
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المقصد الثالث
في نزول منى وما بها من المناسك
قال في القاموس
: «منى كإلى : قرية بمكة وتصرف ، سميت لما يمنى بها من الدماء ، قال ابن عباس لأن
جبرئيل (عليهالسلام) لما أراد أن يفارق آدم (عليهالسلام) قال : تمن. قال : انتمى الجنة ، فسميت به لأمنية آدم»
انتهى.
والمروي من
طرقنا ما رواه الصدوق (رحمهالله) في كتاب العلل عن محمد بن سنان قال : «إن أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) كتب إليه : أن العلة التي من أجلها سميت منى منى أن
جبرئيل قال هناك لإبراهيم (عليهالسلام) : تمن على ربك ما شئت ، فتمنى إبراهيم في نفسه أن يجعل
الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له ، فأعطاه مناه».
هذا وقد عرفت
مما تقدم الكلام في وقت الإفاضة من المشعر إلى منى
__________________
وما فيه من الخلاف ، وأن الأحوط تأخير الإفاضة إلى طلوع الشمس وإن كان
المشهور جوازه قبل الطلوع ، إلا أنه لا يجوز له أن يجوز وادي محسر الذي هو حد
المشعر مما يلي منى إلا بعد طلوع الشمس.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس».
والمتبادر من
تحريم مجاوزته تحريم قطعه والخروج منه ، لأن الأصحاب (رضوان الله عليهم) صرحوا
بعدم جواز قطعه ولا بعضه قبل طلوع الشمس ، لخروجه عن المشعر ، وهو مؤيد لما قدمناه
من ترجيح عدم جواز الإفاضة قبل طلوع الشمس.
ويمكن أن يكون
هذا وجه جمع بين الاخبار المتقدمة بأن تحمل الأخبار الدالة على أفضلية الإفاضة قبل
الطلوع على الإفاضة من محله الذي بات فيه وان بقي في حدود المشعر إلى طلوع الشمس ،
ولا يدخل في وادي محسر الذي هو حدها الخارج عنها من هذه الجهة إلا بعد طلوعها ،
والأخبار الدالة على أنه لا يجوز له الإفاضة قبل طلوع الشمس وإن أفاض فعليه دم على
الخروج من حدود المشعر قبل طلوع الشمس ، لا على الإفاضة من منزله الذي بات فيه ،
وعلى هذا الوجه تجتمع الاخبار. إلا أن ظاهر عبارة
__________________
كتاب الفقه يحتاج في قبوله إلى نوع تكلف وتأويل.
ويستحب السعي
في وادي محسر بعد دخوله والدعاء بالمأثور ، وهو ما رواه الصدوق في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا مررت بوادي محسر ـ وهو واد عظيم بين جمع
ومنى ، وهو إلى منى أقرب ـ فاسع فيه حتى تجاوزه ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حرك ناقته فيه ، وقال : اللهمّ سلم عهدي ، واقبل توبتي
، وأجب دعوتي ، واخلفني بخير فيمن تركت بعدي».
وفي الصحيح عن
محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «الحركة في وادي محسر مأة خطوة». قال الصدوق (ره)
وفي حديث آخر «مائة ذراع».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «فإذا بلغت طرف وادي محسر فاسع فيه مقدار مأة خطوة ،
وإن كنت راكبا فحرك راحلتك قليلا».
وروى في الكافي
عن عمر بن يزيد قال : «الرمل في وادي محسر قدر مأة ذراع».
والظاهر أن هذه
الرواية هي التي أشار إليها الصدوق فيما تقدم من عبارته ، إلا أن الرواية مقطوعة
كما ترى.
__________________
ويستحب الرجوع
للسعي لو تركه في الموضع المذكور ، لما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن حفص بن
البختري وغيره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «أنه قال لبعض ولده : هل سعيت في وادي محسر؟ قال : لا
فأمره أن يرجع حتى يسعى ، قال : فقال : إني لا أعرفه ، فقال له : سل الناس».
وعن الحجال عن
بعض أصحابه قال : «مر رجل بوادي محسر فأمر أبو عبد الله (عليهالسلام) بعد الانصراف إلى مكة أن يرجع فيسعى».
وإطلاق النص
يقتضي عدم الفرق في الترك بين أن يكون نسيانا أو غيره ، فيستحب الرجوع في الجميع.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن مناسك منى يوم النحر ثلاثة : رمي جمرة العقبة ، ثم الذبح ، ثم الحلق.
وتحقيق الكلام في ذلك يقتضي بسطه في فصول ثلاثة :
الفصل الأول
في رمي جمرة العقبة
وفيه مسائل
الأولى الأظهر
الأشهر وجوب الرمي ، وظاهر العلامة في المنتهى والتذكرة أنه لا خلاف فيه ، قال في
المنتهى : «إذا ثبت هذا فان رمي هذه الجمرة بمنى
__________________
يوم النحر واجب ، ولا نعلم فيه خلافا».
مع أنه في
المختلف قد نقل جملة من الأقوال المختلفة في ذلك ، فنقل عن الشيخ في الجمل أنه ذهب
إلى أن الرمي مسنون قال : «وكذا قال ابن البراج ، والمشهور الوجوب ، وعن الشيخ
المفيد أنه قال : وفرض الحج الإحرام والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا
والمروة وشهادة الموقفين وما بعد ذلك سنن ، بعضها أوكد من بعض ، وهو يشعر
بالاستحباب ايضا ، ـ قال ـ : والشيخ لما عد فرائض الحج في كتابي النهاية والمبسوط
لم يذكر الرمي وقال في الاستبصار : قد بينا أن الرمي سنة ، وليس بفرض في كتابنا
الكبير وقال ابن حمزة : الرمي واجب عند أبي يعلى ، مندوب عند الشيخ أبي جعفر
والخذف واجب عند السيد ، وقال ابن الجنيد : سنة ، ثم قال : ومن ترك رمى الجمار
كلها متعمدا فقد روي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) انه لم يتم حجه ، وعليه الحج من قابل ، ولم تحل له النساء
أيضا ، فإن كان جاهلا فعلم وهو بمكة رجع حتى يرميها متفرقا ، فان خرج من مكة أمر
من يرمي عنه ،. وقال أبو الصلاح : فإن أخل برمي الجمار أو بشيء منه ابتداء أو
قضاء أثم بذلك ووجب عليه تلافي ما فرطه ، وحجه ماض ، وقال ابن إدريس : وهل رمي
الجمار واجب أو مسنون؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا ، ولا أظن أحدا من
المسلمين يخالف فيه ، وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنه مسنون غير واجب ، لما
يجده من كلام بعض المصنفين وعبارة موهمة أوردها في كتبه ويقلد المسطور بغير فكر
ولا نظر ، وهذا غاية الخطأ وضد الصواب ، فان شيخنا (ره) قال في الجمل :
__________________
والرمي مسنون فظن من يقف على هذه العبارة أنه مندوب ، وانما أراد الشيخ
بقوله : مسنون أن فرضه عرف من جهة السنة ، لأن القرآن لا يدل على ذلك» ثم أطال في
الاستدلال.
أقول : لا يخفى
عليك بعد ملاحظة ما سمعت من الأقوال بعد ما تكلفه ابن إدريس من هذا الاحتمال ، ولو
لم يكن ثمة إلا عبارة الشيخ في الجمل التي ذكرها لأمكن ما ذكره من التأويل ، إلا
أن كلمات الشيخ وغيره متكثرة بذلك.
ولهذا قال
شيخنا الشهيد في الدروس : «ذهب الشيخ والقاضي وهو ظاهر المفيد وابن الجنيد إلى
استحباب الرمي. وقال ابن إدريس : لا خلاف عندنا في وجوبه ، ولا أظن أحدا من
المسلمين يخالف فيه. وكلام الشيخ انه سنة محمول على ثبوته بالسنة. وقال المحقق :
لا يجب قضاؤه في القابل لو فات مع قوله بوجوب أدائه ، والأصح وجوب الأداء والقضاء»
انتهى.
وقال شيخنا
أمين الإسلام الطبرسي طاب ثراه في كتاب مجمع البيان : «وأركان أفعال الحج : النية
والإحرام والوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر وطواف الزيارة والسعي بين الصفا والمروة ،
وأما الفرائض التي ليست بأركان فالتلبية وركعتا الطواف وطواف النساء وركعتا الطواف
له ، وأما المسنونات من أفعال الحج فمذكورة في الكتب المصنفة فيه. وأركان فرائض
العمرة : النية والإحرام وطواف الزيارة والسعي وأما ما ليس بركن من فرائضها
فالتلبية وركعتا الطواف وطواف النساء وركعتا الطواف له» انتهى.
وظاهره بل
صريحه كما ترى أن ما عدا هذه المعدودة من المسنونات والمستحبات ، وأن ذلك هو الذي
عليه متقدمو الأصحاب ممن سبقه وعاصره
من غير خلاف يعرف ، حيث إنه لم يسنده إلى قائل مخصوص ولم ينقل فيه خلافا ،
وظاهره أنه مسلم الثبوت. وهو مشكل أي إشكال ومعضل أي إعضال ، لما يفهم من الاخبار
من وجوب الأمور المذكورة كما سنشرحه إنشاء الله تعالى كملا في موضعه.
فمما يدل على
وجوب الرمي هنا قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته : «ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل
وجهها» الحديث.
وما رواه في
الكافي عن علي بن أبي حمزة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر ليلا فلا
بأس ، فليرم الجمرة ثم ليعض وليأمر من يذبح عنه» الحديث.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «رخص رسول الله (صلىاللهعليهوآله) للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل وأن يرموا الجمار بليل
وأن يصلوا الغداة في منازلهم ، فان خفن الحيض مضين إلى مكة ووكلن من يضحي عنهن».
وفي الصحيح أو
الحسن عن حفص بن البختري وغيره عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «رخص رسول الله (صلىاللهعليهوآله) للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل وأن يرموا
الجمرة بليل ، فإن
__________________
أرادوا أن يزوروا البيت وكلوا من يذبح عنهم».
وعن سعيد
السمان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عجل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى ، فأمر من كان
عليها منهن هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح ، ومن لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي
إلى مكة حتى تزور».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : لا بأس أن تقدم النساء إذا زال
الليل ، فيقفن عند المشعر الحرام ساعة ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة ، ثم
يصيرن ساعة ثم ليقصرن ، وينطلقن إلى مكة فيطفن ، إلا أن يكن يردن أن يذبح عنهن
فإنهن يوكلن من يذبح عنهن».
وعن سعيد
الأعرج في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل ، قال : نعم ـ إلى
أن قال ـ ثم أفض بهن حتى تأتي بهن الجمرة العظمى ، فيرمين الجمرة ، فان لم يكن عليهن
ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن» الحديث.
وبذلك يظهر أن
القول بالاستحباب بعد ورود هذه الاخبار مما لا يلتفت إليه ، ولا يعرج في مقام
التحقيق عليه.
المسألة الثانية
يجب فيه أمور أحدها
ـ النية ، وقد تقدم الكلام فيها في غير مقام.
__________________
وثانيها ـ
العدد ، وهو سبع حصيات ، وعليه اتفاق الخاصة والعامة ، ويدل عليه رواية أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات ، فقال : خذ واحدة من
تحت رجلك».
واستدل على ذلك
برواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل رمى الجمرة بست حصيات فوقعت واحدة
في الحصى ، قال : يعيدها إن شاء من ساعته ، وان شاء من الغد إذا أراد الرمي ، ولا
يأخذ من حصى الجمار».
وفي الدلالة
تأمل ، لاحتمال أن تلك الواحدة التي وقعت من الست ، فلا يتم الاستدلال.
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وارم جمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات». وهو
صريح في المطلوب.
وما رواه في
الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «أنه قال في رجل أخذ احدى وعشرين حصاة فرمى بها ، فزاد
واحدة فلم يدر من أيتهن نقصت؟ قال فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة ، قال : وقال في
رجل رمى الأولى بأربع والأخيرتين
__________________
بسبع سبع ، قال : يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ ، الحديث. وسيأتي بتمامه
قريبا إنشاء الله تعالى ، ونحوه غيره.
وثالثها ـ إيصالها
بما يسمى رميا ، فلو وضعها وضعا من غير رمي لم يجز ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته المتقدمة : «ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل
وجهها ،. والأمر للوجوب ، والامتثال انما يحصل بإيجاد الماهية التي تعلق بها الأمر
، ولا ريب أن الوضع بالكف وطرحها لا يدخل تحت مفهوم الرمي ، فلا يكون مجزئا.
وقال العلامة
في المنتهى : «ويجب إيصال كل حصاة إلى الجمرة بما يسمى رميا بفعله ، فلو وضعها
بكفه في المرمي لم يجزه ، وهو قول العلماء» ثم استدل عليه بالأمر بالرمي في حديث
معاوية المذكور وحديث آخر من طريق الجمهور ثم قال : «ولو طرحها قال بعض الجمهور : لا يجزؤه ، لأنه
لا يسمى رميا ، وقال أصحاب الرأي : يجزؤه ، لأنه يسمى رميا. والحاصل أن الخلاف وقع
باعتبار الخلاف في صدق الاسم ، فان سمي رميا أجزأ بلا خلاف ، وإلا لم يجز إجماعا»
انتهى.
أقول : لا يخفى
أن الظاهر من كلام أهل اللغة أن الطرح بمعنى الرمي قال في القاموس : «طرحه وبه
كمنعه : رماه وأبعده».
وقال أحمد بن
محمد الفيومي في كتاب المصباح المنير : «طرحته طرحا من باب نفع : رميت به ، ومن
هنا قيل : يجوز أن يعدى بالباء فيقال :
__________________
طرحت به ، لأن الفعل إذا تضمن معنى فعل جاز أن يعمل عمله ، وطرحت الرداء
على عاتقي ألقيته عليه» انتهى.
وقال في كتاب
شمس العلوم : «طرح الشيء ألقاه ، يقال : طرحه وطرح به بمعنى ، والتحقيق المتسارع
إلى الذهن أنه إذا قيل : رميت زيدا بالحجر ورميت الجمرة بالحصاة فلا معنى له إلا
باعتبار القذف بها من بعد ورميها في الهواء حتى تصل إليه ، وإذا قيل : رميت الحجر
أو رميت بالحجر فهو بمعنى إلقاؤه من يده وابعاده عنه ، وهذا المعنى هو الذي يطلق
عليه الطرح ، فيقال : طرحته وطرحت به ، لا المعنى الأول ، وأما الوضع فهو أخص من
ذلك».
ورابعها ـ إصابة
الجمرة بها بفعله ، وهو مما لا خلاف فيه بين كافة العلماء.
وعليه يدل قوله
(عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «إن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها ، وإن
أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك».
