تصدير

ـ ١ ـ

نحن مع الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، وحفيد عبد المطلب ابن هاشم سيد قريش وزعيمها وعلمها المشهور.

والده أبو طالب ، كانت شريفا عظيما ، اشتغل بالتجارة في الجاهلية ، ولما مات أبوه ورث عنه السقاية والرفادة ، وهو الذي كفل ابن أخيه محمداً صلوات الله عليه ، وشمله بالرعاية والعون والتأييد ، ولما تعاهدت قريش على : مقاطعة بني هاشم وبني المطلب قال :

ألا أبلغا عني ـ على ذات بينها ـ

لؤيا وخصا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبياً كموسى خط في أول الكتب

أفيقوا أفيقوا قبل ان تحفر الزبى

ويصبح من لم يجن ذنباً كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا

أواصرنا بعد المودة والقرب

وتستجلبوا حربا عوانا وربما

أمر على من ذاقه حلب الحرب

فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا

لعزاء من عض الزمان ولا كرب

وظل كذلك إلى أن توفاه الله.

اما والدته فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد المناف ، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا. أسلمت وهاجرت إلى المدينة وماتت في حياة الرسول.


وعلي هو خليفة المسلمين بعد عثمان ؛ وابن عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، وزوج ابنته ، ووالد الحسن والحسين رضوان الله عليهما ، ورابع الخلفاء الراشدين ، وإمام الخطباء من المسلمين بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقد والد ; بمكة بعد مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم باثنتين وثلاثين سنة ( وقبل البعثة بثمان سنين ).

ونشأ بها النشأة العالية ، في كفالة الرسول كأحد أولاده ، ذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم كان متزوجا خديجة ، وكانت ذات مال كثير ، وكان الرسول يتجر فيه فحصل له ربح وفير ، فلما أصيبت قريش بالقحط والمجاعة ، قال الرسول لعمه العباس : « إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، والناس فيما ترى من الشدة ، فانطلق بنا فلنخفف من عياله : تأخذ أنت واحدا وأنا واحدا » وكان لأبي طالب من الذكور أربعة أولاد ، كل واحد بينه وبين الذي يليه عشر سنين ، وكان أسنهم طالبا ، فعقيلا ، فجعفراً ، فعليا ؛ فلما جاء الاسلام أسلم علي فجعفر فعقيل ، أما طالب فمات على الكفر كأبيه ، وكان إسلام علي وهو صغير في السنة الثامنة أو العاشرة من عمره قبل أن يتدنس بشيء من رجس الجاهلية ولذلك قيل فيه : « كرم الله وجهه » لأنه لم يسجد لصنم قط.

ولما علم أبوه بإسلامه وصلاته مع الرسول قال له « أي بني : أي شىء الذي أنت عليه » ؟ قال : « يا أبت آمنت بالله ورسوله ! وصدقت ما جاء به واتبعته ».

فقال له « أما إنه لم يدعك إلا إلى الخير فالزمه ».

وكان ذا منزلة سامية عند الرسول صلّى الله عليه وسلّم والصحابة والمسلمين كافة.

كان على جانب كبير من التقوى ، وكان أوفرهم نصيبا وأكرمهم مدداً من الرسول ، ولهذا كانت اليه الفتوى في حياة الرسول وبعده ، حتى ضرب به المثل بعد وفاة الرسول فقيل : « قضية ولا أبا حسن لها ». قال عبد الله بن عباس : « قسم علم الناس على خمسة أجزاء فكان لعلي منها أربعة ولسائر الناس جزء شاركهم فيها فكان أعلمهم به ». وقال عبد الله بن مسعود : « كان علي رضى


الله عنه أفرض أهل المدينة وأقضاهم ». يريد أعلمهم بعلم الميراث والفصل في القضايا بين الناس. ومن دلائل عبقريته أنه كان يسأل عن الأمور المشكلة فيجيب فيها على البديهة ويحل مشكلات المسلمين الدينية والاجتماعية ، وكان بطلا مقداما ، وفارسا شجاعا ، وعلما من أعلام الاسلام ، كما كان خطيبا مصقعا ، وبليغا مفوها ، ومستشاراً مؤتمناً عند أبى بكر وعمر رضوان الله عليهما.

وجهاد علي رضوان الله عليه في نشر الدعوة في حياة الرسول الكريم ذائع مشهور.

وتعلمون موقفه الخالد ليلة الهجرة ، وكيف نام في الموضع الذي ينام فيه الرسول ليلة الهجرة ليفدي الرسول ، ويضمن نجاح هجرته مع أنه كان يعلم ما يترقبه من قتل وتعذيب.

ثم هاجر إلى المدينة وأقام فيها مع الرسول الكريم ، يكمل ثقافته الدينية بما يتلقاه من الرسول ، وكان من كتاب الوحي ، واشترك في غزواته ومشاهده ما عدا غزوة تبوك.

وتوفى رسول الله صلوات الله وولي الخلافة أبو بكر بعده فحنق كثير من المسلمين ، ولكن عليا كان كريما رائع التضحية وما يضر به من المثل العظيمة ، فوقف مع أبي بكر يشد أزره ؛ ويسند ظهره ، ويشير عليه في المشكلات ، وتوفى أبو بكر وتولى الخلافة عمر ، فكان علي له ظهيراً معينا ، كان يشير عليه بالصواب والرشد إذا تفاقمت الأمور واشتدت الخطوب.

ثم قام عثمان بعد عمر بالخلافة فبايعه علي وظل يعاونه إلى أن تفاقمت الأمور وقامت الثورة على عثمان ومات فيها قتيلا ، ويروي أن عثمان كتب إلى علي وهو محاصر في داره رسالة جاء فيها :

أما بعد :

فقد بلغ السيل الزبى ، وجاوز الحزام الطبيين ، وطمع في من لا يدفع عن نفسه ، ولم يغلبك مثل مغلب ، فأقبل إلي صديقاً كنت أو عدواً :


فان كنت مأكولا فكن خير آكل

وإلا فادركني ولما امزق

فبعث اليه بابنيه : الحسن والحسين يدافعان عنه. ولكنهما لم يستطيعا مقاومة الجماهير الثاثرة فقتل عثمان.

وبويع علي بالخلافة بعد عثمان على كره منه سنة ٣٥ ه‍ فأخذ معاوية بن أبي سفيان يؤلب بني أمية عليه لأنه لم يأخذ بدم عثمان ، وقد كان الثوار يوم بويع لعلي مجتمعين ولم تغمد سيوفهم ، فرأى 2 أن الحكمة تركهم حتى تخمد نار الفتنة وتتم البيعة ، ورأى معاوية أنه يجب الأخذ بدم عثمان قبل الشروع في البيعة ، وانضم إليه في هذا أهل الشام وطائفة من أهل مصر والعراق.

قضى ; في الخلافة نحو خمس سنوات من ذي الحجة عام ٣٥ ه‍ إلى رمضان عام ٤٠ ه‍.

وقد كانت الأحداث التي وقعت في خلافته أحداثا عظيمة جعلته في كفاح دائم وحروب مستمرة.

وخرجت عليه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بالبصرة ومعها طلحة والزبير ، ومعركة الجمل مشهورة ثم استمرت الحروب بينه وبين معاوية بن أبي سفيان سجالا ، ومنها موقعة صفين ثم كان أمر التحكيم الذي قبله عليٌّ على كره منه ، وخدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري فيه.

ثم انتهى الأمر بقتل الخوراج لعلي بيد عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، بالكوفة في السابع عشر من رمضان عام ٤٠ ه‍ ودفن بها وعمره ثلاثة وستون عاما وتولى بعده ابنه الحسن خلافة المسلمين ثم تنازل عنها لمعاوية عام ٤١ ه‍.


ـ ٢ ـ

وللإِمام علي كتاب نهج البلاغة وهو كتاب رائع مشهور وسفر جليل ، وأثر أدبي خالد ، بعد كلام الله وكلام رسوله.

جمع فيه الشريف الرضي م ٤٠٦ ه‍ كل ما ينسب للإمام علي من خطب ووصايا ونصائح وحكم وأمثال وموعظ وآراء ومحاورات ورسائل وعهود ، وقيل إن الذي قام بجمعه هو الشريف المرتضى م ٤٣٦ ه‍.

والشيعة على أن الكتاب بجملته وتفصيله لأمير المؤمنين علي ، وذهب بعض الباحثين إلى انه منحول مفترى عليه.

أما حجج الذين ينفون نسبته عن علي فأهمها :

١ ـ أن في الكتاب أقوالا شديده اللهجه في حق بعض الصحابة كما في الخطبة الشقشقية ولكن بعض الباحثين يؤيدون نسبة هذه الخطبة إليه.

٢ ـ ما في الكتاب من أفكار عميقة واصطلاحات صوفية متأخرة.

واصطلاحات كلامية أيضا لم توجد فيه عصره.

٣ ـ ما في بعض رسائل الكتاب من طول كثير مما يدع للشك مجالا في صحة نسبتها إلى الإمام علي كما في عهد علي إلى الأشتر النخعي.

٤ ـ خلو الكتاب المؤلفة قبل الشريف الرضي من كثير مما في نهج البلاغة وقد ذهب كثير من الباحثين إلى نسبة الكتاب لعلي.

ولكن مما لا ريب أن بعضا مما في الكتاب منتحل مدخول ، لا تصح نسبته إلى الإمام ، هذا وقد تثقف بثقافة نهج البلاغة كثير من عاشقي الأدب ودارسيه في القديم والحديث. ولم يزل إلى اليوم من أهم كتب الأدب والثقافة الدينية والعربية.

والكتاب عالي الأسلوب فخم العبارة ، مصقول البيان ! لطيف الروح ، ينحدر إلى النفس بسهوله.


وموضوعات الكتاب كما يقول الرضي ثلاثة : اولها الخطب والأوامر ، وثانيها ، الكتب والرسائل ، وثالثها الحكم والمواعظ.

ويمتاز مع ذلك بطوله وضخامته وبأهمية ما فيه من آراء في الاخلاق والسياسة والدين والاجتماع وبأنه ثروة فكرية وأدبية واسعة.


ـ ٣ ـ

والإمام علي كرم الله وجهه في الدروة من البلاغة والفصاحة والبيان وهو أخطب الخطباء بعد رسول الله صلوات الله ولذلك أسباب :

١ ـ أسرته وبيئته ومكانهما في البلاغة.

٢ ـ تأثره ببلاغة القرآن والرسول.

٣ ـ كانت حياته كلها كفاحا وجهادا ونضالا وهذا من أهم ما يبعث على الخطابة ويدعو إليها.

٤ ـ نشأته وطبعه من صغره على البيان واللسن والفصاحة.

٥ ـ قوة عارضته ، وحدة ذكائه وعبقريته ، وجليل شخصيته وحبه الصراحة والرأي الواضح. وكل ذلك مما يبعث الخطابة ويعين عليها.

وتمتاز خطابته بخصائص كثيرة من اهمها :

١ ـ تمثيلها لحياته وشخصيته وآرائه وعقيدته في الحياة.

٢ ـ بلاغة أسلوبه وإحكامه وإشراقه واستمداده من أسلوب الذكر الحكيم والبلاغة النبوية الشريفة.

٣ ـ دقة معانيه وإحكامها وترتيبها وجلالها وعظمة الروح فيها وعلو الأفق مما لا يكون إلا لمثل علي كرم الله وجهه.

٤ ـ جزالة ألفاظه إذا استثنينا منها هذه الألفاظ الاصطلاحية الكثيرة. ويقول فيه الرضي :

كان أمير المؤمنين علي 7 مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ؛ ومنه 7 ظهرت مكنونها ، وعنه أخذت قوانينها ... من أجل هذا كان إذا خطب فهو أخطب العرب بعد رسول الله ، وإذا كتب كان أبلغ الناس قولا وأصدقهم وصفا وأسيرهم مثلا 2.

ومعاني الخطابة عند الإمام علي لا تخرج عما علمت من الحكمة والصدق والحق والخير والطهر.


وهي مع ذلك مرتبة منظمة صادرة عن عقلية موهوبة مهذبة مثقفة.

فضلا عن دقتها وعمقها ووضوحها وجلالها وتأثيرها ؛ وكان الإمام ينهل هذه الحكمة من القرآن الشريف والحديث النبوي الخالد.

وسمو الروح ، وعظمة الإيمان ؛ وقوة العقيدة وجلال الغاية كل هذه خصائص ظاهرة لمعاني الخطابة عند الإِمام ؛ وخطبه كلها مرتبطة الأجزاء سليمة المنطق ؛ مرتبة مهذبة واضحة ولاغرو فقد كان عصر الإِمام هو عصر الخطابة والبلاغة وقد امتاز هذا العصر بكثرة الخطباء البلغاء كثرة رائعة عجيبة.

وفي صدر الخطباء الخطيب الأول والإمام الأكبر والزعيم الروحي الأعظم محمد صلوات الله عليه ، ومن الخطباء ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وخالد وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، ومعاوية ؛ وسواهم من أعلام الخطباء والبلغاء ، رضوان الله عليهم أجمعين ومن الخطباء المشهورين ، عطارد بن حاجب بن زرارة وكان الخطيب عند النبي صلّى الله عليه وسلّم كما يقول الجاحظ (١).

__________________

(١) ٢١٤ ح‍ ١ البيان والتبيين.


ـ ٤ ـ

وهذه بعض الآثار من كلام الإمام علي كرم الله وجهه :

١ ـ قال 7 قبل موته :

أنا بالأمس صاحبكم ، واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم ، إن أبق فانا ولي دمي ، وإن أفن فالفناء ميعادي ، وإن أغفر فالعفو لي قربة ؛ وهو لكم حسنة.

فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله ما فجأني من الموت وارد كرهته ، ولا طالع أنكرته وما كنت إلا كقارب ورد. وطالب وجد وما عند الله خير للأبرار.

ومن دعائه 7 :

اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك ، أو أضل في هداك ، أو أضام في سلطانك ، أو أضطهد والأمر لك.

٢ ـ وقال من وصية لولده محمد ، ابن الحنفية حين أعطاه الراية يوم الجمل :

« تزول الجبال ولا تزل. عض على ناجذك (١) أعر الله جمجمتك (٢) تدفي الأرض قدمك (٣) ارم ببصرك أقصى القوم ، وعض بصرك ؛ واعلم أن النصر بيد الله سبحانه ».

٣ ـ ومن كلامه 7 يصف بيعته بالخلافة ويرد على من زعم أن البيعة له أخذت قسرا.

بسطتم يدي فكففتها ؛ ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم على تداك الإبل الهيم (٤) على حياضها يوم ورودها ، حتى انقطعت النعل وسقط الرداء وبلغ من سرور الناس بيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير وهدج (٥) ، إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل وحسرت إليها الكعاب.

__________________

(١) أي احرص على أن يكون الأمر لك.

(٢) أي لا تشعر نفسك أن رأسك الآن لك بل أعرها الله جل ذكره وهذا آثر قول في الاستهانة بالنفس يوم الروع.

(٣) تدفعل أمر من وتد ـ بفتح التاء ـ الوند ثبته.

(٤) تداككتم تزاحمتم والهيم جمع هيماء وهي التي برح بها العطش.

(٥) هدج مشي مشية ضعف.


٤ ـ ومن كلامه في التحريض على القتال لما أغار سفيان الأسدي عن الأنبار ، قتل عامله عليها :

حمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال : أما بعد : فان الجهاد باب من ابواب الجنة فمن تركه رغبة عنه (١) ألبسه الله الذل ، وسيماء (٢) الخسف (٣) وديث بالصغار (٤) وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا ونهاراً ، وسرا وإعلاناً وقلت لكم اغزوهم من قبل أن يغزوكم ، فو الذي نفسي بيده ما غزى قوم قط في عقر (٥) دارهم إلا ذلوا ؛ فتخاذلتم وتواكلتم ، وثقل عليكم قولي ، واتخذتموه وراءكم طهريا حتى شنت عليكم الغارات (٦).

هذا أخو غامد قد بلغت خيله الأنبار ، وقتل حسان البكري ، وأزال خيلكم عن مسالحها (٧) وقتل منكم رجالا صالحين. وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، والأخرى المعاهدة ، فينزع حجلها وقلبها ورعاثها (٨) ، ثم انصرفوا موفورين (٩) ، ما نال رجلا منهم كلم (١٠) ولا أريق لهم دم. فلو أن رجلا مسلما مات من دون هذا أسفاً ما كان عندي فيه ملوما ، بل كان به عندي جديرا. يا عجباً كل العجب !! عجب يميت القلب ، ويشغل الفهم ، ويكثر الأحزان ، من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم ، وفشلكم عن

__________________

(١) رغب ( كفرح ) فيه أراده وعنه كرهه وليه ابتهل ، ورغب ( ككرم ) اشتد نهمه.

(٢) علامة.

(٣) الذل.

(٤) ديث : وصم ، والصغار الذل.

(٥) عقر : وسط.

(٦) قال المبرد : قوله شئت عليكم الغارات يقول صبت. يقال شننت الماء وكذلك فسرها صاحب القاموس المحيط.

(٧) جمع مسلحة وهي الثغر حيث يخشى طروق العدو.

(٨) الحجل : الخلخال ، القلب : السوار الرعات جمع رعثة وهي القرط.

(٩) تامين لم ينقص منهم أحد.

(١٠) جرح.


حقكم حتى أصبحتم غرضا ترمون ولا ترمون ، ويغار عليكم ولا تغيرون ، ويعصى الله فيكم وترضون ، إذا قلت اغزوهم في الشتاء قلتم هذا أوان قروصر (١) وإن قلت لكم اغزوهم في الصيف قلتم هذه حمارة (٢) القيظ. أنظرنا ينصرم الحر عنا ، فاذا كنتم من الحر والبرد تفرون ، فأنتم والله من السيف أفر ، يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا طغام (٣) الأحلام ، ويا عقول ربات الحجال (٤) والله لقد أفسدتم على رأيي بالعصيان ، ولقد ملأتم جوفي غيظاً حتى قالت قريش : ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا رأي له في الحرب لله درهم (٥) ومن ذا يكون أعلم به مني وأشد لها مراساً ، فو الله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيفت اليوم على الستين ، لكن لا رأي لمن لا يطاع ( يقولها ثلاثاً ) فقام إليه رجل ومعه أخوه ، فقال يا أمير المؤمنين : أنا وأخي هذا كما قال تعالى : ( رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ) فمرنا بأمرك ، فوالله لننتهين إليه ولو حال دونه جمر الغضى وشوك القتاد ، فدعا لهما بخير ، ثم قال لهما وأين تقعان مما أريد.

٥ ـ وهذه هي خطبته المشهورة المسماة : الخطبة الشقشقية :

أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إلى الطير ، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا ، وطفقت رتثي به بين أن أصول بيد جذاء (٦) أو أصبر على

__________________

(١) القر بالضم : ويوم فر بالفتح وليلة قرة كذلك باردة والقرة بالكسر البدر والرجل مقرور. والصر الريح الشديد كالصرصر.

(٢) حمارة القيظ شدته ومثلها صبارة الشتاء.

(٣) الطغام : السفلة من الناس والواحد طغامة.

(٤) الحجال جمع حجلة وهي الستر أي ذوات الخدور كناية عن النساء أو جمع حجل بكسر فسكون وهو الخلخال.

(٥) الدر : النفس ، واللبن ، العمل ، والمراد من نسبة الدر إلى الله بأحد هذه المعاني هو تعظيمه لأن الشيء إذا نسب إلى العظيم كان عظيما.

(٦) اليد الجذاء المقطوعة.


طخية عمياء (١) يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ، ثم تمثل بقول الأعشى :

شتان ما يومى على كورها

ويوم حيان أخي جابر (٢)

فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته ، اذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها فصيراها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، يكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة (٣) إن أشنق لها خرم وإن اسلس لها تقحم.

فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس ، وتلون واعتراض ، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله ، جعلها في جماعة (٤) زعم أني أحدهم فيالله وللشورى ، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكنى أسففت إذ أسفوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغا رجل منهم لضعنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون ما الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى ان انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وإلى كبت به بطنته ، فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلى ، ينثالون على من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول :

__________________

(١) الطخية قطعة من الغيم والسحاب.

(٢) كان حيان بن السمين نديما للأعشى وهو في هذا البيت يشكون تفاوت ما بينه وبينه فهو يسير في الرمضاء على كور ناقته بينا نديمه يقيم في رفاهة العيش.

(٣) الصعبة من النياق التي لم تركب لم ترض وأشنق الرجل ناقته إذا كفها بالذمام ، وخرم أي قطع انفها.

(٤) هؤلاء الجماعة أهل الشورى هم : علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف.


( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ).

بل والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنهم حلت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها ، أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم ، لالقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه عندي من عفطة عنز.

قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد ، عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا فأقبل ينظر فيه ، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما يا أمير المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت ! فقال هيهات يا ابن عباس ! تلك شقشقة (١) هدرت ثم قرت ، قال ابن عباس فو الله ما أسفت على كلام قط كأسفى على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين 7 بلغ منه حيث أراد.

هذا وينكر كثيرون هذه الخطبة لما تشتمل عليه من اتهام للخلفاء الثلاثة رضوان الله عليهم مما لا يصدر مثله عن أمير المؤمنين علي ; مع جلاله وعفته وتسامحه وفرط أدبه وفضله وكرمه.

٦ ـ ومن حكم الامام كرم الله وجهه.

إيمان المرء يعرف بايمانه. أدب المرء خير من ذهبه. أداء الدين من الدين. أحسن إلى المسيء تسد. إخوان هذا الزمان جواسيس العيوب. أخوك من واساك بنسب لا من واساك بنسب. بشر نفسك بالظفر بعد الصبر. بركة المال في أداء الزكاة ، بع الدنيا بالآخرة تربح. بكاء المرء من خشة الله تعالى قرة العين. باكر تسعد. بطن المرء عدوه. بركة العمر حسن العمل. بلاء الإنسان من اللسان بشاشة الوجه عطية ثانية. توكل على الله يكفك. تدارك في آخر العمر ما فاتك في أوله تكاسل المرء في الصلاة من ضعف الإيمان.

__________________

(١) الشقشقة ما مخرجة البعير من فيه إذا هاج.


تغافل عن المكروه توفر. ثلمة الدين موت العلماء. ثبات الملك بالعدل. ثواب الآخرة خير من نعيم الدنيا. ثناء الرجل على معطيه مستزيد. جد بما تجد. جولة البالطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة. جودة الكلام في الاختصار. جليس المرء مثله. جليس المرء غنيمة. جالس الفقراء تزد شكرا. جل من لا يموت. حياء المرء ستره. حموضات الطعام خير من حموضات الكلام. خف الله تأمن غيره. خالف نفسك تسترح. خير الأصحاب من يدلك على الخير. خليل المرء دليل عقله. خوف الله يجلو القلب. خلو القلب خير من ملء الكيس. خير المال ما انفق في سبيل الله. دليل عقل المرء فعله ودليل علمه قوله. دوام السرور برؤية الإخوان دولة الأرذال آفة الرجال. دين الرجل حديثه. دولة الملوك في العدل. دار من جفاك تخجيلا. دم على كظم الغيظ تحمد عواقبك. ذنب واحد كثير ذكر والف طاعة قليل. ذكر الأولياء ينزل الرحمة. ذليل الخلق عزيز عند الله. ذكر الموت جلاء القلب. ذكر الشباب حسرة. رؤية الحبيب جلاء العين. رفاهية العيش في الأمن. رسول الموت الولادة. زيارة الحبيب إطراء المحبة. زوايا الدنيا مشحونة بالرزايا. زيارة الضعفاء من التواضع. زينة الباطن خير من زينة الظاهر. سيرة المرء تنبى عن سريرته. سمو المرء التواضع. شين العلم الصلف. شمروا في طلب الجنة. شيبك تاعيك. شحيح غنى أفقر من فقير سخي. صدق المرء نجاته. صحة البدن في الصوم. الصبر يورث الظفر. صلاة الليل بهاء النهار. صلاح الإنسان في حفظ اللسان. صاحب الأخيار تأمن الأشرار. صمت الجاهل ستره. صلاح الدين في الورع وفساده في الطمع. ضل سعى من رجا غير الله تعالى. ضرب الحبيب أوجع. ضل من ركن إلى الأشرار. طاب من وثق بالله. طلب الأدب أولى من طلب الذهب. ظلم المرء يصرعه ظلامة المظلوم لا تضيع. ظمأ المال أشد من ظمأ الماء. ظل عمر الظالم قصير وظل عمر الكريم فسيح. عش قنعا تكن ملكا. عيب الكلام تطويله. عاقبة الظالم وخيمة. غدرك من ذلك عل الإساءة. فاز من ظفر بالدين. فخر المرء بفضله اولى من فخره بأصله. فاز من سلم من شر نفسه. فسدت نعمة من كفرها. قبول الحق من الدين ، كلام الله دواء القلب. كفران النعمة مزيلها. كفى


بالشيب داء. كمال العلم في الحلم. لين الكلام قيد القلوب. من كثر كلامه كثر ملامه. مجلس العلم روضة من رياض الجنة. مصاحبة الأشرار ركوب البحر. نسيان الموت صدأ القلب. نم آمنا تكن في أمهد الفرش. نضرة الوجه في الصدق. ولاية الأحمق سريعة الزوال. وحدة المرء خير من جليس السوء. هم السعيد آخرته وهم الشقي دنياه. هلاك المرء في العجب. هربك من نفسك أنفع من هربك من الأسد. لا دين لمن لا مروءة له. لا فقر للعاقل. يعمل النهام في ساعة فتنة أشهر. يسود المرء قومه بالإحسان إليهم.

٧ ـ ومن روائع الحكم ودرر الكلم من كلام علي بن أبي طالب : الدين يعصم. الدنيا تسلم ، الصيانة رأس المروءة. الحق سيف قاطع. العجب عنوان الحماقة. البشاشة حبل المودة. الارتقاء إلى الفضائل صعب. الانحطاط إلى الرذائل سهل. السكوت عن الأحمق جوابه. إمام عادل خير من مطر وابل. المحسن حي وإن نقل إلى منازل الأموات. العاقل إذا سكت فكر وإذا نطق ذكر وإذا نظر اعتبر. الداعي بلا عمل كالقوس بلا وتر. إعجاب الرجل بنفسه عنوان ضعف عقله ، أحسن الجود عفو بعد مقدرة ، بركوب الأهوال تكسب الأموال ، بالسخاء يستر العيوب ، تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه ، ثوب التقى أشرف الملابس ، ثوب الآخرة ينسى مشقة الدنيا ، ثروة العاقل في علمه وثروة الجاهل في ماله ، ثلاث يوجبن المحبة الدين والتواضع والسخاء. جهاد النفس أفضل الجهاد. حسن الأدب يستر قبح النسب. حلاوة الظفر تمحو مرارة الصبر. حد اللسان يقطع الأوصال. خير الثناء ما جرى على ألسنة الأخيار. دوام الفتن من أعظم المحن. رب سكوت أبلغ من كلام. زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق معها غيرها. زخارف الدينا تفسد العقول الضعيفة. سلاح اللئام قبل الكلام. سمع الأذن لا ينفع مع غفلة القلب. شر الناس من لا يبالي أن يراه الناس. مسيئا شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما الشباب والعافية صمتك حتى تستنطق أجمل من نطقك حتى تسكت. صوم النفس عن لذات الدنيا أفضل الصيام. صدر العاقل صندوق سره. ضع فخرك واحطط كبرك وكما تزرع تحصد وكما تدين تدان. ضعف البصر لا يضر مع استنارة البصير. طوبى لمن غلب نفسه ولم تغلبه ومن


ملك هواه ولم يملكه. طلب الثناء بغير استحقاق خرق. ظن العاقل أصح من يقين الجاهل. ظرف الرجل تنزهه عن المحارم ومبادرته إلى المكارم. عليك بالآخرة تأتك الدنيا صاغرة. عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

عجيب لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء. عجيب لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه. عبد الشهوة أذل من عبد الرق. عبد المطامع أسير لا يفك أسره. عاشر أهل الفضائل تنبل. عداوة الأقارب أمس من لسع العقارب. غاية المعرفة أن يعرف المرء نفسه. غنى المؤمن بالله. غنى العاقل في حكمته. غنى الجاهل في قنيته. في الذكر حياة القلوب. في رضا الله نيل المطلوب. في الدنيا عمل ولا حساب وفي الآخرة الحساب ولا عمل. في الاستشارة عين الهداية. فقد البصر أهون من فقد البصيرة. قد يبعد القريب. قد يلين الصليب. قلة الاكل تمنع كثيراً من اعلال الجسم. قل الحق وإن كان عليك. قليل الحق يدفع كثير الباطل كما أن قليل النار يحرق كثير الحطب. كل طير يأوي إلى شكله ، كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا العلم فإنه يتسع ، كم يفتح بالصبر من غلق. كيف ينجو من الله هارب. كيف يسلم من الموت طالبه ، كن عالما ناطقا أو مستمعا واعيا ، كلام الرجل ميزان عقله ، كلما قاربت أجلا فاحسن عملا ، ليس من عادة الكرام تأخير الإِنعام ، للشدائد تدخر الرجال ، من توفر وقر ، ومن تكبر حقر ، من استشار العاقل ملك ، من استبد برأيه هلك ، ما حقر نفسه إلا عاقل. ما أعجب برأيه إلا جاهل ، نعم الإدام الجوع ، هدى من أطاع ربه ، وخاف ذنبه ، هلك امرؤ لا يعرف قدره ، هانت عليه نفسه من أمر عليه لسانه ، وقروا كباركم توقركم صغاركم ، وقار الشيب أجمل من نضارة الشباب ، لا تثقن بعهد من لا دين له ، لا تعد ما تعجز عن الوفاء به ، لا تثق بمن يذيع سرك ، لا يسترقك الطمع فقد جعلك الله حرا. يستدل على الكريم بحسن بشره وبذل خيره. يستدل على إدبار الدول باربع : تضييع الأصول والتمسك بالفروع وتقديم الأراذل وتأخير الأفاضل ، يبلغ الصادق بصدقه ما لا يبلغة الكاذب باحتياله


٨ ـ وعن علي بن أبي رافع ، قال : كنت على بيت مال علي بن أبي طالب وكاتبه ، فكان في بيت ماله عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة فأرسلت إلى بنت علي بن أبي طالب فقالت لي : إنه قد بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين عقد لؤلؤ ، وهو في يدك وأنا أحب أن تعيرنيه أتجمل به في يوم الأضحى ، فأرسلت إليها : عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام يا بنت أمير المؤمنين ، فقالت : نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام فدفعته إليها وإذا أمير المؤمنين رآه عليها فعرفه. فقال لها : من أين جاء إليك هذا العقد ، فقالت : استعرته من ابي رافع خازن مال أمير المؤمنين لأتزين به في العيد ثم أرده ، فبعث إلي أمير المؤمنين فجئته فقال لي : أتخون المسلمين يا ابن أبي رافع ، فقلت معاذ الله أن أخون المسلمين ، فقال : كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنه بنتك وسألتني أن أعيرها تتزين به ، فأعرتها إياه عارية مضمونه مردودة عل أن ترده سالما إلى موضعه فقال : رده من يومك وإياك أن تعود إلى مثله فتنالك عقوبتي إلى مثله ثم قال ويل لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مردودة مضمونه لكانت إذن هاشمية قطعت يدها في سرقة. فبلغت مقالته ابنته فقالت له يا أمير المؤمنين أنا ابنتك وبضعة منك فمن أحق بلبسه مني فقال لها : يا بنت ابن أبي طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق أكل نساء المهاجرين والانصار يتزين في مثل العيد بمثل هذا فقبضته منها ورددته إلى موضعه.

