب ٢٤ ـ ٧١
ترطيب ٦٨ ـ ٧٢ ـ
٧٤
تسخين ٧٣
تشبّح ٥٣
تشبيهات حسية ٣٠
تشرير ٨١
تشعير ٨١
تشكل (الزوبعة)
٦٩
تصاكّ ٧٧
تصعد ٢٩ ـ ٤٣ ـ ٤٤
ـ ٤٧ ـ ٦٨
تصعيد ٣٣ ـ ٧٣ ـ
٧٤
تعاريج ٢٧
تعاقب ٢٦
تفتت ١١ ـ ١٦ ـ ١٧
ـ ٢٤
تفجر ١١ ـ ٢١
تفجير ٢٥
تفصّى ٧٦
تقبّض ٤٣
تقبيب ٥٢
تقزّح ٥٧
تقطير ١٩
تكاثف ١١ ـ ٤٣ ـ
٤٤ ـ ٧٥
تكوّن ١١ ـ ١٥ ـ
١٦
تكيف ٥٥
تلولب (الزوبعة)
٦٨
تمثّل ٥٣ ـ ٥٤
|
|
تمثيل ٥٣
تموج ٢٧ ـ ٧٧
تمويج (الأرض)
٢٣
تنّين ٦٩
تولد ٨٥
توالد ٨٥ ـ ٨٦
(ث)
ثخن ٨٢
ثلج (ثلوج) ١٩ ـ
٤٤ ـ ٤٦ ـ ٤٧ ـ ٧١
ثوابت (كواكب)
٣٢ ـ ٥٣
(ج)
جامد ٤٥ ـ ٧١ ـ ٧٣
جبل (جبال) ١١ ـ
١٥ ـ ١٦ ـ ١٧ ـ
١٨ ـ ١٩ ـ ٢٠ ـ ٣٢
ـ ٣٣ ـ
٤٣ ـ ٥٩ ـ ٦٠ ـ ٦١
ـ ٧٠ ـ
٨٤
جبلة ٨٧
بالجبلة ٢٨
جرم ١٩ ـ ٧٨ ـ ٧٩
جزئى ٨٧
جسد (أجساد) ٢٩
ـ ٣١
جسم (أجسام) ٣٥
ـ ٤٩
جسم أرضى ٢٣ ـ ٧٩
جسم بخارى ٢٣ ـ ٤٣
جسم بخارى دخانى
٢٣
جسم دخانى ٢٣
جسم ريحى ٢٣
|
جسم مائى سيال
٢٣
جسم مضيء ٥٣
جسم معدنى (أجسام
معدنية) ٢٠ ـ ٢٨
جسم نارى ٢٣
جسم هوائى ٢٣
جسم يابس ٧٩
جليد ٤٧
جمد ٤٤ ـ ٤٥
جمود ١١ ـ ١٢ ـ ٢٨
ـ ٤٥ ـ ٧١
جو ٥٩ ـ ٦٥ ـ ٧٤
ـ ٧٩ ـ ٨٢
جوهر ١١ ـ ١٣ ـ ١٦
ـ ١٧ ـ ١٩ ـ
٢٠ ـ ٢٩ ـ ٣١ ـ ٦٩
ـ ٧٦ ـ ٨٠
جوهر أرضى ٢٨
جوهر بخارى ٤٣
جوهر مائى ٢٨
جوهر معدنى ١٨ ـ
٢٨
(ح)
حائل ١٧ ـ ٤٣
حب القطر ٤٤
حجر (حجارة) ١١
ـ ١٢ ـ ١٣ ـ ١٤ ـ
١٥ ـ ٢٠
حجرى ١٥
حجريات ٢٨
حجرية ١٣ ـ ١٦
حديد ١٩
|
|
حرّ ١٢ ـ ١٤ ـ ٢٦
ـ ٢٨ ـ ٣٤ ـ
٣٦ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩
حرارات ١٨
حرارة ١٢ ـ ١٩ ـ
