
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وبه نستعين
الفصل الثاني في الخيار
والكلام هنا
يقع في أقسامه وأحكامه ، فالواجب بسط ذلك في مقامين : الأول ـ في أقسامه ، فبعضهم
عدها خمسة ، وآخر سبعة ، وثالث ثمانية ، وأنهاها رابع إلى أربعة عشر قسما ، ونحن
نذكر الثمانية الدائرة في كلام الأكثر ـ إنشاء الله (تعالى) ـ ونبين ما دلت عليه
الأدلة الشرعية من أحكامها ، وما لم يقم عليه دليل والله (سبحانه) الهادي إلى سواء
السبيل ، والموفق للنجاة من مهاوي الضلال والتضليل.
فنقول : ينبغي
أولا ان يعلم ان مقتضى البيع اللزوم ، قال في التذكرة : والأصل في البيع اللزوم ،
لان الشارع قد وضعه مفيدا لنقل الملك من البائع إلى المشترى والأصل الاستصحاب ،
وكون الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار اليه ، وانما يتم باللزوم
ليأمن من نقض صاحبه عليه ، وانما يخرج عن أصله بأمرين : أحدهما ثبوت الخيار ،
والثاني ظهور عيب في أحد العوضين انتهى وهو
جيد ، ويدل على اللزوم الكتاب أو السنة ، نحو قوله (تعالى) «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» وأخبار «المؤمنون عند شروطهم». ونحوها وحينئذ فيجب الوقوف على
مقتضى هذه القاعدة حتى يقوم الدليل على الخروج عنها في بعض الموارد ، وهي ما ذكروه
في هذا المقام من الخيار ، ونحن نذكر اقسامه واحدا واحدا ، معطين البحث فيها حقها
من التحقيق ، مستمدين الإعانة ممن بيده التوفيق.
الأول خيار المجلس
هكذا اشتهر
التعبير عن هذا النوع في ألسنة الفقهاء ، قال في المسالك : اضافة هذا الخيار الى المجلس
، اضافة الى بعض أمكنته ، فان المجلس موضع الجلوس ، وليس بمعتبر في تحقق هذا
الخيار ، بل المعتبر فيه مكان العقد مطلقا ، أو في معناه والأصل فيه قول النبي صلىاللهعليهوآله «البيعان بالخيار ما لم يفترقا». وهو أوضح دلالة من عبارة الفقهاء. انتهى.
أقول : والظاهر
ان التسمية خرجت بناء على ما هو الغالب من وقوع ذلك حال الجلوس ، والاستقرار في
مكان ، وباب التجوز في مثله واسع ، وهو ثابت للمتبايعين ـ سواء كانا مالكين ، أو
وكيلين ، أو متفرقين ـ بعد انعقاد البيع بالإيجاب والقبول.
__________________
ويدل عليه ـ زيادة
على الاتفاق ـ الأخبار المتضافرة :
منها ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبى جعفر عليهالسلام» قال : سمعته يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : البيعان بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار
ثلاثة أيام الحديث».
ورواه المشايخ
الثلاثة بسند آخر عن زرارة عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له : الرجل يشترى المتاع» الحديث. الى آخر
ما نقلناه منه ، وسيأتي إنشاء الله تعالى.
وروى في الكافي
عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار
ثلاثة أيام».
وروى في الكافي
والتهذيب في الصحيح عن الفضيل وهو ابن يسار ـ عن الصادق عليهالسلام» قال : قلت : ما الشرط في الحيوان؟ فقال : إلى ثلاثة
أيام للمشتري ، قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟ قال : «البيعان بالخيار ما لم
يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد
__________________
الرضا منهما».
وروى المشايخ
الثلاثة عن الحلبي في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى
يفترقا ، فإذا افترقا وجب البيع».
وزاد في الكافي
والتهذيب قال : وقال أبو عبد الله عليهالسلام : أن أبي اشترى أرضا يقال لها : العريض ، فلما استوجبها
قام فمضى ، فقلت يا أبت عجلت بالقيام ، فقال : يا بني إني أردت أن يجب البيع».
وروى في الكافي
عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : بايعت رجلا ، فلما بعته قمت فمشيت خطأ ، ثم رجعت
الى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا».
وأما ما رواه الشيخ
عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهالسلام» قال : قال علي عليهالسلام : إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وان لم يفترقا». فقد
أجاب الشيخ عنه في الاستبصار بالبعيد ، والأظهر حمله اما على أن المراد بالصفقة
على البيع يعني إمضاء البيع والتزامه والرضا به ، كما سيأتي ـ إنشاء الله ـ ذكره
في مسقطات الخيار ، أو على التقية ، وهو الأقرب ، فإنه مذهب أبي حنيفة.
وقد نقل عنه ،
أنه رد على رسول الله صلىاللهعليهوآله في أربعمائة حديث.
منها حديث «البيعان
بالخيار ما لم يفترقا». نقله عنه الزمخشري في كتاب ربيع
__________________
الأبرار مع أنه حنفي المذهب.
وقد نقلنا جملة
من هذه الأحاديث التي رد بها على النبي صلىاللهعليهوآله في مطاعنه ، في مقدمة كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن
ابى الحديد بنقل ابن الجوزي من علمائهم ويؤيد ذلك أن الراوي عامي.
وبالجملة فهو
على ظاهره غير معمول عليه في مقابلة هذه الاخبار التي سردناها ، المؤيدة باتفاق
الطائفة المحققة على الحكم المذكور ، وإطلاق الاخبار المذكورة شامل لما قدمنا ذكره
من كون المتبايعين مالكين أو وكيلين أو بالتفريق ، لصدق البيعان على الجميع ، وهما
من وقع منهما الإيجاب والقبول.
ثم ان العلامة
في التذكرة ومن تأخر عنه ، ذكروا أن مسقطات الخيار في هذا المقام أربعة.
أحدها ـ اشتراط
سقوطه في العقد ، ولا خلاف فيه بين الأصحاب رضياللهعنهم ، ويدل عليه الاخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشروط إلا شرطا حرم حلالا ،
أو حلل حراما ، انما الخلاف فيما لو شرطاه قبل العقد.
قال في الخلاف
: «مسألة : إذا شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد صح الشرط ، ولزم
العقد بنفس الإيجاب والقبول ، ثم نقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي ، ثم قال :
دليلنا أنه لا مانع من هذا الشرط ، والأصل جوازه ، وعموم الاخبار في جواز الشرط
يتناول هذا الموضع انتهى.
وقال في
المختلف بعد نقل ذلك عنه : وعندي في ذلك نظر ، لان الشرط انما يعتبر حكمه لو وقع
في متن العقد ، نعم لو شرطا قبل العقد ، وتبايعا على ذلك الشرط صح ما شرطاه.
انتهى.
__________________
أقول : الظاهر
أن كلام الشيخ ـ رحمهالله ـ لا يخرج عما ذكره أخيرا بقوله «نعم» وانما مراده ذلك
، ولو شرط أحدهما خاصة سقط خياره وحده.
وثانيها ـ إيجابهما
العقد بعد وقوعه ، والتزامهما به بأن يقولا : تخايرنا ، أو اخترنا إمضاء العقد ،
أو أمضينا العقد أو التزمنا به ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى ،
ونقل عليه في التذكرة الإجماع.
ولقائل أن يقول
: انه حيث لا نص على ما ذكروه هنا ، وقد عرفت أن مقتضى العقد اللزوم كما تقدم ذكره
في صدر البحث ، وهذا الكلام من قولهما اخترنا أو أمضينا لا يدل على أزيد مما دل
عليه العقد بمقتضاه ، وان كان ذلك مؤكدا لما دل عليه العقد من اللزوم ، والروايات
دلت على انهما ـ بعد هذا العقد مؤكدا أو خاليا من التأكيد ـ لهما الخيار الى أن
يفترقا ، فيصدق هنا أن لهما الخيار ، وان قالا ما قالاه من هذه الألفاظ ، الا أن
يقال : ان هذه الألفاظ في قوة اشتراط سقوط الخيار ، فيرجع الى الأول.
وبالجملة فإن
باب المناقشة غير مسدود فيما ذكروه هنا.
ثم انهم ذكروا
أنه لو اختار أحدهما ورضى الأخر ، فهو في حكم الاختيار أيضا ، إذ لا يختص بلفظ ،
بل كل ما دل على التراضي فهو كاف ، ولو أوجبه أحدهما خاصة سقط خياره ، ولو وقع ذلك
في العقد ، فالظاهر أنه من قبيل الشروط التي دلت الاخبار على وجوب الوفاء بها ،
وقبله يبنى على ما تقدم في المسقط الأول.
ولو خير أحدهما
صاحبه فسكت ، فلا خلاف في بقاء خيار الساكت ، وأما المخير فالمشهور أيضا بقاء
خياره ، وهو قول الخلاف والمبسوط ، ووجهه أنه لم يحصل منه ما يدل على سقوط الخيار
، ومجرد تخييره صاحبه لا يدل على الإمساك بشيء من الدلالات الثلاث.
ونقل عن الشيخ
أيضا القول بسقوط خياره ، استنادا الى ما روى عن النبي
صلىاللهعليهوآله بعد قوله ما لم يفترقا «أو يقل أحدهما لصاحبه اختر». ورد
بعدم ثبوت هذه الزيادة في أخبارنا.
وأجاب العلامة
في المختلف بعد تسليم صحة الخبر ، بأنه خيره فاختار.
وفي هذا الجواب
ما لا يخفى ، إذ لا يخفى أن محل الكلام انما هو المخير بصيغة اسم الفاعل ، وان
تخييره لصاحبه يدل على اختياره الإمساك ، وظاهر كلامه أن الذي اختار انما هو
المخبر بصيغة اسم المفعول وهو ليس محل البحث ، وبالجملة فالحديث غير ثابت في
أخبارنا فلا حجة فيه.
ثالثها :
التصرف ، فان كان من البائع في المبيع فهو فسخ منه المعقد ، فيبطل البيع ، ويبطل
خيارهما ، وان كان من المشترى في المبيع فهو التزام بالبيع ، ويبطل خياره ، ويبقى
خيار البائع ، وان كان التصرف في الثمن فالظاهر أن الأمر بالعكس ، ولو كان التصرف
من المشترى في المبيع ومن البائع في الثمن فهو التزام بصحة البيع ، وبالعكس التزام
ببطلانه ، ولو تصرفا في المبيع أو الثمن فظاهر كلامهم أنه يقدم من تصرفه فسخ ، فلو
تصرفا في المبيع قدم تصرف البائع ، وفي الثمن قدم تصرف المشترى.
وهكذا لو فسخ
أحدهما وأجاز الأخر قدم الفاسخ ، وان تأخر عن الإجازة ، لأن إثبات الخيار انما قصد
به التمكن من الفسخ ، دون الإجازة لأصالتها ، وكذا يقدم الفاسخ على المجيز : في كل
خيار مشترك ، لاشتراك الجميع في العلة المذكورة ،.
قال في التذكرة
: «لو اختار أحدهما الإمضاء والأخر الفسخ قدم الفسخ على الإجازة ، إذ لا يمكن
الجمع ، ولا انتفاؤهما ، لاشتماله على الجمع بين النقيضين ، فيتعين تقدم أحدهما ،
لكن الذي اختار الإمضاء قد دخل في عقد ينفسخ باختيار صاحبه الفسخ ، ورضي به ، فلا
أثر لرضاه به لازما بعد ذلك. انتهى.
__________________
قيل : والمراد
من التصرف هنا : ما هو أعم من الناقل وغيره ، وأكثر عبارات الأصحاب انما اشتملت
على التصرف بقول مطلق ، ولهذا ان ظاهر المحقق الأردبيلي ـ هنا ـ المناقشة في ذلك ،
بل في أصل الحكم حيث لم يرد به دليل في النصوص ، حيث قال : ثم ان المراد بالتصرف
غير ظاهر ، وهل هو اللازم والمخرج عن الملك أو أعم فهو مجمل ، وكذا دليله ايضا غير
واضح ، إذ مجرد التصرف في المبيع مثلا لا يدل على الفسخ من جانب البائع ، إذ قد
يكون سهوا أو لغرض آخر مباح أو حرام.
وبالجملة انه
أعم ، الا أن تدل قرينة ، ومع ذلك قد لا يكون الفعل كافيا في اختيار الفسخ ،
ويحتاج الى اللفظ فتأمل انتهى.
وبالجملة فإن
جملة من شقوق المسألة لا تخلو من الاشكال ، سيما لو وقع التصرف الناقل للمبيع من
المشتري مع بقاء خيار البائع كما نبه عليه في المسالك .
ورابعها ـ التفرق
بمعنى مفارقة كل منهما صاحبه ، ويصدق بانتقال أحدهما من مكانه بحيث يبعد عن صاحبه
، ولا يشترط القيام والمشي خطأ ، وان كان أظهر في التفرق كما دلت عليه جملة من
الاخبار المتقدمة ولو قاما مصطحبين بحيث لم يحصل التباعد بينهما زيادة على حال
العقد ، فالخيار باق ، لعدم حصول الافتراق.
وكذا لو ضرب
بينهما بستر رقيق كالثوب ونحوه أو غليظ كالجدار أو مانع من الاجتماع كالنهر العظيم
لم يمنع الخيار لعدم صدق الافتراق بشيء من ذلك الذي هو كما عرفت عبارة عن التباعد
عن الحد الذي كانا عليه وقت العقد خلافا لبعض العامة هنا حيث أسقط به الخيار.
وكذا لو أكرها
على التفرق فإنه لا يسقط الخيار ، والوجه فيه أن الذي دلت الاخبار على كونه مسقطا
انما هو التفرق الذي هو فعل اختياري لهما ، والتفريق بينهما قهرا ليس كذلك ، فلا
يكون داخلا تحت النص.
وبذلك يظهر أن
ما ذكره في الكفاية بقوله ولا أعلم نصا في هذا الباب وكذا
__________________
قول المحقق الأردبيلي ـ وقيد المفارقة المسقطة بالاختيار وما رأيت له دليلا
في النص ، ولعل وجهه ما يتخيل أن الفعل الجبري بمنزلة العدم ، فإنه ما فعله باختياره
فكأنه بعد باق في محله خصوصا إذا كان عارفا بالمسألة وأراد الجلوس لعله يظهر له
وجه يدل على مصلحته في هذا العقد. انتهى ـ غير موجه.
وفيه ما عرفت
من أن النص الموجب لسقوط الخيار هو الافتراق والتفرق ، الظاهر في كونهما باختيار
المكلف وإرادته ، وهذا هو الذي يناسب الإسقاط بأن يفعل ذلك لأجل إسقاط الخيار كما
سمعت من أخبار مولانا الباقر عليهالسلام.
وأما الجبر على
التفرق فلا يدخل تحت إطلاق اللفظين المذكورين ، ولا يصح كونه سببا للغرض المترتب
على ذلك.
وبالجملة فإن
كلام هذين الفاضلين عندي غير ظاهر.
واعلم أن
الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ عبروا هنا بأنه لو أكرها على التفرق ولم يتمكنا من
التخاير ـ بمعنى اختيار العقد والبقاء عليه ، وهو المسقط الثاني الذي قدمناه ،
ويتحقق الإكراه بمنعهما من الكلام فعلا بسد أفواههما أو تهديد ، فإنه ـ لا يسقط
خيارهما حينئذ بالتفرق ، بل لهما الفسخ عند زوال المانع لكن هل يعتبر في مجلس
الزوال ، أو يكون الخيار على الفور ، وجهان : وكذا لو أخرج أحدهما كرها ومنع ،
فالحكم فيه كذلك.
وفيه ان عدم
التمكن من التخاير بمعنى اختيار العقد ، لا يدخل تحت العقد ، لان التزام العقد
واختيار البقاء عليه لا يتوقف على الكلام. بل لو تفرقا ساكتين حصل اللزوم فيه ،
وانما يتوقف على الكلام الفسخ ، فيكون الإكراه والمنع من الكلام بسد أفواههما أو
تهديدهما هو المعتبر فيه ، لا في التخاير بالمعنى المذكور ، الا أن يراد بالتخاير
الكناية عن الفسخ ، والاختيار ، وعبائرهم لا تساعد عليه.
والمفهوم من
كلام الأصحاب ـ وهو الظاهر من الاخبار المتقدمة ـ ثبوت هذا
الحكم لمن أوقع العقد مالكا كان أو وكيلا ، ويثبت للوكيل بمجرد التوكيل على
العقد ، لانه من توابع العقد قيل : ولا يبعد ثبوت الخيار للمالك على تقدير كون
العاقد وكيله ، لان يده يد الموكل.
وفيه اشكال ،
لخروجه عن ظواهر الاخبار ، وعدم صدق البائع والمشترى عليه ، وهي قد ناطت الحكم
المزبور بالبيعين ، يعنى من وقع منهما عقد البيع والشراء.
قال في التذكرة
على ما نقل عنه : لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان ، فالأقرب تعلق الخيار
بهما و «بالموكلين جميعا ، وإلا فبالموكلين» وفيه ما عرفت من الخروج عن ظواهر
النصوص.
وهل يثبت
الافتراق بموت أحدهما أو جنون أحدهما أو الإغماء عليه أم لا؟ صرح بالثاني في
الدروس فقال : «ولو مات أحدهما ، أو ماتا فللوارث أو الولي ، ولو جن أو أغمي عليه
فللولي» وهو صريح في ثبوت الخيار للوارث والولي ، لعدم تحقق الافتراق بذلك ،
واحتمل في القواعد سقوط الخيار وثبوته ، وعلل الأول بأن مفارقة الدنيا أولى من
مفارقة المجلس ، فيسقط بطريق أولى.
ورده المحقق
الشيخ علي في شرح القواعد بمنع الأولوية قال : فان المراد من الافتراق التباعد في
المكان ، وهو انما يكون في الجسم ، فلا يعقل ارادة الروح ، ثم ان المحقق المذكور
اختار الثبوت تمسكا بالاستصحاب ، لان ثبوته معلوم بالعقد ، والمسقط غير متيقن.
انتهى.
وفي الاعتماد
على هذا الاستصحاب نظر تقدم ذكره في مقدمة الاستصحاب من مقدمات كتاب الطهارة وظاهر المحقق الأردبيلي التوقف في ذلك ، لعدم صدق
البائع والمشترى في الاخبار عليهم.
__________________
أقول : والحكم
محل اشكال لعدم الدليل الواضح في ذلك.
تنبيهات
الأول ـ قد
صرحوا بأنه لو كان العاقد واحدا عن اثنين ، ففيه احتمالات ثلاثة : الأول : ثبوت
الخيار ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزمه عنهما ، أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على
قول ، وهو ظاهر الشرائع والقواعد.
الثاني ـ ثبوته
دائما ما لم يلتزماه أو يشترطا سقوطه ، ونقل عن التذكرة ، وهو ظاهر اختيار الدروس.
الثالث ـ عدم
ثبوت الخيار أصلا ، واختاره بعض فضلاء متأخر المتأخرين ، والظاهر أنه الأقرب.
وتفصيل هذه
الجملة هو أن الواحد عاقد عن اثنين يشمل ما لو كان العاقد وليا شرعيا يبيع ماله من
ولده ، أو بالعكس ، أو مال ولديه أحدهما على الأخر ، ويشمل ما لو كان وكيلا عن
المتبايعين ، وكما لو كان أحد المتبايعين وكيلا عن الآخر وفي دخول هذا الفرد تحت العبارة المذكورة ما لا يخفى ، وما قيل من أنه يصدق
أيضا من أن الواحد عاقد عن اثنين وقائم مقامهما وان كان هو أحدهما لا يخلو من
خفاء.
ولهذا ان
المحقق الشيخ على (رحمة الله عليه) في شرح القواعد اعترض على عبارة المصنف ، وهي
مثل هذه العبارة فقال : واعلم ان في قوله : العاقد عن اثنين مناقشة ، لأن العاقد
عن واحد مع نفسه يخرج من العبارة ، ولا وجه لإخراجه بل ينبغي إدراجه ، فيكون الحكم
واردا عليهما. انتهى.
والخيار
المحكوم بثبوته أعم من كونه لذلك العاقد ولو بالولاية ، كما لو كان
__________________
أبا أو جدا يبيع من نفسه ، فان له الخيار وللطفل ، وله مراعاة الجانبين ،
لكن في الطفل يراعى المصلحة ـ أو كونه لغير العاقد ، كما لو كان وكيلا في العقد
خاصة ، فإن الخيار للموكلين ، لا له ان قلنا به ، وقولهم : ما لم يشترط سقوطه أو
يلتزم به عنهما انما يتم فيمن له الاشتراط والالتزام كالأب والجد ، وأما لو كان
وكيلا في إيقاع العقد خاصة لم يكن له ذلك ، ولو أريد العموم كان المراد ما لم
يشترط أو يلتزم حيث يكون له ذلك.
وكيف كان
فالالتزام عنهما لا يدخل فيه ما لو كان هو أحدهما إلا بتكلف شديد.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنهم ذكروا أن الوجه في الاحتمال الأول بالنسبة إلى مفارقة المجلس ان
المعتبر في سقوط خيار المتبايعين مفارقة أحدهما مجلس العقد ولما كان ذلك متعذرا
هنا ـ لان الواحد لا يفارق نفسه ـ اعتبر فيه التمكن ، وهو مفارقته مجلس العقد ،
لانه مشبه بمفارقة أحد المتعاقدين ، وأصل هذا القول نقله في المبسوط بلفظ قيل ولم
يذكر قائله ووجهه ما ذكر.
ورد هذا
التوجيه جملة من المتأخرين بأن الواقع في الاخبار هو الافتراق ، لا مفارقة المجلس
، فلو فارقاه مصطحبين لم يبطل خيارهما ـ كما تقدم ذكره ـ وان بقيا مدة طويلة. وهو
جيد.
وأما الوجه في
الاحتمال الثاني ـ وهو بقاء الخيار ، وانما يسقط بالالتزام بعد
__________________
العقد ، أو اشتراط السقوط ـ فهو ان ظاهر قولهم (عليهمالسلام) «البيعان بالخيار» يعم البائعين بوكيلهما أو وليهما
فيثبت في الصورة المذكورة : وأما قولهم (عليهمالسلام) «ما لم يفترقا» فهو محمول على ارادة السلب ، بمعنى أن
الخيار ثابت ما لم يحصل افتراق ، وهنا لم يحصل افتراق ، لعدم ما يحصل به الافتراق
، وهو التعدد : ومع كونه محتملا لعدم الملكة ـ أي عدم الافتراق عما شأنه الافتراق
ـ فيبطل الخيار هنا بناء على هذا الاحتمال ، فإنه يمكن ان يقال : ان صدر الخبر وهو
قوله «البيعان بالخيار» دل على ثبوت الخيار ، فيثبت الخيار بذلك ويحصل الشك في
المسقط بناء على الاحتمالين المذكورين ، فيجب استصحاب الحكم الأول الى ان يثبت
المزيل.
قال في الدروس
والعاقد عن اثنين له الخيار ويبطل كلما يبطل به خيار المتعاقدين ، وهو ظاهر في
اختيار هذا الاحتمال.
وأما الوجه في
الاحتمال الثالث ـ وهو عدم ثبوته أصلا ـ فلان ظاهر الاخبار المتقدمة هو المغايرة
بين المتعاقدين والتعدد فيها ، ودعوى عموم ذلك الوكيل أو الولي عن اثنين خروج عن
ظاهر اللفظ ، ومع تسليمه فإن الإطلاقات في الاخبار انما تحمل على الأفراد الشائعة
المتكررة ، وهي المتبادرة عند الإطلاق ، كما قرروه في غير موضع.
وما أورده على
ذلك القول ـ الذي نقله الشيخ في المبسوط ، وضعفوه به ـ وارد عليهم في هذا المقام ،
وأنه ان وجب الوقوف على ظاهر النص ففي الموضعين ، وان قيل بالتخريج والتحمل في
التأويل والخروج عن الظاهر ، فلا معنى لردهم ذلك القول ، كما لا يخفى على المنصف.
وأما ما ذكروه
في قوله «ما لم يفترقا» من احتمال الحمل على السلب فلا يخلو من مسامحة ، فإن
المتبادر من هذه العبارة بالنظر الى صدر الخبر هو توجه النفي إلى القيد خاصة دون
المقيد. وهم قد صرحوا في محاوراتهم في هذا البحث بأن
معناه أن المتبايعين بالخيار ما لم يفارق أحدهما الآخر ، ويحصل البعد
بينهما بما يزيد على وقت العقد ، فالمنفي انما هو الافتراق ، دون من يترتب عليه
الافتراق ، وهما البيعان ، ومبنى كلامهم المتقدم انما يتم على رجوع النفي إلى
القيد والمقيد ، وهو خلاف ظاهر سياق الخبر كما عرفت.
ويؤيد ما
ذكرناه ـ ما قدمنا ذكره ـ من أن مقتضى العقد اللزوم كتابا وسنة ، وإثبات الخيار
الموجب للخروج عن ذلك يحتاج الى دليل واضح ، والركون الى هذه التعليلات العليلة
وبناء الأحكام الشرعية عليها مجازفة ظاهرة.
وبذلك يظهر
رجحان وجه المذكور وأنه لا خيار في هذه الصورة ، واليه يميل كلام المحقق الأردبيلي
في شرح الإرشاد والفاضل الخراساني في الكفاية.
وبالتوقف في
هذه المسألة من أصلها صرح شيخنا المحقق الشيخ على في شرح القواعد ، حيث قال بعد
البحث في المسألة : وانا في المسألة من المتوقفين وهو في محله ، واليه يميل كلام
المسالك ، الا أنه قال بعد ذلك «والأوسط أوسط»
الثاني ـ المشهور
في كلام الأصحاب أنه لو اشترى من ينعتق عليه كالأب والابن ونحوهما فإنه لا خيار
للمشتري ، والظاهر أن الوجه فيه الترجيح لأدلة العتق الدالة على أن من اشترى أباه
مثلا فإنه ينعتق عليه ، فلا خيار له بأن يجعله رقا بعد أن صار معتقا ، ولانه لم
يعهد من الشارع عود المعتق رقا.
وربما قيل
باحتمال عدم الملك في زمن الخيار ، وفيه ما تقدم من أن مقتضى العقد اللزوم ،
فالعقد مملك ومتى ثبت الملك ترتب عليه الانعتاق : والى القول بذلك يميل كلام
المحقق الأردبيلي «قدسسره» في شرح الإرشاد ، وكذا ظاهرهم أيضا أنه لا خيار للبائع
، خصوصا مع علمه بانعتاقه على المشترى.
واليه يميل
أيضا كلام المحقق المشار اليه قال بعد الكلام في المسألة : «ولعل ترجيح العتق الذي
يرجح عندهم بأدنى شيء لا يبعد عملا بمقتضى العقد من غير لزوم محذور
الا تخصيص دليل الخيار على تقدير القول بعمومه ، على أن في عمومه تأملا
فتأمل. ولا إجماع حتى يلزم خلافه ، بل تخصيصه أيضا.
أقول :
والتحقيق هنا هو أنه قد تقابل إطلاق الاخبار الدالة على العتق في مثل هذه الصورة ،
وإطلاق الاخبار الدالة على خيار المجلس هنا ، وتخصيص أحد الإطلاقين بالآخر يحتاج
الى دليل واضح ، وليس فليس ، والركون الى هذه الاحتمالات المذكورة الناشئة عن مجرد
الدعوى ليس بشيء في مقام التحقيق.
هذا بالنسبة
إلى المشترى وأما بالنسبة إلى البائع فلا أعرف لهم حجة واضحة في إسقاط خياره ، وبه
يعظم الإشكال في هذا المجال.
قال : في الدروس
: أسقط الفاضل الخيار في شراء القريب ، أما المشتري فلعتقه عليه ، ولأنه وسن نفسه
على الغبن ، إذ المراد به العتق ، وأما البائع فلما ذكر ولتغليب العتق ، ويحتمل
ثبوت الخيار لهما بناء على أن الملك نافذ بانقضاء الخيار وثبوته للبائع ، لأن نفوذ
العتق لا يزيل حقه السابق ، وحينئذ يمكن وقوف العتق ونفوذه فيغرم المشتري القيمة
لو فسخ البائع ويجرى مجرى التلف الذي لا يمنع من الخيار ، انتهى.
وظاهره التوقف
في المسألة حيث نسب الإسقاط إلى الفاضل ، وأردفه بهذا الاحتمال الذي جمد عليه ،
ولم يتعرض للقدح فيه.
وحاصل معنى ما
ذكره تخصيص أدلة العتق بأدلة الخيار ، بأن يقال : انه يحتمل ثبوت الخيار لهما بناء
على ان الانعتاق يتوقف على الملك ، والملك النافذ الذي يترتب عليه العتق انما يحصل
بانقضاء الخيار ، وإسقاطه بأحد المسقطات المتقدمة منهما معا.
ويحتمل ثبوت
الخيار للبائع خاصة ، أما المشتري فإنه ينعتق عليه بمجرد
الشراء وانعتاقه على المشترى لا يزيل حق البائع الحاصل بمجرد العقد السابق
على الانعتاق ، وحينئذ يمكن وقوف العتق على انقضاء الخيار كما هو الاحتمال الأول ،
ويمكن نفوذه بناء على الاحتمال الثاني بأن ينعتق على المشترى ويبقى خيار البائع ،
فإن اختار الفسخ فليس له تسلط على العبد لانعتاقه وانما يرجع بقيمته اجراء للعبد
هنا مجرى المبيع التالف.
ومن ذلك يظهر
لك أن المسألة محل توقف واشكال ومنشأ الاشكال ما عرفت من تعارض اخبار العتق وإطلاق
أخبار الخيار.
وظاهر الأصحاب
إبقاء أخبار العتق على إطلاقها ، وتخصيص اخبار الخيار بها ، فخيار المجلس عندهم
ثابت إلا في هذا الموضع.
وظاهر الاحتمال
الذي ذكره شيخنا المذكور العكس ، ولا أعرف مرجحا لأحد الطرفين. وبه يظهر الاشكال.
والله سبحانه وأولياؤه العالمون بحقيقة الحال.
الثالث ـ قد
صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان هذا الخيار مختص بالبيع بجميع
أنواعه إلا ما عرفت مما وقع فيه الاشكال والخلاف ولا يثبت في غير البيع من عقود
المعاوضات ، وان قام مقام البيع كالصلح ، ووجهه ظاهر لأن الاخبار انما وردت في
البيع ، وحمل غيره عليه قياس لا يوافق أصول المذهب.
ونقل عن الشيخ
في المبسوط أنه أثبته في العقود الجائزة ، مثل الوكالة والمضاربة والوديعة.
ورد بأنه غير
جيد ، لان العقود الجائزة يصح فسخها في المجلس وبعده ، فلا معنى لإثبات خيار
المجلس فيها. وهو جيد.
الرابع ـ قال
في الدروس : ويثبت في بيع خيار الرؤية ، ولا يمنعه اجتماع الخيارين ، وكذا بيع
خيار الشرط والحيوان ، وكذا يثبت في بيع الصرف تقابضا
أولا ، فإن التزما به قبل القبض وجب على القابل ، فلو هرب أحدهما عصى ،
وانفسخ العقد ، ولو هرب قبل الالتزام فلا معصية ، ويحتسل قويا عدم العصيان مطلقا ،
لان للقبض مدخلية في اللزوم فله تركه.
الخامس ـ قال
أيضا في الكتاب المذكور : لو تنازعا في التفرق حلف المنكر ولو تنازعا في الفسخ
وكانا قد تفرقا قدم منكره ، ولو قال أحدهما ، تفرقنا قبل الفسخ ، وقال الأخر :
فسخنا قبل التفرق احتمل تقديم الأول لأصالة بقاء العقد ، وتقديم الثاني ، لأنه
يوافقه عليه ويدعى فساده والأصل صحته ، ولان الفسخ فعله انتهى.
وروى الشيخ عن
الحسين بن عمر بن يزيد عن أبيه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إذا التاجران صدقا بورك لهما ، فإذا كذبا وخانا لم
يبارك لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا ، فان اختلفا فالقول قول رب السلعة أو
يتتاركا».
السادس ـ قال :
لو تناديا بالعقد على بعد مفرط صح العقد ولهما الخيار على الأقوى وان تقاربا
بالتنقل ، ووجه عدم الخيار انه لا يجمعهما مجلس عرفا.
الثاني خيار الحيوان
والشرط فيه
ثلاثة أيام والمشهوران الخيار للمشتري خاصة ، وعن المرتضى ثبوته للبائع أيضا ويظهر
من المسالك ترجيحه وكذا من المحدث الكاشاني في المفاتيح.
__________________
وقيل بثبوته
لهما فيما لو كان الثمن حيوانا ، ونفى عنه البعد المحقق الشيخ على في شرح القواعد
قال : لان فيه جمعا بين الاخبار الا انه استوجه العمل بالمشهور ، ونقل عن ابى
الصلاح انه ذهب الى ثبوت الخيار في الإماء مدة الاستبراء.
واستدل للقول
المشهور بصحيحة الفضيل وقد تقدمت في روايات خيار المجلس : وموثقة الحسن بن على
بن فضال قال : «سمعت أبا الحسن على بن موسى الرضا (عليهالسلام) يقول : صاحب الحيوان المشترى بالخيار ثلاثة أيام».
ورواية على بن
أسباط عن ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : الخيار في الحيوان ثلاثة أيام
للمشتري» الحديث.
وصحيحة الحلبي
المروية في الفقيه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري ، فهو
بالخيار إن اشترط أو لم يشترط». ورواه الشيخ أيضا في الصحيح عن الحلبي مثله.
وصحيحة ابن
رئاب عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو
لم يشترط» الحديث.
وفي الكفاية
ادعى دلالة صحيحة زرارة وصحيحة محمد بن مسلم على هذا القول ـ فإن أراد بهما الروايتين الآتيتين ـ في
أدلة المرتضى (رضى الله عنه) ـ فهما بالدلالة على خلاف ما يدعيه أشبه ، والا فليس
في الباب سواهما ، وهذه روايات
__________________
المسألة قد استوفيناها فيما ذكرنا وما يأتي في المقام إنشاء الله تعالى.
أقول : ويدل
عليه ـ بأصرح دلالة لا تقبل التأويل ـ ما رواه الثقة الجليل عبد الله ابن جعفر
الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله وأحمد ابني محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب
عن على بن رئاب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ للمشتري أو للبائع أو
لهما كلاهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة ، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد
وجب الشراء».
والحديث ـ مع
صحة سنده ـ صريح الدلالة على القول المذكور.
واستدل للمرتضى
ـ بصحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وما
سوى ذلك من بيع حتى يفترقا».
ويدل عليه ـ أيضا
ـ صحيحة زرارة عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) البيعان بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان ثلاثة
أيام».
ونحوه عن محمد
بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن ابى عبد الله (عليهالسلام) والتقريب في الخبرين الأخيرين أن المتبادر من صاحب
الحيوان هو البائع ، ويخدشه أن موثقة الحسن بن على بن فضال قد فسرت صاحب الحيوان
هنا بأنه المشترى ، وهو الأقرب ، لأن ظاهر هذه العبارة تدل على انحصار الخيار فيه
، ولا قائل بانحصار الخيار في البائع ، وبالحمل على المشترى يصح الانحصار ، بناء
على القول المشهور والمؤيد المنصور.
قال في المسالك
بعد قول المصنف «والشرط فيه كله ثلاثة أيام للمشتري خاصة دون البائع على الأظهر» :
ما صورته : «نبه بالأظهر على خلاف المرتضى (رضوان الله عليه) ـ حيث ذهب الى أن
الخيار لهما ، وصحيحة محمد بن مسلم
__________________
عن الصادق عليهالسلام قال : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان». صريحة
الدلالة على ما يدعيه.
وما تقدم في
صحيحة الحلبي من إثبات خياره للمشتري غير مناف لثبوته للبائع الأمن حيث المفهوم
المخالف وهو ضعيف ، فالقول به في غاية القوة ان لم يثبت إجماع على خلافه : وحملت
الرواية على ما لو باع حيوانا بحيوان ـ وهو تخصيص بغير مخصص ـ وعلى أن الخيار
للمشتري وعلى البائع ، فهو بالنسبة إليهما مدة ثلاثة أيام.
ويضعف بان
مقتضى الخبر كونه لهما كما في قوله «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» وعلى ان الخيار
للمجموع من حيث هو مجموع فلا يدل على ثبوته للافراد وفيه ما مر.
وفي الدروس
الشهرة بل الإجماع على خلافه ، وهو يؤذن بدعوى الإجماع ، فإن ثبت فهو الحجة ، والا
فلا. انتهى.
أقول : لا يخفى
أن ما ذكروه ان سلم في روايات المسألة ـ المشهورة في كلامهم الا انه لا يجري في
صحيحة ابن رئاب التي قدمنا نقلها عن قرب الاسناد ، فإنها صريحة في
القول المذكور ، وبها يتأيد ذلك المفهوم الذي دلت عليه تلك الأخبار العديدة.
على أن لقائل
أن يقول : انه وان كان المفهوم ـ كما ذكره ـ ليس بحجة الا ان سوق الكلام في جملة
من الاخبار المذكورة تدل على إرادته واعتباره هنا ، مثل قولهما (عليهمالسلام) في صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم «البيعان بالخيار ما لم
يفترقا وصاحب الحيوان ثلاثة أيام». ونحوهما صحيحة الفضيل المتقدمة في خيار المجلس.
والتقريب في
الجميع أنه لو كان الخيار لهما في الحيوان ـ كما هو المدعى ـ لما كان لتخصيص
أحدهما به وجه ـ بعد أن ذكر الخيار لهما في غيره ـ ويفصل في المقام ، بل ينبغي أن
يقول هما بالخيار في كل من الموضعين.
ويؤيد القول
المشهور ان الظاهر ان وجه الحكمة في هذا الخيار أن الحيوان
__________________
مظنة للعيوب ، وهي قد تخفى كثيرا ولا تظهر غالبا ، وايضا قد يتعلق به أغراض
لا يمكن الاطلاع عليها الا بالاختبار ومرور الأيام ، فضرب الشارع للمشتري هذه
المدة لإمكان ظهور عيب خفي فيها ، وهذه الحكمة لا يظهر وجهها بالنسبة إلى البائع
المطلع على عيوب حيوانه ، فلا يكون الخيار مشروعا في حقه لانتفاء وجه الحكمة.
ويؤيده أيضا ـ ما
قدمنا ذكره ـ من أن مقتضى العقد كتابا وسنة اللزوم من الجانبين حتى يقوم دليل على
خلافه.
وبالجملة فإن
العمدة في رد القول المزبور ـ انما هي صحيحة ابن رئاب المروية في قرب الاسناد
الغير القابل للتأويل بوجه من الوجوه ، وان كانت جميع هذه الوجوه مؤيدة لذلك. ومن
ذلك يعلم أنه يجب جعل التأويل في جانب صحيحة محمد بن مسلم المذكورة بالحمل على أحد
المحامل المتقدمة التي أقربها الحمل على ما لو باع حيوانا بحيوان.
وقول شيخنا المتقدم
ـ بأنه تخصيص بغير مخصص ـ مدفوع بأن ضرورة الجمع بين الاخبار أوجب التخصيص. على
أنه قد اختار القول بذلك ، وجعله وجه جمع بين الاخبار ، كما سيأتي في كلامه إنشاء
الله تعالى. وأما ما عداها مما ظاهره ذلك أيضا فقد عرفت الجواب عنه.
واحتمل في
الوسائل حملها على التقية ، ولعله الأقرب ـ وان كان لا يحضرني الان مذهب العامة في
هذه المسألة ـ لما عرفت في مقدمات كتاب الطهارة ـ من ان الحمل على التقية لا يتوقف على وجود القائل
بذلك منهم ، فإنه لما كان الأصحاب سلفا وخلفا ـ سوى المرتضى (رضى الله عنه) ـ على
هذا القول المشهور ، وأخبارهم كما عرفت متظافرة به ، فإنه يعلم بذلك كونه مذهب
الأئمة (عليهمالسلام) وليس لما خالف ذلك ـ مما ورد عنهم ـ محمل غير التقية.
__________________
ومن روايات ـ المسألة
ـ المؤيدة للقول المشهور ـ أيضا زيادة على ما قدمناه ـ ما رواه في الكافي والتهذيب
في الصحيح عن ابن سنان والظاهر أنه عبد الله ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط الى يوم أو
يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : على
البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري» .
وزاد في
التهذيب «شرط له البائع أو لم يشترط قال وان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في
يد المشترى قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع».
ورواه في
الفقيه مرسلا كما في الكافي. الا انه قال : «لا ضمان على المبتاع حتى
ينقضي الشرط ويصير المبيع له» .
والعجب من
المرتضى ـ (رضوان الله عليه) ـ المانع من العمل باخبار الآحاد والدائر في أقوله
مدار الإجماع ـ كيف اعتمد على هذا الخبر في هذا المقام مع مخالفته الأخبار الكثيرة
المعتضدة بالشهرة بل الإجماع المدعى في المقام ، والظاهر أن دليله شيء آخر غير
الخبر من الأمور العقلية كما هي قاعدته ، فان تعلقه بالاخبار نادر جدا.
__________________
وبالجملة
فالمعتمد هو القول المشهور. والله العالم. وتحقيق البحث في المقام يتم برسم مسائل.
الأولى ـ لم
نقف لأبي الصلاح فيما ذهب اليه من ثبوت الخيار في الإماء مدة الاستبراء على دليل ،
وظاهر اخبار ـ المسألة ـ المتقدمة يرده ، مثل قوله (عليهالسلام) في صحيحة الحلبي المتقدمة «الخيار في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام
للمشتري». وقوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن رئاب «الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري ، اشترط
أو لم يشترط».
وأظهر من جميع
ذلك صحيحة على بن رئاب المتقدم نقلها عن قرب الاسناد ، لأن موردها الجارية
بخصوصها ، وقد حكم (عليهالسلام) «بان الخيار فيها ثلاثة أيام للمشتري وأنه إذا مضت
الثلاثة فقد وجب الشراء ولزم». وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام ان كان بها خبل
أو برص أو نحو هذا». الحديث وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.
الثانية ـ لو
باع الدراهم أو المتاع بالحيوان كان يقول : بعتك هذه الدراهم أو هذا المتاع بهذا
الحيوان ، فيقول المشترى اشتريتها به.
فالظاهر أن
خيار الحيوان ـ هنا ـ ثابت لمن انتقل له الحيوان بهذا العقد ، وهو البائع للدراهم
أو المتاع ، نظرا الى ما قدمنا ذكره من وجه الحكمة في هذا الخيار.
وثبوت الخيار
هنا للبائع غير مناف لما تقدم ـ بناء على القول المشهور ـ وما دل عليه من الاخبار
، من أن خيار الحيوان للمشتري خاصة ، لأن مبنى تلك المسألة ـ في
__________________
النصوص وكلام الأصحاب ـ انما هو على كون المبيع هو الحيوان بغيره من
الأثمان ، فجعل الخيار فيها لمشتريه ، وهيهنا الحيوان انما وقع ثمنا وقيمة لمبيع
آخر فيكون الخيار انما هو لمن انتقل اليه وهو البائع ، نظرا الى ما أشرنا إليه من
وجه الحكمة في هذا الخيار.
ويمكن
الاستدلال عليه في هذه الصورة بالأخبار الدالة على أن لصاحب الحيوان الخيار ثلاثة
أيام ، وهو من انتقل اليه ثمنا أو مثمنا ، لما تقدم من أنه لا يصح حمل صاحب
الحيوان هنا على المالك ، وانما حملناه سابقا على المشترى بقرينة موثقة ابن فضال ،
من حيث وقوع البيع على الحيوان ، وكونه مثمنا ، وأما لو جعل ثمنا ، فإنه يكون
الخيار فيه لمن انتقل اليه ، وان سمي بحسب هذه الصورة بائعا.
أو الى ما
اخترنا في هذا المقام يشير كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة وبه صرح
المحقق الأردبيلي (رحمهالله عليه) في شرح الإرشاد ، الا أن كلامه لا يخلو من خلل في
تأدية المطلوب منه والمراد ، فإنه قال ـ بعد ذكر الفرع المذكور.
ـ وبالجملة انه
ثابت لمن ينتقل اليه الحيوان بعقد البيع ، سواء يقال له البائع أو المشترى ، وأتى
بالصيغة بلفظ البيع أو الشراء قدمها أو أخرها ، لأن الحكمة في الخيار فيه أن
الحيوان مظنة العيب ويختفى فيه كثيرا ، ولا يظهر غالبا ، فشرع الخيار ليعلم ذلك
وهو يدل على ثبوته لكل من ينتقل اليه.
والعمدة في ذلك
ـ الأخبار المتقدمة ، مثل صحيحة زرارة أو حسنته قال : قال : رسول الله (صلىاللهعليهوآله) «البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلاثة أيام».
الظاهر أن المراد أن صاحبه الذي عنده ومالكه بالفعل ـ لا الذي كان ـ يخير ثلاثة
أيام ، ثم ذكر صحيحة محمد بن مسلم الموافقة لصحيحة زرارة في هذا المتن.
__________________
كما قدمناه ثم قال : الظاهر شمول هذه الاخبار لمن قلناه ، وان قلنا بشمولها
لغيره ايضا. انتهى.
ومحل الإشكال
في قوله : الظاهر ان المراد صاحبه الذي عنده الى آخره مع قوله قبله ان الخيار ثابت
لمن ينتقل اليه الحيوان مؤيدا ذلك بوجه الحكمة المذكورة في كلامه ، فإنه لا يخلو
من مدافعة ومناقضة.
الثالثة ـ هل
مبدء الخيار هنا ـ وكذا في خيار الشرط الاتى إنشاء الله تعالى ـ من حين العقد أو
التفرق؟ قولان : نقل ثانيهما عن الشيخ (رحمة الله عليه) ومن تبعه. وبالأول صرح
جملة من محققي متأخري الأصحاب ، والظاهر أنه الأقرب.
ويؤيده أن
المتبادر من الأجل المذكور بعد العقد هو اتصاله بزمان العقد ، وهكذا كل ما اشترط
من الأجل في العقود ، فان المتبادر منه كون ابتدائه من حين العقد.
ويعضده ظاهر
جملة من الاخبار المتقدمة ، مثل قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «البيعان بالخيار حتى يفترقا» وصاحب الحيوان ثلاثة أيام.
وقوله في صحيحة
محمد بن مسلم «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى
يفترقا». فان المفهوم منهما ان كلا الخيارين في البدء سواء وانما الاختلاف بينهما
باعتبار الأخر ، فنهايته في خيار المجلس التفرق ، وفي خيار الحيوان إلى ثلاثة أيام
وتمام الكلام في المقام يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في المقام الثاني في الأحكام.
الرابعة ـ يسقط
هذا الخيار عند الأصحاب باشتراط سقوطه في العقد ، وبإسقاطه بعد العقد ، وبالالتزام
بالعقد ، وبالتصرف ، والوجه في الأول ـ العمل بما دل على لزوم الوفاء بالشرط وفي
الثاني أنه حق لصاحبه ، فمتى أسقطه سقط.
واما الثالث
فقد تقدم الكلام فيه في خيار المجلس ، الا ان الظاهر هنا لزوم العقد
__________________
بالالتزام به ، وسقوط الخيار بذلك ، لما في رواية عبد الله بن الحسن بن زيد
بن على بن الحسن عن أبيه «عن جعفر بن محمد (عليهمالسلام) قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط
قال : يستحلف بالله ما رضيه ، ثم هو بريء من الضمان». فإنه ظاهر في أنه متى التزم
بالعقد ورضى به سقط الخيار.
وأما الرابع
فيدل عليه ـ بعد الإجماع المدعى في التذكرة ـ جملة من الاخبار
منها صحيحة على
بن رئاب عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الشرط في لحيوان ثلاثة أيام» للمشتري اشترط أم
لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة (الأيام) فذلك رضى منه
فلا شرط ، قيل له : وما الحدث؟ قال : أن لامس أو قبل أو نظر منها الى ما كان يحرم
عليه قبل الشراء».
وصحيحة محمد بن
الحسن الصفار قال : «كتبت الى ابى محمد (عليهالسلام) في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ
الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، إله أن يردها في الثلاثة أيام التي له فيها
الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي ركبها فراسخ؟ فوقع عليهالسلام : إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء ان شاء الله تعالى».
وروى في قرب
الاسناد عن على بن رئاب في الصحيح : قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟ فقال : الخيار لمن
اشترى «الى ان قال :» قلت له : أرأيت ان قبلها المشتري أو لامس ، قال : فقال : إذا
قبل أو
__________________
لامس أو نظر منها الى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته».
قال في المسالك
ـ بعد نقل مضمون صحيحة على بن رئاب الاولى : ـ وإطلاق التصرف والحدث يشمل الناقل
وغيره ، بل مطلق الانتفاع كركوب الدابة وتحميلها وحلب ما يحلب ونحو ذلك ، ولو قصد
به الاستخبار ففي المنع من الرد قول لا بأس به ، فان استثنياه اعتبر منه ما يعلم
به الحال ، بان يركب الدابة قدرا يظهر به فراهتها وعدمه ، ويحلب الشاة بحيث يعلم
حالها ونحو ذلك فلو زاد عنه منع ، ولو ساق الدابة إلى منزله فإن كان قريبا بحيث لا
يعد تصرفا عرفا فلا اثر له ، وان كان بعيدا كثيرا احتمل قويا منعه ، وبالجملة فكل
ما يعد تصرفا وحدثا يمنع والا فلا. انتهى وهو جيد.
ونقل المحقق
الأردبيلي (رحمهالله) في شرح الإرشاد عن بعض المحققين قال : قال بعض
المحققين : المراد بالتصرف المسقط للخيار هو ما يكون المقصود منه التملك لا الاختبار
، ولا حفظ المبيع كالركوب لسقي الدابة ، ثم قال : وفيه تأمل ، لأن ظاهر
الروايات أعم من ذلك.
أقول : ان ما
ذكروه من التصرف لأجل الاختبار لا وجه له في المقام ، فان مقتضى العادة أن المشترى
للحيوان لا يشتريه ولا يعقد صيغة البيع حتى يختبره بركوبه معرفة حسن مشيه وعدمه ،
والجارية لا يشتريها حتى ينظر منها الى ما يتعلق به غرضه بنظره باذن المالك ، ومن
هذه الجهة أطلقت الأخبار كون التصرف بعد البيع مسقطا للخيار ، فان جميع ما يتوقف
عليه غرضه من ذلك الحيوان قد علم قبل البيع ، وانما جعل له هذا الخيار هذه المدة
بالنسبة إلى شيء لم يحصل له الاطلاع عليه من العيوب الخفية.
__________________
واما ما ذكره
ذلك المحقق من السقي ، فإنه لا يتوقف على الركوب ليكون ذلك مستثنى من التصرف
المانع من الرد ، والظاهر انه أراد بالتملك ، معنى الالتزام بالبيع والا فالتملك
حاصل بأصل العقد.
نعم يبقى
الكلام في التصرف الذي يتوقف عليه حفظ الدابة في ضمن تلك الثلاثة أيام ، من علفها
وسقيها وربطها ، ونقلها من مكان الى مكان لأجل حفظها من الحر أو البرد ونحو ذلك ،
والأقرب أنه لا يعد من التصرف المانع من الرد لخوف تطرق الضرر بدونه.
وأما مناقشة
المحقق الأردبيلي «رحمهالله» في هذا المقام في عموم التصرف وشموله لجميع التصرفات ـ
حيث طعن في دلالة صحيحة على بن رئاب الأولى بالحصر في الجارية ، فلم يعلم غيرها من
الحيوانات واختصاصه بالإفراد المذكورة فيها ، وأنه يمكن ما كان مثلها أو أعلى وأما
الأدنى فلا.
وفي صحيحة
الصفار بأنها وان دلت بظاهرها على أن كل حدث مسقط للخيار ـ الا ان الحدث مجمل ،
ويمكن أن يكون كل ما هو عيب يكون مسقطا ـ فالظاهر أنها من المناقشات البعيدة
الاحتمال ، فان الظاهر أن ما ذكر في الخبرين المذكورين من الجارية والدابة والتصرف
فيهما بما ذكره في الخبرين انما خرج مخرج التمثيل ، لا الاختصاص وذكر في كل منهما
من التصرف ما هو المناسب له من قبيل التمثيل أيضا لا الحصر.
فالمراد من
الخبرين انما هو ما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، من عموم الحكم في الحيوان
مطلقا ، والتصرف بجميع وجوهه في كل منها بما يناسبه ، والله العالم .
__________________
الخامسة ـ قد
عرفت فيما تقدم أن من جملة الأقوال في المسألة ثبوت الخيار لهما فيما إذا كان
الثمن أيضا حيوانا واختاره في المسالك ، نظرا الى تحقق الحكم من الجانبين ، قال :
فان اختصاص الخيار بالحيوان لاشتماله على أمور باطنة لا يطلع عليها غالبا إلا
بالتروي والاختبار مدة ، وفيه جمع بين الاخبار المختلفة ظاهرا. وهو جيد ، سيما على
مذهبه في ترجيح قول السيد المرتضى ثم انه في المسالك قال : ولو كان الثمن خاصة
حيوانا ثبت الخيار للبائع خاصة على الأقوى. انتهى.
وبنحوه في
الموضعين صرح في الروضة أيضا
وبالجملة ، فإن
مرجع الكلام في هذه المسألة الى ما قدمناه في الفائدة الثانية ، قد عرفت انه أحد
الوجوه في حمل الخبر الذي استدل به المرتضى (رضى الله عنه) كما أشار إليه شيخنا
المذكور هنا بقوله : وفيه جمع بين الاخبار المختلفة ظاهرا ، وان كان قد رده في
كلامه المتقدم نقله عنه في صدر البحث بقوله وهو تخصيص بغير مخصص وقد عرفت ما فيه
آنفا.
الثالث ـ خيار الشرط
والأصل فيه ـ بعد
الإجماع في التذكرة ـ الأدلة العاملة من الاخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشرط
الا ما حرم حلالا وحلل حراما ، والخاصة لهذا المقام وها نحن نتلوا عليك جملة
الأخبار المتعلقة بذلك عامها وخاصها ، كما هي قاعدتنا
__________________
في الكتاب في كل حكم وباب.
فمنها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله
فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم فيما وافق
كتاب الله عزوجل.
وما رواه في
الفقيه والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «المسلمون عند شروطهم ، الا كل شرط خالف كتاب
الله عزوجل فلا يجوز».
وما رواه الشيخ
عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «أن على بن أبى طالب (عليهالسلام) كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فان
المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما».
ومنها ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الشرط في الإماء ألا تباع ولا تورث
ولا توهب؟ فقال : يجوز ذلك غير الميراث ، فإنها تورث ، وكل شرط خالف كتاب الله فهو»
(مردود)».
ونحو هذه
الرواية بهذا المضمون مرسلة جميل بن دراج ، ومرسلة ثانية له ، والمشهور في كلام الأكثر أنه لو شرط
ما ينافي مقتضى العقد كما لو شرط أن لا يبيعه
__________________
أو لا يعتقه أو لا يطأ أو لا يهب ، فهذه الشروط باطلة ، والمشهور بطلان
العقد بها أيضا.
ويظهر من بعض
الأصحاب القول بلزوم أمثال هذه الشروط المشروعة ، والاخبار المذكورة تدل عليه ،
وعلى المشهور يمكن حملها على الاستحباب ، بناء على قواعدهم في أمثال هذه الأبواب.
ثم ان الفرق
بين الميراث وغيره مما ذكر في الاخبار المذكورة لا يخلو من خفاء وربما قيل بأن
الفرق هو ان اشتراط عدم البيع والهبة اشتراط ما يتعلق بنفسه ، واشتراط عدم التوريث
يتعلق بغيره ، ولا أثر فيه لرضاه ، ولا يخلو من تكلف ، ومقتضى العقد كتابا وسنة هو
التصرف فيه بما شاء من أنواع التصرفات ، فاشتراط منعه من ذلك كما دلت عليه هذه
الاخبار مشكل.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الموثق عن إسحاق بن عمار قال : «أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) «قال سأله رجل وأنا عنده فقال له : رجل مسلم احتاج الى
بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له : أبيعك داري هذه وتكون لك أحب الي من أن تكون
لغيرك على أن تشترط لي ان أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي؟ فقال : لا بأس بهذا
ان جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه قلت : فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن
تكون؟ فقال : الغلة للمشتري ، ألا ترى أنه لو احترقت لكانت من ماله».
ورواه الصدوق
بطريقه إلى إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : سأله رجل الحديث
وما رواه في
التهذيب عن معاوية بن ميسرة قال : «سمعت أبا الجارود يسأل
__________________
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع دار إله من رجل ، وكان بينه وبين الرجل
الذي اشترى منه الدار حاصر ، فشرط أنك ان أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار
دارك فأتاه بماله قال : له شرطه ، قال له أبو الجارود : فان ذلك الرجل قد أصاب في
ذلك المال في ثلاث سنين قال : هو ماله ، وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار
دار المشترى».
وما رواه في
الكافي عن سعيد بن يسار في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : انا نخالط أناسا من أهل السواد وغيرهم ، فنبيعهم
ونربح عليهم العشرة اثنا عشر والعشرة ثلاثة عشر ونؤخر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة
ونحوها ، ويكتب لنا الرجل على داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ
منا شراء (وقد باع) وقبض الثمن منه ، فنعده ان هو جاء بالمال الى وقت بيننا وبينه
ان نرد عليه الشراء ، فان جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا. فما ترى في ذلك
الشراء؟ قال : ارى أنه لك ان لم يفعل ، وان جاء بالمال للوقت فرد عليه».
وما رواه الشيخ
عن أبى الجارود عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «ان بعت رجلا على شرط فإن أتاك بمالك والا
فالبيع لك». والبيع في الخبر بمعنى الشراء ، فإنه من الأضداد كما ذكره أهل اللغة.
وتحقيق البحث
في المقام بما يحصل به الإحاطة بأطراف الكلام وبيان ما يدخل فيه من الأحكام يقع في
مواضع.
الأول ـ الأشهر
الأظهر هو انه متى كان الشرط سائغا في العقد ، وجب على المشروط عليه الوفاء به فان
امتنع كان للمشروط له إجباره عليه ، فان لم يمكنه رفع امره الى الحاكم الشرعي فإن
تعذر كان له خيار الفسخ ، وقيل متى امتنع كان للمشروط له اختيار الفسخ ، وسيأتي
إنشاء الله تعالى مزيد تحقيق للمسألة في محله
__________________
الثاني ـ يجوز
اشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع وفي هذا المقام أحكام.
الأول ـ قد دلت
موثقة إسحاق بن عمار وما بعدها من الاخبار على أنه يجوز اشتراط مدة مضبوطة يرد
فيها البائع الثمن إذا شاء ويرتجع المبيع ، وظاهر الاخبار المذكورة أنه يكفى مجرد
إعطاء الثمن ، والمفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف بعرف أنه لا بد من الفسخ وأنه
لا يكفى مجرد رد الثمن.
الثاني ـ لو
شرط في العقد رد المثل أو القيمة في تلك المدة لزم أيضا ، قال في الدروس : فليس
للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله ولا يحمل الإطلاق على العين ، ولو شرط رد
العين احتمل الجواز انتهى.
الثالث ـ المشهور
أنه لا يتوقف الفسخ أو الإمضاء على حضور الأخر أو الحاكم. نعم ثبوته يتوقف على
الاشهاد مع النزاع ، ونقل في الدروس عن ابن الجنيد انه يشترط في الخيار المختص للفسخ
أو الإمضاء الحضور أو حكم الحاكم أو الإشهاد قال : وفي المشترط لا ينفذا لفسخ
والإمضاء إلا بحضورهما ونقل عن ابن حمزة انه لا بد في المشترك من اجتماعهما على
الفسخ أو لا إمضاء.
وفي المبسوط لا
خلاف في جواز الإمضاء بغير حضور الأخر ، والظاهر ان ما ذهب اليه ابن الجنيد هنا هو
مذهب العامة ، فإنه قد نقل المحقق الشيخ على (رحمهالله) في شرح القواعد توقف الفسخ على أحد الأمرين المذكورين
عن أبي حنيفة.
وأنت خبير بان
الروايات المذكورة خالية من التعرض لذكر الفسخ ، كما قدمنا الإشارة اليه ، وليس
فيها أزيد من رد الثمن في المدة المضروبة وظاهره هو الرد على المشترى ودفعه اليه ،
ولو جعل رد الثمن فيها كناية عن الفسخ مثلا ، فظاهرها اشتراط حضور المشترى ليفسخ
البائع بعد دفع الثمن أو مثله اليه ، فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشترى
وجعل الثمن أمانة الى أن يجيء
المشترى ، وان كان ظاهرهم الاتفاق عليه عدا من تقدم ذكره ، الا انه بعيد عن
سياق الأخبار المذكورة كما لا يخفى على المتأمل فيها.
الرابع ـ الظاهر
انه لا فرق في هذا الشرط بين وقوعه من البائع بأن يقول : بعتك هذه
الدار بشرط ان تردها علي إذا أتيتك بالثمن في ضمن شهر ، أو من المشترى بأن يشترط
له انك ان أتيتني بالثمن في ضمن المدة المعلومة ، رجعت عليك المبيع والذي تضمنته
الأخبار المتقدمة الثاني.
قال في الدروس
: يجوز اشتراط ارتجاع المبيع عند رد الثمن مع تعيين المدة فليس للبائع الفسخ بدون
رد الثمن أو مثله ، ثم قال : ولو شرط المشترى ارتجاع الثمن إذا رد المبيع جاز ،
ويكون الفسخ مشروطا برد المبيع ، فلو فسخ قبله لغى انتهى.
أقول ظاهر
الاخبار المتقدمة انه بعد وقوع العقد مشتملا على هذا الشرط من البائع أو المشتري
فإنه بمجرد رد البائع الثمن في المدة المضروبة يجب على المشترى رفع اليد عن المبيع
وتسليط البائع عليه لقوله (عليهالسلام) في موثقة إسحاق «ان جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه». وفي رواية معاوية فأتاه بماله قال : له
شرطه ،. وقوله في صحيحة سعيد بن يسار «ان جاء بالمال في الوقت فرد عليه».
وظاهر هذه
العبارات ان الفسخ يحصل بمجرد رد الثمن في المدة المضروبة وانه يجب على المشترى رد
المبيع ورفع يده عنه.
وبه يظهر ما في
عبارة الدروس المذكورة وغيرها من اعتبار الفسخ وتفريع
__________________
ما ذكروه من الأحكام عليه فان دخوله تحت الأخبار المذكورة لا يخلو من غموض
وخفاء.
الخامس ـ قال
في الدروس لو شرط ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في بعضه ففي الجواز نظر.
أقول : الظاهر
ان وجه النظر المذكور ينشأ من مخالفة النصوص الواردة في المسألة وكون هذا الفرد
خارجا عنها ، ومن عموم «المؤمنون عند شروطهم».
وفي المسالك
استوجه الثاني ولا يخلو من قرب ، فان النصوص المذكورة لا دلالة فيها على حصر الصحة
في الصورة المذكورة فيها ، وان ما عداها غير جائز مع ان هذا الشرط سائغ في حد ذاته
ولا مانع منه.
الثالث من
المواضع المتقدمة هل يملك المبيع بالعقد أو بمضي مدة الخيار قولان ، وسيأتي تحقيق
المسألة إنشاء الله تعالى في المقام الثاني في الأحكام.
الرابع ـ قد
دلت الأخبار المتقدمة على ان منافع المبيع ضمن مدة الخيار للمشتري ، وتلفه من
المشترى فيكون ملكا له ، وهو موافق للمشهور من أن التلف بعد القبض في زمن الخيار من
مال من لا خيار له.
وهذا في صورة
ما لو كان الخيار للبائع ، واما لو كان الخيار للمشتري كما تقدم في خيار الحيوان
فان تلفه من البائع ، كما تضمنته صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في خيار الحيوان وقوله فيها «فان كان بينهما
شرط أياما معدودة فهلك في يد المشترى قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع». وهذا
ايضا جار على مقتضى القاعدة المتقدمة ، وهي ان تلف المبيع بعد القبض فهو من مال من
لا خيار له.
وتمام الكلام
في ذلك يأتي إنشاء الله تعالى في المقام الثاني.
__________________
الخامس ـ قد
تقدم أنه لا بد من كون الشرط في متن العقد بين الإيجاب والقبول قال في التذكرة :
ولا اعتداد بالشرط قبله أو بعده.
السادس ـ خيار
الشرط ثابت لمن اشترطه سواء كاناهما معا ، أو أحدهما أو أجنبيا ، أو أحدهما مع
أجنبي ، من غير خلاف يعرف ومستنده عموم أدلة وجوب الوفاء بالشروط المتقدم ذكرها.
السابع ـ يجب
أن يكون المدة مضبوطة ، والوجه فيه رفع الجهالة المبطلة للعقد ، وأن الأجل ـ كما
صرحوا به ـ له قسط من الثمن ، فيئول إلى جهالة أحد العوضين ، وان تكون متصلة
بالعقد أو منفصلة عنه مع ضبطها ، فلو شرطاها متأخرة صار العقد لازما بعد المجلس
وجائزا فيها ، اما اتصالها بالعقد فوجهه ظاهر مما تقدم في خيار الحيوان ، واما
جواز اشتراط تأخيرها فوجهه كون الشرط المذكور سائغا ، فيصح اشتراطه ، وفي جواز جعل
المدة متفرقة قولان ، ولو لم تكن المدة مضبوطة كقدوم الحاج مثلا أو إدراك الغلة
بطل الشرط قولا واحدا.
وهل يبطل العقد
قولان : المشهور البطلان ، وهذا جار في كل عقد اشتمل على شرط فاسد ، وقيل بصحة
العقد وان بطل الشرط.
وقد تقدم تحقيق
هذه المسألة والكلام فيها في المقدمة الحادية عشر من مقدمات كتاب الطهارة ، ولو أطلقا ولم يعينا مدة
فالمشهور انه لا يصح ونقل عن الشيخ الصحة وانه ثلاثة أيام مدعيا فيه النص والإجماع
، ورد بعدم وجود خيار الثلاثة في الاخبار الا في خيار الحيوان واما الإجماع فأوضح
، حيث لم يقل ذلك سواه.
والظاهر ان
الوجه في وجوب ضبط المدة كما اشترطوه هو رفع الجهالة المبطلة للعقد وأن الأجل له
قسط من الثمن فيؤل الى جهل أحد العوضين.
الثامن ـ قد
تقدم النقل عن الشيخ بأن مبدأ هذا الخيار بعد التفرق من المجلس ولم نقف له على
دليل ، وثبوت خيار المجلس بأصل الشرع لا يدل على كون مدة الخيار المشروط غير ذلك ،
حتى يكون ابتداؤه بعد انقضاء ذلك ، إذ لا مانع من
__________________
التداخل في بعض المدة كما مر في خيار الحيوان .
التاسع ـ قال
بعض المحققين والظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف ـ لما مر وسيجيء
ـ ولا بالشرط ، وهو ظاهر. نعم يمكن بالإسقاط والالتزام بعده كما في غيره.
والعمدة في ذلك
قول الأصحاب (رضى الله عنهم) في الكل ـ والتسلط للإنسان على ماله ، والترغيب على
العمل بالقول ـ وعدم مخالف له ، ولانه لا شك في لزوم الفسخ باختياره ، وكذا
اللزوم.
ويدل عليه أيضا
رواية السكوني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قضى في رجل اشترى
ثوبا بشرط الى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : ليشهد أنه قد رضيه
واستوجبه ثم ليبعه ان شاء ، فان أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه». انتهى. وهو
جيد.
وحمل بعض
الأصحاب الأمر بالإشهاد هنا على الإرشاد لرفع النزاع أو الاستحباب ، والخبر صريح
في أنه مع الالتزام بالعقد يسقط الخيار ، وظاهره أيضا أنه يسقط بالتصرف ، وان
إقامته في السوق وجعله في معرض البيع ـ وان لم يبعه ـ تصرف مسقط للخيار.
العاشر قد صرح
الأصحاب بأنه يجوز اشتراط المؤامرة يعنى اشتراطهما أو أحدهما استيمار من سمياه
والرجوع الى أمره مدة مضبوطة ، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقف على أمره ، فإن أمر
بالفسخ جاز للمشروط له استئماره والفسخ ، والظاهر انه لا يتعين عليه ، لان الشرط
انما هو مجرد استئماره لا الالتزام بقوله ، وان أمر بالالتزام
__________________
لم يكن له الفسخ قطعا ، وان كان الفسخ أصلح عملا بالشرط
قال في التذكرة
: وليس للشارط ان يفسخ حتى يستأمر ويأمره بالرد ، لانه جعل الخيار اليه دونه. قيل
: ويمكن أن يكون له الفسخ قبلها ، والمخالفة لعدم لزومه. الا ان يشترط ذلك. قال في
التذكرة : هذا القول الثاني للشافعي. كما أن الأول قوله الأول ، وهو المعتمد. مع
انه في التحرير قال بهذا القول الثاني فقال : وله الفسخ قبل الاستيمار.
أقول لا ريب ان
جواز اشتراط الاستيمار كما هو أصل المسألة لا اشكال فيه ، لانه من الشروط السائغة
، فلا مانع من اشتراطها ، فإن أمره بالفسخ تسلط على الفسخ ، وله الخيار بين ان
يفسخ وبين ان لا يفسخ ، كما في سائر مواضع الخيار ، وان أمره بالالتزام الذي هو
مقتضى العقد فليس له المخالفة ، وان كان الفسخ أصلح ، لأنه لا يتسلط على الفسخ الا
بالشرط ، له وهو لم يشترط لنفسه والفرق بين المؤامرة وجعل الخيار لأجنبي ان الغرض
من المؤامرة الانتهاء إلى أمره ، فليس لذلك المستأمر بفتح الميم الفسخ أو الالتزام
، وانما إليه الأمر والرأي خاصة بخلاف من جعل له الخيار.
الرابع ـ خيار الغبن
بسكون الباء
وأصله الخديعة ، والمراد هنا البيع والشراء بغير القيمة مع الجهالة إذا كان الغبن
بما لا يتسامح به غالبا بان شراه بزيادة على القيمة أو باع بنقصان عنها فالمرجع
فيه الى العادة لعدم تقديره شرعا ، وهذا النوع من الخيار لم يذكره كثير من
المتقدمين ، والقول به انما ثبت عن الشيخ واتباعه ، ونقل في الدروس وكذا في
المسالك عن المحقق في الدروس القول بعدمه.
ويظهر من
التذكرة عدم الخلاف فيه بين علمائنا ، والمشهور بين
__________________
المتأخرين ثبوته ، واعترف جمع من المتأخرين بأنهم لم يقفوا في النصوص على
نص عليه بالخصوص ، وانما ورد في تلقى الركبان تخيرهم إذا غبنوا.
واستدلوا عليه
ايضا بحديث الضرار ، وما ذكروه من حديث الغبن في تلقى الركبان لم أقف عليه
في كتب الاخبار ، ولا في كتب الفروع ايضا ويمكن ان يستدل عليه بما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «غبن المسترسل سحت».
وعن ميسر عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «غبن المؤمن حرام». وفي رواية «لا يغبن المسترسل
فان غبنه لا يحل».
قال في كتاب
مجمع البحرين : والاسترسال : الاستيناس ، والطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما
يحدثه وأصله السكون والثبات ، ومنه الحديث أيما مسلم استرسل الى مسلم فغبنه فهو
كذا ، ومنه غبن المسترسل سحت ، انتهى ، وظاهره وجود حديث رابع زائد على ما نقلناه.
وبالجملة فهذه
الاخبار وان كانت مطلقة الا أنها دالة بإطلاقها على ما نحن فيه من تحريم الغبن في
البيع والمنع منه ، وحينئذ فيثبت لصاحبه الخيار.
وكيف كان
فثبوته عند الأصحاب مشروط بأمرين كما تقدمت الإشارة إليه. ـ أحدهما ـ جهالة
المغبون بالقيمة وقت العقد ، فلو عرف القيمة ثم زاد أو نقص مع علمه ، أو تجددت
الزيادة أو النقيصة بعد العقد فلا غبن ولا خيار إجماعا ، كما نقله المسالك. ثانيهما
ان يكون الغبن الذي هو عبارة عن الزيادة والنقيصة فاحشا لا يتسامح بمثله عادة ،
مثل ان يبيع ما يساوى مأة : بخمسين ونحوها فلو كان يسيرا
__________________
يتسامح به كالدرهم بل الأربعة والخمسة في المأة فلا غبن.
وقد عرفت ان
مرجع ذلك عندهم الى العرف حيث لا تقدير له في الشرع وطريق معرفة الثاني ظاهرة ،
لانه يمكن إقامة البينة على القيمة فيناط بها.
وأما الأول فإن
أمكن إقامة البينة عليه فكذلك والا فإن ادعاه مع معلومية عدم إمكان ذلك في حقه حيث
يعلم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان بحيث لا يخفى عليه قيمته لم يقبل قوله ،
والا ففي القبول إشكال ينشأ من أصالة عدم العلم ، ولان العلم والجهل من الأمور
التي تخفى غالبا ولا يطلع عليها الا من قبل من هي به ، ومن أصالة لزوم العقد ووجوب
الوفاء به فيستصحب الى أن يثبت المزيل.
وقوى في الروضة
الأول ، قال : والأقوى قبول قوله في الجهالة بيمينه مع إمكانها في حقه ، واستظهره
في المسالك أيضا الا انه احتمل فيه الثاني ، ثم استشكل فيه بأنه ربما تعذر إقامة
البينة ، ولم يمكن معرفة الخصم بالحال ، فلا يمكنه الحلف على عدمه فتسقط الدعوى
بغير بينة ولا يمين. وما ذكره ـ قدسسره ـ جيد بناء على قواعدهم الا أن المسألة لخلوها من النص
الواضح موضع توقف.
وحيث ثبت الغبن
فإنه يتخير المغبون بين الرد والإمساك مجانا ، وليس له الأرش إجماعا كما ذكره في
التذكرة ، والمشهور في كلام المتأخرين انه لا يسقط الخيار ببذل الغابن التفاوت ،
وان انتفى موجبه استصحابا لما ثبت قبله.
نعم لو اتفقا
على إسقاطه بالعوض صح كغيره من الخيار ، وفيه نظر لأنه ان كان مدرك هذا النوع من
الخيار خبر الضرار كما اعترفوا به ، فقضية ذلك ان يكون الضرار ، هو المدار ، وظاهر
أن بذل التفاوت يدفعه ، فينبغي القطع بعدم الخيار اقتصارا فيما خالف الأصل على
القدر المتيقن ومحل الضرورة ، وان كان الإجماع فقد عرفت عدم ثبوته ، لما ذكره في
الدروس وغيره من عدم ذكر كثير من المتقدمين لهذا الخيار وما نقل عن المحقق آنفا.
وتردد العلامة
في التذكرة هنا فقال : ولو دفع الغابن التفاوت احتمل سقوط خيار المغبون لانتفاء
موجبه وهو النقص ، وعدمه لانه ثبت له ، فلا يزول عنه الا بسبب شرعي انتهى. مع انه
قد ادعى الإجماع على عدم ثبوت الأرش به ، قالوا ولا يسقط الخيار هنا
بالتصرف وظاهرهم انه سواء كان المتصرف الغابن في مال المغبون أو بالعكس خرج به عن
الملك كالبيع أم منع من الرد كالاستيلاد أم لا.
ولهم في هذه
المسألة تفاصيل وشقوق عديدة أنهاها شيخنا في الروضة والمسالك الى ما يزيد على مأتي
مسألة ، وأطال في تقريرها وليس في التعرض لذكرها مزيد فائدة مع خلوها من النصوص
على العموم والخصوص. فمن أحب الوقوف عليها فليرجع الى أحد الكتابين المشار إليهما.
والمشهور أن
الخيار هنا فوري وقيل : بأنه على التراخي ، وعلل الأول بعموم الأمر بالوفاء بالعقود
، وأن الأصل بناء العقود على اللزوم ، فيقتصر فيما خالفه على موضوع اليقين ، وهو
المقدار الذي يمكن حصوله فيه ، ولاقتضاء التراخي الإضرار بالمردود عليه حيث يختلف
الزمان ، ويؤدى الي تغيير المبيع.
ولا يخفى ما في
بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الوجوه من المجازفة وعلل الثاني بثبوت أصل
الخيار فيستصحب الى ان يثبت المزيل لانتفاء الدليل على خصوص الفورية ، ولا يخفى ان
هذا هو الأقرب والأنسب بقواعدهم والاربط بضوابطهم.
__________________
وبالجملة
فأصالة العدم أقوى مستند في المقام حتى يقوم دليل على خلاف ذلك ولو جهل الخيار أو
الفورية فالظاهر أنه لا خلاف في العذر الى ان يعلم ذلك.
الخامس ـ خيار التأخير
اى تأخير إقباض
الثمن أو المثمن عن ثلاثة أيام ، فلو باع ولم يقبض الثمن ولا سلم المبيع ولا
اشتراط تأخير الثمن ، فالبيع لازم ثلاثة أيام ، فإن جاء المشترى بالثمن فيها ،
والا كان البائع أولى بالمبيع ، والأصل فيه بعد الإجماع الأخبار الواردة عن أهل
العصمة عليهمالسلام.
ومنها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن على بن يقطين «انه سأل أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل يبيع البيع ، ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن
قال : الأجل بينهما ثلاثة أيام ، فإن قبض بيعه ، والا فلا بيع بينهما».
وعن إسحاق بن
عمار عن عبد صالح عليهالسلام قال : «من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام ، ولم يجيء فلا
بيع له». ورواه في الفقيه بطريقه إلى إسحاق ابن عمار مثله.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «اشتريت محملا ، وأعطيت
بعض ثمنه ، وتركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت الى بائع المحمل لأخذه فقال :
قد بعته فضحكت ثم قلت : لا والله لا أدعك أو أقاضيك فقال لي : أترضى بأبي بكر بن
عياش؟ قلت : نعم فأتيناه فقصصنا عليه قصتنا ، فقال أبو بكر : بقول من تحب أن أقضي
بينكما بقول صاحبك أو غيره؟ قال : قلت : بقول صاحبي قال : سمعته يقول : من اشترى
شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام والا فلا بيع له».
__________________
وما رواه ـ في
الفقيه في الصحيح عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : «قلت
له : الرجل يشترى من الرجل المتاع ثم يدعه عنده ، فيقول : حتى آتيك بثمنه؟ قال :
ان جاء بثمنه فيما بينه وبين ثلاثة أيام ، والا فلا بيع له». ورواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن زرارة مثله :
ورواه في
التهذيب بسند فيه على بن حديد عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) مثله ، وطعن في هذه الرواية المحقق الأردبيلي (رحمهالله) في شرح الإرشاد بوجود على بن حديد بناء على نقله لها
عن التهذيب ، وغفل عن مراجعة الكتابين الآخرين ثم اعتذر عن ضعفها بما هو أضعف ، من
اصطلاحه الذي بنا عليه.
وأما ما رواه الشيخ
بسند معتبر عن على بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل اشترى جارية وقال : أجيئك بالثمن ، فقال : ان
جاء فيما بينه وبين شهر ، والا فلا بيع له» . فهو غير معمول عليه عند الأصحاب ، ولا قائل به ، وربما
حمل على استحباب الصبر له ، وعدم الفسخ الى مضى المدة المذكورة.
وتحقيق البحث
في المقام وبيان ما فيه من الأحكام يقع في مواضع :
الأول هذا
الخيار مشروط عند الأصحاب بشروط ثلاثة ، أحدها ـ عدم قبض الثمن ، والثاني ـ عدم
قبض المبيع ، والثالث عدم اشتراط التأجيل في الثمن والمثمن وبعض كل منهما ولو ساعة
، والثلاثة ظاهرة من الأخبار المذكورة وقبض بعض من كل منهما كلا قبض ، مجتمعا
ومنفردا لصدق عدم قبض الثمن واقباض المثمن الذي دلت عليه الروايات.
ولو قبض الجميع
أو اقبض فلا خيار لاختلال أحد الشروط المتقدمة ، وهو
__________________
الأول على الأول ، والثاني على الثاني ، وشرط القبض المانع من
الخيار كونه باذن المالك ، فلا أثر لما يقع بدونه ، وكذا لا أثر لما لو ظهر مستحقا
لغير المالك أو بعضه.
الثاني ـ قد
صرحوا بأنه لا يسقط هذا الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة ، وان كان قرينة
الرضا بالعقد ، مستندين في ذلك الى الاستصحاب ، وهو جيد ، بناء على أصولهم من حجية
مثل هذا الاستصحاب وقد تقدم الكلام فيه في مقدمات الكتاب.
ومن ظاهر
اتفاقهم على توقف بطلان العقد وانفكاكه على الفسخ فيما لم يختر الفسخ بعد الثلاثة
، فإن البيع باق وله المطالبة بالثمن ، وان المطالبة لا يستلزم زوال خياره وان
كانت مؤذنة بالرضا بالعقد.
وأنت خبير بان
المفهوم من ظواهر الأخبار المذكورة هو انفساخ البيع من نفسه بعد مضي الثلاثة ، من
غير توقف على فسخ لقوله (عليهالسلام) في الاخبار المتقدمة ، والا فلا بيع له ومقتضاه بطلان
البيع بعد الثلاثة إذا لم يحصل قبض الثمن أو المثمن في ضمن تلك الثلاثة ، لا أنه
يبقى البيع ، وكذا الخيار.
بل ظاهر
الاخبار أنه لا خيار هنا بالكلية ، فإن غاية ما تدل عليه الاخبار هو أن البيع مع
عدم القبض والإقباض وعدم اشتراط التأجيل صحيح ، ولزومه مراعى بهذه الثلاثة ، فإن
حصل القبض والإقباض أو أحدهما فيها لزم البيع ، والا بطل من أصله
__________________
وأما أن البيع بعد الثلاثة باق والبائع مخير في الفسخ أو الصبر الى أن يأتي
المشتري بالثمن ، فلا دلالة في الاخبار عليه بوجه كما لا يخفى على المتأمل في
سياقها.
وقد نقل القول
بالبطلان هنا عن ظاهر ابن الجنيد والشيخ ، وبه اعترف العلامة في المختلف ، وان
أجاب بما لا يجدى نفعا قال في الكتاب المذكور : قال ابن الجنيد (رحمة الله عليه) :
إذا خرجت الثلاثة ولم يأت بالثمن فلا بيع.
وفي المبسوط
روى أصحابنا إذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم ، وقال للبائع أجيئك بالثمن ومضى فان
جاء في مدة الثلاثة كان المبيع له ، وان لم يجيء في هذه المدة بطل البيع.
وظاهر هذه
العبارة يوهم بطلان البيع بعد مضى الثلاثة.
والذي نص عليه
المفيد والشيخ في النهاية انه يكون للبائع الخيار ان شاء فسخ البيع ، وان شاء طالب
بالثمن ، وهو الحق ، لنا الأصل بقاء صحة العقد. والاخبار تعطي الذي قاله الشيخ
أولا وابن الجنيد ، ثم نقل صحيحة زرارة المتقدمة وصحيحة على بن يقطين ، ثم قال :
والجواب الحمل على انه لا بيع لازم له.
أقول : فيه ان
ما ذكره من التأويل مع تعسفه وبعده يتوقف على وجود المعارض ولا معارض هنا الا ما
يدعيه من ان الأصل بقاء صحة العقد ، وهو أصل غير متأصل
__________________
وكيف يكون
الأصل بقاؤه مع تصريح الأخبار بأنه لا بيع بعد مضي الثلاثة ، وكيف يختص النفي
باللزوم كما ادعاه مع انه في ضمن الثلاثة كذلك ، لان لزومه مراعى بحصول التقابض في
ضمن الثلاثة منهما أو قبض أحدهما ، وان اختلف وجه عدم اللزوم في الحالين.
وبالجملة فان
الحق هو ما ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ هنا كما هو ظاهر الاخبار المذكورة والله
العالم.
الثالث ـ لو
بذل المشترى الثمن بعد الثلاثة ، قيل ، يحتمل سقوط الخيار : وهو الذي قطع به
العلامة في كتبه ، محتجا بزوال المقتضى لثبوته ، وهو الضرر بالتأخير.
وقيل : يحتمل
بقاؤه ، عملا بالاستصحاب ، وزوال مقتضيه بعد ثبوته لم يؤثر في نظائره.
أقول والأظهر ـ
بناء على ما قدمنا تحقيقه من بطلان البيع بعد الثلاثة ـ أن لا ثمرة لهذا الفرع
بالكلية ، حتى يترتب عليه هذان الاحتمالان ، ومع الإغماض عما ذكرنا والجري على
مقتضى كلامهم في هذا المقام ، فإن الأقوى ما ذهب إليه العلامة ، لأن التمسك بهذا
الاستصحاب الذي يكررونه في هذه الأبواب غير مجد نفعا كما حققنا في مقدمات الكتاب .
الرابع ـ الظاهر
أنه لا خلاف في أنه لو تلف المبيع بعد الثلاثة ، فإنه من مال البائع لما تقرر من
القاعدة من أنه متى تلف قبل القبض فهو من مال البائع.
ويعضده ظواهر
الأخبار المتقدمة الدالة على أنه بعد الثلاثة لا بيع له ، وسيما على ما اخترناه من
بطلان البيع بعد الثلاثة فإنه من مال بائعه ، إنما الخلاف فيما لو هلك في الثلاثة
، فالمشهور أنه كذلك.
__________________
وقال المفيد :
يكون التلف من المشترى ، وهو مذهب المرتضى (رضى الله عنه) وسلار وجمع ممن تبعهم ،
وعن ابن حمزة أنه ان عرض البائع تسليمه على المشترى ولم يتسلمه فهو من مال المشترى
، والا فمن البائع. وهو ظاهر أبى الصلاح حيث قال : فان كان تأخيره من قبل المبتاع
فهلاكه ونقصه من ماله.
وأورد على
القول المذكور بان العرض على البائع لا يقوم مقام القبض الا ان يمتنع المشترى من
القبض ، ولا يرضى به البائع ببقائه في يده ، وحينئذ فلا فرق بين التلف في الثلاثة
أو بعدها في كونه من المشترى ، بل يخرج على هذا الفرض عن محل المسألة ، وهذا
المعنى أقرب في عبارة أبي الصلاح.
ويدل على القول
المشهور رواية عقبة بن خالد المروية في الكافي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع
عنده ولم يقبضه قال : آتيك غدا ان شاء الله تعالى فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال
: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ، ويخرجه من بيته ، فإذا
أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد اليه ماله».
ونقل بعض
المحققين انه روى عنه صلىاللهعليهوآله «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه». ، ولم أقف عليها فيما وصل إلينا
من الاخبار.
ويؤيده أيضا
دخوله تحت القاعدة المتقدمة ، لأنه يصدق عليه أنه تلف قبل القبض وهذه الرواية من
أدلة هذه القاعدة ، وظاهرها أنه مضمون على البائع ما دام لم يقبضه المشترى ،
ويخرجه من بيته في الثلاثة وبعد الثلاثة.
__________________
وعن المفيد
التعليل لما ذهب إليه بأن المبيع انتقل اليه ، فيكون ضمانه عليه ، والتأخير
لمصلحته ، وأجاب في المختلف بالمنع من الملازمة ، ونفى البأس عن قول ابن حمزة ،
وظاهر أبى الصلاح ، مع اختياره القول المشهور ، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة
فالظاهر هو القول المشهور لما عرفت والله العالم.
الخامس ـ قد
عرفت سابقا أنه لو قبض البائع الثمن أو المشتري المبيع فإنه لا خيار ، ونقل في
الدروس عن الشيخ بأن له قولا بأنه لو قبض المبيع وتعذر الثمن فإن للبائع الفسخ ،
ثم قال : وفيه قوة.
قال في المسالك
: «وكان مستنده خبر الضرار ، إذ لا نص فيه بخصوصه ، وليس ببعيد ، الا أن التمسك
بلزوم العقد ووجوب الوفاء به أقوى ، وأخذه مقاصة لدفع الضرر ان تمكن من أخذ العين
، والا فلا يدفع بالفسخ انتهى وهو جيد.
السادس ـ قال
في المختلف : لو قبضه المشترى ثم تلف ، فان كان في مدة الثلاثة كان من مال المشترى
دون البائع ، وان هلك بعدها فكلام الشيخ يشعر بأنه من مال البائع.
واحتج بان له
الخيار بعد انقضاء الثلاثة ، لأن عبارته هكذا إذا باع الإنسان شيئا ولم يقبض
المتاع ولا قبض الثمن ومضى المبتاع ، فان العقد موقوف ثلاثة أيام ، فإن جاء
المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له ، وان مضى ثلاثة أيام كان البائع أولى
بالمتاع ، فان هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام ولم يكن قبضه إياه كان من مال
البائع دون مال المبتاع ، وان كان قبضه إياه ثم هلك في مدة الثلاثة كان من مال
المبتاع دون مال البائع ، وان هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع على كل حال.
وفيه نظر إذ مع القبض يلزم البيع. انتهى.
وهو جيد الا أن
من المحتمل ـ وان بعد بالنسبة إلى سياق العبارة المذكورة الا انه غير بعيد بالنسبة
الى طريقة الشيخ في التعبير ، وهو الموافق للقواعد ،
إذ يبعد من الشيخ كل البعد ارادة ما دلت عليه العبارة بظاهرها ـ أن يكون
قوله أخيرا «وان هلك بعد الثلاثة أيام» انما هو بالنسبة إلى صورة عدم القبض ،
فيكون قسيما لقوله فان هلك المتاع في هذه الثلاثة ، ولم يكن قبضه إياه كان من مال
البائع دون مال المبتاع ، وان هلك بعدها كان من مال البائع على كل حال. يعنى أنه
أولى بأن يكون من مال البائع لمضي الثلاثة القاطعة لتعلق المشترى به بخلاف ما إذا
كان في ضمن الثلاثة التي هو فيها مال المشترى ، ويكون جملة وان كان قبضه إياه ثم
هلك الى آخره متوسطة بين الجملتين المتعاطفتين.
السابع قال في
المختلف أيضا لم يفرق الشيخان وأتباعهما بين الحيوان وغيره في التربص ثلاثة أيام ،
وقال في المقنع إذا اشترى رجل من رجل جارية فقال أجيئك بالثمن ، فان جاء فيما بينه
وبين شهر والا فلا بيع له ، وإذا اشترى ما يفسد من يومه كالبقول فان جاء ما بينه
وبين الليل والا فلا بيع له ، وإذا اشترى ما لا يفسد من يومه فان جاء فيما بينه
وبين ثلاثة أيام والا فلا بيع له. انتهى.
ليس في كلام
المقنع رحمهالله هنا ما يدل على مخالفة الأصحاب في هذه المسألة بالنسبة
إلى الحيوان ، لان قوله «وإذا اشترى ما لا يفسد» الى آخره شامل للحيوان وغيره
وقوله «إذا اشترى رجل جارية» الى آخره لا يدل على أن هذا خيار الحيوان بجميع
أفراده بأن يحمل ذكر الجارية على التمثيل.
وانما هذا فتوى
برواية على بن يقطين المتقدمة المشتملة على هذا الحكم المخصوص بالجارية إذ
يبعد منه رحمهالله اطراح اخبار الثلاثة الواردة في خيار الحيوان مع تعددها وصحتها ، والاقتصار على هذا الخبر الشاذ
النادر مع عدم ظهوره في العموم.
__________________
فالظاهر ان هذا
الحكم الذي ذكره مخصوص بالجارية كما هو مورد الخبر المشار اليه ، وربما كان منشأ
التوهم عدم ذكر خيار الحيوان في هذا المقام والكتاب لا يحضرني الآن.
وبالجملة
فالأظهر حمل كلامه على ما ذكرنا تحاشيا عن خروجه عن مقتضى الأخبار الواردة في خيار
الحيوان ، وانه ثلاثة أيام للمشتري ، أو مع البائع على الخلاف المتقدم.
ويعضد ما قلناه
أنه في الفقيه روى موثقة الحسن بن على بن فضال المتقدمة في روايات خيار الحيوان الدالة على أنه ثلاثة
أيام ، ومع هذا قال في الكتاب المذكور : ومن اشترى جارية وقال للبائع أجيئك بالثمن
فان جاء فيما بينه وبين شهر والا فلا بيع له ، والعهدة فيما يفسد من يومه مثل
البقول والبطيخ والفواكه يوم الى الليل. انتهى.
وحينئذ فالظاهر
حمل قوله «ما لا يفسد» على ما هو أعم من الحيوان وغيره ، ليوافق فتوى الأصحاب.
نعم ـ يخرج من
ذلك حكم الجارية بناء على عمله بخبر على بن يقطين المشار اليه وقد تقدم.
السادس ـ خيار ما يفسد ليومه
والأصل في هذا
النوع من الخيار ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي حمزة أو غيره عمن ذكره عن ابى عبد الله عليهالسلام وأبى الحسن عليهماالسلام «في الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه ، ويتركه حتى يأتيه بالثمن؟ قال
: فان جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن والا فلا بيع له».
__________________
ونقل في
الوسائل عن الصدوق أنه روى بإسناده عن ابن فضال عن ابن رباط عن زرارة عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث «قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول
والبطيخ والفواكه يوم الى الليل».
أقول : روى في
التهذيب عن الحسين بن سعيد عن ابن فضال وفي الفقيه عن ابن فضال عن ابن رباط عمن رواه عن أبى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال
البائع».
وزاد في الفقيه
«ومن اشترى جارية وقال للبائع أجيئك بالثمن فان جاء فيما بينه وبين شهر والا فلا
بيع له ، والعهدة فيما يفسده من يومه». الى آخر ما تقدم.
والظاهر أن هذه
الزيادة إنما من كلامه الذي يدخله بين الاخبار ، وهو إشارة الى ما تضمنه مرسلة ابن
أبي حمزة المذكورة ورواية على بن يقطين المتقدمة كما أشرنا إليه آنفا ، لا أنه من متن الرواية
المذكورة.
وكيف كان فإن
الرواية المذكورة لا تخلو عن الإشكال بالنسبة الى ما يترتب على هذا الخيار ، وذلك
لان الظاهر أن الخيار انما شرع لدفع الضرر ، وإذا توقف ثبوته على دخول الليل مع
كون الفساد يحصل في يومه ، ولا يندفع به الضرر وانما يندفع بالفسخ قبل الفساد.
وفي الدروس
عنونه بما يفسده المبيت ، وهو جيد ، الا أن فيه خروجا عن النص ولعله لتلافيه بخبر
الضرار ، واستقرب تعديته الى كل ما يتسارع اليه الفساد عند خوفه.
__________________
ولا يتقيد بالليل واكتفى في الفساد بنقص الوصف وفوات الرغبة كما في
الخضروات. واللحم والعنب وكثير من الفواكه ، واستشكل فيما لو التلزم التأخير فوات
السوق فعلى هذا لو كان مما يفسده في يومين تأخر الخيار عن الليل الى حين خوفه.
وهذا كله وان
كان متجها في حد ذاته الا انه خارج عن مدلول النص الوارد في هذا الحكم ـ كما عرفت
ـ الا ان خبر الضرار يفيده في الجميع.
تنبيهات
الأول ـ الظاهر
ان هذا الخيار فرد من افراد خيار التأخير كما يشير اليه كلام العلامة في التذكرة
حيث ذكره في مسألة من مسائل خيار التأخير ، فكأنه قال : خيار التأخير فيما لا يفسد
إلى ثلاثة أيام ، وفيما يفسد في يومه الى الليل ، والى ذلك يشير أيضا عبارة المقنع
المتقدمة.
__________________
ويعضده ظاهر
كلامهم هنا من حيث عدم القبض والإقباض ، كما في خيار التأخير المتقدم ، وهو ظاهر
النص الوارد في المسألة أيضا ، فحينئذ فعده قسما برأسه ليس مما ينبغي.
الثاني ـ ان
مقتضى كلامهم أنه بعد مضى اليوم يتخير البائع بين الصبر وان فسد ، فأخذ الثمن من
المشترى ، وبين الفسخ وبيعه ، أو يتصرف فيه بأي نحو أراد ، ولا يرجع الى المشترى ،
بنحو ما قالوه في الخيار بعد الثلاثة والمفهوم من الرواية المتقدمة ـ هنا إنما هو
ما ذكرناه ـ في روايات خيار التأخير ثلاثة أيام ـ من بطلان البيع حيث ان العبارة
في الموضعين واحدة ، إذ مؤدى (لا بيع له) هو البطلان ، لا ثبوت الخيار ، وهو يرجع
الى ما قدمنا تحقيقه من أنه ليس هنا خيار بالكلية.
وانما غاية ما
يدل عليه الخبر المذكور هنا ـ كالاخبار في تلك المسألة ـ أنه يبقى البيع مراعى
بمضي المدة المذكورة ، فإن قبضه المشترى فيها أو أقبض الثمن صح البيع والابطل من
أصله.
هذا هو ظاهر
الاخبار المشار إليها كما عرفت.
وحاصل الخبر
هنا أنه يجب على البائع الصبر إلى أول دخول الليل ، فان أتى المشتري بالثمن فهو له
، فسد أو لم يفسد ، والا بطل البيع كذلك.
هذا ظاهر الخبر
المذكور ، ووجه الاشكال فيه وجوب الصبر المدة المذكورة وان تضرر بفساد المبيع فيها
، ويمكن التفصي عنه بان رضاه بذلك مع علمه بالحكم الشرعي ، وقدومه على البيع
والحال هذه بدفع الاشكال المذكور.
الثالث ـ قد
عرفت سابقا ان ظاهر كلام الأصحاب ـ وهو ظاهر الخبر الوارد في هذه المسألة ـ أن
الشرط هنا عدم التقابض ، لا من الطرفين ، ولا من أحدهما ، وحينئذ فلو قبض المشتري
السلعة ، ولم يقض البائع الثمن ، فان البيع يكون لازما ، ولا يقدر بالمدة المذكورة
وكذا بالعكس ، ولو قبض بعض الثمن أو سلم بعض المبيع فكالعدم ، لصدق عدم
قبض الثمن ، وعدم قبض المبيع المترتب عليهما الحكم المتقدم في الخبر ، وفي
كلام الأصحاب والله العالم.
السابع خيار الرؤية
وهو ثابت لمن
لم ير ، إذا باع أو اشترى بالوصف ، ثم ظهر مخالفا ، فان كانت المخالفة بظهور
الزيادة على الوصف تخير البائع ، وان كانت بالنقص عنه تخير المشترى ، والأصل فيه ـ
أيضا مضافا الى الاتفاق ـ هو اشتراط الرؤية أولا في صحة البيع ولزومه ، كما يدل
عليه ما رواه في الكافي عن عبد الأعلى بن أعين قال : «نبئت عن ابى جعفر (عليهالسلام) انه كره بيعين اطرح وخذ على غير تقليب ، وشراء ما لم
ير» .
وروى في
التهذيب قال : نبئت عن ابى جعفر ـ عليهالسلام ـ انه يكره شراء ما لم ير. والكراهة هنا بمعنى التحريم
كما وقع مثله كثيرا في الاخبار ، بل هو الأغلب الأكثر فيها.
__________________
وثانيا ما رواه
الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها فلما ان
نقد المال صار الى الضيعة «ففتشها» ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : لو قلبها ونظر منها الى تسع وتسعين قطعة ثم بقي منها
قطعة لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن زيد الشحام قال : «سألت أبا عبد الله عن رجل اشترى سهام القصابين
من قبل أن يخرج السهم فقال : لا يشترى شيئا حتى يعلم أين يخرج السهم ، فان اشترى
شيئا فهو بالخيار إذا خرج».
وتوضيح معنى
هذا الخبر ما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال
القصاب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): اشترى الغنم ، أو يشترى الغنم جماعة ثم ندخل دارا ثم
يقوم رجل على الباب فيعد واحدا واثنين وثلاثة وأربعة وخمسا ثم يخرج السهم قال : لا
يصلح هذا ، انما يصلح السهام إذا عدلت القسمة.
والمراد منه
أنه إذا اشترى عشرة مثلا ، مائة من الغنم ، فيدخل بيتا فيخرج من الغنم كيف ما اتفق
، فإذا بلغ المخرج خمسة مثلا اخرج اسم رجل ، فمن خرج اسمه يعطيه هذه الخمسة ، فلم
يجوزه ـ (عليهالسلام) ـ للغرر وعدم تحقق شرائط القسمة ، إذ من شروطها تعديل
السهام أولا ، فربما وقع في سهم بعضهم كلها سمانا وفي سهم الأخر هزالا.
__________________
ومن أجل هذا
انه لو اشترى والحال هذه فان له الخيار كما صرح به في صحيح الشحام «إذا خرج الردى في ذلك السهم».
وأما إذا أمكن
القسمة بعد تعديل السهام ، فإنه لا مانع لأنه يشتري متاعا فان اقتسموا بالتعديل
فلا خيار ، والا فإن خرج في سهمه الردى كان له الخيار في القسمة ، فالمتاع في صحيح
الشحام مبنى على ما هو دأبهم من شرائهم مجهولا غير معدل ، كما يشير اليه قوله في
رواية منهال انما يصلح السهام إذا عدلت القسمة.
وكيف كان فمورد
الخبرين المذكورين انما هو المشترى ، والمدعى ـ كما هو المتفق عليه بينهم ـ ثبوت
ذلك ـ أيضا ـ للبائع الا ان يجبر ذلك بخبر الضرار
وربما احتمل
بعض الأصحاب في صحيحة جميل أن يكون التفتيض من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف
المشترى ، وحينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما على تقدير هذا الاحتمال ، الا
أن الظاهر بعده غاية البعد عن سياق الخبر المذكور ، ومع تسليمه فثبوت كون الجواب
عاما ـ أيضا ـ محل خفاء واشكال.
وبالجملة
فالظاهر ان مستند العموم انما هو خبر الضرار المجبور باتفاق الأصحاب على الحكم
المذكور ، قالوا : ولا بد في هذا النوع من الخيار من ذكر الجنس والوصف الرافعين
للجهالة ، وضابط ذلك أن كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته والتفائه ، ويتفاوت به
القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح بمثاله ، فإنه يجب ذكره ، فلا بد من استقصاء صفات
السلم كلها كما صرح به العلامة في التذكرة.
فروع
الأول : لو وصف
بها فوقع البيع والشراء بوصف الغير ثم ظهر الزيادة والنقصان من جهتين تخيرا معا ،
ويقدم قول الفاسخ كما تقدم بيانه.
__________________
الثاني : قال
في الدروس : ولو شرطا دفعة فالظاهر بطلان العقد ، للغرر ، أقول : والوجه فيه ان
الوصف قائم مقام الرؤية ، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي ولا موصوف
، ويلزم من ذلك الغرر المنهي عنه المبطل للبيع ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في صحة
إسقاط خيار المجلس والحيوان والعيب ، وأما خيار الغبن والتأخير ففيهما احتمال
والصحة أظهر ، وأما خيار الرؤية فالحكم فيه ما عرفت.
الثالث : ظاهر
كلام أكثر الأصحاب اشتراط الفورية في هذا الخيار.
الرابع : قال
في الدروس : لو شرط البائع إبداله ان لم يظهر على الوصف فالأقرب الفساد ، أقول :
ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من ان يظهر على الوصف أم لا ، وفيه انه لا موجب
للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط ، ومجرد شرط البائع الإبدال
مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا في الفساد لعموم الأخبار المتقدمة.
نعم لو ظهر
مخالفا فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة ، ولا يجبره هذا الشرط لإطلاق الاخبار في
الخيار ، والأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور ، حيث لا تأثير
له مع الظهور وعدمه.
وبالجملة فإني
لا اعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على الإطلاق وجها يحمل عليه ، والله
العالم.
الخامس : لو
اشترى برؤية قديمة تخير أيضا لو ظهر بخلاف ما رآه ، وكذا من طرف البائع ، الا ان
هذا ليس من افراد هذا الخيار الذي هو محل البحث ، لانه مقصور على ما لم ير ، حيث
اشترط فيه الوصف عوضا عن الرؤية ، ولا يشترط وصف ما سبقت رؤيته ، وانما يباع
ويشترى بالرؤية السابقة ، غاية الأمر انه إذا ظهر بخلاف ذلك ، لطول المدة أو عروض
عارض أو نحو ذلك تخير ، بايعا كان أو مشتريا.
__________________
«الثامن خيار العيب»
وضابطه في
الحيوان كلما زاد عن أصل الخلقة أو نقص وزاد بعضهم عينا كان كالإصبع الزائدة أو
الناقصة ، أو صفة كالحمي ولو يوما بأن يشتريه فيجده محموما أو يحم قبل القبض.
أقول : ويدل
على الأول ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد السياري قال : «روى عن ابن أبى ليلى أنه قدم اليه رجل خصما له
فقال : ان هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا وزعمت أنه لم
يكن لها قط قال : فقال له ابن أبى ليلى : ان الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى
يذهبوا به فما الذي كرهت؟ فقال : أيها القاضي ان كان عيبا فاقض لي به. فقال : اصبر
حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني ثم دخل وخرج من باب آخر حتى أتى محمد بن مسلم
الثقفي فقال له أي شيء تروون عن أبى جعفر (عليهالسلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعرا يكون ذلك عيبا».
فقال له محمد
بن مسلم : أما هذا نصا فلا أعرفه ، ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) عن النبي صلىاللهعليهوآله «أنه قال : كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، فقال له ابن أبى
ليلى : حسبك ثم رجع الى القوم فقضى لهم بالعيب».
__________________
وعلى الثاني في
الجملة ما رواه في الكافي عن داود بن فرقد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها
ستة أشهر وليس بها حمل ، قال : ان كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر ، فهذا عيب
ترد منه». ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب.
وللمشتري
الخيار بين الرد والقبول مع الأرش في صورة الجهل بالعيب عند الشراء ، ويسقط الرد
خاصة دون الأرش بالتصرف في المبيع ، سواء كان قبل علمه بالعيب أم بعده ، وسواء كان
التصرف ناقلا للملك أم لا ، مغير اللعين أم لا.
ونقل عن ابن
حمزة أنه إذا تصرف المشترى بعد العلم بالعيب سقط الرد والأرش معا ،
وهو مردود
بالاخبار الاتية ، وكذا يسقط الرد خاصة دون الأرش بحدوث عيب بعد القبض ، فإنه مانع
من الرد بالعيب السابق ، ويسقطان معا بالعلم بالعيب قبل العقد ، فان قدومه عليه
عالما به رضى بالعيب.
وكذا يسقطان
بالرضا به بعده ، وفي حكمه إسقاط الخيار وكذا يسقطان ببراءة البائع من العيوب ،
والأصل في بعض هذه الأحكام الاخبار الجارية في هذا المضمار.
ومنها ما رواه المشايخ
الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما ـ (عليهماالسلام) «في الرجل يشترى الثوب من الرجل أو المتاع فيجد به
عيبا ، قال : ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن ، وان كان خاط
الثوب أو صبغه أو قطعه رجع بنقصان العيب».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبى جعفر (عليهالسلام)
__________________
قال : «أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عواز لم يتبرأ إليه منه ولم يبرأ به
وأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا وعلم بذلك العور أو بذلك العيب انه يمضى عليه البيع
ويرد عليه بقدر ما ينقص ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به».
وما رواه في
الكافي عن أبى صادق قال : «دخل أمير المؤمنين (عليهالسلام) ورواه الصدوق مرسلا قال دخل أمير المؤمنين (عليهالسلام) سوق التمارين فإذا امرأة قائمة تبكي وهي تخاصم رجلا تمارا
، فقال لها : مالك؟ فقالت : يا أمير المؤمنين اشتريت من هذا تمرا بدرهم فخرج أسفله
رديا وليس مثل هذا الذي رأيت فقال له. رد عليها ، فأبى حتى قال له ثلاث مرات فأبى
، فعلاه بالدرة حتى رد عليها ، وكان عليهالسلام يكره أن يجلل التمر.».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن ميسر بن عبد العزيز قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل اشترى زق زيت فوجد فيه درديا فقال : ان كان ممن
يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يرده عليه ، وان لم يكن يعلم أن ذلك يكون في الازيت
رده عليه».
وما رواه في
التهذيب عن جعفر بن عيسى قال : «كتبت الى أبى الحسن (ع) جعلت فداك المتاع يباع
فيمن يزيد ، فينادي عليه المنادي فإذا نادى عليه بريء من كل عيب فيه ، فإذا
اشتراه المشترى ورضيه ، ولم يبق إلا نقده الثمن فربما زهده فإذا زهد فيه ادعى فيه
عيوبا وأنه لم يعلم بها فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول له المشترى : لم
أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب (عليهالسلام) : عليه الثمن».
__________________
الا أن ظاهر
الأصحاب عدم القول بهذه الرواية كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله تعالى. في فصل
العيوب.
وما رواه في
التهذيب أيضا ـ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهمالسلام «أن عليا (عليهالسلام) قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة
فوجد فيها ربا فخاصمه الى علي (عليهالسلام) فقال له علي (عليهالسلام) : لك بكيل الرب سمنا ، فقال له الرجل : انما بعته منك
حكرة ، فقال له (عليهالسلام) ـ : انما اشترى منك سمنا ولم يشتر منك ربا».
قال في الوافي
والحكر الجمع والإمساك يقال : اشترى المتاع حكرة أي جملة. انتهى ، الى غير ذلك من
الاخبار الاتية إنشاء الله في الفصل الذي في حكم العيوب ، وقد تقدم في المباحث
السابقة ما يدل على بعض هذه الأحكام ايضا.
والعجب من صاحب
الكفاية هنا حيث قال : ولو تصرف المشترى سقط الرد دون الأرش للاخبار المتعددة ،
لكن الأخبار مختصة بمن اشترى جارية فوطأها ثم وجد بها عيبا. انتهى.
وكأنه لم يقف
على هذه الاخبار التي قدمناها صريحة في الأرش مع التصرف في المبيع مطلقا جارية أو
غيرها ، الا ان عندي في المقام اشكالا ، وهو ان المذكور في كلامهم انه مع ظهور
العيب السابق قبل العقد أو القبض فللمشتري الخيار بين الرد والقبول مع الأرش ،
والروايات المتقدمة خالية من ذكر الأرش ، وانما المذكور فيها الرد ، والأرش إنما
ذكر في صورة التصرف المانع من الرد ، ومثلها الاخبار الاتية إنشاء الله تعالى ـ في
شراء الجواري ، ولم أقف على من تنبه لذلك ولا نبه عليه .
__________________
وبالجملة
فالدليل على التخيير المذكور غير ظاهر من الاخبار الا ان يكون الإجماع ، لظهور
اتفاقهم على الحكم المذكور.
نعم ذلك مذكور في
الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) «فان خرج في السلعة عيب وعلم المشترى ، فالخيار اليه
ان شاء رد وان شاء أخذه أورد عليه بالقيمة مع أرش العيب». وظاهر العبارة التخيير
بين الرد وبين أخذه من غير أرش أو أخذه مع الأرش ويحتمل أن لفظة (أو) غلط ، وانما
هو بالواو فيكون مخيرا بين الأول والثالث.
والظاهر أن هذه
العبارة هي المستند في ذلك ، في كلام المتقدمين وجرى عليه جملة المتأخرين كما في
جملة من الأحكام التي أسلفنا ذكرها في غير مقام.
وأما باقي شقوق
المسألة مما لا يظهر وجهه من هذه الاخبار ، فيمكن استفادته من الرجوع الى القواعد
المقررة والضوابط المعتبرة.
والأرش المذكور
في الاخبار المتقدمة عبارة عن نسبة التفاوت بين قيمته صحيحا وقيمته معيبا ، فيؤخذ
من الثمن بتلك النسبة ، لا تفاوت ما بين الصحيح والمعيب ، لانه قد يحيط بالثمن أو
يزيد عليه ، فيلزم أخذه العوض والمعوض ، كما إذا اشتراه بخمسين وقوم معيبا بها ،
وقوم صحيحا بمأة أو أزيد ، وعلى اعتبار النسبة يرجع في المثال المذكور بخمسة
وعشرين ، وعلى هذا القياس.
وتمام تحقيق
المسألة يأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في الفصل المعقود للعيب ، وهذا ما وعدنا به
آنفا من ذكر ثمانية من أفراد الخيار المذكورة في كلام أكثر الأصحاب ، وزاد شيخنا
في اللمعة ستة على هذه الثمانية بحيث يبلغ المجموع أربعة عشر ، وانما أعرضنا عن
ذكرها لعدم وجود النصوص على كثير من أحكامها وسيأتي ـ إنشاء الله ـ التعرض لذكرها
كل في مقامه ، وبيان ما يتعلق بنقضه وإبرامه.
