بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

المقدمةُ

الحمد لله رب العالمين ، نحمدك يارب بما أنت أهل له ، ونصفك بما وصفت به نفسك ورضيته لنفسك ، ولاحول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

اللهم صل على أشرف أنبيائك المرسلين وسيد خلقك أجمعين ، نورك الذي لا يخبو ، وحبيبك الذي لايجفو ، نزيه الشرك أباً وأما وأخاً وابناً ، من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، وعلى أهل بيته فخر خليقتك وأفضل بريتك ، السادة المنتجبين والهداة الميامين ، مصابيح الظلام وهداة كل الأنام والقادة إلى دار السلام حججك على خلقك من اقتدى بهم اهتدى ومن أبى زُخّ إلى لظى.

اللهم وفِّق ويسِّر وأعن واستر ، ولا تجعل أمرنا علينا غمة يوم نلقاك بحق محمد وآل محمد صلواتك عليهم كل صباح ومساء ، آمين رب العالمين.

التشويه العقائدي مستمر!

الركل والخيزران هو الخطاب الذي كان يخاطب به الشيعة قبل بعض سنين ، ومن قبله لهيب السياط وحز السيف الذي كان يعترض له الشيعة من قبل أمراء سلفهم الصالح ، حتى قضى ألوف من الشيعة صلباً وتقطيعاً للأطراف ، وسبحناً حتى الموت في المطبق وغيره ، وقد انزوت هذه الأفاعيل اليوم وصار محلها الدهاليز العطنة والسراديب المظلمه مراعاةً لمشاعر العالم

الغربي ولجان حقوق الإنسان.

وأما على مستوى عقائد الشيعة فكان الأسلوب القهري الجبروتي الخظاب المعتاد ، كالتكفير والإخراج من الدين والتبديع والتفسيق ، وما زالت رحى أسلوبهم المنطقي هذا دائرة على رؤوس أتباع أهل البيت عليهم السلام ، وصوا عق الافتراء والكذب عليهم كالمطر الهاطل ، ومازال الشيعة ينتظرون الخطاب العقلائي منذ أكثر من ألف سنه!

ولو أراد أحدنا أن يدوِّن التهم التي أنطيت بالشيعة الإمامية والخز عبلات التي نبزوا بها من أول التاريخ إلى يومنا هذا لكتب من جنسه أنواعا ، كراريس ودفاتر ، بل موسوعات ، وقد كتبت بالفعل! لكن بأقلام مأجورة فرحين بها إرضاءً لأحلامهم وآمالهم ، فبدلا من مقارعة الحجة بالحجة أخذاً ورداً ، قام أصحاب هذه الأقلام بكل قوة وحماس بقذف الحمم البركانية وتلبيد سماء التشيع لأهل البيت عليهم السلام بسحائب التنكيل والتشنيع والتبديع والتهديد والإخراج من الملة وأن الشيعة هم وقود النار ، كفارمشركون ، عبدة طين وأوثان ، هدفهم الأول والأخير إحياء أصل مذهبهم المزدكي المجوسي الزرادشتي القرمطي الهندوكي الساساني الكنفوشي وكل عجيب وغريب ، وأن الشيعة فعلوا ، وما فعلوا ، وما أدراك ما فعلو؟! إلى غير ما هنالك من الافتراء والكذب!

وكله يحقق لهؤلاء غايتين في طول بعضهما لا أرى ثالثة لهما.

أولاهما : أن هذا المكدسات من الكذب والأ راجيف ترتفع وتتراكم لتكون ساتراً كثيفاً يقف دون علم الناس بحقيقة ما يقوله أهل البيت عليهم

السلام ويمنع من فهمه على النحو الصحيح ، ولا ريب أن لهؤلاء المهرجين العذر في إثارة لأتربه ونفضها في وجوه من يحاول فهم مذهب أهل البيت عليهم السلام؛ لأن اثر كلمات أهل البيت عليهم السلام في النفوس الطيبة قوي جداً ، وأقل النور يخرق الظلام وإن كان دامساً ، فما بالك بنور أناس أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وهم أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!

وغايتهم الأخرى من هذا الكذب المتواصل والافتراء على مدى أكثر من ألف سنة ، هي المنع من نتجية الفهم الصحيح لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فهذا المنع والحرمان ينتج عنه الوقوف دون أي مقايسة حقة ومقارنة صحيحة يقوم بها الناس الطيبون بين ما يدين به أولئك وما يدين به أهل البيت عليهم السلام ، لئلا يظهر فساد المعتقد وفراغ المذهب وعوار الفكر ولكي لا يتضع الأصيل من اللصيق والنور المبين من الضلال القديم وإلا بماذا نسفر قولهم لعوامهم : لا تناقش شيعياً فإنه يسحرك بالكلام! ، (قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (١) (كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٣) (أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ) (٣).

__________________

(١) البقرة : ١١٨.

(٢) الذاريات : ٥٢.

(٣) الطور : ١٥.

لماذا الكتابة في تحريف القرآن؟

ما كان تعرضنا لموضوع كهذا نتاجَ وقتٍ فَرَغَ ، أو استهواء مترف أو ميل لاكتشافات غريبة ، إذ لا يشك الغيور أن خوضاً في غمار موضوع كهذا ، وانتزاع نتيجة منه يعتبر مرصداً لكل من حادِّ الله ورسوله وملاذاً لمن أعجز في طلب حيله يخاصم بها أتباع الدين الحنيف.

إن فرية تحريف القرآن على الشيعة التي تطبل لها الوهابية بين الفينة والأخرى ما هي إلاّ نشاب وأسنة طعنو بها القرآن ، وأي طعنة!وفتنة للناس حتى شك بعض المسلمين من السنة والشيعة في سلامة القرآن من التحريف وقد رأينا على شاشات الإنترنت بعضاً من احتجاجات أهل الكتاب الذين ارتدوا عن الإسلام زاعمين أنالحلم الذي أدخلهم الإسلام قد تبدد وهو وجود كتاب لله عزّ وجلّ لم تناله يد التحريف ، فاتضح الآن أن القرآن والإنجيل سواء بسواء! وقد احتجوا لذلك ببعض افتراءات الوهابية على الشيعة!فمن الذي أضل هؤلاء؟!ومن الذي يطبل لهذا الفرية؟!

وقد كثرت الأراجيف واشتد سَعر الافتراء من الوهابيين مجدين مصرين بكل جهدهم على تشويه القرآن من حيث تشويههم المذهب أهل البيت عليهم السلام ، وخفي عليهم أن المصيبة تحل على القرآن فقط ، فكم من شيعي وسني شك في سلامة القرآن من التحريف دون رجوع عن مذهبه!وسنبين الوجه فيه.

وهذا حال الوهابية منذ زمن طويل في توزيع التهم والكيل بالأوفى وقد صكّت فرية اعتقاد الشيعة بتحريف القرآن مسامع الكثيرين وصدقوا

بها لجهلهم ، إضافة لعدم اكتراث الوهابية بالنصح والإرشارد ، بل اعتبرو أن هذا النصح تهرباً وتستراً وانهزاماً! ، لذا أصبحنا بين أمرين : القرآن من جانب ، والرضا بالظلم والكذب من جانب آخر ، فرجعنا غير لغة النصح والتواعية؛لأن لغة احترام القرآن وتقديسه لا تلقي الوهابية لها كثير بال فكان كشف المعتدي وتعريته على حقيقتة وإلزامه بها في مذهبه هو العلاج لإسكاته وآخر العلاج الكي!

وأرى أن من الحتم على الغيور من كل فرق المسلمين سنة وشيعة اجتثاث هذا الطرح الخطر ، بأي وسيلة ، ولا ريب أن من اطلع على كلمات الوهابية لن يجد دواءً نا جعلناً إلاّ ما رأيناه نحن ، حتى أن بعض علماء أهل السنة أخذ به ، حيث قال بعضهم : إن إلزام الشيعة بهذا الرأي يوجب إلزام أهل السنة به أيضاء ، وصاروا يسردون كلمات سلفهم في تحريف القرآن ثم أردفو ناصحين بوجوب غلق هذا الباب ورفع القرآن عن مرمى السهام ، ولكن يالها من آذان لا تسمع ، ومن قلوب لا تفقه ، ومن أعين لا تبصر عند الوهابية؟! وكما ترى فما انجلت الغبرة إلاّ عن قرآن تتلاطم به أمواج التشكيك وانقلب مرتعاً ومحلاّ لافتراء السفيه وخبال المتهتك ، فكانوا مصدقاً آخر للمستعاذ منه في هذه الآية الكريمة : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (١).

__________________

(١) النحل : ٩٨.

تحريف القرآن تشويه واستغفال للعوام!

وإلى يومنا هذا منابرهم تصيح وكتيبا تهم الملونة وأشرطتهم السمجة تنسخ وتوزع ، وجزُي خيراً من أعان على نشر هذا الشريط ، وأفضل هدية لأخيك المؤمن وحوار مع رافضي ، وحوار مع ناصبي ، وغير هذه التفاهات ، لماذا؟! لأن الشيعة تقول بالجمع بين صلاتين ، والشيعه قبلتها في الصلاة كربلاء ، وهكذا!

ولكن لنسأل ، هل إن طرح هذا المواضيع ـ بغض النظر عما فيها من الأكاذيب والأراجيف ـ يعطي النتيجة المطلوبة؟! ، إن المطلوب المنطقي المتصور لكل هذا الطرح هو إخراج الشيعة من مذهب أهل البيت عليهم السلام وإدخالهم في مذهب العامة ، وهذا الطرح لا يعطي المراد ، إلاّ إذ كان التهريج هو القصد.

يمكن توضيح المراد بالقول إن مذهب التشيع قائم على ركيزه افترق بها عن مذهب العامة ، فالشيعة يجعلون أهل البيت عليهم السلام الحجة بينهم وبين الله عزّ وجلّ ، ومصدراً لتلقي السنة النبوية والأحكام الشرعية بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ، بدلالة حديث الثقلين المواتر الذي أوصى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمة بأن تتمسك من بعده بالكتاب والعترة ، وهذا ذكره الألباني في سلسلته الصحيحة :

قال رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم : أيها الناس!إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضوا ، وعترتي أهل بيتي (١).

__________________

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة لناصر الدين الألباني ٣٥٥ : ٤ ح ١٧٦١.

فمشايعة أهل البيت عليهم السلام ومتابعتهم هو الخط الفاصل بين مذهبين ، فأن ثبت بطلانها بطل مذهب الشيعة من رأس ويخز بنيانهم من الأساس ، لذا ليسأل العاقل نفسه ، هل إن طرح تلك المواضيع يمس التشيع لأهل البيت عليهم السلام؟!بالطبع لا؛ لأن مشايعة أهل البيت عليهم السلام لا توقف على القول بالتقية فأن ثبت عنده أن التقية غير جائز ـ لا عناداً لأقوال اهل البيت عليهم السلام ـ فهذا لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في مذهب العامة ، وكذا من قال بعدم تحريف القرآن فإن ذلك لا يخرجه من التشيع ولا يدخله في التسنن ، وكذا بقية الموارد السابقة ، إلاّ أن يقال : إن تحريف القرآن يوجب الكفر ، وهذا الكلام على إطلاقه خطأ كبير سوف نثبت خلافه من كلمات علماء أهل السنة إن شاء الله تعالي ، ثم لنفرض أنه يوجب الكفرفهل هذا يصحح مذهب العامة؟! ، فلماذا يطرح الوهابيون هذه المواضيع التي لا تمس محل النزاع وهو التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام؟! أم حسبوا أن المبطل والضال من يقول قولاً يثيرغضب الهمج وترتفع في وجهه صرخات الأوباش؟!أما كان لميزانهم الخاسر بين العقلاء موضوع غير القرآن وسلامته من التحريف؟!

الاستىدراج والخداع في النقاش الوهابي!

ولا بأس بذكر شيء نقرب به معنى كلامنا أن نقاش الوهابية فيه محاولة جادة للطعن في كتاب الله عزّ وجلّ من حيث لا يشعرون ، فهاهم الآن ينتهجون منهجاً في النقاش يجرّون به الطرف المقابل إلى موضوع تحريف القرآن شاء أم أبى!فعندما يناقشهم الشيعي في لب الموضوع ومنبع الخلاف أي

تحديد مصدر التلقي وأخذ الدين بعد النبي بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، أي مفاد حديث الثقلين السابق ، يفاجئك الوهابي بالقول : فلنتكلم عن الثقل الأكبر! ، يقصد لنتكلم عن تحريف القرآن!فهذا هو الأسلوب الأول.

ولأسلوب الآخر أن يقول لك قبل النقاش : نريد أن نحدد محوراً ومرجعاً تحتكم إليه عند الخلاف ، فيقال له لنجعل القرآن كتاب الله بيننا ، فيرد عليك : الشيعة يقولون بتحريف القرآن!ويبدأ السجال والأخذ والرد والتناوش على كتاب الله!

هكذا ، يتحايلون ويخادعون لجر النقاش وحصر الخلاف بين الشيعة والسنة إلى القرآن بأنه محرف أم لا؟مع أننا قلنا : إن إثبات عدم التحريف لا يمس التشيع والمتابعة لأهل البيت عليهم السلام! ، فقد يري الشيعي عدم التحريف أو التحريف ولا يصيرسنيّاً في كلتا الحالتين ، وهنا يتضع معنى قولنا : إن هذاالطرح لا يجّر سوى الويلات على القرآن.

ولو نظرنا في خداعهم السابق لوجدناه منطويا على مغالطة في كل من الحيلتين ، فأسلوبهم الأول بتسرعه الفاضح لحصر الكلام في الثقل الاكبر وقصر العين على أحد الثقلين قبل تحديد الثقل الآخر ، له معنيان لا ثالث لهما ، إما أنه مسلّم بدلالة حديث الثقلين ولا داعي لتحديد هما في الرتبة السابقة ، وهذا تسليم بمرجعية أهل البيت عليهم السلام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، وعند هذه النقطة يكسر مذهب اهل السنة ويفض النزاع وإما أنه دلس وقفز من دلالة الحديث إلى ما عبأ به نفسه وشحنها ليحصر النقاش فيه ، أي في تحريف القرآن ـ وهو واقع حال الوهابية ـ فحينها يقال

له : يجب قبل الخوص في خصوصية كل ثقل ورأي المذهبين فيه ومدى التمسك به أن نحدد في الرتبة السابقة دلالة الحديث ، أي العلم بما يدل عليه الحديث من معنى الثقلين ، هل هما الكتاب والعترة أم غير هما؟ وبعد تحديد هما والفراغ من أن القرآن والعترة أو القرآن وأي شيء آخر هما المأمور باتبا عهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حينها ينتقل النقاش ـ ولن ينتقل لأن هذه المرتبة تسقط مذهب أهل السنة ـ إلى المرتبة الثانية وهي خصوصيات كل ثقل منهما ويحصر النقاش فيه قبل الفراغ من دلالة الحديث!

والحيله الثانية أسخف من الأولى؛ لأن الطرف المقابل ـ الشيعي ـ قد سلم بعدم تحريف القرآن ومن سلم بشيء يلُزم به حتى وإن لم يؤمن به؛ لأن أمره سيفتضح في نهاية المطاف ، فكيف إذا كان مؤمنا به حقا؟! ، وهذا أمر بديهي ومن أوليات التفكير المنطقي ، لذا من غير المعقول أن يقال له إن بعض علماء الشيعة قال بالتحريف ، فهل يعني هذا أنه لم يُسلّم؟! أو أن تسليمه ليس بتسليم؟! ، حتى لو (سلمنا) بأن المقّر بشيء لا يؤخذ بإقراره وتسليمه إلاّ بشروط وقيود! ، فلماذا يلزم هذا المسكين برأي شاذ ولا يُلزم برأي الجمهور بل لماذا يرفَض تسليمه وما سلم به وهو رأي كل مراجع الشيعة على مر العصور؟!بل أكثر من ذلك إن من قال بتحريف القرآن لم يقل : إن المحرف والساقط من المصحف يتاعارض مع الموجود حتى يمنع ذلك من جعل القرآن الحالي محورا يحتكم إليه عند النزاع ، فالكل إذن متفق على أن ما في المصحف يمكن جعله محورا ومرجعا بلا معارض!

ناهيك عن أن عدم قبول الوهابي لهذا التسليم يعني سد باب النقاش في أي موضوع كان ، سواء في تحريف القرآن أو غيره؛ لأن أي نقاش يثار ـ حتى وإن كان في تحريف القرآن ـ سيقف عدم تحديد المرتكز الذي يحتكم إليه عند الاختلاف عقبة لم تحل بعد! ، لذا عندما يحاول الوهابي الضحك على القول فيبدأ النقاش في تحريف القرآن ، نسأله : ما هو الضابط الذي نحتكم إليه في هذا النقاش؟!هل هو القرآن؟! كيف وقد صار محلا للنقاش؟! ، فيجب عليه حينها تغيير المركز كجعل العقل مثلا ، ولن يقبله الوهابي؛ لأن العقل ليس من حزبه ، أو أن ينبذ جهالاته وسخافاته جانبا ويأخذ بما سلم به الطرف المقابل ، وعليه يتضح معنى البديهة المنطقية القائلة من سلم بشيء يُلزم به.

والمضحك أن أحد مشايخهم تكلم بنفس هذا الأسلوب واستدرج أحد عوام الشيعة إلى تحريف القرآن ، وفي حين أن الوهابي لم يقبل من الشيعي حاكمية ومرجعية القرآن عند الاختلاف لأن الشيعة تقول بتحريف القرآن بزعمه صارت استدلالات الوهابي المخدوشة كلها من القرآن ، ويتعجب هذا الوهابي العبقري من الشيعي كيف لا يقر باستدلاله القرآني؟!مع أن الوهابي يقول : إن الشيعة لا يصح لها أن تعتمد القرآن في النقاش؟!! فأي عقل هذا؟!كتاب الله عزّوجلّ محاولين حصر النقاش في تحريف القرآن.

آخر العلاج ، هذا الكتاب!

وإن أبي الوهابيون إلاّ النقاش في تحريف القرآن على ما في التقاش من

مغالطات وتخليط ، وانتهجوا التبجح والصياح كذبا وزورا أن الشيعة يحرفون القرآن ، فحينها يؤخذ وبكل سرور هذا الترياق المجرب والميسم الكاوي ليوسم به الوهابية بنفس كلمات علمائهم المعتبرين ، كالطبري وابن كثير وابن حجر وابن تيمية وغيرهم ، الذين صرحوا واعترفوا بأن من أكابر الصحابة والتابعين من كان يرى وقوع التحريف في القرآن وهذا هو دين بعض سلفهم الصالح ، وقد أفردنا له فصلا كاملا في آخر لكتاب ، وحينها ينتهي السجال بتكفير الصحابة والتابعين بنفس ميزان اولهابية.

ماذا في الكتاب

لا أدري كيف صبغت هذه المقدمة بالقيل والقال حتى لا تكاد تشعر أنها مقدمة! ، ولكني وجدت الكلام السابق مفيدا ونافعا لذا نرجو معذرة القارئ الكريم.

وهذا الكتاب في ثلاثة فصول ، الفصل الأول : يتناول تحريف القرآن عند الشيعة مع شيء من التفصيل ، وفيه شيء من عجائب وغرائب الوهابية والفصل الثاني : في تحريف القرآن عند أهل السنة ، وهو على قسمين :

القسم الأول : التحريف غير الصريح

وموضوعه علوم القرآن التي شانت القرآن بتقنين تحريفه والقول بشرعيتة ، وهذا في أربعة بحوث :

١ ـ الأحرف السبعة

٢ ـ جمع القرآن

٣ ـ القراءات القرآنية

٤ـ نسخ التلاوة

وبين طيات كل مبحث منها توجد ملاحظات واعتراضات على الجزئيات المطروحة ، ثم ندكر وجه العلاقة بين هذا المبحث المطروح وتحريف القرآن ، وفي نهاية كل مبحث نذكر رأي الشيعة في أهم المسائل لتصح المقارنة والمقايسة بين المذهبين ، أقصد مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب العامة ، أما الوهابية فسنقتصر على بيان غرائبهم وشيء من نوادرهم لترويح وإنعاش القارئ المحترم الذي تلبد فكره بالأخذ والرد.

والقسم الثاني : التحريف الصريح

وفيه ذكر للسور الزائدة والناقصة من القرآن ، وكذا الحال بالنسبة للأيات ، ونذكر أيضا التلاعب الذي أحدثه سلفهم في القرآن واتخاذهم تحريف القرآن مهنة وحرفة يراد منها التفاف الجماهير والشهرة ، ومن ثم نفرد فصلا لذكر من قال بتحريف القرآن من سلفهم ودان به ، ثم نعقب بفصل آخر فيه شهادات علماء أهل السنة الكبار معترفين مقرين أن من الصحابة ورموز التابعين من كان يعتقد وقوع التحريف في القرآن ، وهذه الشهادات والاعترافات اخذت من كتبهم المعتبرة بالجزء والصفحة.

وأما الفصل الثالث فتناول دور الشيعة في صيانة القرآن من التحريف وإيصاله لنا بهذا الشكل الأنيق الرصين ، وسيتفضح لنا أن جمع القرآن وتدوينه وإملاءه وتنقيطه بنقط الإعراب أولا ، وبتقط الإعجام ثانيا ، وإعادة صياغة النقاط مع بعض الإضافات الخط المصحف ، وكذا تطوير الخط النسخي إلى هذا الخط الرائع أمامك فأمكن وضع التشكيل عليه ، كل هذه الأمور التي

تدرّج فيها القرآن في مراتب الكمال والصيانة والحفظ والحصانه إنما قام بها رجال الشيعة فقط دون غيرهم ، فامتازوا بحفظ هذا الكتاب الكريم من التلاعب والتغيير ، والحمد لله رب العالمين.

ليلة المبعث النبوي الشريف

سنة ١٤٢٢ه

الفصل الاول

الشیعة الإمامیة و تحریف القرآن

التهمة القديمة المتهالكه!

من تلك التهم السائرة الدائرة على مر الأيام التي مني بها آل الله وآل رسوله صلي الله عليه وعليهم أجمعين فرية تحريف القرآن ، بدعوى أن الشيعة من مذهبهم القول بسقوط بعض آيات من القرآن ، وكثير من الكتيبات التي كتبتها أيادي الفرقة تريد حشر هذه التهمة في رأس الذج والبساط.

ولا شك أن ناشر هذه الفرية ليس إلاّ صلف الوجه لا يعبأ بما يقال فيه كيف لا! والشيعة ليست من الفرق البائدة التي لا يخبر عنها إلاّ في الكتب العتيقة وبين صفحات التراجم السحيقة العهد ، فهذه أعيانهم في كل مكان وعلماؤهم بين أظهرنا ، وكتبهم ظاهرة سهلة المنال وكلمات محققيهم ومراجعهم لا تخفي إلأّ على ميت الأحياء ، والقول الفصل عند مراجعهم كلهم أجمعين أكتعين أن القرآن الذي نزل على النبي صلي الله عليه وآله وسلم هو هذا المصحف الموجود في بيوتنا وبيوتات المسلمين بجمعيه وتمامه لا نقيصة فيه ولا زيادة ، وهذا واضح عند من دار في شوارع المسلمين أو مرّ في أضيق أزقتهم.

الشذوذ عن فكر المذهب

وكون التحريف فرية واضحة على مذهب أهل البيت عليهم السلام لا ينفي شذوذ بعض نفر عما ذهب له الجمهرة والسود الأعظم ، وهذا واضح

لدى من امتلك شيئا من العقل ، فبعض علماء الشيعة شذوا عن رأي الطائفة حيث قالو بعدم صيانة القرآن من التحريف وحالهم كحال من شذ عن مذهب أهل السنة وقال بوقوع التحريف في القرآن وعدم صياتنه منه (١) وهذه القلة من الشيعة ذات ميول خاصة ومبان انفردت بها وخالفت سوادهم الأعظم ، وقد اقرضت تلك الفئة مع ما شذّوا به.

ومن الدعاوى العريضة أن نقول : إن الشيعة انقسموا في الاتجاه والمشرب الفقهي إلى قسمين ، لكل منها أصوله في استنباط الأحكام الشرعية ، إذ الفرع الذي ألقي بذرته الأمين الإستر آبادي رضوان الله تعالى عليه قبل أربعمئة سنة ثم انكسر واجبتث بعد مئتي سنة من بزوغه لا يقسم الشيعة الإمامية في مذهبهم الاستنباطي السائر منذ ألف سنة إلى قسمين أحدهما ظهر قريبا وانتهى بمدة مئتي عام!

وقد كان للأَخبارية (٣) قواعد ترتكز عليها مدرستهم وصارت من معالمها ، وهذه المدرسة لا وجود لها اليوم كتيار له منظّرون بما للكلمة من معنى ، وذلك لانقضاء أمر هذا التيار على يد مراجع الطائفة رضوان الله تعالى عليهم حينما تصدوا لهم فنقضوا أصولهم وبينوا عوارها حتى قضي الأمر

__________________

(١) سيأتي ذكر أسمائهم وأقوالهم بإذنه تعالى.

(٢) مفهوم الأَخباري كان متداولا منذ زمن بعيد ومنداولا بين قدماء علماء الطائفة ، ولكن كلامنا عن اليار ذي المرتكزات والقواعد التي أسسها الأمين الإستر آبادي رحمه الله ، فالكلام على وجه الخصوص.

واستوت الطائفة وعادت نمرقةً وسطى كما كانت على يد الوحيد البهبهاني رضوان الله تعالى عليه.

أسسٌ افترق بها هذا التيار المحدَث عن فكر امذهب :

من أهم مباني الأَخبارية التي شذوا بها عن جمهره الإمامية القول بعدم حجية ظواهر القرآن ، واعتمادهم على الأخبار فقط أي السنة الواردة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام فلذلك سموا أَخبارية.

وسبب قولهم بعدم حجية ظواهر القرآن (١) دعوى أن كلام الله عزّ وجلّ أجل وأرفع من أن يناله عقل البشر العاديين ، فإن كلام رب الناس لا تدركه عقول الناس! ومن الإجحاف بساحته جل وعلا أن يدرك مرام كلامه وينفقه مغزاه البشر العادي ، لذا على الفقهاء إيكال فهم ظواهر القرآن إلى من خوطب به ، وهم الراسخون في العلم ، اي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام وهم عِدل القرآن بنص حديث الثقلين المواتر (٣).

وننقل هنا أقوال بعض مراجع الطائفة الحقة في كتبهم الأصولية التي هي المعتمد الحق في بيان ما شذت به الأَخبارية.

قال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه :

__________________

(١) الظاهر هو ما كانت دلالته مظنونة لرجحانها ، النص أو المحكم هو ما لا يحتمل إلاّ وجها واحدا ، والمتشابه هو ما احتمل على وجهين فصاعدا ، أي يكون مجملا مرددا بين معان مختلفة.

(٢) للمزيد انظر : ملحق رقم (٦)

ما يظهر من الظائفة امنتحلة إلى الإمامية رضوان الله عليهم ، المعروفين بالأَخبارية وهو عدم حجية ظواهر القرآن.

اعلم أن حجية ظواهر الكتاب كانت معروفة غير محتاجة إلى الاستدلال؛ لأنه كتاب نزل به الروح الأمين على قبله صلي الله عليه وآله ليكون بشيرا ونذيرا للعالمين ، ويكون به هداية الناس والجنة أجمعين ، وبه انقلب الجهل إلى العلم في جزيرة العرب ، بحيث صار موردا لتعجب العقلاء والمتمدنين والفصحاء المتكلمين فلا شبهة أنه كتاب أنزل لإفهام المطالب الحقة لجميع الناس وإيصالهم إلى الكمالات الائقة بجالهم ، ولم يشك فيه أحد من الناس إلاّشرذمة قليلة من الذين أشرنا إليهم في صدر العنوان. وعمدة ما وجه أو يوجه به قولهم ونظرهم أمور خمسة : أحدها : كونه مشتملا على المضامين العالية التي لا تصل إليها إلاّ أفهام الأوحدي من الناس. وفيه : أولا ... (١). فبدأ رضوان الله تعالى عليه بتوجيه الأدلة لكسر مقالتهم الشاذة.

وقال السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه : وأما ما ذهب إليه جمهور الأَخباريين من عدم حجية ظواهر الكتاب ، فقد ذكر له في الكفاية وجوها خمسة :

الأول : ما ورد من النصوص الدالة على أن القرآن لا يعرفه إلاّ أهله ومن خوطب به ، وهم النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام.

الثاني : أن القرآن يحتوي على مطالب عالية شامخة ومضامين غامضة ،

__________________

(١) تقريرات في أصول الفقه : ٥٤٤ ـ ٢٥٥ ، للشيخ علي الاشتهاردي.

فلا يسطيع أن يفهمه أحد ، فان فيه علم كل شئ. ولا يستطيع كل أحد أن يصل بفكره إلى ما اشتمل عليه القرآن (١).

وقال السيد محمد سعيد الحكيم حفظه الله تعالى وسدد خطاه في المحكم في أصول الفقه بعدما بين فساد أدلة الأَخبارية : وبهذا يظهر حال بقية الوجوه التي استدل بها للأَخباريين ، فقد استدل لهم بوجوه كثيرة لا مجال للتعويل عليها بعد ما عرفت من إجماع الأصحاب وتسالمهم على حجية ظواهر الكتاب. مع أنها في أنفسها غير صالحة للاستدلال (٣).

وننقل هنا ما قاله أحد الأفاضل في كتابه دروس في أصول فقه الإمامية : ومضافا إلى إن سيرة المسلمين في التعامل مع ظواهر القرآن بالأخذ بها والعتماد على مؤدباتها دليل حجية ظهورات القرآن بخصاتة. هذا هو رأي جممهور المسلمين بما يكاد يرقى إلى مستوى الضرورة ومنهم أصحابنا الأصولية من الإمامية (٣) ، وفي مقابل هذا الرأي ذهب أكثر الأخبارية من الإمامية إلى عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلاّ عن طريق ما فسر به من أحاديث رويت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام (٤).

وحيث أن الأصوليين لا ينعزلون عن روايات أهل البيت عليهم السلام

__________________

(١) منتقى الأصول ، تقرير بحث الروحاني للحكيم رضوان الله تعالى عليهما ٢١٧ : ٤ ، للزيادة راجع حقائق لأصول ٢ : ٨٥ ـ ٩٠ للسيد محسن الحكيم رضوان الله تعالى عليه.

(٢) المحكم في أصول الفقه ٣ : ١٧٩.

(٣) وهم كل الشيعة اليوم إن لم نعبأ بالنادر الذي لا يذكر.

(٤) دروس في أصول فقه الإمامية : ١٤٤.

حين استنباط الأحكام الشرعية من ظواهر القرآن ، فلا يظهر الخلاف واضحا بين المسلكين ، ويظهر في حال عدم وجود مانع من الروايات يمنع من الروايات يمنع من التمسك بظهور الآيات القرآنية فحينها يعتمد لأصوليون على ظواهر القرآن؛ لأنها حجة في نفسها ، بخلاف الأخباريين ففي هذه الحالة لا يتمسكون بظواهر القرآن ؛ لأنها ليست بحجة في نظرهم ، بدعوى أن عقولنا أقل شأنا من إدراك ظاهر كلام المولى عزّ وجلّ ، فتكون ظواهر لآيات من المتشابه ولا يسعهم حينها إلاّ الاسترجاع وتلاوة قوله تعالى : (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (١).

قال في مصادر الاسنتباط : وقد اجاب المحدث الاسترآبادي عن عمل الأخباريين في الظواهر القرآنية مثل قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) وقوله تعالى (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) (٣) وقوله تعالى : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ) (٤) وفي ظواهر السنن النبوية ، مثل قوله صلي الله عليه وآله وسلم : (لا ضرر ولاضرار في الإسلام) حيث قال ـ أي المحدث ـ : نحن نوجب الفحص عن أوالهما بالرجوع إلى كلام العترة الطاهرة عليهم السلام فإذا

__________________

(١) آل عمران : ٧.

(٢) المائدة : ٧.

(٣) النساء : ٤٣.

(٤) المائدة : ٦.

ظفرنا بالمقصود وعلمنا حقيقة الحال علمنا حقيقة الحال علمنا بها ، وإلا أوجبنا التوقف ولاتثبيت (١).

ومن مبانيهم المسلمة القول بصحة كل الروايات لاواردة في الكتب الأربعة ، أي الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والاستبصار ، والتهذيب ، فلا داعي لمناقشة السند فيها ، وهذا رأي غير مقبول عند الشيعو اليوم.

وهناك كثير من الأمور التي شذ بها الأَخباريون عن الجمهور ، وقد : أنهى الشيخ عبد الله بن صالح لاسماهيجي هذه الفروق إلى ثلاثة وأربعين فرقا ، وقد تتبع الشيخ يوسف البحراني هذه الفروق فاقتصر على ذكر ثمانية منها وأخذ بمناقشتها ، وانتهى إلى عدم وجود فرق جوهري بين الطرفين حيث قال : فللأن ما ذكروه من وجوه بينهما جلّه أو كله لا يثمر فرقا في المقام. ولعل الشيخ البحراني قد بالغ في عدم الفرق فإن الفروق موجودة ، غير أنه قد شرح وجهة نظره بأن هذه الفروق لا توجب تشنيعا ولا قدحا؛ لأنه نظير الاختلاف الحاصل بين علماء الطائفة. أما الشيخ جعفر كاشف الغطاء فقد ألف كتابا خاصا في هذا لاموضوع أطلق عليه أسم (الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريين) حيث ذكر الفروق فأنهاها إلى ثمانين فرقاً ، كما انهى محمد بن فرج الله الدسقوري هذه الفروق إلى ستة وثمانين فرقا ، وأغلب ما ذكر هو في الفروع التي يختلف فيها الأصوليون أنفسهم فلا تشكل فروقا حقيقية (٣).

__________________

(١) مصادر الإسنتباط بين الأصولين والأَخباريين : ٨٠ ، ط دار الهادي.

(٢) مصادر الستنباط : ٦٦ ط دار الهادي.

وماذهبت إليه الأخبارية فُنذ بأدلة أقامها محققو الطائفة المحقة رضوان الله تعالى عليهم ، وهنا يمكننا القول : إن الأَخباريين لهم أصولهم وعالمهم الخاص في لاتعامل مع الأدلة ، ولامغاير لما عليه جمهور الشيعة ، ونادرا ما تجدهم في حالة وفاق ، حتى أن بعضهم كان يتهجم على البعض الأحيان! ولأصوليون بطابع عام يتبرؤون من أفكار هذا التيار ، ولا بأس هنا بنقل تقييم الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه لهذا المباني والمرتكزات التي قام عليها التيار الأَخباري :

قبل أربعة قرون تقريبا ظهرت بيننا نهن الإمامية فرقة باسم الفرقة الأَخبارية ، وهي في قبال الأصولية القائلة بالاجتهاد ، وقد سيطرت على أفكار الناس ما يقارب القرنين أو الثلاثة قرون ، ولم تترك عملا شنيعا إلاّ وارتكبته من إشعال حربٍ وقتل وأمثالهما ، أما اليوم فان عدد الأَخباريين قليل جدا (١).

وقال رضوان الله تعالي عليه : هذا هو التيار الأَخباري وتعصبه الأحمق اللامحدود الذي جعل أصحابه بعتبرون الصحيح والضعيف من الأحاديث على حدٍّ سواء ، إنّه تيار فكري خطر ظهر في دنيا الإسلام ، وتمخض عن جمود فكري لا زلنا نعاني من تبعاته ، إذ سرت عدواه إلى أوساطنا (٣).

__________________

(١) الإسلام ومتطلبات العصر : ١١٦ ط دار الأمير.

(٢) المصدر السابق : ١٢٢ ـ ١٢٣.

من هم القائلون بالتحريف؟

على ضواء اعترافات بعض علماء الأَخبارية نتوصل إلى أن هؤلاء النفرر الذين قالوا بتحريف القرآن من الشيعة هم بعض الأَخبارية لا كلهم ، وعدد من نسب إليه الوهابيون ـ مع تتبعهم ـ تحريف القرآن لا يزيد عن عشرة ونيف ما بين من تيقنا بصحة النسبة إليه ومن لم نتيقن منها؛ لغرابة بعض تلك الأسماء التي لم نسمع بها من قبل ولعدم توفر المصادر ، ولا نستطع الوثوق بما ادعاه الوهابيون لما سيأتي من بيان مدى مصداقيتهم.

كيف توصلوا لتلك الفجيعة؟

ليس من العجب عند من نظر في مباني الأَخبارية أن بعضهم قال بتحريف القرآن ، فإن الركون والاقتصار على الأَخبار على ما في بعضها من نقل للتحريف ، والتساهل الشديد بوثاقة الرواة ، والقطع بصحة كل ما في الكتب الأربعة ، وكذا القول بعدم حجية ظواهر القرآن حتى لا يصح التمسك بالآيات التي تتعهد بنفي التحريف عن القرآن ، كل هذه تجعل القول بتحريف القرآن أمراً متوقعاً لا غرابة فيه ، فكل من ينسج على منوالهم ويلتزم بمبانيهم ليس له إلاّ التسليم بما دل على التحريف من الروايات ، بلا أي عرض مقاييس القبول والرفض ، فزمام الحكم على القرآن كان بيد الروايات على ما فيها من وضع ودس وضعف!

ولنذكر هنا كيفية تجاوزهم للاعتراضات والعقابات التي وقفت أمام قول بعضهم بتحريف القرآن :

١ ـ تأويلهم للآيات النافية للتحريف

ولم تستطع الآية الكريمة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١) ثنيهم عما ادعوه لذهابهم إلى عدم حجية ظواهر القرآن بدعوى أن كلام الله تعالى أعز من أن تناله وتدركه عقولنا! فصار الظاهر من المتشابه الذي يوكل أمره إلى الله ، والآية الكريمة من هذا النحور ، فيجب أن يرجع إلى الروايات لمعرفة معناه ، والروايات التي فيها ما فيها تقول : إن القرآن محرف ، فيجب تأويل الآية المباركة!

وحتى لو قالوا بحجية الظاهر فقد نوقشت دلالة ظاهر الآية الكريمه على حفظ القرآن من التحريف ، فقال أحدهم :

وفيه أنّ كون أصل القرآن الذي نزل به الروح الأمين على خاتم النبييين صلى الله عليه وآله وسلم محفوظا عند الأئمة الذين هم خزّان علم الله وكهوف كتله ، يكفي في صدق الآية ولا دلالة فيها على كون ما بأيدينا محفوظا كما لا يخفى ، مضافا إلى احتمال أن يكون المراد أنه سبحانه يحفظه إلى آخر الدهر ، بأن بعث جماعة يحفظونه ويدرسونه ويشهرونه بين الخلق ، فتحفظه الأمة ، ونتاولته الأيدي قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة ، لقيام الحجة به على الخلق وكونه معجزة النّبوة ، وهذا كله بعد الغضّ عن رجوع الضمير في (لَهُ) إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا ـ كما ذهب إليه الفرّاء ـ فيسقط

__________________

(١) الحجر : ٩.

الاستدلال رأساً ، قال ابن الأنباري : لما ذكر الله الإنزال والمنزلِّ والمنزَّل دلّ وذلك على المنزَّل عليه ، فحسنت الكناية عنه لكونه أمرا معلوماً ، كما في قوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) ، فإن عود الضمير إلى القرآن مع عدم تقدّم ذكره لكونه معلوما من المقام.

توجيههم الأول هو ما اعتمدوا عليه ، فان ظاهر الآية غاية ما يدل عليه هو تعهد الله عزّ وجلّ بصيانة القرآن من التحريف ، ولكنها ساكتة عن شخص هذا القرآن والمصحف الذي تكفل المولى بحفظه ، فلا يلزم من التسليم بدلالة الآية على صيانة القرآن من التحريف أن يكون هذا الحفظ لجميع مصاحف المسلمين ، بل يكفي حفظ القرآن عند إمام المسليمن وقائدهم حتى يتحقق عنوان الحفظ في الآية الكريمة ، وعلى قولهم يكون الله عزّ وجلّ قد تعهد بحفظ القرآن عند المستودع للشريعة وهو الإمام المعصوم في كل زمان ففي أول الأمر كان عند الأمر كان عند الإمام علي عليه السلام ومنه إلى الحسن ثم الحسين. وهكذا إلى أن استقر الآن عند صاحب العصر الإمام المهدي عليه وعليهم السلام ، والآية أجنبية عن التعهد بحفظ القرآن عند جميع الناس وفي كل مصاحف المسلمين ، فلا تعارض بين روايات التحريف والآية الكريمة.

وكذا لم تثنهم الآية الكريمة : (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٣). عن مدعاهم ، فقالوا رداً على من استدل بالآية

__________________

(١) القدر : ١.

(٢) فصلت : ٤٢.

على أن ورود التحريف فيه إتيانه الباطل :

وفيه أن المراد بالآية أنّه ليس في إخباره عمّا مضى باطل ، ولا في إخباره عمّا يكون في المستقبل باطل ، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتها ، رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ) من قِبل التوراة ولا من قِبل الإنجيل والزبور (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) لا يأتيه من بعده كتاب يبطله.

وهكذا لم يثبت القرآن الكريم صيانة القرآن من التحريف في نظرهم وصار القول الفصل للروايات.

٢ ـ تأويلهم للروايات النافية للتحريف

وفي المقابل توجد بعض الروايات التي يلزم من الأخذ بظاهرها نفي التحريف عن القرآن ، كالروايات التي تأمر بعرض الأخبار المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام على القرآن ، فما وافق القرآن قاله أهل البيت عليهم السلام ، وما خالفه يضرب به عرض الجدار ، وسنرى أن هذه الروايات صريحة في كون القرآن هو القيّم والميزان لتمييز صحة الرواية من سقمها ، بعد علم أهل البيت عليهم السلام بكثرة الكذب والافتراء عليهم ، فلم يكن إمامٌ إلاّ وله كذاب يكذب عليه ، كما ورد في الرواية ، فلا ريب في وجود كثير من الزخرف الملبس والباطل المموه ، وهو وليد الوضع والاختلاق ، ولكن بعض الأَخبارية قاموا بتأويل الروايات الناقية للتحريف وصرفها عن ظاهرها لتتوافق مع روايات التحريف! وهاك نبذة مما أوّلوه على خلاف ظاهره ليتسنى

لهم التوفيق بينها وبين روايات التحريف :

عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كل شيء مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.

عن كليب بن معاوية الأسدي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل.

عن الهشامين جميعا وغير هما قال : خطب النبي صلي الله عليه وآله فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله.

عن أيوب : عن أبي عبد الله عليه لاسلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا حدثتم عني بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده فان وافق كتاب الله فأنا قتله ، وإن لم يوافق كتاب الله فلم اقله (١).

وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به ، فقال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلي الله عليه وآله ، وإلا فالذي جاءكم به أولي.

عن النوفلي عن السكوني : عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه.

__________________

(١) المحاسن ١ : ٢٢٠ ، ح١٢٨ و ١٢٩و ١٣٠.

عن هشام بن الحكم : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : رسول الله صلى الله عليه وآله ـ في خطبة بمنى أو مكة ـ : يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته ، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم اقله.

عن محمد بن مسلم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يامحمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به.

عن سدير قال : قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : لا تصدق علينا إلاّ بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله.

عن الحسن بن الجهم عن العبد الصالح عليه السلام قال : إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حق وإن لم يشبههما فهو باطل (١).

وهذه الروايات تتصادم مع القول بتحريف القرآن ، إذ من غير المعقول أن يُجعل المحرف والمتلاعب به ميزانا لبيان صحة الأخبار وسلامتها من التحريف ، وكذا الحال في حديث الثقلين المتواتر الذي أُمِر المسلمون به باتمسك بالقرآن والعترة؛لأن من تمسك بهما عصم من الضلالة ، ومن غير

__________________

(١) بحار الأنوار٢ : ٢٤٢ ، ح٤٣ ، ٤٤ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ملاحظة : رواية ابن أبي يعفور ورواية الحسن بن جهم يستفاد منهما جعل السنة في عرض القرآن في كونهما قيمين على الرواية وهذا لا مانع منه؛ لأن الحاظ الإمام عليه السلام إلى السنة القطعية لا إلى مطلق الروايات حتى يلزم الدور.

المعقول أن نعصم من الضلالة مع تمسكنا بالمحرف ولامبدل! ، ولكن كل هذا لم يُجْدِ نفعا عندهم ، فقد قال السابق عن الاستدلال بحديث الثقلين :

أما الطائفة الأولى فلا دلالة فيها على الُمدعى أصلا؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أمرنا باتباع الكتاب والعرض عليه ، ولم يتطرق عليه تحريف يومئذ ، كما امرنا باتباع أهل بيته وعترته وأخذ الأحكام عنهم والاقتباس من أنوارهم ، وإنما طرأت السوانح بعدما اختار الله سبحانه له صلى الله عليه وآله وسلم لقاءه فمنع المكلفون على أنفسهم اللطف بسوء اختيارهم ، وغيّروا كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم ، كما تركوا العترة وصاروا سببا لا عتزالهم وتشريدهم إلى أن انتهى الأمر إلى الغيبة الكبرى ، فكما أن غيبتة الإمام عليه السلام واعتزال الأئمة وقصور اليد عن اتباع القرآن امنزل على ما هو عليه لا ينافي أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن إلاّ لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه ، وأَن لا يقصرّوا في حقّ الآل ما قصروا.

__________________

(١) هذا قياس مع الفارق؛ لأن عدم الوجود الظاهر والمشاهد لأئمة أهل البيت عليهم السلام لا يمنع من التمسك بهم ، بل يكفي الرجوع لكلماتهم واقتفاء سننهم ، كما أن الكل بدعي اقتفاء سنن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع أنهم لم يروا له شخصا ، بخلاف القول في القرآن فإن دعوى التحريف فيه مانعة من التمسك به.

وقال ردا على اروايات التي تأمر بعرضها على القرآن : وأما الطائفة الثانية فلا دلالة فيها أيضا؛ لأنّا نقول : إن الأئمة عليهم اسلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف وانقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم ، فيكون ما استفدناه حكماً ظاهرياً بالنسبة إلينا فافهم (١).

وردّ دلالة روايات العرض بوجه آخر وهو : إن أهل بت المعصمة سلام الله عليهم لعلمهم بعدم طرو التحريف على آيات الأحكام رخصونا في الرجوع والعرض ، فبملاحظة ترخيصهم بحصل لنا القطع بكونها محفوظة عن الخلل أو أنهم رخّصونا في ذلك؛ لعلمهم بأنّه ليس في الساقط ما يرجع إليه أو يعرض عليه إلاّ وفي الثابت ما يقوم مقامه (٣).

وعلى هذا فلا قرآن يثبت عندهم صيانة القرآن من التحريف ولا الروايات تثبت ذلك (٣) ، وكثير من الروايات في كتب أهل لا إله إلاّ الله من

__________________

(١) وهذا غير مقبول؛ لأن الأصل عدم التقية وخلاف الأصل يحتاج إلى دليل ، ثم إن الروايات : تقول ما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار ، وأين التقية في ذلك؟! وهل أهل البيت عليهم السلام يخالفون ما بأيدينا من القرآن حتى يقال : إن الأمر بموافقته من موارد التقية؟!

(٢) وما احتمله هنا مجرد ظن لا يغني من الحق شيئا ، ويلزمه الإتيان بالدليل عليه.

(٣) ليس من الغريب ألا تصلنا روايات تنص على عدم تحريف القرآن ، فلا تجد لا من طرق الشيعة ولا من طرق السنة مثل هذه الروايات؛ لبداهة كونه محفوظا من التحريف الذي كان يغني عن ذكره ، فمن غير المعقول أن يستغرب مثلا من عدم وجود رواية عن إمام معصوم

أهل السنة والشيعة تقول بتحريف تقول بتحريف القرآن ، فلا عجب إن قالوا بوقوع التحريف في كتاب الله عزّ وجلّ!

تنكيل مراجع الشيعة وأكابرهم بمن شذ وقال بتحريف القرآن

تواترت صولات مراجع الشيعة وتتابعت اعتراضات أعلامهم وهاجت من كل حدب وصوب في وجه من شذ وقال بتحريف القرآن ، فما ترى عيناك أحدا تعرض الحجية ظواهر القرآن منهم إلاّ وذكر مصيبة تحريف القرآن

__________________

يحدد فيها اتجاه قبلة المسلمين في الكوفة! ولأمر ظاهر ، لذا فإن شهرة القضية وبداهتها تجعل النص عليها سخيفا ، والدليل عليه عدم وجود أية رواية عند أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تثبت تعهد الله عزّ وجلّ بحفظ كتابه ، أو حتى رواية واحدة عن صحابي يقول : إن القرآن سليم من التحريف ولم يسقط منه شيء ، وأما روايات التحريف التي جاءت عن الصحابة فهي زرافات ومجاميع ، وبهذا نقف على جهل بعض الوهابية الذين يطلبون رواية واحدة عند الشيعة تثبيت صيانة القرآن من التحريف! ، قال الوهابي (عثمان. خ) في شريطه : (ثم إن روايات التحريف ينقلونها عن المعصومين عندهم بينما الإنكار فلا يروون منه شيئا عن المعصومين) ، وسيتضح بعد قليل كذب قوله الأخير بإذنه تعالى ، ولكن السؤال هو لماذا لا يحضر لنا الوهابيون رواية واحدة في صيانه القرآن من التحريف عمن قوله حجة عندهم وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! ، وقد سمعت بعض مشايخ الوهابية يطلب من أحد عوام الشيعة رواية عن إمام معصوم تثبيت صيانة القرآن من التحريف فنقول : لماذا لا تأتونا أنتم بقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

والرزية التي منيت بها الطائفة على يد هؤلاء النفر ، وهم رضوان الله تعالى عليهم ما بين مسفه للرأي ومتحسف لهذا الخطب الجلل ، خاصة حينما طمَّ الأمر واتسع الخرق وزيد للنار حطب بتأليف المحدث النوري كتابه فصل الخطالب الذي لملم فيه شتات الأخبار والروايات التي أعرضت عنها الطائفة منذ أَلف سنة ، فحشى الكتاب بأي رواية وجد فيها أدنى إشارة على وقوع التحريف ولو بتكلفات بعيدة ، وعند ها قامت دنيا الشيعة ولم تقعد ، وثار المراجع والعلماء في وجه المؤلف ونُدد بالكتاب وطعن فيه ، بل هاجوا على المطبعة أيضا ، وكان حديث الساعة بين الأعلام ومحلا لاستنكارهم وسخطهم ، وهذه الرسالة شاهد تاريخي يحكي لنا حال الشيعة حينما علموا بصدور ذلك الكتاب والباطل الذي حواه :

قد أسلفنا تواجد الشيخ النوري نفسه في وحشة العزلة منذ أن سلك هذا الطريق الشائك ، إذ وجد من أقطاب الطائفة متفقة على خلاف رأيه ، وكم حاول العثور على رفقة من مشاهير العلماء ولكن من غير جدوى ، وقد أحسّ الرجل من أول يومه بشَنَعات ومَسبّات سوف تنهال عليه من كلّ صوب ومكان ، وبالفعل قد حصل! ووقع في الورطة التي كان يخافها.

يحدثنا السيد هبة الدين الشهرستاني ـ وهو شاب من طلبة الحوزة العلميّة بسامراء على عهد الإمام الشيرازي الكبير ـ عن ضجّةٍ ونعراتٍ ثارت حول الكتاب ومؤلّفه وناشره يومذاك ، يقول في رسالة بعثها تقريظاً على رسالة البرهان التي كتبها الميرزا مهدي البروجردي بقم المقدّسة١٣٧٣ه. يقول فيها : كم أنت شاكر مولاك إذ أولاك بنعمة هذا التأليف المنيف ، لعصمة

المصحف الشريف عن وصمة التحريف ، وتلك العقيدة الصحيحة التي آنست بها منذ الصغر أيّام مكوثي في سامراء ، مسقط رأسي ، حيث تمركز العلم والدين تحت لواء الإمام الشيرازي الكبير ، فكنت أراها تموج ثائرة على نزيلها المحدث النوري بشأن تأليفه كتاب (فصل الخطاب) ، فلا ندخل مجلساً في الحوزة العلمية إلاّ ونسمع الضجّة والعجّة ضدّ الكتاب ومؤلّفه وناشره ، يسلقونه بألسنة حداد.

وهكذا هبّ أرباب القلم يسارعون في الردّ عليه ونقض كتابه بأقسى كلمات وأعنف تعابير لاذعة ، لم يدعوا لبثّ آرائه ونشر عقائده مجالاً ولا قيد شعرة (١).

وهنا نذكر بعض كلمات الأعلام في ذم فعل الؤلف والنيل من ذلك الكتاب :

قال الإمام الحجة البلاغي رضوان الله تعالى عليه في (آلاء الرحمان) :

هذا وإن المحدث المعاصر جهد في كتاب (فصل الخطاب) في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل على الأئمة عليهم السلام في الكتب ، كمراسيل العياشي وفرات وغيرها ، مع أن المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد ، وفي الجملة ما أورده من الروايات ما لا يتسير احتمال صدقها ، ومنها ما هو مختلف باختلاف يؤول به إلى التنافي والتعارض ، وهذا المختصر لا يسع بيان

__________________

(١) صيانة القرآن من التحريف للمحقق الشيخ معرفت حفظه الله : ١١٥.

النحوين الأخيرين. هذا مع أن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيده إلى بضعة أنفار ، وقد وصف علماء الرجال كلاًّ منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية ، وإما بأنه مضطرب الحديث والمذهب ، يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ، إما بأنه كذاب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثا واحدا ، وأنه معروف بالوقف ، وأشد الناس عداوة للرضا عليه السلام ، وأما أنه كان غاليا كذابا ، وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذابين ، وأما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلو. ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئا ، ولو تسامحنا بالاعتناء برواياتهم في مثل هذا المقام الكبير لوجب من دلالة الروايات المتعددة ان ننزلها على مضامينها ... (١)

ثم ذكر بعض موارد التكلف الواضح لإثبات التحريف ، وهو في واقعه تفسير وتنزيل.

ما ذكره الإما الخميني رضوان الله تعالى عليه وعطر الله مرقده في كتابه (أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية) قال :

وأزيدك وضوحا : أنه لو كان الأمر كما توهّم صاحب (فصل الخطاب) الذي كان ما كتَبَهُ لا يفيد علماً ولا عملاً ، وإنّما هو إيراد روايات ضعاف ، أعرض عنها الأصحاب وتنزّه عنها أولوا الألباب من قدماء أصحابنا كالمحمّدين الثلاثة المتقدمين رحمهم الله (٣).

__________________

(١) مقدمة تفسير آلاء الرحمان.

(٢) ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، المحدث الشيخ محمد بن علي بن بابويه

هذا حال كتب روايته غالبا كالمستدرك ، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجد ، وهو رحمه الله شخص صالح متتبع ، إلاّ أنّ اشتياقَه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا بقبلها العقل السليم والرأي المستقيم ، أكثرُ من الكلام النافع ، والعجب من معاصريه من أهل اليقظة! كيف ذهلوا وغفلوا حتّى وقع ما وقع ممّا بكت عليه السماوات ، كادت تتد كدت على الأرض؟! (١).

ولا ريب أن تلك المباني أركبتهم الصعب تسليما للخبر بلا عرض أو نظر ، فكان من المحتم على من يتصدى لرفع هذه الفرية عن القرآن أن يجتث تلك المباني الفاسدة التي ارتكزوا عليها ، لا أن يُغير على النتيجة فيبدأ بالصياح والعويل! فالنقاش لا يتم في تحريف القرآن وإنما في مبانيهم ومقدمات استدلالاتهم التي أملت عليهم تحريف القرآن ، إذ لو قبِل أي رجل مبانيهم سيكون تحريف القرآن نتيجةً حتمية.

وسوف تختم هذا المبحث ببقية أقوال مراجع الشيعة الذين ركب في سفينة كل واحد منهم الآلاف المؤلفة من الشيعة ، وقادوا الجم الغفير على عواتقهم في القول والعملن ويقتفي جماهير الشيعة أثرهم ويميلون حيث مالوا ويرون قولهم هو الفصل في المسألة ، وسنعلم كيف نفوا شبهة التحريف جملة وتفصيلا عن المذهب ، ونحمد الله أن لا أحد من مراجع الطائفة على مر

__________________

الصدوق ، رئيس الطائفة المحقة الشيخ محمد بي الحسن الطوسي قدس الله أسرارهم.

(١) أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٧.

السنين قال بتحريف القرآن ، وهذا كاف لتوضيح شذوذ الرأي وضآلة عدد قائليه.

أين الافتراء إذن؟!

وبعد هذه المقدمات يتضح لأهل الإنصاف والشرف أن ما يقوم الوهابية به من نشر كتبياتهم السخيفة في الأسواق ، وما يتناجون به في اوكارهم من أن تحريف القرآن من عقائد الشيعة هو عين الافتراء والكذب على جمهور الشيعة وسوادهم الاعظم ، وهو خلط للأوراق وتضليل للبسطاء والسذج ناهيك عن أن هذا الافتراء لا موضوع له اليوم؛ لأن كل الشيعة الإمامية في عصرنا يقولون بسلامة القرآن من التحريف ولا أحد منهم يدعي التحريف ومن قال منهم بدلك قبل مئات السنين هم عشرة ونيف في قبال آلاف الألوف وليت شعري كيف ينسب للملايين من الشيعة رأي شذ به عشرة ونيف بعد أن انتفض لهم المراجع والعلماء من جمهرة الشيعة بالرد والتنكيل؟!

فإن كان نسبة ما شذ به البعض إلى الكل هو ميزان الوهابية العادل فليشد الشيعة همّتهم بنشر أقوال علماء أهل السنة الشاذة ويلزموا الجميع بها ، وبنفس ميزان الوهابية!

فلنزم جميع علماء اهل السنة باعتقاد جلوس انبي صلى الله عليه وآله وسلم بجانب الله عزّ وجلّ على عرشه ، خاصة أن هذا الاعتقاد قد نقل فيه موافقة الكثير من علمائهم (١).

__________________

(١) كما ذكره ابن القيم الجوزيّة في بدائع الفوائد٤ : ٣٩ ـ ٤٠ (قال القاضي : صنف المروزي كتابا

__________________

في فضيلة النبي صلي الله عليه وآله وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش ، قال القاضي : وهو قول أبي داود ، وأحمد بي أصرم ، يحيى ين أبي طالب ، وأبي بكر بن حماد ، وأبي جعفر الدمشقي ، وعياش الدوري وإسحاق بن راهويه ، وعبد الوهاب الوراق ، إبراهيم الأصبهاني وإبراهيم الحربي ، وهارون بن معروف ، ومحمد بن إسماعيل السلمي ، ومحمد بن مصعب العابد ، وأبي بكر بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك ، وأبي قلابة ، وعلي بن سهل ، وأبي عبد الله بن أبي عبد النور وأبي عبيد ، والحسن بن فضل ، وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ، وحمد بن يونس البصري وعبد الله بن الإم أحمد والمروزي ، وبشر الحافي ، قلت ـ ابن القيم ـ : وهو قول ابن جرير الطبري ، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير ، وهو قول أبي الحسن الدار قطني ومن شعره فيه ... ) انتهى.

ومن شدّة تعصب الحنابلة لهذا القول تعرّضهم للإمام الطبري بالضرب والأذى؛ لأنه أنكر هذا الأمر وقال لهم :

سبحان من ليس له أنيس وما له على العرش جليس

فرموه بمحابهم وحصّبوا داره بالحجارة وجاءت الشرطة للتفريق! والحادثة مذكورة في معجم الأدباء لياقوت الحموي١٨ : ٥٧ ـ ٥٩ وكتب الحنابلة هذه الأبيات على باب الطبري ردا عليه

لأحمد منزل لا شك عالٍ

إذا وافى إلى الرحمن وافد

فيدنيه ويقعده كريما على

رغم لهم في أنف حاسد

أو نقول : إن كل أهل السنة بعتقدون أن الله عزّ وجلّ يستطيع أن يركب على ظهر بعوضة فتحمله وتطير به؟! (١)

أو نحمّل أهل السنة رأي الوهابية في أن التنويم امغناطيسي شرك بالله! (٣)

__________________

على عرش يغلّفه بطيب

على الأكباد من باغ وعاند

له هذا المقام الفرد حقا

كذلك رواه ليث عن مجاهد

أقول : وكأن الله عزّ وجلّ له عرش كعرش هرقل أو كسرى يجلس بجانبه من يشاء!!

(١) هذا ماقاله إمام السلف عثمان بن سعيد الدارمي ، صاحب السنن المعروفة بسنن الدارمي حيث تجرأ وتفوه بهذا التجسيم في رده على امريسي ، نقلا عن كتاب عقائد السلف : ٤٤٣ وقد بلغنا أنهم ـ الملائكة ـ حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ، ضعفوا عن حمله واستكانوا وحنوا على ركبهم حتى لقنوا (لاحول ولا قوة إلاّبالله) فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته ، ولولا ذلك ما استقل به العرش ، ولا الحملة ولا السماوات ولا الأرض ولا من فيهن. ولو قد شاء لا ستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته ، فكيف على عرش عظيم أكبر من السماوات السبع؟! ، وكيف تنكر أيها النفاج أن عرشه يقلّه والعرش أكبر من السماوات السبع والأرضين السبع)).

(٢) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء١ : ٣٤٨ : (التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة بالستخدام جني حتى يسلطه المنوِّم على المنوَّم؛ فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه ، إن صدق مع المنوم وكان طوعا له مقابل ما يتقرب به المنوِّم إليه ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم بما يطلبه من الأعمال أو الأخبار بمساعدة

أو نحمل رأي الوهابية في أن كتابة الآيات كالبسملة أو سورة التوحيد أو آية الكرسي وتعليقها على احائط ذريعة من الشرك وبدعة محرمة! (١)

__________________

الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوم ، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقا أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوم غير جائز ، بل ه وش ر ك ، لما تقدم ، ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم).

أقول : لو سمي الأطباء النفسيون بالكهنة كان مناسبا لهذه الفتوى!

(١) فتاوى اللجنة الدئمة للبحوث العلمية والإفتاء٤ : ٤٧ ـ ٤٨ (اطلعت اللجنة على الخرق الثلاث (العلاقات) فوجدت أن إحداها قد كتب عليهما البسمة ، وقوله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة : ١٤٤) ، وقوله (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل : ١٩) وفيها صورة لرجال ونساء في المطاف ، وفي الثانية : البسملة وسورة الفاتحة ودعاء ولفظ الجلالة واسم محمد صلي الله عليه ـ وآله ـ وسلم وأسماء الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بازاء لفظ الجلالة ، وصورة المسجد الأقصى. وتطبيقا لما تقدم ... لايجوز اتخاذ هذه الخرق ولا تعليقها في البيوت أو المدارس أو النوادي أو المحلات التجارية ونحوها زينة لها أو تبركاً بها مثلا ، للأمور التالية :

١ ـ لما في ذلك من الانحراف بالقرآ ، عما أنزل من أجله من الهداية والموعظة الحسنة والتعبيد بتلاوته ونحو ذلك.

٢ ـ لمخالفتها ما كان عليه النبي صلي الله عليه ـ وآله ـ وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي

أو ندعي أن من صفات الله عزّ وجلّ عند أهل السنة الضحك والهرولة لأن شيخ الوهابية ابن باز يعتقد أن ربه يهرول ويضحك!! ، وأوضح منه قول احد أئمتهم أن الله ـ والعياذ بالله ـ يهرول فوق عرشه وهي صفة قديمة!! (١)

____________

الله عنهم فإنهم لم يكونوا يفعلون ذلك والخير كل الخير في اتباعهم لا في الابتداع.

٣ ـ سد ذريعة الشرك والقضاء على وسائله من الحروز والتمائم وإن كانت من القرآن لعموم حديث النهي عن ذلك ، ولا شك أن تعليق هذه الخرق وأمثالها بفضي إلى اتخذها حروزا لصيانة ما علقت فيه ، كما دل على ذلك التجربة وواقع الحال ... ) ،

ولا أدري إذ كانت دور المسلمين بل حتى مساجد الوهابية ودور عبادتهم مليئة بالبدعة فمن من المسلمين لي بمبتدع!

(١) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ةلإفتاء٣ : ١٩٦ : (س : هل لله صفة الهرولة؟ج : نعم ، على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به قال تعالى : إذا تقرب إليّ العبد شبراً تقربت إليه ذراعاً وإ       ذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني ماشياً أتيته هرولة. رواه البخاري ومسلم).

قال إمامهم الدارمي في رده على المريسي ، كما نقلت في كتال عقائد السلف : ٤٧٩ : (لا نسلم أن مطلق المفعولات مخلوقة ، وقد أجمعنا واتفقنا على أن الحركه والنزول والمشي والهروله على العرش ، وإلى السماء قديم ، والرضى والفرح والغضب والحب والمقت كلها أفعال في الدات للدات وهي قديمه) ، أقول لا ادري كيف صارت الهرولة قديمة وهي تحدث ، عند تقرب الله لعباده؟!!

وفي نفس الجزء من فتاوى اللجنة الدائمة : ٢٠٦ (س : مامعنى قوله صلي الله عليه[وآله]

أو نقول إن أهل السنة يعتقدون أن من سكن في الطابق الأعلى اقرب إلى الله عزّ وجلّ ممن سكن في الطابق الأسفل!! (١)

أو أن أهل السنة يحكمون بحرمة التوسل أو دعاء الله عزّ وجلّ بحق وبجاه الأنياء والصالحين بعد وفاتهم ، فقط لما شذ به ابن تيمية وأذنا به من

__________________

وسلم : يضحك الله من رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة. متفق عليه؟ج : لفظ الحديث : يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد. انتهى ، وهو يدل على إثبات صفة الضحك لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته لا يشابه خلقه في شيء كما قال سبحانه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). انتهى.

قال تعالى (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) (الإسراء : ٤٣).

(١) قال إمامهم عثمان بن سعيد الدارمي صاحب السنن ، في رده على المريسي : (ثم أكد المعارض دعواه في أن الله في كل مكان بقياس ضل به عن سواء السبيل ، فقال : ألا ترى أنه من صعد الجبل لا يقال أنه أقرب إلى الله. فيقال لهذا المعارض المدعي ما لا يعلم به : من أنبأك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله من أسلفه؟! ، لأنه من آمن بأن الله فوق عرشه فوق سماواته علم يقينا الخامسة ثم كذلك إلى الأرض.

كذلك روى إسحاق بن ابراهيم الحنظلي عن ابن المبارك أنه قال : رأس المنارة أقرب إلى الله من أسفلها. وصدق ابن المبارك؛ لأن كل ما كان إلى السماء أقرب كان الله أقرب) ، نقلنا بالنص من كتاب عقائد السلف : ٤٥٨.

الوهابية ، وقد قال شيخهم ابن باز : إن هذا العمل بدعي محدث ووسيلة من وسائل الشرك القريبة! (١)

__________________

(١) الموسوعة الفقهية١٤ : ١٦١ ، ط : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت : (التوسل بالنبي بعد وفاته : اختلف العلماء في مشروعية التوسل بالنبي صلي الله عليه [وآله] وسلم بعد وفاته كقول القائل : اللهم إني أسألك بنبيِّك أو بجاه نبيك أو بحق نبيك ، على أقوال :

القول الأول : ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية ومتأخر والحنفية ، وهو المذهب عند الحنانبلة إلى جواز هذا النوع من التوسل ، سواء في حياة النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم أو بعد وفاته.

القول الثاني : مكروه عند أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي محمد.

القول الثالث : ذهب تقي الدين بن تيمية وبعض الحنابلة من المتأخرين إلى أن التوسل بذات النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم لا يجوز).

هذا النقل باختصار مع حذف الأدلة. وجاء في خاتمة المبحث قول لابن تيمية يرد فيه على من يكفر المسلمين في هذه المسألة الخلافية : (ثم يقرر ابن تيمية إن هذه المسألة خلافية وأن التكفير فيها حرام وإثم).

ويقول بعد ذكر الخلاف في المسألة : ولم يقل أحد ، إن من قال بالقول الأول فقد كفر ، ولا وجه لتكفيره ، فإن هذه المسألة خفية ليست أدلتها جلية ظاهرة ، والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة ، أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها ونحو ذلك. بل المكفر بمثل هذه الأمور يستحق من غليظ القوبة والتعزيز ما يستحقه أمثاله من المفترين على الدين ، لا سيما مع قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم ((أيما رجل قال لأخيه : با كافر فقد باء به أحدهما)).

أو نشيع أن من عقائد أهل السنة أمر النبي صلي الله عليه وآله وسلم المكلف بفعل ما هو مكروه في حد ذاته ، ولا يخلو ارتكابه من نوع جريمة ويأتي عمر بن الخطاب فيصلح بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أفسده النبي في أمتع ويؤجر عمر على ذلك! (١)

__________________

رابعاً : التوسل بالصالحين من غير النبي : لا يخرج حكم التوسل بالصالحين من غير النبي عما سبق من الخلاف في التوسل به صلى الله عليه [وآله]وسلم). اه

أقول : لاحظ كيف شذ ابن تيمية والوهابية بتحريم التوسل بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم مع أن كل من سبقه من الفقهاء يذهبون إلى جوازه ، وأما فتوى ابن باز في كون هذا التوسل من البدع المحدثة في الدين يمكن مراجعتها في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ولإفتاء١ : ١٥٣و ٥٩٥ ، فإن كن (جمهور الفقها المالكية والشافعية ومتأخر والحنفية وهو المذهب عند الحنابلة) قد أجازوا البدعة ، فمن من سلفهم الصالح ليس بمبتدع؟!

(١) بذل المجهود في حل أبي داود١٩ : ١٩٨ (باب فيمن تكنى بأبي عيسى) ط دار الكتب العلمية : (بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب ضرب إبنا به يكنى أبا عيسى وأن المغيرة بن شعبة يكنى بأبي عيسى فقال له عمر : أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله!؟ فقال له : إن رسول الله صلي الله عليه[وآله] وسلم كناني!!فقال ـ عمر ـ : إن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم قد غفر به ما تقدم من ذنبه وما تأخر (!!!) وأنا في جلجتنا فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك).

قال في الشرح : (فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. كتب مولانا محمد يحيى المرحوم في التقرير يعني بذلك ـ والله أعلم ـ أن من

أو ننسب لهم اعتقادا مفاده أن الأنبياء يهمون بمعصية الله ، وأن بعض الأنبياء ليهم بالزنا ولا يردعه تهديد الله ووعيده فيضطر الله لإجباره على الكف والترك ، وأن لا عفة للأنبياء! (١)

__________________

الأمور ما هو مكروه في حد ذاته لا يخلو ارتكابه من نوع جريمة إلاّ أن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم إنما فعلها لبيان الجواز لئلا تظن به الحرمة فيغتفر له ما فيه من صورة الإثم والذنب ظاهرا ، بل ويثاب على ذلك. وليس هذا لغيره صلى الله عليه [وآله] وسلم).

أقول : كل هذا الطامات والمخازي تنسب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتلميع صورة ابن الخطاب وتصحيح عمله!

(١) وقد أخرجه عدة من حفاظهم وقال به جملة من مفسري التابعين ، كما جاء في الدر المنثور٤ :

١٣ : (أخرج عبد الرزاق والفارابي ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما همت به تزينت ثم استلقت على فراشها وهم بها وجلس بين رجليها وحل تبّانه ـ سرواله ـ نودي من السماء : يا بن يعقوب لا تكن كطائر ينتف فبقى لا ريش له! فلم يتعظ على النداء من السماء : يابن يعقوب لا تكن كطائر ينتف فبقى لا ريش له! فلم يتعظ على النداء شيئا (!) حتى رأى برهان ربه ، جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضاً على إصبعيه ، ففزع فخرجت شهوته من أنامله فوثب إلى الباب فوجده مغلقا ، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له واتبعته فأدركته فرضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه فألفيا سيدها لدى الباب.

وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم في الحيلة عن الن عباس رضي الله عنهما انه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ قال : حلّ الهميان يعني السروايل وجلس منها مجلس

أو نقول إن الحنابلة يقولون : من لم يكن حنبلياً فليس بسلم (١) لقول الإمام أبي حاتم الحنبلي ، ومن جانب آخر نشيع أن باقي أهل السنّة يكفرون جميع الحنابله ، بسبب تكفير أبي بكر المقري لهم! (٣)

أو ننسب لهم الحكم بكفر ابن تيمية لتكفير قضاة المذاهب الأربعة له حين حرّم زيارة قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد نودي عليه بدمشق أن من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمه وماله (٣).

أو نقول : إن أهل السنة يكفّرون من وصف ابن تيمية بشيخ الإسلام؛ لما حكم به بعض علمائهم! (٤)

__________________

الخائن فصيح به : يايوسف لا تكن كالطير له ريش ، فاذا زنى قعد ليس له ريش).

وأخرج الطبري في تفسيره١٦ : ٢٦ ما قاله مجاهد بن جبر في نبي الله يوسف عليه السلام (بأنه حل سرواله حتى وقع على إليته!) ، وكذلك القرطبي في تفسيره٩ : ١٦٦بلفظ آخر (حلّ السراويل حتى الإليتين (!!)) ، أهكذا يكون أنبياء الله؟! نعوذ بالله من غضبه.

(١) تذكرة الحفّاظ٣ : ٣٧٥.

(٢) شذرات الذهب٣ : ٢٥٢.

(٣) الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني١ : ١٤٧. للمزيد انظر : ملحق رقم (١).

(٤) قال الشيخ عبد الله الغماري المغربي في هامش كتابه الرد على الألباني : (وقد ذكر أبو عبد الله علاء الدين البخاري العجمي الحنفي المتوفي سنة ٨٤١ه أن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام ، فهو بهذا الإطلاق كافر ، انظر : الضوء اللامع٩ : ٢٩٢ ، ومراده بذلك من علم

أول أن أهل السنة لا يرون وجوب الحد على من زنى بأمه أو أخته أو أحد محارمه بعد عقده عليهن عالما بالحرمة! وعدم لزوم الحد على من استأجر امرأة ليزني بها (١).

أو نشيع بين الناس أن أهل السنة يجوزون إعارة الفروج كما ذهب له بعض سلفهم الصالح من الصحابة والتابعين! (٣)

__________________

بكلماته الكفرية واعتقاداته الضالة ، ومع ذلك وصفه بهذا اللقب).

(١) المحلى بالآثار لابن حزم١٢ : ٢٠٠مسألة٢٢٢٠و : ١٩٦مسألة٢٢١٨ ، وفي طبعة دار الفكر١١

: ٢٤٨مسألة٢٢١٠ : (وأما من أسقط الحد في العمد في ذلك فانه إن طرد قوله لزمه المصير إلى قول أبي حنيفة في سقوط الحد عمن تزوج أمه وهو يدري أنها أمه وأنها حرام وعمن تزوج ابنته كذلك أو أخته كذلك ، وتزوج نساء الناس وهن تحت أزواجهن عمدا دون طلاق ولا فسخ).

وفي١١ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ مسألة٢٢١٥ : (وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة : من تزوج أمه أو ابنته أوحريمته أو زنى بواحدة منهن ...

وقال أبو حنيفة : لا حد عليه في ذلك كله ، ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته وابنته وأخته وجدته وعمته وخالته وبنت أخيه وبنت أخته عالما بقرابتهن منه ، عالما بتحريمهن عليه ، ووطئهن كلهن ، فالولد لاحق به والمهر واجب لهن عليه ، وليس عليه إلاّ التعزير دون الأربعين فقط ، وهو قول سفيان الثوري قال : فان وطئهن بغير عقد نكاح فهو زنا ، عليه ما على الزاني من الحد).

(٢) المحلى طبعة دار الفكر١١ : ٢٥٧مسألة٢٢١٦ (من أحل لآخر فرج أمته) : (قال أبو محمد رحمه

أو أن أهل السنة يجيزون نظر الحمامي لعورات الرجال وتدليكها لهم بالنورة ، لأن أبا حنيفة كان لا يرى به بأسا وكذلك ابن مقاتل (١).

__________________

الله ـ ابن حزم ـ : سواء کانت امرأة احلت أمتها لزوجها او ذی رحم محرم احل امته لذي رحمه او اجنبي فعل ذلک ، فقد ذکرنا قول سفیان في ذلک ، وهو ظاهر الخطأ جدا ؛ لأنه جعل الولد مملوکا لمالک أمه واصاب في هذا ، ثم جعله لاحق النسب بواطئ أمه وهذا خطأ فاحش) ، وكذا في : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ مسألة٢٢١٧ (من أحل فرج أمته لغيره) : (عن ابن جريج قال : اخبرني عمرو بن دينار أنه سمع طاووسا يقول : قال ابن عباس : إذا أحلت امرأة الرجل أو ابنته أو اخته له جاريتها فليصبها وهي لها فليجعل به بين وركيها ، قال ابن جريج : واخبرني ابن طاووس عن أبيه انه كان لا يرى به بأسا وقال : هو حلال فان ولدت فولدها حر والأمة لامرأته ولا يغرم الزوج شيئا ، قال ابن جريج : واخبرني إبراهيم بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن طاووس انه قال : هو أحل من الطعام ، فان ولدت فولدها للذي أحلت له وهي لسيدها الأول. قال ابن جريج : واخبرني عطاء بن أبي رباح قال : كان يفعل ، يحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وتحلها المرأة لزوجها قال عطاء : وما أحب أن يفعل وما بلغني عن ثبت ، قال : وقد بلغني أن الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه.

قال أبو محمد رحمه الله ـ ابن حزم ـ : فهذا قول وبه يقول سفيان الثوري ، وقال مالك وأصحابه لا حد في ذلك أصلا) ، (قال أبو محمد رحمه الله : أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاووس في غاية الصحة ، ولكنا لا نقول به ، إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ، ثم قام بالرد على بقية الأقوال).

(١) حاشية ابن عابدين شرح فقه أبي حنيفة النعمان٧ : ١١٥ : (لا بأس للحمامي أن يطلي عورة

أو ننسب لهم قول عائشة بجواز رضاع الرجل من المرأة الأجنبية كما صرّحت بذلك عدّة من الروايات وقبلها أ: أكابر علمائهم (١) ، حتى زاد ابن

__________________

غيره بالنور انتهى ، لكن قال في الهندية بعد أن نقل عن التتار خانية أن أبا حنيفة كان لا يرى بأسأ بنظر الحمامي إلى عورة الرجل ، ونقل أنه ما يباح من النظر للرجل من الرجل يباح المس) ، البحر الرائق لابن نجيم الحنفي٨ : ٢١٩ (وفي التتمة والإبانة كان أبو حنيفة لا يرى بأسا بنظر الحمامي إلى عورة الرجل ، وفي الكافي وعظم الساق ليس بعورة ، وفي الذخيرة وما جاز النظر إليه جاز مسه ، قال محمد بن مقاتل : لا بأس أن يتولى صاحب الحمام عورة إنسان بيده عند التنور إذا كان يغض بصره) ، وفيه٧ : ٩٦ قال : (وذكر الكرخي في الكبير يختنه الحمامي ، وكذا ابن مقاتل لا بأس للحمامي أن يطلي عورة غيره بالنورة).

(١) أخراج مالك في الموطأ٢ : ٦٠٥بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي : (عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاع الكبير فقال : أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكان قد شهد بدرا ـ إلى أن قال ـ فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبي سائر أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن لا والله!) ، ولكلام فيه شائع ذائع فكل من تعرض لرضاع الكبير من علمائهم في الفقه ذكر رأي عائشة ، ولا بأس بنقل دفاع ابن حجر عن هذه البائقة المعيبة حينما قال في فتح الباري٩ : ١٤٩ : (ورأيت بخط تاج الدين السبكي أنه رأى في تصنيف لمحمد بن خليل الأندلسي في هذه المسألة أنه توقف في أن عائشة وإن صح عنها الفتيا بذلك لكن لم يقع منها إدخال أحد من الأجانب بتلك الرضاعة ، قال تاج الدين : ظاهر الأحاديث ترد عليه وليس

تيمية في الطنبور نغمة بمباركة هذا الفعل وتمجيده والحث عليه (١) ، فما المانع من ارتقاء المنابر في المحافل ، والإذاعة على الملأ ـ اقتداء بالوهابية ـ أن أهل السنة يدخلون الرجال الأجانب على نسائهم حتى يرضعنهم؟!

أو نكتب بسود المداد في كل البلاد أن أهل السنة يجوزون إتيان النساء في أدبارهن ، بل إن علماءهم يفعلونه! (٣)

__________________

عندي فيه قول جازم لا من قطع ولا من ظن غالب ، كذا قال وفيه غفلة عما ثبت عند أبي داود في هذه القصة ، فكانت عائشة تأمر بنات إخوتها وبنات إخواتها أن يرضعن من أحبك ان يدخل عليها ويراها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها ، وإسناده صحيح وهو صريح فأي ظن غالب وراء هذا؟!والله سبحانه وتعالى اعلم).

(١) طرب ابن تيمية على نغم هذه الفتوى ، فقال : (ليس حديث سهلة السابق ـ بمنسخ ولا مخصوص بسالم ولا عام في حق كل أحد وإنما هو رخصة لمن كان حاله مثل حال سالم مع أبي حذيفة وأهله في عدم الاستغناء عن دخوله على أهله مع انتفاء الريبة ، ومثل هذه الحاجة تعرض للناس في كل زمان. فكم من بيت كريم يثق ربه برجل من أهله أو من خدمه قد جرب أمانته وعفته وصدقه معه فيحتاج إلى إدخاله على امرأته وإلى جعله معها في سفر ، فإذا أمكن صلته به وبها بجعله ولدا لهما في الرضاعة بشرب شيء من لبنها مراعاة لظاهر أحكام الشرع مع عدم الإدخال بحكمتها ألا يكون أولى؟! بلى وان هذا اللبن ليحديث في كل منها عاطفة جديدة). راجع تفسير المنار٤ : ٤٧٦تفسير آية : (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ).

(٢) شرح معاني الآثار٣ : ٤٠. وللتوسع في الموضوع انظر : ملحق رقم (٢).

أو نقول إن أهل السنة لا يجيزون نكاح الرضيعة أو الرضيع؛ لأن ابن شبرمة وأبا بكر الأصم قالا بعدم جواز ذلك ، مخالفين به كل علماء اهل السنة! (١).

أو نلزمهم براي شاذ وافق به بعضهم الشيعة في عدم جواز وطء الزوجة الصغيرة ومجامعتها قبل أن تتم تسع سنين ، فننسب هذا الرأي لجميع أهل السنة مع أن جمهور علماء أهل السنة يجيزون وطء ومجامعة الصغيرة حتى وإن كان عمرها سنة واحدة شرط أن تطيق الجماع كأن تكون سمينة جسمية ممتلئة باللحم (٣).

أو نقول : إن أهل السنة لا يوجبون الحد على من يلوط بغلامه أو بغلام غيره قياساً على أمته أو أخته من الرضاعة؛ لأن بعض علمائهم ذهب لهذا الرأي؟! (٣)

__________________

(١) السرخسي في المبسوط٤ : ٢١٢ ـ ٢١٤. وكذلك انظر : ملحق رقم (٣).

(٢) ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق٣ : ١٢٨. انظر : ملحق رقم (٤).

(٣) طبقات الشافعية الكبرى٤ : ٤٣ ، ت٢٦٣ : (أحمد بن علي أبو سهل الأبيوردي : أحد أئمة الدنيا علما وعملا. ذكره الأديب أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي في مختصر لطيف سماه نهزة الحفاظ ذكر فيه أنه عزم على ان يضع تاريخ لنسا وكوفان وجيران وغيرها من أمهات القرى بتلك النواحي ، وأنه سئل في عمل هذا المختصر ليفرد فيه ذكر الأئمة الأعلام ممن كان في العلم مفزوعا إليه وفي الرواية موثوقا به ، وقد طنت بذكره البلدان وغنت بمدحه الركبان ، كفضيل بن عياض ومنصور بن عمار وزهير بن حرب وذكر فيه جماعة من الأئمة ، وأورد شيئا من حديثهم وقال في الشيخ أبي سهل إذ ذكره : كان من أئمة الفقهاء. سمعت جماعة من

وأكثر من ذلك ، نقول إن علماء أهل السنة يكفّرون جميع المسلمين سنة وشيعة؛ لأن جميع المسلمين اليوم يعتقدون أن المشمس ثابتة لا تدور حول الأرض وإنما الأرض تدور حولها (١) ، وذلك لأن شيخ الوهابية ابن باز يرى أن من قال بثبوت الشمس كافر حُلّ ماله ودمه وعرضه! (٣).

__________________

أصحابه يقولون : كان أبو زيد الدبوسي يقول : لولا أبو سهل الأبيوردي لما تركت للشافعية بما وراء النهر مكشف رأس ، وحدثني أبو الحسن علي بن عبد الرحمان الحديثي وكان من أصحابه المبرزين في الفقه أنه سمعه يقول : كنت أتبزز في عنفوان شبابي فينا أنا في سوق البزازين بمرو ، رأيت شيخين لا أعرفهما ، فقال أحدهما لصحابه : لو اشتغل هذا بالفقه لكان إماما للمسلمين. فاشتغلت حتى بلغت فيه ما ترى.

التوط بالغلام المملوك : ذكر القاضي الحسين في التعليقة أنه حكي عن الشيخ ابن سهل وهو الأبيوردي ، كما هو مصرح به في بعض نسخ التعليقة ، وصرح به ابن الرفعة في الكفاية : أن الحد لا يلزم من يلوط مملوك الغير. قال القاضي : وربما قاسه على وطء أمته المجوسية أو أخته من الرضاع وفيه قولان انتهى. وهذا الوجه محكي في البحر والذخائر وغيرهما من كتب الأصحاب ، لكن غير مضاف إلى قائل معين. وعلله صاحب البحر بأن ملكه فيه يصير شبهة في سقوط الحد. والذي جزم به الرافعي تبعا لأكثر الاصحاب أنه لا فرق بين مملوكه وغيره ، نعم في اللواط من أصله قول أن موجبه التعزيز. قال الرافعي : إنه مخرج من القول بنظيره في إتيان البهيمة ، قال : ومنهم من لم يثبته).

(١) الشمس متحركة مع المجموعة الشمسية في قلب المجرة متحركة كما هو حال غيرها من المجرات.

(٢) ذكرنا مقاطع من كتابه : (الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان

أو نحمّل أهل السنة تحريم ابن باز لبس الكعب العالي للمرأة لأنه يعرضها للسقوط!! ، وتحريم وضع المناكير لأنه يمنع وصول الماء في الوضوء والغسل إلى الأظافر (١). إلى ما لا نهاية له من هذه المخازي التي شحنت بها كتب أهل السنة.

فهل هذا مقبول؟!حاشالله ، شيعة أهل البيت عليهم السلام ليسوا كالوهابية الذين يفترون على اهل لا إله إلاّ الله في كل فينة وأخرى ، يحمّلون

__________________

الصعود إلى الكواكب) في ملحق رقم (٥).

(١) فتاوى ابن باز : ١٢٥ ، وهي في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، فتوى رقم١٦٧٨ : (ليس الكعب العالي لا يجوز لأنه يعرض المرأة للسقوط ، والإنسان مأمور شرعاً بتجنب الأخطار ، بمثل عموم قول الله : (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة : ١٩٥). وقوله : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) (النساء : ٢٩) كما أنه يظهر قامة المرأة وعجيزتها (!!) بأكثر مما هي عليه ، وهذا تدليس وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها المرأة امؤمنة بقول الله سبحانه وتعالى : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ) (النور : ٣١) ، أما المناكير فلا تجوز لما فيها من منع وصول الماء في الوضوء والغسل إلى الأظافر).

أقول : على فتوى ابن باز يحرم ركوب السيارات والطائرات والدراجات وغيرها من الأمور التي هي أخطر من لبس الكعب العالي بكثير!! ، ثم لماذا يحرم المناكير على من كانت في عادتها الشهرية؟! ، أو على غيرها ممن تزيله قبل الوضوء والغسل؟!

الجمهره رأي القلة وينسبون الشواذ للكل ، فأقرب به للخداع والدجل.

نعم ، إن الحقيقة التي يقلبها الشيعة ولا مجال لأنكارها ، هي القول : إن فلاناً قال بالتحريف من علماء الشيعة وفلاناً قال بالتحريف من سلف أهل السنة ـ كما سيأتي بيانه ـ لا أن يقال : عقيدة الشيعة هي أن القرآن محرف!

هل القول بتحريف القرآن يستوجب الكفر؟

ومن العجب تسربل الوهابية دور المدافع عن عوام الشيعة بحثهم على تكفير من قال بتحريف القرآن منهم (١)! ، ولا ريب أن مخاطبة العوام وغير أهل التخصص ونشر الأشرطة بينهم ليس إلاّ إغرارا وخداعا لهم ، وإلا ما المانع أن تطرح المسألة مع علماء الشيعة قبل أن تنشر كتيباتهم وأشرطتهم الملونة ف كل سوق ودكة ، وجزي خيرا من أعان على نشر هذا الشريط!

وعلى أي حال لنناقش الفكرة بشييء من العلمية ، فنبذأ بذكر استدلالات الوهابية على كفر من قال بتحريف القرآن وبالأثناء نذكر رأي الشيعة في المسالة وبعض الضوابط ، لنرى هل الكفر يصح على مباني الشيعة

__________________

(١) هؤلاء المتخبطون تراهم في أول الكتيب أو الشريط يتهمون كل الشيعة بتحريف القرآن ، ثم يأتون بعد برهة يريدون من علماء الشيعة تكفير الذين قالوا به منهم!وبعدها يرمون الشيعة بقرآن آخر غير القرآن المسلمين ، وهو مختص بهم اسمه مصحف فاطمة عليها السلام!فما ندري ، أمصحفنا تام كامل وبعضنا يدعى تحريفه؟! أم كلنا محرفون؟! أم قرآننا مصحف فاطمة!؟وكل هذه التناقضات تجدها على متن شريط واحد أو في كتيب!وكما قيل : حبل الكذب قصير.

أيضا أم لا.

ولنعرض عن ذكر استدلالاتهم السخيفة التي جاءت في كتيباتهم وأشرطتهم الملونة التي تتسم بالأسلوب الخطابي الرتيب وهي للهزل أقرب منها للجد ، ولنعتمد استدلال اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الذي يعتبر عندهم استدلالاً علمياً ، وهي اللجنة التي يرأسها كبير الوهابية ابن باز قال :

ومن قال : إنه غير محفوظ أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضال مضل ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على وليّ الأمر قتله مرتداً؛ لأن قوله يصادم قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١). ويصادم إجماع الأمة على حفظه وسلامته (٣).

فهذه الردة وهدر الدم سببها مصادمة الآية ومصادمة إجماع الأمة ، ونحن إرضاءاً الخاطر الوهابية وتقوية الستدلالهم نزيد على الوجهين السابقين وجهاً آخر للتكفير ونرتب لهم المطلب ، فنقول :

من قال بتحريف القرآن لا يخلو الوجه في تكفيره من أحد ثلاثة أسباب :

١ ـ كذّب صريح القرآن وهو قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٣). وقوله تعالى : (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ

__________________

(١) الحجر : ٩.

(٢) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء٤ : فتوى٦١٣٧ط رئاسة إدارة البحوث.

(٣) الحجر : ٩.

مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (١).

٢ ـ خالف ضروريا من ضروريات الدين.

٣ ـ خالف أمرا مجمعا عليه.

فنقول لدعاة التكفير : حباً وكرامة! ، ولكن على فقه من تريدون التكفير من الشيعة؟! على فقه أهل البيت عليهم السلام أم على فقه شكيب وشكيبة؟! ، معلوم عند الجميع أن الشيعة لا يقيمون وزناً لفقه لم يأتهم من أهل البيت عليهم السلام الذين أنزل الله فيهم : (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) (٣) ، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٣) ، ومع ذلك سنمن على الوهابية مرة أخرى بذكر كلمات علماء أهل السنة في أثناء البحث المؤيدة لما ذهب له علماء الشيعة.

مناقشة أسباب التكفير :

السبب الأول : القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عزّ وجلّ فيما أخبر به في كتابه.

ويرد عليه : أن المخالفة لكتاب الله عزّ وجلّ شيء ، والتكذيب والجحد له شيء آخر ، فالتكذيب بمعنى أن يعلم المكلف بما أخبر الله عزّ وجلّ به

__________________

(١) فصلت : ٤٢.

(٢) الإنسان : ٢١.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

ولكنه لا يصدقه ولا يقتنع به ، فهذا كفر ، وأما لو أخطأ في فهم ما أخبر به الله عزّ وجلّ وصار إلى غيره ، مع كونه يرجو موافقة كلام الله عزّ وجلّ ، فهذا خالف كتاب الله عزّ وجلّ لجهله وهذا لايكفر ، والأَخبارية هم من هذا القسم بالنسبة للآيتين ، وهذا لأمرين :

الأمر الأول : عدم حجية الظاهر عندهم

مر سابقاً أن الأخبارية يقولون بعدم حجية ظواهر القرآن؛ لأن القرآن لا يفهمه إلاّ من خوطب به ، وهم الرسول وآل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

لذا فإن مراد الله عزّ وجلّ من الآيتين الكريمتين غير معلوم عندهم ، فلا يصح اتهامهم بجحد وتكذيب ما أخبر به الله عزّ وجلّ ، وهذا يجري على كثير من علماء الإسلام الذين أخطأوا في فهم آية أو حكم من آية ، نحو من يقول بعدم جواز رؤية الله عزّ وجلّ يوم القيامة مع ما يخبر به الظاهر الساذج لهذه الآية : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (١) ، وكذا شبيه قول من يدعي تحقق رؤية المؤمنين له يوم القيمة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا مع أن الله عزّ وجلّ يخبر في الحكم من كتابه أنه لا تدركه الأبصار ، قال تعالى : (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٣). ويقول :

__________________

(١) القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) الأنعام : ١٠٣.

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) ، وباتفاق أهل القبلة لا يكفر كلا الطرفين مع أن أحدهما خالف ما أخبر الله به جزما.

الأمر الثاني : قالوا بعدم دلالة ظاهر الآيتين على المطلوب

فالآية الأولى غاية ما تدل عليه أن الله عزّ وجلّ تكفل بحفط القرآن ولكنها ساكتة عن حفظه عند جميع الناس ، فلعل الله عزّ وجلّ لم يقصد بالحفظ حفظه عند كل المسلمين ، بل أراد حفظه عن سيد المسلمين وإمامهم ، فمن أين استفدنا حفظه عند كل المسلمين من الآية! والآية الأخرى تدل على منع استعلاء شيء عليه ولا يطر أطارئ يظهر عليه فيبطل مضمونه ومحتواه من العلوم والمعارف ، سواء مما سبقه كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السابقة ، أو مما يأتي به الناس من علوم ، وليس المقصود أن الباطل في الآية بمعنى حذف الكلمات ونقصها ، ويمكن تقريب هذه الدلالة بلحافظ مرجع الضمير (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ) إذ لا يمكن أن يكون مرجعه إلى هذا المصحف؛ لأنها نزلت والمصحف لم يفرغ من جمعه بعد ، فلا ريب أن المقصود به ـ بزعمهم ـ القرآن في الكتاب المكنون ، فأي تحريف يقع هناك؟!لذا فالآيتان في نظرهم لا تدلان على المدّعى.