٤٦ ـ ٧٣ ـ ٧٤ ـ ٧٦
حرارة سمائية ٤٧
حرارة محتقنه ١٥
ـ ١٨ ـ ٤٧
حرارة مفرطة ٧٦
حركة ٧٦ ـ ٧٧ ـ ٧٩
حس ٥١ ـ ٥٢ ـ ٥٤
ـ ٨٠
حصى ١٢
حضيض ٣٣ ـ ٨٤
حفور ١٥
حقن البخار ١٨
حقن الحرّ ٧٧
حمرة ٦١ ـ ٦٢
حمى ٢٩
حيز (أحياز) ١٩
ـ ٤٤ ـ ٤٥ ـ ٤٦ ـ ٦٧ ـ ٨١
حيل ٢٨
حيوان مائى ١٥
(خ)
خاصية ٨٧
خالص ٨١
خالف ٨٦
خسوف ١٣
خط الاستواء ٣٤
ـ ٣٥ ـ ٣٧ ـ ٣٨
خط البصر ٥٦ ـ ٥٨
|
خط المحور ٥٨
خطوط بصرية ٥٦ ـ
٥٨
خقق الريحية ٧٧
خلخلة ٤٥ ـ ٦٧ ـ
٧٦
خليج ٣٩ ـ ٤٠
خليط (أخلاط) ٢٠
ـ ٨٥
خمود ٧٧
خيال (خيالات)
٤٨ ـ ٥٠ ـ ٥١ ـ
٥٢ ـ ٥٥ ـ ٥٩ ـ ٦٠
ـ ٦١ ـ
٦٤
خيالات قزحية ٥٧
خيالى ٥٤
خيّل (اللون) ٥٣
ـ ٥٥ ـ ٥٦ ـ ٦١ ـ
٨٢
(د)
دائرة (دوائر)
٦٠ ـ ٦١ ـ ٦٢ ـ ٦٤
دائرة معدل
النهار ٨٤
دائرة نصف
النهار ٦٩
الدّبور (ريح)
٦٩
دخان ١٣ ـ ٤٣ ـ ٤٤
ـ ٤٦ ـ ٤٧ ـ
٦٦ ـ ٦٧ ـ ٦٨ ـ ٧٣
ـ ٧٥ ـ
٧٦ ـ ٧٩ ـ ٨٠ ـ ٨٢
دخان ساذج ٤٧
دخان يابس ٦٧
دخانية ٨٠ ـ ٨٢
دهنى ٢٨
دهنية ٢٨ ـ ٧٦
ديمة ٤٤
|
|
(ذ)
ذائبات ٢٨ ـ ٢٩
ذوات الأذناب ٤٧
ـ ٧٤ ـ ٧٥ ـ ٨٠
ذو الشبح ٤٩ ـ ٥٤
ـ ٦٣
ذو الصورة ٤٩
(ر)
رائحة الكبريت (روائح
الكباريت) ٢٩
الرائى ٤٨ ـ ٥١
ـ ٥٣ ـ ٥٤ ـ ٥٦ ـ
٥٧ ـ ٥٨
رابية (روابى)
١٤
رجم (رجوم) ٤٧ ـ
٧٩
رجفة ٧٤
رحم ٨٥ ـ ٨٦
رخو ١١
رسوبى ١٧
رش المطر ٤٥ ـ ٥٩
ـ ٦٠ ـ ٦٢
رصاص ٢٩
رصاص قلعى ٣٠
رطب ٤٧ ـ ٥٧
رطوبات ٤٧ ـ ٥٧
رطوبات ١٨ ـ ٧٣
رطوبة ٢٦ ـ ٢٨ ـ
٣٣ ـ ٦٠ ـ ٦٨ ـ
٦٩ ـ ٧٢ ـ ٧٧ ـ ٨٠
رعد ٧٤ ـ ٧٥ ـ ٧٦
ـ ٧٧ ـ ٧٨
رعون الجبال ٢٤
ركن ٨٦
رماد ٧٩
رياح باردة ٧١
|
رياح بيضاء ٧٣