__________________
المقام الثاني في أحكام الخيار
وقد تقدم ذكر
كثير منها في المباحث المتقدمة في المقام الأول ، وبقي الكلام هنا في مسائل :
الأولى : قد
صرح جمع من الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ بأن خيار الشرط يثبت في كل نوع من أنواع
العقود ، سوى النكاح والوقف والإبراء والطلاق والعتق.
أما جواز الشرط
في العقود ، فلعموم الأخبار المتقدمة في خيار الشرط الدالة على جواز الاشتراط إذا
كان الشرط سائغا لا يخالف الكتاب والسنة ، وقد استثنى من البيع ما يتعقبه العتق ،
كشراء القريب الذي ينعتق عليه ، فإنه لا يثبت فيه خيار الشرط ، ولا المجلس ، وكذا
شراء العبد نفسه إذا جوزناه ، فإنه مناف لمقتضاه ، وسيأتي تحقيق المسألة ـ إنشاء
الله تعالى ـ في محلها.
واما استثناء
ما ذكر ، فعلل بان النكاح لا يقصد فيه المعاوضة ، والوقف ازالة ملك على وجه القربة
، ومثله العتق ، وقريب منه الإبراء.
وادعى في
المسالك الإجماع على استثناء هذه المذكورات أولا ، والظاهر أنه هو العمدة عندهم ،
والا فهذه التعليلات لا تمنع تطرق المناقشة ، فإنها لا تصلح لتخصيص عموم تلك
النصوص.
قال في التذكرة
: والأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة ، خلافا للجمهور ، وهو مؤذن بعدم
الخلاف عند الأصحاب ، وقد الحق بالطلاق الخلع والمبارات ، وبالعتق التدبير
والمكاتبة المطلقة ، وقد عرفت ما في المحلق به.
والحق ان
المسألة لا يخلو عن شوب الاشكال بالنظر الى إطلاق النصوص ، وعدم وجود مخصص يصلح
الاعتماد عليه ، وان كان الأحوط الوقوف على ما ذكروه (رضى الله عنهم).
الثانية : لا
خلاف بين الأصحاب في أن الضابط في صحة الشرط هو أن لا يكون مؤديا إلى الجهالة في
المبيع أو الثمن ، ولا مخالفا للكتاب والسنة ، فلو كان مؤديا إلى الجهالة في
أحدهما بطل ، كاشتراط تأخير المبيع في يد البائع أو الثمن في يد المشترى ما شاء كل
واحد منهما ، فإنه يلزم منه الجهالة ، فإن للأجل قسطا من الثمن ، وإذا كان مجهولا
يجهل الثمن ، وكذا القول في جانب المبيع.
ومتى كان
مخالفا للكتاب والسنة ، فإنه يبطل أيضا كاشتراط عدم وطئ الأمة ، أو شرط وطئ البائع
إياها بعد العقد مرة أو أزيد ، واشتراط أن لا يبيعه أو لا يعتقه أو لا يهب.
قال في المسالك
ـ بعد حد هذه الافراد ـ : وضابط ما ينافي مقتضى العقد ، بأن يقتضي عدم ترتب الأثر
الذي جعل الشارع العقد من حيث هو يقتضيه ، وترتبه عليه ، كذا حققه جماعة انتهى.
ثم استشكل
اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا ، واشتراط سقوط خيار المجلس والحيوان وما شاكل
ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه.
أقول : ويمكن
دفع الإشكال بالنسبة إلى الأول بالوقوف على مقتضى الضابطة المذكورة ، والقول
ببطلان هذا الشرط حيث لا دليل عليه ، وعن الثاني بجميع أفراده بان ذلك ليس من
مقتضى العقد ، فان مقتضاه اللزوم كما تقدم ، وانما جاز الفسخ في هذه المواضع بدليل
خارج أوجب الخروج عن مقتضى العقد.
وأما ما ذكره
هنا هو وغيره من اشتراط أن لا يبيع ولا يهب فجيد ، بناء على الضابطة المذكورة ،
الا أنه قد ورد في جملة من الاخبار ما يؤذن بصحة هذا الشرط مثل مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) في الرجل اشترى جارية وشرط لأهلها ان لا يبيع ولا يهب
قال : يفي بذلك إذا شرط لهم.
__________________
ومرسلته
الثانية عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها ان لا يبيع ولا
يهب ولا يورث؟ قال : يفي بذلك إذا شرط لهم الا الميراث». ونحوهما في ذلك صحيحة الحلبي
وقد تقدمت في القسم الثالث في خيار الشرط وتقدم نبذة من الكلام فيما يتعلق بهذا
المقام.
وكذا يبطل
الشرط باشتراط غير المقدور للمشروط عليه ، كاشتراط حمل الدابة في ما بعد ، أو ان
الزرع يبلغ السنبل ، سواء شرط عليه ان يبلغ ذلك بفعله أو بفعل الله تعالى ، لاشتراكهما
في عدم المقدورية.
ولو شرط تبقية
الزرع في الأرض إلى أو ان السنبل إذا وقع البيع على أحدهما دون الأخر جاز ، لان
ذلك مقدور له ، ولا يعتبر تعيين مدة البقاء بل يحمل على ما هو المتعارف عن البلوغ
لانه منضبط.
وفي كل موضع
يبطل الشرط فهل يختص البطلان به ـ لانه الممتنع شرعا ـ دون البيع ولتعلق التراضي
بكل منهما ، أو يبطل العقد من أصله؟ لأنه غير مقصود بانفراده وما هو مقصود لم يسلم
، ولان للشرط قسطا من الثمن ، فإذا بطل يجهل الثمن ـ قولان : وما تقدم من قوله
تعلق التراضي بهما يضعف بعدم تعلق التراضي وقصده منفردا وهو شرط الصحة.
أقول وما ذكروه
في هذه المسألة في هذا الموضع وغيره من بطلان العقد باشتماله على الشرط الباطل ، ـ
وعللوه من أن القصد انما تعلق بالجميع ـ والعقود تابع بالقصود ، فما تعلق به القصد
غير حاصل ، وما حصل غير مقصود ـ جيد ، الا ان جملة من الاخبار قد دلت على بطلان
الشرط في مواضع مع صحة العقد ، وبعض الاخبار يدل على ما ذكروه.
__________________
فهذه القاعدة
غير مطردة بالنسبة الى ما دلت عليه الاخبار في الباب كما حققنا ذلك في المقدمة
الحادية عشر من مقدمات الكتاب .
ولو شرط عتق
المملوك جاز لانه شرط سائغ بل راجح ، لكن ان شرط عتقه عن المشتري أو أطلق فلا خلاف
في الصحة ، وان شرط عتقه عن البائع ، فقولان : أصحهما العدم ، لقوله ـ عليهالسلام ـ «لا عتق إلا في ملك» . والبائع ليس مالكا وعن التذكرة الحكم بالجواز.
ولو مات العبد
قبل العتق كان للبائع الخيار أيضا ، فإن اختار الفسخ رجع بجميع القيمة.
وفي تعيين
وقتها أقوال تقدم نقلها في الموضع الثالث من المسألة السابعة من المقام الثالث في
العوضين ـ ورد ما قبضه من الثمن لبطلان البيع بالفسخ ، وانما
يرجع بالقيمة ، لأنه مضمون ـ على المشترى بعد القبض.
أما لو اختار
الإمضاء فهل يرجع على المشترى بما يقتضيه شرط العتق من القيمة ، فإنه يقتضي نقصانا
من الثمن أم يلزم مع اجازة ما عين من الثمن خاصة قولان
__________________
ولو شرط أن لا
خسارة على المشترى لو باع المبيع بل على البائع فخسر ، فان هذا الشرط باطل ،
لمنافاته لمقتضى البيع.
ويدل عليه
رواية عبد الملك بن عتبة قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل ابتاع منه متاعا على ان ليس على منه وضيعة هل
يستقيم هذا وكيف يستقيم وحد ذلك؟ قال : لا ينبغي». ولفظ لا ينبغي وان كان في العرف
الان بمعنى الكراهة ، الا أن وروده بمعنى التحريم في الاخبار أكثر كثير ، والمراد
منه هنا ذلك.
ولو شرط في
البيع ان يضمن انسان كل الثمن أو بعضه جاز ، كما صرح به جملة من الأصحاب ،
وكل شرط لم
يسلم لمشترطه بان امتنع المشروط عليه من الوفاء به ، فهل الواجب جبره على الوفاء
به؟ ـ لعموم الأمر بالوفاء بالعقد الدال على الوجوب ، وقولهم (عليهمالسلام) «المؤمنون عند شروطهم» . الدال على وجوب الوفاء بالشرط ، فعلى هذا لو امتنع من
الوفاء بالشرط أثم وعوقب بتركه ووجب إجباره على ذلك ، ولو لم يمكن إجباره رفع
الأمر إلى الحاكم الشرعي ليجبره عليه ، ان كان مذهبه ذلك وان تعذر فسخ إنشاء.
أو انه لا يجب
على المشروط عليه ، لأن الأصل عدم الوجوب ، وللمشروط له وسيلة إلى التخلص بالفسخ ،
فغاية الشرط حينئذ جعل البيع اللازم عرضة للزوال عند فقد الشرط ، ولزومه عند
الإتيان به ، قولان : أظهرهما الأول لما عرفت من حجج القولين.
ويؤكده أيضا
انه في مثل شرط العتق فيه حق لله سبحانه وللعبد ، فكيف إبطاله.
__________________
وعن الشهيد في
بعض تحقيقاته تفصيل في هذا المقام ، وهو ان الشرط الواقع في العقد اللازم ان كان
العقد كافيا في تحققه ، ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به كشرط
الوكالة في العقد ، وان احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق
فليس بلازم ، بل يقلب العقد اللازم جائزا ، وجعل السر فيه ان اشتراطه للعقد كاف في
تحققه كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما
سيوجد أمر منفصل عن العقد ، وقد علق عليه العقد والمعلق على الممكن ممكن ، وهو
معنى قلب اللازم جائزا.
واستحسن هذا
التفصيل في المسالك ، لكنه اختار القول الأول وهو الأظهر كما عرفت ، وهذا التفصيل
من حيث الاعتبار بالتقريب الذي ذكره لا يخلو من وجه ، لكن قد عرفت ـ في غير موضع
ما تقدم ان بناء الأحكام الشرعية على هذه الاعتبارات العقلية مشكل ، والقول الأول
مطابق لمقتضى النصوص كما عرفت والله العالم.
الثالثة : قد
صرح الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ بأنه إذا مات من له الخيار انتقل الى وارثه ، من أي
أنواع الخيار كان ، والوجه فيه أنه حق مالي قابل للانتقال فيدخل تحت عموم الأخبار
الدالة على إرث مثل ذلك ، وحينئذ فلو كان الخيار خيار شرط ثبت للوارث في بقية
المدة المضروبة ، ولو كان غائبا أو حاضرا ولم يبلغه الخبر حتى انقضت مدة الخيار
سقط خياره بانقضاء المدة كالمورث.
وان كان خيار
غبن اعتبر فيه الفورية حين بلوغه الخبر وعلمه بالفورية على القول بها وان طالت
المدة.
وان كان خيار
مجلس وكان الوارث حاضرا في مجلس البيع قام مقامه في الخيار وفيه تأمل ، لدلالة
ظاهر الاخبار على تعلق ذلك بالبيعين الذين أوقعا العقد ، وعلى تقدير قيامه مقامه ،
فهل يقوم مقامه في اعتبار التصرف ، أو يبقى الحكم معلقا على المفارقة من الميت أو
الوارث وجهان.
رجح ثانيهما في
المسالك قال : عملا بظاهر النص فان ضمير يتفرقا عائد إلى المتبايعين ، والتفرق هنا
يصدق بانتقال الحي ، وبنقل الميت مع عدم المصاحبة ، ومعها يبقى الى ان يتفرقا.
واما احتمال
سقوط الخيار بالموت لأن مفارقة الدنيا أبعد من مفارقة المجلس فقد تقدم ما فيه في
قسم خيار المجلس.
هذا كله مع
اتحاد الوارث ، فلو تعدد في كل من هذه الأقسام فإن اتفقوا فلا اشكال وان فسخ بعضهم
، وأجاز الأخر ، قدم الفاسخ عند الأصحاب وفي انفساخ الجميع أو في حصته خاصة ، ثم
يتخير الأخر لتبعض الصفقة وجهان :
وفي خيار
المجلس مع عدم حضورهم جميعا للمجلس اشكال.
وبالجملة فإن
أكثر هذه الفروع لا يخلو عن الاشكال والله العالم.
الرابعة : المشهور
بين الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ ان المبيع يملك بالعقد ملكا متزلزلا قابلا للفسخ
مدة الخيار. ونقل عن الشيخ أنه انما يملك بانقضاء الخيار إذا كان الخيار للبائع أو
لهما ، أما لو كان للمشتري فإنه يملك من حين العقد.
وعن ابن الجنيد
أنه انما يملك بانقضاء الخيار مطلقا ، وربما نقل الإطلاق عن الشيخ أيضا ، الا ان
عبارته في الخلاف دالة على التفصيل المتقدم ، لكن ظاهرها انما هو زوال ملك البائع
عن المبيع بنفس العقد ، متى كان الخيار للمشتري ، وأنه لا ينتقل إلى المشتري حتى
ينقضي الخيار ، فإذا انقضى ملكه بالعقد الأول ، وهذا خلاف ما نقلوه عنه ، من أنه
متى كان الخيار للمشتري فإنه يملك من حين العقد.
ومقتضى ما
نقلناه عنه في الخلاف ان الفرق بين الأمرين انما هو باعتبار زوال ملك البائع ،
وانه لا يزول في صورة ما لو كان الخيار له أو لهما ، ويزول فيما كان الخيار
للمشتري ، وأما المشتري فإنه لا يملكه ولا ينتقل اليه الا بانقضاء الخيار مطلقا.
وهذه صورة
عبارته في الكتاب ننقلها ليزول بذلك عما ذكرناه شبهة الشك والارتياب.
قال ـ رحمهالله : العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول فان كان مطلقا فإنه
يلزم بالافتراق بالأبدان ، وان كان مشروطا فإنه يلزم بانقضاء الشرط ، فان كان
الشرط لهما أو للبائع ، فإذا انقضى الخيار ملك المشترى بالعقد المتقدم ، وان كان
الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد ، لكنه لا ينتقل إلى
المشتري حتى ينقضي الخيار فإذا انقضى ملك المشترى بالعقد الأول ـ انتهى.
ومقتضاه انه في
صورة ما إذا كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن المبيع بنفس العقد ، ويبقى
المبيع مدة الخيار بلا مالك لزوال ملك البائع بنفس العقد ، وعدم دخوله في ملك
المشترى حتى ينقضي الخيار ، ولم أقف على من تنبه لذلك من عبارته مع انها ظاهرة
فيما قلناه .
__________________
وفيه أيضا ان
مقتضى ما ذكره في صورة ما لو كان الخيار مشتركا أو للبائع خاصة من جعل ملك المشترى
معلقا على انقضاء الخيار ، وانه ينبغي أيضا ان يكون ملك البائع الثمن أيضا معلقا
على ذلك ، ومتوقفا عليه ، وهذا اشكال آخر في العبارة المذكورة.
ثم انه على
تقدير هذا القول مطلقا أو مقيدا كما ذكروه ، فهل يكون انقضاء الخيار مع عدم الفسخ
كاشفا عن ملك المشترى من حين العقد أم ناقلا؟ كل محتمل ولكن ظاهر عبارة الشيخ
المذكورة الأول.
ويظهر فائدة
الخلاف في مواضع :
منها النماء
المنفصل كاللبن والحمل والثمرة المتجددة زمن الخيار ، فإنه على القول المشهور وكذا
على القول بالكشف إذا لم يفسخ يكون للمشتري وعلى القول بالنقل يكون للبائع.
ومنها ـ الأخذ
بالشفعة زمن الخيار ، فعلى تقدير عدم الانتقال لا يأخذ بها الا بعد الخيار ، وعلى
تقدير الانتقال يأخذ بها من بعد العقد.
ومنها ـ جريانه
في حول الزكاة لو كان زكويا ، فإنه بعد العقد على تقدير الانتقال به ، وبعد الخيار
على تقدير القول الأخر.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ما ذكروه من الحكم المذكور غير مطرد بالنظر الى الاخبار ، فإنها مختلفة
في ذلك بالنسبة إلى اختلاف الخيارات ، ففي بعضها ما يوافق المشهور وفي بعض آخر ما
يوافق القول الأخر.
فمن الأخبار
الدالة على الأول الاخبار الواردة في خيار الشرط ، وقد تقدمت في الموضع المذكور
كموثقة إسحاق بن عمار ، ورواية معاوية بن ميسرة ، فإنهما صريحتان في كونه زمن الخيار ملكا للمشتري ، وانه
لو تلف في تلك المدة كان
__________________
من ماله ، ويحمل عليهما ما أطلق من اخبار المسألة.
ويؤيده أيضا ان
المتبايعين أقدما على ان يكون المبيع للمشتري ، وانما شرطا خيارا في مدة معينة ،
فالبيع على اللزوم كما هو مقتضاه ، وليس للبائع إلا مجرد الخيار.
ومن الاخبار
الدالة على القول الأخر صحيحة ابن سنان ـ المتقدمة في القسم الثاني في خيار الحيوان الدالة على
أنه «إذا اشترى الدابة أو العبد واشترط الى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابة
أو يحدث فيه حدث ، فضمان ذلك على البائع حتى ينقضي الشرط ، ويصير المبيع للمشتري».
فإنها ظاهرة في عدم الملك للمشتري ، وان كان الأصحاب حملوها على استقرار الملك.
وموثقة عبد
الرحمن بن أبى عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين ، فماتت
عنده ، وقد قطع الثمن على عن يكون الضمان؟ فقال : ليس على الذي اشترى ضمان حتى
يمضى بشرطه».
والجواب عنه
بعدم علمه بخيار الحيوان أو التأكيد أو بعد الثلاثة تكلف بعيد عن سياق الخبر.
ومرسلة ابن
رباط عمن رواه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال
البائع».
ورواية عبد
الله بن الحسن بن زيد بن على بن الحسين (عليهالسلام) عن أبيه عن جعفر بن محمد (عليهالسلام) قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله): في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام ، فمات العبد في
الشرط ، قال : يستحلف بالله ما رضيه وهو بريء من الضمان.
__________________
وهي ظاهرة كما
ترى في أن موت الحيوان في الشرط من البائع ، الا أن يلتزم المشترى بالبيع المسقط
للخيار.
وبالجملة
فروايات خيار الحيوان كما ترى مشتركة في ان تلفه مدة الخيار من مال البائع.
وهو خلاف ما
عليه القول المشهور ، من ان المبيع ملك المشترى الموجب لكون التلف من ماله. وخلاف
ما نقلوه عن الشيخ من أنه متى كان الخيار للمشتري ، فإنه يوافق القول المشهور في
هذه الصورة ، مع ان الخيار هنا للمشتري كما هو الأشهر الأظهر.
وهذه الاخبار
انما تصت على قول ابن الجنيد ، وأن مضي مدة الخيار ناقل لا كاشف ، مع أنه قول
مرغوب عنه في كلامهم.
وقد تقدم في
قسم خيار التأخير ذكر رواية عقبة ابن خالد الدالة على تلف المتاع عند البائع ، وانه مضمون على
البائع حتى يقبضه المشترى ، مع أن مقتضى قاعدتهم وقولهم أن المبيع يملك بالعقد هو
كونه من ملك المشترى ، لخروجه بالعقد عن ملك البائع ، وكونه ملكا للمشتري ، وأما
البناء ثمة على ما ذكروه من قاعدة التلف قبل القبض موجب للضمان على البائع.
ففيه انه لا
مستند شرعيا لهذه القاعدة ، ولعل قول الشيخ المفيد والمرتضى ومن تبعهما ثمة بكونه
من مال المشترى ، التفاتا الى هذه القاعدة المذكورة هنا من حصول الملك بالعقد ،
فإنه موجب لذلك الا أن الرواية كما ترى بخلاف ذلك.
ومن ذلك يظهر
ان الاولى والأليق هو الوقوف في كل حكم على ما يقتضيه النصوص المتعلقة بذلك الحكم
، وعدم الوثوق بهذه القواعد التي يؤسوها. والله العالم.
الخامسة ـ قالوا
إذا تلف المبيع قبل قبضه ، فهو من مال بايعه ، والمراد انه ينفسخ
__________________
العقد بتلفه من حينه ، ويرجع الثمن الى ملك المشترى ، ولو كان قد تجدد له
نماء بعد العقد وقبل التلف فهو للمشتري ، وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو
القيمة ، وان كان الحكم بكونه من البائع يوهم ذلك.
وانما عبروا
بذلك تبعا للنص والمراد منه ما ذكر ، وحينئذ فيقدر دخوله في ملك البائع
قبل التلف آنا ما ويكون التلف كاشفا عنه ، ومثله دخول الدية في ملك الميت ، والعبد
المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه.
وحكى في
التذكرة وجها بان الفسخ هنا يكون من أصله ، وعليه فلا يحتاج الى التقدير.
هذا كله إذا
كان تلفه من الله سبحانه ، أما لو كان من أجنبي أو من البائع تخير المشترى بين
الرجوع بالثمن وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة ، ولو كان التلف من المشترى
ولو بتفريطه فهو بمنزلة القبض ، فيكون التلف منه ولو كان التلف في زمن الخيار.
فإنه قد قرر له
في المسالك ضابطة ، وهي ان المتلف ان كان هو المشترى فلا ضمان على البائع مطلقا ،
لكن ان كان له خيار أو لأجنبي فاختار الفسخ يرجع الى المشتري بالمثل أو القيمة.
وان كان التلف
من البائع أو من أجنبي تخير المشترى بين الفسخ والرجوع بالثمن ، وبين مطالبة
المتلف بالمثل أو القيمة ان كان له خيار ، وان كان الخيار للبائع
__________________
والمتلف أجنبي ، تخير كما مر ورجع على المشترى أو الأجنبي.
وان كانت التلف
بآفة من الله تعالى سبحانه ، فان كان الخيار للمشتري أو له أو لأجنبي ، فالتلف من
البائع ، والا فمن المشترى ، هذا خلاصة كلامهم في هذا المقام.
وأنت خبير بان
ما ذكر من الكلام في هذا المقام مبنى على ثبوت القاعدة القائلة» بأن التلف قبل
القبض مضمون على البائع» مع انها معارضة بالقاعدة الأخرى المتقدمة القائلة «بأن
المبيع يملك بالعقد».
والتفصي عن
المعارضة بما ذكر هنا من ان المراد بكونه من مال البائع انه ينفسخ العقد بتلف
المبيع من حينه ، بمعنى انه يقدر دخوله في مال البائع آنا ما قبل التلف ويكون
التلف كاشفا عنه ـ لا يظهر له وجه من النص الوارد في هذه المسألة ، وهو خبر عقبة
بن خالد المتقدم ، بل ظاهره انما هو ما نقل عن العلامة من الوجه المتقدم ، وهو ان
الفسخ يكون من أصله وبه يحصل الاشكال لتصادم القاعدتين في المقام.
والى ما ذكرنا
هنا يشير كلام المحقق الأردبيلي ـ رضوان الله عليه ـ في شرح الإرشاد ـ حيث قال :
بعد كلام في المسألة مماشاة للجماعة ـ ما لفظه «فتأمل فإن الأمر مشكل لكون الملك
للمشتري مثلا قبل القبض في زمن الخيار على ما مر وبعده ، والبائع غير مقصر ،
والقاعدة تقتضي كونه من ماله وايضا قالوا ان المراد بكونه من مال البائع فسخ العقد
، فيكون التالف من مال البائع مثلا وفي ملكه ، وليس للمشتري الا الثمن أو مثله لو
أعطاه ، وليس له طلب مثل المبيع وقيمته ، والنماء الحاصل الى حين التلف أيضا مثل
الولد والكنز الذي وجده المملوك والمال الذي وهب له وقبل وقبض ، وقال : وهو مشكل
أيضا إذا كان ملكا للمشتري وتلف كيف يصير التلف في ملكه ، فقيل بتجدد الملك للبائع
قبل الهلاك بجزء لا يتجزى من الزمان ، مثل دخول العبد المأمور بعتقه في ملك المعتق
عنه ، ودخول
الدية في ملك الميت ، فتأمل فيه» انتهى كلامه وهو جيد وان كانت عباراته لا تخلو من تعقيد من حيث غلبة
الاعجمية عليه.
وبالجملة
فالواجب هو الوقوف على الروايات في كل حكم حكم كما قدمنا ذكره ، والروايات
المتعلقة بهذه المسألة هي ما قدمنا ذكر بعضها في المسألة المتقدمة ، وأشرنا إلى
البعض الآخر فيما تقدم ، وهي أخبار خيار الشرط الدالة على كون المبيع ملكا للمشتري
، وأن تلفه منه ، واخبار خيار الحيوان المتقدمة على ان تلفه في زمن الخيار من ملك
البائع ، وخبر عقبة بن خالد الدال على كون التلف من ملك البائع ، وعدم البناء وعلى
هذه القاعدة التي لا مستندة لها من النصوص وكل ما يتفرع عليها من الفروع الا ما
اقتضته قواعد آخر من الاخبار ، والله العالم.
__________________
الفصل الثالث في أحكام العيوب
وفيه مسائل
الأولى ـ قد
صرح غير واحد منهم (رضى الله عنهم) بان مقتضى العقد السلامة ، والمراد من ذلك هو
اللزوم معها ، والخيار مع عدمها ، الا ما ربما يتسارع الى الذهن من وقوع العقد على
السالم دون المعيب ، والا لزم البطلان لو ظهر معيبا مع وقوع البيع على معين ، ومع
الإطلاق يجب طلب السالم ان وجد ، والا بطل العقد ان حصل اليأس منه ، ولا يكون
المعيب داخلا تحت العقد ولا موردا له. وهو خلاف ما عليه الاتفاق نصا وفتوى.
ولو شرطا الصحة
فهو لا يزيد على مقتضى العقد ، فإن فائدته التأكيد ، لأنك قد عرفت ان الإطلاق
يقتضي السلامة لأنها الأصل في الأعيان.
وربما قيل : ان
فائدته جواز الفسخ وان تصرف لو ظهر عيب ، فيفيد فائدة زائدة على الإطلاق ، كاشتراط
الحلول.
وكيف كان فان
ظهر في المبيع عيب سابق على العقد ، تخير المشترى بين الرد والأخذ بالأرش ، وقد
تقدمت الأخبار الواردة في ذلك ، الا أنها كما أشرنا إليه آنفا قاصرة عن ذلك ،
وانما تدل على الرد مع ظهور العيب قبل التصرف ، والأرش
بعد التصرف ـ الا ما عرفت من عبارة الفقه الرضوي وقد تقدمت أيضا مسقطات هذا
الخيار ، والاخبار الدالة عليه.
ومنها التصرف
قبل العلم بالعيب أو بعده ، فإنه يسقط به الخيار إلا في موضعين قد صرحوا
باستثنائهما.
أحدهما : إذا
اشترى أمة ووطأها ثم ظهرانها كانت حاملا فان له الرد ، ومن المعلوم ان الحمل عيب ،
لأنه زيادة معرضة للتلف ومانعة من بعض الانتفاعات في الجملة.
ولا شك أيضا أن
الوطي تصرف ، فمقتضى القاعدة عدم جواز الرد حينئذ ، بل الاقتصار على الأرش كما في
غير هذا الموضع من التصرفات مع ظهور العيب ، لكن قد ورد استثناء هذا الموضع من
القاعدة ، وظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك ايضا.
ومن الاخبار
الدالة على أن حكم الجارية إذا ظهر بها عيب غير الحمل حكم غيرها ـ من أفراد تلك
القاعدة المشار إليها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن طلحة ابن زيد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليهالسلام) في رجل اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا ، قال :
تقوم وهي صحيحة ، وتقوم وبها الداء ، ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة
والداء».
وما رواه فيهما
أيضا في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبى عبد الله (ع) «في رجل اشترى جارية فوقع عليها
وقال : ان وجد فيها عيبا فليس له أن يردها ، ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب»
قال : قلت : هذا قول علي عليهالسلام؟ قال : نعم».
وما رواه في
التهذيب عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : «سمعت أبا عبد الله
__________________
(عليهالسلام) يقول : أيما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا
لم يردها ورد البائع عليه قيمة العيب».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «أنه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها ، ثم يجد
بها عيبا بعد ذلك قال : لا يردها على صاحبها ، ولكن يقوم ما بين العيب والصحة فيرد
على المبتاع ، معاذ الله أن يجعل لها أجرا».
وما رواه في الفقيه
عن ميسرة ، عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان على (عليهالسلام) لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت ، ولكن يرجع بقيمة العيب
، وكان علي (عليهالسلام) يقول : معاذ الله أن أجعل لها اجرا».
وما رواه في
التهذيب عن حماد بن عيسى في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : قال على بن الحسين : كان القضاء الأول في الرجل
إذا اشترى الأمة فوطأها ثم ظهر على عيب أن البيع لازم وله أرش العيب.».
وهذه الاخبار
كما ترى جارية على مقتضى القاعدة المذكورة ، وإطلاقها شامل لما إذا كان العيب حملا
أو غيره ، الا انه قد وردت الاخبار باستثناء الحمل من حكم العيب المذكور هنا مع
الإجماع عليه.
ومن الاخبار
الدالة عليه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها فوطأها ، قال
: يردها على الذي ابتاعها منه ، ويرد عليه نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها ،
__________________
وقد قال على (عليهالسلام) لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من
ثمنها بقدر عيب ان كان فيها».
وما روياه
فيهما أيضا عن عبد الملك بن عمرو عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها وله
أرش العيب ، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها».
وزاد في الكافي
قال : وفي رواية اخرى «ان كانت بكرا فعشر ثمنها ، وان لم تكن بكرا فنصف عشر ثمنها».
وما رواه في
التهذيب عن فضيل مولى محمد بن راشد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم ، فنكحها الذي
اشترى ، قال : يردها ويرد نصف عشر قيمتها».
ورواه بسند آخر
صحيح مشتمل على إرسال ابن ابى عمير عن سعيد بن يسار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) مثله.
وبإزاء هذه
الاخبار ما يدل على معارضتها فيما دلت عليه من وجوب رد نصف العشر.
ومنها ما رواه في
الفقيه والشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى قال :
يردها ويرد معها شيئا».
وما رواه المشايخ
الثلاثة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر (عليهالسلام) في الرجل يشتري الجارية الحبلى فينكحها وهو لا يعلم؟
قال : يردها ويكسوها».
__________________
وما رواه في
التهذيب عن عبد الملك بن عمرو عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى فيطأها قال : يردها
، ويرد عشر ثمنها».
والشيخ (رحمهالله) حمل الشيء في الحديث الأول على نصف العشر ، وكذا
الكسوة في الحديث الثاني على ما يكون قيمتها ذلك.
واحتمل بعض
مشايخنا حملها على ما إذا رضى البائع بهما.
واما الحديث
الثالث فحمله في التهذيب على غلط الراوي والناسخ ، بإسقاط لفظ «نصف» ليطابق ما
رواه هذا الراوي بعينه وغيره ، ثم قال : ولو كانت الرواية مضبوطة لجاز ان تحمل على
من وطأ الجارية مع العلم بأنها حبلى ، فحينئذ يلزمه عشر قيمتها عقوبة ، وانما
يلزمه نصف العشر إذا لم يعلم بحبلها ووطأها ثم علم بالحبل ، انتهى.
وكتب عليه بعض
مشايخنا في الحاشية ما صورته : أنت خبير بأن هذا ليس ببعيد من
جهة اللفظ ، لكن الحكم بالرد والحال هذه مشكل. انتهى
__________________
أقول : نقل في
الدروس عن الحلبي وجوب رد العشر في الصورة المذكورة ، وحينئذ
فتصلح هذه الرواية دليلا له.
وعن ابن إدريس
التفصيل بالبكارة والثيوبة ، ويمكن حمل هذه الرواية أيضا على ذلك ، وان ندر الفرض.
قال بعض
أصحابنا : ولا استبعاد في اجتماع البكارة مع الحمل ، فإنه ممكن وان كان نادرا.
انتهى. وحينئذ فلا يبعد حمل الرواية على أنها كانت بكرا وان ندر الفرض ، لجواز
حصول الحمل بالمساحقة والجماع في الدبر كما صرحوا به ، ويؤيده مرسلة الكافي
المتقدمة.
قال بعض محققي
متأخر المتأخرين : ولزوم نصف العشر في أكثر الأخبار مبنى على ما هو الغالب من
ثيوبة الحبلى ، فان كانت بالفرض النادر بكرا فعليه أن يرد معها عشر قيمتها لما مر
في النكاح من أن قيمة بضع الأمة الباكرة انما هو العشر. انتهى.
وفي الدروس عن
ابن الجنيد التقييد بكون الحمل من المولى ، قال : ويلوح من النهاية.
__________________
أقول : وهو
ظاهر اختيار العلامة في المختلف ، ويرد عليه أولا أنه يدافع إطلاق النصوص المتقدمة
، فإن ظاهرها وجوب الرد في الصورة المذكورة ، سواء كان الحمل من المولى أو من
غيره.
وثانيا ـ أنه
لا وجه للتقييد بالتصرف بالوطء ، بل اللازم هو الرد على كل حال ، لبطلان البيع
بظهور كونها أم ولد.
وكيف كان
فالأظهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة ، وارتكاب التأويل فيما عارضها بأحد
الوجوه المذكورة.
ولشيخنا في
المسالك هنا كلام جيد في المقام لا بأس بنقله ، وان طال به زمام الكلام لما فيه من
الفوائد الجمة الظاهرة لذوي الأفهام ، قال رحمهالله بعد ذكر المصنف أصل المسألة ، ما صورته : تحرير هذه
المسألة يتوقف على مقدمات :
الاولى ـ أن
تصرف المشترى في المبيع المعيب يمنع من رده ، وان جاز له أخذ الأرش.
الثانية ـ أن
الحمل في الأمة عيب سواء شرط خلوها عن الحمل أم لا ، ولان ولادتها تشتمل على الخطر
، وهو نقص محض ان قلنا أن الحمل لا يدخل في بيع الأمة كما هو المشهور ، والا كان
نقصا من وجه ، وزيادة من وجه ، وهو كاف في ثبوت الخيار أيضا.
الثالثة ـ أن
الوطي تصرف بل هو من أقوى أنواع التصرف والأصل فيه أن يكون مانعا من الرد.
الرابعة ـ أن
وطئ المالك حال الوطي لا يستعقب عليه ضمانا للبضع ، لانه تصرف في ماله وان فسخ
المبيع بعد ذلك بوجه من الوجوه المجوزة له.
الخامسة ـ أن
المولى لو وطأ أمته جاز له بيعها مع عدم تيقن الحمل ، ثم وان ظهر بها حمل منه تبين
بطلان البيع لكونها أم ولد ، وهذه المقدمات كلها إجماعية.
السادسة ـ أن
وطأ أمة الغير جهلا بتحريمه يوجب على الواطئ عشر قيمتها ان كانت بكرا ونصف العشر ،
ان كانت ثيبا ، لدلالة النصوص على هذا التقدير.
السابعة ـ أن
الفسخ بالعيب يبطل العقد من حينه لأمن أصله ، لتحقق الملك بالعقد ، وجواز
الاستمرار عليه ، فلا معنى لرفع ما قد ثبت.
إذا تقرر هذه
المقدمات فنقول : إذا اشترى أمة وتصرف فيها ثم علم بعيب سابق لم يجز له ردها ، بل
يتعين الأرش ، لكن وردت النصوص هنا باستثناء مسألة ـ وهي ما لو كان العيب حبلا ،
وكان التصرف بالوطء فإنه حينئذ يردها ويرد معها نصف العشر لمكان الوطي.
وهذا الحكم كما
ترى مخالف لهذه المقدمات من حيث جواز الرد مع التصرف وفي وجوب شيء على المشترى مع
أنه وطأ أمته ، وفي إطلاق وجوب نصف العشر مع أن ذلك عقر الثيب ، والمسألة مفروضة
فيما هو أعم منها.
__________________
ولأجل هذه
المخالفات التجأ بعض الأصحاب إلى حملها على كون الحمل من المولى البائع ، فإنها تكون
حينئذ أم ولد ، ويكون البيع باطلا ، والوطء في ملك الغير جهلا ، فيلزم فيه العقر ،
وإطلاق نصف العشر مبنى على الأغلب من كون الحبل مستلزما للثيبوبة ولو فرض ـ على
بعد ـ كونها حاملا بكرا كان اللازم العشر.
وفي هذا دفع
لهذه الإشكالات ، الا أنه مدافع لإطلاق النص بالحمل ، وبنصف العشر من غير تقييد
بكونه من المولى وكونها ثيبا.
وفيه أيضا أنه
لا وجه لتقييد بكونه بالوطء بل اللازم حينئذ الرد على كل حال ، لبطلان البيع ،
وليس تقييد الحمل المطلق في النصوص الصحيحة وفتوى أكثر الأصحاب وكون المراد رد نصف
العشر خاصة ، أولى من استثناء هذا النوع من التصرف من بين سائر التصرفات.
وكون المنفعة
مضمونة على المشترى اما بناء على أن الفسخ يبطل العقد من أصله ، نظرا الى أن العيب
يقتضي تزلزل العقد ، فمع اختيار الرد ينكشف لنا عن عدم الملك ، وأن العقد موقوف
على اختيار الرضا بالعيب ـ أو أن ضمان المنفعة قد وجد في المصراة على ما يأتي ،
ويكفي في التخصيص بكون المردود نصف العشر ، موافقته للغالب الأكثر من أن الحامل لا
تكون بكرا.
وبالجملة فالعدول
عن ظواهر هذه الاخبار والنصوص الكثيرة ـ مع قول أكثر الأصحاب بها لمناسبة الأصول ـ
غير واضح.
وعلى هذا فيكون
الرد على وجه الجواز لا اللزوم ان لم يكن الحمل من المولى ويختص بالوطء انتهى.
أقول : والأظهر
ما قدمنا لك ذكره في غير مقام ـ من أن الاولى هو الدوران في
__________________
الأحكام مدار النصوص ، وما دلت عليه بالعموم أو الخصوص ، وافقت قواعدهم أم
لم توافق ، واليه يشير هنا قوله في إجمال البحث المتقدم بقوله : وبالجملة فالعدول
عن ظواهر النصوص الى آخره.
الموضع الثاني
حلب المصراة وسيجيء حكمه إنشاء الله (تعالى).
الثانية ـ قد
عرفت أنه متى كان العيب سابقا على العقد ، فإن للمشتري الخيار بعد ظهوره بين الرد
، والأخذ بالأرش.
وأما لو تجدد
بعد العقد وقبل القبض ، فإنه لا خلاف في أن له الرد ، وانما الخلاف في أنه مع أخذه
والرضا به هل له الأرش أم لا؟ قولان : كلاهما للشيخ.
قال في النهاية
: من اشترى شيئا ولم يقبضه ثم حدث فيه عيب كان له رده ، فإن أراد أخذه وأخذ الأرش
كان له ذلك.
وقال في الخلاف
: إذا حدث في المبيع عيب في بد البائع كان للمشتري الرد والإمساك ، وليس له اجازة
البيع مع الأرش ، فلا يجبر البائع على بذل الأرش بلا خلاف ، فان تراضيا على الأرش
كان جائزا ، وكذا قال في المبسوط ، وتبعه ابن إدريس على ذلك.
والى الأول ذهب
العلامة في المختلف ، ونقله عن ابن البراج وأبى الصلاح ، واحتج في المختلف لما ذهب
اليه ، قال : لنا ان المبيع لو تلف لكان من ضمان البائع فكذا أبعاضه وصفاته ، لأن
المقتضي لثبوت الضمان ـ في الجميع وهو عدم القبض ـ موجود في الصفات ، ثم نقل عن
الشيخ أنه احتج بأن الأصل ثبوت البيع ولزومه ، وعدم التسلط بالأرش ، وانما أوجبنا
له الخيار بين الرد والقبول ، لدفع الضرر اللاحق بإيجاب القبول فيبقى الباقي على
الأصل.
ثم أجاب عنه
بأن التزامه بأحد هذين نوع ضرر ، إذ الحاجة قد مست إلى المعاوضة ، والا لم توجد ،
والتزامه جميع الثمن ضرر عظيم ، لانه دفعه في مقابلة الجميع بصفاته فلا يجب دفعه
عن البعض. انتهى.
وما ذكره رحمهالله في تعليل ما اختاره ، وكذا في الجواب عما نقله عن الشيخ
وان كان لا يخلو عن قوة ، الا أن المسألة لما كانت عارية عن النص ـ سيما مع ما
عرفت من أنه لا وجود للأرش إلا في صورة التصرف وأنه ليس له الرد ، وانما له الأرش
ـ أشكل الحكم بذلك.
وأما ما هو
المشهور من أنه مع ظهور العيب مطلقا تقدم على العقد أو تأخر عنه فإنه مخير بين
الرد والأرش ، فلم نقف له في الاخبار على أثر ، وانما تضمنت الرد خاصة ، كما قدمنا
ذكره في خيار العيب.
وبالجملة
فلتوقف في الحكم المذكور مجال ، وربما حمل الإجماع الذي ادعاه في الخلاف على عدم
الأرش على إجماع العامة ، وفيه ما لا يخفى.
ولو قبض بعضه
ثم حدث في الباقي عند البائع حدث كان الحكم في الباقي ما تقدم في تجدد العيب بعد
العقد ولو قبل القبض على أحد القولين ، نظرا الى أن سبب الرد هو العيب الحادث في
البعض ، وقد حدث حين كون ذلك البعض مضمونا وحده ، فيتعلق به وحده جواز الرد دون
المقبوض.
وفيه أنه
يستلزم تبعيض الصفقة المنهي عنه ، وقيل : وهو الأظهر انه يتخير بين رد الجميع وأخذ
أرش العيب .
ولو حدث فيه
عيب بعد القبض يمنع من الرد بالعيب السابق ، دون الأرش عند الأصحاب ، ولم أقف فيه
على نص.
قالوا : ولا
فرق بين العيب الحادث بين كونه من جهة المشتري أو غير جهته
__________________
واستثنوا من ذلك ما لو كان المبيع حيوانا وحدث فيه العيب في الثلاثة من غير
جهة المشتري ، فإنه لا يمنع من الرد ولا الأرش لأنه حينئذ مضمون على البائع ،
وسيأتي الكلام في هذه المسألة.
قيل : والظاهر
ان كل خيار مختص بالمشتري كذلك.
ولو اشترى
شيئين صفقة وعلم بالعيب في أحدهما ، لم يجز رد المعيب منفردا ، لما يتضمنه من ضرر
تبعيض الصفقة على البائع ، وانما له ردهما معا ـ ان لم يتصرف فيهما ولا في أحدهما
ـ أو أخذ أرش المعيب متى تصرف في أحدهما ، وان كان الصحيح ، سقط رد المعيب ،
لأنهما بمنزلة مبيع واحد ، وكذا الحكم فيما اشترى اثنان شيئا واحدا كان لهما رده
أو إمساكه مع الأرش ، وليس لأحدهما رد نصيبه دون صاحبه ، للزوم تبعيض الصفقة. هذا
هو المشهور في هذه الصورة.
ونقل عن الشيخ
وجماعة : جواز التفرق في هذه الصورة ، لجريانه مجرى عقدين بسبب تعدد المشترى ، فان
التعدد في المبيع يتحقق بتعدد البائع ، وبتعدد المشترى ، وبتعدد العقد ، ولان
العيب جاء من قبله حيث باع من اثنين ، وارتكب التشقيص ، فان كل واحد منهما صار
مشتريا للبعض ، فهو بمنزلة البيعين.
وأنت خبير بأن
هذا انما يتم مع علمه بالتعدد ، وحينئذ فلو قيل بالتفصيل ـ بين علمه بالتعدد فيجوز
التفرق ، وجهله بذلك ، فليس لهما الا الاتفاق في الرد أو الأرش ، كما اختاره
العلامة في التحرير ـ لكان قريبا.
وظاهر المحقق
الأردبيلي الميل اليه ، وكذا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الا انه قال : وان
كان القول بالجواز مطلقا متوجها.
__________________
وفيه ان الظاهر
ان الجهل عذر شرعي كما مر تحقيقه في مقدمات الكتاب على تفصيل فيه.
الثالثة
المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف انه إذا قال البائع
: بعت بالبراءة ، وأنكر المشترى ، ولم يكن للبائع بينة فالقول قول المشترى بيمينه
، للخبر المتفق عليه «البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر». ولأن الأصل
عدم صدور البراءة منه حتى يتحقق.
قال المحقق
الأردبيلي (قدسسره ـ ، في شرح الإرشاد بعد ذكر نحو ما قلناه : «ولا يلتفت
الى ما في الخبر عن جعفر بن عيسى في مكاتبته الى أبى الحسن (عليهالسلام) «فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول له المشترى
: لم أسمع البراءة منها ، أيصدق فلا يجب عليه الثمن ، أم لا يصدق ، فيجب عليه
الثمن؟ فكتب : عليه الثمن». لضعفه مع الكفاية ، ومخالفة القاعدة» انتهى.
والعجب هنا من
صاحب الكفاية حيث جعل هذا الخبر مؤيدا لعموم «البينة على المدعى ، واليمين على من
أنكره» وهو على العكس من ذلك.
أقول :
والمفهوم من سياق الخبر المذكور أن إنكار المشتري انما وقع مدالسة ، لعدم رغبته في
المبيع ، والا فهو عالم بتبرئ البائع ، والامام (عليهالسلام) إنما ألزمه الثمن من هذه الجهة ، ونحن قدمنا الخبر
المذكور في خيار العيب ، ولكن نعيده هنا إزاحة لثقل المراجعة ، ليظهر لك صحة ما
ادعيناه.
وهو ما رواه الشيخ
في التهذيب عن جعفر بن عيسى قال : «كتبت الى أبى الحسن (عليهالسلام) جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي
،
__________________
فإذا نادى عليه بريء من كل عيب فيه ، فإذا اشتراه المشترى ورضيه ولم يبق
الا نقده الثمن فربما زهده ، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها ،
فيقول له المنادي : قد برئت منها ، فيقول المشترى : لم أسمع البراءة منها أيصدق
فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب : عليه الثمن».
فإنه ظاهر في
أنه عالم بالنداء بالبراءة ، وأنه رضيه مع ذلك ، الا أنه لما تجدد له زهده وعدم
الرغبة فيه ، ادعى عدم علمه بالعيوب وعدم سماعه النداء ، فهذه الدعوى إنما نشأت من
حيث زهده فيه وعدم رغبته ، لا من حيث العيوب.
وحينئذ فلا
يكون الخبر مخالفا للقاعدة المتفق عليها ، ولا يحتاج الى طرحه ، وكثيرا ما يحكمون (عليهمالسلام) في بعض الأحكام بمقتضى علمهم بالحال ، فكيف مع ظهور
ذلك في السؤال.
الرابعة ـ التصرية
تدليس يثبت به الخيار بين الرد ، والإمساك بالثمن بلا أرش ، كما في خيار التدليس
في غير هذا الموضع والتصرية مصدر من قولك صريت إذا جمعت بين الصرى ، وهو الجمع.
يقال : صرى
الماء في الحوض إذا جمعه ، وصريت الشاة تصرية إذا تركت حبلها أياما حتى يجتمع
اللبن في ضرعها ، والشاة مصراة وتسمى المصراة محفلة أيضا ، وهو من الحفل ، ومنه
قيل للمجمع : محفل.
والمراد هنا أن
يربط إحلاف الشاة ونحوها يومين أو ثلاثة ، فيجتمع اللبن في ضرعها ، ويظن الجاهل
بحالها أنها لكثرة ما تحلبه كل يوم ، فيرغب في شرائها.
قال في المسالك
: «والأصل في تحريمه مع الإجماع النص
__________________
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وهو من طرق العامة وليس في أخبارنا تصريح به ، لكنه في الجملة موضع وفاق ،
انتهى.
أقول : وروى
الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب معاني الاخبار عن محمد ابن هارون الزنجاني على بن
عبد العزيز عن أبى عبيد رفعه إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «لا تصروا الإبل والغنم فإنه خداع ، من اشترى
مصراة فإنه بأحد النظرين ، ان شاء ردها ورد معها صاعا من تمر.
والظاهر أن
الصدوق نقل هذا الخبر من طريق الجمهور ، لعدم وجوده في كتب الاخبار ، حسبما اعترف
به شيخنا المتقدم ذكره.
وكيف كان
فالكلام هنا يقع في مواضع ، الأول ـ أنه إذا اختار الرد قالوا يرد معها لبنها
الموجود وقت البيع ، لانه جزء من المبيع ، فإذا فسخ البيع رده ، كما رد المصراة ،
فإن تعذر فمثله ، وان تعذر فقيمته وقت الدفع ومكانه.
أما اللبن
المتجدد بعد العقد ففي رده وجهان ، من إطلاق الرد في الاخبار ، ومن أنه نماء
المبيع الذي هو ملكه ، والعقد انما ينفسخ من حينه ، قال في المسالك : وهو الأقوى.
أقول : قد عرفت
أنه لا نص في المسألة ، كما اعترفوا به كيف يستند في الوجه الأول إلى إطلاق
الاخبار.
اللهم ان يراد
أخبار العامة ، وفيه ما لا يخفى ، وبه يظهر قوة الوجه الثاني مضافا الى ما ذكره في
تعليله.
ثم انه لو
امتزج الموجود حالة البيع بالمتجدد صار شريكا ورجعا الى الصلح ، وللشيخ قول بأنه
مع ردها يرد معها ثلاثة أمداد.
__________________
واستدل له بعض
المحققين بحسنة الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، قال :
ان كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد ، وان لم يكن لها
لبن فليس عليه شيء». قال : والرواية مختصة بصورة شرب اللبن ، ولا يبعد العمل
بمضمونها لحسنها مع اعتضادها بغيرها.
أقول : فيه
أولا أن الشيخ انما حكم بذلك في المصراة ، وما تضمنه الخبر المذكور ليس كذلك ، فلا
يكون منطبقا على المدعى.
وثانيا ـ ان
الرواية المذكورة تضمنت جواز الرد بعد الثلاثة» وهو مخالف لمقتضى القاعدة المتفق
عليها نصا وفتوى ، وان المشترى ليس له الخيار في الحيوان إلا في ضمن الثلاثة ،
وأما بعدها فلا ، وحمل الرواية على كون الرد في الثلاثة بعيد عن مقتضى سياقها ،
وحاق لفظها.
وثالثا ـ ان
مقتضى كلامهم أنه بالعقد ينتقل الى ملك المشترى ، فالمشتري في ضمن الثلاثة انما
تصرف في ملكه ، فكيف يضمنه ، ويعطى بعد الرد ثلاثة أمداد عوضا عنه ، .
ورابعا ـ أنه
لا ريب في انه ضمن الثلاثة قد أنفق على الشاة ما لعله أكثر من قيمة لبنها ، فكيف
أهمل ذالك في الرواية ، أو مثلها ، وبالجملة فالاستناد في الحكم المذكور الى هذه
الرواية مع ما عرفت لا يخلو من غفلة أو مسامحة.
ونقل عن الشيخ
قول آخر ، وهو انه : يرد معها صاعا من تمر أو بر ، قيل : وهو
__________________
منصوص عن النبي (صلىاللهعليهوآله) من طرق العامة ولعله في رواية أخرى غير التي قدمنا
نقلها عن الصدوق فإنها اشتملت على صاع التمر خاصة.
الثاني قد
صرحوا بأنه لو ثبتت التصرية بإقرار البائع أو البينة قبل أن يحلبها ثبت له الخيار
، ولا يحتاج الى الاختبار بمضي ثلاثة أيام لو لم يثبت ذلك.
وربما صرح
بعضهم بالفورية ، لأن التصرية التي هي تدليس وموجبة لجواز الرد قد ثبتت ، فيكون
مقتضاها ايضا ثابتا ، الا ان الظاهر من كلام بعض انه لا مانع من جواز الصبر
والاختبار ، لاحتمال الارتفاع بهبة من الله عزوجل ، فلا يثبت له بزوال الموجب ، لأن التصرية غير موجبة من
حيث هي هي ، وانما هي موجبة من حيث الاستظهار بمعرفة ما فيه ، مما يوجب زيادة
الثمن والرغبة.
قال في المسالك
: فلو ثبت بإقرار البائع أو البينة جاز الفسخ قبل الثلاثة ، لكن بشرط النقصان ،
فلو تساوت أو زادت هبة من الله تعالى فالأشهر زوال الخيار لزوال الموجب له مع
احتمال بقائه ، ومثله ما لو لم يعلم العيب حتى زال انتهى.
ونقل عن الشيخ
في الخلاف انه قوى جواز الرد مع ثبوت التصرية وان زالت ، وصار اللبن زائدا كل يوم
على لبن الأول ، أو ساواه.
وفي المبسوط
صرح بسقوط الخيار كما هو المشهور. ولو لم يثبت بأحد الأمرين المتقدمين فلا بد من
اختبارها ثلاثة أيام ، فإن اتفقت فيها الحلبات عادة ، أو زادت اللاحقة فليست مصراة
، وان اختلفت في الثلاثة وكان بعضها ناقصا عن الأول نقصانا خارجا عن العادة ، وان
زاد بعد الثلاثة ثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور.
الثالث ـ ظاهر
الأصحاب الإجماع على ثبوت التصرية في الشاة ، والمشهور ذالك أيضا في الناقة
والبقرة ، بل قيل : انه إجماع.
قال شيخنا في
الروضة : فإن ثبت فهو الحجة ، والا فالمنصوص الشاة ، وإلحاق غيرها بها قياس ،
انتهى.
__________________
أقول : وأى نص
هنا ورد في الشاة وبذلك اعترف «قدسسره» في المسالك ، انه في الموضعين إنما التجأ إلى الإجماع
، قال في الكتاب المذكور بعد قول المصنف (رحمهالله) : وتثبت التصرية في الشاة قطعا ، وفي الناقة والبقرة
على تردد ، ما لفظه :
وجه التردد من
عدم النص ظاهر عندنا على هذا الحكم ، لكن الشاة محل وفاق فيحتمل إلحاق الناقة والبقرة
بها ، لمساواتهما لها في العلة الموجبة للخيار ، وهي كون اللبن مقصود مع التدليس ،
كما ادعى الشيخ الإجماع على إلحاقها بها ، فان ثبت فهو الحجة ، والا ففي إثبات
الحكم المخالف للأصل ، بغير النص والإجماع إشكال.
ثم نقل عن ابن
الجنيد ، أنه طرد الحكم في سائر الحيوانات حتى الأدمي ، قال وفي بعض الاخبار من
طرق العامة ما يدل عليه ، وهو مناسب لمقابلة المدلس ، وفي الدروس انه ليس بذلك
البعيد. انتهى.
ويظهر من
المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) الميل إلى إلحاق البقرة والناقة في الموضع
المذكور ، لكن لا من حيث التصرية ، بل من حيث التدليس وحصول الضرر المنفي عقلا
ونقلا لو لم يتخير ، قال في بيان وجه الإشكال في إلحاق الفردين المذكورين : ووجه
الاشكال عدم وجود النص والإجماع ، ووجود العلة الموجبة في الشاة ، فالثبوت ليس
ببعيد ، لما تقدم من العلة في الشاة ، إذ لا نص ، بل التدليس الموجب لذلك ، والا
لزم الضرر المنفي عقلا ونقلا ، مؤيدا بأخبار العامة ، انتهى.
هذا خلاصة
كلامهم في هذه المسألة.
وقد عرفت خلو
أصل المسألة من المستند ، والظاهر أن أصل هذه المسألة انما هي في كلام العامة ،
لأنها مروية في أخبارهم ، والأصحاب كثيرا ما يستلقون الاخبار والأحكام والفروع من
كتبهم.
قال المحقق
الأردبيلي (قدسسره) في بعض مواضع البحث في هذه المسألة ما لفظه :
والظاهر أنه لا
دليل للأصحاب على رد الشاة واللبن عينا أو مثلا أو قيمة بعد التصرف الموجب للسقوط
، بل في هذه المسألة مما لا نص فيه للأصحاب ، كما قال المصنف والشارح وغيرهما ،
وانما هي مذكورة في بعض كتب العامة وأخبارهم.
ولهذا قالوا
المراد برد اللبن رد اللبن الموجود حال البيع ، وقبل أن تصير الشاة للمشتري ، وهو
بناء على مذهبهم من كون المبيع زمن الخيار ملك البائع فلا إشكال حينئذ ، ولكن يشكل
ذلك على مذهب الأصحاب بناء على ما تقرر عندهم الى آخر كلامه زيد في مقامه والله سبحانه العالم
بأحكامه.
الرابع قد عرفت
مما تقدم في المسألة الأولى انهم استثنوا من التصرف المسقط للرد بالعيب أمرين ،
ثانيهما حلب الشاة المصراة وهو مبنى على أن التصرية من قبيل العيوب.
والظاهر من
كلام جملة منهم أنها تدليس ، وخيار العيب وأحكامه على حده ، وخيار التدليس وأحكامه
على حده ولا يدخل إحديهما في الأخر ، ولهذا عد في اللمعة كلا منهما على حده وجعل
التصرية في التدليس.
والمفهوم من
كلامهم ان خيار حكم التدليس هو التخيير بين الرد والإمساك بغير أرش ، تصرف أو لم
يتصرف متى ظهر التدليس ، وحكم خيار العيب هو التخيير قبل التصرف ، بين الرد
والإمساك بالأرش ، وبعد التصرف ليس إلا الإمساك مع الأرش ، وليس له الرد.
والمفهوم من
كلامهم أيضا ان التدليس انما هو عبارة عن اشتراط أمر زائد ، ثم يظهر عدمه ، وأما
العيب فإنما يتعلق بذات المبيع مما يوجب نقصه وخروجه عن أمثاله أو أبناء نوعه.
__________________
وبالجملة فإنه
متى جعلت التصرية من قبيل التدليس لم يتوجه الاستثناء الذي ذكروه كما عرفت والله
العالم.
الخامسة ـ أطلق
جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الثيوبة ليست عيبا ، نظرا الى أن أكثر الإماء
لا يوجدون الاثيبات ، فكانت الثيوبة بمنزلة الخلقة الأصلية ، وان كانت عارضة.
واستشكل ذلك في
المسالك في الصغيرة التي ليست محل الوطي ، فإن أصل الخلقة والغالب في مثلها
البكارة ، فينبغي أن يكون الثيوبة عيبا.
قال : ونقل مثل
ذلك في التذكرة عن بعض الشافعية ، ونفى البأس عنه ، وهو كذلك ، بل يمكن القول
بكونها عيبا مطلقا ، نظرا الى الأصل ، وهو ظاهر ابن البراج انتهى.
أقول : صورة
عبارة التذكرة هكذا إطلاق العقد في الأمة لا يقتضي البكارة ولا الثيوبة ، فلا يثبت
الخيار بأحدهما مع الإطلاق.
وقال بعض
الشافعية : الا أن تكون صغيرة ، وكان المعهود في مثلها البكارة ، ولا بأس به عندي
، لأن البكارة أمر مرغوب اليه ، وانما بذل المشترى المال بناء على بقائها على أصل
الخلقة ، فكان له الرد قضاء للعادة. انتهى.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنه على المشهور لو اشترط البكارة فظهر كونها ثيبا حال البيع بالبينة ، أو
إقرار البائع ، أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع ، بحيث لا يمكن تجدد الثيوبة فيه
، فالمشهور أنه يتخير بين الرد والإمساك ، وان جهل ذلك لم يكن له الرد ، لان ذلك
قد يذهب بالنزوة والعلة ونحو ذلك.
وقال الشيخ في
النهاية : من اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ، ولا الرجوع
على البائع بشيء من الأرش ، لأن ذلك قد يذهب من العلة والنزوة انتهى.
ومثله ابن
البراج في الكامل حيث قال : ان ابتاعها على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ،
ولا أرش في ذلك انتهى.
أقول : ويدل
على هذا القول موثقة سماعة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع جارية على انها بكر فلم يجدها على ذلك قال
: لا ترد عليه ولا يجب عليه شيء ، لانه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها».
والعلامة في
المختلف تأول كلام الشيخ بالحمل على ما إذا لم يعلم سبق الثيوبة على العقد ، وعلى
هذا يمكن حمل الرواية أيضا ، وفي التعليل اشعار بذلك.
وهل يثبت له
الأرش مع اختيار الإمساك؟ الظاهر من كلام الأكثر ذلك.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي والتهذيب عن يونس «في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال : يرد عليه فضل
القيمة إذا علم أنه صادق».
والظاهر أن
وجوب الأرش هنا مبنى على العلم بالثيوبة حال البيع بأحد الوجوه المتقدمة ، جمعا
بينه وبين الخبر المتقدم ، والخبر الأول قد عرفت أنه محمول على الجهل بذلك.
قال : في
الدروس : ان مع فوات الشرط يتخير بين الفسخ والإمضاء بغير أرش إلا في اشتراط
البكارة ، فظهر سبق الثيوبة ، فإن الأرش مشهور ، وان كانت رواية يونس به مقطوعة ،
وفي المسالك الأقوى ذلك لان فواته مما يؤثر في نقصان القيمة تأثيرا بينا ، ثم قال
: ويحتمل العدم ، لأن الأرش جزء من الثمن ، وهو لا يوزع على الشروط انتهى.
وظاهره في
الكفاية التوقف هنا ، وهو في محله ، لعدم اسناد الرواية المذكورة الى الامام (عليهالسلام) ، ولو كانت مسندة لما كان عنها معدل.
__________________
ونقل في
المسالك عن بعض الأصحاب : أنه ذهب الى عدم التخيير بفوات البكارة مطلقا ، يعنى مع
الشرط وعدمه ، والظاهر أنه اشارة الى ما قدمنا نقله عن الشيخ في النهاية وابن
البراج في الكامل.
ثم انه لو
انعكس الفرض بأن شرط الثيوبة فظهرت بكرا قيل : فالأقوى تخييره أيضا بين الرد
والإمساك ، لكن بغير أرش ، لجواز تعلق غرضه بذلك ، لعجزه عن البكر وقيل : لا رد
هنا لزيادة قيمة البكر.
السادسة الإباق
الحادث عند المشترى لا يرد به العبد ، وانما يرد به إذا حصل عند البائع أو غيره من
الملاك السابقين ، وبالجملة حصوله قبل البيع ، وهل يكفي في ثبوت ذلك حصوله ولو مرة
واحدة؟
ظاهر جمع منهم
ذلك وبه صرح في التذكرة ، وشرط بعض الأصحاب الاعتياد ، قيل : وأقل ما يتحقق به
مرتين.
والذي وقفت
عليه من الاخبار هنا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن أبى همام قال : «سمعت الرضا (عليهالسلام) يقول : يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام
والبرص ، فقلت : كيف يرد من أحداث السنة قال : هذا أول السنة وإذا اشتريت مملوكا
به شيء من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددته على صاحبه ، فقال له محمد بن
على : فالإباق من ذلك ، فقال : ليس الإباق من ذلك الا ان يقيم البينة أنه كان آبق
عنده».
وظاهر هذا
الخبر أنه لا بد من ثبوت الإباق عند البائع ، وأنه تكفي المرة الواحدة ، كما صرح
به في التذكرة.
__________________
الا أنه قد روى
في التهذيب في الموثق عن محمد بن قيس عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قضى علي (عليهالسلام) أنه ليس في إباق العبد عهدة الا أن يشترط المبتاع».
وروى في الكافي
في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس في الإباق عهدة».
والظاهر أن
المراد بالعهدة هنا الخيار ، لما في حديث يونس ان العهدة في الحيوان وحده إلى سنة وفي حديث عبد الله
بن سنان «وعهدته يعني الرقيق السنة»
وحينئذ فمقتضى
الخبرين المذكورين بعد الجمع بينهما لحمل مطلقهما على مقيدهما هو أنه لا خيار في
الإباق الا أن يشترط المشترى عدم ذلك وهو مشكل ، لما عرفت من كلام الأصحاب مما
ظاهرهم الاتفاق عليه ، مع الصحيحة المتقدمة ، ولم أطلع على من تعرض لذكر هذين
الخبرين في المقام ، فضلا عن الجواب عنهما ، قالوا ولو تجدد عند المشترى في
الثلاثة فهو كما لو وقع عند البائع.
السابعة ـ المشهور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، أنه إذا اشترى زيتا أو بذرا أو نحوهما فوجد فيه ثفلا فان كان مما جرت العادة بمثله
لم يكن له رد ولا أرش ، وكذا لو كان كثيرا وعلم به قبل البيع. وفي حسنة ميسر.
المتقدمة في قسم العيب التفصيل بنحو آخر.
قال : ان كان
المشترى يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده ،
__________________
وان لم يكن يعلم فله أن يرده ، ويمكن إرجاع الرواية الى ما ذكروه بمعنى أنه
ان كان يعلم أن هذا بحسب العادة مما يكون في الزيت ونحوه لم يكن له الرد ، والا
فله ، الا أنه يبقى فرد آخر وهو ما إذا لم يعلم ذلك وظن أنه خالص من الثفل.
والأقرب أن
الحكم فيه ما ذكره الأصحاب ، تنزيلا للعادة منزلة العلم بذلك ، كما في كثير من
المواضع ، ونظرا الى ان مثل ذلك هنا ليس عيبا ، لاقتضاء طبيعة الدهن كون ذلك فيه
غالبا.
الا انه ربما
أشكل ذلك فيما لو كان كثيرا وعلم به ، باعتبار الجهل بقدر المقصود بالذات الموجب
للغرر ، والمشاهدة في مثل ذلك غير كافية.
ويمكن اندفاع
ذلك بان معرفة مقدار الجميع كافية ، كما في معرفة مقدار السمن بظروفه جملة من دون
العلم بالتفصيل ، ونحوه التراب في الحنطة والشعير ونحوهما والتبن في الأولين ،
وأما ما عدا ذلك فلا إشكال في كونه عيبا يترتب عليه أحكامه.
الثامنة ـ إذا
قال المشترى : هذا العيب كان عند البائع ، وأنكر البائع ذلك فالقول قول البائع مع
يمينه عملا بالقاعدة المنصوصة ، ولأصالة عدم التقدم الا ان يكون للمشتري بينة أو
شاهد حال.
والمراد بشاهد
الحال نحو زيادة الإصبع واندمال الجرح مع قصر زمان البيع ، بحيث لا يحتمل تأخره
عادة.
ويعتبر في شاهد
الحال هنا كونه مفيدا للقطع ، فيقدم قول المشتري حينئذ بغير يمين ، ولو شهد الحال
للبائع كذلك ، كطراوة الجرح مع تطاول زمان البيع فلا يمين عليه ايضا ، وحيث يفتقر
البائع إلى اليمين ، فلا بد أن يحلف على القطع بعدم العيب ، لا على عدم العلم ، ان
كان اختبر المبيع قبل البيع ، واطلع على خفايا أمره ، كما يشهد بالقطع على
الاعتبار ، وبالعدالة وغيرهما مما يكتفى فيه بالاختبار ، الظاهر ، ولو لم يكن
اختبره ففي جواز حلفه على القطع ، عملا بأصالة
العدم واعتمادا على ظاهر السلامة نظر ، واستقرب في التذكرة هنا الاكتفاء
بالحلف على نفى العلم ، واستحسنه في المسالك لاعتضاده بأصالة عدم التقدم ، فيحتاج
المشترى الى إثباته.
التاسعة قالوا
إذا اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر ومثلها تحيض كان ذلك عيبا ، لانه لا يكون الا
لعارض غير طبيعي.
أقول : هذا قول
الأكثر ، وعليه تدل
رواية داود بن
فرقد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة
أشهر وليس بها حمل ، فقال : ان كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد
منه».
وأنت خبير بأنه
وان اشتمل السؤال على تأخر الحيض ستة أشهر ، الا أن الجواب لم يتقيد به ، فإنه (عليهالسلام) انما علق الحكم على حيض مثلها ، وأراد به نفى الصغر
واليأس ، وان كان ذلك مستفادا من الإدراك ، فإن من المعلوم ان من كانت كذلك فان
مثلها تحيض في تلك المدة ، وحينئذ فلو قيل بثبوت الخيار متى تأخر حيضها عن عادة
أمثالها في تلك البلاد من غير تقييد بالستة الأشهر كان حسنا.
ويظهر من ابن
إدريس على ما نقله عنه في المسالك نفى الحكم رأسا ، وإنكار كون عدم الحيض عيبا ،
والرواية به صريحة في رده كما عرفت.
ثم ان ما دل
عليه الخبر ، من جواز الرد بعد ستة أشهر مما لا اشكال فيه إذا لم يتصرف تصرفا
موجبا لسقوط الخيار كما تقدم ، وأما مع التصرف فظاهر الخبر كونه كذلك أيضا ، فإن
عدم التفصيل دليل على العموم ، في أمثال هذا المقام ، ويؤيده أن العادة قاضية بأنه
لا تمضى على المملوك قدر هذه المدة من غير تصرف ، بأن يأمره مولاه افعل كذا وافعل
كذا من الأغراض والمطالب التي تتعلق غرض السيد بها وهو مشكل ، لقيام الأدلة كما
عرفت سابقا على أن التصرف مسقط للخيار ، الا أن يقال :
__________________
باستثناء هذا العيب للرواية المذكورة.
العاشر ـ قد
صرح الأصحاب وبه نطقت الأخبار بأنه يرد المملوك من أحداث السنة ، بمعنى أن هذه
الأمراض إذا حدثت ما بين الوقت البيع الى تمام السنة كان للمشتري رد المملوك بها ،
وان لم يكن الرد في السنة ، لأن خيار العيب ليس على الفور.
ويؤيده رواية
أسباط الاتية ، وعدها بعضهم بالجنون والجذام والبرص ، وزاد بعض القرن ، والذي وقفت
عليه من الاخبار هنا صحيحة أبي همام المتقدمة قريبا في المسألة السادسة ، وقد تضمنت الثلاثة
المتقدمة.
ومنها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن على وهو مجهول ، وان احتمل بعض مشايخنا كونه الحلبي قال : «سمعت
الرضا ـ (عليهالسلام) يقول : يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام
والبرص والقرن ، قال : فقلت : وكيف يرد من أحداث السنة؟ قال : فقال : هذا أول السنة
ـ يعني المحرم ـ فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه من هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة
رددته على صاحبه».
وما رواه ثقة
الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب عن ابن فضال عن أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) «أنه قال : ترد الجارية من أربع خصال : من الجنون والجذام
والبرص والقرن والحدبة» كذا في التهذيب ، وفي الكافي ـ والقرن الحدبة الا أنها
تكون في الصدر تدخل الظهر وتخرج الصدر».
__________________
وما رواه في
الكافي عن على بن أسباط عن أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : الخيار في الحيوان ثلاثة أيام
للمشتري ، وفي غير الحيوان أن يتفرقا واحداث السنة ترد بعد السنة ، قلت : وما
أحداث السنة؟ قال الجنون والجذام والبرص والقرن ، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث
فالحكم أن يرد صاحبه الى تمام السنة من يوم اشتراه».
وما رواه الصدوق
في كتاب الخصال في الموثق عن ابن فضال عن أبى الحسن (عليهالسلام) قال : «في أربعة أشياء خيار سنة ، الجنون والجذام
والبرص والقرن». وأكثر هذه الاخبار قد اشتمل على هذه الأربعة ، فيجب حمل ما عداها
عليها.
بقي الكلام هنا
في مواضع : الأول ـ ذكر الحدبة في رواية ابن فضال على تقدير رواية الكافي الظاهر
أنه تفسير للقرن ، وهو خلاف المعروف ، لان القرن كما هو المشهور بين الفقهاء
واللغويين هو شيء كالسن يكون في باطن الفرج يمنع من الجماع ، وعلى تقدير رواية
التهذيب يكون معطوفة على الأربع المذكورة ، وهو بعيد أيضا ، لخلو الأخبار المذكورة
في المسألة عن ذلك : سيما مع اختلاف الكتابين في ذلك.
وقيل : ان
المراد به أن القرن والحدبة يشتر كان في كونهما بمعنى النسق ، لكن أحدهما في الفرج
والأخر في الصدر ، ولا يخفى ما فيه ، وبالجملة فإنه يشكل الاعتماد على هذه الرواية
في عد الحدبة.
الثاني ظاهر
المحقق الأردبيلي هنا الاستشكال في عد القرن في جملة هذه العيوب ، لعدم عده في
صحيحة أبي همام المقطوع بصحتها ، وعدم ظهور القول به.
وأنت خبير بما
فيه ، فان روايات المسألة كلها عدا الصحيحة المذكورة قد اشتملت عليه ، ورد هذه
الاخبار كلها باعتبار خلو تلك الرواية عنه مع إمكان تقييدها
__________________
بهذه الاخبار بعيد ، فإن غاية الأمر أنها مطلقة ، لا أن فيها ما يدل على
نفيه ، لتحصل المخالفة الموجبة لترجيحها لصحتها ، بناء على هذا الاصطلاح الذي بنى
عليه.
وأما قوله لعدم
ظهور القول به ، فان فيه أن الشهيد في الدروس قد عده في جملة هذه الأربعة ، بل قال
في المسالك والمشهور ثبوت الحكم للأربعة المذكورة في رواية على بن أسباط ، مع أن
منها القرن كما عرفت.
ثم ان المحقق
المذكور استشكل أيضا في عد البرص هنا ، لورود أن العهدة فيه ثلاثة أيام في حسنة
عبد الله بن سنان ، وهي ما رواه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام ان كان بها خبل
أو برص أو نحو هذا ، وعهدته السنة من الجنون فما بعد السنة فليس بشيء».
وأقول :
والاشكال هنا ظاهر ، الا أن الأظهر هو العمل بهذه الأخبار الكثيرة التي فيها
الصحيح باصطلاحهم ، سيما مع اعتضادها باتفاق الأصحاب على عد البرص منها ، ويحتمل
وان بعد ان لفظ البرص في الحسنة المذكورة تحريف «مرض» من بعض الرواة ، فإن قرب
التحريف بين أحد هذين اللفظين إلى الأخر مما لا ينكر.
الثالث ـ ظاهر
هذه الاخبار الرد في المدة المذكورة وان تصرف ، إذ يبعد كل البعد أن يشترى الإنسان
مملوكا ويبقى مدة سنة لا يأمره بفعل ولا يكلفه بشيء يوجب التصرف ، مع ما علم علما
يقينا من أن اشتراء المماليك انما هو للخدمة والانتفاع بهم في وجوه المنافع
المترتبة عليهم ، والمفهوم من كلام الأصحاب هنا تقييد الخيار في هذه المدة بعدم
التصرف ، فلو تصرف فليس له الأرش عملا بالقاعدة المتقدمة في العيب .
__________________
وأنت خبير بما
فيه من البعد ، بالنظر الى ظواهر هذه الاخبار ، بالتقريب الذي ذكرناه ، وليس في شيء
من هذه الاخبار إشارة فضلا عن التصريح الى التقييد بعدم التصرف ، ضمن هذه المدة
المذكورة ، وحينئذ فلا يبعد استثناء هذه العيوب من قاعدة عدم جواز الرد مع التصرف
، وليس تقييد هذه الاخبار بعدم التصرف كما هو ظاهر كلامهم بأولى من تقييد
الأردبيلي تلك بعدم هذه العيوب والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق الأردبيلي قدسسره.
الرابع ـ قد
استشكل شيخنا الشهيد الثاني هنا في حكم الجذام ، حيث قال بعد أن ذكر أن المشهور
ثبوت الحكم للأربعة : ولكن يبقى في حكم الجذام إشكال ، فإنه يوجب العتق على المالك
قهرا كما سيأتي ، وحينئذ فإن كان حدوثه في السنة دليلا على تقدمه على البيع ، لما
قيل في تعليل الرد بهذه الأحداث : ان وجودها في السنة دليل على حدوثها قبل البيع ،
لأنها تكن في البدن سنة ، ثم تخرج ، فيكون عتقه على البائع ، فيكشف ظهوره عن بطلان
البيع ، فلا يتجه الخيار.
وان حمل على
الظاهر كان حدوثه في ملك المشترى موجبا لعتقه قبل أن يختار الفسخ ، إذ ليس له
اختيار حتى يتحققه ، ومتى تحققه حكم بعتقه شرعا قبل الفسخ فيشكل جوازه بعد العتق ،
وقد تقدم نظيره.
ويمكن حله بان
الحكم بعتقه بالجذام مشروط بالفعل ، كما هو ظاهر النص ، ولا يكتفى بوجوده في نفس
الأمر ، فلا يعتق على البائع قبل بيعه ، لعدم ظهوره ، ولا بعده قبل الفسخ ، لعدم
ملكه ، وعتقه على المشترى موقوف أيضا على ظهوره ، وهو متأخر عن سبب الخيار ، فيكون
السابق مقدما ، فيتخير ، فان فسخ عتق على البائع بعده ، وان اختار الإمضاء عتق على
المشترى بعده ، فينبغي تأمل ذلك. انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) في تعليل عدم انعتاقه على البائع جيد لما ذكره ، وانما
الإشكال فيما ذكره من عدم عتقه على المشترى ، وتعليله ذلك بأن انعتاقه على المشترى
موقوف على ظهوره ، وهو متأخر عن سبب الخيار ، فانى لا أعرف له
وجها وجيها ، إذ لا يخفى أن سبب الخيار انما هو ظهور هذه العيوب المذكورة ،
كما تنادي به الاخبار المتقدمة ولا أعرف له سببا غير الظهور ، فكيف يتم قوله ، ان
الظهور متأخر عن سبب الخيار ، ويترتب على ذلك ما ذكره من حصول الخيار له ، لتقدم
سببه على سبب العتق ، وبالجملة فإني لا أعرف لما ذكره (قدسسره) وجها ولعله لضعف فهمي القاصر.
ويمكن أن يجاب
بأن الانعتاق بالجذام ونحوه ، انما هو في الملك المستقر الذي لا يتعقبه خيار ولا
فسخ ، وما نحن فيه ليس كذلك ، فإنه مراعى بمضي السنة سالما من العيوب المذكورة ،
إذ مع ظهورها في هذه المدة فله رده ، فهو غير مستقر ، وملخص البحث أن هذه الروايات
مع كثرتها وصحة بعضها صريحة في الرد بهذه العيوب التي من جملتها الجذام ، وقد
اتفقت على الرد به ، على أن ما ذكروه من الخيار في الصورة المذكورة سيأتي إنشاء
الله تعالى في المقام ما فيه.
ما روى في
الانعتاق بالجذام انما هو رواية السكوني وان كان ظاهرهم الاتفاق على القول بها ، وهي تضعف عن
معارضة هذه الاخبار لو ثبتت المعارضة والمنافاة ، فالواجب هو العمل بهذه الاخبار
وحمل رواية السكوني على استقرار الملك.
__________________
وبذلك يظهر ما
في قوله تفريعا على ما قدمه ، فان فسخ عتق على البائع بعده ، وان اختار الإمضاء
عتق على المشترى بعده ، وأين هذا التفصيل من ظاهر الاخبار المذكورة ، وهي انما
تضمنت الرد بظهور أحد هذه العيوب خاصة ، وبالجملة فالمسألة غير خالية عن شوب
الاشكال.
الخامس ـ ظاهر
الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو أنه بظهور أحد هذه العيوب ضمن السنة فإنه يتخير بين
الرد والأخذ بالأرش ، كما هو قضية خيار العيب ، والروايات المذكورة على كثرتها
انما تضمنت للرد خاصة ، وهي موافقة للروايات التي قدمناها في خيار العيب حيث انها
تضمنت الرد خاصة ، وأما الأرش فإنما هو في صورة التصرف المانع من الرد.
ويظهر من
التحقق الأردبيلي (قدسسره) الموافقة لنا هنا ـ فيما فهمناه من أخبار المسألة حيث
قال هنا في تقييد المصنف الرد بعدم التصرف ومعه الأرش خاصة ـ ما لفظه : وأما انه
إذا تصرف فليس له الا الأرش فلا يجوز الرد ، وقبله كان مخيرا ، فلما تقدم وثبت
عندهم ان الرد يسقط مع التصرف في العيب مطلقا دون الأرش ، إلا ما استثنى ، وليس
هذا منه.
وقد مر الإشارة
الى أنى ما رأيت دليلا صحيحا صريحا في التخيير مطلقا ، ولكن يظهر عدم الخلاف منهم
، وهم أعرف. انتهى.
وأشار بقوله
وقد مر الإشارة الى آخره الى ما ذكره سابقا في خيار العيب من المناقشة في عدم دليل
يدل على الخيار بين الرد والقبول مع الأرش بعد ظهور العيب ، وعدم وجوب شيء من
مسقطات الخيار.
حيث قال ـ بعد
المناقشة لهم في المقام بما يطول به الكلام ـ ما لفظه : نعم يوجد في الاخبار ما
يدل على الرد بالعيب قبل الحدث ، والتصرف والأرش بعده ، مع عدم البراءة من العيوب.
انتهى.
وهو جيد كما
أسلفناه ذكره ثمة ، إلا أنك قد عرفت مما قدمنا في خيار العيب
دلالة ظاهر عبارة كتاب الفقه الرضوي على ما ذكره الأصحاب ، فلعلها كانت هي المستند ، وان
غفل عنها المتأخرون ، لعدم وصول الكتاب إليهم ، وقد ذكرنا في غير موضع من كتب
العبادات نظائر لذلك تدفع الاستبعاد.
وأنت خبير بان
هذا الكلام وان كان الأنسب به بحث خيار العيب ، إلا انا لم نقف عليه في كلام
المحقق المذكور الا بعد الوصول الى هذا المكان ، فذكرناه هنا مؤيدا لما فهمناه من
الاخبار الواردة في المسألة ما سبق ، وما هنا ، والله العالم.
الحادي عشر ـ إذا
حدث في الحيوان عيب بعد القبض من غير جهة المشترى ، وقبل انقضاء الثلاثة ، فالأقرب
أنه يجتمع الخياران للمشتري ، وان بقي خيار العيب بعد الثلاثة ، إذ لا يتقيد خيار
العيب بالثلاثة.
والمنقول عن
المحقق ـ في الدرس على ما نقله في الدروس ـ أنه ليس له الرد إلا بأصل الخيار ، لا
بالعيب ، ويشير اليه قوله ـ في الشرائع ، ـ وما يحدث في ـ الحيوان بعد القبض وقبل
انقضاء الخيار ، فلا يمنع الرد في الثلاثة .
قال في المسالك
: المفهوم من قوله لا يمنع الرد وجعل الثلاثة ظرفا له ، ـ أن الرد بخيار الثلاثة
لا بهذا العيب الحادث ، ووجه عدم منعه من ذلك ظاهر ، لان العيب الحادث في الثلاثة
من غير جهة المشتري مضمون على البائع كالعيب السابق ، فلا يكون مؤثرا في رفع الخيار
، وهذا هو المنقول من مذهب المصنف
__________________
في المسألة ، والمنقول عن ابن نما وهو شيخ المحقق أن الخيار في
المسألة المذكورة بالعيب الحادث بالتقريب المذكور آنفا ، وهو كون هذا العيب الحادث
كالعيب السابق مضمونا على البائع ، فكما يتخير المشترى ، بالسابق يتخير بهذا أيضا
بين الرد والأخذ بالأرش.
وتظهر فائدة
الخلاف في ثبوت الخيار بعد تمام الثلاثة وعدمه ، فعلى الأول يرتفع ، دون الثاني ،
لما عرفت من ان خيار العيب لا يتقيد بالثلاثة ، وغاية ما يلزم حصول الخيار في
الثلاثة بعلتين من العيب ، وكون المبيع حيوانا ، وهو غير مانع ، فان علل الشرع
ليست عللا حقيقية يمتنع اجتماعهما ، وانما هي معرفات كما في اجتماع خيار المجلس والحيوان
، والشرط والغبن والعيب ، فإنه يمكن اجتماعها على عين واحدة.
وكذا تظهر
الفائدة هنا فيما لو شرط إسقاط بعضها ، فلو أسقط الخيار الأصلي أو المشترط فله
الرد بالعيب على قول ابن نما دون قول المحقق ، قال في المسالك : وقول ابن نما هنا
أوجه.
وقال في الروضة
والأقوى التخيير بين الرد والأرش كالمتقدم ، لاشتراكهما
__________________
في ضمان البائع وعدم المانعية من الرد ، وهو المنقول عن شيخه نجيب الدين
ابن نما. انتهى.
ومنه يعلم وجه
الا وجهية الذي ذكره في المسالك.
ثم ان ظاهر
عبارة القواعد هنا الموافقة لما ذكره المحقق ، حيث قال : وكل عيب يحدث في الحيوان
بعد القبض وقبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع الرد في الثلاثة قال المحقق الشيخ على
: والخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان ، وكذا كل خيار مختص بالمشتري
انتهى. ولم ينقل هنا في المسألة خلافا ، ولعله لعدم الوقوف على ما نقل عن ابن نما
هنا.
الثانية عشر ـ عد
العلامة في القواعد العيوب في هذا المقام ، فقال : وحقيقته ـ يعنى العيب ـ هو
الخروج عن المجرى الطبيعي ، لزيادة أو نقصان موجب لنقص المالية ، كالجنون ،
والجذام ، والبرص ، والعمى ، والعور ، والعرج ، والقرن ، والفتق ، والرتق ، والقرع
، والصمم ، والخرس ، وأنواع المرض سواء استمر ، كما في الممراض ، أولا كالعارض ولو
حمى يوم ، والإصبع الزائدة ، والحول ، والخوص ، والسبل ، وهو زيادة في الأجفان ،
والتخنيث ، وكونه خنثى. والجب والخصاء وان زادت بهما قيمته ، وبول الكبير في
الفراش ، والإباق ، وانقطاع الحيض ستة أشهر وهي في سن من تحيض ، والثفل الخارج عن
العادة في الزيت أو البزر ، واعتياد الزنا والسرقة ، والبخر والضناء الذي لا يقبل العلاج ، وكون الضيعة منزل الجنود ، وثقيل
الخراج ، واستحقاق القتل بالردة أو القصاص ، والقطع بالسرقة أو الجناية ،
والاستسعاء في الدين ، وعدم الختان في الكبير دون الصغير والأمة ، والمجلوب من
بلاد الشرك مع علم المشترى بجلبه.
__________________
والثيوبة ليست
عيبا ، ولا الصيام ولا الإحرام ، ولا الاعتداد ، ولا التزويج ولا معرفة الغناء
والنوح ، ولا العسر على اشكال ، ولا الكفر ، ولا كونه ولد زنا وان كان جارية ، ولا
عدم المعرفة بالطبخ أو الخبز ، وغيرهما ، انتهى.
وزاد في الدروس
الحدب في الظهر والصدر ، والسلع ، وعدم شعر الركب قال : وهي قضية ابن أبى ليلى مع
محمد بن مسلم ، والحبل في الأمة ، دون الدابة ، والخيانة ، والحمق البين ، وشرب
المسكر ، والنجاسة في غير قابل التطهير ، أو فيه إذا احتاج زوالها الى مؤنة واقتضى
نقصا في المبيع ، وكونه لزنية ، وكونه أعس على الأقرب.
ثم قال : أما
الكفر والغناء وعدم معرفة الصنائع ، وكونه محرما أو صائما ، أو حجاما أو حائكا
فليس بعيب ، ثم قوى كون الكفر عيبا ، وفاقا لابن الجنيد والشيخ في أحد قوليه.
ونقل في الدروس
عن الشيخ أنه لم يجعل البخر في الرقيق ، ولا بول الكبير في الفراش ولا الزنا عيبا
، وكذا عدم الختان مطلقا.
أقول : والمراد
بالخروج عن المجرى الطبيعي : أي كل ما يزيد أو ينقص عن أصل الخلقة التي خلق عليها
أكثر ذلك النوع وأغلبه ، وفي اندراج ثقيل الخراج ومنزل الجنود الذي عده هنا في ذلك
محل اشكال ، لاختصاص ما ذكره بالحيوان الا أن يراد بعبارته ما هو أعم مما ذكر ،
ومما جرى به العادة الغالبة ، ليكون على نهج مقتضى الطبيعة.
ثم ان في
تقييده بكونه موجبا لنقص المالية كما ذكره في التذكرة أيضا إشكال لانتقاض ذلك
بالخنثى والمجبوب وعدم الشعر على العانة فإنها عيوب ، مع أنها موجبة لزيادة
المالية ، فكان الأظهر أن يقيد العبارة بقوله غالبا ، ولهذا ان جملة من الأصحاب لم
يذكروا هذا القيد ، كالمحقق في الشرائع ، وهو (قدسسره) في القواعد وغيره ، ومن ثم استشكل جملة منهم في الأرش
في هذه العيوب الثلاثة ،
حيث أن العلة في الأرش النقصان ، وهو منتف هنا.
والقرن ـ في
نهاية ابن الأثير ـ بسكون الراء : شيء يكون في فرج المرأة كالسن يمنع من الوطي ،
ويقال له : العفل ، وفي كتاب الجمهرة لابن دريد بالتحريك قال : وامرأة قرناء ، وهي
التي يظهر قرنة رحمها من فرجها ، وهو عيب ، والاسم القرن ، وضبطها ضبطا معتمدا
محركة.
والفتق :
بالتحريك على ما ذكره في النهاية قال : الفتق بالتحريك انفتاق المثانة ، وقيل :
انفتاق الصفاق إذا دخل في فراق البطن ، وقيل هو أن ينقطع اللحم الذي على الأنثيين.
قال بعض
المحققين : وضبطه في الغريبين بالتحريك أيضا ، قال : هكذا أقرأنيه الأزهري ، وعلى
حاشية الفائق بخط بعض الأفاضل ان هذا وهم وافتراء على الأزهري ، وأنه وجد بخطه
بالإسكان وعليه صح انتهى.
والرتق : على
ما ذكره جملة من أهل اللغة بالتحريك ـ هو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه للذكر مدخل
، ورتقت المرأة رتقا من باب تعب ، فهي رتقاء إذا انسد مدخل الذكر من فرجها ، فلا
يستطاع جماعها.
والقرع :
بالتحريك قال في الجمهرة : وقرع رأس الإنسان يقرع : إذا انحات شعره. الذكر أقرع ،
والمرأة قرعاء.
والحرض : قال في كتاب المصباح المنير : حرض حرضا من باب تعب
أشرف على الهلاك فهو حرض تسميه بالمصدر مبالغة.
والحول قال في
القاموس : الحول محركة ظهور البياض في مواخر العين ، ويكون السواد من قبل الماق ،
أو إقبال الحدقة على الأنف ، أو ذهاب حدقتها قبل
__________________
مؤخرها ، أو أن تكون العين كأنما تنظر الى الحجاج ، أو ان تميل الحدقة إلى
اللحاظ وفي كتاب الجمهرة حول الرجل حولا إذا كان أحد سواد عينيه في موقه ، والأخر
في لحاظه. وفي كتاب مجمع البحرين : ورجل أحول العين وحولت عينه ، واحولت ايضا
بالتشديد.
والخوص بالخاء
المعجمة والصاد المهملة ، قال في كتاب مصباح المنير : (الخوص) مصدر من باب تعب ،
وهو ضيق العين وغورها ، وفي القاموس الخوص بالخاء المعجمة. محركة غؤور العينين ،
حوص كفرح فهو أخوص ، وبالمهملة محركة : ضيق في مؤخر العين أو في إحداهما. حوص كفرح
فهو أحوص.
والسبل : وقد
فسره المصنف بأنه زيادة في الأجفان ، وقال في القاموس والسبل غشاوة العين من
انتفاخ عروقها الظاهرة في سطح الملتحمة ، وظهور انتساج شيء فيما بينهما كالدخان.
والتخنيث : أى
كونه مخنثا ممكنا من نفسه ، وهو من أقبح العيوب.
والجب : قال في
القاموس : الجب القطع كالجباب ، والاجتباب واستئصال الخصية.
والخصاء قال في
القاموس : وخصاه خصا سل خصيتيه ، فهو خصى ومخصي ، وفي الصحاح : خصيت الفحل خصاء
ممدودا إذا سللت خصيتيه.
والسلعة : قال
في كتاب المصباح المنير : السلعة خراج كهيئة الغدة يتحرك بالتحريك ، قال الأطباء :
هي ورم غليظ غير ملتزق باللحم ، يتحرك عند تحريكه ، ولها غلاف وتقبل التزايد ،
لأنها خارجة عن اللحم. ولهذا قال الفقهاء : يجوز قطعها عند الأمن. انتهى.
والعس والاعس :
هو قوة اليد اليسرى على ما تقوى عليه اليمنى مع ضعف اليمنى ، ووجه الإشكال في كلام
العلامة المشار إليه بالأقربية في عبارة الدروس ،
من أن المطلوب من المنافع حاصل ، ومن خروجه عن المجرى الطبيعي الذي تضمنته
رواية محمد بن مسلم ، ووجه الأقربية التي ذكرها في الدروس ظاهر لدخوله تحت الرواية
المذكورة.
أقول : والأصل
في هذه المسألة قول النبي (صلىاللهعليهوآله) في رواية محمد بن مسلم المتقدمة في خيار العيب «كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب». مضافا الى ما ورد في النكاح
من ذكر بعض هذه العيوب الا انه يشكل الحكم في كثير مما عدوه هنا مع عدم دخوله تحت
الكلية المذكورة ، سيما مع كون بعضه عيبا في العرف مثل المخنث ، وما ذكر من حكم
الضيعة في كلام العلامة ، ومن ثم اعترض بعضهم على عد الكفر عيبا بأنه ليس خروجا عن
المجرى الطبيعي ، الا أن يقال : ان قوله (عليهالسلام) «كل مولود يولد على الفطرة». قد يدل على خروجه عنه ، وفيه ما لا يخفى.
وبالجملة
فالمسألة في جملة من الموارد لا تخلو من الاشكال ، لعدم الدليل العام الشامل لجميع
ما ذكروه ، وما ذكره هنا في عبارة القواعد من تقييد الزنا والسرقة بالاعتياد ،
خلاف ما صرح به في التذكرة والتحرير ، فإنه صرح بالحكمين خاليا من قيد الاعتياد ،
وهو الذي صرح به في الدروس ايضا.
قال المحقق
الشيخ على (رحمهالله) في شرح الكتاب : وظني أن الاعتياد غير شرط ، لأن
الإقدام على القبيح مرة يوجب الجرأة ، ولترتب وجوب الحد الذي لا يؤمن معه الهلاك
عليها ، ثم قال : فعلى هذا يكون شرب الخمر عيبا ، ومال في التذكرة إلى عدمه.
أقول : وفي
اندراج الزنا والسرقة تحت كلية العيوب المذكورة في الخبر
__________________
اشكال ، لما عرفت ، مع أنهما عيب عرفا ، ثم قال المحقق المذكور على اثر
الكلام المتقدم : ولو حصلت التوبة الخالصة المعلوم صدقها بالقرائن القوية في هذه
المواضع بعد تحقق العيب ، ففي زوال الحكم نظر ، انتهى.
أقول : الظاهر
أنه لا إشكال في زوال الحكم ، لتصريح الاخبار «بأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له». سيما إذا كانت
توبة نصوحا كما فرضه ، وكيف لا وبالتوبة النصوح يزول الفسق ، وتثبت العدالة الموجبة
للأمانة ، وقبول الشهادة ، وأى عيب يبقى حينئذ بعد ذلك ، حتى أنه (قدسسره) تنظر في زوال العيب.
وما اختاره في
كفارات القواعد من أن التولد من الزنا ليس عيبا هو أحد القولين ، وفي الدروس اختار
كونه عيبا ، واحتمل في حواشي القواعد كونه عيبا لحصول النقص في نسب الولد.
وفيه أولا أن
هذا ليس فيه خروج عن المجرى الطبيعي الذي بنوه عليه ثبوت العيب ، وثانيا أن
المقصود من الجارية ، المالية لا الاستيلاد ، نظير ما صرحوا به في المتعة.
الثالثة عشر ـ المعروف
من مذهب الأصحاب ـ من غير خلاف يعرف ـ انه إذا علم بالعيب ولم يرد لم يبطل خياره ،
ولو تطاولت المدة. نعم جعله في التذكرة أقرب ، وربما أشعر ذلك بخلاف في المسألة ،
الا أنه لم ينقل ، ويحتمل كون ذلك في مقام الرد على الشافعي ، حيث نقل عنه الفورية
في هذا الخيار ، قال : في المسالك وهو محتمل ان لم يثبت الإجماع بالتقريب السابق
في نظائره ، انتهى.
ولا فرق عندهم
بين أن يكون الغريم حاضرا أو غائبا ، خلافا لأبي حنيفة حيث شرط حضور الغريم في
جواز الفسخ.
__________________
الفصل الرابع في أحكام العقود
والبحث هنا يقع
في مطالب أربعة ، الأول ـ في النقد والنسيئة ، أي البيع الحال والمؤجل ، سمي الأول
نقدا باعتبار كون الثمن منقودا ولو بالقوة ، والثاني مأخوذ من النسيء وهو تأخير
الشيء ، تقول : أنسأت الشيء إنساء : أى أخرته ، والنسيئة اسم : وضع موضع المصدر.
قال شيخنا
الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) : واعلم أن البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن
وتأخيرهما والتفريق ، أربعة أقسام : فالأول النقد ، والثاني بيع الكالئ بالكالئ
بالهمز اسم فاعل أو مفعول من المراقبة ، لأن كلا من الغريمين يرتقب صاحبه لأجل
دينه ، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن هو النسيئة ، وبالعكس السلف ، وكلها صحيحة
عدا الثاني ، وقد ورد النهى عنه وانعقد الإجماع على فساده.
__________________
أقول : الظاهر
أن النهى عن بيع الكالي بالكالي ما هو من من طريق العامة والذي في أخبارنا انما هو النهى عن بيع الدين بالدين
كما في رواية طلحة بن زيد وفي الصحيح في بيع الدين قال : «لا يبيعه نسيئا ، فلما نقدا فليبعه
بما شاء».
ويظهر من
التذكرة ان بيع الكالئ بالكالئ هو أن يبيع الدين بالدين ، سواء كان مؤجلا أم لا وظاهرهم تحريم الأمرين كليهما وسيجيء تحقيق المسألة
إنشاء الله تعالى في كتاب الدين.
وفي هذا المقام
مسائل.
(الاولى) ـ من
اشترى مطلقا كان الثمن حالا من غير خلاف ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في
الكافي عن عمار بن موسى في الموثق عن أبى عبد الله (ع) «في رجل اشترى من رجل جارية بثمن
مسمى ثم افترقا؟ قال : وجب البيع ، والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد».
أقول : يعني
إذا لم يشترطا التأخير ، ولو اشترطا التعجيل أفاد التأكيد ، لما عرفت من أن
الإطلاق يقتضي التعجيل.
__________________
قال في الدروس
: فان شرطه تأكد ، وأفاد التسلط على الفسخ إذا عين زمان النقد وأخل المشترى به ،
أقول : هذا مبنى على مذهبه في المسألة .
وأما على القول
الأخر فإن الشرط لازم يجب الوفاء به ، ويجبر على ذلك ، وقد تقدم ذكر المسألة في
المسألة الاولى من المقام الثاني في أحكام الخيار وان اشترط تأجيل الثمن ، وجب أن تكون المدة معينة
مضبوطة لا تقبل الزيادة والنقصان فلو شرط التأجيل ولم يعين ، أو عين أجلا يحتمل الزيادة
والنقصان كقدوم الحاج وإدراك الغلة ، أو عين ما هو مشترك بين أمرين أو أمور ـ كالنفر
من منى فإنه مشترك بين أمرين ، وشهر ربيع فإنه مشترك بين شهرين ـ لا يصح ، هذا هو
المشهور ، وقيل : يصح ، ويحمل على الاولى في الجميع ، لتعليقه الأجل على اسم معين
وهو يتحقق بالأول ، لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد ، ليتوجه قصدهما إلى أجل
مضبوط.
أقول :
والمستفاد من الاخبار انما هو الأول ، وهو الذي عليه العمل ، ولا فرق في
المدة بين كونها قصيرة أو طويلة ، بل قال في المسالك : «فلو شرطا ها ألف سنة ـ ونحوها
ـ صح وان علما أنهما لا يعيشان إليها عادة ، للعموم ، ولان الوارث يقوم مقامهما.
__________________
أقول : ما ذكره
شيخنا (قدسسره) من عدم الفرق هنا بين المدة القصيرة والطويلة ـ هو
المشهور في كلام الأصحاب ، ونقل عن ابن الجنيد أنه منع من أقل من ثلاثة أيام في
السلف ، ومن أكثر من ثلاث سنين مطلقا.
والذي وقفت
عليه هنا من الاخبار ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : انى أريد الخروج الى بعض الجبال فقال : ما للناس بد
من أن يضطربوا سنتهم هذه ، فقلت له : جعلت فداك انا إذا بعناهم بنسيئة كان أكثر
للربح ، قال : فبعهم بتأخير سنة ، قلت : بتأخير سنتين؟ قال : نعم ، قلت بتأخير
ثلاث؟ قال : لا».
وما رواه عبد
الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن احمد بن
محمد بن ابى نصر «أنه قال لأبي الحسن الرضا (عليهالسلام) ان هذا الجبل قد فتح على الناس منه باب رزق ، فقال :
ان أردت الخروج فاخرج فإنها سنة مضطربة ، وليس للناس بد من معاشهم ، فلا تدع الطلب
، فقلت : انهم قوم ملاء ونحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة؟ قال : بعهم ، قلت
: سنتين؟ قال : بعهم قلت : ثلاث سنين؟ قال : لا يكون لك شيء أكثر من ثلاث سنين».
ولعل ابن جنيد
استند الى ذلك ، وان كانت أقواله في جل الأحكام بعيدة المداعن أخبارهم (عليهمالسلام) والظاهر حمل الخبرين المذكورين على الكراهة لما
يستلزمه من طول الأمل ، أو من حيث صعوبة تحصيله بعد هذه المدة الطويلة ، لما هو
معلوم من أحوال الناس في ثقل أداء الدين ، ولا سيما إذا كان بعد أمثال هذه المدة.
__________________
ولو باع بثمن
حالا ، وبأزيد منه مؤجلا ـ أو فاوت بين أجلين في الثمن كان يقول بعتك حالا بمائة ،
والى شهر بمأتين ، أو مؤجلا إلى شهر بمائة ، والى شهرين بمائتين ـ فالمشهور
البطلان ، لجهالة الثمن ، لتردده بين الأمرين. وقيل : ان للمشتري أن يأخذه مؤجلا
بأقل الثمنين .
ويدل على هذا
القول ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى نجران
عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبى جعفر (ع) والصدوق في الفقيه عن محمد بن قيس عن
أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : من باع سلعة فقال : ان ثمنها كذا وكذا يدا بيد ،
وثمنها كذا وكذا نظرة ، فخذها بأي ثمن شئت ، وجعل صفقتهما واحدة فليس له الا
أقلهما
__________________
وان كانت نظرة» وزاد في الكافي «قال : ـ وقال على (عليهالسلام) : من ساوم بثمنين أحدهما عاجل والأخر نظرة فليسم
أحدهما قبل الصفقة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) «أن عليا (عليهالسلام) قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين ، بالنقد كذا
وبالنسيئة كذا ، فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال : هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين
، يقول : ليس له الا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله بنسيئة».
والأصحاب قد
ردوا هذا القول بالضعف والندور ، وروايته بالضعف والشذوذ ، حتى المحدث الكاشاني في
المفاتيح ، والظاهر أنهم لن يقفوا الا على رواية السكوني ، والا فرواية محمد بن
قيس صحيحة برواية الفقيه ، وحسنة لا تقصر عن الصحيح ، بناء على الاصطلاح الغير
الصحيح على رواية الكافي ، إلا أن الزيادة التي في صحيحة محمد بن قيس على رواية
الكافي لا تخلو من منافرة لما دلت عليه الصحيحة المذكورة ، فإن الظاهر أن المراد
منها كما ذكره بعض مشايخنا (نور الله مراقدهم) هو أنه لا يجوز هذا الترديد ، بل لا
بد من أن يعين أحدهما قبل العقد ويوقعه عليه.
وقال بعض
المحققين : لعل معناه أن يعين كل واحد منهما قبل وقوع البيع وعلى هذا فلا منافرة
في العبارة المذكورة ، وظاهر الفاضل الخراساني في الكفاية اختيار هذا القول ،
للخبرين المذكورين مع صحة الأول منهما وهو جيد ، الا أن ذلك غير خال من الاشكال من
حيث هذه الزيادة التي في الكافي ، فإنها ظاهرة في موافقة القول المشهور بالتقريب
الذي ذكرناه أولا ، وان كانت على الاحتمال الأخر غير منافية.
وظاهر جملة من
الأصحاب الاستناد في رد هذا القول الى ما روى من النهى «عن بيعين واحدة» والظاهر
انه اشارة الى ما رواه في التهذيب عن سليمان
__________________
بن صالح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك
، وعن ربح ما لم يضمن.
وعن عمار
الساباطي في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «بعث رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رجلا من أصحابه واليا فقال له : انى بعثتك الى أهل
الله يعني أهل مكة ـ فانهيهم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع وعن ربح ما لم
يضمن».
قال في الوافي
قيل أريد «بشرطين في بيع» ما أريد «ببيعين في بيع» في سابقه وهو ان يقول بعتك هذا
الثوب نقدا بعشرة ، ونسية بخمسة عشر ، وانما نهى عنه ، لانه لا يدرى أيهما الثمن
الذي يختاره ليقع عليه العقد انتهى ثم قال : وربما يفسر «بيعين في بيع» بان يقول
بعتك هذا بعشرين ، على ان تبيعني ذلك بعشرة أو بما يشمل المعنيين انتهى.
أقول : ان هذين
الخبرين غير خليين من الإجمال المانع من الاعتماد عليهما في الاستدلال ، والخروج
بهما عن صريح الخبرين المتقدمين لا يخفى ما فيه.
نعم يبقى
الإشكال في ذينك الخبرين بما ذكره المحقق الأردبيلي طاب ثراه في هذا المقام ، حيث
قال ـ بعد الكلام في بيان سند الصحيحة المذكورة ـ وبالجملة الظاهر اعتبار سندها ،
ولكن في مضمونها تأمل وان عمل به ، لان المالك انما رضي بالبيع بالثمن الكثير نظرة
، فكيف يلزم بأقلهما نظرة ، ومعلوم أن رضا الطرفين شرط في العقد ، «ولا يحل مال امرء
الا بطيب نفسه . والحاصل أن الأدلة العقلية
__________________
والنقلية كثيرة على عدم العمل بمضمونها فلا يعمل به وان كانت صحيحة ، فكيف
العمل بها مع كونها حسنة لوجود إبراهيم بن هاشم لو سلم ما تقدم ، وان كان الظاهر
ان إبراهيم لا بأس به ، وما تقدم صحيح.
وتقديم مثل هذه
على الأدلة العقلية والنقلية ـ وتخصيصهما به والحكم بصحة البيع ـ لا يخلو عن شيء
لأجل ذلك ، لا لأنها تستلزم الجهالة والغرر كما فهم من التذكرة ، لأن دخولها تحت
الغرر المنفي والجهل الممنوع غير ظاهر ، لان الاختيار اليه ، وعلى كل من التقديرين
الثمن معلوم ، على أنه قد تقرر أن الأجل بالأقل ، ولا لأن في سندها جهالة وضعفا
كما في شرح الشرائع. لأن ذلك غير ظاهر ، بل الظاهر ما عرفت ، فينبغي أما العمل
بمضمونها وفيه بعد ، واما تأويلها فتأمل انتهى وهو جيد.
والروايتان
المذكورتان وان كان موردهما مخصوصا بما إذا كان البيع بثمن حال ومؤجل ، الا أن
الأصحاب عدوهما أيضا الى ما إذا باع الى وقتين متأخرتين بتفاوت بين الثمنين من حيث
قرب الأجل وبعده ، كما تقدم ، وأنت خبير بما فيه.
المسألة
الثانية المشهور بين الأصحاب أنه لو اشتراه البائع في حال كون البيع الأول نسيئة
صح البيع الثاني ، سواء كان قبل الأجل أو بعده ، بجنس الثمن وغيره ، بزيادة أو
نقيصة ، وقيل : بالتحريم في ما إذا كان البيع بجنس الثمن بزيادة أو نقصان ، وقيل :
بتخصيص ذلك بالطعام ، والقول بالصحة فيما اتفقوا عليه مشروط بأن لا يشترط في بيعه
الأول بيعه من البائع ، والا لبطل البيع الأول سواء كان حالا أو مؤجلا وسواء شرط بيعه
من البائع بعد الأجل أم قبله.
والذي وقفت
عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه الصدوق في الصحيح عن منصور بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه ،
فاتى الطالب المطلوب يتقاضاه ، فقال له
__________________
المطلوب : أبيعك هذا الغنم بدراهمك التي لك عندي فرضي قال : لا بأس بذلك».
ومورد هذه
الرواية هو شراء ما باعه عليه نسيئة بعد حلول الأجل بما هو أعم من الزيادة أو
النقيصة بالنسبة إلى الثمن الأول من غير شرط سابق ، ومنه يعلم عدم الفرق في الجواز
بين حلول الأجل وقبله إذا لم يكن طعاما.
وبالسند
المتقدم عن منصور بن حازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير
ذلك ، فاتى المطلوب الطالب ليبتاع منه شيئا ، قال : لا يبيعه نسيئا ، فأما نقدا
فليبعه بما شاء».
قال في الوافي
: «شيئا» أي من ذلك المتاع الذي عليه ، ولا يبعد أن يكون تصحيف نسيئا انتهى وهو
جيد.
أقول : وهذا
الخبر ظاهر في جواز شراء ما باعه نسيئة قبل حلول الأجل بزيادة أو نقيصة نقدا ،
والظاهر أنه انما منع من بيعه نسيئة لاستلزامه بيع الدين بالدين ، لان هذه الأشياء
دين على من اشتراها ، فمتى باعها بثمن مؤجل لزم بيع الدين بالدين ، وفيه كلام يأتي إنشاء الله تعالى في مسألة الدين بالدين وتحقيق ما
هو المراد من ذلك.
وكيف كان فان
هذا الخبر مناف لما قدمنا نقله عنهم من تجويزهم شراء النسيئة حالا أو مؤجلا ،
لدلالة الخبر كما ترى على التخصيص بالنقد والمنع من النسيئة.
__________________
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن بشار بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من صاحبه الذي
يبيعه منه؟ قال : نعم لا بأس به ، فقلت له : اشترى متاعي؟ فقال : ليس هو متاعك ولا
بقرك ولا غنمك». وهو ظاهر في جواز الشراء بالزيادة والنقصان قبل الأجل وبعده بجنس
الثمن أو غير جنسه.
وروى في الكافي
والتهذيب عن الحسين بن المنذر قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) يجيئني الرجل فيطلب العينة فاشترى له المتاع مرابحة ،
ثم أبيعه إياه ، ثم أشتريه منه مكاني؟ قال : فقال : إذا كان بالخيار ان شاء باع ،
وان شاء لم يبع وكنت ايضا بالخيار ان شئت اشتريت ، وان شئت لم تشتر فلا
بأس ، قال : قلت : فإن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد ، ويقولون :
__________________
ان جاء به بعد أشهر صلح. فقال : ان هذا تقديم وتأخير فلا بأس به». وفي هذا
الخبر إيماء إلى انه مع الشرط لا يصح البيع ، وانه لا بد من تحقق العقد الأول
واقعا وعدم توقفه على شرط.
وأظهر منه في
ذلك ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ، ثم اشتراه
بخمسة دراهم أيحل؟ قال : إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس».
ورواه على بن
جعفر في كتابه ، الا أنه قال : «بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد».
وهو أظهر في
عنوان المسألة.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن ظاهر كلام الأصحاب أنه لا دليل في الاخبار على ما ذكروه من البطلان
بالشرط في العقد الأول وانما استدل عليه العلامة في التذكرة باستلزامه الدور ،
وناقشه جملة من المتأخرين ، منهم شيخنا الشهيد الثاني قال (قدسسره) في المسالك : واختلف كلامهم في تعليل البطلان مع الشرط
المذكور ، فعلله في التذكرة باستلزامه الدور ، لان بيعه له يتوقف على ملكه له ،
المتوقف على بيعه ، ورد بأن الموقوف على حصول الشرط هو اللزوم لا الانتقال ، وتمنع
توقف تملك المشترى على تملك البائع ، بل تملكه موقوف على العقد المتأخر عن ملك
المشترى ، ولانه وارد في باقي الشروط كشرط العتق ، والبيع للغير مع صحته إجماعا ،
وعلل أيضا بعدم حصول القصد الى نقله عن البائع ، ويضعف بأن الفرض حصوله ، وارادة
شرائه بعد ذلك لا ينافي حصول قصد النقل ، وألا لم يصح إذا قصدا وان لم يشترطا ،
وقد صرحوا بصحته. انتهى.