السبب الثاني : خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

حتى يتضع الحق في هذه الدعوى يجب تقديم مقدمتين :

المقدمة الأولي : ماهو ضابط كون الشيء معلوماً من الدين بالضرورة؟

__________________

(١) الشورى : ١١.

المعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يحتاج انتسابه للدين إلى دليل ولا يشك فيه أحد من المسلمين ، فيكون انتسابه للدين بديهياً بين الناس كوجوب الحج أو الصلاة في الإسلام (١) ، لذا فما يتوقف إثباته على الدليل لا يكون ضرورياً ومعلوماً بالبديهة.

المقدمة الثانية : هل يكفر المسلم بجمرد إنكاره للضروري أم بقيد وشرط؟

لو أنكر مسلم أمراً معلوماً من الدين بالضرورة ، فإن آل إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة فإنه يكفر بلا ريب ، وأما لو لم يرجع إنكاره لإنكار الألوهية والربوبية أو الرسالة ، كمن طرأت له شبهة أو حصل له لبس أدى بالمنكر إلى تلك النتيجة فإنه لا يكفر فمثلا لو أنكر مسلم استجاب الصدقة لشبهة طرأت له ولبعض الأدلة ففي هذه الحالة يكون قد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة ، ولكن هذا الإنكار لا يستوجب الارتداد والمروق عن الملة نعم من قال : إن الصدقة غير مستحبة مع إقراره أن الرسول صلى عليه وآله وسلم قال باستحبا بها نقلا عن الله عزّ وجلّ فهذا يكفر؛ لعنته على أمر الله عزّ وجلّ وإنكاره للربوبية ، أما لو أقر بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاء به ، وأنكر كونه جاء به من عند الله عزّ وجلّ فهدا يكفر؛ لأنه أنكر

__________________

(١) لاحظ : اننا نتكلم عن ضروريات الدين ، كاستجاب الصدقة وصيام شهر رمضان ، وحرمة

شرب الخمر ، لا عن أصوله ، فمن أنكر الألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو المعاد يكفر بلا قيد أو شرط.

ضرورياً يؤول إلى إنكار الرسالة ، وأما الحالة الأولى وهي إنكاره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد باستجاب الصدقة ونص على استحبابها لشبهة معينة أو طروِّ لبس في مقدمات استدلاله في حال كونه مصدقاً ومتبعاً لأقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال ثبوتها عنه فإن هذا لا بكفر ولا يرتد.

قال السيد اليزدي رضوان الله تعالى عليه : والمراد بالكافر من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة (١).

قال السيد الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من انتحل غير الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين بالضرورة ، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة ، أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ، أو تتنقيص شريعته المطهرة ، أو صدر منه ما يقتضى كفره من قول أو فعل (٣).

قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً (٣).

قال الشيخ الآراكي رضوان الله تعالى عليه : الكافر ـ أي من أنكر الله أو

__________________

(١) العروة الوثقى ، ١ : ٦٧ط دار الإرشاد.

(٢) تحرير الوسيلة١ : ١١٨ط إسماعيليان.

(٣) منهاج الصالحين١ : ١٠٩.

جعل الله شريكاً ، أو لم يعترف بنبوة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ نحبس. والأحوط وجوباً الجتناب عن كل منكر لضرورة من ضروريات الدين مثل الصلاة والصوم مما يعتبره المسلون من أجزاء دين الإسلام إن علم أن ذلك من ضروريات الدين ، ورجع إنكاره إلى إنكار النبوة (١).

قال السيد عبد الأعلى السبزواري رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من انتحل ديناً غير الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع إلى إنكار الرسالة أو إنكار المعاد (٣).

قال السيد محمد الروحاني رضوان الله تعالى عليه : الكافر وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنه من الدين الإسلامي ، نعم ، إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً (٣).

قال السيد السيستاني حفظه الله تعالى : الكافر هومن لم ينتحل دينا ، أو انتحل دينا غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أ، ه من الدين الإسلامي بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة ، ولو في الجملة بأن يرجع إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله في بعض ما بلغه عن الله تعالى في القائد ـ كالمعاد ـ أو في غيرها كالأحكام الفرعية ، وأما إذا لم يرجع جحده إلى ذلك بأن

__________________

(١) المسائل الواضحة١ : ٢٢ط. مكتب الإعلام الإسلامي.

(٢) منهاج الصالحين١ : ٩٨ ، ط. دار الكتاب الإسلامي.

(٣) منهاج الصالحين١ : ٢٧ط. دار الزهراء.

كان ذلك بسبب بعده عن محيط المسلمين وجهله بأحكام هذا الدين فلا يحكم بكفره ، وأما الفرق الضالة المنتحلة للإسلام فيختلف الحال فيهم (١).

قال الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى : والكافر وهو المنكر لله أو رسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أو المعاد أو الشاك في الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو المشرك بالله أو الشاك في وحدانيته نجسٌ وكذلك الغلاة ـ أي القائلون بألوهية أحد الأئمة عليهم السلام ، أو القائلون بحول الله تعالى في أحدهم عليهم السلام ـ والنواصب ـ وهم أعداء أحد الأئمة عليهم السلام أو أعداء فاطمة الزهراء سلام الله عليها ـ ، والمنكر لإحدى ضروريات الدين ـ كالصلاة والصيام ـ مع علمه بأنها من ضروريات الدين (٣).

قال الميرزا جواد التبريزي حفظه الله تعالى : الكافر ، والمشهور بين الفقهاء نجاسته مطلقا ، إن كان من أهل الكتاب ، وهو الأحوط الأولى والأظهر أن الناصب في حكم الكافر ، وإن كان مظهراً للشاهدتين والاعتقاد بالمعاد ، ومن أنكر شيئاً من ضروريات الدين ولم تحتمل فيه الشبهة يحكم بكفره ، وكذا من علم إنكاره من فعله كمن استهزأ بالقرآن ، أو أحرقه ـ والعياذ بالله ـ متعمدا (٣).

__________________

(١) منهاج الصالحين١ : ١٣٩ط مكتب سماحة السيد في قم المقدسة.

(٢) توضيح المسائل : ١٩١م ١٠٧ ، الفارسية.

(٣) المسائل المنتخبة : ٦٦ ، ط الفقيه.

قال السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم حفظه الله تعالى : إنكار الضروري من الدين إن رجع إلى عدم الإقرار به بعد العلم بإنزاله من قِبل الله تعالى ، أ, إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجباً للكفر ، وإن رجع إلى عدم العلم بثبوته في الدين أو بتبليغ النبي صلى الله عليه وآله له ، لم يوجب الكفر كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم (١).

وعلى هذا فلو لم يعلم المنكر أن ما أنكره جزء من الدين ، بل نفى كونه منه لشبهة ولبس ، مع إيمانه في قرارة نفسه أنْ لو ثبت عنده مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنكره لا تبعه ولأخذ به بكل انقياد وتسليم فإن إنكاره ـ في هذه الحالة ـ لا يؤول إلى إنكار الإلوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله ، فلا يحكم بكفره ، وبعبارة مختصرة إن منكر الضروري لا يكفر إلاّ برجوع إنكاره إلى إنكار الألوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وبعد ما قدمنا يتضح أن دعوى تكفير من قال بتحريف القرآن لإنكاره ضرورياً كلام ساقط من رأس وجرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأمرين :

١ ـ لم يثبت أن من ضروريات الدين الاعتقاد باحتواء مصحفنا لكل كلمات القرآن التي نزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

__________________

(١) منهاج الصالحين ١ : ١٢٧م٤٠٠ط دار الصفوة.

فلو سئل أهل الإسلام في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بقاع الأرض عما إذا كان هذا المصحف الذي في بيوتنا اليوم قد اشتمل على كل كلمة وحرف نزل من السماء قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ولم تخف كلمة أو حرف عمن جمعه أو لم يتلاعب به أحد من بعدهم ، فلا يعد الجواب على هذا السؤال بديهاً لا يشك فيه ، وليس هو كبداهة سؤال المسلم لأخيه عما إذا كانت الصلاة واجبة في الإسلام ، ولذا عندما يتطرق علماء الشيعة وأهل السنة لإثبات صيانة القرآن من التحريف يعتمدون الدليل لإثبات مدعاهم كآية الحفظ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١) ، فاستدلالهم هذا على عدم وقوع التحريف في القرآن يناقض كونه من بديهيات الدين التي لا يحتاج لإقامة الدليل.

قال في الفقه المقارن : والقول بعدم التحريف لم يثبت أنه دين بالضرورة ، وإلاّ لما احتاج إلى الاستدلال عليه بآية : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وما يحتاج إلى الاستدلال لا يكون من الضروريات (٣).

٢ ـ من قال بتحريف القرآن فإن قوله لا يؤول إلى إنكار الإلوهية أو الرسالة أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم.

فقد مر سابقاً أن من قال بالتحريف لا يرى أن الله عزّ وجلّ تكفل بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين؛ لأن الآيتين في نظره لا تدلان عليه فضلا عن قبوله الحجية ظاهريهما ، ولا يرى أن النبي صلى الله عليه وآله سلم قد أخبر

__________________

(١) الحجر : ٩.

(٢) الأصول العامة للفقه المقارن : ١٠٩ للسيد محمد تقي الحكيم رحمه الله ط. دار الأندلس.

بحفظ القرآن في مصاحف المسلمين؛ بل على العكس هو يرى أن الرسول وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين صرحوا بأن التحريف وقع فيه وأنه بُدِّل وتلاعبوا به.

ويتضح من هذا أن تفسير هم لظاهر الآيتين الكريمين ومحاولتهم تفادي معارضة الآيتين لما صاروا إليه من القول بالتحريف وكذا تأويلهم وإيجادهم المخارج لحديث الثقلين ولروايات عرض الحديث على القرآن ، كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء القوم متبعون لأمر الله ونهيه ، يتجنبون معارضة قوله ، وكذا مقتفون لسنة رسوله وما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم ، لذا ذكروا الوجوه لحديث الثقلين وأحاديث العرض ، حتى لا يتورطوا في معارضة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانكارهم لصيانة القرآن من التحريف ـ لو سلمنا جدلا أنه من الضروريات ـ لا يؤوّل إلى إنكار الإلوهية أو إنكار الرسالة ، كالتعنّت على أمر المولى أو أمر رسوله صلى الله عليه وآله سلم ، ولا يؤوّل إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله سلم ، وكل هذا مانع من التكفير جزما وقطعا ، مع التسليم بأن هذا الأمر من ضروريات الدين

السبب الثالث : خالف ما هوم مجمع عليه.

ملاحظة

قبل مناقشة سبب التكفير هذا ، يلزم التنبيه على نقطة وهي أن بعض أهل السنة يستدل بالإجماع على صيانه القرآن من التحريف وهذا استدلال

فاسد؛ لأنه استدلال دوري ، فحجية الإجماع عند أهل السنة ترجع إلى ما رووه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)). وهذا الكلام حجيته نابعة من صدوره عن شخص مرسل من قِبل الله عزّ وجلّ ، والدليل على رسالته هو إعجاز القرآن ، وإعجازه لا يعتمد عليه إلاّ بعد الفراغ من أن القرآن سليم من الدس والنقصان؛ لأن كل آية نضع يدنا عليها نحتمل أن بعض كلماتها سقطت أو دست فيها بعض الكلمات ، لذا أصبح عدم تحريف القرآن معتمداً على الإجماع ، والإجماع معتمداً على رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والرسالة معتمدة على إعجاز القرآن ، وإعجازه معتمد على سلامته من التحريف! فسلامة القرآن من التحريف تعتمد على سلامته من التحريف ، لذا لا يصح استدلال أهل السنة بالإجماع ـ إن تم ـ على سلامة القرآن من التحريف.

أما كون سلامتة القرآن من التحريف أمراً مجمعاً عليه لذا يكفر من خالفه ، فهذا السبب للتكفير أسخف من سابقيه ، لأمور :

١ ـ هذه الدعوى فيها إلزام للشيعة بتكفير بعض علمائهم؛لأن عدم التحريف أمر مجمع عليه عند أهل السنة!!

٢ ـ دعوى الإجماع على صيانة القرآن من التحريف لم تتحقق عند أهل السنة فضلا عن الشيعة ، وسيأتي ذكر كلمات من قال من علماء أهل السنة بتحريف القرآن.

٣ ـ الإجماع ليس دليلا عند الشيعة في قبال الأدلة الأخرى وإنما هو مجرد كاشف عن الدليل ، فلا تكون معارضته معارضة للدليل الشرعي بل معارضة للطريق ، لذا المنكر قد ينكر كاشفية الطريق لا ما يكشف عنه.

ولنذكر هنا كلمات علماء اهل السنة الناصة على ان منكر المجمع عليه لا يكفر إلاّ في حال علمه أن ما أنكره قد صدر من الشارع لمآله إلى إنكار الرسالة ، وهو عين ما يدعيه علماء الشيعة ، فقد يتحقق الإجماع على شيء ولكن المنكر لا يثق بالصدور من إجماعهم لأدلة أخرى أو لشبهة طرأت له فلا يكفر لاشتباهه ، وعليه جمهور علماء الإسلام ، ومع ذلك تريد الوهابية أن تتبع الشيعة أمزجتهم!

كلمات علماء أهل السنة في أن خارق الإجماع لا يكفر

وقال إمام الحرمين الجويني في البرهان في أصول ألفقه : فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفر ، وهذا باطل قطعا فإن من ينكر أصل الإجماع لا يكفر ، والقول في التكفير والتبرؤ ليس بالهيِّن ، ولنا فيه مجموع فليتأمله طالبه ، نعم من اعترف بالإجماع واقر بصدق المجمعين في النقل ثم أنكر ما أجمهوا عليه كان هذا التكذيب آيلاّ إلى الشارع عليه السلام ومن كذب الشارع كفر ، والقول الظابط فيه أ، من أنكر طريقا في ثبوت الشرع لم يكفر ومن اعترف بكون الشيء من الشرع ثم أنكره كان منكرا للشرع وإنكار جزئه كإتكار كله (١) (٣).

__________________

(١) الرهان في أصول الفقه للجويني١ : ٤٦٢ ، مسألة٦٧٣.

(٢) وهو عين ما قاله الشيعة سابقا؛لأن كل ما يؤول إلى تكذيب الشرع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من الكفر ، وواضح أن من قال بوقوع تحريف في القرآن لا يرى أن عدم التحريف جاء الشرع به ، بل العكس! يدعي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر

وقال الحلبي الحنفي في التقرير : ولهذا قال الشيخ صفي الدين الهندي في النهاية : جاحد الحكم المجمع عليه من حيث أنه مجمع عليه بإجماع القطعي لا یکفر عند الجماهیر؛لأن جاحد حكم الإجماع الظني لا يكفر وفاقا (١).

وقال أيضا : غير أن إنكار القطعي إنما يكفر منكره إذا كان ذلك القطعي ضرورياً من ضروريات الدين ، كما هو قول غير واحد (ومن لم يشرطه) أي الضروري في القطعي المكفر بإنكاره كالحنيفة إنما يكفر منكره إذا لم يثبت فيه شبهة قوية. (فلذا) أي اشتراط انتفاء الشبهة في القطعي المنكر ثبوتاً واتنفاء (لم يتكافروا) أي لم يكفّر أحد من المخالفين الآخر في التسمية لوجود الشبهة لتقويه في كل طرف لقوة دليله ، فإنه عذر واضح في عدم التكفير؛ لأنه يدل على أنه غير مكابر للحق ولا قاصد إنكار ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك أخرجه من حد الوضوح إلى حد الإشكال (٣).

قال العلامة الزرشكي في المنثور : أطلق كثير من أئمتنا القول بتكفير جاحد المجمع عليه ، قال النووي : وليس على إطلاقه ، بل من جحد مجمعاً عليه فيه نص ، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص

__________________

بوقوع التحريف في هذه الأمة ، كما حدث في الأمم السابقة بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشير ... ).

(١) التقرير والتحبير٣ : ١٥١ ـ ١٥٢

(٢) التقرير والتحبير٢ : ٢٨٦.

والعوام ، كالصلاة والزكاة ونحوه ، فهو كافر ، ومن جحد مجمعاً عليه لا يعرفه إلاّ الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وغيره من الحوادث المجمع عليها فليس بكافر (١) ، قال : ومن جحد مجمعاً عليه ظاهراً لا نص فيه ففي الحكم بتكفيره خلاف.

ونقل الرافعي في باب حد الخمر عن الإمام أنه لم يستحن إطلاق القول بتكفير مستحل الإجماع ، وقال : كيف نكفّر من خالف الإجماع ونحن لا نكفّر من رد أصل الإجماع ، وإنما نبدعه ونضلله ، وأول ما ذكره الأصحاب على ما إذا صدق المجمعين على أن التحريم ثابت في الشرع ثم حلله ، فانه يكون رداً للشرع.

وقال ابن دقيق العيد أطلق بعضهم أن مخالف الإجماع يكفر ، والحق أن المسائل الإجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها فالأول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الإجماع (٣).

وذكر قول أبي حامد الغزالي : وقد وقع التكفير لطوائف من المسلمين يكفر بعضها بعضا ، فالأشعري يكفّر المعتزلي زاعما أنه كذّب الرسول في رؤية الله تعالى وفي إثبات العلم والقدرة والصفات ، وفي القول بخلق القران والمعتزلي يكفّر الأشعري زاعما أنه كذّب الرسول في التوحيد ، فان إثبات الصفات يستلزم تعدد القدماء ، قال : والسبب في هذه الورطة الجهل بموقع

__________________

(١) لا حظ تعليق الحكم بالكفر على ثبوت علم المنكر بأن ما أنكره من ضروريات الإسلام.

(٢) فمخالفة المجمع عليه لا كفر فيها ، وإنما الكفر يلحق من قَطع بصدور الأمر المجمع عليه ، وهذا عين ما يدعيه الشيعة.

التكذيب والتصديق ووجهه أن كل من نزّل قولا من أقوال الشرع على شيء من الدرجات العقلية التي لا تحقق نقضا فهو من التعبد وإنما الكذب أن ننفي جميع هذه المعاني ، ويزعم أن ما قاله لا معنى له ، وإنما هو كذب محض ، وذلك هو الكفر المحض ، ولهذا لا يكفّر المتبدع المتأول ما دام ملازما لقانون التأويل لقيام البرهان عنده على استحالة الظواهر (١) (٢).

وقال الزرشكي في موضع آخر : وعلى هذا فلا يسوغ لكل فريق تكفير خصمه بمجرد ظنه أنه غالط في البرهان ، نعم يجوز أن نسميه ضالا؛ لأنه ضل عن الطريق ، أو مبتدعا؛ لأنه ابتدع أقوالا لم يقلها السلف (٣).

وثم ذكر قول الإمام القشيري : وعبر بعض الأصوليين عن هذا بما معناه أن من أنكر طريق إثبات الشرع لم يكفر ، كمن أنكر الإجماع ، ومن أنكر الشرع بعد العتراف بطريقة كفر لأنه مكذب (٤).

وقال ابن تيمية في المسودة : مسألة : من خالف حكما مجمعا عليه فهل يكفر بذلك؟ قال ابن حامد وغيره : انه يكفر ومرد ذلك أن يكفر من جوزّ

__________________

(١) وهذا الضابط ينطق على من يرى أن الآية الكريمة : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر : ٩) لا تدل على حفظ القرآن عند جميع الناس بل يكفي لتحقق مدلول الآية حفظ القرآن عند إمام الناس.

(٢) المنثور في القواعد لأبي عبد الله الزرشكي٣ : ٨٦ ـ ٨٧.

(٣) المنثور في القواعد لأبي عبد الله الزرشكي٣ : ٩٠.

(٤) المنثور في القواعد لأبي عبد الله الزرشكي٣ : ٩٢ ، وهذا هو الضابط الذي ذكره الشيعة سابقاً.

كون الإجماع يقع خطأه ، وذكر كثير من الطوائف من أصحابنا وغيرهم منهم القاضي في ضمن مسألة انعقاد الإجماع عن قياس : أنه يضلل ويسفق ، وهو مقتضى قول كل من قال : إن الإجماع حجة قاطعة وهم جماهير الخلائق ، وقال بعض المتكلمين أنه حجة ظنية فعلى هذا لا يكفر ولا يسفق (١).

وننقل كلام شيخ الوهابية ابن تيمية بتمامه لعله يجد مكانا في قلوب أذبابه : كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر. اعتقد المستمع ـ كالوهابية ـ أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أَن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وان تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلاّ إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أ، الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه (٣) ، فإن الإمام إحمد مثلا قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصافات وامتحنوه وسائر علماء وقته ، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التهجم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة ، وترك تخليصهم من أيدي العدو ، بحيث كان كثير من أولي الأمرد إذ ذالك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم يكفرون كل من لم يكن جهميا موافقا لهم على نفي الصفات ، مثل القول بخلق القرآن ويحكمون فيه بحكمهم

__________________

(١) المسودة لعبد السلام وعبد الحكيم وأحمد بن تيمية١ : ٣٠٨.

(٢) ولكن الوهابية يقولون للشيعة : كفروا فلانا! ، نعم نكفرهم على دين الوهابية ، أما على دين الله عزّ وجلّ فلا.

في الكافر ، فلا يولونه ولاية ، ولا يفكونه من عدو ، ولا يعطونه شيئا من بيت المال ، ولا يقبلون له شهادة ، ولا فتيا ولا رواية ، ويمتحنون الناس عند الولاية والشهادة والافتكاك من الأسر وغير ذلك ، فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان ومن لم يقر به لم يحكموا به بحكم أهل الإيمان ، ومن كان داعيا إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه وحسبوه ، ومعلوم أَن هذا من أغلظ التجهم فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها ، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها ، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب ، ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم ، فإن الستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقول والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفّروا المعينين من الجمهية الذين كانوا يقولون : إن القرآن مخلوق وان الله لا يرى في الآخرة (١).

__________________

(١) وقال أيضاً١٢ : ٤٩٨ : (والأصل الثاني : إن التكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه ، وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار ، فهذا يقف على الدليل المعين ، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه).

أقول : إن الوهابية علاوة على مخالفتهم لأئمتهم في تعميم الكفر على المشتبه الذي لم يقم عنده دليل على شرعية ما أنكره ، فقد تجاوز أمرهم واستفحل حتى كفروا المعين من العلماء بل كفروا بعض علماء أهل السنة بأسمائهم كأحد المشهورين في زماننا فقط؛ لأنه طعن في نتائج انتخابات الرؤساء التي تصل إلى٩, ٩٩% فقال : لو انتخب الله عزّ وجلّ بعظمته رئيسا

والدليل على هذا الأصل الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ، أما الكتاب فقوله سبحانه وتعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ) (١). وقوله : (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (٣). وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم أن الله تعالى قال : قد فعلت لما دعا النبي والمؤمنون بهذا الدعاء.

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، وأنه لم يقرأ بحرف منها إلاّ أعطيه. وإذا ثبت بالكتاب المفسر بالسنة أن الله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان ، فهذا عام عموما محفوظا ، وليس في الدلالة الشرعية ما يوجب أن الله يعذب من هذه الأمة مخطئا على خطئه ، وان عذب المخطئ من غير هذه الأمة ، وأيضا قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال : إن رجلا لم يعمل خيرا قط ، فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين

__________________

لأهل الأرض لما وافق أهلها عليه بهذه النتيجة ، فأطلق أحد مشايخ الوهابية حكمه فقال : إن لم يرجع فهو كافر!

(١) الأحزاب : ٥.

(٢) البقرة : ٢٨٦.

يديه ، ثم قال : لم فعلت هذا؟ قال : من خشيتك يا رب ، وأنت اعلم. فغفر الله له.

وهذا الحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، رواه أصحاب الحديث والأسانيد من حديث أبي سعيد وحذيفة وعقبة بن عمرو وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه متعددة ، يعلم أهل الحديث انها تفيدهم العلم اليقيني ، وإن لم يحصل ذلك لغيرهم ممن لم يشركهم في أسباب العلم ، فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أُحرق وذرَّ ، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك ، وهذان أصلان عظيمان ، أحدهما متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير ، والثاني متعلق باليوم الآخر ، وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله ، ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة ، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا ، وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح (١).

ومن كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه : ومنهم من قال : المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي. قال أولئك : وهذا الفرق خطأ أيضا ، فان كثيرا من المسائل العلمية عليها أدلة قطعية عند من عرفها وغيرهم لم يعرفها ، وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات ووجوب الواجبات الظاهرة ، ثم لو أنكرها الرجل بجهل وتأويل لم

__________________

(١) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير١٢ : ٤٨٧ ـ ٤٩٣.

یکفر حتی تقام علیه الحجة ، کما ان جماعة استحلوا شرب الخمر علی عهد عمر ، منهم قدامة وراوا انها حلال ولک تکفّرهم الصحابة حتی بینوا لهم خطاهم فتابوا ورجعوا ، وقد کان علی عهد النبي طائفة اکلوا بعد طلوع الفجر حتی تبین لهم الخیط الابیض من الخیط الاسود ولم یؤثمهم النبي صلی الله علیه وآله وسلم فضلا عن تکفیرهم وخطؤهم قطعی ، وکذلک اسامة بن زید قد قتل الرجل المسلم وکان خطؤه قطعیا ، وکذلک الذین وجدوا رجلا في غنم له ، فقال : انی مسلم فقتلوه ، وخذوا ماله کان مخطئا قطعا ، وکذلک الذین تیمموا الی الآباط وعمار الذی تمعک فی التراب للجنابة کما تمعک البدابة بل والذین اصابتهم جنابة فلم یتیمموا ولم یصلوا کانوا مخطئین قطعا.

واهل السنة لایبتدعون قولا ولا یکفرون من اجتهد فاخطا ، وان کان مخالفا لهم مستخلا لدمائهم ، کما لم تکفّر الصحابة الخوارج مع تکفیرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمین المخالفین لهم.

وقال ابن تیمیة ایضا : وهذا من اقوال القدریة والمعتزلة وغیرهم التی خالفوا بها الکتاب والسنة واجماع السلف والعقل الصریح ، کما بسط في موضعه.

اقول : ومع ذلک لم یکفّر ابن تیمیة المعتزلة.

كلمات علماء أهل السنة في عدم كفر من انكر سور وآيات القرآن باجتهاد منه

مرت كلمات علماء السنة في عدم تكفير من قال قولا اشتبه فيه ولو كان قوله كفرا في نفسه ، وهنا نذكر كلمات علماء السنة في عدم تكفير من اجتهد فأنكر آيات من القرآن أو ادعى نقصانه مشتبها :

وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق : أنها ـ البسملة ـ من الفاتحه ومن كل سورة ، ونسب إلى الشافعي ووجه الأصح إجماعهم على كتابتها مع الأمر بتجريد المصحف ، وقد تواترت فيه ، وهو دليل تواتر كونها قرآنا ، وبه اندفعت الشبهة للخلاف ، وإنما لم يحكم بكفر منكرها؛ لأن إنكار القطعي لا يوجب الكفر إلاّ إذا لم يثبت فيه شبهة قوية ، فإن ثبتت فلا كما البسملة (١).

وقال أيضاء : ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلاّ المعوذتين ، ففي إنكارهما اختلاف والصحيح كفره ، وقيل لا ، وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالمالا (٣).

وكلامه واضح في وجود اختلاف بين الفقهاء في كفر من أنكر قرآنية هاتين السورتين ، وواضح أن سبب قول بعض فقهائهم أن العالم لا يكفر إن أنكر هما بخلاف العامي؛ لأن العالم يطلع على الروايات التي وردت في المعذوتين وموقوف ابن مسعود من إنكارهما ، فتنشأ عنده شبهة في كونهما من

__________________

(١) البحر الرائق١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٢) البحر الرائق٥ : ١٣١.

القرآن أم لا ، لذلك لا يكفر ، بخلاف العامي الذي لا مكان للاشتباه عنده وهذه هي القاعده التي يقولها الشيعة.

وكذا نقل لنا الإمام البروسوي قول الإمام ابن عوض الحنفي وغيره من العلماء في عدم تكفير من أنكر المعوذتين لنفس السبب الذي ذكرناه سابقا وهو حصول الشبهة لدى المنكر سببها إنكار ابن مسعود لهما ، قال :

وفي نصاب الاحتساب (١) : لو أنكر آية من القرآن سوى المعذوتين يكفر انتهي. (٣)

وفي الأكمل عن سفيان بن سختان قال : من قال : إن المعوذتين ليستا من القرآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضي الله عنه كما في المغرب للمطرزي.

وقال في هدية المهدين : وفي إنكار قرآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح أنه كفر ، انتهى (٣).

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : فإن قيل : إذا قلتم إنها ـ البسملة ـ ليست بقرآن هل تكفّرون من قال : إنها قرآنا ، كما تكفّرون من جعل : قفا

__________________

(١) راجع كشف الظنون للقسطنطيني الحنفي٢ : ١٩٥٣ ، إنكار ابن مسعود للمعوذتين سيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى.

(٢) روح البيان١٠ : ٥٤٦ط دار إحياء التراث.

(٣) المصدر السابق.

أقول : هذه المصنفات لعلماء من أهل السنة قد أغفلها الدهر ، فيتضح أن الاقتصار على المصنفات الموجودة بين أيدينا للحكم بخلو فرقة ما من رأي معين أمر غير صحيح.

نبك قرآناً؟ قيل : هذا يلزم على قول من يكفر من قال إنها ليست منه ، وهذا ليس بصحيح ولا مرضي ، بل كل من أثبتها آية من القرآن مخطئ ذاهب عن الحق ولم يجب تكفيره؛ لأن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم أمر بكتابتها في فواتح السور ، وجهره بها تارة ، فوجوب تخطئته لأجل تركه تأمل حال عادته صلى الله عليه[وآله] وسلم في إلقاء القرآن ، وأنه يلقيه إلقاء شائعا ذائعا فكان مخطئا في هذا الوجه متأولاً ضربان من التأويل لا يُصيّره بمثابة من ألحق بالقرآن ما علم ضرورة من أنّ الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم قال قولا ظاهرا إنها ليست من القرآن وأشاع ذلك إشاعة تكفّر من ردّها (١)

وقال العلامة محي الدين النووي في المجموع : وأجمعت الأمة على أنه لا يكفر من أثبتها ـ البسملة ـ ولا من نفاها؛لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفى حرفاً مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد ، فإنه يكفر بالإجماع (٣).

أقول : إن كان تضارب روايات البسملة عندهم كفيلاً في تحقق الشبهة المانعة من التكفير فلا ريب في تحققها عند بعض الكلمات من القرآن.

وهذا ما ذكره البيهقي في سننه الكبرى : قالوا والذي روينا عن الشافعي

__________________

(١) نكت الانتصار لنقل القرآن٧٩.

(٢) المجموع٣ : ٢٨١ ، إعانة الطالبين١ : ١٣٩ ، عون المعبود٢ : ٣٥٣ ، نيل الأوطار للشوكاني٢ : ٢٠٨ ط الحلبي الثانية.

أقول : قول النووي الاخير ستأتي مناقشته بإذنه تعالى.

وغيره من الائمة من تكفير هؤلاء المبتدعة فإنما أرادوا به كفرا دون كفر هو كما قال الله عزّ وجلّ : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (١) ، قال ابن عباس : إنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ، إنه ليس بكفر ينقل عن ملة ولكن كفر دون كفر.

قال الشيخ رحمه الله : فكأنهم أرادوا بتكفيرهم ما ذهبوا إليه من نفي هذه الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه ، وجحودهم لها بتأويل بعيد مع اعتقادهم إثبات ما أثبت الله تعالى فعدلوا ، عن الظاهر بتأويل ، فلم يخرجوا به عن الملة وإن كان التأويل خطأ ، كما لم يخرج من أنكر إثبات المعوذتين في المصاحف كسائر السور من الملة لما ذهب إليه من الشبهة ، وإن كانت عند غيره خطأ (٣).

وكلامه الأخير نص صريح ، ولا يحتاج إلى تعليق حتى أن شيخ الوهابية ابن تيمية نص على عدم تكفير من أنكر قرآنا ثابتا لاشتباهه ولعدم قيام الدليل لدى المنكر ، كتواتر قرآنية السورة والآية ، وحال هذا المنكر للقرآن في عدم تكفيره عند ابن تيمية حال بعض الصحابة والتابعين الذين أنكروا بعض نصوص القرآن الثابتة بالتواتر؛ لعدم قيام الحجة لديهم ، نقدم أولا كلامه عن عدم تكفير من اشتبه وادعى أن بعض ما في القرآن ليس من كلام الله عزّ وجلّ :

__________________

(١) المائدة : ٤٤.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي١٠ : ٢٠٧ ، ح٢٠٦٨٨.

ولا ريب أن من قال : إن أصوات العباد قديمة فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، كما أَن من قال : إن هذا القرآن ليس هو كلام الله فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، ومن قال : إن القرآن العربي ليس هو كلام الله ، بل بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله مفتر مبتدع له حكم أمثاله (١) ، ومن قال : إن معنى آية الكرسي وآية الدين ، وقل هو الله أحدن وتبت يدا أبي لهب معنى واحد فهو مفتر مبتدع له حكم أمثاله ، وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد وقصد الحق فأخطا لم يكفرن بل يغفر له خطأه ، ومن تبين له ماء به الرسول فشاقّ الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر (٣).

فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص ، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافرا ، بل ولا فاسقا ، بل ولا عاصيا ، لا سيما في مثل مسألة القرآن ، وقد غلظ فيها خلق من أئمة الطوائف المعروفين عند الناس بالعلم والدين ، وغالبهم يقصد وجها من الحق فيتبعه ويعزب عنه وجه آخر لا يحققه ، فيبقى عارفا ببعض الحق جاهلا بعضه بل منكرا له (٣).

وأفصح ابن تيمية عما في صدره حينما استدل على عدم جواز تكفير من أنكر نصوص القرآن الثابتة التي نقرؤها في صلاتنا ، لشبهة عرضت له أو

__________________

(١) فها هو ابن تيمية لم يكفر من ادعى التحريف بل بدّعه وضلّله فقط.

(٢) لاحظ تعليق الكفر على علم المنكر بصدور ما أنكره من الشرع.

(٣) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير١٢ : ١٧٩ ـ ١٨٠.

لعدم ثبوتها عنده بالتواتر ، قال :

وأيضاً فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك ، مثل ما انكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي ، وأنكر بعضهم أن يكون امعراج يقظة ، وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه ولبعضهمم في الخلافة والتفضيل كلام معروف ، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة ، وكان القاضي شريح يذكر قراءة من قرأ (بل عجبتَ) ويقول : إن الله لا يعجب ، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنما شريح شاعر يعجبه علمه ، وكان عبد الله أفقه منه ، فكان يقول (بل عجبتُ) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة ، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنّة ، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة ، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن (١) ، من إنكار بعضهم قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) (٣). وقال (٣) : إنما هي (أولم يتبين الذين آمنوا) ، وأنكر الآخر قراءة قوله : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (٤). وقال (٥) : إنما هي : (ووصى ربك) وبعضهم (٦) كان حذف المعوذتين ، آخر (١) يكتب سورة القنوت.

__________________

(١) وهذا اعتراف صريح منه بإنكار السلف بعض أحرف من القرآن.

(٢) الرعد : ٣١.

(٣) وسيأتي بيان أن هذا المنكر هو حبر الأمة ابن عباس.

(٤) الإسراء : ٢٣.

(٥) قصد الضحاك بن مزاحم ، كما سيأتي بإذنه تعالى.

(٦) قصد عالم القرآن عبد الله بن مسعود ، كما سيأتي بإذنه تعالى.

وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر (٣) ، ومع هذا فلم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا ، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة النقل المتواتر (٣) (٤).

وإلى هنا يتضع ما أرادته الوهابية من الشيعة ، يريدون من الشيعة تكفير بعض علمائهم سفاهة وعلى دين الوهابية! (٥) ، لا على مذهب أهل

__________________

(١) قصد سيد القراء أبي بن كعب ، كما سيأتي بإذنه تعالى.

(٢) فمن اعتراف ابن تيمية بإنكار سلفه لما هو موجود في مصاحفنا من القرآن نجده يقول : إن هذا من الخطأ ، وهذا بعينه ما نقمته الوهابية على الشيعة عندما قالوا بخطأ من قال منهم بتحريف القرآن ، مع أن شيخ إسلامهم ابن تيميه يقولها ، ولا من نكير! ناهيك عن أن إنكار هؤلاء السلف للقرآن أشنع وافظع ؛ لأنهم أنكروا الموجود وأضافوا غيره ، أي هو تحريف بالنقص وزيادة بخلاف بعض الشيعة الذين قالوا نقص منه فقط ، وعلى أي حال فالشيعة على مر الزمن يستضعفون بالباطل.

(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية١٢ : ٤٩٢مطابع الرياض ط الأولى١٣٨٢ه.

(٤) وأوضح منه من ادعى سقوط شيء من القرآن ، ويرى أن وقوع التحريف في القرآن قد جاء به الشرع وتواترت فيه الأخبار ، ولا معنى لأن يثبت عندهم بالتواتر عدم كونها من القرآن فهي من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

(٥) ولا غرابة في ذلك فقد قامت الوهابية على أكتاف التكفير وسفك الدماء ، قال صديق بن حسن القنوجي في أبجد العلوم٣ : ١٩٤ وما بعدها : (قال الشيخ الإم العلامة محمد بن ناصر الحازمي الآخذ عن شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكانيك واشهر ما ينكر عليه ـ مبتدع الوهابية محمد بن عبد الوهاب ـ خصلتان كبيرتان :

__________________

الأولى : تكفر أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها ، وقد انصف السيد الفاضل العلامة داود بن سليمان في الرد عليه في ذلك.

الثانية : التجاري على سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا إقامة برهان ، وتتبع هذه جزئيات ـ إلى قوله ـ ثم لما تم للشيخ عبد العزيز ، واجتمع على الإسلام معه عصابة قوية صاروا يدعون من حولهم من القرى بالرغبة والرهبة ، ويقاتلون من حولهم من الأعراب ثم لما تمكن في قلوبهم الإسلام ، وهم عرب غنام قرر لهم إن من دعا غير الله أو توسب بنبي أو ملك أو عالم فإنه مشرك شاء أو أبي ، اعتقد ذلك أم لا ، وتعدى ذلك إلى تكفير جمهور المسلمين ، وقد قاتلهم بهذا الوجه الذي أبداه ـ إلى قوله ـ بعد بلوغها الشيخ الفاضل عبد الرحمان النجدي ، ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكر ما عليه من سفك الدماء ونهبه الأموال وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال وتكفير الامة المحمدیة في جمیع الاقطار ، فبقی معنا تردد فیما نقله الشیخ عبدالرحمان ، حتی وصل الشیخ مربد وله نباهة ووصل ببعض رسائل ابن عبد الواهاب التی جمعها فی وجه تکفیر أهل الإيمان ، وقتلهم ونهبهم ، وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله ، فرأينا أحوال رجل عرف من الشريعة شطراً ولم يمعن النظر ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية وبدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها ، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية ومؤلفات تلميذه ابن القيم الجوزية ، وقلدهما من غير إتقان ، مع أنهما يحرمان التقليد ـ إلى قوله ـ ثم وقفت لهذا العهد على كتاب رد المحتار وحاشية الدر المختار للسيد محمد أمين بن عمر المعروف بابن العابدين بمصر حالا وكان في سنة ما لفظه : كما وقع في زماننا في أَتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين ، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنَّهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وإن من خالف اعتقادهم مشرك

السنة ولا على مذهب شيخهم ابن تيمية ، فضلا عن مذهب أهل البيت الذي تدين به الشيعة! ، ولا أزيدك علما أن الوهابية يستمز جون التكفير ويستهوونه ، وإنكانت رعونتهم في إطلاق كلمة الكفر مخالفة لنفس المذهب الذي ينتسبون له!

هل هناك شبهة قوية دعت للقول بتحريف القرآن؟!

وقد يتساءل البعض ، هل وجدت شبهة عند من قال بتحريف القرآن أم قال به استمزاجا وترفا واتباعا للهوى؟

قد بينا فيما سبق عدم قيام الدليل عندهم على صيانة القرآن من التحريف ، لا من القرآن الكريم ولا من السنة المطهرة ، وذكرنا كيف فهموا الآيتين وحديث الثقلين وأحاديث عرض السنة على كتاب الله عزّ وجلّ ، فهذا يعني أن المانع من اعتقاد التحريف مفقود عندهم ، وفي المقابل وردت كثير من الروايات التي تصرح وتلوح بحصول النقص في كتاب الله عزّ وجلّ وحذف بعض الكلمات منه ، وهذه الروايات جاءت متظافرة في كتب الفريقين المعتمدة ، كالبخاري ومسلم عند السنة ، والكافي عند الشيعة ، بل قالوا : إن هناك أخبارا ونبوءات من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول : إن هذه الأمة ستحرّف كتاب ربها ، وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه :

__________________

واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم ، حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفرت بهم عساكر المسلمين عام ثلاثة وثلاثين ومئتين وألف) ، راجع كذلك خلاصة الكلام لفقيه الشافعية زيني دحلان ، وغيره ممن كتبوا عن الوهابية.

عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم قال : لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا : يا رسول الله! اليهود والنصارى؟قال : فمن؟! (١). فقالوا : إن هذه تدل على أن المسلمين سيقتفون أثر من كان قبلهم من اليهود والنصارى ولا يحيدون عن مسيرتهم ، ومن العلوم أن تحريف التوراةوالإنجيل من أهم السمات ابارزة في ما فعله اليهود والنصاري ، وهذا أمر يحتاج إلى إجابة! (٣)

قالوا أيضا : إن القرآن الكريم يدل على هذا المعنى في سورة النشقاق ويفي بالغرض نقل مقطع من تفسير ابن كثير :

وقوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) (٣). قال البخاري ـ بسنده ـ : قال ابن عباس : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) حالا بعد حال. قال هذا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم. هكذا رواه البخاري بهذا اللفظ ، وهو محتمل أن يكون ابن عباس أسند هذا التفسير عن النبي صلى الله تعالى عليه[وآله] وسلم ، كأنه قال : سمعت هذا من نبيكم صلى الله عليه[وآله] وسلم ، فيكون قوله : (نبيكم) مرفوعا على الفاعلية من (قال) وهو الأظهر والله أعلم. كما قال أنس : لا يأتي عام إلاّ والذي بعده شر منه ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه

__________________

(١) صحيح البخاري٣ : ١٢٧٤.

(٢) والشيعة يستطيعون الإجابة عليها ، وستأتي في مبحث جمع القرآن إن شاء الله تعالى.

(٣) الإنشقاق : ١٩.

[وآله] وسلم.

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر عن مجاهد أن ابن عباس كان يقول : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) قال : يعني نبيكم صلى الله عليه[وآله] وسلم يقول : حالا بعد حال. هذا لفظه وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس : طبقا حالا بعد حال. وكذا قال عكرمة ومرة والطيب ومجاهد واحسن والضحاك ومسروق وأبو صالح ، ويحتمل أن يكون المراد (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) حالا بعد حال ، قال هذا يعني المراد نبيكم صلى الله عليه[وآله] وسلم.

وقال ابن إسحاق والسدي عن رجل عن ابن عباس : (طَبَقًا عَن طَبَقٍ) منزلا على منزل ، وكذا روى العوفي عن ابن عباس مثله وزاد : ويقال : أمرا بعد أمر وحالا بعد حال. وقال السدي نفسه : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) أعمال من قبلكم منزلا بعد منزل. قلت ـ ابن كثير ـ : كأنه أراد معنى هذا الحديث الصحيح خ٣٤٥٦م٢٦٦٩ : لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا : يارسول الله! اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟! ، وهذا محتمل (١).

وكل هذه الشبه مانعة من التكفير وتجتث أصوله من الأساس ، بل لا يتصور التكفير في مثل هذه الموارد؛ لأن هؤلاء بأدلتهم وشبههم التي تحتاج إلى ما يرفعها ويزيحها لا يريدون منها إلاّ بث الشكورى والتفجّع للمصاب

__________________

(١) تفسير ابن كثير٤ : ٤٩٠ ـ ٤٩١.

والرزية التي طرات على كتاب الله عزّ وجلّ بزعمهم ، فهم في الحقيقة يريدون وجه الله عزّ وجلّ والدفاع عن كتابه وبيان ما تعرض له القرآن من تحريف وتلاعب ومظلومية ، ويحسبون أن قولهم السابق يوافق الأدلة الشرعية ولا يعارضها بل هم على يقين من ذلك ، فغاية ما يقال فيهم أنهم قد أخطؤوا وما أصابوا الحق في هذه المسألة (١) ، وكل هذا ينفي دعوى التكفير التي ترجع إلى إنكار شيء ، وهو يعلم أن الشريعة جاءت به ، فيكذب الله ورسوله. فإين هذا من ذاك؟!

نظرة في روايات التحريف عند الشيعة

كلمه حول مصادر تلك الروايات

المتأمل في الروايت التي استدل بها على وقوع التحريف لا يدل ظاهر

__________________

(١) الوهابية الذين تسيل أشداقهم لإطلاق كلمة الكفر لا تروق لهم هذه الكلمات التي تخضع للموازين الشرعية ، وتسير حسب القواعد العلمية ، وعلى أي حال فإن كلمات علماء أهل السنة واضحة تؤيد ما كتبناه ، وقد نقلنا نصوصهم سابقا ، فحتى ابن تيمية ـ كما سيأتي ذكره ـ يقول كما ذكرنا ، وهذا كلام إمامهم في القراءات مكي القيسي الذي يصف من يقصد تبديل القرآان ةتغييره بأنه قد غلط ، فقال في الإبانة في معاني القراءات : ٥ : (فهي إذا خارجة عن مراد عثمان وعن السبعة الأحرف ، والقراءاة بما كان هكذا خطأ عظيم ، فمن قرا القرآن بما ليس من الأحرف السبعة وبما لم يرد عثمان منها ولا من تبعه إذ كتب المصحف ، فقد غَيّرَ كتاب الله وبَدّلَه ، ومن قصد إلى ذلك فقد غلط) ، فليشنع الوهابية وليعربدوا كما شاءوا ، وكما قيل : صرير باب أو طنين ذباب!

كثير منها عليه صراحة ، فبعضها دلت على أن الإمام المعصوم عليه السلام كان في مقام التفسيرن والبعض الآخر جاء بمعنى التنزيل ، ناهيك أن الجم الغفير من تلك الروايات اقتبس من كتب غير معتمدة ومحل كلام عند الأعلام والمراجع الشيعة ، نحو تفسير العياشي الذي كل رواياته بحكم المراسيل؛ لأن الذي نسخ التفسير حذف أسانيد رواياته! ، وأيضا كتاب سُليم ابن قيس الهلالي رحمه الله الذي قال فيه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه :

هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثرهن وقد حصل فيه تخليط وتدليس. فينبغي للمتديّن أن يتجنب العمل على أكثره ، وقد حصل فيه تخليط وتدليس. فينبغي للمتديّن أن ينتجب العمل بكل ما فيه ولا يعولّ على جملته والتقليد لروايته (١).

وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سّليم بن قيس الهلالي المروي بطريق حماد بن عيسى ، وذلك فإن في الطريق محمد بن على الصيرفي أبا سمينة ، وهو ضعيف كذاب (٣) ، وقيل : إن أبان بن عياش زاد في كتاب سليم بن قيس.

وكذلك تفسير على بن ابراهيم القمي رضوان الله تعالى عليه الذي نسب إليه القول بالتحريف بسبب ما كَتب في مقدمة التفسير وبعض الروايات فيه إلاّ أن من غير المعلوم أن القمي نفسه قد كتبها ، وجزء كبير من

__________________

(١) تصحيح الاعتقاد : ٧٢.

(٢) صيانة القرآن : ٢٢٦ ، وكذا المورد السابق منه : ٢٢٥.

التفسير ليس للقمي ، والتفسير من الجلد إلى الجلد مع مقدمته غير موثوق به وساقط عن الاعتبار.

قال الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله : (وبهذا تبيّن أن التفسير ملفق من تفسير على بن إبراهيم وتفسير أبي الجارود ، ولكل من التفسيرين سند خاص ، يعرفه كل من راجع هذا التفسير ، ثم إنه بعد هذا ينتقل عن علي بن إبراهيم كما ينتقل عن مشايخه الآخرين إلى آخر التفسير. وبعد هذا التلفيق كيف يمكن الاعتماد على ما ذكر في ديباجة الكتاب لوثبت كون الديباجة لعلي بن ابراهيم نفسه؟).

وقال : ثم إن الاعتماد على هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جداًّ ، خصوصا مع ما فيه من الشذوذ في المتون. وقد ذهب بعض أهل التحقيق إلى أن النسخه المطبوعه تختلف عمّا نقل عن ذلك التفسير في بعض الكتب وعند ذلك لا يبقى اعتماد هذا التوثيق الضمني أيضا ، فلا يبقى اعتماد لا على السند ولا على المتن (١) ، علاوة على أن رواي التفسير ـ بما فيه من روايات للقمي أو لأبي الجارود ـ لم تثبت وثاقته.

وعليه يتضح جهل احد الوهابية وهو (عثمان. خ) عندما يقول في أحد أشرطته :

أولهم على بن إبراهيم القمي صاحب التفسير ، قال في مقدمة تفسيره ، وأما ما هو على خلاف ما أنزلة الله فهو قوله : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ

__________________

(١) كليات في علم الرجال : ٣١٦ ـ ٣١٧.

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١) ثم ذكر انها نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس). انتهى. وقد ذكر علماء الشيعة أن القمي يقول بالتحريف وقالوا عنده فيه غلو.

وأما بالنسبة لما قاله بعض علماء الشيعة فلا عبرة فيه لاعتمادهم على ما كُتب في ذلك التفسير إذ ما كانوا معاصرين للقمي رضوان الله تعالى عليه وحيث أن التفسير ساقط عن الاعتبار فما ينسب للقمي به ساقط أيضا.

وكذا كتاب المسائل السورية للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، فقد قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في معجم رجال الحديث :

أقول : إن نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ المفيد قدس سره لم تثبت ، ولم يذكر النجاشي والشيخ له كتابا يسمى بالمسائل السرورية ، نعم ذكر النجاشي له كتابا وهو النقض على ابن الجنيد بالاجتهاد بالرأي ، أي بجواز العمل بالظن ، ومما يؤكد عدم صحة هذه النسبة أنها لو صحت لذكرها النجاشي والشيخ ، فإن ما نسب إليه أعظم من قوله بالقياس ، فكيف لم يطلع على ذلك النجاشي والشيخ وهما تلميذان للمفيد قدس سره؟! (٣). وهكذا بالنسبة لكتاب الحتجاج للطبرسي رضوان الله تعالى عليه ، إذ كل رواياته مراسيل وبلا إسناد ، فلا يتعبد بما فيه ، وغيرها من المصادر

__________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) معجم رجال الحديث١٥ : ٣٧٧.

التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام وتفسير فرات الكوفي.

وروايات التتحريف نابعة في الغالب من هذه الكتب والمصنفات المخدوشة سندا ومتنا ، قال المحقق هادي معرفت حفظه الله حال كلامه عن فصل الخطاب :

أما الروايات الخاصة ، والتي اسنتد إليها ـ المحدث النوري ـ لإثبات التحريف سواء أكانت دالة بالعموم على وقوع التحريف أم ناصةّ على مواضع التحريف ، فهي تربوا على الألف ومئة حديث (١١٢٢) منها (٦١) رواية دالة بالعموم و (١٠٦١) ناصة بالخصوص ، حسبما زعمه. لكن أكثريّتها الساحقة نقلها من أصول لا إسناد لها ولا اعتبار ، من كتب ورسائل ، إما مجهولة أو مبتورة أو هي موضوعة لا أساس لها رأساً. والمنقول من هذه الكتب تربو على الثمانمئة حديث (٨١٥) وبقي الباقي (٣٠٧) وكثرة من هذا العدد ترجع إلى اختلاف القراءات مما لا مساس لها بمسألة التحريف وهي (١٠٧) والبقية الباقية (٢٠٠) رواية ، رواها من كتب معتمدة ، وهي صالحة للتأويل إلى وجه مقبول ، أو هي غير دالة على التحريف ، وإنما أقمحمها النوري إقحاما في أدلة التحريف (١).

وقال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه : إن الرياوات التي دلت على وقوع التحريف قد أخذت من كتب لا اعتماد

__________________

(١) مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه : ٧٦ للشيخ المحقق جعفر السبحاني حفظه الله. وللزيادة راجع صيانة القرآن من التحريف للمحقق محمد هادي معرفت حفظه الله.

عليها فإن أكثرها مأخوذ من كتاب أحمد بن محمد بن السيار المعروف بالسياري ، وهو منسوب إلى فساد المذهب. فعن النجاشي أنه ضعيف الحديث فاسد المذهب ، ذكر ذلك الحسين بن عبيد الله مجفو الرواية كثير المراسيل انتهى. وعن ابن الغضائري في رجاله : أحمد بن محمد بن سيار ، يكني أبا عبد الله القمي المعروف بالسياري ضعيف متهالك غال منحرف ، استثنى شيوخ روايته من كتاب نوادر الحكمة ، وحكى عن محمد بن علي بن محبوب في كتاب نوادر المصنف أنه قال بالتناسخ. (انتهى). وقريب مما حكي عن النجاشي ما حكي عن العلامة رحمة الله في الخلاصة ، فلا ريب في ضعفه. وكثير من تلك الأخبار ـ أي الدلالة على التحريف ـ عن فرات بن إبراهيم الكوفي ، وهو وإن لم ينسب إلى فساد المذهب بل في رجال المامقاني رحمه الله أنه كان من مشايخ الشيخ أبي الحسن على بن بابويه ، وقد أكثر الصدوق رحمه الله الرواية عنه لكنه لم يرد توثيق له من علماء الرجال بالنسبة إليه. وعدة منها عن تفسير العياشي رحمه الله ، وهو وإن كان من الإمامية وكان ثقة ، لكن أكثر الروايات المنقولة في تفسيره مرسلة فلا اعتبار بها. وعدة منها لا ربط لها بالمقام ، بل راجعة إلى كيفية اختلاف القراءات. وعدة منها مقطوع كذبها (١).

وسنبحث في ما يلي عن الوجهب الحق الذي يراه علماء الشيعة لمثل هذه الروايات.

__________________

(١) تقريرات في أصول الفقه للشيخ على الاشتهاردي : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

دلالة أغلب الروايات

تضمنت بعض الروايات التي نسبت إلى أهل البيت عليهم السلام آيات قرآنية زيد فيها كلمات وجمل ليست في مصحفنا ، وعُلق في تلك الروايات على هذا المزيج من الآية والكلمة الأجتبية بجملة (هكذا نزلت) أي أن الآية نزلت بهذا الشكل بما فيها من الكلمات الأجنبية ، وهذه أمثلة لتلك الروايات :

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن علي ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ : (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده) (فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (١). هكذا نزلت (٣).

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن محمد بن عيسى القمي ، عن محمد بن سليمان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ) (كلمات في محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم) (فَنَسِيَ) (٣). هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله.

على بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن

__________________

(١) الأحزاب : ٧١.

(٢) أصول الكافي١ : ٤١٤ ، ح٨ ، تعليق على أكبر غفاري.

(٣) طه : ١١٥.

سنان عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) (في علي) (بَغْيًا) (١).

وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل عن جابر قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا) (في علي) (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) (٣).

وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرئل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا) (في علي نورا مبينا) (مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم) (٣).

أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبدالله ، عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (آل محمد حقهم) (قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمد

__________________

(١) البقرة : ٩٠.

(٢) البقرة : ٢٣.

(٣) النساء : ٤٧.

حقهم) (رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (١).

وبهذا الإسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن محمد بن الفلضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) (آل محمد حقهم) (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًاإِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًاوَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (٣). ثم قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ) (في ولاية علي) (فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُوا) (بولاية علي) (فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (٣) (٤).

أحمد بن مهران ـ رحمه الله ـ عن عبد العظيم ، عن بكار ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : هكذا نزلت هذه الآية (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ) (في علي) (لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) (٥) (٦).

فألصق الوهابيون تحريف القرآن بالشيعة! بدعوى أن بعض رواياتهم تحكي نزول الآيات من السماء بأشكل أخري غير التي نعرفها ، وواضح أن

__________________

(١) البقرة : ٥٩.

(٢) النساء : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٣) النساء : ١٧٠.

(٤) اصول الكافي١ : ٤١٦ ـ ٤١٧ ، ح٢٣إلى ٢٨عدا ٢٤.

(٥) النساء٦٦.

(٦) أصول الكافي١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، ح٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠.

تلك الكلمات قد نقصت وذهبت إذ لا وجود لها اليوم في مصحفنا ، فالشيعة تعتقد نقص القرآن ، والحمدالله رب العالمين!

هذا ملخص كلامهم بعد تخليصه من الشوائب والحسف ، وهذا ـ على ما فيه من خلط بين الرواية والاعتقاد بمضمونها الذي طالما يقعون فيه ، إذ لا ملازمة بينهما! ، وبعد التسليم بصحة أسانيد كل الروايات السابقة (١) ـ كلامٌ

__________________

(١) يحاول بعض الوهابية إلزام الشيعة بصحة كل روايات الكافي!! ، وهذا مضحك للغاية!إذ الكافي (كتابنا) لا كتاب الوهابية!ونحن أدرى بكتبنا منهم! ، ولكن كما قيل (الأمر ما جذع قصير أنفه) فهم يذكرون هذا في مقدمة كتبهم استغفالا منهم لعوامهم ولإقناعهم بإن الكافي عند الشيعة مثل البخاري ومسلم عند أهل السنة ، كل مافيه صحيح! ، وهذا ـ كالعادة ـ كذب على جمهور الشيعة ، بل على كل الشيعة في زماننا ، والأغرب أنهم يقومون بذكر مدح علماء الشيعة لكتاب الكافي كدليل على صحة كل ما فيه!! ، فهل القول بأنه من أفضل الكتب ، أو أنه جليل القدر ، أو أنه لم يصنف مثله ، أو أنه أصح الكتب وأَتقنها يعني أنه لا يوجد فيه روايات ضعيفة وغير مقبولة عند الشيعة؟! ، نعم هذا الكلام يدل على أنه جليل القدر وعظيم المنزلة ولم يصنف مثله وأصح الكتب وأتقنها بالقياس إلى غيره من الكتب وهذا غير الحكم بصحة كل مااافيه من الروايات ، فهذا لا يقول به الشيعة.

وقد حاول أحد الوهابية (ناصر ، ق) في كتابه أصول مذهب الشيعة ـ وهي رسالة دكتوراه ـ إقناع بني جلدته المساكين بهذه الفكرة بالإحالة على مصادر التي مدحت كتاب الكافي ، مع أن كل المصادر التي أحال عليها هي للأَخبارية ومع ذلك يعمم الحكم على كل الشيعة!! ، ثم يستغرب الوهابي من الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه كيف حكم بالوضعع على ما روي في تحريف القرآن ، مع أنها موجودة في الكافي ، ومع ذلك يبقى المتخلف مصرا على أن

ساقط من رأس؛ لأن عبارة (هكذا نزلت) لا يفهم الشيعة منها أن هذا

__________________

كل ما في الكافي صحيح عند الشيعة؛لأنهم مدحوه!! ، مع أن نفس الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه هو ممن مدح الكافي! ، وهذا كلام الوهابي في كتابه السابق في١ : ٢٢٧عن الكليني رضوان الله تعالى عليه : (الملقب عند الشيعة بثقة الإسلام ومؤلف أصح كتاب من كتبهم الأربعة المعتمدة في الرواية عندهم). وقال : (والكافي للكليني ـ رضوان الله تعالى عليه ـ عند شيوخ الرافضة في أعلى درجات الصحة؛لأن الكليني كان معاصرا للسفراء الأربعة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ الذين يدعون الصلة بالمهدي الغائب المنتظر ـ عليه السلام ـ ولهذا كان التحقق من صحة مدوناته أمرا ميسورا له؛ لأنه يعيش معهم في بلد واحد وهو بغداد ـ

أقول : هذا الكلام لا يقبله محققو الشيعة لأدلة ذكروها في كتبهم ، فليحتفيظ بهذا الكلام لنفسه ـ ولكن يلاحظ أن ابن بابويه القمي ـ الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه ـ حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن مع وجودها في الكافي الذي يصفونه بهذا الوصف ويوثقونه

هذا التوثيق).

أقول : فمع اعترافه بأن الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه حكم بالوضع على بعض الروايات التي في الكافي وهو رأس الشيعة وشيخهم في زمانه ، ألا يكون هذا سببا كافيا لإيقاظه وتبديد أحلامه السابقة! ، اللهم بلى ، إلاّمن طمس على عقله.

ملاحظة : هذا الوهابي اعتاد في كثير من مواضع كتابه السابق على نقل فكرة معينة ونقضها بعد عدة أسطر أو بعد صفحة ، فلا أدري هل هو أسلوب جديد في الكتابة؟ ، أم هي خواطر تدور في رأسه لا رابط بينها؟ ، أم ماذا؟ ، فأدعو كل من كانت هوايته حل الألغاز والأحاجي اقتناء هذا الكتاب.

المنُزل قرآن كله ، أي أن تلك الكلمات الدخيلة لا يرون أنها من نفس جنس القرآن حتى يقال إن القرآن في نظرهم حرُف ونقص بسقوطها! ، نعم الباقي هو من القرآن أما ما دمج فيه فليس منه (١) ؛لأن كلمة النتزيل الواردة في الروايات معناها يختلف عما هو معروف بيننا اليوم الذي خُصّ بنزول عين آيات القرآن ، والمقصود من التنزيل في الروايات هو التفسير النازل عن طريق الوحي توضيحا وتبيانا للمراد وشرحا للآيات القرآنية ، فليس التنزيل قرآنا منزلا ، وإنما تفسيرٌ منزل من قِبل الله تعالى ورثه أهل البيت عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا هو اعتقاد محققي ومراجع الشيعة أن جبريل عليه السلام لم ينزل بالقرآن فقط ، وإنما أنزل تفسيره أيضا ، وهو المسمى في بعض الروايات بالتنزيل (٢) ، فلا يصح الافتراء

__________________

(١) وهذا ما يعتقده الشيعة ، والذي تعمد الأعراب تجاهله كما تعمدوا تجاهل كثير غيره ، وسببه واضح فتأليب الرعاع وإثارة الغوغاء على الشيعة هو غاية المنى وسدرة المنتهى عند الوهابية ، حتى إن بعضا منهم يعكف في لياليه قارئا كتب الروايات عند الشيعة يتصيد ما يحلو له من الروايات ويخترع التهم وينسج العقائد ويحيك الآراء التي لم ينزل ، الله بها من سلطان ، وما أن يبزغ الفجر حتى يرمي الشيعة بكل تخيلاته وسماديره ، وكل دليله هو : (رُوي) ، وهل هذا يكفي؟!والوهابية بعلمهم هذا يخترعون المذاهب والآراء للشيعة ثم يكرون عليها مشنعين مبدعين ، وفي الحقيقة هم لا يبدعون إلاّمخيلتهم وتصوراتهم السقيمة ، وكل هذا استدرار لغضب الهمج والطغمة منهم ، وعلى هذا تمر الأيام!

(٢) وهناك رأي يقول : إن قول الإمام عليه السلام في الرواية (هكذا نزلت) يقصد به أن نزول هذه

على الشيعة بأن من عقائدهم تحريف القرآن فقط لوجود روايات في كتبهم تذكر آيات القرآن مع كلمات غيرها وتعقبها بعبارة (هكذا نزلت)! إذ النزول من السماء في روايات الشيعة أعم من نزول القرآن ، وهذا نفس قول علماء أهل السنة بأن القرآن قد نزل مثله معه ، وستأتي كلماتهم فيه بإذنه تعالى ، وإلى هنا يتضع الوجه الصحيح لعشرات ـ إن لم نقل مئات ـ من الروايات التي أبهمت على الوهابية الذين لا خبرة له بروايات أهل البيت عليهم السلام فاستفادوا منها تحريف القرآن.

__________________

الآية من السماء كان على هذا المعنى لا على المعنى الذي يدعيه الناس ، أي أن هذا قصد الله عزّ وجلّ من الآية ، وقد يتبادر أن هذا الرأي يخالف الرأي الأول ، حيث يفيد هذا أن الوحي ليس له دور في إضافة تلك الكلمات كتفسير للآيات ، بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أضافها من عند نفسه ، وبعبارة أخرى عندما يقال هذا تنزيلها أي هذا معناها التي نزلت عليه الآية ، وكلمات التنزيل إنما جاءت من قِبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنه إلى أهل بيته عليهم السلام إنما هو وحي يوحي ، وكله من عند الله عزّ وجلّ؛فلا يقال هذا من السماء وهذا من عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فتفسير القرآن والسنن والعلم بالمغيبات وكلمات الني صلى الله عليه وآله وسلم كلها تنسب حقيقة إلى الله عزّ وجلّ ، فلا فرق بين النظرتين؛ بل هي نظرة واحدة وهي نزول هذه الكلمات من السماء تفسيرا وشرحا للمراد ، وعلى أي حال فالكل يتفق على أن تلك الكلمات تفسيرا للقرآن لا عين القرآن ، وهذا محل الكلام.

الوهابية والخيال المتناقض!

بزغ لنا اليوم رأي جديد أو قل فلتة جديدة مفادها أن محدثي الشيعة هم الذين أقمحموا تلك الزيادات بين كلمات الرواية ، وأصحاب الفلتات هم بعض الوهابية كالعادة ، فقد قال الوهابي (ناصر. ق) في أصول مذهب الشيعة : وقد الكتملت صورة هذه الأسطورة ـ تحريف القرآن ـ على أيديهما فبدأت الروايات عند القمي والكليني ـ رضوان الله تعالى عليهما ـ تأخذ بهذه الأسطورة إلى مرحلة عملية فبدأوا بإقحام كلمة (في علي) بعد أي آية فيها لفظ (أنزل الله إليك) و (أنزلنا إليك) ، وزيادة لفظ (آل محمد حقهم) بعد لفظ (ظلموا) حيثما وقع في القرآن ... الخ (١).

لنسلم له أن تلك الزيادات من التحريف الصريح كما حيب المغفل ، ولنترك لأجله كلمات علماء الشيعة الآتية التي تنص على أنها من التنزيل ، ولننبذ أيضا ـ لسواد عينيه ـ كلمات علماء السنة التي تنص على وجود التنزيل في الشريعة ، كما سيأتي بإذنه تعالى ، ولنسائله :

كيف علم أن القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهم قد أقحما هذه الجمل بين الآيات؟! ، أليس من المحتمل أنهما سمعاها ممن أقحمها بزعمه؟طبعا لا جواب!

ثم كيف يقتصر عملهما على إقحامها ، والروايات إنما تتحدث عن خصوص هذه الجمل المقمحة؟!أليس الصحيح هو أن يقول ، إنهما وضعا

__________________

(١) أصول مذهب الشيعة١ : ٢٤٠.

تلك الروايات بتمامها ، والعياذ بالله؟

وكما قلت سابقا : إن هذا الوهابي به أسلوب خاص في الكتابة ، حيث اعتاد على الدوام نقض ما ذكره مسبقا ، وهذا يظهر بأقل اطلاعة على كتابه (١) ، فهنا قال الوهابي إن روايات التحريف هي نتاج إقحام وتلاعب من

__________________

(١) أقول هذا لأني لم أكلف نفسي إلاّ قراءة مبحث تحريف القرآن قراءة سريعة ، ولو نظر المنصف في كل الأدلة التي ساقها ـ رواية أو حادثة أو قول عالم ـ لوجد أنها غير صريحة في المراد ، بل تحتمله كما تحتمل غيره ، فكان الوهابي يرجع ما يتناسب مع الفكرة المسبقة التي التقطها من الشوارع واختزنها في دماغه ، مع أن الإنصاف أن يرجع ما يتناسب مع الفكرة المسبقة التي التقطهان من الشوارع واختزنها في دماغه ، مع أن الإنصاف أن يرجع ما رجحه الشيعة أنفسهم! ، لذا صار شغله الشاغل في هذا الكتاب اصطياد ما يؤيد فكرته المتهالكة من كتب الشيعة ، وأذكر من باب المثال لا أكثر ولا أقل ، زعمه أن الكليني رضوان الله تعالى عليه قال بتحريف القرآن؛لأنه روى في كتابه روايات التحريف وسكت عنها ، فصار يضرب على هذا الوتر ، وما يكاد أن يرفع قلمه عنه حتى يخوص فيه من جديد! ، ومع كل هذا الضجيج والعجيج قال في آخر المبحث تحت عنوان (نتائج الموضوع) ١ : ٣٠٢ : (كما أن لديهم روايات تقول بالتحريف ، فإن عندهم روايات أخرى تنفي هذا الباطل وتنكره مثل قول إمامهم : واجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها ، فهم في حالة الاحتجاج عليه مصيبون ، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((لاتجمتمع أمتي على ضلالة)). ومثل ما جاء عندهم في ثواب قراءات القرآن ، وفضل حامل القرآن ، ووجب عرض أحاديثهم عليه ، والتمسك به إلى قيام الساعة ، وهذا يبطل أن يكون محرفا أو مخفيا عند منتظرهم).

وأحال على أصول الكافي عند ذكر مصادرها! ، فقل لي بربك كيف حكم أن الكليني رضوان الله تعالى عليه يرى تحريف القرآن ، وقد روى مثل هذه الروايات ، وكتب مثل هذه

القمي والكليني رضوان الله تعالى عليهما ، ثم يأتي بعد صفحات ليقول : إن روايات التحريف قد تلقفها القمي رضوان الله تعالى عليه من كل افاك أثيم ـ بزعمه ـ ومن ثم أخذها الكليني رضوان الله تعالى عليه من شيخه القمي!! :

ويلاحظ أن معظم رويات الكليني ـ رضوان الله تعالى عليه ـ صاحب الكافي هي عن هذا القمي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ الذي تلقف هذه الروايات عن كل أفاك أثيم وسجلها في تفسيره (١).

أي أن التلاعب من الرواة لا من القمي ولا من الكيني رضوان الله تعالى عليهما! ، فما عدا مما بدا؟! ، والعجب أن هذه التخرصات والتناقضات تضمنتها رسالة دكتوراه حازت مرتبة الشرف الأولى! ، هزلت.

ما يدل من الروايات على أن المقصود من التنزيل هو التفسير

١ ـ من روايات الشيعة والوقائع التاريخية

منها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام شرحا للآية الكريمة (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) (٣) :

__________________

الفصول ، وهي في نظر الوهابي تنفي تحريف القرآن؟! ، فلماذا ألزم الكليني عقيدة التحريف بسبب روايته لروايات تدل عليه ـ بزعمه ـ ولم يلزمه عدم اعتقاده ، وقد روي ما يدل على عدم اعتقاده؟! ، فالأمر ليس إلاّ فكرة مسبقة في دماغ الكاتب ينقصها التقاط رواية هنا وكلمة هناك!!

(١) أصول مذهب الشيعة١ : ٢٦٩ز

(٢) مريم : ٢٦

عن أبي عبد الله عليه السلام : قوله جل ثناؤه : (صوما وصمتا) ، قال : قلت : صمتا من أي شئ؟ قال : من الكذب. قال : قلت : (صوما وصمتا) تنزيل؟قال : نعم (١).

فظاهر مقطع الرواية (قوله جل ثناؤه) أن هذه الجملة (صوما وصمتا) قرآن كغيره ، ولكن بالتأمل في باقي الروايات يتضح أنها من التنزيل المفسرِّ للقرآن ، ففي الكافي :

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثم قال : مريم : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا) (٣). أي صوما صمتا (وفي نسخة أخري أي : صمتا) فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم (٣).

ويدل الجمع بين الروايتين على أن هذه الزيادة (صوما صمتا) تنزيل من السماء ، ولكن لاكقرآن بل كتفسير ، وهذا التفريق خفي على بعض الصحابة حتى دمجوا كثيرا من التنزيل مع القرآن وصاروا يقروأونه كقرآن وقد حار علماء السنة في تأويل هذه الوجوه ، وستأتي الإشارة لذلك مع ذكر بعض الموارد التي خلط الصحابة فيها القرآن بالتنزيل ، ونذكر هنا هذا المورد والبقية تأتي إن شاء الله تعالى :

أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري

__________________

(١) مستدرك الوسائل٧ : ٣٧١ ، ح٨٤٤٦.

(٢) مريم : ٢٦.

(٣) الكافي٤ : ٨٧ ، ح ٣٦٣٤٥.

في المصاحف ، وابن مردويه عن أنس بن مالك أنه كان يقرأ (إني نذرت للرحمن صوما صمتا).

أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قراها (إني نذرت للرحمن صوما صمتا) وقال : ليس إلاّ أن حملت فوضعت.

أخرج ابن الأنباري عن الشعبي قال : في قراءة أبي بن كعب (إني نذرت للرحمن صوما صمتا) (١).

وعلى هذا فالتنزيل موجود في كتب السنة ، بل وأكثر من كتب الشيعة ولكن أهل السنة ابتدعوا له الوجوه ، ومن هذه الوجوه القراءة الشاذة أو الأحرف السبعة أو نسخ التلاوة ، على مافي تلك الأقسام من تداخل تقف عليه بإذنه تعالى في الأبحاث اللاحقة.

ومما يدل على التنزيل ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : ((نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ) (في ولاية علي) (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٣) (٣).

ويتبين حال هذه الزيادة هل هي من القرآن أم لا ، بالرواية التي وردت عن الإمام الصادق عليه السلام : نزلت هذه الآية هكذا (وَقُلِ الْحَقُّ مِن

__________________

(١) الدر المنثور٤ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠,

(٢) الكهف : ٢٩.

(٣) الكافي١ : ٤٢٥ ، ح٦٤.

رَّبِّكُمْ) (١). يعني ولاية علي عليه السلام (٢).

وواضح أن الجمع بين الروايتين يفيد أ، مقطع (في ولاية علي) قد نزل به جبرئيل عليه السلام ، ولكنه غير القرآن لفصله في الرواية الآخرى بين الآية والمقطع بكلمة (يعني) أي أن هذا هو معنى الآية ، فالمقطع أنزل كتفسير لا كقرآن.

ويدل عليه أيضا هذه الرواية التي وقعت ضمن موسوعه الفتراء على الشيعة بتحريف القرآن : عن أبي جعفر عليه السلام قال : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ) (محمد) (بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ) (بموالاة علي) (اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا) (من آل محمد) (كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (٣) (٤).

مع أن هناك رواية أخرى جاءت عن نفس الإمام الباقر عليه السلام مبينة لما ورد في تلك الرواية : فقال لهم الله : فإن (جَاكُمْ) (محمد) (بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ) (بموالاة علي) (اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا) (من آل محمد) (كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) ، فذلك تفسيرها بالباطن (٥).

فيتضح أن قولهم عليهم السلام (قال الله تعالى) لا يقصد به القرآن

__________________

(١) الكهف : ٢٩.

(٢) نقلاً عن شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه٧ : ٩١_٩٢ط دار إحياء التراثد

(٣) البقرة : ٨٧.

(٤) الكافي١ : ٤١٨ ، ح٣١.

(٥) بحار الأنوار٢٤ : ٣٠٧.

دائما ، بل قد يكون قرآنا مختلطا بتفسيره النازل من عند الله سبحانه وتعالى.

وكذا ما ورد في الكافي : عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع ٍلِّلْكَافِرِينَ) (بولاية علي) (لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) (١) ثم قال : هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله (٣).

__________________

(١) المعارج : ١_٣.

(٢) الكافي١ : ٤٢٢ ، ح٤٧ط دار الكتب الإسلامية.

أقول : سبب نزول هذه الآيات معلوم عند أهل التفيسر والتاريخ ، وهو ما أجاب به سفيان بن عيينة من سأل عن قوله عزّ وجلّ : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) (المعراج : ١) فيمن نزلت؟ فقال للسائل : سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك. حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم قال : لما كان رسول الله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فإخذذ بيد على فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتي أتي الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها فقال : يامحمد؟أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلاّ الله وانك رسول الله فقبلناه وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا وأمرتنا بالحج فقبنا ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلى مولاه. فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ؟فقال : والذي لا إله إلاّ هو إن هذا من الله. فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فإمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى

فهذه الروایة ظاهرها ان الآیة مع الزیادة من القرآن ، ولکن بالنظر لما نقله العلامة المجلسی رضوان الله تعالی علیه في مرآة العقول یتضح انها تفسیر منزل:

وروى محمد بن عباس أيضا حديث المتن عن أبي بصير ثم قال : هكذا في مصحف فاطمة عليها السلام ، وفي رواية أخرى عن أبي بصير أيضا ، وفيه : ثم قال هكذا ولله نزل بها جبرئيل عليه وآله وسلم ، وهكذا هو مثبت في مصحف فاطمة (١).

وعليه فهذه الزيادة وإن نزل بها أمين الوحي من السماء ، ولكنها ليست من نصوص القرآن ، وإلا لقيل إنها موجودة في مصحف أهل البيت عليهم السلام ، لا أن تودع الزيادة في مصحف فاطمة عليها السلام الذي لم يشتمل على شيء من القرآن ، ففي الكافي

عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن عندي الجفر الأبيض ، قال : قلت : فأي شيء فيه؟ قال : زبور داود ، وتوارة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ، ما أزعم أن فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى

__________________

بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله عزّ وجلّ (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) الآيات. راجع الغدير للعلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه١ : ٢٣٩ وما بعدها حيث ذكر ثلاثين عالما من علماء أهل السنة ممن ذكروا هذه الحادثة ونزول الآية فيها.

(١) مرآة العقول٥ : ٦١ ط دار الكتب الإسلامية.

أحد حتى فيه الجلدة ، ونصف الجلدة ، وربع الجلدة وأرش الخدش (١).

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات (٣) ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، قال : قلت : هذا

__________________

(١) الكافي١ : ٢٤٠ ، ح٣ط دار الكتب الإسلامية.

(٢) المقصود أن حجم مصحف فاطمة عليها السلام أكبر من حجم القرآن الكريم بثلاث مرات ، أما الوهابية فقد افتروا كعادتهم على الشيعة بأن عندهم مصحفنا غير مصحفنا يسمى بمصحف فاطمة!ولا ندري من أين استفادوا هذا المعني؟!ويوما ما علق بي كتيب لأحد الوهابية يستدل فيه على أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة؛ لأن هنالك رواية أخرى رويت عن أبي عبد الله عليه السلام فيها أن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر ألف أية ، فاستدل على ذلك بأن القرآن عند الشيعة ثلاثه أضعاف الموجود ، وحيث أن مصحف فاطمة ثلاثة أضعاف الموجود أيضا ، فقرآن الشيعة هو مصحف فاطمة!!.

وكما ترى فإن هذه السخافة لا تنطلي على فاقد العقل!إذ التوافق بين كتابين الحجم لا يلزم منه توافقهما في المتن! والمضحك أن هذا الكلام برمته يتعارض مع العرض الذي لأجله كتب الوهابي كتيبة ، لأنه أراد إثبات اعتقاد الشيعة تحريف قرآن المسلمين الذي تدين الشيعة به ، ولكن دليله المعوج جره إلى أن الشيعة لهم قرآن آخر ، لا أن قرآن المسلمين ـ شيعة وسنة ـ محرف في نظر الشيعة!! ، وبعد هذا فهل يستغرب ترفّع علماء الشيعة عن الاهتمام بسخافات الوهابية؟!لا والله.

والله العلم قال : انه لعلم وما هو بذاک (١).

فتستنتج ان تلک الزیادة وان کان جبرئیل علیه السلام قد نزل بها من السماء ، ولکنه نزل بها کتفسیر للآیة لا کقرآن ، ناهیک عن ان ذلک الکافر المعترض علی الامامة شک في ان هذا التفضیل للامام علي علیه السلام امرا من عندالله عزّ وجلّ ام من عند نفس النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، وعلی هذا لو کانت تلک الزیادة من القرآن لما شک في ذلک.

ومما یدل علی ان التنزیل لیس من القرآن هو اقحام بعض الروایات في التنزیل ضمن آیات تخاطب المشرکین واهل الکتاب من الیهود والنصاری فمن غیر المعقول ان تامر تلک الآیات ـ القرآن والتنزیل بحسب الفرض ـ غیر المسلمین بالتسلیم لامیر المومنین علیه السلام بالولایة والوصایة وعلیه فلا ریب ان هذه الزیادات لیت من جنس القرآن ، وانماهی تفسیرها بالباطن او تاویلها ، وکمثال :

قلت ـ الفضیل ـ (وَاصبِر علی ما یَقُولون) (٢)؟ قال الامام موسی الکاظم علیه السلام : یقولون فیک ، (وَاهجُرهُم هَجرا جَمیلا وذَرنی) (٣) (یا محمد) (والمکذّببین) (بوصیک) (اُولی النِعمة ومَهِّلهُم قلیلا) قلت : ان هذا تنزیل؟ قال : نعم (٤) ، وقد مرت بعض الموارد من هذا النحو فراجع.

__________________

(١) الکافي ١ : ٢٣٩ ، ح ١ ط دار الکتب الاسلامیة.

(٢) المزمل : ١٠

(٣) المزمل : ١١ـ١٠

(٤) الکافی ١ : ٤٣٤ ، ح ١.

ویدل علیه ایضا الجمع بین کثیر من الروایات التي یذکر فیها التنزیل ونزوله من السماء ، ثم تاتی في المقابل روایات کثیرة عن الامام علیه السلام لا تُذکر فیها تلک الزیادة ، وانما یقتصر علی النص القرآنی ، وهذا الامر لم یتکرر مرة او مرتین ، بل کثر واستفاض حتی لا یکاد یخلو من تنزیل ، فلا تنزیل الا وفي مقابله جموع من الروایات التی تقتصر علی النص القرآنی ، مع العلم ان الرویات التي یقتصر فیها علی النص القرآنی تتضمن طعونا صریحة في ابن ابي قحافة وابن الخطاب مع ذکر اسمیهما ، وهذا ینفی دعوی التقیة في هذه الموارد ، ویمکن الرجوع الی کتب التفسیر الروائیة عند الیشعة وتتبع الآیات التي زید فیها التنزیل ، لتجد في مقابلها عدة من الروایات تذکر الآیة خالصة من ای تنزیل ، مع احتواء الروایات علی الطعن في رموز القوم بلا تطرق للتحریف والنقیصة فط الآیة ، فراجع مثلا تفسیرا البرهان للسید هاشم البحراني رضوان الله تعالی علیه.

ویدل علیه ایضا روایات کثرة تحکي نزول اسماء ائمة اهل البیت علیهم السلام، وبالخصوص اسم الامام علی علیه السلام بین ثنایا الآیات الکریمة مع نه ورده روایة صحیحة السند في الکافی تدل بظاهراها علی ان اسماء اهل البیت علیهم السلام لم تذکر صراحة في آیات القرآن ، والروایة هی :

عن ابی بصیر قال : سالت ابا عبدالله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (یا ایُّها الّذین آمَنوا اَطیعوا الله واَطیعوا الرَّسول وّ اُولی الامر مِنکم) (١).

__________________

(١) النساء : ٥٩.

فقال : نزلت في علط بن ابی طالب والحسن والحسین علیهم السلام. فقلت له : ان الناس یقولون : فما له لم یسم علیا واهل بیته علیهم السلام في کتاب الله عزّوجل؟ قال : فقال علیه السلام: قولوا لهم : ان رسول الله صلی الله علیه وآله نزلت علیه الصلاة ولم یسم الله لهم ثلاثا ولا اربعا ، حتی کان رسول الله صلی الله علیه وآله هو الذی فسر ذلک لهم ، ونزلت علیه الزکاة ولم یسم لهم من کل اربعین درهما درهم ، حتی کان رسول الله صلی الله علیه وآله هو الذی فسر ذلک لهم ، ونزل الحج فلم یقل لهم : طوفوا اسبوعا ، حتی کان رسول الله صلی الله علیه وآله هو الذی فسر ذلک لهم(١).

فظاهر هذه الصحیحة یتعارض مع الروایات التی فیها نزول اسمائهم علیهم السلام من السماء قرآنا ، ویمکن حل التعارض یکون تلک الاسماء من قبیل التفسیر بالباطن المنزل من السماء وهو ما ذکرنا الادلة علیه منذ البدایة.

ویدل علیه ایضا ما جاء في بحار الانوار للعلامة المجلسی رضوان الله تعالی علیه عن الامام امیر المومنین علیه السلام انه قال : اعلم یا سلمان ان الشاک في امرنا وعلومنا کالمممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض ولایتنا في کتابه فط غیر موضع ، وبین فیه ما وجب العمل به ، وهو غیر مکشوف(٢).

وهذه الروایة ضریحة فط ان ولایة اهل البیت علیهم السلام ذکرت في

__________________

(١) الکافي ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٦ ، ح ١.

(٢) بحار الانوار ٧٢ : ٢٨ ، ح ١٠.

القرآن بنحو مستتر غير مكشوف ، وهذا يعني أن تلك المقاطع التي وردت في الروايات لم تكن من آيات القرآن ، وإلا لما صح أن يقال : إن ولايتهم ذكرت مستترة غير مكشوفة ، بل يقال ذكرت واضحة مكشوفة ولكن حرفت وحذفت.

ومما يدل على ذلك بوضوح أيضا أن لو كان هذا التنزيل من النص القرآني وفيه كل هذه النصوص الصريحة في إمامة أهل البيت عليهم السلام لما كان من المعقول قول عمر في رزية يوم الخميس (حسبنا كتاب الله) حينما شتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورماه بالهجر والهذيان ومنعه من كتابة كتاب لا يضل المسلون لو تمسكوا به ، إذ فهم ابن الخطاب من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه مسلم : أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، أنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أراد أن يكتب ما كان يكرره دائما وهو : أيها الناس!إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي (١) ، فقال عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب الله! (٣) ، أي

__________________

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني٤ : ٣٥٥ح١٧٦١.

(٣) صحيح مسلم٣ : ١٢٥٩ : (عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس! وما يوم الخميس؟! ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة ، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم يهتجر).

(عن ابن عباس قال : لما حُضِر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وفي البيت رجال

لاحاجة لنا بأهل بيتك! ، فلو كان القرآن مليء بكل هذه النصوص على إمامة أهل البيت عليه السلام ، فكيف يقع عمر فيما فر منه؟!

وأوضح منها جميعا أن لو كانت تلك الأسماء من القرآن كما تدعليه الروايات لشاع وذاع بين المسلين كقرآن يتلي بأسماء أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لم ينقله التاريخ لنا! بل إن التاريخ والروايات الصحيحة نقلت لنا اضطراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التبليغ العام بولاية أمير امؤمنين عليه السلام عند عودته من حجة الوداع ، حتى أنزل الله عزّ وجلّ

__________________

فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا لن تضلوا بعده!!. ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه[وآله]وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم : قوموا!.

قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم).

وفي صحيح البخاري٤ : ١٦١٢ : (فذهبوا يردّون عليه. فقال : دعوني!! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه). وفيه٣ : ١١١١ : (فقالوا : هجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال : دعوني!! فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه. وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. ونسيت الثلاثة).

ضمان عصمته صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عزّ وجلّ : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (١) ، فلو كان هناك واقعيتة لما تقوله الروايات من قرآنية الأسماء فلا مصحح لخشيته صلى الله عليه وآله وسلم بعد شيوع العلم بأشخاص أئمة المسلمين قرآنا ، ولا مجال حينها لاتهمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام كان من عند نفسه صلىَ الله عليه وآله وسلم ، وهو ما اتهمه به الحارث الفهري لعنه الله ولعن من رضي بكلامه وأضمره في نفسه.

فكل هذه الأدلة والقرائن تقضي بفساد قول من قال إن تلك الزيادات جزء من القرآن.

ولا بأس بذكر بعض ما جاء في تفسير العياشي الذي يدل على أن هذه الكلمات وإن نزلت من السماء في ثنايا الآيات ، ولكنها نزلت كتفسير لا كقرآن :

عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية عن قول الله (فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٣). قال تفسيرها في الباطن (فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا) (في علي) (كَفَرُوا بِهِ) فقال الله فيهم (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (٣)

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) البقرة : ٨٩.

(٣) البقرة : ٨٩.

في باطن القرآن قال أبو جعفر فيه : يعني بني أمية هم الكافرون في باطن القرآن (١). وعليه فالزيادة كانت من باب التفسير.

وكذا هذه الرواية : أبو بصير عنه قال : إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله في الوصياء خاصة ، فقال : (كنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) هكذا والله نزل بها جبرئيل ، وما عنى بها إلاّ محمداً وأوصياء صلوات الله عليهم (٣).

وقد تلتها رواية أخري : عن أبي عمرو الزبيرى ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) (٣) ، قال عليه السلام : يعنى الآمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه السلام ، فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها وإليها ، وهم الأمة الوسطى ، وهم خير أمة أخرجت للناس (٤) ، فيتضح أن الآية نزلت من السماء بهذا المعني المذكور في الرواية الأولى لا أنه قرآن منزل.

ورواية أخري : عن عمار بن سويد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في هذه الآية (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) (٥)

__________________

(١) تفسير العياشي١ : ٦٩ ، ح٧٠ ، ط الأعلمي.

(٢) نفس المصدر : ٢١٩ ، ح١٢٩.

(٣) آل عمران : ١١٠.

(٤) تفسير العياشي١ : ٢١٩.

(٥) هود : ١٢.

ـ إلى قوله ـ ودعا رسول الله عليه وآله السلام لأمير المؤمنين في آخر صلاته رافعا بها صوته يسمع الناس يقول : اللهم هب المودة في صدور المؤمنين والهبية والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) (١) ، بنى أمية. فقال رمع : والله! لصاع من تمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه ، أفلا سأله ملكا يعضده أو كنزا يستظهر به على فاقته ، فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولها : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل ٌأَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) (في ولاية علي) (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) (لعلي ولايته) (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) (يعني فلانا وفلان) (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا) (٢) (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ) (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً) قال : كان ولاية على في كتاب موسى (أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا

__________________

(١) مريم : ٩٦ ـ ٩٧.

(٢) هود : ١٢ ـ ١٥.

أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ) (هم الأئمة عليه السلام) (هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١). إلى قوله (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (٢) (٣).

فهل من المعقول القول بقرآنية هذه المقاطع؟! ، كيف تكون من القرآن والآيات نزلت في مكة! والحوادث التي تحكيها الرواية وقعت في المدينية! (٤).

وهنا أدل الروايات على أن التنزيل تفسير للقرآن لا أكثر ، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : (اصْبِرُوا) على الأذى فينا ، قلت : ف (صَابِروُاقال : على عدوكم مع وليكم ، ، قلت : ف (رَابِطُوا)؟قال : المقام مع إمامكم ، (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٥) ، قلت : تنزيل؟ قال :

__________________

(١) هود : ١٧ ـ ١٨.

(٢) هود : ٢٤.

(٣) تفسير العياشي٢ : ١٥٢ ، ح١١.

(٤) وهذه الرواية ليست في صدد بيان مورد نزول الآية الذي يسميه أهل السنة بالتفسير وأسباب النزول ، وإنما بصدد بيان جري القرآن على ما ينطبق عليه ، فآيات القرآن كما تنطبق على مورد النزول كذلك تجري على غيره إلى آخر الزمان؛ لأن القرآن حي لا يموت والآية لا تنزل وتقتصر على حادثة معينة ، وهذا هو الخط الذي وقع فيه الوهابية فصاروا يهولون ويشنعون على الشيعة بأنهم يفسرون القرآن تفسيرا باطنيا! مع أن التفسير شيء والجري شيء آخر وباطن القرآن شيء ثالث! وهذه مصيبة الوهابية يحمّلون فهمهم على الغير ثم يطلقون الأحكام!

(٥) آل عمران : ٢٠٠.

نعم (١). وواضح جدا أن الكلام المتوسط بين الآيات كان تفسيرا لمقاطع الآية وهو من التنزيل ، إذ لا ينسجم تركيب جملة واحدة من هذا المزيج.

٢ ـ من روايات أهل السنة

وأما روايات أهل السنة التي تدل على التنزيل فهي كثيرة وسيأتي ذكرها في ضمن الروايات التي تحكي القراءات الشاذة هي نتاج الخلط بين التنزيل والقرآن ، بل البعض منها ، والأغلب كان اجتهادا منهم ، وما يدل ايضا على التنزيل ما رووه عنه صلى الله عليه وأله وسلم أنه قال : الا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه (٣).

وكذا تدل عليه هذه الرواية : عن العرباض بن سارية قال : نزل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه فقال : يا عبد الرحمان اركب فرسا ، فناد إن الجنة لا تحل إلاّ لمؤمن ، وإن اجتمعوا إلى الصلاة فاجتمعوا فصلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ثم قال فقال : أيحسب امرؤ

__________________

(١) تفسير العياشي١ : ٢٣٧ ، ح٢٠٠.

(٢) سنن أبي داود٤ : ١٩٩ باب في لزوم السنة ، ط دار الجيل ، وأخرجه أحمد في مسنده٤ : ١٣٠ ط الميمنية ، بلفظ (قال رسول الله صلى عليه[وآله] وسلم : ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا وإني أوتيت القرآن ومثله ومعه ... الخ) ، كما جاء في المسند الجامع١٥ : ٤٥٥ ، ح ١١٨١٧ مسند المقدام بن معدي كرب ، جاء بعضه في سنن ابن ماجة١ : ٦ ، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم والتغليظ على من عاضه ، وجاء بعضه أيضاً في سنن الدارمي١ : ١٤٤ باب السنة قاضية على كتاب الله.

قد شبع حتى بطن وهو متكئ على أريكته إن الله لم يحرم شيئا إلاّ ما في هذا القرآن ، ألا وإني والله لقد حدثت وأمرت ووعظت بأشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ، وإنه لا يحل لكم من السباع كل ذي ناب ولا الحمر الأهلية ، وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت المعاهدين إلاّ بإذن ولا أكل أموالهم ولا ضرب نسائهم إذا أعطوكم الذي عليهم إلاّ ما طابوا به نفسا (١).

