كلمة الناشر

إن التطور العلمي الذي يشهده عالمنا اليوم ، والوسائل التكنولوجية الحديثة قد دفعت بعجلة المدنية والثقافة الى الأمام ، بل واصبح الانسان يرقب في كل يوم تصورا آخر ، وهذا التطور قد كشف لنا القناع عن بعض المناهج الدراسية في معاهدنا ومؤسساتنا العلمية واذا بها مناهج تحتل زواية ضيقة من هذا العالم العلمي الفسيح.

من هنا اتخذت المؤسسات العلميّة في الجمهورية الاسلامية في ايران وفي مقدّمتها جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالميّة ؛ أتخذت على عاتقها صياغة بعض المناهج الدراسيّة صياغة تلائم الحركة العلميّة المعاصرة ، ومالها من متطلّبات بحيث تنسجم مع المحيط العلمي الجديد.

لقد بادرت الاقسام العلميّة في جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله بمخاطبة الاساتذة ذوي الأختصاص ليساهموا في وضع مناهج حديثة في علوم القرآن ، والفقه ، والاصول ، والتفسير ، والتاريخ ، و ... كي تلبّي احتياجات الدارسين في مختلف المستويات وعلى صعيد كل الاختصاصات الأنسانية والدينية.

كانت خطوة الجامعة جريئة وموفقة حيث بذرت بذورا صالحة تفتّقت من خلالها براعم طيبة ، وانتجت ثمارا ناضجة تؤتى اكلها في كلّ حين.

نعم ، لمّا كانت بعض المواد الدراسيّة لم تتوفر فيها الكتب المنهجيّة اللازمة التي تنسجم مع السطح العلمي لعموم المعاهد والمؤسسات العلميّة ، فقد أناطت ادارة جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الحقل العلمي ـ مهمّة تدوين وتأليف هذه المناهج الجديدة والبحوث العلميّة ذات الطابع العلمي والأكاديمي الى جملة من الاستاتذة المختصّين والعلماء الأفاضل ،


وأولتهم رعاية فائقة وتسهيلات محمودة كي يتمّ انجاز تلك البحوث على وفق المناهج المقرّرة. وفعلا تصدّى للعمل نخبة من العلماء ، وانجز الكثير من تلك البحوث والمؤلّفات ، حيث بذل أصحاب الفضيلة جهودا مضنية ، ومساعي متواصلة ، بغية المساهمة الجادة في خلق كادر متخصّص في شتى العلوم والفنون ، ثم جاءت هذه المساهمة صادقة في كل ابعادها ، تجلّلها النظرة الشمولية والعمق العلمي والبيان الواضح.

إن جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالميّة اصبحت اليوم محطّ انظار الدارسين في الداخل والخارج ، وهي تعدّ بحق من اكبر المؤسسات العلمية في عالمنا الاسلامي والعربي ، وقد استقطبت العديد من اصحاب الاختصاص من الاساتذة والمؤلفين ، كما أغنت المكتبة الاسلامية بمجموعة بحوث ومؤلفات قد تم طبعها ونشرها خلال هذه السنين القلائل لتكون منهلا عذبا للدارسين وطلاب الحقيقة والمعرفة.

ومن منطلق الخدمة العلميّة يتقدّم دار النشر المصطفى عليهما‌السلام العالمية في هذه الجامعة بالشكر والتقدير لسماحة الاستاذ لما بذله من جهود تستحق الاحترام والتقدير في تأليفه لكتاب بحوث في علم الرجال كما نشكر اعضاء الكادر الفني الذي ساهم بشكل حثيث في انجاز وطبع هذا الكتاب الماثل بين يدي القاريء الكريم.

وكلّنا أمل ورجاء بأن نكون قد ساهمنا في رفد الحقل العلمي والمكتبة الاسلامية بالبحوث والمؤلفات خدمة للعلم والعلماء ومشاركة منّا في تفعيل الحركة الثقافية في العالم الاسلامي ، وما التوفيق إلا من عند الله.

مركز المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالمي لترجمة والنشر


الفهرس

كلمة المؤلف : في تعريف علم الرجال ولزوم الحاجة إليه............................. ١١

مقدّمة الطبعة الخامسة........................................................ ١٥

مقدّمة الطبعة الرابعة.......................................................... ١٦

مقدمة الطبعة الثالثة.......................................................... ١٧

علم الرجال في الشرع......................................................... ١٨

البحث الأوّل : في ضوابط التّصديق والتّضعيف.................................... ٢١

البحث الثاني : في أمارات التّوثيق والجرح عند الرجاليّين.............................. ٢٥

الفصل الأوّل : في الأمارات الضعيفة........................................... ٢٥

الفصل الثّاني : في الأمارات القليل نفعها........................................ ٣٤

الفصل الثالث : في الأمارات المفيدة............................................ ٣٦

البحث الثالث : في مدرك حجيّة قول الموثّقين والجارحين............................. ٤٠

البحث الرابع : في اعتبار التّوثيقات الموجودة........................................ ٥١

المعضلة من جهتين :......................................................... ٥٨

البحث الخامس : حول وثاقة مشائخ ابن قولويه.................................... ٦٠

دعم وتأكيد................................................................ ٦٢

البحث السادس : حول وثاقة مشائخ النجّاشي..................................... ٦٥

البحث السابع : حول توثيقات ابن عقدة.......................................... ٦٩

البحث الثامن : حول وثاقة الرّواة في تفسير القمّي.................................. ٧٢

البحث التّاسع : في بقية التّوثيقات العامّة.......................................... ٧٦

البحث العاشر : حول عدالة صحابة النّبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله............................ ٧٩

البحث الحادي عشر : حول أصحاب الإجماع..................................... ٨٥


البحث الثّاني عشر : في أنّ الترحّم المكرّر علّامة الحسن............................. ٩٦

البحث الثالث عشر : في ذكر من هم فوق التّوثيق والتحسين...................... ١٠٣

البحث الرابع عشر : حول مشائخ الإجازة....................................... ١٠٤

البحث الخامس عشر : نقد كلام الفاضل الأردبيلي............................... ١٠٨

البحث السادس عشر : حكم التنافي بين قولي شخص في التّوثيق والتّجريح........... ١١٢

البحث السابع عشر : تعارض الحديث وقول الرجالي.............................. ١١٣

البحث الثامن عشر : تقديم قول الأضبط ونصّ أحد على ظاهر غيره................ ١١٥

البحث التّاسع عشر : في طريق الصدوق إلى جميل في الفقيه........................ ١١٧

البحث العشرون : في بيان بعض المسائل النافعة.................................. ١٢١

البحث الواحد والعشرون : حول طبقات الرّواة.................................... ١٣٧

البحث الثّاني والعشرون : الاحتياط في روايات بعض الرّواة......................... ١٤٨

البحث الثالث والعشرون : في حال المكنين بأبي بصير............................. ١٥٥

البحث الرابع والعشرون : في وثاقة المعلّى بن خنيس............................... ١٦٥

البحث الخامس والعشرون : في انصراف الاسم المشترك إلى من له كتاب............. ١٦٨

البحث السادس والعشرون : في إيضاح بعض الأسانيد............................. ١٦٩

البحث السابع والعشرون : في ذكر بعض من هو كثير الرّواية أو متوسّطها............ ١٧٢

البحث الثامن والعشرون : في بعض ما يتعلّق باتّصال الأسانيد...................... ١٧٦

تنبيه...................................................................... ١٧٩

البحث التّاسع والعشرين : في تفسير كلمة : الثقة................................. ١٨٠

البحث الثّلاثون : هل يعتبر ذكر السبب في التّوثيق والجرح وحكم تعارضهما؟......... ١٨٤

البحث الواحد والثلاثون : في شروط الراوي...................................... ١٨٧

البحث الثّاني والثلاثون : في تقسيم الإخبار...................................... ١٩١

البحث الثالث والثلاثون : معنى : الصّحة في مصطلح القدماء...................... ١٩٥

نقل ونقد................................................................. ١٩٩

البحث الرابع والثلاثون : حول المراجع الرجاليّة وسائر كتب الرجال.................. ٢٠١

المراجع الرجاليّة المهمّة أربعة.................................................. ٢٠١

الكتب الرجاليّة للإماميّة.................................................... ٢١٨

البحث الخامس والثلاثون : في بيان أصحاب التّجريح والتعديل...................... ٢٢٢

البحث السادس والثلاثون : حول الأقوال في اعتبار المراسيل........................ ٢٢٧

توضيح وتحقيق............................................................. ٢٣٢


البحث السابع والثلاثون : حول أخبار المهملين................................... ٢٤٣

البحث الثامن والثلاثون : حول : الرّوايات المرسلة وروايات غير الإمامي في فرض التعارض وعدمه عند الشّيخ  ٢٤٧

البحث التّاسع والثلاثون : حول الاصول الأربعمائة................................ ٢٥٦

البحث الأربعون : حول أسانيد الحلّي في مستطرفات السرائر........................ ٢٦٠

البحث الواحد والأربعون : حول اعتبار كتاب الأشعثيات........................... ٢٦٤

البحث الثّاني والأربعون : حول الكتب الأربعة الإخباريّة............................ ٢٧٠

تتمّة مهمّة فيها امور........................................................ ٢٩١

كلام آخر حول اعتبار الأحاديث الكتب الأربعة............................... ٢٩٥

خاتمة الكلام.............................................................. ٣٠٠

البحث الثالث والأربعون : حول أسناد قصص الأنبياء............................. ٣٠٣

١. في ذكر أسناده التفصيليّة إلى الصدوق رحمه‌الله................................. ٣٠٤

٢. في اعتبار روايات هذا الكتاب............................................ ٣٠٧

البحث الرابع والأربعون : كيفيّة طرق الشّيخ إلى الكتب والاصول والروايات........... ٣٠٩

تطبيق تحقيقي.............................................................. ٣١٥

سدّ باب آخر............................................................. ٣١٨

خاتمة المطاف.............................................................. ٣١٩

البحث الخامس والأربعون : في بيان طرق مشيخة التهذيب......................... ٣٢٣

مقدّمة وتمهيد.............................................................. ٣٢٣

إحداث منهج جديد........................................................ ٣٢٥

إشكال ودفع.............................................................. ٣٣٠

تتمة...................................................................... ٣٤٠

تحقيق وتنقيب............................................................. ٣٤٤

تعقيب وتشريح............................................................ ٣٥١

خاتمة..................................................................... ٣٧٢

كلام مع الشّيخ الطوسي رحمه‌الله................................................ ٣٧٤

كلمة أخيرة لإظهار حقيقة.................................................. ٣٧٥

البحث السادس والأربعون : حول مشيّخة الفقيه.................................. ٣٧٨

البحث السابع والأربعون : في بعض آراء أهل السنّة............................... ٣٩٤

البحث الثامن والأربعون : في بيان بعض مطالب علم الدراية ومصطلحاته............ ٣٩٨

البحث التّاسع والأربعون : في الاستثناء من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى............ ٤٠٣

البحث الخمسون : حول آل أبي شعبة........................................... ٤٠٨


نقل ونقد................................................................. ٤٠٩

البحث الواحد والخمسون : حول أحاديث حمّاد بن عيسى......................... ٤١٢

البحث الثّاني والخمسون : حول اعتبار الكتب الحديثيّة............................ ٤١٦

١. حول كتاب علي بن جعفر رضي‌الله‌عنه......................................... ٤١٩

٢. حول كتابي الحسين بن سعيد رحمه‌الله......................................... ٤٢٠

٣. حول نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى...................................... ٤٢١

٤. حول كتاب محاسن البرقي................................................ ٤٢٤

٥. حول بصائر الدرجات للصفّار رحمه‌الله........................................ ٤٢٦

٦. حول اعتبار قرب الأسناد للحميري....................................... ٤٢٧

٧. حول اعتبار تفسير القمّي................................................ ٤٢٨

٨. حول رجال الكشي رحمه‌الله................................................. ٤٢٩

٩. حول كامل الزيارات..................................................... ٤٣٠

١٠. حول غيبة النعماني رحمه‌الله................................................ ٤٣١

١١. حول كتب الشّيخ الصدوق رحمه‌الله الثمانية.................................. ٤٣٢

١٢. حول اعتبار إرشاد المفيد رحمه‌الله وأماليه..................................... ٤٣٤

١٣. حول أمالي الشّيخ وغيبته ومصباحه وأمالي ابنه رحمه‌الله........................ ٤٣٤

١٤. حول اعتبار قصص الأنبياء للراوندي رحمه‌الله................................. ٤٣٦

١٥. تصحيح عامّ......................................................... ٤٣٧

البحث الثالث والخمسون : في الأحاديث الواردة في حقّ الرّواة................... ٤٤٠

البحث الرابع والخمسون : في من وثّق أو ضعّف بعنوانه في هذا الكتاب........... ٤٤٣

في أسماء من يحتاط في رواياتهم................................................ ٤٤٦

في أسماء الضعفاء والمجهولين.................................................. ٤٤٦

بيان حال نگارنده............................................................. ٤٤٩

المؤلّفات المطبوعة للمؤلّف...................................................... ٤٥٣


كلمة المؤلف

في تعريف علم الرجال ولزوم الحاجة إليه

علم الرجال علم يبحث فيه عن أحوال الرّواة الّتي لها دخل في اعتبار رواياتهم وعدمه ، من : الوثاقة والصدق ، والضعف والتمييز ، والاشتراك ونحوها.

وجه الحاجة إليه : إنّ معظم أحكام الفقه ثبت بالأخبار الآحاد ، وخبر الواحد المجرّد عن القرينة المورثة للوثوق ، إذا كان سنده ضعيفا لا يكون حجّة ، فيحتاج الفقيه إلى معرفة الأسناد وحال الرّواة.

وتوضيح المقام :

إنّ الأصول الاعتقاديّة والأحكام الفقهيّة وغيرهما :

إمّا مأخوذة من العقل فقط.

أو من الضّرورة الدينيّة أو المذهبيّة.

أو من الإجماع والسيرة المتّصلة بزمان الشّارع وأوصيائه.

أو من نصوص القرآن المجيد وظواهره.

أو من الرّوايات المتواترة اللفظيّة أو المعنويّة ، أو الإجماليّة.

أو من الرّوايات المحفوفة بالقرينة القطعيّة ، أو الموجبة للاطمئنان.

وفي كلّ هذا لا نحتاج إلى النظر إلى الأسانيد وعلم الرجال ، كما لا يخفى ، ولكن المجموع الحاصل من هذه الأدلّة في علم الفقه قليل جدّا ، بحيث لو اكتفى به أحد عدّ خارجا عن زيّ المتشرّعة عندهم.


وبالجملة لنا علم إجمالي بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة في محتوى الأخبار الآحاد ، ونقطع بصدور كثير منها عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام. وسيّدهم وسيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وحيث لا طريق لنا إلى إحراز ما صدر عنهم عليهم‌السلام في هذه الأزمنة إلّا النظر إلى الأسناد ، وجب معرفة الصّادقين من الرّواة عن غيرهم ، فيعمل بخبر الصّادق ويترك خبر الكاذب والمجهول.

فإن قلت : مقتضى العلم الإجمالي السّابق الاحتياط في مداليل جميع الرّوايات؟

قلت : نعم إن لم ينحل بأخذ الصحاح والحسان والموثّقات.

فإن قلت : فما وجه هذا التبعيض بين خبر الصّادق والكاذب ، وبم يرجّح الأوّل على الثاني؟

قلت : الوجه المرجّح هو بناء العقلاء على حجيّة خبر الصّادق دون غيره ، وكذا الرّوايات الكثيرة الدّالة على حجيّة رواية الثقاة ، وهذا واضح لا غبار عليه.

هذا ولجماعات من العلماء مسالك في حجيّة الأخبار الآحاد يلزم منها ، إمّا قلّة الاحتياج إلى علم الرجال ، أو عدم الحاجة إليه ، وربّما قيل بعدم جواز الرجوع إليه ، وإليكم تفصيل تلك المسالك :

١. المسلك المنسوب الى السّيد المرتضى ، وابن إدريس ، وغيرهما رضي‌الله‌عنهم :

وهم ممّن لا يعملون بخبر الواحد غير العلمي ، وأنّهم يرون الأخبار المعمول بها ، إمّا متواترة ، أو محفوفة بالقرينة القطعيّة ، وعليه تنتفي عمدة فائدة العلم المذكور.

يقول السّيد المرتضى في محكي كلامه (١) : إنّ أكثر أحاديثنا المرويّة في كتبنا معلومة على صحّتها ، إمّا بالتواتر من طريق الإشاعة ، وإمّا بعلامة وأمارة دلّت على صحّتها وصدق رواتها ، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع ، وإن وجدناها مودّعة في الكتب بسند معيّن مخصوص من طريق الآحاد. ومثله غيره. (٢)

٢. مسلك جمع آخر من الأصولييّن :

وهو بأنّ كلّ رواية قبلها المشهور فهي مقبولة لنا ، وإن كانت غير معتبرة سندا ، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور فهي مردودة وإن كانت صحيحة السند.

والسرّ في ذلك ، إنّ عمل المشهور بها يكشف عن وجود قرينة دالّة على صحتّها ، بحيث لو وصلت إلينا لعملنا بها ، وإعراضهم عنها يكشف عن خلل فيها وإن لم يصل إلينا ، ولا

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٨٦.

(٢) إلّا أن يقال : إنّ في علم الرجال جملة من تلك القرائن والأمارات.


عجب فيه ، فإنّ القدماء كانوا أقرب إلى زمان الأئمّة عليهم‌السلام ولهم مزيد اطّلاع على القرائن اللفظيّة والحاليّة.

أقول : كلّ من راجع الرّوايات في أمثال أعصارنا يجد من نفسه عدم التواتر والقرينة المفيدة للقطع في الرّوايات ، إلّا نادرا غاية الندرة ، فلا مجال للمسلك الأوّل أصلا.

وأمّا المسلك الثّاني ففيه : أوّلا فقدان الشّهرة في كثير من معاني الرّوايات والمسائل الفقهيّة ، حتّى يرجع إليها. وثانيا : انّ الشّهرة إذا لم توجب الاطمئنان بصدور الخبر ـ كما هو الغالب ـ لا تكون حجّة ، ولا مرجّحة ، ولا جابرة ، ولا كاسرة ، ولا فرق في ذلك بين الشّهرة الفتوائيّة والشّهرة الروائيّة على الأظهر ، وسيأتي تفصيله فيما بعد.

٣. مسلك جمع من المحدّثين المعتقدين بقطعيّة روايات الكتب الأربعة.

٤. مسلك جمع من المحدّثين وغيرهم ، القائلين بصحّة روايات الكتب الأربعة

بل ذهبوا إلى صحّة أخبار غير هذه الكتب ، من كتب الصدوق وأمثاله ، وعليه فلا حاجة إلى مراجعة علم الرجال إلّا في فرض التعارض والترجيح ونحو ذلك ، (١) وإن شئت الوقوف على دلايل هذين المسلكين وإبطالها ، فعليك بالمطوّلات. (٢) وسيأتي نقلها ونقدها في محلّه مع الاختصار.

والحقّ أنّه لا سبيل لنا إلى صحّة الرّوايات وتمييز الحجّة عن اللاحجّة غالبا ، سوى وثاقة الرّواة وصدقهم ، وهذا أمر وجداني ـ رغم إصرار جماعة ـ فاستنباط الأحكام الشّرعيّة موقوف على علم الرجال ، وهو من أركانه.

٥. مسلك المانعين من جواز المراجعة إلى علم الرجال : وهو يشمل دعوى أنّه علم منكر يجب التحرّز عنه ؛ لأنّ فيه تفضيح الناس ، وقد نهينا عن التجسس عن عيوبهم ، وأمرنا بالغضّ والتستّر.

ونوقض بالجرح والتعديل في المرافعات ، وبذكر المعائب في مقام الإشارة على المستشير ، مع أنّ الأحكام الكلّية الإلهيّة أولى من الحقوق الجزئيّة المجوّز فيها ذلك.

والحلّ إنّ حرمة المقدّمة المنحصرة إذا توقّف عليها واجب أهمّ ، ساقطة لا محالة ، فافهم جيّدا.

__________________

(١) انظر : فوائد علم الرجال على مسلك الإخبارييّن ، الوسائل : ٢٠ / ١١٢.

(٢) انظر : الوسائل : ٢٠ / ٦١ ـ ١١٢ ؛ الجزء الأوّل من معجم الرجال ، لسيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ؛ ومقدّمة تنقيح المقال للفاضل المامقاني وغيرها. وسيأتي نقل تلك الدلايل ونقدها مع الإختصار في بحث الثالث والثلاثين إن شاء الله تعالى.


إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل المقصود ، وهو بيان القواعد الّتي يصحّ بها التّوثيق وتعرف بها وثاقة الرّواة وضعفهم واعتبار الأسانيد وقيمة التّوثيق والتضعيف الصادرين من الموثّقين والجارحين وغير ذلك ، ممّا يرجع إلى الأسناد قوّة وضعفا وتوضيحا ، وهو أمر مهمّ للمحصّلين ، ولم أر لحدّ الآن أي : سنة ١٣٥٥ ه‍. ش / ١٩٧٦ م (١) ـ في هذا الفنّ كتابا بحث عنه بحثا كافيا لائقا.

__________________

(١) عندما طبع الكتاب طبعة ثالثة ورابعة ، قد ألفّت كتب في هذا الفنّ ونشرت في الأسواق ، والحمد لله.


مقدّمة الطبعة الخامسة

(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.)

كنت أظنّ أنّ كتاب : بحوث في علم الرجال ـ بعد طبعته الرابعة ـ كاف لمسائل علم الرجال ، ولكن بعد مدّة بدالي أنّه لا نهاية لمسائل علم من العلوم ، فإنّ الأفكار في تجوال لا مستقّر لها ، ومن هذا المنطلق فذكرت مطالب أخرى إضافيّة احتاج الكتاب إليها في المراجعة الثانية وأظنّ هذا آخر ما أطبعه في حياتي ؛ إذ بعد ذلك لا اقدر على تحقيق وتدقيق ، فإنّ الشيخوخة والاشتغال بأمور الحوزة العلميّة لخاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك التلفزيون ، ومراجعات الناس تمنعني من الخوض في المباحث العلميّة المذكورة في كتب العلماء ، مع قرب أجلي. وأشكر في ختام الفقرات الإخوة القائمين على جامعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله العالميّة ، لا سيّما رئيسها العلّامة الحجّة الشيخ الأعرافي وفضيلة الشيخ الجليل العلّامة المحامي وهو مندوب الجامعة في عاصمة كابول ـ حيث قبلوا إعادة طبعة الكتاب ـ الطبعة الخامسة ـ على نفقتهم.

أسال الله تعالى قبول خدماتهم الدينية في البلاد الاسلامية ، إنّه قريب مجيب.

كابول ١٤ / ١ / ١٣٨٩

٣ آبريل ٢٠١٠ م (١٨ ربيع الثاني ١٤٣١)


مقدّمة الطبعة الرابعة

بسم الله الرّحمن الرّحيم وله الشكر أولا وآخرا ...

آلة الطباعة ـ الكامبيوتر ـ في الباكستان كانت غير جيّدة ، وموظفها لم يكن عارفا باللغة العربيّة ، فلم تصدر الطبعة الثالثة من الكتاب بجمالها اللآئق به ، بل زادت أغلاطها المطبعيّة ـ رغم جهد المؤلّف ـ على أغلاط الطبعة الثانية بكثير ، وزيدت المشكلة بوقوع نواقص أخرى في ترتيب المطالب حين طبع الكتاب في المشهد الرضوي في غيبة المؤلف ، فغلب التقدير على التدبير ، وقديما قالوا : تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

ولما وفّق الله سبحانه وتعالى المؤلّف لإلقاء محاضرات في علم الرجال في المشهد الرضوي ـ جامع گوهرشاد ـ وفي الحوزة العلميّة ببلدة قمّ ـ صانهما الله من الحوادث ـ اشتاق الفضلاء في تحصيل نسخ الكتاب ووقف المؤلّف الفقير على بعض مطالب مهمّة أخرى في بعض الكتب الرجاليّة المطبوعة حديثا ، فرأى التعرّض لها لازما ، فعزم أن يقوم بإصلاح الكتاب على الوجه الصحيح الأحسن وإعادة طبعه قبل أن يتوفّاه الله الحكيم القاهر على عباده ، تكميلا للفائدة وخدمة للعلم وأهله ، وقد وفقنا الله تعالى عليه في ثلاثة أشهر.

الفقير إلى الله عزوجل المقيم ببلدة قم المشرّفة

محمّد آصف المحسني القندهاري الأفغاني

١ / ٣ / ١٤٢٠ ه‍ ـ ٢٥ / ٣ / ١٣٧٨ ه‍. ش


مقدمة الطبعة الثالثة

بسمه تعالى وله الحمد واصبا

ألّفت هذا الكتاب في بلدة القندهار ، ولعلّه في سنة ١٣٥٥ أو ١٣٥٦ ه‍. ش ، وطبع في سنة ١٣٥٧ أو ١٣٥٨ ه‍. ش في المشهد الرضوي باسم الفوائد الرجالية. وكانت فيه نقايص ، فبعد الاصلاح والتكميل وفقنا الله تعالى لإعادة طبعه في بلدة قمّ المشرّفة سنة ١٤٠٢ ق. ه / ١٣٦١ ه‍. ش ، باسم بحوث في علم الرجال إبّان الثورة الإسلامية الأفغانيّة ضدّ احتلال الماركسيين السوفياتيين وعمّالهم الأفغانيين ، وكنت يوم ذاك أقود الحركة الإسلاميّة الأفغانيّة ضدّ الملحدين الشيوعيين والآن ـ أى : (سنة ١٤١٦ ه‍ / ١٣٧٤ ه‍. ش ـ) قصدت ـ بعون الله وفضله إعادة طبع الكتاب طبعا ثالثا يمتاز عن الطبع الثاني بأمور :

١. إصلاح الأغلاط المطبعيّة.

٢. بعض تغيير مطالب الكتاب إلى نحو أحسن.

٣. زيادة مباحث مفيدة مهمّة مكمّلة.

٤. تحكيم بعض المباحث واتقّانه بعد حصول مزيد التجربة والدّقة.

وإليك بعض تغييرات في هذه الطبعة :

١. حذف مقدّمة الطبعة الثانية.

٢. حذف تنبيه في آخر الكتاب ودرجه في المحال المناسبة في أثناء الكتاب.

٣. حذف جدول الخطأ والصواب بعد إصلاح الأغلاط الموجودة في الكتاب.

٤. تغيير بعض الفوائد والمباحث عن محلّها تحصيلا للترتّب الطبيعي بين المسائل.

٥. حذف أسماء مشايخ ابن قولويه في كامل الزيارات التي ذكرناها في البحث الخامس من الطبعة الثانية.

اسلام آباد باكستان ١٤١٦ ه‍ / ـ ١٣٧٤ ه‍ / ش.

محمّد آصف المحسني


علم الرجال في الشرع

أوجب الله تعالى طاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأولى الأمر ، وأوجب الرسول اطاعة عترته وآل بيته عليهم‌السلام ـ أي : خلفائه الأثنى عشر ـ وهم ارجعوا الناس إلى الرواة الثقاة.

قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.)

وقال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ.)

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ...» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثل أهل بيتي في هذه الأمّة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا في حقّ أهل بيته : «ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم» (٣).

وعن عبد العزيز بن المهتدي القمّي وعن الحسن بن علي بن يقطين : أنهما قالا للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك! إنّي لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟! فقال : «نعم». (٤)

وعن العقرقوفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟

قال : «عليك بالأسدي» ، يعني : أبا بصير. (٥)

وعن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ، ويمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني ، وليس عندي كلّ ما يسألني عنه؟. قال : «فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ، فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيها» (٦).

وعن العسكري عليه‌السلام : «العمري وإبنه ثقتان فما ادّيا اليك عنّي فعّني يؤدّيان. وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المأمونان ...» (٧)

__________________

(١) حديث متواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرق العامّة والخاصّة.

(٢) حديث نبوي مشهور ومتواتر.

(٣) حديث نبوي رواه المسلمون عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) رجال الكشّي ، برقم : ٩٣٥.

(٥) المصدر ، برقم : ٢٩١.

(٦) المصدر.

(٧) أصول الكافي : ٢ / ١٢٠ و ١٢١. المترجمة بالفارسية.


وعن الصادق عليه‌السلام : «بشّر المخبتين بالجنّة! بريد بن معاوية العجلي ، وأبا (ابو ـ خ) بصير ليث البختري المرادي ، ومحمّد بن مسلم ، وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست». (١)

وعن أحمد بن إسحاق قال : دخلت على أبي الحسن بن محمّد ـ صلوات الله عليه ـ في يوم من الايّام ، فقلت : يا سيّدي ، أنا أغيب وأشهد ولا يتهيّأ الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت ، فقول من نقبل وأمر من نمتثل؟ فقال لي ـ صلوات الله عليه ـ «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعنّي يقوله وما أدّاه اليكم فعّني يؤدّيه».

فلما مضي ابو الحسن عليه‌السلام وصلت إلى أبي محمّد ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام ذات يوم ، فقلت له عليه‌السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي : «هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنّي يقوله وما أدّي إليكم فعني يؤدّيه». (٢)

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «رحم الله زرارة بن أعين! لولا زرارة [بن أعين] ونظرائه لاندرست أحاديث أبي عليه‌السلام». (٣)

وعن الصادق عليه‌السلام : «أما لكم من مفزع؟! أما لكم من مستراح تستريحون إليه؟ ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري» (٤).

أقول : وهذه الأحاديث الثمانية معتبرة سندا ، وإن كان في وثاقة بعض الرواة نقاشا.

والسلام

__________________

(١) رجال الكشّي ، برقم : ٢٨٦.

(٢) انظر : غيبة الشيخ ، في السفراء الممدوحين.

(٣) المصدر ، برقم : ٢١٧.

(٤) المصدر ، برقم : ٦٢٠.



البحث الأوّل

في ضوابط التّصديق والتّضعيف

من البديهي عدم حجيّة الخبر الكاذب وعدم صحّة الاعتناء به ، وكذا الخبر المشكوك في صدقه وكذبه ، فلا بدّ في اعتبار كلّ خبر وقول ، من إحراز صدقه بالعلم الوجداني ، أو بالعلم العرفي أي الاطمئنان ، فإنّه حجّة عقلائية ، كالعلم عند العقل ، ولم يردع عنه الشّارع بل عمل به النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام كسائر العقلاء.

ومتعلّق الاطمئنان تارة صدور الخبر من المعصوم ؛ لقرينة داخليّة أو خارجيّة ، وأخرى صدق المخبر ، وهو أي : الاطمئنان بصدق المخبر إن استلزم الاطمئنان بصدق الخبر بالفعل فلا إشكال في اعتباره ، وإن لم يستلزم ففيه تردّد. وبعبارة أخرى : هل الاطمئنان النّوعي هو مثل الاطمئنان الشّخصي في الحجيّة والاعتبار أم لا؟ لا يبعد الشّق الأوّل بملاحظة طريقة العقلاء.

ثمّ إنّ صدق المخبر ، إمّا بإثبات وثاقته وعدالته ، وامّا بإثبات حسنه ومدحه بمقدار يثبت صدقه في الكلام وينفي كذبه فيه فحسب ، وإن لم يثبت تقواه في سائر أعماله.

إذا عرفت هذا فإعلم إنّ لإثبات العدلة أو الفسق أو الصدق وحده ، أو الكذب وحده ، ضوابط تجب مراعاتها على كلّ من يبحث عن أحوال الرّواة ، بحيث لو غفل عن واحدة منها لم يصب الحقّ لا محالة. وإليك تفصيل تلك الضّوابط :

١. إحراز صدق المخبر ، بالوثاقة وصدق الرواة :

وهو عبارة عن ضرورة عدم اعتبار قول الكاذب أو مجهول الحال في تعديل غيره أو جرحه ، ولأجله لا نقبل أخبار جماعة منهم : نصر بن صباح ، والعقيقي ـ الأب والابن


كلاهما ـ وابن النديم ؛ لعدم ثبوت وثاقة هؤلاء على الأصحّ ، وكذا لا نقبل شهادة أحد لنفسه ؛ لأنّها تستلزم الدور. فإذا نقل راو مجهول مدحه من الإمام مثلا لا نحكم بتوثيقه لأجل نقله هذا ، بل لا بدّ من إثبات وثاقته مسبقا حتّى يقبل نقله ، فكيف يثبت توثيقه بهذا النقل فهل هو إلّا دور مصرّح؟

وسيأتي إبطال ما توهّمه بعض الرجاليّين في هذا المقام.

٢. وحدة معنى العدالة عند المخبر وعند المنقول إليه :

وهو لو فرض أنّ العدالة عند المخبر بمعنى مجرّد الإسلام وعدم ظهور الفسق ، كما نسب إلى الشّيخ والعلّامة وجماعة (١) ، وعند المخبر إليه بمعنى الملكة ، لم ينفع التّعديل المذكور شيئا ، حتّى مجرّد الصدق ـ كما لا يخفى ـ وهذا أمر مهّم لا يجوز الغفلة عنه.

لكن في كتاب القضاء من الجواهر (٢) : لما هو المعلوم من طريقة الشّرع من حمل عبارة الشّاهد على الواقع وإن اختلف الاجتهاد في تشخيصه.

أقول : لم يحصل لنا العلم المذكور ، ولم نجد دليلا معتبرا على الحمل المذكور في كلامه ، فلا بدّ من التزام بالقاعدة الأوليّة ، الّتي عرفت مقتضاها ؛ وفاقا للشهيد الثّاني في درايته ، كما يأتي كلامه في البحث الثّلاثين إن شاء الله.

__________________

(١) انظر : تنقيح المقال : ١ / ١٧٦ ، الطبعة القديمة. وقال الشّيخ الأنصاري رحمه‌الله في رسالته في العدالة المطبوعة مع مكاسبه ، الصفحة : ٣٢٦ ، (طبعة اطلاعات) : ثمّ إنّه ربّما يذكر في معنى العدالة قولان آخران :

أحدهما : الإسلام وعدم ظهور الفسق ، وهو المحكي عن ابن الجنيد والمفيد في كتاب الأشراف ، والشّيخ في الخلاف مدعيّا عليه الإجماع ...

ولذا ذكر جماعة من الأصحاب هذين القولين في عنوان ما يعرف العدالة ، مع أن عبارة ابن الجنيد المحكي عنه :

إنّ كلّ المسلمين على العدالة إلّا أن يظهر خلافها ، لا يدلّ إلّا على وجوب الحكم بعد التّهم. وأوضح منه كلام الشّيخ في الخلاف ، حيث إنّه لم يذكر إلّا عدم وجوب البحث عن عدالة الشّهود إذا عرف إسلامهم ، ثمّ احتج بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وأنّ الأصل في المسلم العدالة ، والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل.

نعم ، عبارة الشّيخ في المبسوط ظاهرة في هذا المعنى ، فإنّه قال : العدل ... وأمّا في الشّريعة ، فهو من كان عدلا في دينه ، عدلا في مروته ، عدلا في أحكامه.

فالعدل في الدّين أن يكون مسلما لا يعرف منه شيء من أسباب الفسوق ... لكن الظّاهر أنّه أراد كفاية عدم معرفة الفسق منه في ثبوت العدالة لا أنّه نفسها ... ثمّ شرّع الشّيخ الأنصاري في إبطال هذا القول.

والحاصل : إنّ الشّيخ الأنصاري ينكر أو يتردّد في نسبة هذا القول ، حتّى إلى واحد من علمائنا ، كما صرّح في الصفحة : ٣٢٩ ، من الرسالة المذكورة.

(٢) كتاب القضاء : ١١٦ / ٤٠ الطبعة الجديدة.


وهذه الضابطة إنّما تصبح ذات ثمرة مهمّة في علم الرجال إذا قلنا بأنّ معنى التّوثيق هو التعديل ، كما عن جماعة من المتأخّرين. وأمّا إذا جعلناه بمعنى التصديق ، فتقل ثمرتها كما لا يخفى.

ثمّ إنّي بعد ذلك وقفت على كلام لسيّدنا الأستاذ الخوئي عليهم‌السلام في هذا المقام ، وهو موافق لما ذكرنا ومخالف لما ذكره صاحب الجواهر ، ولمّا ذكره سيّدنا الأستاذ الحكيم في مستمسكه فراجعه ، إن شئت. (١)

٣. معاصرة المخبر للمقول فيه :

أو علم أو احتمل اتّصال سلسلة النقّل إليه ، حتّى يحمل إخباره على الحسّ. وأنّه شاهد آثار العدالة الحسيّة أو أحسّ صدقه منه ، أو نقلت تلك الآثار ، أو صدقه إليه بهذه الكيفيّة ، فلو فرضنا نفي الأمرين معا لم يكن قول المخبر حجّة ؛ فإنّه ينشأ عن حدس بعيد ، وليس النقل الحدسي داخلا في الخبر الواحد المعتبر ، كما حقّقه الشّيخ الأنصاري قدس‌سره في رسائله.

فلا يقال : العدالة بناء على تفسيرها بالملكة غير حسّية لا محالة.

فإنّه يقال : نعم ، لكن آثارها حسّية ، فتكون نفسها قريبة من الحسّ ، فيقبل الإخبار بها ، كالحسيّ الصرف عند العقلاء. ومحل الإشكال فيما لم تدرك الآثار المذكورة بالحسّ ؛ لبعد الزمان أو المكان ، مثلا : ففي مثله لا دليل على اعتبار التّوثيق والتحسين ، إذا لم يعلم ، أو لم يحتمل عقلائيّا استناده إلى النقل المتّصل ، ومع العلم أو الاحتمال المذكور ، يقبل الخبر حملا له على الحسي ؛ لبناء العقلاء على ذلك. (٢)

ولأجل هذا الشّرط لا نقبل أقوال علمائنا الكرام ، أمثال العلّامة والشّهيدين ونظرائهم في حقّ أصحاب الصّادقين عليهما‌السلام مثلا ؛ لعدم مشاهدتهم صدق الأصحاب وآثار عدالتهم بالحسّ ، وعدم احتمال وصولها إليهم بالنقل المعتبر من غير طريق الشّيخ والنجّاشي وأمثالهما.

__________________

(١) التنقيح : ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٢) ومع إحراز وثاقة الناقلين المتوسّطين ؛ ولذا لا نقبل الرّوايات المرسلة ، لاحتمال ضعف رواتها ، كما نذكره في الضابطة الآتيّة.

وبالجملة : بناء العقلاء على قبول ما علم صدوره عن حس أو احتمل صدوره عن حسّ ، وهذا لا ينافي لزوم اشتراط وثاقة الناقلين المتوسّطين ، إذا كان الفصل الزماني بين الناقل والمقول فيه مانعا عن اللقاء. وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الضابطة وتاليتها ، فافهم ذلك جيّدا.

وإعلم أنّ ما يخبر به المخبر على أقسام أربعة : الحدسي الصرف ، الحدسي القريب من الحسّ ، بأن تكون آثاره حسيّة ، المحتمل كونه عن حدس أو حسّ ، الحسيّ الصرف ، وبناء العقلاء على عدم حجيّة القسم الأوّل ، وحجيّة سائر الأقسام كما يظهر للمتدبّر.


فالسلسلة لم تدم بعد الشّيخ مجرّدة ومستقلّة ومتفرّدة عنه ، وكلّ من أتى بعده اعتمد عليه وعلى أمثاله. وكذا يشكل قبول قول الكشي والشيخ والنجّاشي وأمثالهم في توثيق أو جرح أصحاب أمير المؤمنين والحسنين عليهم‌السلام لبعد الفصل وعدم وجود السلسلة ظاهرا.

٤. ألّا يكون توثيقه مرسلا :

ونقصد بها وجوب ذكر الوسائط إلى الموثّق أو المادح الأوّل المعاصر للمقول فيه ، وتفصيل هذا الشّرط وما يترتب عليه يأتي في البحث الرابع على نحو التفصيل.

٥. أن يصل قوله ـ مدحا كان أو ذمّا ـ إلينا بطريق معتبر :

ولأجله لا نقبل ما نسب إلى ابن عقدة وابن الغضائري ، والبرقي من المدح والذم في حقّ الرّواة ؛ لأنّ كتبهم لم تصل إلينا بطريق معتبر.

٦. إيجاب الأسباب المذكورة للوثاقة والصدق والضعف ، للمراد والمطلوب ، عقلا أو شرعا ، أو عرفا :

وتفصيل هذه الضابطة وما وقع فيها من الاشتباه من جماعة ، يذكر في البحث الثاني.

وستعرف أن هؤلاء استفادوا العدالة ، أو الصدق من أمور لا توجبها أصلا.

٧. ظهور قول الموثّق ـ بالكسر ـ والمادح والجارح في المراد ، حسب الدلالة اللفظيّة وعدم إجمال وإبهام فيه :

ولذا وقع الاختلاف في وثاقة الحسين بن علوان للإشكال في ظهور كلام النجّاشي في رجوع توثيقه إليه أو إلى أخيه الحسن.

٨. خلوّ التوثيق أو التضعيف عن المعارض المعتبر :

فلو تعارضا تساقطا ، إن لم يكن لأحدهما مرجّح.

هذه هي الضوابط المهمّة للتعديل والتّجريح والتحسين والتضعيف ، الّتي نؤكّد مرّة أخرى للمحصّلين على الاهتمام بها ، وأنّه لا اعتبار لأقاويل الرجاليّين في إثبات المدح والذّم خارج تلكم الضوابط.


البحث الثاني في أمارات التّوثيق والجرح عند الرجاليّين

وإعلم أنّ علماء الرجال ذكروا لإثبات العدالة أو الصدق فقط أمورا كثيرة ، وهي بمجموعها لا تخلو عندي من ثلاثة أقسام ، فإنّها ما بين ضعيف ، وصحيح قليل الفائدة أو عديمها ، وصحيح كثير الفائدة ، فنحن نذكر معظم تلك الأمور في طيّ فصول ثلاثة :

الفصل الأوّل : في الأمارات الضعيفة

١. ترحّم المعصوم عليه‌السلام على أحد ، ورضاه عنه ، فإنّه لا يعقل صدور ذلك عنه إلّا بالنسبة إلى ثقة عدل.

ويردّه إنّ التّرحّم بمنزلة الاستغفار ، فيكفيه الإيمان ، فلا يدلّ بمجرّده على الحسن ، فضلا عن الوثاقة ، نعم ، في تكراره كلام يأتي.

٢. تسلّيم المعصوم في الحرب الراية بيد شخص ، فإنّه يكشف عن وثاقته وأمانته ، ضرورة أنّ الراية قطب الحرب ، وعليها تدور رحاها ، وتسهل الخيانة ممّن حملها ، فلا بدّ أن يكون الحامل عدلا ذا ملكة قويمة لا يقدر الخصم الغدار على خديعته.

ويردّه إنّ مجرّد الإيمان مع الشّجاعة والمهارة في الحرب يكفي لتسلّيم الراية ، ولا يحتاج إلى العدالة قطعا ، بل وإلى الحسن أيضا ، فإنّ الكذب في المقال لا ينافي إقامة الجهاد. كما جرّبناه في أيّام جهادنا في أفغانستان.

٣. إرسال المعصوم أحدا إلى خصمه أو غير خصمه ، فإنّه يقضى بعدالته ؛ لأنّ فقدها


يوجب تجويز ارتشائه من المرسل إليه وتغييره الرسالة ، أو الجواب ، نعم ، ربّما يقتضي الحكمة خلاف هذا الأصل ، وهو غير ضائر في إصالة العدالة في الرسول.

وجوابه إنّ الإرسال المذكور إنّما يقتضي الاطمئنان بصدق المرسل في أداء رسالته ، وإن لم يكن ثقة فيما يرجع إلى ساير أعماله ومعاملاته ، بل وفي أقواله في غير مورد الرسالة.

٤. توليّة المعصوم أحدا على الوقف ، أو الحقوق الماليّة ، فإنّها لا تعقل إلّا للعدل الثقة.

ويردّه أنّ التوليّة دليل على وثاقة المتولي في الأموال دون الأقوال ومطلق الأفعال فلا تكفي لحجيّة الأخبار ؛ إذ من المحسوس اختلاف وثاقة الأشخاص في الجهات والأحوال.

٥. اتّخاذ الإمام أحدا وكيلا أو خادما أو ملازما أو كاتبا ، فإنّه منه عليه‌السلام تعديل له ضرورة استلزام إرجاع شيء من ذلك إلى غير العدل مفاسد عظيمة.

أقول : إنّه إفراط في القول ، والانصاف إنّ الاتّخاذ المذكور بمجرّده لا يدلّ على الحسن ، فضلا عن العدالة ، إلّا إذا كان متعلّق الوكالة ، أو غيرها مشروطا بالعدالة أو الصدق ولو عرفا.

٦. شيخوخة الإجازة فإنّ جمعا من علماء الفن جعلوا مشائخ الإجازة أغنياء من التوثيق.

وفيه : إنّه مع اشتهاره لا يرجع إلى أساس صحيح ؛ إذ كم من ثقة روي عن ضعيف ، أو ضعفاء ، فكيف يكون شيخ الإجازة لازم الوثاقة؟ ولا فرق في ذلك كلّه بين مشائخ الصدوق رحمه‌الله وغيرهم.

والحاصل : أنّ الرّاوي قد يروي الرّواية لوجودها في كتاب قد أجازه شيخه أن يروي ذلك الكتاب عنه من غير سماع ولا قراءة ، فلا امتياز لشيخ الإجازة على الشّيخ القارئ ، أو الشيخ المستمع ، وإنّما فائدة الإجازة هي صحّة الحكاية عن الشيخ فحسب ، وسنرجع إليه في البحث الرابع عشر.

وهنا أمر آخر وهو إنّ جهالة شيخ الإجازة ربّما لا تضرّ بصحّة السند والمتن ، إن كان الكتاب المجاز مشهورا مأمونا في عصر المجاز له.

٧. شهادة أحد مع الإمام عليه‌السلام في كربلاء ، فإنّها من أقوى البراهين وأعدل الشّهود على وثاقته ، ضرورة أنّ العدالة هي الملكة الباعثة على الإتيان بالواجبات وترك المحرّمات ، وأيّ ملكة أقوى من الملكة الداعية إلى الجود بالنفس إلى آخر ما ذكره الفاضل المامقاني رحمه‌الله. (١)

__________________

(١) أنظر : تنقيح المقال ، ١ / ٢١١.


وفيه أوّلا : إنّ ما ذكره جار في مطلق الشّهادة في سبيل الله ، إذا كان الشّهيد متمكّنا من الفرار ولم يفرّ حتّى استشهد ، ولا اختصاص له بشهادة شهداء كربلاء ، وإن كانت مراتب الشّهادة من حيث الفضل مختلفة. (١)

وثانيا : إنّ الشّهاده دليل على غفران الذنوب وحسن الخاتمة ودخول الجنة ـ رزقناها الله مع الإمام الغائب ، أو في سبيل الدّفاع عن الدّين ، أو ترويجه ـ وأين لها من الدلالة على الحسن في أوائل عمره إلى ما قبل الشّهادة ، فضلا عن الدلالة على العدالة؟

٨. مصاحبة المعصوم ، فيقال : إنّ توصيف أحد بمصاحبته لأحد المعصومين عليهم‌السلام من أمارات الوثاقة.

وفيه : إنّه غير بين ولا مبين ، لا في صحابة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا في صحابة الإمام عليه‌السلام.

٩. تأليف كتاب أو أصل ، فقد قيل : إنّ كون شخص ذا كتاب أو أصل ، أمارة على حسنه.

وفيه : إنّه أيضا غير مبيّن ولا ربط بين التأليف والصدق.

١٠. كثرة الرّواية عن المعصوم. لما روي عن الصّادق عليه‌السلام : اعرفوا منازل الرجال منا على قدر روايتهم عنا. ولغيره.

وفيه : إنّ قبل إحراز صدق الرّاوي أو وثاقته ، كيف يفهم أنّه كثير الرّواية ؛ إذ يحتمل أنّه كثير الكذب ، فالاستدلال يشبه الدور ، وعلى أنّ الرويات المدعاة عليه ضعيفة سندا ، فلاحظ أوّل رجال الكشي.

١١. من إليه طريق للشيخ الصدوق رحمه‌الله ، فقيل إنّه من الممدوحين. وعن الفوائد النّجفيّة ... أنّ علماء الحديث والرجال على اختلاف طبقاتهم يقبلون توثيق الصدوق للرجال ومدحه للرواة ، بل يجعلون مجرّد روايته عن شخص دليلا على حسن حاله ...

أقول : أما الدعوى الأخيرة فلم تثبت عندي ، ولا دليل له أيضا سوى قول الصدوق في أوّل المقنع : وحذفت الأسناد منه لئلا يثقل حمله ولا ... ولا ... إذ كان (إذا كان خ) ما أبينه فيه ، في الكتب الأصوليّة موجودا بينّا عن المشائخ ـ ضبطه بعضهم هكذا : موجودا مبينا على المشايخ ... ـ العلماء الفقهاء الثقات رحمه‌الله.

لكن هذا الكلام مختصّ برواة روايات كتابه المقنع لا مطلقا.

__________________

(١) ثمّ إنّ الملكة الداعية الى الجود بالنفس يشمل مطلق من دخل المعركة من طيب نفسه ، وإن لم يقتل فيها ، فكان الأحسن له ذكر الجهاد مكان الشهادة.


وقد استفاد منه بعض المحدّثين المتتبّعين وثاقة جميع رواة الكتاب المذكور ، وتبعه بعض تلامذة سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله فصرّح بأنّ روايات المقنع كلّها صحيحة كروايات الفقيه ما عدا روايات السنن ؛ لاحتمال اعتماد الصدوق فيها على قاعدة التسامح ، لكنّه مخالف لإطلاق كلام الصدوق ، فلا عبرة به.

على أنّ أصل كلامه باطل جزما ، فإنّه مبني على أنّ الصدوق يرى رواة روايات كتاب المقنع كلّهم من المشائخ الفقهاء العلماء الثقات. والمتدبّر في أحوال الرجال يقطع ببطلانه وفساده ، وأنّه لا كتاب صغير يشتمل على عشرين رواية يكون رواتها كلّهم بهذه الصفات ، بل نطمئن بأنّ الصدوق غير معتقد بذلك أيضا ، وهذا من الإفراط في التّصحيح. وكان هذا القائل يريد أن ينوب عن المحدّث النوري رحمه‌الله في التّوثيق والتّصحيح خارجا عن حدّ الاعتدال ، فالحقّ عدم دلالة عبارة المقنع على توثيق الرّواة ، فإنّ معناها أنّ أرباب الكتب الأصوليّة الّتي ينقل الصدوق روايات مقنعه عنها ، علماء فقهاء ثقات لا جميع رواة الرّوايات.

ومن هنا تثبت الدعوى الأولى ، لكن في خصوص أرباب الكتب الأصوليّة الّتي نقل منها الصدوق روايات مقنعه.

وهنا احتمال آخر ، وهو إنّ المراد بالمشائخ العلماء الثقات هم مشائخ الصدوق ، الّذين أخبروه بما في تلك الكتب الأصوليّة لا نفس أرباب الكتب المذكورة ، ولا يدلّ الكلام ـ على هذا التقدير ـ على وثاقة جميع شيوخه ، فإنّ الأصل في القيود هو الاحتراز ، فوصف الثقات إحترازي لا توضيحي ، فتأمّل!

وقيل : الأظهر الاحتمال الأوّل دون الأخير ، لاسترحام الصدوق رحمه‌الله : فإنّ مشائخه لم يكونوا كلّهم أمواتا ، حتّى استرحم عليهم ، وأمّا أرباب الكتب فيمكن أن يكونوا كلّهم أمواتا حين تأليف المقنع.

وللصّدوق كلام آخر في أوّل الفقيه ، قال : وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل ، وإليها المرجع مثل كتاب ....

قيل : فأرباب هذه الكتب ممدوحون لا محالة ، فكل من للصدوق إليه في مشيخة الفقيه طريق ، فهو ممدوح وصادق ، إلّا من قام على ضعفه دليل خاصّ ، بل قيل إنّ طريق الصدوق إلى بعض تلك الكتب إذا كان ضعيفا لا يضر بصحّة الحديث ؛ لأنّ تلك الكتب مشهورة معوّل عليها.

أقول : أمّا القول الأوّل فإنّ أريد به مدح كلّ من للصّدوق إليه طريق في المشيخة ، فهو


غير ظاهر ؛ لعدم دلالة كلام الصدوق على أنّ الكتب المشهورة المعوّل عليها هي لمن بدأ بهم الرّوايات في الفقيه ، بل مؤداه أنّ روايات كتابه مستخرجة من تلك الكتب ، وإن أريد مدح أرباب الكتب ، فله وجه ، واحتمال أنّ التعويل لوجود قراين اجتهادية سوى الوثاقة ضعيف جدّا ، ولا حظ أسماء جماعة من هؤلاء في البحث التّاسع عشر الآتي.

وأمّا القول الثّاني ففيه : إنّ شهرة كتاب وكونه معتمدا عليه ، وان تثبتا اعتباره لكن لا بدّ من تمييز الكتب المشهورة عن غيرها ، فلاحظ كلامه في البحث التاسع عشر ، ولاحظ آخر البحث الخامس والأربعين من هذا الكتاب. (١)

١٢. تصحيح رواية ، توثيق لرواتها ، فإنّ الحكم بصحّة رواية لا يصحّ إلّا مع إحراز وثاقة رواتها ، فإذا صحّح أحد الأعلام رواية ، فهو توثيق منه لرواتها. وقيل : بعدم استلزامه التّوثيق إذا كان المصحّح لم يكثر تصحيحاته لاحتمال الغفلة ، وأمّا إذا كثرت فيكون تصحيحه توثيقا. وقد قيل غير ذلك.

وإعلم أنّ تصحيح رواية ربّما يكون من جهة القرائن الخارجيّة ، كما يعلم من ديدن القدماء ، فلا يرتبط بوثاقة الرّواة ، بل إذا كان التّصحيح بملاحظة نفس السند ، وكان المصحّح ممّن يقبل قوله في التّوثيق والتحسين ، يمكن المنع أيضا لاحتمال أنّ الحاكم بالصّحة يعتقد أصالة العدالة ، وإنّ كلّ مؤمن لم يظهر فسقه فهو عادل ، كما عن الشّيخ رحمه‌الله (٢). وهذا المبني لا نذهب إليه.

أقول : وينتقض هذا المنع الّذي ذكره سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله (٣) وغيره بالتوثيق على تفسير المتأخّرين ، فلا يجوز قبول التّوثيقات الصادرة عن الرجاليّين ؛ لاحتمال اعتقادهم بأصالة العدالة فينحصر القبول في التحسينات.

وأجاب عنه بعضهم : بأنّ عدالة مثل الشّيخ والتفاته إلى الخلاف في معنى العدالة ، تقتضيان إرادته بالعدالة فيمن أثبت عدالته من الرّواة ، العدالة المتفق عليها ...

لكنّه تخرّص وحدس من دون دليل ، مع جريانه في التّصحيح أيضا.

__________________

(١) ولا ثمرة لهذا القول الثّاني ، إذ كلّ كتاب صرّح الصدوق بشهرته والاعتماد عليه ، كما يأتي في البحث التاسع عشر فطريقه اليه معتبر في مشيخة الفقيه.

(٢) قيل : إنّ مختار الشّيخ في العدالة إنّها ظهور الإسلام ، بل ظاهره كونه مشهورا بينهم ، انظر : مقدّمة تنقيح المقال : ١ / ١٧٦ ، وقد تقدّم ما بيّنا في هذه الدعوي من كلام الشيخ الأنصاري ، في التعليقة ، الصفحة : ١٢.

(٣) معجم رجال الحديث : ١ / ٦٨.


والحقّ أنّ التّصحيح (١) كالتعديل في الإشكال ؛ وأمّا التّوثيق ، فهو عندنا سالم عن النقض والإيراد ، كما ستعرف في البحث التّاسع والعشرين.

١٣. رواية ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى والبزنطي عن أحد فيكون ثقة ، كما صرّح به الشّيخ رحمه‌الله في كتاب العدّة (٢) ، ودليله عليه أنّه علم من حالهم أنّهم لا يرسلون ولا يروون إلّا عمّن يثقون بهم.

أقول : يأتي مناقشة هذا القول المدعي عليه الإجماع ونقده في البحث (١١) ، والبحث (٣٨) ان شاء الله.

١٤. وقوع شخص في سند رواية رواها أصحاب الإجماع المذكورين في رجال الكشي (٣) فقيل بصحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلآء إذا صحّ السند إليه ، ولو كانت روايته عن ضعيف ، فضلا عمّا إذا كانت عن مجهول أو مهمل.

وظاهر هذا القول لزوم قبول روايته في خصوص المورد ، فلو وقع هذا الضعيف ـ أو المجهول في رواية ليس في سندها أحد أصحاب الإجماع لا يقبل روايته.

وقيل بوثاقة كلّ من روي عنه أحد أصحاب الإجماع وهذا هو المقصود بالمقام.

أقول : وهذا كسابقه في الضعف ويأتي تفصيله في البحث الحادي عشر.

١٥. توصيف أحد بأنّه عالم أو فاضل ، أو فقيه أو محدّث أو نحو ذلك ، فإنّه مدح مدرج له في الحسان.

أقول : النسبة بين هذه الأمور والصدق عموم من وجه ، وليس بينهما علاقة لزومية ، كما يظهر من تراجم بعض الرّواة أيضا.

__________________

(١) يقول الشّهيد الثاني رحمه‌الله : وكذا قوله : (هو صحيح الحديث) فإنّه يقتضي كونه ثقة ضابطا معه زيادة تزكية.

انظر : الدراية : ٧٦.

أقول : سيأتي في البحث الحادي عشر أنّ المحدّث النوري رحمه‌الله استفاد منه ما هو أعظم من ذلك بمراتب ، والانصاف إنّه لا يدلّ على الحسن أيضا ؛ لأن صحّة الحديث كما تتحقّق بوثاقة الرّاوي تتحقّق بمطابقة مضمونه مع القواعد أو ساير الرّوايات أو بقرينة خارجيّة.

نعم ، إذا علم ـ ولو بقرينة المقام أو ظهور الكلام ، كما في كلام العلّامة رحمه‌الله وأمثاله ـ إنّ المراد بتصحيح الخبر هو توثيق رواته ، فلا إشكال فيه من هذه الجهة ، ونسلّمه وإنّ التصحيح أمارة على التوثيق.

(٢) انظر : العدّة : ١ / ٣٧٩ و ٣٨٠.

(٣) رجال الكشي : ٢٠٦ ، ٣٣٢ ، ٤٦٦.


نعم ، إذا أريد الاجتهاد من الفقه ، فهو كاشف عن الصدق ، فإنّ من بلغ رتبة الاجتهاد في الفقه يبعد عنه الكذب عمدا كلّ البعد.

وبالجملة : ليس المطلوب في المقام مطلق المدح ، بل المدح المستلزم للصّدق في المقال ؛ وإلّا نمنع حجيّة الحسان من رأس.

١٦. ورود رواية دالّة على توثيقه أو تحسينه ، وإن كان الرّاوي هو نفس الرّجل فإنّ الشّيعي لا يباهت إمامه ولا يفتري عليه ، بل وإن كان في سندها ضعيف آخر ، فإنّها لا تقل عن توثيق الرجاليّين في إفادة الظّن.

أقول : هذا التلفيق عجيب ، فإنّه لوصحّ للغي علم الرجال في توثيقاته ، وتحسيناته إذ كان الواجب على هذا ، إحراز إيمان الرّاوي فقط ، فتكون رواياته معتبرة إذ الشّيعي لا يباهت إمامه.

إلّا أنّ يقال : إنّ عدم البهتان ظنّي ، وهذا الظّن إنّما يكون حجّة في خصوص علم الرجال دون الفقه وغيره ، لكنّه مع بطلانه قد ادّعى المامقاني رحمه‌الله في بعض التراجم القطع بأنّ الشّيعي لا يباهت إمامه ، وعليه يصبح جميع الرّوايات قطعيّة إذا كان رجالها من الشّيعة!

ولعمرك ، إنّه لا يجوز استنباط الأحكام الشّرعيّة بهذه الخيالات الواهية ، والشّيعي كغيره قد يباهت ربّه ونبيّه ، فكيف لا يباهت إمامه؟

والإنصاف إنّ جملة من الأمارات المذكورة ممّا لم تكن متوقعا صدورها عن الفضلاء.

١٧. الظّن بالوثاقة أو الحسن من أيّ جهة كان ، للإجماع على حجيّة الظّنون الرّجاليّة.

أقول : حجيّة الظّنون الرّجالية بالإجماع المنقول الظنّي من قبيل : إثبات مجهول بمجهول ، والقرآن يقضي على الدعوى والدليل معا ، بأنّ : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.)

١٨. توثيق الأعلام المتأخّرين كالعلّامة والشّهيد والمجلسي وأمثالهم.

أقول : إنّما تقبل توثيقاتهم إذا تطرّق إليها احتمال كونها عن حسّ ، وأمّا إذا لم يحتمل ذلك ، بل حصل الاطمئنان بكونها من حدس بعيد ، كما هو الغالب لقطع السلسلة المستقلّة بعد الشّيخ الطوسي رحمه‌الله واتّكاء من بعده عليه ، وعلى أمثاله ، كما يظهر من جملة من الإجازات ، فلا تقبل ؛ لعدم دليل على اعتبار الإخبار الناشئ عن الحدس ، إلّا فيما دلّ الدّليل عليه بخصوصه.

فلا يقال : الدليل في المقام موجود وهو جريان السّيرة على اعتبار نظر أهل الخبرة فيما يخصّهم من الصنعة والفن.

فإنّه يقال : إنّ هذا يختصّ بالامور النّظرية الّتي تحتاج إلى مزاولة وتجربة وإعمال نظر ،


وليس المقام منها فإنّ العدالة ، وإن لم تكن محسوسة إلّا أن آثارها قريبة من الحسّ حتّى تعرفها زوجة العادل وخادمه ؛ وأمّا صدق القول ، فهو أوضح حالا.

وبالجملة : كلّ صادق إذا أخبر عن صدق أحد أو كذبه ، فإنّما يقبل قوله عند العقلاء إذا كان زمان المقول فيه قريبا من زمان المخبر أو كان زمانه بعيدا عنه ، لكن سلسلة الأسناد هناك متحقّقة بحيث يعلم أو يحتمل احتمالا عقلائيّة ، استناد خبره إلى الحسّ وإلّا فلا دليل على القبول ، وهذا أصل يرتّب عليه ثمرات كثيرة ، كما لا يخفى.

فإذا وثّق العلّامة رحمه‌الله مثلا أحدا من أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، فلا نعتبر توثيقه هذا ، لعدم احتمال كونه ناشئا من الحسّ ومن طريق منقول إليه من غير طرق الشّيخ وأمثاله احتمالا عقلائيّا.

١٩. وقوع أحد في أسناد روايات تفسير القمّي لتوثيقه ، رواة أحاديث كتابه ـ كما عن سيّدنا الأستاذ ـ تبعا لصاحب الوسائل ، وكذا وقوع أحد في أسناد كامل الزيارات لابن قولويه ، فإنّه وثق رواة كتابه.

أقول : يأتي نقدهما في بحثين منفردين.

٢٠. كون شخص من مشائخ النجّاشي رحمه‌الله.

أقول : الكلام فيه كما في سابقه.

٢١. من روى عن الصّادق عليه‌السلام لتوثيق الشّيخ المفيد رحمه‌الله أربعة آلاف من أصحابه عليه‌السلام وتبعه صاحب : روضة الواعظين والأنوار المضيئة ، وأعلام الورى والمناقب.

وفيه أوّلا : انّا نقطع بعدم صحّته ؛ إذ لا تحتمل عادة وثاقة أربعة آلاف صحابي على اختلاف مذاهبهم ومسالكهم. (١)

وثانيا : لا نحتمل وصول وثاقتهم للشيخ المفيد فقط بطريق معتبر ، فالتوثيق ناشيء من تسامحه في التعبير رحمه‌الله. (٢) ونسبة هذا التّوثيق في كلام المفيد رحمه‌الله إلى أصحاب الحديث

__________________

(١) في صحيح ابن رئاب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ، وهو ساجد : «اللهم ، اغفر لي ولأصحاب أبي ، فإنّي أعلم أنّ فيهم من ينقصني». بحار الأنوار : ٤٧ / ١٧ ، الطبعة الحديثة. ويلاحظ أنّ مصدر الخبر وهو قرب الإسناد غير واصل إلى المجلسي بسند معتبر ، كما يأتي في البحث الثّاني والخمسين.

(٢) اشتبه الأمر على المحدّث النوري رحمه‌الله في المقام ، فحسب التّوثيق من ابن عقدة ، وأطال كلامه في المقام ، ولكن لا طائل تحته. انظر : المستدرك : ٧٧٠.

والحقّ أنّ عدد أصحاب الصّادق إلى أربعة آلاف غير ثابت ، وإلّا لذكرها الشّيخ في رجاله واعتذار النوري رحمه‌الله عنه ضعيف جدّا. والتوثيق من الشّيخ المفيد في إرشاده ، حيث قال في أوّل أبواب ذكر الإمام


ضعيفة ؛ إذ لم نره ولم نسمعه في كلام أحد ممّن تقدّمه.

٢٢. من روى الأخبار الدّالة على زيادة شهر رمضان ونقيصته ، فإنّ الشّيخ المفيد وثّقهم.

أقول : وسنوضّح الحال فيه فيما بعد.

٢٣. صحبة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرها العامّة وقالوا بعدالة كلّ صحابي ، ولجمع فيه تفاصيل ، وأقاويل ذكرناها مختصرة في البحث العاشر.

وقد ألّفنا فيها رسالة مستقلّة باسم عدالة الصّحابة على ضوء القرآن والسّنة والتّأريخ. ولم نر لأصحابنا فيها بحثا مستوعبا وكتابا مستأنفا. وقد طبع هذا الكتاب ـ بحمد الله ـ مع كتاب بحوثنا هذا ، في الطّبعة الثّالثة.

٢٤. كون الرّاوي ممّن يروى عنه ، أو كتابه جماعة من الأصحاب.

٢٥. روايته عن جماعة.

٢٦. اعتماد القمّيّين وابن الغضائري على شخص ؛ لأنّهم كانوا يخدشون في الرّواة بأدني شيء.

أقول : الرّواية عن الضعفاء شائعة ، فلا تدلّ رواية جمع عن أحد على حسنه وأضعف منه ما بعده ، كما لا يخفى واعتماد القمّييّن على أحد اجتهاد منهم ، فلا يكفى لغيرهم فإنّه تقليد.

٢٧. قول الشّيخ الطّوسي رحمه‌الله في حقّ أحد : أسند عنه ، (١) وجعله بعضهم من ألفاظ الذّم.

٢٨. توصيف شخص بكونه حافظا أو قارئا.

٢٩. توصيفه بكونه بصيرا في الحديث.

أقول جملة : أسند عنه ، في حدّ نفسها مجملة (٢) ، لا يستفاد منها المدح ، والقراءة والحفظ والبصيرة لا تدلّ على صدق صاحبها ؛ إذ بينه وبينها عموم من وجه.

__________________

الصّادق عليه‌السلام : فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرّواة عنه من الثقاة على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف رجل انتهى.

فإن أريد أنّ جميع أصحابه ثقات فيرد عليه ما في المتن. وإن أريد أنّ أصحابه أكثر ، وإنّما الثقاة فيهم أربعة آلاف ، فلا بدّ من التمييز بين الثقاة وغيرهم. ولا حظ ما يأتي في البحث (٣٥) ذيل عنوان : نقل وتأييد.

وإن فرض التّوثيق من ابن عقدة فيزيد الإشكال عليه بأنّ كتابه وكلامه لم يثبتا بطريق معتبر ، كما يأتي في البحث السابع.

(١) انظر : اتقان المقال ، القسم الثّاني منه لذكر الحسان ؛ من معجم رجال الحديث : ١ / ٩٧ ، لسيّدنا الأستاذ رحمه‌الله ؛ مقباس الهداية ، للمامقاني رحمه‌الله.

(٢) يأتي الإشارة إليها في البحث الرابع والثلاثين.


٣٠. إكثار الكافي والفقيه الرّواية عن أحد.

٣١. ذكر الكشّي أحدا مع عدم الطّعن عليه.

٣٢. كون شخص مقبول الرّواية.

٣٣. وقوع أحد في سند حديث صدر الطعن فيه من غير جهته ، فإنّ السّكوت عنه والتّعرّض لغيره ربّما يكشف عن وثاقته.

٣٤. رواية الجليل والأجلّاء عنه.

أقول : أمّا إكثار الكليني والفقيه عن أحد ، فهو لا يكفي لنا في قبول خبره ، وهذا سهل بن زياد قد أكثر عنه الكليني رحمه‌الله وغيره والشّيخ يضعفه (١) ، وقيل في حقّه إنّه أحمق (٢) والنجّاشي ذكر في ترجمة الكشّي أنّه يروي عن الضعفاء ، فكيف عدم طعنه يكون دليلا على المدح أو الوثوق؟

وأمّا كون الشّخص مقبول الرّواية فلا يدلّ على حسنه ، فإنّ قبول رواية له في مورد ولقرينة لا يدلّ على صدقه غالبا. نعم ، لو ثبت إنّ رواياته كلّها مقبولة كالسّكوني وأمثاله (٣) ، فهو يدلّ على صدقه فلا يكون مثل عمر بن حنظلة ومسعدة بن صدقة ، مقبولي القول مطلقا ، وإن قبل جمع من الأصحاب بعض رواياتهما.

وللبحث تتمّة ستأتي في آخر هذا البحث. وأمّا الأخيران فوجه عدم دلالتهما على المدح واضح ، فلاحظ ، والله العالم.

فهذه الأقوال والأفعال والأوصاف لا تدلّ على الحسن والوثاقة ، كما علمت.

الفصل الثّاني : في الأمارات القليل نفعها

١. اختيار النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام رجلا لتحمل الشّهادة أو ادائها في وصيّة أو وقف أو طلاق أو محاكمة ونحوها ، فإنّه إذا انضّم إليه ما دلّ على اعتبار العدالة في الشّاهد ثبتت عدالة الرجل.

__________________

(١) الفهرست : ١٠٦ ، ولكن في باب أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام من رجاله ، الصفحة : ٤١٦ ، وثّقه. وعن باب أنّه لا يصحّ الظهار بيمين ، من الجزء الثالث من استبصاره : ضعيف جدّا عند نقّاد الإخبار ، وقد استثناه أبو جعفر بن بابويه في رجال نوادر الحكمة وضعفه النجّاشي أيضا في رجاله ، وسلب الاعتماد عنه ، ونقل شهادة أحمد بن محمّد بن عيسى بغلوه واخراجه إيّاه من قم.

(٢) القائل هو الفضل بن شاذان ، كما عن التّحرير الطّاووسي ، لكن النسبة غير ثابتة بالطريق المعتبر.

(٣) البحث الصغروي يأتي في محلّه ، ونحن تركنا الاعتماد على رواية السكوني ، كما نذكر وجهه فيما بعد ، في البحث الثامن والثلاثين.


٢. حبّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام شخصا ، فقيل إنّه دليل الوثاقة ضرورة أنّ الحبّ لا يكون إلّا عن رضي بالمحبوب وأفعاله. ولا يعقل من المعصوم التّابع رضاه لرضى الله وسخطه لسخط الله أن يرضى عن من يرتكب الكبيرة أو يصرّ على الصغيرة.

أقول : هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن الحبّ لأجل إيمان المحبوب فقط أو لأجل صفة خاصّة كقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... ،) حيث لا يستفاد منه عدالة المبايعين لاختصاص الرضا بفعل خاصّ ، فتأمّل ، أو لجهة بشرية أخرى.

ولعلّه لا يوجد مورد ثبت فيه بطريق معتبر حبّ المعصوم عليهم‌السلام بنحو مطلق يكشف عن عدالة المحبوب أو صلاحه.

٣. تشرّف أحد برؤية الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته فإنّه يستشهد به على كونه في مرتبة أعلى من رتبة العدالة ، ضرورة أنّه لا يحصل تلك القابليّة ، إلّا بتصفية النفس ، وتخليّة القلب من كلّ رذيلة ، وتعرية الفكر عن كلّ قبيح ، وقد سمّى جمع كثير فازوا بلقائه عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

أقول : مراتب التّشرّف مختلفة ، بعضها يدلّ على العدالة ، وبعضها على الحسن ، وبعضها على مجرّد المدح ، وبعضها على مجرّد الإيمان وبعضها على الذمّ.

ثمّ الكلام في إثبات التّشرّف المذكور ، فإنّه لا بدّ من إثباته بإخبار صادق آخر ، وإلّا فهو لا يثبت بادّعاء نفس المدّعي ، إلّا بعد صدقه ، ومعه لا نحتاج إلى هذه الأمارة إلّا للتأكّد على فضله.

٤. توليّة الإمام رجلا على صقع أو بلد ، فإنّه لا يعقل أن يولّي غير العدل المرضي على رقاب المسلمين وأموالهم وأحكامهم.

٥. السفارة من الإمام الغائب في الأمور الشّرعية والدّينيّة.

٦. كون أحد من أهل أسرار الإمام وتعليمه له إيّاها.

٧. إذن الإمام لرجل في الفتوى ، والحكم. فإنّه أعدل شاهد على عدالته ، ضرورة عدم شرعيّة مباشرة غير العدل الثّقة شيئا منهما بالإجماع والنّصوص بل الضّرورة ، كما قيل.

هذه الأربعة تدلّ على وثاقة الرجل وحجيّة قوله إن ثبتت بدليل معتبر ، نعم ، الإذن في الفتوى دليل على الحسن ، إذ لم يثبت اشتراط العدالة في المفتي بدليل قطعي ، وإنّما الدّليل عليه هو الإجماع المنقول ودعوى الضرورة جزافيّة.

٨. من روي الطّاطري عن كتبهم ، فإنّ الشّيخ الطّوسي وثّقهم.

أقول : سوف نرجع إليه في مستأنف القول ، إن شاء الله.


٩. كثرة التّرحم على أحد من الإمام أو من العلماء الأخيار تكشف عادة عن جلالة المرحوم وعظمه في عين المكثر ، فيثبت بها وثاقته أو صدقه ، خلافا للسيّد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله. وسنعود إلى هذا المورد مرّة أخرى ، إن شاء الله.

١٠. تصحيح الأسناد على وجه مرّ في الفصل الأوّل.

الفصل الثالث : في الأمارات المفيدة

الاولى : نصّ الإمام عليه‌السلام على وثاقة أحد أو صدقه إذا ثبت بدليل معتبر ، وإلّا فهو غير قابل للتصديق ؛ لأنّه غير مفيد للظنّ ، وعلى تقديره فهو محرّم العمل بالأدلّة الأربعة ؛ إذ لا يوجد دليل على إخراج الظنون الرجاليّة منها ، ولم يدعه فيما أعلم سوى بعضهم ، ولا يمكنه إثباته بدليل.

وهناك أحاديث كثيرة تدلّ على وثاقة بعض الرّواة وصلاحهم ، ولا بأس بأسانيدها فنأخذ بها ، ونحكم باعتبار أحاديث تلك الرّواة ، مثل : ليث البختري ، ومعلّي بن خنيس وغيرهما. (١)

لكن وثاقة رواة هذه الرّوايات المادحة أو حسنهم لم تثبت بطريق متواتر أو مشاهدة أو بقرينة قطعيّة أو بنصّ معصوم ، بل ثبتت بتوثيق الرجاليّين وتحسينهم ، فهذه الأمارة تتوقّف فائدتها على الأمارة التاليّة ، وهي :

الثانية : توثيق الكشّي والنجّاشي ، والشّيخ الطّوسي وأمثالهم من أرباب الجرح والتّوثيق ، فإنّهم ثقات عارفون بحال الرّواة ، فأخبارهم بها ليس مستندا إلى مقدّمات حدسيّة بعيدة ، بل منقول عمّن سبقهم متّصلا ، ومتسلسلا إلى معاصرى الرّواة المقول فيهم الوثاقة أو الضعف ، كما يشهد له الشّواهد ، ولا أقلّ من احتمال ذلك ودوران أمر أقوالهم بين الحسّ والحدس البعيد ، فتحمل على الأوّل كما هو المعمول عند العقلاء ، فافهم جيّدا.

والعمدة من بين هؤلآء الأعلام هو النجّاشي والشّيخ الطّوسي ، وهما قطبا هذا العلم وعليهما يدور رحى الجرح والتّعديل ، وامتياز الكشّي عنهما نقله التّوثيقات مسندة.

هذا ، ولكن في حجيّة أقوالهما وأقوال أمثالهما كلام طويل الذيل صعب مستصعب ، سنذكره في البحث الرابع.

وفي الحقيقة إنّ هذا البحث هو بحث رئيسي تتوقّف عليه صحّة علم الرجال وبطلانه ، ولا أقلّ من كونه هو الأساس لكون علم الرّجال كثير الفائدة أو قليلها.

__________________

(١) وإذا تعارض نصّ رجاليّ مع حديث في حقّ أحد الرّواة ، ففيه بحث يأتي بيانه في البحث (١٧).


تنبيه تكميلي :

أمّا الألفاظ الدّالة على التّوثيق والتّحسين فلا حصر لها ، بل هي موكولة إلى دلالة اللغة وفهم العرف وقد مرّ أنّ عدّة من الألفاظ والأوصاف والأفعال الّتي ادّعوا دلالتها على التّوثيق والتّحسين لم تكن دالّة عليهما.

نعم ، يدلّ عليهما ، مثل : ثقة عادل لم يعص ربّه ، لم يخلّ بواجبه ، ولم يرتكب حراما ، ورع عابد ، من المتّقين ، من الأولياء ، من الزّهاد ، صالح ، لا بأس به (١) ، صادق غير كاذب ، وجه الطائفة ، شيخ الطّائفة ، فقيه مجتهد ، من أكابر العلماء ، وجيه عند الإمام ، مقبول القول عند الإمام ، أو عند العلماء ، مرجع للمؤمنين في وقته ، ونحو ذلك.

ولا يدلّ عليهما شهيد هو في الجنّة ، وفيه نظر. غفر ذنبه ، ونحو ذلك ؛ لأنّ الشّهادة ودخول الجنة ومغفرة الذّنب لا تثبت العدالة أو الصدق في الحياة الدّنيا من أوّل البلوغ ، وكذا صحيح الحديث ، فإنّ صحّة الحديث قد يكون للقرينة المقوية للمضمون. وقد أفرط المحدّث النوري في تفسير هذه الكلمة ، كما يأتي إن شاء الله في البحث الحادي عشر.

وفي دلالة لفظ الاستقامة والمستقيم على الصدق ، تردّد لاحتمال كونه إشارة إلى مذهب الراوي ، لا إلى صدقه.

ويقول السّيد الأستاذ في معجمه : إنّ توصيف شخص بأنّه كان وجها لا يدلّ على حسنه ، نعم ، إذا وصف بأنّه كان وجها في أصحابنا ، كانت فيه دلالة على حسنه لا محالة والفرق بين الأمرين ظاهر. (٢)

أقول : وإذا قيل إنّه وجه بين المتكلّمين من الشّيعة ، أو بين النّحويّين منهم مثلا ، ففي دلالته على صدقه تردّد ، والأظهر أنّ للوجاهة أسباب فيشكّل استنباط الصدق ، نعم ، إذا قيل : إنّه وجه بين رواتنا يعتمد عليه.

تتمّة مفيدة : أثر الوثاقة والصدق في القول ، هو قبول أخبار من يتّصف بهما والاعتماد

__________________

(١) لكن فسّر الشّهيد الثّاني نفي البأس : لا بأس به ، بمعنى أنّه ليس بظاهر الضعف ، ومع ذلك قال بدلالته على الحسن إذا كان المقول فيه من أصحابنا ، انظر الدراية : ٧٦ ـ ٧٩.

أقول : نفي البأس يدلّ على نفي الكذب ، وليس معناه ما أفاد. ولو كان ، لم يدلّ على الحسن ، وعلى كلّ لا فرق في الدلالة بين كون المقول فيه من الإماميّة وغيرها.

(٢) معجم رجال الحديث : ٧ / ٢٨٠.


عليها ، وهذا واضح. وهل يمكن العكس بأن نجعل قبول الأصحاب أخبار أحد دليلا على وثاقته أو صدقه؟

والصحيح هو : التفصيل بين قبول بعض رواياته وقبول جميع رواياته ، فعلى الأوّل لا يثبت صدق الرّاوي ، ضرورة أن قبول رواية أحد في مورد لدليل خاصّ ، فلا يدلّ على صدقه مطلقا كما أشرنا إليه فيما سبق ؛ إذ كلّ كاذب قد يصدق ، ولا يوجد كاذب لم يصدق في قول قطّ.

وعلى الثّاني يثبت صدقه بلا إشكال ، فإنّ الاعتماد على جميع روايات أحد وقبولها لا يحتمل أنّه لأجل قرينة خاصّة في كلّ مورد ، فلا محالة يستند إلى عدالته أو صدقه وحدها.

نعم ، إذا فرضنا إنّ رواياته المقبولة عند الأصحاب أو المشهور منهم معدودة جدّا ، بحيث يمكن استناد قبولها والاعتماد عليها إلى غير صدق الرّاوي ، فهو داخل في الشقّ الأوّل.

والسّؤال الأخير : إنّ الإعتماد على كتاب مؤلّف قلّت أخباره أو كثرت ، هل هو دليل على صدقه في القول أم لا؟

يقول الشّيخ الطّوسي في أوّل فهرسته : إنّ كثيرا من المصنّفين وأصحاب الاصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة ، وإن كانت كتبهم معتمدة.

فمن هؤلآء : إبراهيم بن إسحاق الأحمري ، فقد ضعّفوه ، لكن قال الشّيخ في حقّه : كان ضعيفا في حديثه متّهما في دينه ، وصنّف كتبا جماعة قريبة من السّداد. (١)

ومنهم : حفص بن غياث القاضي وطلحة بن زيد ، حيث وصف الشّيخ كلّ واحد بأنّه عامّي المذهب إلّا أنّ كتابه معتمد.

أقول : إن كانت مطالب الكتاب أو معظمها مشتملة على الآراء والأنظار (٢) ، فالاعتماد عليها لا يكشف عن الوثاقة أو الصدق ، بل إنّما يحكي عن جودة الاستنباط والعلم والدّقة ، وإن كانت مشتملة على الرّوايات والأحاديث ، فلعلّ الاعتماد عليها لمطابقتها مع سائر الكتب الأخباريّة ، أو مع الأحكام العقليّة ، كما في المطالب الأخلاقيّة ونحوها. وبالجملة لأجل القرائن المضمونية دون الصّدوريّة.

فإنّ قلت : لا أثر للبحث حول عدالة مؤلّف الكتاب وصدقه بعد اعتبار الكتاب.

__________________

(١) الفهرست : ٨.

(٢) وهذا الاحتمال هو الأرجح في كتب الأحمري ؛ إذ ضعفه في حديثه واتهامه في دينه لا يناسب سداد أحاديثه المودعة في كتبه.


قلت : هذا مسلّم إذا لم يقع الرّاوي في إسناد روايات غير كتابه ، أو لم يكن له مدح وجرح ، ولا تعديل وتفسيق في حقّ سائر الرّواة ، وإلّا فأثر البحث جليّ.

والحقّ أنّ اعتماد الشّيخ الطّوسي وأمثاله على كتاب لا يوجب كون رواياته معتبرة وحجّة بالنّسبة لنا ؛ لأنّ الاعتماد ينشأ من الأمور الاجتهاديّة ، كيف ولو كان المؤلّف ثقة لصرّح الشّيخ مثلا بوثاقته على القاعدة ولم يكتف ببيان معتمديّة كتابه؟ بل قال في حقّ الأحمري : إنّه ضعيف في حديثه. فاتّباع الشّيخ في بيان هذا الاعتماد كما عن سماحة السّيد الأستاذ العظيم رحمه‌الله نوع تقليد له في الحقيقة ، وهو غير جائز.

ولبّ جواب استدلال السّابق : إنّه إذا كان الاعتماد على روايات الكتاب بحسب صدورها وعدم احتمال استناد الاعتماد على قرينة خاصة ، لكثرة الرّوايات المتفرقّة غير المجموعة في كتاب ، فهذا الاعتماد يدلّ على وثاقة مؤلّفه ، فافهمه جيّدا.


البحث الثالث

في مدرك حجيّة قول الموثّقين والجارحين

اختلف آراء العلماء في وجه اعتبار أقوال علماء الرجال في بيان المدح والذمّ ، وتعيين الأسماء والكني وتحديد الطّبقات وغيرها ، ممّا يرجع إلى أحوال رواة الرّوايات. والمذاهب وهنا ما يلي :

١. من جهة الشّهادة.

٢. من جهة الخبرويّة.

٣. من جهة الفتوي.

٤. من جهة مطلق الظّن.

٥. من جهة إحراز الخبر الموثوق به.

٦. من جهة الاطمئنان.

٧. من جهة مطلق النبأ.

ونعني بهذه الفقرة الأخيرة : الإخبار عن حس في الأحكام الكليّة والموضوعات.

فعن المشهور أنّها من باب مطلق النّبأ والخبر ، (١) فيعتبر فيهم ما يعتبر في الرّاوي.

__________________

(١) وهذا ينافي ما نسب إليهم من عدم اعتبار خبر الواحد في الموضوعات. نعم نقل صاحب المعالم ـ انظر : المعالم : ٢٠٤ ـ عن نهاية العلّامة أنّه نسب إثبات العدالة بقول عدل واحد إلى أكثر العلماء. وعن المحقّق الهمداني في مصباحه : وهل تثبت النجاسة باخبار عدل واحد أم لا؟ قولان وحكى عن المشهور العدم ، وحكي عن بعض القول بالثبوت انتهى.

وهذا الأخير هو الأقوى بل الأظهر عدم اشتراط العدالة المصطلحة ، وكفاية كون المخبر ثقة مأمونا محترزا عن الكذب.


وعن الشّهيد الثّاني وصاحبي المعالم والمدارك وغيرهم ممّن قال بالصّحيح الأعلى إنّها من باب الشّهادة ، فيعتبر فيه : العدالة والتّعدد (١) ، واللّفظ والحياة ، وسائر شروط الشّاهد.

وهذا هو المنسوب إلى المحقّق الحلّي وجماعة من الأصوليّين.

وفي رسالة الشّيخ الأنصاري في العدالة ، المطبوعة مع المكاسب (٢) : مع ذهاب أكثرهم إلى أنّ التعديلات من باب الشّهادة ، والله العالم.

وعن صاحب الفصول وجمع : أنّه من باب الفتوى والظّنون الاجتهاديّة المعتبرة بعد انسداد باب العلم وما هو بمنزلته ، فيعتبر فيهم شروط المفتي. وعن بعضهم وإن لم يعلم قائله ـ إنّه من باب قول أهل الخبرة ـ فلا بدّ من إحراز كون الرّجاليّ من أهل خبرة.

وذهب الفاضل المامقاني في تنقيح المقال (٣) : إنّها نوع تثبت وتبيّن مورث للاطمئنان الّذي هو المدار والمرجع في تحصيل الأحكام الشّرعيّة من باب بناء العقلاء على الاعتماد عليه ، وإن كان يظهر منه أخيرا أنّه من باب قول أهل الخبرة.

وقال : وأوضح شاهد على عدم كون الرّجوع إلى إخبارات أهل الرّجال من باب الشّهادة والفتوى اعتمادهم في جملة من أحوال الرجال على من لا يعتمد على فتواه ولا شهادته كبني فضّال الممنوع من قبول آرائهم ؛ لفقد بعض شروط المفتي ، وهو كونه إماميّا فيهم والمجوز فيهم للأخذ بما رووا.

وحيث إنّه قد أخذ في الخبر الابتناء على الحسّ المحض ، وإخبار أهل الرّجال إخبار بأمر غير حسّي ضرورة عدم تعقل محسوسيّة العدالة تعيّن كون قبول إخباراتهم من باب الأخذ بقول أهل الخبرة المأخوذ في اعتباره الوثوق ، ولا يضرّ عدم قائل به بعد قضاء الدّليل به ، فتدبّر جيّدا. (٤)

أقول : الصّحيح ما نسب إلى المشهور ، فهنا مقامان :

الأوّل : في إبطال سائر الأقوال.

__________________

(١) انظر : معالم الدين : ٢٠٤. حيث يدّعي أنّ تزكية الرّاوي شهادة ، ومن شأنها اعتبار العدد فيها.

وظاهر الشّهيد الثّاني الاكتفاء بمزك واحد.

(٢) المكاسب للشيخ الأنصاري : ٣٢٦ ، بل نسبه إلى المشهور ـ كما سيأتي عن قريب.

(٣) تنقيح المقال : ١ / ١٨٢ ، بعد نقل الأقوال المتقدّمة.

(٤) ظاهر هذا الكلام : إنّه يميل إلى هذا القول أو يختاره بدلا عن مختاره الأوّل. وقال في محلّ آخر : أو من باب مطلق الظّن في الرّجال كما ادّعوا الإجماع عليه ، وعلّلوه بانسداد باب العلم فيه. انظر : تنقيح المقال : ٢٠٤ ، المقدّمة.


الثّاني : في صحّة القول المختار.

أمّا المقام الأوّل ، فنقول : أمّا الرّأي الأخير من أن اعتبار أقوال علماء الرجال من جهة إيراثها الاطمئنان ، ففيه إشكال من جهتين :

الأوّل : إنّ الاطمئنان وإن كان كالقطع في الحجيّة ، فإنّه طريق عقلائي في كافة جهاتهم ، حتّى في أمثال النفوس والفروج ، والأموال الخطيرة. ومن الظّاهر اتّصال هذا البناء بزمان صاحب الشّريعة صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل بزمان من قبله ، بل لا يبعد تحقّقه في زمان آدم عليه‌السلام وشارع الإسلام عليه‌السلام لم ينه عن هذا البناء ولو برواية ضعيفة سندا ، فهو عنده أيضا معتبر.

ودعوى ردعه بالآيات والرّوايات النّاهية عن اتّباع غير العلم ، والعمل بالظّن ضعيفة جدّا ، فإنّ الاطمئنان عند العرف علم ومبائن للظنّ ، وإن كان بالنّظر العقلي نوعا منه ، وعلى كلّ حال فمناقشة جملة من الأكابر منهم سيّدنا الأستاذ الحكيم رحمه‌الله في حجيّة الاطمئنان في غير محلّه ، بل خلاف عملهم اليومي. بل في مستمسكه (١) ما يدلّ على موافقته للمختار ورجوعه عمّا ذكره في عدم حجيّة الاطمئنان.

إذا : فلا شكّ في أنّ الاطمئنان طريق عقلائي شرعي في إثبات الأحكام الشّرعيّة ، لكن ليس معنى ذلك هو أنّ الأحكام الشّرعيّة والموضوعات المستنبطة والموضوعات الخارجيّة الصّرفة ، الّتي تترتّب عليها الأحكام الجزئيّة أو الكليّة لا يثبت شيء منها ، إلّا بالإطمئنان ، كما يظهر من كلام المامقاني ، فإنّه كلام بلا دليل ، بل هو مقطوع البطلان عند الفقيه.

نعم ، لا شكّ في أن حجيّة الأمارات والأصول والطّرق تنتهي بالأخرة إلى القطع أو الاطمئنان ، دفعا للدور والتّسلسل ، لكن الأحكام ومبانيها منها ما هو مظنون الثبوت ، ومنها : ما هو معلوم الثبوت. ومنها : ـ وهو الأكثر ـ ما هو ثابت تعبّدا ، بل ربّما يكون مرجوح الثبوت ، كما في بعض ما يستصحب.

الثّاني : إنّ قول الرجاليّين بالمدح أو الذّم لا يفيد الاطمئنان الفعلى ، كما يظهر لمن راجع أقوالهم ، ولا سيّما مع بعد الزّمان بينهم وبين الرّواة. فقد تأخّر زمان الكشّي والنجّاشي والشّيخ وأضرابهم ، من أقطاب الجرح والتعديل أكثر من قرنين عن زمان جملة من الرّواة ، فكيف يحصل الاطمئنان بأقوالهم؟

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى : ٧ / ٢٠٦.


وبالجملة : دعوى الاطمئنان الشّخصي خلاف الوجدان ، إلّا لمن كان اعتقاده في حقّ هؤلآء الأعاظم مفرطا ، كما رأينا بعض المجتهدين (١). فهو يدّعي القطع بوثاقة من وثقه الشّيخ الطّوسي ، ولكنّه من النّوادر. وكأنّ الفاضل المامقاني أيضا عدل عن قوله هذا في أثناء كتابه ، فيدّعي كثيرا أنّ الظّنون الرّجاليّة حجّة ، ولا يدّعي الاطمئنان ، ولكن الظّنون الرّجاليّة كغيرها داخلة تحت عموم المنع من غير مخصّص ، والإجماع المدّعى على حجيّته ضعيف جدّا.

فالصّحيح : أنّ حصول الاطمئنان الفعلي في حجيّة قول الرّجالي غير لازم ، ولا حاصل غالبا والظّن ـ إن حصل ـ غير حجّة وما تخيّله من تشكيل مقدّمات الانسداد في علم الرجال وأحوال الرّواة ، فاستنتج منها حجيّة الظّن ، ضعيف ، كما تعرف من بيان القول المختار.

وعلى تقدير سلامتها لا تنتج شيئا لما تقرّر في أصول الفقه من أنّ المناط في حجيّة الظّن هو جريان مقدّمات الانسداد في علم الفقه ، فيعمل بالظّن حينئذ في علم الرجال وغيره ، من مقدّمات الفقه. ولو كان باب العلم مفتوحا فيها غالبا ، وإلّا فلا عبرة بالظّن الرّجالي واللّغوي وغيرهما ، بل يرجع إلى الأصول المقرّرة للشّاك في مرحلة العمل ، على أنّ نتيجة مقدّمات الانسداد هو التبعيض في الاحتياط كما أوضحه الشّيخ الأنصاري رحمه‌الله.

وأمّا القول بحجيّة أخبار أهل الرّجال من باب الشّهادة ، فضعيف جدّا ؛ لعدم وجود شرائط الشّهود في المعدلين والجارحين ، ولو قيل : باعتبارها فيهم لبطل أكثر علم الرّجال أو كلّه. وبالجملة : الإجماع على اعتبار إيمان الشّاهد في الشّهادة ، والاتّفاق على قبول قول عدّة من غير المؤمنين في علم الرجال يوجب الاتّفاق على عدم دخول التّعديل والجرح في الشّهادة فافهم. (٢)

__________________

(١) أعين : الشّيخ الورع الحسين الحلّي رحمه‌الله. وكان يدرس الفقه والاصول في مقبرة أستاذه الأصولي الشّهير المحقّق النائيني رحمه‌الله في النجف الاشرف ، وبالغ في ذلك المحدّث الحرّ العاملي رحمه‌الله ، حيث قال : وأمّا توثيق الرّاوي الّذي يوثّقه بعض علماء الرجال الأجلاء الثّقات ، فكثيرا ما يفيد القطع مع اتّحاد المزكي لانضمام القرائن الّتي يعرفها الماهر المتتبّع. انظر : الوسائل : ٢٠ / ١١٥.

وليته أضاف وصف العالم بالغيب بعد صفة المتتبّع حتّى يصحّ كلامه.

(٢) قال الشّهيد الثّاني : وفي الاكتفاء بتزكيّة الواحد العدل في الرّواية قول مشهور لنا ولمخالفينا ، كما يكتفي بالواحد في أصل الرّواية ، وهذه التزكية فرع الرّواية فكلّما (فكماظ) لا يعتبر العدد في الأصل ، فكذا في الفرع ، وذهب بعضهم إلى اعتبار اثنين كما في الجرح ، والتّعديل في الشّهادات. انظر : الدّراية : ٦٩.

وقال : يثبت الجرح في الرّواة بقول واحد ، كتعديله. على المذهب الأشهر ... انظر : المصدر : ٧٢.


واستدلّ للقول المزبور ـ كما في الفصول (١) ـ بقيام الإجماع على ثبوت العدالة بتعديل العدلين ، وانتفاء الدليل فيما عداه فيقتصر عليه ، ويرجع في غيره إلى الأصل. ويظهر ضعفه ممّا سيجيء في القول المختار. وزاد عليه في المعالم بأن تزكية الرّاوي شهادة ومن شأنها اعتبار العدد فيها ، لكنّه غير بيّن ولا مبين ، (٢) أو معلوم العدم.

وإن شئت ، فقل : إنّ الشّهادة فرد من الإخبار المطلق ، إلّا أنّه قد أخذ في خصوصها إنشاء الإخبار بين يدي القاضي عند التّخاصم والتّنازع.

فإذا قال أحد : رأيت اليوم زيدا يقتل أو يزني أو يقول كذا وكذا ، كان إخبارا جزما ، ولكن إذا قاله عند القاضي عند تنازع المتنازعين فهو شهادة ، واعتبار التّعدد في الشّهادة إنّما هو بدليل خاصّ.

ولو قيل : إنّ كلّ خبر شهادة ، قلنا : لا يعتبر فيها التّعدد إلّا في المرافعات عند الحاكم خاصّة.

وأمّا دخولها في الفتوى فليكن مفروغ البطلان ، فإنّ حجّية الفتوى مشروطة بأمور غير ممكنة أو غير موجودة في علم الرجال ، فمنها الحياة ، حيث اتّفقوا ـ سوى جمع شاذ ـ على أنّ تقليد الميت ابتداء غير جائز ، مع أنّه لا إشكال في حجيّة أقوال علماء الرّجال في حقّنا ، وإن كانوا أمواتا ، ومنها الاجتهاد المطلق بداهة عدم جواز تقليد غير المجتهد ، مع أنّه غير ثابت أو ثابت عدمه في حقّ كثير من المعدلين والجارحين ، حتّى أنّ اجتهاد مثل : الكشّي والنجّاشي غير ثابت وهما من أركان هذا العلم وأقطابه ، بل بهما أساسه وقوامه ، والمتّيقّن تحقّق هذا الشّرط في الشّيخ الطّوسي والعلّامة وأضرابهما ، على أنّ التزكية فضلا عن التّحسين ليست من الأمور الحدسيّة الاجتهاديّة كما ستعرف. ومضافا إلى أنّ مورد الاجتهاد هو الأحكام الكليّة والموضوعات المستنبطة دون الموضوعات الخارجيّة الجزئيّة.

ونسبة الفاضل المامقاني هذا القول إلى المحقّق الجليل صاحب الفصول رحمه‌الله غير صحيحة. وإليك بعض عبارة الفصول :

فالمختار عندي جواز التعويل في تعديل الرّاوي أو إثبات تحرّزه عن الكذب على

__________________

(١) بعد بحث حجيّة خبر الواحد بأربعة عشر ورقا تقريبا.

(٢) وأمّا اعتبار الإيمان وأصل العدالة في الرّاوي ، كما هو خيرة صاحب المعالم ونسبه إلى المشهور ، فسيأتي بحثه عند الكلام في شروط الرّاوي في بحث مستقل إن شاء الله ، وستعرف أيضا في محلّه أنّ إثبات عدالة الرّواة ، ولو بخبر صادق واحد ، غير ممكن في الغالب ؛ لعدم دلالة كلمة الثّقة على العادل خلافا لجمع.


قول العدل الواحد ، بل على مطلق الظّن سواء استند إلى تزكية العدل أو إلى سائر الأمارات الاجتهاديّة.

لنا إنّه قد ثبت ممّا حقّقنا سابقا أنّ التّعويل في الأخبار الآحاد على الأخبار الموثوق بصدقها وصحّة صدورها ، ولا ريب أنّ الظّن بعدالة الرّاوي وتحرّزه عن الكذب ممّا يفيد الوثوق بصدق الرّواية ، فيجب التّعويل عليه.

وأيضا : لا خفاء في أنّ التّمييز بين الرّجال مع اشتراكهم بين الثّقة وغيره كثيرا ما يتعذر إلّا باعمال الظّنون والأمارات كملاحظة الطبقة والبلد وكثرة المصاحبة والرواية ، وما أشبه ذلك.

وقد جرت طريقتهم في ذلك على مراعاة هذه الظّنون ، ولم نقف على من يصرّح باعتبار خصوص شهادة العدلين أو العدل الواحد في ذلك.

وصاحب المنتقي مع مصيره إلى أنّ تزكية الرّاوي من باب الشّهادة وأنّه يعتبر فيها التعدّد ، قد عوّل في تمييز المشتركات على أمارات ضعيفة ، كما لا يخفى ... انتهى.

أقول : وأكبر الظّن إنّ الفاضل المامقاني رحمه‌الله أخذ مختاره الأوّل من هذه العبارة (١) ، ومع هذا نسب إلى صاحبها ما نسب ، فلاحظ. وكيف ما كان ، ليست في هذه العبارة عين ولا أثر من أنّ أقوال علماء الرجال يجب أخذها تقليدا عند العجز عن إحراز الوثاقة والضعف اجتهادا ، بل لا أعلم لهذا القول قائلا لحدّ الآن.

ثمّ إنّ ما أفاده صاحب الفصول من الوجهين يرد على الأوّل منهما أن التعويل على الخبر الموثوق به ـ وإن كان مذهب جمع ـ غير إنّ الأظهر جواز التعويل على خبر الثّقة وخبر الموثق لبناء العقلاء عليه ، وإن لم يكن نفس الخبر موثوقا به.

وأمّا ما أفاده من إفادة الظّن بعدالة الرّاوي وتحرّزه عن الكذب الوثوق بالخبر ، فهو عجيب! فإنّ الظّن بالعدالة يفيد الظّن بالصّدق دون الوثوق والاطمئنان ، وقد مرّ أنّ الظّنّ غير حجّة إلّا ما خرج بالدليل ، وإن أراد بالظّن بالعدالة الوثوق ، فهو ممنوع من أصله كما مرّ.

وأمّا الوجه الثّاني من عمل الأصحاب بالظّن ، ففيه انّه إثبات حجيّة الظّنّ بالإجماع المنقول الظّني ، وهو كما ترى ، ونحن نقول إنّ حصل الاطمئنان أو الحجّة الشّرعيّة فهو ، وإلّا فلا بدّ من التوقّف ، نعم ، ما أفاده من عدم الحاجة إلى تعدّد العدلين صحيح.

__________________

(١) أو من عبارة المحدّث الحرّ من الوسائل : ٢٠ / ١٥ وهي : ثمّ اعلم أنّ توثيق علماء الرجال ليس من باب الشّهادة ... بل هو من جملة القرائن القطعيّة الّتي تدلّ على حال الرجل ... الخ ، مبدلا وصف القطع بالاطمئنان.


وأمّا القول الأخير ففيه : أنّ الرجوع إلى أهل الخبرة إنّما هو في أمور نظريّة موقوفة على نوع تمارس وإعمال نظر ، وليس كلّ أحد يعرف ذلك والوثاقة ليست كذلك ، بل هي أمر حسّي واضح يعرفه كلّ أحد وليس السلف به بأعلم من الخلف.

وبعبارة أخرى صدق الخبرويّة المصطلحة يتوقّف على حصول العلم من المقدّمات الحدسيّة والبعيدة عن الاحساس والمقام ليس كذلك ، فإنّ الوثاقة ؛ إمّا حسّية ؛ وأمّا قريبة من الحسّ ، ولذا تعرف وثاقة الثّقة زوجته وكلّ من باشره من الصغار والنسوان ، ولا يكونون أهل الخبرة عرفا.

ثمّ إن المتيّقن من الرجوع إلى أهل الخبرة إنّما هو فيما إذا كان يوجب الوثوق والاطمئنان ، كما ذكره صاحب الكفاية وأشار إليه المامقاني سابقا ، وهو في المقام غير حاصل ، ولكنّه يندفع بأنّه إن أريد الوثوق الشّخصي فهو غير لازم وإن أريد النّوعي فهو حاصل إلّا في توثيقات المتأخّرين كالعلّامة وأمثاله لأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، فإنّه لا يحصل الوثوق النّوعي منها ، فتأمّل.

وأمّا ما ذكره الفاضل المذكور من عدم كون العدالة حسّية فاستنتج منه دخول الإخبار بها في أخبار أهل الخبرة لا في مطلق الإخبار المأخوذ فيها الحسّ ففيه إيرادان :

الأوّل : عدم اعتبار العدالة في حجيّة الخبر حتّى على مبناه ، بل المعتبر فيها هو التحرّز عن الكذب ، فقط.

الثّاني : إنّ العدالة وإن لم تكن حسّية إلّا أنّها قريبة من الحسّ ببروز آثارها المحسوسة وحال هذه الحدسيّات غير المحسوسة القريبة من الحسّ حال الموضوعات الحسيّة في إثباتها بخبر الواحد ببناء العقلاء.

إذا عرفت هذا ، فنقول في إثبات المختار وهو المقام الثّاني : إنّه لا شكّ في بناء العقلاء على قبول خبر الثّقة في أحكامهم الكليّة العرفيّة والموضوعات الخارجيّة ، وفي جميع أمورهم حتّى الخطيرة والشّارع المقدّس لم يردع عنه فيكون ممضيّا معتبرا ، بل وردت الإخبار الكثيرة بحجّيته في الأحكام الشّرعيّة الكليّة ووردت الإخبار المعتبرة بحجّيته في بعض الموضوعات الخارجيّة للأحكام الجزئية (١) ، وفي بعضها الآخر مع اعتبار التعدّد.

__________________

(١) كصحيح هشام عن الصّادق عليه‌السلام في رجل وكّل آخرا : والوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه (فهه) بالعزل عن الوكالة : انظر : الوسائل : ١٣ / ٢٨٦.

وصحيح حفص عنه عليه‌السلام في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول : إنّي لم أطاها. فقال : إن وثق به فلا بأس أن يأتيها. الوسائل : ١٣ / ٣٩. وقريب منه صحيح ابن سنان لكن فيه : إن كان عندك أمينا فمسّها. وقريب منه صحيح أبي بصير الوسائل : ١٤ / ٥٠٤ ، وغيرها من الرّوايات.

أقول : إذا اعتبر قول الثّقة في الوطيء اعتبر في غيره جزما ، فافهم جيّدا. الوسائل : ١٤ / ٢٢٦.

والمتتبّع يجد جملة وافرة من هذه الأحاديث في مختلف الأبواب. كجواز الصّلاة باذان الثّقة. الوسائل : أبواب الأذان والإقامة ؛ ثبوت الوصيّة بقوله : باب ٩٧ من وصايا الوسائل.


وعلى هذا إذا كان الرّجالي ثقة أي صادقا مأمونا وجب قبول قوله في الجرح والتعديل وفي بيان الاسم والكنيّة والطبقة والقبيلة وغير ذلك ممّا يرجع إلى حالات الراوي.

هذا ولكن المنسوب إلى المشهور عدم حجيّة خبر العادل في الموضوعات الخارجيّة إلّا ما خرج بالدليل وذلك لأجل رواية مسعدة بن صدقة الرادعة عن العمل فيها إلّا بالعلم والبيّنة.

وهي ما رواه الشّائخ الثّلاثة كلّهم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة. (١)

فذيل الرّواية يجعل العلم والبيّنة غايتين فقط ، فلا يكون خبر الثّقة حجّة في الموضوعات. لكن الرّواية لا تصلح للردع عن بناء العقلاء المذكور من وجوه :

أوّلا : من جهة جهالة مسعدة بن صدقة فإنّه لم يرد فيه مدح معتبر يوجب حسنه فضلا عن وثاقته (٢) وما ذكره المجلسي الأوّل رحمه‌الله في وجه توثيقه اجتهاد منه وهو ضعيف ولذا ضعفه جمع منهم ابنه العلّامة المجلسي في الوجيزة كما قيل ، فالرّواية ساقطة ولا نقول بانجبارها بالشّهرة إن ثبتت. (٣)

وثانيا : إنّه ليس للرواية ظهور قوي في الحصر ، نعم ، صريح الرّواية الاختصار على الأمرين المذكورين ، لكن هذا لا ينافي حجيّة غيرهما بدليل آخر كالاستصحاب واليد والإقرار والحلف ، فيكون خبر الثّقة أيضا حجّة بالسّيرة المذكورة ، ولا معنى للردع أصلا.

__________________

(١) الوسائل : ١٢ / ٦٠ ط : الحديثة.

(٢) وقيل : باتحاده مع مسعدة بن زياد الثّقة كما في حاشية الموسوعة الرجالية المجلد الأوّل ، وقد أقام بعضهم عليه قرائن ، لكنّها غير ثابتة. ولا حظ تفصيله وبيان شواهده في مجلة تراثنا : ٢٠٣ ـ ٢٢٩ ، عدد ٥٣ ـ عام ١٤١٩.

(٣) ومن هنا نطالب القائلين باعتبار البيّنه على تعديل الراوى بعموم حجيّة البيّنة ؛ إذ لعلّ عمدة الدّليل عليه هي رواية مسعدة الّتي عرفت ضعفها.

وأمّا الإجماع المدعي في لسان صاحب الفصول وغيره عليه ، فهو منقول غير معتبر.


وثالثا : إنّ الاستدلال بها موقوف على أنّ المراد من البيّنة ، البيّنة الاصطلاحيّة ، أعني بها : تعدّد المخبرين ، كما كان يصرّ عليه سيّدنا الأستاذ الحكيم قدس‌سره ، حينما ذاكرت معه هذا الموضوع في بيته.

فلو قلنا بعدم حقيقة شرعيّة أو متشرعيّة في زمان الصّادق عليه‌السلام للفظة المذكورة وإنّها استعملت بمعناها اللغوي الأعمّ من معناها الاصطلاحي ، لكانت الرّواية شاملة للخبر الواحد أيضا فإنّه بيّنة عرفيّة إذا كان مخبره ثقة. وعليه يكون خبر الثّقة ـ سواء كان عادلا شرعيّا أم لا ـ حجّة مطلقا في الأحكام والموضوعات الّتي منها أحوال الرّواة كالوثاقة والعدالة والضعف ، وغيرها فإذا أخبر بها الثّقة لزم قبولها.

وهذا الاحتمال هو الأرجح لما قرّرناه في شرح كفاية الاصول من التفصيل بين الألفاظ المستعملة في لسان النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام بالنسبة إلى ثبوت الحقيقة الشّرعيّة والمتشرّعية ، فتلاحظ في الحكم بثبوت الحقيقة المذكورة وعدمه لكلّ لفظ ، كثرة استعماله وقلّته.

والظّاهر عدم إثبات استعمال لفظ : (بيّنة) في لسان النّبي الأكرم والأئمّة عليهم‌السلام في معناه المصطلح عليه اليوم بحدّ يوجب نقلها إليه ، ولا أقل من الشّك والأصل عدمه ، نعم ، استعمل فيه من باب استعمال المطلق في أحد أفراده لا من باب استعمال اللفظ في معناه. فتأمّل. (١)

ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك وفرضنا ردع الشّارع عنه في الموضوعات ، لكان لنا أيضا القول بحجيّة قول الرّجالي من باب النبأ ، وتوضيح ذلك :

إنّ الموضوعات على قسمين :

أحدهما : ما هو موضوع لحكم جزئي كحياة زيد ، وموت عمرو وكرية ماء ، ونجاسة ثوب وطهارة ظرف ، وملكيّة حائط ، والطلوع ، والغروب ، وأمثال ذلك.

ثانيهما : ما هو موضوع أو جزء موضوع للأحكام الكليّة كوثاقة زيد أو ضعفه ، فإنّه يترتّب عليه حكم كلّي نقله عن الإمام.

__________________

(١) وجه التأمّل عدم البعد في انعقاد الحقيقة الشّرعيّة له أو المتشرعيّة حتّى في لسان الإمام الصّادق عليه‌السلام ، كما يظهر لمن لاحظ الرّوايات الواردة في باب القضاء. ولذا ذهب المشهور خلافا للشيخ إلى عدم تحقّق التّعارض بين الشّاهدين والشّاهد والشّاهدتين وبين الشّاهد واليمين ، وليس له وجه سوى عدم صدق البيّنة على الأخير وصدقها على الأوّلين ، فافهم.


وكقول اللغوي : إنّ اللفظة الفلانيّة معناها كذا إذا وردت في خبر متضمّن لحكم كلّي.

وكقول الرّاوي : بعد قول الإمام : إنّه يجب في هذا اليوم كذا : وكان اليوم يوم الجمعة.

وكقوله : إنّ الإمام قال كذا وكذا ، وكان السّائل رجلا أو امرأة ، وإن الإمام صلّي في مكان وقال إنّ الصلاة فيها واجبة أو ذات ثواب ، ثمّ يقول الرّاوي ، وكان المكان مسجد الكوفة مثلا.

وأمثال ذلك فإنّه لا شكّ لأحد في اعتبار قول الرّاوي ، وإن كان في موضوع خارجي.

فالقسم الأوّل : بناء على الرّدع ـ لا يثبت بخبر الثّقة وهو واضح.

وأمّا القسم الثّاني ، فلا مانع من شمول أدلّة حجيّة الخبر في الأحكام لها ، فإنّ الإخبار عنها إخبار عن الأحكام الكليّة الشّرعيّة حتّى بناء على الرّدع المذكور.

ومنه انقدح إثبات الاجتهاد ، بل سائر شرائط المجتهد كالعدالة وغيرها بخبر الثّقة ، فإنّها موضوعات للأحكام الكليّة الشّرعيّة للمقلّد ، نعم ، مقتضى القاعدة عدم جواز الاقتداء بمثل هذا المجتهد ، فإنّ عدالته الثابتة بخبر الثّقة إنّما هي كافية للتقليد والعمل بفتاويه ، لا للاقتداء به في الصّلاة. وقبول شهادته في المرافعات ، مثلا فإنّهما من الأحكام الجزئيّة الّتي لا بدّ من إقامة البيّنة عليهما بناء على هذا القول ، فكما يقبل قول الرّاوي ، بعد نقل الحكم.

وقول الإمام : إنّ اليوم كان جمعة ، مثلا أو كان السّائل رجلا وهكذا غيره ممّا يتغيّر الأحكام الكلّيّة به ، كذا يقبل في كلّ موضوع خارجي يترتّب عليه حكم كلّي كالاجتهاد والوثاقة والضعف دون الأعلميّة فإنّها حدسيّة محضة.

فإنّ قلت : فعلى هذا يجب قبول قول اللغوي أيضا فإنّه يترتّب عليه حكم كلّي ولا فرق بين قوله وقول الرّجالي ونحوه.

قلت : نعم ، نلتزم به إلّا أنّ يمنع منه بأنّ قول اللغوي حدسي غير حسّي كالأعلميّة ، لكن أجاب عند سيّدنا الأستاذ الحكيم قدس‌سره في حقايق الاصول بأنّ الحدس القريب من الحسّ لا بأس بالاعتماد عليه ؛ ولذا بنوا على قبول الخبر المنقول بالمعنى مع أنّه ممّا نحن فيه. انتهى. ويمكن الخدش في الاستشهاد المذكور بأنّ البناء المزبور لدليل خاصّ ، لا لما ذكره كما لا يخفى. (١)

__________________

(١) إلّا أن يقال : إنّ عمل اللغوي هو نقل المعاني المستعملة فيها الالفاظ ، فهو يجمع ما يجده من المعاني الّتي يريدها أهل المحاورة والاستعمال ، سواء كانت حقيقيّة أو مجازيّة ، وينقلها إلينا وهذا أمر حسّي لا يحتاج إلى خبرويّة وإعمال حدس ، نعم ، هو من أهل الخبرة بالنظر إلى موارد الاستعمالات فقط لا في بيان المعاني الموضوعة لها الألفاظ.


والمتحصّل من ذلك كلّه : إنّ قول الرّجالي في تعديله وتوثيقه وجرحه حجّة إذا كان ثقة ولا يعتبر فيه التّعدد والعدالة ، والإيمان بالمعنى الأخصّ وشروط المفتي ، والشّاهد وأهل الخبرة.

ويمكن أن يجعل ارتكاز العقلاء على اعتبار خبر الثّقة بمنزلة المخصّص المتّصل اللفظي للعمومات الدّالة على عدم حجيّة الظّن في عدم انعقاد ظهورها بالنّسبة إلى خبر الثّقة ؛ ولذا لم يتغير بناء المسلمين في أعمالهم ومعاملاتهم كسائر العقلاء في الاعتماد على خبر الثّقة بعد نزول الآيات المشار إليها. والله الأعلم.

__________________

وبعبارة ثانية : ليس اللغوي من أهل الخبرة بالنسبة إلى تعيين ظواهر الألفاظ بالوضع أو بالقرينة العامّة. وعليه فإخباره عن استعمال اللفظ في المعاني من جهة مطلق النبأ ، لا من باب الشّهادة المعتبرة فيها العدالة كما ذكر في تقرير دروس بعض أساتيذنا في أصول الفقه.


البحث الرابع

في اعتبار التّوثيقات الموجودة

إنّ أرباب الجرح والتعديل كالشّيخ والنجّاشي وغيرهما ، لم يعاصروا أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومن بعدهم من أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، حتّى تكون أقوالهم في حقّهم صادرة عن حسّ مباشر ، وهذا ضروري ، وعليه فإمّا أن تكون توثيقاتهم وتضعيفاتهم مبنية على أمارات اجتهادية وقرائن ظنية ؛ أو هي منقولة عن واحد بعد واحد ، حتّى تنتهي إلى الحسّ المباشر ، أو بعضها اجتهاديّة ، وبعضها الآخر منقولة ، ولا شق رابع.

وعلى جميع التقادير لا حجيّة فيها أصلا ، فإنّها على الأوّل حدسيّة ، وهي غير حجّة في حقّنا ؛ إذ بناء العقلاء القائم على اعتبار قول الثّقة ، إنّما هو في الحسيّات أو ما يقرب منها دون الحدسيّات البعيدة ، وعلى الثّاني يصبح معظم التّوثيقات مرسلة ، لعدم ذكر ناقلي التّوثيق والجرح في كتب الرجال غالبا.

والمرسلات لا اعتبار بها ، نعم ، عدّة من التّوثيقات منقولة مسندة كما في رجال الكشي رحمه‌الله ، وهذا ممّا لا شك في حجيّتها واعتبارها إذا كانت الأسناد معتبرة.

والحاصل : أنّ حال هذه التّوثيقات حال الرّوايات المرسلة ، فكما إذا قال الشّيخ الطوسي قدس‌سره قال الصّادق عليه‌السلام كذا وكذا ، ولم ينقل سنده لا نقبله ، كذا إذا قال : مسعدة بن صدقة من أصحاب الصّادق عليه‌السلام ثقة ، فإنّ الحال فيهما واحد ، فكيف يقبل الثّاني ولا يقبل الأوّل؟

وكنّا نسأل سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله أيّام تتلمذنا عليه في النّجف الأشرف عن هذا ، ولم يكن عنده جواب مقنع ، وكان يقول إذا طبع كتابي في الرجال تجد جوابك فيه ، ولمّا


لا حظناه بعد طبعه رأينا أنّه رحمه‌الله أجاب عن الشقّ الأوّل ، أي : حدسيّة التّوثيقات دون الشقّ الثّاني الّذي هو العمدة عندي ، وكنت أسأله عنه مرارا. (١)

وأيضا هو لم يقدر على إثبات كون جميع التّوثيقات حسيّا ، بل أثبت أنّ الكثير منها حسي والجميع ليس بحدسي ، وهذا المقدار مقطوع به بملاحظة كتب الرجال لكنّه غير كاف ، كما علمت.

وقد عرضت هذا السّؤال على جماعة من علماء العصر كالسّيد الأستاذ الحكيم رحمه‌الله والشّيخ الحلّي (في المشهد العلوي) والسّيد الميلاني (في المشهد الرضوي) والسّيد الخميني في النجف وغيرهم رحمهم‌الله جميعا ، وكجملة من علماء بلدة قم ، فلم يأت أحد بشيء يقنعني.

ثمّ لا شكّ في عدم استناد التوثيقات الموجودة كلّها إلى الحدس ، بل من المظنون القوي استناد أكثرها إلى النقل ؛ ولذا قال الشّيخ الطوسي قدس‌سره في أوّل فهرسته : فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الاصول ، فلا بدّ أن أشير إلى ما قيل فيه من التّعديل والتّجريح. (٢) وقال في كتاب العدّة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد : إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الإخبار ، فوثّقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء ، وفرقّت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم ... وصنّفوا في ذلك الكتب ... (٣).

ظاهر هذه العبارة إنّ التّوثيقات والتجريحات كلّها منقولة عن سابق عن سابق.

وفي رجال النجّاشي في أوّل الجزء الثّاني (٤) : من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : وما أدركنا من مصنّفاتهم ، وذكر طرف من كنّاهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم ، وما قيل في كلّ رجل منهم من مدح أو ذمّ ممّا جمعه الشّيخ الجليل أبو الحسين أحمد بن علي بن العبّاس النجّاشي الأسدي ، أطال الله بقاه وأدام علوه ونعماه ، انتهى. (٥)

__________________

(١) انظر كلامه في : معجم رجال الحديث : ١ / ٥٥ و ٥٦ ، والصفحة : ٤١ من الطّبعة الخامسة.

(٢) لكنّه رحمه‌الله لم يف بوعده حتّى في أوّل كتابه ، وهذا منه عجيب.

(٣) عدّة الاصول : ١ / ٣٦٦ ، المطبوعة في مطبعة سيّد الشّهداء بقم.

(٤) رجال النجاشي : ١ / ١٥٧.

(٥) جملة وما أدركنا وإن كانت تؤيد كون هذه الجملات من النجّاشي نفسه ، لكن الدعاء في الذيل يدلّ على أنّ الكلام من غيره ، فلم يثبت أنّه قوله ، لكن الدعاء المذكور قد ذكر في ترجمته أيضا ـ رجال النجاشي : ٧٩ ـ فلا يبعد كونه منه ، وقد قيل إنّ القدماء كانوا يدعون لأنفسهم بهذه العبارات ؛ وأمّا مدلوله ، فهو كمدلول كلام الشّيخ.


وقيل : إنّ النجّاشي يعتمد في توثيق شخص أو تضعيفه على مشايخه ، كما يظهر من كتابه في خلال تراجمه كابن الغضائري ، والكشي ، وابن عقدة وابن نوح ، وابن بابويه وأبي المفضل وغيرهم ، وكذلك عن كتب جمّة ، وقد أحصيناها فبلغت أكثر من عشرين كتابا ، كرجال أبي العبّاس ، وابن فضّال والعقيقي ، والطبقات لسعد بن عبد الله ، والفهرست لأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه ، ومحمّد بن زياد ، ولا بن النديم ، ولا بن بطّة ، ولا بن الوليد ، ولغيرهم. (١)

ثمّ إنّك عرفت أنّ بناء العقلاء إنّما هو على اعتبار الإخبار الحسيّ أو الحدسي المدلول عليه بالآثار الظّاهرة الواضحة القطعية الحسيّة ، وشيء منهما غير حاصل في المقام فإنّ الصدق وآثاره الحسيّة ، وكذا آثار العدالة الحسيّة غير قريبة من إحساس هؤلآء الأعاظم ، لما بين الرّاوي والمخبر من الفصل البعيد الزماني ؛ ولذا يختلف آراء الرجاليّين في حقّ جملة من الرّواة. وقد مرّ أنّ جملة كثيرة من تلك الأمارات مزيفة باطلة ، وهذا فليكن واضحا ، ولذا لا بدّ من معرفة الوسائط ووثاقتهم. وقد رأيت في ما قيل من مدارك النجّاشي أنّ بعضهم مجهول ، كالعقيقي وابن النديم مثلا ، وأمّا استناد السّيد الأستاذ قدس‌سره إلى أصالة الحسّ ، فيما يدور الإخبار بينه وبين الحدس في كلّ توثيق ، فهو صحيح ، لكنّها أجنبيّة عن المقام ، فإنّها تثبت حسّية الإخبار لا وثاقة المخبر. فإذا علمنا ولو تعبدا وثاقة نقلة التّوثيق وشككنا في صدور التّوثيقات عن حسّ أو حدس فالإصالة المذكورة تنفعنا كما في المسندات.

وأمّا إذا جهل وثاقة النقلة المحذوفة أسمائها ، كما في المقام أو ذكرت اسماءهم ، فلا أصل يثبت وثاقتهم إلّا بناء على أصالة العدالة ، أو أصالة الأمانة القوليّة في كلّ مسلم ، أو مؤمن ولا نقول بها.

لا يقال : النقلة الوسائط بين الموثّق والموثّق إن كانوا ثقات ، فقد ثبت المطلوب وإن كانوا مجهولين أو ضعفاء ، فاعتماد الموثق عليه يرجع إلى إعمال نوع من الحدس ، والأصل المذكور يدفعه ، فأصالة البناء على الحسّ تنفعنا في المقام.

قلت أصالة البناء المذكورة لم تثبت ببرهان عقلي ولا بدليل لفظي من آية أو رواية ، حتّى يتمسك بها في كلّ مورد ، بل هي دليل لبّي غير ثابت في المقام ، فارجع إلى العقلاء ، فانظر إلى بنائهم فهل يثبتون وثاقة مئات من المجهولين والمحتملون كذبا بهذا الأصل ، وبهذا

__________________

(١) أصول علم الرجال : ٢٦.


البيان؟ ولا أقلّ من الشّك في مثل هذا البناء ، واللبّي يؤخذ بالقدر المسلّم والمتيقّن ، على أنّه منقوض بالرّوايات المرسلة ، إذ لا قائل باعتبارها مطلقا وبلا استثناء ، مع أنّ البيان المذكور جار فيها حرفا بحرف.

وهنا طريق آخر ذكره بعض الأعلام السّادة من المعاصرين حين المذاكرة معه في الحضرة العلويّة (١) ، وهو : إنّ احتمال التواتر في الرّوايات المرسلة غير متحقّق ؛ إذ طريق المصنفين إلى أرباب الكتب أو الأصول أو الرّواة معلومة معينة محدودة غالبا (٢) ، فلا تكون المرسلات حجّة. وهذا بخلاف التّوثيقات الصادرة من علماء الرجال للرواة ، فإنّ احتمال وصول وثاقة الرّواة إلى الشّيخ والنجّاشي وأمثالهما بنحو التواتر ، بلا مانع.

وعليه فنقول : الظاهر هو البناء على التواتر ، لما ثبت عند العقلاء أنّه لو دار الأمر بين كون خبر المخبر عن حسّه أو حدسه ، يبنى على أنّه عن الحسّ ، وفي المقام إذا قلنا بالتواتر المزبور يكون التّوثيق حسيّا ، بخلاف ما إذا أنكرنا التواتر فإنّ الشّيخ مثلا قبل توثيقه لأحد لا بدّ له من تطبيق صدق العادل على جميع نقلة هذا التّوثيق ، وهذا التطبيق ـ أي : تطبيق الكبرى على المفيد وغيره من نقلة الثقات ـ حدسي ليس بحسّي.

أقول : هذا كلامه وكان يصّر عليه ، ولكن يفسده امور :

أوّلا : إنّ لازمه حجيّة التّوثيق المرسل دون المسند بذكر الرّواة الثّقات بتقريب أنّ الوثاقة حينئذ حدسيّة ناشئة من تطبيق صدق العادل على النقلة ، وهو كما ترى.

وثانيا : عدم احتمال التواتر في جميع التّوثيقات كما يظهر من التّوثيقات المسندة في كلام النجّاشي والكشّي وغيرهما ، بل لم أجد موردا ثبتت الوثاقة بالتواتر المصطلح فيه ، بل لا أذكر عاجلا موردا ادّعي المعدل فيه القطع بوثاقة أحد. فتأمّل.

كيف ، ولو كانت التّوثيقات متواترة لما وقع الخلاف بين الشّيخ والنجّاشي وغيرهما من أرباب الرجال في التّوثيق والتضعيف ، بل ربّما كان للشيخ مثلا قولان في راو واحد على ما مرّ.

__________________

(١) وهو العلّامة الجليل السّيد على السيستاني (طال عمره) الّذي هو اليوم أحد مراجع التقليد بعد وفاة السّيد الخوئي رحمه‌الله ، ثمّ إنّي لقيته بعد ١٧ سنة من ذاك اللقاء سنة ١٤١٤ ه‍ / ١٣٧٣ ش ، في النجف الأشرف ، فقلت له : هل عندك شيء جديد في هذا المقام؟ فلم يكن عنده شيء غير ما قاله سابقا.

(٢) ولا يحتمل أن يكون للصدوق ، مثلا ـ إذا أرسل حديثا ـ طريق متواتر لم يصل إلى غيره من علماء الحديث ، كالكليني والطّوسي ، مثلا.


ثمّ إنّ الكشّي (وهو أقدم رجالي وصل إلينا كتابه) بيّن حال بعض الرّواة مسندا وليست أسانيده متواترة فمن أين ينشأ احتمال التواتر ، بل القلب يطمئن بعدم التواتر في كثير من التّوثيقات.

وثالثا : إنّ تطبيق الكبرى ليست من الحدسي الّذي لا يثبت بخبر الواحد ، بل هو قريب من الحسّ واضح السبيل يثبت بخبر الواحد ، كما مرّ ، وبالجملة تصديق الثّقة أمر ظاهر ارتكازي للعقلاء معدود عندهم من الحسيات في الاعتبار. ولو كان مطلق الحدسي ـ وإن كان ضعيفا ـ مانعا عن معاملة الحسّي معه لكان التواتر أيضا حدسيّا لاحتياجه إلى قياس خفى ، كما قرّر في المنطق ، فلاحظ.

ورابعا : إنّ إثبات تواتر نقل ، بدعوى بناء العقلاء على معاملة الحسي مع الخبر المردّد بين كونه حسّيا أو حدسيّا مقطوع الفساد عند العرف ، بل ولعلّه لم يخطر ببال أحد من العقلاء سوى هذا السّيد الجليل المتصدّي لحجيّة أقوال علماء الرجال. (١)

نعم هنا شيء آخر يمكن به الفرق بين التّوثيق المرسل والرّواية المرسلة ، فيقال بحجيّة الأوّل دون الثّاني.

وحاصل هذا الوجه : أنّ نقل الرّواية من الضّعيف ممكن ولا مانع منه. وأمّا نقل التّوثيق عن الضعيف فغير صحيح ، ولا ينبغي صدوره عن الفضلاء ، فضلا عن الأكابر ؛ وذلك فإنّ الغرض الوحيد من التّوثيق هو إثبات وثاقة الرّاوي وعدم كذبه في قوله ونقله ، حتّى تصبح رواياته عند العلماء والمجتهدين الذين هم غير عالمين بحاله حجّة ، وعليه فيكون توثيق الرّاوي بنقل ضعيف نقض للغرض ، فإنّ كلّ عاقل يفهم أنّ وثاقة مجهول لا تثبت بتوثيق كاذب ، أو مجهول مثله.

ولا ينبغي لأحد أنّ ينسب هذا الاحتمال إلى أمثال هؤلآء الأكابر مثل الشّيخ وأمثاله من أقطاب العلوم الشّرعيّة.

فإذا حكم الشّيخ ـ مثلا ـ بوثاقة أحد ، لا بدّ من إحرازه وثاقة جميع نقلة الوثاقة.

__________________

(١) وقريب منه ما أفاده بعض السّادة الأجلاء حين مذاكراتي معه أيضا في النجف الأشرف في بيته بعد تلك المذاكرة بعدّة سنوات ، بيد أنّ الجليل المذكور عبّر بالواضح دون المتواتر ـ والمراد : السّيد السعيد الشّهيد المفكّر الإسلامي الكبير. السّيد باقر الصدر رحمه‌الله حشره الله مع أجداده ، [استشهد اليه بعد الطبعة الأولى من هذا الكتاب] ـ.

فإنّ أراد السّيد الشّهيد رحمه‌الله من الوضوح ، التواتر ، ففيه ما مرّ ، وإن أراد بالوضوح ما هو معلول القرائن ، فهو حدسي ، وإن أراد به الاطمئنان الحاصل من كثرة الطرق ، ففيه أنّه يختلف من أحد إلى آخر.


أقول : هذا الّذي خطر ببالي مجرّد حسن ظنّ بهؤلآء العلماء قدس‌سرهم فإنّ أوجب الاطمئنان لأحد ، فله الاعتماد على التّوثيقات الموجودة ، وإلّا فلا.

والأصل في هذا الترديد إنّ إحراز وثاقة ناقلي التّوثيقات غير واضح السبيل ؛ ولذا قد يختلف كلام الشّيخ رحمه‌الله في وثاقة أحد أو ضعفه ، كما في حقّ سهل بن زياد. وترى الشّيخ يضعف سالم بن مكرم بن عبد الله أبا خديجة ، في حين أن النجّاشي يقول في حقّه : ثقة ، ثقة. (١) فيعلم من هذا وأمثاله أنّ لكلّ معدل ورجالي أصولا خاصّة يبني عليها الجرح والتّوثيق. (٢)

وبعبارة أخرى : إنّ التّوثيقات والتحسينات على قسمين :

قسم منها : مستند إلى نقل سابق عن سابق حتّى ينتهي إلى الناقل المعاصر للراوي المقول فيه ، والظّاهر إنّ هذا القسم هو الأكثر. (٣)

وقسم منها : مستند إلى الحدس والأمارات الاجتهاديّة على ما تقدّم أكثرها.

ثمّ إنّ وثاقة نقلة الوثاقة والصّدق أيضا قد تستند إلى النّقل ، وقد تستند إلى الحدس وهكذا.

وهذا القسم ـ أي : حدسيّة التّوثيق والتّحسين ـ هو الأقل ، وحيث إنّ حدس الموثّق والمحسّن ليس بحجّة لنا ، بل ثبت بطلانه في أغلب موارده فيما مرّ ، يسقط جميع التّوثيقات والتحسينات عن الاعتبار ضرورة عدم تمييز بين التّوثيقات الحسيّة والحدسية وخلط الحجّة باللاحجّة.

فإن قلت : ظاهر كلام النجّاشي والشّيخ السّابق استناد جميع التّوثيقات إلى الحسّ ، لا إلى الحدس.

قلت : أوّلا : نمنع ظهوره في العموم والاستيعاب ، بل المتيقن منه أو المظنون قويا من الخارج استناد أكثرها إلى الحسّ كما قلنا ، فيسقط الجميع عن الاعتبار لما عرفت. على أنّ بناء العقلاء على الحسّ فيما يدور الإخبار بينه وبين الحدس ، في المقام ، أي : ما يكون الفصل بين المخبر والمقول فيه بمائة سنة مثلا ، ممنوع ولا دليل عليه ، والدليل اللّبىّ يؤخذ بالمتيقّن منه.

وثانيا : إنّ قبلنا ذلك في توثيقات النجّاشي رحمه‌الله ، فلا نقبله في توثيقات الشّيخ قدس‌سره ؛ إذ من

__________________

(١) بل نقل عن الشّيخ أيضا توثيقه ونقل عن ابن فضّال في حقّه أنّه صالح لا ثقة.

(٢) يقول النجّاشي في حقّ الكشي : كان ثقة عينا ، وروى عن الضعفاء كثيرا. ويعتقد الشّيخ الطّوسي وثاقة كلّ من روي عنه أصحاب الإجماع ، كما يأتي بيانه في البحث الحادي عشر والبحث الحادي والعشرين ، ونحن لا نقول بها.

وعلى هذا يقوي الإشكال في توثيقات الشّيخ لتطرّق الظّنون الاجتهاديّة في توثيقاته في حقّ من ثبت رواية أحد هؤلآء عنه.

(٣) وقد مرّ أنّ أصالة البناء على الحسّ تثبت حسّية النقل ، ولا تثبت وثاقة الناقلين.


أين نعلم خلوّ توثيقاته من أعمال الحدس ، فمثلا : من أين نعلم أنّ الشّيخ لم يقبل قول النقلة المجهولين في بيان التّوثيقات اعتمادا على أصالة العدالة ، كما نسبت إليه فيما سبق؟

ومن أين نفهم أنّه لم يوثّق الّذين روي عنهم ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي؟

وقد صرّح في محكي عدّته بأنّ هؤلآء الثّلاثة لا يرون ولا يرسلون إلّا عمّن يثقون به ، فالشيخ يعامل مع من روي عنهم هؤلاء الثلاثة وغيرهم ، معاملة الثقات اعتقادا منه بأنّ رواية أحد هؤلآء عن شخص بمنزلة قوله في حقّه أنّه ثقة ، فلا منافاة بين توثيق الشّيخ لمثل هذا الرّاوي وبين قوله السّابق في الفهرست والعدّة أصلا.

ومن أين نعتقد أنّ الشّيخ لم يقبل قول المعدلين والموثّقين المجهولين في توثيقاتهم ، أو قول ناقلي التوثيقات المجهولين بواسطة القرائن الحدسية؟

فإن قلت : سلّمنا ذلك ، لكن يدور الأمر في وثاقة كلّ راو بين كونها حسيّة أو حدسيّة ، وبناء العقلاء في ذلك على حملها على الأوّل.

قلت : نعم ، لولا العلم الإجمالي بوجود توثيقات ناشئة عن الحدس استنادا إلى تصريح نفس الشّيخ ، كما

أشرنا إليه ويأتي مفصّلا.

على أنّ النقض بمثل مرسلات الصّدوق وغيره فيما إذا قالوا : قال الصّادق عليه‌السلام كذا باق بحاله ، إذا الفاضل المتدين ـ فضلا عن مثل الأعاظم ورؤساء المذهب كالكليني والمفيد ، والشّيخ والصّدوق والصفار ومن يحذو حذوهم ـ كيف ينسب قولا إلى الصّادق وهو يعلم بعدم صحّة النسبة أو يشك في صحتها؟

فلا بدّ من البناء على صحّة المرسلات مع أنّهم لا يقبلون مطلق المرسلات. (١)

__________________

(١) وقد يدّعي بعض المشتاقين إلى التّوثيق أنّ الفرق بين إرسال التّوثيق وإرسال الرّواية ، واضح عند التأمّل ، فإنّ إرسال مثل الشّيخ والنجاشي إنّما يكون بعد سماعهم عن مشايخهم ، جميعهم أو أكثرهم بحيث يحصل لهم العلم الوجداني أو التعبّدي بذلك ، فيوجب العلم بأنّ الوسائط ثقات. ولو كان لديهم أدنى شكّ أو اختلاف لنسبوا ما ذكروه إلى الشّخص الّذي نقلوا عنه ، فكيف يقاس ذلك بالإرسال في الرّواية؟ فإنّ الإرسال فيها غير موجب للعلم بوثاقة من أرسل عنهم.