أقول : وقد
عرفت الدليل على ذلك من الخبرين المذكورين ، فلا حاجة
__________________
الى هذه التعليلات ، ولكنهم لم يقفوا عليهما ، والسبب في ذلك هو قصور النظر
عن تتبع الاخبار.
وأما القول
بالبطلان فيما إذا كان البيع الثاني بجنس الثمن الأول مع الزيادة أو النقصان فهو
للشيخ ـ قدسسره ـ في النهاية قال في الكتاب المذكور : إذا اشترى نسيئة
فحل الأجل ولم يكن معه ما يدفعه إلى البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه
إياه من غير نقصان من ثمنه ، فإن أخذه بنقصان مما باع ، لم يكن ذلك صحيحا ، ولزمه
ثمنه الذي كان أعطاه به ، فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن
بذلك بأس» انتهى.
واستند ـ قدسسره فيما ذكره ـ الى ما رواه في التهذيب عن خالد بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى ، فلما جاء
الأجل أخذته بدراهمي ، فقال : ليس عندي دراهم ولكن عندي طعام فاشتره منى ، فقال :
لا تشتره منه فإنه لا خير فيه».
وأنت خبير بأن
هذا الخبر مع صحة العمل به غير منطبق على مدعاه من وجوه ، أحدها ـ من حيث أن
موردها الطعام ، ومدعاه أعم كما تقدم في عبارته ، ولهذا خص البعض الحكم بالطعام
كما قدمنا الإشارة اليه ، وثانيها ـ تخصيصه ذلك بالعين التي باعها فإنه حكم
بالجواز في عبارته المذكورة في غيرها ، ومورد الرواية أعم من ذلك ، وثالثها ـ تخصيصه
المنع بالزيادة والنقيصة ، أما المثل فجائز عنده والرواية ظاهرة المنع في الجميع.
وما رواه في
الفقيه عن عبد الصمد بن بشير عن أبى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «سأله محمد بن القاسم الحناط فقال : أصلحك الله أبيع الطعام من الرجل
إلى أجل ، فأجيء وقد تغير الطعام من سعره ، فيقول : ليس عندي دراهم ، قال : خذ
منه بسعر يومه ، فقال : أفهم ـ أصلحك الله ـ انه طعامي الذي اشتراه منى قال : لا
تأخذ منه حتى يبيع ويعطيك ، قال : أرغم الله أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي».
وهذا الخبر
أورده الشيخ في الاستبصار بيانا لما اختاره من عدم جواز البيع بأكثر مما باعه :
واعترضه بعض مشايخنا ـ عطر الله مراقدهم في حواشيه على الكتاب ـ «بأن هذا
الخبر ليس فيه دلالة على دعواه بوجه من الوجوه ، لان المعنى أن السائل لما طمع أن
يرخص له أخذ طعامه الذي دفعه اليه ، مع أن القيمة قد زادت والحال أنه لا يستحق إلا
دراهم ، فلم يرخص له أن يأخذه إلا بسعر يومه. انتهى.
وأما ما يدل
على المشهور فما تقدم من صحيحة بشار بن يسار ، وصحيحة منصور بن حازم ، وما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق في بعض ، والصحيح
في بعض عن يعقوب بن شعيب وعبيد بن زرارة قال : «سألنا أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل باع طعاما بدراهم إلى أجل ، فلما بلغ ذلك الأجل
تقاضاه فقال : ليس عندي دراهم خذ منى طعاما قال : لا بأس به انما له دراهم يأخذ
بها ما شاء». والشيخ حمل هذا الخبر على عدم الزيادة ، وسياق الخبر ظاهر في خلافه
__________________
وبالجملة فإن الاخبار هنا انما تعارضت في الطعام خاصة ، والمشهور ـ في كلام
الأصحاب ـ ـ الجمع بينها بحمل رواية خالد بن الحجاج ـ فإنها هي الظاهرة في المنع ـ
على الكراهة.
المسألة
الثالثة إذا ابتاع شيئا مؤجلا فإنه لا يجب عليه دفع الثمن قبل حلول الأجل ، بل لا
يجوز طلبه ، لوجوب الانظار بالشرط الواقع في العقد ، والأظهر أيضا عدم وجوب قبضه
على البائع لو دفعه إليه المشتري قبل الأجل. قال : بعض المحققين : «وقد يتخيل
الوجوب ، لأن إلا لرجل لرعاية حال المشترى والترفه له ، كالرخصة له ، لا لأجل
البائع ، ولهذا يزاد الثمن ، فإذا حصل الثمن الزائد للبائع نقدا فهو غاية مطلوب
التجار ، فلا ينبغي الامتناع عنه وأيضا قد يتضرر المشترى بعدم الأخذ ولان الظاهر
أن أخذ الحق مع دفع صاحبه واجب عندهم عقلا ونقلا وقد أفاد الأجل عدم وجوب الدفع ،
لا عدم وجوب الأخذ فتأمل. ولان الظاهر من قولنا بعتك هذا بكذا إلى مدة كذا أن زمان
الأداء الى تلك المدة موسعا ، فذلك الزمان نهاية الأجل للتوسعة بمنى عدم التضييق
إلا في ذلك الزمان كالواجب الموسع ولا شك ان الأخذ أحوط إلا مع ظهور ضرر عليه»
انتهى.
أقول : جميع ما
ذكره ـ (قدسسره) من الوجوه ـ جيد لكن غايته إفادة الأولوية فإن الوجوب
حكم شرعي يترتب على تركه العقوبة والمؤاخذة منه سبحانه ، فلا بد له من دليل واضح
من آية أو رواية ، لانحصار الأدلة الشرعية عندنا في ذلك ، ومجرد هذه التقريبات
العقلية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية كما قدمنا ذكره في غير مقام.
ويجب الدفع بعد
حلول الأجل ومطالبة البائع ، فان لم يطالب وأراد المشتري الدفع وجب على البائع
أخذه ، ولو امتنع رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ، فاما أن يجبره على قبضه ، أو
يقبضه الحاكم الشرعي حسبة ، ومع تعذر الحاكم.
فالظاهر قيام عدول المؤمنين بذلك ، كما يفهم من جملة من الاخبار ، وبذلك
تبرأ ذمة المشترى ، فان تلف بغير تفريط فلا ضمان على المشترى ولا على الأمين من
الحاكم والقائم مقامه ، وهكذا الحكم في سائر الحقوق المالية.
ولو تعذر
الحاكم ومن يقوم مقامه فلو عزله وأبقاه أمانة عنده وتسلط عليه صاحبه بحيث متى
اراده قبضه ، فالظاهر انه يبرء بذلك من ضمانه ، وانه يخرج بذلك عن عهدته ، وانه
يجب على صاحبه أخذه ، والا كان مضيعا لما له ، بل يمكن ذلك مع وجود الحاكم أيضا ،
لأن الحاكم انما هو وكيل مع عدم وجود الموكل وإمكان مثله ، والى ذلك أشار في
التذكرة في أحكام السلف ، الا ان المشهور هو الرجوع الى الحاكم أو لا.
قيل : ويجوز
للمشتري التصرف فيه بعد تعيينه ، فيرجع الى ذمته ، ولو تجدد له نماء فهو له. قال
في المسالك : ومقتضى ذلك انه لا يخرج عن ملكه وانما يكون تلفه من البائع عقوبة له
وفيه نظر» انتهى.
ولو امتنع
المشترى من دفعه بعد حلول الأجل ومطالبة البائع ، فظاهر كلام الأصحاب هنا وجوب رفع
الأمر إلى الحاكم أولا ، ومع تعذره فالمقاصة ان لم يتمكن من الأخذ قهرا ، وظاهر
الاخبار المقاصة وان كان موردها أعم مما نحن فيه.
ثم انه مع
إمكان الرجوع الى الحاكم الشرعي فلا اشكال. وأما مع تعذره وعدم إمكان تحصيله قهرا
أو مقاصة فهل يرفع الأمر إلى حاكم الجور؟ إشكال ينشأ
__________________
من النهى عن الترافع الى الجبت والطاغوت ، الا أن الظاهر ـ كما ذهب إليه
جملة من أصحابنا ـ هو اختصاص تحريم الترافع إليهم بوجود الحاكم الشرعي ، كما هو
ظاهر جملة من اخبار المسألة ، وبعضها وان كان مطلقا فإنه يجب حمله على المقيد ،
عملا بالقاعدة ، وأيضا فظاهر الاخبار المشار إليها هو المنع من الترافع في إثبات
الحق بالبينة أو اليمين ، دون مجرد الاستعانة بهم على أخذه مع ثبوته ، وعدم إنكار
الخصم ذلك ، كما هو محل البحث.
ومتى انتقل
الأمر إلى المقاصة أو الأخذ منه قهرا فيجب مراعاة الأسهل فالأسهل ، فإن وجد الجنس
المساوي لا يتعدى الى غيره ، وينبغي ـ سيما إذا كان مؤمنا ـ المسامحة والسهولة في
الاقتضاء لما ورد في ذلك وعدم المقاصة التامة ، وقد تقدم حديث الصادق (عليهالسلام) . في إنكاره على من استقضى حقه ، وأنه إسائة منهي عنها ،
وهكذا الحكم في طرف البائع إذا باع سلما ، وكذا سائر الحقوق.
المسألة
الرابعة : يجوز بيع المتاع حالا ومؤجلا بزيادة عن قيمته ، وقيد ذلك بعضهم بكون
المشترى والبائع عالمين بالقيمة ، وأورد على ذلك أن مقتضاه أنهما لو لم يكونا
عالمين بالقيمة لا يصح البيع مع أنه ليس كذلك ، فإنه يصح البيع ، وان ثبت للجاهل
منهما خيار الغبن متى كان مما لا يتسامح به ، كما تقدم في خيار الغبن ويمكن حمل كلام من ذكر هذا القيد على أنه أراد بالجواز
اللزوم مجازا ، إذ مع الجهل وثبوت الغبن لا يلزم.
ثم انه ينبغي
أن يعلم أنه لا بد من تقييد الصحة مع الزيادة بعدم استلزام السفه بأن يتعلق
بالزيادة غرض صحيح عند العقلاء ، اما لقلتها أو لترتب غرض آخر يقابل الزيادة ،
كالصبر عليه بدين حال ونحو ذلك.
__________________
المسألة
الخامسة : لا يجوز تأخير ثمن المبيع ولا شيء من الحقوق المالية بزيادة فيها ،
ويجوز تعجيلها بنقصان منها. أما الأول ـ فلاستلزام الزيادة في هذه الصورة الربا.
نعم يجوز التأجيل في عقد لازم كالبيع ونحوه بزيادة في ثمن ما يبيعه إياه وان زادت
على ثمنه الواقعي أضعافا مضاعفة ، وهذا من الحيل الشرعية في التخلص من الربا. وعليه
ظاهر اتفاق الأصحاب ـ (رضوان الله عليهم) ـ وبه استفاضت الاخبار كان يكون له في
ذمته مائة درهم حالا ، ويريد تأجيلها إلى سنة بزيادة عشرين درهما مثلا ، فان
الطريق في ذلك أن يبيعه خاتما قيمته درهم مثلا بعشرين درهما ، ويشترط تأجيل الثمن
مع المأة الدرهم التي في ذمته إلى سنة ، فإنه لا شك في صحته.
ويدل على ذلك
من الاخبار ما رواه في الكافي عن محمد بن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : ان سلسبيل طلبت منى مائة ألف درهم على أن يربحنى
عشرة آلاف درهم فاقرضتها تسعين ألفا وأبيعها ثوبا أو شيئا تقوم على بألف درهم
بعشرة آلاف درهم؟ قال : لا بأس». قال في الكافي : وفي رواية أخرى «لا بأس به أعطها
مأة ألف ، وبعها الثوب بعشرة آلاف واكتب عليها كتابين».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن محمد بن إسحاق بن عمار قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) : الرجل يكون له المال قد حل على صاحبه يبيعه لؤلؤة
تسوى مائة درهم بألف درهم ويؤخر عنه المال الى وقت؟ قال : لا بأس ، قد أمرني أبي
ففعلت ذلك ، وزعم أنه سأل أبا الحسن (عليهالسلام) عنها فقال له : مثل ذلك».
وما رواه الشيخان
المذكوران في الصحيح عن محمد بن إسحاق بن عمار
__________________
قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : يكون لي على الرجل دراهم فيقول : أخرني بها وأنا
أربحك فأبيعه جبة تقوم على بألف درهم بعشرة آلاف درهم ، أو قال : بعشرين ألفا
وأؤخره بالمال؟ قال : لا بأس».
وما رواه عن
عبد الملك بن عتبة قال : «سألته عن الرجل أريد أن أعينه المال ، ويكون لي
عليه مال قبل ذلك فيطلب منى ما لا أزيده على مالي الذي لي عليه ، أيستقيم أن أزيده
مالا وأبيعه لؤلؤة تساوى مأة درهم بألف درهم فأقول له : أبيعك هذه اللؤلؤة بألف
درهم على أن أؤخرك بثمنها وبمالي عليك كذا وكذا شهرا ، قال : لا بأس».
وما رواه في
الكافي عن مسعدة بن صدقة في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل عن رجل له مال على رجل من قبل عينة عينها
إياه فلما حل عليه المال لم يكن عنده ما يعطيه فأراد أن يقلب عليه ويربح أيبيعه
لؤلؤا وغير ذلك ما يسوى مائة درهم بألف درهم ويؤخره؟ قال : لا بأس بذلك ، قد فعل
ذلك أبى (عليهالسلام) وأمرني أن أفعل ذلك في شيء كان عليه».
ومما يؤيد ذلك
زيادة على ما ذكرنا ما رواه في التهذيب عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن رجل
كتب الى العبد الصالح (عليهالسلام) «يسأله انى أعامل قوما أبيعهم الدقيق أربح عليهم في
القفيز درهمين إلى أجل معلوم ، وانهم يسألوني أن أعطيهم عن نصف الدقيق دراهم ، فهل
لي من حيلة أن لا أدخل في الحرام؟ فكتب (عليهالسلام) إليه : أقرضهم الدراهم قرضا وازدد عليهم في نصف القفيز
بقدر ما كنت تربح عليهم».
__________________
وما رواه المشايخ
الثلاثة ـ (نور الله تعالى مراقدهم) ـ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألته ـ (عليهالسلام) الى أن قال : ـ فقلت له : أشترى ألف درهم ودينارا
بألفي درهم؟ فقال : لا بأس بذلك ان أبى (عليهالسلام) ، كان اجرى على أهل المدينة مني ، وكان يقول : هذا
فيقولون : انما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف
درهم لم يعط ألف دينار ، وكان يقول لهم : نعم الشيء الفرار من الحرام الى الحلال».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان محمد بن المنكدر يقول لأبي : يا أبا جعفر ـ
رحمك الله ـ والله انا لنعلم أنك لو أخذت دينارا والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة
على أن تجد من يعطيك عشرين ، ما وجدته ، وما هذا الا فرارا ، وكان أبى يقول : صدقت
والله ، ولكنه فرار من باطل الى حق».
والعجب أنه ـ مع
هذه الاخبار التي رأيت ، واتفاق الأصحاب على ذلك ـ كان بعض من يدعى الفضل من
المعاصرين بل الأفضلية ينكر ذلك ويقول ببطلانه ، مستندا الى أن البيع المذكور غير
مقصود. وما هو إلا محض اجتهاد في مقابلة النصوص ، ورد على أهل الخصوص.
وأما ما رواه الشيخ
عن يونس الشيباني قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يبيع البيع والبائع يعلم أنه لا يسوى ،
والمشترى يعلم أنه لا يسوى الا أنه يعلم أنه سيرجع فيه فيشتريه به منه قال : فقال
: يا يونس ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال لجابر بن عبد الله : كيف أنت إذا ظهر الجور
وأورثتم الذل؟ قال :
__________________
فقال له جابر : لا أبقيت الى ذلك الزمان ، ومتى يكون ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال
: إذا ظهر الربا يا يونس ، وهذا الربا ، وان لم تشتره منه رده عليك؟ قال : قلت : نعم
قال : فقال : لا تقربنه فلا تقربنه».
حيث أنه
بإطلاقه دل على المنع مما دلت تلك الاخبار على جوازه ، فأجاب عنه بعض مشايخنا في
حواشيه على كتب الاخبار بالحمل على الكراهة وقال في الوافي بعد نقله على أثر
الأخبار المتقدمة : ـ لا منافاة بين هذا الخبر والاخبار المتقدمة ، لأن المتبايعين
هيهنا لم يقصدا البيع ولم يوجباه في الحقيقة ، وهناك اشترط ذلك في جوازه ـ انتهى
والجميع لا
يخلو من البعد والأظهر عندي حمل الخبر على التقية لما دلت عليه
الاخبار المتقدمة من تشديد العامة في المنع من هذه الصورة وأما الثاني :
وهو جواز التعجيل بالنقصان ، فقد صرح به الأصحاب من غير خلاف يعرف في الباب ، وهو
يكون بالإبراء أو الصلح ، والوجه في الإبراء ظاهر ، إذ لو أبرأه من الكل لصح ،
فكذا من البعض ، وكذا الصلح ، ويسمى صلح الحطيطة ، وهو الذي وردت به الاخبار.
منها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن ابان عمن حدثه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له على الرجل دين ، فيقول
له
__________________
قبل أن يحل الأجل : عجل لي النصف من حقي على أن أضع عنك النصف ، أيحل ذلك
لواحد منها؟ قال : نعم».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابى عمير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : سئل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى فيأتيه
غريمه فيقول : انقدني كذا وكذا وأضع عنك بقيته أو يقول : أنقد في بعضه وأمد لك في
الأجل فيما بقي عليك ، قال : لا أرى به بأسا ، انه لم يزدد على رأس ماله ، قال
الله جل ثناؤه «فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ.».
ورواه الشيخ في
التهذيب والصدوق وفي الفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح الا أن فيه «في الرجل يكون عليه الدين إلى
أجل مسمى». وهو الظاهر ولعل اللام في رواية الكافي هنا بمعنى على.
وما رواه في
الكافي عن أبان عن زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : سألته عن رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم باعها
فربح فيها قبل أن ينقد صاحبها الذي هي له. فأتاه صاحبها يتقاضاه ، ولم ينقد ماله ،
فقال صاحب الجارية للذين باعهم : اكفوني غريمي هذا والذي ربحت عليكم فهو لكم قال :
لا بأس».
ورواه في
الفقيه عن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «أنه سئل عن رجل» الحديث.
__________________
قال بعض
مشايخنا (عطر الله مراقدهم) في حواشيه على الكافي : والظاهر أنه باعهم للمشتري
بأجل فلما طلب البائع الأول منه الثمن حط من الثمن بقدر ما ربح ليعطوه قبل الأجل ،
وهذا جائز كما صرح به الأصحاب ، وورد به غيره من الاخبار انتهى. وهو جيد. والا فلو
كان الثمن نقدا فإنه لا معنى لهذه المصالحة بإسقاط بعض حقه ليكفوه غريمه.
ثم انه لا يخفى
عليك ما في دلالة هذه الاخبار من سعة الدائرة في العقود الشرعية ، فإن ما اشتملت
عليه هذه الاخبار من التراضي بالألفاظ الدالة على إسقاط بعض الثمن بتعجيله قبل
حلول الأجل هي ألفاظ عقد الصلح.
المسألة
السادسة ـ قال الشيخ في النهاية : لا بأس بابتياع جميع الأشياء حالا وان لم يكن
حاضرا في الحال ، إذا كان الشيء موجودا في الوقت أو يمكن وجوده ، ولا يجوز أن
يشترى حالا ما لا يمكن تحصيله ، فأما ما يمكن تحصيله فلا بأس به وان لم يكن عند
بائعه في الحال» انتهى.
ومنع ابن إدريس
من ذلك ، ونسب هذا القول الى خبر واحد شاذ رواه الشيخ عن ابن سنان لا يجوز العمل به
، ولا التعويل عليه ، قال : لأنا قد بينا أن البيع على ضربين بيع سلم ، ولا بد فيه
من التأجيل ، وبيع عين أما مرئية مشاهدة ، أو غير حاضرة ، وهو ما يسمى بخيار
الرؤية وما أورده الشيخ خارج عن هذه البيوع لا مشاهدة ولا موصوف بوصف يقوم مقام
المشاهدة ، فدخل في بيع الغرر ، والنبي (صلىاللهعليهوآله) «نهى عن بيع الغرر» . و «بيع ما ليس عند الإنسان» . ولا في ملكه الا ما أخرجه الدليل من السلم ، ولان
البيع حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا يرجع عن الأمور
__________________
المعلومة بالدلالة القاهرة ، بالأمور المظنونة ، وأخبار الآحاد التي لا
توجب علما ولا عملا. انتهى.
وقال ابن ابى
عقيل : البيع عند آل الرسول (عليهمالسلام) بيعان ، أحدهما بيع شيء حاضر قائم العين ، والأخر بيع
شيء غائب موصوف بصفة مضمونة الى أجل.
انتهى وهو ظاهر
قول ابن إدريس.
والمستفاد من
الاخبار الواردة في هذا المقام هو ما قدمنا نقله عن الشيخ (قدسسره).
ومنها ما رواه الصدوق
في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده فيشترى منه
حالا؟ قال : ليس به بأس ، قلت : انهم يفسدونه عندنا ، قال : وأي شيء يقولون في
السلم؟ قلت : لا يرون به بأسا ، يقولون : هذا إلى أجل ، فإذا كان الى غير أجل وليس
هو عند صاحبه فلا يصلح ، فقال : إذا لم يكن أجل كان أجود ثم قال : لا بأس أن يشترى
الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل وحالا لا يسمى له أجلا الا ان يكون بيعا
لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا .
__________________
وفي صحيحة أحرى
لعبد الرحمن المذكور عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «ان أبى كان يقول : لا بأس أن تبيع كل متاع كنت تجده
في الوقت الذي بعته فيه». ومعنى تجده يعنى تقدر عليه في ذلك الوقت.
أقول : وهما مع
صحة السند صريحتا الدلالة في صحة ما ذكره الشيخ ، وبطلان ما ذكره ابن إدريس
الموافق لمذهب العامة ، كما يشير إليه الرواية ، وقد تضمنت الإنكار على المانعين
من هذه الصورة ، والتعجب من تسويغ السلم ومنع هذه الصورة ، باعتبار أن البيع
الخالي من الأجل أجود ، وانما كان أجود لوجود المبيع يومئذ ، والقدرة على تسليمه
بخلاف السلم ، فإنه قد يتعسر تسليمه بعد الأجل ، وفي ذلك إشارة إلى كون هذا أولى
بالصحة من السلم الذي وافقوا على جوازه.
ويعضده أن
الأجل في السلم انما جعل إرفاقا بالبائع ، لا أنه شرط في صحة المعاوضة ، فيكون
المعاوضة هنا سائغة ، لما عرفت من ان القدرة على التسليم هنا أتم والحكمة في
معاوضة البيع انما يتم بالقدرة على التسليم ، وإذا كانت أتم وأجود في صورة النزاع
وجب أن يكون الحكم فيه ثابتا ، وما ذكره من افراد البيع ، لا دليل على الحصر فيها
، لتكاثر الاخبار بهذا الفرد الذي هو محل البحث.
ومن الاخبار
المذكورة أيضا ما رواه في الفقيه عن الكناني قال : «سألته عن رجل اشترى من رجل مائة من صفر بكذا
وكذا وليس عنده ما اشترى منه فقال : لا بأس إذا أوفاه الوزن الذي اشترط عليه».
وما رواه في
التهذيب عن الشحام عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في
__________________
رجل اشترى من رجل مائة من صفر وليس عند الرجل شيء منه ، قال : لا بأس به
إذا أو فاه دون الذي اشترط له». كذا في نسخ التهذيب ، والظاهر أن قوله «دون» وقع
تحريف الوزن كما في الخبر المتقدم ، كم ومثل ذلك للشيخ (قدسسره.)
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يأتيني يريد منى طعاما وبيعا
وليس عندي أيصلح لي أن أبيعه إياه واقطع سعره ثم أشتريه من مكان آخر وادفع اليه
قال : لا بأس إذا قطع سعره».
وكان ابن إدريس
ظن انه لا مستند لهذا القول إلا صحيحة عبد الله بن سنان التي أشار إليها ، الا ان
قوله مبنى على أصله الغير الأصيل من رد الأخبار التي عليها بناء الشريعة بين
العلماء جيلا بعد جيل ، وهو مما لا يلتفت اليه ولا يعول عليه في حقير ولا جليل.
وأما ما رواه في
التهذيب عن سليمان بن صالح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك
، وعن ربح ما لم يضمن».
وما رواه في
آخر الفقيه في مناهي النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «ونهى عن بيع ما ليس عندك ونهى عن بيع وسلف»
الخبر.
ففيه أولا ـ أنه
يضعف عن معارضة ما ذكرنا من الاخبار المؤيدة بعمل
__________________
الأصحاب ، وثانيا ـ أنه يمكن حمله على بيع عين في ملك غيره ، لجواز أن لا
يبيعها صاحبها ، لا ما إذا كان البيع في الذمة كما هو محل البحث جمعا بين الاخبار.
المطلب الثاني فيما يدخل في المبيع
قالوا :
والضابط الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا ، قيل : والمراد بالعرف ما يعم
الخاص والعام ، وظاهرهم أن المراد بالعرف ما هو المتعارف بين الناس في إطلاق ذلك
اللفظ ، وما يراد منه ويستعمل فيه أعم من ان يكون عاما في جميع الأصقاع والبلدان
أو خاصا ، باعتبار اصطلاح كل بلد وكل قطر على استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعنى.
والأظهر أن
يقال : ان الواجب هو حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية ان وجدت ، والا فعلى عرفهم عليهمالسلام ، لانه مقدم على عرف الناس ان ثبت ، والا فعلى ما هو
المتعارف في السن المتخاطبين ، والمتبادر في محاوراتهم وان اختلفت في ذلك الأصقاع
والبلدان ، ثم مع تعذر ذلك فاللغة ، وربما قدم بعضهم اللغة على العرف.
ومما يشير الى
ما ذكره الأصحاب في هذا الباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار انه كتب الى أبى محمد (عليهالسلام) «في رجل
__________________
اشترى من رجل بيتا في داره بجميع حقوقه ، وفوقه بيت آخر ، هل يدخل البيت
الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع (عليهالسلام) : ليس له الا ما اشتراه باسمه وموضعه إنشاء الله تعالى».
وكتب إليه «في رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها ، وفوقها بيوت ومسكن آخر
، يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق هذه الحجرة والمسكن الأسفل الذي
اشتراه أم لا؟ فوقع (عليهالسلام) : ليس له من ذلك الا الحق الذي اشتراه إنشاء الله.
وظاهر الخبرين
أن المرجع الى ما صدق عليه ذلك اللفظ عرفا ، وظاهرهما عدم دخول البيت الأعلى في
حقوق البيت الأسفل فلا يدخل في البيع.
ومما يشير الى
الرجوع الى اللغة في أمثال ذلك ما رواه الثقة الجليل على ابن إبراهيم القمي في
تفسيره في تفسير قوله عزوجل «لَهُ مُعَقِّباتٌ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) عن الصادق (عليهالسلام) أن هذه الآية قرئت عنده فقال لقارئها : ألستم عربا ،
فكيف تكون المعقبات من بين يديه ، وانما العقب من خلفه ، فقال الرجل : جعلت فداك
كيف هذا فقال : إنما أنزلت «له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر
الله» ومن الذي يقدر بحفظ الشيء من أمر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس.».
ورواه العياشي
في تفسيره أيضا ، وفي الخبر المذكور دلالة على وقوع
__________________
التغيير في القرآن كما هو أصح القولين وأشهرهما ، وقد بسطنا الكلام في ذلك
في موضع أليق.
قال في المسالك
: وقد حقق العلامة قطب الدين الرازي أن المراد تناول اللفظ بالدلالة المطابقية
والتضمنية ، لا الالتزامية ، فلا يدخل الحائط لو باع السقف وهو حسن. انتهى.
وقال المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد : والمراد بالمعاني ما يفهم منها بحسب التخاطب ارادة
اللافظ ذلك ، مطابقا كان أو تضمنا أو التزاما.
أقول : وهو
الأظهر بالنظر الى ما قدمنا عنهم من الحوالة إلى العرف.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، ذكروا هنا ألفاظا وذكروا مدلولاتها بحسب
العرف.
فمن ذلك لفظ
الأرض والساحة والبقعة ، والعرصة ، فلا يندرج تحتها الشجر الذي فيها ولا الزرع ،
ولا البذر الكامن فيها.
ونقل عن الشيخ
انه لو قال : بحقوقها دخل قال في المسالك : بل يفهم منه انها تدخل وان لم يقل
بحقوقها محتجا بأنها من حقوقها ، ثم قال : والمنع متوجه إلى الأمرين ، والأقوى عدم
الدخول مطلقا الا مع دلالة اللفظ أو القرائن عليه ، كقوله : وما اشتملت عليه أو
وما أغلق عليه بابها. انتهى. وهو جيد.
__________________
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار «في رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة ، وفيها زرع ونخل وغيرهما من
الشجر ، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه ، وذكر فيه أنه قد اشتراها
بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها ، أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق
الأرض أم لا؟ فوقع (عليهالسلام) : إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها ، فله
جميع ما فيها إنشاء الله تعالى» . وهو ظاهر في الرد على ما نقل عن الشيخ ، وصريح فيما
ذكره في المسالك.
ثم انه لو كان
المشترى جاهلا بوجود تلك الأشياء في الأرض كما لو اشتراها بالوصف أو الرؤية قبل
الزرع والغرس ، فله الخيار بين فسخ البيع وأخذ ثمنه ، وبين أخذها بذلك الثمن
والرضا به وإبقائه مجانا ، كذا ذكره جملة من الأصحاب ، ولم أقف هنا على نص.
قال بعض
المحققين : ولعل دليله أن وجود هذه الأشياء فيها سبب لتعطيلها غالبا ـ والعقد
يقتضي الانتفاع بالفعل ـ من غير مضى زمان كثير عادة ـ ففيه ضرر على المشترى.
انتهى.
__________________
قالوا : ويدخل
الأحجار المخلوقة في تلك الأرض دون المدفونة ، والظاهر أن وجه الفرق هو دخول
الاولى في مفهوم اللفظ عرفا كالتراب ، فان الجميع من اجزاء الأرض بخلاف الثانية ،
فإنها بمنزلة الأمتعة المدفونة ، وعلى البائع نقلها وتسوية الحفر ، ويتخير المشتري
أيضا عندهم مع الجهل ، وحصول الغرر ببقائها وانه لا خيار للمشتري ان تركها البائع
مع عدم الضرر.
ومن ذلك
البستان ، ولا ريب في دخول الأرض والأشجار ، لأنه داخل في مفهومه لغة وشرعا ، أما
البناء فان كان حائطا لذلك البستان فالظاهر دخوله لما ذكر ، وفي غيره ـ كالبناء
لسكنى حافظ البستان وحارسه ، والموضع المعد لوضع الثمرة ولجلوس من يدخله ونحو ذلك
ـ إشكال ، ينشأ من عدم دخوله في مسماه لغة ، ولهذا يسمى بستانا وان لم يكن شيء من
ذلك ـ ومن إطلاق البستان عليه ظاهرا إذا قيل : باع فلان بستانه وفيه بناء.
أقول : والوجه
الأول من وجهي الإشكال أجود ، الا أنه يدخل فيه الحائط أيضا فإن الظاهر أنه يسمى
بستانا وان لم يكن عليه حائط ، والأقوى في ذلك الرجوع الى العرف ، فان عد جزء منه
أو تابعا له دخل ، والا فلا ، والظاهر أن ذلك يختلف باختلاف البقاع والأزمان
وأوضاع البناء.
ومن ذلك الدار
، ولا ريب في دخول الأرض والبيوت التي اشتملت عليها تحتانية أو فوقانية مع الحيطان
الدائرة عليها ، والسقوف ، الا أن يكون البيت الا على مستقلا بالسكنى ، بأن يكون
له باب على حدة من غير هذه الدار المذكورة ، فيكون ممتازا كالدار على حدة ، وحينئذ
لا يدخل البيت الأعلى وحيطانه وسقفه ، والظاهر دخول أرضه التي هي سقف البيوت
التحتانية الداخلة في الأرض المفروضة ، وتدخل فيها الأبواب والأغلاق المنصوبة ،
والسلاسل ، والحلق في الأبواب وان لم يسمها ، والأخشاب المستدخلة في البناء ،
والأوتاد المثبتة فيه ، والسلم المثبت في الأبنية على حذوا الدرج ، والوجه في دخول
جميع هذه اقتضاء العرف كونها من
اجزاء الدار وتوابعها ومرافقها ، ولو كان في الدار حمام معد لها أو بئر أو
حوض فالظاهر دخولها ، وكذا خوابى المثبتة في الأرض أو الحائط بحيث تصير من اجزائها
وتوابعها عرفا.
وفي دخول
المفاتيح خلاف وإشكال ينشأ من خروجها عن اسم الدار ـ وكونها منقولة فيكون كالآلات
المنتفع بها في الدار ـ ومن أنها من توابع الدار وكالجزء من الأغلاق المحكوم
بدخولها ، وأظهر في الخروج مثل الدلو والبكرة والرشا والسرير ، والرف الغير المثبت
كالموضوع على الخشب ، والسلم الغير المثبت ، والأقفال الحديد ومفاتيحها ، والكنوز
، والدفائن ونحو ذلك.
ولو كان في
الدار نخل أو شجر ولم يذكره في البيع لم يدخل ، وقال الشيخ في المبسوط بالدخول ،
والكلام هنا كما تقدم في الأرض.
ومن ذلك الشجر
، ويندرج فيه الأغصان والورق والعروق لقضاء العرف بشموله لذلك ، ويستحق الإبقاء
معروسا ـ ولا يستحق الغرس ـ بل سقيه للإبقاء خاصة ، والظاهر تخصيص ذلك بالشجر
الرطب ، فإنه هو الذي يتعلق الغرض بإبقائه ، دون اليابس الذي يقتضي العادة بأنه
يقطع للحطب والوقود والبناء ونحو ذلك ، ولو استثنى شجرة من البستان الذي باعه أو
اشتراها من مالكها خاصة ، لم تدخل الأرض في البيع ، لكن يستحق من منفعتها ما يتوقف
عليه الانتفاع بالشجرة وثمرتها من الدخول إليها وسقيها وحرثها وجمع ثمرتها ،
ويستحق أيضا مدى جرائدها في الهواء وعروقها في الأرض.
ويدل على ذلك
في الجملة ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قضى النبي (صلىاللهعليهوآله) في رجل باع نخلا واستثنى عليه نخلة ، فقضى له رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) بالمدخل إليها
__________________
والمخرج منها ومدى جرائدها».
وروى في الفقيه
عن السكوني عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال قضى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الحديث :.
وروى في الكافي
والتهذيب عن عقبة بن خالد «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قضى في هرائر النخل أن تكون النخلة والنخلتان للرجل في
حائط الأخر ، فيختلفون في حقوق ذلك ، فقضى فيها أن لكل نخلة من أولئك من الأرض
مبلغ جريدة من جرائدها حين بعدها».
أقول : قوله «حين
بعدها» أى منتهى طول الجريدة إذا طالت ، وأما قوله «هرائر» فقد اختلفت فيه نسخ
الحديث اختلافا فاحشا ففي بعضها كما ذكرنا ، وفي بعض «بالواو» عوض الراء الاولى ،
وفي بعض بالزاي عوضها ، وفي بعض نسخ التهذيب «هذا النخل» ، والظاهر كما استظهره في
الوافي حريم النخل ، فوقع التحريف.
وروى في
التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار في الصحيح قال : «كتبت اليه (عليهالسلام) في رجل باع بستانا فيه شجر وكرم فاستثنى شجرة منها ،
هل له ممر الى البستان الى موضع شجرته التي استثناها ، وكم لهذه الشجرة التي
استثناها من الأرض التي حولها؟ بقدر أغصانها أو بقدر موضعها التي هي ثابتة فيه؟
فوقع (عليهالسلام) : له من ذلك على حسب ما باع وأمسك فلا يتعد الحق في
ذلك إنشاء الله تعالى».
__________________
أقول : لا يخفى
ما في الجواب من الإجمال المانع من الاعتماد عليه في الاستدلال ومع ذلك فان الظاهر
أن يقال : له من ذلك على حسب ما استثنى ، وربما أشعر بأنه مع استثناء الشجرة فلا
ينصرف ذلك الا الى ما دخل تحت مفهوم هذا اللفظ عرفا ، وهو مشكل بناء على ما عرفت
من كلام الأصحاب ومن الاخبار المتقدمة.
ومن ذلك النخل
بالنسبة إلى ثمرته قبل التأبين وبعده ، والمشهور في كلامهم أنه لو باع نخلا قد أبر
ثمرها فهو للبائع ، لأن اسم النخلة لا يتناوله الا أن يشترطه المشترى ، وان لم يكن
مؤبرا فهو للمشتري.
أقول : ويدل
على الحكم الأول ما رواه في الكافي والتهذيب عن يحيى بن أبى العلاء قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : من باع نخلا قد لقح ، فالثمرة للبائع الا أن يشترط
المبتاع ، قضى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بذلك».
وعن غياث بن
إبراهيم عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : من باع نخلا قد أبره فثمرته (للذي باع) ، الا أن
يشترط المبتاع ثم قال : قضى به رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
وروى في الكافي
عن عقبة بن خالد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال قضى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان ثمر النخل للذي أبرها الا ان يشترط المبتاع».
وأما الحكم
الثاني فلم أقف فيه على دليل الا مفهوم الروايات المتقدمة ، ومن ثم ناقش في الحكم
بعض الأصحاب ، وتوقف آخرون كما يؤذن به كلام المحقق في الشرائع حيث نسب الحكم
المذكور الى فتوى الأصحاب.
قال في المسالك
: انما نسب القول الى فتوى الأصحاب ، لقصور المستند
__________________
النقلي عن افادة الحكم المذكور ، فإنه إنما دل على أن النخل المؤبر ثمرته
للبائع ، لا على أن ما لا يؤبر ثمرته للمشتري الا من حيث المفهوم الضعيف ، والأصل
يقتضي الملك لبائعه ، وعدم انتقاله إلى المشترى ، إذ العقد انما وقع على الأصول
وهي مغايرة للثمرة انتهى وهو جيد.
واعترف في
المختلف أيضا بضعف الدليل الا أنه قال : لكن الإجماع يعضده ، مع أنه نقل عن ابن
حمزة أن الاعتبار في دخول الثمرة وعدمه ببدو الصلاح وعدمه ، فمتى باعها بعده
فالثمرة للبائع ، وقبله للمشتري الا مع الشرط ، وكأنه لم يعتبر خلافه.
والظاهر أنه لا
خلاف في كون الثمرة للبائع مطلقا فيما لو انتقل النخل بغير البيع ، كالميراث ونحوه
، وكذا في غير النخل من أفراد الشجر ، لان كون الثمرة للمشتري على خلاف الأصل ،
فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق ، وهو بيع النخل فلا يتعدى الى غير البيع ، ولا
الى غير النخل من أفراد الشجر.
ولو باع المؤبر
من النخل وغير المؤبر كان لكل حكمه المتقدم عندهم ، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق في
ذلك بين كون ذلك في نخلة واحدة ـ قد أبر بعض طلعها دون بعض ـ أو في نخلات متعددة
أبر بعضها ، ولم يؤبر الباقي ، وبه أفتى في الدروس.
وفرق العلامة
في التذكرة بين النخلة الواحدة ، والنخلات المتعددة ، فحكم في الأول بكون الجميع
للبائع ، محتجا عليه بأنه يصدق عليه أن قد باع نخلا قد أبر ، فيدخل تحت نص أنه
للبائع ، وبما في افتراقهما في الحكم من العسر وعدم الضبط ، وفي الثاني بتفريق
الحكم.
وربما احتمل
بعضهم هنا وجها ثالثا ، وهو دخول الجمع في البيع لصدق عموم التأبير في الجميع.
والظاهر الأوفق بظاهر النص هو الأول ، فإن تعليق
الحكم يشعر بالعلية ، فيكون التأبير هو العلة ، فأينما وجد ترتب عليه حكمه
، وينتفي حيثما انتفى.
المطلب الثالث في التسليم
إطلاق العقد
يقتضي تسليم المبيع والثمن ، فيجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية.
قال المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد قول المصنف في الكتاب المذكور «يجب على المتبايعين
دفع العوضين من غير أولوية تقديم» ما لفظه : اعلم ان الأكثر هكذا قالوا ، وحاصله
أنه انما يجب عليها معا الدفع بعد أخذ العوض ، ويجوز لكل المنع حتى يقبض وكأنهم
نظروا الى ان البيع معاوضة محضة ، ولا يجب على كل منهما الدفع الا لعوض مال الأخر
، فما لم يأخذ ذا العوض ، لا يجب إعطاء العوض ، والمسألة مشكلة كسائرها ، لعدم
النص ، وثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الأخر ،
وعدم جواز الحبس حتى يقبض حقه ، وجواز الأخذ لكل حقه من غير إذن الأخر ان أمكن له
على اى وجه كان ، لان ذلك هو مقتضى الملك ، ومنع أحدهما الأخر وظلمه لا يستلزم
جواز الظلم للآخر ومنعه حقه ، فيجبرهما الحاكم معا على ذلك ان امتنعا ، فيعطى من
بد ويأخذ من آخر ، أو يقبض لأحدهما ويأمره بالإعطاء انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) جيد ، الا أن في فهم ذلك من العبارة المذكورة ـ ونحوها
من عبائرهم في هذا المقام اشكال ، وذلك فإن غاية ما يفهم من هذه العبارة ـ التي
ذكرها في الإرشاد ـ هو أنه لما كان إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المبيع والثمن ،
فالواجب حينئذ على كل من البائع والمشترى دفع ما وجب عليه تسليمه
من غير أولوية تقديم أحدهما على الأخر ، خلافا للشيخ حيث ذهب الى أنه يجب
على البائع أولا تسليم المبيع ، محتجا بأن الثمن تابع للمبيع ، والغرض من هذه
العبارة انما هو بيان تساويهما في وجوب التسليم ، بدون تقديم أحدهما على الأخر كما
زعمه الشيخ (رحمة الله عليه) فالكلام انما خرج في معرض الرد عليه ، وأين هذا من
المعنى الذي ذكره ، وهو أنه لا يجب على أحدهما التسليم الا بعد دفع الأخر ، وأنه
يجوز لكل منهما الامتناع حتى يقبض ، اللهم الا ان يكون قد اطلع على تصريح بذالك من
غير هذا الموضع ، والا فهذه العبارة ونحوها لا اشعار فيها ، فضلا عن الدلالة بشيء
من ذلك.
وتحقيق الكلام
ـ في هذا المقام ـ يتوقف على بسطه في مواضع الأول ـ لا يخفى أن القبض من الأمور
المعتبرة شرعا لما يترتب عليه من الأحكام العديدة بالنسبة إلى الوصية والهبة
والرهن ، فان للقبض فيها مدخلا باعتبار شرطيته للصحة أو اللزوم ، فان وكذا بالنسبة
إلى البيع ، فمن أحكامه فيه انتقال ضمان المبيع إلى المشتري بعده ان لم يكن له
خيار ، وكونه على البائع قبله ، وجواز بيع ما اشتراه بعد القبض مطلقا ، وتحريمه أو
كراهته قبله على بعض الوجوه ، وجواز فسخ البائع مع تأخير الثمن ، وعدم قبض المبيع
بعد ثلاثة أيام ، وغير ذلك ، ومع هذا لم يرد له تحديد شرعي يرجع فيه اليه.
ومن ثم ان
الأصحاب انما رجعوا فيه الى العرف بناء على قواعدهم في كل ما لم يرد له تحديد شرعي
، مع ان الغالب في العرف الاختلاف باعتبار تعدد الأقطار والبلدان ، وأن لكل قطر
اصطلاحا وعادة غير ما سواه ، والمسألة من أجل ذلك في غاية من الاشكال والداء
العضال ، لعموم البلوى به في جملة من الأحكام كما عرفت.
والذي وقفت
عليه مما يتعلق بهذا المقام روايتان الأولى ـ صحيحة معاوية ،
بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : ما لم يكن
كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان توليه». قال في المسالك بعد نقل هذه
الرواية : فجعل قبض المكيل والموزون كيله أو وزنه بالنسبة إلى جواز بيعه.
واعترضه المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد فقال : وهذه لا أفهم دلالتها لان ظاهرها أن البيع قبل
القبض لا يجوز حتى يكيل أو يزن ، وذلك لا يدل على كون القبض ذلك وهو ظاهر ، ولا
يدل على ذلك بضم السؤال إذ يصح جواب السائل هل يجوز قبل القبض؟ بأنه لا يجوز بدون
الكيل ، يعني لا بد من الكيل الذي القبض حاصل في ضمنه أى لا بد من القبض وشيء آخر
، الى آخر كلامه زيد في مقامه ، وبه يظهر سقوط الرواية عن درجة الاستدلال في هذا
المجال.
والثانية : رواية
عقبة بن خالد عنه (عليهالسلام) «في رجل اشترى متاعا من آخر وأوجبه ، غير أنه ترك
المتاع عنده ولم يقبضه فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي
هو هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن
لحقه حتى يرد ماله اليه».
__________________
وغاية ما يدل
عليه هذا الخير هو أنه يعتبر في انتقال الضمان من البائع إلى المشتري نقل المتاع
وإخراجه من بيت البائع ، وليس فيه تفسير للقبض بأنه عبارة عما ذا ، مع أن ظاهر
الخبر أنه يعتبر في انتقال الضمان الإخراج من بيت البائع ، ولا قائل به كما ستعرف.
بقي الكلام في
الدلالة العرفية التي اعتمدوها في المقام. قال في المسالك : والعرف يدل على أن
إقباض غير المنقول يتحقق بالتخلية مع رفع يد البائع عنه ، وعدم مانع للمشتري من
قبضه ، وأما في المنقول فلا يتحقق الا باستقلال يد المشترى به ، سواء نقله أم لا ،
وكذا في طرف البائع بالنسبة إلى الثمن ، وهذا مطرد في المكيل والموزون وغيرهما ،
إلا أنهما خرجا عنه بالنص الصحيح فيبقى الباقي وهو الأقوى. انتهى. وهو جيد إلا في استثنائه المكيل والموزون «بالنص الصحيح»
، ولقد عرفت آنفا من أن غاية ما يدل عليه النص هو اعتبار الكيل والوزن في المكيل
والموزون ، لا ان القبض فيهما هو الكيل والوزن ، ثم قال : والمراد بالتخلية حيث
تعتبر ، رفع المانع للمشتري من قبض المبيع ان كان ، والاذن له فيه ، ولا يختص ذلك
بلفظ ، بل كل ما دل عليه كاف فيه.
وفيه أولا ان
ظاهر كلامه المتقدم كون التخلية أمرا آخر غير رفع المانع حيث أنه أضافه الى
التخلية ، وهنا فسرها به ، وثانيا أنه لا وجه لاعتبار
__________________
الاذن هنا بعد انتقال المبيع إلى المشتري بالعقد ، وكون البائع هنا في حكم
الأجنبي فلا وجه لتوقف قبضه على اذنه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قال في كتاب المصباح المنير : قبضت الشيء قبضا : أخذته. وقال في نهاية
الأثيرية : والقبض الأخذ بجميع الكف. أقول :
وهذا هو الذي
يتبادر في العرف الان ، الا أنه في المنقول ظاهر وان تفاوتت أفراده في ذلك باعتبار
المقبوض ، ففي مثل الدراهم والمتاع هو القبض باليد ، وفي مثل الحيوان هو نقله ،
وفي مثل المكيل والموزون هو تحويله بالوزن والكيل أو بدونهما فإنه يصدق القبض
بمجرد ذلك.
وأما في غير
المنقول فالظاهر هو الوقوف فيه على ما رسمه الأصحاب. قال في الدروس : والقبض في
غير المنقول التخلية بعد رفع اليد ، وفي الحيوان نقله ، وفي المنقول كيله أو وزنه
، أو عده أو نقله ، وفي الثوب وضعه في اليد. انتهى وهو ظاهر فيما قلناه الا أن
اضافة العد الى الكيل والوزن خارج عن مورد الرواية التي استندوا إليها في الحكم
المذكور على ما عرفت فيها ، وهو ايضا خلاف ما هو المشهور من الاقتصار على مورد
الخبر المذكور.
وقال الشيخ في
المبسوط : القبض فيما لا ينقل ويحول هو التخلية ، وان كان مما ينقل ويحول ، فان
كان مثل الدراهم والجواهر وما يتناول باليد ، فالقبض هو التناول ، وان كان مثل
الحيوان كالعبد والبهيمة ، فإن القبض في البهيمة أن يمشى بها الى مكان آخر ، وفي
العبد أن يقيمه الى مكان آخر ، وان كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من
مكانه ، وان اشتراه مكايلة فالقبض فيه أن يكيله ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة.
وقال في المختلف
: والأقرب أن المبيع ان كان منقولا فالقبض فيه هو النقل أو الأخذ باليد وان كان
مكيلا أو موزونا فقبضه هو ذلك ، أى الكيل والوزن ، وان لم يكن منقولا فالقبض فيه
التخلية. انتهى. وكلام الشيخ راجع
في التحقيق اليه ، الا في المكيل والموزون ، حيث اقتصر في قبضه على الكيل
والوزن.
وبذلك يظهر ما
في عبارة المسالك هنا من الإجمال في تفسير ، القبض في المنقول ، فإنه ربما أوهم
رجوعه إلى التخلية في غير المنقول. واكتفى بعضهم بالتخلية مطلقا في منقول أو غير
منقول ، وهو مذهب المحقق في الشرائع .
قال في الدروس
: ولا بأس به في نقل الضمان لا في زوال التحريم أو الكراهة عن البيع قبل القبض.
أقول : لا يخفى
ما في هذا التفصيل ، فان الجميع مترتب على القبض فان صدق القبض بالتخلية ، وجب
ترتب أحكام القبض على ذلك مما ذكر هنا وما لم يذكر ، والا فلا مطلقا.
الثاني قال :
في المسالك : لو كان المبيع بيد المشترى قبل الابتياع ، فان كان بغير اذن البائع
فلا بد من تجديد الاذن في تحقق القبض بالنسبة إلى رفع التحريم أو الكراهة ، واما
بالنسبة إلى مثل الضمان فيحتمل قويا تحققه بدونه ، كما لو قبضه بغير اذن البائع ،
ويحتمل توقف الأمرين على تجديده ، لفساد الأول شرعا ، فلا يترتب عليه أثر ، ولو
كان بإذنه كالوديعة والعارية لم يفتقر الى تجديد اذن ولا تخلية. انتهى.
__________________
وفيه أنه لا
دليل على ما ذكره «قدسسره» لا من النص ولا من الاعتبار ، وعقد البيع قد اقتضى
النقل إلى المشترى ، والقبض والتسليم الى المشتري حاصل والفرق بين كون القبض قبل
البيع شرعيا أو غير شرعي مع كونه لا دليل عليه ـ لا ثمرة له بعد ما عرفت. ومع كونه
غير شرعي قبل البيع لا يمنع من كونه شرعيا بعد البيع والانتقال اليه بالعقد
الصحيح.
وبالجملة فشروط
صحة البيع كلها حاصلة ، فلا وجه لما ذكره ، والى ما ذكرناه هنا يميل كلام المحقق
الأردبيلي (قدسسره) حيث قال : لو كان المبيع بيد المشترى ، فالظاهر أنه لا
يحتاج الى تجديد القبض والاذن مطلقا ، ولا مضى زمان ، لوجود القبض الذي هو شرط ،
والموجب لجواز البيع وغيره ، كما قيل ذلك في الهبة المقبوضة ، والتفصيل بما إذا
كان القبض مشروعا وعدمه ـ فإنه لا بد حينئذ لرفع التحريم والكراهة ، ويحتمل لرفع
الضمان ايضا ـ ليس بواضح.
الثالث ـ الظاهر
أن القبض المعتبر من نقل أو تخلية يكفي لإسقاط الضمان ، وان كان المبيع مشغولا
بأمتعة البائع كالصندوق الذي فيه المتاع والبيت الذي فيه الأمتعة ، ويكون مكلفا
بأن يفرغه ، وهو خيرته في المسالك ، ونقله بالنسبة الى الثاني عن التذكرة ، واحتمل
في المسالك توقف القبض على اذن المالك في نقل الأمتعة والظاهر ضعفه ، لحصول البيع
الشرعي بشروطه وعدم ظهور مانعية ما ذكره مع وجوب تفريغه.
الرابع ـ قال
في المسالك ـ لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو اما أن يكون قد كيل قبل البيع
ووزن أولا ، بأن أخبر البائع بكيله أو وزنه ، أو باعه قدرا منه معينا من صبرة
مشتملة عليه ، فان كان الأخير فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه للنص المتقدم ،
وان كان الأول ففي الافتقار الى اعتباره ثانيا ـ لأجل القبض ـ أو الاكتفاء
بالاعتبار السابق وجهان ، من إطلاق توقف الحكم على الكيل والوزن وقد
حصلا – وقوله (عليهالسلام) «لا تبعه حتى تكيله أو تزنه». لا يدل على أزيد من حصولهما الشامل لما كان
قبل البيع ـ ومن كون الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لأجل صحة البيع ، فلا بد له من
اعتبار جديد بعد العقد ، وبه صرح العلامة والشهيد (رحمهالله) وجماعة ، وهو الأقوى.
ويدل عليه قوله
(عليهالسلام) ، في الخبر السابق «الا أن توليه» فإن الكيل السابق
شرط لصحة البيع ، أو ما قام مقامه ، فلا بد منه في التولية وغيرها ، ومقتضى قوله «الا
أن توليه» أنه معها لا يتوقف على كيل أو وزن ، ودل ذلك على أنهما لأجل القبض ، لا
لأجل صحة البيع.
وأما الثاني
فإن اكتفينا بالاعتبار الأول في الأول ، كفى الاخبار فيه ـ واختارهما في التذكرة ـ
وان لم نكتف بالسابق في الأول لم يكتف بالاخبار في الثاني بطريق أولى.
وقد روى محمد
بن أبي حمزة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله ، فصدقناه وأخذناه
بكيله ، فقال : لا بأس ، فقلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته منه بغير كيل؟ قال :
لا ، أما أنت فلا تبعه حتى تكيله». انتهى.
أقول : مرجع
البحث هنا ان الكيل والوزن هل وجوبهما في المكيل والموزون من حيث كونهما شرطا في
صحة البيع ، أو من حيث كونهما قبضا للبيع ، يترتب عليهما ما يترتب على القبض الذي
هو النقل والأخذ باليد ، ونحو ذلك مما تقدم في غير المكيل والموزون.
والظاهر من
الاخبار المانعة من بيع ما لم يقبض إذا كان مكيلا أو موزونا هو الثاني ، بالتقريب
الذي ذكره من جواز البيع تولية بدون كيل أو وزن ، ولو كان ذلك شرطا في صحة البيع
لما جاز ذلك ، إذ لا فرق بين التولية وغيرها في اعتبار هذا الشرط.
__________________
ويعضده انه قد
وقع التعبير عن الكيل والوزن في هذا المقام بالقبض في جملة من الاخبار.
ففي صحيحة
منصور بن حازم «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه ، الا أن توليه».
وفي صحيحة على
بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) «انه سأله عن الرجل يشترى الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟
قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض وان كان يوليه فلا بأس ، وسأله عن الرجل يشترى
الطعام أيحل له أن يولى منه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا لم يربح عليه شيء فلا بأس ،
فإن ربح فلا يصلح حتى يقبضه». ونحوهما غيرهما.
وكذا في صحيحة
معاوية بن وهب المتقدمة قد عبر بالكيل والوزن عن لفظ القبض في هذه الروايات.
ومثلها رواية
أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال : لا
يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه ، الا ان يوليه ، كما اشتراه»
الحديث.
وبالجملة فإن استثناء
التولية في هذه الاخبار مما ذكرنا وما لم نذكره انما يتجه على تقدير كون الكيل
والوزن قبضا ، والبيع تولية صحيح مع عدم القبض ولو كان اعتبارهما انما هو من حيث
كونها شرطا في صحة البيع لم يتجه صحة التولية هنا كما عرفت.
__________________
نعم يشكل الحكم
بان مقتضى ما ذكر أنه لو اشترى الطعام واكتاله ثم باعه ممن حضر كيله ـ ، فان
الواجب بمقتضى ما ذكر ـ هو كيله مرة أخرى ، ليتحقق به قبض المشتري الثاني وهو الذي
قواه ، ونقله عن العلامة والشهيد (رحمهالله) مع أن ظاهر الاخبار الواردة هنا هو العدم.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب عن عبد الملك بن عمرو قال : قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أشترى الطعام فأكتاله ومعي من قد شهد الكيل وانما
اكتلته لنفسي ، فيقول : بعنيه فأبيعه إياه بذلك الكيل الذي كلته؟ قال : لا بأس». ونحوه
ما رواه في الفقيه عن خالد بن الحجاج الكرخي قال : قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أشترى الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن
أكتاله ، فأقول : ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته ، قال لا بأس».
ويمكن أن يقال
في وجه الجمع بين ظواهر هذه الاخبار انه لما كان الغالب أن الكيل والوزن انما
يقعان في حال القبض ، وانه بهما يحصل القبض والتحويل من البائع إلى المشتري ، صح
إطلاق القبض عليهما بهذا الوجه في الاخبار المتقدمة وان كانا شرطا في صحة البيع ،
واما جواز البيع تولية في تلك الاخبار بدونهما ، فلعله مستثنى من القاعدة المذكورة
، حيث أن التولية عبارة عن أن يعطيه ما اشتراه برأس ماله ، ويجعله محله في ذلك
العقد ، الا انى لم أجد به قائلا ، والمسألة لما عرفت غير خالية من الاشكال ولهذا
كثر فيها التردد والاحتمال.
الخامس ـ قال
في المسالك : ألحق في الدروس المعدود بالمكيل والموزون فاعتبر في قبضه عده بعد
البيع ، ولم يكتف بعد السابق. وفيه نظر ، لعدم النص
__________________
وتحقق القبض فيه عرفا مع نقل المشترى له كغيره من المنقولات ، والحاقه بهما
نظرا الى اشتراط اعتباره في صحة بيعه لا يوجب ذلك عندنا ، واكتفى فيه ايضا عن
اعتبار المكيل والموزون والمعدود بنقله ، والخبر الصحيح حجة عليه
وقريب منه
مختار العلامة في المختلف ، فإنه اكتفى فيهما بأحد أمور ثلاثة ، النقل ، والقبض
باليد ، والاعتبار بالكيل أو الوزن ، وفي النقل ما مر ، وفي القبض باليد ما دل
عليه خبر عقبة بن خالد من اعتبار النقل. ومال في الدروس أيضا الى أن التخلية
كافية مطلقا في نقل الضمان ، لا في زوال التحريم أو الكراهة عن البيع قبل القبض ،
وخبر عقبة حجة عليه ان اعتبره.
والتحقيق هنا
أن الخبر الصحيح دل على النهى عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما ، لا على
أن القبض لا يتحقق بدونهما ، وكون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك
، لان الاعتبار بهما قبض وزيادة ، وحينئذ فلو قيل : بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما
بالنقل عملا بمقتضى العرف والخبر الأخر ، وبتوقف البيع ثانيا على الكيل والوزن
أمكن ان لم يكن احداث قول. انتهى كلامه.
أقول ما ذكره
هنا من التحقيق جيد ، وبالقبول حقيق ، الا ان فيه أولا ـ ما يدل على رجوعه عما
قدمه ، سيما في اعتراضه هنا على الدروس بأن الخبر الصحيح حجة عليه ، وقد تكرر في
كلامه السابق على هذا الكلام المبالغة في دلالة الخبر على أن القبض في المكيل
والموزون هو كيله ووزنه ، وأنه لا يتحقق القبض بدون ذلك.
وثانيا أن ما
ذكره من التوقف في القول بالاكتفاء في نقل الضمان في المكيل والموزون بالنقل ،
لاستلزامه احداث قول في المسألة. فيه أن ذلك مقتضى كلام الشهيد في الدروس والعلامة
في المختلف الذي قدمه هنا ، حيث إنهما صرحا بان القبض
__________________
في المكيل والموزون كما يكون بالكيل والوزن ، يكون بالنقل أيضا ، وأن القبض
بالنقل موجب لعدم الضمان ، وان اشتراط الكيل والوزن في بيعه ثانيا لازالة التحريم
أو الكراهة ، فهو ليس بإحداث قول في المسألة ، كما ذكره.
السادس ـ قالوا
وإذا تلف المبيع قبل تسليمه الى المشترى كان من مال البائع وكذا ان نقصت قيمته
بحدث فيه كان للمشتري رده ، وفي الأرش تردد.
قال في المسالك
: موضع التردد ما لو كان العيب من قبل الله تعالى ، ومنشؤه من تعيبه على ملك
المشترى لا من قبل أحد ، ومن أنه مضمون على البائع بأجمعه ، فضمان أجزائه أولى ،
فالأقوى ان له الأرش ان لم يفسخ ، ولو كان التعيب من أجنبي أو من البائع تخير
المشترى بين الرجوع على المتلف بالأرش وبين فسخ العقد ، فان فسخ رجع البائع على
الأجنبي بالأرش. انتهى.
أقول : أما
الحكم الأول فقد تقدم الكلام فيه في المقام الثاني في أحكام الخيار وبينا ثمة ما فيه من الاشكال ، ومستنده ـ عند الأصحاب
بعد الإجماع ـ رواية عقبة بن خالد المتقدمة في الموضع الأول.
وأما الثاني
فلم أقف فيه على نص ، وظاهرهم الاتفاق على أنه يتخير بين رد المبيع وأخذ ثمنه ،
وبين إمساكه ، وانما الخلاف في صورة اختيار الإمساك هل يمسكه بثمنه أو يرجع بالأرش
على البائع فيما إذا كان العيب من جهة الله تعالى ، وقد رجح في المسالك الثاني
نظرا الى أن ضمان الكل يستلزم ضمان البعض بالطريق الاولى.
ويمكن خدشه بما
صرحوا به في صورة تلف الجميع من انه يبطل البيع ، وينتقل المبيع إلى البائع كما
قدمنا نقله عنهم في الموضع المتقدم ذكره ، بخلاف
__________________
ما هنا ، فإنه باق على ملك المشترى ، ولعل مثل هذا لا يؤثر في الضمان.
وبالجملة فإن
الحكم لما لم يكن منصوصا ـ والفرق بين الكل والبعض ظاهر مما ذكرنا ـ فالحكم بالأرش
محل اشكال ، سيما مع ما حققناه في الموضع المتقدم ذكره ، من ان قضية العقد كون
المبيع ملكا للمشتري ، وقضية كونه ملكا للمشتري أن تلفه منه وان كان في يد البائع
، والأصل عدم الضمان على البائع بعد انتقال المبيع عنه الا بالتفريط ولو بمنعه
المالك.
السابع ـ قد
صرحوا بأنه إذا حصل للمبيع نماء قبل القبض كالنتاج أو ثمرة النخل أو اللقطة كلقطة
العبد التي يمكن تملكها ولو بعد التعريف كان ذلك للمشتري ، فإن تلف الأصل سقط
الثمن عن المشترى ان لم يدفعه ، والا استرجعه وله النماء ، ولو تلف النماء من غير
تفريط لم يلزم البائع دركه.
أقول : أما
الحكم الأول فيجد لان المبيع بالعقد ينتقل الى ملك المشترى قبضه أو لم يقبضه ،
فكذا نماؤه ، وهكذا الثمن أيضا ، فإنه بالعقد ينتقل إلى البائع ونماؤه تابع له
أيضا.
وأما الثاني ـ فهو
مبنى على القاعدة المتفق عليها عندهم ، وهو أن المبيع قبل القبض مضمون على البائع
، وعلى أن التلف انما يبطل البيع من حينه ، كما هو المشهور عندهم ، فيكون النماء
السابق على وقت التلف وما في حكمه كلقطة العبد للمشتري وأما لو قلنا بأنه يبطله من
أصله كما تقدم نقله احتمالا عن العلامة فهو ، للبائع.
وأما الثالث.
فوجهه ان النماء في يد البائع أمانة لا يضمنها الا مع التفريط اقتصارا فيما خالف
الأصل ـ وهو ضمان مال الغير مع عدم العدوان ـ على ما دل عليه الدليل.
الثامن ـ لو
باع جملة فتلف بعضها فظاهر بعض الأصحاب هو التفصيل هنا بأنه ان كان للتالف قسط من
الثمن كان المشترى مخيرا بين فسخ العقد ، وبين
الرضا بالباقي بحصته من الثمن ، وان لم يكن له قسط كان المشترى مخيرا بين
الرد ، أو أخذه بجملة الثمن.
قال في المسالك
: ضابط الأول ما يمكن افراده بالبيع ، كأحد العبدين والقفيزين ، والثاني مالا يمكن
افراده كيد العبد ، والفرق بينهما الموجب لاختلاف الحكم ان الأول لا يبقى مع فواته
أصل المبيع بل بعضه ، والثاني يبقى معه أصل المبيع ، والجزء التالف بمنزلة الوصف
كيد العبد ونحوها من أعضائه التي فواتها لا يخل ببقاء العبد. انتهى.
ونحوه كلام
المحقق الشيخ على (قدسسره) في شرح القواعد ، ومقتضى كلام أصحاب هذا القول أنه لا
أرش في الصورة الثانية ، بل يكون مخيرا بين الرد والأخذ بمجموع القيمة ، لأن
الفائت هنا لاقسط له من الثمن فلا أرش ، لأن الأرش هو مقدار حصته من الثمن.
وظاهر جملة من
الأصحاب ـ وقيل : انه هو المشهور وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
والمحقق الشيخ على في تعليقاته على الشرائع ، وفي شرح القواعد ـ هو وجوب الأرش في
الصورة المذكورة.
قالوا : لأن
القيمة ـ تزيد بوجوده ، وتنقص بعدمه ، وفواته من أظهر العيوب وأبينها ، للقطع بأن
المبيع هو المجموع ، وقد فات بعضه فيتخير بين الرد لتبعيض الصفقة ، والأخذ بالأرش
، وظاهر كلامه في المسالك ان الأمر كذلك في الصورة الأولى أيضا ـ وهو ماله قسط من
الثمن ويمكن أفراده بالبيع ـ من أنه يتخير بين الرد لتبعيض الصفقة ، والأخذ بالأرش
، والظاهر أنه ليس الأمر كذلك ، بل الحكم هنا مع عدم الفسخ انما هو تقسيط الثمن
على الجزء الفائت والباقي ، وأخذ الباقي بقسطه من الثمن ، وظاهر كلام المحقق
المتقدم ذكره اختصاص الكلام بالصورة الثانية أيضا ، وان الحكم في الصورة الأولى
انما هو ما ذكرناه ، وبه صرح في الدروس أيضا حيث قال : ولا إشكال في توزيع الثمن
على العينين فصاعدا لو تلف بعضها ،
__________________
وله الفسخ. انتهى ، وبالقول الأول أفتى المحقق في الشرائع ، وتنظر العلامة
في القواعد في ثبوت الأرش في الصورة الثانية.
أقول : ومما
يؤيد القول الثاني هنا هو أنهم قد صرحوا في باب العيب الموجب للخيار والأرش بأنه
عبارة عن كل ما خرج عن أصل الخلقة الطبيعية بزيادة عضو أو نقصانه ، ومنهم المحقق
في الشرائع الذي نفى الأرش هنا حيث قال : القول في أقسام العيوب ، والضابط أن كلما
في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، والزيادة كالإصبع الزائدة ، والنقصان كفوات
عضو الى آخره ، وهو ظاهر فيما قلناه ، والمسألة المفروضة هنا أحد جزئيات هذه
القاعدة ، فيكون الحكم فيها هو الأرش ـ مع عدم الفسخ ، لا الأخذ بالقيمة ، كما
ذكروه.
وبما حققناه في
المقام يظهر لك ما في كلام المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) هنا حيث قال ـ في أثناء
البحث في المسألة المتقدمة في الموضع السادس ـ ما لفظه : والظاهر عدم الفرق بين
حدوث عيب ونقص شيء وجزء له قسط من الثمن ، مع عدم صحة إيقاع العقد عليه ، مثل يد
العبد ورجله ، وأما فوات الجزء الذي له قسط منه ويصح العقد عليه كموت عبد من عبدين
، فالظاهر أنه يبطل في الميت ، فيسقط ويسترد قيمته ، مثل ما قيل في أمثاله ، وفي
الأخر يثبت الخيار للمشتري بين الفسخ وأخذ الثمن ، والرضا به بقيمته من غير شيء ،
لتبعيض الصفقة.
ولعله يفهم عدم
الخلاف عندنا من التذكرة ، فإن فيه أولا أن صحة إيقاع العقد عليه مستقلا وعدم
الصحة انما جعل ضابطا لما له قسط من الثمن ، وما ليس له قسط ، فكلما له قسط من
الثمن يصح إيقاع العقد عليه مستقلا ، كأحد العبدين ، وما لم يكن كذلك ـ كيد العبد
ـ لا يصلح إيقاع العقد عليه مستقلا.
والضابط الأخر
لذلك أيضا هو ما لا يبقى معه أصل المبيع ، كالعبد من العبدين ، وما يبقى كيد العبد
مثلا ، فيد العبد لا قسط لها من الثمن على كل من الضابطتين ، لأنها لاتباع مستقلة
، وانه يبقى معها أصل المبيع ، وهو قد حكم بأن لها قسطا من الثمن مع عدم صحة إيقاع
العقد عليها وهو خروج عن الضابط الأول.
وثانيا أن ما
ذكره من عدم الخلاف مع ما عرفت من أن القول بالأرش قد صرح به جملة منهم ، بل هو
المشهور كما ذكره بعضهم ، وان العلامة في القواعد قد توقف في ذلك.
قالوا هذا كله
إذا كان الفائت جزا من المبيع ، وأما لو كان وصفا محضا ، كما لو كان العبد كاتبا
فنسي الكتابة قبل القبض ، فللمشتري الرد خاصة ، أو الإمساك بجميع الثمن ، لأن
الفائت ليس جزا للمبيع ، ومن ثم لو شرط كونه كاتبا فظهر بخلافه لم يستحق سوى الرد.
التاسع إذا باع
شيئا فغصب من يد البائع ، فإن أمكن استعادته من الغاصب في زمن يسير ، بحيث لا يفوت
فيه منفعة مقصودة يستلزم فواتها نقصا معتبرا ، أو فوات غرض مقصود للمشتري ، فليس
للمشتري الفسخ ، ويجب على البائع استعادته مع الإمكان ، لأن التسليم واجب عليه ،
ولا يتم الا بذلك ، وان تعذرت استعادته أو أمكنت ، لكن بعد مضى زمان يفوت فيه ما
ذكرنا من المنافع المقصودة ، والأغراض المطلوبة ، فإن للمشتري الخيار حينئذ بين
الفسخ والرجوع الى ثمنه ، وبين الرضا بالبيع وانتظار حصوله ، وله الانتفاع بما لا
يتوقف على القبض ، كعتق العبد ونحوه.
ثم ان تلف في
يد الغاصب فهو مما تلف قبل القبض ، فيبطل البيع ولو مع رضائه بالصبر ، ويحتمل أن
يكون الرضاء به قبضا ، ونحوه ما لو رضى به في يد البائع ، ولو امتنع البائع من
تسليمه فللمشتري الأجرة إذا سلمه بعد مدة تلزم فيها الأجرة لو كان له أجرة ،
ويحتمل ان يكون له الفسخ كما في أخذ الغاصب له ظلما ، لانه غاصب في هذه الحال.
ولو حبسه لنقد
الثمن فان ذلك له على ما يظهر من الأصحاب ، فلا أجرة له حينئذ ، وقد تقدم الكلام
في ذلك في صدر هذا المقام ، وكل موضع يجوز الحبس والمنع فنفقة المبيع على المشترى
، لأنه ماله وله نماؤه ، وان لم يمكن من قبضه يكون في ضمان البائع.
العاشر ـ اختلف
الأصحاب في بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه ، فعن الشيخ المفيد أنه يكره ذلك فيما
يكال أو يوزن ، وليس بمفسد للبيع ، ولا مانع من مضيه ، ونحوه الشيخ في النهاية ،
وقال في المبسوط : إذا ابتاع شيئا وأراد بيعه قبل قبضه ، فان كان طعاما لم يجز
بيعه حتى يقبضه إجماعا ، فأما غير الطعام من سائر الأموال فإنه يجوز بيعه قبل
القبض ، ونحوه قال في الخلاف في موضع ، يجوز بيع ما عدا الطعام قبل أن يقبض.
وقال ابن أبى
عقيل : كل من اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فباعه قبل أن يقبضه فالبيع باطل ، وان
كان مما لا يكال أو يوزن فباعه من قبل أن يقبضه فالبيع جائز ، والفرق بينهما أن
السنة جائت عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بإبطال بيع الطعام وجميع ما يكال ويوزن قبل القبض ،
واجازه فيما سوى ذلك ، واختار ابن البراج في المهذب قول الشيخ في المبسوط ، وفي
الكامل قوله في النهاية.
وعن ابن حمزة
أنه منع من بيع الطعام قبل القبض ، سواء كان بيعا أو قرضا ، وغير الطعام جوز بيعه
قبل القبض على كل حال ، الا أن يكون سلفا.
قال الصدوق في
المقنع : لا يجوز أن يشترى الطعام من بيعه قبل أن يكتاله ، وما لم يكن فيه كيل ولا
وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه ، وقال في موضع آخر منه : ولا بأس أن يشترى
الرجل النخل والثمار ثم يبيعه قبل أن يقبضه ، وروي في حديث «أنه لا بأس أن يشترى
الطعام من بيعه قبل أن يقبضه ويوكل المشترى بقبضه».
وقال أبو
الصلاح : يصح بيع ما استحق تسليمه قبل أن يقبضه ، وينوب قبض الثاني عن الأول
وأطلق.
والمشهور بين
المتأخرين من المحقق والعلامة ومن بعدهما هو القول بالجواز
على كراهة ، والاخبار في المسألة على غاية من الاختلاف والاضطراب ، فلا بد
من بسطها ونقلها ليظهر ما هو حقيقة الحق منها والصواب ، بتوفيق الملك الوهاب ،
وبركة أهل الذكر الأطياب.
فمن الأخبار
الدالة على القول بالتحريم ما رواه الصدوق في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى
تقبضه ، الا أن توليه ، فان لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه». قال في الفقيه بعد هذه
الرواية : يعني أنه يؤكل المشترى بقبضه.
وظاهر المحدث
الشيخ محمد الحر في الوسائل أن هذه الزيادة من أصل الرواية ، حيث أدرجها فيها وهكذا نقلها في المختلف أيضا عن الفقيه ، والأقرب انها
من كلام صاحب الفقيه ، كما يظهر من المحدث الكاشاني في الوافي ، حيث لم ينقلها في
الرواية.
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «انه قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتال
، قال : لا يصلح له ذلك».
وما رواه في
التهذيب أيضا بسند آخر في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله وأبى صالح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) مثله ، وزاد وقال : «لا تبعه حتى تكيله».
__________________
وما رواه في
الفقيه والتهذيب في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا ولم يقتسموه أيصلح
لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه؟ قال : لا بأس به ، وقال : ان هذا ليس بمنزلة
الطعام ، لان الطعام يكال».
وما رواه في
الفقيه والتهذيب في الصحيح في الكتاب الأول عن منصور قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل ولا وزن ، إله أن يبيعه
مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ فقال : لا بأس بذلك ما لم يكن فيه كيل ولا وزن ،
فان هو قبضه فهو أبرأ لنفسه».
وما رواه في
التهذيب عن معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : ما لم يكن
كيل أو وزن فلا يبيعه حتى يكيله أو يزنه ، الا أن يوليه بالذي قام عليه».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة ، وقد كان
اشتراها ولم يقبضها قال : لا حتى يقبضها ، الا أن يكون معه قوم يشاركهم فيخرجه
بعضهم عن نصيبه من شركته بربح ، أو يوليه بعضهم فلا بأس».
وروى في
التهذيب قال : «وسأل على بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليهالسلام) عن الرجل يشترى الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال :
إذا ربح لم يصلح حتى يقبض ، وان كان يوليه فلا بأس ، وسأله عن الرجل يشترى الطعام أيحل
له أن يولى منه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا لم يربح عليه شيء فلا بأس ، فإن ربح فلا
يصلح حتى يقبضه».
__________________
وطريق الشيخ في
التهذيب الى على بن جعفر صحيح ، فتكون الرواية صحيحة ، فما ذكره في المسالك من أن
الشيخ. ذكرها في التهذيب بغير اسناد وجعلها بذلك ضعيفة ، غفلة مما ذكرناه.
ورواه على بن
جعفر في كتابه ورواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر مثله.
وعن أبى بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال : لا
يعجبني أن يبيعه كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه ، الا أن يوليه كما اشتراه ،
فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع ، وما كان من شيء عنده ليس بكيل
ولا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه».
أقول : وهذه
الاخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة على القول المذكور ، ومقتضاها تصريحا في بعض
وتلويحا في آخر عموم الحكم للمكيل والموزن ، لا بخصوص الطعام.
ويؤيدها أيضا
ما رواه في الكافي عن على بن أبي حمزة عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يشترى متاعا ليس فيه كيل ولا
وزن أيبيعه قبل أن يقبضه؟ قال : لا بأس».
وجملة من هذه
الاخبار قد دلت على النهي الذي هو حقيقة في التحريم ،
__________________
كصحيحة منصور بن حازم وصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله وابى صالح وصحيحة معاوية بن وهب وموثقة سماعة .
وما عدا هذه
الاخبار فإنها وان لم تكن مثلها في الصراحة ، الا أنها بمعونة هذه الاخبار ظاهرة
تمام الظهور؟ خصوصا لفظ لا يصلح ، فان ذكر هذه الألفاظ ـ في ضمن هذا السياق الذي
سيقت عليه الاخبار الناهية الصريحة في التحريم ـ قرينة ظاهرة على أن المراد بها ما
أريد بالنهي ـ في تلك الاخبار ـ التحريم ، وان كانت في حد ذاتها أعم من ذلك ، كما
لا يخفى على المنصف المتدرب.
ثم انه لا يخفى
أن جملة من هذه الاخبار قد دلت على استثناء التولية فيجوز البيع قبل القبض في هذه
الصورة ، وفي بعضها تخصيص المنع بالربح ، فيفهم منه الجواز مع المواضعة ، الا أن
عجز صحيحة على بن جعفر صريح في المنع مع المواضعة أيضا ، وحينئذ فيحمل ما دل على
ذكر الربح على مجرد التمثيل دون التخصيص ، فيختص الجواز بالتولية خاصة ، كما هو
مفاد أكثر الاخبار ، ويجب حمل الأخبار الدالة على النهى مطلقا على غير التولية
جمعا.
استدل القائلون
بالجواز ـ ومنهم المحقق الأردبيلي ، فإنه قد أطال في ذلك ، ونحن ننقل كلامه ملخصا
، فإنه قد بالغ في نصرة القول المشهور بين المتأخرين بجدة وجهده ، فاستدل ـ بعموم
القرآن والاخبار الدالة على جواز البيع ، والأصل ، وبأن الناس مسلطون على أموالهم
، وحصول التراضي مع عدم المانع عقلا ، وعدم الخروج عن قانون وقاعدة.
وصحيحة منصور
بن حازم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل أمر
__________________
رجلا يشترى له متاعا فيشتريه منه؟ قال : لا بأس بذلك ، انما البيع بعد ما
يشتريه».
وصحيحة محمد بن
مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أتاه رجل فقال : ابتع لي متاعا
لعلى أشتريته منك بنقد أو نسبة فابتاعه الرجل من أجله قال : ليس به بأس ، إنما
يشتريه منه بعد ما يملكه». فان قوله بعد التملك ، وبعد الشراء كالصريح في الجواز
قبل القبض مطلقا ، فافهم.
ويدل عليه أيضا
صحيحة محمد الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام).
قال : «سألته
عن الرجل يشتر الثمرة ثم يبيعها قبل ان يأخذها؟ قال : لا بأس به ان وجد ربحا فليبع».
وصحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «انه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يقبضها
قال : لا بأس».
ولا يخفى أن
الثمرة مكيل ، بل طعام على بعض الإطلاقات ، والأول صريح في الجواز مع إرادة
المرابحة ، فيحمل ما يدل على عدم جوازها على شدة الكراهة للجمع ، فتأمل.
ويؤيد الجمع رواية
أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) اشترى طعاما قبل أن يكيله؟ قال : ما يعجبني» الحديث. كما
قدمنا نقله .
ثم قال : وهذه
صريحة في الكراهة مرابحة ، وكراهة المكيل والموزون قبل القبض ، وعدم البأس في
غيرهما.
وكذا ما في رواية
ابن الحجاج الكرخي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام):
__________________
اشترى الطعام إلى أجل مسمى ، فبطلبه التجار بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه؟
قال : لا بأس أن تبيع إلى أجل كما اشتريت» الى آخره.
وكذا رواية
جميل بن دراج عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يشترى الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال :
لا بأس ، ويوكل الرجل المشترى منه بكيله وقبضه؟ قال : لا بأس».
ويؤيده أيضا أن
أكثر أخبار المنع وردت بلفظ لا يصلح ، وهو ظاهر في الكراهة وليست بصريحة في
التحريم ، والتي بغير لفظ لا يصلح ليست أيضا بصريحة في التحريم قبل القبض ، مثل
رواية معاوية الاتية ، لان فيها النهي عن البيع قبل الكيل ، ومع الإجمال في قوله «الا
أن توليه ، الذي قام عليه».
نعم رواية
منصور ظاهرة فيه ، ويمكن تأويلها ، وبالجملة الأدلة التي أفادت العلم لا ينبغي
الخروج عنها الا بدليل قوى. انتهى ملخصا.
أقول : لا يخفى
ما فيه على المنصف النبيه من التكلف والخروج عن القواعد المقررة والضوابط المعتبرة
، أما ما استدل به أولا من الأصل وعمومات القرآن والاخبار وأن الناس مسلطون على
أموالهم ، ففيه أن ما دلت عليه الاخبار المذكورة خاص ، ومقتضى القاعدة تخصيص تلك
العمومات به ، والأصل يجب الخروج عنه بالدليل ، وهو موجود بالتقريب الذي قدمناه
ذيل تلك الاخبار.
وبذلك يظهر لك
ما في قوله ـ وعدم الخروج من قانون وقاعدة ـ وكيف لا يكون فيما ذهب اليه خروج عن
قاعدة ، ومورد هذه الاخبار أخص مما استدل به من العمومات ، وقاعدة المسألة تقتضي
الحكم بالخاص على العام ، والمقيد على المطلق.
__________________
وأما صحيحة
منصور بن حازم وصحيحة محمد بن مسلم فالقول فيهما كذلك أيضا ، فإن المبتاع فيهما
مطلق ، شامل بإطلاقه للمكيل والموزون وغيرهما ، والواجب تخصيصهما بما عدا المكيل
والموزون ، كما أفصحت به صحيحة منصور ابن حازم التي هي أول تلك الاخبار ، من قوله (عليهالسلام) «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن» الى آخره ، فإنها
قد فصلت بين المتاع المكيل والموزون وغيرهما ، وبه يجب الحكم على إطلاق الخبرين
المذكورين.
ونحوها صحيحة
الأخرى وغيرها ، وبه يتأكد ما أوردنا على قوله «وعدم الخروج عن قانون وقاعدة».
وأما صحيحة
محمد الحلبي وصحيحة محمد بن مسلم الواردتان في بيع الثمار فهما ليسا من محل البحث
في شيء ، حيث أن الظاهر من الاخبار من المكيل والموزون هنا انما هو ما أمكن كيله
ووزنه بالفعل ، لا بالقوة ، قريبة أو بعيدة ، والثمرة انما هي من قبيل الثاني ،
ومع أنهما أخص من محل البحث ، ومعارضتان بموثقة سماعة المتقدمة.
وبذلك يظهر ما
في قوله «ولا يخفى أن الثمرة مكيل» فإنه ان أراد بالفعل فهو ليس كذلك ، كما هو
ظاهر لكل ناظر ، وان أراد بالقوة فهو ليس محل البحث الذي دلت عليه الاخبار.
وأما رواية أبي
بصير وقوله (عليهالسلام) فيها «ما يعجبني» فهو أعم من التحريم والكراهة ، وهذا
اللفظ يساوق قولهم في مواضع «ما أحب» الذي قد وقع استعماله في التحريم في مواضع ،
وسياق الخبر الى آخره ظاهر في ذلك.
وبذلك يظهر ما
في قوله «وهذه صريحة في الكراهة» ، وما أدرى من أين حصلت له هذه الصراحة مع
الإجمال في اللفظ المذكور ، ودلالة السياق على ما ذكرنا من التحريم ، وأن سياق هذه
الرواية سياق الروايات الصريحة في التحريم بالنهي
عن ذلك ، فهذا اللفظ هنا مراد به ما دلت عليه تلك الألفاظ الصريحة في
النهي.
وأما رواية ابن
الحجاج الكرخي ـ فهي مع ضعفها وقصورها عن معارضة ما قدمناه من الاخبار ـ مخصوصة بما
إذا اشترى الطعام بثمن مؤجل ، وأراد بيعه مرابحة بثمن مؤجل ، حيث أنه لا يصح نقدا
لأن الأجل له قسط من الثمن ، فموردها أخص من محل البحث ، فلا تنهض حجة على تمام
المدعى.
وأما رواية
جميل فهي ظاهرة فيما ادعى ، لكنها لا تبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من الاخبار.
وكيف كان فإنه
قد ظهر بما قررناه أنه ليس في الاخبار ما يدل على هذا القول المشهور بينهم إلا
رواية جميل المذكورة على ما هي عليه من الضعف ، والا فقد عرفت حال ما عداها ،
وبذلك يظهر ما في قوله «وبالجملة الأدلة التي أفادت العلم لا ينبغي الخروج عنها
الا بدليل قوي» فإنه مجرد دعوى خالية من الدليل ، بعد ما عرفت من أحوال أدلته التي
هي من هذا القبيل.
ثم أنه قال (قدسسره) : ثم انه يمكن حمل أخبار المنع مع ما عرفت فيها من عدم
التصريح بالنهي والتحريم ، وإمكان التأويل للجمع المذكور على عدم وقوع الكيل
والوزن في الشراء الأول ، وهي ليست بصريحة في وجودها الى آخر كلامه.
أقول : انظر
الى هذا الكلام المنحل الزمام ، والمختل النظام ، الذي هو من أضعف الأوهام ، أما
أولا فمن حيث إنكاره النهي عن ذلك ، وقد عرفت الأخبار الصحيحة الصريحة في النهي
الذي هو حقيقة في التحريم.
وأما ثانيا فمن
حيث حمله للاخبار النهى على عدم وقوع الكيل والوزن في الشراء الأول ، مع أن هذا هو
موضوع المسألة ، ومحل الخلاف الذي اختلف
فيه الأقوال والاخبار ، لان موضوع المسألة انه هل يجوز بيع المكيل والموزون
ثانيا قبل قبضه من البائع الأول أم لا؟ والقبض في المكيل والموزون هو كيله ووزنه
لأجل القبض ، كما عرفت. والروايات بعضها بلفظ عدم القبض ، وبعضها بلفظ الكيل
والوزن ، والمرجع إلى أمر واحد.
ورواية جميل
التي اعتمدها دليلا على الجواز ، صريحة في جواز بيعه قبل قبضه ، وأن يوكل المشتري
الثاني في القبض عنه ، ليقبض وكالة عنه ، ويقبض لنفسه ، فهو وكيل في القبض
والإقباض ، وهو صريح في جواز البيع قبل الكيل والوزن.
وبالجملة فإن
كلام هذا المحقق هنا لا يخلو عن غفلة واستعجال ، وعدم تأمل فيما سطره من المقال ،
لظهور ما فيه من الاختلال ، هذا والعجب أن من قواعد أصحاب هذا الاصطلاح الدوران
مدار الأخبار الصحيحة الأسانيد ، والعمل بها ، وطرح ما عارضها ، وأنهم لا يجمعون
بين الاخبار الا بعد التساوي في الصحة ، وإلا فتراهم يطرحون الضعيف من البين ، ولم
أقف على من وقف على هذه القاعدة هنا الا قليل منهم.
قال في المسالك
بعد ـ أن نقل الاستدلال على الجواز بخبري جميل وابن الحجاج الكرخي ، وعلى العدم
بصحاح الحلبي ومنصور بن حازم ومعاوية بن وهب ، ونقل عنهم الجمع بين الاخبار ، بحمل
اخبار المنع على الكراهة ـ ما لفظه : وهذا الجمع انما يتم لو كانت الاخبار متكافئة
في وجوب العمل بها ، لكن الأمر هنا ليس كذلك ، لان اخبار المنع صحيحة متظافرة ،
وخبر التسويغ في طريق أولهما على بن حديد وهو ضعيف ، والأخر مجهول ، فالقول بالمنع
أوضح ، وهو خيرة العلامة في التذكرة والإرشاد ، والشيخ في المبسوط ، بل ادعى عليه
الإجماع جماعة من الأصحاب. انتهى.
وهو جيد هذا مع
ما عرفت في غير موضع مما تقدم ما في الجمع بين الاخبار بالكراهة والاستحباب ـ كما
هو القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب ـ من عدم الدليل على ذلك ، من سنة ولا
كتاب ، بل عدم الاستقامة في حد ذاته ، كما لا يخفى
على المنصف من أولى الألباب ، لأن الاستحباب والكراهة حكمان شرعيان يتوقفان
على الدليل الواضح ، ومجرد اختلاف الاخبار ليس بدليل على ذلك. وأيضا فإن الأصل في
الأمر الوجوب ، وفي النهي التحريم ، كما حققه المحققون في الأصول ، وعليه دلت
الآيات والروايات كما سلف تحقيقه في المقدمات من أول كتاب الطهارة وحملهما على غير ذلك مجازا يتوقف
على القرينة واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز.
وأنت إذا تدبرت
في أخبار المسألة نفيا وإثباتا ظهر لك ان الحكم بالتحريم كان شائعا في الصدر الأول
بين أصحاب الأئمة (عليهمالسلام) كما يشير إليه رواية على بن أبي حمزة ، وصحيحة الحلبي
المشتملة على شراء البر ، وصحيحة منصور الثانية ، فإنها تشعر بتوهم سريان التحريم
الى غير المكيل والموزون ، فحصل السؤال عنه وهو يشعر بشهرة الحكم بالتحريم في
الموزون والمكيل حتى توهم إلحاق غيرهما بهما ، كما لا يخفى .
وبالجملة
فالظاهر عندي هو القول بالتحريم إلا في صورة التولية ، كما نصت عليه الاخبار المتقدمة
، وارتكاب التأويل في خبري ابن الحجاج وجميل المذكورين ان أمكن ، والا فالرد إلى
قائلهما.
فوائد ـ الاولى
لو باع على تقدير القول بالتحريم مطلقا أو في غير التولية ، هل يقع البيع باطلا ،
أو يصح وان أثم وصرح بالأول ابن ابى عقيل في عبارته المتقدمة في صدر المسألة ،
وبالثاني قطع العلامة في المختلف. فقال : ولو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع ،
ولم يتعرض الى دليل في المقام ، وكأنه مبني على ما اشتهر عندهم من أن النهى في
المعاملات لا يقتضي الفساد ، انما ذلك في العبادات ، والحق
__________________
في ذلك هو التفصيل الذي قدمنا ذكره في كتاب الصلاة وتقدمت الإشارة إليه أيضا قريبا من أنه ان كان النهي في
المعاملات من حيث عدم صلاحية المعقود عليه للدخول تحت العقد ، فالأظهر بطلان العقد
، وان كان بسبب أمر خارج فالأظهر الصحة ، والظاهر أن ما هنا من قبيل الأول ، وهو
اختياره في المسالك ـ أيضا ـ قال : ويؤيده أن النهى هنا راجع الى نفس البيع ،
فيبطل كبيع المجهول ونحوه ، ولتعلق النهى فيه بمصلحة لا تتم إلا بإبطاله.
الثانية ـ أكثر
الأصحاب جعلوا محل الخلاف هو الطعام ، والظاهر من الاخبار المقدمة بالنظر الى حمل
مطلقها على مقيدها وعامها على خاصها هو المكيل والموزون مطلقا ، وسياق جملة من
الاخبار المتقدمة ظاهر في ذلك أوضح الظهور ، وذكر الطعام في بعض انما خرج مخرج
التمثيل ، لأنه أشهر أفراد المكيل والموزون ، وأكثرها دورانا في المعاملات.
ثم انه على
تقدير الاختصاص بالطعام فهل المراد به كلما أعد للأكل ـ كما هو موضوعه لغة ـ أو
يختص بالحنطة والشعير لانه معناه شرعا؟ كما نبهوا عليه في موارد ، منها حل طعام
أهل الكتاب ـ قولان : وبالثاني صرح فخر المحققين في بعض فوائده على ما نقلوه عنه ،
وفي دعوى اختصاص طعام أهل الكتاب بالحنطة والشعير نظر ، إذ الظاهر من الاخبار
الشمول لجميع الأفراد الموزونة من الحبوب مثل العدس والذرة ونحو ذلك.
الثالثة : لو
ملك ما يريد بيعه بغير بيع جاز وان لم يقبضه ، كالميراث والصداق للمرأة والخلع
ونحوها.
قال في المسالك
: المنع على القول به مشروط بأمرين ـ انتقاله بالبيع ، ونقله به ، فلو انتقل بغيره
أو نقله بغيره لم يحرم ، أما الأول فلا نعلم فيه خلافا ، واما
__________________
الثاني فهو المشهور ، غير أن الشيخ ألحق به الإجارة ، محتجا بأنه ضرب من
البيوع ، وهو ممنوع ، وكذلك منع من الكتابة ، بناء على أنها بيع العبد من نفسه ،
وهو مع تسليمه لا يستلزم المنع ، لان العبد ليس مما يكال أو يوزن ، وغاية المنع
عندنا ان يكون المبيع مقدرا بهما. انتهى.
ثم انه على
تقدير الجواز في الميراث ونحوه مما تقدم ، قد استثنى بعضهم من ذلك صورا منها ـ ما
إذا اشترى الميت قبل الموت مكيلا أو موزونا ولم يقبضه ، فإنه لا يجوز للوارث بيعه
قبل قبضه ، ورد بأن انتقاله الى الوارث بالإرث واسطة بين البيعين.
ومنها في الصداق
إذا اشترى المصدق الصداق مثلا ولم يقبضه ، وأصدقه المرأة قبل القبض ، وأرادت
المرأة بيعه والحال كذلك ، وأجيب عنه بما أجيب عن سابقه ، فان إصداقه للمرأة واسطة
بين البيعين ، وهكذا القول في عوض الخلع إذا اشترته المرأة ولم تقبضه ، ثم جعلته
عوضا للخلع ، وأراد الزوج بيعه والحال كذلك ، فان جعله عوضا للخلع واسطة بين
البيعين أيضا ، فالاستثناء غير واضح لثبوت الواسطة في الجميع.
الحادي عشر ـ المشهور
أنه لو كان له على غيره طعام من سلم ، وعليه مثل ذلك ، فأمر غريمه ان يكتال لنفسه
من الأخر ، فإن قلنا بتحريم بيع ما لم يقبض حرم هنا أيضا ، وان قلنا : بالكراهة
اكره هنا أيضا ، ذكر ذلك الشيخ في الخلاف والمبسوط ، وتبعه الجماعة لأن المحتال
قبض المحال عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه ، فيكون من قبيل بيع ما لم يقبض ،
وقيل : بأن هذا ليس من تلك المسألة في شيء ، لما عرفت من أن المنع من بيع ما لم
يقبض تحريما أو كراهة مشروط بشرطين ، انتقاله بالبيع ، ونقله به ، وما ذكر في هذا
الفرض وان كان تبعا من حيث أن السلم فرد من أفراده ، الا ان الواقع من أسلم إما
حوالة لغريمه في القبض ، أو وكالة له فيه ، وكل منهما ليس ببيع ، ودعوى أن الحوالة
ملحقة بالبيع في حيز المنع.
أقول : ويؤيد
هذا القول ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح في بعض والموثق
في أخرى عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر ، فقال
: للرجل انطلق فاستوف كرك فقال : لا بأس به». وهو ظاهر في المراد عار عن وصمة
الإيراد.
وبه يظهر قوة
القول المذكور ، مضافا الى ما تقدم من ان الواقع هنا انما هو حوالة لا بيع.
وأجاب الشهيد
في بعض تحقيقاته عن ذلك بأن مورد السلم لما كان ماهية كلبة ثابتة في الذمة منطبقة
على افراد لا نهاية لها ، فأي فرد عينه المسلم اليه ، تشخص بذلك الفرد ، وانصب
العقد عليه ، فكأنه لما قال للغريم : اكتل من غريمي فلان قد جعل عقد السلم معه ،
واردا على ما في ذمة غريمه المستسلف منه ، ولما يقبضه بعد ، ولا ريب أنه مملوك له
بالبيع ، فإذا جعل مورد السلم الذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه ، فيتحقق
الشرطان ، ويلتحق بالباب ، قال : وهذا من لطائف الفقه.
قال في المسالك
بعد نقل ذلك ـ : وهذا التحقيق غاية ما يقال هنا في توجيه كلام الشيخ ومن تبعه ،
الا انه مع ذلك لا يخلو من نظر ، لان مورد السلم ونظائره من الحقوق الثابتة في
الذمة لما كان أمرا كليا ، كان المبيع المتحقق به هو الأمر الكلى ، وما يتعين لذلك
من الأعيان الشخصية بالحوالة وغيرها ليس هو نفس المبيع ، وان كان الأمر الكلي انما
يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة فإنها ليست عينه ، ومن ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو
معيبا رجع الحق إلى الذمة ، والمبيع المعين ليس كذلك ، ونظير ذلك ما حققه
الأصوليون من أن الأمر بالكلي ليس أمرا بشيء من جزئياته الخاصة وان كان لا يتحقق
الا بها.
__________________
وحينئذ فانصباب
العقد على ما قبض ، وكونه حينئذ بيعا غير واضح ، فالقول بالتحريم عند القائل به في
غيره غير متوجه ، نعم لا بأس حينئذ بالكراهة خروجا من خلاف الشيخ والجماعة وتحرزا
عما هو مظنة التحريم انتهى وهو جيد.
الثاني عشر ـ لو
كان له على غيره طعام من سلم ، فدفع اليه مالا وقال اشتر به طعاما ، فان قال :
اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك ، بمعنى أنه وكله في القبض والإقباض قالوا : صح الشراء
خاصة ، دون القبض والإقباض ، لأنه لا يجوز أن يتولى طرفي العقد ، ذكره الشيخ وتبعه
جملة ممن تأخر عنه وتردد في الشرائع.
قال الشيخ :
لانه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه من نفسه ، وجملة من المتأخرين قد
صرحوا بالجواز ، لأن الأصل ذلك ، ولانه وكله في الإقباض ، والمغايرة الاعتبارية في
القابض والمقبوض منه كافية ، ومثله تولى طرفي العقد.
أقول : وقد
تقدم الكلام في مسألة تولى الواحد طرفي العقد في الموضع الخامس من المسألة الخامسة
من المقام الأول من الفصل الأول في البيع قالوا : ولو قال : اشتر لك لم يصح الشراء ، ولا يتعين
له بالقبض ، وعلل بأن مال الغير يمتنع شراء شيء به لنفسه ما دام على ملك الغير ،
وهذا هو الفارق بين هذه وسابقها ، حيث حكم بصحة الشراء ثمة ، ونقل عن الشيخ في
الخلاف جواز ذلك هنا ، وجعله قبضا للطعام بجنس الدراهم أو قبضا للدراهم ، ورد بعدم
وجود دليل يدل على ما ادعاه. نعم لو علم من الدافع إرادة أحد الأمرين وقبل القابض
صح ذلك.
أقول : والذي
وقفت عليه في هذا المقام روايات ، منها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن
الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل
__________________
أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث الي بدراهم فقال : اشتر لنفسك
طعاما واستوف حقك؟ قال : أرى أن يولي ذلك غيرك ، وتقوم معه حتى تقبض الذي لك ، ولا
تتولى أنت شراءه». وما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن عبد الرحمن بن أبى
عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أسلف دراهم في طعام فحل الذي له فأرسل إليه
بدراهم فقال : اشتر طعاما واستوف حقك هل ترى به بأسا؟ قال : يكون معه غيره يوفيه
ذلك».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يكون له على الأخر أحمال رطب أو تمر ، فيبعث
اليه بدنانير فيقول : اشتر بهذه واستوف منه الذي لك؟ قال : لا بأس إذا ائتمنه».
أقول : الظاهر
من هذه الاخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو أن النهى عن الشراء في الخبرين الأولين
انما هو لخوف التهمة ، كما أفصح به الخبر الثالث ، وحينئذ فيجوز له الشراء متى أمن
التهمة ، وعلى ذلك تكون الاخبار ظاهرة في جواز الشراء والقبض والإقباض ، وبه يظهر
عدم الالتفات الى ما ذكره من التوجيهات الركيكة ، والأمر في ذلك ـ في الاخبار سيما
في باب البيوع والطهارات والنجاسات ونحوها ـ أوسع من ذلك ، كما لا يخفى على من
مارسها وتأملها ،.
ومن الظاهر أن
قوله : اشتر لنفسك طعاما كما في الخبر الأول ، مثل قولهم «اشتر لك» الذي حكموا فيه
بعدم صحة الشراء ، «واستوف حقك» في جميع هذه الاخبار كناية عن الإقباض ، فهو وكيل
من جهة صاحب الدراهم في الاشتراء ، والقبض والإقباض ، وقوله «اشتر لك ، أو اشتر
لنفسك» انما هو عبارة عن توكيله في الشراء بتلك الدراهم ، فلا معنى لقولهم انه
يمتنع شراء شيء به لنفسه ما دام
__________________
على ملك الغير ، وبالجملة فإن الأمر في هذا الباب أوسع مما ذكروه.
والمحدث
الكاشاني في الوافي قد حمل النهي في الخبرين الأولين على غير البصير بالمسألة
الفقهية في هذا المجال ، فان دفع الدراهم في هذه الصورة أعني وقت حلول مال السلم
وعدم وجوده عند المسلم اليه قد يكون لفسخ البيع ، لعدم وجوده ، فلا يستحق أزيد من
رأس ماله ، وقد يكون لتوكيل صاحب الطلب في شرائه وقبضه وإقباضه ، فيصح مع الزيادة
، وما ذكره (قدسسره) جيد في غير هذين الخبرين من أخبار الباب الذي عقده
لذلك.
والوجه في
المنع في هذه الاخبار التي ذكرناها انما هو ما قدمناه من خوف التهمة ، كما صرح به
في الخبر الثالث ، ويؤيده أن هذين الخبرين لم يتعرض فيهما لجواز الزيادة وعدمها ،
وقد حققنا ذلك في حواشينا على الكتاب المذكور والله العالم.
الثالث عشر ـ قالوا
إذا قبض المشترى المبيع ثم ادعى نقصانه ، فان لم يكن حضر كيله ولا وزنه ، فالقول
قوله ، وان كان حضر فالقول قول البائع ، قيل : وانما كان القول قول البائع في
الثانية مع أن الأصل عدم وصول حق المشترى إليه في الصورتين ، عملا بالظاهر ، من أن
صاحب الحق إذا حضر لاستيفاء حقه يحتاط لنفسه ، ويعتبره مقدار حقه ، فيكون هذا
الظاهر مرجحا لقول البائع ومقويا لجانبه ، ومعارضا للأصل ، فيقدم قوله يمينه ،
وهذه مما رجح فيها الظاهر على الأصل وهو قليل. انتهى.
أقول : الظاهر
من العبارة الأولى التي قدمنا نقلها عنهم أن حضور الكيل والوزن في هذا المقام أعم
من أن يكون الكيل والوزن لذلك المشتري ، أو للبائع فإنه قد تقدم في جملة من
الاخبار وبه صرحوا ايضا أنه يجوز الشراء بالكيل والوزن الذي أخذ به البائع إذا حضر
المشتري الثاني ذلك ، والتعليل الذي ذكره هذا
القائل انما يتم على تقدير الصورة الأولى ، دون الثانية ، فإن المشتري
الثاني حال الكيل والوزن للبائع الذي هو المشترى الأول لا يصدق عليه انه حضر
لاستيفاء حقه ، وأنه يحتاط لنفسه ، بل الحق في تلك الحال انما هو حضر لغيره وان
كان هو من جملة الحاضرين ، وأنه بعد ذلك الكيل والوزن قد أخذه به واعتمد عليه.
وبالجملة فإن
التعليل المذكور لا يتم في إحدى الصورتين المذكورتين ، وتخصيص العبارة الأولى بهذه
الصورة يحتاج الى ما يدل عليه ، وظاهرها انما هو العموم كما قدمناه ، وبه لا يتم الدليل
المذكور كليا ، ثم انه على تقدير التخصيص بهذه الصورة فإن التعليل المذكور لا يخلو
أيضا من شيء ، فإنه بمقتضى ما ذكره أنه قد تعارض الأصل والظاهر و ، ان الأصل مرجح
لجانب المشترى ، والظاهر مرجح لجانب البائع ، ومقتضى تعارضهما تساقطهما ، والتوقف
في ذلك إلا مع وجود المرجح لأحدهما ، وهو لم يذكر هنا مرجحا للظاهر يوجب تقديمه
على الأصل ، اللهم الا أن يراد أن الظاهر رافع لحكم الأصل ، كالخبر الدال على خلاف
مقتضى الأصل ، فإنه يجب الخروج به عن مقتضى الأصل ، والمراد بالتعارض هنا انما هو
ذلك ، والظاهر أنه هو المراد في أمثال هذا المقام.
وفيه مع ذلك
جوار الغفلة والسهو من ذلك المشتري ، أو الاعتماد على كيل البائع ووزنه ، فلا يمكن
الخروج به عن الأصل المذكور ، وبالجملة المسألة ـ لخلوها من النص ـ لا يخلو من
التوقف والاشكال والله العالم.
الرابع عشر ـ لو
كان في ذمته طعام ، وأراده منه أو قيمته في بلد أخرى غير البلد التي استقر الطعام
فيها بذمته فهو لا يخلو عن ثلاثة شقوق ، الأول ـ أن يكون الطعام سلفا قالوا : إذا
أسلفه في طعام بالعراق مثلا ، ثم طالبه بالشام لم يجب عليه دفعه ، لان مال السلم
يتعين دفعه عند الإطلاق في بلده ، وفي موضع التعيين ان عين الموضع ، فدفعه في غير
بلد يتعين دفعه فيه غير واجب ، سواء كانت قيمته وقت المطالبة مخالفة لقيمته في بلد
التسليم أم مساوية ، قالوا : وهذا لا شبهة فيه.
أقول لم أقف
على دليل يدل على ما ادعوه هنا من أنه مع الإطلاق يتعين
التسليم في بلده ، فان وجد الدليل تم ما رتبوه على ذلك ، والا فلا ،
فليتأمل.
قالوا ولو
طالبه في ذلك البلد الأخر بالقيمة ورضى المسلم اليه بالدفع ، قيل لم يجز ، لانه
بيع الطعام على من هو عليه قبل قبضه ، بناء على القول بالتحريم في تلك المسألة ،
أو يكره بناء على القول بالكراهة ثمة.
وقيل : والظاهر
أنه المشهور بين المتأخرين بالجواز من غير تحريم ولا كراهة لأن ذلك ليس بيعا ،
وانما هو استيفاء للحق ، غايته أنه بغير جنسه ، ومثل هذا لا يسمى بيعا ، فلا يحرم.
وربما قيل :
بكراهته ، خروجا من خلاف الشيخ القائل بالتحريم وتخلصا من عرضة التحريم. هذا كله
إذا رضي المسلم اليه بالدفع.
أما لو لم يرض
فهل يجبر على ذلك؟ بناء على الجواز في الأول ، المشهور العدم ، لان الواجب في ذمته
هو الطعام لا القيمة وما في ذمته لا يجب دفعه في البلد المذكور ، فأولى أن لا يجب
عليه دفع ما لم تجر عليه المعاوضة ، ولم يقتضيه عقد السلم.
وذهب بعض
الأصحاب ومنهم العلامة في التذكرة إلى وجوب دفع القيمة حينئذ ، مستندا الى أن
الطعام الذي يلزمه دفعه معدوم ، فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه
ورد بأن فيه منعا ظاهرا ، إذ ليس ثمة طعام يلزم دفعه حتى ينتقل إلى القيمة.
أقول : ومما
يدل على ما هو المشهور ـ من جواز أخذه الثمن متى وقع الرضا من الطرفين بذلك ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب عن أبان عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل ، فيحل
__________________
الطعام ، فيقول : ليس عندي طعام ، ولكن انظر ما قيمته فخذ منى ثمنه قال :
لا بأس بذلك».
وعن ابن فضال قال : كتبت الى أبى الحسن (عليهالسلام) : الرجل يسلفني في الطعام ، فيجيء الوقت وليس عندي
طعام أعطيه بقيمته دراهم؟ قال : نعم».
وما رواه في
الكافي والفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، قال : سألته عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة ، حتى إذا
حضر الأجل لم يكن عنده طعام ، ووجد عنده دوابا ورقيقا ومتاعا ، أيحل أن يأخذ من
عروضه تلك بطعامه؟ قال : «نعم ، يسمى كذا وكذا بكذا وكذا صاعا».
وبذلك يظهر لك
ضعف ما ذهب اليه الشيخ وأتباعه من عدم جواز أخذ القيمة للعلة التي ذكرها ، والظاهر
أن الوجه في الجواز هو ما ذكروه ، من أن ذلك استيفاء لحقه ، لا بيع ليلزم ما ذكر ،
ولا ينافي ذلك قوله في الرواية الثالثة «يسمي كذا وكذا بكذا وكذا صاعا» فان المراد
منه أنه حيث كانت القيمة عروضا لا دراهم فلا بد من تشخيصها في مقابلة الطلب الذي
له ، ليحصل بذلك استيفاء حقه.
وأما ما ذكروه
ـ من عدم جبره لو طلب صاحب السلم القيمة ، لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة
ـ فهو جيد ان تم ما ذكروه من عدم وجوب التسليم مع الإطلاق إلا في بلد السلم ، إلا
أنك قد عرفت أنا لم نقف له على دليل.
ومما يؤيد مذهب
العلامة في التذكرة هنا ـ لزوم الضرر بصاحب الحق ، فإن توقف إيصال حقه على الوصول
الى بلد السلم ـ مع أنه ربما لا يتيسر له الرجوع إليها أو يتعذر عليه ذلك ـ موجب
لما ذكرناه ، فإذا لم يجب على من عليه السلم دفع مال السلم ـ لتوقفه على الوصول
الى تلك البلد التي وقع السلم فيها ، ولم يجب عليه دفع قيمته ، والحال أن رجوع
صاحب الطلب الى تلك البلد غير ممكن ـ فاللازم
__________________
فوات حقه ، وهو عين الضرر.
اللهم الا أن
يقال بالجوار في هذه الصورة من حيث دفع الضرر ، وأن هذه خارجة عن محل البحث ،
والخلاف انما هو فيما إذا لم يكن كذلك ، فيتم ما ذكروه على ما عرفت فيه.
الثاني ـ لو
كان الطعام قرضا قالوا : جار أخذ العوض إذا تراضيا على ذلك لانتفاء المانع المذكور
في الصورة الاولى ، وهو بيع الطعام المنتقل بالبيع قبل قبضه ، وانما الإشكال في
وجوب دفع العوض في غير بلد القرض ، لأن إطلاق القرض منزل على قبضه في بلده ، فليس
للمقرض المطالبة في غيره ، كما أنه لو بذل له المقترض لم يجب عليه قبضه أيضا ، لما
في نقله الى ما عينه الشارع موضعا للقبض من المؤنة ، وإذا لم يجب دفع عين الحق
فكذا قيمته ، لعدم وقوع المعاوضة عليها واختار العلامة في المختلف وجوب دفع المثل
وقت المطالبة ، فإن تعذر فالقيمة ببلد القرض.
أقول : لم أقف
بعد التتبع والفحص على دليل لما ذكروه هنا ايضا ، من أن إطلاق القرص منزل على قبضه
في بلده ، وأنه لأجل ذلك ليس للمقرض المطالبة في غيره ، ولا يجب عليه القبض ايضا
لو بذله المقترض له في غيره ، بل ربما دل ظاهر بعض الاخبار على خلاف ذلك.
مثل ما رواه الشيخ
في الموثق عن سماعة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سالته عن رجل لي عليه مال ، فغاب عنى زمانا ،
فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقاضاه قال : (عليهالسلام) : لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم». فان ترك
الاستفصال يفيد عموم المقال كما ذكروه في غير مقام.