٩ ـ ووصف علي 2 الدنيا وقد سئل ذلك فقال.

وما آصف لك من دار أولها عناء وآخرها فناء ، من صح فيها أمن ومن سقم فيها ندم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فتن ، حلالها حساب وحرامها عذاب (١).

وراجع وصف علي 2 لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم (٢).

__________________

(١) ١٢٦ / ٢ الأمالي.

(٢) ٦٩ / الأمالي.


وراجع وصف ضرار الصدائي لعلي رضي الله وقد طلب منه ذلك معاوية (١).

ووصف الحسن البصري لعلي بن أبي طالب (٢).

وجواب علي 2 لمن سأله عن الإيمان (٣).

وصيغة صلاته على النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان يعلمها أصحابه (٤).

وللإمام علي كرم الله وجهه مقام كبر في الشعر ، وينسب لأمير المؤمنين رضي عنه الله ديوان شعر كبير ، وهو الذي بين أيدينا اليوم ، وهو متداول ، ونسب إليه ابن رشيق شعراً في الجزء الأول من العمدة.

وقد يكون أكثر ما ينسب لعلي من الشعر منتحلا ، لان الإمام كرم الله وجهه لم يفرغ للشعر ولم يعش من أجله ، ولكي يكون شاعرا.

وليس بمعقول أن يكف لبيد عن الشعر ويخوض فيه مثل الإمام علي كرم الله وجهه ، إلى هذا الحد الذي يصوره لنا الديوان المنسوب إليه.

هذا وأكثر ما ينسب للإمام تصح نسبته لغيره ، وإن كان جل شعره في الزهد والحكمة والموعظة ، ومما ينسب اليه قصيدة طويلة سميت باسم القصيدة الزينبية ومطلعها :

__________________

(١) ١٤٧ / ٢ الأمالي.

(٢) ١٧٠ و ١٩٤ النادر ـ الأمالي.

(٣) ١٧١ النوادر.

(٤) ١٧٣ النوادر.


صرمت حبالك بعد وصلك زينب

والدهر فيه تصرم وتقلب

ومما ينسب إلى الإمام قوله يرثى النبي صلّى الله عليه وسلّم :

أمن بعد تكفيني النبي ودفنه

باثوابه آسى على هالك ثوى

رزئنا رسول الله فينا فلن نرى

بذاك عديلا ما حيينا من الورى

لقد غشيتنا ظلمة بعد موته

نهارا فقد زادت على ظلمة الدجى

وكنا برؤياه نرى النور والهدى

صباحا مساء راح فينا أو اغتدى

فيا خير من ضم الجوانح والحشا

ويا خير ميت ضمه الترب والثرى

كأن أمور الناس بعدك ضمنت

سفينة نوح حين في البحر قد سما

وضاق فضاء الارض عنا برحبه

لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى

فقد نزلت بالمسلمين مصيبة

كصدع الصفالا شعب للصدع في الصفا

فلن يستقل الناس تلك مصيبة

ولن يجبر العظم الذي منهم وهى

وفي كل وقت للصلاة يهيجها

بلال ويدعو باسمه كلما دعا

ويطلب أقوام مواريث هالك

وفينا مواريث النبوة والهدى

وبعد فهذا هو ديوان الإمام ، قد حققناه وشرحناه وراجعناه مراجعة دقيقة. ليخرج في صورة رائعة تليق بمقام الإمام كرم الله وجهه.

وندعو الله أن ينفع به ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وفقنا الله عز وجل الى مرضاته وحسن مثبوته.

وما توفيقي الا بالله ، عليه توكلت واليه أنيب.

المحقق

د. محمد عبد المنعم خفاجي



الديوان



ـ ١ ـ

قال الإمام علي كرم الله وجهه في فضل العلم من بحر البسيط :

الناسُ من جِهَة الأباء أكفاءُ

أبوهُم آدمٌ والأُمُّ حوّاءُ

وإنما أمهاتُ الناسِ أوعيةٌ

مستودعات وللأحساب آباءُ

فإن يكن لهمُ من أصلهم شرفٌ

يفاخرونَ به فالطينُ والماءُ

ما الفضلُ إلا لأَهلِ العلمِ إنهُمُ

على الهدى لمن استهدى أدِلاَّءُ

وقيمةُ المرءِ ما قد كان يحسنُهُ

والجاهلون لأهلِ العلم أعداءُ

فَقُمْ بعلمٍ ولا تطلبْ به بدلاً ؟

فالناسُ موتى وأهلُ العلم أحياءُ

ـ ٢ ـ

* * *

وقال الإِمام في الأصدقاء والزمن من البحر الوافر

تغيَّرت المودَّةُ والاخاءُ

وقلَّ الصدقُ وانقطَعَ الرجاءُ

وأسلَمني الزمانُ إلى صديقٍ

كثيرِ الغدرِ ليس لهُ رِعاءُ (١)

ورُبَّ أخٍ وَفيْتُ له بحقٍّ

ولكن لا يَدُومُ له وَفَاءُ

أخلاءٌ إذا استغنيتَ عنهمْ

وأعْداءٌ إذا نَزَلَ البَلاءُ

يُديمُونَ المودَّةَ ما رأوْني

ويبقى الوُدُّ ما بَقِيَ اللِّقاءُ

وإِنْ أُغنِيتُ عن أحدٍ قلاني (٢)

وعاقَبَني بما فيه اكتفاءُ

سيُغْنِيني الذي أغناهُ عني

فلا فقرٌ يدومُ ولا ثراءُ

__________________

(١) أي رعاية للحقوق وأداء للواجبات.

(٢) من القلى ، وهو البغضاء.


وكل مودةٍ لله تصفو

ولا يصفُو مع الفسق الإِخاء

وكل جِرَاحَةٍ فَلَها دواء

وَسُوءُ الخُلْقِ ليس له دواءُ

وليسَ بدائمٍ أبداً نعيمٌ

كذَاك البؤسُ ليس له بقاءُ

إذا أنكرت عهداً من حميمٍ

ففي نفسِي التكرمُ والحياءُ

إذا ما رأس أهل البيت ولَّى

بد لهُمُ من الناس الجفاءُ

ـ ٣ ـ

وقال في النساء من بحر الكامل :

دعْ ذكرهُنَّ فها لهن وفاءُ

ريحُ الصبا وعهودُهُنَّ سواءُ

يكسِرْن قلبكَ ثم لا يجبُرْنَه

وقُلوبهنَّ من الوفاء خلاءُ

ـ ٤ ـ

وقال في جمع المال من بحر الوافرِ :

وكم ساع لِيثْريَ لم يَنَلْهُ

وآخرُ ما سعى جَمَعَ الثراءَ (١)

وساعٍ يجمعُ الأموالَ جمْعاً

لِيُورِثَها أعاديهِ شقاءَ

وما سيانِ (٢) ذوخُبْرٍ (٣) بصيرٌ

وآخرُ جاهلٌ ليسا سواءَ

ومن يستعتبِ الحَدَثان (٤) يوماً

يكنْ ذاك العتابُ له عَناءَ

ويُزري بالفَتى الإِعدام (٥) حتى

متى يُصِب المقالَ يُقَلْ أساءَ

__________________

(١) الثراء : الغنى والمال.

(٢) أي ليس سواء.

(٣) ذو خبر بضم الخاء : ذو تجربة.

(٤) الحدثان : أحدث الزمان.

(٥) الاعدام : الفقر.


ـ ٥ ـ

وقال في الدنيا من بحر الطويل :

تحرَّزْ من الدنيا فإنَّ فناءَها (١)

محلُّ فَناء لا محلُّ بقاءِ

فَصفْوَتُها ممزوجةٌ بكَدَارَة (٢)

وراحتُها مقرونةٌ بعناءِ

ـ ٦ ـ

وقال في الصمود في مواجهة أحداث الزمان من بحر الخفيف :

هي حالان شدةٌ ورخاءُ

وسِجالانِ نعمةٌ وبَلاءُ

والفتى الحاذق الأديب إذا ما

خانه الدهر لم يَخُنْهُ عزاء

إن ألمَّت ملمةٌ (٣) بي فإنِّي

في الملمَّات صخرةٌ صمَّاءُ

عالمٌ بالبلاءِ عِلْماً بأنْ لي‍

‍س يدومُ النعيمُ أو الرخاءُ

ـ ٧ ـ

وقال في القضاء من بحر الوافر :

إذا عقدَ القضاءُ عليكَ أمراً

فليس يحله إلا القضاءُ

فما لكَ قد أقمتَ بدار ذلٍّ

وأرضُ الله واسعةٌ فَضَاءُ

تبلَّغْ باليسيرِ فكلُّ شيءٍ

من الدنيا يكون له انتهاءُ

__________________

(١) الفناء بكسر الفاء : الساحة أمام البيت ، والفناء يفتح الفاء : الموت والهلاك.

(٢) الكدارة الكدارة والحزن.

(٣) الملمة : حادثات الزمان ومصائبه.


ـ ٨ ـ

قال الإمام كرم الله وجهه في رثاء الرسول الأعظم صلوات الله عليه من بحر الطويل :

أمنْ بعدِ تكفينِ النبيِّ ودفْنِهِ

نعيشُ بآلاءِ ونجنحُ للسلوى

رُزئْنا رَسولَ الله حقّاً فلن نَرى

بِذاك عديلاً ما حيينا من الورى

وكنتَ لنا كالحصنِ منْ دونِ أهلهِ

له معقلٌ حِرْزٌ حريزٌ من العدى

وكنَّا بمرآه نرى النورَ والهدى

صباحَ مساءٍ راح فينا أو اغتدى

لقد غشِيْتَنا ظلمةٌ بعدَ موته

نهاراً وقد زادتْ على ظلمة الدجى

فيا خير من ضُمَّ الجوانحَ والحشَا

ويا خير مَيْتٍ ضمَّهُ التُّرْبُ والثرى

كأنَّ أُمورَ الناسِ بعدَكَ ضُمِّنتْ

سفينةَ موجٍ حينَ في البحرِ قد سما

وضاقَ فضاءُ الأرضِ عنَّا بِرحْبهِ

لفقدِ رسول الله إذْ قيلَ قد مضى

فقد نَزَلَت بالمسلمينَ مُصيبةُ

كصدع الصفا(١)لاَشعبَ(٢)للصدْع في الصفا

فلن يستقلَّ الناسُ ما حلَّ فيهمُ

ولن يُجبَرَ العظمُ الذي منهُم وهَيَ (٣)

وفي كل وقتٍ للصلاة يَهيجُها

بلالٌ ويدْعُو باسمه كلَّما دَعا

ويَطلبُ أقوامٌ مواريثَ هالكٍ

وفينا مواريثُ النبوةِ والهُدى

ـ ٩ ـ

وقال الإمام يوم بدر من بحر الطويل :

نَصَرْنا رسول الله لما تدابروا

وثابَ إليه المسلمون ذوو الحِجى

__________________

(١) الصدع : الشق : الصفا : حجارة ملساء قوية.

(٢) الشعب : الالتحام والضم والجمع.

(٣) وهي العظم : ضعف.


ضربنا غُوَاةَ الناسِ عنه تكرُّماً

ولمَّا يَروْا قصدَ السبيل ولا الهُدى

ولما أتانَا بالهُدى كان كلُّنا

على طاعةِ الرحمنِ والحقّ والتُّقَى

ـ ١٠ ـ

وقال الإمام في الدنيا من بحر الطويل :

حياتُكَ أَنفاسٌ تُعَدُّ فكلَّما

مضَى نَفَسٌ أنقصتْ به جزءا

ويحييكَ ما يُفنيكَ في كل حالةٍ

ويحدُوك حادٍ (١) ما يريدُ بك الهُزْءا

فتصبحُ في نفْسٍ وتمشي بغيرِها

ومالكَ من عقْلٍ تُحسُّ به رزءا

ـ ١١ ـ

وقال في الحث على العمل وطلب المعاش من بحر الوافرِ :

وما طلبُ المعيشةِ بالتمنيَّ

ولكن ألْقِ دَلوَكَ في الدِّلاءِ (٢)

تجئْكَ بملْئِها يوْماً ويَوْماً

تجئكَ بحمْأَةٍ وقليلِ ماءِ

قافية الباء

ـ ١٢ ـ

قال الإِمام في الخالفة من بحر الطويل :

فان كنت بالشورى ملكتَ أُمورَهُمْ

فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ

وإن كنتَ بالقرْبَى حججتَ خصيمَهُمْ

فغيرُكَ أولى بالنّبيِّ وأقربُ

__________________

(١) الحادي : السائق. حداه : ساقه.

(٢) الدلاء : جمع دلو.


ـ ١٣ ـ

وقال الإمام لما نزل معاوية بصفين من الرجز :

لقد أتاكمْ كاشراً عن نابهِ

ويهمطُ (١) الناس على اغترابهِ

فلْيأتِنا الدهرُ بما أتى بهِ

* * *

وقال الإمام وهو بصفين من بحر الطويل :

ألم ترَ قومي إذ دعاهم أخوهُمُ

أجابوا وإن أغضبْ على القوم يغضَبُوا

هم حفظُوا غيْبي كما كنتُ حافظاً

لقوميَ أُخرى مثلَها إذ تغيَّبُوا

بنوا الحرب لَم تعقدْ بهم أُمهاتُهم

وآباؤهم آباءُ صدقٍ فأنجبوا

ـ ١٤ ـ

وقال الإِمام في حرب صفين وهو يبارز حريث قبل أن يقتله من بحر الرجز :

أنا عليٌّ وابنُ عبد المطلبْ

نحن لعمرُ الله أَولى بالكتبْ

منا النبيُّ المصطفى غير كذِبْ

أهلُ اللواءِ والمقامِ والحجُبْ

نحن نصرناهُ على جلِّ العرب

يا أَيها العبدُ الغريرُ المنتدبْ

أَثبتْ لنا يا أيها الكلب الكِلبْ

ـ ١٥ ـ

وقال الإمام لحريث أيضاً قبل أن يقتله من بحر الرجز :

أَنا الغلامُ العربيُّ المنتسِب

من خير عُودٍ في مُصاص (٢) المطَّلِبْ

يا أَيها العبد اللئيمُ المنتدبْ

ان كنتَ للموت محبّاً فاقتربْ

واثبت رويداً أيها الكلبُ الكِلبْ

أَوْ لا فولِّ هارباً ثم انقلبْ

__________________

(١) يهمط الناس : ظلمهم حقهم.

(٢) المصاص بضم الميم خالص كل شيء.


ـ ١٦ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

لعُمركَ ما الإِنسانُ إلا بدينه

فلا تترك التقوى اتكالاً على النسبْ

فقد رَفَع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ

وقد وضع الشركُ الشريفَ أَبا لهبْ

ـ ١٧ ـ

وقال الإمام في الفرج بعد الشدة من بحر الوافر :

إذا اشْتَمَلتْ على اليأسِ القلوبُ

وضاقَ لما به الصدرُ الرحيبُ

وأوطنَتِ المكارهُ واستقرَّتْ

وأَرسَتْ في أمكانها الخطوب

ولم ترَ لانكشاف الضُّرِّ وجْهاً

ولا أَغْنى بحيلتهِ الأريبُ

أَتاكَ على قُنوطٍ منك غوْثٌ

يمُنُّ به اللطيفُ المستجيبُ

وكل الحادثاتِ إذا تناهتْ

فموصولٌ بها فَرَجٌ قريبُ

ـ ١٨ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

إنِي أَقولُ لنفسي وَهي ضيقةٌ

وقَد أَناخَ عليه الدهر بالعجب

صبراً على شدَّة الأيام إنَّ لها

عُقبى وما الصبر إلا عند ذي الحسب

سيفتح الله عن قربٍ بنافعةٍ

فيما لمثلِكَ راحاتٌ من التعب


ـ ١٩ ـ

وبعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان علي بن أبي طالب يغدو ويروح الى قبر نبي الله بعد وفاته ويبكي تفجعاً ثم يقول : يا رسول الله ما أحسن الصبر إلا عنك وأقبح البكاء إلا عليك ثم قال من الكامل :

ما غاض دمعي عند نازلةٍ

إلا جعلتك للبكا سببا

وإذا ذكرتُكَ ميِّتاً سَفَحَتْ

عيني الدموعَ فَفَاضَ وانسكبا

إني أجَلَ ثري حللت بِهِ

عن أَن أَرى لسواهُ منقلبا (١)

ـ ٢٠ ـ

ولما قتل الإمامُ عمرو بن عبد ود وانكشف تنحى عنه وقال من بحر الكامل :

عبَدَ الحجارَةَ مِن سفاهةِ رأيه

وعبدتُ ربَّ محمدٍ بصوابِ

فصدَدْتُ حيت تركتُهُ متجدِّلاً

كالجِذْع بين دكادك (٢) وروابي

وعففت عن أثوابه ولو انني

كنتُ المقطر (٣) بَزَّني (٤) اثوابي

لا تحسَبنَّ الله خاذلَ دينهِ

ونبيه يا معشرَ الأحزاب

أعليَّ تقتحم الفوارسُ هكذا

عنِّي وعنهم خبِّروا أَصحابي

فاليوم تمنعُني الفرارَ حفيظَتي

ومصمَّمٌ في الرأسِ ليسَ بنابي

أدَّى عميرٌ حين أخلصَ صَقْلَهُ

صافيِ الحديدةِ يستفيضُ ثوابي

فغدوتُ ألتمس القراعَ (٥) بمرهَف

عَضْبٍ مع البتراءِ في أقرابِ

آلى (٦) ابنُ عبدِ حين جاءَ محارباً

وحلفتُ فاستمِعُوا من الكذَّابِ

__________________

(١) متقلبا. أي مقراً وقبراً.

(٢) الدكادك : الصخور.

(٣) المقطر : الملقي على القَطْر اي الجانب.

(٤) بزني : سلبني.

(٥) القراع : المقارعة والنزال.

(٦) آلى : حلف.


ان لا يفِر ولا يهلِّلُ فالتَقَى

رجلان يلتقيانِ كلَّ ضِرَابِ

وغدوتُ ألتمس القِراعَ وصارمي (١)

عضب كلون المِلْحَ ليس بكابي

عرفَ ابنُ عبدٍ حينَ أَبصر صارماً

يهتزُّ أَنَّ الأمرِ غيرُ لِعابِ

ـ ٢١ ـ

وقال الإمام حين بدت له عورة عمرو بن العاص لما برز اليه يوم صفين فصرف وجهه عنه من بحرِ الرجز :

ضربٌ ثَنى الأبطال في المشاعبِ

ضرْبَ الغلامِ البَطلِ المَلاعِبِ

أين الضرابُ في العجاج (٢) الثائبِ

حين احمرارِ الحدَقِ الثواقبِ

بالسيفِ في نهنهةِ الكتائبِ

والصبرُ فيه الحمد للعواقبِ

ـ ٢٢ ـ

وقال الإمام من مخلعَ البسيط :

فرضٌ على الناسِ أن يَتُوبُوا

لكنَّ تركَ الذنوبِ أَوجبْ

والدهرُ في صَرْفِهِ عجيبُ

وغفلةُ الناسِ فيهِ أَعجَبْ

والصبرُ في النائِبات صعبٌ

لكنَّ فوت الثوابِ أَصعبْ

وكلُّ ما يُرتَجَى قريب

والموت من كل ذاك أَقربْ

ـ ٢٣ ـ

وقال الإمام في يوم أحد حي خرج طلحة العبدري صحب لواءِ قريش وهو المسمى كبش الكتيبة ونادى إنكم تزعمون ان الله يعجلنا بسيوفكم إلى

__________________

(١) الصارم : السيف القاطع.

(٢) العجاج : الغبار.


النار ويعجلكم بسوفنا الى الجنة فهل منكم من يبارزني ، فخرج إليه علي وهو يقول : من بحر الرجز :

انا ابن الحَوْضيْن (١) عبدِ المطلبْ

وهاشمِ المُطْعِمِ في العام السَّغب (٢)

أُوفي بميعادي وأَحمي عن حَسبْ

ـ ٢٤ ـ

وقال الإمام في أبي لهب من بحر الطويل

أَبا لهبٍ تبتْ يداك أبا لهبْ

وتبَّت (٣) يدها تلكَ حمالةُ الحطَبْ

خذلْتَ نبيّاً خيرَ من وطِئَ الحصَى

فكنتَ كمن باعَ السلامةَ بالعطَبْ (٤)

وخِفْتَ أَبا جهلٍ فأصبحتَ تابعاً

له ، وكذلك الرأسُ يتبعُهُ الذَّنَبْ

فأصبحَ ذاك الأمرُ عاراً يَهيلُهُ

عليك حجيجُ البيت في موسم العربْ

ولو كان من بعض الأعادي محمدٌ

لحاميتَ عنهُ بالرماحِ وبالقُضُبْ (٥)

ولم يسلموه أَو يُصَرَّعَ حولَهُ

رجالُ بلاءٍ بالحروبِ ذوو حَسَبْ

ـ ٢٥ ـ

وقال الإِمام في الوفاء بين الناسِ من بحر الكامل :

ذهبَ ذهابِ الوفاءُ أَمسِ الذاهب

فالناسُ بينَ مُخاتل (٦) ومُوارٍ (٧)

يُفشُون بينهم المودَّةَ والصَّفا

وقلوبُه محشوَّةٌ بعقارِبِ

__________________

(١) هما حوضا زمزم.

(٢) أي الشديد السّغب وهو الجوع.

(٣) التباب : الخسران والهلاك.

(٤) العطب : الفساد والهلاك.

(٥) جمع قضيبِ وهو السيف.

(٦) أي مخادع.

(٧) أي منافق.


ـ ٢٦ـ

وقال الإمام مخاطباً ولده الحسن 2 وذلك من بحر الطويل :

تردَّ رداءَ الصبرِ عند النوائبِ

تَنَلْ من جميلِ الصبر حُسْنَ العواقبِ

وكُنْ صاحباً للحلم في كل مشهدٍ

فما الحلمُ إلاَّ خيرُ خِدْنٍ (١) وصاحبِ

وكُنْ حافظاً عهد الصديق وراعياً

تذق من كمال الحفظ صَفْو المَشَاربِ

وكُنْ شاكراً لله في كلِّ نعمةٍ

يُثِبْك على النعمى جزيلَ المواهبِ

وما المرء إلا حيث يجعلُ نفْسَهُ

فكن طالباً في الناس أَعلى المراتبِ

وكُنْ طالباً للرزق من باب حِلَّةٍ

يُضاعَفْ عليك الرزق من كل جانب

وصُن منك ماءَ الوجه لا تبذِلنَّهُ

ولا تسأل الأرذال (٢) فضل الرغائب

وكن موجباً حَقَّ الصديق إذا أتى

اليك ببِرٍّ صادقٍ منك واجبِ

وكُنْ حافظاً للوالدين وناصراً

لجاركَ ذي التقوى وأهْلِ التقارُبِ

ـ ٢٧ ـ

وقال الإِمام في الدهر من بحر البسيط :

الدهرُ يخنق أحياناً قلادتَهُ

عليك لا تضطرب فيه ولا تَثِبِ

حتى يفرِّجها في حال مدَّتها

فقد يزيدُ اختناقاً كلَّ مضطرب

فليرجعنَّ إليك رزقُك كلَّه

لو كان أبعد من مقام الكوكب

ـ ٢٨ ـ

وقال الإمام في عزة النفس من بحر الكامل :

لا تطلُبنَّ معيشةً بمذلةٍ

واربأ بنفسك عن دنيِّ المطلَب

واذا افتقرتَ فداوِ فقرَك بالغنى

عن كل ذي دنِسٍ كجِلْدِ الأجرب

__________________

(١) الخدن : الصاحب.

(٢) الأرذال : هم رعاع القوم وغوغاؤهم.


ـ ٢٩ ـ

وقال الإِمام في الصبر من بحر الطويل :

فإن تسأَلنِّي كيف أنتَ فإنني

صبورٌ على ريب الزمان صعيِبُ

حريصٌ على أن لا يُرى بي كآبةٌ

فيشمتَ عادٍ أو يُساءَ حبيبُ

ـ ٣٠ ـ

وقال الإمام في المال من الطويل :

يُغطِّي عيوبَ المرء كثرةُ ماله

يُصدَّقُ فيما قاله وهو كذوبُ

ويُزرِي بعقل المرءِ قِلةُ ماله

يحمِّقهُ الأقوام وهو لبيب

ـ ٣١ ـ

وقال الإمام والفقر من بحر الكامل :

غالبت كل شديدة فغلبتها

والفقر غالبني فأصبح غالبي

إن أُبْدِهِ يصفَحْ وإِن لم أُبْدِهِ

يَقْتُل فقُبّح وجهُه من صاحب

ـ ٣٢ ـ

وقال الإمام في العقل من الطويل :

فلو كانت الدنيا تُنالُ بفطنة

وفضلٍ وعقلٍ نلتُ أعلى المراتبِ

ولكنما الأرزاقُ حظ وقسمةٌ

بفضل مليكٍ لا بحيلة طالب

ـ ٣٣ ـ

وينسب إلى الإِمام في العقل أيضاً من بحر الطويل :

وأفضلُ قَسْم الله للمرءِ عقلُه

فليس من الخيراتِ شيءٌ يقاربُهْ

إذا أكملَ الرحمنُ للمرءِ عقلَهُ

فقد كمُلَتْ أخلاقُه ومآربُهْ


يعيش الفتى في الناس بالعقل إِنه

على العقل يَجْري علمُه وتجاربه

يزينُ الفتى في الناس صحَّةُ عقْله

وإن كان محظوراً عليه مكاسبُه

يشينُ الفتى في الناسِ قلةُ عقله

وإن كرُمتْ أعراقُه ومناصبهْ

ومن كان غلاباً بعقلٍ ونجدةٍ

فذو الجدِّ في أمر المعيشة غالبُهُ

ـ ٣٤ ـ

وقال الإمام في العقل والحسب من بحر البسيط :

ليس البليَّةُ في أيَّامِنا عجباً

بل السلامةُ فيها أعجب العجبِ

ليس الجمال بأثواب تزيِّنُنَا

إن الجمالَ جمالُ العقلِ والأدبِ

ليس اليتيم الذي قد مات والده

إن اليتيمَ يتيمُ العلمِ والأدبِ

ـ ٣٥ ـ

وقال الإمام في الحسب من المنسرح :

كن ابن من شئت واكتسب أدباً

يغنيك محموده عن النسب

فليس يُغْنِي الحسيبَ نسبتهُ

بلا لسانٍ له ولا أدبِ

إن الفتى من يقول ها أَنا ذا

ليس الفتى من يقول : كان أبي

ـ ٣٦ ـ

وقال الإمام في الحسب أيضاً من الرمل :

أيها الفاجر جهلاً بالنسبْ

إنما الناس لأمِّ ولأبْ

هل تراهم خلقوا من فضة

أَم حديد أَم نحاس أم ذهبْ

بل تراهم خلقوا من طينةٍ

هل سوى لحمٍ وعظم وعَصَبْ

إنما الفخر لعقلٍ ثابتٍ

وحياءٍ وعفافٍ وأَدبْ


ـ ٣٧ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

إني أَقول لنفسي وهي ضيقةٌ

وقد أناخ عليها الدهر بالعجبِ

صبراً على شدة الأيام أنَّ لها

عُقبى وما الصبر إلا عند ذي الحسبِ

سيفتح الله عن قُرْبٍ بنافعةٍ

فيها لمثلكَ راحاتٌ من التعبِ

ـ ٣٨ ـ

وقال الإمام في فضل السكوت من المنسرح :

أَدبت نفسي فما وجدت لها

بغير تقوى الإله من أدبِِ

في كل حالاتها وإن قَصُرتْ

أَفضَل من صمتها على الكُرَبِِ

وغيبةُ الناس إنَّ غَيْبتَهم

حرَّمها ذو الجلال في الكُتُبِِ

إن كان من فضة كلامك يا نف‍

‍س فإن السكوت من ذهبِِ (١)

ـ ٣٩ ـ

وقال الإمام لبنيه : يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنهم لا يخلون من ضربين : عاقل يمكر بكم ، أو جاهل يعجل عليكم ، والكلام أنثى والجواب ذكر ، فإذا اجتمع الزوجان فلا بد من النتاج ثم قال من بحر الوافر :

سليم العِرْضِ مَنْ حَذِرَ الجوابا

ومن دارى الرجالَ فقد أَصابا

ومن هابَ الرجالَ تهيَّبُوه

ومن يُهِنِ الرجالَ فلن يُهابا

ـ ٤٠ ـ

وقال الإِمام من الوافر :

وذي سفهٍ يواجهني بجهلٍ

وأكره أَن أَكون له مجيبا

يزيد سفاهةً وأزيد حلماً

كعُودٍ زاد بالإِحراق طيبا

__________________

(١) وفي معناه الحمة المأثورة : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.