أقول : ما ادّعاه مجرّد توهّم لا واقعية له ؛ إذ يمكن اعتمادهما في التّوثيق على كتاب واحد أو شخص واحد ضعيف أو مجهول ، حصل لهم الظّن بالصدق كابن النديم وابن بطّة وأبي المفضل والعقيقي كما اعترف هذا القائل به في حقّ النجّاشي قبل ادّعائه هذا بأسطر ، فكيف علم أنّ الشّيخ أو النجّاشي ينقل التّوثيقات والتضعيفات في جميع الموارد عن جميع مشائخه أو أكثرهم؟ على ان النقض بالروايات المرسلة باق ولم يقدر على بيان وجه الفرق.


وأمّا دعوى إجماع العلماء المتأخّرين عن زمان الشّيخ والنجّاشي على حجيّة توثيقات الشّيخ والنجّاشي والكشّي وأمثالهم ، فغير صحيحة ، فإنّ إجماعهم ليس تعبديّا كاشفا عن قول المعصوم ؛ إذ للعلماء طرق وآراء مختلفة في حجيّة آراء الرجاليّين ، وما يتوهّم من دفع الإشكال على القول بكون الرجوع إلى الرجاليّين من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ضعيف ، فإذا لم يندفع الإشكال المذكور فلا بدّ من الالتزام بدليل الانسداد والجرى على وفقه في الفقه ، لكن العجيب إننى ـ نفسيا ـ لا أرى في الانسداد وأصوله إثبات الحلال والحرام ، بل الّذي تطيب به نفسي هو العمل بصحاح الرّوايات وحسانها وموثقاتها حسب توثيق وتحسين هؤلآء الرجاليين الكرام (قدّس الله أسرارهم).

ولو أجد من حلّ لي المعضلة المذكورة لقدّمت له مبلغا من المال ، وكنت له شاكرا ، إذ مع هذه المعضلة يصبح علم الرجال غير معتمد على أساس عقلي أو شرعي ، كما هو ظاهر ، والله الهادي والملهم للصواب.

وفي الختام نلخص المشكلة المعضلة في المقام توضيحا للمطالعين.

المعضلة من جهتين :

١. معظم توثيقات الشّيخ الطّوسي والنجّاشي بشهادة كلماتهما ، وبالقرينة الخارجيّة ، حسّية جزما ، من دون الاستمداد من أصالة حمل كلام المخبر على الحسّ ، فيما إذا دار الأمر بين كونه عن حدس أو حسّ لبناء العقلاء عليه.

فالمشكلة في هذا القسم لا تنشأ من جهة احتمال كون توثيقاتهما حدسيّة أصلا ، وإنّما المعضلة أن توثيقاتهما ـ وكذا تضعيفاتهما ، وسائر ما ذكراه في حقّ الرّواة ـ مرسلة لم يذكرا الوسائط النقلة حتّى نعرف أنّهم ثقات أو ضعفاء أو مجاهيل.

وقبول التّوثيقات المرسلة لا وجه له سوى حسن الظّن بالشّيخ والنجّاشي ، وأنّهما لم ينقلاها إلّا عن ثقة عن ثقة إلى الآخر والحال أنّهما لم يذكرا ذلك ، ولم يشيرا إليه ، فكيف يجوز لنا قبولها؟ ولم لا نسأل منهما أنّه من هؤلآء الّذين أخبرو كما أنّ محمّد بن مسلم مثلا ثقة؟

فإنّكما لم تراه ألّا ترى أنا نقطع بأنّ ما ينقله أحدهما عن النّبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام ليس بحدسي قطعا ، بل هو حسّي ضرورة ، ولكن حيث نعلم إنّه لم يلاق النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام نحتاج في قبول الحديث الحسّي إلى سنده ، وملاحظة حال رواته فإنّ علمنّا وثاقتهم


أو حسنهم نأخذ به وإلّا نتركه ؛ لأجل الإرسال. وحيث إنّ معظم التّوثيقات مرسلة غير مسندة لا اعتبار بها ، وإن كانت حسّية مسموعة عمّن تقدمهما ، وهذا هو الإشكال الصعب المهمّ.

٢. الشّيخ الطّوسي رحمه‌الله مجتهد بتمام معنى الكلمة فمن أين نطمئن بأنّه لم يعمل حدسه في توثيقاته وتضعيفاته؟ والاستمداد من أصالة الحمل على الحسّي عند دوران الأمر بين الحسيّ والحدسي ، حتّى يثبت كونه حدسيّا في المقام مقرون بالصعوبة بعد الظفر على كلمات للشيخ رحمه‌الله تشهد بإمكان استفادته من اجتهاده وحدسه في مسائل علم الرجال. وقد صرّح بأنّ ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي وغيرهم ـ أي : أصحاب الإجماع كلّهم ـ لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

وهذا أمر حدسي ظاهرا ، نعم ، احتمال عدم الحدس في حقّ النجّاشي محدود ، فإنّه ليس كالشّيخ في سعة علومه واجتهاده ـ إنّ ثبت ـ مع إنّا لم نجد في كتابه ما يدلّ على إعمال حدسه ، لكن يحتمل ، في حقّه وحقّ الشّيخ ـ صدور التّضعيف والتّوثيق بملاحظة روايات الرجال ، وهذا يمكن إقامة بعض الشّواهد في فهرستيهما عليه.

واعلم أنّ الإخبار عن شيء ، تارة يكون عن حسّ ومشاهدة ، وأخرى عن أمر محسوس مع احتمال استناده إلى الحدس دون الحس.

وثالثة : عن حدس قريب من الحس.

ورابعة : عن حدس ناشئا عن سبب كانت الملازمة بينه وبين المخبر به تامّة عند المنقول إليه ، بحيث لو فرض إطلاعه على ذلك السبب لقطع بالمخبر به ، كما في بعض الإجماعات المنقولة.

وخامسة : عن حدس ناشئا من سبب لم تحرّز الملازمة بينه وبينه عند المنقول إليه.

فالأوّل حجّة إذا كان المخبر ثقة صادقا ، والثّاني مثله ، إذ بعد كون المخبر به من الأمور المحسوسة فظاهر الحال يدلّ على أنّ الإخبار به عن حسّ دون حدس. وكذا الثالث إذ احتمال الخطأ في الأمور القريبة من الحسّ بعيد موهون عند العقلاء. وكذا الرابع فإنّه إخبار عن أمر حسيّ وهو السّبب. والاعتماد على المسبّب لأجل تماميّة الملازمة عند المنقول إليه .. وأمّا الخامس ، فهو غير حجّة إلّا بدلالة دليل كما في حجيّه الفتوى ، ثمّ الأظهر إثبات الأمور الحدسيّة النظريّة المترتبّة عليها الأحكام الشّرعيّة ، كما في تقويم الأمتعة ، مثلا : بقول واحد ثقة من أهل الخبرة ولا يتوقف على العدالة والتّعدد ؛ وذلك لبناء العقلاء على ذلك كما في مراجعة المرضى وغيرهم إلى الأطباء والمهندسين ، وغيرهما في جميع ما يحتاجون إليه.


البحث الخامس

حول وثاقة مشائخ ابن قولويه

قال الشّيخ الجليل الثّقة جعفر بن محمّد بن قولويه (١) : وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم ـ أي : الأئمّة عليهم‌السلام ـ في هذا المعنى ، ولا في غيره ، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحمهم‌الله برحمته) ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشّذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرّواية المشهورين بالحديث والعلم .... (٢)

أقول : العبارة تحتمل وجهين :

الأوّل : إنّه لا يذكر في كتابه ما روي عن الشّذاذ مطلقا.

الثّاني : إنّه لا ينقل عنهم إذا كان الخبر نقل عن غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم. وإن نقل عن المعروفين فهو ينقل عن الشّذاذ.

وعلى كلّ استفاد منه صاحب الوسائل (٣) توثيق الرّواة الواقعين في الكتاب وتبعه سيدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله وكان يصرّ عليه في محاضراته (دروس الخارج) فيحكم لأجله بوثاقة جمع كانوا في علم الرجال من المجهولين ، ثمّ ذكر ذلك في كتابه معجم رجال الحديث (٤) ، ثمّ أتعب نفسه الشّريفة في تراجم الرّواة في تمام كتابه فأشار إلى رواية من روي عنه ابن قولويه دلالة على وثاقته.

__________________

(١) انظر : كامل الزيارات : ٤.

(٢) أنظر : مستدرك الوسائل ، فإنّه نقل العبارة فيه بتفاوت يسير ، وعلى كلّ العبارة غير خاليّة عن التعقيد.

(٣) وسائل الشيعة : ٦٨ / ٢٠ ، الطبعة الحديثة. لكن عبارته غير واضحة في أنّه هل قبل هذا التّوثيق العام أم لا؟ فالعمدة هو قبول سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله.

(٤) معجم رجال الحديث : ١ / ٤٤.


لكن المحدّث النوري رحمه‌الله فهم منه توثيق الّذين روي عنهم ابن قولويه بلا واسطة ، أي : خصوص مشائخه. (١)

أقول : ويمكن أن نستدلّ على قول النوري بوجهين :

الأوّل : قوله المعروفين بالرّواية المشهورين بالحديث والعلم ؛ إذ من الظاهر أنّ جميع رواة روايات كتابه ليسوا بمعروفين في الرّواية ولا مشهورين بالحديث والعلم ، بل حالهم حال سائر الرّواة ولا أظنّ أنّ ابن قولويه كان معتقدا معروفيتهم وشهرتهم في العلم ، فضلا عن كونهم كذلك في الواقع ونفس الأمر.

أقول : لكن عبارة ابن قولويه لا تدلّ على أنّه لا يروي إلّا عن المعروف بالرّواية ، والمشهور بالحديث والعلم ، بل تحتمل الوجهين المتقدّمين.

الثّاني : وجود المراسيل والضعاف في كتابه في غير مشائخه.

لا يقال : إطلاق توثيقه محكم في غير ما علم بطلانه.

فإنّه يقال : إنّ وجود المراسيل قرينة على اختصاص التّوثيق بالمشائخ وحدهم ، كيف ولا يحتمل عدوله ـ بناء على عموم التوثيق ـ عن مبنائه في أوّل كتابه؟ فقد ذكر في الباب الأوّل في الرّواية الثالثة عن أحمد بن إدريس عمّن ذكره عن محمّد بن سنان عن محمّد بن علي رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... من هذا الّذي يرويه عنه أحمد بن إدريس ، وكيف علم أنّهم من أصحابنا الثّقات؟

وأمّا محمّد بن سنان فحاله معلوم في الرجال ، ثمّ من هم الّذين توسّطوا بين محمّد بن علي ، وبين النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي نفس الباب في الرّواية الرّابعة : عن يحيى وكان خادما لأبي جعفر الثّاني عليه‌السلام عن بعض أصحابنا رفعه إلى محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ... والسّند في غاية الجهالة ، حتّى من بعد يحيى المذكور.

ولا يحتمل عدوله عمّا ذكره أوّلا في هذه الفاصلة القليلة جدّا.

وفي الرّواية التّاسعة من الباب الثّاني : عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن أبي حجر الأسلمي. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٢٣. وهذا الاعتدال من مثله عجيب ، فإنّه أفرط في خاتمة كتابه مستدرك الوسائل في توثيق الرّواة ، وخرج عن الحقّ ، وجانب الإنصاف في اعتبار الرّوايات وتوثيق الرّواة ولا يجوز لطلّاب الحقّ وأرباب الاستنباط أن يغتروا بتوثيقاته وأن يعتمدوا على آرائه ، فإنّ ذلك يبعدهم عن الحقّ بعدا عفي الله عنه وعنّا.

وعلى كلّ أنّ مشائخه يبلغون ٣٢ شخصا ، كما ذكرهم بعض المؤلّفين تفصيلا.


أقول : محمّد بن سليمان رمي بالغلوّ.

وأمّا أبو حجر فقال الفاضل المامقاني في باب الكني : أبو حجر الأسلمي لم يتبيّن اسمه ، وإنّما روي محمّد بن سليمان الديلمي عنه من دون ذكر اسمه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، لكن روي في باب زيارة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الكافي هذا الخبر بعينه عن محمّد بن سليمان ، عن أبي يحيى الأسلمي ، عن أبي عبد الله ، فيمكن أن يكون أحدهما مصحّف الآخر ، أو كونهما رجلين.

أقول : سواء أكان الأسلمي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو ظاهر كامل الزيارات ، أم لا ، تكون الرّواية مرسلة ، وعلى كلّ الأسلمي مهمل مجهول.

هذا ما نقلناه من أوّل هذا الكتاب ومثله كثير إلى آخر الكتاب ، لكن يبعّد قول المحدّث النوري أمران :

أحدهما : عدم ذكر المشايخ في كلام ابن قولويه ، بل فيه كلمة الأصحاب ، والمتعارف إطلاق كلمة المشايخ على الأساتيذ.

وثانيهما : كلمة الاسترحام ؛ إذ يبعّد وفاة جميع مشائخه حين تأليف أوّل كتابه.

ثمّ إنّ وثاقة جميع رواة الكتاب أمر مهمّ ، فكيف لم يتعرّض لها الشّيخ والنجّاشي قدس‌سرهم؟ وكيف لم تشتهر في زمن ابن طاووس. والعلّامة وابن داود وغيرهم؟

والحقّ : انّ الاستدراك في قول ابن قولويه : ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات ليس راجعا إلى عدم النقل والذكر ونحوه ، ليكون ظاهرا في أن جميع المذكورين في أسناد روايات الكتاب ، أو خصوص مشائخه من الثقات ، بل هو راجع إلى عدم الإحاطة المذكور في كلامه إنّا لا نحيط.

وهذا لا يدلّ على أنّ جميع من روي عنه ثقات ، فيجوز أن ينقل في جملة من الموارد من الضعفاء بقرينة أخرى.

دعم وتأكيد

قلنا إنّ عبارة ابن قولويه لا تدلّ على وثاقة جميع من روي عنهم ، كما عن سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله ولا على وثاقة كلّ مشائخه ، كما عن المحدّث النوري. ونتعرّض هنا لحال بعض من وقع في أسناد كامل الزيارات ، حتّى يطمئن الباحث الناظر في هذا الكتاب بضعف القولين المذكورين.

١. الحسن بن علي بن أبي عثمان سجادة.

ذكره النجّاشي ، وقال : ضعّفه أصحابنا.


ووصفه الشيخ : بالغالي.

وذمّه الكشّي يقوله : على السجادة لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين ، فلقد كان من العليائيّة الّذين يقعون في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وليس لهم في الإسلام نصيب.

وهذا الرجل وقع في أسناد كامل الزيارات.

ويقول الأستاذ في ضمن كلامه : نعم ، لو لم يكن في البين تضعيف ، لأمكننا الحكم بوثاقته مع فساد عقيدته ، بل مع كفره. (١)

أقول : وقد ذكره نحوه في ترجمة أحمد بن هلال أيضا ، ولعلّه لا خلاف بين الرجاليّين في اشتراط الإسلام في الرّاوي ، وكيف يمكن الاعتماد في الدّين على الكافر ، وحصول وثاقته أمر نادر جدّا؟

٢. محمّد بن جمهور العمّي ـ منسوب إلى بني العمّ من تميم ـ :

ضعيف في الحديث فاسد المذهب. وقيل : فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها.

[قول النجّاشي فيه.]

ويقول الشّيخ في فهرسته ... : أخبرنا برواياته وكتبه كلّها إلّا ما كان فيه من غلوّ أو تخليط ... ويقول في رجاله في حقّه : بصري غال.

وهذا الرجل وقع في أسناد أحاديث كامل الزيارات ، وتفسير القمّي ، والطرفة أن السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله يقول في معجمه : الظّاهر أنّ الرّجل ثقة ، وإن كان فاسد المذهب ؛ لشهادة ابن قولويه بوثاقته ، غاية الأمر أنّه ضعيف في الحديث ، لما في روايته من تخليط وغلوّ.

أقول للأستاذ : فمن أين جاء الغلوّ؟ أهو من وضع ثقات أصحابنا أم من وضع الغلاة الكاذبين؟

٣. عبد الله بن القاسم الحارثي :

جرّحه النجّاشي بقوله : ضعيف غال ، وقد وقع في أسناد أحاديث كامل الزيارات وقد ذكر السّيد الأستاذ حول البحث كلاما لا يحسن به. (٢)

٤. عبد الله بن القاسم الحضرمي :

وصفه النجّاشي بالكذّاب الغالي ، وروي عنه في الكامل. ويرى السّيد الأستاذ تعارض التضعيف بالتوثيق الّذي استفاده من كلام ابن قولويه.

__________________

(١) معجم الرجال الحديث : ٥ / ٢٢.

(٢) المصدر : ١٠ / ٢٩٧.


٥. سهل بن زياد :

يقول النجّاشي : إنّه كان ضعيفا في الحديث غير معتمد ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب ، وأخرجه من قمّ إلى الريّ وضعفّه غير واحد. ويقول الأستاذ في معجمه : بل الظّاهر من كلام الشّيخ في الاستبصار إنّ ضعفه كان متسالما عليه عند نقاد الأخبار ، ومع ذلك فقد وقع في أسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم. (١)

والحقّ أنّ وقوع مثل هؤلآء الرّواة في كامل الزيارات دليل واضح على ما قلنا من عدم إرادة ابن قولويه وثاقة جميع رواة أحاديث كتابه ، بل دليل على تضعيف التّوثيق العامّ المذكور ، حتّى إن أراده.

ولو فرضت صحّته لأصبح ٣٨٨ شخصا من الثّقات ، كما قيل.

خاتمة : اطّلعت على كلام للسّيد السيستاني (طال عمره) حين التّصحيح للطبعة الثالثة ، في كتابه : قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، وهو : لكن الصّحيح أنّ العبارة ـ أي : عبارة ابن قولويه المتقدّمة ـ المذكورة لا تدلّ على هذا المعنى ـ أي : وثاقة رواة كتابه ـ بل مفادها إنّه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين ، لم يكن قد أخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم ... وأمّا لو كان قد أخرجها بعض هؤلآء فهو يعتمدها ويوردها في كتابه ، فكأنّه يكتفي في الاعتماد على روايات الشّذاذ من الرجال ـ على حدّ تعبيره ـ بإيرادها من قبل بعض هؤلآء الأعاظم من نقّاد الحديث. (٢)

أقول : وهذا الكلام لا بأس به كما مرّ.

ثمّ إنّه شاع في أواخر حياة سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله أنّه رجع عن قوله بوثاقة جميع رواة الأحاديث المذكورة في كامل الزيارات في غير فرض التعارض ، وقال باختصاص كلام ابن قولويه بمشائخه فبني على وثاقتهم فقط كالشّيخ النّوري.

وقد كتبت له رحمه‌الله من الباكستان أيّام جهادنا ضد الشّيوعيّين السوفيت : إنّ كتابكم ـ معجم رجال الحديث ـ كتاب نفيس مفيد ، لكن فيه نواقص وعدّدنا من نواقصه توثيق رواة الأحاديث في كامل الزّيارات ...

وياليته لم يذكر ذلك في كتابه رأسا.

__________________

(١) المصدر : ٨ / ٣٤١.

(٢) قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ٢١.


البحث السادس

حول وثاقة مشائخ النجّاشي

للنجّاشي كلمات في تراجم جعفر بن محمّد بن مالك ، وأحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن ، وإسحاق بن الحسن بن بكران ، ومحمّد بن عبد الله بن محمّد أبو المفضل ، وغيرهم. استنبط منها السّيد بحر العلوم في رجاله (١) ، والمحدّث النوري في مستدركه (٢) ، أنّ مشائخ النجّاشي في كتابه كلّهم ثقات ، وتبعهما غيرهما منهم سيّدنا الأستاذ ، وكان يكرّره في دروسه أيّام تحصيلنا ، وذكره أخيرا في كتابه معجم رجال الحديث. (٣) وينبغي أن ننقل تلك الكلمات إيضاحا لحقيقة الحال.

قال النجّاشي في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك : كان ضعيفا في الحديث.

وقال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعا ، ويروي عن المجاهيل.

وسمعت من قال : كان فاسد المذهب والرّواية ، ولا أدري كيف روي عنه شيخنا النّبيل الثّقة أبو علي بن همّام ، وشيخنا الجليل الثّقة ، أبو غالب الزراري ... أخبرنا ... بكتبه .... (٤)

وقال في ترجمة أحمد بن محمّد الجوهري : كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره ... رأيت هذا الشّيخ وكان صديقا لي ولوالدي ، وسمعت منه شيئا كثيرا ، ورأيت شيوخنا يضعفّونه ، فلم أرو عنه شيئا وتجنبته و .... (٥)

__________________

(١) الرجال ، للسّيد بحر العلوم : ٢ / ٩٣.

(٢) مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٠٣.

(٣) معجم رجال الحديث : ١ / ٦٤.

(٤) رجال النجاشي : ٩٤.

(٥) المصدر : ٦٧.


وقال في ترجمة إسحاق بن الحسن (١) : كثير السماع ضعيف في مذهبه رأيته بالكوفة وهو مجاور وكان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت غلوا (علوا) فلم أسمع منه شيئا. (٢)

وقال في ترجمة محمّد بن عبد الله ابى المفضل : وكان في أوّل أمره ثبتا ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه له كتب ... رأيت هذا الشّيخ وسمعت منه كثيرا ، ثمّ توقّفت عن الرّواية إلّا بواسطة بيني وبينه. (٣)

أقول : هذه الكلمات لا تدلّ على أن النجّاشي لا يروي عن غير الثّقة ، وبالتالي لا تدلّ على وثاقة مشائخه ، أمّا كلامه في المورد الأوّل ، فالمفهوم من تعجبه من عمل شيخيه إنّه لا يروي عن واضع الحديث ، وفاسد المذهب والرواية ، وأين هذا من عدم روايته إلّا عن ثقة؟

وأمّا في المورد الثالث ، فإنّ سلّمنا دلالته على شيء فهو يدلّ على أنّه لا يروي بل لا يسمع عمّن هو ضعيف في مذهبه ، وهذا لا يثبت ما قالوه.

على أنّ بعضهم فسّر كلامه الأخير هكذا : وكان رواية الكافي في هذا الوقت غلوّا عند أهل العصر ، فلم أسمع منه شيئا لئلّا اتّهم بالغلوّ (٤) ، وهذا المعنى ، بل احتمال إرادته يضعف ما استنبطوه منه من أنّه لا يروي إلّا عن ثقة.

وأمّا في المورد الرابع والثّاني ، فمدلوله أنّه لا يروي عمّن ضعّفه شيوخنا أو ضعفه جلّ أصحابنا ، وهو مخلط.

وهذا لا يدلّ على أنّه لا يروي عن ضعيف لم يشتهر ضعفه عند شيوخه.

وما ذكره سيّدنا الأستاذ الخوئي في معجمه من أنّه طريق إلى نفس الضعف ، وأنّه لا يروي عن مطلق الضعيف غير واضح ، فإذا : حال شيوخ النجّاشي كحال غيرهم في احتياجهم إلى التّوثيق ، والله الهادي.

ثمّ إنّه بقي في المقام أمور ثلاثة :

الأوّل : في تفسير قول النجّاشي في المورد الرّابع : إلّا بواسطة بيني وبينه.

__________________

(١) المصدر : ٥٧.

(٢) رجال النجاشي : ٥٧.

(٣) المصدر : ٣٠٩.

(٤) انظر : رجال المامقاني.


فعن الحائري في منتهي المقال : يشير إلى عدم ضعفه ، وإلّا فأيّ مدخل للواسطة؟ بل الظاهر أنّه مجرّد تورّع واحتياط عن اتّهامه بالرّواية عن المتّهمين.

وعن السّيد الأستاذ في معجمه : مراده إنّه لا يروي عنه طريقه إلى كتاب بمثل حدّثني أو أخبرني ، وأمّا النّقل عنه بمثل قال ، فقد وقع منه في ترجمة ابن بطة ، وفي ترجمة ابن أبي الثلج.

وعن قاموس الرجال : مراده أنّه أدرك عصر تخليطه ، فلم يرو عنه بلا واسطة ، بل روي عن مشائخ أدركوا عصر ثبته فرووا عنه فروي عنهم عنه.

وعن العلّامة الرّازي صاحب طبقات أعلام الشّيعة (١) : كان عمر النجّاشي يوم وفاة أبي المفضل خمسة عشر سنة فترك الرّواية عنه إلّا بالواسطة إنّما هو لاحتياطه من جهة صغر سنّه وقت السّماع لا من جهة غمز الأصحاب فيه ، لأنّه حكى الغمز عنهم من دون تصديق. (٢)

أقول : هذه الوجوه مع اختلافها في ما بينها ، ووضوح ضعف بعضها ، ربّما يكون بعضها دليلا على عدم دلالة كلام النجّاشي على ما ادّعوه ، وأمّا المورد ان المشار إليهما في كلام سيّدنا الأستاذ الخوئي فهما ، إمّا من تخلّف النجّاشي عن بنائه ، أو من أجل اختصاص وعده بترك نقل الأحاديث عنه دون نقل مؤلّفات المؤلّفين ، كما يخطر ببالي. وعلى كلّ كلام السّيد الأستاذ قدس‌سره ضعيف. (٣)

الثّاني : يحتمل اختصاص كلام النجّاشي بنقل الأحاديث دون نقل أسامي الكتب ومؤلّفات الأصحاب ، فإنّ الثّاني دون الأوّل في الأهمّيّة بدرجات ؛ ونتيجة ذلك عدم صحّة الحكم بوثاقة مشائخه في فهرسته (رجاله) كما صدر عن جمع ، فإنّ الفهرست وضع لمجرّد إثبات ما ألّفه السّلف الصالح على ما يأتي أيضا في البحث الرّابع والأربعين ، إن شاء الله تعالى. ويجب على المحقّق أن يتدبّر في هذا البحث.

الثالث : إنّ كلمات النجّاشي على تقدير دلالتها على أنّه لا يروي عن مطلق الضعفاء ـ وقد عرفت عدم ثبوتها ـ لا تنفي الرّواية عن المجهولين ، فلا يستنتج منها إنّه لا يروي إلّا عن ثقة.

__________________

(١) انظر : طبقات أعلام الشيعة : ٢٨٠.

(٢) انظر : مستدرك النوري رحمه‌الله : ٣ / ٥٠٤ ؛ معجم الرجال : ١٦ / ٢٨٣ ، و ١٧ / ٢٦٠ ؛ رجال السّيد بحر العلوم رحمه‌الله : ٢ / ٩٥.

(٣) يمكن أن يقال : إنّ ذلك الاستثناء في كلام النجّاشي ينافي ما استظهروه من كلامه ، إذ كما إنّه يروي عن الضعيف مع الواسطة ، فيمكن أن يروي عنه بلا واسطة لعلّة أخرى أيضا.


لا يقال : إنّ الإنسان لا يشكّ في حال مشائخه إذا إمّا يعلم صدقهم ، وأمّا يعلم كذبهم ، وإذا فرض عدم الرّواية عن الثّاني تعيّن الشقّ الأوّل ، فلا ثمرة لهذا الإشكال.

فإنّه يقال : هذا إنّما يتمّ في المشائخ الّذين صحبهم النجّاشي مدّة وعاشرهم سرّا وعلانيّة ، وأمّا في غيرهم فيمكن جهل حالهم وخفاء وثاقتهم وضعفهم عليه ، وبالتالي لا يتيسّر لنا الحكم بوثاقة مطلق مشائخ النجّاشي ما لم يحرز مصاحبتهم له مدّة كثيرة.

ثمّ إنّ أسماء هؤلآء المشائخ مذكورة في المطوّلات ـ فارجع إليها إن شئت ـ ك : خاتمة المستدرك ، ومعجم رجال الحديث ، ورجال السّيد بحر العلوم.


البحث السابع

حول توثيقات ابن عقدة

ذكر الشيخ في أوّل رجاله إنّ لابن عقدة كتابا في رجال الصّادق عليه‌السلام ، وقد بلغ الغاية في ذلك ، ولم يذكر رجال باقي الأئمّة عليهم‌السلام ، لكن طريق الشّيخ إليه في رجاله وفهرسته ومشيخة التّهذيب منحصر بابن الصلت المجهول ، وإن كان من مشائخ النجّاشي.

ولا أذكر في المتأخّرين سوى العلّامة الحلّي قدس‌سره (١) ، حيث ينقل توثيق بعض الرّواة من ابن عقدة ، ولكنّي لم أقف على طريق العلّامة إلى كتاب ابن عقدة لأنظر في صحّته وسقمه. والفاضل المامقاني يرسله إرسال المسلّمات ، والحقّ عدم حجيّة نقل العلّامة للتوثيقات المذكورة ؛ لأنّ أسناد النّقل مجهول ، بل أغلب الظّن عدم طريق للعلّامة قدس‌سره إلى ابن عقدة غير طريق الشّيخ الطّوسي رحمه‌الله ، وقد مرّ أنّه مجهول ، بل لو فرضنا صحّة طريق الشّيخ إلى ابن عقدة لا نقبل أيضا ما نقله العلامة رحمه‌الله عنه ؛ لعدم احتمال معتدّ به بوصول النّسخة المعتبرة من الشّيخ الطّوسي رحمه‌الله بطريق معتبر إليه. والظّاهر إنّه حصل له الكتاب من السّوق أو من شخص فاطمئن بصحتّه.

وينقدح من هذا جهالة من وثقّوه اعتمادا على توثيق ابن عقدة كالحسين بن علوان ، حيث قال ابن عقدة في حقّ أخيه الحسن : إنّه أوثق من أخيه الدّال على أنّ الحسين موثوق به ، وإن كان الحسن أوثق.

وأمّا قول النجّاشي في ترجمة الحسين بن علوان الكلبي : مولاهم كوفي عامي وأخوه

__________________

(١) وقيل ابن داود أيضا ينقل عن ابن عقدة.


الحسن يكنّي أبا محمّد ثقة رويا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وليس للحسن كتاب ، والحسن أخصّ بنا وأولى ... وللحسين كتاب.

فقد اختلف في أنّ التّوثيق هل هو للحسن أو الحسين؟

والأرجح أنّ العبارة من هذه الجهة مجملة ، والاحتياط في روايات الحسين إذا صحّ السّند من غير جهته ، لا يترك.

قيل : إنّ الحسن ثقة على كلّ حال ، أمّا على فرض رجوع التّوثيق إليه ، فالأمر واضح ، وأمّا على فرض رجوعه إلى الحسين ، فلقوله : والحسن أخصّ بنا وأولى ... وفيه نظر ؛ إذ أولوية الحسن وأخصيته باعتبار تشيعه ، فإنّ الحسين عامي ، ولا ظهور للعبارة في وثاقته.

والذي يؤيّد الاحتياط أنّ المقام مقام ترجمة الحسين في رجال النجّاشي دون ترجمة أخيه ؛ إذ لا كتاب له حتّى يذكره ، ومن تأمّل في كتاب النجّاشي يظهر له صدق هذا القول ، فلاحظ ولا تترك الاحتياط ، والله العالم.

فائدة

قال العلّامة رحمه‌الله في إجازته الكبيرة لبني زهرة :

ومن ذلك كتاب الولاية تأليف أبي العبّاس أحمد بن سعيد المعروف با بن عقدة الكوفي ، رواه الحسن بن الدربي ، عن الموفّق أبي عبد الله أحمد بن شهريار الخازن ، عن عمّه حمزة بن محمّد ، عن خاله أبي علي بن محمّد بن الحسن (١) ، عن أبيه محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن محمّد بن موسى بن الصلت الأهوازي ، عن أبي العبّاس أحمد بن سعيد بن عقدة ، المصنّف. (٢)

أقول :

أوّلا : إنّ هذا الطّريق إلى كتاب الولاية دون كتاب الرّجال.

وثانيا : إنّه مجرّد إخبار وإجازة دون مناولة وقراءة وسماع.

وثالثا : إنّه ينتهي إلى أبي الصّلت المجهول ، كما أشرنا إليه أوّلا.

ورابعا : إن السّند بعد أبي الصّلت أيضا مجهول ، فإنّي لم أقف على حال محمّد بن حمزة ، وأحمد بن شهريار عاجلا.

__________________

(١) هو المفيد ابن الشّيخ الطوسي رحمه‌الله.

(٢) بحار الأنوار : ١٠٤ / ١١٦ ـ ١١٧ ـ طبعة مؤسسة الوفاء ـ بيروت.


واعلم أنّي أظنّ أو أثق باعتقاد الشّيخ الطّوسي بسلامة كتاب ابن عقدة من التّحريف والتّصرّف ، كان أبوا الصلت ثقة أم لا ، فكما نعتمد على روايات. الكليني رحمه‌الله عن الفضل بن شاذان في الكافي مع جهالة الواسطة وهو محمّد بن إسماعيل ، بحجّة أنّه شيخ إجازة ، لا شيخ رواية ، واستظهار شهرة كتب الفضل بن شاذان في زمان الكليني واطمئنانه بسلامة تلك الكتب عن التحريف ، فكذا نقول في كتاب رجال ابن عقدة حرفا بحرف. والله العالم ، لكن مقتضى هذا الكلام صحّة ما ينقل عنه الشيخ الطوسي رحمه‌الله دون ما ينقل عنه العلّامة لبعد الزمان واحتمال التحريف في نسخته رحمه‌الله.


البحث الثامن

حول وثاقة الرّواة في تفسير القمّي

قال علي بن إبراهيم القمّي الثّقة الجليل : ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشائخنا وثقاتنا عن الّذين فرض الله طاعتهم ... (١)

أقول : قد عرضت هذه العبارة قبل سنوات على السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله في النّجف الأشرف أيّام تتلمذت عندة خارج الأصول والفقه ، وقلت له : إنّ عليّ بن إبراهيم مثل ابن قولويه قد وثق رواة تفسيره ... إلّا أنّه رحمه‌الله لم يقبله وقال ـ اعتمادا على قول بعض تلامذته في دروس البحث الخارج : إنّ مقدّمة التّفسير لم يثبت كونها من علي بن إبراهيم. وقد طالبته بدليله فلم يأت بشيء وبعدما خرج كتابه معجم رجال الحديث من الطّبع رأيت تبدّل رأيه الشّريف ، وإليك نص ما أورده :

ولذا نحكم بوثاقة جميع مشائخ علي بن إبراهيم الذين روي عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين عليهم‌السلام فقد قال في مقدّمة تفسيره (ثمّ نقل العبارة المتقدّمة) وقال بعدها : فإنّ في هذا الكلام دلالة ظاهرة على انّه لا يروي في كتابه هذا إلّا عن ثقة. بل استفاد صاحب الوسائل في الفائدة السّادسة في كتابه ... ان كلّ من وقع في أسناد تفسير علي بن إبراهيم المنتهية إلى المعصومين عليهم‌السلام قد شهد علي بن إبراهيم بوثاقته حيث قال : وقد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت أحاديث تفسيره وانّها مروية عن الثّقات عن الأئمّة عليهم‌السلام.

ثمّ قال السّيد الأستاذ :

أقول إنّ ما استفاده رحمه‌الله في محلّه فإنّ علي بن إبراهيم يريد بما ذكره إثبات صحّة تفسيره ، وإنّ رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم‌السلام ، وإنّها انتهت إليه بوساطة المشائخ والثّقات من الشّيعة.

__________________

(١) تفسير القمّي : ٤ / ١ ـ الطبعة الحديثة.


وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص التّوثيق بمشائخه الّذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة ، كما زعم بعضهم. (١)

أقول : لقائل أن يدعى العلم إجمالا بوجود عدّة من الضّعفاء في الأسانيد ؛ إذ من المتعسّر جدّا أن تكون تلك الرّوايات الكثيرة في كتابه كلّها ذات أسانيد نقيّة صحيحة ، نقلها الثّقات. فالمطلّع على حال الرّواة والرّوايات يقطع عادة بعدم صحّة إطلاق كلامه رحمه‌الله ، وهذا القطع يسقط حجيّة كلامه ، كما لا يخفى.

ويمكن أن يجاب عنه بأنّ عدّة من الرّواة الواقعين في أسناد روايات كتابه قد علم ضعفهم بتصريح النجّاشي أو الشّيخ أو غيره ، وهؤلآء لا بدّ من إخراجهم من هذا التّوثيق العامّ جمعا بين الكلمات. وبعد إخراج هؤلآء وإخراج من ثبت وثاقتهم بتوثيق علماء الرجال ليس لنا علم إجمالي بوجود ضعاف في المجهولين ، فلا مانع من العمل بظاهر كلامه رحمه‌الله.

هذا ولكن الأظهر خلاف هذا التّصوّر ؛ إذ ليس لكلامه صراحة ولا ظهور معتدبه ، في أنّ رواة رواياته كلّهم ثقات.

وبعبارة أخرى : لم يظهر منه الالتزام بأنّه لا يروي عن غير الثّقة ، بل مفاد كلامه أنّه يروي ويخبر بما انتهى إليه من روايات المشايخ والثّقات ، وأمّا انّه لا يروى عن غير الثقات فهذا غير مفهوم منه ؛ إذ لا حصر في كلامه كما هو موجود في كلام ابن قولويه السّابق.

ويؤيّد هذا ، أو يدلّ عليه أمران :

الأوّل : إنّه على القول الأوّل لا بدّ من القول بحجيّة مراسيله بدليل انّه يروي عن الثّقات ؛ إذ هو رحمه‌الله لم يلتزم بأنّه يذكر أسامي الثّقات ، بل التزم بذكر ما رواه الثّقات ، واحتمال تعارض توثيقه بجرح غيره في رواة المراسيل مندفع بأصالة عدم الجرح فيهم (٢) ، والرّوايات المرسلة كثيرة في كتابه. ولم أر أحدا يلتزم بذلك ، كيف ولو كان الأمر كذلك؟ وفي هذا لاشتهر وبان بين العلماء ، ولا أقلّ من ذهاب جمع إليه ، كما ذهبوا إلى حجيّة مراسيل ابن أبي عمير وغيره ، ولا أظنّ بسماحة سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله الالتزام بذلك.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٤٤.

(٢) غير جيّد وما أورد صاحب المعالم كما لا يخفى. انظر : المعالم : ٢٠٨.


والثّاني : إنّه نقل الرّوايات المرفوعة. فذكر في كتابه ما لم يعلم وثاقة رواته.

فمثلا : قال في ذيل قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ...) فإنّه حدثني أبي رفعه قال سأل الصّادق عليه‌السلام عن آدم .... (١)

وقال في ذيل قوله تعالى : (... إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ...) حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن بعض رجالهم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .... (٢) وفي ذيل قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ ...) فإنّه حدثني أبي رفعه قال : قال الصّادق عليه‌السلام ... وفي محل آخر (٣) : وحدثني محمّد بن محمّد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ...

وفي ذيل قوله تعالى : (... وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي ...) ، قال : وروي ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ... ولعلّ مثله كثير يظهر للمتتبّع ، ومعها لا يبقى للمتأمّل ، الظّن النّوعي من كلامه في مدلوله. فإنّ إحرازه وثاقة هؤلآء المحذوفين محتاج إلى علمه بالغيب.

وهنا احتمال آخر ، وهو : أن يكون عطف الثقات على المشائخ من قبيل عطف التفسير ، فهو يخبر بما انتهى إليه من روايات مشائخه الثقات ، وليس بصدد بيان وثاقة الرّواة بوجه. وهذا الاحتمال غير بعيد لبعد تركه توثيق المشائخ وتعرضه لتوثيق الرّواة. ـ فافهم ـ وإنّما لا نقبل وثاقة جميع مشائخه لعدم استفادة الحصر من كلامه.

ولو فرض صحّة التّوثيق العام المذكور لأصبح ـ ٢٦٠ ـ رجلا من الثّقات كما قيل ، وقيل بأكثر من هذا العدد.

ثمّ إنّي بعد ذلك بمدّة مديدة ـ ولعلّها ثمانية عشرة سنة ـ في شهر ذي قعدة ١٤١٤ ه‍ لقيت العالم الجليل السّيد علي السيستاني الّذي أصبح اليوم بعد وفاة السّيد الخوئي قدس‌سره من المراجع للمؤمنين في النّجف الأشرف في ضمن زيارتي لأئمّة العراق عليهم‌السلام ، فقال : إنّ تفسير علي بن إبراهيم الموجود المطبوع من تدوين بعض تلامذته أخذ روايات تفسيره وروايات الجارودي ـ كلّا أو بعضا ـ ودوّنهما ، فأشّتهر الكتاب ب : تفسير علي بن إبراهيم.

__________________

(١) تفسير القمّي : ١ / ٤٣.

(٢) المصدر : ١ / ٣٩.

(٣) المصدر : ١ / ٩٩.


أقول : احتمال صحّة هذا القول يسقط اعتبار مقدّمة الكتاب المذكورة (١) من رأس لعدم العلم بأنّ مقدّمة التّفسير من علي بن إبراهيم ، أو من مدوّن الكتاب وجامعه المجهول.

وعلى كلّ ، هنا بحث أدّق من هذا ، حول هذا التّفسير سيأتي فيما بعد في البحث الثّاني والخمسين إن شاء الله تعالى. وستعرف أنّ الحقّ عدم الاعتماد على روايات التّفسير حتّى ، وان كانت رواتها من الثّقات والحسان ، فانتظر.

__________________

(١) من لاحظ تفسير القمّي بتمامه ، يطمئن بصحّة ما ذكره السّيد السيستاني (دام عمره).


البحث التّاسع

في بقية التّوثيقات العامّة

١. قال الشّيخ الطّوسي في ترجمة علي بن الحسن الطاطري الّذي وثقه النجّاشي في حديثه : وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم. (١)

واستفاد السّيد الأستاذ الخوئي دام ظلّه وغيره من هذه العبارة إنّ رواياته ـ أي الطاطري ـ في كتبه الفقهيّة مروية عن الثقات أو الموثقين ، فكلّ ما نقله الشّيخ عن كتبه بأنّ كان علي بن الحسن قد بدأ به السند يحكم فيه بوثاقة من روي عنه ما لم يعارض بتضعيف شخص آخر.

وأمّا من روي عنه علي بن الحسن في أثناء السند ، فلا يحكم بوثاقته لعدم إحراز روايته عنه في كتابه.

أقول : وهو لما يأتي وجهه في شرح مشيخة التّهذيب.

وقال في قاموس الرّجال : إلّا أنّه لا يثبت إنّ كلّ كتاب رواه يكون صاحبه ثقة ، ولعلّ من روي عنه واقفي مثله. (٢)

أقول : إن أراد كلّ كتاب فقهي ، ففيه إنّ ظاهر كلام الشّيخ هو العموم ، على أنّ الوقف لا ينافي الوثاقة.

وإن أراد أنّ بعض مشائخه لمكان مذهبهم موثقون وليسوا من الثّقات اصطلاحا ، فهو صحيح ، لكن قول الموثق كقول الثّقة حجّة إلّا في فرض التّعارض عند بعضهم ، كالعلّامة

__________________

(١) الفهرست : ١١٨.

(٢) قاموس الرجال : ١ / ٣١١.


الحلّي رحمه‌الله وإن أراد كلّ كتاب وإن لم يكن فقيها ، فهو أيضا حقّ ، فإنّ الشّيخ رحمه‌الله ذكر في فهرسته أنّ له أي : ـ الطاطري ـ كتب كثيرة في نصرة مذهبه ، وله كتب في الفقه رواها من الرجال الموثوق بهم برواياتهم. وعلى الجملة المستفاد من العبارة المذكورة وثاقة جميع من روي عنهم الطاطري في كتبه الفقهيّة ، فلا بدّ من التّتبع واستخراج أسمائهم من التّهذيب وغيره.

فإن قلت : حكم الشّيخ بتوثيق المروي عنهم للطّاطري غير مقبول ، فإنّ طريق الشّيخ إلى كتبه ضعيف ـ كما يأتي في شرح المشيخة ـ فلم يثبت للشيخ كتبه بطريق معتبر حتّى يقبل نظره فيها وفي رواة أخبارها.

قلت : لعلّ للشيخ طريقا إليها غير ما هو مذكور في المشيخة ـ كما يظهر من خاتمتها ـ ولم يظهر منه قدس‌سره أنّ نظره هذا لأجل هذا الطّريق الضعيف.

اللهم إلّا أن يقال : بأنّ الشّيخ وإن صرّح بتعدّد طرقه إلى أرباب الكتب ، لكنّه ذكر أيضا أنّها مذكورة في فهرسته ، والمفروض أنّ طريقه إلى كتب الطاطري فيها ـ أي : في الفهرست ـ أيضا ضعيف ، فالاستفادة المذكورة لا تخلو عن إشكال.

والأحسن أنّ يقال : إنّ ضعف أسناد الشّيخ رحمه‌الله إلى كتب الطاطري لا يضرّ بتوثيقه لمن يروي عنه الطاطري ، فإنّ الشّيخ يخبر عن وثاقة أشخاص معينين. وإن لم يثبت وصف رواية الطاطري عنهم ، فما ذكره السّيد الأستاذ وغيره لا بأس به إن شاء الله ، وإن قلّت ثمرة هذا البحث حسب تتبّعي النّاقص.

لكن يمكن أن يورد عليه بعدم الحصر في كلام الشّيخ ، فروايته عن بعض الرجال الضعفاء في بعض الموارد غير منافية لكلامه. والاعتماد على إطلاق هذه الكلمات حسب المتعارف لتوثيق جميع رواة كتبه الفقهيّة خلاف الإنصاف وخلاف العادّة جزما ، فلا بدّ من الاحتياط.

ثمّ إنّه يأتي في شرح المشيخة ما حكي عن الشّيخ في العدّة إنّ الطّائفة عملت بما رواه الطاطريّون فيكون جميع الملقبين بالطاطريّين ثقات أو موثقين. (١) فتأمّل.

__________________

(١) بل مؤدّى العبارة إنّ الّذين روي عنهم الطاطريّون أيضا يقبل رواياتهم ، وإن لم تكن لهم روايات في الفقه ، فلاحظ وتأمّل. ولكن منصرفها هو الاعتماد على الطاطريّين أنفسهم فقط ، ثمّ إنّ الّذين وجدتم مسميّين بالطاطري هم يوسف الطاطري وسعيد بن محمّد الطاطري عن أبيه كما في الوسائل : ١٧ / ١٢٤ ؛ وفي الكافي كما عن معجم الرجال : ٩ / ١٣٦ ، سعيد بن محمّد الطاهري ومحمّد بن خلف الطاطري وفي


لا يقال : عمل الطائفة بروايتهم يصحّح طريق الشّيخ إليه ، فإنّه يقال : لعلّ للطائفة العاملة طريقا أو طرقا آخر إليهم ؛ ولذا لا نقول بوثاقة النوفلي مع أنّ الطّائفة عملت بروايات السّكوني الّذي يروي عنه النوفلي كما قيل ، فتأمّل. ولا حظ البحث الثّامن والثلاثين في حقّ السكوني.

٢. قال النجّاشي في ترجمة جعفر بن بشير أبي محمّد بعد توثيقه ومدحه بالعبادة والنسك : كان أبو العبّاس بن نوح ، يقول : كان يلّقب فقحة العلم. وعن خلاصة العلّامة : قفه العلم (١) ، روي عن الثّقات ورووا عنه .... (٢)

٣. وقال في ترجمة رافع بن سلمة : ثقة من بيت الثّقات وعيونهم. (٣)

أقول : هاتان العبارتان ـ وهكذا عبارة الشّيخ ـ تصدق مع الغلبة ، وليس لهما ظهور في العموم حتّى نحكم بوثاقة كلّ من روي عنه جعفر أو روي عنه ، وبوثاقة جميع أهل بيت رافع وإن شئت فقل : لا حصر فيهما (٤) فلا ينفى عدم ضعيف أو ضعفاء في الموردين المذكورين.

__________________

بحار الأنوار : ٤٩ / ٢٩٣ و ٥٣ / ١٤٤. لم يعلم إنّ هؤلآء لهم قرابة بالطاطري المعنون ، أي : علي بن الحسن؟

فإنّ مراد الشّيخ من الطاطريين هو : جماعة خاصّة لا مطلق من سمّي بالطاطري من الرّواة.

وهذا واضح وهذه نكته مهمّة.

(١) الفقحة بمعنى : الزهرة ، أي : زهرة العلم والقفه. وبالضم وتشديد الفاء : الوعاء.

(٢) خلاصة العلّامة : ٩٢.

(٣) المصدر : ١٢٨.

(٤) وقال الشّيخ في التّهذيب : ١ / ١٩٦ ، بعد نقل رواية لجعفر بن بشير بسندين أوّلهما عمّن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أوّل ما فيه أنّه خبر مرسل منقطع الأسناد ... يجب إطراحه ... وقال بعد السّند الثّاني ، عن عبد الله بن سنان أو غيره : فأورده ، وهو شاك فيه وما يجري هذا المجرى لا يجب العمل به ، إلّا أن يقال : إنّ تأليف الفهرست متأخّر عن تأليف التّهذيب ، والعدول عن الرّأي السّابق أمر شائع.


البحث العاشر

حول عدالة صحابة النّبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله

هل أصحاب النّبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّهم عدول أتقياء بررة ـ لم يطرأ على أحد منهم فسق وفجور طول حياته فضلا عن الارتداد والكفر؟ أم أنّ المعظم كذلك؟ وربّما مال بعضهم إلى بعض المعاصي ، لكن الأصل فيهم هو العدالة فلا يعدل عنه إلّا بدليل قاطع ، أو أنّ حالهم حال سائر النّاس في إثبات عدالتهم ووثاقتهم؟

فيه بحث طويل ونزاع عريق بين الشّيعة وأهل السّنة ، ونحن لا نستوفي البحث فيه من جميع الجهات ، بل نذكره مختصرا.

ويمكن أن نستدلّ على أصالة العدالة بوجوة :

الأوّل : قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ...)(١) فهؤلآء المؤمنون ـ وهم ألف وأربع مائة إنسان كما قال ابن حجر ـ لا يكذبون على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لا يذنبون فهم عدول.

أقول : لكن يمكن أن يرد على الاستدلال :

أوّلا : بأخصّية الدّليل من المدعي فإنّ الصّحابة عندهم أكثر من مائة ألف.

وثانيا : بأنّ المرضيّين ليسوا مطلق المبايعين ، بل المؤمنين المبايعين ، فلا بدّ من إحراز إيمان من يراد تعديله بهذه الآية أوّلا ، فإنّ الله أخبر في قرآنه بوجود المنافقين في الصحابة ، وأخبر بقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ...) بأنّ الإيمان غير الإسلام.

__________________

(١) الفتح : ١٨.


وثالثا : ليست البيعة جهة تعليليّة للرضا لعدم تعقّل تعلّق الرّضا التّشريعي بالذّات ، بل هي ترجع إلى جهة تقييديّة فيكون المرضى هو العمل ، أي : أنّ الله رضي عن بيعتكم. وعليه لا يثبت من مثل هذا الرضا عدالة المبايعين ولا صداقتهم ولا بقائهم على إيمان حتّى الموت ، فإنّ قبول عمل عند الله لا يستلزم شيئا منها ، فتأمّل.

نعم إن قلنا : بأنّ رضائه تعالى ليس كرضانا ، حيث هو من صفاتنا النّفسيّة لاستحالة كونه تعالى جسما وجسمانيّا ومحلّا للحوادث ، فرضائه ثوابه ، وغضبه وسخطه عقابه ، وصحّ كون البيعة جهة تعليليّة ، ويناسبه قوله تعالى : (... وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها ...) لكنّه أيضا لا يدلّ على وثاقة المرضيّين أو عدالتهم ، بل مدلول الآية كلّه : انّ الله أثاب المؤمنين ؛ لأجل بيعتهم.

الثّاني : قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ ...).

المستفاد من الآية حسن حال السّابقين الأوّلين منهما ، فإنّ رضائه تعالى عنهم لم يقيّد بعمل خاصّ ، وقد اشتهر إنّ حذف المتعلّق يفيد العموم ، فما لم يدلّ دليل معتبر على كذب آحادهم نبني على صدقهم ؛ لأنّ الكاذب على الله ورسوله لا يكون مرضيّا لله ، ولا موعودا لإعداد الجنّة له.

وإذا وجد دليل على فساد بعضهم نقيّد إطلاق الآية أو نخصّص عمومها جمعا بين الأدلّة. (١)

نعم ، لا بدّ من إحراز إيمانهم ، فإنّ المراد بالسّابقين ـ بمقتضى الانصراف ظاهرا ـ السّابقون إلى الإيمان ، دون الصحبة ، إلّا أنّ يحتمل السّبقة إلى مجرّد الإقرار والانقياد ، وهو الإسلام بالمعنى الأعمّ من الإيمان.

الثالث : قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ...). ومن كان هذه صفاتهم يبعّد كذبهم وافترائهم على الله ورسوله ، لكن ذيل الآية يوضح صدرها فيسقط الاستدلال بها ، وهو قوله : (... وَعَدَ

__________________

(١) مرادنا من تقييد الإطلاق هو : ردّ كلّ خبر علم كذبه من بعض هؤلآء الأصحاب ، ومرادنا من التخصيص إخراج كلّ صحابي علم كذبه ، والفرق بينهما غير خفيّ ، إذ على الأوّل لا نقبل الخبر الكاذب من الصّحابي إذا علمنا كذبه ، ونقبل سائر أخباره ، وإن شكّ في صدقها وكذبها عملا بإطلاق الآية. وعلى الثّاني نخرج من علمنا كذبه في مورد من عموم الآية ، ونردّ جميع رواياته لعدم إحراز صدقه ، ثمّ المراد بالسّابقين من سبق إلى الإيمان ظاهرا.


اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ...) ، وكلمة : «من» في قوله تعالى : (مِنْهُمْ) ظاهرة في التّبعيض ، فلا بدّ من إحراز الإيمان وعمل الصّالحات.

ويمكن أن يقال : إنّ ما وصفهم الله تعالى به من الصّفات في صدر الآية يستلزم صدقهم ولا ينافيه ذيل الآية ، نعم ، لا تدلّ الآية على أن جميع الصّحابة كذلك ، فهم طائفة خاصّة منهم ، أي : من الذين كانوا معه في المدينة غالبا.

الرابع : قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.) لا يبعد دلالة سياق الآية على أنّهم صادقون في إيمانهم ومحبّه ... الرسول ونصرته ، فلا يستفاد من الآية صدقهم في كلّ شيء (١) ، ومثله قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ،) أي : في إيمانهم كما يشير إليه قوله تعالى قبل هذه الآية : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ....)

وأكثر ظهورا منها قوله تعالى : (... وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ ... وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ... وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ ... أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.)

وكذا قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...) هذه الآيات الثلاث سيقت على نحو القضيّة الحقيقيّة دون الخارجيّة ، وتطبيقها على الأفراد خارجا ، محتاج إلى إحراز اتّصافهم بما في الآيات.

وأمّا الاحاديث الواردة في مدح الصحابة ، فكلّها لا يثبت وثاقتهم ؛ إذ بعد سلامة دلالتها على العدالة أو مجرّد الصدق ، يكون الاستدلال بها دوريّا ؛ لأنّ الرّاوي الأوّل في كلّ رواية منها هو رجل صحابي لا محالة ، والكلام في وثاقته ، ولا يمكن إثبات وثاقة شخص بقول نفسه ، وهذا ظاهر.

__________________

(١) ويمكن أن يقال : إنّ مورد الآية هم الّذين يبتغون فضله تعالى ورضوانه وطلب الرضا لا يتحقّق إلّا مع الاجتناب عن الكذب ، فمن وجدناه على الصفات المذكورة في الآية نحكم بصدقه ، فالآية تختلف دلالة عمّا بعدها من الآيات.


فإنّ قلت : إذا لم يثبت وثاقة الصّحابة ، فكيف نثبت السنّة ، وفوق ذلك القرآن المجيد حيث وصل إلينا من طريقهم؟

قلت : أمّا القرآن فقد وصل إلينا بالضّرورة ، وهي فوق التواتر الّذي اتّفق علماء المنطق والأصول على عدم اعتبار الصّدق في كلّ واحد من نقلته ، فعلمنا بالقرآن كعلمنا بافلاطون وحاتم وأنوشيروان ، وكعلمنا بواشنطن وباريس ، وأمثال ذلك. على أنّ حفظ القرآن لجميع الأجيال والأعصار لا يرجع إلى عدالة الصّحابة ، بل إلى عناية الله تعالى ، حيث قال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.) فتأمّل.

أمّا السنّة فيثبت بقول صادقيهم ، فإنّا لم ندع كذب الجميع ، فإنّه غير معقول ثبوتا والدّليل على خلافه إثباتا كما مرّ.

والمتحصّل إنّ كلّ صحابي لا بدّ في إثبات وثاقته وعدالته من إقامة الدّليل ، ولا أصل لأصالة العدالة ، والصّدق في غير الأوّلين السّابقين منهم إلى الإيمان أو الإسلام ، أو بإضافة طائفة أخرى معهم ، لا سيّما أنّ القرآن يخبر عن وجود الكاذبين والمنافقين فيهم.

والسنّة كما في صحيح البخاري وغيره ـ تدلّ على ارتداد جمع من الصّحابة بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّهم لا يردون الحوض على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة.

والتّأريخ يحكي عن سوء أفعال بعضهم ما يسلب الاعتماد عنهم. (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ...) وأمّا ما في صحيح منصور بن حازم عن الصّادق عليه‌السلام ... [قلت :] فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صدقوا أم كذبوا؟ قال عليه‌السلام : «بل صدقوا». قلت : فما بالهم اختلفوا؟ فقال عليه‌السلام : «أمّا تعلم أنّ الرجل كان يأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عن المسألة ـ فيجيب فيها بالجواب ثمّ يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب ، فنسخت الأحاديث بعضها بعضا». (١)

فالظّاهر نظارة الكلام إلى مجموع الأصحاب من حيث المجموع في مجموع رواياتهم ، أي : لم يكذب جميعهم في جميع رواياتهم ، وأنّ الرّوايات المختلفة ليست كلّها مكذوبة ، فلا دلالة للرّواية على صدق كلّ فرد في جميع أقواله.

__________________

(١) أصول الكافي : ١ / ٦٥.


هذا هو الأرجح في المقام بحسب الدّليل ، وإن لم يرتضه أكثر علماء الشّيعة وأهل السنّة ، أو معظمهم ، لكن الحقّ أحقّ أن يتّبع ، والله يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم.

تتمّة : وعن محكي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام (١) بالأسانيد الّتي لا يبعد اعتبار مجموعها عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون :

محض الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله ... والولاية لأمير المؤمنين والمقبولين من الصّحابة الّذين مضوا على منهاج نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يغيّروا ولم يبدّلوا ، مثل : سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود وعمّار بن ياسر ، وحذيفة اليماني وأبي الهيثمّ بن التيهان ، (٢) وسهل بن حنيف ، وعثمان بن حنيف وأخويه ، وسائل ـ وعبادة بن الصّامت وأبي أيّوب الأنصاري ، وخزيمة بن ثابت ذي الشّهادتين وأبي سعيد الخدري ، وأمثالهم رضي‌الله‌عنهم. والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهدايتهم السالكين منهاجهم. (٣)

أقول : لا يبعد دلالة الرّواية على وثاقة هؤلآء زائدة على ثبوت اعتقادهم بالإمامة ، بل يمكن دلالة الرّواية على ما هو فوق الوثاقة ، بل هو المتعيّن إن رجع الضّمائر في قوله والولاية لاتباعهم وما يليه ، إليهم كما هو قضيّة السيّاق لا إلى الأئمّة عليهم‌السلام وحدهم. ولاحظ هذه الجملات بتغيير ما في رواية الأعمش في البحار. (٤)

وعن أبي زرعة الرّازي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض عن مأة وأربعة عشر ألف صحابي ممّن روي عنه وسمع منه ، فقيل له أين كانوا وأين سمعوا؟ قال : أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما من الأعراب ، ومن شهد معه حجّة الوداع ، كلّ رآه وسمع منه بعرفة. (٥)

ثمّ إنّ العلماء اختلفوا في تعريف الصّحابة وتحديد معنى الصّاحب ـ أي : صاحب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على أقوال متشتتة ، وقد وفّقني الله تعالى في هذه الأيّام ـ أيّام التّصحيح للطبعة الثّالثة لهذا الكتاب ـ لتأليف رسالة مفردة حول الصّحابة ، وما استدلّ به لعدالتهم وما ينافيها ، وما قيل في تعريف الصّحابة ، وما يتعلّق بهم على ضوء الكتاب والسنة والتاريخ ، نسأل الله التوفيق لطبعها. (٦)

__________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ، ٢ / ١٢١ ـ ١٢٦.

(٢) قيل كلمة : (بن) لم ترد في بعض النسخ.

(٣) الوسائل : ٣٠ / ٢٣٥ ، الفائدة السابعة ، الطبعة الأخيرة.

(٤) بحار الأنوار : ١٠ / ٢٢٧ ، ٢٧ / ٥٢ و ٦٥ / ٣٦٣ و ٣٦٤.

(٥) التحديد المذكور رجم بالغيب.

(٦) وقد وفّقني الله لطبعها في آخر هذا الكتاب ، الطّبعة الثّالثة.


ثمّ يأتي بعد الصّحابة ـ بلحاظ الطبقات ـ طبقة التابعين ، وقيل في تعريف التابعي : إنّه من لقي الصّحابي مؤمنا بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومات على الإيمان. وقيل : باشتراط طول الملازمة. وقيل : باشتراط صحّة السّماع. وقيل : باشتراط التّمييز.

وأمّا تابعوا التّابعين فهم من لم يلقوا الصّحابة ، وإنّما لقوا التّابعين.

وأمّا المخضرمون ، وهم الّذين أدركوا الجاهليّة والإسلام ولم يلقوا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يدركوا صحبته صلى‌الله‌عليه‌وآله سواء أسلموا في زمن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كالنجّاشي أم لا ، واحدهم مخضرم من قولهم : لحم مخضرم ، لا يدري من ذكر هو أو أنثى؟ كما عن المحكم والصّحاح. وطعام مخضرم : ليس بحلوّ ولا مرّ ، كما عن ابن الأعرابي. وقيل : من الخضرمة ، بمعنى : القطع ، من خضرموا أذان الإبل ، أي : قطعوها ؛ لأنّه اقتطع عن الصّحابة ، وإن عاصرهم لعدم الرّواية ، أو من قولهم : رجل مخضرم ناقص الحسب ، سواء أدرك في الجاهليّة نصف عمره ولم يدرك.

وقيل : إنّ المخضرم في اصطلاح أهل اللغة هو الّذي عاش نصف عمره في الجاهليّة ونصفه في الإسلام ، سواء أدرك الصّحابة أم لا ، وقد عدّه بعضهم فبلغ بهم عشرين نفسا ، وقد ذكر في مقباس الهداية (١) أسمائهم ، فلاحظ.

__________________

(١) مقياس الهداية : ١١٥.


البحث الحادي عشر

حول أصحاب الإجماع

قال الكشّي تحت عنوان : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

اجتمعت العصابة على تصديق هؤلآء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ومعروف بن خرّبوذ وبريد وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار [. و] ومحمّد بن مسلم الطائفي ، قالوا : وأفقه السّتّة : زرارة. وقال بعض : مكان أبي بصير الأسدي أبي بصير المرادي ، وهو : ليث بن البختري. (١)

وقال تحت عنوان : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام :

أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلآء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أولئك السّتّة الّذين عددناهم وسمّيناهم ستّة نفر : جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى وأبان بن عثمان. [و] قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون أنّ أفقه هؤلآء : جميل بن دراج. وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام. (٢)

وقال في عنوان : تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليه‌السلام :

أجمع (اجتمع) أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلآء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر آخر دون السّتّة نفر (النفر) الّذين ذكرناهم في أصحاب

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٢٠٦ ، أي : الكتاب الموجود المنسوب إلى الكشي ، الّذي هو من اختيار الشّيخ ظاهرا.

وهذا هو المختار حسب الرّوايات الآتي بعضها في البحث الثالث والعشرين. ويأتي فيه نقل الكشّي عن علي بن الحسن بن فضّال إنّ أبا بصير الأسدي كان مخلطا ـ أي : بحسب اجتهاد ابن فضّال.

(٢) المصدر : ٣٢٢.


أبي عبد الله عليه‌السلام ، منهم : يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السّابري ، ومحمّد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب وأحمد بن محمّد بن أبي نصر.

وقال بعضهم : مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضّال ، وفضّالة بن أيوب. وقال بعضهم : مكان فضالة بن أيّوب عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلآء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى.

أقول : إليك بعض ما يتعلّق بهذه الجملات على الاختصار :

الأوّل : إجماع العصابة على التّصديق في المورد الأوّل غير مخصوص بالسّتّة الّذين أوّلهم زرارة وآخرهم محمّد بن مسلم ، بل يشمل جميع الفقهاء الأوّلين من أصحاب الإمامين ، وإنّما السّتّة المذكورون أفقههم.

وهذا هو الظّاهر من العبارة وإن لم تفد توثيق أحد بعينه ؛ لعدم ذكر أسماء غير هؤلآء السّتّة ، لكن إذا ثبت في حقّ أحد أنّه من الفقهاء الأوّلين من أصحاب الباقر والصّادق عليه‌السلام بنى على وثاقته لإطلاق هذا الكلام.

نعم ، إجماعهم في المورد الثّالث مخصوص بالستّة الّذين أوّلهم يونس وآخرهم البزنطي ، وأمّا في المورد الثّاني ، فالعبارة من هذه النّاحية محتملة للوجهين ، فإنّ قدّرنا كلمة : (وهم) تكون كالثالثة وإن قدّرنا : (وأفقههم) تكون كالأوّلى ، والظّاهر هو الأوّل.

الثّاني : لا يشمل الإجماع المذكور أبا بصير المرادي وابن فضّال وفضّالة وعثمان بن عيسى ؛ لعدم إحراز وثاقة من ادّعاه على تصديقهم ، وقول النّوري بعدم جواز النّقل من غير العلماء الأعلام والفقهاء العظام في المقام ، غير مدلّل ، بل هو مجرّد تخمين وحدس.

الثالث : اختلف الباحثون في تفسير مدلول كلام الكشّي ومعقد إجماعه على أقوال :

القول الأوّل : توثيق هؤلآء الأشخاص فقط ، نقل عن صاحب الرياض وبعض آخر ، ومال إليه أو قال به الفيض في محكي وافيه ، ونسبه بعضهم إلى الأكثر ، كما عن الفصول (١) ، بل ادّعى آخر عليه الإجماع ، وهو مختار السّيد الإستاذ المحقّق في معجم رجال الحديث.

__________________

(١) الفصول : ٣٠٣ ؛ وانظر : مقباس الهداية للمامقاني : ٧١.

وقد اشتبه كغيره في جعل قول صاحب الرّياض قولا برأسه ، فتأمّل.

وبعض المعاصرين نسب إلى صاحب الرياض ، والسيّد الكاظمي وصاحب الفصول أنّهم يقولون بدلالة كلام الكشّي على توثيق هؤلآء ، وصحّة رواياتهم ، ولا دلالة فيه على توثيق من قبلهم ؛ وعلى هذا فهو جزء من القول الثاني ، وليس قولا برأسه ، كما زعم هذا المعاصر.


وعن صاحب الرّياض أنّه لم يعثر في الكتب الفقهيّة من أوّل كتاب الطّهارة إلى آخر كتاب الدّيات على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجّا بأنّ في سنده أحد الجماعة ، وهو إليه صحيح.

لكن ردّ عليه تلميذه في أوائل منتهي المقال (١) ، وجعل كلامه فاقدا للحقيقة.

القول الثّاني : تصحيح الرّوايات المنقولة عنهم ونسبتها إلى الإمام عليه‌السلام بمجرّد صحّتها عنهم ، حتّى لو رووا عن معروف بالفسق أو بالوضع ، فضلا عمّا لو أرسلوا الحديث أو أسندوا إلى مجهول أو مهمل ، فالمراد بالموصول في قولهم تصحيح ما يصحّ عنهم ، هو : المروي دون الرّواية ؛ لأنّ الصحة وصف المتن دون السند ، فلا يتمّ قول من قال : إنّ ما صحّ عنهم هو الرّواية ـ بالمعنى المصدري ـ دون المروي.

أقول : وعلى هذا لا دلالة لكلام الكشّي على توثيق المروي عنهم لهؤلآء الثقات ، إذ الفرض صحّة الرّوايات ، حتّى مع فرض كذب المروي عنه ، وعليه فصّحة الرّوايات تستند إلى القرائن لا محالة.

نسب المحدّث الكاشاني هذا القول إلى فهم جماعة من المتأخرين (٢) ، ونسبه بعضهم إلى الشّهرة. (٣)

القول الثّالث : توثيق هؤلآء الأشخاص ، ومن قبلهم إلى الإمام عليه‌السلام ، وعليه لا يعمّ الكلام ما إذا كان المروي عنهم من الضعفاء والوضّاعين جمعا بين الأدلة.

نقل هذا عن السّيد الداماد في : الرواشح ، والشّيخ البهائي في : مشرق الشّمسين ، والعلّامة الحلّي في : رجاله ، والحسن بن داود والشّهيد ، والمجلسيين وبحر العلوم.

القول الرابع : تصحيح الرّوايات المنقولة عنهم بمجرّد صحّتها عنهم وعدم ملاحظة حال من قبلهم ، سواء كانوا ثقات ، أم مهملين ، أم مجهولين ، نعم ، إذا كانوا من الضعفاء فلا تصحّ. وهذا جزء من القول الثاني.

وهذا القول لعلّه المشهور ، وعلى هذا يمكن أن يكون التّصحيح مستندا إلى وثاقة الرّواة ، ويمكن أن يكون مستندا إلى القرائن والأمارات. (٤)

__________________

(١) منتهى المقال : ١ / ٥٦.

(٢) مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٦٠.

(٣) مقباس الهداية بآخر تنقيح المقال : ٧١.

(٤) انظر : مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٦٣.


أقول : أمّا القول الأوّل ، فقد أورد عليه بأنّ الوثاقة أمر مشترك بين هؤلآء الأشخاص وبين غيرهم ، فما معنى تخصيصهم بالذكر؟ وجواب هذا الإيراد عندي واضح ، فإنّ مراد الكشّي ليس هو مجرّد نقل الإجماع على وثاقتهم ، بل مراده نقل الإجماع المذكور عليها مع بيان انقياد العصابة لهم بالفقه والعلم ، بل الأفقهيّة في الجملة ، والمجموع مزية جليلة وفضيلة عظيمة غير مشتركة بينهم وبين غيرهم.

بل هذا القول هو المتعيّن بالنّسبة إلى الطّبقة الأوّلى ؛ لعدم وجود ما يتوهّم دلالته على أكثر من الوثاقة أو الصّدق في كلام الكشّي ، وإن شئت فقل : إنّ جملة : تصحيح ما يصحّ عنهم ، المذكورة في حقّ الطّبقتين التّاليتين غير مذكورة في حقّ الطّبقة الأوّلى ، فسائر الأقوال بالنّسبة إليهم تحكّم وتعسّف ، وظنّي أنّ عدّة من الباحثين لم يلتفتوا إلى هذه النّكتة ، فلاحظ.

قيل : إنّ قول الكشّي في حقّ الطّبقة الأوّلى نصّ في صحّة رواياتهم ، فإنّ المراد من قولهم : أجمعت العصابة على تصديق هؤلآء الأوّلين ، تصديقهم في رواياتهم ، لا أنّها ظاهرة في التّوثيق لهم ، ولا لمن قبلهم.

أقول : علّة التّصديق هي صدقهم ، وهو لا يكفى لصحّة رواياتهم مطلقا ، بل بمقدار ما يقولون كما صرّح به الكشّي في حقّ الطّبقة الثانية ، حيث قال : وتصديقهم لما يقولون.

لا يقال : إنّ ظاهر السّيد الطباطبائي والوحيد ـ رضوان الله عليهما ـ هو ادّعاء الإجماع على التّصحيح المذكور مطلقا ، حتّى في حقّ الستّة الأوّلى.

فإنّه يقال : نعم ، ولكنّه مبنيّ على الغفلة من عبارة الكشّي ، أو اجتهاد منهما ؛ لأجل الأوّلويّة ونحوها ، وعلى كلّ ، ليس هو بحجّة ، وعليه فلا يبعد أن نعمّم هذا القول إلى الطّبقتين التاليتين ، فإنّ المفهوم من كلام الكشّي أفضليّة الستّة الأوّلى من الثانية والثالثة ، فتأمّل. فكيف يستفاد من كلامه زيادة المزية في حقّ غير هؤلآء الستّة؟

نعم ، قال المحدّث النوري : بل التّعبير بالوثاقة بها ـ أي : بجملة تصحيح ما يصحّ عنهم ـ أشبه شيء بالأكل من القفا ، ولفظ ثقة من الألفاظ الدائرة الشّائعة لا داعي للتعبير عنها بما لا ينطبق عليها مدلوله إلّا بعد التّكلّف. (١)

__________________

(١) لقائل أن يقول للنوري ما فائدة ذكر التصديق بعد ذكر التّصحيح على زعمك في معقد الإجماع المذكور؟

ولعلّ الدّاعي للكشّي هو التفنّن في العبارة.


أقول : لا نفسّر التّصحيح بالتوثيق ، بل نقول : المراد هو تصحيح الرّواية ومضمونها بالنّسبة إلى هؤلآء ، لا مطلقا ، كما يقال في الصّحيح إلى ابن أبي عمير عن بعض رجاله ، وهذا التّصحيح النسبي يستلزم توثيق هؤلآء فقط بالإجماع.

نعم ، هو خلاف إطلاق العبارة المبيّنة لمعقد الإجماع ، وبهذا الإطلاق يضعف القول الرابع والثالث أيضا ، فإنّ قضيّة إطلاق العبارة المذكورة هي صحّة الرّواية الثّابتة عنهم مطلقا ، ولو كان المروي عنه لهم ضعيفا كاذبا ، والإنصاف إنّ المقام مشكل من جهة إطلاق الكلام ومن عدم ذكرها في الطبقة الأوّلى بضميمة ما قلنا من عدم أفضليّة الطبقتين الأخيرتين على الطبقة الأولى.

والأستاذ المحقّق أهمل النّظر إلى الأوّل (١) ، والمحدّث النّوري غفل عن الثّاني (٢) فأصرّ كلّ واحد على خلاف الآخر.

ولو دار الأمر بين اختيار أحدهما لاخترنا حمل التّصحيح على تصحيح الرّواية ـ المروي بالنّسبة ـ ، فإنّه أسهل من إثبات مزيّة زائدة للطبقتين على الطبقة الاوّلى. وكيف يجرأ الإنسان على تصحيح مئات أو آلاف الروايات أو توثيق مئات الرجال بمجرّد إطلاق كلام أحد؟

بل لا يبعد أن تكون جملة : وتصديقهم فيما يقولون عطف بيان لقوله : تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء.

وعليه فلا إطلاق في كلام الكشّي فإنّ الإجماع ـ على هذا ـ انعقد على تصديقهم في ما يقولون لا مطلقا.

وبالجملة : مقتضى الجمود على إطلاق كلام الكشّي أنّ ما يصحّ عن أحد من الطّبقتين ـ الثانية والثالثة ـ من الفتاوى والتّوثيقات والتّصحيحات ، ولو في روايات لم يروها بنفسه ، يجب تصحيحها وقبولها. ومن يقبل هذا الإطلاق ، فهو أحقّ أن يشكّ في اجتهاده واستقامة ذوقه.

والأحسن بنا أن ننقل الكلام من مقام الإثبات إلى مقام الثّبوت زيادة لتحقيق الحال فنقول :

إنّ تصحيح روايات هؤلآء ـ ثمانية عشر (٣) أو اثنى عشر رجلا ـ ينشأ عن أحد الأسباب التالية :

أحدها : إخبار هؤلآء الرّجال بأنّهم لا يروون إلّا عن ثقة أو صادق.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٥٣. ولعلّه لانصراف الإطلاق إلى تصحيح الرّواية ـ بالمعنى المصدري ـ إلى المروي عنه لهم فقط ، كما هو محتمل غير بعيد.

(٢) بل زعم وحدة المعنى للعبارتين في الموارد الثّلاثة ، وهو واضح الفساد.

(٣) بل أكثر لما مرّ من شمول كلام الكشّي في الطبقة الأوّلى لغير السّتّة المذكورين.


ثانيها : إخبارهم بأنّهم لا يروون رواية إلّا إذا فهموا صحّتها.

ثالثها : إخبارهم بأنّهم لا يروون الرّواية إلّا عن ثقة أو فهموا صحّتها على سبيل منع الخلو.

رابعها : فهم العصابة إنّ هؤلآء الرجال لا يروون إلّا عن ثقة ، وإن لم يخبر به هؤلآء أنفسهم.

خامسها : فهمهم أنّهم لا يروون الرّواية إلّا مع القرينة على الصّحة.

سادسها : فهمهم أنّهم لا يروون إلّا معها أو عن ثقة على سبيل منع الخلوّ.

ومنشأ فهم الأصحاب واعتقادهم به ينشأ ، إمّا من وقوفهم على جميع الرّوايات المنقولة عن هؤلآء فيكون الإخبار حسّيا ،

أو جلالة هؤلآء وشدّة احتياطهم في أمر الدّين فيكون الإخبار حدسيّا ، أو الوقوف على كمية منها ثمّ الحدس في الباقي بملاحظة جلالتهم.

سابعها : مطابقة رواياتهم للواقع من باب الاتّفاق فأراد الإمام عليه‌السلام أن يتوجّه الشّيعة إليها وتستفيد منها ، ففعل ما أوجب عقد الإجماع عليه فانّعقد.

وقول الشّيخ الطّوسي الآتي من عدّته : فإنّ كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به ... من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا ممّن يوثق به ... يحتمل أحد الوجوه الثّلاثة الّتي ذكرناها في منشأ فهم الأصحاب في السبب السّادس.

أقول : أمّا الأسباب الثّلاثة الأوّلى ، فهي منتفية لعدم ذكر منها في كلام الفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين والرجاليّين مثل : الكشّي والنجّاشي والشّيخ وغيرهم. ونحن لم نقف على نقل ضعيف يتضمّن ذلك عن أحدهم فاختياره رجم بالغيب بل نحن نطمئن بعدمه ، بل قول الشّيخ رحمه‌الله : الّذين عرفوا بأنّهم ... يدلّ على عدم إخبارهم ، وإلّا لعبّر : بالّذين أخبروا بأنّهم ...

وأمّا مشاهدة الأصحاب ووقوفهم على كون روايات هؤلآء على أحد الأقسام الثّلاثة ، فهي أيضا ضعيفة ، ولا نحتمل احتمالا عقلائيا وقوف كلّ واحد من العلماء على جميع روايات كلّ واحد من هؤلآء الأشخاص على كثرتها ، سواء دوّنت في الكتب أم لم تدوّن ، حتّى اطّلعوا على وثاقة رواتها أو قرائن صحّتها.

وهذا محمّد بن مسلم نقل عنه الكشّي بسند غير معتبر. (١) إنّه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن ثلاثين ألف حديث ، وسأل أبا عبد الله الصّادق عليه‌السلام عن ستّة عشر ألف حديث.

__________________

(١) انظر : رجال الكشّي : ١٦٣ ، ترجمة : محمّد بن مسلم ، طبعة ، جامعة مشهد ستة ١٣٤٨ ه‍ ش : رقم ٢٧٦.


إلّا أن يقال : انّ هذه الرّوايات وأمثالها ممّا رواها أحد هؤلآء عن الأئمّة عليهم‌السلام بلا واسطة غير محتاجة إلى القرائن ، وخارجة عن محلّ البحث كما لا يخفى ، ومحل النّزاع ما إذا توسط بينهم وبين الإمام أحد المجهولين أو الضعفاء أو أكثر.

على أنّ نظر الرّاوي أو العالم في القرائن غير متبع لغيره لاختلاف الأنظار في هذه الأمور الاجتهاديّة ، وأمّا الحدس المطلق أو بعد الاستقراء النّاقص ، ففي السبب الخامس والسادس غير مفيد في الحكاية والمحكي ، وفي الرابع في الحكاية فقط.

أمّا في المحكي ، فلأنّ الأنظار تختلف في القرائن النّظريّة الاجتهاديّة أوسع اختلاف ، فلا يكون فهم أحد حجّة على غيره.

وأمّا في الحكاية فأوّلا : إنّا لا نحتمل اتفاق جميع علماء الإماميّة على ذلك ، ولم يظهر لنا كميّة العصابة المجمعة على التّصحيح المذكور ، وهذا النجّاشي لم يذكر في ترجمة أحد ، حتّى ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي ، هذا الإجماع فيظهر منه عدم ارتضائه به. وهذا المحقّق الحلّي يقول في محكي آداب الوضوء من معتبره :

ولو احتجّ بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا ، كان الجواب الطعن في السند ؛ لمكان الإرسال ، ولو قال مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب ، منعنا ذلك ؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه ، وإذا أرسل احتمل أن يكون الرّاوي أحدهم.

وإذا : ليس حدسهم يفيد العلم الوجداني لنا ، ولا العلم التعبّدي.

وقيل : إنّ المحقّق رحمه‌الله ابتلي بالتناقض في هذا البحث ، فإنّه في بحث الكرّ من معتبره ادّعى عمل الأصحاب بمراسيل ابن أبي عمير.

ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ إنكاره مؤخّر عن ادّعائه في كتاب المعتبر ، (١) فيحمل إنكاره على عدوله عن قوله الأوّل.

وثانيا : إنّا وقفنا على رواية هؤلآء من الضعفاء (٢) ، فكيف نقول إنّ العصابة لكثرتهم مصونة عن الاشتباه في حدسهم هذا ، على أنّ ابن أبي عمير قد غاب عن نفسه أسماء من روي عنهم بعد خلاصه من السجن ، فاضطرّ إلى أن يروي مرسلا ، فكيف يمكن لغيره أن يطّلع عليهم ويدّعي وثاقتهم؟ فافهم.

__________________

(١) المعتبر : ١٠ ، ٤١ ، الطبعة القديمة.

(٢) لاحظ : معجم رجال الحديث ، ج ١ ، ص ٥٩ ، تجد بعض رواياتهم عن الضعفاء.


وأمّا السّبب السّابع ، فهو وإن كان ممكنا على بعد بعيد إلّا إنّ إثباته بالإجماع المنقول غير المعتبر ، غير ممكن ، ودعوى إنّ الإجماع مفيد للظنّ ، والظنّ حجّة في المسائل الرجاليّة ممنوعة صغرى وكبرى ، فإنّا غير ظانّين به ولا دليل على حجيّة الظّنّ في الرجال إلّا ما ادّعى عليه من الإجماع عليها ، فيؤل الأمر إلى حجيّة الإجماع المنقول بالإجماع المنقول ، وفساده أوضح من أن يخفى.

والمتحصّل من الجميع بعد التجنّب عن إثبات الأمور الخارقة للعادات بإطلاق كلام العلماء ، وهو صحّة القول الأوّل ، ومع عدم التجنّب المذكور نختار القول الثّاني ، ولا دليل على القولين الآخرين ، والله أعلم بالصواب.

نعم ، إذا قلنا : إنّ الصّحيح عند القدماء عين ما هو عند المتأخّرين ـ كما يدّعيه النوري ـ يصحّ القول الثالث عوض القول الثّاني.

الرابع : إنّ حجيّة هذا الإجماع المدعى في كلام الكشّي ليست من جهة حجيّة الإجماع المنقول ، فإنّا لا نقول بها ، ولو كان ناقله من هو فوق الكشّي كالشّيخ الطّوسي قدس‌سره بل لأجل كشفه عن وجود جماعة من الموثّقين ، وقد سبق إنّا نعتبر قول مخبر واحد في التّوثيق خلافا لمن اعتبر التّعدّد فيه.

الخامس : جعل هؤلآء الأفراد في ثلاث طبقات أو حلقات غير مناسب ، بل كان على الكشّي أن يقسمّهم على حلقات أكثر منها ، وقد فصّل هذا الموضوع الفاضل الكلباسي على أشكال في بعض كلامه. (١)

السّادس : بالغ المحدّث النّوري ، فإنّه بعد اختياره القول الثالث ذهب إلى حجيّة فتاوى هؤلآء الأشخاص (٢) ؛ لإطلاق الموصول في قول الكشّي : تصحيح ما يصحّ عنهم ولم يكتف به حتّى قال (٣) :

إنّ ما ذكرنا من الوجه في عدم جواز الحكم بصحّة حديث راو على الإطلاق إلّا من جهة وثاقته ووثاقة من بعده إلى المعصوم عليه‌السلام ، وفساد احتمال كونه من جهة القرائن ، جار في قولهم في بعض التّراجم : صحيح الحديث.

__________________

(١) سماء المقال : ٢ / ٣١٩ ، الطّبعة المحقّقة.

(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٧٦٨.

(٣) المصدر : ٧٦٩.


ولا فرق بينهم وبين أصحاب الإجماع إلّا من جهة الإجماع في هؤلآء دونهم ، وهم جماعة أيضا :

إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي ، روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليه‌السلام ، ثقة صحيح الحديث.

أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثمّ التمّار الكوفي ، ثقة صحيح الحديث.

أبو حمزة أنس بن عياض الليثي ثقة صحيح الحديث.

أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيّوب السمرقندي صحيح الحديث.

الحسن بن علي بن بقاح الكوفي ثقة مشهور صحيح الحديث.

الحسن بن علي بن نعمان الأعلم ثقة ثبت ، له كتاب نوادر ، صحيح الحديث.

سعد بن طريف صحيح الحديث.

أبو سهل صدقة بن بندار القمّي ثقة صحيح الحديث.

أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح روي عن الرضا عليه‌السلام ، ثقة صحيح الحديث.

أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمّد الجواني ، ثقة صحيح الحديث.

النضر بن سويد الكوفي ثقة صحيح الحديث.

يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن ، ثقة صحيح الحديث.

أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي الرازي ، كان ثقة صحيح الحديث الخ.

واستظهره من عبارة السّيد الداماد أيضا إذا وقعت ـ أي كلمة صحيح الحديث ـ بعد كلمة ثقة. (١)

أقول : الظّاهر أنّ المراد من صحّة الحديث في هذه الموارد هو مطابقته للكتاب والسّنة والقواعد المقرّرة عند الشّيعة ، وخلوه عن المنكرات والصعوبات الّتي يحتاج حلّها إلى التّأويل والتّصرف ونحو ذلك، لا ما تخيلّه النوري، ويؤيّده قول الرجاليين في بعض الموارد صحيح الحديث إلّا انّه روي عن الضّعفاء.

وبالجملة : الشّيخ النّوري من المفرطين في التّوثيق والتّصحيح فلا يجوز إتباعه. فإنّه جوّز تقليد الميّت غير الإمامي كابن فضّال وابن بكير ابتداء بمجرّد إطلاق كلام الكشّي ، وهو كما ترى.

ثمّ هل تدلّ هذه الكلمة : صحيح الحديث ، على وثاقة المقول فيه أم لا؟

__________________

(١) الظاهر من كلام السّيد الداماد أنّ كلّا من : ثقة وصحيح الحديث يفيد ذلك المعني. انظر : رجال بحر العلوم : ٤ / ٧٠.


ادّعى النّوري صراحة جماعة على الأوّل ، ولكنّا لا نستفيد منها الحسن أيضا ، فإنّ مطابقة مضمون الحديث للكتاب أو السّنّة أمر ووثاقة الرّاوي أمر آخر.

وينبغي التنبيه على أمرين :

الأوّل : قال المامقاني رحمه‌الله (١) ... حتّى لو صحّ وصف الإجماع المنقول بالتواتر ، لصحّ أن يقال : إنّ هذا الإجماع قد تواتر نقله ، وصار أصل انعقاده في الجملة من ضروريّات الفقهاء والمحدثين وأهل الدراية والرجال (٢). والمراد بهذا الإجماع ليس المعني اللغوي ، وهو مجرّد اتّفاق الكلّ ، بل المعني المصطلح وهو الاتّفاق الكاشف عن رأي المعصوم ، على أن يكون المجمع عليه هو القبول والعمل بروايات أولئك ...

أقول : إن أراد أنّ المتواتر هو نقل الإجماع عن الكشّي ، فهذا غير نافع على تقدير ثبوته ، وإن أراد التواتر في الإجماع المنقول ، فهو ممنوع ؛ لأنّ مستند كلّ من ادّعاه هو كتاب الكشّي ظاهرا.

وعلى كلّ ادّعاء كون الإجماع المذكور من ضروريّات الفقهاء والمحدّثين و ... مبالغة ، فإنّ القمّيّين على ما ذكره الشّيخ في موضعين من رجاله ضعّفوا يونس بن عبد الرحمن ، وهو أحد أصحاب الإجماع المذكور. ويقول الشّيخ في باب أصحاب الرضا عليه‌السلام في حقّه : طعن عليه القمّيون ، وهو عندي ثقة.

فلو كانت وثاقته مسلّمة عند الأصحاب لم ينسبها إلى نفسه ، على أنّ جملة من الفقهاء في بعض الموارد ضعفّوا بعض هؤلآء ، وإليك بيان بعض موارده على ما نقله بعض أهل التّتبع :

١. العلّامة ، قال في حقّ ابان بن عثمان في كفارة من أتي إمرأته وهي حائض : وفيه قول. (٣)

بل قال فيما يبطل به الصّلاة : في طريقها ابان بن عثمان : فلا تعويل على روايته. (٤) وفي محل من المنتهي حكم بكونه ضعيفا. (٥)

٢. المحقّق الحلّي في المعتبر : ضعّف أبان. (٦) كما أنّه في حيض المعتبر (٧) ضعّف عبد الله بن بكير.

__________________

(١) مقباس الهداية : ٧٠.

(٢) لم يذكر النجّاشي هذا الإجماع بوجه ، فأين الإجماع؟

(٣) المنتهى : ١ / ١١٦.

(٤) المصدر : ٢٩٦.

(٥) المصدر : ١٢٠ و ٥٢٣.

(٦) المعتبر : ١ / ١٢٥ ، ٢٤٥ ، ٥٨٠.

(٧) المعتبر : ١ / ٥٦.


٣. فخر المحقّقين في الإيضاح : ضعّفه أيضا. (١)

٤. ضعّف العلّامة في منتهى المطلب رواية ابن بكير ؛ لأجل كونه فطحيّا. (٢)

٥. احتمل الشّيخ في استبصاره : كذب عبد الله بن بكير ، وهذا الاحتمال وإن لم يكن مقبولا ، لكنّه ينافي إجماع الكشّي. (٣)

والمتتبّع يجد أكثر من ذلك. ولا حظ رسالة المحقّق السّيد محمّد باقر الشّفتي حول أبان بن عثمان أيضا.

ثمّ الكشّي حسب دلالة العبارات الثّلاثة نقل إجماع العصابة ، وإجماع الأصحاب على التّصديق وتصحيح ما يصحّ عن هؤلآء. وإقرار العصابة بالفقه والعلم فيكون المراد من الإجماع هو معناه اللغوي ، فإنّ مورده لم يكن حكما شرعيّا ، ومدرك هذا الإجماع هو شهرة وثاقتهم وكمال أمانتهم وعلمهم.

وإن فرض كونه إجماعا تعبّديا معقده قبول روايات هؤلآء تعبّدا ، فهو إجماع منقول غير حجّة. (٤)

الثّاني : قال المحدّث النّوري رحمه‌الله حول أهميّة هذا البحث :

إذ على بعض التقادير يدخل آلاف من الأحاد الخارجة عن حريم الصّحة إلى حدودها ، أو يجري عليها حكمها. (٥)

أقول : لكنّنا لم نستفد منه تصحيح رواية واحدة ، ولا وثاقة أحد غير وثاقة هؤلآء الثمانية عشر رجلا.

وإن شئت ، فقل : إنّ فائدة هذه العبارات الثّلاثة للكشّي رحمه‌الله إنّما تظهر في حقّ أبان بن عثمان ومعروف بن خربوذ فقط ؛ إذ وثاقة غيرهما قد ثبتت من غير هذه العبارات أيضا. فسبحان من جعل الأفهام مختلفة!

__________________

(١) الايضاح : ٤ / ٦٣١.

(٢) منتهي المطلب : ١ / ١٠٢.

(٣) استبصاره : ٣ / ٢٧٦ ، ح ٩٨٢.

(٤) وممّا يؤكّد انّه ليس باجماع مصطلح في أصول الفقه وعلم الفقه ، أنّ تعبير الكشّي في حقّ الطّائفة الأولى : اجتمعت العصابة.

وفي حقّ الثالثة : اجمع (اجتمع) أصحابنا ، فلم يثبت كلمه الإجماع إلّا في حقّ الثانية ، فدقّق النظر.

(٥) مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٥٧.


البحث الثّاني عشر

في أنّ الترحّم المكرّر علّامة الحسن

إذا ترحّم واحد من الأجلّاء العلماء على أحد ، أو ترضى عن أحد ، لا في مورد وموردين ، بل في موارد كثيرة ، يكشف ذلك عن حسنه ، فنعتمد على رواياته. وجه الكشف أمر ظاهر عرفا ؛ إذ لو لا صلاحه ومكانته الدينيّة لم يكن هنا داع للترحّم عليه والتّرضى عنه كلّما سمّي اسمه ؛ إذ يبعد من الأكابر أن يعظّموا ذاك التعظيم ، أو يعتني ذاك الاعتناء بالمجهول الحال ، فضلا عن الكذّاب والوضّاع.

وأمّا ما ذكره سيّدنا الأستاذ في منع هذا الاستظهار في دروسه وكتابه (١) فهو ضعيف ، بل غير مربوط بالفرض ، أعني : كثرة التّرضي والتّرحم دون ذكرهما مرّة أو مرّتين ، فإنّه غير موجب للحسن أو الوثاقة ، فلاحظه تجد صدق ما قلنا. (٢)

ومن هنا يثبت حسن جماعة من مشائخ الصّدوق رحمه‌الله الّذين يترحّم عليهم أو يترضّى عنهم كثيرا في كتبهم ، ولا مناص عن الالتزام باعتبار رواياتهم.

ومن هنا بنيّنا على حسن حال أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار خلافا للسّيد الأستاذ المتقدّم ، ولما ذهبنا إليه سابقا من الحكم بمجهوليّة حاله.

وعلى هذا الأساس نحكم بصحّة حديث رفع التسعة عن الامّة المبحوث عنه في علم الاصول مفصّلا ، نعم ، ربّما يشكّل اعتباره من جهة المناقشة في رواية حريز ـ الرّاوي الأوّل ـ رواية مباشرة عن الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٩١.

(٢) المراد بالكثرة ما يوجب اطمئنان الباحث بصدق الرّاوي ، وهو يختلف باختلاف الباحثين وحالاتهم النفسيّة.


وللسيّد الداماد كلام طويل في إثبات هذا المعني (١) نقله السّيد بحر العلوم رحمه‌الله في رجاله ، (٢) نذكر هنا بعضه تأييدا لأصل المرام ، وإن كان إثبات الصغريات محتاجا إلى المراجعة والتّحقيق ... قال رحمه‌الله :

إنّ لمشايخنا الكبراء مشيخة يوقّرون ذكرهم ويكثرون من الرّواية عنهم والاعتناء بشأنهم ويلتزمون أرداف تسميتهم بالرضيلة عنهم أو الرحملة لهم البتة ، فأولئك أيضا ثبت فخماء وإثبات أجلّاء ذكروا في كثب الرجال أو لم يذكروا.

والحديث من جهتهم صحيح .. وهم : كأبي الحسن علي بن أحمد بن أبي جيّد ، وأبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري ، وأبي عبد الله أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر ، أشياخ شيخ الطّائفة أبي جعفر الطّوسي والشّيخ أبي العبّاس النجّاشي ... (٣). وكابن شاذان ... أحمد بن علي بن الحسن ، وابن الجندي أحمد بن محمّد ... الجراح شيخي النجّاشي ، يستند إليهما ويعظّم ذكرهما كثيرا ... وكأشياخ الصدوق ... : الحسين بن أحمد بن إدريس ... الأشعري ... ومحمّد بن علي ماجيلويه القمّي ... ومحمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقاني ، وأحمد بن علي بن زياد ومحمّد بن موسى المتوكّل ، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ... وجعفر بن محمّد بن مسرور ، وعلي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، والمظفر بن جعفر بن المظفر العمري العلوي ... ومحمّد بن محمّد بن عصام الكليني وعلي بن أحمد بن موسى.

فهؤلآء كلّما سمّي الصّدوق واحدا منهم في سند الفقيه وفي أسانيده المعنعنة في كتاب عيون أخبار الرضا ، وفي كتاب عرض المجالس ـ أي : أمالي الشّيخ الصّدوق. وفي كتاب : كمال الدّين وتمام النّعمة ، قال : رحمه‌الله وكلّما ذكر اثنين منهم أو قرن أحدا منهم بمحمّد بن الحسن بن الوليد ، أو بأبيه الصّدوق ، قال رضي‌الله‌عنهما. وكلّما سمّي ثلاثة منهم ... قال : رضي الله تعالى عنهم.

ثمّ سمّي السّيد الداماد جمعا آخر من مشائخ الصّدوق ، وجمعا من مشائخ الكليني.

أقول : المتيقّن هو الحكم بحسن حال من تكرّر في حقّه الرضيلة عنهم والرحملة لهم أو

__________________

(١) الرواشح السمائية : ١٠٤ ـ ١٠٧ ، الراشحة : الثّلاثة والثلاثون.

(٢) كتاب الرجال : ٤ / ٧٢.

(٣) لم يترحم النجّاشي على أشياخه في فهرسته (رجاله) حين ذكر الأسانيد إلّا قليلا ، ولعلّه لم يكثر من الترحّم والترضّي عن أحدهم على ما لا حظت مقدارا كثيرا من كتابه المذكور. وكذا الشّيخ في فهرسته في غير حقّ الشّيخ المفيد.


ما أشبه ذلك من الصدوق وغيره من العلماء الأعلام رحمه‌الله بمقدار معتد به ، ولا بدّ لإثبات ذلك في حقّ كلّ فرد من المراجعة.

وقد نقل المامقاني أسماء مشائخ الصدوق الّذين روي عنهم وترحّم عليهم ، أو ترضى عنهم ، مطردا أو أحيانا وغيرهم. (١)

وهنا احتمال آخر ، وهو استناد تكرر التّرحم إلى مزيد استفادة الصّدوق ، مثلا عن المرحوم ، وحسن عنايته بأساتيذه ونحو ذلك من الحقوق العرفيّة دون الوثاقة ، وهذا الاحتمال وإن لم يوجد له دفع غير أن ما ذكرنا أوّلا أظهر.

وقد يقال إنّ الرحملة والرضيلة من الصّدوق إشارة إلى تشيع مشائخه دون وثاقتهم ، لكنّه حدس مرجوح إذا أكثر هؤلآء لا يحتاجون إلى إثبات تشيّعهم ، كما أن التّفصيل بين التّرضيّة والتّرحيم أيضا غير واضح.

ثمّ إنّ لهذه القاعدة كأخواتها استثناءات ، كما في الحسن بن محمّد بن يحيى ، حيث ترضّي عنه الصّدوق وترحّم عليه مع أنّ جمعا ضعّفوه كما حكاه النجّاشي خلافا للوحيد ، فلاحظ.

والمؤلّف الفقير حينما كان يلقي محاضراته في علوم الرجال والكلام والفقه في قم المشرّفة ، ويحضرها أكثر من مأتي تلميذ ، طلبت منهم التّحقيق في كتب الصدوق رحمه‌الله وإخراج عدد ترحّمه وترضيّه عن مشايخه ، فتتبّع جملة منهم في كتب الصّدوق ، ونذكره هنا (الطّبعة الخامسة) من هذا الكتاب حسب ما ذكروه وكتبوه لي مختصرا.

تفحّص بعض تلامذتي في علم الرجال وغيره كتب الصدوق : الأمالي والعلّل ، والخصال ، والعيون ، ومعاني الأخبار والتوحيد ، وكمال الدين وفضايل الأشهر الثّلاثة ، وصفات الشّيعة وفضايل الشّيعة (٢) ، فكتب لي نتيجة فحصه وتتبعه بمايلي :

__________________

(١) انظر : رجال المامقاني : ٣ / ٩٠.

(٢) يقول العلّامة المجلسي رحمه‌الله : إعلم أنّ أكثر الكتب الّتي اعتمدنا عليها في النقل ، مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلّفيها ، ككتب الصدوق ، فإنّها سوى الهداية ، وصفات الشّيعة ، فضائل الشّيعة ، مصادقة الإخوان وفضائل الأشهر لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعه الّتي عليها المدار في هذه الأعصار ... وكتاب الهداية أيضا مشهور ، لكن لا بهذه المثابة ... انظر : البحار : ١ / ٢٦.

وأنا متوقّف من الحكم باعتبار الرّوايات المعتبرة الأسانيد المذكورة في الكتب الثّلاثة الأخيرة المذكورة في المتن.


الأوّل : ذكر الصدوق رحمه‌الله في حقّ الحسين بن أحمد بن إدريس الأشعري ١٩ مرّة لفظ : رحمه‌الله، (١) و ١٤ مرّة لفظ: رض (٢) و ١٥ مرّة جملة : رحمة الله(٣) ، و ٢٦ مرّة جملة : رضي‌الله‌عنه. (٤)

وكتب إنّه جاء اسم الحسين في الكتب المذكورة، تسعون مرّة وذكر مع الترحّم والترضّي في ٧٦ موردا.

أقول : لكن مجموع الموارد يبلغ ٧٤ موردا.

الثّاني محمّد بن علي بن ماجيلويه :

جاء اسمه في كتب الصدوق كلّها ٣٧٣ مرّة ، وترحّم عليه ٢٣٢ مرّة ، و ٣٢ مرّة منها بلفظ ره (٥)، و ١١ مرّة بلفظ رض (٦)، و ١٤٩ مرّة بجملة : رضي‌الله‌عنه ، (٧) و ٤١ مرّة بجملة : رحمه‌الله. (٨)

__________________

(١) انظر : كتاب التوحيد : ، ٩٨ ، ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٣٧ ، ١٤٠ ، ٢٤٠ ، ٢٠٩ ، ٢٥٥ ، ٢٩٠ ، ٢٦٦ ، ٣٠٢ ، ٣٥٨ ، ٣٨٩ ، ٤٠٤ ، ٤٨٥ و ٤٩٢. كتاب الأمالي : ٥٠٧ و ٥٥٥. كما ذكره التلميذ المذكور.

(٢) انظر: كتاب الأمالي: ٥٦، ١٨٠،٢٠٠، ٢٢١،٢٩١، ٢٩٩، ٣٣٥، ٣٩٨، ٤١٢، ٤٤٢، ٤٦٥، ٤٨٣، ٤٩٨، ٥٤٧.

(٣) علل الشّرائع : ١٠٠ ، ١٠٨ ، ٢٢٧ ، ٣٢١ ، ٣٢٥ ؛ والأمالي : ٣٢ و ٣٩ ؛ والتوحيد : ١٠٩ ، ١٣٢ ، ٢٨٩ ، ٣١٤ ، ٣٧١ ، ٣٧٦ ، ٣٩٤ ، ٤٠١.

(٤) علل الشّرائع : ١ ، ١٤ ، ٣٦ ، ٩١ ، ٩٧ ، ١٤٨ ، ٢٢٥ ، ٢٣٠ ؛ معاني الإخبار : ٤٦ ، ١٣٤ ، ٢٧٣ ، ٣٧٠ ، ٣٨٣ ، ٤٩٦ ؛ الخصال : ١٦٠ ؛ التوحيد : ١٤٠ ، ٢٥٠ ، ٣٠٢ ، ٣٥١ ؛ العيون : ١٤٧ و ٤٥٧ ؛ إكمال الدين : ٣١٣ ، ٣٣٢ ، ٣٣٥ ، ٤١٠ ، ٤٢٦ ، ٤٥٣.

(٥) انظر عيون أخبار الرضا : ١٢٩ ، ١٦٧ ، ١٨٤ ، ٢٠٣ ، ٢١٧ ، ٢٣٩ ، ٢٥٤ ، ٢٦٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٩ ، ٢٩٥ ، ٣٠٢ ، ٣٥١ ، ٣٥٨ ، ٣٦٧ ، ٣٧٧ ، ٤١٥ ، ٤٤٢ ، ٤٦٤ ، ٤٧٩ ، ٤٩٦ ، ٤٩٨ ، ٥٠٨ ، ٥٤٠ ، ٥٥٢ ؛ عيون الإخبار الرضا عليه‌السلام ؛ الأمالي : ٥٢٠.

(٦) الأمالي : ص ٣٣٠ ، ٣٣٧ ، ٣٩١ ، ٣٩٧ ، ٤٨٤ ، ٥١١ ، ٥٧٨ ، ٥٨٥ ، ٦٠٤ ، ٦٣٢.

(٧) انظر : علل الشرائع : ٢ / ٩ ، ٧٥ ، ١٢٦ ، ١٤٠ ، ١٤٢ ، ١٦٦ ، ٢٢٩ ، ٢٤٣ ، ٢٩٧ ، ٣٠٢ ، ٣٧١ ، ٣٩٨ ، ٤٥٩ ، ٤٨٠ ، ٤٨٦ ، ٤٩٦ ؛ من كتاب علل الشرائع ، ج ٢ ، ٣ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١٣ ، ١٦ ، ١٨ ، ٢٤ ، ٣٦ ؛ ج ٣ / ٢٦ ، ٤٢ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٥ ، ٥٩ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٨٥ ، ٨٩ ، ٩١ ، ٩٧ ، ١٠٣ ، ١١٧ ، ١٢٦ ، ١٣١ ، ١٣٣ ، ١٣٧ ، ١٤١ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ٢٠٧ ، ٢١٥ ، ٢٢٣ ، ٢٣٨ ، ٢٤٢ ؛ ج ٣ / ٢٤٤ ، ٢٦٣ ، ٢٨٢ ، ٢٩٣ ، ٢٩٩ ؛ ج ٢ / ٣٢٠ ، ٣٣٠ ، ٣٣٣ ، ٣٤٥ ، ٣٤٨ ، ٣٥١ ، ٣٥٣ ، ٣٥٦ ، ٥٠٧ ، ٥٢٨ ، ٦٨١ ، ٦٨٥ ، ٦٨٦ ، ٦٨٨ ، ٦٩٤ ، ٧٠٥ ، ٧٣١ ، ٣٣٢ ، ٧٣٨ ، ٧٤١ ، ٧٨١ ، ٨٤٦.

الخصال : ٥٠ ، ١١١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٧ ، ١٤٩ ، ١٥٦ ، ١٦٠ ، ١٦٩ ؛ ج ٢ / ١٨٥ ، ٢٢٧ ، ٢٣٥ ، ٢٤٢ ، ٢٤٥ ، ٢٦٩ ، ٣٦٤ ، ٣٧٣. معاني الإخبار : ج ٢ / ١٨ ، ٥٥ ، ٩٣ ، ١٢٧ ، ١٣١ ، ١٣٣ ، ٢٥٢ ، ٢٥٧ ، ٢٩٨ ، ٣١٣ ، ٣٦٧ ، ٥٣٨. ج ٢ ، ٥٤٢ ، ٥٧٣ ، ٥٧٤ ، ٥٧٨ ، ٥٨٠. عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : ١٤١، ١٤٢ ، ١٧٦ ، ٢٥٦ ، ٢٦٠ ، ٢٦٩ ، ٢٨٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٦ ، ٢٩٩ ، ٤٣٠ ، ٤٣٢ ، ٤٣٥ ، ٤٨١ ، ٥٢٣ ، ٦٥١ ، ٦٥٢ ، ٦٧٠ ، ٦٧٢ ، ٦٧٤ ؛ كتاب كمال الدين.

وذكر مع الترضيّه في كتاب فضائل الاشهر الثّلاثته غير المعتبر وفي كتاب التوحيد ايضا.

(٨) انظر: الخصال: ص ١٦٧، ٢٥٠، ١٧٩، ٤٦٣، ٥١٩، ٥٤٢، ٥٥٤، ٥٧٧ و ٥٧٨ ؛ الأمالي : ١١ و ٨٦ ؛ العلل ٢٦؛ معاني


محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني :

ذكر الصدوق رحمه‌الله محمّد بن إبراهيم بن إسحاق مطلقا مائة وثلاثة وأربعين مرّة ، ولكن ذكره مع قيد : الطالقاني أحدى وثمانين مرّة ، وترحّم سبعة وستين مرّة بقوله : رضي‌الله‌عنه (١) وسبع مرات بكلمة : رحمه‌الله (٢).

أحمد بن علي بن زياد :

لم يذكر في كتب الصدوق ، ولا مرّة واحدة من دون ترحّم وترضيّة.

محمّد بن موسى المتوكّل :

ذكره الصّدوق في كتبه المعتبرة ، وترحّم عليه أو ترضى عنه ١٢ مرّة.

أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار :

ذكره الصدوق في كتبه كلّها ١٥٤ مرّة ، وترحّم عليه أو ترضى عنه مائة وكم مرّة.

جعفر بن محمّد بن مسرور :

ذكره الصّدوق في كتبه أربع وتسعين مرّة ، وترحّم عليه أو ترضى عنه ٧٥ مرّة بعبارات أربعة : ره ، رض ، رحمه‌الله ورضي‌الله‌عنه كما في غيره.

علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق :

جاء اسمه في كتبه ٩٧ مرّة وذكرت الرحمة والترضيه معه في ٨٧ مرّة.

المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي :

ذكر اسمه ٦٥ مرّة في كتب الصدوق ، واقترن بالتّرحم في تسعة موارد ، وبالتّرضيه في ٢٢ موردا.

محمّد بن محمّد بن عصام الكليني :

ذكر اسمه في : التّوحيد ، والأمالي ، والعلل ، والمعاني ، وإكمال الدين عشرون مرّة ، وذكر في حقّه الترحّم خمس مرّات والتّرضى ثمان مرأت.

__________________

الأخبار : ٥٨٤ ؛ التوحيد : ٤٨ ، ١٠٠ ، ١٠٥ ، ١٢٥ ، ١٢٧ ، ١٣٠ ، ١٣٩ ، ١٤٩ ، ١٦٥.

(١) علل الشّرايع : ٩ ، ١٣ ، ٥٤ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٨٠ ، ٩٤ ، ٩٨ ، ١٢٣ ، ١٢٦ ، ١٣٦ ، ٥٩ ، ١٠٤ ؛ الخصال : ١٤٣ ، ١٤٥ ، ١٥٩ ، ٢٣١ ، ٣٤١ ، ٣٦٠ ، ٥٠٦ ، ١٧٩ ، ١٨٧ ، ١٩٠ ، ٢٨٢ ، ٣٢٠ ، ٥١٢ ، ٥١٩ ، ٥٤٢ ، ٥٤٣ ، ٧١٢ ، ٧٢٣ ، ٧٢٨ ، ٧٨١ ، ٧٩٣ ؛ معاني الإخبار : ٢٨ ، ٥٢ ، ٩٥ ، ١٠٢ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ٢٣٥ ، ٣٠٩ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، ٣٨٤. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، ٢٦٠ ، ٣٩٩ ؛ كمال الدين : ١٥٩ ، ٣٠٤ ، ٣١١ ، ٣٣٨ ، ٤٣٣ ، ٤٤٣ ، ٢٢٩ ، ٤٤٤ ، ٤٨٣ ، ٥٠٦ ، ٦٧٥ ؛ التوحيد : ٦٨ ، ٧٩ ، ٨٣.

(٢) كما في المعاني والعلل.


علي بن أحمد بن موسى

لم يذكر اسمه بدون التّرحّم أو التّرضى مرّة واحدة ، وجاء مع لقب الدّقاق ٦٦ مرّة مع الرحم أو الترضية.

ثمّ إنّي لم أجد اسم هذا التلميذ الفاضل في أوراقه حتّى أذكره أداء لحقّه.

وإليك قائمة أخرى من أحد تلامذتي في بلدة قم ، وهو فضيلة السّيد محمّد عارف الأميني الافغاني حول ترحّم الصدوق أو ترضيه عن مشايخه بالعبارات الأربعة المتقدّمة رض ، ره ، رحمه‌الله ورضي‌الله‌عنه.

١. أبوه أكثر من ١٨٠٠ مرّة.

٢. ابن الوليد بمختلف ألفاظه أكثر من ٥٦٠ مرّة.

٣. علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق ٨٩ مرّة من مجموع ٩٧ موردا.

٤. محمّد بن على ماجيلويه ٢٢٥ مرّة من مجموع ٣٧٣ موردا.

٥. على أحمد ٣٥ مرّة.

٦. جعفر بن محمّد بن مسرور ٧٩ مرّة من مجموع ٩٤ موردا.

٧. أحمد بن إدريس ، وأحمد بن الحسين بن إدريس ٦٩ مرّة من مجموع ٣٧٩ موردا.

٨. الحسين بن أحمد بن إدريس ٧٧ مرّة من مجموع ٩٠ موردا ، وباسم الحسين بن أحمد ٩ مرّة.

٩. أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ١٢٢ مرّة من مجموع ١٥٤ موردا.

١٠. أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ١٢١ مرّة من مجموع ١٤٨ موردا.

١١. محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ٣٣ مرّة من مجموع ٧٣ موردا.

١٢. حمزة بن محمّد بن العلوي ١٥ مرّة من مجموع ٢٣ موردا.

١٣. الحسين بن إبراهيم ثاثانه (ناثانه) ٢٢ مرّة من مجموع ٢٦ موردا.

١٤. المظفّر بن جعفر العلوي السمرقندي ٢١ موردا من مجموع ٦١ موردا.

١٥. محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني أو باسم : أبي العبّاس ٢٥ موردا ، أو أكثر من مجموع ١٠٠ موردا.

١٦. محمّد بن موسى المتوكّل ٩ مرّة من مجموع ١٤ موردا.

١٧. علي بن أحمد بن محمّد ٣٦ مرّة من مجموع ٢٨ موردا. والظّاهر إنّ الكاتب اشتبه فيه.

١٨. الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي ١٢ مرّة من مجموع ١٣ موردا.


١٩. أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ١١ مرّة من مجموع ٢٣ موردا.

٢٠. محمّد بن محمّد بن عصام الكليني ١٣ مرّة من مجموع ٢٠ موردا.

٢١. أحمد بن زياد الهمداني ٩ مرّة من مجموع ١٢ موردا.

٢٢. علي بن أحمد الدقاق ٧ مرّة من مجموع ٩ موردا.

٢٣. علي بن أحمد بن محمّد الدقاق ٧ مرّة من مجموع ١٢ موردا.

٢٤. أحمد بن الحسن القطان ٦ مرّة من مجموع ١٧٢ موردا.

٢٥. علي بن عبد الله الورّاق ٣٢ موردا من مجموع ٨٨ موردا.

٢٦. عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطار النيسابوري ١٨ مرّة تقريبا من مجموع ٥١ موردا.

٢٧. محمّد بن المظفّر بن نفيس المصري ترضى عنه ١٩ مرّة ، وترحّم عليه مرّة واحدة.

أقول : وقد ترحّم على جمع من هذه القائمة أو ترضى عن عدّة منهم في مشيخة الفقيه ، فلاحظها إن شئت.


البحث الثالث عشر

في ذكر من هم فوق التّوثيق والتحسين

اشتهر في الطائفة الإماميّة أشخاص بتقواهم وفضلهم وجهادهم وتصلّبهم في دينهم عند العوام ، فضلا عن الخواصّ ، والشّيعة يعظّمونهم بعد أئمتّهم عليهم‌السلام أكبر تعظيم ، وربّما جاوزت جلالتهم عن حدّ الشّهرة ، وصارت جزءا من معتقدات الطّائفة ، ويرفعون مقامهم عن مقام الموثقين والجارحين من علماء الرّجال وغيرهم بكثير.

ولا أظنّ بأحد من الباحثين أن يتوقّف في الحكم باعتبار حديث وقع أحد من هؤلآء الأجلّاء العظماء في سنده وإن فرض عدم توثيقه من الرجاليّين إذا صحّ سند الحديث من غير جهته.

وهؤلآء كسلمان الفارسي وأبي ذر ومقداد ، وحمزة سيّد الشّهداء وجعفر الطّيار ، وعمّار بن ياسر ومالك الأشتر ، وحبيب بن مظاهر الأسدي وأبي الفضل العبّاس ، وعلي أكبر ونظرائهم رضوان الله تعالى عليهم وحشرهم مع النّبيّ والوصي والأئمّة عليهم‌السلام.

وهؤلآء جماعة من الرّجال والنّساء لا يخفى أسمائهم على الباحث الخبير ، نعم ، يمكن أن يقع اختلاف في عدّ بعض الأفراد من هذه الطبقة ، وهو بحث صغرويّ لا يهمّنا هنا.

نعم ، ثمرة البحث قليلة أو غير متحققة في الأسانيد ، مع أنّ بعض هؤلاء ثبتت وثاقتهم بالدّليل كما يظهر من خلال مطالب هذا الكتاب.


البحث الرابع عشر

حول مشائخ الإجازة

قال السّيد الكاظمي قدس‌سره : ما كان العلماء وحملة الأخبار ، لا سيّما الأجلّاء ومن يتحاشي في الرّواية من غير الثقات فضلا عن الاستجازة ليطلبوا الإجازة في روايتهم ، إلّا من شيخ الطّائفة وفقيهها ومحدّثها وثقتها ، ومن يسكنون إليه ويعتمدون عليه.

وبالجملة : فلشيخ الإجازة مقام ليس للراوي.

ومن هنا قال المحقّق البحراني فيما حكي الأستاذان : مشائخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة والجلالة.

وعن صاحب المعراج : لا ينبغي أن يرتاب في عدالتهم.

وعن الشّهيد الثّاني : أنّ مشائخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم. (١)

ولذلك صحّح العلّامة وغيره كثيرا من الإخبار مع وقوع من لم يوثّقه أهل الرجال من مشائخ الإجازة في السند ، إلى أن قال : وبالجملة فالتعديل بهذه الطّريقة طريقة كثير من المتأخّرين ، كما قال صاحب المعراج.

وقال المحقّق الشّيخ محمّد في شرح الاستبصار : عادة المصنفين عدم توثيق الشّيوخ ، وكونه شيخا للإجازة يخرجه عن وجوب النظر في حاله لتصحيح السند ، فلا يضرّ ضعفه أو جهالته بصحّته إذا سلم غيره من رجاله.

وفي منتهي المقال : قال جماعة إنّ مشائخ الإجازة لا تضرّ مجهوليتهم ؛ لأنّ أحاديثهم

__________________

(١) ويردّه تعرض الرجاليّين لتوثيق أصحاب الإجماع ، وهم أعلى مرتبة من المشائخ ، فكيف لم يتعرضوا لتوثيقهم؟


مأخوذة من الاصول المعلومة وذكرهم لمجرّد اتّصال السّند أو للتيمّن.

ويظهر من بعضهم التّفصيل بينهم ، فمن كان منهم شيخ إجازة بالنّسبة إلى كتاب أو كتب لم يثبت انتسابها إلى مؤلّفها من غير أخباره ، فلا بدّ من وثاقته عند المجاز له ، فإنّ الإجازة كما قيل إخبار إجمالي بأمور مضبوطة مأمون عليها من التّحريف والغلط ، فيكون ضامنا لصحّة ما أجازه فلا يعتمد عليه إلّا بعد وثاقته ، وفيه نظر.

ومن كان منهم شيخ إجازة بالنّسبة إلى ما ثبت انتسابه إلى مؤلّفه بالتواتر والشّياع أو غيرهما ، فلا يحتاج إلى وثاقة. (١)

وعن الوحيد رحمه‌الله إذا كان المستجيز ممّن يطعن على الرجال في روايتهم عن المجاهيل والضعفاء وغير الموثّقين فدلالة استجازته على الوثاقة في غاية الظّهور سيّما إذا كان المجيز من المشاهير. وربّما يفرق بينهم وبين غير المشاهير بكون الأوّل من الثّقاة ، ولعلّه ليس بشيء. (٢)

يقول الفاضل المامقاني رحمه‌الله :

ليست شيخوخة الرّواية كشيخوخة الإجازة في إفادة الحسن أو الوثاقة ، كما نصّ عليه بعض أساطين الفن ، والفرق بينهما على ما أفاده صاحب التكملة في ترجمة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد إنّ الأوّل (الثّاني ظ) من ليس له كتاب يروي ولا رواية تنقل ، بل يخبر كتب غيره ويذكر في السند لمحض اتّصال السند فلو كان ضعيفا لم يضر ضعفه ، والثّاني (الأوّل ظ) هو من تؤخذ الرّواية منه ويكون في الأغلب صاحب كتاب بحيث يكون هو أحد من تستند إليه الرّواية. وهذا تضرّ جهالته في الرّواية ويشترط في قبولها عدالته ، وطريق العلم بأحد الأمرين هو أنّه إن ذكر له كتاب كان من مشايخ الرّواية ، وإلّا كان من مشائخ الإجازة على إشكال في الثّاني. (٣)

أقول : رواية الثقات عن الضعاف ليست بعزيزة ، بل هي شائعة ، فرواية الثّقة عن غيره لا تكون قرينة على وثاقة ذاك الغير. ولا فرق في الرّواية بين أن تكون بسماع أحد من آخر أو بقراءته عليه ، أو بإجازته عن كتاب ، فافهم جيّدا.

وأمّا القول بأنّ جهالتهم غير مضرّة بصحّة الرّواية لمعلومية الكتب والاصول ، فهو فتوى بلا دليل إن أراد العموم والدوام ؛ وما ذكره الوحيد لا بأس به كبرى إن ثبت عمل المستجيز مطابقا لطعنه ، لكن الكلام في إثبات الصغرى. فالحقّ أن مشائخ الإجازة كغيرهم من الرّواة في الاحتياج

__________________

(١) نقلنا كلّ ذلك من : خاتمة مستدرك النوري رحمه‌الله : ٣ / ٥٤٢ ؛ منتهي المقال : ١ / ٨٥.

(٢) مقباس الهداية : ٧٤.

(٣) المصدر : ٧٤.


إلى التّوثيق في اعتبار رواياتهم الّتي أجازوها ، إذا لم تكن معلومة من غير جهة الإجازة.

وأيده السيّد الأستاذ الخوئي ذلك بأنّ الحسن بن محمّد بن يحيى ، والحسين بن حمدان الحضيني ، من مشائخ الإجازة وقد ضعفّهما النجّاشي. (١)

يقول المحدّث النوري (٢) : نحن وإن لم نقل بأنّ شيخية الإجازة من أمارات الوثاقة ... إلّا أنّه يمكن الحكم بوثاقة هؤلآء المشائخ الّذين اعتمد عليهم الشّيخ والنجّاشي في طرقهم إلى أرباب الكتب لامور :

ألف) تصريح الشّهيد الثّاني في شرح الدراية بوثاقتهم ، حيث قال : تعرف العدالة المعتبرة في الراوي ... أو بالاستفاضة بأنّ تشتهر عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السّالفين من عهد الشّيخ محمّد بن يعقوب الكليني ، وما بعده إلى زماننا هذا لا يحتاج أحد من هؤلآء المشائخ المشهورين إلى تنصيص تزكيّة ولا بيّنة على عدالته ممّا اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة.

ب) إنّ الشّيخ كثيرا ما يقدح في الكتابين في رجال السند الّذين وقعوا بعد صاحب الكتاب ، ولم يقدح أبدا في رجال طريقه إليه.

ج) شدة تورّع المشايخ عن الرّواية عن المتّهمين فضلا عن الضعفاء والمجروحين كما شرحناه في ترجمة النجّاشي.

أقول : أمّا الأوّل ، فجوابه أنّه إذا أحرزنا اشتهار عدالة أحد على نحو ذكره الشّهيد قدس‌سره نبني على اعتبار روايته ، وإلّا فلا ، وعلى كلّ هو لا يثبت مدعي المحدّث النوري ؛ إذ في طريق الشّيخ إلى أرباب الكتب من هو أسبق على الكليني ، وكلام الشّهيد لا يشمله.

وأمّا الثّاني ، فهو وجه ظنّي ليس بدليل معتبر ، وفيه احتمالات منها اطمئنان الشّيخ بصحّة الطّريق لأجل تعدّده لا لأجل وثاقة الواسطة مع أنّ الواقعين في طرقه ليس كلّهم من مشائخه ؛ فوجه عدم قدحه فيهم امر غير راجع إلى شيخية الإجازة.

وسيأتي في شرح مشيخة التّهذيب أنّ الشّيخ نفسه ضعّف بعض من وقع في طرقه إلى أرباب الكتب ك : محمّد بن جعفر بن بطّة ، فما هذه المبالغة؟ فتأمّل.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٧٣ ؛ الطبعة الخامسة.

(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٧٥٤.


وأمّا المورد الثّالث ، فهو مردود للعلم برواية الثّقات عن الضعفاء باطراد ، ومرّ الكلام حول مشائخ النجّاشي.

تتمّة

وعن الشّيخ في عدّة الأصول : إذا كان أحد الرّواييّن يروي سماعا وقراءة والآخر يروي إجازة ، فينبغي أن يقدّم رواية السّامع على رواية المستجيز ، اللهم ، إلّا أن يروي المستجيز بإجازته أصلا معروفا أو مصنّفا مشهورا ، فيسقط حينئذ الترجيح ...

والمحصل لحدّ الآن ، أنّ شيخ الإجازة كشيخ الرّواية في الاحتياج إلى التّوثيق والتحسين كما عرفت.

والتحقيق أنّ جهالة شيخ الإجازة حتّى ضعفه ، لا تضرّ بالسند إذا كانت كتب المجاز بروايتها ، من زمان مؤلّفيها إلى زمان المجاز له ، مشهورة مأمونة من التّحريف ، فإنّه لا صنع للمجيز في تحريف رواياتها وتزييدها وتنقيصها ، فإنّ المجاز له يحصلها من السّوق وغيره ؛ ولأجل هذا بنينا أخيرا في تعليقتنا على تمييز الرّوايات المعتبرة من جامع أحاديث الشّيعة على اعتبار روايات الكافي الّتي في أسانيدها محمّد بن إسماعيل شيخ الكليني مع أنّه لم يوثّق في الكتب الرجاليّة ، وذلك لشهرة كتب الفضل بن شاذان في عصر الكليني رحمه‌الله ظاهرا.

وأمّا إذا كان بين المجيز ومؤلّفي الكتب فصل كثير في الزمان ، أو لم تحرز شهرة الكتب المجاز بها في زمان المجاز له ، فلا تنفع الإجازة في صحّة روايات الكتب المذكورة. والظّاهر إنّ سبب الاجازة في الفرض الأوّل إنّما هو الفرار من الإرسال المرغوب عنه عند الرّواة.

وعلى هذا الأساس ، يفهم صحّة الأقوال المتقدّمة وضعفها ، والحمد لله.


البحث الخامس عشر

نقد كلام الفاضل الأردبيلي

قال العلّامة المتتبّع الشّيخ محمّد بن علي الأردبيلي رحمه‌الله في آخر مقدّمة كتابه جامع الرّواة : وبالجملة بسبب نسختي هذه يمكن أن يصير قريب من اثنى عشر ألف حديث أو أكثر (١) من الأخبار الّتي كانت بحسب المشهور بين علمائنا رحمه‌الله مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال وصحيحة لعناية الله تعالى وتوجه سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين صلى‌الله‌عليه‌وآله. وليعلم أيضا إنّا في أوّل أمرنا كنّا لا نعتمد إلّا على قرائن كثيرة قوية ، فلمّا ظهر لنا بالتتبّع أن في ترجيح بعض الأسماء على بعض بحسب المشهور ترجيحا بلا مرجّح ، أو ترجيح مرجوح ، والترجيح بحسب القرينة الضعيفة أولى من الترجيح بلا مرجّح ، أو ترجيح مرجوح ، اعتمدنا في بعض المواضع بقرينة قليلة ضعيفة أيضا.

أقول : الّذي يظهر من أوّل كلامه إلى آخره (في المقدّمة) أنّ السبب في تصحيح اثنى عشر ألف حديث ، أمور حصلت بجهده في مدّة خمس وعشرين سنة كما قيل ، وإليكم بيانها :

١. رفع الجهالة والاشتراك عن الرّاوي بذكر الرّاوي عنه والمروي عنه.

٢. وجدان بعض الأخبار المادحة لبعض الرّواة ، حيث لم يذكرها علماء الرجال.

٣. وجدان رواية بعض الثقات عن الإمام والحال أنّ علماء الرجال لم ينقلوا أنّ هذا البعض روي عن الإمام فتصير به الرّوايات المضمرة معتبرة.

__________________

(١) المستدرك : ٣ / ٥٤٠ ، بعد نقله : ومراده من العدد المذكور الأخبار المودعة في الكتب الأربعة وإن لاحظنا ما ذكره في أخبار سائر الكتب المعتمدة الشّائعة ، كان العدد أضعافا مضاعفة.


٤. استفادة أنّ رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد أنّه كان حسن الحال ، أو كان من مشائخ الإجازة.

٥. إيضاح بعض الاشتباهات في كلام بعض الرجاليّين.

٦. وقوفه على رواية بعض الرّواة عن الإمام ، أو عن الإمام الخاصّ ، فتخرج رواياته عن الإرسال.

٧. ذكره العلماء المعاصرين للشيخ الطّوسي رحمه‌الله والمتأخّرين عنه.

وفي ما أفاده نظر ، أو منع وننبّه على بعض الإيرادات :

فمنها قوله ؛ والتّرجيح بحسب القرينة الضّعيفة ... الخ ، فإنّه عجيب ؛ إذ هو يتمّ إذا كان الترجيح في نفسه واجبا ، لا مطلقا.

ونحن نقول أنّ الظّن يحرم العمل به ، فإنّ حصل الاطمئنان بتميّز الأسماء المشتركة بعضها عن بعض فهو ، وإلّا فيجب التوقّف ، ولا يجوز الترجيح ، سواء كان بلا مرجّح أو بمرجّح ضعيف ظنّي ، فإنّ الظّن غير المعتبر كالشكّ في عدم جواز العمل به ، فكلامه ساقط.

ومنها : إنّ رواية جمع من الثقات عن شخص لا يدلّ على حسن حاله ، كما مرّ.

ومنها : إنّ الرّواية المادحة إنّما تصير دليلا إذا صحّ سندها لا مطلقا كما تخيّله غيره أيضا من بعض الرجاليّين.

ومنها : إنّ وجود رواية أحد عن الإمام لا يدفع إشكال الإرسال والإضمار في مورد آخر ، وعلى كلّ حال. (١)

والعمدة في كلامه وكتابه هو امتياز الرّاوي عنه والمروي عنه (٢) ، والإنصاف أنّه مفيد في الجملة ، ولكن قال بعض الفضلاء من الرجاليّين في كتابه (٣) : اشتهر من عصر الطريحي ،

__________________

(١) وله طريق آخر في تصحيح طرق الشّيخ الضعيفة ، سيأتي نقله ونقده في شرح مشيخة التهذيب في البحث الخامس والأربعين.

(٢) ولذا قال السّيد البروجردي قدس‌سره في مقدّمة له على كتابه : فالامتياز القيّم الّذي أوجب تقديرنا له إنّما هو لكتابه جامع الرّواة باعتبار ما فيه من جمع رواة الكتب الأربعة ، وذكر من رووا عنه ومن روى عنهم وتعيين مقدار روايتهم ورفعه بذلك بعض النقص عن كتب الرجال ...

أقول : لعلّ كتاب سيدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله أحسن من جامع الرّواة بكثير في رفع هذه النقيصة.

والأوسع من الكلّ في هذا الباب الموسوعة الرّجالية للسيّد البروجردي نفسه (رضوان الله عليه) وشكر الله مساعيه ، وإنّي أوصي أصحاب التحقيق والتدقيق ومن يريد التفحص في الأسانيد ، بمراجعة هذه الموسوعة القيّمة الفريدة ، والتعمّق فيها.

(٣) قاموس الرجال : ١ / ٩.


والكاظمي ، العاملي ، ومحمّد الأردبيلي ، وهم متقاربوا العصر تمييز المشتركين من الرّواة في الأسماء والكني بالرواة عنهم ، ومن رووا عنه ، وقد استقصى ذلك الأخير منهم في كتابه جامع الرّواة الّذي صنّفه في عشرين سنة (١) كالكافي والوسائل ، ذاكرا كلّ راو ومرويّا عنه من أخبار الكتب الأربعة.

ولم أقف على تعرّض من قبلهم لذلك وهو تخليط وخبط وتحقيقه : أن الأصل في التّعريف بالرّاوي رجال البرقي ، ثمّ رجال الشّيخ ، والغالب في الأوّل بيان أنّ فلانا لا يعرف إلّا من طريق فلان فعرف كثيرا من أصحاب الصّادق عليه‌السلام برواية ابن مسكان عنهم ، وبعضهم : برواية ابان وبعضهم : برواية علي بن الحكم ، وبعضهم برواية سيف ، وبعضهم برواية يونس بن يعقوب ؛ وحينئذ فيدل على حصر المروي عنه في الرّاوي ، بمعنى : أنّ الرجل لم يرو عنه غير هذا الرّاوي لا أنّ هذا الرّاوي لم يرو عن غير ذلك الرجل كما هو مدّعاهم.

كما أنّ الغالب في الثّاني بيان الطبقة بالراوي أو المروي عنه ، أو هما معا ، فلا يدلّ على الحصر في واحد منهما فعرّف في من لم يرو عنهم عليهم‌السلام كثيرا منهم برواية حميد بن زياد النينوائي ، وهارون بن موسى التلعكبرّي عنهم ...

وبالجملة : لا يصحّ الحكم بحصر الرّاوي إلّا بالتصريح كما في أبان بن عمر ، فقالوا : إنّه لم يرو عنه إلّا عبيس. كما لا يصحّ الحكم بعدم الرّواية إلّا بالتصريح كقول الكشّي : إنّ يونس لم يرو عن إبني الحلبي.

أقول : ما ذكره موجه في الجملة ، إلّا أنّ المناط في القبول والردّ هو الاطمئنان وكثيرا ما يحصل بملاحظة الرّاوي والمروي عنه ، فإطلاق كلامه كإطلاق كلام الأردبيلي وغيره ممنوع.

والحقّ هو التّفصيل وإناطة الحجيّة بالاطمئنان ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ولا ضابط له. ولو أغمض النظر عنه لم يكن التصريح أيضا حجّة ؛ لأنّ عدم الوجدان أعمّ من عدم الوجود ، ألّا ترى أنّ الكشّي نقل عن يونس أنّ ابن مسكان لم يرو عن الصّادق عليه‌السلام إلّا حديث من أدرك المشعر. والنجّاشي أيضا أنكر حديثه عنه عليه‌السلام ، والحال أنّه

__________________

(١) بل في خمس وعشرين سنة كما حكي عن الأردبيلي في مقدّمة جامع الرّواة.


روي عنه عليه‌السلام كثيرا ، ولا يمكن رمي رواياته عن الصّادق عليه‌السلام بالإرسال ؛ لأجل تصريح النجّاشي وغيره ، كما فعله بعض الغافلين أو احتمله.

نعم. ظاهر قول ابن مسكان : قال الصّادق عليه‌السلام : أو سمعت الصّادق يقول ... بل قوله : عن الصّادق عليه‌السلام ... لا يترك بنصّ النافي ؛ لأنّ عدم الوجدان أعمّ من عدم الوجود.

وسيأتي كلام حول روايات ابن مسكان وحريز في المسألة الرابعة من مسائل النافعة في البحث العشرين فانّتظر.


البحث السادس عشر

حكم التنافي بين قولي شخص في التّوثيق والتّجريح

إذا صدر من أحد الرجاليّين توثيق وتضعيف في حقّ أحد ، فإن لم يعلم تقدّم أحدهما من الآخر فلا شكّ ظاهرا في الحكم بتساقطهما ؛ لأجل التعارض.

وكذا إنّ علم به ولم يحتمل العدول في حقّ الرّجالي المذكور لعلّة ما ، وأمّا إن علم به واحتمل عدوله أيضا ، فهل يعامل معهما معاملة المتعارضين ، أو يؤخذ بالأخير والبناء على أنّ المتأخّر صدر عن عدوله عمّا قاله أوّلا ، كما هو كذلك في الفتوى فإنّه يترك المتقدّم منه ويؤخذ بالمتأخّر؟

فيه قولان. اختار سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله أوّلهما ، وهو الحكم بالتعارض ، مستدلّا عليه بأنّ العبرة في الحكاية والإخبار بزمان المحكي عنه دون زمان الحكاية فبين الحكايتين تقع المعارضة لا محالة ، وهذا بخلاف الفتوى ، فإنّ العبرة فيه بزمان الفتوى. (١)

أقول : إذا فرضنا تصريح الرّجالي باشتباهه في الأوّل ، فلا أظن بأحد الحكم بالتعارض ؛ لأجل أنّ العبرة بزمان المحكي عنه دون زمان الحكاية ، فكذلك يمكن اختيار القول الثّاني عند احتمال العدول ؛ إذ معه لا نجزم بالتعارض ؛ فتأمّل في المقام.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ٨ / ٢٤٢ ، في : ترجمة سهل بن زياد.