__________________
ويشير الى ما
ذكرناه من المناقشة في الموضعين المذكورين كلام المحقق الأردبيلي قال بعد ذكر نحو
ما ذكروه من الأحكام المترتبة على ذينك الحكمين : ما لفظه كل ذلك ظاهر مما تقدم
إذا قيل بتعيين موضع السلف والقرض للطلب فيه وهو محل التأمل.
ثم قال : ويمكن
الرجوع الى القرائن ، ومع عدمها الى العرف الغالب بين الناس كما سلف في تعيين زمان
السلف ومكانه انتهى.
وبالجملة
فالظاهر بناء على ما ذكرناه هنا هو قريب ما ذكره في المختلف ، الا ان الظاهر ان
تخصيصه القيمة ببلد القرض مبنى على ما نقلناه عنهم وقد عرفت ما فيه.
الثالث أن يكون
غصبا فقيل : انه لا يجب دفع المثل ، ويجوز دفع القيمة بسعر البلد التي استقر
الطعام في الذمة فيها ، ونسب القول المذكور للشيخ مساويا بينه وبين القرض في
الحكم.
وقيل : وهو
الأشهر بجواز مطالبة الغاصب بالمثل حيث كان ، وبالقيمة الحاضرة عند الإعواز ، وعلل
بأنه حق تثبت عليه بعدوانه ، فيعم كل مكان ، وهو مؤاخذا بأسوء الأحوال.
ووجه وجوب
القيمة عند الإعواز انه وقت الانتقال إلى القيمة في المثلي واستقرب في المختلف قول
الشيخ في القيمة ، وهي قيمة بلد القرض ، لانه غصبه هناك ، فإذا تعذر المثل وجب
عليه قيمته فيه.
ونقل ما عليه
الأكثر عن والده واحتمل بعضهم أعلى القيم من حين الغصب الى حين الدفع ، والظاهر هو
القول المشهور في كل من الأمرين المذكورين والله العالم.
الخامس عشر ـ قالوا
: لو اشترى عينا بعين ، وقبض احدى العينين وبقيت الأخرى عند بائعها ، ثم باع
القابض ما قبضه ، ثم تلفت العين الأخرى عند بائعها بطل
البيع الأول ، ولا سبيل إلى إعادة ما بيع ثانيا ، لان تلك العين كانت ملكا
خالصا للبائع ، وانما طرء البطلان على العقد بعد انتقال العين ، فلا يؤثر فيما سبق
من التصرفات ، وعلى هذا فيلزم على البائع الثاني دفع المثل ان كانت العين مثلية ،
والقيمة ان كانت قيمية ، كما لو تلفت العين.
بقي الكلام في
القيمة هل هي قيمته يوم البيع ، أو يوم تلف العين الأخرى يحتمل الأول لأنه وقت
تعذر المثل ، والثاني لأن القيمة لم تكن لازمة للبائع ، وانما لزمت بتلف العين
الأخرى الموجب لبطلان البيع ، واستجوده في المسالك.
قيل : ويستفاد
من ذلك أن تلف المبيع قبل قبضه انما يبطل المبيع من حينه ، لا من أصله ، والا
لاسترد العين ، وتظهر الفائدة في ذلك وفي النماء.
أقول لم أقف في
هذه المسألة على نص بالخصوص ، وبذلك يظهر ما في الفائدة المذكورة ، فإنه لو كان
الحكم المذكور منصوصا لصحت هذه الفائدة وأما إذا كان ذلك! نما هو بمجرد فتواهم
وكلامهم فإنه لا ثمرة لهذه الاستفادة والله العالم.
المطلب الرابع في اختلاف المتبايعين
وفيه مسائل الأولى
ـ إذا عين المتبايعان نقدا مخصوصا تعين ، وان أطلقا فإن كان نقد البلد متحدا انصرف
الإطلاق اليه ، وان كان متعددا انصرف الى ما هو الغالب ، لما عرفت في غير موضع مما
تقدم من أن الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الغالبة المتكررة ، ولو كثرت النقود
فيها ولا غلبة في شيء منها بطل ، لان تعدد النقود في البلد بمنزلة اللفظ المشترك
، ولا يحمل على أحد معانيه الا مع القرينة ، ومع الغلبة فالقرينة ظاهرة ، ومع
التساوي فاللازم بطلان البيع ، لمجهولية الثمن أو المبيع.
بقي الإشكال في
ان الغلبة قد تكون في الاستعمال ، وقد تكون في الإطلاق ، بمعنى أن الاسم يغلب على
أحدها ، وان كان غيره أكثر استعمالا كما يتفق ذلك في بعض النقود ، فان اتفقت
الغلبة فيهما ، فلا إشكال في الحمل على الأغلب وان اختلفت بأن كان أحدهما أغلب
استعمالا والأخر أغلب وصفا ، ففي ترجيح أحدهما ـ أو كونهما بمنزلة المتساوي نظرا
الى تعارض المرجحين ـ اشكال ، وهكذا الكلام في الكيل والوزن.
الثانية ـ إذا
اختلفا في قدر الثمن فادعى البائع أكثر ، وادعى المشتري أقل فالمشهور بين الأصحاب
ـ بل ادعى عليه الشيخ الإجماع ـ أن القول قول البائع بيمينه ان كانت السلعة قائمة
، وقول المشترى مع يمينه ان كانت تالفة.
ويدل على ذلك
ما رواه المشايخ الثلاثة مسندا في روايتي الكليني والشيخ عن أحمد بن محمد بن أبى
نصر عن رجل عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ومرسلا في الفقيه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يبيع الشيء فيقول المشترى : هو بكذا وكذا
بأقل مما قاله البائع ، قال : القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائما
بعينه» . والتقريب فيها أنها تدل بمنطوقها على تقديم قول البائع
مع قيام عين المبيع ، وبمفهومها على تقديم قول المشترى مع تلف العين ، ولا يضر
إرسال الخبر المذكور ، لرواية المشايخ الثلاثة له ، ولما ذكروه من استثناء مراسيل
أحمد بن محمد بن أبى نصر ، لانه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، ولعمل
جل الأصحاب بها لا سيما المحدثين الثلاثة ، وغيرهم من المتقدمين وجل المتأخرين قال
في الوافي ـ بعد ذكر الخبر المذكور : ـ والوجه فيه أن مع بقاء
__________________
العين يرجع الدعوى الى رضا البائع ، وهو منكر لرضاه بالأقل ، ومع تلفه يرجع
الى شغل ذمة المشترى بالثمن ، وهو منكر للزيادة .
أقول هذا الوجه
الذي ذكره هنا قد احتج به بعض القائلين بالقول المشهور وقد تنظر فيه شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك قال : لاتفاقهما على انتقال العين إلى المشترى وملكه لها ،
وانما الخلاف بينهما فيما يستحق في ذمة المشترى ، فلا وجه لتقديم قول البائع ، بل
المشترى هو المنكر في الموضعين ، ثم قال : فالمعتبر حينئذ هو النص. انتهى وهو جيد
متين.
وما ذكره (قدسسره) هنا قد احتمله العلامة في القواعد قولا في المسألة ،
ونقله في التذكرة قولا عن بعض العامة ، وقوله وظاهر المحقق الأردبيلي تقوية القول
المذكور ، قال : وهو الظاهر الموافق للقوانين ، وكذا يظهر من المسالك أنه أقوى
الأقوال ، وهو كذلك ، فإنه الا وفق بالقواعد الشرعية ، الا أنه لا معدل عن النص
المذكور ، لما قدمنا ذكره ، ويمكن تأييد الخبر المذكور بما رواه في الكافي : والتهذيب.
عن الحسين بن عمر بن يزيد عن أبيه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذ التاجر ان صدقا بورك لهما وإذا كذبا وخانا لم يبارك
لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا فان اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا».
__________________
والتقريب فيه ان الظاهر أن الاختلاف بينهما مع وجود السلعة كما يشير اليه
قوله أو يتتاركا ، وقد جعل القول فيه قول البائع ، ومحل الاختلاف وان كان مطلقا
الا أن ما نحن فيه داخل تحت الإطلاق ، وسيجيء ـ إنشاء الله تعالى ـ أن القول قول
البائع في سائر الاختلافات الاتية.
وفي المسألة
أقوال أخر أيضا ، منها ـ أن القول قول من هي في يده ، الا أن يحدث المشترى فيها
حدثا ، فيكون القول قوله مطلقا ، وهو مذهب ابن الجنيد ونفى عنه البأس في التذكرة ،
ووجه هذا القول بالنسبة إلى الأقل أن من كان المبيع في يده يحكم له بالملك ، ويصير
غير ذي اليد مدعيا ، وبتقريب آخر أن من ليس في يده يدعي انتزاعه بما يقربه من
الثمن ، وذو اليد ينكر ذلك ، فيكون القول قوله ، ترجيحا لليد ، فان الخارج هو
المدعى.
وأما بالنسبة
إلى حدث المشتري فإنه دليل اليد ، فيكون القول قوله مطلقا ، وفيه ما عرفت آنفا من
أن مرجع الاختلاف والنزاع انما هو في الثمن ، لا في أصل المبيع ، للاتفاق على
انتقاله بالبيع.
ومنها أنهما
يتحالفان مطلقا ، لان كلا منهما مدع ومنكر ، وذلك لان العقد الذي تضمن الأقل وتشخص
به ينكره البائع ، والعقد الذي تضمن الثمن الأكثر وتشخص به ينكره المشترى ، فيكون
هذا النزاع في قوة ادعاء كل منهما عقدا ينكره الأخر ، فيتحالفان ويبطل البيع ،
وهذا القول احتمله العلامة في كثير من كتبه ، وصححه ولده في الإيضاح ، ونسبه في
الدروس الى الندور مع أنه اختاره في قواعده ، ـ وأورد عليه بمنع المغايرة الموجبة
لما ذكر لاتفاقهما على عقد واحد ، وعلى انتقال المبيع إلى المشترى به ، وثبوت
الثمن الأقل في ذمة المشترى ، وانما يختلفان في الزائد فأحدهما يدعيه ، والأخر
ينكره ، فلا وجه للتحالف.
ومنها ـ أن
القول قول المشترى مع قيام السلعة أو تلفها في يده أو في
يد البائع بعد الإقباض ، والثمن معين ، والأقل لا يغاير أجزاء الأكثر ، ولو
كان مغايرا تحالفا ، وفسخ العقد ، واحتج على الأول بأن المشتري منكر ، وعلى الثاني
بأن التحالف في عين الثمن ، وكل منهما ينكر ما يدعيه الأخر ، فيتحالفان ، ذهب الى
هذا القول العلامة في المختلف وهو يرجع الى تقديم قول المشترى مطلقا ، حيث يكون
الاختلاف في كمية الثمن ، وقد عرفت قوته بحسب القواعد ، الا أن النص على خلافه .
تنبيهات
الأول ـ قال في
المسالك بعد الكلام في المسألة : هذا البحث كله إذا وقع
__________________
النزاع بعد قبض المشتري ، أو قبله مع بقاء عين المبيع ، أما لو وقع بعد
تلفه في يد البائع ، فإن العقد ينفسخ ، ولا يظهر للنزاع أثر ان لم يكن البائع قد
قبض الثمن ، ولو كان قبضه كان كالدين في ذمته أو الأمانة عنده ، فيقدم قوله في
قدره ، ومثله ما لو اختلفا في قدر الثمن بعد قبض البائع له والإقالة أو الفسخ بأحد
وجوهه.
أقول : ينبغي
تقييد انفساخ العقد بتلفه في يد البائع بما لو لم يحصل إقباض بالكلية ، والا فلو
تلف في يده بعد حصول الإقباض والعود اليه ثانيا ، فان الحكم فيه كما في صورة
الإقباض.
الثاني موضع
الخلاف ـ كما أشار إليه العلامة في المختلف وصرح به شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك ـ ما لو كان الثمن في الذمة ، ليمكن جريان الأقوال فيه ، فلو كان معينا
كما لو قال البائع : بعتك بهذا العبد أو بهذا الدينار فقال المشترى : بل بهذه
الأمة أو الدراهم ، فإنه يتعين التحالف قطعا ، لان كلا منهما مدع ومنكر ، وهو ضابط
التحالف ، وهذا لا يطلق عليه الاختلاف في القدر ، كما هو محل البحث.
نعم قد يتفق مع
التعيين الاختلاف في القدر أيضا ، وبه يندرج تحت البحث حينئذ ، كما لو قال : بعتك
بهذين الدينارين أو الدرهمين ، فقال : بل بأحدهما معينا ، فان الحكم فيه كالذمة ،
والأقوال المتقدمة تجري فيه.
الثالث ـ أنه
على تقدير القول المشهور من الفرق بين قيام العين وتلفها لو كانت العين باقية ،
لكنها قد انتقلت عن المشترى انتقالا لازما بالبيع ، أو العتق أو الهبة
__________________
اللازمة مثلا. فهل يكون ذلك من قبيل التلف ، أم لا؟ إشكال ينشأ من صدق
التلف بذلك ، وعدمه ، إذ المتبادر من التلف هو زوال العين عن الوجود وهنا ليس كذلك
، وان كان في حكم التلف من خروجها عن الانتقاع بالنسبة إلى المشترى.
ويمكن أن يقال
: ان النص دل على أن القول قول البائع إذا كانت العين قائمة ، والمتبادر منه
وجودها بين المتبايعين في يد أحدهما ، كما يشير اليه الخبر الثاني من قوله «أو
يتتاركا» ومفهومه حينئذ ما لم يكن موجودة في يد أحدهما ، والتعبير بالتلف انما وقع
في عبارة بعض الأصحاب ، وجعلوه مفهوما مخالفة لقوله «قائمة» بناء على حمله على
مجرد الوجود ، والظاهر منه انما هو ما ذكرناه ، فان وجودها بعد انتقالها بناقل شرعي
لازم لا يدخل تحت منطوق الخبر المذكور.
وكيف كان
فالحكم غير خال من شوب الاشكال. وكذا يجري الإشكال في الانتقال الغير اللازم
كالبيع في زمن الخيار للبائع ، والهبة قبل القبض أو بعده حيث يجوز الفسخ ، وأنه هل
يجرى مجرى التلف أم لا؟.
الثالثة ـ لو
اختلفا في تأخير الثمن وتأجيله أو في قدر الأجل في اشتراط رهن أو ضمين فالقول قول
البائع مع يمينه ، لأنه في هذه المواضع كلها منكر ، وربما قيل : بالتحالف هنا أيضا
، كما في سابق هذه المسألة ، لأن أحدهما يسند الملك الى سبب مخصوص ، والأخر ينفيه
ويسنده الى سبب آخر ، ففي الحقيقة الملك بقول أحدهما غير الملك بقول الأخر ، وكل
منهما مدع ، ومدعى عليه ، فيتحالفان ، ووجه ضعفه يعلم مما سلف ، وذلك لأنهما اتفقا
على صدور العقد ، وحصول الملك للمشتري ، والثمن للبائع ، وانما حصل النزاع في أحد
هذه الأمور الزائدة على ذلك والبائع ينكره ، فيقدم قوله في نفيه.
الرابعة ـ لو
اختلفا في المبيع ، فقال البائع : بعتك ثوبا ، فقال المشترى : بل ثوبين ، فان
القول قول البائع بيمينه ، لانه منكر لبيع الزائد ، مع اتفاقهما على أمر مشترك ،
وهو بيع الثوب الواحد.
هذا حيث لا
يكون المتنازع معينا ، والا فالحكم التحالف ، كما لو قال البائع : بعتك هذا الثوب
، وقال المشترى : بل هذين الثوبين ، مشيرا الى غير ذلك الثوب المعين ، فإنه يتعين
القول بالتحالف ، لعدم الاتفاق على شيء.
وكذا أيضا يجب
تقييد أصل المسألة بما إذا لم يختلفا في الثمن على كل من التقديرين ، لأنه حينئذ
يمكن الأخذ بالمشترك بين كلاميهما ، بخلاف ما لو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل
هذا وهذا بألفين ، فلانه لا مشترك بين كلاميهما يمكن الأخذ به ، فلا بد من التحالف
كما ذكره في التذكرة.
واعلم أن ضابط
التحالف ـ المقطوع به في كلامهم ـ ادعاء كل منهما على صاحبه ما ينفيه الأخر ، بحيث
لا يتفقان على أمر كما هنا ، ومثله ما لو اختلفا في الثمن المعين ، أو فيهما معا ،
ومثله ما لو ادعى أحدهما البيع ، والأخر الصلح.
ولو اتفقا على
أمر واحد واختلفا في وصف زائد أو قدر بحيث كانت الدعوى من طرف واحد ، كما في
المواضع التي قدمناها حلف المنكر ، وأما من أجرى التحالف في مثل تلك المواضع فقد
عرفت بطلانه ، لخروجه عن الضابطة المذكورة ، وكما يجرى ذلك في البيع فكذا في الصلح
والإجارة ونحوهما.
بقي هنا شيء
ينبغي التنبيه عليه ، وهو أنه إذا ادعى البائع : أنى بعتك هذا الثوب ، فقال
المشترى : بل هذا إشارة إلى ثوب آخر ، فان الحكم كما عرفت التحالف ، وبطلان البيع
، فإذا حلف البائع على نفى ما يدعيه المشتري بقي الثوب على ملكه ، فان كان في يده
، والا انتزعه من يد المشترى ، وإذا حلف المشترى على نفى ما يدعيه البائع ، وكان
الثوب في يده لم يكن للبائع مطالبته به ، لانه لا يدعيه ، وان كان في يد البائع لم
يكن له التصرف فيه ، لانه معترف بأنه للمشتري ، وله ثمنه في ذمته ، فان كان البائع
قد قبض الثمن رده على المشترى ، ويأخذ الثوب قصاصا ، وان لم يكن قبضه أخذ الثوب
قصاصا أيضا بذلك الثمن ، ولو زاد فهو مال لا يدعيه أحد ، كذا فصله العلامة في
التذكرة.
ولو ماتا
المتبايعان فاختلف ورثتهما ، فذهب جمع من الأصحاب الى أن القول قول ورثة البائع في
قدر المبيع ، وورثة المشترى في قدر الثمن.
أما كون القول
قول ورثة البائع في قدر المبيع فهو جار على قول مورثهم ، لان القول قوله لو كان
حيا كما تقدم.
وأما أن القول
قول ورثة المشترى في قدر الثمن مع أنه ليس كذلك في مورثهم ، لأنهم منكرون.
وذهب الأكثر
الى أن الورثة في ذلك كالمورثين فيقدم قول ورثة البائع مع بقاء السلعة ، وقول ورثة
المشترى مع تلفها ، ولو اختلف الورثة في عين الثمن أو عين المبيع فالحكم التحالف ،
كما تقدم ذكره في المتبايعين.
الفصل الخامس
في أقسام البيع
بالنسبة الى الاخبار بالثمن وعدمه ، وهو لا يخلو عن أقسام أربعة لأنه اما أن يخبر
بالثمن ، أولا ، الثاني ـ المساومة ، والأول ـ اما أن يبيع معه برأس ماله ، أو
بزيادة عليه ، أو نقيصة عنه ، والأول ـ التولية ، والثاني ـ المرابحة ، والثالث ـ المواضعة
، وزاد بعضهم قسما خامسا ، وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله ، ذكره الشهيد في
الدروس واللمعة ، ولم يذكره كثير منهم قال : والتشريك جائز ، وهو أن يجعل له نصيبا
بما يخصه من الثمن ، قال شيخنا الشهيد الثاني : وفي بعض الاخبار دلالة عليه ، وقد
يجتمع الأقسام الخمسة في عقد واحد ، بأن اشترى خمسة ثوبا بالسوية ، لكن ثمن نصيب
أحدهم عشرون ، والأخر خمسة عشر ، والثالث عشرة ، والرابع خمسة ، والخامس لم يبين ،
ثم باع من عدا الرابع نصيبهم بستين بعد اخبارهم بالحال ، والرابع شرك في حصته ، فهو
بالنسبة إلى الأول مواضعة ، والى الثاني تولية ، والثالث مرابحة ، والرابع تشريك ،
والخامس مساومة.
وعلى هذا
القياس اجتماع قسمين منها ، وثلاثة وأربعة بالتقريب المذكور.
أقول :
والمفهوم من الاخبار أن أفضل ـ هذه الأقسام ـ المساومة ، وان المرابحة مكروهة ،
فروى ثقة الإسلام في الكافي في الضعيف والشيخ في التهذيب في الصحيح ، عن محمد بن
مسلم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : انى أكره بيع عشرة بإحدى عشرة ، وعشرة باثني عشرة ،
ونحو ذلك من البيع ولكن أبيعك كذا وكذا مساومة ، قال : وأتاني متاع من مصر ، فكرهت
أن أبيعه كذلك وعظم على فبعته مساومة». وعن جراح المدائني قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام): انى اكره بيع ده يازده وده دوازده ، ولكن أبيعك بكذا
وكذا» ،. وروى في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قدم لأبي متاع من مصر فصنع طعاما ودعى له
التجار ، فقالوا له نأخذ منك بده دوازده فقال لهم أبى : وكم يكون ذلك؟ قالوا في
عشرة آلاف ألفين ، فقال لهم : أبي اني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا فباعهم
مساومة».
وروى في الفقيه
عن عبيد الله الحلبي ومحمد الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال «قدم لأبي متاع» الحديث. الا أنه لم يذكره «فباعهم
مساومة» وعلل استحباب المساومة زيادة على ما ورد في النصوص المذكورة بأن فيه سلامة
عن الاخبار بالكذب ، إذ قد يقع المخبر في الكذب ، وصعوبة أداء الامانة ، والبعد عن
مشابهة الربا.
أقول : ويعضده
ما يأتي في شروط المرابحة من كثرة المفاسد فيها ، ويدل
__________________
على جواز المرابحة صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح عن العلاء قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يبيع الرجل البيع فيقول أبيعك بده دوازده أو
ده يازده فقال : لا بأس إنما هذه المراوضة ، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة.».
ورواه الحميري
في قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن العلاء مثله ، الا انه قال : «لا بأس انما هو البيع
يجعله جملة واحدة».
أقول : يعنى
يجعل الانتفاع ورأس المال جملة واحدة في حال البيع ، والمراوضة انما هي قبل البيع
، وفيه إشارة إلى الكراهة في حال البيع ، كما تقدم بأن يقول : أبيعك بكذا أو ربح
كذا.
وأظهر منهما في
الجواز أيضا ما رواه الشيخ عن على بن سعيد «قال سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يبتاع ثوبا فيطلب منه مرابحة ، ترى ببيع
المرابحة بأسا إذا صدق في المرابحة ، وسمى ربحا دانقين أو نصف درهم فقال : لا بأس»
الحديث.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الكلام هنا يقع في موضعين ، الأول في العبارة إما بالنسبة إلى المساومة
فهي البيع بما يتفقان عليه ، من غير تعرض لذكر الثمن ، سواء علمه المشتري أو لم
يعلمه ، وهو أفضل الأقسام كما عرفت ، وأما المرابحة فيجب فيها علم المتعاقدين برأس
المال ، والربح والغرم والمؤن إن ضمها ، ويجب على البائع الصدق في الثمن ، والمؤن
وما طرء من موجب النقص والأجل وغيره ، فان لم يحدث فيه زيادة ، قال : اشتريته بكذا
، أو تقوم على بكذا ، وان زاد بفعله من غير غرامة مالية أخبر بذلك ، بأن يقول :
اشتريته بكذا ، وعملت فيه عملا يساوي كذا ،
__________________
وان كانت الزيادة باستئجار عليه فيقول : تقوم علي بكذا أو اشتريت بكذا
واستأجرت بكذا ، وان طرء فيه عيب ذكره.
ولا بد من ذكر
الجنس والصرف والوزن ان تعددت النقود ، واختلف صرفها ووزنها ، كما لو كان صرف بعض
الدنانير عشرة دراهم ، وبعضها أكثر أو أقل ، وكذا الوزن ، وأما لو اتحد النقد لم
يفتقر الى ذلك.
وبالجملة فلا
بد من الاخبار بالثمن ، وكلما تجدد مما يوجب زيادة أو نقيصة واضافة ما ينفقان من
الربح اليه .
وأما التولية
فهو أن يعطيه المتاع برأس ماله ، من غير زيادة فيقول : وليتك أو بعتك أو ما يشاكل
ذلك من الألفاظ الدالة على النقل ، لكن ان وقع العقد بلفظ بعتك ونحوه من الألفاظ
الدالة على مطلق البيع ، فيكون المفعول الثمن ، أو ما قام علي ونحو ذلك مما لا
يتضمن الزيادة على ما أنفقه ، وان وقع بلفظ وليتك فليكن مفعوله
__________________
العقد ، ويقتصر على ذلك ، وإذا قبل لزمه مثله جنسا وقدرا وصفة ، ولو قال :
وليتك السلعة بكذا وكذا احتمل الاجزاء كما ذكره في الدروس.
وأما المواضعة
فهي كالمرابحة في الاخبار بالثمن ، ونحوه مما زاد أو نقص حسبما تقدم ، الا أنها
بنقيصة معلومة ، فيقول : بعتك بما اشتريته أو تقوم علي ووضيعة كذا.
وأما التشريك
فهو أن يقول : شركتك بالتضعيف بنصفه بنسبة ما اشتريت مع علمهما بقدره ، ولو قال :
أشركتك بالنصف فكذلك ، ولزمه مثل نصف الثمن ، أما لو قال : أشركتك في النصف فإنما
له الربع ، الا أن يقول : بنصف الثمن ، فيتعين النصف ، ولو لم يبين الحصة وانما
قال : في شيء منه ، أو أطلق بطل للجهل بالمبيع ، واحتمل بعضهم حمل الثاني على
التنصيف ، والتشريك ـ في الحقيقة ـ عبارة عن بيع الجزء المشاع برأس ماله ، الا أنه
يختص عن مطلق البيع بصحته بلفظ التشريك.
الثاني ـ في
الأحكام : وفيه مسائل.
الاولى ـ لو
اشترى جملة لم يجز له بيع بعضها مرابحة وان قوم كلا منها بقيمة الا أن يخبر بالحال
، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال سألته عن الرجل يشترى المتاع جميعا بالثمن ، ثم
يقوم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله جميعا أيبيعه مرابحة؟ قال : لا حتى
يبين له أنه انما قومه».
وروى في الكافي
والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام)
__________________
«في الرجل يشترى المتاع جميعا بثمن ثم يقوم كل ثوب بما يسوى ، حتى يقع على
رأس ماله جميعا يبيعه مرابحة ثوبا ثوبا؟ قال : لا حتى يبين له انما قومه».
وعلل أيضا بأن
المبيع المقابل بالثمن هو المجموع ، لا الافراد ، وان تقوم بها وقسط الثمن عليها
في بعض الموارد كما لو تلف بعضها ، أو ظهر مستحقا.
والمشهور أنه
لا فرق في ذلك بين تماثل اجزاء تلك الجملة أو اختلافها ، خلافا لابن الجنيد على ما
نقل عنه من الجواز في المتماثلة ، كقفيز من حنطة ، وضعفه ظاهر ، وربما أشعر ظاهر
الخبرين المذكورين بصحة البيع كذلك مرابحة ، وهو ظاهر إطلاق جملة من العبارات ،
كما عبرنا به في صدر المسألة جريا على كلامهم.
الا أن الظاهر
كما صرح به جملة من محققي المتأخرين أنه وان كان البيع كذلك صحيحا الا أنه ليس من
قبيل المرابحة ، وان جاز إطلاقها عليه مجازا لكونه بصورة المرابحة.
الثانية ـ إذا
اشترى نسيئة ثم باعه ولم يخبر بالأصل قال الشيخ في النهاية : كان للمبتاع من الأجل
مثل ماله ، وبه قال : ابن البراج وابن حمزة ، وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد ،
فإنه قال : ومن باع مرابحة كان للمشتري من النظرة وغيرها في الثمن ما كان للبائع
عند الشراء ، وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إذا اشترى سلعة بمائة إلى سنة ، ثم
باعها في الحال مرابحة وأخبر أن ثمنها ماءه فالبيع صحيح بلا خلاف ، فإذا علم
المشترى بذلك كان بالخيار بين أن يقبضه بالثمن حالا ، أو يرده بالعيب ، لانه تدليس
، وهو اختيار ابن إدريس ، وهذا هو المشهور في كلام المتأخرين عن العلامة ومن تأخر
عنه ، نظرا الى ان مقتضى القواعد في مثله ذلك.
ويدل على الأول
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن هشام بن الحكم
__________________
في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يشترى المتاع إلى أجل فقال : ليس له أن
يبيعه مرابحة الا إلى الأجل الذي اشتراه إليه ، فإن باعه مرابحة ولم يخبره كان
للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن أبى محمد الوابشي وهو مجهول قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى من رجل متاعا بتأخير إلى سنة ، ثم باعه
من رجل آخر مرابحة ، إله أن يأخذ منه ثمنه حالا والربح؟ قال : ليس عليه الا مثل
الذي اشترى ، ان كان نقد شيئا فله مثل ما نقد ، وان كان لم يكن نقد شيئا فالمال
عليه إلى الأجل الذي اشتراه».
وما رواه المشايخ
الثلاثة (عطر الله مراقدهم عن ميسر بياع الزطي قال : «قلت : لأبي عبد الله (عليهالسلام) انا نشتري المتاع بنظرة فيجيء الرجل فيقول : بكم تقوم
عليك؟ فأقول : بكذا وكذا فأبيعه بربح ، فقال : إذا بعته مرابحة كان له من النظرة
مثل مالك ، قال : فاسترجعت وقلت : هلكنا» ، الحديث. وأجاب العلامة في المختلف عن
هذه الاخبار قال : والجواب أنها محمول على ما إذا باعه بمثل ما اشتراه وأخفى عنه
النسيئة ولم يشترط النقد ، فإنه والحال هذه يكون له من الأجل مثل ما كان للبائع
على اشكال. انتهى.
ومرجعه إلى أنه
مع عدم ذكره النسيئة وقت البيع ، فاما أن يذكر الحلول ، أو يشترط النقد ، وان كان
إطلاق العقد كما تقدم انما ينصرف الى ذلك أولا ، وعلى الأول فالحكم ما ذكره
المتأخرون من التخيير في المقام ، وعلى الثاني يحمل الاخبار.
__________________
وظاهر المحقق
الأردبيلي الميل الى ذلك أيضا ، وحينئذ يكون هذا قولا ثالثا في المسألة ، وأنت خبير
بما في هذا التفصيل من البعد ، أما أولا فلأنه متى كان إطلاق العقد انما ينصرف الى
الحلول والنقد فذكره في اللفظ لا يزيد الا على مجرد التأكيد ، فكيف يترتب عليه حكم
بخصوصه.
وأما ثانيا ـ فلان
إطلاق الاخبار شامل للصورتين ، وتخصيصها يحتاج الى دليل ، ومجرد ما ادعوه من قاعدة
العيب – وأنها تقتضي التخيير وهذا من قبيله ـ يمكن تخصيصها بهذه الاخبار ،
واستثناء هذا الجزئي من القاعدة ، على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا دليل على ما
ادعوه من الخيار في العيب ، زيادة على الإجماع كما تقدم تحقيقه وبالجملة فالظاهر
عندي هو العمل بالأخبار المذكورة.
بقي الكلام في
تتمة الرواية الثالثة التي طوينا نقلها آنفا وهي قول الراوي «قلت : فاسترجعت وقلت
: هلكنا ، فقال : لم ، قال : قلت : لان ما في الأرض ثوب أبيعه مرابحة فيشترى متى
ولو وضعت من رأس المال حتى أقول تقوم بكذا وكذا قال : فلما رأى ما شق على قال :
أفلا أفتح لك بابا يكون لك فيه فرج؟ قلت : بلى قال : قل : قام علي بكذا وكذا
وأبيعك بزيادة كذا وكذا ولا تقل بربح». هكذا في رواية صاحب الفقيه ، وفي غيره قال
: قلت : لان ما في الأرض من ثوب «إلا» أبيعه مرابحة يشترى ولو وضعت من رأس المال
حتى أقول تقوم بكذا وكذا» وأبيعك بكذا وكذا الى آخر ما تقدم ، ولا يخفى ما في هذه
العبارة من الاختلال ، وعدم ظهور معنى مستقيم ، وما ذكر في إصلاحها لا يخلو من
تكلف بعيد عن الظاهر.
وأنت خبير بأن
ظاهره تخصيص بيع المرابحة بأن يقول : بربح كذا ، وأما لو قال بزيادة كذا بعد الاخبار
برأس المال فليس مرابحة ، بل مساومة ، والظاهر أنه لا قائل به ، إذ لا فرق بين
اللفظين في كون البيع مرابحة ، كما يدل عليه الاخبار وكلام الأصحاب ، ويشكل العدول
به عن ظواهر غيره من الاخبار ، والله العالم.
الثالثة قال
الشيخ في النهاية : لا يجوز أن يبيع الإنسان مرابحة بالنسبة إلى أصل المال ، بأن
يقول أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين بل يقول بدلا من ذلك : هذا المتاع
تقوم علي بكذا أو أبيعك إياه بكذا ، بما أراده ، وكذا قال الشيخ المفيد.
وقال سلار : لا
يصح لو قال : بعتك هذا بربح العشرة واحدا أو أكثر بالنسبة.
وقال أبو
الصلاح : لا يجوز بيع المرابحة بالنسبة إلى الثمن كقوله : أربح عليك في كل عشرة
دراهم من ثمنه درهما ، وانما يصح بيع المرابحة بأن يخبر بجملة الثمن ، ويربح في
عين المبيع.
وقال ابن
البراج : لا يجوز في بيع المرابحة حمل الربح على المال ، مثل أبيعك هذا المتاع بكل
عشرة منه واحدا أو اثنين ، بل يحمل الربح على المتاع.
وقال في
المبسوط : يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال ، وليس بحرام ، وان باع كذلك
كان البيع صحيحا ، وكذا قال في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس ، والعلامة ومن تأخر
عنه.
أقول : منشأ
هذه الأقوال الاختلاف في الاخبار المتقدمة في صدر الفصل ، الدالة على النهي عن
نسبة الربح الى المبيع أو الثمن ، والمراد بنسبته إليه إضافته اليه اما بواسطة حرف
الجر ، مثل والربح فيه ، أو بغير واسطته مثل وربحه كذا ، وظاهر الاخبار المتقدمة
باعتبار ضم بعضها الى بعض انما هو الكراهة ، قيل : لانه يشبه الربا.
والظاهر عندي
منها انما هو كراهة البيع مرابحة ، وأن الأفضل بيع المساومة ، كما يفهم من صحيح
الحلبي أو حسنة المتقدم ، لا من حيث ضم الربح الى المبيع أو رأس المال كما ذكروه ،
فان عدوله (عليهالسلام) الى البيع مساومة دون الفرد الأخر من المرابحة ، ـ مما
يشير الى ما ذكرناه ، وكذلك صحيح محمد بن مسلم المتقدم ، فإن ضيقه (عليهالسلام) انما هو من بيع المرابحة مطلقا ، لا من خصوص
ذلك النوع ، ولهذا عدل إلى المساومة.
الرابعة لو باع
مرابحة فظهر أن رأس ماله كان أنقص ، فالمشهور أن للمشتري الخيار بين رده وبين أخذه
بالثمن ، وقيل : انه يأخذه بإسقاط الزيادة ، ورجح الأول بأنه الثمن الذي وقع عليه
العقد ، فلا يثبت غيره ، وثبوت الكذب في الاخبار ينجبر بلحوق الخيار.
والمسألة غير
منصوصة فيما أعلم ، الا أن الأقرب هو القول المشهور ، لما ذكر ، ولأصالة الصحة ،
وظهور الكذب لا يوجب بطلان البيع ، ولا نقص الثمن بعد وقوع التراضي به والعقد عليه
، وغاية ما يوجبه الإثم للخيانة ، والجبر بالخيار.
وصرح بعضهم
بثبوت الخيار وان انتقل المبيع من المشترى أو تلف في يده؟ قال : والأقوى أن بقاءه
على ملك المشتري غير شرط في الخيار ، فله الفسخ مع تلفه ، أو خروجه عن ملكه مع رد
مثله أو قيمته ، لأصالة بقاء الخيار.
وعلى القول
بإسقاط الزيادة يسقط ربحها ايضا ، ولا خيار له ، لانه قد رضي بالأكثر ، فأولى أن
يرضى بالأقل.
وربما احتمل
ثبوت الخيار ايضا لغروره وكذبه وقد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ ، لأبرار
قسم ، أو انعقاد وصية ، أو نحو ذلك ، ولو قال : اشتريته بأكثر لم يقبل منه ، لان
قوله الثاني مناف للأول ، لتكذيبه نفسه بالإقرار الأول ، ومثل ذلك غير مسموع شرعا
والا لم يتم أكثر الإقرارات فيلغو حينئذ قيل : ولو اقام بينة على ادعاء الأكثر لم
تقبل ، لانه كذبها بإقراره الأول .
__________________
وفيه على
إطلاقه اشكال لجواز الغلط في الاخبار الأول ، أو الاستناد الى اخبار وكيله مثلا ،
كان يقول أخبرني وكيلى انه شراه بكذا ، أو ورد على خط بذلك ثم يظهر خلافه ، فإنه
يتجه قبول قوله ان أظهر لإنكاره تأويلا محتملا ، بمعنى سماع بينته عليه ، ولو ادعى
على المشترى العلم بكون الثمن زائدا ، توجهت عليه اليمين بنفيه ، سواء ادعى الغلط
أم لا ، وربما قيل بسماع دعواه مطلقا ، نظرا إلى إمكان الغلط ، ونفى عنه البأس في
المسالك.
الخامسة ـ إذا
دفع الى الدلال متاعا وقومه عليه بقيمة ولم يواجبه البيع لم يجز للدلال بيعه
مرابحة إلا بعد الاخبار بصورة الحال ، سواء كان ما قومه عليه يربح فيه أم لا ،
والوجه فيه ظاهر ، مما تقدم في المسألة الاولى ، والاخبار بصورة الحال لا يوجب
كونه مرابحة كما تقدم تحقيقه ثمة ، وان كان بصورة المرابحة ، ولهذا لا يجب على
التاجر الوفاء بالربح له ، لانه ليس بيع مرابحة.
والمشهور ان
للدلال اجرة المثل سواء كان التاجر دعاه أو الدلال ابتدأه ، وانما كان له الأجرة
في الصورتين ، لانتفاء البيع فيهما مع كونه مأمورا بعمل له أجرة بحسب العادة ،
وإذا فات الشرط رجع الى أجرة المثل.
ونقل عن
الشيخين (عطر الله مرقدهما) إنهما أثبتا للدلال ما زاد على ما عين له من القيمة في
صورة ابتداء التاجر ، وان لم يزد لم يكن له شيء ، واما في صورة ابتداء
__________________
الدلال والتماسه ذلك فإنهما جعلا له أجرة المثل ، وتبعهما القاضي.
أقول : قال
الشيخ في النهاية : وإذا قوم التاجر متاعا على الواسطة بشيء معلوم ، وقال له :
بعه فما زدت على رأس المال فهو لك ، والقيمة لي كان جائزا وان لم يواجبه البيع ،
فان باع الواسطة المال بزيادة ، على ما قوم عليه كان له ، وان باعه برأس المال لم
يكن على التاجر شيء وان باعه بأقل من ذلك كان ضامنا لتمام القيمة ، ثم قال : ومتى
أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه فلا يجوز له أن يبيعه مرابحة ولا يذكر الفضل على
القيمة في الشراء.
وقال ابن إدريس
بعد نقل كلام الشيخ المذكور : وما أورده شيخنا غير واضح ، ولا مستقيم على أصول
مذهبنا ، لان هذا جميعه لا بيع مرابحة ، ولا اجارة ، ولا جعالة محققة ، فإذا باع
الواسطة بزيادة على ما قوم عليه لم يكن للواسطة في الزيادة شيء ، لأنها من جملة
ثمن المتاع ، والمتاع للتاجر ما انتقل عن ملكه بحال ، وللواسطة أجرة المثل ، لانه
لم يسلم له العوض فيرجع الى المعوض ، وكذلك ان باع برأس ماله ، فان باعه بأقل مما
أمره به كان البيع باطلا ، وقوله متى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه لا يجوز له
أن يبيعه مرابحة ، ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.
قال محمد بن
إدريس : وأى شراء بين التاجر والواسطة حتى يخبر بالثمن ، وليس هذا موضع بيع
المرابحة في الشريعة بغير خلاف ، وانما أورد أخبار الآحاد في هذا الكتاب إيرادا لا
اعتقادا على ما وردت به ألفاظها صحيحة كانت أو فاسدة ، على ما ذكره واعتذر به في
خطبة مبسوطة انتهى.
__________________
أقول : ومما
يدل على ما ذكره الشيخان من الاخبار التي طعن فيها هنا بأنها من الآحاد ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، «انه قال في رجل قال لرجل : بع ثوبي هذا بعشرة دراهم
فما فضل فهو لك فقال : ليس به بأس».
ورواه الكليني
في الصحيح أو الحسن مثله.
وعن زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) «ما تقول في رجل يعطى المتاع فيقول : ما ازددت على كذا
وكذا فهو لك ، فقال : لا بأس».
وعن سماعة عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «أنه سئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق ، وقد قوموا
عليه قيمة ، ويقولون بع فما ازددت فلك؟ فقال : لا بأس بذلك ولكن لا يبيعهم مرابحة».
ورواه الكليني والصدوق مثله.
وعن زرارة في
الموثق عن أبى جعفر عليهالسلام قال : ««سألته عن الرجل يعطى المتاع فيقال له : ما
ازددت على كذا وكذا فهو لك؟ فقال : لا بأس».
وجملة من تأخر
من الأصحاب تأولوا هذه الاخبار بالحمل على الجعالة ، فيلزم ما عينه لذلك ، قالوا
ولا يقدح فيها الجهالة كما اعترض به ابن إدريس على كلام الشيخ ، لأن الجهالة في
مال الجعالة إذا لم يؤد الى النزاع غير قادح كما سيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في
بابه.
أقول : ومن
المحتمل قريبا خروج هذه الاخبار مخرج وجوب الوفاء بالوعد ، كما دلت عليه الآية
والرواية ، فيجب الوفاء به وفيه تأكيد لما ذكره الأصحاب ، وبه يضعف ما ذكره ابن
إدريس من كون الزيادة للتاجر ، وانما للدلال أجرة المثل.
__________________
ثم ان الشيخ في
النهاية قال على أثر العبارة المتقدمة : فإذا قال الواسطة للتاجر : خبرني بثمن هذا
المتاع واربح علي فيه كذا وكذا ففعل التاجر ذلك غير انه لم يواجبه البيع ، ولا ضمن
هو الثمن ثم باع الواسطة بزيادة على رأس المال والثمن ، كان ذلك للتاجر ، وله أجرة
المثل لا أكثر من ذلك ، وان كان قد ضمن الثمن كان له ما زاد من الربح ، ولم يكن
للتاجر أكثر من رأس المال الذي قرره معه انتهى.
والأصحاب (رضوان
الله عليهم) قد حملوا ذلك على أن التاجر لم يعين له شيئا ـ كما في الصورة الاولى ـ
ولم يعقب كلام الدلال بما يدل على الرضا بما ذكره الدلال ، بل سكت عن ذلك ، والا
فلو عقب كلام الدلال بما يدل على الرضا بما قاله وعينه ، كان كما لو ابتدأه ، كما
لو قال لمن ذهب عبده : أرد عليك عبدك على أن لي نصفه أو ثيابه ابتداء منه ، فقال
المولى : نعم لك ذلك ، فإنه يستحقق ما عينه له.
وبالجملة فإنه
في هذه الصورة لا بيع ولا جعالة ، فلهذا وجب على التاجر أجرة المثل للدلال وعلى
هذا يتم ويجتمع كلام الشيخ مع كلام الأصحاب والروايات الواردة في الباب من غير
منافاة في المقام.
السادسة : إذا
قال : بعتك بمائة مواضعة العشرة درهما ، قال في المبسوط : يكون الثمن تسعين ، وقال
في الخلاف اختلف الناس فيها ، فقال أبو حنيفة والشافعي : تسعون وعشرة أجزاء من أحد
عشر جزء من درهم ، وقال أبو ثور : تسعون ، ثم قال : دليلنا ـ ما ذكره حذاق العلماء
وهو أن البيع مرابحة ومواضعة ، فان باعه مرابحة ، ربح درهم على كل عشرة كان مبلغ
الثمن مائة وعشرة وكان قدر الربح جزء من أحد عشر جزء من الثمن ، وجب أن يكون
المواضعة حط جزء من أحد عشر جز عن الثمن ، وإذا كان مائة حطت منه جزا من أحد عشر
جزء ، ينحط تسعه ، من تسعه وتسعين ، ويبقى درهم ينحط منه جزء من أحد عشر.
وقيل : فيه
أيضا : وقوله : وضيعة درهم من كل عشرة ، معناه يوضع من كل عشرة ، يبقى لي درهم من
أصل رأس المال ، وتقديره وضيعة درهم بعد كل عشرة ، فيكون الثمن أحد وتسعون الا جزا
من أحد عشر جزء من درهم.
قالوا : إذا
أرادت مبلغ الثمن في ذلك فعقد الباب فيه أن تضيف الوضيعة الى رأس المال ، ثم تنظر
كم قدرها ، فما اجتمع فأسقط ذلك القدر من رأس المال ، وهو الثمن.
وبابه إذا قال
: رأس المال عشرون بعتكها برأس مالي مواضعة العشرة درهمان ونصف ، فتضيف الى
العشرين قدر الوضيعة ، وهو خمسه دراهم فيصير خمسة وعشرين ، فينظر كم خمسة ، من
خمسة وعشرين ، فإذا هو خمسها ، فيسقط من رأس المال وهو عشرون الخمس أربعة تبقى ست
عشرة.
ثم قال : وقول
أبى ثور أقوى عندي ، لأنه إذا قال : مواضعة عشرة واحد ، أضاف المواضعة الى رأس
المال ، فرأس المال مائة فيجب فيه عشرة فيبقى تسعون ، ولم يضفه الى ما يبقى في يده
، ولو قال ذلك لكان الأمر على ما قاله ، وأما حمل الوضيعة على الربح واضافة ذلك
الى أصله فهو قياس ، ونحن لا نقول به ، انتهى وفيه عدول ـ عما قاله في صدر كلامه ـ
الى ما اختاره في المبسوط.
والأصحاب (رضوان
الله عليهم) قد اختلفوا أيضا في ذلك كما اختلف العامة وتفصيل الكلام في ذلك بوجه أوضح أنه ذلك قال : بعتك
بمأة ووضيعة درهم من كل عشرة ، فقيل : بأن الثمن تسعون ، لان الوضع من نفس العشرة
يقتضي ذلك ، حملا «لمن» على الظاهر من التبعيض ، وقيل : بأن الثمن أحد وتسعون
__________________
إلا جزأ من أحد عشر جزء من درهم ، حملا «لمن» على ابتداء الغاية ، ويكون
التقدير من كل عشرة تسلم لي ، ومثله ما لو قال : لكل عشرة درهم ، ووجهه أن الوضيعة
للعشرة غير العشرة ، كما أن الربح في العشرة زائدا على العشرة ، فهو بمنزلة ما لو
قال : من كل أحد عشر واحد.
وربما قيل هنا
أيضا ببطلان العقد ، لتكافى الاحتمالين الموجب لجهالة الثمن وتردده بين القدرين
المذكورين ، وربما رجح الأول بما قدمنا ذكره ، من أن وضيعة العشرة لا يكون من نفس
العشرة دون ما عداها ، لان الموضوع من جنس الموضوع منه ، فيكون الإضافة بمعنى من
التبعيضية ، وربما رجح الثاني بما تقدم في صدر كلام الشيخ من أن المواضعة على حد
المرابحة ، للتقابل بينهما ، فكما اقتضت المرابحة المعنى الثاني فكذا المواضعة ،
ويضعف المرجح الأول ـ بأن اللفظ لا بد فيه من تقدير ، وكلا التقديرين محتمل ـ والثاني
بمنع الملازمة ، وقيام الاحتمال ان لم تدل قرينة على أحدهما ، واعترض شيخنا الشهيد
الثاني على الأصحاب ـ في هذا المقام وما وقع لهم من الاختلاف والنقض والإبرام ـ بأن
المراد من الجنس الذي يكون الإضافة المعنوية فيه بمعنى من ، أن يكون المضاف جزئيا
من جزئيات المضاف اليه ، بحيث يصح إطلاقه على المضاف وعلى غيره أيضا ، والاخبار به
عنه ، كخاتم فضة ، وباب ساج لا جزا من كل ، حيث لا يصح إطلاقه كبعض القوم ، ويد
زيد ، فإنك ترديد بالقوم الكل ، والكل لا يطلق على البعض ، وكذا القول في يد زيد ،
والحاصل أن (من) التي تتضمنهما الإضافة هي التبيينية ، لا التبعيضية ، كما في خاتم
فضة وأربعة دراهم ، وشرط (من) التبيينية أن يصح إطلاق المجرور بها على المبين ،
كما في قوله تعالى «فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ»
وقد صرح بهذا
التحقيق الشيخ رضى ، وابن هشام ، وناهيك بهما ، وحينئذ فينبغي القول بحمل الإضافة
في المسألتين على معنى (من) رأسا ، لأن الموضوع المضاف بعض العشرة ، ولا يصح
الاخبار به عنه ، فيتعين كونها بمعنى اللام.
__________________
نعم يمكن مع
ذلك كون الوضيعة من نفس العشرة ، كما يستفاد ذلك من إضافته إلى الثمن. انتهى كلامه
(قدسسره).
وناقشه في ذلك
المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بما يطول ذكره ، مما ليس في التعرض له كثير فائدة
، والغرض من نقل كلامهم في المقام ليس إلا بيان أنه لا يجوز الرجوع الى التعليلات
العقلية في الأحكام ، لعدم انضباطها ووقوفها على حد ، لاختلاف الافهام ، والمسألة
عارية من النص ولا يبعد القول فيها بالبطلان لما عرفت من الاحتمالات المؤدية إلى
الجهالة. والله العالم.
الفصل السادس في الربا
وهو لغة
الزيادة قال الله تعالى «فَلا يَرْبُوا عِنْدَ
اللهِ» وشرعا على ما ذكروه بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل
أو الوزن بالاخر مع الزيادة في أحدهما حقيقة أو حكما ، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وان لم يكونا
مقدرين بهما ، إذا لم يكن الباذل للزيادة حربيا ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده
، ولا زوجا مع زوجته ، وعلى تقدير القول بثبوته في كل معاوضة يبدل البيع بالمعاوضة
على أحد المتماثلين الى آخر ما تقدم ، وتحريمه ثابت بالكتاب ، والسنة ، والإجماع
قال الله تعالى عزوجل «أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا»
وقال «يَمْحَقُ اللهُ
الرِّبا
__________________
وَيُرْبِي
الصَّدَقاتِ» وقال
«الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ»
وروى الصدوق في
الفقيه في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال درهم ربا أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات
محرم» ورواه الشيخ في الصحيح عن هشام مثله الا انه ترك (عند الله).
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده فيه سواء».
وعن ابن بكير
في الموثق قال : «بلغ أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبأ فقال : لأن
أمكنني الله عزوجل منه لا ضربن عنقه».
وعن سعد بن
طريف عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «أخبث المكاسب كسب الربا».
وروى في الفقيه
عن أبى بصير عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «درهم ربا أشد من ثلاثين زنية كلها بذات محرم
مثل خالة وعمة».
وروى في الفقيه
والتهذيب مسندا في الثاني ومرسلا في الأول عن علي (عليهالسلام) قال : «لعن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الربا وآكله ومؤكله
__________________
وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه». الى غير ذلك من الاخبار.
أقول : لا خلاف
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التحريم مع العلم ، وعليه حملت الأخبار
المذكورة ، وكذلك لا خلاف في العذر مع الجهل ، كما رواه في الكافي في الصحيح عن
هشام بن سالم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال
، قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا ، فإذا أصابه متعمدا فهو بالمنزلة التي قال الله
عزوجل». ونحوها صحيحة الحلبي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم
إذا عرف منهم التوبة». وعلى ذلك أيضا يدل الآية الشريفة أعني قوله سبحانه «فَلَهُ ما سَلَفَ»
انما الخلاف في
وجوب رد ما أخذه حال الجهالة بالتحريم إذا علم بعد ذلك ، فذهب الشيخ في النهاية
والصدوق في المقنع ـ على ما نقله في المختلف ـ الى العدم.
قال في المختلف
: ورواه الصدوق في الفقيه ، ثم نقل عن ابن الجنيد أنه قال : ومن اشتبه عليه الربا
لم يكن له ان يقدم عليه الا بعد اليقين بأن ما يدخل فيه حلال ، فان قلد غيره أو
استدل فأخطأ ثم تبين له ان ذلك ربما لا يحل ، فان كان معروفا رده على صاحبه ، وتاب
الى الله تعالى وان اختلط بماله حتى لا يعرفه ، أو ورث مالا يعلم أن صاحبه كان
يربى ، ولا يعلم الربا بعينه ، فيعزله جاز له أكله ، والتصرف إذا لم يعلم فيه
الربا .
__________________
وقال ابن إدريس
في السرائر : قال شيخنا في نهايته : فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك
محظورا فليستغفر الله تعالى في المستقبل ، وليس عليه فيما مضى شيء ، ومتى علم أن
ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من ذلك محرم عليه ، ويجب رده على صاحبه.
قال محمد بن
إدريس : قول شيخنا رحمهالله ـ فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم ان ذلك محظورا
فليستغفر الله في المستقبل ، وليس عليه فيما مضى شيء المراد بذلك ليس عليه شيء
من العقاب بعد استغفاره ، لا أن المراد بذلك أنه ليس عليه شيء من رد المال الحرام
، بل يجب عليه رده على صاحبه ، لقوله تعالى «وَإِنْ تُبْتُمْ
فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ»
فأما قوله «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ
مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ»
المراد به ـ والله
أعلم ـ فله ما سلف من العذر وغفران الذنب ، وحق القديم سبحانه بعد انتهائه وتوبته
، لأن إسقاط الذنب عند التوبة تفضل عندنا ، بخلاف ما يذهب إليه المعتزلة.
وقيل في
التفسير ـ ذكره شيخنا في التبيان وغيره من المفسرين ـ أن المراد بذلك ما كان في
الجاهلية من الربا بينهم ، فقال «فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ»
فأما ما يجرى
من المسلم فيجب رده على صاحبه ، سواء كان جاهلا لحاله غير عالم انه محرم أو كان
عالما بذلك ، فإنه يجب رد الربا على من أربى عليه من المسلمين جميعا ، فلا يظن ظان
ولا يتوهم متوهم على شيخنا فيما قال غير ما حررناه. انتهى.
والى هذا القول
ذهب العلامة في المختلف أيضا ، قال : لأنها معاوضة باطلة ، فلا ينتقل بها الملك
كغيرها من المعاوضات ، واحتج للشيخ بالآية اعنى قوله سبحانه «فَلَهُ ما سَلَفَ».
__________________
وما رواه ابن
بابويه عن الباقر (عليهالسلام) قال : «قال : رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد وضع ما مضى من الربا وحرم ما بقي ، فمن جهله وسعه
جهله حتى يعرفه».
وعن الصادق (عليهالسلام) «كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم ـ إذا عرف منهم ـ التوبة».
ثم أجاب عن الجميع بالعود الى الذنب بمعنى سقوطه عنهم بالتوبة ، أو ما كان في زمن
الجاهلية.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار ما رواه المشايخ الثلاثة ، (عطر الله مراقدهم ،) في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي الا أنه في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام)» كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم
إذا عرف منهم التوبة ، وقال : «لو أن رجلا ورث من أبيه ما لا وقد عرف أنه في ذلك
المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره حلال كان حلالا طيبا فليأكله ، وان عرف
منه شيئا معزولا انه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا». وزاد في الكافي والفقيه «وأيما
رجل أفاد مالا كثيرا فيه من الربا فجهل ذلك. ثم عرفه بعد ، فأراد أن ينزعه فيما
مضى فله ، ويدعه فيما يستأنف».
وما رواه في الكافي
والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «أتى رجل أبى فقال : انى ورثت مالا وقد علمت أن
صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربو وقد عرفت أن فيه ربا واستيقن ذلك ، وليس
__________________
يطيب لي حلاله ، لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز
فقالوا : لا يحل أكله من أجل ما فيه ، فقال أبو جعفر (عليهالسلام) : ان كنت تعلم أن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله ،
فخذ رأس مالك ، ورد ما سوى ذلك ، وان كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك ،
واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي ، فمن جهله
وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا
ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا».
وما رواه في
الكافي عن أبى الربيع الشامي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أربا بجهالة ، ثم أراد أن يتركه ، فقال : أماما
مضى فله ، وليتركه فيما يستقبل ، ثم قال : ان رجلا أتى أبا جعفر (عليهالسلام) فقال : انى قد ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه كان يربو ،
وقد سألت فقهاء أهل العراق وفقهاء أهل الحجاز ، فذكروا أنه لا يحل أكله فقال أبو
جعفر (عليهالسلام) : ان كنت تعرف منه شيئا معزولا وتعرف أهله وتعرف أنه
ربا فخذ رأس مالك ، ودع ما سواه ، وان كان المال قد اختلط فكله هنيئا مريئا ، فان
المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبك فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد وضع ما مضى من الربا فمن جهله وسعه أكله فإذا عرفه
حرم عليه أكله ، فإن أكله بعد المعرفة وجب عليه ما وجب على آكل الربا».
ورواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب نحوه.
__________________
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «دخل رجل على أبى جعفر (عليهالسلام) من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم انه سأل
الفقهاء فقالوا : ليس يقبل منك شيء الا أن ترده إلى أصحابه ، فجاء الى أبى جعفر (عليهالسلام) فقص عليه قصته فقال له أبو جعفر (عليهالسلام) : مخرجك من كتاب الله عزوجل «فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ»
والموعظة
التوبة».
وما رواه أحمد
ابن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه على ما نقله في الوسائل قال : «ان رجلا أربا
دهرا من الدهر فخرج قاصدا الى أبى جعفر (عليهالسلام) يعنى الجواد (عليهالسلام) فقال له : مخرجك من كتاب الله يقول الله «فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ»
والموعظة هي
التوبة فجهله بتحريمه ثم معرفته به فما مضى فحلال ، وما بقي فليستحفظ».
وما ذكره الرضا
عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي على ما نقله في كتاب بحار الأنوار
قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما خلق الله حلالا ولا حراما الا وله حد كحدود الدار
، فما كان من حدود الدار فهو من الدار حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف
الجلدة ، وان رجلا أربا دهرا من الدهر فخرج قاصدا الى أبى جعفر (عليهالسلام) فسأله عن ذلك ، فقال له مخرجك من كتاب الله يقول الله».
الحديث المتقدم الى آخره هذا ما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة.
والظاهر منها
بعد رد بعضها الى بعض هو ما ذهب اليه الشيخ والصدوق في هذه المسألة ، فإن ظاهر
صحيحة هشام بن سالم المتقدمة هو حل ما أكله حال الجهل ،
__________________
وأنه لا يضره ذلك حتى يكون متعمدا معنى بالإثم ، ولا يجب عليه رده إلا في
صورة العلم ، وكذلك قوله (عليهالسلام) في الرواية الخامسة والسادسة ، «فما مضى فحلال وما بقي
فليتحفظ» فإنه كالصريح ، بل صريح في حل ما أكله حال الجهل ، وهو أيضا ظاهر
الروايات الباقية ، فإنها متفقة في أنه مع الجهل لا يجب عليه رده ، كما أفتى به
فقهاء العامة.
بقي الكلام في
تفصيله (عليهالسلام) في الاخبار الثلاثة الأول ، وفرق بين ما كان معزولا ،
وما كان مختلطا بمال حلال ، وهو بظاهره موافق لما تقدم نقله عن ابن الجنيد ، ويمكن
حمل رد المعزول على الأولوية والاستحباب ، وان كان الجميع حلالا من حيث الجهل ،
كما ينادى به سياق الأخبار المذكورة ، سيما الخبر الخامس والسادس كما عرفت.
واما احتمال
الحمل على الحل من حيث الاختلاط كما صار اليه بعض أفاضل متأخري المتأخرين لا من حيث الجهل ، فهو بعيد عن سياق الأخبار المذكورة.
وأما قول
العلامة ـ (رحمهالله) لأنها معاوضة باطلة ، ـ فهو ممنوع ، لأنها من حيث
الجهل صحيحة بحسب ظاهر الشرع ، وثبوت البطلان بعد العلم يحتاج الى دليل ، إذ الحل
والحرمة والطهارة والنجاسة ونحوها مما تبنى على علم المكلف وعدمه ، لا على الواقع
ونفس الأمر ، كما مر تحقيقه في كتاب الطهارة من هذا الكتاب .
وأما استدلال
ابن إدريس ومثله العلامة في المختلف بقوله تعالى
__________________
«وَإِنْ تُبْتُمْ
فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ»
فإن فيه ان
سياق الآية على الاختصاص بالعالم المتعمد ، وهذه صورتها «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ
وَإِنْ تُبْتُمْ» الاية ، ومن الظاهر ان التهديد بالحرب لا يتوجه الا الى
العالم.
ويؤيده تأييدا
ما رواه الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن الباقر (عليهالسلام) في سبب النزول من ان الوليد بن المغيرة كان يربى في
الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن وليد المطالبة بها بعد أن أسلم
، فنزلت الآية.
وأما تأويل
قوله سبحانه «ما سَلَفَ»
بما ذكره من
المعنى فهو تعسف محض ، والظاهر من الآية انما هو حل ما سلف مما أكله حال الجهل كما
دلت عليه الاخبار المتقدمة ، قال أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان «فَلَهُ ما سَلَفَ»
معناه ما أخذه
وأكل من الربا قبل النهى ، ولا يلزمه رده.
قال الباقر (عليهالسلام) : «من أدرك الإسلام وتاب مما كان عمله في الجاهلية وضع
الله عنه ما سلف». انتهى.
وفيه دلالة على
اختيار الطبرسي لما ذهب اليه الشيخ والصدوق في هذه المسألة ، والحمل على ما سلف في
الجاهلية ، لا ينافي ما سلف من حيث الجهل في الإسلام أيضا ، لاشتراك الجميع في
الجهل الموجب لحل ما تقدم ، وظاهر المحقق في النافع القول بذلك أيضا ، حيث قال :
ولو جهل التحريم كفاه الانتهاء.
وبما قررناه
وأوضحناه يظهر لك أن الأظهر هنا هو ما ذكره الشيخ والصدوق وكيف كان فتحقيق البحث
في هذا الفصل يقع في مسائل الأولى ـ
__________________
من الشروط المعتبرة في الربا أن يكون العوضان من جنس واحد ، والمراد بالجنس
هنا الحقيقة النوعية باصطلاح أهل المنطق ، فإنه يسمى جنسا بحسب اللغة ، وضابطه أن
يتناولهم لفظ خاص كالحنطة والأرز ونحوهما.
وينبغي أن
يستثني من هذه الضابطة الشعير ، فإنه في باب الربا من أفراد الحنطة مع أنه لا
يتناوله لفظها ودخوله بالنص.
وأما العلس
والسلت على القول بأنهما من أفراد الحنطة والشعير فدخولهما فيهما ظاهر وان اختصا
باسم آخر ، والا فمقتضى الاسم عدم الإلحاق ، فلا يجوز بيع أحد المتجانسين بالاخر
مع الزيادة ، ويجوز البيع وزنا بوزن وان كان أصلهما الكيل على أحد القولين ، نظرا
الى أن الوزن أضبط ، حتى قيل انه أصل الكيل ، بل نقل بعضهم الإجماع على جواز بيع
الحنطة والشعير وزنا ، مع الإجماع على كونهما مكيلين في زمنه (صلىاللهعليهوآله) وقيل : بالعدم نظرا الى ورود الشرع والعرف بالكيل ،
فلا يعتبر بغيره ، فيرجع حينئذ الى ما علم من عصره (صلىاللهعليهوآله) وعصور الأئمة (عليهمالسلام) في كونه مكيلا أو موزونا ، ومع الجهل بذلك إلى عادة
البلد.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن الثمن والمثمن اما أن يكونا ربويين ، أو غير ربويين أو يكون أحدهما خاصة
ربويا فهيهنا أقسام ثلاثة الأول أن يكونا معا ربويين ، وحينئذ فلا يخلو اما أن
يتحد الجنسان أو يختلفا ، وعلى الثاني فلا يخلو أيضا اما أن يكون أحدهما من النقود
والآخر عرضا من العروض ، فهيهنا أيضا أقسام ثلاثة الأول ـ أن يكونا ربويين ، ويتحد
الجنس ، والواجب المساواة في القدر والحلول ، فلا يجوز بيع أحدهما بالاخر نسيئة ،
وان تساويا في القدر جاز ، قال في المختلف : ولا أعرف في ذلك
خلافا الا قولا شاذا للشيخ ، ذكره في الخلاف فإنه قال : إذا باع ما فيه
الربا من المكيل والموزون مختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض متماثلا يدا بيد ، ويكره
نسيئة ثم اعتذر عنه بأنه قد يطلق على المحرم اسم المكروه. انتهى وهو جيد ، الثاني أن يختلف الجنس ويكون أحدهما من
الأثمان ، والأخر من العروض ولا خلاف في الصحة نقدا ونسيئة ، لأنه مع النسيئة في
أحدهما اما أن يكون من قبيل بيع النسيئة المتقدم جوازه ان كان الأجل في الثمن ، أو
من قبيل السلف ان كان الأجل في المبيع ، وكلاهما جائزان.
الثالث ـ أن
يختلف الجنس ويكونا عرضين فإنه يجوز أحدهما بالاخر نقدا متفاضلا ومتماثلا بلا خلاف
، وانما الخلاف في النسيئة مع التفاضل ، فهل يجوز أم لا؟ قال الشيخ في النهاية
وابن حمزة : بالأول ، وقال المفيد وسلار وابن البراج : بالثاني ، ونص ابن ابى عقيل
وابن الجنيد على التحريم.
وقال الشيخ في
المبسوط : بالكراهة ، وبه قال ابن إدريس والعلامة في
__________________
المختلف ، احتج القائلون بالجواز بالأصل ، وما نقل شائعا من قوله (عليهالسلام) «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم». هذا ما احتج به في المختلف لهذا
القول.
أقول : ويدل
عليه أيضا ما رواه في التهذيب والفقيه عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن الطعام والتمر والزبيب؟ فقال : لا يصلح
شيء منه اثنان بواحد الا أن تصرفه نوعا الى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين
بواحد وأكثر من ذلك». وإطلاقه دال على الجواز يدا بيد ونسيئة.
ونحوه أيضا ما
رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث «قال. ويكره قفيز لوز بقفيزين ، وقفيز تمر
بقفيزين ، ولكن صاع حنطة بصاعين من تمر ، وصاع تمر بصاعين من زبيب». الحديث ، الا
ان احتمال تقييد إطلاقهما بالاخبار الاتية قائم.
ثم انه في
المختلف نقل الاحتجاج للمانعين بما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) قال : «ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من
الأشياء يتفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأما نظرة فلا يصلح». ثم
أجاب بأن الربا من شرطه اتحاد الجنس على ما بينه علمائنا ، ثم حمل الخبر على
الكراهة.
أقول : ومما
يؤيد هذه الرواية أيضا ما رواه في الكافي عن محمد بن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من
الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأما نظرة فلا تصلح».
__________________
وما رواه في
التهذيب عن زياد بن أبى غياث عن أبى عبد الله (عليهالسلام) مثله الا أنه قال : «وأما النسيئة فلا يصلح». ولفظ لا
يصلح عند الأصحاب من الألفاظ الظاهرة في الكراهة ، ولهذا حملوه ما ورد بهذا اللفظ
على ذلك ، وأيده ما ذكر من أن شرط الربا اتحاد الجنس.
وروى في الكافي
عن سماعة في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «المختلف مثلان بمثل يدا بيد لا بأس به».
وفي صحيحة محمد
بن مسلم قال : «إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا
بيد».
وفي صحيحة
الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزيت بالسمن اثنين بواحد ، قال : يدا بيد لا بأس
به». ولعل مستند القول بالكراهة هو الجمع بين أدلة القولين ، ويؤيده ما ذكره الثقة
الجليل على بن إبراهيم على ما نقل في الكافي في فصل طويل في هذا الباب قال : «فإذا
اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد ، ويكره نسيئة». الا أن احتمال
التحريم في هذا اللفظ قائم ، لكثرة إطلاقه على ذلك في الاخبار وكلام المتقدمين ،
وكذا لفظ «لا يصلح» فإنه كثيرا ما يستعمل في الاخبار في مقام التحريم وكيف كان
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال.
الثاني أن
يكونا غير ربويين كثوب بثوبين ، وعبد بعبدين ، ودابة بدابتين ، ولا خلاف في أنه
يجوز ذلك نقدا وأما نسيئة فقولان : المنع وهو قول الشيخ
__________________
في النهاية ، فإنه قال : لا يجوز ، وكذا في الخلاف والشيخ المفيد وابن ابن
عقيل وابن الجنيد. وقال الشيخ في المبسوط : يكره ، وهو المشهور بين المتأخرين ،
وأطلق الصدوقان الجواز.
احتج القائلون
بالجواز بالأصل ، وقوله (عليهالسلام) «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم». وأن المقتضى موجود ، والمانع مفقود ،
أما المقتضي فهو عموم أدلة البيع. وأما عدم المانع فلانه ليس الا الربا وهو منفي
هنا بالاخبار.
ومنها ما رواه المشايخ
الثلاثة بأسانيد عديدة فمنها الموثق والصحيح عن عبيد بن زرارة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن».
وما رواه في
الكافي عن منصور في الموثق قال : «سألته عن الشاة بالشاتين ، والبيضة
بالبيضتين ، قال : لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا».
وما رواه في
الفقيه عن داود بن الحصين «أنه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الشاة بالشاتين ، والبيضة بالبيضتين قال : لا بأس
ما لم يكن مكيلا ولا موزونا».
وما رواه في
التهذيب عن منصور بن حازم في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن البيضة بالبيضتين؟ قال : لا بأس به ،
والثوب بالثوبين؟ قال : لا بأس به ، والفرس بالفرسين؟ قال : لا بأس به ، ثم قال :
كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال
ولا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد».
__________________
وما رواه في
التهذيب أيضا في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا بأس بالثوب بالثوبين».
وما في كتاب
الفقه الرضوي قال : (عليهالسلام) ـ بعد نقل رواية عن أبيه عليهالسلام ـ «وسئل عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين؟ فقال :
لا بأس ما لم يكن كيلا ولا وزنا ، وقال : أيضا (عليهالسلام) ولو أن رجلا باع ثوبا بثوبين ، أو حيوانا بحيوانين من
أى جنس يكون ، لا يكون ذلك من الربا». وإطلاق الجواز في هذه الاخبار شامل للنقد
والنسيئة.
احتج القائلون
بالمنع بجملة من الاخبار أيضا منها ما رواه المشايخ الثلاثة نور الله تعالى
مراقدهم في الصحيح عن زرارة «عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال : البعير بالبعيرين ، والدابة بالدابتين يدا بيد
ليس به بأس» وزاد في الفقيه «قال : لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة إذا
وصفتهما».
ورووه أيضا
بأسانيدهم ، وفيها الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله «قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن العبد بالعبدين ، والعبد بالعبد والدراهم؟ قال : لا
بأس بالحيوان كله يدا بيد» ،. وهما مشعران بالمنع عن النسيئة ، كما يشعر إليه
الزيادة التي في الخبر الأول.
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الثوبين الرد بين بالثوب المرتفع والبعير بالبعيرين
،
__________________
والدابة بالدابتين ، فقال : كره ذلك علي (عليهالسلام) فنحن نكرهه ، الا أن يختلف الصنفان ، قال : فسألته عن
الإبل والبقر والغنم أو إحداهن في هذا الباب؟ قال : نعم نكرهه». والقائلون بالجواز
حملوا هذه الاخبار على الكراهة ، والأظهر حملها على التقية كما اختاره بعض مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين قال : لا خلاف بين العامة في جواز بيع الحيوان
بالحيوانين حالا ، وانما الخلاف بينهم في النسيئة فذهب الأكثر منهم الى عدم الجواز
، وذهب بعضهم الى عدم الجواز في المعدود.
أقول : والى
ذلك يومي خبر سعيد بن يسار المروي في الكافي والفقيه قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال : نعم لا
بأس إذا سميت بالأسنان جذعين أو ثنيين ، ثم أمرني فخططت على النسيئة». فإن الظاهر
من الأمر هنا بضرب الخط على النسيئة بعد نفى البأس انما هو لئلا يراه العامة أو
لئلا ينقل عنه.
ومثله قال في
النهاية ذيل هذا الخبر ، «لان الناس يقولون لا» وانما فعل ذلك للتقية انتهى ،
والظاهر أنه من كلام الصدوق رحمهالله
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن سعيد بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ قال لا بأس به ،
ثم قال : خط على النسيئة». ومما ذكرنا يظهر قوة القول المشهور.
__________________
الثالث : أن
يكون أحدهما ربويا ، والأخر غير ربوي ، ولا خلاف في جواز بيع أحدهما بالاخر نقدا
ونسيئة كيف اتفق الا مع تأجيلهما ، تساويا في الأجل أو احتلفا ، لانه من قبيل بيع
الدين بالدين ، كما تقدم الإشارة اليه ، وان كان بعض صوره لا يخلو من المناقشة كما
سيأتي إنشاء الله ـ تعالى ـ تحقيقه في باب الدين.
المسألة
الثانية ـ الأظهر الأشهر أن الحنطة والشعير هنا جنس واحد ، فلا يجوز التفاضل
بينهما نقدا ولا نسيئة ، ولا بيع أحدهما بالاخر نسيئة وان تساويا ، وهو مذهب
الشيخين ، وظاهر الصدوق في الفقيه. حيث رواه ولم ينكره ، وسلار وأبو الصلاح وابن
حمزة.
وقال ابن
الجنيد : أنهما نوعان ، وقال ابن أبى عقيل : وقد قيل لا يجوز بيع الحنطة بالشعير
الا مثلا بمثل سواء ، لأنهما من جنس واحد ، بذلك جائت بعض الآثار عنهم (عليهمالسلام) ثم قال : والقول والعمل على الأول ، والى هذا القول
مال ابن إدريس ، وأكثر من القولين في ذلك ، وطول بما لا معتمد عليه ولا معول.
قال : لا خلاف
بين المسلمين العامة والخاصة أن الحنطة والشعير جنسان مختلفان حسا ولفظا ، ولا
خلاف بين أهل اللغة واللسان العربي في ذلك ، فمن ادعى أنهما كالجنس الواحد فعليه
الدلالة ، وأخبار الآحاد ليست حجة ، ثم لم يذهب الى هذا القول سوى الشيخ أبى جعفر
والشيخ المفيد ، ومن قلدهما ، بل جملة أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا الماضين
لم يتعرضوا لذلك ، بل أفتوا وصنفوا أن مع اختلاف الجنس يجوز بيع الواحد بالاثنين ،
وقوله (عليهالسلام)
__________________
«إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم». والحنطة والشعير مختلفان صورة وشكلا
، ولونا وطعما ، وإدراكا وحسا ، ثم أطال بما لا يرجع الى طائل ولا يعود الى حاصل.
وجوابه فيما
ادعاه من الإجماع المعارضة أولا بدعوى الشيخ الإجماع ـ في الخلاف ـ على خلاف ما
ذكره ، وثانيا المنع من الإجماع الذي يدعيه لما عرفت ، فإنه لم يذهب الى ما ذهب
اليه الا ابن الجنيد وابن أبى عقيل ، ومن عداهما من المتقدمين فهو اما مصرح
بكونهما جنسا واحدا في هذا الباب ، أو أنه لم يتعرض لذكرهما ، وان ذكروا أن مع
اختلاف الجنس يجوز البيع كيف اتفق.
فالعمل عندنا
على الاخبار الواردة في المقام السالمة من المعارض ، ورده لها بأنها أخبار آحاد
مردود ، بأن الواجب عليه ـ مع رد هذه الاخبار ونحوها من اخبار الشريفة الواردة في
جملة الأحكام ـ هو الخروج من هذا الدين وهذه الشريعة إلى دين آخر ، وشريعة أخرى ،
وتعلقه بالإجماع تعلق بما هو أوهن من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ، كما تقدم
تحقيقه في مقدمات الكتاب في مجلد كتاب الطهارة وفي باب صلاة الجملة.
وأما الاخبار
الدالة على ما قلناه فمنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن أبى
بصير وغيره في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الحنطة والشعير رأسا برأس (لا يزداد) واحد
منهما على الأخر».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن
__________________
أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يباع مختومان من شعير ، بمختوم من حنطة (ولا
يباع) الا مثلا بمثل والتمر مثل ذلك ، قال : وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد
عند صاحبها الا شعيرا أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال : لا ، إنما أصلهما واحد»
وزاد في الكافي «وكان علي (عليهالسلام) يعد الشعير بالحنطة».
وعن هشام بن
سالم في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سأله رجل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار ،
فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه ، فيقول له خذ منى مكان كل قفيز حنطة قفيزين من
شعير حتى تستو في ما نقص من الكيل؟ قال : لا يصلح لأن أصل الشعير من الحنطة ، ولكن
يرد عليه من الدراهم بحساب ما نقص من الكيل» .
وعن عبد الرحمن
بن أبى عبد الله في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز
الا مثلا بمثل ثم قال : ان الشعير من الحنطة».
أقول : لعل
الوجه فيما اشتملت عليه هذه الاخبار من أن الشعير من الحنطة وأن أصلهما واحد ، هو
ما رواه الصدوق بإسناده «أن على بن أبى طالب (عليهالسلام)
__________________
سئل عما خلق الله الشعير؟ فقال : ان الله (تبارك وتعالى) أمر آدم (عليهالسلام) أن ازرع مما اخترت لنفسك ، وجاءه جبرئيل بقبضة من
الحنطة ، فقبض آدم (عليهالسلام) على قبضة ، وقبضت حواء على أخرى فقال : آدم (عليهالسلام) لحوا لا تزرعي أنت ، فلم تقبل أمر آدم ، فكلما زرع آدم
جاء حنطة ، وكلما زرعت حواء جاء شعيرا». وبه يزول الاستبعاد الذي ذكره جملة من
أولئك الأمجاد.
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن صفوان «عن رجل من أصحابه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال : الحنطة والشعير لا بأس به رأسا برأس».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ولا يصلح الشعير بالحنطة إلا واحدا
بواحد» الحديث.
وما رواه في
التهذيب عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحنطة بالشعير ، والحنطة بالدقيق؟ فقال : إذا كان
سواء فلا بأس ، والا فلا».
وعن محمد بن
قيس في الصحيح عن أبى جعفر (عليهالسلام): قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : لا تبع الحنطة بالشعير الا يدا بيد ، ولا تبع قفيزا
من حنطة بقفيزين من شعير» الحديث.
وهذه الاخبار
على كثرتها وصحتها لا معارض لها سواي ما ذكروه من الوجوه التخريجية العلية التي لا
يجوز التعويل عليها في تأسيس الأحكام الشرعية والله العالم.
بقي الكلام هنا
في الجمع بين القاعدة المتفق عليها في كلام الأصحاب وهي
__________________
ما عرفت آنفا من اشتراط اتحاد الجنس في الربا ـ الذي هو عبارة عن الحقيقة
النوعية ، ولا ريب أن الحنطة والشعير في غير باب الربا جنسان ، كما في باب الزكاة
وفيما لو حلف أو نذر أن لا يأكل الحنطة ، فإنه لا يحنث بأكل الشعير ونحو ذلك ،
ولاختلاف مفهومها لغة وعرفا ، ـ وبين الاخبار المذكورة الدالة على وقوع الربا
فيهما بمعاوضة أحدهما بالاخر ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك تخصيص
القاعدة المذكورة بالأخبار ، بمعنى أنهما جنسان لاختلاف مفهومهما لغة وعرفا ، إلا
في الربا للأخبار المتقدمة فإنهما فيه من جنس واحد ، وأنت خبير بان ظاهر جملة من
الاخبار المتقدمة أنهما جنس واحد مطلقا ، لا بخصوص الربا ، وأنه انما وقع الربا
فيهما من هذه الحيثية الثابتة لهما مطلقا ، كما يفسره حديث الصدوق المذكور ، لا أن
اتحادهما مخصوص بالربا ، ولا مناص عن الإشكال إلا بخرم القاعدة المذكورة وابطالها
وقد قدمنا في الأبحاث المتقدمة أن الواجب هو الوقوف على موارد النصوص ، وعدم
الاعتماد على قواعدهم المذكورة في غير موضع ، واختلاف التسمية لا ينافي الاتحاد
حقيقة ، كما في الحنطة والدقيق ، فإن الحقيقة واحدة وان اختلف الاسم.
وكأنه الى ما
ذكرنا أشار في التذكرة فقال : وبالجملة الاعتماد على أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام) والاختصاص باسم ، لا يخرج المهية عن التماثل كالحنطة
والدقيق. انتهى. وبالجملة ان اتحاد الاسم واختلافه علامة غالبة مبنى عليها الحكم
ما لم يحصل أقوى منها ، ولهذا يعمل على الاسم في غير الحنطة والشعير ، وفيهما أيضا
في غير باب الربا مما أشرنا إليه آنفا وان كانت حقيقتهما واحدة ، وأصلهما واحد
بالنصوص المتقدمة ، لكون أحكام الشرع تابعة للاسم والإطلاق العرفي ، لا الحقيقي
النفس الأمري إلا مع دليل يدل عليه ، ولما دلت النصوص على الاتحاد حقيقة وان ذلك
كاف في باب الربا ، فلا يحتاج الى اتحاد الاسم ، وان عمل عليه في غير ذلك والله
العالم.
المسألة
الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف في أن كلما يعمل من جنس واحد فإنه يحرم التفاضل فيه
، كالحنطة ودقيقها ، إذ الطحن لا يخرجها عن الحقيقة ، وكذا كل جنس مع فرعه ، مثل
التمر والدبس والرطب والعصير ، والعنب والزبيب. والدبس ونحو ذلك ، فيجوز بيع
الحنطة بدقيقها متساويا لا متفاضلا ولا نسيئة قال : في التذكرة وقد بينا أن أصل كل
شيء وفرعه واحد ، يباع أحدهما بالاخر متساويا لا متفاضلا ، ولا يجوز نسيئة إذا
كان مما يكال أو يوزن ، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها ودقيق الشعير وبسويقهما ،
والسويق بالدقيق عند علمائنا أجمع ، وادعى أيضا الإجماع في الاتحاد بين الحنطة
وبين جميع ما يعمل منه ، حتى بينها وبين الخبز والهريسة ، وكذا بين جميع أنواع
اللبن ، وما يحصل منه حتى بين الحليب والكشك ، والكامخ.
وقال في
التذكرة أيضا : يجوز بيع الحنطة بالخبز متساويا نقدا ، ولا يجوز نسية ولا متفاضلا
، ويجوز بيع الخبز بالخبز يابسا ورطبا ومختلفين ، وبيع الفالوذج بالحنطة ، ونقل
منع العامة في الكل.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن
سماعة قال : «سألته عن الحنطة والدقيق؟ فقال : إذا كانا سواء فلا بأس».
وما رواه أيضا عن
محمد بن مسلم في الصحيح عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت : ما تقول في البر بالسويق؟ فقال : مثلا
بمثل لا بأس به ، قلت : انه يكون له ريع أو يكون له فضل ، فقال : أليس له مؤنة؟
قلت : بلى قال : هذا بذا ، وقال : إذا اختلف الشيئان فلا بأس مثلين بمثل يدا بيد».
قال في الوافي : لعل مراد السائل أن البر له ريع أن فيه فضل ، لانه يزيد إذا أخبز
، بخلاف السويق.
__________________
أقول : بل
الظاهر انما هو أنه متى بيع أحدهما بالاخر كيلا ، لأنهما من المكيلات فإن الحنطة تكون أثقل ، والسويق وهو الدقيق المقلو أخف
، فيحصل الريع والزيادة في الحنطة ، ولهذا قيل : بالمنع هنا ، والمشهور الجواز ،
فأجاب (عليهالسلام) بأن هذه الزيادة في مقابلة مؤنة طحنه إذا طحن ليكون
دقيقا ، فيكون في قوة دقيق بدقيق متساويين.
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق بالسويق
مثلا بمثل والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به».
وما رواه في
التهذيب والفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا
بأس به».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن سماعة في الموثق قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن العنب بالزبيب؟ قال : لا يصلح الا مثلا بمثل ، قلت
: والتمر والزبيب ، قال : مثلا بمثل».
وفي التهذيبين
على ما نقله في الوافي «قلت والرطب والتمر» قال : وهو الصحيح ، لجواز اختلاف الوزن
في غير الجنسين كما صرح
__________________
به في الحديث الأخر ، وأشار به الى ما ذكره الكليني على أثره الخبر المذكور
قال : وفي حديث آخر بهذا الاسناد «قال : المختلف مثلان بمثل يدا بيد لا بأس به».
وعن أبى الربيع
قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : لا
بأس ، قلت : والبختج والعصير مثلا بمثل؟ قال : لا بأس به».
أقول : والبختج
العصير المطبوخ ، وهو معرب الپخته.
أقول : دلت هذه
الاخبار على أن الحنطة والدقيق والسويق متحدة ، وكذلك العنب والزبيب ، والعصير
مطبوخا أو غير مطبوخ نوع واحد ، ويمكن إلحاق ما عداها من فروع كل منهما ، كما ذكره
العلامة بالتقريب المتقدمة فإنها كلها متفرعة من الحنطة والعنب ، وعلى هذا القياس
غيرهما من سائر الأنواع وفروعها.
الا ان في المقام
إشكالا أشار إليه المحقق الأردبيلي (قدسسره) ولا بأس بنقل كلامه ، قال بعد ذكر كلام العلامة هنا
ونقل بعض أخبار المسألة ما ملخصه : لكن فيه تأمل من حيث عدم انطباقه على القوانين
، من حيث أنه لا يصدق على الكل اسم خاص وأن له حقيقة واحدة ، ولهذا لو حلف شخص أن
لا يأكل أحدهما لا يحنث يأكل الأخر ، فيحتمل أن يكونا جنسين ، وجواز بيع أحدهما
بالاخر يكون كذلك ، ويكون الشرط للكراهة مع عدمه كما مر في سائر المختلفات.
ويمكن أن يقال
: الضابط أحد الأمرين اما الاتفاق في الحقيقة ، أو الاتحاد في الاسم ، وهنا الأول
، ولم يتحقق الثاني ، وفيه تأمل.
ومن حيث إنه لا
شك أن الحنطة إذا جعلت دقيقا تزيد ، وهو ظاهر ، ودلت عليه صحيحة محمد بن مسلم
المتقدمة وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم
__________________
يحتاج إلى التأمل ، فلا ينبغي صحة بيع أحدهما بالاخر متساويا أيضا ،
للزيادة كما في اليابس من جنس بآخر رطبا ، مثل الرطب والتمر والعنب والزبيب كما
سيجيء فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر بتبديل وتغيير ، مع أنه
معتبر عندهم كما سمعت في الرطب والتمر فتأمل في الفرق.
ومن حيث إن
الظاهر كونهما من المكيل في زمانه (صلىاللهعليهوآله) كما نقل ذلك في الحنطة بالإجماع ، على أنه يمكن أن
يختار الوزن ، لأنه أصل ، ويجوز بيع المكيل به ، لإجماع المنقول ـ في شرح الشرائع
ـ على جواز بيع الحنطة بالوزن مع كونه مكيلا بالإجماع ، ولكن الظاهر أنه تحصل
الزيادة في الحنطة على الدقيق بعد الطحن ، فان اختار الوزن تحصل هذه باعتبار الكيل
، وان اختار الكيل تحصل الزيادة باعتبار الوزن ، وهو ظاهر ، فيمكن التوجيه بما
تقدم ولعل الأول أولى ، والاجتناب أحوط. انتهى كلامه ، (زيد مقامه).
أقول : منشأ
هذه الإشكالات مراعاة القوانين التي صرحوا بها في هذا الباب من اشتراط اتحاد الجنس
، وأن الجنس ، عبارة عما ذا واحتمال كون الاتحاد والاختلاف بالنظر الى الحقيقة
الأصلية وان اختلفت أسماء أفرادها ، أو أنه لا بد من الاتحاد في الاسم ، لدوران
الأحكام الشرعية في جملة من المواضع مداره ، والظاهر عندي من الاخبار الواردة في
هذا الباب هو أن المراد انما هو الأول ، وهو الاتحاد في الحقيقة وان تعددت أسماء
أفرادها ، لقوله (عليهالسلام) في اخبار بيع الشعير بالحنطة : «أصلهما واحد» وقوله : «ان
الشعير من الحنطة» ، ومنعهم (عليهمالسلام) في الاخبار المتقدمة هنا من التفاضل في العنب وما خرج
منه وتفرع عليه من زبيب وعصير ودبس ، وكذا الحنطة وما تفرع عليها من دقيق وسويق
وخبز ونحو ذلك ، وهكذا في التمر والرطب الدبس ونحو ذلك ، فيصير كل من هذه الأصول
وما تفرع منه نوعا واحدا ، وحقيقة واحدة وان تعددت الأسماء ، فإنه لا عبرة بتعددها
في هذا الباب وان اعتبر ذلك في غيره من سائر أبواب الفقه ، ودارت الأحكام
مدار التسمية.
ويعضد ما ذكرنا
ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن على بن إبراهيم عن رجاله في جل من المعاوضات ، قال فيه ما صورته : وما
كيل أو وزن مما أصله واحد فليس لبعضه فضل على بعض كيلا بكيل ، أو وزنا بوزن ، فإذا
اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد ويكره نسيئة ، الى ان قال : وما
كان أصله واحدا وكان يكال أو يوزن فخرج منه شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس به يدا
بيد ، ويكره نسيئة ، وذلك كالقطن والكتان فأصله يوزن وغزله يوزن ، وثيابه لا توزن
فليس للقطن فضل على الغزل ، وأصله واحد ، فلا يصلح الا مثلا بمثل وزنا بوزن فإذا
صنع منه الثياب صلح يدا بيد والثياب لا بأس الثوبان بالثوب». الى آخره وظاهر
الكليني القول بذلك حيث نقله ولم ينكره ولم يتعرض لرده بل حمل عليه ، وبذلك يظهر
صحة ما ذكرناه.
واما التمسك
بأنه لو حلف ان لا يأكل أحدها فإنه لا يحنث بأكل الأخر فإنه مردود بما قلناه ، من
اختصاص هذا الحكم بباب الربا كما سمعت من أخباره ، وأما ما عداه فإنه لا نزاع في
ترتب الأحكام ودورانها مدار صدق الاسم ، وبه يظهر ضعف ما ذكره في الحيثية الاولى.
وأما ذكره في
الحيثية الثانية من أن الحنطة بالدقيق مستلزم للربا للزيادة في الحنطة ، فهو مسلم
، الا أن أكثر الأخبار المتقدمة قد دل على الجواز ، ولا مجال لردها مع صحتها
وصراحتها ، ولعل الزيادة على هذا الوجه غير ملتفت إليها ، على أنه (عليهالسلام) قد أجاب عن ذلك بأن هذه الزيادة في مقابلة المؤنة في
طحن الحنطة ، كما قدمنا ذكره.
واما قوله :
وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم يحتاج إلى التأمل ،
__________________
فان فيه أولا ـ ما قدمنا ذكره ـ ان من الواجب الوقوف على ما دلت عليه
الاخبار وافقت قواعدهم أو خالفتها ، وعدم ظهور وجه الفرق ـ بين هذه الصورة ، وبين
بيع الرطب بالتمر ، من حيث حصول الزيادة الحكيمة في الموضعين ، واليه أشار بقوله
فتأمل في الفرق ـ لا يدل على العدم ، بل يمكن ان يجعل ما ذكره (عليهالسلام) وجه فرق ، بأنه وان حصلت الزيادة الحكمية في ذلك الوقت
، الا انه بعد صيرورة الحنطة دقيقا ، وظهور الزيادة على ذلك الدقيق المقابل حسا ،
فان هذه الزيادة تكون في مقابلة أجرة الطحن.
وثانيا أنه من
الجائز عدم الالتفات الى مثل هذه الزيادة الحكمية كما أشار إليه بقوله فلا ينبغي
النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر ، بل المعتبر في الزيادة ـ الموجبة للربا ـ انما
هي الزيادة الحسية حال الكيل والوزن ، وحينئذ يحمل تعليله (عليهالسلام) على أنه تعليل اقناعى لرفع استبعاد المخالفين.
وأما مسألة
الرطب بالتمر ـ الموجبة لدخول الشبهة هنا ـ فسيأتي الكلام فيها إنشاء الله ـ تعالى
ـ ونقل الخلاف فيها ، وبيان أن جملة من الأصحاب حملوا الأخبار الواردة فيها على
الكراهة دون التحريم ، وبعض الأصحاب قصر الحكم على مورد النص من الرطب بالتمر خاصة
، فلا يتعدى الى غيره.
وبذلك يظهر لك
ما في قوله ، مع أنه معتبر عندهم في الرطب والتمر ، وبالجملة فالواجب الوقوف على
النص والعمل به ، وارتكاب التأويل بما يرجع به الى غيره من نصوص المسألة ، وهو
حاصل بما ذكرناه.
وبما أوضحناه
يظهر لك ايضا ما في كلام المحقق المتقدم ذكره في شرح قول المصنف ، «والشيء وأصله
كالزبد والثمن واللبن ،» حيث قال : قد مر بيانه وان كان فيه تأمل من جهة عدم
الاتحاد الاسم والخاصية ، فلو لا الإجماع
المفهوم من التذكرة لأمكن القول بالاختلاف ، الى ان قال : إذ الدليل على
الكلية غير واضح ، لانه ما وجد شيء صحيح صريح في الكلية ، والاسم غير صادق ،
والاختلاف ممكن حقيقة ، بل هو الظاهر لاختلاف الخواص ، مثل الخل والتمر ، والجبن
والحليب ، ويؤيده ما في صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن بيع الغزل بالثياب (المنسوجة) والغزل أكثر وزنا من
الثياب ، قال : لا بأس». ، الى ان قال : وبالجملة الدليل غير قائم على الاتحاد بين
الشيء الربوي وأصله كلية ، بل قائم على عدمه ، والأصل وأدلة إباحة البيع دليل
الجواز ، الا ان كلام الأصحاب ذلك ، فالخروج عنه مشكل ، والاحتياط يقتضيه ،
والمسألة من المشكلات كلها محلها ، وقد ادعى الإجماع في أكثرها ، حتى بين الحليب
واللبن والكشك والكامخ ، والحنطة والخبز ، بجميع أنواعه والهريسة فما ثبت الإجماع
فيه لا يمكن الخروج عنه ، وظاهر التذكرة الإجماع في كل أصل مع فرعه ، وفرع كل أصل
مع آخر فتأمل انتهى.
أقول : انه وان
لم يوجد هنا نص على الكلية المذكورة كما ذكره ولكن لا يخفى ان ما أشرنا إليه من
النصوص الواردة هنا وان كان موردها جزئيات مخصوصة ، الا ان الحكم فيها ليس مقصورا
على تلك الجزئيات ، لعدم الخصوصية ، بل يتعدى الى ما ضاهاها ، وإذا ضم إليها ما
نقلناه عن الثقة الجليل على بن إبراهيم من الكلام الذي نقله عن مشايخه ، وعليه
اعتمد أيضا ثقة الإسلام ، إذ من المعلوم ان نقله له في كتابه ليس الا بقصد الإفتاء
والعمل عليه ، كالاخبار التي نقلها في ذلك الكتاب ،
ومن الظاهر
الواضح الظهور ان هؤلاء الأجلاء الذين هم من أرباب النصوص لا يذكرون هذا الكلام
ويفتون به الا مع ظهوره لهم عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم)
__________________
وهذا مما لا يختلجه الشك والريب ، والكلام المذكور صريح في الكلية المذكورة
، فلا مجال للتوقف فيه ، واما إيراده صحيحة عبد الرحمن في بطلان الكلية المذكورة ،
فقد ظهر جوابه من كلام على بن إبراهيم المتقدم الدال على ان الفرع الملحق بأصله في
هذا الباب انما هو إذا كان مثله في كونه مكيلا أو موزونا مثل أصله والثياب ليست
كذلك ، كما صرح به ، فلا ورود لما أورده (قدسسره) هذا كله فيما : يعمل من جنس واحد ، كما تقدم في صدر
المسألة ، فلو كان من جنسين فإنه لا اشكال ولا خلاف فيما أعلم في جواز بيعه بهما ،
وينصرف كل جنس من الثمن الى ما يخالفه من المبيع ، ومن أجل ذلك لا يشترط مساواة
جملة الثمن للمبيع قدرا ، ولا يعتبر معرفة كل واحد من الجنسين ، بل يكفي معرفة
المجموع ، ويجوز أيضا بيعه بأحدهما ، ويشترط هنا زيادته على مجانسة زيادة تموله ،
بحيث يمكن فرض كونهما ثمنا في بيع ذلك الجنس الأخر لو بيع منفردا وان قلت وفي حكم
المعمول من جنسين ما لو ضم أحدهما إلى الأخر ، وباعهما في عقد واحد وان تميزا
لتساوى الفرضين في العلة المسوغة للبيع والله العالم.
المسألة الرابعة
ـ اختلف الأصحاب في بيع الرطب بالتمر ، بل كل رطب بيابسه ، فقال الشيخ في النهاية
: لا يجوز بيع الرطب بالتمر ، مثلا بمثل ، لأنه إذا جف نقص ، ولا يجوز بيع العنب
بالزبيب الا مثلا بمثل ، وتجنبه أفضل ، وقال في الخلاف : لا يجوز بيع الرطب بالتمر
، فأما بيع العنب بالزبيب أو ثمرة رطبة بيابسها مثل التين الرطب بالجاف ، والخوخ
الرطب بالقديد ، وما أشبه ذلك فلا نص لأصحابنا فيه ، والأصل جوازه لان حملها على
الرطب قياس ، ونحن لا نقول به.
وقال في
المبسوط : لا يجوز بيع الرطب بالتمر ، لا متفاضلا ولا متماثلا على حال ، وكذا الخبز
لا يجوز بيع لينه بيابسه ، لا متماثلا ولا متفاضلا ، ثم قال في موضع آخر منه : بيع
الرطب بالتمر لا يجوز إذا كان حرضا مما يؤخذ منه ، فأما إذا كان تمرا موضوعا على
الأرض فإنه يجوز ، وأما بيع العنب بالزبيب ، والكمثرى الرطب
والتين الرطب بالمقدد منه وما أشبه ذلك ، فلا نص لأصحابنا فيه ، والأصل
جوازه لقوله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ» ثم قال : ولا يجوز بيع الحنطة المبلولة بالجافة وزنا
مثلا بمثل ، لانه يؤدى الى الربا لان مع أحدهما ماء فينقص إذا جف ، والتفاضل لا
يجوز لفقد الطريق الى العلم بمقدار الماء ، وقال في الاستبصار : ان بيع الرطب
بالتمر ، مكروه لا محرم.
وقال ابن ابى
عقيل : لا يجوز بيع التمر اليابس بالرطب ، ولا الزبيب بالعنب ، لان الزبيب والتمر
يابسان ، والرطب والعنب رطبان ، وإذا يبسا نقصا ، وكذا الفاكهة اليابسة بالفاكهة
الرطبة ، مثل التمر بالرطب.
وقال ابن
الجنيد : لا يشترى التمر اليابس بالرطب ، لنهي النبي (صلىاللهعليهوآله) عن ذلك ، وهذا في الفاكهة وغيرها من اللحم إذا كان من
جنس واحد ، وسواء كان جفافه بالنار أو الهواء.
وقال ابن
البراج : لا يجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل ، ولا غير ذلك ،
وقال ابن حمزة
: لا يجوز بيع الرطب بالتمر ولا العنب بالزبيب ، لا متماثلا ولا متفاضلا.
وقال ابن إدريس
: قول الشيخ : لا يجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل ، ـ لأنه إذا جف نقص ـ غير واضح
، بل يجوز ذلك ، ومذهبنا ترك التعليل والقياس ، لانه كان يلزم عليه أنه لا يجوز
بيع رطل من العنب برطل من الزبيب ، وهذا لا يقول به أحد من أصحابنا بغير خلاف ،
وأيضا لا خلاف أن بيع الجنس بالجنس مثلا بمثل جائز سائغ ، والمنع منه يحتاج الى
دليل ، وقوله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا»
قال : وقد رجع
شيخنا عما ذكره في نهايته في الثالث من استبصاره فقال :
__________________
الوجه في هذه الاخبار ضرب من الكراهة دون الحظر.
وقال العلامة
في المختلف : المعتمد تحريم كل رطب مع يابسه الا العرية.
وقال في الدروس
: وماله حالتا جفاف ورطوبة يباع مع اتفاق الحال ، ولو اختلف الحال فالمشهور منع
بيع الرطب بالتمر متساويا ومتفاضلا للرواية.
وقال في
الاستبصار : ـ وتبعه ابن إدريس ـ بالجواز متساويا على الكراهة ، لعدم التصريح في
الرواية ، وأما العنب بالزبيب ونحوه مما ينقص عند الجفاف فبعض من منع هناك فيه جوز
هنا متماثلا في القدر ، ومنع منهما ابن الجنيد والحسن وابن حمزة والفاضل ، وهو
أولى ، وظاهره التوقف في مسألة بيع الرطب بالتمر ، حيث اقتصر على نقل الخلاف خاصة
، وحكمه بالأولوية فيما عدا ذلك.
وقال المحقق في
الشرائع : وفي بيع الرطب بالتمر تردد ، والأظهر اختصاصه بالمنع ، اعتمادا على أشهر
الروايتين.
وقال في
المسالك ـ بعد نقل بعض أخبار المسألة المشتملة على علة التحريم :
والأقوى
التحريم والتعدية الى كل ما فيه العلة المذكورة ، هذا ما حضرني من أقوالهم.
وأما الاخبار
الواردة في المقام فمورد أكثرها الرطب بالتمر ، ومنها ما رواه الكليني والشيخ في
الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يصلح التمر اليابس بالرطب ، من أجل أن التمر
يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص» الحديث.
وصحيحة محمد بن
قيس عن ابى جعفر (عليهالسلام) في حديث «أن أمير المؤمنين (عليهالسلام) كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا ، بمثل كيله إلى أجل
من أجل أن التمر ييبس فينقص من كيله».
__________________
ورواية داود بن
سرحان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يصلح التمر بالرطب ، ان الرطب رطب والتمر
يابس ، فإذا يبس الرطب ينقض». ورواية داود الأبزاري عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : لا يصلح التمر بالرطب التمر يابس
والرطب رطب».
وموثقة سماعة قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن العنب بالزبيب؟ قال : لا يصلح الا مثلا بمثل ، قلت
: والرطب والتمر قال : مثلا بمثل». هكذا في رواية الشيخ الخبر المذكور في
التهذيبين. وفي رواية الكليني له ، جعل عوض «والرطب والتمر» «والتمر والزبيب»
ورواية الشيخ أصح ، لأنه مع اختلاف الجنسين لا بأس باختلاف الوزن ، ورواية أبي الربيع
قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : لا
بأس به ، قلت : فالبختج والعصير مثلا بمثل؟ قال : لا بأس به».
أقول لا يخفى
أنهم في غير موضع من الأحكام متى ورد بلفظ «لا يصلح أو يكره» فإنما يحملونه على
الكراهة بالمعنى الأصولي دون التحريم ، كما تقدم ذكره في غير موضع ، وقد تقدم
التحقيق منا في غير موضع أن الحق أن هذه الألفاظ ونحوها
__________________
من الألفاظ المتشابهة ، لوقوعها في الاخبار بمعنى التحريم تارة ، وبمعنى
الكراهة بالمعنى الأصولي أخرى ، فالأخبار المذكورة غير صريحة في التحريم ، فلا
يمكن الخروج بها عن أدلة الجواز من الأصل ، وعموم ما دل على جواز البيع كتابا وسنة
، وخصوص موثقة سماعة ورواية أبي الربيع المذكورتين وكذا ما دل على صحة البيع مع
تماثل الجنسين الربويين في الوزن مطلقا ، وبذلك يظهر أن ما ذكر ـ من أن هذه
الروايات صحيحة لا تعارضها رواية سماعة ولا رواية أبي الربيع ـ ليس في محله ،
لأنها وان كانت صحيحة ، الا أنها غير صريحة في المطلوب لما عرفت ، سيما مع
اعترافهم في غير موضع بذلك ، كما ذكرناه ، فكيف يستندون الى هذه الألفاظ في
التحريم هنا ، ومجرد كثرتها وتعددها وصحة أسانيدها لا تكون قرينة على التحريم.
والظاهر أنه لأجل
ما ذكرنا اختار في الكفاية الكراهة ، وفاقا للشيخ في كتابي الاخبار ، وابن إدريس ،
وهو ظاهر الشهيد في الدروس ، وأما تعدية الحكم الى غير الرطب والتمر بناء على ثبوت
التحريم فيهما ، فهو مبنى على حجية العلة المنصوصة ، وفي ذلك كلام تقدم في مقدمات
الكتاب في صدر مجلد كتاب الطهارة .
وكيف كان
فالمسألة هنا لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط مطلوب فيها على كل حال والله
العالم.
المسألة
الخامسة ـ قد عرفت مما تقدم أنه من المقرر في كلامهم أن كل شيء وما تفرع منه جنس
واحد ، وكلما اشترك في الدخول تحت حقيقة من الحقائق فهو جنس واحد ، فالعنب والتمر
وما يخرج منهما ويتفرع عليهما جنس واحد ، وهكذا الحنطة وما يتفرع عليها جنس واحد ،
ومنه الشعير كما تقدم ولحم المعز والضأن جنس واحد ، لدخولهما تحت لفظ الغنم ،
والبقر والجاموس عندهم جنس واحد ، لدخولهما تحت جنس البقر ، والعراب وهي الإبل
العربية ، والبخاتي وهي الإبل الخراسانية جنس واحد والطيور عندهم أجناس فالحمام
كله جنس على قول.
__________________
وقيل : ما يختص
من أنواعه باسم فهو جنس مغاير ، واللحوم مختلفة باختلاف أسماء حيواناتها ،
والألبان تتبع الحيوان في التجانس والاختلاف ، والادهان تتبع ما يستخرج منه ،
والزبد والسمن والحليب والمخيض والأقط واحد ، تابع لما يستخرج منه ، والخلول تابعة
لأصولها ، فخل التمر مخالف لخل العنب ، قالوا والوحشي من الحيوانات مخالف لانسيه ،
وقد ادعى في التذكرة الإجماع على أكثر هذه الأحكام ، فان ثبت ، والا فللنظر في
بعضها مجال.
ومن ذلك لحوم
البقر والجاموس ، ودعوى أنهما جنس واحد ، لدخولهما تحت لفظ البقر ، كما يدل عليه
كلام أهل اللغة ، فلو لا الاتفاق على ذلك لأمكن المناقشة بالنظر الى العرف ، فإنه
يأبى ذلك ، مع أنه مقدم على اللغة عندهم ، ومما يؤيد كونهما نوعا واحدا ضم أحدهما
إلى الأخر في الزكاة ، وجعلهما جنسا واحدا ، ومن ذلك الحكم بأن الوحشي من
الحيوانات مخالف لانسيه ، مع اندراجهما تحت لفظ واحد وحقيقة واحدة ، وهي المدار في
الاتحاد ، واختلاف الصور والخواص ونحو ذلك قد تقدم أنه غير منظور ولا معتبر ، كما
في الشعير والحنطة وغيرهما.
__________________
المسألة
السادسة ـ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز بيع الغنم باللحم لا وزنا ولا جزافا ،
وكذا قال المفيد وسلار وابن البراج ، وفي الخلاف والمبسوط : لا يجوز بيع اللحم
بالحيوان إذا كان من جنسه ، كلحم الشاة بالشاة ، ولحم البقر بالبقر ، وان اختلف لم
يكن به بأس ، وكذا قال ابن حمزة ، وهو مذهب ابن الجنيد أيضا ، وقال ابن إدريس :
يجوز ذلك إذا كان اللحم موزونا ، سواء اتفق الجنس أولا يدا بيد ، وسلفا أيضا ان
كان اللحم معجلا ، دون العكس ، إذ لا يجوز السلف في اللحم ، ويجوز في الحيوان.
قال في المختلف
بعد نقل ما ذكرناه ، والأقرب الأول ، لنا أنه أحوط وأسلم من الربا ، ولانه قول من
ذكرنا من علمائنا ، ولم نقف لغيرهم منا على مخالف ، وابن إدريس قوله محدث لا يعول
عليه ، ولا يثلم في الإجماع ، ولان الشيخ احتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة ـ ونقله
حجة لثقته وعدالته ومعرفته ، ـ وبما رواه غياث ابن إبراهيم في الموثق عن الصادق (عليهالسلام) «أن أمير المؤمنين (عليهالسلام) كره اللحم بالحيوان». لا يقال : ان غياث ابن إبراهيم
بتري والمتن غير دال على المطلوب ، إذ الكراهة لا تدل على التحريم ، لأنا نقول :
ان غياثا وان كان بتريا الا أن أصحابنا وثقوه ، فيغلب على الظن ما نقله ، والظن
يجب العمل به ، والكراهة تستعمل كثيرا في التحريم.
احتج ابن إدريس
بأن المقتضى ـ وهو قول الله تعالى «أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ» ـ موجود ، والمانع ـ وهو الربا ـ منفي ، لأن الربا انما
ثبت في الموزون ، والحيوان الحي ليس بموزون ، والجواب المنع من نفى المانع ، ومن
كون المانع هو الربا خاصة ، ولو قيل : بالجواز في الحيوان الحي دون المذبوح جمعا
بين الأدلة كان
__________________
قويا. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : هذا
كلامه هنا ، وفي التحرير اختار الجواز ، استضعافا للرواية المذكورة ، وفي الإرشاد
قال : ويجوز بيع لحم الغنم بالشاة على رأى ، ثم انه لا يخفى ما في كلامه هنا من
المجازفة والضعف الظاهر لكل ناظر ، وما ذكره ابن إدريس هو الموافق للقواعد الشرعية
، والرواية ينبغي حملها على الكراهة بالمعنى المصطلح ، كما هو أحد معنييها في
الاخبار ، لعدم ظهور الموجب للتحريم ، وأصالة الصحة أقوى مستمسك في المقام.
ومن ثم ان
العلامة في آخر كلامه قد عدل عما ذكره أولا وسجل به ، وقوله : ولو قيل : ـ مع أن
هذا قول ابن إدريس ـ لا معنى له ، الا أن يريد من المتقدمين ، والظاهر أن مراده
ذلك ، حيث انهم لا يعتبرون بأقوال المعاصرين ، وانما يعولون على أقوال المتقدمين ،
كما يشعر به كلامه ، وظاهر كلامه ـ قدسسره ـ في هذا المقام أن محل الخلاف هنا هو الحيوان الحي مع
اللحم ، كما هو صريح كلام ابن إدريس ، ويشير اليه قوله ـ هنا ـ (ولو قيل) ، الى
آخره.
وظاهر المحقق الأردبيلي
في شرحه على الإرشاد أن محل الخلاف انما هو الشاة المذبوحة ، قال : ينبغي عدم
الخلاف بالجواز بالشاة حال حياتها متفاضلا ، ونسيئة ، والخلاف بعد الذبح مع أحد
الأمرين ، فمن حيث أن العادة بيعها بالوزن بعده فيتحقق شرط الربا وهو الجنسية
والوزن هنا ، ومن حيث أن المذبوح ليس يتعين بيعه بالوزن ، لعدم تحقق ذلك عادة ، بل
الظاهر جواز بيعه حينئذ جزافا ، فليس بموزون ، ـ الى أن قال ـ : وبالجملة لو ثبت
أن بيع الحيوان المأكول بعد الذبح لا يجوز الا وزنا لا يجوز باللحم من جنسه
متفاضلا ونسيئة ، والا فلا.
أقول : فيه
زيادة على ما تقدم أن ظاهر كلام الأصحاب أن الحيوان بعد الذبح لا يباع الا بالوزن
، وأنه ليس محل خلاف كما ادعاه ، مع أن كلامه في المقام لا تخلو
من تدافع ، لأنه في الحيثية الأولى ذكر أن العادة بيعه بالوزن بعد الذبح ،
وبنى التحريم على ذلك ، وفي الحيثية الثانية نفى عدم تحقق ذلك عادة ، وبنى عليه
الجواز ، وهل هو الا تناقض ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر ، فضلا عن الخبير الماهر.