رياح بيضية ٧٣
رياح جاعفة ٦٨
رياح جنوبية ٧٠
ـ ٧٣
رياح حارة ٧١
رياح حولية ٧٣
رياح خارقة ٧٧
رياح سحابية ٦٨
ـ ٦٩ ـ ٧٨
رياح صاعقة
زوبعية ٦٩
رياح صاعقة
زوبعية ٦٩
رياح غربية
جنوبية ٧١
رياح غربية
صيفية ٧١
رياح غير متضادة
٧٢
رياح متضادة ٧٢
ـ ٧٤
رياح متقابلة ٤٣
رياح متمانعة ٢٦
رياح مشرقية ٦٩
ـ ٧٠ ـ ٧١
رياح مغربية ٦٩
ـ ٧٠ ـ ٧١
ريح (رياح) ١٤ ـ
١٥ ـ ٢٥ ـ ٢٦ ـ
٥٧ ـ ٦٦ ـ ٦٨ ـ ٦٩
ـ ٧٠ ـ
٧١ ـ ٧٢ ـ ٧٣ ـ ٧٤
ـ ٧٦ ـ ٧٩ ـ
٨٢ ـ ٨٣
ريح الجنوب ٦٩
ريح الدبور (ـ المغربية)
٦٩)
ريح الشمال ٦٩
ريح الصبا (ـ المشرقية)
٦٩
ريح سحابية
ساذجة ٧٨
ريح سحابية مشتعلة
٧٨ ـ ٧٩
|
|
ريح شرقية شتوية
٧١
ريح شرقية صيفية
٧١
ريح شمالية ٤٦ ـ
٧٠ ـ ٧٣
ريح شمالية
شرقية ٧١
ريح كدرة رطبة
٧٠
ريح محتقنة ٢٥
ريح مصوّتة ٢٥
ريح نكباء ٧٠
ريحية ٧٧
(ز)
زائدة (زوائد)
٨١
زئبق ٢٩ ـ ٣٠
اج (زاجات) ١٩ ـ
٢٨ ـ ٢٩
زاوية (زوايا)
٥٢ ـ ٦٢
زلازل اختلاجية (عرضية
رعشية) ٢٧
زلازل رجفية ٢٨
زلازل سلّمية ٢٧
زلزلة (زلازل)
١٣ ـ ١٤ ـ ٢٣ ـ ٢٤ ـ
٢٥ ـ ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٣٢
ـ ٧٤
زمان ٢٧ ـ ٧٧ ـ ٧٨
ـ ٧٩ ـ ٨٥
زوايا حادة ٣٦
زوايا متساوية
٥٤
زوايا منفرجة ٣٦
زوبعة ٦٨ ـ ٦٩ ـ
٧٢
زوبعة صاعدة ٦٩
زوبعة لطيفة ٦٩
زوبعة نازلة ٦٩
|
(س)
ساذج ٤٧
ساف ١٧
سحاب (سحب) ١٧ ـ
١٨ ـ ٢٠ ـ ٢٥ ـ
٤٣ ـ ٤٤ ـ ٤٥ ـ ٤٦
ـ ٤٧ ـ
٥١ ـ ٥٥ ـ ٥٦ ـ ٥٧
ـ ٥٩ ـ
٦١ ـ ٦٢ ـ ٦٤ ـ ٦٥
ـ ٦٨ ـ
٦٩ ـ ٧١ ـ ٧٥ ـ ٧٦
ـ ٧٧ ـ
٧٨
سحاب ثخين ٥٦
سحاب رقيق ٥٦ ـ ٦٤
سحاب كثيف ٥٨