وهذا المعنى من نزول جبرئيل عليه السلام بالسنة كما كان ينزل بالقرآن ففي سنن الدارمي : أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزارعي عن حسان قال : كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن (٣).

وفي التمهدين لابن عبد البر : أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء ، وفي هذا الحديث ـ والله أعلم ـ دليل على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله؛ لأنه قال في الحُمر لم ينزل عليَّ فيها شيء إلاّ الآية الجامعة الفاذة فكان قوله في الخيل نزل عليه والله أعلم ، ألا ترى إلى قوله : لقد عوتبت الليلة في الخيل. وهذا يعضد قول من قال : إنه كان لا يتكلم في شيء إلاّ بوحي وتلا (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (٣). واحتج بقوله صلى الله عليه وآله

__________________

(١) السنة للمروزي١ : ١١١ ـ ١١٢ ، ح٤٠٥.

(٢) سنن الدارمي١ : ١٤٥ ، السنة للمروزي١ : ١١١ ، ح٤٠٢ ، وفي تفسير الرطبي١ : ٣٩ : (وروى الأوزراعي عن حسان بن عطية قال : كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ويحضره جبريل بالسنة تفسر ذلك).

(٣) النجم : ٣ ـ ٤.

وسلم : أوتبت الكتاب ومثله معه. وبقول عبد الله بن عمرو : يارسول الله! أكتب كل ماأسمع منك؟قال : نعم. قال : في الرضا والغضب؟ قال : نعم ، فإني لا أقول إلاّ حقا (١).

وقد تسالم أهل لا إله إلاّ الله على عدم اختصاص جبريل عليه السلام بتبليغ القرآن ، حيث جاء بالأحاديث القدسية ، وكان مبلغا للسنة ولتفسير القرآن وكذا كان يخبر عن أحوال المنافقين والمشركين وغير ذلك مما كان يُنزّله وستأتي أقوال علماء أهل السنة الناصة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي وأنزل عليه مع القرآن غيره ، كالسنة والمغيبات وغير هما التي تدخل كلها في إطار تفسير القرآن وتأويله بقوله عزّ وجلّ (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) (٣). وكمثال على القراءاة الشاذة التي خلصت القرآن بالتنزيل هذه الرواية التي أخرجها ابن مردويه : عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال قرأ علي رضي الله عنه الواقعات في الفجر فقال : (وتجعلون شكركم إنكم تكذبون) (٣) فلما انصرف قال : إني قد عرفت أنه سيقول قائل : لم قرأها هكذا؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرؤها كذلك كانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل الله (وتجعلون شكركم

__________________

(١) التمهيدين لابن عبد البر٤ : ٢٢١.

(٢) يس : ١٢.

(٣) هكذا في الأصل وهي في القرآن : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) الواقعة : ٨٢.

إنكم إذا مطرتم تكذبون) (١).

وهذه الرواية تفيد إن الإمام علياً عليه السلام قرأ الآية القرآنية مع اعترافه أما أنزله الله عزّ وجلّ هو شكل آخر حيث كام مما أنزله عزّ وجلّ هو (إذا مطرتم) فيتضح أنه من التنزيل وهو أعم من القرآن ، ولكن للأسف قد أشكل كثير من التنزيل على بعض الصحابة حتى اعتبره من القرآن ، يقرأ به آناء الليل وأطراف النهار ، بدعوى أنه لا يترك شيئا سمعه من رسول الله صلى الله غليه وآله وسلم! مع أن ما سمعه ليس بقرآن كله بل دمج القرآن مع تفسيره!د

وما اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما يدل على التنزيل أيضا :

حدثنا الأعمش ، حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قال : لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (ورهطك منهم المخلصين) (٣) ، خرج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الخ (٣).

والآية نزلت من السماء بالزيادة وليست إلاّ تفسيرا للآية الكريمة.

وسيأتي ذكر بعض الموارد التي اشتبه بها الصحابة حار فيها علماء

__________________

(١) الدر المنثور٦ : ١٦٣ط دار المعرفة.

(٢) الشعراء : ٢١٤.

(٣) صحيح البخاري٤ : ١٩٠٢ ، ح٤٦٨٧باب تفسير سورة (تبت يدا أبي لهب) ، صحيح مسلم

١ : ١٩٣ ، ح٢٠٨ ، السنن الكبرى للبيهقي٩ : ٧.

أهل السنة ، فاخترعوا لها الوجوه والتأويلات ، وقالوا إنها من القراءات الشاذة التي قرأ بها الصحابة ولم تتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل لم ترد عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي بإذنه تعالى في مبحث القراءات الشاذة ، ولكن نصوص أهل البيت عليهم السلام تبين أنها كانت من التنزيل ، وأهل البيت أعلم بما فيه.

والأعم من كل روايات الشيعة وأهل السنة هذه الآية الكريمة التي تحكي حقيقة تفسير الله عزّ وجلّ لقرآنه حيث قال : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (١) ، حيث تكفل الله عزّ وجلّ ببيان معاني القرآن ، وهذه المعاني ستصل إلينا بلا ريب كسنة نبوية ، وهو من التنزيل المقصود.

كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في التنزيل

أولاً : كلمات أعلام الشيعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين :

قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات : ولكنّ حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآنا ، قال الله تعالى (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (٣).

__________________

(١) القيامة : ١٧ ـ ١٩.

(٢) طه : ١١٤.

فسمّى تأويل القرآناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف وعندي أنّ هذا القول أشبه ، أي أشبه من القول بتحريف النص القرآني.

وقال : وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن ، غير أنه لابد ـ متى وقع ذلك ـ من أن يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن منه (١).

وقال الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الاعتقادات : بل نقول : إنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة الف آية ، وذلك قول جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله تعالى يقول لك : يا محمد دارِ خلقي ، ومثل قوله : عش ما شئت فإنّك ميت ، وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنّك ملاقيه ، وشرف المؤمن صلاته بالليل وعزّه كفّ الأذى عن الناس ، وقال : إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية (٣).

__________________

(١) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : ٩١.

(٢) أصول الكافي٢ : ٢٩٥كتاب فضل القرآن في النوادر ، ح٢٨.

أقول : هذه الرواية كانت وما زالت محل لغط الوهابية وهرجهم ، وقد أشرنا إليها فيما سبق ، حيث بينا أن بعضا من الوهابية توسل بها لإثبات أن مصحف فاطمة عليها السلام هو

قال : ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن. ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه ، فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنامثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (١) (٣).

وقال السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في الطرائف : روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى ـ وذكر حديثا طويلا ، إلى أن قال ـ : ثم أنزل (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِي) (في أمر علي) (إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (وإن عليا بن أبي طالب) (٣). هذا آخر الحديث وكان اللفظ المذكور المنزل في ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

__________________

قرآن الشيعة ، باعتبار أن مصحف فاطمة عليه السلام ثلاثة أضعاف الموجود ، وكذا هو حال القرى ، الذي نزل من السماء عند الشيعة ، فاتضح هنا القول الحق في المسألة وهو أن القرآن

مع تنزيله حجمه ثلاثة أضعاف الموجود ، أي أن التنزيل يزيده إلى الضعفين ، ولكن الوهابية ـ كما عودنا ـ يقومون بنسج الأفكار في مخيلتهم ثم يكرون عليها!

(١) آل عمران : ١٨٧.

(٢) الاعتقادات : ٩٣.

(٣) الزخرف : ٤٣ ـ ٤٤.

بعضه قرآناًوبعضه تأويلاً (١).

وقال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه لأصول الكافي : قوله ـ عليه السلام ـ (كذا أنزلت) لا يدل هذه على أن ما ذكره عليه السلام قرآن؛لأن ما أنزل إليه عليه السلام عند الوحي يجوز أن يكون بعضه قرآنا وبعضه تأويلاً وتفسيراً (٣).

وقال : وقوله عليه السلام : (هكذا والله نزل به جبرئل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدل على أن قوله (بولاية علي) من القرآن لما عرفت سابقاً (٣).

وقال في موضع آخر : قوله ـ عليه السلام ـ : (قلت تنزيل؟قال : نعم) لعل هذا إشارة إلى ما ذكره في تفسير قوله تعالي : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (٤) وقد عرفت مما نقلناه سابقا عن صاحب الطرائف أن المراد بالتنزيل ما جاء به جبرئيل عليه السلام لتبليغ الوحي ، وأنه أعم من أن يكون قرآنا وجزءا منه وأن لا يكون ، فكل قرآن تنزيل دون العكس ، فعلى هذه قوله عليه السلام (وأما غيره فتأويل) يراد به ما ذكره في الآيات السابقة وألله أعلم (٥).

__________________

(١) مرآة العقول٥ : ٥٨ ط دار الكتب الإسلامية ، شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه ، ٧ : ٨٠ط. إحياء التراث العربي.

(٢) شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه٧ : ٨٠ط إحياء التراث العربي.

(٣) شرح أصول الكافي للمازندراني٧ : ٨٢.

(٤) الصف : ٩.

(٥) شرح أصول الكافي للمازندراني رضوان الله تعالى عليه٧ : ٨٠ط إحياء التراث العربي.

وقال المحدث الفيض الكاشاني رضوان الله تعالى عليه عند شرحه لرواية البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفناً وقال : لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه (لَم یَکُنِ الَّذین کَفَروا) (١). فوجدت فيه اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال : فبعث إليّ : ابعث إليّ بالمصحف! (٣) فقال رضوان الله تعالى عليه :

لعلّ المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرآه الناس ، يعني استماع حروفٍ تفسّر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها عُلِمَت بالوحي (٣) ، كذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليه

__________________

(١) البينة : ١.

(٢) الكافي٢ : ٦٣١.

(٣) يقصد رضوان الله تعالى عليه بالخبرين ما جاء في الكافي٢ : ٦١٩ : (عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم؟فقال : لا ، اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم) وفيه : ٦٣٣ : (بسنده عن محمد بن الحسين ، عن عبد الحمان بن أبي هاشم ، عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأن أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كف عن هذه القراءة

السلام ، وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه ، فإنه كلّه محمول على ما قلناه؛ لأنه لو كان تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية من ه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما انزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته ، وفائدة الأمر بأتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، ثم استشهد بكلام السيخ الصدوق المتقدم ، وببعض الأخبار (١).

__________________

اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عزّ وجلّ على حده ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال : أخرجه على عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما أنزله ـ الله ـ على محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته من اللوحين فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا جاجة لنا فيه ، فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه).

(١) الوافي١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

أقول : ولا يخفى عليك أن القول بقرآنية تلك الأسماء يوجب الخروج عن الفصاحة والبلاغة ، فكون القرآن بهذا الشكل (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فلان بن فلان وفلان بن فلان وفلان بن فلان وفلان بن فلان ، إلى سبعين اسما أمرا بعيدا عن أسلوب القرآن كل العبد وهذا دليل آخر يضاف للموارد السابقة الدالة على أن هذه الزيادات كانت من التنزيل شرحا للقرآن ، لا أنها عين القرآن ، وقد ذكر ذلك الوهابي صاحب أصول مذهب الشيعة حيث قال في١ : ٢٤٣ : (وهذه الإضافات التي تزعم الشيعة نقصها من كتاب الله ـ ابتدأ

وقال في المحجة البيضاء : وأما مصحف أبي الحسن عليه السلام المدفوع إلى ابن أبي نصر ونهيه عليه السلام عن النظرفيه ، ونهي أبي عبد الله عليه السلام الرجل عن القراءة على غير ما يقرأه الناس فيحتمل أن يكون ذلك تفسيرامنهم عليهم السلام للقرآن على طبق مراد الله عزّ وجلّ ووفق ما أنزل الله جل جلاله ، لا أن تكون تلك الزيادات بعينها أجزاء لألفاظه المنزلة (١).

وقال العلامه المجلسي رضوان الله تعالى عليه في مرآة العقول : قوله عليه السلام : (أما هذا الحرف) أي قوله (بولاية علي) في آخر الآية ، أو من قوله : (والله) إلى قوله (عليّ) ، ربما يؤوَّل التنزيل بالتفسير حين التنزيل كما مرّ

__________________

الكذب!_ألا يلاحظ القارئ العربي أن السياق لا يتقبلها ، وأنها مقمحة إقحاما بلا أدنى مناسبة ، ولذلك يكاد النص يلفظها ، وأنها من وضع أعجمي لا صلة له بلغة العرب ، ولا معرفة له بأساليب العربية ، ولا ذوق له في اختيار الألفاظ وإدراك المعاني).

أقول هذا الكلام صحيح فلأجل أنها تفسير للقرآن صارت على هذا الأسلوب ، ولكن الوهابي يريد إثبات أن الشيعة تقول : بأنها من القرآن شاءت الشيعة أم أبت! ، ولو كان الوهابي منصفا لتعامل بنفس الميزان مع الآيات التي ألصقها أهل السنة بالقرآن ، وهي في غاية الهبوط والضعف الباغي ، نحو آية عمر بن الخطاب التي أخرجها البخاري ومسلم (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة) أو ما أخرجه مسلم في صحيحه (لوكان لابن آدم واد من ذهب أحب أن له واديا آخر ، ولن يملأ فاه إلاّ التراب والله يتوب على من تاب)!!

(١) المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء٢ : ٢٦٤ط الأعلمي.

مرارا (١).

وقال الشيخ المظفر رضوان الله تعالى عليه تعليقا على رواية البنزنطي السابقة : ولعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٣). مأخوذة من الوحي ، لا أنها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل الخبر السابق أيضاء ـ الذي فيه (اقرأ كما يقرأ الناس) المذكور بالهامش ـ من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس ، يعني استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي ، وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام ، وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه ، فإنه كله محمول على ما قلناه ، ثم سرد أدلة بطلان التحريف (٣).

وقال الميرزا ابو الحسن الشعراني رضوان الله تعالى عليه في تعليقته على شرح أصول الكافي : قوله ـ المازندراني ـ (وهو على التقديرين تنزيل لا تأويل) كلام دقيق يليق بالتأمل الصادق لدفع أوهام جماعة يزعمون أن كل ما ورد في الأحاديث أن القرآن نزل هكذا على خلاف ما في المصحف المعروف ال يدل على التنزيل اللفظي ، بل يمكن أن يراد تنزيل المعنى وهو حسن جدا (٤).

__________________

(١) مرآة العقول٥ : ١٣٤ط دار الكتب الإسلامية.

(٢) البينة : ١.

(٣) الشافي في شرح أصول الكافي٧ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ شرح ، ح ٣٥٨٥.

(٤) من تعليقة الشعراني على شرح أصول الكافي للمازندراني٧ : ٦٥ط إحياء التراث العربي.

وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : أنّا قد أوضحنا فيما تقدم أن بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمة علهيم السلام في التنزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتتم هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب والسنّة والأدلة المتقدمة على نفي التحريف ، وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنّة ، وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار (١).

ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه سبب الخلط الذي وقع فيه البعض واغتراره بلفظ التنزيل حتى دمج القرآن مع غيره وأدخل فيه ما ليس منه وملخص الكلام أن المقصود من (التنزيل) في زمن صدور الرواية مختلف عما يقصد منه في زماننا ، إذا اشتهر بين الناس اليوم أن معني التنزيل هو القرآن على وجه الخصوص ، مع أن التنزيل كان معناه أو سع في زمن الصدور فيشمل التفسير النازل من السماء ، قال رضوان الله تعالى عليه :

وأن هذه الشبهة مبتنية على أن يراد من لفظي التأويل والتنزيل ما اصطلح عليه المتأخرون من إطلاق لفظ التنزيل على ما نزل قرآناً ، وإطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ ، حملاً له على خلاف ظاهره ، إلاّ أن هذين الإطلاقين من الاصطلاحات المحدثة ، وليس لهما في اللغة عين ولا أثر ليحمل عليهما هذان اللفظان (التنزيل والتأويل) متى وردا في الروايات

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن٢٣٠و ٢٣١.

المأثورة عن أهل البيت علهيم السلام.

وأما التنزيل فهو أيضا مصدر مزيد فيه وأصله النزول ، وقد يستعمل ويراد به ما نزل ، ومن هذا القبيل إطلاقه على القرآن في آيات كثيرة.

وعلى ما ذكر ناه فليس كل ما نزل من الله وحياً يلزم أن يكون من القرآن ، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف على عليه السلام كان مشتملاً على زيادات تنزيلاً وتأويلاً’. ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن (١) ، فكان التغاير المفهومي سبب هذا الخلط.

وقال السيد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه بعد أن بين وجوه ضعف التمسك بروايات التحريف : أما ما ذكر نا أن منها ما هو قاصر في دلالتها فإن كثيرا مما وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير وذكر معني الآيات ، لا حكاية متن الآية المحرفة ، وذلك كما في روضة الكافي عن أبي الحسن الأول ـ عليه السلام ـ في قول الله (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) (فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب) (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) (٣). وما في الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى (وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) (٣). قال : (وَإِن تَلْوُوا) (الأمر) (أَوْ تُعْرِضُوا) (عما

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن : ٢٢٣و ٢٢٤و ٢٢٥.

(٢) النساء : ٦٣.

(٣) النساء : ١٣٥.

آمرتم به) (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة من أخبار التحريف.

ويلحق بهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) (١) (في علي). والآية نازلة في حقه عليه السلام وما روي أن وفد بني تميم كانوا إذ قدموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفوا على باب الحجرة ونادوا أن اخرج إلينا فذكرت الآية فيها هكذا (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) (بنو تميم) (أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (٣). فظن أن في الآية سقطا.

ويلحق بهذا الباب أيضا ما لا يحصى من الأخبار الواردة في جري القرآن وانطباقه كما ورد في قوله (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (آل محمد حقهم) (٣). وما ورد من قوله (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (في ولاية على والأئمة من بعده) (فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (٤). وهي كثيرة جدا (٥). ثم ذكر وجوه تعارض روايات التحريف ، وكلامه رضوان الله تعالى عليه جدير بالمراجعة.

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) الحجرات : ٤.

(٣) الشعراء : ٢٢٧.

(٤) الأحزاب : ٧١.

(٥) تفسير الميزان١٤ : ١١٢ ـ ١١٣ط الأعلمي.

وقال المحقق الشيخ علي أكبر الغفاري في تعليقه على أصول الكافي : لعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١). مأخوذة من الوحي لا أنها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبر السابق والآتي (٣) أيضا من استماع الحروف من القرآن ، على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها (علمت بالوحي) وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام ، وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فانه كله محمول على ما قلناه ، وذلك لأنه لو كان تطرق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شئ منه؛ إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما أنزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية ، به وعرض الأخبار المتعارضة عليه إلى غير ذلك ، وأيضا قال الله عزّ وجلّ : (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٣). فكيف تطرق إليه التحريف والنقصان والتغيير وأيضا قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٤). وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض

__________________

(١) البينة : ١.

(٢) وهما في : ٦٢١و : ٦٣٣ من نفس المصدر.

(٣) فصلت : ٤٢.

(٤) الحجر : ٩.

الخبر المروى عنهم عليه السلام على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا مغيرا ، فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له؟! فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله ، وأحسن الوجوه في التأويل أن مرادهم عليه السلام بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ ومما يدل على ذلك ما يأتي في كتاب الروضة مارواه الكليني بإسناده إلى الباقر عليه السلام أنه كتب إلى سعد الخير كتابا أوصاه بتقوى الله إلى أن قال : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه الحديث (١).

وقال الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله تعالى : ولكن بعد قيام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب ، وأَن ما بأيدينا مطابق لما أنزل إلى الرسول بعنوان القرآنية لا يبقيى مجال لمثل هذه الروايات ، بل لا بد من حملها على التقية أو على أن المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيات الأخرى أيضا من الشرح والتفسير والتأويل وشأن النزول وأمثالها كقرآن أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدمة كلاًّ أو جُلاًّ كما لا يخفي وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن ، بل الدليل عليه هي السنة المستفيضة ، بل المتواترة (٣).

__________________

(١) أصول الكافي٢ : ٦٣١ ، ح١٦ ، من تعليق علي أكبر غفاري.

(٢) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ كتاب الحدود ـ : ١٢٩.

وقال السيد هاشم معروف الحسني : ومن خصوص الزيادة الموجودة في مصحف علي عليه السلام كما جاء في بعض المرويات ، لو تغاضينا عن العيوب الموجودة في أسانيدها والتزمنا بصحتها من ناحية السند ، لا بد وان تكون الزيادات المزعومة من قبيل التفسير والتوضيح للمراد من تلك الآيات عن طريق الوحي أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما نص على ذلك جماعة من علماء الإمامية. ويدل على ذلك ما جاء في الكافي عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (١). فقال : نزلت في علي والحسن والحسين عليهم السلام. فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا والحسن والحسين في كتاب الله؟قال : قولوا لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم. هذا بالإضافة إلى أن عليا والمتخلفين معه عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا على أحد بورود هذه الأسماء في القرآن الكريم ، ولو كان له ولأ بنائه ذكر صريح في كتاب الله ، لكان احتجاجهم بذلك أجدي وأنفع من جميع الحجج التي استدلوا بها على استخلافه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقا (٣).

قال السيد هاشم الرسولي المحلاتي : ولا يخفى أن معني النزول في تلك الروايات ليس هو التحريف المدعى في بعض الكلمات ، بل المراد من

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) دراسات ف الحديث والمحدثين : ٣٥٢ ـ ٣٥٣للسيد هاشم معروف الحسني.

النزول هو التفسير والتأويل من حيث المعنى ، كما صرح به معظم العلماء المنتمين إلى ذلك القول كالمحدث الحر العاملير حمه الله في كتاب إثبات الهداة والموبى محسن الفيض في الوافي وغيرهم ، وإلافهي أخبار آحاد لا تعارض ما ثبت بالتواتر بين المسلمين. (١)

وإلى هنا يتضح ان القول بأن تلك الروايات التي تذكر التنزيل تطعن في صيانة القرآن من التحريف فرية لا أصل لها سوى مخيلة الوهابية ، ونحن ـ ولله الحمد ـ في غنى عن كلمات أهل السنة لنفي تلك الفرية ، فكلمات علمائنا واضحة فيها ، ناهيك عن أن مجرد احتمال كون التنزيل بمعني التفسير النازل يكفي لرفع هذه التهمة النكراء ، ولكنا آثرنا الإطناب منذ البداية حتى نرفع تذبذب بعض النفوس ونسكن حشرجة صدورهم لتجلو الحقيقة أمام أعين الوهابية ومن هم على شاكلتهم بذكر بعض أقوال علمائهم التي تؤيد كلمات علماء الشيعة في وجود التنزيل ، وإن لم يسمه أهل السنة بهذا الاسم ، والتسمية ليست بمشكلة.

ثانيا : كلمات أعلام أهل السنة

ولنبدأ بشيخهم الخطابي في شرحه على مختصر سنن أبي داود : قوله أوتيت الكتاب ومثله معه) يحتمل وجهين من التأويل ، أحدهما : أن يكون

__________________

(١) من هامش تفسير العياشي : ٣٩ط الأعلمي.

معناه : أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما اعطي من الظاهر المتلو (١). ويحتمل أن يكون معناه أنه أوتي ألكتاب وحيا يُتلى وأوتي من البيان ، أي أُذن له أن يبين ما في الكتاب ويَعُمّ ويَخُصّ ، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر ، فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به : كالظاهر المتلو من القرآن. (٢)

قال الإمام الشافعي : كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن ـ إلى قوله ـ : ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة ، والسنة أيضا تنزل عليهم بالوحي كما ينزل القرآن ، إلاّ أنها لا تتلى كما يتلى القرآن. (٣) ، ولا ريب أن من السنة تفسير القرآن وتأويله.

قال المروزي في السنة : إلا أن التحليل والتحريم من الله يكون على وجهين ، أحدهما : أن ينزل الله تحريم شيء في كتابه فيسميه قرآنا كقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) (٤). وما أشبه ذلك مما قد حرمه

__________________

(١) وهذا بعينه ما قلنا : إنه أخذه أهل البيت عنه صلى الله عليهم أجمعين وسمته الروايات بالتنزيل أي نزل من السماء.

(٢) مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري ، ومعالم السنن لأبي سليمان الخطابي ، وتهذيب الإمام ابن القيم الجوزية٧ : ٧ ـ ٨تحقيق أحمد محمد شاكر.

(٣) تفسير ابن كثير١ : ٤.

(٤) المائدة : ٣.

في كتابه. والوجه الآخر : أن ينزل عليه وحيا على لسان جبريل بتحريم شيء أو تحليله أو افتراضه فيسميه حكمة ولا يسميه قرآنا ، وكلاهما من عند الله كما قال الله : (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (١). وقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ) (٢). فتأولت العلماء أن الحكمة هاهنا هي السنة (٣) ، لأنه قد ذكر الكتاب ثم قال والحكمة ففصل بينهما بالواو فدل ذلك على أن الحكمة غير الكتاب وهي ما سن الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم مما لم يذكر في كتاب. لان التاویل ان لم یکن کذلک فیکون کانه قال : (وأَنزَلَ الله عَلیکَ الکتاب) وهذا يبعد ، فيقال لمن قال بقول أبي ثور ما أنكرت أن يحول النبي صلى الله عليه[وآله]وسلم عما فرض عليه عمله بالكتاب فيأمره أن يعمل بغير ذلك بوحي يوحيه إليه على لسان جبريل من غير أن ينزل عليه في ذلك قرآنا ولكن ينزل عليه حكمة يسميها سنة (٤) ، وهذا مالا ينكره إلاّ ضعيف الرأي (٥).

__________________

(١) النساء : ١١٣.

(٢) البقرة : ٢٣١.

(٣) مفتاح الجنة١ : ١١ : (قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) إلى قوله : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) آل عمران : ١٦٤. قال الشافعي : سمعت من أرضي من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ثم أخرج بأسانيده عن الحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير أنهم قالوا : الحكة في هذه الآية السنة).

(٤) وروايات الشيعة تسميها تنزيلا ، ولا مشاحة في الاصطلاحات.

(٥) السنة للمروزي١ : ١١٠ المسألة ٤٠١.

وقال الإمام أبو المحاسن يوسف الحنفي : عن ابن عباس (لا وحي إلاّ القرآن) ما قاله رأيا بل توقيفا ، وليس فيه ما يدفع أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم بأشياء كثيرة ليست في القرآن ، ويكون معنى قوله لا وحي إلاّ القرآن نفسه وما أمر به القرآن مما لم يقله إلاّ بالقرآن ، لأن الله عزّ وجلّ قال لنا فيه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) (١) إلى قوله ومعه من السنة ما قد كان معه التي منها الوحي الذي يوحي إليه مما ليس هو بقرآن؛ لأن ما كان معه من ذلك عن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم داخل في القرآن إذ كان قبولهم إياه منه صلى الله عليه[وآله] وسلم بأمر القرآن إياهم به يحتمل أن يكون قو ـ له لا وحي سوى القرآن من باب لا عالم سوى فلان ، يعني هو في أعلى مراتب العلم وكل عالم سواه دون رتبته ، لا أن لا عالم أصلا سواه ، ومثله لا زاهد إلاّ عمر بن عبد العزيز ، وفي الدنيا زهاد كثير إلاّ أنهم لم يقدروا من الدنيا على مثل ما قدر هو فرسه فيها (٣).

قال الإمام أبو بكر الجصاص : ويدل على أن مراده كان كما وصفنا ، أنه قال : لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبته في المصحف ، فلو كان عنده آية من القرآن لكتبها فيه ، قال الناس ذلك أو لم يقولوه فهذا يدل على أنه لم يرد بقوله : إن الرجم في كتاب الله أنه من القرآن.

وروي عنه أنه قال : إن الرجم مما أنزل الله وسيجيء قوم يكذبون به

__________________

(١) الحشر : ٧.

(٢) معتصر المختصر٢ : ٣٦٨.

وهذه اللفظ أيضا لا دلالة فيه على أنه أراد به أنه من القرآن ، لأن فيما أنزل الله تعالى قرآنا وغير قرآن ، قال الله تعالى في وصف الرسول عليه السلام : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى).

وروي في بعض ألفاظ هذا الحديث أنه قال : إن مما أنزل الله أية الرجم. وهذا اللفظ لو ثبت لم يدل أيضا على أن مراده أنه كان من القرآن؛ لأن ما يطلق عليه اسم الآية لا يختص بالقرآن دون غيره ، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). ثم قال تعالى : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ). فسمى الدلالة القائمة مما خلق على توحيده آية فليس يمتنع أن يذكر (آية) الرجم وهو يعني أن ما يوجب الرجم أنزله الله على رسوله عليه السلام بوحي من عنده (١).

قال الإمام ابن قتيبة : ولم يكن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يعلم من حكم الله تعالى إلاّ ما علمه الله عزّ وجل ، ولا كان الله تبارك وتعالى يعرفه ذلك جملة ، بل ينزله شيئا بعد شيء ، ويأتيه جبريل عليه السلام بالسنن كما كان يأتيه بالقرآن ، ولذلك قال : أوتيت الكتاب ومثله معه يعنى من السنن (٣).

وقال أيضا : إن جاز أ، ينسخ الكتاب بالكتاب جاز أن ينسخ الكتاب بالسنة ، لأن السنة يأ تيه بها جبريل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى ، فيكون المنسوخ من كلام الله تعالى الذي هو قرآن بناسخ من وحي الله عزّ وجلّ الذي

__________________

(١) الفصول في الأصول٢ : ٢٥٨.

(٢) تأويل مختلف الحديث١ : ١٦٦.

ليس بقرآن ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم : أوتيت الكتاب ومثله معه. يريد أنه أوتي الكتاب ومثل الكتاب من السنة (١).

وقال البيهقي : هذا الحديث يحتمل وجهين : أحدهما : إنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو (٣). والثاني : إن معناه أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى ، وأوتي مثله من البيان أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص ، وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس في الكتاب له ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم ولزوم العمل به كالظاهر المتلو من القرآن (٣).

وقال أبو الطيب الآبادي : (أوتيت الكتاب) أي ألقرآن ، (ومثله معه) أي الوحي الباطن غير المتلو ، أو تأويل الوحي الظاهر وبيانه بتعميم وتخصيص وزيادة ونقص ، أو أحكاما ومواعظ وأمثالا تماثل القرآن في وجوب العمل أو في المقدار (٤).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا : وليس كل وحي قرآناً ، فإن للقرآن أحكاماً ومزايا مخصوصة ، وقد ورد في السنة كثير من الأحكام مستندة إلى الوحي ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه يعدّونها قرآنا ، بل جميع ما قال عليه السلام على أن دين هو وحي عند الجمهور ، واستدلوا

__________________

(١) نفس المصدر : ١٩٥.

(٢) وهو التنزيل الذي يدعيه علماء الشيعة.

(٣) عون المعبود١٢ : ٢٣١ ـ ٢٣٢.

(٤) عون المعبود١٢ : ٢٣١.

عليه بقوله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (١). وأظهره الأحاديث القدسية. ومن لم يفقه هذه التفرقة من العلماء وقعت له مأوهام في بعض الأحاديث رواية ودراية ، وزعموا أنها كانت قرآناً ونسخت (٢).

وقال أحد علمائهم حال تعرضه لرواياتهم التي فيها ادعاء أبي بن كعب قرآنية هذه الآية مع الجملة الزائدة (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (٣) :

إن الذي ذكره أبي قد كان من الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم مما سوى القرآن الذي هو المتلو في الصلوات ، وذلك بمنزلة السنن التي أوحيت إليه خارج القرآن (٤). قال الله عزّ وجلّ (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (٥) فأخبر عن بيانه بعد ما يقرأه جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه[وآله]وسلم وقال تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا

__________________

(١) النجم : ٣ ـ ٤.

(٢) تفسير المنار١ : ٤١٤ ـ ٤١٥. ط دار المعرفة.

(٣) الفتح : ٢٦.

(٤) هذا يؤيد ما ذكرنا من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم (وإني أوتيت القرآن ومثله معه) بمعني التفسير النازل الذي هو جزء السنة.

(٥) القيامة : ١٨ ـ ١٩.

يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) (١) وإنما هي حكمة كان رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يتلوها سوى آيات القرآن ، وروي عن الرسول صلى الله عيه[وآله]وسلم أنه قال : أوتيت القرآن ومثله معه.

وقال : والذي ذكره أُبيّ مما أقرأه رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ويجعله وحيا أنزل عليه من غير أن يجعله قرآنا يتلى ، وإن ثبت أنه أطلق عليه اسم القرآن ، فإن ذلك على معنى اشتقاق الاسم مما يقرأ ، ليس أنه أدعى أنه مما يتلى في الصلوات (٣).

لاحظ هذا المقطع الأخير فهو كلام مهم جدا ، وقد نص عليه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات ، وقال : إن لفظ القرآن يطلق مجازا على غير النص القرآني ، قد استعمله الشيخ المفيد في معناه المجازي وسيأتي ذكره إن شاء الله.

وكذا قال ابن حزم الأندلسي : وقد قال قوم في آية الرجم إنها لم تكن قرآنا وفي آيات الرضعات كذلك. قال أبو محمد ـ أي ابن حزم ـ : ونحن لا نأبى هذا ولا نقطع أنها كانت قرآنا متلوا في الصلوات ، ولكنا نقول إنها كانت وحيا اوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه[وآله] وسلم مع ما أوحى إليه من القرآن ، فقرئ المتلو مثبوتا في المصاحف والصلوات ، وقرئ سائر الوحي منقولا محفوظا معمولا به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط. (٣)

__________________

(١) الأحزاب : ٣٤.

(٢) مقدمتان في علوم القرآن : ٨٦ ـ ٨٧ ، من كتابب المباني ، وهي المقدمة الأولى.

(٣) الإحكام في أصول الأحكام٤ : ٤٩٣ط. دار الكتب العلمية.

وكلام إمامهم ابن حزم هو عين ما يقوله الشيعة بالنسبة لتلك الكلمات الداخلة بين مفردات الآية ، إلاّ أنهم يرون تلك الجمل نازلة تفسيرا لآيات القرآن ، ولكن لابتعاد أهل السنة أو قل لتحرجهم من الأحذ عن مناهل الوحي وبيوت العصمة ذهبوا بهذه الموارد يمنة ويسرة ، يرقعونها بالتخاريج والوجوه ، وما وجدوا لها حلاً إلاّ أنها حذفت مع ما حذفه عثمان حينما جمع المصاحف ، بدعوى أن القرآن نزل على سبعة أشكال! أو أنها قرآن رفعه الله وأبطله! ، وسيأتي الكلام بإذنه تعالى.

وأما أقوال المحدثين من علمائهم فحدث ولا حرج ، ننقل بعض كلماتهم في هذا المجال ، قال أحد علماء الأزهر :

وكما حفظ الله شريعته بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، رفع الإصر والحرج عن خلقه ، فأنزل على نبيه الكريم إلى جانب القرآن العزيز نوعا آخر من الوحي هو السنة ، أنزلها عليه بالمعنى وجعل اللفظ إليه إيذانا بأن في الأمر سعة على الأمة وتخفيفا عليها ، وأن المقصود هو مضمونها لا ألفاظها إلى قو ـ له فإن السنة تبيان للقرآن العزيز ووحي من رب العالمين وثاني مصادر التشريع.

وقال : وإنك لتلمس آثار رحمة الله وحكمته في أن جعل الوحي على قسمين : قسما لا تجوز روايته بالمعنى بل لابد فيه من التنزام الألفاظ المنزلة وهو القرآن الكريم ، وقسما تجوز روايته بالمعنى لمن يستطيع ذلك وهو السنة النبوية المطهرة وفي ذلك صون للشريعة والتخفيف عن الأمة ، ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه لشق الأمر وعظم الخطب ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإهلية ، ولو كان الوحي كله السنة النبوية المطهرة وفي ذلك صون للشريعة والتخفيف عن الأمة ، ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه لشق الأمر وعظم الخطب ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإهلية ، ولو كان الوحي كله

من قبیل السنة في جواز الرواية بالمعنى لكان فيه مجال للريب ومثار للشك ومغمز للطاعنين ومنفذ للملحدين (١).

وقال ف مباحث علوم القرآن : وعلى فرض تسليم جعل الحديث السابق دليلا يصح أن يؤوّل تأويلا آخر يبعده عن دائرة الاسدلال في نظر بعض الباحثين : فقد يكون المراد من قول السيدة عائشة : (كان فيما أنزل الله) وحياً غير القرآن ، فالذي ينزل على النبي ليس يلازم أن يكون قرآناً ، فقد يكون حديثاً نبوياً او قدسياً ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فيما أخرج البخاري : (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) (٣).

وكل هذه الكلمات تدل على أن وجود كيان آخر غير القرآن نزل من السماء ووحي جاء به جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر لا شك فيه ولا ريب بين المسلمين.

ولذا صار من الطبيعي ألا يرى الشيعة قرآنية كل ما كان تنزيلا ، فقد تنزل من السماء آية قرآنية وبين مفرداتها تفسيرها الدال على معناها أو تفسيرها بالباطل ، لذا تضمنت روايات الكافي الشريف للكليني عليه رضوان الله تعالى كمًّا لا بأس يه من التنزيل المبارك المرادف للآيات الكريمة المعجزة وهو لا يعدو السنة النبوية ، وقد أنزلت من قبل الله تعالى شرحا وبيانا

__________________

(١) الحديث والمحدثون أو وعناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية : ١٨_١٩ للشيخ محمد محمد أبو زهرة ، مطبعة مصر.

(٢) مباحث في علوم القرآن : ٢٦٢ للدكتور القصبي زلط ط. دار القلم.

وتفسيرا.

وإلى هنا يفرض سؤال نفسه ، وهو : هل يعقل اتهام مذهب أهل البيت عليهم السلام بتحريف القرآن لوجود مثل هذه الروايات؟!أليس الأجدر اتهام الصحابة الذين كانوا يقرأون التنزيل كقرآن ، ويقر بذلك كل علماء أهل السنة ، وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى.

مافَعل التنزيل وما فْعل به!

في مبحث جمع القرآن سيتضح بإذنه تعالى أن الإمام عليه السلام كتب كل ما نزل من السماء قرآنا وتفسيرا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفترة قصيرة ، أي أنه كتب النص القرآني بسوره وآياته وتنزيلها وتفسيرها الموحى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وجاء به إلى القوم في المسجد حتى نظر فيه عمر ، فلم يرق له ذكر أسماء المشركين والمنافقين من رجال ونساء قريش وفضحهم ، وهم آنذاك وجوه الصحابة من الطلقاء وغيرهم ، لذا كان هذا التنزيل أشد وطئاً على النفوس من النص القرآني؛ لأنه كان يبين مبمه ويفصل مجمله بذكر أسماء المنافقين ونواياهم ، ويتضح هنا معنى ادعاه الصحابة ـ كما تنص صحاح روايات أهل السنة ـ أن كلا من سورة الأحزاب وسورة براءة كانت تعدل سورة البقرة في الطول ، ولكن سقط وضاع القسم الأكبر منهما ، ونذكر هنا بعض رواياتهم ونحيل البعض الآخر إلى محله :

أخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ والحكام وابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه قال : التي تسمّونها سورة التوبة هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه ، ولا تقرأون منها مما كنا نقرأ إلاّ

ربعها. (١)

وكذا الحال في سورة الأحزاب : عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مئتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ ما هو الآن. (٣)

وسيأتي ذكر قدر آخر من رواياتهم الدالة على سقوط أكثر سورة الأحزاب ، وقد جاءت بنفس مضمون رواياتهم عند الشيعة في ثواب الأعمال للشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه : عن أبي عبد الله عليه السلام : ((سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان! إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب ، وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها)) (٣).

وهذه الرواية على ما فيها من ضعف سند فصلت مجمل ما في الروايات أهل السنة الصحيحة ـ في نظرهم ـ من أنهم حذفوا حال جمع القرآن أسماء هؤلاء الرجال والنساء وصفاتهم ، إلى غير ذلك مما كان في جملة المنزل تفسيرا

__________________

(١) الدر المنثور للسيوطي ج٣ : ٢٠٨ ، المستدرك على الصحيحين٣ : ٢٠٨ ، وعلق عليه (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ، وعن الصنّف لابن أبي شيبة١٠ : ٥٠٩ ، ح١٠١٤٣ ، ومجمع الزوائد المجلد السابع : ٢٨ (سورة براءة) علق عليه (رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات).

(٢) الإتقان في علوم القرآن٢ : ٢٥.

(٣) ثواب الأعمال : ١١٠.

على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا كقرآن ، وإنما كتنزيل مفسر مقترن بآيات القرآن ، وهو ما كان موجودا في مصحف الإمام على عليه السلام فرفض مصحفه لأجل ذلك.

وكذا هو الحال بالنسبة لسورة البينة التي أوردناها فيما سبق من كتاب الكافي : عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : دفع إلي أبو الحسن عليه السلام مصحفنا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١).

فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إلي : ابعث إلي بالمصحف (٣).

وكذا الحال في مضمرة بصائر الدرجات : عن ابراهيم بن عمر عنه قال : إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن وكانت فيه أسماء الرجال فألقيت ، وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى تعرف ذلك الوصاة (٣).

ونشعر هنا أن السور التي يدعي سلفهم الصالح احتواء أصلها على أضعاف ما هو موجود ، وقد نقصت وحرفت وفقد منها ما فقد ، كانت في الغالب سورا ذات طابع خاص من الشدة والتنكيل بالمشكرين والنافقين من الصحابة ، نيلا من نواياهم وإخمادا لإرجافهم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما تزوج زينب بنت جحش ، كما في سورة الأحزاب ، وفضحا

__________________

(١) البينة : ١.

(٢) الكافي٢ : ٦٣١.

(٣) بصائر الدرجات١ : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، ح٦

لنفاقهم وتلكئهم عن الجهاد ، كما في سورة براءة ، ووعيدا بنار جهنم للمشركين والكفار ، كما في سورة البينة ، فتتفق كلمات الصحابة مع الروايات التي وردت عن أهل البيت عليههم السلام من أن تلك الضائح والأسماء كانت على نحو التنزيل ، وأن هذا التنزيل هو الذي حُرف وأُبعد عن ساحة المصحف المجموع ، وهذا ما قصدته روايات أهل البيت عليهم السلام ، فلو وردت رواية فيها أن القرآن قد حُرّف يكون المقصود من القرآن فيها ما يشمل النص القرآني المعجز الوحي الآخر الذي رادفه وهو التنزيل ، فصار حذف التنزيل والتفسير هو تحريفا للقرآن في الحقيقة ، وهو ماكان موجودا في المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام.

القرآن حُرّف!

فتحصل إلى هنا أن كل ما أنزل من السماء من النصوص القرآنية والتفسير والذي يسمي المجموع منهما بالقرآن مجازا قد حُرّف وعلى أيدي بعض الصحابة حينما جمعوه إما عن جهل أو عمد ، ولكنهم لم يحذفوا منه إلاّ التنزيل أي تفسير الآيات القرآنية ، أما النصوص المعجزة التي تحدى الله بها أهل الأرض أن يأتوا بمثلها فهي محفوظة تامة لا نقص فيها ولا زيادة ، وإنماقصد بالقرآن ما يعم النص القرآني المعجز وتفسيره وتنزيله وهذا الأخير هو الذي حرفوه وأنقصوه.

وهذا عين ما نسب للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه فيه المسائل السروية : لا شك أن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى

وتنزيله ، وليس فيه شيءٌ من كلام البشر ، وهو جمهور المنزل, الباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا (١) عن المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضع منه شيء. وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع (٢) ، لأسباب دعته إلى ذلك ، منها : قصوره عن معرفة بعضه ، ومنها : شكه فيه وعدم تيقنه

__________________

(١) وكلامه رضوان الله تعالى عليه عين ما قلناه؛لأن الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه يعتقد أن كلمة القرآن تشمل النصوص القرآنية والتنزيل المفسرلها ، فكلها تسمى قرآنا ، كما صرح بذلك في قوله فيما سبق في أوائل المقالات : ٩١ : (وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ، قال الله تعالى (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه : ١١٤). فسمّى تأويل القرآن قرأناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسيراختلاف) ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه قد بين في أوائل المقالات أنه يميل إلى صيانة القرآن من التحريف ، وإنما الذي نقص من القرآن هوتنزيله أي تفسيره ، وسنعيد ذكر كلمته فيما يأتي إن شاء الله تعالى لكن كل هذا خفي عن الوهابية فصاروا يكيلون التهم للشيخ المفيد ويتهمونه بالتحريف!!

واعتقد أن القارئ الكريم قد اكتفى بالشواهد التي تحكي جهل الوهابية وافتراءهم المتواصل ولكنا سنشير ما سنحت الفرصة لما يخطر ببالنا من افتراءهم ، ولا ريب أن ما نكتبه ليس كل شيء ، بل هو ما نتذكره مما اطلعنا عليه ، فما ظنك بما لم نطلع عليه؟!

(٢) فإن من اللازم أن يقرن التنزيل المفسربالقرآن ، كأن يوضع في هامش القرآن ليتضح معنى الآيات الكريمة حال تنزيلها مع ذكر أسماء المنافقين والمشركين والكفار ، وهو ما فعله الإمام علي عليه السلام في المصحف الذي جمعه أول مرة ، فرفضه ابن الخطاب وتبعه على ذلك ابن أبي قحافة خوفا من بيان تلك الأسماء والنوايا فيفتضح الأمر وتظهر الضغائن.

ومنها : ما تعمد إخراجه منه. وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره ، وألفه بحسب وجب من تأليفه ، فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ، ووضع كل شيء منه محله. (١)

ونقول هنا : إن من اعتاد سماع افتراءات الوهابية لا يستغرب تصيدهم روايات الكافي وغيره من المصنفات وأخذها زادا دسما يخوضون فيه مع إهمالهم الدائم لتصريحات علمائنا التي تصرح بفساد فهم مضمون تلك الروايات بالفهم الساذج والغفلة عن باقي الأدلة.

وكذا لا يستغرب يعيهم لأخد ما تشابه منها وعرضه للعوام بطريقة

__________________

(١) المسائل السروية : ٧٨ ـ ٧٩ ، الناشر المؤتمر العالمي بناسبة الذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد تحقيق الشيخ المستبصر صائب عبد الحميد حفظه الله ، وهذا كله مبني على ثبوت الكتاب للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه فقد نقلناه من قبل كلام السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه وتشكيكه في نسبة (المسائل السروية) للشيخ المفيد وعليه لا يمكن التعويل على كتاب لمعرفته رأي المفيد رضوان الله تعالى عليه.

وهنا يتضح جهل الوهابي (عثمان. خ) عندما نسب القول بتحريف القرآن للشيخ المفيد بنقل كلامه السابق من المسائل السروية ، فأخطأ خطأين أحدهما في فهم المقصود حيث فسره بما يخالف كلام الشيخ في كتابه الثابت له وهو أوائل المقالات الذي نص فيه على تنزيه القرآن من التحريف وقد نقله الوهابي نفسه في الوجه الأخرمن شريطه فذكر أنه من الشيعة الذين لا يقولون بالتحريف!! ، والخطأ الآخر هو عدم التحقق من نسبة الكتاب للمؤلف.

يتبادر منها أن جملة (هكذا نزلت) تعني عن الشيعة أن النص القرآني السليم من التحريف هو هذا الذي تضمنته الرواية! ، وقد علمت حقيقة معناها من نفس كلمات علماء الشيعة ، والشيعة ما تركوا الأمر سدى ، بل علقوا على الروايات ونبهوا وأشاروا إلى مصادرها ، بل فعلوا ذلك في هامش نفس الرواية التي أخذها الوهابية!ولكن أنّى للأعراب أن يعلموا حدود ما أنزل الله! وقد قال تعالى (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١).

الرواية والاعتقاد بممونها

بعض الوهابية يستدلون برواية ذكرها الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه لإثبات اعتقاد تحريف القرآن للشيعة الإمامية وهذه هي الرواية :

بهذا الإسناد عن الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من كان كثير القراءاة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وأزواجه ثم قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يابن سنان!إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة لكن نقصوها وحرفوها.

أقول

١ ـ من غير المعقول أن نصنف الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في ضمن القائلين بعدم تحريف القرآن ومن ثم ننسب تحريف القرآن للشيعة

__________________

(١) التوبة : ٩٧.

بسبب رواية ذكرها الصدوق نفسه!!

٢ ـ من الجهل أننسبب للشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه تحريف القرآن لأجل روايته هذه وهو الذي صرح في اعتقاداته برفضه لفكرة تحريف القرآن وكذب من نسب هذا للشيعة ، قال في الاعتقادات :

اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله هو ما بين الدفتين وهو مافي أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عن الناس مئة وأبع عشرة سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ، من نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب. (١)

٣ ـ كان من المتوقع لمن يرى أن تلك الرواية تدل على التحريف ـ كالوهابية ـ أن يتنيه إلى عدم الانسجام بين ما صرحه الصدوق في اعتقاداته وبين روايته تلك ، فيقول بعن الملازمة بين الاعتقاد والرواية ، ولكن الوهابية لا يلبسون إلاّ النظارات السوداء!

٤ ـ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في كتابه ثواب الأعمال ليس إلاّ محدثا ينقل الرواية كما وصلت إليه ولا يلزم من هذا اعتقاده بمضمونها حتى وإن صح إسنادها عنده ، وهو في هذا كالكليني رضوان الله تعالى عليه.

__________________

(١) الاعتقادات : ٥٩ ـ ٦٠.

ملاحظة : الكليني رضوان الله تعالى عليه لا يقول بتحريف القرآن

وحيث وصلنا إلى هذه النقطة نقول : إن المحدث لا يلزم نفسه اعتقاد كل ما أوردة في مصنّفه ، حتى وإن قال بصحة كل ما أورده؛لأن صحة السند شيء وما يدل عليه المتن بعد جمع الأدلة وعرضها على الكتاب والسنة المتواترة وطرح غير التام شيء آخر ، فلا وجه لاتهام الشيخ الصدوق أو الكليني أو أي محدث آخر؛ لأنه روي الرواية ، ناهيك عن أن الكليني رضوان الله تعالى عليه روى روايات التحريف في باب النوادر تيمنا بالروايات التي فيها : ((ودع الشاذ النادر)) ، بل صرح الكليني رضوان الله تعالى عليه في مقدمة الكافي أنه وإن أراد جمع الآثار الصحيحة عن المعصومين عليهم السلام إلاّ أن صحة الرواية شيء والاعتقاد بمضمونها شيء آخر ، وعلق قبول مضمونها على بعض القواعد منها أن تعرض الرواية على كتاب الله عزّ وجلّ فما وافق كتاب الله أخذ به وما خالفه يرد يأخذ به ، قال ثقة الإسلام الكليني رضوان الله تعالى عليه في مقدمة الكافي :

وقلت : إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به التعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم الدين ، والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام والسنن القائمة التي عليها العمل ، وبها يؤدي فرض الله عزّ وجلّ وسنة نبيه صل الله عليه وآله ، وقلت : لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سببا يتدارك الله تعالى بمعونته وتوفيقه إخواننا وأهل ملتنا ويقبل بهم إلى مراشدهم

فاعلم يا أخي أرشدك أنه لا يسمع أحدا تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليه السلام برأية ، إلاّ على ماأطلقه العالم بقوله عليه السلام : ((اعرضوها على كتاب الله ، فما وافي كتاب الله عزّ وجلّ فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه)) وقوله عليه السلام : ((دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم)) (١) ، وقوله عليه السلام : ((خذوا بالمجمع عليه لا ريب فيه)) ، ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ إقله ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليه السلام : ((بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم)). وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخيت (٣).

__________________

(١) طبل بعض الوهابية على هذه الرواية وغيرها من الروايات بأنها تدل على أن من مذهب الشيعة تحرِّي مخالفتة العامة فيما يدينون به ، فيقول الشيعة خلاف قول العامة سواء دل عليه الدليل أم لا! ، وهذه من افتراءات الوهابية التي اعتدنا عليها ، فإن المقصود من هذه الروايات أنه إن جاءت روايات متعارضة ، وكان بعضها موافقا لمذهب العامة وبعضها مخالفا له نأخذ بالمخالف لهم وتنرك الموافق؛ لأن هذا النوع من التعارض يدل على أن الرويات الموافقة لهم خرجت منهم عليهم السلام على نحو التقية وحفظ النفس من سلاطين الجور الذين كانوا يتربصون الدوائر بأئمة أهل البيت عليهم السلام ، لان أن الشيعة يتحرون مخالفة مذهب العامة ولو لم يدل دليل على الخلاف!!

(٢) الكافي للكليني رضوان الله تعالى عليه١ :٨ـ٩.

فكلام الكليني رضوان الله تعالى عليه صريح في أنه لا يعتقد مضمون أي رواية صحيحة في نظره إلاّ بعد عرضها على كتاب الله عزّ وجلّ ، فيدل هذا على اعتقاده عدم تحريف القرآن ، وإلا لما أعطى للقرآن القوامة على الروايات ، ويدل أيضا على رأية في وجوب طرح الروايات التي تعارض القرآن وتقول بتحريفه.

فاتضح أن من الظلم نسبة تحريف القرآن للكليني رضوان الله تعالى عليه ، مع أن روايته لا تدل على تحريف القرآن كما بينا ذلك ، وقد وضعها في باب النوادر أي شواذ الأخبار التي لا يعبأ بها ، ناهيك عن أنها تخالف كتاب الله عزّ وجلّ وقد قال الكليني رضوان الله تعالى عليه : أن ما خالف كتاب الله يرد ولا يؤخد به.

٥ ـ الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه كبقية الشيعة يقول بتحريف التنزيل والوحي المفسر للقرآن فلو سلمنا اعتماده على الرواية لوجب وضعها في خانة تحريف الوحي والتنزيل جمعا بين اعتقاد الصدوق عدم تحريف القرآن وقوله في اعتقاداته :

بل نقول أنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، وقال : إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية (١).

__________________

(١) أصول الكافي٢ : ٢٩٥كتاب فضل القرآن في النوادر ، أقول : هذه الرواية كانت ومازالت محل لغط الوهابية وهرجهم ، وقد أشرنا إليها فيما سبق ، حيث بينا أن بعضا من الوهابية توسل

وقال : ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن,ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كماأُنزل على نبيكّم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (١) (٣).

ومن النقطة الرابعة والخامسة يتضح جهل الوهابي (عثمان. خ) عندما حاول خدش اعتقاد الصدوق رضوان الله تعالى عليه بعدم تحريف القرآن بدعوى سكوته عن الرواية التي رواها! ، قال الوهابي :

أولهم الصدوق ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ، هذا الصدوق روى التحريف في كتابه وسكت عنه ، روى الصدوق في كتابه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن سورة الأحزاب ... الخ فنقل الرواية بتحريف فيها لا يضر معناها ، وكما ترى أراد الوهابي خدش اعتقاد الصدوق رضوان الله تعالى ولكن ما بيناه في النقطتين السابقتين يخبرنا عن جهله ، وقد نقل نفس الأمر عن الطوسي

__________________

بها لإثبات أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة باعتبار أن مصحف فاطمة عليها السلام ثلاثة أضعاف الموجود وكذا هو حال القرآن الذي نزل من السماء عند الشيعة فاتضح هنا القول الحق في المسألة وهو أن القرآن مع تنزيله حجمه ثلاثة أضعاف الموجود أي أن التنزيل يزيده إلى الضعفين ، ولكن الوهابية كما عودونا يقومون بنسج الأفكار في مخيلتهم ثم يكرون عليها!

(١) آل عمران : ١٨٧.

(٢) الاعتقادات : ٩٣.

رضوان الله تعالى عليه والجواب هو الجواب.

٦ ـ هذه الرواية لا يمكن إلزام الشيعة بها ولا الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه بعد وقوع كذاب في سندها ، وهو الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي.

قال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه : إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه بعد شهادة علي بن الحسن بن فضال بأنه كذاب ملعون ، المؤيدة بشهادة ابن الغضائري بضعفه.

وقال : ومع التنزيل عن ذلك ، فيكفي في ضعف الحسن بن على بن أبي حمزة شهادة الكشي بأنه كذاب. (١)

وقد تعامي الوهابي (عثمان. خ) عن حاشية الشيخ على أكبر غفاري في هامش نفس الصفحة التي أخذ منها الرواية ، قال غفاري : وروي الكشي عن محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني فقال : كذاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوّله إلى آخره ، إلاّ أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا. ونقله العلامة عن الكشي في الخلاصة.

وليس غريبا على من ينصب نفسه للافتراء ويحترف المكر والخداع أن يتهم بكل رواية وردت في المصنفات بلا مناقشه للسند من حيث الصحة والضعف ، مع أن روايات أهل السنة التي تفيد نفس المضمون من السقوط

__________________

(١) معجم رجال الحديث٥ : ١٥.

والتحريف لسورة الأحزاب صحيحة السند وليست بضعيفة.

٥ ـ كان الأجدر أن يتهم الوهابيون بني جلدتهم الذين حاروا في تأويل رواياتهم الصحيحة التي تفيد نفس المضمون من سقوط وتحريف سورة الأحزاب ، لا أن يتهموا الشيعة برواية ساقطة لا يقبلونها ، وحتى لو قبلوها فلها عندهم وجه معتبر يفسر هذا السقوط والتحريف!

تنبيه!

الشيعة لا تسمع لقول أي رجل يقوم بالتقاط بضع روايات من كتب الشيعة ثم ينسب مضامينها لعقيدتهم ، نعم الشيعة تعتمد كلمات أهل التحقيق والاجتهاد منهم في فهم الروايات والجمع بينها وبين القرآن الكريم وباقي القواعد ، وكثير من افتراءات الوهابية تنكسر على هذه الضابطة التي تحاول الوهابية غض الطرف عنها ، بل إن كل افتراءاتهم وأكاذيبهم تخر على وجهها وتخسأ عند هذا المبدأ الذي يتعامون عنه ، ونعيده لزيادة التأكيد :

إن الشيعة لا تقبل أن ينسب لها أي عقيدة أو أي رأي يؤخذ من رواية هنا أو هناك ، وإنما تقبل كلام أهل التخصص في فهم الروايات وكيفية جمعها وطرحها وأساليب التقديم والتأخير والمطلق والمقيد وغير ذلك الذي لا يتوفر إلاّ عند من له خبرة

بالقواعد الأصولية والعقائدية عند الشيعة ، لذا إذا أخذ المراجع والمحققون برأي معين حينها يصح أن ينسب للشيعة هذا الرأي بشكل مطلق. والآن يوجد من حولي عدة كتيبات للوهابية رأس مالها الروايات التي تصيدوها من كتب الحديث عند الشيعة ، ونسجوا عليها العقائد التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وبهذه الملاحظة أكون قد رددت عليها كلها مرة واحدة وبالجملة ، وقضي الأمر وقيل بعدا للقوم الظالمين.

وهنا تسلية أخرى ، وهي أيضا من النوع الثاني الذي ينشط الذهن فيها استغل الوهابي (عثمان. خ) قولا لأحد الأَخبارية يدعي فيه أن تحريف القرآن مما اجمعت عليه الشيعة ، فطبل هذا الوهابي وزمر على نغم هذا الإجماع المدعى!وقد انتشر بين صبيانهم ، ولا نريد أن نزيد في بيان سخف هذا الفتح الذي حققه قليل البضاعة ، فلنقنصر على عدة ملاحظات :

١ ـ أغفل الوهابي الإشارة والتنبيه حال نقله لكلمات الشيعة النافين للتحريف إلى عدم صحة دعوى الإجماع التي ذكرها في أول المسرحية ، وبالطبع لن يفعل؛لأنه بهذا يفوت عليه استغفال من حوله ، وهو المطلوب الأساس.

٢ ـ لو سلمنا أن الوهابي رزق بعضا من العقل والتفت إلى أن شيئا ما يريب هذا الإجماع ، لأنه لاينسجم مع قول أغلب علماء الشيعة بعدم التحريف ، فلماذا لم يسأل علماء الشيعة عنه؟!

٣ ـ قالوا إن هذا الإجماع منقول وليس بحجة؛لأن بعض العلماء كان يدعي الإجماع بمجرد جزمه بصدور رواية واحدة عن الإمام المعصوم عليه السلام قد أفتي بمضمونها بعض الفقهاء فيطلق إجماع الطائفة على الفتوى بدعوى أن الإجماع غايته إثبات رأي المعصوم ، وحيث تم إثباته فإن رأي من يضاده لا عبرة فيه ، فيقوم بإطلاق الإجماع ، وبعبارة مختصرة إن نقل الإجماع لايدل على أن دعوى الإجماع كانت عن حس ، بل بعلها كانت عن حدس.

وبهذا نسأل الله عزّوجلّ أن تتنبه الوهابية إلى نقطة مهمة ، وهي أن روايات مذهب أهل البيت عليه السلام وكلمات علماء الشيعة حفظ الله الباقين ورحم الماضين ، لا يكفي للخوض فيه قراءة متن الأجرومية أو أصول

الفقه لأبي زهرة أو قراءة تفسير ابن كثير أو المعهد الديني.

أقوال مراجع الطائفة القضاء الحتم والقول الفصل

لا مجال يمنة ويسرة بعد تصريح كل من تصدى لمقام مرجعية هذه الطائفة الحقة بأن القرآن لم تمسه يد التحريف ، وما استطاع أحد بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يحذف منه أو يزيد فيه ، وكما هو المعلوم فإن كلمة أحد هؤلاء الأعلام في زمنه تعبر عن رأي آلاف ، بل مئات الآلاف من افراد الشيعة اليوم واجتماع كلمتهم على عدم التحريف وانقراض ما شذ به البعض عن الجمهور ، وحيث ذاك فلا ريب أن هذه الطائفة مفترى عليها فرية نكراء شنعاء على يد اعراب مرجفين ، قال الله عزو جل :(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فيها إِلاَّ قَليلاً مَلْعُونينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتيلاً سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْديلاً) (١)

كلمات المراجع عليهم رضوان الله ورحمته

قبل ذكر كلمات فقهاء الطائفة أعلا الله كلمتهم نذكر ما أخرجه الكليني رضوان الله عليه في الكافي تحت عنوان رسالة أبي جعفر الباقر عليه السلام إلي سعد الخير ، إذ تضمن تلك الرسالة الشريفة :

__________________

(١) الأحزاب : ٦٠ ـ ٦٢

(( ..... دعا عباده في الكتاب إلي ذلك بصوت الرفيع لم ينقطع ، ولم يمنع دعاء عباده ، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله ، وكتب علي نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا ، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه ، وذلك من علم اليقين وعلم التقوي ، وكل أمة قد رفع الله عنهمعلم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه ، وكان من نبذهم الكتاب أن اقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية ، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون ، فأوردوهم الهوى وأصدروهم الي الردى وغيروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفة والصبا ، فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ، فبئس لظالمين بدلا ، ولاية الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ، فبئس لظالمين بدلا ، ولاية الناس بعد ولاية الله ، وثواب الناس بعد ثواب الله ، ورضا الناس بعد رضا الله ، فاصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة علي تلك الضلالة ، معجبون مفتونون ، فعبادتهم فتنه لهم ولمن اقتدى بهم ، الخ))(١)

__________________

(١) روضة الكافي : ٥٣ ح١٦، تحقيق علي اكبر غفاري ، اقول : قال الوهابي (عثمان. خ)في شريطه عن الشيعة : (ما ينقلون عن الائمة ولا رواية واحدة تقول بعدم التحريف ، بل ينقلون الفي رواية عن الائمة تقول بالتحريف (!!)والذين قالوا بعدم التحريف أو الذين ينقلون عنهم القول بعدم التحريف هم علماء يصيبون ويخطئون غير معصومين، أما المعصومون عندهم فنقلوا عنهم القول بالتحريف فيلزم الشيعة الأخذ بكلام معصومين دون الكلام غيرهم) وقال ايضا (إن الروايات التحريف ينقلونها عن المعصومين عندهم بينما الإنكار فلا يروون منه شيئا

وهذا المقطع الشريف (وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده) دال بوضع على أن القرآن لم تمسه يد التحريف ، وانما التحريف اقتصر على المعاني وصرفها عن تفسيرها الحقيقي ومراد الله منها ، ويتفق هذا مع ما قلناه من تحريفهم للتنزيل ، قال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه :

(وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه) وكلماته وإعرابه وصححوها وحفظوها عن التصحيف والتحريف ، (وحرفوا حدوده) واحكامه وجعلوا حلاله حرما وحرامه حلالا وولاية الحق مردودة وولاية الباطل مقبولة. (١)

__________________

عن المعصومين ، وانما هي اقوال لبعض علمائهم فهذا يَلزم أو يُلزم جميع الشيعة أن يقولوا بالتحريف اتباعا لأئمتهم المعصومين وبالتالي يخرجون من الاسلام(!!) أو يجب عليهم أن يتركوا التشيع الذي يشيع هذا الباطل).

اقول : الحمد لله أن كل كلمات هذا الوهابي لا تخلو عن جهل أو كذب ، فتلك الرواية التي نقلناها في المتن توقفنا على كذبه في ادعائه عدم وجود أي رواية واحدة وأما جهله فواضح لأن العلماء يبينون مراد المعصومين من الروايات التي وردت عنهم ، فلا يستقبل العالم برأيه ويقول : هذا رأيييأو استحساني أو ما تقضيه المصلحة ، كما يفعله علماء أهل السنة والوهابية ، فكل الكلام في دلالة تلك الروايات لا في صدورها بعضها.

(١) شرح اصول الكافي للمازندراني ١١: ٣٧٨ ط دار احياء التراث العربي

والاشكال بأن الرواية لا تثبت صيانة القرآن في زمن أبي بكر بل غاية ما تثبته هو إقامة حروف ما كان في زمن الامام الباقر عليه السلام ، اشكال غير وارد لأن سياق الرسالة من أولها الي آخرها يخاطب حال الأمة وما آلت اليه بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة ، وخير شاهد على ذلك هذا المقطع (وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون فأوردهم الهوى وأصدروهم إلي الردى وغيروها عرى الدين) ولا ريب أن المقصود بزمن تولية القرآن لغير أهله الزمن المتصل بسقيفة بني ساعدة وما بعده (١).

وهاهي کلمات مراجع الطائفة وفقهائها التي علیها المعول في نقل رأی

__________________

(١) حتي كان من هوان الدنيا على الله أن يتصدى الخلافة المسلمين من يحكم في دمائهم وأموالهم وفروجهم وهو لا يعرف معنى كلمة من القرآن!! كما صح السندعنه في تفسير الطبري ومصنف ابن أبي شيبة ٦: ١٣٦ ، ح٣٠١٠٥: (عن أنس أن عمر قال على المنبر: (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (عبس :٣١). ثم قال : هذه الفاكهة قد عرفناها! فما الأب؟!. ثم رجع إلي نفسه فقال: (إن هذا لهو التكلف يا عمر) ، وكذا ح٣٠١٠٧ (عن ابراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (عبس :٣١). فقال : أي سماء تظلني ونصف أرض تقلني اذا قلت في كتاب الله م لا أعلم؟!)، وكذا ح٣٠١٠٣ (عن الشعبي قال : أدركت أصحاب عبد الله وأصحاب علي ـ عليه السلام ـ وليس هم لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن ، قال : وكان أبو بكر يقول : أي سماء تظلني ونصف الأرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟!).

أقول : لا نقول تكلمنا فيما تجهلان! ولكن نقول : إن كان خليفة المسلمين المأمون على دمائهم وأموالهم وفروجهم يجهل مثل هذه الأمور فعلى المسلمين السلام!

المذهب :

شيخ المحدثين الصدوق : اعتقدنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلي الله عليه وآله هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مئة وأربع عشرة سورة ، وعندنا الضحى وألم نشرح سورة واحددة ، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب. وما روى من ثواب قراءة كل سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كله ، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة ، والنهي عن القِران بين السورتين في ركعة فريضة ، تصديق لما قلناه أيضا. (١)

الشيخ المفيد : وقد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص منه كلمة ، من آية، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله، وتفسير معانيه علي حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتا منزلا ، وإن لم يكن من جملة كلام الله الذي هو القرآن المعجز.

عندي أن هذا القول أشبه من مقال من أدعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، واليه أميل، والله اسأل توفيقه للصواب.

__________________

(١) الاعتقادات:٥٩ ـ ٦٠

وقال : وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الاعجاز ، ويكون ملتبسا عند اكثر الفصحاء بكلم القرآن ، غير انه لابد ـ متى وقع ذلك ـ من أ، يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ، ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل الى عدمه وسلامة القرآن منه. (١)

الشريف المرتضى : إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته، بلغت إلى حد لم يبلغه في ما ذكرناه ؛ لأن القرآن معجزة النبوية ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتي عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟!.

إن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة ، ككتابي سيبويه والمزني ، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها ، حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعُرف ومُيز ، وعلم أنه ملحق وليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في متاب المزني ، ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين

__________________

(١) اوائل المقالات في المذاهب المختارات: ٩١ ـ ٩٢. وانظر: ملحق رقم (٧)

الشعراء.

المحكي أن القرآن كان على عهد رسول الله صلي الله عليه وآله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن ، فإن القرآن كان يحفظ ويدرس جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنه كان يعرض على النبي صلي الله عليه وآله ويتلي عليه ...... وكل ذلك يدل بأدني تأمل أنه كان مجموعا مرتبا غير منثور ولا مبثوث.

وذكر أن من خالف في ذلك من الامامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته (١).

الشيخ الطوسي : وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضا ن ولأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه ، فالظاهر من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق الصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره السيد المرتضى قدس سره وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها ؛ لأنه يمكن تأويلها ، ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين ، فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٥

أحد من الأمة ولا يدفعه. (١)

الشيخ الطبرسي : فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه ؛ لأن القرآن معجزة النبوية ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟.

ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنه لايليق بالتفسير ، فأما الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : أن القرآن تغييرا ونقصانا .... والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدس الله روحه ـ واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات. (٢)

السيد ابن طاووس في رده على أبي علي الجبائي : فمن يا ترى ادعى اختلاف القرآن وتغيره؟ أنتم وسلفكم لا الرافضة على حد تعبيركم! ، ومن المعلوم من مذهبنا أن القرآن واحد نزل من عند الواحد ، كما صرح بذلك إمامنا جعفر بن محمد عليهما السلام (٣).

__________________

(١) التبيان في نفسير القرآن ١ : ٣.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٥.

(٣) سعد السعود : ١٤٤.

العلامة الحلي : في جوابه على ؤال هذا نصه : ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غير تربيته أم لم يصح عندهم شيء من ذلك؟ أفدنا أفادك الله من فضله ، وعاملك

__________________

اقول : ما قاله السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في رده على الجبائي استغله أحد الوهابية (عثمان. خ) فاتهمه باعتقاد تحريف القرآن في شريطه (الشيعة والقرآن) مقتصرا على نقل هذا المقطع فقط : (كلما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أن القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجه إلي سيدك عثمان ؛ لأن المسلمين أطبقوا على أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف وحرف واحرق ما عداه من المصاحف ، فلولا اعترف عثمان بأنه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف يحرق ، وكانت تكون متساوية)بدون نقل باقي العبارة وشطرها الأخير الذي فيه نفي التحريف عن الشيعة أو رافضة على حد تعبيرهم ، ثم من قال إن هذا القول الذي اقتصر عليه الوهابي الجاهل يدل على أنه يقول بتحريف القرآن؟! ، فكلام السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه كان في مقام إلزام الخصم بما عنده!!، وقد قال الوهابي الكذاب مسبقا في كتاب القرآن ودعاوى التحريف :١٠١ (وهذا ابن طاووس ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في القرن السابع قال : إن برأي الإمامية هو عدم التحريف. وهذا الله أعلم بنقله ، لأن المشهور عن ابن طاووس أنه يقول بالتحريف كما سيأتي)، فأين هذا المشهور الذي ادعاه الوهابي؟! لماذالم تأت الإشارة إليه كما زعم الكاذب عند كلامه عن السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه؟!، قال تعالى (قُلْ إِنَّ الَّذينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُون‏) (يونس:٦٩)

بما هو أهله.

فأجاب رضوان الله تعالى عليه : الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر (١).

السيد نور الله تستري : ما نسب إلى الشيعة الإمامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية ، وإنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم (٢).

الشيخ البهائي : الصحيح أن القرآن العظيم محفوظ ذلك ، زيادة كان أو نقصا ، ويدل عليه قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون) (٣) وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْك) (٤) (في علي) وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء. (٥)

__________________

(١) اجوبة المسائل المهناوية : ١٢١.

(٢) مصائب النواصب ، في مبحث أإمامة.

(٣) الحجر : ٩

(٤) المائدة : ٦٧.

(٥) آلاء الرحمن : ٢٦.

الشيخ جعفر الكبير : لا زيادة فيه من سورة ، ولا آية من بسملة وغيرها ، لا كلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب ، بل من الدين (١) ، واجماع المسلمين وأخبار النبي صلي الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام وإن خالف بعض من لا يعتد به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن (٢).

ولا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان ، كما دل عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظاهرها ، ولا سيما ما فيه نقص ثلث القرآن أو أكثر منه، فإنه لو كان كذلك لتواتر نقله ، لتوفر الدواعي عليه ، ولاتخذه غير أهل الاسلام من أعظم المطاعن على الإسلام واهله ، ثم كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه؟ ـ ثم قال ـ فلا بد من تأويلها بأحد الوجوه (٣).

__________________

(١) سلامة المصحف من الزيادة من الضروريات الدين ولا مرية في ذلك ، ولكن ليس من ضرورياته وجوب شموله لكل ما أنزله الله عزوجل من القرآن ، وإن كان وجوبه هو الحق الذي لا نشك فيه ، وقد اوضحناه سابقا ن وهذا التفصيل مفاد جواب لاستفتاء وجهناه إلي مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله تعالى.

(٢) لعله قصد طائفة من الخوارج الذين أنكروا قرآنية سورة يوسف عليه السلام بدعوى أنها قصة عشق!!

(٣) كشف الغطاء في الفقه ، كتاب القرآن : ٢٩٩.

العلامة الفاضل توني : والمشهور أنه محفوظ ومضبوط كما أنزل ، لم يتبدل ولم يتغير، حفظه الحكيم الخبير ، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١) (٢).

المحدث الفيض الكاشاني :وقع المحدث رضوان الله تعالى عليه موضع لغط وتهريج تلك الشرمذة الذين افتروا الكذب عليه ، كما افتروا على غيره بأنه يرى تحريف القرآن ، فأحببنا أن نبين حقيقة الأمر بما يلي:

قال في الصافي في تفسير القرآن : المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلي الله عليه وآله وسلم (٣).

وجد الوهابيون بهذه الكلمة ضالتهم المنشودة ، مع أنه عليه الرحمة قال : إن هذا هو المستفاد ، لا أن هذا هو رأيه في القضية ، ويدل عليه ما قاله في كتابه الوافي عند تعرضه لموضوع روايات التحريف :

وقد استوفينا الكلام في هذا المعني وفيما يتعلق بالقرآن في كتابنا الموسوم بـ (علم اليقين) فمن أراده فليرجع اليه (٤) ، وان رجعنا لكتابه علم اليقين نجده يقول بعد ذكره لكلام القمي وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر

__________________

(١) الحجر : ٩.

(٢) الوافية في الاصول : ١٤٨.

(٣) الصافي في تفسير القرآن ١ : ٤٤.

(٤) الوافي ٢ :٤٧٨

وسالم بن سالمة ما يلي:

اقول : يرد على هذا كله اشكال ، وهو أنه علي ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه ان تكون محرفة ومغيرة ، ويكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن لنا حجة اصلا، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به ، وأيضا قال الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيز) (١). وأيضا قال الله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (٢). وايضا قد استفاض عن النبي والأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله.

ثم قال : ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال ـ العلم عند الله ـ أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعني دون اللفظ ، أي : حرفوه وغيروه في تفسيره وتأويله ، أي : حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الامر ، فمعني قولهم ، كذا أنزلت ، أن المراد به ذلك لا ما يفهم الناس من ظاهره ، وليس مرادهم أنها نزلت كذلك في اللفظ ، فحذف ذلك إخفاء للحق ، وإطفاء لنور الله ومما يدل علي هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلي سعد الخير : وكان نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده. (٣)

__________________

(١) فصلت : ٤١.

(٢) الحجر : ٩.

(٣) علم اليقين ١ : ٥٦٢ وما بعدها.

قال الله عزوجل :(لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ) (١) وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٢). فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير؟! وأيضا قد استفاض عن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروى على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا فما فائدة العرض ، مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذب له ، فيجب رده والحكم بفساده (٣). وبهذا يحترق زخرف الوهابية ويبيِن كذبهم في نقلهم المتواصل لكلام الفيض رحمه الله.

ويؤكد الفيض الكاشاني عليه الرحمة موقوفه من التحريف في تفسسيره الأصفي عند تفسيره قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فقال مفسرا : ((من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان)) (٤).

ولا يخفي أن تسمية تفسيره بالأصفي يشير إلي أنه أدق وأكثر خلوصا من الصافي الذي نقلوا منه كلمة دلت بجهلهم على التحريف ، وأحد الوهابية صرح بأن كلام الفيض واضح في أنه يرى تحريف القرآن ؛ لأن اسم تفسيره هو الصافي! ، وجهل الوهابي أن كلامه في الصافي لا يدل على اعتقاده التحريف ،

__________________

(١) فصلت : ٤٢.

(٢) الحجر: ٩.

(٣) الوافي ١ : ٢٧٣ ، وقال مثله في المحجة البيضاء ٢ : ٢٦٤ ط الأعلمي.

(٤) الأصفي في تفسير القرآن : ٣٤٨.

هذا أولا وثانيا ان الفيض رضوان الله تعالى عليه عنده الأصفي وذكر فيه صيانة القرآن من التحريف.

السيد بحر العلوم الطباطبائي : الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على مرّ الدهور، وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد ، أنزله بلسان عربي مبين هدىً للمتقين وبيانا للعالمين. (١)

وثم ذكر تأويل الروايات التي تذكر أن القرآن ربعه أو ثلثه نزل في أهل البيت عليهم السلام ، وذكر تأويلها بما لا يتنافي مع حفظ القرآن من النقصان.

الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء : وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله للإعجاز والتحدي وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم (٢).

السيد الهمام شرف الدين الموسوي العاملي : والقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، إنما هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ، لا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا حرف بحرف ، وكل حرف من حروفه متواتر في كل جيل تواترا قطعيا إلى عهد الوحي والنبوة.

__________________

(١) الفوائد في علم الاصول ، مبحث حجية الكتاب.

(٢) هذا المورد وبعض مما يليه نقلناه من البرهان في صيانة القرآن : ٢٣٩ وما بعدها.

ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه ما افتراه بعض السذج علي الشيعة بتحريف القرآن : فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فإن القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته ، تواترا قطعيا عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام ، ولا يرتاب في ذلك إلا معتوه ، وأئمة أهل البيت كلهم أجمعون رفعوه إلي جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله عن الله تعالى، وهذا أيضا مما لا ريب وأقوي أدلة أهل الحق بحكم الضرورة الأولية من مذهب ألإمامية ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة ، وبذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ، ولا يأبهون بها عملا بأوامر أئمتهم عليه السلام (١)

__________________

(١) أجوبة مسائل موسى جار الله : ٣٣ ط صيدا عام ١٣٧٣ هـ ، السيد شرف الدين رضوان الله تعالى عليه ذهب غلى صحة كل ما ورد في الكتب الأربعة حيث قال : (الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية .... وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها) ، وها هو يصرح أن تلك الروايات عندما تصل إلي مرحلة الخدش بصيانة كتاب الله عزوجل من التحريف يضرب بظواهر تلك الروايات عرض الجدار ، ولا يعبأ بها وإن كانت في الكافي ؛ لأن قدسية كتاب الله عزوجل فوق تلك الكتب ، وهذا ما يعجز عن فعله أهل السنة ، فإن تلك الروايات التي سنذكرها فيما بعد بإذنه تعالى أخرج بعضها البخاري ومسلم ، ومع ذلك لا يتجرأ أحد ممن السنة ـ إلا من شذ ـ أن يرفض تلك

السيد محسن الأمين العاملي : ونقول : لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا :إن القرآن مزيد فيه ، قليل أو كثير ن فضلا عن كلهم ، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ، ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه.

السيد البروجردي الطباطبائي : قال الشيخ لطف الله الصافي عن استاذه آية الله السيد حسين البروجردي : فإنه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول كما كتبنا عنه بطلان القول بالتحريف وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وإن الضرورة قائمة علي خلافه ، وضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سندا ودلالة.

الشيخ المظفر : نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم فيه تبيان كل شيء ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية لا يعتريه التبديل والتحريف ، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو

__________________

الروايات ، ويحكم بعدم صحتها حتى ولو خدشت في صيانة كتاب الله عزوجل من التحريف ، ونؤكد أنا لا ننسب لجمهور أهل السنة القول بتحريف القرآن ، كما يفعل الوهابية مع الشيعة ، وإنما نبين أن بعض الروايات عندنا وعندهم تدل علي التحريف بالمثل، ولكن محققي الإمامية يرفضون هذه الروايات الواردة في كتبهم ، واما علماء أهل السنة ـ للأسف ـ فيصححونها حفاظا على قدسية البخاري ومسلم ، وكأنه لا ضير في تحريف قول الله سبحانه لرفع أقوال وروايات السلف الصالح!!

نفس القرآن المنزل على النبي ، ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه وكلهم على غير هدى ، فإنه كلام الله الذي (لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِه) (١). (٢)

السيد محسن الحكيم الطباطبائي : وبعد فإن رأي كبار المحققين ، وعقيدة علماء الفريقين ، ونوع المسلمين من صدر الإسلام إلي اليوم على أن القرآن بترتيب الآيات والسور والجمع كما هو المتداول بالأيدي ، لم يقل الكبار بتحريفه من قبل ولا من بعد.

السيد محمد هادي الميلاني : الحمد لله وسلام علي عباده الذين اصطفي ، أقول بضرس قاطع : إن القرآن الكريم لم يقع فيه أي تحريف ، لا بزيادة ولا بنقصان ولا بتغيير بعض الألفاظ ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعني بآراء وتوجيهات وتأويلات باطلة لا تغيير الألفاظ والعبارات ، وإذا اطلع أحد على رواية وظن بصدقها وقع في اشتباه وخطأ ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.

الشيخ الحجة البلاغي : ولئن سمعت من الروايات الشاذة شيئا في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك الروايات وزنا ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في الروايات الواهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس

__________________

(١) فصلت : ٤٢

(٢) عقائد الإمامية : ٥٩ ـ ٦٠.

له شبه به (١).

الإمام روح الله الموسوي الخميني : قال رضوان الله تعالى عليه في معرض رده على بعض الأخباريين ، حيث زعموا عدم حجية ظواهر القرآن الكريم واستدلوا بوجوه : منها وقوع التحريف في القرآن الكريم ، وهذا نص ما ذكره قدس الله نفسه الزكية في أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية :

وهذا ممنوع بحسب الصغرى (٢) والكبرى : أما الأولى : فلمنع وقوع التحريف فيه جدا ، كما هو مذهب المحققين من علماء العامة والخاصة والمعتبرين من الفريقين (٣) ، وإن شئت شطرا من الكلام في هذا المقام فارجع إلى مقدمة تفسير آلاء الرحمان للعلامة البلاغي المعاصر ـ قدس سره ـ.

وبالجملة : لو كا الأمر كما ذكره هذا وأشباهه ، من كون الكتاب الإلهي مشحونا بذكر أهل البيت وفضلهم ، وذكر أمير المؤمنينو إثبات وصايته وإمامته ، فلم لم يحتج بواحد من تلك الآيات النازلة والبراهين القاطعة من

__________________

(١) آلاء الرحمن في تفسير القرآن : ١٨.

(٢) أن القرآن الكريم قد حُرف.

(٣) كلامه أعلى الله مقامه يشير إلى أن هناك من قال من الفريقين بتحريف القرآن ، ولكنهم غير معتبرين عند الطرفين ، مع العلم أن من قال بتحريف القرآن من أهل السنة معتبرون عندهم وفي أعلى درجات العلم والفضل ، كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى، نعم ما كان أحد ممن قال بتحريف القرآن من الشيعة مرجعا للطائفة ، وعامة الشيعة كانت ومازالت تلتف حول المرجع دون غيره.

الكتاب الإلهي أمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ـ عليهم السلام ـ وسلمان وابوذر ، وعمار ، وسائر الأصحاب الذين لا يزالون يحتجون على خلافته عليه السلام؟! ولم تشبث ـ عليه السلام ـ بالأحاديث النبوية ، والقرآن بين أظهرهم؟! ولو كان القرآن مشحونا باسم أميرالمؤمنين وأولاده المعصومين وفضائلهم وإثبات خلافتهم ، فبأي وجه خاف النبي ـ صلي الله عليه وآله ـ في حجة الوداع آخر سنين عمره الشريف واخيرة نزول الوحي الإلهي من تبليغ آية واحدة مربوطة بالتبليغ ، حتى ورد أن (الله يعصمك من الناس)؟! ولم احتاج النبي ـ صلي الله عليه وآله ـ إلى دواة وقلم حين موته للتصريح باسم علي عليه السلام؟! فهل رأى أن لكلامه أثرا فوق أثر الوحي الإلهي؟!

وبالجملة : ففساد هذا القول الفظيع والرأي الشنيع أوضح من أن يخفي على ذي مسكة ، إلا أن هذا الفساد قد شاع على رغم علماء الإسلام وحفاظ شريعة سيد الأنام. (١)

وقال أيضا في تقريرات بحثه في تهذيب الأصول : فان الواقف على عناية المسلمين على جمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة ويقف على بطلان تلك المزعمة ، وأنه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة ، وما وردت فيه من الأخبار ، بين ضعيف لا يستدل به ، إلى مجعول يلوح منها إمارات الجعل ، إلى غريب يقتضى منه العجب ، إلى صحيح يدل على أن مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب

__________________

(١) أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٧

حافل ، ولولا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تاريخ القرآن وما جرى عليه طليلة تلك القرون واضحنا لك أن الكتاب هو عين ما بين الدفتين ، والاختلافات الناشئة بين القراء ليس إلا امرا حديثا لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين (١).

السيد أبوالقاسم الخوئي : ومما ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله ، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه حب القول به. والحب يعمي ويصم ، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته (٢).

__________________

(١) تهذيب الأصول ٢ :١٦٥.

أقول : مع كل هذا تجد افتراء الوهابية امتد للإمام الخميني قدس الله نفسه الزكية واتهموه باعتقاد تحريف القرآن!! بدعوى أنه رضوان الله تعالى عليه صحح دعاء صنمي قريش الذي فيه مقطع (وحرفا كتابك) ، وهذا لو سلمنا به فهل كل مشتقات مادة (حرف) تعني تحريف اللفظ بالإزالة والإلغاء؟! ألا يوجد تحريف للمعني؟! وتحريف المعنى ذكره المفسرون في تفسيره هذه الآية الكريمة (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) (البقرة :٧٥)، فلماذا حصر الوهابية التحريف في الدعاء بتبديل اللفظ وإزالته لا غير؟!

(٢) تفسیر البیان : ٢٥٩.

أقول : ولكن الوهابي (عثمان. خ) كذب علي السيد الخوئي رضوان الله تعاى عليه وأراد التنقيص من قدره الشريف عندما حرف كلامه في شريطه(الشيعة والقرآن) قائلا: (الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ يقول بعدم التحريف ويقول : القول بتحريف القرآن قول خرافة لم يقل به أحد)فحرفها الوهابي بعد تعداده لأسماء من زعم أنهم قالو بتحريف القرآن من

__________________

الشيعة يريد بذلك اقناع الأعراب من حوله أن السيد رضوان الله تعالى عليه كذب عندما قال (لم يقل به أحد)!!، ولكن الوهابي الكذاب (عثمان. خ) حسب أن الله عزوجل غافل عما يعمله ، فهاهي كلمات السيد أمامنا ولا يوجد فيها (لم يقل به أحد)؟!!، فاتضح من هو الكذاب الأشر ، والسيد رضوان الله تعالى عليه قال إن حديث تحريف القرآن حديث خرافة أي لا يعبر عن الواقع بل هو محض خيال والسياق الذي حذفه الوهابي شاهد على هذا المعني ، فأين هذا من نفي أو إثبات قول أحد به الذي نسبه الوهابي كذابا للسيد؟!!.

وقد كذب هذا الوهابي (عثمان. خ) مرة أخري على السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه ونسب له قولا لم يقله ، واحالك إلي مصدره لتعلم أنه كاذب! ، ففي السياق نفسه من الشريط حاول الكذاب النيل من صدق السيد الخوئي في دفاعه عن صيانة القرآن من التحريف قائلا : (يقول عن التقسير القمي المليء بالتحريف ، يقول إن الروايات تفسيره كلها ثابتة عن المعصومين وصادرة عنهم لأنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقات ، وهذا قاله في معجم رجال الحديث)، ولو تراجع معجم رجال الحديث لعلمت أن هذا ليس قول السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه كما ذكر الكذاب الأشر ، قال في معجم رجال الحديث ١: ٤٩ : (فإن علي بن ابراهيم يريد بما ذكره إثبات صحة تفسيره ، وأن رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام ، وإنها إنتهت إليه بواسطة المشايخ والثقات من الشيعة) ، فاقول بصدور تلك الروايات عن المعصومين ليس كلاما للسيد رضوان الله تعالى عليه وإنما هو كلام القمي رضوان الله تعالي عليه كما هو صريح العبارة!!، فلماذا الكذب جهارا عيانا يا وهابي؟!. وفي السياق السابق بتر هذا الوهابي كلاما آخر للسيد رضوان الله تعالى عليه وبينه بصورة أخري مغايرة للواقع يريد بذلك النيل من السيد ، فقال الوهابي : (وقال كذلك هذا

__________________

الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ عن الروايات التحريف إن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الإطمئنان بذلك ومنها ما روي بطريق معتبر وهذا قاله في كتاب البيان : ٢٢٢)، ولكن لو راجعنا المصدرلوجدناه بهذه الصورة : (الجواب : إن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعني المتنازع فيه ، وتوضيح ذلك : إن كثيرا من الروايات ، وإن كانت ضعيفة السند فإن جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري ، الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه، وأنه يقول بالتناسخ ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر العلماء الرجال أنه كذاب ، وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدورها بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك ، وفيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها)،فبدأ بعرض الروايات وبيان أنها لا تدل على تحريف القرآن بالنقص أو الزيادة في النص القرآني وإنما تدل على تحريف التنزيل الذي ذكرناه سابقا ، وقد نقلنا قوله رضوان الله تعالي عليه فيه،فالسيد لم يقل تلك الكلمة التي اقتصرعليها الوهابي إلا لعدم تكلف مناقشة سند كل رواية على حدة وإن كانت كلها لا تدل في نظر السيد على تحريف القرآن كما هو صريح قوله رضوان الله تعالى عليه ، ولكن الوهابي بتر الكلام وقطع أوله وأراد تفهيم من حوله أن السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه يقول بصدور روايات التحريف عن الأئمة عليهم السلام!!، ويقول في آخر الوجه الأول منه : (وحتي نكون أمينين في نقلنا وهذه عادتنا ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها علينا وهذه عادة أهل السنة)!!، قال تعالى (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُون) (البقرة :٩)‏

السيد محمد حسين الطباطبائي : فقد تبين مما فصلناه أن القرآن الذي أنزله الله علي نبيه صلي الله عليه وآله ووصفه بأنه ذكر محفوظ على ما أنزل ، مصون بصيانة إلهية عن الزيادة والنقيصة والتغيير ، كما وعد الله نبيه فيه. (١)

السيد محمد رضا الكلبايكاني: وقال الشيخ لطف الله الصافي دام ظله : ولنعلم ما أفاده العلامة الفقيه والمرجع الديني السيد محمد رضا الكلبايكاني بعد التصريح بأن ما في الدفتين هو القرآن المجيد ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، والمجموع المرتب في عصر الرسالة بأمر الرسول صلي الله عليه وآله ، بلا تحريف ولا تغيير ولا زيادة ولا نقص وإقامة البرهان عليه: أن احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبلهالعقل وهو مستقل بامتناعه عادة.

الشيخ لطف الله الصافي : القرآن معجزة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم ، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قد عجز الفصحاْءعن الإتيان بمثله وبمثل سورة أو آية منه ، وحير عقول البلغاء وفطاحل الأدباء.

هذا القرآن هو كل ما في الدفتين ، ليس فيه شيء من كلام البشر ،

__________________

(١) تفسير الميزان ١٢ :١٠٥.

وكل سورة من سوره وكل آية من آياته متواتر مقطوع به ولا ريب فيه ، دلت عليه الضرورة والعقل والنقل القطعي المتواتر ، هذا هو القرآن عند الشيعة الإمامية ، ليس إلي القول فيه بالنقيصة فضلا عن الزيادة سبيل ، ولا يرتاب في ذلك إلا جاهل ، أو مبتلى بالشذوذ الفكري. (١)

وبعد كل هذه التصريحات من أعاظم وأساطين علماء الشيعة وفقائهم ، من دارت عليهم رحى الجتهاد والمرجعية للآلاف المؤلفة من الشيعة طيلة ألف سنة ، يأتينا الوهابية ويقولون : الشيعة يعتقدون تحريف القرآن! ألم ينته عصر الكذب بعد؟!

ولنذكر هنا قول أحد مشايخ أهل السنة ، وهو محمد التيجاني المستبصر ، وهو يحكي لنا شعوره حينما كان على مذهب العامة ومدى التضليل الذي كان يمارس عليهم في مسألة تحريف القرآن :

وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل ،وليس له في المعتقدات الشيعة وجود ـ إلى قوله ـ وأتذكر أني عندما زرت بلاد الشيعة للمرة الأولى كان في ذهني بعض هذه الإشاعات ، فكنت كلما رأيت مجلدا ضخما تناوله علّني أعثر على هذا القرآن المزعوم ، ولكن سرعان ما تبخر هذا الوهم وعرفت فيما بعد أنها إحدى التشنيعات المكذوبه لينفّروا الناس من الشيعة.

ولكن يبقي هناك دائما من يشنع ويحتج على الشيعة بكتاب اسمه فصل

__________________

(١) الموارد التي لم نذكر مصادرها أخذناها من البرهان في صيانة القرآن من التحريف.