ثم ان ممن
اختلف كلامه في هذه المسألة أيضا المحقق ، فقال : في الشرائع ، بالتحريم ، وفي
النافع. بالكراهة كما ذهب اليه ابن إدريس ، وهذا القول الأخير هو الذي نقله عنه في
نكت الإرشاد ، وقال في المسالك ـ بعد قول المصنف «ولا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه»
الى آخره : ـ هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وخالف فيه ابن إدريس فحكم بالجواز ،
لان الحيوان غير مقدر بأحد الأمرين وهو قوى مع كونه حيا ، والا فالمنع أقوى ، والظاهر
أنه موضع النزاع انتهى.
وهو مؤيد لما
قدمنا ذكره ، وتنظر صاحب الكفاية فيه لعله مبنى على ما ذكره الأردبيلي مما قدمنا
نقله عنه ، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة
فالتحقيق أن كلام المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين شامل للحيوان الحي والمذبوح ،
كما هو ظاهر كلام العلامة في المختلف ، في رده على ابن إدريس ، حيث التجأ إلى جواز
أن يكون المانع أمر آخر غير الربا ، ومثله الشهيد في نكت الإرشاد ، .
__________________
وابن إدريس ومن
تبعه ـ كالشهيد الثاني والمحقق الشيخ على ، واليه أشار العلامة في آخر كلامه في
المختلف ، وهو مذهبه في التحرير والإرشاد ، والمحقق في النافع ـ فصلوا بين الحي
والمذبوح ، فوافقوهم في المذبوح ، لكونه بعد الذبح لحما لا يباع الا بالوزن ،
وخالفوهم في الحي ، لعدم بيعه وزنا ، وهو الحق في المقام ، وبه يظهر أن محل الخلاف
انما هو في الحي خاصة ، ويزيدك بيانا ما ذكره في شرح اللمعة ، حيث قال المصنف : «ولا
يباع اللحم بالحيوان مع التماثل» فقال الشارح : كلحم الغنم بالشاة ان كان مذبوحا
لأنه في قوة اللحم ، فلا بد من تحقق المساواة ، فلو كان حيا فالجواز قوي لأنه حينئذ
غير مقدر بالوزن. انتهى.
المسألة
السابعة ـ الأشهر الأظهر أنه لا ربا إلا في المكيل والموزون ، فما ليس كذلك يجوز
بيعه متساويا ومتفاضلا ، وقيل : بثبوته في المعدود أيضا ، ونقل عن الشيخ المفيد
وابن الجنيد وسلار.
والذي يدل على
الأول جملة من الاخبار ـ منها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) بأسانيد
عديدة في الموثق عن عبيد بن زرارة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن».
وما رواه في
الكافي عن منصور بن حازم في الموثق قال : «سألته عن الشاة بالشاتين ، والبيضة
بالبيضتين ، قال : لا بأس ما لم يكن كيلا ولا وزنا».
وما رواه في
الفقيه عن داود بن الحصين «أنه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام)
__________________
عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين قال. لا بأس ما لم يكن مكيلا ولا
موزونا».
وما رواه المشايخ
الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : لا بأس بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا أو وزنا».
ونحوها موثقة أخرى لمنصور بن حازم ، وقد تقدمت في المسألة الاولى.
وما رواه في
الكافي عن على بن إبراهيم عن رجاله عمن ذكره في فصل طويل في
المعاوضات قال : «وما عد عددا ولم يكل ولم يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد ،
ويكره النسيئة».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «واعلم أن الربا ربا آن ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، فاما الربا الذي يؤكل فهو
هديتك الى رجل تطلب الثواب أفضل منه ، فأما الربا الذي لا يؤكل ، فهو ما يكال أو
يوزن».
واحتج الأصحاب
على ذلك ـ زيادة على الاخبار ـ بان الأصل الجواز ، ولأن الإنسان مسلط على ماله ،
وحاكم فيه ، فلا يمنع فيه الا بدليل ، ونقل عن الشيخ المفيد أنه احتج بعموم النهى
عن الربا ، وهو في اللغة الزيادة ، وهي متحققة في المعدود.
وبما رواه محمد
بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الثوبين الرديين». الخبر وقد تقدم في المسألة
الاولى.
وموثقة سماعة قال : «سألته عن بيع الحيوان اثنين بواحد ، فقال : إذا
سميت الثمن فلا بأس».
__________________
وأجاب في
المختلف عن الدليل الأول بأن الزيادة المطلقة غير معتبرة ، بل لا بد من شرائط معها
، فخرجت الحقيقة اللغوية عن الإرادة ، وعن الأحاديث بأن الكراهة قد تكون للتنزيه
بل هو المعنى المتعارف منها.
أقول : أما
الخبر الأول فقد تقدم احتمال خروجه مخرج التقية أيضا.
وأما خبر
الثاني فمن المحتمل قريبا أن يكون لفظ الثمن هنا وقع تحريف لفظ السن ، كما ورد في موثقة
سعيد بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال : نعم لا
بأس إذا سميت بالأسنان جذعين أو ثنتين ، ثم أمرني فخططت على النسيئة» . وقد تقدم أن الأمر بالخط على النسيئة انما وقع تقية
كما ذكره بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم).
والشيخ (رضوان
الله عليه) في الاستبصار قد حمل هذا الخبر على الاستظهار والاحتياط ، قال : لأن
الأفضل والأحوط أن يقوم كل واحد منها على جهة ويكون البيع على القيمة ، وان لم يكن
ذلك محظورا.
وأيده بما رواه
في الصحيح عن ابن مسكان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) أنه سئل عن الرجل يقول : عاوضني بفرسي فرسك ، وأزيدك
قال : لا يصلح ، ولكن يقول : أعطني فرسك بكذا وكذا وأعطيك فرسي بكذا وكذا». وكيف كان
فالعمل على القول المشهور والله العالم.
المسألة
الثامنة ـ قالوا المعتبر في الكيل والوزن ما كان في عهده (صلىاللهعليهوآله) فمتى علم ذلك ، اتبع وجرى فيه الربا وان تغير حاله بعد
، ولا فرق بين أن يكون ذلك في بلده (عليهالسلام) أو غير بلده إذا أقر أهله عليه ، وما لم يعلم حاله
يتبع عادة البلدان ، فان اختلفت كانت لكل بلد حكم نفسه ، مصيرا الى العرف الخاص
__________________
عند تعذر العلم ، فكل بلد يكون فيها مكيلا أو موزونا يثبت فيه الربا ، وكل
بلد لا يكون كذلك يجوز البيع متفاضلا ونسيئة من غير مانع.
قال : بعض
المحققين والظاهر أن الحكم للبلد ، لا لأهله وان كان في بلده غيره ، ولا يخفى ما
فيه من الغموض ، وان كان مراده أن الحكم لأهل البلد الساكنين فيها دون من خرج منها
الى بلد ليست كذلك ، وقيل : وهو منقول عن الشيخين وسلار.
وابن إدريس
يغلب جانب التقدير بالكيل أو الوزن على جانب العدد والجزاف أخذا بالأحوط .
ووجه الأول بأن
المعتبر العرف عند عدم الشرع ، وكما أن عرف تلك البلد التقدير ، فيلزمه حكمه ،
وعرف الأخرى الجزاف مثلا فيلزمه حكمه ، صرفا للخطاب الى المتعارف من الجانبين.
__________________
ووجه الثاني
بصدق المكيل والموزون على ذلك في الجملة ، قالوا : انه قد ثبت أن أربعة كانت مكيلة
في عهده (صلىاللهعليهوآله) وهي الحنطة والشعير والتمر والملح ، نقل عليه في
التذكرة إجماع الأمة ، فلا يباع بعضها ببعض الا كيلا وان اختلف في الوزن ، واستثنى
ـ في التذكرة ـ ما يتجافى منه في المكيال ، كالقطع الكبار من الملح ، فيباع وزنا
لذلك ، وما عداها ان ثبت له في عهده (صلىاللهعليهوآله) أحد الأمرين ، والا رجع الى عادة البلد.
ولو عرف أنه
كان مقدرا في عهده (صلىاللهعليهوآله) وجهل اعتباره بأحدهما قالوا : احتمل التخيير ، وتعين
الوزن ، لأنه أضبط واختاره في التذكرة ، واستحسنه في المسالك.
أقول : وفي حكم
الأربعة المذكورة في الاتفاق على كونهما من المكيل في عهده (صلىاللهعليهوآله) الدنانير والدراهم وكونهما موزونة ، لاتفاق الأمة كما
ذكره في التذكرة أيضا على ثبوت الربا في هذه الستة أعني الأربعة المتقدمة مع هذين
، ومن الظاهر أن هذين ليست من المكيل ، فليس إلا أنهما موزونة ، ويعضده استفاضة
الأخبار بأنهما من الموزون في عصرهم (عليهمالسلام).
ثم أقول : لا
يخفى أن جميع الحبوب من حنطة وشعير وأرز وعدس وماش والتمر والرطب ونحوها وما يتفرع
من كل منها وكذا الألبان والادهان ونحوها في هذه الأزمنة المتأخرة انما تباع
بالوزن ، والكيل الذي كان أولا غير معمول عليه بين الناس بالكلية ، فيشكل الحكم في
هذه الأجناس الأربعة التي اتفقوا على كونها مكيلة في عصره (صلىاللهعليهوآله) باعتبار بيعها وزنا ، حيث انهم صرحوا بأن ما كان مكيلا
لا يجوز بيعه بغير الكيل ، وكذا الموزن مع قطع النظر عن حصول الربا وعدمه وهكذا
يجري في باب الربا ايضا ، وقد صرح في التذكرة بأنه لا يجوز بيع شيء من المكيل بشيء
من جنسها وزنا بوزن وان تساويا.
نعم نقل في
المسالك ـ عن بعضهم ـ انه نقل الإجماع على جواز بيع الحنطة
والشعير وزنا ، مع الإجماع ـ كما عرفت ـ على كونهما مكيلين في عصره (صلىاللهعليهوآله) وقال في التذكرة أيضا : وما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا
سلفا وتعجيلا ، ولا يجوز بيعه بمثله وزنا ، لان الغرض في السلف والمعجل تعيين جنس
معرفة المقدار ، وهو يحصل بهما ، والغرض هنا المساواة ، فاختص المنع في بعضه ببعض
به ، وقال أيضا : كما لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ، كذا لا يجوز بيعه مكيلا ،
إلا إذا علم عدم التفاوت فيه ، وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا ولا موزونا الا مع
عدم التفاوت ، وقال أيضا : لو كان حكم الجنس الواحد مختلفا في التقدير ـ كالحنطة
المقدرة بالكيل ، والدقيق المقدر بالوزن ـ احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن
للاختلاف قدرا ، وتسويغه بالوزن.
أقول لقائل أن
يقول : ان المستفاد من الاخبار ثبوت الكيل والوزن في الجملة ، وأن البيع في جملة
من الاخبار انما يقع بهما ، وأن الربا انما يقع فيهما ، ولم يقم لنا دليل واضح أن
ما كان مكيلا لا يجوز بيعه وزنا ، وكذا العكس سواء كان في باب الربا أو غيره ،
سيما مع ما صرح به جملة منهم من أن الوزن أضبط ، وانه الأصل ، وعموم أدلة جواز
البيع كتابا وسنة يقتضي الجواز كيف اتفق من أحد هذين الأمرين ، ويعضده ما تقدم من
نقل الإجماع على جواز بيع الحنطة الشعير وزنا مع الإجماع على أنها من المكيل في
عصره (صلىاللهعليهوآله).
وبالجملة فأقصى
ما يستفاد من الأدلة في باب البيع هو وجوب معرفة المبيع والثمن بالوزن أو الكيل ،
دفعا للغرر والنزاع ، وكذا في باب الربا أنه لا يقع إلا في المكيل أو الموزون ،
واما ان ما علم كونه في الزمن السابق مكيلا أو موزونا لا يجوز الخروج من أحدهما
إلى الأخر فلم نقف فيه على دليل ، وأصالة العدم قائمة ، وأصالة الصحة في العقود ثابتة
، حتى يقوم دليل على الخروج عن ذلك.
وكيف كان
فالأولى مراعاة الاحتياط في أمثال هذه المقامات والله العالم بحقائق أحكامه.
المسألة
التاسعة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا ربا بين الوالد
وولده ، ولا بين المولى ومملوكه ، ولا بين الرجل وزوجته ، وعن المرتضى (رضى الله
عنه) في بعض أجوبته : انه حكم بثبوت الربا بينهم ، وحمل الخبر الوارد بالنفي على
النهي ، وجعله من قبيل قوله (سبحانه) :
«فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ»
الا انه صرح
بالرجوع من ذلك ، وانتصر للقول المشهور وادعى عليه الإجماع قال ـ (قدسسره) : قد كنت فيما تأولت ـ في جواب مسائل وردت من الموصل ـ
الأخبار التي يرويها أصحابنا المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه ـ ـ على ان المراد
بذلك وان كان بلفظ الخبر ـ معنى الأمر ، كأنه قال : يجب ان لا يقع بين ما ذكرناه
ربا ، كما قال الله (تعالى) «وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً» وقوله (تعالى) «فَلا رَفَثَ وَلا
فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ»
وقوله عليهالسلام «العارية مردودة والزعيم غارم». ومعنى ذلك كله معنى الأمر والنهى ، وان
كان بلفظ الخبر واعتمدنا في نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن وان الله حرم
الربا على كل متعاقدين بقوله «لا تَأْكُلُوا
الرِّبَوا» وهو شامل للوالد وولده ، والرجل وزوجته ، ثم لما تأملت
ذلك رجعت عن هذا المذهب لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفى الربا بين من ذكرناه ،
وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت انه حجة ، ويخص
بمثله ظواهر القرآن ، والصحيح نفى الربا بين من ذكرناه الى آخر كلامه زيد في
مقامه.
__________________
وابن الجنيد
فصل هنا بين الوالد وولده فقال : لا ربا بين الوالد وولده ، إذا أخذ الوالد الفضل
الا ان يكون له وارث أو عليه دين.
والذي وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي عن عمرو بن جميع عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيد وعبده ربا».
ورواه في الفقيه مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) مثله ، قال : في الكافي وبهذا الاسناد «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم الف درهم
بدرهم ، نأخذ منهم ولا نعطيهم».
ورواه في
الفقيه مرسلا بنقصان قوله «نأخذ منهم الف درهم بدرهم». وإثبات
ما قبله وما بعده. وما رواه في الكافي عن زرارة وعن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين عبده ، ولا
بينه وبين اهله ربا ، انما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك ، قلت : فالمشركون
بيني وبينهم ربا؟ قال : نعم ، قلت : فإنهم مماليك ، فقال : انك لست تملكهم ، انما
تملكهم مع غيرك أنت وغيرك فيهم سواء ، والذي بينك وبينهم ليس من ذلك ، لان عبدك
ليس مثل عبدك وعبد غيرك».
ورواه في
التهذيب عن زرارة ومحمد عنه (عليهالسلام) : مثله. وما رواه في الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) : ليس بين المسلم وبين الذمي ربا ، ولا بين المرأة
وزوجها ربا».
وما رواه في
الفقيه «قال سأل على بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليهالسلام)
__________________
«عن رجل أعطى عبده عشره دراهم ، على ان يؤدى العبد كل شهر عشرة دراهم أيحل
ذلك؟ قال : لا بأس». ورواه في التهذيب مسندا عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) مثله» ورواه على بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليهالسلام) مثله ، وزاد ، وسألته عن رجل اعطى رجلا ثمانمائة درهم
يعمل بها على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر هل يحل ذلك؟ قال : لا هذا الربا
محضا. وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «وليس بين الوالد وولده ربا ، ولا بين الزوج والمرأة ، ولا بين المولى
والعبد ، ولا بين المسلم والذمي». انتهى.
قال في الكفاية
: ومستند المشهور رواية زرارة ومحمد بن مسلم مؤيدة برواية عمرو بن جميع ، وشيء
منها لم يبلغ حد الصحة ، مع ان عموم الكتاب والاخبار الكثيرة يخالفه ، فان ثبت
إجماع كان هو المتبع ، والا فالصواب العمل بالكتاب انتهى.
وضعفه أظهر من
أن يخفى ، فإنه لا خلاف بين الأصحاب ـ ممن ذهب الى هذا الاصطلاح المحدث ومن لم
يذهب إليه ـ في العمل بهذه الاخبار ولم يقل أحد منهم غير المرتضى ومن يحذو حذوه
وهو أقل قليل على غير هذه الاخبار لصحتها وصراحتها.
فأما صحتها عند
المتقدمين فظاهرة ، وأما عند المتأخرين فلجبر ضعف أسانيدها باتفاق الأصحاب على
العمل بها ، وبها خصصوا عموم الكتاب والاخبار المذكورة ، على أن الدليل غير منحصر
في الروايتين المشار إليهما في كلامه ، بل هو مضمون أخبار عديدة ، وفيها الصحيح
كرواية على بن جعفر برواية الفقيه ، فان طريقه في المشيخة الى على بن جعفر صحيح ،
وهي من مرويات كتابه ، وهو من الأصول المشهورة الثابتة الصحة.
وبالجملة فإن
ما ذكره هنا ، من المناقشات الواهية التي لا يلتفت إليها ، والظاهر
__________________
انه تبع في هذا المقام المحقق الأردبيلي حيث أشار الى ذلك فقال ـ بعد نقل
روايتي عمرو بن جميع وزرارة ومحمد بن مسلم ونقل دعوى المرتضى الإجماع ـ ما ملخصه :
والإجماع غير ظاهر ، ولهذا ذهب السيد الى الثبوت ، وقال : معنى نفى الربا نهي مثل «فَلا رَفَثَ وَلا
فُسُوقَ وَلا جِدالَ» وابن الجنيد ذهب الى عدم الثبوت من جانب الوالد فقط ،
والحديث غير صحيح ، وعموم أدلة التحريم قوى ، ويمكن أن يقال : لا ربا بين الرجل
وولده بمعنى جواز أخذ الوالد من مال ولده لا العكس ، ويؤيد بأخبار أخر مثل أن
الولد وماله لوالده. انتهى.
وفيه أولا ما
عرفت آنفا ، وثانيا ان الاستناد في عدم ظهور الإجماع إلى كلام المرتضى المذكور عجب
منه (قدسسره) فان المرتضى قد عدل عن هذا الكلام بعد ظهور الإجماع له
، كما صرح به في كلامه المتقدم ، وهو مؤذن بأن قوله بهذا القول وقع غفلة وذهولا عن
ملاحظة الإجماع ، فلما انكشف له ثبوت الإجماع عدل عنه الى قول المشهور فصار هذا
الكلام في حكم العدم ، فكيف يصلح لان يطعن به على دعوى الإجماع.
وثالثا أن ما ادعاه
من حمل نفى الربا بين الوالد والولد ـ على الصورة المذكورة مستندا الى الاخبار
المشار إليها ـ مردود بما حققناه في تلك المسألة ، من أن هذه الاخبار على ظاهرها
مخالفة للعقل والنقل ، كتابا وسنة ، مع معارضتها بغيرها ، وبينا أنها انما خرجت
مخرج التقية ، فلا اعتماد عليها في حد ذاتها فضلا عما ذكره هنا.
وبالجملة فإن
مناقشته في المقام ـ بعد ما عرفت من اخبارهم (عليهمالسلام) واتفاق الأصحاب على العمل بها قديما وحديثا ـ مما لا
ينبغي أن يصغى إليها ، ولا يعرج في مقام التحقيق عليها ، ولم يبق الا خلاف ابن
الجنيد ، وضعفه ـ كسائر أقواله التي ينفرد بها ـ أظهر من أن يذكر ، وأقواله غالبا
لا يخرج عن مذهب العامة ، ولهذا صرح جملة من علماء الرجال بإطراح أقواله لعمله
بالقياس المتفق على النهى عنه في الشريعة نصا وفتوى ، مع ظهور الأخبار المذكورة في
رده ، فنقل المحقق المذكور
لقوله للتسجيل به على الطعن في الإجماع غير حقيق بالاتباع والاستماع.
بقي الكلام هنا
في مواضع ـ الأول هل المراد بالولد في هذا المقام ، هو الولد النسبي دون الرضاعي ،
وأن يكون للصلب فلا يتعدى الى الجد مع ولد الولد؟ إشكال ينشأ من الاقتصار في
الرخصة على مورد اليقين ، ومن صحة إطلاق الولد شرعا على من ذكرناه من ولد الولد بل
ولد البنت ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الخمس. وكذا الولد الرضاعي ، الا أن الظاهر
في الولد الرضاعي بعده ، لعدم انصراف الإطلاق إليه ما لم يقيد ، وأما الولد مع
الام فلا إشكال في ثبوت الربا بينهما ، وبما ذكرنا من تخصيص الولد بالنسبي وأن
يكون للصلب صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة مع احتمال المعنى الأخر ،
ونحوه المحقق الشيخ على (قدسسره) في شرح القواعد ، وبالعموم صرح في الدروس فقال : ولا
بين الولد ووالده وان علا والاحتياط يقتضي الاقتصار على المعنى الأول.
الثاني ـ الأكثر
على أنها لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمتمتع بها ، وبه صرح العلامة في أكثر
كتبه وغيره ، لعموم النص ونقل عن العلامة في التذكرة انه خص الزوجة بالدائم ،
مستندا الى أن التفويض في مال الرجل انما ثبت في حق الدائم ، فإن للزوجة أن يأخذ
من مال الرجل المأدوم. ورد بأن في معارضة ذلك لعموم النص منع ظاهر.
وظاهر المحقق
الأردبيلي المناقشة هنا أيضا بناء على ما قدمنا نقله عنه ، حيث قال : وأما بين
الزوجة والزوج فمثل ما تقدم ، فان كان إجماع يقتصر عليه مثل الدائمة ، كما اختاره
في التذكرة مؤيدا بجواز أكلها من بيت زوجها ، وفي بعض الروايات الصحيحة تسلط الزوج
على مالها بحيث لا يجوز لها العتق إلا بإذنه ، فلا يبعد عدمه بينهم من الطرفين على
تقدير الإجماع ، والا فعموم أدلة منع الربا متبع. انتهى وضعفه ظاهر مما قدمناه.
الثالث ـ الظاهر
من كلام أكثر الأصحاب أنه لا ربا بين المسلم والحربي ،
بمعنى أن للمسلم أخذ الفضل منه ، دون العكس ، فإنه محرم ، وأطلق جماعة نفي
الربا بينهما من غير فرق بين أخذ المسلم الزيادة أو الحربي. وممن أطلق الشيخ في
النهاية ، ومقتضاه جواز أخذ الحربي الزيادة ، ورده ابن إدريس وهو الحق.
وبنحو ما ذكره
الشيخ صرح ابن البراج ، فقال : ولا ينعقد الربا بين الوالد وولده ، والسيد وعبده ،
والحربي والمسلم ، والمرأة وزوجها ، يجوز أن يأخذ كل واحد ممن ذكرنا من صاحبه
الدرهم بدرهمين ، والدينار بدينارين.
والذي يدل على
ما هو المشهور ما تقدم نقله عن النبي (صلىاللهعليهوآله) برواية الكافي والفقيه من نفى الربا بين المسلم وأهل الحرب ، وان المسلم يأخذ
منهم ولا يعطيهم ، وهو صريح في المطلوب ، ولا يضر ضعف السند عندنا سيما مع تأيد
ذلك بحل مال الحربي ، وقد صرح في التذكرة بأنه لا فرق بين كونه معاهدا أم لا ، لأن
الحربي فيء لنا وأمانة ، وان منع من أخذ ماله من غير حق ، الا أنه إذا رضي بدفع
الفضل انتقض أمانه فيه.
بقي الكلام في
رواية زرارة ومحمد بن مسلم من حيث دلالتها على حصول الربا بين المسلم والمشرك ،
ولم أقف على من تعرض لنقلها في المقام ، فضلا عن الجواب عنها الا المحقق الأردبيلي
، وظاهره الجمع بينها وبين الرواية المتقدمة ـ مع ميله الى العمل برواية زرارة
ومحمد بن مسلم لوضوح سندها وتأيدها بعموم الأدلة كما أشار إليه آنفا ـ بحمل
الرواية الأولى على غير المعاهد ، وحمل هذه على المعاهد ، والأصحاب كما تقدم في
كلام العلامة لم يفرقوا بينهما ، كما هو ظاهر الخبر الأول.
الرابع ـ نفى
الربا في الاخبار المتقدمة بين السيد وعبده ، أما من حيث عدم ملكه فالبيع غير صحيح
، والأمر واضح ، لصدق عدم الربا ، وأما بناء على ملكه فيكون العلة النص ، وان لم
يظهر له وجه ينزل عليه ، وكان الاولى لمن يقول بعدم
__________________
ملكه ترك ذكره في هذا المقام ، الا أنه لما ورد به النص تعرضوا له.
وظاهر المحقق
الأردبيلي هنا أيضا المناقشة في الحكم على تقدير القول بملكه ، قال : وأما عدم
الثبوت بين العبد وسيده ، فبناء على القول بأنه لا يملك واضح ، وأما على القول
الأخر فلا يظهر ، إذ الرواية غير صحيحة ، ولا يعرف غيرها ، الا أن يدعى الإجماع
فيقتصر على موضعه وهو القن الخاص لا المكاتب مطلقا ، ولا المشترك كما يشعر به
الرواية المتقدمة. انتهى.
وفيه أن
الرواية التي أشار إليها ، وهي رواية زرارة ومحمد بن مسلم وظاهره أنه لم يطلع على غيرها وان كانت غير صحيحة
باصطلاحه الذي يدور مداره ، الا أن رواية على بن جعفر صحيحة كما أشرنا إليه آنفا ، وموردها المملوك وسيده ، فلا مجال لما ذكره من
المناقشة ، وعدم ظهور الوجه من النص ليحمل عليه لا يدل على العدم ، والواجب
التسليم لما ثبت عنهم (عليهالسلام) سواء ظهر لنا الوجه فيه أم لا ، وقد صرح الأصحاب بأنه
لا بد هنا من اختصاص الملك بالسيد ، فلو كان مشتركا ثبت
__________________
الربا بينه وبين كل من الشركاء ، ويدل عليه ما تقدم في رواية زرارة ومحمد
بن مسلم . والمدبر وأم الولد في حكم القن ، وفي المكاتب بقسميه
إشكال ، ينشأ من إطلاق النص ومن انقطاع سلطنته عليه ، فهو كالأجنبي منه ، وظاهر
كلام المحقق المتقدم ذكره ثبوت الربا بينه وبين سيده ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك ايضا ، مع احتماله العدم والاحتياط ظاهر.
الخامس ـ المشهور
بين الأصحاب ثبوت الربا بين المسلم والذمي ، لعموم أدلة التحريم ، ولان مال الذمي
محترم. وذهب السيد المرتضى وابنا بابويه وجماعة الى عدم ثبوته ، وعليه دلت الأخبار
المتقدمة.
والذي يقرب
عندي أن هذه الاخبار انما صرحت بنفي الربا بين المسلم والذمي ، بناء على أن أهل
الكتاب ـ في تلك الأعصار فضلا عن زماننا هذا ـ قد خرقوا الذمة ، ولم يقوموا بها
كما صرح به جملة من الاخبار ، ومن ثم دل جملة من الاخبار على أن مالهم فيء
للمسلمين ، وجواز استرقاقهم ، كما صرح به جملة من الأصحاب أيضا ، وحينئذ فلا
اشكال. وعلى هذا فيختص جواز أخذ الفضل بالمسلم ، دون الذمي كما تقدم في الحربي .
السادس ـ لا
يخفى انه حيث أن المشهور بين متأخري أصحابنا هو الحكم بإسلام المخالفين ، ووجوب
اجراء حكم الإسلام عليهم فإنه يكون الحكم فيهم كما في المؤمنين. وأما على ما يظهر
من الاخبار وعليه متقدمو علمائنا الأبرار وجملة من متأخري المتأخرين في قرب هذه
الأعصار ـ من أن حكمهم حكم الحربي في جواز القتل وأخذ المال والنجاسة ونحو ذلك من
الأحكام ، لاستفاضة الاخبار بل تواترها معنا بكفرهم وشركهم ، وما يترتب على ذلك من
الأحكام المتقدمة ونحوها ، فينبغي دخولهم في الكافر الذي دلت عليه الاخبار
المتقدمة ، وأن يكون حكمهم كذلك ،
__________________
وبطريق أولى الخوارج ، ونحوهم ممن اتفقوا على كفرهم ونجاستهم وجواز قتلهم
وأخذ أموالهم ، وان لم يتعرضوا هنا لذكرهم ، الا أن مقتضى ذلك دخولهم تحت إطلاق
الكافر والمشرك والحربي ونحوها من هذه الاخبار. والله العالم.
تنبيهات
الاولى ظاهر
الأصحاب جواز بيع درهم ودينار أو درهم ومتاع بدينارين أو درهمين ، بل نقل في
المسالك أنه موضع وفاق وقال العلامة في التذكرة : وهو جائز عند علمائنا أجمع ، وبه
قال أبو حنيفة حتى لو باع دينارا في خريطة بمأة دينار جاز.
أقول : ويعضده
ما تقدم في آخر المسألة الثالثة من أن ما يعمل من جنسين ربويين أو يضم أحدهما إلى
الأخر في عقد واحد ، فإنه لا خلاف ولا إشكال في بيعها بهما أو بأحدهما بشرط زيادته
على مجانسيه ، وينصرف كل من الثمن الى ما يخالفه من المبيع ، ويدل على ذلك جملة من
الاخبار.
منها ما رواه في
التهذيب عن الحسن بن صدقة عن أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «قلت له : جعلت فداك انى أدخل المعادن وأبيع
الجوهر بترابه بالدنانير والدراهم ، قال : لا بأس به ، قلت : وأنا أصرف الدراهم
بالدراهم وأصير الغلة وضحا وأصير الوضح غلة؟ قال : إذا كان فيها (ذهب) فلا بأس قال
: فحكيت ذلك لعمار بن موسى (الساباطي) قال : كذا قال : لي أبوه ، ثم قال لي : الدنانير اين
تكون؟ قلت : لا أدرى ، قال عمار ، قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) : تكون مع الذي ينقص».
__________________
أقول : والوضح
هو الدرهم الصحيح الذي لا ينقص شيئا ، والغلة بالكسر الدراهم المغشوشة. وفي بعض
الاخبار «فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا وخمسين بألف» فزيادة الذهب حينئذ يكون في جانب
الغلة ليقع كل في مقابلة مخالفه.
وما رواه عن
ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الدراهم بالدراهم وعن فضل ما بينهما
فقال : إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس».
وعن عبد الرحمن
بن الحجاج في حديث قال : «قلت له : اشترى الف درهم ودينار بألفي
درهم؟ قال : لا بأس بذلك ، ان أبى (عليهالسلام) كان اجرأ على أهل المدينة مني ، وكان يقول هذا ،
فيقولون انما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم
لحم لم يعط ألف دينار ، فكان يقول لهم : نعم الشيء الفرار من الحرام الى الحلال».
الى غير ذلك من الاخبار الاتية في باب الصرف إنشاء الله ـ تعالى ـ مثل أخبار
المراكب المحلاة ، والسيف المحلى
كرواية أبي
بصير قال : سألته عن السيف المفضض يباع بالدراهم ، قال : إذا كانت فضته أقل من
النقد فلا بأس ، وان كانت أكثر فلا يصلح.
وبالجملة فقد
اتفق الإجماع والاخبار في الدلالة على صحة ذلك ، ويزيده تأكيدا أن الربا انما يكون
في بيع أحد المتجانسين المقدرين بالكيل أو الوزن مع التفاضل ، أو نسيئة الأخر ،
وما نحن فيه ليس كذلك ، لان المركب من الجنسين أو مع ضم أحدهما إلى الأخر في العقد
ليس بجنس واحد ، الا أن شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قد أورد هنا إشكالا في
المقام ، فإنه بعد أن نقل اتفاق أصحابنا على
__________________
الحكم المذكور ، ونقل عن الشافعي الخلاف في ذلك محتجا بحصول التفاوت عند
المقابلة على بعض الوجوه ، كما لو بيع مد ودرهم بمدين ، والدرهم ثمن لمد ونصف بحسب
القيمة الحاضرة ، ثم أجاب عنه بأن الزيادة حينئذ بمقتضى التقسيط لا بالبيع ، فإنه
انما وقع على المجموع بالمجموع.
قال : ويشكل
الحكم لو احتيج الى التقسيط شرعا ، كما تلف الدرهم المعين قبل القبض أو ظهر مستحقا
مطلقا ، وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا ، فإنه حينئذ يحتمل
بطلان البيع من رأس ، للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، كما لو باع مدا ودرهما
بمدين أو درهمين مثلا ، فان الدرهم التالف إذا كان نصف المبيع ، بأن كانت قيمة
المد درهما يبطل البيع في نصف الثمن ، فيبقى النصف الأخر ، وحيث كان منزلا على
الإشاعة ، كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابلة
المد ، فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان الى آخر ما ذكره من الكلام ، وتعدد الاحتمال
في المقام.
وفيه ان هذا لا
يوجب إشكالا في أصل المسألة لخروجها بهذا الفرض عما هي عليه أولا ، والغرض انما هو
بيان صحة الحكم بما ذكرنا كما اتفقت عليه الاخبار والإجماع في الصورة المفروضة ،
وأما مع الخروج عنها الى فرض آخر كما إذا اتفق الأمر كما ذكره ، فهي مسألة أخرى ،
يرجع فيها إلى الأصول المقررة والقواعد المعتبرة ، فلا اشكال بحمد الله الملك
المتعال.
الثاني ـ قال
في الخلاف : يجوز بيع مد طعام ، بمد طعام وان كان في أحدهما فضل ، وهو عقد التبن أو
زوان ، وهو حب أصغر منه دقيق الطرفين ، أو شيلم وهو معروف ، واحتج بالآية وعدم المانع ، ونحوه في المبسوط الا أنه قال فيه : وقال
قوم لا يجوز وهو الأحوط ، والمشهور بين الأصحاب الجواز ، صرح به ابن إدريس ومن
تأخر عنه ، واحتجوا بأنها تابعة ، فلا يؤثر في المنع ، ولا في المماثلة
__________________
والتجانس ، ولهذا لو اشترى منه طعاما ودفع اليه مثل ذلك مما جرت العادة
بكونه فيه ، وجب عليه القبض.
وبالجملة فإن
جرى العادة بذلك واستمرار الناس على الرضاء به وأخذه في الأجناس أسقط حكم الزيادة
به فيما نحن فيه ، ونحوه الدردي في الخل والدبس ، والثقل في البزر ونحو ذلك. نعم
لو زاد ذلك عن مقتضى العادة فلا إشكال في المنع.
الثالث ـ منع
الشيخ في النهاية ـ عن بيع السمن بالزيت متفاضلا نسيئة ، والمشهور بين الأصحاب
الصحة ، لاختلاف الجنسين ، والظاهر أنه استند الى ما رواه في التهذيب وكذا رواه الصدوق في الفقيه في الحسن عن عبد الله بن
سنان «قال سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا ينبغي للرجل إسلاف السمن في الزيت ، ولا الزيت
بالسمن».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أسلف رجلا زيتا على أن يأخذ سمنا قال : لا يصلح».
والأصحاب قد حملوها على الكراهة ، وهو أحد احتمالي الشيخ أيضا في كتابي الاخبار ،
فإنه جمع بين هذين الخبرين ، وبين رواية وهب ، بحمل هذين الخبرين اما على المنع من
إسلاف الزيت في السمن إذا كان بينهما تفاضل ـ لان التفاضل بين الجنسين المختلفين
انما يجوز إذا كان نقدا ، وإذا كان نسيئة فلا يجوز ـ واما أن يكون على الكراهة ،
قال : ولأجل ذلك قال : «لا يصلح ولا ينبغي ولم يقل أنه لا يجوز وذلك حرام. انتهى.
ومنع ـ في
النهاية ـ أيضا من بيع السمسم بدهنه ، والكتان بدهنه وتبعه ابن إدريس وقال ـ في
المختلف بعد نقل ذلك عنهما ـ : والحق أنه لا يجوز التفاضل فيهما ويجوز التساوي ،
لنا أنهما إما متساويان في الجنس فيباع أحدهما بمتساويه
__________________
في المقدار ، واما مختلفان فيباع أحدهما بالاخر مطلقا. انتهى. وهو جيد.
الرابع ـ قال
في الخلاف والمبسوط : يجوز بيع الحنطة بالسويق منه وبالخبز والفالوذج المتخذ من
النشاء مثلا بمثل ، ثم قال في المبسوط : «ولا يجوز متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز
نسيئة ، وأما الفالوذج فيجوز بيعه بالحنطة أو الدقيق متفاضلا ما لم يؤد الى
التفاضل في الجنس ، لان فيه غير البشاء.
والتحقيق أن ما
ذكره بالنسية الى الفالوذج ان بيع بأقل منه وزنا بحيث يحصل التفاضل اما بجنسه أو
بغير جنسه لم يجز ، وإلا جاز ، لأن المقتضي للمنع ثبوت الربا وان بيع بأزيد منه
وزنا ، فإنه لا ربا ، لان هذه الزيادة في الحنطة الذي هو الثمن في مقابلة ما اشتمل
عليه الفالوذج من الجنس الأخر.
الخامس ـ قد
يتخلص من الربا بوجوه ، منها ـ أن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غيرها
، ثم يشترى صاحبه ذلك الجنس بالثمن وكذا لو تواهبا بأن وهب كل منهما الأخر سلعته لصاحبه ، أو أقرض كل واحد
منهما سلعته ثم تباريا ، وكذا لو تبايعا ووهبه الزيادة ، كل ذلك من غير شرط.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك ـ ونعم ما قال ـ : ولا يقدح في ذلك كون هذه الأمور غير
مقصودة بالذات ، والعقود تابعة للقصود ، لان قصد التخلص من الربا انما يتم مع
القصد الى بيع صحيح ، أو قرض أو غيرهما من الأنواع المذكورة ، وذلك كاف في القصد ،
إذ لا يشترط في القصد الى قصد جميع الغايات المترتبة عليه ، بل يكفى قصد غاية
صحيحة من غاياته ، وان من أراد شراء دار مثلا ليواجرها ويتكسب بها ، فان ذلك كاف
في الصحة ، وان كان لشراء الدار غايات أخر أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء ،
وكذا القول في غير ذلك من افراد العقود ، وقد ورد
__________________
أخبار كثيرة ما يدل على جواز الحيلة على نحو ذلك. انتهى وهو جيد.
وظاهر كلام
المحقق الأردبيلي هنا يشير الى التوقف في ذلك ، قال في تمثيل ما أشار المصنف : مثل
ان أراد بيع قفيز حنطة بقفيزين من شعير أو الجيد بالرديين ، وغير ذلك يبيع المساوي
بالمساوي قدرا ويستوهب الزائد ، وهو ظاهر لو حصل القصد في البيع والهبة ، وينبغي
الاجتناب عن الحيل مهما أمكن ، وإذا اضطر يستعمل ما ينجيه عند الله ، ولا ينظر الى
الحيل ، وصورة جوازها ظاهر لما عرف من علة تحريم الربا : فكأنه الى ذلك أشار في
التذكرة بقوله : لو دعت الضرورة إلى بيع الربويات مستفضلا مع اتحاد الجنس الى آخره
، وذكر الحيل. انتهى.
المسألة
العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحقق الربا وثبوته في غير البيع من
المعاوضات ، وبالعموم صرح الشهيد الثاني وثاني المحققين في المسالك وشرح القواعد ،
وذكر بعض المحققين أنه قول الأكثر ، وبالاختصاص يشعر كلام المحقق في كتاب البيع من
الشرائع ، والعلامة في الإرشاد والقواعد ، الا أن المحقق في باب الغصب صرح بثبوته
في كل معاوضة ، وهو ظاهر اختياره في باب الصلح ، والعلامة في باب الصلح من القواعد
تردد في ذلك على ما نقله الشارح المتقدم ، وظاهر صاحبي المسالك وشرح القواعد
الاستناد في العموم الى قوله عزوجل «وَحَرَّمَ الرِّبا»
.
وفيه أن أمين
الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان قال في تفسير الآية المذكورة ، معنى «أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا»
أحل الله البيع
الذي لا ربا فيه وحرم البيع التي فيه الربا ، وعلى هذا فيكون الآية دليلا للاختصاص
بالبيع ، ولا أقل أن يكون محتملة لذلك ، وعليه يكون الآية متشابهة لا تصلح للدلالة
على شيء من القولين.
والتحقيق أن
المعلوم من الاخبار ثبوته في البيع والقرض ، وأما غيرهما فإشكال ينشأ من عموم أدلة
الحل ـ كأصالة الإباحة ودلالة الآيات والروايات على أن حصول
__________________
التراضي كاف في الإباحة وحصر المحرمات ، وليس هذا منها ، «والناس مسلطون
على أموالهم» خرج ما خرج من ذلك بدليل ، وبقي الباقي ـ ومن أن الربا
قد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع ، وأنه لغة بمعنى الزيادة مطلقا ، ولم يثبت
له معنى شرعي ولا عرفي يوجب الخروج عن معناه لغة ، وما ذكره الأصحاب في تعريفه مما
قدمنا ذكره في أول الفصل مجرد اصطلاح ، ولكل أن يصطلح على ما شاء مما قام له دليله
، وحينئذ فتعين حمله على معناه اللغوي ، خرج منه ما خرج بدليل من إجماع ونحوه ،
وبقي الباقي تحت التحريم ، ويؤيده ما في كتاب مجمع البيان في علة تحريم الربا ، حيث قال : اما علة تحريمه فقد قيل
: هي ان فيه تعطيل المعايش والإجلاب والمتاجر إذا وجد المربي من يعطيه دراهم وفضلا
بدراهم لم يتجر ، وقال الصادق (عليهالسلام) : «انما شدد في تحريم الربا لئلا يمتنع الناس من
اصطناع المعروف قرضا أو رفدا». انتهى.
أقول ونظير هذا
الخبر الذي ذكره ما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة . في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : انى رأيت الله قد ذكر الربا في غير آية (وكرره) فقال
: أو تدري لم ذلك؟ قلت : لا قال : لئلا يمتنع الناس عن اصطناع المعروف». وعن هشام
بن سالم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «انما حرم الله
__________________
الربا لكيلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف» . والظاهر أن المراد بالمعروف هو ما ذكره في الخبر الأول
من القرض والرفد ، وأما ما ذكره بعض الأفاضل من أن خبر كتاب مجمع البيان انما هو
مضمون هذين الخبرين ، وأن قوله قرضا ورفدا انما هو من كلام صاحب الكتاب تفسيرا منه
للمعروف فالظاهر بعده ، لما علم من نقله في هذا الكتاب كثيرا أخبارا ليست في الكتب
الأربعة ، وأيضا فلفظ خبره غير ألفاظ هذين الخبرين ، ومن القاعدة المعهودة بين
المحدثين في نقل الاخبار أنه متى أريد تفسير بعض الألفاظ في الخبر يشيرون الى ذلك
بلفظ يدل عليه.
وروى الصدوق
بإسناده عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن علة تحريم الربا ، فقال : انه لو كان حلالا لترك
الناس التجارات وما يحتاجون اليه ، فحرم الله الربا ليفر الناس من الحرام الى
الحلال والى التجارات من البيع والشراء ، فيبقى ذلك بينهم في القرض.
ويعضد ما
ذكرناه من العموم أيضا ما نقله في كتاب مجمع البيان عن ابن عباس ، قال : «كان الرجل منهم إذا حل دينه على
غريمه ، فطالبه به ، قال المطلوب منه : زدني في الأجل وأزيدك في المال ، فيتراضيان
عليه ويعملان به ، فإذا قيل لهم : هذا ربا ، قالوا : هما سواء ، يعنون بذلك ان
الزيادة في الثمن حال البيع ، والزيادة فيه بسبب الأجل عند محل الدين سواء فذمهم
الله به ، وألحق الوعيد بهم
__________________
وخطأهم في ذلك بقوله «أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا»
الى ان قال :
والفرق بينهما ان الزيادة في أحدهما لتأخر الدين وفي الأخر لأجل البيع» الى آخره ،
والظاهر انه لذلك صرح الأصحاب بتحريم الزيادة لزيادة الأجل مع أن ذلك ليس بيعا ولا
قرضا.
والظاهر أنه
الى ذلك يشير ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح والحسن بأسانيد عديدة واختلاف لا يضر بالمعنى ، عن ابى جعفر
وأبى عبد الله (عليهماالسلام) «أنه سئل عن الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى
فيأتيه غريمه فيقول له : انقدني كذا وكذا ، وأضع عنك بقيته ، أو يقول : انقدني
بعضه ، وأمد لك في الأجل فيما بقي؟ قال : لا أرى به بأسا ، انه لم يزدد على رأس
ماله ، قال الله جل ثناؤه «فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ ، لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ». فان فيه إشارة الى عدم جواز التأجيل بالزيادة على الحق ، وان كان على سبيل
الصلح ، فإنه ربا ، كما يشير اليه ذكر الآية ، والربا وان حصل بالنقص أيضا الا أن
الخبر المذكور وغيره دل على جوازه.
ويعضد هذا
الخبر الذي هو في قوة أخبار متعددة ، كما أشرنا إليه آنفا ما رواه في الكافي
والتهذيب في الحسن عن أبان عمن حدثه ، عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين ،
فيقول له قبل أن يحل الأجل : عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف ، أيحل ذلك
لواحد منهما؟ قال : نعم».
__________________
ثم ان من
الاخبار الدالة على وقوعه في القرض ما رواه في الفقيه مرسلا مقطوعا ، قال : «الربا رباء ان ، ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، فأما الربا الذي يؤكل فهديتك الى الرجل تطلب منه الثواب
أفضل منها ، فذلك الربا الذي يؤكل ، وهو قول الله عزوجل «وَما آتَيْتُمْ مِنْ
رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ»
وأما الربا الذي لا يؤكل فهو أن يدفع الرجل الى الرجل عشرة دراهم على أن
يرد عليه أكثر منها ، فهذا الذي نهى الله عنه ، فقال (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ)» الاية.
وقال الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي : «واعلم أن الربا رباء ان ربا يؤكل وربا لا يؤكل ،
فأما الربا الذي يؤكل فهو هديتك الى الرجل تطلب الثواب أفضل منه ، فأما الربا الذي
لا يؤكل ، فهو ما يكال ويوزن ، فإذا دفع الرجل الى رجل عشرة دراهم على أن يرد عليه
أكثر منها فهو الذي نهى الله عنه ،
__________________
فقال (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا)» الاية.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن خالد بن الحجاج قال : «سألته عن رجل كانت لي عليه مأة درهم عددا
قضانيها مأة درهم وزنا قال : لا بأس ما لم تشارط ، قال : وقال : جاء الربا من قبل
الشروط ، وانما يفسده الشروط» :.
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن داود الأبزاري قال : «لا يصلح ان تقرض ثمرة وتأخذ أجود منها بأرض أخرى
غير التي أقرضت فيها».
ومن هذه
الروايات يظهر ضعف تخصيص الربا بالبيع ، كما أشرنا إليه آنفا ،
ومما يمكن
الاستدلال به للقول بالعموم أيضا إطلاق جملة من الاخبار المتقدمة في المسائل
السابقة ، مثل صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا ، فاربح
ولا تربه ، قلت : وما الربا؟ قال : دراهم بدراهم ، مثلان بمثل».
والتقريب فيها
ان الدراهم بالدراهم يجري في جميع المعاوضات التي تكون بالدراهم كذلك ، وذكر
الدراهم والمثل بالمثلين انما خرج مخرج التمثيل.
وموثقة عبيد بن
زرارة عن ابى جعفر (عليه) قال : «لا يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن».
وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يصلح التمر اليابس بالرطب».
__________________
وصحيحة أبي
بصير وغيره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما
على الآخر».
ورواية عبد
الرحمن بن ابى عبد الله قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) يجوز قفيز من حنطة ، بقفيزين من شعير؟ قال : لا يجوز
إلا مثلا بمثل».
وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا
نقصان الزائد والمستزيد في النار».
وصحيحة محمد بن
مسلم قال : «سألته عن الرجل يدفع الى الطحان الطعام فيقاطعه على ان يعطى صاحبه
لكل عشرة أرطال اثنى عشر دقيقا؟ فقال : لا قلت : الرجل يدفع السمسم الى العصار ،
ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة ، قال لا».
وظاهر هذه
الرواية المنع من تقبيل الحنطة على الطحان بالدقيق والسمسم على العصار ، ولهذا عد
العلامة تحريم التقبيل واستدل بالرواية المذكورة ، وبالجملة فإن الاحتياط في القول
بالعموم ان لم يكن هو الأظهر ، والله العالم.
الفصل السابع في الصرف
وهو لغة الصوت
، وشرعا بيع الأثمان : وهي الذهب والفضة بالأثمان ، قيل : كأنه انما سمي بذلك لما
يشتمل عليه من الصوت عند تقليبها في البيع والشراء ،
__________________
وانما سمي الجنسان المذكوران ثمنا لأنهما يقعان عوضا عن الأشياء ، ويفترقان
بباء العوض غالبا ، بل نقل العلامة قطب الدين الرازي عن شيخه العلامة الحلي (قدسسرهما) انهما ثمن وان اقترنت الباء بغيرهما ، حتى لو باع
دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار مدعيا على ذلك الاتفاق.
وتحقيق الكلام
في هذا الفصل يقع في مسائل.
الأولى ـ ينبغي
أن يعلم انه يشترط في الصرف ـ زيادة على ما يشترط في مطلق البيع وفي الربا ـ التقابض
قبل التفرق ، فلو تفرقا قبل التقابض بطل ، والكلام في التفرق هنا على حسب ما تقدم
في خيار المجلس وربما عبر بعضهم بالمجلس ، يعنى التقابض في المجلس ،
والأظهر ما ذكرناه كما عبر به كثير منهم ، إذا المدار على عدم التفرق ، فلو فارقا
المجلس مصطحبين فإنه ما لم يفترقا يصح التقابض.
ثم انه قد وقع
الخلاف هنا في موضعين ، أحدهما ـ أنه قد صرح العلامة في التذكرة بأن القبض قبل
التفرق شرط وواجب أيضا ، بمعنى أنهما لو تركاه يأثمان بذلك كما يأثمان بالربا ،
فإن أراد التفرق قبله يفسخان العقد ، ثم يفترقان والا يأثمان ، وهو ظاهر في قطعه
بوجوب الوفاء به ، والتأثيم بتركه اختيارا ، وجعله بمنزلة الربا ، حتى أوجب عليهما
التفاسخ قبل التفرق لو تعذر عليهما التقابض ، وجعل تفرقهما قبله بمنزلة الربوي
نسيئة ، فإن بطلانه لا يغني عن الإثم به.
وهو ظاهر عبارة
الدروس أيضا حيث قال : ويجب فيه التقابض قبل التفرق ، وان كان الوجوب في مثل هذا
المقام قد يعبر عنه عن الشرط ، ويسمى بالوجوب الشرطي ، وقد تقدم نظير هذه المسألة
في كتاب الطهارة ، في الطهارة بالماء النجس وكيف كان فالظاهر بعد ما ذكره ، إذ
غاية ما يستفاد من الاخبار بطلان العقد للإخلال بشرطه.
__________________
وثانيهما
اشتراط التقابض في المجلس أو قبل التفرق هو المشهور ، ونقل عن الصدوق العدم ، فيصح
التقابض ، وان لم يكن في أحد الوصفين المذكورين.
والذي يدل على
المشهور جملة من الاخبار ، ومنها ما رواه الكليني والشيخ (روح الله روحيهما) عن
عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سألته عن الرجل يشترى من الرجل
الدراهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا ، ثم يقول : أرسل
غلامك معى حتى أعطيه الدنانير ، فقال : ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير ، فقلت
: انما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض ، وهذا يشق عليهم ، فقال :
إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ،
ويدفع اليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع اليه الورق».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن منصور بن حازم في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، قال : «إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب ، فلا
تفارقه حتى تأخذ منه ، وان نزا حائطا فانز معه».
وعن محمد بن
قيس في الصحيح عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد ، ولا يبتاع ذهبا
بفضة إلا يدا بيد».
وعن محمد بن
مسلم قال : «سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلا بمثلين ، فقال : لا بأس به
يدا بيد» ، وعن الحلبي في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل ابتاع من رجل بدينار فأخذ بنصفه بيعا وبنصفه
__________________
ورقا؟ قال : لا بأس به ، وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ،
ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا قال : «ما أحب أن أترك شيئا حتى
آخذه جميعا فلا تفعله».
قال المحقق
الأردبيلي ـ بعد نقل هذه الاخبار ـ : وفي دلالة الكل تأمل ، إذ ليست الاخبار
بصريحة في الاشتراط ، بل ولا في الإثم ، لأن يدا بيد كأنه كناية عن النقد لا
النسيئة ، فلا يدل على اشتراط القبض ، ولفظ ما أحب يشعر بالاستحباب وهو ظاهر.
وفي التهذيب
والاستبصار أخبار كثيرة صريحة في جواز النسيئة في بيع الذهب والفضة بعضا ببعض ، وأصل
الصحة وعموم الأدلة أيضا يقتضي عدم البطلان بالمفارقة انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في هذه المناقشة من الضعف الظاهر للخبير الماهر ، أما ما ذكره من عدم الدلالة
على الإثم فجيد ، واما دعوى عدم الصراحة في الاشتراط فالخبر الأول منها صريح
الدلالة في المنع من التأخير بعد نقد الدراهم ووزنها الى أن يرسل غلامه معه ،
والمفروض أنهم في دار واحدة كما صرح به في الخبر ، فلم يرض (عليهالسلام) الا ان يرسل الغلام معه ويجعله وكيلا في البيع
والتقابض في المكان الذي تدفع فيه الورق ، وأى نص أصرح من ذلك.
ومثله صحيحة
منصور الدالة على النهى عن المفارقة حتى يأخذ منه ، والنهى حقيقة في التحريم ،
والمبالغة في أنه ان نزا حائطا فانز معه ، لئلا يحصل المفارقة الموجبة لبطلان
العقد ، فهل فوق هذا التصريح بالشرطية من مزيد ان لم نقل بالوجوب كما قيل به ، ما
هذا الأعجب عجيب من هذا المحقق الأريب.
وأما قوله «ان
يدا بيد» كأنه كناية عن النقد لا النسيئة ، ففيه أنه لا يخفى أن حقيقة هذا اللفظ
المتبادر من حاق النظر فيه انما هو التقابض في المحل ، والمعنى
الذي ذكره انما هو معنى مجازي كما يشير اليه قوله (كأنه) وحمل اللفظ على
خلاف حقيقته لا يصار اليه الا بدليل يمنع من ارادة حقيقته ، والأمر انما هو
بالعكس.
وأما لفظ لا
أحب فإنه وان اشتهر بينهم أنه من ألفاظ الكراهة ، إلا أنا قد حققنا في غير موضع
مما تقدم أن هذا من الألفاظ المتشابهة ، لاستعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثيرا
مع استعماله فيها بمعنى الكراهة ، فلا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة ، والقرينة
هنا على ارادة التحريم ، قوله عليهالسلام في آخر الخبر المذكور «فلا تفعله» الذي هو نهى وحقيقة
في التحريم ، مع اعتضاد ذلك بباقي أخبار المسألة التي قد عرفت صراحتها في الحكم
المذكور.
وبذلك يظهر لك
أن الاخبار المذكورة كلها متفقة الدلالة على الشرطية ، ولو ادعى الوجوب من بعضها
كما قيل به لم يكن بعيدا لهذه النواهي ، من قوله «فلا تفارقه ، ولا تفعله» ولأمر
بأن ينز معه الحائط.
وبالجملة فإن
الظاهر أن هذا المقال انما نشأ من الاستعجال وعدم التأمل فيما نقله من الاخبار
بعين التحقيق والاعتبار.
وأما الاخبار
التي أشار إليها فهي كما ذكره وهي مستند الصدوق فيما تقدم نقله عنه.
ومنها ما رواه الشيخ
عن عمار الساباطي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا بأس أن يبيع الرجل الدينار بأكثر من صرف
يومه نسيئة».
وعن عمار
الساباطي في الموثق ورواه الصدوق عن عمار أيضا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة
قال : لا بأس».
__________________
وعن عمار
الساباطي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الدنانير بالدراهم بثلاثين أو أربعين أو نحو
ذلك نسيئة لا بأس».
وعن زرارة عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال لا بأس ان يبيع الرجل الدينار نسيئة بمائة وأقل
وأكثر».
وعن عمار
الساباطي في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «عن الرجل هل يحل له أن يسلف دنانير بكذا وكذا درهما
إلى أجل معلوم قال : نعم ، وعن الرجل يحل له أن يشترى دنانير بالنسيئة قال : نعم
انما الذهب وغيره في الشراء والبيع سواء».
وعن محمد بن
عمرو «قال كتبت الى
ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) ان امرأة من أهلنا أوصت أن ندفع إليك ثلاثين دينارا ،
وكان لها عندي ، فلم يحضرني فذهبت الى بعض الصيارفة ، فقلت : أسلفني دنانير على أن
أعطيك ثمن كل دينار ستة وعشرين درهما ، فأخذت منه عشرة دنانير بماءتين وستين درهما
وقد بعثتها إليك ، فكتب (عليهالسلام) الي : وصلت الدنانير».
قال الشيخ بعد
نقل اخبار العمار : الأصل فيها عمار ، فلا تعارض الأخبار الكثيرة السابقة ، ثم قال
: ويحتمل ان قوله (نسيئة) صفة لدنانير ، ولا يكون حالا للبيع ، بمعنى ان من كان له
على غيره دنانير نسيئة جاز ان يبيعها عليه في الحال بدراهم ويأخذ الثمن عاجلا.
انتهى.
ولا يخفى ما
فيه من البعد ، وأكثر المتأخرين من أصحاب هذا الاصطلاح المحدث ، ردوا هذه الاخبار
بضعف الاسناد ، واعتمدوا على الإجماع حيث لم يظهر الخلاف في المسألة الا من الصدوق
، وخلاف معلوم النسب غير قادح فيه ، واليه
__________________
يشير كلامه في المسالك .
وبعضهم ممن
يعمل بالموثق احتمل الجمع بين الاخبار بحمل ما دل على المشهور على الفضل
والاستحباب ، وما دل على مذهب الصدوق على الجواز ، وهذه القاعدة الغالبة بينهم في
الجمع بين الاخبار مع تعارضها.
والأقرب عندي
هو حمل هذه الاخبار الأخيرة على التقية ، وإن لم يعلم القائل الان بذلك كما
أوضحناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب المتقدمة في جلد كتاب الطهارة فإن الأخبار المذكورة ظاهرة في المخالفة ، واتفاق
الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور ـ مع تظافر أخبارهم به ـ دليل ظاهر على
كونه ذلك مذهب أئمتهم (عليهمالسلام) ، فان مذهب كل امام لا يعلم الا بنقل اتباعه وعلمهم به
، وتخرج الأخبار المذكورة شاهدا ، وحينئذ فلا مناص فيما خالف ذلك عن الحمل على
النقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، وقد تقدم في المقدمة المشار
إليها دلالة الأخبار المتكاثرة على إيقاعهم (عليهمالسلام) الاختلاف في الأحكام وان لم يكن بها قائل من أولئك
الطغام الذين هم أضل من الانعام.
وربما احتمل
بعض المحدثين حمل الأخبار المذكورة على الأخذ بطريق القرض ، قال : فإنه يجوز رد
العوض بحسب التراضي فيما بعد من غير شرط ولو بزيادة ، كما يأتي إنشاء الله تعالى.
ولا يخفى بعده
من سياق الأخبار المذكورة ، ثم احتمل التقية أيضا وهو جيد لما ذكرناه ، ومما يرجح
الأخبار الأولة موافقتها للاحتياط ، وهذا من جملة المرجحات المنصوصة في مقام
اختلاف الاخبار ، كما اشتملت عليه رواية زرارة والله العالم.
__________________
فروع
الأول ـ قالوا
: لو قبض البعض صح فيما قبض حسب ، وبطل في غير المقبوض ، ويتخير كل منهما في فسخ
المقبوض وإمضائه لتبعيض الصفقة ان لم يكن حصل منهما تفريط في تأخير القبض ، والا
فلا ، ولو اختص أحدهما بعدم التفريط اختص بالخيار.
أقول : قد تقدم
في صحيحة الحلبي «في الرجل يبتاع من رجل بدينار هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ويترك
نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا قال : ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه
جميعا فلا يفعله». وظاهر الخبر مع صحة سنده بطلان المعاملة من رأس ، لا الصحة في
النصف والتخيير في الباقي كما ذكروه.
الثاني ـ قالوا
: لو وكل أحدهما في القبض عنه فقبض الوكيل قبل تفرقهما صح ، ولو قبض بعد التفرق
بطل ، قال في المسالك : الضابط في ذلك أن المعتبر حصول التقابض قبل تفرق
المتعاقدين ، فمتى كان الوكيل في القبض غير المتعاقدين ، اعتبر قبضه قبل تفرق
المتعاقدين ، ولا اعتبار بتفرق الوكيلين ، ومتى كان المتعاقدان وكيلين اعتبر
تقابضهما في المجلس ، أو تقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين ، وبنحو ذلك صرح المحقق
الثاني في شرح القواعد.
الثالث ـ المشهور
بين الأصحاب أنه إذا اشترى الإنسان دراهم بدنانير ، وقبل قبض الدراهم من البائع
اشترى بها دنانير لم يصح الثاني ، لأن ذلك العوض في الصرف موقوف على التقابض ، ولم
يحصل فيكون قد باع ثانيا ما لم يملكه ، وحينئذ
__________________
فلو افترقا والحال كذلك بطل العقدان معا.
أما الأول
فلعدم التقابض وأما الثاني فلما عرفت من بيع ما لم يملكه ، والأصل في ذلك ما ذكره
الشيخ في النهاية ، وتبعه أكثر الأصحاب عليه قال : إذا باع الإنسان دراهم
بالدنانير لم يجز له أن يأخذ بالدنانير دراهم مثلها الا بعد أن يقبض الدنانير ، ثم
يشترى بها دراهم إنشاء.
وخالفه ابن
إدريس فقال : ان لم يتفارقا من المجلس الا بعد قبض الدراهم المبتاعة بالدنانير
التي على المشترى الأول ، فلا بأس بذلك ، وان لم يكن قبضه الدنانير التي هي ثمن
الدراهم الأول المبتاعة ، هذا إذا عينا الدراهم الأخيرة ، فان لم يعيناها فلا يجوز
ذلك ، لانه يكون بيع دين بدين ، وان عيناها لم يصرح بيع دين بدين ، بل يصير بيع
دين بعين.
ورده العلامة
في المختلف بأنه غير جيد قال : أما أولا فلان الشيخ يمنع من بيع ما يكال ويوزن قبل
قبضه ، وأما ثانيا فحكمه بأنه لو اشترى بثمن غير معين كان قد اشترى بالدين ليس
بمعتمد. انتهى ملخصا.
أقول : اما ما
ذكره من التعليل للبطلان في الوجه الأول ، فهو وجه آخر ايضا لعدم الصحة ، زيادة
على الوجه الذي قدمناه ، وهو عدم ملكه لعدم التقابض الذي هو شرط في صحة الملك في
الصرف.
واما ذكره في
الوجه الثاني فهو مبنى على ان الثمن متى لم يكن عينا بل في الذمة ، وان كان حالا
غير مؤجل هل هو من قبيل الدين ، فيصدق على بيع الدين به أنه بيع دين بدين ، أم لا
يصدق ذلك حتى يكون دينا قبل وقوع العقد؟ وظاهر اختيار جملة من الأصحاب الثاني ،
ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ، فإنه صرح بأن ذلك ليس من بيع الدين بالدين ، وانما
يصدق ذلك فيما إذا كان دينا قبل العقد ، وظاهر العلامة هنا ذلك أيضا ، وقد تقدمت
الإشارة الى هذه المسألة وسيأتي تحقيقها إنشاء الله تعالى في باب الدين ، قال في
المسالك. بعد نقل ملخص كلام ابن إدريس ـ :
وينبغي القول بالصحة مطلقا إذا تقابضا قبل التفرق ، وغاية ما يحصل في البيع
الثاني أن يكون فضوليا ، فإذا لحقه القبض صح ، وسيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا
الوجه غير ممتنع. انتهى.
الرابع ـ لو
كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صح وان لم يتقابضا ، وكذا لو كان له عليه
دنانير فاشترى بها دراهم ، لان النقدين من جنس واحد ، وما في الذمة بمنزلة المقبوض
، فلا يحتاج الى تقابض زائد على ذلك.
أقول : والأصل
في هذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن إسحاق بن
عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) يكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني فيقول لي : كيف
سعر الوضح اليوم؟ فأقول له : كذا وكذا ، فيقول لي : أليس عندك لي كذا وكذا ألف
درهم وضحا؟ فأقول : نعم ، فيقول : حولها الى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك
فما ترى في هذا؟ فقال لي : إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك ، فقلت
: انى لم أوازنه ولم أناقده ، انما كان كلاما بيني وبينه ، فقال : أليس الدراهم من
عندك والدنانير من عندك ، فقلت : بلى ، قال : لا بأس بذلك». ونحوه
موثق عبيد بن
زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول : حولها لي
دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئا؟ قال : لا بأس».
وجمع من
الأصحاب عبروا في هذا المقام بعبارة الخبر ، قال في النهاية : إذا كان للإنسان على
صير في دراهم أو دنانير فيقول له حول الدنانير الى الدراهم ، أو الدراهم الى
الدنانير ، وساعره على ذلك كان جائزا وان لم يوازنه في الحال ولا يناقده ، لان
النقدين من عنده.
__________________
واعترضه ابن
إدريس هنا فقال : ان أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض في المجلس ، فلا يصح ذلك
ولا يجوز بغير خلاف ، لان الصرف لا يصح أن يفترقا من المجلس الا بعد التقابض ، وان
افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف ، وان أراد أنهما تقاولا على السعر ،
وعينا الدراهم المبتاعة والدنانير المبيعة وتعاقد البيع ولم يوازنه ولا ناقده ، بل
نطق البائع بمبلغ المبيع ثم تقابضا قبل التفرق والانتقال من المجلس كان ذلك جائزا
صحيحا ، وان أراد الأول كان باطلا بلا خلاف ، يدل عليه قوله في المبسوط تصح
الإقالة في جميع السلم وبعضه ، فإن أقاله من الجميع بريء المسلم اليه من المسلم
فيه ، ولزمه رد ما قبضه من رأس المال ان كان قائما ، وان كان تالفا لزمه مثله ،
فان تراضيا بقدر بدله من جنس آخر بأن يأخذ الدراهم بدل الدنانير أو بالعكس كان
جائزا ، فإن أخذ الدنانير بدل الدراهم أو بالعكس وجب التقابض في المجلس ، لانه صرف
، وان أخذ عوضا آخر جاز أن يفارقه قبل القبض ، لانه بيع عوض معين بثمن في الذمة.
انتهى.
أقول : ما ذكره
ابن إدريس جيد على مقتضى أصله الغير الأصيل ، والا فأي مانع من ذلك بعد دلالة
الأخبار عليه ، واستثناء ذلك من قاعدة العرف بالاكتفاء بهذا الكلام بينهما من حيث
اتحاد من عليه الحق ، فيكون كالتقابض ، وربما حمل كلام الشيخ المذكور على التوكيل
، وكذلك الخبران المذكوران ، فان قوله حول الدراهم الى الدنانير ، أو الدنانير الى
الدراهم نوع توكيل ، وحينئذ فلا اشكال وان لم يتقابضا في المجلس.
قال في المسالك
: وربما بنوا حكمهم على مقدمات يلزم من صحتها صحة الحكم هنا ، الاولى ـ ان الأمر
بالتحويل توكيل في تولى طرفي العقد ، فان التوكيل لا ينحصر في اللفظ ، الثانية ـ أنه
يصح تولى طرفي العقد من الواحد.
الثالثة ـ أنه
يصح أيضا تولية طرفي العقد. الرابعة ـ ان ما في الذمة مقبوض.
الخامسة ـ ان
بيع ما في الذمة للغير من الدين الحال بثمن في ذمته ليس بيع دين بدين.
السادسة ان
الوكيل في البيع إذا توقفت صحته على القبض يكون وكيلا فيه ، والا فإن مطلق التوكيل
في البيع لا يقتضي التوكيل في القبض وإذا سلمت هذه المقدمات صحت المسألة ، انتهى.
وهو جيد لو ثبت
توقف صحة البيع عليها ، الا أن الظاهر أنه ليس كذلك ، وان كان جواز بعضها مما يفهم
من الخبرين المذكورين ، والعمدة هو ورود النص بذلك ولا يجب علينا تطلب وجهه وسببه
، كما في أكثر النصوص التي لا يمكن معرفة العلة فيها لما ذكر فيها من الأحكام ،
والظاهر أنه لا مخالف في هذا الحكم سوى ابن إدريس ، وكل من تأخر عنه رد كلامه لما
ذكر فيها ، وظاهر المحقق الأردبيلي هنا الميل الى ما ذهب اليه ابن إدريس ، حيث قال
بعد قول المصنف «ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير أو بالعكس صح وان لم
يتقابضا» ما صورته : يعني إذا كان لزيد مثلا على عمرو في ذمته دراهم فضة
وقال : اشتريت منك الدنانير بها ، صح الصرف ، ولا يحتاج الى التقابض بأن يوكله في
قبضه له الدنانير ، ولا تعيينه لنفسه ما به الدنانير من الدراهم وان كان مطلقا وفي
الذمة ، ولا الى مضى زمان يسع التقابض ، فلو تفرق قبله لم يبطل ، فيطالبه
بالدنانير لحصول القبض وفيه تأمل واضح ، لان الدراهم وان كانت مقبوضة ، ولكن
الدنانير غير مقبوضة للمشتري فما حصل التقابض ، وهو قبض كل واحد مال الأخر الذي
انتقل إليه بواسطة البيع والشراء وهو ظاهر. نعم يمكن ذلك لو وكله في القبض
والتعيين للمشتري الدنانير ، بل ينبغي تعيينه الدراهم أيضا ثم القبض لنفسه قبل
التفرق ، ويمكن ان يكون المراد أن يكون الدنانير أيضا في ذمة المشترى
__________________
فهي أيضا مقبوضة له ، وحينئذ يكون كل المال المنتقل إلى الأخر مقبوضا له ،
والظاهر صحة البيع وعدم الاحتياج الى التوكيل للتعيين والقبض ، ولا الى مضى زمان ،
لصدق القبض المفهوم من الاخبار التي هي دليل الحكم ، لانه يصدق أنه باع يدا بيد ،
والمبيع والمشترى مقبوض لهما ، وأنه أخذا قبل التفرق ، وهو ظاهر من غير فرق بين
المتجانسين المتساويين والمختلفين مطلقا ، الا أنه يجيء فيه الاشكال من جهة أنه
بيع دين بدين ، والظاهر عدم جوازه. انتهى.
أقول : ظاهر
هذا الكلام أن قائله قد غفل عن ملاحظة الخبرين المتقدمتين في المسألة ، وظن أن هذا
الحكم انما وقع في كلام الأصحاب ، ولهذا تأوله بقوله ويمكن أن يكون المراد الى
آخره ، وأن هذا الفرض انما يجرى في عبارة المصنف المذكورة لا في الاخبار ، لأنها
صريحة في كون الثمن والمثمن انما هو عند الذي عليه الطلب ، ويؤيده ما قلناه أنه في
جميع الأحكام يبالغ في تتبع الاخبار ونقلها وإيرادها من مؤالف ومخالف ، هنا لم
يتعرض للخبرين المذكورين بالكلية ، ولو بالإشارة ، وانما تكلم على عبارة المصنف كي
يبين مراده أولا ، ثم ناقشه بمناقشة ابن إدريس للشيخ ، مع أن المصنف وغيره إنما
أخذوا الحكم المذكور من الخبرين ، ولكنهم عبروا بهذه العبارة لصراحتها في البيع
والشراء ، بخلاف لفظ التحويل الذي في الخبرين ، وحينئذ فالعذر له ظاهر ، والا فلو
أنه اطلع على الخبرين ومع هذا عدل عن القول بما دلا عليه ، لأجاب عنهما وتأولهما كما
هي عادته وقاعدته ، وبالجملة فإن كلامه هنا بالنظر الى الخبرين مما لا يلتفت اليه
، ولا يعرج عليه ، والله العالم.
المسألة
الثانية ـ قالوا : إذا اتحدت الجنس وجب التساوي قدرا وان اختلفا في الجودة
والرداءة والصفة ، وإذا اختلفا فيه جاز الاختلاف زيادة ونقصانا.
أقول : أما
وجوب التساوي مع الاتحاد فلما استفاضت به الاخبار من أن الزيادة مع الاتحاد رباء
محض كصحيحة الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان ، الزائد والمستزيد
في النار».
ورواية وليد بن
صبيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة الفضل فيهما هو
الربا المنكر».
وصحيحة محمد بن
مسلم «عن أبى جعفر (عليهالسلام) أنه قال : الورق بالورق وزنا بوزن ، والذهب بالذهب
وزنا بوزن».
وصحيحة إسحاق
بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): الدراهم بالدراهم والرصاص؟ فقال : الرصاص باطل». الى
غير ذلك من الاخبار ، وفي الخبر الأخير دلالة على حصول الربا بالزيادة وان كانت من
غير الجنس.
واما جواز
البيع مع الاتحاد وان اختلفا في الجودة والرداءة فلما تقرر عندهم من أن جيد كل جنس
ورديه واحد ويدل عليه صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن فيقول
الصيرفي : لا أبدل لك حتى تبدل لي يوسفية بغلة وزنا بوزن ، فقال : لا بأس فقلت :
إن الصيرفي إنما طلب فضل اليوسفية على البغلة ، فقال : لا بأس به».
ورواية أبي
بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يستبدل الشامية بالكوفية وزنا بوزن فقال : لا
بأس به». وأما مع الاختلاف فلا اشكال لعدم
__________________
المانع مع استكمال شروع البيع كما تقدم في فصل الربا.
المسألة
الثالثة : قد صرحوا بأنه إذا كان في الفضة غش مجهول لم يبع الا بالذهب أو بجنس غير
الفضة وكذلك الذهب».
قال في المسالك
: هذا مبنى على الغالب من أن المغشوش لا يباع بوزنه خالصا ، لان البيع مبنى على
المماكسة والمغالبة ، فلا يدفع المشترى بوزن المغشوش صافيا ، والا فلو فرض وقوع
ذلك صح بيعه بجنسه أيضا ، بل متى علم زيادة الخالص عن مجانسة المغشوش صح وان لم
يبلغ قدر المجموع من النقد والغش. انتهى.
أقول : الوجه ـ
فيما ذكره (قدسسره) ـ هو أنه إذا بيع المغشوش بالخالص وزنا فإنه يكون
الزيادة التي في الخالص في مغابله الغش ، فلا مانع حينئذ ، لكن لما كان بناء البيع
والشراء على ما ذكره لم يجز ذلك الا مع علم المشترى ورضاه بذلك ، وأما إذا كان
الغش معلوما فإنه يجوز بيعه بمثل جنسه مع زيادة تقابل الغش وكذا لو جهل بان جهل
قدره ، ولكن علم أنه لا يزيد عن النصف ، فإنه يجوز بيعه بزيادة يسيرة عن النصف من
جنسه ، وينصرف الزائد في مقابلة الغش ، ومعنى المقابلة في هذا المواضع أن تصلح
عوضا في مقابلة الغش بحيث تتمول وان لم يكن قدره قيمة.
وكيف كان
فالظاهر أنه لا بد من التقابض قبل التفرق في المقام الذي يصح فيه البيع كما هو
الشرط في الصرف.
قال العلامة في
التذكرة الدراهم والدنانير المغشوشة إذا علم مقدار الغش فيها جاز بيعها بجنسها
بشرط زيادة في السليم تقابل الغش ليخلص من الربا لو بيع بقدر الصافي منها ، ويجوز
بيعها بغير الجنس مطلقا ، وان لم يعلم مقدار الغش وجب أن تباع بغير جنسها حذرا من
الربا ، لإمكان أن يتساوى الصافي والثمن في القدر ، فيبقى الغش زيادة في أحد
متساويين.
ولما رواه ابن
سنان في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) قال : «سألته عن شراء الفضة فيها الرصاص بالورق وإذا
خلصت نقصت من كل عشرة درهمين أو ثلاثة؟ قال : لا يصلح الا بالذهب ، وسألته عن شراء
الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير والورق ، فقال : لا تصارفه الا بالورق».
ولو بيع بوزن المغشوش فإنه يجوز ، إذ الفاضل من الصافي يقابل الغش ، إذا ثبت هذا
فإنه لا يجوز إنفاقه إلا بعد إبانته وإيضاح حاله ، الا أن يكون معلوم الصرف بين
الناس. انتهى.
أقول : لا يخفى
: أن الخبر المذكور بحسب ظاهره مناف لما قدمناه مما ظاهرهم الاتفاق عليه من جواز
بيع المغشوش بجنسه الخالص إذا كان مساويا له في الوزن ، لانصراف الزيادة التي في
الخالص الى الغش ، لانه قد نهى (عليهالسلام) عن شراء الفضة التي فيها الرصاص بالورق ، وأمر بالذهب
، ومن المعلوم أنه لا يقع الشراء الا بالوزن ، وقد عرفت أنه مع تماثلهما في الوزن
وتساويهما يصح البيع ، لانصراف الزيادة التي في الخالص الى الغش الذي في الأخر ،
فالواجب حمل الخبر على ما ذكره شيخنا المتقدم ذكره من أنه لما كان بناء البيع
والشراء على المماكسة والمغالبة ـ فالمشتري لا يبذل فضة خالصة أو ذهبا خالصا في
مقابلة غش ـ منع (عليهالسلام) من هذه المقابلة الا بغير الجنس.
المسألة
الرابعة : قالوا : ولا يباع تراب معدن الفضة بالفضة ، وانما يباع بالذهب وكذا معدن
الذهب انما يباع بالفضة لا بالذهب احتياطا في الموضعين ، ولو جمعا في صفقة جاز بيعهما بالذهب والفضة معا ويجوز
بيع جوهر الرصاص والصفر بالذهب والفضة وان كان فيه يسير فضة أو ذهب ، لان الغالب
غيرهما ، وأنه يجوز
__________________
إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف بين الناس ،
وان كانت مجهولة الصرف لم يجز إنفاقها إلا بعد ابانه حالها ، وهذا الكلام يتضمن
جملة من الأحكام.
الأول ـ حكم
بيع تراب المعدن ، أما بيع كل منهما بالاخر فلا شك في جوازه ، لعدم الربا بالزيادة
مع اختلاف الجنس ، وكذا يصح ايضا بيعه بمثله إذا علم المقدار والتساوي ان لم يكن لما صحبه من المعدن
قيمة والا فبالمثل مع اشتماله على زيادة تقابل تراب المعدن ، ولكن لما كان الفرض
بعيدا لم يذكروا ذلك.
وأما بيعهما
بالنقدين إذا جعلا في صفقة واحدة فلا إشكال أيضا في صحته للتخالف ، وانصراف كل الى
ما يخالفه ، ويدل عليه رواية عبد الله مولى عبد ربه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الجوهر الذي يخرج من المعدن ، وفيه
ذهب وفضة وصفر جميعا كيف نشتريه؟ فقال تشتريه بالذهب والفضة جميعا». ورواية عبد
الله بن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب؟ قال لا
يصلح الا بالدنانير والورق». ويمكن هنا أيضا البيع بأحدهما إذا تحقق في الثمن
اشتماله على مثل معدنه وزيادة تقابل المعدن الأخر وهو ظاهر ، والظاهر أنه لبلد
فرضه لم ينبهوا عليه ، وأظهر جوازا البيع بغيرهما.
__________________
وكيف كان فلا
بد من اعتبار شرائط البيع الأخر ، والظاهر ان مثل هذا لا يدخل في باب الصرف فيشترط
في صحته التقابض في المجلس أو قبل التفرق ، لانه لا يصدق عليه بيع الأثمان
بالأثمان ، وعدم صدق الذهب والفضة وانما هو تراب الذهب وتراب الفضة ، الا ان الذي
يظهر من اخبار بيع السيوف المحلاة كما يأتي إنشاء الله ـ تعالى ـ اشتراط التقابض قبل
التفرق ، فينبغي أن يكون هنا أولى ، والاحتياط لا يخفى.
الثاني ما ذكره
من أنه يجوز بيع الرصاص بالفضة والصفر بالذهب ، وان اشتمل كل منهما على يسير من
جنس ما بيع به ، فهو مما لا خلاف فيه ولا اشكال ، لاضمحلال ما في كل منهما من يسير
الذهب والفضة في جنب ما هو فيه ، وصدق الاسم بدونهما ، والأحكام تابعة لصدق
التسمية وهو بمنزلة الحلية التي تعمل في سقوف البيوت وجدرانها غير مقصودة بالبيع ،
ولا ملحوظة فيه ، فلا يشترط حينئذ في صحة البيع العلم بزيادة الثمن عن ذلك اليسير
من الذهب أو الفضة ، ليكون في مقابلة الجنس الأخر.
ويدل على ذلك
أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الأسرب يشترى بالفضة ، فقال : ان كان الغالب عليه
الأسرب فلا بأس به». والظاهر أن المراد الغلبة في صدق الاسم كما يدل عليه الخبر
الاتى لا الغلبة في الجنس.
وما رواه في
الكافي عن معاوية بن عمار وغيره عن أبى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «سألته عن جوهر الأسرب وهو إذا خلص كان فيه فضة أيصلح ان يسلم الرجل
فيه الدراهم المسماة؟ فقال إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك يعنى لا
يعرف إلا بالأسرب».
أقول : ويحتمل
أن يكون هذا التفسير من الامام (عليهالسلام) ويحتمل أن يكون من الراوي ، واحتمال كونه من الكليني
بعيد.
وأما التعليل
في جواز البيع في الصورة المذكورة بما تقدم نقله عنهم من أن جواز ذلك لكون الصفر
والرصاص هو الأكثر والغالب فلا يحسم مادة الشبهة ، فإن مجرد الأغلبية غير كاف في
جواز البيع بذلك النقد كيف اتفق ، حتى لو كان عشرا يمكن تمييزه لم يجز بيعه بجنسه
الا مع الزيادة في الثمن عليه بحيث تقابل مقابل الأخر كما تقدم ويمكن حمل كلامهم
على أن المراد الغلبة المستولية على النقد بحيث اضمحل معه تجوزا كما تجوزوا في
قولهم في باب الأحداث النوم الغالب على الحاستين ، بمعنى اضمحلال الحس بهاتين
الحاستين تحت النوم.
الثالث ما
ذكروه من أنه يجوز إخراج الدراهم المغشوشة الى آخره ، فإنه يدل عليه جملة من
الاخبار.
منها ما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في إنفاق الدراهم المحمول عليها فقال : إذا كان الغالب
عليها الفضة ، فلا بأس بإنفاقها».
أقول : المراد
بالمحمول عليها المغشوشة حيث إنه حمل عليها من غيرها ، كما يظهر من الاخبار
الاتية.
وعن ابن رئاب قال : «لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي
__________________
عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم
يبيعها؟ فقال : إذا كان بين الناس ذلك فلا بأس». كذا في الكافي ، والمراد إذا كان
رائجا بين الناس ، وفي التهذيب «إذا بين ذلك فلا بأس» وهو معنى صحيح الا ان الأول
أوفق بأخبار المسألة.
وما رواه في
الكافي عن حريز قال : «كنت عند أبى عبد الله (عليهالسلام) فدخل قوم من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول
عليها؟ فقال : إذا كان جوازا لمصر».
وعن أبى العباس
البقباق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الدراهم المحمول عليها؟ فقال : إذا أنفقت بما يجوز
بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس ، وان أنفقت ما لا يجوز بين أهل المدينة فلا».
وما رواه في
التهذيب عن عمر بن يزيد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن إنفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال إذا جازت الفضة (المثلين)
فلا بأس».
وعن محمد بن
مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «جاء رجل من أهل سجستان فقال له : ان عندنا
دراهم يقال لها الشاهية تحمل على الدراهم دانقين؟ فقال : لا بأس به إذا كان يجوز».
وعن محمد بن مسلم
«قال ، سألته
عن الدراهم المحمول عليها؟ قال : لا بأس بإنفاقها».
وعن المفضل بن
الجعفي «قال كنت : عند أبى عبد الله (عليهالسلام) فالقي بين يديه الدراهم فقال : أيش هذا؟ قلت : ستوق ،
قال : وما الستوق؟ فقلت : طبقتين
__________________
فضة ، وطبقة من نحاس ، وطبقة من فضة؟ فقال : اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا
ولا إنفاقه» .
قال في الوافي
الستوق بالضم والفتح معا وتشديد التاء ، وتستوق بضم التاء المزيف البهرج الملبس
بالفضة ، «طبقتين فضة» الصواب طبقة من فضة وكأنه مما صحفه النساخ ، وحمل منع
إنفاقه في التهذيبين على ما إذا لم يتبين أنه كذلك : فيظن الأخذ أنه جيد. انتهى.
أقول : الظاهر
أن المراد من هذه الاخبار وكذا ما قدمناه من كلام الأصحاب انما هو بيان جواز إنفاق
هذه الدراهم في سائر المعاملات دون ما يتعلق به الربا ويدخل في الصرف ، وقوفا على
قواعد الأصحاب المذكورة في سابق هذه المسألة ، فلو أريد المعاملة بها في أحد هذين
الوجهين فلا بد من مراعاة شروطهما كما تقدم ، ومرجع ذلك الى أنه متى كان عادة
البلد المعاملة بذلك النقد المغشوش مع معلومية حاله
__________________
عندهم كهذه الفروش التي في بلد ان الروم ، والطويلة التي في بلاد الأحساء ،
فإنها من الصفر الملبس بالفضة ، فلا بأس بالمعاملة بها وإنفاقها ، وما عدا ذلك ،
فلا يجوز إنفاقه إلا مع الا علام بحاله ، كما تقدم نقله عن العلامة في آخر عبارته المتقدمة
، وعلى هذا حمل الشيخ خبر المفضل المذكور.
ويدل على ذلك
صريحا ما رواه في التهذيب عن جعفر بن عيسى قال : «كتبت الى أبى الحسن الأول (عليهالسلام) : ما تقول : جعلت فداك في الدراهم التي أعلم أنها لا
تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة ، تصير الى من بعضهم بغير وضيعة لجهلي به ، وانما
أخذته على أنه جيد ، أيجوز لي أن آخذه وأخرجه من يدي اليه على حد ما صار الى من
قبلهم؟ فكتب (عليهالسلام) : لا يحل ذلك ، وكتبت اليه : جعلت فداك هل يجوز ان
وصلت الى رده على صاحبه من غير معرفته به أو إبداله منه ، وهو لا يدرى أني أبدله
منه وأورده عليه؟ فكتب (عليهالسلام) لا يجوز».
ومما ذكرنا
يظهر ما في كلام المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) في هذا المقام من النظر الظاهر لذوي
الأفهام ، وذلك في موضعين : أحدهما أنه قال في سابق هذه المسألة بعد بيان حكمها ما
صورته : وفي الاخبار الكثيرة المعتبرة أنه يجوز بيعه بمثل ما فيه ان كان الغالب هو
أو الغش بحيث يطلق عليه اسم ذلك ، فالظاهر ان المراد أن أحدهما مضمحل ولا قيمة له
، ثم استدل بحسنة عمر بن يزيد الاولى من الروايات المتقدمة ، ورواية على بن رئاب
عن محمد بن مسلم وصحيحة عبد الرحمن الحجاج الواردة في الأسرب ، وروايته الأخرى
الواردة أيضا فيه.
وأنت خبير بما
قدمنا تحقيقه أن المراد من روايتي عمر بن يزيد وعلي بن رئاب المذكورتين في كلامه
انما هو إنفاق الدراهم المغشوشة في المعاملة في غير ما يدخل في الربا بالصرف ، وان
كان الغش كثيرا كما صرح به (عليهالسلام) في رواية
__________________
عمر بن يزيد الثانية من قوله (عليهالسلام) «إذا جازت الفضة الثلثين فلا بأس» فإنه يعطي جواز
المعاملة بما يكون الغش فيه يبلغ الربع وعلى ذلك يدل إطلاق جملة من أخبار المسألة
، وتمسكه في ذلك بخبري عبد الرحمن بن الحجاج ليس في محله ، لان هذا حكم آخر كما
فصلناه هنا.
قال في المسالك
في هذه المسألة : ولا يخفى أن المراد هنا الغش المعتبر ، دون ما يستهلك لقلته ،
نبه عليه في التذكرة انتهى ، وبالجملة فالخبران اللذان أوردهما أولا انما هما من
قبيل باقي الأخبار التي سردناها ، وقد عرفت المراد منها ، وليسا من أخبار المسألة
المتقدمة كما ظنه ، ومحمل التأويل فيهما ، والخبران الأخيران قد تقدم محلهما ،
وليس هما من أخبار المسألة السابقة أيضا كما توهمه.
وثانيهما ما
ذكره وقبله المحقق الشيخ على في شرح القواعد من حمل الصرف في كلام المتقدمين ـ كالعبارة
التي قدمنا نقلها عنهم في صدر المسألة من قولهم يجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع
جهالة الغش إذا كانت معلومة الصرف ، وان كانت مجهولة الصرف لم يجز إنفاقها ـ على
الصرف بمعنى معلومية قيمة ما فيها من الصافي أو قيمته ، وكذا مجهولية الصرف بمعنى
عدم العلم بقدر ما فيه من الصافي.
والمفهوم من
الاخبار التي قدمناها أن المراد بالصرف في عباراتهم انما هو الرواج في المعاملة
ومضيها بين الناس من غير توقف في أحدها لمكان الغش مع العلم بذلك ، فمتى كان رائجا
في المعاملة جاز إنفاقه ، وان لم يكن رائجا في تلك البلد ولا متعاملا به وجب
الاعلام بغشه ، سواء علم قدر ما فيه من الخالص أو لم يعلم.
وبما ذكرناه
صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ فقال بعد ذكر عبارة المصنف كما قدمنا ذكره
في صدر المسألة ـ : المراد بكونها معلومة الصرف كونها متداولة بين الناس مع علمهم
بحالها ، فإنه يجوز حينئذ إخراجها ، وان لم يعلم بقدر
ما فيها من الغش ، فلو كانت مجهولة الصرف بحيث لو علموا بحالها ما قبلوها
وجب على مخرجها ابانه حالها ، بأن يقول : إنها مغشوشة وان لم يبين قدر غشها الى
آخره.
المسألة
الخامسة ـ المراكب المحلاة إذا علم ما فيها من الحلية يجوز بيعها بجنسها بشرط أن
يزيد الثمن عما فيها ، أو توهب الزيادة من غير شرط ويجوز بيعها ايضا بغير جنسها
مطلقا ، وان جهل ما فيها ـ وان أمكن نزعه من غير ضرر ـ بيعت بغير جنس الحلية ، وان
بيعت بجنس الحلية قيل : يجعل معها شيء من المتاع ، وتباع بزيادة عما فيها تقريبا
، دفعا لضرر النزع ، هكذا قالوا.
والذي وقفت
عليه من الاخبار منها ـ رواية إبراهيم بن هلال قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جام فيه ذهب وفضة ، أشتريه بذهب أو فضة؟ فقال : ان
كان تقدر على تخليصه فلا ، وان لم تقدر على تخليصه فلا بأس».
وصحيحة عبد
الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن شراء الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير
والورق فقال : لا تصارفه الا بالورق قال : وسألته عن شراء الفضة فيها الرصاص
والورق إذا خلصت نقصت من كل عشرة درهمين أو ثلاثة قال لا يصلح الا بالذهب».
ورواية أبي
بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن بيع السيف المحلى بالنقد؟ فقال : لا بأس به ، قال :
وسألته عن بيعه بالنسيئة ، فقال : إذا نقد مثل ما في فضته فلا بأس به أو ليعطي
الطعام».
وموثقة محمد بن
مسلم قال : سئل عن السيف المحلى ، والسيف الحديد
__________________
المموه (بالفضة) يبيعه بالدراهم؟ قال : نعم وبالذهب ، وقال : انه يكره أن
يبيعه بنسيئة ، وقال : إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس». كذا في الكافي ، وفي
التهذيب (بع بالذهب) مكان : نعم وبالذهب.
وصحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج قال : «سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب
إلى أجل مسمى؟ فقال : ان الناس لم يختلفوا في النساء أنه الربا ، وانما اختلفوا في
اليد باليد ، فقلت له : فتبيعه بدراهم بنقد؟ فقال : كان أبى (عليهالسلام) يقول : يكون معه عرض أحب الي ، فقلت : إذا كان الدراهم
التي تعطى أكثر من الفضة التي فيها؟ فقال : وكيف لهم بالاحتياط بذلك؟ قلت له : فإنهم
يزعمون أنهم يعرفون ذلك فقال : ان كانوا يعرفون ذلك فلا بأس ، والا فإنهم يجعلون
معه العرض أحب الي».
وصحيحة عبد
الله بن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بنساء إذا نقد
ثمن الفضة والا فاجعل ثمن فضة طعاما ولينسه ان شاء».
ورواية منصور
الصيقل عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال سألته عن السيف المفضض تباع بالدراهم؟ قال : ان
كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وان كانت فضته أكثر فلا يصلح».
وعن أبى بصير قال : «سألته عن المفضض» الحديث مثله.
ورواية منصور
الصيقل ايضا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : قلت له : السيف أشتريه وفيه الفضة تكون الفضة
أكثر أو أقل؟ قال : لا بأس به».
__________________
ورواية عبد
الله بن جذاعة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن السيف المحلى بالفضة يباع بنسيئة؟ قال : ليس به بأس
، لأن فيه الحديد والسير».
وما رواه الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الفضة في الخوان والقصعة والسيف
والمنطقة والسرج واللجام تباع بدراهم أقل من الفضة أو أكثر قال : تباع الفضة
بدنانير ، وما سوى ذلك بدراهم». ورواه على بن جعفر في كتابه.
أقول : ينبغي
أن يعلم أولا أن من القواعد المقررة في كلام الأصحاب ـ وهو المستفاد من الاخبار
كما تقدم ذكره في باب الربا ـ ان المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير جنسيهما مطلقا ،
وبهما معا سواء علم قدر كل واحد من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة ، وسواء أمكن
تخليصهما أم لا ، ويجوز أيضا بكل واحد منهما إذا علم زيادته عن جنسه بحيث يصلح
ثمنا للآخر وان قل ولم يكن قيمته واقعا ، وحينئذ فما دلت عليه رواية إبراهيم بن هلال «من النهى
عن شراء اللجام إذا كان يقدر على تخليصه» لعله محمول على الكراهة ، والا فلو شراه
بأحدهما مع زيادته على ما فيه من ذلك الجنس الأخر فلا إشكال في صحته ، بناء على ما
عرفت.
وما دلت عليه
صحيحة عبد الله سنان الاولى ـ من أنه لا يصلح شراء الفضة المغشوشة بالرصاص بالورق
ـ قد تقدم بيان لوجه فيه في المسألة الثانية.
__________________
وما في رواية
أبي بصير ـ من نفي البأس عن بيع السيف المحلى بالنقد ـ فيحمل على المخالفة في جنسي
النقد والحلية ، أو زيادة الثمن ان كان من جنسها ، وما نفى عنه البأس من بيعه
نسيئة إذا نقد مثل ما في الفضة ظاهر في كون ذلك من باب الصرف كما تقدمت الإشارة
إليه ، فيشترط فيه التقابض في المجلس بالنسبة إلى الحلية ، وما قابلها من الثمن ،
فإذا نقد مثل الفضة ، فلا بأس بالنسبة في الباقي ، والا فليجعل جنسا آخر كالطعام ،
ومثل هذه في ذلك صحيحة عبد الله سنان.
وأما موثقة
محمد بن مسلم ـ فعلى تقدير نسخة الكافي ـ فيها دلالة على جواز البيع بالدراهم ،
لكن لا بد من التقييد بزيادتها على ما فيه من الفضة لما عرفت ، وعلى تقدير نسخة
التهذيب فيها دلالة على المنع من الدراهم ، ويحمل على عدم معلومية الحلية ، ليحصل
المخرج من الوقوع في الربا بالزيادة في الثمن ، فلا يباع حينئذ إلا بجنس آخر ، كما
دلت عليه صحيحة عبد الرحمن الحجاج ، وكراهة نسيئة في الرواية أعم من أن يكون
بالدراهم أو الدنانير ، والمراد بالكراهة التحريم كما هو شائع في الاخبار ، لما
عرفت من أنه يلحقه حكم الصرف هنا ، وقوله فيها إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا
بأس فيه ، دلالة على جواز البيع بالدراهم مع زيادتها على ما فيه من الحلية ، ليكون
الزيادة في مقابلة الجنس الأخر.
وأما صحيحة عبد
الرحمن الحجاج ، فان قوله فيها أن الناس لم يختلفوا في النسيء أنه الربا» مؤكد
لما قلناه من حصول الربا بالنسيئة ، لما تقدم من أن له قسطا من الثمن ، وفيه دلالة
ظاهر على اعتبار الزيادة الحكمية في الربا ، خلافا لابن إدريس من تخصيصه الزيادة
الموجبة للربا بالعينية.
وقوله «فقلت :
فنبيعه بدراهم بنقد» الى آخر الخبر ملخصه أنه ان علم مقدار الفضة التي في الحلية ،
فالمخرج من الوقوع في الربا زيادة الدراهم على الفضة المذكورة ، وان لم يعلم فلا
تباع الا بجنس آخر تحرزا من الوقوع في الربا ،
بان يكون الفضة التي في الحلية أزيد من الدراهم المنقودة ، بقي الإشكال فيه
من قوله «انما اختلفوا في اليد باليد» مع انا لا نعلم خلافا في اشتراط التقابض في
النقدين ، ولم يذهب أحد إلى القول بعدم التقابض في النقدين وانما الخلاف في غيرهما
كما تقدم ، والظاهر ان هذا الكلام إشارة الى ما ذكره محيي السنة من علماء العامة ان ذلك كان قديما في عصره (صلىاللهعليهوآله) ثم نسخ ، وبقي عليه أقوام لم يصل إليهم النسخ ، ومنهم
ابن عباس.
وأما رواية
منصور الاولى فالمعنى فيها ظاهر مما عرفت.
وأما رواية
الثانية ففي ظاهرها نوع اشكال والظاهر أن المعنى فيها هو ما في روايته الاولى ،
وأن المراد بقوله أكثر أو أقل لا بالنسبة الى ما قابله من الثمن إذا كان دراهم ،
بل المراد كثيرا أو قليلا ، ولا بد من أقليته بالنسبة إلى الثمن لينطبق على
الاخبار الباقية.
وأما رواية عبد
الله بن جذاعة فحملها الشيخ في الاستبصار على التقييد بأن نقد مثل ما فيه من الفضة
، ليوافق ما تقدم مما دل على الحكم المذكور.
وأما رواية على
بن جعفر فما ذكر فيها ، أحد الوجوه الموجبة للخروج عن الربا ، وليس ذلك مخصوصا به
لما عرفت مما تقدم.
بقي الكلام في
مواضع مما تقدم نقله عنهم في صدر المسألة : منها قولهم أنه مع العلم بما فيها من
الحلية تباع بالجنس بشرط الزيادة ، فإن فيه أنه يمكن ذلك في صورة الجهل بقدرها إذا
علم زيادة الثمن على الحلية ، فإنه يمكن تصور العلم بالزيادة وان جهل القدر.
__________________
ومنها قولهم
وتوهب الزيادة من غير شرط ، والمراد منه أن المخرج من الربا هنا أن يهبه الزيادة ،
لكن لا يقع ذلك شرطا في عقد البيع بأن يبيعه بشرط أن يهبه الزيادة ، لاستلزامه الزيادة
الحكمية في أحد الجنسين ، لان الشرط زيادة حكمية كما سيأتي إنشاء الله ـ تعالى ـ بيانه
في اشتراط صياغة الخاتم ، وهذه الزيادة انما يتحقق ويحتاج الى التخلص بهبتها فيما
إذا وقع البيع بالثمن على الحلية خاصة إذا فرضت قدر الثمن أو زائدة عليه ، فإنه
يبقى ما فيه الحلية زيادة في البين ، وهو ظاهر ، ولو وهبه الزيادة قبل البيع صح
أيضا ، ويجب تجريد عقد الهبة عن شرط بيع الباقي بمثله ، كما وجب تجريد عقد البيع
عن شرط الهبة كما عرفت ، لرجوع الأمرين الى ما تقدم من لزوم الزيادة الحكمية.
ومنها قولهم في
صورة الجهل بقدر الحلية وان بيعت بجنس الحلية ، «قيل : يجعل معها شيء من المتاع ،
الى آخره فان فيه أنك قد عرفت انه مع الجهل بقدرها يجوز بيعها بجنسها مع العلم
بزيادة الثمن عليها ، فإنه يمكن فرضه ويصح البيع ، سواء جعل معها شيء آخر أم لا ،
ويصح أيضا مع عدم العلم بزيادة الثمن عليها أن يضم الى الثمن متاع آخر ، لينصرف
الثمن إلى ذي الحلية ، والمتاع إلى الحلية.
وأما على هذا
القول الذي نقل ، فان ظاهره ضم المتاع إلى الحلية ، وهو غير ظاهر الاستقامة ، لأنه
مع ضم المتاع الى المبيع من الحلية وذي الحلية يزيد الضرر والمحذور ، حيث يحتاج
الى مقابلة الثمن بها مع الباقي ، والظاهر أنه لذلك نقلوه بلفظ قيل إيذانا بضعفه ،
وهذا القول للشيخ في النهاية وذكر بعض الأفضل أن الشيخ تبع في ذلك رواية وردت بهذه
الصيغة ونسبت الى وهم الراوي ، ولم نقف عليها فيما وصل إلينا من الاخبار.
ثم انه ينبغي
تقييد هذه الاخبار الواردة في هذا المضمار بما إذا كانت الحلية متمولة ، والا فلو
كانت من قبيل حلية الجدران والسقوف فلا يترتب عليها الأحكام المذكورة كما تقدمت
الإشارة اليه. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ قال الشيخ في النهاية لا بأس أن يبيع درهما بدرهم ويشترط معه صياغة خاتم ، أو
غير ذلك من الأشياء ، وقال ابن إدريس : وجه الفتوى ـ بذلك على ما قاله (رحمهالله) ـ أن الربا هو الزيادة في العين إذا كان الجنس واحدا ،
وهنا لا زيادة في العين ، ويكون ذلك على جهة الصلح في العمل فهذا وجه الاعتذار له
إذا سلم العمل به ، ويمكن أن يحتج على صحته بقوله ـ (تعالى) ـ «وَأَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا»
، وهذا بيع ،
والربا المنهي عنه غير موجود هيهنا ، لا حقيقة لغوية ، ولا حقيقة عرفية ولا شرعية.
أقول : الأصل
في هذه المسألة ما رواه الشيخ عن أبى الصباح الكنائي
__________________
قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك
درهما طازجا بدرهم غلة؟ قال : لا بأس». والطازج الخالص معرب تازه ، والغلة
المغشوش.
وجملة من
الأصحاب قد عبروا هنا بأنه يجوز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ، تبعا
للشيخ ، وظاهر كلام الشيخ تعدية الحكم الى غير الصياغة ، بأن يبيعه درهما بدرهم
ويشترط خياطة ثوب أو نحو ذلك.
قيل. وفي تعدية
الحكم في الثمن والمثمن بأن يبيع دينارا بدينار ويشترط عملا ، ويبيع عشرة دراهم
بعشرة ، ويشترط عملا اشكال ، والأقرب الجواز تفريعا على الجواز هنا أيضا لأن
الزيادة المذكورة ان أوجبت الربا لزم التحريم في الجميع ، والا فلا.
وجملة من
الأصحاب كالمحقق وغيره عبروا هنا بلفظ وروى ـ جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط
صياغة خاتم ـ إيذانا بالتوقف في الحكم المذكور ومنع جملة منهم من تعدى موضع النص.
والتحقيق أن
الرواية المذكورة لا صراحة فيها فيما ذكروه من البيع وانما تضمنت اشتراط ابدال
درهم بدرهم في صياغة الخاتم لا البيع بشرط الصياغة.
نعم ربما يقال
: ان الإبدال من قبيل الصرف ، والزيادة فيه تصير من قبيل الربا ، والجواب عنه أن
يقال. ان اشتراط الصياغة انما هو في جانب الغلة ، وعلى ذلك لا يتحقق الزيادة ، لما
عرفت من أن الدرهم الطازج هو الصحيح ، والغلة المراد بها المغشوش ، فالزيادة
الحكمية التي هي الصياغة إذا جعلت مع المغشوش ، قابلت الزيادة التي في الخالص من
الفضة على المغشوش ، وحينئذ لا مانع في البيع ولا غيره ولا في شرط صياغة خاتم ولا
غيره من الأعمال متى كان المفروض مثل ما وقع في الرواية من النقصان في أحد العوضين
ليجبر بالعمل المشترط.
وبذلك يظهر لك
ما في الفروض المذكورة في كلام ذلك القائل في تعدية الحكم الى بيع دينار بدينار ،
وعشرة دراهم بعشرة أخرى ونحو ذلك ، فإنه على إطلاقه ممنوع ، لحصول الربا بالزيادة
الحكمية ، بل ينبغي تقييده بما دلت عليه الرواية من نقص أحد العوضين ليصح الاشتراط
، ويندفع الربا.
وأما ما ذكره ابن
إدريس من تخصيص الربا بالزيادة العينية في أحد الجنسين فيرده ما تقدم في صحيحة عبد
الرحمن الحجاج من قوله (عليهالسلام) «أن الناس لم يختلفوا في النسيء أنه الربا». ونحوها غيرها من الاخبار
المانعة من البيع نسيئة لذلك.
وأما ما ذكره
المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) من أن ظاهر قوانينهم أنه ليس الحيادة زيادة
تجبر بشيء ، ولهذا لا يتحقق الربا بين الجيد في غاية الجيادة والردي في غاية
الرداءة مع التساوي في المقدار ، ويتحقق مع التفاوت ، وان كان في جانب الردى بشيء
يسير لا يقابل الجيادة التي في الجيد ، وهو صريح كلامهم انتهى.
ففيه انه ينبغي
أن يعلم أن هنا شيئين ، أحدهما أن تكون الفضة خالصة ، وإذا عملت دراهم جعل فيها
غيرها من نحاس أو رصاص أو غيرهما ويسمى حينئذ مغشوشة وثانيهما أن تكون الفضة من
أصلها ومعدنها ردية غير جيدة ، والمراد من الدراهم الجياد والدراهم الردية انما هو
ما كان باعتبار أصل الجوهر ، لا من حيث ضم شيء اليه وعدمه ، وما نحن فيه انما هو
من قبيل الأول ، لأن الغلة كما ذكرنا هي الدرهم المغشوش بغيره ، وما اعترض به انما
هو من الثاني ، وهو مما لا خلاف فيه ، لانه ليس فيه شيء غير الفضة من الأشياء
الخارجية عنها ، الا أن فضته ليست جيدة ، ويدلك على ذلك ما تقدم في المسألة
الثالثة في الفضة المغشوشة من أنها لاتباع الا بغير الجنس ، أو به مع الزيادة في
الثمن ليقابل ما فيها من الغش. وبالجملة فإن كلامه
__________________
هنا غفلة عن الفرق بين الأمرين. والله العالم.
المسألة
السابعة ـ الأواني المصبوغة من الذهب والفضة وان كان كل واحد منهما معلوما جاز
بيعه بجنسه من غير زيادة ، وبغير الجنس وان زاد ، وان لم يعلم وأمكن تخليصهما لم
يبع بالذهب ولا بالفضة وبيعت بهما أو بغيرهما ، وان لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت
بالأقل ، وان تساويا تغليبا بيعت بهما ، هكذا صرح به بعضهم.
وقيل : ان أصل
هذا الكلام للشيخ وتبعه عليه الجماعة ، وهو على إطلاقه مدخول ، ويحتاج الى تنقيح.
وذلك فإنك قد
عرفت فيما تقدم في المسألة الخامسة أن من القواعد المتفق عليها نصا وفتوى أن
المجتمع من جنسين يجوز بيعه بغير جنسيهما مطلقا ، وبهما معا سواء علم قدر كل واحد
من المجتمع أم لا إذا عرف قدر الجملة ، وسواء أمكن تخليصهما أم لا ، ويجوز أيضا
بكل واحد منهما إذا علم زيادته عن جنسه ، بحيث تصلح ثمنا للآخر وان قل ، سواء أمكن
التخليص أيضا أم لا ، وسواء علم قدر كل واحد أم لا ، وما ذكر هنا من هذه المسألة
أحد جزئيات القاعدة المذكورة ، ووجه الدخل في هذا الكلام في مواضع.
الأول قوله :
ان كان أحدهما معلوما جاز بيعه بجنسه من غير زيادة وبغير الجنس وان زاد ، فان فيه
أنه ان أراد ببيعه بيع ذلك الجنس خاصة دون المجموع فهذا لا وجه له ، لان فرض
المسألة هو بيع المركب من الذهب والفضة لا أحدهما ، وحينئذ فما ذكر خارج عن محل
المسألة ، وان كان المراد بيع المجموع ، اشترط في بيعه بجنس أحدهما زيادة الثمن
على جنسه ليكون تلك الزيادة في مقابلة الأخر ، وان أراد بيع المجموع بجنسه أى
الجنسين معا ، فلا معنى لاشتراط عدم الزيادة ، لأن كل واحد من الجنسين ينصرف الى
مخالفه ، فلا تضر الزيادة هنا ولا النقصان ، ولا فرق في هذين القسمين بين أن يعلم
قدر كل واحد منهما أو يجهل ، كما تقدم
الإشارة إليه في القاعدة ، فلا وجه للتقييد بالعلم بهما.
الثاني ـ قوله وان
لم يعلم وأمكن تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة ، وبيعت بهما أو بغيرهما ، فإنه
فيه أنه لا مانع من بيعه بوزنه ذهبا أو فضة مطلقا ، لحصول المماثلة في الجنسين
والمخالفة بالنسبة إلى الجنس الأخر ، فلا مدخل للربا في ذلك ، وكذا مع الزيادة على
قدر المركب ، وكذا مع نقصانه إذا علم زيادة الثمن على مجانسة بما يتمول ، فما ذكر
من المنع من بيعه بأحدهما على تقدير إمكان التخليص لا يظهر له وجه ، بل يجوز حينئذ
بيعه بهما وبأحدهما وبغيرهما وبالأقل سواء أمكن التخليص أم لا.
الثالث ـ قوله
وان لم يمكن وكان أحدهما أغلب بيعت بالأقل ، فإن فيه أنه بمقتضى القاعدة المتقدمة
يجوز بيعه بهما وبغيرهما ، وبالأقل والأكثر إذا علم زيادة الثمن على جنسه كما تقدم
، فالتقييد بالأقل عار عن النكتة.
واعتذر الشهيد
ـ (رحمهالله) ـ لهم عن ذلك بأن ذكر الأقل محافظة على طلب الزيادة ،
ورد بأن الزيادة المعتبرة في الثمن عن جنسه يمكن تحققها مع الأقل والأكثر ومع ذلك
فالارشاد إلى الزيادة غير كاف في التخصيص الموجب لتوهم المنع من غيره.
الرابع قوله : «وان
تساويا تغليبا بيعت بأحدهما» فإن فيه أنه مع تساويهما لا ينحصر الجواز في البيع
بأحدهما ، بل يجوز بيعه بهما أو بأحدهما مع الزيادة وبغيرهما فلا وجه للتخصيص
بأحدهما ، ولا فرق في ذلك أيضا بين إمكان التخليص وعدمه ، ولا بين العلم بقدر كل
منهما وعدمه. نعم يعتبر العلم بالجملة والله العالم.
المسألة
الثامنة ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا اشترى ثوبا بمائة درهم الا دينارا أو بمائة
دينار الا درهما لم يصح ، لان الثمن مجهول ، لانه لا يدرى كم حصة الدرهم من
الدينار ولا كم حصة الدينار من الدرهم الا بالتقويم ، والرجوع الى أهل الخبرة ،
وكذا قال ابن البراج ، وقال في النهاية : ولا يجوز أن يشترى بدينار الا درهما ،
وعلل بالجهالة.