قال في الدروس
: «والجمرة اسم لموضع الرمي ، وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى ، وقيل : هو
مجتمع الحصى لا السائل منه ، وصرح علي بن بابويه بأنه الأرض» انتهى.
وقال في
المدارك : «وينبغي القطع بإصابة البناء مع وجوده ، لأنه المعروف الآن من لفظ
الجمرة ، ولعدم تيقن الخروج عن العهدة بدونه ، أما مع زواله فالظاهر الاكتفاء
بإصابة موضعه» انتهى. وهو جيد.
أقول : ولعل
مستند ما نقل عن علي بن بابويه هنا قوله (عليهالسلام)
__________________
في كتاب الفقه الرضوي : «فإن رميت ووقعت في محمل وانحدرت منه الى الأرض أجزأ
عنك ، وإن بقيت في المحمل لم تجز عنك ، وارم مكانها أخرى». فإن ظاهرها الاكتفاء
بإصابة الأرض وإن كان من أول الرمي ، ولعله لو نقلت عبارته لكانت هي العبارة
المذكورة كما عرفته غير مرة.
فلو وقعت على
الأرض ثم وثبت إلى الجمرة بواسطة صدم الأرض أو المحمل أو نحو ذلك أجزأت كما سمعته
من عبارة كتاب الفقه وصحيحة معاوية بن عمار والوجه فيه ظاهر ، لأنه مستند إلى رميه.
وكذا لو وقعت
على ما هو أعلى من الجمرة ثم استرسلت إليها.
ولو شك في
الإصابة أعاد ، لعدم تحقق الامتثال الموجب للبقاء تحت عهدة الخطاب.
وخامسها ـ أن
يرميها متفرقة متلاحقة ، فلو رمى بها دفعة لم يجزه ، لأن المروي من فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) انما هو الأول ، وهي عبادة مبنية على التوقيف ، فلا
يجزئ ما عدا ذلك ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا.
قال في المنتهى
: «ورمي كل حصاة بانفرادها ، فلو رمى الحصيات دفعة لم يجزء ، لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) رمى متفرقات ، وقال : خذوا عني مناسككم ».
__________________
وفي الدروس
أنها تحسب واحدة ، وفيه اشكال ، قال : «والمعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة ، فلو
أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت ، ولو رمى بها دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز» وفي
الاجزاء في الصورة الأولى أيضا إشكال.
وبالجملة
فالواجب الوقوف على الكيفية المنصوصة المعلومة من فعلهم (عليهمالسلام) إذ لا مستند في أصل المسألة إلا ذلك كما عرفت ، والذي
دلت عليه الاخبار ونقل من فعلهم (عليهمالسلام) هو الرمي واحدة بعد واحدة.
وسادسها ـ مباشرة
الرمي بنفسه ، فلو استناب غيره لم يجزه إلا مع الضرورة ، كما سيأتي بيانه إنشاء
الله تعالى.
وسابعها ـ وقوع
الرمي في وقته ، وهو من طلوع الشمس الى غروبها ، فلو رمى في ليلة النحر أو قبل
طلوع الشمس لم يجز إلا لعذر ، كما تقدم وسيأتي بيانه إنشاء الله تعالى في المقام.
المسألة الثالثة
للرمي مستحبات (منها)
الطهارة على الأشهر الأظهر ، ونقل عن الشيخ المفيد والمرتضى وابن الجنيد أنه لا
يجوز الرمي إلا على طهر.
ويدل على
المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ويستحب أن ترمي الجمار على طهر».
__________________
وعن أبي غسان
عن حميد بن مسعود قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رمي الجمار على غير طهر ، قال : الجمار عندنا مثل
الصفا والمروة حيطان إن طفت بينهما على غير طهر لم يضرك ، والطهر أحب الي فلا تدعه
وأنت قادر عليه».
وأما ما رواه
الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الجمار ، فقال : لا ترم الجمار إلا وأنت على طهر». وما
رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي بن الفضل الواسطي عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «لا ترم الجمار إلا وأنت طاهر». فحملهما الأصحاب
(رضوان الله عليهم) على الاستحباب كما هو صريح صحيح معاوية بن عمار.
ولعل من ذهب
الى الوجوب استند إلى ظاهر هذين الخبرين ، الا أن وجه الجمع بينهما وبين غيرهما
مما عرفت يقتضي الحمل على ما ذكروه (رضوان الله تعالى عليهم).
__________________
وقد تقدم في
كتاب الطهارة في باب الأغسال المستحبة أن بعض الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ذكر استحباب
الغسل لرمي الجمار وقد قدمنا أنه لا دليل عليه.
ويؤيده أنه قد
روى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الغسل إذا رمى الجمار ، قال : ربما
فعلت ، فأما السنة فلا ، ولكن من الحر والعرق».
وعن الحلبي
أيضا في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الغسل إذا أراد أن يرمي الجمار ، فقال : ربما
اغتسلت ، فأما من السنة فلا».
وهذه الأخبار
كما ترى ظاهرة في عدم استحباب الغسل ، وأنه ليس سنة وانما يقع لازالة العرق والحر
ونحو ذلك.
و (منها) رمي
جمرة العقبة مقابلا لها مستدبرا للقبلة ، وقال ابن أبي عقيل : «يرميها من قبل
وجهها من أعلاها».
وقال الشيخ علي
بن الحسين بن بابويه : «وتقف في وسط الوادي مستقبل القبلة يكون بينك وبين الجمرة
عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة وتقول وأنت مستقبل القبلة».
هكذا نقل عنه
في المختلف بعد أن نقل عن المشهور انه يرمي هذه الجمرة من قبل وجهها مستدبر القبلة
مستقبلا لها ، فان رماها عن يسارها
__________________
مستقبلا للقبلة جاز إلا أن الأول أفضل ، وهو اختيار الشيخ وابن أبي عقيل
وأبي الصلاح وغيرهم ، وقال علي بن بابويه. ثم نقل العبارة المذكورة ، ثم قال : «لنا
ما رواه معاوية بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل
وجهها».
وظاهر كلامه قدسسره أنه فهم من كلام الشيخ علي بن بابويه المذكور هو رميها
مستقبل القبلة ، فنسبه بهذا الى مخالفة المشهور من استحباب رميها مستدبر القبلة
مقابلا لوجهها.
والشهيد في
الدروس قد نقل عنه ما هذه صورته قال : «وقال علي بن بابويه يقف في وسط الوادي
مستقبل القبلة ، ويدعو والحصى في يده اليسرى ، ويرميها من قبل وجهها لا من أعلاها
ـ قال في الدروس ـ وهو موافق للمشهور إلا في موقف الدعاء» انتهى.
أقول : لا يخفى
أن رسالة الشيخ المذكور لا تحضرني ، إلا أن عبارته المذكورة إنما أخذت من كتاب
الفقه الرضوي على النمط الذي تكرر ذكره في غير مقام.
وهذه صورة
عبارة الكتاب «وارم جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات ، وتقف في وسط
الوادي مستقبل القبلة يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة ، وتقول
وأنت مستقبل القبلة والحصى في كفك اليسرى اللهم هذه حصيات فاحصن لي عندك ، وارفعهن
في عملي ،
__________________
ثم تتناول منها واحدة ، وترمى من قبل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها ، وتكبر
مع كل حصاة». انتهى.
وهو ظاهر فيما
ذكره شيخنا الشهيد في الدروس من موافقة القول المشهور في رمي الجمرة العقبة من قبل
وجهها ، والمخالفة في موقف الدعاء خاصة.
وبالجملة فإن
صحيحة معاوية بن عمار قد دلت على أنه يرميها من قبل وجهها لا من أعلاها ، وهكذا
عبارة كتاب الفقه المذكورة ، وهما ظاهرتان في الرد لما نقل عن ابن أبي عقيل ، ولم
نقف له فيما نقل عنه على دليل.
وأما رمى
الأولى والثانية فيرميهما عن يسارهما ويمينه مستقبل القبلة.
و (منها) البعد
عن الجمرة بعشر خطوات أو خمس عشرة خطوة ، لما عرفت من عبارة كتاب الفقه ، وفي
صحيحة معاوية بن عمار «وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا». وهو قريب
من الأول ، لأن ما بين الخطى لا يقصر عن الذراع ولا يزيد عليه غالبا.
و (منها) استحباب
الدعاء ، ففي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند
العقبة فارمها من قبل وجهها. ولا ترمها من أعلاها ، وتقول والحصى في يدك : اللهم
هؤلاء حصياتي فأحصهن لي ، وارفعهن في عملي ، ثم ترمي ، فتقول مع كل حصاة : الله
أكبر ، اللهم أدحر عني الشيطان ، اللهمّ تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللهم
اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ، وليكن فيما بينك وبين
الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، فإذا أتيت رحلك ورجعت من الرمي فقل :
اللهم بك وثقت وعليك توكلت ، فنعم
__________________
الرب ونعم المولى ونعم النصير ، قال : ويستحب أن ترمي الجمار على طهر».
و (منها) استحباب
التكبير مع كل حصاة ، كما في رواية كتاب الفقه والتكبير مع الدعاء كما في صحيحة معاوية المتقدمة .
وروى في الكافي
في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ما أقول إذا رميت؟ قال : كبر مع كل
حصاة».
و (منها) أن
يكون الحصى في يده اليسرى ويرمي باليمنى ، وقد تقدم ما يدل على ذلك في عبارة كتاب
الفقه .
وفي رواية أبي
بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى».
و (منها) الرمي
ماشيا على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله تعالى عليه) وقد اختلف هنا كلام الشيخ.
فقال في كتاب
النهاية : «لا بأس أن يرمي الإنسان راكبا ، وإن رمى ماشيا كان أفضل».
وقال في
المبسوط لما ذكر رمي جمرة العقبة : «يجوز أن يرميها راكبا وماشيا ، والركوب أفضل ،
لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) رماها راكبا» وهو اختيار ابن إدريس على ما نقله في
المختلف.
__________________
قال في المدارك
بعد نقل عبارة المبسوط واحتجاجه بأن النبي (صلىاللهعليهوآله) رماها راكبا ما صورته : «ولم أقف على رواية تتضمن ذلك
من طريق الأصحاب» انتهى.
وفيه ما سيظهر
لك إنشاء الله تعالى من ورود الرواية بذلك ، إلا أنه لم يقف عليها.
والذي وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار
قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل رمى الجمار وهو راكب فقال : لا بأس به».
وما رواه في
الكافي عن مثنى عن رجل عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) «أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كانت يرمي الجمار ما شاء».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يرمي الجمار ماشيا».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن الحسين عن بعض أصحابنا عن أحدهم (عليهمالسلام) في رمي الجمار «أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رمى الجمار راكبا على راحلته».
وفي الصحيح عن
أحمد بن محمد بن عيسى أنه رأى أبا جعفر (عليهالسلام) رمى الجمار راكبا».
__________________
وعن عبد الرحمن
بن أبي نجران في الصحيح «أنه رأى أبا الحسن الثاني (عليهالسلام) رمى الجمار وهو راكب حتى رماها كلها».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن عنبسة بن مصعب قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) بمنى يمشي ويركب ، فحدثت نفسي أن أسأله حين ادخل عليه
، فابتدأني هو بالحديث ، فقال : إن علي بن الحسين (عليهماالسلام) كان يخرج من منزله ماشيا إذا رمى الجمار ، ومنزلي
اليوم أنفس من منزله ، فأركب حتى انتهى إلى منزله ، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت
حتى أرمي الجمار».
أقول : «قوله (عليهالسلام) : ومنزلي اليوم أنفس» أي افسح ، من النفس بالتحريك
بمعنى الفسحة ، قال في النهاية «ومنه الحديث ثم يمشي أنفس منه ، أي افسح وأبعد قليلا».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن علي بن مهزيار قال : «رأيت أبا جعفر (عليهالسلام) يمشي بعد يوم النحر ثم يرمي الجمرة : ثم ينصرف راكبا ،
وكنت أراه ماشيا بعد ما يحاذي المسجد بمنى ، قال : وحدثني علي بن محمد بن سليمان
النوفلي عن الحسن بن صالح عن بعض أصحابنا قال : نزل أبو جعفر (عليهالسلام) فوق المسجد بمنى قليلا عن
__________________
دابته حين توجه ليرمي الجمار عند مضرب علي بن الحسين (عليهماالسلام) فقلت له : جعلت فداك لم نزلت هاهنا؟ فقال : إن هذا
مضرب علي بن الحسين (عليهماالسلام) ومضرب بني هاشم وأنا أحب أن امشي في منازل بني هاشم». أقول
: المفهوم من هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض هو التخيير بين الركوب والمشي من غير
تفضيل في جانب أحدهما على الآخر ، لأن جملة منها قد تضمنت أنهم (عليهمالسلام) كانوا يرمون مشاة ، وجملة أخرى تضمنت أنهم (عليهمالسلام) كانوا يرمون ركبانا ، ودعوى حمل أخبار المشي على الفضل
والاستحباب وأخبار الركوب على الجواز ـ كما يفهم من المدارك وغيره ـ يحتاج الى
دليل.
وبالجملة فهذه
أخبار المسألة التي وقفت عليها ، ولا يظهر لي منها وجه رجحان وتفضيل لأحد الأمرين ،
كما لا يخفى على المتأمل ، ودعوى أن المشي أشق ، وأفضل الأعمال أحمزها مع كونه خارجا عن أدلة المسألة غير مسلم على إطلاقه.
و (منها) الرمي
خذفا على المشهور ، وقال السيد المرتضى رضى الله عنه : «مما انفردت به الإمامية
القول بوجوب الخذف بحصى الجمار ، وهو أن يضع الرامي الحصاة على إبهام يده اليمنى
ويدفعها بظفر إصبعه الوسطى».
ووافقه ابن
إدريس ، فقال بالوجوب ، وربما كان منشأه الاعتماد على الإجماع المفهوم من كلامه ،
وإن لم يذهب إليه غيره على ما يفهم من كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
ومنهم العلامة في المختلف ، حيث
__________________
انه نسبه إلى متفرداته قدسسره ، واستند الأصحاب فيما ذهبوا إليه من الاستحباب بأن
الأصل وإطلاق الأمر بالرمي يقتضي عدم الوجوب.
والذي يدل على
الاستحباب ما رواه الكليني عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «حصى الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها
سوداء ولا بيضاء ولا حمرا ، خذها كحيلة منقطة تخذفهن خذفا ، وتضعها على الإبهام
وتدفعها بظفر السبابة».
وهذا الحديث
رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن أبي
نصر البزنطي فهو صحيح.
واستندوا في
حمل الأمر بالخذف في الرواية على الاستحباب إلى ما اشتملت عليه من الأوامر
والنواهي التي بمعنى الاستحباب والكراهة ، وفيه ما لا يخفى.