الخطاب في تحريف الكتاب ،ومؤلفه محمد تقي النوري الطبرسي المتوفي سنة ١٣٢٠ هجرية وهو شيعي ، ويريد هؤلاء المتحاملون أن يحملوا الشيعة مسوؤلية هذا الكتاب! وهذا غير إنصاف! فكم من كتب كتبت ، وهي لا تعبر في الحقيقة إلاعن رأي كاتبها ومؤلفها ، ويكون فيها الغث والسمين ، وفيها الحق والباطل ، وتحمل في طيها الخطأ والصواب ، ونجد ذلك عند كل الفرق الإسلامية ولا يختص بالشيعة دون سواها ، وهو في الواقع ألصق وأقرب بأهل السنة والجماعة منه إلي الشيعة ، أفيجوز لنا أن نحمل أهل السنة والجماعة مسوؤلية ما كتبه وزير الثقافة المصرى وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي؟! أو ما رواه البخاري ـ وهو صحيح عندهم ـ من نقص في القرآن وزيادة؟ وكذلك صحيح مسلم وغيره؟ ،

__________________

(١) لأكون مع الصادقين :١٦٨ ـ ١٦٩

أقول : إلى الآن ما استطاع أحد من أهل السنة أن يراد على كتب التيجاني ، وخاصة كتابه (ثم اهتديت) وأما الوهابية : الإنصاف أنهم ردوا عليه بأدلتهم المعتادة ، فقد أوسعوه شتما وركلا وتكذيبا! ولكثرتها تعثرت يوما ببعض الكتيبات التي لا تفوح منها إلا رائحة الطعن والسباب ، وبعضها حشا كاتبها (عثمان. خ) جملة (هذا كذب) في إيراد على التيجاني حتى كررها الوهابي ، فصارت كلمة تكرارية سخيفة تمج منها الأسماع وتؤذي نظر القارئ المحترم ، ولما صارت هذه الكلمة هي الرد الممل حاول الكاتب ان يتخلص من الرتابة بإطراءالجو وإنعاش القارئ فصار يطعم استدلاله القوي (هذا كذب) ببعض الأشعار التي فيها ذكر للكذب وللكذابين!! ولله في خلقه شوؤن! وقد تسليت بعض الشيء بعد كلمة (كذب) ومشتقاتها في هذا الكتيب الذي عدد صفحاته ثمانون صفحة لو قسناها بورقنا ، فاتضح أنها

أقول لا حياة لمن تنادي!

المنصفون من أهل السنة ينفون هذه الفرية عن الشيعة

لو اقتصر تكذيب هذه الفرية على أكابر الشيعة لكان من العجب أن يتمسك أولئك الأعراب بافترائهم ، ولكن ما يصدم العقل البشري أن كثيرا من علماء أهل السنة نفوا تلك الفرية عن الشيعة جملة وتفصيلا ، ومع ذلك تصدم بأن الوهابية ـ نعوذ بالله العظيم مما ابتلاهم الله به من سوء سريرة ـ صموا وعموا حتى عن أقوال بني جلدتهم وأهل الفضل منهم ، وهذه بعض كلماتهم :

يقول الشيخ محمد أبو زهرة : القرآن بإجماع المسلمين هو حجة الإسلام الأولي وهو مصدر المصادر له ، وهو سجل شريعته ، وهو الذي يشتمل على كلها وقد حفظه الله تعالى إلى يوم الدين كما وعد سبحانه إذ قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١). وإن إخواننا الإمامية على اختلاف منازعهم

__________________

تكررت مئتان وخمس مرات! والحق إن لهذا الوهابي أسلوبنا جميلا في الإبطال والتكذيب يستحق أن يدرس في جامعات الدجل والشعوذة ، فلو نقل التيجاني حديثا ما عن عدة مصادر ، وكان الحديث ينقص بكلمة أو بما لا يخل بمعناه في أحد تلك المصادر التي ذكرها التيجاني نحو حديث الصلاة البتراء ، لكذبه الكاتب وقال : هذا كذب ، لأن الحديث لم يرد في المصدر!!.

(١) الحجر : ٩.

يرونه كما يراه كل المؤمنين (١).

وقال : إن الشريف المرتضي وأهل النظر الصادق من إخواننا الإثني عشرية قد اعتبروا القول بنقص القرآن أو تغييره أو تحريفه تشكيكا في معجزة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتبروه إنكارا لأمر علم من الدين بالضرورة. (٢)

وقال الشيخ رحمة الله الهندي : القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية اللثني عشرية محفوظ من التغيير والتبديل ، ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه ، فقوله مردود غير قبول عندهم. (٣)

وقال الشيخ محمد الغزالي : سمعت من هؤلاء يقول في مجلس علم : أن للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف! فقلت : أين هذا القرآن؟! ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يساق هذا الافتراء؟ ....... ولماذا هذا الكتاب على الناس وعلى الوحي. (٤)

__________________

(١) الإمام صادق : ٢٦٩.

(٢) نفس المصدر :٣٢٩.

(٣) إظهار الحق : تعليق الدكتور أحمد حجازي : ٤٣١.

(٤) دفاع عن العقيدة والشريعة.

أقول : لأن تشوية مذهب أهب البيت عليهم السلام يحول دون فهم الناس الصحيح ، والوهابية تعلم أن مذهبهم الذي ابتدعه ابن عبد الوهاب لا يصمد ـ ولو قليلا ـ أمام فكر وعظمة مدرسة أهل البيت عليهم السلام أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،

وقال محمد علي الزعبي : لقد اتفق المسلمون ـ ويجز في قلبي الألم حين أصفهم بالسنة والشيعة بعد أن دعاهم الله مسلمين ورضي لهم الإسلام دينا ـ اتفقوا على عصمة القرآن وحفظه منذ عهد نزوله حتى الآن ، فالسنيون على تعداد مذاهبهم الفقهية المعروفة ، والتي أصبحت في ذمة التاريخ ، والشيعة ،سواء أكانوا إمامية اثني عشرية أو زیدیة أو إسماعيلية : بهرة أم موحدين أم آغاخانية ..... جميعهم ينظرون كتاب الله الموجود بين أيدي الناس معصوما محفوظا كما أنزل ، ويعتقدون أنه هو نفسه الذي أنزله الله لرسوله محمد صلي الله عليه وآله وسلم ووصل الناس دون زيادة أو نقص ، نعم هذا ما اتفق عليه مسلموالعالم في جميع عصورهم وهذا ما سجله مؤلفوهم ومحققوهم ومخلصوهم ، ولو أردنا أن نقول للقارئ راجع كتاب كذا وصفحة كذا لأذهبنا سجلا بأسماء الكتب (١).

وقال البهنساوي: إن الشيعة الجعفرية الاثني عشرية يرون كفر من حرف القرآن الذي أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام ... وإن المصحف الموجود بين أهل السنة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة ، وأنه لا يوجد منهم في عصرنا من يقول بما جاء في بعض كتبهم القديمة عن مصحف فاطمة ، بل يقولون : إن هذه الروايات غير صحيحة مردودة ، كما أن

__________________

وقد ذكرنا ذلك في المقدمة.

(١) لا سنة ولا شيعة :٢٣٩.

أئمة الشيعة في عصرنا يؤكدون ذلك. (١)

وقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية : وأما أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن ، فمعاذ الله. إنما هي روايات رويت في كتبهم ، كما روي مثلها في كتبنا. وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها ، وبينوا بطلانها ، وليس في الشيعة الإمامية أو زيدية من يعتقد ذلك ، كما أنه ليس في السنة من يعتقده.

وقال أيضا : وقد ألّفت أحد المصريين كتابا اسمه (الفرقان) حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المفروضة ،ناقلا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة ، وقد طلب الأهزر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه ، فاستجابت

__________________

(١) السنة المفترى عليها : ٦٠.

أقول : إن قصد أن كتب الشيعة تنص على أن مصحف فاطمة عليها السلام هو قرآن الشيعة ، فهذا الكلام غير صحيح ، وهي من الإشاعات التي حيكت على مذهب أهل البيت عليهم السلام ، والحق أن الشيعة الإمامية يعتقدون أن لفاطمة عليها السلام كتابا يسمي في كلمات أئمة أهل البيت عليهم السلام بـ مصحف فاطمة لا يوجد فيه شيء من القرآن ، وإنما فيه أخبار من يملك والحوادث الآتية علي الناس ، وليس بقرآن للشيعة كما يحاول الوهابية إرادتها على السذج متوسلين بتسميته باسم (مصحف) الذي يتبادر منه القرآن في عرفنا اليوم ، مع أن المصحف في اللغة تعني ما جمع في الصحف سواء كانت صحفا كتب فيها قرآن أم غيره ، ولكن الوهابية يخادعون ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب ، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضا ، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.

أفيقال : إن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو الكتاب ألفه فلان؟ فكذلك الشيعة الإمامية ، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا (١).

قال الدكتور محمد عبد الله دراز : ومهما يكن من أمر فإن هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي ، بما فيه فرق الشيعة ، ومنذ ثلاثة عشر قرنا من الزمان ، ونذكر هنا رأي الشيعة الإمامية ـ أهم فرق الشيعة ـ ثم ذكر كلام الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه (٢).

قال الدكتور علي عبد الواحد وافي : يعتقد الشيعة الجعفرية كما يعتقد أهل السنة أن القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل المنزل علي رسوله المنقول بالتواتر والمدوّن بين دفتي المصحف بسوره وآياته المترتبة بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وأنه الجامع لأصول الإسلام عقائده وشرائعه وأخلاقه ، والخلاف بيننا وبينهم في هذا الصدد يتمثل في أمور شكلية وجانبية لا تمس النص القرآني بزيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تبديل ، ولا تثريب عليهم في أعتقادهم. (٣)

__________________

(١) مجلة رسالة الإسلام العدد رابع من السنة الحادية عشرة : ٣٨٢ و ٣٨٣.

(٢) مدخل إلي القرآن الكريم : ٣٩ ـ ٤٠

(٣) بين الشيعة وأهل السنة : ٣٥.

وقال أيضا : أما ما ورد في بعض مؤلفاتهم من آراء تثير شكوكا في النص القرآني وتنسب إلي بعض أئمتهم ، فإنهم لا يقرونها ويعتقدون بطلان ما تذهب إليه ، وبطلان نسبتها إلي أئمتهم ، ولا نعدها من مذهبهم ، مهما كانت مكانة رواتها عندهم ومكانة الكتب التي وردت فيها ..... وقد تصدي كثير من أئمة الشيعة الجعفرية أنفسهم لرد هذه الأخبار الكاذبة وبيان بطلانها وبطلان نسبتها إلي أئمتهم ، وأنها ليست من مذهبهم في شيء. (١)

وقال الدكتور محمد عزة دروزة : وبحيث يمكن القول بجزم ـ بناء على ذلك ـ إن ما ورد فى الروايات التي جلها وكلها غير وثيق السند مع ذلك من زيادات أو نقص في الكلمات والآيات والسور ، ومن مخالفة لترتيب لم يثبت عند الملأ من اصحاب رسول الله ، وناتج عنهم وهم وخطأ ، ولبس وعدم تثبت فأهمل ، ومنه ما يصح القول بقوة : إنه مخترع ومدسوس بنية سيئة وقصد مغرض. وجمهور العلماء والمؤلفين مجمعون على هذه الحقئق بدون الخلاف ، ومن جملة ذلك علماء ومؤلفو الشيعة الإمامية. (٢)

وقال مصطفي رافعي : والقرآن الكريم هو الموجود الآن بأيدي الناس من غير زيادة ونقصان. وما ورد من أن الشيعة ألإمامية يقولون بأن القرآن قد اعتراه النقص ....... هذا الإدعاء أنكره مجموع علماء الشيعة الأعلام ... فالقرآن الكريم ـ إذن ـ هو عصب الدولة الإسلامية ، تتفق مذاهب أهل

__________________

(١) نفس المصدر : ٣٧ ـ ٣٨.

(٢) القرآن والملحدون : ٣٢٢. ط المكتب الإسلامي الأولي ١٣٩٣ هـ.

السنة مع مذهب الشيعة ألإمامية على قداسته ووجوب الأخذ به. وهو نسخة موحدة لا تخلف في حرف ولا رسم لدى السنة واليعة الإمامية في مختلف ديارهم وأمصارهم (١).

وها قد أوردنا كلمات علماء الإمامية ومراجعهم في سلامة القرآن من التحريف وأتبعناهم بالآخرين من علماء أهل السنة ، وكلهم متفقون على تكذيب من يرمي الشيعة بهذه الفريقة ، وكلماتهم واضحة صريحة في اعتقاد الشيعة بسلامة القرآن من التحريف من ألفه إلى يائه ، بى زيادة أو نقصان ، ومن نسب لهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر عليهم ، وبعد أن شهد شاهد من أهلها ، هل بقي مجال للادعاءات الباطلة والافتراءات الزائفة؟!

كذب ابن حزم والوهابية!

وإن تعجب فعجب سلاطة لسان ابن حزم وقساوة حدته ، حيث قال في كتابه الفِصَل : ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه كثير وبدل منه كثير.

وهذه جرأة ما بعدها جرأة ، فيا الله كيف نسب هذا الكذاب الأشر لأعيان الشيعة كلهم أجمعين أكتعين القول بالتحريف؟! ويا ليته كذب فنسب التحريف بالنقص لهم ،ولكنه تجاوز حدود الإفتراء والدجل بقوله : إن الشيعة تعتقد تبديل القرآن والزيادة عليه ما ليس منه!! بل هو كثير كثير في نظرهم!!

__________________

(١) إسلامنا : ٧٥.

ولم يقل بهذا أحد من الشيعة منذ خلق الله الأرض ومن عليها وهذا لعمر الله أحد أنواع الكذب النادرة التي تستحق أن تحفظ في خزانة غرائب الأكاذيب ، وقد انبرى الشيخ الهمام الأميني بنفي تلك الفرية الكالحة الشائنة فقال عليه الرحمة والرضوان في كتابه الغدير الأغر :

ليت هذا المتجرئ ظاشار إلى مصدره فريته من الكتاب للشيعة موثوق به ، أو حكاية من عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزنا ، او طالب من رواد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم ، بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جالهم أو قروي من بسطائهم ، أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عوانه. لكن القارئ إذا فصح ونقب لا يجد في الطليعة الإمامية إلا نفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقائده ، والشيخ المفيد ، وعلم الهدى الشريف المترضي الذي اعترف له الرجل بنفسه ، وليس بمتفرد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفل وشيخ الطائفة الطوسي في تبيانه ، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم. فهؤلاء أعلا م الإمامية وحملة علومهم الكائلين لقواميسهم وعقائدهم قديما وحديثا يوقفونك على مَين الرجل فيما يقول ، وهذه فرق الشيعة وفي مقدمتهم الإمامية مجمعة إلي أن ما بين الدفتين هو ذلم الكتاب الذي لا ريب فيه وهو المحكوم ليس إلا. (١)

وكذا رده السيد محسن الأمين رضوان الله تعالى في أعيان الشيعة : لا يقول أحد من الإمامية لا قديما ولا حديثا أن القرآن مزيد فيه قليل أو كثير

__________________

(١) الغدير ٣ : ١٣٥ ط الأعلمي.

فضلا عن كلهم ، بل كلهم متفقون على عدم الزيادة ومن يعتد بقوله من المحققين متفقون على أنه لم ينقص منه.

وقال ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ على الله ورسوله والذين استثناهم ـ ابن حزم ـ وقال إنهم ينكرون الزيادة والنقصان في القرىن ويكفرون من قال بذلك هم أجلاء علماء الإمامية وإن كذب في دعوى التكفير الذي يكيله للناس في كتابه بالصاع الأوفى وقد تعود عليه قلمه ولسانه (١).

__________________

(١) أعيان الشيعة ١ : ٤١ ، وكلام السيد في دعوى كيله التكفير للعلماء وللناس صحيح ، لشهرته عن ابن حزم ن فهذا ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان يذكر نبذة من أخلاقه في ترجمته ٣ رقم ٤٤٨ (ابن حزم الظاهري) في : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ (وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين ، لا يكاد يسلم أحد من لسانه ، فنفرت عنه القلوب ، واستهدف لفقهاء وقته ، فتمالأوا على بغضه ، وردوا قوله وأجمعوا علي تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامهم من الدنوا إليه والأخذ عنه ، فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهي غلي بادية لَبْلبة فتوفي بها).

وذكر أيضا في ١ : ١٦٩ ت ٦٨ فقال ابن خلكان عن المترجم له (ابن العريف) : (كان من كبار الصالحين والأولياء المتورعين وله مناقب مشهورة. وكان العباد وأهل الزهد يألفونه ويحمدون صحبته وحكي بعض المشايخ الفضلاء أنه رأي بخطه فصلا في حق أبي محمد علي بن أحمد المعروف ابن حزم الظاهري الأندلسي ، قال فيه : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين ، وإنما قال ذلك لأن ابن حزم كان كثير الوقوع في الأئمة المتقدمين

وبعض الوهابية (عثمان. خ) وهو من يلوك بكل جد واجتهاد ما لفظته أفواه أسياده ، تعجب من النفي العلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه لهذه الفرية بهذا التكذيب القاطع والمستميت في حال وجود بعض نفر من علماء الشيعة قالوا بتحريف القرآن ، فقام الوهابي بالتهكم والتلويح بأن الكذب من عادة علماء الشيعة وهذا قاله في الوجه الأول من شريطه (الشيعة والقرآن) الممليء بالفتراءات والجهالات ، وجهل هذا المستحق لزكاة العلم أن ابن حزم افتري على الشيعة كلهم وبأجمعهم تحريف القرآن بالزيادة والتبديل لا بالنقيصة ، وهذا كذب صريح وافتراء فاضح ، وكما قلنا إن الوهابية يستغلون بساطة من يلتفون حولهم ، بل الوهابي نفسه افترى على الشيعة بفرية سيده ابن حزم فقال الوهابي :

كل هذه الثاء من الله على صحابة ثم يأتي أولئك القوم فيقولون هم كفار هم منافقون هم مرتدون ، طيب والقرآن؟، قال القرآن محرف زيد فيه ونقص منه ، كل المثالب التي طعن عليهم بها أزالوا من القرآن ، كل المدح الذي تجدونه في القرآن إنما مما أضافوه.

أقول :مَن قال من علماء الشيعة أن القرآن قد زيد فيه مدح الصحابة الأبرار عليهم رضوان الله تعالى؟!، لماذا هذا الكذب؟!، ومع هذا وغيره من الأكاذيب التي طفح بها الوهابي شريطه يختمه مخاطبا الشيعة :

__________________

والمتأخرين لم يكد أحد) انتهى.

وأخيرا نقول ن لماذا الكذب؟ قال النبي صلي الله عليه [وآله]وسلم : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدي الى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتي يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب (!) فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإ، الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. وإن صاحب الدعوة الصحيحة لا يكذب وإن صاحب الباطل لا يصدق)) ، فأنت إذن صاحب الباطل حيث لم تصدق! ، وقد مر وسيمر بعض من كذبه ، الذي أحببنا نقله لأن بعضه يحتاج بيانه إلي مقدمات طويلة.

أما جهله فواضح ، لأن الشيعة لا يقولون إن آيات الثاء عنى الله عز وجل بها كل من رأى النبي صلي الله عليه وآله وسلم ، فمن غير المعقول أن تكون هذع الآية الكريمة (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سيماهُمْ في‏ وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى‏ عَلى‏ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظيما) (١)

قد عني بها الله عز وجل الصحابة الذين قال فيهم : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً في‏ قُلُوبِهِمْ إِلى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُون) (٢)

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) التوبة : ٧٧.

وقال : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ) (١) وقال : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى‏ عَذابٍ عَظيم) (٢) وقال : (وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‏ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (٣) وقال : (بَشِّرِ الْمُنافِقينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَليم) (٤) وقال (إِنَّ الْمُنافِقينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏ يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَليلاً مُذَبْذَبينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى‏ هؤُلاءِ وَلا إِلى‏ هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبيلا) (٥)، وقال (إِنَّ الْمُنافِقينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصيراً) (٦) وقال (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ وَلَوْ تَرى‏ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَريق) (٧) فهل يوجد سفه وسخف أشنع من هذا؟!

__________________

(١) التوبة : ٩٧.

(٢) التوبة : ١٠١.

(٣) النساء :٦١.

(٤) النساء : ١٣٨.

(٥) النساء: ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٦) النساء : ١٤٥.

(٧) الأنفال : ٤٩ ـ ٥٠.

التقية ، الورقة الأخيرة!

فتاوى المراجع وتصريحاتهم كانت ومازالت حرابا وأسنة في وجه الأعراب ، تمزق افتراءاتهم وتبعثر خزعبلاتهم ، فلم يجدوا أحدا من مراجع التقليد ومحققي الطائفة إلا نافيا لفريتهم منكلا بها رادا وكارا على من يدعيها ، فلجاء الوهابية للرجم بالغيب والترخصات والتكهنات ، فقالوا : إن علماء الشيعة كلهم طيلة أكثر من ألف سنة قالوا بعدم التحريف تقية! وكانت هذه التقية محكمة لدرجة أن أحدا منهم لم يشذ فيصرح بما يكنه في صدره من الحقيقة ، ولو في لحظة من لحظات الغصب والعاطفة الجياشة! بل حتى الشخصيات التي يزعم الوهابية أنهم كانوا من كبار علماء الشيعة ، وتركوا التشيع لم يكشفوا ذلك الأمر الخطير ومازالوا يكتمونه!!، فلماذا لم نجد أحدا منهم اعترف أنه كان يقول بعدم التحريف تقية حينما كان شيعيا! (١)

وهذا لعمرى آخر حلم الوهابية ، فالعلم بما تكنه الصدور وتقر به القلوب لا يعلمه إلا الله عزوجل ومن أذن له ، فأنا لهم العلم ـ سواء هم أو غيرهم من الشيعة ـ بما تخفيه الصدور؟! أم كيف يركن عاقل لدعوى بلا دليل أو برهان قائمة على تخرص وادعاء؟!

وتنبه أحد علماء أهل السنة لسخافة ما قاله الوهابية وتشبثهم بقشة التقية فدفع هذه الشبهة التي يرددها أصحاب الموقف الخاسر في معركة الافتراء والتكفير ، فقال :

__________________

(١) انظر ملحق رقم (٨).

إنه لا يجوز شرعا لأحد من المسلمين أن يرد ما جاء في كتب الشيعة من روايات تبطل القول بتحريف القرآن وتؤكد وحدة المصدر النبوي للتشريع ، بادعاء أن أصحاب هذه الأقوال قالوها من باب التقية لأن النبي صلي الله عليه [وآله]وسلم قد وضع الحكم القاطع في ذلك في جوابه على أسامة بأن المشرك نطق بالشهادة متعوذا بها من السيف فقال النبي :

((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)) وأيضا قول النبي لخالد بن الوليد: ((إني لم أومر أن أنقلب في قلوب الناس ولا أشق بطونهم)). (١)

هذا الكلام ينتفع به من يقيم للموازين الشرعية والعلمية وزنها ، ولا نظن أن من فتح كل دكة ودكان للافتراْ والبهتان يلتفت لهذا الأمر!

__________________

(١) السنة المفترى عليها : ٦١ ط ١٩٧٩. ويختم الدكتور البهنساوي هذا الفصل في كتابه بمقطع عنوانه (حوار حول دعوى تحريف الشيعة للقرآن) وقد أورد فيه رسالة بعثها الدكتور إلي الشيخ محمد مهدي الآصفي حفظه الله يسأله عن صحة ما كتبه (إ. ظ)و (م. خ) وغيرهما من كتب تذهب إلى أن لـدي الشيعة مصحفا ليس فيه حرف واحد ، وقد أجابه الشيخ الآصفي برسالة طويلة يبين فيها افتراء هؤلاء الناس وتجنيهم على الشيعة وبين فيها عقيدة الإمامية في القرآن الكريم واستغرق فيها بعض الروايات ويبن ضعف سندها ، وهذه الرسالة كتبها البهنساوي كاملة في كتابه السنة المفترى عليها : ٦٦ ، ومن يهمه الحق ويميل لمعرفته فليراجعها هنك.

ختام البداية!

ولنسألهم بعد كل هذه المعمعة من التكفير ، التبديع ، وفلان قال أو لم يقل ، هل انفرد الشيعة الإمامية بوجود بضع نفر قالوا بتحريف القرآن؟

ولكي نجيب على هذا السؤال وتتضح الحقيقة ، آثرنا أن نعقد الأبحاث الآتية التي نخلص منها إلى أن الأحرى والأجدر هو نسبة التحريف لمذهب أهل السنة بمبانيهم ورواياتهم التي اعتمدوها وبتنوها وساروها عليها ، فلا تكاد ترى عيناك مسندا أو مصنفا إلا وفيه سقوط آيات وضياع قرآن وإنكار لقراءة آية في المصحف ، بل إن أقوال علمائهم صريحة في سقوط الآيات وضياعها وفقدان كثير من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اعترف أكابر علمائهم أن من الصحابة والتابعين من كان يدين لله بتحريف القرآن ، ناهيك هن علوم القرآن التي يستفاد منها وقوع التحريف وسنبدأ بها ثم نختم بالتحريف الصريح وأقوال وأسماء أكابر سلفهم الذين ذهبوا للقول بتحريف القرآن ، فلنبدأ بحول الله وقوته بالبسملة من قبلها (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيم) (١).

__________________

(١) النحل : ٩٨.

الفصل الثاني / أهل السنة وتحريف القرآن

وهو علي قسمين

القسم الأول : التحريف غير الصريح

القسم الثاني : التحريف الصريح

القسم الأول

تحريف القرآن غير الصريح

لا ينكر أحد من أهل العلم أثر علوم القرآن في فهم نصوصه واستنباط أحكامه ، فالناسخ والمنسوخ وأسباب النزول لهما مدخلية في بين المراد الله عزوجل من الآيات وليس هذا موضوع بحث وإنما الكلام هنا عن الأثر الذي تضيفه العلوم القرآنية على نفس كلماته وألفاظه دون التعدي إلى مداليها وما يستفاد منها ن وبعبارة أخري سنقصر النظر في هذه المطالب على خصوص ما تميله علوم القرآن عند الفريقين من سلامة ألفاظه من التحريف بالزيادة أو نقص في مادتها.

المستفاد من نتيجة البحث في علوم القرآن

ومع استعراض جزئيات مباحث علوم القرآن التي تمس صيانة القرآن من التحريف يتضح لنا من هو الأجدر بنسبة تحريف القرآن لمعتقده فالكلام كله دائر مدار المرتكزات في كل من مذهب آل البيت عليهم السلام ومذهب أهل السنة ، والمستفاد من هذه الأبحاث الاطلاع على التحريف بثوبه العام المتجسد بمباحث علوم القرآن التي بها يقع القرآن بكامله وبجميع نصوصه تحت مطرقة وسندان ما زج به في علوم القرآن ، فلو استفيد التحريف من تلك العلوم فإن كل آيات القرآن بلا استثناء تزحزح عن مقامها الراسخ ويسفّ بها إلى حضيض عالم التشكيك والتبديل ، لأن علوم القرآن المبحوثة

هنا لا تمس آية دون أخرى.

ولا يلزم من نسبة قولا ما لأي مذهب أن جميع من انتسب لهذا المذهب قد قال به ، فنحن لا جرم نتنزه عن أسلوب الوهابية هذا ، فلا نجحف بمن خالف القول السائد ، بل ستنقل أقوال بعض المخالفين له ، نعم النسبة تكون للعموم والمتعارف فيما بينهم أي النسبة للأغلب لا اكل ، وهذا نلتزم به مع السنة والشيعة على حد سواء.

وأول هذه المباحث ترتيبا هو الكلام في الأحرف السبعة ومن ثم جمع القرآن ومن بعده القراءات القرآنية وآخرها هو نسخ التلاوة.

المبحث الأول

الأحرف السبعة

موضوع الأحرف السبعة من المواضيع الشائكة ، ومن استرق السمع في ميدان الأخذ والرد فيها يستعشر ملالة الموضوع وطول نفس من خاص فيه ى لأن بعض من خاضوا فيه تكلموا بآرائهم الشخصية بعيدا عن الأدلة ومقتضى القواعد العلمية ، فراج سوق من لا يملك سوى التقول على الله عزوجل بغير علم والجزم بلا تحرج!

ومن الواضحات التي لا تحتاج إلي إطالة أن علوم القرآن لها أثر بالغ في إثبات نزاهة القرآن الكريم وقداسته ، وأهمها مقامنا هذا لما سيثمر عنه من نتائج وآراء ، إذ هي طاعنة بقداسة القرآن الكريم في الصميم ، وبإختصار فإن علوم القرآن التي نسبتها روايات بعض الفرق ومشوا في ظلامها صارت حجر عثرة ووصمة عار في جبين القرآن ، للأسف.

أهل السنة ومعني الأحرف السبعة

ما هي الأحرف السبعة؟

هذا السؤال معضل ومتشابك الأطراف لكثرة تضاربهم في تحديد ماهية تلك الأحرف السبعة ، وبنظرة عابرة في كتب علوم القرآن نجد أن كتّابهم قبل أن يخوضوا في هذا المبحث يمهدون بمقدمة مفادها أن هذا البحث مؤذ والخوض فيه ليس من السهولة بمكان ، ومعهم الحق في ذلك.

وعلى أي حال فإن هذه المباني من علوم القرآن وغيرها ليست من المباني العقلية التي يصح للعقل البت فيها منفردا عن النصوص الشرعية ، فهي تأسيس من الشريعة ، لذلك يلزم مراجعة رأي الشارع المقدس في تحديد ماهيتها ، فالحكم الفصل في المسألة هي النصوص الشرعية وإلا نقف متحيرين.

وبما أن النصوص الشرعية تدور في فلك الآيات والأحاديث ، استقرأنا آيات القرآن فلم نجد أي دليل فيها يشير من قريب أو بعيد إلى المطلوب فتعين لنا الشق الآخر وهي الروايات.

وبعد الوقوف على نوع الديل المعول عليه في إجابة السؤال المطروح عن ماهية الأحرف السبعة ، ونقول : إن النظر في مدلول روايات أهل السنة حول الأحرف السبعة ينادى بإبهام وغموض ماهية الأحرف السبعة ، وهاك تفصيل الكلام.

السبب في إبهام ماهية الأحرف السبعة

كان سبب دخول الأحرف السبعة في حيّز علوم القرآن وجود بعض

الروايات في صحاح أهل السنة ، فمفهوم الأحرف السبعة استفاض نقله من طرقهم عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ، بل ادعي تواتر روايتها أبو عبيد بن سلام في فضائل القرآن ورد عليه الأستاذ الزرقاني في مناهله فقال:

وكأن هذه الجموع التي يؤمن تواطؤها على الكذب هي التي جعلت الإمام أبا عبيد بن سلام يقول بتواتر توافر جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة من طبقات الرواية ، وهذا الشرط إذا كان موفورا هنا في طبقة الصحابة كما رأيت فليس بموفر لدينا في الطبقات المتأخرة (١).

وكان من الطبيعي حال ورود هذه الكثرة من الروايات أن يحدد بها معنى الأحرف السبعة ، ولكن يا حسرة! تلك الروايات غير متفقة في المعني وتضاربها على أشده سواء أكان في تحديد معناها أو في عدد الأحرف نفسها حتي أشكل المقصود منها على كثير من علمائهم وتاهوا في دوامة تلك الأحرف.

إذن فعله الإبهام هو قصور الأدلة ، ولنذكر هنا مناقشة معني تلك الروايات ، والمناقشة ستكون على ثلاثة محاور:

المحور الأول : اختلاف الروايات في عدد الأحرف

(حرف واحد)

__________________

(١) مناهل العرفان للأستاذ الزرقاني ١ : ١٣٢ ط الحلبي الثالثة.

ـ كنز العمال : أتاني جبريل فقال : اقرأ القرآن على حرف واحد (١).

(ثلاثة أحرف)

ـ المستدرك على الصحيحين : عن سمرة عن النبي صلي الله عليه وآله قال : أنزل القرآن على ثلاثة أحرف. (٢)

ـ كنز العمال : أنزل القرآن على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ، ولا تحاجوا فيه فإنه مبارك كله فاقرؤوه كالذي أقريتموه. (٣)

(أربعة أحرف)

ـ كنزل العمال : أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام ، لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسر العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله ، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب (٤).

(خمسة أحرف)

ـ تفسير الطبري : عن عبد الله بن مسعود قال : إن الله أنزل القرآن على

__________________

(١) كنز العمال ٢: ٥٤ ، ح ٣٠٩ (ابن منيع عن سليمان بن صرد)

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٣٣ وعلق عليه الحاكم بـ(قد احتج البخاري برواية الحسن عن سمرة واحتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة وهذا الحديث صحيح وليس له علة)ومسند أحمد ٥ :٢٢.

(٣) كنز العمال ٢ : ٥٣ ، ح ٣٠٨٨(ابن الضريس عن سمرة) وح ٣٠٨٧ (حم،طب،ك عن سمرة).

(٤) كنز العمال ٢ : ٥٥ ، ح ٣٠٩٧ (ابن جرير وأبو نصر السجزي عن ابن عباس وقال ابن جرير: في إسناده نظر. ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس).

خمسة أحرف : حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحل الحلال وحرّم الحرام واعمل بالمحكم وآمن بالمتشابه واعتبر بالأمثال. (١)

(سبعة أحرف)

ـ صحيح البخاري ومسلم : عن عبد الرحمان بن عبد القاري أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها وكان رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم أقرأنيها ، وكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم قلت : إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها ، فقال لي : أرسله. ثم قال له : إقرأ ، فقرأ. قال : هكذا أنزلت ، ثم قال لي : اقرأ. فقرأت، فقال : هكذا أنزلت ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر (٢).

ـ مستدرك الحاكم :عن ابن مسعود عن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف (٣).

__________________

(١) تفسير الطبري ١ : ٢٤ ط دار الحديث.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٠ ، و ٦ :١٠٠ ، و ٨ : ٥٤ ، و ٨: ٢١٥ ، صحيح مسلم ٢: ٢٢، سنن أبي داود ١ :٣٣١ ، مسند أحمد ١ : ٢٤ و : ٤٣، وسنن النسائي ٢ : ١٥١ ، السنن الكبري ٢ : ١٤٥ ن و :٣٨٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين ١ : ٥٥٣ وعلق عليه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

(عشرة أحرف)

ـ كنزالعمال : انزل القرآن على عشرة أحرف ، بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومثل ومحكم ومتشابه وحلال وحرام (١).

وهذا أول من وجوه التضارب في الأدلة ، ولا قيمة لرأي دون رأي المشرع في التوفيقات ، لذا لا يعترض بأن أهل السنة اتفقوا على أنها سبعة أحرف ، لأن بعضها تدعي خلاف ذلك وهي صحيحة السند.

المحور الثاني : التضارب في معني الحرف

اختلف الروايات في المقصود من الحرف إلي معنيين :

المعني الأول : نزول آيات القرآن على سبعة أشكال مترادفة في المعنى

ويدل علي هذا المعني الغريب كثير من الروايات الصحيحة في مصنفات أهل السنة ، وهو رأي المشهور بين العلماء أهل السنة ، ولننقل هنا الروايات عليه :

عن سليمان بن صرد ، عن أبي بن كعب قال : قرأت آية وقرأ ابن مسعود قراءة خلافها فأتينا النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فقلت : ألم تقرأني آية كذا وكذا؟ قال ابن مسعود : ألم تقرأنيها كذا وكذا؟ قال: بلى. قال : كلاكما محسن مجمل. قلت : ما كلانا أحسن ولا أجمل! فضرب في صدري وقال :

__________________

وأخرجه باختلاف يسير في ٢: ٢٩٠ ، وفي كنز العمال ١ : ٥٤٩ و ٥٥٣.

(١) كنز العمال ٢ : ١٦ ، ح ٢٩٥٦ (السجزي عن علي).

يا اُبي! أقرئت القرآن ، فقيل لي : على حرف أم على حرفين؟ فقيل لي : على حرفين أم ثلاثة؟ فقال لي الملك : الذي معي على ثلاثة. فقلت : ثلاثة؟ حتي بلغ سبعة أحرف ، قال : ليس فيها إلا شاف كاف. قلت : غفور رحيم ، عليم حليم ، سميع عليم ، عزيز حكيم. (١)

ـ أتاني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف. فقلت : أسأل الله معافاته ومغفرته فإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاني ثانية فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن علي حرفين. فقلت : أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءني ثلاثة فقال لي : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقلت أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. فجاءني الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا. (٢)

ـ عن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم قال أتاني جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فقال جبرئيل عليه السلام اقرأ القرآن على حرف واحد فقال ميكائيل استزده فقال اقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة. (٣)

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٣٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢٤ ، سنن أبي داود ١ : ٣٣٢ باختلاف يسير ، وفي كنز العمال ٢ : ٥٢ ، ح ٣٠٨٠ و ٦٠٣.

(٢) كنزالعمال ٢ : ٥٠ ، ح ٣٠٧٤ (د،ن عن أبي بن كعب).

(٣) مسند أحمد ٥ : ٤١.

ورواية أخري عن أبي بكرة توضح مقصود السابقة : قال ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ : كل شاف كاف ما لم تختموا آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك تعال ، وأقبل ، وهلم ، واذهب ، وأسرع ، وأعجل. (١)

هذه الروايات تعطي للأحرف السبعة معنى صريحا لا يقبل التأويل وهو إمكان قراءة القرآن بألفاظ متعددة متغايرة على سبعة أنحاء وكلها من القرآن وقد ذهب لهذا الرأي جمهور علمائهم سلفا وخلفا وسيأتي ذكر بعض منهم بإذنه تعالى ، وعلى أي حال فرواياتهم في هذا المعني صريحة.

المعني الثاني : الآيات القرآنية مدارها على سبعة مضامين

ذكرت بعض رواياتهم في معني ألأحرف السبعة أن آيات القرآن مفرزة إلى سبعة أقسام من المعاني والمضامين ، وكما ترى فإن هذا المعني متضارب مع المعنى السابق ومباين له ، ولا بأس باستغراق شيء منها:

عن ابن مسعود، عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال : نزل الكتاب الأول من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجرا ، وآمرا ، وحلالا ، وحراما ، ومحكما ومتشابها ، وأمثالا فأحلوا حلاله وحرموا حرامه ، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله ، واعلموا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا. (٢)

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٥١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١ : ٥٣٣ وعلق بـ(هذاالحديث صحيح ولم يخرجاه) وأخرجه

عن عوف بن أبي قلابة قال : بلغني أن النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم قال : أنزل القرآن على سبعة أحرف : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل (١).

وباقي الروايات التي تبينهذا المعنى من الأحرف قد مرت سابقا ، وكان فيها بدلا عن سبعة أحرف خمسة وعشرة وأربعة أحرف أ ـ أح ، فلا نعيدها.

إذن تحصل إلي هنا أن الأحرف في روايات الطائفة الأولى تعني إمكانية تغيير ألفاظ الآيات لمعانيها المترادفة ، وأما روايات الطائفة الثانية فتفيد أن آيات القرآن مقسمة إلى حرام وحلال ... إلخ ، والقسم الأول على ضوئه تتغير كلمات القرآن وتكون بحالة عائمة متغيرة تبعا لمزاج قارئ بشرط أن لا يغير المعنى السياقي للآيات ، وأما القسم الثاني ففيه ثبوت لألفاظ القرآن كما هو الآن ولكن ىياته مفرزة لمعان متعددة ، وشتان ما بينهما.

المحور الثالث : التضارب في مدلول نف الروايات المتفقة في المعنى

والملاحظ ان التضارب امتد إلى نفس الروايات التي اعتمدها أهل السنة لبيان معنى الأحرف السبعة وهي روايات التي تتحدث عن إمكانية قراءة الآية بأكثر من شكل!، إذ لم تتفق الروايات في كيفية زيادة

__________________

الحاكم في ٢: ٢٩٠ بزيادة (وما يذكر إلا أولوا الألباب)، والطبري في تفسيره ١ :ط دار الحديث سنة ١٩٨٧ ، وكنز العمال ١ : ٥٤٩ و : ٥٥٣.

(١) تفسير الطبري ١ : ٢١ ، وعنه في كنز العمال ٢ : ٥ ، ح ٣٠٩٧.

الأحرف حرفا بعد حرف حتى بلغت سبعة أحرف ، مما يجعل تلك الروايات عرضة لسهام الشك والترديد وهذا يحول دون قبولها على علاتها.

بيان التضارب فيما ذكرناه من الروايات :

بلحاظ الروايات السابقة نجد أن الرواية البيهقي تقول : إن الاختلاف حدث أول الأمر بين أبي بن كعب وابن مسعود وأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حسّن قراءتهما معا ، وأن ملكا جاء إليه صلي الله عليه وآله وسلمو خيره بين أن يقرأ القرآن على حرف أو حرفين ، فكان الملك الآخر يرشد النبي صلي الله عليه وآله وسلم ليختار الأكثر حتى بلغ سبعة أحرف.

وأما رواية مسند أحمد ففيها أن الملكين هما جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ، ولكن جبرئيل عليه السلام لم يخير الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وإنما أمره بالقراءة على حرف مباشرة ، وأن ميكائيل عليه السلام لم يخاطب النبي صلي الله عليه وآله وسلمبل وجّه أمره إلي جبرئيل نفسه حتى بلغ جبرئيل سبعة أحرف ، وهذا مغاير لما رواه البيهقي!

وأما رواية كنز العمال ففيها أن جبرئيل كان بمفرده بدون ذكر ميكائيل وأن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هو الذي طلب الرخصة بقراءة القرآن على أحرف المتعددة للتوسعة على الأمة لأن الأمة لا تقدر على قراءته على حرف واحد ، وفيها أيضا أن جبرئيل كان ينطلق ويعود ثلاث مرات ثم جاء في الرابعة فاستزاده دفعة واحدة من أربعة أحرف إلى سبعة!

ومن ثم نجده متناقضا مع ما رواه أحمد في مسنده عن أبي بن كعب : فقال رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم: يا أبي! إن الملكين أتياني فقال أحدهما : إقرأ على

حرفین. فقال الآخر : زده فقلت : زدني ، قال : إقرأ على حرفين. فقال ألآخر : زده. فقلت : زدني : قال : إقرأ على ثلاثة. فقال الآخر : زده. فقلت : زدني. قال : إقرأ على أربعة أحرف. قال الآخر : زده. قلت : زدني. قال :إقرأعلى خمسة أحرف. قال الآخر : زده قلت : زدني. قال إقرا على ستة. قال الآخر زده. قال : إقرأ على سبعة أحرف. فالقرآن أنزل على سبعة أحرف (١).

ففيها أن الزيادة كانت من جبرئيل بإشارة من ميكائيل وكانت الزيادة بالتدريج حرفا إثر آخر من حرف واحد إلى أن أتم سبعة أحرف.

وفي رواية أخرى في كنز العمال : إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه أن هوّن على أمتي ، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هوّن إليه على أمتي ، فأرسل إلي أن أقرأه على سبعة أحرف (٢).

وهي تدل على أن الزيادة كانت بدعاء وطلب من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لا أن الملكين خيّراه أو أن الله عزوجل طلب منه ذلك!

وكل هذا الاضطراب في النقل يتناقض بالجملة مع ما رواه الترمذي في سننه عن نفس أبي بن كعب الذي رويت عنه المتناقضات قال : لقي رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم جبرئيل فقال : يا جبرئيل! إني بعثت إلى أمة أميين ، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط ، قال : يا محمد! إن القرآن أنزل على سبعة أحرف. (٣)

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ١٢٤.

(٢) كنز العمال ٢ : ٥١ ، ح ٣٠٧٦.

(٣) سنن الترمذي ٤ : ٢٦٣.

المستفاد منها أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم شكا لجبرئيل حال أمته بأن فيهم الشيخ الكبير والعجوز والغلام فأخبر جبرئيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم بأن القرآن قد نزل مسبقا على سبعة أحرف ، وعلى هذا ، أين ذهبت زده ، فزادني ، فازددت؟! 

وبمضمون رواية الترمذي روى أحمد بن حنبل في مسنده عن حذيفة : إن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم قال : لقيت جبرئيل عليه السلام عند أحجار المراء ، فقال يا جبرئيل! إني أرسلت إلى أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لا يقرأ كتابا قط. فقال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف (١).

ثم تأتي رواية أخرى تنسف مضمون كل هاتيك الروايات فتصدمها من الأساس ، ورويت عن نفس حذيفة! وتسرد نفس الحادثة وهي لقاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لجبرئيل عند أحجار المراء وهي : لقي النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم جبرئيل عليه السلام وهو عند أحجار المراء فقال : إن أمتك يقرأون القرآن على سبعة أحرف ، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علّم ولا يرجع عنه. قال أبي ، وقال ابن مهدي : إن من أمتك الضعيف فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٤٠٠.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٣٨٥.

وهذه الروية تنهي عن عدول القارئ من أحد الحروف السبعة إلى غيرها ، فأين التخيير والقول بأن : كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بعذاب أو آية عذاب برحمة؟!

وعلى ما مر يتضح وجه الخلل في المرويات وتعارضها فيما بينها الذي يحول دون الاعتماد عليها ، حتى أن أكابر علماء أهل السنة وأساطين علوم القرآن ـ منهم ـ توقفوا في إجلاء المقصود منها فحكموا بإشكال معني تلك الأحرف الذي حتم عليهم وألجأهم إلى إحالة أمرها إلى علام الغيوب!

كلماتهم في معنى الأحرف السبعة :

كلمات بعض المتخبطين :

وصلت استمجازات القوم في تفسير معنى الأحرف السبعة إلى أربعين قولا وذلك إلى زمان العلامة جلال الدين طوسي ، والله العالم إلى أي عدد وصلت اليوم:

وفي النهاية الأمر يأتي السيوطي (ت ٩١١ هـ) فيومئ إلى أن تفسيرات الحديث ـ أوجه السبعة ـ بلغت أربعين ولكنه لا يذكر منها سوى خمسة وثلاثين أكثرها متداخلة ومنها أشياء لا يفهم معناها على الحقيقة وأكثرها معارضة حديث عمرو هشام بن حكيم الذي في الصحيح. (١)

ولننقل هنا ما في الإتقان من وجوه الاختلاف والتضارب في معناها :

__________________

(١) تاريخ القرآن : ٣٦ د. عبد الصبور شاهين.

قال ابن حبان : اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا! فمنهم من قال : هي زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال. الثاني : حلال وحرام وأمر ونهي وزجر وخبر ما هو كائن بعدُ وأمثال. الثالث : وعد وعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج. الرابع : أمر ونهي وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال. الخامس : محكم ومتشابه وناسخ وو منسوخ وخصوص وعموم وقصص. السادس : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل. السابع : أمر ونهي وحد وعلم وسر وظهر وبطن. الثامن : ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورغم وتأديب وإنذار. التاسع : حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات. العاشر :أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص. الحادي عشر : حلال وحرام وأمثال وأنباء ومنصوص وقصص وإباحات. الثاني عشر : ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال. الثالث عشر : أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار. الرابع عشر : مقدم وموخر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال. الخامس عشر : مفسر ومجمل ومقضي وندب وحتم وأمثال. السادس عشر : أمر حتم وأمر ندب ونهي حتم ونهي مرشد ووعد ووعيد وقصص. السابع عشر : أمر فرض ونهي حتم ونهي مرشد وأمر ندب ونهي مرشد ووعد ووعيد وقصص. الثامن عشر : سبع جهات لا يتعداها الكلام : لفظ خاص أريد به الخاص ، ولفظ عام أريد به العام ، ولفظ عام أريد به الخاص ، ولفظ خاص أريد به العام ، ولفظ يستغني بتنزيله عن تأويله ، ولفظ لا يعلَم فقه الا العلماء ، ولفظ لا يعلم معناه الا الراسخون. التاسع عشر : إظهار الربوبية ، وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية ، والتعبد لله ومجانبة الإشراك ، والترغيب في الثواب

والترهيب من العقاب. العشرون : سبع لغات ، منها خمس من هوازن واثنتان لسائر العرب. الحادي والعشرون : سبعة لغات متفرقة لجميع العرب ، كل حرف منها لقيبلة مشهورة. الثاني والعشرون : سبع لغات ، أربع لعجز هوازن : سعد بن بكر ، وجشم بن بكر ، ونضر بن القوم وثلاث لقريش. الثالث والعشرون : سبع لغات : لغة قريش ولغة يمن ولغة لجرهم ولغة لقضاعة ولغة لتميم ولغة لطيئ. الرابع والعشرون : لغة الكعبين : كعب بن عمرو وكعب بن لؤي ولهما سبع لغات. الخامس والعشرون : اللغات المختلفة لأحياء العرب في معني واحد ، مثل : هلم وهات وتعال وأقبل. السادس والعشرون : سبع قراءات لسبعة من الصحابة : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ـ عليه السلام ـ وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب. السابع والعشرون : همز وإمالة وفتح وكسر وتخفيم وو مد وقصر. الثامن والعشرون :تصريف ومصادرو عروض وغريب وسجع ولغات مختلفة كلها في شيء واحد. التاسع والعشرون : كلمة واحدة تعرب بسبعة أوجه ، حتى يكون المعنى واحدا ، وإن اختلف اللفظ فيه. الثلاثون : أمهات الهجاء : الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب. الحادي والثلاثون : أنها في أسماء الرب مثل : الغفور الرحيم ، السميع البصير ، العليم الحكيم. الثاني والثلاثون : هي آية في صفات الذات ، وآية تفسيرها في آية أخري ، وآية بيانها في السنة الصحيحة ، وآية في قصة الأنبياء والرسل ، وآية في خلق الأشياء ، وآية في وصف الجنة ، وآية في وصف النار. الثالث والثلاثون: آية في وصف الصانع ، وآية في إثبات الوحدانية له ، وآية في إثبات صفاته ، وآية في إثبات رسله ، وآية في إثبات كتبه ، وآية في إثبات الإسلام ، وآية في نفي الكفر.

الرابع وثلاثون : سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكليف. الخامس والثلاثون : الإيمان بالله ومباينة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله. (١)

فقد أشكل حل معظلة هذا الحديث ـ الأحرف السبعة ـ على فطاحل علماء علوم القرآن عندهم ، فهذا ابن جزري بعد جهد جهيد ولنحو نيف وثلاثين سنة يرجو أنه قد توصل لحل لغز وطلسم الأحرف السبعة ، وهو الإمام الرمز في علوم القرآن والمعتمد عليه في القراءات واليك نص كلامه :

ولا زلت أستشكل هذا الحديث ـ الأحرف السبعة ـ وأفكر فيه وأمعن النظر من نحو نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله على بما يمكن أن يكون صوبا إن شاء الله تعالى ، وذلك إني تتبعت القراءات صحيحها وضعيفها وشاذها فإذا هي يرجع اختلافها غلى سبعة أوجه. (٢)

فإذا كان هذا حال ابن جزري فما ظنك بعياله؟، وهنا سؤال يطرح نفسه ، على أي من تلك الآراء نحكم القرآن؟

كلمات بعض من تحرز الدخول في المزلقة

قلنا : إن بعض العلماء أهل السنة توقف في المسألة ولم يتقول بما لا يعلم ـ وقليل ما هم ـ فصار بين إبهام المعنى وصحة تلك الروايات فآثر عدم البتّ

__________________

(١) الأتقان ١: ١٥٣ ـ ١٥٦ ط دار ابن كثير.

(٢) تاريخ القرآن : ٨٧.

في معناها وتجنب اقتحام غمار الرأي والاستهواء فهذا ابن حبان ـ مع كل ما سبق من التخبط الذي ذكره السيوطي ـ يقول : إن تلك الأقوال من المشكل التفريق بينها فجميعها وجوه محتملة ، بل يحتمل غيرها أيضا!:

قال ابن حبان : فهذه خمسة وثلاثون قولا لأهل العلم والغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف ، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا ، وكلها محتملة ، وتحتمل غيرها. (١) فزاد في الطنبور نغمة!

وذهب العلامة المرسي إلى أن هذه الوجوه لا يعرف معنى بعضها وأنها تتداخل فيما بينها ، فلا يعلم لماذا جزم بها على الله عزوجل بلا بينة ولا دليل!!

وقال المرسي : هذه الوجوه أكثرها متداخلة ، ولاأدري مستندها ، ولا عمن نقلت ، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر ، مع أن كلها موجودة في القرآن ، فلا أدري معنى التخصيص ، وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة ، وأكثرها يعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح (٢).

وكذلك ذهب أبو بكر بن العربي : ومنشاء الخطاء فيها إرادة التعيين على سبيل القطع والجزم مع أنه لم يأت في معنا ها نص ولا أثر واختلف الناس في

__________________

(١) الإتقان ١: ١٥٦ ط دار ابن كثير.

(٢) الإتقان ١ : ١٥٦ دار ابن كثير. تعليق د. مصطفى البغا.

تعيينها. (١)

قال القرطبي : وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان السبتي (٢).

وتبعهم الكردي الخطاط : ونحن نرى أنه لا يعبد أن يكون هذا الحديث متشابها يفوض معناه إلى الله تعالى كما ذهب إليه بعض العلماء وذلك لأمرين :

الأول : كثرة اختلاف العلماء في معناه حتى بلغ نحوا من أربعين قولا.

الثاني : ورود أحاديث كثيرة في هذا المعني بعبارات مختلفة (٣).

والعلامة السيوطي الذي نقل كل تلك الوجوه والآراء توصل إلى أن الحديث من المشكل الذي لا يدرى معناه :

إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. والمراد به أكثر من ثلاثين قولا حكيتها في الاتفاق والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدري تأويله (٤).

__________________

(١) البرهان ١ : ٢١٢ ، وكذلك إبراهيم الأبياري ذكره في موسوعته القرآنية الميسرة ٢ : ١٣١ : (ويقول ابن عربي : لم يأت في هذا المعنى نص ولا اختلف الناس في تعيينها ويقول أبو حبان : اختلف الناس فيها على خمسة وثلاثين قولا).

(٢) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٤٢.

(٣) تاريخ القرآن للكردي الخطاط :٨٨ ـ ٨٩.

(٤) شرح السيوطي على النسائي ٢ : ١٥٢.

وموقوف هؤلاء من الأحرف السبعة أسلم مما أقحم به علماء السلف (١) أنفسهم وكذا أغلب المعاصرين بتجويز إبدال آيات الله بغير كلماتها تعويلا على الظن ، ونسبوا للدين تغيير كلمات القرآن رأسا على عقب بلا دليل واضح تركن إليه النفس.

سيرا مع الجمهور:

ونغض الطرف عن تدافع الآراء ونسير مع رأي الجمهور من علمائهم ومع ما اتفق عليه البخاري ومسلم من كون معناها هو جواز تبديل الكلمات بمترادفها وتحسين قراءة الجميع بدعوى أن القرآن نزل على سبعة أحرف كلهل شاف كاف.

وقد قال البعض مدللا رأي الجمهور أنه لو قصرنا النظر على الأدلة فإن الروايات دالة على هذا المعنى ، فهناك روايات مجملة وأخرى مبينة ، والقسم المجمل منها لم تبين لنا تفاصيل اختلاف الصحابة في القراءات لنتمكن من الوقوف على ما جوز قراءته الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم ، وعليه فهذه الروايات لا تساعد على تعيين معنى الأحرف السبعة ، فإن غاية ما يستفاد منها وجود اختلاف وإنكار بين الصحابة لقراءة بعضهم البعض ولا تبين ماهية هذا الاختلاف بتوضيح موارده أو كيفيته ، وأما القسم

__________________

(١) سيأتي بيانها بإذنه تعالى.

المبين فرواياته تنص على ماهية الأحرف السبعة ، لأنها بينت ما جوزه الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم من تغيير قراءة ألفاظ القرآن إلى ألفاظ أخري بشرط الموافقة فيما بينها في المعنى والمضمون ، فمقتضى القاعدة حمل الروايات المجملة مثل : أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف على مبينة والشارحة لكيفية هذه الرخصة مثل هذه الرواية : احتى بلغ سبعة أحرف قال : ليس فيها إلا شاف كاف ، قلت غفور رحيم ، عليم حليم ، سميع عليم ، عزيز حكيم (١).

ويتضح أن هذا الوجه للأحرف السبعة هو صحيح بشرط عدم تغيير المعنى والسياق العام للآية ، فلا مانع من تبديل الألفاظ بما يحلو للقارئ بشرط أن تكون مرادفة لمعنى لفظ المبدل ، وبذلك نحافظ على السياق العام للآية فلا نختم آية رحمة بعذاب ولا آية عذاب برحمة نحو : قال كل شاف كاف ما لم تختموا آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك : تعال ، وأقبل ، وهلم ، واذهب ، وأسرع ، واعجل (٢).

ونحن سنعتمد هذا الوجه في محاكمة أهل السنة ، ولا يعترض علينا بأن هذا احد الوجوه التي ذكرها علماء أهل السنة للأحرف السبعة ، لا كلها!، لأن

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٣٨٤. مسند أحمد ٥ : ١٢٤. سنن أبي داود ١ : ٣٣٢ باختلاف يسير ، وفي كنز العمال ٢ : ٥٢ ، ح ٣٠٨٠ و ٦٠٣.

(٢) مسند احمد ٥ : ٥١.

هذا رأي الأغلب ـ كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى ـ بل إن أدلة هذا الرأي أقوي من غيره إن لم نقل إن أدلة غيره معدومة ، فصار مختارهم هو :

أنزل القرآن على سبعة لغات من لغات العرب المشهورة في كلمة واحدة تختلف فيها الألفاظ والمبانى مع اتفاق المعاني أو تقاربها وعدم اختلافها وتناقضها وذلك مثل : هلم ، وأقبل ، وإلي ، ونحوي ، وقصدي ، وقربي ، فإن هذه ألفاظا سبعة مختلفة يعبر بها عن معني واحد وهو طلب الإقبال (١).

أقول بعض العلماء أهل السنة في المعني المشهور للأحرف السبعة

وقد أنصف بعض أكابر علمائهم من السلف إلى الخلف الأدلة الواردة في كتبهم فأخذوا بما أملته عليهم الروايات من جواز القراءة بالمعنى ، فقد قال ابن جرير الطبري في تفسيره تعليقا على عبارة (كلها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بآية عذاب كقولك : هلم وتعال):

فقد أوضح النص هذا الخبر : إن اختلاف الأحرف السبعة ، إنما هو اختلاف في ألفاظ كقولك : (هلم وتعال) باتفاق المعاني ، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام وبمثل الذي في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف.

وأخذ بسرد الأدلة إلى أن قال : بل الأحرف السبعة التي أنزل الله ها القرآن هن لغات سبع في حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٥١.

المعاني كقول القائل : (هلم ، وأقبل ، وتعال ، إلي ، وقصدي ، ونحوي ، وقربي) ونحو ذلك مما تختلف فيه الألفاظ بضروب المنطق وتتفق فيه المعاني وإن اختلف بالبيان به الألسن كالذي روينا آنفا عن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة ، أن ذلك بمنزلة قولك (هلم ، وتعال ، أقبل) وقوله (ما ينظرون إلا زيقة) و (إلا صيحة). (١)

وقال الطحاوي : فوسع علیهم في ذلک ان یتلوه بمعانیه وان خالفت الفاظهم التی یتلونه بها الفاظ نبیهم الی قراءة بها علیهم فوسع لهم في ذلک بما ذکرنا، والدلیل علی ما وصفنا من ذلک ان عمر بن الخطاب وهشام بن حلکیم بن حزام وهما قرشیان السنتهما لسان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الذي نزل به القرآن قد کان اختلفا فیما قرآ به سورة الفرقان حتی قرآها علی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. (٢)

وقال القرطبي : الذي عليه أهل العلم كسفيان بن عيينه وعبد بن وهب والطبري والطحاوي وغيرهم : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختفلة نحو ، أقبل وتعال وهلم. قال الطحاوي : وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال : جاء جبرئيل إلى النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فقال : أقرأ على حرف فقال ميكائيل : استزده ، فقال : أقرأ على حرفين : فقال ميكائيل : استزده حتى بلغ إلى سبعة أحرف فقال : اقرأ فكل شاف كاف إى أن تخلط آية

__________________

(١) لغة القرآن الكريم : ٩٥ ط مكتبة الرسالة الحديثة.

(٢) جامع البيان ١ : ٤٠ ـ ٤٨.

رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة ، على نحوهلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل. وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ (لِلَّذينَ آمَنُوا انْظُرُونا) (١) : للذين آمنوا أملهونا للذين آمنوا أخرونا ، للذين آمنوا ارقبونا. وبهذا الإسناد عن أبي إنه كان يقرأ (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فيه) (٢) مروا فيه ، سعوا فيه ، وفي البخاري ومسلم قال الزهري : أما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال ولا حرام. (٣)

وقال البيهقي : وأما الأخبار التي وردت في إجازة قراءة غفور رحيم بدل عليم حكيم ، قلأن جميع ذلك مما نزل به الوحي ، فإذا قرأ ذلك في غير موضعه ما لم يختم به آية عذاب بآية رحمة أؤ آية رحمة بعذاب فكأنه قرأ آية من سورة وآية من سورة أخرى فلا يأثم بقراءتها كذلك. (٤)

وقال السيوطي : وإلى هذا ذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ، ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة : إن جبريل قال : يا محمد اقرأ القرآن على حرف. قال ميكائيل : استزده ... حتى بلغ سبعة أحرف ، قال : كل شاف كاف ما

__________________

(١) الحديد : ١٣.

(٢) البقرة : ٢٠.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٤٢ ط إحياء التراث العربي.

(٤) السنن الكبرى ٢: ٣٨٥، ح ٣٨٠٨.

لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال وأقبل وهلم وأذهب وأسرع وعجل ، وهذا اللفظ رواية أحمد ، وإسناده جيد.

وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه ، وعند أبي داود عن أُبي ك قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ، ما لم تخلط آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب ، وعند أحمد من حديث أبي هريرة : أنزل القرآن علي سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما. وعنده أيضا من حديث عمر : إن القرآن كله صوابما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ، وأسانيدها جياد (١).

وقال في لغة القرآن الكريم : وهذا القول منسوب لجمهور أهل الفقه والحديث منهم سيفان بن عيينة وابن وهب وابن جرير الطبري وقد دافع عنه كثيرا في مقدمة تفسيره ، وقدمه القرطبي وأيده ابن عبد البر ونسبه إلى أكثر أهل العلم (٢)، ورجحه الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه المعجزة الكبرى (٣) والشيخ محمد أبو شهبة في كتابه المدخل لدراسة القرآن (٤) وغيرهم ، واستدل هؤلاء بما أخرجه ابن جرير فذكر الأدلة (٥).

قال ابن حجر العسقلاني : قال أبو شامة وقد اختلف السلف في

__________________

(١) الإتقان ١ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ،ط دار ابن كثير.

(٢) فتح الباري ١٠ : ٤٠٣ ، البرهان للزركشي ٢ : ٢٢٠.

(٣) المعجزة الكبرى : ٣٩ ـ ٤٢.

(٤) المدخل لدراسة القرآن ١ : ١٣٨ ـ ١٤٦.

(٥) لغة القرآن الكريم : ٩٥ ـ ٩٦.

الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف بأيدي الناس اليوم ـ يقصد مصحف عثمان ـ أو ليس فيه إلا حرف واحد منها امال ابن الباقلاني إلى الأول وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد.

وقد أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي الطاهر بن أبي السرح قال : سألت ابن عيينة عن اختلاف قراءة المدينيين والعراقيين هل هي الأحرف السبعة قال : لا ، وإنما الأحرف السبعة مثل هلم وتعال وأقبل ، أي ذلك قلت أجزاك. قال : وقال لي ابن وهب مثله (١) ، وفي مبحث جمع القرآن سيأتي مزيد من كلمات علمائهم بإذنه الى.

علة تشريع الأحرف السبعة

الأمة لا تطيق القرآن إلا سبعة أحرف!

بعد الفراغ من بيان ماهية تلك الأحرف ، نقول : ما هي علة نزول القرآن على سبعة أحرف؟، قال علناء أهل السنة طبقا لما أملت الروايات عليهم أن التسهيل والتيسير على الأمة هو سبب نزول القرآن على سبعة أحرف ، لأن القرآن نزل على أناس هم أقرب إلى عصر الجاهلية ولا يوجد فيهم كثير من القراء ، ومن باب التخفيف عن هذه الأمة إلى المرحومة وتمييزها عن غيرها أنزل القرآن على سبعة احرف حتى لا تضيق عليهم قراءة القرآن

__________________

(١) فتح الباري ٩ : ٢٩ ـ ٣٠ فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف.

فلا يلزمون بقراءة واحدة تعسر على بعضهم ، وهذه بعض النماذج من أقوالهم ذكرت في التاريخ القرآن :

قال الشمس بن الجرزي : فأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها إجابة لقصد نبيه أفضل الخلق وحبيب الخلق حيث أتاه جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال صلى الله عليه [وآله] وسلم : سل الله معافاته ومعونته إن أمتي لا تطيق ذلك ، ولم يزل يردد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف.

والنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم عربيهم وأعجميهم ، وكان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة وألسنتهم شتي ، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغة إلى غيرها ومن حرف إلى آخر ، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج ، لا سيما الشييخ والمرأة ومن يقرأ كتابا كما أشار إليه صلى الله عليه [وآله] وسلم فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع وما عسى أن يتكلف المتكلف وتأبى الطباع.

وقال الإمام أبو محمد عبدالله بن قتيبة في كتاب المشكل : فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم بأن يقرئ كل أمته بلغتهم وما جرت به عادتهم (١).

__________________

(١) تاريخ القرآن للكردي الخطاط : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

وهذا أيضا رأي المشهور بين علمائهم من أن الأمة لا تطيق قراءة القرآن على حرف واحد ، وأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم سأل الله عز وجل التخفيف عن هذه الأمة فخفف عنها بإنزال القرآن على سبعة أحرف وكلها شاف كاف. وسيأتي تتمة كلام هذا المقام في جمع القرآن بإذن المولى سبحانه.

الأحرف السبعة في الميزان

اتضح بلا ريب ما لقبول أو رفض أصل الأحرف السبعة من انعكاس بالغ الأهمية في صيانة ألفاظ القرآن من أيدي المتلاعبين والمحرفين للكلم من بعد مواضعه ، فالمستفاد من الوايات ـ هوما ذهب إليه أساطين علمائهم من سلفهم إلى يومنا ـ هو إمكانية تبديل وتغيير ألفاظ القرآن بغيرها لأن الرخصة في ذلك جاءت من الله عز وجل الذي (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١). فإن ثبت الرخصة فلا يبقى مجال لأحد أن يمنع أو يدعى عدم جواز ذلك.

أما إذا لم تثبت تلك الرخصة أو ثبت العكس! فلعمر الحق. للأحرف السيعة طامة من الطامات وزلزلة عظيمة لركن من أركان الإسلام ، ودعوة صريحة من عند الله افتراء عليه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ

__________________

(١) الأنبياء : ٢٣.

يُعْرَضُونَ عَلى‏ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذينَ كَذَبُوا عَلى‏ رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمين) (١)

أدلة بطلان مقولة الأحرف السبعة

١ ـ لا دليل يمكن التمسك به لإثبات هذا الأصل

قد مر ذكر الروايات وتبين لنا أنها متعارضة في بيان عدد تلك الأحرف ، وهي على خمسة أقسام ، وبعد أن رجحنا ما رجحه أهل السنة سبعناها لهم ، ثم حصل التعارض من جديد في معنى هذه السبعة وانقسمت الروايات إلى قسمين ، كل قسم لا يلتقي مع القسم الآخر ، القسم الأول : دل على إمكان تغيير ألفاظ القرآن بما يرادفها في المعنى ، أما القسم الثاني : فدل على حصر مواضيع الآيات التي أنزل الله عليها القرآن بسبعة أنواع أي حاكية عن أقسام البيان وأنواع الخطاب ، وساير ناهم مرة أخري بتجريح إمكانية تغيير ألفاظ القرآن بما يرادفها ، ثم حصل التضارب من جديد في حكاية كيفية تشريع تلم الأحرف وعن نفس الصحابي ، فمرة تحكي أن القرآن كان على حرف واحد ومن ثم شرعت تلك الأحرف في ذلك الموقف ، ومرة أخرى أن الأحرف قد أنزل عليها القرآن من قبل وأن الأمة تقرأ بتلك ألحرف تلقائيا ناهيك عن التضارب بين طيات الحادثة وتفاصيلها!

وأهل التحقيق لا يتجاوزون هذا التضارب الذي يقف سدا دون قبول

__________________

(١) هود : ١٨.

ما تتضمنه الروايات ، فكيف يعتمد عليها ولم تسلم من التعارض والتدافع في أي فقرة من فقراتها؟!، فالحق أنه لا يتسنى لذى دين الجزم بها على الله عز وجل وعليه لا دليل ينهض لإثبات ذاك المعنى من الأحرف السبعة بعد تساقط.

وقد توقف بعض علماء أهل السنة فيها وأشكلت مضامينها عليهم ، ثم بلغ استحسانات بعضهم في بيان معناها أربعين قولا ، وكل هذا يدل على أن الأدلة قاصرة عن إفادة الغاية المرجوة منها ، ولو كان هذا الأصل الذي يمس نصوص القرآن موجودا في الشريعة لما اقتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذكر المصطلح (سبعة أحرف) دون شرح معناه بصورة جلية وواضحة حتى لا يفتح باب التلاعب بكتاب الله وناموس الرسالة الخاتمة للبشرية ، فأي دليل بعد يعتمد عليه؟!

٢ ـ المعارضة لصريح القرآن

هذا المعنى من الأحرف السبعة يعنى جواز نسبة ألفاظ ليست في مصحفنا للقرآن بدعوى أن لها معنى واحد تمسكا بما ادعي أنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

(كل كاف شاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل) ، وهذا اللفظ رواية أحمد ، وإسناده جيد (١).

__________________

(١) الإتقان ١ : ١٤٩ ـ ١٤٨ ط دار ابن كثير.

وهذا الأصل المنحرف والمستند المائل يتعارض مع صريح الآيات التي تحظر على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم التصرف في ألفاظ الآيات الكريمة وتغييرها من تلقاء نفسه ، وتوجب عليه اتباع ما يوحى إليه بلا زيادة ولا نقصان ولا تبديل ، وإلا لا ستوجب العذاب الأليم جزاء للكذب على الله عزوجل ـ والعياذ بالله ـ ونسبة ما ليس منه إليه ، قال تعالى :

(وَإِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي‏ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيمٍ قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١).

فهذه الآية تناقض ذلك الأصل الذي يجوز افتراء الكذب على الله عز وجل فيدعي كل قارئ قرآنية كل ما يحلو له ، فيصبح ويقول إن هذه الآية قالها الله عزوجل هكذا ، ويمسي ويقول قالها بشكل آخر وهكذا ، فيغير ألفاظ القرآن ويبدلها بدعوى أن هذا التبديل إنما هو من تلك الأحرف ، وكله كذب على الله وافتراء فإن قول فلان ليس هو قول الله ، ثم ما يدريه أن هذا هو قول الله عزوجل بعينه؟!

ثم ما ينفعل بمثل الآيات التي يستفاد منها عدم تغيير آيات الله وتبديل كلماته بغيرها كقوله تعالى :(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ

__________________

(١) یونس : ١٧ـ١٥

لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا) (١). وغيرها مما يقارب مضمونها؟! (٢)

٣ ـ معارضة السيرة المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم

الأمر الأول : إن بعض الأقوال والأفعال التي صدرت منه صلى الله عليه وآله وسلم تقضي ببطلان هذا الأصل وتنفي وجوده في الشريعة الإسلامية.

وعليه نستطيع الجزم ببطلان هذا المعني للأحرف السبعة وفساد الروايات التي تحكي مضمونه ، فقد ذكرت كتب التفاسير (٣) إن سبب نزول الآية المباركة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ) (٤) هو التنديد بكاتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آنذاك عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ابن خالة عثمان وأخيه من الرضاعة حينما خان الله ورسوله وكتابه الوحي حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يملي عليه (عزيز حكيم) فيقول

__________________

(١) الكهف : ٢٧.

(٢) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧.

(٣) النساب للبلاذري ٥ : ٤٩ ، تفسير القرطبي ٧: ٤٠ ، تفسير البيضاوي ١ : ٣٩١ ، كشاف الزمخشري ١ : ٤٦١ ، تفسير الرازي ٤: ٩٦ ، تفسير الخازن ٢ : ٣٧ ، تفسير النفسي هامش الخازن ٢ : ٣٧ ، تفسير الشوكاني ٢ : ١٣٣ ، ١٣٥ نقلا عن ابن أبي حاتم ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، وابن جريج ، وابن جرير ، وأبي الشيخ. وكله منقول عن الغدير للعلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه ٨ : ٢٨١.

(٤) الأنعام : ٩٣.

سعد : (أو عليم حكيم). فيصوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلام ابن سعد ويقره على أن هذه كلها صفات الله عزوجل ، ولكن يجب إبقاؤها كما أنزلها الله عزوجل وأن يلتزم بكتابة ما يسمعه فقط ، فكونها من صفات الله عزوجل وأن يلتزم بكتابة ما يسمعه فقط ، فكونها من صفات الله عزوجل ، ولكن يجب إبقاؤها كما أنزلها الله عزوجل وأن يلتزم بكتابة ما يسمعه فقط ، فكونها من صفات الله عزوجل لا يعني جواز تغيير ألفاظ القرآن علي مزاجك!، ولكنه لم يعبأ بما قيل له وأخذ يغير القرآن ويكتبه محرفا ، ففي روضة الكافي عن أبي بصير رضوان الله تعالى عليه عن أحدهما عليهما السلام قال :

سألته عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ). قال : نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر وهو من كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة هدر دمه وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله فإذا أنزل الله عزوجل (إن الله عزيز حكيم) كتب (إن الله عليم حكيم) فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله : دعها! فإن الله عليم حكيم! (١) وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين : إني لأقول من نفسي مثل ما يجئ به فما يغير علي فأنزل الله تبارك وتعالى فيه الذي أنزل (٢).

__________________

(١) أي اتركها كما نزلت ولا تغيرها ، فان كتبت وإن كان حقا ولكن لا يجوز تبديل ما أنزله الله.

(٢) الكافي ٨ : ٢٠١ بتعليق علي أكبر غفاري وفي تفسير عياشي ١ : ح ٥٩ ، هنا ابن أبي سرح كذب في أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقره على تلك الزيادة وإلا لما نفاه وأهدر دمه.

وفي الدر المنثور : وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خلف الأعمي قال كان ابن أبي سرح يكتب للنبي صلي الله عليه [وآله] وسلم الوحي أتي أهل المكة فقالوا يا بن أبي سرح : كيف كتبت لا بن أبي كبشة القرآن؟ قال كنت أكتب كيف شئت فانزل الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً) (١).

ورووا تلك الحادثة عن رجل آخر اسمه أبو برزة الأسمي (٢): قال

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٣٠.

(٢) احتمل قويا ذلك افتراء على أبي برزة الأسلمي رضوان الله تعالى عليه ، وذلك لأن أبا برزة من شيعة الإمام أمير المومنين عليه السلام الذين شاركوا معه في صفين والنهروان ، قال ابن حجر في الإصابة ٦ : ٤٣٣ ت ٨٧٢٢: (نضلة بن عبيد الأسلمي أبو برزة مشهور بكنيته. وقال ابن سعد كان من ساكني المدينة ثم نزل البصرة وغزا خراسان ، وقال غيره شهد مع علي ـ عليه السلام ـ قتل الخوارج بالنهروان ، وغزا خراسان بعد ذلك ويقال إنه شهد صفين والنهروان مع علي روي من طريق ثعلبة بن أبي برزة عن أبيه) ، وقال ابن الأثير في أسد الغابة ٥ : ١٩ (نضلة بن عبيد. وروى عنه انه قال أنا قتلت ابن خطل يوم الفتح وهو متعلق بأستار الكعبة وروي ثعلبة أبي برزة أن أباه شهد صفين والنهروان مع علي. وكان أبو برزة عند يزيد بن معاوية لما أتي برأس الحسين بن علي فرآه أبو برزة وهو ينكث ثغر الحسين بقضيب في يده فقال لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا ربما رايت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يرشفه أما انك يا يزيد تجئ يوم القيامة وابن زياد شفيعك ويجئ هذا ومحمد شفيعه ثم قال فولى). وليس بعزيز على بني أمية أن يزيحوا تلك مخزاة عن ابن أبي سرح أخي الخليفة لأمة ويلصقوها بواحد من شيعة الإمام علي عليه السلام ، وهو الذي اعترض على فعل لعين السماوات والأرض يزيد بن معاوية.

لقريش : أنا أعلم لكم علم محمد فأتى النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا رسول الله إني أحب أن تستكتبني قال : فاكتب. فكان إذا أملى عليه من القرآن (وكان الله عليما حكيما) ، كتب (وكان الله حكيما عليما) وإذا أملى عليه (وكان الله غفورا رحيما) ، كتب (وكان الله رحيما غفورا). ثم يقول : يا رسول الله اقرأ عليك ما كتب! فيقول : نعم ، فإذا قرأ عليه (وكان الله عليما حكيما) أو (رحيما غفورا) قال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : ما هكذا أمليت عليك! وان الله لكذلك! إنه لغفور رحيم وإنه لرحيم غفور!!فرجع إلى قريش فقال ليس آمره بشيء كنت آخذ به فينصرف (١).

وفي تاريخ اليعقوبي : عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ، وكان يكتب لرسول الله فصار إلى مكة فقال : أنا أقول كما يقول محمد ، والله ما محمد نبي وقد كان يقول لي : اكتب (عزيز حكيم) ، فأكتب (لطيف خبير) ، ولو كان نبيا لعلم (٢).

وبعد أن ظهرت منه الخيانة طرده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلحق عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالمشركين ، وكان يقول لهم : إني كنت أصرف محمدا حيث أريد. فأنزل الله فيه الآية ، وأهدر النبي صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الدرالمنثور ٦ : ٣٥٢.

(٢) تاريخ يعقوبي ١: ٥٩ ـ ٦٠.

وسلم دمه ، فشفع له عثمان خلافا لرغبة الله ورسوله!. (١)

وقال البلاذري في فتوح البلدان عن الواقدي : وأول من كتب له من

__________________

(١) أخرج في سنن أبي داود ٣ : ٥٩ ح ٢٦٨٣ بسنده عن سعد : (قال : لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلي الله عليه [وآله] وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وسماهم وابن أبي سرح فذكر الحديث قال : وأما ابن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا نبي الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبي فبايعه بعد ثلاث ، ثم أقبل على أصحابه فقال : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله. فقالوا : ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا أو مأت إلينا بعينك قال : إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)وعلق عليه أبو داود : قال أبو داود كان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة وكان الوليد بن عقبة ظاخا عثمان لأمه وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر. وفي السير الكبير للشيباني ٢ : ١٦٩ : (وأيد هذا ما روي أن عثمان جاء بعبد الله بن سعد بن أبي سرح يوم فتح مكة إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : بايع عبد الله ،فأعرض عنه. حتى جاء إلى كل جانب هكذا ، فقال : بايعناه فلينصرف. فلما انصرف قال لأصحابه : أما كان فيكم من يقوم إليه فيضرب عنقه قبل أن أبايعه؟ فقالوا : أهلا أو مات إلينا بعينك يا رسول الله. فقال : ما كان لنبي أن تكون له خائنة الاعين. وأحد لا يظن أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يرضى بكفره ، ولكن علم أنه كان يظهر في ذلك تقية. فلهذا أعرض عنه وقال ما قال) ، مع العلم أن هذا الفاجر أمره معاوية على المؤمنين في خلافته فحرق الأخضر قبل اليابس! وكذلك فعل عثمان بابن خالته من قبل.

قريش عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، ثم ارتد ورجع إلى مكة وقال لقريش : أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد. وكان يملي عليه (الظالمين) فيكتب (الكافرين). يملي عليه (سميع عليم) فيكتب (غفور رحيم) وأشباه ذلك. فأنزل الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ) (١) فلما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بتركه ، وولاه عثمان مصر (٢).

وذكر الحاكم في المستدرك على الصحيحين : فأما عبد الله بن سعد ابن أبي سرح فإن الأخبار الصحيحة ناطقة بأنه كان كتابا لرسول الله صلى الله عليه وآله فظهرت خيانته في الكتابة فعزله رسول الله صلى الله عليه وآله فارتد عن الإسلام ولحق بأهل مكة (٣).

__________________

(١) الأنعام : ٩٣.

(٢) فتوح البلدان : ٦٦٢ ط دار النشر للجامعين ، أقول والى المسلمين نزلت فيه هذه الآية (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ في‏ غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْديهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُون‏) (الأنعام : ٩٣) هكذا السلف الصالح وإلا فلا!

(٣) المستدرك علي الصحيحين ٣ : ١٠٠.

قد يقال إن فعل الرسول صلى الله عليه وو آله وسلم مع ابن أبي سرح لا يدل على عدم جواز القراءة بالمعني إذ الكتابة غير القراءة وما فعله ابن أبي سرح هو الكتابة لا القراءة ، ويرد عليه أن هذا الادعاء مدفوع بفعل الصحابة أنفسهم وذلك لورود عشرات الروايات التي تنص على أن الصحابة كانوا يكتبون التغيير والتبديل في مصاحفهم الخاصة وهم وجوه الصحابة على ما سيأتي بيانه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وعائشة وحفصة وأبي بن كعب وغيرهم ، فاختصاص الحرمة بالكتابة يناقضه فعل الصحابة ، ثم إن الأصل هو القراءة ولا الكتابة لأن السماح بالتلاعب في القراءة هو سماح بالتلاعب في الكتابة بطبيعة الحال لما سيأتي من أن المصاحف لم تكن تتميز كلماتها إلا بالقراءة وكانوا يكتبون المصاحف عن القراءة لأن القرآن نزل منجما لا ككتاب مسطور.

وعلى أي حال فهذه الحادثة تعد أدل دليل على إنكار الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لتبديل أللفاظ القرآن بغيرها ولو بمرادفاتها نحو (عليم حكيم) بدلا عن(عزيز حكيم) وهو عين منطوق روايات الأحرف السبعة ، وعلى ذلك فسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كاشفة عن كذب هذه الرخصة المخزية للقرآن ولأهله ، وأنها تعتبر خيانة لله ولرسوله نعوذ بالله من الخذلان.

وهناك نص يبين عدم رضاه صلى الله عليه وآله وسلم بتغيير ترتيب الآيات والانتقال من آية فى سورة إلى آية فى سورة أخرى ، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بطريقين أحدهما حثنا حاتم بن إسماعيل عن عبدالرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال : مر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم

على بلال وهو يقرأ من هذه السورة ، فقال : بأبي أنت يا رسول الله إني أردت أن أخالط الطيب بالطيب ، فقال صلى الله عليه [وآله] وسلم : إقرأ السورة على نحوها. (١)

فكيف يظن به صلى الله عليه وآله وسلم يرضى بخلط القرآن بكلا البشر مع أنه يرضى بخلط كلام الله ببعضه البعض؟!

الأمر الثاني : وردت فمصنفات أهل السنة الروائية عدد من الروايات التي تحكي حدوث اختلاف بين الصحابة في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قراءاتهم لآيات القرآن ، فأخبروه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فاحمر وجهه وتربد وحذرهم مغبة الاختلاف فى القرآن لئلا يكونوا كالذين من قبلهم أضاعوا كتب الله باختلافهم فيها فهلكوا وأهلكوا.

وقد جاء هذا المعنى في عدة مصادر منها مسند أحمد عن ابن مسعود قال : تمارينا في سورة في سورة من القرآن فقلنا خمس وثلاثون آية ، ست وثلاثون آية قال : فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فوجدنا عليا رضي الله تعالى عنه يناجيه ، فقلنا : إنا اختلفنا في القراءة. فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال علي رضي الله تعالى عنه : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يأمركم أن تقرأوا كما علمتم. (٢)

__________________

(١) المصنف ٦ : ١٥٠ ـ ١٥١ ح ٣٠٢٥٠ ط دارالكتب العلمية ،الطريق الآخر (حدثنا عبيدالله بن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم).

(٢) مسند أحمد ١ : ١٠٥ ، ح ٨٣٢.

وقد زاد طبري في تفسيره : فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقال : إنما هلك من كان قبلكم باتلافهم بينهم. قال : ثم أسر إلى علي شيئا فقال لنا علي : إن رسول الله يأمركم أن تقرأوا كما علمتم (١).

وهذه الحادثة دالة على غضبه وعدم رضاه صلى الله عليه وآله وسلم على من يتجاوز حدود ما علمه لهم ، حيث أوجب عليهم التزام قراءته بنص قوله (إقرأوا القرآن كما علمتم) لأنه معلم القرآن ومتلقي الوحي ، ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قراءة آية ما بأشكال متعددة متغايرة وإلا لأوصلته لنا رسله ، ولصار حديث الأندية عند المشركين وو المنافقين قبل المؤمنين ، وهذا الأمر يناقص معنى الأحرف السبعة الذي يسمح للجميع بقراءة القرآن كيفما أراد بتبديل كلمات الآيات.

ناهيك عن أن الروايتين السابقتين سكتتا عن مقطع مهم جاء في الرواية صحيحة السند وهي :

حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرحمان عن همام عن عاصم عن أبي وائل عن عبدالله قال : سمعت رجلا يقرأ (حم) الثلاثين يعني الأحقاف فقرأ حرفا وقرأ رجل آخر حرفا لم يقرأه صاحبه وقرأت أحرفا فلم يقرأها صاحبي ، فانطلقا إلى النبي صلي الله عليه [وآله] وسلم فأخبرناه ، فقال : لا تختلفوا فإنما هلك من كان قبلكم باختلافهم. ثم قال : انظروا أقرأكم رجلا

__________________

(١) تفسير طبري ١ : ١٥ ، وعنه في كنز العمال ١ ١٦٧ ، ح ٨٩٠.

فخذوه بقراءته. (١)

وهذه الرواية تقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بعدم الاختلاف وأن يقتدوا برجل أتقن قراءة القرآن وهذا الاقتداء يعني الاتحاد على قراءة واحدة ، وأن هلاك الأمة بالاختلاف والفرقة في قراءة القرآن ، فأين الأحرف السبعة من هذه الرواية؟!

الأمر الثالث : دعاء الله عزوجل يصح بأي لغة وبأي شكل كان ، وإن ورد مأثورا كان الاتزام بألفاظه أتم وأكمل من تغييرها لمرادفتها لما لنظم الدعاء من أسرار لا نعلمها ، حتى ورد أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم علم البراء بن عازب دعاء كان فيه (ونبيك الذي أرسلت) ولكن البراء أبدل كلمة (ونبيك) إلى (وبرسولك) فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يغير ألفاظ الدعاء وأن يتقيد بما علمه.

وهذا ما ذكره ابن حزم في الإحكام وسيأتي الكلام عنه ، فإن كان

__________________

(١) مسند أحمد١ : ٤٠١ ، ح ٣٨٠٣ علق عليه أحمد محمد شاكر (إسناده صحيح) والمعلق حضي بإشادة وشهادة عالية من الألباني في المقدمة صحيح الترغيب والترهيب : ١٨ ـ ١٩ (والحق ـ والحق أقول ـ إن القليل من علماء الحديث ـ فضلا عن غيرهم ـ من له عناية تامة بالتمييز الأول كالحافظ المنذري على تساهله المتقدم بيانه ، والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه وتلميذه السخاوي في كتابه المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة وغيرهم ، وفي عصرنا هذا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه وتعليقه على مسند الإمام أحمد وغيره ، ومثله اليوم أقل القليل).

للدعاء هذه الخصوصية ويلزم أن نتقيد بنصه فكيف يصح التبديل والتغيير في القرآن المعجز في نظمه ومضمونه حتي يكون عرضة لتلاعب القراء؟

٤ ـ موقف الصحابة العلمي المناقض لهذا الأصل :

سمع الصحابة في عصر النزول هذا القرآن غضا طريا من لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك حدث الاختلاف فيما بينهم في قراءة القرآن بتغيير بعض الفاظه ، وكانت تحصل لذلك بعض المشادات ، ولم نر أحدا منهم يفض النزاع بدعوى أن هذا الاختلاف والتباين بيننا في القراءة سببه نزول القرآن على الأحرف السبعة!

ولا يخفي اعتبار هذا الوجه كسبب مقبول لتغاير قراءات السلف يقطع به دابر الشحناء والتباغض ، ولذا لا يعقل إهمالهم لذكر سبب الاختلاف ـ الأحرف السبعة ـ مع أهميته البالغة ، فهذا الإهمال منهم يدل على أن هذا المعنى المستفاد من الروايات الأحرف السبعة قد تولد في عصر متأخر عن عصر الصحابة.

الروايات الدالة على افتعال معنى الأحرف السبعة بعد زمن الصحابة :

١ ـ اعتراض عمر على قراءة أبي بن كعب :

أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف عن خرشه بن الحر قال : رأي معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١). فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت : أبي بن كعب. قال : إن أبيا أقرؤنا

__________________

(١) الجمعة: ٩.

للمنسوخ اقرأها (فامضوا إلى ذكر الله). (١)

هنا صرح عمر أن هذه الجملة (فامضوا إلى ذكر الله) قرآن منزل ، فإن كان للأحرف السبعة وجود لما جاز لعمر أن ينهي أبي بن كعب عن قراءة الآية بالصورة التي نقرأ بها اليوم.

٢ ـ تعريض سعد بن أبي وقاص بقراءة ابن المسيب :

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخة وابنه في المصاحف والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ (ما ننسخ من آية أو ننساها) فقيل له : إن سعيد بن المسيب يقرأ (ننسها) (٢) فقال سعد : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا آل المسيب قال الله (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٣) (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسيت) (٤) (٥).

فلو كان لهؤلاء عهد بمعنى الأحرف السبعة لما كان من الجائز أن ينهى سعد عما رخص به الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

__________________

(١) الدر المنثور ٦: ٢١٩.

(٢) البقرة : ١٠٦.

(٣) الأعلى : ٦.

(٤) الكهف : ٢٤.

(٥) الدر المنثور ١ : ١٠٤ ط دار المعرفة بلأوفست.

٣ ـ اعتراض عبدالله بن زبير على قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

وأخرج الفراء عن ابن زبيرأنه قال على المنبر : ما بال صبيان يقرأون (نخرة) (١) إنما هي (ناخرة). (٢)

ولو كان ابن زبير يعرف شيئا عن الأحرف السبعة لما رفض قراءة رسول الله صلى الله علي وآله وسلم بل لجوز كلا القراءتين.

٤ ـ اعتراض ابن زبير الآخر على قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج ابن حاتم عن عروة بن الزبير أنه كان يعجب من الذين يقرأون هذه الآية (وَالَّذينَ سَعَوْا في‏ آياتِنا مُعاجِزينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحيم‏) (٣) قال : ليس (معاجزين) من كلام العرب إنما هي (معجزين) يعني مثبطين (٤).

فإن الكلام للأحرف السبعة وجود لما نهي ابن الزبير عن القراءة المتواترة التي نقرأ بها اليوم ، فما بالك وهو يلحن ويخطئ قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

__________________

(١) النازعات : ١١.

(٢) الدر المنثور ٦ : ٣١٢.

(٣) الحج :٥١.

(٤) الدر المنثور ٦ : ٣٦٦.

٥ ـ إنكار ابن سيرين على قراءة الحسن البصري :

وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين أنه سئل : كيف تقرأ هذه الآية (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم) (١) أو (فرغ عن قلوبهم) قال (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم) (٢) قال : فان الحسن يقول برأيه أشياء أهاب أن أقولها. (٣)

ولا مجال للاعتراض على قراءة الحسن البصري إن كان للأحرف السبعة وجود.

وأما لو تغاضينا عن الأدلة المتوافرة في تحديد معنى الأحرف السبعة وسايرنا بعض نفر من علمائهم بأن معنى الأحرف السبعة هي الوجوه المحتملة للفظ باختلاف القراءات (٤) فإن هذا الوجه لا ينسجم وفعل

__________________

(١) سبأ : ٢٣.

(٢) سبأ : ٢٣.

(٣) الدر المنثور ٥ : ٢٣٧.

(٤) هذا المعنى للأحرف وإن كان مخالفا لروايات الصحيحين وغيرهما فقد ذهب له ابن قتيبة والرازي وبعض من المتأخرين ، قال ابن قتيبة (وإن المراد بالأحرف السبعة ، الأوجه التي يقع بها التغاير : (فأولها)ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته ، مثل ((ولا يضار كاتب)) بفتح الراء وضمها. (وثانيها) ما يتغير بالفعل مثل ((بعد وباعد)) بلفظ الطلب والماضي. و (ثالثها) ما يتغير باللفظ مثل ((ننشرها وننشزها)) بالراء المهملة والزاي المعجمة. (ورابعها) ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل ((طلح منضود وطلع منضود)). (وخامسها) ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل ((جاءت سكرة الموت بالحق ، وجاءت سكرة الحق بالموت)). (وسادسها) ما يتغير

الصحابة ، وذلك لعدم وجود أحد منهم برر موقفه وقراءته بدخولها ضمن الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن عندما انتقد في قراءته ، بل إن هذا الوجه يتعارض مع فعلهم أيضا لأن بعض تلك القراءات رفضت وضرب بها عرض الجدار!

٦ ـ امتراء نفر من التابعين في القراءة :

أخرج سعيد بن مصور والطبراني عن الأخنس قال امترينا في قراءة هذا الحرف (ويعلم ما يفعلون) أو (تفعلون) فأتينا ابن مسعود فقال (تفعلون) (١) ولو كان للأحرف السبعة مكان بينهم لكان من اللازم أن يقول ابن مسعود أن كل تلك الوجوه شافية كافية ما لم تختموا آية رحمة بعذاب أو العكس!

بعض الروايات الدالة على رفض السلف للمعني الآخر للأحرف السبعة :

١ ـ أخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والا بتداء والخطيب في تاريخه عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك عن أبيه قال : سمع عمر رجلا يقرأ هذا الحرف (ليسجنـنه عتي حين) فقال له عمر : من أقرأك هذا الحرف؟ قال : ابن مسعود ، فقال عمر : (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حين) (٢) ثم كتب الى ابن مسعود : سلام

__________________

بالزيادة والنقصان مثل ((وما خلق الذكر والأنثى)) بنقص لفظ ((ما خلق)). (وسابعها) ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل (كالعن المنفوش ، وكالصوف المنفوش).

(١) الدر المنثور ٦ : ٨.

(٢) يوسف : ٣٥.