وقال ابن إدريس
: لا يصح أن يشترى الإنسان سلعة بدينار غير درهم ، ولا بدراهم ، غير دينار ، لان
ذلك مجهول قال محمد بن إدريس : قولنا لا يصح ، نريد به العقد لا يصح ، وقولنا لانه
مجهول المراد به الثمن مجهول ، وإذا كان الثمن مجهولا فالعقد والبيع لا يصح ، ووجه
كون الثمن في هذه الصورة مجهولا لأنه لا يدرى كم حصة الدراهم من الدينار ، ولا كم
حصة الدينار من الدراهم الا بالتقويم ، والرجوع الى أهل الخبرة ، وذلك غير معلوم
وقت العقد ، فهو مجهول ، فان استثنى من جنسه فباع بمائة دينار الا دينارا أو بمائة
درهم الا درهما صح البيع ، لان الثمن معلوم ، وهو ما بقي بعد الاستثناء. انتهى.
وقال ابن
الجنيد لو باع ثوبا بمائة درهم غير دينار نقدا جاز ، فان باعه نسيئة لم يصح البيع
، لانه لا يعلم قدر الدينار من الدرهم وقت الوجوب ، وكذا كل ما اختلف جنساه ،
وجملة من الأصحاب عبروا بما يرجع الى كلام الشيخ في المبسوط.
أقول : والأصل
في هذه المسألة الاخبار. ومنها ما رواه في الكافي عن حماد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «يكره أن يشترى السلعة بدينار غير درهم ، لانه
لا يدرى كم الدرهم من الدينار».
وما رواه الشيخ
عن السكوني «عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام) في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم الى أجل؟ قال :
فاسد ، فلعل الدينار يصير بدرهم».
وعن أبى جعفر
عن أبيه عن وهب «وعن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) أنه كره أن يشترى الرجل بدينار الا درهما والا درهمين
نسيئة ، ولكن يجعل ذلك بدينار إلا ثلثا والا ربعا وإلا سدسا أو شيئا يكون جزءا من
الدينار».
__________________
وعن ميسر «عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) انه كره ان يشترى الثوب بدينار غير درهم ، لانه لا
يدرى كم الدينار من الدرهم».
أقول : وملخص
الكلام في هذا المقام ـ وهو الذي يجتمع عليه الاخبار ، وما نقلناه من كلام علمائنا
إلا علام ـ هو ان يقال ان البيع ان وقع نقدا فإنه لا بد في صحته من علم المتعاقدين
بنسبة المستثنى من المستثنى منه ، فان لم يعلما أو أحدهما لم يصح البيع لمكان
الجهالة في الثمن ، وان وقع نسيئة فإن شرطا في الدرهم أو الدينار المستثنى ما كان
متعاملا به وقت العقد أو أطلقا فيرجع الى التفصيل المتقدم من علم النسبة صح البيع
، والا بطل لمكان الجهل ، وان شرطا الدرهم أو الدينار المتعامل به وقت حلول الأجل
فأولى بالبطلان لانه لا يدرى ما يصير إليه الأمر في ذلك الوقت ، واليه يشير قوله (عليهالسلام) في رواية السكوني ، «فلعل الدينار يصير بدرهم» وعلى
هذا فلا اختلاف بين كلام ابن الجنيد ، وكلام الشيخ في هذه المسألة ، وأنت خبير بأن
الأنسب بهذه المسألة هو ذكرها في المقام الثالث من الفصل الأول ، لأنها متعلقة
بجهل الثمن ، ولكن الأصحاب لما ذكروها في باب الصرف جرينا على منوالهم في ذلك.
المسألة
التاسعة ـ تراب الصياغة ان علم ـ بالقرائن المفيدة لذلك ـ إعراض أصحابه عنه جاز
للصائغ تملكه كغبره مما يعلم أعراض ملاكه عنه ، وفي الاكتفاء بالظن اشكال ، والا
فإن علم ملاكه وجب رده عليهم ، وان علم بعضهم وجب التخلص منه ولو بالصلح ، والا
فالواجب الصدقة به أو بثمنه عن ملاكه ، كما هو الحكم في نظائره ، لكن متى أراد
بيعه فلا يبيعه الا بجنس آخر من العروض أو بالذهب والفضة معا ، حذرا من الربا لو
بيع بأحدهما ، لجواز زيادة ما فيه من جنس الثمن من ذلك الثمن أو مساواته ، فيلزم
الربا.
__________________
أما لو علم
زيادة الثمن من ذلك الجنس على جنسه بحيث تصلح الزيادة لمقابلة الجنس الأخر فلا
بأس.
والذي وقفت
عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب عن على بن ميمون
الصائغ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال : تصدق به
فاما لك واما لأهله ، قال : قلت فان فيه ذهبا وفضة وحديدا فبأي شيء أبيعه؟ قال :
بعه بطعام ، قلت : فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال : نعم».
وما رواه الشيخ
عن على الصائغ قال : «سألته عن تراب الصواغين وانا نبيعه قال : اما
تستطيع ان تستحله صاحبه؟ قال : قلت : لا إذا أخبرته اتهمني ، قال بعه ، قلت : بأي
شيء أبيعه ، قال : بطعام ، قلت : فأي شيء اصنع به؟ قال : تصدق به اما لك واما
لأهله ، قلت : ان كان ذا قرابة محتاجا فأصله؟ قال : نعم». قال في الوافي لعل وجه
الترديد في «لك ولأهله» احتمال أعراض المالك عنه وعدمه.
أقول : الظاهر
بعده ، لأن الصدقة به انما هي حكم مجهول المالك ، ومع معلومية الاعراضي عنه وقصد
تملكه لا يكلف بالصدقة ، بل هو ماله يتصرف فيه كيف يشاء ، ولا يتعين عليه التصدق ،
بل الظاهر أن المراد انما هو التصدق به عن صاحبه مع الضمان لمالكه متى ظهر ولم يرض
بالصدقة ، كما في نظائره ، فإن ظهر له صاحب ورضى بالصدقة أو لم يظهر بالكلية ،
فالصدقة لصاحب المال ، وان ظهر ولم يرض بالصدقة كانت الصدقة لك وعليك ضمانه ، هذا
هو الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر.
__________________
وظاهر الرواية
الثانية جواز بيعه والصدقة بثمنه وان علم المالك إذا خاف التهمة.
والمفهوم من
كلام الأصحاب أنه مع معلومية المالك لا يجوز الصدقة ، بل يجب التخلص منه بأي وجه
اتفق ، قال في المسالك : ولو كان بعضهم معلوما فلا بد من محالته ولو بالصلح ، لأن
الصدقة بمال الغير مشروطة باليأس من معرفته ، وعلى هذا فيجب التخلص من كل غريم
يعلمه. انتهى.
وفيه أن ما
ذكره وان كان هو مقتضى القواعد الشرعية والنصوص المرعية ، الا أنه مع دلالة النص
على ما ذكرناه يجب تقييد ذلك بالخبر المذكور كما هو مقتضى القاعدة المشهورة ، وما
دل عليه الخبران من البيع بالطعام الظاهر أنه خرج مخرج التمثيل ـ بالأسهل ، والا
فإنه يصح البيع بالنقدين أو غيرهما من العروض ، قيل : ويلحق به باقي أرباب الحرف
كالحداد والخياط والطحان والخباز ، وفيه اشكال قال في المسالك : ولو ظهر بعض
المستحقين ولم يرض بالصدقة ضمن حصته مع احتمال العدم.
أقول : لا وجه
لهذا الاحتمال لان هذه المسألة من جزئيات القاعدة في مال مجهول المالك ، وحكمه
الضمان بعد ظهور المالك وعدم الرضا بالصدقة ، واليه
__________________
يشير هنا ما ذكره (عليهالسلام) في الخبرين من قوله «إما لك أو لأهله» كما قدمنا بيانه
وقال في المسالك أيضا : ومصرفه مصرف الصدقة الواجبة ، وقيل : المندوبة.
أقول : احتمال
المندوبة بمعنى غير الفقير المستحق بعيد جدا ، فإن إطلاق الصدقة في الكفارات
والنذور ونحوها انما يتبادر الى المستحق من الفقراء والمساكين دون الأغنياء ، كما
صرحوا به ، ولو كان الصائغ من ذوي الاستحقاق فهل يجوز له آخذه لنفسه اشكال ، من
أمره (عليهالسلام) له بالصدقة ، والمتبادر منه غيره من أفراد المستحقين ،
ولا بأس بالصدقة على عياله أو قرابته كما صرح به في النص. والله العالم.
المسألة
العاشرة ـ لا خلاف في ان الدراهم والدنانير يتعين بالتعيين ، فلو اشترى بدراهم
معينة تعين الوفاء بها بجميع مشخصاتها ، لعموم الوفاء بالعقود كما لو باع عرضا
معينا ، فإنه يجب الوفاء به ، والمقتضى لوجوب الوفاء ثابت في الجميع فلا يجزى دفع
غيرها ، ولا يجوز إبدالها ، ولو تلفت قبل القبض انفسخ البيع ، ولم يكن له دفع
العوض وان حصلت المساواة في الأوصاف ، ولا للبائع المطالبة بذلك ، وان وجد البائع
بها عيبا لم يستبدلها ، وانما له الخيار بين فسخ العقد والرضا بها.
إذا عرفت ذلك
فنقول : هيهنا صورا ، الأولى إذا اشترى دراهم بمثلها معينة ـ كما لو قال : بعتك
هذه الفضة بهذه مثلا فوجد ما صار اليه من البيع من غير جنس الدراهم كما لو ظهرت
نحاسا أو رصاصا ـ كان البيع باطلا ، لان ما وقع عليه العقد ـ وهو ذلك الفرد المشار
اليه ـ غير مقصود بالشراء ، وما هو مقصود بالشراء لم يقع عليه العقد ، فيقع البيع
باطلا ، لتخلف القصد عما وقع عليه العقد ، ولا فرق في ذلك بين الصرف وغيره ، فلو
باعه ثوبا كتانا فظهر صوفا ، وكذا لو باعه بغلة فظهرت فرسا بطل البيع ، ويجب رد
الثمن وليس له الأبدال ، لوقوع العقد على عين مشخصة ، فلا يتناول غيرها ولا الأرش
، لعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين ، وربما يخيل تغليب الإشارة هنا وهو
باطل ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
الثانية ـ لو
كان البعض من الجنس والبعض الأخر من غيره ، فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في صحة
العقد فيما كان من الجنس ، والبطلان في غيره ، لوجود شروط الصحة في الأول ،
وانتفائها في الثاني ، وعدم توقف صحة البعض على البعض الأخر وقد تقدم نظير ذلك
فيما لو باع ما يملك وما لا يملك ، فإنه لا خلاف بينهم في الصحة فيما يملك ،
والبطلان أو الحكم بكون البيع فضوليا فيما لا يملك ، الا ان للمشتري الخيار ـ لتبعيض
الصفقة ـ بين الفسخ ، وأخذ ما كان من الجنس بقسط من الثمن وحيث يختار المشتري
الثاني وهو أخذ الجيد بحصته من الثمن ، يتخير البائع أيضا مع جهله بالعيب لتبعيض
الصفقة أيضا ، وأكثر عباراتهم وان كانت انما اشتملت على تخيير المشتري خاصة ، الا
انها محمولة على ما هو الغالب من أن الجهل بالعيب انما يكون من المشترى دون البائع
لثبوت العيب في ملكه ، واطلاعه عليه غالبا فلو فرض خلاف ذلك ثبت له الخيار أيضا ،
كما أن المشترى لو اطلع عليه ورضى به لا خيار له.
الثالثة ـ لو
كان الجنس واحدا وبه عيب كخشونة الجوهر واضطراب السكة بأن يكون سكتة مخالفة للسكة
الجارية في المعاملة ، فلا يخلو اما أن يكون العيب المذكور شاملا للجميع أو مختصا
بالبعض ، فان كان الأول تخير المشترى بين رد الجميع وإمساكه كما في سائر المعيبات
، وليس له رد البعض ، للزوم تبعيض الصفقة على البائع ، ولا طلب البدل ، لان العقد
انما وقع على ذلك العين ، وان كان الثاني تخير أيضا بين رد الجميع وإمساكه ،
والظاهر أنه لا خلاف فيه ، وانما الخلاف في أنه هل له رد المعيب وحده أم لا؟ فقيل
: بالأول ، وهو الذي رجحه العلامة في التذكرة ، وعلل بانتقال الصحيح بالبيع ،
وثبوت الخيار في الباقي لعارض العيب لا يوجب فسخ البيع فيه ، وقيل : بالثاني لأن
رد المعيب وحده يفضى الى تبعيض الصفقة على الأخر ، فيمنع منها كما لو كان كله
معيبا ، فان كل جزء منه موجب للخيار ، وبه قطع المحقق وجماعة.
وأنت خبير بما
فيه من المخالفة لما تقدم في الصورة الثانية مما ظاهرهم الاتفاق عليه من الصحة في
البعض ، والبطلان في البعض.
ثم انه ينبغي
أن يعلم أنه لا أرش في جميع هذه الصور المذكورة في هذه الصورة الثالثة ، لأنها
مفروضة في بيع الفضة بالفضة ، أو الذهب بالذهب ، والعوضان متجانسان متساويان في
القدر ، فلو أخذ أرش العيب لزم زيادة قدر المعيب عن الصحيح ، ولا يجبر عيبه الجنسي
، لما تقرر من أن جيد الجوهر ورديه جنس واحد.
نعم لو كان
مختلفين كالدراهم بالدنانير أو بالعكس جاز له اختيار الإمساك بالأرش ما داما في
المجلس ، فلو تفرقا لم يجز لاشتراط التقابض في الصرف قبل التفرق ، الا أن تفرض
المسألة في غير الأثمان مما لا يجرى فيه حكم الصرف فلا بأس. والله العالم.
المسألة
الحادية عشر ـ إذا اشترى دراهم بدراهم في الذمة ثم وجد ما انتقل اليه غير ما هو
المقصود بالشراء ، اما بأن يكون غير الجنس أو يكون به عيب لا يخرج به عن الجنسية ،
وعلى الأول فاما أن يكون الجميع أو البعض.
فهيهنا صور
ثلاث. الاولى ـ أن يكون غير الجنس ويكون الجميع ، والحكم فيه ـ كما ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ـ أن له المطالبة بالبدل هنا ، بخلاف ما تقدم في سابق هذه المسألة ،
لأن العوض هنا في الذمة ، وهو أمر كلي ، والمدفوع لما لم يكن من جنس ذلك الكلى
امتنع كونه عوضا ، وإذا امتنع كونه عوضا كان له المطالبة لحقه ما لم يحصل التفرق.
الثانية ـ الصورة
المذكورة مع كونه البعض ، وحكمها أنه يبطل في البعض الذي هو غير الجنس ، ويصح في
الأخر ان كان ظهور ذلك بعد التفرق ، وان كان قبل التفرق فله المطالبة بالبدل ، لما
تقدم ذكره في سابق هذه الصورة.
الثالثة ـ ان
يكون عيبا لا يخرج به عن الجنسية ، كخشونة الجوهر واضطراب السكة ، والحكم فيه
التخيير بين الرد والإمساك بالثمن من غير أرش ، أما التخيير فمن
حيث العيب كما في غيره من المبيعات المعيبة ، وأما عدم الأرش فلما تقدم في
سابق هذه المسألة من استلزامه الربا ، ولو اختار الإمساك فله المطالبة بالبدل قبل
التفرق بلا اشكال وخلاف ، لان ما في الذمة أمر كلي محمول على الصحيح السالم من
العيب ، فمتى كان المدفوع معيبا وجب إبداله قبل التفرق ، لان المقبوض في حكم العدم
، انما الخلاف والاشكال في وجوب الأبدال وعدمه بعد التفرق ، وذلك أنه بالنظر الى
أن الإبدال يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق ، وان المبيع حقيقة انما هو البدل
، وقد حصل التفرق قبل قبضه ، فيكون الصرف باطلا ، فلا يجوز له أخذ البدل ، .
__________________
والى هذا يميل
كلام الشهيد في الدروس حيث قال : وان لم يتعين فله الأبدال ما داما في المجلس وان
تفرقا لم يجز الأبدال على الأقرب ، وله الرد. انتهى وبالنظر الى تحقق التقابض في
العوضين قبل التفرق ، ـ لان المقبوض وان كان معيبا الا ان عيبه لا يخرجه عن حقيقة
الجنسية وصحة العوضية. لأجل ذلك انه قد ملكه المشترى ، بدليل أن نماءه من حين
العقد الى وقت الرد له ، والفسخ بالرد طار على الملك بسبب ظهور العيب ، فيكون
البيع صحيحا وله طلب البدل بعد التفرق.
وتوضيحه ـ زيادة
على ما ذكره المحقق الشيخ على (قدسسره) في شرح القواعد ـ أن ما في الذمة وان كان أمرا كليا ،
الا أنه إذا عين في شيء وقبضه المستحق تعين وثبت ملكه له ، فإذا ظهر فيه عيب كان
له فسخ ملكيته ، تداركا لفائت حقه ، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة ، فتعين حينئذ
عوضا صحيحا.
وبهذا يظهر أن
الأول كان عوضا في المعاوضة وقد قبضه قبل التفرق ، فيتحقق شرط الصحة ، فلا يلزم
بطلانها بالفسخ الطاري على العوض المقتضى لعوده إلى الذمة ، وكون البدل عوضا في
الجملة لا يقتضي نفى عوضية غيره ، فلا يقتضي التفرق
قبل قبضه التفرق قبل قبض العوض في المعاوضة. وهو واضح. وكان الأصح ثبوت
المطالبة بالبدل. انتهى.
وهو ظاهر في
اختياره صحة البيع ، ومثله أيضا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والعلامة في
الإرشاد ، وتردد المحقق في الشرائع في ذلك ، ونحوه العلامة في القواعد ، والمسألة
لخلوها من النص الواضح مع تدافع هذه التعليلات محل الاشكال ، سيما ـ مع ما عرفت في
غير موضع ـ من عدم صحة تأسيس الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية ،
الغير المبنية على شيء من القواعد المستفادة من الاخبار المعصومية ، على أن ما
ادعاه (قدسسره) من قوله ، «وبهذا يظهر ان الأول كان عوضا» الى آخره ،
مدخول بأنه بعد الرد وعدم الرضا بذلك العيب انكشف عدم صحة المعاوضة ، وعدم كونه
متعينا لما وقع عليه العقد ، والا لم يكن له الرد وطلب البدل ، فكيف يتحقق بقبضه
أولا شرط صحة الصرف ، وهو قبض العوض قبل التفرق.
وبالجملة
فالتعليلات العقلية لا تقف على حد ، ولا ينتهي إلى عد ، ولهذا استشكل بناء الأحكام
الشرعية عليها ، هذا كله فيما ظهر الجميع معيبا من الجنس.
أما لو ظهر
بعضه خاصة اختص بالحكم حسبما تقدم لكن ليس له افراده بالرد هنا ، للزوم تبعيض
الصفقة على البائع إلا مع رضاه والله العالم.
المسألة
الثانية عشر ـ إذا اشترى دينارا بدينار فاتفق الزيادة في الدينار الذي هو ثمن غلطا
أو عمدا ، فإن الزيادة تكون في يد البائع أمانة للمشتري ، وهي مشاعة في الدينار ،
هذا إذا كان البيع والشراء في الذمة ، وتبين بعد الدفع زيادة الدينار الذي هو ثمن.
أما لو كانا
معينين فإنه يبطل الصرف ، لاشتمال أحد العوضين على زيادة عينية ، وكذا لو كان
الزائد معينا ، والمطلق مخصوصا بقدر ينقص عنه بحسب نوعه ، والحكم بكون الزائد
أمانة في يد المشترى كما تقدم أحد القولين في المسألة قالوا لأصالة البراءة من
الضمان ، ولانه لم يقبضها بسبب مضمون مرسوم ولا غصب
ولا بيع فاسد ، وانما قبضها باذن مالكها ، فيكون كالودعي.
وقيل : انها
تكون مضمونة عليه ، لانه قبضها على أنها أحد العوضين الذين جرى عليها عقد المعاوضة
، فتكون مضمونة ، نظرا : الى مقتضى العقد ولأنه أقرب الى الضمان من المقبوض بالسوم
، ولعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدى».
وأورد عليه بأن
قبضه على جهة العوض غير قادح مع ظهور عدمه ، ومقتضى العقد لم يدل على ضمان غير
العوضين ، وكونها أقرب من المضمون بالسوم انما يجرى لو سلم كون المقبوص بالسوم
مضمونا ، وهو محل النزاع ، وعموم الخبر بحيث يشمل محل النزاع في حيز المنع ، فان
الثابت على الأخذ بمقتضى الخبر غير معين ، فجاز كون الواجب على اليد الحفظ ونحوه
الى أن يؤدى ، ويرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد ، مع عدم الحكم بضمانها وانما
القدر المتفق عليه وجوب حفظها.
أقول :
والمسألة حيث كانت عارية عن الدليل اتسع فيها دائرة القال والقيل ، وهكذا كل مسألة
من هذا القبيل ، ثم انه مع الحكم بكون الزيادة أمانة فحكمها مختلف بالنسبة إلى
العمد والخطاء ، فإنها على تقدير العمد أمانة مالكية لا يجب ردها الا مع طلب
المالك وان وجب حفظها ، كما في سائر الأمانات التي يؤمنها مالكها ، وعلى تقدير
الغلط ، فيحتمل كونهما أمانة شرعية وان كانت مدفوعة من المالك ، الا أنه لعدم علمه
بها وكون ذلك غلطا ، يكون حكمها كما لو باعه صندوقا فوجد فيه متاعا ، فإنه يكون
أمانة شرعية مع استناد الدفع الى المالك نظرا الى جهله بها ، ويحتمل كونهما مالكية
نظرا الى استناد دفعها اليه ، وصدق تعريفها المشهور على ما نحن فيه ، لأنهم جعلوا
مناطها الاستناد الى دفع المالك أو من في حكمه.
وتظهر الفائدة
في وجوب اعلام المالك بها وردها عليه على تقدير كونها شرعية ،
__________________
فان ذلك حكم الأمانة الشرعية كما يأتي في محله إنشاء الله تعالى ، وحينئذ
فلو ترك أثم وضمن.
وظاهر المحقق
الأردبيلي المناقشة هنا ، فإنه قال بعد نقل ذلك عنهم : وفيه تأمل ، لأنه قد يتلف
في الطريق مع أنه غير مأذون فيه ، وان أمكن أن يقال الظاهر أنه محسن غير مفرط ، إذ
الفرض ذلك مع الا من من التلف في الطريق ، وان الغالب رضا صاحبه بذلك ، ولا يبعد
وجوب الا علام أو الرد في صورة الجهل ، اما كونه فوريا فغير ظاهر نعم ينبغي ذلك
بحيث لا يفوت غرض يتعلق بذلك المال ، ولا يعد القابض مهملا ومقصرا. انتهى.
وهو جيد وما
نفى عنه البعد جيد حيث انه لا نص فيها على ما ذكروه ، وفيما ذكره جمع بين الحقين ،
ومما يرجح القول بأنها شرعية ان حكم الأمانة المالكية عندهم انه يجب حفظها حتى
يطلبها مالكها ، وفيما نحن فيه المالك لا علم له بها لانه دفعها جاهلا بها ، فكيف
تيسر طلبه لها وهو لا يعلمها بالكلية ، وانها يجب على المالك حفظها الى آخر الدهر
، ثم انه على تقدير الغلط فاما ان يتبين الحال قبل التفرق ، أو بعده ، فان كان
قبله فلكل منهما استرداد الزائد وإبداله ، وليس للآخر الامتناع تحذرا من الشركة ،
وان كان بعد التفرق فان جوزنا الأبدال للعيب الجنسي كما تقدم في القول به فكذلك ،
والا ثبت الخيار لكل منهما لعيب الشركة ، ولو كانت الزيادة يسيرة يتسامح بها فلا
بأس ، ولهذا يستحب الإعطاء زائدا والأخذ ناقصا ، وقد يكون ذلك لاختلاف الموازين
والمكائيل.
ومما يدل على
ذلك الأخبار الواردة في فضول المكائيل والموازين ومنها ما رواه في الكافي عن على
بن عطية قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام)
__________________
فقلت انا نشتري الطعام من السفن ثم نكيله فيزيد؟ قال : فقال لي وربما نقص
عليكم قلت : نعم ، قال : فإذا نقص يردون عليكم؟ قلت : لا قال : لا بأس».
وظاهر هذا
الخبر يدل على جواز أخذ الزيادة وان كانت زائدة على ما يتسامح به إذا كانوا في حال
ظهور النقصان لا يردون عليكم النقيصة ، ولعله محمول على اختلاف المكائيل ، وان
مكيال البائع كان زائدا على مكيال المشترى تارة وناقصا عنه أخرى.
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن فضول الكيل والموازين؟ فقال : إذا لم يكن تعديا فلا
بأس».
وما رواه المشايخ
الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن إسحاق المدائني عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت : ان صاحب الطعام يدعو كيالا فيكيل لنا
ولنا أجراء فيعيرونه فيزيد وينقص؟ فقال : لا بأس ما لم يكن شيء كثير غلط».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن العلاء بن رزين عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : انى أمر بالرجل فيعرض على الطعام ،
ويقول لي : قد أصبت طعاما من حاجتك فأقول له : أخرجه أربحك في الكر كذا وكذا ،
فإذا أخرجه نظرت إليه فإن كان من حاجتي أخذته ، وان لم يكن من حاجتي تركته ، قال :
هذه المراوضة لا بأس بها ، قلت : فأقول له : أعزل منه خمسين كرا أو أقل أو أكثر ،
فيكيله فيزيد وينقص وأكثر ذلك ما يزيد لمن هي؟ قال : هي لك ، ثم قال (عليهالسلام) : انى بعثت معتبا أو سلاما فابتاع لنا طعاما فزاد
علينا بدينارين ، فقتنا به عيالنا بمكيال قد عرفناه ، فقلت له : قد عرفت صاحبه؟
قال : نعم فرددناه
__________________
عليه ، فقلت : رحمك الله تفتيني بأن الزيادة لي وأنت تردها ، قال : فقال :
قد علمت أن ذلك كان له وكان غلطا ، قال : نعم ، انما ذلك غلط الناس لأن الذي
ابتعنا به انما كان ذلك بثمانية دراهم أو تسعة ، ثم قال : ولكني أعد عليه الكيل».
وظاهر الخبران
الذي شراه (عليهالسلام) من الطعام كان ما يساوى قيمته ثمانية دراهم أو تسعة ـ والترديد
الظاهر أنه من الراوي ـ وزاد فيه ما يساوى دينارين فرد (عليهالسلام) تلك الزيادة ، لأن زيادة هذا المقدار لا يكون الا عن
غلط ، بخلاف ما افتى به الراوي ، فإنه يمكن استناده الى التفاوت في المكائيل وانه
مما يتعارف بين الناس.
وأما قوله في
الوافي وقوله : «بدينارين» متعلق بقوله «فابتاع» فالظاهر أنه سهو من صاحب الكتاب ،
بل انما هو متعلق بقوله فزاد ، وكيف لا وهو (عليهالسلام) قد صرح في آخر الخبر بأن الذي ابتاع انما كان بثمانية
دراهم أو تسعة ، وهو ظاهر في كون ما قابل الدينارين كان هو الزائد ، ولذا أمر برده
، وقوله في الخبر «فقلت له : عرفت صاحبه» يحتمل أن يكون من قول الامام (عليهالسلام) لمعتب أو سلام ، ويحتمل أن يكون من قول الراوي للإمام (عليهالسلام) وتكون جملة معترضة بين قوله «عرفناه» وقوله «فرددناه»
وربما أشعر هذا الخبر بكون الزيادة الكثيرة الواقعة غلطا أمانة شرعية ، لأن حكم
الأمانة المالكية عندهم هو حفظها حتى يطلبها المالك ، والأمانة الشرعية وجوب ردها
، أو إعلام المالك بها وهو (عليهالسلام) في هذا الخبر قد أمر بردها على المالك ، وبالجملة
فالخبر ظاهر في تأييد القول المذكور زيادة على ما قدمناه والله العالم.
الفصل الثامن في بيع الثمار
من النخل
والفواكه والخضر وما يلحق ذلك من الأحكام ، والبحث في هذا الفصل في مطالب أربعة.
الأول ـ في
ثمرة النخل ، وتحقيق الكلام فيها أنه لا خلاف بين الأصحاب ، (رضوان الله عليهم) ـ في
جواز بيعها بعد ظهور صلاحها ، وانما الخلاف فيما قبله ، وتفصيل القول فيه أنه اما
ان يكون قبل ظهورها ، أو بعده قبل بدو الصلاح ، وعلى الأول فاما أن يكون عاما
واحدا أو أزيد ، ثم انه على تقدير بيعها عاما واحدا هل يجوز مع الضميمة أم لا؟
فهيهنا مقامات أربعة.
الأول ـ في
بيعها عاما واحدا قبل ظهورها مع عدم ضميمة ، والمشهور بين الأصحاب ـ بل ادعى عليه
العلامة في التذكرة الإجماع ، ومثله الشهيدان في الدروس والمسالك أنه لا يجوز
بيعها قبل ظهورها عاما واحدا من غير ضميمة ، والمراد بالظهور هو بروزها الى الخارج
وان كانت في طلعها ، كما تضمنته موثقة سماعة ، ورواية يعقوب بن شعيب الاتيتان
إنشاء الله تعالى.
والمفهوم من
كلام الشيخ في كتابه الأخبار القول هنا بالكراهة ، قال (قدسسره) بعد نقل أخبار المسألة : قال محمد بن الحسن : الأصل في
هذا أن الأحوط أن لا يشترى الثمرة سنة واحدة إلا بعد أن يبدو صلاحها ، فان اشتريت
فلا تشترى الا بعد أن يكون معها شيء آخر ، فان خاست كان رأس المال فيما بقي ،
ومتى اشترى من غير ذلك لم يكن البيع باطلا ، لكن يكون قد فعل مكروها ، وقد صرح
بذلك ـ في الاخبار التي قدمناها ـ أبو عبد الله (عليهالسلام).
منها حديث الحلبي
«ان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى عن ذلك لأجل قطع الخصومة الواقعة بين الأصحاب ولم
يحرمه». وكذلك ذكر ثعلبة عن بريد وزاد فيه «انما نهاه ذلك العام دون سائر الأعوام» ، وفي
حديث يعقوب بن شعيب «ان أبا عبد الله (عليهالسلام) كان يكره ذلك ، ولم يقل أنه «كان يحرمه» وعلى هذا
الوجه لا تنافي بين الاخبار انتهى.
والواجب أولا
ذكر الأخبار الواردة في المسألة ، ثم بيان ما هو الظاهر منها فمنها ما رواه المشايخ
الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن سماعة في الموثق قال : «سألته (عليهالسلام) عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها ، قال
: لا الا أن يشترى معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا فيقول : أشترى منك هذه الرطبة
وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فان لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشترى في
الرطبة والبقل» الحديث.
وما رواه في
الفقيه والتهذيب عن أبى الربيع الشامي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : كان أبو جعفر (عليهالسلام) يقول إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا
يباعن حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد ان يكون فيه شيء
من الخضرة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن يعقوب بن شعيب في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن شراء النخل ، فقال : كان أبى يكره شراء النخل قبل
ان تطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث كان يقول : ان لم يحمل في هذه السنة
حمل في السنة الأخرى ، قال يعقوب : وسألته «قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام)
__________________
عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل ان تطلع فيشتري سنتين أو ثلاث سنين أو
أربعا فقال : لا بأس ، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل ان تطلع مخافة الافة حتى تستبين».
وعن سليمان بن
خالد في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام): لا تشترى النخل حولا واحدا حتى يطعم وان كان يطعم ،
وان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل». هكذا نقل الخبر في الوافي عن التهذيب ، ثم قال :
الظاهر سقوط لفظ «لم» من قوله «يطعم» : انتهى ، وقال بعض مشايخنا (عطر الله
مراقدهم) : ان الواو في قوله «وان كان يطعم» ليست في بعض النسخ الصحيحة).
أقول : ويؤيده
ان الذي في الاستبصار «وان شئت ان تبتاعه» وبالجملة فمن عرف طريقة الشيخ في الكتاب المذكور لا
يستنكر من وقوع التحريف منه في الخبر المذكور ، ومعنى الخبر على تقدير زيادة الواو
والنهى عن اشتراء النخل حولا واحدا حتى يطعم وان كان من شأنه بأن بلغ ذلك المبلغ ،
وان شئت أن تبتاعه أزيد فلا بأس.
وما رواه الشيخ
عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه قال : لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم ، وان
شئت ان تبتاعه سنتين فافعل».
وعن ابى بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل عن النخل والتمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا
قبل ان تثمر قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الافة ، فإذا أثمرت فابتعها أربعة
أعوام ان شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل».
__________________
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن بريد بن معاوية قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرطبة تباع قطعة أو قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال : لا
بأس ، قال : وأكثرت السؤال عن أشباه هذا فجعل يقول : لا بأس به فقلت : أصلحك الله
ـ استحياء من كثرة ما سألته وقوله (عليهالسلام) لا بأس به ـ ان من بيننا يفسدون علينا هذا كله ، فقال
: أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في النخل ، ثم حال بيني وبينه رجل فسكت ، فأمرت محمد
بن مسلم ان يسأل أبا جعفر (عليهالسلام) عن قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في النخل فقال أبو جعفر (عليهالسلام) خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فسمع ضوضاء فقال : ما هذا؟ فقيل له : تبايع الناس
بالنخل فقعد النخل العام فقال (صلىاللهعليهوآله) : أما إذا فعلوا فلا يشتروا النخل العام حتى يطلع فيها
شيء ، ولم يحرمه».
ورواه الشيخ في
التهذيبين عن ثعلبة بن زيد بدل عن بريد والظاهر أنه من قبيل ما قدمنا ذكره من حال
الشيخ (رحمة الله عليه) وما وقع له من التحريف والتغيير في متون الاخبار
وأسانيدها.
وما رواه ثقة
الإسلام في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل عن شراء الكرم والنخل والثمار ثلاث سنين أو
أربع سنين فقال : لا بأس به يقول : ان لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل ، وان
اشتريته سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، فان اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا
بأس ، وسئل (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من ارض فهلك
__________________
ثمرة تلك الأرض كلها ، فقال : قد اختصموا في ذلك الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة ، نهاهم
عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم». ورواه
الصدوق مثله ، الا أنه ترك قوله وان اشتريته ثلاث سنين قبل أن تبلغ فلا بأس.
وما رواه أيضا في
الكتاب المذكور في الصحيح عن ربعي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان لي نخلا بالبصرة فأبيعه وأسمى الثمن وأستثنى الكر
من التمر أو أكثر أو العذق من النخل؟ قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك نبيع السنتين؟
قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك ان ذا عندنا عظيم ، قال : أما انك ان قلت ذاك لقد
كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أحل ذلك فتظالموا فقال (صلىاللهعليهوآله) لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها». وما رواه الصدوق في
حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «ونهى أن تباع الثمار حتى تزهو».
وما رواه عبد
الله ابن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن بيع النخل أيحل إذا كان زهوا؟ قال :
إذا استبان البسر من الشيص حل بيعه وشراؤه». وعنه أيضا قال : سألته عن السلم في النخل قبل ان يطلع؟ قال : لا
يصلح السلم في النخل».
__________________
ورواه على بن
جعفر في كتابه وكذا الذي قبله ، وزاد فيه «سألته عن شراء النخل سنتين أيحل؟
قال : لا بأس ، يقول : ان لم يخرج العام شيئا أخرج القابل إنشاء الله (تعالى). قال
: وسألته عن شراء النخل سنة واحدة أيصلح؟ قال لا يشترى حتى يبلغ».
أقول : هذا ما
حضرني من الاخبار المتعلقة بالمسألة ، وقد عرفت كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في ذلك ، والذي يلوح لي ـ من صحيحة بريد بن معاوية وقوله فيها «ان من بيننا يفسدون
علينا ذلك ، فقال : أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلىاللهعليهوآله)» الى آخر الخبر وقوله في صحيحة ربعي «ان هذا عندنا
عظيم ، فقال : أما انك ان قلت» الى آخره ـ أن مذهب العامة يومئذ تحريم بيع الثمرة
قبل ظهورها عاما أو عامين ، كما هو مذهب أصحابنا (رضوان الله عليهم) إجماعا كما
يدعونه في العام الواحد ، وبناء على المشهور في الأزيد ، كما يأتي ذكره إنشاء الله
(تعالى) وعلى هذا فلا يبعد حمل اخبار التحريم مما يكون صريحا فيه على التقية.
وكيف كان فإن
صحيحة بريد ، وصحيحة الحلبي وحسنته ـ انما هو بإبراهيم ابن هاشم المتفق على قبول
حديثه وان عدوه حسنا ـ وصحيحة ربعي صريحة في الحل وعدم الحرمة ، فيتعين العمل بها
لصحتها وصراحتها ، فلا بد من ارتكاب التأويل فيما كان ظاهرا في منافاتها ، اما
بالحمل على الكراهة كما ذكروه ، أو التقية كما أشرنا اليه ، والى هذا القول يميل
كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني.
المقام الثاني
ـ المسألة الأولى بحالها الا أن المبيع مع الضميمة ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ،
قال في المسالك بعد أن ادعى عدم الخلاف في المنع مع
__________________
عدم الضميمة : والمشهور المنع مع الضميمة أيضا ، حيث لا تكون الضميمة هي
المقصودة بالبيع ، لانه غرر انتهى. والمفهوم منه التفصيل بين كون الضميمة هي
المقصودة بالبيع والثمرة تابعة ـ فيصح البيع كما لو باعه الأصل والثمرة ـ أو لا
تكون مقصودة ، بل جعلت تابعة ، كسائر الضمائم التي ذكروها في غير موضع مثل ضميمة
الآبق ونحوها ، فلا يصح.
وأنت خبير بأنه
قد تقدم في موثقة سماعة التصريح بالصحة مع الضميمة مع ظهور كون الضميمة تابعة ،
فان ضم الرطبة أو البقل الى الثمرة ظاهر بل صريح في التبعية وعدم المقصودية ،
ويعضد ذلك اتفاقهم على الصحة مع الضميمة المعلومة تبعيتها في غير موضع ، مما
يحكمون فيه ببطلان العقد لو لا الضميمة ، وأظهر تأييدا في ذلك ما عرفت آنفا من صحة
البيع مع عدم الضميمة بالكلية ، كما اخترناه وصرح به من قدمناه.
وبالجملة فإن
ما ذكروه لا أعرف له وجه استقامة بعد ما عرفت. ولا سيما بعد ما رجحناه من صحة
البيع مع عدمها بالكلية.
المقام الثالث
ـ في بيعها قبل الظهور أزيد من عام واحد ، قال في المختلف المشهور أنه لا يجوز بيع
الثمرة قبل ظهورها ، لا عاما واحدا ولا عامين أما العام الواحد فبالإجماع ، ولانه
بيع عين معدومة ، فلا يصح وأما بيع عامين فالمشهور أنه كذلك ، وادعى ابن إدريس
الإجماع فيه أيضا ، قال : وقد يشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ، ويظنون أنه يجوز
بيعها سنتين وان كانت فارغة لم يطلع بعد وقت العقد ، قال : وهذا بخلاف ما يجدونه
في تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم واخبار أئمتهم وفتاويهم ، وهذا غلط في النقل ،
فان الصدوق قال في المقنع : بالجواز والمعتمد الأول ، لنا انه بيع عين مجهولة معدومة ، فلا
يصح كغيرها
__________________
من المجهولات ، ولقول الباقر (عليهالسلام) في حديث أبى الربيع الشامي : «وإذا بيع سنتين أو ثلاثة
فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شيء من الخضرة». انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : المشهور
في كلامهم نسبة الخلاف في هذه الصورة الى الصدوق خاصة مع أن ظاهر العلامة في التذكرة القول بذلك أيضا ، وكذا
نقله بعض المحققين عن الشيخ أيضا ، ومما يدل على القول المذكور ما تقدم في صحيحة
يعقوب بن شعيب وصحيحة سليمان بن خالد بالتقريب الذي ذكرناه ذيلها ورواية أبي بصير
الاولى وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة ربعي وصحيحة على بن جعفر المذكور في كتابه ،
معللا ذلك في رواية يعقوب بن شعيب ، وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة على بن جعفر ـ بأنه
ان لم يخرج العام أخرج في القابل.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة قال : «سألته عن بيع النخل سنتين؟ قال : لا بأس به»
الحديث.
وبذلك يظهر قوة
قول المذكور ، وأنه المؤيد المنصور ، قال في المختلف ـ بعد ذكر ما قدمنا نقله ـ :
احتج ابن بابويه بما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح ،
__________________
ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : والجواب أنه محمول على ظهور الثمرة
قبل تأبيرها.
وأنت خبير بما
في هذا الجواب ، وان تبعه فيه الشهيد في الدروس ، كيف لا والسؤال الثاني من
الرواية المذكورة انما وقع عن الثمرة قبل أن تطلع ، ومع هذا أجاب (عليهالسلام) بنفي البأس ، ويرد ما ذكروه أيضا التعليل المذكور في
تلك الروايات أنه ان لم يخرج العام يخرج في العام الأخر ، فإنه إشارة إلى الوجه
المصحح للبيع في هذه الصورة ، قال في المسالك ـ بعد قول المصنف : و «في جواز بيعها
كذلك عامين فصاعدا تردد ، والمروي الجواز» وبعد استدلاله للقول المشهور بمفهوم
الشرط في رواية أبي بصير الثانية ، ولرواية أبي الربيع ـ ما لفظه : لكن في الرواية
الأولى ضعف ، والثانية من الحسن ، وأشار المصنف بقوله «والمروي الجواز» إلى صحيحة
يعقوب بن شعيب ، ثم ساقها الى آخرها ، ثم قال : وعمل بمضمون الرواية الصدوق ،
ويظهر من المصنف الميل اليه ، وهو قوي ـ إذ لم يثبت الإجماع على خلافه ـ لصحة
روايته وترجيحها على ما يخالفها من الروايات ، مع إمكان حمل روايات المنع على
الكراهة جمعا. انتهى.
وفيه أن وصفه
رواية أبي الربيع بالحسن سهو منه (قدسسره) فان الرجل المذكور غير موثق ولا ممدوح ، وأن الدليل
على الجواز غير منحصر في صحيحة يعقوب المذكورة ، لما عرفت من الاخبار التي أشرنا
إليها ، وهي متكاثرة صحيحة صريحة في الحكم المذكور ، لا يعارضها ما ذكره ، سيما مع
قيام التأويل في المعارض ، كما أشار اليه ، وبالجملة فالقول بالصحة في الصورة
المذكورة مما لا مجال لإنكاره بعد ما عرفت والله العالم.
المقام الرابع
ـ في بيعها بعد الظهور وقبل بدو صلاحها ، والمشهور أنه لا يجوز الا أن يضم إليها
ما يجوز بيعه أو بشرط القطع أو عامين فصاعدا ولو بيعت من
__________________
دون أحد الشروط المذكورة ، فهل يكون جائزا على كراهة ، أو يكون باطلا ، أو
يراعى السلامة؟ أقوال ثلاثة ، وبالأول ـ قال الشيخ في كتابي الاخبار ، والشيخ
المفيد وسلار وابن إدريس والعلامة في التذكرة ، وبالثاني قال في النهاية والمبسوط
والخلاف ، وادعى عليه الإجماع ، وبه قال الصدوق ، وابن الجنيد ، وأبو الصلاح ،
وابن حمزة ، وبالثالث قال سلار في ظاهر كلامه ، واستدل القائلون بالتحريم إلى
رواية أبي بصير الثانية من روايتيه المتقدمتين ، وما رواه في الكافي والفقيه ، عن
الوشاء في الضعيف في الأول ، والحسن في الثاني قال : «سألت
الرضا (عليهالسلام) هل يجوز بيع النخل إذا حمل فقال : لا يجوز بيعه حتى
يزهو ، قلت : وما الزهو جعلت فداك؟ قال : يحمر ويصفر وشبه ذلك». وما رواه في
الكافي والتهذيب عن على بن حمزة قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) الى أن قال : «وسألته عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس
فيه غير بسر أخضر؟ فقال : لا حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ قال : يتلون». ويدل عليه
أيضا ما تقدم في حديث المناهي المنقول عن الفقيه ، وما في رواية قرب الاسناد.
ويعارض هذه
الاخبار ما قدمنا ذكره من الروايات الصحيحة الصريحة في جواز البيع قبل الظهور
بالكلية من غير شرط ، فبعده قبل بدو الصلاح بطريق أولى ، مضافا ذلك الى عمومات
الكتاب والسنة في حل البيع ، ووجوب الوفاء بالعهود ،
__________________
وحمل الأخبار النافية على الكراهة ، كما ذكره الأصحاب غير بعيد لان ما تشعر به من احتمال تطرق الافة قبل بدو الصلاح لا
يصلح للمانعية ، ألا ترى أنه يمكن ذلك في أكثر المبيعات ، مثل الحيوانات وبيع
الثمرة سنتين مثلا ، بل بعد بدو الصلاح يمكن تطرقها أيضا.
ونقل العلامة
في التذكرة المنع من المذاهب الأربعة ، وكذا ابن إدريس في كتاب السرائر حيث قال :
وانما يجوز عندنا خاصة بيعها إذا طلعت قبل بدو الصلاح سنتين ، وعند المخالفين
لمذهب أهل البيت (عليهمالسلام) لا يجوز ، وعلى هذا فلا يبعد حمل هذه الاخبار على
التقية ، ولعله الأظهر.
قال في المسالك
بعد ذكر الشروط الثلاثة المتقدمة : وألحق العلامة بالثلاثة بيعها على مالك الأصل ،
وبيع الأصول مع استثناء الثمرة ، وفي الأخير نظر ، إذ ليس هناك بيع ولا نقل الثمرة
بوجه ، ودليل الأول غير واضح ، والتبعية للأصل انما يجرى لو بيعا معا. انتهى وهو
جيد.
ثم انه ينبغي
أن يعلم ان الوجه في اشتراط الضميمة ـ وكذا في اشتراط الزيادة عن سنة ـ ظاهرة أما في
اشتراط القطع فهو لا يخلو عن نوع غموض ، لان الظاهر أن الاشتراء انما يكون بشيء
يمكن الانتفاع به ، ومجرد ظهور الثمرة ـ قبل بدو الصلاح ـ لا يترتب عليها بعد
القطع منفعة ـ يعتد بها بين العقلاء ـ حتى انه تقطع لأجلها ، وانما
__________________
المنافع المترتبة بعد صيرورة النخل بسرا ، أو ثمرة الكرم حصرما ونحو ذلك ،
واما قبل ذلك فلا ، فإطلاق اشتراط القطع لا يخلو من غموض واشكال والله العالم.
وتمام تحقيق
الكلام في المقام يتوقف على رسم فائدتين ، الأولى ـ بدو الصلاح ـ المجوز لبيع
الثمرة على القول بالمنع قبله ـ هل هو عبارة عن الاحمرار أو الاصفرار؟ أو هو عبارة
عن ان تبلغ مبلغا يؤمن عليها من الافة والمرجع فيه الى أهل الخبرة قولان.
ونقل في
التذكرة عن بعض العلماء ان حده طلوع الثريا ، محتجا عليه برواية عن النبي (صلىاللهعليهوآله) ، وردت بعدم ثبوت النقل ، والروايات المتقدمة بعضها قد
اشتمل على الأول ، وبعضها على الثاني.
ومما يدل على
الأول صحيحة ربعي وحديث المناهي المنقول من الفقيه ، ورواية قرب الاسناد ، وحسنة الرشا
، ورواية على بن أبي حمزة.
ومما يدل على
الثاني صحيحة سليمان بن خالد وفيها حتى يطعم ، وفي الصحاح «أطعمت النخلة إذا أدركت
ثمرتها ، وأطعمت البسر : اى صار لها طعم» ومثلها رواية أبي بصير الاولى ، وفي
روايته الثانية حتى يثمر ، وتؤمن ثمرتها من الافة.
ونحو هذه
الرواية أيضا ما رواه في الكافي عن يعقوب ابن شعيب في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس
ببيعه جميعا».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الموثق عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي
__________________
عن بيع الثمرة قبل أن تدرك؟ فقال : إذا كان في تلك الأرض بيع له غلة قد
أدركت فبيع ذلك كله حلال». أقول قوله «بيع» بمعنى «مبيع» وهذا الإطلاق شائع في
الاخبار ، وقوله «له غلة» أي ثمرة.
وما رواه في
التهذيب والفقيه عن على بن أبي حمزة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى بستانا فيه شجرة ونخل ، منه ما قد أطعم
ومنه ما لم يطعم : قال : لا بأس به إذا كان فيه ما قد أطعم». وبما ذكرناه هنا يظهر
لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك حيث قال : بعد قول المصنف «وبدو الصلاح أن
يصفر أو يحمر أو يبلغ مبلغا يؤمن عليه العاهة» : بدو صلاح ثمرة النخل أحد الأمرين
المذكورين ، عملا بما دلت عليه الروايات ، فان كثيرا منها دل على الأول ، وفي
رواية أبي بصير ما يدل على الثاني ، واقتصر جماعة من الأصحاب على العلامة الأولى
لصحة دليلها ، وقيل بالثاني خاصة ، والأقوى اعتبار العلامة الأولى خاصة لما
ذكرناه.
واعترضه المحقق
الأردبيلي هنا في دعواه صحة دليل العلامة الأولى حيث ، انه انما أورد روايتي
الوشاء وعلى بن أبي حمزة ، ثم قال : وما رأيت غيرهما وليس فيهما شيء صحيح ، فقول
شارح الشرائع «واكتفى الأكثر به لصحة دليله» محل التأمل انتهى.
وفيه أن من
جملة أدلة هذه العلامة صحيحة ربعي كما ذكرناه ، ولكنه غفل عنها كما ينبئ عنه كلامه
، وانما وجه الدخل في كلام شيخنا المذكور دعواه أن كثير من الروايات دل على
العلامة الاولى ، وأن فيها الصحيح والعلامة الثانية انما دل عليها خبر أبى بصير
خاصة ، فمن ثم رجح العلامة الاولى ، والأمر كما عرفت مما ذكرناه ليس كذلك ، وأن
الروايات الدالة على العلامة الثانية أكثر عددا وصحاحا
__________________
والظاهر ـ بمعونة ما قدمناه من جواز البيع قبل الظهور ـ ترتب هذه الاخبار
في مراتب الكراهة ، فالأولى قبل الظهور ، والثانية بعد الظهور وقبل التلون ،
والثالثة بعد التلون وقبل أن تدرك وتطعم ، وأما إذا بلغت هذا المبلغ فلا إشكال في
الجواز بغير كراهة ، وقد تقدم أيضا احتمال الحمل على التقية في بعض هذه المراتب. والله
العالم.
الثانية قالوا
إذا أدرك بعض ثمرة البستان جاز بيعها اجمع ، ولو أدركت ثمرة بستان فهل يجوز أن يضم
اليه بستان لم يدرك ويباع جميعا أم لا؟ قولان.
أقول : أما
الحكم الأول فالظاهر أنه موضع اتفاق نصا وفتوى ، لان بيع ما لم يدرك جائز مع
الضميمة كما تقدم ، وما أدرك من الثمرة ضميمة هنا لما لم يدرك ، وقد تقدمت صحيحة
يعقوب بن شعيب وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، ورواية على بن أبي حمزة مصرحة
بذلك.
وأما الثاني
فالمشهور الجواز ايضا لمكان الضميمة ، وأيد ذلك بصحيحة الهاشمي المتقدمة أيضا ،
بناء على ظاهر إطلاق الأرض فيها ، فإنه أعم من أرض ذلك البستان الذي أدرك بعضه ،
أو أرض بستان آخر.
ونقل عن الشيخ
في المبسوط والخلاف المنع ، لان لكل بستان حكم نفسه المتعدد ، ولما رواه عن عمار في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) أنه سئل عن الفاكهة متى يحل بيعها؟ قال : إذا كانت
فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها ، فإذا كان نوعا
واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم ، فان كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شيء حتى يطعم
كل نوع منها وحده ، ثم تباع تلك الأنواع». ورد في المسالك الرواية بالضعف ، وتردد
المحقق في الشرائع في الحكم المذكور ، والظاهر عندي أن الرواية المذكورة ليست من
قبيل ما نحن
__________________
فيه ، فان ظاهر الخبر أن التفرق انما هو في أنواع الفاكهة ، وان كانت في
بستان واحد ، لا في المكان الذي فيه الفاكهة كما هو محل البحث ، وهذا الخبر على
ظاهره كما ذكرناه لا قائل به ، لما عرفت في الحكم الأول من أن البستان الواحد إذا
أدرك بعض ثمره جاز بيع الجميع ، ويدلك على ما قلناه قوله (عليهالسلام) في صدر الخبر «إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد» ثم
انه فصل في تلك الفاكهة بين كونها نوعا واحدا أو أنواعا متعددة ، فأثبت لكل نوع
منها حكم نفسه ، وحكمه في صدر الخبر بحل بيع الفاكهة كلها إذا أطعم بعضها مبنى على
كونها من نوع واحد كما ينادى به التفصيل المذكور ، وحينئذ يكون الخبر المذكور من
قبيل سائر اخبار عمار المشتملة على الغرائب ، كما طعن عليه بذلك المحدث الكاشاني
في الوافي في غير موضع.
وبالجملة فإن
القول الأول هو الأوفق بالقواعد المتقدمة ، ويعضده إطلاق الصحيحة المذكورة.
المطلب الثاني
في أثمار سائر
الأشجار ، الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم جواز بيعها قبل الظهور سنة واحدة
بغير ضميمة ، ولم أقف هنا على نص صريح يدل على الجواز في الصورة المذكورة ، وانما
ورد ذلك في ثمرة النخل كما تقدم ، الا أن ظاهر جملة من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك أن الخلاف هنا على حسب الخلاف في ثمرة النخل.
وقال في
التذكرة على ما نقله المحقق الأردبيلي في جميع مسائل ثمرة الشجر : الخلاف هنا
كالخلاف في ثمرة النخل ، ثم قال موردا عليه : الا أنه اختار في ثمر النخل جواز
بيعه بعد الظهور قبل البدو عامين ، وفي ثمر الشجر قال : لا يجوز.
أقول : وهو
ظاهر العلامة في الإرشاد ، حيث ذكر في عبارته الأحكام المتقدمة في النخل وطردها في
الجميع .
والذي وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بالشجر ما تقدم في المقام الأول من المطلب الأول في
صحيحة الحلبي أو حسنته ، حيث إن السؤال فيها وقع عن شراء الكرم والنخل والثمار ،
وقد تضمنت أنه لا بأس ببيعه ثلاث سنين ، أو أربع ، وتضمنت أنه ان اشتريته سنة
واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وتضمنت السؤال عن اشتراء الثمرات فتهلك ، وهو أعم من
ثمرة النخل وغيرها ، فأجاب (عليهالسلام) بحديث رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الدال على جواز شراء الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا ،
ويستفاد منه على هذا جواز الشراء سنة واحدة قبل الظهور على كراهية ، وجواز الشراء
أزيد من سنة قبل الظهور أيضا.
ومنها ما رواه في
الكافي. والتهذيب عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ فقال : إذا عقد
وصار عروقا». والعرق اسم الحصرم بالنبطية ، كذا في الكافي. وفي التهذيب «عقودا»
والعقد اسم الحصرم بالنبطية ، وهو أظهر.
أقول : وهذا
الخبر من قبيل الاخبار المتقدمة في النخل ، وأنه لاتباع ثمرته بعد الظهور حتى يبدو
صلاحها ، اما بالاحمرار أو الاصفرار ، أو بأن يؤمن
__________________
عليها العاهة.
ومنها ما تقدم
في رواية أبي الربيع الشامي المشتملة على الحائط فيه النخل والشجر ، وقد تضمنت
النهى عن بيعه سنة واحدة حتى يبلغ ثمرته ، وتضمنت جواز بيعه أزيد من سنة واحدة بعد
أن يكون فيه شيء من الخضرة.
ومنها ما تقدم
أيضا في صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن
تطلع فيشترى سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال : لا بأس ، إنما يكره شراء سنة
واحدة قبل ان يطلع مخافة الافة حتى تستبين ، وهي ظاهرة في ان حكم شجر الفاكهة حكم
النخل فيما ذكرنا من كراهة شراء سنة واحدة وجوازه أزيد من سنة واحدة من غير ضميمة
، حسبما تقدم في النخل.
ومنها ما رواه في
التهذيب عن محمد بن شريح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وبلغني أنه قال في ثمر الشجر : لا بأس
بشرائه إذا صلحت ثمرته فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : إذا عقد بعد سقوط ورده».
ومنها موثقة
عمار المتقدمة في الفائدة الثانية ، وفيها النهى عن بيع الفاكهة حتى تطعم.
أقول : والذي
يقرب عندي من هذه الاخبار بعد ضم بعضها الى بعض وهو مساومة حكم الشجر للنخل ، الا
أن في جواز بيعه سنة واحدة قبل الظهور توقف ، لعدم ظهوره صريحا منها ، وكذا في
جواز بيعه بعد الظهور وقبل البلوغ بأحد الشروط الثلاثة المتقدمة ، فإنه لا دلالة
لشيء من هذه الاخبار عليه ، بل ظاهرها هو الجواز بعد الانعقاد ، كما دلت عليه
رواية محمد بن شريح من غير اشتراط شيء.
واما ما دل على
اشتراط أن تطعم ـ كما في موثقة عمار الثانية ، ونحوه بلوغ
__________________
الثمرة في موثقة سماعة ، أو صيرورته حصرما كما في موثقة عمار الاولى ـ فيحمل
على الأفضل والاولى ، وكراهة ما قبل ذلك ، وان ترتبت في الكراهة كما تقدم في
النخل.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المفهوم من كلام الأصحاب رضوان (الله عليهم) هو المنع من البيع قبل
الظهور عاما واحدا بغير ضميمة إجماعا ، ومعها على المشهور والبيع أزيد من عام فقولان.
وأما بعد
الظهور فقيل : بالجواز وقيل : بأنه يتوقف على بدو الصلاح ، وانما الكلام في بدو
الصلاح ، هل هو عبارة عن انعقاد الحب خاصة ـ وعلى هذا يتحد الظهور وبدو الصلاح ،
إذ لا واسطة بينهما ـ أو انه يشترط مع الانعقاد تناثر الورد؟ ذكره الشيخ في
النهاية وجماعة ، أو أن بدو الصلاح كما ذكره في المبسوط حيث قال : بدو الصلاح
مختلف ، فان كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر ، فبدو الصلاح فيهما حصول هذه
الألوان ، وان كانت مما تبيض بأن يتموه ، وهو أن ينمو فيه الماء الحلو ويصفو لونه
، وان كان مما لا يتلون مثل التفاح فبان يحلو ويطيب أكله ، وان كان مثل البطيخ
فبان يقع فيه النضج.
قال : وقد روى
أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة ، فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن ينثر
الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وان كان مثل القثاء والخيار الذي لا
يتغير طعمه ولا لونه ، فان ذلك يؤكل صغارا فبدو صلاحه فيه أن يتناهى عظم بعضه.
انتهى.
وقال ابن إدريس
بدو الصلاح يختلف بحسب اختلاف الثمار ، فان كانت ثمرة النخل وكانت مما تحمر أو
تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيها ذلك ، وان كان خلاف ذلك فحين ينمو فيها الماء الحلو
ويصفر لونها ، ولا يعتبر التلون والتموه والحلاوة عند أصحابنا إلا في ثمرة النخل
خاصة ، وان كانت الثمرة مما يتورد فبدو صلاحها أن ينثر الورد وينعقد ، وفي الكرم
أن ينعقد الحصرم ، وان كان غير
ذلك فحين يحلو ويشاهد وقال بعض المخالفين : ان مثل القثاء والخيار الذي لا
يتغير طعمه ولا لونه فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه ، وقد قلنا ان أصحابنا لم
يعتبروا بدو الصلاح الا فيما اعتبروه من النخل والكرم ، وانتثار الورد في الذي
يتورد. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وقال العلامة
في المختلف بعد نقل كلامي الشيخ وابن إدريس المذكورين : وهذا كله عندي لا عبرة به
، لأنا قد جوزنا بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، نعم بشرط ظهورها. انتهى.
أقول : والظاهر
من كلام الشيخ هو المنع من بيع البطيخ والقثاء والخيار ونحوها بعد الظهور وقبل بدو
الصلاح الذي ذكره الا بشرط القطع ، وهذا الشرط وان لم يذكره هنا ، الا انه قد صرح
به في موضع آخر من الكتاب المذكور.
والتحقيق هو ما
ذكره ابن إدريس عن أصحابنا من ان بدو الصلاح انما يشترط ويعتبر في الثلاثة
المذكورة فإنه هو الذي وردت به الاخبار ، وأما غيرها فحين يتحقق خلقه ويصير معلوما
والله العالم.
المطلب الثالث في الخضر.
والمشهور بل
الظاهر انه لا خلاف فيه انه لا يجوز بيعها قبل ظهورها ، وانما يجوز بعد ظهورها
لقطة ولقطات ، وجزة وجزات فيما يجز كالبقول ، وفيما
__________________
يخترط كالحناء والتوت ـ خرط وخرطات أو أربع ـ خرطات ، ويدل عليه ما رواه المشايخ
الثلاثة في الموثق عن سماعة في حديث تقدم اوله قال فيه : «وسألته عن ورق الشجر هل
يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما
شئت من خرطة». وهو ظاهر في انه انما يشترى بعد ظهوره ، وانه يجوز شراؤه خرطة واحدة
وخرطات متعددة.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة قال : «سألته عن بيع النخل سنتين؟ قال : لا بأس به ،
قلت : فالرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا جزة بعدها؟ قال : لا بأس به ، ثم قال :
قد كان أبى (عليهالسلام) يبيع الحناء كذا وكذا خرطة».
أقول : وهذا
الخبر وان كان مطلقا في الظهور وعدمه ، الا أنه مما يجب حمله على الأول ، حمل
المطلق على المقيد ، وأما ما نقل عن ابن حمزة مما يشعر بجواز بيع الجزة الثانية أو
الثالثة على حدة ، حيث قال : يجوز بيع الرطبة وأمثالها الجزة ، أو الثانية أو
جميعا فهو مردود بالخبر الأول الدال صريحا على أنه لا يجوز البيع الا بعد الظهور
جزة أو جزات ، ومقتضى ما ذكره جواز البيع قبل الظهور ، وهو بيع مجهول ، فلا يصح
بانفراده بخلاف ما لو ضمها الى الموجود كما دل عليه الخبر.
__________________
المطلب الرابع في الأحكام
وفيه مسائل
الاولى لو باع الأصول بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في المبيع الا بالشرط ، وأما قبله
فتدخل وان كان وردا خلافا للشيخ ومتى لم تدخل في المبيع فالواجب على المشترى إبقاؤها
إلى أو ان بلوغها ، ويرجع في ذلك الى ما هو المتعارف في تلك الأشجار من حد البلوغ
، هذا على المشهور في غير النخل.
أما النخل إذا
بيع فإنه يفرق فيه بالتأبير وعدمه ، فإن أبرت ثمرته فهي للبائع وان كان قبل
التأبير فهي للمشتري ، والظاهر أنه لا خلاف فيه.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي والتهذيب عن يحيى بن أبى العلاء قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع الا أن يشترط
المبتاع ، قضى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بذلك».
وعن غياث بن
إبراهيم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : من باع نخلا قد أبره فثمرته «للذي باع» الا أن يشترط
المبتاع ، ثم قال : ان عليا (عليهالسلام) قال : قضى به رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
وما رواه في
الكافي عن عقبة بن خالد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «
__________________
قضى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن ثمر النخل للذي أبرها الا أن يشترط المبتاع».
وانما الخلاف
فيما عدا النخل ، وفي النخل في الانتقال بغير المبيع ، فان ظاهر المشهور هو ما
قلناه من أن الثمرة للبائع ، لا تدخل في المبيع ، للأصل وعدم شمول اللفظ لها ، الا
ان يصرح بدخولها.
وقال الشيخ في
النهاية : إذا باع نخلا قد أبر ولقح فثمرته للبائع الا أن يشترط المبتاع الثمرة ،
فإن شرط كان على ما شرط ، وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه ، وكذا قال
الشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف ، وظاهره كما ترى اجراء الحكم المذكور في
غير النخل ، وتأول ابن إدريس في السرائر كلامه بأن قصد الشيخ من ذلك أن الثمرة
للبائع ، لأنه ما ذكر الا ما يختص بالبائع ، ولا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير إلا
في النخل ، فأما ما عداه متى باع الأصول وفيها ثمرة فهي للبائع الا ان يشترطها
المشترى ، سواء لقحت وأبرت أو لم تلقح.
وأنت خبير بان
كلامه في المبسوط لا يقبل ما ذكره من التأويل ، حيث قال : إذا باع القطن وقد خرجت
جوزته فان كان قد تشقق فالقطن للبائع الا أن يشترطه المشترى ، وان لم يكن تشقق فهو
للمشتري ، قال : وما عدا النخيل والقطن فهو على أقسام أربعة أحدها ـ ما يكون
ثمرتها بارزة لا في كمام ولا ورد ، كالعنب والتين ، فإذا باع أصلها فإن كانت
الثمرة قد خرجت فهي للبائع ، والا فهي للمشتري.
الثاني ـ أن
يخرج الثمرة في ورد ، فان باع الأصل بعد خروج وردها فان تناثر الورد وظهرت الثمرة
فهي للبائع ، وان لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشتري.
الثالث ـ ان
يخرج في كمام كالجوز واللوز مما دونه قشر يواريه إذا ظهر ثمرته
فالثمرة للبائع.
الرابع ـ ما
يقصد ورده كشجرة الورد والياسمين ، فإذا بيع الأصل فإن كان ورده قد تفتح فهو
للبائع ، وان لم يكن تفتح وانما هو جنبذ فهو للمشتري. وتبعه في ذلك ابن البراج ،
وابن حمزة عمم الحكم أيضا في النخل والشجر ، ومحل المخالفة في القطن بعد خروج
جوزته وقبل تشققها وفي الورد قبل تفتحه ، والا فباقى كلامه موافق لما عليه الأصحاب
من التفصيل بالظهور وعدمه.
وقال في
المبسوط أيضا : إذا باع نخلا قد طلع فان كان قد أبر فثمرته للبائع ، وان لم يكن قد
أبر فثمرته للمشتري ، وكذلك إذا تزوج بامرأة على نخلة مطلعة ، أو يخالع امرأة على
نخلة مطلعة ، أو يصالح رجلا في شيء على نخلة مطلعة أو يستأجر دارا مدة معلومة
بنخلة مطلعة ، قال : فجميع ذلك ان كان قد أبر فثمرته باقية على ملك المالك الأول ،
وان لم يكن قد أبر فهو لمن انتقل اليه النخل بأحد هذه العقود. انتهى.
وتبعه ابن
البراج في ذلك ، وهو ظاهر في قياس ما عدا البيع في النخل ـ من عقود المعاوضات ـ على
البيع ، مع ان مورد النص كما تقدم انما هو البيع خاصة والأصل كما عرفت بقاء الثمرة
على ملك مالكها ، خرج منه ما دل النص عليه ، وهو البيع خاصة ، فيبقى الباقي على
أصله.
ولهذا اعترضه
ابن إدريس هنا ، فقال بعد نقل كلامه المذكور : قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب
: وهذا الذي ذكره (رحمة الله عليه) مذهب المخالفين لأهل البيت (عليهمالسلام) لان جميع هذه العقود الثمرة فيها للمالك الأول ، سواء
أبر أم لم يؤبر ، بغير خلاف بين أصحابنا ، والمخالف حمل باقي العقود على عقد البيع
وقاسها عليه ، والقياس عندنا باطل بغير خلاف بيننا الى آخره.
المسألة
الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف في جواز أن يشترط استثناء ثمرة شجرة
أو شجرات بعينها ، أو يستثني حصة مشاعة كالنصف أو الثلث مثلا ، وكذا
استثناء جزء معين من شجرة ، كغدق معين من نخلة ، والمشهور جواز استثناء أرطال
معينة ، خلافا لأبي الصلاح ، مستندا الى حصول الجهل بقدر المبيع حيث لا يعرف قدره
جملة.
ويدل على
المشهور ما رواه في الفقيه عن حماد بن عيسى عن ربعي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا وتمرا قال : لا
بأس به؟ قال : وكان مولى له عنده جالسا فقال المولى : انه ليبيع ويستثني أوساقا ـ يعني
أبا عبد الله (عليهالسلام) ـ قال : فنظر اليه ولم ينكر ذلك من قوله».
وحينئذ فإن
سلمت الثمرة فالأمر واضح بأن يأخذ المستثنى ما استثناه ، وللمشتري الباقي ، وان
خاست وتلف بعضها فان كان ذلك في صورة استثناء شجرة أو شجرات فلا اشكال ، لامتياز
المبيع منها ، وأما في صورة الحصة المشاعة فالأمر أيضا واضح.
وأما في صورة
الأرطال المعلومة فإن الساقط يكون بالنسبة بأن يخمن ثمرة البستان على تقدير
السلامة تنسب إليه الأرطال المعلومة ، ثم تؤخذ بتلك النسبة من الباقي ، فإذا خمن
بقدر معلوم على تقدير السلامة نسبت إليه الأرطال المعلومة ، بأن يكون ربعا أو خمسا
أو نحو ذلك ، ثم يؤخذ بتلك النسبة من الثمرة الباقية ، بأن يؤخذ ربعها أو خمسها
كما في المثال المذكور.
المسألة الثالثة
قالوا إذا باع
ما بدا صلاحه فأصيب قبل قبضه كان من مال بايعه ، وكذا لو
__________________
أتلفه البائع ، وان أصيب البعض أخذ السليم بحصته من الثمن ، ولو أتلفه
أجنبي كان كان المشترى بالخيار بين فسخ البيع ومطالبة المتلف ، ولو كان بعد القبض
ـ وهو التخلية ـ لم يرجع على البائع بشيء على الأشبه ، ولو أتلفه المشترى في يد
البائع استقر العقد ، وكان الإتلاف كالقبض ، وكذا لو اشترى جارية وأعتقها قبل
قبضها.
أقول : والكلام
في هذه المسألة يقع في مواضع الأول ما ذكر من أن تلفه قبل القبض يكون من مال
البائع إذا كان التلف بآفة ونحوها ، فإنه مبنى على القاعدة المشهورة ، من أنه
مضمون على البائع قبل القبض ، والمعنى أنه ينفسخ العقد من حينه ، وتقدم الكلام في
ذلك في المسألة الخامسة من المقام الثاني في أحكام الخيار وذكرنا ثمة معارضة هذه القاعدة بالقاعدة الدالة على أن
المشترى يملك المبيع بالعقد.
وأما ما ذكر من
أن الحكم كذلك لو أتلفه البائع فهو خلاف ما هو المشهور بينهم ، كما قدمناه ذكره في
المسألة المشار إليها من أن الحكم هنا انما هو تخير المشترى بين الرجوع بالثمن بأن
يفسخ العقد ، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة سواء كان البائع أو الأجنبي ،
ولهذا قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك هنا بعد ذكر القول المذكور : والأقوى
تخير المشترى بين الفسخ ، وإلزام البائع بالمثل ، أما الفسخ فلان المبيع مضمون على
البائع قبل القبض ، واما إلزامه بالعوض فلأنه أتلف ماله ، لان المبيع قد انتقل إلى
المشترى وان كان مضمونا على البائع كما لو أتلفه الأجنبي ، تمسكا بأصالة بقاء
العقد ، واقتصارا بالانفساخ على موضع الوفاق. انتهى.
أقول : وقد
تقدم في المسألة المشار إليها آنفا ما في هذا الكلام من تطرق الإيراد ، فإن قضية
كونه قبل القبض مضمونا على البائع الاقتصار على الفسخ وعدم
__________________
الرجوع بالمثل لبطلان العقد بالتلف ، وقضية كون المبيع ينتقل بالعقد إلى
المشترى ـ ويكون ملكا له ـ هو عدم الرجوع على البائع بوجه ، الا أنه حيث كان
ظاهرهم الإجماع على كل من القاعدتين جمعوا بينهما بما ذكر ، كما يشير اليه قوله «واقتصارا
بالانفساخ على موضع الوفاق».
الثاني ـ ما
ذكر «من أنه لو كان بعد القبض وهو التخلية» الى آخره فإنه لا ريب أن مقتضى قاعدة
البيع أنه بعد القبض لا يرجع على البائع بشيء ، وهو المشهور في كلامهم بأي نوع
كان من أنواع التلف المذكورة ، الا أنه قد نقل في المسالك عن بعض الأصحاب أنه ذهب
هنا الى أن الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع وان أقبضها بالتخلية ، نظرا الى
أن بيعها بعد بدو صلاحها بغير كيل ولا وزن على خلاف الأصل ، لأن شأنها بعده النقل
، والاعتبار بالوزن أو الكيل بالقوة القريبة من الفعل ، وانما أجيز بيعها كذلك
للضرورة ، ويراعى فيها السلامة وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله «على الأشبه» متعلقا
بقوله «لم يرجع» ويكون إشارة الى هذا القول ، ويحتمل أن يكون متعلقا بقوله «وهو
التخلية ،» حيث أنه كما تقدم قد وقع الخلاف في القبض ، هل هو عبارة عن التخلية
مطلقا ، أو من الكيل أو الوزن في المكيل والموزون؟ وهذه الثمرة بعد بدو صلاحها قد
صارت صالحة للاعتبار بهما ، وحينئذ فيكون فيه تنبيه على اختياره القول بالتخلية
مطلقا ، كما هو أحد القولين المذكورين.
الثالث ما ذكره
بقوله «ولو أتلفه المشترى في يد البائع» الى آخره ، لا يخفى ان إتلاف المشتري في
الصورة المذكورة ان كان بإذن البائع فهو قبض ، يترتب عليه أحكام القبض مطلقا ، وان
كان بغير اذنه وهو الظاهر من العبارة ، فهو قبض من حيث انتقال الضمان إلى المشتري
بالإتلاف وان لم يكن باقي أحكام القبض مترتبة عليه ، لان الغرض هنا بيان عدم
الرجوع على البائع ، وحيث انتقل الضمان اليه فلا رجوع.
قيل : وانما
شبه الإتلاف هنا بالقبض ولم يجعله قبضا لأن الإتلاف قد يكون بمباشرة المشتري ،
فيكون قبضه حقيقة ، وقد يكون بالتسبيب فيكون في حكم القبض خاصة.
الرابع ـ ما
ذكره من قوله «وكذا لو اشترى جارية» الى آخره والغرض منه التنبيه على ان العتق مثل
الإتلاف في كونه قبضا ، ويكون العتق صحيحا لتقدم الملك والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز بيع الثمرة في أصولها
بالأثمان والعروض ، ولا اشكال فيه ، وعليه يدل عموم الأخبار المتقدمة ، وانما
الممنوع منه بيع ثمرة النخل بمثلها من تلك النخلة ، أو غيرها على الخلاف الاتى ،
وكذا الزرع بحنطة منه أو غيره ، وهو المسمى بالمحاقلة والمزابنة وتفصيل هذا
الإجمال يقع في مواضع
الأول ـ ينبغي
ان يعلم ان المزابنة مفاعلة من الزبن وهو الدفع ، ومنه الزبانية ، لأنهم يدفعون
الناس في النار ، قيل : سميت هذه المعاملة بذلك لأنها مبنية على التخمين ، والغبن
فيها كثير ، فكل من البائع والمشترى يريد دفعه عن نفسه إلى الأخر فيتدافعان.
والمحاقلة
مفاعلة من الحقل : وهي الساحة التي يزرع فيها ، قيل : سميت هذه المعاملة بذلك
لتعلقها بزرع في حقل ، فأطلق اسم الحقل على الزرع مجازا ، من باب إطلاق اسم المحل
على الحال ، أو المجاور على مجاورة ، فكأنه باع حقلا بحقل ، وتحريمهما في الجملة
إجماعي منصوص.
الثاني المفهوم
من كلام أكثر الأصحاب ، وكذا من كلام جملة من أهل اللغة أن المزابنة مختصة بالنخل
، والمحاقلة بالزرع ، والمفهوم من صحيحة عبد الرحمن ابن أبى عبد الله وموثقته الآتيتين عكس ما ذكروه ، وهو أن المحاقلة في
النخل ، والمزابنة في الزرع ، وكأن الأصحاب وكذا أهل اللغة بنوا فيما ذكروه على
وجه
__________________
المناسبة المذكور في الموضع الأول ، وبعض مشايخنا المحدثين من المتأخرين لذلك ـ حمل موثقة عبد الرحمن ـ الصريحة في ذلك ـ على
السهو من الراوي ، ولله در المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال ذيل الموثقة
المذكورة : عكس ابن الأثير في نهايته هذا التفسير ، ولا ينبئك مثل خبير.
والعجب من صاحب
الوسائل انه تبع الأصحاب فيما ذكروه ، فقال : باب أنه لا يجوز بيع ثمرة النخل بتمر
منه ، وهي المزابنة ، ولا بيع الزرع بحب منه وهي المحاقلة ، ثم أورد في الباب
روايتي عبد الرحمن المشار إليهما ، ولم يجب عنها بشيء ، مع أنها ظاهرتان
في خلاف ما عنون به الباب ، نعم أورد في الباب أيضا رواية من كتاب معاني الأخبار
مسندة برجال من العامة عن ابى عبيد القاسم بن سلام بإسناده إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) انه نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة بيع
الزرع وهو في سنبله بالبر ، والمزابنة ، بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر.
أقول : من
المحتمل قريبا ان هذا التفسير انما هو عن ابى عبيد المذكور ، كما صرح به الصدوق في
غير موضع من الكتاب المذكور ، ومع تسليم كونه من النبي (صلىاللهعليهوآله) فهو لا يعارض ما قدمناه من الاخبار ، خصوصا مع كون
سنده انما هو رجال العامة.
__________________
الثالث ـ لا
خلاف بين الأصحاب في تحريم بيع الثمرة بتمر منه ، والزرع بعد بدو صلاحه بحنطة منه
، وانما الخلاف فيما إذا كان من غيره ، فقيل بالاختصاص وهو المتفق عليه ، وخصوا
المزابنة والمحاقلة المتفق على تحريمها بذلك ، وقيل بالعموم ، وأن الاسمين
المذكورين مراد بهما الأعم مما إذا كان منه أو من غيره ولو كانت مطروحة على الأرض
، والظاهر أنه المشهور.
واستند
القائلون بالعموم إلى صحيحة عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن المحاقلة والمزابنة ، قلت وما هو؟ قال أن تشترى حمل
النخل بالتمر ، والزرع بالحنطة». وموثقته عن ابى عبد الله (عليهالسلام ،) قال : نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن المحاقلة والمزابنة فقال : المحاقلة بيع النخل
بالتمر والمزابنة بيع السنبل بالحنطة». وهما ظاهرتان في كون كل من التمر والحنطة
أعم من أن يكونا من المبيع أو غيره والثانية صريحة فيما قدمناه من ان المحاقلة
انما هي في النخل ، والمزابنة في الزرع ، خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب.
واستند
القائلون بالتخصيص الى ما دل على جواز البيع بتمر غير ما في المبيع ومنه حسنة
الحلبي أو صحيحته قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في رجل قال لاخر : بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها
بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر يسمي ما شاء فباعه؟ قال : لا بأس به».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد؟
__________________
قال : حلال فليبعه بما شاء». وهو وان كان عاما لما لو كان الثمن من جملة
المبيع الا انه يجب استثناؤه بالنص والإجماع ، وجملة الأخبار الدالة على التحريم
فيما لو كان من المبيع ، والجواز من غيره.
ومنه ما رواه الشيخ
في الحسن عن الحسن بن على الوشاء قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل اشترى من رجل أرضا جريانا معلومة بمأة كر على
أن يعطيه من الأرض ، فقال : حرام ، قال : فقلت له فما تقول جعلت فداك أن اشترى منه
الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال : لا بأس». والمراد زراعة الأرض ، ورواه
بسند آخر أيضا عنه (عليهالسلام) قال : سألت الرضا (عليهالسلام) الحديث.
ومما يدل أيضا
على الجواز فيما لو كان من غير المبيع أيضا ما رواه الشيخ في الموثق عن الكناني قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر
وكان له نخل فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك فأبى أن يقبل ، فأتى النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال : يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان لفلان علي خمسة عشر وسقا من تمر ، فكلمه أن يأخذ ما
في نخلي بتمره ، فبعث اليه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال : يا فلان خذ ما في نخله بتمرك ، فقال يا رسول
الله لا يفي وأبى أن يفعل ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لصاحب النخل : اجذذ نخلك ، فجذه ، فكال له خمسة عشر
وسقا ، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم الا انى قد سمعته منه أن أبا عبد
الله (عليهالسلام) قال : ان ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : هذا ربا : قلت : أشهد بالله انه لمن الكاذبين
قال : صدقت».
والشيخ حمل هذا
الخبر على الصلح دون البيع ، وكذا العلامة في المختلف ،
__________________
وأنت خبير بما فيه ، لان الدليل غير منحصر في الخبر المذكور ، ليخرج
بتأويله عن الإشكال ، فإن الخبرين الأولين صريحان في البيع ، والمسألة كما ترى محل
اشكال.
وبعض المحققين
احتمل في روايتي عبد الرحمن أن يكون التمر والحنطة بمعنى تمرة وحنطة فيكون الالف
واللام عوضا عن الضمير المضاف اليه ، قال : بل هو المتبادر ، ولو أراد العموم لكان
التنكير أولى ، وهو بتمر وحنطة. انتهى وهو احتمال قريب لا بأس به في مقام الجمع
بين الاخبار ، لشيوع هذا الاستعمال في الكلام.
ومن أخبار
المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له على الأخر مأة كر تمر
وله نخل فيأتيه فيقول أعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه». والمراد تمر نخلك
وظاهر هذا الخبر كراهة بيع الثمرة بجنسها من غير المبيع.
ويمكن حينئذ
الجمع بين الاخبار بتخصيص التحريم بما كان من المبيع ، والجواز على كراهة بما كان
من غيره ، ويحمل النهي في روايتي عبد الرحمن على ما هو الأعم من التحريم أو
الكراهة ، وليس فيه الا ما ربما يقال من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه ، وهو
وان اشتهر بينهم الا أنه في الاخبار كثير شائع ، كما نبهنا عليه في جملة من
المواضع في كتاب العبادات ، وقد نقلنا ثمة عن الذكرى أيضا جواز ذلك.
ومن أخبار
المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «لا بأس أن تشترى زرعا قد سنبل وبلغ
بحنطة». وهذا الخبر كما ترى يدل على جواز المزابنة ، وان كان الثمن من
__________________
المبيع ، نظرا إلى إطلاق الخبر ، وقد تقدم مثله في صحيحة إسماعيل بن الفضل
الهاشمي الا أن يقيد إطلاقه بالإجماع ، وروايتي عبد الرحمن
المتقدمين ، ويمكن حمل النهي في روايتي عبد الرحمن على الكراهة جمعا كما احتمله في
الوافي أيضا.
الرابع قد
استند جملة من الأصحاب القائلين بالعموم الى لزوم الربا في المعاملتين المذكورتين
، وهو حرام ، فيكون مستند التحريم هو لزوم الربا ، لانه بيع ثمرتين ربويتين وهو
مكيل ، والغالب التفاوت فيحصل شرط الربا ، ولان بيع الربوي مشروط بالعلم بالمساواة
، ومعلوم انها غير ظاهرة هنا ، وفيه ان الثمرة ما دامت على النخل والحنطة في الزرع
ليس بمكيل ، لانه لا تباع كيلا وانما تباع بالمشاهدة.
وقد عرفت من
الروايات المتقدمة جواز البيع بالجنس الذي من غير المبيع وهو ظاهر في عدم الربا في
الصورة المذكورة ، بل صرح في رواية الكناني بذلك ، حيث انها دلت على ان ربيعة
الرأي جعل ذلك رأيا ، وقد كذبه (عليهالسلام) بتقريره الراوي على ما قاله ، وقوله له صدقت ، وأجاب
عنه في المختلف بضعف السند ، قال : لأن في طريقه الحسن بن محمد بن سماعة ، وهو
ضعيف ، سلمنا لكن لا دلالة فيه على البيع ، بل هو دال على نوع من الصلح والاستيفاء
، ونحن نقول بجوازه.
وفيه ان الرجل
المذكور وان كان واقفيا الا انه ثقة ، فحديثه في الموثق وهو يعمل به في غير موضع ،
والحمل على الصلح قد عرفت ما فيه.
الخامس ـ قد
اختلفت عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا النصوص في التعبير عن المبيع في
المحاقلة ، ففي بعض عبر بالزرع ، وفي آخر بالسنبل ،
__________________
والظاهر ان مراد من عبر بالأول انما هو مع وجود الحب ، بان تكون سنبلا ،
فيرجع الى الثاني لأنه قبل انعقاد الحب علف يجوز بيعه بكل شيء.
ولهذا قال في
المسالك بعد نقل مثل ذلك : ويظهر من كلامهم الاتفاق على ان المراد به السنبل وان
عبروا بالأعم ، وقال في التذكرة لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ، لأنه
حشيش ، وهو غير مطعوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنسا أو اختلفا ، ولا يشترط التقابض
في الحال. انتهى.
ثم انه على
تقدير التعبير بالسنبل فهل المراد منه الحنطة بالخصوص ، أو ما هو أعم منها ومن
الشعير والدخن والأرز وغيرها؟ فيدخل الجميع في المحاقلة إشكال ، وبعض تعاريف
الأصحاب للمحاقلة بأنها بيع السنبل بحب منه أو من غيره يعطى العموم ، وبعض
تعاريفها بأنها الحنطة في سنبله بحنطة اما منها أو من غيرها يعطى التخصيص ، وظاهره
في التذكرة ان أكثر تعاريف الأصحاب من هذا القبيل وعلى هذا يدخل فيه الشعير ان
جعلناه من جنس الحنطة كما تقدم بيانه سابقا ، وعلل المنع بالربا ، والا فلا .
أقول : والذي
يظهر من روايتي عبد الرحمن المتقدمتين حيث ان الاولى تضمنت تفسير المزابنة ببيع
الزرع بالحنطة ، والثانية السنبل بالحنطة ـ وهي وان سميت في الخبرين بالمزابنة الا
أنها هي المحاقلة عند الأصحاب ـ هو التخصيص بالحنطة دون غيرها من افراد الحبوب ،
وليس غير هاتين الروايتين في الباب فإلحاق ما ذكروه من الافراد بالحنطة مشكل.
__________________
نعم من علل
بالربا فيمكن الإلحاق إلا انك قد عرفت ما فيه.
السادس هل
ينسحب حكم النخل الى غيره من ثمار أشجار الفواكه وغيرها؟ قولان : والأقرب العدم ،
والوجه فيه ان ما ورد في الاخبار وكلامي متقدمي الأصحاب في تعريف المزابنة يقتضي
التخصيص بالنخل ، فيبقى غيره على عموم الجواز اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع
النص والوفاق وبطلان القياس.
وذهب جمع منهم
الشهيد في اللمعة والدروس والشهيد الثاني في المسالك ـ بل نقل أنه ظاهر الأكثر ـ إلى
انسحاب الحكم في غير النخل من الشجر ، مستندين في ذلك الى أن علة النهي انما هي
عدم الأمن من الربا ، لانه بيع أحد المتجانسين بالاخر ، وهما مكيلان أو موزونان ،
واحتمال المساواة في الخرص نادر ، فيحرم للتفاضل غالبا ، مع أن العلة منصوصة في
المنع من بيع الرطب بالتمر ، وهي نقصانه عند الجفاف ، وهي قائمة فيما نحن فيه ،
وقد عرفت الجواب عن ذلك.
نعم يبقى
الكلام في العلة المنصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر ، وهي نقصانه عند الجفاف ،
فإنها قائمة هنا ، فمن ترجح عنده العمل بالعلة المنصوصة يعدى الحكم إلى المساوي في
العلة المذكورة ، الا أن العمل بالعلة المنصوصة محل كلام ، قد تقدم تحقيقه في
مقدمات الكتاب في صدر كتاب الطهارة والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ قد اتفق القائلون بالعموم في المزابنة على استثناء العرية ، وهي النخلة
تكون للإنسان في دار رجل آخر ، وقال أهل اللغة وجملة من المتقدمين : أو بستانه ،
واستحسنه جملة من المتأخرين ، بل قال في المسالك : أنه متفق عليه ، فيجوز بيعها
بخرصها تمرا من غيرها ، وفي جوازه مع كونه التمر منها إشكال يأتي التنبيه عليه.
وأنت خبير بأنه
على ما اخترناه من تفسير المزابنة ببيع ثمرة النحل بتمر
__________________
منها ، وأنه هو المحرم ، فلا معنى لهذا الاستثناء ، بل يكون الرواية الدالة
على الجواز في العرية ـ من قبيل الاخبار التي قدمناها ـ دالة على جواز بيع الثمرة
النخل بتمر من غيرها ، ولكن اشتهر هذا الاستثناء لشهرة القول بالعموم بين الخاصة
والعامة.
والأصل في
العرية ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «رخص رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في العريا أن تشتريها بخرصها تمرا ثم قال : والعرايا
جمع عرية ، وهي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا
ولا يجوز ذلك في غيره».
وما رواه الصدوق
في كتاب معاني الاخبار عن محمد بن هارون الزنجاني عن على بن عبد العزيز عن القاسم
بن سلام بإسناد متصل إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) أنه رخص في العرايا ، واحدتها عرية وهي النخلة التي
يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والإعراء أن يبتاع تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع
حاجته ، قال : وكان النبي (صلىاللهعليهوآله) إذا بعث الخراص قال : خففوا الخرص فان في المال العرية
والوصية ».
أقول :
والروايتان المذكورتان في طريقهما رجال العامة ، والحكم بالعموم في المزابنة
واستثناء العرية منه مذهب العامة ، الا أن الحكم أيضا في الموضعين مشهور بين
أصحابنا على ما تقدم من الخلاف في الأول ، وقوله في الخبر الأول «ولا يجوز ذلك في
غيره» يحتمل أن يكون المراد : أي في غير ما يكون في دار رجل آخر ، وعلى هذا ففيه
دلالة على ضعف ما تقدم نقله عنهم من اضافة البستان الى الدار ، ويحتمل أن يكون
المراد : أى غير النخل إذا كان في دار رجل آخر ، وعلى هذا ففيه دلالة على اختصاص
العرية بالنخل دون غيره من الشجر ، والظاهر أنه موضع اتفاق ، وتمام تحقيق الكلام
في المقام يتوقف على بسطه في فوائد.
__________________
الاولى ـ قد
شرطوا في بيع العرية شروطا أحدها ـ كون البيع على ذي الدار والبستان لا على غيرهما
، وثانيها ـ كونها واحدة في كل بستان أو دار ، فلو كان لمالك واحد اثنتان في دار
أو بستان ، لم يجز بيع ثمرتهما ولا ثمرة أحدهما ، لعدم صدق العرية في هذه الصورة
نعم لو تعددت الدار أو البستان جاز تعددها من الواحد.
وثالثها ـ والخرص
والتخمين في ثمرة النخلة ، كما دل عليه الخبر.
رابعها ـ عدم
التفاضل وقت العقد ، لظاهر الخبر الدال على اعتبار المساواة ولزوم الربا مع
التفاضل ، ولأن الأصل المنع الا فيما دل عليه النص المذكور ، ولا يضر ذلك بعد
الجفاف لإطلاق الخبر.
وخامسها ـ أن
يكون الثمن حالا فلا يجوز تأجيله ، وان لم يقبض في المجلس ، خلافا للشيخ في
المبسوط حيث شرط التقابض وهو ضعيف.
وسادسها ـ كون
الثمرة على رأس النخلة فلو قطعت لم يجز بيعها الا كغيرها من الموزون والمكيل.
أقول : والظاهر
الاستغناء عن هذا الشرط ، لان فرض المسألة في العرية ، وهي التي تباع ثمرتها
بالخرص ، وهو ظاهر.
وسابعها ـ كون
الثمن من ثمرة النخل ، وفيه ما في سابقه من انه مستغنى عنه
__________________
ايضا ، لما عرفت في تعريف العرية.
وثامنها ـ كون
الثمن من غيرها قال في المسالك : وهو المعروف في المذهب ، ونقل في المختلف عن ابن
حمزة ان ظاهر كلامه تحريم العرية بتمر منها ، بل يجوز بغيرها ، ثم قال : ولا بأس
به ، والا لزم ان يكون الثمن والمثمن واحد ، ثم احتمل الجواز عملا بإطلاق الاذن ،
ولوجود المقتضى وهو الرخصة انتهى وهو جيد فان قوله في الخبر «يبيعها بخرصها تمرا» متناول
لموضع النزاع ، أو هو أعم من كونه منها أو من غيرها ، ولهذا يظهر من المحقق
الأردبيلي الميل الى ذلك لو صح النص الوارد في المسألة.
الثانية ـ قد
عرفت ان مورد الخبر الأول بالنسبة إلى موضع النخلة انما هو الدار والأصحاب كما
تقدم ألحقوا البستان أيضا وهو محل اشكال ، وان كان ظاهرهم الاتفاق على ذلك ، كما
يشعر به كلامه في المسالك.
نعم خبر كتاب
معاني الأخبار مطلق ، فيمكن الاستناد إلى إطلاقه في ذلك ، ثم انهم صرحوا بان
المراد بالدار أو البستان ما هو أعم من المملوك والمستأجر والمستعار ، لصدق
الإضافة في الجميع ، وزاد في المسالك اشتراك الجميع في العلة ، وهي مشقة دخول
الغير عليهم.
أقول : هذا
التعليل الأخير انما يتم في الدار دون البستان ، كما هو ظاهر ، وفيه نوع تأييد لما
قدمناه من الاقتصار في الحكم على الدار ، ويؤيد أنه حكم
__________________
على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتحقق.
الثالثة ـ إطلاق
النص والفتوى يقتضي أنه لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها بعد الجفاف وثمنها ،
بمعنى أنه لا يجب مطابقة ثمرتها جافة للتمر بل المعتبر في الجواز بيعها بظن الخارص
وتخمينه لها تمرا ، يعنى أن ما فيها من البسر والرطب إذا جف يبلغ هذا القدر تمرا
فتباع ثمرتها بهذا المقدار تمرا من غيرها أو منها مع الاحتمال المتقدم ، ولا يجب
مطابقة هذا التقدير الثمرة بعد الجفاف ، بحيث أنه لو زادت أو نقصت عن ذلك بطل
البيع ، بل البيع صحيح ، وان لم تحصل المطابقة وقيل : يعتبر المطابقة فلو اختلفا
تبين بطلان البيع ، والظاهر ضعفه لإطلاق النص بما ذكرناه ، ويأتي على هذا القول
أنه لا يجوز التصرف في ثمرة التخلة بالأكل ونحوه ، حتى يستعلم المطابقة وعدمها
بالجفاف ، وإطلاق النص بدفعه ، هذا هو المشهور في معنى عدم وجوب المماثلة بين
ثمرتها وثمنها.
وقال العلامة
في التذكرة : ان المعتبر المماثلة بين ما عليها رطبا ، وبين الثمن تمرا ، فيكون
بيع رطب بتمر متساويا ، وجعل هذا مستثنى من بيع الرطب بالتمر متساويين.
الرابعة الظاهر
أنه لا خلاف في عدم العرية في غير النخل ، بل نقل في المسالك الاتفاق على ذلك ،
قال : وانما يظهر الفائدة لو منعنا من بيع ثمر باقي الشجر بجنسه جافا كما هو
المختار ، وأما على ما ذهب اليه المصنف من الجواز ، فمتى نفى العرية أنه لا خصوصية
لها حتى يتقيد بقيودها ، بل يجوز بيع الثمرة اتحد الشجر أم تعدد ، في الدار وغيرها
بجنس ثمرها متماثلا انتهى. وملخصه أن العرية كما عرفت مستثناه من المزابنة ،
والاستثناء انما يتجه على القول بالعموم في المزابنة للنخل وغيره ، كما اختاره (قدسسره) وقبله الشهيد حسبما قدمنا ذكره والله العالم.
المسألة
السادسة ـ لو كان بين اثنين أو أكثر نخل أو شجر فيتقبل بعضهم
بحصة الباقين بشيء معلوم كان جائزا ، وليس هذا من قبيل البيع ، وانما هي
معاوضة مخصوصة تسمى بالقبالة وهي مستثناة من المزابنة والمحاقلة.
والأصل فيها
جملة من الاخبار ، منها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) بطرق عديدة
فيها الصحيح وغيره ، عن يعقوب بن شعيب عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول
أحدهما لصاحبه اما ان تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى أو تعطيني نصف هذا الكيل
زاد أو نقص ، واما ان آخذه انا بذلك؟ وأرده عليك قال : لا بأس بذلك» وفي بعض
روايات الخبر بحذف «وأرد عليك».
وما رواه في
الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي «قال أخبرني أبو عبد الله (عليهالسلام) ان أباه (عليهالسلام) حدثه ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اعطى خيبرا بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث
عبد الله بن رواحة ، فقوم عليهم قيمة ، فقال لهم : اما ان تأخذوه وتعطوني نصف
الثمن ، واما ان أعطيكم نصف الثمن وآخذه ، فقالوا بهذا قامت السموات والأرض». وفي
التهذيب عوض «الثمن» في الموضعين «الثمرة» والظاهر ان ما في التهذيب هو الأقرب قال
في الوافي بعد ذكر ذلك : والثمن أوفق للقيمة ، والثمرة انسب بالخرص ، كما يأتي.
وعن ابى الصباح
الكناني في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان النبي (صلىاللهعليهوآله) لما افتتح خبير تركها في أيديهم على النصف فلما بلغت
الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤوا إلى النبي
__________________
(صلىاللهعليهوآله) فقالوا له : قد زاد علينا فأرسل الى عبد الله بن رواحة
فقال : ما يقول هؤلاء فقال : قد خرصت عليهم بشيء فإن شاؤوا يأخذون بما خرصنا وان
شاؤوا أخذنا ، فقال رجل من اليهود : بهذا قامت السموات والأرض».
والظاهر أن ما
اشتملت عليه هذه الروايات بالدخول تحت الصلح أنسب ، وبذلك صرح في الدروس : قال في
المسالك : وظاهر الأصحاب ان الصيغة تكون بلفظ القبالة ، وان لها حكما خاصا زائدا
على البيع والصلح ، بكون الثمن والمثمن واحدا وعدم ثبوت الربا زاد أو نقص ، ووقوعه
بلفظ التقبيل ، وهو خارج عن صيغتي العقدين وفي الدروس أنه نوع من الصلح ، ولا دليل
عليه ، كما لا دليل على ابقاعه بلفظ التقبيل أو اختصاصه به ، وانما المعلوم من
الرواية أنه معاملة على الثمرة ، وانه لازم بحيث يملك المتقبل الزائد ، ويلزمه لو
نقص. انتهى.
أقول : اما نفى
البيع عن هذه المعاملة فظاهر لما ذكره ، واما نفى الصلح فغير ظاهر ، لانه لا ينحصر
في لفظ الصلح وان اشتهر ذلك بينهم ، بل يصح ذلك بأي لفظ أفاد فائدته ، ومرجع هذه
المعاملة إلى التراضي بين الشريكين بأن يأخذ كل منهما نصف ذلك المشترك مثلا ،
بمعنى ان ما يستحقه أحد الشريكين في ذلك النصف الذي لشريكه ، عوض ما يستحقه الأخر
في النصف الأخر ، وهذا هو الصلح بلا اشكال ، والربا مخصوص بالبيع كما تقدم ، فلا
يضر في هذه المعاملة ونحوها.
ثم ان جملة من
الأصحاب ـ منهم العلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس قيدوا هذه المعاملة بشرط
السلامة ، قال المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد في شرح قول المصنف «والتقييد بشرط
السلامة» ما لفظه : ظاهر المتن أنه مشروط لزومه بالسلامة من الافة ، فلو نقص بها
له أن لا يعطي إلا حصة الشريك مما حصل ، وان زاد فالزيادة له ، ويحتمل أن يكون
المراد بالشرط عدم الافة ، بحيث تذهب بالكلية
__________________
وهو بعيد ،
والظاهر أن المراد الأعم ، لكن لا يشمل النقص الذي حصل من التخمين والغلط فيه ، مع
انه محتمل ، ويحتمل ان يكون السلامة كناية عن الموافقة من غير زيادة ونقصان ،
فيكون النقص والزيادة مشتركا بينهما والظاهر من الرواية هو اللزوم مطلقا ، فكأنه
راجع الى معاملة تكون بحسب الطالع النقص والزيادة سواء بسواء ، انتهى ، وما ذكره
من الظاهر من الرواية هو الظاهر الذي يقتضيه إطلاق النصوص المتقدمة.
وأورد ابن
إدريس على أصل الحكم بأن هذا التقبيل ان كان بيعا لم يصح ، لكونه مزابنة ، وان كان
صلحا لم يصح ، لكون العوض مشروطا من نفس الثمرة للغرر وان كان في الذمة فهو لازم ،
سواء بقيت الثمرة أو تلفت.
وأجيب بالتزام
كونه صلحا والغرر محتمل للنص ، وحينئذ فإذا تلف منه شيء يلزم تلف بعض العوض
المشروط ، فإذا لم يتحقق ضمانه لم يجب العوض ، وأجيب أيضا بالتزام انه ليس بصلح
ولا بيع ، بل هو معاملة خاصة ورد بها النص فلا يسمع ما يرد على طرفي الاحتمال
لخروجها عنهما.
أقول : والجواب
الثاني لا يخلو من قوة وان كان الأول أيضا بالتقريب الذي قدمناه ممكن ، والله
العالم.
المسألة
السابعة ـ المشهور انه يجوز بيع الزرع قائما على أصوله ، سواء بلغ الحصاد أم لا ،
أو قصد قصلة أم لا ، لانه عين مملوكة قابلة للنقل ، ونقل عن الصدوق المنع الا ان
يكون سنبلا أو قصد قطعه ، وكذا يجوز بيعه محصودا وان لم يعلم
قدر ما فيه ، لأنه حينئذ غير موزون ومكيل ، فيكفي فيه المشاهدة ، وكذا يجوز
بيعه قصيلا اى يباع بشرط القطع ، لعلف الدواب ونحوه ، وحينئذ فإذا باعه كذلك وجب
على المشترى قصله حسب الشرط ، فلو يقصله تخير البائع بين قصله وتفريغ أرضه منه ،
لانه ظالم «ولا عرق لظالم» وبين تركه والمطالبة بأجرة الأرض عن المدة التي بقي
فيها بعد إمكان قصله مع الإطلاق ، أو المدة التي تراضيا على اشتراطها للقصل مع
التعيين.
ولو وقع الشراء
لأجل الفصل قبل أو ان قصله ، وجب على البائع الصبر إلى أوانه مع الإطلاق ، أو الى
المدة المعينة ان وقع التعيين ، ومقتضى إطلاق كلام الأكثر جواز تولى البائع القطع
مع امتناع المشترى ، ووجوبه عليه وان قدر على الحاكم ، ورجح بعضهم توقفه على اذن
الحاكم ، حيث يمتنع المشترى ان أمكن وجود الحاكم ، والا جاز له مباشرة القطع دفعا
للضرر ، أو إبقاؤه والمطالبة بأجرة الأرض كما تقدم.
والذي وقفت
عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر ثم تتركه حتى تحصده
إن شئت أو تعلقه من قبل ان يسنبل وهو حشيش ، وقال : لا بأس ايضا ان تشترى زرعا قد
سنبل وبلغ بحنطة».
وعن حريز عن
بكير بن أعين قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أيحل شراء الزرع الأخضر؟ قال : نعم لا بأس به».
وبالإسناد عن
حريز عن زرارة مثله ، «وقال : لا بأس ان اشترى الزرع
__________________
أو القصيل أخضر ثم تتركه إن شئت حتى يسنبل ثم تحصده ، وان شئت ان تعلف
دابتك قصيلا فلا بأس به قبل ان يسنبل ، فاما إذا سنبل فلا تعلفه رأسا فإنه فساد». أقول
: رأسا يعنى حيوانا.
وعن زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في زرع بيع وهو حشيش ثم سنبل؟ قال : لا بأس إذا قال :
ابتاع منك ما يخرج من هذا الزرع ، فإذا اشتراه وهو حشيش فان شاء أعفاه ، وان شاء
تربص به».
وما رواه في
التهذيب عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر ، فان شئت تركته
حتى تحصده ، وان شئت بعته حشيشا».
وما رواه المشايخ
الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن شراء القصيل يشتريه الرجل
فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيرا أو حنطة ، وقد اشتراه من أصله «على
أن ما به من خراج فهو على العلج» فقال : ان كان اشترط حين اشتراه ان شاء قطعه وان
شاء تركه ، كما هو حتى يكون سنبلا ، والا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يكون سنبلا».
أقول : في قوله
«على أن ما به من خراج فهو على العلج» اختلافات في الكتب الأربعة وما هنا في
التهذيب وفي الاستبصار «على أربابه خراج أو هو على العلج» وفي الكافي «على أربابه
فهو على العلج» وفي الفقيه. وما كان على أربابه من خراج فهو على العلج ، والمعاني
متقاربة ومرجع الجميع إلى أنه اشتراه على أن يكون الخراج على البائع ، دون المشترى
فان الزراع والأكرة كانوا يومئذ من كفار
__________________
العجم ، وهم المعروفون بالعلوج.
وروى هذا الخبر
أيضا في الكافي. والتهذيب بسند صحيح إلى سماعة وزاد فيه «فان فعل فان عليه طسقه ونفقته ، وله ما خرج
منه».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن رجل زرع زرعا مسلما كان أو
معاهدا وأنفقه فيه نفقه ، ثم بدا له في بيعه لنقلة ينتقل من مكانه أو لحاجة ، قال
: يشتريه بالورق فإن أصله طعام».
وما رواه في
التهذيب. عن معلى بن خنيس قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اشترى الزرع فقال : إذا كان قدر شبر».
وعن معاوية بن
عمار في الموثق قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا تشترى الزرع ما لم يسنبل فإذا كنت تشتري
أصله فلا بأس بذلك أو ابتعت نخلا فابتعت أصله ولم يكن فيه حمل لم يكن به بأس».
وما رواه في
الفقيه. عن أبى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الحنطة والشعير أشترى زرعه قبل أن
يسنبل وهو حشيش؟ قال : لا ، الا ان تشتريه لقصيل تعلفه الدواب ثم تتركه ان شاء حتى
يسنبل».
وما رواه في
الكافي ، والتهذيب عن إسماعيل بن الفضل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد قال : حلال
فليبعه ان شاء».
والكلام في هذه
الاخبار يقع في مواضع الأول ظاهر أكثر هذه الاخبار الدلالة على صحة ما هو المشهور
بين الأصحاب مما قدمنا نقله عنهم ، والظاهر
__________________
أن مستند الصدوق فيما تقدم نقله عنه هو رواية أبي بصير المذكورة ، حيث انها
دلت على النهى عن شراء الزرع قبل أن يسنبل الا أن تشتريه للقصل ، فإنه يجوز وان
تركه بعد ذلك حتى يسنبل ، وأنت خبير بأنها معارضة بجملة مما تقدم من اخبار المسألة
، مثل صحيحة الحلبي أو حسنته ، ورواية بكير بن أعين ورواية زرارة الاولى والثانية
ونحوها ، فإنها قد اشتركت في الدلالة على جواز الشراء قبل أن يسنبل ، وان لم يقصد
قصله ، بل ظاهر صحيحة الحلبي أو حسنته تجويز شرائه بقصد بقائه حتى يحصد ، أو بقصد
قطعه لعلف الدواب.
وبالجملة فإن
الظاهر هو القول المشهور ، والرواية المذكورة لا تبلغ قوة في معارضة ما ذكرنا من
الاخبار ، ولم أقف على من تعرض للجواب عنها ، بل قل من نقل خلاف الصدوق في هذا
المقام ، ولا يحضرني الان وجه للجواب عن الرواية المذكورة ، إلا الحمل على الكراهة
، بناء على قواعد الأصحاب في هذا الباب.
الثاني ـ ما دل
عليه موثقة سماعة الأول ـ من أنه متى اشتراه قصيلا ثم يبدو له في تركه حتى يخرج
سنبله ، فإنه لا يجوز ذلك الا أن يكون اشترط الإبقاء ، أو الاختيار بين قطعه وإبقائه
، والا فلا يجوز له أن يتركه ـ هو مستند الأصحاب فيما قدمنا نقله عنهم من أنه متى
بيع لأجل القصل فإنه يجب إزالته على الوجه المتقدم ، مضافا الى الاخبار العامة في
منع التعدي والتصرف في ملك الغير بغير الوجه المشروع.
وأما الرضا
بذلك وأخذ الأجرة على بقائه تلك المدة فيستفاد من أدلة آخر في أمثاله ، ولفظ لا
ينبغي في الخبر المذكور مراد به التحريم ، كما هو شائع الاستعمال في الاخبار.
الثالث ـ ما دل
عليه موثق معاوية بن عمار من النهى عن شراء الزرع ما لم
يسنبل ربما أوهم مذهب الصدوق المتقدم ذكره ، وليس كذلك ، بل المراد بالزرع
فيه انما هو الحاصل ، وقد تقدم أنه لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه ، وأما إذا اشترى
أصله يعني ما ظهر منه فلا بأس ، لكن لا بد من اشتراط إبقائه على البائع ، وصحة
البيع في هذه الصورة مما لا اشكال فيها ، لان المبيع موجود مشاهد ، وما يحصل منه
تابع.
وقيل ان المراد
بأصل في قوله «فإذا كنت تشتري أصله» انما هو البذر المزروع وفي ذكر مثال النخل
إشارة الى ذلك ، بمعنى ان شراء البذر المزروع مثل شراء النخل في تبعية الحاصل
للأصل. أقول : وكيف كان فلا بد من اشتراط البقاء ليترتب عليه أخذ الحاصل.
الرابع ـ ما دل
عليه خبر إسماعيل بن الفضل من صحة بيع حصائد الحنطة والشعير ، يمكن أن يكون مستندا
لما تقدم نقله عنهم من أنه يجوز بيع الزرع محصودا وان لم يعلم قدر ما فيه ، لانه
على تلك الحال ليس بمكيل ولا موزون ، وما دل عليه من جواز بيعه بحنطة أو شعير منه
ـ وهي المزابنة المنهي عنها ، الا أن يخصص بما دل على المنع ، وقد عرفت مما تقدم
في المسألة واختلاف الاخبار فيها ما في ذلك من الاشكال.
الخامس ـ ما
دلت عليه موثقة سماعة الثانية من الأمر بشراء الزرع بالورق ، معللا بأن أصله
الطعام ـ إشارة إلى حصول الربا المعنوي ـ ينبغي حمله على ما إذا سنبل وبدا صلاحه ،
لانه قبل ذلك حشيش لا مانع من بيعه بأي شيء كان ، كما تقدم ذكره في الموضع الخامس
من المسألة الرابعة ، وحينئذ فلا بد من حمله على المحاقلة ، وهو بيع السنبل بحنطة
منه أو من غيره ، وأنه لا يباع الا بالورق ونحوه ، لئلا يكون محاقلة.
إلا أنك قد
عرفت ورود جواز ذلك في النصوص ، ومنها هنا قوله في آخر صحيح الحلبي أو حسنته «ولا
بأس بأن يشترى زرعا قد سنبل بحنطة» وقوله في رواية
إسماعيل بن الفضل «في حصائد الحنطة أو الشعير فليبعه بما شاء» الا أن يخصص
المحاقلة المحرمة بما إذا كان الحنطة من ذلك الزرع المبيع ، وتحمل هذه الاخبار على
ما إذا كان من غيره ، أو يحمل هذا الخبر ونحوه على الكراهة جمعا ، وقد تقدم تحقيق
القول في ذلك.
السادس ـ ينبغي
أن يعلم أن ما ذكر في شراء الزرع قصيلا يجري أيضا فيما لو اشترى نخلا بشرط القطع
ثم لم يقطعه حتى أثمر ، فإن الأحكام المتقدمة جارية فيه.
والى ذلك يشير
قوله في موثق معاوية بن عمار «أو ابتعت نخلا فابتعته أصله ولم يكن فيه حمل».
ومن الاخبار
الواردة في خصوص النخل ما رواه الشيخ في الصحيح عن هارون ابن حمزة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) الرجل يشترى النخل ليقطعه للجذوع فيغيب الرجل ويدع النخل
كهيئة لم يقطع ، فيقدم الرجل وقد حمل النخل ، فقال : له الحمل يصنع به ما شاء الا
أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه». ورواه الكليني مثله ، وعن هارون بن
حمزة في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يشترى النخل ليقطعه للجذوع فيدعه فيحمل النخل
، قال : هو له الا ان يكون صاحب الأرض سقاه وقام عليه». وروى في الفقيه مرسلا قال : «سأله سماعة أن اشترى رجل نخلا ليقطعه»
الحديث.