بقي الكلام في
معنى الخذف بالخاء والذال المعجمتين ، والرواية المذكورة قد فسرته بما عرفت ، وهو
ظاهر كلام الشيخين وأبي الصلاح ، حيث فسروه بأنه وضع الحصاة على إبهام يده اليمنى
ودفعها بظفر السبابة.
وقال ابن
البراج : «يأخذ الحصاة فيضعها على باطن إبهامه ويدفعها بالسبابة ـ قال ـ : وقيل :
يضعها على ظهر إبهامه ويدفعها بالسبابة».
واما ما ذكره
المرتضى (رحمهالله) مما قدمنا نقله عنه فلم نقف على مأخذه ، وكلام أهل
اللغة أيضا لا يساعده.
قال في كتاب
المصباح المنير : «خذفت الحصاة ونحوها خذفا من
__________________
باب ضرب رميتها بطرفي الإبهام والسبابة».
وقال في
القاموس : «الخذف كالضرب : رميك بحصاة أو نواة ونحوهما ، تأخذ بين سبابتيك تخذف به».
وقال الجوهري :
«الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع».
وبالجملة
فالعمل على ما دل عليه الخبر ، والأحوط أن لا يرمي بغير هذه الكيفية ، وسيأتي
إنشاء الله تعالى تتمة الكلام في بقية أحكام الرمي في المباحث الآتية.
الفصل الثاني
في الذبح
وتحقيق الكلام
فيه يقع في مقامات :
المقام الأول
في الهدي
وفيه مسائل :
الأولى :
لا خلاف بين
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في وجوب الهدي على المتمتع وعدم وجوبه على غيره
من الفردين الآخرين حكاه العلامة في التذكرة والمنتهى.
اما الأول
فلقوله عزوجل
«فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
والاخبار
الكثيرة.
ومنها قول أبي
جعفر (عليهالسلام) في حديث زرارة في المتمتع «وعليه الهدى ، قال زرارة : فقلت : وما الهدى؟ قال : أفضله بدنة وأوسطه
بقرة وأخسه شاة».
وما رواه في
الكافي عن سعيد الأعرج قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج
فعليه شاة ، ومن تمتع في غير أشهر الحج ثم يجاور بمكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم
انما هي حجة مفردة». وهو ظاهر في أن المتمتع يجب عليه الهدى وغيره لا يجب عليه.
وما رواه في
التهذيب عن إسحاق بن عبد الله قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن المعتمر المقيم بمكة يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى ،
فقال : يتمتع أحب إلي ، وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين ، فان اقتصر على
عمرته في رجب لم يكن متمتعا ، وإذا لم يكن
__________________
متمتعا لا يجب عليه الهدى».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهالسلام) قال : «سألته عن المتمتع كم يجزؤه؟ قال : شاة».
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر من نوادر احمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «أنه سأله عن المتمتع كم يجزؤه؟ قال شاة».
وأما الثاني ـ وهو
أنه لا يجب على غير المتمتع قارنا كان أو مفردا مفترضا أو متنفلا ـ فالأصل وعدم ما
يوجب الخروج عنه وما تقدم في رواية سعيد الأعرج ورواية إسحاق بن عبد الله وقوله (عليهالسلام) في حسنة معاوية في المفرد : «وليس عليه هدى ولا أضحية».
ونقل في
المختلف عن سلار أنه عد في أقسام الواجب سياق الهدى للمقرن والمتمتع ، واحتج له بما
رواه عيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) «أنه قال في رجل اعتمر في رجب واقام بمكة حتى يخرج
منها حاجا فقد وجب عليه الهدى وإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدى». ثم
أجاب عنها بالحمل على الاستحباب أو على من اعتمر في رجب واقام بمكة إلى أشهر الحج
ثم تمتع فيها بالعمرة
__________________
إلى الحج. انتهى.
أقول : وربما
قيل : إن هذا الهدي جبران من كان عليه أن يحرم بالحج من خارج وجوبا أو استحبابا
فأحرم من مكة ، فإن خرج حتى يحرم عن موقفه فليس عليه هدي ، ولا بعد فيه ، فإنه قد
ورد به روايات.
ولعله إلى هذا
المعنى أشار في الدروس حيث قال : «وفي صحيح العيص يجب على من اعتمر في رجب واقام
بمكة وخرج منها حاجا ، لا على من خرج فأحرم من غيرها ، وفيه دقيقة». انتهى. فان
الظاهر أن الدقيقة المشار إليها هي ما ذكرناه من جعل الهدي جبرانا في الصورة
المذكورة.
وقد تقدمت جملة
من الأخبار دالة على أن المجاور بمكة إذا أراد الحج إفرادا فإنه يخرج من أول ذي
الحجة إلى الجعرانة أو التنعيم ، فيهل بالحج ويبقى إلى يوم التروية ، ويخرج إلى
الحج ، وهذه الرواية دلت على أن من خرج وعقد الحج من خارج مكة فليس عليه هدي ، ومن
لم يخرج وأحرم من مكة فعليه الهدي جبرانا لحجة ، حيث أخل بالخروج إلى خارج مكة ،
ويدل على الهدي في الصورة المذكورة بعض الاخبار التي لا يحضرني الآن موضعها.
والحمل على
التقية أيضا غير بعيد ، لأنه مذهب أبي حنيفة واتباعه كما نقله في المنتهى.
وبالجملة فإن
هذه الرواية معارضة بما هو أوضح دلالة وأصرح مقالة وأوفق بمطابقة الأصول واتفاق
الأصحاب كما عرفت ، عدا القائل المذكور فتعين تأويلها بأحد الوجوه المذكورة وإلا
فطرحها ، والله العالم.
الثانية :
اختلف الأصحاب
في حكم المكي لو تمتع هل يجب عليه هدي أم لا؟ فالمشهور الأول ، لعموم الأدلة
الدالة على وجوب الهدي في حج التمتع مطلقا ، وقال الشيخ في بعض كتبه بالثاني.
واحتج الشيخ
بقوله تعالى
«ذلِكَ
لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ»
فان معناه أن
الهدي لا يلزم إلا من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، قال : «ويجب أن يكون قوله
ذلك راجعا إلى الهدي لا إلى التمتع ، ولو قلنا : إنه راجع إليهما وقلنا : إنه لا
يصح منهم التمتع أصلا لكان قويا» انتهى.
وأجاب عنه في
المختلف بأن «عود الإشارة إلى الأبعد أولى ، لما عرفت من أن النحاة فصلوا بين
الرجوع إلى القريب والبعيد والأبعد في الإشارة ، فقالوا في الأول : «ذا» وفي
الثاني «ذاك» وفي الثالث «ذلك» قال : مع أن الأئمة (عليهمالسلام) استدلوا على أن أهل مكة ليس لهم متعة بقوله تعالى
«ذلِكَ
لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ»
والحجة في
قولهم» انتهى. وهو جيد.
وقد تقدمت
الروايات التي أشار إليها قدسسره في استدلال الأئمة
__________________
صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في المقدمة الرابعة في أقسام الحج .
والمحقق في
الشرائع قد وافق الشيخ في مقدمات كتاب الحج في المقدمة المتضمنة لتقسيم الحج ،
فقال بعد ذكر الخلاف في جواز التمتع لأهل مكة : «ولو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي»
ووافق المشهور في باب الهدي من الكتاب المذكور ، فقال : «ولو تمتع المكي وجب عليه
الهدي».
ونقل شيخنا
الشهيد في الدروس عن المحقق قولا ثالثا في المسألة ، وهو الوجوب إن تمتع ابتداء ،
لا إذا عدل إلى التمتع ، قال : «ولو تمتع المكي فثالث الأوجه وجوبه عليه إن تمتع
ابتداء لا إذا عدل إلى التمتع ، وهو منقول عن المحقق ، ويحتمل وجوبه إذا كان لغير
حج الإسلام» انتهى.
أقول ما ذكره قدسسره من الاحتمال إنما يتم لو سلم دلالة الآية على سقوط
الهدي عن المكي كما ادعاه الشيخ ، لأن موردها حج الإسلام ، ويثبت وجوب الهدي في
غيره بالعمومات ، إلا أن دلالة الآية على ذلك ممنوعة ، فلا وجه لهذا الاحتمال
حينئذ.
الثالثة :
لو تمتع
المملوك باذن مولاه تخير المولى بين أن يهدي عنه وأن يأمره بالصوم ، وعليه اتفاق
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).
__________________
وعليه يدل جملة
من الأخبار كصحيحة جميل بن دراج قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع ، قال : فمره فليصم ، وإن
شئت فاذبح عنه».
وصحيحة سعد بن
أبي خلف قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) قلت : أمرت مملوكي أن يتمتع ، قال : إن شئت فاذبح عنه
، وإن شئت فمره فليصم».
وموثقة إسحاق
بن عمار قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن غلمان لنا دخلوا مكة بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات
بغير إحرام ، قال : قل لهم : يغتسلون ثم يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن
أنفسكم».
وموثقة سماعة «أنه سأله عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا ، قال : عليه أن يضحّي عنهم ، قلت
: فإن أعطاهم دراهم فبعضهم ضحى وبعضهم أمسك الدراهم وصام ، قال : قد أجزأ عنهم ،
وهو بالخيار إن شاء تركها ، ولو أنه أمرهم وصاموا كان قد أجزأ عنهم».
فأما ما رواه
الشيخ في الموثق عن الحسن العطار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى
__________________
الحج أعليه أن يذبح عنه؟ قال : لا ، إن الله يقول (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى
شَيْءٍ) ». فقد حمله الشيخ على أنه لا يجب عليه الذبح ، وهو مخير
بينه وبين أن يأمره بالصوم ، لما مر.
أقول : لا يخفى
أن الحمل المذكور في حد ذاته جيد ، إلا أن إيراد الآية هنا لا ملائمة فيه لذلك ،
ولعل الوجه في إيرادها أن السائل توهم وجوب الهدي على المملوك ، وأنه لعدم إمكانه
منه يذبح عنه مولاه ، فرد (عليهالسلام) هذا الوهم بالآية ، وأنه لا يجب عليه ولا على مولاه
تعيينا ، بل يتخير بين الذبح عنه وأمره بالصيام.
وأما ما رواه
أيضا عن علي والظاهر أنه ابن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «سألته عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثم أهل
بالحج يوم التروية ولم اذبح عنه أفله أن يصوم بعد النفر؟ قال : ذهبت الأيام التي
قال الله ، ألا كنت أمرته أن يفرد الحج؟ قلت : طلبت الخير ، قال : كما طلبت الخير
فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة ، وكان ذلك يوم النفر الأخير». فحمله الشيخ على أفضلية
الذبح حينئذ ، بمعنى أن التخيير وان كان باقيا إلا أن الأفضل في هذه الصورة الذبح
عنه.
وهو وان كان
بعيدا عن سياق الخبر إلا أنه لا مندوحة عنه في مقام الجمع بين الاخبار.
وأما ما رواه
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) في حديث قال : «سألته عن المتمتع المملوك ، فقال :
عليه مثل ما على الحر ،
__________________
إما أضحية وإما صوم». وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن المملوك المتمتع ، فقال : عليه ما على
الحر ، إما أضحية وإما صوم». فحملهما الشيخ في التهذيبين على محامل بعيدة غاية
البعد.
والأقرب ما
ذكره في المدارك من أن المراد بالمماثلة في كمية ما يجب عليه وإن كانت كيفية
الوجوب مختلفة ، بمعنى أنه لا بد من أحدهما إما أضحية يضحي عنه مولاه وإما صوم
يصومه بنفسه ، والإجمال هنا وقع اعتمادا على ما ظهر من التفصيل في غيرهما.
وأما ما رواه
عن يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : معنا مماليك لنا قد تمتعوا أعلينا أن نذبح عنهم؟ قال
: المملوك لا حج له ولا عمرة ولا شيء».
فقد حمله الشيخ
على عدم إذن المولى ، ولو لم يذبح المولى عنه تعين عليه الصوم ، ولا يتوقف على
إذنه ، وليس له منعه عنه لأنه أمره بالعبادة ، فوجب عليه إتمامها لقوله عزوجل : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ».
وبالجملة
فالوجوب ثابت عليه بالأخبار المتقدمة ، وسقوطه يحتاج إلى دليل ، وليس فليس.
ولو أدرك
المملوك أحد الموقفين معتقا لزمه البدي كالحر ، ومع تعذره
__________________
الانتقال إلى الصوم ، ولا خلاف فيه ، والوجه فيه ظاهر ، لدخوله بذلك في حكم
الأحرار ، فتجري عليه الأحكام الجارية عليهم.
الرابعة :
قالوا : والنية
شرط في الذبح ، لأنه عبادة ، وكل عبادة يشترط فيها النية ، ولأن جهات إراقة الدماء
متعددة ، ولا يتمحض المذبوح هنا إلا بالقصد.
ويجوز أن
يتولاها عنه الذابح ، لأنه فعل تدخله النيابة ، واستدل عليه أيضا بصحيحة علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمى غير
صاحبها اتجزئ عن صاحب الضحية؟ فقال : نعم ، إنما له ما نوى».
أقول : والأمر
في النية ـ على ما عرفت فيما قدمنا في غير موضع ـ أظهر من أن يحتاج إلى التعرض لها
وذكرها بالمرة.
الخامسة :
المشهور بين
متأخري الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يجزئ الواحد في الواجب إلا عن
واحد ، وبه صرح الشيخ في مواضع من الخلاف وابن إدريس والشهيد في الدروس والمحقق في
الشرائع وغيرهم.
قال في الخلاف
: «الهدي الواجب لا يجزئ إلا واحد عن واحد ،
__________________
وإن كان تطوعا
يجزئ عن سبعة إذا كانوا من أهل بيت واحد ، وإن كان من أهل بيوت شتى لا يجزئ».
وقال في
النهاية والمبسوط والجمل وموضع من الخلاف : «إنه يجزئ الهدي الواجب عند الضرورة عن
خمسة وعن سبعة وعن سبعين ـ وقال ـ تجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت».
وقال سلار : «تجزئ
بقرة عن خمسة نفر» وأطلق.
وقال ابن
البراج : «ولا يجزئ الهدي الواحد عن أكثر من واحد إلا في حال الضرورة ، فإنه يجزئ
عن أكثر من ذلك».
وقال علي بن
بابويه : «تجزئ البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت ، وروي أن البقرة لا تجزئ إلا عن واحد ،. وأنه إذا عزت الأضاحي
بمنى أجزأت شاة عن سبعين».
وقال ابن إدريس
: «لا يجزئ إلا واحد عن واحد مع الاختيار ، ومع الضرورة والعدم الصيام».