ـ ٤١ ـ

وقال الإمام في الحكمة من مجزوء بحر الكامل :

البس أَخاك على عيوبهْ

واستر وغطِّ على ذنوبهْ

واصبرْ على ظلْمِ السفيهِ

وللزمانِ على خطوبهْ

ودعِ الجوابَ تفضُّلاً

وكِلِ الظَّلومَ إلى حسيبهْ

ـ ٤٢ ـ

وينسب إلى الإمام وهو من بحر البسيط :

وذي سفهٍ يواجهني بجهلٍ

وأكره أَن أَكون له مجيبا

يزيد سفاهةً وأزيد حلماً

كعُودٍ زاد بالإِحراق طيبا

ـ ٤٣ ـ

وقال الإمام من الطويل :

إذا رمتَ ان تُعْلَى فزر متوتراً

وإن شئت ان تزداد حباً فزر غِباً

منادمة الانسان تحسُنُ مرَّةً

وان أكثرُوا إدمانها أفسدوا الحبا

ـ ٤٤ ـ

وقال الإِمام في فرقة الشباب والأحباب :

شيئان لو بكت الدماء عليهما

عينايَ حتى تأذنا بذهابِ

لم تبلغ المعشار من حقَّيْهما

فَقْد الشباب وفرقة الأحباب

__________________

(١) الغب في الزيارة يوم ويوم وفي المثل : زر غبَا تزود حبا.


ـ ٤٥ ـ

وقال الإِمام في الدهر من بحر الطويل :

وما الدهر والأيام إِلا كما ترى

رزيَّةُ مالٍ أو فِراقُ حبيبِ

وإنَّ امرءاً قد جرَّب الدهرَ لم يخفْ

تقلُّبَ حاليْه لغيرِ لبيبِ

ـ ٤٦ ـ

ووقف الإمام على قبر فاطمة الزهراء بعد دفنها وقال من بحر الكامل :

ما لي وقفتُ على القبورِ مسلِّماً

قبرَ الحبيب فلم يردَّ جوابي

أحبيبُ مالك لا تردُّ جوابَنا

أنَسيتَ بعدي خُلَّةَ الأحباب

قال الحبيبُ وكيفَ لي بجوابكمْ

وأنا رهينُ جنادلٍ وترابِ

أكل الترابُ محاسني فنسيتُكم

وحُجبتُ عن أهلي وعن أترابي

فعليكُم مني السلام تقطَّعت

مني ومنكم خُلَّةُ الأحباب

ـ ٤٧ ـ

وقال الإمام يخاطب الوليد بن المغيرة من بحر المتقارب :

يهددني بالعظيمِ الوليدُ

فقل : أنا ابن أبي طالبِ

أنا ابن المبجَّل بالأبطَحيْنِ

وبالبيت من سلفَيْ غالبِ

فلا تحسبنِّي أخَاف الوليد

ولا أنني منه بالهائب

فيا ابن المغيرة إنِّي امرء

سَمُوحُ الأنامل بالقاضب (١)

طويل اللسان على الشائنينَ

قصيرُ اللِّسانِ على الصاحبِ

__________________

(١) القاضب : السيف القاطع.


خسرتُمْ بتكذيبكم للرسولِ

تعيبون ما ليس بالعائبِ

وكذَّبتموه بوحي السماءِ

أَلا لعنةُ الله للكاذبِ

ـ ٤٨ ـ

وقال الإمام عند قتل الوليد بن عتبة يوم بدر من الرجز :

تبَّا وتعساً لك يا ابن عُتبهْ

أسقيك من كأس المنايا شربَهْ

ولا أُبالي بعد ذلك غِبَّة

ـ ٤٩ ـ

وقال الإمام :

يا رب ثبِّت لي قدمي وقلبي

سبحانك اللهمَّ أَنت حسبي

ـ ٥٠ ـ

وقال الإمام في يوم خيبر هو من بحر الطويل :

ستشهد لي بالكر والطعن راية

حباني بها الطهرُ النبيُّ المهذبُ

وتعلمُ أَني في الحروب إِذا الْتَظَى

بنيرانها الليث الهموسُ (١) المرجَّب (٢)

ومثلي لاقى الهَوْلَ في مُفْظعاتِه

وفُلَّ له الجيشُ العَطَبْطبُ (٣)

وقد علم الأحباء أني زعيمها

وأني لدى الحرب العُذَيْق المرجَبُ (٤)

ـ ٥١ ـ

وفي يوم خيبر قال الشاعر اليهودي مرحب مخاطباً الإمام عليا :

قد علمتْ خيبرُ أَني مَرْحَبُ

شاكي السلاح بطلٌ مُجرَّبُ

إذا الليوثُ أَقبلتْ تلتهبُ

أَطعن أَحياناً وحيناً أَضرِبُ

__________________

(١) اهموس الخفي الوطء.

(٢) المرجب : المعظم.

(٣) العطبطب : أي الشديد

(٤) العذيق : ذو العز والفخر. المرجب : السيد المعظم.


فأجابه الإمام علي بقوله ( من الرجز ) :

أَنا علي بن عبد المطَّلبْ

مهذَّبٌ ذو سطوةٍ وذُو غَضَبْ

غُذِّيتُ في الحرب وعصيانِ النُّوَبْ

من بيتِ عزٍّ ليس فيه مُنشعَبْ

وفي يميني صارمٌ يجلو الكُربْ

من يلقَني يَلْقَ المنايا والعطبْ

وقال الإمام يوم الخيبر مخاطباً ياسراً وأهل خيبر ( من الرجز ) :

هذا لكم من الغلامِ الغالبي

من ضَرْبِ صدقٍ وقضاءِ الواجبِ

وفالقِ الهاماتِ والمناكبِ

أَجْمِي به قمَاقِمَ (١) الكتائبِ

وقال الإِمام يوم خيبر يخاطب الربيع بن أبي الحقيق الخيبري من الرجز :

أنا عليٌّ وابنُ عبد المطلبْ

أحمِي ذمارِي وأَذبُّ عن حَسَبْ

والموتُ خيرٌ للفتى من الهَرَبْ

وقال الإِمام يوم خيبر من الرجز أيضاً :

أنا عليٌّ وابنُ عبدِ المطلبْ

مهذّبٌ ذو سطوةٍ وذو حَسَبْ

قِرْنٌ إذا لاقيتُ قِرناً لم أَهَبْ

من يلقني يلقَى المنايا والكُرَبْ

ـ ٥٢ ـ

وقال الإِمام يوم صفين من الطويل :

أَبَى اللهُ إلا أنَّ ( صِفِّينَ ) دارُنا

ودارُكُم ما لاحَ في الأفْق كوكبُ

إِلى أَن تموتوا أو نموتَ وما لَنَا

وما لَكُمُ عن حومةِ الحَرْبِ مَهْرَبُ

__________________

(١) جمع قمقم ، وهو جملة الشيء وكثرته.


ـ ٥٣ ـ

وقال الإِمام في يوم بئر ذات العلم من الرجز :

الليلُ هول يرهبُ المَهِيبَا

ويُذهِلُ المُشَجَّعَ اللبيبَا

فإنّني أهْوَلُ منه ذِيباً

ولستُ أخشى الروعَ والخطوبَا

إذا هززت الصارمَ القضيبا (١)

أبصرتُ منه عَجَباً عجيبَا

ـ ٥٤ ـ

وينسب إلى الإِمام يذكر قبيلة الأزد من بحر البسيط :

الأزدُ سيفي على الأعداء كلِّهمُ

وسيفُ أحمد (٢) من دانتْ له العربُ

قومٌ إذا فاجأوا أبلَواْ وإن غُلبوا

لا يحجمون ، ولا يدرون ما الهربُ

قوم لَبُوسُهمُ في كلِّ مُعتَرَكٍ

بيضٌ (٣) رقاق وداوديةٌ (٤) سَلَبُ

البيضُ فوق رؤوسٍ تحتها اليَلبُ (٥)

وفي الأنامل سُمر لخُطِّ (٦) والقُضَب

وأيّ يومٍ من الأيام ليس لهم

فيه من الفعل ما مِنْ دونه العجَبُ

الأزد أَزْيَدُ من يمشي على قدمٍ

فضلاً وأعلاهمُ قدراً إذا ركبوا

يا معشر الأزد أنتم معشرٌ انف

لا يضعفون إِذا ما اشتدت الحِقبُ

وفيتُم ووفاءُ العهدِ شيمتكم

ولم يخالطْ قديماً صدقَكمْ كذب

إذا غضبتمْ يهابُ الخلقُ سطوتكم

وقد يهونُ عليكم منهم الغضَبُ

يا معشر الأزد إني من جَميعكُمُ

راضٍ وأنتم رؤوسُ الأمر لا الذَّنَبُ

لن ييأس الأزد من روحٍ ومغفرةٍ

والله يكلؤُهُمْ من حيثُ ما ذهبوا

طبتُم حديثاً كما طاب أوَّلُكُمْ

والشوكُ لا يجتنى مِنْ فرْعِهِ العنبُ

والازد جرثومة (٧) إن سوبقوا سبَقوا

او فُخِروا فخروا او غولبوا غلبوا

__________________

(١) الصارم القضيب : السيف القاطع.

(٢) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

(٣) أي سيوف.

(٤) أي درع سابغة نسبة إلى داود 7.

(٥) اليلب : الترسة أو الدروع اليمانية.

(٦) أن الرماح والقضب جمع قصيب وهو السيف.


أو كوثروا كثروا صوبروا صبروا

أو سوهِمُوا أسهموا أو سولبوا سلبوا

صفواْ فأصفاهمُ الباري ولايته

فلم يشب صفوَهُمْ لهوٌ ولا لعبُ

من حُسن أخلاقهم طابت مجالسُهم

لا الجهل يعروهُم فيها ولا الصخَبُ

الغيثُ إمَّا رُوَّضُوا من دون نائلهم

والأسدُ ترهبُهم يوماً إِذ غضبوا

أندى الأنام أكفا حين تسألهم

وأربط الناس جأشاً إن هم نُدبوا

وأيُّ جمعٍ كثير لا تفرَقُهُ

إذا تدانت لهم غَسَّانُ والندب

فالله يجزيهمُ عما أتوا وحَبَوْا

به الرسولَ وما من صالحٍ كسبوا

ـ ٥٥ ـ

وقال الإمام في أيام صفين من الرجز :

يا أيها السائل عن أصحابي

أن كنتَ تبغي بن خيرَ الصوابِ

أنبئك عنهمْ غير ما تَكْذاب

بأنَّهمْ أوعية الكتابِ

صبرٌ لدى الهيجاءِ والضِّرابِ

فسلْ بذاكَ معشر الأحزاب

ـ ٥٦ ـ

وقال الإِمام ينصح ابنه الحسين من بحر الكامل :

أحُسيْنُ إنِّي واعظ ومُؤدِّبٌ

فافهمْ فأنت العاقلِ المتأدِّبُ

واحفظ وصية والدٍ متحنِّنٍ

يغدوك بالآداب كيلا تعطَبُ

أَبُنيَّ إن الرزقَ مكفولٌ به

فعليكَ بالإِجمال فيما تطلبُ

لا تجعلنَّ المالَ كسبكَ مُفرَداً

وتُقى إلهكَ فَاجعلنْ ما تكسِبُ

كَفَلَ إلإِله برزق كلِّ بريَّةٍ

والمالُ عاريةٌ تجيءُ وتذهبُ

والرزقُ أسرعُ من تلفُّتِ ناظرٍ

سبباً إلى الإِنسانِ حين يُسبِّبُ

ومن السيولِ إلى مقرِّ قرارها

والطيرُ للأوكارِ حين تُصَوّبُ

أبُنيَّ إن الذكرَ فيه مواعظ

فمَنِ الّذي بعظاتِهِ يتأدَّبُ

فاقرأ كتاب الله جهدَك واتْلُهُ

فيمنْ يقومُ به هناكَ وينصِبُ

بتفكُّرٍ وتخشُّعٍ وتقرُّب

إن المقرَّبُ عنده المتقرِّبُ


واعبدْ إلهك ذا المعارجِ مُخْلِصاً

وانصتْ الى الأمثالِ فيما تُضْرِبُ

وإذا مررتَ بآيةٍ وعظيَّةٍ

تصفُ العذابَ فقفْ ودمعُك يُسْكَبُ

يا من يُعذِّبُ من يشاءُ بعدْلِهِ

لا تجعلنِّي في الذينَ تُعذِّبُ

إني أبوءُ بعثْرتي وخطيئتي

هرَباً إليك وليس دونك مَهْرَبُ

واذا مررتَ بآيةٍ في ذكْرها

وصْفُ الوسيلةِ والنعيمِ المُعجِبُ

فاسأل إلهكَ بالإِنابةِ مُخلصاً

دارَ الخلودِ سؤال من يتقرَّبُ

واجهدْ لعلَّكَ أَن تحلَّ بأرْضِها

وتنالَ روحَ مساكنِ لا تخرُبُ

وتنالُ عيشاً لاانقطاع لوقْتِه

وتنالُ مُلْكَ كرامةٍ لا تُسْلَبُ

بادرْ هواكَ إذا هممتَ بصالحٍ

خوفَ الغوايةِ إذ نجيءُ وتُغْلَبُ

وإذا هممتَ بسيِّءٍ فاغمضْ له

وتَجنَّب الأمرَ الذي يُتَجَنَّبُ

واخفضْ جناحكَ للصديقِ وكُنْ له

كأبٍ على أولادِه يتحدَّبُ (١)

والضيفُ أكرمْ ما استطعتَ جوارَهُ

حتى يعدَّك وارثاً يَتَنَسَّبُ

واجعلْ صديقكَ مَنْ إِذا آخيتَهُ

حفظ الإخَاء وكانَ دونَك يَضْربُ

واطلبْهمُ طلبَ المرِيض شفاءَهُ

ودعِ الكذوبَ فلَيس ممنْ يُصْحَبُ

واحفظْ صديقَكَ في المواطنِ كلِّها

وعليكَ بالمرءِ الذي لا يَكْذِبُ

وَاقْلُ الكذوبَ وقُرْبَهُ وجِوَارَه

إنَّ الكذوبَ ملطِّخٌ من يَصْحَبُ

يُعْطيك ما فوقَ المنى بلسانِه

ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ

واحذرْ ذوي الملُقِ اللئامَ فإنَّهم

في النائباتِ عليكَ ممن يَخطبُ

يَسْعَوْنَ حَولَ المرءِ ما طمِعُوا به

واذا نَبا دهرٌ جَفَوْا وتغيَّبوا (٢)

ولقد نصحتُكَ إنْ قبلتَ تصيحتي

والنصحُ أرخصُ ما يباع ويوهَبُ

__________________

(١) من الحدب وهو العطف والحنان.

(٢) من الغيبة وهي الذم في المغيب.


ـ ٥٧ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

إذا جادَت الدنيا عليكَ فجُدْ بها

على الناسِ طُرّاً إنها تتقلَّبُ

فلا الجودُ يفنيها إذا هي اقبلت

ولا البخلُ يبقيها إذا هي تذهبُ

ـ ٥٨ ـ

وقال الإمام من الوافر :

عجبتُ لجازعٍ بك مصابٍ

بأهلٍ أَو حميمٍ ذي اكتئابِ

يَشُقُّ الجيبَ يدعو الويلَ جهلاً

كأنَّ الموتَ بالشيءِ العجابِ

وساوى الله فيه الخلق حتَّى

نبيُّ الله منهُ لم يحابِ

له ملِكٌ ينادي كلَّ يومٍ

لِدُوا للموت (١) وابنوا للخرابِ

ـ ٥٩ ـ

وقال الإِمام وهو ينصح ابنه الحسين من المتقارب :

حسينُ إذا كنت في بلدةٍ

غريباً فعاشرْ بآدابها

ولا تَفْخَرَنْ بينهم بالنهى

فكلُّ قبيلٍ بألبابها

ولو عمل ابنُ أبي طالبٍ

بهذي الأمور لفُزْنا بها

ولكنَّهُ اعتامَ (٢) أمرَ الإلهِ

فأخرقَ فيهمْ بأنيابها

عذيرك من ثقةٍ بالذي

يُنيلُكَ دنياكَ من طابِها (٣)

فلا تمرحنْ لأوزارِها

ولا تضجَرَنَّ لأوصابها (٤)

قِسِ الغَدَ بالامسِ كي تستريحَ

ولا تَرْمِ نفسك في نابها

__________________

(١) لدوا من ولد ، اي خلفوا.

(٢) اعتام : اختار واصطفى.

(٣) أي طيبها.

(٤) الأوصاب جمع وصب وهو المرض والسقام.


ـ ٦٠ ـ

وقال الإِمام فيما ينسب إليه من الوافر :

قريح (١) القلبِ من وجَعِ الذنوب

نحيلُ الجسم يَشْهَقُ بالنحيب

أضرَّ بجسمه سَهَرُ الليالي

فصارَ الجسمُ منه كالقضيبِ (٢)

وَغيِّرَ لونَهُ خوفٌ شديدٌ

لِمَا يلقاهُ من طول الكروبِ

ينادِي بالتضرعِ يا إِلهي

أقِلْني عثرتي واسْتُرْ عُيوبي

فزعتُ إلى الخلائقِ مستغيثاً

فلم أَرَ في الخلائقِ من مجيبِ

وأنتَ تجيبُ من يدعوكَ ربِّي

وتكشفُ ضرَّ عبدِكَ يا حبيبي

ودائي باطنٌ ولديك طِبٌّ

ومَنْ لي مثلَ طبِّكَ يا طبيبي

ـ ٦١ ـ

وقال عند قبر فاطمة الزهراء ابنة رسول الله وزوج الإِمام علي من بحر الوافر :

حبيب ليس غيرك لي حبيب

وما لسواه في قلبي نصيبُ

حبيب غاب عن عيني وجسمي

وعن قلبي حبيبي لا يغيبُ

ـ ٦٢ ـ

وقال الإِمام من الطويل :

فلم أَرَ كالدنيا بها اغترَّ أهلها

ولا كاليقين استأنس الدهرَ صاحبُه

أمرُّ على رمس القريب كأنما

أَمُرُّ على رمس امرىءٍ مات صاحبُه

اذا ما اعتريت الدَّهر عنه بحيلةٍ

تُجدِّدُ حزناً كلّ يوم نوادبُه

__________________

(١) أي جريح.

(٢) أي كالعود.


ـ ٦٣ ـ

وقال الإِمام من البسيط :

لو صيغ من فضة نفسٌ على قدَرٍ

لعادَ من فضله لمَّا صفَا ذهبا

مالفتىً حسبٌ إلا إذا كملَتْ

أخلاقُه وحوَى الآدابَ والحسَبا

فاطلبْ فديتُكَ علماً واكتسبْ أَدبا

تظفرْ يداك به واستعجل الطلبا

لله درُّ فتىً أنسابُهُ كرَمٌ

يا حبذا كَرَمٌ أضحَى له نسبا

هل المروءة إلا ما تقومُ به

من الذِّمامِ وحفْظِ الجارِ إِن عَتَبا

من لم يؤدِّبْه دين المصطفى أدَباً

محضاً تحيَّرَ في الأحوالِ واضطربا

ـ ٦٤ ـ

وقال الإِمام من الوافر :

سيكفيني المليكُ وحَدُّ سيفٍ

لَدَى الهيجاءِ يحسبه شهابا

وأسمرُ من رماحٍ الخطِّ لَدْنٌ (١)

شددتُ غرابَهُ أن لا يحابى

أذودُ به الكتيبةَ كل يومٍ

إذا ما الحربُ تضطرمُ التهابا

وحولي معشرٌ كرمُوا وطابوا

يُرَجُّون الغنيمةَ النِّهابَا

ولا يَنْجُونَ من حذَرِ المنايا

سؤال المال فيها والإِيابا

فدعْ عنك التهدُّدَ واصل ناراً

اذا خمدتْ صَلَيْتَ لها شهابا

__________________

(١) لدن : لين : الخط : بلدة بالبحرين تصنع الرماح.


القصيدة الزينبية

تنسب القصيدة الزينبية إلى الإِمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهي من أبلغ المدائح والمواعظ والنصائح من الكامل :

صرَمتْ حبَالَكَ بعد وصلكَ زينبُ

والدهرُ فيه تصرُّمٌ وتقلُّبُ

نشرت ذوائبَها (١) التي تُزْهَى بها

سوداً ورأسك كالثغامةِ (٢) أَشيب

واستنفرَتْ لمَّا رأَتكَ وطالما

كانت تحِنُّ إلى لقاكَ وتَرْهب

وكذاكَ وصلُ الغانياتِ فإنَّهُ

آلٌ (٣) ببلقعةٍ وبرق خُلَّبُ (٤)

فدع الصِّبَا فلقد عَداكَ زَمانُه

وازهدْ فهمرُك منه ولَّى الأطيبُ

ذهب الشبابُ فما له من عودةٍ

وأَتى المشيبُ فأين منه المهربُ

ضيفٌ أَلمَّ إليك لم تحفِلْ به

فترى له أَسفاً ودمعاً يَسكبُ

دَع عنك ما قد فاتَ في زمنِ الصِّبا

واذكُرْ ذنوبَكَ وابكِها يا مذنبُ

واخشَ مناقشة الحسابِ فإنه

لا بدَّ يُحصَى ما جنيتَ ويكتب

لم ينسَه الملَكانِ حين نسيتَه

بل أَثبتاه وأَنتَ لاهٍ تلعب

والروحُ فيكَ وديعةٌ أُودِعْتَها

ستردُّها بالرغمِ منك وتُسلَبُ

وغرورُ دنياكَ التي تسعَى لها

دار حقيقتُها متاعٌ يُذْهَبُ

والليلُ فاعلم والنهارُ كلاهما

أَنفاسُنا فيها تُعَدُّ وتُحْسَبُ

وجميعُ ما حصَّلتَهُ وجمعتَه

حقّا يقيناً بعد موتِكَ يُنهَب

__________________

(١) الذوائب :جدائل الشعر المضفور.

(٢) الثغامة : شجرة زهرها وثمرها أبيض.

(٣) الآل : السراب.

(٤) خلب : أي كاذب.


تباً لدارٍ لا يدوم نعيمُها

ومُشيدُها عما قليلٍ يُخْربُ

فاسمعْ هُدِيتَ نصائحاً أولاكها

بَرٌّ لبيبٌ عاقلٌ متأدِّب

صحبَ الزمان وأهله مستبصراً

ورأى الأمور بما تؤوبُ وتُعْقِبُ

أُهدِي النصيحةَ فاتعظْ بمقالةٍ

فهو التقيُّ اللوذعيّ الأدرب

لا تأمن الدهرَ الصُّرُوفَ فإنَّهُ

لا زالَ قِدْماً للرجال يُهذّب

وكذلكَ الأيامُ في غدواتِها

مَرَّتْ يُذلُّ لها الأَعزُّ الأنجب

فعليكَ تقوى الله فلزمها تفُزْ

إنَّ التقي هو البهى الأهيب

واعمل لطاعته تنلْ منه الرِّضا

إنَّ المطيعَ لربه لمُقرَّب

فاقنعْ ففي بعض القناعةِ راحةٌ

واليأسُ ممَّا فات فهو المطلب

وإِذا طمعتَ كُسيت ثوب مذلةٍ

فلقد كُسِي ثوبَ المذلة أَشعبُ

وتوقَّ (١) من غدْرِ النساءِ خيانةً

فجميعُهنَّ مكائدٌ لكَ تُنصَب

لا تأمن الأنثى حياتَكَ إنَّها

كالأفعُوانِ يُراعُ منه الأنيب (٢)

لا تأمنِ الأنثى زمانَكَ كلَّه

يوماً ولو حلَفتْ يميناً تكذِبُ

تُغْري بطيب حديثِها وكلامِها

وإِذا سطتْ فهي الثقيلُ الأشطبُ (٣)

واجهْ عدوَّكَ بالتحيةِ لا تكنْ

منه زمانَكَ خائفاً تترقبُ

واحذرْهُ يوماً إن أَتَى لك باسماً

فالليثُ يبدو نابُه إذْ يَغْضَبُ

إِن الحَقُودَ وإِن تقادمَ عهدُه

فالحقدُ باقٍ في الصدورِ مُغَيَّبُ

وإذا الصديقُ رأَيتَهُ متعلِّقاً

فهو العدوُّ وحقُّه يُتجنّبُ

لا خيرَ في ودِّ امرئٍ متملِّق

حلوِ اللسانِ وقلبُه يتلهَّبُ

يلقاكَ يحلفُ أَنه بكَ واثقٌ

وإذا توارى عنك فهْو العقربُ

__________________

(١) من الوقاية.

(٢) صاحب الأنياب.

(٣) أي فهي السيف الحاد القاطع.


يعطيكَ من طرفِ اللسانِ حلاوة

ويروغُ منك كما يروغُ الثعلبُ

واخترْ قرينَكَ واصطفيهِ تفاخراً

إن القرينَ إلى المقارنِ يُنسَبُ

إنَّ الغنِيَّ من الرجال مكرَّمٌ

وتراه يُرْجَى ما لديه ويُرْهَبُ

ويُبَشُّ بالترحيب عند قدومهِ

ويُقامُ عند سلامهِ ويُقرَّبُ

والفقرُ شَيْنٌ للرجال فإنَّه

يُزْرى به الشهمُ الاديب الأنسبُ

واخفِضْ جناحك للأقاربِ كلِّهمْ

بتذلُّل واسمحْ لهم إِن أَذنبوا

ودع الكَذُوبَ فلا يكنْ لك صاحباً

إن الكذوبَ لبئسَ خِلا (١) يُصْحَبُ

وذرِ الحسودَ ولو صفا لك مرَّةً

أَبعدْهُ عن رؤياك لا يُسْتَجْلَبُ

وزنِ الكلامَ إِذا نطقتَ ولا تكنْ

ثرثاؤةً (٢) في كل نادٍ تخطُبُ

واحفظْ لسانَكَ واحترِزْ من لفظِهِ

فالمرءُ يَسْلَمُ باللسان ويُعطَبُ

والسرَّ فاكتمْهْ ولا تنطِقْ به

فهو الأسيرُ لديك إذْ لا يُنشَبُ

واحرصْ على حفظ القلوبِ من الأذى

فرجوعها بعد التنافرِ يَصعُبُ

إن القلوبَ اذا تنافر ودُّها

شبهُ الزجاجة كسرُها لا يُشْعَبُ (٣)

وكذاك سرُّ المرءِ إن لم يَطْوِه

نشرتْه ألسنةٌ تزيدُ وتكْذِبُ

لا تحرِصنْ فالرحصُ ليس بزائدٍ

في الرزق بل يُشْقى الحريص ويُتعِبُ

ويظلُّ ملهوفاً يرومُ تحيُّلاً

والرزقُ ليس بحيلةٍ يستجلَبُ

كم عاجزٍ في الناس يُؤْتَى رزقُهُ

رَغِداً ويُحرَم كيس ويخيَّب

أدِّى الامانةَ ، والخيانةَ فاجتنبْ

واعدِلْ ولا تظلم فيطيبُ المكسب

واذا بُليتَ بنكبة فاصبرْ لها

أوقد رأَيتَ مسلِّماً لا يُنْكَبُ (٤)

__________________

(١) أي صديقا.

(٢) أي كثير الثرثرة وهي لغو الكلام وباطله.

(٣) أي لا يمكن التحام الكسر.

(٤) الاستفهام هنا للانكار.


وإذا أصابكَ في زمانك شدَّةٌ

وأصابكَ الخطبُ الكريةُ الأَصعبُ

فالْجأْ لربّك إنه أَدنى لمنْ

يدعوه من حبل الوريد وأقربُ

كنْ ما استطعتَ عن الأنام بمعزل

ان الكثيرَ من الورى لا يُصْحَبُ

واجعلْ جليسكَ سيِّداً تحظى به

حبرٌ لبيبٌ عاقلٌ متأدِّبُ

واحذرْ من المظلومِ سهماً صائباً

واعلمْ بأن دعاءَه لا يحُجَبُ

وإذا رأيتَ الرزقَ ضاق ببلدةٍ

وخشيتَ فيها أَن يضيقَ المكسبُ

فارحَلْ فأرضُ الله واسعةُ الفضَا

طولاً وعرْضاً شرقُها والمغربُ

فلقد نصحتكَ إن قبلتَ نصيحتي

فالنصحُ أَغلى ما يباع ويوهَبُ

خُذها إليك قصيدةً منظومةً

جاءتْ كنظم الدر بل هي أعجبُ

حِكَمٌ وآدابٌ وجُلُّ مواعِظٍ

أَمثالُها لذوي الصائل تُكتَبُ

فأصِخْ لوعظِ قصيدةٍ أولاكَها

طودُ العلوم الشامخاتِ الأهيبُ

أعني عليّاً وابنَ عمِّ محمدٍ

من ناله الشرفُ الرفيعُ الأنسبُ

يا ربِّ صَلِّ على النبيِّ وآلِهِ

عددَ الخلائقِ حصرُها لا يحسبُ


قافية التاء

ـ ٦٦ ـ

قال الإِمام في بعض أيام صفين حين ندب أصحابه فانتدب له عشرة آلاف فتقدمهم الإِمام وهو يقول من بحر الرجز:

دُبُّو دبيبَ النمل لا تفوتوا

وأَصبِحوا بحرْبِكم وبِيتُوا

حتى تنالُوا الثأر أو تموتُوا

أَوْ لا فإنِّي طالَمَا عُصيتُ

قد قلتمُ لو جئتَنا فجِيتُ

ليس لكمْ ما شئتمُ وَشِيتُ (١)

بل مَا يريدُ المحْيي والمُميتُ

ـ ٦٧ ـ

وللإِمام علي ما يروي من بحر الوافر :

حقيقٌ بالتواضعِ من يموتُ

ويكفي المرءَ من دنياهُ قُوتُ

فما للمرءِ يُصبحُ ذا همومٍ

وحرصٍ ليس تُدركه النُّعوتُ

صنيعُ مليكِنا حَسَنٌ جميلٌ

وما أَرزاقُنا عنَّا تَفُوتُ

فيا هذا سترحلُ عن قريبٍ

إلى قوم كلامهُم سُكُوتُ

ـ ٦٨ ـ

وقال الإِمام من مخلع البسيط :

قد كُنتَ ميتاً فصرتَ حيّاً

وعنْ قليلٍ تصيرُ مَيْتاً

تبني بدارِ الفناءِ بيتاً

فابْنِ لدار البقاءِ بَيتاً

__________________

(١) أي وشئت بتخفيف الهمزة.