البحث السابع عشر

تعارض الحديث وقول الرجالي

إذا وردت رواية معتبرة دالّة على وثاقة أحد مثلا ، وقد ضعفّه بعض الرجاليّين فأيّهما يقدّم في حقّه؟

يقول سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله :

الحكم بصدور الكلام من الإمام يتوقّف على شمول دليل حجّية الخبر لهذه الرّواية ، ولا يمكن ذلك لمعارضته بشموله لشهادة الرّجالي بضعفه ، فيسقط دليل الحجيّة بالمعارضة. (١)

أقول : الأقوى تقدّم الرّواية لما مرّ من أن أكثر التّوثيقات مرسلة ، والمتيقن اعتبارها في غير مورد الرّواية المعارضة لها ـ إن قلنا باعتبارها ـ وقد حكم الأستاذ نفسه بوثاقة معلّي بن خنيس ؛ استنادا إلى روايات معتبرة مادحة له ، مع أنّ النجّاشي ضعّفه.

نعم ، إنّما يتمّ تساقطهما بالتّعارض إذا كان تضعيف الرّجالي مسندا متصلا إن لم تكن الرّواية قرينة على اشتباه الرّجالي في تضعيفه.

ثمّ إنّه لا فرق بين ما ذكرنا وعكسه بأن تكون مدلول الرّواية الجرح ، وكان مدلول قول الرّجالي الوثاقة.

ثمّ إنّ هنا شيئا آخر وهو أنّه قد يدفع التعارض باختلاف الزمان فإنّ الوثاقة والكذب ليستا من الصّفات غير الزائلة ، فيصير الثّقة خائنا كاذبا ، والكاذب صالحا صادقا ، فلا تغفل من هذه الجهة ، إن أمكنت.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ٧ / ١٢٨.


ومن صغريات القاعدة معلّي بن خنيس ـ كما يأتي ـ ومحمّد بن سنان فقد ضعفّه غير واحد من العلماء ، بل ادّعى الشّيخ المفيد في محكي رسالته العدديّة عدم اختلاف العصابة في تهمته وضعفه ـ وهو الّذي وثقه في إرشاده ـ ومع ذلك ورد في رواية عبد الله بن الصلت ـ على كلام في صحّتها ـ عن الجواد عليه‌السلام :

«جزى الله صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريا بن آدم عنّي خيرا ، فقد وفوا لي ...» ، فعدت إليه فقال : «جزى الله صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريا بن آدم وسعد بن سعد منّي خيرا ، فقد وفوا لي.» (١)

لكن الحكم بحسن محمّد بن سنان حتّى إذا اعتبر سند الخبر مشكل.

والأظهر عدم اعتباره خلافا للسيّد الأستاذ رحمه‌الله في معجمه ، لاحتمال إرساله ، إذ لم يثبت أنّ الكشّي يروي عن عبد الله بن الصلت مباشرة ، بل يظهر من روايات الكشّي أنّ بينهما واسطة ، وقد تكون بينهما واسطتان كما في رقم : ٤٥١.

__________________

(١) رجال الكشّي : ٥٠٣ ، برقم : ٩٦٤.


البحث الثامن عشر

تقديم قول الأضبط ونصّ أحد على ظاهر غيره

قال السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله :

إنّك قد عرفت من الشّيخ قدس‌سره تضعيف عبد الله بن أبي زيد ، وعرفت من النجّاشي توثيقه ، وقد يقال : إنّ توثيق النجّاشي لأضبطيته يتقدّم على تضعيف الشّيخ.

وهذا كلام لا أساس له ، فإنّ الأضبطية لو أفادت فإنّما تفيد في مقام الحكاية لا في مقام الشّهادة ، وبعدما كان كلّ من الشّيخ والنجّاشي قدس‌سره يعتمد على شهادتهما لا يكون وجه لتقديم أحدهما على الآخر فهما متعارضتان : وبالنتيجة : لا يمكن الحكم بوثاقة عبد الله بن أبي زيد.

وقد يتوهّم إنّ كلام النجّاشي بما أنّه صريح في وثاقة عبد الله في الحديث يتقدّم على كلام الشّيخ في التّضعيف فإنّه ظاهر في الضّعف من جهة الرّواية والحديث ، إذ من المحتمل إرادة أنّه ضعيف في مذهبه ، والنّصّ يتقدّم على الظّاهر.

والجواب عن ذلك أوّلا :

إنّ تقدّم النص على الظاهر إنّما هو لأجل قرينيّته على إرادة خلاف الظاهر من الظّاهر ، وهذا إنّما يكون في ما إذا كان الصّريح والظّاهر في كلام شخص واحد أو في كلام شخصين يكونان بمنزلة شخص واحد كما في المعصومين عليهم‌السلام ، وأمّا في غير ذلك ، فلا مناص من أن يعامل معاملة التّعارض والوجه فيه ظاهر. (١)

أقول : ما أفاده أخيرا متين لا غبار عليه ، وأمّا ما أفاده أوّلا ، فلم نفهمه فإنّ التّوثيق والتّجريح لا يبتنيان على باب الشّهادة ، بل يبتنيان على باب الحكاية ومطلق النبأ وخبر الواحد في

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١٠ / ٩٦ و ٩٧.


الموضوعات ، كما فصّلناه في البحث الثالث ، وقد مرّ من السّيد الأستاذ رحمه‌الله في البحث السادس عشر ما ينافي كلامه هذا.

وعلى كلّ الأضبطيّة ليست من المرجّحات في باب الإخبار تعّبدا ، وقيام بناء العقلاء عليه غير واضح ، فتأمّل.

ثمّ إنّا نذكر الوجوه المستدلّ بها على تقديم قول النجّاشي على قول الشّيخ رحمه‌الله في ما بعد. وستعرف بأنّها لا توجب عندنا التّقديم ، فلاحظ.


البحث التّاسع عشر

في طريق الصدوق إلى جميل في الفقيه

لم يذكر الصّدوق رحمه‌الله طريقه إلى جميل بن درّاج في مشيخة الفقيه ، وقد روي عنه أحاديث فيه ، نعم ، ذكر طريقه إليه وإلى محمّد بن حمران مشتركا عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمّد بن أبي عمير عنهما ، وهذا الطّريق صحيح.

وربّما استظهر من هذا ، صحّة طريقه إلى كلّ من جميل وابن حمران منفردا ، أيضا ، وممّن استظهره هو سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله على ما يستفاد من معجمه ، حيث قال : وطريق الصّدوق إليه ... (١) ثمّ ذكر نفس السند السّابق.

أقول : هذا الاستظهار لا بأس به في نفسه ؛ لكن لا بدّ في خصوص المقام من رفضه ، لما ذكره النجّاشي من أنّ لجميل كتابا اشترك ، هو ومحمّد بن حمران فيه ... وله كتابا اشترك هو ومرازم بن حكيم فيه ... وذكر أوّلا أنّ له كتابا رواه عنه جماعات من النّاس وطرقه كثيرة ... فلجميل كتاب مختص به وكتاب مشترك له ، ولمحمّد بن حمران ، وكتاب ثالث له ولمرازم فصحّة الطّريق إلى كلّ واحد من هذه الكتب لا يكفي لكتاب آخر كما هو ظاهر ، بل احتمال ما ذكره النجّاشي من تعدّد الكتب يوجب ترك ذاك الظهور ، ولذا ذكر الصّدوق طريقين آخرين له إلى محمّد بن حمران في المشيخة. (٢) وهو يشهد بأنّ الطّريق المشترك لا ينحل إلى كلّ منهما منفردا. وذهاب السّيد الأستاذ رحمه‌الله إلى هذا الوجه مع اطّلاعه على ما ذكرنا كلّه عجيب.

__________________

(١) المصدر : ٤ / ١٥٤.

(٢) مشيخة الفقيه الملحقة بالجزء الرابع من الفقيه : ٨٩.


وهنا وجه آخر خطر ببالي لتصحيح أحاديث الصدوق رحمه‌الله في الفقيه عن جميل ، وهو طريق الشّيخ إلى كتاب جميل.

قال الشّيخ رحمه‌الله في فهرسته :

جميل بن دراج له أصل ، وهو ثقة. أخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن محمّد بن علي بن الحسين عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن الصّفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وصفوان عن جميل بن درّاج. (١)

أقول : هذا السند صحيح وطريق الشّيخ رحمه‌الله إلى جميل إنّما هو بتوسط الصّدوق رحمه‌الله فيكون طريق الصّدوق إليه أيضا صحيحا.

وظاهر أنّ مراد الشّيخ رحمه‌الله من هذا الأصل هو الكتاب المختصّ بجميل دون كتابه المشترك ، وإلّا لذكر اسم محمّد بن حمران ، وإنّه مشترك بينهما.

لكن يشكل الاعتماد على هذا الوجه أيضا ، فإنّ طريق الشّيخ إنّما هو إلى أصل جميل لا إلى جميل نفسه ، بل مشيخة التهذيب معظمها طرق إلى الاصول والمصنّفات ، على ما ذكره الشّيخ في المشيخة أوّلا وآخرا.

وأمّا الصّدوق ، فلا يظهر منه في مشيخة الفقيه أنّه يروي عن الاصول والمصنّفات ، بل يحتمل أنّه يروي عن الأشخاص أو أنّه قد يروي عنهم ، وقد يروي عن الكتب فالاستدلال بهذا الوجه لتصحيح أحاديث الصّدوق عن جميل في الفقيه مبني على أن جميلا لم يحدث غيره إلّا عن أصله لا عن غيره. وهذا غير ثابت ، بل المحتمل أنّه حدّث عنه وعن غيره من محفوظاته غير المذكورة في أصله. (٢)

والعمدة احتمال رواية الصدوق احاديث جميل من كتاب راو آخر لم يثبت وثاقته أو ثبت ضعفه ، إذا علمنا اسمه.

فإنّ قلت : الصّدوق أيضا يروي عن الكتب دون الأفراد ، والدليل عليه قوله في أوّل

__________________

(١) معجم الرجال : ٤ / ١٥٢.

(٢) لا يقال : إنّ طرق الفهرست غالبا هي إخبار عن أسامي الكتب فقط ، كما يأتي في البحث الرّابع والأربعين ، فكيف يمكن صحّة طريق له توجب صحّة طريق الصدوق؟

فإنّه يقال : نعم ، لكن الصدوق يروي الرّوايات بطرقه عن كتب الأحاديث ، فإذا فرضنا صحّة طريق له من أي سبب كان ، تستلزم هذه الصّحة اعتبار رواياته المنقولة ، وبهذا الطريق ، فتأمّل ؛ إذ المتيقن من ذلك إنّما هو في مشيخة الفقيه ، لا في غيرها ، والله العالم.


الفقيه : وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع. مثل : كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي. وكتب على بن مهزيار الأهوازي وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وكتاب : نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، وكتاب : الرحمة لسعد بن عبد الله ، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد ، ونوادر محمّد بن أبي عمير وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي ورسالة أبي رحمه‌الله. وغيرها من الاصول والمصنّفات الّتي طرقي إليها معروفة في فهرست الكتب الّتي رويتها عن مشايخي وأسلافي ...

وعليه فكلّ من بدأ الصّدوق رحمه‌الله باسمه في الفقيه في ذكر حديث ، يحكم بأنّه منقول عن كتابه كما هو الحال في حقّ الشّيخ رحمه‌الله في التهذيبين ، كما قيل.

قلت : كلام الصدوق رحمه‌الله يدلّ على أنّ جميع ما أخرجه في الفقيه مأخوذ من الكتب المشهورة المّعول عليها ، وهذا لا يدلّ على أنّ كلّ من بدأ الصّدوق باسمه في المشيخة أخذ الحديث من كتابه.

ويؤكّده أنّ الصّدوق روي في الفقيه عن خلق كثير ـ ربّما يقرب من خمسمائة شخص ـ ذكر أسماء أكثر من ٣٨٠ شخصا منهم في المشيخة. وقيل إنّه ترك فيها أسماء أكثر من مائة شخص ولا يحتمل عادة أن يكون لكلّ واحد من هؤلآء الخلق الكثير كتابا مشهورا عليه المّعول وإليه المرجع ، وفيهم المجهولون والضعفاء ، بل من المحتمل قويّا أنّ جملة منهم ، لا كتاب لهم.

وعليه ، فيحتمل أنّ الصدوق نقل روايات جميل عن جامع شيخه ابن الوليد مثلا ، أو عن غيره ، وحذف سندها أو أسانيدها ، كما يحتمل أنّه نقلها عن كتابه ، وهذا بخلاف الشّيخ رحمه‌الله في التهذيبين ، فإنّه يروي عن كتب من بدأ الحديث باسمه.

وممّا ذكرنا يظهر للمتدبّر أنّ قول الصدوق رحمه‌الله : بأنّ أحاديث كتابه مستخرجة من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع لا يدلّ على صحّة تلك الأحاديث بتمامها ـ كما تخيّله بعض المحدّثين ـ فإنّ تواتر الكتاب عن مؤلّفه وشهرته بين الأصحاب ، وجلالة المؤلّف وورعه ، أمر ، وضعف جملة من رواياته لجهالة رواتها ، أو ضعفهم ، أمر آخر ، فحال تلك الكتب بالنسبة إلى الصدوق رحمه‌الله وأمثاله حال الكتب الأربعة ونظائرها بالنسبة إلينا ، وهذا غير خفي.

هذا ، والتحقيق أن يقال بصحّة طريق الصّدوق إلى جميل ؛ لأجل طريق الفهرست ، فنحكم بصحّة روايات جميل في الفقيه ، سواء رواها الصدوق عن كتاب جميل مباشرة ، أو


بتوسط كتاب أحد من الثقات الواقعين في سند الفهرست ممّن أتى بعد جميل من المشائخ الخمسة في الطّريق المذكور.

وأمّا احتمال أنّ الصّدوق روى روايات جميل عن حفظه بالسلسلة ، فهو موهون لا يعتني به. (١)

وأمّا العكس وهو تصحيح طريق الشّيخ الضّعيف بصحّة طريق الصّدوق الصحيح ، ففيه كلام يأتي في بعض البحوث الآتية في آخر شرح مشيخة التهذيب ، إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ هنا وجها ثالثا لتصحيح أحاديث المرويّة عن جميل في الفقيه ، يظهر ضعفه ممّا تقدّم ، وهو أنّ النجّاشي ذكر في ترجمة جميل : له كتاب رواه عنه جماعات من الناس وطرقه كثيرة ...

فإنّ شهرة الكتاب ، بل تواتره إلى جميل لا تستلزم تصحيح أحاديثه المرويّة في الفقيه.

فإنّ تواتر الكتاب أمر ، وتواتر النسخة الواصلة إلى أحد أمر آخر ، ولا ملازمة بينهما ، إلّا في فرض تطبيق النسخة الواصلة إلى الصدوق أو الطّوسي وغيره رحمه‌الله على سائر النسخ الواصلة ، وهو غير مظنون ، بل مظنون العدم.

__________________

(١) لكن إذا فرضنا ان الوسايط الخمسة أخبروا الصدوق عن نفس كتاب جميل ، وأنّ له كتابا من دون نقل رواياته له ، ففيه بحث طويل يأتي في الباب الرابع والأربعين ، فلا يكفي مجرّد ما احتملنا أخيرا في صحّة رواياته عن جميل.


البحث العشرون

في بيان بعض المسائل النافعة

١. روي الصدوق بأسناده عن عبد الله بن المغيرة وصفوان ، وغير واحد رفعوه إلى الصّادق عليه‌السلام : إذا أقر الزاني المحصن .... (١)

أقول : إن كانت الواسطة بين الّذين رفعوا وبين الإمام شخصا واحدا ، فالرواية لجهالة الواسطة غير حجّة ، وإن كانت أكثر من واحد ، فهي معتبرة لاطمئنان النفس بعدم كذب جميع هؤلآء في نقل كلام الإمام إلى الطبقة الثانية.

ولا بعد في دلالة تلك الجملة على الاحتمال الثّاني ؛ لبعد أن تروي الجماعة المذكورة عن واحد معيّن ، فتأمّل.

ولا فرق في ذلك بين كون صفوان هو ابن يحيى الّذي لم يثبت روايته عن الصّادق عليه‌السلام كابن المغيرة ، أو هو ابن مهران الّذي ثبت روايته عنه ؛ لأنّ الظاهر من قوله : رفعوه ، وجود الواسطة بين صفوان والإمام عليه‌السلام.

ويحتمل أن يراد بالرفع التعبير ب : عن الصّادق عليه‌السلام في مقابل : سمعت الصّادق عليه‌السلام أو قال الصّادق عليه‌السلام ، كما يظهر من علماء العامّة.

٢. قال الشّيخ الطّوسي في أوّل الفهرست : إنّ كثيرا من المصنّفين وأصحاب الاصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة ، وإن كانت كتبهم معتمدة.

أقول : فساد المذاهب ككونهم من الواقفة أو الفطحيّة أو الإسماعيليّة أو الزيديّة ونحوها ؛

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٧٤.


أو لأجل اختياره بعض الآراء الفاسدة كالجبر أو التفويض أو رؤية الله تعالى ونحو ذلك. وقد ذكرنا سابقا إنّ معتمديّة كتبهم لا تدلّ على وثاقتهم ، فلا بدّ من إحراز حالتهم من التماس دليل آخر.

وقال في فهرسته (١) : إبراهيم بن إسحاق الأحمري ، وكان ضعيفا في حديثه متّهما في دينه وصنّف كتبا جملتها قريبة من السّداد.

وفي الوسائل : جماعة مكان جملتها.

وفي نسخة أخرى : جماعة من الشّذاذ (٢).

والأوّل يؤيّد ما قلناه من أن الاعتماد لا يستند إلى وثاقة صاحب الكتاب ، بل إلى القرائن المقوية لمضمون الخبر دون صدوره ؛ ولذا عبّر الشّيخ بالاعتماد والقرب من السداد دون الصّحّة ، فافهم.

وقال : حفص بن غياث القاضي عامي (إمامي) المذهب له كتاب معتمد. والحال فيه كما سبق ، بل سبق أنّ اعتماد الشّيخ على كتاب لا يوجب اعتمادنا عليه لبطلان التقليد.

٣. روي الشّيخ الطّوسي عن الشّيخ المفيد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن الصّادق عليه‌السلام ... ورواه الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن إسماعيل ، عن عثمان بن عيسى ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن الكاظم عليه‌السلام ما يقرب من الأوّل.

لكن أحمد الّذي يروي عنه المفيد في السّند الأوّل ، هو حفيد ابن الوليد مجهول عند بعضهم ، كما أنّ علي بن إسماعيل وعثمان بن عيسى الواقعين في السّند الثّاني أيضا مجهولا الحال على الأظهر ، فكلا السندين غير حجّة.

هذا ويحتمل اعتبار الرّواية بتلفيق السندين فإنّ السند الأوّل لا نقص فيه قبل أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، وإنّما الإشكال فيه على قول.

وهذا الإشكال يرفع بسند الكافي فإنّ الكليني روي بتوسط محمّد بن يحيي ، عن أحمد بن محمّد حفيد عيسى ، أو خالد البرقي ، والسند الثّاني لا نقص فيه ، إلّا قبل أحمد هذا ، وهو يزول بالسند الأوّل.

__________________

(١) المطبوعة بمطبعة الجامعة بمشهد : ١٠.

(٢) هذه النسخة مناسبة لحال الاحمري المؤلّف ، والله العالم.


والصحيح بطلان هذا الاحتمال وعدم النفع في هذا التلفيق ، فإنّ نقل الرّواية لم يصحّ عن محمّد بن الوليد والد أحمد قبله بالطّريق الأوّل أصلا ، ولم يعلم أنّ محمّد بن الوليد أخبر عن سعد عن أحمد بن محمّد ، عن الإمام بالوسائط المذكورة ، وإنّما الثابت بالطريق الثّاني أخبار أحمد بن محمّد ، عن إسماعيل وعثمان بن عيسى دون الحسين الواقع في السند الأوّل ، وقس عليه نظائرها.

وروي الكافي عن محمّد بن يحيى عن التهذيب أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، أو غيره عن أبان ، عن أبي العبّاس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا أقام الرّجل البيّنة على حقّه ...». (١) ورواه أيضا عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن رجل.

ولا يصحّ الحكم باعتبار السند بعد الجمع بين الطريقين إذ لم يثبت قول ابان في السند الأوّل لاحتمال كذب ذلك الغير المجهول ، فلا يثبت أنّ الرجل الّذي روي عنه أبان هو أبو العبّاس.

٤. نقل الكشّي عن محمّد بن مسعود ، عن محمّد بن نصير ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس انّه لم يسمع حريز بن عبد الله من أبي عبد الله عليه‌السلام إلّا حديثا أو حديثين ، وكذلك عبد الله بن مسكان لم يسمع إلّا حديث «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ».

وكان من أروي أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ لأنّ ابن مسكان كان رجلا موسرا ، وكان يتلقى أصحابه إذا قدّموا فيأخذ ما عندهم. (٢)

وزعم أبو النضر محمّد بن مسعود أنّ ابن مسكان لا يدخل على أبي عبد الله عليه‌السلام شفقة إلّا يوفيه حقّ إجلاله ، فكان يسمع من أصحابه ، ويأبي أن يدخل عليه إجلالا وإعظاما له عليه‌السلام.

أقول : وهذا الزعم غير مستند ، ولعلّه من حدس محمّد بن مسعود.

وقال النجّاشي في ترجمة ابن مسكان : ثقة عين ، روي عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، وقيل أنّه روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وليست بثبت ....

أقول : روايات ابن مسكان عن الصادق عليه‌السلام في الكتب الأربعة تبلغ خمسة وثلاثين موردا كما قيل ، وبضميمة ما في بحار الأنوار يزيد عددها على هذا جزما ، وهذا يبطل ما ذكره يونس وابن مسعود والنجّاشي ، والالتزام بإرسال جميع هذه الرّوايات ، كما عن بعضهم غير ميسور ، فالحقّ ما عليه جمع من الرجاليّين من الحكم بالاتّصال وعدم الإرسال ، على أنّ

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٤١٧.

(٢) انظر : رجال الكشي : ٢٤٢.


النقل ، عن يونس غير ثابت لما قيل من أن في بعض النسخ محمّد بن قيس بدل محمّد بن عيسى ، وهو غير محرز الوثاقة.

وأيضا استثناء حديث : «من أدرك المشعر ...» ردّ آخر على النجّاشي في الجملة.

وأمّا حريز فرواياته أكثر عن الصّادق عليه‌السلام ، ولعلّها تتجاوز عن المائتين ، ولا يمكن الحكم بإرسالها.

وربّما يقال : إنّ يونس تلميذ حريز ، فاخباره عنه يحتمل الحسّ ـ أي : احتمال سماعه ـ من حريز واعترافه بأنّه لم يسمع من الصّادق عليه‌السلام حديثا ، فيحمل شهادته على الحسّ.

وقيل ، أيضا : إنّ النجّاشي نقل شهادة يونس ولم يخدش فيها ، وهو قد قرء كتاب حريز الذي كان أشهر كتب الإماميّة منذ عصر الصّادق عليه‌السلام ، فلو كانت الشّهادة المذكورة غير صحيحة لما سكت عن التعليق عليها.

وأمّا رواياته المرويّة بلفظ (عن) عن الإمام ، فليست لها ظهور قوي يعارض نقل يونس. نعم ، له روايات بلفظ سمعت الصّادق عليه‌السلام أو سألت الصّادق عليه‌السلام ، وهي : تعارض قول يونس ومثلها ما يحكي ما وقع بينهما من الوقائع.

وقد يجاب عنه : بأنّ الموارد المشتملة على لفظة سألت ، وما بحكمها ليست كثيرة جدّا ، بحيث يتقين أن ما يزيد على موردين منها قد وقع بالفعل ، والكثرة بحدّ ذاتها ليست من المرجّحات.

أقول : إذا ثبت بسند معتبر أنّ حريزا نقل عن الصّادق عليه‌السلام ثلاثة أحاديث ، فهو يعارض نقل يونس ، لكنّ الكلام في المرجع بعد التعارض والتساقط ، إذا لم يطمئن بخلاف نقل يونس من كثرة تلك الأحاديث ، ولعلّه أصالة عدم سماعه من الإمام.

وهنا شيء آخر ، وهو إمكان الاعتماد على روايات حريز بحساب الاحتمالات بالنظر إلى أنّ معظم مشائخ حريز من الثقات ، أو أنّ معظم رواياته المرويّة عن الصّادق عليه‌السلام قد توسط فيها الرجال الثقات ، كما يظهر من معجم رجال الحديث ، فيكون احتمال كون الواسطة في رواياته المنقولة عن الإمام عليه‌السلام ضعيفا ، لا يعبأ به ، فلاحظ وتأمّل.

والعمدة في رفع الإشكال وعدم ثبوت نقل يونس هو ذكر محمّد بن قيس الّذي لم يعلم حاله مكان محمّد بن عيسى في بعض نسخ الكشّي كما قيل ، وأمّا نقل النجّاشي ، فلم يفهم إنّ الجملة الأخيرة (وليس بثبت) من النجّاشي أو من قائل القول المجهول كما يظهر من العلّامة


في خلاصته ، وقال بعض أهل التتبع (١) : وقد أورد ابن إدريس في مستطرفات السرائر بضع صفحات من كتاب حريز لا يوجد فيها حديث واحد له عن الصّادق عليه‌السلام ، بل تشتمل على تعابير ربّما توقع الناظر في وهم ، انّه يروي عنه عليه‌السلام مباشرة مع أنّ دقيق النظر يقتضي إرادته الرّواية عن بعض مشائخه عنه عليه‌السلام ، فلاحظ.

وهنا أمر آخر يجب التنبيه عليه ، وهو أنّ جملة من الموارد ممّا اختلفت بشأنها المصادر فقد ورد في بعضها في مصدر بنحو سألت أبا عبد الله ، أو قلت : له ، أو عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وورد في مصدر آخر بنحو ذكر الواسطة ، أو ذكر رجل آخر مكان حريز ، وإليكم تلك الموارد :

١. الكافي : ٣ / ٥١ ؛ والتهذيب : ١ / ٣٧٢.

٢. التهذيب : ٥ / ٢٩١ ، ٤٨٠ ؛ منتقي الجمال : ٣ / ٣٥٥.

٣. علل الشّرائع : ٣٩٥ : بسنده عن محمّد بن بشير وحريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له ... ، ومن الظاهر وقوع السقط بعد قوله : (حريز) ، وإلّا لعبر : قالا قلنا له ...

٤. الكافي : ٤ / ٣٠٧ ؛ التّهذيب : ٥ / ٤١٥ ؛ والفقيه : ٢ / ٢٦١.

٥. ٤ / ٤٧٣ ؛ الفقيه : ٢ / ٢٨٣.

٦. التهذيب : ١ / ٢٦٢ ؛ الكافي : ٢ / ٦٠.

٧. الكافي : ٤ / ٣٦٣ ؛ التهذيب : ٥ / ٣٦٥

٨. الفقيه : ١ / ٢٤٢ ؛ الكافي : ٣ / ٣٦٧ ؛ التهذيب : ٢ / ٣٣١.

٩. الفقيه : ١ / ٣٢٢ ؛ التهذيب : ٢ / ٢٧٤.

١٠. الفقيه : ٢ / ٢٢٦ ؛ الكافي : ٤ / ٣٥٣.

١١. التهذيب : ١ / ٣١٧ ؛ الكافي : ٣ / ٤.

١٢. الكافي : ٤ / ٣٩٢ ؛ التهذيب : ٥ / ٣٦٥.

ويقول سيّدنا الأستاذ الخوئي قدس‌سره في ترجمة حريز ردا على إنكار رواية حريز عن الصّادق عليه‌السلام : ولا يمكن تصديقها ، بعد ما ثبت بطرق صحيحة ، روايات كثيره تبلغ ٢١٥ موردا كما يأتي عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام. (٢)

__________________

(١) مؤلّف الزي والتجمل : ٢٣٥.

(٢) معجم رجال الحديث : ٢٣٢ ، الطبعة الخامسة.


ولكن قال في موضع آخر : ورواياته عنه : (أبي عبد الله عليه‌السلام) تبلغ مائة وتسعين موردا ، أقول : وبين الرقمين تعارض ظاهرا. (١)

ثمّ إنّ ظاهر السّيد الأستاذ رواية حريز عن الباقر عليه‌السلام ، لكنّه مشكل جدّا ، وعليه فإذا روي عنه عليه‌السلام أو عن أحدهما عليه‌السلام فيحمل على الإرسال وحذف الواسطة ولا ينفع حساب الاحتمالات في اعتباره ، والله اعلم.

٥. قال الشّيخ في فهرسته في حقّ أحمد بن أبي زاهر ... وكان وجها بقم وحديثه ليس بذلك النقي.

نستفيد منه أنّ كلّ من قيل في حقّه وجه أو علو ونحو ذلك لا يستفاد منه المدح المستلزم للصدق ، إلّا أن يقال : إنّ عدم النقاوة ليس باعتبار كذبه ، بل باعتبار عدم ضبطه ، أو عدم دقّته ، أو روايته عن الضعفاء ، فتأمّل.

ولاحظ ترجمة ابن بطة في كتاب النجّاشي ، حيث يقول في حقّه :

كان كبير المنزلة بقمّ كثير الأدب والفضل والعلم ، يتساهل في الحديث ويعلّق الأسانيد بالإجازات ، وفي فهرست ، ما رواه غلط كثير.

وقال ابن الوليد : كان محمّد بن جعفر بن أحمد بن بطة ضعيفا مخلّطا فيما يسنده. (٢)

أقول : لكن إذا قيل في حقّ أحد : وجه أصحابنا. لا يبعد حسنه ، فتدبّر.

٦. قال صاحب الوسائل : وإعلم انّه إذا أطلق في الرّواية قولنا : قال عليه‌السلام فالمراد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ... كلّ ذلك معلوم بالتّتبع وتصريحات علمائنا. (٣)

أقول : هو أعلم بما قال. ولم نجد له دليلا.

٧. قيل : صرّح جمع من أساطين الفن بأنّ كلّ رواية يرويها ابن مسكان عن محمّد الحلبي ، فالظاهر أنّه عبد الله ، كما يظهر من ترجمته في رجال النجّاشي. وكل ما يرويه محمّد بن الحسين عن محمّد بن يحيى ، فالأوّل ابن أبي الخطّاب ، والثّاني الخزاز ، كما يفهم من الفهرست في ترجمة غياث بن إبراهيم.

وإذا روي موسى بن القاسم عن على عنهما ، فالظاهر أنّ عليا هو علي بن الحسن

__________________

(١) المصدر : ٥ / ٢٣٥.

(٢) معجم رجال الحديث : ١٦ / ١٦٧ ، الطبعة الخامسة.

(٣) الوسائل : ٢ / ٣٥.


الطاطري ، والمراد بضمير التثنية محمّد بن أبي حمزة (١) ودرست ، كما يفيده كلام الشّيخ رحمه‌الله في باب كفارات الصيد من التهذيب. وإذا روي أحمد بن محمّد عن العبّاس ، فإنّ قيّد العبّاس بابن موسى بن الوراق ، أو بابن معروف ، فهو وإلّا اشترك بينهما. وإذا روي محمّد بن علي محبوب أو أحمد بن محمّد (محمّد بن أحمد ـ ظ) بن يحيى ، أو سعد بن عبد الله عن العبّاس على الإطلاق ، فهو ابن معروف ، كما يستفاد من بعض الأسانيد.

وإذا روي فضّالة عن أبان فهو أبان بن عثمان ، كما نصّ على ذلك الشّيخ في زيادات الجزء الأوّل من التّهذيب ـ وإذا روي عن ابن سنان فهو عبد الله ، كما وقع التنصيص عليه في بعض الأحاديث ـ وإذا روي عن الحسين ، فهو ابن عثمان ، كما وقع التّصريح به في بعض الإخبار.

وقال بعضهم : إذا وردت رواية عن ابن سنان فإنّ كان المرويّ عنه الصّادق عليه‌السلام بلا واسطة أو بتوسّط عمر بن يزيد ، أو حفص الأعور ، أو أبي حمزة ، فالمراد به : عبد الله ، لا محمّد ، وإن كانا أخوين كما حكي عن الشّيخ رحمه‌الله. وإن كان المرويّ عنه الرضا أو الجواد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو محمّد ، لا عبد الله ؛ لأنّ محمّدا لم يرو عن الصّادق عليه‌السلام ، وعبد الله لم يلق الرضا عليه‌السلام ، وإنّما هما مشتركان في الكاظم عليه‌السلام ، فيميّز حينئذ بما مرّ في كلّ منهما من التمييز بالرّاوي والمروي عنه.

وإذا وردت رواية عن محمّد بن قيس ، فهو مشترك بين ثقتين وحسن وضعيف ومجاهيل ، وحينئذ فإن كانت الرّواية عن الباقر فالظّاهر أنّه الثّقة إن كان الرّاوي عنه عاصم بن حميد ، أو يوسف بن عقيل ، أو عبيد ابنه ؛ لتصريح النجّاشي برواية هؤلآء عنه ، بل لا يبعد كونه الثّقة إذا روي عن الباقر عن علي عليه‌السلام ؛ لأنّ كلّا من البجلي والأسدي صنّف كتاب القضايا لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما نص على ذلك النجّاشي. ومع انتفاء هذه القرائن فإنّ كانت الرّواية عن الباقر والصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوقّف في ذلك للاشتراك بين الثّقة والضعيف. (٢)

__________________

(١) المصدر : ٥ / ٢٣٥.

(٢) وعن الشّهيد الثّاني : الأمر في الاحتجاج في الخبر ، حيث يطلق فيه هذا الاسم مشكل ، والمشهور بين أصحابنا ردّ روايته ، حيث يطلق مطلقا نظرا إلى احتمال كونه الضعيف. نقلا عن الرعاية في علم الدراية : ٣٧١ ـ ٣٧٢.

وفي منتهي المقال : والتحقيق في ذلك أنّ الرواية إن كانت عن الباقر عليه‌السلام فهي مردودة لاشتراكه حينئذ بين الثّلاثة الّذين أحدهم الضعيف ، واحتمال كونه الرابع ، حيث لم يذكروا طبقته وإن كانت الرّواية عن الصّادق عليه‌السلام فالضعف منتف هنا ؛ لأنّ الضعيف لم يرو عنه عليه‌السلام لكي يحتمل كونها من الصّحيح ، ومن


وإذا وردت رواية عن أحمد بن محمّد ، فإن كان في كلام الشّيخ رحمه‌الله (١) في أوّل السند ، وما قاربه فهو ابن الوليد ، وإن كان في آخره عن الرضا ، فهو البزنطي ، وإن كان في الوسط فيحتمل كونه ابن محمّد بن عيسى وغيره.

وإذا وردت رواية عن محمّد بن يحيى ، فإن كان في كلام الكليني بغير واسطة ، فهو العطّار ، وإن روي عن الصّادق عليه‌السلام احتمل كونه الخزاز الثّقة أو الخثعمي الثقة.

أقول : كثير من هذه المذكورات لا بأس به وفي الأخير يرجع إلى المميزات فإنّ المسمّي بمحمّد بن يحيى الرّاوي عن الصّادق عليه‌السلام غير منحصر فيهما إلّا أن يدعي الانصراف إلى أحدهما ، ومحمّد بن سنان المذكور ليس بأخي عبد الله جزما ، وإن كان له أخ بهذا الاسم.

٨. ربّما يدور على لسان بعض المبتدئين من الطّلاب ، بل على لسان بعض العلماء الرجاليّين أن الشّيء إذا ذكر المطلق ينصرف إلى الفرد الأكمل ، وهذا القول غير صحيح ، فإنّ الأكمليّة راجعة إلى عالم المعاني ولا مساس لها بانصراف الألفاظ بوجه ؛ ولذا نجد من أنفسنا أننا لا ننتقل من سماع لفظ الشّيء إلى الله تعالى ولا من لفظ المخبر والمعصوم والإنسان والقائد ونحوها إلى الرّسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهكذا ... فما عن الوحيد رحمه‌الله في تعليقته : والإطلاق ينصرف إلى الكامل ، سيّما عند أهل هذا الفن ، خصوصا النجّاشي ، فإنّهم يعبّرون عن الكامل به ، أمّا الناقص فلا. ضعيف جدا. (٢)

والصّحيح أنّ اللّفظ إذا ذكر المطلق ينصرف إلى الفرد الأشهر فإنّ كثرة استعمال لفظ في معنى توجد ملازمة ذهنيّة بينهما توجب الانتقال والإنصراف المذكور.

وإعلم أنّ لهذا البحث ثمرات كثيرة في علم الرجال في مقام تمييز المشتركات ، وتعيين المراد من اللفظ ، وهي غير خفية على المراجع ، فإذا ورد اسم مشترك يحمل على مسماه المشهور المعروف ـ إن كان ـ فيفهم حاله من الضعف والقوة وغيرهما.

نعم ، لا بدّ من التنبيه على أمر ، وهو أنّ الشّهرة إنّما توجب حمل اللفظ على المعنى المشهور إذا كانت متحقّقة في زمان المستعمل والمتكلّم.

__________________

الحسن. فتنبّه فإنّه ممّا غفل عنه الجميع. ج ١ ، ص ٣٦ الطبعة الحديثة المحقّقة.

أقول : قوله لأنّ الضعيف لم يرو عنه فيه إشكال أو منع ، راجع معجم الرجال.

(١) هذا مسلّم في حقّ الشّيخ المفيد ، وأمّا الشيخ الطّوسي فهو لا يروى عن حفيد الوليد بلا واسطة ، بل أحمد بن محمّد في أوّل سنده هو الأشعري ، أو القمّي ، وله إليهما طرق في الفهرست والمشيخة.

(٢) تعليقة الوحيد : ٢٤.


وأمّا إذا علم أو احتمل تحققّها بعده أو احتمل عدم علم المتكلّم بالشّهرة المذكورة فلا توجب حمله عليه. وهذا لا بدّ من التوجّه إليه صونا عن الاشتباه ، وإن كان هو واضح الوجه.

وعلى كلّ ليس كلّ مؤلّف وصاحب كتاب أشهر من غيره كما يظهر من السيد الاستاذ الخوئي رحمه‌الله بل رب راو عالم أشهر بكثير من مؤلّف لعدّة كتب.

٩. لم يذكر اسم الإمام في جملة من الرّوايات ، وذكر مكانه الضمير الغائب وتسمّى الرّواية في الاصطلاح ب : المضمرة ، وسبب ذلك إمّا تقطيع الرّوايات ، كما لعلّه الغالب ، وأمّا التقيّة أو الاعتماد على القرائن الحاليّة ونحو ذلك.

ثمّ إنّ بعضهم ذهب إلى عدم حجيّة المضمرات مطلقا ؛ لعدم العلم برجوع الضمير إلى الإمام فلعلّه راجع إلى بعض الرّواة ، أو العلماء من الإماميّة أو أهل السّنة ، وقيل بحجّيتها إذا كان المضمر من الثقات ؛ لأنّ ثقات الرّواة من أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام لا يسألون الأحكام الشّرعيّة من غيرهم.

أقول : لكن ثبت أن عمر بن أذينة سأل زرارة عنها ولا مانع من سؤال غير الأفقه عن الرّاوي الأفقه ، وقد أرجع الإمام أيضا بعض أصحابه إلى بعضهم.

وربّما قيّدت حجّيتها في كلام بعضهم بما إذا كان مضمرها من أجلّاء الثقات وأعاظمهم.

أقول : إذا حصل الوثوق برجوع الضمير إلى الإمام فهو ، وإلّا فيشكل الاعتماد على المضمرات ؛ وذلك لأنّ الممنوع هو نقل الأحكام الشّرعيّة من غير المعصوم إلى النّاس بعنوان الحجّة ، والاستناد والتعبد والعمل لا لمجرّد الحكاية ، ومع التصريح بالاسم كما ينقل العلماء بعضهم أقوال بعضهم ، وجهلنا اليوم بمرجع الضمير لأسباب عارضة بعد موت الرّواة أو بدون اختيارهم ، ولو في حياتهم لا يوجب نقصا فيهم. (١)

هذا بحسب النّظر ، وأمّا بحسب العمل فقد اعتمدت لحدّ الآن على مضمرات سماعة ومن هو فوقه كزرارة وأمثاله. والحقّ أن قبولي لمضرات سماعة نشأ من التلقين في مجالس الدرس وعمل المؤلّفين.

ومن جملة المدرسين سيّدنا الأستاذ الخوئي قدس‌سره كان يعتمد على مضمرات سماعة ولا

__________________

(١) ففي الكافي : عن على عن أبيه عن عبد الرحمن بن (عن) حمّاد عن إبراهيم بن عبد الحميد ، قال : سمعته ... وقال : في التهذيب : عن محمّد بن عبد الجبّار عن عبد الرحمن بن حمّاد عن إبراهيم بن عبد الحميد ، قال : سمعت محمّد بن إبراهيم ... انظر : جامع الأحاديث : ٤ / ٥٠٩.


أتذكّر موردا ناقش في حجيّة مضمراته ، لكن رأيت بعد ذلك في تقريرات درسه لبعض تلاميذه أنّه استشكل فيها. قال : وللمناقشة في سندها مجال ؛ لأنّ مضمرها ـ وهو سماعة ـ ليس كزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما من الأجلّاء والفقهاء الّذين لا يناسبهم السؤال عن غير أئمتهم عليهم‌السلام ، بل هو من الواقفة ومن الجائز أن يسأل غير أئمتنا عليهم‌السلام. (١)

١٠. قال الشّهيد الثّاني في درايته : وجوّز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في نحو القصّص والمواعظ وفضائل الأعمال ـ لا في نحو صفات الله المتعال وأحكام الحلال والحرام ـ وهو من حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع والاختلاق ، لما اشتهر بين العلماء المحقّقين من التسامح بأدلّة السنن. لما ورد عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من طريق الخاصّة والعامّة أنّه قال : من بلغه عن الله تعالى .... (٢)

ويقول ابن حجر من أهل السنة في كتابه تطهير الجنان واللسان (٣) الّذي ألفه للدفاع عن سيّده معاوية بن أبي سفيان حشره الله معه : الّذي أطبق عليه أئمتنا الفقهاء والاصوليون والحفّاظ أن الحديث الضعيف حجّة في المناقب ، كما أنّه ثمّ بإجماع من يعتدّ به حجّة في فضائل الأعمال ... لكن شرطه على الأصح أن لا يشتد ضعفه.

أقول : أمثال هذه الكلمات هي الّتي روّجت سوق الإخبار الكاذبة والأحاديث الجعليّة والتصوّف فضلّوا وأضلّوا ، وأين هذا من قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...). وقوله تعالى : (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...) ، ولعلّ مراد الشّهيد رحمه‌الله من الأكثر هم الّذين ذكرهم ابن حجر فليسوا منا.

وعلى كلّ لا يجوز العمل بالضعاف مطلقا ، حتّى في المستحبّات والمواعظ ، فضلا عن القصص ، ولا يجوز إسناد مضامينها إلى الشّارع بوجه ، فما شاع من التسامح بأدلّة السنن غير مدلّل ، وأخبار (من بلغ) لا تثبت حجيّة الإخبار الضعيفة ، بل ترشد إلى ترتّب الثواب على العمل المأتي به بعنوان الاحتياط ورجاء الثواب.

ففي صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه.» (٤)

__________________

(١) التنقيح : ٤ / ٢٨٦.

(٢) الدراية : ٢٩.

(٣) تطهير الجنان واللسان : ١٣.

(٤) جامع الأحاديث : ١ / ٤٠٩ ؛ وبحار الأنوار : ٢ / ٢٥٦. ويمكن إرادة من أتى بالعمل غفلة أو جهلا ، لا مع


أقول : كما إنّ سماع شيء من الثواب لا يثبت الوجوب ، فإنّ الثواب قد يكون على إتيان الواجب كذلك لا يثبت الاستحباب ، فيبقي الإتيان برجاء الثواب على أنّه يمكن أن يقال بأنّ خبر الضعيف أو المجهول لا يصدق عليه البلوغ ، فلاحظ.

١١. ربّما يركّب طريق الفهرست مع طريق آخر فيستخرج منه الطريق الصحيح كما عن الشّيخ محمّد في الاستقصاء تبعا للفاضل الاسترآبادي في الرجال ، وهو كما في طريق الصدوق إلى عبيد بن زرارة ، فإنّ طريقه إليه ضعيف بحكم بن مسكين على الأظهر (١) ، ولكن يمكن استخراج طريق صحيح له إليه بملاحظة ما ذكره النجّاشي في ترجمة عبيد من ذكر طريقه إليه بقوله أخبرنا عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر عن ابن أبي الخطّاب ومحمّد بن عبد الجبّار وأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حمّاد بن عثمان عن عبيد بكتابه.

وتركيبه مع ما ذكره الشّيخ في الفهرست في ذكر طريقه إلى عبد الله بن جعفر ، بقوله : أخبرنا برواياته أبو عبد الله عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عنه ، فيستخرج للصدوق طريق صحيح إلى عبيد من تركيب الطريقين ، وهو : المفيد عن الصّدوق ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن الحميري ، عن ابن أبي الخطّاب ومحمّد وأحمد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حمّاد عن عبيد.

أقول : التركيب المذكور غير نافع ؛ لأنّ ما يرويه الصدوق بسنده عن عبيد يحتمل اختلاقه من قبل الحكم بن مسكين ، فلا يثبت كونه من روايات عبيد حتّى يثبت بالسّند المركب المذكور. ودعوى رواية الحميري له عمّن سبقه لمن تأخر عنه ، محتاجة إلى علم الغيب وإلّا فيحتمل أنّ الحميري لم يرو لابن الوليد ووالد الصدوق ، ما رواه الصدوق عن عبيد بسند ضعيف.

وعلى الجملة هذا الكلام بظاهره ضعيف يشبه ما ذكره المجلسي رحمه‌الله ـ على ما يأتي في البحث الثّاني والأربعين ـ وما يأتي نقله عن الأردبيلي وعن الأستاذ في بيان طرق مشيخة التهذيب.

على أنّ صحّة سند النجّاشي لا تصحّح سند الصّدوق بوجه ، فإنّ النجّاشي إنّما يحكي ويخبر

__________________

فرض احتمال كذب الرّاوي ، والله العالم.

وفي هذا الفرض لا بدّ من قصد الأمر ، المحتمل أو برجاء الأمر ولا بدّ من حمل الصحيح عليه ، فإنّ التشريع محرّم.

(١) فقد روي في المشيخة عن أبيه رحمه‌الله ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحكم بن مسكين الثقفي ، عن عبيد بن زرارة ، وكان أحول.


عن وجود كتاب بلا مناولة وقراءة وسماع ظاهرا ، كما يأتي في البحث الرابع والأربعين.

١٢. نقل سماء المقال (١) عن صاحب الانتخاب كلاما في تمييز المشتركات ، نذكر هنا بعضه ؛ تمرينا للمراجعين إلى الأسانيد مع مراعات تعليقاتنا عليه.

قال : كلّ أحمد بن محمّد ، فهو ابن الحسن بن الوليد. (٢)

كلّ جعفر بعده ، فهو ابن محمّد بن قولويه.

كلّ أحمد بن محمّد بعد الكليني ، فهو العاصمي. أو بواسطة العدّة فهو أحد الأحمدين : ابن محمّد بن عيسى ، أو ابن خالد البرقي.

وقد تسقط العدّة سهوا (٣) فيتوهّم انتقاض كليّة العاصمي ، لولا أنّ النّظر في الطبقة يعصمها عن الانتقاض.

كلّ محمّد بن الحسن بعده ، الكليني ، فهو الصفّار. (٤)

كل محمّد بن يحيى بعده فهو العطّار.

كلّ على بعده ، فهو مشترك بين ابن محمّد بن إبراهيم بن أبان المعروف بعلان (٥) ، وابن محمّد بن عبد الله القزويني. (٦) وابن محمّد بن بندار أبي القاسم ماجيلويه. (٧) وابن إبراهيم بن هاشم القمّي ، إلّا أن يكون عن أبيه فينتفي الأوّلان ، أو عن سهل فيتعيّن علان ؛ لأنّه أحد رجال العدّة الّتي يروي عن سهل (٨) ، أو عن ابن عبيد فيتعيّن الأخير ، كما لو كان عن أبيه ، عن ابن أبي

__________________

(١) سماء المقال : ١ / ٥٤٣ ، الطبعة الجديدة المحقّقة.

(٢) والظاهر أنّ في العبارة سقطا ولعلّ أصلها : كلّ أحمد بن محمّد بعد المفيد ، فهو ...

(٣) أو عمدا فإنّ التعليق أمر صحيح.

(٤) أقول : كما ذكره السّيد الأستاذ رحمه‌الله أيضا لكنّه ضعيف ، ويأتي في البحث : ٤٢.

(٥) الثّقة ، وفي معجم الرجال : لكنّه لم نظفر لا في الكافي ولا في غيره برواية الكليني عنه. انظر : الموسوعة الرّجالية : ١ / ١٢٠ ؛ ما يأتي من جدول شيوخ الكليني في البحث : ٤٢.

(٦) أقول : على بن محمّد بن عبد الله القزويني وجه من أصحابنا ثقة في الحديث ، كما عن النجّاشي ، لكن لا أذكر عاجلا من عدّه من مشائخ الكليني ، إلّا أن يقال باتّحاده مع على بن محمّد بن بندار ، لكنّه لا دليل عليه إن لم يكن الدليل على خلافه ؛ ولذا ذكره هذا القائل بعده في كلامه كما تلاحظه.

نعم ، ذكر في معجم الرجال : أنّ علي بن محمّد بن عبد الله القمّي من مشائخ الكليني ، واستظهر مؤلّفه قدس‌سره أنّه غير علي بن محمّد بن بندار ، انظر : معجم الرجال : ١٣ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ، الطبعة الخامسة.

(٧) وهو ثقة لكن لا أذكر عاجلا موردا عبّر الكليني عنه بعلى حتّى يتردّد لفظ على بين هؤلآء الجماعة.

(٨) تقدّم عن السّيد الأستاذ : أن الكليني لم يرو عنه باسمه ، وإن كان من رجال العدّة المذكورة. وانظر الجدول في البحث : ٤٢.


عمير ، أو النّضر بن سويد ، أو حمّاد ، وهو أكثر الأربعة ورودا في الأسناد.

كلّ ما جاء الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد ، فهو الغضائري عن ابن العطّار.

كلّ أحمد بن محمّد ، عنه سعد بن عبد الله ، أو من في مرتبته ، كمحمّد بن علي بن محبوب ، ومحمّد بن الحسن الصفّار ، ومحمّد بن يحيى ، ومحمّد بن أحمد بن يحيى ، فهو أحد الأحمدين : الأشعري والبرقي ، وإن كان الأوّل أكثر ورودا من الثاّني.

كلّ أبي جعفر بعد سعد ، فهو أحمد بن محمّد بن عيسى.

كلّ أحمد بن محمّد بعد الأحمدين ، أو الحسين بن سعيد ، أو محمّد بن عبد الحميد ، أو من في مرتبتهم ، فهو ابن أبي نصر البزنطي.

كلّ ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام فهو عبد الله.

كلّ ابن مسكان عنه صفوان ، أو مضاهيه رتبة كابن أبي عمير ، ومحمّد بن سنان فهو عبد الله.

كلّما جاء الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد ، عن على بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، فهو الأهوازي ، عن الجوهري ، عن البطائني ، عن يحيى الأسدي.

كلّما جاء الحسين عن حمّاد ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، فهو ابن سعيد ، عن ابن عيسى ، عن العقرقوفي ، عن يحيى.

كلّما جاء الحسين بن سعيد عن فضّالة ، فهو ابن أيّوب ، أو عن النضر ، فهو ابن سويد ، أو عن ابن سنان فهو محمّد.

كلّ محمّد بن الحسين ، عنه سعد ومن في مرتبته ، فهو (ابن ـ ظ) أبي الخطّاب.

كلّ محمّد بن عيسى ، عنه الصفّار ومضاهيه رتبة ، فهو ابن عبيد.

كلّ ما جاء محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي عبد الله ، فهو الرازي الجاموراني.

كلّ ابن فضّال ، عن ابن بكير ، فهو الحسن بن علي عن عبد الله الفطحي.

كلّ محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح ، فهو الأزرق ، عن الكناني.

كلّ عثمان ، عن سماعة ، فهو ابن عيسى ، عن ابن مهران.

كلّ صفوان ، عن الرضا عليه آلاف التحية والثناء ، أو عنه ابن أبي الخطّاب ، أو يعقوب بن أبي يزيد ، أو الحسين بن سعيد ، فهو ابن يحيى.

كلّ صفوان ، عنه سندي بن محمّد ، أو عبد الله بن قضاعة ، فهو ابن مهران.


كلّ عبد الرحمن ، عنه الأحمدان ، أو الحسين بن سعيد ، أو الحسن بن علي بن فضّال ، فهو ابن نجران. (١)

كلّ عبد الرحمن ، عنه ابن أبي عمير ، أو الحسن بن محبوب ، أو صفوان ، فهو ابن الحجّاج.

كلّما جاء القاسم عن أبان عن أبي العبّاس ، فهو الجوهري ، عن ابن عثمان ، عن فضل بن عبد الملك.

كلّما جاء علي ، عن أخيه ، فهو علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أخيه أحمد.

كلّما جاء الحسن ، عن أخيه عن أبيه ، فهو ابن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين عن أبيهما.

كلّما جاء الحسين عن الحسن عن زرعة عن سماعة ، فهو ابن سعيد ، عن أخيه ، عن زرعة بن محمّد الحضرمي ، عن سماعة بن مهران ...

كلّما جاء النوفلي ، عن السكوني ، فهو الحسين بن يزيد ، عن إسماعيل بن أبي زياد.

كلّ محمّد بن قيس ، عنه ابنه عبيد ، أو عاصم بن حميد ، أو يوسف بن عقيل فهو البجلي الثّقة ، أو عنه يحيى بن زكريا ، فهو الضعيف. (٢)

انتهى ما أردنا نقله.

١٣. المدقّق المتعمّق يتوجّه أنّ في بعض الأسانيد نقصا وزيادة ، يختلف بهما اعتبار الرّواية فيصبّح الصّحيحة ضعيفة والضّعيفة صحيحة ، وهذا أمر مهمّ لا بدّ من مراعاته بمزيد الفحص والتّتبّع الميسور ، ونحن نذكر بعض الأمثلة هنا بعنوان النموذج.

ألف). عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن مثّنى الحنّاط عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام. (٣)

السند متصل ، بل صحيح بناء على وثاقة الحناط ، لكن يظهر من بعض المحقّقين عدم رواية إبراهيم عن مثنى الحنّاط بلا واسطة ، وأنّ الموجود في الكافي رواية إبراهيم عن بعض أصحابنا عن مثني الحنّاط ، فيكون السند مرسلا وضعيفا.

ب). وفيها محمّد بن الحسن بأسناده ، عن محمّد بن يحيى ، عن البرقي عن بعض أصحابه (٤) ... السند ضعيف مرسل.

__________________

(١) أقول : الحسن بن علي بن فضّال لم يرو عن أبي نجران ، بل ابنه على بن الحسن روي عنه وعن عبد الرحمن بن هاشم ، والأحمدان روي عنه ، وعبد الرحمن غير ابن أبي نجران ، نعم ، لا بأس فيه في حقّ الحسين بن سعيد ، فإنّه روي عن أبي نجران فقط.

(٢) انظر : معجم الرجال : ١٧ / ١٩٥.

(٣) انظر : وسائل الشيعة : ١٨ / ١٨٣ ، الطبعة المتوسطة.

(٤) انظر : المصدر : ١٨ / ٣٣١.


ثمّ قال الحرّ : وبأسناده عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ... وهذا السند أيضا ضعيف بطلحة على الأصح.

وقال : ورواه الصّدوق بأسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحيث إنّ هذا الأسناد صحيح في مشيخة الفقيه تصبح الرّواية صحيحة ، لكن ذكر السّيد الأستاذ الخوئي قدس‌سره أنّ الصّدوق رواها مرسلة لا بذلك الأسناد المعتبر ، فهذا سهو من صاحب الوسائل ، فتأمل.

ج). وفيها (١) : محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز عن أحدهما صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا السند في بادى النظر لا إشكال فيه ، لكن رواه صاحب الوسائل (٢) عن الشّيخ بأسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عمّن أخبره عن الصّادق عليه‌السلام ، فتسقط الرّواية للإرسال ، بل لا نقبل السند الأوّل وإن لم يوجد السند الثاني ؛ لأنّ حريزا لا يروي عن الباقر عليه‌السلام ظاهرا ، فلا معنى لكلمة : (أحدهما) في حقّة ، إلّا باضمار اسم آخر يصلح أن يروي عن أحدهما عليه‌السلام.

د). وفيها (٣) عن الشّيخ ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن المختار ، وحيث إنّ المختار مجهول تسقط الرّواية عن الحجيّة ، لكن فيها أيضا نقلها عن الكليني ، عن العدّة ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار الّذي وثّقه المفيد. (٤) وتبعه جمع ، لكنني متوقّف في هذا التّوثيق كما يأتي.

ه). وفيها (٥) عن الصدوق بأسناده ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الصّادق عليه‌السلام والسند صحيح ، لكن في عقاب الأعمال : عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله ، أو عمّن ذكره عنه ، وهكذا فيها أيضا نقلا عن عقاب الأعمال (٦) ، فتسقط الرّواية عن الاعتبار ، فتأمّل.

ولعلّ المتتبّع يجد أمثال هذه الموارد بكثرة ، ومن طرق الاجتناب عن الوقوع في هذه الورطة مراجعة المصادر الأصلية مهمّا أمكن ، وعدم الاكتفاء بنقل صاحب الوسائل رحمه‌الله ، وملاحظة السند في سائر المواضع من الوسائل إن تكرّر ذكره ، ومراجعة

__________________

(١) انظر : المصدر : ١٦ / ٥٩٢.

(٢) انظر : المصدر : ١٨ / ١٨٩.

(٣) المصدر : ١٨٨.

(٤) المصدر : ٧ / ٥٩٢.

(٥) المصدر : ١٩ / ٩.

(٦) المصدر : ٨ / ٦١٥.


معجم رجال الحديث وجامع الأحاديث وغيره ، والله الهادي إلى الصواب.

١٤. قال الشّيخ المفيد في رسالة جوابات أهل الموصل في العدد والرّؤية : ... وهي مثبتة في كتاب الصيام في أبواب النّوادر والنّوادر هي الّتي لا عمل عليها.

أقول : يشكل الاعتماد عليه.

١٥. قيل بقبول روايات علي بن غراب (١) لتوثيق جملة من رجالي العامّة له مع اعترافهم بتشيعه مع ما عرفوا به من التنصل عن توثيق الشّيعي ، بل ومن يرمى بالتشيع إذا لم يكن معروفا بالصّدق والوثاقة ، بحيث لا منفذ للقدح فيه.

وعن الخطيب البغدادي : إنّ من طعن فيه لم يطعن إلّا من جهة مذهبه لا من جهة روايته.

ولاحظ تفصيل البحث في كتاب الزيّ والتجمل. (٢)

__________________

(١) عن فهرست الشّيخ أنّ اسم : غراب ، عبد العزيز ، وإنّ غرابا لقب له.

(٢) الزي والتجمل : ٣١٨ وما بعدها.


البحث الواحد والعشرون

حول طبقات الرّواة

إعلم : أنّك إذا نظرت إلى الشّيوخ الّذين كانت لهم عناية بالأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده من الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، واشغلوا برهة من أعمارهم بطلبها وأخذها عمّن تقدّمهم من أساتذهم ، وبرهة أخرى منها بروايتها لتلامذتهم الّذين لم يدركوا هؤلآء الأساتذة ورتبتهم على وجه يتميّز الشّيوخ في كلّ عصر عن التلامذة ، وجدت طبقاتهم من عصر الصّحابة الّذين رووا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عصر الشّيخ الموفق أبي جعفر الطوسي قدس‌سره الّذي هو آخر مصنفي الجوامع الأربعة من أصحابنا. وقد ولد سنة ٣٨٥ وتوفي سنة ٤٦٠ ه‍ فيما إذا كان جميعهم قد عمّر عمرا متعارفا ، وتحمل الحديث في سن يتعارف تحمله فيه اثنتى عشرة طبقة.

وبعبارة أخرى : إذا روي الشّيخ قدس‌سره أو الخطيب البغدادي المتوفي سنة ٤٦٣ ه‍ من الجمهور حديثا مسندا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفرضنا أنّ الرّواة المتوسّطين بينهما وبينه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّهم قد عمّروا العمر المتعارف ، وأخذوا الحديث في السن المتعارف أخذه فيه ، كان سندها مشتملا على اثنى عشر رجلا غالبا ، أو دائما وأمّا إذا كان بعضهم طال عمره ، بحيث عاصر رجلين ممّن عمّر متعارفا ، أو تحمل الحديث قبل أوانه المتعارف ، فأخذ عن طبقتين أو انضمّ الأمران ، صار رجال السند أقلّ ، وكان عاليا في اصطلاحهم ، وكلّما كان أمثال هؤلآء في السند أكثر كانت الوسائط أقلّ والسّند أعلى ، كمّا أنّه إذا كان في السند من روي عن معاصره ومن هو في طبقته كان رجال السند أكثر ممّا ذكر


وصار طويلا ، وعلى الأوّل بنّينا عدد الطّبقات وجعلناها إلى طبقة الشّيخ اثنتى عشرة طبقة :

الاوّلى : من روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الصّحابة ، ك : سلمان وأبي ذرّ ، والمقداد وعمّار.

الثانية : طبقة من روي عمّن لم يطل عمره ، ممّن روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله سواء كان صحابيّا بالرؤيّة ، ك : أبي الطفيل عامر بن واثلة ، وأبي أمامة بن سهيل بن حنيف ، أو بالإدراك لزمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ك : محمّد بن أبي بكر ، أو لم يكن صحابيّا ، كزاذان والأصبغ بن نباتة ، وعبيدة السلماني ، وكميل بن زياد ، وضرار بن ضمرة.

الثالثة : طبقة من روي عمّن لم يطل عمره من الطّائفة الثّانية ، كزر بن حبش ، وسلمة بن ك : هيل ، والزّهري ، وأبي حمزة الثمالي.

الرّابعة : طبقة من روي عمّن لم يطل عمره من الطبقة الثّالثة ، كزرارة بن أعين وأخوته ، وأبان بن تغلب ، وسليمان الأعمش ، وسليمان بن خالد ، وبريد بن معاوية العجلي ، وعبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وعبيد الله الحلبي وأخوته ، والفضيل بن يسار ، ومحمّد بن مسلم ، وأبي بصير ، وابن أبي يعفور ، وأبي الجارود ، وأبي حنيفة نعمان بن ثابت.

الخامسة : طبقة الّذين رووا عمّن لم يطل عمره كثيرا من الطبقة الرابعة ، كإبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى المدني ، وحريز بن عبد الله ، وسماعة بن مهران ، وصفوان وحسّان ابني مهران الجمّال ، وعبد الله بن سنان ، وعبد الله بن مسكان ، وحمّاد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، ومعاوية بن عمّار ، وإسحاق بن عمار ، وحفص بن غياث ، ومنصور بن حازم ، وهشام ابن الحكم ، وهشام بن سالم ، وغياث بن إبراهيم ، وسفيان بن عيينه ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ممّن لا يحصى.

السادسة : طبقة من روي عن غير المعمّرين من الطبقة الخامسة ، كأحمد بن الحسن الميثمي ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وإسماعيل بن مهران بن أبي نصر ، وإسماعيل بن همام ، وجعفر بن بشير ، والحسن بن الجهم ، والحسن بن علي بن فضّال ، والحسن بن علي الوشاء ، وحسن بن محبوب ، والحسين بن محمّد بن علي الأزدي ، والحسين بن يزيد النوفلي ، وزرعة بن محمّد ، وزكريا بن آدم ، وسعد بن سعد ، وسليمان بن جعفر الجعفري ، وصفوان بن يحيى ، والعبّاس بن عامر ، وعبد الرحمن بن أبي نجران ، وعبد الله بن جبلة ، وعبد الله بن محمّد الحجّال ، وعبد الله بن المغيرة ، وعبيس بن هشام ، وعثمان بن عيسى ، وعلي بن أسباط ، وعلي بن حديد ، وعلي بن الحكم ، وعلي بن النعمان ، وفضّالة بن أيّوب ، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع ، ومحمّد بن أبي عمير ، ومحمّد بن سنان ، ومحمّد بن الوليد الخزّاز ، ومحمّد بن يحيى الخزّاز ، والنضر بن


سويد ، ويونس بن عبد الرحمن ، ومحمّد بن إدريس الشّافعي ، وغياث بن كلوب بن فهيس.

والغالب في هؤلآء الطبقة هو كون ولادتهم فيما يقرب من سنة خمس وأربعين ومائة إلى سنة ستّين ومائة ، وكون وفياتهم في حدود عشر ومأتين إلى ثلاثين ومأتين.

السابعة : طبقة الّذين رووا عن غير المعمّرين من الطبقة السادسة ، كإبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، وإبراهيم بن سليمان التهمي ، وإبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن إسحاق ، وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال وأخويه محمّد وعلي وأحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد بن عبدوس ، وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي وأبيه ، وأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، وأخيه عبد الله ، وأحمد بن ميثمّ ، وأحمد بن هلال ، وإسماعيل بن مرار ، وأيوب بن نوح ، وجعفر بن عبد الله المحمّدي ، والحسن والحسين ابني سعيد الأهوازي ، والحسن بن ظريف ، والحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي ، والحسن بن محمّد بن سماعة ، والحسن بن موسى الخشاب ، وسلمة بن الخطّاب ، وسهل بن زياد ، وصالح بن أبي حمّاد ، العبّاس بن معروف القمّي ، وعبد العظيم بن عبد الله الحسني ، وأبي طالب عبد الله بن الصلت القمّي وأخيه على وعبد الله بن عامر الأشعري ، وعبيد الله بن أحمد بن نهيك ، وعلي بن إسماعيل وأخيه محمّد وعلي بن الحسن الطاطري ، وعلي بن العبّاس ، وعلي بن مهزيار والعمركي ، والفضل بن شاذان ، والقاسم بن إسماعيل القرشي ، ومحمّد بن أحمد النهدي ، ومحمّد بن أورمة القمّي ، ومحمّد بن تسنيم ، ومحمّد بن حسان الرازي ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، ومحمّد بن عبد الجبّار القمّي ، ومحمّد بن عبد الحميد العطّار ، ومحمّد بن علي أبي سمينة ، ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، ومحمّد بن موسى حوراء ومعاوية بن حكيم ، ومعلي بن محمّد البصري ، وموسى بن جعفر البغدادي ، وموسى بن عمران النخعي ، وموسى بن القاسم البجلي ، والهيثمّ بن أبي مسروق النهدي ، ويحيى بن زكريا بن شيبان ، ويعقوب بن يزيد وغيرهم.

والغالب في هذه الطبقة هو كون ولادتهم فيما يقرب من سنة خمس وثمانين ومائة ، إلى سنة مأتين ووفياتهم قرابة ستّين ومأتين إلى سبعين ومأتين.

الثامنة : طبقة من روي عن غير المعمّرين من الطبقة السابعة ، كشيوخ المصنّف ـ أي : الكليني ـ الّذين يروي عنهم ، فإنّهم كلّهم سوى من شذّ منهم من صغار هذه الطبقة ، وسيأتي ذكرهم في المقدمة الرابعة ، ك : إبراهيم بن نصير وأخيه حمدويه ، وأحمد بن أبي زاهر ، وأحمد بن إسماعيل سمكة ، وأحمد بن علوية الأصبهاني ، وأحمد بن علي الفائدي ، وأحمد


بن عمر بن كيسبة ، وبكر بن عبد الله بن حبيب الرازي ، وجعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي ، وجعفر بن سليمان القمّي ، وجعفر بن محمّد بن مالك الغزاري ، وأبي القاسم جعفر بن محمّد الموسوي ، والحسن بن عبد الصمد بن محمّد بن عبيد الله الأشعري ، والحسن بن عبد الله بن محمّد بن عيسى الأشعري ، والحسن بن علي بن مهزيار ، والحسن بن متيل الدّقاق ، والحسن بن محمّد بن أحمد الصفّار أبي على البصري ، والحسين بن أحمد بن الحسن بن فضّال وأخيه محمّد بن أحمد ، والحسين بن إسحاق ، والحسين بن الحسن بن أبان القمّي ، والحسين بن زيدان الصرمي ، وحكيم بن داود بن حكيم ، والعبّاس بن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، وعبد الله بن أحمد بن عامر ، وعبد الله بن العلاء المذاري ، وعبيد بن كثير بن محمّد ، وعلي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيره ، وعلي بن سعيد بن رزام ، وأبي الحسن القاشاني ، وعلي بن سليمان الزراري وأخيه محمّد بن سليمان ، وعلي بن محمّد بن الزبير القرشي ، وعلي بن محمّد بن عيسى بن زياد العبسي ، وعلي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، وعمران بن موسى الأشعري الزيتوني ، ومحمّد بن أحمد بن ثابت ، ومحمّد بن أحمد بن الحرث الخطيب بساوه ، ومحمّد بن أحمد بن يحيى ، ومحمّد بن جعفر بن أحمد بن بطّة القمّي ، ومحمّد بن الحسن الصفّار ، ومحمّد بن زكريا الغلابي البصري ، ومحمّد بن عبيد بن صاعد الكوفي ، ومحمّد بن علي بن محبوب ، وغيرهم.

والغالب في هذه الطبقة هو كون ولادتهم بالقرب من سنة ثلاثين إلى خمسين ومأتين ، ووفياتهم فيما يقرب من سنه ثلاثمائة إلى عشرة وثلاثمائة.

التاسعة : طبقة الّذين رووا عن الطبقة الثامنة كذلك ، ك : الشّيخ أبي جعفر الكليني رحمه‌الله ، وك : أحمد بن إبراهيم بن المعلّى بن أسد العمّي ، وأحمد بن اصفهبد الضرير المفسّر القمّي ، وأحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري ، وأحمد بن الحسن أبي على الرازي ، وأحمد بن داود القمّي ، وأحمد بن علي الخصيب بالأيادي ، أبي عبد الله الرازي ، وأحمد بن محمّد أبي عبد الله العاملي ، وأحمد بن محمّد بن الحسين بن الحسن القمّي ، وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، وأحمد بن محمّد بن علي بن عمر بن رياح القلاء ، أبي الحسن الكوفي ، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، وجعفر بن الحسين بن علي بن شهريار أبي محمّد القمّي نزيل الكوفة ، وجعفر بن محمّد بن إسحاق بن رباط الكوفي ، والحسن بن علي بن أبي عقيل العماني ، والحسن بن علي أبي محمّد الحجال القمّي شريك بن الوليد ، والحسن بن محمّد بن


جمهور ، وحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب ، وحسين بن إبراهيم بن باتانة ، وحسين بن أحمد بن إدريس ، والشّيخ أبي القاسم الحسين بن روح ثالث السفراء الأربعة (رضوان الله عليهم) ، وحسين بن شاذويه الصفّار ، والحسين بن علي بن سفيان البزوفري ، والحسين بن محمّد بن فرزدق القطعي ، وحمزة بن القاسم العلوي العبّاسي ، وحنظلة بن زكريا أبي الحسن القزويني ، وسعيد بن أحمد بن موسى العراد الكوفي ، وصالح بن محمّد الصراي ، وعبد العزيز بن عبد الله الموصلي وأخيه عبد الواحد ، وعبد العزيز بن أحمد الجلودي ، وعبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار النيسابوري ، وعبيد الله بن الفضل الكوفي نزيل مصر ، وعلي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ، وعلي بن أحمد بن موسى الدّقاق ، وعلي بن حاتم القزويني ، وعلي بن الحسين الأصبهاني ، وعلي بن الحسين المسعودي ، وعلي بن الحسين بن بابويه القمّي ، وعلي بن محمّد بن جعفر بن عنبسة الأهوازي ، ووالده وعلي بن محمّد السمري رابع السفراء الأربعة رضي‌الله‌عنهم ، وعلي بن محمّد بن مسرور القمّي ، ومحمّد بن أبي القاسم البغدادي ، ومحمّد بن أحمد بن إبراهيم الجعفي الكوفي النازل بمصر صاحب الفاخر ، ومحمّد بن أحمد السناني ، ومحمّد بن أحمد بن عبد الله المفجع البصري ، ومحمّد بن أحمد أبي بكر بن أبي الثلج ، ومحمّد بن جرير بن رستم الطبري ، ومحمّد بن جعفر الحسني النقيب أبي قيراط البغدادي ، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمّد بن الحسن بن علي بن مهزيار ، ومحمّد بن العبّاس بن علي بن مروان بن الماهيار أبي عبد الله البزّاز المعروف بابن الحجّام ، ومحمّد بن عبد الله بن جعفر ، ومحمّد بن عبد المؤمن القمّي ، ومحمّد بن علي الشّلمغاني ، ومحمّد بن عمر الكشي ، ومحمّد بن قولويه ، ومحمّد بن مسعود العياشي أبي النضر السمرقندي ، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ، ومحمّد بن همام أبي على البغدادي ، وموسى بن محمّد الأشعري الشّيرازي سبط سعد بن عبد الله ، وغير هؤلاء.

والغالب في هذه الطبقة هو كون ولادتهم تقترب من سنة ستّين إلى سبعين ومأتين ، ووفياتهم بالقرب من سنه الثلاثين إلى خمسين وثلاثمائة.

العاشرة : طبقة الّذين رووا عن غير المعمّرين من الطبقة التاسعة ، ك : إبراهيم بن محمّد بن معروف أبي إسحاق المذاري ، وأحمد بن إبراهيم بن أبي رافع ، وأحمد بن أحمد الكوفي ، وأحمد بن عبد الله بن جبين أبي بكر الدوري ، وأحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الفامي القمّي ، وأحمد بن محمّد بن جعفر أبي على البصري الصولي ، وأحمد بن محمّد بن الحسن


بن الوليد القمّي ، وأحمد بن محمّد بن عبد الله بن عيّاش ، وأحمد بن محمّد بن عمران المعروف بابن الجندي أبي الحسن البغدادي ، وأحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان أبي غالب الزراري الكوفي ، وأحمد بن محمّد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازي ، وإسحاق بن بكران المجاور بكوفة ، وجعفر بن محمّد بن قولويه القمّي فتدبّر.

والشّريف الصالح الحسن بن حمزة الطبري فتدبّر.

والشّريف الحسن بن محمّد بن يحيى الأعرجي ابن أخ طاهر ، والحسين بن أحمد بن المغيرة البوشنجي ، والحسين بن علي بن الحسين بن بابويه ، والحسين بن علي الخزاز القمّي ، وطاهر غلام أبي الجيش ، وعلي بن أحمد بن أبي جيد أبي الحسين القمّي ، وعلي بن بلال المهلعي ، وعلي بن عمر الدار قطني ، وعلي بن محمّد الشمشاطي ، وعلي بن محمّد بن عبد الله القزويني ، وعلي بن محمّد بن يوسف ، وفارس بن سليمان الدرجاني ، ومحمّد بن إبراهيم النعماني ، ومحمّد بن إبراهيم المعروف بالشّافعي ، ومحمّد بن أحمد بن الجنيد الأسكافي ، ومحمّد بن أحمد بن داود القمّي ، ومحمّد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة الصفواني ، ومحمّد بن إسحاق النديم صاحب الفهرست ، ومحمّد بن جعفر بن محمّد النحوي أبي الحسين التميمي ، ومحمّد بن الحسين بن سفرجلة الكوفي ، ومحمّد بن عبد الله أبي المفضل الشّيباني ، ومحمّد بن عثمان أبي الحسين النصيبي ، ومحمّد بن علي بن بابويه ، ومحمّد بن علي بن الفضيل بن تمام ، ومحمّد بن عمر أبي بكر الجعابي ، فتدبّر ومحمّد بن محمّد بن هارون الكندي ، ومظفر بن أحمد أبي الجيش البلخي ، وهارون بن موسى التلعكبري ، ويحيى بن زكريا الكرماني الترماشيزي ، والشّريف يحيى بن محمّد بن أحمد الأفطسي الزبادي أبي محمّد النيسابوري ، وغيرهم.

والغالب في هؤلآء الطبقة هو كون ولاداتهم بالقرب من سنة تسعين ومأتين إلى عشر وثلاثمائة ، ووفياتهم تقترب من سنة ستين إلى ثمانين وثلاثمائة.

الحادية عشر : طبقة الّذين رووا عن الطبقة العاشرة كذلك ، ك : أحمد بن إبراهيم القزويني ، وأبي عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزّاز البغدادي ، وأبي العبّاس أحمد بن علي بن العبّاس بن نوح السيرافي ، وأبي الحسن أحمد بن محمّد الجرجاني ، وأبي الحسين جعفر بن الحسين بن عكّة القمّي ، وأبي محمّد الحسن بن أحمد بن القاسم المحمّدي ، والحسن بن إسماعيل والحسن بن محمّد بن يحيى الفحام السامري ، والحسين بن إبراهيم القزويني ، وأبي


عبد الله الحسين بن أحمد بن موسى بن هذيه ، وأبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري ، وأبي عبد الله حمويه بن علي ، وعبد السلام بن الحسين شيخ الارب أبي أحمد البصري ، وأبي عمر عبد الواحد بن محمّد بن عبد الله ، وأبي الحسن علي بن إبراهيم الكاتب ، وعلي بن أحمد بن العبّاس والد الشّيخ النجّاشي صاحب الفهرست ، وأبي الحسن علي بن أحمد بن عمر المعروف بابن الحمّامي ، والسيّد الأجل علي بن الحسين الموسوي ذي المجدين علم الهدى ، وأبي القاسم علي بن شبل بن أسد ، وعلي بن عبد الرحمن بن عيسى بن عروة بن الجراح القنائي ، وعلي بن محمّد الخزاز الرازي صاحب كتاب كفاية النصوص ، وأبي الحسين علي بن محمّد بن عبد الله بن بشران ، وأبي الحسين محمّد بن أحمد بن شاذان القمّي ، وأبي زكريا محمّد بن سليمان الحمراني ، وأبي الفرج محمّد بن علي بن أبي غرة الكاتب القناني ، ومحمّد بن علي بن خشيش بن نصر ومحمّد بن علي بن شاذان أبي عبد الله القزويني محمّد بن محمّد الزعفراني ، وأبي الحسن محمّد بن محمّد بن محمّد بن مخلّد ، والشّيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، وأبي الفرج محمّد بن موسى القزويني ، وأبي الحسين محمّد بن هارون بن موسى التلعكبرّي ، وأبي نصر هبة الله بن أحمد بن محمّد الكاتب المعروف بابن برينه صاحب كتاب السفراء ، وأبي الفتح هلال بن محمّد بن جعفر الحفار ، وغيرهم.

والغالب في هؤلآء كون وفياتهم فيما يقترب من سنة أربعمائة إلى أربعمائة وعشرين.

الثانية عشر : طبقة من روي عن غير المعمّرين من الطبقة الحادية عشر ، ك : أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمّد دعويدار القمّي ، وأحمد بن الحسين بن أحمد الخزاعي النيسابوري نزيل الريّ ، والشّيخ أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجّاشي صاحب الفهرست ، والقاضي أحمد بن علي بن قدامة ، والسيد إسماعيل بن الحسن الحسني ، والشّيخ تقي بن نجم الحلبي صاحب كتاب الكافي ، والشّيخ جعفر بن محمّد الرازي الدوريستي الرّاوي عن المفيد والمرتضي قدس‌سره ، والشّيخ خليل بن ظفر بن خير الإسلامي الّذي روي عنه جدّه أبو الفتوح ، والشّيخ سلّار بن عبد العزيز الديلمي صاحب كتاب المراسم الرّاوي عن المفيد ، والشّيخ سليمان بن الحسن الصهرشتي ، فتدبّر.

والشّيخ حمزة بن يحيى بن ضمرة الشّعيبي الفقيه المحدّث الّذي عاصر الشّيخ أبا جعفر كما في فهرست منتجب الدين ، والشّيخ أبي محمّد عبد الباقي بن محمّد البصري الّذي قرأ


على المرتضى والرضي رحمه‌الله ، وقرأ عليه المفيد عبد الرحمن ، والسيّد عبد الله بن علي بن عيسى بن زيد الحسيني أبي زيد الجرجاني الكيحي الرّاوي عن المرتضى والرضي رحمه‌الله ، والشّيخ أبي الحسن علي بن هبة الله بن عثمان الرائقة الموصلي ، والسيد محمّد بن الحسن الجعفري أبي يعلى البغدادي صهر المفيد ، والجالس مجلسه بعد موته صاحب المصنّفات في الفقه وغيره المتوفي سنة ٤٦٣ ه‍.

والشّيخ الموفق الجليل محمّد بن الحسن بن علي أبي جعفر الطّوسي صاحب المصنّفات الكثيرة في التفسير ، والكلام والفقه وأصول الفقه والرجال ، والفهرست الّذي يعجز القلم عن إحصاء فضائله (جزاه الله تعالى عنّا أحسن الجزاء) ، والشّيخ محمّد بن علي الكراجكي صاحب المصنّفات الكثيرة الرّاوي عن المفيد ، كما في أربعين الشّهيد ، وعن المرتضى والشّيخ وغيرهم ، والشّيخ مظفر بن علي بن الحسين الحمداني القزويني الرّاوي عن المفيد والشّريف أبي الوفاء المحمّدي الّذي قرأ على المفيد.

والغالب في هذه الطبقة وقوع وفياتهم فيما يقرب من سنة خمسين وأربعمائة إلى ستين وأربعمائة ، وإنّما أكثرت الأمثلة لهؤلآء الطبقات المتأخرة ؛ لأنّ هؤلآء لم يكونوا مضبوطين في مصنّفات أصحابنا ، فأردنا ضبط من وجدناه منهم هنا ، فإنّ ساعدنا التوفيق أفرزنا لذكر الطبقات كتابا على حدة إن شاء الله تعالى ، ولنختم هذه المقدّمة بذكر أمور :

الأوّل : إنّ الّذين رووا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عامتهم من الطبقة الأولى والثانية ، بل وكذا الرّواة عن الحسنين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا الرّواة عن علي بن الحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهم من إحدى هاتين الطبقتين أو من الثالثه ، والرواة عن أبي جعفر عليه‌السلام أكثرهم من الرابعة.

نعم ، ربّما شاركهم فيها بعض المعمّرين من الطبقات السّابقة أيضا ، والرواة عن أبي عبد الله عليه‌السلام جلّهم من الرابعة أو الخامسة وأكثرهم من الخامسة ، وربّما شاركهما بعض من عمّر من الثالثة أيضا ، والرواة عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام جلّهم من الخامسة ، وربّما شاركهم بعض معمّري الرابعة وشاذ من كبار السادسة ، والرواة عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام جلّهم من السادسة ، وربّما روي عنه عليه‌السلام بعض من الخامسة وشاذ من السابعة أيضا. والرواة عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام من السادسة والسابعة ، والرواة عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام وأبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله جلّهم من السابعة ، وربّما شاركهم في الأوّل بعض من صغار السادسة ، وفي الثّاني شاذ من كبار الثامنة أيضا.


وأمّا الرّواية عن صاحب الدار عجّل الله تعالى فرجه الشريف في الغيبة الصغرى فلم يتشرّف بها من غير السفراء الأربع الّذين عرفت أنّ أولهم من السّابعة والثّاني من الثامنة والأخيرين من التّاسعة ، إلّا قليل لا يتجاوزون عن هذه الطبقات الثّلاث. وأمّا الطبقة العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة ، فلا رواية لهم عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام كما أنّه لا رواية لكثير من أفراد الطبقات التسعة السّابقة أيضا عن أئمّة زمانهم ، وإن كانوا من القائلين بإمامتهم ، ورووا بالواسطة عن الماضين منهم عليهم‌السلام فمن لم يرو عنهم شامل لجميع الطبقات.

ومن هنا يظهر أنّ بناء أمر الطبقات على أبواب كتاب الشّيخ في الرجال كما يتراءى من كثير من المتأخّرين ، حيث تراهم يكتفون في بيان طبقة كلّ رجل بأنّه مذكور في باب كذا من خج ، غير صحيح لما ذكرناه من شمول من لم يرو عنهم للثلاث ، بل الخمس الأخيرة كلّا أو جلّا ، ولسائرها بعضا ، ولما مرّ من أنّه قد يتّفق رواية طبقتين أو أكثر عن إمام واحد ، ورواية طبقة واحدة عن إمامين أو أكثر ، بل وكذا ما ذكره جدّنا التقي المجلسي رحمه‌الله ، حيث قال : فالطبقة الأوّلى : للطوسي والنجّاشي ، والثانية : للمفيد وابن الغضائري ، والثالثة : للصدوق وأشباهه ، والرابعة : للكليني وأمثاله ، والخامسة : لمحمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس وأمثالهما ، والسادسة : لأحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن عبد الجبار وأحمد البرقي وأضرابهم ، والسابعة : لحسين بن سعيد والحسن بن علي الوشاء وأمثالهما ، والثامنة لمحمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى والنضر بن سويد وأمثالهم ، والثامنة : لأصحاب موسى بن جعفر صلى‌الله‌عليه‌وآله والتّاسعة : لأصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام والعاشرة : لأصحاب أبي جعفر عليه‌السلام ، والحادية عشرة : لأصحاب علي بن الحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله والثانية عشر : لأصحاب أمير المؤمنين والحسنين عليهم‌السلام انتهى.

فإنّه مع قطع النظر عمّا فيه من العدول عن الترتيب الطبيعي المألوف إلى عكسه يرد عليه بعض ما أوردناه على سابقه ، كما يظهر بالتأمّل فيما ذكرناه.

الثّاني : قد رتّبنا طبقات علمائنا الّذين تأخّروا عن الشّيخ أبي جعفر قدس‌سره فوجدناهم من الشّيخ أبي على ابن الشّيخ إلى شيوخنا الّذين تحملنا عنهم فوجدناهم أربع وعشرين طبقة ، يصيرون مع الطّبقات المذكورة ستّا وثلاثين طبقة نسردها على وجه الاختصار تتميما للفائدة ، فالثالث عشر طبقة الشّيخ أبي على والمفيد عبد الجبار الرّازي و (الحسن بن الحسين بن بالويه الحسكا) وخسكا وأشباههم ، والرابع عشر : طبقة الراونديين وعماد الدين الطبري وأضرابهم ، والخامس عشر : طبقة شاذان بن جبرئيل والشّيخ منتجب الدين والشّيخ محمود الحمصي ،


والسادس عشر : طبقة السّيد فخار والشّيخ محمّد بن جعفر بن نما والسيد محيي الدّين بن زهرة رحمه‌الله ، والسابع عشر : طبقة المحقّق وابني طاوس ويحيى بن سعيد ويوسف بن مطهر قدس‌سره ، والثامن عشر : طبقة العلّامة وأخيه على وابن داود قدس‌سره ، والتّاسع عشر : طبقة فخر الدّين وعميد الدين وضياء الدين وابن سعيد والمزيدي رحمهما‌الله ، والعشرون طبقة : الشّهيد الأوّل محمّد بن مكّي رحمه‌الله ، والحادي والعشرون : طبقة الشّيخ مقداد وعلي بن الحسن الخازن ، والثّاني والعشرون طبقة الشّيخ أحمد بن فهد ، والثالث والعشرون : طبقة الشّيخ علي بن هلال الجزائري ، والرابع والعشرون : طبقة الشّيخ علي بن عبد العالي الكركي وعلي بن عبد العالي الميسي ، والخامس والعشرون : طبقة الشّهيد الثاني قدس‌سره والسّادس والعشرون : طبقة الشّيخ حسين بن عبد الصمد ، والسابع والعشرون : طبقة الشّيخ بهاء الدين والمولى عبد الله التستري وصاحبي المدارك والمعالم والميرزا محمّد ، والثّامن والعشرون : طبقة مولانا محمّد تقي المجلسي والمحقّق السبزواري والآغا حسين الخونساري والمولى حسن على ، والتّاسع والعشرون : طبقة مولانا محمّد باقر المجلسي رحمه‌الله والآغا جمال الخونساري والمولى محمّد سراب ، والثلاثون : طبقة السّيد محمّد حسين الخاتون آبادي والمولى محمّد أكمل ، والواحد والثلاثون : طبقة الآقا محمّد باقر البهبهاني والشّيخ مهدي الفتوني وصاحب الحدائق رحمه‌الله ، والثّاني والثلاثون : طبقة بحر العلوم وصاحب القوانين وكاشف الغطاء ومهدي بن أبي ذر ، والثالث والثلاثون : طبقة سيد محمّد باقر الحلاوي والسيد جواد العاملي والسيد محسن الكاظمي وصاحبي الجواهر والرياض والمولى أحمد والحاج الكلباسي والسيد الرشتي والسيد صدر الدين وشريف العلماء وصاحبي الحاشية والفصول رحمه‌الله ، والرابع والثلاثون : طبقة السّيد مهدي الحلاوي والشّيخ مرتضى الانصاري والسيد على وعمّنا صاحب المواهب رحمه‌الله ، والخامس والثلاثون : طبقة الميرزا محمّد حسن الشّيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي ، والسادس والثلاثون : طبقة شيوخنا المولى محمّد كاظم والسيد محمّد باقر والسيد محمّد كاظم وشيخ الشّريعة والميرزا محمّد تقي والسيد إسماعيل والحاج ميرزا حسين والشّيخ حسن المامقاني والشّيخ محمّد طه والسيد محمّد صاحب البلغة (رضوان الله عليهم أجمعين).

أقول : نقلنا كلّ ما في هذا البحث من الموسوعة الرجالية (١) ، الّتي طبعت أخيرا ، ووقفت

__________________

(١) انظر : الموسوعة الرجالية : ١ / ١١١ ـ ١١٥.


عليه بعد الطبعة الثالثة لكتابي هذا ، لسّيدنا الجليل والعالم الكبير مرجع الشّيعة في عصره السّيد حسين البروجردي رحمه‌الله ، فكان هو وأقرانه كالسيد أبي الحسن الأصفهاني والشّيخ النائيني ، وسيّدنا الأستاذ الحكيم صاحب المستمسك ، وسيّدنا الأستاذ أبو القاسم الخوئي صاحب معجم الرجال ، والميرزا السيد عبد الهادي الشيرازي ، والسيّد حسين الحمامي والشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء والشيخ الميرزا باقر الزنجاني والسيّد الاصطهباناتي والسيّد محمّدرضا الگلپايگاني والسيّد هادي الميلاني ، والسيّد محمود الشهرودي وغيرهم (قدّس الله أسرارهم) من السّابعة والثلاثين وطبقتنا من الثامنة والثلاثين ١٤٢٠ ه‍.


البحث الثّاني والعشرون

الاحتياط في روايات بعض الرّواة

الراوي إن ثبت وثاقته أو مدحه تعتبر روايته ، وإلّا فلا ، سواء ثبت ضعفه أو بقى مجهول الحال على المختار ، لكن في نفسي من الرّواة من لا يصحّ الفتوى برواياتهم ولا يجوز ردّها ، بل لا بدّ من مراعاتها والاعتناء بها في مقام العمل مع التّوقّف عن الحكم الشّرعي ، وهذا هو المعبرّ عنه بالاحتياط الواجب.

والباعث عليه ليس ما استفيد من القواعد والاصول حسب الموازين العلميّة ، فإنّها تحكم بما ذكرناه أوّلا ، بل هو أمر نفسي يثبطني عن الحكم بالقبول والردّ.

ولا شكّ في حصول مثل هذه الحالة النفسيّة لكثير من الباحثين في جملة من العلوم من دون أن تدخل في ضابط محصور وإليك بعض هؤلاء الرّواة.

١. الممدوحون في كلام الشّيخ المفيد رحمه‌الله في رسالته في الردّ على أصحاب العدد المسماة ب جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية (١) إذا خلوا من المدح والذّمّ ، ولم يوجد في حقّهم إلّا هذا الكلام ، وإليك بيانه :

وأمّا رواة الحديث بأنّ شهر رمضان شهر من شهور السنّة يكون تسعة وعشرين يوما ، ويكون ثلاثين يوما ، فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي ، وأبي عبد الله جعفر بن محمّد بن علي (وأبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي الحسن علي بن موسى ، وأبي جعفر محمّد بن علي) وأبي الحسن علي بن محمّد ، وأبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد (صلوات

__________________

(١) انظر : جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية : ٢٥ ـ ٤٦ ، طبعة : مهر ، قم ١٤١٣ ه‍.


الله عليهم) والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، الّذين لا يطعن (مطعن) عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم ، وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة ، وكلّهم قد أجمعوا نقلا وعملا (١) على أنّ شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوما ، نقلوا ذلك عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام وعرّفوه في عقيدتهم واعتمدوه في ديانتهم.

وقد فصلت أحاديثهم ـ بذلك ـ في كتابي المعروف ب مصباح النور في علامات أوائل الشّهور ...

أقول : وأمّا أسماء هؤلاء فإليك نقلها بالتفصيل :

١. محمّد بن مسلم.

٢. محمّد بن قيس ، الّذي يروي عنه يوسف بن عقيل.

٣. أبو الجارود.

٤. عمّار الساباطي.

٥. أبو الصباح الكناني.

٦. أبو أحمد عمر بن الربيع.

٧. منصور بن حازم.

٨. عبد الله بن مسكان.

٩. زيد الشّحام.

١٠. يونس بن يعقوب.

١١. جابر. قال المامقاني : جابر بن زيد ، والصّحيح : جابر بن يزيد.

١٢. إسحاق بن جرير.

١٣. النضر نصر والد الحسن.

هكذا في مقدّمة رجال المامقاني وفي المصدر نفسه : الحسن بن نصر عن أبي مخلد.

وقال المحشّي : إنّ أبا مخلد عيسى في البعض النسخ ، وهو ابن أبي خالد الواسطي ، وذكر له قرينة وما ذكره غير بعيد فلاحظ الصفحة ٣٧ من الرسالة.

١٤. ابن أبي يعفور.

١٥. عبد الله بن بكير.

__________________

(١) نطالب المفيد رحمه‌الله بالدليل على عمل الرّواة ، كما ادّعاه.


١٦. معاوية بن وهب.

١٧. عبد السّلام بن سالم.

١٨. عبد الأعلى بن أعين.

١٩. إبراهيم بن حمزة الغنوي.

٢٠. الفضيل بن عثمان.

٢١. سماعة بن مهران.

٢٢. عبيد بن زرارة.

٢٣. الفضل بن عبد الملك.

٢٤. يعقوب الأحمر.

أقول : معظم هؤلاء الرّواة ثبتت وثاقتهم بتوثيق الشّيخ والنجّاشي وغيرهما ، كما أنّ توثيق الشّيخ المذكور قدس‌سره معارض بجرح غيره أو ذمّه في مثل : أبي الجارود الزيدي ، ولعلّ الثمرة تظهر في مثل يعقوب الأحمر وعبد الأعلى بن أعين وإبراهيم بن حمزة الغنوي ـ وفي رجال سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ـ نقلا عن التهذيب هارون بن حمزة الغنوي ـ وواحد آخر فيحتاط في روايات أمثال هؤلاء.

وجه التّوقف وعدم الاعتماد على هذا التّوثيق مع جلالة الشّيخ المفيد وعلوّه ودقّة نظره قدس‌سره غلبة الاحتمال ، بأنّ التّوثيق المذكور ساق مساق الغالب لا بملاحظة حال كلّ واحد من الرّواة كما يدعمه بعض القرائن. (١)

__________________

(١) وإليك جملة من تلك القرائن :

الف). وجود أبي الجارود زياد بن المنذر الأعمى الزيدي غير الإمامي لم يوثّقه أحد من الرجاليّين ، وما وثقه به سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله فهو اشتباه منه قدس‌سره وعلى كلّ لا ينطبق عليه الأوصاف المادحة الّتي ذكرها المفيد رحمه‌الله.

ب). وجود جابر الّذي طعن عليه جمع حتّى أنّ النجّاشي ، نقل أنّ الشّيخ المفيد ينشدنا أشعارا كثيرة تدلّ على اختلاط جابر بن يزيد ، فإلى ذمه طريق! وإن كان الحقّ أنّه حسن.

ج). من هو أبو مخلد؟ وكيف فهم الشّيخ المفيد رحمه‌الله اتّصافه بما ذكره من المدائح؟

وهكذا إذا فرضنا عمرو أبا خالد الواسطي مكانه؟

د). كيف أخذوا الفتيا عن عبد الله بن بكير غير الاثنى عشري ، وهكذا عن سماعة وعبد الكريم الخثعمي ، إن كانا واقفيين ، وهكذا.

ه). وجود فطر بن عبد الملك ، حيث يقول المامقاني رحمه‌الله في رجاله : لم أجد له ذكرا في كتب الرجال ، فمثل هذا المهمل المجهول ، كيف ينطبق عليه تلك الأوصاف ، وهكذا الكلام في حبيب الجماعي وعمر بن مرداس. وعلى كلّ يبعد انطباق ما ذكره من الصفات على هؤلاء الرّواة ، هذا إذا فسّرنا الرّواة الممدوحين في كلامه بمن روي تلك الرّوايات عن الأئمّة عليهم‌السلام مباشرة ؛ وأمّا إذا عمّمناهم لجميع من في سلسلة أسانيدها ، فالاشكال يصير أوسع وأقوى.

و). وجود زياد بن مروان القندي الواقفي ، فقد ذمّوه.


ووجه عدم الرّد عدم جواز ترك العمل بالظواهر ، ما لم يمنع مانع معتبر آخر ، فتأمّل.

ثمّ قال : وروي كرام الخثعمي وعيسى ابن (أبي) منصور وقتيبة الأعشى وشعيب الحداد والفضيل بن يسار وأبو أيّوب الخزاز وفطر بن عبد الملك وحبيب الجماعي وعمر بن مرداس ومحمّد بن عبد الله بن الحسين ومحمّد بن الفضيل الصيرفي وأبو علي بن راشد وعبيد الله بن علي الحلبي ومحمّد بن علي الحلبي وعمران بن علي الحلبي وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وعبد الأعلى بن أعين ويعقوب الأحمر وزيد بن يونس وعبد الله بن سنان ومعاوية بن وهب وعبد الله بن أبي يعفور.

ممّن لا يحصى كثرة مثل ذلك حرفا بحرف وفي معناه وفحواه وفائدته ، انتهى.

أقول : الظاهر شمول المدح لهؤلاء أيضا ، كما فهمه السّيد الأستاذ في معجمه ، وكما يظهر من الرسالة العدديّة المذكورة ، والفاضل المامقاني أنكر شمول كلامه لهؤلاء في ترجمة قتيبة الأعشي ، وهو خطأ.

هذا ومن لم يقبل توثيقه هذا لا أراه ملوما ، فإنّ نظر الشّيخ المفيد رحمه‌الله في التّوثيق واسع ، فقد وثّق أربعة آلاف من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام مع أنّه ممنوع ثبوتا ، أي : غير محتمل عادتا ، وقد تقدّم بحثه.

٢. محمّد بن خالد البرقي : فقد وثقه الشّيخ في موضع من رجاله (١) ، وقال النجّاشي في فهرسته : وكان محمّد ضعيفا في الحديث وكان أديبا حسن المعرفة بالأخبار وعلوم العربية. (٢)

وقد ذكروا لترجيح توثيق الشّيخ على كلام النجّاشي وجوها كلّها ضعيفة لا عبرة بها ، فعن الشّيخ البهائي أنّ قول النجّاشي يحتمل أمرين :

الأوّل : أن يكون من قبيل قولنا فلان ضعيف في النحو إذا كان لا يعرف منه إلّا القليل.

وأورد عليه بأنّ النجّاشي صرّح بأنّه حسن المعرفة بالأخبار لكنّه مردود ، بأنّ المراد ظاهرا ، أو احتمالا هو أخبار العرب وتأريخهم دون الرّوايات.

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٨٦.

(٢) فهرست النجّاشي : ٢٥٨.


الثّاني : أن يكون المراد روايته الحديث عن الضعفاء واعتماده على المراسيل ، وعليه فلا يكون كلام النجّاشي صريحا في جرح الرجل ، وكلام الشّيخ نصّ في تعديله فيؤخذ به.

أقول : وعلى الاحتمال الثّاني بني غيره أيضا ، لكن الإنصاف إنّ الاحتمال الأوّل خلاف المتفاهم العرفي ، مع أنّ محمّد بن خالد ، واقع في سند كثير من الرّوايات كما يظهر للمتتبّع ، فقد وقع بهذا العنوان في أسناد روايات تبلغ ثلاثة وأربعمأة موردا. (١) وبعنوان محمّد بن خالد البرقي في أسناد سبعة وأربعين حديثا ووقع بعنوان أبي عبد الله وأبي عبد الله البرقي في أسناد كثير من الرّوايات ، على أنّ نصّ أحد لا يقدم على ظهور كلام رجالي آخر كما سبق.

وأمّا الاحتمال الثّاني فيردّ عليه أنّ النجّاشي قال في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري : كان ثقة في الحديث إلّا أنّ أصحابنا قالوا كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمّن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء الخ.

ومعنى قوله : كان ثقة في الحديث أنّه ثقة في نفسه وإن يرو عن الضعفاء ، فيكون معنى قوله ضعيفا في الحديث أنّه ضعيف في نفسه.

وقال في ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد الأسدي الكوفي : كان ثقة صحيح الحديث إلّا أنّه روي عن الضعفاء إلخ ، ولو كان معناه ـ كما زعموا ـ أنّه يروي عن الضعفاء كان معنى قوله ثقة في الحديث أنّه يروي عن الثقاة ، ولم يستعمله في حقّ محمّد بن أحمد ، الّذي يروي عن الضعفاء.

وبالجملة الحالة النفسية تحملني على أنّ أحتاط احتياطا لازما في رواياته ، والله العالم بحقائق الأمور.

٣. قال شيخنا المفيد قدس‌سره في باب النصّ على الكاظم عليه‌السلام من إرشاده (٢) فمن روي صريح النصّ بالإمامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام على ابنه أبي الحسن موسى عليه‌السلام من شيوخ أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين (رحمة الله عليهم) :

١. المفضّل بن عمر الجعفي.

__________________

(١) معجم الرجال : ١٧ / ٥٩ ـ ٦٩ ، الطبعة الخامسة ، وأمّا بملاحظة وقوعه في روايات غير الكتب الأربعة ، فيزيد عدد رواياته.

(٢) الإرشاد : ٢٨٨ ، المطبوع في النجف سنة ١٣٨١ ه‍.


٢. معاذ بن كثير.

٣. عبد الرحمن بن الحجاج.

٤. فيض بن المختار.

٥. يعقوب السراج.

٦. سليمان بن خالد.

٧. صفوان الجمال.

وغيرهم (١) ممّن يطول بذكرهم الكتاب.

وقال في باب النّص على الرضا عليه‌السلام منه :

فمن روي النّص على الرضا علي بن موسى عليه‌السلام بإمامته من أبيه ، والإشارة عنه بذلك من خاصته وثقاته ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته :

١. داود بن كثير الرقي.

٢. محمّد بن إسحاق بن عمار.

٣. علي بن يقطين.

٤. نعيم القابوسي.

٥. الحسين بن مختار.

٦. زياد بن مروان.

٧. المخزومي. (٢)

٨. داود بن سليمان.

٩. نضر بن قابوس.

١٠. داود بن زربي.

١١. يزيد بن سليط.

١٢. محمّد بن سنان. (٣)

__________________

(١) ومن جملة هذا الغير ، منصور بن حازم ، وعيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن أمير المؤمنين وطاهر بن محمّد وإسحاق وعلى ابنا الإمام الصّادق عليه‌السلام ، يظهر من كتاب الإرشاد : ٢٩٠ ، ٢٨٩.

(٢) الظاهر اسمه : عبد الله بن الحارث بقرينة رواية ، العيون.

فإنّ الشّيخ المفيد والشّيخ الكليني رحمه‌الله وإن لم يذكروا إسمه إلّا أنّ الصدوق رحمه‌الله صرّح به في عيونه. وهذا المخزومي يروي عن محمّد بن الفضيل كما في الإرشاد : ٣٠٦.

(٣) ومن جملة هذا الغير ، منصور بن حازم ، وعيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن أمير المؤمنين وطاهر بن محمّد وإسحاق وعلى ابنا الإمام الصّادق عليه‌السلام ، يظهر من كتاب الإرشاد : ٢٩٠ ، ٢٨٩.


أقول : إنّ توثيقه عبد الرحمن بن حجاج ، وفيض بن المختار ، وسليمان بن خالد ، وصفوان ومحمّد بن إسحاق وابن يقطين ونضر بن قابوس ، وغيرهم ، تأكيد لا ثمرة له ، فإنّهم ثقات أو ممدوحون بتوثيق غيره أو مدحه ، كما أنّ توثيقه معارض بجرح غيره في المفضل وداود الرقي وزياد بن مروان ، ومحمّد بن سنان (١) فاثر توثيقه يظهر في الحسين بن المختار ومعاذ ونعيم والمخزومي وداود بن سليمان ويزيد بن سليط ، ولا بدّ من الاحتياط لما مرّ. والظاهر أنّ نظره رحمه‌الله في توثيقاته العامّة وسيع ، كما ذكره بعض آخر أيضا على ما يأتي ، فلو لم يعتن الباحث بتلك التّوثيقات المذكورة في رسالته العدديّة والإرشاد (٢) بمقتضى الجملة الذهبية : انظر إلى ما قيل ولا تنظر إلى من قال ، لم يكن عندي بملوم ، والله العالم.

ثمّ إنّ هنا أشخاصا آخرين يجب أو ينبغي الاحتياط في رواياتهم ، كحسين بن علوان من جهة إجمال كلام النجّاشي حوله وعبد الكريم الخثعمي ، لتعارض كلام الشّيخ والنجّاشي في حقّه وغيرهما ، والله العالم.

__________________

(١) بل قال نفسه في رسالته العدديّة ، المسمى ب : جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية : ٢٠ ، المطبوعة سنة ١٤١٣ ه‍ بمطبعة مهر ، في مقام ردّ خبر حذيفة بن منصور : في طريقه محمّد بن سنان ، وهو مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه ، وما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين.

أقول : فانظر إلى تناقض كلاميه ، ثمّ اقض ، هل يجوز لنا الاعتماد على توثيقه هذا؟

(٢) الإرشاد : ٣٠٤.


البحث الثالث والعشرون

في حال المكنين بأبي بصير

وفيه مطالب :

الأوّل : ليث بن البختري المرادي يكنّي بأبي بصير بلاشك ، وكنّاه الشّيخ في رجاله بأبي يحيى. وكنّاه النجّاشي بأبي محمّد (١) ، وقال : قيل أبو بصير الأصغر ، لم يوثّقه الشّيخ والنجّاشي في كتبهما الثّلاثة.

وأمّا الكشّي ، ففي كتابه الواصل إلينا قال : اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة ... ثمّ عدّ منهم أبا بصير الأسدي ، ثمّ نقل عن بعضهم مكان أبي بصير الأسدي ، أبا بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري.

أقول : وحيث إنّ هذا البعض غير معلوم الوثاقة ، فلا يجدي كلامه في حقّ المرادي توثيقه. فتوثيق بعض الرجاليّين إيّاه نظرا إلى هذا الكلام ضعيف. وإن كان قوله بملاحظة الرّوايات هو الحقّ.

ونقل العلّامة قدس‌سره عن ابن الغضائري أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام يتضجر به ويتبرّم ، وأصحابه مختلفون في شأنه. وعندي أن الطّعن إنّما وقع على دينه (٢) لا على حديثه وهو عندي ثقة ...

__________________

(١) كذا كنّاه العلّامة ونقله عن ابن الغضائري أيضا ، فما ذكره المامقاني في هامش كتابه غير متين ، فإنّه أنكر أن يكون أبو محمّد كنية لليث.

(٢) الحديثان المعتبران الآتيان يدلّان على كذب هذا الكلام ، وإنّ المترجم أجلّ شأنا من أن يقع الطعن على


أقول : يظهر منه وثاقة الرجل في حديثه ، لكن سيأتي في ما بعد أن كتاب ابن الغضائري لم يحرز سنده وإن كان مؤلّفه ممدوحا ، وبالجملة جميع ما ينقل عن ابن الغضائري من كتابه مرسل غير معتبر كما مرّ ، على أنّ ابن الغضائري لم يسند تبرّم الصّادق عليه‌السلام ، بل أرسله وهو غير حجّة ، فالرجاليّون الّذين يعتبر قولهم في حقّ مثل هذا الرجل لم يوثقوه ، وهو شيء عجيب ، نعم وثّقه العلّامة ردّا على ابن الغضائري (١) ، ووثّقه من تأخّر عنه ، لكن توثيقاتهم غير حجّة ؛ لأنّها ناشئة عن الحدّس دون الحس.

هذا وقد ورد في حقّ الرجل روايات ، فلا بدّ من لفت النظر إليها لتحقيق الحال ، ولكن ما يعتبر منها سندا ، ويفهم وروده في حقّ ليث دلالة روايتان.

١. صحيح جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

بشّر المخبتين بالجنّة : بريد بن معاوية العجلي ، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمّد بن مسلم وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلآء انقطعت آثار النبوّة واندرست. (٢)

٢. صحيح سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله يقول :

ما أجد أحدا (٣) أحيي ذكرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي (٤) ، ولو لا هؤلآء ما كان أحد يستنبط هذا.

هؤلآء حفّاظ الدّين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السّابقون إلينا في الدنيا والسّابقون إلينا في الآخرة. (٥)

وهذان الخبران يدلّان على مرتبة عظيمة للرجل فوق مرتبة الوثاقة بمراتب كثيرة ، بل فوق مرتبة العدالة أيضا ، ويؤيدهما جملة من الرّوايات المادحة الاخرى بأسناد ضعيفة (٦) ، ولم يقدح

__________________

دينه ، بل يمكن أن نجعل هذا الكلام دليلا على بطلان نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري. وعلى كلّ لم يصحّ شيء من الاخبار الذامة الواردة في حقّه ، بل بعضها ضعيفة دلالة وسندا وبعضها غير وارد في حقّه.

(١) خلاصة الأقوال : ١٢٦.

(٢) رجال الكشي : ١٥٢.

(٣) ما أحد ـ خ.

(٤) ويظهر من المعجم أنّه وقع في أسانيد قريب من ٢٠٠ رواية بعناوينه المختلفة ، فلم تصل جميع رواياته إلينا.

فإنّ نقل هذه الكمية بملاحظة الروايتين المذكورتين ، قليلة.

(٥) رجال الكشي : ١٢٤ و ١٢٥. والعجب أنّ أحاديث ليث لم تصل كلّها إلينا فإنّ ما روي عنه في الكتب الأربعة يبلغ زهاء ستين حديثا ، ولم أتفحص عن أحاديثه في غير الكتب الأربعة ، نعم المكّنى بأبي بصير وقع في أسانيد ٢٥٠٠ رواية ، كما في معجم الرجال ، وهي كلّا أو قسما مشتركة بين ليث ويحيي.

(٦) انظر : معجم الرجال : ١٥ ، ترجمة ليث ، الطبعة الخامسة.


في الرجل أحد من الرجاليّين ، فما أقبح كلام صاحب قاموس الرجال ، وهو :

وأمّا حاله فالظاهر حسنه. (١)

فإنّ الظّاهر أنّ حاله فوق مرتبة العدالة والوثاقة ، ولا ينال مرتبته إلّا الأوحدي من الناس ، رزقناها الله تعالى بمحض فضله وجوده.

الثّاني : يحيى بن (أبي) القاسم الأسدي.

قال النجّاشي في أوّل حرف الياء :

يحيى بن القاسم أبو بصير الأسدي ، وقيل أبو محمّد ثقة وجيه ، روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيل (٢) يحيى بن أبي القاسم ، واسم أبي القاسم إسحاق ، وروي عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام له كتاب يوم وليلة أخبرنا ... حدّثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير بكتابه. ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة. (٣)

وروي الكشّي عن محمّد بن مسعود قال :

سألت علي بن الحسن بن فضّال عن أبي بصير؟ فقال : كان اسمه يحيى بن أبي القاسم. فقال : أبو بصير كان يكّني أبا محمّد ، وكان مولى لبني أسد ، وكان مكفوفا فسألته هل يتّهم بالغلو؟ فقال : أما الغلو فلا ، لم يتّهم ، ولكن كان مخلطا. (٤)

أقول : فقد ثبت بهذا الطّريق المعتبر تخليطه لكنّه مجمل ولا يسري إجماله إلى توثيق النجّاشي ، فلا بدّ من الأخذ به إذ لم يضعفّه أحد من الّذين يعتبر قوله في حقّ مثل الرجل.

وفي معجم الرجال :

التخليط معناه أن يروي الرجل ما يعرف وما ينكر ، فلعلّ بعض روايات أبي بصير منكرة عند ابن فضّال ، مع أنّه بنفسه مخلط لكونه فطحيا. وممّا يدلّ على أنّ تخليطه هذا غير راجع إلى دينه وحديثه ، نقل الكشّي اجتماع العصابة على تصديقه مع أنّه هو الّذي نقل كلام ابن فضّال إلينا ، وكذا وثّقه النجّاشي مع اطلاعه على ذاك الكلام.

نعم ، يشكل الأمر في سؤال العياشي عن اتهام غلوّه فإنّ أبا بصير لو كان ثقة

__________________

(١) قاموس الرجال : ٧ / ٤٥٥.

(٢) إشارة إلى كلام الشّيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه‌السلام كما سننقله.

(٣) تاريخ موته يثبت بطلان كونه واقفيا ؛ لأنّ الوقف ظهر بعد فوت الكاظم عليه‌السلام لا قبله ، وإنّما الواقفي هو يحيى الحذاء دون أبي بصير ، لكن الأمر اشتبه على العلّامة الحلّي ، فزعم أن يحيى أبا بصير واقفي ، فلاحظ كلامه في الفصل (٢٦) في الباب (١) من رجاله : ٢٦٤ ، وإليه ذهب الشّهيد في محكي نكاح مسالكه ، فذكر في حقّه أنّه واقفي ضعيف مخلط ، وهذا من مثله عجيب ، وإن نقل عن المدارك قبوله.

(٤) رجال الكشي : ١٥٤ ـ ١٥٥.


ومنقادا إجماعا لم يسأل العياشي هذا السّؤال ، اللهم إلّا أن يقال : إنّه عن اتّهامه بالغلوّ لا عن نفس الغلو. (١)

لكنّه يضعّف إجماع الكشّي في الجملة فافهم.

وقال الشّيخ في فهرسته (٢) :

يحيى بن القاسم يكّنى أبا بصير له كتاب مناسك الحجّ ، رواه على بن أبي حمزة والحسين بن أبي العلاء عنه.

وقال في رجاله (٣) في أصحاب الباقر عليه‌السلام :

يحيى بن أبي القاسم يكّني أبا بصير مكفوف ، واسم أبي القاسم إسحاق. وقال في أصحاب الصّادق عليه‌السلام يحيى بن القاسم أبو محمّد يعرف بأبي نصير (بصير خ كما قيل) الأسدي مولاهم كوفي تابعي مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

وقال في أصحاب الكاظم عليه‌السلام : يحيى بن أبي القاسم يكنى أبا بصير (٥).

ومن تأمّل في رجال الشّيخ يطمئن بوقوع الاشتباه في كلامه في أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، إمّا منه أو من النسّاخ في ذكر حرف : (نون) مكان حرف : (ب) في كلمة : نصير.

والأصح : أنّ اسم والد أبي بصير ، هو أبو القاسم لتصريح الشّيخ به. والعمدة الّتي ترجّح قوله على قول النجّاشي ، وعلى قول نفسه في الفهرست ، وفي الرجال في باب أصحاب الصّادق عليه‌السلام هو ذكر ابن فضّال ذلك فلاحظ. (٦)

هذا ما يتعلّق بكلام الشّيخ والنجّاشي وغيرهما ، وأمّا الكشّي ، فقد عرفت أنّه نقل اجتماع العصابة على تصديقه ولا ينافيه قول بعضهم المرادي مكانه ، فإنّ الأكثر على تصديق الأسدي فيكون صادقا.

وأمّا ما ذكره الفاضل المامقاني رحمه‌الله في جواب الشّهيد الثّاني بأنّ الأسدي الّذي اجتمع

__________________

(١) أو يقال أنّ الغلو المذكور لم يناف الوثاقة ، أو أن العياشي إنّما سأل عنه في حال تلمذه.

(٢) فهرست الطوسي : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٣) رجال الطوسي : ١٤٠.

(٤) المصدر : ٣٣٣.

(٥) المصدر : ٣٦٤. هكذا في نسختنا المطبوعة في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ، لكن الظاهر من رجال المامقاني ، وقاموس الرجال : ٩ / ٣٨٣ ، عدم هذا العنوان في أصحاب الكاظم عليه‌السلام فإنّهما نقلا عن الشّيخ في أصحاب الكاظم عليه‌السلام يحيى بن القاسم الحذاء واقفي. وفي نسختي من رجال الشّيخ ذكر هذا العنوان قبل العنوان الّذي ذكرنا في المتن بعنوان واحد ، فتدبّر.

(٦) وكذا حديث الصدوق ، الفقيه : ج ٤ ، باب ما يجب من إحياء القصاص : ٤٢١.


العصابة على تصديقه ليس هو يحيى ، بل هو عبد الله بن محمّد الأسدي مرسلا له إرسال المسلّمات ، فهو تحكم وإن سبقه القهباني رحمه‌الله أيضا كما قيل ، بل الظّاهر ، وهو المنقول عن الباحثين أنّه يحيى بن أبي القاسم كما ذكره الشّهيد الثاني قدس‌سره للإنصراف ، فإنّ عبد الله بن محمّد الأسدي المذكور إن ثبت وجوده فهو غير مشهور ، بحيث ينصرف إليه إطلاق كنية أبي بصير ، بل لا يوجب تردّد اللفظ بينه وبين يحيى ، إذ لفطة أبي بصير الأسدي ينصرف إلى يحيى ، والمناقشة فيه خلاف الانصاف.

إذا عرفت هذا ، فلا بدّ من لفت النظر إلى الرّوايات الواردة في حقّ الرجل بعد الإعراض عمّا في سنده من ضعف أو يكون الرّاوي عن الإمام هو نفسه ، فإنّ مدح أحد لا يثبت بقوله ، أو تكون الرّواية غير دالّة على مدح وذم. (١)

١. صحيح شعيب العقرقوفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ربّما احتجنا أن نسأل عن الشّيء فمن نسأل؟ قال : «عليك بالأسدي». يعني : أبا بصير الرقم ٢٩١.

٢. صحيحه الآخر عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة تزوّجت ولها زوج فظهر عليها قال : «ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط ؛ لأنّه لم يسأل». قال شعيب فدخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقلت له : أمرأة تزوّجت ولها زوج؟ قال : «ترجم المرأة ، ولا شيء على الرجل» فلقيت أبا بصير ، فقلت له : إنّي سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة الّتي تزوّجت ، ولها زوج قال : «ترجم المرأة ، ولا شيء على الرجل». قال : فمسح صدره ، وقال : ما أظنّ صاحبنا تناهى حكمه بعد. (٢)

أقول : الظاهر أنّ أبا بصير هو المكفوف الأسدي دون المرادي وغيره ؛ لأنّ شعيب هذا ابن اخته ـ أي : أخت يحيى بن القاسم ـ كما صرّح به النجّاشي في ترجمة شعيب (٣) ، فتأمّل.

على أنّ إدراك ليث للكاظم عليه‌السلام غير ثابت خلافا للشيخ في رجاله إذ لم يوجد رواية له عن الكاظم عليه‌السلام وهذا هو الظاهر من النجّاشي أيضا.

ثمّ الرّواية لا تدلّ على فساد في حديثه وصدقه ، بل تدلّ على أنّه ظنّ بالإمام الظّن السوء ، إلّا أن يقال : إنّ إنكار علم الإمام في المسائل الفرعيّة إنكار لإمامته في الحقيقة ؛ إذ لا يكون الشّخص إماما حتّى يعلم ما يحتاج إليه الامة من الحلال والحرام.

__________________

(١) انظر : رجال الكشّي : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، ١٧٥ ، ٢٠٤.

(٢) رجال الكشي : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، برقم : ٢٩٢.

(٣) فهرس النجاشي : ١٤٧.


ومثل هذا الاشتراط لم يكن خفيا عند الشّيعة حتّى في تلك الأعصار ـ فتأمّل فيه ـ والحقّ أنّه غير راجع إلى إنكار الإمامة.

هذا ولكن لا يحتمل احتمالا عقلائيّا أنّ أبا بصير بقي على حاله وإنكار كمال علم الإمام عليه‌السلام ، وإلّا لاشتهر وذاع ، فالظّاهر أنّه رجع عن اعتقاده هذا ، على أنّ الالتزام بما في الرّواية غير ممكن بالقياس إلى القواعد ؛ إذ لا معنى لضرب الرّجل لعدم صدور ما يوجبه منه فإنّ السّؤال غير لازم في الشّبهات الموضوعيّة.

على أنّ الكشّي لا يروي عن حمدان مباشرة ، بل يروي عنه بواسطة محمّد بن مسعود ، برقم : ١٠٧٤ ، ٤٢١ ، ٨٣٢ ، ٤٦٨ ، ٧٤٧ و ١٠٦٤.

وقد يروي عنه بلا واسطة كما في رقم : ٧٥٧ ، ٢٩٢ ، فيمكن حمل الأخير على التعليق أو الإرسال ، فالرواية مرسلة غير حجّة ، فتدبر.

وبالجملة : بعد ما عرفت من حسن حاله يلزم حمل هذا الخبر على محمل صحيح على أنّا لا ننظر إلى اعتقاد الرجل كلّ النظر ، بل إلى وثاقته وصدقه في أداء الحديث ، وهذه الرّواية لا إشارة فيها إلى كذبه وعدم وثاقته ، فالحقّ وجوب قبول خبره كما في سابقه.

٣. صحيحة ثالثة لشعيب رواها الشّيخ عنه قال :

سألت أبا الحسن عن رجل تزوّج امرأة لها زوج؟ قال : «يفرّق بينهما». فقلت : فعليه ضرب؟ قال : «لا ما له يضرب؟». فخرجت من عنده ، وأبو بصير بحيال الميزاب فأخبرته بالمسألة ، والجواب. فقال : أين أنا؟ قلت : بحيال الميزاب. قال : فرفع يده ، وقال : وربّ هذا البيت أو ربّ هذه الكعبة لسمعت جعفرا عليه‌السلام يقول : «إنّ عليّا عليه‌السلام قضى في الرّجل تزوّج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحدّ». ثمّ قال : «لو علمت إنّك عملت لفضخت رأسك بالحجارة». ثمّ قال : «ما أخوفني أن لا يكون أوتي علمه.» (١)

أقول : يجري فيها بعض ما أجبنا عن سابقتها على أنّ بينها وبين سابقتها اختلافا ، وقد وردتا في قضية واحدة. وهو يضعّف الاعتماد عليهما ، وقد يقال أنّ المراد بأبي بصير فيها ، هو : ليث المرادي ، لسند ضعيف آخر ذكر فيه صف المرادي ، لكّنه لا اعتبار به.

٤. صحيحة مثنى الحنّاط عن أبي بصير (٢) قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقلت له : أنتم ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت الشّمس والسماء والأرض والبيوت

__________________

(١) التهذيب : ١٠ ، باب حدود الزنا ، ح : ٧٦.

(٢) أصول الكافي ، باب : مولد الباقر عليه‌السلام.


وكلّ شيء في البلد. ثمّ قال لي : «أتحبّ أن تكون هكذا ، ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ، ولك الجنّة خالصا؟. قلت : أعود كما كنت ، فمسح على عيني فعدت كما كنت ، قال : فحدثت ابن أبي عمير بهذا ، فقال : أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ.

أقول : هذا المدح العظيم لا ينفع توثيق أبي بصير فإنّه هو الناقل ، بل لو رجع الضمير في الفعل الماضي : قال فحدّثت إلى غير أبي بصير من بعض رواة الحديث ، لا نقبل قول ابن أبي عمير حتّى إذا أراد تصديق أبي بصير دون قدرة الإمام على إتيان خوارق العادات ، فإنّه مرسل ، ولم يذكر وجه قبوله للحديث المذكور وأنّه حسّي أو حدسي ، على أنّ مثني الحنّاط مشترك وفي تمييزه كلام.

٥. صحيحة محمّد بن مسلم ـ كما في الكافي والتهذيب ـ صلّي بنا أبو بصير في طريق مكّة ... وهذا يدلّ على عدالة أبي بصير ، لكن لم يعلم المراد من أبي بصير وأنّه هل الأسدي كما يدّعيه السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله بدعوى انصراف الكنية إليه أو المرادي كما يدّعيه المامقاني رحمه‌الله ولا يبعد ترجيح قول الأستاذ ، ولاحظ : شواهده في معجمه. (١)

الثالث : عبد الله بن محمّد الأسدي كوفي يكّني أبا بصير ذكره الشّيخ في رجاله (٢) ، وعنونه الكشّي أيضا بقوله : أبو بصير عبد الله بن محمّد الأسدي ، ثمّ نقل رواية مسندة عن عبد الله بن وضاح عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسألة في القرآن ... (٣) وللفاضل المامقاني اشتباهات في ترجمة الرجل تظهر للمراجع المتدبّر.

أقول : رواية الكشّي لم تثبت كونها عن عبد الله بن محمّد الأسدي ، ولعلّها من يحيى ، بل هو الظاهر. فإنّ النجّاشي قال في ترجمة عبد الله بن وضاح :

أنّه صاحب أبا بصير يحيى بن القاسم كثيرا وعرف به ، له كتب يعرف منها كتاب الصلاة أكثره عن أبي بصير ... (٤)

__________________

(١) انظر : معجم رجال الحديث : ٢٠.

(٢) رجال الطوسي : ١٢٩.

(٣) رجال الكشي : ١٢٩.

(٤) فهرست النجاشي : ١٥٩ ، بل نفس الرّواية المذكورة لا تخلو عن إشعار ما يكون أبي بصير هو يحيى دون عبد الله إذ في آخرها : فقال ـ أي أبو عبد الله عليه‌السلام ـ يا أبا محمّد ليس لكم ويحيى هو المكني بابي محمّد دون عبد الله ... بناء على انصراف الكنية المذكورة إلى الأسدي دون المرادي.


وصاحب قاموس الرجال (١) أنكر وجود هذا الرجل ، وحكم بتحريف نسخة رجال الكشي ، وخطّأ الشّيخ أيضا ، وقال أنّه اغترّ بالنسخ المحرفة والمغلوطة من الكشّي ، وله كلام طويل غير نافع.

والحقّ أنّه لا دليل على تخطئة الشّيخ الطوسي قدس‌سره ، وجزم صاحب القاموس رحمه‌الله بها في غير محلّه ، وربّما يظهر من بعض الرجاليّين اتّحاده مع عبد الله بن محمّد الأسدي الحجال وأطال كلامه في ذكر القرائن غير أنّه واضح الفساد.

فإنّ المعنون من أصحاب الباقر عليه‌السلام والحجال من أصحاب الرضا عليه‌السلام كما صرّح بهما الشّيخ قدس‌سره.

ثمّ إنّ الرجل مجهول لم يرد فيه مدح ولا ذمّ ، ولكن جهالته لا تضرّ باعتبار الرّوايات المعتبرة سندا إلى أبي بصير وإن لم يفهم كونه مراديّا أو أسديّا (يحيي) ؛ وذلك لانصراف الكنية المذكورة إليهما دون عبد الله كما لا يخفى.

الرابع : يوسف بن الحارث ، قال الشّيخ في رجاله (٢) في أصحاب الباقر عليه‌السلام يوسف بن الحارث بتري يكني أبا بصير وفي النسخة المطبوعة من رجال الكشي (٣) : وأبو بصير بن يوسف بن الحارث بتري (٤) وبين الكلامين خلاف ، فإنّ الشّيخ كنّي يوسف بأبي بصير والكشّي جعل أبا بصير ابن يوسف ، وأمّا احتمال التّعدّد ، فهو مرجوح غايته ، لكن قيل (٥) إنّ في الكشّي هكذا : وأبو نصر بن يوسف بن الحارث بتري. واشتبه الأمر على الشّيخ فقرأ أبا بصير مبدّلا النون بالباء الموحدة ومزيدا للياء المثناة بعد الصاد ، وحذف كلمة الابن فعدّه من أصحاب الباقر ، فأبو بصير يوسف بن الحارث لا وجود له في الأسانيد ، ولا في الرجال.

وعن المحدّث الحر في هامش وسائله : محمّد بن أحمد بن يحيى يروي تارة ، وعن يوسف بن الحارث وعن أبي بصير يوسف بن الحارث تارة أخرى ، وهما واحد.

__________________

(١) قاموس الرجال : ٦ / ١١٩.

(٢) رجال الطوسي : ١٤١.

(٣) رجال الكشي : ٣٣٤.

(٤) يقال : إنّ جماعة من الزيديّة دخلوا على أبي جعفر عليه‌السلام ، وكان عنده زيد بن علي ، فأظهروا عقائدهم فقال لهم زيد : بترتم أمرنا بتركم الله. فسمّوا بتريّة.

(٥) قيل : أوّل من جري على الانكار الفاضل عناية الله القهباني ، فإنّه بعد ذكره أبا نصر بن يوسف ، قال : هكذا في نسخ الكتاب عندنا بأجمعها ، وهي متعدّدة مصحّحة وغير مصحّحة واشتبه على الشّيخ رحمه‌الله ... فقرأ أبو بصير يوسف بن الحرث. الخ.

أقول : نقله اتفاق النسخ المتعدّدة المذكورة على ما ذكره يوهن ما في النسخة المطبوعة عندنا.


وقد ذكر الشّيخ في كتاب الرجال : أنّ أبا بصير يوسف بن الحارث من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، والّذي يظهر من الأسانيد ، ومن كتب الرجال أنّه من أصحاب أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، وإنّ الشّيخ قد اشتبه أبو جعفر الثّاني بالأوّل انتهى.

وعن الوحيد رحمه‌الله : وقد اتّفق ذلك من الشّيخ رحمه‌الله في غير موضع.

أقول : المحدّث الحروان خطّأ الشّيخ في عدّ الرجل من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، لكنّه وافقه على كونه ـ أي : كون يوسف ـ هو المكّني بأبي بصير لا ابنه ، ولا أنّ الكنية أبو نصر كما اعترض جمع على الشّيخ.

ويقول صاحب القاموس :

لم نقف على رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي بصير يوسف. (١)

وقال : لم ينقله جامع الرّواة الّذي هذا فنّه (٢) ، بل يروي أبدا عن يوسف بن الحرث بدون كنية أبي بصير ، كما في زيادات كيفية صلاة التهذيب (٣) وأحكام فوائت صلاته وحدود لواطه (٤) ودية عين أعوره (٥). وقال أيضا : وأمّا ما ادّعاه القهباني من أنّ الكشّي قال ... أبو نصر بن يوسف بن الحرث ، فمن تحريف نسخته ، ولولاه لعنونه الخلاصة وابن داود لالتزامهما بعنوان مثل الكشّي ، والّذي وجدت في أصل الكشّي أبو بصير بن يوسف الحارث. والظّاهر زيادة كلمة ـ بن ـ بدليل نسبة ابن داود يوسف بن الحرث أبا بصير إلى الكشّي كما نسبه إلى رجال الشّيخ.

ثمّ إنّ هذا الفاضل المتتبّع ذكر ما اعتقده بعنوان التحقيق ، وحاصله إنحصار أبي بصير في ليث ويحيى وعدم اطلاقه على عبد الله ويوسف هذا وعدم كونه من أصحاب الباقر عليه‌السلام. ثمّ بنى على ضعف يوسف بن الحارث تبعا للفاضل المامقاني لاستثناء ابن الوليد وابن بابويه وابن نوح له من رجال نوادر الحكمة.

أقول : بعد تطابق كلام الشّيخ مع النسخة المطبوعة من رجال الكشّي في الكنية وتصديق صاحب الوسائل على ما نسب إليه بل وإن فرضنا اختلاف نسخ الكشّي وعدم ثبوت دعوى

__________________

(١) قاموس الرجال : ٩ / ٤٧٤.

(٢) انظر : معجم رجال الحديث : ١٥ / ٤٦ ، فإنّ فيها ما ينفع المقام.

(٣) التهذيب : ٢ / ٣١٣ ، الطبعة الحديثة.

(٤) المصدر : ٩ / ٥٢.

(٥) المصدر : ٢٧٥.


صاحب الوسائل. ليس لنا دليل نجزم بخطأ الشّيخ ، والاحتمال لا يوجب الإيراد كما هو ظاهر. وما ذكره صاحب قاموس الرجال من تحقيقه الّذي لم نذكره دعوى فارغة من الدليل فلا يقام له وزن.

وعليه فلا مانع من أن يكون يوسف الّذي يروي عنه محمّد بن أحمد واستثنوه من رجال نوادر الحكمة غير يوسف المبحوث عنه هنا ، ثمّ يبقي الاختلاف بين كلام الشّيخ والكشّي في المكّني ، وأنّه يوسف أو ابنه الّذي يكون اسمه مجهولا ، ومن جعل كلمة الابن زائدة في كلام الكشّي ، ورجّح عليه كلام الشّيخ ، لم يكن مجازفا ، فتأمّل.

ثمّ إنّ الرجل ـ على فرض وجوده ـ مجهول ، ولكن مع ذلك لا يوجب التوقف في الرّوايات المروّية عن أبي بصير حتّى على فرض وحدة الطبقة ، فإنّه منصرف إلى أحد الأوّلين الثّقتين ، بل لعلّه لم يوجد لعبد الله بن محمّد ويوسف رواية ، فكيف يتوقّف لأجل جهالتهما في الرّوايات الكثيرة المذكورة ، فافهم.

الخامس : قال الكشّي في ضمن نقل الرّوايات المادحة ليونس بن عبد الرحمن ، الرقم : ٩١٥ ، وروي عن أبي بصير حمّاد بن عبيد الله بن أسيد الهروي عن داود بن القاسم عن أبي هاشم الجعفري ، والإيراد عليه بخلو كتب الرجال عن ذكره وتكنّيه ، واه لأنّ عدم ذكر أحد إياه لا يوجب عدم وجوده وخطّأ الكشي. (١)

وحيث إنّه ليس في طبقة ليث ويحيى ، فلا يضرّ جهالته بصحّة الرّوايات المرويّة عن أبي بصير.

ثمّ إنّ المكفوف هو يحيى ، وأمّا ليث فلم يثبت كونه مكفوفا ، وربّما يستشمّ من بعض الرّوايات أنّه أيضا مكفوف ، بل يظهر من بعضها أنّ يحيى غير مكفوف ، لكن الأظهر ما قلنا مع عدم ثمرة فيه.

هذا ما أردنا ذكره في المكنّين بأبي بصير ، وإنّي أرجو من الله تعالى أن يسلّم البحث من الخلط والغلط ؛ إذ قلّ من تعرّض للمقام ولم يشتبه في جملة من النواحي ، أو في بعضها ولعلّه لا يوجد باحث لم يرتكب السهو والاشتباه في المقام.

__________________

(١) المورد هو الفاضل المامقاني في ترجمة حمّاد في المجلد الأوّل من كتابه.


البحث الرابع والعشرون

في وثاقة المعلّى بن خنيس

قال النجّاشي في حقّه : مولى جعفر بن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قبله كان مولى بني أسد كوفي بزّاز ضعيف جدّا لا يعوّل عليه ، له كتاب يرويه جماعة .... (١)

وعن ابن الغضائري : أنّه كان مغيريا ثمّ دعى إلى محمّد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكيّة ، وفي هذه الظّنة أخذه داود بن علي فقتله ، والغلاة يضيفون إليه كثيرا ، ولا أري الاعتماد على شيء من حديثه.

وذكره الشّيخ الطوسي قدس‌سره في ضمن المحمودين ، وقال :

وكان من قوّام أبي عبد الله عليه‌السلام ، وإنّما قتله داود بن علي بسببه ، وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه وأمره مشهور. (٢)

أقول : الحقّ ما عليه الشّيخ من حسن حاله ، وقبول رواياته ، وإن كنّا نزعم سابقا ضعفه ؛ وذلك للروايات الدّالة على ذلك ، وإليك ما هو المعتبر سندا :

١. صحيح إسماعيل بن جابر قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام مجاورا بمكّة ... فانّصرفت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فلما رآني قال لي : «يا إسماعيل ، قتل المعلّى بن خنيس؟» فقلت : نعم. فقال : «أمّا والله لقد دخل الجنّة». (٣)

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٢٧.

(٢) الغيبة : ٢١ ، المطبوعة في النجف سنة ١٣٨٥ ه‍.

(٣) رجال الكشي : ٣٢٣.


٢. موثّقة إسماعيل (١) : لما قدم أبو إسحاق ـ يريد به الصّادق عليه‌السلام ـ من مكّة فذكر له قتل المعلّى بن خنيس ، قال : فقام مغضبا يجرّ ثوبه فقال له إسماعيل ابنه : يا أبت ، أين تذهب؟ فقال : لو كانت نازلة لقدمت عليها ، فجاء حتّى قدم على داود بن علي ، فقال له :

يا داود لقد أتيت ذنبا لا يغفره الله لك. قال : وما ذلك الذّنب؟ قال : قتلت رجلا من أهل الجنّة.

ثمّ مكث ساعة ، قال : إن شاء الله .... (٢)

٣. صحيح الوليد بن صبيح قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام يدّعى على المعلّى بن خنيس دينا عليه ، وقال : ذهب بحقّي. فقال له أبو عبد الله : «ذهب بحقّك الّذي قتله».