وقال في موضع
آخر من الخلاف : «يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة أو بقرة واحدة إذا كانوا متفرقين
وكانوا أهل خوان واحد ، سواء كانوا متمتعين أو قارنين».
نقل هذه
الأقوال كملا العلامة في المختلف ، واختار فيه الاجزاء عند الضرورة عن الكثير دون
الاختيار ، وهو ظاهره في المنتهى أيضا.
والروايات في
المسألة لا تخلو من اختلاف ومن ثم ـ اختلفت كلمة الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).
__________________
(فمنها) ما
رواه الصدوق عن محمد الحلبي في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن النفر تجزؤهم البقرة؟ قال : أما في الهدي فلا ،
وأما في الأضحى فنعم».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى».
وفي الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تجزئ البدنة والبقرة في الأمصار عن سبعة ، ولا
تجزئ بمنى إلا عن واحد».
وهذه الاخبار
ظاهرة في الدلالة على ما هو المشهور بين المتأخرين من عدم الاجزاء عن أكثر من
واحد.
(ومنها) ما
رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون
وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة؟
فقال : لا أحب ذلك إلا من ضرورة».
وعن حمران في
الحسن قال : «عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار فسئل أبو جعفر (عليهالسلام) عن ذلك ، فقال : اشتركوا فيها ، قلت : كم؟ قال : ما خف
فهو أفضل ، قلت : عن كم تجزئ؟
__________________
قال : عن سبعين».
أقول : المراد
بالتخفيف قلة عدد الشركاء.
وعن زيد بن جهم
قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) متمتع لم يجد هديا ، فقال : أما كان معه درهم يأتي به
قومه فيقول أشركوني بهذا الدرهم؟!».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان
واحد».
وعن يونس بن
يعقوب في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البقرة يضحى بها ، فقال : تجزئ عن سبعة».
وما رواه في
كتاب من لا يحضره الفقيه والتهذيب عن أبي بصير في الموثق عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة إذا اجتمعوا من
أهل بيت واحد ومن غيرهم».
وما رواه الشيخ
عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) قال : «البقرة الجذعة تجزئ عن ثلاثة من أهل بيت واحد ،
والمسنة تجزئ عن سبعة نفر متفرقين ، والجزور يجزئ عن عشرة متفرقين».
وعن سوادة
القطان وابن أسباط عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام)
__________________
قالا : «قلنا له : جعلنا فداك عزت الأضاحي علينا بمكة أفيجزئ اثنين أن
يشتركا في شاة؟ فقال : نعم وعن سبعين».
وروي في الفقيه
قال : «سأل يونس بن يعقوب أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البقرة يضحى بها؟ فقال : تجزئ عن سبعة نفر. وقال فيه
أيضا . : وروي أن الجزور يجزئ عن عشرة نفر متفرقين ، وإذا عزت الأضاحي أجزأت شاة
عن سبعين».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وتجزئ البقرة عن خمسة ، وروى عن سبعة إذا كانوا من
أهل بيت واحد ، وروى أنها لا تجزئ إلا عن واحد ، وروى أن شاة تجزئ عن سبعين إذا لم
يوجد شيء».
أقول : وظاهر
هذه الأخبار كما ترى الدلالة على القول بالجواز مع الضرورة ، حملا لمطلقها على
مقيدها ، وتقييد الأخبار الثلاثة المتقدمة بها أيضا قريب بحمل عدم الاجزاء فيها
على حال الاختيار ، واحتمال التطوع في كثير من أحاديث الجواز أيضا ممكن ، ولهذا أن
الشيخ في كتابي الأخبار حمل أخبار الجواز على التطوع تارة وعلى الضرورة أخرى ،
وبعض الاخبار المذكورة ظاهر في الحمل الأول وبعضها ظاهر في الحمل الثاني.
وبذلك يظهر قوة
القول بالجواز مع الضرورة أو في التطوع وعدم الجواز في الواجب اختيارا.
__________________
ثم إنه على
تقدير القول بالواحدة ينتقل إلى الصوم لو لم يجد.
وأما التفصيل
في ذلك بين البقرة وغيرها ـ بأن يقال بالاجزاء في البقرة عن خمسة دون غيرها كما
صار إليه في المدارك استنادا إلى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ـ فهو لا يتم إلا مع طرح غيرها من الروايات
الدالة على الاجزاء حال الضرورة مطلقا ، بقرة كان الهدي أو غيرها ، خمسة كانوا أم
أكثر. و (منها) حسنة حمران وصحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج وغيرهما من الاخبار المتقدمة.
والذي ينبغي أن
يقال في ذلك أن ذكر الخمسة في بعض والسبعة في آخر والعشرة في ثالث كل محمول على الأفضل ، لما دلت عليه حسنة حمران من أن كل ما خف فهو أفضل والا فالشاة الواحدة في
مقام الضرورة تجزئ عن السبعين ، كما تضمنته رواية سوادة وابن أسباط ومرسلة الفقيه والمرسلة المذكورة في كتاب الفقه الرضوي وحسنة حمران وان كان موردها البدنة.
وعلى ما ذكرناه
تجتمع الاخبار على وجه واضح المنار.
والظاهر أنه لا
خلاف في الاجزاء في هدي التطوع أضحية كان أو
__________________
مبعوثا به من الأقطار أو متبرعا بسياقه مع عدم تعيينه بالإشعار أو التقليد
إما الهدي في الحج المندوب فإنه يصير واجبا بوجوب الحج بعد الدخول فيه ، فيصير
حكمه حكم الهدي في الحج الواجب بالأصل ، قال العلامة في التذكرة : «أما التطوع
فيجزئ الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار ، سواء كان من الإبل ، أو البقر أو
الغنم إجماعا».
ومن أخبار
المسألة ما رواه الصدوق في العلل والعيون عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «قلت له : عن كم تجزئ البدنة؟ قال عن نفس واحدة
، قلت : فالبقرة؟ قال : تجزئ عن خمسة إذا كانوا يأكلون على مائدة واحدة ، قلت :
كيف صارت البدنة لا تجزئ إلا عن واحد والبقرة تجزئ عن خمسة؟ قال : إن البدنة لم
يكن فيها من العلة ما كان في البقرة ، إن الذين أمروا قوم موسى بعبادة العجل كانوا
خمسة ، وكانوا أهل بيت يأكلون على خوان واحد ، وهم الذين ذبحوا البقرة» الحديث.
ورواه في
الخصال مثله ، وفي المحاسن أيضا مثله. وما رواه في كتابي الخصال والعلل عن يونس بن
يعقوب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البقرة يضحى بها ، قال : فقال : تجزئ عن سبعة نفر
متفرقين».
وفي العلل
والمقنع «وروي أن البقرة لا تجزئ إلا عن واحد».
وما رواه علي
بن جعفر في كتابه قال : «سألته عن الجزور والبقرة كم يضحى بها؟
قال : يسمي رب البيت نفسه ، وهو يجزئ عن أهل
__________________
البيت إذا كانوا أربعة أو خمسة».
أقول : قد عرفت
مما قدمنا سابقا من الوجه الذي اجتمعت عليه الاخبار هو أنه لا يجزئ الواحد في
الواجب إلا عن واحد في حال الاختيار فالظاهر حينئذ حمل هذه الاخبار على هدي التطوع
، كما هو ظاهر أكثرها والتعليل المذكور في الرواية الأولى إنما هو بالنسبة إليه ،
ويحمل إجزاء البدنة عن نفس واحدة على الأفضل ، والرخصة في البقرة للعلة المذكورة.
السادسة :
قال الشيخ في
النهاية : «جميع ما يلزم المحرم المتمتع وغير المتمتع من الهدي والكفارات في
الإحرام لا يجوز ذبحه ولا نحره إلا بمنى ، وكل ما يلزمه في إحرام العمرة فلا ينحره
إلا بمكة».
وقال علي بن
بابويه : «كلما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تنحر أو تذبح ما يلزمك من
الجزاء بمكة عند الجزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن شئت أخرته إلى أيام
التشريق فتنحره بمنى إذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته مما يجب عليك فيه الجزاء في
حج فلا تنحره إلا بمنى ، وان كان عليك دم واجب وقلدته أو جللته أو أشعرته فلا
تنحره الا يوم النحر بمنى».
وقال ابن
البراج : «وكل من كان محرما بالحج وجب عليه جزاء صيد اصابه وأراد ذبحه أو نحره
فليذبحه أو ينحره بمنى ، وإن كان معتمرا فعل ذلك بمكة أي موضع شاء منها ، والأفضل
أن يكون فعله لذلك بالجزورة ،
مقابل الكعبة ، وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة ليست كفارة صيد
فإنه يجوز له ذبحها أو نحرها بمنى».
وقال أبو
الصلاح : «ويذبح وينحر من الفداء لما قتله من الصيد في إحرام المتعة أو العمرة
المبتولة بمكة قبالة الكعبة وفي إحرام الحج بمنى».
وقال سلار : «كلما
يجب من الفدية على المحرم بالحج فإنه يذبحه أو ينحره بمنى ، وإن كان محرما بالعمرة
ذبح أو نحر بمكة».
وقال ابن إدريس
: «لا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج والعمرة المتمتع بها إلى الحج إلا بمنى
في يوم النحر أو بعده ، فان ذبح بمكة أو بغير منى لم يجز ، وما ليس بواجب جاز ذبحه
أو نحره بمكة ، وإذا ساق هديا في الحج فلا يذبحه أيضا إلا بمنى. فان ساقه في
العمرة المبتولة نحره بمكة قبالة الكعبة بالجزورة».
وقال في
المختلف بعد نقل هذه الأقوال : «والذي رواه الشيخ في هذا الباب حديثان : (أحدهما) عن
إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إن كان هديا
واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ، وإن كان قد
أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى». و (الثاني) رواية معاوية بن عمار في الحسن قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك ،
فقال : إن مكة كلها منحر». قال الشيخ : الوجه في الحديث الحمل على الهدي المستحب
فإنه يجوز ذبحه بمكة» انتهى.
__________________
أقول : أما
الكلام في غير الهدي من فداء الصيد ونحوه فقد تقدم تحقيق البحث فيه مستوفى في بعض
مسائل البحث الخامس في اللواحق بأحكام الصيد وأما الهدي الذي نحن الآن بصدد البحث عنه فالظاهر أنه
لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن ما وجب منه في الحج يجب ذبحه
بمنى.
قال في المدارك
بعد قول المصنف : «ويجب ذبحه في منى» : «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ،
وأسنده العلامة في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه» ثم نقل عنه
الاستدلال على ذلك بأدلة أظهرها رواية إبراهيم الكرخي المتقدمة.
ثم قال : «ويدل
عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : إن
كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن
صاحبه». ـ قال ـ : وإذا لم يجز المذبوح في غير منى عن صاحبه مع الضرورة فمع
الاختيار أولى ـ ثم قال ـ : ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار ».
ثم أورد
الرواية المتقدمة في كلام العلامة ، ثم ذكر جواب الشيخ
__________________
المتقدم ، ونقل عن الشيخ في التهذيب أنه قال : «إن هذا الخبر مجمل ، والخبر
الأول ـ يعني خبر الكرخي المتقدم ـ مفصل ، فيكون الحكم به أولى».
أقول : ما ذكره
الشيخ (ره) وتبعه عليه الجماعة وإن احتمل إلا أن الظاهر حمل الخبر المذكور على
العمرة لا الحج ، وهدي العمرة محله مكة بلا إشكال.
والذي يدل على
ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار «أن عباد البصري جاء إلى أبي عبد الله (عليهالسلام) وقد دخل مكة بعمرة مبتولة وأهدى هديا فأمر به فنحر في
منزله ، فقال له عباد : نحرت الهدي في منزلك وتركت أن تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل
يؤخذ منك فقال له : ألم تعلم أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نحر هديه بمنى وأمر الناس فنحروا في منازلهم؟ وكان ذلك
موسعا عليهم ، فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمرا». على
أنه لو كان الخبر صريحا في الهدي الواجب في الحج لوجب حمله على التقية ، لأن القول
بجواز نحره في مكة مذهب جمهور الجمهور ، فإنهم لم يوجبوا الذبح في منى.
قال في المنتهى
: «نحر هدي المتمتع يجب بمنى ، ذهب إليه علماؤنا ، وقال أكثر الجمهور : إنه مستحب
، والواجب نحره بالحرم ، وقال بعض الشافعية : لو ذبحه في الحل وفرقه في الحرم أجزأ».
هذا والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام والداخلة في سلك
__________________
هذا النظام زيادة على ما ذكر ما رواه الشيخ في الصحيح عن مسمع عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دخل بهديه في العشر فان كان أشعره أو قلده
فلا ينحره إلا يوم النحر ، وإن كان لم يقلده ولم يشعره فلينحره بمكة إذا قدم في
العشر».
وعن عبد الأعلى
قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام): لا هدي إلا من الإبل ، ولا ذبح إلا بمنى».
أقول : تخصيص
الهدي بالإبل محمول على الفضل والاستحباب مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلا في
المسجد» .
وروى الكليني
والشيخ في الموثق عن شعيب العقرقوفي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت :
أي شيء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث».
وروى الكليني
عن معاوية بن عمار في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق ومن ساق
هديا وهو معتمر نحر هديه بالمنحر ، وهو بين الصفا والمروة ، وهي الجزورة ، قال :
وسألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟ قال : بمكة إلا أن يؤخرها إلى الحج فتكون بمنى
، وتعجيلها أفضل وأحب إلي». ورواه الصدوق مرسلا إلى قوله : «وهي الجزورة».
__________________
وروى الشيخ في
الحسن عن مسمع عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «منى كلها منحر ، وأفضل المنحر كله المسجد».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن
تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء بمكة عند الجزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن
شئت أخرته إلى أيام التشريق ، فتنحره بمنى ، وقد روي ذلك أيضا ، وإذا وجبت عليك في
متعة ، وما أتيته مما يجب عليك الجزاء في حج فلا تنحره إلا بمنى ، فان كان عليك دم
واجب قلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا في يوم النحر بمنى».
ومن هذه
العبارة أخذ علي بن الحسين بن بابويه عبارة رسالته المتقدمة على العادة المعروفة
والطريقة المألوفة.
والمستفاد من
هذه الاخبار وضم بعضها إلى بعض ـ وبه يحصل التوفيق بين ما ربما يتوهم منه المخالفة
ـ أن هدي الحج الواجب لا ينحر أو يذبح إلا بمنى ، وكذا ما أشعر وقلد وجوبا أو
استحبابا ، والهدي المستحب يجوز نحره بمكة رخصة ، وهدي العمرة نحره بمكة واجبا كان
أو مستحبا وأن مكة كلها منحر وإن كان أفضلها الجزورة ، ومنى كلها منحر وإن كان
أفضلها حوالي المسجد».