ـ ٦٩ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

صبرتُ عن اللذَّاتِ لما تولَّتِ

وألزمت نفسِي صبرَها فاستمرَّتِ

وما المرءُ إلا حيثُ يجعلُ نفسَهُ

فإن طَمَعَتْ تاقتْ وإِلاَّ تسلَّتِ

ـ ٧٠ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

خليليَّ لا واللهِ ما مِنْ مُلمَّة

تدومُ على حيٍّ وإنْ هيَ جَلَّتِ

فإن نزلتْ يوماً فلا تخْضعَنْ لها

ولا تكثِر الشكوى إذا النَّعْلُ زُلَّتِ

فكم من كريمٍ يُبتلَى بنوائبٍ

فصَابرَهَا حتى مضتْ واضمحلَّتِ

ـ ٧١ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

إن القليلَ من الكلامِ بأهلهِ

حَسنٌ وإنَّ كثيرَهُ ممقوتُ

ما زلَّ ذو صمْتٍ وما مِنْ مُكثرٍ

إلا يَزلُّ وما يُعَابُ صَمُوتُ

إنْ كانَ ينطقُ ناطقاً من فضةٍ

فالصمتُ درٌّ زانَهُ ياقوتُ

ـ ٧٢ ـ

وقال الإِمام من بحر الخفيف :

قد رأَيتَ القرون كيفَ تفانَتْ

دُرِسَتْ ثمَّ قيل كانَ وكانتْ

هي دنيا كحيَّةٍ تنفُثُ السُّمَّ

وان كانت المجسة (١) لانَتْ

كم أُمورٍ لقد تشددتُ فيها

ثم هوَّنْتُها عليَّ فهانَتْ

__________________

(١) المجسة : أي الاختيار والامتحان.


ـ ٧٣ ـ

وقال الإِمام من مجزوء الرمل :

إنما الدنيا فناء

ليسَ للدنيا ثبوتُ

إنما الدنيا كبيْتٍ

نسجَتْهُ العنكبوتُ

ولقد يكفيكَ منها

أيُّها الطالبُ قُوتُ

ولعمري عن قليلٍ

كلُّ مَنْ فيها يموتُ

ـ ٧٤ ـ

وقال الإِمام من البحر الطويل :

ألم ترَ أَن الدهرَ يومٌ وليلةٌ

يكرَّان من سبْتِ جديدٍ إلى سَبْتِ

فقلْ لجديدِ الثوْب لا بدَّ من بِلىً

وقُلْ لاجتماعِ الشملِ لا بُدَّ من شَتِّ (١)

ـ ٧٥ ـ

وقال الإِمام في رثاء النبي صلّى الله عليه وسلّم من بحر الكامل :

نفسي على زفراتِها محبوسةٌ

يا ليتها خرجتْ مع الزفراتِ

لا خيرَ بعدكَ في الحياةِ وإنما

أَبكِي مخافةَ أن تطولَ حياتي

ـ ٧٦ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

أقولُ لعيني احبسي اللحظاتِ

ولا تنظرِي يا عينُ بالسرقاتِ

فكم نظرةٍ قادتْ إلى القلبِ شهوةً

فأُصبحَ منها القلبُ في حسراتِ

__________________

(١) أي شتات : وتفرق.


قافية الجيم

ـ ٧٧ ـ

وقال الإِمام من بحر المتقارب :

إذا النائباتُ بلغْنَ المَدى

وكادتْ تذوبُ لهنَّ المَهَجْ

وحلَّ البلاءُ وبانَ العزاءُ

فعند التناهِي يكونُ الفرَجْ

قافية الحاء

ـ ٧٨ ـ

وقال الإِمام في الصديق من بحر السريع :

فكم خليل لك خاللتَهُ

لا تركَ الله له واضحهْ

فكلهمْ أروغُ من ثعلبٍ

ما أشبهَ الليلةَ بالبارحهْ

ـ ٧٩ ـ

وقال الإِمام في التأني من بحر الكامل :

الرفقُ يمنٌ والأناةُ سعادةٌ

فتأنَّ في أَمرِ تُلاقِ نجاحا

ـ ٨٠ ـ

وقال الإِمام من بحر الرجز :

الليلُ داج والكِباشُ تنطحُ

نطاحُ أَسدٍ ما أراها تَصْلُح

أسدُ عرينٍ في اللقاءِ قد مرَحْ

منها نيامٌ وفريق منبطِحْ

فمن نجا برأسه فقد ربح


ـ ٨١ ـ

ويقول الإِمام في كتمان السر وعدم افشائه من بحر المتقارب :

فلا تُفشِ سرَّكَ إلاَّ اليكَ

فانَّ لكل نصيحٍ نصيحاً

واني رأيتُ غُواة الرجال

لا يتركون أَديماً صحيحاً

ـ ٨٢ ـ

وقال أبو جرول وهو رجل من هوازن كان من المشركين يوم حنين :

أَنا أبو جرول لابراح

حتتى نُبيحَ القومَ أو نُباحْ

فقتله أمير المؤمنين علي وقال من بحر الرجز :

قد عَلِمَ القومُ لدى الصياحْ

أَني في الهيجاءِ ذو نِطَاحْ

قافية الدال

ـ ٨٣ ـ

وأنشد الإِمام أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بحر البسيط :

أنا أخو المصطفَى لا شكَّ في نسَبي

معهُ رُبيتُ وسِبطاهُ هما ولدي

جَدِّي وجَدُّ رسول الله مُتَّحِدٌ

وفاطمٌ زوجتي لا قول ذي فنَدِ (١)

صدَّقتُهُ وجميع الناسِ في ظُلَمٍ

من الضلالةِ والإِشراكِ والنكدِ

فالحمدُ لله فرداً لا شريكَ له

البَرُّ بالعبدِ والباقي بلا أَمدِ

__________________

(١) الفند بالفتح : الزور والباطل.


ـ ٨٤ ـ

ولما سام الخوارج الإمام علي ان يقر بالكفر ويتوب حتى يسير الى الشام قال : أبعدَ صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتفقه في الدين أرجع كافراً ؟ وقال من بحر الرجز :

يا شاهد اللهِ عليَّ فاشهد

أَني على دينِ النبيِّ احمدِ

من شكَّ في الدين فاني مهتدِي

يا ربِّ فاجعل في الجنانِ موردي

ـ ٨٥ ـ

ولما هاجر الإِمام من مكة الى المدينة ومعه الفواطم وادركه الطلب وهم ثمانية فوارس فشد عليهم بسيفه شدة ضيغم وقال من بحر الرجز :

خَلوا سبيل المؤمنِ المجاهدِ

آليت لا أَعبد غيرَ الواحدِ

ـ ٨٦ ـ

ورأى علي أمير المؤمنين رجلا يمشي ويخطر بيديه ويختال فقال من بحر السريع :

يا مؤثر الدنيا على دينهِ

والتائهَ الحيرانَ عنْ قصدهِ

أصبحتَ ترجو الخلدَ فيها وقدْ

أَبرز ناب الموتِ عن حدِّه

هيهاتَ إن الموْتَ ذو أَسهمٍ

من يَرْمِهِ يوماً بها يُرْدِهِ (١)

لا يُصلحُ الواعظُ قلبَ امرىءٍ

لم يعزمِ اللهُ على رُشْدِه

ـ ٨٧ ـ

ويروى عن الإِمام من بحر السريع :

نحن بنو الأرض وسكانها

منها خُلقْنا وإليْها نعودْ

والسعدُ لا يَبْقى لأصحابِهِ

والنحسُ تمحوه ليالي السُعودْ

__________________

(١) أي يهلكه : من أرداه : أهلكه وقتله.


ـ ٨٨ ـ

وينسب الى الإِمام من بحر الوافر :

أعاذلتي عَلى إِتعابِ نفسي

ورعْيي في السُّرى رَوْضَ السهادِ

إذا شامَ الفتى بَرْقَ المعالي

فأهونُ فائتٍ طيِبُ الرُّقادِ

ـ ٨٩ ـ

وقال الإمام فيمن قتل يوم أحد من بحر البسيط :

اللهُ حي قديمٌ قادرٌ صمَدُ

فليس يُشْرِكُهُ في مُلكهِ أحَدُ

هو الذي عرَّفَ الكفارَ منزلَهُمْ

والمؤمنون سيجزيهمْ بما وُعِدُوا

فا تكنْ دولة كانت لنا عظةٌ

فهل عسى أَن يُرى في غيّها رشَدُ

وينصرُ الله من والاه إنَّ له

نصراً يمثِّلُ بالكفارِ إِنْ عنِدُوا

فان نطقتم بفخرٍ لا أبَالكُم

فيمن تضمَّنَ من اخواننا الَّلحدُ (١)

فانَّ طلحةَ غادرناهُ منجدِلا

وللصفايح نارٌ بيننا تَقِدُ

والمرءُ عثمانُ أَرْدَتْهُ أسنَّتنا

فجيبُ زوجتِه إذ أُخبِرتْ قِدَدُ (٢)

في تسعةٍ ولواءٌ بين أَظهُرِهم

لم ينكُلُوا عن حياض الموت إذْ وَرَدُوا

كانوا الذوائبَ من فهرٍ وأكرمَها

حيث الانوفُ وحيث الفَرْعُ والعَدَدُ

وأَحمدُ الخيرِ قد أَرْدَى على عَجَل

تحتَ العجاجِ أَبيّا وَهْوَ مجتهِدُ

فظَلَّتْ الطيرُ والضُّبعانُ تركبه

فحاملٌ قطعةً منه ومُقْتعِدُ

ومن قتلتم على ما كان من عجبٍ

منَّا فقد صادفوا خَيْراً وقد سَعِدُوا

لهم جنانٌ من الفِردوسِ طيّبةٌ

لا يعتريهمْ بها حرُّ ولا صَرَدُ (٣)

__________________

(١) بتحريك الحاء بالفتح لضرورة الوزن ، واللحد هو القبر.

(٢) قدد : قطع ممزقة. جيب القميص : فتحته التي تدخل الرأس منها.

أي فزوجته حزينة لما بلغها موته.

(٣) الصرد : البرد.


صلّى الإلهُ عليهمْ كلّما ذُكِروا

فرُبَّ مشهدِ صدقٍ قبلَهُ شَهِدُوا

قومٌ وفوْا لرسول الله واحتَسِبُوا

شمَّ العرانينِ منهمْ حمزةُ الأَسدُ

ومُصْعبٌ كان ليثاً دونهُ حَرِداً (١)

حتى تزمَّلَ منه ثعلبٌ حَسَدُ

ليسوا كقتلى من الكفارِ أَدخلَهُمْ

نارَ الجحيمِ على أَبوابِها الرَّصَدُ

ـ ٩٠ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

تغرَبْ عن الاوطان في طلب العُلى

وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ

تفرُّجُ همٍ واكتسابُ معيشةٍ

وعلمُ وآدابٌ وصُحبةُ ماجدِ

فان قيل في الاسفارِ ذل ومحنةٌ

وقطعُ الفيافي وارتكابُ الشدائدِ

فموتُ الفتى خيرٌ له من قيامِهِ

بدارِ هوان بين واشٍ وحاسدِ

ـ ٩١ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

اذا لم يكنْ عونُ من الله للفتى

فأكثرُ ما يجنى عليه اجتهادُهُ

ـ ٩٢ ـ

وقال الإمام حينما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعملون في بناء مسجد بالمدينة : وذلك من بحر الرجز :

لا يستوِي من يَعْمُرُ المساجدا

ومن يبيت راكعاً وساجداً

__________________

(١) الحرد : القصد والمنع والدفاع.


يدأبُ فيها قائماً وقاعدا

ومن يكرُّ هكذا مُعانِداً

ومن يُرَى عن الغبارِ حائداً

ـ ٩٣ ـ

وقال الإِمام حين قتل عمرو بن ود من بحر الطويل :

وكانوا على الاسلام إلباً (١) ثلاثةً

فقد بزَّ (٢) من تلك الثلاثة واحدُ

وفرَّ أبو عمرو هبيرةُ لم يعُدْ

لنا وأخو الحرب المجرِّبُ عائدُ

نهتهمْ سيوفُ الهند أن يقِفُوا لنا

غداةَ التقينا والرماحُ المصايدُ

ـ ٩٤ ـ

وقال الامام من بحر السريع :

لو كانت الارزاق تجري على

مقدار ما يستأهلُ العبدُ

لكان من يُخدَمُ مستخدماً

وغابَ نحس وبدا سعدُ

واعتدلَ الدهرُ الى أَهلِهِ

واتصلَ السؤددُ والمجدُ

لكنَّها تجري على سمْتِها

كما يريدُ الواحد الفرْدُ

ـ ٩٥ ـ

وقال الإِمام من الطويل :

همومُ رجالٍ في أُمورٍ كثيرةٍ

وهمي من الدنيا صديقٌ مُساعدُ

يكون كرُوحٍ بين جسمين قُسِّمَتْ

فجسمُهما جسمانِ والروحُ واحدُ

__________________

(١) أي مجمعين.

(٢) وفي نسخة خر.


ـ ٩٦ـ

وينسب إِلى الإِمام من بحر الطويل :

مضى أَمسُك الباقي شهيداً معدلاً

وأَصبحتَ في يومٍ عليكَ شهيدُ

فإن كنتَ في الأمس اقترفتَ إساءةً

فَثَنِّ باحسانٍ وأنتَ حمِيدُ

ولا تُرْجِ فِعْلَ الخيرِ يوماً الى غدٍ

لعلَّ غداً يأتي وأنت فقيدُ

ويومُك إن عاينتَهُ عدا نفعُه

إليك وماضي الأمسِ ليس يعودُ

ـ ٩٧ ـ

وقال الإِمام من بحر الكامل :

ذهبَ الذين عليهمُ وجْدي

وبقيتُ بعدَ فراقِهم وحدي

من كانَ بينكَ في الترابِ وبينَهُ

شِبران فهْوَ بغاية البُعْدِ

لو كُشفتْ للمرءِ أَطباقُ الثرى

لم يُعْرَفِ المولى من العبْدِ

من كان لا يطَأُ الترابَ برجْلِه

يَطَأ الترابَ بناعم الخَدِّ

ـ ٩٨ ـ

وقال الإِمام من مخلع البسيط :

جَنْبِي تجافى عن الوِسادِ

خوفاً من الموتِ والمعَادِ

من خَافَ من سكْرة المنايا

لم يَدْرِ ما لذَّةُ الرُقادِ

قد بلغَ الزرعُ منتهَاهُ

لا بدَّ للزرعِ من حَصَادِ


ـ ٩٩ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

تمنَّى رجالٌ أنْ أَموتَ وإِن أَمُتْ

فتلكَ سبيلٌ لستُ فيها بأوحَدِ

وليسَ الذي يبغي خلافي يضرُّني

ولا موتُ من قدْ ماتَ قبلي بمُخْلِدي

وانِّي ومنْ قد مات قبلي لكالذي

يزُور خليلاً أو يروحُ ويغتدي

ـ ١٠٠ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

ما اكثرَ الناسَ ، لا بل ما أقلَّهُمُ

اللهُ يعلم أنِّي لم اقُل فَندَا (١)

إني لأفتُح عيني حين أفتحُها

على كثير ولكن لا أرى أحداً

ـ ١٠١ ـ

وقال الإمام من بحر البسيط :

الموتُ لا والداً يُبقِي ولا وَلَدا

هذا السبيلُ إلى أن لا ترى أحدَا

كان النبي ولم يَخلُد لأمَّتِهِ

لو خلَّدَ اللهُ خلقاً قبلَهُ خَلُدَا

للموتِ فينا سهامٌ غيرُ خاطئةٍ

من فاتَهُ اليومَ سهمٌ لم يَفُتْهُ غدَا

__________________

(١) الفند بالتحربك : الباطل.


ـ ١٠٢ ـ

وقال يرثي اباه أبو طالب من بحر الطويل :

أرقتُ لنوْحٍ (١) آخَر الليلِ غَرَّدا

لشيخي يَنُعْيَ والرئيسَ المسوَّدا

أبَا طالب مأوى الصعاليك (٢) ذا الندى

وذا الحِلّمِ لا خُلفاً ولم يَكُ قُعْدُدا (٣)

أخا الملكِ خَلّى ثُلْمَةً سيسدُّها

بنو هاشمٍ أو يُستباحَ فيهمَدا

فأمستْ قريشٌ يفرَحونَ لفقْدِه

ولستُ أرى حيَاً لشيءٍ مخلَّدا

أرادتْ أُموراً زيَّنتْها حُلُومُهمْ

ستوردهمْ يوماً من الغيِّ مورداً

يُرَجُّونَ تكذيبَ النبي وقَتْلَه

وإِن يفْتَروا بُهتاً عليه ومَجحدَاً

كذبتمْ وبيتِ اللهِ حتَّى نذيقَكُمْ

صدورَ العوالي والصفيحَ المهنَّدَا

ويظهرَ منا منظرٌ ذو كريهةٍ

اذا ما تسَربَلنا الحديدَ المُسرَّدا

فإما تبيدونا وإِما نبيدُكم

وإما تروا سِلْمَ العشيرةِ أرشَدَا

وإلا فانَّ الحيَّ دونَ محمدٍ

بنو هاشم خيرُ البرية محتِدا

وإِنَّ له فيكم من الله ناصراً

وليس نبيٌّ صاحبُ اللهِ أوحدَا

نبيٌّ أَتى من كلِّ وحي بخطبةٍ

فسمَّاه ربي في الكتاب محمدا

أغرُّ كضوء البدرِ صورةُ وجههِ

جلا الغميم عنه ضوؤه فتوقدا

أمينٌ على ما استودعَ اللهُ قلبَهُ

وإن قالَ قولاً كان فيه مُسَدَّداً

ـ ١٠٣ ـ

وقال الإِمام بعد قتل زيد وطلحة يوم أحد من بحر الرجز :

أصولُ بالله العزيزِ الأمجدِ

وفالقِ الإِصباحِ رب المسجدِ

أنا عليُّ وابن عمِّ المهتدي

ـ ١٠٤ ـ

وقال الإِمام بلغه شماتة هند بقتل حمزة يوم أحد من بحر الوافر :

اتاني انَّ هنداً أُختَ صخرٍ

دعَتْ دركاً وبشَّرت الهنودا

فان نفخرْ بحمزةَ حين ولَّى

مع الشهداءِ محتسباً شهيدا

__________________

(١) النوح : جماعة النساء النائحات الباكيات يصوت مسموع.

(٢) جمع صعلوك وهو الفقير.

(٣) أي جبانا.


فانا قد قتلنا يومَ بدر

ابا جهل وعُتبةَ والوليدا

وقتَّلْنَا سراةَ (١) الناس طراً

وغُنَّمنَا الولائدَ والعبيدا

وشيبةَ قد قتلنا يوم ذاكُمْ

على أثوابه علقاً جسيدا

فبُوِّءَ من جهنمَ شرَّ دارٍ

عليها لم يجدْ عنها محيدا

وماسِيَّانِ من هوَ في جحيمٍ

يكون شرابه فيها صَديدا

ومن هو في الجنانِ يُدَرُّ فيها

عليه الرزق مغتبِطاً حميدا

ـ ١٠٥ ـ

وقال الإمام من الرمل :

كلُّ ماضٍ فكأنْ لم يكنِ

كلُّ آت فكأنْ قدِ

ـ ١٠٦ـ

وقال الإمام من بحر الكامل :

إن الذين بنوا فطال بناؤهم

واستمتعوا بالأهلِ والأولادِ

جرتِ الرياحُ على محلِّ ديارهم

فكأنَّهمْ كانوا على ميعادِ

ـ ١٠٧ ـ

وقال الإمام من بحر البسيط :

ما ودَّني أحدٌ الا بذلتُ له

صفوَ المودَّةِ مني آخرَ الابد

ولا قلاني (٢) وإن كان المسيء بنا

إلاَّ دعوتُ له الرحمنَ بالرشَدِ

ولا ائتُمنْتُ على سرٍ يوماً فبحت به

ولا مددتُ الى غير الجميل يدِي

ولا أقول نعم يوما فاتبعه

بلا ولو ذهبَتْ بالمالِ والولدِ

__________________

(١) سراة الناس : اشرافهم جمع سريّ.

(٢) من القلى وهو الهجر أو البغض.


قافية الذال

ـ ١٠٨ ـ

قال الإِمام من بحر الخفيف :

غُضَّ عيناً على القذى

وتصَبَّرْ على الأذى

إنما الدهرُ ساعةً

يقطع الدهرُ كلَّ ذا


قافية الراء

ـ ١٠٩ ـ

قال مرحب اليهودي يوم خيبر من الرجز :

قد علمتْ خيبرُ أنِّي مرحبُ

شاكي السلاح بطلٌ مجرَّب

أطعنُ أحياناً وحيناً أضربُ

إذا الليوثُ أقبلت تلتهبُ

فأجابه علي الإمام :

انا الذي سمتني أُمي حيدَرَهْ

ضرغامُ آجام وليثٌ قسْوَره

عبلُ الذراعين شديدُ القَصَره

كليث غاباتٍ كريهِ المنظرَهْ (١)

أكيلُكم بالسيف كيْلَ السندره

أضربكم ضرباً يبين الفقرَهْ (٢)

وأترك القِرْن (٣) بقاعٍ جَزَرَه (٤)

أضربُ بالسيفِ رقاب الكفرَهْ

ضربَ غلامٍ ماجدٍ حَزَوَّرَهْ

من يتركِ الحقَّ يقوَّمْ صَعَرهْ

أقتلُ منهم سبعةً أو عشره

فكلُّهمْ أهلُ فسوقٍ فجَرَهْ

ـ ١١٠ ـ

وينسب الى الإِمام أنه قد عثر على ثوم خرجوا من محبته باستحواذ الشيطان عليهم الى أن كفروا بربهم وجحدوا ما جاء به نبيهم واتخذوه رباً وإلها وقالوا : أنت خالقنا ورازقنا فاستتابهم وتوعدهم ، فأقاموا على قولهم فحفر لهم حفراً دخن عليهم فيها طمعاً في رجوعهم فأبوا ، فحرقهم بالنار وقال من بحر الرجز :

__________________

(١ أي المنظر.

(٢) اي يزيل فقرة الظهر.

(٣) القرْن : النديد.

(٤) الجزر : ما أبيح ذبحه.


لما رأيتُ الأمر أمراً منكرا

أَجَّجْتُ ناري ودعوتُ قَنْبراً

ثم احتفرتُ حَفَراً وحَفَرا

وقنبرٌ يحطِمُ حطْماً منكرا

ـ ١١١ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

إذا شئت أن تستقرضَ المالَ منفقاً

على شهوات النفسِ في زمنِ العُسرِ

فسل نفسك الإِنفاقُ من كنز صبْرها

عليك وَإنظَاراً الى زمن اليُسرِ

قان سمحَتْ كنتَ الغنيَّ وإِن أَبتْ

فكلُّ منوعٍ بعدها واسعُ الحذرِ

ـ ١١٢ ـ

كان الإِمام يخرج كل يوم بصفين حتى يقف بين الصفين ويقول من الرمل :

أيُّ يَوْمَيَّ من الموتِ أفرّ

يومَ لا يُقدرُ أو يومَ قُدِرْ

يومَ ما قدِّر لا أرهبه

وإذا قُدِّرَ لا ينجي العذَرْ

ـ ١١٣ ـ

وقال الإمام من بحر البسيط :

تلكم قريشُ تمنَّاني لتقتُلني

فلا وربك مَا بروا وما ظَفِروا

فان بقيتُ فرهنٌ ذمتي لَكُمُ

بذاتِ وَدْقَيْنَ لا يَعْفَو له أثرُ

وإِن هلكتُ فإنِّي سوف أورثهمْ

ذلَّ الحياةِ فقد خانوا وقد غَدِروُا

إمَّا بقِيتُ فاني لستُ مُتخِذا

أهلاً ولا شيعة في الدين إِذ فَجَروُا

قد بايعُوني ولم يُوفُوا ببيعتهمْ

ومَاكُرونيَ بالاعداءِ إذْ مكَروا

وناصبوني في حربٍ مضرَّسَةٍ

ما لم يلاقِ أبو بكرٍ ولا عُمَرُ


ـ ١١٤ ـ

وقال الإمام لما بلغه ما صنع معاوية وعمرو بن العاص قبل حرب صفين من بحر الرجز :

يا عجَباً لقد سمعت مُنْكَرا

كذباً على الله يُشيِّبَ الشَّعْرا

ما كان يرضى أحمد لو خُيِّرا

أن يقرِنُوا وَصِيَّه والأبْتَرَا

يسترقُ السمعَ ويَغشَى البصَرا

شأن الرسولِ واللعينِ الأحرزَا

إني اذا ما الحربُ يوماً حضَرا

شمَّرْتُ ثوبي ودعوتُ قَنْبَرَا

قدِّمْ لوائي لا تُؤَخِّرْ حَذَرَا

لو أن عندي يا ابن حربٍ جعفرا

أو حمزةَ القرْمَ الهمامَ الأزهرا

رأَتْ قريش نجمَ ليلٍ ظَهَرَا

ـ ١١٥ ـ

وقال الإمام من بحر الرجز :

يا ذا الذي يَطلُب مني الوِتْرا

إن كنتَ تبغي أن تزورَ القبرْا

حقاً وتصلي بعد ذا الجَمْرا

أسْعِطكَ اليوم زعافاً مرا

لا تحسبني يا ابن عاصٍ غِرَّا

ـ ١١٦ـ

وقال الإمام وكتب بها الى معاوية وهو بصفين من بحر الرجز أما بعد :

فإنَّ للحرب عُراماً (١) شزْراً (٢)

إنَّ عليها سائقاً عَشَنْزَرا (٣)

__________________

(١) العرام بضم ففتح : الشدة ، وعرام الجيش حَدّهمْ وشدتهمْ وكثرتهُم.

(٢) الشزر : الشدة والصعوبة.

(٣) العشنزر : الشديد.


يُنْصِفُ من أَحْجَمَ (١) وتَنَمَّرا (٢)

على نواحيها مَزِجٌ (٣) زَمْجَرا (٤)

اذا وَنينَ ساعةً تَغَشْمَرَا (٥)

ـ ١١٧ ـ

ودخل عليه الأشعث بن قيس بصفين وهو قائم يصلي ، فقال له : يا أمير المؤمنين أدؤوب بالليل ودُؤوب بالنهار فانفتل من صلاته وهو يقول من بحر البسيط :

أصبرُ مِنْ تعبِ الإِدلاج والسَّهَرِ

وبالرواحِ على الحاجاتِ والبُكَرِ (٦)

لا تَضْجَرَنَّ ولا يُجزِكَ مطلبُها

فالنُّجْحُ يتلفُ بين العجزِ الضجرِ

إنِّي وجدت وفي الأيام تجربةٌ

للصبرِ عاقبةً محمودة الأثرِ

وقلَّ مَنْ جَدَّ في أمرٍ يُطالبهُ

واستصحبَ الصبْرَ إلاَّ فازَ بالظفرِ

ـ ١١٨ ـ

وقال الإِمام بعد فراغه من حرب الجمل من الرجز :

إليكَ أشكُو عُجَرِي ويُجَري (٧)

ومعشراً غَشُّوا عليَّ بَصرِي

إِني قتلْت مُضَرِي بمُضَري (٨)

شفيتُ نفسِي وقتلْتُ معشِري

__________________

(١) أحجم : تأخر.

(٢) تنمر : تنكر وتغير وانصافه له معاملته بما يستحق.

(٣) المزج : الطاعن بالمزج وهو حديدة في اسفل الرمح.

(٤) زمجر : صوَّت وصاح.

(٥) تغشمر : غضب.

(٦) معطوف على الرواح جمع بكرة ، وهو أول النهار أو السيرفيه.

(٧) آلامي وهمومي وأحزاني.

(٨) قتلت منهم مضرا.


ـ ١١٩ ـ

وقال الإِمام يذكر مبيته على فراش رسول الله ليلة الهجرة من بحر الطويل :

وقيتُ بنفسِي خيرَ من وطئ الحصَى

ومن طافَ بالبيتِ العتيقِ وبالحجْرِ

محمد لما خاف أن يمكروا به

فوقَّاه ربِّي ذو الجلالِ من المكْرِ

وبت أراعيهمْ متى يَنْشُرونَنِي (١)

وقد وطَّنت نفسي على القتل والأسر

وباتَ رسولُ الله في الغار آمناً

هناكَ وفي حفظ الإِلهِ وفي سِتْرِ

أقامَ ثلاثاً ثم زُمَّتْ قلائصٌ (٢)

قلائص يفرينَ الحصَى أينما يَفْرِي

أردت به نصرَ الإله تبتَّلاً

وأضمرتُه حتى أوسَّدَ في قبْري

ـ ١٢٠ ـ

وقال الامام من المتقارب :

دواؤكَ فيكَ وما تشعرُ

وداؤك منكَ وما تُبصرُ

وتحسب أنك جرْمٌ صغيرٌ

وفيكَ انطوى العالمُ الاكبرُ

ـ ١٢١ ـ

وقال الإِمام من بحر الرجز :

أنا ( علىٌّ ) فاسألوني تُخْبروا

سيفي حسامٌ وسِنانِي (٣) يُزْهِرُ

منَّا النبيُّ الطاهرُ المطهرُ

وحمزةُ الخيرِ وصِنْوِي جعفرُ

__________________

(١) أي يقتلونني بالسيوف كأنما ينشرون خشيا.

(٢) جمع قلوص وهي الناقة القوية الشديدة.

(٣) السنان : الرمح.