ثمّ قال للوليد : «قم إلى الرجل فاقضه من حقّه ، فإنّي اريد أن أبرد عليه جلده الّذي كان باردا». (٣)

٤. صحيح آخر له ... فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «رحم الله المعلّى بن خنيس ..» ثمّ قال : «افّ للدنيا! إنّما الدنيا دار بلاء يسلّط الله فيها عدوّه على وليّه ...». (٤)

أقول : يمكن المناقشة في الرّواية الاولى بأنّ دخول المعلّى الجنة لأجل شهادته ، وكذا في الثالثة لاحتمال استناد بردّ جلده إلى شهادته لا إلى عدالته ، فلا تدلّان على مدحه في حياته.

كما أنّ غضب الإمام وإقدامه على النازلة على ما في الرّواية الثانية ، يمكن أن يكون لما يرجع إلى شخصه من الإهانة الحاصلة من قتل وكيله ، لكن ذيل الرّوايه الثانية ظاهر ظهورا قويا في حسن حاله ، بل جلالته قبل شهادته وأنّ استحقاقه للجنّة من غير جهة شهادته ، كما أنّ الرّواية الرابعة أيضا لها ظهور في مدحه وجلالته مع قطع النظر عن قتله في سبيل إمامه ومذهبه.

وأمّا الرّوايات الذامّة له ، فعلى تقدير سلامة أسنادها لا تنفي وثاقته وصداقته ، فإنّ إذاعة الأسرار وأكل ذبائح اليهود اجتهادا لا يستلزم كذبه في المقال بوجه.

نعم ، في رواية البقباق إنّه قال الأوصياء أنبياء في مقابل قول عبد الله بن أبي يعفور أنّهم علماء أبرار أتقياء ، فدخلا على الصّادق عليه‌السلام فخاطب عبد الله ابتداء بقوله عليه‌السلام : يا «عبد الله أبرء ممّن قال إنّا أنبياء».

__________________

(١) على وجه في وثاقة إسماعيل.

(٢) المصدر : ٣٢٥.

(٣) وفي الكافي : فإنّي أريد أن يبرد عليه جلده ، وإن كان باردا».

(٤) روضة الكافي : ٣٠٤ ، الحديث : ٤٦٩.


أقول : الرّوايات المادحة تدلّ بالالتزام على أنّه رجع عن قوله الباطل ببراءة الصّادق عليه‌السلام ، عمّن قاله ، وهذا ظاهر ، فلا بأس بقبول رواياته.

فإنّ قلت : النجّاشي ضعّف المعلّى ، فكيف تقدّم الرّوايات على تضعيفه ، والحال أنّ وثاقة الرّواة استفيدت من توثيقه؟

فإنّ كان قول النجّاشي حجّة ، يقع التّعارض بين توثيقه لرواة هذه الرّوايات وتضعيفه للمعلّى ، وإن كان غير حجّة ، فلا تثبت صحّة الرّوايات المذكورة.

قلت : أوّلا : إنّ هذا يجري في الرّواية الرابعة ، حيث إنّ وثاقة الوليد بن صبيح لم تثبت إلّا بقول النجّاشي دون الرّواية الثانية ، فإنّ وثاقة رواتها ثبتت بتوثيق غير النجّاشي ، وإنّ وثّق هو بعضهم أيضا.

وثانيا : يمكن أن يقال إنّ متن الحديثين يقدّم على تضعيف النجّاشي ، فإنّه قرينة قويّة على اشتباهه في تضعيفه.

وفي الحقيقة لا تعارض بين تضعيفه للمعلّى وتوثيقه لنقلة الرّوايات المادحة له ، بل التعارض بينه وبين صحّة الحديث ، والثّانية مقدّم على الأوّل ، فافهم.

ولاحظ : البحث السابع عشر ، فإنّ المقام من صغرياته ، وقد ذكرنا هناك ما ينفع المقام.


البحث الخامس والعشرون

في انصراف الاسم المشترك إلى من له كتاب

ذكر السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله في مواضع من كتابه القيّم معجم رجال الحديث إنّ الاسم الفلاني وإن كان مشتركا بين اثنين مثلا ، لكنّه ينصرف إلى من له كتاب دون من لم يكن له كتاب. وعلّل ذلك بالكبري الّتي ذكرناها في هذا الكتاب من انصراف اللفظ المطلق إلى المشهور ، فإنّ من له الكتاب يصبح مشهورا بين الرّواة.

أقول : هذا القول على إطلاقه غير مقبول ؛ إذ قد يكون الكتاب صغيرا متضمّنا لروايات قليلة ، أو لم يروه عنه إلّا بعض الرّواة. وغير صاحب الكتاب له روايات كثيرة أو ذو مكانة كبيرة اجتماعيّة أو دينيّة يكون اسمه أشهر من اسم صاحب الكتاب ، فلا يحرز الشّهرة بمجرّد الكتاب ، إلّا إذا كان متداولا بين الرّواة ، بحيث أوجب شهرته عندهم.

ونؤكّد مرّة اخرى على أنّ الشّهرة الموجبة لانصراف اللفظ إلى مسمّاه المشهور ، إنّما هي إذا أحرز تحقّقها عند المستعملين ، لا في الأعصار المتأخرة.


البحث السادس والعشرون

في إيضاح بعض الأسانيد

الأوّل : قال العلّامة المجلسي رحمه‌الله في أوائل بحاره. (١)

وكلّ ما كان فيه : ابن البرقي عن أبيه عن جده ، فهو علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد.

أقول : على حسن ؛ لنقل الوحيد رحمه‌الله كثرة ترحّم الصّدوق عليه وترضيه عنه ، وقد سبق أنّها أمارة الحسن ، وأبوه أحمد مجهول ، فالسند غير معتبر.

وعن توحيد الصدوق ـ باب أنّه تعالى ليس بجسم ولا صورة ـ كما نقله في البحار ، هكذا :

علي بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن أحمد ، بزيادة كلمة محمّد بين عبد الله وأحمد ، ولعلّها زيدت سهوا. (٢)

ثمّ مقتضى ما مرّ ـ والظاهر من جملة من الكلمات أنّ عبد الله ـ هو ابن أحمد البرقي ، ويظهر من بعض الأسانيد أنّ عبد الله المذكور ، هو ابن بنت أحمد البرقي ، وعلى هذا يحتمل أنّ اسم أبيه محمّد ، لكن ليس محمّد ابن البرقي ، كما في السند المنقول عن توحيد الصدوق ، فإنّه غلط.

ويحتمل ـ أنّ اسم أبيه : أمية ، كما احتمله السّيد الأستاذ في معجمه ، وفيه بحث.

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ٥٢.

(٢) لم أجد هذا السند حين إصلاح الكتاب للطبعة الرابعة في بحار الأنوار في الباب المذكور ، والموجود فيه برقم : ٣٧ ، ج : ٣ / ٣٠٣ ، خال عن كلمة : محمّد.


الثّاني : روى الكليني في باب التّوبة ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسى بن القاسم ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن معاوية بن وهب. (١)

أقول : معاوية جدّ موسى القاسم دون الحسن بن راشد ، ففي السند محتملات :

١. أن يكون الحسن بن راشد جدّ موسى لأمّه.

٢. أن يكون كلمة : (عن جدّه) بعد كلمة (الحسن بن راشد) ، مع رجوع الضمير إلى موسى ، فوقعت قبلها غلطا.

٣. أن يكون كلمة : (الحسن بن راشد) زائدة في السند.

٤. أن يكون كلمة : (عن جدّه) زائدة.

٥. موسى بن القاسم محرف القاسم بن يحيى حفيد الحسن بن راشد.

تنبيه :

كنت أرى جهالة يحيى بن القاسم وجده الحسن بن راشد معا لحد الآن حتّى وقفت على كلام للصدوق رحمه‌الله في الفقيه (٢) : وقد أخرجت في كتاب الزيارات ، وفي كتاب مقتل الحسين عليه‌السلام أنواعا من الزيارات ، واخترت هذه الزيارة (المذكورة قبل هذه العبارة) لهذا الكتاب ؛ لأنّها أصحّ الزيارات عندي من طريق الرّواية ، وفيها بلاغ وكفاية.

انتهى في سندها القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد.

فكلاهما ثقة بتوثيق الصدوق.

ولاحظ : معجم الرجال. (٣)

ومنه يظهر اعتبار روايته الأربعمأة التي رواه الصدوق في خصاله وفرقها الحر العاملي في وسائله وكذا مؤلّف جامع الاحاديث في كتابه.

الثالث : في جملة من أسناد روايات الصدوق رحمه‌الله. عن ابن المغيرة عن جدّه عن جدّه.

أقول : المراد با بن المغيرة ، جعفر بن علي بن الحسن ، وعن الوحيد رحمه‌الله في التعليقة أنّ الصدوق يروي عنه مترضيا.

أقول : وقد وجدنا موارد لترضى الصدوق عنه ، وهذا علّامة حسنه ، كما ذكرنا سابقا. فافهم.

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٣٣٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٥٩٨ ، منشورات جماعة المدرّسين ، قم.

(٣) معجم رجال الحديث : ١٥ / ٦٨ ، الطبعة الخامسة.


والمراد بجدّه الأوّل : الحسن بن علي بن عبد الله البجلي ، الّذي كرّر النجّاشي في حقّه كلمة الثقة.

والمراد بجدّه الثاني : عبد الله بن المغيرة الّذي اجتمعت العصابة على تصديقه ، كما عن الكشّي.

وقد صرّح بذلك الصدوق في محكي أماليه ، فقال :

عن جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله ، عن جدّه الحسن ، عن جدّه عبد الله بن المغيرة ، كما عن البحار. (١)

الرابع : في جملة من الأسانيد : عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن زياد ...

فاستظهر سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله في معجمه أنّ محمّد بن زياد هذا ، محمّد بن الحسن بن زياد العطار الثقة.

لكن في من التهذيب (٢) : فأمّا ما روي الحسن بن سماعة ، عن محمّد بن زياد ومحمّد بن الحسن العطار ، عن هشام ... وهذا ظاهر في تعدّد مسمّى الأسمين ، ولم يأت السّيد الأستاذ في دفعه وجها مقنعا.

وفي الوسائل (٣) نقلا عن الكافي عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن زياد ، يعني ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان ... فيفهم منه أنّه ابن أبي عمير الثّقة الجليل ، لكن الجملة المذكورة ـ أي : يعني ابن أبي عمير ـ غير مذكورة في الكافي (٤) ، ولا يبعد أنّها تفسير اجتهادي من صاحب الوسائل ، كما فسّر في موارد أبا بصير بالمرادي.

وفي الوسائل (٥) نقلا عن الكافي (٦) : عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن محمّد بن زياد بن عيسى ...

فيحتمل أنه هو الرجل الجليل المشهور ، كما يظهر من الأستاذ في معجمه (٧) فلاحظ ما حقّقه قدس‌سره.

ويؤكّده فهم صاحب الوسائل أيضا.

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦٣ / ٤٣٢.

(٢) التهذيب : ٩ / ٣٩٥.

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ٥٨٦.

(٤) الكافي : ٧ / ١٥٦.

(٥) وسائل الشيعة : ١٥ ، ص ٢٧١.

(٦) الكافي : ٦ / ٥٦ نسخة الكامبيوتر.

(٧) معجم رجال الحديث : ١٥ / ٢٨٧ ، وما بعدها الطبعة الخامسة.


البحث السابع والعشرون

في ذكر بعض من هو كثير الرّواية أو متوسّطها

١. وقع إبراهيم بن هاشم في إسناد كثير من الرّوايات تبلغ ستّة آلاف وأربعمأة وأربعة عشر موردا ، ولا يوجد في الرّواة مثله في كثرة الرّواية سوى ابنه. (١)

٢. وقع أحمد بن أبي عبد الله في إسناد روايات تبلغ ٦٠٠ رواية ، ووقع بعنوان : أحمد بن أبي عبد الله البرقي في ٤٠ موردا ، وبعنوان : أحمد بن محمّد البرقي زهاء ٤٧ موردا ، وبعنوان : أحمد بن محمّد بن خالد زهاء ٨٣٠ موردا. (٢)

٣. وقع أحمد بن محمّد بن عيسى بهذا العنوان : في إسناد كثير من الرّوايات زهاء ٢٢٩٠ موردا. (٣)

٤. وقع جميل في إسناد ٥٧٠ رواية ، وما روي عن المعصوم ـ الباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام ـ زهاء ٢٩٣ موردا.

لكنّه لا يروي عن الباقر عليه‌السلام مباشرة.

٥. عن ابن داود ان يعقوب بن شعيب الميثمي الثّقة روي عن الصّادق عليه‌السلام خمسة آلاف حديث. (٤)

٦. وقع علي بن إبراهيم بن هاشم في إسناد كثير من الرّوايات تبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين موردا وما رواه ، عن أبيه تبلغ ستّة آلاف ومائتين وأربعة عشر موردا.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٣٠٨.

(٢) المصدر : ١ / ٣٣ إلى ٤٠.

(٣) المصدر : ١ / ٣٦٧.

(٤) المصدر : ٢٠ / ١٦٨.


وبين هذا وما سبق في روايات إبراهيم بن هاشم إختلاف.

٧. وقع الحسن بن محبوب في إسناد كثير من الرّوايات تبلغ ألفا وخمس مأة وثمانية عشر موردا روي عن الرضا عليه‌السلام. وعن ستّين رجلا من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام كان جليل القدر يعد في الأركان الأربعة في عصره. ونقل الكشّي إجماع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عنه وقال : إنّه مات في آخر سنة ٢٢٤ [ه] ، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة.

ونقل الكشي أيضا برقم : ١٠٩٥ ، عن نصر بن الصباح أن أصحابنا يتّهمون ابن محبوب ؛ في روايته ، عن ابن أبي حمزة وسمعت أصحابنا أن محبوبا أبا الحسن كان يعطي الحسين بكلّ حديث يكتبه عن علي بن رئاب درهما واحدا.

أقول : لا عبرة بقول نصر فإنّه مجهول ، مع أنّ الكشّي نقل برقم : ٩٨٩ ، عن نصر أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى لا يروي عن ابن محبوب ؛ لأجل الاتهام المذكور ، ثمّ تاب أحمد بن محمّد فرجع قبل ما مات ...

لكن أبا حمزة الثّمالي مات في حياة الصّادق عليه‌السلام ـ كما قيل ـ ومقتضى ما ذكره الكشّي أنّ الحسن بن محبوب تولّد بعد وفاة الصّادق عليه‌السلام ، فكيف يمكن روايته عنه؟

وقيل : إنّه روي عن محمّد بن إسحاق المدني المتوّفي ١٥١ ه‍. (١)

أقول : والصحيح أنّ الثّمالي مات بعد وفاة الصّادق عليه‌السلام بسنتين تقريبا ، فإنّه مات سنة ١٥٠ ه‍ كما شهد به الصدوق في المشيخة ، والشّيخ والنجّاشي في رجالهما.

يقول السّيد الأستاذ في معجمه (٢) في ترجمة ثابت أبي حمزة الثمالي :

لا سند لما ذكره من أنّ الحسن بن محبوب مات سنة ٢٢٤ [ه] وأنّ عمره كان ٧٥ سنة ، إلّا ما ذكره الكشّي في ترجمة الحسن بن محبوب عن علي بن محمّد القتيبي ، عن جعفر بن محمّد بن الحسن بن محبوب ... لكن علي بن محمّد غير موثق ، فلا يعارض به ما ذكره النجّاشي والشّيخ. وما في الرّوايات من رواية ابن محبوب عن الثمالي.

أقول : وعلى فرض صحّة ما في الكشّي لا إشكال في روايات الحسن عن الثمالي لإمكان وصول كتابه إليه بسند معتبر ، والحسن بن محبوب حاله أشهر من أن يروي عن كتاب وجادة ، فافهم. (٣)

__________________

(١) هذا القول غير ثابت فإنّ ابن محبوب روي عن أبي ولّاد عنه كما يظهر من روايات الكافي والفقيه ، فالواسطة سقطت من التهذيب. فانظر : معجم الرجال : ٦ / ٩٨ ، الطبعة الخامسة.

(٢) معجم رجال الحديث : ٣ / ٣٩١.

(٣) وروى الشيخ كتاب أبي حمزة بسنده عن ابن محبوب عنه. والنجاشي أيضا روي أحد كتابي ابن أبي حمزة بسنده ، عن ابن محبوب.


٨. وقع الحسين بن سعيد في إسناد ٥٠٢٦ رواية.

٩. وقع الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري شيخ الكليني في إسناد ٨٥٩ رواية بعنوان : الحسين بن محمّد.

١٠. وقع حفص بن البختري في إسناد روايات تبلغ ٢١٨ موردا.

١١. وقع حمّاد بن عثمان في إسناد روايات تبلغ ٩٣٤ موردا.

١٢. وقع حمّاد بن عيسى في إسناد روايات تبلغ ١٠٣٦ موردا.

١٣. وقع حميد بن زياد في إسناد روايات تبلغ ٤٧٨ موردا.

١٤. وقع زرارة في إسناد روايات تبلغ ٢٠٩٤ موردا.

وما رواه منها عن الباقر عليه‌السلام تبلغ ١٢٣٦ رواية.

١٥. وقع زرعة وزرعة بن محمّد في إسناد روايات تبلغ ٣١٨ رواية.

١٦. وقع سعد بن عبد الله في إسناد روايات تبلغ ١١٤٢ موردا.

١٧. وقع صفوان بن يحيى في إسناد روايات تبلغ ١١٨١ موردا.

١٨. وقع عاصم بن حميد في إسناد روايات تبلغ ٣٨٠ موردا.

١٩. وقع العبّاس بن معروف في إسناد روايات تبلغ ٢٣٩ موردا.

٢٠. وقع عبد الرحمن بن أبي عبد الله في إسناد روايات تبلغ ٣٣٦ موردا.

٢١. وقع عبد الرحمن بن أبي نجران في إسناد روايات تبلغ ٢٢٠ موردا.

٢٢. وقع عبد الرحمن بن حجاج في إسناد روايات تبلغ ٥١٠ موردا.

٢٣. وقع عبد الله بن بكير في إسناد روايات تبلغ ٣٤٣ موردا.

٢٤. وقع عبد الله بن جبلة في إسناد روايات تبلغ ٢٤٢ موردا.

٢٥. وقع عبد الله بن سنان في إسناد روايات تبلغ ١١٤٦ موردا.

٢٦. وقع عبد الله بن مسكان في إسناد روايات تبلغ ٢٧٩ موردا.

٢٧. وقع عبد الله بن المغيرة في إسناد روايات تبلغ ٢٥١ موردا.

٢٨. وقع محمّد بن مسلم في إسناد روايات تبلغ ٢٢٧٦ موردا.

٢٩. وقع محمّد بن علي بن محبوب في إسناد روايات تبلغ ١١١٨ موردا.


٣٠. وقع محمّد بن يحيى في إسناد روايات تبلغ ٥٩٥٨ موردا.

٣١. وقع سهل بن زياد في إسناد روايات تبلغ ٢٣٠٤ موردا.

٣٢. وقع عبد الله بن بكير في إسناد روايات تبلغ ٣٣٤ موردا.

٣٣. وقع يونس بن عبد الرحمن في إسناد روايات تبلغ ٢٦٣ موردا.

٣٤. وقع أبو بصير في إسناد روايات تبلغ ٢٢٧٥ (١) موردا. وقيل ٢٥٠٠ موردا.

٣٥. وقع الفضل بن شاذان في إسناد روايات تبلغ ٧٧٥ موردا.

٣٦. وقع فضيل بن يسار في إسناد روايات تبلغ ٢٤٥ موردا.

__________________

(١) ولعلّ المراد به في الأكثر هو يحيى وفي غير الأكثر ليث ، ويحتمل العكس للرواية المعتبرة السابقة الواردة في حقّ ليث.


البحث الثامن والعشرون

في بعض ما يتعلّق باتّصال الأسانيد

نقتبسه من معجم رجال الحديث (١) وهو على النحو الآتي :

١. لم يثبت رواية الحسن بن سماعة عن أبان بلا واسطة ، ص : ١١٧.

٢. لم يرو فضّالة عن أبي مريم في شيء من الرّوايات ، ص : ١١٨.

٣. لا وجود لعبد الرحمن بن أبي عقبة في الرجال ولا في الكتب الأربعة ، ص : ١٢٣.

٤. لم يثبت رواية الوشاء عن الفضل أبي العبّاس بدون واسطة ، ص : ١٢٤.

٥. لم يثبت رواية أبان عن علي بن أبي حمزة في الكتب الأربعة ، ص : ١٢٧.

٦. لم يدرك أبان بن عثمان الرضا عليه‌السلام كما أن الحسين بن سعيد لم يدرك الكاظم عليه‌السلام.

٧. لم يرو ابن أبي عمير عن أبان بن تغلب في الكتب الأربعة ، ص : ١٤١. (٢)

٨. لم تعهد رواية أبان بن تغلب عن الحلبي ولا رواية ابن محبوب عن أبان فإنّ ابن محبوب تولد بعد حياة الصّادق عليه‌السلام وأبان توفى في حياته عليه‌السلام وكذا لم يثبت رواية علي بن الحكم عنه ، ص : ١٤٢.

نعم ، ثبت رواية أبان بن عثمان عن الحلبي بكثرة : ٥ / ٩٨.

أقول : مرّ أن ابن محبوب لم تثبت ولادته بعد وفاة الإمام الصّادق عليه‌السلام.

__________________

(١) انظر : معجم الرجال الحديث المجلد الأوّل.

(٢) أقول : لم يرو ابن أبي عمير عن زرارة وما وقعت الرواية في مورد واحد يحمل على الإرسال وحذف الواسطة علي الأقوى ، خلافا لسيدنا الاستاذ الخويي رحمه‌الله.


٩. لم نقف على رواية أبان بن عثمان عن الكاظم عليه‌السلام خلافا للشيخ والنجّاشي ، ص : ١٥٨.

١٠. لم يثبت رواية إبراهيم بن هاشم عن حمّاد بن عثمان بلا واسطة ، بل لم يلقه ، وإنّما روي عن حمّاد بن عيسى ، ٣١٥ ، ٣٢٢.

وكذا لم يثبت رواية إبراهيم المذكور عن عمرو بن سعيد : ٣٢٩.

١١. لم يرو ابن أبي عمير عن ابن فضّال : ٣٢١.

١٢. لم يثبت رواية علي بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بواسطة أبيه وعنه بلا واسطة كثيرة.

ونقتبس هنا من المعجم (١) الموارد الآتية :

١٣. لم يثبت رواية أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد البرقي كما أنّه لم تثبت رواية أحمد البرقي عن ابن أبي عمير ، ص : ١٠.

١٤. لم يثبت رواية محمّد بن علي بن محبوب ، عن ابن أبي عمير بلا واسطة.

١٥. لم يثبت رواية أحمد البرقي ، عن عبد الله بن المغيرة بلا واسطة ، كما أنّه لم يرو عن محمّد بن يحيى ، وكما أنّ محمّد بن يحيى لم يرو عن عبد الرحمن بن أبي هاشم.

١٦. لم يرو محمّد بن علي بن محبوب عن الحسين بن سعيد بلا واسطة ، إلّا في موردين وأمّا مع الواسطة فرواياته عنه كثيرة ، ص : ٢٤٦.

١٧. لم تثبت رواية أحمد بن محمّد ، عن سهل وإنّما روي سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، كما في الروضة (٢) ، ص ٢٦٥.

١٨. روي الشّيخ الطّوسي بأسناده عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد في عدّة موارد ... وفي جميع هذه الموارد أحمد بن محمّد في الكافي بدأ به في الكلام ، وهو تعليق على سابقه ويكون الرّاوي عنه عدّة من أصحابنا. والشّيخ تخيل أنّه شيخ الكليني مع أنّ الأمر ليس كذلك كما تظهر بملاحظة الطبقة ، ص : ٢٦٧ ، ٢٦٩.

١٩. روي الكليني عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحسين في عدّة موارد ... وأحمد بن محمّد هذا ، أمّا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ، وأمّا أحمد بن محمّد العاصمي ، وكلاهما صادقان.

وقد روي كلّ منهما عن علي بن الحسن وعلي بن الحسن بن فضّال في عدّة موارد ، ولم يرويا عن علي بن الحسين ولو في مورد واحد ، فيعلم من ذلك وقوع التحريف في هذه

__________________

(١) معجم رجال الحديث الجزء الثاني.

(٢) ولم يثبت أيضا رواية سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، انظر : ٨ / ٣٤٨.


الموارد كلّها والصحيح علي بن الحسن ، ص : ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

٢٠. لم يثبت رواية أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبي سعيد المكاري وعبد الله بن بكير في شيء من الرّوايات ، ص : ٣٨٦.

٢١. في جملة من الرّوايات رواية أحمد هذا ، عن جملة من أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، لكنّه وقع فيها السّقط ، ولم يثبت روايته عنهم ، ص : ٣٨٧ ، ٣٨٩. أو رواها مرسلا.

ونقتبس أيضا من المعجم (١) ما نشير إليه أدناه :

٢٢. لم يثبت رواية الحلبي ، عن جميل ، ص : ١٥٠.

٢٣. لم يثبت رواية علي بن حديد ، عن ابن أبي عمير ، ص : ١٦٠.

٢٤. لم يثبت رواية إسحاق بن جرير وابن محبوب وعلي بن حديد وابن أبي نجران والحلبي ، عن حريز ، ص : ٢٦٢ ، ٢٦٣ ؛ ٢٦٥ و ٢٦٦.

٢٥. نقل أبو الحسين ابن البغدادي السوراني البزاز ، عن الحسين بن يزيد السوراني : إنّ ما يرويه الحسين بن سعيد عن فضّالة فهو غلط ، وإنّما هو الحسين عن أخيه الحسن عن فضّالة ، وان الحسين لم يلق فضّالة وكذلك زرعة بن الحضرمي ، ووافقه الشّيخ في زرعة ولم يوافقه في فضّالة لكن لا يمكن الالتزام بذلك ، فإنّ ما رواه الحسين بن سعيد عن فضّالة يبلغ زهاء. ٩٧٥ رواية وعن زرعة عشرة روايات على أنّ السوراني مجهول ، ص : ٣٥٥ ، ٣٥٨.

٢٦. إنّ علي بن مهزيار يروي عن الحسين دون أخيه الحسن بن سعيد ، وكذا لم يثبت رواية الحسن ، عن محمّد بن سنان.

ومن المعجم (٢) انفسه نقتبس الموارد الآتية :

٢٧. لم يثبت رواية ابن أبي عمير ، عن الحسن بن محبوب إلّا في مورد واحد : أصول الكافي باب أنّ الحجّة لا تقوم لله على .... (٣)

٢٨. لم يثبت رواية الفضيل عن ربعي وإنّما يروي ربعي عن الفضيل كثيرا.

__________________

(١) انظر : معجم رجال الحديث ، الجزء الرابع.

(٢) انظر : المصدر ، الجزء الخامس.

(٣) وقد وقع أيضا في طريق الشّيخ إلى عباد بن صهيب في الفهرست ، كما نقله في معجم الرجال : ١٠ / ٢٣٢ ، وكأنّه غفل عنه الأستاذ.


٢٩. لم يثبت رواية يروي زرارة ، عن بكير ولم يثبت رواية بكير ، عن زرارة إلّا في مورد واحد ولعلّه اشتباه.

أقول : ولم يثبت رواية ابن أبي عمير ، عن زرارة إلّا في مورد واحد فيحمل على الإرسال.

٣٠. لم يثبت رواية أحمد بن محمّد البرقي ، عن سعد بن سعد بلا واسطة ، ص ٦٥ ج ٨.

٣١. لم يثبت رواية أيوب بن نوح عن صفوان ، ج : ٩.

ونورد من المعجم (١) أيضا :

٣٢. لم يثبت رواية ، عبد الله بن سنان ، عن أبي بصير وابن بكير.

تنبيه

روي الشّيخ الطّوسي بأسناده عن سعد بن عبد الله ، عن جماعة كجميل بن صالح وحمّاد بن عثمان ، والحسن بن علي بن فضّال والحسين بن سعيد ، ومحمّد بن خالد وعلي بن حديد ، ولا يمكن روايته عن هؤلآء بحسب الطبقة ، فلا بدّ من سقط الواسطة فيها. (٢)

__________________

(١) انظر : معجم رجال الحديث الجزء العاشر.

(٢) معجم رجال الحديث : ٨ / ٨٧.


البحث التّاسع والعشرين

في تفسير كلمة : الثقة

قال الشّهيد الثّاني : (١)

إنّ ألفاظ التّعديل الدالّة عليه صريحا هي قول المعدل : هو عدل. أو ثقة ..

وكذا قوله : هو صحيح الحديث .... (٢)

وقال صاحب مقباس الهداية (٣) :

وكذلك اتفق الكل على إثبات العدالة بهذه الكلمة ـ أي : كلمة الثقة ـ من غير شك ولا اضطراب ، وحينئذ فحيثما تستعمل هذه الكلمة في كتب الرجال مطلقا من غير تعقيبها بما يكشف عن فساد المذهب تكفي في إفادتها التزكية المترتب عليها التّصحيح باصطلاح المتأخّرين لشهادة جمع باستقرار اصطلاحهم على إرادة العدل الإمامي الضابط من قولهم ثقة ...

فقولهم : ثقة ، أقوى في التزكية المصحّحة للحديث من قولهم عدل ؛ لأنّ الضبط هناك يحرز بالأصل والغلبة ، وهنا بدلالة اللفظ.

وعن الوحيد البهبهاني رحمه‌الله :

لا يخفى أنّ الروية المتعارفة المسلّمة المقبولة ، أنّه إذا قال عدل إمامي (النجّاشي كان أو غيره) : فلان ثقة أنّهم يحكمون بمجرّد هذا القول بأنّه عدل إمامي ...

أقول : معظم التّوثيقات من النجّاشي والشّيخ (قدّس الله نفسهما) فالحكم بعدالة الّذي وثقاه

__________________

(١) محكي الرعاية : ٢٠٣.

(٢) دلالة كلمة صحيح الحديث على الصّادق ، محل تردّد فضلا عن العادل ؛ إذ صحّة الحديث ترجع إلى مطابقة المتن مع القواعد ظاهرا. نعم إن اريد بالصّحة حال الرواة ، صحّ قوله رحمه‌الله.

(٣) مقباس الهداية : ٦٨.


موقوف على إحراز اصطلاحهما على المعنى المذكور ، ولا يصحّ إرادته باصطلاح من تأخر عنهما ، وإن فرض إجماعهم عليه.

وإنّي بعدما وسعني من الفحص لم أجد قرينة وأمارة دالّة على انعقاد الاصطلاح المذكور في لسانهما ، والفاضل المامقاني وإن تصدّي لإثباته لكنّه لم يأت بشيء مقنع أصلا.

مع أنّ الإجماع من غيرهما على المعنى المذكور غير مسلّم ، وقد قال صاحب اتقان المقال (١) :

ثمّ الّذي يشهد به الاستقراء أيضا أنّ الوثاقة في لسان أهل الفنّ يتضمن إرادة الوثاقة للرواية من حيث هو بمعنى أن يكون صادقا ضابطا ، ومن حيث المروي عنه ، بمعنى أن يكون ممّن يروي عن ثقة ، ولا يكون ممّن لا يبالي عمّن يأخذ.

أقول : استفادة الحيثية الأخيرة من لفظ الثّقة بحسب اصطلاحهم ليست بمدللّة ، وإن كانت محتملة ، بل تؤكّدها بعض الكلمات الصادرة من الرجاليين.

وقال الحرّ العاملي : دعوى بعض المتأخّرين أنّ الثّقة بمعنى العدل الضابط ممنوعة ، وهو مطالب بدليلها كيف وهم مصرحّون بخلافها ، حيث يوثّقون من يعتقدون فسقه وكفره وفساد مذهبه ، وإنّما المراد بالثّقة من يوثّق بخبره ، ويؤمن منه الكذب عادة والتتبّع شاهد به ، وقد صرّح به جماعة من المتقدّمين والمتأخرين. (٢)

وقال الشّيخ الطوسي قدس‌سره في العدّة :

فأمّا من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح ، وكان ثقة في روايته متحرّزا فيها فإنّ ذلك لا يوجب ردّ خبره ويجوز العمل به ؛ لأنّ العدالة المطلوبة في الرّواية حاصلة فيه (٣) ، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من قبول خبره ؛ ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم. (٤)

ومع هذا الكلام ، كيف يقال : إنّ مراد الشّيخ من كلمة الثّقة العدل الإمامي الضابط؟ مع أنّ العدالة المطلوبة في هذا الباب عنده هي الصدق في النقل ، بل المراجع إلى فهرسته يطمئن بأنّ لفظة الثّقة ليس لها معنى العدالة الفقهيّة.

__________________

(١) اتقان المقال : ٤.

(٢) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ١٠١ ، الطبعة المجزءة عشرين جزءا.

(٣) وبهذه الجملة يظهر معنى قوله في أوّل الفهرست ... فلا بدّ أن أشير إلى بما قيل فيه من التّعديل والتّجريح ... فمراده من العدالة هي العدالة المطلوبة في باب الرّوايات ، أي : الصّدق في الإخبار.

(٤) العدة : ١ / ٣٨٢ ، المطبوعة ، بقمّ حديثا ؛ بحار الأنوار : ٢ / ٢٥٤ ، الطبعة الجديدة.


وخلاصة القول :

أنّ دلالة كلمة الثّقة على العدل الإمامي الضابط غير ثابتة في كلام من يرجع إليه في هذا الشّأن ، كالكشّي والشّيخ والنجّاشي قدس‌سرهم.

وينقدح من هذا أنّه لا سبيل إلى الحكم بصحّة أكثر الرّوايات المعدودة عندهم من الصحاح صحّة اصطلاحيّة. وسيأتي منّا في البحث الثّاني والثلاثين أن تقسيم الإخبار الرباعي ، باطل لا أثر له ، وإنّما الحجّة قول الصّادق سواء كان عادلا أم لا ، إماميّا أم لا. نعم ، يقول الحرّ العاملي في آخر وسائله (١) إنّ التّوثيق لا يستلزم العدالة ، بل بينهما عموم من وجه ، كما صرّح به الشّهيد الثّاني وغيره ، والله أعلم.

ولا بدّ من إثبات هذا المعنى من لفظ الثّقة في كلام الشّيخ والنجّاشي ، وإلّا فلا عبرة به ، وإنّما العبرة بمصطلحهما.

والمستفاد من فهرستي النجّاشي والشّيخ ، غير ما يدعيه المتأخرون من دلالة كلمة الثّقة على العادل الإمامي الضابط ، وإليك بعض الشّواهد :

١. قولهما في جملة من الموارد :

ثقة في الحديث ، ثقة فيما يرويه ، ثقة في الرّواية.

فإنّ هذا التقييد لا يناسب العدالة ، بل يناسب معناه اللغوي ، واحتمال اختلاف معناها في الموارد المطلقة والمقيّدة بعيد جدّا.

٢. إطلاقها على الفطحي والواقفي والزيدي وسائر أهل المذاهب ، كإطلاقها على الإمامي ، فافهم ولا تغفل.

٣. القرائن الاخرى في كلامهما ، كقول النجّاشي : يحيى بن إبراهيم ثقة ، هو وأبوه أحد القراء ، كان يتحقّق بأمرنا.

ولو كان الثّقة بمعنى العدل الإمامي ، لغي الجملة الأخيرة في كلامه بأحد الاحتمالين في معنى كلامه.

وكقوله في حسن بن محمّد بن جمهور : ثقة في نفسه ، روي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ، ٢٠ / ١٠١ ، الطبعة المتوسطة في عشرين جزءا.


وكقول الشّيخ في فهرسته : أحمد بن محمّد ، كان ثقة في نفسه ، غير أنّه أكثر من الرّواية عن الضعفاء والمراسيل.

نعم ، سأل محمّد بن مسعود علي بن الحسن عن وثاقة أبي خديجة : فقلت له ثقة؟ قال : صالح ... (١)

فيفهم منه أنّ الصّدق أدون من الوثاقة ، إذ لا صلاحية لغير الصّادق.

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٦١١.


البحث الثّلاثون

هل يعتبر ذكر السبب في التّوثيق والجرح وحكم تعارضهما؟

فيه فوائد :

الاولى : نقل الشّهيد الثّاني في درايته (١) عن المذهب المشهور أنّ التّعديل مقبول من غير ذكر سببه ؛ لأنّ أسبابها كثيرة يصعب ذكرها ، وأمّا الجرح ، فلا يقبل إلّا مفسرّا مبيّن السبب لاختلاف الناس فيما يوجبه.

ثمّ أورد عليه بأنّ ذلك آت في باب التّعديل ؛ لأنّ الجرح كما تخلف أسبابه كذلك التّعديل يتبعه في ذلك ...

نعم ، لو علم اتّفاق مذهب الجارح والمعتبر بالكسر أي : المنقول إليه ـ في الأسباب ـ اجتهادا أو تقليدا ـ اتّجه الاكتفاء بالإطلاق ، وهذا التفصيل هو الأقوى فيهما.

وأيضا مرجع الجرح في الرجال في الغالب المعظم إلى الكذب ، وليس له أسباب ، وفي القليل سوء الحافظة وتخليط الأسناد والمتون والإدراج ونحوها. وإنّما العدالة هي الّتي اختلفت الآراء فيها ، فالجرح الكذبي يقبل مطلقا ، وأمّا التّعديل والجرح الفسقي فلا يقبلان إلّا بالمعنى المراد للناقل ، فلا بدّ من معرفة مذهبه في العدالة والفسق ، ثمّ ترتيب الأثر عليه بنظر المنقول إليه.

وما في الجواهر : لما هو المعلوم من طريقة الشّرع من حمل عبارة الشّاهد على الواقع وأنّ اختلف الاجتهاد في تشخيصه ، غير ثابت عندنا.

فإنّ قيل : على المشهور من اعتبار بيان السبب في الجرح يستلزم سدّ باب الجرح في هذا

__________________

(١) الدراية : ٧٠.


العلم ؛ لأنّ أرباب الكتب الرجاليّه المتداولة قلّ ما يتعرّضون فيها له.

يقال : إنّه لا أقلّ من الشّكّ الموجب لعدم حجيّة رواياته ، لكنّه إنّما يتمّ إذا لم يفسّر العدالة بالإسلام وعدم ظهور الفسق ، أو لم يكن الجرح المذكور معارضا بالتعديل أو التصديق ، وإلّا فتعتبر رواياته ويلغى جرحه على الفرض.

والتحقيق أنّ العدالة وإن لم تكن له أسباب متعدّدة ؛ لكنّها بنفسها ذات جهات متعدّدة لاختلاف الأقوال فيها.

فهل هي الملكة أو مجرّد العمل والتّرك أو غيره؟

ويترتّب عليه عدالة البالغ في أوّل يوم بلوغه قبل الإطاعة والمعصية وعدمها بناء على الملكة.

وهل هي مجرّد ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق أم لا؟

وهل يعتبر فيها المروة أم لا؟

فلا بدّ للمعدل من بيان معنى العدالة ، حتّى يعلم المنقول إليه معناها ، فيقبل أو لا يقبل.

وأمّا الجرح الفسقي ، فله أسباب متعدّدة ، وهي : ترك الواجبات وارتكاب المحرّمات ، والأنظار فيها مختلفة ، فلا بدّ من بيان السبب حتّى يعلم الحال.

وأمّا الصدق والكذب ، فلا أسباب لهما ، ولا اختلاف فيهما ، فيقبل قول الصّادق فيهما مطلقا.

وقد عرفت أنّا نفسرّ كلمة : الثّقة في كلام الكشّي والنجّاشي والشّيخ بمعنى : الصّادق ، من باب القدر المتيقّن في كلام الأوّل ، ومن باب القرينة في كلام الأخيرين.

وأمّا معنى كلمة : ضعيف في كلامهم ، فنفسرّها بمعنى : عدم صلاحية الرّاوي لقبول روايته أمّا لكذبه ـ كما لعلّه الغالب ـ وأمّا لضعف ضبطه أو لسفاهته ، بحيث تخل بتلقي الرّاوي أو لتخليطه بين الأسناد والمتون ، فلا مانع من قبوله بلا بيان السبب.

نعم ، يحتمل أنّ التضعيف مستند إلى فسقه العملي في كلام النجّاشي ، بل في كلام غير الشّيخ ، ومعه لا أثر للضعيف كما مرّ فيكون الرّاوي مجهولا لا ضعيفا ، فهل يقدّم التّوثيق عليه أم لا؟

وحينئذ إن قلنا بانصراف كلمة الضعيف إلى الكاذب فهو ، وإلّا فالمقام محتاج إلى تأمّل.

ولا يبعد تقديم التّوثيق على التضعيف.

الثانية : قال الشّهيد أيضا في درايته :

ولو اجتمع في واحد ، جرح وتعديل ، فالجرح مقدّم على التّعديل ، وإن تعدّد المعدّل ، وزاد على عدد الجارح على القول الأصح ؛ لأنّ المعدّل مخبر عمّا ظهر عن


حاله ، والجارح يخبر عن باطن خفيّ على المعدل ، (١) هذا إذا أمكن الجمع بين الجرح والتعديل وإلّا تعارضا ، كما إذا شهد الجارح بقتل إنسان في وقت ، فقال المعدّل رأيته بعده حيّا ونحوه. (٢)

أقول : إن تمّ ما قيل في وجه تقديم الجرح فهو ، وإلّا فيتعارضان فيصير الرّاوي مجهول الحال والنتيجة في كلتا الصورتين واحدة ، إلّا على وجه سبق منّا في تقديم التوثيق.

وإعلم : أنّ اختلاف الشّهود في الجرح والتّعديل ، قد يشتمل على قرينة توجب تقدّم أحدهما على الآخر بحسب الدّلالة.

وقد لا يشتمل عليها كما في فرض إطلاقهما : فلان عدل ، فلان فاسق ، أو : فلان ثقة ، فلان ضعيف.

وقد يشتمل على التصريح بالتضاد ، كما إذا قال المعدّل : زيد كان عادلا في تمام شهر رمضان ، وقال الجارح أنّه كان يفطر متعمّدا ، أو كان يكذب في شهر رمضان.

أمّا الفرض الأوّل ، فهو تابع لدلالة القرينة في تقدّم أحدهما على الآخر. كما إذا قال : كان زيد عادلا في شهر رمضان ، ولم أر منه صدور كبيرة بعده. وقال الجارح : رأيت منه كبيرة أو كبائر في شوال مثلا ، فنبني على صدق كلتا البينتين ، ونحكم بفسق زيد.

وإن قال الجارح : كان زيد فاسقا في شهر كذا ، ولم أر منه التّوبة والاصلاح بعده. وقال المعدّل : رأيت منه الصلاح وعلمت منه ملكة العدلة ، فنحكم بعدالة زيد ، ولا تعارض بين الشّهادتين.

وفي الفرضين الأخيرين يسقط المدح والذّم للتعارض ، فلا يحكم بأحدهما ، فيرجع إلى استصحاب الحالة السّابقة ـ إن كانت ـ وإلّا فيصبح الفرد مجهولا لا يترتّب عليه أحكام الفسق ولا أحكام العدالة ، وهذا هو معنى : التوقّف عن الحكم.

وفي الجواهر : أو يقال : إنّ المراد التوقف عن الحكم أصلا ، حتّى بيمين المنكر الّذي لم يعلم حجيّته في هذا الحال باعتبار وجود بيّنة المدعي ، وإن كان لا عمل عليها باعتبار معارضتها ببيّنة الجرح ، وحينئذ فيكون ميزان الحكم مجهولا لانسياق الأدلّة في غير الفرض فيرجع إلى الصلح أو غيره ، فتأمّل.

__________________

(١) أقول : قد يكون عكس ذلك ويكون المخبر عن باطن خفي هو المعدّل.

(٢) الدراية : ٧٣.


البحث الواحد والثلاثون

في شروط الراوي

ذكروا لحجيّة خبر الواحد شروطا في رواية :

١. البلوغ : وفي الفصول : بلا خلاف بين أصحابنا ، كما حكاه جماعة ووافقنا عليه أكثر مخالفينا ، ونحوه في المعالم ، واحتجوا بأنّ الصّبي لا يتمكّن من الضبط ، فلا وثوق بخبره. وبأنّ عدم قبول خبر الفاسق يقتضي عدم قبول خبر الصبي بطريق أولى ؛ لأنّه باعتبار علمه بانتفاء التكليف عنه لا حاجز له عن الكذب.

٢. العقل : ووجه اعتباره واضح ، نعم ، لو كان الرّاوي إدواريّا يقبل خبره حال إفاقته ، وفي حكم المجنون ، غير المميّز في عدم قبول خبره.

٣. الإسلام : والإجماع على اعتباره محكي في كلام الخاصّة والعامّة ، فلا يقبل رواية الكافر وإن انتحل الإسلام.

واحتجوا على اعتباره بالإجماع وبآية النبأ فإنّ الكافر فاسق في العرف المتقدّم وإن اختصّ في العرف المتأخّر بالمسلم الفاسق بجوارحه ، قال الله تعالى : (... وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.)

وعلى فرض العدم تدلّ الآية بمفهوم الموافقة على عدم قبول نبأ الكافر.

٤. الإيمان : ذكره جماعة ونسبه في الدّراية والمعالم إلى المشهور فلا يقبل رواية غير الاثنى عشري.


وفي الدراية (١) : قطعوا به في كتب الأصول الفقهيّة وغيرها هذا مع عملهم بأخبار ضعيفة بسبب فساد عقيدة الرّاوي في كثير من أبواب الفقه معتذرين بإنجبار الضعف بالشّهرة ولكن في الفصول : لم يثبت ـ أي : نسبة هذا الشّرط إلى المشهور غير ثابتة ـ وعن جماعة عدم اعتباره واستدل المثبتون بآية النبأ ؛ إذ لا فسق أعظم من عدم الإيمان ، والنافون بإجماع الطائفة على العمل بروايات جماعة غير مؤمنين كما ذكره الشّيخ في العدّة.

لكن أجاب عنه المحقّق رحمه‌الله كما في معالم الدين (٢) : بأنّا لم نعلم إلى الآن إنّ الطائفة عملت بأخبار هؤلاء.

٥. العدالة : ذكرها جماعة ونسب إلى المشهور.

ويقول الشّهيد الثّاني في درايته (٣) : وجمهورهم على اشتراط عدالته.

ويقول صاحب الفصول أيضا : والشّهرة غير ثابتة.

وفي المعالم : وظاهر جماعة من متأخّريهم الميل إلى العمل بخبر مجهول الحال.

٦. الضبط : وهو أن يكون حفظه غالبا على سهوه ونسيانه ، ولا خلاف ظاهرا في اعتباره فإنّ من لا ضبط له لا وثوق بخبره ؛ لاحتمال الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف في روايته ، احتمالا مساويا لعدمها أو قريبا منه.

ومعه لا مجال لاصالة عدمها عند العقلاء ، وربّما يقال بعدم اعتباره في شيخ الإجازة ، وهو غير بعيد في الجملة.

أقول : الشّرط الثّاني مسلّم ، وكذا السادس ، نعم ، الضبط يحرز بالأصل الثابت ببناء العقلاء بلا حاجة إلى دليل آخر ، وإن شئت فقل : إنّ كثرة السهو والنسيان وأو تساويهما مع الذكر مانعة فما لم تثبت يعتبر الخبر ببناء العقلاء. (٤)

وأمّا الشّرط الأوّل فغير معتبر ؛ إذ غير البالغ إذا تميّز وكان فطنا قد يكون ضابطا صادقا ، وعلمه بعدم حرمة الكذب عليه لا يوجب كذبه ، كما هو المحسوس خارجا ، بل قد يكون المراهق أورع من البالغ فاعتباره غالبي لا دائمي.

__________________

(١) الدراية : ٦٧.

(٢) معالم الدين : ٢٠٠.

(٣) الدراية الشهيد الثاني : ٦٥.

(٤) لاحظ : تفصيل البحث حول هذه الشّروط في ، مقباس الهداية : ٥٤ ـ ٦٠ ، الطبعة الاولى ، للعلّامة المامقاني رحمه‌الله.


وأمّا الشّرط الرابع والخامس ، فالصحيح حذفهما وتبديلهما باشتراط الوثاقة أي : الصدق في الكلام لبناء العقلاء على حجيّة خبر الثّقة دون الكاذب والمجهول حاله.

وأمّا التّمسك بآية النبأ لاثباتهما ، فيردّ عليه أنّه ليس مدلول الآية ردّ خبر الفاسق مطلقا ، بل هو وجوب التبين ، أي : عدم جواز قبوله قبل التبين.

وعليه فإحراز الوثاقة نوع تبيّن فلا يحتاج معه إلى تبيّن آخر ، فإنّه من تحصيل الحاصل.

وبالجملة :

الاطمئنان والوثوق تبيّن وعلم عرفا ، ومعه لا حاجة إلى أمر زائد عليه.

ولا فرق في ذلك بين الوثوق بالخبر والوثوق بالمخبر ، فإذا كان الرّاوي مجهولا أو ضعيفا ، لكن قامت القرينة المفيدة للاطمئنان على صدق روايته ، وأنّه لم يكذب في خصوص هذا المورد ؛ إذ ليس الفسق يستلزم الكذب دائما ، ضرورة أنّ الكاذب قد يصدق : فيجب الأخذ بالرواية المذكورة ، فإنّها موثوق بها والوثوق حجّة عقلائية ، بل هو أقوى من خبر الثقة.

نعم ، يبقى البحث في تعيين القرينة المذكورة ولا ضابط لها ، فرب قرينة توجب الوثوق لفقيه ولا توجبه لآخر ، وإذا كانت الرّواية غير موثوق بها ، لكن كان راويها ثقة يجب الأخذ بها أيضا ، وإن فرضنا فسقه في غير أقواله لبناء العقلاء عليه لحصول الوثوق النوعي بأخباره.

وبعبارة أخرى :

إنّما أوجبت الآية الكريمة التبيّن في خبر الفاسق لاحتمال عدم إصابة الواقع ، كما يشهد به التعليل في ذيلها : (... أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ،) فإنّ الفاسق لا رادع له عن الكذب ، فإذا فرض الفاسق صدوقا في كلامه ، فقد ارتفع الاحتمال المذكور احتمالا عقلائيا وكان كالعادل ، فلا معنى لوجوب التبيّن فالبناء عليه ليس من الجهالة ، كيف والعقلاء بانون عليه في جميع الأمصار والأعصار؟

ومنه يظهر عدم دلالة الآية على إيمان الرّاوي وعدالته فافهم.

والمتحصّل :

أنّ الرّاوي إذا كان عاقلا صادقا يقبل قوله ، إذا كان ذكره أكثر من سهوه ولو بالأصل.

وأمّا اشتراط الإسلام ، فهو وإن يجري فيه ما قلنا في اعتبار العدالة والإيمان ، إلّا أنّ


ارتكاز المتشرّعة يوجب القول باعتباره ، خلافا لما يظهر من سيّدنا الأستاذ الخوئي في بعض الموارد من معجمه (١) ، وربّما يلوّح من كلام الحرّ العاملي أيضا ، كما مرّ.

ولاحظ : ما يأتي من كلام الشّيخ في عدّته على خلاف نظرهما.

ولكن ليس له ثمرة مهمّة ؛ إذ لا أذكر عاجلا في الرّواة المحكومين بالكفر ـ كالغلاة والنصاب ـ ولا في غير المنتحلين بالإسلام ، كالمشركين وأهل الكتاب من ثبت وثاقته وروي الحديث.

ولا أقول : إنّه لا يوجد في الكفّار ثقات ، فإنّ هذا الإنكار تعصّب وكذب ، بل أقول لم أجد عاجلا كافرا روي الحديث ، وقد وثقّه أهل الرجال.

وعلى كلّ ، الرّاوي الّذي يقبل روايته هو المميّز المسلم العاقل الصّادق الضابط.

وأمّا الإيمان والعدالة والبلوغ ، فهي من فضائل الرّاوي.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ٥ / ٢٤ ، غيرها.


البحث الثّاني والثلاثون

في تقسيم الإخبار

ذهب جمع من علمائنا إلى عدم حجيّة خبر الواحد ، واقتصروا في العمل على المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعيّة ، وهذا القول في أمثال زماننا يستلزم إبطال معظم الفقه والخروج عن زيّ المتديّنين ، بل ربّما عن دائرة المسلمين ، أو جعل قائله قطاعا يدّعي القطع حتّى في المشكوكات والموهومات ، وهذا ممّا لا ينكره المطلع على طريقة الاجتهاد وشريعة الاستنباط.

وذهب الجمهور إلى اعتبار خبر الواحد في الجملة وهو الحقّ لبناء العقلاء وتواتر الإخبار تواترا معنويا أو اجماليّا. (١)

ولا أقلّ من إيراثها اطمئنان الباحث بحجيّة خبر الواحد في الجملة ، وهذا هو المعتمد.

ثمّ إنّ القدماء ـ على ما يأتي ـ يطلقون الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه.

لكن تلك الأمارات المعتمد عليها مع متانة بعضها أصبحت في الأعصار المتأخّرة مفقودة أو غير كافية (٢) ؛ ولذا قسم المتأخّرون بدورهم الإخبار إلى أقسام : أربعة أو خمسة.

ويقال : إنّ الأوّل فيه : العلّامة الحلّي ، أو شيخه ابن طاووس.

__________________

(١) لاحظ : الرّوايات في قضاء الوسائل للمحدّث العاملي قدس‌سره ومقدّمة جامع الأحاديث للسيّد البروجردي قدس‌سره.

ولاحظ : مناقشة الشّهيد السيّد باقر الصدر قدس‌سره ، في تواتر هذه الأحاديث في كتبه.

(٢) يأتي تفصيل الموضوع في البحث الآتي.


القسم الأوّل : الخبر الصحيح ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بنقل الإمامي العادل الضابط.

القسم الثّاني : الخبر الحسن ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم ، بنقل إمامي ممدوح مدحا مقبولا معتدّا به من غير نصّ على عدالته. (١)

وفي رجال السّيد بحر العلوم رحمه‌الله : والتحقيق إنّ الحسن يشارك الصحيح في أصل العدالة ، وإنّما يخالفه في الكاشف عنها ، فإنّه في الصحيح هو التّوثيق أو ما يستلزمه ، بخلاف الحسن فإنّ الكاشف فيه هو حسن الظاهر المكتفي به في ثبوت العدالة على أصحّ الأقوال.

أقول : الوجوه الّتي استفيد منها في كلمات الرجاليين حسن الرّواة لا تكشف عن العدالة جزما ، ولم ينقلوا لنا حسن الظاهر الدال على العدالة ، كما يعلمه المتتبّع ونفس التقسيم أيضا تدلّ على مغايرة الصحيح والحسن ، لا في إثبات المعنى فقط ، بل في نفس المعني.

فقول : هذا السّيد الجليل ، غير مدلّل.

القسم الثالث : الخبر الموثق ، وهو ما اتّصل سنده إلى المعصوم بمن نصّ الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ، بأنّ كان من أحدى الفرق المخالفة للإماميّة ، وإن كانت من الشّيعة. وبالجملة : كان رواة الخبر أو بعضه من غير الطائفة الاثنى عشريّة ، وكانوا عدولا في مذهبهم.

القسم الرابع : الخبر القوي ، وربّما يعبر عنه بالمعتبر ، وله أقسام :

فمنها : ما كان جميع سلسلة سنده إماميّين لم ينصّ في حقّ أحدهم بمدح ولا قدح ، ولكن استفيد المدح من الظّنون الاجتهاديّة.

أقول : قد مرّ عدم حجية الظنون من دون دليل ، ومعه يرجع الخبر إلى أحد الأقسام المتقدمّة والآتية.

ومنها : ما اتّصف بعض رجال سنده بوصف رجال الموثّق ، والبعض الآخر بوصف رجال الحسن. فقد قيل : إنّه مسمّى بالقوي اصطلاحا.

وقيل : إنّه موثق.

وقيل : إنّه حسن.

__________________

(١) ولا بدّ أن يكون المدح مثبتا لصدقه في المقال ، بل لا يحتاج إلى أزيد من ذلك ، كما أنّه لا يكفى المدح غير المثبت للصدق في الحكم بالحسن ، خلافا لما يظهر من إطلاق بعض الكلمات.

وبالجملة : إن أريد من المدح مطلقه فالحقّ مع الّذين أنكروا حجيّة الحسن ، لعدم الدليل عليه ، ومنه يظهر الحال في القسم الأخير من القويّ.


والأظهر أنّ الموثق أحسن من الحسن مع إثبات العدالة في الأول ، لكنّه فرض نادر ، كما ظهر ممّا سبق وما يأتي عن قريب.

ومنها : ما كان جميع رجال سنده من غير الإمامي مع مدح الجميع بما لم يبلغ حد الوثاقة والعدالة ، ومنها غير ذلك. (١)

القسم الخامس : الضعيف ، وهو ما لم يجتمع فيه شروط أحد الأقسام السّابقة ، وللعلماء في اعتبار جميع الأقسام المزبورة ـ حتّى الضعيف في بعض الصور ـ أو اعتبار بعضها أقوال :

منها : قصر الحجيّة على الخبر الصحيح إلّا على ، أي : ما كان رواة سنده إماميين عدولا تثبت عدالة كلّ واحد منهم بعلم ، أو بتزكية عدليين.

ومنها : القول بعدم حجيّة الموثق وهو قول كلّ من يشترط الإيمان في الراوي.

ومنها : حجيّة الأقسام الثّلاثة ، وبعض أقسام القوي ، ومنها غير ذلك. (٢)

يقول مؤلّف هذا المختصر ـ غفر الله ذنوبه ووفّقه لتحصيل الحقائق ـ : إنّ هذا التقسيم باطل لا أثر له على الأصحّ ، رغم اشتهاره وتلقيه بالقبول وعدم النقاش فيه.

أمّا أوّلا : فلعدم السبيل إلى إحراز عدالة معظم الرّواة ، بعد عدم دلالة لفظ الثّقة عليها ، كما أسفلنا في البحث التّاسع والعشرين ، فيسقط القسم الأوّل والقسم الثالث إلّا نادرا.

وثانيا : إنّ أثر هذا التقسيم إنّما يظهر في فرض تعارض الإخبار بناء على القول بلزوم الترجيح بالأعدليّة والأوثقيّة والأورعيّة ، فيقدم الصحيح الأعلى على غيره ، ومطلق الصحيح على الحسن ، وهو على الموثّق ، أو على ترجيح رواية الإمامي على غيره ، كما يظهر من كلام الشّيخ رحمه‌الله في العدّة. (٣)

__________________

(١) لاحظ : مقباس الهداية : ٣٥.

(٢) قال الشّهيد الثّاني : واختلفوا بالعمل في الحسن فمنهم من عمل به مطلقا كالصحيح ، وهو الشّيخ رحمه‌الله على ما يظهر من عمله ، وكل من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ولم يشترط ظهورها ، ومنهم من ردّه مطلقا ، وهم الأكثرون ، حيث اشترط في قبول الرّواية الإيمان والعدالة. أمّا الضعيف فذهب الأكثر إلى المنع عن العمل به مطلقا ، وأجازه آخرون مع اعتضاده بالشّهرة رواية أو فتوى. انظر : الدراية : ٢٩.

أقول : يظهر منه أنّ الشّهرة غير جابرة عند الأكثر ، وهذا هو المختار.

ثمّ أنّه قد مرّ اعتبار تعدّد المزكي المعدل عند صاحب العالم وغيره في أوائل هذا الكتاب ، كما أنّ للشيخ الأنصاري قدس‌سره نظر آخر حول حجيّة خبر الواحد ذكره في رسائله ، ولا أظن بالتزامه به في الفقه فضلا عن التزام غيره به ، ولاحظه في آخر كتابنا : روح از نظر دين وعقل وعلم روحى جديد.

(٣) يأتي نقله ونقده في بعض المباحث الآتية.


ولكنّنا لا نقول بلزوم الترجيح المذكور مطلقا ، لعدم الدليل عليه. (١)

وعلى هذا لا أثر للتقسيم الخماسي المذكور ، فالصحيح رفع اليد عنه ، وجعل التقسيم ثنائيا بأن يقال : الرّواية إن أورثت الأمارات الخارجيّة الاطمئنان بصحتها وصدور مضمونها ، أو كان رواتها صادقين في أقوالهم وثقات في أخبارهم وإن كانوا من غير جهة الصدق القولي من الفساق في العقيدة ، أو العمل أو في كليهما ، فهي معتبرة وإلّا فهي ضعيفة غير معتبرة فمجرّد صدق الرّاوي أو الاطمئنان بصدور الرّواية وصحّتها كاف في حجّيتها لبناء العقلاء على ذلك.

ثمّ إنّا لا نطيل الكلام في أنّ الشّهرة ، هل تكفي لصحّة الرّواية أم لا؟ (٢)

فإنّ العبرة بحصول الاطمئنان الّذي هو علم عرفيّ وحجّة عقلائيّة لم يردع الشّارع عنه ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال كما هو المشهود ، والله الهادي.

__________________

(١) لضعف رواية عمر بن حنظلة سندا ، لاحظ : الوسائل : ١٨ / ٧٥.

(٢) لاحظ : تفصيل هذا الموضوع في البحث السّادس والثلاثين.


البحث الثالث والثلاثون

معنى : الصّحة في مصطلح القدماء

اشتهر أنّ اعتبار الرّوايات على أساس التقسيم الرباعي المبتني على ملاحظة السند ، اصطلاح جديد حادث من زمن العلّامة وشيخه ابن طاووس رحمه‌الله ، وكان القدماء يعوّلون على القرائن المفيدة للعلم أو الاطمئنان ، فالصحّة عندهم احتفاف الخبر بالقرينة ، وقيل : الصحيح عندهم ما علم صدوره من المعصوم. (١)

ونحن في هذا البحث نتعرض لبيان هذه القرائن.

قال شيخنا البهائي رحمه‌الله في محكي مشرق الشّمسين (٢) ، بعد ذكر تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة : الصحيح ، الحسن ، الموثق ، والضعيف : وهذا الإصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا ... بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه ، وذلك بأمور :

منها : وجوده في كثير من الاصول الأربعمائة الّتي نقلوها عن مشائخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة ، وكانت متداولة في تلك الأعصار مشتهرة بينهم اشتهار الشّمس في رابعة النهار. (٣)

__________________

(١) وقد يقال : إنّ الصحة عندهم هي الصحة بعينها عند المتأخّرين ، وسيأتي تفصيله عن قريب.

(٢) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٦٥ ، (الطبعة المتوسطة).

(٣) حصول القطع أو الوثوق منه مختلف باختلاف الأشخاص فرب شخص يقطع لأجل وجود الحديث في ثلاثه أصول ورب شخص لا يقطع به إلّا إذا وجده في عشرة أصول مثلا ، فليس لهذه القرينة ضابط ، ولا مجال للردّ والالزام ، لكن هذه القرينة مفقودة في أعصارنا.


ومنها : تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة. (١)

ومنها : وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل بن يسار ، أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن والبزنطي (٢) أو على العمل برواياتهم كعمّار الساباطي ، وغيرهم ممّن عدّهم شيخ الطائفة في العدّة. (٣)

ومنها : إندراجه في أحد الكتب الّتي عرضت على الأئمّة عليهم‌السلام فأثنوا على مصنفيها ، ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي ، الّذي عرضه على الصّادق عليه‌السلام (٤) ، وكتابي يونس بن عبد الرحمن ، (٥) والفضل بن شاذان (٦) ، المعروضين على العسكري عليه‌السلام.

وقال الشّهيد الثّاني في محكي شرح دراية الحديث :

قد كان استقرار أمر المتقدمين على أربعمائة مصنّف سمّوها أصولا ، فكان عليها اعتمادهم. (٧)

ثمّ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الاصول ، ولخصها جماعة في كتب خاصّة .... (٨)

ومنها : كونه مأخوذا من الكتب الّتي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الفرقة الناجية المحقّة ، ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله ، وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، وكتب الحسين بن عبد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

__________________

(١) إذا كان صاحب الأصل ثقة ، يكون حال التكرر ما تقدّم في القرينة الأولى. وإذا كان بعض أسانيده معتبرا فهو خارج عن محل النزاع.

(٢) مرّ البحث حول هذا الموضوع في البحث الحادي عشر.

(٣) ليس معنى العمل بروايات أحد الغضّ عن ضعف من قبله.

(٤) واستحسنه وقال ليس لهؤلآء ـ يعني المخالفين ـ مثله نسبه الشّيخ إلى قيل ، وفي النجاشي : وعرضه على أبي عبد الله عليه‌السلام وصحّحه ... ولكنّه مرسل.

(٥) وفي النجّاشي بسند صحيح عن الجعفري : عرضت على أبي محمّد صاحب العسكري عليه‌السلام كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال : «تصنيف من هذا؟» فقلت : تصنيف يونس آل يقطين ، فقال : «أعطاه الله بكلّ حرف نورا يوم القيامة».

(٦) نقل الكشّي روايتين ضعيفتين دلالة وسندا في حقّ كتاب يوم وليلته.

(٧) كاعتمادنا على الكتب الأربعة ، وأمثالها غير المنافي لضعف بعض رواياتها ، وإلّا فهو مطالب بدليله ، والظاهر أنّه نفسه أيضا يذهب إلى ما قلنا ، كما يفهم من سيرته في الفقه.

(٨) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٦٧.


ثمّ إنّ المحدّث الحرّ العاملي بعد تعريفه القرينة بما ينفك عن الخبر وله دخل في ثبوته وتقسيمها إلى ما يدلّ على ثبوت الخبر عنهم عليهم‌السلام وعلى صحّة مضمونه ، وإن احتمل كونه موضوعا ، وعلى ترجيحه على معارضه ، تعرّض لبيان القرائن ، وإليك خلاصتها (١) :

١. كون الرّاوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة وكثيرا ما يحصل العلم بذلك ، حتّى لا يبقى شك وإن كان الثّقة فاسد المذهب ... وهذا أمر وجداني يساعده الأحاديث المتواترة في الأمر بالعمل بخبر الثّقة والنهي عن العمل بالظّن. (٢)

٢. ذكر الحديث في كتب من كتب الاصول المجمع عليها ، أو في كتاب أحد من الثقات لاطلاق ما دلّ على حجية قول الثقات ، حتّى وإن نقلوا عن ضعيف أو مرسلا ، ومن المعلوم قطعا إنّ الكتب الّتي أمروا عليهم‌السلام بالعمل بها كان كثيرا من رواتها ضعفاء ومجاهيل ، وكثيرا منها مراسيل. (٣)

وكون الحديث مأخوذا من الكتب المشار إليها يعلم بالتصريح وبقرائن ظاهرة في التهذيب والاستبصار والفقيه وغيرها.

٣. كون الحديث موجودا في الكتب الأربعة ونحوها من الكتب المتواترة المشهود لها بالصحة. (٤)

٤. كونه منقولا من كتاب أحد من أصحاب الإجماع. (٥)

٥. كون بعض رواته من أصحاب الإجماع. (٦)

٦. كون الحديث من روايات بعض الجماعة الّذين وثقهم الأئمّة ، وأمروا بالرّجوع إليهم والعمل برواياتهم. (٧)

__________________

(١) المصدر : ٢٠ / ٩٣ وما بعدها.

(٢) الكثرة ممنوعة ، والجمع بين الطائفتين يقتضي تخصيص الثانية بالاولى ، فهو اشتبه بين التخصيص والتخصّص ، على أنّ العمل إنّما هو بالأدلة القاطعة لحجيّة الأمارات الظّنية لا بالظّن نفسه ، ثمّ أقول : هنيئا للمحدّث رحمه‌الله وأمثاله ممّن يتيسر لهم العلم بخبر الواحد الثّقة ، وأنّي لنا ولأمثالنا ذلك.

(٣) لا إجماع على حجيّة تمام روايات أصل من الاصول ، وأمّا الإطلاق الّذي ادّعاه فهو واضح الفساد ، ودعواه القطع ممنوعة ، ولو فرض إثبات أمره عليه‌السلام بالعمل بكتاب ، أصبح رواياته صحيحة ؛ لأجل هذا الأمر ، لا لأجل أسانيدها الأوّلى ، ففيه مغالطة واضحة.

(٤) يأتي ضعفه مفصلا في محله.

(٥) مرّ ما فيه.

(٦) ضعّفناه سابقا ، فلاحظ البحث الحادي عشر.

(٧) ليس فيه زيادة على حجيّة قول الثّقة ولا يمكن أن يكون أزيد منها ، ولا يدل على اعتبار نقل الضعفاء والوضاعين والمجهولين بعد الثّقة المذكور ، وقبله.


٧. كونه موافقا للقرآن ، والمراد : الآيات الواضحة الدلالة ، أو المعلوم تفسيرها عنهم عليهم‌السلام.

٨. كونه موافقا للسنّة المعلومة.

٩. كونه موافقا للضروريّات. (١)

١٠. عدم وجود معارض وقد ذكر الشّيخ انّه يكون مجمعا عليه ، لأنّه لولا ذلك لنقلوا له معارضا. (٢)

١١. عدم احتماله للتقية. (٣)

١٢. تعلّقه بالاستحباب مع ثبوت المشروعيّة بأخبار من بلغ. (٤)

١٣. موافقته للاحتياط للأمر به في الأحاديث الكثيرة. (٥)

١٤. موافقته لدليل عقلي قطعي.

١٥. موافقته لاجماع المسلمين أو خصوص الإماميّة أو للمشهور منهم (٦) أو لفتوى جماعة منهم. (٧)

يقول المحدّث النوري رحمه‌الله في جواب من قال بأنّ حكم الكليني بصحّة أحاديثه لا يستلزم صحّتها باصطلاح المتأخّرين :

بأن هذا وارد على من أراد أن يحكم بصحّة أحاديثه بالمعنى الجديد بمجرّد شهادته بها ، وأمّا من كان الحجّة عنده من الخبر ما وثقّوا به أمثال ما ذكره الشّيخ البهائي وغيره من علماء الرجال من القرائن الموروثة للوثوق والاطمينان بصدور الخبر لا بمضمونه ، فشهادته نافعة. (٨)

أقول :

مرّ أنّ المعتبر من الخبر ما وثق بصدوره ، أو رواه الثّقة ، وهذا ممّا لا شك فيه عندنا ، لكن الكلام في حصول الاطمئنان من هذه القرائن ، وهو غير حاصل لنا ، فما ذكره هذا المحدّث لا

__________________

(١) الوجوه الثّلاثة لا توجب حجيّة الخبر وصدوره بل هي تصحّح مضمون الخبر.

(٢) واضح الضعف وكلام الشّيخ في الاستبصار غير دال عليه كما تخيّله هو.

(٣) وهو كما ترى ؛ فانّه إهمال لاحتمال الوضع والكذب!

(٤) أخبار من بلغ تثبت استحقاق الثواب على العمل رجاء ، ولا تثبت صدور الخبر الضعيف.

(٥) هذه قرينة لصحة مضمون الخبر ، لا لصدوره ، ومثله الأخيران.

(٦) بناءا على أن الشّهرة الفتوائية جابرة ، لكن القول بها ضعيف عندنا.

(٧) ضعفه ظاهر.

(٨) خاتمة مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٦.


يرجع إلى محصل.

نقل ونقد

أنكر المحدّث النوري أعميّة اصطلاح القدماء في الصحيح من اصطلاح المتأخّرين ، وطالب البهائي وصاحب المنتقي رحمه‌الله ـ بعد نقل كلامهما ـ بمأخذ هذه النسبة ، فإنّه وجد القدماء يطلقون الصحيح غالبا على رواية الثّقة ، ولم يجد في كلامهم ما دلّ على الأعميّة المذكورة.

ثمّ استظهر أنّ البهائي ومن تبعه اشتبه عليهم المعمول به بالصحيح ، ولا ملازمة بينهما كما عند المتأخّرين ، كالضعيف المنجبر والحسن عند من يرى حجيّته ، ثمّ نقل كلام الشّيخ الطّوسي في أنّ العقل والكتاب والسنّة والإجماع مصحّحة متضمّن الخبر لا نفسه ، واستشهد به على أنّ صحّة الخبر لا تكون بغير وثاقة الرّواة. (١)

ثمّ ذكر كلام جماعة أرادوا اعتبار ما في كتبهم بدعوي أنّ ما فيها منقول من الثقات ، وكذا كلام جماعة يفهم منه دوران الصّحة مدار الوثاقة والموثقية.

أقول :

يمكن أن يستدل على أعميّة اصطلاح المذكور بما يأتي عن مقدّمة : الكافي والفقيه من إطلاق الصحّة على رواياتهما لبعد اعتقاد الكليني والصّدوق رحمه‌الله وثاقة جميع رواة أخبار كتابيهما ، فيكون التّصحيح مستندا إلى قرائن إحداها صداقة الرّواة أو عدالتهم ظاهرا.

ومرّ قول السّيد المرتضي : أكثر أحاديثنا ... مقطوع على صحّتها إمّا بالتواتر ... وإمّا بعلّامة وأمارة دلّت على صحتّها وصدق رواتها ... كيف ولو كان عملهم مقصورا على الصحاح بمعنى الاصطلاح الجديد ؛ لاهتمّوا بوثاقة الرّواة؟

وهذا شيخ الطائفة وترجمان القدماء ـ بإقرار المحدّث النوري ـ لم يهتّم بالتعديل والتوثيق حقّ الاهتمام ، ومن دقّق النظر في رجاله وفهرسته يعلم أنّ حجيّة الإخبار لم تكن عند القدماء مقصورة على الصحيح المصطلح عند المتأخّرين ، وإلّا لأكثر الشّيخ من التوثيق.

وهنا شيء آخر ، وهو أن الشّيخ ربّما ضعّف راويا في محلّ ، ثمّ يقبل روايته في محلّ

__________________

(١) لكنّه لم يأت بالشّاهد على ذلك في المقوية لصدور الخبر ، وكلام الشّيخ في القرائن المقويّة لمضمون الخبر.


آخر ، بل يخصّص بها روايات كثيرة كما قيل ، نعم ، هذا وقبله لا يدلّ على استعمال الصحيح في المعمول به.

ثمّ إنّ ثمرة إنكار النوري تظهر في قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعات ، وفي قولهم فلان صحيح الحديث ونحوهما ، فإنّه يحمل على وثاقة رواتها لا على مجرّد اعتبار رواياتهم.

وقد تقدّم ضعفه.

وينبغي التنبيه على أمر :

وهو أنّه قد نسب إلى القدماء أو جمع منهم تفسير العدالة بالإسلام وعدم ظهور الفسق ، فإذا احتملنا أن تصحيحهم الإخبار مستند إلى هذا المبني ، الّذي لا نقول به ، كيف نعتمد على حكمهم بالصّحة ، وليس في كلام المحدّث ما يدلّ على أنّ القدماء لا يطلقون الصحيح على غير خبر الثقة ، لكن الظاهر من كلام الشّيخ الأنصاري في رسالة العدالة إنّ القائل بهذا الّذي نسب إلى القدماء ، إمّا غير ثابت ، وأمّا نادر جدّا.


البحث الرابع والثلاثون

حول المراجع الرجاليّة وسائر كتب الرجال

المراجع الرجاليّة المهمّة أربعة

١. كتاب الكشي رحمه‌الله

يقال : كما عن معالم العلماء إنّ اسمه معرفة الناقلين عن الأئمّة الصّادقين ، والظاهر من الفهرست (١) إنّ اسمه : معرفة الرجال. ومن المؤسف أنّه ليس لدينا علم كثير بتأريخ مؤلّفه أبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي (٢) ولا بأصل الكتاب.

وصرّح جملة من الأساطين إنّ كتاب الكشّي لم يصل إلى المتأخّرين ، كالعلّامة وغيره ، وإنّما الواصل إليهم وإلينا هو ما رتّبه الشّيخ الطّوسي واختاره من أصل الكتاب وسبب الاختيار ، إمّا اصلاح أغلاطه أو تجريده من رجال العامّة ، كما نقل المحدّث النوري (٣).

__________________

(١) الفهرست : ٥٩.

(٢) وقال الشّيخ رحمه‌الله في حقّه : ثقة ، بصير بالأخبار وبالرجال ، حسن الاعتقاد ـ مستقيم المذهب ـ كما في الفهرست ورجاله.

وقال النجاشي رحمه‌الله في حقّه : كان ثقة ، عينا. وروي عن الضعفاء كثيرا ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه ، وفي داره الّتي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم. له كتاب الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة.

ويقول السّيد الأستاذ قدس‌سره في معجمه : يظهر من رواية جعفر بن محمّد ابن قولويه عن الكشّي ، كما ذكره النجّاشي إنّ الكشّي في طبقة الكليني وأضرابه ، معجم الرجال : ١٧ / ٧٢.

(٣) مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٠.


وقد استدلّوا على ذلك بوجوه قابلة للنقاش فيها (١) والعمدة تصريح ابن طاووس على ما نقله المحدّث النوري (٢) من فرج المهموم ، حيث قال :

ونحن نذكر ما روي عنه ـ أي : عن الشّيخ ـ في أوّل اختياره عن خطّه ، فهذا لفظ وجدناه : املأ علينا الشّيخ الجليل الموفق أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطّوسي (أدام الله علوّه) كان ابتداء إملائه يوم الثّلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة ٤٥٦ ه‍ بالمشهد المقدّس الشّريف الغروي على ساكنه السلام ، فإنّ هذه الإخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمّد بن عمر عبد العزيز الكشّي واخترنا ما فيها.

أقول :

هذا الكلام إنّما يثبت إنّ الشّيخ رحمه‌الله قد اختصر الكتاب المذكور ، وأمّا أنّ الموجود عندنا هل هذا المختصر ، أو الأصل فلا يثبته ، فافهم.

نعم ، في كتاب الكشّي الموجود ، في آخر ترجمة أبي يحيى الجرجاني جملة تشهد بأن هذا الموجود هو مختصر الشّيخ وهي :

وسنذكر بعض مصنّفاته فإنّها ملاح ، ذكرناها نحن في كتاب الفهرست ونقلناها من كتابه.

أقول :

ليس للكشي كتاب فهرست ، فالجملة الأخيرة من الشّيخ لا محالة.

ثمّ قال النوري :

إنّ السّيد يوسف بن محمّد رتّب هذا الكتاب على ترتيب رجال الشّيخ في سنة ٩٨١ ه‍ وكان عندي منه نسخة.

ثمّ رتبه على ترتيب منهج المقال وأمثاله المولى عناية الله القهباني تلميذ التستري والأردبيلي في سنة ١٠١١ ه‍. وعندنا نسخة الأصل منه ... ورتّبه أيضا الشّيخ داود بن الحسن الجزائري المعاصر لصاحب الحدائق ، كما صرّح به في اللؤلؤة ولم نعثر على نسخته. (٣)

ويقول المامقاني :

وأمّا أصل كتاب الكشّي فلم نقف عليه ولم نقف على من وقف عليه بعد السّيد ابن

__________________

(١) لا أرى نفعا في نقلها والإشكال فيها ، فمن شاء فليراجع : قاموس الرجال ، ومقدّمة كتاب الكشّي ، المطبوع.

(٢) من مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٠.

(٣) المصدر : ٣ / ٥٢٩.


طاووس ، فإنّه أيضا قد اختار منه ، ومن كتب اخر ورتبه وبوبّه ، ولكنّا لم نعثر عليه ، وكان عند العلّامة وحذا حذوه ، وكلّ ما ينقله عن الكشّي فإنّما ينقل عنه لا عن اختيار الشّيخ رحمه‌الله ، وقد أصاب نسخة ابن طاووس تلف في جملة من المواضع ، بحيث صار نسخ الكتاب بكماله متعذّرا ، فتصدّي صاحب المعالم لجمع ما أمكن منه وتحريره وتهذيبه ، وسمّاه بالتحرير الطاووسي ، وعندي منه نسخة تعبنا في تصحيحها. (١)

قال بعض أهل التّتبع (٢) :

وأمّا رجال الكشّي ، فلم تصل نسخته صحيحة إلى أحد حتّى الشّيخ والنجّاشي ، حتّى قال النجّاشي فيه : كتاب كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة وتصحيفاته أكثر من أن تحصى. وإنّما السالم منه معدود ... بل قلّما تسلم رواية من رواياته عن التصحيف ، بل وقع في كثير من عناوينه ، بل وقع فيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة اخرى ...

ثمّ إنّ الشّيخ اختار مقدارا منه مع ما فيه من الخلط والتصحيف ، وأسقط منه أبوابه ، وإن بقي ترتيبه ؛ لأنّ غرضه كان مجرّد معرفة حالهم المذكورة فيه دون من كانوا من أصحابه عليه‌السلام والقهباني الّذي رتّب الاختيار أراد اصلاح بعض ما فيه فزاد في إفساده ...

ثمّ إنّه حدث في اختيار من الكشّي أيضا تحريفات غير ما كان في أصله ، فإنّه شأن كلّ كاتب إلّا أنّها لم تكن بقدر الأصل ؛ ولذا ترى نسخ الاختيار أيضا مختلفة لا سيّما نسخة القهباني ، فإنّها تختلف مع النسخة المطبوعة في عنوان الحسن بن سعيد الأهوازي ، وعنوان محمّد بن إسحاق صاحب المغازي ، الخ. (٣)

أقول :

هذا بعض كلام هذا الفاضل المتتبّع ، ولعلّه غير خال عن الإفراط في التنقيص.

وكتاب الكشّي فيه امتياز التعرّض لمدح الرّواة وذمّهم بالسند المتّصل ويعدّ لأجله من أحسن الكتب الرجاليّة الموجودة. وعدد المذكورين فيه حسب أرقام النسخة المطبوعة في النجف هو ٥٢٠ شخصا.

وتبلغ عدد رواياته ومنقولاته عن المعصوم وغيره حسب أرقام النسخة المطبوعة في المشهد الرضوي ١١٥١.

__________________

(١) من تنقيح المقال : ٣ / ١٠٠.

(٢) قاموس الرجال : ١ / ٤٣ و ٤٤.

(٣) المصدر : ١ / ٤٧.


وأمّا مشائخ الكشّي ـ أي من روي عنهم بلا واسطة بظاهر العبارة ـ فهي أكثر من ستّين شخصا ، لكن الخبير المتأمّل يعلم أنّ جملة منهم ليسوا من مشائخه ، وإنّما روي عنهم مرسلا. وقد ذكر المحدّث النوري (١) أسماء جملة منهم كما أنّ معلّق رجال الكشي (٢) ذكرهم أيضا ، وبينهما اختلاف. (٣)

وقال بعض الفضلاء :

إنّ الشّيخ الطوسي رحمه‌الله ذكر الأسانيد المعلّقة ـ في اختياره عن كتاب معرفة الرجال ـ على ما وجدها من دون إصلاحها ، فصعب على الناظرين تمييز صحيحها من سقيمها ، ولم يصحّ من ١١٥٠ نصّا إلّا أقلّ قليل منها ، لا يبلغ رقمها إلى ثلاث مائة. (٤)

قال المحدّث النوري في خاتمة المستدرك : واعلم : أنّه قد ظهر لنا من بعض القرائن أنّه قد وقع في اختيار الشّيخ أيضا تصرف من بعض العلماء بإسقاط بعض ما فيه ، وإنّ الدائر في هذه الأعصار غير حاو لتمام ما في الاختيار ولم أر من تنبّه لذلك ، ولا وحشة من هذه الدعوى بعد وجود القرائن ... (٥)

ثمّ ذكر أربع قرائن عليها :

أوّلها : ما تقدّم من جملات ابن طاووس ، فإنّها غير موجودة في كتاب الكشّي المتداول.

ثانيها وثالثها : عدم ذكر روايتين فيه نقل إحداهما ابن شهر آشوب في مناقبه ، وثانيتهما الميرزا محمّد في حاشية تلخيص المقال عن اختيار الشّيخ.

رابعها : ما نقله ابن داود في رجاله ، عن الكشّي من أن حمدان بن أحمد من خاصّة الخاصّة ، أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، ولا يوجد هذا في النسخة الموجودة منه.

٢. كتاب فهرست الشّيخ قدس‌سره

وهو أقدم تأليفا من كتاب رجاله وقد تكرّرت إحالته فيه على الفهرست ، وكان تأليفه حين تأليف الفهرست في قصده ، كما يظهر من ترجمة زرارة في الفهرست. (٦)

__________________

(١) خاتمة المستدرك : ٣ / ٥٣٠.

(٢) رجال الكشي ، طبعة جامعة المشهد ، ١٣٤٨ ه‍ ش.

(٣) وقد تعرّض سيّدنا البروجردي رضي‌الله‌عنه أيضا لرجال أسانيد وطبقات رجال الكشّي ، وفهرستي الشّيخ والنجاشي قدس‌سره مفصلا في الجزء السادس من كتابه الموسوعة الرجاليّة ولا يسع هذا الكتاب تفصيل مثل هذه المسائل.

(٤) معرفة الحديث : ٥٦.

(٥) خاتمة المستدرك : ٣ / ٥٣.

(٦) وقيل إنّ الشّيخ رحمه‌الله قام بتأليف كتابيه الرجال والفهرست معا. يكتب أسماء الرّواة طبقة بعد طبقة في كرّاسة وأسماء المؤلّفين على ترتيب الحروف في كراسة أخرى ، حتّى تمّ الكتابان معا ، لكنّه لم يذكر له دليلا.


وقد احتوت الفهرست على ترجمة ٩٠٩ أو ٨٩٢ شخصا (١) سبعة منهم من الواقفيّة وخمسة من الفطحيّة ، وخمسة من الزيديّة ، وعشرة من العامّة ، والباقي كلّهم من الإماميّة ، كما قيل.

وقد تصفّحتها مرّتين (٢) فوجدت عدد من ضعّفه فيها أقلّ من عشرين شخصا ، وعدد من وثّقه أو مدحه مدحا يفيد صدقه أقلّ من مائة وعشرين راويا ؛ وبذلك لا تكثر فائدة الفهرست ، بل هي أقلّ نفعا ، حتّى من رجاله من هذه النّاحيّة ، نعم ، ذكر فيه طرقه إلى جملة من الرّواة يفهم منها اعتبار جملة كثيرة من روايات التهذيبين ، على تردّد فيه ، وسيأتي بحثه في البحث الخامس والأربعين.

ويزيد تعجّب القارئ حينما يلاحظ كلام الشّيخ في أوّلها :

فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الاصول ، فلا بدّ أن أشير إلى ما قيل فيه من التّعديل والتّجريح ، وهل يعول على روايته أو لا؟

وابين عن اعتقاده ...

إذ مع وعده وإلتزامه بنقل التّعديل والتّجريح للرواة ، قد سكت عنهما في الغالب المعظم ، وهذا غريب وعجيب ، واحتمال إنّه وعد نقل المدح والجرح فيمن نقل فيه أحدهما لا في كلّ واحد منهم ، فلعلّ المعظم لم يعلم مدحهم وجرحهم ، مع أنّه خلاف ظاهر عبارته ، مقطوع البطلان فإنّ في المسكوت عنهم من يقطع بوثاقته لكونهم من أجلّاء الثقات وأعاظم الأصحاب ، الّذين لا شك في وثاقتهم ، ويدلّ على بطلان هذا الاحتمال كلام الشيخ في عدّته ، كما يأتي في هذا البحث ذيل عنوان : الكتب الرجاليّة للإماميّة في الصفحة ال ٢٠٣.

والعدول عن الوعد وما إلتزم الإنسان على نفسه وإن كان أمرا ممكنا غير أنّ مثل هذا العدول عديم النظير ، فإنّ أوّل من بدأ بهم هم المسمّون بآدم وهؤلآء ثلاثة أشخاص ، وقد سكت عن بيان حالهم.

إلّا إن يقال : أنّ كلّ من لم يتعرّض له الشّيخ فهو ثقة وممدوح ، وإنّما نصّ على وثاقة من وثّقة لجهة خاصّة ، لكنّه مع فرض صحّته مخالف لو عدّه أيضا ، والناظر في كتابه يحسب أنّ

__________________

(١) الرقم الأوّل للنسخة المطبوعة في النجف الأشرف ، والرقم الثّاني للنسخة المطبوعة في المشهد الرضوي ، وقيل : إنّها لأوّل مرّة طبعت في عام ١٢٧١ ه‍ ق في الهند بتوسّط اسپرنگر.

وقيل : أيضا أنّ الشّيخ ذكر فيها ما يقرب من ألفي كتاب.

(٢) مرّة عند التأليف في ١٢ شهر رمضان ١٣٩٢ ه‍ في بلدتي قندهار أفغانستان ، وأخرى بعد الطبعة الأوّلى وعند الإصلاح للطبعة الثانية في ربيع المولود ١٤٠٣ ه‍. في بلدة قم المقدّسة.


الشّيخ متعمّد في ترك التّوثيق ، بل في التضعيف أيضا على وجه ومع هذا التخلف لا يحسن لنا أن نعتمد على مواعيد الشّيخ في كتبه.

ثمّ إنّ غير واحد استظهروا من مقدّمة الفهرست أنّ كلّ من تعرّض له الشّيخ فيها ، ولم يذكر مذهبه ، فهو شيعي وإن لم يكن إماميّا.

أقول : لا بأس بهذا الاستظهار ، كما يظهر من مطالعة المقدّمة المذكورة بتمامها ، وإن لم ينف الشّيخ ذكر كتب المخالفين ومصنّفيهم ، بل له عبارة ربّما تشعر بالخلاف ، وهي قوله : لأنّ كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة ...

فترى أنّه لم يقيّد أصحاب الاصول بكونهم من أصحابنا ، فتأمّل.

لكن التأمّل في تمام المقدّمة يقضي بما قال هؤلآء الأعلام ، إلّا أنّ الاعتماد على وعد الشّيخ ، كما قلنا آنفا مشكل.

نعم ، له جملة في ترجمة ابن عقدة الزيدي ، ربّما تشعر بأنّ الأصل فيمن تعرّض له ، هو كونه إماميّا.

قال : وإنّما ذكرناه في جملة أصحابنا لكثرة روايته عنهم وخلطته بهم وتصنيفه لهم.

واعلم : أنّ الشّيخ لم يذكر في فهرسته طريقه إلى جماعة أنهاها بعض أهل العلم إلى سبعة وأربعين رجلا ، وهم : أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل ، وأحمد بن إسماعيل بن سمكة ، وأحمد بن الحسن الخزاز ، وأحمد بن داود بن سعيد ، وأحمد بن شعيب ، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وأحمد بن عبد الله بن مهران ، وأحمد بن فارس بن زكريا ، وأحمد هلال ، وإسماعيل بن علي النوبختي ، وإسماعيل بن محمّد قنبرة ، وبندار بن محمّد ، وثابت الضرير ، والحسن بن موسى ، والحسين بن شاذويه ، والحسن بن حمدان ، وغيرهم.

وهناك جماعة اخرى ربّما يبلغون إلى ٢٨ رجلا أشار إلى من ذكرهم ، أو روي عنهم ، ولكن لم يصل أسناده فيه إلى من ذكر ، أو روي كالحسين بن زياد ، والحسين بن زيد ، وحميد بن الربيع وزيد النرسي والسري بن عاصم وغيره ، ولا حاجة إلى ذكر أسمائهم ، فهؤلآء ٧٥ رجلا لا طريق للشيخ إليهم في الفهرست.

يقول الكلباسي رحمه‌الله :

إنّ أكثر نسخ الكتاب الفهرست لا يخلو من تصحيفات وأغاليط ، كما قال بعض المهرة : من أنّ أكثر النسخ الموجودة في أيدي أبناء الزمان ، لقد لعبت بها أيدي


التصحيف ، وولعت بها حوادث الغلط والتحريف.

وقد جرى المحقّق البحراني الشّيخ سليمان على شرحه محاولا فيه ترتيب تراجمه على وجه أنيق ... مصلحا ما لعبت به أيدي التصرّف والفساد ... مسميّا له ب : معراج أهل الكمال إلى معرفة أهل الرجال ، ولكنّه لم يبرز منه في قالب التصنيف إلّا الأسماء المصدرة بحرف الألف .... (١)

ثمّ إنّه استظهر السّيد بحر العلوم رضي‌الله‌عنه في الفائدة العاشرة من آخر رجاله إنّ جميع من ذكره الشّيخ في الفهرست من الشّيعة الإماميّة ، إلّا من نصّ فيه على خلاف ذلك من الرجال الزيديّة والفطحيّة والواقفيّة وغيرهم ، كما يدلّ عليه وضع هذا الكتاب فإنّه في فهرست كتب الأصحاب ومصنّفاتهم دون غيرهم من الفرق.

وكذا كتاب النجّاشي قدس‌سره فكلّ من ذكر له ترجمة في الكتابين فهو صحيح المذهب ممدوح بمدح عام يقتضيه الوضع لذكر المصنّفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشأن كتبهم ، وذكر الطريق إليهم وذكر من روي عنهم ، ومن رووا عنه ، ومن هذا يعلم إنّ إطلاق الجهالة على المذكورين في الفهرست ، ورجال النجّاشي من دون توثيق أو مدح خاصّ ليس على ما ينبغي انتهى ، وتبعه غيره فيه.

أقول :

عبارة الشّيخ المذكورة سابقا : لأنّ كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة ، تمنع من الحكم بكونهم من الشّيعة الإماميّة.

وأمّا ما استظهر من كتاب النجّاشي ، فسيأتي بحثه.

وأمّا استفادة المدح لكلّ من تعرّض له الشّيخ ، ففيها إشكالان :

أوّلهما : إنّ مجرّد العلم وتأليف كتاب لا تدلّ على وثاقة أحد ، ومدحه المستلزم لصدقه ، وكذا مجرّد ذكر كتبهم وذكر من رووا عنه ليس توثيقا ومدحا له. وترى الشّيخ قدس‌سره يقول في إسماعيل بن علي بن رزين الخزاعي ... : وكان مختلط الأمر في الحديث يعرف منه ، وينكر وله كتاب تأريخ الأئمّة عليهم‌السلام أخبرنا عنه برواياته كلّها الشّريف أبو المحمّدي ، وسمعنا هلال الحفّار يروي عنه مسند الرضا عليه‌السلام وغيره ، فسمعنا منه وأجاز لنا باقي رواياته. (٢)

__________________

(١) سماء المقال : ١ / ١٣١ ، الطبعة الجديدة المحقّقة.

(٢) الفهرست : ٣٦.


ويقول في أحمد بن محمّد بن سيار ... : ويعرف بالسياري ضعيف الحديث ، فاسد المذهب ، مجفو الرّواية ، كثير المراسيل ، وصنّف كتبا كثيرة ... وأخبرنا بالنوادر وغيرها ـ أي : بكتبه ـ جماعة من أصحابنا ....

ثانيهما : إنّ الشّيخ نفسه ينفي هذا المدح العامّ المزعوم : إن اريد به العدالة أو الصدق وحده ، فإنّه يقول : فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الأصول ، فلا بدّ من أن أشير إلى ما قيل فيه من التّعديل والتّجريح ، وهل يعول على روايته أو لا.

فهو قدس‌سره لا يرى مجرّد ذكر أحد مع كتابه أو أصله موجبا للعمل والاعتماد بروايته ، بل يرى من الواجب : كما تدلّ عليه كلمة : فلا بدّ ، ذكر التّعديل والتّجريح وما يصحّ لأجله التعويل على روايته ، فما ذكره هذا السّيد الجليل غير معتمد.

على أنّ وضع الفهرست لبيان مجرّد الكتب والأصول المصنّفة دون ذكر أحوال الرّواة والمؤلّفين مدحا وذما فإنّه أمر ثانوي تبعي. (١)

ثمّ إنّ السّيد البروجردي رحمه‌الله قد تعرض لبيان طبقات رجال أسانيد الفهرست في الجزء السادس من الموسوعة الرجاليّة. والبحث العمدة المثمر جدّا في الفهرست هو :

هل يصحّ الحكم باعتبار أسانيد روايات التهذيبين بصحّة أسانيد الشّيخ في الفهرست أو لا؟

وسوف نفصل القول فيه في البحث الرابع والأربعين والخامس والأربعين إن شاء الله تعالى.

٣. كتاب رجال الشّيخ ،

وقد ألفه لمجرّد ذكر الرّواة عن النّبيّ والأئمّة عليهم‌السلام بعد الفهرست ولم يوثّق ولم يضعّف : بلفظ التّوثيق والتضعيف ، من أصحاب النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الأربعة أمير المؤمنين وابنيه الحسنين والسجاد عليهم‌السلام أحدا ، وإنّما استعمل لفظي : الثّقة والضعيف في أصحاب الباقر ، ومن بعده من الأئمّة عليهم‌السلام ، ويمكن أن نجعل هذا دليلا على كون توثيقاته غير حدسيّة ، بل منقولة إليه بالسلسلة المتّصلة ، وتدلّ عليه قوله السّابق :

فلا بدّ أن أشير إلى ما قيل فيه من التّعديل والتّجريح ...

وعدّ بعض الفضلاء الأسماء المذكورة فيها ، فأنّهاها إلى زهاء ٨٩٠٠ اسما (٢) ، ولكنّها

__________________

(١) وعلى الجملة العلم والتأليف مدح ، لكنّه لا يدلّ على الصدق فضلا عن العدالة الّتي فسّر بها الحسن في كلامه السّابق ، ولا منافاة بين كون أحد ممدوحا لأجل العلم والتأليف ومجهولا من ناحية الصدق والوثاقة ، ولعلّه مراد السّيد بحر العلوم رحمه‌الله.

(٢) كما هو مكتوب على ظهر الكتاب المذكور من الطبعة الحديثة.


حسب حسابي ـ غير القطعي ـ ظهرت أقلّ منها بكثير ، وإن شئت أن تحيط ببعض خصوصيّات الكتاب المذكور ، فانظر إلى هذا الجدول مع الاعتراف بعدم كونه قطعيا ، فإنّا لم ندقّق النظر عند الحساب إلى حدّ اليقين :

اسم المعصوم

تعداد أصحابه

الثقة والممدوح

الضعيف ولو لكونه غاليا

النّبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٧٠

٣

١

أمير المؤمنين عليه‌السلام

٤٤١

١١

٥

الحسن عليه‌السلام

٤٢

٠

٠

الحسين عليه‌السلام

١١٩ (١)

٠

٠

السجاد عليه‌السلام

١٧٣

٠

١

الباقر عليه‌السلام

٤٦٦

٦

٠

الصادق عليه‌السلام

٣٢٣٦ (٢)

٨

٦

الكاظم عليه‌السلام

٢٧٣

٢٩

٤

الرضا عليه‌السلام

٣١٨

٤٦

٧

الجواد عليه‌السلام

١٣١

١١

٣

الهادي عليه‌السلام

١٨٩

٢٥

١٥

العسكري عليه‌السلام

١٠٣

١٠

٣

في باب من لم يرو عنهم

٤٨٩

٥١

١٨

المجموع

٦٤٥٠

٢٠٠

٦٣

وليلتفت القارئ أنّ في الأسماء مكرّرات في بعض أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ولم نحذفها في التعداد ، وهي تزيد على المأتين.

وعدّ بعض الفضلاء الرقم المسلسل إلى ٦٤٢٩ ، ورقم الثقات إلى ١٥٦ ورقم الضعفا ـ ولو على بعض الوجوه ـ إلى ٤٣ ، ومعتنقي المذاهب الفاسدة إلى أكثر من مائة وعشرين (٣).

__________________

(١) قيل : لعلّ من ورد ذكره من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين والحسنين عليهم‌السلام في رواياتنا لا يبلغ عددهم خمسين راويا.

(٢) قيل بكونهم ٣٠٥٠ شخصا. لاحظ : أسماء المقال : ٥٢. وخاتمة المستدرك للنوري رحمه‌الله وعلى كلّ هذا العدد يضعف ما اشتهر من أن أصحاب الصّادق عليه‌السلام أربعة آلاف شخص ، فإنّ الشّيخ كما قال في رجاله ذكر جميع من ذكره ابن عقدة ، وزاد عليهم حسب تتبّعه.

(٣) أخرج بعض تلامذتي ـ سلمان الأحمدي ـ أسماء من قال الشّيخ في حقّهم : خارجى ملعون أظهر الغلو ، رمي بالغلوّ ملعون ، غال كذّاب ، غال ومتّهم بالغلوّ ، فبلغت ٣٧ شخصا.


لاحظ : رجال الشّيخ المطبوع طبعة جامعة المدرّسين عام ١٤١٥ ه‍ ق.

ثمّ من العجيب إنّه لم يوثّق ولم يضعّف من أصحاب الصّادق عليه‌السلام مع تلك الكثرة المكثرة إلّا عددا ضئيلا غير قابل للالتفات إليه ، مع أنّه وثّق من أصحاب الكاظم والرضا صلى‌الله‌عليه‌وآله عددا كثيرا بالنسبة إلى عدد أصحابهما.

ولو أنّ الشّيخ التفت إلى قدر توثيقاته وتجريحاته وأهميّتهما بالنّسبة إلى الأجيال القادمة والأزمان الآتية ، كأمثال زماننا لأتعب نفسه الزكيّة فيهما ، حتّى لا يخلو ذكر أحد عن مدحه أو جرحه ، اللهم إلّا من لم يتمكّن الشّيخ من استعلام حاله.

والخلاصة :

إنّ رجال الشّيخ في حدّ نفسه ولغايته كتاب مفيد شكر الله مساعيه ، غير أنّه لم يفد فائدة مهمّة تامّة لعلم الرجال الباحث عن أحوال الرّواة وثاقة وضعفا ؛ إذ مجموع من وثقه في كتابيه الرجال والفهرست أقلّ من : ٣٢٠ راويا ، ومجموع من ضعّفه ، أقلّ من : ٨٣ شخصا.

واعلم : أنّ المتدبّر في كتابي الشّيخ قدس‌سره يقضي جزما بأنّ استنباط الأحكام من الإخبار الآحاد لم يكن عنده وعند من سبقه من المجتهدين الكرام على مجرّد صحّة السند وصدق الرّاوي ، وإلّا لتعرّض الشّيخ لحال الرّواة المذكورين في كتابيه ، وبيّن صدقهم أو كذبهم أو جهالتهم ، فإنّه المجتهد المتضلّع والفقيه الماهر ، فلا يعقل عدم التفاته إلى متطلّبات الفقه وحاجات الاجتهاد ، بل كان استنباطهم على القرائن الخارجيّة دون السند غالبا المورثة للاطمئنان بصدق الرّواية. (١)

وربّما يعتمدون على وثاقة الرّاوي ، وقد سبق ذكر بعض تلك القرائن ، ولكنّها قد اختفيت غالبا في هذه الأعصار ، فأصبحت وثاقة الرّاوي ذات أهميّة بالغة.

ثمّ إنّ الشّيخ بعد ذكر جملة من الرّواة يقول إنّه مجهول. (٢)

فيحتمّل أن يكون المراد جهالة صحبته أو جهالة روايته أو جهالة حاله ، ولو من غير جهة الصدق والكذب ، وأمّا احتمال رجوع الجهالة إلى المدح والضعف ، فهو احتمال مرجوح للاطمئنان بأنّ المجهولين من هذه الجهة كثير عند الشّيخ. ولعلّ أرجح الاحتمالات هو الاحتمال الثالث ، كقوله في محمّد بن عبد الله في أصحاب الصّادق في رجاله : روي عنه أبان بن عثمان ، ولم نثبت معرفته.

__________________

(١) ويدلّ عليه قول الشّيخ في أوّل فهرسته : لأنّ كثيرا من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة فتأمّل فيه.

(٢) ولعلّهم يبلغون خمسين شخصا.


وكقوله النجّاشي في ترجمة عبد الله بن أبي خالد : لا يعرف بأكثر من هذا.

بقي في المقام أمور ثلاثة :

أوّلها : إنّ الشّيخ في رجاله أورد جملة : أسند عنه بعد ذكر جماعة من أصحاب الصادق عليه‌السلام ٣٣٣ مرّة ، وفى أصحاب الرضا عليه‌السلام سبعة مرّات ، وفي أصحاب الباقر عليه‌السلام برقم ٣٩ مرّة واحدة ، وفي أصحاب الكاظم عليه‌السلام مرّتين في حقّ موسى بن إبراهيم ، ويزيد بن الحسن ، وفي أصحاب الهادي عليه‌السلام مرّة واحدة في حقّ محمّد بن أحمد بن عبيد الله بن منصور ، وقد اختلف الرجاليّون في تفسير هذه الجملة اختلافا شديدا ، فإنّ الشّيخ أهمل تفسيرها.

وقد أتعب بعض الفضلاء نفسه في تحقيق ذلك ، فلاحظ تفصيله في العدد الثالث من السنّة الأوّلى من مجلة تراثنا. (١)

ولا ملزم للتعرّض للمسألة هنا.

وخلاصة ما اختاره :

انّ الفعل (أسند) مبني للفاعل والضمير المستتر فيه يرجع إلى الرّاوي الّذي ذكرت الجملة بعد اسمه ، والضمير المجرور (عنه) راجع إلى الإمام الّذي ذكر هذا الرّاوي في أصحابه والمسند إليه ، هو النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسند عنه ـ أي : الواسطة ـ هو الإمام عليه‌السلام والمسند هو الراوي ، وجه الإسناد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إمّا لكون الرّاوي من غير المعتقدين بإمامة الإمام ، بل يعتقده راويا ثقة ولولا الإسناد إلى النّبيّ لم يقبل الحديث عنه.

أو لكونه شيعيّا يريد الاحتجاج به على المخالفين.

ثانيهما : إنّه رحمه‌الله عنون بابا في آخر رجاله وذكر فيه أسماء من لم يرو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، وهم يزيدون عن خمسمائة رجل لكن فيهم ٦٢ رجلا رووا عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام بتصريح من الشّيخ في رجاله ، وهذا هو التناقض ، وقد تصدّى جماعة من الرجاليّين لدفع التناقض بين كلامي الشّيخ ، وبعضهم توقّف ، وبعضهم نسبه إلى غفلة الشّيخ ، ولم أر من بحث عن المقام بأطول من بعض السادة المتتبعين في مجلّة تراثنا ، العددان : الثّاني والثالث من السنّة الثانية (٢) ، ومن شاء فليراجعها.

__________________

(١) مجلة تراثنا : ٩٩ ـ ١٤٢.

(٢) المصدر : ٤٩ ـ ٤٤.


ومحصول كلامه : إنّ الحكم بكونهم ممّن رووا عن الأئمّة عليهم‌السلام هو ظاهر الرّوايات الحاكي عن كونهم رواة عنهم عليهم‌السلام ، لكن الرّوايات عند التحقيق لإرسالها وانقطاعها غير ثابتة ، فذكرهم الشّيخ ثانيا في باب من لم يرو عنهم أيضاحا لحقيقة الحال.

ثالثها : ذكر الشّيخ كغيره كلمة : مولى ، في حقّ جملة من الرّواة ، ولا يبعد حملها في هذا العلم على أحد المعاني الّتي نشير إليها :

١. المعتق ـ بالكسر ـ.

٢. المعتق ـ بالفتح ـ.

٣. المعاقد بالحلف.

٤. من أسلم على يد آخر كان مولاه بالإسلام.

٥. الملازم لأحد ـ كما قيل ـ.

٦. من ليس بعربي.

٧. النزيل لا سيّما إذا اضيف إلى قبيلة ، ك : مولى بني أسد ، على ما قيل.

ففي كلّ مقام يتعيّن بعض هذه المعاني بالقرينة ، وأمّا المعنى المتبادر منها ، أو المنصرف إليه مع فقد القرينة ، فغير مشخّص عندي ، والله العالم.

٤. فهرس النجّاشي المشهور برجاله (١)

قال السيّد بحر العلوم (٢) في حقّه :

أحد المشايخ الثقات والعدول الاثبات من أعظم أركان الجرح والتعديل ، وأعلم علماء هذا السبيل أجمع علماؤنا على الاعتماد عليه ، وأطبقوا على الاستناد في أحوال الرجال إليه ...

ثمّ نقل توثيقه وتعظيمه عن رجال ابن داود والرواشح والوجيزة والبحار وأمل الآمل وغيرها.

__________________

(١) كلام النجّاشي في أوّل الجزء الثّاني صريح في أنّ اسم كتابه فهرست أسماء مصنّفي الشّيعة.

قيل : إنّ الرجال ما كان مبنيا على الطبقات دون مجرّد ذكر الكتب ، فإنّه يسمّى بالفهرست. وقيل : إنّ كتب الرجال العامّ على أنحاء منها بعنوان الرجال المجرّد ، ومنها بعنوان تاريخ الرجال ومنها ، بعنوان الفهرس ، ومنها : بعنوان الممدوحين والمذمومين ومنها : بعنوان المشيخة ، ولكلّ واحد منها غرض خاصّ.

(٢) تعرّض بحر العلوم قدس‌سره لترجمة النجّاشي وكتابه ومشائخه مفصلا من صفحة ٢٣ ـ ١٠٨ في المجلد الثاني من رجاله الطبعة الحديثة.


أقول :

كتاب النجّاشي أنفع الاصول الرجاليّة الأربعة ، وأتقنها وآخرها تأليفا ، (١) فقد تعرّض لترجمة أكثر من ألف ومأتين وأربعين راو ومؤلّف (٢) ووثّق ومدح (٣) أكثر من ستمائة وأربعين رجلا ، وضعّف ما يقرب من مئة شخص (٤) مع أنّه لم يلتزم في أوّل كتابه بذكر التّوثيق والتّجريح ، كالشّيخ الطوسي.

نعم ، وعد به في أوّل الجزء الثّاني من كتابه ، ثمّ إنّك ترى النجّاشي يوثّق الرجل بلا نسبة إلى أحد إلّا نادرا ، ولكنّه ينسب التضعيف إلى غيره في جملة كثيرة من الموارد ولعلّها الأغلب (٥). وقيل رتّبه القهباني وداود بن الحسن الجزائري المعاصر لصاحب الحدائق والشّيخ محمّد تقي الخادم الأنصاري.

وقد أشار القهباني في آخر ترجمته إلى المواضع الّتي فيها ذكر لبعض الرّواة ، فإنّ النجّاشي كثيرا ما يتعرّض لمدح رجل ، أو قدحه في ترجمة آخر بمناسبة.

__________________

(١) ولد النجّاشي في صفر ٣٧٢ ه‍ وتوفّي في جمادي الأوّلى ٤٥٠ قرب بلدة سامراء. والشّيخ الطّوسي ولد في رمضان ٣٨٥ ه‍ وتوفّى في عام ٤٦٠ ه‍. لكن فهرست النجّاشي متأخرة عن كتابي الشّيخ الطّوسي كما يظهر من ترجمة الشّيخ في فهرس النجّاشي ، لكن الشّيخ لم يترجم النجّاشي ، مع أنّه من مشائخه ، كما حكي عن إجازة العلّامة الكبيرة.

نعم ، هنا مشكلة ينبه عليها السّيد الأستاذ (دام ظلّه) في معجمه ، وهو قول النجّاشي في ترجمة محمّد بن زهرة بن حمزة الجعفري : مات رحمه‌الله يوم السبت السادس عشر من رمضان سنة ثلاث وستين وأربعمائة ، ودفن في داره ، ويمكن حمله على اشتباه القلم ، والله العالم.

(٢) وعدّهم المعلّق في الطبعة الأخيرة في بيروت ١٢٧٠ شخصا ، والمعلّق الآخر في طبعة جامعة المدرّسين بقم ب ١٢٦٩.

(٣) أو يستفاد المدح من كتابه كما في مشائخه على رأي السّيد الأستاذ وغيره ، ولعلّني لم أعدهم في العدد المذكور في المتن ، فإنّي لا أقبل هذا الاستظهار ، كما تقدّم في البحث السادس.

(٤) لم نحذف المكرّرات إن كانت.

(٥) قيل : إنّ النجّاشي يعتمد في توثيق شخص أو تضعيفه على مشايخه ، كما يظهر من نقله عن كثير من الأشخاص كابن الغضائري ، والكشّي ، وابن عقدة ، وابن نوح ، وابن بابويه ، وأبي المفضل ، وغيرهم.

وكذلك عن كتب جمّة ، وقد أحصيناها فبلغت أكثر من عشرين كتابا ، كرجال أبي العبّاس ، وابن فضّال ، والعقيقي ، والطبقات لسعد بن عبد الله ، والفهرست لأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه ، ولحميد بن زياد ، ولابن النديم ، ولابن بطة ...

أقول : إنّ تمّ ذلك يشكل الاعتماد على توثيقاته ، فإنّ مصادره بين ما هو صحيح وثقة ، وبين ما هو ضعيف ، وبين ما هو مجهول ، والعلم الإجمالي يمنع عن الأخذ بها.


وممّا ينبغي ذكره أنّ الظاهر ممّن يعنونه النجّاشي في كتابه ، هو كونه إماميّا اثنى عشريّا ، كما يظهر من أوّل كتابه (١) ـ وهذا مخصوص به وليست الاصول الثّلاثة الرجاليّة المتقدّمة واجدة لهذه المزية ، فيحكم بإيمان كلّ من تعرّض له النجّاشي ولم ينصّ على خلافه ، نعم ، في بعض الموارد عدل قدس‌سره عن هذا الأصل ولم ينبه على فساد مذهبه ، كما في : عبد الله بن بكير والسكوني وغيرهما ، كما يظهر للمتتبّع ، كما أنّه سكت عن توثيق جملة من الأجلاء ، إذ من البعيد توقف النجّاشي في وثاقة مثل هؤلآء ، أو اعتقاده عدمها فيهم فكان بوسعه أن يجعل كتابه أنفع ممّا كان عليه الآن ، وعذره عندي إنّه لم يكن يعلم أنّ توثيقاته تصير بعد مدّة من الزمن ذات أهمية عظيمة ، بحيث تدخل فيما يتوقّف عليه استنباط الأحكام الشّرعية.

فوائد مهمّة :

الاولى : ذهب جمع إلى تقديم قول النجّاشي على أقوال غيره من أهل الرجال في فرض التعارض ، وقد نقل السّيد بحر العلوم قدس‌سره وجوها لإثبات هذه الدعوي. (٢)

١. تأخّر تصنيف كتاب النجّاشي عن كتابي الشّيخ في الرجال ، وهما أجلّ ما صنّف في هذا العلم ، وكانا للنجاشي من الأسباب الممدة وزاد عليهما شيئا كثيرا ، وخالف الشّيخ في كثير من المواضع ، والظاهر في مواضع الخلاف وقوفه على ما غفل عنه الشّيخ.

٢. ما علم من تشعب علوم الشّيخ رحمه‌الله وهو يقتضي تقسيم الفكر وتوزّع البال ؛ ولذا أكثر عليه النقص والإيراد بخلاف النجّاشي ، فإنّه عني بهذا الفنّ ، فجاء كتابه فيه أضبط وأتقن.

٣. استمداد هذا العلم من علم الأنساب والآثار وأخبار القبائل ، وهذا ما عرف للنجّاشي ودلّ تصنيفه فيه ، كما يظهر من استطراده بذكر الرجل أوّلا وأخوانه وأجداده ، وبيان أحوالهم حتّى كأنه واحد منهم.

٤. كون أكثر الرّواة عن الأئمّة عليهم‌السلام من الكوفة ونواحيها ، والنجّاشي كوفي (٣) من وجوه أهل الكوفة ، فهو أخبر بأحوالهم ظاهرا.

٥. ما اتّفق للنجّاشي من صحبة الشّيخ العارف بهذا الفن الخبير بهذا الشّأن ، أحمد بن الحسين

__________________

(١) لكنّه ليس بثابت كلّ الثبوت لاحتمال أن يكون مراده مطلق الشّيعة دون الإماميّة ، فلاحظ : أوّل كتابه ، وأول الجزء الثّاني منه.

(٢) لاحظ : رجاله : ٢.

(٣) تقدّم أنّه ولد قرب بلدة سامراء ، فكأن مقامه كان بالكوفة.


الغضائري ، فقد أخذ عنه وقرأ عليه ، ولم يتفق ذلك للشيخ الطوسي رحمه‌الله ، وكذا صحبة غير الغضائري من المشائخ ، كالسيرافي ، وأحمد بن محمّد الجندي ، وأبي فرج الكاتب وغيرهم.

قلت : لا شكّ لمن راجع كتاب النجّاشي في مهارته وتبحره في هذا الفنّ.

وأمّا الوجوه المذكور لإثبات أفضليته من غيره فيه ، فإنّ تمّت بأجمعها لم توجب تقديم قوله على قول الشّيخ الطوسي رحمه‌الله ؛ لعدم الدليل على تقديم قول الأفضل على قول الفاضل في الإخبارات ، وقد مرّ ما يتعلّق به في البحث الثامن عشر ، اللهم إلّا أن يحصل الاطمئنان منها بصحّة قول النجّاشي في مورد الاختلاف ، ولكنّها غير مورثة له ، أو قام بناء العقلاء على تقديم قول الأفضل في الإخبار ، كما ثبت في الفتوى ، وفيه نظر.

وعليه : فلعلّ الأوجه هو الحكم بالتساقط في ما إذا تعارض فيه قوله بقول الشّيخ وغيره ممّن يكون قوله حجّة في نفسه.

وأمّا البحث عن الوجوه المستدلّ بها ، فالعمدة منها هو الثّاني والثالث ، ثمّ الأخير.

لكن تماميتها موقوفة على أنّ لا يكون فهم الشّيخ أقوى بكثير من فهم النجّاشي ، وهذا غير معلوم لنا.

الثانية : قال المحقّق الداماد في محكي الرواشح :

قد علم من ديدن النجّاشي أنّ كلّ من فيه مطعن وغميزة ، فإنّه يلتزم إيراد ذلك البتة فمهما لم يورد ذلك ، وذكره من دون أرداف ذلك بمدح أو ذم أصلا ، كان ذلك آية أنّ الرجل سالم عنده عن كلّ مطعن ومغمزة ...

وعقبه المحدّث النوري بقوله :

وهو كلام متين فإنّ عدّ الرجل من علماء الشّيعة وحملة الشّريعة ، وتلقي العلماء منه وبذل الجهد وتحمل المشاق وشد الرحال في البلاد ، وجمع الكتب في أساميهم وأحوالهم وتصانيفهم دليل على حسن حاله وعلو مقامه. (١)

أقول :

أمثال هذه الكلمات من غيرهما أيضا كثيرة في هذا الموضع (٢) ؛ أمّا كلام هذا المحدّث فواضح الضّعف لنقضه بالضعفاء ، الّذين صرّح الشّيخ والنجّاشي وغيرهما بضعفهم ، ومع ذلك ذكروهم في كتبهم وبذلوا الجهد وتحمّلوا المشاق وشدّوا الرحال في البلاد ، وجمعوا الكتب

__________________

(١) انظرها في : خاتمة المستدرك : ٣ / ٥٠١ و ٥٠٢.

(٢) المصدر : ٣ / ٢٩٨.


في أساميهم ... واستلزامه مدح جميع الرّواة المذكورين في الكتب الرجاليّة المجهول حالهم من دون أن يختصّ بخصوص كتاب النجّاشي ، وحلّ المطلب أنّ غرض الشّيخ والنجّاشي في فهرستيهما هو ذكر من كان له مصنّف أو أصل لغرض صرّحا به ، وغرض الشّيخ في رجاله هو ذكر من روي عن النّبيّ والأئمّة عليهم‌السلام ، وليس غرضهما ذكر الممدوحين والثقات فقط ، ليقال ما يقال.

بل مع أنّ غرض المتأخّرين من الرجاليّين في تأليفهم هو البحث عن وثاقة الرّواة ومدحهم يذكرون الكثير من المجهولين ، الّذين لا يعلمون أحوالهم ، فلاحظ خلاصّة العلّامة إلى تنقيح المقال ، ومعجم رجال الحديث.

وأمّا ما استنبطه المحقّق الداماد من ديدن النجّاشي فليته يدلل ويستشهد عليه ليكون أقرب إلى القبول عند غيره ، فإنّه الآن لدي يشبه الإخبار بالغيب ولا مجال للاعتماد عليه بوجه.

الثالثة : حكم جمع بوثاقة مشائخ النجّاشي استنادا إلى عدّة من كلماته ، لكن سبق منا تضعيف هذا الحكم ، في البحث السادس.

الرابعة : للنجاشي مع مهارته اشتباهات وأغلاط ـ شأن كلّ مؤلّف ـ وقد تعرّض لها الفاضل الكلباسي (١) ، كما تعرّض قبل ذلك لاشتباهات الشّيخ رحمه‌الله ، فلا بدّ للباحثين من التوجه إليها. (٢)

ومن جملة الكتب الرجالية : كتابان للغضائري ، لكن قال الشّيخ الطّوسي في أوّل فهرسته أنّ أحمد بن الحسين رحمه‌الله كان له كتابان ، ذكر في أحدهما المصنّفات وفي الآخر الاصول ... غير إنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا ، واخترم هو رحمه‌الله وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين ، وغيرهما من الكتب على ما حكي بعضهم عنه.

قيل : إن النجّاشي لم يتعرّض له مع أنّه بصدّد بيان الكتب الّتي صنفتها الإماميّة ، وقد تعرّض لترجمة الحسين بن عبيد الله ، وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال ، كما أنّه حكي عن أحمد بن الحسين في عدّة موارد ، ولم يذكر أنّ له كتاب الرجال. بل جزم بعضهم بأنّ الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري موضوع ، وإن كان يظهر من العلّامة في الخلاصّة أنّه يعتمد على هذا الكتاب.

__________________

(١) انظر : سماء المقال : ١ / ٢٠٥ إلى ٢١١ ه‍ الطبعة الجديدة.

(٢) المصدر : ١٥٩ وما بعدها.


أقول :

يظهر من الخلاصّة أنّ الموجود عنده ليس كتابا واحدا منسوبا إلى ابن الغضائري ، بل الموجود عنده كتابان لابن الغضائري ، والظاهر أنّهما هما كتابا أحمد بن الحسين الغضائري ، ففي ترجمة محمّد بن مصادف :

اختلف قول الغضائري فيه ، ففي أحد الكتابين أنّه ضعيف ، وفي الآخر أنّه ثقة (١).

وفي ترجمة عمر بن ثابت أبي المقدام :

ضعيف جدّا قاله الغضائري.

وقال في كتابه الآخر : طعنوا عليه وليس عندي كما زعموا ، وهو ثقة.

فالعمدة في عدم اعتمادنا عليهما ، إنّهما ـ سواء كان للحسين أو لأبنه أحمد ـ لم يثبتا بطريق معتبر ، ولم يذكر العلّامة سنده إليهما أيضا ، وربّما يقال إنّ لابن الغضائري كتابا سوى الكتابين المذكورين ، وهو الواصل من طرق السيّد أحمد بن طاووس ، واسمه : كتاب الضعفاء ، وأدرجه السّيد المذكور في كتابه : حل الإشكال في معرفة الرجال ، ولكنّه لم يذكر سنده إليه ، بل نقلت عن أوّل كتاب ابن طاووس جملة تدلّ على عدم وجود سند عنده إلى كتاب الضعفاء ، فراجع ولاحظ.

ومن جملة الكتب ، رجال البرقي ، سمّاه الشّيخ في فهرسته ب : طبقات الرجال ، والنجّاشي ب : كتاب الرجال. وقد ذكر له كتابا آخر باسم كتاب الطبقات وعلى كلّ حال فقد اعتني العلّامة في الخلاصة به.

وفي المعجم : وذكر في إجازته الكبيرة وغيرها طريقه إلى فهرست الشّيخ وإلى ما يشتمل عليه الفهرست من الكتب.

أقول :

وهذا المقدار لا يكفي للحكم بصحّة النسخة الموجودة عند العلّامة ، وعلى كلّ حال لم يثبت بطريق معتبر إنّ الكتاب المطبوع الموجود هو لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، بل ربّما يقال بالعدم لوجوه مذكورة في قاموس الرجال ، ولاحظ رجال السيّد بحر العلوم أيضا.

وقد يلوح من بعض جملاته انّه من غير أحمد البرقي ؛ ولأجل ذلك كلّه لا نعده من الاصول الرجاليّة ، وليس فيه ما يفيد مدح الرّواة أو ذمّهم ، وقيل إنّه لحفيده أحمد بن عبد الله البرقي ، كما

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٢٥٦ ـ ٢٤١.


في مجلة تراثنا ، العدد ٥٣ الصفحة ٢٣٧ ، وسيّدنا الأستاذ الخوئي قدس‌سره اعتمد عليه في معجمه.

والفقير لا يعتمد عليه.

الكتب الرجاليّة للإماميّة :

للإماميّة كتب كثيرة في علم الرجال ألّفوها في أوائل انتشار علومهم ، وكتاب الكشّي ليس أوّل كتاب صنّف فيه ، كما يدعيه بعض المعاندين ، بل هو أوّل كتاب مهم يوجد الآن عندنا وأمّا المؤلّفات السّابقة عليه ، فلم تصل إلينا وهي كثيرة جدّا ، وإليك بعض الشّواهد :

فمنها : قول الشّيخ في العدّة :

إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الإخبار فوثّقت الثّقات منهم ، وضعّفت الضعفاء ، وفرّقت بين من يعتمد على حديثه وروايته ، وبين من لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم ، وقالوا فلان متهم في حديثه ، وفلان كذّاب ... وغير ذلك من الطعون ، الّتي ذكروها وصنّفوا في ذلك الكتب ... (١)

ومنها : قول النجّاشي في غير واحد من مواضع فهرسته :

ذكره أصحاب الرجال ، ذكر في الفهرستات ، ذكره أصحابنا في الرجال.

ومنها : ما ذكره السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله :

وقد بلغ عدد الكتب الرجاليّة من زمن الحسن بن محبوب إلى زمان الشّيخ نيفا ومائة كتاب على ما يظهر من النجّاشي والشّيخ في الفهرست ، وقد جمع ذلك البحاثة الشّهير المعاصر الشّيخ أغا بزرك الطهراني في كتابه مصفي المقال في مصنّفي علم الرجال. (٢)

أقول :

وقد ذكر هذا الشّيخ النّبيل فيه زهاء خمسمائة كتاب من العصر الأوّل إلى زمان تأليف كتابه (٣) ، لكن قال في أوّل كتابه :

ليس مرادنا من المصنّفين في الرجال خصوص من ألّف كتابا مستقلّا في ترجمة الرّواة ... وإن كان هذا من أظهر مصاديقه ، لكن المراد كلّ من صنف كتابا في أيّ موضوع كان وبأيّ اسم سمّاه ، لكن أدرج فيه تراجم عدّة وافرة من رواة الأحاديث ...

__________________

(١) العدّة : ١ / ٣٣٦.

(٢) معجم رجال الحديث : ١ / ٣٦ و ٣٧.

(٣) طبع مصفى المقال سنة ١٣٧٨ ه‍ ق / ١٣٣٧ ش ١٩٥٩ م بطهران ، وقد ألّفوا بعد ذلك الرجال إلى يومنا هذا عدّة كتب اخرى في علم الرجال أشهرها وأعظمها : معجم رجال الحديث ، للسيّد الأستاذ الخوئي قدس‌سره في ٢٤ جزءا ، والموسوعة الرجالية ، لسيّدنا البروجردي رحمه‌الله.


أقول : هذا الشّيخ ـ آقا بزرك الطهراني ـ أوّل من أجازني في رواية الأحاديث في النجف الأشرف (١) ، وكيفما كان علم الرجال قد نشأ قديما عند الإماميّة ، وهذا الحسن بن محبوب المولود في عام ١٧٩ ه‍ ، قد ألف كتابا في الرجال المشيخة ، ولا دليل على أنّ من سبقه زمانا لم يكتب في هذا العلم كتابا.

وإليك أسماء بعض من ألّفوا في هذا العلم كتابا نذكرها من فهرس النجّاشي :

١. الحسن بن علي بن فضّال المتوفّي عام ٢٢٤ ه‍ له كتاب في الرجال ، ص : ٢٨٦.

٢. ابنه علي بن الحسن ، له كتاب في الرجال ، ص : ١٩٦.

٣. أحمد البرقي المتوفّي ٢٧٣ ه‍ له كتاب في الرجال وكتاب الطبقات ، ص : ٥٩.

٤. أحمد بن الحسين ، فقد جمع كتاب المشيخة ، ص : ٦٢.

٥. أحمد بن علي العقيقي ، له كتاب تاريخ الرجال.

٦. أحمد بن محمّد المتوفى عام ٤٠١ ه‍ صاحب الكتاب المشتمل على معرفة الرجال ، ص : ٦٧.

٧. أحمد بن محمّد بن عمار ، له كتاب كبير في الممدوحين والمذمومين ، ص : ٧٤.

٨. أحمد بن محمّد الزيدي المتوفّي سنة ٣٣٣ ه‍ له سبعة كتب في الرّواة والرجال.

٩. عبد العزيز بن يحيى الجلودي : ص ١٨٠.

١٠. حميد بن زياد المتوفي عام ٣١٠ ه‍ له كتاب الرجال وكتاب من روي عن الصّادق عليه‌السلام.

١١. حمزة بن القاسم ، له كتاب من روي عن الصّادق عليه‌السلام من الرجال ، ص : ١٠٨.

١٢. سعد بن عبد الله المتوفي سنة ٣٠١ ه‍ أو سنة ٢٩٩ ه‍ له كتاب مناقب الرّواة وكتاب مثالب الرّواة ، ص : ١٣٤.

١٣. عبد الله بن جبلة الواقفي ، له كتاب الرجال ، ص : ١٦٠.

١٤. محمّد بن عيسى من أصحاب الجواد عليه‌السلام ، له كتاب الرجال ، ص : ٢٥٧.

__________________

(١) أجازني عن شيخه المحدّث النوري بطرقه الخمسة إلى العلّامة المجلسي في خاتمة المستدرك : ٣٨٢ ، أحدها عن الشّيخ المرتضى الأنصاري م ١٢٨١ عن المولى أحمد النراقي م ١٢٤٥ عن العلّامة الطباطبائي عن الوحيد البهبهاني عن والده محمّد أكمل عن العلّامة المجلسي م ١١١٠ قدّس الله أرواحهم الطاهرة بأسانيده عن الشيخ الطوسي رحمه‌الله والشيخ الصدوق وغيرهما رحمه‌الله.

وأجازني أيضا سيّدنا الأستاذ الحكيم ، وسيّدنا الأستاذ الخوئي وغيرهما ، عن المحدث النوري رضي‌الله‌عنهم وأرضاهم عنه.


١٥. محمّد بن الحسن المحاربي ، له كتاب الرجال ، ص : ٢٥٧.

١٦. محمّد بن عمر الجعابي مؤلّف كتاب الشّيعة من أصحاب الحديث وطبقاتهم ، وكتاب من روي الحديث من بني هاشم ومواليهم ، وكتاب أخبار بغداد ، وطبقات أصحاب الحديث بها وغير ذلك ، ص : ٣٠٨.

١٧. ثقة الإسلام الكليني رضي‌الله‌عنه ، له كتاب الرجال ، ص : ٢٩٢.

وقد ذكر شيخ الطائفة أيضا بعض هؤلآء وغيرهم في فهرسته فلاحظ صفحات : ٤٥ ـ ٤٧ ، ٥٢ ، ٥٧ ، ٦١ ، ٦٧ ، ٧٢ ، ١٠١ ، ١١٨ ، ١٢٣ ، وغيرها ، من طبعة النجف.

وأوّل من كتب أسماء الرجال هو : عبد الله بن أبي رافع ، كاتب أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فإنّه كتب أسماء من كان مع أمير المؤمنين في حروبه من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل عام أربعين كما عن الذريعة. (١)

خاتمة :

عدد أسماء الرّواة في رجال المامقاني حسب قوله رحمه‌الله ١٣٣٦٥ شخصا ، والثّقات منهم على زعمه ١٣٢٨ شخصا تقريبا ، والحسان منهم ١٦٦٥ شخصا تقريبا ، والموثّقين منهم ٤٦ شخصا تقريبا ، والباقون ما بين مهمل وضعيف ومجهول.

هذا ما ذكره الفاضل المذكور في المجلد ال ١ الصفحة ١٦٩ ، من كتابه : تنقيح المقال ، ولكنّه على مبناه.

ولبعض المؤلّفين في معجم الثقات جدول آخر في هذا المقام وإليك خلاصّته :

١. الثقات بتوثيق الخاصّ

٩٣٤ رجلا

٢. الثقات بتوثيق العامّ ، كمن يروي عنه صفوان وابن أبي عمير والبزنطي :

٣٦١ رجلا.

٣. الثقات بتوثيق ابن قولويه في كامل الزيارات :

٣٨٨ رجلا.

٤. الثقات بتوثيق علي بن إبراهيم في تفسيره :

٢٦٠ رجلا.

٥. من يمكن إثبات وثاقته أو مدحه :

١٠٢٣.

المجموع العام :

٢٩٦٦.

والواقف على كتابنا هذا يرى بطلان هذه الأرقام ، وكذا لا نقبل ما ذكره صاحب الوسائل

__________________

(١) انظر : الذريعة : ١٠ / ٨٤.


في آخرها من عدّ الثقات والحسان إلى أكثر من ألف ومأتين وثمانين رجلا.

وأمّا كتاب معجم رجال الحديث ـ الطبعة الخامسة ـ لسيّدنا الأستاذ الخويي رضي‌الله‌عنه فالأسامي المذكورة فيه من الجزء الأوّل إلى الجزء الحادي والعشرين : ١٣٨٨٢ رجلا.

والمكنون بالأب ـ ج : ٢٢ وقسم من الجزء الثالث ٢٣ (١٣٨٨٣ إلى ١٤٩٨٩) رجلا.

والمعنونون بالابن ـ ج : ٢٣ ـ من (١٤٩٩٠ إلى ١٥٢١٨) رجلا.

والملقبون وفيهم عنوان الأخ والجد ـ ج : ٢٤ ـ من (١٥٢١٩ إلى ١٥٥٧١).

والنساء وفيهن عنوان الأخت والأم والبنت والجدّة ـ ج : ٢٤ ـ من (١٥٥٧٢ إلى ١٥٧٠٦) شخصا.

لكن في الأسماء والكني والألقاب وأسماء النساء مكرّرات كثيرة ، فلا يعلم العدد المحدود الواقعي في كتابه رحمه‌الله.

على أنّ كتب الرجال لم تستوف جميع الرّواة ، كما يظهر للمراجع المتتبّع فإنّ عمدة نظر المتأخّرين إلى رواة الكتب الأربعة المشهورة. فكثير من الرّواة لم تذكر أسمائهم في كتب الرجال ، ومن تتبّع الأسانيد في بحار الأنوار وغيره يظهر له جملة وافرة أخرى من الرواة.


البحث الخامس والثلاثون

في بيان أصحاب التّجريح والتعديل

ليست الوثاقة وضدها أو نقيضها وإن شئت فقل : الصدق والكذب أمرين نظريين يحتاج فهمهما إلى تعلّم وخبرة ، بل هما أمران واضحان تتيسّر معرفتهما لكلّ أحد ، فلا يشترط في الجارح والمعدل سوى صداقتهما واستناد قولهما إلى الحسّ ولو بالأصل للبناء العقلائي.

نعم. يستند التّوثيقات الموجودة في علم الرجال في الأغلب إلى النجّاشي والشّيخ الطّوسي والكشّي قدس‌سره وفي غير الغالب إلى أفراد آخرين نذكر هنا جماعة منهم لمزيد إطلاع القارئ عليهم :

١. علي بن إبراهيم القمّي الثّقة في تفسيره ، وقد مرّ تحقيق الحال في توثيقه العامّ لرواة كتابه في البحث الثامن ، فهو وإن كان ثقة ، لكنّنا لم نستفد منه في توثيق الرجال شيئا بخلاف السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله فإنّه استفاد منه وثاقة جماعة.

٢. جعفر بن محمّد بن قولويه الثّقة في كتابه كامل الزيارات على ما مرّ تفصيل البحث في توثيقه العام في البحث الخامس ، والحال فيه كما في سابقه ، بل وقد رجع السيّد الأستاذ عن رأيه في آخر عمره. (١)

٣. أحمد بن علي بن محمّد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام العلوي العقيقي ، قال النجّاشي في حقّه :

__________________

(١) كما هو المشهور ، وقيل أنّه رحمه‌الله بني على وثاقة مشائخ ابن قولويه فقط دون بقيّة الرواة في كتابه.


كان بمكّة وسمع أصحابنا الكوفيّين وأكثر منهم صنّف كتبا وقع إلينا منها ... كتاب تاريخ الرّجال ...

وهكذا ذكر الشّيخ في فهرسته قبل النجّاشي.

وعلى كلّ حال هو مجهول لم يثبت حسنه ، وإن اعتمد عليه العلّامة في عدّة من تراجم الخلاصّة ، بل قيل قد أكثر علماؤنا في كتب الرّجال من النقل عنه ، واعتمدوا على روايته وجرحه وتعديله ، وكان يكنّي بأبي طالب العلوي ، بل حسنه بعض الرجاليّين صريحا ، والحقّ أنّه لا يصحّ التعويل على أقواله ، وعلى كلّ حال ، سند الشّيخ في فهرسته إلى كتبه أيضا لا يخلو عن إشكال أو ضعف ، فلاحظ.

٤. علي بن أحمد العلويّ العقيقي ابن العقيقي السّابق ، ذكره الشّيخ في فهرسته ورجاله ، ونقل في الفهرست كتبه الّتي منها : كتاب الرجال بالسند السّابق ذكره.

ثمّ نقل عن ابن عبدون إنّ في أحاديث العقيقي مناكير ووصفه في رجاله بأنّه مخلط ؛

ولذا ضعّفه جمع من الرجاليّين.

أقول :

لكن ابن عبدون نفسه مجهول ، والتخليط لا يدلّ على الكذب ؛ ولذا دافع عنه بعض فحسنه أو وثقه (١).