سحاب كدر ٥٩
سحاب مائى ٥٨
سحاب مظلم ٥٩ ـ ٦٠
سحب بعيدة ٤٥
سحب دوان ٤٥ ـ ٥٧
سحب ماطرة ٢٠ ـ ٤٣
سحب مستطيلة ٢٥
سخونة ٣٦ ـ ٦٧ ـ
٦٩
سخيف الجوهر ٢٨
سفلانى ٦٢
سقوط (الضوء) ٥٥
سمت الرأس ٣٧ ـ ٣٩
ـ ٥٦
سهل ١٦
سيول ١٤ ـ ١٥ ـ ١٦
|
|
(ش)
شافّ ٣٥ ـ ٣٦ ـ ٨٠
شب ٢٨ ـ ٢٩
شبح (أشباح) ٤٨
ـ ٤٩ ـ ٥١ ـ ٥٤ ـ
٥٦ ـ ٦٠ ـ ٦٣
شبح المرئى ٥٠
شط ١٦
شعاع ٢٠ ـ ٣٥ ـ ٣٩
ـ ٤٨ ـ ٤٩ ـ
٥١ ـ ٥٥ ـ ٥٦ ـ ٦٠
ـ ٧٨
شعاعات ٤٩
شعلة ٨٠ ـ ٨١
شفاف ٥٢
شفيف ٥٩ ـ ٦٠
شميسات ٤٧ ـ ٤٨
ـ ٦٤
شهب ٤٧ ـ ٧٤ ـ ٨٠
شهب دائرة ٧٥
شهب الرجم ٧٩
(ص)
صاعقة (صواعق)
١٣ ـ ٤٧ ـ ٧٤ ـ
٧٥ ـ ٧٨ ـ ٧٩
الصّبا (ريح) ٦٩
صبغ ٣١ ـ ٦٤
صحو ٥٧ ـ ٧٣
صفق ٧٧
صقالة ٦٤
صقيع ٧٩
صقيل ٤٨ ـ ٤٩ ـ ٥١
|
صناعة ٨٧
بالصناعة ٢٨ ـ ٣٠
صوت ٥٠ ـ ٧٧
صورة ٤٨ ـ ٥٠ ـ ٨٦
صورة حقيقية ٥١
(ض)
ضباب ٤٦
ضبابى ٢٦
بالضد ٨٢
بالضرورة ٨٦
ضوء ٥٣ ـ ٥٥ ـ ٦١
ـ ٦٤ ـ ٦٥ ـ
٧٨ ـ ٧٩ ـ ٨٠
ضوء خيالى ٦١
(ط)
طب ٢٧
طبقات الهواء ١٩
طبقة ١٧
طبيعة (Nature) ٥٧ ـ ٢٨ ـ ٤٨
طفاوة ٥٧
طفو ٧٧
طفوء ٧٩ ـ ٨٠
طل ٤٤ ـ ٤٦ ـ ٤٧
طلّى ٦٠
طوفان (طوفانات)
٨٣ ـ ٨٤
طوفان الماء ٨٣
طوق ٦٢
|
|
طوق الشمس ٦٥
طين ١١ ـ ١٢ ـ ١٤
ـ ١٥ ـ ١٦ ـ
١٧ ـ ٣٣
طينات ١١
طينة ١٦ ـ ١٧ ـ ٣٠
(ظ)
ظلمة ٥٣ ـ ٦١
(ع)
عاكس (للنور) ٦٥
عامر ٣٥
عرضى ٨٢
عرق (عروق) ١٦
عروق الطين ١٦
عصير ٢٣
عقد ٤٤ ـ ٧٥
عكوس ٨٢
العناصر الأربعة
٨٣
عنز (ج أعنز) ٨١
عنصر (عناصر) ١٣
ـ ٣٢ ـ ٢٣ ـ
٨٥ ـ ٨٦
العلامات
الهائلة ٤٧ ـ ٧٤ ـ ٨٢
علم البصر ٥٤
عين (عيون) ١٨ ـ
١٩ ـ ٢٢ ـ ٢٧ ـ
٣٢ ـ ٦٧