له جناحٌ في الجِنانِ أخضرُ

وفاطمٌ عُرْسي وفيها مفخَرُ

هذا لهذا وابنُ هند مُحْجِرُ

مذبذَبٌ مطَّردٌ مؤخَّرُ

ـ ١٢٢ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

لئن ساءني دهرٌ لقد سرَّني دهرُ

وإِن مسَّني عُسْرٌ فقد مسَّني يُسْرُ

لكل من الأيام عندي عادةٌ

فان ساءني صَبْرٌ وإن سَرَّنِي شكْرُ

ـ ١٢٣ ـ

وقال الإِمام من بحر الكامل :

والله لو عاش الفتى من دهرِه

ألفاً من الاعوامِ مالكَ أمْرِهِ

متلذِّذاً فيه بكلِّ هنيَّة

ومبلَّغاً كلَّ المنى من دهْرهِ

لا يعرف الآلامَ فيها مرَّةً

كلا ولا جَرتَ الهموم بفكرِهِ

ما كان ذاكَ يفيدُهُ من عُظمِ ما

يَلقى بأوَّلِ ليلةٍ في قَبْرِهِ

ـ ١٢٤ ـ

وأتى رجل الى الإِمام وقال له : قد عيل صبري فأعطني ، قال : أنشدك شيئاً أم أعطيك ؟ فقال : كلامُك احبُّ الي من عَطائك فقال من المنسرح :

إن عضَّكَ الدهرُ فانتظرْ فرجا

فانه نازلٌ بمنتظرِهْ

أو مسَّكَ الضرُّ او بُليتَ به

فاصبرْ فانَّ الرخاءَ في أَثرِهْ

كم من مُعَانٍ على تهوُّرهِ

ومبتلىً ما ينامُ من حذرِهْ

وآمنٍ في عَشَاءِ ليلتِهِ

دبَّ اليه البلاءُ في سَحَرهْ

من مارس الدهر ذمَّ صحبتَهُ

ونالَ من صفوه ومن كدرهْ


ـ ١٢٥ ـ

وقال الإِمام من الكامل :

ما هذه الدنيا لطالبها

إلا عناءٌ وهو لا يدري

إن أقبلتْ شغلتْ ديانتَهُ

أو أَدبرتْ شغلتْه بالفقر

ـ ١٢٦ـ

وينسب اليه 2 من بحر البسيط :

الناسُ في زمنِ الاقبال كالشجرة

وحولها الناسُ ما دامتْ بها الثمرهْ

حتى اذا ما عرتْ من حَمْلها انصرفوا

عنها عقوقاً وقد كانوا بها بَرَرَه

وحاولوا قطْعَها من بعد ما شفقُوا

دهراً عليها من الأرياح والغِبَرَهْ

قَلَّتْ مروءاتُ أهلِ الارض كلهم

إلا الاقلَّ فليس العشرُ من عشره

لا تحمدنَّ امرءاً حتى تجَرِّبَهُ

فربما لم يوافقْ خُبْره خَبَره

ـ ١٢٧ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

للناسِ حرصٌ على الدنيا بتدبيرِ

وصفُوها لك ممزوجٌ بتكديرِ

كم من مُلح عليها لا تساعدُهُ

وعاجزٍ نالَ دنياهُ بتقصيرِ

لم يُرْزَقُوها بعقلٍ حينما رُزِقوا

لكنَّمَا رُزِقُوها بالمقاديرِ

لو كان عن قوةٍ أو مغالَبَةٍ

طار البزاةُ بأرزاقِ العصافيرِ

ولقمةٌ بجريشِ الملْحِ آكلُها

أحبُّ من لقمة تحشى بزنبورِ

كم لقمة جَلبَت حَتْفاً لصاحبها

كحبةِ الفمح دَقَّتْ عُنْقَ عصفورِ


ـ ١٢٨ ـ

وقال الإِمام بصفين بعد قتله احمر من بحر الرمل :

لهف نفسي وقليل ما أُسِرْ

ما أَصاب الناس من خير وشرَ

لو أُرِدْ من الدهرِ يوماً حربَهمْ

وهمُ الساعون في الشرِّ الشمرْ

ـ ١٢٩ ـ

وسئل الإِمام علي بن أبي طالب عن مسألة فدخل مبادراً ثم خرج في رداء وحذاء وهو مبتسم فقيل له يا امير المؤمنين إِنك اذا سئلت عن مسألة تكون فيها كالسكة المحماة ، قال اني كنت حاقناً ولا رأي لحاقن ، ثم قال : من بحر المتقارب :

إذا المشكلات تصديِّن لي

كشفتُ حقائقها بالنظر

وإن برقتْ في مخيل الظنو

ن عمياء لا يجتليها البصره

مقنعةُ بغيوب الأمورِ

وضعتُ عليها صحيح الفكَر

معي أصمع (١) كظبا المرهفا

تِ أفريِ به عن بناتِ السيرْ (٢)

لساناً كشِقشِقة (٣) الأرحَبِيِّ (٤)

أو كالحسام اليماني الذكَرْ

وقلباً اذا استنطقتْهُ الهمومُ

أَربى (٥) عليها بواهِي الذُّرر (٦)

__________________

(١) الأصمع : السيف القاطع شبه به اللسان.

(٢) بنات السير ما تأتي به الأخبار.

(٣) الشقشقة بالكسر شيء كالرثة يخرجه البعير من فيه إذا هاج.

(٤) الأرحبي منسوب الى النجائب الأرحبيات وهي إبل كريمة منسوبة الى أرحب اسم محل أو مكان قبيلة من همدان.

(٥) أربي : علا.

(٦) لعله أراد بواهي الدرر ما وهي سلكها فتناثرت شبه الفاظه بالدرر.


ولست بأمعّةٍ (١) في الرجالِ

أسائل هذا وذا ما الخبر

ولكنني مِذربُ (٢) الاصغري‍

‍ن (٣) أبَيِّن مع ما مضى ما غبرْ

ـ ١٣٠ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

تفنى اللذاذةَ ممن نال صفْوتَها

من الحرام ويبقَى الاثمُ والعارُ

تبقى عواقبُ سوء في مغبَّتِها

لا خيرَ في لذةٍ من بعدها النارُ

ـ ١٣١ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

وفي الجهل قبل الموت موت لأَهله

وأجسادهم قبل القبور قبور

وإن امرءاً لم يحي بالعلم ميت

وليسن له حتى النشور نشور

ـ ١٣٢ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

حرِّضْ بنيك على الآداب في الصِّغرِ

كيما تقرَّ بهم عيناكَ من الكبرِ

وانما مَثَلُ الآداب تجمعُها

في عنفوانِ الصبا كالنقش في الحجرِ

هي الكنوزُ التي تنمو ذخائرها

ولا يُخافُ عليها حادثُ الغيرِ

إنَّ الأديبَ اذ زلَّتْ به قَدَمٌ

يهوي الى فُرُشِ الديباجِ والسُّرُرِ

الناس اثنانِ ذو علمٍ ومستمعٍ

واعٍ وسائرهُم كاللغو والعكرِ

__________________

(١) الأمعة بكسر الهمزة وتفتح وتشديد الميم المفتوحة الذي لا رأي له فهو يتابع كل شخص على رأيه وكأنه مشتق من مع لأنه دائما يكون مع غيره ولا يستقل برأي.

(٢) المذرب : الحاد.

(٣) الأصغران : القلب واللسان.


ـ ١٣٣ ـ

وقال الإِمام من بحر البسيط :

خاطرْ بنفسكَ لا تقعُدْ بمَعجزَةٍ

فليس حرٌّ على عَجْزٍ بمغدور

إن لمْ تنل في مقامٍ ما تحاولُهُ

فَلْتَبْلُ عذراً بإدلاجٍ وتهجير

ـ ١٣٤ ـ

وقال 2 من بحر البسيط :

اصبرْ قليلاً فبعد العسر تيسيرُ

وكل أمر له وقتٌ وتدبير

وللمهيمنِ في حالاتنا نظرٌ

وفوق تقديرِنا لله تقديرُ

ـ ١٣٥ ـ

وقال 2 من بحر الطويل :

غَنى النفسِ يكفي النفس حتى يكفَّها

وإن أَعسرتْ حتى يضرَّ بها الفقرُ

فما عُسرة فاصبرْ لها إن لقيتَها

بدائمةٍ حتى يكون لها يُسْرُ

ـ ١٣٦ ـ

وقال 2 من بحر المتقارب :

وهوِّن عليك فإنَّ الامور

بكفِّ الإِله مقاديرها

فليس بآتيك منهيُّها

ولا قاصرٍ عنك مأمورُها


ـ ١٣٧ ـ

وقال 2 من بحر الوافر :

جميعُ فوائد الدنيا غرور

ولا يبقى لمسرورٍ سرورُ

فقل للشامتين بنا أفيقوا

فانَّ نوائبَ الدنيا تدور

ـ ١٣٨ ـ

وقال 2 من بحر البسيط :

أحسَنْتَ ظنك بالأيام إذ حسُنَتْ

ولم تخف سوءَ ما يأتي به القَدَرُ

وسالمتكَ الليالي فاغتررتَ بها

وعند صفو الليالي يحدث الكدر

ـ ١٣٩ ـ

وقال 2 من بحر الطويل :

بلوتُ صروف الدهر ستينَ حجة

وجرَّبتُ حاليْهِ من العسر واليُسرِ

فلم أَرَ بعدَ الدِّين خيراً من الغِنى

ولم أَر بعد الكفر شراً من الفقر

ـ ١٤٠ ـ

وقال 2 من بحر الطويل :

دليلك أَن الفقر خير من الغنى

وأن القليل المال خيرٌ من المثري

لقاؤك مخلوقاً عصَى الله للغني

ولم تَرَ مخلوقاً عصَى الله للفقرِ

ـ ١٤١ ـ

وقال 2 من بحر الطويل :

ألم تر أَن يُرجى له الغني

وأَن الغني يُخشى عليه من الفقر


ـ ١٤٢ ـ

وقال 2 من بحر الطويل :

ذهب الرجالُ المقتدَى بفعالهم

والمنكِرون لكل أمرٍ منكر

وبقيتُ في خلفِ يزينُ بعضهم

بعضاً ليدفع مُعْوراً عن معورِ

سلكوا بنيَّاتِ الطريقِ فأصبحوا

متنكبين عن الطريقِ الاكبرِ

ـ ١٤٣ ـ

وقال 2 من بحر الزمل المجزوء :

كُدَّ (١) كدَّ العبد إن

أَحببت أن تصبح حراً

واقطع الآمال من

مال بني آدم طراً

لا تقل ذا مكسبٍ

يزري فقصد الناس أَزري

أَنت ما استغنيتَ عن

غيركَ أعلَى الناسِ قدرا

ـ ١٤٤ ـ

وقال 2 من بحر الطويل :

تؤمِّل في الدنيا طويلاً ولا تدري

إذا جنَّ ليل هل تعيش الى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من عليل عاش دهراً الى دهر

وكم من فتى يُمسي وصبح آمناً

وقد نُسجَت أكفانه وهو لا يدري

__________________

(١) الكد : الاجتهاد.


ـ ١٤٥ ـ

وقال 2 في اليتيم من بحر البسيط :

ما إن تأوَّهت في شيء رزنت له

كما تأوَّهتُ للأطفال في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم

في النائبات وفي الأَسفارِ والحضرِ

ـ ١٤٦ ـ

وقال 2 في الشيب من مجزوء الكامل :

الشيب عنوان المني‍

‍ة وهو تاريخ الكبرْ

وبياض شعرك موتُ شع‍

رِك ثم أَنتَ على الأَثرْ

فاذا رأَيت الشيبَ عمَّ

الرأسَ فالحذَرَ الحذرْ

ـ ١٤٧ ـ

وقال 2 في رثاء الرسول من بحر الكامل المجزوء :

كنتَ السواد لناظري (١)

فبكى عليكَ الناظرُ

من شاء بعدك فليمُتْ

فعليكَ كنت أُحاذرُ

ـ ١٤٧ ـ

وقال 2 من بحر البسيط :

قد يعلم الناسُ أنَّا خيرهُم نسبَا

ونحن أفخرهُم بيتاً اذا فخروا

رهطُ النبيِّ وهم مأوى كرامتهِ

وناصرو الدين والمنصور من نصروا

__________________

(١) الناظر : العين.


والارض تعلم أَنا خيرُ ساكنِها

كما به تشهد البطحاءُ والمذرُ

والبيت ذو الستر لو شاءوا تحدثُهم

نادى بذلك ركنُ البيت والحجر

ـ ١٤٩ ـ

وينسب اليه أنه لما قتل عمار بن ياسر يوم صفين احتمله امير المؤمنين علي 2 الى خيمته وجعل يمسح الدم عن وججه وهو يقول من بحرالطويل :

وما ظبية تسبي القلوبَ بطرْفِها

اذا التفتت خِلنا بأجفانها سِحرا

بأحسن منه كلل السيفُ وجهَهُ

دماً في سبيل الله حتى قضَى صَبْرا

ـ ١٥٠ ـ

وقال 2 حين تمنيه قوت الفقراء من بحر الرجز :

إني عجزت عجزةً لا أعتذرْ

سوف أكيس بعدها وأستمرْ

أرفعُ من ذيلي ما كنت أَجُر

وأَجمع الأمر الشتيتَ المنتشِرْ

إن لم يباغتْني العجولُ المنتصرْ

أَو تتركوني والسلاحُ يبتدِرْ

ـ ١٥١ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

صبرت على مر الامور كراهةً

فهان علينا كلُّ صعب من الامر

ـ ١٥٢ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

اذا كنت لا تدري ولم تكُ سائلاً

عن العلم من يدري جهلت ولم تدر


ـ ١٥٣ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

وليس كثيراً الف خل وصاحب

وإنّ عدواً واحداً لكثيرُ

ـ ١٥٤ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

رأيت الدهر مختلفاً يدورُ

فلا حزنٌ يدوم ولا سرور

وقد بنت الملوك به قصوراً

فلم تبق الملوك ولا القصور

ـ ١٥٥ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

أُريدُ بذاكم أَن تهشُّوا لطلقتي

وأَن تكثروا بعدي الدعاء على قبري

وأَن تمنحوني في المجالس ودكم

وإِن كنتُ عنكم غائباً تحسنوا ذكري

ـ ١٥٦ ـ

وينسب اليه أنه قال من بحر الكامل :

أبُنيَّ إِنَّ من الرجال بهيمَة

في صورة الرجل السميع المبصر

فطنٌ بكل رزية في ماله

واذا أُصيب بدينه لم يشعرِ

ـ ١٥٧ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

اذا اجتمعت علينا معد ومذحج

بمعركة فإني أميرها

مسلمة اكفالَ خيلي في الوغى

ومكلومة لبانها ونحورها

حرام على أرماحنا طعنُ مُدبرِ

وتندق منها في الصدور صدورها


ـ ١٥٨ ـ

وقال 2 يوم صفين من بحر الرجز :

دُبُّوا دبيب النمل قد آن الظفر

لا تنكروا فاحرب ترمي الشرر

إنا جميعاً أهل صبر لا خور

ـ ١٥٩ ـ

وينسب اليه من الطويل :

عسى منهل يصفو فيروي ظمية

أطال صداها المنهلُ المتكدِّرُ

عسى بالجنوب العارياتُ ستكتسي

وبالمستذَلِّ المستضام سينصَرُ

عسى جابرُ العظم الكسير بالطفه

سيرتاح للعظم الكسير فيجبر

عسى الله لا تيأس من الله إنه

يسير عليه ما يعزُّ ويعسُر

ـ ١٦٠ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

يا طالب الصفو في الدنيا بلا كدرٍ

طلبت معدومةً فايأس من الظفر

واعلم بأنك ما عمرتَ ممتحنٌ

بالخير والشر والميسور والعسُرِ

أَنَّي تنال بها نفعاً بلا ضررٍ

وإنها خُلقَتْ للنفع والضررِ

في الجُبن عارٌ وفي الاقدام مكرُمةٌ

ومن يفرَّ فلن ينجو من القَدَر

ـ ١٦١ ـ

وقال الإِمام من بحر المتقارب :

يعيبُ رجال زماناً مضى

وما لزمانٍ مضى من غيرَه

أَرى الليل يجرى كعهدي به

وأَنَّ النهار علينا يكرْ


ولم تحبِس القطرَ عنا السما

ولم تنكشِفْ شمسُنا والقمرْ

فقل للذي ذم صرفَ الزمانِ

ظلمتَ الزمانَ فذُمَّ البشرْ

ـ ١٦٢ ـ

وينسب إليه من بحر الوافر :

أَيا منْ ليس لي منهُ مجيرُ

بعفوك من عقابكَ أستجيرُ

أنا العبدُ المقرُّ بكلِّ ذنبٍ

وأنتَ السيد الصمَدُ الغفورُ

فإن عذبتَني فالذنبُ مني

وإن تغفرْ فأنتَ به جديرُ

ـ ١٦٣ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

مساكينُ أَهلُ الفقرِ حتَّى قبورُهمْ

عليها ترابُ الذلِّ بين المقابرِ

ـ ١٦٤ ـ

وينسب اليه من بحر المنسرح :

سبحان رب العباد يا وَبَره

ورازقَ المتقينَ والفَجَرهْ

لو كان رزقُ العباد عن جَلَدٍ

ما نلتَ من رزقِ ربِّنا مدَرَهْ

ـ ١٦٥ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

لئن ساءني دهرٌ عزمتُ تصبُّراً

فكلُّ بلاءٍ لا يدومُ يسيرُ

وإِن سرَّني لم أبتهجْ بسرورهِ

فكلُّ سرور لا يدومُ حقيرُ


ـ ١٦٦ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

ولا خير في الشكوي الى غير مشتكي

ولا بدَّ من شكوى إذا لم يكنْ صبرُ

ـ ١٦٧ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

ألم تر أَنَّ البحر يَنضب ماؤه

ويأتي على حيتانهِ نِوَبُ الدهرِ

ـ ١٦٨ ـ

وينسب اليه من بحر الكامل :

النار أهون من ركوب العار

والعار يدخلُ أَهلَهُ في النارِ

والعار ، في رجُل يبيتُ وجارُهُ

طاوي الحشي متمزقُ الأطمارِ (١)

والعار في هضم الضعيفِ وظلْمه

وإِقامةِ الأخيارِ بالأشرارِ

ـ ١٦٩ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

يعزُّونني قومٌ براءٌ من الصبرِ

وفي الصبرِ أَشياءٌ أمرٌّ من الصبرِ

يعزِّي المُعزِّي ثم يمضي لشأنهِ

ويبقى المعزَّى في أَحر من الجمرِ

__________________

(١) جمع طِمْر : وهو الثوب الخلق البالي.


ـ ١٧٠ ـ

وينسب إليه من بحر الرجز :

ينصرُني ربي خيرُ ناصرِ

آمنت بالله بقلبٍ شاكرِ

أضربُ بالسيف على المغافر

مع النبيِّ المصطفى المهاجِرِ

ـ ١٧١ ـ

وينسب اليه انه لما بويع بالخلافة قال من بحر الطويل :

وأُغمضُ عيني في أُمورٍ كثيرةٍ

واني على ترْكِ الغموضِ قديرُ

وما من عمى أُغضِي ولكنْ لربما

تعامى وأَغْضَى المرءُ وهو بصيرُ

وأَسكُتُ عن أشياءَ لو شئتُ قلتُها

وليس علينا في المقالِ أميرُ

أُصبِّرُ نفسي باجتهادي وطاقَتي

وإني بأخلاقِ الجميع خبيرُ

قافية الزاي

ـ ١٧٢ ـ

روي أن عمرو بن عبد ود نادى يوم الخندق من يبارز فقام الإمام وقال يا نبي الله ... فقال اجلس إنه عمرو ثم كرر عمرو بن عبد ود النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول : أين جنتكم التي تزعمون من قتل منكم دخلها أفلا يبرز إلي رجل وقال من مجزوء الكامل :

ولقد بُحِحتُ من الندا

ء بِجمعكم هل من مُبارزْ

ووقفتُ إِذ جَبُن الشجا

عُ بموقفِ القِرْنِ المناجزْ

إني كذلك لم أَزَل

متسرعاً نحو الهزاهزْ

إنَّ الشجاعةَ والسما

حةَ في التي خير الغرائزْ


فبرز إليه علي وهو يقول من مجزوء الكامل أيضا :

لا تعجلنَّ فقد أتا

كَ مجيبُ صوتكَ غير عاجزْ

ذو نيَّة وبصيرةٍ

والصدقُ مُنْجٍ كلَّ فائزْ

إنِّي لأرجو أن أُقي‍

مَ عليك نائحةَ الجنائزْ

من ضربةٍ نجلاءَ يب‍

قَى صِيتها عند الهزاهزْ

قافية السين

ـ ١٧٣ ـ

وقال 2 حين زار القبور من بحر الطويل :

سلامٌ على أَهلِ القبورِ الدوارسِ

كأنهمُ لم يجلسوا في المجالسِ

ولم يشربوا من بارد الماء شربةً

ولم يأكلوا من خير رطب ويابسِ

ألا خيِّروني أَين قبرُ ذليلكمْ

وقبرُ العزيزِ الباذخِ المتنافسِ

ـ ١٧٤ ـ

وقال 2 من بحر السريع

لا تتهمْ ربك فيما قضى

وهوِّن الأمرَ على النفسِ

لكلِّ همٍ فرجٌ عاجلٌ

يأتي على المصبحِ والممسي

ـ ١٧٥ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

العلمُ زين فكن للعلم مكتسباً

وكن له طالباً ما عشتَ مقتبسا

واركنْ إليه وثِقْ بالله واغْنَ به

وكن حليماً رزينَ العقلِ محترسا


لا تأثمنَّ فاما كنت منهمكاً

في العلم يوماً وإمَّا كنت منغمسا

وكنْ فتى ماسكاً محض التقى وَرِعاً

للدين مغتنماً للعلم مفترسا

فمن تخلَّقَ بالآدابِ ظلَّ بها

رئيسَ قومٍ إذا ما فارقَ الرؤسا

واعلم هُديتَ بأنَّ العلم خيرُ صفاً

أضحى لطالبهِ من فضلهِ سلساً

ـ ١٧٦ ـ

وينسب اليه من بحر المنسرح :

الحمدُ للهِ لا شريكَ لهُ

دابى في صبحهِ وفي غلسِهْ

لم يبق لي مؤنسٌ فيؤنسني

إلا أنيسٌ أخافُ من أُنُسِهْ

فاعتزلِ الناسَ ما استطعتَ ولا

تركنْ إلى من تخاف من دنَسِهْ

فالعبدُ يرجو ما ليس يدركُهُ

والموتُ أدنى إليه مِنْ نفَسِهْ

ـ ١٧٧ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

لا تأمن الموتَ في طرْفٍ ولا نَفَس

ولو تمنعتَ بالحجابِ والحرس

واعلم بأن سهامَ الموتِ نافذةٌ

في كلِّ مدَّرِعٍ منا ومُتَّرِسِ (١)

ما بالُ دنياكَ تَرْضَى أن تُدَنِّسه

وثوبُكَ الدهر مغسولٌ من الدنَسِ

ترجو النجاةَ ولم تسلك مسالكَها

إنَّ السفينةَ لا تجري على اليَبسِ

__________________

(١) مدَّرع : لابس الدرع. مترس حامل الترس.


وينسب إليه من البحر الطويل :

أَيحسبُ أَولادُ الجهالةِ أَننا

على الخيلِ لسنا مثلَهمْ في الفوارسِ

فَسائلْ بني بدرٍ إذا مَا لقيتَهمْ

بقتلي ذوي الأقران يوم التمارُسِ

وهذا رسولُ الله كالبدرِ بيننا

به كشَفَ الله العِدَى بالتناكسِ

وإِنِّا أُناسٌ لا نرى الحربَ سُبَّةً

ولا ننثني عند الرماح المداعِسِ

فما قيل فينا بعْدهَا من مَقَالةٍ

فما غادرتْ منا جديداً للابسِ


قافية الصاد

ـ ١٧٩ ـ

لما بلغ عمرو بن العاص مسير علي 7 الى صفين قال من الرجز :

لا تحسبنَّي يا علي غافلاً

لأوردنَّ الكوفةَ القنابلا (١)

بجمعي العامَ وجمعي قابلا

فبلغ ذلك علياً 7 فقال من الرجز أيضا :

لأوردنَّ العاصيَ ابنَ العاصي

سبعين ألفاً عاقِدِي النَّواصي

مستحلقينَ حَلَقَ الدِّلاصِ (٢)

قد جنّبوا الخيل مع القِلاصِ (٣)

آسادَ غيلٍ (٤) حين لا مناصِ

ـ ١٨٠ ـ

وقال الإِمام من بحر الوافر :

أتم الناسِ أَعرفُهمْ بنقصه

وأَقمعُهمْ لشهوتِهِ وحرصهْ

فدانِ على السلامة من يُداني

ومن لم ترض صحبته فأقْصهْ

ولا تستغْلِ عافيةً بشيء

ولا تسترخصنَّ أذى لرخْصِهْ

وخلِّ الفحصَ ما استغنيتَ عنهُ

فكم مستجلبٍ عيباً لفحصهْ

__________________

(١) القنابل : جماعات الجيش.

(٢) الدلاص : الدرع السابغة.

(٣) جمع قلوص وهي الناقة القوية.

(٤) الغيل : عرين الأسد.


قافية الضاد

ـ ١٨١ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

سأمنح مالي كلَّ من جاءَ طالباً

وأجعلُهُ وقْفاً على القَرْضِ والفَرْض

فإِما كريم صنتُ بالمال عرضَهُ

وإما لئيمٌ صُنْتُ من لؤمهِ عِرْضِي

ـ ١٨٢ ـ

وقال الإِمام من بحر المتقارب :

إذا أَذِنَ الله في حاجةٍ

أتاكَ النجاحُ بها يركضُ

وإن أَذِنَ الله في غيرها

أَتى دونَها عارضٌ يعْرِضُ

ـ ١٨٣ ـ

وقال الإِمام من بحر الوافر :

لنا ما تدَّعونَ بغير حق

إذا مِيزَ الصّحاحُ من المراضِ

عرفتمْ حقَّنا فجحدتموه

كما عُرف السوادُ من البياضِ

كتابُ الله شاهدُنا عليكم

وقاضِينا الإلهُ فنعمَ قاضِ


ـ ١٨٤ ـ

وينسب الى الإِمام أنه قال في جواب معاوية من الرجز :

إن كنتَ ذا علم بما الله قَضَى

فاثبتْ أُصادقْكَ وسيفي مُنْتَضَى

واللهُ لا يرجعُ شيئاً قد مضَى

واللهُ لا يُبرم شيئاً نَقَضَا

ـ ١٨٥ ـ

وقال الإِمام من بحر الرجز :

لا تفسدنَّ سابق إحسانِ مضى

والله لا يغلَبُ فيما قد مضى

قافية الطاء

ـ ١٨٦ ـ

وقال الإِمام من بحر السريع :

نحن نؤمُّ النمَط الأوسطا

لسنا كمن قصَّر أَو أفرَطا

ـ ١٨٧ ـ

وقال من بحر البسيط :

اصبر على الدهر لا تغضب على أحدٍ

فلا يُرى غيرَ ما في الدهرِ مخطـوطُ

ولا تُقيمنَّ بدار لا انتفاع بها

فالأرض واسعة والرزق مبسوطُ

* * *


قافية الظاء

ـ ١٨٨ ـ

وقال الإِمام من الرجز :

نوم امرئِ خيرٌ له من يقظهٍ

لم يرض فيها الكاتبينَ الحفظهْ

وفي صروف الدهر للمرءِ عظَهْ

قافية العين

ـ ١٨٩ ـ

وقال الإِمام من الهزج :

رأَيت العقل عقلين

فمطبوعٌ ومسموع

ولا ينفعُ مسموعٌ

إذا لم يَكُ مطبوع

كما لا تنفع الشمسُ

وضوءُ العين ممنوعُ

ـ ١٩٠ ـ

وقال الإِمام من بحر الرجز :

إنَّ اخاك الحقَّ من كان معكْ

ومن يضرُّ نفسهُ لينفعكْ

ومن اذا ريْبُ الزمانِ صَدَعكْ

شتّتَ فيك شمْلَهُ ليجمعَكْ


ـ ١٩١ ـ

وقال من بحر الوافر :

افادتني القناعةُ كلَّ عز

وهلْ عزٌّ أعز منَ القناعةْ

فصيِّرها لنفسك رأسَ مالٍ

وصيِّرْ بعدها التقوى بضاعةْ

تحُزْ ربحاً وتُغني عن بخيل

وتنعمَ في الجنان بصبر ساعة

ـ ١٩٢ ـ

وقال كرم الله وجهه وهو بذي تمار متوجها إلى حرب الجمل حين بلغه ما لقيته ربيعة من القتل بمحاربتها لأصحاب أم المؤمنين عائشة وخروج عبد القيس من ربيعة مع حكيم بن جبلة لنصرة عثمان بن حنيف عامله على البصرة : وهي من الرجز :

بالهف نفسي قُتلت ربيعةْ

ربيعةُ السامعةُ المطيعةْ

قد سبقتْ فيهمُ الوقيعةْ

دعا حكيمٌ دعوة سميعةْ

من غير ما بُطْلٍ ولا خديعةْ

حَلُّوا بها المنزلة الرفيعَةْ

ـ ١٩٣ ـ

وقال من بحر الكامل :

ومن البلاء وللبلاء علامةٌ

أن لا يَرى لك عن هواكَ نزوعُ

العبدُ عبدُ النفس في شهواتها

الحُرُّ يشبعُ تارة ويجُوعُ

وكفاكَ من عِبَر الحوادث أنَّهُ

يبْلَى الجديدُ ويُحْصَدُ المزروعُ


ـ ١٩٤ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

ومن يصحب الدنيا يكن مثل قابض

على الماءِ خانته فروج الأصابعِ

ـ ١٩٥ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

وكن معدناً للحلم واصفحْ عن الأذى

فإنكَ لاقٍ ما عملتَ وسامعُ

أحبَّ إذا أحببتَ حُبَّاً مقارباً

فانك لا تَدْرِي متى أنتَ نازعُ

وأبغضْ اذا أبغضتَ بغضاً مقارباً

فإنكَ لا تدري متى أنتَ راجعُ

ـ ١٩٦ ـ

وقال الإِمام من بحر الكامل المجزوء :

الفضل من كرَمِ الطبيعةْ

والمَنُّ مفسدَة الصنيعةُ

والخيرُ أَمنعُ جانباً

ومن قمَّةِ الجبل المنيعة

والشرُّ أسرعُ جَرْيَةً

من جَرْيةِ الماء السريعةْ

تركُ التعاهُدِ (١) للصَّدِيق

يكون داعيةَ القطيةُ

لا تلتطخْ بوقيعة

في الناس تلطخُكَ الوقيعةْ

إنَّ التخلُّقَ (٢) ليس يمك

ث أنْ يؤولَ الى الطبيعةْ

جُبِلَ الأنامُ من العباد

على الشريفةْ والوضيعةْ

__________________

(١) الزيارة والوقوف على حاجاته.

(٢) تكلف أخالق ليست من طبيعة صاحبها.