والحقّ أنّه كأبيه لم يثبت حسنه ، فلا اعتماد على أقواله ، بل قول الشّيخ في الرجال في حقّه يجعله أدون حالا من أبيه. (٢)

٥ ـ ٦. الغضائري : والحقّ عدم اعتبار ما نقل من كتابه أو كتابيه ، لما مرّ سابقا من عدم ثبوتهما. وأمّا هو ـ أي : الغضائري نفسه ـ فإنّ كان المراد هو الابن أحمد بن الحسين بن عبيد الله ، ففيه كلام حتّى أنّ العلّامة المجلسي ـ على ما حكي عنه ـ قال : لا أعتمد عليه كثيرا. وعمدة أدلّة المعتمدين عليه هو اعتماد النجّاشي عليه ، بل كونه من مشائخه الّذين عاشره غير قليل فافهم ، ومرّ كلام جماعة أنّ النجّاشي لا ينقل عن ضعيف ، وفيه ما سبق.

__________________

(١) انظر : تنقيح المقال : ٢ / ٢٦٦.

(٢) واجيب عن اعتماد العلّامة عليه بأنّه يعتمد على كلّ إمامي لم يرد فيه قدح ، وقيل : إنّ العلّامة لم يعتمد عليه ، بل نقل قول الشّيخ في حقّه في ترجمته ، ولم يحسنه.

أقول : ظاهر العلّامة عدم الاعتماد على قبول قوله ؛ لأنّه ذكره في القسم الثّاني من كتابه المعدّ لذكر الضعفاء والمردودين أقوالهم ، والمتوقّف في أقوالهم.


نعم. إنّ النجّاشي نقل عنه في أكثر من عشرين موردا ، وترحّم عليه في جملة من تلك الموارد ، وهذا يدلّ على حسن حاله ، وإن كان الأب الحسين بن عبيد الله ، فيدلّ عليه توثيق ابن طاووس إيّاه في محكي : فرج المهموم (١).

ووصف العلّامة إياه بشيخ الطائفة (٢). ويظهر من رجال السّيد بحر العلوم رحمه‌الله أنّه من الفقهاء أيضا ، وقد ترحّم عليه النجّاشي في كتابه ثمان مرات. (٣)

وعليه فلا بأس من الاعتماد على أقواله إن شاء الله تعالى ، لكن لم يثبت ما نقل في التّوثيق والجرح عن كتابهما أو كتبهما بسند معتبر شيئا.

٧. ابن عقدة أحمد بن محمّد بن سعيد الزيدي ، الّذي وثّقه الشّيخ والنجّاشي أكرم توثيق ، فنقبل توثيقه وجرحه إذا وصلا إلينا بطريق معتبر ، لكن سند الشّيخ إليه ضعيف ، نعم ، سند الصدوق إليه معتبر على عكس ما أفاده السّيد الأستاذ رحمه‌الله في معجمه ، ولا يستفاد منه في علم الرجال شيء ، وبنبينا اخيرا على اعتبار ما ينقل الشيخ عن كتابه.

٨. ابن فضّال الجليل الموثق بتوثيق الشّيخ والنجّاشي ، ولا بأس بالاعتماد على أقواله إذا نقلت بطريق معتبر ، كما نقلت في رجال الكشّي.

٩. محمّد بن إسحاق المعروف بابن النديم ، يقول المامقاني في كتابه تنقيح المقال : ويستفاد من النجّاشي والشّيخ اعتمادهما عليه ، حيث نقلا في مقامات عديدة كترجمة : بندار بن محمّد ، وثابت الضرير ، والحسن بن علي بن فضّال ، وداود بن أبي زيد ، ومحمّد بن الحسن بن زيادة ، وغيرهم عنه معتمدين عليه ، واعتمادهما عليه إن لم يفد توثيقه ، فلا أقلّ من إفادته حسنه ، بل من دقق النظر في فهرست الشّيخ رحمه‌الله وجد جملة وافية منه مأخوذة من فهرست ابن النديم حرفيّا بلا تغيير ، فيكشف ذلك عن نهاية وثوق الشّيخ رحمه‌الله به وغاية اطمئنانه به ، ولعلّنا نستفيد من ذلك وثاقته ...

هذا كلام هذا الفاضل ، وقد ذكر أوّلا : أنّ كونه شيعيّا من المسلّمات بين الفريقين.

يقول سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله : الظّاهر إنّ الرجل من العامّة وإلّا لترجمه النجّاشي والشّيخ في

__________________

(١) والأقوى عدم اعتبار توثيق ابن طاووس لبعد الفاصلة بينه وبين الغضائري.

(٢) رجال المامقاني : ١ / ٣٣٣.

(٣) رجال النجاشي : ٦٩ ، ٧٥ ، ١٦٥ ، ١٢٤ ، ١٧٨ ، ٢٩٢ ، ٣٠٦ ، طبعة من جامعة المدرّسين.


كتابيهما ، ولم يثبت وثاقته أيضا ، فإنّ مجرّد نقل النجّاشي والشّيخ عنه لا يدلّ على وثاقته. (١) أقول : ونحن لا نعتمد عليه.

١٠. أحمد بن محمّد بن خالد البرقي المتقدّم ذكره الثّقة في نفسه ، ونحن نعتمد على جرحه وتعديله إن وصلا بطريق معتبر ، ولا نعتمد على كتابه لما مرّ. (٢)

١١. العلّامة السديد المحقّق الشّيخ المفيد رحمه‌الله وقد وثّق أربعة آلاف من أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، وجماعة اخرى من أصحاب الباقر والصادق والكاظم والهادي والعسكري عليهم‌السلام في الإرشاد ومصابيح النور ، فهو وثّق أكثر من كلّ رجالي وثّق ، لكنّنا ـ كما سبق ويأتي ـ لم نستفد منه شيئا إلّا في حقّ بعض الأفراد ، فهو مع جلالته وعلمه وتحقيقه وقداسته وعدالته لم يتكلّم ـ حسب رائي الناقص ـ في الرجال عن دقّة وتحقيق ، بل عن حسن نظر مفرط ، والله العالم.

قال العلّامة المامقاني رحمه‌الله في مقباس الهداية : (٣) ومنهم المفيد رحمه‌الله في الإرشاد ، فإنّه تأمّل المولى الوحيد في استفادة العدالة من توثيقاته فيه قال : نعم ، يستفاد منها القوة والاعتماد. (٤) وربّما تأمّل المحقّق الشّيخ محمّد رحمه‌الله أيضا في توثيقاته لتحققها بالنسبة إلى جماعة اختصّ بهم من دون كتب الرجال ، بل وقع التصريح بضعفهم من غيره على وجه يقرب الاتّفاق. ولعلّ مراده من التّوثيق أمر آخر ، انتهى.

وأنا أتوقّف في جميع توثيقاته العامّة ، أو شبه العامّة ، وأظن أنّ من تأمّل عن تعمّق في كلام الشّيخ المفيد قدس‌سره يوافقني ـ وعلى الأقلّ ـ لا يسرع إلى الإيراد عليّ ، والله الموفق.

١٢. جبرئيل بن أحمد الفارابي ، كثير الرّواية عن العلماء بالعراق وقمّ وخراسان.

والكشّي يروي عنه كثيرا ، وكأنّه يعتمد عليه حتّى يروي ما وجده بخطّه.

والحقّ إنّ الرجل مجهول لا يجوز الاعتماد على أقواله.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١٥ / ٧٥.

(٢) يأتي تفصيل الكلام حوله في البحث الثّاني والخمسين.

(٣) مقباس الهداية : ٨٠.

(٤) ويقول الوحيد في تعليقته : ١١ : وعندي إنّ استفادة العدالة منها ـ أي : من توثيقات المفيد ـ لا تخلو عن تأمّل ، كما لا يخفى على المتأمّل في الإرشاد في مقامات التّوثيق ، نعم ، يستفاد منها القوّة والاعتماد ....

أقول : نحمل الجملة الأخيرة على حسن ظنّ الوحيد رحمه‌الله.


١٣. نصر بن صباح البلخي ، قال الشّيخ في رجاله عنه : لقي جلّة من كان في عصره من المشايخ والعلماء ، وروي عنهم إلّا إنّه قيل كان من الطيارة غال.

الأقوى أنّه كسابقه مجهول ، وإن ثبت غلوه ـ ولو بمرتبة ضعيفة ـ فهو يؤكّد ضعف أقاويله ، فلا يعتمد عليه وإن فرضنا اعتماد الكشّي عليه في رجاله.

وخلاصّة الكلام ، الموثّق ـ بالكسر ـ لا بدّ أن يكون محرز الوثاقة والصدق أوّلا ، ووصل توثيقه بالسند المعتبر ثانيا ، وكان توثيقه غير خارج عن العادّة ، فافهم المقام.


البحث السادس والثلاثون

حول الأقوال في اعتبار المراسيل

قد يشتمل سند الحديث على ذكر جميع رواته بأسمائهم ، وقد لا يكون كذلك ، بأنّ يحذف واحد أو أكثر من أوّل السند أو وسطه أو آخره أو يحذف تمام السند ، أو يذكر بلفظ مبهم كبعض أو بعض أصحابنا ، ونحو ذلك ويسمّى النّوع الأوّل بالمسند ، والنوع الثّاني بالمرسل. ولو بالمعنى الأعم الشّامل للمرفوع وغيره ، كما يأتي تعريف كلّ من الأقسام في البحث الثامن والأربعين.

ثمّ في الفرض الأوّل قد يكون الرّاوي معلوم الحال من المدح والذم ، وقد يكون مجهول الحال ، وقد يكون مهملا غير مذكور في علم الرجال من رأس ....

ونحن في خصوص هذا البحث أطلقنا المرسل على النوع الثّاني وعلى القسمين الأخيرين من النوع الأوّل.

فمرادنا بالمرسل ما لم يذكر راويه في الرجال ولم يعلم صدقه ، أو ذكروه ، ولكن لم يذكر في السند أصلا ، أو ذكر بعنوان بعض الأصحاب وشبهه ، أو ذكروه ، ولكن لم يذكروه بمدح أو ذمّ. (١)

مع العلم بأنّ إطلاق المرسل على بعض الأقسام خلاف الاصطلاح.

إذا عرفت هذا ، فاعلم إنّ مقتضى الاصول المتقدّمة عدم حجيّة المراسيل ؛ لأنّ شرط قبول الخبر الفاقد للقرينة هو وثاقة مخبره ، وهي غير محرزة في المرسل على الفرض ، ولكن

__________________

(١) والمراد بالمدح ما يفيد صدقه لا مطلقا ، وكذا المراد بالذمّ ما يدلّ على كذبه.


لعلمائنا الأعلام أقوالا وتفاصيل في المقام لا بدّ من التّعرض لها ومعرفة قويّها من ضعيفها ، فنقول مستمدّا من الله سبحانه :

القول الأوّل :

المرسل إمّا يرسل عن بعضهم ، أو عن جمع ، والأوّل لا يكون حجّة على الأصل ، والثّاني حجّة للاطمئنان بعدم كذب جمع ، فإذا قال الرّاوي عن عدّة أو عن جماعة أو عن غير واحد أو أمثال هذه العبارات نبني على اعتبار الرّواية ، وإن لم نعرف المحذوفين إسما بالمدح والذمّ ، للاطمئنان بعدم كذب جميع الجماعة المذكورة في أخبارهم. (١)

أقول :

هذا التفصيل لا يحتاج إلى إقامة دليل بعد حصول الاطمئنان بعدم الكذب في الفرض المذكور ، فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة لم يردع الشّارع عنه ؛ ولهذا التفصيل ثمرات في علم الفقه وغيره ، ولا أدري هل قال به قائلون أم لا (٢)؟

لكنّي أعتمد عليه.

القول الثّاني :

اعتبار روايات مطلق المهملين ، كما صرّح به صاحب قاموس ، الرجال وسيأتي نقد كلامه في البحث الآتي.

وقد نسب هذا القول إلى ظاهر جمع من المتأخّرين أيضا (٣) ، واستدلّ له بأنّ الله تعالى علّق وجوب التبيّن على فسق المخبر وليس المراد الفسق الواقعي وإن لم نعلم به ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق فتعيّن أن يكون المراد ، الفسق المعلوم ، وانتفاء التثبت والتبيّن عند عدم العلم بالفسق يجامع كلا من القبول والرد ، لكن الثّاني منتف وإلّا لزم كون المجهول الحال أسوء حالا من معلوم الفسق ، حيث يقبل خبره بعد التثبّت.

أقول :

التلفيق المذكور فاسد جدّا ، فإنّ الألفاظ موضوعة لنفس معانيها ، لا مع قيد العلم ، كما قرّر

__________________

(١) ويلحقّ بالفرض الأوّل في عدم الحجيّة ما إذا كان قول المرسل محتملا للوجهين ؛ وذلك لعدم حصول الاطمئنان حينئذ.

(٢) يظهر من باب الحيض وباب البلوغ ، عمل جمع من الفقهاء بمثل هذا المرسل.

(٣) مقباس الهداية : ٥٦ ، وخاتمة المستدرك : ٣ / ٢٩٨.


في أصول الفقه ، وإحراز عدم الفسق وجدانا أو تعبّدا ممكن كإمكان ثبوته بالعلم والإقرار والبيّنة ، فلا يلزم التكليف بما لا يطاق ومع الغضّ عنه لا يلزم من التوقّف في إخبار مجهول الحال كونه أسوء حالا من المعلوم الفسق ؛ لأنّ العقلاء يحكمون باشتراط اعتبار قول المجهول الحال بالتّبيّن ، فهما من هذه الجهة ـ أي : اشتراط جواز العمل بقولهما بالتبين ـ على السواء.

وقد يقال :

إنّ المستفاد من الآية مانعيّة الفسق عن قبول الخبر ، فإذا شكّ فيه فالأصل عدمه.

أقول :

اشتراط العمل بخبر الفاسق بالتبيّن والتعليل المذكور في الآية : (... أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ...) ، يدلّان على أنّ المناط في قبول الخبر هو صدق المخبر وعدم كذبه ، ومن المعلوم إنّ الاطمئنان لا يحصل من أصالة عدم الفسق فمجهول الحال ، كالمعلوم فسقه في اشتراط قبول خبره بالتّبيّن.

ومنه ينقدح بطلان أصالة العدالة أيضا في المقام ، فإنّ المسلم المشكوك فسقه لا يقبل قوله مطلقا ، بل هو مقيد بالتّبيّن والاطمئنان ولو نوعا بعدم كذبه ، فتأمّل.

القول الثالث :

حجيّة مراسيل أصحاب الإجماع المذكورين في كتاب رجال الكشّي ، كما عن المشهور ، وحيث إنّا ذكرنا هذا الموضوع في البحث الحادي عشر ، فلا نبحث عنه هنا ، وقد ثبت أنّ مراسيلهم ، كمراسيل غيرهم في عدم الاعتبار.

القول الرابع :

حجيّة مراسيل محمّد بن أبي عمير.(١)

يقول المامقاني : إنّ محمّد بن أبي عمير تفرّد في تسالم الكلّ على قبول مراسيله وعدّهم إيّاها بحكم المسانيد المعتمدة ، ونحو ذلك وإن قيل في نفر آخرين أيضا ، إلّا أنّ القائل نفر ولم يقع على هؤلآء تسالم الكلّ ...

__________________

(١) وهو من الثقات الأجلّاء فقد ذكره الرجاليّين بكل ثناء.

قال الشّيخ : كان أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة وأنسكهم نسكاو أورعهم وأعبدهم ، وقد ذكره الجاحظ في كتابه. بهذه الصفة الّتي وصفنا وذكر أنّه كان واحد زمانه في الأشياء كلّها و ...

وقال النجّاشي : إنّه جليل عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين.


يقول النجّاشي في رجاله في ضمن ترجمة محمّد بن أبي عمير :

وقيل : إنّ اخته دفنت كتبه في حالة استتارها وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلك الكتب. وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدث من حفظه ، وممّا كان سلف له في أيدي الناس ؛ فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله ...

أقول :

لم يفهم إنّ التفريع الأخير : فلهذا أصحابنا ... من النجّاشي أو من الحاكي عن هلاك الكتب ، وعلى كلّ حال إن اريد من سكون الأصحاب وعدم الاعتراض على ابن أبي عمير بكثرة نقل المراسيل وعدم مطالبتهم إيّاه باسناد رواياته ، فالتفريع المذكور مفهوم صحيح ، وإن كان المراد منه : القبول وإلحاق مراسيله بمسانيده المعتبرة ، فالتفريع المذكور غير مفهوم أصلا ، فإنّ نسيان الرّاوي رواة أحاديثه لا يقتضي بوجه وثاقتهم ولا صدقهم ، وهذا فليكن واضحا ؛ ولذا يصبح الشّق الأوّل أرجح ، بل متعينا.

وبالجملة :

الإيراد على الكلام المذكور من جهتين ، من جهة احتمال أنّه من مقولة القائل المجهول حاله ، ومن جهة أن سكون جمع إلى مراسيل أحد ، لا يكون دليلا على غيرهم حتّى إذا فسرنا السكون بالقبول من جهة كلمة (إلى) ويبعد كلّ البعد توافق كلّ الأصحاب على ذلك ، وسيأتي ما يدلّ عليه أيضا إن شاء الله.

لا يقال : إنّ ابن أبي عمير إنّما نسي أسامي من روي عنهم ، دون وثاقتهم أو كذبهم ، فهو يعلم أنّ أحاديثه كلّها مروية عن الثقاة والحسان.

فإنّه يقال : إنّه مجرّد احتمال.

ودعوى أنّ السكون مستند إلى فهم الطائفة أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة ، ضعيفة ومخالفة لقوله : (فلهذا) ـ أي : لأجل تلف الكتب ونسيان أسامي الرّواة ـ على أنّ النجّاشي أو القائل المجهول ، يخصّ كلامه بمراسيله دون مسانيده ، ولم يدع إنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن ثقة ، بل يمكن أنّ يكون القول المذكور : (فلهذا) ردّا على الشّيخ في أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة ، يعني : أنّ علّة سكون الأصحاب إلى مرسلات ابن أبي عمير ؛ لأجل تلف كتبه ونسيانه أسمائهم ، لا لأجل أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة ، فلاحظ.

نعم ، للشيخ الطّوسي وجه آخر في اعتبار مراسيله ، وهو أنّ ابن أبي عمير ممّن لا يروي


ولا يرسل إلّا عن ثقة ، فيكون مراسيله حجّة ، وهذا معقول في الجملة ، وقد نسب قبوله إلى جمع كالعلّامة في النهاية والشّهيد في الذكرى والبهائي في الزبدة وغيرهم.

وقيل : إنّ الشّافعية أيضا يقبلون مراسيل سعيد بن المسيب.

بل سيأتي في البحث الثامن والثلاثين من الشّيخ الطوسي قدّس سره دعواه إجماع الطائفة على أنّه ـ أي : ابن أبي عمير ـ وصفوان والبزنطي وجماعة آخرين ، لا يروون ولا يرسلون إلّا عمّن يوثق به.

والمناقشة فيه باحتمال ثبوت الجارح ضعيفة بأصالة عدمه.

أقول :

قد مرّ ما يتعلق بهذه المسألة في البحث الحادي عشر وضعّفنا الإجماع المذكور والمدعى أيضا مخدوش بما قد ثبت من روايتهم عن الضعفاء.

فإنّ قلت :

ظاهر الشّيخ أنّه يستند معرفة عدم رواية هؤلآء عن غير الثّقة إلى الطائفة ، ومعرفة الطائفة حجّة سواء كانت عن حسّ ، أو عن حدس للاطمئنان بعدم اشتباه جميعهم في ذلك ، فتكون مرسلاتهم معتبرة حتّى إذا تعارضت بجرح جارح فإنّ توثيق الطائفة مقدّم على جرح واحد منهم.

قلت :

نمنع ذلك الظهور وإلّا لتعرّض له غير الشّيخ عادة فهو اجتهاد منه ، بل قيل إنّ الشّيخ نفسه خالف هذا الاجتهاد. (١)

ثمّ إنّ صاحب معجم الثقات بعد متابعة الشّيخ في قوله هذا تتبّع الكتب الأربعة وغيرها ، واستخرج أسماء من روي عنهم هؤلآء الثّلاثة ، ولم يرد فيهم التّوثيق بالخصوص ، فأنّهاها إلى ثلاثمائة وواحد وستين اسما (٢) ، ولاحظ خاتمة المستدك أيضا.

وهذه ثمرة مهمّة جدّا.

__________________

(١) التهذيب : ٨ / ٢٥٦ ؛ الاستبصار : ٤ / ٤٦ ، المطبوع جديدا. نعم ، قيل : إنّه ربّما يذكر في التهذيبين خلاف مبناه ؛ لأنّ غرضه فيهما هو الجمع بين المتعارضات.

أقول : هذا صحيح في الجملة ولكن لا دائما ، على أنّ دأبه على ذلك إنّما هو بالجمع الدلالي دون النقاش في السند ، كما صرّح به في أوائل تهذيبه والحقّ أنّ الاعتراض المذكور يضعف بتأخّر تأليف العدّة عن التهذيب فما في العدة ، كأنّه عدول عما في التهذيب.

(٢) انظر : المصدر من صفحة : ١٥٣ ـ ١٩٧.


توضيح وتحقيق

هل روي هؤلآء المشائخ الثّلاثة عن الضعفاء؟

وهل ثبت عن الشّيخ الطّوسي ما يخالف ادّعائه في حقّ ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة؟

أمّا الأوّل ، فقد ثبت أنّ ابن أبي عمير روي عن جماعة ضعفاء ، منهم : يونس بن ظبيان ، والمفضل بن صالح ، والمفضل بن عمر ، ومحمّد بن سنان ، وعلي بن أبي حمزة ، وأبو البختري ، وهب بن وهب ، وعلي بن حديد ، وعمرو بن جميع ، والحسين بن أحمد بن المنقري ، وغيرهم.

كما ثبت أنّ صفوان روي عن : صالح النيلي ، ويونس بن ظبيان ، وعلي بن أبي حمزة وأبو جميلة ومحمّد بن سنان وغيرهم.

وكما ثبت أنّ البزنطي روي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة وعن أبيه ، وعن أبي جميله وعن المفضل بن صالح وغيرهم.

ومجموع من روي عنهم هؤلآء المشائخ الثّلاثة رحمه‌الله ربّما يبلغ إلى : ٦٠٠ شخصا ، وقيل :

إلى أكثر من سبعمائة شخص.

لكن هنا أجوبة عن ذلك حتّى لا تضر هذه الموارد ، بأن هؤلآء الثّلاثة لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

الجواب الأوّل :

إنّ نسبة من ثبت في حقّهم التضعيف بالنسبة إلى من لم يثبت فيه الضعف ، من الّذين روي عنهم ، قليلة جدّا بحيث لا تضرّ بالإطمئنان ، فكأنّ تلك الموارد بمنزلة الشّاذ غير قابلة للاعتناء ، كما في نسبة الواحد إلى المائة أو الألف.

أقول :

هذا البيان يكفي لصحّة الكلية المذكورة بحسب العرف ، ولا يكفى لحجيتها ؛ إذ في كلّ مورد يحتمل أنّ الرّاوي من الشّاذ النادر ، فيكون ضعيفا فلا يجوز الأخذ برواياته ...

الجواب الثّاني :

من سيّدنا الأستاذ الحكيم قدّس سره في مستمسكه (١) لكنّه مع كونه خلاف ظاهر كلام الشّيخ رحمه‌الله ردّ لادعاء الشّيخ وتسليم للإشكال ، لا أنّه جواب له وسيأتي نقله.

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى : ١ ، ٤٢٤ و ٤٢٦.


الجواب الثالث :

إنّ هؤلآء المشائخ الثّلاثة إنّما رووا عن الضعاف في زمان وثاقتهم دون حال انحرافهم.

أقول :

دفع الإشكال بهذا الاحتمال ، ضعيف ، خارج عن البحث العلمي ، لا سيّما إذا لم يثبت إنّ الرّاوي له حالة استقامة وحالة انحراف.

الجواب الرابع :

أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمّن يثقون بهم أنفسهم ، ولا يعتبر أن يكونوا من الموثوق بهم عند غيرهم ، وهذا نظير ما أجاب بعض أهل السنّة عن ادّعاء مسلم صاحب الصحيح ، حيث ادّعي إنّ روايات كتابه مقبولة عند الكلّ ، فقال : أي : باعتقاد مسلم إنّها مقبولة عند الكلّ.

وفيه إنّه خلاف ظاهر كلام الشّيخ ، وثانيا أنّه لا يجدي ولا ينفع شيئا ، فإنّا مأمورون بالعمل باخبار من نثق به لا بأخبار من يثق به أحد هؤلآء الثّلاثة.

والحاصل : الحاسم أنّ الوثاقة بمعنى الصدق ـ على ما سبق ـ وليس يعقل أن يكون لهم نظر خاصّ فيه ، بحيث يرى أحد هؤلآء صدق أحد ولا يراه كذلك ، غيرهم من الرجاليّين.

وسيأتي في كلام سيّدنا الأستاذ الحكيم رحمه‌الله توجيه آخر لهذا الوجه.

فالصحيح : عدم الاعتماد على نقل الشّيخ في حقّ هؤلآء المشائخ الثّلاثة.

وأمّا جواب السؤال الثاني ، ففي التهذيب (١) بعد نقل مرسلة ابن أبي عمير : فأوّل ما فيه أنّه مرسل ، وما هذا سبيله لا يعارض به الإخبار المسندة.

وهكذا عن الاستبصار.

والجواب أنّ هذا لا يناقض ما ذكره بعد ذلك في العدّة فإنّ التهذيب مقدّم تأليفا على العدّة ، فهو عدول عن الرأي ، وهذا واضح يقبح إنكاره.

فإنّ قلت :

إنّ الشّيخ لم يذكر في التهذيبين عدم حجيّة المرسلتين مطلقا ، بل في حال التعارض وباب التعارض ، له حكم خاص؟

__________________

(١) التهذيب : ٨ / ٣٦٠ ، ح ١٦٤ ، طبعة مكتبة الصدوق ، وفي نسخة اخرى : ٢٣٣ ، ح : ٩٣٢.


قلت :

إنّ الشّيخ قدّس سره ابتلى بالتناقض ظاهرا في هذا المقام ، فلاحظ كلامه في البحث الثامن والثلاثين.

نعم ، الشّيخ خالف ادّعائه في حقّ هؤلآء الثّلاثة من جهة اخرى ، وهي أنّه ضعف عدّة من الرّواة الّذين روى بعض هؤلآء الثّلاثة عنهم ، فإذا كان الشّيخ ـ وحتّى النجّاشي وغيره ـ معتقدا ضعف بعض هؤلآء المروي عنهم ، فكيف يصحّ له أنّ يدعي أن هؤلآء الثّلاثة لا يرسلون ولا يروون إلّا عن ثقة؟

وكيف يجوز لغير الشّيخ أن يعتمد عليهم في خصوص مسانيدهم المجهولة؟

مثلا : أنّ الشّيخ ضعّف الحسين بن أحمد المنقري في رجاله في أصحاب موسى بن جعفر عليه‌السلام وضعّف عمرو بن جميع في أصحاب الصّادق عليه‌السلام وأبا البختري في فهرسته مع أنّ ابن أبي عمير روي عنهم ، وهكذا.

وفي الأخير ننقل كلام سيدنا الأستاذ الحكيم قدّس سره في مستمسكه (١) إيضاحا للمقام :

ورواية محمّد بن أبي عمير عنه ـ أي : زيد النرسي ـ لا توجب ذلك ـ أي وثاقته ـ وإن قيل إنّه لا يروى إلّا عن ثقة ؛ إذ لا يبعد كون المراد منه الوثاقة في خصوص الخبر الّذي رواه ـ ولو من جهة القرائن الخارجيّة ـ لا كون الرّاوي ثقة في نفسه ، وإلّا لأشكل الأمر في كثير من الموارد الّتي روي فيها محمّد بن أبي عمير عن المضعفين ، مضافا إلى بنائهم على عدم كفاية روايته في توثيق المروي عنه ، كما يظهر من ملاحظة الموارد الّتي لا تحصى ، ومنها المقام فإنّهم لم ينصوا على وثاقه زيد بمجرّد رواية محمّد بن أبي عمير عنه.

وأيضا فإنّ الظاهر أنّ عدم الرّواية إلّا عن الثّقة ليس مختصّا بمحمّد ، والبزنطي ، وصفوان الّذين قيل فيهم ذلك بالخصوص.

فقد قال الشّيخ رحمه‌الله في عدّته في مبحث الخبر المرسل :

سوت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وغيرهم من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم : ولذلك عملوا بمراسيلهم.

بل الظاهر أنّ كثيرا من رواة الحديث كذلك ، لاختصاص الحجيّة عندهم بخبر الثّقة ، وليس نقلهم للرّوايات من قبيل نقل القضايا التأريخيّة ، وإنّما كان للعمل والفتوى ، فما لم يحصل لهم الوثوق بالرّواية لا ينقلوها ، بل يطعنون على من ينقلها.

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى : ١ / ٤٢٥ و ٤٢٦.


فلاحظ ما حكى عن أحمد بن محمّد بن عيسى من إخراجه البرقي من قمّ ؛ لأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، فلو كان هذا المقدار كافيا في البناء على وثاقة الرّاوي لم يبق لنا راو إلّا وهو ثقة إلّا نادرا.

نعم ، الرّواية عن شخص تدلّ على الوثوق بروايته ، لكن ذلك قد لا يوجب الوثوق لغيره.

وبذلك اتّضح الفرق بين الشّهادة بوثاقة الرّاوي والرواية عنه فتكفي الأولى في قبول خبره ولا تكفي الثانية في قبوله ، فضلا عن إثبات وثاقة الرّاوي في نفسه ؛ لأنّ الظاهر في الأوّلى الاستناد إلى الحسّ أو ما يقرب منه ، فيكون حجّة ولا يظهر من الثانية ذلك ؛ ولذلك نجد أكثر الرّوايات الضعيفة غير مقبولة عند الأصحاب وفي سندها الثقات والأجلّاء ، لعدم حصول الوثوق لهم من مجرّد ذلك ، لاحتمال كون وثوق رجال السند حاصلا من مقدّمات بعيدة يكثر فيها الخطأ.

ومن ذلك يظهر الإشكال في إثبات وثاقة زيد النرسي برواية جماعة من الأجلاء لكتابه ، كما قيل.

ومثله في الإشكال : ما قيل من أنّ محمّد بن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، والمعروف بينهم أنّ المراد به الإجماع على قبول الرّواية ، إذا كان أحدهم في سندها وإن رواها بواسطة المجهول ، كما يدلّ على ذلك عبارة العدّة المتقدّمة ، فإنّ المراد من غيرهم من الثقات ما يشمل أصحاب الإجماع قطعا ؛ ولأجلها يضعّف إحتمال أنّ المراد من الإجماع المتقدّم صحّة روايتهم فقط.

وعلى هذا فرواية النرسي يجب العمل بها ، لرواية محمّد بن أبي عمير إيّاها وإن لم تثبت وثاقة النرسي.

وجه الإشكال : أنّ الإجماع المذكور وإن حكاه الكشّي رحمه‌الله وتلقاه من بعده بالقبول ، لكن ثبوته وحجّيته بهذا المقدار محلّ تأمّل.

كيف وجماعة من الأكابر توقّفوا عن العمل بمراسيل ابن أبي عمير؟

وأمّا غيره من أصحاب الإجماع ، فلم يعرف القول بالاعتماد على مراسيله ، حتّى استشكل بعضهم في وجه الفرق بينه وبين غيره في ذلك.

وما ذكره الشّيخ رحمه‌الله في عبارته المتقدّمة غير ظاهر عندهم. وأيضا فإنّ الظاهر أنّ الوجه في الإجماع المذكور ما علم من حال الجماعة من مزيد التثبت والاتقان والضبط ، بنحو لا


ينقلون إلّا عن الثقات ـ ولو في خصوص الخبر الّذي ينقلونه ـ فيجيء فيه الكلام السّابق من أنّ الوثوق الحاصل من جهة القرائن الاتّفاقيّة غير كاف في حصول الوثوق لنا على نحو يدخل الخبر في موضوع الحجيّة كليّة.

وبالجملة : لو كان الإجماع المدعي ظاهرا في ذلك ، فكفايته في وجوب العمل بالخبر الّذي يرويه أصحاب الإجماع ، مع عدم ثبوت وثاقة المروي عنه ، أو ثبوت ضعفه لا يخلو من إشكال ، فلاحظ وتأمّل. انتهى كلامه رفع مقامه.

القول الخامس : حجيّة مراسيل الكافي لثقة الإسلام الكليني رضي‌الله‌عنه

أقول : وهو مجرّد حسن ظنّ.

القول السادس : حجيّة مراسيل الصدوق قدس‌سره كما عن الحرّ والسبزواري والبهائي (١) رحمه‌الله وغيرهم. ويأتي تفصيله في البحث الثّاني والأربعين.

أقول : يفهم وجه هذين القولين وضعفهما ممّا مرّ وما يأتي.

القول السابع : ما نقل عن المحقّق الحلّي في خمس معتبره (٢) من حجيّة المراسيل بشروط منها : خلوّه عن المعارض ، ومنها : خلوّه عن المنكر ، ومنها : عدم ردّه من جانب الفضلاء ، ومنها : كون المرسل الناقل شيعيّا.

وهل يعتبر مع ذلك موافقته لفتوى علماء الشّيعة عنده أم لا إليك نص عبارته بتمامها :

الذي ينبغي العمل به اتّباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفضلاء ، وإذا سلم النقل عن المعارض ، ومن المنكر لم يقدح إرسال الرّواية الموافقة لفتواهم ، فإنّا نعلم ما ذهب إليه أبو حنيفة والشّافعي ، وإن كان الناقل عنهم ممّن لا يعتمد على قوله ، وربّما لم يعلم نسبته إلى صاحب المقالة ، ولو قال إنسان : لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشّافعي في الفقه ؛ لأنّه لم ينقل مسندا كان متجاهلا ، وكذا مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ينسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو اسند ، إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه ولا ردّه الفضلاء منهم.

نقول لهذا المحقّق الفقيه عميق النظر وسيع الاطلاع رضي‌الله‌عنه :

نمنع التجاهل إذا لم يكن النقل محفوفا بقرينة خارجيّة فإنّ خبر الواحد لا يكون مفيدا للعلم ، فكيف يكون مدعي عدمه متجاهلا؟

__________________

(١) مقباس الهداية : ٤٩.

(٢) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٧٣ ، الطبعة المتوسطة.


بل يكون محقّا في دعواه ، ولعلّ مراد المحقّق المسائل العامّة المشهورة الظاهرة.

وعلى الجملة : إذا حصل الاطمئنان بصدور الرّواية المرسلة الجامعة لما ذكره من الشّروط من المعصوم فهو ، وإلّا فلم يوجد دليل على حجيّتها في كلامه وفي كلام غيره نخضع له ، وله تفصيل آخر يأتي في آخر هذا البحث.

القول الثامن : ما عن الفاضل المقداد في تنقيحه من حجيّة مراسيل الشّيخ الطوسي قدّس سره بحجّة أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة ، وهو أعلم بما قال.

وبمثله قيل في : حقّ النجّاشي ، وابن عقيل ، والإسكافي ، والكلّ نشأ من حسن الظّن.

أقول التّاسع : ما عن الشّهيد رضي‌الله‌عنه في محكي غاية المراد بأنّ مراسيل الثقات من الأصحاب مقبولة معتمدة.

وقال الفاضل المامقاني :

أراد بالثقات من وثقوه ولم ينصوا بأنّه يروي عن الضعفاء ، وحينئذ فتعتدل جملة من المراسيل لعدم قصور هذه الشّهادة من التّوثيقات الرجاليّة فلا تذهل. (١)

أقول :

هذا الكلام من مثل الشّهيد عجيب فإنّه رحمه‌الله يعلم إنّ الثقات يروون عن الضعفاء والمجهولين ، كما يروون عن الثقات والصادقين ، فكيف يكون مراسيلهم حجّة ، ولست أتوّقع صدور مثل هذا الكلام من مثل هذا الجليل النّبيل وأمثاله.

وأمّا ما ذكره المامقاني رحمه‌الله ، ففيه إنّ سكوتهم عن رواية شخص عن الضعفاء دليل على أنّه لم يرو عن الضعفاء كثيرا ، لا أنّه لم يرو عن ضعيف أصلا ، وعليه فلا تلبس المراسيل لباس الحجيّة.

وأمّا عدم قصور هذه الشّهادة عن التّوثيقات الرجاليّة ، ففيه أنّه واضح الضعف فإنّ كلام الشّهيد رحمه‌الله اجتهاد حدسي لا يجوز العمل به لمجتهد آخر ، بل للكلّ ؛ لبطلان تقليد الميت ابتداء ، وهذا بخلاف الإخبار عن حسّ ، فإنّه حجّة كما مرّ.

ولعلّ مراد الشّهيد من الثقات الثقات المعيّنون الّذين ادّعي الإجماع على قبول مراسيلهم ، ولكنّه أيضا عندنا غير تامّ ، كما سبق مفصّلا.

ثمّ إنّه ربّما يقال : إنّ المرسل ـ كالصدوق رحمه‌الله ـ إذا أرسل الرّواية بلفظ : روي عن

__________________

(١) خاتمة تنقيح المقال : ٣ / ٩٩.


الإمام فهو ليس بحجّة ، وأمّا إذا أرسله بلفظ : قال الإمام ، فهو حجّة ؛ إذ لو لا صحّة الطريق لم يجز له نسبة المضمون إلى الإمام ، لأنّه افتراء محرّم.

ويردّه إنّ هذا لا يثبت صحّة الطريق عند غير الصدوق مثلا ، وإنّما يثبت الصحة المعتبرة باجتهاد الصدوق فقط ، فلا يجوز لغيره الاعتماد عليها ؛ لاختلاف المباني الاجتهاديّة والحالات النفسيّة.

القول العاشر : ما عن السّيد المحقّق الداماد رحمه‌الله في محكي الرواشح السماويّة من أنّه إذا قيل في الحديث رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام فهو ، أمّا محمّد بن حمزة التميمي الفاضل الثّقة ، وهو الّذي روي في الفقيه عنه الحديث المتضمّن لحدّ كثرة السهو ، أو محمّد بن أبي حمزة الثمالي الممدوح ، وهو الّذي يروي عنه ابن أبي عمير ومحمّد بن سنان ، وأمّا ثعلبة بن ميمون أبو إسحاق الفقيه النحوي ، ثمّ قال : فهذه فايدة جليلة قد أخذتها واستفدته من كتاب الرجال للشيخ رحمه‌الله.

أقول :

لا تحضرني الرواشح حتّى أطمئن بصدور هذه العبارة بعينها من السّيد المذكور ، وعلى تقدير وجودها ، ليته ذكر محلّ الأخذ والاستفادة من رجال الشّيخ ، وعلى كلّ فعندي هذا القول غريب.

القول الحادي عشر : ما ذكره المحدّث الحرّ العاملي من أنّ الرّوايات المتواترة الدّالة على حجيّة خبر الثّقة مطلقة وعامّة ، فما يرويه الثّقة يحكم بصحته سواء رواه مرسلا أو مسندا ، عن ثقة ، أو ضعيف ، أو مجهول ... ومن المعلوم قطعا أنّ الكتب الّتي أمروا عليهم‌السلام بالعمل بها كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل ، وكثير منها مراسيل. (١)

وفيه إنّ حجيّة نقل الثّقة وتصديقه إنّما هو فيما يخبر فقط لا ثبوت قول المعصوم ، ولو بتوسط ضعيف أو مجهول ، فإذا قال الثقة : قال الإمام كذا ، وكذا نصدّقه في إخباره عن المعصوم عليهم‌السلام. وإذا قال : قال فلان ، قال : الإمام كذا ، نصدّقه في إخباره عن فلان لا عن الإمام عليه‌السلام فإذا كان فلان ضعيفا أو مجهولا أو مهملا ، فلا معنى للحكم بثبوت قول العصوم بقول هذا الضعيف أو المجهول ، ولا إطلاق ولا عموم يفيان بإثباته قطعا ، وهذا فليكن واضحا وظاهرا بأدني التفات.

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٩٣.


وأمّا الكتب المأمور بها ، فإنّ أراد من الأمر بها الأمر المستفاد من الرّوايات المتواترة الدّالة على حجّيه قول الثّقة ، فقد عرفت ما فيه ، وإن أراد الأمر الخاصّ بالعمل ببعض الكتب ، فمع فرض صحّة هذا الأمر سندا ، تصبح المرسلات والضعاف سندا مسندات معتمدة ؛ لأجل الأمر الثّاني بنفس المتون ، وهذا لا يدلّ على حجيّة المرسل بوجه ، كما لا يدلّ على حجيّة نقل الضعيف والمجهول وإلّا بطل علم الرجال من أصله ، فما نسجه موهون جدّا.

القول الثّاني عشر : حجّيّة مرسلات الحلّي في مستطرفات سرائره ، وسيأتي وجهها ونقده إن شاء الله في بحث مستأنف.

القول الثالث عشر : حجّيّة المرسلات الّتي عمل بها المشهور ، أي : استندوا إليها في مقام الفتوى ، فلا يكفي مجرّد مطابقتها للفتاوي ، كما أنّ المعتبر من الشّهرة الشّهرة بين القدماء دون المتأخّرين ، وهذا هو الكلام الشّائع ، إنّ الشّهرة جابرة وكاسرة ، أي : أنّ عمل المشهور برواية ضعيفة جابر لضعفها ، وإعراض المشهور عن رواية معتبرة موهن وكاسر لاعتبارها ، كما ذهب إليه المشهور أو الأشهر.

واستدلّ له بأنّ القدماء كانوا أقرب إلى زمان الأئمّة عليهم‌السلام وكانوا أعرف بالقرائن اللفظيّة والحاليّة ، وخفاء القرائن عليهم أقلّ منه على غيرهم ، فلعلّهم وقفوا على ما لم نقف عليه ، فعملهم بالرواية الضعيفة يكشف عن قرينة دالّة على صحتّها ، وإعراضهم عن الرّواية المعتبرة يكشف عن خلل فيها. (١)

أقول : هذا الاستدلال ممنوع صغرى وكبرى.

أمّا منع الصّغرى ، فلأنّه لا سبيل لنا إلى إحراز استناد مشهور القدماء إلى الرّواية غالبا ؛ إذ ليس بأيدينا الكتب الاستدلاليّة للقدماء ، حتّى أنّه لم يصل إلينا كتاب ابن أبي عقيل وكتاب ابن الجنيد ، اللذين قيل : إنّهما ألّفا بشكل استدلالي ، بل ليس للمشهور المتقدّمين كتب فتوائيّة حتّى نقف على فتاويهم.

وللشهيد الثّاني كلام طويل ذكره في درايته (٢) وإليك بعضه :

هذا إنّما يتمّ لو كانت الشّهرة متحققة قبل زمن الشّيخ ، والأمر ليس كذلك فإنّ من قبله من العلماء كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقا ، كالسيّد المرتضى ، والأكثر

__________________

(١) إذا ثبت علمهم بوجود الرّواية ولم يكن إعراضهم عن الرّواية المذكورة ؛ لأجل المناقشة في دلالتها ، أو ترجيح غيرها عليها ، ولغير ذلك من العمليات الاجتهاديّة.

(٢) الدراية : ٢٧ و ٢٨.


على ما نقله جماعة ، وبين جامع للأحاديث من غير التفات إلى تصحيح ما يصحّ ورد ما يرد ...

فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشّيخ على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقّق ، ولما عمل الشّيخ بمضمونه في كتبه الفقهيّة جاء من بعده العلماء ، واتّبعه منهم عليها الأكثر ، تقليدا له إلّا من شذّ منهم ، ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث وينقب عن الأدلّة بنفسه ، سوى الشّيخ المحقّق ابن إدريس ؛ وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقا ... ومثل هذه الشّهرة ـ أي : بعد الشّيخ ـ لا تكفي في جبر الخبر الضعيف ...

وأمّا الكبرى فيرد عليها ، إنّه لا ملازمة بين اعتمادهم على قرينة جابرة أو كاسرة ، واعتمادنا عليها ، فلعلّها لو وصلت إلينا لم نرها صالحة للاعتماد عليها.

ويقول سيّدنا الأستاذ الحكيم قدّس سره في حقائق الاصول :

المحتمل بدوا في أدلّة حجيّة الخبر أحد أمور ثلاثة :

الأوّل :

حجيّة الخبر المظنون بصدوره بالنظر إلى نفس السند ، مثل كون الرّاوي ممّن يظّنّ بصدقه.

الثّاني :

حجيّة مظنون الصدور ولو بالنّظر إلى ما هو خارج عن السند ، مثل عمل الأصحاب به واعتمادهم عليه.

الثالث :

حجيّة ما هو أعمّ من ذلك وما هو مظنون الصحّة ، ومطابقة مؤدّاه للواقع ، ولو بالنظر إلى الخارج ، كما لو كان الخبر موافقا لفتوى المشهور وإن لم يعتمدوا عليه ، كخبر الدّعائم والرضوي ونحوهما.

وظاهر المصنّف ـ صاحب الكفاية ـ استظهار الثالث من أدلّة الحجيّة ولا يخلو من تأمّل ، بل المتيقّن هو الأوّل ، وإن كان الثّاني أظهر. (١)

أقول : المتيقّن من الأحاديث الواردة في حجيّة الخبر ، هو حجيّة خبر العادل ، والأقوى حجيّة خبر الثّقة من جهة بناء العقلاء ، ولا يعتبر فيه حصول الظّن الفعلي ، نعم ، لا شكّ في حجيّة الخبر الموثوق به ، ولو لأجل الشّهرة وغيرها ، وأمّا الخبر المظنون بصدقه فهو غير معتبر ، فإنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

ويمكن أن يستدلّ لأصل القول السّابق بما ذكره الشّيخ الأنصاري رحمه‌الله في رسائله بعد بيان أدلّة حجيّة خبر الواحد : والإنصاف أنّ الدال منها لم يدلّ إلّا على وجوب العمل بما يفيد

__________________

(١) حقائق الأصول : ٢ / ٢١٧.


الوثوق والاطمئنان بمؤدّاه ، وهو الّذي فسّر به الصحيح في مصطلح القدماء ، والمعيار فيه أن يكون احتمال مخالفته للواقع بعيدا ، بحيث لا يعتني به العقلاء ، ولا يكون عندهم موجبا للتحيّر والتردّد الّذي لا ينافي حصول مسمّى الرجحان ...

ومن الظاهر إنّ الإخبار الّتي أعرض عنها المشهور لا تكون موثوقا بها وإن صحّت أسنادها ، فلا تشمله أدلّة حجيّة الإخبار ، انتهى.

لكن إذا قلنا بأنّ المعتبر من الإخبار ما كان مخبره صادقا لبناء العقلاء عليه وللروايات ، أو كان الخبر موثوقا به ؛ لأنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة ، لم يتمّ هذا الاستدلال ، لعدم سقوط الخبر بإعراض المشهور عنه ، بعدما كان رواته صادقين وثقات وقد شملته أدلّة الحجيّة ، وهذا ظاهر. ولو شرط في حجيّة الخبر ، الوثوق الشخصي بمؤدّاه ، لذهب اكثر الإخبار باطلا.

ولا أظنّ بأنّ الشّيخ الأنصاري قدّس سره كان واثقا بما إستدلّ به من الأحاديث ، كما يظهر من كتاب مكاسبه وغيره.

القول الرابع عشر : ما نقله الشّيخ الحسن رحمه‌الله عن المحقّق الحلّي قدّس سره من أنّه إذا قال الرّاوي أخبرني بعض أصحابنا وعني الإماميّة يقبل ، وإن لم يصفه بالعدالة ، إذا لم يصفه بالفسق ؛ لأنّ إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ، ولم يعلم منه الفسق المانع من القبول ، فإنّ قال عن بعض أصحابه لم يقبل ؛ لإمكان أن يعني نسبته إلى الرّواة وأهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول. (١)

أقول : ما ذكره في الشّق الثّاني صحيح ، وأمّا ما ذكره في الشّق الأوّل فيرد عليه ، نظير ما ذكره نفسه في مراسيل ابن أبي عمير ، كما سبق نقله في القول الرابع.

والظاهر أنّ كلامه هذا يعتمد على أصالة العدالة في المؤمن ، أو على أصالة الأمانة الفعليّة والقوليّة فيه ، وعلى كلّ لا يمكن إتمامه بدليل.

القول الخامس عشر : قبول مراسيل محمّد بن أبي حمزة الثمالي ، فإنّ مشايخة كثيرون يتجاوزون أربعين رجلا فيما بأيدينا من الأحاديث ، وجميعهم ثقات عدا شخصين لم يثبت وثاقتهما ، وهما علي بن سعيد ، وعلي بن الحزور ، وقد وردت روايته عنهما في موضعين ، من التهذيب ، (٢) نعم ، روي عن أناس ضعفاء ، أو غير موثقين ، لكن باسانيد غير معتبرة ، (مثل : داود

__________________

(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ٢٠٨.

(٢) التهذيب : ١٠ / ١١٧ ؛ ٢ / ٣١٤.


الرقي وعثمان الأصفهاني ، ومحمّد بن وهب ، ومحمّد بن يزيد.

فلا يعدّون هؤلآء من مشائخه ، لعدم بثوت روايته عنهم. (١)

وفي ضوء ذلك يمكن أنّ يقال : إنّ احتمال كون الواسطة المبهمة في الرّواية المبحوث عنها من غير الثقات احتمال ضعيف جدّا ، فلا يعتد به ؛ لأنّ نسبة عدد غير الموثق من مشايخ ابن أبي حمزة بالنظر إلى مجموع مشايخة نسبة ضئيلة ، فمقتضى حساب الاحتمالات أن يكون احتمال توسط الضعيف في مراسيله احتمالا ضئيلا أيضا ، فلا يعتني به عند العقلاء لحصول الاطمئنان بخلافه.

وردّ بأنّ احتمال كون الواسطة في كلّ من مراسيل ابن أبي حمزة أحد الاثنين غير الموثقين هو ٥% أي : أنّ احتمال أن يكون من الثقات هو ٩٠% ، وهذا أقلّ من درجة الاطمئنان. (٢)

أقول : وضعفه ظاهر ، فإنّه يبلغ درجة الاطمئنان عند العقلاء ، لكن الأظهر عدم صحّة الاعتماد على مراسيله ، فإنّ من روي عنهم من الضعفاء كثير ، وعدم بثوت الرّواية عنهم بالسند المعتبر لا ينافي قوة الاحتمال المنافي للاطمئنان.

على أنّ هناك أناس مجهولين أخرى في مشايخه على الأظهر ، كما يظهر من أسماء من روي عنهم في معجم الرجال ، بل ربّما يتجاور عدد هؤلآء من العشرة.

وممّا ذكرنا ربّما يظهر ضعف ما ذكره هذا القائل ، من أنّ العبرة في المقام بعدد الرّوايات لا بعدد المشائخ ، وقال بعد جملات :

فاحتمال أن يكون الرّواية المرسلة من قبيل إحدى هذه الرّوايات الأربع لا يزيد على ٢% ممّا يعني حصول الاطمئنان بخلافه ، فتأمّل. (٣)

وما ذكره لا يعتمد عليه الفطن الماهر.

على أنّه إن تمّ هذا الكلام فإنّما يتمّ إذا ادّعي أحد أنّه لا يروى إلّا عن الثقات ، لا فيمن لم يدع ذلك ، إذ يحتمل أنّ كثرة مشايخه الثقات من باب الاتّفاق ، لا من أجل بنائه على عدم الرّواية من الثقات ، فلاحظ.

__________________

(١) لاحظ : معجم رجال الحديث : ٩ / ٥٧.

(٢) الزي والتجمل ، ص ١٤٠ ، ومراجعته لمزيد الاطلاع لا تخلو من فائدة.

(٣) المصدر : ١٤٦.


البحث السابع والثلاثون

حول أخبار المهملين

قال صاحب قاموس الرجال لتصحيح تنقيح المقال في مقدّمة كتابه (١) : والمفهوم منه أي :

من ابن داود أحد أرباب الكتب الرجاليّة رحمه‌الله ـ أنّه يعمل بخبر رواته المهملون ، ولم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته الممدوحون ، وهو الحقّ الحقيق بالاتّباع ، وعليه عمل الإجماع.

فنري القدماء كما يعملون بالخبر الّذي رواته ممدوحون يعملون بالخبر الّذي رواته غير مجروحين ، وإنّما يردون المطعونين ، فاستثني ابن الوليد وابن بابويه من كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن ... ذكر أسماء رجال.

واستثني المفيد من شرائع علي بن إبراهيم حديثا واحدا في تحريم لحم البعير ، فهذا يدلّ على أنّ الكتب الّتي لم يطعنوا في طرقها ولم يستثنوا منها شيئا كانت معتبرة عندهم ، ورواتها مقبولو الرّواية إن لم يكونوا مطعونين من أئمّة الرجال ولا قرينة وإلّا فتقبل مع الطعن.

ثمّ استظهر الإجماع على ذلك من كلام الشّيخ في العدّة ، فقال قال الشّيخ في العدّة :

وكذلك القول فيما ترويه المتّهمون والمضعفون إن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحتّها وجب العمل به ، وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحّة وجب التوقف في أخبارهم ، فلأجل ذلك توقّف المشائخ عن أخبار كثيرة هذه صورتها ، ولم يرووها واستثنوها في فهارستهم من جملة ما يروونه من التصنيفات.

__________________

(١) قاموس الرجال لتصحيح تنقيح المقال : ١ / ٢٥.


ثمّ قال صاحب القاموس :

نعم ، يمكن القول إذا تعارض خبران رواة أحدهما مصرّح بتوثيقهم ، ورواة الآخر مهملون يرجح الأوّل عليه ... (١)

ثمّ قال : هذا هو طريق القدماء ، وقد أحدث الطريقة الحادثة العلّامة ، والظاهر أنّ الأصل فيها شيخه في الرجال أحمد بن طاووس ، حيث إنّه يطعن في كثير من أخبار الكشّي بعدم ذكر من في طريقه في الرجال ، ولم نقف على كتبه في الفقه فلعلّه عبر بمصطلحات : الصحيح ، والحسن ، والقوي ، والضعيف ، كالعلّامة.

وأمّا المحقّق وإن احتمل بعض أنّه الأصل إلّا أنّ الّذي يفهم من معتبره أنّ طريقته قريبة من القدماء. (٢)

وبالجملة : طريقة القدماء أوّلا التّرجيح بالقرينة من دليل العقل ، أو النقل من : الكتاب والسنّة والإجماع الشّامل للشهرة المحققة ، وفي ما ليس قرينة ، العمل بالصحيح ، والحسن والمهمل.

وأمّا الموثق ، فلا يعملون به إلّا إذا لم يعارضه خبر إمامي ولو من المهمل (٣) ، ولم يكن فتواهم بخلافه ، انتهى كلامه.

أقول : هنا مباحث :

١. إنّ من يرى العدالة عبارة عن الإيمان أو الإسلام وعدم ظهور الفسق ، يمكن له أن يعمل بخبر رواته مهملون إذا ثبت لديه إيمانهم أو إسلامهم ، بأن يفسّر المهمل بمن لم يرد فيه قدح ، كما يظهر من هذا الفاضل في أوّل كلامه هنا ، وفي ترجمة أحمد بن رباح بن أبي نصر السكوني وغيره ، ويمكن أن يستدلّ للقول المذكور بأنّ المراد بالفاسق في آية النبأ من علم فسقه ، والمجهول داخل في مفهوم الآية ، فلا يجب التبيّن في خبره ، وهو كما ترى أو ينفي الفسق بالأصل ، ويكتفي به في قبول الخبر ، وقد مرّ ضعفه.

وهذا الفاضل لم يذكر لمختاره ، ومختار ابن داود وجها ودليلا سوى الإجماع المنقول على وجه ، وكونه طريق القدماء.

والأظهر أنّ العدالة ليست مجرّد الإسلام أو الإيمان مع عدم ظهور الفسق ، كما قررّ في محلّه ونسبته إلى جميع القدماء غير معلومة ، ولعلّها مظنونة العدم ، وإن نسلّم تفسير العدالة بالإيمان وعدم ظهور الفسق لا نسلّم حجيّة قول العادل

__________________

(١) المصدر : ٢٧.

(٢) مرّ كلام المحقّق في البحث السّابق ونقله صاحب المعالم : ٢٠٨.

(٣) وقول الشّيخ في العدّة : فإن كان هناك بالطريق الموثوق به الخ ، كما يأتي في أوّل البحث الآتي يبطل هذا الاستظهار ، فلاحظ.


بهذا المعنى ؛ إذ لا دليل عليه من الشّرع والعرف فلا يصير خبر المهمل حجّة ، ودعواه الإجماع عليه غير مقبول ، واستظهاره من عبارة العدّة غريب ، بل لا يفهم منها أنّ الشّيخ نفسه وحده يرى اعتبار الخبر المهمل ، بل لا ربط للعبارة المنقولة بما هذا الفاضل بصدّد إثباته.

نعم ، هي تدلّ على الجزء الأخير من كلامه ، وهو حجيّة خبر الضعفاء مع القرينة ، بل الصحيح أنّ الشّيخ يعتبر الوثاقة في راوي الخبر الواحد المجرّد عن القرينة ، وظاهر كلامه عدم حجيّة خبر المهملين ، وإليك نصّ كلامه في العدّة (١) حتّى تطمئن بغرابة ادّعاء هذا الفاضل المتتبّع في هذا المقام.

قال رحمه‌الله :

فما اخترته من المذهب ، وهو أنّ خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة ، وكان ذلك مرويّا عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أحد من الأئمّة ، وكان ممّن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ... جاز العمل به ، والّذي يدلّ على ذلك إجماع الفرقة المحقّة ، فإنّي وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الإخبار ، الّتي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون ، حتّى أنّ واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه ، سألوه من أين قلت هذا؟

فإذا أحالهم على كتاب معروف ، وأصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك ، وقبلوا قوله ، وهذه عادتهم وسجيتهم من عهد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الخ.

أقول : قوله ويكون سديدا في نقله ، وقوله : وكان روايه ثقة ، نصّ على خلاف ما ذكره هذا الفاضل ، عصمنا الله من الزلل.

وكيفما كان رواية المهملين غير حجّة ولا يجوز الاعتماد عليها في الأحكام الإلهيّة وغيرها أصلا ، فإنّه تشريع محرّم ، وبناء العقلاء أيضا على عدم اعتبارها.

٢. استثناء ابن الوليد إنّما يدلّ على ضعف الرجال الّذين استثناهم ، ويحتمل أن يكون الاستثناء لأمر آخر اقتضاه اجتهاده ، كما يأتي بحث هذا الاستثناء في البحث التّاسع والأربعين.

وهكذا في استثناء المفيد رحمه‌الله ، ولا يدلّ على أنّهم اعتمدوا على المهملين بإحدي الدلالات.

وبالجملة : أنّه لم يقدر على إثبات عمل القدماء بخبر المهملين الفاقد للقرينة المصحّحة عندهم ، بل الواقف على مطالب هذا الكتاب يظهر له عدم صحّة النسبة المذكورة إلى القدماء ، وأقوي الشّواهد عليه كلام الشّيخ السّابق ذكره.

__________________

(١) العدّة : ١ / ٣٣٧ ، المطبوعة ببلدة قمّ ؛ والطبعة المحقّقة الجديدة : ١ / ١٢٦.


٣. الصحيح أنّ خبر الواحد إن قامت على صدوره قرينة مورثة للاطمئنان يعمل به ، ولا ينظر إلى السند ، فإنّ الاطمئنان ـ أي : العلم العادي لا مجرّد الظّن ـ حجّة عرفيّة عقلائيّة ، لكن حصول القرينة للمتأخّرين ـ ولا سيّما لنا ـ بعيدة جدّا ، والشّهرة غير موجبة للاطمئنان ، كما قرّرناه في البحث السّابق. وإن لم تقم على صحته قرينة ـ كما هو الغالب الأغلب ـ يدور العمل به مدار صدق الرّاوي ، سواء كان إماميّا أم لا ، عادلا أم لا ، فإنّ العدالة المعتبرة في الخبر هي صدق الرّاوي في إخباره ، كما ذكره الشّيخ رحمه‌الله في عدته.


البحث الثامن والثلاثون

حول : الرّوايات المرسلة وروايات غير الإمامي

في فرض التعارض وعدمه عند الشّيخ

قال الشّيخ الطوسي قدس‌سره في العدّة :

وأمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر ، فهو أن يكون الرّاوي معتقدا للحقّ مستبصرا ثقة في دينه متحرّجا عن الكذب ، غير متّهم فيما يرويه. (١)

فأما إذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب ، وروي مع ذلك عن الأئمّة عليهم‌السلام نظر فيما يرويه ، فإن كان هناك بالطريق الموثوق به ما يخالفه وجب إطراح خبره ، وإن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ، ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ، وإن لم يكن من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ، ولا يخالفه ولا يعرف لهم قول فيه ، وجب أيضا العمل به ، لما روي عن الصّادق عليه‌السلام إنّه قال :

إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنا ، فانّظروا إلى ما رووا عن عليّ عليه‌السلام فاعملوا به. (٢)

ولأجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث بن كلوب ، ونوح بن دراج ، والسّكوني ، وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليهم‌السلام ، ولم ينكروا ، ولم يكن عندهم خلافه.

وإذا كان الرّاوي من فرق الشّيعة ، مثل : الفطحيّة ، والواقفيّة ، والناووسيّة وغيرهم ، نظر فيما

__________________

(١) بحار الأنوار : ٢ / ٢٥٣ ، الطبعة الحديثة ؛ العدّة : ١ / ٣٧٩ ، المطبوعة بقمّ حديثا ؛ ١ / ١٤٨ ، منها الطبعة المحقّقة.

(٢) بل يعمل به ، مع صدق الرواة ؛ لأجل ما دلّ على حجيّة إخبار الثّقة بلا حاجة إلى هذا الخبر المرسل.


يروونه ، فإنّ كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم ، وجب العمل به ، وإن كان هناك خبر يخالفه من طريق الموثوقين ، وجب إطراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة.

وإذا كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه ، وجب أيضا العمل به إذا كان متحرّجا في روايته موثقا به في إمانته ، وإن كان مخطئا في أصل الاعتقاد ؛ ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة ، مثل : عبد الله بن بكير وغيره ، وأخبار الواقفة ، مثل : سماعة بن مهران (١) ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى. ومن بعد هؤلآء بما رواه بنو فضّال ، وبنو سماعة ، والطاطريون ، وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه.

وأمّا ما يرويه الغلاة والمتّهمون والمضعفون وغير هؤلآء فما يختص الغلاة بروايته ، فإن كانوا ممّن عرف لهم حال الاستقامة وحال الغلوّ عمل بما رووه في حال الاستقامة ، وترك ما رووه في خطائهم ؛ ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب في حال استقامته ، وتركوا ما رواه في حال تخليطه.

وكذا القول في : أحمد بن هلال العبرتائي ، وابن أبي عزاقر.

فأمّا ما يروونه في حال تخليطهم ، فلا يجوز العمل به على حال.

وكذا القول فيما يرويه المتّهمون والمضعفون إن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدلّ على صحتّها ، وجب العمل به ، وإن لم يكن هنا ما يشهد لروايتهم بالصحّة ، وجب التوقف في أخبارهم ... ـ إلى أن قال ـ وإذا كان أحد الرّوايتين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل ، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة يوثق ، به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ؛ ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، وغيرهم من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا ممّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ؛ ولذلك عملوا بمرسلهم إذا أنفرد عن رواية غيرهم ، ودليلنا على ذلك الأدلّة الّتي سنذكرها على جواز العمل بأخبار الآحاد ، فإن الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل ... الخ.

أقول : في كلامه مطالب :

١. الظاهر أنّ وجوب إطراح خبر المخالف في صورة وجود الخبر المعارض عن الإماميّة مبني على ما ذهب إليه جمع من تقديم خبر الأوثق على خبر الثّقة والموثق

__________________

(١) يظهر من النجّاشي إنكار وقفه ، حيث كرّر لفظ ثقة في حقّه ، وقال : ثقة ثقة.


في صورة التعارض ، ونحن قد ناقشنا هذا القول بعدم دليل معتبر يدلّ عليه فلا عبرة به ، فيكون خبر المخالف الثّقة حجّة في عرض خبر الموافق الثّقة.

ومع التعارض بينهما يرجع إلى المرجحات المعتبرة ، ومع فقدها يحكم بالتساقط ، وقد فصّلناه في أوّل كتابنا حدود الشّريعة في واجباتها. (١)

وبالجملة :

لا يزيد شروط اعتبار خبر الموثق على شروط اعتبار خبر الثّقة ، وإن خبر غير الإمامي ـ سواء كان عاميّا أو شيعيّا ـ وخبر الإمامي على حدّ سواء لبناء العقلاء على حجيّة خبر الصّادق مطلقا ، ولا إجماع تعبّدي على خلاف هذا البناء.

٢. الرّواية الّتي نقلها عن الصّادق عليه‌السلام لم نقف على سندها عاجلا ، ليحرز صحّتها ، أو سقمها فلا نعتمد عليها ، على أنّ متنه مبهم لا يفي بمراد الشّيخ رحمه‌الله.

٣. ربّما يستفاد من إطلاق كلام الشّيخ قدّس سره لم يعتبرها كما اعتبرها ، وقيد بها حجيّة أخبار الشّيعة غير الاثنى عشريّة في ذيل كلامه ، فإن كان إطلاق كلامه مرادا له ، فهو باطل ؛ إذ ليس حال رواة العامّة عن علي عليه‌السلام أو عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام بأحسن من رواة الشّيعة عن علي وسائر الأئمّة عليهم‌السلام ، حيث يعتبر في حجيّة رواياتهم وثاقتهم ، فكيف لا تعتبر فيهم؟

وكأنّ الشّيخ تمسّك في ذلك بإطلاق الرّواية المذكورة ، لكنّها إن تمّت دلالتها أو إطلاقها ، تمّت في رواة الشّيعة الّذين يروون عن الأئمّة عليهم‌السلام أيضا.

والمتأمّل في صدر كلام الشّيخ وذيله ـ بطوله ـ يظنّ أنّ هذا الإطلاق غير مراد له ، بل مراده حجيّة روايات العامّة إذا كانوا ثقات لا مطلقا ، لكن احتمال عمل الشّيخ بروايات العامّة استنادا إلى إطلاق تلك الرّواية الضعيفة تعبّدا ، قائم لا سبيل إلى نفيه ، وإن كان مرجوحا ، وعليه فلا يستفاد وثاقة السكوني ومن ردف به في كلامه.

٤. عمل الطائفة بأخبار من ذكرهم من العامّة يحتمل أنّه لأجل إحراز صحّتها من القرينة الخارجيّة ، أو لكونهم من الثقات في نقل الإخبار هو المنسوب إليه وهو بل المنصوص في كلامه المنسوب إليه : أجمعت العصابة على العمل بروايات السكوني وعمار ومن ماثلهما من الثقات. (٢)

والحاصل : على فرض صدور هذا الكلام منه ، حجيّة روايات هؤلآء الاربعة ، وأمّا غير المذكورين بأسمائهم في كلامه فلا سبيل لنا إلى احرازهم.

__________________

(١) وقد ذكرنا في الطبعة الأخيرة من حدود الشريعة ، التي قام بها مكتب الإعلام الإسلامي في أوّل المجلّد الثاني : قسم الواجبات ، حول الترجيح والتساقط كلاما دقيقا.

(٢) انظر : وسائل الشيعة : ٢٠ / ٨٨ ، وكذا الوسائل : ٣٠ / ٢٣٢ ، الطبعة الحديثة وغيرها.


هذا ولكن الشّيخ نفسه ضعّف عمّارا فعن الاستبصار (١) : أنّ عمّارا ضعيف ، فاسد المذهب لا يعمل على ما يختص بروايته.

نعم ، وثقه في تهذيبه (٢) ، وقال : ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه.

__________________

(١) الاستبصار ، باب السهو في صلاة المغرب : ١ / ٣٧٢ ، الطبعة الجديدة.

(٢) التهذيب : ٧ / ١٠١ ، برقم : ٤٣٦ ، ونصّه :

والأصل فيها عمّار بن موسى الساباطي ، وهو واحد ، قد ضعّفه جماعة من أهل النقل ، وذكروا أن ما يتفرد بنقله لا يعمل به ؛ لأنّه كان فطحيّا ، غير أنّا لا نطعن عليه بهذه الطريقة ؛ لأنّه وإن كان كذلك ، فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه.

وأمّا خبر زرارة ، فالطريق إليه على بن حديد ، وهو مضعف جدّا لا يعوّل على ما يتفرد بنقله.

أقول : فما في الاستبصار من تضعيفه يحمل على مذهب غيره ، أو يحمل على تسامح الشّيخ رحمه‌الله ، والأظهر أنّه عدول عنه في العدّة ، إن فرض تأخر تأليفه من الاستبصار.

ثمّ إنّ توثيق الشّيخ لا يعارض بتضعيف جماعة من أهل النقل ؛ لأنّ ظاهر كلام الشّيخ أنّ تضعيفهم مستند إلى فساد مذهبه ، وهو عنده وعندنا ضعيف ، فإنّ فساد المذهب أمر ، والصدق في المقال شيء آخر ، وهو المعتبر في حجيّة الخبر.

ثمّ المراد بمن ماثلهما هو : غياث بن كلوب ، ونوح بن دراج ، وحفص بن غياث ، كما تقدّم إردافه إيّاهم معهما.

وأمّا عمل الطائفة برواياتهم فوجهه غير محرز ، فلعلّه لمطابقتها مع الكتاب والسنة بزعمهم ، أو لأنّ معظمها في غير الأحكام الإلزاميّة ، أو غير ذلك ، فلا نطمئن بوثاقتهم من مجرّد العمل ، إذا فرضت رواياتهم قليلة مجموعة في كتاب.

هذا ولكن في الاعتماد على الدعوى المذكورة بحث ، فإنّ الصدوق رحمه‌الله ـ وهو من أعيان الطائفة قال في باب ميراث المجوسي الفقيه : ٤ / ٣٤٤ ـ : ولا أفتي بما ينفرد السكوني بروايته.

وهذا الكلام سواء صدر من ضعف السكوني في أقواله ، أو في مذهبه يضعّف دعوي الشّيخ رحمه‌الله في عمل الأصحاب برواياته ، وضعّفه المحقّق رحمه‌الله في غير مورد من محكي معتبره : ـ ١ / ٣٧٦ و ٣٩٩ و ٤٣٧.

ولا يعلم تقدّم تأليف نكت النهاية والمعتبر على المسائل الغرويّة؟

أو عكسه ، فإنّ المحقّق ضعّفه فيهما ووثقة في الأخيرة ، وضعّفه الشّهيد الثّاني أيضا في الروضة والمسالك ، وكذا غيره ، بل في سماء المقال للكلباسي نسب ضعف أخباره إلى المشهور ، وكفى بهذا موهنا لكلام الشّيخ رحمه‌الله.

ثمّ لا يعلم أنّ تأليف كتاب المسائل الغرويّة هل هو مقدّم على تأليف : المعتبر ونكت النهاية اللتين ضعّف المحقق رحمه‌الله السكوني فيهما ، أو مؤخر عنهما ، فلا يعلم نظره الأخير في حقّه ، بل نقل عن المعتبر : ١ / ٢٥٢. أيضا توثيقه.

وقال السّيد بحر العلوم في آخر كلامه :

إنّ ما اشتهر الآن من ضعف السكوني فهو من المشهورات ، الّتي لا أصل لها. رجاله : ٢ / ١٢٥.

ويظهر منه إنّ المشهور بين العلماء في عصر بحر العلوم ضعف السكوني.

وقال أيضا : حكي عن الشّيخ أنّه قال في مواضع من كتبه : إنّ الإماميّة مجمعة على العمل برواياته ، وروايات عمار ، ومن ماثلهما من الثقات. المصدر : ٢ / ١٢٤.

أقول : لم أجد في كتاب الطوسي ؛ العدّة وغيره وإنّي وإن عملت لحد الآن بروايات السكوني ، لكن بعد هذا أتوقّف عنه ، ما لم أجد تلك الجملة في كلام الشّيخ.


ولعلّ الشّيخ فهم وثاقته من كتابه فإنّه يقول في فهرسته بعد توثيقه : له كتاب كبير جيّد معتمد.

قال المحقّق رحمه‌الله في كتابه المسائل الغروية المطبوعة ضمن الرسائل التّسع (١) : وهو ـ أي : السّكوني ـ وإن كان عاميّا ، فهو من ثقات الرّواة.

قال شيخنا أبو جعفر في مواضع من كتبه إنّ الإماميّة مجمعة على العمل بما يرويه السكوني ، وعمار ومن ماثلهما من الثقات ولم يقدح المذهب في الرّواية مع اشتهار الصدق ، وكتب جماعتنا مملوءة من الفتاوى المستندة إلى نقله ، انتهى.

أقول لم يعلم أن قوله : ومن ماثلهما من الثقات من كلام الشّيخ أو من كلام المحقّق ، والأظهر هو الثّاني ، فإنّي لم أجدها فى موضع من كتاب الشيخ. وقد اعترف بعض آخر من الرجاليّين بعدم وجدانها فى كتاب للشيخ ، وقد عرفت إنّ وثاقة السكوني لا يستفاد من كلامه السّابق ، فإنّه لم يوثق هؤلآء الأربعة من رجال العامّة ، كما ذكرنا.

٥. وأمّا بنو فضّال فهم على بن الحسن بن علي بن فضّال ، ومحمّد بن الحسن بن علي بن فضّال ـ ولم يوثّقه الرجاليون لكنّه موثق بتوثيق الشّيخ هذا فتأمّل ـ وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، والحسن بن علي بن فضّال أبوهم ، أمّا علي بن فضّال ، فلم أجد ذكره في كتاب عاجلا.

٦. أمّا علي بن أبي حمزة البطائني ، الّذي تبلغ رواياته عن أبي بصير ثلاثمأة وخمس وعشرون ، وورد ذكره في الكتب الأربعة في أكثر من ٥٤٥ موردا.

ففيه كلام فإنّ الشّيخ قدّس سره وإن ادّعي عمل الطائفة برواياته لكنّه عندي غير معتمد ، فلاحظ كلمات علماء الرجال في حقّ الرجل في كتبهم.

والّذي يهوّن نقل بناء الطائفة على العمل برواياته ، ما ذكره الشّيخ نفسه في كتاب غيبته (٢) بعد نقل خبره :

فهذا خبر رواه ابن أبي حمزة ، وهو مطعون عليه ، وهو واقفي ، وسنذكر ما دعاه إلى القول بالوقف. (٣)

ثمّ قال : فروي الثقات إن أوّل من أظهر هذا الاعتقاد علي ابن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ، طمعوا في الدّنيا ومالوا إلى حطامها ،

__________________

(١) الرسائل الغروية : ٦٥.

(٢) الغيبة : ٣٧.

(٣) ومن هذا الكلام يظهر ضعف ما قيل من أنّه وإن كان ضعيفا ، إلّا أنّ رواياته معتبرة لنقل الشّيخ عمل الطائفة بها. وجه الضعف أنّ الشّيخ نفسه ردّ خبره ، مع أنّ ضعف الرجل لا يجامع العمل بجميع روايته لبعد احتفاف كلّها بالقرينة ، إلّا إذا كانت مجموعة في كتاب واحد.


واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا ممّا اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي (١) وأمثالهم ثمّ ذكر أربع روايات بقوله : فروي محمّد بن يعقوب ... (٢).

لكن كلّ تلك الرّوايات الأربع ضعاف سندا ، فلا بدّ من تأويل قوله : فروى الثقات لا سيّما إن كلّها أو أكثرها ينتهي إلى رجل غال مخلط بزعم الشّيخ ، وضعيف في الحديث بزعم النجّاشي ، وهو محمّد بن جمهور العمي ، كما أشرنا إليه في كتابنا مشرعة بحار الأنوار.

بل يظهر من صحيح البزنطي (٣) إنّ البطائني إنّما أنكر إمامة الرضا عليه‌السلام لاشتباهه في تأويل الرّوايات (٤) دون الطمع في الأموال ، خلافا لما ذكره الشّيخ رحمه‌الله.

وعلى الجملة :

لا يصحّ الاعتماد على روايات علي بن أبي حمزة البطائني عندي بوجه ، بل نسب ضعفه سيّدنا الأستاذ في معجمه وغيره في غيره إلى المعروف.

والعمدة في ضعفه أوّلا : قول علي بن الحسن بن فضّال ـ كما في رجال الكشّي : رقم :

٧٥٤ ـ علي بن أبي حمزة كذّاب متهم. (٥)

__________________

(١) الغيبة : ٤٢.

(٢) ووصفه في رجاله من أصحاب الكاظم عليه‌السلام : كوفي واقفي خبيث ، لكن النجّاشي قال في حقّه : كان ثقة ثقة عينا. والحقّ هو الاحتياط في رواياته.

(٣) بحار الأنوار : ٢٦ / ٢٢٣.

(٤) لكن مصدر هذا الخبر الصحيح قرب الأسناد ولم أجد دليلا على وصول نسخة منه إلى المجلسي رحمه‌الله بسند معتبر.

(٥) في رجال الكشّي برقم : ٧٥٥ : قال ابن مسعود قال أبو الحسن علي بن فضّال : علي ابن أبي حمزة كذّاب متهم.

وفيه برقم : ٧٥٦ : قال ابن مسعود : سمعت علي بن الحسن : ابن أبي حمزة كذّاب معلون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن كلّه من أوله إلى آخره ، إلّا إنّي لا استحل أن أروي عنه حديثا واحدا.

وفيه برقم : ٨٣١ : قال أبو عمرو : ... والحسن بن علي بن أبي حمزة غال.

وفيه برقم : ١٠٤٢ : محمّد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضّال ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني؟ فقال : كذّاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوله إلى آخره إلّا إنّي لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا.

أقول : يحمل ما في رقم : ٧٥٦ على ما في رقم : ١٠٤٢ حمل المطلق على المقيّد ، وهذا واضح فالابن ـ أي الحسن ـ كذّاب ملعون بشهادة ابن فضّال وغال بشهادة أبي عمرو الكشي. والأب ـ أي علي ـ كذّاب متهم.

والنتيجة إنّ كليهما ضعيف.

وأمّا ما عن المحقّق في معتبره : ٢٣ ، الطبعة القديمة ، بأنّ الأصحاب قد عملوا برواية هؤلآء ـ أي : عمّار وعليّ بن أبي حمزة ... فاعتبر كتب الأصحاب فإنّها مملوءة من رواية على المذكور وعمار. ففيه أنّ عمل الأصحاب ببعض روايات الضعفاء يرجع إلى عمليات اجتهاديّة غير دالّة على توثيق رواتها ، ونقل رواياتهم أعمّ من العمل بها على أنّ ظاهر كلامه ، الّذي لم ننقله هنا أيضا يدلّ على ما قلنا ، فلاحظ معتبره.


وثانيا : ما رواه الشّيخ نفسه في كتاب الغيبة ، عن أحمد بن عيسى ، عن سعد بن سعد ، عن أحمد بن عمر قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول في ابن أبي حمزة : أليس هو الّذي يروي أن رأس المهدي يهدي إلى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني ، وقال إنّ أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر ، فما استبان لكم كذبه.

وثالثا : قول الشّيخ المتقدّم انّه مطعون عليه ، ويؤيده ما عن صاحب الفصول رحمه‌الله : ولم يحك عن أحد توثيقه ، بل نقل عن بعض آخر إنّه إلى الآن لم يجد أحدا غير الشّيخ يوثقه ، أو يعمل بروايته إذا أنفرد بها. (١)

وكان سيّدنا الأستاذ في برهة من زمانه يذهب إلى وثاقته في قوله مع فساد مذهبه ، ويستدل بما تقدّم من عبارة العدّة الدّالة على توثيقه وبوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وفي أسناد روايات تفسير القمّي ، ثمّ رجع في معجمه وبنى على ضعفه ، لتعارض هذه الوجوه بجرح ابن فضّال ، وأمّا رواية أحمد بن عمر ، فلم يقبلها بدليل جهالة طريق الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى.

أقول :

أمّا وقوعه في أسناد كامل الزيارات وتفسير القمّي فلا يدل على وثاقته ، كما مرّ بحثه فيما تقدّم ، وأمّا توثيق الشّيخ فمعارض بجرحه كما عرفت فتأمّل ، وأمّا جهالة طريق الشّيخ إلى أحمد فممنوعة لما سيأتي من اعتبار طريقه إليه في الفهرست ، وليس الطريق الحسن المذكور مخصوصا برواياته عنه في خصوص كتاب التهذيب ، بل مطلقا وإلى جميع رواياته كما يأتي في شرح المشيخة.

هذا كلّه في علي بن أبي حمزة ، الّذي وقع بهذا العنوان في أسناد كثير من الرّوايات ، وهي تبلغ خمسمائة وخمسة وأربعين موردا ، كما ذكر الأستاذ رحمه‌الله في معجمه. (٢)

وربّما يستدّل على وثاقته بجملة من الإخبار لكنّها ضعيفة دلالة أو سندا ، وبرواية جملة من الأكابر عنه ، كالبزنطي وصفوان ، وابن أبي عمير ، ويونس وغيرهم ، لكنّها لا تدلّ على الوثاقة ، كما يفهم ممّا سبق.

__________________

(١) سماء المقال : ١٣٤.

(٢) معجم رجال الحديث : ١١ / ٢٤٢.


ويقول ابن الغضائري في حقّ ابنه : ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه ، لكن هذا القول لم يثبت بطريق معتبر ، وأمّا كونه ذا أصل أو أنّ للصدوق إليه طريقا في المشيخة ، فلا يكفي للوثاقة جزما. (١)

ثمّ إنّه قد يقع الاشتباه بينه وبين علي بن أبي حمزة الثمالي الثّقة ، والتمييز في الرّوايات المنقولة عن الصّادق عليه‌السلام بالقرائن ، وأمّا في الرّوايات المنقولة عن الباقر والسّجاد عليهما‌السلام فهو الثمالي الثقة.

٧. أمّا عثمان بن عيسى الّذي وقع أيضا في أسناد كثير من الرّوايات ، وهي تبلغ سبعمائة وخمسة وأربعين موردا ، فهو الآخر الّذي اختلف فيه كلام الشّيخ فوثقه في عبارته المتقدّمة ، ونقل عمل الطائفة برواياته ، ولكن نسب إليه الخيانة في كتاب غيبته كما رأيت وليست الخيانة المذكورة في خصوص أكل الأموال ، حتّى لا تنافي الوثاقة في نقل الإخبار ، بل في إظهار الاعتقاد بحياة الكاظم عليه‌السلام بعد وفاته وهو من الخيانة في القول.

ويمكن أن نختار وثاقته لوجوه :

ألف). ما نقله الكشّي عن نصر بن الصباح ، من أنّ عثمان المذكور تاب ، وبعث إلى الرضا عليه‌السلام بالمال وان الأصحاب لا يتّهمونه.

ب). عدّه الكشّي من أصحاب الإجماع في تسمية الفقهاء من أصحاب الكاظم والرضا صلى‌الله‌عليه‌وآله على قول بعضهم.

ج). وقوعه في أسناد روايات تفسير القمّي ، الّذي وثّق جميع رواة كتابه.

د). عدّه ابن شهر آشوب في ثقات الكاظم عليه‌السلام في الجزء الرابع من مناقبه.

ه). وقوعه في أسناد كامل الزيارات.

و). توثيق الشّيخ إياه في عدّته ، ولأجل هذا الوجه والوجه الخامس والرابع والثالث وثّقه السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله (٢) ، لكن يضعّف الأوّل بجهالة نصر ، والثّاني بجهالة البعض المذكور مع معارضة قوله بقول النجّاشي والشّيخ وغيره ممّن صرّحوا بكون عثمان من الواقفة ، وليس من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، والثالث والخامس بما مرّ ، فبقي السادس والرابع ، لكنهما متعارضان بطعن الشّيخ ، بل النجّاشي أيضا ، على أنّ الرابع غير معتبر لابتنائه على الحدّس أو لإرساله ، فلا وجه للاعتماد على روايات عثمان المذكور ، خلافا للسيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله وخلافا لما ذهبنا إليه لحدّ الآن ، ولا سيّما في كتابنا حدود الشّريعة في محرماتها (الطبعة الأولى) من اعتبار رواياته ، والله العالم.

__________________

(١) ولاحظ : تفصيل هذه الوجوه في سماء المقال : ١٣٤ ، ١٥٢ ؛ وانظر : معجم رجال الحديث : ١١.

(٢) معجم رجال الحديث : ١١ / ١٢٩.


٨. قوله فيما لم يكن عندهم خلافه.

أقول : هذا إمّا من اجتهاد الشّيخ رحمه‌الله أو نقل عمل الطائفة ، وعلى التّقديرين لا نقبله ؛ لما مرّ من عدم كون الأوثقيّة من المرجحات السندية عندنا ، فغاية كلامه على تقدير الاحتمال الثّاني أنه إجماع منقول ، كما أنا لا نقبل منه تسوية الطائفة بين المراسيل والمسانيد ؛ إذ أولا أنه اجتهاد من الشّيخ استنبطه ـ ظاهرا ـ من نقل الكشّي إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جمع ، والحال أنّه لا يدلّ على مراد الشّيخ.

وثانيا : إنّ الشّيخ نفسه لم يلتزم بهذا الكلام في كتابي الإخبار ، فقد ذكر في باب العتق وأحكامه رواية ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، ثمّ قال : فأول ما فيه أنّه مرسل وما هذا سبيله لا يتعارض به الإخبار المسندة. (١)

وقد تقدّم هذا الموضوع في البحث السادس والثلاثين.

وثالثا : إنّه إجماع منقول غير حجّة.

فإنّ قلت : كيف تقبل عمل الطائفة بروايات هؤلآء الدّال على توثيقهم ، فإنّه أيضا إجماع منقول؟

قلت : لو وثقهم الشّيخ وحده لكان توثيقه حجّة ، ونقل عمل الطائفة لا يقل عن توثيق الشّيخ نفسه ، ففرق بين التّوثيق وغيره من المسائل الاجتهاديّة فافهم جيّدا.

وممّا يدلّ على أنّ فهم تسوية الطائفة اجتهاد من الشّيخ ، قوله في الأخير ، فإنّ الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل.

فالمسلّم من الطائفة عملهم بالمراسيل في الجملة ، وأمّا وجه عملهم فهو غير منصوص ، وما ذكره الشّيخ فهو اجتهاد منه منشأه كلام الكشّي ، والله العالم.

١٠. ما أفاد من ردّ روايات الغلاة بقول مطلق ، حتّى وإن كانوا ثقات مبني ظاهرا على اعتبار الإسلام في الرّاوي ، وحيث إنّ الغالي غير مسلم لم يجز الاعتماد على روايته مطلقا.

__________________

(١) التهذيب : ٨ / ٢٥٦ ؛ الاستبصار : ٤ / ٢٦. إلّا أن يقال : إنّ الشّيخ رجع عن نظره الثابت حين تأليف التهذيبين فيما بعد ، فلا تناقض في البين ؛ إذ الظاهر تقدّمهما على كتاب العدّة بحسب الزمان ، والعدول من الرأي شائع.


البحث التّاسع والثلاثون

حول الاصول الأربعمائة

ذكر الشّيخ المفيد رحمه‌الله أنّ الإماميّة من عهد أمير المؤمنين إلى عهد أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام صنّفت أربعمائة كتاب ، تسمّى : الاصول.

فهذا معنى قولهم : له أصل.

وقال صاحب إتقان المقال : الّذين عثرت عليهم من أهل الاصول ، ونصّ عليهم بذلك خمسة وتسعون. (١)

ثمّ ذكر أسمائهم فراجع إن شئت. (٢)

ثمّ قال بعدها : والمراد من الأصل ، قيل هو المشتمل على كلام المعصوم عليه‌السلام خاصّة. لكن ينافيه قول ابن الوليد في حقّ كتب يونس ـ الّتي هي بالروايات ـ مع عدم عدّها في كلام أحد ـ على ما أعلم ـ من الاصول.

وقيل : هو المروي عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة.

والّذي يظهر من كثير من عبائرهم ، كقولهم في إبراهيم بن مسلم : ذكره شيوخنا في أصحاب الاصول وفي كتاب أحمد بن الحسين ومن أصحابنا من عدّه من جملة الاصول. وفي كتب : حريز وتعدّ كلّها في الأصول. وفي كتاب الحسين ابن أبي العلاء : له كتاب يعدّ من الاصول. ونحوها ، إنّ الأصل عندهم ما يعمل به ومعتمد عليه.

__________________

(١) إتقان المقال : ٣٩٥.

(٢) استخرج بعض تلامذتي أسماء من لهم أصل في فهرست الشّيخ رحمه‌الله فبلغوا خمسة وستّين شخصا ، والله العالم ، فإنّي لم أحقّقه.


ولا يبعد أن يقال : إنّه ما جمع بين وصفي الاعتماد والرواية عن المعصوم بلا واسطة ، كما يشير إليه قولهم في كثير من التراجم له كتاب معتمد وكتب معتمدة ، كالحسين بن سعيد وأضرابه ، مع أنّ أكثر المعتمدين وجلّ المعتبرين لم يدرجوا في أصحاب الاصول ، وإن بلغوا الغاية في ذلك ، بل وإن كانوا من أصحاب الإجماع كزرارة و ... فهذا يشير إلى أنّه ليس كلّ كتاب معتمد أصلا ، وممّا يؤيّد أن معنى الأصل قد أخذ فيه وصف الاعتماد أنّك لا ترى بالاستقراء أحدا من أهل الاصول رمى بالضّعف أصلا ، إلّا شاذا شديد الشّذوذ ، كالحسن بن صالح بن حسن ، الخ.

أقول : هل بين الأصل والكتاب فرق معنوي أم لا بل تسمية عدّة من الكتب بالأصل مجرّد اصطلاح؟ وعلى الأوّل ما هو حقيقة هذا الفرق؟ شيئان لم يثبتا عندي بدليل معتبر. (١) وكلّ ما ذكره هذا الفاضل وغيره في وجه الفرق بينهما ظن ، واحتمال لا يبلغ الاطمئنان ، وعليه حال الرّوايات المنقولة من الاصول حال الرّوايات المنقولة من الكتب ، وحال أصحاب الاصول حال أرباب الكتب.

وقال العلّامة المجلسي في محكي أربعينه : بل كانت الاصول المعتبرة الأربعمائة أظهر من الشّمس في رابعة النّهار.

أقول : إنّ سلّمنا هذه الأظهريّة بالنسبة إلى جميع الاصول المذكورة (٢) لا نسلّم أظهريّة كلّ واحدة من رواياتها حتّى لا نحتاج إلى حال الراوي ، كما نحتاج إليه في تصحيح روايات الكتب الأربعة مع أظهريتها من الشّمس في رابعة النّهار عندنا.

قال الشّهيد الثّاني في محكي شرح دراية الحديث :

قد كان استقرار المتقدّمين على أربعمائة مصنّف سمّوها أصولا ، عليها اعتمادهم ...

وأحسن ما جمع منها الكافي ، والتهذيب ، والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه.

أقول : اعتمادهم عليها كاعتمادنا على الكتب الأربعة غير المنافي لضعف بعض رواياتها ، وهذا هو المعلوم من طريقة الشّهيد الثّاني في الفقه أيضا.

__________________

(١) قال الشّيخ في أوّل فهرسته : عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات والاصول ، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان ؛ لأنّ في المصنفين من له أصل.

أقول : ويحتمل أنّ الأصل هو الكتاب المشتمل على الرّوايات المسموعة عن المعصوم ، أو عن الرّاوي من دون نقلها عن كتاب ، لكنّه مجرّد احتمال.

(٢) بل ربّما يثبت خلاف ذلك ، قال الشّيخ في ترجمة زيد الزراد وزيد النرسي في فهرسته : ٩٧ : لهما أصلان لم يروهما محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه. وقال في فهرسته : لم يروهما محمّد بن الحسن الوليد ، وكان يقول هما موضوعان ... وكان يقول وضع هذه الاصول محمّد بن موسى الهمداني.

وللمحدّث النوري حول ردّ الوضع المذكور كلام طويل في : خاتمة مستدركه : ٣ / ٣٠١.


ثمّ في المقام اختلاف آخر ـ زائدا على إبهامهم معنى الأصل ـ وهو أنّ الأصول الأربعمائة كلّها من كلام الصّادق عليه‌السلام أو من كلام أمير المؤمنين إلى الإمام العسكري عليهم‌السلام كلّهم؟ ذهب إلى الثّاني الشّيخ المفيد رحمه‌الله في ما نقلناه عنه أوّلا.

وذهب المحقّق رحمه‌الله في المعتبر. (١) إلى الأوّل فقال في كلامه ... حتّى كتبت من أجوبة مسائله ـ أي مسائل الإمام الصّادق عليه‌السلام أربعمائة ـ مصنّف لأربعمائة مصنّف ـ سمّوها : أصولا. (٢) وتبعه الطبرسي فى محكي أعلام الورى (٣) ، حيث قال : روى عن الصادق عليه‌السلام من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان ، وصنّف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب معروفة تسمّى الاصول ، رواها أصحابه وأصحاب ابنه موسى عليه‌السلام. (٤)

وهذا الاختلاف عجيب (٥) ، وما ذكره صاحب الوسائل في نفي المنافاة بين القولين ضعيف جدّا. (٦)

وهنا اختلاف آخر بين قول المحقّق الحلّي ـ أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنّف ـ وبين قول الشّيخ في فهرسته في حقّ كتب حريز : وتعد كلّها في الاصول ، كما مرّ.

وفي الختام إليك ما ذكره سيدنا الأستاذ الحكيم رحمه‌الله :

ومثل ذلك دعوى ثبوت وثاقة النرسي بعدّ كتابه من الاصول ، كما في الفهرست وغيره ؛ إذ فيه عدم وضوح كون المراد بالأصل الكتاب الّذي يجوز الاعتماد عليه والعمل بما فيه ، لاحتمال كون المراد معنى آخر ، فلاحظ كلماتهم في الفرق بين الكتاب والأصل ، فقد ذكروا فيه وجوها واحتمالات ليس على واحد منها شاهد واضح ، وأيضا فإنّ المحكي عن الصدوق في فهرسته ـ تبعا لشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد ـ أنّ أصل زيد النرسي ، وأصل زيد الزراد وكتاب خالد بن عبد الله بن سدير ، موضوعات ، وضعها محمّد بن موسى الهمداني.

وهذه الدّعوى وإن غلطهما فيها ابن الغضائري وغيره ، بأنّ الأصلين الأوّلين قد رواهما محمّد بن أبي عمير ، لكنّها توجب الإرتياب ، إذ من البعيد أن يكون الصّدوق وشيخه ممّا خفي عليهما ذلك ، فجزما بالوضع ، وممّا يزيد الارتياب أنّ الشّيخ رحمه‌الله في الفهرست ـ مع اعترافه بأنّ زيدا النرسي له أصل ، وأنّه رواه محمّد بن أبي عمير عنه ـ لم

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٢٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٣٠ / ٢٠٩ الطبعة الجديدة.

(٣) اعلام الوري : ٤١٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٣٠ / ٢٠٨ ، وكذا الشّهيد في الذكرى ، كما في الوسائل : ٣٠ / ٢١٦.

(٥) ويمكن حمل كلام المحقّق على الغالب ، فقد ذكر الشّيخ الطوسي رحمه‌الله في فهرسته ، إنّ لعلي بن أسباط أصلا ، وهو من أصحاب الرضا والجواد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٦) لاحظ : تفصيل الأقوال حول الاصول في : مقباس الهداية : ٩١.


يرو عن زيد النرسي في كتابي الإخبار ـ على ما قيل ـ إلّا حديثا واحدا في باب وصية الإنسان لعبده ، رواه عن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن معاوية بن حكيم ، ويعقوب الكاتب عن ابن أبي عمير عنه ، والظاهر من عادته أنّه أخذ الحديث المذكور من كتاب ابن فضّال لا من الأصل المذكور ، وكذلك الكليني رحمه‌الله فإنّه لم يرو عنه إلّا حديثين أحدهما في باب التقبيل عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن علي بن مزيد صاحب السابري ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ....

والثّاني في كتاب الصوم في صوم يوم عاشورا ، عن الحسن بن علي الهاشمي ، عن محمّد بن عيسى ، قال : حدّثنا محمّد ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، قال : سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ....

ولا يظهر منه أنّه أخذ الحديثين المذكورين من أصل النرسي ، أو من أصل غيره ممّن روي عنه ، فلو كان كتاب النرسي من الاصول المعوّل والمعتمد عليها عنده ، لما كان وجه للإعراض عن الرّواية عنه ، كما لا يخفى.

واستشكل فيها ثانيا :

بعدم صحتّها عن أصل النرسي ؛ لأنّ العلامة المجلسي قدس‌سره ـ وهو الّذي رواها في باب العصير من أواخر كتاب السماء والعالم ـ ذكر في مقدّمة البحار أنّ كتاب زيد النرسي أخذه من نسخة عتيقة مصحّحة بخط الشّيخ منصور بن الحسن الآبي ، وهو نقله من خط الشّيخ الجليل محمّد بن الحسن القمّي ، وكان تأريخ كتابتها سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، ومنصور بن الحسن الآبي غير معلوم الحال.

نعم ، ذكر المامقاني قدّس سره في كتابه تنقيح المقال منصور بن الحسين الآبي ، وحكى عن منتجب الدّين أنّه فاضل عالم فقيه ، وله نظم حسن ، قرأ على شيخنا المحقّق أبي جعفر الطوسي. واحتمال أنّه صاحب النسخة ينفيه أن تأريخها لا يناسب ذلك ، فإنّ المذكور في ترجمة الشّيخ الطوسي قدس‌سره أنّ ولادته كانت في خمس وثمانين وثلاثمائة ، وذلك لا يناسب تأريخ كتابة النسخة المتقدّم ، وكأنّه لذلك توقّف في الوسائل عن النقل عنه ، وإلّا فالمعلوم من طريقته ـ كغيره من المحدّثين ـ جواز النقل عنه لو صحّت النسخة ، وإن كان المحكي عن السّيد صدر الدّين العاملي في تعليقته على منتهي المقال في ترجمة زيد النرسي : أنّه وجد بخط الحرّ العاملي ما صورته :

زيد النرسي روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي الحسن عليه‌السلام ، له كتاب يرويه جماعة.

أخبرنا علي بن أحمد بن علي بن نوح ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي بكتابه. قاله النجّاشي.

اللهم إلّا أن يكون المانع عن النقل عدم العثور على الأصل المذكور. (١)

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى : ١ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨.


البحث الأربعون

حول أسانيد الحلّي في مستطرفات السرائر

استطرف الشّيخ الجليل محمّد بن إدريس الحلّي قدّس سره في آخر كتابه السرائر من كتب المشيخة المصنّفين والرواة المحصلين ، روايات كثيرة (١) ، وإليك أسماء هؤلآء المصنّفين والرّواة على ترتيب ما ذكره رحمه‌الله :

١. موسى بن بكر الواسطي ، كتاب.

٢. معاوية بن عمّار ، كتاب.

٣. أحمد بن أبي نصر البزنطي ، نوادر.

٤. أبان بن تغلب ، كتاب.

٥. جميل بن دراج ، كتاب.

٦. أبو عبد الله السياري ، كتاب.

٧. البزنطي ، الجامع.

٨. البزنطي ، كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم.

٩. حريز بن عبد الله ، كتاب. (٢)

١٠. الحسن بن محبوب ، مشيخة.

١١. محمّد بن علي بن محبوب ، نوادر.

__________________

(١) السرائر : ٤٧١ ـ ٤٩٤ ، وهي آخر ذلك الكتاب.

(٢) سقط ذكره في الوسائل.


١٢. الصدوق ، الفقيه.

١٣. محمّد بن عبد الله الحميري ، أى : قرب الأسناد. (١)

١٤. جعفر بن محمّد ، كتاب.

١٥. الصدوق ، معاني الإخبار. (٢)

١٦. الشّيخ الطّوسي ، تهذيب الأحكام.

١٧. عبد الله ابن بكير ، كتاب.

١٨. أبو القاسم بن قولويه ، رواية.

١٩. الصفواني ، أنيس العلم.

٢٠. أحمد البرقي ، المحاسن.

٢١. الشّيخ المفيد ، العيون والمحاسن.

إذا تقرّر هذا فاعلم إنّ الحلّي لم يذكر أسناده إلى تلك الكتب والروايات ، بل نقل الأحاديث مرسلة ، فإذا فرضنا وثاقة صاحب الكتاب ، ومن قبله إلى المعصوم ، فهل تعد الرّوايات معتبرة أم مرسلة غير معتبرة؟

كان سيدّنا الأستاذ المحقّق الخوئي رحمه‌الله يذهب في مجالس درسه ، خارج الفقه أيّام تلمذنا عليه في النجف الأشرف إلى عدم قدح هذا الإرسال في تلك الرّوايات ؛ وذلك لما عرف من أنّ الحلّي لا يعتمد على خبر الواحد ولا يعمل بغير القطعي ، حتّى يحتمل الضعف في الأسناد المحذوفة ، بل نفهم أنّ الكتب المذكورة وصلت إليه بالتواتر.

وقد قلت للأستاذ رحمه‌الله إنّ الحلّي عامل بالأخبار الآحاد لا محالة ؛ لأنّ صاحب الكتاب ومن قبله من الرّواة واحد ، فكما أنّه اعتمد على خبرهم يعتمد على خبر الواحد في ما بعد صاحب الكتاب ، على أنّه مع فرض عدم اعتماده على خبر الواحد لا يلزم تواتر الطرق المذكورة ، لاحتمال الشّق الثالث وهو كون الأسناد منقولا بخبر الواحد المحفوف بالقرينة القطعيّة ، ومن المعلوم أنّ القرائن المذكورة أكثرها حدسيّة اجتهاديّة يتفاوت فيها الآراء والأنظار ، فلا يجوز لنا تقليده فيها.

__________________

(١) هذا بزعم الحلّي ، والأظهر أنّه ليس لمحمّد ، بل لأبيه عبد الله بن جعفر ، فلاحظ : بحار الأنوار : ١ / ٧ ، ولاحظ : الصفحة ٢٧ منه ، فإنّ لابن إدريس كلمة حول متن الكتاب.

(٢) سقط ذكره في الوسائل.


والأستاذ حينذاك وإن لم يقبل قولي غير أنّي عثرت على بعض كلماته في كتاب معجم رجال الحديث في أفغانستان بعد ذلك اليوم بمدّة ، يظهر منها رجوعه عما زعمه سابقا فبنى على قدح الإرسال المذكور في اعتبار تلكم الرّوايات ، وهذا هو الحقّ.

نعم ، يمكن الغمض عن الإرسال المذكور في خصوص نوادر محمّد بن عليّ بن محبوب ؛ لما صرّح الحلّي بأنّ هذا الكتاب كان بخط شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله مصنّف النهاية ، فنقلت هذه الأحاديث من خطّه رحمه‌الله من الكتاب المشار إليه ، وقيل إنّ ابن طاووس ذكر مثله في فلاح السائل.

ومعرفة خط الشّيخ وإن كانت حدسيّة ، فهي قريبة من الحسّ ، يكفي في إثباتها قول الحلّي الثّقة ، فكأن الشّيخ أخبره بروايات النوادر من دون إرسال ، لكن الكلام في سند الشّيخ إلى هذا الكتاب ، فإنّ للشّيخ أخبره بروايات النوادر من دون إرسال ، لكن الكلام في سند الشّيخ إلى هذا الكتاب ، فإنّ للشّيخ طرقا إلى كتب محمّد بن علي ورواياته ، وبعضها معتبر ، لكن الشّيخ لم يذكر في فهرسته نوادر المصنّفين في تعداد كتبه (١) ، وكذا النجّاشي.

ثمّ إنّي وقفت حين إصلاح كتابي هذا للطبعة الرابعة في ٥ صفر ١٤٢٠ ه‍ / ٣١ / ٢ / ١٣٧٨ ه‍ ش على كلام لبعض العلماء المؤلّفين من تلامذة سيّدنا الأستاذ الخوئي قدّس سره في المقام ، ننقل بعضه : والظاهر أنّ ابن إدريس يرويها عن نفس الكتب والأصول من دون أن يذكر طرقه إليها ... ولذلك رميت بالضّعف ... ولكننا بعد التتّبع التّامّ في جملة من الطريق ، رأينا إمكان تصحيح هذه الروايات ... فقد عثرنا في ثمان إجازات ، إنّ لابن إدريس طريقا إلى هذه الكتب ؛ لأنّه ورد في هذه الإجازات إنّ ابن إدريس يروي جميع كتب الشّيخ ، ومنها كتاب الفهرست.

وعليه فإذا كان ابن إدريس يروي كتاب الفهرست بما فيه من الكتب ، فتكون طرق الشّيخ إليها طرقا لابن إدريس ، إلّا أنّ هذا يتوقّف على أن يكون للشيخ طرق صحيحة إلى هذه الكتب.

ثمّ أشار إلى تلك الإجازات الثمان ، كإجازة الشّهيد الأوّل رحمه‌الله للشيخ ابن الخازن ، ففيها : وبهذا الإسناد عن فخار وابن نما مصنّفات الشّيخ العلّامة المحقّق فخر الدّين أبي عبد الله محمّد بن إدريس الحلّي الربعي ، صاحب السرائر في الفقه.

وبهذا الإسناد عن فخار ... وبهذا الإسناد عن ابن رطبة مصنّفات ومرويات الشّيخ المفيد أبي علي بن شيخنا أبي جعفر إمام المذهب بعد الأئمّة عليهم‌السلام ، محمّد بن الحسن

__________________

(١) بل لم يذكر الحلّي في آخر رواياته المنقولة أنّ نوادر المصنف ، أو نوادر المنصنّفين معتمد ، كما قاله في حقّ غيره.


الطّوسي ، وهو يروي جميع مصنّفات والده ومرويّاته. (١)

وقال بعد نقل جمل من تلك الإجازات :

وعليه فتخرج روايات المستطرفات عن حد الإرسال.

وقال في آخر كلامه : وقد استحسن السّيد الأستاذ ـ أي : السّيد الخوئي قدّس سره ـ هذا الطريق واستجوده ، وكان من قبل يذهب إلى القول بالإرسال. (٢)

أقول : شكر الله تتّبعه في الإجازات ، لكنّه أخطأ ولم يصب الحقّ ، وكانت محاولته فاشلة.

وذلك أنّ مجرّد إجازة الرّواية عن الكتب بالسلسلة المتعارفة لا يخرج رواياتها ومنقولاتها عن الارسال ، خلافا لما زعمه هذا القائل وجماعة ، بل لم أجد من ذكر خلافا في هذا المقام ، وإنّما المخرج لها من الإرسال مع صحّة الطرق وصول نسخة من الكتاب من المؤلّف سماعا أو قراءة ، ولا أقلّ من كونها وصلت مناولة ، وأمّا إذا وصلت النسخة إلى الشّيخ قدّس سره أو غيره من السّوق مثلا كما هو المتداول غالبا ، فصحّة الطريق بالإجازة إليها لا تؤثّر شيئا في صحّة ما في الكتاب.

والمقطوع به أنّ الإجازات المتعارفة في الغالب الكثير غير مقترنة بالمناولة فضلا عن القراءة والسّماع. والمقترنة بها قليلا يفهم من التصريح به كما في بعض الإجازات المذكورة في البحار ، وكما في جملة من طرق الشّيخ والنجّاشي ، وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك في البحث الرابع والأربعين ، وغيره إن شاء الله تعالى.

ولعلّ هذا هو معنى كلام النجّاشي في مقام ذم بعض الرّواة من أنّه يعلّق الأسانيد بالإجازات ، كما في ترجمة ابن بطة.

وبالجملة : تصحيح الأسانيد بالإجازات ممّا لا ينبغي التردد في ضعفه ، ومجرّد الإجازة ليس برواية للكتاب مثلا ، كما سيأتي فيما بعد ، ونقله عن سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله وإن كان عجيبا وغريبا ، لكن الواقف على تشتت باله وفكره بهجوم الأسقام البدنيّة : والضغوط السياسيّة الصداميّة؟ البعثّية عليه في أواخر عمره الشريف ، غير مستغرب ، لعن الله البعثيين الملحدين ، وقد فعل.

__________________

(١) نقل المؤلّف المذكور الإجازات الثمان المذكورة من بحار الأنوار : ١٠٧ ـ ١٠ ، الطبعة الإسلاميّة. وفي نسختي من البحار ، طبعة بيروت طبعة ثانية مصحّحة ١٤٠٣ ه‍ ذكرت الإجازات في المجلد ١٠٤ ـ ١٠٧ من البحار.

واعلم : أنّ في إجازة الشّهيد المنقولة في المتن لا دلالة على رواية ابن إدريس كتب الشّيخ رحمه‌الله ، فهذا اشتباه من المؤلّف المذكور فإنّظرها بدقّة.

(٢) أصول علم الرجال : ١٢٥.


البحث الواحد والأربعون

حول اعتبار كتاب الأشعثيات

قال المحدّث النوري رحمه‌الله في أوائل خاتمة مستدركه :

وأمّا الجعفريات (١) فهو من الكتب القديمة المعروفة المعوّل عليها لإسماعيل بن موسى بن جعفر عليه‌السلام. (٢)

أقول : سند الكتاب في رجال النجّاشي (٣) وفهرست الشّيخ (٤) واحد ، فإنّ الحسين بن عبيد الله الغضائري أخبرهما ، عن سهل بن أحمد بن سهل ، عن محمّد بن محمّد الأشعث بمصر قراءة عليه ، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن الكاظم عليه‌السلام.

وقال ابن طاووس في محكي كتاب عمل شهر رمضان المدرج في الإقبال :

رأيت ورويت من كتاب جعفريات وهي ألف حديث باسناد واحد عظيم الشّأن إلى مولانا موسى بن جعفر عليه‌السلام ... (٥)

أقول : أمّا الحسين بن عبيد الله الغضائري ، فقد مرّ الكلام حول وثاقته ، ونزيد هنا بأنّ النجّاشي ، قال في ترجمة محمّد بن أحمد بن الجنيد ... سمعت شيوخنا الثقات يقولون ... وقال في ترجمة الكليني : روينا كتبه كلّها ، عن جماعة شيوخنا محمّد بن محمّد والحسين بن عبيد الله

__________________

(١) الجعفريات والأشعثيات اسمان لكتاب واحد.

(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٢٩٠.

(٣) رجال النجاشي : ١٩.

(٤) الفهرست : ٣٤.

(٥) مستدرك الوسائل : ٣ / ٢٩٤.


وأحمد بن عليّ بن نوح ، هكذا استدلّ السّيد بحر العلوم في رجاله (١) على وثاقته والحقّ أنّه حسن على الأقلّ ، ولا سيّما أنّه من الفقهاء ، كما تقدّم عن السّيد المذكور رحمه‌الله ، لكن تكرار الحدّ الأوسط في استدلاله وإن كان محتملا إلّا أنّه غير معلوم ، وإن شئت فقل : إنّ عموم الكبرى مجهول ، وأمّا سهل فهو ابن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سهل الديباجي ، يقول النجّاشي في حقّه :

لا بأس به كان يخفى أمره كثيرا ، ثمّ ظاهر بالدين في آخر عمره ...

وذكره الشّيخ في رجاله ، ولم يقل في مدحه أو ذمّه شيئا.

نعم ، حكي عن ابن الغضائري أنّه كان ضعيفا يضع الأحاديث ، ويروي عن المجاهيل ولا بأس بما رواه عن الأشعثيات ... لكن تقدّم في البحث الرابع والثلاثين أنّ ما ينقل عن ابن الغضائري لا سند له ، مع أنّ المستفاد من مجموع كلامه نفي البأس عن مرويّاته ، وهو امر اجتهادي.

والمستفاد من جميع ما تقدّم : أنّ نفي البأس عن سهل في كلام النجّاشي يبقى بلا معارض ، وهو يدلّ على صدق سهل ، لأنّ الكاذب فيه بأس ، إلّا أن يكون نفي البأس عنه مبنيا على أصالة العدالة ، أو راجعا إلى إيمانه كما عن الشّهيد الثّاني ، ويؤيّده قول النجّاشي بعده :

كان يخفى أمره ... فافهم.

وأمّا محمّد بن محمّد بن الأشعث ، فقد وثّقه النجّاشي فلا كلام فيه.

وأمّا موسى بن إسماعيل بن الكاظم عليه‌السلام فلم أجد من وثّقه أو صدّقه عاجلا سوى المحدّث النوري في خاتمة المستدرك (٢) فإنّه بعد نقل كلام الشّيخ والنجّاشي في حقّه ، تصدّي لتوثيقه بوجوه :

١. أنّه من العلماء المؤلّفين.

٢. أنّه في المقام شيخ الإجازة.

٣. رواية بعض الثقات عنه.

أقول : هذه الوجوه لا تفي بإثبات مراده أصلا ، نعم للمحدث المذكور كلام آخر ، قال :

والنسخة معلومة الانتساب إلى أبيه إسماعيل ؛ ولذا تلقاها الأصحاب بالقبول كما عرفت من أحوال الرّواة والمحدّثين ورووها ، عن محمّد بن الأشعث من غير تأمّل ونكير. (٣)

__________________

(١) رجال بحر العلوم : ٢ / ٩٩ و ١٠٠.

(٢) المستدرك : ٣ / ٢٩٣.

(٣) المصدر ، ٣ / ١٩٣.


أقول : النقل أعمّ من القبول وهو ظاهر ، فنحن نطالب المحدّث المذكور بدليل معلوميّة انتساب الكتاب بتمامه إلى إسماعيل وأنّى له بإرائته.

وأمّا إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، فقيل : إنّه ثقة ، وقيل : إنّه ممدوح لوقوعه في إسناد كامل الزيارات.

ولما نقل عن المفيد بعد ذكره أولاد موسى بن جعفر عليه‌السلام : ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسى عليه‌السلام فضل ومنقبة مشهورة ، لكن كلّ ذلك لا يكفى لإثبات صدقه فضلا عن وثاقته ، والمتحصّل من جميع ما مرّ جهالة سند كتاب الجعفريّات والاشعثيات وعدم اعتبار رواياته شرعا ، والله العالم بحقائق الامور.

قال الشّيخ في رجاله في ترجمة محمّد بن محمّد بن الأشعث ، برقم : ٦٣١٣ ، في : باب من لم يرو عن واحد من الأئمّة عليهم‌السلام :

يروي نسخة عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أبيه إسماعيل بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال التلعكبرى : أخذ لي والدي منه إجازة في سنة ٣١٣ (أخذ لي ولوالدي ولأخي ـ خ ل).

وقال في ترجمة محمّد بن داود بن سليمان برقم : ٦٣٢٥ : روي عنه التّلعكبرّي وذكر أنّ إجازة محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي وصلت إليه على يد هذا الرجل في سنة ٣١٣ ه‍ وقال : سمعت منه في هذه السنة من الأشعثيات ما كان إسناده متّصلا بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان غير ذلك لم يروه عن صاحبه.

وذكر التّلعكبرّي أنّ سماعه هذه الأحاديث المتّصلة الأسانيد من هذا الرجل ورواية جميع النسخ بالإجازة عن محمّد بن محمّد بن الأشعث ، وقال : ليس لي من هذا الرجل إجازة.

وقال في ترجمة هارون بن مسلم التّلعكبرّي برقم : ٦٣٨٦ :

جليل القدر عظيم المنزلة واسع الرّواية عديم النظير ثقة روي جميع الاصول والمصنّفات مات سنة ٣٨٥ ه‍ ، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا. (١)

أقول : لا بدّ من التنبيه على امور في هذا المقام :

١. ما ذكره في ترجمة محمّد بن داود شاهد على وقوع خلل في عبارة الشّيخ في

__________________

(١) سند الشّيخ إليه معتبر للجزم بصدق الجماعة كلّهم للشيخ رحمه‌الله وظاهر السّيد الأستاذ في معجمه وبعض تلاميذه إنّ التّلعكبرّي شيخ الشيخ ، لكنّه ممنوع ، فإنّ وفاة التّلعكبرّي في سنة ولادة الشّيخ رحمه‌الله ، فراجع.


ترجمة محمّد بن محمّد بن الأشعث ، كما لا يخفى ، وبملاحظة الثانية نفهم المراد من الأوّلى ، وكأن الأصح أنّ أصل العبارة في الأوّلى هكذا :

أخذ لي ولوالدي ولأخي بناء على نسخة أخرى محمّد بن داود بن سليمان إجازة عنه أي من حفيد الأشعث.

٢. ليس هناك ظهور لفظي في أنّ الإجازة المأخوذة منه تتعلّق بالنسخة المرويّة المذكورة ولا أنّ النسخة هي نسخة كتاب الأشعثيات أو بعضه.

نعم ، العبارة التالية لها تفي بكلا الأمرين. ولكن لا دليل على أنّ محمّد بن داود قد أجازة حفيد الأشعث أو قرأ كتابه عليه ، أو سمعه منه ، وإنّما المذكور هو أخذ الإجازة منه للتّلعكبرّي ، لا لنفسه.

نعم ، المفهوم من قوله وما كان غير ذلك لم يروه عن صاحبه ، أنّه روي عنه الأحاديث المتّصلة سندا بالنّبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حفيد الأشعث.

٣. كلّ ذلك لا يفيد لصحّة السند فإنّ الشّيخ الطّوسي وإن أخبره جماعة بجميع روايات التّلعكبرّي ، لكن عرفت أنّ مجرّد الإخبار إذا لم يقترنه السّماع أو القراءة أو المناولة ـ على الأقل ـ لا يصحّح السّند.

على أنّ الكلام فيمن قبله باق بحاله ، فإنّ موسى ووالده رحمه‌الله قد بقيا بعد في برج الجهالة.

نعم ، الإمام الكاظم عليه‌السلام أدخل ابنه إسماعيل في الوصيّة في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج (١) ففيه : «فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما ...

فإنّ انقرض فالأكبر من ولدي ، فإن لم يبق من ولدي إلّا واحد فهو الّذي يليه ...»

أقول : إدخال الإمام عليه‌السلام أحدا في الوصيّة لا يدلّ على صدق القول ، مع أنّه لو دلّ لدلّ على توثيق جميع أبناء موسى بن جعفر عليه‌السلام الّذين بقوا بعد شهادته عليه‌السلام ولا أذكر من اختار هذا الوجه.

كما أنّ ما أرسله الكشّي برقم : ٩٦٢ ، من أمر الجواد عليه‌السلام إسماعيل بالصّلاة على صفوان لا يدلّ على وثاقته ، وإن فرضنا صحّة السند.

قال الفقيه المتبحّر صاحب الجواهر رضي‌الله‌عنه في الجواهر (٢) :

بل الكتاب المذكور على ما حكى عن بعض الأفاضل ليس من الاصول المشهورة ، بل ولا المعتبرة ، ولم يحكم أحد بصحته من أصحابنا ، بل لم تتواتر نسبته إلى مصنّفه ، بل ولم تصحّ على وجه تطمئن به النفس ؛ ولذا لم ينقل عنه الحرّ في الوسائل ، ولا المجلسي في البحار مع شدّة حرصهما خصوصا الثّاني على كتب الحديث ، ومن البعيد عدم عثورهما عليه.

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٥٤ ، ح ٨ ، باب صدقات النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة والأئمّة عليهم‌السلام.

(٢) الجواهر : باب الأمر بالمعروف : ٢ / ٧.


والشّيخ والنجّاشي وإنّ ذكرا أن مصنفه من أصحاب الكتب إلّا انّهما لم يذكرا الكتاب المزبور بعبارة تشعر بتعيينه ، ومع ذلك فإن تتبعه وتتّبع كتب الاصول يعطيان أنّه ليس جاريا على منوالها فإن أكثره بخلافها.

ومن هذا الكلام يظهر الترديد في كون الكتاب الموجود بأيدي العلماء ، ذاك الكتاب الأصلي فمن يعتمد عليه لا بدّ من إثبات ذلك بطريق معتبر أيضا.

يقول المحدّث النوري :

وأمّا نحن فعثرنا عليه في الكتب الّتي جاء بها بعض السادة من أهل العلم من بلاد الهند ، وكان مع قرب الإسناد ومسائل علي بن جعفر عليه‌السلام ، وكتاب السليم في مجلد (١) ، (٢) ...

ثمّ إنّ المحدّث المذكور اعترض على كلام الجواهر مفصّلا ، ودافع عن الكتاب أشدّ الدفاع ، ولكن مع ذلك كلّه لم يقدر على إثبات اعتبار الكتاب سندا.

ونختم الكلام ببيان بعض أساتذتنا الأعلام السيد الخويي رحمه‌الله حول الكتاب :

وأمّا الأشعثيات ، فهي أيضا لم تثبت ، بيان ذلك : إنّ كتاب محمّد بن محمّد الأشعث ، الّذي وثقه النجّاشي ، وقال له كتاب الحجّ ذكر فيه ما روته العامّة عن الصّادق عليه‌السلام في الحج وإن كان معتبرا ، إلّا أنّه لم يصل إلينا ، ولم يذكره الشّيخ في الفهرست ، وهو لا ينطبق على ما هو موجود عندنا جزما ، فإنّ الكتاب الموجود بأيدينا مشتمل على أكثر أبواب الفقه ، وذلك الكتاب في الحجّ خاصّة وفي خصوص ما روته العامّة عن الصّادق عليه‌السلام.

وأمّا ما ذكره النجّاشي والشّيخ في ترجمة إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه‌السلام من أنّ له كتبا يرويها عن أبيه عن آبائه منها كتاب الطهارة إلى آخر ما ذكراه ، فهو وإن كان معتبرا أيضا فإنّ طريقهما إلى تلك الكتب هو ... والطريق لا بأس به إلّا أنّ ما ذكراه لا ينطبق على ما هو موجود بأيدينا ، فإنّه مشتمل على كتاب الجهاد وكتاب التفسير وكتاب النفقات وكتاب الطب والمأكول وكتاب غير مترجم ، وهذه الكتب غير موجودة فيما ذكره النجّاشي والشّيخ ، وكتاب الطلاق موجود فيما ذكراه غير موجود فيما هو عندنا ، فمن المطمئن به أنّهما متغائران ، ولا أقلّ من أنّه لم يثبت الاتحاد ...

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ٣ / ٢٥٩.

(٢) وهذا الكلام أظهر شاهد على ضعف نسخة الكتاب ؛ إذ لم يعلم كاتبها ولا ناسخها ولا سندها ، نعم ، ليس كلّ ما جاءوا به من بلاد الهند بمعتبر.

قيل : إنّ الكتاب أوّل داع وأقوى محرك لتأليف كتاب المستدرك ، كما عن الذريعة : ٢ / ١١٠ ، الطبعة الثانية.


وإنّ المجلسي والحرّ لم يرويا عن ذلك الكتاب شيئا ، بل الشّيخ الطّوسي نفسه لم يصل إليه الكتاب ؛ ولذلك لم يرو عنه في كتابيه شيئا ، انتهى.

وقيل : إنّ النسخة الواصلة إلى المحدّث النوري من بلاد الهند ، تشتمل على ما يناهز ألفا وسبعمائة رواية ، في حين أنّ المصرّح به في كلمات جملة من علماء الفريقين أنّ روايات الكتاب تناهز الألف ، فمن أين جاءت هذه الزيادة؟

وفيها ما يخالف فقه أهل البيت عليهم‌السلام ... (١)

__________________

(١) الزي والتجمل : ٩٧.


البحث الثّاني والأربعون

حول الكتب الأربعة الإخباريّة

الأوّل : كتاب الكافي لثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني قدّس سره الّذي مدحه جمع من الأعلام المحقّقين وجهابذة التمحيص والتدقيق بكلّ مدح وثناء ، والظاهر عدم احتياج المؤلّف والكتاب إلى أيّ مدح وثناء في هذه الأعصار.

وكذا شيخ الطائفة والصّدوق رئيس المحدّثين قدّس سره فإنّهما غنيان عن المدح والثناء.

فنتعرّض لمسائل نافعة مرتبطة بالكتاب المذكور :

١. يقول السّيد بن طاووس قدّس سره في محكي كشف المحجّة (١) : كان حياته ـ أي : الكليني ـ في زمن وكلاء مولانا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عثمان بن سعيد العمري وولده أبي جعفر محمّد وأبي القاسم الحسين بن روح وعلي بن محمّد السمري رحمه‌الله. وتوفّي محمّد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمّد السمري رضي‌الله‌عنه ؛ لأنّ السمري توفّي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وهذا محمّد بن يعقوب الكليني توفّي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة (٢) فتصانيف هذا الشيخ ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين في وقت يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنّفاته.

٢. قال السّيد المعظّم بحر العلوم قدّس سره في رجاله (٣) : وما ذكره ابن الأثير ، وغيره من

__________________

(١) خاتمة المستدرك : ٣ / ٥٣٢.

(٢) هذا الّذي نقل عن ابن طاووس هو مختار الشّيخ في الفهرست ، واختاره ابن الأثير في محكي الكامل ، وابن حجر في محكي لسان الميزان ، لكن ذكر النجّاشي وفاته في سنة ، تسع وعشرين وثلاثمائة سنة تناثر النجوم وهي السنة الّتي توفّى فيها أبو الحسين السمري آخر السفراء الأربعة ، واختاره الشيخ في محكي رجاله.

(٣) رجال بحر العلوم : ٣ / ٣٣٠.


أهل الخلاف من أنّ الكليني رحمه‌الله هو المجدّد (١) لمذهب الإماميّة في المائة الثالثة من الحقّ الّذي أظهره الله على لسانهم وأنطقهم به ، ومن نظر كتاب الكافي ... وقد اتّفق تصنيفه في الغيبة الصغرى بين أظهر السفراء في مدّة عشرين سنة ، كما صرّح به النجّاشي وغيره ، وقد ضبطت أخباره في ستّة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا.

ووجدت ذلك منقولا من خطّ العلّامة قدّس سره.

وقال رحمه‌الله في حاشية رجاله : ذكر بعض المتأخّرين أنّ الصحيح منها خمسة آلاف واثنان وسبعون والحسن مائة وأربعة وأربعون ، والموثق ألف ومائة وثمانية عشر ، والقوي اثنان وثلاثمائة (٢) والضعيف تسعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثمانون والمجتمع من هذا التفصيل ستّة عشر ألف حديث ومائة وواحد وعشرون حديثا ، وهو لا يطابق الإجمال.

أقول : هكذا نقل عن المحدّث البحراني في اللؤلؤة ، ولكنّه لم يلتفت إلى عدم المطابقة ، كما التفت هذا السّيد ، ويزيد الإجمال على التفصيل بثمانية وسبعين حديثا. (٣)

لكنّ الحاصل من أرقام نسختي المطبوعة من قبل دار الكتب الإسلاميّة بطهران طبعة جيّدة مزيّنة أنّ عدد أحاديث الكافي بثمانية أجزائها : ١٧٢٥٢ حديثا ، ولا يحتمل مثل هذا الاختلاف ، فلعلّ الاشتباه في سنّي أو من كاتب الأرقام المطبوعة.

٣. يقول النوري بعد نقل كلام البحراني رحمهما‌الله وعلى ما ذكره ، فأكثر من نصف أخبار الكافي ضعيف لا يجوز العمل به إلّا بعد الانجبار ، وأين هذا من كونه أجلّ كتب الشّيعة ومؤلّفه أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، ولم يكن في كتاب تكليف الشّلمغاني المردود المعاصر له خبر مردود إلّا اثنان. (٤)

أقول : أجلّيّة الكافي باعتبار اشتماله على الرّوايات الكثيرة المتنوّعة في كلّ من المعارف والعقائد والأخلاق والآداب والفقه ، وباعتبار نفي احتمال وجود الرّوايات الموضوعة من قبل

__________________

(١) حديث : «إن الله يبعث لهذه الامة على رأس كلّ مائة سنة من يجدد لها دينها». لم أجده من طريقنا ، فالظاهر أنّه عامّي ، لاحظ : رجال السّيد بحر العلوم وحواشيها : ٣ / ١٢٣.

(٢) قال المحدّث النوري والظاهر إنّ المراد من القوي ما كان بعض رجال سنده ، أو كلّه الممدوح من غير الإمامي ، ولم يكن فيه من يضعف الحديث وله إطلاق آخر يطلب من محله.

أقول : بل له إطلاقات لاحظ : مقباس الهداية : ٣٥ ، وقد تقدّمت في البحث الثاني والثلاثين من هذا الكتاب.

(٣) ولعلّ الاختلاف يرجع إلى عدّ بعض المراسيل والجملات من الأحاديث وعدم عدّها.

(٤) خاتمة المستدرك : ٣ / ٥٤١.


مؤلّفه أو ممّن بعده ، ونفي احتمال الخلل في متون الرّوايات وأسانيدها من جهة سهو المؤلّف وغفلته وجهله وعدم مهارته ونحو ذلك.

وأمّا أو ثقية مؤلّف الكافي وأثبتيته ، فهما أجنبيان عن وثاقة رواة رواياته ، كما لا يخفى.

وأمّا استثناء الخبرين من كتاب الشّلمغاني ، فالظاهر أنّه من جهة كونهما معلومي الكذب والوضع لا من جهة ضعف السند ، ولعلّه لو وصل إلينا لحكمنا بضعف ثلاثه أرباعه ، من يدري حاله؟

وليس في كلام أبي القاسم تصحيح بقية روايات كتابه ـ فلاحظ (١) ـ حتّى تعلم أنّ تصديق أبي القاسم رضي‌الله‌عنه من جهة أنّ روايات كتابه مرويّة عن الأئمّة عليهم‌السلام فقط ، دون الحكم بصحّة رواياته وصدورها عنهم عليهم‌السلام.

ثمّ إنّ تحديد صحاح أخبار الكافي وضعافها وسائر أنواعها ليس أمرا يتّفق عليه الكلّ ، فإنّ أنظار العلماء في علم الرجال مختلفة وباختلافها تختلف كمية الأقسام المذكورة ، وما نقله السّيد والمحدّث رحمهما‌الله من التحديد يحكي عن نظر واحد أو جمع ، كما أنّ حجيّة الرّوايات أيضا غير متفق عليها ، بل هي مثار الاختلاف والنزاع كما يعرف من مطاوي هذا الكتاب والكتب الأصوليّة وغيرها.

وعلى كلّ حال يثبت صحّة جملة من الإخبار الضعاف المرويّة في الكافي بسند الفقيه والتهذيبين وسائر كتب الصدوق وغيرها ، وجملة منها مطابقة للعقل ، وجملة منها في اصول العقائد ، الّتي لا يكفيها الخبر الواحد وإن صحّ سندها ، وجملة منها في الأخلاق والآداب فلا تخف من كلام هذا المحدّث رحمه‌الله ، حتّى وإن أصبح أكثر من نصف أخبار الكافي ضعيفا ، إذ لا وحشة من اتّباع الدليل.

٤. ذهب جمع إلى حجيّة جميع روايات الكافي واستدلّوا عليه :

أوّلا : بقول الكليني نفسه في ديباجة الكافي في جواب من قال له : أنّه يحبّ أن يكون عنده كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصّادقين عليهما‌السلام ....

__________________

(١) نقل عن أبي القاسم بن روح بعد قرائته كتاب الشّلمغاني : ما فيه شيء إلّا وقد روي عن الأئمّة عليهم‌السلام إلّا موضعين أو ثلاثة ، فإنّه كذب عليهم في روايتها لعنه الله ، خاتمة المستدرك : ٣ / ٥٣٣.

لكن في شرح اللمعة بعد نقل قوله في مسألة من باب الشّهادة ورده ، قال : وذكر الشّيخ المفيد إنّه ليس في الكتاب ما يخالف الفتوى سوى هذه المسألة.


(وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت وأرجو أن يكون بحيث توخيت) ، فقد أخبر الكليني نفسه بصحّة روايات كتابه ، وإخباره حجّة.

واجيب عنه : بأنّ الصّحة عند القدماء أعمّ من الصحّة عند المتأخّرين ، فإنّها عند الأوّلين تنشأ من الأمارات والقرائن ، الّتي منها وثاقة الرّواة (١) ، فلا يكفي تصحيح الكليني لإثبات الصّحة عندنا.

أقول : لا شكّ في حجيّة كلّ خبر محفوف بقرينة موجبة للاطمئنان بمطابقته للواقع ، فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة ، ولكن لم يبق لدينا من القرائن الموجودة عند القدماء سوى صدق الرّواة ، ولا نعتمد على شهادة الكليني وأمثاله من علمائنا الأعلام الأماجد بوجود تلك القرائن في رواياتهم لتصبح معتبرة حجّة ؛ وذلك لأنّ القرائن المفيدة للاطمئنان ليست محصورة مضبوطة مقبولة عند الكل ، ليكون الإخبار عن وجودها أخبارا عن حس ، بل هي كثيرة مختلفة متفرقة تختلف شدّة وضعفا حسب اختلاف الأنظار والمشارب والآراء والحالات النفسية ، وحيث أنّ تقليد المجتهد غير سائغ لمجتهد آخر ، بل مطلقا بعد موته لم يجز الاعتماد على فتوى الكليني بصحّة رواياته.

ومنه ينقدح ضعف ما ذكره المحدّث النوري (٢) من أنّ سبب شهادة الكليني بصحّة رواياته ، إمّا وثاقة رواتها فلا إشكال فيه (٣) لأنّها في حكم توثيق جميعهم بالمعنى الأعم ، أو كونها مأخوذة من تلك الاصول والكتب المعتبرة عند الإماميّة كافة ، وهي شهادة حسّية أبعد من الخطأ والغلط من التوثيق ... وكذا لو كان بعضها للوثاقة ، وبعضها للأخذ من تلك الاصول كما لعلّه كذلك انتهى ملخّصا.

وقد عرفت عدم حصر القرائن في النقل عن الكتب المعتبرة ، بل هي كثيرة غير محصورة ولا مضبوطة.

__________________

(١) لاحظ : في البحث الثالث والثلاثين من هذا الكتاب تفصيل هذه الأمارات والقرائن.

(٢) خاتمة مستدركه : ٣ / ٥٣٦.

(٣) ليس مفاد توثيقه العام ـ إن صحّ ـ اعتبار جميع روايات الكافي ؛ لأنّ جملة كثيرة من الرّوايات تسقط عن الاعتبار لأجل تعارض توثيق الكليني بجرح غيره كالشّيخ والنجاشي ، ولأجل الإرسال ، على أنّ في إسناد روايات الكافي من هو مجهول ، كما في المراسيل والمرفوعات ومعرفة وثاقة رواتها محتاجة إلى علم الغيب ، واحتمال وجود سند آخر صحيح للكليني في هذه الموارد مجرّد احتمال لا يجوز البناء عليه ، بحسب بناء العقلاء.


وليس معنى اعتبار الكتب والاصول ، صحّة كلّ واحدة من رواياتها ، ووثاقة رواتها كما أشرنا إليه في بعض البحوث السّابقة أيضا ، فحال تلك الكتب والأصول عند الكليني ، حال الكتب الأربعة عندنا.

وثانيا : بما أشار إليه السّيد ابن طاووس وبحر العلوم رحمهما‌الله في سابق كلامهما من وقوع تأليف الكافي في زمان الغيبة الصغرى وحضور السفراء.

يقول النوري بعد نقل كلام ابن طاووس السّابق : ونتيجة ما ذكره من المقدّمات عرض الكتاب على أحدهم ـ أي : السفراء ـ وإمضائه وحكمه بصحّته وهو عين إمضاء الإمام عليه‌السلام وحكمه ... وهذا وإن كان حدسا غير قطعي يصيب ويخطيء ، ولا يجوز التشبّث به في المقام إلّا أنّ التأمّل في مقدّماته يورث الظّنّ القوي والاطمئنان التّام (١) والوثوق بما ذكره.

... فمن البعيد غاية البعد أنّه رحمه‌الله في طول مدّة تأليفه ، وهي عشرون سنة لم يعلمهم (النّواب) بذلك ، ولم يعرضه عليهم مع ما كان بينهم من المخالطة والمعاشرة. وليس غرضي من ذلك تصحيح الخبر الشّائع من أنّ هذا الكتاب عرض على الحجّة عليه‌السلام ، فقال : إنّ هذا كاف لشيعتنا ، فانّه لا أصل له ولا أثر له في مؤلّفات أصحابنا ، بل صرّح بعدمه المحدّث الأسترأبادي ...

أقول : إذا فرضنا الكليني معتقدا بصحّة روايات كتابه ، لا ملزم لسؤاله عن صحتّها عن أحد النوّاب على أنّه لو أمضاه الإمام أو أخبر بصحته بتوسط نائبة الخاصّ ؛ لشاع وذاع ونقل إلينا ولو بخبر واحد ضعيف ، وحيث لا فلا ، مع أنّه لو حصل الظّنّ منه لا يغني من الحقّ شيئا.

على أنّ هذا الوجه لو تمّ ، لدلّ على اعتبار جميع المؤلّفات في زمن الأئمّة عليهم‌السلام بطريق أولى إذا كان مؤلفّوها ثقات.

وثالثا : بما ذكره النجّاشي من أنّه أوثق الناس في الحديث ، وقد قيل في حقّ جمع من الرّواة أنّهم رووا عن الثّقات ، وقد ذكروا في ترجمة جماعة أنّهم صحيح الحديث ، وقد مرّ أنّ معناه وثاقة جميع من يروون عنهم ، فيكون الكليني كذلك بطريق أولى.

وقد فصّل النوري رحمه‌الله هذا الوجه بنحو خرج عن حدّ الإنصاف ، وبني قوله على الاعتساف ، والحقّ أنّ ما ذكره ضعيف جدّا ، ولا داعى للجواب عنه تفصيلا ، فإنّه من إضاعة الوقت.

وبالجملة : القول بكون روايات الكافي قطعية الصدور ، والقول بأنّها موثوق

__________________

(١) دعوى الاطمئنان التامّ مع عدم جواز التشبّث متناقضة ، فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة ممضاة عند الشّارع.