وبمضمون هذه
الاخبار قال الشيخ في النهاية. فقال : إذا اشترى نخلا على أن يقطعه أجذاعا فتركه
حتى أثمر ، فثمرته له دون صاحب الأرض ، وان كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته
كان له أجرة المثل ، وتبعه ابن البراج وهو قول
__________________
ابن الجنيد أيضا ، وأبى جعفر بن بابويه في المقنع ، وقال : ابن إدريس لا
يستحق صاحب الأرض أجرة على السقي والمراعاة ، لأنه متبرع بذلك ، الا أن يأمره صاحب
النخل ، فيكون له أجرة المثل وتبعه على ذلك من تأخر عنه ، لأنه الا وفق بالقواعد
الشرعية ، ولهذا انه اعتذر في المختلف. للشيخ ـ بعد استدل له بالرواية الأولى ـ بأنه
ليس في كلام الشيخ ولا الرواية ذكر التبرع ، فيحمل على ما إذا كان العمل بإذنه ،
أو تحمل الأجرة على أجرة الأرض لا العمل. انتهى.
قال : بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ولعل عدم ذكر الأجرة هنا لانه كان للمالك أن يقطع النخل
، فلما يقطعه فكأنه رضي ببقائه مجانا ، والمشهور بين الأصحاب استحقاق الأجرة ،
انتهى.
وفيه أن رضاه
ببقائه لعله انما هو لقصد أخذ الأجرة ، وتحصيل النفع بذلك ، ومن ثم كان المشهور
الحكم باستحقاق الأجرة كما تقله.
وينبغي أن يعلم
أن الجاري في كلام الأصحاب ذكر مسألة جواز أكل المار بالثمار منها وعدمه في هذا
الموضع ، ونحن قدمناها في مسائل المقدمة الرابعة ، وهي المسألة الخامسة منها ،
فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها والله العالم.
الفصل التاسع في بيع الحيوان
وتحقيق البحث
فيه يتعلق بمن يصح تملكه ومن لا يصح ، والأحكام المترتبة على الابتياع ، وما يلحق
بذلك ويترتب عليه ، فالكلام يقع هنا في مقصدين. الأول فيمن يصح تملكه ومن لا يصح ،
وفيه مسائل الأولى ـ كل حيوان مملوك أناسي أو غيره يصح بيعه أجمع ، وبيع جزء منه
معلوم مشاع ، كنصف
__________________
أو ثلث ونحوهما ، لا معين كيده ورجله ونحوهما ، ودليل الأول ـ بعد الإجماع
ـ العمومات والأصل وورود ذلك في خصوص بعض الافراد وعدم المانع شرعا ـ ، ودليل
الثاني ـ بعد الإجماع على العدم ـ عدم إمكان الانتفاع بذلك الجزء المعين ، إلا ما
سيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في استثناء الرأس والجلدة من الحيوان الغير الأناسي ،
وهو ظاهر ـ الا مع وجود مانع كالاستيلاد والوقف والإباق من غير ضميمة ، وعدم
القدرة على التسليم ، والأناسي من الحيوان أن يملك بالسبي مع الكفر الأصلي وخرق
الذمة ان كان ذميا ، واحترز بالكفر الأصلي عن كفر المرتد فإنه وان كان بحكم الكافر
في جملة من الأحكام الا أنه لا يجوز سبيه ، وفي جواز بيع المرتد الملي قول قواه في
الدروس. أما الفطري فلا قولا واحدا فيما أعلم. والذي وقفت عليه من الاخبار
المتعلقة بهذا المقام ما رواه
في الكافي في
الصحيح عن رفاعة النخاس قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : ان الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من
الجواري والغلمان فيعمدون الى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم الى بغداد الى
التجار فما ترى في شرائهم؟ ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وانما أغاروا عليهم من غير حرب
كانت بينهم؟ فقال : لا بأس بشرائهم ، إنما أخرجوهم من الشرك الى دار الإسلام». ورواه
الشيخ مثله
وعن إبراهيم بن
عبد الحميد «عن أبى الحسن (عليهالسلام) في شراء الروميات؟ فقال : اشترهن وبعهن».
وعن زكريا بن
آدم قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن قوم من العدو الى أن قال ـ قال : وسألته عن سبى
الديلم يسرق بعضهم من بعض ، ويغير المسلمون
__________________
عليهم بلا امام ، أيحل شراؤهم؟ قال : إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم».
وفي هذه
الاخبار دلالة على جواز شراء ما يسبيه الظالم من أهل الحرب ويسرقه».
وما رواه في
الكافي عن زكريا بن آدم عن الرضا (عليهالسلام) في حديث قال : «وسألته عن قوم من أهل الذمة أصابهم جوع
فأتاه رجل بولده فقال : هذا لك فأطعمه وهو لك عبد ، فقال : لا تبتع حرا فإنه لا
يصلح لك ولا من أهل الذمة». ورواه الشيخ مثله وهو ظاهر في تحريم استرقاق أهل الذمة متى كانوا قائمين شرائط الذمة.
وعن عبد الله
اللحام قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يشترى من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال
: لا بأس».
وبهذا الاسناد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها أم ولد
فقال : لا بأس».
وخص الشيخ
وغيره هذين الخبرين بأهل الحرب ، كثير من أصحابنا إنما عبروا في هذا المقام بأهل
الحرب.
وينبغي أن يعلم
انه ليس المراد بأهل الحرب يعنى من نصب القتال للمسلمين كما هو ظاهر اللفظ ، بل
المراد انما هو من خرج عن طاعة الله ورسوله بثبوته على الكفر وان لم يقع منه الحرب
، بمعنى القتال.
قيل : والى هذا
المعنى أشار قوله تعالى «إِنَّما جَزاءُ
الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ»
الاية وحينئذ
فلا فرق في ذلك بين الذمي الغير القائم بشرائط الذمة ، ولا غيره من الكفار
والمشركين ، وحيث يملكون بالسبي بما قد قدمنا ذكره ، فإنه يسري الرق في أعقابهم
وان أسلموا بعد الأسر ، ما لم يعرض لهم سبب موجب للحرية
__________________
من عتق أو كتابة أو تنكيل أو نحو ذلك ، ولا خلاف في ذلك نصا وفتوى!.
والمسبي في حال
الغيبة وان كان للإمام خاصة ، لأنه مغنوم بغير اذنه وكلما كان كذلك فهو من الأنفال
، الا أنهم أذنوا للشيعة خاصة في تملكه ، وكذا في غيره من أموال الأنفال وغيرها.
وأما غير
الشيعة فالذي يفهم من كلام الأصحاب أنه يحكم لهم بظاهر الملك للشبهة كتملك الخراج
والمقاسمة ، فلا يؤخذ منه بغير رضاه مطلقا ، وهذا الحكم منهم (رضوان الله عليهم)
جار على الحكم بإسلامهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم والمفهوم من الاخبار خلافه ،
الا مع عروض الخوف والتقية (والله العالم).
المسألة
الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لا يستقر للرجل ملك أصوله ولا فروعه ولا
المحارم من الإناث ، بمعنى أنه وان ملكهم الا أنهم ينعتقون عليه بالشراء وربما
عبروا بأنه لا يملكهم ، والمراد ملكا مستقرا والا فإن الانعتاق فرع الملك فكأنه
يدخل في الملك آنا ما بعد الشراء ، ثم ينعتق ، قيل : ولو لا مراعاة القاعدة
المشهورة من أنه لا عتق إلا في ملك لأمكن الحكم بالعتق بنفس الشراء ، كما هو ظاهر
الاخبار ، كذا ذكره بعض المحققين ، وأنت خبير بأنه وان كان ظاهر بعض الاخبار ما
ذكره من أنه ينعتق بنفس الشراء ، الا أن ظاهر بعض آخرها أيضا ترتب العتق على الملك
، بمعنى أنه بالشراء ، يملكه ، وبالملك يحصل العتق ، كما أشرنا إليه مثل قوله (عليهالسلام) «في بعضها إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته عتقوا» الخبر. وقوله «إذا ملكهن عتقن». ونحوهما غيرهما مما رتب فيه العتق على الملك لا على مجرد
الشراء وحينئذ فيحمل ما أطلق من الاخبار على المقيد ، وبه يتم ما أشرنا اليه أو
لا.
والمراد بأصول
الرجل الأبوان وآبائهما وان علوا ، وفروعه الأولاد ذكورا
__________________
وإناثا وان نزلوا ، وبالمحارم مثل العمة والخالة والأخت وبنات الأخت ، وبنات الأخ.
وهل ينسحب
الحكم الى الرضاع؟ قولان : فذهب الشيخ في النهاية الى ان كل من ينعتق عليه من جهة
النسب لا يصح تملكه من جهة الرضاع ، وبه قال ابن البراج ، وابن حمزة ، والصدوق في
كتاب المقنع في باب العتق منه.
وقال في الخلاف
: إذا ملك أمه أو أباه أو أخته أو بنته أو عمته أو خالته من الرضاع عتقن كلهن ،
وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وذهب اليه بعض أصحابنا.
وقال المفيد في
المقنعة في باب السراري ولا بأس ان يملك الإنسان امه من الرضاعة ، وأخته منه
وابنته وخالته ، وعمته منه ، لكن يحرم عليه وطئهن ، وبنحو ذلك صرح أيضا في ابتياع
الحيوان من الكتاب المذكور ، وتبعه في ذلك سلار وابن إدريس.
وقال ابن ابى
عقيل : لا بأس بملك الام والأخت من الرضاعة وبيعهن ، انما يحرم منهن ما يحرم في
النسب في وجه النكاح فقط ، وهو كما ترى يرجع الى مذهب الشيخ المفيد ، وظاهر ابن
الجنيد انه لا يملك من يحرم عليه من الرضاع تملك العبيد ، فان ملكهم لم يبعهم الا
عند ضرورة إلى أثمانهم ، وجعله آخر ما يباع في الدين عليه ، والى القول الأول ذهب
العلامة في المختلف وغيره والمحقق ، والظاهر انه المشهور بين المتأخرين ، وهو
الأظهر كما سيظهر لك إنشاء الله.
وتملك المرأة
كل قريب عدا الإباء وان علوا ، والأولاد وان سفلوا ، اتفاقا في النسب ، وفي من كان
كذلك رضاعا قولان : كما تقدم ، والخلاف الخلاف
__________________
والفتوى كما
سبق ، وأما ما عدا من ذكر في الرجل والمرأة ، فإنه يصح تملكه. والذي وقفت عليه من
الاخبار المتعلقة بهذا المسألة منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى بصير وابى
العباس وعبيد كلهم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : إذا ملك الرجل والدية أو أخته أو عمته أو خالته
أو بنت أخيه أو بنت أخته ، وذكر أهل هذه الآية «مِنَ النِّساءِ»
عتقوا جميعا
ويملك عمه وابن أخيه والخال ، ولا يملك امه من الرضاعة ، ولا أخته ولا عمته ولا
خالته فإنهن إذا ملكن عتقن ، وقال : ما يحرم من النسب ، فإنه يحرم من الرضاعة ،
وقال : يملك الذكور ما خلا والدا وولدا ولا يملك من النساء ذوات رحم محرم ، قلت :
يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال : نعم يجري في الرضاع مثل ذلك» ،. ورواه الصدوق بأسانيده
عن ابى بصير وابى العباس وعبيد بن زرارة مثله.
ومنها ما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي وابن سنان عن أبا عبد الله (عليهالسلام) «عن امرأة أرضعت ابن جاريتها قال : تعتقه». ورواه
الكليني في الصحيح أو الحسن مثله .
وما رواه في
الكافي عن عبيد بن زرارة في الصحيح «قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يملك الرجل من ذوي قرابته فقال : لا يملك والديه
ولا أخته ، ولا ابنة أخيه ولا ابنة أخته ، ولا عمته ولا حالته ، ويملك ما سوى ذلك
من الرجال من ذوي قرابته ، ولا يملك أمه من الرضاعة». والظاهر ان ذكر الام خرج مخرج
التمثيل ، لا الاختصاص ، كما سيظهر لك إنشاء الله تعالى.
__________________
وما رواه عن
محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته
عتقوا عليه ، ويملك أخاه وعمه وخاله من الرضاعة».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا يملك الرجل والدية ولا ولده ولا عمته ولا
خالته ، ويملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال».
وعن عبد الله
سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه ، يحل
لها بيعه؟ قال : لا ، حرم عليه ثمنه ، قال : ثم قال : أليس قد قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، أليس قد صار
ابنها ، فذهبت أكتبه فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) ليس مثل هذا يكتب».
والظاهر أن
المنع من كتابته لكونه ظاهرا لا يحتاج إلى الكتابة ، ووصف هذه الرواية في المسالك
بالصحة ، وليس كذلك ، لان الشيخ رواه عن الحسن بن محمد ابن سماعة ، وطريقه اليه
غير معلوم.
وعن أبي حمزة
الثمالي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ قال : كل أحد الا خمسة
، أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها». والظاهر ان جعل الزوج هنا من قبيل هؤلاء
باعتبار بقاء الزوجية والا فإنها تملكه وتبطل الزوجية إجماعا.
وروى في الكافي
عن ابن سنان في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما
مملوكا لها من
لبنها حتى قطعته هل لها ان تبيعه؟ فقال : لا هو ابنها من الرضاعة ، حرم عليها بيعه
وأكل ثمنه ، ثم قال : أليس رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». ورواه الشيخ
مثله .
وروى الصدوق في
المقنع قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : في امرأة أرضعت ابن جاريتها : انها تعتقه». قال وروى
«في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها ، انه لا يحل بيعها».
وما رواه على
بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟ قال :
إذا أرضعته عتق».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في حديث قال : «وسألته عن المرأة ترضع عبدها أتتخذه
عبدا؟ قال : تعتقه وهي كارهة». ورواه الشيخ بسند آخر مثله ، الا ان فيه «يعتقونه وهم لها كارهون».
أقول : وهذه
الروايات كما ترى ظاهرة الاتفاق فيما قدمنا ذكره من العلاقة النسبية ، وان العلاقة
الرضاعية ملحقة بها ، وجارية في ذلك مجراها كما هو مقتضى مذهب الشيخ ومن تبعه ،
معللا في جملة منها بالخبر النبوي.
وبذلك يظهر ما
في كلام ابن ابى عقيل المتقدم ذكره من تخصيصه الحديث النبوي بالنكاح ، فإنه ناش عن
الغفلة عن ملاحظة هذه الاخبار هذا.
واما ما يدل
على القول الثاني من الاخبار وهو مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه فمنها ما رواه الشيخ
عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر الا
ما كان من قبل الرضاع».
__________________
وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام «في بيع الام من الرضاعة؟ قال : لا بأس بذلك إذا احتاج».
وعن أبي عتيبة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : غلام بيني وبينه رضاع يحل لي بيعه؟
قال : انما هو مملوك إن شئت بعته وان شئت أمسكته ، ولكن إذا ملك الرجل أبويه فهما
حران».
وأجاب الشيخ عن
الخبرين الأولين بعد ذكرهما قال : فهذان الخبران لا يعارضان الأخبار التي قدمناها
، لأنها أكثر وأشد موافقة بعضها لبعض ، فلا يجوز ترك تلك والعمل بهذه ، مع ان
الأمر على ما وصفناه ، على أنه يمكن ان يكون الوجه فيه انه إذا كان الرضاع لم يبلغ
الحد الذي يحرم ، فإنه والحال على ذلك يجوز بيعها على جميع الأحوال ، على ان الخبر
الثاني يحتمل ان لا يكون المراد «بإلا» الاستثناء ، بل يكون «الا» قد استعملت
بمعنى الواو ، وذلك معروف في اللغة ، فكأنه قال : إذا ملك الرجل أباه فهو حر وما
كان من جهة الرضاع.
واما الخبر
الأول فيحتمل ان يكون إنما أجاز بيع الام من الرضاع لأبي الغلام حسبما قدمناه في
خبر إسحاق بن عمار عن العبد الصالح ولا يكون المراد بذلك انه يجوز ذلك للمرتضع ،
وليس في الخبر تصريح بذلك ، بل هو محتمل لما قلناه ، وإذا كان كذلك لم يعارض ما
قدمناه انتهى.
قال المحقق
الأردبيلي بعد نقله : وهذه التأويلات وان كانت بعيدة ـ الا انه لما قوى الحكم
الأول والطرح غير مستحسن عنده وان كانت الأخبار ضعيفة ونادرة ـ فليس ببعيد
ارتكابها ، ولكن لا بد من حمل عدم تملك الأخ في الخبر الثاني أيضا. انتهى.
أقول : والأقرب
عندي هو حمل هذه الاخبار على التقية لما تقدم في كلام
__________________
الشيخ في الخلاف. من ان ذلك مذهب جميع الفقهاء ، وحينئذ فلا يحتاج الى هذه
التكلفات السخيفة التي تمجها الافهام ويبعد نسبتها لهم (عليهمالسلام).
واما الخبر
الثالث من الاخبار المذكورة فالظاهر منه انما هو الأخ الرضاعي وهو ليس من محل
الاشكال ، ويؤيده استثناء الأبوين من الرضاعة في الخبر.
وأما ما يدل
على تملك من عدا العمودين للرجل من الرجال الأقارب من الاخبار وان كان على كراهية
، بمعنى ان الأفضل عتقهم ، فمن ذلك ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم من قوله عليهالسلام «ويملك ابن أخيه وعمه وخاله ، ويملك أخاه وعمه وخاله من الرضاعة».
وقوله في صحيحة
أبي بصير وابى العباس وعبيد المتقدمة «ويملك عمه وابن أخيه وابن أخته والخال الى أن قال : ـ ويملك الذكور ما عدا
الولد». الى آخره.
وقوله عليهالسلام ، في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة أيضا بعد ذكره
العمودين والإناث المحارم «ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته».
وفي خبر محمد
بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال فيه : و «يملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال».
وعن عبد الرحمن
بن ابى عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يتخذ أباه وامه أو أخاه أو أخته عبيدا فقال :
اما الأخت فقد عتقت حين يملكها ، واما الأخ فيسترقه ، واما الأبوان فقد عتقا حين
يملكهما». .
__________________
وفي رواية كليب
الأسدي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «إذا ملكت الأبوين فقد عتقا ، وقد يملك اخوته فيكونون
مملوكين ولا يعتقون».
واما ما ورد في
رواية العبيد بن زرارة قال : «لا يملك الرجل أخاه من النسب ويملك ابن أخيه»
الحديث. فقد حمله الشيخ على الاستحباب.
وكذا ما رواه الصدوق
عن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟
قال : لا يصلح له بيعه ولا يتخذه عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين ، وأيهما مات ورثه
صاحبه الا ان يكون له وارث أقرب إليه منه».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن سماعة في الموثق ايضا قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يملك ذا رحم هل يحل له ان يبيعه أو يستعبده؟ قال
: لا يصلح له أن يبيعه وهو مولاه واخوه ، فان مات ورثه دون ولده ، وليس له أن
يبيعه ولا يستعبده».
والظاهر حمل
الخبرين المذكورين على من لا ينعتق عليه من المحارم ، كالأخ والعم ونحوهما ،
والمراد حينئذ كراهية بيعه واستخدامه ، لا أنه ينعتق عليه بقرينة قوله في الخبر
الثاني «فان مات ورثه دون ولده» إذ لا يمكن هذا الا مع بقاء المالكية.
ويمكن حمل
النهي في الخبر الأول على الأعم من الحرمة والكراهة ، فيكون شاملا للعمودين
ونحوهما من النساء المحارم ، الا أن ظاهر قوله هو (مولاه) الى آخر الخبر مما يعضد
المعنى الأول ، فإن حاصله أنه مولاه ، اى وارثه ، والميراث في موت العبد ظاهر ،
وفي موت الحر إذا لم يكن له وارث حر ، فإنه حينئذ يشترى ويورث ، الا أن يكون له
وارث أقرب ، فإنه حينئذ يشترى الأقرب.
وكيف كان فان
الحكم المذكور لاتفاق الأصحاب عليه ، وتكاثر الاخبار
__________________
به كما عرفت مما لا اشكال فيه ، ولا شبهة تعتريه ، فيجب ارتكاب التأويل في
هذه الاخبار الأخيرة بما قلناه.
وقد صرح بعض
الأصحاب بأن قرابة الشبهة بحكم الصحيح ، بخلاف قرابة الزنا على الأقوى ، قال : لان
الحكم الشرعي يتبع الشرع ، لا اللغة وهو جيد.
ويفهم من إطلاق
كلام الأصحاب الرجل والمرأة في هذا المقام أن الصبي والصبية لا يعتق عليهم لو
ملكوه ، الى أن يبلغوا والاخبار مطلقة في الرجل والمرأة كذلك ، ويعضده أصالة
البراءة كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في الروضة.
المسألة
الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يملك اللقيط من دار الحرب إذا
لم يكن فيها مسلم يمكن انتسابه اليه ولو كان أسيرا ، والا حكم بحريته ، لإطلاق
الحكم بحرية اللقيط في النصوص ، خرج منه ما علم انتفاؤه عن المسلم ، فيبقى الباقي.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي عن عبد الله (عليهالسلام) قال : اللقيط لا يشترى ولا يباع».
وما رواه في
التهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن اللقيط؟ قال : لا يباع ولا يشترى». وما
رواه في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن اللقيط؟ فقال : حر لا يباع ولا يوهب».
وما رواه في
الكافي عن حاتم بن إسماعيل المدائني عن ابى عبد الله
__________________
(عليهالسلام) قال : «المنبوذ حرفان أحب أن يوالي غير الذي رباه
والاه ، فان طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه ، وان كان معسرا كان ما
أنفق عليه صدقة».
ونحوه عن عبد
الرحمن العزرمي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) عن أبيه (عليهالسلام) قال : «المنبوذ حر فإذا كبر فان شاء تولى الذي التقطه
، والا فليرد عليه النفقة ، وليذهب فليوال من شاء».
أقول : واللقيط
والمنبوذ هو المولود الذي ينبذ ، وظاهر هذه الاخبار الحكم بالحرية مطلقا ، وكان
مستند استثناء الأصحاب لقيط دار الحرب على الوجه المتقدم هو الإجماع.
ويؤيده ما تقدم
ذكره في غير موضع من أن إطلاق الاخبار انما تحمل على الافراد المتكثرة الشائعة ،
ووجود اللقيط في دار الحرب بالشرط المتقدم نادر ، بل انما وقع مجرد فرض المسألة ،
فلا يدخل حينئذ في إطلاق الاخبار المذكورة.
ثم انهم ذكروا
أيضا أنه لو بلغ من حكم بحريته ظاهرا لكونه ملقوطا من دار الإسلام ، أو دار الفكر
بالشرط المتقدم فأقر بالرق ، فهل يقبل إقراره أم لا؟ قولان.
اختار ثانيهما
ابن إدريس ، ونقله عن محصلي الأصحاب فقال : لا يقبل إقراره عند محصلي أصحابنا ،
وهو الصحيح لان الشارع حكم عليه بالحرية.
وقال : بعضهم :
يقبل ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» كما روى عنه (صلىاللهعليهوآله) . واختاره العلامة في المختلف ، فقال ـ بعد نقل قول ابن
إدريس
__________________
والاحتجاج على ما ذهب اليه ـ ما لفظه : وحكم الشارع بالحرية ـ بناء على
الأصل ـ ما لم يعترف بالعبودية ، ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهول ، ولو جاء
رجل لا يعرف فأقر بالعبودية يقبل ، وقد كان على مذهبه لا يقبل ، لانه محكوم عليه
بالحرية شرعا ، فلا يقبل إقراره بالعبودية ، وهذا كله غلط انتهى.
والى هذا القول
ذهب المحقق في الشرائع والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم في هذه الصورة وفي صورة
مجهول الحال.
أما معروف
النسب فيقبل قطعا ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين ، وهو الأظهر للخبر المذكور
، ولصحيحة عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : كان على بن أبى طالب (عليهالسلام) «يقول : الناس كلهم أحرار الا من أقر على نفسه
بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة ، ومن يشهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا» ، وهو
ظاهر في عموم الحكم لمحل البحث.
وفيه إشارة الى
أن الأصل في الناس الحرية كما هو ظاهر الاتفاق ، ويمكن أن يرجح عدم القبول في
اللقيط بعدم علمه بحال نسبه ، الا أنه يمكن معارضته باستفادته ذلك بعد البلوغ من
اخبار من يوجب له العلم بذلك ، أو نحو ذلك.
وبالجملة
فالأظهر العمل بإطلاق الخبرين المذكورين ، ولا فرق في قبول إقراره بين كون المقر
مسلما أو كافرا ، وسواء كان المقر له مسلما أو كافرا ، وان بيع عليه قهرا كما
تقدم.
ثم انه مما يدل
على الحكم المذكور زيادة على ما ذكرناه ما رواه في التهذيب عن الفضل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل حر أقر أنه عبدا قال يؤخذ بما أقر به». وبهذا
المضمون رواية محمد بن الفضل الهاشمي وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي .
__________________
بقي الكلام في
أنه هل يعتبر رشده وقت الإقرار أم لا؟ فمنهم من اشترطه وهو ظاهر اختيار شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك.
ومنهم من لم
يشترطه من غير تعرض لعدمه ، والعلامة في التذكرة في هذا الباب اشترطه ، وفي باب
اللقطة اكتفى بالبلوغ والعقل ، قيل ووجه اشتراطه واضح ، لان غير الرشيد لا يعتبر
قوله في المال ، وهو نفسه مال ، ووجه العدم أن إقراره بالرقية ليس إقرارا بنفس
المال وان ترتب عليه ، كما يسمع إقراره بما يوجب القصاص ، وان أمكن رجوعه الى
المال بوجه ، ويشكل بما لو كان بيده مال ، فإن إقراره على نفسه بالرقية ، يقتضي
كون المال للمقر له ، الا أن يقال : بثبوته تبعا لثبوت الرقية ، لا لأنه إقرار
بالمال ، والأظهر الاستناد في العدم الى ظاهر الروايات المتقدمة ، فإن ظاهرها
الاكتفاء بمجرد العقل ، كما يشير اليه قوله في صحيحة عبد الله بن سنان وهو مدرك أى
بالغ عاقل ، وربما قسر بكونه رشيدا والظاهر بعد والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو ملك أحد الزوجين صاحبه فإنه ينفسخ الزوجية
، ويستقر المالك لمنافات الملك العقد ، لان المالك ان كان هو الزوجة ، فإنه يحرم
وطؤ مملوكها لها ، وان كان الزوج استباحها بالملك ، ولان التفصيل يقطع الشركة وعلل ـ مع ذلك ـ بأن بقاءه يستلزم اجتماع علتين على
معلول واحد شخصي ـ ورد بأن علل الشرع معرفة ـ وبأن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف
المسببات ، ورد بجواز ذلك في أسباب الشرع ، وبعدم تماميتها
__________________
في جانب الزوجة.
أقول والأظهر
الاعراض عن هذه التعليلات الواهية ، والرجوع في ذلك الى الاخبار ، فإنها في
الدلالة على المراد مكشوفة القناع ، وهي أولى بالمراعاة والاتباع سيما مع تأيدها
بالاتفاق كما أشرنا اليه.
ومن الاخبار
المشار إليها ما رواه في الكافي في الحسن أو الصحيح وفي الفقيه في الصحيح عن محمد
بن قيس عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليهالسلام) في سرية رجل ولدت لسيدها ثم اعتزل عنها ، فأنكحها عبده
ثم توفى سيدها وأعتقها فورث ولدها زوجها من أبيه ثم توفى ولدها فورثت زوجها من
ولدها فجاءا يختلفان يقول الرجل : امرأتي ولا أطلقها وتقول المرأة عبدي ولا
يجامعني ، فقالت المرأة يا أمير المؤمنين ان سيدي تسراني فأولدني ولدا ثم اعتزلني
فأنكحني من عبده هذا ، فلما حضرت سيدي الوفاة أعتقني عند موته وأنا زوجة هذا وانه
صار مملوكا لولدي الذي ولدته من سيدي ، وان ولدي مات فورثته ، فهل يصلح له ان
يطأني؟ فقال لها : هل جامعك منذ صار عبدك وأنت طائعة؟ قالت : لا يا أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : لو كنت فعلت لرجمتك ، اذهبي فإنه عبدك ليس له
عليك سبيل ، ان شئت ان تبيعي ، وان شئت ان ترقى ، وان شئت ان تعتقي».
وما رواه في
الكافي عن عبد الله بن سنان في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في رجل زوج أم ولد له مملوكه ثم مات الرجل فورثه
ابنه فصار له نصيب في زوج أمه ، ثم مات الولد أترثه امه؟ قال : نعم قلت : فإذا
__________________
ورثته كيف تصنع وهو زوجها؟ قال : تفارقه وليس له عليها سبيل وهو عبدها».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته ،
قال : ليس بينهما نكاح».
وعن سعيد بن
يسار في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟
قال : نعم ، لانه عبد مملوك لا يقدر على شيء».
قالوا وملك
البعض كملك الكل ، للمنافاة واستحالة تبعض البضع وقطع الشركة بالتفصيل أقول :
الأجود الاستدلال عليه بصحيحة عبد الله بن سنان المذكورة ، فإن موردها التبعيض.
بقي الكلام في
قوله عليهالسلام في صحيحة ابن قيس المذكورة «لو كنت فعلت لرجمتك» مع
أنها ليست ذات بعل بعد انفساخ العقد ، لتستحق الرجم ، وحملها بعض مشايخنا (عطر
الله مراقدهم) على التهديد على وجه المصلحة تورية أو الرجم بمعنى الشتم والإيذاء
كما يطلق عليه لغة ، يقال : رجمته بالقول : اى رميته بالفحش ، وكيف كان فلا بد من
الحمل على خلاف الظاهر من الخبر لما عرفت. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ قد تقدم في المسألة الثالثة إن الأظهر الأشهر ان من أقر على نفسه
بالعبودية متى كان مكلفا فإنه يقبل منه ويحكم بكونه رقا ، وحينئذ فلا يقبل منه
رجوعه عن ذلك لاشتماله على تكذيب نفسه ، وإبطال ما أقر به أولا ورفع ما ثبت عليه
حتى لو أقام بينة لم تسمع ، لأنه بإقراره أولا قد كذبها ، كذا قطع به العلامة في
التذكرة.
__________________
وأورد عليه
بأنه يشكل ذلك فيما لو أظهر لإنكاره تأويلا محتملا ، كان قال : انى تولدت بعد
انعتاق أحد أبوي وما كنت اعلم بذلك حين أقررت ، فإنه ينبغي القبول ، وسيأتي له
نظائر.
وأولى بالقبول
ما لو أقر بالرقية لشخص معين فأنكر المقر له ، وسيأتي مثله في الإقرار ، كما إذا
أقر لأحد بمال فأنكر المقر له ، فادعاه المقر حين إنكاره ، وعلى هذا فينبغي سماع
بينته بطريق اولى ، وهو جيد وكذا لو اشترى عبدا ثابت العبودية فادعى الحرية ، فإنه
لا يقبل دعواه ، الا ان هذا يقبل دعواه بالبينة ، بخلاف الأول.
وتفصيل الكلام
في المقام انه متى وجد عبدا أو أمة تباع في الأسواق ، فإن ظاهر اليد والتصرف يقتضي
الملك ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة «نور الله تعالى مراقدهم) عن حمزة بن
حمران «قال : قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ادخل السوق فأريد ان اشترى جارية فتقول لي انى حرة
فقال اشترها الا ان تكون لها بينة». ووصف هذه الرواية العلامة في التذكرة والشهيد
الثاني في المسالك بالصحة ، وهو سهو محض فإن حمزة بن حمران لم يذكره أحد بالتوثيق
، بل ولا بالمدح ، حتى انه في الخلاصة لم يذكره بالكلية ، والنجاشي ذكره ولم يصفه
بمدح ولا ذم ،.
وما رواه في
التهذيب والفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن مملوك ادعى انه حر ولم يأت ببينة على
ذلك أشتريه؟ قال : نعم».
اما لو وجد في
يده وادعى رقيته ولم يعلم شراؤه ولا بيعه ، فان كان كبيرا
__________________
وصدقه على ذلك فكذلك ، لما تقدم من الاخبار الدالة على إلزامه بما أقر به ،
وان كذبه لم يقبل دعواه إلا بالبينة ، عملا بأصالة الحرية ، كما تقدم في صحيحة عبد
الله بن سنان من قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) «الناس كلهم أحرار الا من أقر على نفسه بالعبودية ، أو
من شهد عليه بالرق». ومثلها غيرها.
وان سكت أو كان
صغيرا فإشكال ، قال العلامة في التذكرة : العبد الذي يوجد في الأسواق يباع ويشترى
يجوز شراؤه ، وان ادعى الحرية لم يقبل منه ذلك إلا بالبينة وكذا الجارية الى أن
قال : أما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يشاهد شراءه له ولا بيعه إياه فان صدقه
حكم عليه بمقتضى إقراره ، وان كذبه لم يقبل دعواه الرقية إلا بالبينة ، عملا
بأصالة الحرية وان سكت من غير تصديق ولا تكذيب فالوجه أن حكمه حكم التكذيب ، إذ قد
يكون السكوت لا من غير الرضا ، وان كان صغيرا فإشكال ، أقربه الحرية فيه. انتهى.
ويمكن المناقشة
في حكمه في صورة السكوت بأن حكمه حكم التكذيب ، بأن يقال : انه متصرف وصاحب يد ،
ويدعى أمرا ممكنا وللأخبار الكثيرة الدالة على من ادعى دعوى لا معارض لها ولأراد
لها كمن ادعى مالا ولا معارض له في دعواه أنه يحكم له بذلك ، أو ادعى زوجية امرأة
ولم تكذبه ، فإنه يحكم له بها ، والظاهر أنه لهذا ذهب في التحرير الى الحكم باليد
، كما نقل عنه ، وحينئذ فيقبل مجرد دعواه
وأما قبولها مع
البينة فالظاهر لا اشكال فيه ، وأما ما استقربه من الحرية في الصغير فهو جيد ،
عملا بالأخبار الدالة على أصالة الحرية حتى يثبت الملك. الا أنه يشكل حينئذ شراء
العبيد الأطفال من يد البياع ، مع دلالة الاخبار والاتفاق على جواز الشراء ،
والحكم المذكور لا يخلو من شوب الاشكال ، كما أشرنا إليه آنفا.
وقد وقع في
عبائر بعض الأصحاب انه لا يقبل ادعاء الحرية من المشهور
__________________
بالرقية ، وفيه إشكال ، لأن مجرد الشهرة لا تعارض أصالة الحرية المتفق
عليها نصا وفتوى ، الا أن تحمل الشهرة على ما قدمنا ذكره من رؤيته يباع في الأسواق
ونحوه ، ولا يخلو من بعد ، ويمكن أن يستدل للقول المذكور بظاهر صحيحة العيص
المذكورة ، بأن يحمل المملوك على من يكون كذلك بحسب الظاهر من الشهرة ، الا أنه
يحتمل كون ذلك بثبوته بالإقرار أولا أو البينة أو الرؤية يباع في الأسواق ونحو ذلك
مما يفيد التملك. والله العالم.
المقصد الثاني في الأحكام المترتبة
على الابتياع وما يلحق ذلك
وفيه أيضا
مسائل ، الأولى ـ اختلف الأصحاب ـ (رضوان الله عليهم) ـ في بيع الحامل جارية كانت
أو دابة ، فالمشهور ان الحمل للبائع ، سواء علم به أولا ، وسواء شرط البائع لنفسه
أولا ، الا ان يشترطه المشترى ، وهو قول الشيخ في النهاية ، والشيخ المفيد وسلار
وابى الصلاح وابن البراء في الكامل وابن إدريس ، وعليه المتأخرون منهم العلامة في
المختلف ، واحتج عليه بأن البيع تعلق بالأم فلا يتناول الحمل ، لعدم دلالة اللفظ عليه
مطابقة وتضمنا والتزاما ، ولأن الأصل بقاء ملك البائع عليه ، فلا ينتقل عنه الا
بسبب ، ولم يطرأ ما يزيله من أصله انتهى.
وقال الشيخ في
المبسوط : إذا باع بهيمة أو جارية حاملا واستثنى حملها لنفسه لم يجز ، وتابعه ابن
البراج في المهذب وجواهر الفقه على ذلك.
وقال ابن
الجنيد ويجوز ان يستثني الجنين في بطن امه من آدمي أو حيوان وقال ابن حمزة :
والإناث من الأدمي والنعم إذا كانت حوامل وبيعت مطلقا كان الولد للمبتاع ، إلا إذا
شرط البائع.
وقال الشيخ أبو
جعفر الطوسي : يكون للمبتاع إلا إذا شرط البائع وهذا ما وقفت عليه من أقوالهم في
المسألة ، ونقل عن الشيخ أنه احتج على ما ذهب إليه في المبسوط بأن الحمل جزء من
الحامل ، يجرى مجرى عضو من أعضائها فيدخل
ولا يصح استثناؤه ، حتى حكم بفساد البيع لو استثناه البائع ، كما لو استثنى
جزءا معينا.
أقول : وقد نقل
بعض المحققين هذا القول عن الشافعي ، محتجا بهذه الحجة. وأجاب العلامة في المختلف
ـ عن حجة الشيخ المذكورة ـ بالمنع من المساواة بين الحمل وعضو من أعضائها ، فإنه
تصح الوصية للحمل ، ويرث ويلحقه أحكام كثير لا تتعلق بالأعضاء ، قال : وهذا الذي
ذكره الشيخ كأنه الذي لمحه ابن حمزة ، والحق خلافه انتهى.
أقول : لا يخفى
قوة القول المشهور بناء على ما هو مذكور ، الا أنه قد روى الشيخ بإسناده عن احمد
بن محمد بن يحيى عن أبي إسحاق ـ يعني إبراهيم بن هاشم ـ عن النوفلي عن السكوني «عن جعفر عن آبائه (عليهمالسلام) في رجل أعتق أمة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها ، قال :
الأمة حرة ، وما في بطنها حر لان ما في بطنها منها». ورواه الصدوق أيضا بإسناده عن
السكوني ، وهو ظاهر في تبعية الحمل للام ، وأنه لا يصلح استثناؤه من حيث أنه منها
وجزء من اجزائها كما ادعاه الشيخ ومن تبعه ، ولهذا ذهب الشيخ وجماعة في باب العتق
الى سريان عتق الحامل الى الحمل للرواية المذكورة ، وان كان المشهور خلافه ورد هذه
الروايات المحقق الأردبيلي (قدسسره) بضعف السند إلا أنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه
غير معتمد.
وقد روى الشيخ
في الحسن عن الحسن بن على الوشاء عن أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) «قال سألته عن رجل دبر جاريته وهي حبلى فقال ان كان
علم يحبل لجارية فما في بطنها بمنزلتها وان كان لم يعلم فما في بطنها رق».
وهو ظاهر في
سريان التدبير الى الولد مع العلم بالحمل وأما مع عدم العلم به فإنه يحتمل تأخره
من التدبير ، والحكم فيه التبعية كما استفاضت به الاخبار
__________________
ولهذا نقل عن الشيخ وجماعة القول بتبعية الولد للأم في الصورة المذكورة ،
ومقتضى كلام الأصحاب في مسألة البيع المذكورة العدم.
الا أن هذه
الرواية أيضا معارضة بما رواه الشيخ في الموثق عن عثمان بن عيسى الكلالى عن ابى الحسن الأول (عليهالسلام) قال : «سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية
جارية نفيسة ، فلم تدر المرأة المولودة مدبرة أو غير مدبرة ، فقال : لي متى كان
الحمل بالمدبرة أقبل أن دبرت أم بعد ما دبرت؟ فقلت : لست أدرى ، ولكن أجنبي فيهما
جميعا فقال : ان كانت المرأة دبرت وبها حبل ، ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة
والولد رق ، وان كان انما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير أمه». ورواه
الصدوق مرسلا ، وزاد «لان الحمل انما حدث بعد التدبير» وهي ظاهرة في أنه في صورة
العلم بالحمل وعدم إدخاله في التدبير لا يسرى التدبير اليه ، بل يبقى على الرقية
كما هو أحد القولين في المسألة.
وبالجملة
فالمسألة كما عرفت محل اشكال وعلى القول المشهور فحيث يشترط المشترى الحمل يدخل في
المبيع وان كان مجهولا ، لانضمامه الى المعلوم ، وتبعيته له ، وعلى هذا فلا فرق
بين ان يقول البائع : بعتك الجارية وحملها ، أو شرطت لك حملها ، أو بعتك هذه الأمة
بكذا وحملها ، لان الظاهر ان حملها عطف على الأمة كما في المثال الأول.
ونقل عن
العلامة في التذكرة البطلان في الصورة الأولى ، لأنه مجهول ، وفيه ما تقدم تحقيقه
سابقا في مسألة الضمائم ، من أنه لا يضر جهله مع تبعيته للمعلوم ، كما دلت عليه
نصوص المسألة حسبما تقدم ، ولو كان الحمل غير معلوم وأراد إدخاله في البيع
فالعبارة الثانية لا غير ، كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني.
قال المحقق
الأردبيلي بعد نقل ذلك عنه : وكأنه نظر الى أن بيع ما لم يعلم
__________________
وجوده غير معقول ، بخلاف الشرط ، وفي الشرط أيضا تأمل ، والظاهر أنه يجوز
ويؤل الى تقدير الوجود والسلامة ، ولعل مثله إذا كان منضما وتابعا لا يضر ، لعموم
الأدلة والتراضي. انتهى.
قالوا. ولو لم
يشترطه المشترى واحتمل وجوده عند العقد وعدمه ـ بأن ولدته في وقت يحتمل كونه عند
البيع موجودا وعدمه ـ فهو للمشتري ، لأصالة عدم وجوده سابقا ، فلو اختلفا في وقت
البيع كذلك قدم قول البائع بيمينه مع عدم البينة ، وهو بناء على القول المذكور.
وكذا لو شرطه
فسقط قبل القبض أو بعده في زمن خيار الحيوان ، فإنه يكون من مال البائع ، فيرجع
المشترى على البائع بنسبته من الثمن ، بأن تقوم حاملا ومجهضا أى مسقطا لا حابلا ،
كما وقع في بعض العبارات كعبارة الشرائع وغيره ، ولانه المطابق للواقع ، وللاختلاف
بين الحالين ، فان الإجهاض في الأمة عيب ربما نقصت به القيمة ، إذ هي في حال
الإجهاض مريضة ، فيرجع بنسبة التفاوت بين القيمتين كما تقدم تحقيقه.
والظاهر أنه لا
خلاف في أن البيض تابع للبايض ، لا كالحمل ، بل هو للمشتري مطلقا ، لانه تابع
كسائر أجزائه ، ولا يصح اشتراط البائع له على قول الشيخ في المبسوط ومن تبعه ،
وبذلك صرح في الكتاب المذكور ، فقال : لو باع البائض دخل البيض على طريق البيع وان
شرط لنفسه لم يجز ، ورده المتأخرون بأنه شرط سائغ ، ويؤيده أن ما ادعاه الشيخ من
الجزئية وأنه كعضو من أعضائه قد عرفت ما فيه ، فلا مانع من صحة الشرط المذكور.
تذنيب
قال : الشيخ في
المبسوط لو باع جارية حبلى بولد لم يجز ، لان الحمل مستثنى ، وهذا يمنع صحة البيع
، وتبعه ابن البراج في المهذب ، ورد ذلك بما تقدم ، لان كلامه هنا كما تقدم مبنى
على كون الحمل كعضو من أعضاء الحامل وجزء من أجزائها ، وفيه ما عرفت آنفا. والله
العالم.
المسألة
الثانية ـ اختلف الأصحاب في أن العبد هل يملك شيئا أم لا ، فقيل : يملك مطلقا ،
ونسبه في التذكرة إلى أنه المشهور ، وقيل : يملك مطلقا ، ونسبه شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك إلى الأكثر ، وهو اختيار المحقق في الشرائع ، وقيل : يملك فاضل
الضريبة ، وقيل : أرش الجناية.
والذي وقفت
عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة صحيحة عمر بن يزيد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له ، وقد كان مولاه يأخذ
منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضى بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته سوى
ما كان يعطى مولاه من الضريبة ، فقال : إذا أدى الى سيده ما كان فرض عليه فما
اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك ، ثم قال ـ أبو عبد الله (عليهالسلام): أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض فإذا أدوها
اليه لم يسألهم عما سواها ، قلت : فللمملوك ان يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة
التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجر ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما
اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال : فقال : يذهب فيتوالى الى من أحب ،
فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه ، قلت له : أليس قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله):
__________________
الولاء لمن أعتق؟ قال : فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت :
فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ قال : فقال
: لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا».
وصحيحة إسحاق
بن عمار قال : «قلت : لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما تقول : في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ،
فيقول : حللني من ضربي إياك ، ومن كل ما كان مني إليك ، مما أخفتك وأرهبتك فيحلله
فيجعله في حل رغبة فيما أعطاه ، ثم ان المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع
قد وضعها فيه العبد وأخذها المولى إحلال هي له؟ فقال : لا تحل له ، لأنه افتدى بها
نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة ، قال : فقلت له : فعلى العبد أن
يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال : لا الا أن يعمل له بها ، ولا يعطى العبد من الزكاة
شيئا.
ورواية إسحاق
بن عمار المذكورة عن جعفر عن أبيه أن عليا (عليهالسلام) أعتق عبدا له فقال : له ان ملكك لي ولكن قد تركته لك».
ورواية أبي
جرير قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل قال : لمملوكه أنت حر ولي مالك ، قال : لا يبدأ
بالحرية قبل المال يقول لي مالك وأنت حر برضا المملوك (فان ذلك أحب الى) .
والتقريب فيه
أنه إذا بدء بالعتق صار حرا ولم يجز له أخذ ماله ، وإذا بدء بالمال فان فيه تصريحا
بأن العتق بإزاء المال ، فإذا رضي المملوك بذلك انعتق وصار المال للمولى ، وهو
ظاهر في الملك.
__________________
وصحيحة الفضل
بن يسار قال : «قال غلام سندي لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى قلت لمولاي : بعني بسبعمأة درهم ، وأنا أعطيك
ثلاثمأة درهم ، فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) ان كان يوم شرطت لك مال؟ فعليك أن تعطيه ، وان لم يكن
لك يومئذ فليس عليك شيء». وهي ظاهرة في الملك.
وأما ما ذكره
بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من أن هذه الرواية أوفق بالقول بعدم
مالكية العبد ، لانه لو كان له مال فهو من مال البائع ، فلذا يلزمه أداؤه لا
بالشرط ، وإذا لم يكن مال وحصله عند المشترى فهو من مال المشترى. انتهى.
ففيه من العبد
عن سياق الخبر المذكور ، ما لا يخفى ، فان ظاهره ينادى بخلافه ، لأن قوله ان كان
يوم شرطت لك مال ظاهر في الملك كما هو مدلول اللام ، أو الاختصاص الراجع الى الملك
، وظاهره أن الإعطاء انما هو من حيث الشرط ، لا من حيث إنه مال البائع.
وبالجملة
فالظاهر ان ما ذكره (قدسسره) لا يخلو من تعسف ، وكأنه أراد بذلك الانتصار للقول
المشهور كما سيأتي ذكره إنشاء الله تعالى.
احتج العلامة
في التذكرة على ما ذهب اليه من القول الأول بقوله عزوجل «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ»
وقوله تعالى «ضَرَبَ لَكُمْ
مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ
شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ».
وأنت خبير بما
فيه فان غاية ما يفهم منها انما هو الحجر عليه في نفسه وماله ، وانه
__________________
ليس له التصرف فيهما إلا بإذن سيده ، فهو من حيث هو لا يقدر على شيء إلا
ما أقدره عليه مولاه وملكه ، أو أذن له بالكسب ونحوه حسبما دلت عليه الاخبار
المتقدمة.
ويؤيده الأخبار
الواردة في معنى الآية الاولى من أنه ليس له نكاح ولا طلاق إذا أنكحه مولاه أمته
إلا بإذن المولى ، ففي بعضها قال : «سألته عن العبد هل يجوز طلاقه؟ قال : ان كان
أمتك فلا ، ان الله عزوجل يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً
لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ».
ونحوه أخبار
عديدة ومرجع الجميع الى المنع من التصرف إلا بإذن سيده.
والآية الثانية
ظاهرها انه ليس له حق ولا شركة في مال المولى ، ولا دلالة لها على عدم الملك إذا
ملكه أو اذن له في تملك مال الغير بالكسب والتجارة ونحو ذلك ، بل الظاهر انه يحصل
له ذلك كالعبيد بالنسبة الى الله عزوجل.
وبالجملة فإنه
لا دلالة فيهما على نفى تملكه لما ملكه سيده ، أو أذن له فيه كما هو المدعى ،
وظاهر الأصحاب على تقدير القول بتملكه الاتفاق على انه محجور عليه ، ولكن ظاهر
الاخبار المتقدمة العدم ، فإنها كالصريحة في استقلاله ، سيما صحيحة عمر بن يزيد
وقوله فيها «انه يتصدق ويعتق وأجر ذلك له» الا انه ربما نافر ذلك نفى الزكاة عنه ،
في صحيحة إسحاق بن عمار ، إذ لو كان مالكا للتصرف كملكه للمال ، لما كان لنفى وجوب
الزكاة وجه ، وفي معنى هذه الرواية أخبار أخر ، تقدمت في كتاب الزكاة ، والظاهر
انه لا وجه لذلك مع الحكم بملكه الا كونه محجورا عليه ، ويدل عليه ما رواه في كتاب
قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «ليس على المملوك
__________________
زكاة إلا بإذن مواليه». وحينئذ فيجب حمل إطلاق ما ظاهره الاستقلال على هذه
الرواية ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الزكاة والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ اختلف الأصحاب فيما إذا اشترى عبدا أو أمة وله مال فقال الشيخ في
النهاية والشيخ المفيد : ان المال للبائع الا ان يشترطه المبتاع ، سواء كان ماله
أكثر من ثمنه أو أقل.
وقال سلار :
وابتياع العبيد الذين لهم مال بأقل مما معهم جائزة وقال ابن الجنيد إذا شرطه
المشترى وكان الثمن زائدا على قدر المال من جنسه جاز البيع ، وان كان المال عروضا
يساوى قدر الثمن أو دونه وأو أكثر منه جاز ايضا وان كان الثمن من جنس مال العبد
ومال العبد أكثر من الثمن لم يجز.
وقال الشيخ في
الخلاف : إذا كان مع العبد مائة درهم فباعه بمائة درهم لم يصح البيع ، فان باعه
بمائة ودرهم صح. وقال في المبسوط : إذا باعه سيده وفي يده مال وشرط ان يكون
للمبتاع صح البيع إذا كان المال معلوما وانتفى عنه الربا ، فان كان معه مائة درهم
فباعه بمائة درهم لم يصح ، فان باعه بمائة ودرهم صح ، ثم قال : وإذا باع عبدا قد
ملكه ألفا بخمسمأة صح البيع على قول من يقول : انه يملك ، ولو باع ألفا بخمسمأة لم
يصح ، لانه ربا ، والفرق بينهما انه إذا باع العبد ، فإنما يبيع رقبته مع بقاء ما
ملكه عليه فصح ذلك ، ولم يصح بيع الالف بخمسمأة.
وقال ابن
البراج وأبو الصلاح إذا ابتاع عبدا أو أمة وله مال فهو للبائع الا ان يشترطه في
عقد البيع فيكون له.
وقال ابن حمزة
: لو باعه مع المال صح ان كان الثمن أكثر مما معه ان كان من جنسه ، وان كان من غير
جنس ما معه صح على كل حال ، وان لم يعرف
مقدار ما معه وباع بجنسه لم يصح ، وان باع بغير جنسه صح ، وان باع المملوك دون المال صح ،
فان شاء سوغه المال ، وان شاء استرده. وابن إدريس فصل كذلك.
وقال العلامة
في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق ان نقول : ان كان الثمن وما مع العبد
ربويين واتفقا جنسا اشترط زيادة الثمن على ما في يد العبد ، والا فلا ، لنا انه
على التقدير الأول لولاه لثبت الربا المحرم ، وعلى التقدير الثاني ان المقتضى
للصحة موجود ، وهو البيع الصادر عن أهله في محله ، والمانع وهو مفسدة الربا منتف
هنا.
ونقل في
المختلف والمسالك عن ابن البراج القول بالتفصيل بين علم البائع بالمال وعدمه ، فان
لم يعلم به فهو له ، وان علم فهو للمشتري.
والأصل في هذه
الاختلافات الأخبار الواردة في المسألة ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا فقال :
المال للبائع ، إنما باع نفسه ، الا أن يكون شرط عليه أن ما كان له من مال أو متاع
فهو له».
وهذه الرواية
دالة على ما ذهب اليه الشيخان مما قدمناه نقله عنهما والظاهر أنه هو المشهور ، وبه
صرح المحقق والعلامة وغيرهما ، وهو جيد بناء على القول
__________________
بعدم ملك العبد كما هو المشهور بينهم ، واما على القول بملكه فيشكل ذلك ،
لما عرفت من الاخبار المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وسيأتي إنشاء الله تعالى بيان
وجه التأويل فيه ، بما يرجع به الى الاخبار المتقدمة.
ومنها ما رواه المشايخ
الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يشترى المملوك وله مال لمن ماله؟ فقال : ان
كان علم البائع ان له مالا فهو للمشتري ، وان لم يكن علم فهو للبائع». ورواه في
الفقيه عن جميل عن زرارة أيضا ، وهذا الخبر ظاهر فيما قدمنا نقله عن ابن البراج ،
الا أنه يشكل على كل من القولين بملكية العبد وعدمها ، بأن الملك لا ينتقل إلى
المشتري بمجرد العلم من دون صيغة ناقلة تدل على الملك.
وجملة الأصحاب
حملوا الرواية على اشتراط البائع للمشتري ذلك وهو جيد بناء على القول بعدم تملك العبد
، أما على القول به فيبقى الاشكال من هذه الجهة في الحكم بكونه للبائع أو المشترى
، فان ملك المالك لا ينتقل عنه الا برضا منه ، والحال أن العبد لا مدخل له في هذا
النقل.
والعجب أنه قد
ذكر هذه المسألة من قال بتملك العبد ومن أحاله ، ولا مخرج من هذا الإشكال ـ في هذا
الخبر وسابقه ـ الا بأن يقال : ان هذين الخبرين محمولان على كون المال للمولى ،
وأن الإضافة للعبد لأدنى ملابسة ، كما قالوا في كوكب الخرقاء ، وذلك مثل ثيابه
وفراشه ونحوها ، فإن الإضافة تصدق بذلك ، والخبر الثاني كما عرفت محمول على اشتراط
البائع للمشتري ذلك ، فهذان الخبران ونحوهما لا تدلان على تملك العبد ولا على
عدمه.
واما ما ربما
يدل على عدم تملك العبد من الاخبار فهو محمول على الحجر
__________________
عليه في التصرف بدون اذن المولى ، فكأنه من حيث المنع من التصرف ليس بمالك
وبهذا الطريق يجمع بين أخبار المسألة ، ويزول عنها الاختلاف ، وهو يقتضي رجحان
القول بتملك العبد كما قدمنا ذكره.
وأما الجمع
بينها ـ بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك ـ من حمل الأخبار الدالة على تملك العبد ـ على
محض اباحة التصرف بكونه مأذونا لا ملك الرقبة فهو وان تم فيما أورده من الاخبار المشتملة على اضافة
المال اليه ، الا أنه لا يتم فيما قدمناه من الاخبار في سابق هذه المسألة الصريحة
في ملك الرقبة وأنه يتصدق ويعتق من ماله.
ومنها ما رواه الصدوق
في الفقيه عن يحيى بن أبى العلاء عن أبى عبد الله (عليهالسلام) عن أبيه (عليهالسلام) قال : «من باع عبدا وكان للعبد مال فالمال للبائع الا
أن يشترط المبتاع ، أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بذلك».
والكلام في هذه
الرواية كما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم ، قال في الفقيه مشيرا الى هذا الحديث
وحديث جميل بن دراج عن زرارة المتقدم هذا ان الحديثان متفقان وليسا بمختلفين ، وذلك
أن من باع مملوكا واشترط المشترى ماله ، فان لم يعلم البائع به فالمال للمشتري ،
ومتى لم يشترط المشترى ماله ولم يعلم البائع أن له مالا فالمال للبائع ، ومتى علم البائع
ان له مالا ولم يستثن به عند البيع فالمال للمشتري انتهى.
__________________
أقول مفهوم صدر
عبارته أنه متى اشترط المشترى مع علم البائع بالمال فالمال للبائع ، وليس كذلك فان
ظاهر صحيحة محمد بن مسلم وخبر يحيى المذكور أنه مع الشرط يكون للمشتري علم البائع
بالمال أو لم يعلم.
وغاية ما يدل
عليه خبر جميل عن زرارة هو أنه مع علم البائع يكون للمشتري ، ومع عدم علمه يكون له
، لا للمشتري أعم من أن يشترطه المشتري أو لم يشترط ، وإذا قيد إطلاقه بالخبرين
المذكورين جمعا بين الاخبار لزمه أنه مع الشرط يكون للمشتري ، علم البائع أو لم
يعلم ، واما مع عدم الشرط فهو كما ذكره من التفصيل ، والعجب أن جملة من المحدثين
نقلوا كلامه كصاحب الوافي وصاحب الوسائل ولم يتنبهوا لما فيه.
ومنها ما رواه الشيخ
(عطر الله مرقده) في الأمالي بسنده فيه عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : من باع عبدا وله مال فالمال للبائع الا أن يشترط
المشترى». وهذا الخبر دال على ما دل عليه خبر يحيى وصحيح محمد بن مسلم ، وهذه
الاخبار الثلاثة مستند الشيخين فيما تقدم نقله عنهما ، وقد عرفت تحقيق القول فيها.
ومنها ما رواه في
الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : الرجل يشترى المملوك وماله؟ فقال : لا
بأس ، قلت : فيكون مال المملوك أكثر مما اشتراه به فقال لا بأس به».
ورواه الشيخ في
التهذيب بسند فيه علي بن حديد وهو ضعيف وهذا الخبر فيه اشكال من وجهين ، أحدهما ـ أنه
انما يتجه على القول بعدم صحة تملك العبد ، وقد عرفت الجواب عن ذلك بما تقدم في
نظائره ، والثاني ـ ما ذكره الأصحاب مما
__________________
قدمنا نقله عنهم من عدم الصحة في هذه الصورة على إطلاقها ، للزوم الربا في
بعض الموارد الا أن يقيد الخبر بكون المالين غير ربويين ، أو اختلاف
الجنس ، وبه أجاب الأصحاب عن الخبر المذكور ، وزاد العلامة الطعن في الخبر بالضعف
، وهو متجه بناء على رواية الشيخ ، واما على رواية الصدوق له فهو صحيح لا يتطرق
اليه الطعن من هذه الجهة.
وبالجملة
فالظاهر حمله على ما ذكرناه ليندفع عنه تطرق الوقوع في الربا ، بل اشتراط قبض
مقابل الربوي في المجلس إذا اختلف الجنسان وكانا ربويين ، والظاهر حمل كلام
الشيخين ـ فيما قدمنا نقله عنهما من إطلاق الصحة سواء كان مال العبد أكثر من الثمن
أو أقل ـ على ما ذكرناه.
والعجب هنا من
المحقق (قدسسره) في الشرائع فإنه اختار في المسألة الأولى القول بملك
العبد مطلقا الا أنه محجور عليه في التصرف بدون اذن السيد ، واختار في هذه المسألة
ما قدمنا نقله عنه من أن المال للبائع ، الا أن يشترطه المشترى ، وأنت خبير بأن
حكمه بالملك ظاهر في أن المراد لملك الرقبة ، ولا يمكن تأويله بما تقدم ومتى كان
كذلك فكيف يصح انتقاله عن مالكه بمجرد بيعه ـ سواء كان ـ الى البائع ، أو المشترى
وهو ظاهر. والله العالم.
تذنيب
قال الشيخ في
النهاية : إذا قال مملوك انسان لغيره : اشترني فإنك إذا اشتريتني كان لك علي شيء
معلوم فاشتراه ، فان كان للمملوك في حال ما قال ذلك له مال لزمه
__________________
ان يعطيه ما شرطه له ، وان لم يكن له مال في تلك الحال لم يكن عليه شيء ،
وتبعه ابن البراج ، وبه صرح جملة من المتأخرين.
وقال ابن إدريس
هذه رواية أوردها الشيخ إيرادا لا اعتقادا ، لان العبد عندنا لا يملك شيئا ، فأما
على قول بعض أصحابنا أنه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية يصح ذلك ، والصحيح من
المذهب انه لا يملك انتهى.
أقول الرواية
التي أشار إليها هي صحيحة الفضيل بن يسار المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وموردها
انما هو الشرط للبائع وهو المولى ، والشيخ ومن تبعه من الأصحاب فرضوا المسألة في
اشتراط العبد للمشتري ، والفرق بين الأمرين ظاهر ، لانه مع كون الشرط للمشتري كما
فرضوه ، فان قلنا بعدم ملك العبد بطل الشرط ، سواء كان معه مال أم لا ، وان قلنا
بملكه ـ فهو محجور عليه كما قدمنا ذكره ـ يتوقف صحة جعالته للمشتري على اذن مولاه
، وعلى كل من التقديرين فالرواية المذكورة ظاهرة في خلافه ، لأنها صريحة في صحة
الشرط المذكور ، ولزومه مع وجود المال ، وأما مع كون الشرط للمولى ، فان قلنا أنه
لا يملك فماله لمولاه ، وتحمل نسبة المال اليه على الإضافة لأدنى ملابسته ، وان
قلنا انه يملك فالحجر عليه زائل برضا المولى بذلك ، والعمل بالرواية متجه على هذا
التقدير.
والتحقيق أن
الرواية المذكورة دالة على ملك العبد كما قدمنا ذكره سيما مع اعتضادها بما قدمنا
من الاخبار ، وحينئذ فشرطه لمولاه صحيح ، والحجر قد ارتفع برضا المولى بذلك.
وأما على ما
ذكروه من عدم تملك العبد ولا سيما مع فرض المسألة على ما قدمنا نقله عنهم ، فلا
يخفى ما فيه من الاشكال ، وأشكل منه رد الرواية الصحيحة من غير معارض في المقام
والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ إذا حدث في الحيوان عيب فهيهنا صور ، أحدها أن يكون ذلك العيب سابقا على
البيع مع جهل المشترى به ، والظاهر انه لا خلاف في تخير المشترى بين الرد والإمساك
بالأرش ، ولا فرق في ذلك بين الحيوان وغيره.
الثانية ما لو
تجدد بعد العقد وقبل القبض ، ولا خلاف في تخيره بين الرد والإمساك وانما الخلاف في
انه مع اختيار الإمساك هل له الأرش أم لا؟ المشهور الأول ، ولو هلك قبل القبض فمن
البائع ، ولو أهلكه أجنبي فللمشتري الفسخ أو مطالبة الأجنبي ، ولو أهلكه البائع
فالأقرب تخير المشترى بين الفسخ ، فيطالب بالثمن ، وعدمه فيطالب بالقيمة ، وما
تقدم من الخيار بين الرد والإمساك بالأرش كما هو المشهور مخصوص بما إذا كان العيب
من قبل الله سبحانه أو من قبل البائع.
أما لو كان من
قبل أجنبي فعليه الأرش للمشتري ان التزم بالمبيع ، وللبائع ان فسخ ، ولو أتلفه
المشتري فهو قبض ، ولو جنى عليه فالأقرب انه قبض ايضا ، ولو قبض بعض المبيع وهلك
الباقي فهو في ضمان البائع ، وللمشتري الفسخ لتبعيض الصفقة.
الثالثة ـ ما
لو قبضه ثم تلف أو حدث فيه عيب في الثلاثة ، فإنه مضمون على البائع ما لم يكن
الحدث من المشترى ، اما في صورة التلف فالظاهر ان مستنده الإجماع ، إذ لا يظهر فيه
خلاف عندهم حيث انه لا خلاف في ان التلف في زمن الخيار ممن ليس له خيار ، ويدل
عليه أيضا وعلى صورة العيب إطلاق قول الصادق (عليهالسلام) في مرسلة ابن رباط المتقدمة سابقا «ان حدث بالحيوان حدث قبل الثلاثة فهو
من مال البائع».
ثم انه في صورة
العيب يتخير بين الرد بخيار الثلاثة والإمساك ، والخلاف في الأرش هنا مع الإمساك
كما تقدم في سابق هذه الصورة وفي صورة التلف له الرجوع على البائع بالثمن ، ـ والعيب
الحادث في الثلاثة الموجب للأرش عند من أوجبه لا يمنع الرد بخيار الثلاثة ولا
بخيار العيب السابق.
نعم لا يرد
بهذا العيب الحادث ، بل له الأرش خاصة ، لأنه انما حصل بعد القبض وان كان في زمن
الخيار الموجب لكونه مضمونا على البائع ، وذلك هو الموجب للأرش فقط ، هذا كله فيما
لو كان الخيار مختصا بالمشتري ، وكذا لو
__________________
كان مشتركا بينه وبين البائع أو غيره ، لان الجملة فيه مضمونة على البائع
أيضا ، أم لو كان الخيار مختصا بالبائع أو مشتركا بينه وبين أجنبي فلا خيار
للمشتري ، هذا إذا كان العيب من قبل الله تعالى أو من البائع.
وأما لو كان من
أجنبي فللمشتري على ذلك الأجنبي الأرش خاصة ، ولو كان بتفريط المشترى فلا شيء
وهكذا الحكم في غير الحيوان ، ويجري أيضا في تلف المبيع أجمع ، الا ان الرجوع هنا
بمجموع القيمة كما تقدم ، فان كان التلف من قبل الله سبحانه والخيار للمشتري ولو
بمشاركة غيره فالتلف من البائع ، والا فمن المشترى ، وان كان التلف من البائع أو
من أجنبي والخيار للمشتري ، فإن اختار الفسخ والرجوع بالثمن فذاك ، وإلا رجع على
المتلف بالمثل أو القيمة ، ولو كان الخيار للبائع والمتلف أجنبي أو المشتري تخير
ورجع على المتلف.
الرابعة ما لو
حدث العيب بعد القبض وبعد مضى الثلاثة ، فإنه يمنع الرد بالعيب السابق على العقد
الموجب للخيار مع الجهل ، فلا خيار له هنا ، لعدم موجبه ، ولانه قد تسلم المبيع
صحيحا فليس له ان يرده معيبا. نعم له الأرش من حيث العيب السابق هذا ملخص كلامهم
في المقام ، وقد تقدم ما فيه المناقضات في بعض المواضع في أبواب الخيار والعيوب
والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ قيل : لو استثنى البائع الرأس والجلد كان شريكا بقدر ثنياه ، وكذا لو
اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك ولو قال : اشتر حيوانا بشركتي صح وثبت البيع
لهما ، وعلى كل واحد نصف الثمن ، ولو اذن أحدهما لصاحبه ان ينقد عنه صح ، ولو تلف
كان بينهما ، وله الرجوع على الأخر بما نقد عنه ، ولو قال له : الربح لنا ولا
خسران عليك ، فيه تردد والمروي الجواز.
أقول : تفصيل
هذه الجملة ـ المنقولة في هذا المقام وبيان ما اشتملت عليه من الأحكام يقع في
مواضع الأول ـ ما لو استثنى البائع الرأس والجلد مثلا ، وفيه
أقوال ، أحدها ـ ما ذكر هنا ، وهو صحة البيع وأنه يكون شريكا بقدر قيمة
ثنياه وبه قال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وابن البراج والعلامة في الإرشاد ،
ونسبه المحقق في كتابيه إلى رواية السكوني مؤذنا بنوع توقف فيه.
والرواية
المشار إليها هي ما رواه الشيخ عن السكوني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «اختصم الى أمير المؤمنين (عليهالسلام) رجلان اشترى أحدهما بعيرا واستثنى البائع الرأس والجلد
، ثم بدا للمشتري أن يبيعه ، فقال للمشتري : هو شريكك في البعير على قدر الرأس
والجلد». ورواه الكليني مثله أقول المراد بلفظ «المشتري الثاني» هو المشترى
الثاني.
ونحو هذه
الرواية أيضا ما رواه الصدوق عطر الله مرقده في كتاب عيون أخبار الرضا بأسانيد
ثلاثة عنه عن آبائه عن الحسين بن على (عليهالسلام) «انه قال : اختصم الى على (صلوات الله عليه) رجلان
أحدهما باع الأخر بعيرا واستثنى الرأس والجلد ، ثم بدا له أن ينحره ، قال : هو
شريكه في البعير على قدر الرأس والجلد».
وعلل أيضا بأن
البائع قد قبض ما يساوى المبيع ، وبقي من القيمة ما يساوى المستثنى ، فيكون البائع
شريكا بما يساوى المستثنى ، لان اجزاء الثمن مقسطة
__________________
على اجزاء المبيع ، ويلغو التعيين ، فلو فرضنا أن الحيوان كملا قيمته عشرة
دراهم وقيمة ما استثنى درهمان كان شريكا بالخمس وثانيها صحة البيع والاستثناء وانه
يكون له ما استثنى ، وهو قول الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابى الصلاح ، وابن
الجنيد وابن إدريس ، وعلل بأنه استثنى شيئا معلوما من معلوم ، وعقد البيع غير مانع
من اشتراط ما هو معلوم ، لقوله (عليهالسلام) «الشرط جائز بين المسلمين».
وثالثها ـ بطلان
البيع بهذا الاستثناء لأدائه إلى الضرر والتنازع ، لأن المشتري قد يختار التبقية
وفيها منع البائع من الانتفاع بما في تملكه ، وجاز أن يؤل حاله الي نقص أو عدم
الانتفاع به ، بجواز موته ، وان اختار البائع الذبح لأجل أخذ ما شرطه كان فيه منع
لتسلط المشترى على ماله ، كالانتفاع به في نفسه كالانتفاع بظهره ولبنه ونتاجه ،
وهذا القول نقله ابن فهد في المهذب ولم أقف على قائله.
ورابعها ما
اختاره العلامة في المختلف وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك من البطلان ، الا ان
يكون مذبوحة أو اشتراها للذبح ، فإنه يجوز الاستثناء ، قال شيخنا المشار إليه في
المسالك بعد ذكر عبارة المحقق المشار إليها آنفا : لم يفرق بين المذبوح وما يراد
ذبحه وغيره ، وهو أحد الأقوال في المسألة ، لإطلاق الرواية ، الا أن المستند ضعيف
، والجهالة متحققة ، والشركة المشاعة غير مقصودة والقول بالبطلان متجه ، الا ان
يكون مذبوحا أو يراد ذبحه ، فيقوى صحة ، الشرط. انتهى.
أقول : لا يخفى
أن إلا وفق بالقواعد الشرعية هو القول الرابع لما ذكره في المسالك ، ويمكن أن يحمل
عليه القول الثاني ، فإن ظاهر عبارة الشيخ المفيد هو كون الشرط المذكور انما هو
فيما يراد ذبحه ، حيث قال : لا بأس أن يشترط البائع على المبتاع شيئا يستثنيه مما
باعه ، مثل ان يبيعه شاة ويستثني عليه جلدها أو رأسها بعد الذبح.
ويمكن حمل
إطلاق كلام غيره على ذلك أيضا ، الا ان ظاهر كلام ابن إدريس العموم ، ويؤيده انه
يبعد استثناء الرأس والجلد فيما لا يراد ذبحه ، إذ لا ثمرة
يترتب عليه ، ويؤيده أيضا انهم قد صرحوا كما تقدم بأنه لا يجوز بيع جزء
معين من الحيوان كيده ورجله ونحوهما ، وانما يجوز مشاعا كنصفه وربعه مثلا ،
والاستثناء في معنى البيع ، وبهذا رد العلامة في المخلتف على هذا القول ، فقال بعد
تعليل عدم صحة الاستثناء مع التبقية وعدم الذبح بما فيه من الجهالة وتضرر الشريك
لو أراد أخذ حقه ، وضرره لو أجبر على بقائه ـ ما صورته : ولانه لا يجوز افراده
بالبيع ، فلا يجوز استثناؤه ، والبيع انما يكون حلالا لو وقع على وجهه ، وهو ممنوع
هنا انتهى.
إلا أنك قد
عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين ـ بإطلاقهما على الصحة مطلقا ، وأنه يكون شريكا
مع المشترى في كل الحيوان بقدر قيمة الرأس والجلد ، فتنسب القيمة إلى ثمن المشترى
، ويكون له بتلك النسبة من جميع اجزاء الحيوان ، ويكون الباقي للمشتري ، ويؤيد
الخبرين المذكورين خبر الغنوي الاتى فيمكن القول بالخبرين المذكورين ، وحمل بعض
الأصحاب خبر السكوني على انه كان المقصود الذبح ثم حصل العدول عن ذلك ، فيكون
البيع صحيحا ويكون شريكا للمشتري بمقدار قيمة ما استثنى ، الا أن هذا الحمل لا
يجري في خبر العيون ، حيث صرح فيه بعدم ارادة نحره ، ومع ذلك حكم بالتشريك في
الجميع بنسبة قيمة ما استثناه والمسألة لا يخلو من الاشكال ، وان كان القول الأول
هو الأقرب.
الثاني ـ ما لو
اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم ذلك ، وظاهر جملة من الأصحاب ـ منهم العلامة في
المختلف وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ ما هو اجراء حكم المسألة الاولى في هذه
المسألة ، فحكموا بصحة الشرط مع الذبح أو إرادته ، والبطلان مع عدم ذلك ، قال في
المسالك في تتمة العبارة المنقولة عنه آنفا : وكذا القول فيما لو اشترك فيه جماعة
وشرط أحدهم ذلك. انتهى.
أقول : قد روى
الشيخ عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله
__________________
(عليهالسلام) «في رجل شهد بعيرا مريضا يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم
فأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضى أن البعير بريء فبلغ ثمانية دنانير
قال : فقال : لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ ، فان قال : أريد الرأس والجلد ، فليس ،
له ذلك ، هذا الضرار ، وقد أعطى حقه إذا أعطى الخمس».
وأنت خبير بأن
ظاهر الخبر ان شراء البعير حال المرض واشتراك الرجل الأخر بالرأس والجلد انما وقع
من حيث ارادة الذبح ، ولكن لما اتفق أنه بريء ولم يذبح وبلغ قيمة زائدة حكم (عليهالسلام) لدفع الضرر من الطرفين وصلحا بينهما بالتشريك في
البعير ، بنسبة ما دفع من قيمة الرأس والجلد ، ولو طلبهما اتى الضرار المنهي عنه
متى أعطي بنسبة ما دفعه من جميع البعير ، وعلى هذا يمكن حمل حديث السكوني المتقدم
، وبه يندفع ما تعلق به القائل بالإبطال من لزوم الضرر متى أراد المشتري التبقية ،
وأراد صاحب الرأس والجلد الذبح لأجل أخذ ماله ، فان في ترجيح إرادة أحدهما ضرر على
الأخر الا انه يبقى الإشكال في خبر العيون حيث تضمن نحر البعير ولعل لفظ (لا) سقط
من البين فإنه مع عدم سقوطها لا يناسب سياق الخبر ايضا من قوله ثم بدا له ، إذ
الظاهر ان أصل الشراء واشتراط الجلد والرأس انما وقع من حيث ارادة النحر ، وعلى
هذا لا معنى لقوله «ثم بدا له ان ينحره» وانما المناسب ثم بدا له ان لا ينحره وبما
ذكرنا يظهر قوة مذهب الشيخ في المسألة المتقدمة.
واما ما ذكره
بعض محققي متأخري المتأخرين من احتمال طرح الروايتين اعنى روايتي السكوني والغنوي
لضعفهما ومخالفتهما القواعد ، ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم ان الطعن بالضعف
غير معتمد عندنا ، ولا وارد على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ، وان
الأظهر هو الوقوف على ما دلت عليه الاخبار في كل حكم سيما مع عدم المخالف من
الاخبار ، وتخصيص تلك القواعد ان ثبت بالنص ، والا فإنه لا يلتفت إليها في مقابلة
الاخبار وان ضعفت باصطلاحهم.
تذنيب
قال : سلار :
كل شرط يشترط البائع على المبتاع من رأس ذبيحة يبيعها وجلدها أو بعضها بالوزن
جائز.
أقول : وظاهره
يعطى جواز استثناء البعض كاللحم بالوزن ، وقال ابن الجنيد : لا يجوز ، لان مواضع
اللحم تتفاضل ، وأقله ما يختلط به من العظم وغيره وكثرته ، فان حدد المكان بما لا
يختلط بغيره جاز. انتهى واستحسنه العلامة في المختلف ، وأنت خبير بان ظاهر عبارة
سلار هنا كما قدمنا ذكره من عبارة الشيخ المفيد من ان الشرط المذكور انما هو مع
الذبح أو إرادته كما يخفى والله العالم.
الثالث ـ ما لو
قال اشتر حيوانا بشركتي الى آخره الوجه في لزوم نصف الثمن مع الأمر بشراء الحيوان
بالمشاركة ان الأمر توكيل بالشراء بالشركة بينه وبين المأمور ، والشراء لا يكون
الا بالثمن ، والظاهر من الشركة هو التساوي باعتبار إرادة الشركة في كل جزء جزء
منه فيحمل عليه الكلام الا ان ينصب قرينة على خلاف ذلك ، وحينئذ فلو اذن له في
أداء الثمن عنه وأدى عنه رجع به عليه والاذن أعم من الصريح والفحوى مثل ان يأمره
بشراء حيوان من مكان بعيد والمجيء به مع العلم بأنه لا يكون ذلك الا بعد أداء
الثمن ، اما لو ادى عنه بغير اذنه فلا يلزمه العوض لانه متبرع في أداء دين غيره ،
وقد تقرر ان تبرع بأداء دين غيره لا يرجع بذلك على المديون.
والظاهر من
كلام الأكثر وبه صرح العلامة في التذكرة وغيرها أنه لا يكفي الإذن بالشراء في
الاذن بأداء الثمن لأنه أعم منه بل لا بد من الاذن بالأداء صريحا أو فحوى.
ويظهر من كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الاكتفاء بذلك قال : والحق
انه يرجع عليه بمجرد الاذن فيه ، وان كان ذلك أعم منه لدلالة القرائن عليه ، وعدم
حصول ما يقتضي التبرع انتهى وأيده بعضهم بأنه رضى بالشراء وهو انما يكون بالثمن ،
والغالب انه لا يسلم المبيع الا بعد تسليم الثمن ، فالظاهر ان ذلك اذن في التسلم
ايضا ولا يمكن ذلك الا به ، فكان الأمر والاذن بالشراء مستلزما لتسليم الثمن
وتسليم المبيع ، فلا يضمن لو أخذ من غير اذن جديد ويرجع بالثمن مطلقا الا مع ما
يدل على عدم الاذن ، ولا يفهم الاذن قال : وليس كلام التذكرة وغيرها بعيدا عن هذا
المعنى بكثير. انتهى.
وهو لا يخلو من
اشكال الا ان يكون هناك قرائن قاطعة تدل على ذلك ، والا فمجرد الأمر بالشراء لا
يدل على ما ادعوه ، ولو تلف الحيوان المشترك بعد قبضه من غير تفريط من المأمور
فالتلف بينهما جميعا ، ولا يرجع الأخر عليه ، وان يد الشريك ـ المشترى ـ عليه يد
امانة ، لا يد ضمان.
الرابع ـ ما لو
قال له : الربح لنا ولا خسران عليك الى آخره أقول : الظاهر ان وجه التردد المذكور
من الرواية المشار إليها حيث دلت على صحة ذلك المؤيد بعموم «المؤمنون عند
شروطهم». ومن المخالفة للقواعد المقررة في الشركة بل مقتضى المذهب كما ادعاه بعضهم
من ان الربح والخسران تابعان لرأس المال والى ذلك جنح في المسالك قال : وهو الأقوى
ثم قال : والرواية مع كونها وأرده في بيع خاص يمكن تأويلها بما يوافق الأصل انتهى.
أقول : قال
الشيخ في النهاية : ومن قال لغيره اشتر حيوانا بشركتي والربح بيني وبينك فاشتراه
ثم هلك الحيوان كان الثمن بينهما ، كما لو زاد في ثمنه كان ايضا بينهما على ما اشترطا
عليه ، فان اشترط عليه ان يكون له الربح لو ربح وليس عليه شيء من الخسران كان على
ما اشترطا عليه ، وبه قال ابن البراج.
__________________
وقال ابن إدريس
: معنى انه إذا قال لغيره اشتر حيوانا بشركتي المراد به انقد عنى نصف الثمن أو ما
يختاره ويجعله قرضا عليه ، والا فما يصح الشركة إلا هكذا قال : فأما قول شيخنا (رحمهالله) ـ فان اشتراط عليه ان يكون له الربح ان ربح وليس عليه
من الخسران شيء كان على ما اشترطا عليه ـ فليس بواضح ولا يستقيم ، لانه مخالف
لأصول المذهب ، لان الخسران على رؤس الأموال بغير خلاف ، وإذا شرط انه على واحد من
الشريكين كان هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة ، لأن السنة جعلت الخسران على رؤوس
الأموال انتهى.
وقال في
المختلف بعد نقل ذلك عنه ، وما ذكره ابن إدريس في تفسير قول الإنسان لغيره اشتر
حيوانا فاشركنى ليس بصحيح ، لأن الأمر بالشراء عنه ليس امرا بنقد الثمن عنه ،
والشركة يتحقق بالعقد إذا أوقعه المشتري عنه وعن الأمر بالنيابة ، لا بالأمر بنقد
الثمن ، وأما نسبة قول الشيخ الى عدم الوضوح وعدم الاستقامة ـ وانه مخالف لأصول
المذهب وان هذا الشرط يخالف الكتاب والسنة فليس بجيد لان الشيخ (رحمهالله) عول في ذلك على الكتاب والسنة والعقل ، أما الكتاب
فقوله تعالى «إِلّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»
والتراض انما
وقع على ما اتفقا عليه فلا يجوز لهما المخالفة وقوله تعالى «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» والعقد انما وقع على هذا فيجب الوفاء به ، واما السنة فقوله
عليهالسلام «المؤمنون عند شروطهم». وما رواه رفاعة في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل شارك في جارية له قال : ان ربحنا فيها فلك نصف
__________________
الربح وان كان وضيعة فليس عليك شيء فقال : لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس
صاحب الجارية». وأما العقل فلان الأصل الجواز ، وقوله ان الخسران على قدر رأس
المال ، قلنا متى ، مع الشرط لغيره أو بدونه ، وبالجملة فقول الشيخ هو المعتمد.
انتهى.
وهو جيد ومما
يدل على ذلك ـ زيادة على الصحيحة المذكورة ـ ما رواه الشيخ عن ابى الربيع عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل شارك رجلا في جارية فقال له : ان ربحت فلك وان
وضعت فليس عليك شيء؟ فقال : لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل».
وأما ما رواه الشيخ
والصدوق عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليهالسلام) : الرجل يدل الرجل على السلعة ، فيقول : اشترها ولى
نصفها ، فيشتريها الرجل وينقد من ماله ، قال : له نصف الربح ، قلت : فان وضع يلحقه
من الوضيعة شيء؟ فقال : نعم عليه الوضيعة : كما أخذ من الربح». فهو ظاهر في عدم
الشرط ، فلا ينافي ما تقدم. ويمكن الجمع بين كلامي الشيخ وابن إدريس بأن مبنى كلام
ابن إدريس على الاشتراك في الثمن كما تأول به عبارة الشيخ ، وان كان تأويله بعيدا
وحينئذ فيكون الربح والوضيعة تابعة لرأس المال ، ومبنى كلام الشيخ انما هو على
الاشتراك في الشراء دون المشاركة في المال.
وحينئذ فلا يرد
على ابن إدريس الاستدلال بصحيحة رفاعة ، فإنها ظاهرة في كون الشركة انما هو في عقد
الشراء لا في المال الذي اشترى به ، الا أنه يمكن أن يقال أنه وان كان الأمر كذلك
من أن الشركة في رأس المال تقتضي كون الربح والخسران تابعين لرأس المال ، لكن مع
الشرط يكون الأمر على ما وقع عليه الشرط ، وان خالف القاعدة المذكورة ، فإن الشروط
في جميع العقود كلها من هذا القبيل بمنزلة
__________________
الاستثناء مما يقتضيه أصل العقد.
وبالجملة
فالظاهر هو ما ذهب اليه الشيخ (رحمهالله) ومنه يظهر ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس (رحمهالله) وان تبعه فيه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك كما عرفت
والله العالم.
المسألة
السادسة ـ قد ذكروا في شراء المماليك جملة من الأحكام استجابا وكراهة منها أنه
يجوز له النظر الى وجه المملوكة ـ إذا أراد شرائها ـ ومحاسنها والمراد بها مواضع
الحسن منها والزينة كالكفين والرجلين والشعر ، قالوا ولا يشترط في ذلك اذن المولى
، ولا يجوز الزيادة على ذلك إلا بإذنه فيكون تحليلا يتبع ما دل عليه اللفظ حتى
العورة ، وكذا يجوز له مس ما يجوز النظر اليه مع الاذن ، ونقل عن العلامة في
التذكرة جواز النظر الى ما دون العورة مع عدم الاذن ، ورده جملة ممن تأخر عنه
بالبعد.
والذي وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ والصدوق عن أبى بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ قال : لا بأس بأن ينظر
الى محاسنها ويمسها ما لم ينظر الا ما لا ينبغي له النظر اليه».
وما رواه في
التهذيب عن حبيب بن معلى الخثعمي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى اعترضت جواري بالمدينة فأمذيت؟ فقال : أما لمن
يريد الشراء فليس به بأس ، وأما من لا يريد أن يشترى فإني أكرهه».
وعن عمران بن
الحارث الجعفري «عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد
شراءها» :.
وما رواه الثقة
الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين
بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام)
__________________
«أنه كان إذا أراد ان يشترى الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها». وفي هذه
الرواية دلالة على جواز النظر الى الساق زيادة على ما ذكره الأصحاب ويمكن أن
يستفاد من رواية الجعفري صحة ما نقل عن العلامة من جواز النظر الى ما عدا العورة
إذا دعت الحاجة الى ذلك ويمكن أن يحمل على ذلك قوله في رواية أبي بصير «ما لم ينظر
الى ما لا ينبغي النظر اليه» بالحمل على العورة ، ويكون ذكر المحاسن فيها انما خرج
مخرج التمثيل ، ويخرج رواية قرب الاسناد شاهدة على ذلك وبالجملة فإن ما نقل عن
التذكرة غير بعيد ، وان ردوه بالبعد.
ومنها انه يستحب
لمن يشترى مملوكا ان يغير اسمه ، وأن يطعمه شيئا من الحلو وان يتصدق عنه بشيء ،
وانه يكره ان يرى المملوك ثمنه في الميزان كل ذلك للاخبار.
ومنها ما رواه في
الكافي والتهذيب عن زرارة «قال كنت جالسا عند ابى عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه رجل ومعه ابن له ، فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما تجارة ابنك؟ فقال التنخس فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) لا تشترين شينا ولا عيبا ، وإذا اشتريت رأسا فلا ترين
ثمنه في كفة الميزان ، فما من رأس رأى ثمنه في كفة الميزان فأفلح ، وإذا اشتريت
رأسا فغير اسمه وأطعمه شيئا حلوا إذا ملكته وتصدق عنه بأربعة دراهم».
وعن محمد بن
ميسر عن أبيه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «من نظر الى ثمنه وهو يوزن لم يفلح». وظاهر
الخبرين المذكورين أن الكراهة مترتبة على رؤية الثمن في الميزان ، وحينئذ فلا يكره
في غيره ، وربما قيل أنه انما جرى على المتعارف من وضع الثمن فيه ، فلو رآه في
غيره كره أيضا فيكون المراد انما هو الكناية عن عدم رؤيته مطلقا ، ويؤيده أن وزن
الدراهم في الميزان قليل وبه
__________________
يظهر ضعف تنظره في المسالك في هذا القول.
ومنها كراهة
وطئ من ولدت من الزنا بالملك والعقد ، قال المحقق الأردبيلي (قدسسره) بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : قد نهي عنه في الاخبار
المعتبرة المحمولة على الكراهة. لعموم أدلة جواز النكاح والوطي ، وكأنه لعدم
القائل بالتحريم.
أقول : قد نقل
القول بالتحريم هنا في المسالك عن ابن إدريس بناء على أن ولد الزنا كافر ، وأن وطأ
الكافر محرم ، ثم رده بان مقدمتين ممنوعتان وأنت خبير بما قدمناه في كتاب الطهارة
من التحقيق في أحوال ابن الزنا أن له حالة ثالثة غير حال المسلمين والكفار في
النكاح وغيره والاخبار قد صرحت هنا بالجواز على كراهية.
ومنها حسنة
الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد الزنا هل عليه
جناح أن يطأها؟ قال : لا وان تنزه عن ذلك فهو أحب الي». ونحوها غيرها.
ومنها التفرقة
بين الأطفال وأمهاتهم قبل استغنائهم عنهن فقيل بالكراهة وقيل بالتحريم ، والقولان
للشيخ في النهاية ، فقال : في باب ابتياع الحيوان لا يجوز ، وقال في باب العتق أنه
مكروه ، والى القول بالتحريم ذهب الشيخ المفيد وابن البراج وسلار وابن الجنيد ،
ونقل عن العلامة في التذكرة مدعيا أنه المشهور وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك والروضة ، والى القول بالكراهة ذهب المحقق في كتابيه والعلامة في المختلف
والإرشاد وابن إدريس والشهيد في اللمعة وغيرهم.
احتج القائلون
بالكراهة بما ورد من «ان الناس مسلطون على أموالهم». والذي وقفت عليه من
الاخبار المتعلقة بالمقام زيادة على الخبر المذكور ما رواه
__________________
المشايخ الثلاثة عطر الله مراقدهم عن معاوية بن عمار في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : أتي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بسبي من اليمن ، فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم
فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم ، فلما قدموا على النبي (صلىاللهعليهوآله) سمع بكاءها ، فقال : ما هذه البكاء؟ فقالوا يا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها فبعث بثمنها فأتي بها ،
وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن سماعة في الموثق قال : «سألته أخوين مملوكين هل يفرق بينهما؟
وعن المرأة وولدها ، قال : لا هو حرام الا أن يريدوا ذلك». ورواه في الفقيه قال : «سأل
سماعة أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أخوين مملوكين» الحديث.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن هشام بن الحكم في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال انه اشتريت له جارية من الكوفة قال : فذهبت تقوم
في بعض الحاجة ، فقالت : يا أماه فقال لها أبو عبد الله (عليهالسلام): ألك أم؟ قالت : نعم فأمر بها فردت ، وقال : ما آمنت
لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره».
وما رواه في
الكافي عن عمر بن أبى نصر قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الجارية الصغيرة يشتريها الرجل؟ فقال : ان كانت قد
استغنت عن أبويها فلا بأس».
وما رواه المشايخ
الثلاثة عن ابى سنان في الصحيح ـ فان الظاهر أن ابن
__________________
سنان هو عبد الله ـ عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «أنه قال في الرجل يشترى الغلام والجارية وله أخ أو
أخت أو أب أو أم بمصر من الأمصار؟ قال : لا يخرجه الى مصر آخر ان كان صغيرا ولا
يشتره فان كانت له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت».
وما رواه شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك عن أبي أيوب عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «من فرق بين والدة وولدها ، فرق بينه وبين أحبته».
أقول : وهذه الرواية لم أقف عليها في كتب أخبارنا ولا يبعد انها من طريق العامة
الا ان صحيحة هشام المذكورة ظاهرة فيما دلت عليه.
وفي كتاب الفقه
الرضوي «وروى في الجارية الصغيرة تشترى ويفرق بينها وبين أمها؟ فقال : ان كانت قد
استغنت عنها فلا بأس».
هذه جملة ما
حضرني من أخبار المسألة ، ودلالتها على التحريم ظاهرة ، سيما صحيحة معاوية حيث أمر
(صلىاللهعليهوآله) برد الجارية المباعة ، والأمر للوجوب كما تقرر في محله
، وظاهرها بطلان البيع ، حيث استرجع المبيع برد الثمن من غير رضا المشترى كما هو
ظاهر الخبر ، وقوله في موثقة سماعة «هو حرام الا ان يريدوا ذلك».
وبالجملة فإن
ظاهر الاخبار هو التحريم والبطلان وبذلك اعترف في الدروس أيضا .
__________________
تنبيهات
الأول ـ قد
عرفت ان الأصحاب خصوا الحكم بالأطفال ، وفرعوا عليه ايضا الخلاف في الغاية التي
يزول معها التحريم أو الكراهة ، هل هي مدة سبع سنين ، أو أن يستغنى عن الرضاع؟ وهو
مشكل ، إذ لم نقف له على مستند ، وبذلك اعترف في المسالك أيضا ، وذكر جماعة من
المتأخرين أنه مترتب على الخلاف في الحضانة الاتى في كتاب النكاح إنشاء الله تعالى
وهو أشكل لاختلاف الاخبار والأقوال في ذلك أيضا.
__________________
وأنت خبير بأن
ظاهر الروايات المذكورة عدم الاختصاص بالأطفال بل ظاهر جملة منها انما هو الكبار ،
كما يعطيه ظاهر صحيحة معاوية بن عمار من بيع الجارية لنفقة العسكر ، ومن الظاهر
الغالب أن قيمة الطفل لا يفي بذلك ، وأظهر منها صحيحة هشام بن الحكم ، وقوله فيها «ان
الجارية ذهبت تقوم في بعض حوائجها ،» وهو ايضا ظاهر موثقة سماعة وان الولد فيها
أعم من الصغير والكبير ، بل الظاهر انما هو كونه كبيرا لقوله «الا ان يريدوا ذلك»
فإن الإرادة لا تحصل من الرضيع.
وكذلك قوله في صحيحة
ابن سنان «وان كانت له أم فطابت نفسها ونفسه ، فاشتره». فان طيب النفس لا يتم في
الرضيع وهذا كله بحمد الله سبحانه ظاهر لا ريب فيه.
الثاني ـ انه
على تقدير القول بالتحريم هل يحكم ببطلان البيع أيضا أم لا؟ وجهان بل قولان ـ يلتفتان
الى ان النهى في غير العبادة لا يقتضي الفساد ولرجوعه الى وصف خارج عن ذات المبيع
، فيكون كالبيع وقت النداء ، وعلى هذا فيصح البيع وان اثم ، والى ان المفهوم من
صحيحتي معاوية وهشام من حيث اشتمالهما على الرد من غير رضى المتبايعين هو البطلان
، والظاهر ان الوجه فيه هو ان تحريم التفرقة أخرجها عن صلاحية المعاوضة ، وهو
الأظهر ، وفاقا لجملة من الأصحاب.
__________________
الثالث أنه هل
يختص النهى عن التفرقة بالولد مع الأم ، أم يعم الأرحام المشاركة في الشفقة
والاستيناس. كالأخت والعمة والخالة؟ قولان ، استجود شيخنا الشهيد الثاني في الروضة
والمسالك الثاني ، واستقرب العلامة في التذكرة الأول ، وظاهر موثقة سماعة وصحيحة
ابن سنان يؤيد الثاني ، الا أن ظاهرهم تخصيص التعدية الى ما شارك الأم في الشفقة
من الإناث خاصة ، وظاهر الروايتين المذكورتين التعدي إلى الذكور أيضا فالتخصيص
المذكور خروج عن النص.
والأظهر الوقوف
على ما دلت عليه النصوص من الام والأخ والأخت والأب اقتصارا فيما خرج عن الأصل على
موضع النص ، ولان ما زاد لا يخرج عن القياس.
الرابع أنه هل
يلحق بالبيع غيره؟ قال في المسالك : الظاهر عدم الفرق بين البيع وغيره ، وان كان
في بعض الاخبار ذكر البيع لايمائها إلى العلة الموجودة في غيره ، فيتعدى الى كل
ناقل للعين حتى القسمة والإجارة الموجبة للفرقة ، وحيث كانت علة المنع الفرقة فلو
لم يستلزمها ـ كما لو باع أحدهما وشرط استخدامه مدة المنع أو على من لا يحصل معه
التفريق بينهما ـ لم يحرم ، مع احتماله في الثاني إذا لم يكن الاجتماع لازما له
شرعا. انتهى.
وأورد عليه بأنه وان كان محتملا من جهة ظهور العلة المفهومة فيمكن
ذلك ، ولكن يشكل ذلك من جهة كونه قياسا مع عدم المنصوصية في العلة. انتهى. وهو جيد
على أنه قد تقدم ما في منصوص العلة من البحث في صدر جلد الطهارة من هذا الكتاب وبالجملة فإن الأظهر الاقتصار في ذلك على البيع كما هو
مورد الاخبار ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص ، والنصوص المتقدمة كلها
انما تضمنت البيع والشراء ، وليس فيها ما تضمن مجرد التفرقة إلا موثقة سماعة ،
__________________
فيجب حملها على ما عداها من النصوص المذكورة ، حمل المطلق على المقيد ، وبه
يظهر أن التعدية قياس محض والله العالم.
الخامس ـ قال
في المسالك : وموضع الخلاف بعد سقي الأم اللبأ ، أما قبله فلا يجوز قطعا ، لما فيه
من التسبب الى إهلاك الولد ، فإنه لا يعيش بدونه ، صرح به جماعة. انتهى.
وفيه تأمل لأنا
رأينا كثيرا من الأطفال قد عاش بدون ذلك ، بأن يشرب من لبن غير أمه بعد الولادة ،
وربما تعذر وجود اللبن من أمه لمرض ونحوه بعد الولادة مدة ، وانما يرضع من حليب
غيرها ، بل قيل : انه لا يوجد اللبن في كثير من النساء وبنحو ما قلنا صرح المحقق
الأردبيلي قدسسره في شرح الإرشاد أيضا.
السادس ـ قال
في المسالك : ولا يتعدى الحكم إلى البهيمة اقتصارا بالمنع على موضع النص ، فيجوز
التفرقة بينها وبين ولدها بعد استغنائه عن اللبن ، وقبله ان كان مما يقع عليه
الزكاة أو كان له ما يمونه من غير لبن أمه انتهى.
المسألة
السابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يجب استبراء الأمة على
البائع قبل البيع إذا وطأها ، وكذا المشترى ويسقط الاستبراء عن المشترى لو أخبره
البائع بالاستبراء وكان ثقة أو كانت لامرأة ، أو كانت يائسة أو صغيرة أو حاملا أو
حائضا.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في موارد الأول ـ لا يخفى أن الاستبراء عبارة عن طلب برأيه الرحم من
الحمل ، فإنه إذا صبر عليها المدة المضروبة لذلك حسبما يأتي ذكره في الاخبار تبين
به حملها أو عدمه ، والحكمة فيه عدم اختلاط الأنساب والمشهور بين الأصحاب ـ وبه
صرح الشيخ وتبعه الأصحاب ـ انه لا فرق في ذلك بين البيع وغيره من الوجوه الناقلة
للملك ، وكذا القول في الشراء فيجب الاستبراء بكل ملك زائل وحادث ، وخالف في ذلك
ابن إدريس فخصه بالبيع ، دون غيره من الوجوه المشار إليها ، قال العلامة (قدسسره) في المختلف : قال الشيخ
في الخلاف : إذا ملك أمة بابتياع أو هبة أو إرث أو استغنام لم يجز له
ووطؤها الا بعد الاستبراء.
وقال ابن إدريس
: لا يجب في غير البيع ، لأن الذي رواه أصحابنا في تصانيفهم الخالية من فروع
المخالفين وبياناتهم ونطقت به أخبار الأئمة (عليهمالسلام) أن الاستبراء لا يجب الا على البائع والمشترى ، ولم
يذكروا غيرهما ، والأصل براءة الذمة ، والتمسك بقوله تعالى «أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ» وهذه ملك يمين والحق ما قاله الشيخ ، لنا أن المقتضى
لوجوب الاستبراء في صورة البيع ثابت في غيره ، وهو العلم باستفراغ رحمها ،
والاختلاط على الأنساب ، والحفظ من اختلاطها ، وأى فرق بين قوله بعتك ، وقوله
وهبتك ، بحيث يوجب الأول الاستبراء دون الثاني ، ولا يخفى ذلك على محصل ، وأسند
النقل الى كتاب الخلاف ونسبه الى أنه من فروع المخالفين ، ولعله لم يقف في النهاية
على باب السراري وملك الايمان ، فإن الشيخ نص فيه على ذلك أيضا ، بل هو نفسه قال
في هذا الباب متى ملك الرجل جارية بأحد وجوه التملكات من بيع أو هبة أو سبي أو غير
ذلك لم يجز له ووطؤها في قبلها الا بعد أن يستبرأها ، فلعله بعد ذلك وقف على شيء
لم يقف عليه من الأول حتى خرج كونه من فروع المخالفين ، وبالجملة فهذا الرجل يخبط
ولا يبالي أين يذهب ، ويتجرى على شيخنا (قدسسره) بما لا يجوز انتهى وهو جيد.
ويؤيده ما رواه
الشيخ في التهذيب عن الحسن بن صالح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «نادى منادي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في الناس يوم أوطاس : أن استبرؤا سباياكم بحيضة». الا
أنها خاصة بالاسترقاق ، وظاهر صاحب
__________________
الكفاية التوقف هنا ، والميل الى ما ذهب اليه ابن إدريس ، وقال المحقق
الأردبيلي (قدسسره) : الظاهر إلحاق الأمور الناقلة للأمة والمبيحة للفرج
بالبيع والشراء في وجوب الاستبراء ، وتحريم الوطي لظهور العلة مع احتمال الخصوص ،
وهو بعيد ، خصوصا من جانب المتملك ، فان المقصود لم يتم الا بذلك انتهى.
الثاني
الاستبراء يقع بخمسة وأربعين يوما ان لم تحض ، والا فحيضة ، ووجوب الاستبراء على
البائع ومن في حكمه مشروط بأن يطأها وان عزل ، وأما المشترى ومن في حكمه فإنما يجب
عليه الاستبراء مع علمه بوطىء السابق ، أو جهله الحال ، فلو علم الانتفاء لم يجب
لانتفاء الفائدة ، وللنص.
وأما ما يدل
على وجوب الاستبراء على البائع والمشترى وكذا على جملة من هذه الأحكام فجملة من
الاخبار ، منها خبر الحسن بن صالح المتقدم ، وما رواه في الكافي. عن سماعة في الموثق «قال سألته ، عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ
رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة؟ قال : لإبل تكفيه هذه الحيضة ، فإن
استبرأها بأخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل».
وعن ربيع بن
القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجارية التي لم تبلغ الحيض وتخاف عليها الحبل ، فقال : يستبرئ رحمها الذي يبيعها
بخمس وأربعين ليلة ، والذي يشتريها بخمس وأربعين ليلة».
وما رواه الشيخ
عن عبد الرحمن ابن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض كم عدتها قال : خمس
وأربعون ليلة». أقول الظاهر ان المراد بهذه الرواية هي من كانت في سن من تحيض ولم
تحض بالكلية أو انها حاضت ثم انقطع عنها الحيض ، وهي في سن من تحيض ، لما عرفت
آنفا من عدم العدة على الصغيرة واليائسة.
ويدل ايضا ما
رواه هذا الراوي بعينه قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض ، وإذا
قعدت من المحيض ما عدتها؟ وما يحل للرجل من الأمة حتى يستبرأها قبل ان تحيض؟ قال :
إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة لها والتي تحيض فلا يقربها حتى تحيض وتطهر».
ونحوها غيرها مما سيأتي أنشأ الله تعالى.
وعن منصور بن
حازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن عدة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها فقال
: خمس وأربعون ليلة».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الحسن عن حفص البختري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول : انى لم
أطأها فقال : ان وثق به فلا بأس بأن يأتيها ، وقال في رجل يبيع الأمة من رجل فقال
: عليه أن يستبرئ من قبل ان يبيع».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في رجل ابتاع جارية لم تطمث ، قال : ان كانت
صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة ، فليطأها ان شاء ، وان كانت قد بلغت
ولم تطمث فان عليها العدة ، قال : وسألته عن رجل اشترى جارية وهي حائض قال : إذا
طهرت فليمسها ان شاء».
__________________
ورواه الكليني
في الصحيح أو الحسن مثله ، وعن ابن ابى يعفور عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا
اشتراها الرجل ، قال : ليس عليها عدة يقع عليها» الحديث.
وما رواه في
الكافي عن عبد الله بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أو لأبي جعفر (عليهالسلام) الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك أو قد يئست
من المحيض قال فقال لا بأس ان لا يستبرئها».
وما رواه الصدوق
مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) : إذا اشترى الرجل جارية وهي لم تدرك أو قد يئست من
المحيض فلا بأس بأن لا يستبرأها».
وما رواه الشيخ
عن عمار في الموثق قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) الاستبراء على الذي يريد أن يبيع الجارية واجب ان كان
يطأها ، وعلى الذي يشتريها الاستبراء أيضا قلت : فيحل له أن يأتيها دون فرجها؟ قال
: نعم قبل أن يستبرأها».
وما رواه في
كتاب عيون اخبار الرضا عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليهالسلام «في حد الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها؟
قال إذا لم تبلغ استبرئت بشهر ، قلت : وان كانت ابنته سبع سنين ونحوها مما لا تحمل
، فقال : هي صغيرة ولا يضرك أن لا تستبرئها ، فقلت :
__________________
ما بينها وبين تسع سنين؟ فقال : نعم تسع سنين».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل يبيع جارية كان يعزل عنها هل عليه
منها استبراء؟ قال : نعم ، وعن أدنى ما يجزى من الاستبراء للمشتري والبائع؟ قال :
أهل المدينة يقولون حيضة ، وكان جعفر (عليهالسلام) يقول : حيضتان ، وسألته عن أدنى استبراء البكر فقال :
أهل المدينة يقولون حيضة ، وكان جعفر (عليهالسلام) يقول : حيضتان». ونحوها في الاستبراء بحيضتين صحيحة
محمد بن إسماعيل بن بزيع الاتية في مسألة اخبار البائع بالاستبراء.
وما رواه في
الكافي عن سماعة في الموثق قال : «سالته عن رجل اشترط جارية ولم يكن لها
زوج أيستبرئ رحمها؟ قال : نعم ، قلت فان كانت لم تحض؟ قال : أمرها شديد وان هو
أتاها فلا ينزل الماء حتى يستبين أحبلى هي أم لا ، قلت : وفي كم تستبين له؟ قال :
في خمسة وأربعين يوما».
وعن الحبلى في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل اشترى جارية لم يكن صاحبها يطؤها أيستبرئ
رحمها؟ قال : نعم ، قلت : جارية لم تحض كيف يصنع بها؟ قال : أمرها شديد غير أنه ان
أتاها فلا ينزل عليها حتى يستبين له ان كان بها حبل قلت : وفيكم يستبين له؟ قال :
في خمس وأربعين ليلة». الى غير ذلك من الاخبار المتعلقة بهذا المقام وسيأتي أيضا
نحوها.
والكلام فيها
يقع في مواضع ، أحدها ما دلت عليه جملة منها من وجوب الاستبراء على البائع
والمشترى ، مما لا خلاف فيه فيما أعلم ولا اشكال والمعتبر في الاستبراء عندهم هو
ترك الوطي في القبل والدبر ، واحتمل بعض المحققين تخصيص الوطي بالقبل ، ولا يخلو
من قرب ، فإنه هو المتبادر من الاخبار بحمل
__________________
مطلقها على مقيدها ، ولانه هو المناسب للاستبراء بالحيض ، والحكمة في
الاستبراء ، على أن إطلاق الاخبار انما يحمل على الفرد الشائع المتكرر ، وهو انما
يكون بالنسبة إلى القبل كما لا يخفى ، الا أن الاحتياط في الوقوف على ما ذكره
الأصحاب.
وكيف كان فلا يتعدى الاستبراء إلى باقي
وجوه الاستمتاع ، خلافا للشيخ في المبسوط على ما نقل عنه حيث حرم الجميع على
المشترى حتى يستبرأها ويرده نولها في صحيحة محمد بن إسماعيل الاتية قريبا إنشاء
الله (تعالى) «قلت : يحل للمشتري ملامستها؟ قال : نعم ، ولا يقرب فرجها». وقوله عليهالسلام
في رواية عبد الله بن سنان الاتية إنشاء الله تعالى أيضا «ولكن يجوز ذلك فيما دون
الفرج». وفي رواية عبد الله بن محمد (١) عن ابى عبد الله (عليهالسلام)
قال : «لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها وان صبرت فهو خير لك».
ويؤيده أن
العلة براءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب ، الا أنه لو لم يستبرئها البائع ونحوه ،
فالظاهر من كلام الأصحاب انه يأثم ويصح البيع وغيره من العقود لرجوع النهي إلى أمر
خارج عن البيع ، والظاهر أنه لا كلام في وجوب تسليم البائع الجارية إلى المشتري لو
لم يستبرئها لأن تركه الواجب عليه من استبرائها لا يوجب جواز حبس المال عن صاحبه.
واما ما احتمله
في المسالك ـ من بقاء وجوب الاستبراء قبله ولو بالوضع على يد عدل لوجوبه قبل البيع
فيستصحب ـ فلا يخلو من ضعف لعدم حجية مثل هذا الاستصحاب المتثاقل في أمثال هذه
المقامات ، واما إبقاؤها في يد البائع فلا يجب قطعا ، لأنها صارت أجنبية منه
بالبيع ، ولو لم يستبرئها المشتري أثم وعزر مع العلم بالتحريم ويلحق به الولد ،
لانه فراش ، وهل يسقط الاستبراء حينئذ؟ إشكال ، ينشأ من انتفاء الفائدة فيه
والحكمة المطلوبة في المقام ـ لانه قد
__________________
اختلط الماء ان ، وألحق به الولد الذي يمكن تجدده ـ ومن إطلاق الأمر
بالاستبراء في المدة ، وهي باقية ، وفي رواية عبد الله بن سنان الاتية قريبا إنشاء الله تعالى «لان الذين يشترون
الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم».
وثانيها ـ أكثر
الروايات المتقدمة على الاكتفاء بالحيضة الواحدة في الاستبراء وهو المشهور في
كلامهم من غير خلاف يعرف ، الا ان صحيحة سعد بن سعد الأشعري وكذا صحيحة محمد بن
إسماعيل بن بزيع دلنا على الحيضتين ، ونسبة الحيضة الى علما العامة.
والشيخ ومن
تبعه حملوها على الاستحباب ، واستند الشيخ في الحمل المذكور إلى موثقة سماعة
المتقدمة ، وقوله (عليهالسلام) فيها «فإن استبرأها بأخرى فلا بأس ، هي بمنزلة فضل»
وهو جيد ، ولو لا اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور وتظافر الاخبار به لأمكن حمل
أخبار الحيضة على التقية كما يشعر به ظاهر الصحيحتين المذكورتين ، والاحتياط يقتضي
العمل بهما.
وثالثها ـ ما
دلت عليه الاخبار المتقدمة ـ من أنه مع عدم الحيض فالاستبراء بخمسة وأربعين يوما ـ
هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد أن الاستبراء بثلاثة
أشهر ولم نقف على مستنده ورابعها ما دل عليه موثق سماعة المتقدم ـ ونحوه صحيح
الحلبي المتقدم الاكتفاء بإتمام الحيضة عند انتقالها إليه حائضا ـ هو المشهور بين
الأصحاب ، ونقل عن ابن إدريس عدم الاكتفاء بذلك وهو مردود بالأخبار المذكورة.