ـ ١٩٧ ـ

وقال من بحر السريع :

لا تضع المعروفَ في ساقطٍ

فذاكَ صنعُ ساقطٍ ضائعِ

وَضعهُ في حرٍّ كريم يكنْ

عَرْفُكَ مسكاً عَرْفُهُ ضائعُ

ـ ١٩٨ ـ

وقال من بحر البسيط :

ماتَ الوفاء فلا رفد ولا طَمَعُ

في الناس لم يبق إلا اليأسُ والجزعُ

فاصبرْ على تقهٍ وارص به

فالله أكرمُ من يُرْجَى وَيُتَّبَعُ

ـ ١٩٩ ـ

وقال من بحر البسيط :

لا تجزَعنَّ اذا نابَتْكَ نائبه

واصبر ففي الصبرِ عند الضيق مُتَّسَعُ

انّ الكريمَ اذا نابتْهُ نائبةٌ

لم يَبْدُ منه على عِلاته (١) الهلعُ

ـ ٢٠٠ ـ

وقال من بحر الهزج :

دَع الحرصَ على الدنيا

وفي العيش فلا تطمعْ

ولا تجمع من المالِ

فلا تدْرِي لمن تجمعْ

ولا تدري أفي أرض‍

ك أم في غيرها تُصْرَعْ

__________________

(١) علاته : أحواله وحاجته.


فان الرزق مقسوم

وسوءُ الظنِّ لا ينفعْ

فقير كلُّ من يَطمَعْ

غني كل من يَقنَعْ

ـ ٢٠١ ـ

وقال 7 من بحر المتقارب :

لكَ الحمدُ امَّا على نعمةٍ

وإمَّا على نقمة تُدفَعُ

تشاءُ فتفتعلُ ما شئتهُ

وتسمعُ من حيثُ لا يسمَعُ

ـ ٢٠٢ ـ

وكان أبو طالب يقيم النبي صلّى الله عليه وسلّم من فراشه ويضع ابنه علياً مكانه خوفاً على الرسول فقال له علي مرة يا أبتاه إني مقتول فقال أبو طالب من بحر الخفيف :

اصبَرنْ يا بَنيَّ فالصبرُ أحْجَى

كلُّ حَيٍّ مصيرُهُ لشعُوبِ (١)

قد بلوناكَ والبلاءُ شديدُ

لفداء النجيبِ وابن النجيبِ

لفداء الأغرِّ الحسب الثا

قب والباع والفِنَاءِ الرحيب

إن تصبْكَ المنون (٢) فالنَّبْلٌ تُبْرى

فمُصيبٌ منهَا وغيرُ مُصيب

كلُّ حي وإن تَمَلأ عَيشاً

آخذٌ من سهمهَا بنصيبِ

__________________

(١) الشعوب بفتح الشين : الموت.

(٢) المنون : الموت.


فأجابه علي الإِمام من بحر الطويل :

أتأمُرني الصبر في نصر احمدٍ

فوالله ما قلتُ الذي قلتُ جازعا

ولكنني أَجببتُ أَن ترَ نُصرتي

لتعلم أني لم أَزلْ لك طائعا

وسعْيي لوجه الله في نصر أحمد

نبيِّ الهدى المحمود طفلاً ويافعا

ـ ٢٠٣ ـ

وقال من بحر الطويل :

وداوِ عدواً داءُه لا تدارِهِ

فانَّ مداراة العدَى ليس تنفعُ

فانكَ لو داريْتَ عاميْنِ عَقْرَباً

وقد مُكِّنَت يوماً من الدهر تلْسَعُ

ـ ٢٠٤ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

ذنوبي إنْ فَكَّرتُ فيها كثيرةٌ

ورحمةُ ربي من ذنوبي أَوسعُ

فما طَمعي في صالح قد عملْتهُ

ولكنني في رحمة اللهِ أطمعُ

قال يَكُ غفرانٌ فذاك برحمة

وان لم يكن أُجْزَى بما كنت أَصنع

مليكي ومولائي وربِّي وحافظي

واني لهُ عبدٌ أقرُّ وأخضَعُ

ـ ٢٠٥ ـ

وينسب اليه من مجزوء الكامل :

قَصرُ الجديدِ الى بِلىً

والوصل في الدنيا انقطاعُهْ

أي اجتماع لم يصرْ

لتشتَّتٍ منه اجتماعُهْ

أم أَيُّ شعْبٍ لالتئا

م لم يفرقْهُ انصداعُهْ


أم أي مُنتفعٍ بشيء

ثمَّ تمَّ له انتفاعُهْ

يا بؤس للدهر الذي

ما زال مختلفاً طاعُه

قد قيل في أمثالهم

يكفيك من شر سماعُه

ـ ٢٠٦ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلا

تباركت تُعطي من تشاءُ وتمنعُ

إلهي وخلاَّقِي وحِرْزِي ومَوْئلي

اليك لدى الإِعسار واليسر أفزعُ

إلهي لئن جَلَّتْ وجمَتْ خطيئتِي

فعفوُك عن ذنبي أَجلُّ وأوسعُ

إلهي لئن أعطيتُ نفسي سُؤلها

فها أنا في أرض الندامة أرتَعُ

إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي

وأنتَ مناجاتِي الخفيَّةَ تسمعُ

إلهي فلا تقطعْ رجائي ولا تَزغْ

فؤداي فلي في سَيْبِ (١) جودك مطمعُ

إلهي لئن خيَّبتَني او طردتني

فمن ذا الذي أرجو ومن ليَ يشفعُ

إلهي أَجرْني من عذابكَ إنَّني

أسيرُ ذليلٌ خائف ، لك أخضعُ

إلهي فآنسني بتلقينِ حجَّتي

اذا كان لي في القبر مثوَى ومَضْجعُ

إلهي لئن عذَّبتَني ألفَ حجة

فحبلُ رجائي منك لا يتقطَّعُ

إلهي أَذقني طعم عفوكَ يومَ لا

بنونُ ولا مالٌ هناك ينفعُ

إلهي إذا لم ترْعَني كنتُ ضائعاً

وان كنتَ ترعاني فلستُ أُضَيَّعُ

إلهي اذا لم تَعْفُو عن غير محسن

فمن لمسيءٍ بالهوى يتمتَّعُ

إلهي لئن فرَّطتُ في طلب التُّقَي

فها أنا إثرَ العفو أقفو وأتبِعُ

__________________

(١) السيب : العطاء.

(٢) الحجة : السنة.


إلهي لئن أخطأتُ جهلاً فطالما

رجوتُكَ حتى قيلَ ها هوَ يجزعُ

إلهي ذنوبي جازت الطَّود واعتلَتْ

وصفحُك عن ذنبي أجل وأرفعُ

إلهي ينجي ذكرُ طولِكَ (١) لوْعَتي

وذكرُ الخطايا العينُ مني تَدْمَعُ

إلهي أنلْني منك روحاً ورحمةً

فلست سوى ابواب فضلك أقرعُ

إلهي لئن أقضيتنِي أو طردتَني

فما حيلتي يا ربِّ ام كيفَ أصنعُ

إلهي حليف الحبَّ بالليل ساهرٌ

يُنادي ويدعو والمغفّلُ يَهْجَعُ

وكلُّهمُ يرجو نوالَكَ راجياً

لرحمتكَ العظمى وفي الخلْد يطمَعُ

إلهي يمُنِّيني رجائي سلامةً

وقُبحُ خطيئاتي (٢) عليَّ يُشَيِّعُ

إلهي فإن تفعو فعفوك منْقِذي

وإلا فبالذنب المدمِّرِ أُصرَعُ

إلهي بحقِّ الهاشميِّ وآلِه

وحرمة ابراهيم خلِّكَ أضْرَعُ

الهي فانشُرْني على دين احمد

تقياً نقياً قانتاً لك أخشعُ

ولا تحرمني يا الهي وسيِّدي

شفاعتُه الكبرى فذاكَ المُشفَّعُ

وصلِّ عليه مادعاكَ موحد

وناجاكَ اخيارٌ ببابِكَ رُكَّعُ

ـ ٢٠٧ ـ

وينسب اليه كرم الله وجهه من بحر الكامل :

قَدمْ لنفسك في الحياة تزوداً

فلقدْ تُفَارِقُها وأنتَ مودَّعُ

واهتمَّ للسفر القريب فإنَّهُ

انْاي من السفر البعيدِ وأشْسَعُ

واجعلْ تزودكَ المخافةَ والتَّقَى

وكأنَّ حتفكَ من مسائِكَ أسرعُ

واقْنع بقُوتك فالقناعُ (٣) هو الغني

والفقرُ مقرونٌ بم لا يَقْنعُ

__________________

(١) فضلك واحسانك.

(٢) خطئتي.

(٣) أي القناعة.


واحذر مصاحبة اللئام فانهم

منعوكَ صفوَ ودداهم وتصنّعوا

أهل التصنع ما أنَلْتَهُمُ الرضى

واذا منعتَ فسُمُّهُم لك مُنْقَعُ

لا تفش سرا ما استطعتَ الى امرئ

يُفْشِي اليك سرائراً يُسْتودَعُ

فكما تراه بسر غيرك صانعاً

فكذا بسرِّكَ لا محالةَ يَصْنَعُ

لا تبد أنَّ بمنطق في مجلس

قبل السؤال فانَّ ذلك يَشْنُعُ

فالصمتُ يُحسنُ كل ظن بالفتى

ولعلَّه خَرِق سفيهُ أرْقَع

ودعِ المزاحَ فربَّ لفظة مازح

جَلَبتْ اليك مساوئاً لا تُدفَع

وحفاظ جارك لا تُضعه فانه

لا يبلغ الشرف الجسيم مُضيع

واذا استقالك ذو الإساءة عثرةً

فأَقِلْهُ انّ ثواب ذلك أوسع

واذا ائتمنت على السرائر فاخفها

واستر عيوب أخيك حين تطلعُ

لا تجزعنَّ من الحوادث إنّما

خرْقُ الرجالِ على الحوادث يجزعُ

وأطعْ أباك بكلِّ ما أوصى بهِ

انَّ المطيعَ أباه لا يتَضَعْضَعُ

ـ ٢٠٨ ـ

وينسب اليه من برح الطويل :

تُجوّع فان الجوع من عمل التقى

وانَّ طويلَ الجوع يوماً سيشبَع

جانبْ صغارَ الذنبِ لا تركبنَّها

فانَّ صغارَ الذنب يوماً ستُجمَع


قافية الغين

ـ ٢٠٩ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

أرى المرء والدنيا كمال وحاسب

يضُمُّ علَيه الكفَّ والكف فارغُ

قافية الفاء

ـ ٢١٠ ـ

وينسب اليه انه قال من بحر المتقارب :

عَرَفتُ ومن يعتدل يَعرِف

وأيقنتُ حقاً فلم أصدِفِ

عن الحكَم الصدْقِ آياتُها

من الله ذي الرأفة الأرأَفِ

رسائلُ تدْرَسَ في المؤمنين

بهنَّ اصطفَى أَحمدُ المصطفى

فأصبح أحمدَ فينا عزيزاً

عزيز المقامةِ والموقفِ

فيا أيها الموعِدوهُ سِفَاهاً

ولم يأت جَوْراً ولم يَعْنُفِ

الستم تخافون أَمر العذاب ؟

وما آمن الله كالأخوف

وان تصْرَعُوا تحت أَسيافنا

كمصرع كعب أبي الأشرفِ

غداة تَرَاءى لطُغْيانِه

وأعرض كالجمل الأجنفِ (١)

فانزل جبريلَ في قتلهِ

بوحي الى عبدِه المُلْطفِ

فدس الرسول رسولا له

بأبيض ذي ظُبَةٍ مرهف

فباتت عيون له مُعْولاتٌ

متى يُنعَ كعبُ لها تذرف

__________________

(١) الاحنف الذي يقلب خف يده في السير إلى جانبه الأيمن.


فقالوا لأحمدَ ذرْنا قليلاً

فانا من النوح لم نشتَف

فأجلاهم ثم قال اظعنوا

فتوحاً على رغمةِ الأنفِ

وأجلى النضيرَ الى غربة

وكانوا بدارةِ ذي زخرفِ

إلى أذرعاتَ رادفاً هم

على كل ذي دبر عجفِ

ـ ٢١١ ـ

وكان اذا أشرف على الكوفة قال من بحر الرجز :

يا حبذا مقامنا بالكوفةْ

أرضٌ سواءٌ سهلةٌ معروفةْ

تطرقها جمالُنا المعلوفةْ

عمى صباحاً واسلمي مألوفةْ

ـ ٢١٢ ـ

وينسب اليه من بحر المتقارب :

ألا صاحب الذنب لا تقنطنْ

فانَّ الالهَ رؤوف رؤوف

ولا ترحلنَّ بلا عدةٍ

فانَّ الطريق مخوف مخوف

ـ ٢١٣ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل

جزى الله عنا الموت خيراً فانه

أبرُّ بنا من كل شيء وأرأَف

يعجِّل تخليصَ النفوس من الأذى

ويدني من الدار التي هي أشرف


ـ ٢١٤ ـ

وينسب اليه من بحر المنسرح :

ما لي على فوت فائت أسفُ

ولا تراني عليه ألتهف

ما قدَّر الله لي فليس له

عن إلى سواي منصرف

فالحمد لله لا شريك له

ما لي قوت وهمي الشرفُ

أنا راض بالعسر واليسار فما

بدحاني ذلة ولا صلفُ

ـ ٢١٤ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة

فلن ينقصها التبذير والسرف

وان تولَّت فأحرى أن تجودَ بها

فالجود فيها إذا ما أَدبرتْ خلَف

قافية القاف

ـ ٢١٥ ـ

وقال الإمام من بحر السريع

اغْنَ عن المخلوق بالخالقِ

واغْنَ عن الكاذب بالصادق

واسترزِق الرحمنَ من فضله

فليس غير الله من رازقِ


من ظنَّ أن الرزقَ في كفِّه

فليس بالرحمن بالواثق

أو ظنَّ أنَّ الناس يغنونه

زلَّت به النعلان من حالق (١)

ـ ٢١٦ ـ

وقال الامام من بحر المتقارب

رضيت بما قسم الله لي

وفوَّضت أمري الى خالقي

كما أحسن الله فيما مضى

كذلك يُحسنُ فيما بقى

ـ ٢١٧ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

أرى الدنيا ستؤذن بانطلاق

مشمِّرةً على قدم وساق

فلا الدنيا بباقيةٍ لحيٍّ

ولا حيٌّ على الدنيا بباق

ـ ٢١٨ ـ

وقال من بحر السريع :

أفٍّ على الدنيا وأسبابها

فانها للحزن مخلوقةْ

همومها ما تنقضي ساعة

عن ملك فيها وعن سوقة

__________________

(١) من الأعلى.


ـ ٢١٩ ـ

وقال الامام من بحر الرجز :

دونكها مترعة دهاقا

كأساً فارغاً (١) مزجت زعاقاً (٢)

انّا لقومُ ما نرى ما لاقي

أقدَّ هاماً وأقط ساقا

ـ ٢٢٠ ـ

وينسب اليه كرم الله وجهه بحر الرجز :

ما تركتْ بدرٌ لنا صديقاً

ولا لنا من خلفنا طريقا

ـ ٢٢١ ـ

أتاه رجل فقال أريد أن أبني مسجداً فقال : من حلالك ؟ فسكت ، ثم انه مضى فبنى مسجداً فقال من بحر الطويل :

سمعتُك تبني مسجداً من خيانةٍ

وأنت بحمد الله غيرُ موفَّق

كمطعمة الزهَّادِ من كدِّ فرجِها

لها الويل لا تزني ولا تتصدَّقُ

__________________

(١) كأس دهاق ككتاب ممتلئة.

(٢) سم زعاف كغراب بالزاي والعين المهملة والفاء أي قاتل ومثله ذعاف بالذال المعجمة.

(٣) الزعاق كغراب بالزي والعين المهملة.


ـ ٢٢٢ ـ

وينسب اليه من بحر الكامل :

لو كان بالحِيلِ الغنى لوجدتُني

بنجوم أقطار السماء تعلُّقي

لكن مَنْ رزق الغنى حُرِمَ الحجى

ضدَّان مُفترقان أَي تفرُّقِ

ـ ٢٢٣ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر

أرى حرباً مغَيَّبة وسِلْما

وعهداً ليس بالعهد الوثيق

أرى أمراً تُنقَّضُ عروتاه

وحبلاً ليس بالحبل الوثيق

ـ ٢٢٤ ـ

وينسب اليه من بحر المتقارب

تغربتُ أَسأَلُ من عنَّ لي

من الناس هل من صديق صدوق

فقالوا عزيزان لا يوجدان

صديق صدوق وبيض الأنوق


قافية الكاف

ـ ٢٢٥ ـ

روي أن علياً لما هاجر المدينة ومعه الفواطم جعل أبو واقد الليثيّ يسوق بالرواحل سوقاً عنيفاً فقال له : ارفق بالنسوة فإنهن من الضعايف قال أخاف أن يدركنا الطلب فقال : أرجع عليك وجعل يسوق بهن سوقاً رفيقاً وهو يقول من بحر الرجز :

لا شيء إلا اللهَ فارفع ظنكَا

يكفيك ربُّ الناس ما أهمَّكا

ـ ٢٢٦ ـ

وحمل يوم بدر وزعزع الكتيبة وهو يقول من بحر الرجز :

لن يأكل التمر بظهر مكة

من بعدها حتى تكون البركة

ـ ٢٢٧ ـ

وينسب اليه انه قال في الليلة التي ضرب فيها :

اشدُد حيازيمك للموت

فانَّ الموت لاقيكا

ولا تجزعْ من الموت

اذا حلَّ بواديكا

فانَّ الدرع والبيضَ

‍ة يوم الرَّوْعِ يكفيكا

كما أضحكك الدهرُ

كذاك الدهرَ يبكيكا

فقد أَعرف أَقواماً

وإن كانوا صعاليكا

مساريعٌ الى النجد

‍ة للغيِّ متاريكا

ـ ٢٢٨ ـ

وقال من بحر الرمل المجزوء :

أيها الكاتب ما تك‍

‍تب مكتوب عليك

فاجعل المكتوب خيرا

فهو مردود إليك


ـ ٢٢٩ ـ

وينسب إليه من بحر الكامل المجزوء :

قومي إذا اشتبك القنا

جعلوا الصدور لها مسالكْ

اللابسون دروعتهم

فوق الصدور لأَجْل ذلكْ

ـ ٢٣٠ ـ

وينسب اليه من بحر المنسرح :

من لم يكن جده مساعده

فحتفه أَن يجد في الحركة

فقل لمن حاله موليَّة

لا تعرضنَّ بالحراك للهلكة

ـ ٢٣١ ـ

وينسب إليه :

إليك ربي لا الى سواكا

أقبلت عمداً أبتغي رضاكا

أسأَلُكَ اليوم بما دعاكا

أيوب اذا حلَّ به بلاكا

أنْ يكُ منى قد دنا قضاكا

ربِّ فبارك لي في لقاكا

ـ ٢٣٢ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

العجزُ عن دَركِ الإِدراك ادراك

والبحث عن سرِّ ذات السر إشراك

في سرائر همّات الورى همَمٌ

عن دركِها عجزت جن وأملاك


قافية اللام

ـ ٢٣٣ ـ

روي ان الامام أمر يوم صفين رجلا من أصحابه يقال له عبد العزيز بن الحارث أن يذهب إلى جماعة من أصحابه اقتطعهم أهل الشام ويبلغهم رسالة أمير المؤمنين فأجاب أمره فقال من بحر الطويل :

سمحت بأمر لا يطاق حفيظة

وصدقاً وإخوان الحفاظ قليلُ

جزاك إله الناس خيراً فقد وفتْ

يداكَ بفضل ما هناك جزيلُ

ـ ٢٣٤ ـ

وروي أن معاوية لما بلغه مسير علي الى صفين قال من الرجز :

لا تحسبني يا علي غافلاً

لأوردنَّ الكوفة القنابلا

بجمعي العامَ وجمعي قابلاً

فكتب امير المؤمنين كرم الله وجهه إلى معاوية من الرجز أيضا :

أصبحت مني يا ابن حربِ جاهلاً

إن لم نرامِ منكم الكواهلا

بالحقِّ والحقُّ يزيلُ الباطلا

هذا لك العامَ وعامٌ قابلا

ـ ٢٣٥ ـ

ولما صدر الإمام من صفين أنشأ يقول من بحر الطويل :

وكم قد تركنا في دمشق وأهلها

من أشمط موتور وسمطاء ثاكل


وغانية صادَ الرماح حليلَها (١)

فأضحت تُعَدُّ اليوم بعض الأرامل

وتبكي على بعل لها راح غادياً

وليس الى يوم الحساب بقافل

وإنّا أناس لا تصيبُ رماحُنا

اذا ما طعنّا القومَ غيرَ المقاتل

ـ ٢٣٦ ـ

وقال 2 من بحر الوافر :

رضينا قسمة الجبار فينا

لنا عِلْمٌ وللجُهَّال مالُ

فانَّ المال يفني عن قريب

وانَّ العلم باقٍ لا يَزَالُ

ـ ٢٣٧ ـ

وقال عمرو بن العاص في بعض أيام صفين من بحر الرجز :

شدوا على شكَّتي (٢) لا تنكشفْ

بعد طليحٍ والزبيرِ فالتلفْ

ويوم همدانٍ ويوم للصدف (٣)

وفي تميم نخوةٌ لا تنحرفْ

أضرَّ بها بالسيف حتى تنصرفْ

إِذا مشيتُ مشيةَ العَوْدِ (٤) الصَّلِفْ

ومثلُها لحمَيرٍ أو تنحرفْ

والربعيُونَ لهم يوم عَصِفْ

فاعترضه علي وهو يقول من الرجز أيضا :

قد علمتْ ذا القرونِ الميلِ

والخصْرِ والاناملِ الطُّفُول (٥)

أنِّي بنصل السيف خنشليل (٦)

أحمي وأرمي أول الرعيلِ

بضارم (٧) ليس بذي فُلول

__________________

(١) الحليل : الزوج.

(٢) الشكة بالضم السلاح.

(٣) بطن من كندة.

(٤) العود : البعير المسن.

(٥) الطفول الناعمة ، وهذا البيت مع شطر ثلاث قاله بعض التوابين.

(٦) الخنشليل : الماضي. الرعيل : جماعة الجيش.

(٧) الصارم : السيف القاطع.


ـ ٢٣٨ ـ

وروي أنه لما أراد الهجرة إلى المدينة قال له العباس إن محمداً ما خرج إلا خفية وقد طلبته قريش أشد طلب وأنت تخرج جهاراً في أثاث وهوادج ومال ورجال ونساء تقطع بهم السباسب والشعاب بين قبائل قريش ما أدري لك ذلك وأرى لك أن تمضي في خفارة خزاعة فقال علي من بحر الكامل :

إنَّ المنيَّة شربةٌ مورودةٌ

لا تجزعنَّ وشُدَّ للترحيلِ

إنَّ ابن آمنةَ النبيَّ محمداً

رجلٌ صدوقٌ قال عن جبريلِ

ارخِ الزمانَ ولا تخفْ من عائقٍ

فالله يرديهمْ عن التنكيلِ

إني بربِّي واثقٌ وبأحمدٍ

وسبيلُه متلاحقٌ بسبيلي

ـ ٢٣٩ ـ

ولما قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيي بن أخطب قال لمن جاء به ما كان يقول حيي وهو يقاد الى الموت ؟ قالوا كان يقول من بحر الطويل :

لعمركَ ما لامَ ابن أخطبَ نفسَهُ

ولكنَّه من يخذلِ الله يُخذلِ

جاهد حتى بلغ النفس جهدها

وحاول يبغي العز كل مقلقل

فقال أمير المؤمنين 2 من بحر الطويل :

لقد كان ذا جِدٍّ وجدِّ بكفرهِ

فقد اليناء في مجامع يَعْتَلِ

فقلدته بالسيف ضربةَ محْفَظ

فسار الى قعر الجحيمِ يكبل

فداكَ مآبُ الكافرين ومن يُطعْ

لأمرِ إله الخلقِ في الخُلْدِ ينزل


وقد برز طلحة بن أبي طلحة البدري من بني عبد الدار يوم أحدُ ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزوننا بأسيافكم الى النار ونجهزكم بأسيافنا الى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي فبرز اليه أمير المؤمنين وهو يقول من الرجز :

يا طلحَ إن كنتَ كما تقولُ

لكم خيولٌ ولنا نُصولُ (١)

فاثبُتْ لننظر أينا المقتولُ

وأيُّنا أَولى بما تقولُ

فقد أتاكَ الأسد الصَّؤولُ

بصارم ليس له فُلُول

ينصره القاهر والرسولُ

ـ ٢٤١ ـ

ومن شعره بعد موت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بحر الرجز المجزوء :

غرَّ جهولٌ أملُهُ

يموتُ من جَا أَجلُهْ

ومن دَنَا من حتفِه

لم تغن عنه حَيلُهْ

وما بقاءُ آخرٍ

قد غابَ عنه أوَّلُهْ

فالمرء لا يصحبُه

في القبر إلا عَمَلُهْ

ـ ٢٤٢ ـ

وقال في بئر ذات العلم في خبر سبق ذكره من بحر الرجز :

أعوذ بالرحمنِ أَن أَميلا

من عزفِ جن أَظهرُوا تهويلا

وأوقَدتْ نيرانَها تغويلا

وقرَّعتْ مع عزفها الطُّبولا

__________________

(١) جمع نصل ، وهو السيف.


ـ ٢٤٣ ـ

وقال من بحر الطويل :

إذا ما عرى خطبٌ من الدهر فاصطبر

فانَّ الليالي بالخطوب حوامل

وكلُّ الذي يأتي به الدهرُ زائلٌ

سريعاً فلا تجزعْ لما هو زائلُ

ـ ٢٤٤ ـ

وقال في شكوى الزمان وقيل انه في رثاء الزهراء رضي الله عنهما :

أرى علَل الدنيا عليَّ كثيرةً

وصاحبُها حتى المماتِ عليلُ

لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ

وكلُّ الذي دون الممات قليلُ

وانَّ افتقادي واحداً بعدَ واحدٍ

دليلٌ على أن لا يدومَ خليلُ

ـ ٢٤٥ ـ

وينسب اليه بعضهم هذه الابيات من بحر الوافر :

ألا فاصْبر على الحدَث الجليلِ

وداو جواكَ بالصبر الجميلِ

ولا تجزع وان أعسرتَ يوماً

فقد أيسرت في الزمن الطويلِ

ولا تيأسْ فانَّ اليأسَ كفرٌ

لعلَّ الله يُغني من قليلِ

ولا تظنُن بربك غيرَ خَيْرٍ

فانَّ الله أولى بالجميلِ

وإنَّ العُسرَ يتبعُه يسارٌ

وقولُ اللهِ أصدقُ كلِّ قيلِ

فلو أَن العقولَ تجرُّ رزقاً

لكان الرزقُ عند ذوي العقولِ

وكم من مؤمنٍ قد جاعَ يوماً

سيرْوي من رحيقٍ سلسبيلِ


ـ ٢٤٦ ـ

لما آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الصحابة وترك علياً قال له في ذلك فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما أخترتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة فبكى علي عند ذلك وقال من بحر الطويل :

أَقيكَ بنفسي أيها المصطفى الذي

هدانا به الرحمنُ من غُمةِ الجهلِ

وأفديكَ حَوْبائي (١) وما قَدْر مُهجتي

لمن أنتمي فيه الى الفزع والأَصلِ

ومن ضمَّني مذ كنتُ طفلاً ويافعاً

وأنعشني بالعَلِّ منه وبالنَّهْلِ

ومَنْ جده جَدِّي ومن عَمه أبي

ومن نجلُه نجلي ومن بنتُه أهلي

ومن حين آخى بين من كانَ حاضراً

هنالك آخاني وبيَّنَ مِنْ فضلي

لك الفضل إنِّي ما حييتُ لشاكرٌ

لإِتمام ما أوليتَ يا خاتمَ الرسلِ

ـ ٢٤٧ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

ألم ترَ أن الله أبلى رسوله

بلاء عزيز ذي اقتدارٍ وذي فضلِ

بما أنزل الكفارَ دار مذلة

فذاقُوا هواناً من إسار ومن قَتْلِ

وأمسَى رسولُ الله قد عَزّ نصرُهُ

وكان رسولُ الله أُرْسِلَ بالعدل

فجاء بفرقان من الله مُنزلٍ

مُبينةٍ آياتُه لذوي العقلِ

فآمنَ أقوام بذاكَ وأيقنوا

وأمسَوْا بحمد الله مجتمعي الشَّمْلِ

وأنكَر أقوامُ فزاغتْ قلوبُهم

فزادهُم في العرش خبْلاً على خَبْلِ

وامكن منهم يوم بدر رسولُه

وقوماً غضاباً فعلُهم أحسن الفعلِ

__________________

(١) الحوياء : النفس.


بأيديهمُ بيضٌ (١) خفافٌ قواطعٌ

وقد حادثوها بالجلاء وبالصَّقلِ

فكم تركوا من ناشئ ذو حميَّة

صريعاً ومن ذي نجدة منهم كهلِ

تبيتُ عيونُ النائحات عليهمُ

تجود باسباب الرشاش (٢) وبالويل

نوائح تنعى ( عتبة ) الغيِّ وابنه

وشيبةُ تنعاه وتنعي أبا جهل

وذا الذحل تنعى وابن جدْعان منهم

مُسَلبَة حرى مبيَّنةُ الثَّكل

ثوى منهمُ من دعا فأجابهُ

ذوونجدات في الحروب وفي المحْلِ

دعا الغيِّ منهم من دعا فأجابهُ

وللغيِّ أسباب مقطعة الوصل

فأضحوا لدى دار الجحيم بمنزل

عن البغي والعُدْوان في أشْغلِ الشغلِ

ـ ٢٤٨ ـ

وقال الإمام من بحر الرمل :

إنما الدنيا كظل زائلِ

أو كضيفٍ بات ليلاً فارتحل

او كطيف يراه نائم

أو كبرق لاح في أفق الأملْ

ـ ٢٤٩ ـ

وقال الامام من بحر السريع :

من جاور النعمة بالشكر لمْ

يجسر على النعمة مغتالُها

لو شكروا النعمة زادتهمُ

مقالةً لله قد قالَها

لئن شكرتم لازيدنكم

لكنما كفرُهم غالَها

والكفرُ بالنعمة يدعو إلى

زوالها والشكر ابقى لها

__________________

(١) البيض : السيوف.

(٢) البكاء.