بصدورها ، والقول بصحتّها ، والقول بحجيّتها ، كلّها غلوّ وحسن ظنّ لا يدعمه دليل.

٥. روى الكليني رحمه‌الله عن محمّد بن الحسن وحده في عدّة موارد (١) من كتابه الكافي أو مع علي بن محمّد ، وربّما مع محمّد أبي عبد الله أو مع عليّ بن إبراهيم الهاشمي ، وروي محمّد بن الحسن ـ أمّا وحده وأمّا مع عليّ بن محمّد ـ عن سهل بن زياد غالبا ، وربّما عن عبد الله بن الحسن ، العلوي أو عبد الله بن الحسن وقد يروي عن إبراهيم بن إسحاق ، أو إبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، أو عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر.

وقد اختلفوا في تعيين مسمّاه ، فقيل : إنّه الصفار المعروف. وقيل : إنّه غيره ، ومن أحسن الشّواهد على القول الأوّل ، قول الشّيخ في فهرسته في بيان طرقه إلى كتب إبراهيم بن إسحاق أبي إسحاق الأحمري النهاوندي ، بعد ذمّه بقوله كان ضعيفا في حديثه متّهما في دينه ....

وأخبرنا (ني) أبو الحسين ابن أبي جيّد القمّي ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم الأحمري بمقتل الحسين عليه‌السلام خاصّة.

فإنّه نعم الشّاهد على كون محمّد بن الحسن المبدوء به سند الكافي ، هو الصفّار فإنّه روي في جملة من أسناد الكافي عن إبراهيم المذكور.

لكن ابن أبي جيد لم يثبت وثاقته عندي ، فلا دليل معتبر على صحّة رواية الصّفار كتاب الأحمري ، وقد أورد عليه أيضا المحدّث النوري (٢) أنّ هذا لا يعين كون محمّد بن الحسن هو الصفّار مع وجود شريك له في الاسم في طبقته ، وجواز روايته عنه ، ومع الغضّ عنه ، فهو ظنّ ضعيف.

أقول : فإرسال سيّدنا الأستاذ كون الصفّار شيخ الكليني إرسال المسلّمات (٣) غير قوي. كما أنّ جزمه بكون الرّاوي عن إبراهيم بن إسحاق هو الصفّار محتاج إلى تدليل ، فإنّه إنّما روي كتابا واحدا من كتب إبراهيم لا جميعها ، كما عرفت من فهرست الشّيخ.

ومن أحسن الشّواهد على القول الثّاني أنّ محمّد بن الحسن المبدوء به السند في الكافي روي غالبا عن سهل مع أنّ الصفّار في بصائره لم يرو ، عن سهل أصلا ، مع أنّ الكتاب

__________________

(١) قيل : إنّ الكليني روي عنه إحدى وتسعين رواية ، وإنّ وقع التصحيف في عشرة منها ، وهو أحد عدّة سهل ابن زياد ، فتزيد رواياته بذلك.

(٢) خاتمة المستدرك : ٥٤٥ ، الفائدة الرابعة.

(٣) معجم رجال الحديث : ١٥ / ٢١٦.


المذكور مقصور على ذكر الفضائل ، وسهل مرمي بالغلو الّذي لا منشأ له إلّا ذكرها ، ومن البعيد أن يكون من رجاله ولا يروي عنه كما ذكره المحدّث النوري في خاتمة مستدركه. (١)

أقول : لكن الصفّار لم يرو ، عن سهل في التهذيب أيضا إلّا في مورد واحد ، كما تشهد به نسخة الكمبيوتر من التهذيب ، فتأمّل.

ثمّ قال المحدّث المذكور : إنّ في طبقة مشايخ ثقة الإسلام جماعة ممّن شارك الصفّار في الاسم يحتمل روايته عنهم ، منهم محمّد بن الحسن بن علي أبو عبد الله المحاربي ، ومنهم محمّد بن الحسن القمّي ، ومنهم محمّد بن الحسن بن علي أبو المثنى ، ومنهم محمّد بن الحسن بن بندار القمّي ، ومنهم محمّد بن الحسن البرناني ، انتهى مخلصا.

أقول : ويحتمل أنّه محمّد بن الحسن الطاطري المجهول فقد روي الكليني عنه (٢) في الكافي ، والله العالم بحقيقة الحال.

ثمّ إنّي وقفت حين إعداد الكتاب للطبعة الرابعة ١ / ٣ / ١٣٧٨ ه‍ ش ، على ما حقّقه السّيد البروجردي رحمه‌الله من تعيين هذا الرجل : وقال بعد نقل الآراء ورد دلائلها : والذي حصل لي من تتبّع الأسانيد هو أنّه ـ أي : محمّد بن الحسن الّذي يروي عنه الكليني ـ ليس محمّد بن الحسن الصفار فإنّه لا مشابهة بين أسانيده وأسانيد الصفار فإنّ الصفار شيخ واسع الرّواية كثير الطريق يروي عن نيف وخمسين شخصا من الكوفيّين والبغداديّين والقمّيين والرازيّين ، وهذا لا يروي إلّا عن معدود من الرازيّين أو من نزل بها ، مع أنّ هذا الرجل جلّ رواياته ، عن سهل بن زياد وروايته ، عن غير سهل في غاية الندرة.

وأمّا الصفّار ، فلم يثبت له رواية ، عن سهل ، فانّا جمعنا شيوخه في البصائر والتهذيب وغيرهما ، فلم نجد فيهم سهل بن زياد إلّا في موردين أحدهما في التهذيب ... والثّاني في الفقيه ... والظّاهر أنّ الأوّل معلول ...

ثمّ ، الغالب على ظنّي أنّه محمّد بن الحسن الطائي الرّازي ، فإنّه كان رجلا من أهل الحديث بالرّي ... فقال النجّاشي في ترجمة علي بن العبّاس الجراذيني الرازي المرمي بالغلوّ والضعف بعد ما عد كتبه : أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن ابن أبي رافع ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن الحسن الطائي الرازي ، قال حدثنا علي بن العبّاس بكتبه كلّها.

__________________

(١) خاتمة المستدرك : ٥٤٣ و ٥٤٤.

(٢) الكافي : ٢٠ / ٥٠٢ ، نسخة الكامبيوتر.


ويؤيده ما ذكره المصنّف ـ أي : الكليني ـ في كتاب الجهاد من هذا الكتاب في باب من يجب معه الجهاد ، حيث قال : محمّد بن الحسن الطائي عمّن ذكره ، عن علي بن النعمان ، عن سويد القلاء الخ هكذا وجدته في ثلاث نسخ مخطوطة من الكتاب ، وهو الموافق لما حكاه صاحبا الوافي والوسائل ، ولكن الموجود في نسخة اخرى مخطوطة ونسختين مطبوعتين منه تبديل الطائي بالطاطري.

ويؤيّد ما حكيناه عن النجّاشي ، مضافا إلى عدم معهوديّة محمّد بن الحسن الطاطري ، نعم ، علي بن الحسن الطاطري معروف ، ولكنّه رجل من السّابعة. (١)

أقول : مراده قدّس سره من جملته الأخيرة أنّ الكليني لا يصحّ أن يروي عنه وعن كلّ من في الطبقة السابعة.

ثمّ اعلم : أنّ ما ذكره السّيد الجليل ، وإن كان موافقا لما بنينا عليه أوّلا ، لكنّه مجرّد ظنّ لا يثبت به إنّ الرجل المذكور هو الطائي ، كما لا يخفى.

وعلى كلّ هو رجل مجهول لا تعتبر الأسانيد المشتملة عليه.

٦. قال الشّهيد رحمه‌الله في محكي أوائل الذّكرى (٢) : أنّ ما في الكافي من الأحاديث يزيد على ما في مجموع الصّحاح السّتّة للجمهور.

أقول : المنقول عن كشف الظنون أنّ جميع أحاديث صحيح البخاري بالمكرّر سوى المعلّقات والمتابعات على ما حرّرته واتقنته سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون / ٧٣٩٧ حديثا ، والخالص من ذلك بلا تكرير ألفا حديث وستمائة وحديثان. (٣) وإذا ضمّ إليه المتون المعلّقة المرفوعة وهي مائة وخمسون حديثا صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة وإحدى وستّين حديثا / ٢٧٦١.

وعنه أيضا : روي عن مسلم أنّ كتابه أربعة آلاف حديث / ٤٠٠٠ ، دون المكررّات ، وبالمكررّات سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا / ٧٢٧٥.

أقول : وأمّا سنن أبي داود السجستاني ، فقد قال في أوّله : وجمعت في كتابي هذا أربعة آلاف حديث وثمانية أحاديث من الصّحيح وما يشبهه وما يقاربه.

__________________

(١) الموسوعة الرجاليّة : ١ / ١٢١ ـ ١٢٢ ، (ترتيب أسانيد كتاب الكافي).

(٢) الذكري : ٦.

(٣) قيل : الخالص : ٢٧٦٢ حديثا وعن النووي إنّها ٤٠٠٠ حديثا ، لكنّه غلط ، ثمّ لا نجد بين المؤلّفين العقلاء تكرارا ، بهذه المرتبة وللبخاري نواقص أخرى نبّه عليها مؤلّف نظرة عابرة إلى الصّحّاح السّتّة.


وقد كتب في ظهر سنن ابن ماجة المطبوعة في كراتشي أنّ عدّة رواياتها ٤٣٤١ ومن هذه ٣٠٠٢ حديث أخرجها أصحاب الكتب الخمسة كلّهم ، أو بعضهم وباقي الأحاديث عددها ١٣٣٩ ، هي الزوائد على ما جاء بالكتب الخمسة.

وفي بعض نسخ سنن ابن ماجة أنّ رواياتها تبلغ : ٤٢٣٤ وأنّ الصّحاح منها : ٣١٠١ حديث.

وعدد روايات سنن الترمذي حسب الأرقام المطبوعة : ٣١٠١ حديث.

ويظهر من أرقام بعض نسخ سنن النسائي المطبوعة أنّ عدد رواياتها بمكرراتها : ٥٧٦٤ حديثا. وقيل : إنّ أحاديث مسند أحمد بن حنبل تبلغ واحد وثلاثين ألف حديث.

٧. كثيرا ما يقول الكليني قدّس سره في الكافي : عدّة من أصحابنا عن فلان ، ونحو ذلك ، فمنها ما بيّنه العلّامة في الخلاصّة مرسلا ، عن الكليني أسمائها وهي ما تكرّرت في الأسانيد ، كالعدّة عن أحمد بن محمّد بن عيسى. (١) والعدّة عن أحمد بن محمّد بن خالد والعدّة عن سهل ، ومنها ما لم يظهر أسمائها ، وهي معدودة كالعدّة عن البزنطي ، والعدّة عن أبان بن عثمان ، والعدّة عن الثمالي والعدّة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وغيرها.

وتفصيل البحث تجده في الخلاصّة (٢) والوسائل (٣) وجامع الرّواة (٤) وخاتمة رجال المامقاني (٥) وخاتمة مستدرك النوري (٦) ، وغيرها.

أقول : تواطؤ جماعة غير كثيرة على الكذب والاختلاق ، وإن كان ممكنا عقلا إلّا أنّ الإنسان يطمئن عادة بعدم وقوعه ويثق بصدق نقل العدّة وعدم كذب جميع أفرادها ، والموثوق به صدق الخبر ولو بصدق بعض أفرادها ، وعلى هذا نحن في سعة من تفصيل الكلام حول تعيين أفراد العدّة أوّلا : وإثبات وثاقتهم أو حسنهم ، ثانيا : ولا فرق في ذلك بين الكليني في كتابه الكافي والشّيخ في فهرسته وغيرهما في غيرهما كما لا يخفى.

وعلى كلّ تكون أسناد روايات الكافي سليمة من النقاش من هذه الجهة ، وكذا بعض روايات ابن أبي عمير ، حيث يقول عن رجاله ، أو عن عدّة ، أو عن غير واحد ، ونحو ذلك ، فإنّا

__________________

(١) هذا المورد بينه النجّاشي أيضا.

(٢) الخلاصة : ١٣٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٣٢.

(٤) جامع الرّواة : ٢ / ٤٦٥.

(٥) خاتمة رجال المامقاني : ٣ / ٨٣.

(٦) خاتمة مستدرك النوري : ٣ / ٥٤١.


لا نحتمل كذب جميع هؤلآء الأشخاص ، بل نطمئن بصدق الخبر ، ولو من جهة صدق بعض أفرادهم ، والله الموفّق.

لكن هذا إذا كانت العدّة في طبقة واحدة أي في عرض واحد ، كما في العدّة عن أحمد بن محمّد البرقي أو الأشعري ، وأمّا إذا كانت في طبقتين ، كما في العدّة إلى البزنطي ، فإنّه شيخ شيخ شيخ الكليني رحمه‌الله فيشكل حصول الاعتماد عليها لاحتمال أن يكون أكثر العدّة رووا في الطبقة الأولى وبعضهم كالمجهول أو المجهولين ، منهم رويا عن الطبقة الثانية ، وعبّر الكليني عن المجموع بالعدّة ، وهذا الاحتمال لا دافع له إلّا إذا وجدنا قرينة على خلافه فتفطّن ولا تغفل. ويظهر من فروع الكافي (١) أنّ عدّته بالنسبتة إلى أحمد البزنطي هم العدّة بالنسبة إلى أحمد بن محمّد البرقي ، أو الأشعري ، وإلى سهل ، بناء على تعليق سند الثانية على سند الأوّلى في الباب ... وهذا يؤكّد الاحتمال الّذي ذكرنا.

٨. أكثر روايات الكافي مسندة وبعضها القليل مرسل ، وبعضها مرفوع (٢) ، وأمّا المعلّقات فهي كثيرة في الكافي وتشخيصها محتاج إلى مهارة ودقّة وهي من المسندات دون المرسلات كما توهم.

٩. قال بعض أهل التحقيق : دأب الكليني على ما عرفناه بالتّتبّع في كتابه الكافي ترتيب الرّوايات على حسب مراتبها عنده في الصّحة والاعتبار ، والله العالم.

بقي في المقام أمور :

الأوّل : المستفاد من فهرستي الشّيخ والنجّاشي ، ومشيختي الفقيه والتهذيب أن جماعة رووا الكافي عن مصنّفه ، وإليك بيان أسمائهم :

الرقم

اسم الراوي

حاله

من روي عنه الكافي وحاله

١

أحمد بن إبراهيم الصيمري

ثقة

أحمد بن عبدون

مجهول

٢

أحمد بن أحمد أبي الحسين

مجهول

جماعة

٣

أحمد بن علي بن سعيد

مجهول

السيد المرتضى

ثقة

٤

أحمد بن محمّد بن سليمان

ثقة

الحسين الغضائري

ثقة

٥

إسحاق بن الحسن التّمار

ضعيف في مذهبه

العقرائي وغيره

__________________

(١) فروع الكافي : ٤ / ٥٠٦ باب صوم المتمتع إذا لم يجد الهدى.

(٢) لاحظ : الكافي : ١ / ٩٠ ؛ ٤ / ٤٣٧ ؛ ٨ / ٣٢٧ ؛ ١ / ٢٥ ، ١٢٠ ، ٥٩ ؛ ٣ / ٦ ؛ ٦ / ٤٠٦ ؛ ٨ / ٢٤٣ ؛ ١ / ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ٢٠ ، ٢٦.


٦

جعفر بن محمّد بن قولويه

ثقة

جماعة

ثقات

٧

عبد الكريم البزاز

مجهول

أحمد بن عبدون

مجهول

٨

علي بن أحمد الدّقاق

حسن

الصدوق

ثقة

٩

محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان

حسن

الصدوق

ثقة

١٠

محمّد بن محمّد بن عصام

في حسنه بحث (١)

الصدوق

ثقة

١١

محمّد بن عبد الله أبو المفضّل

ضعيف

الغضائري

ثقة

١٢

هارون بن موسى

ثقة

الغضائري

ثقة

والطرق تتّصل بعشرة منهم دون الرجل الثّاني أحمد بن أحمد أبى الحسين ، والخامس (إسحاق بن الحسن) إذ لم يرو عنهما أحد ظاهرا.

وأمّا محمّد بن إبراهيم النعماني مؤلّف كتاب الغيبة ، فالمتيقّن أنّه روي عن الكليني في كتابه بعض أحاديث الكافي لا تمامه ، كما ذكره سيدنا البروجردي رحمه‌الله في كتاب ترتيب أسانيد كتاب الكافي : الصفحة ١١٤ و ١١٥.

الثّاني : في ذكر أسماء مشائخ الكليني الّذين روي عنهم في الكافي وهم سبعة وثلاثون شيخا. فمنهم المكثرون ومنهم المتوسطون ومنهم المقلون جدّا. اما المكثرون فهم :

الرقم

اسم شيخ

حاله

تعداد رواياته

١

أحمد بن إدريس

ثقة

٣٠٠ تقريبا

٢

الحسين بن محمّد بن عامر

ثقة

٦٦٠ تقريبا

٣

حميد بن زياد

موثق

٣٢٠ تقريبا

٤

علي بن إبراهيم

ثقة

قريب من ٣٨٠٠ باسمه ٢

٥

علي بن محمّد الكليني (علأن)

ثقة

أكثر من ٥٠٠

٦

علي بن محمّد بن بندار

ثقة

ورد اسمه في أكثر من ١٤٦

٧

محمّد بن إسماعيل

مجهول (٢)

أكثر من ٤٠٠

٨

محمّد بن يحيى

ثقة

٥٩٨٥ كلّها

__________________

(١) لاحظ : أواخر البحث الثّاني عشر.

(٢) لكنّه شيخ إجازة لا تضر جهالته باعتبار السند والعمدة اعتماد الكليني على سلامة كتب ابن شاذان ، إذا كانت مشهورة إلى زمانه.


وأمّا المتوسطون فهم :

٩

أحمد بن محمّد العاصمي الكوفي

ثقة

قريبا من ٧٠ حديثا

١٠

أحمد بن مهران

حسن على الأظهر

قريبا من ٥٠ حديثا

١١

محمّد بن جعفر الأسدي (محمّد بن أبي عبد الله)

ثقة

نيفا وأربعين حديثا

١٢

محمّد بن جعفر الرزاز

في وثاقته بحث(١)

أكثر من ٤٠ حديثا

١٣

محمّد بن الحسن

مجهول

٩١ حديثا

وأمّا المقلّون فهم :

١٤

والد الصدوق علي بن الحسين

ثقة

١

١٥

أبو بكر الحبال

مهمل

١

١٦

أبو داود

مهمل

١٩ (٢)

١٧

أحمد بن عبد الله حفيد أحمد البرقي

مجهول

١٠

١٨

أحمد بن محمّد بن سعيد (ابن عقدة)

موثق

٤ أو ٢ (٣)

١٩

أحمد بن محمّد عن محمّد بن الحسن (٤)

مجهول

١٤ أو ٢٠

٢٠

حبيب بن الحسن

مجهول

٣

٢١

الحسن بن خفيف

مجهول

١

٢٢

الحسين بن أحمد

مجهول

٥ على كلام

٢٣

الحسين بن الحسن

مجهول

٧

٢٤

الحسين بن علي الهاشمي العلوي

مجهول

٨

٢٥

الحسين (الحسن) بن الفضل اليماني

مجهول

١

٢٦

سعد بن عبد الله القمّي (٥)

ثقة

__________________

(١) موسوعة البروجردي : ١ / ١٢١) : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ هذا الشّيخ من أجلة أصحاب الحديث من أصحابنا ، لكنّه لما يذكر في الفهرستين ...

(٢) لاحظ : ما يتعلّق بأبي داود في باب الكني من معجم الرجال ، برقم : ١٤٢٦٢.

(٣) الموسوعة الرجاليّة : ١ / ١١٧ ، وليس للمصنف (الكليني) عنه في هذا الكتاب الّا أربع روايات جنت أقلام الناسخين على سند اثنين منها ، وبقت اثنتان.

(٤) يقول السّيد البروجردي أنّ محمّد بن الحسن هو الصفار ، فليس (احمد) هو بالعاصمي ولا بابن عقدة ؛ لأنّهما لا يرويان عن الصّفار. وقال أيضا ان الكليني روي عن محمّد بن الحسين ستّة أحاديث ، ثمّ استظهر أنّ الحسين مصحف الحسن ، وعلى كلّ أحمد بن محمّد مجهول.

(٥) لم يطمئن السّيد البروجردي بكونه شيخا للكليني : ١ / ١٨٣ ، ولم يذكره السّيد الخوئي فيمن روي الكليني


٢٧

عبد الله بن جعفر ... جامع الحميري

ثقة

٧ أو ٨ ولعلّه بالوجادة

٢٨

علي بن إبراهيم الهاشمي (١)

ثقة

١

٢٩

علي بن الحسين القمّي السعد آبادي

في حسنه تردد

٣

٣٠

علي بن موسى (أحد العدة)

مجهول

١ باسمه

٣١

القاسم بن العلاء

ثقة

٢

٣٢

محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت

ثقة

٨ على تردد

٣٣

محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري

ثقة

٩

٣٤

محمّد بن عقيل

مجهول

١

٣٥

محمّد بن علي بن معمر

مجهول

٣

٣٦

محمّد بن محمود

مجهول

١

٣٧

داود بن كورة

مجهول

لم يرو عنه بعنوانه وإنّما روي عنه في ضمن العدة

هذه الجداول كتبت على أساس ما ذكره سيّدنا البروجردي قدّس سره في الجزء الأوّل من موسوعته الرجاليّة (٢) ، وإن طبّقتها على معجم رجال الحديث للسيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله تجد بينهما اختلافا.

وعلى كلّ في عد من ذكر بأرقام ١٤ فلاحظ الكافي (٣) ـ مولد علي بن الحسين ـ من شيوخ الكليني ، نظر ومحتاج إلى بحث.

ثمّ إنّي لا أرى الباحث غنيا عمّا ذكره السّيد البروجردي رحمه‌الله في هذا المقام من موسوعته الرجالية (٤) من أيضاح الاشتباهات الواقعة حول شيوخ الكليني رحمه‌الله ولا حاجة إلى تكراره هنا.

الثالث : قال السّيد البروجردي بعد نقل كلام الشّيخ والنجّاشي في تعداد كتب الكافي : قد اختلف كلام هذين الشّيخين في بيان الكتب الّتي يشتمل كتاب الكافي ، في عددها وترتيبها. وكلامه هما مخالف لما هو الموجود فيما بأيدينا من نسخه ، فإنّ كتبه في النسخ الموجودة في زماننا خمسة وثلاثون كتابا بهذا الترتيب ...

__________________

الكليني عنه. لاحظ : الموسوعة الرجاليّة : ١ / ١٨٣ ، لتفصيل ذلك.

(١) قال السّيد البروجردي في المجلد ١ / ١٩ ، وقد روي الكليني عنه تسع روايات بواسطة محمّد بن يحيى ويحتمل سقوطه من تلك الرّواية الواحدة.

(٢) الموسوعة الرجاليّة : ١١٦ ـ ١٢٣.

(٣) الكافي : ١ / ٤٦٧ ، ٢٩ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٢.

(٤) الموسوعة الرجاليّة : ١ / ١٢٣.


الثّاني : كتاب من لا يحضره الفقيه لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، المتوفّي ٣٨١ ه‍ الصدوق رضي‌الله‌عنه والبحث عنه من جهتين :

الاولى : نقل عن التّفرشي في أوّل شرحه على الفقيه عن شيخه أنّ أحاديث هذا الكتاب خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستون حديثا (١) ، منها ألفان وخمسون حديثا مرسلا. ومثله ما نقل عن الشّيخ البهائي.

ونقل عن بعضهم أنّ الفقيه يشتمل على أربع مجلّدات تشتمل على ستمائة وستّة وستين بابا.

المجلّد الأول

٨٧ بابا

المجلّد الثاني

٢٢٨ بابا

المجلّد الثالث

٧٨ بابا

المجلّد الرابع

١٧٣ بابا

لكن المجموع يصير خمسمائة وستّة وستين بابا ، لا ما ذكره أوّلا ، فبيّن كلاميه تهافت ، ثمّ ذكر أنّ في :

المجلّد الأول

١٦١٨ حديثا

المسند ٧٧٧

المرسل ٨٤١

المجلّد الثاني

١٦٣٧ حديثا

المسند ١٠٦٤

المرسل ٥٧٣

المجلّد الثالث

١٣٠٥ حديثا

المسند ١٢٩٥

المرسل ٥١٠

المجلّد الرابع

٩٠٣ حديثا

المسند ٧٧٧

المرسل ١٢٦

المجموع

٥٩٦٣

٣٩١٣

٢٠٥٠

أقول : هكذا في خاتمة المستدرك ، لكن الصحيح أنّ عدد أحاديث المجلّد الثالث ألف وثمانمائة وخمسة حديث لا ثلاثمائة وخمسة كما لا يخفى فيكون المجموع ، كما ذكره التفرشي والبهائي رحمهما‌الله.

قيل : ومرادهم من المرسل أعمّ ممّا لم يذكر فيه اسم الرّاوي بأن قال روي أو قال : قال عليه‌السلام أو ذكر الرّاوي ونسى أن يذكر طريقه إليه في المشيخة ، وهم على ما صرّح به التقي المجلسي رحمه‌الله في شرحه الفارسي المسمّى باللوامع أزيد من مائة وعشرين رجلا (٢) ، وإخبارهم تزيد على ثلاثمائة والكل محسوب من المراسيل عند الأصحاب ، وقال ـ أي : المجلسي ـ لكنّا

__________________

(١) لكن في آخر نسختي ، وهي من منشورات جماعة المدرسين بقم ، وصل الرقم المسلسل العامّ إلى ٥٩٢٣ ، وهو ينقص ممّا ذكر التفرشي بأربعين حديثا. ولعلّ الاختلاف لأجل بعض المرسلات وبعض الجملات وعدّها حديثا وعدم عدّها حديثا.

(٢) نقل أسمائهم المحدّث النوري ، عن شرح المجلسي في خاتمة المستدرك : ٣ / ٧١٧.


بيّنا أسانيدها ، أمّا من الكافي ، أو من كتبه ، أو من كتب الحسين بن سعيد ... انتهى.

الثانية : يقول السّيد بحر العلوم (١) في ترجمة الصدوق رضي‌الله‌عنهما. فإنّه أي الفقيه أحد الكتب الأربعة الّتي هي في الاشتهار والاعتبار ، كالشّمس في رابعة النهار ، وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقّف من أحد (٢) ، حتّى أنّ الفاضل المحقّق الشّيخ حسن بن الشّهيد الثّاني مع ما علم من طريقته في تصحيح الأحاديث يعد أحاديثه من الصحيح ، عنده وعند الكلّ ونقل عنه ـ أي عن الشّيخ حسن ـ تلميذه الشّيخ الجليل عبد اللطيف في رجاله أنّه سمع منه مشافهة : إنّ كلّ رجل يذكره في الصحيح عنده فهو شاهد أصل بعدالته لا ناقل.

ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكتب الأربعة ؛ نظرا إلى زيادة حفظ الصدوق رحمه‌الله وحسن ضبطه وتثبته في الرّواية ، وتأخّر كتابه عن الكافي وضمانه فيه لصحّة ما يورده ... وبهذا الاعتبار قيل إنّ مراسيل الصّدوق في الفقيه ، كمراسيل ابن أبي عمير في الحجيّة والاعتبار.

وإنّ هذه المزية من خواص هذا الكتاب ولا توجد في غيره من كتب الأصحاب ، انتهى.

أقول : والأصل في هذا الاتّفاق المدعى (٣) في كلام هذا السّيد المعظّم على تصحيح روايات الفقيه ، حتّى مراسيلها بحسب الظاهر ، هو كلام الصدوق نفسه ، قال قدّس سره في أوّل كتابه : ... وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده ، ولم أقصد فيه قصد المصنفين إلى إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، واعتقد أنّه حجّة بيني وبين ربي عزوجل ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ، وكتاب عبيد الله بن عليّ الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد بن عمران الأشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله ، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، ونوادر محمّد بن أبي عمير ، وكتب المحاسن لأحمد بن أبي

__________________

(١) رجال السّيد بحر العلوم : ٣ / ٢٩٩ و ٣٠٠.

(٢) وكأنّ السيد رحمه‌الله لم يقف على كتب الشّيخ المفيد ، أو نسيها حين كتابة هذه الكلمات وإلّا لم يجرء على كلامه ، هذا فإنّ المفيد رحمه‌الله ردّ بعض أحاديث الفقيه بصراحة وشدّة. فلاحظ : رسالته العدّدية مثلا ، حتّى تعرف حقيقة الحال.

(٣) لاحظ : ما يضعّف هذه الدعوى في كلام صاحب التكلمة ، مقباس الهداية : ٤٩.


عبد الله البرقي ، ورسالة أبي رضي‌الله‌عنه ، إلّيّ وغيرها من الاصول والمصنّفات ، الّتي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب الّتي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي‌الله‌عنهم.

أقول : ذكرنا فيما سبق أنّ الصحّة عند الصدوق وابن الوليد ، وأيّ باحث آخر لا تستلزم تحققها عند الآخرين ؛ لعدم الاتّفاق على أسبابها الكثيرة الغير المضبوطة ، ولا يجوز للمجتهد تقليد غيره بوجه. (١)

نعم ، لو أخبر عن وثاقة رواة كتابه لقبلنا في غير فرض التعارض ، على أنّه قد ادّعي جمع عدم وفاء الصدوق بالتزامه المذكور في أثناء كتابه في موارد كثيرة. (٢)

نعم ، قد يقال : إنّ وعد الصدوق في غير ما ثبت تخلّفه لا معدل عنه ، لكن فيه تأمّل كما أنّ ما ذكر في ترجيح إخباره من التعليل عليل. وعلى كلّ لا ينقضي تعجبى من كلام السّيد بحر العلوم وادّعائه نفي الخلاف في صحّة جميع روايات الفقيه ، وأعجب منه مخالفته لكلام نفسه في ما يأتي عن قريب حول التهذيب والاستبصار.

تعقيب وتحقيق :

ثمّ أقول : كلام السّيد بحر العلوم رحمه‌الله مشتمل على مطالب :

١. أحاديث الفقيه كلّها معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقف من أحد ومقتضى إطلاقه حجيّة المراسيل والمسندات المشتملة على المجاهيل والضعاف ، وبعبارة أخرى : أنّ تجريح من سبق الصدوق ومن تأخر عنه لمن يروي عنه الصدوق في الفقيه ، يلغى ولا يلتقت إليه.

وربّما يحتمل استناد هذا التّصحيح العام إلى الإجماع وقرائن خارجية ؛ لكن كلام الشّيخ حسن رحمه‌الله ظاهر في الوجه الأوّل ، كما لا يخفى.

٢. ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكافي والتهذيبين عند بعضهم ؛ نظرا إلى ما نقله هذا السّيد عن قائله.

٣. مراسيل الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجيّة والاعتبار ، وهذه المزيته خاصّة بالفقيه فقط.

__________________

(١) ربّما قيل : إنّ الوثاقة هي الّتي يدور عليها صحّة الرّوايات عند الصدوق لا غير ، لكن الفقيه كتاب فقهي ، وللفقيه قرائن أخرى للصحة ولا نافي لاحتمالها.

(٢) لاحظ : الحدائق الناضرة. وقال سيّدنا الأستاذ الحكيم قدّس سره : بل ذكر الصدوق الرّواية ، لا يدلّ على عمله بها ، لشهادة غير واحد من الأساطين بعدوله عمّا ذكره في صدر كتابه من أنّه لا يذكر فيه إلّا ما يعتمد عليه ، ويكون حجّة بينه وبين ربه ، وإن كان ذلك بعيدا. انظر : المستمسك : ٢ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨.


أقول : تخصيص الأمرين الأخيرين بالفقيه بلا مخصّص ؛ لأنّ العلّة الموجبة لهما المذكورة في كلامه جارية في جميع مؤلّفات الصدوق قدّس سره ، سوى ضمانه الخاص بالفقيه.

ثمّ التعارض قد يكون باختلاف في المتن فقط مع اتّحاد السند في الفقيه وغيره ، وقد يكون باختلاف المتن والسند ، ومقتضى إطلاق الكلام السّابق شموله لكلا الفرضين.

ثمّ الأمر الأوّل نشأ من حسن ظن قوي شديد بالصدوق رحمه‌الله خارجا عن مساحة الاستدلال ، وقد عرفت ما فيه ، من أنّ التّصحيح عملية اجتهاديّة.

ومنه يظهر سقوط الأمر الثّاني أيضا ، وأنّ زيادة الحفظ وحسن الحفظ و ... إن تمّت في نفسها لا توجب الترجيح ، مع أنّ بعضها لا يجري في حقّ التهذيبين المتأخّرين تأليفا.

والأمر الثالث فيه قولان ، قول بحجّيّة مرسلاته مطلقا ، كما في كلام السّيد وجمع ، وقول بحجيتها إذا كانت مستندة إلى المعصوم بصيغة جزمية فقط ، يقول السّيد الداماد : لو لم يكن الوسيط الساقط عدلا عند المرسل لما ساغ له أسناد الحديث إلى المعصوم ... كما لو قال المرسل : قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو قال المعصوم عليه‌السلام ذلك ، وذلك مثل قول الصدوق ... في الفقيه : قال عليه‌السلام الماء يطهر ولا يطهر ؛ اذ مفاده الجزم ، أو الظّن بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنه ، وإلّا كان الحكم الجازم بالاسناد هادما جلالته وعدالته. (١)

وقد ارتضاه جمع ، ومعنى ذلك عدم حجيّتها إذا قال المرسل روي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام أو روي فلان عنه عليه‌السلام وكان الرّاوي مجهولا أو ضعيفا.

وعلى كلّ هذا القول غير خاص بالفقيه ولا بالصدوق.

أقول : ويضعّف كلا القولين بأنّ اعتقاد المرسل بصحّة رواية وصدورها ، قد يكون بوثاقة الرّواة ، وقد يكون بقرائن اجتهادية تختلف فيها الآراء ، وكلام الصدوق المنقول سابقا كالنصّ بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، واعتقد أنّه حجّة ... ، في ذلك.

نعم. لو ثبت أنّ المرسل لا يرسل إلّا عن ثقة لا يرد على مرسلاته هذا الإشكال.

لا يقال : فأمر مرسلات الصدوق أو غيره إذا عبر بصيغة جزميّة دائرة بين الحدس ، وما ينتهي إلى الحسّ عن صادق عن صادق عن الإمام عليه‌السلام ، وبناء العقلاء قائم على أنّ الإخبار عن الأشياء الحسيّة ـ عند الشّك في كونه مستندا إلى الحسّ أو الحدس يحمل

__________________

(١) محكي الرواشح السّماوية : ١٧٤.


على الحسّ ، ونتيجة ذلك حمل مراسيل العلماء على الحسّ ، فتكون حجّة.

يقول السّيد الأستاذ الخويي رحمه‌الله في مقام الجواب عن إرسال التّوثيقات الصادرة من الشّيخ والنجّاشي وأمثالها ، كما مرّ تفصيله في البحث الرابع :

فإنّ قيل : إن أخبارهم عن الوثاقة والحس لعلّه منشأ من الحدس والاجتهاد وإعمال النظر فلا تشمله أدلة حجيّة خبر الثّقة ، فإنّها لا تشمل الإخبار الحدسية فإذا احتمل أنّ الخبر حدّسي كانت الشّبهة مصداقيّة.

قلنا : إنّ هذا الاحتمال لا يعتني به بعد قيام السيرة على حجيّة خبر الثّقة فيما لم يعلم أنّه نشأ من الحدس ، ولا ريب في أن احتمال الحسّ في أخبارهم ، ولو من جهة نقل كابر ، عن كابر وثقة ، عن ثقة موجود وجدانا كيف؟

وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السّقيم أمرا متعارفا عندهم ، وقد وصلتنا جملة من ذلك ، ولم تصلنا جملة أخرى :

وقد بلغ عدد الكتب الرجاليّة من زمن الحسن بن محبوب إلى زمان الشّيخ نيفا ومائة كتاب على ما يظهر من النجّاشي والشّيخ وغيرهما ، وقد جمع ذلك البحاثة الشّهير المعاصر الشّيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه مصفي المقال ... وبهذا يظهر أنّ مناقشة الشّيخ الطريحي فخر الدين في مشتركاته : إنّ توثيقات النجّاشي أو الشّيخ يحتمل أنّها مبنية على الحدس فلا يعتمد على الإرسال عليها في غير محلّها.

انتهى كلام السّيد الأستاذ رحمه‌الله. (١)

أقول : هذا القول لا بأس به ؛ ولذا نقبل المسندات إذا روي ثقة عن ثقة عن الامام عليه‌السلام إذا لم تقم قرينة على إعمال الحدّس من بعضهم ؛ ولأجل هذه القرينة لم نقبل أخبار الشّيخ الطوسي رحمه‌الله بأنّ ابن أبي عمير وجمع آخرون لا يرسلون إلّا عن ثقة ، كما مرّ ، لكن بناء القدماء في تصحيح الرّوايات لم تكن على مجرّد إخبار الثّقة فقط ، بل عليه وعلى الخبر الموثوق به لأجل قرائن اجتهاديّة حدسيّة ، وعليه لا وجه لحمل مرسلاتهم ، ومنها مراسيل الصدوق (١) على الحس.

يقول الصدوق في محكي العيون (٢) حول رواية : كان شيخنا محمّد بن الوليد ... سيء

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٤١ ـ ٤٢ ، الطبعة الخامسة.

(٢) العيون : ٢ / ٢٠ ـ ٢١.


الرأي في محمّد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث ، وإنّما أخرجت هذا الحديث في هذا الكتاب ؛ لأنّه كان في كتاب الرحمة ، وقد قرأته عليه ، فلم ينكره ورواه لي ، انتهى.

وهذا يدلّ على قبول الرواية عن ضعيف ، اذا لم ينكر شيخه ورواه لتلميذه وهو مثل الصدوق ومن تتبع كلمات المحدّثين والرجاليّين يقف على جملات عديدة من قبيل عدم العمل بروايات فلان ضعيف ، إذا انفرد بها مطلقا أو إذا انفرد فلان عن فلان ، وإنّ فلانا يروى عن فلان وفلان ، يروي عن الضعفاء إذا خلت رواياتهم عن التخليط والغلوّ والتدليس ونحو ذلك ، كما ينقل عن ابن الوليد شيخ الصدوق رحمهما‌الله.

كلّ ذلك يدلّ على عدم انحصار التّصحيح بوثاقة الرّواة فقط ، بل لهم قرائن ومعايير أخرى في قبول الحديث ورده.

وبالجملة الرّواة المجهولون والضعفاء كثيرون في الرّوايات ، ولعلّهم أكثر بكثير من الثقات (١) وليس بناء المحدثين على ردّ الإخبار الكثيرة ، لأجل جهالة واحد أو اثنين من الرّواة ، كما هو المعلوم من مجموع الكلمات ، وعليه فلا بدّ أن يكون لهم سبلا غير وثاقة الرّواة ، ومع ذلك لا معنى للحمل على الحس.

وأمّا كلام سيّدنا الأستاذ ، فقد مرّ نقده في البحث الرابع مفصّلا ، والله أعلم.

ثمّ إنّ السّيد السيستاني (طال عمره) قال في كتابه قاعدة لا ضرر ولا ضرار (٢) : إنّ كتاب من لا يحضره الفقيه كتاب فقهي في الأساس ، يتصمّن الفتوى بمتون الأحاديث ، فلا يلزم في مثله مراعاة نقل الحديث بتمامه إذا كان بعض فقراته لا يرتبط بما هو مقصود المؤلّف. انتهى.

نقد وتوضيح :

تقدّم في البحث الثّاني برقم : ١١ ، ادّعاء بعضهم إنّ من إليه طريق للشيخ الصدوق من الممدوحين ، واجبنا عنه هناك.

ونزيد هنا أنّ جماعة ممّن روي عنهم الصدوق في مشيخة الفقه من الضعفاء ، كأحمد بن هلال الّذي نقل جرحه في كمال الدين عن مشائخنا ، والسكوني الّذي ضعّفه في ميراث المجوسي ، ووهب بن وهب وسماعة بن مهران ، الّذي قال في حقّه أنّه لا يعمل بما ينفرد هو به لكونه واقفيا.

__________________

(١) خصوصا ان صحّة الخبر بصدق تمام رواته وعدم اعتباره بجهالة واحد منهم أو ضعفه.

(٢) قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ٥٨.


وزياد بن المنذر والمفضل بن صالح وعلي بن سالم البطائني ، وابنه الحسن بن علي ، وجمع آخرين كما نبه عليه بعض المعلّقين. (١)

وأمّا مشائخ الصدوق المكثرون منهم والمقلّون في الفقيه ، فهم حسب ما استخرجناهم من مشيخة الفقيه ، أربعة وعشرون شيخا :

١. أحمد بن الحسين القطان.

٢. أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني.

٣. أحمد بن محمّد بن يحيى العطار.

٤. جعفر بن علي بن الحسن.

٥. جعفر بن محمّد بن مسرور.

٦. الحسين بن إبراهيم ، وحكم في معجم الرجال باتّحاده مع الحسين بن إبراهيم بن أحمد والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام.

والحسين بن إبراهيم الكاتب (المكتب) وترضّى عليه في المشيخة ثلاث مرّات.

٧. الحسين بن إبراهيم بن ناتانة ، ترضّى عليه مرّتين في المشيخة.

٨. الحسين بن أحمد بن إدريس.

٩. حمزة بن محمّد العلوي.

١٠. عبد الواحد بن عبدوس العطار النيسابوري ... الظاهر اتّحاده مع عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس ، ترضّى عليه مرّة ، قيل إنّ الصدوق ذكره في توحيده مع الترضية والترحّم في غير مورد.

١١. علي بن حاتم (إجازة).

١٢. علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله.

١٣. علي بن أحمد بن موسى الدّقاق.

١٤. علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، والده.

١٥. محمّد بن أحمد السناني ، ترضّى عليه في الآخرين في موارد.

١٦. محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ترضّى عليه.

١٧. محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤٤٩.


١٨. محمّد بن علي ماجيلويه.

١٩. محمّد بن علي شاه بمرو الرود.

٢٠. محمّد بن القاسم الأسترأبادي.

٢١. محمّد بن محمّد بن عصام.

٢٢. محمّد بن موسى بن المتوكّل.

٢٣. المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي ، ترضّى عليه.

واعلم : أنّه سيأتي ذكر طرق الصدوق في المشيخة إجمالا في بحث آخر.

وقد يقال : إنّ الصدوق ترك طرقه إلى ما يقرب من : ١٢٠ شخصا فيها ؛ وربّما اتّفق العكس فذكر الطّريق مع عدم رواية عن ذي الطّريق ، وعن المجلسي الأوّل إنّ من صنع الصدوق معه هذه الصنيعة يقرب إلى العشرة.

واعلم : أن من رجع إلى ما ذكرنا في آخر البحث الثّاني عشر من تكرار الترحّم والترضّي في كلام الشّيخ الصدوق عن مشائخه ، يعلم حسن جملة من المذكورين في هذا المقام ، والله المللهم للصواب.

الثالث والرابع : الاستبصار وتهذيب الأحكام لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي رضي‌الله‌عنه (٣٨٥ ـ ٤٦٠) قيل قد جمعنا عدد الأبواب وأحاديث التهذيب فكان عدد الأبواب ثلاثمائة وثلاثة وتسعين ٣٩٣ بابا وعدد الأحاديث ثلاثة عشر ألف وخمسمائة وتسعين حديثا (١) ، ينقص عن أحاديث الكافي بألفين وستمائة وتسعة ٢٦٠٩ أحاديث. (٢)

ونقل إنّ الشّيخ شرع في تأليف التهذيب ولما بلغ سنّه ستا وعشرين ؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم. (٣)

يقول السّيد السيستاني (٤) : إنّ الشّيخ ناقش في موضعين من التهذيبين في بعض مراسيل ابن أبي عمير وردّها بالإرسال (٥) مع أنّا نرى حجّية مراسيله إعتمادا على كلام الشّيخ نفسه في العدّة ، من أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة.

__________________

(١) وقيل : ١٣٩٢٩ حديثا كما في : ٦ / ٤١٦ من خاتمة المستدرك ، الطبعة الحديثة.

(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٧٥٦.

(٣) المستدرك : ٦ / ١٣.

(٤) قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ٢٠.

(٥) انظر : ٨ / ح ٩٣٢.


والحلّ أنّ الشّيخ قد تكفّل في التهذيبين لحلّ ظاهرة التعارض بين الإخبار ؛ وذلك ممّا ألجأه أحيانا إلى إتباع الأسلوب الإقناعي في البحث المتمثّل في حمل جملة من الرّوايات على بعض المحامل البعيدة ، أو المناقشة في حجيّتها ببعض الوجوه الّتي لا تنسجم مع مبانيه الرجالية والأصوليّة المذكورة في سائر كتبه ، وهذا ظاهر لمن تتبّع طريقته في الكتابين. انتهى كلامه بأدنى تغيير.

أقول : ما ذكره في الحل متين في الجملة ، لكنّه ليس هو بعام ولا يمكن الاعتماد على قوله حول مراسيل ابن أبي عمير في العدّة مع تعارضه بقوله في التهذيبين ، لا سيّما أنّه ذكر في أوائل تهذيبه أنّه لا يناقش في الأسناد إلّا نادرا ، حيث قال في تهذيبه (١) : ومهما تمكنت من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في أسنادها فإنّي لا اتعدّاه ... والعمدة أنّه إذا قلنا بتقدّم التهذيب على العدّة زمانا ، كما هو كذلك ، لا يبقى لتضعيف مراسيل ابن أبي عمير أثر ، بل يقدّم عليه ما في العدّة ، فإنّه رجوع منه رحمه‌الله عمّا في التهذيب ، ظاهرا.

تتمّة مهمّة فيها امور

الأمر الأوّل : قال السّيد الجليل المعظّم بحر العلوم قدّس سره في آخر كتاب رجاله في الفائدة الرابعة : (٢) قد سلك كلّ من مشايخنا الثّلاثة ـ أصحاب الكتب الأربعة رحمهم‌الله ـ في أسانيد كتابه مسلكا غير ما سلكه الآخر ، فالشّيخ الكليني جرى على طريقة القدماء من ذكر جميع السند غالبا ... والصّدوق بنى في الفقيه من أوّل الأمر على اختصار الأسانيد ، وحذف أوائل السند ، ووضع في آخر مشيخته يعرف بها طريقه إلى من يروي عنه ... وربّما أخلّ فيها بذكر الطريق ...

وأمّا شيخ الطائفة قدّس سره فاختلفت طريقته في ذلك ، فإنّه قد يذكر في التهذيب والاستبصار جميع السند ، كما في الكافي ، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدور ، كما في الفقيه ، واستدرك المتروك في آخر الكتابين ، فوضع له مشيخته المعروفة ، وهي فيهما واحدة غير مختلفة ، وقد ذكر فيها جملة من الطّرق إلى أصحاب الاصول والكتب ممّن صدر الحديث بذكرهم ، وابتدأ بأسمائهم ولم يستوف الطرق كلّها ، ولا ذكر الطريق إلى كلّ من روي عنه بصورة التعليق ، بل ترك الأكثر لقلّة روايته عنهم ، وأحال التفصيل على فهارس الشّيوخ المصنّفة في هذا الباب ، وزاد في التهذيب الحوالة على كتاب الفهرست ، الّذي صنفه في هذا المعنى.

__________________

(١) التهذيب : ٣.

(٢) رجال بحر العلوم : ٤ / ٧٣ ، طبع النجف سنة ١٣٨٦ ه‍. ش.


وقد ذهبت فهارس الشّيوخ بذهاب كتبهم ولم يبق منها الآن إلّا القليل ، كمشيخة الصدوق ، وفهرست الشّيخ الجليل أبي غالب الزراري ، ويعلم طريق الشّيخ منهما بوصل طريقه إليهما بطريقهما إلى المصنّفين.

وقد يعلم ذلك من كتاب النجّاشي فإنّه كان معاصرا للشيخ مشاركا له في أكثر المشائخ ، كالمفيد والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون وغيرهم ، فإذا علم روايته للأصل أو الكتاب بتوسط أحدهم ، كان ذلك طريقا للشيخ الخ.

أقول : إنّما يتمّ ما أفاده إذا حصل الاطمئنان بنقل الشّيخ الرّواية بالطريق المعتبر المذكور في مشيخة الفقيه ، أو فهرست الزّراري ، أو كتاب رجال النجّاشي (١) وإلّا فلا نافي لاحتمال نقل الشّيخ لها بطريق ضعيف ولا سيّما إنّ ظاهر كلامه في آخر مشيخة التهذيب عدم نقله الرّوايات بغير ما في الفهرست ، حيث قال فيه :

وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب الفهرست الشّيعة. ومحلّ الاستظهار كلمة (مستوفى) كما هو واضح ، فتأمّل. (٢)

وقال العلّامة المجلسي قدّس سره في محكي أربعينه (٣) : إنّ الشّيخ يروي جميع كتب الصدوق ورواياته بأسانيده المعتبرة ، كما صرّح في فهرسته ـ في ترجمة الصدوق ـ فكلّما روي الشّيخ خبرا من بعض الاصول الّتي ذكرها الصدوق في فهرسته (٤) بسند صحيح ، فسنده إلى هذا الأصل صحيح وإن لم يذكر في الفهرست سندا صحيحا إليه ، وهذا أيضا باب غامض دقيق ينفع في الإخبار الّتي لم تصل إلينا من مؤلّفات الصدوق ... الخ.

أقول : صحّة طريق الشّيخ إلى الصدوق وصحة طريق الصدوق قدّس سره إلى أصل ، أو كتاب أو أحد لا تنفع لتصحيح رواية الشّيخ عن الأصل ، أو الكتاب أو الشّخص المذكور ، إذا كان طريقه إليه ضعيفا ، لاحتمال تفاوت متنها مع متن الرّواية المرويّة بطريق الصدوق على فرض وصولها إلينا ، وهذا الاحتمال لا دافع له سوى وجود الرّواية بطريق الصدوق ، وموافقتها مع هذه الرّواية في المتن.

__________________

(١) مرّ أن الأنسب تسميته بفهرس النجّاشي دون رجاله.

(٢) وجهه عدم المنافاة بينه وبين نفي الشّيخ ضمان الاستيفاء في أوّل فهرسته ، فإنّه بالنّسبة إلى ما لم يعرفه ، الشّيخ من الطرق دون ما يعرفه. لكن سيأتي في بحث مستقلّ أن تصحيح أسناد التهذيبين ، لا يمكن بأسناد الفهرست ، فضلا عن غيره ، ولا بدّ من الاختصار على المشيخة.

(٣) في ذيل الحديث الخامس والثلاثين على ما في قوانين الاصول : ٢ / ٢٨٣.

(٤) لعلّه أراد بها مشيخة الفقيه.


ومعه لا نحتاج إلى تصحيحها ، نعم ، إذا حصل لنا الاطمئنان بأنّ الشّيخ نقل الرّواية بذاك الطريق نفسه تكون الرّواية معتبرة ، لكن الاطمئنان غير حاصل.

وسيأتي بقيّة الكلام في هذا الموضوع في البحث الرابع والأربعين إن شاء الله ، كما سنذكر في بيان طرق مشيخة التهذيب ما له نفع في المقام.

وهنا أمر آخر : وهو أنّه لم يثبت أنّ الصدوق نقل أحاديث الفقيه عن كتب من يبدأ الأحاديث بأساميهم ، والظاهر أنّه قد ينقل عن كتبهم ، وقد ينقل عن كتب غيرهم ، والشّيخ نقلها في تهذيبه عن الاصول والمصنّفات ، كما ذكره في المشيخة فلا يصحّ الحكم بصحّة طريق الشّيخ ؛ لأجل صحّة طريق الصدوق ، كما ذكرنا في البحث عن صحّة طريق الصدوق إلى جميل بن درّاج في البحث التّاسع عشر.

الأمر الثّاني : قال التفرشي رحمه‌الله كما في جامع الرّواة :

اعلم أنّ الشّيخ الطوسي قدّس سره صرّح في آخر التهذيب والاستبصار بأنّ هذه الأحاديث الّتي نقلناها من هذه الجماعة أخذت من كتبهم وأصولهم. (١)

والظاهر أنّ هذه الكتب والاصول كانت عنده معروفة ، كالكافي والتهذيب وغيرهما عندنا في زماننا هذا ، كما صرّح به الشّيخ محمّد بن علي بن بابويه رضي‌الله‌عنه في أوّل كتابه من لا يحضره الفقيه ، فعلى هذا لو قال قائل بصحّة هذه الأحاديث كلّها ، وإن كان الطريق إلى هذه الكتب والاصول ضعيفا إذا كان مصنفوا هذه الكتب والاصول وما فوقها من الرجال إلى المعصوم ثقات ، لم يكن مجازفا.

أقول : وفيه :

أوّلا : إنّ هذا الاستظهار منه ظنّ ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

وثانيا : عبارة الشّيخ نفسه في مشيخة التهذيب تردّ هذه الدعوى ، وهي هذه : ونحن نذكر الطرق الّتي يتوصل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنّفات على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحقّ بباب المسندات. انتهى.

فلو كانت نسبة الكتب إلى أربابها معلومة واضحة لم يحتجّ إلى الأسناد ، ولم يضرّه الإرسال ، فتأمّل. (٢)

__________________

(١) جامع الرواة : ٢ / ٥٤٨.

(٢) وجهه أنّ ذكر الطرق ، لأجل نفي الإرسال لا ينافي اعتماد الشّيخ على صحّة تلك الكتب ، إذ الوجادة والإرسال بنفسه نوع عيب عند المحدّثين ، فالعمدة هو إحراز شهرة تلك الكتب إلى زمان الشّيخ ، ولا دليل معتبر عليه.


وثالثا : لو سلّمنا أنّ نسبة الكتب إلى أربابها قطعية في الجملة ، لسئلنا ما المؤمّن من احتمال زيادة النسخ ونقيصتها؟ إذ لم تكن الطباعة الحديثة رائجة في تلك الأزمان ؛ لتكون النسخ كلّها على وتيرة واحدة ، فإثبات تمام ما في الكتاب محتاج إلى النقل المسند ؛ ولأجله ذكر طرقه في المشيخة.

وبعد ذلك وقفت على كلام للسيّد بحر العلوم رحمه‌الله ، حيث قال (١) : ذهب جماعة من المتأخّرين إلى عدم الحاجة إلى الطريق فيما روي بصورة التعليق من أحاديث الكتب الثّلاثة : الفقيه ، التهذيب ، الاستبصار لما قاله الصدوق في أوّل كتابه أنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل ، وإليها المرجع ، وما صرّح به الشّيخ في المشيخة من أنّ ما أورده بحذف الأسناد إلى أصحاب الاصول والكتب قد أخذه من أصولهم وكتبهم. ففي التهذيب : واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الّذي أخذنا الخبر من كتابه ، أو صاحب الأصل الّذي أخذنا الحديث من أصله.

وعلى هذا فلا يضرّ الجهل بالطريق ولا اشتماله على مجهول ، أو ضعيف ؛ لأنّ الاعتماد على نقل الشّيخين لهذه الإخبار من تلك الأصول والكتب ، وقد كانت مشهورة معروفة في تلك الأعصار متواترة النسبة إلى أصحابها عندهما ، كاشتهار كتبهما وتواترها عندنا و ...

ولذا لم يتعرّض الشّيخ في مقام الطعن في السند لرجال الواسطة ، ولو كانوا من الرّواة لتعرّض لهم في بعض الأحيان.

ثمّ قال في ردّ هذا القول : ويضعّف هذا القول إطباق المحققين من أصحابنا والمحصلّين منهم على اعتبار الواسطة والاعتناء بها ، وضبط المشيخة وتحقيق الحال فيها والبحث عما يصحّ وما لا يصحّ منها ، وقدحهم في السند بالاشتمال على ضعيف أو مجهول ... ومقتضى كلام الشّيخين في الكتب الثّلاثة الفقيه والتهذيبين ، أنّ الباعث على حذف الوسائط قصد الاختصار مع حصول الغرض بوضع المشيخة لا عدم الحاجة إليها كما قيل ، وإلّا لما احتيج إلى الاعتذار عن الترك ، بل كان الذكر هو المحتاج إلى العذر فإنّه تكلّف أمر مستغنى عنه على هذا التقدير.

__________________

(١) خاتمة رجاله في ضمن الفوائد الرجاليّة : ٤ / ٧٦.


وقد صرّح الشّيخ في مشيخة التهذيب بأنّ إيراد الطرق لإخراج الإخبار بها عن حدّ المراسيل وإلحاقها بالمسندات ... وفي كلام الصدوق ما يشير إلى ذلك كلّه ، فلا يستغنى عن الوسائط في أخبار تلك الكتب ، ودعوى تواترها عند الشّيخ والصّدوق كتواتر كتبهما عندنا ممنوعة ، بل غير مسموعة ، كما يشهد به تتّبع الرجال والفهارست ، والظنّ بتواترها مع عدم ثبوته لا يدخلها في المتواتر ، فإنّه مشروط بالقطع ، والقطع بتواتر البعض لا يجدي مع فقد التمييز ... على أنا لو سلّمنا تواتر جميع الكتب ؛ فذلك لا يقتضي القطع بجميع ما تضمنته من الإخبار فردا فردا لما يشاهد من اختلاف الكتب المتواترة في زيادة الإخبار ونقصانها واختلاف الرّوايات الموردة فيها بالزيادة والنقيصة والتغييرات الكثيرة في اللفظ والمعني.

وأيضا فالاحتياج إلى الطريق إنّما يرتفع لو علم أخذ الحديث من كتاب من صدر الحديث باسمه ، وهذا لا يفهم من كلام الصدوق ، فإنّه إنّما يدلّ على أخذ الأحاديث من الكتب المشهورة الّتي عليها المعوّل وإليها المرجع ، وهو غير الأخذ من كتاب الرّاوي ، الّذي بدأ بذكره ، كما ذكره الشّيخ.

ومن الجائز أن يكون قد أخذ الحديث من كتاب من تأخّر عنه ونسبه إليه ؛ اعتمادا على نقله له من كتابه ، ثمّ وضع المشيخة ليدخل الناقل في الطريق ويخرج عن عهدة النقل من الأصل ... إلى آخر كلامه الطويل المفيد التامّ المنافي لما مرّ منه حول تصحيح أحاديث الفقيه ، والعصمة لأهلها.

الأمر الثالث : إنّ شيخنا البحاثة المتتّبع مؤلّف الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة رحمه‌الله أنهى شروح التهذيب وتعليقاته إلى خمس وعشرين ، وشروح الاستبصار وتعليقاته في (ج ٢ / ١٥) إلى ثمانية عشر ، كما قيل.

ولعلّها زادت على ذلك العدد لحدّ الآن.

كلام آخر حول اعتبار الأحاديث الكتب الأربعة

نقل عن جمع من المحدّثين أنّ روايات الكتب الأربعة بأجمعها قطعية الصدور (١) ، وقيل : لا نقطع بصدورها ، ولكن نثق بها ونطمئن بها (٢) ، وممّن اختار قول هذه الجماعة وأطال في

__________________

(١) لاحظ : فرائد الاصول ؛ ومعجم رجال الحديث وغيرهما.

(٢) يظهر هذا من المحدّث النوري ، لاحظ : مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٥.


تحكيمه وإبرامه ودافع عنه بكلّ موهون وضعيف ، هو المحدّث الحرّ العاملي رحمه‌الله في آخر كتابه وسائل الشّيعة (١).

واستدلّ عليه باثنين وعشرين وجها ، وقال في آخره :

وقد ذكر أكثر هذه الوجوه بعض المحقّقين من المتأخّرين ، وإن كان بعضها يمكن المناقشة فيه ، فمجموعها لا يمكن ردّه عند الإنصاف.

أقول : وإليك معظم تلك الوجوه في غاية الاختصار مع جوابها في الحاشية :

١. شدّة اهتمام الأئمّة عليهم‌السلام والأصحاب والعلماء في تدوين وتصحيح الرّوايات المتضمنّة لأحكام الدّين. (٢)

٢. كانت الشّيعة تعمل بأصول صحيحة ثابتة بأمر الأئمّة عليهم‌السلام. وأصحاب الكتب الأربعة يعلمون عدم جواز الاعتماد على الظّنّ مع التمكّن من تمييز الصحيح عن غيره ، فروايات كتبهم كلّها صحيحة ، أي : معلومة الصّدور. (٣)

٣. الحكمة الرّبانيّة وشفقة الأئمّة عليهم‌السلام : تقتضي ألّا يضيع من في أصلاب الرجال في زمن الغيبة ، ومصداق ذلك هو ثبوت الكتب المشار إليها. (٤)

٤. أمر الأئمّة عليهم‌السلام أصحابهم بكتابة ما يسمعونه منهم والعمل به. (٥)

٥. الرّوايات الدّالة على صحّة الكتب ، وأنّها عرضت على الأئمّة عليهم‌السلام فما الظّنّ بأصحاب الكتب الأربعة. (٦)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٦١ ـ ٧٨ و ٩٣ ـ ١١٢ ؛ معجم رجال الحديث : ١ / ١٧ ـ ٣١ و ٨٠ ـ ٨٥.

(٢) شدّة الاهتمام مانعة عن شيوع الدس والكذب لا عن أصلهما ، ولا سيّما أنّ التقية الشّديدة كانت مانعة عن تأثير الاهتمام المذكور ، ولا عن الزيادة والنقيصة السهويّة في تفاصيل ألفاظ الرّوايات ونحو ذلك ، نعم لو كان اهتمام الأئمّة عليهم‌السلام ضمن أسباب قهريّة فوق أسباب عادية لتمّ ما ذكره ، لكن من المعلوم عدم تحقّق ذلك وجريان أمر الدين وفق السببيّة العامّة.

(٣) نمنع صحّة الوصول بنحو الموجبة الكليّة ولا أقلّ من عدم الدّليل على صحتّها ، ونمنع تمكّن أصحاب الكتب الأربعة من تمييز الصحيح عن غيره ـ أن اريد بالصحيح ـ الصحيح الواقعي وإن أريد به الصحيح بحسب اجتهادهم ففيه ما يأتي. وبالجملة : المعمول به عندهم هو العمل بأخبار الأحاد ، وهي لا تفيد العلم.

(٤) الحكمة الرّبانيّة لم تشأ وصول خصوص الأحكام الواقعيّة إلى عامّة المكلّفين قطعا ، وهذا محسوس للمتفقهين ، وإنّما شاءت إيصال ما يعمّ الأحكام الواقعيّة والظّاهريّة ، إليهم.

(٥) هذ يبطل السلب الكلّي ، الّذي لم يقل به أحد ، ولا ينفى كلّي السلب.

(٦) إن وجدت رواية معتبرة سندا على صحّة كتاب ، نعمل بها ، وأين هي من صحّة تمام الكتب.

ولا رواية على صحّة الكتب الأربعة والأولوية ممنوعة ، وقد تقدّم في أوائل هذا البحث ما يتعلّق بالمقام.


والحاصل أنّ الأحاديث المتواترة دالّة على وجوب العمل بأحاديث الكتب المعتمدة ، ووجوب العمل بأحاديث الثقات. (١)

٦. أكثر أحاديثنا كان موجودا في كتب الجماعة الّذين أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم وتصديقهم ، وأمر الأئمّة بالرجوع إليهم والعمل بحديثهم ونصّوا على توثيقهم. (٢)

٧. لو لا أخذ الرّوايات من الاصول المجمع على صحّتها ، والكتب الّتي أمر الأئمّة عليهم‌السلام بالعمل بها لزم أن يكون أكثرها غير قابل للاعتماد عليها ، لكن الأئمّة عليهم‌السلام وعلماءنا لم يتسامحوا إلى هذه الغاية في الدين .... (٣)

٨. إنّ الشّيخ وغيره كثيرا ما يطرحون الأحاديث الصّحيحة عند المتأخّرين ، ويعملون بالأحاديث الضعيفة ؛ وذلك ظاهر في صحّة تلك الأحاديث بوجوه اخر من غير اعتبار الأسانيد. (٤)

٩. شهادة الكليني والصّدوق والشّيخ وغيرهم بصحّة هذه الكتب وبكونها منقولة من الاصول والكتب المعتمدة ، ونحن نقطع بأنّهم لم يكذبوا ، ولو لم يجز لنا قبول شهادتهم هذه لم يجز قبول شهادتهم في التّوثيق والمدح أيضا. (٥)

١٠. طريق القدماء موجبة للعلم مأخوذة عن أهل البيت ، وعمل بها الإماميّة في مدّة تقارب سبعمائة سنة منها في زمان ظهور الأئمّة عليهم‌السلام قريب من ثلاثمائة سنة (٦) ، وهي مبائنة

__________________

(١) تواتر الإخبار على وجوب العمل بأحاديث الكتب المعتمدة ممنوع جدّا ، والمدّعي مطالب بإرائتها ، ولو في حقّ بعض الكتب ، ووجوب العمل بأخبار الثقات غير منكر ، وبين الأمرين فرق كبير وإن شئت فقل بينهما عموم من وجه.

(٢) ممنوع صغرى وكبرى عليهم‌السلام ، أمّا الصغري فلعلّها واضحة ، ولا أقلّ من كونها مشكوكا فيها ؛ وأمّا الكبرى ، فإنّ أريد بأمر الأئمّة ونصهم على التّوثيق إجماع الكشّي على خلاف ظاهر العبارة ، فقد مرّ ضعفه ، وإلّا فلا أمر ولا نصّ إلّا في بعض أفراد الجماعة وهو أعلم بما قال.

(٣) الملازمة ممنوعة وعلى فرض صحّتها فبطلان اللازم ممنوع ، إذ عدم الاعتماد لا يستلزم تسامح المعصوم والعلماء لاستناده إلى التقية ووجود الظالمين ، وسائر الأسباب القهريّة في المجتمع ، كالأسباب المانعة عن إقامة حكومة إسلاميّة.

(٤) لا ننكر القرائن المفيدة للصحّة عند القدماء ، لكنّها لا تثبت الكليّة أوّلا ، ولا اتّباعنا لهم ثانيا.

(٥) قد مرّ أنّ اجتهاد أرباب الكتب في دعوى صحّة رواياتها لا يكون حجّة في حقّ غيرهم ، وهل هو إلّا من تقليد الميّت ابتداء ، وهو ممنوع في حقّ العوام ، فضلا عن لزومه على المجتهدين ، نعم ، إخبارهم بالتوثيق لكونه حسيّا ، معتبر في حقّنا ؛ لأنّهم ثقات أجلاء.

(٦) طريقة القدماء متّكية على القرائن ، وهي قد تكون قطعيّة ، وقد تكون ظنيّة ، ويبعد جدّا حصول العلم لهم في كلّ مورد حتّى في زمان حضور الأئمّة عليهم‌السلام.


لطريقة العامّة ، وليس كذلك الاصطلاح الجديد المأخوذ من العامّة المستلزم لتخطئة الطائفة في زمن الأئمّة عليهم‌السلام وزمن الغيبة (١) والمستلزم لضعف أكثر الإخبار الّتي علم نقلها من الاصول المجمع عليها (٢) ؛ لأجل ضعف بعض رواتها أو جهالتهم ، فيكون تدوينها عبثا محرّما (٣) وشهادتهم لصحتها كذبا وزورا.

١١. إجماع الطائفة الّذي نقله الشّيخ والمحقّق وغيرهما على نقيض هذا الاصطلاح واستمرار عملهم على خلافه إلى زمان العلّامة. (٤)

١٢. إنّ أصحاب الكتب الأربعة وغيرهم ، شهدوا بصحّة أحاديث كتبهم ، ونقلها من الاصول المجمع عليها ، فإنّ كانوا ثقات تعين قبول قولهم ؛ لأنّه شهادة بمحسوس ولا فرق في الحجيّة بين قولهم هذا وبين دعواهم أنّهم سمعوها من الإمام ، وإلّا صارت كتبهم كلّها ضعيفة ؛ لضعف مؤلّفيها. (٥)

١٣. الاصطلاح الجديد حادث ظنيّ وشرّ الأمور محدثاتها ، والأصل في الظّنّ عدم الحجيّة. (٦)

١٤. مورد التقسيم الرباعي : الصحيح والحسن والموثق والضعيف ، هو الخبر الواحد الخالي عن القرينة ، وإخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن ، فلا موضوع للتّقسيم المذكور. (٧)

١٥. لا نزاع في الإخبار الصحيحة باصطلاح المتأخّرين ، والتي لا تصحّ باصطلاحهم إمّا أن تكون موافقة للأصل فهم يعملون بالأصل ، ويعملون بها لموافقتها له ، ونحن نعمل بها ، للأمر بها ومآل الأمرين واحد. (٨)

__________________

(١) ليس الاصطلاح الجديد إلّا حصر الحجيّة في قول العادل أو مطلق الصّادق ، وفي هذا ليس تخطئة لأحد من الطائفة ؛ لأنّه من جهة خفاء القرائن لا من جهة ردّها.

(٢) مرّ جوابه. ثمّ دعوى العلم بنقلها من الاصول المجمع عليها ممنوعة ، وإلّا لم يقع فيه التنازع ، وبالجملة فيه خلط بين الموجبة الجزئيّة والكليّة ، والأوّل حقّ.

(٣) العبث ممنوع فضلا عن الحرمة ولنقلها فوائد.

(٤) الإجماع ممنوع ، والشّيخ نفسه يعتبر الوثاقة ملاكا لاعتبار الرّوايات.

(٥) يظهر ممّا سبق ضعفه ، وبالجملة هو خلط بين الاجتهاد الحدّسي والإخبار الحسيّ.

(٦) هذا منه عجيب ، فانّه ادّعى فيما سبق دعوى تواتر الإخبار على اعتبار قول الثّقات ، وصرّح في موضع آخر بأنّ الثّقة أعمّ من العادل من وجه ، وهذا يثبت الاصطلاح الجديد بالتواتر.

(٧) مرّ أنّ القرائن المتوفرة عند القدماء قد خفيت في الأزمنة المتأخّرة ، ولم يبق منها سوى وثاقة الرّواة ، وبعض القرائن القليل نفعها ، كالشّهرة ونحوها ، فمعظم الإخبار خالية عن القرينة المعتبرة.

(٨) وكم فرق بين العمل بالأصل ، والعمل بالخبر المعتبر ، أي الدّليل الاجتهادي؟


وإمّا أن تكون مخالفة للأصل ، فهي موافقة للاحتياط ، ونحن مأمورون بالعمل به ، ولم يخالف أحد من العقلاء في جواز العمل به. (١)

هذه خلاصّة دلائله ، وهي عشرون دليلا ، ثمّ أغرب المحدّث المذكور فإنّكر ظنّيّة دلالة الإخبار ، وإنّ القرائن صيّرت دلالة أكثرها قطعيّة. (٢)

ثمّ أراد أن ينفي احتمال سهو الرّواة ونسيانهم بتناسب أجزاء الحديث وتناسقها (!) (٣) وأجاب عن تضعيف الشّيخ بعض الرّوايات بأنّ مراده من الضعيف بالنسبة إلى معارضه ، لا بالنسبة إلى أصل صدوره. (٤)

ثمّ أورد على نفسه (٥) بأنّه كيف يجب على المتأخّرين تقليد القدماء في دعواهم القرائن؟ أجاب عنه بأنّ أكثر القرائن قد بقيت إلى الآن (٦) ، وقد تجدّد قرائن اخر ، وما لم يبق فشهادتهم به قرينة ؛ لأنّه خبر واحد محفوف بالقرينة ... واعترافهم بالقرائن من جملة القرائن عندنا. (٧)

وخلاصّة كلامه وكلام أمثاله (٨) أنّ أكثر كتب الإخبار متواترة لا نزاع فيها ، وأقلّها على تقدير عدم ثبوت تواتره ، خبر محفوف بالقرينة القطعيّة ، ومعلوم قطعا بالتتبّع والتواتر أنّ تواتر تلك الكتب السّابقة وشهرتها أوضح من تواتر كتب المتأخّرين ، وعلى تقدير عدمه في بعض الأفراد ، فلا شكّ في كونه من قسم الخبر المحفوف بالقرائن. (٩)

وأمّا تفاصيل الألفاظ ، فلا فرق بينهما وبين تفاصيل ألفاظ القرآن في الاعتبار ؛ وذلك يعلم باتّفاق النسخ ، كما في القرآن فيحصل العلم بذلك. (١٠)

__________________

(١) لكن البحث في وجوب العمل به دون جوازه.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١٠٥ ، وهو واضح الفساد.

(٣) هذا فليكن مفروغ البطلان ، وواضح الفساد.

(٤) المصدر : ١٠٨ ، وإطلاق ما ذكره تحكم وتعسف.

(٥) المصدر : ١٠٩.

(٦) فات بهذه القرائن والعرف ببابك.

(٧) اعترافهم حدّسي لا حسيّ ، فليس بحجّة تعبدا ، أو نقول اعترافهم بأمر حدسي لا يوجب علينا شيئا ، بل نحن عالمون بأنّهم لم يعملوا من دون قرينة ، ولكن لا أثر للعلم المذكور بعد بطلان تقليد المجتهد الميّت حتّى بالنسبة إلى العوام.

(٨) الوسائل : ٢٠ / ١٠٧.

(٩) هذا في الجملة مسلّم ، لكن بالنسبة إلى أرباب الكتب ، لا بالنسبة إلى الأئمّة عليهم‌السلام.

(١٠) سبحانك اللهم من هذه المبالغة ، فإنّ أفراد الرّوايات أما غير ثابتة بطريق معتبر أو ثابتة تعبدا ، وهما الأكثر الكثير ، أو ثابتة بالتواتر أو القرينة القطعيّة ، وهي الأقلّ الأندر. ومنه يظهر حال تفاصيل الألفاظ ولا معنى


خاتمة الكلام

قد ثبت لحد الآن عدم قطعية الرّوايات الموجودة في الكتب المتداولة ، وأنّ الأدلّة الّتي ذكروها غير لائقة لإفادة اليقين ، وإن كان القاطعون منها في عذر ؛ لأنّ طريقية القطع ذاتيّة ووجوده وجداني وحجيّته لا تقبل الإنكار ، وعلى كلّ حال لم يثبت دليل على حجيّة جميع تلك الإخبار.

بل هناك شواهد يمكن أن يستدلّ بها الاصوليّون على عدم كونها مقطوعة ، أو موثوقا بها ، وبالتالي لا يكون جميعها حجّة ، وأنّه لا بدّ لبيان حجيّة بعض أقسامها من تحقيق وتفصيل وتقسيم.

فمنها قول الشّيخ الطّوسي في العدّة : ... إجماع الفرقة المحقّة على العمل بهذه الإخبار بالتي رووها في تصانيفهم ، ودوّنوها في أصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ، حتّى إنّ واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه ، سألوا من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم إلى كتاب معروف أو أصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا .... (١)

يدلّ هذا الكلام على عدم قطعيّة الاصول والتصانيف ، وأنّ شرط قبول الرّوايات الموجودة فيها وثاقة راويها لا غير ، وهذا يهدم أكثر ما بناه المحدّثون.

ومنها : إنّه لو كان روايات الكافي كلّها معتبرة ؛ لما احتاج الشّيخ الصدوق إلى تأليف كتاب يرجع إليه ويعتمد عليه ، إجابة لطلب السيّد نعمة الله ، فإنّ له أن يحيله على كتاب الكافي الّذي هو أوسع من كتابه من لا يحضره الفقيه ، لكنّه رأى نفسه محتاجة إلى تأليفه ، بل احتاج إلى تعريض به ، كما قال : ولم أقصد فيه قصد المصنّفين من إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، وأعتقد أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي.

من هؤلآء المصنّفون يا ترى؟

أليس هذا الكلام صريحا ، أو ظاهرا في أن مطالب المصنّفات ـ أي : مصنّف كان ـ ليست بأجمعها معتبرة ، حتّى عند مصنّفيها ، افتونا يا أيّها المحدّثون؟

__________________

لقياسها على ألفاظ القرآن ؛ إذ أين التراب من ربّ الأرباب ، وأين الشّمع من الشّمس؟

يقول صاحب الحدائق رحمه‌الله وهو من المحدّثين في حقّ كتاب التهذيب : قلّما يخلو حديث فيه من التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان. انظر : الحدائق : ٤ / ٢٠٩. وهذا الكلام وإن كان فيه مبالغة لا نقبلها ، لكنّه نعم ، الجواب لهذا القائل وأمثاله رحمة الله عليهم وعلينا وعلى جميع المؤمنين ، ولا سيّما علمائنا المجاهدون بالسّيف والقلم.

(١) العدّة : ١ / ٣٣٨ ، المطبوعة بقمّ حديثا.


ومنها : إنّ ثقة الإسلام الكليني جمع روايات الكافي في عشرين سنة (١) ، فلو كانت الكتب والاصول المصنّفة السّابقة على زمانه الموجودة بيده متواترة ورواياتها قطعية ، أو ـ على الأقلّ ـ معتبرة لم يفتقر في تأليفه إلى تلك المدّة الطّويلة ، فيعلم أنّ أحاديث الاصول والكتب لم يتميّز غثها وسمينها ، وضعيفها وقويها ، باطلها وصحيحها ، ومرويها ومجعولها ، فاستدعى التمييز المذكور تلك المدّة ، لكن التمييز المزبور ليس أمرا قطعيّا حسيّا ، وإنّما هو مستند إلى قرائن وأمارات نظريّة اعمل فيها الرأي والاجتهاد ، وكلّ ميسر لما خلق لأجله.

ومنها : تضعيف الشّيخ بعض روايات الكافي وغيره ، كقوله بعد نقل حديثين : إنّهما خبر واحد لا يوجبان علما ولا عملا ؛ ولأنّ راويها عمران الزعفراني ، وهو مجهول ، وفي أسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته (٢) ، ونحو ذلك.

ومنها : تضعيف الشّيخ المفيد روايات الكافي والصّدوق. (٣)

ومنها : قول الشّيخ في آخر التهذيب ـ أوائل المشيخة ـ : والآن ، فحيث وفّقنا الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب ، فنحن نذكر الطرق الّتي يتوصل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنّفات ، ونذكرها على غاية من الاختصار ؛ لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحقّ بباب المسندات.

فلو كانت روايات كتابه قطعيّة أو معتبرة من غير جهة الأسناد ، لم يحتج الشّيخ إلى ذكر الأسناد ولم يضرّها الإرسال.

ومنها : وجود بعض روايات غير قابل للتصديق ، كرواية أبي بصير عن الصّادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ،) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذّكر ، وأهل بيته المسؤولون ، وهم أهل الذكر (٤) أي : الرسول ذكر لنفسه.

ومنها : اهتمام العلماء قديما وحديثا بالبحث عن وثاقة الرّواة ، وصدقهم وكذبهم ، وتدوين علم الرجال والتدقيق في مسائلها ، ولو كانت الرّوايات قطعيّة لم يستحقّ العلم المذكور ذاك الاعتناء.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٦٦.

(٢) الاستبصار : ٢ ، باب ذكر جمل من الإخبار.

(٣) معجم الرجال الحديث : ١ / ٢٧.

(٤) الكافي : ١ / ٣٠٣.


يقول الحرّ العاملي في ضمن فوائد علم الرجال : ومنها معرفة أحوال الكتب الّتي نريد النقل منها ، والعمل بها ، فإن كان راوي الكتاب ومؤلّفه ثقة عمل به ، وإلّا فلا (١).

وهذا منه متناقض مع قوله بقطعية الرّوايات ، فتأمّل ؛ إذ يمكن إنّ يقال ان وثاقة الرّواة أحد القرائن المفيدة للقطع ، أو الاطمئنان ، فلذا اهتموا بعلم الرجال ، فافهم.

أو أنّ المقطوع بها غير المتعارضات ، وفيها يرجع إلى المرجّحات ، ومن جملتها عند جمع الترجيح بالأعدليّة ، فتأمّل.

ومنها قول الشّيخ في أوّل الفهرست : فإذا ذكرت كلّ واحد من المصنّفين وأصحاب الاصول ، فلا بدّ أن أشير إلى ما قيل فيه من التّعديل والتّجريح ، وهل يعول على روايته أم لا؟ يظهر منه عدم قطعيّة الرّوايات ، بل يظهر منه أنّ الملاك في التعويل عليها هو حسن حال الرّاوي ، لكن فيه بحث تقدّم في البحث الرابع والثلاثين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١١٢.


البحث الثالث والأربعون

حول أسناد قصص الأنبياء

ألّف الشّيخ قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه‌الله كتبا ربّما ينهاه بعضهم إلى ستّة وخمسين كتابا ، منها كتابه في قصص الأنبياء ، وقد أكثر فيه النقل عن الشّيخ الصدوق رضي‌الله‌عنه (١) لكنّه لم يذكر تفصيلا أسناده إلى الصدوق في كلّ رواية ، ولم يذكر أيضا في أوّل كتابه سندا عاما لجميع ما ينقله عن الصدوق ، حتّى يتّضح حال الرّوايات المعتبرة سندا من قبل الصدوق ، وأنها معتبرة أو ضعيفة ؛ لأجل من بعد الصدوق رحمه‌الله ، بل ذكر في بعض الرّوايات سنده تفصيلا ، وفي بعضها إجمالا ، وفي الأكثر ، قال : عن ابن بابويه أو وعن ابن بابويه ، بزيادة كلمة : الواو العاطفة.

وربّما يقول بأسناده عن فلان والضمير المجرور في الكلّ ، أو في الأكثر يرجع إلى الصدوق ، وربّما يقول غير ذلك.

وهذا الكتاب لم يطبع ظاهرا ، وبقي مخطوطا إلى قبل عشرة أشهر ، فتصدّى بعض الفضلاء ـ شكر الله سعيه ـ لطبعه في شهر رجب عام ١٤٠٩. وتطبيقه على ما في بحار الأنوار ، ونحن قد نقلنا عن هذا الكتاب ـ بواسطة بحار الأنوار ـ روايات كثيرة في كتابنا معجم

__________________

(١) قال المجلسي في بحاره : إنّ جلّ روايات هذا الكتاب مأخوذ من كتب الصدوق ، وهذا الكلام محتاج إلى التتبع والقول المسلّم الواضح أن جلّها عن الصدوق رحمه‌الله بواسطه : واحد أو أكثر ، لا عن كتبه ، وإلّا لم نحتج إلى هذا الكتاب. فتأمل فان الظاهر صحة كلام المجلسي ، لكن المشكلة عدم ذكر تلكم الروايات بتمامها في كتب الصدوق ، والله العالم.


الأحاديث المعتبرة ، الموضوع لجمع الرّوايات المعتبرة سندا. وبعد ملاحظة الكتاب وقع لنا الشّكّ في اعتبار بعض ما حسبناه معتبرا ، فحذفناه منه ، وعلى كلّ الكلام يقع حول الأسناد الراوندي إلى الصدوق رحمه‌الله في فصلين.

١. في ذكر أسناده التفصيليّة إلى الصدوق رحمه‌الله

١. قال في أوّل الباب الأوّل : أخبرني الشّيخ علي بن علي بن عبد الصمد النيسابوري ، عن أبيه ، أخبرنا السّيد أبو البركات علي بن الحسين الجوزي ـ الخوزي الحوري ـ ، أخبرنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، أخبرنا أبي ومحمّد بن الحسن ... الخ.

٢. وقال في أوّل الفصل الرابع ص ٤٨ : أخبرنا محمّد بن علي بن عبد الصمد ، عن أبيه ، عن السّيد أبي البركات الخوري ، عن الصدوق.

٣. وفي ، ص : ٥٢ : أخبرنا السّيد المرتضى بن الداعي ، أخبرنا جعفر الدوريستي (الدودويستي) ، عن أبيه ، عن الصدوق.

٤. وفي ، ص : ٦٤ : عن السّيد أبي حرب بن المجتبي بن الداعي الحسني ، عن الدوريستي (١) ، عن أبيه ، عنه.

أقول : وعن المعلّق نقلا عن الرياض ، وأمل الآمل ، عن فهرس منتجب الدين : أبو حرب المجتبى بن الداعي (بن القاسم) الحسني.

٥. وفي ، ص : ٧٣ من أوّل الباب الثّاني : عن السّيد أبي الصمصام ذي الفقار بن أحمد بن معبد (سعيد خ) الحسيني ، عن الشّيخ الطّوسي ، عن الشّيخ المفيد عن الصدوق.

٦. وفي ، ص : ٨٦ : عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن الحلبي ، عن الشّيخ الطّوسي ، عن الشّيخ المفيد ، عن الشّيخ الصدوق.

٧. وفي ، ص : ٩٦ : عن أبي نصر الغازي ، عن أبي منصور العكبري ، عن المرتضى والرضي ، عن المفيد ، عن الصدوق.

٨. وفي : ص : ٩٩ : عن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن علي النيسابوري ، عن علي بن عبد الصمد التميمي ، عن السّيد أبي البركات علي بن الحسين.

__________________

(١) قيل هو : أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي ، معاصر الشّيخ الطّوسي ، وقد وثقه في رجاله.


٩. وفي ، ص : ١٠٣ : عن السّيد أبي البركات محمّد بن إسماعيل ، عن علي بن عبد الصمد ابن سعد النيسابوري ، عن السّيد أبي البركات الحوري (١) ، عن الصدوق.

١٠. وفي ، ص : ١٠٥ : عن الأستاذ أبي القاسم بن كمح ، عن الشّيخ جعفر الدوريستي ، عن المفيد ، عن الصدوق.

١١. وفي ، ص : ١١٧ : عن الأستاذ أبي جعفر محمّد بن المرزبان ، عن الشّيخ أبي عبد الله جعفر الدوريستي ، عن أبيه ، عن الصدوق.

١٢. وص : ١٢٠ : عن الأديب أبي عبد الله الحسين المؤدّب القمّي ، عن جعفر الدوريستي ، عن أبيه ، عن الصدوق.

١٣. وفي ، ص : ١٢٦ : عن الشّيخ أبي سعيد الحسن بن علي الار أبادي والشّيخ أبي القاسم حسن بن محمّد الحديقي ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن الصدوق.

١٤. وفي ، ص : ١٢٩ : عن الشّيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، عن جعفر الدوريستي ، عن المفيد ، عن الصدوق.

١٥. وفي ، ص : ١٣٣ : عن الشّيخ أبي الحسين أحمد بن محمّد بن علي بن محمّد الرشكي ، عن جعفر بن محمّد ، عن جعفر بن أحمد ، عن الصدوق.

١٦. وفي ، ص : ١٣٦ : عن هبة الله بن دعويدار ، عن أبي عبد الله الدوريستي ، عن جعفر بن أحمد المريسي ، عن الصدوق.

١٧. وفي ، ص : ١٣٨ : عمّن تقدّم برقم (٣).

١٨. وفي ، ص : ١٤٢ : عن السّيد ذي الفقار بين معبد الحسيني ، عن الطّوسي ، عن المفيد ، عن الصدوق.

أقول : الظاهر كلمة بين محرف كلمة ابن والسند تكرار ما مرّ برقم (٥).

١٩. وفي ، ص : ١٤٥ : عن السّيد علي بن أبي طالب السليقي (السيلقي ، الصيقلي) ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن الصدوق.

٢٠. وفي ، ص : ١٤٨ عمّن مرّ برقم (١).

__________________

(١) قيل : استنادا إلى كلام أمل الآمل ، هو السّيد أبو البركات علي بن الحسين الحسيني الحلّي الجوزي ، وأن الحوري أو الخوري ، غلط.


٢١. وفي ، ص : ١٥٦ : عن السّيد أبي السّعادات هبة الله بن علي الشّجري ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن الصدوق.

٢٢. وفي ، ص : ١٥٩ : عن الشّيخ أبي المحاسن مسعود بن علي بن محمّد الصوابي ، عن علي عبد الصمد التميمي ، عن السّيد أبي البركات علي بن الحسين الحسيني ، عن الصدوق.

٢٣. عن جماعة ، منهم الأخوان الشّيخ محمّد وعلي ابني علي بن عبد الصمد ، عن أبيهما ، عن السّيد أبي البركات علي بن الحسين الحسيني ، عن الصدوق.

فهذه عشرون سندا ـ بحذف أكثر المكررات ـ للراوندي إلى الصدوق.

وإليك أسماء الرجال الّذين وقعوا في هذه الأسانيد مع بيان حالهم إن تيسر :

١. أحمد بن محمّد بن علي بن محمّد الرشكي ، مهمل.

٢. جعفر بن أحمد ، مهمل.

٣. جعفر بن أحمد المريسي ، مهمل.

٤. جعفر بن محمّد.

٥. جعفر بن محمّد بن العبّاس ، ثقة.

٦. الشّيخ أبو عبد الله الدوريستي ، ثقة (عن أبيه) ولعلّ الثّلاثة واحد.

٧. أبو سعيد الحسن بن علي الآرأبادي. (١)

٨. الشّيخ أبو القاسم حسن بن محمّد الحديقي.

٩. الأديب أبو عبد الله الحسين بن المؤدب القمّي.

١٠. السّيد أبو الصمصام ذوالفقار بن أحمد (٢) بن معبد (سعيد الحسيني) ، حسن.

١١. ذو الفقار بن معبد الحسيني ، لم يوثّق ، والظاهر من منتجب الدّين مغائرته للسابق.

١٢. السّيد علي بن أبي طالب السليقي (السيلقي).

١٣. السّيد أبو البركات علي بن الحسين الجوزي ، حسن.

١٤. السّيد أبو البركات علي بن الحسين الحسيني.

١٥. علي بن الحسين الحسيني. ويحتمل اتّحاد هؤلاء الثّلاثة.

__________________

(١) لم أجده بهذا العنوان في المعجم ، ولعلّه حفيد عبيدة ، الّذي قال الحرّ العاملي أنّه الشّيخ الجليل وفاضل. معجم الرجال : ٥ / ٤٥. ولا بدّ عن مراجعة رياض العلماء : ٢ / ٤٣٦ ، فإنّه تعرّض له ، كما في هامش القصص.

(٢) في المعجم نقلا عن فهرست منتجب الدين محمّد ، مكان أحمد ، ووصفه بالحسني.


١٦. علي بن عبد الصمد ، ثقة.

١٧. علي بن عبد الصمد (بن) سعد النيسابوري ، ثقة.

١٨. علي بن عبد الصمد التميمي ، ثقة.

١٩. الشّيخ علي بن علي بن عبد الصمد النيسابوري ، حسن أو ثقة.

٢٠. الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، ثقة.

٢١. السّيد أبو البركات محمّد إسماعيل ، ثقة.

٢٢. محمّد العبّاس الحلبي. ذكره في المعجم نقلا عن الحرّ العاملي بعنوان : محمّد بن أحمد بن العبّاس : الشّيخ الجليل ... فقيه عالم فاضل يروى عنه ولده جعفر.

٢٣. محمّد بن علي بن الحسن أبو جعفر ، مجهول.

٢٤. محمّد بن علي بن الحسين أبو جعفر.

٢٥. محمّد بن علي بن الصمد ، فاضل جليل.

٢٦. محمّد بن علي النيسابوري.

٢٧. السّيد أبو حرب (بن) المجتبى بن الداعي الحسيني ، حسن.

٢٨. محمّد بن المرزبان أبو جعفر.

٢٩. السّيد مرتضى بن الداعي ، حسن.

٣٠. أبو المحاسن مسعود بن علي بن محمّد الصوابي ، حسن.

٣١. هبة الله بن دعويدار ، مهمل.

٣٢. السّيد أبو البركات ، هبة الله بن علي الشّجري.

٣٣ و ٣٦. الشّيخان الطّوسي والمفيد ، والسيدان الرضي والمرتضى رضي‌الله‌عنهم.

٣٧. أبو القاسم بن كمح.

٣٨. أبو منصور العكبرّيّ.

٣٩. أبو نصر الغازي.

٢. في اعتبار روايات هذا الكتاب

الروايات المذكورة على قسمين :

١. ما كان بعض رواتها ضعيفا ، أو مجهولا ، قبل الصدوق رحمه‌الله ، وهذا القسم لا اعتبار به


مطلقا ، سواء صحّ سند الراوندي إلى الصدوق ، أم لم يصحّ ، وهذا واضح.

٢. ما كان كلّ رواتها معتبرين قبل الصدوق إلى الإمام عليه‌السلام ، وهذا هو مورد البحث ، وفيه احتمالان :

الأوّل : أن يفرض إنّ للراوندي طرقا أخر لم يذكرها في كتابه للاختصار ، مثلا : فروى بعض الأحاديث مرسلا ، وبعضها الآخر مسندا.

الثّاني : أن يفرض انحصار طرقه بما ذكره في كتابه ـ الّتي نقلناها هنا ـ فتكون جميع أحاديث كتابه مسندة ، وهذا يحتمل وجوها :

١. أن يفرض أنّ جميع ما ينقله بعد ذكر سند إلى ذكر سند آخر منقولا بالسّند السّابق ، سواء أشار إليه إجمالا أوّلا ، وسواء ذكر بلفظ واو العاطفة (وعن ابن بابويه) ، أو لم يذكر بحرف الواو (عن ابن بابويه).

٢. أن يفرض أن ما لم يشر إليه إلى السند منقولا بغير ذاك السند ، ولو في بعض الموارد.

٣. أن يفرض أن ما ذكره بلفظ العاطف منقولا بالسند السّابق ، ويفرض الفاقد عن العاطف بسند آخر مجهول عندنا.

والذي ينبغي أن يقال :

إنّ ما ذكره مع سنده تفصيلا ، أو إجمالا ، هو أن يحكم بكونه مسندا إمّا صحيحا ، أو ضعيفا ، وما لم يذكره كذلك يحكم بكونه مرسلا ، ولا يعتمد على الاحتمالات ، والله العالم.

ثمّ إنّ هنا بحثا أعمق وأسبق ، وهو اعتبار أصل الكتاب وإحراز اتّصاله إلى مؤلّفه بالسند المتّصل المعتبر ، وقد بحثنا عنه في البحث الرابع والخمسين ، والله الهادي.


البحث الرابع والأربعون

كيفيّة طرق الشّيخ إلى الكتب والاصول والروايات

قال الشّيخ الطوسي قدّس سره في أوّل فهرسته : أما بعد فإنّي لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا ، وما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الاصول (١) ولم أجد أحدا استوفي ذلك ، ولا ذكر أكثره ، بل كلّ منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصّ بروايته ، وأحاطت به خزانته من الكتب (٢) ، ولم يتعرّض أحد منهم لاستيفاء جميعه ، إلّا ما قصده أبو الحسن أحمد بن الحسين بن عبيد الله رحمه‌الله ، فإنّه عمل كتابين أحدهما ذكر فيه المصنّفات ، والآخر ذكر فيه الاصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده ، وقدر عليه غير ، أنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا ، واخترم هو رحمه‌الله وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكي بعضهم عنه. (٣)

ولما تكرّر من الشّيخ الفاضل ـ أدام الله تأييده ـ الرغبة فيما يجري هذا المجرى ... عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنّفات والاصول ... فإذا سهّل الله إتمام هذا الكتاب ، فإنّه

__________________

(١) نسبة الرّواية إلى الاصول ونسبة التصنيف إلى غيرها تشعر أو ربّما تدلّ على أنّ المراد بالاصول ما اشتمل على مجرّد الأحاديث والروايات.

(٢) الجملة تدلّ على أنّ الفهرست يكفيها ثبوت الكتاب عند المفهرس ، سواء بالأسانيد المعنعنة ، أو بوجوده الخارجي ولو بالظّن بصحّة نسبته إلى مؤلّفه ، وعلى كلّ لاوجه للاعتقاد بوجود تلك الكتب المشار إليها عند الشّيخ الطّوسي مصدرا لتأليف فهرسته كما زعمه بعضهم.

(٣) الحاكي للشيخ مثل بعض الورثة مجهولان ، فلا دليل للجزم بتلف الكتابين المذكورين ، كما أنّ ما نقله العلّامة عنهما في الخلاصة ، لا نعتمد عليه لعدم ذكر سنده إليهما ، فهما مجهولان نسبة لا مجعولان ؛ بناء على شمول كلام الحاكي عدم نسخها وعدم اختصاصه بالجملة الاخيرة (وعمد ...).


يطلع على أكثر ما عمل من التّصانيف والاصول ، ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم ... (١) غير أن عليّ الجهد في ذلك ـ أي الاستيفاء ـ والاستقصاء فيما أقدر عليه.

أقول : فذكر في كتابه ٨٨٨ شخصا كلّهم إلّا ما شذّ صاحب تصنيف أو أصل ، وأمّا عدد هذه الكتب ، فلا يعلم من الفهرست ، فإنّه ذكر في حقّ جماعة أنّ لهم كتبا ، ولم يفصلها.

وقيل : ـ كما مرّ ـ إنّ الشّيخ تعرّض لأكثر من ألفي كتاب فيها.

وأمّا النجّاشي ، فقد تعرّض لأكثر من ألف ومائتين وأربعين شخصا ، كما تقدّم بل أنها هم بعض المعلّقين إلى (١٢٦٩) شخصا مع عدّ المصنّف نفسه ، فكتابه أنفع من فهرست الشّيخ بكثير ، وأكمل.

وقال ـ أي : النجّاشي ـ في أوّل كتابه : فإنّي وقفت على ما ذكره ... من تعيير قوم من مخالفينا ، أنّه لا سلف لكم ولا مصنّف ، وهذا قول من لا علم له بالناس ... وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ؛ لعدم أكثر الكتب. (٢)

وإنّما ذكرت ذلك عذرا إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره ... وذكرت لرجل طريقا واحدا حتّى لا تكثر الطرق ، فيخرج عن الغرض. انتهى.

والسؤال المهم المثمر : أنّ الكتب المذكورة في فهرست الشّيخ ، هل وصلت نسخها إليه بتلك الطرق مناولة ، سواء بمجرّد الإجازة ، أو بالقراءة ، أو السماع أيضا ، أو أنّ الطرق المذكورة في الفهرست كانت خالية عن المناولة؟

وإنّما هي لمجرّد اثبات نسبة المصنّفات والاصول إلى أربابها ، وأنّها غير موضوعة ولا مكذوبة على هؤلاء الأشخاص ، وإن اتفقت المناولة أو القراءة أو السّماع أو مجرّد الإجازة ، فهي أمر زائد بجهة خاصّة لا تعلّق لها بغرض الكتاب ؛ وأمّا الكتب فقسم منها وصل إلى الشّيخ من السوق والأفراد ، وقسم منها لم يصل إليه ، وإنّما وصل خبره إليه. بتوسط الناقلين.

فيه وجهان ، الظاهر أو المقطوع به هو الوجه الثاني.

__________________

(١) المستفاد من هذه الجملة إنّ فائدة الفهرست ، هو حصول المعرفة بالتّصانيف والاصول وأربابهما وطرائقهم. وغرضه من تأليفه هو رغبة بعض الفضلاء فيه ، ولا يظهر من الشّيخ أنّ الأسانيد المذكورة فيها يفيد صحّة روايات التهذيبين ، لكن له عبارة في آخر مشيخة التهذيب يمكن أن يستفاد ذلك منها ، وسيأتي نقلها مع الجواب.

(٢) الجملة الأخيرة ربّما يستفاد منها أنّ المراد بقوله : وقد جمعت هو جمع الكتب في الخارج دون جمع أسمائها في كتاب ، فكأنه نقل في كتابه اسماء الكتب الموجودة عنده ، لكنّه بعيد في حقّه وحقّ الشّيخ ، فضلا عن حصولها مناولة. والله العالم.


أمّا أوّلا : فلأنّ الغرض إذا كان معرفة نسبة الكتب إلى مؤلّفيها فقط ، فأيّ داع لاستنساخها بتعب النفس أو اشترائها بالمال ، وهي أكثر من ألفي كتاب ، وربّما يكون للشيخ طرق أو طريقان إلى كتاب أو كتب ، فهل يعقل تكرار الاستنساخ والاشتراء ، وربّما أخبره عدّة من مشائخه ، فهل كلّ ذلك كان بالمناولة والقراءة أو السّماع لا يحتمل ذلك ، فإنّه أمر مخالف لسلوك العقلاء.

وأمّا ثانيا : فلو كان ذلك واقعا ـ على الفرض البعيد ـ لذكره الشّيخ لا محالة في موارد من كلامه في الفهرست ، وحيث لا ، فلا.

وأمّا ثالثا : فلأنّ التعبير الشّائع في كلامه في معظم الموارد هو جملة (أخبرنا) ـ أي : أخبرنا فلان عن فلان بكتاب فلان ، أو كتبه ، وربّما يستعمل جملة روينا في موارد الأسناد المتكرّرة. والفرق بين الجمليتن اعتباري ، فعند النظر إلى حال المروي عنه ، يقول أخبرنا ، وعند النظر إلى نفسه ، وهو الرّاوي يقول روينا. (١)

وعلى كلّ لفظ : أخبرنا لا يدلّ على الإجازة المجرّدة ، فضلا عن المناولة وإعطاء الكتاب ، فضلا عن القراءة والسماع. وأيّ ملزم وأيّ داع؟ بل أي مجوز لحمل جملة : (أخبرنا) على المناولة؟

وأمّا رابعا : فلأنّ هذه الكتب الكثيرة الزائدة على الألفين كما قيل ، ليست كلّها في الأحاديث المنقولة عن الأئمّة عليهم‌السلام حتّى يمكن القول بتحمل الشّيخ الطّوسي وإتعابه نفسه في استنساخها أو اشترائها ، ثمّ القراءة على الشّيوخ أو السّماع منهم ، بل جملة كثيرة منها في موضوعات مختلفة ، لا داعي للعاقل في إضاعة عمره وإتعاب نفسه بقراءتها وسماعها.

نعم ، في الفهرست موارد خاصّة ، يذكر الشّيخ فيها الإجازة والقراءة والسماع ، وإليك بيان بعضها :

فمنها : ترجمة إسماعيل بن علي بن رزين ... وله كتاب تأريخ الأئمّة عليهم‌السلام. أخبرنا عنه برواياته (٢) كلّها الشّريف أبو محمّد المحمّدي ، وسمعنا هلال الحفّار يروي عنه مسند

__________________

(١) لكن ربّما يستعمل الشّيخ كلمة روينا في غير المتكرّرة ، كما في ترجمة إسماعيل بن جابر ، ومن بعده.

(٢) الظاهر رجوع الضمير المجرور (برواياته) إلى الكتاب ، ويمكن أن نجعله قرينة على أنّ المراد بالروايات في كلام الشّيخ في تمام الفهرست (أخبرنا بكتبه ورواياته ...) هي الرّوايات المكتوبة دون مطالبه المكتوبة فيها من أنظاره من غير الرّوايات عن الأئمّة عليهم‌السلام.


الرضا عليه‌السلام وغيره ، فسمعناه منه وأجاز لنا باقي رواياته. (١)

ومنها : ترجمة أحمد بن الحسين بن عبد الملك ... بوّب كتاب المشيخة ... سمعنا هذه النسخة من أحمد بن عبدون ، قال سمعتها من علي بن محمّد بن الزبير ، عن أحمد بن الحسين. (٢)

ومنها : ترجمة الحسن بن محبوب ... أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة ... وأخبرنا بكتاب المشيخة قراءة عليه ، أحمد بن عبدون. (٣)

ومنها : ترجمة علي بن الحسن بن فضّال ... أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها ، والباقي إجازة أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد الزبير سماعا ، وإجازة عنه. (٤)

ومنها : ترجمة عبد الله بن أحمد أخبرنا بكتبه ورواياته أبو عبد الله أحمد بن عبد الله المعروف با بن الحاشر رحمه‌الله ، سماعا وإجازة. (٥)

ومنها : ترجمة عبد الله بن موسى ... له رسالة إلى المأمون وللمأمون جوابها ، أخبرنا أحمد بن حمدون ... قال أخبرني أبو الحسين علي بن الحسين بن علي بن حمزة أعطاه هذه الرسالة وقال له : أعطانيها بعض ولد عبد الله بن موسى بعد موته ، قال أعطانيها إبنه. (٦)

وفي هذا المورد إقترن الإخبار بالمناولة.

ومنها ترجمة الكليني : وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر كتبه من الكافي ، عن جماعة ....

وفي الفهرست موارد متشابهة أخرى ، ولعلّها الأقلّ ممّا نقلناها هنا ، والمستفاد من هذه الموارد القليلة أنّ مجرّد الإخبار لا يدلّ على الإجازة ، فضلا عن المناولة ، فضلا عن القراءة ، أو السماع ، والمشتمل عليها محتاج إلى التنصيص عليها ، كما في هذه الموارد الضئيلة ... وهذا فليكن واضحا مفروغا منه.

نعم ، ليس الشّيخ كالنجّاشي في اقتصاره على الإخبار بالكتب ، بل يقول الشّيخ في موارد كثيرة : أخبرنا بكتبه ـ أو بكتابه ـ ورواياته المنقولة عن الأئمّة عليهم‌السلام فلان عن فلان ...

__________________

(١) الفهرست : ١٣.

(٢) المصدر : ٢٣.

(٣) المصدر : ٤٧.

(٤) المصدر : ٩٣.

(٥) المصدر : ١٩٥.

(٦) المصدر : ١٠٤.


الظاهر من الرّوايات المقابلة للكتب هي الرّوايات المنقولة (١) عن الأئمّة عليهم‌السلام المكتوبة في الكتب ، فهي جزء من الكتب ، وإنّما يخصّها الشّيخ بالذكر اهتماما لها؟ ولأنّ وجدان الرّوايات في الكتب المختلفة هو شغل الشّيخ المهم ، فيكون عطفها على الكتاب من عطف الجزء على الكلّ.

ومعنى الجملة : أخبرنا بكتبه ورواياته المذكورة في كتبه فلان ... وأيّا ما كان مراد الشّيخ من الإخبار بالروايات لا ثمرة عملية له ، بعد بناء الشّيخ في التهذيب على عدم الرواية من الأشخاص ، فإنّه يروي عن الكتب والاصول دائما.

وإليك بعض الموارد في كلامه لمجرّد الإيضاح والإطلاع :

١. هارون بن مسلم له روايات عن رجال الصّادق عليه‌السلام ذكر ذلك ابن بطة ، عن أبي عبد الله محمّد بن أبي القاسم عنه. وأخبرنا ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد عن عبد الله بن جعفر الحميري عنه. (٢)

أقول :

لا دلالّة في هذه العبارة على وصول تلك الرّوايات إلى الشّيخ تفصيلا ، سواء فرضناها محفوظة غير مكتوبة ، أو مكتوبة في الكتاب ، أو في وريقات قليلة لم يصدق عليها كتاب ، وهذا الوجه جار في مطلق الموارد الّتي أخبر شيوخ الشّيخ الطوسي رحمه‌الله بروايات أرباب المصنّفات والاصول (أخبرنا بكتبه ورواياته) وهذا الاحتمال كما اخترناه سابقا هو الأظهر ، لبعد حفظ جميع ناقلي الأسناد تلك الرّوايات ، وعدم كتابتها من قبل أحد من الرّواة إلى أن وصلت إلى الشّيخ رحمه‌الله.

٢. أحمد بن عبد الله بن مهران ... وما ظهر له رواية وصنّف كتاب التأديب ، وهو كتاب يوم وليلة. (٣)

٣. أحمد بن محمّد بن عمر ... صنّف كتبا منها ... أخبرنا بجميع رواياته أبو طالب بن غرور عنه (٤) ومثله في ترجمة أحمد بن إدريس. (٥)

__________________

(١) يظهر من الشيخ مغائرة الحديث والرواية ، فقي ترجمة الحسن بن علي بن فضّال : ثقه في الحديث وفي رواياته. ولعلّه مجرّد تفنن في التعبير. أو الحديث ، اعم من الرّواية وأنه بمعناه المصدري ويحتمل العكس احتمالا مرجوحا فى كلام الشيخ رحمه‌الله.

(٢) الفهرست : ١٧٦.

(٣) المصدر : ٢٦.

(٤) المصدر : ٣٣.

(٥) المصدر : ٣٦.


أقول : لم يرو الشّيخ كتبهما ، وإنّما روي روايات الأخير ، فالظاهر أنّ المراد بها روايات كتبه ، ويحتمل أنّها الرّوايات الخارجة عنها ، لكن الاحتمال الأوّل في أمثال المقام أظهر ، كما تقدّم.

٤. إسماعيل بن عثمان بن أبان له أصل ، رواه لنا أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري. عن ... عن ... عنه.

ويحتمل أنّ هذا التعبير (روي) يغاير التعبير ب (أخبرنا) فإنّ الأوّل ظاهر في نقل الأصل المذكور دون مجرّد الإخبار باسمه ، فلا بدّ من التوجه إلى هذه النكتة ، وليس المقام من الإشارة إلى الأسناد المتكرّر ، حتّى يقال بترادف (روي) مع (أخبرنا) ، كما في مقامات أخرى. (١) ويحتمل أن الأوّل بلحاظ حال الملقي والثاني بلحاظ حال المتلقّي.

٥. الحسن بن ثوير ، له كتاب ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن أبي الوليد ، ورواه لنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد ....

أقول : يدلّ هذا ، أوّلا : على أنّ جملة أخبرنا ليست بمعنى الرّواية الّتي ربّما تكون مناولة وربّما بالقراءة والسّماع ، وهذا أقوى ممّا مرّ في سابقه لأنّه ذكر الرّواية بعد الإخبار ، وعلى عكس الأمر في ترجمة حذيفة بن منصور (٢) ولاحظ أيضا ترجمة شعيب بن الحداد.

والحاصل أنّ لكلّ من الجملتين معنى يخصّه.

٦. علي بن مهزيار ... أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة عن ... إلّا كتاب المثالب فإنّ العبّاس روي نصفه عنه .... (٣)

أقول : هذا مثل ما في ترجمة علي بن إبراهيم (إلّا حديثا واحدا ...) ، وربّما ينافي ما ذكرنا فيحمل على الندرة ، فلاحظ.

٧. عبد الله بن سنان ثقة له كتاب ، رواه جماعة عن ... عن ابن أبي عمير عنه.

أقول : لم يقل الشّيخ إنّ الجماعة رووه له ، ثمّ قال أخبرنا به الحسين ... فالمتيقن أنّ الكتاب داخل في حوزة الإخبار دون الرّواية ، فلاحظ.

٨. عمر بن أذينة ... وفيه أيضا صراحة باختلاف الإخبار والرواية.

__________________

(١) المصدر : ١٥٢ ـ ١٥٣ ، فلاحظ : ذلك وتأمّل عميقا.

(٢) المصدر : ٦٥.

(٣) المصدر : ٨٨.


تطبيق تحقيقي

ولهذا البحث ثمرة مهمّة بالغة الخطورة ، وهي أنّه لا يمكن تصحيح طريق الشّيخ رضي‌الله‌عنه إلى أحد في مشيخة التهذيب إذا كان غير معتبر بطريقة المعتبر إليه في الفهرست.

وجه عدم الإمكان واضح فإنّ معنى صحّة طريقة إليه في الفهرست على ما عرفت ، أن الكتاب الفلاني صاحبه زيد مثلا ، وإن لم يره الشّيخ أصلا أو رءاه بوجدانه من الأسواق والأشخاص. وهذا لا يستلزم صحّة كلّ رواية رواية من روايات هذا الكتاب ، فإنّه لم يصل إلى الشّيخ مناولة ، فضلا عن قراءتها أو سماعها من الشّيوخ ، بل مجرّد الإخبار (أخبرنا) لا يدلّ على مجرّد الإجازة كما عرفت ، فروايات هذه الكتب لم تصل إلى الشّيخ في ضمن نسخة بسند معتبر ، وإن وصل أسامي الكتب إليه بأسانيد معتبرة وبين الأمرين بون بعيد ، وتفاوت شديد.

وسيأتي في البحث الآتي في شرح مشيخة التهذيب أنّ سند الشّيخ فيها إلى أحمد بن محمّد ، وإلى أحمد بن محمّد بن عيسى ، وإلى الحسين بن سعيد غير معتبر ، ولكنا بنيّنا على صحّة روايات هؤلآء في التهذيب في الزمن السّابق باعتبار صحّة طريق الشّيخ إلى حفيد عيسى ، وإلى الحسين بن سعيد في الفهرست غافلا عن كيفية أسانيد الشّيخ في الفهرست. ومع التوجه إليها لاوجه لتصحيح رواياتهما الكثيرة في التهذيب ، ولو بني أحد على ضعفها لوقع تغيير مهم في الفقه ، لا سيّما أنّ الكلام لا يقتصر على الحسين بن سعيد ، وحفيد عيسى ، بل يتعدي إلى غيرهما أيضا.

وهذا أحد الموانع من طبع كتابي ـ معجم الأحاديث المعتبرة ، في ستّة أجزاء ـ بعد ترتيب حروفه بالكامبيوتر وتحمل مؤونته الماليّة وإتعاب النفس في تصحيح أوراقه في الباكستان ، فإنّي أوردت فيه أحاديث الحسين ، وأحمد بن محمّد وغيرهما من التهذيب ، وهي كثيرة اعتمادا على طرق الفهرست المعتبرة ، وإنّما التفت إلى نقص هذا المنهج بعد تكميل الكتاب في أربع سنوات في أثناء الطبعة الثالثة لكتابي هذا.

وقد عرضت الإشكال بغاية حله على جماعة من علماء الحوزة العلميّة بقمّ المشرفّة شفاها وكتبا ، فذكروا أجوبة غير لائقة بالنقل والرّد ، حتّى أنّ من تقبّل الإشكال تقبّله تحيرا لا تبصّرا ، فكانوا كغيرهم ممّن وقفت على كلامهم في الكتب الرجاليّة غافلين عنه بالمرّة. وما أوتينا من العلم إلّا قليلا. (١)

__________________

(١) ولكن صحّحنا جملة من طرق الشيخ في المشيخة حين إعداد طبع البحوث لهذه الطبعة ، وهي الطبعة الخامسة ، كما يأتي في شرح المشيخة إن شاء الله تعالى.


أقول :

وأنا بصدّد إعداد هذا الكتاب للطبعة الرابعة (١) بفضل الله تعالى يمكن أن نصحّح روايات التهذيب بسند الفهرست المعتبر ، وإن كانت أسانيدها في مشيخة التهذيب ضعيفة ، وذلك بتقديم مطالب :

الأوّل : ظاهر كلام الشّيخ في المشيخة ، أنّ الرّواة أخبروه بالروايات المذكورة في التهذيب لا باسم كتبها فقط ، وهي مصادر التهذيب ، إذ يقول وما ذكرته عن فلان فقد أخبر به ... عن فلان ومعلوم أنّ الضمير المجرور (به) راجع إلى ما ذكره في التهذيب من الأحاديث.

ويقول وما ذكرته عن فلان ، فقد رويته يهذه الأسانيد عن فلان ، والضمير المنصوب راجع إلى الأحاديث.

فمدلول طرق المشيخة غير مدلولها في الفهرست في المؤدّى ، ولا بدّ أن تكونا مختلفين وإلّا لأصبحت روايات التهذيب كلّها ضعيفة غير معتبرة ، وإن صحت أسانيدها بحسب الظاهر ، نعم ، لا أجد في المشيخة وغيرها ؛ تصريحا بأنّ الشّيخ تلقي أحاديث التهذيب مناولة من شيوخه.

وياليتني وجدته ويا ليت الشّيخ صرّح به ، ولكن الظواهر حجّة فنقنع بالظهور والاستظهار مع احتمال كون طرق المشيخة ، كطرق الفهرست في المؤدّى. وهذا الاحتمال هو قاصم الظهر كما عرفت.

وسيأتي نظري حول هذا الاحتمال في آخر البحث الآتي إن شاء الله تعالى.

الثّاني : قال الشّيخ المذكور في آخر مشيخة التهذيب : وقد أوردت جملا من الطرق إلى هذه المصنّفات (٢) والاصول ، ولتفصيل ذلك شرح يطول وهو مذكور في الفهارس المصنفة في هذا الباب للشيوخ رحمه‌الله من إراده أخذه من هناك إن شاء الله ، وقد ذكرنا نحن مستوفي في كتاب فهرست الشّيعة ، انتهى.

الثالث : إحالة الشّيخ الطالبين في بقية أسانيد روايات التهذيب إلى الطرق المذكورة في الفهرست تعطينا إنّ الطرق في الفهرست ليست على منهاج واحد ومنوال فارد ، بل قسم منها لمجرّد الإخبار بأسامي الكتب وانتسابها إلى مؤلّفيها ، وقسم منها مقترن بمناولة الكتب ، أو نقل رواياتها ، وهو كتب من روي الشّيخ عنهم في التهذيب.

__________________

(١) يقصد المؤلف سنة الطبع : صفر المظفر لعام ١٤٢٠ ه‍.

(٢) الظاهر أنّ مراد الشّيخ من المصنّفات ، والكتب معنى واحد مقابل الاصول.


ولو لا ذلك ، لكانت إحالة الشّيخ إليها لغوا لا فائدة لها (١) وكونها ، لمجرّد التأكيد خلاف الظاهر ، بل الظاهر منها اتّحاد كيفيّة طرق المشيخة وطرق الفهرست إلى من روي الشّيخ عنهم في التهذيب ، حتّى تصحّ الإحالة والاعتماد عليها في تصحيح الأحاديث المذكورة في التهذيب إذا صحّت تلك الطرق في الفهرست.

ولعلّ هذا هو مراد بعض المهرة (٢) في علم الرجال من السادة المراجع في النجف الأشرف ، حيث كتب لنا جوابا عن سؤالنا ، وإليك نصه بحروفه ، فإنّه مشتمل على زيادات غير ما ذكرنا ، قال :

ما ذكر من أنّ الشّيخ قدّس سره لم يقف على غالب الكتب ، الّتي أورد أسمائها في الفهرست ، وإنّما نقلها عن أساتذته بنحو الإجازة المجرّدة عن الإطلاع على الكتاب ، وإن كان صحيحا في الجملة ، ولكنّه لا يصحّ فيما قامت القرينة على خلاف ذلك ، كما هو الحال فيما اعتمده من المصادر في التهذيبين ، فإنّه يظهر من كلامه في مقدّمة مشيختهما ، وفي آخرهما أنّ طرقه إليها في الفهرست ، ليست من ذاك القبيل ؛ إذ أنّه قدّس سره قد أرجع في آخر المشيخة في الوقوف إلى سائر طرق تلك الكتب إلى فهارس الأصحاب ، وكتابه الفهرست (٣) ، وقد ذكر في مقدّمة الفهرست أنّ الأصحاب إنّما ذكروا في فهارسهم الطرق إلى ما اختصّوا بروايته أو حوته خزائنهم (٤) ، وبما أنّ مصادر الشّيخ لم تكن من قبيل ما اختصّوا بروايته ، فلا بدّ (٥) أنّها كانت ممّا حوته خزائنهم من المصنّفات.

وعليه فمقتضى إرجاعه إلى تلك الفهارس من معرفة سائر أسانيد تلك الكتب إحرازه اتحاد نسخته منها مع النسخ الموجودة من خزائن أصحاب الفهارس المشار إليهم ؛ وإلّا لم تكن فائدة في الإرجاع إلى فهارسهم بعد أن لم تكن الأسانيد الواردة فيها أسانيد إلى ما اعتمده الشّيخ قدّس سره في كتابه من نسخ الكتب والمصنّفات واحتمال أن تكون إشارته رحمه‌الله إلى تلك الطرق لمجرّد بيان أنّ هناك طرقا أخرى لتلك الكتب

__________________

(١) سياتي في خاتمة المطاف الترديد في صحّة إحالة الشيخ المذكورة.

(٢) يقصد المؤلّف : السيّد علي السيستاني المرجع شيعة في كثير من البلاد طال بقائه.

(٣) سيأتي ذيل عنوان خاتمة المطاف ، قريب ، الترديد في ارجاع الشيخ إلى فهرسته.

(٤) عبارة الشّيخ في أوّل الفهرست كما مرّ هكذا : بل كلّ منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصّ بروايته وأحاطت به خزانته من الكتب ....

وكلمة (واو) في قوله : وأحاطت. إمّا عطف تفسيري أو بمعنى كلمة أو ، ويحتمل أنّها لمطلق الجمع كما هو ظاهر العبارة.

(٥) لم نفهم هذا اللزوم ، لا مكان شمول مصادر الشّيخ للقسمين ، بناء على أنّ كلمة واو في كلام الشّيخ لمطلق الجمع ، أو للعطف التفسيري ، كما ذكر آنفا.


احتمال ضعيف (١) ؛ إذ الظاهر (٢) من ذيل عبارته في خاتمة المشيخة ، أنّه لا ميزة للأسانيد الّتي ذكرها في المشيخة إلى تلك المصادر عن سائر الأسانيد المذكورة في فهارس الأصحاب ، وإنّما اقتصر على ما ذكره من باب الاختصار ، بل يكاد أن يكون ذلك صريح كلامه في مقدّمة مشيخة التهذيب.

واستبعاد وفوف الشّيخ على اتحاد نسخة من تلك المصادر مع النسخ ، الّتي كانت موجودة في خزائن الأصحاب في غير محله ، فالعمدة في اعتبار طريق الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى ما عرفت منّا في التعليقة ، كما يظهر (٣) بالتأمّل والممارسة. ١٢ / ع ٢ / ١٤١٧.

واعلم اني اثناء اصلاح الكتاب لهذا الطبع ـ الطبعة الخامسة ـ حكمت باعتبار طريق الحسين بن سعيد ومفيد عيسى من جهة اخرى تأتي في شرح مشيخة التهذيب فيما بعد إن شاء الله.

سدّ باب آخر

توهم بعض المحدّثين رحمه‌الله إنّ الشّيخ روي جميع كتب الصدوق في فهرسته بسند معتبر ، فكلّما روي الشّيخ خبرا من بعض الاصول الّتي ذكرها الصدوق في فهرسته ، فسنده إلى هذا الأصل صحيح ، وإن لم يذكر في الفهرست سندا صحيحا إليه.

ثمّ ادّعى المحدّث المذكور ، كما سلف سابقا : وهذا باب غامض دقيق ينفع في الإخبار ، الّتي لم تصل إلينا من مؤلّفات الصدوق.

أقول : تبيّن ممّا سبق أنّه باب موهوم لا واقعية له. وكأنّ المحدّث المذكور ومن تبعه غفلوا عمّا ذكره الشّيخ في ترجمة الصدوق : له نحو من ثلاثمائة مصنّف ، وفهرست كتبه معروفة ، وأنا أذكر منها ما يحضرني في الوقت من أسماء كتبه ، ـ ثمّ ذكر أكثر من أربعين كتاب له ـ ثمّ قال وغير ذلك من الكتب والرسائل الصغار لم يحضرني أسماؤها ، أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة ....

وإلّا لعلموا إنّ معنى الإخبار ليس هو الإخبار التفصيلي بما في هذه الكتب الكثيرة ، بل

__________________

(١) فيه نظر لاحتمال كون الإشارة إلى سائر الأسناد لتقويّة أسانيده إلى أصل تلك الكتب ، فلاحظ.

(٢) هذا الظاهر معارض بظاهر آخر من أنّه لا ميزة بين طرقه إلى كتب الطائفة المذكورة في الفهرست بين ما نقله عنه في التهذيبين ، وما لم ينقله عنه فيهما في كيفيّة النقل ، وقد عرفت أنّ مجرّد الإخبار لا يدلّ على الإجازة ، فضلا عن المناولة والقراءة والسّماع.

(٣) ليته يدلّل على نفي الاستبعاد المذكور ولم يكتف بالفتوى.


المراد الإخبار الإجمالي حتّى الخالي عن أسمائها ؛ لتصريحه بأنّه لم يحضره أسماؤها ، ومع ذلك يقول أخبرنا بجميع كتبه ...

وادّعى بعض الباحثين إنّ النجّاشي كان يسير بسيرة البغداديّين ، فإذا كان الحديث عنده عن كتاب يقول : ذكر فلان ، وإذا كان عن إجازة يقول : أخبرنا إجازة ، وإذا كان عن سماع يقول : حدثنا ، وبهذا يمتاز فهرسته عن فهرست الشّيخ أيضا.

خاتمة المطاف

لا شكّ في علوّ مقام الشّيخ وكثرة علومه وعمق بصيرته وما أعطاه الله تعالى من التوفيقات ، كما لا شكّ في كثرة اشتغالاته وتشتّت باله ، فهو إنسان كبير وعالم عظيم ، لكنّه غير معصوم عن الاشتباه والسهو ، فالإفراط في حقّ أحد كالتفريط فيه ، أمر مذموم باطل.

وما ذكرنا في حلّ الإشكال إنّما يصحّ إذا قبلنا عصمة الشّيخ رحمه‌الله وإلّا فلا ملزم لما ذكرنا ، وما كتبه بعض السادة العلماء المشار إليه.

والعمدة إنّ طرق الفهرست لا فرق بينها إلى من نقل الشّيخ عنهم في التهذيب ، وإلى غيرهم ، فجعلها قسمين على خلاف كلام الفهرست رجم بالغيب ، لمجرّد رفع الإشكال عن إحالة الشّيخ في آخر مشيخة التهذيب إلى فهرسته.

على أنّي في شكّ في كون الجملة المذكورة في آخر مشيخة التهذيب : وقد ذكرنا نحن مستوفي كتاب فهرست الشّيعة من الشّيخ نفسه ، أو من غيره.

توضيح ذلك : إنّ الظاهر من أوّل المشيخة إنّ كتابتها متّصلة زمانا بانتهاء التهذيب ، كما يدلّ عليه قوله رحمه‌الله :

والآن فحيث وفّق الله تعالى الفراغ من هذا الكتاب ، نحن نذكر الطرق الّتي يتوصّل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنّفات ، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار ؛ لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ المراسيل ....

وقال بعد بيان المشيخة ما نقلناه في الأمر الثّاني عن قريب.

وحيث إنّ تأليف التهذيب ـ بما له من المشيخة ـ مقدّم على تأليف الفهرست ، كيف يصحّ قوله : وقد ذكرنا نحن مستوفي في كتاب فهرست الشّيعة؟!


فهو إلحاق جزما ولا يدري أنّ الّذي ألحقه هو نفس الشّيخ (١) أو كاتب آخر من النسّاخ أو التلاميذ ، ولا بدّ من التتّبع في النسخ المخطوطة لكتاب التهذيب.

على أنّ من تعمّق في آخر المشيخة بدقّة ربّما يطمئن ، أو يظنّ بزيادة الجملة المذكورة من جهة سياق الكلام ، فإذا : لا نطمئن بإحالة الشّيخ إلى طرق الفهرست.

وعلى فرض ثبوتها فهي مختصّة بالأحاديث المرويّة بالطرق المذكورة في المشيخة دون الطرق المهملة غير المذكورة في مشيخة التهذيب ، وهي كثيرة فلاحظ عبارة الشّيخ في آخر المشيخة ، حتّى تعلم ظهور كلامه في هذا الاختصاص ، والتعدّي عنها إلى مطلق طرق الأحاديث المذكورة في التهذيب رجم بالغيب.

وأمّا إحالته إلى الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ في زمانه ، فهي غير مفيّدة ؛ إذ لم تصل إلينا الفهارس حتّى نلاحظها ، سوى مشيخة الفقيه وفهرس أحمد الزراري ، وأمّا فهرس النجّاشي فلم يره الشّيخ حتّى يقصده بإطلاق كلامه.

وأمّا تصحيح ما نقله الشّيخ في تهذيبه بطريق ضعيف ؛ لأجل صحّة طريق الصدوق في مشيخة الفقيه مع ملاحظة إحالة الشّيخ المذكورة ، ففيه تفصيل فإن فرضنا صدق الجملة الأخيرة : وقد ذكرنا نحن مستوفي في كتاب فهرست الشّيعة عن الشّيخ رحمه‌الله فهو غير ممكن ، فإنّ ظاهر قوله : مستوفي أنّه لا طريق له سوى الطرق المذكورة في فهرسته ، وطرق الصدوق وغيره الّتي هي غير مذكورة فيها ليست من طرق الشّيخ ، فكيف يمكن التّصحيح؟

وأمّا إن فرضنا كونها من غير الشّيخ للوجه الذي ذكرناه. فلا بأس به ، أي : بالتّصحيح المذكور بملاحظة الإحالة المزبورة. لكن بشرط إحراز رواية الصدوق الأحاديث من كتاب من بدأ الشّيخ في المشيخة باسمه ، إما مباشرة ، وإمّا بتوسط كتاب آخر لمؤلّف ثقة ، فافهم ذلك جيّدا.

وأمّا تصحيح ما في الفقيه بطرق الشّيخ ، فهو أيضا ممكن على بعض الصور ، كما سبق في البحث التّاسع عشر.

واعلم : أنّ ما قلنا في معنى طرق الفهرست إلى أرباب الاصول والمصنّفات ، جار في طرق النجّاشي في فهرسته ، كما أوضحناه بعض التوضيح في الطبعة الثالثة من هذا الكتاب ، ولكن حيث طال بنا هذا البحث حذفناه من الطبعة الرابعة هذه. (٢)

__________________

(١) بعد تأليف الفهرست.

(٢) لكن ينبغي نقل كلمة من رجال النجّاشي في ترجمة علي بن الحسن بن فضّال : ورأيت جماعة من شيوخنا


وعلى هذا يظهر إنّ ما سلكه المحدّث النّوري وغيره من تصحيح أسانيد روايات التهذيب الضعيفة بطرق النجّاشي في فهرسه ضعيف جدّا ، وقد أتعب نفسه في ذلك في خاتمة المستدرك.

وكذا يضعف ما ذكره غيره من المحدّثين وغيرهم ممّن تصدّوا لتصحيح أسانيد الأحاديث بكل رطب ويابس ، وقالوا بكفاية سند النجّاشي إذا صحّ لرواية التهذيب الضعيفة سندا ، بدعوي أنّ مشائخ الشّيخ والنجّاشي غالبا غير متعددين.

والعجب أنّه ممّن اختار هذا المنهاج هو سيّدنا الأستاذ المحقّق البصير بعلم الرجال في مقدّمة معجم رجاله ، وسيأتي في البحث الآتي نقل كلامه الشّريف مع جوابه ، كما سيأتي قول السّيد البروجردي رحمه‌الله بأنّ الفهرست لم توضع لإخراج روايات التهذيبين من الإرسال ، إن شاء الله تعالى.

فالأظهر أن يقال : إنّ الأصل في أسانيد الفهرست هو الإخبار بأسامي الكتب ، وأنّها من تأليف فلان وفلان.

وإثبات الإجازة فضلا عن الرّواية بالسماع والقراءة ومناولة النسخة ، كلّها محتاج إلى

__________________

يذكرون الكتاب المنسوب إلى علي بن الحسن بن فضّال المعروف بأصفياء أمير المؤمنين عليه‌السلام ويقولون إنّه موضوع عليه ... ولم نر أحدا ممّن روي عن هذين الرجلين يقول قرأته على الشّيخ ، غير أنّه يضاف إلى كلّ رجل منهما بالإجازة فحسب ...

وفي ترجمة علي بن محمّد بن يوسف بن مهجور ... ثقة سمع الحديث فأكثر ، إبتعت أكثر كتبه ... أخبرنا عنه عدّة من أصحابنا.

وقريب منه ما قاله في ترجمة علي بن عبد الرحمن بن عيسى ، ويظهر من كلامه الأوّل الفرق المهمّ بين القراءة والإجازة فلا تغفل. ويفهم من كلامه الثّاني ان الكتب لم تصل إليه بالسلسلة المعنونة بل من الأسواق والبائعين. أقول وربّما من المتبرّعين أو من المعيرين ، وعليه يحمل قوله في أوّل فهرسه : وقد جمعت من ذلك ما استطعته ، ولم أبلغ غايته لعدم أكثر الكتب ...

وقوله في أوّل الجزأ الثّاني منه : من كتاب فهرست أسماء مصنّفي الشّيعة وما أدركناه من مصنّفاتهم ... وما قيل في كلّ رجل منهم من مدح أو ذم.

فإنّ الظاهر من كلاميه ـ وإن لم يكن نصّهما ـ أنّ الكتب الّتي أسماها في فهرسه كانت موجودة عنده فإنّ قوله :

لعدم أكثر الكتب ، قرينة على أنّ المراد بجمع الكتب ، هو الجمع خارجا لا ذكرا ، كما أنّ الظاهر من إدراك المصنّفات إدراك وجودها دون أسمائها.

وإذا كان هذا الظاهر مطابقا للواقع ، فليس المراد وصول الكتب إليه بالأسانيد مناولة ، بل بما عرفت بالبيع وغيره.


قرينة زائدة على أصل الإخبار (أخبرنا) وهي قليلة ، كما أشرنا إلى مواردها (١) وهي موارد غير كثيرة ففيها ، نلتزم بمقدار مداليلها ، وفي غيرها نرجع إلى الإصل سواء في حقّ من روى عنه في التهذيب ، أو لم يرو عنه فيه كلّ ذلك لاتّحاد كيفيّة طرق الفهرست بين الطائفتين المذكورتين.

وهنا بحث أعمق من هذا ، وهو البحث عن اتّحاد طرق المشيخة مع طرق الفهرست ، وسوف ننظره في البحث الآتي في تخريج مشيخة التهذيب ، والله العالم.

__________________

(١) انظر : ٣٨٥ ـ ٣٨٩.


البحث الخامس والأربعون

في بيان طرق مشيخة التهذيب

مقدّمة وتمهيد

لا شكّ أنّ بيان طرق الشّيخ الطوسي رحمه‌الله إلى الرّواة وأرباب المصنّفات والاصول مهمّ جدّا ؛ إذ لصحّتها أو ضعفها أثر عميق في اعتبار روايات التهذيب والاستبصار ، بل وغيرهما من كتب الشّيخ قدّس سره على وجه ؛ ولذا يجب على أرباب الاستنباط وحملة الفقه مزيد اهتمام بمشيخة التهذيب المذكورة فيها طرقه إليهم ، فنقول في شرحها من حيث الصحّة والضعف مستعينا بالله تعالى.

قال الشّيخ المشار إليه بعد جملة من كلامه في خاتمة التهذيب : والآن فحيث وفّقنا الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب ، فنحن نذكر الطرق الّتي يتوصل بها إلى رواية هذه الاصول والمصنّفات (١) ، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الإخبار بذلك عن حدّ المراسيل ، وتلحقّ بباب المسندات .... (٢)

__________________

(١) أقول : لم يثبت لمحمّد بن إسماعيل الّذي ذكر الشّيخ طريقه إليه أصل ولا مصنّف ، وهذا يؤيّد ما يأتي من كونه شيخ إجازة.

(٢) ذكر الشّيخ في مشيخة التهذيب طرقه إلى خمسة وثلاثين شيخا كلّها معتبرة ، سوى أربعة طرق ضعيفة ، نعم ، لا تخلو بعض طرق أخرى من إشكال على الأظهر ، وأمّا أصحاب الطرق ، أي : من ينتهى إليهم الأسناد فأربعة ، منهم غير معتمدين ، والباقي كلّهم ثقات وموثقون ، كما يظهر من الجدول الّذي ذكرناه في خاتمة هذا البحث.


وقال بعد ذكر الطرق والأسناد :

قد أوردت جملا من الطرق إلى هذا المصنّفات والاصول ، ولتفصيل ذلك شرح يطول وهو مذكور في الفهارس المصنفة في هذا الباب للشيوخ رحمه‌الله ، من أراده أخذه من هناك إن شاء الله ، وقد ذكرنا نحن مستوفي في كتاب فهرست الشّيعة. (١)

أقول : فنحن نتعرّض للمشيخة والفهرست معا لتحقيق أسناد الشّيخ رحمه‌الله إلى الاصول والمصنّفات إن شاء الله ، وفائدة المراجعة إلى الفهرست على قول جماعة تظهر فيما إذا كان طريق الشّيخ إلى شخص ضعيفا في المشيخة ، وصحيحا في الفهرست ، فإنّه ينتج صحّة الرّوايات ؛ لاجل إحالة الشيخ الآنفة الذكر إن صحّت.

لكن قال السّيد البروجردي قدّس سره في حاشية مقدّمة له على جامع الرّواة للأردبيلي رحمه‌الله : تصنيف الشّيخ للفهرست وذكر الطرق إلى من ذكر فيه أنّ له كتابا أو أصلا ليس لإخراج أحاديث التهذيبين من الإرسال ، ولم يبدأ الشّيخ في أسانيدهما بهؤلآء المذكورين في الفهرست سوى قليل منهم ، وهم المشيخة المذكورون في آخر الكتابين ، نعم ، ربّما يوجد في بدأ أسانيدهما شيوخ لم يذكر لهم طريقا في المشيخة ، وعدد رواياتهم بأجمعها لا يزيد على خمسمائة تقريبا ، ولا تخرج هذه الرّوايات عن الإرسال لسبب الطرق المذكورة في الفهرست غالبا (٢).

والحقّ ـ كما ظهر لي حين اعداد الكتاب للطبعة الثالثة ـ عدم خروج أحاديث التهذيبين عن الإرسال والضّعف بأسانيد الفهرست مطلقا ، كما ذكرنا في البحث السّابق من أنّ ملاحظة الفهرست من أوله إلى آخره توجب الاطمئنان ، بأنّ قول الشّيخ فيه : (أخبرنا) هو مجرّد الحكاية عن المصنّفات والاصول لأصحابنا من دون مناولة أو قراءة أو سماع ، إلّا في موارد قليلة صرّح بأحدها ، فصحّة مثل هذه الأسانيد لا تنفع صحّة أسانيد ما نقله في التهذيبين بغير سند أو سند ضعيف ، وقد مرّ تفصيله ، لكن كلام السّيد البروجردي لا يبتني على هذا المبني ظاهرا ، وهو محتاج ، إلى ايضاح وأيضا لا بدّ له من توجيه وجيه لإحالة الشيخ إلى الفهرست على تقدير صدورها عنه ويظهر من عدم انكاره تسليمه لصدور الإحالة من قلم الشيخ وأنّها من كلامه.