عيون راكدة ٢١ ـ
٢٢
عيون سيّالة ٢١
|
(غ)
غامر ٣٤ ـ ٣٥
غدوات ٢٦ ـ ٦٠
غليان ٧٧
غمام ٤٤ ـ ٤٦ ـ ٥٥
ـ ٦١ ـ ٧٥ ـ
٧٦ ـ ٧٨
غمامة (غمامات)
٢٦ ـ ٤٣
غور (أغوار) ٢٣
ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٨٢
غور الأرض ٢٦ ـ ٧٤
غيم (غيوم) ٤٤ ـ
٤٦ ـ ٦٠ ـ ٧٧
غيوم مشرقية ٨٢
غيوم مغربية ٨٢
(ف)
فاعل ٧١ ـ ٧٢
فجاج ١٦
فرسخ (فراسخ) ٤٣
ـ ٦٤
فصول ٢٥ ـ ٧٥
فصول السنة ٧٢
فضاء ٥٩
فعّال ٨٦
فلك (أفلاك) ٨٢
ـ ٨٤ ـ ٨٥ ـ ٨٧
فلك البروج ٨٤
فوقانى ٥٧ ـ ٦٢
ـ ٧٥
فيضان ١٥
|
|
(ق)
قرار ٢٣ ـ ٢٤
قطب ٧٣ ـ ٨٤
القطب الجنوبى
٣٤
القطب الشمالى
٣٤
قطر ١٩ ـ ٤٣
قطر (أقطار) ٥٧
ـ ٦١
قطر ٤٥
قطع ٥٥ ـ ٦١ ـ ٦٢
قطقط (نوع من
المطر) ٤٥
قطقط (نوع من
الزلازل) ٥٧
قطوع دفّية ٣٥
قعر الأرض ٢٦
قلقطار ٢٩
قلقند ٢٨ ـ ٢٩ ـ
٣١
قلل (الجبال) ٢٤
ـ ٤٤ ـ ٤٧ ـ ٦٠
قنى ٢١ ـ ٢٥
قنينة ٧٦
قوابل ١٩
قوس ٥٨ ـ ٥٩ ـ ٦٠
ـ ٦١ ـ ٦٢ ـ
٦٣ ـ ٦٤ ـ ٦٥
قوس قزح ٤٧ ـ ٤٨
ـ ٥٥ ـ ٥٧ ـ ٦٤
قوسى اللون ٥٨ ـ
٦٠
قوة (قوى) ٨٢ ـ ٨٦
قوة فاعلة ٨٠
قوة قابلة ٨٠
|
(ك)
كائنات ٤١ ـ ٨٦
كباريت ٢٨ ـ ٢٩
ـ ٣٠
كبريت أبيض ٣٠
كثافة ١٩ ـ ٢٥ ـ
٧٥ ـ ٧٦ ـ ٨٢
كثيف ٢٧ ـ ٨١
كدر (اللون) ٦٢
كراثى (اللون)
٦٢ ـ ٦٣
كرة الأرض ٣٤
كرية الأرض ٣٢
كسوفات ٢٦
كلىّ ٨٧
كوكب (كواكب) ٤٠
ـ ٤٧ ـ ٥٥ ـ
٥٦ ـ ٧٤ ـ ٧٥ ـ ٧٩
ـ ٨٠ ـ ٨١ ـ
٨٣
كواكب الرّجم ـ الكواكب
الرجمة ٧٤
كيران (م. كور)
٢٥
(ل)
لبن العذراء ١٢
لزج ١٥
لزوجة ٧٦
لطافة ٨١
لفائف ٦٩
(م)
ماء غمر ٢٦
ماء قاطر ١٢
|
|
ماء منبثق ٧٤
ماء يجرى ٢٦