وقال الإِمام من بحر المتقارب :

يمثلُ ذو العقلِ في نفسِهِ

مصائبه قبل أَن تنزلا

فان نزلتْ بغتةً لم يُرَعْ

لما كان في نفسه مَثَّلا

رأى الأمر يفضي الى آخر

فصيَّر آخِرَهُ اولا

وذو الجهل يأمنُ أيامهُ

وينسى مصارعَ من قد خَلا

فان بدهَتْه صروفُ الزمانِ

ببعضِ مصائبهِ أعْوَلا

ولو قدَّمَ الحزمَ في نفسه

لعلَّمه الصبر عند البلَى

ـ ٢٥١ ـ

وقال الإِمام من بحر الكامل :

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله

عوضا ولو نال المنى بسؤال

واذا السؤالُ مع النَّوال وزنْتَه

رجَحَ السؤال وخف كلُّ نوال

واذا ابتُليتَ ببذل وجهكَ سائلاً

فابذله للمتكرِّم المفضال

إن الكريم اذا حبَاكَ بموعدٍ

أعطاكَه سلساً بغير مطالِ

ـ ٢٥٢ ـ

وقال الإِمام من بحر الوافر :

رأيتُ المشركين بغوا عليها

ولجُّوا في الغواية والضلالِ

وقالوا نحنُ اكثرُ إذ نفرنا

غداةَ الرَّوْع بالأسَلِ الطوالَ

فان يبغوا ويفتخروا علينا

بحمزة وهو في الغُرف العوالي


فقد أوْدَى بعتبةَ يومَ بدرٍ

وقد ابلى وجاهد غير آلي (١)

وقد فَللتُ خيلهم ببدر

وأتبعت الهزيمةَ بالرجال

وقد غادرتُ كبشهم (٢) جهاراً

بحمد الله طلحة في الضلال (٢)

فتل لوجهه (٣) فرفعتْ عنه

رقيق الحد حودِث بالصِّقَال

كأنَّ الملح خالطه اذا ما

تلظى كالعقيقة في الظلال (٤)

ـ ٢٥٣ ـ

دخل جابر بن عبد الله الانصاري على أمير المؤمنين علي فقال له يا جابر قوام الدنيا بأربعة : عالم يستعمل علمه وجاهل لا يستنكف أن يتعلم وغني جواد بمعروفه وفقير لا يبيع دينه بدنيا غيره. فاذا كتم العالم العلم لأهله وزهد الجاهل في تعلم ما لا بد منه وبخل الغني بمعروفه وباع الفقير آخرته بدنيا غيره حل البلاء وعظم العقاب ، يا جابر من كثرت حوائج الناس اليه فان فعل ما يجب لله عليه عرضها للدوام والبقاء وان قصر فيما يجب لله عليه عرضها للزوال والفناء وانشا يقول من بحر السريع :

ما أحسن الدنيا واقبالها

اذا أطاعَ اللهَ من نالها

من لم يواسِ الناسَ من فضْله

عرَّضَ للإِدبارِ إقبالهَا

فاحذرْ زوالَ الفضل يا جابرُ

وأعْط من دنياكَ من سالَهَا (٥)

فإنَّ ذا العرش جزيلُ العطا

يضعِّفُ بالحبةِ أمثالَها

__________________

(١) غير مقصر.

(٢) أي زعيمهم.

(٣) أي صرع وألقى وفي نسخة فخر.

(٤) العقيقة من البرق ما يبقى في السحاب من شماعه والظلال السحاب.

(٥) أي سألها.


وكم رأينا من ذوي ثروةٍ

لم يقيلُوا بالشكر أقبالهَا

تاهُوا على الدنيا بأموالهم

وقيَّدوا بالبخل أقفالهَا

لو شكروا النعمةَ جازاهمُ

مقالة الشكر التي قالها

لئن شكرتمْ لأزيدنَّكم

لكنما كفرهم غالها

ـ ٢٥٤ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

صُن النفسَ وأحملْها على ما يزينها

تعش سالماً والقول فيك جميلُ

ولا تريَنَّ الناس إلا تجمَّلاً

نبابكَ دهر أو جفاكَ خليلُ

وإن ضاق رزقُ اليوم فاصبرْ إلى غد

عَسى نكباتُ الدهر عنكَ تزولُ

يعزَّ غنيُّ النفسِ إِن قلَّ مالهُ

ويَغْنى غَني المالِ وهو ذليلٌ

ولا خيرَ في وُدِّ امرئ متلوّن

إذا الريح مالتْ مالَ حيثُ تميلُ

جواد إذا استغنيتَ عن أخْذِ مالِهِ

وعندَ احتمالِ الفقر عنك بخيلُ

فما اكثر الاخوان حين تعدُّهم

ولكنَّهم في النائباتِ قليل

ـ ٢٥٥ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

هب الدنيا تُسَاقُ اليكَ عفواً

أليسَ مصير ذاك إِلى الزوال

وما ترجُو لشيءٍ ليسَ يبقَى

وشيكاً ما تغَيِّرهُ الليالي


ـ ٢٥٦ ـ

وقال من بحر الطويل :

لقد خابَ من غرته دنيا دنيةٌ

وما هي إنْ غرَّتْ قروناً بطائلِ

وقلتُ لها غرِّي سوايَ فانني

عزوفٌ عن الدنيا ولستُ بجاهلِ

وما أنا والدنيا فان محمداً

رهينٌ بقفر بين تلك الجنادل (١)

وهبها أتتنا بالكنوز ودُرِّها

وأموالِ قارونَ ومُلكِ القبائلِ

أليس جيمعاً للفناء مصيرها

وتطلبُ من خُزانها بالطوائلِ

فغري سواي انني غيرُ راغبٍ

لما فيك من عزٍّ وملك ونائل

وقد قنعت نفسي بما قد رزقْتهُ

فشأنكِ يا دنيا وأهل الغوائِل

فاني أخاف الله يوم لقائه

وأخشَى عقاباً دائما غيرَ زائِل

ـ ٢٥٧ ـ

وقال كرم الله وجهه من بحر الطويل :

اذا اجتمع الآفاتُ فالبخلُ شرُّها

وشرُّ من البخل المواعيدُ والمطلُ

ولا خيرَ في وعْدٍ اذا كان كاذباً

ولا خيرَ في قولٍ اذا لم يكن فِعْلُ

اذا كنتَ ذا علمٍ ولم تكُ عاقلاً

فأنتَ كذِي نعلٍ وليس له رجلُ

وإن كنتَ ذا عقل ولم تكُ عالماً

فأنت كذي رجْلٍ وليس له نعلُ

أَلا انما الانسان غمد لعقلِهِ

ولا خيرَ في غِمدٍ اذا لم يكن نَصْلُ

__________________

(١) الجنادل : الصخور.


ـ ٢٥٨ ـ

وينسب اليه من بحر مجزوء الكامل أو مجزوء الرجز :

يا من بدنياه اشتغلْ

وغرَّه طول الأمل

الموت يأتي بغتة

والقبر صندوق العمل

ـ ٢٥٩ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

فلا تجزع اذا أُعسرتَ يوماً

فقد ايسرت في دهرٍ طويلِ

ولا تيأسْ فأن اليأسَ كفر

لعلَّ الله يُغني من قليلِ

ولا تطننْ بربِّك ظنَّ سوء

فانَّ الله أوْلَى بالجميلِ

رأيتُ العُسرَ يَتبعُهُ يَسارٌ

وقولُ الله اصدقُ كلِّ قيلِ

ـ ٢٦٠ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

لَنَقْل الضخرِ من قُلَل (١) الجبالِ

أحبُّ اليَّ من منَنِ الرجالِ

يقول الناس لي في الكسبَ عارٌ

فقلت العارُ في ذل السؤالِ

بلوتُ الناسَ قِرناً بعد قرَنٍ

ولم أر مثل مختالٍ بمال

وذقتُ مرارةَ الأشياء طراً

فما طعمٌ أمرُّ من السؤال

ولم أرَ في خطوب أشدَّ هولاً

وأصعبَ من مقالاتِ الرجالِ

__________________

(١) القلل جمع قلة ، وهي قمة الجبل.


ـ ٢٦١ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

فان تكن الدنيا تعد نفيسةً

فانَّ ثوابَ اللهِ أعلَى وأنبلُ

وان تكن الأرزاقُ حظاً وقسمةً

فَقلّةُ حرصِ المرءِ في الكسبِ أجملُ

وان تكن الأموالُ للترك جَمْعُها

فما بالُ متروكٍ به الحُرُّ يبخلُ

وان تكن الابدانُ للموت أُنشئتْ

فقتلُ امرئ لله بالسيفِ افضلُ

ـ ٢٦٢ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

فلا تكثرنَّ القولَ في غير وقتِه

وأدْ مِنْ على الصَّمْتِ المزينِ للعقلِ

يموت الفتى من عَثْرةِ بلسانِه

وليسَ يموتُ المرءُ من عثرة الرجلِ

ولا تكُ مبثاثاً (١) لقولك مُفْشياً

فتستجلب البغضاء من زَلَّة النعلِ

ـ ٢٦٣ ـ

وينسب اليه في الشيب من بحر المتقارب :

فأهلاً وسهلاً بضيفٍ نزَلْ

واستودع اللهَ إِلفاً رحلْ

تولَّى الشبابُ كأن لم يكن

وحلَّ المشيبُ كأن لم يَزَلْ

فأمَّا المشيبُ كصُبحٍ بدا

وأما الشبابُ كبدر افلْ

سقى الله ذاك وهذا معاً

فنعمَ المولِّي ونعمَ البدَلْ

__________________

(١) أي مغشيا وناشرا ، من بث الشيء.


ـ ٢٦٤ ـ

وينسب اليه 2 من بحر المتقارب :

فداري مناخٌ لمن قد نزل

وزادي مباحٌ لمن قد أَكل

اقدم ما عندنا حاضر

وان لم يكن غير خبز وخل

فأما الكريم فراض به

واما اللئيم فما قد ابل

ـ ٢٦٥ ـ

وينسب اليه كرم الله وجهه من بحر الكامل :

الحمد لله الجميلِ المفضلِ

المسبغ المولي العطاءَ المجْزلِ

شكراً على تمكينهِ لرسولِه

بالنصرِ منه على البغاةِ الجُهَّلِ

كم نعمةٍ لا أستطيعُ بُلُوغَها

جَهْداً ولو أعملتُ طاقة مقْولِ

لله اصبح فضلُه متظاهراً

منهُ عليَّ سألتُ ام لم اسألِ

قد عاينَ الاحزابُ من تأييدهِ

جندَ النبيِّ ذي البيان المرسلِ

ما فيه موعظةٌ لكل مفكر

ان كان ذا عقلٍ وان لم يعقلِ

ـ ٢٦٦ ـ

وينسب اليه 2 انه قال عن يوم القيامة من بحر المتقارب :

إذا قربتْ ساعةٌ يا لهَا

وزلزلتِ الارضُ زلزالهَا

تسيرُ الجبالُ على سرعةٍ

كمرِّ السحاب ترى حالها

وتنفطرُ الارضُ من نفخةٍ

هنالك تُخْرج اثقالها

ولا بد من سائلٍ قائلٍ

من الناس يومئذٍ مالها ؟


تحدِّث أخبارها ربَّها

وربك لا شكَّ أوْحَى لها

ويصدُر كلٌّ إلَى موقفٍ

يقيمُ الكهولَ وأطفالهَا

ترى النفسُ ما عملتْ محْضَراً

ولو ذرةً كانَ مثقالهَا

يُحاسبُها ملكٌ قادرٌ

فإمَّا عليها وإمَّا لها

ذنوبي ثقالٌ فما حيلتي

إذا كنتُ في البعثِ حمَّالَها

ترى الناسَ سَكْرى بلا خمرةٍ

ولكن ترى العينُ ما هالهَا

نسيتُ الميعادَ فيا ويْلهَا

وأعطيتُ للنفس آمالهَا

ـ ٢٦٧ ـ

وينسب اليه في العلم من بحر الكامل :

لو كان هذا العلم يحصل بالمنى

ما ان يبقي في البريةِ جاهلُ

اجهدْ ولا تكسَلْ ولا تكُ غافلاً

فندامةُ العُقْبَى لمنْ يتكاسلُ

ـ ٢٦٨ـ

وينسب اليه من بحر المتقارب :

كآساد غيل واشبال خيسٍ

غداةَ الخميسِ ببيض ٍصقالْ

تجيدُ الضَرابَ وحزَّ الرقابِ

امامَ العقابِ غداة النزالْ

تكيدُ الكذوب وتخزي الهَيوبُ

وتَرْوي الكُعُوب دماءَ القذالْ


ـ ٢٦٩ ـ

وقال من بحر الزجز :

صبر الفتى لفقره يجلُّه

وبذله لوجهه يذلُّهُ

يكفي الفتَى من عيشه أقلُّه

الخبزُ للجائعِ الأدامُ كله

ـ ٢٧٠ ـ

وقال من بحر الرجز :

خوَّفني منجِّم أخو خبَلْ

تراجُعَ المريخ في بيتِ الحملْ

فقلت دعني من أَكاذيب الحيلْ

المشتري عندي سواء وزُحَلْ

أدفع عن نفسير أفانينَ الدولْ

بخالقي ورازقي عزَّ وجلْ

ـ ٢٧١ ـ

وقال في رثاء خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وأبي طالب :

أعينَيَّ جوادا بارك الله فيكما

على هالكين لا ترى لهما مِثْلا

على سيِّد البطحاء وابن رئيسها

وسيدة النسوان أول من صلَّى

مهذبةٌ قد طيَّب اللهُ خَيْمَها

مباركةٌ والله ساقَ لها الفضلا

لقد نصرا في الله دين محمد

على من بغى في الدين قد رعيا إلا

__________________

الإلُّ : العهد والذمة.


ـ ٢٧٢ ـ

وقال 2 من بحر الخفيف :

إنَّ يومي من الزبير ومن طل‍

‍حة فيما يسوءني لطويلُ

ظلماني ولم يكنْ علم اللهُ

الى الظلم لي لخلْقٍ سبيلُ

ـ ٢٧٣ ـ

وقال كرم الله وجهه بعد شهادة عمار بن ياسر من بحر الطويل :

ألا أيها الموتُ الذي ليسَ تاركي

أرحْني فقد أفنيتُ كلَّ خليلِ

أراك مضراً بالذين أحبُّهم

كأنك تنحو نحوهمْ بدليلِ

ـ ٢٧٤ ـ

وقال 2 من بحر المنسرح :

يا حار همدان من يمُتْ يَرني

من مؤمن أو منافق قَبلا

يعرفني طرفهُ وأعرفُه

بنعتِهِ واسمه وما فَعلا

أقول للنار وهي توقَدُ للعر

ضِ ذريهِ لا تقربي الرجُلا

ذريه لاتقربيه إنَّ لهُ

حبلاً بحبلِ الوصيِّ متصلا

وأنتَ عند الصراط معترضي

فلا تخفْ عثرةً ولا زلَلا

أسقيكَ من باردٍ على ظمأ

تخالُه في الحلاوة العسلا


ـ ٢٧٥ ـ

روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما سار إلى غزوة تبوك واستعمل على المدينة علياً (ض) فتبعه علي وقال يا رسول الله زعمت قريش أنك إنما خلفتني استثقالا لي فقال صلوات الله عليه طالما آذت الامم أنبياءها يا علي أما ترضى بأنك وزيري ووصيي وخليفتي وقاضي ديني ومنجز وعدي ، لحمك لحمي ، ودمك دمي ،أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فقال 7 : رضيت ثم أنشأ يقول من بحر المتقارب :

ألا باعد الله اهلَ النفاقِ

وأهلَ الأَراجيفِ والباطلِ

يقولون لي قد قلاك الرسولُ

فخلاَّكَ في الخالف الخاذلِ

وما ذاكَ إلا لأنَّ النبي

جفاكَ وما كانَ بالفاعلِ

فسرتُ وسيفي على عاتقي

الى الراحم الحاكم الفاصلِ

فلما رآني هفا قلبُهُ

وقالَ مقالَ الأخِ السائلِ

أممن أبنَّ لي فأنبأته

بإرجاف ذي الحَسدِ الداغلِ

فقال اخي انت من دونهم

كهرونَ موسى ولم يأتل (١)

ـ ٢٧٦ ـ

وينسب اليه من بحر الخفيف :

إن عبداً أطاعَ رباً جليلا

وقَفَا الداعي النبيَّ الرسولا

فصلاةُ الإله تترى عليه

في دجَي الليل بكرةً وأصيلاً

إنَّ ضرب العداة بالبيض (٢) يُرْضي

سيداً قادراً ويَشفي غليلا

ليس من كان صالحاً مستقيما

مثلَ من كان هاذياً وذليلا

حسبي الله عصمةٌ لأُموري

وحبيبي محمدٌ لي خليلا

__________________

(١) يأتلي : يقصر.

(٢) أي بالسيوف.


ـ ٢٧٧ ـ

وينسب اليه قال في الفخر من الطويل :

أنا الصقرُ الذي حَدَثتْ عنه

عتاقُ الطير تتجدلُ انجدالا

وقاسيتُ الحروب أنا ابن سبع

فلما شبتُ أفنيتُ الرجالا

فلم تدع السيوف لن عَدواً

ولم يدع السخاءُ لديَّ مالا

قافية الميم

ـ ٢٧٨ ـ

أقبل الحضين (١) بن المنذر وهو يؤمئذ غلام يزحف برايته وكان حمراء فأعجب علياً 7 زحفُه فقال من بحر الطويل :

لنا الراية الحمراءُ يخفقُ ظلُّها

إذا قيلَ قدِّمْها حُضَيْنُ تقدما

ويدنو بها في الصفِّ حتى يُزيرهَا

حمامَ المنايَا تقطرُ الموتَ والدما

تراه إذا ما كان يومُ كريهةٍ

أبَى فيه إلا عزّةً وتكرما

واحزم صبراً حين يُدْعَى الى الوغى

اذا كان أصواتُ الكماةِ تغمغما

وقد صبرْت عك ولخمٌ وحِمْيَرٌ

لمذْحجٍ حتى أورثوها التندما

ونادتْ جُذَامٌ يال مذْحجَ ويلَكُمْ

جزي الله شراً أيُّنا كان أظلما

أما تتَّقُون الله في حُرُماتكم

وما قرَّبَ الرحمنُ منها وعظَّما

جزى الله قوماً قاتلوا في لقائهم

لدي البأس خيراً ما أَعفَّ وأكرما

ربيعة أعني إِنهم أَهلُ نجدةٍ

وبأسٍ اذا لاقوا خميساً (٢) عرمرما

__________________

(١) حضين معجمة الضاد وهو ابن المنذر أبو ساسان وكان معه راية قومه يوم صفين وعاش بعد ذلك دهراً طويلا.

(٢) الخميس : الجيشِ الكثير.


اذقنا ابن حربٍ طعنَنَا وضِرَابنَا

بأسيافنا حتى تولَّى وأحجمَا

وحتَّى ينادي زبرقانَ بنَ أظلمٍ

ونادَى كِلاعاً والكريبَ وأَنعمَا

وعمراً وسفياناً وجَهْماً ومالكاً

وحَوْشَبَ والغاوي شُريْحاً وأَظْلَمَا

وكُرْز بْنَ نبهانَ وعمَرو بن جَحْدَر

وصبَّاحاً القَيْنيَّ يَدْعُوا وأسْلَمَا

ـ ٢٧٩ ـ

وقال الإمام من بحر الرجز :

ما الدهر الا يقظةٌ ونَوْمُ

وليلةٌ بينهما ويومُ

يعيشُ قومٌ ويموتُ قومُ

والدهر قاضٍ ما عليه لوْمُ

ـ ٢٨٠ ـ

وحمل عمرو بن الحضين المذكور على علي لضربه فبادر اليه سعيد بن قيس ففلق صلبه فقال علي 7 من بحر الطويل :

ولما رأيت الخيل تقرع بالقنا

فوارسها حمُرُ العيون دوامي

وأقبل رهج (١) في السماء كأنه

غمامة دجن (٢) ملبَس بقتام (٣)

ونادى ابن هند ذا الكُلاع ويَحْصُباً

وكندةَ في لخْم وحَيَّ جُذَامِ

تيممت هَمْدان الذين هُمُ هُمُ

إذا ناب أَمر جُنَّتي (٤) وحسامي

وناديت فيهم دعوة فأجابني

فوارس من همدان غيرُ لئام

فوارسُ من همدان ليسوا بعُزَّل

غداةَ الوَغي من شاكر وشَبامِ

__________________

(١) الرهج بالسكون وقد يحرك الغبار.

(٢) الدجن الباس الغيم الأرض وأقطار السماء والمطر الكثير.

(٣) القتاء كسحاب الغبار.

(٤) الجنة بضم الجيم : الترس يحتمي به في الحرب.


ومن أرحب (١) الشم المطاعين بالقنا

ورهُم (٢) وأَحياء السَّبيع (٣) ويام (٤)

ومن كل حي قد أتتني فوارسُ

ذوو نجدَاتٍ في اللقاء كرام

بكل رديني وعصب تخاله

إذا اختلف الأَقوامُ شعل ضرام

يقودهم حامي الحقيقة منهم

سعيد بن قيس والكريم محامي

فخاضوا لظاها واصطلوا بشرارها

وكانوا لدى الهيجا كشرب مدام (٥)

جزى الله همدان الجنان فانهم

سمام العدى في كل يوم خصام

لهمدان اخلاقٌ ودين يزينهم

ولين اذا لاقوا وحسن كلام

متى تأتهم في دارهم لضيافة

تبتْ عندهم في غبطةٍ وطعام

ألا انَّ همدان الكرام أعزةٌ

كما عز ركن البيت عند مقام

أناسٌ يُحبُّونَ النبيَّ ورهطَه

سراعٌ الى الهيجاء غير كهام (٦)

اذا كنتُ بواباً على باب جنةٍ

أقول لهمدانَ ادخلُوا بسلام

ـ ٢٨١ ـ

وروي أن عليا 7 بعد رجوعه من وقعه أحد ناول فاطمة سيفه وقال اغسلي عنه الدم فو الله لقد صدقني اليوم ثم قال من بحر الطويل :

أفاطمَ هاك السيفَ غيرَ ذميم

فلستُ برعديدٍ ولا بلئيمِ

أفاطمَ قد أبليتُ في نصر أَحمد

ومرضاةِ ربِّ بالعباد رحيم

أريدُ ثوابَ الله لا شيء غيرُه

ورضوانَه في جنةٍ ونعيم

__________________

(١) ارحب فبيلة من همدان.

(٢) بطن من العرب.

(٣) السبيع كأمير بطن من همدان.

(٤) يام بمثناة تحتية بعدها الف وميم فبيلة من همدان.

(٥) الشرب بالفتح القوء المجتمعون على الشرب والمدام : الخمر.

(٦) قوم كهام كسحاب كليلون بطيئون لاغناء عندهم.


وكنتُ امرءاً أسمو إذا الحربُ شمرت

وقامتْ على ساقٍ بغير مُلِيم

أنمتُ ابن عبد الدارِ حتى ضربتُه

بذي (١) روْنق يَفري العظامَ صميمِ

فغادرته بالقاع فارفض جمعه

وأشفيت منهم صدر كلِّ حليمِ

وسيفي بكفي كالشهاب أهزُّه

أجزُّ به من عائق وصميم

ـ ٢٨٢ ـ

وقال الإمام من بحر المتقارب :

إذا كنت في نعمة فارعها

فان المعاصي تزيلُ النعم

وحافظ عليها بتقوى الإِله

فانَّ الإِله سريعُ النِّقم

فان تعط نفسك آمالَها

فعند مناها يحلُّ الندم

فأين القرون ومَنْ حولهم

تفانَوا جميعاً وربي الحكم

وكن موسراً شئت او معسراً

فما تقطع العيش إِلا بهم

حلاوةُ دنياك مسمومةٌ

فلا تأكل الشَّهدَ إلا بسُمْ

محامدُ دنياك مذمومةٌ

فلا تكسب الحمدَ إلا بذَم

اذا تمَّ أمر بدا نقصُه

توقَّ زوالاً اذا قيل تم

وكم قدر دبَّ في غفلةٍ

فلم يشعر الناس حتى هجم

ـ ٢٨٣ ـ

وقال الإِمام من بحر السريع :

عشْ موسراً إن شئت او معسراً

لا بدَّ في الدنيا من الغمِّ

دنياك بالأحزانِ مقرونةٌ

لا تقطعِ الدنيا بلا هَمِّ

__________________

(١) اي السيف ذي رونق ولمعان.


ـ ٢٨٤ ـ

وقال 2 لما مر بابن عقبة بن أبي وقاص من أصحابه قتيلا يوم صفين وأصحابه قتلى حوله وهي من بحر الطويل :

جزى الله عنِّى عصبةً أسلميةً

صِبَاحَ الوجوهِ صُرِّعُوا حولُ هاشمِ

شقيق وعبدُ اللهِ بشرٍ ومعبدٍ

وسفيانُ وابنا هاشمٍ ذي المكارم

وعروةُ لا ينأى فقد كان فارساً

اذا الحرب هاجتْ بالقنا والصوارمِ

اذا اختلف الابطالُ واشتبكَ القنا

وكان حديث القوم ضرب الجماجم

ـ ٢٨٥ ـ

وروى أن معاوية كتب أيام صفين في سهم ان معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم وبعث مائتي رجل معهم المرور والزنابيل يحفرون ورماه في عسكر على فأخبرهم على أنها حيلة ليزيلهم على مكانهم فينزل فيه فلم يقبلوا وارتحلوا فجاء معاوية ونزل مكانهم وارتحل علي وهو يقول من بحر الوافر :

فلو أني أطعتُ عصبْتُ (١) قومي

الى ركن اليمامة او شآم

ولكنِّي اذا ابرمتُ أمراً

مُنيتُ (٢) بخلف آراءِ الطِّغام (٣)

ـ ٢٨٦ ـ

وروي أن علياً بعد ما قتل حريثاً مولى معاوية برز اليه عمرو بن حصين السكسكي فنادى يا أبا حسن هلم الى المبارزة فأنشأ علي يقول من الرجز :

ما علتي أنا شجاعٌ حازم

وفي يميني ذو غرار صارمُ

__________________

(١) عصبت جمعت.

(٢) منيت بليت.

(٣) الطخام : الغوغاء.


وعن يميني مذحج القماقم

وعن يساري وائلُ الخضارمُ

والقلبُ حولي مُضرا الجماجمُ

وأقبلت همدانُ والاكرامُ

ـ ٢٨٧ ـ

وقال من بحر الرجز :

أقسمت بالله العلي العالمِ

لا أنثني إِلا برد الراغم

ـ ٢٨٨ ـ

وقال يرثي اباه ابا طالب من بحر المتقارب :

أبا طالب عصمةَ المستجيرِ

وغيثَ المحول ونُورَ الظُّلمْ

لقد هَدَّ فقدُك أهلَ الحفاظِ

فعز على فقدك كل الأمم

ـ ٢٨٩ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

ليبك على الاسلام من كان باكيا

فقد تُركَتْ اركانُه ومعالمهْ

لقد ذهب الاسلام إلا بقيةٌ

قليلٌ من الناس الذي هو لازمُهْ

ـ ٢٩٠ ـ

وقال في قتله عمرو بن عبدود من بحر الكامل :

يا عمرو قد لاقيت فارس همة

عد اللقاء معاود الأقدام


من آل هاشم من سناءٍ باهرٍ

ومهذبين متوجين كرامِ

يدعو الى دين الاله ونصره

والى الهدى وشرائع الاسلامِ

بمهنَّد عضب رقيق حدُّه

ذي رونق يفري الفقار حسامِ

ومحمد فينا كأنَّ جبينه

شمسٌ تجلتْ من خلال غمامِ

والله ناصر دينِهِ ونبيه

ومعينُ كلِّ موحدٍ مقدامِ

شهدت قريش والبراهم كلها

أن ليس فيها من يقوم مقامي

ـ ٢٩١ ـ

وينسب اليه انه قال لما قتل عمرو بن عبدود من بحر الرجز :

ضربتهُ بالسيف فوق الهامةْ

بضربةٍ صارمةٍ هدَّامةْ

فبكَّتت (١) من جسمه عظامه

وبيَّنت من أنفه أرغامهْ

أنا علي صاحب الصمصامة

وصاحب الحوض لدى القيامةْ

اخو رسول الله ذي العلامة

قد قال اذ عممني عمامةْ

أنت اخي ومعدن الكرامة

ومن له من بعدي الامامة

ـ ٢٩٢ ـ

وقال الإمام من بحر الطويل :

فمن يحمد الدنيا لعيش يسره

فسوف لعمري عن قليل يلومها

اذا أقبلت كانت على المرء حسرةً

وإن ادبرتْ كانت كثيراً همومها

__________________

(١) اي قطعت.


ـ ٢٩٣ ـ

وقال الإِمام من بحر الرمل المجزوء :

انا بالدهر عليم

وأبُو الدهر وامُّهْ

ليس يأتي الدهر يوماً

بسرورٍ فيُتمُّه

ـ ٢٩٤ ـ

وقال في الحارث بن الصمة بن عمرو الانصاري يوم احد :

لاهم إِن الحارث بن صمَّة

اهل وفاء صادق وذمة

اقبل في مهامة مهمَّة

في ليلة ليلاءَ مُدلهمَّة

بين رماحٍ وسيوف جمة

يبغي رسول الله فيها ثمة

ـ ٢٩٥ ـ

وتذاكروا بالفخر عند عمر 2 فأنشأ امير المؤمنين يقول :

اللهُ اكرمنا بنصر نبيِّه

وبنا اقام دَعائمَ الاسلامِ

وبنا اعزَّ نبيَّه وكتابَهُ

وأعزَّنَا بالنصرِ والاقدامِ

ويزورُنا جبريلُ في أبياتنا

بفرائضِ الاسلام والأحكامِ

فنكون اولَ مستحل حلَّه

ومحرم لله كل حرام

نحن الخيار من البرية كلها

ونظامها ونظام كل زمام

الخائضون غمارِ كلِّ كريهة

والضامنون حوادث الايام


والمبرمون قوى الامور بعزة

والناقضون (١) مرائر الابرام

في كل معترك تطير سيوفنا

فيه الجماجم عن فراخ الهام

إنا لنمنع من أردنا منعه

ونجود بالمعروف للمعتام

وترد عادية الخميس سيوفُنا

ونقيم رأس الاصيد القمقام

ـ ٢٩٦ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

فما نُوِبُ الحوادث باقياتٌ

ولا البؤسى تدوم ولا النعيم

كما يمضي سرورُ وهوجم

كذلك ما يسوؤك لا يدوم

فلا تهلك على ما فات وجداً

ولا تفردْك بالأسف الهموم

ـ ٢٩٧ ـ

وقال فيما يلزم فعله مع الاخوان من بحر الطويل :

اخٌ طاهرُ الخلاق عذبٌ كأَنهُ

جنا النحل ممزوجاً بماء غمام

يزيد على الأيام فضلُ موده

وشدَّةُ اخلاص ورعي زمام

__________________

(١) من النقض وهو ضد الابرام.