ثم إنه من
المحتمل قريبا أن قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه :
__________________
«وقد روي ذلك أيضا» إشارة إلى الزيادة التي في صحيحة معاوية بن عمار برواية الكليني ، أعني قوله : قال : «وسألته عن كفارة
المعتمر أين تكون؟». الى آخره ، والله العالم.
السابعة :
اختلف الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) فيما لو ضل هديه فذبحه عنه غيره ، فقيل بعدم إجزائه عنه ، وذلك
بأنه لم يتعين بالشراء للذبح ، وإنما يتعين بالنية ، فلا تقع من غير المالك أو
وكيله ، وبه صرح المحقق في الشرائع ، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إلى
المشهور.
وقيل باجزائه
عنه ، وهو الذي افتى به العلامة في المنتهى من غير نقل خلاف في ذلك ، واختاره
الشهيد في الدروس وشيخنا المشار إليه في المسالك وسبطه في المدارك ، ونقله أيضا عن
الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).
وهو الأصح لما
تقدم سابق هذه المسألة من صحيحة منصور بن حازم وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر
واليوم الثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث».
__________________
وروى الصدوق (رحمهالله) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أصاب الرجل بدنة ضالة فلينحرها ويعلم أنها
بدنة».
ولو ذبحها
الواجد عن نفسه لم تجز عن واحد منهما اتفاقا ، أما الواجد فلكونه غاصبا متعديا ،
وأما عن صاحبها فلعدم نيته وقصده حال الذبح.
ومثله الحكم
فيما لو اشترى هديا فنحره ثم ظهر له مالك ، فإنه لا يجزئ عن واحد منهما.
وعليه يدل ما
رواه في الكافي عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهماالسلام) «في رجل اشترى هديا فنحره ، فمر بها رجل فعرفها ، فقال
: هذه بدنتي ضلت مني بالأمس وشهد له رجلان بذلك ، فقال : له لحمها ولا تجزئ عن
واحد منهما ـ ثم قال ـ : ولذلك جرت السنة بإشعارها وتقليدها».
أقول : وبذلك
صرح الشيخ في التهذيب أيضا ، فقال : «ومن اشترى هديا فذبحه فمر به رجل فعرفه فقال
: هذا هديي ضل منى فأقام بذلك شاهدين فان له لحمه ، ولا يجزئ عن واحد منهما» ثم
استدل بالخبر المذكور.
بقي الكلام
فيما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم من الأمر بالتعريف الأيام المذكورة هل هو على جهة
الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر
__________________
عبارة العلامة في المنتهى الثاني ، حيث قال : «ينبغي لواجد الهدي الضال أن
يعرفه ثلاثة أيام ، فإن عرفه صاحبه والا ذبحه عنه» ثم أورد صحيحة محمد بن مسلم.
وقال في
المسالك : «إنه لم يصرح أحد بالوجوب» ، وفي الدروس «أنه مستحب ، ولعل عدم الوجوب
لاجزائه عن مالكه فلا يحصل بترك التعريف ضرر عليه ، ويشكل بوجوب ذبح عوضه عليه ما
لم يعلم بذبحه ، ويمكن أن يقال بعدم الوجوب قبل الذبح ، لكن يجب بعده ليعلم المالك
فيترك الذبح ثانيا أخذا بالجهتين» انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) أخيرا بقوله : «ويمكن» إلى آخره جيد بالنسبة إلى
الخروج عن الإشكال الذي ذكره من عدم تصريح أحد بالوجوب ، وبيان الوجه فيه وما يرد
عليه من الاشكال المذكور ، لكن فيه خروج عن النص المذكور ، حيث إنه (عليهالسلام) أمر بالتعريف قبل الذبح ، وأنه يؤخر الذبح إلى عشية
الثالث بعد التعريف في تلك المدة ، فكيف يتم القول بالوجوب بعد ، ولا مستند له؟!
إذ الرواية إنما تضمنت الأمر بالتعريف قبل الذبح ، فان قيل بها لم يتم ما ذكره ،
وإن عدل عنها فلا مستند له.
وبالجملة فعدم
وجود القائل بالوجوب لا يمنع من القول به إذا اقتضاه الدليل من غير معارض في
البين.
على أن المفهوم
من كلام سبطه في المدارك أن القول بالوجوب ظاهر الشيخ في النهاية ، واليه يميل
كلامه في الكتاب المذكور ، حيث قال : «ولا يبعد وجوب التعريف ، كما هو ظاهر اختيار
الشيخ في النهاية عملا بظاهر الأمر» انتهى.
وكيف كان فلا
ريب أن الاحتياط يقتضيه.
ثم إنه قال في
المدارك على أثر الكلام المذكور : «ولو قلنا بجواز الذبح قبل التعريف لم يبعد
وجوبه بعده ليعلم المالك ، فيترك الذبح ثانيا».
أقول : قد تبع
جده (قدس الله روحيهما) فيما قدمنا نقله عنه في المقام ، وفيه ما عرفت آنفا ،
ونزيده هنا بأن نقول : إن ما ذكره من العلة لا تصلح لأن تكون مستندا للوجوب الذي
هو حكم شرعي يترتب على الإخلال به الإثم والعقوبة ، فهو يتوقف على الدليل الشرعي
والنص القطعي المنحصر عندنا في الكتاب العزيز والسنة النبوية ، والركون إلى تعليل
الأحكام الشرعية وبنائها على مثل هذه التعليلات العليلة مجازفة ظاهرة ، والنص
المذكور كما عرفت لا ينطبق على هذا القول.
قال في المسالك
: «ثم إنه على تقدير الاجزاء لا إشكال في وجوب الصدقة والإهداء ، أما الأكل فهل يقوم
الواجد مقام المالك فيجب عليه أن يأكل منه أم يسقط؟ فيه نظر ، ولعل السقوط أوجه».
وجزم سبطه في
المدارك ـ بعد أن استظهر وجوب الصدقة والإهداء ـ بسقوط وجوب الأكل قطعا ، قال : «لتعلقه
بالمالك».
أقول : ما
ذكراه (نور الله تعالى مرقديهما) من وجوب الصدقة والإهداء لا يخلو عندي من توقف
وإشكال ، لأن غاية ما دلت عليه الاخبار المتقدمة هو الذبح عنه خاصة ، والاخبار
الدالة على الصدقة والإهداء والأكل إنما وردت بالنسبة إلى المالك إذا ذبحه ، فإنه يجب عليه
أن يقسمه أثلاثا على الوجه المذكور ، وبعين ما قالوه في عدم وجوب الأكل
__________________
على الواجد من أن الآمر بالأكل إنما تعلق بالمالك يجري في الفردين الآخرين
، فإن الأمر بالصدقة والإهداء إنما تعلق في الاخبار الدالة عليهما بالمالك ، ولا
بعد في جواز الاكتفاء به عن صاحبه بمجرد الذبح نيابة عنه إذا اقتضاه الدليل
بإطلاقه ، وتقييده يحتاج إلى دليل ، وليس إلا الأخبار التي موردها المالك ، وهي لا
تصلح للتقييد.
وبالجملة فإن
مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة الاكتفاء بمجرد الذبح عنه وإن كان ما ذكره أحوط ،
والله العالم.
الثامنة :
اختلف الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) في كيفية قسمة الهدي ، وهل هي على جهة الوجوب أو الاستحباب؟
فقال الشيخ (رحمهالله) : «من السنة أن يأكل من هديه لمتعته ، ويطعم القانع
والمعتر ثلثه ، ويهدي للأصدقاء ثلثه».
وقال أبو
الصلاح : «والسنة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي».
وقال ابن البراج
: «وينبغي أن يقسم ذلك ثلاثة أقسام ، فيأكل أحدها إلا أن يكون الهدي لنذر أو كفارة
، ويهدي قسما آخر ، ويتصدق بالثالث».
قال في المختلف
بعد نقل ذلك : «وهذه العبارات توهم الاستحباب».
وقال ابن أبي
عقيل : «ثم انحر واذبح وكل وأطعم وتصدق».
وقال ابن إدريس
: «وأما هدي المتمتع والقارن فالواجب أن يأكل
منه ولو قليلا ، ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلا للآية وهو قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْها
وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)».
قال في المختلف
بعد نقله : «وهو الأقرب للأمر ، وأصل الأمر للوجوب ، وما رواه معاوية بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم ، كما قال الله
تعالى (فَكُلُوا مِنْها
وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ».
ـ ثم نقل حجة
الآخرين بأن الأصل عدم الوجوب ، وأجاب ـ بأنه لا دلالة للأصل مع وجود الأمر».
قال في المنتهى
: «ينبغي أن يقسم أثلاثا : يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويتصدق على الفقراء بثلثه ، وهذا
على جهة الاستحباب ـ ثم قال : ـ قال بعض علمائنا بوجوب الأكل ، وقال آخرون
باستحبابه ، والأول أقوى للآية».
وظاهر كلامه في
المختلف هو اختيار مذهب ابن إدريس في وجوب الأكل ولو قليلا والصدقة ولو قليلا ،
وأما الإهداء فلم يتعرضا له ، وفي المنتهى وجوب الأكل خاصة للآية ، ويلزمه وجوب
الصدقة ايضا للاية ، وعلى كل من القولين فالقسمة أثلاثا إنما هو على جهة الاستحباب
، وبه صرح أيضا في الإرشاد.
وقال الصدوق (رحمهالله) في من لا يحضره الفقيه : «ثم كل وتصدق واطعم وأهد إلى
من شئت ، ثم احلق رأسك» وهو مطلق في القدر وفي كونه وجوبا أو استحبابا.
وقال الشهيد (رحمهالله) في الدروس : «ويجب أن يصرفه في الصدقة
__________________
والإهداء والأكل ، وظاهر الأصحاب الاستحباب».
والظاهر أن
مراده من هذه العبارة هو وجوب قسمته أثلاثا ، لكل من هذه المذكورات ثلث ، ليحصل به
صرف الهدي فيها. وقد عرفت أن أكثر الأقوال المتقدمة أن ذلك على جهة الاستحباب كما
ذكره قدسسره.
وأما ما ذكره
في المدارك بعد نقل صدر عبارته ـ من أنه لم يعين للصدقة والإهداء قدرا ـ فهو وإن
كان كذلك ، لكن قوله بعد هذه العبارة : «وظاهر الأصحاب الاستحباب» ينبه على أن
المراد قسمته أثلاثا ، لأن هذا هو الذي صرحوا باستحبابه ، كما عرفت من عبارتي
الشيخ والعلامة في المنتهى وغيرهما.
وقال المحقق في
الشرائع : «ويستحب أن يقسمه أثلاثا : يأكل ثلثه ، ويتصدق بثلثه ، ويهدي ثلثه ،
وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر».
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل العبارة المذكورة : «بل الأصح وجوب الأمور
الثلاثة والاكتفاء بمسمى الأكل وإهداء الثلث والصدقة بالثلث».
وهو يرجع إلى
ظاهر عبارة شيخنا الشهيد في الدروس كما عرفت.
وظاهر كلام
المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد أن هذا هو المشهور بين المتأخرين ، حيث إنه بعد
أن نقل قول الشيخ المتقدم قال : «ظاهره الاستحباب ، والمشهور بين المتأخرين وجوب
القسمة أثلاثا ، ووجوب ما يصدق عليه الأكل من الثلث ، ووجوب التصدق بالثلث على
الفقير المؤمن المستحق للزكاة ، والهدية بالثلث الآخر إلى المؤمن ـ ثم قال ـ :
واستفادة ذلك كله من الدليل مشكل».
وقال السيد
السند في المدارك : «والمعتمد وجوب الأكل منه والإطعام» واستند إلى الآية المتقدمة وإلى رواية معاوية بن عمار الآتية ، وهو يرجع إلى مذهب ابن إدريس والعلامة في
المختلف.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأدلة المتعلقة بالمسألة الآية المتقدمة ، وهي قوله عزوجل
«فَإِذا
وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»
وقوله عزوجل : «وَأَذِّنْ
فِي النّاسِ بِالْحَجِّ ـ إلى قوله ـ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ
مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ، فَكُلُوا مِنْها
وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن سيف التمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إن سعد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي ، فقال : إني
سقت هديا فكيف اصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع والمعتر ثلثا ،
واطعم المساكين ثلثا ، فقال : المساكين : هم السؤال؟ فقال : نعم ، وقال : القانع :
هو الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك
: هو اغنى من القانع يعتريك فلا يسألك».
وما رواه في
الكافي عن أبي الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله
__________________
(عليهالسلام) عن لحوم الأضاحي ، فقال : كان علي بن الحسين (عليهماالسلام). ورواه الصدوق (رحمهالله) مرسلا فقال : كان علي بن الحسين ـ وأبو جعفر (عليهماالسلام) يتصدقان بثلث : على جيرانهم وثلث يمسكانه لأهل البيت».
ورواه الصدوق (رحمهالله) في كتاب العلل بسنده عن أبي جميلة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) مثله ، إلا أنه قال : «بثلث على جيرانهما وثلث على
المساكين».
وموثقة شعيب
العقرقوفي المتقدمة في المسألة السادسة ، وفيها «كل ثلثا ، واهد
ثلثا ، وتصدق بثلث».
وما رواه الشيخ
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا ذبحت أو نحرت فكل واطعم ، كما قال الله
تعالى «فَكُلُوا مِنْها
وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»
فقال : القانع
: الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في يديه ،
والبائس : الفقير».
وما رواه في
الكافي عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في قول الله عزوجل
«فَإِذا
وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ»
قال : القانع :
الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في يديه ،
والبائس :
__________________
هو الفقير».
ورواه الصدوق (رحمهالله) مرسلا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) إلى قوله : «الذي يعتريك».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وإذا نحرت أضحيتك أكلت منها وتصدقت بالباقي».
أقول : لا يخفى
ما في أدلة المسألة من الاشكال وعدم الانطباق على شيء من الأقوال إلا بمزيد تكلف
في الاحتمال ، ومعظم إشكال المسألة من حيث التثليث وأن أحد الأثلاث يعطى هدية ،
وإلا فالأكل والصدقة في الجملة مما لا إشكال فيه ، لدلالة الآية والروايات على
ذلك.
والظاهر أن
بناء القول المشهور بين المتأخرين على رواية أبي الصباح الكناني بحمل الصدقة على الجيران على الهدية ، وحمل الأضحية
فيها على الهدي الواجب ، لإطلاق ذلك عليه في الأخبار وموثقة شعيب العقرقوفي المتقدمة.
إلا أنه قد
أورد على هذه الرواية أن موردها هدي السياق في العمرة ،
__________________
فلا يمكن التعلق بها في هدي حج التمتع ، لجواز الافتراق بينهما ، كما
افترقا في موضع الذبح.