مائية ١١ ـ ١٢ ـ
٢٨ ـ ٢٩ ـ ٣٣ ـ
٧٣ ـ ٨٣ ـ ٨٤
مادة ٤٨ ـ ٦٦ ـ ٧١
ـ ٧٨ ـ ٧٩ ـ
٨٠ ـ ٨١
مادة دخانية ٨٢
مادة ريحية ٢٥
ما لا ينطرق ٢٨
ما ينطرق ٢٨
مباحث ١١
مبادئ ٨٦
مبدأ عنصرى ١٨
متحجر ١٦
متخلخل ٢٥ ـ ٢٦
ـ ٣٠ ـ ٤٥ ـ ٧٥ ـ ٧٨
متخيّل ٥١
متشاكل ٥٥
متشبّح ٦١
متصعّد ٦٧
متضاد ٧٢ ـ ٧٤
متكاثف ٢٥ ـ ٢٦
ـ ٧٨
متلبّد ٧٥
متولد ٧٥
مجاز الشمس ٣٦
محاذيات ٤٩
محاكة ٧٦
محجّر ١٣
|
محسوس ٥١
محض ٦٧
محلّل ٤٦
محور ٥٤ ـ ٥٧ ـ ٦١
محيط الكرة ٣٤
مخالص الرياح ٢٥
مخروط ٣٦ ـ ٦١
مدّ ٨٣
مداخلة الألوان
٦٤
مدار البروج ٣٧
مدار الشمس ٤٠
مدر ٨٥
مذهب أصحاب
الشعاعات ٤٨
مذهب الطبيعيين
المحصّلين ٤٩
مذهب المشّائين
٥١ ـ ٨٦
مذيب ٢٨
مرآة (مراى ـ مرايا)
٤٨ ـ ٥٠ ـ
٥١ ـ ٥٢ ـ ٥٣ ـ ٥٤
ـ ٥٦ ـ ٥٩ ـ
٦٣
مرئى ٤٨ ـ ٥١ ـ ٥٢
ـ ٥٣ ـ ٥٤ ـ
٥٧ ـ ٦٣
مركبات ١٣
مركز ٥٥ ـ ٥٨
مركز الأرض ٣٦
مركز الدائرة ٦٢
مزاج (أمزجة) ٣١
ـ ٣٢ ـ ٣٨ ـ
٧٦ ـ ٧٩ ـ ٨٥ ـ ٨٦
|
|
مسالك ١٥
مسام الأرض ٢٧
مسامتات ٣٢
مسامتة ٣٦ ـ ٣٧
ـ ٣٩
المستعد ٨٦
مسقط ٥٥
مسيل ١٢ ـ ١٥ ـ ٢١
المشاءون ٦٣ ـ ٨٦
المشارق (الثلاثة)
٦٩
مشرق الاعتدال
٦٩
مشرق الشتاء ٦٩
المشرق الشتوى
٧٢
مشرق الصيف ٦٩ ـ
٧٢
مشفّ ٤٩ ـ ٥١ ـ ٥٢
ـ ٥٩
مطر (أمطار) ٤٤
ـ ٤٥ ـ ٤٦ ـ ٤٧ ـ
٥٧ ـ ٦٤ ـ ٦٦ ـ ٦٧
ـ ٦٨ ـ ٧١ ـ
٧٦ ـ ٨٢ ـ ٨٣ ـ ٨٥
معدّل النهار ٨٤
معدن (معادن) ٩
ـ ١٠ ـ ٣٢ ـ ٧٤
معدنيات ٢٨
معصور ٤٣
معمورة ١٥ ـ ٣٨
ـ ٧١ ـ ٨٣ ـ ٨٤
المغارب (الثلاثة)
٦٩
مغارة ٢٣
مغرب الشتاء ٧٢
مغمور ٢٦
مفاعلة ٧٧
|
مفروغ عنه ٨٧
مكبّة ٤٣