ـ ٢٩٨ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

لا تظلمنَّ اذا ما كنت مقتدراً

فالظلم مرتعهُ يفضي إلى الندمِ

تنام عينك والمظلوم منتبهٌ

يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ

ـ ٢٩٩ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

لا تودع السرَّ الا عند ذي كرم

والسر عند كرام الناس مكتوم

والسر عند في بيت له

قد ضاع مفتاحه والبيت مختوم

ـ ٣٠٠ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

تنزه عن مجالسة اللئام

وألمم بالكرام بني الكرامِ

ولا تك واثقاً بالدهر يوماً

فان الدهر منحلّ النظام

ولا تحسد على المعروف قوما

وكن منهم تنل السلام

وثق بالله ربك ذي المعالي

وذي الآلاء والنعم الجسامِ

وكم للعلم ذا طلب وبحثٍ

وناقش في الحلال وفي الحرامِ

وبالعوراء لا تنطق ولكن

بما يرضي الالهَ من الكلامِ

وإن خان الصديقُ فلا تخنه

ودم بالحفظ منه وبالذِّمام

ولا تحمل على الاخوان ضغناً

وخذ بالصفح تنج من الأثام


ـ ٣٠١ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

كيفية المرء ليس المرء يدركها

فكيف كيفية الجبار في القِدَمِ

هو الذي انشأ الأشياءَ مبتدعاً

فكيف يُدركه مستحدث النسم

ـ ٣٠٢ ـ

وينسب اليه من بحر السريع :

كم من اديب فطِن عالمِ

مستكمل العقلُ مُقلٍ عديمِ

ومن جَهول مُكثر مالَهُ

ذلك تقديرُ العزيز العليمِ

ـ ٣٠٣ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

اتصبر للبلوى عزاءً وحسبة

فتؤجر أم تسلو سُلوَّ البهائم

خُلقنا رجالاً للتجلد والأسى

وتلك الفواني للبُكا والمآتِم

ـ ٣٠٤ ـ

وينسب إليه من بحر الكامل :

وإذا طلبت الى كريم حاجةً

فلقاؤه يكفيك والتسليمُ

واذا رآك مسلِّماً ذكر الذي

حمّلته فكأنه مبروم


ـ ٣٠٥ ـ

وينسب اليه من بحر المنسرح :

اصبحت بين الهموم والهمم

هموم عجز وهمّة الكرم

طوبى لمن نال قدْر همته

او نال عز القنوع بالقسم

ـ ٣٠٦ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

اما والله إنَّ الظُلم شومٌ

ولا زال المسيء هو الظلومُ

الى الدَّيان (١) يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمعُ الخصومُ

ستعلمُ في الحساب اذا التقينا

غدا عند المليك مَنْ الغشومُ

ستنقطع اللذاذة عن أناس

من الدنيا وتنقطع الهمومُ

لأمر ما تصرفت الليالي

لأمر ما تحركت النجومُ

ـ ٣٠٧ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

سل الأيامَ عن امم تقضتْ

ستخبرُك المعالمُ والرسومُ

تروم الخُلدَ في دار المنايا

فكم قد رامَ مثلَك ما ترومُ

تنامُ ولم تنمْ عنك المنايا

تنبَّهْ للمنيةِ يا نَؤومُ

لهوتَ عن الفَناء وانت تفنى

فما شيء من الدنيا يدومُ

تموت غداً وانت قرير عين

من الغضلات في لجج تعوم (٢)

__________________

(١) الديان : المولى عزوجل.

(٢) من العوم : أي تسبح.


قافية النون

ـ ٣٠٨ ـ

وقال كرم الله جهه من بحر البسيط :

لا تخضعنَّ لمخلوق على طمع

فانَّ ذلك وَهْنٌ منك في الدين

واسترزق الله مما في خزائنه

فانما الامر بين الكاف والنون

إنَّ الذي أنت ترجوه وتأمله

من البرية مسكين ابن مسكين

ما أحسن الجودَ في الدنيا وفي الدين

واقبحَ البخلَ فيمن صيغ من طين

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا

لا بارك الله في دنيا بلا دين

لو كان باللُّب يزداد اللبيب غنى

لكان كل لبيب مثل قارونِ

لكنما الرزق بالميزان من حكمٍ

يُعطي اللبيب ويعطي كل مأفونِ

ـ ٣٠٩ ـ

وقال من بحر الكامل :

لا تكره المكروه عند نزولِهِ

إن المكاره لم تزل متباينه

كم نعمة لم تستقل بشكرها

لله في طي المكاره كامنه

ـ ٣١٠ ـ

وقال يوم بدر من بحر الرجز :

قد عرف الحرب العوان أني

بازل عامين حديث سنِّ

سَنَحْنَحُ (١) الليل كأني جني

استقبل الحرب بكل فن

__________________

(١) نحنح الليل : أي لا أنام فأنا مستيقظ دائما كأني جني.


معي سلاحي ومعي مجني

وصارم يذهب كل ضغن

أقصي به كل عدو عني

لمثلِ هذا ولدتني امي

وقال أيضا :

ما لا يكون فلا يكون بحيلة

أبداً وما هو كائن سيكون

سيكون ما هو كائن في وقته

وأخو الجهالة مُتعب محزونُ

يسعى القويُّ فلا ينال بسعيه

حظاً ويحظي عاجز ومهين

ـ ٣١١ ـ

وينسب اليه أنه قال من بحر الوافر :

ولو أني بليتُ بهاشميِّ

خؤولته بنو عبد المَدَانِ

صبرت على عدواته ولكن

تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

ـ ٣١٢ ـ

وقال أيضا من بحر السريع :

هذا زمان ليس إخوانه

يا أيها المرء باخوان

إخوانه كلُّهم ظالمٌ

لهم لسانان ووجهان

يلقاك بالبشر وفي قلبه

داءٌ يواريه بكتمان

حتى إذا ما غبت عن عينه

رماك بالزور والبهتان

هذا زمان هكذا أهله

بالودِّ لا بصدقك اثنان

يا أيها المرء فكن مفرداً

دهرك لا تأنس بانسان

وجانب الناس وكن حافظاً

نفسك في بيتٍ وحيطان


ـ ٣١٣ ـ

وقال من بحر الكامل المجزوء :

دنيا تحول بأهلها

في كل يوم مرتينْ

فغدُّوها لتجمُّع

ورواحُها لشتات بَيْن

ـ ٣١٤ـ

وقال من مخلع البسيط :

الصبر مفتاح ما يرجَّى

وكل خير به يكون

فاصبر وإن طالتِ الليالي

فربما طاوعَ الحرونُ

وربما نيلَ باصطبار

ما قيل : هيهات ما يكون

ـ ٣١٥ ـ

وقال من بحر الوافر :

إذا هبَت رياحك فاغتنمها

فعقبى كلِّ خافقةٍ سكونُ

ولا تغفل عن الاحسان فيها

فما تدري السكون متى يكونُ

ـ ٣١٦ ـ

وقال من بحر الطويل :

تنكر لي دهري ولم يدري أنني

أعزُّ وروعاتُ الخطوب تهونُ

فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه

وبتُّ أريه الصَّبرَ كيف يكونُ


ـ ٣١٧ ـ

وقال من بحر الرمل :

هوِّن الأمر تعشْ في راحةٍ

كلُّ ما هوَّنت إِلا سيهونُ

ليس أمرُ المرءِ سهلا كُلَّه

إنما المرءُ سهول وحزونُ

تطلبُ الراحةَ في دار العَنَا

خابَ من يطلب شيئاً لا يكونُ

ـ ٣١٨ ـ

وقال من بحر الخفيف :

عُدَّ من نفسكَ الحياةُ فصنها

وتوقَّ الدنيا ولا تأمنها

إنما جئتها لتستقبل الموت

وأُدخِلْتَها لتخرجُ عنها

سوف يبقى الحديث بعد فانظر

أيَّ أحدوثة تحب فكنُها

ـ ٣١٩ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن

عليك شجى في الصدر حين تبين

وإن هي أعطتك الليان فانها

لغيرك من خلانها ستلين

وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها

فليس المخضوب البنان يمين


ـ ٣٢٠ ـ

وقال حين عزى عمر بن الخطاب 2 من بحر البسيط :

إنا نعزيك لا أنا على ثقة

من الحياة ولكن سنة الدينِ

فلا المعزَّى بباق بعد ميته

ولا المعزِّي ولو عاشا إِلى حينِ

ـ ٣٢١ ـ

وقال من الكامل المجزوء :

نحن الكرام بنو الكرام

وطفلنا في المهد يُكْنَى

إنا إذا قَعَد اللئام

على بساط العزِّ قمنا

ـ ٣٢٢ ـ

وقال لمحمد ابن الحنفية في حرب الجمل من الرجز :

اقحم فلا تنالك الاسنه

وإنَّ للموت عليك جُنّة

ـ ٣٢٣ ـ

وقال من بحر الرجز :

اليوم أبلو حسبي وديني

بصارمٍ تحمله يميني

عند اللقاء أحمي به عريني


ـ ٣٢٤ ـ

وخرج يوم النهروان رجل من الخوارج فحمل على الناس وهو يقول من الرجز :

أضْربكمْ ولو أرى أبا الحسنْ

ألبستُهُ بصارمي ثوب الغبَنْ

فخرج الإمام وهو يقول من الرجز أيضا :

يا أيهذا المبتغي أبا الحسنْ

إليك فانظر أيُّنا يلقى الغبن

وحمل عليه علي وشكه بالرمح وتركه فيه وانصرف وهو يقول : اتاك أبو الحسن فرأيت ما تكره

ـ ٣٢٥ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

إلهي لا تعذبني فاني

مقر بالذي قد كان مني

فما لي حيلة إِلا رجائي

بعفوك إنْ عفوت وحسن ظني

فكم من زلة لي في الخطايا

عضضت أناملي وقرعت سني

يظنُّ الناس بي خيراً واني

لشرُ الخلق إن لم تعف عني

وبين يدي محتبس طويل

كأني قد دعيت له كأني

أجنُّ بزهرة الدنيا جنوناً

وأفني العمر منها بالتمني

فلو أني صدقت الزهد فيها

قلبت لها ظهر المجن


ـ ٣٢٦ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

ومن كرمتْ طبائعُه تحلَّى

بآدابٍ مفصلة حسانِ

ومن قلت مطامعه تغطَّى

من الدنيا بأثواب الأمانِ

وما يدري الفتى ماذا يلاقي

إذا ما عاش من حدث الزمانِ

فان غدرت بك الأيام فاصبر

وكن بالله محمود المعاني

ولاتكُ ساكناً في دار ذل

فان الذلَّ يُقرَن بالهوانِ

وإن أولاك ذو كرم جَميلاً

فكن بالشكر منطلق اللسانِ

ـ ٣٢٧ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

الدهر أدبني واليأس أغناني

والقوت أقنعني والصبر رباني

وأحكمتني من الأيام تجربة

حتى نهيت الذي قد كان ينهاني

ـ ٣٢٨ ـ

وينسب اليه من بحر المتقارب :

اذا المرء لم يرض ما أمكنه

ولم يأت من أَمره أَزينهْ

وأعجب بالعجب فاقتاده

وتاه به التيه فاستحسنه

فدعه فقد ساء تدبيره

سيضحك يوما ويبكي سنة


ـ ٣٢٩ ـ

وينسب اليه من بحر الرجز :

سيف رسول الله في يميني

وفي يساري قاطع الوتينِ

فكل من بارزني يجيني

أضربه بالسيف عن قريني

محمد وعن سبيل الدين

هذا قليل من طلاب العين

ـ ٣٣٠ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

إلهي أَنت ذو فضل ومن

وإني ذو خطايا فاعفُ عني

وظني فيك يا ربي جميلٌ

فحقق يا إلهي حسنَ ظني

ـ ٣٣١ ـ

وينسب اليه أيضا :

أنا الغلام القريشيُّ المؤتمن

الماجدُ الأبلجُ ليثٌ كالشَّطَنْ

يرضى به السادة من اهل اليمنْ

من ساكني نجدٍ ومن أهل عدنْ

ـ ٣٣٢ ـ

وينسب اليه من بحر الكامل :

لا تأمننَّ من النساء ولو أَخاً

ما في الرجال على النساء امينُ

إن الأمين وإن تعفّف جهده

لا بدَّ أنَّ بنظرة سيخون

القبر أوفى من وثقت بعهده

ما للنساء سوى القبور حصون


قافية الهاء

ـ ٣٣٣ ـ

وقال لرجل كره صحبة رجل من بحر الوافر المجزوء :

فلا تصحب أَخا الجه‍

‍ل وإياك واياه

فكم من جاهل أردى

حليماً حين آخاه

يُقاس المرء بالمرء

إذا ما هو ماشاه

وللقلب على القلب

دليلٌ حين يلقاه

وللشيء من الشيء

مقاييسٌ وأشباه

وفي العين غنى للعين

أن تنطق أَفواه

ـ ٣٣٤ ـ

وقال من بحر الخفيف :

الغني في النفوس والفقر فيها

ان تجزَّت فقلَّ ما يجزيها

عَلّلِ النفس بالقنوع والا

طلبت منك فوق ما يكفيها

ليس فيما مضى ولا في الذي لم

يأت من لذة لمستحليها

انما أنت طول عمرك ما عم‍

رت بالساعة التي أنت فيها

ـ ٣٣٥ ـ

وقال من بحر الوافر :

أصمُّ عن الكلم المحفظات

وأَحلم والحلم بي أَشبهُ


واني لأترك حلو الكلام

لئلا أجاب بما أَكرهُ

اذا ما اجتررت سفاه السفيه

عليَّ فاني أَنا الأسفهُ

فلا تغرر برواء الرجال

وان زخرفا لك أو موَّهُوا

فكم من فتى يعجب الناظرين

له ألسُنٌ وله أَوجه

ينام اذا حضر المكرمات

وعند الدناءة يستنبهُ

ـ ٣٣٦ ـ

وقال من بحر الكامل :

النفس تجزع أن تكون فقيرة

والفقر خير من غنى يطغيها

وغنى النفوس هو الكفاف وان أبت

فجميع ما في الأرض لا يكفيها

ـ ٣٣٧ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

ان المكارم أخلاق مطهرة

فالدين أولها والعقل ثانيها

والعلم ثالثها والحلم رابعها

والجود خامسها والفضل ساديها

والبر سابعها والصبر ثامنها

والشكر تاسعها واللين باقيها

والنفس تعلم أني لا اصادقها

ولست أرشد الا حين أعصيها


ـ ٣٣٨ ـ

ندب علي أصحابه في بعض أيام صفين فتبعه منهم ما بين عشرة آلاف الى اثني عشر الفاً وهو أمامهم على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يبق لأهل الشام صف إلا وانتقض حتى أفضوا إلى مضرب معاوية وعلي يضربهم بسيفه ويقول من بحر الرجز :

أضربهم ولا أرى معاوية

الأَبرح العين العظيم الحاوية

هوت به في النار أم هاوية

جاوره فيها كلابٌ عاوية

ـ ٣٣٩ ـ

وروي أن معاوية برز في بعض أيام صفين وكر على ميسرة علي وكان علي فيها يعبئ الناس فغير علي لامته وجواده وصمد له معاوية فلما تدانيا انتبه له معاوية فغمز برجليه على جواده وعلي وراءه حتى فاته ودخل في مصاف أهل الشام فأصاب علي رجلا من مصافهم دونه ثم رجع وهو يقول من الرجز :

يا لهف نفسي فاتني معاويه

فوق طمر كالعقاب الضاريه

ـ ٣٤٠ ـ

وينسب اليه من بحر الكامل :

كن للمكاره بالعزاء مقطعاً

فلعل يوماً لا ترى ما تكرهُ

فلربما استتر الفتى فتنافست

فيه العيون وانه لمموَّهُ

ولربما اختزن الكريم لسانه

حذر الجواب وانه لمفوّهُ

ولربما ابتسم الوقور من الأذى

وفؤاده من حرِّه يتأوّهُ


ـ ٣٤١ ـ

وينسب اليه من بحر الرمل :

أَنا للحرب إليها

وبنفسي أتقيها

نعمة من خالقٍ

من بها قد خصَّنيها

لن ترى في حومة الهيجا

ء لي فيها شبيها

ولي السُّبقة في الاسلا

م طفلا ووجيها

ولي القربة ان قا

م شريف ينتميها

زقَّني بالعلم زقاً

فيه قد صرت فقيها

ولي الفخر على النا

س بفاطم وبنيها

ثم فخري برسول الله

اذ زوجنيها

لي وقعاتٌ ببدرٍ

يوم حار الناس فيها

بأحدٍ وحُنينٍ

ثم صولات تليها

وأَنا الحامل للرا

ية حقاً أحتويها

وإذا أُضرم حربا

أحمد قدَّمَنيها

واذا نادى رسول الله

نحوي قلت ايها

ـ ٣٤٢ ـ

وينسب اليه من بحر البسيط :

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت

أَن السلامة فيها ترك ما فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها

إلا التي كان قبل الموت بانيها

فان بناها بخير طاب مسكنها

وان بناها بشرّ خاب بانيها

أين الملوك التي كانت مسلطنة

حتى سقاها بكاس الموت ساقيها


أموالنا لذوي الميراث نجمعها

ودورنا لخراب الدهر نبنيها

كم من مداين في الآفاق قد بُنيت

أَمست خراباً ودان الموت دانيها

لكل نفس وإن كانت على وجل

من المنيَّة آمالٌ تقوِّيها

فالمرءُ يبسطها والدهر يقبضُها

والنفس تنشرها والموت يطويها

ـ ٣٤٣ ـ

وينسب اليه من بحر الرجز :

يا أَكرم الخلق على الله

والمصطفى بالشرف الباهي

محمد المختار مهما أتى

من محدث مستفظع ناهي

فاندب له حيدر لا غيره

فليس بالغمر ولا اللاهي

ترى عماد الكفر من سيفه

منكساً باطله واهي

هل العدى إلاَّ ذئابٌ عوت

مع كل ناسٍ نفسه ساهي

سيهزم الجمع على عقبه

بحيدر والنصر بالله

ـ ٣٤٤ ـ

وقال الإمام من بحر الخفيف :

عجباً للزمان في حالتيه

وبلاء ذهبت منه اليه

ربَّ يوم بكيت منه فلما

صرت في غيره بكيت عليه


ـ ٣٤٥ ـ

وينسب اليه من بحر الكامل :

لا تعتبنَّ على العباد فانما

يأتيك رزقُك حين يُؤْذَنُ فيهِ

سبق القضاء لوقته فكأنه

يأتيك حين الوقت أو تاتيهِ

فثق بمولاك الكريم فانه

بالعبد أرأفُ على أبٍ ببنيهِ

وأسع غناك وكن لفقرك صائناً

يضني حشاك وأَنت لا تشفيهِ

فالحرُّ ينحل جسمه إعدامه

وكأنه من جسمه يخفيهِ

قافية الواو

ـ ٣٤٦ ـ

وقال الإِمام من بحر الطويل :

أرى حُمراً ترعى وتأكل ما تهوى

وأُسداً جياعاً تظمأ الدهر ما تروى

وأَشراف قوم ما ينال قوتهم

وقوما لئاماً تأكل المنَّ والسلوى

قضاء لخلاّق الخلائق سابقٌ

وليس على رد القضا أَحدٌ يقوى

ومن عرف الدهر الخؤون وصرفه

تصبر للبلوى ولم يُظهر الشكوى

قافية الياء

ـ ٣٤٧ ـ

وينسب اليه كرمالله وجهه من بحر الكامل :

ماذا على من شم تربة أَحمد

أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا

صُبَّت عليَّ مصائب لو أنها

صُبّت على الأيام عُدن لياليا


ـ ٣٤٨ ـ

وقال 2 يرثي النبي صلّى الله عليه وسلّم من بحر الطويل :

ألا طرق الناعي بليلٍ فراعني

وأرّقني لم استهلَّ مُناديا

فقلت له لما رأَيت الذي أَتى

أَغير رسول الله أَصبحت ناعيا

فحقق ما أشفيت منه ولم يبل

وكان خليلي عدتي وجماليا

فوالله لا أَنساك أَحمد ما مشت

بي العيس في أَرض وجاوزت واديا

وكنت متى أهبط من الأرض تلعة

أَجد أَثراً منه جديداً وعافيا

جواد تشظى الخيل عنه كأنما

يرين به ليثاً عليهنَّ ضاريا

من الأسد قد أَحمى العرين مهابة

تفادى سباع الارض منه تفاديا

شديدُ جريء النفس نهد مصدر

هو الموت مغدوّ عليه وغاديا

أتتك رسول الله خيلٌ مغيرة

تثير غباراً كالضبابة كابيا

إليك رسول الله صف مقدم

اذا كان ضرب الهام نفقاً تفانيا

ـ ٣٤٩ ـ

وقال الإمام من بحر الوافر :

إذا أَظمأتكَ أَكُفُّ الرجال

كفتك القناعةُ شبعاً وريا

فكن رجلاً رجلهُ في الثرى

وهامةُ همتَّهِ في الثريا

أبياً لنائل ذي ثروة

تراه لما في يديه أَبيا

فانَّ إِراقة ماء الحياة

دون إراقة ماء المحيا


ـ ٣٥٠ ـ

وقال الإِمام من بحر الوافر :

وكم لله من لطفٍ خفي

يدق خفاه عن فهم الذكيِّ

وكم يسرٍ أَتى من بعد عسر

ففرَّج كربة القلب الشجي

وكم أمرٍ تُساءُ به صباحاً

وتأتيك المسرَّة بالعشي

اذا ضاقت بك الاحوال يوماً

فثق بالواحد الفرد العلي

توسَّل بالنبي في كل خطبٍ

يهون اذا تُوُسِّل بالنبي

ولا تجزع اذا ما ناب خطب

فكم للهِ من لطف خفي

ـ ٣٥١ ـ

وقد حمل رجل من الخوارج يوم النهروان على أصحاب علي وهو يقول من بحر الرجز :

أضربكم ولو أرى عليا

ألبسته ابيض مشرفيا

فخر اليه وهو يقول من الرجز أيضا :

يا أيهذا المبتغي علياً

إني أَراك جاهلاً شقياً

قد كنت عن كفاحه غنياً

هلمَّ فابرز هاهنا إليَّا

ـ ٣٥٢ ـ

وينسب اليه من بحر الرمل المجزوء :

أنا مذ كنت صبياً

ثابت العقل حريا


أقتل الأبطال قهراً

ثم لا أفزع شيَّا

يا سباع البر زيغي

وكلي ذا اللحم نيّا

ـ ٣٥٣ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر المجزوء :

اذا ما شئت أن تحيا

حياةً حلوة المَحْيا

فلا تحسدْ ولا تبخلْ

ولا تحرصْ على الدنيا

ـ ٣٥٤ ـ

وينسب اليه من بحر الطويل :

ومحترس من نفسه خوف ذلة

تكون عليه حجَّة هي ماهيا

فقلص برديه وأَفضى بقلبه

الى البر والتقوى فنال الأَمانيا

وجانب أسباب الفاهة والخنا

عَفافاً وتنزيها فأصبح عاليا

وصان عن الفحشاء نفساً كريمة

أبت همة إلا العلى والمعاليا

تراه اذا ما طاش ذو الجهل والصبى

حليماً وقوراً صائن النفس هاديا

له حلم كهل في صرامة حازمٍ

وفي العين ان أبصرت أبصرت ساهيا

يروق صفاء الماء منه بوجهه

فاصبح عنه الماء في الوجه صافيا

ومن فضله يرعى ذماماً لجاره

ويحفظ منه العهد اذ ظل راعيا

صبوراً على صرف الليالي وذرئها

كتوماً لاسرار الضمير مداريا

له همَّة تعلوا على كل همّة

كما قد علا البدر النجوم الدراريا


ـ ٣٥٥ ـ

وينسب اليه من بحر الوافر :

ولو انا اذا متنا تُركنا

لكان الموت راحة كل حي

ولكنا اذا متنا بُعثنا

ونُسأل بعد ذا عن كل شي

انتهى الديوان بحمد الله وعونه


القصيدة الكوثرية الشهيرة

للسيد رضا الهندي في مدح الإمام

امفلَّج ثغرك أم جوهرْ

ورحيقُ رضابك أم سُكَّرْ

قد قال لثغرك صانعُهُ

إنَّا أعطيناكَ الكوثرْ

والخالُ بخدِّك أم مسكٌ

نقَّطْت به الوردَ الأحمرْ

أم ذاكَ الخالُ بذاكَ الخد

فتيت الندِّ على مجْمَرْ

عجباً من جمرتهِ تذكو

وبها لا يحترقُ العنبرْ

يا من تبدو ليَ وفرتهُ

في صبح محيَّاهُ الأزهرْ

فأُجنُّ به في الليل إِذا

يغْشَى والصبح إذا أسفرْ

ارحَمْ أرقاً لو لم يمرضْ

بنعاس جفونك لم يسهَرْ

يا للعشاق لمفتون

يهوى رشأ أحوى أحورْ

إن يَبْدُ لذي طرب غنَّى

أو لاح لذي نُسُك كبَّرْ

آمنتُ هوى بحبوته

وبعينيه سحرٌ يُؤْثرْ

أصفيتُ الودَّ لذي ملل

عيْشي بقطيعته كدَّرْ

يا من قد آثر هجراني

وعليَّ بلقياهُ استأثرْ

أقسمتُ عليك بما أوْلتْ‍

ك النُّضْرةُ من حسن المنظرْ

وبوجهك إِذ يحمرُّ حياً

وبوجه محبِّك إِذ يصفرْ

وبلؤلؤ مبسمك المنظوم

ولؤلؤ دمعي إِذ يُنثرْ

أن تترك هذا الهجر فليس

يليق بمثلي أَن يهْجرْ

بكر للهو ونيل الصفو

فصفو العيش لم بكَّرْ

وانظر للزهر على النهر

فوجهُ الدهر به أَزهرْ

فقد أسرفتُ وما أسلفْت

لنفسي ما فيه أعذرْ


سوَّدتُ صحيفةَ أعمالي

ووكَلْتُ الأمر إلى حَيْدَرْ

قد تمت لي بولايته

نعَمٌ جمتْ عن أن تُشْكر

لأصيبُ بها الحظ الأوفى

وأخصَّصَ بالسهم الأوفرْ

أم يطردُني عن مائدةٍ

وضِعَتْ للقانع والمعترْ

يا من قد أنكرَ من آيا

ت ( أبي حسنٍ ) ما لا يُنكَرْ

إن كنتَ لجهلك بالآيا

ت جحدْتَ مقامَ أبي شُبرْ

فاسألْ ( بدراً ) واسألْ ( أُحُداً )

وسل ( الأحزاب ) وسَلْ (خيبرْ )

من دبَّر فيها الأمرَ ومن

أردى الأبطال ومن دمرْ ؟

من هدَّ حصونَ الشركِ ومن

شاد الإِسلام ومن عَمّرْ ؟

من قدَّمهُ طه وعَلي

أهل الإِيمان له أمَّرْ (٢)

قاسُوكَ أبا حسن بسوا

كَ وهَلْ ساوَوْا بعليٍّ قنْبرْ ؟

من غيْرُك من يُدْعَى للحر

ب وللمحراب وللمنبرْ

أفعالُ الخيرِ اذا انتشرتْ

في الناس فأنت لها المصدرْ

واذا ذكر المعروفُ فما

لسواك به شيء يُذكرْ

أحييت الدين بأبيضَ قد

أودعت به الموت الأحمرْ

قطباً للحرب يدير الضرب

ويجلو الكرب بيوم الكرْ

فاصدع بالامر فناصرُكَ ال‍

بتارُ وشانؤُك الأبترْ

لو لم بؤمر بالصبر وكظ

م الغيظ وليتك لم تؤمر

لكنْ أعراضُ العاجل ما

علقتْ بردائك يا جوهر

أنت المهتم بحفظ الدين

وغيرك بالدنيا يغترْ

أفعالُكَ ما كانتْ فيها

إلا ذكرى لمن اذَّكَّرْ

حُجَجَاً أَلزمتَ بها الخصما

ء وتبصرةً لمن استبصرْ


ياتُ جلالك لا تُحصَى

وصفاتُ كمالكَ لا تُحصَرْ

من طوَّل فيك مدائحه

عن أدنى واجبها قصَّر

فاقبل يا كعبة آمالي

من هَدي مديحي ما استيسر


فهرست الديوان

الموضوع

الصحيفة

تصدير ....................................................................................... ٣

قافية الهمزة ................................................................................. ٢٥

قافية الباء ................................................................................... ٢٩

قافية التاء ................................................................................... ٥٣

قافية الجيم .................................................................................. ٥٦

قافية الحاء .................................................................................. ٥٦

قافية الدال .................................................................................. ٥٧

قافية الذال .................................................................................. ٦٦

قافية الراء .................................................................................. ٧٦

قافية الزاي ................................................................................. ٨٥

قافية السين ................................................................................. ٨٦

قافية الصاد ................................................................................. ٨٩

قافية الضاد ................................................................................. ٩٠

قافية الطاء .................................................................................. ٩١

قافية الظاء .................................................................................. ٩٢

قافية العين .................................................................................. ٩٢

قافية الغين ................................................................................ ١٠١

قافية الفاء ................................................................................ ١٠١

قافية القاف ............................................................................... ١٠٣

قافية الكاف .............................................................................. ١٠٧

قافية اللام ................................................................................ ١٠٩

قافية الميم ................................................................................. ١٢٧

قافية النون ................................................................................ ١٣٩

قافية الهاء ................................................................................. ١٤٧

قافية الواو ................................................................................ ١٥٢

قافية الياء ................................................................................. ١٥٢

القصيدة الكوثرية ......................................................................... ١٥٧

ديوان الإمام علي

المؤلف:
الصفحات: 160