عليك أما بعد فإن الله أنزل القرآن فجعله قرآنا عربيا مبينا وأنزله بلغة هذا الحي من قريش ، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرؤهم بلغة هذيل. (١)

وها قد اعترض عمر على قراءة ابن مسعود وهي على حرف مختلف عن حرفه ، فلو كان لتلك الأحرف أصل شرعي لما جاز لعمر الاعتراض على قراءة ابن أم عبد الغضة ، لأن ابن مسعود كان سيرد عليه بجواز القراءة علي سبعة أحرف ، فكيف يصح الاعتراض من عمر على ما جوزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! (٢)

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ١٨ ، كنز العمال ٢ : ٥٩٣ ، ح ٤٨١٣.

(٢) والحق إن ابن مسعود كان يغير عمليا مفردات الآيات ويجتهد فيها ، وقد نقل عنه ذلك في كثير من الموارد التي سنذكرها إن شاءالله تعالى ، ولعله يتضح بنقل هذه الرواية ونحيل البقية لمقامه ففي الدر المنثور ٦ : ٣٢ (وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الأنباري وابن المنذر عن عون بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثيمِ) (الدخان : ٤٣ ـ ٤٤) فقال الرجل (طعام اليتيم) فرددها عليه فلم يستقم بها لسانه ، فقال : أتستطيع أن تقول (طعام الفاجر)؟ قال : نعم ، قال : فافعل) ، إر أن الرواية معارضة فيي أغلب تفاصيلها بروايتين أخرين ترويان نفس الحادثة نقلت أحدهما عن أبي الدرداء ، والأخرى عن أبي بن كعب ، ومن غير المعقول أن تتكرر حتى في نفس قول الرجل : (طعام اليتيم)! قال السيوطي : (وأخرج ابن مردودية عن أبي بن كعب انه كان يقرئ رجلا فارسيا فكان إذا قرأ إن (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثيمِ) قال : (طعام الأثيم) فمر به النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال قل له (طعام.

٢ ـ حدثنا أبو سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي قال : مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقول : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (١). ‏ إلي آخر الآية فوقف عليه عمر فقال : انصرف فلما انصرف قال له عمر : من أقراك هذه الآية؟ قال : أقرأنيها أبي بن كعب. فقال : انطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فإذا هو متكئ على وسادة يرجل رأسه فسلم عليه فر السلام فقال : يا أبا منذر. قال لبيك. قال : أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية؟ قال صدق ، تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وآله. قال عمر : أنت تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وآله؟! قال نعم أنا تلقيتها ممن رسول الله صلى الله عليه وآله. ثلاث مرات كل ذلك يقوله ، وفي الثالثة وهو غضبان : نعم والله ، لقد أنزلها الله جبريل وأنزلها جبريل على محمد فلم يستأمر فيها الخطاب ولا أبنه!! فخرج عمر وهو

__________________

الظالم) فقالها ففصحت بها لسانه) ، وقال السيوطي : (وأخرج سعيد بن منصور وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن همام بن حارث قال : كان أبو الدرداء يقرئ رجلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثيمِ) فجعل الرجل يقول : (طعام اليتيم) فلما رأي أبو الدرداء أنه لا يفهم قال : (إن شجرة الزقوم طعام الفاجر) انتهى. فلا يمكن الاعتماد عليها نعم القراءات التي وردت عن ابن مسعود صريحة في تساهل في تغيير ألفاظ الآيات ، وسيأتي الكلام عنها

(١) التوبة : ١٠٠.

رافع يديه وهو يقول : الله أكبر الله أكبر!! (١)

ومع كل هذا اللجاج المستمر بين أبي كعب وعمر ، لا تجد أحدا منهما يحتج بأحرف سبعة أو ما شاكل! فلم لم يدع ابن الخطاب أو الصحابي الجليل أبي بن كعب أن الاختلاف كان نتيجة نزول القرآن على سبعة أحرف وينتهي هذا الجدال؟!

وليس هذا هو المورد الوحيد الذي حاول عمر التلاعب بالآيات فتصدى له أبي بن كعب ، ومانت صرامة أبي بن كعب رضى الله عنه حجر عثرة في طرييق ابن الخطاب ، وهذا مورد آخر :

عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان) فرفع الأنصار ، ولم يلحق الواو في الذين ، فقال له زيد بن ثابت (وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) (٢). فقال عمر : (الذين تبعوهم بإحسان). فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر : ائتوني بأبي بن كعب. فسأله عن ذلك فقال أبي (وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) ، فجعل كل واحد منهما يشي إلى أنف صاحبه بإصبعه! فقال أبي : والله أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنت تتبع الخبط. فقال

__________________

(١) المستدرك ٣ : ٣٠٥ ، الدر المنثور ٣ : ٢٦٩ وهناك موارد أخرى كثيرا ما يتعاند أبي مع عمر فيها.

(٢) التوبة : ١٠٠.

عمر : فنعم إذن ، فنعم ، نتابع أبيا. (١)

وكذا روى ابن شبة : عن فهر ابن أسد قال : حدثنا ثابت أبو زيد عن عاصم الأحوال عن أبي مجلز : أن أبيا قرأ (مِنَ الَّذينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيان) (٢). فقال عمر : كذبت (!) ، فقال أبي : بل أنت أكذب ، فقال له رجل : أتكذب أميرالمؤمنين!؟ فقال : أنا أشد تعظيما لأمير المؤمنين منكم ولكني أكذبه في تصديق الله ولا أصدقه في تكذيب كتاب الله فقال عمر : صدق (٣).

وفي هذه الرواية يقر عمر على نفسه بكذبه على القرآن ولولا صرامة أبي بن كعب لا نطلت هذه الكذبة!

بهذه الأمثلة يتضح أن لو كان للأحرف السبعة وجود وأثر عملي في عصر السلف لما كان هناك مجال للاختلاف في هذه الموارد التي تتحملها مطاطية مفهموم الأحرف السبعة من جواز القراءة بالمعنى.

٥ ـ تاريخ الكفار والمنافقين شاهد على بطلانها

لم ينقل لنا من كتاب التاريخ والسير أن المشكرين والمرجفين ـ على مائدهم وتصردهم لكل شاردة وواردة لهدم الإسلام ـ شككوا مصداقية

__________________

(١) في منتخب كنز العمال ٢ : ٥٥.

(٢) المائدة : ١٠٧.

(٣) تاريخ المدينة ٢ : ٧٠٩.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألبسوا على المسلمين أن نبيكم ـ والعياذ بالله ـ يختلق الكلام ويخترعه من عند نفسه لأنه يقرأ المقطع الواحد بأشكال متعددة وفي كل يوم يقرؤه بشكل مختلف عما قرأه بلأمس! فلو كان من عند الله عزوجل لالتزام بنصه ولاتبع أمر مولاه الذي يوحي اليه لا أن ينساه فيغيره كل مرة!

وعدم نقل التاريخ شيئا من هذا القبيل يدل على أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان في غاية الحرص على التزام نص واحد ، حتى لا يتسرب الشك والريب إلى القرآن الكريم ، وهو كتاب الخاتم الذي لا كتاب سماوي بعده ، وعلى أقل تقدير يجب أن يتواتر إلينا خبر هذه الأحرف السبعة ولو من جهة الكفار والمشركين والمنافقين على كثرتهم بغية نقض الإسلام بأن قرآن المسلمين مخترع من مخيلة النبى صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله.

٦ ـ واقع المسلمين يكذب روايات الأحرف السبعة

ذكرت الروايات أن علة تشريع تلك الأحرف هي رحمة الله عزوجل بأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لا تطيق قراءة القرآن على حرف واحد ، ولكن الواقع كذب هذه الدعوى إذ إن اختلاف الأمة في القراءة أصبح نقمة في زمن عثمان ـ وسياتي بيانه بإذنه تعالى ـ حتى كفر الناس بعضهم بعضا هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن الأمة اليوم كلها مجمعة على حرف واحد ومطيقة لذلك ، مع أنها الآن أحوج ما تكون لتلك الأحرف بدخول كثير من غير العرب في الدين الإسلامي وطغيان اللهجات البعيدة عن فصيح العربية ، فمن نكذب : الروايات أم الواقع؟

٧ ـ فكرة ذهاب تلك الأحرف تستبعدها الأحداث التاريخية

أين ذهبت تلك الأحرف؟! قد يقال ـ كما سيأتي بإذنه تعالى ـ أن عثمان بن عفان هو الذي أمر بجمع القرآن الكريم بإلغاء الأحرف الستة الأخرى ـ بزعمهم ـ وهي أضعاف هذا القرآن المتداول ، وهذا القول الباطل ، فلو كان للأحرف السبعة وجود في الدنيا الإسلام وقام عثمان بإحراقها ، لما سكتت عنه الجماهير الغاضبة عليه وعلى سياسته وإجحافه بغير بني أمية ، ولكان هذا العمل المفترض من عثمان من الطامات التي لا تغتفر وتستوجب قتله من تلك الجماهير ، ولأثر عنهم الاحتجاج بهذا الأمر ، وواضح أن حذف أضعاف ما بأيدينا من القرآن يعني الكفر الصريح والفاضح المستوجب للقتل ، وهذا لم يرد ولم يؤثر ، فعدم معرفتنا بكيفية ذهاب تلك الأحرف المزعومة يدفعنا لرفض فكرة وجودها من الأساس.

قال ابن حزم الأندلسي في الإحكام : ولقد أنكر أهل التعسف على عثمان أقل من هذا مما لا نكره فيه أصلا ، فكيف لو ظفروا له بمثل هذه الظيمة ، ومعاذ الله من ذلك ، وسواء عند كل ذي عقل إسقاط قراءة أنزلها الله تعالى أو إسقاط آية أنزلها الله تعالى ولا فرق ، وتالله إن من أجاز هذا غتفلا ثم وقف عليه وعلى برهان المنع من ذلك وأصر فإنه خروج عن الإسلام لا شك فيه لأنه تكذيب لله تعالى في قوله الصادق لنا (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون) (١). وفي قوله الصادق (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ

__________________

(١) الحجر : ٩.

قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَه) (١) فالكل مأمورون باتباع قرآنه الذي أنزله الله تعالى عليه وجمعه. فمن أجاز خلاف ذلك فقد أجاز خلاف الله تعالى وهذه ردة صحيحة لا مرية فيها. (٢)

أقول : لم يجز أهل السنة ذلك بل جزموا به واعتقدوه!

٨ ـ أهل البیت علیهم السلام وموقفهم منهذه الأحرف :

إن أهل البيت عليهم السلام عِدل القرآن ، ولا أعلم بالقرآن من محمد وآل محمد عليهم الصلاة والسلام ، فإن صح عنهم تكذيب نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف زهق باطل غيرهم ، وهذه الروايات عنهم صريحة في تكذيب من ادعى أن عِدلهم ـ القرآن ـ نزل على سبعة أحرف ، فقد روى ثقة الإسلام الكليني رضوان الله تعالى عليه في الكافي الشريف ما نصه :

١ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله ع إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف فقال كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. (٣)

٢ ـ عن حماد بن عيسى عن جابر بن عبدالله قال : قيل لأبي عبدالله عليه

__________________

(١) القيامة : ١٧ ـ ١٩.

(٢) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول ٤ : ٥٦٦ ط دار الكتب العلمية.

(٣) الكافي ٢ : ٦٣٠ تعليق علي أكبر غفاري ، الموارد الآتية من هامش وسائل الشيعة ننقل ما أورده السيد محمد الخوانساري فيه بحذف الإسناد والمصادر بعد أن ذكر روايتي الكافي.

السلام إن الناس يقولون : إن القرآن على سبعة أحرف. فقال كذبوا ، نزل حرف واحد من عند رب واحد إلى نبي واحد.

٣ ـ باسناده المتصل عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له قول الناس نزل القرآن على سبعة أحرف قال : واحد من عند واحد.

٤ ـ عن زرارة بن أعين قال : سأل سائل أبا عبدالله عليه السلام عن رواية الناس في القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا الناس في رواياتهم ، بل هو حرف واحد من عند واحد نزل به الملائكة على واحد (١).

فلا مجال بعد هذا كله لدعوى الأحرف السبعة ، ناهيك عن تصريح قرناء القرآن الكريم وأهله أن القرآن واحد نزل من عند الواحد علي واحد ، فلا يترك قل أهل البيت عليهم السلام بقول غيرهم ، وأهل البيت أدرى بما فيه

الأثر العلمي لمبدأ الأحرف السبعة :

على معتقد عملماء أهل السنة في معنى تلك الأحرف بإمكان المسلمين قراءة الآيات المباركة (ن *وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُون) (٢)بهذه الصورة (ن والقلم والذي يكتبون ما أنت بنعمة إلهك بمخبول ، وإن لك لثوابا غير مقطوع) فلا مانع من تغيير اللفظ شرط أن تكون الألفاظ مترادفة! ، فيا لله! كيف يجوزون هذا التلاعب

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ : ٨٢٢ ـ ٨٢٣.

(٢) القلم : ١ ـ ٣.

والتحریف لکتاب الله عزوجل؟ وعلى أي من هذه الأشكال المتغايرة نعتمد في إثبات إعجاز القرآن؟ وكيف تصمد كلمات المفسرين أمام هذه المعمعة من تغاير الألفاظ وهم الذين أجهدوا أنفسهم لمعرفة أسرار مواضع الحروف ومحال الكلمات! والتدقيق وإطالة النظر في استخراج حكمة استعمال هذا اللفظ دون غيره؟!، وكيف قالوا إنه لو استعمل لفظ آخر لهدمت بيع وصوامع من عقيدتنا ومبادئنا! وإلى ما شاءالله من النكات التفسيرية المحكمة ، والكثير الكثير من التساؤلات المحرجة!

وبعبارة موجزة : إن مذهب أهل السنة في معني الأحرف السبعة من تغيير الألفاظ وتبديلها بمرادفاتها يعني وبكل صراحة أن تحريف القرآن والتلاعب به ليس بالأمر الخطير بل هو جائز شرعا بفتح الباب على مصراعيه لكل من استحسن لفظا أو أعجبه مقطع من كلام البشر يوافق معنى آية ، فيتلاعب ويستحسن ويصبح القرآن مسرحا ومرتعا يقدم فيه بين يدي الله ويجتهد في ابتداع واختراع كلمات آخرى للآيات!

وليس كل علماء أهل السنة على هذا الرأي ، فهذا ابن حزم ينال من علماء السنة سلفا وخلفا ويكر عليهم تجهيلا وتنسيقا وتكفيرا أيضا! ، قال :

وأما من حدث وأسند إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فلا يحل له إلا أن يتحرى اللفاظ كما سمعها ، لا يبدل حرفا مكان آخر وإن كان معناهما واحدا ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر ، وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها وتعليمها ولا فرق ، وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم علم البراء بن

عازب دعاء فيه (ونبيك الذي ارسلت) ، فلما أراد البؤاء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال (وبرسولك الذي أرسلت) فقال النبي عليه السلام : لا ، ونبيك الذي أرسلت ، فأمره عليه السلام كما تسمع ألا يضع لفظة (رسول) في موضع لفظة (نبي) وذلك حق لا يحيل معنى وهو عليخ السلام رسول ونبي ، فيكف يسوغ للجاهل المغفلين أو الفساق المبطلين ، أن يقولوا : إنه عليه السلام كان يجيز أن توضع في القرآن مكان (عزيز حكيم) (غفور رحيم) أو (سميع عليم) وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا ، والله يقول مخبرا عن نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم (ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي) (١) ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى ، أم كيف يسوغ لأهل الجهل والعمى ـ يقصد أبا حنيفة وأتباعه ـ إباحة القراءة المفروضة في الصلاة بالأعجمية مع ما ذكرنا ومع إجماع الأمة على أن إنسانا لو قرأ أم القرآن فقدم آية على أخرى أو قال : الشكر للصمد مولى الخلائق وقال هذا هو القرآن لكان كافرا بإجماع (٢) ، ومع قوله تعالى (لِسانُ الَّذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبين) (٣) ففرق الله تعالى بينهما وأخبر أن القرآن إنما هو باللفظ العربي لا بالعجمي ، وأمر بقراءة

__________________

(١) يونس : ١٥.

(٢) على هذه الضابطة يجب تكفير ابن مسعود وعمر وأبي الدرداء وأبي بن كعب وابن عباس وعائشة وحفصة لأن كلا منهم ادعى قرآنية الجمل الزائدة الغريبة التي جاء بها كما سيأتي بيانه بإذنه تعالى.

(٣) النحل : ١٠٣.

القرآن في الصلاة فمن قرا بالأعجمية فلم يقرأ قرآنا بلا شك.

وقال : وبلا خلاف من أحد من الأمة أن القرآن معجزة وبيقين ندري أنه إذا ترجم بلغة أعجمية أو بألفاظ عربية غیر الفاظه ، فان تلک الترجمة غیر معجزة ، واذ هی غیر معجزة فليست قرآنا ومن قال فيما ليس قرآنا إنه قرآن فقد فارق الإجماع وكذب الله تعالى ، وخرج عن الإسلام إلا أن يكون جاهلا ومن أجاز هذا وقامت عليه الحجة ، ولم يرجع فهو كافر مشرك مرتد حلال الدم والمال ، لا نشك في ذلك أصلا (١).

وشدد النكير في موضع آخر: فحرام على كل أحد أن يظن أن شيئا أخبر رسول الله صلى الله علي [وآله] أمته لا تطيق ذلك ، أتى عثمان فحمل الناس عليه فأطاقوه ، ومن أجاز هذا فقد كذب رسول رسول الله صلى الله عليه [وىله] فيقوله لله تعالى (إن أمته لا تطيق ذلك) ، ولم ينكر الله تعالى عليه ذلك ولاجبريل عليه السلام وقال هؤلاء المجرمون : إنهم يطيقون ذلك ، وقد أطاقوه فيالله ويا للمسلمين! أليس هذا اعتراضا مجردا على الله عزوجل مع التكذيب لرسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ فهل الكفر إلا هذا؟ نعوذ بالله العظيم أن يمر بأوهامنا فكيف أن نعتقده (٢).

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام ١ : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ط دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، أقول : عني ابن حزم بهذا التكفير والمروق عن الملة إمام الحنفية النعمان حيث جوز الأخير قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة! وسيأتي الكلام عنه بإذنه تعالى.

(٢) الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ٥٧٠. ط دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى.

الشيعة الإمامية ومعني الأحرف السبعة

كلمات علماء الطائفة رضوان الله عليهم :

قال شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله تعالى عليه في تبيان : واعلموا أن العرف من مذهب أصحابنا والشائع من أخبارهم ورواياتهم : أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد. (١)

وقال أمين الإسلام الشيخ الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان : الظاهر من مذهب الامامية أنهم أجمعوا على القراءة المتداولة وكرهوا تجريد قراءة مفردة والشائع في أخبارهم أن القرآن نزل بحرف واحد. (٢)

وقال المولى الفيض الكاشانى رحمه الله في تفسير الصافى : أقول : والتوفيق بين الروايات كلها أن يقال : إن القرآن سبعة أقسام من الآيات ، وسبعة بطون لكل آية ، ونزل على سبع لغات. وأما حمل الحديث على سبعة أوجه من القراءات ، ثم التكلف في تقسيم وجوه القراءات على هذا العدد ـ كما نقله في مجمع البيان عن بعضهم ـ فلا وجه له ، مع أنه يكذبهما رواه في الكافي باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن القرآن واحد نزل من عند الواحد ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة.

__________________

(١) التبیان فی تفسیر القرأن ١ : ٧.

(٢) مجمع البيان ١ : ٧٩.

وبإسناده عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

ومعني هذا الحديث معني سابقة ، والمقصود منهما واحد وهو : أن القراءة الصحيحة واحدة ، إلا أنه عليه السلام لما علم أنهم فهموا من الحديث الذي رووه صحة القراءات جميعا مع اختلافها كذبهم. وعلى هذا فلا تنافي بين هذين الحديثين وشيء من أحاديث الأحرف أيضا. (١)

قال المحقق الهمداني رضوان الله تعالى عليه في مصباح الفقيه : والحق انه لم يتحقق أن النبى صلى الله عليه وآله قرأ شيئا من القرآن بكيفيات مختلفة ، بل ثبت خلافه فيما كان الاختلاف في المادة أو الصورة النوعية التي يؤثر تغيرها في انقلاب ماهية الكلام عرفا كما في ضم التاء من أنعمت ضرورة أن القرآن واحد نزل من عند الواحد كما نطق به الأخبار المعتبرة المروية عن أهل بيت الوحي والتنزيل مثل ما رواه ثقة الإسلام الكليني ....

ولعل المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أوردوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن ، وإلا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبى صلى الله عليه وآله ، بل قد يدعى تواتره ، ولكن أعداء الله حرفوا عن موضوعها وفسروها بآرائهم ، مع أن في بعض رواياتهم إشارة إلى أن المراد بالأحرف أقسامه ومقاصده (٢) ، فانهم على ما حكي عنهم رووا عنه صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الصافی ١ : ٦١.

(٢) وهذا القول لا يمس كرامة القرآن بأي وجه كان ، وهو عين القسم الآخر من الروايات غير

أنه قال : نزل القرآن علي سبعة أحرف : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل ، ويؤيده ما روي من طرقنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف ، وهي : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص، وربما يظهر من بعض أخبارنا أن الأحرف إشارة إلى بطون القرآن و ـاويلاته ، مثل ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن حماد قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام إن الأحاديث تختلف منكم فقال : إن القرآن نزل عاى سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه ثم قال : و (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِساب).

قال حجة الله البلاغي رحمه الله : ولا تتشبث لذلك بما روي من أن القرآن نزل على سبعة أحرف فإنه تشبث واه واهن. أما أولا فقد قال في الإتقان في المسألة الثانية من النوع السادس عشر : اختلف في معنى السبعة أحرف على أربعين قولا وذكر منها عن ابن حبان خمسة وثلاثين. وما ذاك إلا لوهن روايتها واضطرابها لفظا ومعنى. وفي الإتقان ...... فذكر باقي الأدلة.

قال العلامة السيد الطباطبائي رحمه الله في الميزان : فالمتعين حمل السبعة

__________________

القراءة بالمعني.

(١) ص : ٣٩.

(٢) مصباح الفقيه ٢ : ٢٧٥.

(٣) آلاء الرحمان في تفسير القرآن : ٣٠.

أحرف على أقسام الخطاب وأنواع البيان ، وهي سبعة على وحدتها في الدعوة إلى الله وإلى صراطه المستقيم ، ويمكن أن يستفاد من هذه الروايات حصر أصول المعارف الإلهية في الأمثال ، فإن بقية السبعة لا تلائمها إلا بنوع من العناية على ما لا يخفى. (١)

قال السيد الخوئي رحمه الله في البيان : إن جميع ما ذكرلها ـ الأحرف السبعة ـ من معاني أجنبي عن مورد الروايات ... وعلى هذا فلا بد من طرح الروايات ، لأن الاتزام بمفادها غير ممكن. والدليل على ذلك :

أولا : إن هذا إنما يتم في بعض معاني القرآن التي يمكن أن يعبر عنها بألفاظ سبعة متقاربة. ومن الضروري أن أكثر القرآن لا يتم فيه ذلك ، فكيف تتصور هذه الحروف السبعة التي نزل بها القرآن؟

ثانيا : إن المراد من هذا الوجه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جوز تبديل كلمات القرآن الموجودة بكلمات أخرى تقاربها في المعنى ـ وشهد لهذا بعض الروايات المتقدمة ـ فهذا الاحتمال يوجب هدم أساس القرآن ، المعجزة الأبدية ، والحجة على جميع البشر ، ولا يشك عاقل في أن ذلك يقتضي هجر القرآن المنزل وعدم الاعتناء بشأنه. وهل يتوهم عاقل ترخيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ قارئ (يس والذكر العظيم ، وانك لمن

__________________

(١) الميزان ٣ : ٧٤ ، لا يخفى أن معنى الأحرف السبعة هنا غير المعنى الذي قال به أهل السنة ويرفضه علماء الشيعة الإمامية وهو جواز تلاعب القارئ في مفردات القرآن حسب ما يشتهيه القارئ على أن يختم آية الرحمة بالعذاب وبالعكس.

الأنبياء على طريق سوي ، إنزال الحميد الكريم ، لتخوف قوما ما خوف أسلافهم فهم ساهون) ، فلتقر عيون المجوزين لذلك. سبحانك اللهم إن هذا إلا بهتان عظيم. وقد قال الله تعالى : (ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي‏ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَي) (١)وإذا لم يكن للنبي أن يبدل القرآن من تلقاء نفسه ، فكيف يجوز ذلك لغيره؟ وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم البراء بن عازب دعاء كان فيه : (ونبيك الذي أرسلت) فقرأ البراء (ورسولك الذي أرسلت) فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يضع الرسول موضع النبي. فإذا كان هذا في الدعاء ، فماذا يكون الشأن في القرآن؟ وإن كان المراد من الوجه المتقدم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ على الحروف السبعة ويشهد لهذا كثير من الروايات المتقدمة (٢) فلا بد للقائل بهذا أن يدل على هذه الحروف السبعة التي قرأ بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الله سبحانه قد وعد بحفظ ما أنزله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون‏) (٣)

ثالثا : أنه صرحت الروايات المتقدمة بأن الحكمة في نزول القرآن على سبعة أحرف هي التوسعة على الأمة ، لأنهم لا يستطيعون القراءة على حرف واحد ، وأن هذا هو الذي دعا النبي إلى الاستزادة إلى سبعة أحرف. وقد رأينا أن اختلاف القراءات أوجب أن يكفر بعض المسلمين بعضا. حتى حصر

__________________

(١) يونس : ١٥.

(٢) أقول : والواقع يكذب قراءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لآيات القرآن بأشكال متعددة كما أشرنا له سابقا.

(٣) الحجر : ٩.

عثمان القراءة بحرف واحد ، وأمر بإحراق بقية المصاحف.

ويستنتج من ذلك أمور :

إن الاختلاف في القراءة كان نقمة على الأمة. وقد ظهر ذلك في عصر عثمان ، فكيف يصح أن يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله ما فيه فساد الأمة. وكيف يصح على الله أن يحيبه إلى ذلك؟ وقد ورد في كثير من الروايات النهي عن الاختلاف. وأن فيه هلاك الأمة. في بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغير وجهه واحمر حين ذكر له الاختلاف في القراءة. وقد تقدم جملة منها ، وسيجيء بعد هذا جملة أخرى.

٢ ـ قد تضمنت الروايات المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن أمتي لا تستطيع ذلك ((القراءة على حرف واحد)) وهذا كذب صريح ، لا يعقل نسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنا نجد الأمة بعد عثمان على اختلاف عناصرها ولغاتها قد استطاعت أن تقرأ القرآن على حرف واحد ، فكيف يكون من العسر عليها أن تجتمع على حرف واحد في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كانت الأمة من العرب الفصحى.

٣ ـ إن الاختلاف الذي أوجب لعثمان أن يحصر القراءة فى حرف واحد قد اتفق في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل قارئ على قراءته ، وأمر المسلمين بالتسليم لجميعها ، وأعلمهم بأن ذلك رحمة من الله لهم ، فكيف صح لعثمان ، ولتابعيه سد باب الرحمة ، مع نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المنع عن قراءة القرآن وكيف جاز للمسلمين رفض قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ قول عثمان وإمضاء عمله ، أفهل وجوده أرأف بالأمة من نبيها أو أنه تنبه لشيئ قد جهله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل وحاشاه ، أو أن الوحي قد نزل على عثمان بنسخ تلك الحروف؟!.

وخلاصة الكلام :إن بشاعة هذا القول تغني عن التكلف عن رده ، وهذه هي العمدة في رفض المتأخرين من علماء السنة لهذا القول. ولأجل ذلك قد التجأ بعضهم كأبي جعفر محمد بن سعدان النحوي ، والحافظ جلال الدين السيوطي إلى القول بأن هذه الروايات من المشكل والمتشابه ، وليس يدري ما هو مفادها مع أنك قد عرفت أن مفادها أمر ظاهر ، ولا يشك فيه الناظر إليها ، كما ذهب إليه واختاره أكثر العلماء (١).

قال في بحوث في تاريخ القرآن : ولعمرى أن هذه النظرية ـ نظرية القراءة بالمعني كما قيل ـ كانت أخطر نظرية في الحياة الإسلامية ، لأنها أسلمت النص القرآني إلى هوي كل شخص يثبته على ما يهواه. وواضح أن تخيير الشخص أن يأتي من تلقاء نفسه بمرادفات لكلمات القرآن أو بما لا يخالفه يستلزم وقوع الريب في القرآن العزيز. وقد قال الله تعالى (قُلْ ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي‏ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَي ‏)(٢).

ولا يوافق الأئمة المعصومون على هذا التفسير الشائع لسبعة أحرف ، وقد سئل الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام عما يقوله الناس من أن القرآن نزل على سبعة أحرف فقال : كذبوا ـ إلى أن قال ـ ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. وروى ثقة افسلام كليني بسنده عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إن القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن

__________________

(١) البيان : ١٨١ ـ ١٨٣.

(٢) يونس : ١٥.

الاختلاف يجئ من قبل الرواة. ومن المعلوم أن الاختلاف المشار إليه في عصره (عليه السلام) هو الاختلاف في القراءات الموروثة عن ابن مسعود وأمثاله ، فالإمام إذا يكذب هذا النحو من الاختلاف. قال الفقيه الهمداني ـ بعد نقله حديث التكذيب هذا ـ : ولعل المراد بتكذيبهم تكذيبهم بالنظر إلى ما أرادوه من هذا القول مما يوجب تعدد القرآن ، وإلا فالظاهر كون هذه العبارة صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، بل يدعي تواتره.

إذا ، فلابد من الرجوع إليهم والاعتماد عليهم في معرفة المراد من حديث سبعة أحرف ، فنجد أمامنا مما نقل عنهم ما يلي ـ فذكر روايتين ، ثم قال ـ فالذي يستفاد من هذين الحديثين هو أن المراد من الأحرف السبعة هو الوجوه التي ترجع إلى معاني كلام الله وتأويلاته ، وهذه المعاني سبعة إن كان المراد بالسبعة نفس معناها الأصلي ، وإن كان المقصود بالسبعة هنا الكناية عن الكثرة في الآحاد ـ كما يكني بكلمة سبعين عن الكثرة في العشرات ـ فيكون المراد هو أن القرآن نزل على حروف كثيرة آحادها. وربما يستشهد لهذا المعنى الثاني بما رواه في بحار الأنوار عن المعلى بن خنيس ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ، لكن لا تبلغه عقول الرجال.

ولكن ثمة فرق بين تفسير هؤلاء وتفسير الئمة (عليهم السلام) فإن الأئمة قالوا بأن المراد هو سبعة أوجه من المعاني ، وهؤلاء قالوا بسبعة أوجه للألفظ المختلفة ، وإن اتفقوا على تفسير الحرف بالوجه. ويؤيد هذا الذي ذهبنا إليه تبعا لأئمة أهل البيت (عليه السلام) في تفسير الأحرف السبعة ما رواه ابن جرير الطبري في مقدمة تفسيره عن أنس بن عياض عن أبي حازم

عن أبي سلمة قال : لا أعلمه إلا عن ابي هريرة : فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : انزل القرآن على سبعة أحرف فالمراء فيه كفر ـ ثلاث مرات ـ فما عرفتم منه فاعلموا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه. حيث إن المستفاد من هذا الحديث هو أن السبعة أحرف هي في المعاني لا في الألفاظ فتخلص : أن القرآن انزل على سبعة وجوه من المعاني والتأويلات ، لكن لا تبلغ العقول إلا الأقل منها ، ولابد من الرجوع إلى الراسخين في العلم في الأكثر. والظاهر أنه مأخوذ من الحرف وهو الطرف والجانب ، وكأن للألفاظ القرآنية جوانبا وأطرافا ، أي معاني كلها محتملة احتمالا قريبا ، وهذا النحو من الاستعمال شائع في اللغة الفارسية ، فيقولون : إن كلامه (دو بهلو است) أي أنه ذو معنيين محتملين احتملا قريبا ، يساوي أحدهما الآخر في الظهور (١).

تأمل في كلمات هؤلاء الأعلام عليهم أتم الرحمة والرضوان تراها مكاتفة يدا واحدة تذب عن القرآن الذي وجهت له أخطر فكرة وهي دعوة لتحريفه تحت ستار الدين ، فكان صيانة القرآن من التبديل والتغيير هو المحفز لهم لرفض مبني الأحرف السبعة.

فتاضح أن عقيدة أهل السنة في الأحرف السبعة عقيدة صارخة وبكل وقاحة أن القرآن الكريم يتبع أهواء القراء ولا يثبت على حال ، وأن كل من أراد الاستمزاج والتفنن بكتاب الله فإن الباب على مصراعية مشرع! حتى ليظن أن القرآن لم ينزل لتتبع نصوصه ، بل ليتبع هو أمزجتنا!، وهكذا أصبح تحريف القرآن دينا بين طوائف المسلمين ، فلا تجد لدعوى تحريف القرآن هذه

__________________

(١) بحوث في تاريخ القرآن للسيد مير محمدي زرندي : ٣٢ ـ ٣٥.

رادعا أو مستنكرا بين صفوفهم! نعوذ بالله من الخذلان.

التفسير مغرض!

لعل البعض يستشكل وجود هذا الكم من الروايات الأحرف السبعة في مصنفات القوم ولا يرى له وجهه مقبولا من وضع أو كذب ، والحق أن الوجه المقبول لها موجود وبوجوه متعددة أيضا ، إذ من المحتمل قويا دخول زوائد حرفت معني الأحرف السبعة في ضمن تلك الروايات ، وليس ذلك ببعيد بعد حصول التضارب في نقل الحادثة الواحدة وبملاحظة المعنى الذي حكته روايات أهل البيت عليهم السلام ، أما أصل مفهوم الأحرف السبعة فلا أحد ينكر وجوده في القرآن ، وإنما الكلام كله دائر حول المعنى الذي جعل من مفهومها دعوة مفتوحة لتحريف القرآن.

علل تغيير معنى مفهوم الأحرف السبعة :

تغيير مفهوم الأحرف السبعة والمراد منها يستظهر سببه من جهات أرى أنها لا تخرج عنها وهي :

١ ـ ابن مسعود وأهل الكوفة

من المحتمل أن ابن مسعود وأهل الكوفة قد حملوا هذا المعنى من جواز تغيير الألفاظ لمعانيها على روايات نزول القرآن على سبعة أحرف ، لأن ابن مسعود كان يقوم دائما بتغيير مفردات القرآن إلى معانيها المترادفة بدعوى أن المعنى واحد! وستأتي ما يدل عليه بإذنه تعالى.

٢ ـ الأحرف السبعة وسيلة لتبرير اجتهادات الصحابة في نصوص القرآن.

قلنا غن للأحرف السبعة معنيين عند أهل السنة المعنى الأول أن القرآن

نزل على سبعة أشكال من الألفاظ بشرط الموافقة في المعنى وهو المشهور ، والمعنى الثاني أن الأحرف السبعة هي وجوه اختلاف القراءات وهذا الاحتمال ينسجم مع الرأي الثاني.

وهذا الاحتمال يقربه ما يقوم به علماؤهم من استقراء لوجوه القراءات عند سلفهم ، ومن ثم تطبيق مفهوم الأحرف السبعة على تلك الوجوه حتى يمكن إيجاد لكل ما قرأ به الصحابة توجيها شرعيا فيحكم بأن كل ما فعلوه لم يتزح قيد أنملة عن مراد الله عزوجل ، وأن الجميع ملتزمون بالضوابط الشرعية ، وأن يد التسديد الغيبي كانت وعلى طول الخط مرافقة لهم من أول قراءتهم إلى آخرها كلهم أجمعين أكتعين ، ونحن لا نقبل هذا الأمر لما فيه من تكلف وكثير تحميل ، ولا بأس بشيء من البسط هنا.

المشكلة من أين؟!

حسن الظن المطلق بالصحابة وبأفعالهم هو منهج أهل السنة ، فكان إيجاد التوجيه الشرعي لأفعالهم هو المقدم في تقييمها ، فأفعلهم لها مدارك شرعية يجب على أهل السنة تحصيلها والبحث عنها ، فلا يحتمل في نظر أهل السنة أن أحدا منهم ابتدع من عند نفسه شيئا خالف أمر الله به ، فالصحابي عندهم يعامل معاملة المعصوم وإ، لم يعتقدوا بعصمته ، وكان لهذا المبنى الفاسد أثره الخطير في الفقه والعقيدة ، وقد انصبت وتكاتفت جهود جبارة من علمائهم ولسنين متطاولة لإيجاد تأويلات وتوجيهات أو قل تلميعات لما جاء به التاريخ من مصائب ورزايا لأناس عاديين غير معصومين ، ففي كل فاجعة اقترفها أحد من السلف تجد عدة التأويل والتخريج لهذه القاصمة جاهزة للعمل وعلى أهبة الاستعداد!

وبسبب هذا التخريج والتحسين تلغى في بعض الأحيان تعاليم من الإسلام أو تخلق لها على أقل تقدير شواذ تنخدش عندها ، وتأمل على سبيل المثال إلى ما يستدلون به لعدم جواز الخروج على الحاكم الجائر والأمير الفاجر المستهتر وجواز الصلاة خلفه ، فإن صلاة ابن عمر عمر خلف الحجاج بن يوسف السفاك السفاح دليل ـ في نظرهم ـ على ذلك! فبما أن ابن عمر فعل شيئا لذا من المحتم ألا يكون مخطئا في فعله بل هو نابع من الدين! وكثير من هذه الموارد.

ومن تلك الموارد التي عملت بها عدة التأويل والتلميع عملها موردنا هذا ، حيث نجد بعض علمائهم يحاول بكل جهد وكثير معاناة أن يجعل من مفهوم الأحرف السبعة مظلة تستوعب كل ما استمزجه الصحابة في قراءة نصوص القرآن بالزيادة أو النقص أو التبديل ، فكانت تلك الأشكال والأوان في قراءات الصحابة والتابعين هي الحق الذي لا مرية فيه ، وعليه فالرأي الحصيف والقول السديد في تحديد ماهية الأحرف السبعة هو الرأي المعتمد على إيجاد المخارج لجميع ما وصل إلينا من استمزاجات السلف وعبثهم في قراءة آيات القرآن ، بشرط أن لا تخرج أي من تلك الاجتهادات عن كونها مصداقا لمفهوم الأحرف السبعة ، ومن ثم يقال لك : إن هذه الاختلافات والتغاير في قراءات القرآن إنما تمت تحت مباركة النصوص النبوية وعلى شريعة رب الصحابة! فصار تكلفا ما بعده تكلف وتحميلا واضحا وتعسفا فاضحا.

ولعل من طالع كتبهم في هذا المجال يجد أن أفضل التأويلات لبيان المقصود من المعنى غير المشهور للأحرف السبعة وهو رأي ابن قتيبة حيث قال :

إن المراد بالأحرف السبعة ، الأوجه التي يقع بها التغاير : (فأولها) ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته ، مثل : ولا يضار كاتب بفتح الراء وضمها. (وثانيها) ما يتغير بالفعل مثل بعد وباعد بلفظ الطلب والماضي. (ثالثها) ما يتغير باللفظ مثل (ننشرها وننشزها) بالراء المهملة والزاي المعجمة.

أقول : وعلى هذه الوجه التي ذكرها ابن قتيبة اعتمد اتباعه ، فجعلوا اختلاف القراء السبعة فيما بينهم من القراءات وكذا من قبلهم من السلف مستندا في الشريعة الإسلامية ووجها معتبرا إذ صار كل منها وجها من وجوه الأحرف السبعة!.

وتابع ابن قتيبة قوله : (ورابعها) ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل : (طلح منضود وطلع منضود). (وخامسها) ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل : (وجاءت سكرة الموت بالحق. وجاءت سكرة الحق بالموت). (وسادسها) ما يتغير بالزيادة والنقصان مثل : (وما خلق الذكر الأنثي) بنقص لفظ (ما خلق). (وسابعها) ما يتغير بإبدال كلمة بأخري مثل : (كالعهن المنفوش. وكالصوف المنفوش).

أقول : وهذه الوجوه الأخيرة من أوضح موارد التحميل والتكلف لتخريج ما شذ به الصحابة في قراءة القرآن!، فابن قتيبة (١) حصر اختلاف

__________________

(١) وغيره كابن الجزري وأبي الفضل الرازي ومن زلق في تلك المزلقة كالزرقاني ومن لم يأتنا علمه بعد.

الصحابة وابتداعهم في القرآن بهذه الوجوه ، وفي الوجه الرابع يكشف القناع وتفيح رائحة التحميل لأن هذا الوجه ليس له إلا مصداق واحد فاخترعه ليؤول ما روي في كتبهم من أن الإمام علي عليه السلام أنكر نص هذه الآية من المصحف وقد أخرجها الطبري في تفسيره :

قرأ رجل عند علي ـ عليه السلام ـ : (وَطَلْحٍ مَنْضُود) (١) فقال : ما شأن الطلح؟! إنما هو طلع. ثم قرأ ـ عليه السلام ـ : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضيد) (٢) أو قرأ (وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضيم) (٣) فقيل له : ألا نحولها؟ فقال : إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحول (٤) ، فكان اختراع هذا الوجه لتفادي هذه المزلقة اليتيمة الوحيدة!

والوجه الخامس : من عجائب الأمور وأفضح من سابقه لأنه اخترع حتى لا ينسب الهجر والهذيان لأبي بكر في آخر حياته وهو على فراش الموت حيث قرأ الآية الكريمة بشكل آخر ، فبدل أن يقول : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحيد) (٥) قرأها غلطا (وجاءت سكرة الحق بالموت)!، قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن :

__________________

(١) الواقعة : ٢٩.

(٢) ق: ١٠.

(٣) الشعراء : ١٤٨.

(٤) تفسير الطبري ٢٧ : ١٠٤.

(٥) ق : ١٩.

قال أبو بكر الأنباري : ـ بسنده ـ عن مسروق قال : لما احتضر أبو بكر أرسل إلى عائشة فلما دخلت عليه قالت : هذا كما قال الشاعر : (إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر) فقال أبو بكر : ، هلا قلت كما قال الله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحيد) وذكر الحديث.

فكان السبيل الوحيد لتزيه ساحة أبي بكر من الهجر أن يخترع لما أخطأ فيه وجه معتبر ضمن فضفاضة الأحرف السبعة ، فيكون أبوبكر ممن لا يخطأ ولا يهجر في القول ، بل كان يعرف ما يتفوه به حتى في حال موته! (١)

ونحمد الله أن هذا التكلف لم يقبله كل علمائهم ، فإن واحدا منهم وهو القرطبي رفضه على استحياء ، فقال إن هذا المورد يجري مجرى النسيان من أبي بكر ولكنه عاد وفآثر تخفيف الوطء فردد ذلك بين نسيان أبي بكر وبين خطأ الرواة! ، فقال :

وقد زعم من طعن على القرآن فقال : أخالف المصحف كما خالف أبو بكر فقرأ : وجاءت سكرة الحق بالموت ، فاحتج عليه بأن أبا بكر رويت عنه روايتان : إحداهما موافقة للمصحف فعليها العمل ، والأخرى تجري مجرى

__________________

(١) هكذا يتكلف للصحابة بشتى السبل والحيل حتى تنزه ساحتهم ولو بوجوه تافهة ، ولكن رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تجده عندهم يهجر ويهذي على فراش الموت ـ نعوذ بالله من الردة ـ ويقول ما لا يعلم تقليدا منهم لعمر بن خطاب كما نص عليه البخاري في خمسة مواضع من صحيحه ، فعند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقف آلات التأويل وعدد التلميع!!

النسيان منه إن كان قالها ، أو الغلط من بعض من نقل الحديث (١).

وكذلك الوجهان الأخيران يناديان بتبرير اجتهاد ابن مسعود وأبي الدرداء في قراءة القرآن فقد اشتهر أن ابن مسعود كان يقرأها بذلك الشكل بحذف قوله تعالى : (وَما خَلَقَ) (٢) وسار أبو الدرداء على دربه.

وهكذا كان معنى الأحرف السبعة قائما على استقراء أخطاء سلفهم الصالح!، وإيجاد المخارج والوجوه المقبولة لها ونسبة الكل إلى الشريعة الإسلامية ، ولذا كان مصدر التشريع ذو الأولوية هو فعل الصحابة!

وتتجلى للقارئ النبيه هذه النكتة بوضوح تام حينما يرى أن أصحاب عدد التأويل لا يقبلون أي معنى للأحرف السبعة لا يتوافق مع اجتهادات الصحابة! حتى ولو اقتضاه الدليل بحجة أنه يخرج بعض قراءات سلفهم عن حيز الحرف السبعة ، وهي طامة كبرى عندهم! ، وهذه بعض الأمثلة عليه :

قال السيوطي : (وبعد هذا كله ، رد هذا القول بأن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم ، كلاهما قريشي من لغة واحدة وقبيلة واحدة ، وقد اختلفت قراءتهما ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته ، فدل على أن المراد بالأحرف السبعة غير اللغات). (٣)

__________________

(١) راجع البرهان لزركشي: ١: ٩٣٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٧ : ١٢ ط دار إحياء التراث.

(٢) الیل : ٣.

(٣) الاتقان في علوم القرآن ١ : ١٥١ ، تحقيق د. مصطفى البغا، ط. دار ابن كثير ، الطبعة الأولى.

وكذلك قال الزرقاني في رد بعض التأويلات لمعنى الأحرف السبعة : (ثم إن الأوجه التي ذكرها واحدا واحدا ترجع كلها إلى نوع واحد من اختلاف اللهجات وكيفيات النطق وحدها ، فلا تشمل القراءات التي ترجع إلى اختلاف نفس الألفاظ بالإبدال أو التقديم والـتأخير أو النقص والزيادة ونحو ذلك. وفي هذا القصور ما فيه) (١).

فيتضح أن تأويل وتخريج اجتهادات السلف كانت السبب الرئيس في بيان معنى الأحرف السبعة ، ويا ليت أحدهم يخبرنا كيف عرفوا أن كل فلتات سلفهم الصالح! في نصوص القرآن واجتهاداتهم في تغيير كلماته قد وصلت إليهم بتمامها حتى فسروا عليها الأحرف السبعة وهي في نظرهم أمر إلهي جاء به الوحي؟! أهكذا يصبح الدين رخيصا؟!

ودعوى أن البعض منهم كان استقراؤه تاما دون غيره ينقصها الدليل فإنك قد لاحظت فيما نقلنا عنهم أن كل واحد منهم قد ادعى أنه تتبع جميع أوجه الخلاف في اللغات أو القراءات على حد سواء ، ثم اختلفت النتائج التي توصل إليها كل منهم عن الآخر. ولو كان الاستقراء تاما ـ على ما زعمه البعض ـ لما اختلفت النتائج التي توصلوا إليها من الناحية الجوهرية فضلا عن الناحية الشكلية. (٢)

وهل يصح أن يكون الاستقراء دليلا على كون كل نوع من الاختلاف

__________________

(١) مناهل العرفان للزرقانی ١ : ١٦٧، ط الحلبي الثالثة.

(٢) لغة القرآن الكريم : ٨٧ د. عبد الجليل عبد الرحيم ط. مكتبة الرسالة الحديثة.

حرفا قائما برأسه؟ وقد اعترض به صاحب لغة القرآن الكريم فقال :

ثم إنه على فرض صحة ما استدلوا به لا يلزم أن تكون الوجه السبعة هي الأحرف السبعة المقصودة في الحديث، بمعنى أن كل وجه منها حرف ، لأن الاستقراء على فرض كونه تاما إنما يدل على أن الحكم المشترك بين الجزئيات محكوم به على كلها ، فإذا تتبعنا أوجه الاختلاف فوجدنا كل وجه منها لا يخرج عن السبعة حكمنا بأن كل أوجه الاختلاف لا تخرج عن السبعة ، هذا غاية ما يفيده الاستقراء ، فهو لا يفيد أن كل وجه منها يعتبر حرفا من الأحرف المذكورة في الحديث فهذا الحكم إذن يحتاج إلى دليل سوى الاستقراء (١).

ويؤيد أن هذه التفسيرات جاءت لتلميع صورة الصحابة لا أكثر ولا أقل ، إن من انتهج منهج صحابتهم وأخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ بزعمهم ـ وصار يقرأ القرآن على حرف من الأحرف السبعة تلاحقه اللعنات ويرمى بالتكفير من كل حدب وصوب حتى يقام عليه الحد كما هو الحال لابن شنبوذ المقرئ وسيأتي الكلام عنه ، وقد أعطانا أبو بكر بن الأنباري خلاصة رأيهم فيمن يأخذ بمبدأ الأحرف السبعة من غير سلفهم الصالح! ففي تفسير القرطبي:

قال أبو بكر وفي قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُون) (٢).

__________________

(١) لغة القرآن الكريم : ٨٧ ، نقلا عن الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات : ٨٨ عبد التواب عبد الجليل. (٢) الحجر : ٩.

دلالة على كفر الإنسان (١) لأن الله عز وجل قد حفظ القرآن من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان فإذا قرأ قارئ (تبت يدا أبي لهب وقد تب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب ومريته حمالة الحطب في جيدها حبل من ليف) فقد كذب على الله جل وعلا وقوله ما لم يقل وبدل كتابه وحرّفه (٢).

وواضح أن هذا نفس معنى الأحرف السبعة عندهم ، ولكن هذه الامتيازات إنما نزلت من السماء للصحابة فقط!!

٣ ـ تبرئة ساحة ابن أبي سرح الأموي المحرف لكتاب الله عزوجل!

وهناك احتمال ثالث وهو أن هذه الروايات المرخصة لجواز تبديل الآيات بألفاظ متغايرة إنم وجدت في دنيا المسلمين بوضع من صناع الأحاديث المستأجرين من قبل البلاط الأموي ، وذلك في ضمن سلسلة الكذب والافتراء عبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتلميع ونحسين صورة بني أمية وأذنابهم.

وهذا الوضع ليس بعزيز لرفع مخزاة الكذب والافتراء عن ساحة أخي الخليفة عثمان بن عفان لأمه وهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح خاصة وهو العبد المطيع لعثمان ، وهو الذي أمر عبدالرحمان بن عوف أن يبعد الخلافة عن أمير المؤمنين عليه السلام ويلصقها بعثمان وقد فعل ، فكل تلك الروايات

__________________

(١) وهو أحد علمائهم الذين تستروا عن التصريح باسمه وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله.

(٢) تفسير القرطبي ١ : ٨٤.

المجوزة لتغيير ألفاظ القرآن بغيرها إنما جاءت لتبرر عمل عبد الله بن سعد ابن أبي سرح في تغيير ألفاظ القرآن وتحريفه حتى طرده النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهدر دمه ، فجاءت هذه الروايات لتبين أن فعل ابن أبي سرح كان مطابقا لأمر الله المستأثر به في الغيب ، وأن ما حصل له من الطرد والارتداد كان سببه تسرع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعدم علمه بما سيؤول إليه الحال ، والعياذ بالله.

ومما يقوي هذا الاحتمال هو تحرجهم من هذه المخزاة ومحاولة إلصاقها بأبي برزة الأسلمي وهو أحد شيعة الإمام علي عليه السلام.

وإلى هنا تم الكلام عن الأحرف السبعة ، وتبين أن أهل السنة لم يعتمدوا أي دليل ناهض لإدخال هذا المعنى للأحرف السبعة في دين الله الذي يفتح المجال لتحريف القرآن بل إن الأدلة قائمة على بطلانه ، أما الشيعة الإمامية فرفضوا هذا المبدأ المخل بقداسة القرآن تبعا لأهل البيت عليهم السلام.

المبحث الثاني

جمع القرآن

بعد الفراغ من مقولة الأحرف السبعة ، خلصنا إلى نتيجة وهي أن معنى الأحرف السبعة عندهم هو جوا قراءة الآية الواحدة على سبعة أوجه نحو : هلم وأقبل وتعال وقارب ، إلى آخر ما يوافق المعنى من ألفاظ بشرط ألاتختم آية رحمة بعذاب ولا آية عذاب برحمة ، وسبب هذه الرخصة التسهيل على هذه الأمة.

وبحثنا هنا عن نظرة أهل السنة لكيفية جمع القرآن ، وهو على قسمين : الجمع الأول في زمن أبي بكر ، والآخر الجمع الذي وقع في زمن عثمان ، ونذكر في الأثناء بعض الاعتراضات ثم نعقب بنظرة الشيعة الإمامية لجمع القرآن وما يتعلق به.

أولا : نظرة أهل السنة لجمع القرآن

الجمع الأول للقرآن

سببه :

رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربه عزوجل وترك الأمة بقرآن مشتت مبعثر هنا وهناك ، بعضه كتب في رقاع ، وبعض كتب على حجارة بيضاء مسطحة وهي اللخاف وقد كانت ملقاة في بيوت بعض الصحابة ، وبعض آخر مدون هلى عظام أكتاف الإبل ، وجملة منه في صدور القراء وهكذا ، والنتيجة أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترك الأمة الإسلامية بلا مصحف مجموع ولا كتاب مرتب يحوي القرآن ، وحيث أن عددا كبيرا من حفاظ القرآن قد قتل في حرب اليمامة ، خيف ضياع كثير مما حفظه أولئك ، فأمر بجمعه فجمع.

الهدف منه :

جمع القرآن لتدارك الخطر المترتب على ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعله ، فالأمة بلا قرآن مجموع محفوظ في المصحف يخاف عليه من الضياع وقد يفقد منه شيئ مع بعد العهد ومقتل القراء ، فكان من اللازم على الصحابة أن يتداركوا الخلل بجعله مرتبا في مكان واحد ومجموعا على نحو ملزمة بدل أن يكون مبعثرا هنا وهناك مكتوبا على الحجارة وعلى عظام أكتاف

الإبل.

كيفيته :

وقف بعض الصحابة على باب المسجد يحثون كل من كان عنده آية من كتاب الله ليأتيهم بها حتى تدمج في المصحف ، فلبى المسلمون النداء وكل أتى بما حفظ وبما كتب على الرقاع والحجارة ولو شهد شاهدان على كون تلك الجمل آيات من القرآن ادمجت فيه ، وهكذا بطبيعة الحال تتزاحم الناس وتتكاثف وكل يدلو بآيته ، فمنهم من يأتي بآية من الأحزاب وآخر من أول البقرة وهذا وهذا من آخر سورة يونس وذاك من وسط النحل وهذا من الثلث الأخير من الزمر وهكذا ، ويشهد شاهدان وينتهي الأمر ، وقد يأتي رجل أنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهادته منزلة شهادة رجلين وهو خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه ، وقد جاء بعضهم بآية وشهد على أنها من القرآن ولم تكتب فيه لأنه كان وحده فلم يثبتوها في المصحف وظل يردد ويكرر أن تلك الجملة من القرآن طيلة زمن خلافته وهو ابن الخطاب!

وهذا ما تميله علينا مصادر أهل السنة ، وقد جاءت به روايات منها رواية البخاري في صحيحه أن زيد بن ثابت الأنصاري قال :

أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر : قلت لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول

الله صلى الله عليه [وأله] وسلم؟ فقال عمر : هو الله خير! فلم يزل عمر يراجعني فيه شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالس لايتكلم فقال أبوبكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و [وآله] وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ فقال أبو بكر : هو والله خير! فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال (١) حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيمٌ) (٢) إلى آخرهما ، وكانت الصحف

__________________

(١) وتعليقا على هذه الرواية جاء في تاريخ القرآن الكريم للكردي الخطاط من الهامش ٢١ : (العسب بضم فسكون وبضمتين أيضا جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض ، واللخاف ـ وهي في رواية باب جمع القرآن ـ بكسر اللام جمع لخفة بفتح فسكون وتجمع أيضا على لخف بضمتين وهي صفائح الحجارة الرقاق والرقاع بالكسر جمع رقعة بالضم وهي القطعة من النسيج أو جلد ، والأقتاب جمع قتب بفتحتين وهو رحل البعير ، ومن هامش ٢٧ : الأدم بضمتين وبفتحتين أضا جمع أديم وهو الجلد المدبوغ ، والأكتاف جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان) ، وراجع فتح الباري للعسقلاني ٩ : ١٦ ، ح ٤٧٠١.

(٢) التوبة : ١٢٨.

التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر. (١)

وفي الإتقان نقلا عن المصاحف لابن اشتة : عن الليث بن سعد قال : وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل ، وإن آخر سورة براءة لم يجدها إلا مع خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين فقال : اكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه ة آله جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب ، وان عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده. (٢)

وكذا جاء في كنز العمال : عن هشام بن عروة قال : لما استحر القتل بالقراء فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت : اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين على شيء من القرآن من كتاب الله فاكتباه. (٣)

__________________

(١) صحيح البخاري (باب جمع القرآن) ٤ : ١٧٢٠ ، ح ٤٤٠٢ و ٤ : ١٩٠٧ ، ح ٤٧٠١ و (باب كاتب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم. ٤ : ١٩٠٨ ، ح ٤٧٠٣) و (باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا) ٦ : ٢٦٢٩ ، ح ٦٧٦٨ و ٦ : ٢٧٠٠، ح ٦٩٨٩، وفي طبعة أخرى ج ٦ : ٩٨ ، أقول : بعض الروايات تذكر أن اسم من جاء بالآيتين هو أبو خزيمة ، ولكن الأصح أنه خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وإن كان بعض علمائهم يقول أن أبا خزيمة جاء بآيات سورة التوبة في جمع أبي بكر ، وخزيمة ذو الشهادتين جاء بآية الأحزاب في جمع عثمان بن عفان.

(٢) الإتقان ١ : ٥٨.

(٣) المصاحف لابن أبي داود.

عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لما قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت فقال : اجلسا على باب المسجد فلا يأتينكما أحد بشيء من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا أثبتماه ، وذلك لأنه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قد جمعوا القرآن. (١)

وهذه الجملة (فلا يأتينكما أحد بشيء من القرآن تنكرانه) تدل على أن بعض الآيات يحق لها الدخول في المصحف بشهادة رجلين وإن أنكرها جماع المصحف ، أي أن من وكل بجمع القرآن لا يحفظه!!!

قال السيخ الكوراني حفظه الله تعالى : وينبغي أن نتوقف طويلا عند قول أبي بكر : (فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا أثبتماه) ففي هذا الكلام علم كثير ، فهو يدل على أن القرآن الذي (يحفظه) أبو بكر وعمر وزيد وغيرهم من الحفاظ المعروفين ، ناقص!! وأن بقيته مبثوثة عند الناس ، لذلك تعلن الخلافة أن أي نص يشهد عليه رجلان أنه من القرآن فهي تلتزم به تثبته في القرآن ، ونائب الخليقة كاتبه مأموران أن يدخلا ذلك النص في القرآن حتى لو لم يشهدا به ، بل حتى لو استغرباه وأنكراه (تنكرانه .. إلا أثبتماه)! إن هذه الحركة منسجمة تماما مع الأحاديث الصحيحة الواردة عن الخليفة عمر بأن القرآن الذي نزل أضعاف الموجود ، لذلك فهو يحاول جمع ما ضاع منه بأقل إثبات شرعي وهو شاهدان عاديان! (٢).

__________________

(١) الطبقات لابن سعد.

(٢) تدوين القرآن : ٣٠٢ ـ ٣٠٣.

ملاحظتان

الأولى : الجمع لم ينته في زمن أبي بكر ولا عمر

مقتضى الجمع بين الأدلة أن الجمع الأول لم ينته في عصر أبي بكر ؛ لأن جمعهم هذا الذي ابتدأ في زمن أبي بكر إن كان المقصود منه جمعه في مصحف أو ملزمة يلم به شتات جميع ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهذا لم يفرغ منه في زمن أبي بكر ، بل استمر إلى زمن عمر ، ومات عمر ولم يتمه ، وقد جاءت روايات عند أهل السنة ظاهرةفي هذه الدعوى ، حتى أن ابن داود السجستاني بوب في كتابه المصاحف بابا بعنوان : جمع عمر بن الخطاب القرآن في المصحف ، فقال بسنده عن الحسن :

إن عمر بن الخطاب سال عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان فقتل يوم القيامة ، فقال : إنا لله ، وأمر بالقرآن فجمع ، وكان أول من جمعه في المصحف. (١)

وكذا عن عبدالله بن فضالة قال : لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر فإن القرآن نزل على رجل من مضر. (٢)

وعن يحيى بن عبدالله بن حاطب قال : أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس فقال : من كان تلقي من رسول الله صلى الله عليه [وآله]

__________________

(١) کتاب المصاحف ١ : ١٨١، ح ٣٢. تحقیق محب الدين واعظ.

(٢) كتاب المصاحف ١: ١٨٣ ، ح ٣٤.

وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والأواح ، والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان ، فقتل وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان فقال : من كان عنده من كتاب الله شيئا فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتي يشهد عليه شهيدان. (١)

وهذا يعني أن جمع أبي بكر لم ينتج مصحفا أو ملزمة بأوراق مترتبة كما أدعي ، وإنما هو شتاب مبعثر قد جمع في مكان واحد عند أبي بكر ، ومما يؤكد أن ابن الخطاب لم يجمع القرآن في حياته ولم يتم ما ابتدئ به في زمن أبي بكر ـ بجعله في ملزمة أو مصحف مرتب ـ رواية ابن سعد في طبقاته عن ابن سيرين قال : مات أبو بكر ولم يجمع القرآن (٢) ، وكذلك عنه في طبقاته قال : قتل عمر ولم يجمع القرآن. (٣)

وينص ابن شبة في تاريخ المدينة على أن أبابكر وعمر بن الخطاب لم يجمعا المصحف ، بل جمع أول مرة في زمن عثمان :

عن ابن شهاب ، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال : إن أول من جمع

__________________

(١) نفس المصدر ١ : ٢٢٩،١٨١ تحقيق محب الدين واعظ ، وهو في الكنز العمال ٢ : ٣٦١ (جمع القرآن).

(٢) طبقات ابن سعد ٣ : ٩٣ (ذكر وصية أبي بكر).

(٣) نفس المصدر : ٢٧٤ (ذكر استخلاف عمر) ، أقول : إلا أن يقال إن هذا الجمع قصد به الحفظ في الصدور أي أنهما لم يحفظا القرآن إلى الممات ، وهذا لا يقبله أهل السنة الذين يدعون أنهما من حفظة القرآن!

القرآن في مصحف وكتبه عثمان بن عفان ، ثم وضعه في المسجد فأمر به يقرأ كل غداة. (١)

وما يؤكد هذا الراي أكثر هو بقاء تلك الصحف عند ابي بكر وانتقالها إلى عمر ومن ثم إلى حفصة ، كما في رواية البخاري ، فهذا المصحف لم ير النور ولم يطلع عليه أحد من المسلمين إلى يومنا هذا ، وهذا ليس له وجه مقبول سوى أنه لم يفرغ زيد من جمعه لو قلنا أنه مصحف قد جمع للناس ، وبما قربناه يتضح تسرع البعض في رد الروايات التي تحكي جمع القرآن في زمن تأمر عمر على الناس بدعوى أن ذلك قد فرغ منه في زمن أبي بكر.

الثانية : طريقة الجمع هذه يحتمل فيها فقدان شيء من القرآن ، لأسباب:

منها : احتمال أن بعض الآيات لم يتوفرلها شاهدان أو لم يلتفت لها أصلا ، وهذا الاحتمال وارد وفي محله لأن هذا هو المعتاد في مثل هذا النوع من الجمع العشوائي للآيات ،خاصة أن عمر بن الخطاب جاء شاهدا على جملة ادعى قرآنيتها فرفض زيد بن ثابت دمجا في المصحف ؛ لأن ابن الخطاب كان وحده ولم يشهد معه رجل آخر!، وكذا جاءت حفصة بنت عمر تدعي قرآنية مقطع ولكن أباها رفض دعواها لأنها امرأة وليس لديها بينة على ذلك!، وكذلك الحال بالنسبة لابن مسعود الذي جاء بمقطع أراد دمجه في القرآن فرفض طلبه!، مع العلم أن ابن مسعود هذا هو رأس الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة أن يستقرئوهم القرآن ويأخذوه منه!

__________________

(١) تاريخ المدينة ابن شبة النميري١ : ٧.

فقد أخرج ابن الأنباري في المصاحف : من طريق سليمان بن أرقم عن الحسن وابن سيرين وابن شهاب الزهري ، وكان الزهري أشبعهم حديثا قالوا : لما أسرع القتل في قراء القرآن يوم اليمامة قتل معهم يومئذ أربعمئة رجل ، لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب فقال له : إن هذا القرآن هو الجامع لديننا ، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كاب ، فقال له : انتظر حتى نسأل أبا بكر ، فمضيا غلى أبي بكر فأخبراه بذلك ، فقال : لا تعجل حتى أشاور المسلمين ، ثم قام خطيبا في الناس فأخبرهم بذلك ، فقالوا : أصبت ، فجمعوا القرآن وأمر أبو بكر مناديا فنادى في الناس من كان عنده من القرآن شيء فليجئ به ، قالت حفصة : إذا انتهيتم إلى هذه الآية فاخبروني (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى‏ وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتين) (١). فلما بلغوا إليها قالت : اكتبوا (والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر) ، فقال لها عمر : ألك بهذا بينة؟ قالت : لا ، قال : فوالله لا ندخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا غقامة بينة ، وقال عبدالله بن مسعود : اكتبوا (والعصر إن الإنسان ليخسر وانه فيه إلى آخر الدهر) فقال عمر : نحوا عنا هذه الأعرابية (٢).

وهذه الرواية يؤيدها كثير من الروايات التي تحكي إصرار حفصة بنت عمر على زيادة هذا المقطع في الآية ، وقد أيد أبي بن كعب قولها ، حتى أنها

__________________

(١) البقرة ٢٣٨.

(٢) الدر المنثور ١ : ٣٠٢ ط دار المعرفة.

أمرت كاتبها بذلك ، وبقي مصحفها بهذه الزيادة إلى أن ماتت ، وهو أيضا فعل عائشة وكذا روي عن أم سلمة رحمها الله (١) ، فلا أدري على جمعهم

__________________

(١) أخرج عبد الرزاق والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة قال : استكتبتني حفصة مصحفا فقالت : إذا أتيت على هذه الآية فتعال حتى أمليها عليك كما أقرئتها فلما أتيت على هذه الآية (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) (البقرة : ٢٣٨). قالت أكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) فلقيت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر إن حفصة قالت : كذا وكذا؟ فقال : هو كما قالت أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في عملنا ونواضحنا))، ((وأخرج مالك وأبو عبيد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة ِالوُسطَى) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) وقالت : أشهد أني سمعتها من رسول الله صبى الله عليه [وآله] وسلم))، ((وأخرج عبد الرزاق عن نافع أن حفصة دفعت مصحفا إلى مولى لها يكتبه وقالت : إذا بلغت هذه الآية (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الوُسطَى) فآذني فلما بلغها جاءها فكتبت بيدها (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر))) ، ((وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت : لكاتب مصحفها إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فلما أخبرها أكتب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة العصر)) ، ((وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق نافع عن

__________________

حفصة زوج النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم إنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فاخبرها ، قالت : أكتب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم يقرا (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي الصلاة العصر)) ، وكذا فعل عائشة ، ((وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم أن عائشة أمرت بمصحف لها إن يكتب وقالت : إذا بلغتم (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) فلا تكتبوها حتى تؤذوني ، فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت : امتبوها (صلاة الوسطى صلاة العصر))، ((وأخرج مالك ، واحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي داود ، وابن النباري في المصاحف ، والبيهقي في سننه عن أبي يونس مولى عائشة ، قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الوُسطَى) فلما بلغتها آذنتها فأملت علىّ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة العصر وقوموا لله قانتين) وقالت عائشة : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم)) ، وروي ذلك أيضا عن أم سلمة رضوان الله تعالى عليها ، ((وأخرج وكيع وابن المنذر عن عبدالله بن رافع عن أم السلمة ، أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا فلما بلغت (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الوُسطَى) قالت : أكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)) ، وقد بقيت هذه الزيادة في مصحفيهما إلى ماشاءالله : ((أخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن هشام بن عروة قال : قرأت في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)) ، ((وأخرج ابن جرير عن

المزعوم كيف يوثق باشتمال المصحف على كل آيات القرآن؟ ، وهل توفر لكل آية شاهدان ليشهدا على كل قرآنيتها؟!، وماالدليل عليه؟!

ومنها : سقوط آيات عن ذلك الجمع ونقصان المصحف منها حتى وجدت بعد ثلاث عشرة سنة تقريبا! ؛ لأن جمع القرآن في زمن أبي بكر كان بعد واقعة اليمامة ، وكانت في السنة الحادية عشر بعد الهجرة ، وكان الجمع الثاني للقرآن في سنة خمس وعشرين للهجرة زمن تأمر ابن عفان على الناس ، وهذا ما ذكره ابن أبي داود :

خطب عثمان ـ بء قيامه بجمع القرآن ـ فقال إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لما أتاني به (١) ، فالفترة الفاصلة

__________________

عروة قال ك كان في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر)) ، ((وأخرج وكيع عن حميدة قالت : قرأت في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر)) ، ((وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب قال : في مصحف عائشة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة الوسطى صلاة العصر))، وكذا رواية عروة وحميدة وقبيصة ، ((وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال : کان مکتوبا فی مصحف حفصئ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر وقوموا لله قانتين)) ، راجع الدر المنثور ٢ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ـ ٣٠٥. وأما زيادة ابن مسعود فستأتي الشواهد على صدقها في مبحث القراءات الشاذة بإذنه تعالى.

(١) المصاحف : ٢٤ نقلا من تخلیص التمهید : ١٦٨ ـ ١٦٩.

بين الجمعين ـ مع مراعاة ما بين بدء الجمع وانتهائه في زمن أبي بكر ـ تقرب من ثلاث عشرة سنة. (١)

ومنها : إن آيات القرآن جمعت ودمجت في هذا المصحف بشهادة رجلين ، أي بخير الآحاد ، فلا تواتر!

ولا بأس بالتنبيه هنا على نقطتين وهما :

الأولى : قرر كثير من علماء أهل السنة أن المصحف الذي جمع في زمن أبي بكر كان أكبر حجما من حجم مصحفنا بستة أضعاف، وذلك لاشتماله على الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم ، وهو ما قد نص عليه عدة ممن تطرق لذكر الفروق بين الجمعين الأول في زمن أبي بكر ، والثاني في زمن عثمان.

ذكر بعض من قال : إن مصحف أبي بكر كان أكبر بستة أضعاف من مصحفنا :

قال السيوطي في الإتقان : وقال القاضي الباقلاني في الانتصار : لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على قراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم ، وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ، ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد ، وذكر كلام المحاسبي مثله ، ومن قبل

__________________

(١) وسيأتي الكلام عن هذا المورد والذي يليه مفصلا في الجمع الثاني إن شاءالله تعالى.

القاضي ذكر كلام ابن تين وغيره وكلهم سواء في المعنى. (١)

قال في تاريخ القرآن : وجاء في إرشاد القراء والكاتبين : إن زيدا كتب القرآن كله ، بجميع أجزائه وأوجهه المعبر عنها بالأحرف السبعة الواردة في حديث : ((هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه))، وكان أولا أتاه جبريل فقال له : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد ، ثم راجعه إلى السابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرأوا عليه أصابوا.

فأبو بكر هو أول من جمع القرآن الكريم بالأحرف السبعة التي نزل بها ، واليه تنسب الصحف البكرية ، وكان ذلك بعد وقعة اليمامة التي كان انتهاؤها سنة اثنتي عشرة للهجرة ، فجمعه للقرآن كان في سنة واحدا تقريبا ، ولولا همة الصحابة الذين بذلوا أنفسهم لله لما تم في مدة سنة واحدة كتابة المصحف بالأحرف السبعة كلها ، وجمعه من الأحجار والعظام والجلود ونحوها. (٣)

وقال : إنهم في هذه المرة جمعوه بالأحرف السبعة كلها ، وهذا يستلزم أن يكون حجم مصحف أبي بكر أضعاف حجم مصحف عثمان ؛ لأن هذا جمعه على حرف واحد من الأحرف السبعة. (٣)

__________________

(١) الإتقان ١ :٦٠.

(٢) تاريخ القرآن الكريم : ٢٨ للكردي الخطاط.

(٣) نفس المصدر : ٣١.

وستأتي بقية أقوالهم في كيفية الجمع الثاني للمصحف وما حذفه عثمان من أحرف القرآن الستة.

الثانية : إن هذا المجموع بقي عند أبي بكر ، ومن ثم عند عمر ، وبعده عند حفصة ، وطيلة ثلاث عشرة سنة لم يستفد منه المسلمون شيئا بصريح رواية البخاري.

قال في المصحف المرتل : واللافت أن المحافظة على هذه الصحف كانت بالغة ، فقد كانت عند أبي بكر لم تفارقه في حياته ، ثم عند عمر أيامه ، ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها كما أوضحنا. (١)

__________________

(١) المصحف المرتل بواعثه ومخططاته : ٥٧ ، لبيب السعيد ، ط. دار الكتب العربي. أقول : السبب في عدم الاستفادة منه واضح ؛ لأن ذلك الجمع لم ينته لا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر.

الجمع الثاني للقرآن

والجمع الثاني كان لتوحيد المسلمين على مصحف واحد يتم جمعه ، ويسمى بالمصحف الإمام ، ليلتزم به الجميع ولا يتجاوزون خطه ورسمه ، وتلغى المصاحف الأخرى ، وهذا حدث في زمن عثمان.

سببه :

رحمة اللهصارت نقمة!

زعموا أنه بعد جمع القرآن على سبعة أحرف ، بقيت تلك الصحف عند أبي بكر ، وبعدها عند عمر طيلة فترة تأمرهما على الناس ، وبقي الناس على ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجود الأحرف السبعة في دنيا المسلمين يقرأون بها ، إذ نزل القرآن ـ بزعمهم ـ على سبعة أحرف رحمة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبمضي الوقت وبعد العهد عن زمن النزول ، اختلف الناس وتضاربوا ، فبدل أن تكون الأحرف السبعة رحمة لهم ، أصبحت وبالا ونقمة عليهم! ، فصار التكفير على قدم وساق بين القراء وصبيانهم ، ووصل الوباء للجنود في أقاصي الثغور ، وعلى حدود الدولة الإسلامية! ، وهكذا تفاهمت المشكلة أكثر فأكثر بدعوى أن الناس لم تكن تعلم أن الأحرف السبعة رحمة! لذلك لم يختلف الصحابة (١) بعد علمهم

__________________

(١) وقد مر عليك أن الصحابة هم الذين اختلفوا ، وستأتي البقية بإذنه تعالى.

أن كلا من تلك الأحرف شاف كاف ، ولكن الناس لم يلتفتوا لذلك!

قال ابن جرير الطبري في تفسيره بسنده عن أبي قلابة : لما كان ف خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون ، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين ، قال أيوب: فلا أحسبه إلا قال : حتى كفر بعضهم بقراءة بعض. (١)

وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : وفي رواية عمارة بن غزية إن حذيفة قدم من غزوة فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان فقال : يا أميرالمؤمنين أدرك الناس! قال : وما ذاك؟ قال : غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة عبدالله بن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضا.

وقال أيضا : ومن طريق محمد بن سيرين قال : كان الرجل يقول لصاحبه : كفرت بما تقول. فرفع ذلك إلى عثمان فتعاظم في نفسه ، وفنده ابن أبي داود أيضا من رواية بكير بن الأشج أن ناسا بالعراق يسأب أحدهم عن الآية فإذا قرأها قال : ألا إني أكفر بهذه ففشا ذلك في الناس. (٣)

فاستجاب عثمان لهذا الأمر الخطير ، وقام في الناس قائلا : أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة ، وأنتم تمترون في القرآن وتقولون : قراءة أبي

__________________

(١) جامع البيان للطبري ج١ : ٢٢١ ، المقنع للإمام الداني : ٦.

(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩ : ٢٢ ، ح ٤٧٠٢.

وقراءة عبدالله ، يقول الرجل للرجل : والله مايقيم قراءتك ... الخ (١) ، وحينما استحفل الأمر وتفاقم عبأ حذيفة بن يمان رضوان الله تعالى عليه نفسه وانتدبها ليحث ابن عفان ويوقظه لخطورة هذه الظاهرة.

الهدف منه :

بعد أن صحا عثمان للخطر الداهم ، قرر أن يحذف الأحرف السبعة التي أنزلها الله عزوجل على الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كقرآن ـ بزعمهم ـ ويبقي حرفا واحدا ، حتى يتخلص من رحمة الله التي انقلبت نقمة! وهذا الحرف الواحد هو القرآن الذي بين أيدينا.

كيفيته :

أمر عثمان زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام ، فنسخوا ما جمع في زمن أبي بكر ليكتبوا مصحف تتوحد عليه الأمة الإسلامية ويكون القرآن الرسمي ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف أرجع عثمان جمع أبي بكر إلى حفصة ، ثم بعث إلى الأقطار بنسخ من هذه المصاحف المنسوخة لتتوحد الناس عليها ، وكإجراء وقائي ، أمر عثمان بجمع المصاحف المحتوية على كل القرآن بأحرفه السبعة ليحرقها أمام الملأ ،

__________________

(١) كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني ١ : ٢١٦ تحقيق محب الدين واعظ.

ويتخلص من آيات قرآنية تقدر بستة أضعاف قرآننا الفعلي والتي كانت موجودة في المصحف الذي جمع في زمن أبي بكر ، وكان من الصحابة من رفض تسليم مصحفه حتى تضيع تلك الآيات ، وراح يطعن في نزاهة الجمع والجامعين ، وأنكر إحراق المصاحف ، وحذف قرآن كثير أنزله الله عزوجل.

اعتراف علماء أهل السنة بإحراق عثمان لستة أضعاف القرآن :

قال ابن جرير الطبري ، قريب العهد من تلك الوقائع : والآثار الدالة على أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رحمة الله عليه جمع المسلمين نظرا منه لهم (١) ، وإشفاقا منه عليهم ، ورأفة منه بهم ، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام ، والدخول في الكفر بعد الإيمان ، إذ ظهر من بعضهم ـ بحضرته وفي عصره ـ التكذيب ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن ، مع سماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم النهي عن التكذيب بشيء منها ، وإخباره إياهم أن المراء فيها كفر ، فحملهم رحمة الله عليه إذ رأى ذلك المراء بينهم في عصره ، وبجداثة عهدهم بنزول القرآن ، وفراق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم اياهم بما آمن عليهم معه عظيم البلاء في الدين من تلاوة القرآن على حرف واحد ، وجمعهم على مصحف واحد ، وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه ، وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف المصحف الذي جمعهم عليه أن يحرقه ، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة ، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية ،

__________________

(١) ابتأ بالأسلوب الشاعري ، فلاحظ!

فترك القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ، ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها ، حتى درست من الأمة معرفتها وتعفت آثارها ، فلا سبيل لأحد اليوم إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها من غير جحود منها بصحتها وصحة شيء منها ، ولكن نظرا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها فلا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح (!) دون ما عداها من الأحرف الستة الباقية. (١)

قال مكي بن أبي طالب القيسي: إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم وصحت روايتها عن الأئمة ، إما هو جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووافق اللفظ بها خط المصحف ـ إلى قوله ـ وإذ كان المصحف بلا اختلاف كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن على لغة واحدة ، والقراءة التي يقرأ بها لا يخرج شيء منها عن خط المصحف ، فليست إذا هي السبعة الأحرف التي نزل بها القرآن كلها.

__________________

(١) تفسير الطبري ١ : ٢٠ ـ ٢١، قال الكردي الخطاط : ٤٦ بعد نقله لكلام الطبري ما نصه : (ولقد أتينا بكلام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ، لأنه من كبار الأئمة ، ولأن عصره كان قريبا من عصر ألصحابة والتابعين ، فإ،ه ولد سنة مئتين وأربع وعشرين وطاف الأقاليم في طلب العلم ، وسمع عن الثقات الأجلة ، وجمع من العلوم ما لم يشاركه أحد في عصره ، وله تصانيف عديدة ، حكي أنه مكث أربعين سنة فكتب في كل يوم منها أربعين ورقة ، توفي في شوال عام ثلاثمئة وعشرة وصلى على قبره عدة شهور ليلا ونهارا).

ولو كانت هي السبعة كلها وهي موافقة للمصحف ، لكان المصحف قد كتب على سبع قراءات ، ولكان عثمان رضي الله عنه قد أبقى الاختلاف الذي كرهه ، وإنما جمع الناس على المصحف ليزول الاختلاف. (١)

قال ابن القيم الجوزية : ومن ذلك جمع عثمان رضي الله عنه الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة ، التي أطلق لهم رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم القراءة بها لما كان ذلك مصلحة (٣) ، فلما خاف الصحابة رضي الله عنهم على الأمة أن يختلفوا في القرآن ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد من وقوع الاختلاف ، فعلوا ذلك ومنعوا الناس من القراءة بغيره (٣).

قال الكردي الخطاط في التاريخ القرآن : فخلاصة ما تقدم إن أبابكر أول من جمع القرآن بإشارة عمر رضي الله عنهما ، وكان جمعه بالأحرف السبعة

__________________

(١) الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن أبي طالب القيسي : ٢ ـ ٤ تحقيق د. عبد الفتاح شلبي.

(٢) قول ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أطلق لهم القراءة بها أمر صريح بحسب رواياتهم ، فيمكنك تغيير مفردات الآيات على مزاجك ، وكله قرآن منزل من عند الله عزوجل ، وتغافل ابن القيم أن الإطلاق والترخيص بالقراءة بها لا يعني الترخيص بحذفها وإلغائها من المصاحف ، فإن هذا النخريق والتحريق تحريف للقرآن ومحو لآثاره ، فمثلا من يقول إنك مخير بين القصر التمام في ظهر يوم عرفة لا يعني به جواز إلغاء القصر ومنع الناس من أدائها فيه فهذا تحريف لأحكام الله عزوجل ، والأمر واضح.

(٣) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية : ١٦.

كلها التي نزل بها القرآن ، وسببه الخوف من ضياعه بقتل القراء في الغزوات ، ثم في خلافه عثمان كثر اختلاف الناس في قراءة القرآن ، فخشي رضى الله عنه عاقبة هذا الأمر الخطير ، وقام بجمع القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة وهو حرف قريش ، وترك الأحرف الستة الباقية حرصا منه جمع المسلمين على مصحف واحد وقراءة واحدة ، وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف لمصحفه الذي جمعه أن يحرقه ، فأطاعوه واستصوبوا رأيه ، فالمصحف العثماني لم يجمع إلا بحرف واحد من الأحرف السبعة ، وان القراءات المعروفة الآن جميعها في حدود ذلك الحرف الواحد فقط ، وأمل الأحرف الستة فقد اندرست بتاتا من الأمة. (١)

قال في موضع آخر : أما عثمان رضي الله عنه ، فانه لم يجمع القرآن إلا بعد أن رأى اختلاف الناس في قراءته ، حتى أن بعضهم كان يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وكان جمعه له بحرف واحد وهو لغة قريش وترك الأحرف الستة الباقية ، فكان من الواجب حمل الناس على اتباع مصحفه وعلى قراءته بحرف واحد فقط قبل أن يختلفوا فيه اختلاف اليهود والنصارى. (٣)

قال أحد الوهابية حينما فرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان : إن جمع أبي بكر على الأحرف السبعة ، أما جمعه في عهد عثمان فقد كان على حرف

__________________

(١) تاريخ القرآن الكريم : ٤٤ ـ ٤٥ ، للكردي الخطاط.

(٢) نفس المصدر : ٢٩ ـ ٣٠.

واحد. (١)

وللأسف فقد بينت روايات أهل السنة هذا الجمع المصيري الذي استقر عليه الإسلام بصورة لا تختلف كثيرا عن جمع أبي بكر من التساهل وعدم الدقة ، وتتضارب الروايات في تحديد الشخصيات التي قامت بهذا العمل وما هي وظيفة كل واحد منهم ، ولكن أبي بن كعب كان هو القيم على هذا الجمع ويصحح ما أخطأوا به.

وجاء في البخاري : عن ابن شهاب إن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فرج أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان : يا أميرالمؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمان بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن

__________________

(١) دراسات في علوم القرآن الكريم د. فهد عبد الرحمان الرومي أستاذ الدراسات القرآنية في كلية المعلمين بالرياض.

في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، أنه سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه) (١) فأحلقناها في سورتها في المصحف. (٣)

وكما نرى فقد اتضح للمسلمين في وقت متأخر أن جمع زيد بن ثابت في زمن أبي بكر لم يكن تاما! فقد أنقص ذلك الجمع آية من القرآن لم تكتب فيه ، وبقي كذلك ناقصا مدة ثلاث عشرة سنة في غفلة من جميع الصحابة!فلم يجد زيد بن ثابت ذلك النقص إلا مع خزيمة بن ثابت من بين الصحابة وهو من وجد معه آخر سورة التوبة في جمع أبي بكر! والآن قد وجد معه آية

__________________

(١) الأحزاب: ٢٣.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٩٠٨ ، ح ٤٧٠٢ و ٣ : ١٠٣٣ ، ح ٢٦٥٢ ، ٤: ١٤٨٨، ح ٣٨٢٣، هذه الرواية تفيد أن مصحف حفصة كان ينسخ منه القرآن ، مع أن الروايات الأخرى تنص على كونه المرجع الأخير للتثبت مما جمع بخط زيد بن ثابت ، كما هي رواية الطبري التي يذكر فيها أن المملي هو أبان بن سعيد بن العاص توفي سنة سبع وعشرين ، وإن كان أغلب العلماء يرون أنه توفي في يوم أجنادين في خلافة أبي بكر ، راجع ترجمته في الإصابة والاستيعاب وأسد الغابة ونسب قريش وسير أعلام النبلاء.

من سورة الأحزاب! ، فاقتصر زيد على شهادة خزيمة ؛ لأن شهادته كانت تعدل شهادة رجلين ، فدمجها في المصحف ، وتمت العملية بنجاح تام!

هل كان المصحف العثماني مجرد عن مصحف أبي بكر؟

الذي يفهم من رواية البخاري هو أنهم نسخوا المصحف العثماني من جمع أبي بكر ، وهذا لايمكن قبوله بهذه البساطة لأمور:

١ ـ قالوا إن جمع أبي بكر اشتمل على الأحرف السبعة ومصحف عثمان ينقص عنه بستة أضعاف ، فكيف يصح القول أن المصحف العثماني كان مجرد نسخة عن جمع أبي بكر؟!

٢ ـ توجد روايات تحكي وقوع النزاع بين الجامعين في بعض الآيات التي كتبت في صحف أبي بكر ، فكانوا يتركون الآيات التي وقع فيها النزاع ليأتي من سمعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكتبوها على ما سمعه! فكيف يكون المصحف العثماني مجرد نسخة؟!

قال في الإتقان : أخرج ابن داود من طريق محمد بن سيرين ، عن كثير بن أفلح قال : لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار ، فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها ، وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تداروؤا في شيء أخروه. (١)

__________________

(١) الإتقان ١ : ١٦٥ ، وعلق عليه ابن سيرين بقوله : (فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله) ، وظنه غير صحيح لأنهم قالوا : إن زيد بن ثابت

وكذا أخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال : حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك ، قال : اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون ، فبلغ ذلك عثمان بن عفان ، فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه؟! فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا ، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما. فاجتمعوا فكتبوا ، فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية ، قالوا : هذه أقرأها رسول الله فلانا. فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة ، فقال له : كيف أقرأك رسول الله آية كذا وكذا فيقول كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا. (١)

٣ ـ نفس رواية البخاري تحكي طعن عثمان بمصحف أبي

__________________

هو الذي علم بالعرضة الأخيرة ، وكان زيد بجانبهم ولا داعي للسفر إليه كما في الرواية الآتية ، أو يقال كما في رواياتهم الصحيحة : إن ابن مسعود هو من علم بالعرضة الأخيرة فكانوا يسافرون إلى العراق حتى يسمعوا منه ، وهذا أشكل من سابقة ؛ لأن العراق لا يمكن الوصول إليها بثلاثة أيام ـ كما هو حال الرواية الآتية ـ ثم إن ابن مسعود حجب عن هذا الجمع بكل جزئياته ، فظن ابن سيرين غير صحيح ، وظاهر الرواية هو أنهم كانوا يختلفون في أصل الآية ونصها فينتظرون من يأتي ليكتبوه ، والرواية الآتية تبين ذلك.

(١) الإتقان ١ :١٦٥.

بكر الذي عند حفصة وعدم رضاه بما فيه ، فكيف يكون مصحف عثمان نسخة عن جمع أبي بكر؟!

فقد علمنا سابقا أن زيد بن ثابت هو الذي قام بمجمع مصحف أبي بكر ، فلو كان المصحف العثماني نسخة عما في مصحف أبي بكر لكان زيد هو المرجع ي تحديد المكتوب في مصحف أبي بكر ، لا أن يقول عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم.

وزيد لم يكن قرشيا بل مدنيا ، فقول عثمان هو الحقيقة إلغاء لمرجعية مصحف أبي بكر الذي كتبه زيد بخط يده حال النزاع ، فصارت الأولوية لرجال قريش على مصحف أبي بكر (١) ، فكيف يكون المصحف العثماني نسخة عن مصحف أبي بكر؟!

وعلى هذا يتأكد ما بيناه سابقا من أن جمع أبي بكر لم يكن بهذه الدقة التي يمكن بها اتفاق الصحابة على ما كتبه زيد بن ثابت ورضاهم به ، وقلنا سابقا أنه لم يكمل.

اعتراضات:

١ ـ القرآن يثبت بخبرالواحد!

قد مر بين الملاحظات على الجمع الأول إن زيد بن ثابت كان يثبت آيات القرآن بخبر الواحد ، يأتيه شاهدان فيشهدان على أن هذه الجملة قرآن منزل ، فيقوم زيد بإثباتها في المصحف ، حتى أنه كان يثبته بشهادة رجل واحد تعدل

__________________

(١) العصبية القرشية هي التي عودنا عليها عثمان ، فلم بكتف بالتفصيل بالعطاء وفي الإمارة بل حتى في كتابة القرآن!

شهادته شهادة رجلين ، وهو خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، فقد أثبت زيد بشهادته في أول جمع آية (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيم‏) (١) ، وفي الجمع الثاني أتى خزيمة بآية من سورة الأحزاب (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه‏) (٢) فدمجها أيضا.

كما جاء في صحيح البخاري عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت قال : نسخت الصحف في المصاحف ، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرأ بها ، فلم أجدها إلا مع خزيمة ابن ثابت الأنصاري ، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شهادته شهادة رجلين ، وهو قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه))) (٣) ، فعليه كيف يقولون أن القرآن ثبتت آياته بالتواتر؟!

وحاول القرطبي في تفسيره أن يبعد شبهة الشيعة ـ بزعمه ـ من أن آيات القرآن ثبتت بخبر الواحد فافترى المؤدب بقوله : وقد طعن الرافضة ـ قبحهم الله تعالى ـ في القرآن ، وقالوا : إن الواحد يكفي في نقل الآية والحرف كما فعلتم ، فإنكم أثبتم بقول رجل واحد وهو خزيمة بن ثابت وحده آخر سورة

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) الأحزاب : ٢٣.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٢٣ وفي ج ٦ : ١٤٦وفي ج ٤ :٢٤ وفي ج ٥ :١٢٢ وفي ج ٦ :٢٢٦ وسنن الترمذي ، ح ٣١٠٤ وعلق عليه بقوله (حسن صحيح).

براءة وقوله : (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ) فالجواب : إن خزيمة رضي الله عنه لما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال : ففقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئا أو لا ، فالآية إنما ثبتت بلإجماع لا بحزيمة وحده ، جواب ثان : إنما ثبتتبشهادة خزيمة وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيه قرينة تغني عن طلب شاهد آخر بخلاف آية الأحزاب ، فإن تلك بشهادة زيد وأبي خزيمة لسماعهما إياها من النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

أقول : يرد على جوابه الأول ما يلي:

١ ـ إن قوله (تذكرهما كثير من الصحابة) ادعاء محض.

٢ ـ وقول زيد بن ثابت (ففقدت آيتين ... ) إن صح لا يثبت علمه المسبق بنصها ، فما المانع أن يعلم بوجود آية صفتها كذا وكذا، ولكنه لا يضبط نصها ولا كلماتها؟ كمن يقول إننا كنا نقرأ آية تسمى آية الدين ، وتتكلم عن الدين والشهود وكذا وكذا ولكنه يجهل نصها ، وهذا محتمل جدا ، وكلامنا إنما هو في تواتر القرآن بما هو تواتر تفصيلي أي ضبط النص حرفا بحرف ، وهذا لا يدل عليه كلام زيد السابق.

بل إن ظاهر الكلام عدم علمه بتلكما الآيتين حين الجمع ، وإنما علم عندما جاءه بهما خزيمة رضوان الله تعالى عليه ، وعلى أي حال فمجرد حكاية زيد للحادثة لا يعني أنه كان يعلم نصهما في وقت الجمع على الإجمال فضلا

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٥٦. حصل خلط عند القرطبي، فالذي ورد في صحيح البخاري أن خزيمة بن ثابت هو صاحب آية الأحزاب ، أما براءة فأبو خزيمة. عن التفصيل ، فاستدلال القرطبي بهذا المقطع لايصح.

٣ ـ قوله (فالآية إنما ثبتت بالإجماع) ، لا ندري من أين أتى لنا بهذه النتيجة ، لأنها أكبر من المقدمات! فما ادعاه أولا أن كثيرا من الصحابة تذكروهما، فما دخل الإجماع؟!. (١)

أما جوابه الثاني فيرد عليه :

١ ـ منذ متي كان كل ما ينسب للقرآن ، وكان موافقا لصفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستحق أن يكون قرآنا ويدمج في المصحف؟! إن هذا لشيء عجاب!

وقد اعترض الباقلاني على هذه التفاهة فقال : ومن الناس من قال إنما أجاز عمر شهادته وحده ؛ لأن الآيتين اللتين في آخر سورة براءة هما ثناء على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وهذا باطل ؛ لأنه يجب أن يجييز شهادة واحد في كل موضع هذه صقته ، بل أولى منه المواضع التي فيها صفة الله تعالى. (٣)

٢ ـ لنسائل القرطبي عن قوله (فإن تلك بشهادة زيد وأبي خيمة) ، فهل هذا يدفع إشكال الرافضة بزعمه؟ كيف؟! وخبر الواحد ليس هو ما يقابل الاثنين!

__________________

(١) إلا أن يقال إن سكوتهم إقرار ، وهذه النتيجة تبتني على مقدمة مطوية فاسدة ، وهي استحالة ترك أي رجل من أهل ذلك العصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو استحالة جهله بالمورد ، وهذا فيه ما فيه من السخف.