ملاحات ١٣
ملح (أملاح) ١٢
ـ ١٣ ـ ٢٨ ـ ٢٩ ـ
٣١ ـ ٧٦
ملحى ٢٨
ملحية ٢٩
ممازجة ٢٩
ممرات (الكواكب)
٤٠
منّ ١٤ ـ ٤٦
منابع المياه ٢١
منافخ ٢٥
منثلم الاستدارة
٦١
منحدب ٦٤
منطرقات ٢٨
منطقة ٥٨ ـ ٦١
منطقة البروج ٣٩
منعكس ٥٩
منفذ (منافذ)
الرياح ٦٨ ـ ٨٢
منفعل ٧٢
المنقلبان ٣٧
مهب (مهاب)
الرياح ٤٦ ـ ٦٩ ـ ٧٠ ـ ٧٤
موازاة ٧٧
بالموازاة ٣٥
موقع ٦٢
مياه ١٨ ـ ٢٠ ـ ٢١
|
|
مياه الآبار ٢١
مياه القنى ٢١
مياه النز ٢١
ميل (ميول) ٢٧ ـ
٣٥ ـ ٣٦ ـ ٣٧ ـ
٧٢ ـ ٧٥ ـ ٨٤
(ن)
نارية ١٣ ـ ٢٥ ـ
٢٩ ـ ٨٠ ـ ٨١ ـ
٨٣
ناصع اللون ٦٣
نجد ٣٢ ـ ٣٣
نداوات ١٩
نز ٢١ ـ ٢٢
نسبة (نسب) ٤٩ ـ
٥٣ ـ ٥٦ ـ ٨٦ ـ
٨٧
نشف ٤٦ ـ ٧١
نشوء ١٦
نشيش ٧٧
نصبة ٤٩
نصف دائرة ٥٨ ـ ٦٢
ـ ٦٥
نصف النهار (أنصاف
النهار) ٢٦
نفس ٩ ـ ١٠ ـ ٤١
ـ ٨٧
نقض ٣٦
نقطة الأسد ٢٣
نقطة الثور ٣٦
نقطة الجدى ٣٤ ـ
٦٩
نقطة الجوزاء ٣٦
نقطة السرطان ٣٦
ـ ٦٩
نقطة السنبلة ٣٦
|
النكباء (ريح)
٧٠
نوشادر ٢٨ ـ ٢٩
ـ ٣١ ـ ٧٦
نوع (أنواع) ٨٦
ـ ٨٧
نيازك ٤٧ ـ ٤٨ ـ
٦٤
نيّر ٥١ ـ ٥٥ ـ ٥٦
ـ ٥٨ ـ ٦١ ـ ٦٥
نيلى (لون) ٦٣
(ه)
هالة ٤٧ ـ ٤٨ ـ ٥١
ـ ٥٥ ـ ٥٦ ـ
٥٧ ـ ٥٨
هالة (حول القمر)
٥٨ ـ ٦١
هالة شمسية ٥٨
هبّات جوية ٥٦
هبوب (الرياح)
٦٩ ـ ٧١ ـ ٧٢ ـ ٧٤
هواء ١٩ ـ ٥٩ ـ ٦٦
ـ ٦٧ ـ ٧٥ ـ
٧٦ ـ ٧٩ ـ ٨٢ ـ ٨٤
|
|
هواء رطب ٥٩
هوائية ٢٩ ـ ٨٤
هوّة (هوّات) ٢٣
ـ ٨٢
(و)
وجه الأرض ١٨ ـ ٢١
ـ ٢٥ ـ ٢٦
وهدة ٤٣ ـ ٨٢
(ى)
يابس ٤٧
يابس (جوهر
اليابس) ٦٨ ـ ٧١ ـ ٧٣
ياقوت ٥٠
يبس ١١ ـ ٢٤ ـ ٢٦
ـ ٢٩ ـ ٧١ ـ
٧٢ ـ ٨٢
يبوسة ٢٩
|
|