وخامسها ـ ما
تضمنه صحيح الحلبي ونحوه غيره ـ كرواية ابن ابى يعفور ورواية عبد الله بن عمرو
مرسلة الفقيه وغيرها من جواز وطئ الصغيرة ـ لا يخلو من
__________________
الاشكال ، لظاهر الاتفاق نصا وفتوى على أنه لا يجوز الوطء قبل بلوغها ، فان
المراد من الصغيرة عند الإطلاق هي من لم يبلغ سنها تسع سنين الذي هو سن البلوغ ،
ولا يمكن الحمل على من تجاوز سنها التسع ولم تحض بناء على الغالب لان قوله في
الصحيحة المذكورة «وان كانت قد بلغت ولم تطمث» ما ينافي ذلك
ويمكن توجيه
الروايات المشار إليها وان بعد بأنه لا بأس من حيث عدم الاستبراء وان وجد البأس من
جهة أخرى ، ويحتمل أن يكون المراد أنها كانت صغيرة عند البائع ، فلو وطأها البائع
ـ وان فعل محرما ـ كان في حال عدم البلوغ وأنها بلغت عند المشترى قبل الاستبراء
فلا بأس حينئذ بأن يطأها المشتري بدون الاستبراء لعدم إمكان حملها من البائع ، حيث
أنها لم تكن بالغة يومئذ ، وكونها بالغة عند وطئ المشترى ، وينبغي ان يحمل على ذلك
كلام الأصحاب أيضا ، حيث أنهم جعلوا من مسقطات الاستبراء ما إذا اشتراها صغيرة ،
حيث أنه مؤذن بجواز الوطي من غير استبراء ، ولم أر من تنبه لما نبهنا عليه سوى
المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد ، وقد سبق لنا لهذا الإشكال في حواشينا
على الوافي قبل تصنيف هذا الكتاب بما ذكرناه هنا ، وقد وفق الله سبحانه للوقوف على
كلام المحقق المذكور مؤيدا لما ذكرناه ، حيث قال ـ بعد نقل صحيحة الحلبي ورواية
ابن ابى يعفور دليلا لما ذكره الأصحاب من عدم وجوب الاستبراء على الصغيرة ـ ما
لفظه : وفيه تأمل لأنه يفهم منه تجويز الوقوع على غير البالغ ، مع انه حرام قبل
البلوغ عندهم ، أو البالغ التي لم يتخوف عليها الحبل لصغرها من غير استبراء ، وهو
جائز ، فلعل المراد عدم التحريم من جهة الاستبراء ، أو الوقوع بعد البلوغ انتهى. والاحتمال
الثاني الذي ذكره وان تم في بعض الروايات المشار إليها ، الا أنه لا يتم في صحيحة
الحلبي لما ذكرناه من مقابلة الصغيرة بالبالغة ، فإنه ظاهر في أن المراد بها قبل
البلوغ.
وسادسها ـ ما
تضمنه موثق سماعة وصحيح الحلبي بالنسبة إلى الجارية التي
لم تحض ، من أن أمرها شديد ـ وأنه ان أتاها فلا ينزل حتى يستبين له حالها
من كونها حبلى أم لا ـ لا يخلو من الإشكال ، فإن قوله «لم تحض» اما أن يراد به
الكناية عن كونها صغيرة لم تبلغ ، وحينئذ فالحكم بجواز إتيانها وان كان مع عدم
الانزال خلاف الاخبار وكلام الأصحاب الصريح في عدم جواز الوطي في الصورة المذكورة
، وان أريد بها البالغة وان لم تحض بالفعل فوجوب الاستبراء فيها مما اتفقت عليه
الاخبار ، وكلمة الأصحاب أيضا ، فجواز جماعها على كل من الوجهين لا وجه له.
قال شيخنا
المجلسي عطر الله مرقده في حواشيه على كتب الاخبار في خبر سماعة : يمكن حمله على
أن عدم الإنزال كناية عن عدم الوطي في الفرج ، وشدة أمرها باعتبار عسر الصبر في
هذه المدة ، وهو مؤيد لما ذهب إليه الأصحاب من جواز الاستمتاع بها فيما دون الفرج
، وذهب جماعة إلى المنع من الاستمتاع بها مطلقا. انتهى ولا يخفى بعده.
وقال والده في
حواشيه له على هذا الخبر ايضا : قوله (عليهالسلام) «أمرها شديد» أي في الاستبراء وعدم الوطي أو ترك
الانزال ، قوله «فإن أتاها» وان كان حراما ، أو يحمل على تقدير الاخبار أو كان ذلك
على جهة الاستحباب ، أو يحمل الإتيان على غير الفرج ، اى الدبر وترك الانزال ،
لإمكان الحمل بوطىء الدبر انتهى وهو كسابقه.
أقول وقد روى
ثقة الإسلام في الكافي عن ابى بصير ـ وهو ليث المرادي في حديث ـ «انه قال لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يشتري الجارية الصغيرة التي لم تطمث وليست
بعذراء أيستبرئها؟ قال : أمرها شديد إذا كان مثلها تعلق ، فليستبرئها». ورواه
الشيخ في الصحيح مثله ، والظاهر من هذا الخبر انه اشترى الجارية بعد افتضاضها
وزوال بكارتها ، ولكن في ظنه انها لم تبلغ سيما مع عدم طمثها ، فقال
__________________
(عليهالسلام) : ان هذه باعتبار عدم معلومية البلوغ وعدمه محل إشكال
، وأمرها شديد ، سيما إذا كان مثلها ومن هو في قدر جثتها وصورتها يحصل له الحمل ،
فالواجب استبراؤها إذا كانت بهذه الكيفية ، وحينئذ فيمكن حمل الخبرين المشار
إليهما على من كانت كذلك ، وقوله فيهما جارية «لم تحض» اى لم يعلم بلوغها بالحيض ،
ولكنها محتملة للبلوغ وعدمه بالسن ، فأجاب (عليهالسلام) بأن هذه من حيث احتمال البلوغ وعدمه أمرها شديد ، الا
انه حيث كان الأصل عدم البلوغ حتى يتحقق ، فلا بأس لو جامعها ، لكن الاحتياط في
العزل عنها حتى يستبرئها ، وفي خبر ابى بصير إنما أمر بالاستبراء من حيث ان مثلها
تعلق ، فهو قرينة على احتمال البلوغ ، ومرجح له ويعضده ما تقدم في رواية منصور بن
حازم من قوله «سألته عن عدة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها؟ فقال :
خمسة وأربعون ليلة» ،. ونحوها رواية ربيع بن القاسم ، فإنهما ظاهرتان في عدم تحقق
البلوغ ، إلا أنهما محتملة له احتمالا قريبا حسبما ذكرناه في رواية أبي بصير
المذكورة ، ونحو هذه الروايات في ذلك مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة.
فرعان
الأول ـ قال
الشيخ في النهاية والشيخ المفيد : إذا اشترى جارية وعزلها عند انسان للاستبراء
كانت من مال البائع إذا هلكت في مدة الاستبراء ما لم يحدث المبتاع فيها حدثا ، فإن
أحدث كان تلفها منه.
وقال في
المبسوط : وان جعلت عند من يثق به جاز ، فان هلكت فان كان المشترى قبضها ثم جعلت
عند عدل فمن ضمان المشتري ، لأن العدل وكيله ، ولو سلمها البائع للعدل قبل قبض
المشترى بطل البيع ، واختاره ابن إدريس قال العلامة في المختلف بعد نقل ذلك : ولا
أرى بينهما تنافيا ، فان كلام النهاية قد يحمل على هذا.
أقول حمل كلام
النهاية على هذا تعسف ظاهر ، فان كلامه ظاهر في ان المودع
للجارية انما هو المشترى ، ومع هذا جعل هلاكها من البائع ، والحق في
المسألة انما هو ما ذكره في المبسوط ، وحمل كلامه في النهاية على ذلك مما لا يخفى
بعده.
الثاني قال
الشيخ في النهاية والمفيد وابن حمزة : النفقة مدة الاستبراء على البائع ، قال في
المختلف : وليس بجيد ، لأنها ملك المشترى والنفقة تابعة للملك انتهى وهو جيد ،
ونقل عنه ايضا القول بما ذهب اليه الشيخان ، قال في الدروس : والنفقة على البائع
مدة الاستبراء عند الشيخين ، والفاضل تارة يقول به بشرط الوضع عند عدل ، وتارة
يقول النفقة على المشترى ، لأنها تابعة للملك. انتهى وهو ظاهر في اضطراب فتواه (قدسسره) في هذه المسألة.
الثالث ـ قد
عرفت آنفا انه يسقط الاستبراء في مواضع تقدم ذكرها إجمالا ، والواجب ذكرها مفصلا
وبيان القول فيها مشروحا ، فمنها الصغيرة وقد تقدم ذكر الأخبار الدالة عليها وما
فيها من الاشكال ، والجواب عن ذلك بما رزق الله سبحانه فهمه في هذا المجال.
ومنها اليائسة وقد
تقدمت في جملة من الاخبار المتقدمة كصحيحة عبد الرحمن ابن أبى عبد الله وقوله (عليهالسلام) فيها «إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة عليها». ونحوها
رواية عبد الله بن عمرو مرسلة الصدوق ، الا انه قد تقدم أيضا ما يشعر بالعدة عليها
وعلى الصغيرة ، مثل رواية عبد الرحمن بن أبى عبد الله «في الجارية التي لم تحض أو قعدت عن الحيض كم عدتها؟ قال : خمسة وأربعون
ليلة». وحملها بعض الأصحاب على الاستحباب ، وحملها الشيخ على التي يخاف عليها
الحبل ، وظني أن ما قدمناه في تأويلها أقرب ، وبالجملة فإن هذه الرواية على ظاهرها
مخالفة للأصل والشهرة بل الإجماع في الصغيرة والروايات المتقدمة ، مضافا الى ضعف
سندها.
ومنها ما لو
أخبر البائع بالاستبراء مع كونه ثقة ، وهو المشهور خلافا
__________________
لابن إدريس ، وتبعه فخر المحققين في شرح القواعد فأوجبا عليها الاستبراء ،
والاخبار هنا لا يخلو من اختلاف.
ومنها ما تقدم في
حسنة حفص بن البختري من قوله (عليهالسلام) «ان وثق به فلا بأس ان يطأها». وما تقدم في صحيحة
الحلبي أو حسنته «في رجل اشترى جارية ولم يكن صاحبها يطأها أيستبرى رحمها؟ قال :
نعم». وهي محمولة على عدم الوثوق به.
ومنها ما رواه الشيخ
عن ابن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض؟ قال : يعتزلها شهرا
ان كانت قد يئست ، قلت : أفرأيت ان ابتاعها وهي طاهرة وزعم صاحبها انه لم يطأها
منذ طهرت؟ قال : ان كان عندك أمينا فمسها ، فقال : ان ذا الأمر شديد فان كنت لا بد
فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها ،».
وظاهر هذا
الخبر لا يخلو من الاشكال ، وحمله بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) على كونه أمينا
بحسب الظاهر ، وما تقدم في رواية حفص على كونه ثقة بحسب المعاشرة ، ولا بأس به ،
واما الأمر باعتزالها شهر فلعله محمول على من تحيض في كل شهر ، كذا ذكره بعض
المحققين وفيه ان الرواية صريحة في انها لم تحض فكيف تحمل على من
تحيض في كل شهر.
ومنها ما رواه الشيخ
عن ابى بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يشتري الجارية وهي طاهرة ويزعم صاحبها انه لم
يمسها منذ حاضت فقال : ان ائتمنته فمسها». وعد هذه الرواية في المسالك في الصحيح ،
مع ان الراوي عن ابى بصير وهو شعيب العقرقوفي هو قرينة يحيى بن القاسم الذي يعدون
حديثه
__________________
في الضعيف.
وعن محمد بن
حكيم عن العبد الصالح (عليهالسلام) «قال إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها انها على طهر
فلا بأس ان تقع عليها» ، ويجب تقييد إطلاقها بما دل على اعتبار الوثاقة والامانة ،
جمعا بينها وبين صحيحة الحلبي الناصة على الاستبراء مطلقا.
وروى الشيخ
المفيد في المقنعة مرسلا قال : «وروى أنه لا بأس أن يطأ الجارية من غير استبراء
لها إذا كان بائعها قد أخبره باستبرائها ، وكان صادقا في ظاهره مأمونا».
وعن محمد بن
إسماعيل في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الجارية تشترى من رجل مسلم يزعم انه قد استبرأها أيجزي
ذلك أم لا بد من استبرائها؟ قال : أستبرئها بحيضتين ، قلت : يحل للمشتري ملامستها؟
قال : نعم ولا يقرب فرجها». وقد عرفت الكلام في مثلها.
وما رواه في
الفقيه والتهذيب عن عبد الله بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أشترى الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم
يمسها منذ طمثت عنده وطهرت قال : ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرأها بحيضة ، ولكن
يجوز ذلك ما دون الفرج ان الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك
الزناة بأموالهم». وحملها الأصحاب على الاستحباب جمعا ولا بأس به.
واعلم أن جملة
من الأصحاب قد عبروا هنا بالثقة كالمحقق في كتابيه وغيره ، قال في المسالك : انما
عبروا بالثقة لوروده في النصوص المذكورة في هذه الباب ، والظاهر أن المراد بالثقة
العدل ، لأنه الثقة شرعا ، وبه صرح في النافع
__________________
مع احتمال الاكتفاء بمن تسكن النفس اليه وتثق بخبره. انتهى ملخصا.
وفيه أولا أن
ما ذكره من ورود لفظ الثقة في النصوص ليس في محله ، وهذه نصوص المسألة كما تلوناها
خالية من ذلك ، نعم ذلك في عبارة كتاب الفقه الرضوي الاتية إنشاء الله تعالى ،
ولكن الكتاب غير مشهور عندهم ، وثانيا ان تفسير الثقة بالعدل شرعا كما ذكره ، فيه
ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من أن هذا اصطلاح طار منهم (رضوان
الله عليهم) غير موجود في زمنهم (عليهمالسلام) وبذلك يظهر أن الأظهر في معناه انما هو ما جعله
احتمالا في المقام ، كما صرح به جملة من متأخري علمائنا الاعلام ، وهو المفهوم من
أخبار المسألة سيما مرسلة المقنعة.
ومنها ما لو
كانت لامرأة على المشهور ، وخالف فيه ابن إدريس وتبعه فخر المحققين أيضا ، ويدل
على المشهور مضافا الى الأصل جملة من الاخبار منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في الأمة تكون للمرأة فتبيعها؟ قال : لا بأس ان يطأها
من غير ان يستبرئها».
وعن رفاعة في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال : لا بأس أن يطأها
من غير أن يستبرأها».
وما رواه عن
زرارة في الموثق قال : «اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد
، فوقعت عليها ولم أستبرئها فسألت عن ذلك أبا جعفر (عليهالسلام) فقال : هو ذا انا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود». أقول
: ومن هذه الرواية يستفاد استحباب الاستبراء في هذه الصورة.
ومنها الحامل على
خلاف في ذلك يأتي ذكره في المسألة الاتية إنشاء الله تعالى.
ومنها الحائض وقد
تقدم ما يدل عليه في صحيح الحلبي وموثق سماعة الدالان
__________________
على انتقالها اليه حال الحيض ، وأنه يكفى في صحة وطئها إتمام الحيضة وطهرها
من الحيض ، والتقريب فيهما ان التوقف على الطهر انما هو من حيث تحريم الوطي في حال
الحيض ، لا من حيث الاستبراء ، ووجوب العدة بل الاستبراء والعدة هنا ساقطة ، وقد
تقدم نقل الخلاف عن ابن إدريس في ذلك ، ولا وجه له كما عرفت هذا ما حضرني من
المواضع المنصوصة.
بقي الكلام هنا
في مواضع أخر منها ـ امة العنين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في حقه الوطي هل
تلحق بأمة المرأة في عدم الاستبراء أم لا؟ ظاهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد
الأول ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثاني ، ولا بأس بنقل كلاميهما في
المقام وان طال به زمام الكلام ، لما فيه من مزيد الفائدة لذوي الأفهام.
قال في المسالك
بعد ذكر حكم امة المرأة وهل يلحق به امة العنين والمجبوب والصغير الذي لا يمكن في
حقه الوطي نظر ، من المشاركة فيما ظن انه علة للحكم ، وهو الا من من الوطي ، ومن
انه قياس والمناسب للأصول الشرعية عدم الإلحاق ، وليس من مواضع الاشكال ما لو
باعتها المرأة لرجل في المجلس فباعها حينئذ ، بل لا يجب الاستبراء هنا قطعا ،
للعلم بعدم وطئ البائع ، وقد يحتال لسقوط الاستبراء ببيعها لامرأة ثم شراؤها منها
، لاندارجها حينئذ في أمة المرأة نظر الى إطلاق النص من غير تعليل ، وكذا لو باعها
لرجل ثم اشتراها منه قبل وطيه لها ، حيث يجوز ذلك. انتهى.
وقال المحقق
المشار اليه : واعلم ان الظاهر عدم الاستبراء في أمة الطفل على الولي البائع ، ولا
على المشترى ، وكذا امة المجبوب والعنين ، ولا على التي علم عدم الوطء بيقين ، مثل
ان يملك رجل في مجلس امة لا يجب استبراؤها ، لكونها ملك امراة ثم باعها في الحال ،
فإنه لا استبراء عليه ، ولا على المشترى الذي يعلم ذلك مثلا ، أو ان يكون بعيدا
عنها بحيث لا يمكن الوصول إليها ، أو قريبا ولكن
كان مع المشترى ولم تفارقه زمانا يمكن الوصول إليها ، وغير ذلك.
ودليله الأصل
مع عدم دليل صحيح على الوجوب ، فإن عمدة أدلة وجوب الاستبراء على البائع هو
الإجماع ، مستندا الى بعض الاخبار ، ولا إجماع في أمثال ذلك على ما يظهر ، للأصل ،
والخبر ليس بحيث يشمل هذه الصور ، لا عموما ولا خصوصا ، ولان المفهوم من الروايات
المتقدمات وعبارات الأصحاب ان ما لم يطأ ولا يتخوف من الحبل لا يجب الاستبراء ،
ولهذا قيد وجوبه على البائع بالوطء على المشترى باحتماله في الروايات ، مثل موثقة
عمار الساباطي ، ثم نقل الرواية كما قدمناه.
ثم قال :
ويؤيده عدم الاستبراء في أمة المرأة والفرض انتفاء الوطي والحبل فيما صورناه ،
فليس الحكم فيما ذكرناه ملحقا بحكم أمة المرأة للاشتراك في عدم الوطي فيكون قياسا
، بل مقتضى أصول الشريعة عدمه ، كما قال في شرح الشرائع : على انه مسلم ان الصورة
الأخيرة ليست بمحل الإشكال ، فإنه لا استبراء فيها من غير اشكال ، ثم إذا نظر الى
ما ذكرناه يظهر أن الحيلة ببيع الأمة التي يجب استبراؤها على امراة ثم الاشتراء
منه لا تنفع ، ولا تسقط وجوب الاستبراء عن المشتري ، فتأمل واحفظ وهو حسن في الكل
حتى فيما ذكرناه ، فإنه فرج موصى بالاحتياط فيه في الرواية. انتهى.
وهو جيد سيما
في رده عليه في سقوط الحيلة التي ذكرها في الصورتين المذكورتين في كلامه ، فإنها
حيلة باطلة ، وكأنها مبنية على ما هو المشهور بينهم من الحيلة في إسقاط العدة عن
البائنة ، متعة كانت أو دائمة مختلعة أو مطلقة ثلاث ، قالوا انها لو تزوجها الزوج
الأول وتمتع بها ثم فارقها بغير دخول ، فإنه لا عدة عليها لا بالنسبة إلى الزوج
المذكور ولا غيره ، ويجوز لها التزويج بعد مفارقته لها ثانية بشخص آخر غيره ،
لكونها غير مدخول بها ، وفيه ان سقوط العدة الأولى عنها في هذه الصور انما هو
بالنسبة إلى الزوج ، فإنه يجوز له التزويج بها ، وهذا الطلاق الثاني الواقع قبل
الدخول وان لم يترتب عليه العدة اتفاقا ، لكن الكلام في العدة الأولى ، فإنها
واجبة بالنص آية
ورواية ، والإجماع ، وغاية ما يستفاد سقوطها بالنسبة إلى الزوج ، فيجوز له
العقد عليها لعدم وجوب الاستبراء من مائه ، وطلاقه لها بعد العقد المجرد عن الدخول
لا يؤثر في سقوط تلك العدة ، وهكذا القول فيما نحن فيه ، فإنه لو باع رجل جارية قد
وطأها من غير استبراء على رجل آخر أو امرأة ثم باعها الرجل أو المرأة على شخص آخر
فان وجوب الاستبراء من ماء البائع الأول باق بأدلة المتقدمة ، الدالة على حكمة
الاستبراء ، وخوف الحبل ، ولا دليل على سقوطها بهذا البيع الثاني من امرأة أو رجل
، فالواجب على هذا المشتري الثاني استبراؤها البتة.
ومما يؤيد ما
ذكره المحقق المذكور ما وقفت عليه في كتاب الفقه الرضوي حيث قال : (عليهالسلام) في عد وجوه النكاح الثالث نكاح ملك اليمين ، وأن يبتاع
الرجل الأمة فحلال نكاحها إذا كانت مستبرئة ، والاستبراء حيضة ، وهو على البائع ،
فإن كان البائع ثقة ، وذكر أنه استبرأها جاز نكاحها من وقتها ، وان لم يكن ثقة
استبرأها المشتري بحيضة ، وان كانت بكرا أو لامرأة أو ممن لم تبلغ حد الإدراك
استغنى عن ذلك انتهى.
وهو صريح في
عدم وجوب الاستبراء في أمة الصغير ، والمجبوب والعنين في معناه كما لا يخفى ،
بالتقريب الذي ذكره المحقق المذكور ، وفيه زيادة على ما تقدم كون الجارية بكرا وهو
جيد ، كما لا يخفى.
المسألة
الثامنة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) لاختلاف الاخبار في وطئ الحامل ، فذهب
الشيخ في النهاية إلى انه لا يجوز الا بعد وضع الحمل ، أو مضى أربعة أشهر وعشرة
أيام ، فإن أراد وطأها قبل ذلك وطأها فيما دون الفرج.
وقال الشيخ
المفيد : انه لا يجوز له وطؤها حتى تمضى لها أربعة أشهر ، فإذا مضى عليها أربعة
أشهر وطأها ان أحب دون الفرج ، فإن وطأها فيه فليعزل عنها ، واجتناب وطؤها أحوط
حتى تضع ما في بطنها ، فإن وطأها قبل مضي الأربعة الأشهر
أو بعد ذلك ولم يعزل عنها لم يحل له بيع الولد ، لانه قد غذاه وانما بنطفته
، وينبغي ان يجعل له من ماله بعد وفاته قسطا ويعوله في حياته ، ولا ينسب إليه
بالبنوة.
وقال أبو
الصلاح : انه لا يحل حتى تمضي له أربعة أشهر دون الفرج ، وفيه يشترط عزل الماء ،
واجتنابها حتى تضع أحوط ، وإذا وطأ لم يحل له بيع ولدها ، ولا الاعتراف به ولدا
ولكن يجعل له قسطا من ماله ، لانه غذاه بنطفته ، واقتصر سلار على الأربعة أشهر
أيضا.
وقال ابن إدريس
: ومتى اشترى جارية حاملا كره له وطؤها في القبل ، دون ان يكون ذلك محضورا على
الأظهر من أقوال أصحابنا ، وهو الذي يقتضيه أصول المذهب سواه مضى لها أربعة أشهر ،
أو أقل منها ، وشيخنا رجع في مسائل خلافه عما ذكره في نهايته ، فقال : مسألة إذا
اشترى امة حاملا كره له وطؤها قبل ان تمضى لها أربعة أشهر ، فإذا مضى لها ذلك لم
يكره له وطؤها حتى تضع ، وقال الشافعي وغيره لا يجوز لها وطؤها في الفرج ، دليلنا
إجماع الفرقة ، والأصل الإباحة ، وعدم المانع ، ثم قال ابن إدريس : دليلنا نحن على
صحة ما اخترناه قوله تعالى «أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ» فأباحنا تعالى وطؤ ما ملكت ايماننا بمجرد الملكية ،
والآية عامة ، فمن خصصها يحتاج الى دليل ، والأصل الإباحة ، ولا مانع من ذلك من
كتاب ولا سنة مقطوع بها ، أو إجماع.
أقول وبما ذكره
الشيخ في الخلاف من القول بالكراهة صرح في كتابي الاخبار ايضا وقال في المختلف :
والمعتمد ان نقول ان كان الوطؤ عن زنا كره له وطؤها قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيام
من غير تحريم» وان كان حلالا أو بشبهة حرام وطؤها حتى تضع ، وذهب المحقق في
الشرائع إلى تحريم وطئها قبلا قبل ان يمضي لحملها أربعة أشهر وعشرة أيام ،
والكراهة بعده ، ورجحه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة ، وهو مذهب العلامة
في الإرشاد.
__________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان عد الحامل في جملة من يسقط استبراءه كما تقدم ، انما يتجه على تقدير
القول بكراهة الوطء كما هو مذهب الشيخ في الخلاف وكتابي الاخبار ، وابن إدريس على
تقدير كون الحمل من الزنا ، كما ذهب إليه في المختلف ، أو بعد مضى الأربعة أشهر
والعشرة الأيام ، والواجب بسط ما وصل إلينا من أخبار المسألة المذكورة ، ثم الكلام
فيها بما رزق الله سبحانه فهمه منها ، مستمدين منه جل شأنه التوفيق إلى هداية سواء
الطريق.
فمن الاخبار
المشار إليها ما رواه في الكافي. عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى؟ قال : لا
يقربها حتى تضع ولدها». وعن رفاعة بن موسى في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : سألته عن الأمة الحبلى يشتريها الرجل فقال : سئل
عن ذلك أبى (عليهالسلام) فقال : أحلتها آية ، وحرمتها آية أخرى ، فأنا ناه عنها
نفسي وولدي ، فقال الرجل أنا أرجو أن انتهى إذا نهيت نفسك وولدك».
أقول : الظاهر
أن الآية المحللة هي ما استدل بها ابن إدريس من قوله «أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ» والآية المحرمة قوله سبحانه «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن أبى بصير قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) : الرجل يشتري الجارية وهي حامل ما يحل له منها؟ قال :
ما دون الفرج» الحديث.
وما رواه في
الكافي عن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام)
__________________
عن الجارية الحلبي يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج؟ فقال : لا بأس ،
قلت فيصيب منها في ذلك؟ قال : تريد تغره».
قال بعض
مشايخنا (عطر الله مراقدهم) في حاشية له على هذا الخبر في معنى قوله «تغره» : أى
تصير المشترى مغرورا بجواز الوطء ويحصل الولد ، ولا يعلم أنه من أيهما ، أو يغذيه
بنطفته فيكون عليه ما ورد في بعض الاخبار من أن يوصى له ، ويعتقه وغير ذلك انتهى ،
والمعنى الثاني أقرب.
وما رواه في
التهذيب عن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى أيقع عليها؟ قال :
لا». وعن مسعدة بن زياد قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) يحرم من الإماء عشرة : لا يجمع بين الام والبنت ولا
بين الأختين ، ولا أمتك وهي حامل من غيرك حتى تضع» الحديث.
وعن مسمع كردين
عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : عشرة لا يحل نكاحهن ولا غشيانهن ، أمتك أمها أمتك ،
الى ان قال : وأمتك وقد وطئت حتى تستبرئ بحيضة ، وأمتك وهي حبلى من غيرك» الحديث.
وما رواه في
كتاب عيون أخبار الرضا (عليهالسلام) عن الحسن بن عبد الله ابن محمد الرازي عن أبيه «عن الرضا (عليهالسلام) عن آبائه (عليهمالسلام) قال : نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن وطء الحبالى حتى يضعن».
وما رواه في
قرب الاسناد عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها قال : لا
يقربها».
وعن إبراهيم بن
عبد الحميد قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام)
__________________
عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها؟ قال : لا ، قلت : فدون الفرج قال
لا يقربها».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن رفاعة في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) فقلت : أشترى الجارية فيمكث عندي الأشهر لا تطمث وليس
ذلك من كبر فأريها النساء فيقلن : ليس بها حبل ، فلي أن أنكحها في فرجها؟ فقال :
ان الطمث قد تحبسه الريح من غير حبل فلا بأس أن تمسها في الفرج ، قلت : وان كانت
حبلى فما لي منها ان أردت؟ قال : لك ما دون الفرج». هكذا في رواية الكافي ، وزاد
في التهذيب «الى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر وعشرة أيام ، وإذا جاز حملها أربعة
أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج ، قلت : ان المغيرة وأصحابه يقولون : لا
ينبغي للرجل ان ينكح امرأة وهي حامل قد استبان حملها حتى تضع فيغذو ولده ، فقال :
هذا من أفعال اليهود». ورواه في الفقيه مرسلا الى قوله «فلا بأس ان يمسها في الفرج».
وما رواه المشايخ
الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل اشترى جارية حاملا وقد استبان حملها فوطئها قال
: بئس ما صنع قلت : فما تقول فيه؟ قال : اعزل عنها أم لا؟ فقلت : أجنبي في الوجهين
، قال : ان كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود ، وان كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك
الولد ، ولا يورثه ولكن يعتقد ويجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فإنه قد غذاه
بنطفته».
وما رواه في
التهذيب عن السكوني عن ابي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
«ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دخل على رجل من الأنصار وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف
، فسأل عنها؟ فقال : اشتريتها يا رسول الله وبها هذا الحبل ، قال : أقربتها؟ قال :
نعم ، قال : أعتق ما في بطنها ، قال : يا رسول الله وبما استحق العتق؟ قال : لان
نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه».
وعن غياث بن
إبراهيم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : من جامع امة حبلى من غيره فعليه ان يعتق ولدها
ولا يسترق ، لانه شارك في إتمام الولد».
وما رواه في
الفقيه عن الصيقل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع
عليها قبل ان يستبرئ رحمها قال : بئسما صنع ، يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فإنه
باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ، ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم
يستبرئ رحمها ، فاستبان حملها عند الثالث ، فقال : أبو عبد الله (عليهالسلام) : الولد للفراش وللعاهر الحجر».
هذا ما حضرني
الان من أخبار المسألة المذكورة وأنت خبير بأن جملة منها قد دلت على النهى عن
وطئها مطلقا ، وجملة حتى تضع ولدها ، والأول منها مقيد بالثاني فيرجعان إلى أمر
واحد ، وأكثر أخبار المسألة من هذا القبيل.
وبعض إذا جاز
حملها أربعة أشهر وعشرة أيام وهو صحيحة رفاعة خاصة برواية الشيخ في التهذيب كما
تقدم ذكره ، فظاهر الشيخ في النهاية القول بالتحريم كما هو ظاهر الاخبار كلا ،
والتخيير في الغاية بين وضع الحمل ، أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام ، جمعا بين ما
دل على الغايتين بالتخير ، واليه يرجع قول الشيخ المفيد ومن وافقه.
وظاهر العلامة
في المختلف القول بالتحريم الى وضع الحمل إذا كان الوطؤ حلالا أو شبهة ، واما لو كان
زنى فإنه لا يحرم ، بل يجوز على كراهة ، وظاهره
__________________
حمل رواية الأشهر على الزنا ، وان النهى فيها على جهة الكراهة ، وسيأتي
إنشاء الله تعالى ـ ما فيه.
والمحقق ومن
تبعه أخذوا بظاهر الروايات المذكورة ، وحكموا بالتحريم قبل مضى الأربعة الأشهر ،
لاتفاق الاخبار على ذلك ، وانما اختلفت فيما بعد المدة المذكورة ، من كون الغاية
هي المدة المذكورة أو وضع الحمل ، فجمعوا بينها بحمل النهي فيما زاد على المدة
المذكورة على الكراهة.
قال في المسالك
: والمصنف رحمة الله عليه أطلق الحكم بالتحريم قبل الأربعة والعشرة ، والكراهة
بعدها وهو أوضح وجوه الجمع اما الإطلاق بحيث يشمل الجميع ، فلإطلاق النص الشامل
لها ، واما الحكم بالتحريم قبل المدة المذكورة فلاتفاق الاخبار اجمع عليه ، والأصل
في النهي التحريم ، واما بعدها فقد تعارضت الاخبار ، فيجب الجمع بينها وحمل النهي
حينئذ على الكراهة ـ لتصريح بعضها بنفي البأس ـ طريق واضح في ذلك. انتهى.
واما ما ذكره
ابن إدريس ونقله عن الشيخ في الخلاف من القول بالكراهة فلا اعرف له وجها بعد ما
عرفت من هذه الاخبار التي ذكرناها ، وما ذكره من الاستدلال بالآية ، وان تخصيصها
يحتاج الى دليل ، فالدليل كما عرفت واضح ، ومنارة لائح ، واى دليل يراد بعد هذه
الاخبار المستفيضة الصريحة في التحريم المتفقة عليه ، وانما اختلفت بالنسبة إلى
غايته من انها الوضع ، أو مضى الأشهر المذكورة كما سمعت ، ولكنه لعدم مراجعته
الاخبار حق المراجعة معذور فيما ذكره ، وان كان غير معذور شرعا.
والذي يقرب
عندي من صحيحة رفاعة بن موسى الاولى وعدم جواب أبيه (عليهالسلام) صريحا ـ بعد سؤال السائل عن الأمة الحبلى ، وعدوله في
الجواب الى ما ذكره ، ـ ان هذه التعمية إنما خرجت مخرج التقية ، والظاهران
المخالفين
قائلون بجواز الوطي فلم يصرح بالمنع والتحريم ، كما استفاضت به أخبار
المسألة ، وعدل الى هذا الجواب المعمى ، وجعل التحريم والمنع على جهة الاحتياط
لتعارض الآيتين المتقدمتين ، وأنت خبير بأنه بالنظر الى ما سردناه من الاخبار يجب
تخصيص آية «الملك» بآية «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ» لاستفاضة الاخبار واتفاقها كما عرفت على التحريم ، وانما
اختلفت في الغاية.
وبالجملة
فالقول بالتحريم مما لا يعتريه شبهة الإشكال في هذا المجال ، وانما الكلام في
الغاية ، من أنها الوضع ، أو مضى الأشهر المذكورة ، والأول أظهر دليلا لتأيد
أخباره بالآية المشار إليها في صحيح رفاعة ، وهي آية «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ» فإن ظاهر الخبر عمومها للحرة والأمة ، واحتمال آية غيرها
في الخبر بعيد ، والتي صرح به جملة من الأصحاب في معنى الخبر المذكور انما هو هذه
الآية ، وتأيده كذا أيضا بالأخبار المطلقة ، وهي جل الأخبار المسألة ، والجمع بين
الاخبار بالكراهة وان اشتهر بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا انك قد عرفت ما
فيه في غير موضع مما تقدم.
وكيف كان
فالاحتياط يقتضي الوقوف على جعل الغاية وضع الحمل ، كما ذكره العلامة في المختلف
وان خصه بالحمل من غير الزنا.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن من الأصحاب من جمع بين الاخبار بحمل النهى المغيا بالوضع على الحامل من
حل أو شبهة أو مجهولا ، والمغيا بالأربعة الأشهر والعشرة على الحامل من الزنا ،
ومنهم من ألحق المجهول بالزنا في هذه ، ومنهم من أسقط اعتبار الزنا ، وجعل التحريم
بالغايتين لغيره.
أقول : والأول
من هذه الوجوه هو ظاهر العلامة في المختلف ، الا انه حمل النهي في هذه الصورة على
الكراهة ، لما اشتهر في كلامهم من ان ماء الزنا لا حرمة له شرعا قال في المسالك : نعم ينبغي في الحمل من الزنا ـ لان
المعهود من الشارع
__________________
إلغاء اعتباره من العدة والاستبراء في غير محل النزاع ، فلو قيل بالجواز
فيه مطلقا كان حسنا ، انتهى.
وفيه أولا أنه
لا إيناس في صحيحة رفاعة المشتملة على التحديد بالأشهر بكون ذلك زنا ، فضلا عن
الدلالة ، ولا في غيرها من روايات المسألة ، وثانيا أن ما ادعوه من عدم وجوب العدة
والاستبراء على الزانية ـ وهو السبب في حملهم الرواية المذكورة على ذلك ـ ممنوع
بما دل على ذلك من الاخبار الدالة على خلاف ما ذكروه
ومنها ما رواه في
الكافي عن إسحاق بن جرير عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في
تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها
من ماء الفجور فله ان يتزوجها ، وانما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها».
وما رواه الحسن
بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن أبى جعفر الجواد (عليهالسلام) أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟
فقال : يدعها حتى يستبرأها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن يكون قد
أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه؟ ثم يتزوج بها إذا أراد ، فإنما مثلها مثل نخلة
، أكل
__________________
رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا» ،. ويؤيده قولهم (عليهمالسلام) في عدة من الاخبار إذا أدخلها فقد وجبت العدة والغسل
والمهر والرجم ، وقولهم (عليهمالسلام) ان العدة من الماء.
وبذلك يظهر ما
في كلام شيخنا المتقدم ذكره ، من أن المعهود من الشارع إلغاء اعتباره من العدة ،
فإنه مبنى على ما تكاثر من الاخبار من إطلاق جواز التزويج بالزانية ، الا أنه بعد
ورود هذه الروايات يجب تقييد الإطلاق المذكور بها.
ثم ان موثقة
إسحاق بن عمار وروايتي السكوني وغياث قد اشتركت في الدلالة على الأمر بعتق الولد
متى أنزل عليها وهي حامل بعد شرائها ، وظاهرها الوجوب ، ويشير اليه قوله في رواية
غياث ، «فعليه» ويؤكده النهي عن بيعه في موثقة إسحاق الذي هو حقيقة في التحريم.
والموجود في
كلام الأصحاب الحكم بالاستحباب ، ولا أعرف له وجها بعد اتفاق الاخبار عليه مع عدم
المعارض في المقام ، سوى إطلاق ما دل على تملكه مع أمه بالشراء ، والواجب تخصيصه
بهذه الاخبار ، والظاهر انهم انما صاروا الى الاستحباب لضعف الاخبار ، كما يشير
اليه كلام المحقق الأردبيلي حيث اعترف بدلالة روايتي السكوني على وجوب العتق ، قال
: فتحمل على الاستحباب لعدم الصحة للجمع ، وفيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم.
وبالجملة فإن
من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث ، فإنه لا يرتاب في وجوب العتق لما ذكرنا ،
وكذلك ما دلت عليه موثقة إسحاق من انه يجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فالظاهر
حمله على الوجوب ، وان كان الموجود في كلامهم هو الاستحباب.
وظاهر الأصحاب
هو كون هذا الحكم وجوبا أو استحبابا مترتبا على الجماع بعد تحقق الحمل ، أعم من ان
يكون قبل الأشهر المذكورة أو بعدها ما لم تضع ،
وظاهر موثقة إسحاق بن عمار كون الجماع وقع بعد الشراء ، وان الحكم بما
ذكرنا انما يترتب على ذلك ، الا أن روايتي السكوني وغياث مطلقتان في ذلك ، فيحتمل
تقييدهما بالموثقة المذكورة ، وتخصيص الحكم بما قبل الأشهر المذكورة ، ولكن ظاهر
التعليل بالتغذية يعطى الوقوف على ما ذكره الأصحاب ، (رضوان الله عليهم) والله
العالم.
ثم ان من جملة
الأصحاب من أطلق المنع من الوطي هنا فيما يشمل القبل والدبر ، وبعضها خصه بالقبل
كما تقدم نقله عن المحقق في الشرائع ، وبه جزم في الدروس ، قال في المسالك :
وتخصيص المصنف الوطي بالقبل هو الظاهر من النصوص ، فإن النهي فيها معلق على الفرج
، والظاهر منه ارادة القبل وفي رواية أبي بصير «له منها ما دون الفرج» وربما قيل
بإلحاق الدبر به ، بدعوى صدق اسم الفرج عليها ، وبأن في بعض الاخبار «فلا يقربها
حتى تضع» الشامل للدبر ، وغيرهما خارج بدليل آخر ، وهو أولى. انتهى.
أقول لا يخفى
ان الروايات المتقدمة قد تضمنت كلا الأمرين المذكورين ، ولكن إطلاق الاخبار انما
يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة ، دون الفروض النادرة كما تقرر في كلامهم ،
والشائع المتبادر من الإطلاق انما هو القبل ، ويؤكده الروايات الدالة على انه مع
إتيانها حال الحمل فإنه يعتق الولد ، لأنه غذاه بنطفته ، وشارك فيه ، وهذا لا يمكن
فرضه في الجماع في الدبر ، كما هو ظاهر ، والاحتياط يقتضي المنع من الجميع بل
الملاعبة ونحوها كما تقدم في الاخبار. والله العالم .
__________________
المسألة
التاسعة ـ لو اشترى جارية وأولدها ثم ظهر أنها مستحقة لغير البائع ، فإنه يجب عليه
ردها الى مالكها ، وقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يغرم عشر قيمتها ـ ان كانت بكرا
وأزال بكارتها ـ أرش البكارة ، ونصف العشر ان كانت ثيبا للدخول بها ، وهو المشهور
، وقيل مهر أمثالها والولد حر ، وعلى أبيه أن يغرم قيمته لسيد الجارية يوم سقوطه
حيا ، إذ لا قيمة له قبل ذلك وبعده ، فإنه حر ليس لسيد الجارية عليه سبيل ، الا
انه لما كان نماء ملكه وقد فوته المشترى ، فعليه ان يغرم له قيمته ، ثم ان المشترى
بعد ذلك يرجع بالقيمة على البائع الذي غره ، ويرجع أيضا بقيمة الولد ، وهل ترجع
بما حصل له في مقابلته نفع مثل ما دفع الى السيد من العشر أو نصفه ، إذ المهر على القول
به في مقابلة الانتفاع بالبضع ، وكأجرة الخدمة ، قولان ، فقيل : نعم ، لأن البائع
أباحه بغير عوض ، وغره بالانتفاع بمجرد دفع الثمن ، ولو علم ان له عوضا لم ينتفع
به ، فلو لم يرجع يلزم الظلم والغرم عليه ، مع كونه جاهلا من جهة البائع الغاصب
الذي خدعه ، وقيل : لا يرجع ، نظرا الى ما حصل له من الانتفاع في مقابلة ذلك ،
فيلزم من رجوعه الجمع بين العوض والمعوض ، فيحصل الظلم على البائع ، هذا كله إذا
كان جاهلا كما هو المفروض أولا ، فلو كان عالما بأنها مستحقة للغير فالولد رق
للمالك ، والواطئ زان يلزمه العقر ، ولا يرجع به ولا بغيره مما اغترمه والظاهر كما هو أحد القولين هو انه لا فرق في ثبوت
العقر بالوطء
__________________
للمالك ، بين علم الأمة بعدم صحة البيع وجهلها ، لان ذلك حق لمولاها.
وقال في الدروس
: أنه لا يرجع عليه بالمهر الا مع الإكراه ، استنادا إلى أنه لا مهر لبغي ، وفيه
ما عرفت من أن المهر انما هو حق للمالك ، والخبر المذكور انما أريد به الحرة ،
واضافة المهر إليها بلام الاستحقاق ظاهر في ذلك ، ولذا يطلق عليها المهيرة.
والذي وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي. والتهذيب عن جميل بن
دراج في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدها مسروقة؟ قال :
يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده بقيمته».
وما رواه في
الكافي عن حريز عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام): الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثم يجيء رجل
فيقيم البينة على أنها جاريته لم يبع لو لم يهب ، قال : فقال : يرد اليه جاريته
ويعوضه مما انتفع ، قال : كأنه معناه قيمة الولد». قال بعض مشايخنا رضوان الله
عليهم : قوله «قال» الظاهر أنه من كلام حريز ، وان زرارة فسر العوض بقيمة الولد ،
ولكنه لم يجزم ، لانه يمكن ان يكون بإزاء الوطي من العشر أو نصف العشر. انتهى.
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن جميل بن دراج في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم تجيء
مستحق الجارية فقال : يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع المبتاع قيمة الولد ، ويرجع
على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد الذي أخذت منه».
__________________
وعن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه
، فولدت منه أولادا ثم أتاها من زعم انها له ، وأقام على ذلك البينة ، قال : يقبض
ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها». قال في
الاستبصار : يقبض ولده يعني بالقيمة ، قال في الوافي في بعض النسخ : «ثم ان أباها
يزعم انها له» وليس بواضح انتهى. وهو جيد ، والظاهر انه تحريف من قلم الشيخ (رضى
الله عنه) وكم له من أمثاله كما تقدمت الإشارة إليه في مواضع عديدة من كتب
العبادات.
وأنت خبير بان
هذه الاخبار على تعددها لا دلالة فيها على ان المشترى يغرم العشر ، أو نصف العشر ،
أو مهر المثل للمالك ، والأصحاب انما استند وافى العشر أو نصفه في هذا المقام إلى صحيحة
الوليد بن صبيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة ، قد دلست نفسها له
، فقال : ان كان الذي زوجه إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع
بالمهر الذي أخذت منه؟ فقال : ان وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وان لم يجد شيئا
فلا شيء له عليها ، وان كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ،
ولمواليها عليه عشر ثمنها ان كانت بكرا ، وان كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما
استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فان جاءت منه بولد قال :
أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي».
ومورد هذه
الرواية انما هو تدليس المرأة نفسها بدعوى الحرية مع كونها أمة ، وتدليس الزوج لها
، وبعض الأصحاب وان عبر في هذا المقام بعبارة تدخل تحت مضمون هذه الرواية ، مثل
قول المحقق في الشرائع «من أولد الجارية ثم
__________________
ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك» الى آخره الا أن ذكره المسألة في بحث بيع
الحيوان قرينة على ما عنونا به المسألة ، كما صرح به في الدروس حيث قال : ولو ظهر
استحقاق الأمة المبتاعة.
وبالجملة فإن
ظاهرهم عدم الفرق بين مورد الرواية وما نحن فيه ، ولعله من حيث الاشتراك في الدخول
بالبكر أو الثيب مع جهل الواطئ بالحال ، فإنه حاصل في كل من المسألتين ، وان كان
العلة في أحدهما بيع الغاصب وفي الأخرى التدليس على أن متن الرواية المذكورة أيضا
لا يخلو من الاشكال .
وبالجملة
فالمسألة كما ذكرنا غير خالية من شوب التوقف والتردد ، ثم ان قوله في الرواية
المذكورة فإن أولادها منه أحرار على إطلاقه لا يخلو من الاشكال ولذا قيده الشيخ (رحمة
الله عليه) تارة بما إذا دفع الأب قيمة الولد يوم سقوطه حيا لمولى الجارية ، وأخرى
بما إذا كان تزويجه لها بعد قيام البينة بما ادعته من الحرية ، وحينئذ يأخذ ابنه
من غير قيمة ، واستند في الحمل الأول إلى موثقة سماعة وفيها «وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه «فقيمته». ـ
كذا في النسخ والظاهر بقيمته بالباء بدل الفاء ـ «يوم يصير اليه» الحديث» ، وفي
الثاني إلى موثقة أخرى لسماعة أيضا ، وفيها قال : «ولدها مملوكون الا أن يقيم البينة
أنه شهد له شاهدان أنها حرة فلا يملك ولده ، ويكونون أحرارا». ومثلها رواية زرارة
ثم ان غاية ما دلت عليه أخبار المسألة المتقدمة ـ بعد حمل مطلقها على مقيدها ـ هو
أن المشترى يأخذ ولده بعد دفع القيمة إلى مولى الجارية ، وأن المشترى يرجع على البائع
بقيمة الجارية وقيمة ولدها ،
__________________
ورواية زرارة الثانية دلت على ان المشترى يعوض المولى عما أصاب من لبنها ـ يعني
الذي أرضعت به ابنه ـ وما أصاب من خدمتها لان ذلك مستحق للمولى ، وبه صرح بعض
الأصحاب أيضا.
واما ما
اختلفوا فيه من رجوع المشترى على البائع ، بما حصل له في مقابلته نفع ، كالعشر
ونصفه الذي دفعه لمولى الجارية ، وأجرة الخدمة فليس في هذه الروايات تعرض له ، ولا
في صحيحة الوليد بن صبيح التي تضمنت ذلك اشارة اليه فضلا عن التصريح به ،
والاعتماد على ما ذكروه من هذه التعطيلات العليلة غير صالح لتأسيس الأحكام الشرعية
، كما تقدم من التنبيه عليه في غير مقام والأصل العدم حتى يقوم عليه دليل شرعي
واضح ، وقد تقدم في مسألة البيع الفضولي ما ينبه على ما ذكرناه ، وكذلك القول
بالمهر عوض العشر أو نصف العشر ، فانا لم نقف فيه على دليل ، وانما الموجود العشر أو
نصف العشر على ما عرفت من الاشكال فيه.
ومن اخبار
المسألة التي نحن فيها خبر مشكل لم يتعرض له الأصحاب في هذا الباب ، وهو ما رواه المشايخ
الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح على بعض الطرق عن محمد بن قيس عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليهالسلام) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي
اشتراها فولدت منه غلاما ثم جاء سيدها الاولى فخاصم سيدها الأخر فقال : وليدتي
باعها ابني بغير اذنى ، فقال : الحكم ان يأخذ وليدته وابنها؟ فناشده الذي اشتراها
فقال له :
__________________
خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع ، فلما أخذه قال له أبوه :
أرسل ابني فقال : لا والله لا أرسل إليك ابنك حتى ترسل إلى ابني ، فلما راى ذلك
سيد الوليدة أجاز بيع ابنه».
وأنت خبير بما
فيه من الخروج عن مضامين الأخبار المتقدمة ، مع أن مورده مثلها ، ويمكن على بعد أن
يقال : أن حكمه (عليهالسلام) بأخذ الولد مع الجارية لأجل أن يزاد إليه الأب قيمة
الولد كما عرفت من الاخبار المتقدمة ، وحكمه بأخذ المشترى لولد البائع الذي باعه
الجارية لأجل أن يرد إليه قيمة الجارية وقيمة الولد التي غرمها لأبيه ، الا أنه
بعيد عن سياق الخبر المذكور ، فان ظاهره أن أخذ كل منهما لولد الأخر ليس باعتبار
ما ذكرناه ، كما يشير اليه قوله خذ ابنه الذي باعك حتى ينفذ لك البيع ، فإنه ظاهر
في ان حبس الابن عنده انما هو لأجل إنفاذ البيع وأجازته ، لا لأجل الثمن أو القيمة
.
وبالجملة فإنه
مرجوع الى قائله (عليهالسلام) ولعله لمصلحة لا نعلمها ، وفيه دلالة على صحة بيع
الفضولي وتوقفه على الإجازة كما هو المشهور ، مع ما عرفت من الاخبار الدالة على
البطلان كما تقدم في المسألة المذكورة ، ولكن
__________________
هون الأمر فيه
ما هو عليه من المخالفة لمقتضى الأصول الشرعية والضوابط المرعية. والله العالم.
المسألة
العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح
حيث أن مال أهلها محترم ، فقال الشيخ في النهاية : من اشترى جارية كانت سرقت من
أرض الصلح ، كان له ردها على من اشتراها منه ، واسترجاع ثمنها وان كان قد مات ،
فان لم يخلف وارثا استسعيت الجارية في ثمنها وبذلك قال ابن البراج.
وقال ابن إدريس
: كيف تستسعى هذه الجارية بغير اذن صاحبها ، وكيف تعتق ، وليس على ذلك دليل ، وقد
ثبت أنها ملك الغير ، والاولى ان تكون بمنزلة اللقطة ، بل يرفع خبرها الى حاكم
المسلمين ، ويجتهد على ردها على من سرقت منه ، فهو الناظر في أمثال ذلك انتهى.
وظاهر المحقق في الشرائع ـ ومثله العلامة في المختلف ونحوه في الإرشاد ـ أنه مع
تعذر ردها على المالك أو وكيله أو وارثه تدفع الى الحاكم الشرعي ليحفظها على
مالكها.
واما الثمن
فيرجع به على البائع مع بقاء عينه مطلقا ، واما مع تلفه فكذلك ان كان جاهلا ، فان
تعذر سقط ولا تستسعى الجارية مطلقا وان تلف الثمن ، والى هذا
القول مال في كتاب المسالك ايضا وهذان القولان يشتركان في عدم الاستسعاء ويفترقان
في كونها كاللقطة في وجوب حفظها على مذهب ابن إدريس ، أو تدفع الى الحاكم على مذهب
المحقق.
والذي وقفت
عليه من الاخبار في المقام ما رواه الشيخ في الصحيح ـ الى مسكين
__________________
السمان ، وهو مجهول ـ عن ابى عبد الله عليهالسلام ، قال : «سألته عن رجل اشترى جارية سرقت من ارض الصلح
قال : فليردها على الذي اشتراها منه ، ولا يقربها ان قدر عليه أو كان مؤسرا ، قلت
، جعلت فداك انه مات عقبه ، قال فليستسعها». والى هذه الرواية استند الشيخ في
النهاية.
وأنت خبير بما
فيها من الإشكال بمخالفة القواعد الشرعية والضوابط المرعية أما أولا فمن حيث ردها
على البائع ، وهو ليس مالكا لها ومقتضى الأصول وجوب ردها الى المالك ، كما صرح به
أصحاب القولين الأخيرين ، والا فالحاكم الشرعي مع تعذره ، واما ثانيا فمن حيث
استسعائها في ثمنها ، مع أن كسبها لمولاها ، والثمن لم يصل اليه ، فكيف يؤخذ الثمن
من غير آخذه.
وأما ما ذكره
الشهيد (رحمهالله تعالى) في الدروس؟ حيث مال الى العمل بالرواية من قوله
: والأقرب المروي تنزيلا على أن البائع مكلف بردها إلى أهلها ، اما لانه السارق ،
أو لأنه ترتبت يده عليها ، واستسعاؤها جمعا بين حق المشترى وحق صاحبها ، والأصل
فيه أن مال الحربي في الحقيقة فيء وبالصلح صار محترما احتراما عرضيا ، فلا يعارض
ذهاب مال محترم في الحقيقة ، وزاد في شرح الإرشاد في الجواب عن الإشكال الأول بأن
يده أقدم ، ومخاطبته بالرد ألزم ، خصوصا مع بعد دار الكفر ، انتهى.
ففيه ما ذكره
في المسالك حيث قال ونعم ما قال : وهذا التنزيل تقريب للنص ، وتوجيه له حيث يكون
النص هو الحجة ، والا فلا يخفى أن مجرد ما ذكر لا يصلح للدلالة ، لأن تكليف البائع
بالرد لا يقتضي جواز الدفع اليه ، كما في كل غاصب ، وقدم يده لا اثر له في هذا
الحاكم أيضا ، والا لكان الغاصب من الغاصب يجب عليه الرد على الغاصب ، وهذا باطل
إجماعا ولأن البائع ان كان سارقا لم يكن أهلا للأمانة بخيانته ، وان لم يكن سارقا
فليس وكيلا للمالك ولا وليا له فلا يجوز الدفع اليه كما في كل
__________________
مبيع يظهر استحقاقه ، واما الفرق بين احترام المال بالعرض والأصل فلا مدخل
له شرعا في الحكم ، بل لا تفاوت في نظر الشارع بينهما ، بل كل منهما مضمون على
المتلف ، مع أن المتلف للمال المحترم حقيقة ليس هو مولى الجارية ، بل هو البائع
الذي غره ان كان عالما أو من غره ، فلا يرجع على غيره ، «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى» ولو تم ذلك لزم منه جواز أخذ ما ذهب من الأموال المحترمة
بالأصل من مال المحترم بالعرض ، كأهل الذمة وهو واضح البطلان. انتهى كلامه زيد
مقامه ، وهو جيد وجيه ، كما لا يخفى على الفطن النبيه.
وبالجملة
فالمسألة لما عرفت محل إشكال ، لأن العمل بهذه الرواية مع ما هي عليه مما شرحناه
مشكل وردها من غير معارض أشكل. نعم من يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث يقوى ردها
عنده ، كما جزم بذلك المحقق الأردبيلي حيث قال : والظاهر تركها بالكلية ، والعمل
بالأدلة ، لكن يلزم أن يذهب ثمن المشترى ان لم يقدر على السارق البائع ، ولا محذور
في ذلك ، وهو ظاهر. انتهى الا ان الشهيد رحمهالله قد عمل بها مع كونه من أرباب هذا الاصطلاح ، لكنه لا
تصلب له فيه ، كما عليه متأخرو المتأخرين ، سيما مثل المحقق المذكور وتلميذيه
صاحبي المدارك والمعالم ، ولهذا انه قليلا ما يطرح الأخبار الضعيفة ، ويتشبث في
العمل بها بأدنى مستمسك ، كما لا يخفى على من راجع كتبه ، وهو مبنى على ما صرح به
في صدر كتابه الذكرى من ثبوت أخبارنا المروية في هذه الأصول ، عن الأئمة الطاهرين
صلوات الله عليهم أجمعين.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب القولين الأخيرين حيث لم يعملوا بالخبر المذكور
ان دفعها الى الامام ـ مع تعذر الوصول الى المالك ـ انما هو ليحفظها على مالكها
الى ان يمكن إيصالها إليه ، كما تقدم في عبارة ابن
إدريس ونحوه العلامة في المختلف .
وظاهر المحقق
الأردبيلي ان دفعها للحاكم المذكور انما هو لكون الجارية المذكورة مال الامام (عليهالسلام) ، والحاكم نائبه ، وانه يفعل بها ما يفعل بأمواله (عليهالسلام) حال الغيبة ، قال (قدسسره) بعد الطعن في الرواية ما لفظه : ولهذا قال البعض : يجب
ردها الى المالك وورثته بعده ، ثم الى الحاكم ، لانه وكيل الامام (عليهالسلام) وهي حينئذ ماله (عليهالسلام) ، فيفعل بها ما يفعل بسائر أمواله التي استورثها ممن
لا وارث له ، وهو الظاهر ، ولا تستسعى انتهى وبنحو ما نقلناه عن ابن إدريس
والعلامة نقله الشهيد في الدروس عنهم أيضا ، فقال بعد ذكر قول الشيخ ، قال
الحلبيون : لا تستسعى لأنها ملك ، وتدفع الى الحاكم ليوصلها إلى أربابها انتهى.
وبه يظهر لك أن
ما نقله عن أصحاب هذا القول من أن الدفع الى الحاكم انما هو حيث كونها ميراث من لا
وارث له ، وهو للإمام (عليهالسلام) غفلة عن مراجعة كلامهم في المسألة ، على أنه لا يظهر
من النص المذكور ، ولا من كلام أحد من الأصحاب معلومية موت المالك مع عدم وجود
وارث له حتى أنها يكون من قبيل ميراث من لا وارث له ، فيكون للإمام (عليهالسلام) وانما المفروض في كلامهم ـ وهو ظاهر الخبر أيضا ـ انما
هو تعذر الوصول الى المالك من حيث انها سرقت من تلك الأرض ، ونقلت إلى أرض أخرى
وبيعت ، وإرجاعها إلى المالك يحتاج الى مزيد كلفة ، كما يشير اليه ما تقدم في كلام
الشهيد من قوله خصوصا مع بعد دار الكفر ، ولا يتوهم ان قوله في الخبر المذكور انه
مات ومات عقبه راجع الى المالك ، وان
__________________
سياق الخبر ظاهر في ان المراد انما هو البائع ، وبالجملة فكلام المحقق
المذكور لا يخلو عن غفلة وقصور والله العالم.
المسألة
الحادية عشر ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان ما يؤخذ من
دار الحرب بغير اذن الامام ، فإن كان بسرقة وغيلة ونحوهما فهو لأخذه وعليه الخمس ،
وان كان بقتال فهو بأجمعه للإمام (عليهالسلام) وعلى كل من التقديرين فإنه يباح تملكه للشيعة حال
الغيبة ، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من الهاشميين ، لإباحتهم (عليهمالسلام) ذلك للشيعة ، لتطيب ولادتهم ، وكذا يجوز الشراء من
السابي ، وان كان جائرا ظالما ، بل الشراء من الكافر أخته وبنته وزوجته وكل حربي
قهر حربيا صح الشراء منه.
أقول : والغرض
من ذكرهم هذا الكلام في هذا المقام هو أنه يجوز تملك العبيد والإماء المسببة من
دار الحرب ، سيما في زمن الغيبة سواء سبيت بالقهر والغلبة من سلاطين الجور ، أو
بسرقة وغيلة ، وسواء كان السابي لها مسلما أو مخالفا أو كافرا ، وأن من قهر من
الكفار أخته أو ابنته أو زوجته أو ابنه فإنه يتملكهم ، ثم بعد تملكهم يجوز الشراء
منه ، والقاهر والمقهور حربيان ، ويدل على ذلك الأخبار.
فأما ما يدل
على أن ما أخذ بقتال بغير اذنه ، فهو له (عليهالسلام) ، فمنه رواية العباس الوراق «عن رجل سماه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، قال : إذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت
الغنيمة كلها للإمام (عليهالسلام) وان غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس».
وصحيحة معاوية
بن وهب أو حسنته بإبراهيم ابن هاشم قال : قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) السرية يبعثها الامام فيصيبوا غنائم كيف يقسم؟ قال :
ان قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام (عليهالسلام) أخرج منها
__________________
الخمس لله والرسول ، وقسم بينهم ثلاثة أخماس وان لم يكونوا قاتلوا عليها
المشركين كان كلما غنموا للإمام (عليهالسلام) يجعله حيث أحب». والمراد ان لم يكونوا قاتلوا مع أمير
منه (عليهالسلام) كما هو ظاهر السياق ، وما اشتمل عليه من إخراج خمسين
من الغنيمة ، وقسمه ثلاثة أخماس شاذ لا قائل به ، وهذه الرواية الثانية لم يذكرها
أحد من الأصحاب فيما أعلم ، ولكن الحكم بمجرد الرواية الأولى مشهور عندهم ، بل
ادعى عليه الإجماع ، وتوقف المحقق في النافع من حيث ضعف الرواية المشار إليها ،
وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الخمس .
الا أن المحقق
الأردبيلي (قدسسره) في هذا المقام عارض رواية الوراق برواية زكريا بن آدم عن الرضا (عليهالسلام) قال : سألته عن سبى الديلم يسرق بعضهم من بعض ، ويغير
المسلمون عليهم بلا امام أيحل شراؤهم؟ قال : إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشراءهم».
ويمكن الجواب
بحمل نفى البأس عن شراءهم من حيث تحليل ذلك للشيعة متى ثبت العبودية ، فلا ينافي
كون ذلك له (عليهالسلام) لما تكاثرت به الاخبار من تحليل حقوقهم للشيعة وعلى ذلك أيضا يحمل صدر رواية زكريا ابن آدم المذكورة
قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن قوم من العدو صالحوا ثم خفروا ولعلهم انما خفروا
لأنهم لم يعدل عليهم أيصلح أن يشترى من سبيهم فقال : ان كان من قوم قد استبان
عداوتهم فاشتر منهم وان كان قد نفروا وظلموا فلا تتبع من سبيهم» الحديث. قوله
اخفروا أى نقضوا عهدهم.
__________________
وفي التهذيب عن
محمد بن عبد الله قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن قوم خرجوا وقتلوا أناسا من المسلمين وهدموا المساجد
، وان المستوفي هارون بعث إليهم فأخذوا وقتلوا وسبى النساء والصبيان ، هل يستقيم
شراء شيء منهن ويطأهن أم لا؟ قال : لا بأس بشراء متاعهن وسبيهن». وليس في هذه
الاخبار على تعددها دلالة على تملك السابي كما توهمه المحقق المتقدم ذكره ، وانما
دلت على جواز الشراء خاصة ، فيحمل على ما قلنا من التحليل لكون ذلك لهم (عليهمالسلام) فلا تنافي الخبرين الأولين ، على أنه يمكن حمل هذه
الاخبار على التقية أيضا ، بمعنى أنه لم ينبه فيها على كون ذلك للإمام (عليهالسلام) تقية ، وانما ذكر جواز الشراء خاصة ، بناء على ما
قلناه.
واما ما ذكره
من أن ما أخذ بغيلة وسرقة فهو لأخذه ، وعليه الخمس فلم أقف فيه بعد التتبع للاخبار
على نص ، وغاية ما استدل به عليه في المدارك هو اخبار «خذ مال الناصب
حيثما وجدته ، وادفع لنا الخمس ،». وفيه نظر ، لعدم ذكره في صدر كتاب الخمس ،
وإيجاب الخمس هنا أحد القولين ، وبه صرح في المسالك وقيل : بالعدم وهو ظاهر الشهيد
في الدروس في مبحث الخمس ، لانه لا تسمى غنيمة ، وهو الأقرب لما عرفت من عدم
الدليل على ذلك ، بل على عدم كون المأخوذ على هذا الوجه لأخذه ، فإن الأخبار خالية
من الأمرين ، ولهذا إنما التجأ صاحب
__________________
المدارك في الأمرين الى أخبار «خذ مال الناصب».
وأما ما يدل
على جواز الشراء من السابي وان كان جابرا فالروايات المذكورة عن الرضا (عليهالسلام) لكن لا من حيث كون ذلك ملكا له كما عرفت ، وان أوهم
ظاهرها ذلك ، الا أنه يجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين الاخبار الواردة في
المسألة.
وأما جواز
الشراء من الكافر الحربي بنته وأخته وزوجته ، فيدل عليه ما رواه الشيخ عن عبد الله
اللحام قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يشترى من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال
: لا بأس». وبالإسناد المذكور قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها أم ولد
قال : لا بأس».
بقي الكلام في
أنه قد صرح الأصحاب بأن كل حربي قهر حربيا فباعه صح بيعه ، لان القاهر مالك
المقهور بقهره إياه ، فيصح بيعه له ، وهذا ظاهر فيمن لا ينعتق عليه كالزوجة ونحوها
، أما لو كان ممن ينعتق عليه كالبنت في الخبر الأول فإشكال ، ينشأ من أنه بدوام
القهر يبطل العتق لو فرض ، وبدوام القرابة يرتفع الملك بالقهر
__________________
وحينئذ فالتحقيق حمل الشراء في الخبر المذكور على الاستنقاذ ، ويثبت الملك
بعد ذلك بالتسلط ، وفي لحوق أحكام البيع من خيار المجلس وخيار الحيوان والعيب ونحو
ذلك نظر أقربه ـ بناء على ما قلناه ـ العدم ، قالوا والاستنقاذ دفع يد شخص شرعية
أم غير شرعية عن مال بعوض أو بغير عوض ، ويشكل أيضا ثبوت الملك بالتسلط بعد
الاستنقاذ إذ قد يكون المملوك الذي بيده ممن ينعتق عليه مأمونا : أي دخل بلاد
الإسلام بإمام ، فيشكل حينئذ تملك المشترى له بالتسلط عليه ، وربما ظهر من كلام
العلامة في القواعد لحوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع ، وفيه أنه مع حكمه
بالاستنقاذ لا معنى لذلك ، لانه عقد واحد يبعد كونه بيعا حقيقيا بالنسبة إلى
البائع وغير بيع بالنسبة إلى المشترى ، على أن سبب عدم كونه بيعا حقيقيا بالنسبة
اليه انما هو عدم صلاحية المبيع لتملك البائع ، وهو موجب لعدم كونه حقيقيا بالنسبة
اليه.
وقال في الدروس
: ولو اشترى حربيا من مثله جاز ، ولو كان ممن ينعتق عليه قيل كان استنقاذا حذرا من
الدور لو كان شراء ، ولا يلحق به أحكام البيع بالنسبة إلى المشترى ، وروى ابن بكير
تسميته شراء انتهى وظاهره لحقوق أحكام البيع بالنسبة إلى البائع كما قدمنا
ذكره عن ظاهر القواعد ، وفيه ما عرفت.
وبالجملة فإن
مقتضى التحقيق بناء على ما ذكروه من كون ذلك استنقاذ الا بيعا حقيقيا هو عدم تحقق
بيع شرعي ، لا بالنسبة إلى البائع ولا إلى المشتري ، فتملك
__________________
المشترى للمبيع مشكل ، وتملك البائع للثمن مشكل ، إلا أنك قد عرفت من
الرواية المتقدمة كون ذلك بيعا وشراء من غير معارض ، سوى ما قالوه ، والأظهر
الوقوف على مقتضى النص ، فان ما ذكروه وان كان مقتضى القواعد الشرعية أيضا ، الا
انه يمكن تخصيصها بهذا الخبر بأن يخص الانعتاق بالملك بالشراء ، دون التملك قهرا ،
وقوفا على مورد أخبار كل من المقامين والله العالم.
والمسألة
الثانية عشر ـ اختلف الأصحاب فيما لو دفع الى مأذون مالا ليشتري به نسمة ويعتقها
عنه ويحج بالباقي ، فاشترى أباه ودفع إليه بقية المال ، فحج به ، فاختلف مولاه
وورثة الأمر ومولى الأب ، فكل يقول اشترى بمالي ، فقال الشيخ في النهاية الحكم أن
يرد المعتق على مولاه الذي كان عنده يكون رقا له كما كان ، ثم أى الفريقين
الباقيين منهما أقام البينة بأنه اشترى بماله سلم اليه ، وان كان المعتق قد حج
ببقية المال لم يكن الى رد الحجة سبيل ، وتبعه في ذلك ابن البراج.
وقال ابن إدريس
: لا أرى لرد المعتق على مولاه وجها ، بل الأولى عندي أن القول قول سيد العبد
المأذون له في التجارة ، والعبد المبتاع لسيد العبد المباشر للعتق ، وان عتقه غير
صحيح ، لأن إجماع أصحابنا على أن جميع ما بيد العبد فهو مال لسيده ، وهذا الثمن في
يد المأذون ، وأنه اشتراه فإذا اشتراه فقد صار ملكا لسيد المأذون الذي هو المشترى
، فإذا أعتقه المأذون بعد ذلك فعتقه غير صحيح ، لانه لم يؤذن له في العتق ، بل أذن
له في التجارة فحسب ، هذا إذا عدمت البينتان ، فهذا تحرير القول والفتوى في ذلك
انتهى .
__________________
والأصل في هذه
المسألة ما رواه الشيخ عن ابن أثيم «عن أبى جعفر (عليهالسلام) عن عبد لقوم مأذون له في التجارة ، دفع اليه رجل ألف
درهم فقال له : اشتر بها نسمة وأعتقها عنى ، وحج عني بالباقي ، ثم مات صاحب الالف
، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت ، ودفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج
عنه ، وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعا ، فاختصموا جميعا في الألف ،
فقالوا موالي العبد المعتق : انما اشتريت أباك بمالنا ، وقال الورثة : إنما اشتريت
أباك بمالنا ، وقال موالي العبد : انما اشتريت أباك بمالنا ، فقال : أبو جعفر (عليهالسلام) أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد ، وأما المعتق فهو
رد في العتق لموالي أبيه ، واى الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من
أموالهم كان لهم رقا». والشيخ في النهاية ومن تبعه قد عملوا بظاهر هذه الرواية.
وابن إدريس قد
ردها لما ذكره وقد اقتضى ابن إدريس في هذا القول أكثر من تأخر عنه ، وطعنوا في
الخبر المذكور بضعف الراوي ، فإنه غال ، ومخالفة الخبر المذكور لأصول المذهب من
وجوه ، منها الحكم برد العبد الى مولاه مع اعترافه ببيعه ، ومنها دعواه فساد البيع
، ومدعى الصحة وهو الأخر ان مقدم ، ومنها حكمه بمضي الحجة مع ان ظاهر الأمر حجة
بنفسه وقد استناب فيها ، ومنها مجامعة صحة الحج لعوده رقا مع كونه قد حج بغير اذن
سيده ، ومنها انه كيف يدعى مولى العبد انه شرى بماله ، مع انه لم يكن لمولى الأب
مال في يد المأذون ، وليس هو وكيله ، ومع الإغماض عن ذلك وثبوت ان له مالا وانه
وكيل كيف يتصور صحة شراء شخص من سيده بمال ذلك السيد ، فدعوى مولى العبد انه اشترى
بماله يقتضي فساد العقد ، لان العوضين إذا كانا من مال واحد لم تكن المعاوضة صحيحة
، واعتذر
__________________
العلامة للأول بحمل الرواية على إنكار مولى العبد البيع ، لا فساده ، ورده
بمنافاته لمنطوق الخبر ، لدلالته على كونه اشترى بماله ، وهو صريح في وقوع البيع
والشراء ، فلا تسمع هذه الدعوى ، ونزله الشهيد في الدروس على ان المأذون بيده مال
لمولى الأب وغيره ، وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع الى أصالة بقاء الملك على
مالكه ، ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد لان دعوى الصحة هنا
مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فيتساقطان قال : وهذا واضح لا غبار عليه.
ورد بأن النظر
فيه واضح والغبار عليه لائح ، لمنع تكافؤ الدعاوي أو لا على تقدير تسليم كون بيده
مال للجميع ، لان من عدا مولاه خارج ، والداخل مقدم ، فسقط مولا الأب وورثة الأمر
، فلم يتم الرجوع الى أصل بقاء الملك على مالكه ، وبذلك يظهر فساد دعوى كون الصحة
مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فان الخارجة لا تكافؤ الداخلة ، فإذا قدمت لم يبق
لرد الدعوى المشتملة على فساد البيع مانع ، إذ لم ينقدح بوجهها الا بسبب تساقط تلك
الدعويين ولم يتم ، على انه لو سلم كون بيد المأذون أموال لغير مولاه ، فإن إقراره
بها لغيره غير مقبول مع تكذيب المولى وان كان مأذونا ، لأن المأذون إنما يقبل
إقراره بما يتعلق بالتجارة ، لا مطلقا كما سيأتي إنشاء الله تعالى ، وحينئذ فلا بد
من اطراح هذه الرواية بهذه المنافيات لقبولها ، والرجوع الى أصل المذهب.
وفي المسألة
قول ثالث للمحقق في النافع ، ورجحه ابن فهد في شرحه ، قال : ويناسب الأصل ، الحكم
بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه ، ومقتضاه الحكم بصحة البيع والعتق
والحج ، لأن الأصل أن ما يفعله المأذون صحيح ، وهذا يتمشى إذا جعلنا حكم المأذون
حكم الوكيل ، فيقبل إقراره بما في يده ، ويمضى تصرفه كالوكيل ، الا أن فيه أنه
موقوف على تناول الاذن من سيده لذلك.
هذا كله مع عدم
البينة ، وأما معها فان كانت لواحد حكم بها ، وان كانت
لاثنين أو للجميع ، فان قلنا بتقديم بينة الداخل عند التعارض فكالأول ، وان
قدمنا الخارج أو لم يكن للداخل بينة ، ففي تقديم بينة ورثة الأمر ـ نظرا إلى الصحة
أو بينة مولى الأب ، لأنه خارج بالإضافة إلى ورثة الأمر ، لا دعائه ما ينافي الأصل
ـ وجهان ، استجود أولهما في المسالك ، قال : لأنهما خارجان بالنسبة إلى المولى
المأذون ، ومدعيان ، ويبقى مع ورثة الأمر ترجيح الصحة.
وبالجملة فإن
المسألة من المشكلات لما عرفت مما يتطرق الى النص المذكور من الإيرادات الواضحة ،
والعمل به والحال كذلك مشكل ، فالظاهر هو قوة ما ذهب إليه المتأخرون والله العالم.
المسألة
الثالثة عشر ـ قال الشيخ في النهاية من اشترى من رجل عبدا وكان عند البائع عبدان ،
فقال للمبتاع اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد الأخر وقبض المال ، فذهب بهما المشتري
فأبق أحدهما من عنده فليرد الذي عنده منهما ، ويقبض نصف الثمن مما أعطى ويذهب في
طلب الغلام ، فان وجده اختار حينئذ أيهما شاء ورد نصف الذي أخذه ، وان لم يجده كان
العبد بينهما نصفين ، وتبعه ابن البراج في ذلك.
وقال ابن إدريس
: ما ذكره شيخنا في نهايته خبر واحد ، لا يصلح ولا يجوز العمل به ، لانه مخالف لما
عليه الأمة بأسرها ، مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم وإجماعهم ، لأن
المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف ، وقوله» يقبض نصف الثمن ويكون
العبد الآبق بينهما ويرد الباقي من العبدين» ، فيه اضطراب كثير ، وخلل كبير ، لأنه
ان كان الآبق هو الذي وقع عليه البيع؟ فمن مال مشتريه ، والثمن بكماله لبائعه ،
وان كان الآبق غير من وقع عليه البيع ، والباقي الذي وقع عليه البيع فلأي شيء
يرده ، وانما أورده شيخنا هذا الخبر على ما جاء إيراد إلا اعتقادا ، لانه رجع في
مسائل خلافه في كتاب السلم. انتهى.
أقول : أشار
بقوله رجع عنه في خلافه الى ما ذكره الشيخ في الكتاب المذكور ،
حيث قال في باب السلم : إذا قال : اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا ، أو
أحد هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة
إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز ، لان هذا غرر يسير ، وأما في الأربعة فما زاد
عليها فلا يجوز ، دليلنا أن هذا بيع مجهول فيجب أن لا يصح بيعه ولانه بيع غرر
لاختلاف قيمتي العبدين ، ولانه لا دليل على ذلك في الشرع ، وقد ذكرنا هذه المسألة
في البيوع ، وقلنا : أن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فان قلنا بذلك تبعنا فيه
الرواية ، ولم نقس غيرها عليها. انتهى.
وقال العلامة
في المختلف بعد نقل ما ذكرناه : والتحقيق أن نقول : العقد أن وقع على عبد مطلق
موصوف بصفاته المقصودة الرافعة للجهالة صح البيع ، فإذا دفع البائع العبدين إلى
المشتري ليتخير أحدهما ، جاز أن يتخير أيهما شاء ، فإذا أبق أحدهما فإن قلنا
المقبوض بالسوم مضمون ضمنه المشترى ثمنا والا فلا ، وان وقع على أحدهما كان باطلا.
والشيخ رحمة
الله عليه عول في ذلك على رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) ، «قال سألته عن رجل اشترى من رجل عبدا وكان عنده
عبدان ، فقال للمشتري : اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد الأخر وقد قبض المال فذهب
بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده قال : ليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما
أعطى من المبيع ، ويذهب في طلب الغلام ، فان وجده اختار أيهما شاء ، ورد النصف
الذي أخذ ، وان لم يجده كان العبد بينهما نصفه للبائع ونصفه للمبتاع». وهذه
الرواية تدل على ان البيع وقع صحيحا لا على انه وقع على عبد من عبدين وكذا كلام
الشيخ.
واما قول الشيخ
في الخلاف عن الرواية ، فإن لها محملا ، وهو ان نفرض
__________________
تساوى العبدين من كل وجه فلا استبعاد حينئذ في بيع أحدهما لا بعينه ، كما
لو باعه من متساوي الأجزاء بعضه ، كما لو باعه قفيزا من الصبرة ، واما تضمين النصف
فلان البيع وقع مشاعا على أحدهما فقبل الاختيار يكون العبدان بينهما ، فلما أبق
أحدهما ضمن نصف الذي اشتراه ، والنصف الأخر لا يضمنه ، لانه مقبوض على وجه السوم ،
والعبد الباقي بينهما لشياع الاستحقاق في العبدين. انتهى.
أقول : وجه
الإشكال في الرواية المذكورة من حيث أنه اشترى عبدا في الذمة ، وهو أمر كلي يتوقف
على تشخيصه في عين مخصوصة متصفة بما وقع عليه الاتفاق من الأوصاف ، والخبر دل على
انحصار ذلك الأمر الكلي في العبدين قبل تعيينه ، ومن حيث دلالة الخبر على ثبوت
البيع في نصف الموجود الموجب للشركة مع عدم وجود ما يقتضي الشركة ، ثم الرجوع الى
التخيير لو وجد الآبق ، ومن أجل هذه الإشكالات نزل بعض الأصحاب ـ (رضوان الله
عليهم) الرواية المذكورة ـ على تقدير أربع مقدمات ، الاولى ـ تساويهما قيمة ،
الثانية ـ مطابقتهما للمبيع الكلى وصفا ، الثالثة ـ انحصار الحق فيهما حيث دفعهما
اليه وعينهما للتخيير ، كما لو حصر الحق في واحد ، الرابعة ـ عدم ضمان المقبوض
بالسوم فلا يضمن الآبق هنا ، أو تنزيل هذا التخيير هنا منزلة الخيار في البيع فكما
ان تلف المبيع في مدة الخيار من البائع ، فكذلك هيهنا متى تلف قبل الاختيار .
ولا يخفى ما في
البناء على هذه المقدمات من الاشكال لما يمكن تطرقه إلى جملة منها ، ولهذا قيل انه
يشكل الحكم بانحصار الحق فيهما على هذه التقادير ، لان المبيع أمر كلي لا يشخص الا
بتشخيص البائع ، ودفعه الاثنين ليتخير أحدهما ليس تشخيصا وان حصر الأمر فيهما ،
لأصالة بقاء الحق في الذمة الى ان يثبت شرعا كون ذلك كافيا ، كما لو حصره في عشرة
فصاعدا ، وما ذكره في المختلف ـ من التنزيل ـ على تساوى
__________________
العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الأجزاء حتى جوز بيع عبد منهما كما يجوز
بيع قفيز من الصبرة ـ ففيه اشكال ظاهر ، لمنع تساوى العبدين على وجه يلحقان
بالمثلي الذي هو عبارة عن متساوي الاجزاء ، ومنع تنزيل بيع القفيز من الصبرة على
الإشاعة ، كما تقدم في البحث عن هذه المسألة.
وبالجملة فإن
الأكثر على اطراح الرواية المذكورة لما عرفت من مخالفتها لمقتضى الأصول وعسر
تنزيلها على ما ذكروه من هذه التكلفات السخيفة ، والأظهر الرجوع الى مقتضى الأصول
، فينظر في هذين العبدين فان كانا بالصفات الذي اشترى بها العبد في الذمة تخير
بينهما ، فان اختار الآبق منهما رد ما أخذه من نصف الثمن ، ولا شيء له ، وان
اختار الباقي منهما أخذه.
بقي الكلام في
ضمان الآبق على هذا التقدير ، فان قلنا بضمان المقبوض بالسوم ضمنه ، والا فلا ،
وان كان أحدهما بالصفات أخذه وحكم الأخر على ما تقدم ، وان لم يكن شيء منهما
بالصفات رجع على البائع بحقه لان حقه في الذمة باق حتى يدفع اليه ما كان على
الصفات التي وقع عليها العقد وفي ضمان الذاهب ما تقدم ، وعلى هذا لا فرق بين عبدين
أو أكثر أو غير العبد من المتاع وغيره ، وعلى تقدير العمل بالرواية يجب الاقتصار
فيه على موردها فلا يتعدى الحكم الى غير العبدين اقتصارا فيما خالف الأصول على
موضع النص وبه جزم الشيخ رحمهالله.
ولو تعددت
العبيد فهل ينسحب الحكم ، احتمالان أحدهما نعم ، لصدق العبدين في الجملة ، فلو
كانوا ثلاثة فأبق واحد فان ثلث المبيع ، فيرجع بثلث الثمن ، وهكذا فيما زاد ،
وثانيهما العدم ، للخروج عن موضع النص ، وهو الأظهر ولو كانا أمتين أو أمة وعبدا
ففي انسحاب الحكم الوجهان ، وقطع ، في الدروس بانسحاب الحكم هنا ، والأظهر العدم ،
لما ذكرنا والله العالم.
المسألة الرابعة عشر اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في الجارية بين
الشركاء فيطأ أحدهم ، فقال الشيخ في النهاية : إذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها
عند واحد منهم فوطأها فإنه يدرأ عنه من الحد بقدر ماله منها من الثمن ، ويضرب
بمقدار ما لغيره من القيمة ، وتقوم الأمة قيمة عادلة ويلزمها ، فان كانت القيمة
أقل من الثمن الذي اشتريت به الزم ثمنها الأول ، وان كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي
قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الأكثر ، فإن أراد واحد من الشركاء الجارية كان
له أخذها ، ولا يلزمه الا ثمنها الذي يسوى في الحال. انتهى.
أقول : ما ذكره
الشيخ هنا هو مضمون رواية عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجال اشتركوا في أمة فأتمنوا بعضهم على أن يكون
الأمة عنده فوطأها قال : يدرأ عنه من الحد بقدر ماله من النقد ، ويضرب ما ليس له
فيها ، وتقوم الأمة عليه بقيمة ويلزمها ، فان كانت القيمة أقل من الثمن ، الذي
اشتريت به الجارية ألزم ثمنها الأول ، وان كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه
أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن وهو صاغر لانه استفرشها ، قلت : فإن أراد بعض
الشركاء شرائها دون الرجل؟ قال : ذلك له ، وليس له أن يشتريها حتى يستبرأها ، وليس
على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة».
وقال : ابن
إدريس بعد نقل كلام الشيخ هذا خبر واحد أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا والاولى أن
يقال : لا يلزم الواطئ لها شيء سوى أحد الذي ذكرناه على تقدير أن يكون عالما
بالتحريم بقدر حصص شركائه ، الا أن تكون بكرا فيأخذ عذرتها ، فيلزم ما بين قيمتها
بكر أو غير بكر ، ويسقط عنه ما يخصه من ذلك ، ويستحق الباقي الشركاء ، فاما ان
كانت غير بكر فلا يلزمه ذلك هذا إذا لم يحبلها ، فإذا أحبلها بولد ، فإنه يغرم
ثمنها الذي تساوى يوم خيانته عليه ، وثمن ولدها يوم تسقط حيا لو كان عبدا ويسقط من
ذلك بمقدار حصته من الثمن انتهى.
__________________
وقال العلامة
في المختلف : والتحقيق أن نقول الواطئ ان كان عالما بالتحريم حد يقدر حصص الشركاء
، وعليه من المهر بقدر حصصهم أيضا ان كانت مكرهة أو جاهلة ، وان كانت مطاوعة فكذلك
على الخلاف وسيأتي ، وان كانت بكرا لزمه أرش البكارة قطعا ، ولا تقوم عليه بنفس
الوطي بل مع الحمل وعليه تحمل الرواية وقول الشيخ أيضا ، وعليه حصص الشركاء من
القيمة ويطالب بأعلى القيم من حين الإحبال إلى وقت التقويم ، وعليه حصص الشركاء
ايضا من قيمة الولد يوم سقط حيا ان لم يكن قد قومت عليه حبلى ، ولو أراد بعض
الشركاء أخذها فإن كانت قد حبلت لم يكن له ذلك ، وان لم تكن حبلت كان له ذلك
ويأخذها بقيمتها يوم الأخذ انتهى.
أقول : وتحقيق
الكلام في هذا المقام يقع في مواضع الأول ـ لا إشكال في سقوط الحد عن الواطئ هنا
مع الشبهة كما لو توهم حل الوطي من حيث الشركة لقوله (عليهالسلام) «ادرءوا الحدود بالشبهات». الثاني ظاهر النص والفتوى أن الحد هنا انما هو
بالجلد وان كان محصنا يجب في مثله الرجم ، لان الرجم لا يقبل التبعيض ، وقد عرفت
من النص والفتوى تبعيضه هنا ، والظاهر أن الوجه فيه أن وجوب الرجم في المحصن انما
هو فيما إذا كان الزاني محصنا وهذا ليس كذلك من حيث تملكه لبعض الأمة ، ولأجل ذلك
يلحق به الولد ، وتصير أم ولد وان كان عالما بالتحريم ، مع أن الزاني العالم لا
يلحق به الولد.
الثالث ـ أنه
يسقط من الحد ما قابل ملكه من الأمة نصفا أو ربعا أو نحو ذلك ، لعدم تحقق الزنا
بالنسبة إلى حصته ، ويضرب الباقي الذي يتعلق بنصيب الشركاء ، لكونه زنا بالنسبة
إلى حصصهم ، وينبغي أن يستثني من الحد أيضا ما لو كان أحد الشركاء ابن الواطئ أيضا
، فإنه لا حد على الأب في نصيب ابنه ، كما لا حد عليه لو كانت بأجمعها للولد ، ثم
انه مع التبعيض لو احتيج الى تبعيض الجلدة الواحدة
__________________
قال : بعض المحققين أنه يحتمل باعتبار مقدار السوط ، وكيفية الضرب.
أقول : بل
الظاهر انه ان كان نصفا أخذ بنصف السوط ، وان كان ثلثا أخذ بثلثيه ، كما تضمنه صحيح
هشام بن سالم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في نصف الجلدة وثلث الجلدة يؤخذ بنصف السوط ،
وثلثي السوط» ،. ويمكن إرجاع ما ذكره المحقق المشار إليه الى ما ذكرناه.
الرابع ظاهر
كلام الشيخ وهو ظاهر الرواية ايضا أنه تقوم الأمة على الواطئ بنفس الوطي وظاهر
الأصحاب كما سمعت من كلام ابن إدريس والعلامة أنه لا تقوم عليه ولا يلزمه ثمنها
الا مع الحمل ، لا بمجرد الوطي ، وعلى ذلك حمل العلامة كلام الشيخ والرواية
المذكورة ، وأنت خبير أو لا بأنه لا إشعار في الرواية ، ولا في كلام الشيخ ذكر
الحبل بالكلية ، وثانيا بأنه متى حمل الكلام فيهما على الحمل كما ذكره ، ـ بمعنى
أن قوله في الرواية وكذا في كلام الشيخ «وتقوم الأمة عليه» يعنى من حيث حملها بعد
الوطي ـ فكيف يتم قوله في آخر الرواية وكذا في كلام الشيخ «فإن أراد أحد الشركاء
الجارية كان له أخذها» مع تصريحه (قدسسره) بأنه ان كانت قد حبلت لا يجوز ذلك ، وانما يجوز مع عدم
الحبل.
وبالجملة
فالظاهر أن اشتمال الرواية وكذا كلام الشيخ ـ بناء على حملها لها على ذلك ـ على
هذين الحكمين أعنى التقويم على الوطي مع الحمل وعدمه ، وجواز شراء بعض الشركاء لها
ـ لا يخلو من تدافع كما لا يخفى لأنه إذا كان الحكم الشرعي بعد الوطي مجردا عن
الحمل كما هو ظاهر الإطلاق ، أو هو مع الحمل كما هو ظاهر الأصحاب هو التقويم على
الواطئ فكيف يجوز لبعض الشركاء شراؤها.
__________________
ثم ان مما يدل
على أن التقويم بمجرد الوطي كما هو ظاهر الخبر المذكور ما رواه في الكافي عن عدة
من أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) وفي الفقيه عنه (عليهالسلام) مرسلا قال : «سئل عن رجل أصاب جارية من الفيء فوطئها
قبل أن تقسم؟ قال : تقوم الجارية وتدفع إليه بالقيمة ويحط له منها ما يصيبه منها
من الفيء ويجلد الحد ، ويدرأ عنه من الحد بقدر ما كان له فيها ، فقلت : كيف صارت
الجارية تدفع إليه بالقيمة دون غيره قال : لأنه وطئها ، ولا يؤمن ان يكون ثمة حبل»
، والخبر كما ترى صريح الدلالة واضح المقالة في تقويمها على الواطئ بمجرد الوطي
معللا بخوف الحبل ، لا بوجوده بالفعل ، كما ذكروه (رضوان الله عليهم) الا أنه قد
روى في الكافي وكذا في التهذيب عن إسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في رجلين اشتريا جارية فنكحها أحدهما دون صاحبه ، قال
: يضرب نصف الحد ، ويغرم نصف القيمة إذا أحبل».
وهي كما ترى
دالة بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند المحققين وعليه تدل جملة من الاخبار عدم القيمة
مع عدم الحبل وهي مؤيدة لما ذكره الأصحاب وروى في الكافي أيضا عن إسماعيل الجعفي «عن ابى جعفر (عليهالسلام) في جارية بين رجلين فوطئها أحدهما دون الأخر فأحبلها
قال : يضرب نصف الحد ويغرم نصف القيمة» ، الا أن هذه الرواية لا دلالة فيها على
نفى القول بالقيمة بمجرد الوطي ، وبالجملة فإن المعارضة هنا وقعت بين رواية العدة
، ورواية إسماعيل الاولى ، وإلا فرواية عبد الله بن سنان مطلقة ، والترجيح بحسب
القواعد لرواية العدة لدلالتها صريحا على ما ذكرناه ، والأخرى انما تدل
__________________
بالمفهوم ، وهو لا يعارض المنطوق الصريح ، الا ان ظاهر اتفاق الأصحاب على
الحكم ـ عدا إطلاق كلام الشيخ هنا ـ مما يعضد المفهوم المذكور ، والمسألة لذلك محل
اشكال والله العالم.
الخامس قد عرفت
ان مع الحمل تقوم الجارية على الواطئ ، فالظاهر انه لا خلاف فيه لأنها مع الحمل
تصير أم ولد ويلحقها حكم أمهات الأولاد والولد حر ، قالوا لان الاستيلاد بمنزلة
الإتلاف لتحريم بيعها وانعتاقها بموت سيدها ، فكان عليه غرامة حصص باقي الشركاء من
الجارية ومن الولد.
وظاهرهم انه لا
فرق بين كونه عالما أو جاهلا وهو ظاهر إطلاق رواية إسماعيل الجعفي المتقدمة ولو لا
ذلك لأمكن الفرق بين الأمرين فإن مقتضى القاعدة مع العلم ان لا يكون الولد كله حرا
لان الزنا بأمة الغير موجب لكون الولد للمالك ، ـ لانه نماء ماله ، الا أن الحكم
هنا كما ذكره الأصحاب ـ وهو ظاهر الخبر المذكور ـ على خلاف ذلك ، وكان تقويم حصص
الشركاء في الولد من حيث سراية العتق ان قيل بها في مثله فإنها قهرية كما سيجيء
تحقيقه إنشاء الله تعالى في موضعه اللائق به.
السادس ـ المعتبر
في قيمة الولد قيمته يوم سقطه حيا ، فيقوم لو كان عبدا ويدفع الى باقي الشركاء
حصصهم ، هذا إذا لم يكن قومت عليه حاملا ، والا دخلت قيمته معها ، ولو وقع الولد
سقطا قبل التقويم استقرت ملك الشركاء للأم.
أما تقويم الام
فهل المعتبر قيمتها عند الوطي ، أو يوم التقويم ، أو الأكثر منها؟ اختار في الدروس
الأول ، وفي المسالك الثالث ، واستظهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد أكثر القيم
من حين الحمل الى زمان الانتقال ، قال : ويحتمل حين الحمل ، لانه وقت الإتلاف ،
والأول أظهر ، لأنه زاد في ملك الأول انتهى.
والظاهر ان ما
ذكره من الاحتمال هو الذي ذكره ابن إدريس بقوله ـ في عبارته
المتقدمة : يوم جنايته عليها ، والذي دلت عليه رواية عبد الله بن سنان
المتقدمة أكثر الأمرين من قيمتها يوم التقويم وثمنها ، وهو ظاهر اختيار الشيخ فيما
تقدم من عبارته وهو الأقرب.
السابع ـ ينبغي
ان يعلم انه لا تدخل الجارية في ملك الواطئ بمجرد الحمل ، بل لا بد من التقويم
ودفع القيمة أو ضمانها مع رضا الشركاء بذلك ، وظاهر الاخبار المتقدمة أنها تنتقل
بمجرد التقويم ، ومقتضى قواعد الأصحاب انه لا بد من صيغة البيع ودفع القيمة أو
ضمانها ، إلا أنك قد عرفت فيما تقدم ما في اشتراط الصيغة الخاصة من عدم الدليل على
ذلك ، والظاهر أن ذكر التقويم في الاخبار خرج مخرج التجوز والكناية عن دفع الثمن
أو ضمانه ، وأما اشتراط الرضا فالظاهر ان البيع هنا قهري على الشركاء.
الثامن ـ قد
عرفت أنه لا تدخل في ملك الواطئ بمجرد الحمل ، بل لا بد من التقويم ودفع القيمة أو
ضمانها وحينئذ ان كسب الجارية المذكورة وحق الخدمة مشترك بين الملاك قبل ذلك.
التاسع ظاهر
كلام ابن إدريس المتقدم انه مع عدم الحمل لا يجب عليه بالوطء شيء الا أن يكون
بكرا فيجب عليه أرش البكارة ، وهو تفاوت ما بين قيمتها بكرا وثيبا ويسقط منه قدر
نصيبه ، أما لو كان ثيبا فلا شيء عليه ، وظاهر كلام العلامة المتقدم أن عليه أرش
البكارة لو كانت بكرا قطعا ولو كانت ثيبا فعليه المهر ، والشيخ فيما تقدم من
عبارته سكت عن ذلك.
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك القول بما ذهب إليه العلامة من إيجاب الجميع لو كانت
بكرا أعنى أرش البكارة ، والمهر لو كانت ثيبا ، قال في الكتاب المذكور ويجب على
الأب العقر بسبب الوطي ، سواء كانت بكرا أو ثيبا ،
__________________
وهو العشر أو نصفه مضافا الى ذلك أرش البكارة ، مستثنى منه قدر نصيبه على
أصح القولين. انتهى ونبه بقوله على أصح القولين على خلاف ابن إدريس كما
عرفت ، حيث انه لم يوجب شيئا مع الثيوبة ، ومع البكارة لم يوجب إلا الأرش
وقال المحقق
الأردبيلي أنه لا بد من العقر بحصة الشركاء العشر ونصفه ، وفي أرش البكارة تأمل ،
والظاهر العدم ، لدخوله تحت عقر البكر ، ولهذا سكت عنه الأكثر انتهى وظاهره ان أرش
البكارة انما هو العشر ، وحينئذ فإذا وجب عليه في صورة ما إذا كانت بكرا من حيث
كونه مهرا فلا معنى لإيجابه مرة أخرى من حيث كونه أرشا ، مع أنك قد عرفت من كلام
المسالك إيجاب الأمرين ، الا ان ظاهر عبارة ابن إدريس يدل على ان أرش البكارة انما
هو تفاوت ما بين قيمتها بكرا وثيبا لا العشر ، فعلى هذا لا منافاة بين وجوب
الأمرين ، ولا يحضرني الان خبر صريح في تفسير الأرش في هذا المقام بأحد المعنيين ،
الا ان صحيحة الوليد بن صبيح المتقدمة في المسئلة التاسعة ظاهرة فيما ذكره المحقق
المشار اليه ، وكيف كان فالظاهر هو ما ذكره المحقق المذكور ، إذ لا يستفاد من
الاخبار أزيد من ذلك.
العاشر ـ خص
العلامة فيما تقدم من كلامه وجوب المهر بما إذا كانت مكرهة أو جاهلة ، وظاهره كون
المطاوعة أيضا كذلك ـ على خلاف فيها ، وجزم ابن فهد في المهذب بأن العالمة
المطاوعة لا مهر لها ، وكأنه بنى على خبر «لا مهر لبغي» وقد تقدم في المسئلة التاسعة قول شيخنا الشهيد بذلك في نظير
هذه المسئلة للخبر المذكور وفيه ما ذكرناه ثمة ـ الحادي عشر ـ ظاهر الأصحاب حرية
الولد حين انعقاده ، فهو حرفي الأصل وان لم يدفع الأب حصص الشركاء ، ووجوب التقويم
على أبيه
__________________
لا يوجب رقيته ، ففكه بالقيمة ليس على حسب فك الرق الوارث ليدفع اليه
الميراث ويظهر الفائدة فيما لو أوصى له حملا ، فإن الوصية صحيحة بناء على ما قلنا
، واما على تقدير انعقاده رقا وتوقف تحريره على فكه من الرقية فلا.
الثانية عشر ـ لو
سقط الولد بجناية جان عليه ، ألزم الجاني دية جنين حر للأب ، وهو عشر دية ، وعلى
الأب للشركاء دية جنين الأمة وهو عشر قيمتها إلا قدر نصيبه ، كذا ذكره جملة من
الأصحاب هنا والله العالم.
المسألة
الخامسة عشر ـ لو تنازع المأذون بعد شراء كل منهما صاحبه من مولاه في الأسبق ،
ليبطل بيع المتأخر لبطلان الاذن بزوال الملك ، ولا بينة لهما ولا لأحدهما فما
الحكم في ذلك؟ قال الشيخ في النهاية : المملوكان إذا كانا مأذونين في التجارة
فاشترى كل واحد منهما صاحبه من مولاه ، فكل من سبق منهما بالبيع كان البيع له ،
وكان الأخر مملوكا له ، فان اتفق ان يكون العقد ان في حالة واحدة أقرع بينهما ،
فمن خرج اسمه كان البيع له ، ويكون الأخر مملوكه وقد روى انه إذا اتفق العقدان في
حالة واحدة كانا باطلين والأحوط ما قدمناه. انتهى وتبعه على ذلك ابن البراج.
وقال ابن إدريس
: وان اتفق أن يكون العقدان في حالة واحدة كان العقد باطلا ، وقد روى انه يقرع بينهما
فمن خرج اسمه كان البيع له ، ويكون الأخر مملوكه ، وهذه الرواية لا يمكن المصير
إليها ، لأن القرعة تستعمل في الأشياء التي يجوز وقوع الصحة فيها وصحة أحدهما
وبطلان الحكم الأخر ، وهذا السؤال مبنى على انه وقع العقد ان في حالة واحدة وتحقق
وتيقن ذلك ، وقد روى انه يذرع الطريق والأول من الأقوال هو الصحيح الذي يقوى في
نفسي. انتهى.
والذي وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في
الفقيه عن أبي سلمة «عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في رجلين مملوكين مفوض إليهما يبيعان ويشتريان
بأموالهما ، وكان بينهما كلام فخرج هذا يعد والى مولى هذا ، وهذا الى مولى هذا ،
وهما في القوة سواء ، فاشترى هذا من مولى هذا العبد وذهب هذا فاشترى من مولى هذا
العبد الأخر ، فانصرفا الى مكانهما فتشبث كل واحد منهما بصاحبه وقال له : أنت عبدي
وقد اشتريتك من سيدك ، قال : يحكم
__________________
بينهما من حيث افترقا يذرع الطريق ، فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو
أبعد ، وان كانا سواء فهو رد على مواليهما» وزاد في الكافي «جاءا سواء وافترقا
سواء الا ان يكون أحدهما سبق صاحبه ، فالسابق هو له ، إنشاء باع وإنشاء أمسك وليس
له أن يضربه». قال في الكافي وفي رواية أخرى «ان كانت المسافة سواء أقرع بينهما ،
فأيهما وقعت القرعة عليه كان عبده». وروى الشيخ الخبر المذكور عن محمد بن يعقوب مع
الزيادة ، وكذا الرواية المرسلة الا ان فيه في آخر الرواية المرسلة «كان عبد الأخر»
وهو أظهر ، وعلى تقدير رواية الكليني يكون الضمير في عبده راجعا إلى الأخر ،
المفهوم من سياق الكلام وقرينة المقام.
ثم انه لا يخفى
ان المستفاد من الخبر المذكور هو كون المال الذي بيد المأذونين مالهما ، وهو مؤيد
لما قدمناه من تملك العبد ، وأن توقف التصرف على اذن السيد ، وان الشراء انما وقع
لكل منهما ، كما ينادى به قول كل واحد منهما للآخر أنت عبدي ، وقوله في الزيادة
التي في الكافي «فالسابق هو له ، إنشاء باع وإنشاء أمسك» وأنه لو تحقق سبق أحد
العقدين بقرب طريق أحدهما حكم بصحته وتقديمه ، وهو ظاهر ، وانه مع علم الاقتران
بتساوي الطريقين فالعقدان باطلان.
وظاهر الرواية
المرسلة انه مع تساوى الطريقين الموجب للاقتران ـ كما عرفت ـ فالحكم القرعة ،
وكأنه الى هذه المرسلة استند الشيخ في النهاية فحكم بالقرعة في صورة الاقتران ،
وفيه مناقضة ظاهرة لما دل عليه الخبر الأول من الحكم بالبطلان مع تساوى الطريقين.
وجملة من
الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك اعترض على الشيخ في الاستناد الى هذه
الرواية ، بأن المستفاد منها انما هو الاشتباه ، قال في الكتاب المذكور : انه صرح
في النهاية بالقرعة عند الاقتران محتجا بالرواية وهي لا تدل على
مطلوبه ، لانه فرضها في كتابي الأخبار فيما إذا كانت المسافة متساوية ،
واشتبه الحال ، لا فيما إذا علم الاقتران. انتهى.
أقول الظاهر ان
ما أورده على الشيخ غير وارد بعد التأمل في الخبرين المذكورين ، وذلك انه في الخبر
الأول فرض ان العبدين حين خرج كل واحد منهما الى مولى الأخر كانا متساويين في
القوة والعدو ، وأن مشيهما وعدوهما واحد ، فلذا أمر (عليهالسلام) بذرع الطريقين ، فان ظهر قرب أحدهما على السبق للقريب
، وان تساوى الطريقان حكم بالبطلان : وما ذاك الا من حيث حصول الاقتران بين
العقدين ، لان المفروض تساويهما في الطريق ، وتساويهما في العدو ، فيلزم الاقتران
واليه يشير قوله في الزيادة التي في الكافي «جاءا سواء ، وافترقا سواء» ومن هذه
الرواية حكم الأصحاب بالبطلان مع الاقتران ، لاستحالة الترجيح بغير مرجح.
والظاهر من ذكر
الكليني المرسلة المذكورة بعد هذه الرواية أنها من تتمة الرواية الاولى ، ومترتبة
على ما ذكر فيها من السؤال والجواب ، وانما حصل الاختلاف في صورة تساوى الطريقين ،
فالرواية المسندة دلت على البطلان ، والمرسلة دلت على القرعة ، وبه يحصل التعارض
بين هاتين التتمتين ، واحتمال كون هذه المرسلة رواية مستقلة لا معنى له ، لعدم
تقدم ذكر مسافة تشار إليها باللام العهدية ، وبما ذكرنا يظهر ما في اعتراضهم على
الشيخ ودعويهم أن المستفاد من المرسلة انما هو الاشتباه.
نعم يحصل
الإشكال في المرسلة المذكورة بما ذكره ابن إدريس من حيث أن القرعة انما تكون مع
صحة أحد العقدين ومجهوليته ، فيستخرج ذلك الصحيح منهما بالقرعة ، وأما مع علم
الاقتران كما هو المفروض والمفهوم من سياق الكلام فالظاهر بطلانهما كما صرحت به
الرواية الاولى ، وبذلك يظهر بقاء المسألة في قالب الاشكال ، وللأصحاب (رضوان الله
عليهم) هنا شقوق وتفريعات وأحكام زائدة على ما يفهم من اخبار المسألة وخارجة عنها
ليس للتعرض لها كثير فائدة بعد ما عرفت والله العالم.
الى هنا تم
الجزء التاسع عشر حسب تجزئتنا بحمد الله ومنه وقد بذلنا
الجهد غايته في
تصحيحه ومقابلته للنسخة المصححة بقلم المصنف
طاب ثراه التي
تفضل علينا بها حضرة حجة الإسلام العلامة
السيد عبد
اللطيف الحسيني القرشي دامت بركاته
العالية وله
الثناء الجميل والشكر الجزيل
ويتلوه الجز
العشرون في أحكام بيع
السلم إن شاء
الله تعالى ونرجو
من الله
التوفيق على طبع
بقية الاجزاء
والحمد لله رب
العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
علي الاخوندي
فهرس الجزء التاسع عشر
من كتاب الحدائق الناضرة
في أقسام الخيار.................................................................. ٣
في خيار المجلس.................................................................. ٤
في مسقطات خيار المجلس......................................................... ٧
تنبيهات خيار المجلس............................................................ ١٣
في خيار الحيوان................................................................ ١٩
في خيار الشرط................................................................ ٣١
في خيار الغبن.................................................................. ٤٠
في خيار التأخير................................................................ ٤٤
في خيار التأخير................................................................ ٥٣
تنبيهات خيار التأجير........................................................... ٥٤
في خيار الرؤية................................................................. ٥٦
فروع خيار الرؤية............................................................... ٥٨
في خيار العيب................................................................. ٦٠
في أحكام الخيار................................................................ ٦٥
في أحكام العيوب.............................................................. ٦٩
في أحكام خيار العيب.......................................................... ٨١
في أحكام التصرية.............................................................. ٩١
في أحكام العقود.............................................................. ١١٨
في أحكام النقد والسنيئة....................................................... ١٣٠
فيما يدخل في المبيع........................................................... ١٤٣
في القبض والاقباض........................................................... ١٥٣
في انه إذا حصل للمبيع نماء قبل القبض كان ذلك للمشترى........................ ١٦٥
حكم من باع شيئا فغصب من يده.............................................. ١٦٧
في بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه.............................................. ١٦٨
في أنه اذا قبض المشترى المبيع ثم ادعى نقصانه.................................... ١٨٤
إذا كان في ذمته طعام واراده منه في بلد اخرى..................................... ١٨٥
في اختلاف المتبايعين.......................................................... ١٩٠
تنبيهات في اختلاف المتبايعين.................................................. ١٩٤
في أقسام البيع................................................................ ١٩٨
في أحكام بيع المرابحة.......................................................... ٢٠٠
أحكام بيع المواضعة........................................................... ٢١٣
أحكام بيع المواضعة........................................................... ٢١٤
في بيع الرطب بالتمر.......................................................... ٢٤٣
في ان كل شئ وما تفرع منه شئ واحد........................................... ٢٤٧
حكم بيع اللحم بالحيوان....................................................... ٢٤٩
في ان الربا ليس الا في المكيل والموزون............................................ ٢٥١
في أن المعتبر في المكيل والموزون عادة البلدان...................................... ٢٥٤
في انه لاربابين الوالد وولده..................................................... ٢٥٧
في انه لا ربا بين السيد وعبده.................................................. ٢٥٩
في انه لا ربابين الزوج وزوجته................................................... ٢٦١
في انه لا ربابين المسلم واهل الحرب.............................................. ٢٦٤
تنبيهات في أحكام الربا........................................................ ٢٦٥
في أحكام الصرف............................................................ ٢٧٦
فروع في أحكام الصرف....................................................... ٢٨٣
أحكام بيع تراب المعدن........................................................ ٢٩١
أحكام بيع الدراهم المغشوشة................................................... ٢٩٥
أحكام بيع المراكب المحلاة...................................................... ٢٩٩
أحكام بيع السيف المحلى...................................................... ٣٠١
أحكام بيع المفضض........................................................... ٣٠٣
حكم ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم................................. ٣٠٧
حكم الأوانى المصبوغة من الذهب والفضة....................................... ٣٠٩
أحكام تراب الصياغة.......................................................... ٣١١
في ان الدراهم والدنانير يتعين بالتعيين............................................ ٣١٤
حكم من اشترى دراهم بدراهم في الذمة......................................... ٣١٦
حكم من اشترى دينارا بدينار فاتفق الزيادة في الدينار.............................. ٣١٩
حكم فضول الكيل والوزن..................................................... ٣٢٣
في بيع الثمار................................................................. ٣٢٥
في بيع أثمار الأشجار.......................................................... ٣٣٧
في بيع الخضر................................................................ ٣٤٣
في أحكام بيع الثمار.......................................................... ٣٤٥
تحريم المحاقلة والمزابنة........................................................... ٣٥٣
حكم بيع العرية............................................................... ٣٥٧
شروط بيع العرية.............................................................. ٣٥٩
في القبالة.................................................................... ٣٦٣
جواز بيع الزرع قائما على اصوله................................................ ٣٦٦
بيع حصائد الحنطة والشعير..................................................... ٣٦٧
في بيع الحيوان................................................................ ٣٧١
في أنه لا يستقر للرجل ملك أصوله وفروعه....................................... ٣٧٥
أحكام اللقيط والمنبوذ.......................................................... ٣٨٣
في انه لو ملك أحد الزوجين صاحبه ينفسخ الزوجية................................ ٣٨٥
في أنه من أقر على نفسه بالعبودية قبل منه....................................... ٣٨٧
أحكام بيع الحامل............................................................. ٣٩١
في ان العبد هل يملك أم لا؟.................................................... ٣٩٥
حكم من اشترى عبداً وله مال.................................................. ٣٩٩
في انه لو حدث في الحيوان عيب فله صور........................................ ٤٠٥
أحكام حدوث العيب في الحيوان................................................ ٤٠٧
حكم استثناء البايع الرأس والجلد من الحيوان...................................... ٤٠٩
حكم ما لو قال البايع الربح لنا ولا خسران عليك................................. ٤١٣
في ذكر جملة من الاحكام في شراء المماليك....................................... ٤١٦
في كراهة التفرقة بين الاطفال وامهاتهم............................................ ٤١٩
تنبيهات في أحكام التفرقة...................................................... ٤٢١
في وجوب استبراء الامة على البايع والمشترى...................................... ٤٢٥
في وجوب استبراء الامة على البايع والمشترى...................................... ٤٣٣
في سقوط الاستبراء في مواضع.................................................. ٤٣٥
في أحكام وطئ الحامل......................................................... ٤٤١
في وجوب العدة على الزانية..................................................... ٤٤٩
وجوب عتق الولد متى انزل عليها وهى حامل...................................... ٤٥٠
فيما لو اشترى جارية فظهرت مستحقة........................................... ٤٥٢
حكم الجارية المسروقة من أرض الصلح........................................... ٤٥٨
حكم ما يؤخذ من دار الحرب بغير اذن الامام عليه السلام.......................... ٤٦٢
جواز الشراء من الكافر بنته وأخته............................................... ٤٦٥
فيما لو دفع إلى مأذون مالا ليشترى به نسمة ويعتقها عنه.......................... ٤٦٧
حكم من اشترى عبداً وكان عند البايع عبدان..................................... ٤٧١
فيما إذا كانت الجارية بين الشركاء فوطئها أحدهم................................. ٤٧٥
فيما لو تنازع المأذونان بعد شراء كل منهما صاحبه في الاسبق....................... ٤٨١
|