(٢) نكت الانتصار: ٣٣٢.

وهذا نترك تبعته على ابن حجر العسقلاني ، حيث قال في مقام الرد على الداودي الذي ذهب إلى عين ما ذهب له القرطبي ، فقال : وكأنه ظن أن قولهم لا يثبت القرآن بخبر الواحد أي الشخص الواحد وليس كما ظن بل المراد بخبر الواحد خلاف الخبر المتواتر ، ولو بلغت رواة الخبر عددا كثيرا وفقد شيئا من شروط المتواتر لم يخرج عن كونه خبر الواحد. (١)

٣ ـ إن الروايات الواردة في المقام تؤكد على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتبر شهادة خزيمة بن ثابت بمنزلة شهادة رجلين ، وهذا يوحي أن إثبات الآية عن طريق خزيمة بن ثابت ، إنما تم باعتبار أنه (ذوالشهادتين) لا غير ، وإلا فما الداعي لتأكيد زيد بن ثابت على أن شهادة خزيمة تعدل شهادتين؟! وهل هو إلا لتبرير دمجه لالآية بشهادة خزيمة وحده؟!

وهذا كما يقول علماء الأصول من باب أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، وهو مضمون رواية البخاري السابقة : فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شهادته شهادة رجلين.

٤ ـ طريقة طرح القرطبي للدليلين توحي أنهما اجتهاد بعيد عن الحس والواقع لأنه يردد الجوابين ، فإما أن يكون جوابه هذا أو ذلك ، فهو تارة يقول إن آخر سورة براءة ثبت بالإجماع وبتذكر الصحابة لها ، وتارة أخرى يقول إنها ثبتت لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه وآله ووسلم!

__________________

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩ : ١٥ كتاب فضائل القرآن.

ولا ندري أهذا هو الجواب أم ذلك؟! واستحسانه ظاهر.

بدأت عدة التأويل بالعمل!

ولكي يتخلصوا من هذه المشكلة ، أعلموا ، آراءهم فادعى البعض منهم أن زيد بن ثابت لم يكن يكتب القرآن بشهادة رجلين ، وإنما عنى بالشاهدين الحفظ والكتابة ، وهذا ما ذكره ابن حجر في فتحه : قوله (لم أجدها مع أحد غيره) أي مكتوبة ، لما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة. (١)

والذي عناه ابن حجر في قوله (لما تقدم) هو ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب قال : قام عمر فقال : من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شيئا من القرآن فليأت به ، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب ، قال : وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان ، ومثله قال أبو شامة.

قال في المباحث في علوم القرآن : وواضح أن تفسير ابن حجر يلاحظ فيه الاكتفاء بشاهد واحد الكتابة ، كالشاهد الواحد على الحفظ. وتفسير الجمهور يقوم على ضرورة شاهدين عدلين على الكتابة ، وشاهدين على الحفظ فلا يكتفى بشاهد واحد على كل من الأمرين. (٣)

__________________

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩ : ١٥ كتاب فضائل القرآن.

(٢) مباحث في علوم القرآن : ٧٦ د. صبحي الصالح ط. دار الكتب للملايين. أقول وكأن الكاتب يعترض على ما ذهب له ابن حجر ، في حين أن الجمهور اشترطوا شاهدين عدلين للحكم بقرآنية الآية ، وهذا أمر مضحك ، لأن المشكلة لا يتوقف حلها على الشاهد أو الشاهدين ،لما

وكان السخاوي أكثر احتياطا من ابن حجر وأبي شامة ، فادعى أن دمج تلك الآيات في لمصحف إنما كان بالشهيدين ليشهدا على ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا أن يكتفي بشاهدين!

قال السيوطي في الإتقان : قال ابن حجر : وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب. وقال السخاوي في جمال القراء : المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن. قال أبو شامة : وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي لا من مجرد الحفظ. قال : ولذلك قال في آخر سورة التوبة لم أجددها مع غيره ، أي لم أجدها مكتوبة مع غيره ، لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة. (١)

ويرد على ما يدعونه من أن جمعة المصحف اشترطوا في إلحاق الآيات به خصوص ما كان مكتوبا بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد شهد عليه شاهدان ، أمور :

١ ـ لايصح بحسب مبانيهم الإعراض عما أخرجه البخاري من أن زيدا كان قد جمع القرآن من ثلاثة مصادر : هي العسب واللخاف وصدور الرجال ، والاقتصار على مقطوعة ابن أبي داود (٣) مع أنها لا تتعارض مع الرواية البخاري ، لأن رواية ابن أبي داود لم تذكر صدور الرجال ّ ورواية البخاري

__________________

سيأتي من أن مقامنا هو إثبات قطعية ما كتب في المصحف ، ولا تكفي فيه البينة الظنية!

(١) الإتقان ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٢) لأن يحي بن عبد الرحمان لم يلق ابن الخطاب ، فقد ولد يحيى في خلافة عثمان.

ذكرتها ، فلماذا أهملت زيادة صحيح البخاري؟!

لذا حاول ابن حجر أن يحتمل لمقطع البخاري فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ما ينسجم مع استمزاجه ، فشك في ظهور المقطع السابق في أن صدور الرجال كانت مصدرا ثالثا للجمع بعد تسليمه بمعناه فقال :

قوله : (وصدور الرجال) أي حيث لا أجد ذلك مكتوبا ، أو الواو بمعنى مع ، أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر ، وكما ترى ادعى ابن حجر أن الواوفي المقطع الأخير واو المعية وليست واو العطف!، وهذا لى لعنق الواو! إذ كيف تكون واو (العسب واللخاف) للعطف وتخصص واو (اللخاف وصدور الرجال) بالمعية؟! هذا تحكم!، والظاهر كونها للعطف.

قال السرخسي في أصوله في باب بيان معاني الحروف المستعملة في الفقه : فأولى ما يبدأ به من ذلك حروف العطف ، الأصل فيه الواو فلا خلاف أنه للعطف ، ولكن عندنا هو للعطف مطلقا ، فيكون موجبه الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه في الخبر ، من غير أن يقتضي مقارنة أو ترتيبا ، وهو قول أكثر أهل اللغة. (١)

٢ ـ لو كان شرط وجود المدون مأخوذا بعين الاعتبار في عملية الجمع ، لكان سكوت الروايات عنه وعدم ذكرها له من الغرائب ، مع ما فيه من زيادة

__________________

(١) أصول السرخسي ١ : ٢٠٠ دار المعرفة.

تثبت وحرص أكثر على حفظ كتاب الله ، ولوجدنا رواياتهم تترى من كل حدب وصوب لا تفتأ تنقل لنا تثبت سلفهم الصالح وحرصه وتحفظه على كتاب الله وو و ... الخ ، فيطلبون في نقل كيفية مجيء كل منهم بورقة عند زيد.

٣ ـ إن سيرة الجامعين تخالف هذا القول ، كموافقة عمر بن الخطاب لدعوى أبي بن كعب أن الآية كانت بشكل آخر ، ولم يقل له أين ورقك وما كتبته في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وقد مرت روايته.

وهذا القاضي أبو بكر الباقلاني يخبر عن روايات تدعي أن طلب زيد بن ثابت للشاهدين إنما لأجل إثبات ما لا يقرأه وما لا يحفظه ، وهذا نص كلامه في نكت الانتصار :

وقد روي في إثبات شهادة شاهدين على القرآن ، روايات منها أن القاسم بن محمد قال : قال أبوبكر رضي الله الله عنه لزيد بن ثابت : أقعد فمن أتاك من القرآن بما لا تحفظه ولا تقرأه شاهدين فاقبله ، وهذا ما يدل على ما نقلناه في توجيه طلب شاهدين. (١)

وأخيرا فإن تسابق القوم لإثبات أن الجمع كان بشاهدين أو بشاهد واحد ـ سواء مع المكتوب أو بدونه ـ لا يجدي نفعا!، لأن أصل ادعاء تواتر نصوص القرآن كان لأجل إفادة القطع بأن كل ما في المصحف الشريف قرآن لا مرية فيه ، وحتى لو تنازلنا وسلمنا بأحوط فريضية عندهم وهي شهادة شاهدين على قرآنية المدون على الحجر أو على رقعة أو جلد عنز ، فهل هذا يورث القطع

__________________

(١) نکت اذنتصار : ٣١٩.

واليقين بذلك؟! حتما لا ، لأن اشتباه اثنين في تشخيص القرآن من غيره أمر محتمل جدا ، خاصة وأن الصحابة كتبوا في مصاحفهم الشيء الكثير مما ليس بقرآن بدعوى أنه قرآن منزل ، وسيأتي الكلام عن ذلك بإذنه تعالى ، بل يدعي علماء أهل السنة أن كثيرا من الصحابة بقوا يقرأون منسوخ التلاوة ـ بزعمهم ـ إلى ما بعد زمن عثمان بن عفان ، حتى أن مصحف حفصة وعائشة بقيت فيه زيادات إلى سنوات طوال بعد موتهما ، فوجد الصحيفة أو الحجر المكتوب عليه يقصر عن الغاية المراد تحصيلها وهي القطع واليقين بعملية الجمع.

هذا لو سلمنا بأن كل القرآن قد كتب على تلك الصحف والرقاع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا مع تسليمنا بعدم فقدان شيء من تلك الصحف ، ومع تسليمنا بعدم نسيانهم لشيء منها ، وعدم تلف بعضها كأكل الداجن لها كما في قصة آيات عائشة الآتي ذكرها بإذنه تعالى ، وإلا فإن هذه الأمور تحتاج إلى أدلة تثبتها ، لأنها أمور محتملة الوقوع بل وقع بعضها ، كما في آيات خزيمة وداجن عائشة.

وعليه مازال إشكال كونهم أثبتوا الآيات القرآنية بأخبار الآحاد قائما على أصوله ، لم ينقض حتى لو تجاوزنا كل الإشكالات وسلمنا بكل الاعتراضات ، فكيف يعتمدون هذا النحو من الجمع الذي جاءت به روايات البخاري ، ومع ذلك لا يلتزمون بأن آيات القرآن ثبتت آحادا ، ولا أقل آيات خزيمة بن ثابت؟! (١)

__________________

(١) ومع كل هذا تجد بعض الوهابية يدعون أن مذهب أهل السنة هو الذي يثبت تواتر القرآن ،

رواية صحيح البخاري من تآليف الزنادقة عند ابن حزم!

ولا مخرج لهم إلا أن يسلكوا مسلك إمامهم ابن حزم الأندلسي المؤيد لمسلك الشيعة ، حيث رفض هذه الروايات التي يلزم منها عدم الوثوق بالقرآن ، قال ابن حزم :

وذكروا حديثا عن زيد بن ثابت أنه قال : (افتقدت آية من سورة براءة هي (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيم‏) (١) فلم أجدها إلا عند رجل واحد). وذكروا في ذلك تكاذيب وخرافات أنهم كانوا لا يثبتون الآية حتى يشهد عليها رجلان! وهذا كله كذب بحت من توليد الزنادقة. (٣)

ولا نجازف كابن حزم فقزل : إن قصة جمع زيد لمصحف ما في زمن أبي بكر غير صحيحة ، وإنما لا يصح القول أن مصحف المسلمين نشأ من هذا الجمع ، لأن المصحف جمع أول مرة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيأتي الكلام فيه بإذنه تعالى.

٢ ـ كيف يوثق بجمع سقط منه قرآن مدة ثلاث عشرة سنة!

قد مر بين الاعتراضات على الجمع الأول سقوط آيات منه ، وفي هذا الجمع تمكن زيد من العثور عليها فألحقها في المصحف وهذا نص البخاري:

__________________

وأما الشيعة فلا!سبحانك!

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) الإحكام لابن حزم ٦ : ٢٦٥.

نسخت الصحف في المصاحف ، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقرأ بها ، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم شهادته شهادة رجلين ، وهو قوله (مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْديلاً) (١). (٣)

وعليه من يضمن لنا عدم خفاء آيات أخرى على زيد لم يقف عليها؟ ففقدان آية طويلة نسبيا لمدة تربو على الثلاث عشرة سنة ليس بالأمر الهين ، ولا أدري كيف تلقى رواية البخاري القبول مع ما تنسبه من جهل لأبي بكر وعمر ولزيد ، مع بقاء هذه الصحف المجموعة عند أبي بكر وعمر مدة تأمرهما على الناس؟! فإما أنهما لم يقرآ ما جمعاه! أو قرآه ولكنهما جهلا موضع النقص!

وليتهم تخلوا عما خطه البخاري ولو في هذا المقطع بالذات صيانة لماء وجه جمعهم المزعوم ، وقد أنصف القاضي الباقلاني حيث آثر ما ذكرناه ، فذهب إلى كذب هذه الرواية أو على الأقل اضطراب متنها حينما أشكل عليه بهذا الإشكال :

هذا على أنه روي أن زيدا إنما قال حين أمره عثمان أن يكتب

__________________

(١) الأحزاب : ٢٣.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٣ ، وفي ٦ : ١٤٦ ، وفي ٤ : ٢٤ ، وفي ٥ : ١٢٢ ، وفي ٦ : ٢٢٦ ، وسنن الترمذي ، ح ٣١٠٤ وعلق عليه الترمذي بقوله : (حسن صحيح).

المصحف ، فدل على أن تلك الآي لم تكن في مصحف أبي بكر ولا في مصحف عمر بن الخطاب الذي هو أصل لمصحف عثمان ، وهذه الرواية ليست من روايات الشيعة ، وإنما هي من رواية أصحاب الحديث وموالي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، يقال لهم : ليس في هذا حجة لأنا قد أبنا فيما سلف نقل القرآن وحفظه ، وهذه رواية واحد ، وكثير من الناس يذهبون إلى أنها ـ رواية البخاري ـ موضوعة ، وآخرون يقولون هي مضطربة اضطرابا لا يجب معه العمل بها ، ومما هو عندنا بعد أن يصح فيها القولان ، فأما اضطرابها فلأن رواية جاءت بأن ذلك كان في أيام أبي بكر ، وأخرى بأنه كان في أيام عثمان ، والحديث إذا اختلف يجب رده فكيف إلى هذا الزمان الطويل؟ وكذلك منهم من روي فيه إسقاط الآيات الثلاث، ومنهم من لو يروه ، ولأن ألفاظه اختلفت اختلافا شديدا يطول الكتاب بنقضها ، والحديث إذا اختلفت ألفاظه الاختلاف البين وجب رده والقضاء بقلة ضبط ناقليه ، وأقل أحواله أننا لا ندري كيف قيل ، وأيضا فمن المحال أن يكون نسيان تلك الآية على سائر الصحابة ولا يوجد حفظها إلا عند اثنين منهم ، والروايات تواترت عن أبي بن كعب أنه قال : إن آخر عهد القرآن بالسماء هاتان الآيتان وتلا (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم) (١) ، ولا خلاف في ذلك ولا اضطراب ، وهذا معارض لما روي عن زيد. (٢)

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) نكت الانتصار لنقل القرآن : ٣٣٠ ـ ٣٣٢.

إمامهم الآلوسي يهون أمر ضياع الآيات!

ولعل بعضهم أحس بضيق الخناق بقبول رواية البخاري فحاول تقليل خطرها على القرآن ، فهذا ما قاله مفسر هم الشهير الآلوسي في روح المعاني تعليقا على رواية البخاري :

فإنه بظاهرها يستدعي أن في المصاحف العثمانية زيادة لم تكن في هاتيك الصحف ، والأمر في ذلك هين إذ مثل هذه الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يعبأ بها ولعلها تشبه مسألة التضاريس ، ولو كان هناك غيرها لذكر وليس فليس ، ولا تقدح أيضا في الجمع السابق إذ يحتمل أن يكون سقوطها منه من باب الغفلة ، وكثيرا ما تعتري السارحين (١) في رياض قدس كلام رب العالمين فيذكر هم سبحانه بما غفلوا فيتداركون ما أغفلوا. وزيد هذا كان في الجامعين ولعله الفرد المعول عليه في البين لكن عراه في أولهما ما عراه ، وفي ثانيهما ذكره من تكفل بحفظ الذكر فتدارك ما نساه. (٣)

هكذا وبكل بساطة يعتبر إمامهم الآلوسي سقوط آيات من القرآن أمرا هينا بقوله : والأمر في ذلك هين إذ مثل هذه الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يعبأ بها ولعلها تشبه مسألة التضاريس ، وتجاهل مفسرهم الشهير أن أي نقص أو زيادة في القرآن يترتب عليه أمور عظيمة من تبدل أحكام وحدود ومعارف إلهية وغيرها ، إذ الحكم الشرعي قد يختلف وينقلب رأسا على عقب

__________________

(١) ابتدأ الأسلوب الشاعري! ، متي يترك هؤلاء أسلوب الضحك على الذقون؟!

(٢) تفسير روح المعاني للآلوسي ١ : ٢٣ ط. دار احياء التراث العربي.

بوضع حرف مكان حرف أو بتغير علامة الإعراب.

وأمثلة ذلك ليست نادرة ، وهذا الاختلاف في وجوب غسل الرجلين في الوضوء قائم على قدم وساق بين من يقول بالغسل لفتح اللام في (وَأَرْجُلَكُم) عطفا على الوجه واليدين ، ووجوب المسح للقول بكسرها عطفا على الرأس الممسوح في قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) (١) ‏ فقد قرأ نافع وابن عامر وحفص والكسائي بالنصب وقرأ الباقون بالخفض. (٣)

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) والحق أنها سواء كانت (أرجلكم) بالنصب أو بالجر فهي معطوفة على الرأس الممسوح ، لأن العطف تارة يكون على اللفظ وهو المعروف وتارة يكون على المحل ، وهنا (برؤوسكم) في محل نصب مفعول به ، وهذا ما قاله ابن حزم في المحلى ٢ : ٥٢ مسألة ٢٠٠: وأما قولنا في الرجلين فان القرآن نزل بالمسح ، قال الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) (المائدة : ٦) ، سواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس : إما على اللفظ وإما على الموضع ، لا يجوز غير ذلك ، لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة. وهكذا جاء عن ابن عباس : (نزل القرآن بالمسح) يعني ف الرجلين في الوضء ، وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري ، ورويت في ذلك آثار ، منها أثر من طريق همام ـ بسنده إلى رفاعة بن رافع ـ : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : (انه لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز

واختلاف القراء السبعة في قراءة (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساء) (١) ، فقرأ الكسائي وحمزة (أو لمستم) والباقون على ما هو في المصحف الآن ، فأدى ذلك إلى اختلاف الحكم في أن الوضوء ينتقض بمجرد لمس النساء أو بالجماع.

__________________

وجل، ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجله إلى الكعبين)، وعن اسحاق بن راهويه ـ بسنده ـ عن علي عليه السلام (كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم يمسح ظاهرهما)،قال علي بن أحمد ـ ابن حزم ـ وإنما قلنا بالغسل فيهما لما حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله ، ثنا ابراهيم بن أحمد ، ثنا الفريري، ثنا البخاري ، ثنا مسدد، ثناأبوعوانة، عن أبى بشر عن يوسف بن ماهك عن عبدالله بن عمروبن عاص قال : (تخلف النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم في سفر فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار، مرتين أو ثلاثا)انتهي.

أقول:هذه الرواية التي طالما احتج بها أهل السنة في إثبات الغسل هي مثبة للمسح لا للغسل!وذلك لأن الصحابة بكمهم الغفير حينما وصلوا في الوضوء إلى الرجلين شرعوا من تلقاء أنفسهم بمسح الرجلين ، فمن الذي أخبرهم بمسحها؟! مع أن الوضوءمن الأفعال التوقيفية التي تحتاج إلى بيان من الشارع ، وليست معهودة بين العرب سابقا ، فليس لذلك وجه إلا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد علمهم هذا المسح في الوضوء ، وقول(ويل للأعقاب من النار)المراد منها أن بعضا منهم كانت أرجلهم غير نظيفة وعليها أو ساخ عالقة خاصة وأن بعضهم كانوا بوالين على الأعقاب، والبحث موكول لمحله.

(١) النساء : ٤٣

وكذلك اختلافهم في قراءة (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن) (١) فبعضهم قرأ بالتشديد ، وهما الكسائي وحمزة والباقي بالتخفيف ، فأثر هذا على جواز وطء التي طهرت من حيض قبل الاغتسال أو بعده.

ثم لو سلمنا بأن الأمر هين باعتبار أن الآيات قد رجعت في الجمع الثاني، لكن هذا ليس هو محل الكلام ؛ لأن مقصدنا هو حصول الوثوق بكمال المصحف وتمامه بتلك الطريقة من الجمع بعد أن ثبت حصول النقص في كتاب الله عزوجل من باب الغفلة!وقد صرح بذلك الآلوسي في قوله : إذ يحتمل أن يكون سقوطها منه من باب الغفلة.

أما قوله إن الله قد تكفل بحفظ كتابه فهذا صحيح عندي وعند من جزم بصيانة القرآن من التحريف ، ولكن قد مر أن بعض المسلمين لا يرى أن الله عزوجل قد تكفل بحفظ كتابه كبعض الشيعة وأهل السنة الآتية أسماؤهم وكلماتهم بإذنه تعالى ، ولهذا فالاستدلال بأن الله قد تكفل بحفظه هو أول الكلام عند هؤلاء ، ونحن لا نريد أن نقنع هؤلاء الثلة فقط بصيانة القرآن ، بل نريد إقناع العالم كله وكل الديانات والملاحدة بأن كتابنا تام كامل.

٣ ـ عملية الجمع وشخص زيد مطعون فيهما!

موقف الصحابي عبد الله بن مسعود من عملية جمع القرآن في زمن عثمان وإنكاره لها ولإحراق المصاحف معروف ومشهور ، فقد أمر أهل الكوفة ألا يسلموا مصاحفهم لجاوزة عثمان وأن يغلوا المصاحف ، وقد طعن

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

بشخص الصحابي زيد بن ثابت بأنه شاب حدث لا يعتمد عليه في هذا العمل الخطير.

واستنكار ابن مسعود لعمل عثمان لا يمكن الإغماض عنه والاستهانة به ، فرواياتهم المتتابعة في مدحه والناصة على مرجعيته في ما يختص بالقرآن من أصح الروايات ، فقد رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((وقال : استقرئوا القرآن من أربعة : من عبدالله بن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل)) (١).

وكذا رووا : ((من أراد أن يقرأ القرآن كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))، وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((رضيت لأمتي ما رضى لها ابن أم عبد ، وكرهت لأمتي ما كره لها ابن أم عبد)) (٣).

وكذا جاء في صحيح الجامع الصغير للألباني : ((اهتدوا بهدي عمار ، وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه)) (٣).

وبحسب رواياتهم هذه يجب علينا قبول كل ما حدثنا به ابن مسعود لا سيما في أمر القرآن الذي تخصص فيه ، فهل قبل ابن مسعود بما فعله عثمان

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٩٩ ، (كتاب فضائل الصحابة) باب مناقب عبد الله بن مسعود.

(٢) مجمع الزوائد المجلد التاسع : ٢٩٠ وعلق عليه (رواه الطبراني في الأوسط باختصار الكراهة ، ورواه في الكبير منقطع الإسناد ، وفي إسناد البزار محمد بن حميد الرازي وهو ثقة ، وفيه خلاف وبقية رجاله وثقوا) ، أقول ولهذه الرواية مورد خاص.

(٣) صحيح جامع الصغير وزيادته للألباني ١ : ٢٥٤ ، ح١١٤٤ ط. المكتب الإسلامي.

بالقرآن أم لا؟ وما موقف ابن مسعود من زيد هذا؟

الروايات :

أخرج الحاكم في المستدرك : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت يلعب مع الصبيان. (١)

قال الحاكم : ولهذه الزيادة شاهد : حدثني إسماعيل بن سالم بن أبي سعيد الأسدي قال : سمعت عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة أحكمتها قبل أن يسلم زيد بن ثابت.

وقال ابن أبي شبة في تاريخ المدينة : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك عن ابن إسحاق عن أبي الأسود ـ أو غيره ـ قال : قيل لعبد الله ألا تقرأ على قراءة زيد؟ قال : مالي ولزيد ، ولقراءة زيد؟! لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان. (٣)

وقال البقلاني في نكت الانتصار لنقل القرآن : قال ابن شهاب فأخبرني عبدالله بن عبيد الله بن عيينة عن عبد الله بن مسعود أنه قال : يا معشر

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٢٨ وعلق عليه : (وهذا حديث ولم يخرجاه) ، ووافقه الذهبي.

(٢) تاريخ المدينة ٣ :١٠٠٨.

المسلمين أعزل عن كتابه المصحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت. وقال : يا أهل العراق ، ويا أهل الكوفة أكتبوا المصاحف التي عندكم وغلوها ، فإن الله تعالى يقول : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَة) (١) ، فالقوا الله بالمصاحف. (٢)

وقد اعترف ابن حجر العسقلاني باستنكار ابن مسعود : وقد شق على ابن مسعود صرفه عن كتابة المصحف حتى قال : ما أخرجه الترمذي في آخر حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب من طريق عبد الرحمان بن مهدي عنه ، قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ الصاحف وقال : يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر يريد زيد بن ثابت.

وأخرج ابن داود من طريق خمير بن مالك : سمعت ابن مسعود يقول : لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان. (٣)

وذكر ابن أبي داود فصلا في كتابه المصاحف بعنوان (كراهية عبد الله بن مسعود ذلك) أي ما فعله عثمان من الجمع على قراءة واحدة وحرق بقية

__________________

(١) آل عمران : ١٦١.

(٢) نكت الانتصار : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

(٣) نكت الانتصار ٩ : ١٩.

المصاحف ، وذكر عشرين رواية وبعضها بثلاثة طرق ، منها :

عن أبي الشعثاء المحاربي ، قال : قال حذيفة : يقول أهل الكوفة قراءة عبد الله ، ويقول أهل البصرة قراءة أبي موسى ، والله لئن قدمت على أمير المؤمنين لأمرته أن يغرقها ، قال : فقال عبد الله : أما والله لئن فعلت ليغرقنك الله في غير ماء. قال شاذان : في سقرها. (١)

وأخرج أيضا عن عبد الله قال : لما أمر بالمصاحف تغير (٣) ، ساء ذلك عبد الله بن مسعود ، قال : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليغلل فإنه من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة. ثم قال عبد الله : لقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سبعين سورة وزيد بن ثابت صبي ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليخ [وآله] وسلم؟! (٣)

__________________

(١) كتاب المصاحف ١ : ١٨٩ تحقيق محب الدين واعظ.

(٢) ذكر في الهامش : وفي فضائل القرآن لابن كثير : يعني بتحريفها.

(٣) كتاب المصاحف ١ :١٩٢ تحقيق محب الدين واعظ ، أقول : صاحب الكتاب عقب بصل آخر عنوانه (باب رضاء عبدالله بن مسعود بجمع عثمان المصاحف) وأورد رواية واحدة ، ولا أدري ما علاقتها بعنوان الفصل!، وهي : (عن فلفلة الجعفي قال : فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف ، فدخلنا عليه ، فقال رجل من القوم : إنا لم نأتك زائرين ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر فقال : إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف ـ أو حروف ـ وإن الكتاب قبلكم كان ينزل ـ أو نزل ـ من باب واحد على حرف واحد معناهما واحد) ، وهذه الرواية واضحة في الاستنكار لا في الرضا لأنه يذكرهم بأن القرآن نزل علي سبعة أحرف ،

ويتضح مما ذكرناه شهرة إنكار ابن مسعود لجمع عثمان واحراقه المصاحف ، والروايات صريحة في القدح في شخص زيد وأنه ليس بكفء لمثل هذا العمل.

وقد استدل ابن الأثير على حداثة سن زيد من طعن ابن مسعود فيه : وقد صح عن ابن مسعود أنه قال لما كتب زيد المصحف : لقد أسلمت وإنه في صلب رجل كافر. وهذا أيضا يدل على حداثة سنه عند وفاة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم. (١)

ولم يحتمل بعضهم ما نسبه ابن مسعود لزيد فقال أبوبكر الأنباري : وما بدا من عبدالله بن مسعود من نكير ذلك ، فشيء نتجه الغضب ولا يعمل به ولا يؤاخذ به ، ولا يشك في أنه ـ رضي الله عنه ـ قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وبقي على موافقتهم وترك الخلاف لهم ، فالشايع الذائع المتسالم عند أهل الرواية والنقل : أن عبد الله بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. وقد قال بعض الأئمة : مات عبد

__________________

وعثمان بعمله ألغى ستة أحرف وأبقى حرفا واحدا!، وقد وجدنا قولا لابن كثير في فضائل القرآن : ٣٨ فيه ما ذكرناه : (وهذا الذي استدل به أبو بكر رحمه الله على رجوع ابن مسعود رضي الله عنه فيه نظر ، من جهة أنه لا يظهر من هذا اللفظ رجوع عما كان يذهب إليه ، والله أعلم).

(١) أسد الغابة ١ : ٨٠.

الله بن مسعود قبل أن يختم القرآن. (١)

أهذاقول إمام؟! ولا عجب ممن يقع في مثل هذه المآق أن يتشبث بأي قشة! لك الله يا ابن أم عبد!

زيد بن ثابت في الميزان

والإنصاف إن اعتراض ابن مسعود له وجه مقبول ؛ لأن أوصاف زيد بن ثابت ليست بتلك التي تهيئه لتحمل هذا العمل الخطير ، وهذه روايات أهل السنة تعطينا صورة كالحة عنه حيث تنص على قلة تثبت زيد في أحكام الله عزوجل ، وعدم مبالاته بها ، وينتابه الضحك عندما يعلم بافترائه على الله عزوجل ،وكان يخالف أمر الله في أحكام الميراث ويجتهد فيها برأية!

فقد أخرج الدارمي : عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أنه أفتى في ابنة أو أخت ، فأعطاها النصف وجعل ما بقي في بيت المال. (٣)

وقال الترمذي : واختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم ، فورث بعضهم الخال والخالة والعمة ، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام ، وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال. (٣)

والنص الآتي اعترف من زيد بتقوله على الله عزوجل واتهام من

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٥٣.

(٢) سنن الدارمي ٢ : ٣٦١.

(٣) سنن الترمذي ٣ :٢٨٥.

يكتب ذلك عنه بالغدر!، فعن الطبقات الكبرى : عن الشعبي : أن مروان دعا زيد بن ثابت ، وأجلس له قوما خلف ستر ، فأخذ يسأله وهم يكتبون ففطن زيد ، فقال : يا مروان! أغدرا إنما أقول برأيي! (١)

ورواياتهم صريحة في أنه كان يقتي بلا تثبت : حدثنا أيوب عن عكرمة : أن ناسا من أهل المدينة سألوا ابن عباس عن امرأة حاضت بعدما أفاضت. فقال : تنفر. فقالوا : ما نبالي أفتيتنا أم لا وزيد بن ثابت يقول : لا تنفر. فقال ابن عباس : إني لأقول ما أعلم ولا أبالي أخذتم به أو لم تأخذوا به ، ولكن إذا قدمتم المدينة فسلوا أم سليم وغيرها. فأخبرتهم أن عائشة قالت لصقية : أفي الخيبة أنت ، إنك لحابستنا!فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ما ذلك! فقالت عائشة : صفية حاضت. قال : قيل إنها قد أفاضت. قال : فلا إذن. قال ك فرجعوا إلى ابن عباس فقالوا : وجدنا الحديث على ما حدثتنا. (٣)

وكذا : عن عكرمة قال سأل أهل المدينة إبن عباس عن امرأة طافت بالبيت يوم النحر ثم حاضت فقال : تنفر. فقالوا : لا نأخذ بقولك وهذا زيد ابن ثابت يخالفك. قال : إذا أتيتم المدينة فسلوا. فلما قدموا المدينة سألوا فأخبروهم بصفية وكان فيمن سألوا أم سليم فأخبرتهم بصفية. (٣)

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٢ : ٢٧٦ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٤٣٨، وذكر في آخره (رواه ابراهيم بن حميد الرؤاسي عن ابن أبي خالد ، نحوه وزاد : فمحوه).

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٢٥ : ١٢٩، ح ٣١٤.

(٣) المعجم ٥ : ١٦٣، ح ٩٥٤٢. وعلق عليه الطبراني (ورواه البخاري في الصحيح عن أبي النعمان

بل كان يعترض على ابن عباس في قوله السابق وعندما يعلم زيد بخطئه ينتابه الضحك!: عن طاوس قال : منت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت : أنت تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟ قال : نعم. قال : فلا تفت بذلك. فقال ابن عباس : أما لى ، فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ قال : فرجع إليه زيد بن ثابت يضحك ويقول : ما أراك إلا قد صدقت!. (١)

وفي رواياتهم أيضا أن ابن الخطاب عندما بلغته فتوى عن زيد في مسألة قال له عمر : يا عدو نفسه! أنت تضل الناس بغير علم!. (٣)

وكان زيد لا يساوي بين المتخاصمين في المعاملة ، فيكيل بالمكيالين ، ويتودد للأمراء دون الناس حال التنازع ، والأدهى طلبه من خصم الخليفة إعفاء الخليفة من اليمين!! وهذه كلها خصال منافية للعدالة :

حدثنا الشعبي قال : كان بين عمر بن الخطاب وبين أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهما تداري في شيء ، وادعى أبي على عمر رضي الله تعالى عنهما ، فأنكر ذلك فجعلا بينهما زيد بن ثابت ، فأتياه في منزله فلما دخلا عليه قال

__________________

عن حماد قال البخاري: ورواه خالد وقتادة عن عكرمة) وللزيادة راجع ، ح ٩٥٤٢٣ و ٩٥٤٤ و ٩٥٤٥ من نفس الجزء.

(١) المعجم ٥ : ١٦٣ ، ح ٩٥٤٠ ، وأخرجه بطريق آخر ، وعلق عليه الطبراني : (رواه المسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد).

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٥ : ٤٢ ، ح ٤٥٣٦.

له عمر رضي الله تعالى عنه : أتيناك لتحكم بيننا وفي بيته يؤتى الحكم. فوسع له زيد عن صدر فراشه فقال : ههنا يا أمير المؤمنين. فقال له عمر رضي الله تعلى عنه : لقد جرت في الفتيا ، ولكن أجلس مع خصمي. فجلسا بين يديه فادعى أبي وأنكر عمر رضي الله عنهما فقال زيد لأبي : أعف أمير المومنين من اليمين وما كنت لأسألها لأحد غيره. فحلف عمر رضى الله عنه ثم أقسم لا يدرك زيد بن ثابت القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء. (١)

أنبأ شعبة عن سيار قال سمعت الشعبي قال : كان بين عمر وأبي رضي الله تعالى عنهما خصومة فقال عمر : اجعل بيني وبينك رجلا قال : فجعلا بينهما زيد بن ثابت قال : فأتوه قال : فقال عمر رضى الله تعالى عنه : أتيناك لتحكم بيننا وفي بيته يؤتى الحكم. قال : فلما دخلوا عليه أجلسه معه على صدر فراشه. قال : فقال : هذا أول جور جرت في حكمك ، أجلسني وخصمي مجلسا ، قال فقصا عليه القصة. قال : فقال زيد لأبي : اليمين على أمير المؤمنين ، فإن شئت أعفيته. قال فأقسم عمر رضي الله تعالى عنه على ذلك ، ثم أقسم له لا تدرك باب القضاء حتى لا يكون لي عندك على أحد فضيلة. (٣)

وقد زاد هنا في الطنبور نغمة! إذ اتضح أنه لا يهتم بشرائط القضاء عندما يخاصم ولا يمتثل لما يؤمره القاضي به! : عن داود بن الحصين إنه سمع أبا

__________________

(١) السنن الکبرى ١٠ : ١٣٦ ، ح ٢٠٢٥٠.

(٢) نفس المصدر ١٠ : ١٤٤، ح ١٠٢٩٧. راجع تاريخ المدينة لابن شبة ٢ : ٧٥٥ ـ ٧٥٦.

غطفان بن طريق المزيد قال : اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار ، فقضى باليمين على زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار ، فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد : احلف له مكاني. قال مروان : لا والله إلا عند مقاطع الحقوق. فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ، ويأبى أن يحلف على المنبر ، فجعل مروان يعجب من ذلك. (١)

وهذا نوع آخر من أحكام زيد بن ثابت : عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت كانت له جارية فارسية وكان يعزل عنها فجاءت بولد ، فأعتق الولد وجلدها الحد (!) ، وقال : إنما كنت استطبت نفسك ، ولا أريدك. وفي رواية قال ك ممن حملت؟ قالت : منك! ، فقال : كذبت ، وما وصل إليك مني ما يكون منه الحمل وما أطؤك إلا أني استطبت نفسك. (٣)

فمثل زيد بن ثابت هذا لا يكاد يصلح لهذه المهمة الخطرة المصيرية ، فها هو يجعل رأيه واستحسانه طريقا لمصادرة ميراث الورثة الشرعيين ويضعه في بيت المال!، ويجيب مروان على مسائله برأيه ، ويفتي بغير علم وبعد أن يتضح له الأمر يضحك ويهش ويبش بدلا من الندم ، ويحيف في حكمه ويتودد للأمراء حال التقاضي ، ولا يلتزم بشرائط القضاء ، فمثل هذا الشخص لا يمكن أن يطمأن لجمعه ، فكيف وهو حدث السن أيضا؟!

والأخطر من ذلك كله أنه عبد مطيع لما يميله الحاكم ، يداهن ويجامل على حساب حفظ القرآن من التحريف!، فقد أخرج أبو عبيد وسعيد وابن جرير

__________________

(١) السنن الكبرى ١٠ : ١٧٧، ح ٢٠٤٨٤.

(٢) المغني ١٠ : ٤١٢.

وابن المنذر وابن مردوية عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاري: أن عمربن الخطاب قرأ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان) (١) ، فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في (الَّذينَ) فقالله زيد بن ثابت : (وَالَّذينَ) فقال عمر : (الَّذينَ) فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم (!!). فقال عمر رضي الله عنه : ائتوني بأبي بن كعب ، فاتاه فسألة عن ذلك ، فقال أبي : (وَالَّذينَ) فقال عمر رضي الله عنه : فنعم إذن فتابع أبيا. (٢)

فلو كان عمر يرى مصداقية ووثاقة لكلام زيد لما انصرف عنه إلى أبي بن كعب وطلب رأيه ، وبعد هذه كله كيف يوثق بجمع زيد هذا ، وكيف يضرب باعتراض ابن مسعود على شخص زيد عرض الجدار؟!

٤ ـ التهاون في توقيفية السور والآيات!!

وهنا أمر عجيب! تحكي رواياتهم حال جامعي القرآن وما كانوا عليه من التهاون في إثبات نصوصه ،فكانوا يثبتون ما أرادوا من الآيات لما أرادوا من السور! وعلى استعداد لاختراع سور جديدة وجعلها من القرآن بتقطيع بعض الآيات منه ، وهو أمر جائز في نظرهم ولم يكن بذاك العزيز ، بل كان على وشك التنجيز عند جمعهم للقرآن!

__________________

(١) التوبة : ١٠٠.

(٢) الدر المنثور٣ : ٢٦٩.

التهاون في توقيفية السور :

أخرج الحاكم وأبو داود والنسائي وابن حبان وأحمد والترمذي : عن ابن عباس ، قال : قلت لعثمان بن عفان : ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ن وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم) ووضعتموها في السبع في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وكانت الأنفال من أوائل ما نزلت بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، فقبض رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم) فوضعتها في السبع الطوال. (١)

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٢١ و ٣٣٠ وعلق عليه الحاكم (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي ، سنن أبي داود ، ح ٧٨٦ في الصلاة باب جهر بها ، سنن الترمذي ، ح ٣٠٨٦ في التفسير باب ومن سورة التوبة ، وحسنه ، النسائي (في فضائل القرآن):٣٢ ، والسنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٤٢ ، والمصاحف لابن أبي داود : ٣١ ـ ٣٢ ، وصحيح ابن حبان ١ : ٢٣٠ ، ح ٤٣. والترمذي ٥ : ٢٧٢ ، ح ٣٠٨٦ (باب ومن سورة التوبة) قال الترمذي :

قال العسقلاني تعليقا على الرواية السابقة : ولما لم يفصح النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بأمر براءة أضافها عثمان إلى النفال اجتهادا منه رضي الله تعالى عنه ، ونقل صاحب الإقناع أن البسملة لبراءة ثابتة في مصحف ابن مسعود. (١)

وهذه الرواية تدل على أن خليفة المسلمين والصحابة ليسوا على علم بحال سورة التوبة ، هل هي سورة لوحدها أم تكملة لسورة الأنفال!، والأدهى أن ابن عفان لا ينسب هذا الجهله ولجهل من حوله ، وإنما يدعى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهمل أمر هذا القرآن ، فلم يبين لهم هل هي سورة بحد ذاتها أم لا؟!

وليس في هذا القسم مشكلة سوى :

١ ـ جهل جامعي المصحف بسور القرآن.

٢ ـ يجعل عثمان اجتهاده سبيلا لتقسيم سور القرآن بحذف البسملة،لا أن أصل السورة لا بسملة فيها!

٣ ـ إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهمل أمر القرآن ، حتى لم يستطع كبار الصحابة وكتاب الوحي التمييز بين السور!

حتى قال القرطبي في تفسيره : وقول رابع قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما قالوا : لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فقال بعضهم : براءة والأنفال سورة واحدة. وقال

__________________

(هذا حديث حسن صحيح).

(١) فتح الباري ٩ : ٤٢ ، فضائل القرآن.

بعضهم : هما سورتان. فتركت بينهما فرجة لقول من قال أنهما سورتان ، وتركت (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم) لقول من قال هما سورة واحدة ، فرضي الفريقان معا وثبتت حجتاهما في المصحف. (١)

التهاون في توقيفية الآيات

الجمع زمن عمر :

أخرج ابن إسحاق وأحمد بن حنبل وابن أبي داود ، عن عباد بن عبدالله بن الزبير قال : أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم‏) (٣) إلى عمر بن الخطاب فقال : من معك على هذا؟ قال : لا أدري والله ، وغني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ثم قال : لو كانت ثلاث آيات لجعتها سورة على حدة فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها فوضعتها في آخر براءة. (٣)

وهذه الرواية واضحة في أن المتصدي لجمع القرآن كان على درجة كبيرة

__________________

(١) تفسير القرطبي ٨ : ٦٢.

(٢) التوبة : ١٢٨.

(٣) كتاب المصاحف لابن ابي داود ١ : ٢٢٦ تحقيق محب الدين واعظ ، مسند أحمد ١ : ١٩٩الطبعة الميمنية ، مجمع الزوائد للهيثمي المجلد السابع : ٣٥ وعلق عليه (رواه أحمد وفيه ابن اسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات) ، وهو في كنز العمال ٢ : ٤٢١ ، ح ٤٣٩٨ (سورة التوبة) ، والدر المنثور ٣ : ٢٩٦ ط. دار المعرفة ، وفي فتح الباري لابن حجر ٩ : ١٥.

من الجرأة وحرية التصرف في توزيع آيات القرآن! وكأنه يرى أن تقسيم آي القرآن خاضع لاجتهاد ورأي الخليفة فقو ـ له: لو كانت ثلاث آيات لجعلها سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن فألحقوها في آخرها ، واضح فيه، ويستفاد منها أن هاتين الآيتين ليستا في محلهما الصحيح من القرآن ، بل أقحمتا في مكان وقع اختيارهم عليه ، وهو آخر براءة.

الجمع زمن عثمان :

ومما أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف : فقام عثمان فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ـ وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان ـ فجاءه خزيمة بت ثابت فقال : إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا : ما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) (١) إلى آخر السورة ، فقال عثمان : فأنا أشهد أنهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختمت بهما براءة. (٣)

وهذه تنص على أن دمج الآيات المتفرقة في السور لم يكن توقيفيا ، فقول ابن عفان : (فأين ترى أن نجعلهما؟) واضح في عدم معرفته بمكان الآيتين

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) كتاب المصاحف لابن أبي داود ١ :١٨٢، ح ٣٣ وهو منقطع كما مر. وهو في كنز العمال ٢ : ٣٦١ (جمع القرآن) وفتج الباري ٩ : ١٥ ،أقول من غير المعقول أن تتكرر الحادثة بنفسها مع عمر وعثمان ، ولكنا ندور مع رواياتهم في هذا المقام.

من القرآن ، وكذا حال المجيب بقرينة جوابه الذي لم يحدد فيه اسم السورة وإنما قال : (آخر ما نزل من القرآن!). أي سواء كانت براءة أم غيرها!، ويقربه نقل العسقلاني للرواية بهذا الشكل:

وقد وقع عند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب، فجاء خزيمة بن ثابت فقال : إني رأيت تركتم آيتين فلم تكتبوهما! قالوا : وما هما؟ قال : تلقيت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) إلى آخر السورة فقال عثمان : وأنا أشهد فكيف ترى أن تجعلهما قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن (١)، أي بدون تحديد اسم السورة المختومة بالآيتين! والعجيب أنهم يرون أن آخر ما نزل من السور هي سورة التوبة ، مع أنها سورة المائدة!!

زيد بن ثابت ينسب العبقرية لنفسه!

وكما ينطبق الأمر على ابن الخطاب وابن عفان كذلك ينطبق على ابن ثابت ، فقد رووا أنه قال نفس تلك الكلمة (ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة)!

عن الطبري قال زيد : ثم عرضته عرضة أخرى فلم أجد فيه هاتين الآيتين (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُم) (٣) إلى آخر السورة ، فاستعرضت المهاجرين فلم أجدها عند أحد

__________________

(١) فتح الباري ٩ : ٢١.

(٢) التوبة : ١٢٨.

منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا فأثبتها في آخر براءة ، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. (١)

وهو ما فهمه إمامهم الباقلاني حيث قال : لأن زيدا قال : اعترضت المهاجرين والأنصار فلم أجدها ، وهو لا يقول ذلك إلا بعد أن يبالغ في الطلب ، فكره أن يجعلهما سورة على حالها لما لم يجد في القرآن سورة أقل من ثلاث آيات ، فرأى إلحاقها ببراءة أولى. (٣)

وهذا حال زيد وعدم تحرجه عن إعمال استحساناته ورأيه في تقسيم آيات القرآن ، بل لو زاد ما وجده عن آيتين لكانت الآيات سورة مستقلة!، ونخلص إلى أن عدم علمهم بمكان تلك الآيات كان سببا لوضعهما في آخر براءة!

النتيجة :

مع كل هذا وتصريح علمائهم به ، ما الذي يضمن لنا أن بعض السور القصار لم تدخل في غيرها من سور القرآن؟ أو أن بعض الطوال لم تتفرق في غيرها من السور. إذا كان الجامع يقسم الآيات بمزاجه؟، بل ما الذي يمنع من حصول التهاون في عدم طلب بعض الآيات إذا كانت روح التهاون موجودة في نفوس من تصدوا لجمعه ، وقد أثرت هذه الروح في جعل آيتين في سورة

__________________

(١) جامع البیان فی تفسیر القرآن للطبري ١ : ٢١ ، تاريخ المدينة ٣ : ١٠٠١.

(٢) نكت الإنتصار لنقل القرآن : ٣٣٢.

براءة للمزاج والرأي؟!

٥ ـ في المصحف المجموع لحن!!

قال الراغب الأصفهاني : لحن : اللحن صرف الكلام عن سننه الجاري عليه إما بإزالة الإعراب أو التصحيف ، وقال الجوهري في الصحاح : اللحن : الخطأ في الإعراب. (١)

من المؤسف أن الخطأ واللحن ادعي في الجمع الثاني للقرآن ، أي الجمع الذي استمر عليه القرآن إلى يومنا الحالي ، ولو ادعي هذا اللحن في جمع أبي بكر لهان الأمر ، والأدهى أن عثمان وهو من أمر بالجمع يدعي أن هنالك أخطأ وقعت في رسم المصحف المجموع وأن الأيام كفيلة بتصحيحه بدل أن يقوم بالدفاع عن جمعه!! وقد ذكر ابن أبي داود في كتابه المصاحف فصلا كاملا عن اللحن في القرآن.

عن عكرمة قال : لما أتي عثمان بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن فقال : لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا. (٣)

عن عبد الأعلى بن عبدالله بن عامر القرشي قال : لما فرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها أخرجه أبو داود بطريقين.

وسيأتي الكلام عنه مفصلا في مبحث آخر ، مع ذكر لبقية الروايات

__________________

(١) الصحاح للجوهري ٦ : ٢١٩٣ ، المفردات للراغب : ٤٤٩.

(٢) كتاب المصاحف لابن أبي داود ١:٢٣٢ وما بعدها.

ولبقية أفراد فرقة التلحين!

٦ ـ إحراق عثمان للمصاحف أضاع ستة أمثال القرآن

ذكرنا سابقا ما تبناه علماؤهم سلفا وخلفا من أن الأحرف السبعة تعني نزول القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ، فحذفت تلك الأحرف والأوجه السبعة من المصحف بأمر من عثمان وأحرقها عيانا ، وقد مرت بعض كلمات علمائهم في ذلك.

وشذ بعض علمائهم فصاروا إلى التأويل ، وتأويلهم هذا خروج عما أملته الأدلة الصريحة كما بيناه فيما سبق ، وسبب هذا التأويل ـ أو قل الهروب ـ هو ما تضمنته تلك الروايات من دعوة لتحريف القرآن ، ومن جهة أخرى عدم إمكانية تبني مسلك الشيعة الطارح لتلك الروايات رأسا ، لذا قالوا : آمنا به كل من عند ربنا ، فما كان لهم منفذ بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت سوى التأويل ، فقالوا إن الأحرف السبعة كلها موجودة في القرآن ، ومصحفنا مشتمل عليها ولم يحذف منه شيء ، وقد مر الكلام عن هذا كله فلا نعيد.

التحريف ثابت على كلتا النظرتين بلا فرق

في رأي جمهور السلف والخلف:

لا أرى أحدا له مسكة من عقل يدعي أن ما فعله ابن عفان ليس حذفا وتحريفا لقرآن منزل ، كيف لا؟ وقد أحرق الأحرف الستة الباقية التي نزل عليها القرآن ، والتي دونت من قبل في مصحف أبي بكر ، ففقدت بتحريق عثمان ستة أضعاف ما هو موجود اليوم في مصحفنا!

وقد يعتذر لعثمان بأنه أحرق ما قد أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقراءته من باب التوسعة والرخصة ، وها قد انقلبت الرخصة إلى نقمة فيكفي بقاء حرف واحد منها نرفع فيه النقمة.

وهذا غير مقبول لأسباب:

١ ـ الكلام فيه مغالطة لأن جواز الترك شيء وجواز الحذف الإعدام شيء آخر ، والكل يعلم أن المرخص بتركه لا يعني المرخص بحذفه وإلغائه من الدين ، فكتاب الله شأنه بيده عزوجل والتغيير فيه راجع له وحده ، ولا يصح تحريف كتاب الله اعتمادا على الظنون!

ولو أمكن حذف الشيء لأنه من باب التخيير لقمنا بحذف الكفارات المخيرة كما في كفارة إفطار العمد في شهر رمضان ، واقتصرنا على واحدة ، بدعوى أن الجميع رخصة ولا ملزم لأحد منها ، وواضح أن من يفعل هذا يرمى بتحريف أحكام الله عزوجل.

٢ ـ صريح القرآن لا يجوز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تغيير شيء من شؤون التشريع من نفسه مستقلا عن الله عزوجل ، ولا أن يبدل حرفا واحدا من القرآن ، فكيف يصح هذا لغيره فيحذف ستة أمثال القرآن؟

قال تعالى: (وَإِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لي‏ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسي‏ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيم) (١) وقال

__________________

(١) يونس:١٥.

تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاويلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتينَ * فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزين) (١) وقوله تعالى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى‏ إِلَي) (٢) فهذه الآيات المباركة تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس له الحق بتغيير أي كلمة أو حرف من كتاب الله عزوجل ، بل لا يصح له أن يسبق الوحي بسرد ما وقف على علمه مسبقا صلى الله عليه وآله وسلم ويدل عليه قوله تعالى : (ولا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْني‏ عِلْما) (٣) ، فإن كان الاستعجال في تبليغ ما علمه الله عزوجل له صلى الله عليه وآله وسلم بحذف أضعاف القرآن منه من غير إذن من الله عزوجل ويقال هذا مراد الله عزوجل؟!، (أاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُون) (٤).

٣ ـ قولهم : إن الأحرف السبعة أصبحت نقمة يناقض ما نصت عليه رواياتهم من أن هذه الوجوه المتعددة أنزلها الله رحمة لا نقمة (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون) (٥) ، فمن الذي نعتمد تشخيصه فلان وفلان من الصحابة

__________________

(١) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧.

(٢) الأنعام : ٥٠.

(٣) طه : ١١٤.

(٤) يونس : ٥٩.

(٥) النور : ١٩.

أم الله عزوجل؟!، فلعل الله عزوجل جعل الأحرف المحذوفة حتى تبين لنا منها كثيرا من مبهمات القرآن ومعضلاته وتشريح معانيه شرحا لا يختلف فيه أحد.

٤ ـ سلمنا ، ولكن من قال إن إحراق وتخريق الأحرف السبعة هو الحل الذي يريده الله عزوجل؟!، فلماذا لا يمنع من قراءتها مع الاحتفاظ بنصها في مكان آخر المصحف؟

٥ ـ سلمنا ، ولكن بأي دليل اقتصر على هذا الحرف بالذات من الألفاظ المتفقة في المعني؟!

لذا أجهد أهل السنة أنفسهم لإيجاد ما يمكنهم إقناع الناس به بأن ما حذفه عثمان وأنقصه كان رضا لله عزوجل ، فكان نتيجة جهدهم هو أن التحريق والتخريق لستة أمثال القرآن كان بمرأى ومسمع من كل الناس وما غيروا عليه ورضاهم رضا الله. وهذا الكلام غير مقبول البتة ، لأمور:

أ‌ ـ لا ملازمة بين سكوت غير المعصوم وإمضائه ، فإن عدم الجهر بلإنكار أعم من الموافقة ، فلعل البعض غير راض بما يجري لكنه لم يجهر بالإعتراض لأسباب خاصة ، فكم من مرة غير الأمراء أحكام الله عز وجل دون رضا الناس ولا تجد أحدا منهم ينكر عليهم.

ب‌ ـ سلمنا ، ولكن من الذي أحرز رضا المسلمين وهم في شتى بقاع الأرض؟!، فهل أحرزوا رضا من في اليمن والبصرة وفارس ومصر وو؟!!

ج ـ سلمنا، ولكن الإجماع لم يتحقق بمخالفة عبد الله بن مسعود ومن معه من أهل الكوفة حيث عارضوا تحريق عثمان للمصاحف وإلغاءه أضعاف القرآن ، فقد كان يأمرهم ابن مسعود ليغلوا المصاحف ولا يعطوها لجلاوزة

عثمان فيحرقها ، وليلقوا الله بها يوم القيامة ، ناهيك عن أن رواياتهم تنص على أن ابن مسعود هو مرجع الصحابة في القرآن بتعيين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

د ـ سلمنا ، لكن من قال إن الإجماع يصحح حذف قرآن أنزله الله عزوجل؟! وإلا فما معنى أمره صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالتمسك بكتاب الله عزوجل؟!

هـ ـ إن كان إجماع الصحابة كاشفا عن حكم الله في كتابه ، فما بال الصحابة والتابعين خالفوا حكم الله عزوجل فعادوا بعد احراق المصاحف وإلغاء الأحرف الستة أن يقرأوا بالشواذ ويكتبوها في مصاحفهم؟!، وكان هذا فعل عائشة وحفصة حتى بقي في مصحف الأخيرة زيادت شاذة إلى زمن متأخر، وكذلك فعل ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم ، كما سيأتي بإذنه تعالى.

وهكذا يتضح أن ما ذكروه من التخريج مناقش مبنى وبناء ولا يمكن التعويل عليه لإثبات جواز إحراق القرآن وإلغاء أضعافه ، فعلى نظرتهم تلك نعلم بأن عثمان بن عفان هو أكبر محرف للقرآن في تاريخ البشرية.

على نظرة المؤولين:

المعني الآخر ـ غير المشهور ـ يفيد أن الأحرف السبعة موجودة بين طيات مصحفنا اليوم ، وهذا المعنى يخرج عثمان بن عفان عن دائرة التحريف ، ولكن من جهة أخرى يثبت التحريف لكثير من أكابر الصحابة ، فقد نصت رواياتهم الصحيحة على أن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وعمر بن الخطاب وأبا موسى الأشعري وعائشة وحفصة وابن الزبير وأم سلمة

وغير هم كانت لهم مصاحف تختلف نصا عما هو موجود في مصحفنا اليوم ، وكانوا يقرأون بالزيادة والنقص والتبديل والتغيير على أنه منزل من عندالله عزوجل!كما سيأتي بإذنه تعالى ، لذا قال السيد ابن طاووس رضوان الله عليه في رده على أبي علي الجبائي:

كلما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أن القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجه إلى سيدك عثمان ؛ لأن المسلمين أطبقوا على أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف ، وحرف وأحرق ما عداه من المصاحف، فلولا اعتراف عثمان بأنه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف يحرق وكانت تكون متساوية. (١)

وحتى أصحاب هذا الرأي المؤول لم يسلموا من الخدش فيه من قبل الجمهور!، قال في كتاب دراسات حول القرآن : وإذا كان عثمان قد كتب مصحفه على الأحرف السبعة فلا يكون في ذلك قضاء على الفتنة ولظل الناس على اختلافهم إلى يومنا هذا وليس كذلك. (٣)

وعلى أي حال فإن احراق المصاحف وإلغاء بعض نصوصها يقتضي أحد أمرين : إما كون تلك النصوص قرآنا فيكون عثمان قد أسقط الكثير من القرآن وهو ستة أضعاف ما عندنا ، وإما أن لا تكون قرآنا فيثبت التحريف لكثير من سلفهم الصالح الذي قال بقرآنية ما ليس منه.

__________________

(١) سعد السعود :١٤٤.

(٢) دراسات حول القرآن : ٨٠ للدكتور بدران أبو العينين بدران ، أقول : هذا التضارب متوقع لأن الحل الوحيد هو رفض هذين المعنيين من الأحرف السبعة.

ثانيا : الشيعة الإمامية وجمع القرآن

الشيعة لم يقبلوا ما ذهب له أهل السنة من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحل إلى ربه عزوجل وترك القرآن مفرقا في نتاتيف من خوص النخيل وقطع من الحجارة وعظام أكتاف الإبل ، فهذا عندهم أقرب للخيال من الواقع ، وكذا الحال بالنسبة لجمعه على يد بعض الصحابة بتلك الطريقة الساذجة ، قال الشيخ على الكوراني العاملي حفظه الله تعالى في تدوين القرآن:

هذه الأدلة التي يمكن أن يضاف إلها غيرها حتى تبليغ خمسين دليلا ... يكفي بعضها لإثبات أنه لم تكن توجد مشكلة عند المسلمين اسمها جمع القرآن!! ولكن الباحثين في أمور القرآن وعلومه من إخواننا السنة يريدون منا أن نغمض عيوننا عن أدلة وجود نسخ القرآن وانتشارها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وعهد أبي بكر وعمر ... مع أن الإسلام بلغ مناطق واسعة من الشرق والغرب ، وأقبلت الشعوب من ورثة الحضارة الفارسية والرومانية على قراءة القرآن ودراسته ... وكان في كل مدينة وربما في كل قرية من يقرأ ويكتب ويريد نسخة من القرآن المنزل على النبي الجديد ... بل كانت الرغبة والتعطش لسماع القرآن وتعلمه وقراءته موجبة عارمة في شعوب كل البلاد المفتوحة حتى أولئك الذين لا يعرفون العربية!! يريدون منا أن نغمض عيوننا عن هذا الواقع وأن نقبل بدله نصوصا قالت إن نسخة القرآن كانت تواجه خطر الضياع ، لأنها كانت مكتوبة بشكل بدائي ساذج على العظام وصفائح

الحجارة وسعف النخل .. الخ. وأن الدولة شمرت عزيمتها ونهضت لإنقاذ كتاب الله من الضياع والاندثار .. وشكلت لجنة تاريخية ، وبذلت جهودا مضينة في جمع القرآن .. حتى أنها استعطت آياته وسوره من الناس استعطاء على باب المسجد! لا بأس أن نمدح الصحابة وجهودهم لخدمة الدين والقرآن .. لكن بالمعقول ، فالمدح غير المعقول ابن عم الذم!! ولا بأس أن نمدح الصحابة وجهودهم لخدمة لخدمة الدين والقرآن .. لكن بشرط أن لا نوهن الدين والقرآن والرسول صلى الله عليه وآله!. (١)

إذن لا واقع لتلك القصة الشيقة باعتبارها جمع القرآن الأول ، نعم لها واقع آخر لكثرة رواياتهم التي تلزمنا التسليم بخطوطها العريضة وسيأتي ذكر الهدف من ذلك الجمع ، ولكن لا مجال للقول بانبثاق قرآن المسلمين شرقا وغربا من ذلك الجمع ، وعدم وجود كيان جمعي للقرآن ومصحف مدون قبل ذلك العمل الخطير الذي نسب إلى زيد.

الشيعة وأول من جمع القرآن :

إن أول من أمر بجمع القرآن وقام بتنظيم آياته وأثبتها في مواضعها المرادة لله عز وجل هو الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو الذي بدرايته وحفظه أتم السور ورتبها ، وأشرف عليها ممليا ومستكتبا ، آمرا الناس بكتابته والقيام بحفظه والاشتغال بنسخه ، وما أرجأ آية نزلت ولا كلمة إلى زمن آت لتكتب ، ولا مقام آخر لتدون ، وما اعتمد على أمته في هذا الدور الخطير الذي

__________________

(١) تدوين القرآن : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

يحتاج إلى تسديد مباشر من الوحي.

وكيف يظن الشيعة به صلى الله عليه وآله وسلم يتركها هكذا عشواء في ظلماء يتخبط بها هذا وذاك من هنا وهناك؟! حتى يصير القرآن دولة لأمزجتهم وميدانا لآرائهم ، يتمزق كل ممزق أو يضيع بموت خفظته ، وهو كتاب آخر الرسالات وانقطاع وحي السماء!

أم كيف يتركه مبعثرا بين ايديهم لتدخل سخلة فتأكل آية منه أو آيتين كما تزعم عائشة؟! وكيف يظن الشيعة به صلى الله عليه وآله وسلم ينام قرير العين والقرآن لم يعرف أوله من آخره بعد ممزق الأشلاء بين الحجارة وخوص النخل!؟ معاذ الله.

والحق أنه ما كان ينتهي صلى الله عليه وآله وسلم من تلقي الوحي إلا ويأمر الكتبة ليدونوا ما سيمليه عليهم ، ثم يأمرهم ليعيدوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم فما زاغ أقامة وما نقص أكلمه ، وهكذا كلما نزل قرآن من السماء ازداد حجم المصاحف عند الصحابة التي كانت تضاف لها الآيات المكتوبة في الرقاع وترتب في المصاحف بحسب ما يأمرهم صلى الله عليه وآله وسلم به ، واستمر العمل على هذا المنوال إلى أواخر أيام حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وحينما انقطع وحي السماء كان المصحف قد كمل تلقائيا للعمل الدؤوب والمتواصل في جمع آياته النازلة وترتيبها بعد نقلها من الرقاع إلى المصحف ، وقد كان بعضهم يفتخر بختمه القرآن وجمعه في مصحفه بإملاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يأتي له شبه ولا تشوبه خلجة

وكفي بالله شهيدا وبرسوله جامعا ورقيبا. (١)

القول بأن أول جمع للقرآن كان في زمن أبي بكر لا يصح

هناك بعض أسباب تقف دون قبول الروايات التي تزعم أن القرآن جمع أول مرة في زمن أبي بكر ، من هذه الأسباب :

__________________

(١) هذا التصوير لكيفية جمع القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أسلم تصوير يتجاوز بعض الإشكالات ، وهنا ملاحظة مهمة جدا يجب التنبيه عليها وهي أنه عندما أقول إن جمع القرآن كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أقصد به أن تدوين القرآن بتمامه وكماله فرغ منه في بداية حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل أن يتم نزول كل القرآن من السماء! وإنما أقصد أن القرآن رتبت آياته النازلة ونسقت سورة النازلة الواحدة تلو الأخرى كلا على حدة ، فعرف أول السورة من آخرها على وجه منسق منظم وإن لم يتم نزول القرآن بعد ، فيسمى هذا التنسيق والترتيب جمع للقرآن ومصحف مجموع ، فالجمع المقصود منه هو لملمة الشتات في كيان واحد جمعي نضاف إليه أجزاؤه الأخرى يوما بعد يوم في ترتيب وتنسيق إلى أن يكمل في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعبارة واضحة إن عدم نزول كل القرآن من السماء لا يناقض تسمية هذا الكيان المرتب والمنسق بأنه جمع للقرآن ومصحف مجموع ، وهذا خلاف ما يقول أهل السنة من أن القرآن إلى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم كان مبعثرا هنا وهناك ، بعضه في صدور الرجال وبعضه في اللخاف وبعضه في الرقاع وبعضه دون على الحجارة وهكذا ، ولو قالوا : إن القرآن كان مرتبا منسقا ولكن آخر آيات منه لم تدون في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاتفقنا معهم على أن القرآن جمع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واقتصر الخلاف على أن إلحاق كل الآيات في هذا الجمع تم في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أم أن بعضها ألحقت فيما بعد.

١ ـ تضارب الروايات التي تحكي جمعهم الأول

ذكر السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في كتابه البيان بعض الروايات المتعارضة في حكاية ذلك الجمع ، وسنذكر هنا خلاصة ما توصل إليه رضوان الله تعالى عليه ومن أراد التقصيل فليراجع :

وقد خلص إلى تناقضها في تعيين العهد الذي جمع فيه القرآن مترددا بين عهود أبي بكر، عمر عثمان ، ومن هو المتصدي لذلك؟ هل هو أبو بكر، أو عمر ، أو زيد بن ثابت؟ وهل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمن عثمان؟(١) ومن الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن؟ ومتى ألحقت بعض الآيات في القرآن؟ وبماذا ثبت ذلك؟ وهل يكفي ذلك لتواتر القرآن؟ (٣)

٢ ـ اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بجمع القرآن

الروايات التي تعرض جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبين لنا مدى اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم وحثه الشديد للصحابة ليتكابوا على تدوين القرآن وترتيبه وتنسيق آياته ، فهاك نبذة منها : حدثني سعيد بن سليمان أخبره عن أبيه سليمان بن زيد عن زيد بن

__________________

(١) هذا اعتراض قد بينا جوابه فيما سبق من أن قرآن الدولة لم يتم جمعه لا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر ، لذلك صار لكل من أبي بكر وعمر جمع ، وأما جمع عثمان فهو الجمع الثاني له ، وكلام السيد رضوان الله تعالى عليه يرد على أهل السنة الذين يرون أن المصحف جمع بتمامه في زمن أبي بكر مع أن الروايات تذكر أنه بقي إلى زمن عمر ، وأما على ما بيناه فلا يرد.

(٢) تاريخ القرآن : ٦٦ ـ ٦٧ ، د. الصغير ط. دار المؤرخ العربي.

ثابت قال : كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وكان إذا نزل عليه أخذته برحاء شديدة وعرق عرقا شديدا مثل الجمان ثم سري عنه ، فكنت أدخل عليه بقطعة القتب أو كسرة فأكتب وهو يملي علي ، فما أفرغ حتى تكاد رجلي أبدا، فإذا فرغت ، قال : (اقرأه) فإن كان فيه سقط أقامه (٢) ، ثم أخرج به إلى الناس. (١)

عن جده زيد بن ثابت قال : كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وكان يشتد نفسه ويعرق عرقا شديدا مثل الجمان ثم يسري عنه فأكتب وهو يملي علي، فما أفرغ حتى يثقل ، فإذا فرغت قال : اقرأ فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه.

فقال عثمان : كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا. (٣)

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ : ١٤٢ ، ح ٤٨٨٩.

(٢) نفس المصدر ٥ : ١٤٢،ح ٤٨٨٨.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٢٧٢، ح٣٠٨٦ (باب ومن سورة التوبة) ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ،المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١ ،ح٢٨٧٥ ،و ٢: ٣٦٠، ح ٣٢٧٢.

أقول : هذه الرواية واضحة في ترتيبه للسور والآيات وتنسيقها في أمكانها المخصوصة ، وبطبيعة الحال فإن الأمر بجعل آية كذا في مكان معين يعني المحافظة على مكانها بين الرقاع ، وتنسيقها بأن لا يسبق المتأخر المتقدم ولا العكس ، وهذا هو الجمع المقصود إلى أن يكمل بهذه الطريقة لوقت النقطاع الوحي ، لا كما يزعم أهل السنة من أن بعضه في رقاع وبعض في حجارة وبعض آخرفي أكتاف وبعض الآيات في صدور الرجال مبعثرة كل واحدة منها في مكان مغاير للأخرى.

عن خارجة بن زيد أن نفرا دخلوا على أبيه زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فقالوا : حدثنا عن بعض أخلاق النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فقال : كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتية فأكتب الوحي. (١)

حدثنا محمد بن يوسف عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : لما نزلت (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ) (٣). قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف فقال اكتب ... الخ. (٣)

وهذه الرواية تبين حرصه صلى الله عليه وآله وسلم الشديد على جمع

__________________

(١) السنن الكبرى ٧ : ٥٢ ، ح ١٣١١٨ ،طبقات ابن سعد ١ : ٣٦٣

(٢) النساء : ٩٥.

(٣) البخاری ٣ : ١٠٤٢ ، ح ٢٦٧٦ ،٣ :١٠٤٢ ، ح٢٦٧٧ ،٤ :١٦٧٧، ح ٤٣١٦ ،٤ :١٦٧٧ ،ح ٤٣١٧، السنن الكبرى ٤: ١٦٧٧، ح ٤٣١٨.

القرآن وتدوينه ، وسيأتي بإذنه تعالى أن الصحابة كانوا يؤلفون القرآن من الرقاع ، ولا ريب أن كتابته مبعثرا في عظام وحجارة يناقض هذه الروايات وما فيها من الاهتمام والحرص بجمع القرآن أولا بأول.

٣ ـ كانوا يعملون على جمع القرآن في عصر النبوة

عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نؤلف القرآن من الرقاع إذ قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم :طوبى للشام! فقلنا : لأي شيء ذاك؟ فقال : لأن ملائكة الرحمان باسطة أجنحتها عليهم. (١)

هذه الرواية صريحة في أن الصحابة كانوا يؤلفون القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرقاع التي دون عليها القرآن بإملائه صلى الله عليه وآله وسلم ، فالرقاع كانت المحطة الأولى من التدوين ، أو قل كانت الرقاع مسودة يكتب فيها ما يملى عليهم ومن ثم ينقلون ما فيها مرتبا إلى المصحف المؤلف.

قال الحاكم النيشابوري تعليقا على هذه الرواية : عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نؤلف القرآن من الرقاع. وفيه الدليل الواضح أن القرآن إنما جمع في عهد رسول الله

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٢٤٩ ، ح ٢٩٠٠، ح ٢٩٠١ (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ، شعب الإيمان للبيهقي ٢ : ٤٣٣ ، ح ٢٣١١ تحقيق أبي هاجر ز غلول ط. دار الكتب العلمية ، مسند أحمد ٥ : ١٨٤،ح ٢١٦٤٧ ،سنن الترمذي ٥ :٧٣٤ ،٣٩٥٤.

صلى الله عليه [وآله] وسلم. (١)

وهذا الاهتمام بتدوين وتأليف القرآن ن الرقاع مع كون البعض قد ختم القرآن كله في عهده صلى الله عليه وآله وسلم سينتج لنا بطبيعة الحال مصحفا مجموعا كاملا عند انتهاء نزول القرآن.

روايات أهل السنة في ختم الصحابة للقرآن في عصر النبوة

وهاك بعض الروايات في أن الصحابة قد ختمواالقرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج ابن النجار في تاريخه عن رزين بن حصين رضي الله عنه قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما بلغت الحواميم قال لي : قد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت اثنتين وعشرين آية من (حم عسق) (٣). بكى ثم قال : اللهم إني أسألك إخبات المخبتين ، وإخلاص الموقنين ، ومرافقة الأبرار ،واستحقاق حقائق الإيمان والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ، ورجوت رحمتك والفوز بالجنة والنجاة من النار ، ثم قال : يا رزين! إذا ختمت فادع بهذه فإن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن. (٣)

عن عباد أبي الأخضر عن خباب عن نبي الله صلى الله عليه [وآله]

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٦٦٨ ، ح ٤٢١٧ (هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه).

(٢) الشورى :١ ـ ٢.

(٣) الدر المنثور ٦ : ٤ ـ ٥.

وسلم أنه لم يأت فراشه قط إلا قرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُون) (١) حتى يختم. (٢)

__________________

(١) الكافرون : ١.

(٢) المعجم الكبير ٤ : ح ٣٧٠٨ ، أقول : هذه الرواية فيها نحو دلالة على أن المصحف كان آخره مجموعا ومرتبا على ما نحن عليه من كون سورة الكافرين في آخر سور القرآن ، وهناك بعض الروايات المشيرة لهذه المسألة : ففي سنن الترمذي ٢ : ١٠٨ ، ح ٣٠٦ (باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح) : ((وروي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قرأ في الصبح بالواقعة ، وروي عنه أنه كان يقرأ في الفجر من ستين آية إلى مثة وروي عنه أنه قرأ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت‏) (تكوير : ١). وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل)). قال الترمذي : ((وعلى هذا العمل عند أهل العلم ، وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي))، أقول : وهذا يدل على أن سور المفصل كانت معروفة قبل أن يجمع المصحف في زمن عثمان على هذه الهيئة ، ولا مجال إلا للقول بجمعه بإشراف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن جمع أبي بكر لم يظهر للناس. وأيضا في سنن الترمذي ٢ : ١١٠، ح ٣٠٧ (باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر) و ٢ : ١١٢ ، ح ٣٠٨ (باب ما جاء في القراءة في المغرب) : ((وروي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الظهر بأوسط المفصل ، ورأي بعض أهل العلم أن القراءة صلاة العصر كنحو القراءة في صلاة المغرب يقرأ بقصارالمفصل)) ، أقول: واضح أن هذا الترتيب المشتهر بين الصحابة لا مجال له إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أمر بترتيبه ، وإلا لو ترك كل صحابيليرتب مصحفه على مزاجه لما عرف المفصل من غيره ، وكل هذا يدل على أن القرآن جمع بإشرافه صلى الله عليه وآله وسلم.

عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال له : اقرأ القرآن في أربعين. (١)

عن سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال : يا رسول الله أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال : نعم ، قال وكان يقرأون حتى توفي. (٣)

وعن عثمان بن عمرو بن أوس عن أبيه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم في وفد ثقيف فكان يخرج إلينا فيحدثنا ، فأبطأ علينا ذات ليلة ، فقلنا يا رسول الله لقد أبطأت علينا. فقال : إنه طرأ على حزبي من القرآن فكرهت أن أقطعه حتى أفرغ منه ، فلما أصبحنا سألنا أصحاب رسول صلى الله عليه [وآله] وسلم : كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وما بين (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجيد) (٣). إلى آخر المفصل حزب. (٤)

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ١٩٧ ، ح ٢٩٤٧ (قال أبو عيسي هذا حديث حسن ، وروى بعضهم عن معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه أن النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم أمر عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أربعين).

(٢) مجمع الزوائد ٧ : ١٧١ ـ ١٧٢ (باب في كم يقرأ القرآن) رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف. وذكره في ١ : ٢٦٩ (باب ثان في كم يقرأ في الليل) وعلق عليه (رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أنه قال نعم إن استطعت ، وفيه ابن لهبعة وفيه كلام).

(٣) ق : ١.

(٤) مجمع الزوائد ٢ : ٢٦٩ وعلق عليه (رواه الطبراني في الكبير).

وهذه الرواية واضحة في أن الصحابة كانوا قد جمعوا القرآن في زمن رسول الله صبى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فهل لتخريب القرآن وتقسيمه إلى مفصل وغيره معنى سوى أنه كان مرتبا ومنسق السور بضمها بعضها إلى بعض؟!

وعن قيس بن صعصعة أنه قال : يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال : في خمس عشرة. قال : إني أجدني أقوى من ذلك. قال في جمعة. قال : إني أجدني أقوى من ذلك. قال : فمكث كذلك يقرأه زمانا حتى كبر وكان يعصب على عينيه ثم رجع فكان يقرأه في خمس عشرة ، فقال : يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الأولى. (١)

عن عبد الله بن عمرو قال قلت : يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال : اختمه في شهر. قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال اختمه في عشرين ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال اختمه في خمسة عشر. قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه في عشر ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال اختمه في خمس ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك!قال : فما رخص لي. (٣)

__________________

(١) مجمع الزوائد ٢ : ٢٦٩. وعلق عليه (رواه الطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه كلام).

(٢) سنن الترمذي ٥ : ١٩٦ ، ح ٢٩٤٦ وعلق عليه (قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث أبي بردة عن عبد الله بن عمرو ، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عبد الله بن عمرو ، وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : لم يفقهمن قرأ القرآن في أقل من ثلاث. وروي عن عبد الله بن عمرو

عن عبد الله بن عمرو قال : جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : إني أخشى أن يطول عليك زمان أن تمل. (١)

سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت الضحى قال لي : كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، فإني قرأت على عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبي أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أمره بذلك. (٣)

وهذه تدل على أن الضحى كانت في أواخر سور القرآن في زمن النبي

__________________

أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال له: اقرأ القرآن في أربعين. قال إسحاق بن إبراهيم : ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث. وقال بعض أهل العلم : لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث للحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم) ، شعب الإيمان للبيهقي ٢ : ٣٩٤ ، ح ٢١٦٦.

(١) الفتح الرباني مع مختصر شرحه بلوغ الماني ١٨ :١٨ لأحد عبد الرحمان البنا ط. دار الشهاب القاهرة.

(٢) شعب الإيمان للبيهقي ٢ : ٣٧١ ، ح ٢٠٧٩ تحقيق أبي هاجر زغلول ط. دار الكنب العلمية. علق عليه المحقق (أخرجه البيعقي من طريق الحاكم في المستدرك ٣ : ٣٠٤ وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله : البزي قد تكلم فيه).

صلى الله عليه وآله وسلم كما هي عندنا الآن.

عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : من صلى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة ، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة. (١)

قرأ ابن عباس على أبي ، فلما ختم ابن عباس قال : استفتح بالحمد ، وخمس آيات من البقرة ، هكذا قال لي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حين ختمت عليه. (٣)

أقول علماء أهل السنة في ختم القرآن في عصر النبوة

قال ابن حزم : مسألة : ويستحب أن يختم القرآن كله مرة في كل شهر ،

__________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ١٨ : ٢٥٩ ، ح ٦٤٧ ، وهو في مجمع الزوائد المجلد الرابع ٧ : ١٧٢ (باب الدعاء عند ختم القرآن) ، والإتقان ١ : ١١١ ، والنشر في القراءات العشر ٢ : ٤٠٢.

(٢) النشر ٢ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ بأسانيد عدة ، أقول : هذه الروايات تدفع إشكال عدم معقولية جمع القرآن كاملا في حياته صلى الله عليه وآله وسلم لأن القرآن كان ينزل منجما فكيق يجمع وهو لم ينزل بعد! ، وواضح أنه يكفي أن يجمع في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يصدق أنه جمع في حياته صلي الله عليه وآله وسلم ، وهذه الروايات تصرح أنهم ختموا القرآن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا مانع من أن يجمع القرآن شيئا فشيئا إلى أن يكمل في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا المعنى جمع القرآن الذي نقصده ، نعم القول بأنهم لم يجمعوا القرآن بتمامه إلى زمن قريب من وفاته صلى الله عليه وآله وسلم قول صحيح ، ولكن هذا لا يمنع من كتابهم الآيات أولا بأول بإشراف منه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن ينتهي نزول الآيات فينتهي حينها جمع المصحف.

فان ختمه في أقل فحسن. ويكره أن يختم في أقل من خمسة أيام ، فان فعل ففي ثلاثة أيام لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ذلك. ولا يجوز لأحد أن يقرأ أكثر من ثلث القرآن في يوم وليلة. برهان ذلك ما حدثناه ـ بسنده ـ عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((اقرأ القرآن في شهر ، قلت إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في عشرين ليلة ، قلت اني أجد قوة ، قال فاقرأه في سبع ، لا تزد على ذلك)) وبسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((في كم أقرأ القرآن؟ قال : في شهر)) ثم ذكر الحديث ، وفيه أنه عليه السلام قال له : ((أقرأه في سبع ، قال : إني أقوى من ذلك ، قال عليه السلام : لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) (١).

قال ابن كثير : ثم روى البخاري ومسلم وأبو داود من حديث يحيى أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمان مولى أبي هريرة عن أبي سلمة قال : واحسبني سمعت أنا من أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : اقرأ القرآن في شهر. قلت : إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك.

فهذا السياق ظاهره يقتضي المنع من قراءة القرآن في أقل من سبع ، وهكذا الحديث الذي رواه أبو عبيد ـ بسنده ـ عن قيس بن صعصعة أنه قال للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال : ((في

__________________

(١) المحلى بالآثار لابن حزم ٣ : ٥٣ مسألة ٢٩٤.

كل خمس عشرة. قال : إني أجدني أقوى من ذلك قال : ففي كل جمعة ـ إلى قوله ـ ولكن دلت أحاديث أخر على جواز قراءته فيما دون ذلك ، كما رواه الإمام أحمد في مسنده ـ بسنده ـ عن سعد بن المنذر النصاري أنه قال : يا رسول الله أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال نعم. قال : فكان يقرأ حتى توفي ، وهذا إسناد جيد قوي حسن)). (١)

قال الشيخ البنا : عن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بابن له فقال : يا رسول الله إن إبني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما)).

وقال في شرحه : إن معنى (يقرأ المصحف بالنهار) ظاهره أنه كان يختم القرآن في يوم وينام بالليل فأنكر عليه والده فعله وشكاه إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ؛ لأنه لم يفعل إلا ما يوجب الثناء عليه ، وفيه جواز ختم القرآن في اليوم لمن لم يخل بالقراءة والله أعلم (٣) ، وكذا قال الكثير ممن شرحوا تلك الروايات من علمائهم.

٤ ـ بعض الصحابة أتموا جمع القرآن في عصر النبوة

عن قتادة عن أنس رضى الله تعالى عنه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أربعة كلهم من الأنصار ، أبي بن كعب ومعاذ بن

__________________

(١) فضائل القرآن لابن كثير : ٧٩.

(٢) الفتح الرباني مع مختصر شرحه بلوغ الأماني لأحمد البنا ١٨ : ١٨ ط. دار الشهاب القاهرة.

جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ، قلت لأنس : من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي. (١)

عن أنس بن مالك قال : مات النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة ، أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قال : ونحن ورثناه. (٣)

أقول : قوله (نحن ورثناه) نص صريح في أن الجمع الذي قصده أنس هو الجمع التقليدي في الصحف وعلى ظهر الرقاع ، لا كما قال أهل السنة من أن جمع هؤلاء كان بمعنى الجمع في الصدور ، إذ كيف يصح توريث ما هو محفوظ في الصدور؟!

٥ ـ المصحف موجود في عصر النبوة

الروايات الآتية تتعارض مع قولهم إن أول جمع للمصحف كان في زمن أبي بكر إذ فيها أن لفظ المصحف ، كان متداولا في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا معناه وجود كيان جمعي للقرآن منسق ومرتب الصحفات ، وهذا

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢٢٨ ، ح ٣٥٩٩ ، صحيح مسلم ٧ : ١٤٩ و ١٥٠ ، السنن الكبرى ٦ : ٢١١ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٣١ ، مسند أحمد ٣ : ٢٣٣، ٢٧٧.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٠٣ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩١ ، الاتقان ١ : ٧٠ عن ابن جريرو البخاري ، فتح الباري ٩ : ٤١ ـ ٤٢ ، تفسير ابن كثير ٤ : ٢٨ نقلا عن صحيح مسلم ، البرهان لزركشي ١ : ٢٤١ ، أقول : وليس هؤلاء فقط من جمع المصحف في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيأتي ذكر البقية في ضمن كلمات علمائهم الآتية.

هو محل النزاع سواء أكان الجمع بتمام الآيات أو ببعضها ، فإن تحقق هيئة المصحف المنسق الورق ، والمرتب السور هو حقيقة الجمع كما أكدنا عليه مرارا ، وهذه الروايات تدل عليه :

عن عثمان بن عبدالله بن أوس الثقفي عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف يضاعف على ذلك إلى ألفي درجة. (١)

عن سلمة وهو ابن الأكوع أنه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يتحرى ذلك المكان ، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر شاة (٣) ، ولا ريب في أنه كان يتحراه لكونه مكانا للمصحف.

__________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ١ : ٢٢١ ، ح ٦٠١ ، وقد ذكر في الجامع الكبير للسيوطي ١٢ : ٣٩٣٠ ، ح ٢٨٤ ، وعلق عليه بأنه قد صحح ، وابن عدي في الكامل ٧ : ٢٤٥٤ ، والهيثمي في مجمع الزائد ٧ : ١٦٥ (كتاب التفسير) باب (القراءة في المصحف وغيره) ، والبيهقي في شعب الإيمان ٢ : ٤٠٧ ، ح ٢٢١٧ و ، ح ٢٢١٨ ، الموسوعة الفقهية ١٣ : ٢٥٧ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (الكويت).

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٥٩ وأخرجه البخاري في صحيحه ١ : ١٢٧ بأدنى اختلاف ، وابن ماجة ١ : ٤٥٩ والسنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٢٧١ ، والطبراني في المعجم الكبير ٧ : ٣٤ ، ح ٦٢٩٩ بلفظ (عن سلمة بن الأكوع أنه كان يتحرى موضع المصحف يسبح فيه ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يتحرى ذلك المكان).

عن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بابن له فقال : يا رسول الله إن ابني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل! فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((ما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما)) (١).

عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ينهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو (٣).

استدل بعض علماء أهل السنة على أن المقصود هنا هو المصحف بتمام الآيات القرآنية لا ببعضها ، قال الإمام أبو المحاسن الحنفي:

عن النافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو ، وهو من كلام النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لا من كلام الراوي فإنه روي فأني أخاف أن يناله العدو. وقد اختلف أهل العلم في السفر به إلى أرض العدو ، فابو حنيفة وصاحباه ذهبوا إلى إباحته ، وبعضهم إلى كراهته منهم مالك ، وعن محمد : إن

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٢٧٠ ، وعنه في مجمع الزوائد للهيثمي ٢ : ٢٧٠.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٧ : ٢٦٦ ن ح ٥٤٥ ، علق عليه أحمد محمد شاكر (إسناده صحيح) ، وقد روي بلفظ آخر في سنن أبي داود ١ : ٥٨٧ (باب المصحف يسافر به إلى أرض العدو) : ((عن أن عبد الله بن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو)) ، قال مالك : أراه مخافة أن يناله العدو. وهو في شعب الإيمان ٢ : ٤٢٦ ، ح ٢٢٨٨، ح٢٢٨٩.

كان مأمونا عليه من العدو فلا بأس ، وإن كان مخوفا عليه فلا ينبغي أن يسافر به إليهم ، وهذا أحسن الأقوال وعليه يحمل القول الأول منهم ، وما روي عن ابن عباس أنه قال : أخبرني أبوسفيان بن حرب من فيه إلى في : أن هو قل دعا لهم بكتاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقرأ فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم‏) (١) ، ليس بمعارض لنيهه صلى الله عليه [وآله] وسلم من المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو ، لأن محمل النهي السفر بمجملة القرآن وما في كتابه صلى الله عليه [وآله] وسلم إنما هو بعضه ، فالجمع بينهما بإباحة السفر بلأجزاء التي فيها من القرآن بعضه وبالكراهة في السفر بكليته ؛لیهم عند خوفهم عليه (٢) ، فيكون معنى الحديث نهي الصحابة عن السفر بالمصحف كاملا إلى أرض العدو.

عن أبي أمامة الياهلي قال : لما كان في حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن العباس على جمل آدم فقال : يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم وقد كان أنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ

__________________

(١) أل عمران : ٦٤

(٢) معتصر المختصر ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَليم) (١). قال : وكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله عزوجل ذلك على نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال فأتينا أعرابيا فرشوناه برداء فاعتم به قال حتى رأيت حاشية البرد خارجة من حاجيه الأيمن ، قال : ثم قلنا له : سل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، قال فقال له : يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف ، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا؟! قال : فرفع النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة الغضب ، قال فقال : أي ثكلتك أمك ، وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا منها بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم ، ألا وإن ذهاب العلم أن يذهب حملته ، ثلاث مرار. (٢)

عن أبي محرز أن عثمان بن أبي العاص وفد إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مع ناس من ثقيف ، فدخلوا على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا له إحفظ علينا متاعنا أو ركابنا. فقال : على أنكم إذا خرجتم انتظرتموني حتى أخرج من عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. قال : فدخلت على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فسألته مصحفا كان عنده فأعطانيه واستعملني عليهم وجعلني إمامهم وأنا أصغرهم. (٣)

__________________

(١) المائدة : ١٠١.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٢٦٦ ، وهو في مجمع الزوائد ١ : ١٩٩.

(٣) المعجم الکبیر للطبرانی ٩ : ٦١ ، ح ٨٣٩٣.

عن عمر بن عبد العزيز ، عن أبي الوازع ذريح بن الوازع عن أبيه وكانت له صحبة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((النظر إلى المصحف عبادة)). (١)

حدثنا جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ـ عليهم السلام ـ عن ابن عباس قال : ((كانت المصاحف لا تباع ، كان الرجل يأتي بورقة عند النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيقوم الرجل فيحتسب فيكتب ، ثم يقوم آخر فيكتب ، حتى يفرغ من المصحف)). (٣)

أقول : الرواية دالة على وجود ورق للكتابة ، فلا حاجة إذن لجريد النخل والأحجار الرقيقة والعظام وغيرها من الأمور الغريبة التي ادعوها ،

__________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة ٦ : ٥٩٣ ت ٩٠٩٦ وعلق عليه ابن حجر (قلت ولهذا المتن طرق أخرى أوردها أبو نعيم من حديث عائشة بسند واه ولفظه كتاب الله بدل المصحف) ، أقول : لا يشكل بأن هذه الروايات بصدد الكلام عن قضية كلية ، أى أن المصحف المقصود هو المصحف كحقيقة ستوجد بين المسلمين فيما بعد ، وذلك لأن سكوت الصحابة عن طلب معنى كحقيقة ستوجد بين المسلمين فيما بعد ، وذلك لأن سكوت الصحابة عن طلب معنى هذه الحقيقة التى تتعلق بها بعض الأحكام ـ كعدم السفر واستحباب النظر وغيرهما ـ أمر غير معقول بعدم معهوديتهم بهذه الحقيقة ، نعم لفظ (مصحف) لا يثبت أنه الجمع الكامل للقرآن ، وهذا لا ضير فيه ، لأنا قلنا : إن جمع القرآن يكفي فيه ترتيب السور والآيات في ملزمة وتضاف إليها الآيات واحدة تلو الخرى بعد نزولها ، وأما كونه جمع كاملا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يستفاد من لفظ (مصحف) بل لأدلة أخرى وقد بينا بعضها.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ١٦.

ومن الغريب قولهم إن المصحف المجموع في عهد أبي بكر كان كهيئة الملزمة مربوطا بخيط يجمع ورقة ، فأين كان ذلك الورق في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى احتاجوا إلى العظام والحجارة؟! ولماذا أمكن كتابة أشعار الجتهلية على ورق وعلقت على الكعبة فسميت بالمعلقات وقصر هذا الورق عن القرآن الكريم؟! ، ومتى ، وكيف حدثت هذه النقلة النوعية في عالم الكتابة والتدوين؟!، ولا ريب أن ما تدعيه روايانهم من صعوبة علمهم ومشقة جمع القرآن من العظام والحجارة ليس إلا تعظيما وتضخيما لعمل به ، وللأسف فإن طلب هذا النحو من المفاخرة الكاذبة وتسجيل المناقب الجوفاء طمس على صورة الجمع الحقيقي للقرآن الكريم وشوهها!

عن عثمان بن أبي العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((لا تمس المصحف وأنت غير طاهر)). (١)

عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : ((إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم)). (٣)

عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((الغرباء في الدنيا أربعة : قرآن في جوف ظالم ، ومسجد نادي قوم لا يصلى فيه ، ومصحف في بيت لا يقرأ فيه ،

__________________

(١) كنز العمال ١ : ٥٤٨ و ٥٤٣ عن الكتاب المصاحف ، وسنن الترمذي وأبي داود ، والمستدرك والطبراني في الكبير ، والدار قطني في سننه.

(٢) نوادر الأصول : ٣٣٤.

ورجل صالح مع قوم سوء)). (١)

عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : ((أعطوا أعينكم حظها من العبادة النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه)). (٣)

عن ابن عباس ، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((من أدام النظر في المصحف متع ببصره ما دام في الدنيا. )) (٣)

عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((من سره إن يحب الله ورسوله فليقرا في المصحف)) (٤).

عن معاذ ، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((أطيعوني ما دمت بين أظهركم فإذا ذهبت فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، فانه سيأتي زمان يسري على القرآن في ليلة فيسلخ من القلوب والمصاحف)) (٥).

عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ((لا تغرنكم هذه المصاحف المعلقة ، إن الله تعالى لا يعذب قلبا وعى القرآن)) (٦).

__________________

(١) كنزل العمال ١ : ٥٤٤ عن الديلمي في الفردوس.

(٢) كنزالعمال ١ : ٥١٠ ، ح ٢٢٦٢. عن نوادر الأصول ، حب.

(٣) كنز العمال ١ : ٣٥٣ ، ح ٢٤٠٦. عن أبي الشيخ.

(٤) نفس المصدر : ٦٠٤ ، ح ٢٧٦٠ عن حل ، هب. عن ابن مسعود.

(٥) كنز العمال ١ : ١٨٩ ، ح ٩٦٠ عن الديلمي.

(٦) نفس المصدر : ٥٣٦ ـ ٥٣٧ ، ح ٢٤٠٠ عن نوادر الأصول.