وفيه أن ظاهر
كلامهم أن محل الخلاف في المسألة هو الهدي الواجب في عمرة أو حج بلا فرق بينهما.
وصحيحة سيف التمار المتقدمة حيث تضمنت التثليث أيضا ، وإن خالفت الروايتين
المذكورتين في ثلث الهدية باعتبار التصدق به في هذه الرواية ، ويمكن الجمع بينهما
في ذلك باعتبار التخيير في ثلث الهدية بين أن يهديه أو يتصدق به على هؤلاء
المذكورين في هذا الخبر.
وكأنه لما في
هذه الاخبار من التفصيل حملوا عليها إجمال الآية والاخبار الباقية ، لأن غايتها
أنها بالنسبة إلى الهدية وإلى كيفية القسمة مطلقة ، فيقيد إطلاقها بهذا التفصيل.
وأما القول بأن
الواجب هو الأكل والصدقة ولو بقليل فهو ظاهر الآيتين المتقدمتين وظاهر خبر معاوية بن عمار وظاهر عبارة كتاب الفقه وبذلك تمسك هذا القائل ، وحمل ما زاد في تلك الاخبار من
اعتبار التثليث والهدية بالثلث على الاستحباب جمعا ، والأول أوفق بالقواعد الشرعية
، كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم.
وأما ما ذكره
في المدارك ـ من الاستدلال للقائلين بوجوب إهداء الثلث
__________________
والصدقة بالثلث بصحيحة سيف التمار ثم اعترض عليها بما هو مذكور ثمة ـ فليس في محله ، كيف
والرواية المذكورة لا تعرض فيها للهدية ، بل دليل القول المذكور إنما هو موثقة
شعيب ورواية أبي الصباح بالتقريب المذكور فيهما ، كما لا يخفى.
وأما ما ذكره
بعد الطعن في رواية معاوية بن عمار ـ بعد أن استدل بها على ما ذهب إليه كما قدمنا نقله عنه
ـ بأن في طريقها النخعي ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، ثم قال : وقد روى الكليني
نحو هذه الرواية في الصحيح عن معاوية بن عمار ثم ساق الصحيحة المتقدمة .
ثم إنه بعد أن
اعترض على صحيحة سيف التمار ـ وأجاب عنها أولا بأن هذه الرواية إنما دلت على اعتبار
القسمة كذلك في هدي السياق لا في هدي التمتع الذي هو محل النزاع ـ قال : «وثانيا
أنها معارضة بروايتي معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين بظاهرهما على عدم وجوب
القسمة كذلك ، فتحمل هذه على الاستحباب».
وظاهر كلامه (قدسسره) أن الصحيحة المذكورة في معنى روايته الاولى وأنهما
دالتان على ما ذكره من عدم وجوب القسمة كذلك.
ولا يخفى ما
فيه ، فان غاية ما دلت عليه الصحيحة المذكورة هو تفسير القانع والمعتر خاصة من غير
تعرض فيها لحكم المسألة نفيا أو إثباتا ، بخلاف الرواية الأولى ، حيث قال فيها : «إذا
ذبحت أو نحرت فكل وأطعم ، كما قال الله تعالى» الى آخرها.
__________________
وحينئذ فحمل
الصحيحة المذكورة على الرواية المشار إليها ودعوى أن مدلولهما واحد كما توهمه عجيب
منه (قدسسره) نعم ذلك مدلول الآية التي فيها لا الرواية ، ولعله من
هنا حصل الاشتباه والالتباس.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وإن كان القول المشهور بين المتأخرين لا يخلو من
قرب ، ولا ريب أنه أقرب إلى الاحتياط.
وأما القول
باستحباب الأكل فهو أضعف الأقوال ، لما فيه من طرح الآية والاخبار ، وظاهر الشيخ
أبي علي الطبرسي في تفسير مجمع البيان حمل الأمر بالأكل في الآية على الاستحباب ،
حيث قال : «(فَكُلُوا مِنْها) : أي من بهيمة الانعام ، وهذه إباحة وندب ، وليس بواجب».
وهو مشكل سيما
مع انضمام الاخبار إليها وأمره (عليهالسلام) في رواية معاوية بن عمار بالأكل والإطعام واستدل بالآية المذكورة.
وفي رواية علي
بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «رأيت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) دعا ببدنة فنحرها ، فلما ضرب الجزار عراقيبها فوقعت
على الأرض وكشفوا شيئا من سنامها قال : اقطعوا فكلوا منها وأطعموا ، فإن الله عزوجل يقول (فَإِذا وَجَبَتْ
جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا)» ،. والله العالم.
__________________
فائدة :
قد دلت إحدى
الآيتين المتقدمتين على أن الواجب إطعام البائس الفقير والأخرى إطعام القانع
والمعتر.
والبائس على ما
ذكره في كتاب مجمع البيان : الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع والعرى ، قال : «وقيل
: البائس : الذي يمد يده بالسؤال ويتكلف للطلب».
وفسره في صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة بالفقير ، وفسر القانع فيها بالذي يقنع بما
أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك.
وفي رواية عبد
الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في تفسير الآية المذكورة قال : «القانع : الذي يرضى
بما أعطيته ، ولا يسخط ولا يكلح ولا يلوي شدقه غضبا ، والمعتر المار بك لتطعمه».
والمفهوم من
الخبرين المذكورين أن القانع الذي يرضى بما أعطيته سأل أو لم يسأل ، والمعتر هو
الذي يعتريك ويمرّ بك للتعرض لما تعطيه من غير أن يسألك ، رضي بما أعطيته أو سخط ،
وحينئذ فبينهما عموم وخصوص من وجه.
وفي صحيحة سيف
التمار المتقدمة أنه أغنى من القانع.
__________________
وأما البائس
فالظاهر أنه اجهد منهما ، ولعل تفسيره في الخبر المذكور بالفقير يعني بالظاهر
الفقير ، ليرجع إلى ما ذكره في كتاب مجمع البيان.
وعلى كل تقدير
فينبغي أن تقيد آية القانع والمعتر بآية البائس الفقير ، ليندفع التنافي بين ظاهر
الآيتين.
وعلى هذا فيختص
الدفع بالمسكين الذي هو أجهد من الفقير ، إلا أن الأصحاب قاطعون بكون مصرف هذه
الصدقة كغيرها من المواضع الفقير بقول مطلق.
وكيف كان فيجب
تقييده بالمؤمن ، كما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب.
وأما ما ورد في
رواية هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «أن علي بن الحسين (عليهماالسلام) كان يطعم من ذبيحته الحرورية قلت : وهو يعلم أنهم
حرورية قال : نعم». فهو محمول على الهدي المستحب كما ذكره بعض الأصحاب (رضوان الله
تعالى عليهم) وحمله في الوافي على أنه لتأليف قلوبهم.
وقد روى في
الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «أنه كره أن يطعم المشرك من لحوم الأضاحي». والظاهر أن
الكراهة هنا بمعنى التحريم.
__________________
التاسعة :
قال في المنتهى
: «ولا يجوز له الأكل من كل واجب غير هدي التمتع ، ذهب إليه علماؤنا أجمع» ثم نقل
أقوال العامة وخلافهم.
أقول : ويجب أن
يعلم أن هدي السياق وإن وجب بالاشعار والتقليد في عقد الحج به ووجب ذبحه إلا أنه
متطوع به بحسب الأصل ، فهو داخل في هدي التطوع الذي يجوز الأكل منه بلا خلاف ولا
إشكال.
ويدل على ما
ذكره في المنتهى من عدم جواز الأكل إلا من هدي التمتع روايات :
منها ما رواه
الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه؟ قال : يأكل من
أضحيته ، ويتصدق بالفداء». ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا .
وما رواه الشيخ
عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الهدي ما يؤكل منه؟ قال : كل هدي من
نقصان الحج فلا تأكل منه ، وكل هدي من تمام الحج فكل».
__________________
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر ، قال إن كان
مضمونا ـ والمضمون ما كان في يمين ، يعني نذرا أو جزاء ـ فعليه فداؤه ، قلت : أيأكل
منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين ، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شيء ، قلت :
يأكل منه ، قال : يأكل منه».
قال في الكافي
: وروي ايضا «أنه يأكل منه مضمونا كان أو غير مضمون». وقال
الصدوق في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية حماد عن حريز في حديث يقول في آخره : «إن الهدي المضمون لا يأكل منه
إذا عطب ، فإن أكل منه غرم».
وما رواه عبد
الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «إن علي بن أبي طالب (عليهالسلام) كان يقول : لا يأكل المحرم من الفدية ولا الكفارات
ولاجزاء الصيد ، ويأكل مما سوى ذلك».
وقد تقدم ما
يدل على جواز الأكل بل وجوبه أو استحبابه من هدي التمتع من الآية والروايات .
وقد ورد بإزاء
هذه الاخبار ما يدل على جواز الأكل مما منعت منه.
فمن ذلك ما
رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي
__________________
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون».
وعن جعفر بن
بشير في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان والنساء
ولغيره يؤكل منها؟ قال : نعم يؤكل من كل البدن».
وعن عبد الملك
القمي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء».
والشيخ بعد ذكر
الخبرين الأولين حملهما على حال الضرورة وألزم صاحبها فداءها مستدلا بما رواه عن
السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «إذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شيء عليه ،
وإن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل».
أقول : ما دل
عليه هذا الخبر من وجوب الفداء في الأكل من الهدي الواجب ينبغي حمله على هدي
النقصان ، ليكون إيجاب القيمة تتمة للفداء للنقصان بأكله ، جمعا بين هذا الخبر
وبين رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري المتقدمة.
قال في المدارك
بعد إيراد خبري الكاهلي وجعفر بن بشير ونقل تأويل الشيخ لهما كما ذكرناه : «ولا
بأس بالمصير إلى هذا الحمل وإن كان بعيدا ، لأن هاتين الروايتين لا يصلحان لمعارضة
الإجماع والاخبار الكثيرة» انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في كلامه (قدسسره) من المجازفة والخروج عن
__________________
قاعدته المألوفة ، فإنه نقل الخبرين المذكورين بلفظ رواية فلان ولم يصفها
بحسن ولا صحة ، مع أن الأولى كما عرفت حسنة والثانية صحيحة ، بل في أعلى مراتب
الصحة ، والروايات الأولى كلها ضعيفة باصطلاحه ، ليس فيها إلا رواية الحلبي التي هي عنده من قسم الحسن.
وحينئذ
فالتعارض في الحقيقة بناء على قاعدته واصطلاحه وقع بين حسنة الحلبي وبين حسنة
الكاهلي وصحيحة جعفر بن بشير ومقتضى قاعدته ترجيح الروايتين المذكورتين.
بقي الكلام في
الإجماع ، وكلامه فيه كما تقدم مختبط كما في العمل بالروايات أيضا على ما عرفته في
غير موضع مما تقدم.
ويظهر من
المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد الميل الى العمل بخبري الكاهلي وجعفر بن بشير حيث
طعن في روايات القول المشهور بالضعف ، وحمل حسنة الحلبي على الاستحباب ، وادعى
التأييد بالأصل ، وعدم دليل صحيح صريح ، وأن الموجود في أكثر الأخبار وجوب الدم
والبدنة من غير ذكر التصدق ، وقد مر في تلك الاخبار ما يدل على الأكل. انتهى.
أقول : ومن
أخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أهدى هديا فانكسرت ، فقال : إن
كانت مضمونة فعليه مكانها ، والمضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا ، وله أن يأكل
منها ، فان لم تكن مضمونة فليس عليه شيء».
وهذا الخبر مما
يؤيد خبر الكاهلي وجعفر بن بشير ، وقد تقدم في خبر
__________________
أبي بصير أن المضمون لا يجوز الأكل منه وإنما هو للمساكين ، وفي
هذه الصحيحة جواز الأكل منه.
والشيخ (رحمهالله) حمل الصحيحة المذكورة على كون الهدي تطوعا ، قال ،
قوله (عليهالسلام) : «وله أن يأكل منها» محمول على ما إذا كان تطوعا دون
ان يكون واجبا ، لأن ما يكون واجبا لا يجوز الأكل منه.
واعترضه المحقق
الشيخ حسن في المنتقى بأنه غير مستقيم قال : «لأن فرض التطوع مذكور في آخر الحديث
، والكلام المأول سابق عليه مرتبط بما فرض فيه الوجوب فكيف يحمل على التطوع؟
والوجه حمله على كون الهدي الواجب غير متعين ولو بالإشعار ، فإنه بالتعيب يجب
إبداله كما هو صريح صدر الخبر ، وله التصرف في المتعيب ولو بالبيع ، كما يفيده خبر
الحلبي المتضمن لحكم ضلال الهدي ، فيجوز له الأكل منه بتقدير
ذبحه له» انتهى.
وهو جيد إلا
أنه معارض بخبر أبي بصير المتقدم ورواية حريز المتقدمة المنقولة من الفقيه.
وكيف كان
فالأظهر عندي هو القول المجمع عليه بين أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) عملا
بالأخبار المتقدمة المعتضدة بإجماعهم.
وأما الاخبار
المنافية من صحيحة جعفر بن بشير وحسنة الكاهلي ورواية عبد الملك القمي فالأظهر
حملها على التقية ، فإن الجمهور وإن اختلفوا في
__________________
المسألة أيضا إلا أن جمعا منهم قائلون بجواز الأكل مما عدا هدي التمتع.
على أن الحمل
على التقية عندي لا يشترط فيه وجود القول به منهم ، لما تقدم تحقيقه في مقدمات
الكتاب وغيرها ، ويؤيده موافقته الاحتياط أيضا.
ومما يدل على
جواز الأكل من الهدي ما تقدم في رواية السكوني بل قال في المنتهى : «هدي التطوع يستحب الأكل منه بلا
خلاف ، لقوله تعالى
«فَكُلُوا
مِنْها» وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، ولأن النبي (صلىاللهعليهوآله) وعليا (عليهالسلام) أكلا من بدنهما كما ورد في عدة من الأخبار ».
العاشرة :
المفهوم من
كلام أكثر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يجوز إخراج شيء من لحم الهدي
الواجب عن منى ، بل يجب صرفه فيها في المصارف الموظفة.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالهدي ليس إلا صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام):
__________________
لا تخرجن شيئا من لحم الهدي».
وموثقة إسحاق
بن عمار عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «سألته عن الهدي أيخرج شيء منه من الحرم؟ فقال
: بالجلد والسنام والشيء ينتفع به قلت : انه بلغنا عن أبيك أنه قال : لا يخرج من
الهدي المضمون شيئا ، قال : بل يخرج بالشيء ينتفع به ـ وزاد فيه أحمد ـ ولا يخرج
بشيء من اللحم من الحرم». أقول : وأحمد هو أحد رواة الحديث عن حماد عن إسحاق.