__________________

(١) مرّ الترديد في البحث السّابق ذيل عنوان خاتمة المطاف في صدور الجملة الأخيرة ـ وقد ذكرنا نحن مستوفي ... ـ. من قلم الشيخ في آخر المشيخة.

(٢) لم أفهم النكتة في هذا القيد ـ أي : قوله غالبا ـ ، ويحتمل أنّه ناظره إلى الموارد المقرون الإخبار فيها بالقراءة والسماع.


إحداث منهج جديد

قال الشّيخ الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله مؤلّف جامع الرّواة في رسالته الّتي سمّاها بتصحيح الأسانيد ، وذكر مختصرها في جامعه :

ألقي في روعي أن أنظر في أسانيد التهذيب والاستبصار لعلّ الله تعالى يفتح إلى ذلك بابا ، فلمّا رجعت إليهما فتح الله لي أبوابهما ....

أقول : فزاد على مشيخة التهذيب والاستبصار جميع من ذكر الشّيخ في الفهرست أنّ له كتابا أو أصلا ، وذكر لنفسه إليه طريقا ، بل وأضاف إلى ذلك أيضا كلّ من استنبط من أسانيد روايات التهذيبين أن للشيخ إلى كتابه طريقا ؛ ولذلك أنهي عدد من للشيخ إلى كتابه أو أصله طريق إلى (٨٥٦) شخصا ، كما يظهر من خاتمة المستدرك (١). وقيل : إنّ عدد المعتبر منها ـ بزعمه ـ يقرب من خمسائة طريق.

وقال السّيد البروجردي رحمه‌الله في مقدّمة له على جامع الرّواة في توضيح ما استنبطه مؤلّف جامع الرّواة :

مثلا روي الشّيخ رحمه‌الله في التهذيب عن علي بن الحسن الطاطري قريبا من ثلاثين حديثا ، بدأ بذكره في أسانيدها وطريقه إليه في المشيخة مجهول ، ومقتضاه عدم اعتبار تلك الرّوايات.

وروى في كتاب الحجّ أربع روايات سندها هكذا : موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري ، عن درست بن أبي منصور ومحمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ... الخ ، وموسى بن القاسم ثقة ، وطريق الشّيخ إلى كتابه في الحجّ صحيح ، فلمّا رأى المصنّف هذه الرّوايات الأربع ، قال في مختصر الرسالة : وإلى علي ابن الحسن الطاطري فيه علي بن محمّد بن الزبير في المشيخة والفهرست ، وإلى الطاطري صحيح في التّهذيب في باب ... فزعم قدّس سره أنّ هذه

__________________

(١) رسالة توضيح الأسانيد غير موجودة ، ولعلّها لم تصل إلى غيري أيضا ، وقد نقل مختصرها المامقاني في آخر تنقيح المقال والمحدث النوري رحمه‌الله في خاتمة مستدركه : ٦ ، الطبعة الحديثة والصفحة ٧١٩ الطبعة القديمة وأتعب نفسه كالأردبيلي رحمه‌الله في تكميل الطرق وتصحيحها بزعمه ، وستعرف في المتن إنّ هذا العمل الشّاق المتعب لا ثمرة له.

وعهدة هذا ـ في الجملة على الشّيخ رحمه‌الله ومشيخته وحذفه أوائل أسناد أحاديث التهذيبين ، والنقل عن الضعفاء مع عدم حجيّة خبر غير الثّقة عنده وعلمه بأنّ كتابه ليس لنفسه حتّى يفيده إطمئنانه الشّخصي بصحّة الرّوايات ، وبأنّ كتابه للأجيال القادمة ، فهو لم يكن رجاليا فقط ولا محدثا فقط ، بل كان مجتهدا بتمام معنى الكلمة ، ومع ذلك قصر في المقام رحمه‌الله رحمة واسعة.


الأحاديث الأربعة كانت في كتاب الطاطري ، وكان موسى بن القاسم راويا لها ولجميع كتاب الطاطري عنه ، فحكم بأنّ الشّيخ روي كتاب الطاطري بسند صحيح ؛ ولذلك حكم بصحّة كلّ حديث بدأ الشّيخ في سنده بالطاطري.

ثمّ قال في ردّه : وهذا الاستنباط ضعيف ، إذ كما يحتمل ذلك ، يحتمل أنّه كانت هذه الرّوايات مأخوذة من كتاب درست ، ويؤيّده ما في الفهرست في ترجمة درست : من أنّ له كتابا رواه الطاطري.

ومن كتاب محمّد بن أبي حمزة ، أو من فوقهما ، وروي موسى بن القاسم ذلك الكتاب عن الطاطري عن درست ، أو من فوقهما ، ولم تكن تلك الرّوايات مذكورة في كتاب الطاطري أصلا ؛ إذ ليس كلّ من روى كتاب شيخ يلزم أن يذكر أخبار كتاب ذلك الشّيخ في كتاب نفسه ...

أقول : ما أفاده سيّدنا البروجردي متين ، لا مناص عنه.

ثمّ إنّ هنا بحثا آخرا ، وهو أنّ الشّيخ هل نقل كلّ روايات التهذيبين عن كتب وأصول من بدأ باسمه في رواياتهما ، أم هنا تفصيل؟

قال السّيد السيستاني (طال عمره) في محكي شرحه على مشيخة التهذيب ، كما في حاشية كتابه قاعدة لا ضرر ولا ضرار ، الّذي كتبه ابنه (دام توفيقه): (١)

إنّه ربّما يتصوّر ـ ولعلّه هو التصوّر السائد ـ أنّ جميع من يكون للشيخ طرق إليهم في المشيخة ، إنّما يروي الأحاديث المبدوءة بأسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة ، ولعلّ الأصل في هذا التصوّر هو عبارة الشّيخ نفسه في مقدّمة المشيخة ، ولكن هذا غير صحيح ، بل التحقيق أنّ رجال المشيخة على ثلاثة أقسام :

١. من أخذ الشّيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة ، وهم أكثر رجال المشيخة ...

٢. من أخذ الشّيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة ، وهو بعض مشايخ الكليني (٢) ومشائخ مشايخه ، كالحسين بن محمّد الأشعري ، وسهل بن زياد ، فهؤلاء إنّما

__________________

(١) انظر : الهامش قاعدة لا ضرر ولا ضرار : ١٤ و ١٥.

(٢) وقال السّيد أيضا : إنّ الشّيخ لم يذكر محمّد بن يحيى في فهرسته ، بل ذكره في رجاله ، ولكن النجّاشي عنونه ، وقال : له كتب منها كتاب مقتل الحسين وكتاب النوادر. فيستظهر من ذلك إنّ كتب محمّد بن يحيى لم تصل إلى الشّيخ قدّس سره لينقل منها مباشرة ، وإلّا فكيف لا يذكرها في الفهرست ، مع أنّ غايته فيه الاستيفاء قدر الإمكان ، كما يعلم من مقدمته. انظر : المصدر : ٢٠١.


ينقل الشّيخ رواياتهم بواسطة الكافي.

٣. من أخذ الشّيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة ، وبعضه الآخر من كتابه مع الواسطة وهم جماعة (١) ، منهم خمسة ذكرهم الشّيخ تارة مستقلا بصيغة : ومن جملة ما ذكرته عن فلان ...

وأخرى تبعا في ذيل ذكر أسانيده إلى آخرين بصيغة : ومن جملة ما ذكرته عن فلان ...

وهؤلاء هم : الحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد ، وأحمد بن محمّد بن عيسى والفضل بن شاذان وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فإنّ هؤلاء وإن نقل الشّيخ من كتبهم بلا واسطة ، ولكن نقل عنها أيضا بتوسط غيرهم ممّن ذكرهم بعد إيراد أسانيده إليهم.

فالبرقي ـ مثلا ـ قد ذكره الشّيخ مرّتين : تارة بعد ذكر أسانيده إلى الكليني بقوله : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن خالد ما رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ...

وذكر مرّة أخرى مستقلّا بقوله : وأمّا ما ذكرته عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، فقد أخبرني ....

فهذا يقتضي أنّه قدّس سره قد اعتمد في نقل روايات البرقي على كتابه تارة ـ وإليه ينتهي سنده الأخير ـ وعلى الكافي تارة اخرى ـ وإليه ينتهي سنده الأوّل ، وعلى هذا ، فلا يمكن لنا بمجرّد إبتداء الشّيخ باسم البرقي وأضرابه استكشاف أنّ الحديث مأخوذ من كتبهم مباشرة. انتهى كلامه.

ثمّ إنّ في القسم الثالث ، حيث ينقل الشّيخ روايات الشّخص من كتبه على نحوين : مباشرة تارة ومع الواسطة اخرى ، هل يمكن تمييز أحد النّحوين عن الآخر أم لا؟

ذكر السّيد المذكور أنّ ذلك ممكن في بعض هؤلاء ، ومنهم البرقي ، فإنّه متى ابتدأ به بعنوان أحمد بن محمّد بن خالد ، فالحديث مأخوذ من الكافي ، ومتى ابتدا به بعنوان أحمد

__________________

أقول : ويؤيده أنّه لا مصنف لمحمّد بن إسماعيل شيخ الكليني ظاهرا ، كما أشرنا إليه في ما مضي ، نعم ، الظاهر إنّ ترك ذكر محمّد بن يحيى وكتبه في الفهرست لأجل الغفلة لا لعدم وصول كتبه إلى الشّيخ ، فإنّ الظاهر من طريق المشيخة الثّاني إلى محمّد بن يحيى وصول كتابه إلى الشّيخ والفهرست متأخّرة تأليفا عن التهذيب ومشيخته.

(١) يعرفون من ملاحظة هذه المشيخته.


بن أبي عبد الله ، فالحديث مأخوذ من كتبه مباشرة ، وهذا مضافا إلى أنّه مقتضى ظاهر عبارة المشيخة ، حيث فرق بين القسمين في التعبير ، كما تقدّم فهو مقرون ببعض الشّواهد الخارجيّة.

منها : إنّ الملاحظ أنّ كلّ رواية في التهذيبين ابتدأ فيها الشّيخ بعنوان أحمد بن محمّد بن خالد (فهو) موجود في الكافي ـ كما تحققته بالتّتبّع. (١) وليس كذلك ما ابتدأ فيه بعنوان أحمد بن أبي عبد الله ، فإنّه قد يوجد في الكافي ، وقد لا يوجد فيه. (٢)

وبهذا يتجلّي صحّة ما ذكرناه من أنّه كلّما ابتدأ الشّيخ بعنوان : أحمد بن محمّد بن خالد ، فإنّه يكون قد أخذ الحديث من كتاب الكافي ، فلا يمكن عدّه مصدرا مستقلّا في مقابله ، انتهى كلامه.

أقول : ولما حقّقه ـ طال عمره ثمرة مهمّة أخرى التفت إليها أثناء إعداد هذا الكتاب في حد ذاتها للطبعة الخامسة ، وهي صحّة طرق الشّيخ في المشيخة إلى أحمد بن محمّد بن عيسى مثلا ، إذ المذكور في الطرق المذكورة إليه : «ومن جملة ما ذكرته عن احمد ...»

وهذا ، في حد ذاتها الجملة ، لكونها في قوّة الموجبته الجزئيّة ، لا تكفي لتصحيح جميع روايات أحمد في التهذيب ، بل بعضها غير المعين ؛ ولذا ذكرت في الطبعة الرابعة من البحوث إن طريق الشيخ إلى احمد بن عيسى غير معتبر. واما الآن فالجملة المذكورة تشمل جميع الروايات الّتي نقلها الشيخ عنه مستقلّا ، وهي ـ أي : الجملة المذكورة ـ ناظرة إلى عدم شمولها للروايات الّتي رواها الشيخ عنه بواسطة الكافي ومؤلّفه الكليني ؛ ولأجله حكمت بصّحة طريق الشيخ في المشيخة إليه فافهم جيدا ولله الحمد.

إذا تقرّر ، هذا فنرجع إلى شرح المشيخة.

قال الشّيخ قدّس سره : فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله ، فقد أخبرنا به الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن النعمان رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه رحمه‌الله عن محمّد بن يعقوب رحمه‌الله.

__________________

(١) لاحظ : ٣ ، ح : ٩١٠ ؛ ٦ ، ح : ٣٥٢ ، ٣٥٨ ، ٣٦٦ ، ٣٦٩ ، ٣٧٢ ، ٦٠٨ ، ٦٩٧ ، ٨٥٠ ، ٨٨٦ ، ١١٥٨ ؛ ٧ ، ح : ٢٨ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٥٦ ، ٦٥١ ، ٧٠٩ ؛ ٩ ، ح : ٣٧٣ ، ٤١٣ ، ٤١٥ ، ٤٦٥ ، ٤٦٧ ، ٤٧٠ ؛ ١٠ ، ح : ٦٧ ، ١١٥ ، ٢٠٨ ، ٢٦٢ ، ٤٥٢ ، ٨٠٣ ، ٨٠٥ ، ٨٧٢ ، ٩٠١ ، ٩٠٣ ، ٩٣١ ، ٩٣٧.

(٢) انظر : ١ ، ح : ١٠٥٦ ، ١١٤٤ ؛ ٢ ، ح : ٤١٥ ؛ ٣ ، ح : ٢٩٥ ، ٤٨٦ ، ٧١١ ؛ ٦ ، ح : ٢٥٨ ، ٣٢٩ ، ٨٧٨ ، و ١٠٦٠. ملاحظة : حرف الحاء يعني : الحديث.


وأخبرنا به أيضا لحسين بن عبيد الله (١) عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري ، وأبي محمّد هارون بن موسى التلعكبرى ، وأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، وأبي عبد الله أحمد بن أبي رافع الصيمري ، وأبي المفضل الشّيباني وغيرهم ، كلّهم عن محمّد بن يعقوب الكليني.

وأخبرنا به أيضا أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر ، عن أحمد بن أبي رافع وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز بتنيس (٢) وبغداد ، عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ، جميع مصنّفاته وأحاديثه سماعا واجازة ببغداد بباب الكوفة (٣) بدرب السلسلة سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

أقول : فهذه طرق ثلاثة للشيخ إلى الكليني ، الّذي وقع الاتفاق على وثاقته وأمانته.

أمّا الطريق الأوّل فهو صحيح معتبر ، فإنّ الشّيخ المفيد وابن قولويه ، كليهما من الأجلاء الثقات الامناء.

وأمّا الطريق الثّاني فأيضا صحيح فإنّ الحسين بن عبيد الله الغضائري ثقة أو حسن ، كما سبق. وأبو غالب أحمد بن محمّد بن محمّد المنسوب إلى زرارة ، فقد وثقه الشّيخ الطّوسي والنجّاشي ، وقال أنّه شيخ العصابة في زمنه وشيخ أصحابنا في عصره ، وهارون بن موسى التلعكبرى ثقة لتوثيق الشّيخ والنجّاشي إياه ، وكذا أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصيمري أبو عبد الله ثقة في الحديث صحيح الاعتقاد ، كما ذكره الشّيخ والنجّاشي ، وأمّا أبو المفضل الشّيباني فهو محمّد ، بن عبد الله بن محمّد وقال النجّاشي : وكان في أوّل أمره ثبتا ، ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه ... وعن الفهرست : كثير الرّواية حسن الحفظ ، غير أنّه ضعفّه جماعة من أصحابنا. (٤) وعن رجاله (٥) : كثير الرّوايه ، إلّا أنّه ضعفّه قوم.

أقول : فهو ضعيف لا يعتمد على حديثه.

والطريق الثالث مجهول على الأظهر ؛ لأنّ جميع ما قالوه في أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون لا يفيد وثاقته ، بل ولا مدحه فإنّ العمدة في توثيقه كونه من مشايخ النجّاشي ، وقد مرّ منا المناقشة في وثاقتهم.

__________________

(١) قال في الفهرست : ١٦١ : وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر كتبه من الكافي عن جماعة منهم أبو غالب ....

(٢) في الفهرست : بتفليس.

(٣) قيل : وكانت سكنى الكليني في بغداد في سنة ٣٢٧ بباب الكوفة في درب السلسلة.

(٤) الفهرست : ١٦٦.

(٥) رجال الشيخ : ٥١١.


والأقوى اعتبار الطريق وعدم اضرار جهالة ابن عبدون به ، كما سبق.

وأحمد بن أبي رافع قد مرّ انّه ثقة وعبد الكريم مهمل غير مذكور بذمّ ولا مدح ، وللشيخ طريق رابع إليه ذكره في فهرسته ، قال : وأخبرنا السّيد الأجل المرتضى عن أبي الحسين أحمد بن علي بن سعيد الكوفي عن الكليني.

أقول : أمّا السّيد المرتضى قدّس سره فوثاقته غنية عن البيان ، وأحمد مجهول الحال ، فالطريق غير معتبر.

إشكال ودفع

لقائل أن يقول إن للشيخ الطوسي رحمه‌الله إلى الشّيخ الكليني رحمه‌الله ، طرقا بعضها ضعيف ، بناء على إضرار جهالة شيخ الاجازة باعتبار الحديث. وبعضها معتبر ، فيحتمل أنّه رحمه‌الله روي بعض الأحاديث بالطريق المعتبر ، وبعضها بالطريق الضعيف ، ولا تصريح ولا قرينة في كلامه أنّه لا يروي إلّا بالطريق الصحيح ، كيف ولو كان نقله بالطريق الصحيح دائما لم يكن وجه لذكر الطرق الضعيفة؟ وحيث إنّه لا تمييز عندنا في ذلك يسقط جميع الأحاديث المنقولة منه من درجة الاعتبار. (١)

وهذا الإشكال غير مختصّ بالمقام ، بل يجري في كثير من أسانيد المشيخة والفهرست.

قلت : بل توجد في كلامه قرينة على أنّه يذكر جميع الأحاديث المنقولة عمّن يبدأ باسمه في التهذيبين بجميع طرقه المعتبرة وغير المعتبرة ، لا أنّه قد يروي بأحد الطريقين ، أو الطرق ، وقد يروى بالآخر منهما أو منها ، وهذه القرينة كلمة : (أيضا) المصدر بها الطريق اللاحقّ بعد السّابق ، فدقق النظر في عبارته.

بل أقوى من هذه القرينة هو ظهور عباراته في ذلك ، فإنّ قوله وأخبرنا بها بعد قوله أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ، ظاهر في ذلك ، بل هو المراد وإن فرض حذف الضمير المجرور (بها) والاكتفاء بقوله وأخبرنا ... بعد الطريق الأوّل فافهم ذلك.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، فقد رويته بهذه الأسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم.

وأخبرني أيضا برواياته الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري عن علي بن إبراهيم بن هاشم.

__________________

(١) وهذا مع قطع النظر عن تواتر الكافي ، كما لا يخفى.


أقول : الطريقان كلاهما معتبران.

أمّا الطريق الأوّل ، فقد عرفته ، وأمّا الطريق الثّاني فالمفيد حاله ظاهر ، والغضائري ثقة أو حسن ، وكذا الحسن بن حمزة فإنّه ثقة.

وقال في الفهرست بعد الطريق الثّاني ظاهرا : وأخبرنا بذلك الشّيخ المفيد قدّس سره عن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن وحمزة بن محمّد العلوي ومحمّد بن علي ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم إلّا حديثا واحدا استثناه (١) من كتاب الشّرائع في ، تحريم لحم البعير ، وقال لا أروي ؛ لأنّه محال.

وهذا الطريق الثالث أيضا صحيح.

وحمزة بن محمّد وإن لم يرد فيه توثيق ومدح ، إلّا انّه نقل عن التعليقة أنّه يكثر الصدوق رحمه‌الله من الرّواية عنه مترضيا. (٢)

أقول : وهو على فرض ثبوته أمارة المدح خلافا لسيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ، ومثله ماجيلويه ، بل يظهر أنّ ترضي الصدوق عنه أكثر من حمزة بكثير ، كما يظهر من البحث الثّاني عشر ، فهما حسنان. وقد ترحم عليه وترضى عنه ، ١٥ مرّة من مجموع ٢٣ مرّة ذكره.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن محمّد بن يحيى العطار ، فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى العطار.

وأخبرني أيضا الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيد القمّي جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه محمّد بن يحيى العطار.

أقول : محمّد بن يحيى شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث له كتب ، كما قال النجّاشي ، ثمّ إنّ الطربق الأوّل بأسانيده قد تقدّم بحثه ، وأمّا علي بن أحمد بن محمّد أبي جيد أبو الحسين في الطريق الثّاني ، فعن السّيد في الكبير : وظاهر الأصحاب الاعتماد عليه ، والطريق إليه يعدّ حسنا وصحيحا ، وعن الشّيخ الحرّ : والأصحاب يعدون حديثه حسنا وصحيحا. وعن البحراني : إن إكثار الشّيخ رحمه‌الله الرّواية عنه في الرجال وكتابي الحديث يدلّ على ثقته وعدالته وفضله ، كما ذكره بعض المعاصرين.

__________________

(١) الظاهر رجوع الضمير المرفوع إلى المفيد رحمه‌الله والله العالم.

(٢) ولاحظ : خاتمة مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٩٧ ، ذيل عنوان : حمزة بن محمّد القزويني العلوي. وقال : من مشايخ الصدوق يروي عنه مترضيا ، وقد نقل نسبه عن العيون إلى زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام. ولاحظ : عدد الترضّى عنه ، والترحيم عليه ، في البحث الثّاني عشر.


قال المامقاني : روي النجّاشي عنه في مواضع منها ترجمة الحسين بن المختار ، وكذلك الشّيخ قد أكثر الرّواية عنه في الفهرست ، فهو من مشائخ الشّيخ والنجّاشي ؛ ولأجله وثّقه السّيد الأستاذ رحمه‌الله.

أقول : في كلّ ذلك نظر ، والله العالم.

وأمّا أحمد بن محمّد يحيى ، فقد وثقه الشّهيد الثاني رحمه‌الله وغيره ، بل يظهر من أحمد بن نوح السيرافي التعويل عليه (١) ، لكن الفصل بين الشّهيد وأحمد ستمائة سنة أو ما يقرب منها ، فلا يحتمل احتمالا غير موهوم استناد مثل هذا التّوثيق إلى الحسّ. ولا سيّما لم يصل إلينا توثيق من سبقه إياه ، وأمّا التعويل فهو لا يفيدنا ؛ لأنّ جمعا من الضعفاء قد أكثر عنهم بعض الثقات الحديث وعولوا عليهم ، فهو أعمّ من التوثيق.

والعمدة في حسنه كثرة ترحّم الصدوق عليه وترضيه عنه ، أمّا الكبرى فقد تقدّم ذكرها في البحث الثّاني عشر ؛ وأمّا الصغرى فقد روي عنه الصدوق في معاني الإخبار (٢) في أربعة مواضع ، وأردف ذكره بالترضيّة في الثّلاثة الاولى. وفي توحيده في ستّة عشر موضعا ، مترضيّا ومترحما عليه في اثني عشر موضعا ، وهي في أبواب : السادس والتّاسع والحادي عشر ، والثّاني عشر والثامن والعشرين والثامن ، والثلاثين والثّاني والأربعين والخامس والأربعين ، والواحد والخمسين والخامس والخمسين ، والثالث والستّين.

وكذا أكثر الترضي عنه في مشيخة الفقيه. (٣)

فيظهر من هذا الاعتناء الشّديد جلالة أحمد المذكور وكبره في عين الصدوق ، ولا يحتمل من الصدوق مثل هذا التجليل والإكبار لمن لا يعلم أنّه كاذب مفتر على الله وخلفائه ، أم صادق ، بل يفهم منه أنّه كان ثقة صادقا جليلا عنده ، فالحكم بجهالة أحمد المذكور ، كما صدر عن سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ضعيف جدا.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن أحمد بن إدريس ، فقد رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن إدريس ، وأخبرني به أيضا الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله جميعا ، عن أبي جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري ، عن أحمد بن إدريس.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٦.

(٢) معاني الإخبار : ١٧٧ ، ٢٣٤ ، ٢٥١ و ٣٩٥ ، طبع المطبعة الحيدريّة ١٣٧٩.

(٣) ولعلّ عدد الترحيم والترضي عنه يتجاوز عن : ١٣٠ مرّة.


وفي الفهرست : أحمد بن إدريس أبو علي الأشعري القمّي كان ثقة في أصحابنا فقيها كثير الحديث صحيحه ، وله كتاب النوادر ، كتاب كثير الفائدة ، أخبرنا بسائر رواياته الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد بن جعفر بن سفيان البزوفري (١) ، عن أحمد بن إدريس ووثقّة النجّاشي أيضا.

ثمّ إنّ الطّريق الأوّل صحيح كما مرّ ، وأمّا الطّريق الثّاني ؛ فلأجل محمّد بن الحسين ضعيف ، فإنّ الرّجل مهمل ، وإن كان أبوه الحسين بن علي بن سفيان ثقة عند النجّاشي ؛ وأمّا إذا قلنا أنّ والد حسين هو سفيان دون علي ، فهو كابنه محمّد مهمل.

وفي المستدرك (٢) وخاتمة المستدرك (٣) عند ذكر المشائخ العظام : أبو جعفر محمّد بن الحسين البزوفري ، كما في أمالي أبي علي مكرّرا ، عن والده ، عن المفيد عنه مع الترحّم عليه ....

أقول : إن ثبتت نسبة الأمالي إلى الشّيخ أو ابنه ، وثبتت كثرة الترحّم عليه ، فالرجل حسن. لكن في صحّة نسبة الأمالي إلى مؤلّفها إشكال ، يأتي.

والطريق الثالث أيضا ضعيف بجهالة أحمد بن محمّد المذكور وإن وثّقه بعض العلماء ، وكيفما كان ، فهو مذكور في كتب الرجال باسم أحمد بن جعفر بن سفيان.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن الحسين بن محمّد ، فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد.

أقول : الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري ثقة ، والأسناد قد عرفت صحتها.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن محمّد بن إسماعيل ، فقد رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل.

أقول : السند صحيح ، وإنّما الكلام في محمّد بن إسماعيل ، وليس هو ابن بزيع الثّقة ، كما قيل : لأنّه أدرك الجواد والرضا والكاظم عليهم‌السلام ، وروي عنهم وليس في تمام الكافي رواية عن الكليني عن محمّد بن إسماعيل عن الإمام عليه‌السلام ، بل عن الفضل بن شاذان ، وهذا دليل على أنّه

__________________

(١) لاحظ : معجم رجال الحديث : ٢ / ٦٦. الطبعة الخامسة ، حيث حكم السّيد الأستاذ : بأنّ نسخة الفهرست المطبوعة غلط ، والصحيح أحمد بن جعفر ، وكلمة محمّد زائدة.

(٢) المستدرك : ٣ / ٥٢١ ،

(٣) خاتمة المستدرك : ٣ / ٢٤٤ الطبعة الحديثة.


غيره ، وأقوى منه الفصل البعيد بين الكليني وبين ابن بزيع ، (١) فأمره دائر بين البرمكي الّذي وثقة النجّاشي وضعّفه ابن الغضائري ، وبين النيسابوري المجهول ، كما هو الظاهر.

وكلّ ما قيل في اعتبار رواية النيسابوري غير قوي ، فالحقّ هو التوقف عن قبول الرّوايات الّتي فيه محمّد بن إسماعيل هذا.

ثمّ أنّي وقفت عند إعداد الكتاب للطبعة الرابعة على كلام جديد لسيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ، حيث قال : إنّ روايات الكليني رحمه‌الله عن الفضل بن شاذان في الأغلب لا تكون منحصرة بطريق محمّد بن إسماعيل ، بل يذكر كثيرا منضّما إليه : علي بن إبراهيم عن أبيه. وفي بعض الموارد مكان علي بن إبراهيم شخص آخر ، مثل : محمّد بن عبد الجبار أو محمّد بن الحسين وغيرهما ، وقد أحصينا هذه الموارد ، فبلغت أكثر من ثلاثمائة مورد.

ومن جهة أخرى أنّ الشّيخ رحمه‌الله ذكر في المشيخة طريقه إلى روايات الفضل ، فروي عن مشائخه عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل.

وبعض الرّوايات المذكورة في التهذيبين عن الفضل نفس الرّوايات ، الّتي ذكرها الكليني رحمه‌الله بطريق واحد يعني عن محمّد بن إسماعيل عن الفضل.

فيظهر من ذلك أنّ للكليني أكثر من طريق واحد إلى روايات الفضل ، وإنّما اكتفي بواحد منها في بعض الموارد اختصارا ، أو لغير ذلك ، وبهاتين الجهتين تصبح روايات الكليني عن محمّد بن إسماعيل معتبرة. (٢)

أقول : هذا الاستدلال ضعيف ، والمتيقن أنّ للكليني طريقان إلى جملة من روايات الفضل دون جميعها ، والقول : بأنّ الطريق الصحيح ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ـ طريق إلى جميع روايات الفضل بشهادة المشيخة ؛ ضعيف ، فإنّ الشّيخ قال فيها : ومن جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان ما رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ... (٣) فالطريق ليس طريقا إلى جميع ما رواه الشّيخ عن الفضل في التهذيب ، فضلا عن كونه طريقا إلى جميع روايات الفضل ، بل إلى جملة منه ، نعم ، سائر طرقه في المشيخة عامّة ، كما سيأتي على أنّه قد تقدّم عن السّيد السيستاني إنّ مثل هذا الطّريق ، وأمثاله ليس طريقا مستقلا

__________________

(١) خاتمة تنقيح المقال : ٣ / ٩٦.

(٢) معجم الرجال : ١٦ / ٩٩.

(٣) عرفت المراد الحقّ في هذه العبارة سابقا.


إلى كتب المؤلّفين ، بل هو طريق بواسطة الكليني وكتاب الكافي ، وإن الشّيخ يروي بواسطة الكافي روايات الفضل ، فافهمه جيّدا.

ثمّ إنّ بعض تلاميذ سيّدنا الأستاذ ذكر في كتابه أنّه هو الّذي انتقل ذهنه إلى هذا الوجه ، فذكر للسيد الأستاذ وأدرجه في الطّبعة الخامسة في معجم الرجال ، (١) وياليته لم يدرجه فيه ، لما يأتي بعد وريقات في بيان طريق الشّيخ إلى الفضل.

وقال هذا القائل : وورد في الكافي أكثر من ألف رواية عن محمّد بن إسماعيل ، وما رواه الكليني عن محمّد بن إسماعيل ، وما رواه الكليني عن محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان يبلغ خمسمائة رواية تقريبا ، وما يرويه عن محمّد بن إسماعيل عن غير الفضل يبلغ أربعمائة وثمان وسبعين.

كما انّه روي عن الفضل بغير واسطة محمّد بن إسماعيل يبلغ : (١٦) رواية.

أقول : الظاهر أن محمّد بن إسماعيل لا كتاب له ، فهو بالنسبة إلى روايات الفضل وكتابه شيخ إجازة ، وظاهر الحال أنّ كتب الفضل كانت مشهورة في عصر الكليني ، فلا يضرّ وساطة رجل مجهول بصحتها ، وإنّما أجازه عنه لمجرّد إخراج الرّوايات من المراسيل إلى المسندات فقط ، لا يقال : إذا فرضنا ضعف هذا الرجل ، فما هو المؤمّن من عدم دسّه في بعض روايات الفضل ؛ إذ لا دليل على أنّ الكليني طبقّ النسخ بعضها على بعض. فإنّه يقال : إنّ كتب الفضل لم تصل إلى الكليني من يد هذا الشّيخ ، بل من الأسواق والأفرد ، ولم يقل الكليني أنّه أخذ الفضل منه ، بل استجاز منه نقل الرّواية. والمهمّ إحراز شهرة كتب الفضل بين الناس من زمان الفضل إلى زمان الكليني.

كتب وسؤال التطبيق باق على فرض وثاقة المجينر وعدم وثاقته ، ولا جواب له سوى الاعتماد على إخبار الكليني رحمه‌الله فلا بأس بالاعتماد على رواياته إن شاء الله.

ثمّ إنّ السّيد الخوئي رحمه‌الله ذكر في بعض طبعات كتابه السّابقة إنّ روايات محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان تبلغ : ٧٦١ موردا ، ونقل في الطّبعة الخامسة عن بعضهم أنّ الكليني روى عنه زهاء ستمائة مورد.

وقال قدّس سره : وما ذكرته عن حميد بن زياد ، فقد رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن حميد بن زياد ، وأخبرني ايضا أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري عن حميد بن زياد.

__________________

(١) لاحظ كلامه في أصول علم الرجال : ٦٠٣.


وقال في الفهرست (١) : حميد بن زياد ... ثقة كثير التصانيف ... أخبرنا برواياته كلّها وكتبه ... (ذكر الطريق الثاني) وأخبرنا أيضا عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطة عنه ، وأخبرنا أيضا أحمد بن عبدون ، عن أبي القاسم علي بن حبشي بن قوني بن محمّد الكاتب ، عن حميد.

وفي رجال النجّاشي (٢) : كان ثقة واقفا وجها فيهم ، فالرجل موثق.

وقول العلّامة رحمه‌الله فالوجه عندي قبول روايته إذا خلت عن المعارض ، مبني على ترجيح رواية الأوثق على الثّقة ، ورواية الثّقة على الموثق عند التعارض ، أو قصر حجيّة روايات غير الإمامي على صورة عدم تعارضها مع روايات الإماميّة.

وكلا الوجهين لا يمكن اتمامهما بدليل.

ثمّ إنّ الطريق الأوّل بأسانيده قد اتّضح حاله ؛ وأمّا الطريق الثّاني ، ففي أبي طالب الأنباري ، وهو عبد الله بن أبي زيد كلام طويل ضعفه الشّيخ الطوسي قدّس سره ، ووثقه النجّاشي وغيره ، ويشكل الاعتماد على رواياته ، وابن عبدون مجهول ، فالطريق الثّاني ضعيف.

ومثله الطّريق الثالث : فإنّ أبا المفضل قد مرّ ضعفه ، ومحمّد بن جعفر بن بطّة أيضا لا يعتمد عليه لشهادة ابن الوليد عليه فلاحظ ؛ وأمّا العدّة من أصحابنا ، ففيها المفيد رحمه‌الله ظاهرا مع أنّه لا يحتمل ضعف جميعهم ، بل نطمئن بصدق إخبارهم ، ولو بصدق بعضهم ، وقد أشير إليه فيما مضى أيضا.

والطريق الرابع أيضا ضعيف ، فإنّ علي بن حبشي ، مثل : ابن عبدون مجهول.

والعمدة في اعتبار روايات الشّيخ عنه ، هو الطريق الأوّل.

قال قدّس سره : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، ما رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد عيسى.

أقول : أحمد بن محمّد عيسى ثقة بتوثيق الشّيخ في رجاله ، والطريق أيضا معتبر ، لكن هذا المقدار غير مفيد ؛ لأنّ نحكم بصحّة جميع الرّوايات الّتي رواها الشّيخ عنه ؛ إذ ليس جميعها مرويّة بهذه الأسانيد الثّلاثة ، بل من جملة ما ذكره عنه ما يكون بها. (٣)

__________________

(١) الفهرست : ٨٥.

(٢) رجال النجاشي : ١٠٢.

(٣) واستظهر من عبارة العلّامة عدم الفرق بين قول الشّيخ : (ومن جملة ما ذكرنا) ، وبين قوله : (وما ذكرته) ، وهو ضعيف جدّا ، فإنّ الأوّل يدلّ على الموجبة الجزئيّة ، والثّاني مطلق يفيد الموجبة الكلّيّة. لكن حقّ مراد الشيخ ما عرفت منّا سابقا.


بل الظاهر أنّه ليس بطريق مستقلّ من الشّيخ إليه ، بل إلى الكليني ومن طريق الكليني إليه. وأمّا طريق الشيخ إلى ساير أحاديث أحمد من دون طريق الكليني ، فسيأتي بعد ذلك ، فلا إشكال في الطريقين.

وقال قدّس سره : بعد ذكر أسناده إلى محمّد بن علي بن محبوب : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن عيسى ما رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمّد ، والأسناد هكذا : قد أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، عن أبيه محمّد بن يحيى عن محمّد بن علي بن محبوب.

أقول : الطريق حسن على الأظهر ، ولكنّه غير نافع للعموم ، كما عرفته. (١)

وقال قدّس سره : في موضع ثالث من المشيخة : وما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن عيسى الّذي أخذته من نوادره ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن الحسن بن حمزة العلوي ومحمّد بن الحسين البزوفري جميعا ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، وأخبرني به أيضا الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيد جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه محمّد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

أقول : الطريق الأوّل معتبر لوثاقة الحسن وابن إدريس ، والطريق الثّاني حسن كما مرّ ، وكيفما كان فجميع ما روي الشّيخ عن نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى معتبر سندا ، ولكن تمييز روايات النوادر عن غيرها من كتب أحمد المذكور في التهذيبين عند عدم تصريح الشّيخ به (٢) غير ميسور. (ولا ثمرة له)

وقال في الفهرست (٣) أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا ، منهم الحسين بن عبيد الله ، وابن أبي جيد ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، عن أبيه وسعد بن عبد الله عنه

__________________

(١) بملاحظة ما حققه السّيد السيستاني ، وما علّقت عليه في آخر مقدّمة هذا البحث ظهر كفاية هذا الطريق المعتبر لعموم روايات أحمد المذكور وان المراد ب : من جملة ما ذكرته ... رواياته المرويّة بغير وساطة الكليني رحمه‌الله فافهم واغتنم ولله الحمد ، ج : ٢ / ١٤٣١ ، ١٢ / ٢ / ٨٩ ش.

(٢) واعلم : أنّه لا يعتمد على نسخة النوادر المطبوعة أو المخطوطة مستقلة عمّا رواه الشّيخ ، فما رواه عنها الحرّ في وسائله ، والنوري في مستدركه ، غير معتبر ، لعدم وصول النسخة بسند معتبر إلى المجلسي ، والحرّ العاملي وغيرهما رحمه‌الله ، وسيأتي تفصيل هذا الموضوع في البحث الثّاني والخمسين ، إن شاء الله.

(٣) الفهرست : ٤٩.


وأخبرنا عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد جميعا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

وروي ابن الوليد المبوبة ـ وهو كتاب النوادر كما يظهر من صدر كلامه ، فراجع ـ عن محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد بن إسماعيل ، عن أحمد بن محمّد.

أقول : إنّ كلمة سعد عطف على أبيه في الطريق الأوّل في الفهرست ، لا على أحمد وعلى كلّ ، يكون الطريق معتبرا.

والطريق الثّاني فيه نظر ؛ لأنّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ؛ لا نوثقه بتوثيق ابن طاووس في محكي فرج الهموم في النجوم ؛ لعدم احتمال عقلائي في استناد توثيقه إلى الحسّ بعد الفصل بينه وبين أحمد بأكثر من ثلاثمائة سنة ، وعدم وجود السلسلة المستقلة إلى زمانه كوجودها إلى زمان الشّيخ والنجّاشي فتأمّل.

وأمّا توثيق الشّهيد الثّاني وغيره ، فعدم الاعتماد عليه ـ رغم إنكار المامقاني ـ أظهر كما لا يخفى.

وفي المستدرك (١) : قال السّيد السند في تلخيصه : لم أر إلى الآن ولم أسمع من أحد تأمّل في حديثه ويروي عنه الشّيخ المفيد كثيرا ، والحسين بن عبد الله ... وهذا ما يوجب الاحتياط في رواياته وعدم ردها. وعن السّيد بحر العلوم في رجاله (٢) ؛ ولذا اتفقوا على صحّة (روايات) أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد مع اعترافهم بعدم التنصيص على توثيقه.

وقال السّيد المذكور رحمه‌الله : والحاصل أنّه لا خلاف في صحّة رواية أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، ودخوله في القسم الصحيح بالمعنى المصطلح ، وإن اختلف في الوجه المقتضى للصحة ، فقيل الوجه فيه كونه ثقة. وقيل : بل من مشائخ الإجازة وخروجه عن سند الرّواية في الحقيقة.

وعلى الأوّل ، فالوجه في التوثيق : إما شهادة الحال بتوثيق مثله نظرا إلى ما يظهر من الشّيخ والمفيد رحمه‌الله وغيرهما من الثقات الأجلاء من الاعتناء به والإكثار عنه ، أو مجرّد رواية الثّقة ، كما ذهب إليه جماعة من علماء الاصول ، أو دلالة تصحيح الحديث من أصحاب الاصطلاح على توثيقه أو توثيق الشّهيد الثاني رحمه‌الله ، وغيره من المتأخّرين بالقياس إلى من تأخّر عنهم. (٣)

__________________

(١) المستدرك : ٣ / ٧٨٠.

(٢) هامش ، خاتمة المستدرك : ٧٢١ ، الطبعة القديمة.

(٣) رجال بحر العلوم : ٢ / ٢٠.


أقول : الواقف على كتابنا هذا يعلم أنّ هذه الوجوه لا تفيد توثيقا ، لكن القلب لا يرضى بردّ رواياته ، فلا بدّ من الأخذ بها من باب الاحتياط هذا ، ولكن كونه شيخ إجازة للمفيد يوجب اعتبار رواياته إذا فرضنا شهرة الكتب الّتي هي مصادر رواياته ، من زمن مؤلّفيها إلى زمن المفيد ، وهكذا قلنا في حقّ محمّد بن إسماعيل شيخ الكليني.

والطريق الثالث معتبر وإن كان الحسن بن محمّد بن إسماعيل مجهولا أو مهملا ، فقد ثبت إنّ جميع ما يرويه الشّيخ عن أحمد بن محمّد عيسى معتبر السند ؛ لأجل الأسناد الثاني في المشيخة والإسناد الأوّل في الفهرست (١). وهنا طريق آخر إلى تصحيح إسناد الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى ، مع قطع النظر عن حسن أحمد بن محمّد بن يحيى المذكور ، وهو ما ذكره السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله. (٢)

قال : وللشيخ إليه طرق في المشيخة ، وفي كلّ طريق يذكر جملة ممّا رواه. وقد يتخيّل أنّ بعض تلك الطّرق ضعيف بأحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، وحينئذ يتوقّف في كلّ ما يرويه في التهذيب عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ لاحتمال أن يكون ما يرويه من جملة ما يرويه بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيى ...

ولكن ذلك بمكان من الفساد ، والوجه في ذلك هو أن الجملة التي يرويها الشّيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيى ، إنّما يروي عنه عن أبيه عن محمّد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري.

وقد ذكر في الفهرست في ترجمة محمّد بن علي بن محبوب إنّ جميع ما رواه عن محمّد بن علي بن محبوب بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه عنه فله إليها طريقان آخران أحدهما ضعيف ... ثانيهما صحيح ... وعليه يكون طريق الشّيخ إلى جميع رواياته عن أحمد بن محمّد بن عيسى صحيحا في المشيخة. انتهى كلامه الشّريف.

أقول : إذا كان أحمد العطار ضعيفا لا يثبت لنا أنّ محمّد بن علي بن محبوب ، روى عن أحمد بن محمّد بن عيسى رواياته ، حتّى تصحّ بصحّة طريق الشّيخ إليه ، فلعلّ أحمد كذب على محمّد بن علي بن محبوب.

__________________

(١) بل ولأجل الأسناد الثّاني أيضا على وجه سبق في المتن.

(٢) معجم رجال الحديث : ٢ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.


وثانيا ، وهو العمدة ، إنّه لا يستفاد من المشيخة أنّ جميع ما يرويه الشّيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى داخل في الأسانيد المذكورة فيها ، فلعلّه لم يذكر أسناد جميع ما يرويه عنه ، بل يذكر أسناد بعض ما يرويه ، فتسقط جميع رواياته عن أحمد الأشعري عن درجة الاعتبار ، كما لا يخفى. (١)

وقد أهمل السّيد الأستاذ هذا الإشكال المهم ، ويرد عليه ايضا ما تقدّم عن السيّد البروجردي موردا على الأردبيلي مؤلّف جامع الرواة من فقدان الدليل على ذكر جميع روايات أحمد بن محمّد بن عيسى في كتب محمّد بن علي بن محبوب ، وكيف كان فالذي أفاده الأستاذ ضعيف ، والعمدة في اعتبار سند الشّيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى على نحو الإطلاق ، حسن أحمد العطار ، كما أثبتناه.

لكن مرّ عن قريب أنّ صحّة السند في الفهرست لا تصحح سند روايات التهذيبين ، إلّا أنّ الأستاذ قدّس سره كغيره غافل عن هذه الجهة ظاهرا ، وما أفاده لم يكن متوقّعا منه ، وعلى كلّ لا بدّ لصحة طريق الشّيخ إلى أحمد المذكور من إلتماس وجه آخر. وقد حصّلناه من جهة أخرى ذكرنا في الحاشية السابقة ولله الحمد.

وينبغي أنّ يعلم أنّ ما رواه الشّيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى يقرب من مئتين وألف كما ذكر السّيد البروجردي في حاشية مقدّمته على جامع الرّواة.

تتمة

قال الشّيخ بعد ذكر أسناده إلى الصفّار : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد ما رويته بهذا الأسناد ، عن محمّد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمّد.

أقول : والأسناد عبارة عن المفيد ، وابن الغضائري ، وابن عبدون ، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، وعن ابن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفّار ، وهذا الأسناد بمجموعه لا يبعد حسنه.

لكن لم يذكر أنّ أحمد بن محمّد ، هل هو حفيد الخالد أو عيسى أو غيرهما ومثله ما ذكره بعد أسناده إلى سعد بن عبد الله.

قال قدّس سره : ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمّد بن خالد ما رويته ، بهذه الأسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد.

__________________

(١) وعدم ذكر الأسناد إلى أحد من الشّيخ في المشيخة غير عزيز ، كما يعرفه أهل التتبع في التهذيبين.


أقول : الأسناد معتبر وأحمد هذا أيضا ثقة في نفسه ، لكن الإشكال فيه كالإشكال في سابقه فإنّ صحّة طريق الشّيخ إلى بعض رواياته عنه ، لا يفيد صحّة جميع رواياته عنه ، لو لم يعلم طرقه الآخر ، بل يسقط كلّها عن درجة الاعتبار لعدم التمييز ، وإنّما يرفع الإشكال في الموردين بما مرّ في تعليقتين سابقتين.

وقال في أواخر المشيخة بعد ذكر أسناده إلى علي بن مهزيار : وما ذكرته عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله ، عن أبي الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله ، عنه.

وأخبرني أيضا الشّيخ عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن الوليد ، عن سعد بن عبد الله والحسين ، عن أحمد بن أبي عبد الله.

وأخبرني به أيضا الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد الزراري ، عن علي بن الحسين السعدأبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله.

قال في الفهرست (١) ، في ترجمة أحمد البرقي المذكور :

أخبرنا بهذه الكتب كلّها وبجميع رواياته عدّة من أصحابنا ، منهم الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون ، وغيرهم ، عن أحمد بن سليمان الزراري (٢) ، قال : حدثنا مؤدبي علي بن الحسين السعدأبادي أبو الحسن القمّي ، قال حدثنا أحمد بن أبي عبد الله.

أخبرنا هؤلاء الثّلاثة ، عن الحسن بن حمزة العلوي الطبري ، قال حدّثنا أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي ، قال حدّثنا جدّي أحمد بن محمّد.

وأخبرنا هؤلاء إلّا الشّيخ أبو عبد الله ـ وغيرهم ، عن أبي المفضل الشّيباني ، عن محمّد بن جعفر بن بطة ، عن أحمد بن أبي عبد الله بجميع كتبه ورواياته.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله بجميع كتبه ورواياته ، انتهى.

فهذه سبعة طرق.

أقول : الطريق الأوّل : فيه الاحتياط السّابق ؛ لأجل أحمد بن محمّد بن الوليد ، لكنّه شيخ

__________________

(١) الفهرست : ٤٥.

(٢) أحمد بن محمّد الراوندي ، وأحمد بن سليمان الزراري واحد ، وهو ثقة ، نعم ، سليمان اسم جدّه لا اسم أبيه.


إجازة فلا تضر جهالته بصحّة المتون ، إذا فرضنا شهرتها بين أهل العلم من زمان المؤلّف إلى زمان المفيد رحمه‌الله. لكن إحراز الشهرة مشكل.

والطريق الثّاني : صحيح كما هو ظاهر.

والثالث : فيه : علي ابن الحسين السعدأبادي ، ولا دليل على وثاقته.

وأمّا الطريق الرابع والسادس فضعيفان ؛ لأجل الشّيباني وابن بطة.

والسابع : فيه : ابن أبي جيد ، والخامس عندي مشكوك بجهالة أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي. (١)

وبالجملة : جميع ما رواه الشّيخ عن أحمد البرقي معتبر.

قال قدّس سره : ومن جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان ما رويته بهذه الأسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان.

أقول : السند صحيح ظاهرا ؛ لأن إبراهيم ثقة أو حسن ، والفضل نفسه ثقة أيضا ، لكن مثل هذا الطريق كما عرفت غير مفيد ، (٢) على أنّ الشّيخ اشتبه في فهم أسانيد الكافي اشتباها ظاهرا ، والمراجع إلى الكافي يجزم بعدم رواية إبراهيم ، عن الفضل ، وأنّ الطريقان المذكوران في عرض واحد ، ولكن جعلها الشّيخ طريقا واحدا ، وهذا الاشتباه من مثله عجيب وإن كان ذا مشاغل متنوعة مختلفة كثيرة.

وقال الشّيخ في أواخر المشيخة : وما ذكرته عن الفضل بن شاذان ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن أبي محمّد بن (٣) الحسن بن الحمزة العلوي الحسيني الطبري ، عن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، عن الفضل بن شاذان.

__________________

(١) يقول السّيد الأستاذ رحمه‌الله بعد احتمال اتّحاده مع أحمد بن عبد الله بن أميّة : يظهر من النجّاشي في ترجمة محمّد بن خالد بن عبد الرحمن أنّ عبد الله ، هو ابن أحمد ابن أبي عبد الله محمّد بن خالد البرقي ، وكذلك في كمال الدين للصدوق ...

وحينئذ يكون أحمد حفيد البرقي لا ابن بنته ، فلم يذكر أحمد هذا بمدح ولا بقدح. انظر : معجم رجال الحديث : ٢ / ١٣٦. وللسيد البروجردي حول الرجل تحقيق لاحظ : الموسوعة الرجالية : ١ / ١١٦ و ١٤٨ ، وغيرهما الطبعة الاولى.

(٢) نعم ، هو مفيد بملاحظة ، ما تقدّم من كشف المراد من كلمة : «من جملة» في المشيخة.

(٣) هكذا في نسختي من المشيخة ، والظاهر ان كلمة ابن في المقامين من اشتباه مرتّب المطبعة.


وروي أبو محمّد بن (١) الحسن بن حمزة ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الفضل بن شاذان ، وأخبرنا الشّريف أبو محمّد الحسن بن أحمد بن القاسم العلوي المحمّدي ، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن الفضل بن شاذان.

الطريق الأوّل من هذه الطرق الثّلاثة ضعيف ، فإنّ الحسن العلوي وإن كان ثقة ، كما مرّ لكن علي بن محمّد بن قتيبة لم يثبت وثاقته ولا مدحه ، ومجرّد توصيف الشّيخ إيّاه بالفاضل لا يكون مثبتا لصدقه. نعم ذكر النجّاشي اعتماد الكشّي عليه لكن النجّاشي نفسه صرّح في ترجمة الكشي : إنّه روي كثيرا عن الضعفاء ، فالحقّ إنّ الرجل مجهول.

والثّاني منها صحيح ، إن كانت الواسطة بين الشّيخ وبين الحسن هؤلاء الثّلاثة ، أو المفيد وحده ، أو ابن الغضائري.

والطريق الثالث حسن فإنّ الحسن بن أحمد حسن ، لقول النجّاشي إنّه سيّد الطائفة والصفواني ثقة.

وهذان الطريقان الثّاني والثالث هما المشكلة الرئيسة في المقام ؛ إذ فيهما رواية إبراهيم عن الفضل ، وهو غلط ولا يسهل نسبته إلى فهم الشّيخ ، كما قلنا به في أوّل هذا المطلب ، ولا أدري ما أقول فيه ، وأنا متحيّر فيه ، فمن جهة أجزم ببطلان رواية إبراهيم بن هاشم ، عن الفضل من ملاحظة الكافي. ومن جهة أخرى ذكرها الشيخ في الطريقين المذكورين بالحس رواية إبراهيم ، عن الفضل.

وقال في الفهرست بعد عدّ كتبه (٢) : أخبرنا برواياته وكتبه هذه أبو عبد الله المفيد رحمه‌الله ، عن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس ، عن علي بن محمّد بن قتيبة عنه : ورواها أيضا محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن حمزة بن محمّد العلوي ، عن أبي نصر قنبر بن علي بن شاذان ، عن أبيه عنه.

أقول : الطريقان ضعيفان ، فإنّ في الأوّل ابن قتيبة ، وقد مرّت جهالته ، وفي الثّاني قنبر ـ وقيل : قنبرة ـ بن علي وهو لم يوثّق ولم يمدح ، نعم ، حمزة يمكن القول بحسنه ؛ لأجل كثرة ترحّم الصدوق عليه.

__________________

(١) لاحظ : التعليقة السابقة ، وقلنا فيها بزيادة كلمة : ابن.

(٢) الفهرست : ١٥١.


تحقيق وتنقيب

وقع إبراهيم بن هاشم في أسناد كثيرة من الرّوايات تبلغ (٦٤١٤) ، وقد روي عن مشائخ كثيرين يبلغون زهاء (١٦٠) شخصا ، كما في معجم الرجال.

وقال العلّامة رحمه‌الله في محكي خلاصة الأقوال :

لم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ، ولا على تعديل بالتنصيص ، والروايات عنه كثيرة ، والأرجح قبول روايته.

واستدلّ سيّدنا الأستاد الخوئي على وثاقته بوجوه :

١. إدّعاء ابن الطاووس في فلاح السائل الاتّفاق ، على وثاقة رواة رواية ، هو فيهم.

٢. إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقمّ ، والقمّيون قد اعتمدوا على رواياته ، وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث ، فلو كان فيه شائبة الغمز ، لم يكن يتسالم على أخذ الرّواية عنه.

٣. روي عنه ابنه على في تفسيره ، وقد وثّق كلّ من روي عنه عن المعصوم في تفسيره.

٤. روي عنه ابن قولويه في كامل الزيارات ، وكلّ من وقع في أسناده فهو ثقة بتوثيق ابن قولويه.

أقول : هذه الوجوه ضعيفة عندي ، لكن ردّ رواياته بادعاء الجهالة ، لا يتيسر لي ، فلا بدّ من الاحتياط في أمثال هذه الموارد المشكلة.

ثمّ إنّه لم يثبت رواية إبراهيم هذا عن الفضل بن شاذان ، إلّا في مورد واحد في التهذيب (١) لكنّه غير سالم كما يظهر من سند الكافي. وبتعبير أخر إنّ الشّيخ رحمه‌الله اشتبه اشتباها واضحا في تركيب سند الكافي : علي عن أبيه ، ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ... حيث زعم أنّ كلمه محمّد بن إسماعيل عطف على كلمة أبيه ، وأنّ محمّد بن إسماعيل وإبراهيم بن هاشم يرويان معا عن الفضل لعلي.

وهذا غريب عجيب! لا ينبغي صدره من أهل العلم فضلا ، عن مثل الشّيخ ، وهو أستاذ العلماء.

والحقّ الّذي لا ريب فيه أنّ محمّد بن إسماعيل عطف على كلمة على وإنّ الكليني يروي بسندين في عرض واحد ، عن ابن أبي عمير مثلا ، وإنّ عليّا ومحمّدا كلّ منهما شيخ للكليني ، وهو يروي عنهما منفردين ومجتمعين ؛ ولذا عقب الكليني قوله : عن الفضل بن

__________________

(١) انظر : ١ / ٩ ، ح : ١٩.


شاذان ، في كثير من الموارد بكلمة : جميعا ، وهو صريح في أنّ من يروي عن ابن أبي عمير في ذلك السند ليس هو الفضل وحده ، بل معه غيره : وهو إبراهيم بن هاشم ، وكأنّ الشّيخ لكثرة مشاغله غفل عن كلمة جميعا في جملة من روايات الكافي ، فلاحظ. (١)

وممّا يزيل الشّك عمّا قلنا ما في جملة من أحاديث الكافي ، عن محمّد بن أسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، وعلي بن إبراهيم ، عن ابيه بتأخير رواية علي عن أبيه ، في الذكر ، عن رواية محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، هذا نصّ في بطلان ما زعمه الشّيخ رحمه‌الله ، ومن تبعه من بعض المعاصرين وغيره ، فلاحظ الكافي (٢) :

قال قدّس سره : ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته :

١. بهذه الأسانيد عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب. (٣)

٢. وقال أيضا في موضع آخر : وما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما أخذته من كتبه ومصنّفاته ، فقد أخبرني بها أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأزدي ، عن الحسن بن محبوب.

٣. وأخبرني به أيضا الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون ، عن أبي الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه محمّد بن الحسن ، وأخبرنى به أيضا أبو الحسين بن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ومعاوية بن حكيم والهيثمّ بن أبي مسروق ، عن الحسن بن محبوب.

٤. وقال بعد ذكر الأسناد إلى محمّد بن علي بن محبوب : ومن جملة ما رويته (٤) عن الحسين بن سعيد والحسن محبوب ، ما رويته بهذا الأسناد عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد عنهما جميعا.

والأسناد عبارة عن أخبار الغضائري ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبيه عن

__________________

(١) الكافي : ١ / ٤٧ ؛ ٢ / ٧٥ ؛ ٣ / ٢ ؛ ٤ / ٣٤ ؛ ٥ / ٧٣ ؛ ٦ / ٥ ؛ ٧ / ١٠ ؛ ٨ / ١٦٣.

(٢) المصدر : ١ / ٤٠٩ ؛ ٢ / ٦٦٢ ؛ ٣ / ١٨ ـ ٦٣ ؛ ٤ / ٢٦٢ ؛ ٥ / ٣٢٠ ، ٤٧٨ ؛ ٦ / ١٠٠ ؛ ٧ / ٤.

(٣) هذا الطريق مخصوص برواياته في الكافي كما نبّه عليه السيد السيستاني سلّمه الله تعالى ، فيما سبق.

(٤) هذا الطريق مختص إلى كتبه ورواياته كما صرّح به في الطريق الثاني السابق ، وقوله ... من جملة ما رويته ، مخرج لرواياته من الكافي ، وليس مخرّجا رواياته الأخرى ، كما يستفاد من كلام السيّد السيستاني السابق.


محمّد بن علي بن محبوب ، وفي مشيخة الاستبصار بدل لفظ من جملة ما رويته : من جملة ما ذكرته ، وليس لفظ : (جميعا) في مشيخة الاستبصار.

٥. وقال بعد ذكر أسناده إلى سعد بن عبد الله : ومن جملة ما ذكرته ، عن الحسين بن سعيد ، والحسن بن محبوب معا ، ما رويته بهذا الأسناد عن أحمد بن محمّد ، عنهما جميعا ، والاستبصار خال عن كلمة : (معا) وكلمة : (جميعا). (١) والأسناد عبارة : عن أخبار المفيد ، عن جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، وعبارة عن أخبار المفيد ، عن الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد.

٦ ، ٧. وقال بعد ذكر أسناده إلى نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته بهذا الأسناد عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب.

والأسناد طريقان أحدهما صحيح والآخر حسن على الأظهر ؛ لحسن أحمد العطّار ، كما مرّ فهذه سبعة طرق من الشّيخ إلى الحسن بن محبوب في مشيخته.

والطريق الثالث له فرعان ، لكن في مشيخة الاستبصار جعل الفرعين المذكورين طريقين ؛ لأنّه قال : وأخبرني أيضا الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن نعمان رحمه‌الله والحسين بن عبد الله وأحمد بن عبدون ، عن أبي الحسن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسن بن محبوب.

فأكمل الطريق برواية ابن الوليد عن الحسن ، وسوق العبارة أيضا قاضية بما في الاستبصار ، فمن الممكن إسقاط جملة : عن الحسن بن محبوب ، بعد اسم ابن الوليد من مرتب المطبعة في كتاب التهذيب ، فيكون طرق الشّيخ إليه ثمانية.

لكن في مشيخة التهذيب (٢) في آخر التهذيب (٣) والاستبصار (٤) معا بعد ذكر سنده إلى محمّد بن الحسن الصفّار قال :

ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب والحسين بن سعيد ما رويته بهذا الأسناد عن أحمد بن محمّد عنهما جميعا ، والأسناد طريق واحد له فرعان كما مرّ أوّلا من التهذيب ، فيمكن أن نجعل هذه العبارة المذكورة في الكتابين قرينة على زيادة (عن الحسن بن محبوب) ، في : مشيخة الاستبصار.

__________________

(١) وهذا هو الظاهر إذ لم يرو الشّيخ في التهذيبين عنهما معا بشهادة الكامبيوتر.

(٢) مشيخة التهذيب : ٧٣.

(٣) المصدر : ١٠.

(٤) الاستبصار : ٣١٧.


وممّا يؤيّد زيادة الجملة المذكورة في الاستبصار من مرتب المطبعة ، أنّي لم أجد من قال برواية ابن الوليد عن ابن محبوب ، فلاحظ ترجمة هذين الرجلين الثقتين الجليلين في الكتب الرجاليّة. وهذا هو الأظهر ، بل هو المتعيّن لعدم إمكان رواية ابن الوليد عن الحسن بن محبوب ، فإنّه توفّي في آخر سنة ٢٢٤ ه‍ ، وتوفّي ابن الوليد في سنة ٣٤٣ ه‍ ، فإذا كان عمر بن الوليد حين وفاة الحسن ١٦ سنة يكون مجموع عمره ١٣٥ ، وهو كما ترى! فتأمّل.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الطريق الأوّل معتبر كما مرّ مرارا ، والحسن نفسه ثقة جليل جدّا ، بل وثاقته إجماعيّة ، لكن هذا الطريق خاصّ بما رواه الشّيخ بواسطة كتاب الكافي عنه ، ولا ينفع لصحه ما رواه عن كتبه ومصنّفاته ، ومع الشك يسقط الكل من الإعتبار.

والطريق الثّاني ضعيف ؛ لأنّ أحمد بن عبدون وعلي بن محمّد القرشي ، لم يثبت وثاقتهما ولا مدحهما ، نعم ، أحمد بن الحسين ثقة.

وأمّا إذا كان الرّاوي هو الحسين كما يظهر من الفهرست ، وسيأتي دون ابنه ، فهو مجهول أيضا ، إلّا أن يقال : إنّهم مشائخ إجازه في هذا المقام ، والشّيخ أخذ الرّوايات من كتب الحسن ، كما صرّح به وكان مطمئنا بها ، وإنّما أخذ الإجازة حذرا من الإرسال والوجادة.

قلت : نعم ، لكن لا نطمئن باطمئنان الشّيخ بصحّة النسخة الواصلة اليه من كتبه ؛ وذلك لبعد الفصل الزماني بينهما.

والطريق الثالث لا يبعد حسنه لاجتماع أحمد وابن أبي جيد فيه ، خصوصا إذا فرضنا هما شيخا إجازة ، ولا سيّما إذا أضفنا إليهما ابن عبدون والقرشي في الطريق الثّاني ، ومعاوية بن حكيم ثقة ، والمراد من أحمد بن محمّد في هذا الطريق ـ أي : الطريق الثالث ـ هو ابن عيسى دون البرقي ؛ لتصريح الشّيخ رحمه‌الله به في فهرسته. وأمّا الهيثمّ بن أبي مسروق الواقع في هذا الطريق ، فعن الكشّي نقلا عن شيخه حمدويه : لأبي مسروق ابن ، يقال له : الهيثمّ ، سمعت أصحابي يذكرونهما (بخير) كلاهما فاضلان.

أقول : هكذا نقله سيّدنا الأستاذ في معجمه (١) عن رجال الكشّي جاعلا كلمة : خير ، بين القوسين فإن كان المراد منه أنّها مذكورة في بعض نسخ رجاله دون جميعه ، فلا نحكم بحسن الهيثمّ ؛ لأنّ مجرّد فضله لا يدلّ على صدقه ، وإن كان المراد منه غير ذلك ، أو كان من تصرف

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١٩ / ٣٨٧.


المطبعة ، فخيريّته تدلّ على وثاقته أو حسنه على الأقل ، إذ الكاذب أو المجهول لا يذكرونه بخير ، وعلى كلّ نسختي من الكشّي مشتملة على تلك الكلمة. (١)

وأمّا حمدويه ، فهو اسم لرجلين ظاهرا في هذه الطبقة أوّلهما حمدويه بن نصير الشّاهي ، الّذي قال الشّيخ في رجاله في حقّه : عديم النظير في زمانه كثير العلم والرواية ، ثقة.

وثانيهما حمدويه ابن نصير الكشّي من مشائخ الكشي ، ويروي عنه في رجاله كثيرا ، ولم يوثّقه أحد ، لكن سيّدنا الأستاذ استظهر في معجمه (٢) اتّحاده مع سابقه ، وهو غير بعيد ، فالرّجل ثقة.

والرابع حسن ، والخامس معتبر صحيح ، وأبو جعفر أعني محمّد بن قولويه أيضا ثقة أو حسن ، والسادس صحيح والسابع حسن.

فجميع روايات الشّيخ عن كتب ومصنّفات الحسن بن محبوب وابن سعيد معتبرة (٣).

قال في الفهرست (٤) في ترجمة الحسن بن محبوب :

أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا عن ... ابن بابويه القمّي ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الهيثم ... ومعاوية بن حكيم وأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب.

وأخبرنا ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ومعاوية بن حكيم والهيثمّ بن أبي مسروق ، كلّهم عن الحسن بن محبوب.

وأخبرنا أحمد بن محمّد بن موسى بن الصلت ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة عن جعفر بن عبد الله ، عن الحسن بن محبوب.

وأخبرنا بكتاب المشيخة قراءة عليه أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن الحسين (٥) بن عبد الملك الأزدي. ـ قيل : الأصحّ الأودي ـ ، عن الحسن بن محبوب.

وله كتاب المراح أخبرنا به أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد بن زياد ، عن يونس بن علي العطّار ، عن الحسن بن محبوب.

أقول : الطريق الأوّل معتبر ، والثّاني فيه إشكال لمكان ابن أبي جيد.

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٦٩٦.

(٢) معجم رجال الحديث : ٦ / ٢٥٤.

(٣) نفي البعد عن الاعتبار ، على وجل ، فإنّ حسن أحمد بن محمّد بن الوليد ، وحسن ابن أبي جيد ، لم يثبت بوجه قوي ، كما يعلم ممّا سبق.

(٤) الفهرست : ٧٢.

(٥) لكن في بعض النسخ أحمد بن الحسين ، والمظنون قويا ذلك والمتأمل يظن ظنّا قويا أنّه لا وجود للحسين بن عبد الملك ، وإنّ الظاهر سقوط كلمة : أحمد بن ، في بعض الموارد ، فراجع.


والثالث ضعيف بأحمد بن محمّد بن موسى بن الصلت : وأمّا ابن عقدة ، فهو موثق وقوله معتمد ، وإن كان زيديا جاروديا. وجعفر بن عبد الله ثقّة ، فإنّه رأس المدري ظاهرا.

والرابع : ضعيف ؛ لأنّ رواته كلّهم مجاهيل والخامس ضعيف بجهالة ابن عبدون ويونس العطار ، وقد عرفت أنّ صحّة أسناده في الفهرست لا تنفع لصحّة أسناد أحاديث التهذيبين ، كما استظهرناه أخيرا ، ولا أقلّ من الشّك فيه ، والله أعلم.

وقال قدّس سره : وما ذكرته عن سهل بن زياد ، فقد رويته بهذه الأسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا منهم علي بن محمّد ، وغيره عن سهل بن زياد.

أقول : السند معتبر وإن كان علي بن محمّد ، وهو ابن الزبير القرشي مجهول الحال ؛ لأنّ العدّة لا تكذب ، وأمّا من تصدّي لتوثيقه أي القرشي بكلام النجّاشي ، فقد ابتعد عن الحقّ غايته ، كما هو ظاهر لمن راجع المطولات.

وأمّا سهل نفسه ، فقد اختلفت فيه الأقوال ، والأصحّ أنّه ضعيف لا يعتبر روايته ، وطريق الشّيخ إليه في الفهرست أيضا معتبر ، لكن لا ثمرة له بعد ضعف سهل نفسه.

قال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضّال ، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه ، وإجازة عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضّال.

أقول : قد عرفت أنّ ابن الحاشر وابن الزبير كليهما مجهولان ، وأمّا ابن فضّال ، فهو فطحي ثقة ، وهذا هو طريق الشّيخ إليه في الفهرست أيضا ، وليس له طريق آخر غير هذا الطريق الضعيف ، نعم ، بين المشيخة والفهرست فرق من جهة كيفيّة الإخبار ، ففي الثّاني : أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها والباقي إجازة ، أحمد بن عبدون عن علي بن محمّد بن الزبير سماعا ، وإجازة عن علي بن الحسن بن فضّال.

فإن قلت : قد روي عن غيبة الشّيخ عن أبي محمّد المحمّدي ، عن أبي الحسن محمّد بن المفضل بن همام ، عن عبد الله الكوفي خادم الشّيخ حسين بن روح (١) ، قال : سأل الشّيخ ـ يعني : أبا القاسم ـ عن كتب أبي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة! فقيل له كيف نعمل بكتبه

__________________

(١) الوسائل : ١٨ / ٣٠١ ، هكذا : محمّد بن الحسن في كتاب الغيبة عن أبي الحسين بن تمام عن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح عن أبي محمّد الحسن بن علي عليه‌السلام أنّه سأل عن كتب بني فضّال؟ فقال : «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا».


وبيوتنا منها ملأ؟ فقال : أقول فيها ما قال أبو محمّد الحسن بن علي ، وقد سئل عن كتب بني فضّال فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا ملأ؟ فقال عليه‌السلام : «خذوا منها بما رووا وذروا ما رأو».

وهذا يدلّ على وجوب العمل بكتبه.

قلت : أوّلا : ليس هذا يدلّ على حجيّة قول من يروي عن بني فضّال ، بل على الغاء المانع عن قبول أحاديث بني فضّال أنفسهم فقط ، كما لا يخفى.

ألا ترى أنّ قول الإمام واجب العمل ، وليس معناه قبول قول الرّواة عنه بلا إثبات وثاقتهم ، وإنّي لأتعجّب من جمع من العلماء المحققّين كالشّيخ الأنصاري قدّس سره كيف استفادوا من الرّواية اعتبار الرّوايات الواردة من بني فضّال ، وإن كان في إسنادها ضعفاء ، أو مجاهيل؟

وثانيا : لم يثبت عندي حال المحمّدي ولا حال ابن همام ولا حال الخادم ، فليس السند بمعتبر ، فلا تكون الرّواية قابلة للاستدلال بها.

ثمّ إنّ سيّدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله كان يذهب أيضا إلى ضعف الطريق المذكور ويحكم بعدم حجيّة روايات الشّيخ عن علي بن الحسن بن فضّال ، وقد صرّح في رجاله ـ معجم رجال الحديث ـ في ترجمة علي بن الحسن المذكور بضعف طريق الشّيخ (١) ، لكن رجع عنه أخيرا (٢) ، وبنى على صحّة الرّوايات المذكورة ؛ وذلك لا لأجل وثاقة علي بن محمّد الزبير وإن كان ابن عبدون عنده ثقة ؛ لكونه من مشايخ النجّاشي ، بل لأجل اعتبار طريق النجّاشي إليه (٣) فيستكشف منه اعتبار طريق الشّيخ إليه أيضا.

وبيان هذا المطلب قد ذكره في مقدّمة كتابه (٤) : بل لو فرضنا أنّ طريق الشّيخ إلى كتاب ضعيف في المشيخة والفهرست ، ولكن طريق النجّاشي إلى ذلك الكتاب صحيح ، وشيخهما واحد ، حكم بصحّة رواية الشّيخ عن ذلك الكتاب أيضا ؛ إذ لا يحتمل أن يكون ما أخبره شخص واحد كالحسين بن عبيد الله بن الغضائري ، مثلا ، للنجّاشي مغايرا لما أخبر به الشّيخ ... ويستكشف من تغاير الطريق أنّ الكتاب الواحد روي بطريقين ، قد ذكر الشّيخ أحدهما ، وذكر النجّاشي الآخر ، انتهى كلامه.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١١ / ٣٥٨.

(٢) كما أخبرني شفاها في بعض أسفاري من أفغانستان إلى النجف الأشرف.

(٣) رجال النجاشي : ١٩٦.

(٤) معجم رجال الحديث : ١ / ٩٥ وص ٧٨ ، الطبعة الخامسة منه.


وقد سبقه السّيد بحر العلوم قدّس سره في رجاله. (١)

أقول : ذكر النجّاشي في رجاله في ترجمة علي بن الحسن المذكور أنّه صنّف كتبا كثيرة منها ما وقع إلينا ، ثمّ ذكر أسماء خمسة وثلاثين كتابا له ، ثمّ قال : قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ، ومناسك الحجّ والصيام ، والطلاق والنكاح ، والزهد والجنائز ، والمواعظ والوصايا ، والفرائض والمتعة ، والرجال على أحمد بن عبد الواحد في مدّة سمعتها معه ، وقرأت أنا كتاب الصيام عليه في مشهد العتيقة عن ابن الزبير عن علي بن الحسن.

وأخبرنا بسائر كتب ابن فضّال ـ يريد ظاهرا غير هذه الثّلاثة عشر كتابا المقروءة على أحمد ـ بهذا الطريق.

وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن علي بن الحسن بكتبه.

أقول : وهذا الطريق الأخير لا يبعد اعتباره للاطمئنان بصحّة أخبار جماعة ، وأحمد بن محمّد موثق ؛ وأمّا الطريق الأوّل والثّاني ، ففيهما أحمد بن عبدون ، وهو لم يوثّق ، وهذا هو الشّيخ المشترك بين النجّاشي ، والشّيخ في خصوص المقام ، كما عرفته من المشيخة والفهرست.

إذا عرفت هذا تعرف أنّ الكبرى ـ على فرض صحتّها ـ لا تنطبق على المقام ؛ إذ لا شيخ مشترك بينهما ـ أي : الشّيخ والنجّاشي ـ أخبر أحدهما بطريق ضعيف وثانيهما بطريق معتبر فسيّدنا الأستاذ أعلم بما قال.

ولا فرق في ذلك بين وثاقة أحمد بن عبدون ، كما اختاره السّيد الأستاذ قدّس سره وعدمها ، فإن ابن الزبير مجهول.

وللفاضل الأردبيلي رحمه‌الله توهّم آخر في تصحيح طريق الشّيخ إلى علي بن فضّال دفعه السّيد البروجردي رحمه‌الله في مقدّمة جامع الرّواة ، وقد نقلنا كلام هذا السّيد في هذا المعنى في أوّل هذا البحث. لكن الظاهر أنّ مراد السيد الاستاذ ما تذكره فيما بعد وهو صحيح.

تعقيب وتشريح

ثمّ بعد طبع هذا الكتاب ـ أي : الطبعة ثانية ـ بسنين عديدة سافرت إلى العراق لزيارة الأئمّة الهداة سلام الله عليهم ، فذكر لي العالم الجليل السّيد علي السيستاني (دام عمره) الماهر في علم الرجال أن أسناد الشّيخ إلى ابن فضّال معتبر ، وذكر في وجهه أنّ الشّيخ رحمه‌الله روي في

__________________

(١) الرجال : ٤ / ٧٤ ـ ٧٥.


الجزء الأوّل من التهذيب ـ أي : من التهذيب المطبوع أخيرا في عشرة أجزاء ـ في جملة من الموارد عن علي بن فضّال بسندين أحدهما معتبر وثانيهما ضعيف (١) فيفهم ، من الجميع أنّ للشيخ إليه طريقين عامين أحدهما صحيح وثانيهما ضعيف.

أقول : وإليك بيان تلك الموارد حسب تتبّع الفقير :

١. ج ١ / ٢٦ : ما أخبرني به جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن علي بن الحسن ، وأحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم.

٢. ص : ١٢٩ ، نفس هذين السندين إلى آخرهما.

٣. ص : ١٥٣ ، نفس السندين ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم البجلي ـ وفيه : وأخبرني أيضا أحمد بن عبدون ... ـ.

٤. وقال بعد الرّواية المتقدّمة :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن أحمد بن الحسن عن أبيه عن علي بن عقبة ، عن أبيه.

٥. ص : ١٥٣ ، قال بعدها :

وبهذا الأسناد عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه وعلاء بن رزين (٢) ، عن محمّد بن مسلم.

أقول : الظاهر إنّ الأسناد المشار إليه هو مجموع السندين ، وإن يحتمل رجوعه إلى السند الأخير الضعيف في كلامه السّابق ، لأجل كلمة أيضا.

٦. ص : ١٥٤ ، قال :

ما أخبرني الشّيخ أيّده الله بالأسناد المتقدّم ، عن علي بن الحسن ، عن محمّد وأحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن بكير ...

أقول : مراده ظاهرا خصوص السند الصحيح بقرينة ذكر الشّيخ المفيد ، فإنّه من جملة الجماعة الراوية عن هارون.

٧. وقال بعد الحديث السّابق :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن محمّد بن علي ...

__________________

(١) وروي في : التهذيب : ١ / ١٠٦ ، ٣١٣ ، ٢٧ ، بسند واحد ضعيف ، وروي عنه في الصفحة : ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٦ تسع روايات من دون ذكر سند ، ولعلّ الصحيح : عن علاء ، مكان : وعلاء.

(٢) أقول في رواية أحمد عن علاء نظر ، فلاحظ.


٨. وقال بعد ذلك :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ...

٩. ص : ١٥٥ ، قال :

بهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن العبّاس بن عامر وجعفر ...

أقول : في رجوع الإشارة إلى السند الصحيح فقط نوع خفاء ، فلاحظ ما قبله في التهذيب إلّا أن يحمل على نوع من التسامح في التعبير ، وهو غير بعيد.

فالمراد هو : السند الصحيح وحده.

١٠. ص : ١٦٣ ، قال :

ما أخبرني به جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عيسى ...

١١. وقال بعده :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ...

١٢. ص : ١٦٦ ، أخبرني جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، قال حدثني أيوب بن نوح ...

١٣. وقال بعده :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن محمّد وأحمد ، عن أبيهما ...

١٤. وقال عقيبه :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن أيوب بن نوح ...

١٥. ص : ١٦٧ ، قال :

ما أخبرني به الشّيخ أيده الله وأحمد بن عبدون بالأسناد المتقدّم عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن معاوية بن حكيم ....

أقول : مراد الشّيخ ظاهرا هو مجموع السندين ، فاختصر على ذكر الرّاوي الأوّل ممّن أخبره في كلّ من السندين ، فإنّ السند الضعيف مبدوء بأحمد بن عبدون ، والصحيح مبدوء بجماعة منهم الشّيخ المفيد.


١٦. قال بعده وبهذا الأسناد ، عن علي بن الحسن ، عن أيوب بن نوح ...

١٧. ص : ١٧٤ ، قال :

وأخبرني جماعة ، عن أبي محمّد هارون بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، عن علي بن الحسن ، وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد ابن الزبير ، عن علي بن الحسن ، عن أيوب بن نوح ...

١٨. ص : ١٧٦ ، بنفس السندين عن علي بن الحسن ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ...

١٩. وقال بعده وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن عمرو بن عثمان ...

٢٠. ص : ١٧٩ ، بنفس السندين عنه عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ... (١)

٢١. ص : ١٨٠ ، قال بعدهما :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن علي بن اسباط ...

٢٢. ص : ١٨١ ، ذكر السندين السّابقين عنه ، عن علي بن اسباط ...

٢٣. ص : ١٨٢ ، قال بعدهما :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن علي بن اسباط ...

٢٤. ص : ٣١٦ ، ذكر السندين المذكورين عنه ، عن أحمد بن صبيح ...

٢٥. وقال بعدهما وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن أحمد بن الحسن.

٢٦. قال بعده :

وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن ، عن علي بن مهزيار ...

٢٧. ص : ٣١٧ ، وقال بعده : وبهذا الأسناد عن علي بن الحسن عن يعقوب ...

٢٨. ص : ٣٢١ ، ذكر السندين المذكورين عنه ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة.

وقال السّيد السيستاني (أيده الله) تعالى :

وأمّا اختصار الشّيخ في الفهرست ومشيخة التهذيب على الطريق غير المعتبر ، فهو أوّلا :

لأجل أنّه بالقراءة ، وهي مقدّمة عندهم على الإجازة ، وثانيا : لأجل أنّه أقصر وأقرب من السند المعتبر ، كما هو ظاهر.

ومن تدبّر في الموارد المتقدّمة يفهم أن ما أورده السّيد البروجردي رضي‌الله‌عنه على

__________________

(١) في السند الضعيف علي بن الحسين ، والحسين محرّف الحسن جزما.


الأردبيلي رحمه‌الله مؤلّف جامع الرّواة ، كما سبق ، لا يردّ علينا في هذا المقام ، ويقنع بأنّ للشيخ إلى علي بن الحسن طريقين عامين ، وليس أحدهما طريقا إلى من قبله أو إلى من بعده. (١)

أقول : بعد اقتصار الشّيخ رحمه‌الله في الفهرست والمشيخة على السند الضعيف ، وبعد وعده في المشيخة بذكر طرقه في الفهرست مستوفي ، على وجه ، يظهر أنّ كلّ ما أرسله عن علي بن الحسن ، فهو مروي بالسند الضعيف المذكور ، ولكن من يطمئن من ملاحظة الموارد المتقدّمة بأنّ للشيخ طريقا عاما صحيحا ، كهذا السّيد الجليل المتتبّع ، فهو ومن يحتمل أنّ السند الصحيح مختصّ بتلك الموارد بخصوصها ، حيث اتّفق للشيخ طريقان فيها فذكرهما. ولو كان السند الصحيح عاما ، لم يكن لتركه وجه في المشيخة والفهرست ، لا سيّما في الثانية ، لما عرفت من وعده.

فلا يصحّ له العمل بما أرسله الشّيخ عن ابن فضّال إلّا على سبيل الاحتياط.

ويؤيّد هذا الاحتمال أن الشّيخ بعدما روي في تهذيبه (٢) عنه بالسندين المذكورين ، قال بعده :

وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد الزبير ، عن علي بن الحسن ... فلو كان الطريقان مشتركين في كلّ ما يرويه عنه لقال ، وبالأسناد عنه ولم يخصّ أحد الطريقين بالذكر.

وأجاب عنه السّيد السيستاني حين أوردته عليه :

بأنّ كلام الشّيخ في ذكر السند الثّاني لا يخلو عن المسامحة على كلّ حال ؛ إذ بناء على فرض عدم الاشتراك كان ينبغي له أن يقول : وبالسند الثّاني عن علي بن الحسن ، من دون تفصيل.

أقول : نعم ، هو كذلك ولكن مع ذلك ، كلام الشّيخ ظاهر ، أو أظهر فيما ذكرنا.

وبالجملة : أنّ الشّيخ قدّس سره روي عنه بأربعة أقسام :

١. ما روي عنه مرسلا ، وهذا القسم ـ وهو الكثير ـ مروي عن كتبه ، كما يظهر من المشيخة.

__________________

(١) وكلامه الأخير ومن تدبر ... جواب لما أوردته عليه ، لكنّه دام ظلّه لم يقم دليلا على نفي احتمال إنّ تلك الرّوايات الواردة بالسندين أو بالسند الصحيح فقط ، لم تكن في كتاب علي بن الحسن ، بل كانت في كتب من قبله من الرّواة.

نعم ، الاحتمال المذكور في المقام أضعف من الاحتمال المذكور في كلام السّيد البروجردي رحمه‌الله ؛ وذلك لزيادة الموارد في التهذيب هنا على الموارد في كلام الأردبيلي رحمه‌الله ، والله العالم بحقيقة الحال.

(٢) التهذيب : ١ / ٢٦.


٢. ما روي عنه بسند ضعيف فقط.

٣. ما روي عنه بسند صحيح فقط.

٤. ما روي عنه بالسندين المذكورين.

ولا يحصل لنا الجزم من القسم الأخبر بأنّهما عامان مشتركان ، وإنّما لم يذكره في الفهرست والمشيخة وفي موارد من تهذيبه ؛ لأجل الاختصار ، والله العالم والهادي إلى الحقّ.

ثمّ قال السّيد السيستاني (طال عمره) إنّ هنا وجهين آخرين لتصحيح هذا الأسناد :

الأوّل : إنّ ابن عقدة أحمد بن محمّد بن سعيد روي عن ابن فضّال بالسند الصحيح ، وقال الشّيخ في فهرسته (١) : وكان معه ـ أي : مع ابن الصلت ـ خط أبي العبّاس ـ أي : ابن عقدة ـ بإجازته وشرح رواياته وكتبه ، فقد وصل جميع روايات ابن فضّال إلى الشّيخ بخط ابن عقدة ، وفيه أنّه لا دليل على أنّ ابن عقدة نقل جميع روايات ابن فضّال في كتبه ، فلعلّه نقل بعضها.

الثّاني : إنّ طريق الشّيخ إلى كتب أحمد بن محمّد بن سليمان أبي غالب الزراري ورواياته معتبر ، كما في الفهرست ، والزراري روى كتب ابن فضّال ، كما يستفاد ذلك من رسالته.

أقول : صحّة هذا الوجه موقوفة على امور ثلاثة :

١. إحراز انتساب نسخة الرسالة الموجودة إلى مؤلّفها الزراري بأي وجه كان ، وفيه بحث.

٢. صحّة سند مؤلّفها إلى علي بن الحسن بن فضّال ، وهذا غير مذكور فيها ، فإنّي قد لاحظت الرسالة بتمامها ، ولم أجد فيها طريق الزراري إلى ابن فضّال ، ولعلّ السّيد المذكور ذكر شيئا آخر فوقع الاشتباه مني في التلقي.

٣. فرض عدم التفاوت والاختلاف بين ما روي عن علي بن الحسن بطريق ابن عبدون وبطريق الزراري ؛ إذ لو احتمل الاختلاف لم يكف أحد الطريقين عن الآخر ، والمفروض أنّ الشّيخ أعلن أنّه يروي عنه في التهذيبين بأحدهما ، ولم يخبر أنّه قابل بين الطريقين ولم يجد تفاوتا بينهما ، والحقّ أنّه لا نافي لهذا الاحتمال ، على أنّ فيه إشكالا قويّا آخر مرّ في البحث الرابع والأربعين.

هذا ويمكن أن يقال : إنّ بن عبدون وإن كانت له كتب ، لكنّه في المقام شيخ إجازة ، وكذا علي بن محمّد شيخ إجازة ، فهما إجازا رواية الكتب له ، مضافا إلى القراءة والسماع بالنسبة إلى الشّيخ والنجّاشي في الجملة.

__________________

(١) الفهرست : ٥٣.


وإذا ثبتت شهرة كتب ابن فضّال في زمان الشّيخ ، بحيث تومن النسخ من الزيادة والنقيصة تصبح روايات الشّيخ عنه معتبرة ، ولا يحتاج إلى صحّة طريق الشّيخ ، إذا كان من قبل ابن فضّال صادقين.

فالعمدة في المقام وسائر الموارد المماثلة هو التتبع ، لوجدان القرينة على مثل هذا الشّهرة ، وإن كانت في المقام متعسّرة أو متعذرة. (١)

قال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسين بن سعيد ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ، والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه محمّد بن الحسن بن الوليد ، وأخبرني أيضا أبو الحسين بن أبي جيد القمّي ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد.

ورواه أيضا محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد.

أقول : الأقوى إنّ الحسين بن الحسن بن أبان غير موثق ولا حسن ، وما قيل في وثاقته كوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وتوثيق ابن داود وتصحيح العلّامة طريقا هو فيه ، ونحو ذلك لا نعتمد عليه ، فالطريق الأوّل ضعيف.

وأمّا الطّريق الثّاني ، ففيه أيضا إشكال ؛ لاحتمال كون الواسطة بين الشّيخ وابن الوليد ، كما في ما قبله هو ابن أبي جيد فقط ، الّذي في وثاقته إشكال ، إلّا أن يقال : إنّ مجموع الطريقين يكفي للحكم باعتبار الرّوايات ، ولكنّه ممنوع.

والظاهر إنّ أحمد بن محمّد فيه هو ابن عيسى ، كما في الفهرست (٢) ، حيث قال : أخبرنا بكتبه ورواياته ابن أبي جيد القمّي ، عن محمّد بن الحسن ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد بن حمّاد بن سعيد بن مهران.

__________________

(١) اقول وأنا بصدد طبع هذا الكتاب ـ طبعة خامسة ـ (ج : ٢ ، ١٤٣١ ه‍ ١٣ / ٣ / ١٣٨٩ ه‍. ش) في الكابول أن الأرجح أنّ الطريق المعتبر في التهذيب إلى علي بن الحسن ليس مختصا بموارد محدودة مذكورة في التهذيب ، بل هو طريق عام كالطريق الضعيف ، والعمدة في إثباته هو كلام النجّاشي المتقدّم ، فإنه ذكره طريقا عاما إلى كتب علي بن الحسن والسيّد السيستاني لم يذكر ذلك ، مع أنّه قرينة كافية وافية. فالطريق معتبر.

(٢) الفهرست : ٨٣.


قال ابن الوليد : وأخرجها إلينا الحسين بن الحسن بن أبان بخط الحسين بن سعيد (١) ، وذكر أنّه كان ضيف أبيه. وأخبرنا بها عدّة من أصحابنا عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ومحمّد بن موسى المتوكل عن سعد (سعيد) بن عبد الله والحموي ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد.

أقول : الطريق الأوّل في الفهرست ضعيف ، والثّاني صحيح معتبر ، فروايات الشّيخ عنه معتبرة على نظر جمع ؛ وأمّا على منهجنا فطريق الشّيخ إلى الحسين غير خال عن الإشكال. ورواياته من كتبه ما يقرب من ألفين وخمسمائة ، كما صرّح به سيّدنا البروجردي رضي‌الله‌عنه في حاشية مقدّمته على جامع الرّواة. وللشيخ ثلاثة طرق آخر إليه من جملة ما ذكره ، في التهذيب ، وقد تقدّمت.

ومحمّد بن موسى ، حسن لكثرة ترحّم الصدوق عليه ، فقد ترضّى وترحّم عليه في مشيخة الفقيه أكثر من أربعين مرّة.

والأقوى صحّة طريق الشيخ في المشيخة هذه إلى الحسين بن سعيد ، كما مرّ في بيان الطريق إلى الحسن بن محبوب ، وإلى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي وغيره.

وعلى كلّ الحسن والحسين ابنا سعيد ثقتان.

فائدة :

يروي الحسين بن سعيد عن الحسن المطلق في موارد ، وكتبنا في أوائل أمرنا من القندهار ، إلى السّيد الأستاذ الخوئي رحمه‌الله ، سائلا عن الحسن المذكور ، فكتب في الجواب بما هذا نصّه : والحسين بن سعيد روي عن الحسن المطلق في : ١٢٢ موضعا.

وعن أخيه الحسن بن سعيد في : ٦٥ موضعا. (٢)

وعن الحسن بن علي في : ١٠ مواضع.

وعن الحسن بن علي بن فضّال في : ١٥ موضعا.

وعن الحسن بن علي بن يقطين في موضع واحد.

وعن الحسن بن علي بن الوشاء في : ٥ مواضع.

__________________

(١) لقائل : أن يدّعي اعتبار هذا الطريق بشهادة ابن الوليد على خطّ الحسين ، فلا يضرّه توسط الحسن بن الحسين ، لكن وثاقة ابن أبي جيّد غير ثابتة.

(٢) معجم رجال الحديث : ٦٨ موضعا.


وعن الحسن بن محبوب في : ٢٨ موضعا.

وله منهم روايات اخر بعنوان ابن فضّال ، وبعنوان ابن محبوب وبعنوان الوشاء.

ثمّ إنّ من الظاهر أنّ المراد من الحسن المطلق أحد هؤلآء الرّواة ، والمفروض أنّ هؤلآء كلّهم ثقات ، انتهى كلام سيّدنا الأستاذ رحمه‌الله الّذي بلغني قبل شهر رجب سنه ١٣٩٢ ه‍ في القندهار أي : ـ قبل تأليف هذا الكتاب ـ.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن الحسين بن سعيد عن الحسن خ ل عن زرعة عن سماعة وفضّالة بن أيوّب والنضر بن سويد وصفوان بن يحيى ، فقد رويته بهذه الأسانيد عن الحسين بن سعيد عنهم.

أقول : الأسانيد قد عرفت حالها وإشكالها والرجال المذكورون كلّهم ثقات ، نعم ، زرعة وسماعة موثقان على وجه ، فطريق الشّيخ إلى هؤلآء الثقات الأربعة فيه بحث تقدّم إلّا أنّ ظاهر هذه العبارة اختصاص طريقه إليهم من طريق الحسين عن الحسن بن سعيد (١) ، عن زرعة عنهم ، لا مطلقا ، فلا فائدة في ذكر هذه الأسانيد.

نعم ، طريق الشّيخ في فهرسته (٢) إلى صفوان صحيح مطلقا. وقال : فيها بعد اسم فضّالة بن أيوب : له كتاب أخبرنا به جماعة ، عن ابن أبي المفضل ، عن ابن بطّة ، عن أحمد بن أبي عبد الله عنه. وهذا الطريق ضعيف بأبي المفضل وابن بطّة ، وليس للشيخ طريق آخر إلى غير كتابه من سائر رواياته ، وليس فيها إلى سماعة طريق ، بل لم يترجمه فيها ؛ وأمّا طريقه إلى كتاب النضر بن سويد فيها ، فهو صحيح ، لكن مرّ أنّ صحّة الفهرست ، لا تنفع المقام.

وقال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون ، كلّهم عن أبي جعفر محمّد بن الحسين بن سفيان ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى.

وأخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى.

وأخبرني به أيضا الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) يقول الشّيخ في فهرسته بعد توثيق الحسن : روي جميع ما صنّفه أخوه عن جميع شيوخه ، وزاد عليه بروايته عن زرعة عن سماعة ، فإنّه يختصّ به ، والحسين إنّما يرويه عن أخيه عن زرعه.

(٢) لاحظ : الفهرست : ١٠٩ و ١٥٢.


محمّد بن أحمد بن يحيى ، وأخبرني به الشّيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن أبي محمّد الحسن بن الحمزة العلوي وأبي جعفر محمّد بن الحسين البزوفري جميعا ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى.

أقول : الطريق الأوّل ضعيف بجهالة أبي جعفر البزوفري ، إن لم يثبت تكرّر الترحّم في حقّه من المفيد ، كما هو ظاهر كلام المحدّث النوري ، وقد مرّ عند البحث عن طريق الشّيخ إلى أحمد بن إدريس ، والثّاني غير معتبر ؛ لأجل ابن أبي جيد.

والثالث حسن ؛ لأجل أحمد ، والرابع معتبر ، كلّ ذلك يظهر ممّا تقدم. ومحمّد بن أحمد بن يحيى نفسه أيضا ثقة ، وللشيخ أيضا إليه طرق اخرى في فهرسته بعضها معتبر ، وبعضها غير معتبر ، وإنّما تركنا ذكرها مخافة الإطالة وروايات الشّيخ عنه حسب ما ذكره السّيد البروجردي في حاشية مقدّمته على جامع الرّواة تقرب من خمسين وتسعمائة.

قال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن علي بن محبوب ، فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، عن أبيه محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن علي بن محبوب.

وزاد في الفهرست بعد هذا الطريق بزيادة ، وابن أبي جيد مع الغضائري ، قوله : وأخبرنا بها أيضا جماعة عن ابي المفضّل عن ابن بطة ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس عنه.

أقول : الأوّل : حسن والثّاني ضعيف ، والثالث معتبر ، كما يعرف ممّا سبق. ومحمّد بن علي في نفسه ـ أيضا ـ ثقة ، فروايات الشّيخ عنه صحيحة ، وهي كما ذكره السّيد البروجردي المشار إليه ما يقرب من سبعمائة.

قال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن الحسن الصفّار ، فقد أخبرني الشّيخ ... والحسين ... وأحمد كلّهم عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، وأخبرني به أيضا أبو الحسين بن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار.

أقول : مجموع الطريقين (١) ، ربّما يكفي للحكم باعتبار روايات الشّيخ عن الصفّار إن شاء الله تعالى فتأمّل.

__________________

(١) المقصود : أنّ وثاقة كلّ واحد من أحمد بن محمّد بن الحسن ، وابن أبي جيد وإن لم تكن واضحة الثبوت إلّا أنّ اجتماعهما في سند يكفي للاعتماد عليه ، بل لا يبعد حسن أحمد المذكور ، مع أنّه شيخ إجازة لا يضرّ جهالته بالسند ، فلاحظ.


ويمكن أن يقال : كتب الصفّار في زمان الشّيخ كانت مشهورة ، وأحمد وابن أبي جيد شيخا أجازة ، فقط.

قال في الفهرست (١) :

أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد عنه. وأخبرنا بذلك أيضا جماعة ، عن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن رجاله إلّا كتاب بصائر الدرجات ، فإنّه لم يرو عنه ابن الوليد ، وأخبرنا به الحسين ... عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه عن الصفّار.

أقول : الطريق الأوّل : ضعيف ، والأخيران : معتبران ، وعدم رواية ابن الوليد كتاب البصائر لا يضرّ بصحته فتأمّل ؛ لأنّ العطّار رواه عنه والسند حسن ، لكن عرفت أن أسانيد الفهرست لا تكفى لصحة الرّوايات.

قال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن سعد بن عبد الله ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله ، وأخبرني به أيضا الشّيخ رحمه‌الله ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله.

أقول : والطريقان معا صحيحان ، وسعد في نفسه ـ أيضا ـ ثقة.

وفي الفهرست : (٢) أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا عن ... (الصدوق) عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله عن رجاله.

قال ابن بابويه :

إلّا كتاب المنتخبات ، فإنّي لم أروها عن محمّد بن الحسن إلّا أجزاء قرأتها عليه ... وأخبرنا الحسين ... وابن أبي جيد ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله.

أقول : الطريقان معتبران ، وروايات الشّيخ عنه ما يقرب من ستمائة ، كما ذكره السّيد البروجردي رحمه‌الله في مقدّمته على : جامع الرّواة.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن محمّد بن الحسن بن الوليد وعلي بن الحسين بن بابويه ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه علي بن الحسين ومحمّد بن الحسن بن الوليد.

__________________

(١) الفهرست : ١٧١.

(٢) المصدر : ١٠١.


أقول : علي بن الحسين ومحمّد بن الحسن ثقتان جليلان ، والأسناد أوثق أسناد ؛ لأنّه عن المفيد عن الصدوق (قدّس الله أرواحهم الطاهرة).

وقال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد سماعة وأخبرني أيضا الشّيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة.

الطريق الأوّل : ضعيف ؛ لأجل أحمد بن عبدون والأنباري ، والثّاني : موثق معتبر والحسين بن سفيان وثقة

النجّاشي والحسن في نفسه موثق أيضا ، وسماعة هذا ليس سماعة بن مهران المعروف ، بل سماعة بن موسى بن رويد (١).

وذكر في : الفهرست بعد الطريق الأوّل طريقا ثانيا ، لكنّه أيضا ضعيف بابن الزبير.

وروايات الشّيخ عنه ما يقرب من ثمانمائة ، كما ذكره السّيد البروجردي رحمه‌الله.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن علي بن الحسن الطاطري ، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن أبي الملك أحمد بن عمرو بن كيسبة ، عن علي بن الحسين الطاطري.

أقول : الطاطري موثّق. وعن العدّة (٢) : إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريون.

وفي الفهرست : وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ... أخبرنا بها كلّها أحمد بن عبدون ، عن أبي الحسن علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، عن علي بن الحسن بن فضّال وأبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة النهدي جميعا عنه.

أقول : الطريق ضعيف ؛ لأجل أحمد وابن الزبير ، وأمّا أحمد بن عمر أو عمرو ، فهو مهمل غير مذكور في الرجال.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن أبي العبّاس أحمد بن سعيد ، فقد أخبرني أحمد بن محمّد بن موسى ، عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد.

__________________

(١) يقول بعض أساتذتنا الأعلام : لا وجود للحسن بن سماعة بن مهران ، وكلّ ما ورد فيه الحسن بن سماعة ، فهو ابن سماعة بن موسى ، فلاحظ : معجم رجال الحديث.

(٢) العدّة : ٦١.


وهذا هو طريقه إليه في الفهرست (١) أيضا ، وكذا في رجاله (٢) في باب : من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام.

وقد مرّ أنّ أحمد بن محمّد بن سعيد ، هذا هو المعروف بابن عقدة ، وهو زيدي جارودي ثقة. وقد نقل الشّيخ في رجاله ، عن جماعة منه ، أنّه قال : أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها ، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث!

وأمّا الطريق المشتمل على واسطة واحدة ، فيمكن تصحيحه بوجوه : (٣)

فمنها : إنّ أحمد بن محمّد بن موسى بن هارون المعروف بابن الصلت ثقة ؛ لكونه من مشائخ النجّاشي ، كما نصّ عليه سيدنا الأستاذ الخوئي (٤) ، وقد تقدّم هذا البحث ، وقلنا فيه رأينا.

ومنها : قول الشّيخ الحرّ في تذكرة المتبحّرين ـ كما في المعجم ـ في حقّه : فاضل جليل ، فإنّه يقيد المدح الموجب للحسن ، فإنّ الكاذب لا يوصف بالجلالة ، وكذا مجهول الحال فتأمّل.

لكن استناد هذا المدح إلى الحسّ مشكل ، أو ممنوع.

ومنها : إنّه لو فرضنا أنّ أحمد بن محمّد بن موسى بن هارون المعروف بابن الصلت مجهول غير موثق ، لكن مع ذلك يمكن الحكم بصحّة طريق الشّيخ إلى ابن عقدة ، لقول الشّيخ في فهرسته (٥) : وكان معه ـ أي : مع ابن الصلت ـ خطّ أبي العبّاس بإجازته ، وشرح رواياته وكتبه.

وهذا شهادة من الشّيخ بأن الخط خطّ أبي العبّاس ابن عقدة ، فكأنه أجاز للشيخ ابتداء ، هذا ولكن ما هو المؤمّن من عدم إيقاع زيادة ونقيصة من ابن الصلت في روايات ابن عقدة إذا فرض كونه مجهول الحال.

وليس معنى قول الشّيخ : (وشرح رواياته) ، إنّ جميع روايات ابن عقدة كانت مذكورة واحدة واحدة ومفصّلة بخطّ الموجود عند أبي الصلت.

__________________

(١) الفهرست : ٥٢.

(٢) رجال الطوسي : ٤٤٢.

(٣) ثمّ إنّ الصدوق كالشّيخ يروي عن ابن عقدة بواسطة واحدة ، وهو محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني.

وهذا أمر نادر.

والحقّ وثاقة الطالقاني المذكور خلافا لسيّدنا الأستاذ الخوئي ؛ لأنّ الصدوق رحمه‌الله ذكر في حقّه في كتبه الترضية والترحّم ما يقرب من : ١٥٠ مرّة.

(٤) معجم رجال الحديث : ٢ / ٣٢٢.

(٥) الفهرست : ٥٣.


فإنّ هذا مع بعده في نفسه مخالف لظاهر كلام الشّيخ ، حيث يقول في بيان كتب ابن عقدة : كتاب السنن ، وهو كتاب عظيم. وقيل : إنّه حمل بهيمة ، ولو رآه لم ينسبه إلى : قيل. (١)

كيف ولو رأى كتبه وأخذها بالمناولة أو بالسماع أو بالقراءة من ابن الصلت ، لذكره في فهرسته ، فإنّه أمر لا ينبغي إهماله.

وبالجملة : كلام الشّيخ ظاهر في عدم الرؤية ، فضلا عن الاستلام ، فيبطل دعوى عدم الاحتياج إلى وثاقة الواسطة ؛ لأجل الخطّ المذكور ، فإنّه إخبار إجمالي.

ومنها : قول الشّيخ في رجاله (٢) في ترجمة ابن عقدة : وسمعنا من ابن المهدي ومن أحمد بن محمّد المعروف بابن الصلت رويا عنه ، وأجاز لنا ابن الصلت عنه بجميع رواياته ، والتعدّد يقلّل احتمال الكذب ، لكن الظاهر من هذه العبارة ان ابن المهدي وإن روى عن ابن عقدة إلّا أنّه لم يرو للشيخ ولا إجازه ، وإنّما المجيز هو ابن الصلت وحده على أنّ ابن المهدي ظاهرا ، هو أبو عمر عبد الواحد بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مهدي بن خشنام.

وقد عدّه العلّامة الحلّي رحمه‌الله في الإجازة الكبيرة من مشائخ الشّيخ من العامّة ، وقال أنّه روى عن ابن عقدة فضمّ العاميّ المجهول إلى مجهول آخر لا يقلّل الاحتمال إلى حدّ لا يعتني به ، ومع ذلك لا يبعد البناء على اعتبار روايات الشّيخ عن ابن عقدة ، فإنّ الظاهر شهرة كتبه في زمان الشّيخ مع قصر الزمان.

وابن الصلت شيخ إجازة لا شيخ رواية حتّى يقال لعلّه دلّس فيها أو زاد فيها ، أو نقصّ عنها ، ففي مثل المقام لا تضرّ جهالة الواسطة ، كما في طريق الكليني إلى الفضل بن شاذان. (٣)

قال قدّس سره : وما ذكرته عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان عنه.

أقول : الأسناد أوثق أسناد ؛ إذ لا أوثق من المفيد والصّدوق والطّوسي (قدّس الله أسرارهم).

قال قدّس سره : وما ذكرته عن أحمد بن داود القمّي ، فقد أخبرني به ... المفيد والحسين ... عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود ، عن أبيه ، وهذا هو طريقه إليه في الفهرست بحذف المفيد.

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ٢ / ٢٨٢.

(٢) رجال الطوسي : ٤٤٢.

(٣) ما قاله المؤلّف في تصحيحه للطبعة الخامسة ، ربيع الثاني ١٤٢٨ ه‍.


أقول : أحمد بن داود ثقة بتوثيق الشّيخ والنجّاشي ، بل عن الثّاني تكرير لفظ الثّقة في حقّه. والطّريق أيضا صحيح ؛ لأنّ ابنه محمّد بن أحمد ثقة على الأظهر ، كما يظهر من ترجمته في معجم رجال الحديث.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، فقد أخبرني به الشّيخ ... والحسين ... جميعا عن جعفر بن محمّد بن قولويه.

أقول : الطريق ، كالمروي عنه صحيح معتبر جدّا.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن ابن أبي عمير ، فقد رويته بهذا الأسناد ، عن أبي القاسم ابن قولويه عن أبي القاسم جعفر بن محمّد العلوي الموسوي ، عن عبيد الله (١) بن أحمد بن نهيك ، عن ابن أبي عمير.

وقال في الفهرست :

١. أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد والحميري ، عن إبراهيم بن هاشم عنه.

٢. وأخبرنا بها ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، ومحمّد بن الحسين ، وأيوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ، ومحمّد بن عيسى بن عبيد عنه.

٣. ورواها ابن بابويه عن أبيه وحمزة بن محمّد العلوي ، ومحمّد بن علي بن ماجيليويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عنه.

٤. وأخبرنا بالنوادر خاصّة جماعة ، عن أبي المفضل ، عن حميد ، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عنه.

٥. وأخبرنا بها أيضا جماعة ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد الموسوي ، عن ابن نهيك عنه. انتهى.

أقول : ابن أبي عمير كان من أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة ، كما في الفهرست (٢) ، ولكن طريق المشيخة إليه ، غير معتبر ؛ لأنّ العلوي الموسوي لم يثبت حسنه على الأقوى ، لكن قيل : إنّه من مشائخ الإجازة دون الرّواية.

__________________

(١) قيل : عبد الله مكبّرا.

(٢) الفهرست : ١٦٨.


ويؤيّد أنّه عبّر عنه القاضي النصيبي أحد شيوخ النجّاشي في موارد بالشريف الصالح ، وإنّ كان القاضي نفسه مجهولا ، وعليه فلا يضرّ جهالته باعتبار السند على أنّه ـ جعفر بن محمّد العلوي ـ من مشايخ ابن قولويه ـ ولا يبعد شمول توثيقه له ، وابن نهيك ثقة ؛ كما عن النجّاشي.

وأمّا طرق الفهرست ، فالأوّل والثالث معتبران ، والثّاني غير معتبر بابن أبي جيد ، لكن يعقوب ابن يزيد ثقة ، ومحمّد بن الحسين هو ابن الخطّاب الثّقة ، وأيوب بن نوح بن دراج ثقة.

وكذا محمّد بن عيسى بن عبيد ، فإنّه وإن ضعفّه الشّيخ في رجاله وفهرسته ، والصّدوق استثنى من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمّد بن عيسى بن عبيد بأسناد منقطع ينفرد به.

وابن الوليد : كتب يونس الّتي هي بالرّوايات كلّها صحيحة يعتمد عليها ، إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ولم يروه غيره ، فإنّه لا يعتمد عليه (١) ....

غير أنّه وثقه النجّاشي وعدّه من أصحابنا ، وقد أجاب السّيد الأستاذ الخوئي في رجاله عن كلّ ما يرجع إلى ضعف محمّد بن عيسى ، لكن دفاعه ليس بواضح مقنع تماما ، وللكلام ذيل طويل يأتي تحقيقه في بعض البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.

وحمزة حسن لكثرة ترحّم الصدوق عليه ، وعلي ثقة وأبوه حسن إن شاء الله. والرابع : ضعيف بأبي المفضل.

والخامس : حسن معتبر ، كما عرفت فجميع روايات الشّيخ عن ابن أبي عمير حسن ـ إن شاء الله ـ بطريق المشيخة.

لا يقال : إنّ النجّاشي نقل عن بعضهم ، تلف كتب ابن أبي عمير أيّام حبسه ، فكيف يرويها الشّيخ ، بل النجّاشي نفسه؟

فإنّه يقال :

أوّلا : أنّ النقل المذكور غير ثابت بسند معتبر ، وهو مجرّد قول.

وثانيا : يمكن الإخبار بها قبل حبسه.

وثالثا : إنّه لم ينس أسامي كتبه ظاهرا ، فأخبر بها تلاميذه ، وكذا ما بقي في حفظه من الرّوايات.

__________________

(١) المصدر : ١٤٥.


ونقل في جامع أحاديث الشّيعة (١) عن فلاح السائل (٢) : روي أبو محمّد هارون بن موسى ، قال : قال لي أحمد بن محمّد بن سعيد ، قال : قال (أبو) القاسم بن محمّد بن حاتم وجعفر بن عبد الله المحمّدي (الحميري) ، قال : قال لنا محمّد بن أبي عمير : (كلّما رويته) قبل دفن كتبي وبعدها ، فقد اجزته لكما .. وهذا النقل.

وإن لم يكن ثابتا ، لكنّه مؤيّد في الجملة.

ثمّ ان قلنا بأنّ طرق المشيّخة كطرق الفهرست في بيان مجرّد الإجازة وذكر اسامي الكتب يصحّ طريق الشيخ إليه بصحّة السند المذكور ، في الفهرست.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري ، فقد أخبرني الشّيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبّري ، عن محمّد بن هوذة ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري.

أقول : إبراهيم ضعيف وهارون ثقة ـ كما مرّ ـ وابن هوذة ـ وقيل : إنّ اسمه في بعض النسخ أحمد دون محمّد ـ مهمل غير مذكور في الرجال.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن علي بن حاتم القزويني ، فقد أخبرني به الشّيخ ... وأحمد بن عبدون ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي شيبان القزويني ، عن علي بن حاتم.

أقول : ابن حاتم ثقة ، كما عن النجّاشي ، والقزويني مجهول.

وليس في الفهرست طريق سوى هذا الطّريق الضعيف.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب ، فقد أخبرني به الشّيخ ...

عن أبي جعفر ... بن بابويه عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن ... الصفّار وسعد بن عبد الله ، عن الفضل بن غانم (٣) ، وأحمد بن محمّد ، عن موسى ابن القاسم.

أقول : موسى ثقة ، والفضل مهمل ، وأحمد بن محمّد هو ابن عيسى ، كما صرّح النجّاشي ، فالطريق معتبر.

قال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن يونس بن عبد الرحمن ، فقد أخبرني به الشّيخ ... (المفيد) عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، ومحمّد بن الحسن

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة : ٨ / ٥٦.

(٢) فلاح السائل : ٢٥٨.

(٣) في الفهرست : ١٩١ ، ابن عامر.


عن سعد بن عبد الله ، والحميري ، وعلي بن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرار ، وصالح بن السندي عن يونس.

وأخبرني الشّيخ أيضا والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم ، عن الحسن بن حمزة العلوي ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس.

وأخبرني به أيضا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي المفضل محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبيد الله بن المطلب الشّيباني ، عن أبي العبّاس محمّد بن جعفر بن محمّد الرزاز ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن يونس بن عبد الرحمن.

أقول :

الطريق الأوّل : ضعيف بإسماعيل وصالح ، فإنّ الحقّ إنّهما غير ثقتين ولا حسنان.

والطريق الثّاني : معتبر ـ كما مرّ سابقا ـ لكن على تردّد ما في اليقطيني.

والثالث : ضعيف بالشّيباني والرزاز. وطرق الفهرست أيضا ثلاثة بتفاوت يسير مع هذه الطرق ، فلاحظ.

وأمّا نفس يونس ، ففي حاله كلام كثير غير أنّ المشهور وثاقته ، وقبول رواياته ، وقد مرّ قول العسكري عليه‌السلام في حقّه بعد رؤية كتابه : «أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة».

قال قدّس سره : وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن علي بن مهزيار ، فقد أخبرني به الشّيخ أبو عبد الله ، عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمّد بن يحيى وأحمد بن إدريس كلّهم ، عن أحمد بن محمّد ، عن العبّاس بن المعروف ، عن علي بن مهزيار.

أقول : ابن مهزيار ثقة ، والعبّاس بن معروف أيضا ثقة ، وأحمد هذا ابن عيسى أو البرقي ، فالطريق معتبر في غير نصف كتاب المثالب ، لاستثنائه في الفهرست ، فتأمّل.

وقريب منه ما في الفهرست وفيها : إلّا كتاب المثالب ، فإنّ العبّاس روي نصفه عنه ، وللشيخ فيها طريق آخر إليه.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن علي بن جعفر ، فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه محمّد بن يحيى ، عن العمر كي النيسابوري البوفكي ، عن علي بن جعفر.


وقال في الفهرست (١) في حقّه :

جليل القدر ثقة ، وله كتاب المناسك ومسائل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر عليه‌السلام سأله عنها. أخبرنا بذلك (٢) جماعة عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن محمّد بن يحيى ، عن العمر كي الخراساني البوفكي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى الكاظم ورواه ... ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس وعلي بن موسى ، عن أحمد بن محمّد ، عن موسى القاسم البجلي ، عنه انتهى كلامه.

أقول :

الطريق الأوّل : حسن بأحمد.

والثّاني : صحيح.

الثالث : كذلك ، بناء على أنّ أحمد بن محمّد هو ابن عيسى بقرينة علي بن موسى الّذي هو من العدّة الّذين يروي عنهم الكليني عنه. نعم ، علي بن موسى مجهول لم يرو فيه ما يوجب اعتبار قوله.

قال قدّس سره : وما ذكرته عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري ، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله عنه.

أقول : الحسين بن سفيان ثقة ـ كما مرّ ـ والطريق أيضا معتبر بالحسين.

قال : وما ذكرنا عن أبي طالب الأنباري ، فقد أخبرني أحمد بن عبدون. عنه.

أقول : مرّ الكلام في جهالة الأنباري وابن عبدون.

__________________

(١) الفهرست : ١١٤.

(٢) نقل عن المحقّق الخوانساري رحمه‌الله في مشارقه عند البحث عن مسّ المحدّث ، القدح في سند رواية مرويّة عن علي : بأنّ للشيخ إليه ثلاثة طرق أحدها ما ذكره في أخر التهذيب ، وفيه : الحسين الغضائري ، ولم ينص الأصحاب على توثيقه ، والآخران ما ذكرهما في فهرسته ، وهذان الطريقان وإن كانا صحيحين إلّا أنّه قال في الفهرست ... وله كتاب المناسك ومسائل لأخيه موسى الكاظم عليه‌السلام ، سأله عنها أخبرنا بذلك جماعة. وهذه العبارة ليست ظاهرة في أنّ كلّ ما يرويه الشّيخ عنه إنّما هو بهذين الطريقين ؛ إذ يجوز أن تكون تلك المسائل مسائل خاصّة مجتمعة في كتاب مثلا ، ولم يكن كلّ ما يرويه عنه داخلا فيها مع احتمال رجوع الضمير إلى الكتاب فقط.

أقول : مع اعتبار الغضائري يصبح جميع روايات الشّيخ عنه في تهذيبه معتبرة ، نعم ، يشكل الأمر في ما إذا رواه عنه من غير كتابه ، ومن غير مسائله في غير التهذيب ؛ إذ لا عموم في كلام الشّيخ ، بل المتيقّن من إسم الإشارة في كلامه : (أخبرنا بذلك) رجوعه إلى المسائل وحدها ، لا رجوعه إليها وإلى كتاب المناسك ، وإن كان الأظهر أنّ كلّ ما رواه عنه في التهذيب فهو معتبر بهذا السند.


تنبيه مهم

في المرحلة الأولى كنت بنّيت على تصحيح طرق الشيخ إلى ما رواه في التهذبين على المشيخة والفهرست ، كما لعلّه المشهور ، وهو مقتضي إحالة الشيخ على الفهارس وفهرسته.

ثمّ عدلت عنه بعد سنوات وبنيت عليه بملاحظة خصوص المشيخة دون ما ذكره في الفهرست.

وعذري في ذلك ما ذكرت في البحث الرابع والأربعون ، وهو عذر مقطوع به عندي.

فالفهرست لاجل نقل أسامي الكتب فقط من دون مناولة وقرائة وسماع غالبا ، بخلاف مصادر المشيخة ، فإنّها وصلت إليه بطرق المناولة أو السماع والقرائة مثلا.

وعلى هذا فقد استشكلنا واعترضنا على صحّة طرق الشيخ في المشيخة في مورد روايات أحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد ، مثلا فخرجت أحاديث كثيرة من حريم الاعتبار إلى ظلمات عدم الاعتبار ، بل وقع التشكيك في صحّة طريق الشيخ إلى علي بن فضّال وغيره. وعلى ضوء هذا المنظر ألّفنا : مشرعة بحار الأنوار وتعليقيتنا على : جامع الاحاديث ؛ لتمييز رواياته المعتبرة عن غيرها ، ونسبنا صحّة روايات الحسين بن سعيد إلى المشهور أو جماعة وصحّة روايات علي بن الحسن إلى بعض الأفراد وصرفنا عن طبع كتاب معجم الأحاديث المعتبرة في ستة اجزاء و ...

ثم وفقنا الله تعالى حين الطبعة الخامسة لكتاب بحوث في علم الرجال ، للتوجه إلى اعتبار طريق الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، والحسين بن سعيد ، وعلي بن الحسن بن فضّال بما تلاحظه وتطالعه في هذا البحث ، فدخل أحاديث كثيرة في حريم الاعتبار والاعتماد ، ولله الحمد. (١)

فمن يراجع إلى مشرعة بحار الانوار وتعليقة جامع أحاديث الشيعة بعد ذلك فلا ، من له من ملاحظة الجدول الآتي ومطالب هذا البحث. ولأجله يرى المحقّق المدقّق نوع خلل في انسجام مطالب الكتاب ، فإن كلّ طبعة من طبعات الكتاب الخمسة كانت تقارن الأفكار المختلفة والآراء المتفاوته ، وزيادة ذكر مطالب متنوعة مستقلّة أو ملمّلة أو مكمّلة للمطالب المذكورة في الكتاب.

__________________

(١) وهو ما حرّره في : جمادي الاولى ١٤٣١ ه‍ برج الثور / أرديبهشت ١٣٨٩ ه‍. ش.


وللمقام تتمة تأتي ذيل عنوان : (كلمة أخيرة لإظهار حقيقة) عن قريب.

هذا مختصر القول في شرح مشيخة التهذيب.

وإليك جدول الطرق المذكورة تسهيلا للأمر حسب ترتيب الشّيخ رحمه‌الله :

طريق شيخ إلى :

حكم الطريق

حال ذي الطريق

محمّد بن يعقوب

معتبر

ثقة

علي بن إبراهيم

معتبر

ثقة

محمّد بن يحيى العطّار

معتبر

ثقة

أحمد بن إدريس

معتبر

ثقة

حسين بن محمّد بن عامر

معتبر

ثقة

محمّد بن إسماعيل

معتبر

مجهول

حميد بن زياد

معتبر

موثق

أحمد بن محمّد بن عيسى

معتبر

ثقة

أحمد بن محمّد البرقي

معتبر

ثقة

الفضل بن شاذان

محل اشتباه

ثقة

الحسن بن محبوب

معتبر

ثقة

سهل بن زياد

معتبر

ضعيف

علي بن الحسن

معتبر

موثق

بن فضّال

معتبر

ثقة

الحسين بن سعيد

معتبر

ثقة

محمّد بن أحمد بن يحيى

معتبر

ثقة

محمّد بن علي بن محبوب

معتبر

ثقة

محمّد بن الحسن الصفّار

الإحتياط حسن

ثقة

سعد بن عبد الله

معتبر

ثقة

محمّد بن الحسن بن الوليد

معتبر

ثقة

علي بن الحسين والد الصدوق

معتبر

ثقة

الحسن بن محمّد بن سماعة

موثّق

موثق

علي بن الحسن الطاطري

ضعيف

موثق

ابن عقدة

لا يبعد اعتباره

موثق

الصدوق

معتبر

ثقة

أحمد بن داود

معتبر

ثقة

جعفر بن محمّد بن قولويه

معتبر

ثقة


محمّد ابن أبي عمير

معتبر على وجه

ثقة

إبراهيم بن إسحاق

ضعيف

ضعيف

علي بن حاتم

ضعيف

ثقة

موسى بن القاسم

معتبر

ثقة

يونس بن عبد الرحمن

معتبر

ثقة

علي بن مهزيار

معتبر

ثقة

علي بن جعفر

معتبر

ثقة

الحسين بن سفيان البزوفري

معتبر

ثقة

أبي طالب الأنباري

ضعيف

مختلف فيه

خاتمة

قال السّيد بحر العلوم رحمه‌الله :

واعلم : أنّ الشّيخ رحمه‌الله قد يذكر في التهذيبين جميع السند ، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدور ، واستدرك المتروك في آخر الكتابين ، فوضع له مشيخته المعروفة ، وهي فيهما واحدة ، وقد ذكر فيها جملة من الطرق إلى أصحاب الاصول والكتب ممّن صدر الحديث بذكرهم وابتدء بأسمائهم. ولم يستوف الطرق كلّها ، ولا ذكر الطريق إلى كلّ من روي عنه بصورة التعليق ، بل ترك الأكثر لقلّة روايته عنهم ، وأحال التفصيل إلى فهارست الشّيوخ المصنفة في هذا الباب.

وزاد في التهذيب الحوالة على كتاب الفهرست ، الّذي صنّفه في هذا المعني.

وقد ذهبت فهارست الشّيوخ بذهاب كتبهم ، ولم يبق منها إلّا القليل كمشيخة الصدوق وفهرست الشّيخ الجليل أبي غالب الزراري ، ويعلم طريق الشّيخ منهما بوصل طريقه إليهما بطريقهما إلى المصنفين. وقد يعلم ذلك من طريق النجّاشي فإنّه كان معاصرا للشيخ ، مشاركا له في أكثر المشايخ ، كالمفيد والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون وغيرهم. فإذا علم روايته للأصل أو الكتاب بتوسط أحدهم كان ذلك طريقا للشيخ ، والحاجة إلى فهرست الشّيخ أو غيره متوفرة فيمن لم يذكره الشّيخ في المشيخة لتحصيل الطريق إليه ، وفيمن ذكره فيها لاستقصاء الطرق والوقوف على الطريق الأصّح ، أو الأوضح ، والرجوع إليه في هذا القسم معلوم بمقتضى الحوالة الناصة على إرادته.

وكذا الأوّل ؛ لأنّ الظاهر دخوله فيها كما يستفاد من فحوى كلامه في أوّل المشيخة ، وآخرها مع أنّ ثبوت تلك الطرق له في معنى الإحالة عليها في ما رواه في الكتابين. وغيرهما.


ثمّ ذكر ما ينافي بعض ما ذكره أوّلا ، فراجع إن شئت كتابه. (١)

أقول : قد عرفت ممّا ذكرناه سابقا النظر في الاعتماد على فهرست الشّيخ لتصحيح روايات التهذيبين ، فضلا عن الاعتماد على فهارس الأصحاب سوى مشيخة الصدوق ، وها نحن نذكر أسماء من ترك الشّيخ بيان طرقه إليهم ممّن روي عنه في الجزء الأوّل من التهذيب ـ الطبعة الحديثة ـ ، ونترك أسماء من روي عنهم في بقيّة الأجزاء التسعة ، لعدم فائدة مهمة في ذكرها وهي هذه :

١. البزنطي ، ١ / ٢٠٣.

٢. جابر بن يزيد ، ص : ٢٤٥.

٣. معاوية بن حكيم ، ص : ٢٥٥.

٤. علي بن محمّد ، ص : ٢٩٢ ، ٣٠٣ ، ٣٠٧ ، ٤٣٣ ، ٤٣٦.

٥. محمّد بن عيسى اليقطيني ، ص : ٢٩٨ ، ٤٤٧.

٦. أحمد بن زرق الغمشاني ، ص : ٣٠٣.

٧. فضّالة (على وجه قوي).

٨. حمّاد ، ص : ٢١٢.

٩. حريز ، ص : ٣٤٨.

١٠. العياشي أبو النضر ، ص : ٣٥٠.

١١. عمار بن موسى ، ص : ٤١٨.

١٢. إسحاق بن عمار ، ص : ٤١٩.

١٣. يعقوب بن عثيم ، ص : ٤١٩.

١٤. العمر كي ، ص : ٤١٩.

١٥. محمّد بن الحسين ، ص : ٤٣٧ ، ٤٦٧ و ٤٦٩.

١٦. علي بن الحكم ، ص : ٤٤٩.

١٧. إبراهيم بن مهزيار ، ص : ٤٦٤.

١٨. العبّاس ، ص : ٤٦٦ ، ٤٦٧.

__________________

(١) لاحظ : رجاله : ٤ / ٧٥ ، ٧٤ وخاتمة مستدرك النوري رحمه‌الله : ٧١٩ ، ولاحظ أيضا سماء المقال للكلباسي : ١ / ١١٠ ، الطبعة الجديدة المحقّقة.


١٩. العبّاس بن معروف ، ص : ٤٦٧.

٢٠. محمّد بن عبد الحميد ، ص : ٤٦٧.

٢١. يعقوب بن يزيد ، ص : ٤٦٩.

٢٢. سلمة بن الخطّاب ، ١ / ٤٦٩.

ثمّ إنّك قد عرفت ممّا سبق في أوائل هذا البحث وغيره أنّ ما أتعب صاحب جامع الرّواة رحمه‌الله نفسه الشّريفة في تصحيح أسانيد الشّيخ رحمه‌الله إلى الرّواة في : الفهرست والمشيخة والتهذيب ، وتبعه المحدّث النوري رحمه‌الله غير مفيد ، فلاحظ : خاتمة المستدرك ، الفائدة السادسة منها.

واعلم : أنّ طرق الشّيخ في المشيخة على قسمين أحدهما ما يختصّ بالتهذيب ، أو التهذيبين ، وثانيهما ما يعمّ جميع كتبه ، وهذا أنفع ؛ يظهر ذلك من عباراته في بيان الطرق ، فلاحظ.

كلام مع الشّيخ الطوسي رحمه‌الله

ولو تبع الشّيخ الطوسي رحمه‌الله الشّيخ الكليني رحمه‌الله في ذكر الأسناد غالبا ، حتّى لا يحتاج إلى ذكر المشيخة لكان أحسن ، ولو أغمض النظر عن الأسانيد الضعيفة ـ رغم اختصارها وعلوها واكتفي بذكر الأسانيد المعتبرة ـ لكان أنفع وأتمّ.

ولو وثّق مشايخه ومن يروي عنه في التهذيب والمشيخة إذا كانوا ثقات لكان أكمل ، ولو صرّح بضعف ضعفائهم ، لكان أحوط.

ولو اعترف بجهالة من لا يدري حالهم ، لكان كلامه أوضح.

لكنّه قدّس سره حذف صدور الأسناد وأسّس المشيخة ، الّتي فيها نقائص.

فمنها : أنّها ناقصة غير مشتملة على جميع من روي عنهم في التهذيب.

ومنها : إنّه نقل عن الضعفاء والمجهولين ، فجعل كمية كبيرة من روايات التهذيبين محلّا للإشكال والإيراد ، وقد عرفت أن طريقه إلى الحسن بن محبوب وإلى الحسين بن سعيد وإلى علي بن الحسن بن فضّال ، وإلى أحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد وابن أبي عمير وغيرهم ؛ لاجل الإبهام والإجمال في العبارات غير خال عن الإشكال ، أو الإيراد.

ورواياتهم تبلغ إلى آلاف ، وكان بإمكانه رفع هذه الإشكالات عن المشيخة.

ونحن وإن بنّينا على صحّة طرقك إليهم بعد سنين ، أخيرا ، لكنّه بزيادة دقّة وبنحو أرجح ، لا بقوّة لم تقبل الخلاف.


وليس الشّيخ رجاليّا صرفا ، أو محدّثا سذجا ، ليعتذر عنه بالغفلة ، بل هو مجتهد متضلّع ومحيط بجميع العلوم الشّرعيّة في عصره ، وقلّ من وفقه الله بمثله.

وهو الّذي أصرّ وتأكّد وكرّر في العدّة على اعتبار الوثاقة في الرّاوي ، وعلى سائر شروط الحجيّة ، ولو اتّخذ سبيل الكليني في الكافي ، لم يذهب أوقات الأردبيلي والنوري رحمهما‌الله عبثا.

نقول للشيخ المعظّم : إنّ الّذين رويت عنهم ولم توثّقهم ، هل تعلم ضعفهم أو وثاقتهم أو لا تعلم حالهم أصلا؟

فعلى الأوّل والثّاني ، لم أمسكت عن التّوثيق والتضعيف؟

وعلى الأخير لم لم تصرّح بجهالتهم حتّى يكون الأمر للأجيال القادمة واضحا ، ولم يذهبوا إلى الأفراط والتفريط؟

ولو اعتذر الشّيخ رحمه‌الله بأنّه كان مطمئنا بصحّة المصادر ، وإنّما ذكر الأسناد ـ ناقصا لمجرّد خروج الأحاديث من الإرسال ، لقلنا له : أيّها العالم الجليل ، ويا شيخ طائفتنا ـ سلام الله على روحك الطاهرة ـ أنت ما ألّفت التهذيبين لنفسك ، بل للمؤمنين من بعدك أيضا ، وهؤلآء في حصول الاطمئنان يحتاجون إلى ذكر الأسناد والرواة الثقاة ، لا إلى هذه المشيخة ، على أنّك ما صرّحت في كتبك بهذا الاعتذار ، بل وعدت في أوّل فهرستك بذكر التّعديل والتّجريح في ترجمة كلّ من تذكر اسمه ، لكنّك ما وفيت بعهدك ، في أوّل كتابك وهذا من مثلك ـ رفع الله درجاتك المتعالية في الجنان ـ غريب وعجيب ، بل لم يكن متوقعا منك!

وأنا موقن أنّه بوسعك توثيق كثير من المجهولين وتضعيف جمع منهم ، ولكنّك ـ رغم وعدك ـ أهملتهم ، وهذا ما لا أعلم وجهه.

ثمّ إنّك ما ذكرت مصادر توثيقاتك وتضعيفاتك ، كالنجّاشي ، فصارت كلّها مرسلة ، والآن بقي علم الرجال وأحاديث التهذيبين مقترنين بمشكلات عديدة.

وفي الأخير : هل أحالتك على الفهارس ـ وعلى فهرستك على وجه ـ في آخر المشيخة لا تدلّ على أنّ طرق المشيخة ، كطرق الفهرست في مجرّد الإخبار غالبا ، وذكر أسامي الكتب والإشارة الإجماليّة إلى رواياتها ، لا بمناولة الكتب مع رواياتها المذكورة فيها؟

كلمة أخيرة لإظهار حقيقة

المتتبّع المتعمق ربّما يطمئن بأنّ طرق المشيخة ، كطرق الفهرست إلّا ما فيها قرائن لفظيّة ،


خالية عن المناولة ، والشّيخ أخذ الكتب الحديثيّة من الأسواق والأفراد مطمئنا بصحّتها ، فنقل منها في التهذيبين.

وإنّما ذكر بعض طرقه إليها في المشيخة لإخراج ما في التهذيبين من الإرسال ، كما صرّح به نفسه.

فلا يردّ عليه بعض الاعتراضات المتقدّمة ، بل ليس الشّيخ مبتدعا في ذلك فإنّ الظاهر أنّ الكليني والصّدوق وغيرهما من حملة الإخبار (قدّس الله أسرارهم) أيضا سلكوا هذا المسلك ؛ إمّا في جميع الموارد أو في كثير منها والوسائط بينهم ، وبين أرباب الكتب بمنزلة شيوخ الإجازة أو هم هم.

وإن شئت فقل : أنّ التعبير الرائج الغالب في مشيخته التهذيب ، هو لفظ الإخبار ـ أي : إخبار مشائخه عن مشائخهم ، عن أرباب الكتب والأصول.

وعرفت أن اللفظ المذكور : (أخبرني أخبرنا) ، لا يضمن مناولة الكتب والسماع والقراءة بوجه إلّا فيما يصرّح الشّيخ رحمه‌الله بأحدها ، وفي معنى الإخبار الرّواية : (رواه ـ روينا) والفرق بينهما اعتباري ، فإن الأوّل باعتبار حال الملقي ، والثّاني بلحاظ حال المتلّقى ، ومثلها في عدم الدلالة على الثّلاثة المذكورة مادّة الإجازة قطعا إلّا بقرينة أخرى.

والنتيجة تساوي طرق المشيخة والفهرست ، وعليه فلا تأثير لضعف الطرق المذكورة في المشيخة إذا كان قبلها من الرّواة صادقون ، فإنّ الاعتماد على اطمئنان الشّيخ بسلامة الكتب والأصول من الدس والزيادة والنقص ، ويلحقّ بطرق المشيخة طرق الفهرست ، إذا نقل الشّيخ الأحاديث بواسطتها من الكتب والأصول.

ويؤيّده إنّ الرجاليّين والمحدّثين والفقهاء من الأصحاب قبلوا توثيقات الشّيخ والنجّاشي ، بل وتوثيقات علي بن الحسن بن فضّال وأمثالهم ، وهي مرسلة ، كما عرفته في أوائل هذا الكتاب ، ولا وجه له ظاهرا سوى الاعتماد على اطمئنان الشّيخ وأمثاله مع احتمال إعمال الحدس من الشّيخ ـ كما مرّ ـ فكيف لا يعتمد على اطمئنانه في سلامة الكتب الحديثية؟

إذ لا يحتمل أن الشّيخ وأمثاله نقلوا الأحاديث مع احتمال الدّس والزّيادة والنقيصة ، وقد أشرنا آنفا أنّه لا دليل على أنّ الصدوق ، والكليني رحمهما‌الله لم يرويا بهذا النحو ، بل رويا عن راو ، عن راو وهكذا ، بل الظاهر أنّهما قد يرويان عن الأفراد.


وقد يرويان عن الكتب مثل الشّيخ ، ولا دليل أيضا إنّ نسخ مصادر رواياتهما قد وصلت إليهما بالمناولة أو القراءة أو السماع من واحد ، عن آخر عن ثالث مثلا ، فإنّه فرض مرجوح.

فالعمدة الاعتماد على وثوق الكليني والصّدوق ، وعلى هذا لا يتحتّم على الفقيه الرجوع إلى دليل الإنسداد ، والله العالم بحقيقة الحال.

ويمكن أن يقال : إنّ مدلول صحيح هشام بن الحكم ، وقول يونس بعده ، كما يأتي في البحث الثّاني والخمسين هو بثوت دسّ الدّجالين والوضّاعين في كتب أصحاب الباقر والصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعه كيف يعتمد على اطمئنان هؤلاء الأعاظم إذا لم تصل سلسلة الرّواية إلى الحسّ الخالص البعيد عن الحدس ، والعمليات الاجتهاديّة ، فلاحظ.

هذا وعملي ـ لحدّ الآن ـ هو أخذ الرّوايات المعتبرة سندا في دائرة مشيخة التهذيبين دون الفهرست ، وليس لي مستوى الإقدام على خلافة؟ والعلم عند الله تعالى.

العلم للرحمن جلّ جلاله

وسواه في جهلاته يتغمغم

ما للتراب وللعلوم وإنّما

يسعى ليعلم أنّه لا يعلم!


البحث السادس والأربعون

حول مشيّخة الفقيه

ليست مشيّخة الفقيه كمشيخة التهذيب ، فإنّ الثانية مختصرة ذات صعوبات ، ومتعلّقة بروايات كثيرة ـ كما علمت ـ والاولى خالية عن الصعوبات مطوّلة ذكر فيها أكثر من ثلاثمائة وثمانين طريقا ، ولكنّها لا تفيد فائدة الثانية الّتي تبلغ : ٣٥ طريقا ، ومع ذلك فائدة الأوّلى ممّا لا تخفى.