والآن ، كيف تنسجم هذه الروايات مع ذهبوا إليه من بعثرة القرآن على أكتاف الإبل وعلى الحجارة وفي صدور الرجال؟ ، وما حيلتنا مع من يلقي ضلال الشك والريبة على كتاب الله فقط لإثبات فضيلة لفلان وفلانة؟!، والأغرب هو ادعاؤهم أن أول من أطلق لفظ (مصحف) على القرآن الكريم هم الصحابة بعد أن فرغوا من جمع القرآن في عهد أبي بكر!

أقوال علماء أهل السنة في أن القرآن جمع في عصر النبوة

قال ابن حزم الأندلسي : وقول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو لئلا يناله العدو. وقوله تعالى (لَمْ يَكُنِ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ـ فيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (١). وكتاب الله تعالى هو القرآن بإجماع الأمة ، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم المصحف قرآنا ، والقرآن كلام الله تعالى بإجماع الأمة ، فالمصحف كلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ويسمى المستقر في الصدور قرآنا ونقول : إنه كلام الله تعالى ، برهاننا على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ أمر بتعاهد القرآن وقال عليه السلام : إنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها. (٣)

وقال في الإحكام : فلم يمت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا والقرآن مجموع كما هو مرتب ، لا مزيد فيه ولا نقص ولا تبديل ، والقراءات

__________________

(١) البينة :١ ـ ٣.

(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ : ١٥.

كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم باقية كلها كما كانت لم يسقط منها شيء ، ولا يحل حظر شيء منها قل أو كثر. (١)

وقال : وهذه الآية (٣) تبين ضرورة أن جمع القرآن كما هو من ترتيب حروفه وكلماته وآياته وسوره ، حتى جمع كما هو ، فإنه من فعل الله عزوجل وتوليه جمعه ، أوحى به إلى نبيه عليه السلام وبينه عليه السلام للناس فلا يسع أحد تقديم مؤخر من ذلك ، ولا تأخير مقدم أصلا. (٣)

وأطنب في موضوع آخر قوله : ويبين كذب هذه الأخبار ما رويناه بالأسانيد الصحيحة أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كان لا يعرف فصل سورة حتى تنزل (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم) ، أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كانت تنزل عليه الآية فيرتبها في مكانها ، ولذلك تجد آية الكلالة وهي آخر آية نزلت وهي في سورة النساء في أول المصحف ، وابتداء سورة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق) (٤). في آخر المصحف وهما أول ما نزل ، فصح بهذا أن رتبة الآي ورتبة السور مأخوذه عن الله عزوجل إلى جبريل ثم إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، لا كما يظنه أهل الجهل أنه ألف بعد موت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ولو كان ذلك ما كان القرآن منقولا نقل

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول ٤ : ٤٩٢ ط دار الكتب العلمية.

(٢) (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه‏ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه‏ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَه) (القيامة :١٧ ـ ١٩).

(٣) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول : ٥٦٦.

(٤) العلق : ١.

الكافة ولا خلاف بين المسلمين واليهود والنصارى والمجوس أنه منقول عن محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم نقل التواتر ، ويبين هذا أيضا ما صح أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يعرض القرآن كل ليلة في رمضان على جبريل ، فصح بهذا أنه كان مؤلفا كما هو عهد الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم ، قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي (١) ، والأحاديث الصحاح أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم قرأ المص والطور والمرسلات في صلاة المغرب ، وأن معاذا قرأ في حياته صلى الله عليه [وآله] وسلم البقرة في صلاة العتمة ، وأنه صلى الله عليه [وآله] وسلم خطب بـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجيد) (٢). وذكر صلى الله عليه [وآله] وسلم خواتم آل عمران وسورة النساء ، وأمره صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يؤخذ القرآن من أربعة : من أبي وعبد الله بن مسعود وزيد ز معاذ. وقول عبد الله بن عمرو بن العاص للنبي عليه السلام في قراءة القرآن كل ليلة وأمره صلى الله عليه [وآله] وسلم أن لا يقرأ في أقل من ثلاث ، والذين جمعوا القرآن في حياة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم جماعة ، منهم أبو زيد وزيد وأبي ومعاذ وسعيد بن عبيد وأبو الدرداء ، وأمر صلى الله عليه [وآله] وسلم عبد الله بن عمرو بقراءة القرآن في أيام لا تكون أقل من ثلاث ، فكيف يقرأ ويجمع وهو غير مؤلف؟! هذا محال لا يمكن البتة ، وهذه كلها أحاديث صحاح الأسانيد لا مطعن فيها ،

__________________

(١) أين ابن حزم من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا؟!

(٢) ق : ١.

وبهذا يلوح كذب الأخبار المفتعلة بخلافها ، لأن تلك لا تصح من طريق النقل أصلا ، فبطل ظنهم أن أحدا جمع القرآن وألفه دون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، ومما يبين بطلان هذا القول ببرهان واضح أن في بعض المصاحف التي وجه بها عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق واوات زائدة على سائرها ، وفي بعض المصاحف (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَميدُ) (١). في سورة الحديد وفي بعضها بنقصان (هو) ، وأيضا فمن المحال أن يكون عثمان رضي الله عنه أقرأ الخلفاء وأقدمهم صحبة وكان يحفظ القرآن كله ظاهرا ، ويقوم به في ركعة (!) ، يترك قراءته التي أخذها من فم النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ويرجع إلى قراءة زيد وهو صبي من صبيانه ، وهذا ما لا يظنه إلا جاهل غبي ، ومنها أن عاصما روى عن زر وقرأ عليه ، لم يقرأ على زيد ولا على من قرأ على زيد شيئا ، إلا أنه قد صح عنه أنه عرض على زيد فلم يخالف ابن مسعود ، وهذا ابن عامر قارئ أهل الشام لم يقرأ على زيد شيئا ولا على من قرأ على زيد ، وإنما قرأ على أبي الدرداء ومن طريق عثمان رضي الله عنهما ، وكذلك حمزة لم يأخذ من طريق زيد شيئا ، وقد غلط قوم فسموا الأخذ بما قاله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وبما اتفق عليه علماء الأمة تقليدا وهذا هو فعل أهل السفسطة والطالبين لتلبيس العلوم وإفسادها وإبطال الحقائق وإيقاع الحيرة. (٢)

__________________

(١) الحج : ٦٤.

(٢) الإحكام في أصول الأحكام ٦ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

قال الإمام أبو عبد الله المحاسبي في كتاب فهم السنن : وفي قول زيد بن ثابت (فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال) ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم وأن من قال : إنه جمع القرآن أبي بن كعب وزيد ليس بمحفوظ ، وليس الأمر على ما أوهم ؛ وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء ، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ، ولا يشكوا في أنه جمع عن ملأ منهم. (١)

وأما أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل فبغير شك جمعوا القرآن ، والدلائل عليه متظاهرة ، قال : ولهذا المعني لم يجمعوا السنن في كتاب ، إذ لم يمكن ضبطها كما ضبط القرآن. قال : ومن الدليل على أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عند الصديق لتكون إماما ولم تفارق الصديق في حياته ولا عمر أيامه ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها. (٣)

وقال ألامدي : إن المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كانت مقروءة عليه صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعروضة. (٣)

قال في مدخل إلى القرآن الكريم : إن النص المنزل لم يقتصر على كونه

__________________

(١) البرهان فی علوم القرأن للزرکشی ١ : ٢٣٨ ط. البابي الحلبي تحقيق أبو الفضل ابراهيم.

(٢) نفس المصدر : ٢٣٩.

(٣) تاريخ القرآن : ٧٣ للدكتور الصغير ط. دار المؤرخ العربي.

قرآنا أو مجموعة من الآيات تتلى أو تقرأ ، وتحفظ في الصدور ، وإنما كان أيضا كتابا مدونا بأعداد ، فهاتان الصورتان تتظافران وتصحح كل منهما الأخرى ، ولهذا كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبه الوحي. (١)

وقال في إعجاز القرآن : وللنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم صحابة كانوا يكتبون القرآن إذا أنزل ، إما بأمره أو من عند أنفسهم تاما وناقصا ، وأما الذين جمعوا القرآن بتمامه بالاتفاق فهم خمسة ، فذكرهم. (٣)

وقال في تاريخ القرآن : وأما عدم نسخ كبار الصحابة مصاحف على نمط ما جمعه أبوبكر ، فلم يكن هناك ما يدعو لذلك لعدم اختلاف ما جمعه أبو بكر بما عند الناس ، وإن بعضهم كتبوا مصاحفهم على عهد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وتلقوه منه سماعا ، فكان جمع أبي بكر بمثابة سجل للقرآن يرجع إليه إذا حدث أمر كما وقع لعثمان حين جمعه القرآن فإنه رجع إلى الصحف البكرية وكانت عند حفصة بنت عمر. (٣)

وقال القرآن والملحدون : غير أن من الحق أن نقول أيضا : إن ما جاء في المجموعة الثالثة (٤) إجمالا أكثر وثاقة من جهة ، وأنها مع القوال المؤيدة لها

__________________

(١) مدخل إلى القرآن الكريم : ٣٤.

(٢) إعجاز القرآن للرافعي : ٣٦.

(٣) تاريخ القرآن : ٤٥ ط. الحلبي الثانية طاهر الخطاط ، راجعه فضيلة الشيخ على الضياع شيخ المقارئ بالديار المصرية.

(٤) وهي الروايات التي تصرح بأن القرآن قد تم ترتيبه آيات وسورا آخر حياة النبي صلى الله عليه

الصادرة عن كثير من علماء المسلمين وأئمتهم أكثر اتساقا مع طبائع الأمور والظروف من جهة أخرى. فالقرآن أعظم مظاهر النبوة ، ومعجزتها الخالدة ، وكان مدار الاحتجاج والدعوة مع العرب والكاتبين الذين كانت لهم كتبهم المتداولة في أيديهم المكتوبة على قراطيس وورق ومواد لينة تنشر وتطوى بسهولة ، وقد تكرر في القرآن كثيرا الإشارة إلى كتب الكاتبين من جهة وذكر (الكتاب) في القرآن بمعني (القرآن) من جهة أخرى. فلا يعقل في حال أن يهمل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم تدوين ما كان ينزل عليه من الوحي القرآني ، وأن لا تكون عنايته بذلك فائقة ، وأن لا يحرص على تدوينه في وسائل لينة تطوى وتنشر كالصحف والقراطيس وورق الحرير ، ثم على حفظ مدوناته حرصا شديدا مرتبة منسقة ، بل والمعقول أن يكون ذلك من أمهات مشاغلة المستمرة.

وما روي من أن القرآن كان يكتب على الوسائل البدائية الثقيلة الحجم والصعبة الحفظ والنقل ، كأضلاع النخيل ، وقطع الخشب والحجارة ، وأكتاف العظام لا يصح أن يقبل على علاته بناء على ما تقدم بأن كان ورد في حديث يعد من الصحاح ، وكل ما يحتمل أن يكون أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ يستدعي أحد كتابه لإملاء ما يكون نزل عليه من وحي على فور نزوله ـ وهو ما كان يفعله دائما على ما تفيده الأحاديث والقرائن القرآنية ـ أن لا يكون متيسرا إلا شيء من هذه الوسائل البدائية ، فيكتب الكاتب عليها

__________________

وآله وسلم.

ما يميله النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مؤقتا ريثما ينقل إلى مكانه من سجلات القرآن مما عبر عنه زيد بن ثابت كاتب وحي رسول الله في قوله في حديث مأثور له (كنا نؤلف القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم من الرقاع).

ولقد كان في مكة والمدينة جاليات نصرانية ويهودية تتداول كتبا مكتوبة على قراطيس تطوى وتنشر كما قلنا قبل. ولقد كانت مكة مدينة تجارية متصلة بالبلاد المجاورة المتحضرة التي يكثر فيها وسائل الكتابة اللينة مما لا يعقل إلا أن يكون أهل هذه البيئة قد اقتبسوا ذلك. ولقد احتوى القرآن أوامر بتدوين المعاملات التجارية النقدية وغير النقدية صغيرة كانت أم كبيرة ، ولقد تعددت الآيات القرآنية التي تذكر (الصحف) في صدر القرآن والكتب الأخرى ، ولم يقل أحد إنها كانت تعني تلك الوسائل البدائية ، بل إن المفهموم القرآني هو في جانب كونها وسائل تطوى وتنشر (١).

وفي تفسير القرآن الحكيم : كان كل يكتب ما تيسر له كتابه وكان منهم بعض قليل كتبوا القرآن كله ، والإجماع على : علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وقبل وفاة الرسول عرض زيد القرآن عرضة على رسول الله صلوات الله عليه ، ففي عهده صلوات الله عليه كان القرآن مرتب السور والآيات ولكنه غير مجموع في كتاب واحد. (٣)

__________________

(١) القرآن والملحدون : ٣١٩ ـ ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، للدكتور محمد عزة دروزة.

(٢) تفسير القرآن الحكيم : ١٧ ، لمحمد عبد المنعم خفاجة.

أقول : إن قصد أن القرآن لم يكن مجموعا بتمامه لأنه نزل منجما ثم تم جمعه في أواخر حياته فهذا صحيح ، وأما لو قصد أن كل سورة كانت على حدة من غير أن تجمع كلها فتصبح مصحفا فهذا لا يتوافق مع ما مر ، فكيف يكون مرتب السور مع كونه غير مجموع في كتاب واحد؟ أم قصد أن كل سورة كانت تدون وتوضع فوق الخرى وضعا بلا شد وربط ، ثم جاء أبو بكر فأمر بشدها بخيط؟!

وفي موجز البيان : والمصاحف التي عرضت على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في حياته وقرئت عليه ثلاثة : مصحف عبد الله بن مسعود ، ومصحف أبي بن كعب ، ومصحف زيد بن ثابت وهو آخرها عرضا على النبي صلوات الله وسلامه عليه (١) ، وإذ كانت في سنة وفاته وبقراءته كان يقرأ عليه الصلاة والسلام ، ولذلك اختاره المسلمون. وجاء في صحيح البخاري من حديث قتادة قال : ـ وذكر الحديث ـ قول أنس : إنه لم يجمع القرآن غير أربعة. يحتمل أنه لم يجمع القرآن وأخذه تلقائيا من الرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم غير أولئك الأربعة ، لأنه قد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري ، وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن العاص. وإنما كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يأمر بكتابة ما

__________________

(١) سيأتي بإذنه تعالى أن آخر من شهد العرضة الأخيرة من الصحابة هو عبد الله بن مسعود حسب رواياتهمم الصحيحة ، وتركيزهم الدائم على أنه زيد بن ثابت لتصحيح إيكال أبي بكر مهمة جمع القرآن له وهو حدث السن دون بقية الصحابة.

ينزل عليه من القرآن الكريم وجمعه لتبليغ الوحي على الوجه الأكمل ، لأن الاعتماد على حفظ الصحابة غير كاف ، لأنهم عرضة للنسيان والموت فلو اعتمد على حفظهم وحده نخشى ضياع شيء منه بالنسيان أو الموت ، وأما الكتابة فباقية لا يتكرق إليها شيء من ذلك وليعاضد المكتوب المحفوظ وقال الذهبي : عثمان أحد من جمع القرآن على عهد الرسول قرأ عليه المغيرة بن أبي شهاب المخزومي)) (١).

وفي التبيان في علوم القرآن : وجمع القرآن في المصحف واحد في عهد أبي بكر لا يعني أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكن لديهم مصاحف كتبوا فيها القرآن من قبل ، فإن ذلك لا ينافي أن يكون لبعض الصحابة مصحف خاص. (٣)

وفي مباحث في علوم القرآن : وكان جبريل يعارض رسول الله بالقرآن في ليالي رمضان ويعارض الصحابة رسولهم حفظا وكتابة ولم تكن هذه الكتابة مجتمعة في مصحف عام بل عند هذا ما ليس عند ذاك من الآيات والسور. وقد نقل العلماء أن نفرا منهم : علي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود قد جمعوا القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا أن زيد بن ثابت كان رضي الله عنه متأخرا على الجميع. (٣)

__________________

(١) موجز البيان في مباحث علوم القرآن : ٤٨ لكمال الدين الطائي.

(٢) التبيان في علوم القرآن : ٦٤ لمحمد على الصابوني.

(٣) مباحث في علوم القرآن : ٥٠.

فكان أبو بكر بهذا أول من جمع القرآن في مصحف وإن وجدت مصاحف فردية عند بعض الصحابة كمصحف علي. (١)

ونذكر هنا كلام أحد علماء الإباضية لما فيه من فائدة مع إطنابه في الدفاع عن جمع القرآن ، فقال في منهج الطالبين : فإني لأعجب ممن يقبل من المسلمين قول من زعم أن الرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ترك القرآن الذي هو حجته على أمته والذي تقوم به دعوته والفرائض التي جاء بها من عند الله ولم يجمعه ، ولم يضمه ، ولم يخطه ، ولم يحصه ، ولم يحكم المر في قراءته وما يجوز من الاختلاف فيها ، وما لا يجوز في إعرابيه ومقداره ، وتأليف سوره ، وهذا لا يتوهم على رجل من عامة المسلمين فكيف برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.

فلو لم يكن القرآن مجموعا مكتوبا في عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأي شيء كان يكتب هؤلاء؟ وكيف يجوز على القوم الذين ذكرنا أحوالهم أن يتركوا جمع القرآن والوقوف على تأليفه ومقدمه ومؤخره ، وهو إنما أنزل عليهم وفيهم على ما تقدم من شرح.

ومما يدلنا على حفظهم لما استحفظوا له وفهمهم لما اسنكفوا إياه أنهم كانوا علماء لنظم السور وتأليف الآي، لا يحرفون الكتابة ولا يقصرون في التأدية ، وإنما أول ما أنزل من القرآن بمكة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق ) (٣).

وأول ما أنزل بالمدينة سورة البقرة وآخر ما نزل سورة براءة ، فلو كانوا إنما

__________________

(١) مباحث في علوم القرآن : ٥٢.

(٢) العلق : ١.

ألفوا السورة على تقدير رأيهم لقدموا في المصحف المقدم وأخروا والمؤخر ، ففي تقدمهم سورة البقرة وتأخيرهم سورة براءة ـ دليل على أنهم اتبعوا ولم يبتدعوا وحكموا ولم يتخرصوا.

ولقد قال أبو ذر رضي الله عنه : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وما يقلب طائر جناحه في السماء إلا وعندنا منه علم فكيف تجهل تأويل السور ومواضع الآي أمة قد شهدت أول ذلك وآخره؟.

وقد روى أصحاب الحديث : أن القرآن كان مفرقا حتى جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وروى آخرون أن الذي جمعه : عثمان بن عفان وأنهم أخذوا آية من هاهنا وآية من هاهنا ، وأن الرجل كان يخبر بالآية ويسأل عنها الشهود ثم تكتب ، وأن زيد بن ثابت ـ لما أمره عثمان بن عفان أن يكتب في المصحف ـ فقد آيتين حتى وجدهما عند الرجلين من الأنصار ، وأن زيدا وغيره من الصحابة تولوا تأليف السور والآيات وهذه الأخبار مطعون عليها ، ويقال أن الزنادقة دلسوا وأضافوا الزيادات والأحاديث في أحاديث الأئمة. بل إن الدلالة قد قامت من طريق العقل ، لأن السور كانت معروفة متولفة في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وإن القرآن كان قد فرغ من جمعه.

وقال الشعبي : لم يجمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا ستة كلهم من النصار ، فلو لم يكن القرآن مجموعا مؤلفا على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فكيف كان يجمعه هؤلاء الستة ويحفظونه؟ (١).

__________________

(١) منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٦ للشيخ خميس الرستاقي.

وإلى هنا نقول إن المصحف كان مجموعا في آخر زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والشيعة الإمامية لم ينفردوا في إزاحة هذه المنقصة عن مقام النبوة ، بل وافقهم قليل من أهل السنة ، والعبرة بالكيف لا بالكم ، ونختم بما ذكره النديم في الفهرست لما فيه من لم للشتات:

الجماع للقرآن على عهد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، سعد بن عبيد بن نعمان بن عمرو بن زيد رضي الله عنه ، أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي الله عنه ، معاذ بن جبل بن أوس رضي الله تعالى عنه ، أبو زيد بن ثابت بن زيد بن النعمان ، أبي بن كعب بن قيس بن مالك بن امرئ القيس ، عبيد بن معاوية بن يزيد بن ثابت بن الضحاك. (١)

أول من جمع قرآنا بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم :

أول من جمع قرآنا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد العرب طرا، الإمام علي عليه السلام ، وهذا من الشهرة بمكان لا ينكره إلا مكابر ، وقد وردت نصوصه في كتب الفريقين.

قال ابن سعد في الطبقات : عن أيوب وابن عون عن محمد قال : نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر ، فقال : أكرهت إمارتي؟ فقال : لا ، ولكنني آليت بيمين أن أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن. قال : فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد : فلو أصيب ذلك الكتاب كان

__________________

(١) الفهرست للنديم : ٣٠.

فيه علم. قال ابن عون : فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه. (١)

وأخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف : عن الأشعث عن محمد بن سيرين قال : لما توفي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن ف مصحف ففعل ، فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام ، أكرهت إمارتي يا أباالحسن؟ : قال : لا ، والله ، إلا أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعه فبايعه ثم رجع. (٣)

__________________

(١) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ٤.

(٢) كتاب المصاحف لابن أبي داود ١ : ١٨٠ ط. قطر ، من باب التذكير بالبديهيات أقول : إنا لا نسلم بكل ما قالته الرواة ، خاصة إذا كان العقل السليم لا يستسيغه ، لأن البخاري في صحيحه وغيره من أهل التاريخ ذكروا أنه عليه السلام لم يبايع ابن أبي قحافة إلا بعد ستة أشهر ، ومن غير المعقول أن يترك المبايعة طيلة ستة أشهر لأنه حلف ألا يخرج من بيته إلا بعد جمع القرآن ، ومع أن الرواية تقول إنه كان يخرج في كل يوم جمعة؟!، فلماذا لم يبيع في أيام الجمع التي توجد في ستة أشهر؟!، وهل البيعة بصفق اليد تحتاج إلى مراجعة الوائر الحكومية؟!، أخرج البخاري في صحيحه ٤ : ١٥٤٩، ح ٣٩٩٨ : (فأبي أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعائشت بعد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها على ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر).

وفي التسهيل لعلوم التنزيل : كان القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآلأه وسلم مفرقا في الصحف وفي صدور الرجال ، فلما توفي جمعه علي بن أبي طالب على ترتيب نزوله. ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد. (١)

وحيث أن ابن حجر العسقلاني حصر جمع القرآن بأبي بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلي عنق الروايات ، فال في فتح الباري :

وأخرج ابن أبي داود من طريق ابن سيرين قال : علي لما مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة الجمعة حتى أجمع القرآن فجمعته. قال ابن حجر : هذا أثر ضعيف لانقطاعه وبتقدير صحته فمراده بجمعه حفظه في صدره وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح فهو المعتمد. (٣)

قصد ابن حجر أن جمع أمير المؤمنين عليه السلام للقرآن كان بمعنى حفظه في الصدر!، ولازمه أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يحفظ القرآن إلى ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!! ، وتعقبه العلامة السيوطي في إتقانه فقال :

قلت : قد ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله ، حدثنا

__________________

(١) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ٤.

(٢) الإتقان ١ : ٥٧.

هودة بن خليفة ، حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال : لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب عليه السلام في بيته فقيل لأبي بكر : قد كره بيعتك فأرسل إليه. فقال أكرهت بيعتي ، قال : لا والله ، قال ك ما أقعدك عني؟ قال : رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه ، قال له أبو بكر : فإنك نعم ما رأيت. قال محمد فقلت لعكرمة : ألفوه كما أنزل الأول فالأول ، قال : لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا. (أخرجه) ابن اشتة في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه : أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ. وأن ابن سيرين قال : تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. (١)

وقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد : قال ابن سيرين : وبلغني أنه كتبه على تنزيله ولو أصيب ذلك لوجد فيه علم كثير. قال أبو عمر : أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل ، وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة ، وأن مراسيله صحاح كلها ليس كالحسن وعطاء في ذلك والله أعلم. (٣)

وأخيرا نذكر ما قاله صاحب الفهرست : عن عبد خير عن علي عليه السلام أنه رأي من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم

__________________

(١) الاتقان ١ : ٥٧.

(٢) التمهيد لابن البر ٨ : ٣٠٠ ـ ٣٠١.

فأقسم أنه لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن ، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن ، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه. وكان المصحف عند أهل جعفر. (١)

بماذا تميز مصحف أمير المؤمنين عليه السلام؟

مرت بعض روايات أهل السنة التي تنص على أن مصحف أمير المؤمنين عليه السلام يتميز بترتيب الآيات حسب النزول ، فأوله سورة الفلق وهكذا إلى آخر القرآن وعليه يكون الناسخ متأخرا عن المنسوخ ، ولكن اليعقوبي في تاريخه ذكر أن السور كانت مجزاة على سبعة أجزاء على نحو مغاير لترتيب النزول :

وروي بعضهم أن علي بن أبي طالب كان جمعه لما قبض رسول الله وأتى به يحمله على جمل ، فقال : هذا القرآن قد جمعته ، وكان قد جزاة سبعة أجزاء (٣) ثم ذكر جزء بسوره المندرجة تخته فالول في مقدمته سورة البقرة ، والجزء الثاني آل عمران والثالث النساء والرابع المائدة والخامس الأنعام والسادس الأعراف والسابع الأنفال ، والأولى اعتماد الروايات.

ولعل أهم ما دفع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لكتابة المصحف مع

__________________

(١) الفهرست للنديم : ٣٠ في باب (ترتيب سور القرآن في مصحف أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه) ، راجع أنساب الأشرف ١ : ٥٨٧ ، طبقات ابن سعد ٢ : ٣٣٨ و ٢ ق ٢ : ١٠١، الإتقان ١ : ٢٠٤ ، كنز العمال ٢ : ٥٨٨ ، الاستيعاب بهامش الإصابة ٢ : ٢٥٣ ، حلية الأولياء ، والأربعون للخطيب.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٥.

وجود مصاحف كثيرة في الدنيا المسلمين آنذاك ، هو أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب فيه التنزيل والتفسير الذي أنزل مرادفا للآيات ، فكان قرآنا جامعا لكل ما أنزل من السماء قرآنا ، أي النصوص القرآنية والتقسير المنزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أملاه صلى الله عليه وآله وسلم وخطه الإمام عليه السلام بيده الشريفة.

وقد ذكر قريبا منه بعض علماء أهل السنة : وما نسب إلى الإمام علي من قرآن فهو تفسير معنى ما جاء ، بأسلوبه ونسج كلامه (١)، والمقطع الأخير (بأسلوبه ونسج كلامه) بعيد عن الأدلة.

المشكلة في التنزيل!

بعد أن فرغ عليه السلام من كتابته ، جاءهم بالمصحف مشتملا على كل ما أنزل من السماء أي القرآن وتفسيره المنزل المسمى بالتنزيل ، وناولهم إياه حينما كانوا ملتفين في المسجد ، حتى نظر فيه ابن الخطاب فلم يرق له وجود فضائح الكفار والمنافقين من صناديد قريش وكبرائهم مع ذكرهم بأسمائهم وأسماء آبائهم (٣) في هامش السور والآيات التي نكلت بهم ، كسورة براءة التي

__________________

(١) معجم القراءات القرآنية ١ : ١٨ ط. جامعة الكويت ، د. أحمد مختار عمر ، د. عبد العال سالم مكرم.

(٢) هذا ليس بغريب فسيرة الرجل شاهدة على ذلك ، حتى نص أحد علماء أهل السنة أن ابن الخطاب قد أفصح عما يحيك في صدره من قتل هؤلاء الكفار حينما شرب الخمر يوما ورثاهم بأبيات من الشعر ، قال شهاب الدين محمد الابشيهي في المستطرف ٢ : ٢٦٠ : (قد أنزل الله

__________________

في الخمر ثلاث آيات : الأولى : في قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إِثْمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاس) (البقرة : ٢١٩) فكان من المسلمين من شارب ومن تارك ، إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى‏ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُون ) (النساء : ٤٣) فشربها من شربها من المسلمين ، وتركها من تركها حتى شربها عمر فأخذ بلحى بعير وشج به رأس عبد الرحمان بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر يقول:

وكائن بالقليب قليب بدر

من الفتيان والعرب الكرام

أيوعدني ابن كبشة ـ النبي ـ أن سنحيا

وكيف حياة أصداء وهام

أيعجز أن يرد الموت عني

وينشرني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرحمان عني

بأني تارك شهر الصيام

فقل الله يمنعني شرابي

وقل لله يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ذلك فخرج مغضبا يجر رداءه ، فرفع شيئا كان في يده فضربه. فقال : أعوذ بالله من غضبه ، وغضب رسوله. فأنزل الله تعالى (إِنَّما يُريدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون‏) (المائدة : ٩١) فقال عمر رضي الله عنه : انتهينا ، انتهينا) وجاء مختصرا في تاريخ المدينة المنورة لابن شبة ٣ : ٨٦٣. وقد كان معاندا أشد العناد لمن طلب تفسير القرآن وتعلمه ، وقصة صبيغ بن عسل الذي ضربه فأدماه مرارا ، لأنه سأل عن معنى الذاريات ذروا مشهورة ، وكشاهد نذكر على سياسة عمر في رفض كتابة التفسير ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٦ : ١٣٧ ، ح ٣٠٠٩٧ (عن عامر قال : كتب رجل مصحفا وكتب عند كل آية تفسيرها ،

سموها الفاضلة أو المزلزة التي لم تترك أحد منهم إلا ونالت منه ، وسورة البينة التي جاء في الأثر أن الله جعل في تنزيلها أسماء سبعين رجلا من قريش، وأن الإمام الرضا عليه السلام بعث بمصحفه للبزنطي ففتحه فوجد فيه تلك الأسماء كما مر الكلام عنه ، فحينما وقع النظر على التنزيل المردف بالقرآن تمعرت الوجوه وطرت حسائك الصدور وما كان إلا أن نبذوه وردوه ، فانصرف الإمام علي عليه السلام بمصحفه الجامع وقال لن تروه بعد يومكم هذا أبدا ، واسترجع عليه السلام بقوله (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١).

بعض كلمات الشيعة في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام:

قال الشيخ الصدوق في اعتقاداته : ومثل هذا كثير ، وكله وحي وليس بقرآن. ولو كان ثرآنا لكان قرآنا مقرونا به موصولا إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي

__________________

فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين)!! وأحزاب التلميع تقول عن أمثال هذه الرواية أنه فعل ذلك لأنه خاف اختلاط القرآن بغيره! وهذا كما يقولون (ضحك على الذقون)! وعلى أي حال لم يرق لابن الخطاب ما فعله أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام من كتابة فضائح المشركين والمنافقين في هامش القرآن.

(١) آل عمران : ١٨٧.

عندك فانصرف وهو يقول (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ)(١). (٢)

وقال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات : ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتا منزلا ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز. (٣)

وقال ابن شهر آشوب رضوان الله تعالى عليه : وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع ألبته قالوا : لأمر ما جاء به أبوالحسن ، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ، ثم قال : إن رسول الله قال : إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وهذا الكتاب وأنا العترة ، فقام إليه الثاني فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما ، فحمل عليه السلام الكتاب وعاد بعد أن الزمهم الحجة. وفي خبر طويل عن الصادق عليه السلام أنه حمله وولى راجعا نحو حجرته وهو يقول (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما

__________________

(١) آل عمران : ١٨٧.

(٢) الاعتقادات ك ٩٣.

(٣) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : ٩١.

يَشْتَرُونَ) (١). (٢)

وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه في البيان : إن وجود مصحف لأمير المؤمنين عليه السّلام يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن التكلف لإثباته، كما أن اشتمال قرآنه عليه السّلام على زيادات ليست في القرآن الموجود، وإن كان صحيحا إلا أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن، وقد أسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيرا بعنوان التأويل، وما يؤول اليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من اللّه شرحا للمراد ، وإن هذه الشبهة مبتنية على أن يراد من لفظي التأويل والتنزيل ما اصطلح عليه المتأخرون من إطلاق لفظ التنزيل على ما نزل قرآنا، وإطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ، حملا له على خلاف ظاهره، إلا أن هذين الإطلاقين من الاصطلاحات المحدثة، وليس لهما في اللغة عين ولا أثر ليحمل عليهما هذان اللفظان (التنزيل والتأويل) متى وردا في الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السّلام.

وعلى ما ذكرناه فليس كل ما نزل من اللّه وحيا يلزم أن يكون من القرآن، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف علي عليه السّلام كان مشتملا على زيادات تنزيلا أو تأويلا. ولا دلالة في شى‏ء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن. وعلى ذلك يحمل ما

__________________

(١) آل عمران : ١٨٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣٢٠.

ورد من ذكر أسماء المنافقين في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام فإن ذكر أسمائهم لا بد وأن يكون بعنوان التفسير.

ويدل على ذلك ما تقدم من الأدلة القاطعة على عدم سقوط شى‏ء من القرآن، أضف إلى ذلك أن سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مع المنافقين تأبى ذلك فإن دأبه تأليف قلوبهم، والإسرار بما يعلمه من نفاقهم، وهذا واضح لمن له أدنى اطّلاع على سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وحسن أخلاقه، فكيف يمكن أن يذكر أسماءهم في القرآن، ويأمرهم بلعن أنفسهم، ويأمر سائر المسلمين ذلك ويحثهم عليه ليلا ونهارا، وهل يحتمل ذلك حتى ينظر في‏صحته وفساده أو يتمسك في إثباته بما في بعض الروايات من وجود أسماء جملة من المنافقين في مصحف علي عليه السّلام وهل يقاس ذلك بذكر أبي لهب المعلن بشركه. ومعاداته للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مع علم النبي بأنه يموت على شركه. نعم لا بعد في ذكر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أسماء المنافقين لبعض خواصه كأمير المؤمنين عليه السّلام وغيره في مجالسه الخاصة.

وحاصل ما تقدم: أن وجود الزيادات في مصحف علي عليه السّلام وإن كان صحيحا، إلا أن هذه الزيادات ليست من القرآن، ومما أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بتبليغه إلى الامّة، فإن الالتزام بزيادة مصحفه بهذا النوع من الزيادة قول بلا دليل، مضافا إلى أنه باطل قطعا. ويدل على بطلانه جميع ما تقدم من الأدلة القاطعة على عدم التحريف في القرآن. (١)

__________________

(١) البیان فی تفسیر القرآن : ٢٢٣ ـ ٢٢٦.

قال في بحوث في تاريخ القرآن : إنّه قد ورد أنّه كان لأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام قرآن مخصوص، جمعه بنفسه بعد وفاته صلّى اللّه عليه وآله، وعرضه على القوم، فأعرضوا عنه، فحجبه عنهم، والمعروف أنّه كان مشتملا على أبعاض ليست موجودة في هذا القرآن الذي بين أيدينا.

واجيب بأنّ زيادة قرآنه عليه السّلام على ما في هذا القرآن الموجود وإن كانت متيقّنة لكن من الذي قال: إنّ هذه الزيادة كانت في القرآن نفسه، فلعلّها كانت تفسيرا بعنوان التأويل، أي ما يؤوّل إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من اللّه تعالى شرحا لمراده، كما في الأحاديث القدسية، لا بعنوان القرآن المعجز. (١)

بعض الروايات

نذكر هنا بعض الروايات التي تحكي ما جرى على مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ، وستأتي كلمات العلماء والمحققين عليهم رضوان الله :

في الكافي :محمد بن يحى ، عن محمد بت الحسين ، عن عبد الرحمان بن أبي هاشم ، عن سالم بن سالمة قال : قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كف عن هذه القراءة ، غقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب الله عزوجل على حده ، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال : أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه كتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عزوجل كما أنزله الله

__________________

(١) بحوث في تاريخ القرآن للسيد مير محمدي زرندي : ٢٧٨.

عل محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته بين اللوحين قالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه. (١)

وفي بصائر الدرجات : عن إبراهيم بن عمر عنه قال : إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن ، وكانت فيه أسماء الرجال فألقيت وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى تعرف ذلك الوصاة. (٣)

وفي كتاب سليم بن قيس : فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع. فبعث إليه علي عليه السلام : إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه. فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته : يا أيها الناس ، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد. فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وآله آية إلا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى اله عليه وآله وعلمني تأويلها. ثم قال لهم علي عليه السلام : لئلا

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٣٣ ، لا يخفي عليك أن المقصود من جملة (كما أنزله الله) أي القرآن مع تنزيله وتفسيره الذي نزل به جبريل عليه السلام وقد مر الكلام مفصلا.

(٢) بصائر الدرجات ١ : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، ح ٦.

تقولوا غدا إنا كنا عن هذا غافلين. ثم قال لهم علي عليه السلام : لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أعدكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي ، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته. فقال عمر : ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه ثم دخل علي عليه السلام بيته (١).

وفي الاحتجاج : فلما رأى علي عليه السلام غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته واقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج حتى جمعه كله ، فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ ، فبعث إليه أبو بكر أن أخرج فبايع ، فبعث إليه إني مشغول فقد آليت بيمين أن لا ارتدى برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه ، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى عليه السلام بأعلى صوته : أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب ، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثوب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلمني تأويلها. فقالوا : لا حاجة لنا به عندنا مثله (٣).

وعن البحار : في رواية أبي ذر الغفاري رضي الله عنه إنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله، جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم كما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه و

__________________

(١) کتاب سلیم بن قیس : ١٤٦ ـ ١٤٧ تحقیق باقر الأنصاري.

(٢) الاحتجاج للطربسي ١ : ١٠٧.

آله. فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه علي عليه السلام وانصرف ، ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان للقرآن ، فقال له عمر : إن عليا جاءنا بالقرآن ، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار : وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار ، فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال : فان أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل ما قد عملتم؟ قال عمر : فما الحيلة؟ قال زيد أنتم أعلم بالحيلة ، فقال عمر : ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه ، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد ، فلم يقدر على ذلك. وقد مضى شرح ذلك ، فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم ، فقال : يا أبا الحسن! إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه ، فقال علي عليه السلام : هيهات ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا (تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلين) (١). أو تقولوا ما جئتنا به ، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والوصياء من ولدي ، فقال عمر : فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة عليه. (٢)

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

(٢) بحار الأنوار ٩٨ : ٤٢ ـ ٤٣.

أقول : الروايات في هذا المجال متفقة على معنى واحد وهو عرض الأمير عليه السلام مصحفه على القوم ورفضهم له لما فيه من مثالبهم وفضائحهم ، وبالجمع بين الأدلة يتضح أن تلك الفضائح كانت بذكر أسمائهم ولم تكن إلا من باب التفسير والتنزيل ، ومن جهة أخرى كان في القرآن ـ بالمعنى المجازي ـ من فضائل أهل البيت عليهم السلام الشيء الكثير لاختصاصهم عليهم الصلاة والسلام بكثير من الآيات القرآنية وكذا ذكر عدوهم وصفاتهم ، لذا روي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا :

نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع في فرائض وأحكام ، وربع سنن وأمثال ، ولنا كرائم القرآن. (١)

ونعلم بذلك معنى ما روي عنهم عليه السلام مرسلا : لو قد قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين (٣) ، لأنه احتوى التنزيل. فالقرآن كما أنزل ـ أي بما يحتوي من التنزيل ـ كان كبير الحجم ، وهذه هي صفة المصحف الذي جاء به أمير المؤمنين عليه السلام لهم في روايات أهل السنة ، وحتما هذا القرآن بآياته وتنزيله لم يجمعه أحد غير أمير المؤمنين عليه السلام ومنه إلى بقية الأوصياء عليهم السلام ، لذا روي عنهم عليه السلام قولهم : ((ما يستطيع أحد أن يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء)) (٣) ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٨ : ١١٤ ، عن تفسير العياشي.

(٢) بحار الأنوار ٩٨ : ٥٥ ، ح ٢٤ نقلا عن تفسير العياشي.

(٣) بحار الأنوار ٩٨ : ٨٨ ، ح ٢٦.

وكذا روي : ((ما من أحد من الناس يقول : إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذب ، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام)) (١) ، ونسأل الله أن يرزقنا النظر في هذا التنزيل بأعيننا ، آمين رب العالمين.

النتيجة :

سد باب العلم على الأمة لإطفاء نور التفسير الذي جمعه الإمام علي عليه السلام ردف النصوص القرآنية ، فقد ردوا مصحفا شمل كل النازل م السماء ، ويتمسز بأن نصوصه القرآنية وتنزيله كانت إملاء من رسول الله وتدوينا من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما ، وهذا لا يعني أنه جمع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنما أملاه صلى الله عليه وآله وسلم في زمنه على الإمام علي عليه السلام في قطع من الأوراق والرقاع ومن ثم عمل على جمعه عليه السلام فيما بعد وفاته صلى الله علي هو آله وسلم ، قال في البحار : ((أخبر أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وآله قال : في مرضه الذي توفي فيه لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يا علي هذا كتاب الله خذه إليك ، فجمعه علي عليه السلام في ثوب فمضى إلى منزله ، فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس علي فألفه كما أنزل الله ، وكان به عالما. وحدثني أبو لعلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما

__________________

(١) نفس المصدر ، ح ٢٧.

بالإسناد عن علي بن رباح : إن النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه.

جبلة بن سحيم ، عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لو ثني لي الوسادة وعرف لي حقي لأخرجت لهم مصحفا كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه وآله. (١)

ولا حاجة للتذكير بأنه كانت هناك مصاحف أخرى في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا المصحف عند الصحابة ، ولكن خصوص هذا المصحف يتميز بوجود ما أملاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تفسير وتنزيل.

وبعد فترة جاءت حرب اليمامة فقتل القراء ، وروايات أهل السنة فيها أن ابن الخطاب أراد آية من كتاب الله فلم يجدها فسأل عنها فقيل له كانت موجودة عند فلان وقتل!، أخرج ابن أبي داود في المصاحف بسنده :

إن عمر ابن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان ، قتل يوم اليمامة! فقال : إنا لله! فأمر بجمع القرآن. (٣)

وهذا يعني أن ابن الخطاب التفت إلى جمع القرآن حينما فقدت آية منه ، وكان الفراغ الذي تولد من الإعراض عن مصحف الإمام علي عليه السلام يستدعي التكفير جديا في كتابة مصحف رسمي للأمة الإسلامية يتميز عن

__________________

(١) بحار الأنوار ٤ : ١٥٥.

(٢) تاريخ القرآن للكردي الخطاط : ٢٥.

مصاحف الصحابة بكونه محفوظا عند الخليفة ليرجع له حال فقدان قراء القرآن في المواطن والحروب ، واشتراط فيه حذف التنزيل وإلقاء التفسير النازل من السماء بتجريده وجعله نصوصا قرآنية صرفة.

فابتدأت الفكرة ، بتخطيط من ابن الخطاب كما تنص عليه روايات البخاري السابقة بعد يوم اليمامة ومقتل القراء ، ولم يتم مصحف الدولة هذا لا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر ، فمات إلى أن وصل إلى حفصة على هيئة قصاصات ورق مشتتة مبعثرة ، فلم يجمع هذا المصحف الرسمي ولم ير النور ، مع وجود مصاحف كثيرة مبثوثة بين الصحابة ، ولا سيما المصحف الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط بيد الإمام علي عليه السلام ، ولكن ماذا نفعل والقيادة آنذاك حكيمة!

الشيعة والجمع الثاني للقرآن :

سبب هذا الجمع؟

بقيت تلك القصاصات بلا جامع ولا ناظم إلى أن قتل ابن الخطاب فاستودعت في بيت حفصة ابنته ، وكما ذكرنا سابقا فالمسلمون لم يروا تلك الأوراق ولم يطلعوا عليها ، وكان أغلبهم يمتلك مقاطع من المصحف مع وجود مصاحف خاصة كاملة لأكابر الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب وأبي موسى وغيرهم.

ولكن مع طول الزمن وبعد العهد وانفراد كل واحد بمصحفه يقرأ ويكتب بلا رقيب وحسيب ، حدث بعض التلاعب والتغيير في المصاحف فكان هذا يقرأ بشكل وهذا يبدل كلمة مكان أخرى بدعوى أن المعنى

واحد! (١) ، ويوما بعد زادت هوة الاختلاف بين وجوه الصحابة في قراءة القرآن ، حتى قيل هذه (قراءة فلان) وهذه (قراءة فلان) ، مع أن القرآن واحد ، نزل من عند واحد.

أخرج ابن أبي داود بسنده : عن أبي الشعثاء قال : كنا جلوسا في المسجد وعبد الله يقرأ فجاء حذيفة فقال : قراءة ابن أم عبد! وقراءة أبي موسى الأشعري! والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ لأمرته بجعلها قراءة واحدة ، قال : غضب عبد الله ، فقال لحذيفة كلمة شديدة ، قال : فسكت حذيفة. (٣)

عن يزيد بن معاوية : قال إني لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة ، وليس إذ ذاك حجزة ولا جلاوزة إذ هتف هاتف : من كان يقرأ على قراءة أبي موسي فليأت الزاوية التي عند دار عبد الله! واختلفا في آية في سورة البقرة قرأ هذا (وأتموا الحج والعمرة للبيت) وقرأ هذا (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه) (٣). فغضب حذيفة واحمرت عيناه ، ثم قام وذلك في زمن عثمان فقال : إما أن تركب إلى أمير المؤمنين وإما أن أركب. فهكذا كان من قبلكم! الخ. (٤)

__________________

(١) وهو ابن مسعود ومن التف حوله.

(٢) كتاب المصاحف ١ : ١٨٩ تحقيق محب الدين واعظ.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) كتاب المصاحف ١ : ١٨٥.

وبطبيعة الحال علم هذا الاختلاف والتفاوت للصبيان والنساء ، إذ أن بعض كبار القراء كانوا يعلمون الناس الاجتهاد في قراءة النص القرآني ، وكان ابن مسعود يقول : إن الألفاظ المترادفة في المعنى لا ضير في تبديلها! ، وقد روي أنه قال : سمعت القراء ووجدت أنهم متقاربون ، فاقرأوا كما علمتم ـ أي كيفما علمكم المقرئ ـ فهو كقولكم : هلم وتعال (١). ، وروي عنه أيضا قوله : إنه ليس من الخطأ في القرآن أن يقرأ مكان العليم ، الحكيم. بل أن يضع آية الرحمة مكان آية العذاب (٣). ، وروي أنه كان يقول : إلياس هو إدريس ، فقرأ : (وإن إدريس لمن المرسلين) وقرأ : (سلام على إدراسين) (٣). وسيأتي الكثير من هذا الاجتهاد إن شاء الله تعالى.

وعوام الناس الملتفون حول هؤلاء القراء حسبوا أن القرآن نزل بالشكل الذي يقرأه شيخهم في القراءة ، وأن غير هذا ليس بقرآن ، وهذا المتوقع لأن شيخ القراءة لن يقول إن قراءته اجتهاد منه في كتاب الله عزوجل! وبانتشار القراءات المختلفة بين الناس ، وتعصب جماعة لقراءة ابن مسعود وجماعة لقراءة أبي موسى وجماعة لقراءة أبي الدرداء ، آل المر إلى حصول التناحر والتكفير بين العوام، حتى قال بعضهم لبعض : كفرت بما تقرأ!، فعصفت ريح

__________________

(١) معجم الأدباء لیاقوت ٤ : ١٩٣ ت ٣٣ والإتقان ١ : ٤٧ ، والنشرفي القراءات العشر ١ : ٢١. لاحظ أنه لم ينسبها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(٢) التفسير الكبير للرازي ١ ك ٢١٣.

(٣) جامع البيان للطبري ٢٣ : ٩٦. وهذه الموارد الثلاثة السابقة نقلا عن تلخيص التمهيد : ١٤٨.

المصنف لابن أبي شيبة ٧ : ٢٠٤.

التكفير الغبرة في الكوفة والشام والبصرة والمدينة ، ووصل التكفير للثغور ، كما هي رواية البخاري.

منذ متي بدأ التلاعب في كتاب الله؟

ظاهر الروايات يقول : إن التلاعب ابتدأ بعد زمن النبوة بفترة وجيزة جدا ، فإن الإمام علي عليه السلام حينما أراد جمع قرآن يكون مرجعا للأمة كان يعلل ذلك بأنه رأى كتاب الله يزاد فيه ، لكن هذا التلاعب لم يكن على مستوى فتنة تستدعي خرقا أو حرقا كما حدث في زمن عثمان.

فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف : أخبرنا ابن عون عن محمد قال ك لما استخلف أبو بكر قعد علي في بيته فقيل لأبي بكر فأرسل إليه : أكرهت خلافتي؟ قال لا لم أكره خلافتك ، ولكن القرآن يزاد فيه ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جعلت علي أن لا أرتدي إلا الصلاة حتى أجمعه للناس ، فقال أبو بكر : نعم ما رأيت (١). ، فكانت هذه الزيادات قريبة العهد من وفاة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

من أول من دعا لتوحيد المصاحف؟

عندما جاء أمير المؤمنين عليه السلام للقوم بمصحفه الشريف أراد منهم أن يجعلوه القرآن الرسمي للدولة ، وبتبعه المسلمون ويعتمدوه فيوحدوا عليه مصاحفهم ، فهو إملاء رسول الله صلى عليه وآله وسلم وفيه من التنزيل ما لا يوجد في غيره إلا القليل ، ولكن حينما رفضوا مصحفه ونبذوه وراء

__________________

(١) كشاف القناع ٣ : ٧٧.

ظهورهم لم يكتف أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الحد ، بل حاول نزع فتيل الفرقة والاختلاف بالدعوة لتوحيد المسلمين تحت أي مصحف آخر يؤدي الغرض وإن لم يشتمل على التنزيل والتفسير بشرط الحفاظ على النص القرآني ، وكان يشتد قلقه عليه السلام على القرآن وهو يزاد فيه وينقص يوما بعد يوم باجتهادات من فلان ورأي من فلان آخر ، فقد جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن الخطاب زمن تأمره على الناس وأشار الأمير عليه السلام على ابن الخطاب بجمع نسخة واحدة من القرآن تكون رسمية للدولة ، وعلى إثر ذلك تتوحد وتلتف حولها جماهير المسلمين وتعتمدها الدولة وتراعاها لما لها من تسلط على الناس ، من باب الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن (١) ، فاستجاب ابن الخطاب للفكرة ، لكنه سريعا ما قتل ، وركدت تلك الحركة وقتلتفي مهدها ، ومن الطبيعي أن تزداد اختلاف القراء واجتهادات السلف في نصوص القرآن مع طول المدة ، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام لابن عفان ثالث القوم بعد أن جاء أول مرة حين أعطاهم الكتاب كاملا ، وثانيا زمن عمر حينما طرح الفكرة عليه ، وها هي الثالثة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

وهذا ما أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة : بسنده عن سوار بن شبيب قال : دخلت على ابن الزبير في نفر فسألته عن عثمان ، لم شقق المصاحف ، ولم حمى الحمى؟ فقال قوموا فإنكم حرورية ، قلنا : لا والله ما نحن بحرورية. قال : قام إلى أمير المؤمنين عمر رجل فيه كذب وولع ، فقال : يا أميرالمؤمنين إن الناس

__________________

(١) كشاف القناع ٣ : ٧٧.

قد اختلفوا في القراءة ، فكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة ، فطعن طعنته التي مات فيها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له ، فجمع عثمان المصاحف. (١)

ولا نجد من الشخصيات الموجودة في ذلك العصر من يتوقع أن ينبزه ابن الزبير وينعته بالكذب والولع غير علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بغضه نفاق وحبه إيمان(٣) ، والذي يؤيد أن هذه الفكرة العظيمة التي

__________________

(١) تاريخ المدينة ٣ : ٩٩٠ ، وسيأتي أن مصحف عائشة لم يكن مطابقا للمصحف المتداول.

(٢) فقد اشتهر ابن زبير بعداوته وحقده على بني هاشم وبالأخص على سيدهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا واضح لمن راجع التاريخ ، وكمثال ننقل ما ذكره المسعودي في مروج الذهب ط. كتاب التحرير بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ذكر في ٣ : ٨٥ : (وكان ابن زبير عمد إلى من بمكة من بني هاشم فحصرهم في الشعب وجمع لهم حطبا عظيما لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد ، وفي القوم محمد بن الحنفية) ، وقال في ٣ : ٨٨ : (وذكر عمر بن شبة النميري عن مساور بن السائب أن ابن زبير خطب أربعين يوما يصلى على النبي صلى الله عليه و [آله] وسلم وقال : لا يمنعي من أن أصلى عليه ألا تشمخ رجال بآنافها) ، وقال فيها أيضا : (فقال ابن زبير : إني لأكتم بغضكم أهل البيت منذ أربعين سنة ... وحدث النوفلي في كتابه فب الأخبار عن الوليد بن هاشم المخزومي قال : خطب ابن زبير فنال من على ، فبلغ ذلك ابنه محمد بن الحنفية فجاء حتى وضع له كرسي قدامه ، فعلاه وقال : يا معشر قريش ، شاهت الوجوه ، أينقص علي وأنتم حضور؟!) اه. ويكفي أنه جر أباه لمقاتلة إمام زمانه في معركة الجمل وكان يستثيره ويحرضه بل يجنبه حتى يقدم على القتال والقصة مفصلة فراجع.

صدرت من هذا الشخص وسبقه بها ومجيئه إلى عمر مرة وإلى عثمان مرة أخرى ومع ذلك من هذه صفته سوى الإمام علي عليه السلام.

وقد نص السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه على أن جمع عثمان للمصحف إنما كان برأي أميرالمؤمنين عليه السلام ، قال في سعد السعود :

ثم أعاد عثمان جمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب ، وأخذ عثمان مصحف أبي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة فغسلها غسلا. (١)

ففي تلك الأثناء جاءت أنباء ما لا يحتمل التأخير ، وهو التكفير علانية والفتنة على أشدها في الأمصار بسبب اختلاف القراءة ، والذي أخرج الفكرة من طور التنبيه إلى طور التنفيذ والعمل مجيء الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه من الثغور وجبهات القتال إلى المدينة ، فنبه حذيفة عثمان لهذا الأمر حتى يدرك هذه الأمة قبل أن تقتتل وتنهار بسبب اختلاف القراء والتكفير الناشىء منه ، وهذا ما أخرجه البخاري ، والحق إن حذيفة رضوان الله تعالى عليه قد عانى من بعض الصحابة كابن مسعود صاحب نظرية التوسعة في ألفاظ القرآن ، إذ قال له حينما أراد إبلاغ عثمان بهذا الأمر : إما والله لئن فعلت ليغرقنك الله في غير ماء. قال شاذان : في

__________________

(١) سعد السعود : ٢٧٨ ، ط. الحيدرية في النجف ، الأولى.

سقرها. (١) ، وقال له أيضا : إذا تغرق في غير ماء ، يقصد ابن مسعود أن لو فعل حذيفة ذلك يغرقه الله في النار! ولكن حذيفة لم يستمع للغة التهديد والوعيد وآثر طاعة الله عزوجل.

وهو ما قاله الشيخ الكوراني حفظه الله تعالى في تدوين القرآن : هذا النص يدل على أن ذلك الشخص الذي يكرهه عبد الله بن الزبير ويصفه بأنه (فيه ولع وكذب) كان يسعى الى توحيد المصاحف وكان من زمن عمر يشكو لعمر ظاهرة اختلاف المسلمين في قراءة قرآنهم بسبب عدم وجود نسخة رسمية للدولة ، وأن اللازم على الدولة أن تقوم بهذه المهمة وتسد هذا الفراغ ، وقد وافق عمر مبدئيا على رأي هذا الرجل السيء ولكنه قتل قبل أن ينفذه ...! ثم يتابع عبد الله بن الزبير : ولكن هذا الشخص السيء نفسه واصل مسعاه مع الخليفة عثمان ونجح في هدفه ..! فمن هو هذا الشخص الحكيم الحريص على قرآن المسلمين ، الذي حاول مع الخليفة عمر حتى أقنعه بخطورة ظاهرة الاختلاف في القراءات وأن تبرير ذلك بنظرية الأحرف السبعة لم يحل المشكلة ولم يمنع نموها؟ ثم واصل مسعاه مع الخليفة عثمان محذرا من تفاقم مشكلة اختلاف الناس في نصوص القرآن ، وأن حلها فقط بتدوين القرآن على حرف واحد؟! الذي يعرف عبد الله بن الزبير ، يعرف أنه يقصد عليا عليه السلام ، لأن ابن الزبير كان يكره عليا وشيعته حتى العظم ، بل روي عنه أنه ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله حتى لا يشمخ علي وآل محمد

__________________

(١) كتاب المصحف ١ : ١٨٩ تحقيق محب الدين واعظ.

بأنوفهم على حد تعبير ابن الزبير!! فالشخص الذي كان وراء توحيد نسخة القرآن إذن هو علي بن أبي طالب عليه السلام .. ومجىء حذيفة وأصحابه من قادة الفتح من أرمينية غلى المدينة كان في أوج هذه الحركة لقطف ثمرتها المباركة!. (١)

الهدف منه :

لا نشك أن الهدف من توحيد المصاحف هو توحيد المسلمين ، والتفافهم حول مصحف واحد لا زيادة فيه ولا نقصان ، ومن ثم نشره في أرجاء المعمورة على أهل لا إله الا الله ، درءا للفتنة التي زرعها بعض السلف ممن زادوا في كتاب الله جملا معترضة ، وقراءات شاذة ، بجهل أو استمزاج أو اجتهاد متعمد ، ومنعا لفتنة قد تخرج في زمن لاحق ن وحرصا على أن يكون للقرآن قسطاس يقاس به الصحيح منه من السقيم ، هذا كل ما في الأمر ، لا كما يزعم أهل السنة من أن عثمان قام بإحراق ستة أضعاف القرآن ، وهي الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن من السماء!

وقد خالف ابن حزم رأي بني جلدته ، ووافق الشيعة على عدم صحة حذف عثمان لأحرف من القرآن ، ورأي أن عمله كان إجراء وقائيا للأمة بتوحيدهم على مصحف واحد : وأما قولهم ـ كذا ـ فباطل ، ما كان يقدر على ذلك لما ذكرناه ، ولا ذهب عثمان قط إلى جمع الناس على مصحف كتبه ، وإنما خشي رضي الله عنه أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين أو أن يَهِم واهم.

__________________

(١) تدوين القرآن : ٣١٥.

فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال فكتب مصاحف مجتمعا عليها ، وبعث إلى كل أفق مصحف ، لكي إن وهم واهم أو بدل مبدل رجع الى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق وبطل الكيد والوهم (١).

وقال في الإحكام : ونحن نبين فعل عثمان رضي الله عنه بيانا ر يخفى على مؤمن ولا على كافر ، هو أنه رضي الله عنه علم أن الوهم لا يعزى منه بشر، وأن في الناس منافقين يظهرون الإسلام ويكنون الكفر ، هذا أمر يعلم وجوده في العالم ضرورة ، فجمع من حضره من الصحابة رضي الله عنهم على نسخ مصاحف مصححة كسائر مصاحف المسلمين ولا فرق ، إلا أنهت نسخت بحضرة الجماعة فقط. ثم بعث إلى كل مصر مصحفا يكون عندهم ، فإن وهم واهم في نسخ مصحف تعمد ملحد تبديل كلمة في المصحف أو في القراءة رجع إلى المصحف المشهور المتفق على نقله ونسخه ، فعلم أن الذي فيه هو الحق ، وكيف يقدر عثمان على ما ظنه أهل الجهل (٣)؟ والإسلام قد انتشر من خراسان إلى برقة ، ومن اليمن إلى أذربيجان ، وعند المسلمين أزيد من مئة ألف مصحف ، وليست قرية ولا حلة ولا مدينة إلا والمعلمون ـ للقرآن ـ موجودون فيها ، يعلمونه من تعلمه من صبي أو إمرأة ، ويؤمهم به في الصلوات في الساجد (٣).

__________________

(١) الفصل في الملل والنحل ٢ : ٧٧.

(٢) للأسف هم أغلب أهل السنة!

(٣) الإحكام في أصول الأحكام المجلد الأول ٤ : ٥٦٦ ـ ٥٦٧ دار الكتب العلمية.

وقال في موضع آخر : وقد غلط قوم غلطا شديدا وأتوا بأخبار ولدها الكاذبون والملحدون منها أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهب البتة ، ومنها أن قرآنا أخذه عثمان بشهادة رجلين ، وشهادة واحدة ، ومنها أن قراءات كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أسقطها عثمان وجمع الناس على قراءة واحدة. قال أبو محمد ـ ابن حزم ـ : وهذا كله ضلال نعوذ بالله ومن اعتقاده. (١)

قال محمد فريد وجدي : قد ثبت أن عثمان أمير المؤمنين ما نسخ مصاحف من مصحف أبي بكر (٣) إلا لما بلغته أن الناس اختلفوا في قراءة القرآن فزاد بعضهم فيه ألفاظا تفسيرية وصحف الآخرون ألفاظا أخرى حتى أخرجوها عن معناها (٣).

كيفيته :

روايات أهل السنة متضاربة أشد التضارب في بيان هذا الجمع ، فلا رواية إلا ويوجد ما يعارضها ويعكر صفو فهمنا لها ، حتى قال السيد مصطفى الخميني رضوان الله تعالى عليه :

وبالجملة كل ذلك يشهد على أن تأريخ القرآن مضطرب جدا ، والاطلاع على واقع الأمر مما لا يكاد يحصل للمصنف الملاحظ أطراف القضية

__________________

(١) الإحكام لابن حزم ٤ : ٤٧٩.

(٢) اتضح فيما سبق أن مصحف أبي بكر لم يفرغ منه ولم يتم.

(٣) دائرة المعارف القرن العشرين ٣ : ٧٠٧. للأستاذ محمد فريد وجدي.

وخصوصيات الأمر. (١)

ولكن هناك خطوط عامة تذكرها الروايات منها أن هناك عدة من الكتبة الذين نسخوا المصحف العثماني ن وكان فيهم الرجل الذي أملى مصحف أبي بكر من قبل ، وهو سيد القراء أبي بن كعب ، وهذا ذكره عدة من حفاظ أهل السنة :

أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند ، وابن الضريس في فضائله ، وابن أبي داود في المصاحف ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة من طريق أبي العالمية عن أبي بن كعب : إنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر ، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب (٣).

ومن الواضح أن وجود شخص كهذا له خبرة سابقة في هذا الأمر لن يترك لغيره مجالا ليملي المصحف وهكذا كان ، فصار أبي بن كعب يملي على الكتبة مصحفا جمع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا تدل عليه بعض الروايات :

__________________

(١) تحريرات في الأصول ٦ : ٣٢٨.

(٢) الدر المنثور ٣ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ عن كتاب المصاحف ١ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، مسند أحمد ٥ : ١٣٤ ، وكذا تفسير ابن كثير ٢ : ٤٠٥ ، جمال القراء للسخاوي ١ : ٨٧ ، وكذلك المرشد الوجيز لأبي شامة : ٥٥ ـ ٥٦ وكذا الإتقان ١ : ١٧٣.

أخرج ابن أبي داود في المصاحف : عن محمد بن سيرين قال : جمع عثمان للمصحف إثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار منهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت (١).

والرواية السابقة هذا نصحها الذي أخرجه ابن أبي داود : عن أبيه العالية عن أبي بن كعب : أنهم جمعوا القرآن من مصحف أبيّ ، فكان رجال يكتبون يملي عليهم أبي بن كعب. ، والحق إن مصحف أبي بن كعب (٣) هو خير مصحف بعد مصحف الإمام علي عليه السلام يمكننا الوثوق به ، لأن أبي بن كعب هو سيد القراء ، و ـله خبرة في إملاء المصحف ، لأنه أمبى المصحف الخاص بأبي بكر ، وأيضا فإن قراءة أبي بن كعب هي قراءة أهل البيت عليهم السلام كما رواية الكافي :

عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام ومعنا ربيعة الرأي فذكرنا فضل القرآن ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ، فقال ربيعة : ضال؟ فقال نعم ضال ، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : أما نحن فنقرأعلى قراءة أبي (٣) ، وما يقوي هذا الرأي أن مصحف أبي بن كعب أكثر مصحف يوافق المصحف المتداول من بين مصاحف الصحابة ، ويكفي مراجعة كتاب

__________________

(١) المصاحف ١ : ٢٢١.

(٢) المصاحف ١ :٢٢٧.

(٣) أصول الكافي : ٢ : ٦٣٤ ، ح ٢٧ (فصل فضائل القرآن).

المصاحف لابن أبي داود. (١)

ناهيك عن أنهم عندما فرغوا من كتابة المصحف ، وجدوا فيه بعض الكلمات المبهمة ، فلم يراجعوا في كتابتها إلا أبي بن كعب ، وهذا يعني أنه المرجع في عملية الجمع والقيم عليها:

أخرج ابن راهويه في مسنده ، وأبو عبيد في الفضائل ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف ، عن هانىء البربري مولى عثمان قال:

__________________

(١) والجدير بالذكر أن مصحف الإمام علي عليه السلام ـ الذي لم يكتب فيه التنزيل ـ هو أقرب المصاحف الموجودة آنذاك إلى مصحفنا اليوم وأتقن من مصحف أبي أيضا ، لأنه لم يختلف مع المصحف العثماني في أي مورد ، ولا حتى في كلمة واحدة ، وقد أورد في كتاب المصاحف لابن أبي داود رواية فيها أن مصحف الإمم علي عليه السلام يخالف الموجود في مورد واحد فقط وهو (آمن الرسول بما أنزل إليه وآمن المؤمنون) بزيادة (وآمن) إلا أن المحقق ذكر أن الرواية ضعيفة بمن لا يحتج بحديثه منفردا ، وهو مسهر بن عبد الملك ولم يجد له متابعا ، فلا يعتمد عليها ، ويشد من أزارها هذا الاحتمال أن قراءة عاصم برواية حفص وهي التي عليها المصحف العثماني ترجع في أساسا ومصدرها إلى الإمام علي عليه السلام ، وسيأتي الكلام عنه مفصلا ، قال في سير أعلام النبلاء ٢ : ٤٢٦ (عن حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمان قال : لم أخالف عليا في شيء من قراءته ، وكنت أجمع حروف علي ، فألقى بها زيدا في المواسم بالمدينة ، فما اختلفا إلا في التابوت ، كان زيد يقرأ بالهاء وعلي بالتاء)، وعليه السلام أقرب الأقوال، لأن مصحف حفصة يختلف في موارد كثيرة عن المصحف العثماني ، وكذلك مصحف عائشة وعمر وابن مسعود فراجع كتاب المصاحف تجده جليا.

لما كتب عثمان المصاحف شكوا في ثلاث آيات فكتبوها في كتف شاة ، وأرسلوني بها إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت ، فدخلت عليهما ، فناولتها أبي بنن كعب فقرأها فوجد فيها (لا تبديل للخلق ذلك الدين القيم) فمحا بيده أحد اللامين وكتبها (لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّه) (١). ووجد فيها (أنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنن) فمحا النون وكتبها (لَمْ يَتَسَنَّهْ) (٢). وقرأ فيها (فأمهل الكافرين) فمحا الألف وكتبها (فَمَهِّل) (٣). ونظر فيها زيد بن ثابت ، ثم انطلقت بها إلى عثمان ، فأثبتوها في المصاحف كذلك (٤).

ثم إن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه كان المتصدي الثبت الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، إذ أراد الجامعون تبديل أحرف من القرآن فصمد لهم وهددهم بإشهار سيفه لو لم يكتبوها كما هي ، فتنازل الجامعون عن هذه الفكرة المنحرفة بحزم مأبي رضي الله تعالى عنه وصلابته في ذات الله عزوجل ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه كان يلحظ ويراقب ما يدور بين جماع القرآن.

أخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه

__________________

(١) الروم :٣٠.

(٢) البقرة : ٢٥٩.

(٣) الطارق ١٧.

(٤) الدر المنثور ١ : ٣٢٣ ،لاحظ أن الورقة أعطيت أولا لأبي بن كعب فمحا الخطأ من نفسه دون استشارة زيد بن ثابت ، ومن الإحجاف بحق سييد القراء أن يقارن بشباب حدث السن كزيد!

قال : لما أراد أن يكتب المصاحف أرادوا أن يلقوا الواو التي في براءة (وَالَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّة) (١). قاللهم أبي رضي الله عنه : لتلحقنا أو لأضعن سيفي على عاتقي ، فألحقوها(٢).

وأبي بن كعب كانت له مواقف مشرفة في الوقوف أمام مخطط ابن الخطاب ، ومن ذلك عندما أنكر عمر قراءة آية كريمة فصمد له أبي بن كعب ، وبعد طول أخذ ورد رضخ ابن الخطاب لأبي بن كعب رضي الله عنه :

عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان) (٣). فرفع الأنصار ، ولم يلحق الواو في الذين ، فقال له زيد بن ثابت (وَالَّذينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان) فقال عمر (الذين اتبعوهم بإحسان) فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم. فقال عمر : ائتوني بأبي بن كعب ، فسأله عن ذلك فقال أبي (وَالَّذينَ

__________________

(١) التوبة: ٣٤.

(٢) الدر المنثور ٣ : ٢٣٢ ، من قرأ التاريخ يعلم من يقف وراء حذف هذه الواو من الآية ، فإن حذف الواو يجعل هذه الآية وصفا لليهود والنصارى ، ومع وجودها لا تختص بهم بل تشمل المسلمين أيضا ، فمن يا ترى المستفيد من حذف هذه الواو غير الذي كان يكنز الذهب والفضة والذي بيده سلطة التأثير على الجامعين للقرآن؟!، حتى أن معاوية في الشام قد طرد أبا ذر منها لأنه كان يردد هذه الآية بالذات ، بل إن معاوية كان يقول له : إنها نزلت في أهل الكتاب ، وأبو ذر يقول : إنها فينا وفيهم.

(٣) التوبة : ١٠٠.

اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان) فجعل كل واحد منهما يشير إلى أنف صاحبه بإصبعه فقال أبي : والله أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنت تتبع الخبط. فقال عمر : فنعم إذن نتابع أبيا (١).

وكذا في رواية أخرى : ((لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمد فلم يستأمرفيها الخطاب ولا ابنه!!)).

وموقف آخر له مع ابن الخطاب : عن أبي مجلز : أن أبيا قرأ (مِنَ الَّذينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيان) (٣). فقال عمر رضي الله عنه : كذبت ، فقال أبي : بل أنت أكذب ، فقال له رجل : أتكذب أمير المؤمنين؟ فقال : أنا أشد تعظيما لأمير المؤمنين منكم ، ولكني أكذبه في تصديق الله أصدقه في تكذيب كتاب الله فقال عمر : صدق (٣).

هذه المواقف دالة أن أبي بن كعب تحمل المتاعب في سبيل إثبات نصوص القرآن على ما هي عليه ، ووقف أمام التلاعب فيها ، وهذه المواقف تركز في نفوسنا المعنى الذي ذكرناه سابقا ، من أن دخول أبي بن كعب في الجامعين يلغي دور غيره ممن حضر الجمع لأنه سيد القراء وذو الحمية على كتاب الله ، وقد شاهد الصحابة صموده أمام شدة عمر في أكثر من مورد ، فرضي الله تعالى عنه.

__________________

(١) منتخب كنزل العمال ٢ : ٥٥ ، الدر المنثور ٣ : ٢٦٩.

(٢) المائدة : ١٠٧.

(٣) تاريخ المدينة : ٢ : ٧٠٩ ، وهي في الدر المنثور ٢ : ٣٤٤ عن عبد بن حميد وابن جرير وابن عدى.

وبعد أن أتموا الكتابة أرسلوا بالمصاحف إلى الأقطار الإسلامية ، وقيل عددها سبعة مصاحف ، فبعث ابن عفان واحدا لمكة ومثله للشام وكذا لليمن وللبحرين وللبصرة وللكوفة ، وحبس أحدها في المدينة (١) ، وهكذا نزع فتيل الفرقة والختلاف بين المسلمين بإعدام تلك المصاحف التي دونت فيها الزيادات والتي كانت مسرحا للاجتهادات والآراء ، وستأتي نماذج منه بإذنه تعالى.

خلاصة نظرة الشيعة في الجمعين:

القرآن قد جمع في عدد المصتحف في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحت نظره وإشرافه وتم جمع المصحف في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وانتشرت المصاحف بما يقطع السبيل أمام إسقاط أي حرف من أحرفه فضلا عن آية من آياته (٣).

وفي الفترة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زمن ابن عفان هناك من زاد برأيه في كتاب الله عزوجل وغير وبدل ، وكانت الأمور تزداد سوء يوما بعد يوم بسبب ما ينسب للقرآن مما ليس منه عن جهل أو عن عمد واجتهاد ، ولقد تداركه الله برحمته إذ كفل به رجالا مؤمنين حضوا على صيانته ودافعوا ونافحوا عنه ، فمنهم من جاء مرة ومرات ولم يعر له اهتمام من قبل السلطة وهو أمير المؤمنين عليه السلام ، ومنهم من وقف في وجه تيار

__________________

(١) راجع المصاحف ١ : ٢٤٢.

(٢) هذا المعنى يمكن مراجعته في جل ـ إن لم أقل كل ـ مصادر الشيعة التي تعرضت لجمع القرآن.

التلاعب وتبديل الألفاظ بمرادفتها وهو حذيفة بن اليمان وأبي بن كعب وغيرهما فرضي الله تعالى عنهم ، حتى أملوا المصاحف من مصحف جمع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

زيد المخاض:

هذه النظرة لجمع القرآن لا يمكن أن يتطرق إليها أي شك في صيانته من التحريف ، كيف لا؟! والقرآن قد جمع في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانتشر واشتهر ، وفي الجمع الثاني اعتمد على أتقن تلك المصاحف ونسخ بنسخ عدة.

بخلاف نظرة أهل السنة الذين يرون أن القرآن ترك مبعثرا مشتتا هنا وهناك ، وبعضه في صدور الرجال حتى قال أحدهم : إن كل سورة من الطوال كانت تجمع في حجرة كبيرة!

إلا أنه لعدم توافر الورق كانوا يكتبون على عظام أكتاف الجمال وأضلاعها (!) وقطع الجلود وجريد النخل ونحوها ، وكان المسلمون ينقلون السور في مثل هذه الأشياء المتفرقة الكبيرة الحجم فكانت سورة البقرة مثلا لا تحفظ إلا في حجرة كبيرة (!) (١).

وقالوا : إن القرآن ظل على هذه الحال إلى ما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم تنبه الصحابة لما تركه الرسول صلى الله عليه وآله ، فجمع القرآن أصغرهم وأحدثهم سنا ، فجمع هذا الشاب كل ما أنزله الله تعالى من

__________________

(١) التجويد وعلوم القرآن : ١٢، عبد البديع صقر.

الأحرف السبعة! ، على أن يأتي فلان بآية من سورة والآخر بآيات من سورة أخرى وهكذا ، ومع شهادة رجل آخر تدمج في المصحف على أنها قرآن منزل بدون تواتر ، ويعتقدون أن هذا الجمع قد سقطت منه آيتان من سورة براءة خفيف عليهم ولم يجمعوها ولم يتنبهوا لها إلا بعد ثلاث عشرة سنة ، ويرون أن بعض آيات القرآن تثبت بشهادة رجل واحد وهو خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين.

وقالوا إن عثمان بن عفان قد قام بجمع الناس على مصحف واحد وإلغاء ستة أضعاف القرآن الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته والذي جمعه زيد بن ثابت ، فقام بحرق ستة أمثال القرآن وأبقى واحدا منها وهو ما نحن عليه اليوم.

وإلى هنا نترك الحكم للقارئ الكريم حتى يقيم بإنصاف وعدل أي من هاتين النظرتين لجمع القرآن تعد طعنا في صيانة القرآن من التحريف.

الملاحق

ملحق رقم (١)

الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ١ : ١٤٧ : قال : (ونودي بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله خصوصا الحنابلة. فنودي بذلك وقرئ المرسوم وقرأها ابن شهاب محمود في الجامع ، ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها واشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الشافعي).

قال ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية : ٢٠٣ : (وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية وغيرهما ، ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله) ، وقال عنه أيضا في : ٩٩ ـ ١٠٠ (ابن تيمية عبد خذله الله ، وأضله، وأعماه ، وأصمه وأذله ، وبذلك صرح الأئمة وبينوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج ، والشيخ الإمام الغز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ، ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية ، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما كما يأتي.

والحاصل أنه لا يقام لكلامه وزن ، بل يرمي في كل وعر وحزن ويعتقد فيه انه مبتدع ضال مضل جاهل غال ، عامله الله بعدله وأجرنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله آمين ...

حاصل كلام ابن تيمية وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتى

في أكابر الصحابة ومن بعدهم إلى أهل عصره ، وربما أداه اعتقاده ذلك إلى تبديع كثير منهم ... وقد كتب إليه بعض أجلاء أهل عصره علما ومعرفته سنة خمس وسبعمئة من فلان إلى الشيخ الكبير العالم إمام أهل عصره بزعمه.

أما بعد فإنا أحببناك في الله زمانا وأعراضا عما يقال فيك إعراض الفضل إحسانا ، إلى أن ظهر لنا خلاف موجبات المحبة ، وبحكم ما يقتضيه العقل والحس ، وهل يشك في الليل عاقل إذا غربت الشمس؟! وإنك أظهرت أنك قائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله أعلم بقصدك ونيتك ، ولكن الإخلاص مع العمل ينتج ظهور القبول ، وما رأينا آل أمرك إلى هتك الأستار والأعراض ، باتباع من لا يوثق بقوله من أهل الأهواء والأغراض. فهو كسائر زمانه يسب الأوصاف والذوات ولم يقنع بسب الأحياء حتى حكم بتكفير الأموات ولم يكفه التعرض على من تأخر من صالحي السلف حتى تعدى إلى العصر الأول ومن له أعلى المراتب في الفضل ، فيا ويح من هؤلاء خصماؤه يوم القيامة! وهيهات أن لا يناله غضب وأنى له بالسلامة ، وكنت ممن سمعه وهو على منبر جامع الجبل بالصالحية وقد ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إن عمر له غلطات وبليات! وأي بليات! وأخبر عنه بعض السلف أنه ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مجلس آخر فقال : إن عليا أخطأ في أكثر من ثلاثمئة مكان! فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ علي بزعمك كرم الله وجهه وعمر بن الخطاب؟. والآن قد بلغ هذا الحال إلى منتهاه والأمر إلى مقتضاه ولا ينفعني إلا القيام في أمرك ودفع شرك ؛ لأنك قد أفطرت في الغي ووصل أذاك إلى كل ميت وحي وتلزمني الغيرة شرعا لله ولرسوله ، ويلزم ذلك جميع المؤمنين وسائر عباد الله المسلمين

بحكم ما يقوله العلماء وهم أهل الشرع وأرباب السيف الذين بهم الوصل والقطع إلى أن يحصل منك الكف عن أعراض الصالحين رضي الله عنهم أجمعين. انتهى.

واعلم انه قد خالف الناس في مسائل ... في أمثال ذلك من مسائل الأصول مسألة الحسن والقبح ، التزم كل ما يرد عليها وأن مخالف الإجماع لا يكفر ولا يفسق ، وأن ربنا ـ سبحانه وتعالى عما يقوله الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ـ محل الحوادث ، تعالى الله عن ذلك وتقدس ، وأنه مركب تفتقر ذاته الفتقار الكل إلى الجزء ، تعالى الله عن ذلك وتقدس ، وأن القرآن محدث في ذات الله تعالى الله عن ذلك وأن العالم قديم بالنوع ، ولم يزل مع الله مخلوقا دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالختيار ، تعالى الله عن ذلك وقوله بالجسمية والجهة والانتقال وأنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر ، تعالى الله من هذا القول السنيع القبيح والكفر البواح الصريح وخذل متبعيه وشتت شمل معتقديه ، وقال : إن النار تفنى ، وأن الأنبيء غير معصومين وأن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لا جاه له ولا يتوسل به أن إنشاء السفر إليه بسبب الزيارة معصية لا تقصر الصلاة فيه وسيحرم ذلك يوم الحاجة الماسة إلى شفاعته ، وأن التوراة الإنجيل لم تبدل ألفاظهما وإنما بدلت معانيهما ... ) انتهى.

وقد ذكر المجتهد تقي الدين السبكي في كتابه الدرر المضيئة في الصفحة الأولى (أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة فخرج عن الاتباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الاجماع).

ملحق رقم (٢)

شرح معني الآثار ٣ : ٤٠ : يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا أتعزبها فأنزل الله عز وجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) (١).

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن وطئ المرأة في دبرها جائز واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك.

وفي معتصر المختصر ١ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ : (في إتيان دبر النساء. روي عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها فوجد من ذلك في نفسه وجدا شديدا فأنزل الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) (٣). وعن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله عز وجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) الآية استدل قوم بهذا على الإباحة).

وفي المغني ٧ : ٢٢٥ : (ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ، وروي عن مالك أنه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال. وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أجله

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) البقرة : ٢٢٣.

بقول الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) (١) وقوله سبحانه (وَالَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومينَ) (٢)).

وفي فيض القدير ٦ : ٢٤ : (قال الحافظ ابن حجر في اللسان في ترجمة سهل بن عمار : أصل وطء الحليلة في الدبر أي فعله مروي عن ابن عمرو هم نافع ، وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في صحيح البخاري وفي غريب مالك للدارقطني) ، وقال فيه ١ : ١٤٤: (وما رواه الحاكم عن مالك في قوله (الآن فعلته بأم ولدي وفعله نافع وابن عمر وفيه نزل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) فتعقبوه بأنه كذب عليه، لكن رده الحافظ ابن حجر في اللسان : فقال أصله في سبب النزول مروي عن ابن عمر وعن نافع وعن مالك من طرق عدة صحيحة بعضها في البخاري) راجع لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ٣ : ١٢١ ترجمة سهل بن عمار برقم ٤١٩ ، وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني ٨ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ـ ١٩١، ح ٤٢٥٣: (قوله فأخذت عليه يوما أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب.

وجاء ذلك صريحا في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال : قال لي ابن عمر : أمسك علي المصحف يا نافع. فقرأ. أخرجه الدارقطني في غرائب مالك قوله : (حتى انتهي إلى مكان قال : تدري فيما أنزلت؟ قلت : لا ، قال : أنزلت في

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) المؤمنون: ٥ ـ ٦.

كذا وكذا ثم مضى) هكذا أورد مبهما لمكان الآية والتفسير (!!) وسأذكر ما فيه بعد قوله. وعن عبد الصمد هو المعطوف على قوله أخبرنا النضر بن شميل وهو عند المصنف أيضا عن إسحاق بن راهوية عن عبد الصمد ، وهو بن عبد الوارث بن سعيد.

وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج هذا الحديث من طريق إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل بسنده وعن عبد الصمد بسنده ، قوله : يأتيها في هكذا وقع في جميع النسخ لم يذكر ما بعد الظرف ، وهو المجرور ، ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي (يأتيها في الفرج) وهو من عنده بحسب ما فهمه (!) ثم وقفت على سلفه فيه ، وهو الرقاني ، فرأيت في نسخة الصغاني زاد البرقاني (يعني الفرج) (!) وليس مطابقا لما في نفس الرواية عن ابن عمر لما سأذكره.

وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير فقال يأتيها في ( ... ) وترك بياضا (!!) والمسألة مشهورة صنف فيها محمد بن سحنون جزأ وصنف فيها محمد بشعبان كتابا ، وبين أن حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها ، قوله (رواه محمد بن يحيى بن سعيد أي القطان عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر هكذا) أعاد الضمير على الذي قبله والذي قبله قد اختصره كما ترى (!).

أما الرواية الأولى وهي رواية ابن عون فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وفي تفسيره بالاسناد المذكور وقال بدل قوله (حتى انتهى إلى مكان) ، (حتى انتهى إلى قوله (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) فقال : أتدرون فيما أنزلت هذه الآية؟ قلت لا. قال : نزلت في إتيان النساء

في أدبارهن. وهكذا أورده ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن ابن عون نحوه وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ عن ابن عون فأبهمه(!) فقال في كذا وكذا.

وأما رواية عبد الصمد فأخرجها ابن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث : حدثني أبي فذكره بلفظ (يأتيها في الدبر) وهو يؤيد قول ابن العربي ويرد قول الحميدي وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء، ولا بدله من نكتة يحسن بسببها استعماله. أقول : نكتة البخاري الحسنة هي ستر الفضيحة!!.

وأما رواية محمد بن يحيى بين سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين عن محمد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى ابن عمر قال إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) رخصة في إتيان الدبر.

قال الطبراني: لم يروه عن عبد الله بن عمر إلا يحيى بن سعيد. تفرد به ابنه محمد، كذا قال: ولم يتفرد به يحيى بن سعيد، فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر أيضا كما سأذكره بعد.

وقد روى هذا الحديث عن نافع أيضا جماعة غير من ذكرنا، ورواياتهم بذلك ثابتة عند ابن مردويه في تفسيره وفي فوائد الأصبهانيين ، لأبي الشيخ، وتاريخ نيسابور للحاكم، وغرائب مالك للدارقطني وغيرها، وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال: جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه. أقول: لأمر ما جذع قصير أنفه! ـ وقد رويناه عن عبد العزيز يعني الدراوردي عن مالك وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع

بالتقسير ، وعن مالك من عدة أوجه. انتهى كلامه.

ورواية الدراوردي المذكورة قد أخرجها الدارقطني في غرائب مالك من طريقة عن الثلاثة عن نافع نحو رواية ابن عون عنه ولفظه (نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فأعظم الناس ذلك فنزلت. قال : فقلت له من دبرها في قبلها؟ فقال : لا، إلا في دبرها) وتابع نافعا على ذلك زيد بن أسلم عن ابن عمر وروايته عند النسائي بإسناد صحيح ، وتكلم الأزدي في بعض رواته ورد عليه ابن عبد البر فأصاب. قال : ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه بغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم.

قلت : وقد رواه عن عبد الله بن عمر أيضا ابنه عبد الله ، أخرجه النسائي أيضا وسعيد بن يسار وسالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع وروايتهما عنه عند النسائي وابن جرير ولفظه (عن عبد الرحمن ابن القاسم قلت لمالك : إن ناسا يروون عن سالم : كذب العبد على أبي ، فقال مالك : أشهد على زيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ما قال نافع ، فقلت له : أن الحارث بن يعقوب يروي عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أنه قال : أف ، أو يقول ذلك مسلم فقال مالك : أشهد على ربيعة لأخبرني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر مثل ما قال نافع) وأخرجه الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك وقال : هذا محفوظ عن مالك صحيح أنتهى ، روى الخطيب في الرواة عن مالك من طريق إسرائيل بن روح قال : سألت مالكا عن ذلك فقال : ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث الا موضع الزرع؟

وعلى هذه القصة اعتمد المتأخرون من المالكية ، فلعل مالكا رجع عن

قوله الأول ، أو كان يرى أن العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به ، وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته ، ولم ينفرد ابن عمر بسبب هذا النزول ، فقد أخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري (أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا: نعيرها. فأنزل الله عز وجل هذه الآية) وعلقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد، وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور، وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس وبلغه حديث ابن عمر فوهمه فيه ، فروى أبو داود من طريق مجاهد عن ابن عباس قال إن ابن عمر وهم ، والله يغفر له إثما ، كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب فكانوا يأخذون بكثير من فعلهم وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة فأخذ ذلك الأنصار عنهم ، وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بنسائهم مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل فيها ذلك فامتنعت ، فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأنزل الله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج ، أخرجه أحمد والترمذي من وجه آخر صحيح عن ابن عباس قال: جاء عمر فقال: يا رسول الله ، هلكت حولت رحلي البارحة فأنزلت هذه الآية (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) أقبل وأدبر واتقى الدبر والحيضة ، وهذا الذي حمل عليه الآية موافق لحديث جابر المذكور في الباب في سبب نزول الآية كما سأذكره عند الكلام عليه.

وروى الربيع في الأم عن الشافعي قال: احتملت الآية معنيين : أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها ؛ لأن (أنى) بمعنى أين شئتم، واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه ، قال : فاختلف أصحابنا في ذلك وأحسب أن كلا من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية قال فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابت وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم فقوى عنده التحريم.

وروى الحاكم في مناقب الشافعي من طريق ابن عبد الحكم أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن في ذلك ، وأن ابن الحسن احتج عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج ، فقال له : فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه؟ فقال : أرأيت لو وطأها بين ساقيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث؟ قال: لا ، قال : أفيحرم؟ قال : لا، قال فكيف تحتج بما لا تقول به؟ قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم ، وأما في الجديد فصرح بالتحريم. انتهى. وقال : وذهب جماعة من أئمة الحديث كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي على النيسابوري إلى أنه لا يثبت فيه ـ أي تحريم الدبر ـ شيء.

قلت : لكن طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ويؤيد القول بالتحريم أنا لو قدمنا أحاديث الإباحة للزم أنه أبيح بعد أن حرم ـ أقول : هنا مصادرة صريحة ـ والأصل عدمه، فمن الأحاديث الصالحة الإسناد حديث خزيمة بن ثابت، أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة ، وصححه ابن حبان ، وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان أيضا، وحديث ابن عباس وقد تقدمت الإشارة إليه ، وأخرجه الترمذي من وجه آخر بلفظ

لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر ، وصححه ابن حبان أيضا ـ أقول : مذ متى يعتقد بتصحيح ابن حبان ويترك تضعيف البخاري ومن على شاكته؟! ـ وإذا كان ذلك صلح أن يخصص عموم الآية ، ويحمل على الإتيان في غير هذا المحل بناء على أن معنى(أنى) (حيث) وهو المتبادر إلى السياق ويغنى ذلك عن حملها على معنى آخر غير المتبادر والله أعلم. انتهى.

أقول : قد سبق كلامك أن طرق التحليل صحيحة وهي الأكثر! وعلى أي حال غرضنا بيان أن حلية وطء الدبر كان واضحا لدى سلف أهل السنة وقد أظهر الله عزوجل مكر القوم وخيانتهم للأمانة في هذه المسألة ، فتأمل كيف تحاشوا التصريح بألفاظ الحديث ، فبعضهم يموه والبعض يترك بياضا بدل جملة (في دبرها) والبعض يدمج كلامه بين طيات الحديث ليوهم القارئ أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والبعض يدلس وكله على حساب الدين! ولله في خلقه شؤون!، وفي المجموع شرح المهذب للنووي ١٦ : ٤١٦ وما بعدها ، قام الشارح برد معظم الروايات التي تدل على حرمة الوطء في الدبر بالضعف ؛ لاشتمال سندها على مجاهيل ومهملين ومن طعن فيهم وذكر الروايات التي تدل على الحلية ثم أردف : (وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصحح عن رسول الله صلى الله عليه ـ آله ـ وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال.

وقد أخرجه ابن حاتم في مناقب الشافعي ، وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأم عنه ، وكذلك الطحاوي عن عبد الحكم عن الشافعي وروي الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : سألني محمد بن الحسن فقلت له : إن كنت تريد المكابرة وتصحيح

الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم ـ أقول : يدل على أن الروايات لا تصح ـ وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك على المناصفة ، قلت : فبأي شيء حرمته قال : بقوله تعالى (فأتوهن من حيث أمركم الله) ، قال (فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) والحرث لا يكون إلا في الفرج. فقلت : أفيكون ذلك حراما لما سواه؟ ، قال : نعم. قلت : فما تكون لو وطأها بين ساقيها أو أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أفي ذلك حرث؟ قال : لا. قلت ك فيحرم ذلك؟ قال : لا. قلت فلم تحتج بما لا حاجة فيه؟! قال : قال الله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون) قال : قلت له : هذا ما تحتاجون به للجواز ، إن الله أثنى على من حفظ فرجه عن غير زوجته أو ما ملكت يمينه فقلت له : أنت تتحفظ من زوجتكك ومن ما ملكت يمينك!) ، ثم ذكر الشارح أن هناك من كذب هذا الخبر عن الشافعي وضعف راوي الخبر وهو ابن عبد الحكم فقال الشارح : (وتهقب الحافظ ابن حجر في التلخيص هذا ـ أي التكذيب ـ فقال : (لا معنى لهذا التكذيب فإن ابن عبد الحكم لم يتفرد بذلك ، بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبدالله أخوه عن الشافعي) ثم قال : (إنه لا خلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روي الجواز أيضا عن مالك) وحكي أن مالكا سئل عن ذلك فقال : الآن اغتسلت منه).

وفي الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ٩ : ٣١٧ ط مكتبة دار الباز: (قال الشافعي رحمه الله : ذهب بعض أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه) ، (وحكي عن نافع وابن أبي مليكة وزيد بن أسلم أنه مباح ، ورواه نافع عن ابن عمر واختلفت الرواية فيه عن مالك فروى عنه أهل المغرب أنه أباحه في كتاب السيرة. وقال أبو مصعب : سألته

عنه فأباحه. وقال ابن القاسم : قال مالك : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال ، وأنكر أهل العراق ذلك عنه).

وفي تفسير القاسمي المسمى بمحاسن التأويل لعلامة الشام محمد جمال الدين القاسمي ٣ : تفسير الآية ط الحلبي : (وثمت روايات أخر تدل على أن هذه الآية إنما نزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهن. قال الطحاوي : روي أصبغ بن نباته عن عبد الرحمن بن القاسم قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال (يعني وطء المرأة في دبرها) ثم قرأ (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) ثم قال : فاي شيء أبين من هذا؟ هذه حكاية الطحاوي نقلها ابن كثير.

وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي : قال ابن القاسم : ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه. والمدينون يروون في الرخصة عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم. يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد.

أما حديث ابن عمر فله طرق. رواه عنه نافع ، وعبيد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن يسار ، وغيرهم. أما نافع فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدا ، منها رواية مالك ، وأيوب ، عبيد الله بن عمر العمري ، وابن أبي ذئب ، وعبد الله بن عون ، وهشام بن سعد ، وعمر بن محمد بن زيد ، وعبدالله بن نافع ، وأبان بن صالح ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة. قال الدارقطني ، في أحاديث مالك التي رواها خارج (الموطأ) : أخبرنا أبو جعفر الأسواني المالكي بمصر حدثنا محمد بن أحمد بن حماد أخبرنا أبو الحرث أحمد بن سعيد الفهري أخبرنا أبو ثابت محمد بن عبيد الله حدثنا

الداودي عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع قال : قال لي ابن عمر: أمسك علي المصحف يا نافع. فقرأ حتى أتى على هذه الآية (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) ... فقال : تدري يا نافع فيم أنزلت هذه الآية؟ قال قلت: لا؟ قال ، فقال لي :في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها ، فأعظم الناس ذلك ، فأنزل الله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) قال نافع : فقلت لابن عمر: من دبرها في قبلها؟ قال :لا. إلا في دبرها.