والظاهر أنه لا
ريب في التحريم بنا على وجوب قسمته أثلاثا ووجوب التصدق بثلث وإهدا ثلث وأن يأكل
ويطعم عياله ثلثا.
وأما على القول
باستحباب ذلك ، وأن الواجب إنما هو الأكل والصدقة ولو قليلا ، أو القول بالاستحباب
مطلقا ، فيشكل ذلك كما لا يخفى ، إلا أن تحمل الروايتان على الكراهة بناء على
القول بالاستحباب.
وحينئذ فيكون
الكلام في هاتين الروايتين تابعا لما ثبت ثمة ، فإن ثبت وجوب التثليث والصرف في
المصارف الثلاثة فالروايتان المذكورتان على ظاهرهما من تحريم الإخراج ، وإلا
فالحمل على الكراهة.
وأما على تقدير
القول بوجوب التثليث والتصدق بالثلث وإهداء الثلث فلم يقل أحد بوجوب أكل الثلث ،
بل الواجب الأكل في الجملة ولو قليلا فيمكن أن يقال : إنه وإن صرح بعضهم بذلك لكن
المفهوم من الروايات ما قلناه ، كما دلت عليه موثقة شعيب العقرقوفي من قوله (عليهالسلام):
__________________
«كل ثلثا ، وأهد ثلثا ، وتصدق بثلث». وصحيحة سيف التمار لقوله (عليهالسلام) فيها : «أطعم أهلك ثلثا». إلى آخرها. وقوله (عليهالسلام) في رواية أبي الصباح الكناني حكاية عن علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر (عليهماالسلام): «وثلث يمسكانه لأهل البيت». والعمل عندنا على الاخبار
لا على الأقوال.
وأما ما ذكره
في المدارك في هذا المقام حيث قال بعد قول المصنف (رحمهالله) : «إنه لا يجوز إخراج شيء مما يذبحه عن منى» ما صورته
«هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال : لا
يخرج منه شيء إلا السنام بعد ثلاثة أيام». وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام): «لا تخرجن شيئا من لحم الهدي». وعن علي بن أبي حمزة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل بمنى
أيامها». ثم قال الشيخ (رحمهالله) : فأما ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن
أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال :
كنا نقول : لا يخرج شيء لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس ، فلا بأس
__________________
بإخراجه». فلا ينافي الأخبار المتقدمة ، لأن هذا الخبر ليس فيه أنه يجوز
إخراج لحم الأضحية مما يضحيه الإنسان أو مما يشتريه ، وإذا لم يكن في ظاهره حملناه
على أن من اشترى لحوم الأضاحي فلا بأس أن يخرجه ، ثم استدل على ذلك بما رواه
الحسين بن سعيد عن احمد بن محمد عن علي عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : لا يتزود الحاج من أضحيته وله أن
يأكل منها أيامها إلا السنام ، فإنه دواء ـ قال أحمد ـ : ولا بأس أن يشتري الحاج
من لحم منى ويتزوده». وللنظر في هذا الجمع مجال ، إلا انه لا خروج عما عليه
الأصحاب» انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه (أولا)
أنه كم قد خرج عما عليه الأصحاب ، ونازعهم في جملة من الأبواب ، باعتبار عدم
اعتماده على الدليل في ذلك الباب ، وهو من جملة للواضع التي وقع له فيها الاضطراب.
و (ثانيا) أن
استدلال الشيخ بهذه الروايات في هذا المقام ليس بالنسبة إلى لحم الهدي الذي هو محل
البحث ، وانما كلامه وأخباره في هذا المقام كلها إنما هو في لحم الأضحية ، حيث قال
: «ولا يجوز أن يخرج لحم الأضاحي من منى» روى فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته.». وساق الكلام كما ذكره.
ولا ريب أن
مسألة لحم الأضحية غير مسألة لحم الهدي ، كما اعترف به هو (قدسسره) حيث إنه في هذا المقام الذي هو في لحم الهدي قال بعد
قول المصنف ما سمعته : «هذا مذهب الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) لا اعلم فيه
مخالفا» يعني تحريم إخراج لحم الهدي ، وقال في باب الأضحية
__________________
بعد قول المصنف : «ويكره أن يخرج به من منى» : «ولا بأس بإخراج ما يضحيه
غيره ويدل على ذلك روايات منها ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد عن علي عن أبي إبراهيم (عليهالسلام)» ثم أورد الرواية المتقدمة الدالة على أنه لا يتزود
الحاج من أضحيته إلى آخرها.
وظاهر الشيخ في
التهذيب في هذه المسألة هو تحريم إخراج لحوم الأضاحي ، فلهذا جمع بين الاخبار بما
ذكره ، وليس من الكلام في لحم الهدي في شيء بالكلية ، فايراده كلام الشيخ
ورواياته المذكورة دليلا لمسألة الهدي ليس في محله.
ومن هنا يظهر
سقوط اعتراضه عليه في الجمع بين الأخبار بقوله : «وللنظر فيه مجال» لأنه ليس من
محل البحث في حال من الأحوال.
نعم إن الشيخ
قد أورد في ضمن رواياته التي استدل بها صحيحة معاوية بن عمار المتضمنة للهدي ، وهو
محمول على خلط الشيخ واستعجال قلمه ، كما لا يخفى على من له أنس بطريقته.
وبالجملة فإن
إيراده لكلام الشيخ في هذا المقام غفلة واضحة ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
والتحقيق في
المسألة المذكورة هو ما قدمنا ذكره في صدر الكلام.
وأما الكلام في
حكم لحوم الأضاحي وجواز إخراجها وعدمه والروايات الواردة في ذلك والجمع بين
مختلفاتها فسيأتي إنشاء الله تعالى في باب الأضحية.
ثم العجب أيضا
هنا من صاحب الوافي حيث إنه قال : «باب ادخار لحوم الهدي وإخراجها من منى» وأورد
في الباب خبري الهدي المتقدمين
__________________
في صدر البحث وأخبار الأضاحي ، والاختلاف في الأخبار إنما هو في اخبار الأضاحي
، كما سيأتي إنشاء الله تعالى في محلها ، وكأنه فهم منها الحمل على الهدي ، وهو
غلط ، فان حكم كل من مسألة الهدي غير مسألة الأضحية كما هو المذكور في كلام
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم). وأنه أما أراد بالهدي في عنوانه الأضحية فأبعد.
قال في المدارك
: «واعلم أن أقصى ما تدل عليه هذه الروايات عدم جواز إخراج شيء من اللحم من منى».
وقال الشارح (قدسسره) : «إنه لا فرق في ذلك بين اللحم والجلد وغيرهما من
الأطراف والأمعاء ، بل يجب الصدقة بجميع ذلك ، لفعل النبي (صلىاللهعليهوآله) وفيه نظر لأن الفعل لا يقتضي الوجوب ، كما حقق في محله
، نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الإهاب فقال : تصدق به ، أو يجعل مصلى ينتفع به في
البيت ، ولا تعطي الجزارين ، وقال : نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن يعطى جلالها أو جلودها أو قلائدها الجزارين ، وأمر
أن يتصدق بها». وروى أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن
تجعل جرابا؟ فقال : لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بثمنها». انتهى.
أقول : أما
قوله : «لأن الفعل لا يقتضي الوجوب» فهو وإن كان كذلك لكنك قد عرفت من كلامه في
غير موضع مما قدمنا نقله عنه أنه
__________________
يستند في الوجوب إلى التأسي ويستدل به ، وكلامه هنا يناقض ذلك ، وهذا من
جملة ما اضطرب فيه كلامه.
ثم إن مما يدل
أيضا على حكم الجلود والجلال والقلائد ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن يعطى الجزارين من جلود الهدي ولا جلالها شيئا».
قال في الكافي
: وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تنتفع بجلد الأضحية وتشترى به المتاع ، وإن
تصدق به فهو أفضل ، وقال : نحر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بدنة ، ولم يعط الجزارين من جلودها ولا قلائدها ولا
جلالها ، ولكن تصدق به ، ولا تعط السلاخ منها شيئا ، ولكن أعطه من غير ذلك».
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ذبح رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن أمهات المؤمنين بقرة بقرة ، ونحر هو ستا وستين بدنة
، ونحر علي (عليهالسلام) أربعا وثلاثين بدنة ، ولم يعط الجزارين من جلالها ولا
من قلائدها ولا من جلودها ، ولكن تصدق به».
__________________
وقد تقدم في
موثقة إسحاق بن عمار «أنه يخرج بالجلد والسنام والشيء ينتفع به».
وروى الصدوق (رحمهالله) مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) «أنه إنما يجوز للرجل أن
يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها ، لأن الله تعالى يقول
«فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا»
والجلد لا يؤكل ولا يطعم ، ولا يجوز ذلك في الهدي». كذا نقله عنه في كتاب
الوسائل ولم أقف عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، ولعله في
غيره أو في موضع آخر غير بابه .
وروى في كتاب
العلل عن صفوان بن يحيى الأزرق قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليهالسلام) : الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها ، قال : لا بأس
به ، إنما قال الله عزوجل
«فَكُلُوا
مِنْها وَأَطْعِمُوا» والجلد
__________________
لا يؤكل ولا يطعم».
أقول :
والمستفاد من هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض أن الأفضل هو الصدقة بهذه الأشياء أو
بثمنها ، وأنه يكره إعطاء الجزار شيئا من ذلك أجرة ، وإلا فلو أعطاه ذلك صدقة
فالظاهر أنه لا بأس به.
وبذلك يظهر أن
ما ذهب إليه شيخنا الشهيد الثاني وسبطه (عطر الله تعالى مرقديهما) من وجوب الصدقة
ممنوع ، لدلالة صحيحة معاوية بن عمار التي نقلها في المدارك على جواز جعل الجلد مصلى في
البيت ، ودلالة مرسلته التي في الكافي على جواز أن يشتري به المتاع وأن ينتفع
به مع تصريحها بأفضلية الصدقة ، ودلالة موثقة إسحاق بن عمار على جواز إخراجه معه يعني لأجل الانتفاع به ، وحينئذ
فتحمل الصدقة بثمنه إذا جعله جرابا كما في صحيحة علي بن جعفر على الفضل والاستحباب.
وكيف كان فجملة
روايات المسألة أولا وآخرا لا دلالة فيها على حكم ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من
الأطراف والأمعاء ، وأنه يجب التصدق بها ، فان مورد جملة روايات المسألة إنما هو
اللحم والجلد والجلال والقلائد ، وما عداها فلم أقف فيه على نص ، والظاهر أن
السكوت عنها في الأخبار إنما هو من حيث عدم الرغبة فيها يومئذ من حيث وجود اللحوم
وكثرتها.
والعجب من صاحب
المدارك أنه بعد أن اعترض على جده بما ذكره وافقه واستدل له بالروايتين المذكورتين
، وموردهما أخص من المدعى ، وما ادعاه من فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) ذلك لم نقف عليه ، والله العالم.
__________________
الحادية عشر :
الظاهر أنه لا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن الزمان الذي يجب فيه ذبح الهدي
ونحره هو يوم النحر وهو عاشر ذي الحجة ، وأنه يجوز إلى تمام ذي الحجة.
قال في المنتهى
: «ووقت ذبحه يوم النحر» ثم ذكر أقوال العامة بجواز تقديمه على ذي الحجة ، فقال
بعد ذلك : «لنا أن النبي (صلىاللهعليهوآله) نحر يوم النحر وكذا أصحابه ، وقال (صلىاللهعليهوآله): خذوا عني مناسككم ». وعلى هذا الدليل اقتصر في المدارك فقال : «إما وجوب
ذبحه يوم النحر فهو قول علمائنا وأكثر العامة ، لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) نحر في هذا اليوم وقال : خذوا عني مناسككم». .
ومرجعه إلى
التمسك بالتأسي ، وقد عرفت في سابق هذه المسألة إنكاره له.
وأما حديث «خذوا
عني مناسككم» فلم أقف عليه في أخبارنا ، ومع تسليمه فإن الأخذ عنه وجوبا إنما يجب
فيما علم وجوبه ، وإلا فمجرد فعله (صلىاللهعليهوآله) أعم من الواجب والمستحب ، كما لا يخفى.
نعم يمكن أن
يقال : إن العبادات لما كانت توقيفية فيجب الوقوف فيها على ما بينه صاحب الشريعة
ورسمه بقول أو فعل ، والذي ثبت عنه هو النحر في هذا اليوم ، فلا تبرأ الذمة ويحصل
الخروج عن العهدة إلا بمتابعته فيه.
وأما هدي
السياق إذا قلده أو أشعره فإنه قد دلت الأخبار على نحره
__________________
يوم الأضحى.
ففي رواية
إبراهيم الكرخي المتقدمة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إذا كان هديا
واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ، وإن كان قد
أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى».
وفي رواية مسمع
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دخل بهديه في العشر فان كان قد أشعره أو
قلده فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى ، وإن كان لم يشعره ولم يقلده فلينحره بمكة إذا
قدم في العشر».
والظاهر أن
مرادهم بوجوب النحر يوم الأضحى هو أن هذا اليوم مبدأ النحر فلا يجوز قبله ، كما
ذهب إليه جملة من العامة.
بقي الكلام في
أنه هل يجوز التأخير عنه اختيارا إلى تمام ذي الحجة ، أو يجزئ ذلك وإن أثم أو يختص
التأخير بالعذر؟ احتمالات وأقوال :
ظاهر الشيخ في
المصباح كما نقله عنه في المدارك الأول ، حيث قال : «إن الهدي الواجب يجوز ذبحه
ونحره طول ذي الحجة ، ويوم النحر أفضل» وهو ظاهر عبارة المحقق في الشرائع كما نبه
عليه في المدارك ، ومثله عبارة العلامة في المنتهى.
وظاهر كلام
المحقق الأردبيلي الآتي الثاني.
وظاهر كلام
الدروس الثالث حيث قال : «وزمانه يوم النحر ، فان فات أجزأ في ذي الحجة».
__________________
قال العلامة في
المنتهى في باب الهدي : «أيام النحر بمنى أربعة أيام : يوم النحر وثلاثة بعده ـ ثم
ساق البحث وذكر الأخبار الآتية إلى أن قال ـ : إذا عرفت هذا فإنه يجب تقديم الذبح
على الحلق بمنى ، ولو أخره أثم وأجزأ وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز».
وظاهر هذا
الكلام أن الذبح في الأيام المذكورة إنما هو على جهة الأفضلية وإلا فالتأخير جائز
اختيارا كما أشرنا إليه آنفا.