ولمّا كان تفصيل البحث عنها يوجب الخروج عن وضع الرسالة عدلنا عنه إلى الإشارة الإجماليّة ، ومن أراد التفصيل فعليه بالمطوّلات الّتي منها : خاتمة الوسائل ، ومنها : خاتمة مستدرك النوري ، لكنّه أفرط في التّصحيح إفراطا لا يجوز سلوك سبيله بوجه ، ومنها كتب اخر.

ثمّ اعلم : أنّ ما ذكرنا في هذه القائمة مخالف لما ذكره العلّامة الحلّي والمحدّث النّوري وسيّدنا الأستاذ رحمه‌الله في معجمه وغيرهم في غيرها (١) : طريق الشيخ إلى :

__________________

(١) راجعت إلى مشيخة الفقيه مرّة اخرى عند إعداد الكتاب للطبعة الخامسة ، عام ١٤٢٨ / ١٣٨٦ ه‍ ش ، وصحّحت الاشتباهات.


__________________

(١) الخزاز : يقال إنّه إبراهيم بن عيسى ، كما صرّح به الصدوق في المشيخة.

(٢) بناء على أنّ اسم أبيه : بريد لا يزيد.

(٣) لاحظ : دليل حسنها في بحار الأنوار : ٢٢ / ١٩٥.


__________________

(١) وما بعد السند فيه أيضا جهالة. والطريق الثّاني أيضا فيه جهالة ، الفقيه : ٤ / ٥٣١.

(٢) مجهول بمحمّد بن الفضيل المشترك ، لكن قال الصدوق وطرقي إلى أبي حمزة كثيرة. أقول يحتمل إنتهاء طرقه إلى ابن المشترك أو إلى مجهول أو ضعيف ، فلا ينبغي الاعتماد على الطرق المذكورة لكثرتها.


__________________

(١) ربّما يقال : إنّما يصحّ الطريق إذا روى عنهما معا ، وأمّا إذا روى عن أحدهما منفردا ، فلا يحرز صحّة الطريق وقد تقدّم صحّة هذا القول مفصّلا في البحث التّاسع عشر.

(٢) لاحظ : خاتمة المستدرك للمحدّث النوري : ٥٨٦.

(٣) حمزة بن محمّد العلوي ، الواقع في الطريق حسن ؛ لترحم الصدوق عليه : (١٥) مرّة في : (٢٣) موردا.




__________________

(١) نعم ، ما كان فيه عن زرعة عن سماعة ، فالسند صحيح ، المشيخة ، ص ١٢.

(٢) قيل ، في حقّ الحسن بن متيل الواقع في الطريق : وجه من وجوه أصحابنا. وفي دلالته على صدق الرّاوي كلام.


__________________

(١) في المستدرك : عبد الرحيم ، لكنّه من غلط المطبعة ، فلاحظ ذيل كلام النوري.

(٢) أضاف النوري إلى الحضرمي كليب الأسدي ، كما وقع في محل آخر من المشيخة ، وهو أيضا مجهول.


__________________

(١) وأمّا سنده إليه في ما كان فيه من حديث سليمان بن داود باسم علي بن سالم في المشيخة ، فهو ضعيف.

(٢) من حديث سليمان بن داود ...


__________________

(١) ولعلّه محمّد بن مروان الكلبي المجهول ، فلاحظ : معجم الرجال : ١٣ ، الطبعة الخامسة.

(٢) السند ، كجملة من الأسانيد مكرّر في المشيخة المطبوعة.



__________________

(١) وطريقه مذكور في : الفقيه : ٤ / ٤٨٥. وله طريق آخر في : الصفحة : ٥٢٥ ، إلى محمّد بن فيض من دون قيد ، والطريق حسن ، لكن كلّ محمّد بن فيض مجهول.

(٢) لاحظ : سند الفقيه : ٤ / ٥٢٦ ، الفقيه ، تحقيق علي أكبر الغفّاري.


__________________

(١) على إشكال في اتّصال السند ؛ لأجل طول عمر هارون.

(٢) في طريق الصدوق إلى منصور بن حازم محمّد بن عبد الحميد ، ولم يوثّق ؛ ولذا حكمنا بجهالته.

وللشيخ إليه سند صحيح من طريق الصدوق ، فيفهم أنّ للصدوق طريق آخر معتبر غير الطريق المذكور في المشيخة ؛ ولأجله حكم السيد الأستاذ الخوئي في معجمه : ١٩ / ٣٧٥ ، الطبعة الخامسة ، باعتبار روايات الصدوق عن منصور.

أقول : صحّة طرق الفهرست ، كما لا تصّح أسانيد التهذيبين على وجه ، لا تصح أسانيد الفقيه أيضا ، وقد مر بحث ذلك ، إلّا أنّ نقول بما ذكرناه في البحث السابق ، ذيل عنوان : كلمة أخيرة لإظهار حقيقة ، ولاحظ ما مرّ في البحث : (١٩) ، فإنّه يفيد الباحث في المقام.


__________________

(١) مثنى الحّناط ، الواقع فيه مشترك بين حسنين ، ومجهول والظاهر من المعجم : أنّه الحسن ، فلاحظ.

(٢) هاشم لم يوثّق بعنوانه ، وقيل : إنّه هشام بن المثنى ، أو هاشم بن المثنى الحنّاط الثّقة ، وهو من أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، فيشكل رواية إبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن إسحاق ، عنه كما في المشيخة ، فلاحظ.


كني الّذين لم يذكر أسمائهم في الأسماء في مشيخة الفقيه :

هذا كلامنا في مشيخة الفقيه ، وإن رأيت إطلاق المجهول على الضعيف أو عكسه في بعض الموارد في هذا البحث ، أو في سائر البحوث ؛ فهو لأجل اتّحاد المجهول والضعيف في عدم الحجيّة ، وكذا إطلاق الحسن على الصحيح أو عكسه لعدم ثمرة بينهما ، ونسأل الله تعالى أن يجعله مفيدا للناظرين ومقبولا عنده بكرمه العميم.

وقال سيّدنا الأستاذ قدّس سره :

وروى الصدوق في الفقيه عن أشخاص يزيد عددهم على مائه ، ولم يذكر طريقه إليهم في المشيخة ، وفيهم من هو كثير الرّواية ، مثل : محمّد بن الفضيل ، ومنهم : أبو عبيدة ، وبريد ، وجميل بن صالح ، وحمران بن أعين ، وموسى بن بكر ، ويونس بن عبد الرحمن. (١)

__________________

(١) قيل : أبو الأعز النحّاس.

(٢) فإن كان سليم الفراء فهو ثقة. وقيل : بوحدتهما والظاهر من الشيخ ، ومن المعجم التعدّد.

(٣) معجم رجال الحديث : ١٧ / ١٦٤.


أقول : ومثلهم جميل بن درّاج وحده ، وقد مرّ بحثه في إحد البحوث السّابقة. وقيل : إنّ روايات المتروكين وهم : ١٢٠ شخصا تقريبا تزيد على (٣٠٠).

وقيل : ربّما يتردّد الخبر بين كونه مذكور الطريق وعدمه ، كما يتّفق كثيرا في رواية الصدوق عمّن ذكر الطريق إليه بطريق الإرسال ، كقوله : روى إسحاق بن عمّار ... فإنّ ظاهره الإرسال ، مع أنّه مذكور في الطريق والمشيخة ، فهل يبني على الإرسال أو الإسناد؟

فيه اختلاف. (١)

ونحن بنينا ـ لحدّ الآن ـ على كونه مسندا مثل ما يقول : عن إسحاق أو روى عن إسحاق أو في رواية إسحاق ولعلّ الأوّل (روي إسحاق مثلا) أكثر في الفقيه ، فلاحظ وتدبّر ، وكأنّه تفنّن في التعبير.

__________________

(١) لاحظ : سماء المقال : ١ / ٤١٨.


البحث السابع والأربعون

في بعض آراء أهل السنّة

قال الشّافعي في الرسالة : ولا تقوم الحجّة بخبر الخاصّة ، يعني بذلك خبر الواحد إلّا أن يكون من حدّث به ثقة في دينه معروفا بالصدق في حديثه عاقلا بما يحدّث به عالما بما يحيل معاني الحديث من الألفاظ ، أو يكون من يؤدّي الحديث بحروفه ، كما سمعه ولا يحدّث به على المعنى ، فإنّه إذا حدّث به على المعنى ، وهو غير عالم بما يحيل معناه ، لم يدر لعلّه يحيل الحلال إلى الحرام ، أو الحرام إلى الحلال.

وإذا أدّي بحروفه لم يبق وجه يخاف منه إحالة الحديث حافظا إن حدّث بحروفه من حفظه ، حافظا لكتابه إن حدّث من كتابه ... ومن كثر غلطه من المحدّثين ، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه ....

وقبل الحديث ممّن قال حدّثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسّا ، ومن عرفناه دلّس مرّة فقد أبان لنا عورة في روايته ، وتلك العورة ليست بكذب فيردّ بها حديثه ولا على النصيحة في الصدق ، فنقبل ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق ، فقلنا لا نقبل من مدلّس حديثا حتّى يقول حدثني أو سمعت انتهى.

وقيل : لا خلاف بين الأئمّة في اشتراط الشّروط إن جوّزنا الرّواية بالمعني.

وعنه أيضا : إذا روي الثّقة حديثا ، وإن لم يروه غيره ، فلا يقال له شاذ ، إنّما الشّاذ أن يروي الثقات حديثا على وجه ، فيرويه بعضهم فيخالفه ، فيقال : شذّ عنهم.

وقال بعضهم : وممّن ينبغي أن يتوقّف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين


من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد ، فإنّ الحاذق إذا تأمّل ثلب ـ أي : عيب ـ أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأي العجب ؛ وذلك لشدّة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع ...

وقال الخطيب :

أقلّ ما ترتفع الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعدا من المشهورين بالعلم إلّا أنّه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما ، وقد زعم قوم أنّ عدالته تثبت بذلك. وهذا باطل ؛ لأنّه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته ، فلا يكون روايته عنه تعديلا له ولا خبرا عن صدقه ، ثمّ ذكر جماعة روي عن جمع معتقدين فيهم الكذب.

وقال أيضا :

اتّفق أهل العلم على أنّ من جرحه الواحد والاثنان وعدله مثل عدد من جرحه ، فإنّ الجرح أولى ، والعلّة في ذلك إنّ الجارح يخبر عن أمر باطني قد علمه ، ويصدق العدل ، ويقول قد علمت من حاله الظاهر ما علمت أنت وتفردت بعلم لم تعلمه ...

وقال :

فإذا عدل جماعة رجلا وجرحه أقل عددا من المعدّلين ، فإن الّذي عليه الجمهور من العلماء إنّ الحكم للجرح والعمل به أولى.

وقالت طائفة : الحكم للعدالة ، وهو خطأ ، قلت : بل الصواب التفصيل ، فإن كان الجرح ـ والحالة هذه ـ مفسّرا وإلّا عمل بالتعديل.

وقال بعضهم :

وأعلى العبارات في الرّواة المقبولين : ثبت حجّة ، وثبت حافظ ، وثقة متقن ، وثقة ثقة ، ثمّ ثقة ، ثمّ صدوق ، ولا بأس به ، وليس به بأس ، ومحلّه الصدق ، وجيّد الحديث ، وصالح الحديث ، وشيخ وسط ، شيخ حسن الحديث صدوق إن شاء الله ، وصويلح ، ونحو ذلك.

العبارات في الجرح : دجّال كذّاب أو وضّاع يضع الحديث : ثمّ متهم بالكذب متفّق على تركه ، ثمّ متروك ، وليس بثقة ، وسكتوا عنه ، وذاهب الحديث ، وفيه نظر ، وهالك وساقط.

ثمّ واه بمرّة ، وليس بشيء ضعيف جدّا ، ضعفوه منكر الحديث.

ثمّ : يضعف ، وفيه ضعف ، ليس بالحجّة ، وليس بذاك ، يعرف وينكر ، صدوق لكنّه مبتدع.

ثمّ إنّ بعضهم قسّم البدعة قسمين ؛ بدعة كبرى وبدعة صغرى ، فالبدعة الصغري كغلّو التشيع ، أو كالتشيع بلا غلوّ ، ولا تحرق ، فهذا كثير في التابعين وأتباعهم مع الدين والورع والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلآء لذهب جملة من الآثار النبويّة ، وهذا مفسدة بيّنة.


والبدعة الكبرى ، كالرفض الكامل والغلوّ فيه ، والحطّ على أبي بكر وعمر (رضي‌الله‌عنهما) والدعاء إلى ذلك ، فهؤلآء لا يقبل حديثهم ولا كرامة. وأيضا فلا استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا ، (١) بل الكذب شعارهم ، فالشّيعي الغالي في زمان السلف ، وعرفهم هو من تكلّم في عثمان والزبير وطلحة وطائفة ممّن حارب عليّا عليه‌السلام ، وتعرض لسبهم.

وفي زماننا وعرفنا هو الّذي كفر هؤلآء السادة وتبرء من الشّيخين ، فهذا ضالّ مفتر.

وبالجملة : اختلف الناس في رواية الرافضة على ثلاثة أقوال :

أحدها : المنع مطلقا.

الثّاني : الترخيص مطلقا ، إلّا فيمن يكذب ويضع.

والثالث : التفصيل فتقبل رواية الرافضي الصّدوق العارف بما يحدّث ، وترد رواية الرافضي الداعية ولو كان صدوقا. (٢)

ونسب هذا التفصيل إلى أكثر أهل الحديث.

وقال أحمد بن حنبل :

ثلاثة كتب ليس لها أصول ، وهي المغازي والتفسير والملاحم ، وقال بعضهم : ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذه أودية الأحاديث الضعيفة.

وقال ابن حيان : من كان منكر الحديث على قلّته لا يجوز تعديله إلّا بعد السبر ، ولو كان ممّن يروي المناكير ، ووافق الثقات في الإخبار ، لكان عدلا مقبول الرّواية ؛ إذ الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة حتّى يتبيّن منهم ما يوجب القدح ، هذا حكم المشاهير من الرّواة فأمّا ، المجاهيل الّذي لم يرو عنهم إلّا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلّها.

ونقل عنه :

أنّ العدل من لم يعرف فيه الجرح ؛ إذ التجريح ضد التّعديل ، فمن لم يجرح فهو عدل حتّى يتبيّن جرحه ؛ إذ لم يكلّف الناس ما غاب عنه.

لكن تعجب منه ـ أي : من أصالة العدالة ـ بعضهم ، وقال : إنّ الجمهور على خلافه.

__________________

(١) كذب واضح دعته إليه العصبية الحمقاء ، نعوذ بالله منهما ، فإنّ الصّادقين يوجدون بكثرة في جميع طوائف المسلمين وغيرهم.

(٢) هو خلاف القاعدة ، ولا وجه له سوى العصيبة.


ثمّ قيل : إنّ أوّل من كتب في الرجال هو يحيى بن سعيد القطان ، وتكلم في ذلك بعده تلامذته ، يحي بن معين ، وعلي بن المدني ، وأحمد بن حنبل ، وعمرو بن علي الفلاس ، وأبو خيثمة ، وتلامذتهم مثل أبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو إسحاق الجوزجاني السعدي ، وغيرهم. (١)

أقول : الغرض من نقل هذه الكلمات معرفة القارئين بآراء علماء الرجال من أهل السنّة.

معرفة إجماليّة.

وجملة من هذه الآراء دائرة بين الرجاليين من الشّيعة أيضا قلّوا ، أم أكثروا.

__________________

(١) نقلنا كلّ ما في هذا البحث بتغيير جزئي من مقدّمة لسان الميزان ، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى ٨٦٢ ه‍ ، المطبوع بمؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت.


البحث الثامن والأربعون

في بيان بعض مطالب علم الدراية ومصطلحاته (١)

أ) الفصل الأوّل : الخبر مطلق ما تخبر به عظيما كان أم لا ، فهو أعمّ من النبأ الّذي هو الخبر المقيّد بكونه عن أمر عظيم ، كما عن الراغب.

وقيل : الخبر والحديث مترادفان.

وقيل : الحديث هو ما يحكى قول المعصوم أو فعله أو تقريره.

وربّما قيل : إنّه قول المعصوم أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره ، وفي الفرق بينهما بعض الأقوال الاخر.

وأمّا السّنة ، فهي في اللغة الطريقة.

وقد تطلق على المستحبّ ، وكثيرا ما تطلق على ما يصدر من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو مطلق المعصوم من قول أو فعل أو تقرير غير عادي.

ثمّ الخبر إن صدر عن جماعة بلغوا في الكثرة إلى حدّ يمتنع عادة اتّفاقهم على الكذب فيه فحصل العلم بمضمونه فهو متواتر ، وإلّا فهو خبر آحاد وخبر واحد.

ثمّ المتواتر على أقسام ثلاثة ، فإنّه إن اتّحدت ألفاظ المخبرين ، فهو تواتر لفظي ، وإن اختلفت الألفاظ ، ولكن اتّحدت معانيها التضمنيّة أو الالتزاميّة فهو متواتر معنوي ، وإن تتباين

__________________

(١) الدراية في اللغة العلم ، وفي الاصطلاح هو : البحث عن متن الحديث وسنده ، وكيفية تحمله وآداب نقله ، ولا ينبغي إطالة الكلام في طرد هذا التعريف وعكسه. وقيل إنّ موضوعه : السند والمتن. والغرض منه معرفة الاصطلاحات الراجعة إلى الأحاديث.


الألفاظ والمعاني فهو تواتر إجمالي ، كعلمنا بصحّة بعض ما سمعناه من الناس في شهر مثلا من مختلف الإخبار اليوميّة. (١)

ثمّ إنّه لا بدّ من اعتبار التواتر في جميع مراتب الخبر ، وإلّا لم يفد علما.

والخبر الواحد ـ أي : ما لا ينتهي إلى حدّ التواتر ـ سواء كان مخبره واحدا أم أكثر ، له أقسام :

١. المحفوف بالقرينة القطعيّة.

٢. الخبر المستفيض ، وهو ما تكثر رواته في كلّ مرتبة أزيد عن ثلاثة ، كما عن الأكثر ، أو عن اثنين ، كما قيل.

٣. الخبر الواحد غير المستفيض.

ب). الفصل الثاني : في بيان أوصاف الخبر.

١. الخبر المرفوع ، وللمرفوع معنيان :

أحدهما : ما سقط من وسط سنده ، أو آخره واحد أو أكثر مع التصريح بلفظ الرفع ، كأن يقال عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهذا داخل في أقسام المرسل بالمعنى الأعم.

ثانيهما : ما اضيف إلى المعصوم من قول أو فعل أو تقرير ، أيّ وصل آخر السند إليه سواء اعتراه قطع أو ارسال في سنده أم لا ، فهو خلاف الموقوف ومغاير للمرسل تباينا جزئيّا.

٢. المعلّق : وهو ما حذف من أوّل إسناده واحد أو أكثر على التوالي ونسب الحديث إلى من فوق المحذوف من رواته ، مثل روايات الفقيه والتهذيبين ، بل جملة من أحاديث الكافي ، وخرج بقيد الأوّل المنقطع والمرسل ، حيث أنّ المحذوف في المنقطع وسط السند والمرسل أعم منهما.

وخرج بقولنا واحد أو أكثر المعضل ، حيث إنّه ما حذف من سنده اثنان فأكثر لا أقل. وإذا عرف حال المحذوف يدخل المعلّق في الصحيح أو الحسن أو الموثق.

٣. المدرج : وهو ما أدرج الرّاوي أمرا في السند أو المتن ، فيظن إنّه من المتن أو السند ، وأقسامه كثيرة.

__________________

(١) ولاحظ : ثمرة هذا القسم عند البحث عن حجيّة الخبر الواحد في كفاية الاصول ، ثمّ المتواتر الإجمالي المعتبر في الشّرعيات ما كان لآحاده قدر مشترك لازم غير مقصود ، لكنّه في المتواتر المعنوي مقصود وتفصيله مذكور في محله.


٤. المشهور : وهو ما شاع عند أهل الحديث بأنّ نقله جماعة منهم ، ولا يتّحد مع المستفيض لكفاية التعدّد في مرتبة من المراتب في المشهور دون المستفيض. والمحفوظ ما كان في قبال الشّاذ من الراجح المشهور ، والفرق بين المحفوظ والمشهور اعتبار حديث شاذ في مقابل المحفوظ دون المشهور.

٥. الغريب : وهو ما تحقّق الغرابة في سنده أو متنه أو فيهما معا. وقد يكون الغرابة في اللفظ باشتمال متنه على لفظ غامض بعيد عن الفهم ، وقد ألّفوا لتوضيح الألفاظ الغريبة كتبا.

٦. المصحّف : وهو ما غيّر بعض سنده أو متنه بما يشابهه ، أو يقرب منه. كتصحيف بريد بيزيد ، وتصحيف حريز بجرير ، وكتصحيف ستا ب : شيئا.

وربّما فرّق بين التصحيف والتحريف بأنّه إنّ غيّر فيه النقط فهو الأوّل ، وإن غيّر فيه الشّكل مع بقاء الحروف فهو الثّاني ، لكنّه غير جامع لجميع الأقسام ، كما إذا غيّر بعض حروفه.

٧. المعروف : وهو ما كان في قبال المنكر من الرّواية الشّائعة.

٨. المسلسل : وهو اشتراك كلّ رجال السند في صفة ، أو حالة ، أو كلام ، كأن ، يقال :

حدثني فلان آخذا بيدي ، قال : حدثني فلان آخذا بيدي ... إلخ.

٩. المؤتلف والمختلف : ومجموعهما اسم لسند اتّفق فيه اسمان ـ فما زاد ـ خطا واختلف نطقا ، كجرير وحريز ، ويزيد وبريد ، وبنان وبيان ، وبشار ويسار ، وخيثمّ وخثيم ، وقد يحصل الائتلاف والاختلاف في النسبة والصنعة وغيرهما ، كالهمداني بسكون الميم ، والهمداني بفتح الميم ، وكالحناط والخياط ، والخراز والخزاز.

١٠. المقبول : وهو الحديث الّذي تلقوه بالقبول وعملوا بمضمونه من غير التفات إلى صحّة سنده وعدمها.

١١. الموقوف : وهو مطلق ومقيّد. فالأوّل : ما روي عن مصاحب المعصوم مع الوقوف على ذلك المصاحب. والثّاني : ما روي عن غير مصاحب المعصوم مع الوقوف على ذلك الغير.

١٢. المقطوع : وهو الموقوف على التّابعي أيّ تابع مصاحب المعصوم عليه‌السلام. ويقال له :

المنقطع ، أيضا.

١٣. المضمر : وهو ما لا يذكر اسم المعصوم في آخر السند ، ويعبّر ب (عنه). وقيل : إنّ سبب الإضمار التقيّة والتقطيع.


١٤. المعضل : وهو الحديث الّذي حذف من سنده اثنان فأكثر ، فلو حذف أقلّ من الاثنين لم يكن من المعضل ، بل إن كان من أوّله فهو من أقسام المعلّق ، وإن كان من آخره ، فهو من أقسام المرسل ، فالمعضل مقابل المعلّق وأخصّ من المرسل.

١٥. المرسل : وهو كلّ حديث حذفت رواته كلا أو بعضا وإن ذكر المحذوف بلفظ مبهم كبعض. وهو بهذا المعنى يشمل المرفوع بمعناه الأوّل ، والموقوف والمعلق والمقطوع والمعضل ، وللمرسل معنى آخر عند العامّة ، وهو ما أرسله التابعي إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كقول سعيد بن المسيب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا فرد من المرسل الّذي فسّرناه أوّلا.

١٦. المضطرب : وهو كلّ حديث اختلف في متنه أو سنده ، فروي مرّة على وجه ، وأخرى على وجه آخر مخالف له ، سواء وقع الاختلاف من رواة متعدّدين ، أو راو واحد ، أو من المؤلّفين ، بحيث يشتبه الواقع.

١٧. المهمل : وهو ما لم يذكر بعض رواته في كتب الرجال ذاتا ووصفا ، والمجهول ما لم يعرف حال رواته كلّا أو بعضا من حيث العقيدة ، وإن ذكر في كتب الرجال.

والظاهر أنّ المجهول حسب ما اشتهر هو من لم يعرف صدقه وكذبه.

ج) الفصل الثالث : في طرق التحمل الرئيسيّة للحديث :

أوّلها : السّماع من لفظ الشّيخ ، وهو المروي عنه.

ثانيها : القراءة على الشّيخ ، وتسمّى بالعرض عند قدماء المحدّثين.

ثالثها : الإجازة ، أي : إجازة الشّيخ رواية الأحاديث عامّة أو خاصّة.

أقول : ولا يشترط فيها الاستجازة ولا اللقاء.

رابعها : المناولة ، وهي أن يناول الشّيخ الطالب كتابا تمليكا ، أو عارية للنسخ مقرونة بالإجازة وغير مقرونة بها.

أقول : ولاحظ رجال الكشّي ، رقم : ١٠٣١ ، ٥١٦ ، ١٠١٤ ، وفهرس النجّاشي في ترجمة : علي بن عبد الله بن عمران.

خامسها : الكتابة ، وهي أن يكتب الشّيخ حديثا ، أو أحاديث للغير.

سادسها : الإعلام ، وهو أن يعلم الشّيخ شخصا أو أشخاصا أن هذا الكتاب أو الحديث روايته أو سماعه من غير أن يأذن في روايته عنه.


سابعها : الوصيّة ، وهي أن يوصي الشّيخ عند موته ، أو سفره لشخص بكتاب يرويه عنه.

أقول : وفي رجال الكشّي إنّ علي بن النعمان وداود بن النعمان أوصيا بكتبهما لمحمّد بن إسماعيل بن بزيع.

ثامنها : الوجادة (١) ، وهي أن يجد الشّخص كتابا أو حديثا بخط مؤلّفه أو راويه غير معاصر له كان ، أو معاصرا لم يلقه أو لقاه ، ولكن لم يسمع منه الواجد ، ولا له منه إجازة ، فله أن يقول وجدت أو قرأت بخطّ فلان أو في كتاب فلان بخطه حدثنا فلان ويسوق باقي الأسناد والمتن ، أو يقول وجدت بخط فلان عن فلان الخ.

قالوا : هذا الّذي استمرّ عليه العمل قديما وحديثا ، وهو منقطع مرسل ، ولكن فيه شوب اتّصال لقوله وجدت بخطّ فلان. (٢)

وربّما دلّس بعضهم فذكر الّذي وجد بخطّه ، وقال فيه عن أو قال فلان ؛ وذلك تدلّيس قبيح إن أوهم سماعه ، وأمّا القول بحدثنا أو أخبرنا فقيل إنّه غلط منكر لم يجوّزه أحد ممّن يعتمد عليه.

ثمّ إنّه قد نفي بعضهم الخلاف في منع الرّواية بالوجادة المجرّدة ، لفقد الإخبار فيها الّذي هو المدار في صحّة الرّواية عن شخص ؛ وأمّا جواز العمل بالوجادة الموثوق بها ، فقد اختلفوا فيه ، الأظهر هو الأوّل.

أقول : نقلنا أكثر ما في هذا البحث مع الاختصار ومع التغيير الجزئي من مقباس الهداية للعلّامة المامقاني رحمه‌الله حتّى نوقف مراجعي كتابنا على بعض مطالب علم الدراية ومصطلحاته ، وإن شاء التفصيل والاستيفاء ، فليراجع كتب هذا العلم ، والله المستعان. (٣)

__________________

(١) وهي : بكسر الواو ، مصدر : وجد يجد ، مولّد غير مسموع من العرب الموثوق بعربيتهم. والعرب قد فرقّوا بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة ، قالوا : وجد ضالته وجدانا ـ بكسر الواو وإجدانا بكسر الهمزة ، ووجد مطلوبه وجودا ، وفي الغضب موجودة وجدة ، وفي الغناء وجدا مثلث الواو وجدة ـ وقرأ بالثلاثة قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) وفي الحبّ وجدا.

فلمّا رأي المولّدون مصادر هذا الفعل مختلفة بسبب اختلاف المعاني ، ولدوا لهذا المعنى الوجادة للتمييز.

(٢) وفي مثل أعصارنا حيث وجدت المطابع بطل شوب الاتّصال ، فالخبر مرسل إن لم تكن نسبة الكتاب إلى مؤلّفه متواترة ، كالكتب الأربعة ونحوها.

(٣) ولاحظ : بحار الأنوار : ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٧ ، أيضا.


البحث التّاسع والأربعون

في الاستثناء من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى

الذي وقع بهذا العنوان في كثير من الرّوايات تبلغ ألفا وثلاثمائة وأحد عشر موردا ، كما قاله السّيد الأستاذ الخوئي قدّس سره. (١)

قال النجّاشي في حقّه : كان ثقة في الحديث ، إلّا أنّ أصحابنا ، قالوا : كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمّن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء.

وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمّد بن موسى الهمداني ، وما رواه عن رجل ، أو يقول بعض أصحابنا ، أو عن محمّد بن يحيى المحاذي ، أو عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني ، أو عن أبي عبد الله السياري ، أو عن يوسف بن السخت ، أو عن وهب بن منبه ، أو عن أبي على النيسابوري ، أو عن أبي يحيى الواسطي ، أو محمّد بن علي أبي سمينة ، أو يقول في حديث ، أو كتاب ولم أرو ، أو عن سهل بن زياد الآدمي أو عن محمّد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ، أو عن أحمد بن هلال ، أو محمّد بن علي الهمداني ، أو عبد الله بن محمّد الشّامي ، أو عبد الله بن أحمد الرازي ، أو أحمد بن الحسين بن سعيد ، أو أحمد بن بشير الرّقي ، أو عن محمّد بن هارون ، أو عن ممويه بن معروف ، أو عن محمّد بن عبد الله بن مهران ، أو ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، أو ما يرويه عن جعفر بن محمّد بن مالك ، أو يوسف بن الحارثريال أو عبد الله بن محمّد الدمشقي.

__________________

(١) وذكر السّيد البروجردي في مقدّمة جامع الرّواة أنّ روايات الشّيخ عنه تقرب من خمسين وتسعمائة ومجموع طرق الشّيخ إليه في المشيخة معتبرة ، كما سبقت في البحث الخامس والأربعين.


وزاد الشّيخ في فهرسته : الهيثمّ بن عدي وجعفر بن محمّد الكوفي.

فهؤلآء ستّة وعشرون رجلا.

قال : أبو العبّاس بن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه ، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه رحمه‌الله على ذلك. إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رأيه (ما رأبه) فيه لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة.

أقول : عبارة محمّد بن الحسن لا تدل على تضعيف محمّد بن عيسى.

نعم ، لابن الوليد كلام آخر نقله الشّيخ في ترجمته في (الفهرست ص ١٨٢ برقم ٧٨٩) عن الصدوق : سمعت ابن الوليد رحمه‌الله يقول : كتب يونس بن عبد الرحمن الّتي هي بالروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها ، إلّا ما ينفرد به محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ولم يروه غيره ، فإنّه لا يعتمد عليه ولا يفتي به. (١)

وهو ظاهر في تضعيف الرجل كما لا يخفى ، لكن لازم هذا الكلام أن كلّ من روي عن يونس ثقة سوى حفيد عبيد ، ويبعد أن يعتقد ابن الوليد وثاقتهم ، وهم يزيدون على العشرين رجلا ، منهم أحمد بن هلال الّذي استثناه فيما سبق ، فيفهم إنّ الاستثناء ليس لأجل ضعفه ، بل لعمليات اجتهاديّة تتعلق برواياته.

على أنّ النجّاشي بعد نقل كلام ابن الوليد الأخير يقول : ورأيت أصحابنا يذكرون هذا القول ويقولون من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى؟

فالعمدة في اثبات ضعفه تضعيف الشّيخ إياه ، بل ضعفه مكرّرا على خلاف عادته ، كما في محكي الاستبصار ، وفي فهرسته وفي رجاله في أصحاب الهادي عليه‌السلام ، وفي باب من لم يرو عنهم عليهم‌السلام ، لكن في الأولين بعد قوله في حقّه ضعيف ، عقبه بقوله : استثناه أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه ، عن رجال نوادر الحكمة ...

يقول سيّدنا الأستاذ الخوئي قدّس سره : إنّ تضعيف الشّيخ ، كما هو صريح كلامه هنا ـ أي : في الاستبصار ـ وفي فهرسته مبنيّ على استثناء الصدوق وابن الوليد إيّاه .... (٢)

__________________

(١) وفي فهرست النجّاشي في ترجمة محمّد بن عيسى نقلا عن الصدوق ، عن ابن الوليد : ما تفرد به محمّد بن عيسى من كتب يونس ، وحديثه لا نعتمد عليه ...

(٢) معجم رجال الحديث : ١٨ / ١٢٢ ، الطبعة الخامسة.


قلت : الصراحة ممنوعة فإن ذكر استثناء أبي جعفر الصدوق ، كما يمكن أن يكون علّة لتضعيفه ، يمكن أن يكون تأكيدا له ، بل الثّاني أنسب بكلامه ؛ لعدم ما يدلّ على التعليل.

وعليه فهذا التضعيف يصلح أن يعارض توثيق : الكشّي والنجّاشي وابن نوح ، إلّا أن يرجّح التّوثيق عليه لقول النجّاشي : رأيت أصحابنا يذكرون هذا القول ـ أي : عدم اعتماد ابن الوليد على ما تفرد محمّد بن عيسى من الرواية عن يونس ـ ويقولون من مثل ابي جعفر محمّد بن عيسى؟

فإنّ ظاهرة إنّ القائلين بوثاقته كثيرون.

أقول فلا يبعد الاعتماد على قوله فهو ثقة ، إن شاء الله.

إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل البحث ، وهو هل يصحّ أن نحكم بضعف هؤلآء الّذين استثنى ابن الوليد رواياتهم من نوادر الحكمة؟

وهل يصحّ أن نوثّق من روي عنهم محمّد بن أحمد بن يحيى في نوادر الحكمة ولم يذكروا في المستثني؟

وتفصيل البحث في الموضعين.

الموضع الأوّل : يمكن القول بضعف هؤلآء ، فإنّ الاستثناء المذكور بعد قول الأصحاب بأنّ محمّد بن أحمد يحيى يروي عن الضعفاء ، يدلّ عليه ، ولفهم أبي العبّاس بن نوح ذلك وإن اشتبه في تطبيقه على محمّد بن عيسى كما عرفت.

وكذا لفهم الشّيخ كما يظهر من بعض الموارد. (١)

لكن يمكن أن نتجاوز هذا الظهور بظهور أقوى ، وهو إنّ الاستثناء لم يتعلّق بالأفراد ، بل برواياتهم ؛ ولذا وقع : ما رواه عن رجل أو بعض أصحابنا ... أو يقول في حديث أو كتاب ولم أروه ، أو عن محمّد بن عيسى باسناد منقطع ، في حيّز الإستثناء ؛ إذ في كلّ ذلك لا طريق لا بن الوليد إلى ضعف الرّاوي المجهول ، فأيّ وجه لاستثنائه إذا قطع النظر عن متون تلكم الرّوايات؟

فالمستثنى يرجع إلى خلل في متونها ، لا في وثاقة رواتها.

وهذا هو الّذي صرّح به الشّيخ في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى نقلا عن الصدوق بعد ترجمته.

__________________

(١) الاستبصار : ٣ ، الحديث ٩٣٥ ؛ ج ١ ، الحديث : ٨٤٦.


وذكر أكثر طرقه إلى كتبه ورواياته ، قال : وأخبرنا بها جماعة عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن عن أحمد بن إدريس ، ومحمّد بن يحيى عنه.

وقال أبو جعفر بن بابويه إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط ، وهو الّذي يكون طريقه محمّد بن موسى الهمداني أو ... فتدبّر فيه جيّدا ، ولا يشتبه أمر الغلوّ والتخليط عليك ، ولا تقل أنّهما من كذب هؤلآء الناقلين ، فلا ثمرة بين رجوع الاستثناء إلى المتون والرواة لدلالته على ضعفهم على كلّ حال ، فإنّه لا يلزم كونهما من كذب هؤلآء ، بل لعلّهما من كذب سائر النقلة ومن تخليط بقيّة الرّواة إذا كان العلّة في الاستثناء هي المتون ، على أنّ نظر ابن الوليد والصّدوق وابن نوح غير متبع في تحديد الغلوّ والتخليط.

نعم ، كلّ هؤلآء الّذين استثنى ابن الوليد رواياتهم هم بين ضعاف ومجاهيل على نسخة الشّيخ والنجّاشي سوى رجل واحد ، وهو : الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، حيث وثقه النجّاشي بناء على عدم تعدّد مسمى هذا الاسم فيظهر الثمرة فيه. (١)

الموضع الثّاني : هل يمكن الحكم بتوثيق من لم تستثن رواياتهم عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، أو يمكن الحكم بصحّة رواياتهم في نوادر الحكمة ، والفرق بين الوجهين واضح؟ وذهب بعض الباحثين ممّن يقرب مسلكه من مسلك المحدّث النوري في التّوثيق وتصحيح الرّوايات بكلّ وجه إلى كلا الأمرين ، فقال : ولكن لا يبعد أن يقال : أن سياق الكلمات المذكورة في المقام ، ولا سيّما استثناء المذكورين مطلقا دليل على وثاقة الباقي مطلقا ، فإنّه من البعيد جدّا أن يكون الحكم بصحّة الرّوايات كلّها اعتمادا على القرائن فقط ، بل أنّ ملاك التّصحيح في المقام هو وثاقة الرّواة من دون النظر إلى القرائن والأمارات ... والمتحصل من ذلك أمور ثلاثة :

١. الحكم بضعف من استثنى.

٢. الحكم بوثاقة من لم يستثن على الوجه القوي.

٣. الحكم بصحّة روايات الكتاب في غير المستثنى ، حتّى بناء على عدم تمامية التوثيق.

__________________

(١) ولعلّه النكتة في ذكر جملة : أو ما ينفرد به في حقّ الحسن في كلام ابن الوليد دون الآخرين ، وإن لم نفهم وجهه.


ثمّ استخرج أسماء الّذين روي عنهم محمّد بن أحمد بن يحيى ، فأنهاها بمكرراتها إلى : ٥٢٩ اسما ، فحكم بوثاقة الجميع إلّا من تعارض فيه جرح غير ابن الوليد بتوثيقه.

أقول : أوّلا إنّ الاستثناء يرجع إلى الرّوايات ومتونها دون أسانيدها ، فلا يستفاد منه ضعف الّذين استثنى رواياتهم ولا وثاقة من لم يستثن رواياتهم وهذا ظاهر. (١)

وثانيا : يمكن أن يكون السرّ في الاستثناء هو العلم ببطلان المتون في المذهب ، فلا يدلّ على صحّة بقيّة الرّوايات فإنّ المستثنى منها هي الرّوايات الصحيحة والمجهولة معا دون خصوص الأولى.

وثالثا : لو فرضنا دلالة الاستثناء على صحّة سائر الرّوايات الّتي لم تستثن فلا نقبله ؛ لأنّ تصحيح المتون وإبطالها أمر اجتهادي لا يجب أو لا يجوز تقليد مجتهد لمجتهد آخر.

فلا يستفاد من الاستثناء المذكور شيء ، فسبحان من جعل الأفكار متفاوتة ، وجملة من مسائل علم الرجال متزلزلة!

__________________

(١) ويؤيّد قول الصدوق رحمه‌الله في محكي العيون : ٢ ، الباب الثّلاثين الحديث : ٤٥ ، حول رواية في سندها محمّد بن عبد الله المسمعي : كان شيخنا محمّد بن الحسن ... سيئ الرأي فيه (المسمعى) ... وإنّما اخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ؛ لأنّه كان في كتاب الرحمة ، وقد قرأته عليه فلم ينكره ، ورواه لي ...

أقول : والحال إنّ المسمعي غير داخل في من استثني.


البحث الخمسون

حول آل أبي شعبة

يقال : إنّ أبا شعبة من أصحاب الحسنين صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وله ابنان : عمر وعلي.

أما عمر بن أبي شعبة ، فقد عدّه الشّيخ مرّتين في أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، وله بعض الرّوايات في الفقيه والتهذيب ، وسند الصدوق إليه معتبرة في مشيخة الفقيه.

ولعمر ابن يسمّى بأحمد بن عمر ، عدّه النجّاشي (٢) من أصحاب الرضا عليه‌السلام وذكر له كتابا ووثقة صريحا ، وقال : وهو ابن عمّ عبيد الله وعبد الأعلى وعمران ومحمّد الحلبيين ، وروي أبوهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكانوا ثقات.

أقول : والظاهر من الجملة الأخيرة ، توثيق علي وأبنائه الأربعة ، فهو وثّق خمسة ، لكن لا يظهر عنه توثيق عمر.

وأمّا علي فيظهر من رواية أنّه روي عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، لكنّه غير ثابت. (٣)

وعلى كلّ له أبناء أربعة وكلّهم ثقات ، كما مرّ ومن أصحاب الصّادق عليه‌السلام وهم : عبيد الله ومحمّد ، وعمران وعبد الأعلى.

ويظهر من بعض الأسناد أنّ لعبيد الله ابنا يسمّي : عليا. (٤) ولعمران ، إبن يسمّى : بيحيى بن عمران ، وسيأتي توثيقه.

__________________

(١) يظهر من التهذيب : ٩ الذبائح باب الأطعمة ، أنّ أبا شعبة من أصحاب الصّادق عليه‌السلام ، لكن ينافيه الكافي والوسائل والوافي. لاحظ : معجم الرجال : ٢٣ ، الطبعة الخامسة.

(٢) عدّة النجّاشي في رقم : ٢٤٥ ، من أصحاب الرضا عليه‌السلام.

(٣) انظر : معجم الرجال : ١٢ / ٢٥٨.

(٤) المصدر : ١٢ / ٨٨.


قال النجّاشي في ترجمة عبيد الله : كوفي ، كان يتّجر هو وأبوه وأخوته إلى حلب ، فغلبت عليهم النسبة إلى حلب ، وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا ، روي جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانوا جميعهم ثقات مرجوعا إلى ما يقولون. كان عبيد الله كبيرهم وأوجههم وصنف الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي عبد الله عليه‌السلام وصحّحه ، قال عند قراءته : «أتري لهؤلآء مثل هذا» ، والنسخ مختلفة الأوائل والتفاوت فيها قريب ... روي ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي.

أقول : لم يذكر النجّاشي كالشّيخ سند هذا الحديث ، ولا عبرة بالمراسيل.

وقال في ترجمة محمّد بن علي : وجه أصحابنا وفقيههم ، والثقة الّذي لا يطعن عليه هو وإخوته عبيد الله وعمران وعبد الأعلى له كتاب التفسير ، روي عنه صفوان ، وكتاب مبوّب في الحلال والحرام روي عنه ابن مسكان.

ووثّقه الشّيخ أيضا في فهرسته ، وروي كتابه بسنده عن أبي جميلة مفضل بن صالح عنه.

وطريق الصدوق إليه صحيح ، روي بسنده عن عبد الله بن مسكان عنه.

وقال النجّاشي في ترجمة يحيى بن عمران :

روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن صلى‌الله‌عليه‌وآله ثقة ثقة صحيح الحديث ، له كتاب يروي عنه ابن أبي عمير.

وقال الشّيخ : له كتاب روي عنه النضر بن سويد.

وأمّا عمران بن علي الحلبي ، فالظاهر أنّه ليس بكثير الرّواية يروي عنه أيضا ابنه ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وثعلبة بن ميمون ، والقاسم بن عروة ؛ وأمّا عبد الأعلى ، فهو على وثاقته لم أقف على روايته عاجلا.

نقل ونقد

قال بعض الباحثين ممّن يتقرب مسلكه إلى ما نسب إلى ابن الغضائري من كلمات حادّة : وعندي أنّ عبيد الله بن علي الحلبي ثقة ، ولكن النسخة مصنّفة (المصنفة ـ ظ) موضوعة ورواياتها مسروقة! من كتب الأصحاب على ما تبيّن لي أثناء التّصفح والتفحص ، ومع ذلك أكثرها محرّفة مقلوبة عن وجه الصواب ، بحيث لا يجد الفقيه بدا إلّا من تأويلها أو طرحها ؛ ولذلك تجنّبت عن إيرادها في سلسلة الصحّاح إلّا ما رواه الأصحاب من غير طريق حمّاد ، الرواية لكتابه وهو أقل من قليل.


واستدلّ عليه أيضا بوجوه اخر ، وإليك تفصيلها :

١. اتّفاق الطّوسي والنجّاشي والبرقي على كون كتابه مصنّفا.

٢. تصريح البرقي بأنّ كتابه مأخوذ من كتاب يحيى بن عمران مع أنّ يحيى أدون طبقة من عبيد الله.

٣. تصريح الطّوسي بأنّ كتابه معمول عليه عمل باسمه ، من دون أن يكون الكتاب له.

٤. كلام الطّوسي في الرجال يفيدنا أنّ هذا المصنّف كانت ذات النسختين صغيرة يتداولها الكوفيّون ، وكبيرة يتداولها المصريون.

٥. كلام النجّاشي يفيدنا أنّ نسخة الكوفيّين مختلفة الأوائل ، ونسخة المصريّين كانت مبوّبة كبيرة تشبه النسخة الّتي رواها اللاحقي الصفار عن الرضا عليه‌السلام إنّ هذا الشّيء عجاب. (١)

أقول : يدلّ على صحّة الكتاب أن حمّاد بن عثمان الثّقة ، رواه عن عبيد الله الثقة. ولو صحّ ادّعاء الوضع في نقل ثقة عن ثقة لبطل علم الحديث ، ولا يبقي حجر ، على حجر ويؤكّد صحّة نسبة الكتاب إلى الحلبي ، قول النجّاشي في ترجمة عبيد الله : وروي هذا الكتاب خلق من أصحابنا عن عبيد الله ، والطرق إليه كثيرة ...

وقول الشّيخ في الفهرست :

له كتاب مصنف معول عليه. وإطلاقه يشمل العمل بأحاديثه وفتاواه.

ولم أفهم وجها للقدح فيه من جهة إطلاق المصنّف على كتابه والكتاب الموجود المنسوب إلى البرقي لم يثبت أنّه منه ، بل يمكن إقامة بعض الشّواهد منه على أنّه ليس من البرقي ، على أنّ الباحث المذكور اشتبه في استظهاره من عبارة الكتاب ، وإليك نصها :

عبيد الله بن علي عن يحيى بن عمران الحلبي ... ثقة صحيح له كتاب ، وهو أوّل كتاب صنّفه الشّيعة. وغاية ما في العبارة إنّ عبيد الله يروي عن يحيى ، أي : عن ابن أخيه ، لا أنّ الكتاب مأخوذ من كتاب يحيى ، فإنّ هذا اشتباه من الباحث المذكور ، وكم من عم ، أصغر من ابن أخيه ، وللفقير حفيد أكبر من ابني بكثير ؛ ولذا حمل بعضهم قول النجّاشي في حقّه

__________________

(١) معرفة الحديث : ٢٦٢ ، مطبعة ميخك. ولم أفهم معنى الجملة الأخيرة في كلامه.


فيما تقدّم : (كبيرهم) على المعنى المعنوي دون الكبر في السن ، لكنّه خلاف الظاهر. والذي يسهّل الخطب بعد عدم اعتبار كتاب البرقي ، نقل السّيد بحر العلوم عبارة الكتاب هكذا : (عبيد الله بن علي الحلبي عمّ يحيى بن عمران الحلبي) ، بل احتمال تحريف كلمة : (عمّ) بكلمة : (عن) يكفي لسقوط الاستدلال. (١)

وأمّا ما ذكره في الوجه الثالث : من دون أن يكون الكتاب له ، فهو أعرف بزيادته الّتي لا يستفاد من كلام الشّيخ ، على أنّ كلمة (معمول عليه) لعلّها محرّفة : (معوّل عليه) ، كما في نسخة أخرى ، وهي أليق بكلام الشّيخ ، فلاحظ.

وأمّا الوجه الرابع ، ففيه إنّ عبيد الله بن الفضل بن هلال الطائي المصري مجهول ، فلا عبرة بنسخته كبيرة كانت أو صغيرة.

فهذا الباحث لم ينظر إلى جهالة هذا الرّاوي شوقا إلى تضعيف كتاب الحلبي (٢) ، كما أنّه تغافل تعمدا عن تتمّة كلام النجّاشي في الوجه الخامس : والتفاوت فيها قريب ، غفر الله له ولنا.

ثمّ إنّ النجّاشي نقل عن الصّادق عليه‌السلام إنّ عبيد الله عرض كتابه عليه ، وأنّه عليه‌السلام صحّحه ، وقال عند قرائته أترى لهؤلآء مثل هذا؟

ثمّ إنّ في حجيّة توثيق ، النجّاشي لأبي شعبة ـ وهو من أصحاب الحسن والحسين صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ نظر ؛ لضعف احتمال استناده إلى الحسّ دون الحدس ، ويؤيّده إنّ الشّيخ في رجاله لم يوثّق ـ بلفظ التّوثيق ـ أحدا من أصحاب النّبيّ والأئمّة الأربعة (صلوات الله عليهم).

__________________

(١) رجال بحر العلوم : ١ / ٢١٧.

(٢) رجال النجّاشي : برقم : ٦١٨٥.


البحث الواحد والخمسون

حول أحاديث حمّاد بن عيسى

روى الصدوق في الفقيه (١) عن حمّاد بن عيسى أنّه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام يوما : «أتحسن أن تصلّي يا حماد؟» قال : قلت يا سيدي ، أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة. قال : فقال عليه‌السلام : «لا عليك قم فصلّ». قال : فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت فقال : «يا حمّاد ، لا تحسن أن تصلّي ما أقبح بالرجل (منكم) أن تأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة». قال حمّاد فأصابني في نفسي الذّل فقلت : جعلت فداك! فعلّمني الصلاة؟ فقام أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصبا ...

وطريق الصّدوق إليه في المشيخة ـ بكلا سنديه ـ معتبر. ورواه الكليني بسند معتبر في الكافي (٢) قبل الصدوق ، ورواه في التهذيب (٣) عن الكليني.

وعلى كلّ سند الحديث معتبر بسيرة المتأخّرين.

وأورد عليه مؤلّف معرفة الحديث بقوله : ولكنّا إذا سبرنا سند الحديث ومتنه عملا بالخطّة الّتي خطّها الأقدمون من أصحابنا نجده مجعولا مزوّرا مختلفا يشهد على جعله واختلاقة دلائل عديدة :

منها قول النجّاشي عن حمّاد : سمعت من أبي عبد الله عليه‌السلام سبعين حديثا ، فلم أزل أدخل الشّكّ على نفسي حتّى اقتصرت على العشرين.

__________________

(١) انظر : الفقيه : ١ / ٣٠٠ ، باب : ٤٥ ، وصف الصلاة من فاتحها إلى خاتمتها.

(٢) الكافي : ٣ / ٣١١.

(٣) التهذيب : ٢ / ٨٦ ـ ٨٨ ، برقم : ٦٩.


وهذه العشرون حديثا هي الّتي نراها في كتاب قرب الإسناد (١) رواه عبد الله بن جعفر الحميري عن محمّد بن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف ، وعلي بن إسماعيل ، كلّهم عن حمّاد بن عيسى الجهني ، وليس فيها هذه الرّواية.

فلا بدّ أن تكون هي موضوعة.

ومنها إنّ حمادا مات سنة ٢٠٩ ه‍ وله نيف وسبعون سنة ، كما في رجال الكشّي ، فيكون مولده حوالي سنة ١٣٥ ه‍.

ولم يكن له حين وفاة الصّادق عليه‌السلام سنة ١٤٨ ه‍ إلّا ثلاثة عشر سنة أو نحوها ، فكيف يقول الصّادق عليه‌السلام لمثل هذا الغلام : «ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة»؟

ومنها إنّ الإمام عليه‌السلام لم يستحسن صلاة حمّاد الّتي صلّاها على ما حفظه من كتاب حريز مع أنّ المراجعة إلى أحاديث حريز تعطي إنّ نفس تلك الآداب الّتي فعلها الإمام عليه‌السلام في صلاته تعليما لحمّاد مذكورة فيها ، بل وأحسن منها وأتمّ ، وأوفي ، فكيف ردّ الإمام صلاة حمّاد المشتملة عليها؟

والغرض من هذه : الإيرادات تضعيف سيرة المتأخّرين في حجيّة الإخبار الآحاد المرويّة بأسانيد معتبرة.

أقول : أمّا الوجه الأوّل ، فما نقله النجّاشي عن حمّاد من الاقتصار على رواية عشرين حديثا ، مرسل غير معتبر ، نعم ، نقل الكشّي برقم : ٥٧١ عن محمّد بن عيسى عنه : سمعت أنا وعباد بن صهيب البصري من أبي عبد الله عليه‌السلام فحفظ عباد مائتي حديث. وقد كان يحدّث بها عنه عباد وحفظت أنا سبعين (حديثا) ، قال حماد : فلم أزل أشكّك نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين حديثا الّتي لم تدخلني فيها الشّكوك ، ولا يمكن أن يكون صدور هذا الكلام منه في حياة الصّادق عليه‌السلام بل بعد وفاته جزما ؛ لأنّ محمّد بن عيسى الناقل لكلام حمّاد لم يدرك حياة الصّادق عليه‌السلام.

وعلى كلّ لا يظهر من هذه الرّواية إنّ حمادا لم يحدّث عن أبي عبد الله عليه‌السلام أكثر من عشرين حديثا ؛ إذ يمكن إخباره بكلّ السبعين قبل حصول الشّك فيها ، وإن شئت ، فقل : إنّ

__________________

(١) انظر : قرب الإسناد : ١٢ / ١٥ ، طبعة النجف.


هناك ثلاثة أزمنة زمان التلقي والسماع من الصّادق عليه‌السلام ، ولا يدري إنّه أسبوع أو شهر أو أشهر أو سنوات ، وزمان حصول الشّك؟

ولا نعلم أنّه في زمان حياة الإمام الصّادق عليه‌السلام أو بعدها ، وزمان الاقتصار على العشرين.

والمتّيقّن من هذا الحديث إنّ حمادا لم يروه عن الصّادق عليه‌السلام أكثر من سبعين حديثا ، فإن ثبت نحكم بكذبه أو حذف الواسطة ، وأمّا إنّه لم يرو أكثر من عشرين رواية عن الإمام ، فهذا لا سبيل لنا إليه إلّا بناء على وحدة تلك الأزمنة الثّلاثة ، وهي غلط قطعا كما لا يخفى ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إنّ نسخة قرب الإسناد لم تصل بسند معتبر إلى المجلسي والحرّ العاملي حتّى يصحّ قول هذا القائل بتعيين أحاديث حمّاد في العشرين المذكورة في قرب الأسناد المذكور على فرض صحّة استدلاله ، وسيأتي الكلام حول قرب الإسناد في البحث التالي إن شاء الله تعالى.

وسمعت من بعض المعاصرين من تلامذة السّيد البروجردي رحمه‌الله أنّه كان يجعل روايات هذا الكتاب مؤيبدة لا أدلّة ، وعلى هذا فلا بدّ لهذا القائل من الحكم بصحّة رواية حمّاد الحاكية عن صلاته وصلاة الإمام عليه‌السلام نظر إلى صحّة أسانيدها.

وأمّا الوجه الثّاني ، ففيه أنّ في فهرس النجّاشي : وله نيف وتسعون سنة.

نعم ، في الكشّي نيف وسبعون ، لكن لا يبعد ترجيح نسخة النجّاشي على رجال الكشّي ، كما لا يخفى على الخبير.

ويؤيّد أنّ الكشّي نفسه عدّ حمّادا من فقهاء أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، كما مرّ في البحث الحادي عشر ، ومن البعيد أن يكون من لم يبلغ الحلم فقيها.

وعلى هذا فيمكن أن يكون عمر حمّاد أكثر من ثلاثين سنة ؛ وذلك فإنّ معنى النيف ـ كما في مجمع البحرين ـ هو ما دون العشرة إذا كان بعد العشرة.

وقيل : إنّه من واحد إلى ثلاثة والبضع من أربعة إلى تسعة.

فنفرض صحّة القول الثّاني فعمره كان ٩٣ عاما ومات ، بشهادة الكشّي والنجّاشي في سنة ٢٠٩ ه‍ فتكون ولادته في سنة ١١٦ ه‍ ، فإذا كانت وفاة الصّادق عليه‌السلام في سنة ١٤٨ ه‍ كان عمر حمّاد في الوقت ٣٢ سنة.

ثمّ لا ظهور ولا إشعار في الرّواية على أنّ الإمام عليه‌السلام أراد حمادا بقوله : «ما أقبح بالرجل (منكم) أن تأتي عليه ستّون سنة أو سبعون سنة ...» بل هو بيان لحقيقة مرّة خارجية ، فإنّ من لم


يتعلّم واجباته في شبابه وفراغه تكون صلواته إلى آخر عمره باطلة ، أو غير تامّة. وكأنّه من تسهيل الأمر على حمّاد ، حيث وبخه من غير مباشرة.

وأمّا الوجه الثالث ، فهذا القائل لم يبيّن ولم يدلّل على مدّعاه بأنّ حمّادا صلّى بجميع ما ذكر في أحاديث حريز الواردة في الصلاة ، ولا يدرى كم كان عمر حمّاد في ذاك اليوم ، يوم سؤال الإمام عن صلاته؟ فكم فرق بين حفظ كتاب حريز وبين تطبيقه على الأعمال اليومية؟ ونحن نرى كثيرا من المحصّلين اليوم يدرّسون شرح اللمعة ، ولا أثر لما فيه على عملهم فضلا عن المتعلّمين.

والحاصل : أنّ هذه الوجوه غير تامّة في نفسها أوّلا ، ولا تعلّق لها بضعف سيرة المتأخّرين وصحّة سيرة المتقدّمين بوجه ، فكأن كلامه قعقعة ، والله العاصم.

نكتة : وقفت على كتابين عند إعداد كتابي هذا للطبعة الرابعة ، وهما كتاب معرفة الحديث ، وكتاب أصول علم الرجال :

الأوّل : يقرب من الكلمات المنسوبة إلى ابن الغضائري في كثرة الجرح ، والحكم بوضع الإخبار ، كما عرفت نموذجا منه في هذا البحث.

والثّاني : يقرب من مستدرك النوري في التّوثيق وتصحيح الرّوايات ، وكلاهما خارجان من حدّ الاعتدال ، وبينهما متوسّطات من الكتب والمسالك الرجاليّة ، ولعلّ الغالب على الرجاليّين حتّى غير الإخباريّين هو الميل إلى الخط الثّاني ، على اختلاف منهم في هذا السلوك شدّة وضعفا ، ولا يزالون مختلفين.


البحث الثّاني والخمسون

حول اعتبار الكتب الحديثيّة

نورد هنا ما ذكرناه في خاتمة كتابنا (١) مع بعض الاختصار والتغيير :

واعلم : أنّا خصّصنا كتابنا معجم الأحاديث المعتبرة ، بنقل الأحاديث المعتبرة سندا ، وأوردنا فيه ما اعتبر سنده بوثاقة الرّواة أو حسنهم ومجرّد صدقهم.

ثمّ شككنا في أثناء التأليف في صحّة انتساب جملة من الكتب الّتي كنّا ننقل منها الأحاديث إلى مؤلّفيها ، ثمّ ظهر لنا عدم ثبوت النسبة في بعضها ، كما يظهر من مطالعة المعجم نفسه (٢). وهذا بحث مهمّ جدّا لا يجوز إهماله ، فأردت أن أبيّنه هنا حسب الوسع في هذه البلدة (٣) الّتي لا تستأنس بالعلم والكتاب ، وبالله التوفيق.

المصادر الّتي نقلنا منها الأحاديث المعتبرة في كتابنا هي هذه :

١ ـ ٤. الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار.

__________________

(١) معجم الأحاديث المعتبرة : ٦.

(٢) لم نطبع هذا الكتاب المشتمل على ستّة أجزاء المتضمنة لما يقرب من ١١٥٠٠ حديثا ، لعلّة الشّك في اعتبار جملة من المنابع الحديثيّة ، وعدم اعتبار جملة من طرق الشّيخ رحمه‌الله المهمّة المذكورة في مشيخة التهذيبين ، حيث ظهر لي في أثناء تدوين الكتاب والأجزاء السّتة المذكورة ، محفوظه في مكتبة الحوزة العلمية لخاتم النّبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله في كابول.

أقول وأنا بصدد تصحيح الكتاب للطبعة الخامسة : زال المانع فعلا عن طبع معجم الاحاديث المعتبرة بعدما أثبتنا وصحّحنا الطرق المهمّة المذكورة في مشيخة التهذيب بتدقيقات علمية أثناء تصحيح هذا الكتاب بحوث في علم الرجال للطبع الجديد ، ولله الحمد.

(٣) يقصد المؤلف : إسلام آباد عاصمة الباكستان.


ولا كلام فيها فإنّ انتساب نسخها الموجودة الرائجة اليوم إلى مؤلّفيها الأعاظم الأجلاء الامناء مسلّم لا إشكال فيه ، والنسخ الخطّيّة الكثيرة لها تدلّ على ذلك.

٥ ـ ١٢. الكتب الثمانية للصدوق رحمه‌الله ، أي : التوحيد والخصال ، والعيون وثواب الأعمال ، وعقاب الأعمال والعلّل والمعاني ، والأمالي وإكمال الدّين ، ولا يبعد الاعتماد عليها ونسبة نسخها بتمامها إلى مؤلّفها ، ظاهرة.

١٣. رجال الكشي رحمه‌الله.

١٤. كامل الزيارات ، لابن قولويه رحمه‌الله.

١٥. إرشاد المفيد رحمه‌الله.

١٦. غيبة الشّيخ رحمه‌الله.

ولا بعد في إلحاقها بكتب الصدوق الثمانية في الاعتبار.

١٧. محاسن البرقي رحمه‌الله.

١٨. بصاير الدرجات ، للصّفار رحمه‌الله.

١٩. تفسير القمّي رحمه‌الله.

٢٠. أمالي الشّيخ المفيد رحمه‌الله.

٢١. أمالي الشّيخ الطوسي رحمه‌الله.

٢٢. قصص الأنبياء ، للراوندي رحمه‌الله.

٢٣. أمالي ابن الشّيخ رحمه‌الله (إن صحّ التعبير).

٢٤. قرب الإسناد ، للحميري رحمه‌الله.

٢٥ و ٢٦. كتابا ابن سعيد رحمه‌الله.

٢٧. نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى رحمه‌الله.

٢٨. مسائل علي بن جعفر رحمه‌الله.

٢٩. قصص الأنبياء ، للراوندي رحمه‌الله.

٣٠. مصباح الشّيخ رحمه‌الله.

وهنا كتب آخر فيها الأحاديث تعرضنا لحالها بعد طبع بحوث في علم الرجال طبعة رابعة ، في كتابنا : مشرعة بحار الأنوار ، وكتابنا : تعليقة في تمييز الأحاديث المعتبرة في جامع الأحاديث.


واعلم : أنّ نسبة هذه الكتب وأمثالها إلى مؤلّفيها الثقات ، وبالتالي تصحيح أحاديثها المروية فيها بأسانيد صحيحة وحسنة وموثقة تحرّز حسب النظر السائد في هذه الأعصار ، بصحّة إسناد الشّيخ الطوسي رحمه‌الله إلى المؤلّفين المذكورين في مشيخة التهذيبين أو الفهرست ، إذا كانوا قبل زمان الشّيخ وبصحّة أسناد العلّامة ونظرائه ، والمجلسي والحرّ العاملي ، مثلا إلى الشّيخ وأقرانه رحمه‌الله.

وبذلك يحكم باعتبار الرّوايات المنقولة في بحار الأنوار ووسائل الشّيعة إذا أحرزت وثاقة رواتها أو حسنهم.

لكن هذا لا يكفي للحكم باعتبار روايات الكتاب المرويّة بأسانيدها معتبرة ، بل لا بدّ من إحراز وصول نسخة الكتاب إلى المتأخّرين كالعلّامة والمجلسي أو الحر العاملي وغيرهم رحمه‌الله بسند معتبر حتّى يحصل الأمن من الدسّ والجعل والتزوير في روايات الكتاب ، فإنّ الطباعة الرائجة اليوم لم تحدث في تلك الأزمان ، ونسخ الكتب كلّها كانت مخطوطة باليد ، يمكن فيها الزيادة والنقيصة بسهولة فمجرّد صحّة طريق الشّيخ مثلا إلى صاحب كتاب ، وصحّة سند المجلسي وغيره من طريق الإجازات إلى الشّيخ أمر ، ووصول نسخة الكتاب إليه بسند معتبر أمر آخر ، ولا ملازمة بينهما.

ولا شكّ أنّ أكثر أسانيد الشّيخ في الفهرست والإجازات الصادرة من العلماء بعد الشّيخ خالية عن مناولة النسخ ، كما عرفته من البحث الرابع والأربعين فيما سبق.

والغفلة عن هذا الأمر أوجب إدخال الرّوايات الكثيرة المجهولة في حريم الأحاديث المعتبرة.

ينقل هشام بن الحكم عن الصّادق عليه‌السلام في حديث :

لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسّنة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد ـ لعنه الله ـ دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ...

قال يونس : وافيت العراق ... وأخذت كتبهم ـ أي : كتب أصحاب الباقرين صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فأنّكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال لي : «إنّ أبا الخطّاب كذّب على أبي عبد الله عليه‌السلام ، لعن الله أبا الخطّاب! وكذلك أصحاب أبي الخطّاب! يدّسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ...»


وللحديث صورة اخرى أخرجها الكشّي في رجاله. (١)

أقول : أبو الخطّاب والمغيرة بن سعيد يوجدان في كلّ زمان ومكان ، وفي كلّ من المذاهب والأديان والملل حتّى في القضايا التأريخيّة ، فضلا عن الأمور الدينيّة والسياسيّة وغيرها. والأمر في أحاديث أهل السنة أوسع وأمر.

وعن أحمد بن عمر الحلال ـ كما في الكافي (٢) ـ قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول إروه عنّي ، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال فقال : «إذا علمت أنّ الكتاب له فارووه».

فالعمدة هو العلم ـ سواء كان وجدانيّا أو تعبديّا ـ بصحّة نسبة النسخة إلى مؤلّفها.

إذا عرفت هذا فالكلام يقع في هذا البحث في فصول :

١. حول كتاب علي بن جعفر رضي‌الله‌عنه

قال النجّاشي في ترجمته : له كتاب في الحلال والحرام يروي تارة غير مبّوب ، وتارة مبوبّا.

ثمّ ذكر إلى كلّ منهما سنده إلى علي بن جعفر وكتابه ، ولكن كلا سنديه غير معتبر.

وقال الشّيخ الطّوسي في حقّه في الفهرست : جليل القدر ثقة ، وله كتاب المناسك ومسائل ، لأخيه موسى الكاظم بن جعفر صلى‌الله‌عليه‌وآله سأله عنها.

أخبرنا بذلك ... وسنده إليهما معتبر.

ونقله المجلسي مجموعا في البحار (٣) ، وقال في أوّله : باب ما وصل إلينا من أخبار علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام بغير رواية الحميري (٤) نقلناها مجتمعة لما بينها وبين أخبار الحميري من اختلاف يسير ، وفرّقنا ما ورد برواية الحميري على الأبواب.

أخبرنا أحمد بن موسى بن جعفر بن أبي العبّاس ، قال حدثنا أبو جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني من كتابه في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين ومأتين ، قال حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، عن

__________________

(١) انظر : رجال الكشي : رقم : ٤٠١ ـ ٤٠٢.

(٢) الكافي : ١ / ٥٢.

(٣) بحار الأنوار : ٢٤٩ ـ ٢٩١ ، الجزء العاشر المطبوع حديثا.

(٤) ما رواه الحميري هو غير المبوّب المشار إليه في كلام النجّاشي ، وفي سنده عبد الله بن الحسن حفيد علي بن جعفر ، ولم يثبت وثاقته ، فهو مجهول.


علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال سألت ...

أقول : هذا السند مرسل أوّلا ، ورجاله مهملون ثانيا ، على أنّك قد عرفت أن صحّة طريق الشّيخ إلى علي ، وصحّة طريق المجلسي إلى الشّيخ ، لا تكفي للحكم بصحّة النسخة ، فتصبح أحاديث كتاب المسائل المذكور مرسلة غير حجّة ، خلافا لما بنينا عليه سابقا تبعا لما هو المشهور من اعتباره ؛ لأجل صحّة الطريقين المشار إليهما ، وقد ذكرنا أحاديثه في بعض أجزاء كتابنا : معجم الأحاديث المعتبرة ، ثمّ حذفنا منه حتّى الإمكان ، وبقي فيه ما طبع بالكومبيوتر ، ولكن نبهنا على ضعفه في بعض مواضع المعجم.

وكتبت هذا الأمر إلى سيّدنا الأستاذ الخوئي قدّس سره قبل هذا بسنين أيّام حياته في النجف الأشرف ، فإنّه كان يعتمد على كتاب المسائل فلم يصل إلىّ جوابه ، ولكن حكي لي بعض الفضلاء الصالحين من تلامذته بعد وفاته ، أنه قرء كتابك ، وقال لي أكتب له جوابا ، قلت له : ما كان جوابه رحمه‌الله قال : الظّاهر أنّه كان يقول إنّ المجلسي لعلّه رواه بعدّة طرق معتبرة ، وغير معتبرة ، فاقتصر في بحاره على سند واحد ضعيف.

أقول : وهذا بعيد من مثله قدّس سره فإنّ الاعتماد على مجرّد الاحتمال غير صحيح ، لكن رسخ اعتقاد صحّة المسائل في ذهنه طيلة عمره ، فرأى السؤال ضعيفا فردّه بما ذكر ، ولقد أحسن السّيد السيستاني (دام عمره) ، حيث ذكر لي شفاها حين لقائي إيّاه في النجف الأشرف سنة ١٤١٤ ه‍ ، عدم اعتماده عليه ؛ لعدم حصول الاطمئنان بصحّة نسبة هذه النسخة الواصلة إلى المجلسي إلى علي بن جعفر رضي‌الله‌عنه وإنّها هو كتابه ، بل ادّعى القطع بعدم تحقق المناولة في أمثاله.

أقول : دعوى القطع لا بأس بها ، نعم ، ما نقله الشّيخ الطّوسي عن هذا الكتاب نقبله ؛ لأجل اعتبار سنده إليه في المشيخة ، دون سنده إليه في الفهرست على وجه.

٢. حول كتابي الحسين بن سعيد رحمه‌الله

ذكر الشّيخ رحمه‌الله في فهرسته بعد توثيق الحسين ، أسماء كتبه الّتي منها كتاب الزهد وكتاب المؤمن.

وقال المجلسي رحمه‌الله :

وجلالة الحسين بن سعيد ، وأحمد بن محمّد بن عيسى ، تغني عن التعرّض لحال تأليفهما وانتساب كتاب الزهد إلى الحسين معلوم ، وأمّا الأصل الآخر ، فكان في أوّله هكذا : أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد ، ثمّ يبتدأ في سائر الأبواب


بمشائخ الحسين ، وهذا ممّا يورث الظّن بكونه منه ، ويحتمل كونه لأحمد ، لبعض القرائن ، كما أشرنا إليه وللابتداء به في أوّل الكتاب (١).

وقال قبل ذلك :

وأصل من أصول عمدة المحدّثين الشّيخ الثّقة الحسين بن سعيد الأهوازي ، وكتاب الزهد والمؤمن له أيضا. ويظهر من بعض مواضع الكتاب الأوّل ـ يريد به الأصل ـ أنّه كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى القمّي ، وعلى التقديرين ، فهو في غاية الاعتبار (٢).

وقال في الفصل الثالث الموضوع لبيان الرموز الّتي وضعها للكتب : ين : لكتابي الحسين بن سعيد ، أو لكتابه والنوادر. انتهى.

أقول : المتأمّل في كلمات المجلسي رحمه‌الله هذه يعلم أنّ كتب بن سعيد لم تصل إليه بالسلسلة المتّصلة ، وإنّما حصل عليها خارجا ، وإلّا لم يتردّد في انتساب الأصل إلى الحسين أو أحمد.

وأمّا قوله بمعلومية انتساب كتاب الزهد إلى مؤلّفه الحسين ، فهو غير مفيد لغيره ؛ إذ لم يبيّن ما أوجب علمه به مع الفصل الطويل الزمني بينهما ؛ إذ ربّ قرينة توجب العلم لأحد ، ولا توجب الظّن لآخر ، ولو بيّنه لكان أحسن.

وكذا قوله في غاية الاعتبار فإنّه اجتهاد منه ، ولا ربط له بالأخبار عن حس ، فالحقّ أنّ المجلسي إنّما أخذ أحاديث تلك الكتب الزهد ، المؤمن ، والأصل أي : نوادر أحمد. بطريق الوجادة فقط ؛ لقناعته بصحّتها ، ولا يجوز العمل بها لمن لا يقنع بقناعته ؛ لاحتمال الدسّ والتزوير.

وإنّما عملنا بها سابقا ، وذكرنا بعضها في بعض أجزاء معجم الأحاديث غفلة عن حقيقة الحال.

٣. حول نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى

قال النجّاشي في فهرسته بعد مدحه ، في بيان كتبه : كتاب النوادر ، وكان غير مبوّب ، فبوّبه داود بن كورة ، وسند النجّاشي إلى كتبه معتبر.

وبمثله ذكر الشّيخ في فهرسته وسنده إلى كتبه أيضا معتبر ، كما أنّ طريقه إلى نوادره في المشيخة معتبر أيضا ، وعدّه الصدوق رحمه‌الله في أوّل الفقيه من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع.

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ٣٣ ، البحار المطبوع حديثا.

(٢) المصدر : ١ / ١٦.


وقال المحدّث الحرّ العاملي :

وليس بتامّ وذكر في محلّ آخر : فإنّه لم يصل إلينا منها إلّا قليلا. (١)

أقول : قد عرفت عدم وصول النوادر إلى المجلسي رحمه‌الله بسند معتبر ، وقد ذكرنا سابقا في مقدّمة معجم الأحاديث المعتبرة صحّة الاعتماد على أحاديثها بنقل المجلسي والحرّ العاملي رحمهما‌الله ، دون نقل المحدّث النوري ؛ اغترارا بصحّة سندهما إلى الشّيخ ، وصحّة طريق الشّيخ إلى مؤلّفها أحمد ، غفلة عن أنّ صحّة الطريق لا تلازم صحّة وصول نسخة الكتاب بوجه معتبر.

والحقّ عدم اعتبار أحاديثها المنقولة في البحار والوسائل والمستدرك ، وما يوجد في النسخة المطبوعة منها.

وحينما وفّقنا الله تعالى سنة ١٤١٤ ه‍ لزيارة مراقد الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام في العراق بعد مدّة مديدة انتهينا فيها من الجهاد العسكري والثقافي والسياسي ضدّ النظام الماركسي الأفغاني السوفييتي وإقامة حكومة المجاهدين. وقفت على نسخة مخطوطة من النوادر عليها كتابة بخطّ صاحب الوسائل ، وهي موجودة في مكتبة السّيد الحكيم رضي‌الله‌عنه العامّة بجنب المسجد الهندي في النجف الأشرف ، كما أخبرني بعض أهل العلم الّذي أخذ الصورة الفتوغرافيّة منها ، فرأيت في حاشية أوّل صفحة من تلك النسخة المخطوطة ما كتبه الحرّ العاملي ، وإليك حروفه :

روي المصنّف (٢) عن الحسين بن سعيد ، وعن مشائخه أيضا ، فإنّهما شريكان في المشائخ ، ويروي أيضا عن أبيه كثيرا ، وهو ينافي ظن من ظن (٣) أنّه من كتب الحسين بن سعيد ؛ إذ ليس لأبيه رواية أصلا.

واعلم : أنّي محمّد الحرّ ـ وجدت لهذا الكتاب نسختين صحيحتين ، عليهما آثار الصحة والاعتماد ، ثمّ إنّي تتبعت ما فيه من الأحاديث فوجدت أكثرها منقولة في الكتب الأربعة وأمثالها من الكتب المشهورة المتواترة ، والباقي قد روي في الكتب المعتمدة ما يوافق مضمونه ، فلا وجه للتوقف فيه.

وقد رأيت أحاديث كثيرة نقلها الشّيخ والشّهيد ، وابن طاووس ، والحميري ، والطبرسي وغيرهم في مصنّفاتهم من نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وتلك الأحاديث موجودة هنا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣٠ / ١٥٩ و ١٦٢ ، الطبعة الأخيرة.

(٢) أي : أحمد بن محمّد بن عيسى.

(٣) رد على المجلسي أو غيره ، حيث زعم إنّ الكتاب من مؤلّفات الحسين بن سعيد ، والردّ في محلّه.


وبالجملة أنّ القرائن على اعتباره كثيرة ، وليس فيه ما ينكر ولا تخالف الأحاديث المرويّة في الكتب الأربعة ونحوها ، والله اعلم ، حرّره محمّد الحرّ.

وذكر أيضا : دخل في ملك الفقير محمّد الحرّ سنة ١٠٨٢ ه‍. (١)

وكتب في آخر الكتاب : قوبل بنسختين صحيحتين عليهما خطوط جماعة من الفضلاء حرّره محمّد الحرّ.

وفيه أيضا : قد اتّفق الفراغ في يوم العيد الثّاني على يد العبد الجاني أبو الفتح اسفرايني سنة ١٠٨٧ [ه] إذا عرفت هذا تعلم امورا :

١. عدم وصول كتاب النوادر خارجا إلى الحرّ العاملي رحمه‌الله بالسلسلة المعنعنة ، فلا تكون أحاديثه معتبرة عند من لا يثق بالقرائن المذكورة في كلامه.

٢. جريان البحث في جميع الكتب غير المتواترة وصولا في حقّه (٢) ، بل في حقّ جميع المتأخّرين ممّن حصلوا على كتب القدماء ، فلا يؤخذ بها ، فإنّهم أخذوا بالوجادة فقط ، ولا رافع لاحتمال الدسّ والتزوير في تلك النسخ الواصلة إليهم.

٣. القرائن المذكورة في كلام الحرّ رحمه‌الله لا تفيد أنّ الكتاب بتمامه بلا زيادة ونقيصة في جملات أحاديثه وتعدادها ، قد وصل إلى الحرّ فلا نعتمد عليه.

وأمّا ما ينقله أرباب الكتب الأربعة منه ، فهو مقبول إن صحّ السند.

تأكيد وتأييد : يقول المحدّث النوري رحمه‌الله في مقام الردّ على الشّيخ الفقيه ومرجع الفقهاء صاحب الجواهر قدّس سره دفاعا عن كتاب الأشعثيات :

فإنّه ـ أي : صاحب الوسائل ينقل من كتب هي دونه ـ أي : دون كتاب الأشعثيات ـ بمراتب من جهة المؤلّف ، أو لعدم ثبوت النسبة إليه ، أو ضعف الطريق إليه ، كفضل الشّيعة للصدوق ، وتحف العقول ، وتفسير فرات ، وإرشاد الديلمي ، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى والاختصاص للمفيد (٣) ...

__________________

(١) لم أفهم بعد الدّقة أن المذكور : ١٠٨٢ أو ١٠٨٧ لضعف الخطّ.

(٢) لاحظ كلام الحرّ رحمه‌الله في أوّل الفائدة الرابعة في آخر الوسائل ، تعلم أنّه لا يدّعى أيضا نقل الكتب الّتي نقل عنها في وسائله إليه بالسلسلة المعنعنة ، بل يذكر وجوها اخر لبيان اعتماده عليها ، كقيام القرائن والتواتر وكون نسبة الكتاب إلى المؤلّف معلومة وتكرّر ذكرها في مصنّفاتهم وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة ، وغير ذلك.

ويقول في أوّل الفائدة السادسة أنّه يذكر بعض الطرق تيمّنا وتبرّكا باتّصال السلسلة بأصحاب العصمة عليهم‌السلام ، لا لتوقّف العمل عليه لتواتر تلك الكتب ، وقيام القرائن على صحتّها وثبوتها.

(٣) خاتمة المستدرك : ٣ / ٢٩٤.


وهذا الكلام يدلّ على أنّ نسبة نسخة النوادر إلى مؤلّفها كانت عند المحدّث النوري ـ بما له من الاعتقاد المفرط بالصّحة ـ موهونة ضعيفة ، فما حال غيره!

وقيل : إنّ الحرّ والمجلسي عثرا على النوادر منتزعة من بعض ما يسمّى بالفقه الرضوي ، فانتسبها كلّ منهما إلى شخص ، أيّ الأوّل : إلى أحمد بن محمّد ، والثّاني : إلى الحسين بن سعيد.

٤. حول كتاب محاسن البرقي

أمّا المؤلّف وهو أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فقد وثقّه الشّيخ والنجّاشي ، وأمّا الكتاب فقد نقله النجّاشي عنه بسند واحد.

ونقله الشّيخ في فهرسته بأسانيد أربعة ، ومجموع هذه الأسانيد يكفي للحكم باعتبار الطريق إلى المحاسن. وقال النجّاشي رحمه‌الله : وقد زيد في المحاسن ونقص ، ثمّ ذكر تسعين كتابا ـ أي : بابا ـ منه.

ثمّ قال : هذا الفهرست الّذي ذكره محمّد بن جعفر بن بطّة من كتب المحاسن.

أقول : وهذا يدلّ على أن الكتاب لم يصل إليه بالسند المذكور ، وإنّما الواصل إليه به ، هو فهرس الكتب وأساميها فقط.

ثم : مراد النجّاشي أنّ أبواب الكتاب قد نقلت بزيادة ونقيصة حسب نقل الرّواة.

وقال الشّيخ في فهرسته : وقد زيّد في المحاسن ونقص فما وقع إلى منها ...

ثمّ ذكر أسماء ٨٧ كتابا ـ أي : بابا ـ منه.

ثمّ قال : وزاد محمّد بن جعفر بن بطّة (١) على ذلك ... ثمّ ذكر أسماء اثنى عشر كتابا آخر منه ، لكن طريق الشّيخ إلى ابن بطّة ضعيف ، كما يظهر من الفهرست. (٢)

فلنا أن نحكم باعتبار ٨٧ كتابا من كتاب المحاسن ، لأجل مجموع أسانيد الشّيخ رحمه‌الله ، ولاحظ أسمائها في الفهرست ؛ إلّا أن يقال : إذا احتمل نقل حديث من الأبواب المنقولة

__________________

(١) قال النجّاشي : محمّد بن جعفر بن أحمد بن بطّة المؤدب أبو جعفر القمّي ، كان كبير المنزلة بقمّ كثير الأدب والفضل والعلم يتساهل في الحديث ، ويعلّق الأسانيد بالإجازات ، وفي فهرست ما رواه غلط كثير. وقال ابن الوليد كان محمّد بن جعفر بن بطّة ضعيفا مخلطا فيما يسنده ... ويقول السّيد الأستاذ الخوئي رضي‌الله‌عنه في معجمه : ثمّ إنّ من الغريب أنّ محمّد بن جعفر بن بطة قد وقع في طريق كثير من إسناد الشّيخ قدّس سره إلى أرباب الكتب والاصول في الفهرست ، ومع ذلك لم يترجمه في الفهرست ، ولم يتعرّض لذكره في الرجال : ٢ / ١٧٥.

(٢) لاحظ : معجم رجال الحديث : ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٧١.


إلى الشّيخ بطريق ابن بطّة الضعيف فلا يعتبر الحديث ، وإن صحّ السند قبل البرقي إلى الإمام عليه‌السلام ، بل عرفت أنّ صحّة طريق الفهرست ، لا تكفي للحكم باعتبار روايات التهذيب وغيره في كلّ مورد.

ويقول صاحب الوسائل في خاتمتها :

والذي وصل إلينا من المحاسن كتاب القراين ـ القرآن كما قيل ـ كتاب ثواب الأعمال ، كتاب عقاب الأعمال ، كتاب الصفوة والنور والرحمة ، كتاب مصابيح الظلم ، كتاب العلل كتاب السفر كتاب المآكل ، كتاب الماء ، كتاب المنافع ، كتاب المرافق.

وباقي كتب المحاسن لم تصل إلينا ، انتهى.

وقيل : لا يوجد من المحاسن إلّا ما طبع منه ، وهو أحد عشر كتابا في مجلّدين سنة. ١٣٧٠ ه‍. ق.

أقول : نحن نقلنا أحاديث المحاسن المعتبرة سندا في معجم الأحاديث المعتبرة عن البحار غالبا ، وقد تبيّن الآن أنّه لا مجال للاعتماد عليها بمجرّد نقل المجلسي ، وكذا الحر رحمهما‌الله ، فإنّهما أخذا بطريق الوجادة ، فلا بدّ لاعتبارهما من دليل آخر ، كاشتهار الكتاب من عصر المؤلّف إلى عصر المجلسي والحرّ العاملي مثلا إلى حدّ يوجب الاطمئنان بنسبة الكتاب بتمامه سالما إلى البرقي ، كما ربّما يلوّح من كلام المجلسي (١) حيث قال :

وكتاب المحاسن للبرقي من الاصول المعتبرة ، وقد نقل عنه الكليني وكل من تأخر عنه من المؤلّفين.

لكن لم أفهم معنى نقل الكليني عن المحاسن ، فإنّي لم أجده في الكافي ، والمتيقّن رواية الكليني رحمه‌الله عن البرقي نفسه كثيرا ، ولعلّ المجلسي اطّلع على ما لم نلتفت إليه أو اعتقد أنّ رواية الكليني عنه بمعنى النقل عن كتابه ، وهو غير بعيد ، والله العالم.

وعدّه الصدوق في أوّل الفقيه من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع ، وهذا يثبت شهرة الكتاب إلى زمان الصدوق رحمه‌الله.

أقول : ما نقله الصّدوق والكليني عنه فلا إشكال فيه ، وأمّا ما نقله الحرّ العاملي والمجلسي منه ، فلا نقبله ما لم يحرز صحّة وصول نسخة الكتاب إليهما بطريق معتبر ، كما لا نعتمد على النسخة المطبوعة في الأعصار الأخيرة.

__________________

(١) أورده في : المجلّد الأوّل الصفحة : السابعة والعشرين.


٥. حول بصائر الدرجات للصفّار رحمه‌الله

قال النجّاشي :

محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار مولى عيسى كان وجها في أصحابنا القمّيين ثقة عظيم القدر راجحا قليل السقط في الرّواية له كتب ... ثمّ سمّي له أكثر من ثلاثين كتابا منها كتاب بصائر الدرجات.

وقال الشّيخ في فهرسته : محمّد بن الحسن الصفّار قمّي ، له كتب مثل : كتب الحسين بن سعيد وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره ... وأخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد عن ابن الوليد عنه ، وأخبرنا بذلك أيضا جماعة عن ابن بابويه عن محمّد الحسن عن محمّد بن الحسن الصفّار عن رجاله إلّا كتاب البصائر ، فإنّه لم يروه عنه ابن الوليد ، وأخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد بن يحيى عن أبيه عن الصفّار. (١)

أقول :

الطريق الأوّل : لا يخلو عن إشكال.

والثّاني : صحيح لكنّه لا ينفع المقام.

والثالث : حسن على الأظهر ، لحسن أحمد ، خلافا للسيد الأستاذ الخوئي رضي‌الله‌عنه.

نعم ، طريق النجّاشي إليه ضعيف ؛ لأنّه رواه عن أبي عبد الله بن شاذان عن أحمد عن أبيه عن الصفّار ، وأبو عبد الله عندي مجهول ؛ خلافا للأستاذ المتقدّم رحمه‌الله.

ومجرّد عدم روايه ابن الوليد البصائر لا يقدح في اعتباره ؛ لأنّ أسباب عدم الرّواية متعدّدة ، فتأمّل.

وقال المجلسي رحمه‌الله في بحاره (٢) : وكتاب بصائر الدرجات من الاصول المعتبرة الّتي روي عنها الكليني وغيره.

وقال المحدّث الحرّ العاملي في الفائدة الرابعة من خاتمة وسائله :

وهي ـ البصائر ـ نسختان كبرى وصغرى ، انتهى.

وقيل إنّ البصائر طبع بإيران سنة ١٢٨٥ ه‍.

__________________

(١) معجم الحديث : ١٥ / ٢٧٦ ، ٢٧٧.

(٢) بحار الأنوار : ١ / ٢٧.


أقول : ثمّ طبع أيضا سنة ١٣٨٠ ه‍ ، وقال بعض الفضلاء ممّن تصدّى لطبعه : فاعلم : أنّ لهذا الكتاب نسخا مختلفة مخطوطة والأكثر ينقص عمّا بأيدينا من النسخة الشّريفة. والّذي ظهر لنا بعد التتبع أن بصائر الدرجات كان للمصنّف قدّس سره كتابا صغيرا مخالفا في ترتيب أبوابه ، ثمّ زاد عليه مصنفه ورتبه إلى أن بلغ ما بأيدينا ....

هذا كلام هذا الفاضل ، وليس لما استظهره أخيرا دليل.

وعمدة الكلام : هو السؤال عن النسخة المخطوطة له ، وأنّه من زمان الشّيخ إلى زمان المجلسي والحرّ العاملي أين كانت؟ وهل هي منتشرة بين العلماء أم لا؟ وعلى الأوّل أيّة نسخة كانت مشتهرة منتشرة ، الصغرى أو الكبرى؟

وهل يفرق بين الكبرى وبين هذه النسخة المطبوعة الّتي فيها ١٨٨١ حديثا بحساب المعلّق؟ ليس عندي جواب ، والله العالم.

وقد عرفت أنّه لا اعتبار بأحاديثه المرويّة في البحار والوسائل لعدم العلم ، بل ولعدم الظّنّ بوصول نسخة منه إليهما معنعنة عن الشّيخ أو عن المؤلّف ، فهي مرسلة مأخوذة بالوجادة ظاهرا ، وقد مرّ في الفصل السّابق ما يجري هنا.

٦. حول اعتبار قرب الأسناد للحميري

وصف النجّاشي عبد الله بن جعفر بن الحسن ... الحميري أبا العبّاس القمّي : بأنّه شيخ القمّيين ووجههم ، وأنّه صنّف كتبا كثيرة يعرف منها ... وذكر في جملة كتبه كتاب : قرب الإسناد إلى الرضا عليه‌السلام ، وكتاب قرب الإسناد إلى أبي جعفر ابن الرضا عليه‌السلام ، وكتاب قرب الإسناد إلى صاحب الأمر عليه‌السلام.

ثمّ قال : أخبرنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار عنه بجميع كتبه.

أقول : والسند حسن عندي.

وذكره الشّيخ في الفهرست ، وقال : ثقة له كتب ... وكتاب قرب الإسناد ... أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشّيخ المفيد رحمه‌الله عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن عنه ... ووثقه في رجاله أيضا في أصحاب العسكري عليه‌السلام. (١)

__________________

(١) معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٤٥ ، ١٤٦.


أقول : طريق الشّيخ معتبر جدّا ، ويمكن أن يكون مقصود الشّيخ من كتاب قرب الإسناد هو الكتب الثّلاثة المذكورة في كلام النجّاشي ، بقرينة قوله بجميع كتبه ورواياته ، فتأمّل ؛ إذ لا يظهر منه أنّ مراده بكتاب قرب الإسناد أيّ كتاب من كتبه الثّلاثة؟

هذا ، ولكن ذكر ابن إدريس الحلّي رحمه‌الله أنّ الكتاب لمحمّد بن عبد الله ، لا لعبد الله. ونسبه المجلسي رحمه‌الله أيضا إليه أوّلا ؛ وفاقا لتصريح الحلّي به ، ثمّ قال : وظنّي أنّ الكتاب لوالده ، وهو راو له ، كما صرّح به النجّاشي. (١)

وقال أيضا : وكتاب قرب الإسناد من الاصول المعتبرة المشهورة ، وكتبناه من نسخة قديمة مأخوذة من خطّ الشّيخ محمّد بن إدريس ، وكان عليها صورة خطّه هكذا :

الأصل الّذي نقلته كان فيه لحن صريح وكلام مضطرب فصوّرته على ما وجدته خوفا من التغيير والتبديل ، فالناظر فيه يمهّد العذر ، فقد بيّنت عذري. (٢)

أقول : كلام المجلسي كالصريح في أنّ قرب الإسناد لم يصل إليه ، بل وإلى ابن إدريس الحلّي بالسلسلة المعنعنة عن الشّيخ الطّوسي ، وإلّا لم يختلفا في اسم المؤلّف ، بل الكتاب وصل من سوق أو فرد فنقلا منه بالوجادة. ويظهر أيضا أن ابن إدريس لم يعتمد على طريق النجّاشي والشّيخ وكأنّه أخطأهما في نسبة الكتاب إلى عبد الله ، فلاحظ.

وقيل : إنّ كتاب قرب الإسناد إلى أبي جعفر ابن الرضا عليه‌السلام طبع بطهران سنة ١٣٧٠ ه‍. ش ، فالعمدة في اعتباره هي الشّهرة المدعاة في كلام المجلسي ، فلاحظ وتأمّل.

فإنّ الملاك في الاعتبار هو وصول النسخة منه بسند معتبر إليه ، وهذا بعد غير ثابت. وسمعت من بعض تلامذة السّيد البروجردي رحمه‌الله ، أنّ السّيد المذكور يذهب إلى قبول أحاديث قرب الإسناد مؤيّدة ، لا أدلّة.

٧. حول اعتبار تفسير القمّي

يقول النجّاشي في حقّ مؤلّفه علي بن إبراهيم بن هاشم بن الحسن القمّي :

ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب سمع فأكثر وصنف كتبا وأضر في وسط عمره ، وله كتاب التفسير.

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ١٧ ، البحار المطبوع حديثا.

(٢) المصدر : ١ / ٢٧.


وقال الشّيخ رحمه‌الله في فهرسته :

علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي له كتب منها ، كتاب التفسير ، ثمّ ذكر أسناده إلى كتبه وهو معتبر ، لا إشكال فيه.

ويقول المجلسي رحمه‌الله (١) :

إنّ تفسيره من الكتب المعروفة ، وروي عنه الطبرسي وغيره.

وقيل : إنّ التفسير المذكور ، طبع بإيران سنة ١٣١٣ وسنة ١٣١٥.

أقول : ثمّ طبع بالنجف الأشرف قبل سنوات.

ويقول السّيد الأستاذ في معجمه : إنّ عليا وقع في إسناد كثير من الرّوايات تبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين موردا. (٢)

ونحن نقلنا أحاديث تفسيره المعتبرة في معجم الأحاديث المعتبرة من البحار غالبا أو كلّا ، لكن لا بدّ من إحراز الإسناد إلى المؤلّف صحّة واتصالا ، فإنّ المجلسي نقلها بالوجادة ، وكذا صاحب الوسائل ، وأمّا المطبوع فالفصل بين حياة المؤلّف وزمان طبعه بمئات سنين ، فلا عبرة به من دون ذكر الإسناد أو القرينة الموجبة للاطمئنان.

بل ما ذكر في أوّل النسخة المطبوعة يزيد في الإشكال ففيه : حدثني (حدثنا خ) أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال حدثنا أبو الحسين علي بن إبراهيم.

أقول : من هذا الّذي يقول حدثني؟ وأمّا العبّاس ، فلم أجد ترجمته لحد الآن فهو مجهول.

وقال السّيد السيستاني (طال عمره) ، لي شفاها أن واحدا من تلاميذ علي بن إبراهيم جمع روايات تفسيره وروايات أبي الجارود في كتاب واشتهر هذا الكتاب باسم تفسير علي بن إبراهيم.

أقول : وهذا هو الأظهر ، بل احتماله يضرّ باعتبار روايات تفسير علي بن إبراهيم المعتبرة سندا من قبله. فهذا الكتاب أكثر إشكالا من غيره.

٨. حول رجال الكشي رحمه‌الله

قال النجّاشي محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي كان ثقة عينا ، وروي عن الضعفاء كثيرا ...

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ٢٧.

(٢) معجم رجال الحديث : ١١ / ٢٠٧.


له كتاب الرجال كثير العلم ، وفيه أغلاط كثيرة ، أخبرنا أحمد بن علي بن نوح وغيره عن جعفر بن محمّد عنه بكتابه.

أقول : السند معتبر على تفصيل مذكور في معجم الرجال. (١)

وقال الشّيخ في فهرسته يكني أبا عمرو ثقة بصير بالأخبار وبالرجال ، حسن الاعتقاد ، له كتاب الرجال ، أخبرنا به جماعة عن أبي محمّد التلعكبرى عن محمّد بن عمر بن عبد العزيز أبي عمرو الكشّي ، والسند معتبر.

ولم يذكر في حقّ كتابه ما عابه النجّاشي من كثرة الأغلاط ووثّقه في رجاله أيضا ، ووصفه بكونه بصيرا بالرجال والأخبار مستقيم المذهب. (٢)

أقول : لا يبعد إن يقال أن رجال الكشّي كفهرس النجّاشي وجملة من كتب الشّيخ في الاشتهار الموجب للاطمئنان به.

٩. حول كامل الزيارات

قال النجّاشي جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه أبو القاسم ... كان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث ، والفقه ، روي عن أبيه وأخيه عن سعد ، وقال : ما سمعت من سعد إلّا أربعة أحاديث (٣) وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقه ، ومنه حمل وكلّ ما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه ، له : كتب حسان ... كتاب : الزيارات ... قرأت أكثر هذه الكتب على شيخنا أبي عبد الله وعلى الحسين بن عبيد الله.

ووثقه الشّيخ أيضا وعدّ من كتبه كتاب جامع الزيارات ، وما روي في ذلك من الفضل عن الأئمّة عليهم‌السلام وقال : له فهرست ما رواه من الكتب والاصول.

أخبرنا برواياته ، وفهرست كتبه جماعة من أصحابنا منهم الشّيخ ... المفيد والحسين بن عبيد الله ... عن جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي. (٤)

أقول : مراد الشّيخ برواياته المخبر بها هي الرّوايات المشتمل عليها كتبه ظاهرا.

__________________

(١) المصدر : ٢ / ٣٦٤.

(٢) معجم رجال الحديث : ١٧ / ٧٢.

(٣) وفي نقل آخر : إلّا حديثين. لاحظ : معجم الرجال : ٤ / ١٠٩.

(٤) المصدر.


فسند الشّيخ إلى كامل الزيارات معتبر.

وقال المجلسي : وكتاب كامل الزيارات من الاصول المعروفة ، وأخذ منه الشّيخ في التهذيب وغيره من المحدّثين ، (١) انتهى.

وقيل : إنّه طبع في النجف سنة ١٣٥٦ ه‍ ، ونحن نقلنا أحاديثه من البحار. فإذا ثبت شهرة الكتاب في زمان مؤلّفه إلى زمان المجلسي تصبح رواياته معتبرة ، وإن لم تصل نسخة منه إليه بسند متّصل معتبر.

١٠. حول غيبة النعماني رحمه‌الله

أمّا المؤلّف ، فهو محمّد بن إبراهيم النعماني تلميذ الكليني ، ووصفه المجلسي : بالفاضل الكامل الذّكي بعد نسبة الكتاب إليه (٢). ووصفه المحدّث الحرّ العاملي في آخر وسائله :

بالثقة الصدوق. ووصفه النجّاشي : بأبي عبد الله الكاتب المعروف بابن زينب ، وقال : شيخ من أصحابنا عظيم القدر شريف المنزلة صحيح العقيدة كثير الحديث ... له كتاب الغيبة ...

رأيت أبا الحسين محمّد بن علي الشّجاعي الكاتب يقرأ عليه كتاب الغيبة ، والنسخة المقروءة عندي.

فترى النجّاشي لم يوثّقه ، ولكنّه وصفه بأوصاف حميدة.

وعن الحرّ العاملي في تذكرة المتبحرين : ورأيت كتاب الغيبة ، وهو حسن جامع. (٣)

ويقول المجلسي : وكتاب النعماني من أجلّ الكتب (٤).

ثمّ ذكر كلام المفيد رحمه‌الله إنّ النعماني أثبت الرّوايات الدّالة على إمامة الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف على الشّرح والتفصيل في كتابه الّذي صنّفه في الغيبة.

ونحن نقلنا أحاديثه من بحار الأنوار في كتابنا معجم الأحاديث المعتبرة.

والكلام فيه كالكلام في سابقه ، ولا يدرى حال نسخة النجّاشي كيف صارت بعده؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ٢٧.

(٢) المصدر : ١٤.

(٣) لاحظ : معجم رجال الحديث : ١٤ / ٢٣٤.

(٤) بحار الأنوار : ١ / ٣١.


١١. حول كتب الشّيخ الصدوق رحمه‌الله الثمانية

ذكر النجّاشي والشّيخ في جملة كتب الصدوق رحمه‌الله كتاب التوحيد (١) وعلل الشّرائع (٢) وثواب الأعمال (٣) وكتاب معاني الإخبار (٤) وكتاب الخصال. (٥)

وزاد الشّيخ : كتاب الأمالي (٦) ، وكتاب عيون أخبار الرضا (٧).

ثمّ قال بعد ذكر جملة من كتبه : وغير ذلك من الكتب والرسائل الصغار لم يحضرني أسماؤها.

وسنده إلى كتبه صحيح ، ولم يذكر إكمال الدين (٨) ، وقد ذكره المجلسي في بحاره. (٩)

يقول المجلسي في أوائل الفصل الثّاني من مقدّمة بحاره (١٠) : اعلم : أن أكثر الكتب الّتي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلّفيها ، ككتب الصدوق رحمه‌الله فإنّها ـ سوى الهداية وصفات الشّيعة وفضائل الشّيعة ، ومصادقة الأخوان ، وفضائل الأشهر ـ لا تقصير في الاشتهار عن الكتب الأربعة الّتي عليها المدار في هذه الأعصار (١١) ، وهي داخلة في إجازاتنا ونقل منها من تأخر عن الصدوق من الأفاضل الإخبار.

__________________

(١) طبع بهند سنة ١٣٢١ ، وبطهران سنة ١٣٧٥ ه‍ ق.

(٢) طبع بإيران ١٣١١ ه‍ ق.

(٣) طبع بإيران سنة ١٢٩٨ و ١٣٧٥ ه‍ ق.

(٤) طبع بإيران ١٣١١ ه‍ ق.

(٥) طبع بإيران سنة ١٣٠٢ و ١٣٤٧ ه‍ ق.

(٦) طبع بايران سنة ١٣٠٠ وسنة ١٣٧٤ ه‍ ، واعيد طبعه سنة ١٣٨٠ ه‍ ق بطهران في مجلّد واحد مع ترجمته بالفارسيّة وفيه (٩٧) مجالس أوّلها يوم الجمعة ١٨ رجب سنة ٣٦٧ ه‍ ق ، وآخرها يوم الخميس ١٩ شعبان ٣٦٨ ه‍ ق في مشهد الرضا عليه‌السلام.

وليس فيه ما ينفع مقامنا هذا ، بل فيه تصريح من مترجمه العلّامة كمره اي باحتمال دسّ بعض الرّوايات في النسخ المخطوطة ، وإن الطريق لرفع هذا الاحتمال هو تطبيق النسخة الموجودة على النسخة المخطوطة بخط المؤلّف ، ثمّ على المكتوبة في عصر المؤلّف ، ثمّ على النسخ القديمة أسبق فأسبق ، ثمّ أظهر عجزه عن ذلك لوجوه.

(٧) طبع بإيران سنة ١٢٧٥ و ١٣١٨ ، واعيد طبعه سنة ١٣٧٧ و ١٣٧٩ في مجلّد بقمّ.

(٨) طبع بإيران سنة ١٠٣١ هكذا ذكره معلّق البحّار في مقدّمة له : ص ٧٣ ، ولا يدري أنّ هذه الكتب أو بعضها هل طبع قبل تلك السنوات أم لا؟

ثمّ إنّ كتاب إكمال الدّين (كمال الدين وتمام النعمة) قد اعيد طبعه في جزئين مع ترجمته بالفارسيّة من قبل بعض العلماء رحمه‌الله سنة ١٣٧٨ و ١٣٧٩ ه‍ ، بطهران وقد ذكر المحقّق المترجم عدّة نسخ للكتاب فلاحظ.

(٩) بحار الأنوار : ١ / ٦.

(١٠) المصدر : ٢٦.

(١١) الجار والمجرور متعلق بقوله : المدار ، ظاهرا دون قوله : الاشتهار ، فاشتهار الكتب المذكورة كالكتب الأربعة غير مقيد باعصار المجلسي ، وما يقاربها من الأعصار.


وكتاب الهداية أيضا مشهور ، ولكن ليس بهذه المثابة ، ولقد يسّر الله لنا منها (١) كتبا عتيقة مصحّحة ، ككتاب الأمالي ، فإنّا وجدنا منه نسخة مصحّحة معرّبة مكتوبة في قريب من عصر المؤلّف ، وكان مقروءا على كثير من المشائخ ، وكان عليه إجازاتهم.

وكذا كتاب الخصال عرضناه على نسختين قديمتين كان على إحداهما إجازه الشّيخ مقداد. وكذا كتاب إكمال الدّين استنسخناه من كتاب عتيق كان تاريخ كتابتها قريبا من زمان التأليف.

وكذا كتاب عيون أخبار الرضا ، فإنّا صحّحنا الجزء الأوّل منه من كتاب مصحّح كان يقال : إنّه بخطّ الكلمات مصنف رحمه‌الله ، وظنيّ أنّه لم يكن بخطّه ، ولكن كان عليه خطه وتصحيحه ، انتهى.

أقول : هذه الكلمات أكبر شاهد صادق على خلوّ الإجازات من المناولة ، كما ذكرنا سابقا ، ثمّ إنّ ما ذكره المجلسي من اشتهار كتب الصدوق كالكتب الأربعة مطابق للاعتبار العقلائي ، فلا يبعد الاعتماد على ما نقلنا من كتب الصدوق الثمانية بتوسط بحار الأنوار وغيره في كتابنا معجم الأحاديث المعتبرة ، والله أعلم.

ويزيد في الاعتماد قول المحدّث الحرّ في خاتمة وسائله ، الفائدة السادسة ، ومصنّفات الصدوق ، وأكثر الكتب الّتي ذكرناها ونقلنا منها ، معلوم النسبة إلى مؤلّفيها بالتواتر ، وهي إلى الآن في غاية الشّهرة. (٢)

بل زاد : وأكثرها ـ أي الكتب الّتي نقل منها في وسائله ـ لا يقصر في الشّهرة والتواتر عن الكتب الأربعة المذكورة أوّلا ، بل التحقيق والتأمّل يقتضي تواتر الجميع ـ المصدر ـ فإذا فرض ثبوت التواتر بخبر الثّقة فهذه الشّهادة تنفع لجميع مصادر كتابنا ، فتامل جيّدا ، إلّا إنّ يقال : إنّ تواتر كتاب في الجملة ، لا يغني عن احتياج نسخة واصلة منه إلى الحرّ العاملي وغيره إلى سند معتبر حتّى يزول احتمال الزيادة والنقيصة فيها.

وقد جرى عليه عمل الحرّ نفسه كما يظهر من خطّه المنقول سابقا في الفصل الثالث ، وجرى عليه عمل غيره من القدماء والمتأخّرين في الاحتياط التامّ في هذا المقام ، فلا ينبغي الاعتماد على تصحيح جميع المصادر بهذا الكلام ، بل يمكن الإشكال في دعوى تواتر جميع الكتب الّتي نقل عنها الحرّ العالمي في وسائله ثبوتا ، كما يظهر للمتأمّل في كلماتهم.

__________________

(١) أي من كتب الصدوق.

(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٢١٧ ، الطبعة الأخيرة.


نعم ، إذا اطمئن الباحث من شهرة كتاب بعدم زيادة أو نقيصة مغيرة للمعنى في النسخة الواصلة إليه منه ، فله العمل به فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة لم يثبت الردع الشّرعي عنه.

١٢. حول اعتبار إرشاد المفيد رحمه‌الله وأماليه

أمّا المؤلّف فوثاقته ومقامه وجلالته أشهر من أن تحتاج إلى بيان ، وهو رئيس الطائفة رضي‌الله‌عنه ؛ وأمّا الإرشاد فقد ذكره النجّاشي ، والشّيخ قدّس الله سرهما ، وأمّا الأمالي فسمّى النجّاشي من جملة كتب المفيد المجالس المحفوظة في فنون الكلام ، وكتاب الأمالي المتفرّقات ، فالظاهر هو أحدهما ، ولم يذكره الشّيخ في فهرسته فإنّه اكتفي ببيان بعض مصنّفاته ، وقال : له قريب من مأتي مصنّف كبار وصغار وفهرست كتبه معروف ، وكان المفيد رحمه‌الله ، شيخ النجّاشي والشّيخ الطوسي رضي‌الله‌عنهم.

وقال المجلسي في بحاره (١) : وكتاب الإرشاد أشهر من مؤلّفه رحمه‌الله ، وكتاب المجالس ، وجدنا منه نسخا عتيقة ، والقرائن تدلّ على صحّته.

قيل طبع الإرشاد غير مرّة بايران أحدها سنة ١٣٠٨ ، وطبع الأمالي بالنجف سنة ١٣٦٧ ه‍.

أقول : فالاعتماد على الإرشاد ، لا بأس به ؛ وأمّا الاعتماد على الأمالي فلا يخلوّ عن وجل.

١٣. حول أمالي الشّيخ وغيبته ومصباحه وأمالي ابنه رحمه‌الله

وقد ذكرها الشّيخ رحمه‌الله نفسه في فهرسته في جملة كتبه ، فقال : وله كتاب المجالس في الإخبار ... وله كتاب الغيبة ، وله مصباح المتهجد في عمل السنة كبير ، كما في معجم الرجال. وقال المجلسي (٢) : وكتب الشّيخ أيضا من الكتب المشهورة إلّا كتاب الأمالي ، فإنّه ليس في الاشتهار كسائر كتبه ، لكن وجدنا منه نسخا قديمة عليها إجازت الأفاضل ، ووجدنا ما نقل عنه المحدّثون والعلماء بعده موافقا لما فيه.

وأمالي ولده العلّامة في زماننا أشهر من أماليه ، وأكثر النّاس يزعمون أنها أمالي الشّيخ ، وليس كذلك ، كما ظهر لي من القرائن الجلية. ولكن أمالي ولده لا يقصر عن أماليه في الاعتبار والاشتهار ، وإن كان أمالي الشّيخ عندي أصحّ وأوثق ، انتهى.

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ٢٧.

(٢) المصدر.


وعن منتجب الدين في فهرسته : الشّيخ الجليل أبو علي الحسن بن محمّد بن الحسن بن علي الطّوسي فقيه ثقة عين قرأ على والده جميع تصانيفه ، أخبرنا الوالد عنه رحمه‌الله.

وعن الحرّ في تذكرة المتبحّرين بعد مدحه وتوثيقه : له كتب. منها : كتاب الأمالي وشرح النهاية وغير ذلك. (١)

قيل : إنّ مجالس الشّيخ المشتهر بالأمالي ، طبع مع أمالي ابنه بإيران سنة ١٣١٣ (٢) ه ش ، وطبع بتبريز سنة ١٣٢٤ ه‍ ش. (٣)

ونحن نقلنا روايات هذه الكتب الأربعة عن البحار غالبا ، فلاحظ.

وقال المجلسي في الفصل الثالث (٤) في بيان رمز كلمة : (ما) ، لأمالي الشّيخ : وكذا أمالي ولد الشّيخ شركناه مع أمالي والده في الرمز ؛ لأنّ جميع أخباره إنّما يرويها عن والده رضي‌الله‌عنهما.

أقول : قد اعيد طبع كتاب الأمالي ـ أمالي الشّيخ الطّوسي ـ في جزئين سنة ١٣٩٤ ه‍ ، ١٩٦٤ م ، بالنجف الأشرف ، ونقل بعض الفضلاء في مقدمته كلام صاحب الذريعة (٥) ، حوله وإليك نقل ما يتعلّق منه بالمقام :

الأمالي للشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي المتوفّي في سنة ٤٦٠ ه‍ ، وهذا هو المجلّد الثاني منه المترتّب على المجالس المطبوع مع الأجزاء الثمانية عشر المنسوبة إلى الشّيخ أبي علي بن الشّيخ الطوسي رحمه‌الله في المشهور.

وقد صرّح السيد ابن طاووس رحمه‌الله بأنّ الشّيخ الطّوسي أملي تمام السبعة والعشر جزء على ولده الشّيخ أبي على وكلّها بخطّ الشّيخ حسين بن رطبة وغيره ، وكانت عند السّيد ابن طاووس ، وهو يرويها عن والده عن الشّيخ حسين بن رطبة عن الشّيخ أبي على عن والده الشّيخ الطوسي رحمه‌الله إلّا أنّ الثمانية عشر جزء منها ظهرت للناس أوّلا برواية الشّيخ أبي علي لها عن والده ، وصدرت تلك الأجزاء باسم الشّيخ أبي علي ، والبقيّة إلى تمام السبعة والعشرين جزء رواها أيضا الشّيخ أبو علي للناس بعد الأوّلى بعين ما أملاه والده عليه في مجالس كلّ يوم ، ولم تصدر المجالس باسم الشّيخ أبي علي.

__________________

(١) لاحظ : معجم رجال الحديث : ٥ / ١١٥.

(٢) هكذا في ج ٠ (صفر) : ٩٤ ، من مقدّمة البحار ، وفي الصفحة : ١١٤ منه : ١٢١٣ ، والظاهر أنّه من اشتباه الناسخ أو الطابع.

(٣) اعيد طبعه سنة ١٣٨٥ ه‍ ، بالنجف الأشرف.

(٤) بحار الأنوار : ١ / ٤٦.

(٥) الذريعة : ٢ / ٣١٣.


فظهر أنّ تلك المجالس المطبوعة الّتي تنتهي إلى خمسة وأربعين مجلسا كلّها من إملاء الشّيخ الطّوسي لولده أبي على أغلبها في سنة ٤٥٧ ه‍ وبعضها سنة ٤٥٨ ه‍ ... لكن المطبوع من المجالس هذا ليس تمام المجالس ؛ لأنّه توجد في زنجان في مكتبة شيخ الإسلام الزنجاني نسخة من تلك المجالس ، وهي تزيد على النسخة المطبوعة بأكثر من ثلثها ، وهي نسخة معتبرة استكتبها سنة ١٠٤٨ المولى خليل بن الغازي القزويني الشّارح للكافي ، وكتب على ظهر النسخة بخطّه شهادة : أنّها أمالي أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله ، وهي مع ذلك ناقصة الآخر ... ولابن طاووس رحمه‌الله كلام آخر نقله في مقدّمة الامالي. (١)

وعن الشّيخ منتجب الدين في فهرسته : الشّيخ جمال الدين الحسين بن هبة الله (بن) رطبة السوراوي ، فقيه صالح كان يروي عن الشّيخ أبي على الطّوسي. (٢)

وعلى كلّ ، إذا فرضنا وصول ما في البحار بسند معتبر أو بنسخة مشهورة توجب شهرتها الاطمئنان بصحته فهو ، وإلّا ففيه ما سبق من لزوم التوقف في رواياته.

١٤. حول اعتبار قصص الأنبياء للراوندي رحمه‌الله

قال الشّيخ منتجب الدّين في فهرسته : الشّيخ الإمام قطب الدين أبو الحسين سعد ـ قيل : سعيد ـ ابن هبة الله بن الحسن الراوندي فقيه عين صالح ثقة له تصانيف ... ثمّ ذكر كتبه.

وقال ابن شهر أشوب في معالم العلماء في حقّه : شيخي أبو الحسين سعد بن هبة الله له كتب ... ، فذكر كتابين له.

وهذان الفاضلان لم يذكرا كتاب قصص الأنبياء له.

وقال الحر العاملي في تذكرة المتبحرين في ترجمته : وقد رأيت له كتاب قصص الأنبياء أيضا .... (٣)

ونسب المجلسي قصص الأنبياء المذكور أوّلا إليه على ما يظهر من أسانيد الكتاب واشتهر أيضا ، ثمّ قال : ولا يبعد أن يكون تأليف فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي ، كما يظهر من بعض أسانيد السّيد ابن طاووس ، وقد صرّح بكونه منه (٤) في رسالة

__________________

(١) انظر : الأمالي : المقدّمة : ٤٢.

(٢) لاحظ : معجم رجال الحديث : ١ / ١١٣.

(٣) المصدر : ٨ / ٩٤ و ٩٥.

(٤) سياق العبارة هو : رجوع الضمير : (منه) إلى فضل الله ، لكن محشّي البحار أرجعه إلى سعيد بن هبة الله بقرينة كلام ابن الطاووس في كتابه الآخر. فرج المهموم : ٣٧.


النجوم ، وكتاب فلاح السائل والأمر فيه هين ؛ لكونه مقصورا على القصص ، وأخباره جلّها مأخوذة من كتب الصدوق رحمه‌الله.

أقول : وعندي أنّ الأمر ليس فيه هين ؛ لحرمة انتساب الشّيء إلى الأئمّة عليهم‌السلام وإلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى الله تعالى ما لم يثبت صحّته بالعلم الوجداني أو التعبّدي ، وإن كان هذا الشّيء المنسوب من أهون الأشياء.

وذكر صاحب الوسائل ، هذا الكتاب في ضمن مصادر وسائله في الفائدة الرابعة من خاتمة كتابه واعتمد عليه ، ولكن الظّاهر إنّ الكتاب لم يصل إليه وإلى المجلسي رحمهما‌الله بسند متّصل ، فلا بدّ من إثبات شهرة الكتاب بين العلماء في الزمان الفاصل بين مؤلّفه وبينهما.

ثمّ إنّ المسلّم أنّ جل أخبار القصص رويت عن الصدوق رحمه‌الله ؛ وأمّا أنّها مأخوذة من كتبه ، فهو محتاج إلى شاهد أو تتبع.

والثمرة بين القولين كبيرة جدّا ؛ إذ على الثّاني لا يحتاج الحكم باعتبار الرّوايات إلى إحراز وثاقة الوسائط بين مؤلّف القصص والصّدوق ، وعلى الأوّل يحتاج ، ويضرّ جهالتهم باعتبار الرّوايات (١) ؛ وأمّا البحث عن أسانيد مؤلّف القصص إلى الصدوق ، فقد تقدّم في بعض البحوث السّابقة.

وهنا شيء آخر وهو عدم وجود تلك الروايات بتمامها في كتب الصدوق ، وهذا أمر عجيب!

١٥. تصحيح عامّ

للمجلسي والحرّ رحمهما‌الله ، كلمات في البحار والوسائل في مقام تصحيح مصادر كتابيهما بحار الأنوار ، ووسائل الشّيعة ـ ومصادر كتابنا : معجم الأحاديث المعتبرة ، داخلة فيها ـ.

يقول المجلسي رحمه‌الله (٢) : اعلم أنّ أكثر الكتب الّتي اعتمدنا عليه في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلّفيها ككتب ... وقد مرّ بعضه في الفصل الحادي عشر.

يقول الحرّ في خاتمة وسائله الفائدة الرابعة (٣) : في ذكر الكتب المعتمدة الّتي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب وشهد بصحتها مؤلّفوها وغيرهم ، وقامت القرائن على ثبوتها وتواترت

__________________

(١) لكنّ كلام المجلسي لا مناص عنه ، لأنّ الصدوق لم يحدثها عن ظهر قلبه ، وقد ترك نقلها في كتبه ، فإنّه غير محتمل.

(٢) بحار الأنوار : ١ / ٢٦ ، الفصل الثاني.

(٣) وسائل الشيعة : ٣٠ / ١٥٣ ، الطبعة الأخيرة.


عن مؤلّفيها ، أو علمت صحّة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيها شكّ ولا ريب كوجودها بخطوط أكابر العلماء ، وتكرّرها في مصنّفاتهم وشهادتهم بنسبتها وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة وغير ذلك ، وهي ...

ثمّ ذكر مصادر كتابه.

أقول : أمّا المجلسي ، فهو يصف أكثر مصادر كتابه البحار دون جميعه ، وفي مقابل الأكثر الكثير ، ولم يبيّن الكثير بيانا واضحا تامّا.

أمّا كلام الحرّ العاملي ، ففيه أن شهادة مؤلّف بصحّة كتابه ، لا تصحح النسخة المنقولة منه بعد مئات السنين والقرائن تختلف في إفادة العلم والظنّ وعدمها حسب الأنظار ، ولم يبيّن ما تواتر من مصادره ، كما أنّه لم يعيّن الكتب الّتي علم بصحّة نسبتها إلى مؤلّفيها مع أنّ المدارك المذكورة في كلامه لا تفيد العلم بها ؛ لإمكان المناقشة فيها ، فلا نستفيد صحّة مصادر كتابنا ـ معجم الأحاديث المعتبرة ـ من هذه الكلمات.

وقد تقدّم له كلام آخر في الفصل الحادي عشر في تصحيحه جميع مصادر كتابه بتواترها وناقشناه فيه ، فلاحظ.

أقول : ثم إنّه يمكن أن نصحّح كتب القدماء الواصلة إلينا بشروط :

١. عدم اختلاف في نسبتها إلى مؤلّف ثقة.

٢. شهرة الكتاب بين العلماء في حياة المؤلّف إلى زمان المجلسي والحرّ العاملي رحمهما‌الله ، بحيث يؤمن عليها من الدسّ.

٣. صحّة طريق الشّيخ الطّوسي إلى الكتاب ، إن كان مؤلّفه متقدما عليه ، وشهرة الكتاب بين الناس ، بحيث تورث الوثوق بعدم الدسّ فيه.

٤. عدم ادّعاء تغيّر فيه بالزيادة والنقيصة من أهل التتبّع والتدقيق.

فإنّه إذا توفّر هذه الشّروط في كتاب ، لا مانع حسب طريقة العقلاء على الاعتماد عليه ؛ إذ لا يبقى مانع منه سوى السؤال عن انطباق النسخة الموجودة على نسخة المؤلّف الأصليّة ، وعدم وقوع زيادة ونقيصة ـ قليلتين أو كثيرتين ـ فيها فيرجع في دفع هذا الاحتمال إلى أصالة عدم الزيادة والنقيصة ، وإذا ثبت كون هذا الأصل المذكور من الاصول العرفيّة العقلائيّة في باب الاستنساخ لا يبقى إشكال في أن مقتضى الأصل التماميّة لا عدم التماميّة.


لكنّ الشأن في تماميّة هذا الأصل لا سيما بملاحظة التاريخ والأحاديث وما نقله يونس عن الرضا عليه‌السلام ، كما سبق.

يقول بعض العلماء المترجمين لأمالي الصدوق رحمه‌الله بالفارسيّة وفي مقدّمتها :

در اين زمان نسبت كتاب به مؤلّفى بر اساس ثبت در تراجم مندرجه كتب رجال وتاريخ است كه معمولا در شرح حال هر يك از علما ودانشمندان مؤلّفاتى براى او نام مى برند ، ولى از نظر تطبيق بر نسخه موجود مدرك همان شهرت قاطع وأصالة الصدق در تسلسل تاريخ واصل عدم النقل است ، كه از أصول عقلايى ومورد اعتماد است. (١)

فإذا رضيت بهذا القول وتدبرت في ما مضى ، بان لك اعتبار جملة من مصادر كتاب. والأظهر عدم الاعتناء بهذا الأصل ، ولزوم الاتّكال على خصوص الشّهرة المورثة للاطمئنان بعدم الدسّ والتغيير ، ومع عدمها التوقف في روايات الكتاب.

والله العالم الهادي إلى الحقّ والصواب.

__________________

(١) وتعريبه : تكون في زماننا الحاضر نسبة الكتاب إلى مؤلّفه راجعة الى ما ثبت في كتب التراجم المندرجة في كتب الرجال والتاريخ التي عادة ما تتعرّض الى شرح حال كلّ واحد من العلماء والمؤلفين لها ، ولكن من نظر التطبيق على النسخة الموجودة يكفي في إثبات النسخة لصاحبها بواسطة الشهرة القاطعة وأصالة الصدق في التسلسل التاريخي وأصالة عدم النقل ، والتي هي من الأصول العقلائيّة ومورد الاعتماد.


البحث الثالث والخمسون

في الأحاديث الواردة في حقّ الرّواة

١. عن الخصال بالسند الصحيح عن الباقر عليه‌السلام : «رحم الله الأخوات (١) من أهل الجنّة» ، فسماهن : أسماء بنت عميس الخثعميّة ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ، وسلمي بنت عميس الخثعميّة ، وكانت تحت حمزة ، وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث ، كانت تحت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّ الفضل عند العبّاس ، اسمها هند ، والغميصا أمّ خالد بن الوليد ، وغرة (عزة) كانت في ثقيف عند الحجاج بن غلاظ ـ قيل : علاط ـ وحميدة ، ولم يكن لها عقب. (٢)

٢. في معتبرة الكافي عن ذريح قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «قال علي بن الحسين عليه‌السلام إنّ أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مستقيما ...»

وللحديث أسانيد أخرى في الكافي والتهذيب ورجال الكشّي. (٣)

والاستقامة ناظرة إلى تشيعه ، وهل هي ناظرة إليه فقط أو إلى صدقه في المقال أيضا؟

فيه وجهان.

٣. في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، إذ أقبل عيسى بن أبي منصور ، فقال لي : «إذا أردت أن تنظر خيارا في الدنيا خيارا في الآخرة ، فانظر إليه». (٤)

__________________

(١) وللمجلسي حول هذه الكلمة كلام وكذا للمعلّق.

(٢) بحار الأنوار : ٢٢ / ١٩٥.

(٣) جامع الاحاديث : ٣ / ٢١٢ ، ٢١٣.

(٤) مشيخة الصدوق في الفقيه : ٤ / ٤٨٧.


٤. في الكافي (١) : محمّد بن عبد الله ومحمّد بن يحيى ، جميعا عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال اجتمعت أنا والشّيخ أبو عمرو رحمه‌الله عند أحمد بن إسحاق ، فغمزنى أحمد بن إسحاق أن أسأله ؛ فقلت له : يا أبا عمرو ... وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته وقلت له من أعامل أو عمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له : «العمري ثقتي فما أدى إليك عنّي فعنّي يؤدّى ، وما قال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنّه الثّقة المأمون».

وأخبرني أبو علي انّه سئل أبا محمّد عن مثل ذلك ، فقال له : «العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤديّان ، وما قال لك فعنّي يقولون ، فاسمع لهما ، وأطعمهما فإنّهما الثقتان المأمأمونان» ـ فهذا قول إمامين قد مضيانيك ـ فخر أبو عمرو ساجدا وبكى .... (٢)

٥. رجال الكشّي (٣) : عن عبد الله بن أبي يعفور بالسند المعتبر : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك ، ويمكن القدوم ويجيء الرّجل من أصحابنا ، فيسئلني وليس عندي كلّ ما يسئلني عنه؟ قال : «فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي ، فإنّه قد سمع من أبي وكان عنده وجيها». (٤)

٦. رجال الكشّي : (٣٣٧) بسند معتبر عن يونس بن يعقوب قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : «أمّا من مستراح تستريحون إليه؟ ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري؟» (٥)

٧. رجال الكشّي : (٤٩٠) بسندين معتبرين عن عبد العزيز بن المهتدي القمّي ، وعن الحسن بن علي بن يقطين ، قال : قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام جعلت فداك! إنّي لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة ، آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟ فقال : «نعم». (٦)

وفي المقام روايات دالّة على اعتبار كتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن.

__________________

(١) الكافي : ١ / ٣٢٩.

(٢) جامع الأحاديث : ١ / ٢٦٩ ، ٢٧٠.

(٣) رجال الكشي : ١٦١.

(٤) المصدر : ١ / ٢٧٤ ، ٢٧٥.

(٥) المصدر : ١ / ٢٧٦.

(٦) المصدر : ١ / ٢٧٦.


٨. الكافي (١) بسند معتبر عن ابن فضّال ويونس جميعا قالا : عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه‌السلام علي أبي الحسن عليه‌السلام فقال : «هو صحيح». (٢)

٩. رجال الكشّي (١٣٦) ، بسند معتبر عن الصّادق عليه‌السلام : «رحم الله زرارة بن أعين! لولا زرارة ونظرائه لاندرست أحاديث أبي عليه‌السلام». (٣)

١٠. رجال الكشّي : (١٣٦) ، بسند معتبر عن سليمان بن خالد الأقطع قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه‌السلام إلّا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمّد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ولو لا هؤلآء ما كان أحد يستنبط هذا ، هؤلآء حفاظ الدين ، وأمناء أبي عليه‌السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السّابقون إلينا في الدنيا السّابقون إلينا في الآخرة». (٤)

١١. رجال الكشّي : (١٧٠) ، بسند معتبر عن جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «بشر المخبتين بالجنّة : بريد بن معاوية العجلّي ، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمّد بن مسلم وزرارة».

أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لو لاء هؤلآ انقطعت آثار النبوّة واندرست (٥).

وقد تقدّمت جملة من الرّوايات المعتبرة المادحة في حقّ بعض رواة آخرين من خلال بحوث هذا الكتاب.

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٣٣٠.

(٢) رجال الكشّي : ٢٨٧.

(٣) المصدر : ٢٨٧.

(٤) المصدر : ٢٨٨.

(٥) المصدر : ٢٨٨.


البحث الرابع والخمسون

في من وثّق أو ضعّف بعنوانه في هذا الكتاب

غرض الكتاب بيان القواعد الكليّة والمعايير المعتبرة لإحراز صدق الرّواة ، وبيان التّوثيقات العامّة وما يرجع إلى الأسانيد بشكل عامّ دون بيان وثاقة الأشخاص فردا فردا أو ضعفهم وجهالتم كذلك. ونحن نرجو من الله سبحانه وتعالى أن جاءت مطالبه كافية ومفيدة لطلاب الحقّ ورواد العلم في هذا.

نعم ، ثبت في خلال الأبحاث ، ولو بالإشارة ، وثاقة جماعة وضعف آخرين أو جهالتهم ، فيحسن أن نذكر أسماء هؤلآء أو معظمهم لانتفاع القراء. وليعلم أنّا لا نذكر أسماء من حكمنا بوثاقتهم أو ضعفهم أو مجهوليتهم ممّن ينتهي طرق الصدوق إليهم هنا ، فإنّها مذكورة في البحث الخامس والأربعين مترتّبة ،

والكلام هنا في ثلاثة فصول (١) :

الفصل الأوّل : في أسماء من تعتبر رواياتهم

__________________

(١) لم نغير الجدول إلّا قليلا حين الطبعة الرابعة والخامسة ، فإنّ السانح لنا على خلافه قليل جدّا ، نعم زدنا بعض الكلمات فيه.




وجماعة مرت أسمائهم من الرجال والنساء في البحث الثالث والخمسين.

في أسماء من يحتاط في رواياتهم

أقول : والأقوى لزوم الاحتياط في محمّد البرقي والخثعمي ، وكذلك في حقّ أحمد حفيد ابن الوليد ، ومن تقدّم أسمائهم في الفصل الأوّل ، ممّن قيل في حقّه ـ على وجه ـ كسهل بن أحمد ، بل الأظهر وثاقة يعقوب الأحمر ، بناء على أنّه ابن سالم على وجه ؛ وأمّا الاحتياط في حقّ غيرهم ، فهو غير لازم ، بل يمكن معاملة المجهول معهم على الأقوى.

في أسماء الضعفاء والمجهولين



وقد تقدّمت أسماء : (٣٨١) شخصا من المعتبرين وغير المعتبرين بأعيانهم في البحث : (٤٦) فيكون مجموع من ثبت اعتبار قولهم أو عدمه. (٦٢٩) شخصا مع المكررات.

وقد زيدت عدد الثقات والمجهولين عند الطبعة الرابعة ، لكن لم نصرف الوقت في ذكرهم في هذه القائمة. ولاحظ ، البحث : الثالث والخمسين أيضا ، والبحث : الثاني عشر ذكرنا أسماء آخرين من مشايخ الصدوق وغيره يظهر حسن جماعة منهم من جهة تكرّر الترضيّة والترحّم في حقّهم ، فلا بدّ من الرجوع اليه.


بيان حال نگارنده

مؤلّف اين كتاب در شام جمعه ٥ / ٢ / ١٣١٤ ش (٢٢ محرم ١٣٥٤ ، ٢٦ اپريل ١٩٣٦ م) در شهر قندهار افغانستان به دنيا آمده وخواندن ونوشتن را نزد پدرش آموخت ودر سال ١٩٤٩ ميلادى با پدرش به پاكستان رفت ودر مدت هفت ماه چهار كلاس را در مدرسه دولتى گذراند وزبان اردو را آموخت ودر سال ١٣٣٠ ه‍ ش براساس شغل پدرش در اطاق تجارت قندهار كارمند رسمى شد ولى به خاطر اشتياق به تحصيل علوم دينى در أوّل سال ١٣٣١ شمسى به دنبال درس دينى شتافت ودر خزان آن سال براى تحصيل مقدّمات از قندهار به جاغورى غزنى رفت ودر برج چهارم سال ١٣٣٢ به نجف اشرف مشرف شد ودروس سطوح را در مدت تقريبا دو سال ونيم به پايان رسانيد وبه درس خارج فقه واصول وغيره حاضر شد. از محضر مدرسين عظام مانند آية الله مرحوم آقاى حكيم وآية الله مرحوم آقاى خوئى وآية الله مرحوم ميرزا باقر زنجانى وآية الله مرحوم شيخ حسين حلى وآية الله مرحوم سيد عبد الأعلى سبزوارى به اندازه استعداد وتوفيق خود استفاده نمود وقسمت عمده استفاده هاى علمى او از محضر حضرت آقاى خوئى قدّس سره بوده است. مؤلّف فعلا يازده فرزند دارد واز نعمت وجود والده برخوردار است. (متأسفانه مادرم در ٣ عقرب (آبان) ١٣٨٨ در كابل فوت نمود).

نگارنده پس از ترك درس در حوزه علميه نجف به شهر خود (قندهار) رفت ومدتى در آن جا مشغول وظائف شرعى بود ودر سال ١٣٥٧ ه‍ ش پس از وقوع


كودتاى كمونيستى در كابل وتسلط كمونيست ها بر كشور به قصد حج به مكه مكرمه مشرف شد وچند ماهى در زينبيه (حومه دمشق مركز سوريه) به تدريس طلاب پرداخت وپس از پيروزى انقلاب اسلامى ايران در أوّل سال ١٣٥٨ ه‍ ش به قم رفت وبراى مبارزه با كمونيست ها حزب حركت اسلامى را تأسيس وبا همكارى اهل علم ومهاجرين افغانى به مبارزه نظامى وفرهنگى وسياسى عليه رژيم كمونيستى ودست نشانده روس ها پرداخت وسپس چون مشكلاتى پديدار گشت در اسلام آباد پاكستان اقامت نمود واز آن جا مبارزه را ادامه داد تا اين كه در اثر مقاومت مجاهدين واختلافات داخلى رژيم كمونيستى كابل ، دولت الحادى وكمونيستى سقوط نمود ودر ١٤ ثور (ارديبهشت) سال ١٣٧١ ه‍ ش به كابل رفت وبه عنوان عضو شوراى رهبرى وسخنگو ومنشى آن شورا انتخاب گرديد ومدتى در آن جا مشغول كار بود وسپس به علّت جنگ هاى داخلى احزاب جهادى كه مانع كارهاى فرهنگى وعلمى نگارنده بود در حالى كه حركت اسلامى در دولت جديد چند وزير وسفير داشت دوباره به پاكستان آمد كه غالبا در اسلام آباد مقيم وبه تأليف كتب متنوع مشغول بوده است. وسپس از آن جا دوباره به ايران (قم) آمد ومشغول تدريس خارج فقه ورجال وكلام وتأليف شد.

حالات زندگانى نگارنده به طور تفصيل در كتاب ديگرى به نام خاطرات زندگانى مذكور است كه فعلا اراده ام اين است كه پس از شهادت يا وفاتم نشر شود.

ودر اين جا فقط به بيان تأليفات مطبوع وغير مطبوع خود تا وقت حاضر مى پردازم والبته كه از سال ١٣٥٧ تا سال ١٣٧٥ كمتر به تدريس پرداخته ام وأكثر اوقاتم به مطالعه وتأليف ويا مسائل نظامى وادارى وسياسى وفرهنگى مربوط به جهاد منقضى گشته است ولى حتى المقدور تلاش كرده ام عمرم به مطالعه وتأليف بگذرد وبه مسائل ديگر زياد مصروف نشوم ونيز مقالات علمى وسياسى زيادى در نشريات حركت اسلامى وغيره بدون ذكر نام نوشته ام. ماه سوم ١٣٧٨ ، ماه صفر ١٤٢٠.

فعلا در حين چاپ پنجم بحوث فى علم الرجال ، از مدتى به اين سو مشغول تأليف وتدريس تفسير وحديث وفلسفه واخلاق واداره حوزه علميه خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله در


كابل ومحصلين آن وسرپرستى غير مباشر تلويزيون تمدن وجواب سؤالات مؤمنين توسط سايت ونامه هاى وارده ودرس هاى تفسير كه توسط تلويزيون پخش مى شود مى باشم ودر شوراى علماى شيعه افغانستان كه شايد از شصت نمايندگى بيشتر در كشور دارد ودر شوراى اخوت اسلامى در كابل وچند ولايت ديگر مشغول خدمت مى باشم. «ربي زدني علما وعملا ويقينا والحقني بالصالحين».

٢ / ١٣٨٩ ش

ماه پنجم سال ١٤٣١ ق

مى ٢٠١٠ م



المؤلّفات المطبوعة للمؤِلّف




تقريباً هفتاد وهفت جزء مطبوع وبقيه غير مطبوع. «رب زدني علماً وعملاً ويقيناً والحقني بالصالحين».

بحوث في علم الرجال

المؤلف:
الصفحات: 456