قال أبو ثابت : وحدثني به الداوردي عن مالك وابن أبي ذئب. وفيهما عن نافع مثله.

وفي تفسير البقرة من صحيح البخاري: أخبرنا إسحاق أخبرنا النضر أخبرنا ابن عون عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه. فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان. فقال : تدرى فيما أنزلت؟ فقلت: لا! قال: نزلت في كذا وكذا. ثم مضى. وعن عبد الصمد حدثني أبي ـ يعني عبد الوارث ـ حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمرفي قوله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) قال: يأتيها في ( ... )قال: رواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله بن عمرعن نافع عن ابن عمر هكذا وقع عنده. والرواية الولى ـ في تفسيرإسحاق بن راهويه ـ مثل ما ساق ، لكن عين الآية وهي (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) وعين قوله كذا وكذا. فقال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. وكذا رواه الطبري من طريق ابن علية عن ابن عون.

وأما رواية عبد الصمد فهي في تفسير إسحاق أيضا عنه ، وقال فيه: يأتيها في الدبر.

وأما رواية محمد فقد أخرجها الطبراني في (الأوسط) عن علي بن

سعيد عن أبي بكر العين عن محمد بن يحيى بن سعيد بلفظ : إنما أنزلت (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) رخصة في إتيان الدبر. وأخرجه الحاكم في (تاريخه) من طريق عيسى بن مثرود عن عبد الرحمن بن القاسم ومن طريق سهل بن عمار عن عبد الله بن نافع. ورواه الدارقطني في (غرائب مالك) من طريق زكريا الساجي عن محمد بن الحرث المدلي عن أبي مصعب. ورواه الخطيب في (الرواة) عن مالك من طريق أحمدبن الحكم العبدي. ورواه أبو إسحاق الثعلبي في (تفسيره) والدارقطني ـ أيضا ـ من طريق محمد بن صدقة الفدكي ، كلهم عن مالك. وقال الدارقطني : هذا ثابت عن مالك.

وأما زيد بن أسلم : فروى النسائي والطبري من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عنه عن ابن عمر : أن رجلا أى امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فوجد من ذلك وجدا شديدا، فأنزل الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم) الآية.

وأما عبيد الله بن عمر: فروى النسائي من طريق زيد بن رومان عنه : أن ابن عمر كان لا يرى به بأسا. موقوف.

وأما سعيد بن يسار: فروى النسائي والطحاوي والطبري من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال : قلت لمالك: إن عندنا بمصر اليث بن سعيد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال : قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن (والتحميض : الإتيان في الدبر) فقال : أف! أو يفعل هذا مسلم؟ قال ابن القاسم : فقال لي مالك : أشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال : لا بأس به.

وأما حديث أبي سعيد : فروى أبو يعلى وابن مردوية في (تفسيره) والطبري والطحاوي من طرق : عن عبد الله بن نافع ، عن هذام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أثفرها! فأنزل الله عزوجل (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم). ورواه أسامة بن أحمد التجيبي من طريق يحيى بن أيوب بن هاشم بن سعد ، وبلفظه : كنا نأتي النساء في أدبارهن ويسمى ذلك الإثفار ، فأنزل الله الآية. ورواه من طريق معن بن عيسى عن هشام ـ ولم يسم أبا سعيد ـ قال : كان رجل الأنصار .... هذا، وقد روي في تحريم ذلك آثار كثيرة نقلها الحافظ ابن كثير في (تفسيره) ، وابن حجر في تخريج الرافعي. وكلها معلولة.

أقول: ومع ذلك يعتمد عليها ابن حجر ويترك الصحيح المستفيض!! ـ ولذا قال البزاز : لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا ، لا في الحظر ولا في الإطلاق ، وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه ، فغير صحيح. وكذا روى الحاكم عن الحافظ أبي علي النيسابوري ، ومثله عن النسائي ، وقاله قبلهما البخاري.

وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء. والقياس أنه حلال.

وقال ابن رشد في كتاب (البيان والتحصيل في شرح العتيبة) روى العتبي عن ابن القاسم عن مالك أنه قال ـ وقد سأله عن ذلك مخليا به ـ فقال : حلال ليس به بأس.

وأخرج الحاكم عن محمد بن عبد الحكم قال : قال الشافعي كلاما كلم

به محمد بن الحسن في مسألة إتيان المرأة في دبرها ـ فذكر الخبر السابق ، ثم ذكر رجوع الشافعي إلى الحرمة تعويلا على حديث خزيمة ـ وحديث خزيمة رواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وأبو نعيم بالسند إلى خزيمة بن ثابت : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: حلال. فلما ولى الرجل دعاه ـ أو أمر به فدعي ـ فقال كيف قلت؟ في أي الخرزتين؟ أمن دبرها في قبلها؟ فنعم! أم من دبرها في دبرها فلا! إن الله لا يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أدبارهن.

ـ أقول: لا أدري كيف سأل الرجل (في دبرها) فغفل وأخذ الحكم ومن ثم تدروك الخطأ وقيل له (من دبرها أم في دبرها)!؟ وهل هذا إلا فتح باب السهو في بيان الحكم الشرعي من النبي؟!؟ ـ

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : وفي إسناده عمرو بن أحيحة. وهو مجهول الحال. واختلف في إسناده اختلافا كثيرا. ثم قال الحافظ : وقد قال الشافعي : غلط ابن عيينة في إسناد حديث خزيمة ـ يعني حين رواه ـ. وتقدم قول البزار: وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت ، من طريق فيه ، فغير صحيح. وقال الرازي في (تفسيره) : ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية: أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها، وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها. فقوله: (أنّى شِئتُم) محمول على ذلك.

ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن. وهذا قول مالك. واختيار السيد المرتضى من الشيعة. والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه. وبالجملة فهذا المقام من معارك الرجال ومجاول الإبطال. وقد استفيد مما أسلفناه : أن من جوز

ذلك وقف من لفظ الآية. فإنه تعالى جعل الحرث اسما للمرأة. قال بعض المفسرين : إن العرب تسمي النساء حرثا. قال الشاعر:

إذا أكل الجراد حرث قوم

فحرثي همه أكل الجراد

يريد : إمرأتي ، وقال آخر:

إنما الأرحام أرض

ولنا محترثات

فقلبنا الزرع فيها

وعلى الله النبات ...!

 وحينئذ ففي قوله تعالى: (فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم)إطلاق في إتيانهن على جميع الوجوه، فيدخل فيه محل النزاع. واعتمد أيضا في سبب النزول ما رواه البخاري عن ابن عمر كما تقدم.

وقال في رواية جابر المروية في (الصحيح) المتقدمة : أن ورود العام على سبب لا يقصره عليه. وأجاب عن توهيم ابن عباس لابن عمر رضي الله عنهم المروي في (سنن أبي داود) بأن سنده ليس على شرط البخاري فلا يعارضه ، فيقدم الأصح سندا، ونظرا إلى أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في هذا الباب حديث.

قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) : ذهب جماعة من أئمة الحديث ـ كالبخاري والذهلي والبزار والنسائي وأبي على النيسابوري ـ إلى أنه لا يثبت فيه شيء. وأما من منع ذلك : فتأول الآيات المتقدمة على صمام واحد. نظر إلى أن الأحاديث المروية ـ من طرق متعددة ـ بالزجر عن تعاطيه، وإن لم تكن شرط الشيخين في الصحة ، إلا أن مجموعها صالح للاحتجاج به. اه.

أقول : يقدم الضعيف القليل على الصحيح المستفيض ، هكذا حالهم دائما عند ضيق الخناق!.

وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ١ :١٧٣ الحلبي : (اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها ، فجوزه طائفة كبيرة وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن، وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة ، وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع قال : كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان. قال: أتدري فيم أنزلت؟ قلت :لا! قال : نزلت في كذا وكذا. ثم مضى. ثم أتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر (فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) قال: يأتيها في ( ... ) ولم يذكر بعده شيئا)، وعنون الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء ٢ : ٢٦٧ فرعا بعنوان (الرخصةفي إتيان المرأة في دبرها) فقال : (استدل مالك في ذلك بقوله تعالى (نِساؤُكُم حَرث لَكُم فأتُوا حَرثَكُم أنّى شِئتُم) وقالت عائشة رضي الله عنها : إذا حاضت المرأة حرم الجحران فدل على أنهما كانا حلالا قبل الحيض).

وفي النهاية لا بأس بذكرها ما صادفناه في كتب أهل السنة مما يرفع به الملل والضجر ، نحو ما نقله العلامة السيوطي في دره المنثور ١ : ٢٥٦ : (وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة أنه سئل عن إتيان المرأة في دبرها فقال : قد أردته من جارية لي البارحة ، فاعتاصت علي ، فاستعنت بدهن!!) ، وجزم الإمام العز بن عبد السلام بتجويز ابن مليكة إتيان النساء في أدبارهن فقال في تفسيره ١ : ٢١٥ : (وبه قال ابن أبي مليكة). ومن الدر نفسه : (وأخرج الخطيب في رواية مالك عن أبي سليمان الجوزاني قال : سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر ، فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه!)، وفي تهذيب

الكمال ٢٦ : ١٠١ رقم ٥٤٦٢ : (محمد بن عجلان القرشي أبو عبد الله المدني ، كان عابدا ناسكا فقيها وكانت له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم وكان يفتي. قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه سمعت ابن عيينة يقول : حدثنا محمد بن عجلان وموسى بن عقبة أيهما أعجب إليك فقال : جميعا ثقة وما أقربهما كان ابن عيينة يثني على محمد بن عجلان ، وقال إسحاق عن يحيى بن معين ثقة ، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قيل بيحيى بن معين من تقدم داود بن قيس أو محمد بن عجلان؟ قال : محمد ، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين محمد ين عجلان ثقة أوثق من محمد بن عمرو بن علقمة ما يشك في هذا أحد. وكان ثقة كثير الحديث ، وقال أبو سعيد بن يونس قدم مصر وصار إلى الإسكندرية فتزوج بها امرأة من أهلها فأتاها في دبرها فشكته إلى أهلها فشاع ذلك، فصاح به أهل الإسكندرية، فخرج منها) ، أقول هكذا العلماء وإلا فلا!، وفي كتاب محاضرات الدباء ٢ : ٢٦٨ ط دار مكتبة الحياة : (رفعت امرأة قصة إلى القاضي تدعي أن زوجها يأتيها في دبرها ، فسأله فقال : نعم!( ... ) في دبرها وهو مذهبي ومذهب مالك! فخجل القاضي). وقد ذكر الراغب الصفهاني في نفس الصفحة أبيات شعر لهمام القاضي يروم وطأ امرأة في دبرها على مذهب الإمام مالك فنظم لها رغبته على القافية!:

ومذعورة جاءت على غير موعد

تقنصها والنجم قد كاد يطلع

فقلت لها لما استمرحديثها

ونفسي إلى أشياء منها تطلع

أبيني لنا هـل تؤمنين بمالك؟

فإني بحب المالكية مولع

فقالت : نعم إني أدين بدينه

ومذهبه عدل لدي ومقنع

فبتنا إلى الإصباح ندعو لمالك

ونؤثر فتياه احتسابا ونتبع

انتهى.

أقول : كل هذا يدل على أن مذهب مالك كان مشهورا معروفا حتى عرفته مجان الشعراء وصارت تنظمه وتتغزل به!

ملحق رقم (٣)

السرخسي في المبسوط ٤ : ٢١٢ ـ ٢١٤ : (باب نكاح الصغير والصغيرة : وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تزوج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بنت ستة سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسعا ، ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء، بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم رحمهم الله تعالى أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا ـ إلى قوله ـ ثم حديث عائشة رضي الله عنها نص فيه، وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار، فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير رضي الله عنه يوم ولدت وقال: إن مت فهي خير ورثتي وان عشت فهي بنت الزبير.

وزوج ابن عمر رضي الله عنه بنتا له صغيرة من عروة بن الزبير رضي الله عنه ، وزوج عروة بن الزبير رضي الله عنه بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران، ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن، فأجاز ذلك علي رضي الله عنه، وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنه بنتا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله رضي الله عنه ولكن أبو بكر الأصم رحمه الله تعالى كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث ـ إلى قوله ـ : وفيه دليل ان الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها ـ أي عائشة ـ زفت إليه وهي بنت تسع سنين، فكانت صغيرة في الظاهر، وجاء في الحديث انهم سمنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله. (!)

قال: وبلغنا عن إبراهيم أنه كان يقول إذا أنكح الوالد الصغير أو الصغيرة فذلك جائز عليهما وكذلك سائر الأولياء ، وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى فقالوا : يجوز لغير الأب والجد من الأولياء تزويج الصغير والصغيرة ، وعلى قول مالك رحمه الله تعالى ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة، فمالك يقول القياس أن لا يجوز تزويجهما إلا أنا تركنا ذلك في حق الأب للآثار المروية فيه).

قال البهوتي في كشاف القناع ٥ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣: (ولو كان لامرأته ثلاث بنات من غيره فأرضعن ثلاث نسوة له صغارا فأرضعت كل واحدة من بنات الزوجة واحدة من زوجاته الصغار إرضاعا كاملا، أي خمس رضعات ولم يدخل بالكبرى حرمت عليه ؛ لأنها من جدات النساء ولم ينفسخ نكاح الصغار، لأنهن لسن أخوات إنما هن بنات خالات ، ولا يحرم الجمع بين بنات الخالات ولا يحرمن بكونهن ربائب ؛ لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها أو جدتها ولم يحصل ، ولا ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا لما ذكرنا وإن كان دخل بالأم حرم الصغائر أبدا أيضا ؛ لأنهن ربائب دخل بجدتهن، وإن أرضعن أي بنات زوجته واحدة من زوجاته الصغار أرضعتها كل واحدة منهن رضعتين اثنتين حرمت الكبرى، صححه في المبدع وغيره ؛ لأنها صارت جدة بكون الصغيرة قد كمل لها خمس رضعات من بناتها وقيل: لا تحرم الكبيرة؛ اختاره الموفق والشارح وصححه في الإنصاف ـ إلى قوله ـ وإن كان زوج الصغيرة ما دخل بالكبيرة بقي نكاح الصغيرة؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها ، وإن طلق صغيرة فأرضعتها امرأة له حرمت المرضعة ، لأنها صارت من أمهات

نسائه فإن كان لم يدخل بها أي الكبيرة فلا مهر لها لمجيء الفرقة من قبلها وله نكاح الصغيرة ؛لأنها ربيبة غير مدخول بأمها. ـ قال ـ ولو تزوج رجل امرأة كبيرة ، وتزوج آخرطفلة صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما ـ أقول واضح أن الصغيرة يجب أن يكون عمرها أقل من سنتين ـ لأنها صارت من أمهات نسائهما وإن كان زوج الصغيرة دخل بالكبيرة حرمت عليه الصغيرة لأنها ربيبة مدخول بأمها).

أقول : ويحكم هنا بجواز نكاح الصبي الذي عمره أقل من سنتين للمرأة الكبيرة في ضمن ذكره لحكم إرضاعها له ، قال في نفس الصفحة السابقة: (وإذا طلق امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبي دون الحولين فأرضعته بلبنه خمس رضعات انفسخ نكاحها من الصبي وحرمت عليه أبدا ـ ثم قال ـ ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحها لمقتض كعيب أو فقد نفقة أو إعسار بمقدم صداق ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت عليهما أبداعلى الكبير؛ لأنها صارت من حلائل، أبنائه وعلى الصغير؛ لأنها صارت أمه.

قال في المستوعب: وهي مسألة عجيبة، لأنه تحريم طرأ لرضاع أجنبي، قال في المستوعب: وكذلك لو زوج أمته لعبد له يرضع ـ ثم قال ـ ولو زوج رجل أم ولده أو أمته بصبي مملوك فأرضعته بلبن سيدها حرمت عليهما، أما المملوك فلأنها صارت أمه، وأما السيد فلأنها من حلائل أبنائه ولا يتصور هذا أي تزوج أم الولد أو الأمة لصبي إن كان الصبي حرا؛ لأن من شرط نكاح الحر الأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك أي خوف العنت في الطفل، وفيه تلويح

بالرد على صاحب الرعاية، ورد بأنه غير مسلم؛ لأن الشرط خوف عنت العزوبة لحاجة متعة أو خدمة والطفل قد يحتاج للخدمة، فيتصور كما في المنتهى وغيره ، فإن تزوج بها الطفل لغير حاجة خدمة كان النكاح فاسدا، وإن أرضعته لم تحرم على سيدها ؛لأنها ليست من حلائل أبنائه لفساد النكاح وإن تزوجها لحاجة خدمة صح النكاح وإن أرضعته حرمت عليهما).

وقال في :٤٥٥ (وإذا أرضعت زوجته الأمة امرأته الصغيرة رضاعا محرما فحرمتها عليه بأن كان دخل بالأمة كان ما لزمه من صداق الصغيرة وهو نصفه له في رقبة الأمة، لأن ذلك من جنايتها وإن أرضعتها أي زوجته الصغيرة أم ولده حرمتا عليه أبدا أما الزوجة فلأنها صارت بنته أو ربيبته وأما أم الولد فلأنها من أمهات نسائه وعليه نصف مهر الصغيرة ولا غرامة عليها أي على أم الولد لأنها أفسدت على سيدها ولا يجب له عليها غرم ويرجع على مكاتبته إن كانت هي المفسدة لنكاح الزوجة الصغيرة لأنه يلزمها أرش جنايتها).

أقول : لا ريب أن الرضاع المقصود به هنا هو ما كان ناشرا للحرمة أي ما كان عمر الزوجة الصغيرة فيه أقل من سنتين ، وكشاهد عليه قوله في ٥ : ٤٥٦ (وإن شكت المرضعة في الرضاع أو كماله في الحولين ولا بينة تحريم فلا تحريم وإن شهد به أي الرضاع امرأة واحدة مرضية على فعلها بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين أو شهدت امرأة واحدة مرضية على فعلها بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين، أو شهدت بذلك رجل واحد ثبت الرضاع بذلك ولا يمين على المشهود له ولا على الشهادة).

وقال في ٥ : ٥٢٤: وإذا تزوج امرأة كبيرة ذات لبن من غيره زوجا كان

أو غيره، ولم يدخل الثاني بها وتزوج بثلاث صغائر دون الحولين ـ عمرهن أقل من سنتين ـ فأرضعت الكبيرة إحداهن حرمت الكبيرة أبدا؛ لأنها صارت من أمهات نسائه. وبقي نكاح الصغيرة؛ لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما؛ لأن الدوام أقوى من الابتداء. فإن أرضعت الكبيرة اثنتين من الصغائر منفردتين أو معا انفسخ نكاحهما ... الخ).

قال ابن عابدين الحنفي في حاشيته ٣: ٢١٩: (قوله ولو أرضعت الكبيرة ولو المبانة ضرتها الصغيرة (أي التي في مدة الرضاع) ولا يشترط قيام نكاح الصغيرة وقت ارضاعها ، بل وجوده فیما مضی کاف لما في البدائع لو تزوج الصغیرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه ؛ لأنها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت ـ إلى قوله ـ وفي الخانية وعلى مولاها ؛ لأن العبد صار ابنا للمولى فحرمت عليه ؛ لأنها كانت موطوءة أبيه وعلى المولى ؛ لأنها امرأة ابنه. قوله وكذا لو أوجره (أي لبن الكبيرة) رجل في فيها أي الصغيرة).

وقال أبو المناقب الزنجاني في تخريج الفروع على الأصول ١ : ١٩٢ ـ ١٩٣: (اختلف العلماء في مورد النكاح ما هو ، فذهب الشافعي إلى أن مورده المنافع ، أعني منافع البضع واحتج في ذلك بأمرين ... وذهب أبو حنيفة إلى أن مورده العين الموصوفة بالحل وحكمه ملك العين ، واحتج في ذلك بأمور أربعة : أحدها ... وثانيها: أنه لو كان المعقود عليه المنافع لما صح نكاح الطفلة الرضيعة).

قال النووي في روضة الطالبين ٥ : ٣١٥ : (ولا يشترط حصول المنفعة

والفائدة في الحال ، بل يجوز وقف العبد والجحش الصغيرين والزمن الذي يرجى زوال زمانته. كما يجوز نكاح الرضيعة).

وقال أيضا في ٥ :٤٥٩ : (قال ابن الحداد : فلو قال لها : أنت طالق ثلاثا، فله في الحال نكاح أختها ، لحصول البينونة ، وكذا الحكم لو ارتدت فخالعا في الردة. ولو كان تحته صغيرة، وكبيرة مدخول بها ، فارتدت الكبيرة ، وأرضعت أمها في عدتها الصغيرة ، وقف نكاح الصغيرة)، أقول: ولا يخفى أن الصغيرة في هذه الموارد يقصد بها الرضيعة التي يكون إرضاعها ناشرا للرحرمة أي من لم تمض من عمرها سنتان.

وفي ٦ : ٤٢٥: (ولو كان تحته صغيرة وله خمس مستولدات ، فأرضعتها كل واحدة رضعة بلبنه لم ينفسخ نكاح الصغيرة على الوجه الأول ، وينفسخ على الثاني ، وهو الأصح ، ولا غرم عليهن لأنه لا يثبت له دين على مملوكه ، ولو أرضع نسوته الثلاث ومستولدتاه زوجته الصغيرة فانفساخ نكاح الصغيرة على الوجهين ، وأما غرامة مهرها ، فإن أرضعن مرتبا ، فالانفساخ يتعلق بإرضاع الاخيرة فإن كانت مستولدة ، فلا شئ عليها ، وإن كانت زوجة ، فعليها الغرم).

وفي ٦ : ٤٣٤: (فرع : تحته صغيرة وكبيرة ، فأرضعت أم الكبيرة أيضا على الأظهر. ولو أرضعتها جدة الكبيرة أو أختها أو بنت أختها فكذلك. ويجوز في الصور أن ينكح واحدة منهما بعد ذلك ولا يجمعهما. ولو أرضعتها بنت الكبيرة فحكم الانفساخ كما ذكرنا ، وتحرم الكبيرة على التأبيد وكذا الصغيرة إن كانت الكبيرة مدخولا بها ؛ لكونها ربيبته ، وحكم مهر الصغيرة على الزوج ، والغرم على المرضعة

كما سبق).

وهنا يذكر النووي حكم الزوج الرضيع ـ من لم يمض من عمره سنتان ـ إن أرضعته زوجته البالغة بلبنها ، قال في ٦ : ٤٣٦ : (وكذا لو أرضعت المطلقة الصغير الذي نكحته بغير لبن الزوج انفسخ النكاح ، ولا تحرم هي على المطلق. ولو كان تحته صغيرة ، فأرضعتها أمة له قد وطئها بلبن غيره ، بطل نكاح الصغيرة ، فأرضعتها أمة له قد وطئها بلبن غيره ، بطل نكاح الصغيرة ، وحرمتا أبدا. ولو كان تحت زيد كبيرة ، وتحت عمرو صغيرة ، فطلق كل واحد زوجته ونكح زوجة الآخر ، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة واللبن لغيرهما ، حرمت عليهما أبدا ؛ لأنها أم زوجتهما ، فإن كانا دخلا بالكبيرة ، حرمت الصغيرة عليهما أبدا وإلا ، فلا تحرم عليهما ، ولا ينفسخ نكاحها ... إلخ).

قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن ٢ : ٣٤٤ : (ويدل عليه ما روى محمد بن إسحاق قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن الحارث ومن لا أتهم عن عبد الله بن شداد قال: كان الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ابنها سلمة فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت حمزة وهما صبيان صغيران، فلم يجتمعا حتى ماتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل جزيت سلمة بتزويجه إياي أمه؟ وفيه الدلالة على ما ذكرنا من وجهين :

أحدهما: أنه زوجهما وليس بأب ولا جد، فدل على أن تزويج غير الأب والجد جائز للصغيرين.

والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل ذلك ـ وقد قال الله تعالى: ((فاتبعوه)) فعلينا اتباعه ـ فيدل على أن للقاضي تزويج الصغيرين ـ إلى

قوله ـ : ولما ثبت بما ذكرنا من دلالة الآية جواز تزويج ولي الصغيرة إياها من نفسه دل على أن لولي الكبيرة أن يزوجها من نفسه برضاها، ويدل أيضا على أن العاقد للزوج والمرأة يجوز أن يكون واحدا بأن يكون وكيلا لهما، كما جاز لولي الصغيرة أن يزوجها من نفسه، فيكون الموجب للنكاح والقابل له واحدا، ويدل أيضا على أنه إذا كان وليا لصغيرين جاز له أن يزوج أحدهما من صاحبه فالآية دالة من هذه الوجوه على بطلان مذهب الشافعي في قوله: إن الصغيرة ... ).

قال ابن قدامة في المغني ٧ : ٣٢ : (وقال الحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس وقتادة وابن شبرمة والأوزاعي وأبو حنيفة : لغير الأب تزويج الصغيرة ، ولها الخيار، إذا بلغت ، وقال هؤلاء غير أبي حنيفة : إذا زوج الصغيرين غير الأب فلهما الخيار إذا بلغا. ).

وقال في ٩ : ٢١٠: (ولو تزوج كبيرة وصغيرة ولم يدخل بالكبيرة حتى أرضعت الصغيرة في الحولين حرمت عليه الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة، وإن كان دخل بالكبيرة حرمتا عليه جميعا، ويرجع بنصف مهر الصغيرة على الكبيرة. نص احمد على هذا كله).

وقال في ٩ : ٢١٤: (وان أرضعت بنت الكبيرة الصغيرة ، فالحكم في التحريم والفسخ حكم ما لو أرضعتها الكبيرة ؛لأنها صارت جدتها، والرجوع بالصداق على المرضعة التي أفسدت النكاح، وان أرضعتها أم الكبيرة انفسخ نكاحهما معا؛ لأنهما صارتا أختين فإن كان لم يدخل بالكبيرة فله أن ينكح من شاء منهما ... الخ).

قال عبد الرحمان بن قدامة في الشرح الكبير ٩ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧: (قال الشيخ

رحمه الله: إذا تزوج كبيرة لم يدخل بها وثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة إحداهن في الحولين، حرمت الكبيرة على التأبيد وثبت نكاح الصغيرة ، وعنه ينفسخ نكاحهما. اه

إذا تزوج كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة قبل دخوله بها فسد نكاح الكبيرة في الحال وحرمت على التأبيد. وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وقال الأوزاعي : نكاح الكبيرة ثابت وتنزع منه الصغيرة. ولا يصح ذلك فإن الكبيرة صارت من أمهات النساء، فتحرم ابدا لقول الله (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُم )(١). ولم يشترط دخوله بها، فأما الصغيرة ففيها روايتان (إحداهما) نكاحها ثابت؛ لأنها ربيبة ولم يدخل بأمها فلا تحرم لقول الله (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُم‏)(٣). (والرواية الثانية) ينفسخ نكاحها، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة؛ لأنهما صارتا أما وبنتا واجتمعتا في نكاحه، والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحهما، كما لو صارتا أختين وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقدا واحد ... الخ).

قال ابن حزمفي المحلى ٩ : ٤٥٨ ـ ٤٦٠ (وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغيرإذنها ولا خيار لها إذا بلغت ، فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ، ولا اذن لهما قبل أن تبلغ، وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها الا

__________________

(١) النساء: ٢٣.

(٢) النساء : ٢٣.

باذنها، فإن وقع فهو مفسوخ أبدا، فاما الثيب فتنكح من شاءت وان كره الأب، وأما البكر فلا يجوز لها نكاح الا باجتماع اذنها واذن أبيها، وأما الصغيرة التي لا أب لها فليس لأحد ان ينكحها لا من ضرورة ولا من غير ضرورة حتى تبلغ ولا لاحد أن ينكح مجنونة حتى تفيق وتأذن الا الأب في التي لم تبلغ وهي مجنونة فقط ، وفى بعض ما ذكرنا خلاف قال ابن شبرمة: لا يجوز انكاح الأب ابنته الصغيرة الا حتى تبلغ وتأذن، ورأي أمر عائشة رضي الله عنها خصوصا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كالموهوبة ونكاح أكثر من أربع.

وقال الحسن وإبراهيم النخعي انكاح الأب ابنته الصغيرة والكبيرة الثيب والبكر وان كرهتا جائز عليهما ... إلى قوله : وقال مالك: أما البكر فلا يستأمرها أبوها بلغت أو لم تبلغ عنست أو لم تعنس ،وينفذ انكاحه لها وإن كرهت وكذلك إن دخل بها زوجها إلا أنه لم يطأها فان بقيت معه سنة وشهدت المشاهد لم يجز للأب أن ينكحا بعد ذلك الا باذنها ، وإن كان زوجها لم يطأها، قال: وأما الثيب فلا يجوز انكاح الأب ولا غيره عليها الا باذنها، قال: والجد بخلاف الأب فيما ذكرنا لا يزوج البكر ولا غيرها الا باذنها كسائر الأولياء.

واختلف قوله في البكر الصغيرة التي لا أب لها فأجاز انكاح الأخ لها إذا كان نظرا لها في رواية ابن وهب، ومنع منه في رواية ابن القاسم.

وقال أبو حنيفة وأبو سليمان: ينكح الأب الصغيرة ما لم تبلغ بكرا كانت أو ثيبا فإذا بلغت نكحت من شاءت ولا اذن للأب في ذلك الا كسائر الأولياء ولا يجوز انكاحه لها الا باذنها بكرا كانت أو ثيبا. وقال أبو حنيفة والجد كالأب في كل ذلك.

وقال الشافعي: يزوج الأب والجد للأب إن كان الأب قد مات البكر الصغيرة ،ولا اذن لها إذا بلغت وكذلك البكر والكبيرة.

وقال أبو محمد ـ ابن حزم ـ الحجة في إجازة إنكاح الأب ابنته الصغيرة البكر إنكاح أبي بكر رضي الله عنه النبي صليى الله عليه [وآله] وسلم من عائشة رضي الله عنها ، وهي بنت ست سنين وهذا أمر مشهور غنينا عن إيراد الإسناد فيه فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت قوله لقول الله عزوجل (لَقَدْ كانَ لَكُمْ في‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرا) (١) فكل ما فعله عليه الصلاة والسلام فلنا أن نتأسى به فيه إلا أن يأتي نص بأنه له خصوص.

وقال ابن المنذر في الإجماع ٢ : ٧٤ : (وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة البكر جائز إذا زوجها من كفء وأجمعوا أن نكاح الأب ابنه الصغير جائز).

__________________

(١) الأحزاب :٢١.

ملحق رقم (٤)

قال ابن نجیم الحنفي في البحر الرائق ٣ : ١٢٨ : (واختلفوا في وقت الدخول بالصغيرة ، فقيل لا يدخل بها ما لم تبلغ ، وقيل يدخل بها إذا بلغت تسع سنين، وقيل إن كانت سمينة جسيمة تطيق الجماع يدخل بها وإلا فلا).

وأيضا في ٣ : ١٦٣: (ومنه ـ أي من موانع الجماع ـ صغرها بحيث لا تطيق الجماع وليس له أن يدخل بها قبل أن تطيقه ، وقدر بالبلوغ ، وقيل بالتسع ، والأولى عدم التقدير كما قدمناه فلو قال الزوج تطيقه وأراد الدخول وأنكر الأب فالقاضي يريها النساء ولم يعتبر السن كذا في الخلاصة).

وقال السرخسي في المبسوط ٤ : ٢١٣: (وفيه دليل أن الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها ـ أي عائشة ـ زفت إليه وهي بنت تسع سنين فكانت صغيرة في الظاهر وجاء الحديث أنهم سمنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله).

وقال ابن عابدين الحنفي في حاشيته ٣ : ٥٧٤ : (قوله : تطيق الوطء. أي منه أو من غيره كما يفيد كلام الفتح ، وأشار إلى ما في الزيلعي من تصحيح عدم تقديره بالسن فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع ولو صغيرة السن. قوله: أو تشتهي للوطء. فيما دون الفرج ـ كالتفخيذ والضم والتقبيل ـ لأن الظاهر أن من كانت كذلك فهي مطيقة للجماع في الجملة وإن لم تطقه من خصوص زوج مثلا).

وكذا في ٣ : ٢٠٤ : (هذا وقد صرحوا عندنا بأن الزوجة إذا كانت صغيرة

لا تطيق الوطء لا تسلم إلى الزوج حتى تطيقه، والصحيح أنه غير مقدر بالسن بل يفوض إلى القاضي بالنظر إليها من سمن أو هزال. وقدمنا عن التاترخانية أن البالغة إذا كانت لا تحتمل لا يؤمر بدفعها إلى الزوج أيضا فقوله: (لا تحتمل). يشمل ما لو كان لضعفها أو هزالها أو لكبر آلته ـ أي لكبر فرج الزوج ـ.

وفي الأشباه من أحكام غيبوبة الحشفة فيما يحرم على الزوج وطء زوجته مع بقاء النكاح قال: وفيما إذا كانت لا تحتمله لصغر أو مرض أو سمنة انتهى، وربما يفهم من سمنه عظم آلته.

وحرر الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية أنه لو جامع زوجته فماتت أو صارت مفضاة فإن كانت صغيرة أو مكرهة أو لا تطيق تلزمه الدية اتفاقا. فعلم من هذا كله أنه لا يحل له وطؤها بما يؤدي إلى إضرارها، فيقتصر على ما تطيق منه عددا بنظر القاضي أو إخبار النساء وإن لم يعلم بذلك فبقولها، وكذا في غلظ الآلة ويؤمر في طولها بإدخال قدر ما تطيقه منها أو بقدر آلة رجل معتدل الخلقة).

وقال الدسوقي المالكي في حاشيته ٢ : ٤٢٧ : (فإن حلف على واحدة منهما أنه لا يطأها أكثر من أربعة أشهر لم يلزمه بذلك إيلاء وشمل كلامه الزوجة الكبيرة والصغيرة التي لا تطيق الوطء، ولكن لا يضرب لها الأجل حتى تطيق).

وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ٩ : ٢٠٦ : (وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت

تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع ويختلف ذلك باختلافهن ولا يضبط بسن وهذا هو الصحيح. وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع، ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا، قال الداودي وكانت عائشة قد شبت شبابا حسنا (رضها) وأما قولها في رواية: تزوجني وأنا بنت سبع. وفي أكثر الروايات بنت ست. فالجمع بينهما أنه كان لها ست وكسر ففي رواية اقتصرت على السنين وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها).

وقال ابن عمر الجاوي الشافعي في نهاية الزين ١ : ٣٣٤ : (وخرج بالتمكين التام التمكين غير التام كما إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء ولو تمتع بالمقدمات) ، يقصد بالمقدمات الأمور تسبق الوطء كالتقبيل والضم والتفخيذ وغيرها من الاستمتاعات.

وقال السيواسي الحنفي في شرح فتح القدير ٤ : ٣٨٣ : (قوله : لا يستمتع بها. أي لا توطأ وصرح في الذخيرة بأن المراد من الاستمتاع الوطء ، وبه قيد الحاكم قال لا نفقة للصغيرة التي لا تجامع فلا نفقة لها إلى أن تصير إلى حالة تحتمل الوطء سواء كانت في بيت الزوج أو الأب واختلف فيها ، فقيل : أقلها سبع سنين. وقال العتابي اختيار مشايخنا تسع سنين. والحق عدم التقدير ، فإن احتماله يختلف باختلاف البينة).

وقال الشربيني في مغني المحتاج ٣ : ٢٢٣ : (قوله : لا طفلا. قد يفهم منه أنه لا يشترط في الزوجة ذلك ، بل وطؤها محلل وإن كانت طفلة ، أي مطلقة ثلاثا بجماع من يمكن جماعها ، وبه صرح في أصل الوضة).

وفي حواشي الشرواني ٧ : ٣١٢: (قوله : إنما تحللت طفلة. أي مطلقة ثلاثا بجماع من يمكن جماعه بأن كان ذكره صغيرا).

ملحق (٥)

هذه مقاطع مما ذكره ابن باز في كتابه المسمى بـ (الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب) من مطبوعات الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة سنة ١٣٩٥ هجرية : قال في : ٢٣ : (وكما أن هذا القول الباطل ـ ثبوت الشمس ودوران الأرض ـ مخالف للنصوص فهو مخالف للمشاهد المحسوس ومكابرة للمعقول والواقع لم يزل الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون الشمس جارية طالعة وغاربة ، ويشاهدون الأرض قارة ثابتة ويشاهدون كل البلدان المغربية في المشرق والمشرقية في المغرب ولتغيرت القبلة على الناس حتى لا يقر لها قرار ، وبالجملة فهذا القول فاسد من وجوه كثيرة يطول تعدادها).

أقول : هذا كله جهل بأوليات العلوم التي يأخذعا الصبية في المدرسة!.

وقال في : ٢٤ : (ثم هذا القول مخالفف للواقع المحسوس ، فالناس يشاهدون الجبال في محلها لم تسير فهذا جبل النور في مكة في محله ، وهذا جبل أبي قبيس في محله ، وهذا أحد في المدينة ، في محله وهكذا جبال الدنيا كلها لم تسير ، وكل من تصور هذا القول يعرف بطلانه وفساد قول صاحبه ، وأنه بعيد عن استعمال عقله وفكره قد أعطى القياد لغيره ، كبهيمة الأنعام نعوذ بالله القول عليه بغير علم ، ونعوذ بالله من التقليد الأعمى الذي يردي من اعتنقه

وينقله من ميزة العقلاء إلى خلق البهيمة العجماء)، سبحان الله!.

وقال في : ٣٩ : (ثم الناس كلهم يشاهدون الشمس كل يوم تأتي من المشرق ثم لا تزال في سير وصعود حتى تتوسط السماء، ثم لا تزال في سير ، وانخفاض حتى تغرب في مدارات مختلفة بحسب اختلاف المنازل، ويعلمون ذلك علما قطعيا بناء على مشاهدتـهم وذلك مطابق لما دل عليه هذا الحديث الصريح ـ حديث سجود الشمس ـ والآيات القرآنية، ولا ينكر هذا إلا مكابر للمشاهد المحسوس ومخالف لصريح المنقول، وأنا من جملة الناس الذين شاهدوا سير الشمس وجريانها في مطالعها ومغاربها قبل أن يذهب بصري ، وكان سني حين ذهاب بصري تسعة عشر عاما، وإنما نبهت على هذا ليعلم القراء أني ممن شاهد آيات السماء والأرض بعيني رأسي دهرا طويلا والله المستعان.

وبالجملة فالأدلة النقلية والحسية على بطلان قول من قال : إن الشمس ثابتة أو قال إنها جارية حول نفسها كثيرة متوافرة وقد سبق الكثير منها فراجعه ان شئت).

والنتيجة هي في : ٢٣ : (فمن زعم خلاف ذلك وقال إن الشمس ثابتة لا جارية فقد كذّب الله وكذّب كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد). وقال : (ومن قال هذا القول فقد قال كفرا وضلالا لأنه تكذيب لله ، وتكذيب للقرآن وتكذيب للرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم لأنه عليه الصلاة والسلام قد صرح في الأحاديث الصحيحة أن الشمس جارية، وأنها إذا غربت تذهب وتسجد بين يدي ربها تحت العرش ، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي ذر ـ رضي الله

عنه ـ وكل من كذب الله سبحانه أو كذب كتابه الكريم أو كذب رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام فهو كافر ضال مضل يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا، ويكون ماله فيئا لبيت مال المسلمين كما نص على مثل هذا أهل العلم)، وهكذا تم تكفير الأمة بأجمعها السنة قبل الشيعة ؛ لأن ـ هم قالوا بثبوت الشمس بالنسبة للمجموعة الشمسية مع دورانها حول محورها!، وتابع ابن باز وهابي أخر اسمه عبد الله الدويش في كتيب له يتناول فيه بعض كلام السيد قطب في تفسيره ظلال القرآن فقال في كتيبه المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الضلاض : ١٩٦ ـ ١٩٨ : (قوله ـ قطب ـ لو كانت الأرض لا تدور حول نفسها في مواجهة الشمس ما تعاقب الليل والنهار ، يقال هذا القول بناء منه على أن الشمس ثابتة ، ومعلوم أن هذا القول باطل بل كفر ؛ لأن الله تعالى يقول (وَالشَّمْسُ تَجْري لِمُسْتَقَرٍّ لَها) (يس:٣٨) وقال تعالى مخبرا عن إبراهيم أنه قال (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتي‏ بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِب) (البقرة : ٢٥٨) ـ لاحظ أن هاتين الآيتين لهما تفسير يتوافق مع حقائق العلوم الطبيعية ـ الوجه الثاني قوله لو دارت الأرض حول نفسها أسرع مما تدور لتناثرت المنازل الخ، هذا باطل والأرض ثابتة لا تتحرك كما تعالى (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرارا) (النمل : ٦١) قال ابن كثيرأي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا تنجرف بهم ، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة ، بل جعلها من فضله ورحمته مهادا وبساطا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك.

الوجه الثالث قوله وجرت الأرض في مدارها حول الشمس في دائرة الشمس مركزها ، كلام باطل بل الأرض هي المركز كما ذكره شيخ الإسلام في الرسالة العرشية). ثم يقول : (قوله : قوله إذن لاختلفت الفصول ولم يدر الناس ما

صيف ولا شتاء وما خريف ولا ربيع جوابه أن يقال: إن معرفة الفصول بدوران الشمس وثبوت الأرض لا بدوران الأرض وثبوت الشمس، فإن هذا القول رد للكتاب والسنة ـ بزعم الوهابي ـ وإجماع العلماء من أن الأرض ثابتة والشمس تجري. قال العلامة ابن القيم في مفتاح دار السعادة : ثم تأمل بعد ذلك أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الزمنة والفصول وما فيها من المصالح والحكم ، إذ لو كان الزمان كله فصلا واحدا لفاتت مصالح الفصول الباقية إلخ. فانظر كيف صرح بأن معرفة الفصول من طلوع الشمس على جميع العالم وأنها لو وقفت في موضع من السماء ولم تعده لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات عكس ما يقوله المبطلون من ثبوتها ودوران الأرض حولها).

أقول : هكذا يرمى الإسلام بالرجعية ومناقضة العلم! ولنسلم لكم أن ما آتاكما ابن تيمية وابن القيم فخذوه وما نهاكما عنه فانتهوا ، ولكن هذا في الدين فقط لا في الفلك والطب والرياضة والطبخ والتدليك وإلخ!!

ملحق رقم (٦)

فأراد الأخباريون بكلامهم هذا تنزيه كتاب الله عزوجل عن أذهان البشر العاديين الذين ليسوا من الراسخين في العلم ، فالمانع من فهم ظواهر كتاب الله عزوجل ليس في الله عزوجل ، بل فينا ، أي لعجز في القابل لا لعجز في الفاعل ، وهي وإن كانت مقالة باطلة ،لكن من غير الإنصاف أن ينسب بعض الوهابية للأخبارية أنهم قالوا بذلك : لأن الله عزوجل عجز عن بيان أحكامه بصورة واضحة!، بل قال بعضهم : إن الأئمة عليهم السلام عند الشيعة أفصح بيانا من الله عزوجل ؛ لأنهم قالوا : إن (القرآن لا يكون حجة بقيم)! وهذا قول أحد الوهابية ممن ألفوا رسالة دكتوراه في الافتراء على الشيعة ، قال (ناصر. ق) في أصول مذهب الشيعة ١ : ١٢٨ (فماذا يعنون ب ـ هذه العقيدة : أيعنون بذلك أن النص القرآني لا يمكن أن يحتج به إلا بالرجوع لقول الإمام؟ وهذا يعني أن الحجة هي في قول الإمام لا قول الرحمن (!!)، أم يعنونأن القرآن لا يؤخذ بنظامه إلا بقوة السلطان وهو القيم على تنفيذه؟ ولكن ورد عندهم في تتمة النص ما ينفي هذا الاحتمال وهو قولهم: فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم. ومعنى هذا أن قول الإمام هو أفضح من كلام الرحمان، ويظهر من هذا أنهم يرون أن الحجة في قول الإمام لأنه الأقدر على البيان من القرآن).

لكن لو رجعنا إلى نص الرواية كاملة لعلمنا أن أهل السنة لم يستنكروا

هذه المقالة من منصور بن حازم ، بل أقروه على لزوم وجود قيم للقرآن في الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن الوهابي (ناصر. ق) دلس وبتر الرواية ليتسني له التشنيع على الشيعة فقط لقولهم بفكرة صحيحة يقبلها كل مسلم ، وهذا نصها في الكافي ١ : ١٨٨: (عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون بالله، قال: صدقت، قلت: إن من عرف أن له ربا، فينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا، وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة وأن لهم الطاعة المفترضة. وقلت للناس: تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى قلت فحين مضى رسول الله صلى الله عليه وآله من كان الحجة على خلقه؟ فقالوا: القرآن! فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم، فما قال فيه من شئ كان حقا، فقلت لهم: من قيم القرآن؟ فقالوا ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم، قلت: كله؟ قالوا: لا! فلم أجد أحدا يقال: إنه يعرف ذلك كله إلا عليا عليه السلام، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا ادرى. وقال هذا: أنا أدري. فأشهد أن عليا عليه السلام كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وأن ما قال في القرآن فهو حق، فقال عليه السلام: رحمك الله). فاتضح أن معنى القيم هنا هو المبين لجميع ما في الكتاب من مجمل ومتشابه ومبهم ،

وكما قال المولى المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه للحديث : (والمراد به هنا من يقوم بأمر القرآن ويعرف ظاهره وباطنه ومجمله ومأوله ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه بوحي إلهي أو بإلهام رباني أو بتعليم نبوي) ، وهو من يمكنه إثبات المصداق العملي لقوله تعالى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ء) (النحل : ٨٩)، فلا ريب أن أحكام الله عزوجل كلها في القرآن، ولكنها تخفى علينا وعلى الوهابي السابق ، فهلا قال لنا : من يتكفل ببيانها وتفصيلها من آيات القرآن؟ حتما سيقول هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمفاد قوله تعالى (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر : ٧) فهلا قال الوهابي لنا كيف صار كلام الرسول أفصح وأوضح من كلام الله عزوجل؟ وكيف صار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقدر على البيان من الله سبحانه؟! والمورد هو المورد!!

ثم بزغ لنا بعض براعم الوهابية كـ (عثمان. خ) الذي صار يردد نفس كلمات الوهابي السابق ، فكان عيالا عليه في كل شيء حتى في التعبيرات والجمل! قال في شريطه (الشيعة والقرآن): فإنهم ـ الشيعة ـ يعتقدون أن القرآن ليس حجة بنفسه فعن منصور بن حازم أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم ،يقول فأقره أبو عبد الله ، وهذا في الكافي الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين ومئة ، وقولهم هذا يعني أن الحجة في قول الإمام لا في القرآن لأنه الأقدر على بيان. فانظر بالله عليك كيف نقل الرواية بالمعنى وصار يردد كلمات سيده الأول كالببغاء!!،ولهذا البرعم هرج ولغط كثير في شريطه ستناول بعضه ونترك أغلبه لمن له طول بال ووقت يضيعه.

ملحق رقم (٧)

أقول : أحد الوهابية (عثمان. خ) أصم مسامعنا في شريطه الذي يتهم فيه الشيعة بتحريف القرآن بالحث على أمانة النقل وصدق الحديث وأنها أخلاق أهل الحق وهم أهل السنة، وأنهم ـ بزعمه ـ لا يقولون إلا صدقا ولا يحكمون إلا عدلا، إلى آخر أسلوبه الخطابي الذي ابتدأ به وختم ، فوالله ما كنت شاكا في أمانة نقل هذا الوهابي لحسن ظني به وبكثرة وعظه وتذكيره بآيات الله عزوجل وبأحاديث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم التي تدعو للصدق والأمانة ،إذ كان من البعيد على ذهني أن يتصوره في تلك الحال يقوم بعين ما ينهى عنه فيكذب ويخادع الجمهور!، إذ كيف يتجرأ رجل يعظ الناس بآيات الله عزوجل التي تدعو للأمانة ، فيقوم في الأثناء بخيانة الأمانة بتقطيع النصوص بغية تحريفها ، ويستهزئ بكل سهولة بآيات الله عزوجل التي يتلوها!، ولكن شاء الله عزوجل أن يعلمني درسا بأن لا أثق بأحد من أولئك الوهابيين، فحدث لي أني كنت في إحدى المكاتبات ،وطلبت أوائل المقالات للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه لأنظر فيه ، ووجدت كلامه رضوان الله تعالى عن تأليف القرآن ، وكان أول مقطع قاله الشيخ المفيد هو نفس المقطع الذي ذكره الوهابي دليلا على اعتقاد الشيخ تحريف القرآن ، وهذا هو : (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان) انتهى. ولكني فوجئت أن الشيخ المفيد لم يقتصر على هذه الجملة التي اقتصر الوهابي على

نقلها وإنما تعقبها الشيخ رحمه الله بالمقطعين السابقين اللذين في المتن، فقال بسلامة القرآن من الزيادة والنقصان! ولكن الوهابي الأمين في النقل والصادق في القول والمتعظ بآيات الله والمقنفي لسنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقتصر على هذا المقطع فقط! إيحاء منه للمستمع أن تحريف القرآن رأي الشيخ المفيد! ولا أدري من أين ورث هؤلاء هذه الجرأة على الكذب بسم الله ورسوله؟!، فبعد أن افترى على الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه وعده ممن قالوا بتحريف القرآن من غلماء الشيعة أراد الله تعالى أن يفضح هذا الكذاب (عثمان. خ) ويدينه بيده فقال في الوجه الثاني من الشريط نفسه إ الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه من علماء الشيعة الذين تبرءوا من القول بتحريف القرآن!!، وهذا نص قوله : (إن هناك من علماء الشيعة من تبرأ من القول بالتحريف ، الأول : ابن بابويه الصدوق ، والثاني : المفيد ، والثالث : ... الخ)، قال تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرين) (الأنفال : ٣٠) وقيل (لا حافظة لكذوب) ، ونسأل الله التوفيق لمن ينقب عن كل كلمة يقولها الكاذبون الأفاكون ، ومع ذلك يخاطب الشيعة في آخر الشريط بقوله : لمذا الكذب؟! ويقول في آخر الوجه الأول منه : (وحتى نكون أمينين في نقلنا وهذه عادتنا ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها علينا وهذه عادة أهل السنة)!!

وقد وصل إلى مؤخرا كتيب فيه حوار بين وهابي وأحد الشيعة ـ كما زعموا! ـ فكان من ضمن تلك الحوارات التي لم يعلم المحاور فيها عما تكلم ولم يدر المجيب علام أجاب ، نقل لكلام الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في تحريف الرآن ـ مع أنها أجنبية عن تحريف القرآن! ـ من أوائل المقالات فكان ما نقله الوهابي من كلام للشيخ المفيد هو (أن أئمة الضلال خالفوا في كثير

من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل هناك تفاسير ذكرت الآيات والكلمات التي حرفت أو أنقصت من القرآن كما ذكر ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره)، ولكننا لو رجعنا إلى أوائل المقالات لوجدنا أن هذا المقطع الأخير (بل هناك تفاسير ذكرت الآيات والكلمات التي حرفت أو أنقصت من القرآن كما ذكر ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره) زيادة من عند الوهابية افتراء على الشيخ رضوان الله تعالى عليه!!، وهاأنا أزيد بعد أسبوعين مما حكيته عن المحاورة السابقة وأذكر تحريف الوهابي (محمد. م) لكلام الشيخ المفيد السابق ، فحرف الكذاب المقطع السابق بتبديل جمله خالفوا في كثير من تأليف القرآن) بجملة (خالفوا في كثير من تحريف القرآن)!!، وهذا في كتيبه الشيعة والقرآن : ٦٨ ، ومع ذلك يكتب أحدهم مادحا الكتاب ومقدما عليه بقوله (وقد أورد المؤلف جميع نقوله عن القوم بعد تحري الأمانة العلمية والموضوعية في العرض والمناقشة .... وقد أثبت المؤلف جميع المصادر التي أخذ عنها مع إثبات أرقام صفحاتها التي نقل منه ليخرس بذلك ألسنة المرتابين وليقيم الحجة على المعاندين الضالين)، ثم جاء الوهابي الآخر (ناصر. خ) ليقول في كتابه أصول مذهب الشيعة ١ : ٢١٩ (هذان قولان مختلفان ومتعارضان صدرا من شيخين من شيوخهما يجمعهما وحدة الزمان والمكان ، ويتفقان في الهوية المذهبية ، بل إن هذا المفيد ـ رضوان الله تعالى عليه ـ هو تلميذ لابن بابوية القمي ـ قصد الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه ـ فمن نصدق منهما؟ وأي القولين يعبر عن مذهب الشيعة؟) انتهى، إلى آخر سخفه وهرجه ، ولكن كيف تناقض الشيخان رضوان الله تعالى عليهما؟!، فهذا يقول : إن القرآن غير محرف والآخر

يميل إلى عدم تحريفه ، أفتونا مأجورين!، أم لعل المغفل اغتر بكلمة الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه التي حاول الوهابي (محمد. م) تحريفها من قبله ، وهي : (اتفقوا على أن ائمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي لا تدل إلا على أن أئمة الضلال قد خالفوا نصوص القرآن وتأليفه وكلماته ونبذوا نصوصه وراء ظهورهم ، فأين هذا من تحريف النص؟! أم اغتر بهذه الجملة (أن الأخبار قد جاءت مستفيضة ... ) مع أن وجود الروايات والأخبار لا يلزم الاعتقاد بمضمونها!، فلماذا لم يذكر الوهابي (ناصر. ق) تكملة كلام الشيخ المفيد التي فيها اعترفه الصريح بعدم التحريف؟!، أم أنه يقلب السحر على الساحر؟!، ومثله في الجهل تلميذه وعبده (عثمان. خ) الذي نقل كلام الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه هذا (أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية) كشهادة على عدم قول أهل السنة بتحريف القرآن!، وكأنه يقول أن الإمامية تعتقد تحريف القرآن! فكيف هذا وبعض الخوارج الذين أنكروا قرآنية سورة يوسف عليه السلام بدعوى أنها قصة عشق؟!، والأكاذيب من هذا النوع كثيرة لدى الوهابية فلا نطيل ، قال تعالى (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُون) (النحل : ١٠٥).

ملحق رقم (٨)

هذا لو سلمنا أن أحدا من علماء الشيعة ترك مذهب أهل البيت عليهم السلام ؛ لأن الوهابية في كل يوم يخرجوا لنا باسم رجل جديد وكتاب جديد لأحد الشيعة ، والغريب أن هذه الشخصيات التي يختلقونها هي على الدوام من كبار مجتهدي الشيعة ومع ذلك لم يسمع بهم ولم ينشر كتبهم إلا الوهابية!، وهذا كتيب لشخصية مخترعة اسمها حسين الموسوي نشره الوهابية وفيه ما يدل بوضوح على اختراع الشخصية ، فادعى الكاتب أنه مجتهد معاصر ومن علماء النجف الكبار ـ لا ندري لماذا لم يسمع به الشيعة؟! ـ وقد كتب المؤلف بهذا الشكل (بقلم السيد حسين الموسوي دام ظله الشريف من علماء النجف) وهذا أول شاهد على اختراع الشخصية ؛ لأن كل الشيعة يعلمون أن تعقيب الاسم بـ (دام ظله الشريف) لا يقال إلا للمراجع لا للمجتهدين ، وجملة (من علماء النجف) دليل على اختلاق الشخصية ؛ لأن كونه مجتهدا، بل عالما عاديا يمنعه من ذكر هذه الجملة التي تشعر بالنكارة والإهمال ، وما أن تتصفح الكتيب حتى تفوح منه الرائحة التي تفوح من كتيبات الوهابية، وما أن تتصفح الكتيب حتى تفوح منه الرائحة التي تفوح من كتيبات الوهابية ، والغريب أن الشخصية مع أنها من مجتهدي الشيعة الكبار، لكنه يعبر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بـ (رضي الله عنه)!!، ومن عجبي أن المجتهد الشيعي لا علم له بأعلام الشيعة المعاصرين من حوله إذ وصف السيد مرتضى العسكري حفظه الله تعالى بأنه من فقهاء الطائفة وكذا الشيخ

محمد جواد مغنية رضوان الله تعالى عليه بل عبر عن الأخير بـ (السيد)!، قال في : ١٣ : (من فقهائنا أمثال المرتضي العسكري والسيد محمد جواد مغنية) وهكذا عبر عن الشيخ أحمد الوائلي حفظه الله بأنه (سيد)!!، وهذه أخطاء لا يقع فيها إلا من لم يسمع بمذهب أهل البيت عليهم السلام والرجال فيه فما بالك بمجتهد!، ثم يفاجئك المجتهد ـ ويغلب على ظني أنه أحد الوهابية ـ بأنه لا يفقه ألف باء القرآن والتفسير ويخوض في عالم المغالطات خوض السمك في ماء البحر ، ولا أريد هنا استقصاء ما ذكره لأن هذا يخرجنا عن المقام تماما ولكني أريد أن أشير بعض الإشارات ، فمثلا يستدل هذا المجتهد المختلق بهذه الآية على حرمة نكاح المتعة (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه) (النور : ٣٣) وقال في : ٤٥ : (فلو كانت المتعة حلالا لما أمره بالاستعفاف ةالانتظار ريثما تتيسر أمور الزواج بل لأرشده إلى متعة)!!وهذا الكلام فيه مصادرة واضحة ، إذ بني الاستدلال بالآية على مفروعية عدم كون المتعة نكاحا عند كلا الطرفين!! وهذه المغالطة لا يقع فيها إلا جاهل! فأين هذا من مجتهد؟!، ولم نرمجتهدا ـ وهو من له القدرة على استنباط الأحكام الشرعية ـ يعجز عن قراءة تحرير الوسيلة وهي رسالة عملية يقرأها الطلبة في أول سني دراساتهم الحوزية! فقام المجتهد السطورة بتقليد الوهابية بالتقطيع والكذب في النقل فقال في معرض كلامه عن زواج المتعة (وكان الإمام الخميني يرى جواز التمتع حتى بالرضيعة فقال : لا بأس بالتمتع بالرضيعة ضما وتفخيذا وتقبيلا. وأحال إلى تحرير الوسيلة) ، وهاك كلام السيد الإمام رضوان الله تعالى عليه في تحرير الوسيلة الذي يوقفك على كذبه ، قال رضوان الله تعالى

عليه (ولا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين دواما كان النكاح أو منقطعا، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة الخ) فأين كلمة (الاستمتاعات) من كلمة (التمتع) التي كتبها الأسطورة وأراد منها إفهام القارئ أن المقصود هو زواج المتعة؟!، ثم من قال إن نص فتوى الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه يدل على جوازعقد نكاح المتعة على الرضيعة؟! فإن الاستمتاع كما هو ظاهر السياق قصد به الحالة النفسية لا نوع العقد والنكاح!! وواضح أنه رضوان الله تعالى عليه لم يكن يتكلم عن زواج المتعة بل تكلم عن عقد النكاح وما يستباح به وما لا يستباح بغض النظر عن أي نحو منهما! ولكن المجتهد الأسطورة يكذب في النقل ويقصر عن فهم الرسالة العلمية!!، ومما يثبت لنا أن المجتهد لاعلم له ولا دراية بأبسط علوم الحديث عند الشيعة ، أنه لا يقبل صدور الروايات من باب التقية ويردها لأن الراوي للرواية هو أبو بصير أو زرارة رضوان الله تعالى عليهما فلا تقية حيث أن الراوي شيعي! ـ وهذه من القرائن التي تشعرني بأن المؤلف من الوهابية وهو (عثمان. خ) لأن هذا سخف يردده الوهابي دائما في مثل هذه الموارد ـ وهذا لا يصدر عن مثقف فضلا عن عالم ناهيك دائما في مثل هذه الموارد ـ وهذا لا يصدر عن مثقف فضلا عن عالم ناهيك عن مجتهد لأن الإمام عليه السلام قد يجيب السائل الشيعي ، بل إن بعض الروايات مفادها أن الأئمة عليهم السلام حاولوا التفريق بين أعمال شيعتهم عن عمد وقصد في تلك الأزمنة حتى لا يجتمعوا على رأي واحد فيشتهروا به يعرفوا عند السلطان فتقطع رؤوسهم وتفصل بينها وبين

أجسادهم ، وكل هذا خفي على المجتهد!!

وهناك الكثير من الكذب والخيانة في النقل ، وسأذكر هنا بعض الأمثلة التي تبين كذبه وخيانته ، ولن نناشقه في المضمون ، بل نشير إشارة ، ففي ٢٢ قال : (عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال : أتي عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه ، فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابها وبين خخيها ، فقام علي فنظر بين فخذيها فاتهمها. بحار الأنوار ٤ : ٣٠٤.

ونحن نتساءل هل ينظر أمير المؤمنين بين فخذي امرأة أجنبية؟ وهل يعقل أن يتقل الإمام الصادق هذا الخبر؟ وهل يقول هذا الكلام رجل أحب أهل البيت؟) ، ولكن لو رجعنا للمصدر نفسه لوجدنا الرواية على غير ما نقلها وتلاعب بها الوهابي خدمة لمراده!! وهذا أصلها في بحار الأنوار ٤٠ : ٣٠٣ : (عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار، وكانت تهواه ولم تقدر له على حيلة، فذهبت فأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة، وصبت البياض على ثيابها بين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إن هذا الرجل أخذني في موضع كذا وكذا ففضحني، قال: فهم عمر أن يعاقب الأنصاري، فجعل الأنصاري يحلف وأمير المؤمنين جالس ويقول: يا أمير المؤمنين تثبت في أمري، فلما أكثر الفتى قال عمر لأمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا الحسن ما ترى؟ فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتهمها أن تكون احتالت لذلك، قال: إيتوني بماء حار قد أغلى غليانا شديدا ففعلوا، فلما اتي بالماء أمرهم فصبوا على موضع البياض فاشتوى ذلك البياض، فأخذه أمير المؤمنين

عليه السلام فألقاه في فيه، فلما عرف طعمه ألقاه من فيه، ثم أقبل على المرأة حتى أقرت بذلك، ودفع الله عز وجل عن الأنصار عقوبة عمر).

أقول : فأين ما حرفه الوهابي (فقام علي فنظر بين فخذيها فاتهمها) من أصل الرواية (فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتهمها أن تكون احتالت لذلك)؟! فيوجد فرق بين موضع النظر وموضع البياض ، نعم موضع البياض هو الثوب الفخذان ، ولكن موضع النظر قدره المتيقن هو الثوب ، ولكن المجتهد الأمين حرف النص على مزاجه!

وهذا المورد أيضا من القرائن التي تشعر بأن المؤلف هو (عثمان. خ) ؛ لأ، هذا المورد ذكره في شريط رد فيه على التيجاني لإثبات أن الشيعة تكره أهل البيت عليهم السلام وتشوه سمعتهم! وما عشت أراك الدهر عجبا ، وما يزيد قوة ظني أن المجتهد الأسطورة أحال في هذا الكتيب إلى الجزء الرابع من البحار مع أنه الأربعون ونفس هذه الإحالة المخطئة ذكرها (عثمان. خ) في شريطه الذي زعم أنه رد فيه على التيجاني!! ومن البعيد جدا أن يتفق إثنان على تحريف نص رواية معنية ويحرفانها بنفس التحريف ، ويخطئان في نقل المصدر وخطؤهما متفق عليه!!!

ونذكر مثالا آخر من تقطيعه وخيانته ، : ٢٦ (عندما نقرأ في الروضة من الكافي ٨ : ١٠١ قي حيث أبي بصير مع المرأة التي جاءت إلى أبي عبد الله تسأل عن أبي بكر وعمر فقال لها : توليهما. فقالت : فأقول لربي إذا لقيته : إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم)، وسكت الكذاب على هذا القدر وصار ينسج الأفكار! ولو راجعنا نفس الجزء والصفحة لوجدنا لها تكملة حذفها المخادع

لأنهت تدل بصراحة على أن الإمام عليه السلام يثبت أن الحق في البراءة من أبي بكر وعمر ، وأن كلامه السابق مع المرأة صدر تقية : (كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيسرك أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأذن لها، قال: وأجلسني معه على الطنفسة قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما، فقال لها: توليهما! قالت: فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما، قال: نعم، قالت: فإن هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النوا يأمرني بولايتهما ، فأيهما خير وأحب إليك؟ قال: هذا والله أحب إلي من كثير النوا وأصحابه). بل إن لهذه الرواية تكملة صريحة جدا في أنها صدرت تقية ، ففي اختيار معرفة الرجال: ٢٤١، ح ٤٤١: (فلما خرجت ، قال: إني خشيت أن تذهب فتخبر كثير النوا فتشهرني بالكوفة ، اللهم إني إليك من كثير النوا بريء في الدنيا والآخرة). فنحن نعذر المجتهد المختلق في جهله بالزوائد وعدم اطلاعه عليها ، ولكن كيف نعذره في التقطيع والحذف؟!

ثم يختم الأسطورة كتيبة هذا المسمى (لله .. ثم للتاريخ) بتأوهاته ونفثات صدره ويقول : ١١٨ : (وعرفت أن التشيع قد عبثت به أياد خفية هي التي صنعت فيه ما صنعت ، كما أوضحنا في الفصول السابقة ، فما الذي يبقيني في التشيع بعد ذلك؟ ولهذا ورد عن محمد بن سليمان عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه : (جعلت فداك فأنا نبزنا أثقل ظهورنا وماتت له أفئدتنا ، واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم. قال أبو عبد

الله رضي الله عنه : الرافضة؟ فقلت : نعم. قال : لا والله ما هم سموكم به ، ولكن الله سماكم به. روضة الكافي ٥ : ٣٤ (!).

فإن كان أبو عبد الله قد شهد عليهم بأنهم رافضة لرفضهم أهل البيت ، وأن الله تعالى سماهم به فما الذي يبقيني معهم؟).

أقول: وكيف تبقى مع الذهب المصفى وهذه النفس بين جنبيك؟!.

ولننقل الرواية كما هي في روضة الكافي ليبين كذبه وتحريفه لمعنى الرواية ؛ لأن الإمام الصادق عليه السلام ـ كما في أصل الرواية ـ كان في مقام المدح والثناء العظيم على الشيعة ، لا كما قطعها الكذاب فقال : إن الله سمى الشيعة بالرافضة ؛ لأنهم رفضوا أهل البيت عليهم السلام!!.

روضة الكافي ٨ : ٣٤، نص الرواية : (قلت : جعلت فداك فإ،ا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: الرافضة؟ قال: قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به ، أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى عليه السلام لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة؛ لأنهم رفضوا فرعون ، وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة ، وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما عليهما السلام، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة ، فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه، فأثبت موسى عليه السلام الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق

الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله ، وذهبتم حيث ذهبوا واخترتم من اختار الله لكم ، وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم أبشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم، من لم يأت الله عز وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ، ولم يتجاوز له عن سيئة ... الخ). فأين هذا مما قاله الكذاب الأشر؟!

وقد كذب الوهابي أقصد المجتهد المختلق على السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه بأنه ذكر له شخصيا هذه الرواية (عن زرارة قال سألت أباعبد الله عليه السلام عن التشهد؟ فقال: أشهد أن لا إلى إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قلت: التحيات والصلوات؟ قال: التحيات والصلوات. فلما خرجت قلت: إن لقيته لأسألنه غدا، فسألته من الغد عن التشهد كمثل ذلك قلت: التحيات والصلوات؟ قال: التحيات والصلوات، قلت: ألقاه بعد يوم لأسألنه غدا فسألته عن التشهد: فقال كمثله، قلت: التحيات والصلوات؟ قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبدا). فعلق الكذاب عليها في : ٢٨ (وحتى الإمام الخوئي لما شرع في تأليف كتابه الضخم معجم رجال الحديث ، فإني كنت أحد الذين ساعدوه في تأليف هذا السفر ، وفي جمع الروايات من بطون الكتب ، ولما قرأنا هذه الرواية على مسمعه أطرق قليلا ثم قال : لكل جواد كبوة ولكل عالم ـ يقصد زرارة ـ هفوة ، ما زاد على ذلك) ، مع أنك لو راجعت معجم رجال الحديث للسيد رضوان الله تعالى عليه لعلمت أن السيد الخوئي يضرب بهذه الرواية وأمثالها عرض الجدار! قال رضوان الله تعالى عليه

في معجم رجال الحديث ٨ : ٢٤٥ (أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي كيف يذكر الكشيو الشيخ هذه الروايات التافهة الساقطة غير المناسبة لمقام زرارة وجلالته والمقطوع فسادهان ولا سيما أن رواة الرواية بأجمعهم مجاهيل) ، ومع ذلك يقول لك الكذاب : إنه ساعد في تأليف معجم رجال الحديث!!

وفي ثنايا الكتيب فضح الله عزوجل المختلق ودانه بيده وكذبه أمام الناس : فقد ذكر أنه التقى بالسيد دلدار علي رضوان الله تعالى عليه في الهند ، فقال في : ١٠٧ (وفي زيارتي للهند التقيت السيد دلدار علي فأهداني نسخة من كتابه أساس الأصول الخ) ولكن الكتاب لم يحبك القصة الشيقة لأن السيد دلدار علي رضوان الله تعالى عليه توفي سنة ١٢٣٥ للهجرة!! وعلى هذا يجب أن يكون عمر هذا الكذاب الآن أكثر من مئتي سنة حتى يستطيع أن يدرك دلدار علي!! ، قال آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ٢ : ٤ : (أساس الأصول. للعلامة السيد دلدار علي بن محمد معين النقوي النصير آبادي اللكهنوي المجاز من آية الله بحر العلوم والمتوفى سنة ١٢٣٥) ، ولكن حسب هذا وأمثاله أن الله عزوجل لن يظهر كذبه وأن دجله سينطلي على الناس! قال تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرينَ) (الأنفال : ٣٠).

والملاحظ أن كل الشخصيات التي حاول المختلق تجريها في كتبه ووصمها بالزنا واللواط والسرقة والفحش وإلى غير ذلك من الأمور الشنيعة هي شخصيات تصدقت لطمس وزعزعة أركان الوهابية ، أمثال السيد شرف الدين والسيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد جواد مغنية والشيخ لطف الله الصافي ، ومن المراجع الإمام

الخميني والسيد الخوئي والسيد السيستاني رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأسكنهم فسيح جناته ، وهؤلاء العظام من المؤكد أن الوهابية تعلم بأسمائهم وكل هذه الشخصيات غير المراجع العظام ـ التي ذكرت في الكتيب فيها صفة مشتركة وهي العداء والحقد الذي تكنه الوهابية لهم!

فإن كان هذا الأفاك يلج بحار الكذب بهذه الصورة الفاضحة ، ويخادع ويقطع النصوص ثم يحيلك إلى المصدر لتعلم أنه كذاب ، فالأحرى به أن يكذب في كل قصصه عديمة الأدب التي نسجها من عندياته ، يريد النيل من شخصيات المراجع والمجتهدين العظام رضوان الله تعالى عليهم!

وهذه الكتيبات التي تنشرها الوهابية شاهد حق على أن الوهابية أعجزتهم الحيلة ، فصاروا يبتكرون الأساليب الخبيثة والطرق الملتوية لتشويه المذهب الحق والضحك على عقول الناس ، ولو كان عندهم شيء يمكن أن يقبله العقل المستقيم لأبانوه ن ولكن حالهم كما ترى!

ملاحظة : في هذا الكتيب (لله ... ثم لتاريخ) يوجد تقديم وتهيئة من الكاتب لاختلاق شخصية شيعية جديدة باسم السيد عباس وأنه سيكتب ـ هذا المختلق الجديد ـ كتابا فيه فضائح الحوزة العلمية في النجف ن قال : ٥٦ : (حتى صديقنا المفضال السيد عباس جمع حوادث كثيرة جدا ودونها بتفاصيلها وتواريخا وأسملء أصحابها ، وهو ينوي ـ بل الوهابية ينوون ـ إصدارها في كتاب أراد أن يسميه فضائح الحوزة العلمية في النجف ؛ لأن الواجب كشف الحقائق للعوام من الشيعة ، أولئك المساكين الذين لا يعلمون ما يجري وراء الكواليس ، ولا يعلمون ما يفعله السادة فيرسل أحدهم امرأته

أو بنته أو أخته لغرض الزيادة أو لطب الولد أو لتقديم مراد للحسين فيستامها السادة وخاصة إذا كانت جميلة لينجروا بها ويفعلوا بها كل منكر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله). أقول : ليتهيأ الشيعة الكرام لمزيد من الضحك مع الكتيب الخطير!!.

الفهرس

المقدمة......................................................................... ٩

التشويه العقائدي مستمر!......................................................... ٩

لماذا الكتابة في تحريف القرآن..................................................... ١٢

تحريف القرآن تشويه واستغفال للعوام!............................................. ١٤

الاستدراج والخداع في النقاش الوهابي!............................................. ١٥

آخر العلاج ، هذا الكتاب!..................................................... ١٨

ماذا في الكتاب................................................................ ١٩

الفصل الأول

الشيعة الإمامية وتحريف القرآن

التهمة القديمة المتهالكة!......................................................... ٢٥

الشذوذ عن فكر المذهب........................................................ ٢٥

أسس افترق بها هذا التيار المحدث عن فكر المذهب............................ ٢٧

من هم القائلون بالتحريف؟...................................................... ٣٣

كيف توصلوا التلك الفجيعة؟.................................................... ٣٣

١. تأويلهم للآيات النافية للتحريف......................................... ٣٤

٢. تأويلهم لروايات النافية للتحريف......................................... ٣٦

تنكيل مراجع الشيعة وأكابرهم بمن شذ وقال بتحريف القرآن.......................... ٤١

أين الإقتراء إذن؟!.............................................................. ٤٦

هل القول بتحريف القرآن يستوجب الكفر؟........................................ ٦٣

مناقشة أسباب التكفير..................................................... ٦٥

السبب الأول : القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عزوجل فيما أخبر به في كتابه   ٦٥

الأمر الأول : عدم حجية الظاهر عندهم................................ ٦٦

الأمر الثاني: قالوا بعدم دلالة ظاهر الآيتين على المطلوب.................. ٦٧

السبب الثاني : خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة...................... ٦٧

المقدمة الأولى : ما هو ضابط كون الشيء معمولا من الدين بالضرورة؟...... ٦٧

المقدمة الثانية : هل يكفر المسلم بمجرد إنكاره للضروري أم بقيد وشرط؟.... ٦٨

السبب الثالث : خالف ما هو مجمع عليه................................. ٧٤

ملاحظة............................................................ ٧٤

كلمات أهل السنة في أن خارق الإجماع لا يكفر................................... ٧٦

كلمات أهل السنة في عدم كفر من أنكر سور وآيات القرآن باجتهاد منه.............. ٨٥

هل هناك شبهة قوية دعت للقول بتحريف القرآن؟!................................. ٩٣

نظرة في روايات التحريف عند الشيعة.............................................. ٩٤

كلمة حول مصادر تلك الروايات........................................... ٩٦

دلالة أغلب تلك الروايات................................................ ١٠٢

الوهابية والخيال المتناقض!................................................. ١٠٩

ما يدل من الروايات على أن المقصود من التنزيل هو التفسير................... ١١١

١. من روايات الشيعة والوقائع التاريخية.................................. ١١١

٢. من روايات أهل السنة.............................................. ١٢٧

كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في التنزيل...................................... ١٣١

أولا : كلمات أعلام الشيعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.................... ١٣١

ثانيا: كلمات أعلام أهل السنة............................................ ١٤٥

ما فعل التنزيل وما فعل به!..................................................... ١٥٥

القرآن حرف!................................................................ ١٥٨

الرواية والاعتقاد بمضمونها...................................................... ١٦١

ملاحظة: الكليني رضوان الله تعالى عليه لا يقول بتحريف القرآن..................... ١٦٣

تنبيه........................................................................ ١٦٨

أقوال مراجع الطائفة القضاء الحتم والقول الفصل.................................. ١٧٠

كلمات المراجع عليهم رضوان الله ورحمته.................................... ١٧٠

المنصفون من أهل السنة ينفون هذه الفرية عن الشيعة.............................. ١٩٦

كذب ابن حزم والوهابية!...................................................... ٢٠٢

التقية ، الورقة الأخيرة!......................................................... ٢٠٨

ختام البداية!................................................................. ٢١٠

الفصل الثاني

أهل السنة وتحريف القرآن

القسم الأول

تحريف القرآن غير الصريح...................................................... ٢١٣

المستفاد من نتيجة البحث في علوم القرآن........................................ ٢١٣

المبحث الأول

الأحرف السبعة............................................................... ٢١٥

أهل السنة ومعنى الأحرف السبعة............................................... ٢١٦

ما هي الأحرف السبعة؟....................................................... ٢١٦

السبب في إبهام ماهية الأحرف السبعة .......................................... ٢١٦

المحور الأول : اختلاف الروايات في عدد الأحرف............................ ٢١٧

المحور الثاني: التضارب في معني الحرف...................................... ٢١٧

المعني الأول : نزول آيات القرآن على سبعة أشكال مترادفة في المعني......... ٢٢٠

المعني الثاني: الآيات القرآنية مدارها على سبعة مضامين.................... ٢٢٢

المحور الثالث: التضارب في مدلول نفس الروايات المتفقة في المعني............... ٢٢٣

بيان التضارب فيما ذكرناه من الروايات.................................. ٢٢٤

کلماتهم في معنی الأحرف السبة................................................ ٢٢٧

كلماتهم بعض المتخبطين................................................. ٢٢٧

كلمات بعض من تحرز الدخول في المزلقة................................... ٢٣٠

سيرا مع الجمهور.............................................................. ٢٣٣

أقوال بعض علماء أهل السنة في المعني المشهور للأحرف السبعة ............... ٢٣٥

علة تشريع الأحرف السبعة..................................................... ٢٣٩

الأمة لا تطيق القرآن إلا على سبعة أحرف!................................. ٢٣٩

الأحرف السبعة في الميزان................................................. ٢٤١

أدلة بطلان مقولة الأحرف السبعة......................................... ٢٤٢

١. لا دليل يمكن التمسك به لإثبات هذا الأصل......................... ٢٤٢

٢. المعارضة لصريح القرآن............................................. ٢٤٣

٣. معارضة لسيرة المصطفى صل الله عليه وآله............................ ٢٤٥

٤. موقف الصحابة العلمي المناقض لهذا الأصل........................... ٢٥٥

الروايات الدالة على افتعال معني الحرف السبعة بعد زمن الصحابة......... ٢٥٥

بعض الروايات الدالة على رفض السلف للمعنى الآخر للأحرف السبعة ... ٢٥٩

٥. تاريخ الكفار والمنافقين شاهد على بطلانها............................ ٢٦٣

٦. واقع المسلمين يكذب روايات الحرف السبعة........................... ٢٦٤

٧. فكرة ذهاب تلكالأحرف تستبعدها الأحداث التاريخية.................. ٢٦٥

٨. أهل البيت عليهم السلام وموقفهم من هذه الأحرف................... ٢٦٦

الأثر العلمي لمبدأ الحرف السبعة................................................ ٢٦٧

الشيعة الإمامية ومعنى الأحرف السبعة .......................................... ٢٧١

كلمات علماء الطائفة رضوان الله تعالى عليهم .................................... ٢٧١

التفسير مغرض!.............................................................. ٢٨٠

علل تغيير معنى مفهوم الأحرف السبعة .......................................... ٢٨٠

١. ابن مسعود وأهل الكوفة.............................................. ٢٨٠

٢. الأحرف السبعة وسيلة لتبرير اجتهادات الصحابة في نصوص القرآن........ ٢٨٠

٣. تبرئة ساحة ابن أبي سرح الأموي المحرف لكتاب الله عزوجل................ ٢٨٩

المبحث الثاني

جمع القرآن................................................................... ٢٩١

اولا : نظرة أهل السنة لجمع القرآن.............................................. ٢٩٢

الجمع الاول للقرآن............................................................ ٢٩٢

سببه........................................................................ ٢٩٢

الهدف منه................................................................... ٢٩٢

كيفيته...................................................................... ٢٩٣

ملاحظتان.............................................................. ٢٩٧

ذكر بعض من قال : إن مصحف أبي بك كان أكبر بستة أضعاف من مصحفنا...... ٣٠٤

الجمع الثاني للقرآن............................................................ ٣٠٧

سببه........................................................................ ٣٠٧

رحمة الله صارت نقمة..................................................... ٣٠٧

الهدف منه................................................................... ٣٠٩

كفيته....................................................................... ٣٠٩

اعترف علماء أهل السنة بإحراق عثمان لستة أضعاف القرآن.................. ٣١٠

هل كان المصحف العثماني مجرد نسخة عن مصحف أبي بكر؟...................... ٣١٦

اعتراضات................................................................... ٣١٨

١. القرآن يثبت بخبر الواحد!............................................. ٣١٨

بدأت عدة التأويل بالعمل!............................................ ٣٢٣

رواية صحيح البخاري من تأليف الزنادقة عند ابن حزم!.................... ٣٢٨

٢. كيف يوثق بجمع سقط منه قرآن مدة ثلاث عشرة سنة!................... ٣٢٨

إمامهم الآلوسي يهون أمر ضياع الآيات................................. ٣٣١

٣. عملية الجمع وشخص زيد مطعون فيهما!............................... ٣٣٤

الروايات............................................................. ٣٣٦

زيد بن ثابت في الميزان................................................. ٣٤٠

٤. التهاون في توقيفية السور والآيات!..................................... ٣٤٥

التهاون في توقيفية السور............................................... ٣٤٦

التهاون في توقيفية الآيات.............................................. ٣٤٨

الجمع زمن عمر.................................................... ٣٤٨

الجمع زمن عثمان.................................................. ٣٤٩

زيد بن ثابت العبقرية لنفسه!........................................ ٣٥٠

النتيجة.............................................................. ٣٥١

٥. في المصحف المجموع لحن!!............................................ ٣٥٢

٦. إحراق عثمان للمصاحف أضاع ستة أمثال القرآن........................ ٣٥٣

التحريف ثابت على كلتا النظرتين بلا فرق........................................ ٣٥٣

في رأي جمهور السلف والخلف.................................................. ٣٥٣

على نظرة المؤولفين............................................................ ٣٥٧

ثانيا : الشيعة الإمامية وجمع القرآن.............................................. ٣٥٩

الشيعة وأول من جمع القرآن.................................................... ٣٦٠

القول بأن أول جمع للقرآن كان في زمن أبي بكر لا يصح...................... ٣٦٢

١. تضارب الروايات التي تحكي جمعهم الأول............................. ٣٦٣

٢. اهتمامه صلى الله عليه وآله بجمع القرآن.............................. ٣٦٣

٣. كانوا يعملون على جمع القرآن في عصر النبوة.......................... ٣٦٦

روايات أهل السنة في ختم الصحابة للقرآن في عصر النبوة............... ٣٦٧

أقوال علماء أهل السنة في ختم القرآن في عصر النبوة................... ٣٧٢

٤. بعض الصحابة أتموا جمع القرآن في عصرالنبوة.......................... ٣٧٤

٥. المصحف موجود في عصر النبوة..................................... ٣٧٥

أقوال أهل السنة في أن القرآن جمع في عصر النبوة...................... ٣٨٣

أول من جمع قرآنا بعد وفاته صلى الله عليه وآله ............................. ٣٥٩

بماذا تميز مصحف أمير المؤمنين عليه السلام.............................. ٣٩٩

المشكلة في التنزيل!.................................................... ٤٠٠

بعض كلمات الشيعة في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام.............. ٤٠٢

بعض الروايات.......................................................... ٤٠٦

النتيجة.............................................................. ٤١١

الشيعة والجمع الثاني للقرآن..................................................... ٤١٣

سبب هذا الجمع؟....................................................... ٤١٣

منذ متى بدأ التلاعب في كتاب الله؟..................................... ٤١٦

من أول من دعا لتوحيد المصاحف؟..................................... ٤١٦

الهدف منه.............................................................. ٤٢١

كيفيته................................................................. ٤٢١

خلاصة نظرة الشيعة في الجمعين .......................................... ٤٣٠

زبد المخاض............................................................. ٤٣١

الملاحق

ملحق رقم (١)............................................................... ٤٣٤

ملحق رقم (٢)............................................................... ٤٣٧

ملحق رقم (٣)............................................................... ٤٥٥

ملحق رقم (٤)............................................................... ٤٦٦

ملحق رقم (٥)............................................................... ٤٦٩

ملحق رقم (٦)............................................................... ٤٧٣

ملحق رقم (٧)............................................................... ٤٧٧

ملحق رقم (٨)............................................................... ٤٨١

إعلام الخلف - ١

المؤلف: صادق العلائي
الصفحات: 501
  • المقدمة 9
  • التشويه العقائدي مستمر! 9
  • لماذا الكتابة في تحريف القرآن 12
  • تحريف القرآن تشويه واستغفال للعوام! 14
  • الاستدراج والخداع في النقاش الوهابي! 15
  • آخر العلاج ، هذا الكتاب! 18
  • ماذا في الكتاب 19
  • الفصل الأول
  • الشيعة الإمامية وتحريف القرآن
  • التهمة القديمة المتهالكة! 25
  • الشذوذ عن فكر المذهب 25
  • أسس افترق بها هذا التيار المحدث عن فكر المذهب 27
  • من هم القائلون بالتحريف؟ 33
  • كيف توصلوا التلك الفجيعة؟ 33
  • 1. تأويلهم للآيات النافية للتحريف 34
  • 2. تأويلهم لروايات النافية للتحريف 36
  • تنكيل مراجع الشيعة وأكابرهم بمن شذ وقال بتحريف القرآن 41
  • أين الإقتراء إذن؟! 46
  • هل القول بتحريف القرآن يستوجب الكفر؟ 63
  • مناقشة أسباب التكفير 65
  • السبب الأول : القول بتحريف القرآن يلزم منه تكذيب الله عزوجل فيما أخبر به في كتابه   65
  • الأمر الأول : عدم حجية الظاهر عندهم 66
  • الأمر الثاني: قالوا بعدم دلالة ظاهر الآيتين على المطلوب 67
  • السبب الثاني : خالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة 67
  • المقدمة الأولى : ما هو ضابط كون الشيء معمولا من الدين بالضرورة؟ 67
  • المقدمة الثانية : هل يكفر المسلم بمجرد إنكاره للضروري أم بقيد وشرط؟ 68
  • السبب الثالث : خالف ما هو مجمع عليه 74
  • ملاحظة 74
  • كلمات أهل السنة في أن خارق الإجماع لا يكفر 76
  • كلمات أهل السنة في عدم كفر من أنكر سور وآيات القرآن باجتهاد منه 85
  • هل هناك شبهة قوية دعت للقول بتحريف القرآن؟! 93
  • نظرة في روايات التحريف عند الشيعة 94
  • كلمة حول مصادر تلك الروايات 96
  • دلالة أغلب تلك الروايات 102
  • الوهابية والخيال المتناقض! 109
  • ما يدل من الروايات على أن المقصود من التنزيل هو التفسير 111
  • 1. من روايات الشيعة والوقائع التاريخية 111
  • 2. من روايات أهل السنة 127
  • كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في التنزيل 131
  • أولا : كلمات أعلام الشيعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين 131
  • ثانيا: كلمات أعلام أهل السنة 145
  • ما فعل التنزيل وما فعل به! 155
  • القرآن حرف! 158
  • الرواية والاعتقاد بمضمونها 161
  • ملاحظة: الكليني رضوان الله تعالى عليه لا يقول بتحريف القرآن 163
  • تنبيه 168
  • أقوال مراجع الطائفة القضاء الحتم والقول الفصل 170
  • كلمات المراجع عليهم رضوان الله ورحمته 170
  • المنصفون من أهل السنة ينفون هذه الفرية عن الشيعة 196
  • كذب ابن حزم والوهابية! 202
  • التقية ، الورقة الأخيرة! 208
  • ختام البداية! 210
  • الفصل الثاني
  • أهل السنة وتحريف القرآن
  • القسم الأول
  • تحريف القرآن غير الصريح 213
  • المستفاد من نتيجة البحث في علوم القرآن 213
  • المبحث الأول
  • الأحرف السبعة 215
  • أهل السنة ومعنى الأحرف السبعة 216
  • ما هي الأحرف السبعة؟ 216
  • السبب في إبهام ماهية الأحرف السبعة 216
  • المحور الأول : اختلاف الروايات في عدد الأحرف 217
  • المحور الثاني: التضارب في معني الحرف 217
  • المعني الأول : نزول آيات القرآن على سبعة أشكال مترادفة في المعني 220
  • المعني الثاني: الآيات القرآنية مدارها على سبعة مضامين 222
  • المحور الثالث: التضارب في مدلول نفس الروايات المتفقة في المعني 223
  • بيان التضارب فيما ذكرناه من الروايات 224
  • کلماتهم في معنی الأحرف السبة 227
  • كلماتهم بعض المتخبطين 227
  • كلمات بعض من تحرز الدخول في المزلقة 230
  • سيرا مع الجمهور 233
  • أقوال بعض علماء أهل السنة في المعني المشهور للأحرف السبعة 235
  • علة تشريع الأحرف السبعة 239
  • الأمة لا تطيق القرآن إلا على سبعة أحرف! 239
  • الأحرف السبعة في الميزان 241
  • أدلة بطلان مقولة الأحرف السبعة 242
  • 1. لا دليل يمكن التمسك به لإثبات هذا الأصل 242
  • 2. المعارضة لصريح القرآن 243
  • 3. معارضة لسيرة المصطفى صل الله عليه وآله 245
  • 4. موقف الصحابة العلمي المناقض لهذا الأصل 255
  • الروايات الدالة على افتعال معني الحرف السبعة بعد زمن الصحابة 255
  • بعض الروايات الدالة على رفض السلف للمعنى الآخر للأحرف السبعة ... 259
  • 5. تاريخ الكفار والمنافقين شاهد على بطلانها 263
  • 6. واقع المسلمين يكذب روايات الحرف السبعة 264
  • 7. فكرة ذهاب تلكالأحرف تستبعدها الأحداث التاريخية 265
  • 8. أهل البيت عليهم السلام وموقفهم من هذه الأحرف 266
  • الأثر العلمي لمبدأ الحرف السبعة 267
  • الشيعة الإمامية ومعنى الأحرف السبعة 271
  • كلمات علماء الطائفة رضوان الله تعالى عليهم 271
  • التفسير مغرض! 280
  • علل تغيير معنى مفهوم الأحرف السبعة 280
  • 1. ابن مسعود وأهل الكوفة 280
  • 2. الأحرف السبعة وسيلة لتبرير اجتهادات الصحابة في نصوص القرآن 280
  • 3. تبرئة ساحة ابن أبي سرح الأموي المحرف لكتاب الله عزوجل 289
  • المبحث الثاني
  • جمع القرآن 291
  • اولا : نظرة أهل السنة لجمع القرآن 292
  • الجمع الاول للقرآن 292
  • سببه 292
  • الهدف منه 292
  • كيفيته 293
  • ملاحظتان 297
  • ذكر بعض من قال : إن مصحف أبي بك كان أكبر بستة أضعاف من مصحفنا 304
  • الجمع الثاني للقرآن 307
  • سببه 307
  • رحمة الله صارت نقمة 307
  • الهدف منه 309
  • كفيته 309
  • اعترف علماء أهل السنة بإحراق عثمان لستة أضعاف القرآن 310
  • هل كان المصحف العثماني مجرد نسخة عن مصحف أبي بكر؟ 316
  • اعتراضات 318
  • 1. القرآن يثبت بخبر الواحد! 318
  • بدأت عدة التأويل بالعمل! 323
  • رواية صحيح البخاري من تأليف الزنادقة عند ابن حزم! 328
  • 2. كيف يوثق بجمع سقط منه قرآن مدة ثلاث عشرة سنة! 328
  • إمامهم الآلوسي يهون أمر ضياع الآيات 331
  • 3. عملية الجمع وشخص زيد مطعون فيهما! 334
  • الروايات 336
  • زيد بن ثابت في الميزان 340
  • 4. التهاون في توقيفية السور والآيات! 345
  • التهاون في توقيفية السور 346
  • التهاون في توقيفية الآيات 348
  • الجمع زمن عمر 348
  • الجمع زمن عثمان 349
  • زيد بن ثابت العبقرية لنفسه! 350
  • النتيجة 351
  • 5. في المصحف المجموع لحن!! 352
  • 6. إحراق عثمان للمصاحف أضاع ستة أمثال القرآن 353
  • التحريف ثابت على كلتا النظرتين بلا فرق 353
  • في رأي جمهور السلف والخلف 353
  • على نظرة المؤولفين 357
  • ثانيا : الشيعة الإمامية وجمع القرآن 359
  • الشيعة وأول من جمع القرآن 360
  • القول بأن أول جمع للقرآن كان في زمن أبي بكر لا يصح 362
  • 1. تضارب الروايات التي تحكي جمعهم الأول 363
  • 2. اهتمامه صلى الله عليه وآله بجمع القرآن 363
  • 3. كانوا يعملون على جمع القرآن في عصر النبوة 366
  • روايات أهل السنة في ختم الصحابة للقرآن في عصر النبوة 367
  • أقوال علماء أهل السنة في ختم القرآن في عصر النبوة 372
  • 4. بعض الصحابة أتموا جمع القرآن في عصرالنبوة 374
  • 5. المصحف موجود في عصر النبوة 375
  • أقوال أهل السنة في أن القرآن جمع في عصر النبوة 383
  • أول من جمع قرآنا بعد وفاته صلى الله عليه وآله 359
  • بماذا تميز مصحف أمير المؤمنين عليه السلام 399
  • المشكلة في التنزيل! 400
  • بعض كلمات الشيعة في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام 402
  • بعض الروايات 406
  • النتيجة 411
  • الشيعة والجمع الثاني للقرآن 413
  • سبب هذا الجمع؟ 413
  • منذ متى بدأ التلاعب في كتاب الله؟ 416
  • من أول من دعا لتوحيد المصاحف؟ 416
  • الهدف منه 421
  • كيفيته 421
  • خلاصة نظرة الشيعة في الجمعين 430
  • زبد المخاض 431
  • الملاحق
  • ملحق رقم (1) 434
  • ملحق رقم (2) 437
  • ملحق رقم (3) 455
  • ملحق رقم (4) 466
  • ملحق رقم (5) 469
  • ملحق رقم (6) 473
  • ملحق رقم (7) 477
  • ملحق رقم (8) 481