وقال المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد قول المصنف : «وذبحه يوم النحر» ما ملخصه : «أما
زمان الذبح فظاهر الأصحاب أنه لمن كان بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وزمان
الأضحية في غير منى يوم النحر ويومان بعده ، ودليلهم عليه مثل صحيحة علي بن جعفر ـ إلى أن قال ـ ويعلم منها أنه يجوز تأخير باقي أفعال
منى إلى آخر أيام التشريق مثل الحلق والطواف ، حيث إن الذبح مقدم عليهما ، وفيه
تأمل».
ثم الظاهر أن
هذه الأيام أيام الذبح بمعنى الوجوب فيها لا بمعنى الاجزاء فيها وعدم الاجزاء في
غيرها. قال في المنتهى : «ولو ذبح في بقية ذي الحجة أجزأ وأثم ، وكأنه لا خلاف
عندهم في ذلك ، ويؤيده كون ذي الحجة بكماله من أشهر الحج ، كما يفهم من الآية والأخبار وما في الرواية المعتبرة من ان «من لم يجد هديا وعنده ثمنه يخلّف عند
__________________
واحد من أهل مكة يشتري له هديا يذبحه طول ذي الحجة وإن لم يتفق ففي القابل
في ذلك الشهر». فتأمل» انتهى.
أقول :
والروايات المشار إليها في كلامهم (منها) ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : أربعة أيام
، وسألته عن الأضحى في غير منى ، فقال : ثلاثة أيام ، فقلت : فما تقول في رجل
مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله أن يضحي في اليوم الثالث؟ قال : نعم».
وما رواه في
التهذيب والفقيه في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الأضحى بمنى ، فقال : أربعة أيام ،
وعن الأضحى في سائر البلدان ، فقال : ثلاثة أيام». وزاد في الفقيه «وقال : لو أن
رجلا قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين يضحي في اليوم الثالث الذي قدم فيه».
وما رواه في
الكافي والفقيه عن كليب الأسدي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن النحر ، قال : أما بمنى فثلاثة أيام ، وأما في
البلدان فيوم واحد».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «الأضحى يومان بعد يوم النحر ، ويوم واحد
بالأمصار».
وما رواه في
التهذيب ومن لا يحضره الفقيه عن منصور بن حازم
__________________
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : النحر بمنى ثلاثة أيام ، فمن أراد
الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد أن يصوم
صام من الغد».
وبهذه الرواية
الأخيرة جمع الصدوق (قدسسره) بين خبري عمار وكليب المذكورين ، فقال بعد نقلهما : «قال
مصنف هذا الكتاب (رضياللهعنه) : هذان الحديثان متفقان غير مختلفين ، وذلك أن خبر
عمار هو للتضحية وحدها وخبر كليب للصوم وحده ، وتصديق ذلك ما رواه سيف بن عميرة عن
منصور بن حازم» ثم ساق الخبر المذكور.
ومعناه أن خبر
عمار ومثله أيضا صحيحة علي بن جعفر موردهما الزمان الذي يستحب فيه التضحية أو يجب
فيه الهدي في منى أو التضحية في الأمصار وخبر كليب ومثله صحيحة محمد بن مسلم مراد
به الزمان الذي يجوز صومه فلا يجوز في منى إلا بعد ثلاثة أيام ، وفي الأمصار يجوز
الصوم بعد يوم النحر حسب ما دل عليه خبر منصور المذكور ، ويفهم منه جواز صوم اليوم
الثالث عشر مع أنه من أيام التشريق التي سيأتي إنشاء الله تعالى ورود الاخبار
بتحريم صومها في منى ، واتفاق الأصحاب على ذلك.
والأظهر كما
ذكره السيد السند (قدسسره) في المدارك حمل صحيحة منصور على الصوم بدلا من الهدي ،
لما سيأتي إنشاء الله تعالى من أن الأظهر جواز الصوم يوم الحصبة ـ وهو يوم النفر ـ
في بدل الهدي ، قال : «والأجود حمل روايتي محمد بن مسلم وكليب الأسدي على أن
الأفضل ذبح الأضحية في الأمصار يوم النحر ، وفي منى في يوم النحر أو في اليومين
الأولين من أيام التشريق» انتهى.
وقد تقدمه في
الحمل على ذلك شيخه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وتبعهما المحقق الشيخ حسن
في كتاب المنتقى ، فقال بعد نقل صحيحة محمد بن مسلم : «وينبغي أن يكون وجه الجمع
بين هذا وبين خبر علي بن جعفر المتضمن لكون الأضحى في غير منى ثلاثة أيام ارادة
الفضيلة في اليوم والاجزاء في الزائد ، لا ما ذكره الشيخ من حمل هذا الخبر على
إرادة الأيام التي لا يجوز فيها الصوم» انتهى.
أقول : ومما
يدل على ما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) قال : «الأضحى ثلاثة أيام ، وأفضلها أولها». وبه يزول
الاشكال المشار إليه آنفا.
وأما أن الذبح
يجوز إلى تمام ذي الحجة وإن أثم بتأخيره فلم أقف فيه على خبر صريح إلا ما عرفته من
كلام المحقق المشار إليه واستدلاله الذي اعتمد عليه ، مع أنه قد روى الكليني
والشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان
يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت».
وحمله الشيخ في
الاستبصار على من لم يجد الهدي ولا ثمنه وصام الثلاثة الأيام ثم وجد ثمن الهدي
فعليه أن يصوم السبعة.
قال في الدروس
: «ويشكل بأنه إحداث قول ثالث إلا أن يبنى على
__________________
جواز صيامه في أيام التشريق».
أقول : وفيه
أيضا أن الشيخ نفسه قد روى هذه الرواية في التهذيب بسند آخر وفيها : «عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي ولم يصم الثلاثة
الأيام».
وهي صريحة في
رد هذا الحمل وبطلانه.
وظاهر الصدوق
في الفقيه الإفتاء بمضمون هذه الرواية ، حيث قال : «وإذا لم يصم الثلاثة الأيام
فوجد بعد النفر ثمن الهدي فإنه يصوم الثلاثة الأيام ، لأن أيام الذبح قد مضت».
والمسألة لا
تخلو من شوب الاشكال ، وسيأتي إنشاء الله تعالى ما ينتظم في سلك هذا المقال.
فائدتان
الأولى : قال
العلامة في المنتهى بعد ذكر الكلام المتقدم نقله عنه : «فرع : الليالي المتخللة
لأيام النحر قال أكثر فقهاء الجمهور إنه يجزئ فيها ذبح الهدي ، لأن هاتين الليلتين
داخلتان في مدة الذبح ، فجاز الذبح فيها كالأيام ، احتجوا بقوله تعالى
«وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ»
والليالي تدخل
في اسم الأيام» ثم أجاب بالمنع من ذلك.
__________________
وظاهر شيخنا في
الدروس الجواز ، حيث قال : «لو ذبح ليالي التشريق فالأشبه الجواز ، وإن منعناه فهو
مقيد بالاختيار ، فيجوز مع الاضطرار ، نعم يكره اختيارا وكذا الأضحية».
أقول :
والمسألة عندي محل توقف في حال الاختيار ، لعدم النص الوارد في ذلك.
الثانية :
روى الشيخ (رحمهالله) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض
بالليل».
وروى الكليني
في الصحيح أو الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (عليهالسلام) «في الخائف أنه لا بأس أن يضحى بالليل» الحديث.
أقول : ويستفاد
منهما جواز تقديم الذبح على وقته ـ وهو يوم النحر ـ في مقام العذر عن الإتيان به
في وقته. ومنهما يستفاد أيضا الجواز في الفائدة السابقة في مقام الاضطرار أيضا ،
والله العالم.
الثانية عشر :
قد ذكر الأصحاب
(رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي إذا لم يجد ثمنه ،
بل يقتصر على الصوم.
__________________
واستدل عليه
الشيخ في التهذيب بما رواه عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وفي عيبته
ثياب إله أن يبيع من ثيابه شيئا ويشتري بدنة؟ قال : لا ، هذا يتزين به المؤمن ،
يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئا».
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : «والرواية ضعيفة السند بالإرسال وغيره ، ولكن لا ريب في عدم وجوب
بيع ما تدعو الضرورة إليه من ذلك وغيره».
وفيه (أولا) أن
الطعن بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله ، كما عرفت في غير مقام مما تقدم.
و (ثانيا) أنه قد
روى الشيخ في التهذيب عن أحمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي
قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج
إليه ، فتسوى تلك الفضول مائة درهم يكون ممن يجب عليه؟ فقال : له بد من كراء ونفقة؟
فقلت : له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة ، قال : وأي شيء كسوة
بمأة درهم؟ هذا مما قال الله عزوجل : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ)». وطريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى في مشيخة
الكتاب صحيح ، فتكون الرواية
__________________
صحيحة صريحة في المدعى.
بقي الكلام
فيما لو باع والحال هذه من الثياب المذكورة واشترى هديا فهل يجزئ عنه؟ إشكال من أن
ظاهر الخبرين المذكورين انتقال فرضه إلى الصيام في هذه الحال فلا يجزؤه ، لتعين
الصوم عليه ، ومن انه يحتمل أن يكون ذلك على وجه الرخصة ونفي اللزوم ، قال الشيخ
في التهذيب : «لا يلزمه بيعها ـ أي ثياب الزينة ـ في ثمن الهدي ، بل يجزوه الصوم»
وهو ظاهر في الرخصة.
وقال في
المدارك بعد قصره الحكم على ما تدعو الحاجة إليه باعتبار طعنه في الرواية ـ كما
قدمنا نقله عنه ـ ما لفظه : «ولو باع شيئا من ذلك مع الحاجة إليه واشترى بثمنه
هديا قيل أجزأ ، كما لو تبرع عليه متبرع بالهدي ، ويمكن المناقشة فيه بأن الآتي
بذلك آت بغير ما هو فرضه ، إذ الفرض الإتيان بالبدل والحال هذه ، والحاقه بحال
التبرع قياس مع الفارق».
أقول : بل
الوجه في أحد طرفي الاشكال إنما هو ما ذكرناه من الاحتمال وهو مما لا مدفع له في
هذا المجال ، والله العالم.
المقام الثاني
في صفاته
والكلام فيها
في موضعين :
الأول :
في ما يجب منها
:
وهو ثلاثة ، الأول
: الجنس ، ويجب أن يكون أحد النعم الثلاثة : الإبل والبقر والغنم إجماعا من
العلماء ، ويدل عليه بعد الآية ـ وهي قوله عزوجل
«وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ
الْأَنْعامِ ، فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ»
ـ عدة أخبار.
منها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليهالسلام) «في المتمتع قال : عليه الهدي ، فقلت : وما الهدي؟ قال
: أفضله بدنة وأوسطه بقرة وأخسه شاة».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال
__________________
أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو من
البقر ، وإلا فاجعله كبشا سمينا فحلا ، فان لم تجده فموجوء من الضأن ، فان لم تجد
فتيسا فحلا فان لم تجد فما تيسر عليك ، وعظم شعائر الله ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ذبح عن أمهات المؤمنين بقرة بقرة ، ونحر بدنة».
وعن أبي بصير قال : «سألته عن الأضاحي ، فقال : أفضل الأضاحي في الحج
الإبل والبقر ، وقال : ذو الأرحام ، وقال : ولا يضحى بثور ولا جمل».
وعن داود الرقي
قال : «سألني بعض الخوارج عن هذه الآية «مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ
الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ... وَمِنَ
الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» ما الذي أحل الله من ذلك وما الذي حرم؟ فلم يكن عندي
فيه شيء ، فدخلت على أبي عبد الله (عليهالسلام) وأنا حاج فأخبرته بما كان ، فقال : إن الله عزوجل أحل في الأضحية بمنى الضأن والمعز الأهلية ، وحرم أن
يضحي بالجبلية وأما قوله «وَمِنَ الْإِبِلِ
اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ»
فان الله تعالى
أحل في الأضحية الإبل العرب ، وحرم فيها البخاتي وأحل البقر الأهلية أن يضحى بها ،
وحرم الجبلية ، فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بهذا الجواب ، فقال : هذا شيء حملته
الإبل من الحجاز».
وروى العياشي
في تفسيره عن صفوان الجمال قال : «كان متجري
__________________
إلى مصر وكان لي بها صديق من الخوارج ، فأتاني في وقت خروجي إلى الحج ،
فقال لي : هل سمعت شيئا من جعفر بن محمد في قوله عزوجل : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ
مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ
أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) ، (وَمِنَ الْإِبِلِ
اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) أيما أحل وأيما حرم؟؟ فقلت : ما سمعت منه في هذا شيئا ،
فقال لي : أنت على الخروج فأحب أن تسأله عن ذلك ، قال فحججت فدخلت على أبي عبد
الله (عليهالسلام) فسألته عن مسألة الخارجي ، فقال : حرم من الضأن ومن
المعز الجبلية ، وأحل الأهلية ، وحرم من البقرة الجبلية ، ومن الإبل البخاتي يعني
في الأضاحي ، قال : فلما انصرفت أخبرته ، فقال : أما أنه لو لا ما أهراق أبوه من
الدماء ما اتخذت إماما غيره».
الثاني : السن ،
قال في المنتهى : «ولا يجزئ في الهدي إلا الجذع من الضأن والثني من غيره ، والجذع
من الضأن الذي له ستة أشهر ، وثني المعز والبقر ما له سنة ودخل في الثانية ، وثني
الإبل ما له خمس سنين ودخل في السادسة».
وقال في الدروس
: «ولا يجزئ غير الثني ، وهو من البقر والمعز ما دخل في الثانية ، ومن الإبل ما
دخل في السادسة ، ومن الضأن ما كمل له سبعة أشهر ، وقيل ستة أشهر» وعلى هذا النحو
عبائر جملة من الأصحاب.
أقول : أما أنه
لا يجزى إلا هذه الأسنان من الجذع في الضأن والثني في غيره فهو مذهب كافة الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) وأكثر العامة كما ذكره في المنتهى.
ويدل عليه من
الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان
__________________
قال سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : يجزئ من الضأن الجذع ، ولا يجزئ من المعز إلا
الثني». وفي الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عن علي (عليهماالسلام) «أنه كان يقول : الثنية من الإبل والثنية من البقر
والثنية من المعز ، والجذعة من الضأن». وفي الصحيح عن حماد بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أدنى ما يجزئ من أسنان الغنم في الهدي ، فقال :
الجذع من الضأن ، قلت : فالمعز؟ قال : لا يجوز الجذع من المعز ، قلت : ولم؟ قال :
لأن الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الإبل والبقر أيهما أفضل أن يضحي بها؟ قال : ذوات
الأرحام ، وسألته عن أسنانها ، فقال : أما البقر فلا يضرك بأي أسنانها ضحيت ، وأما
الإبل فلا يصلح إلا الثني فما فوق».
وفي الصحيح أو
الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ويجزئ في المتعة الجذع من الضأن ، ولا
يجزئ جذع من المعز».
وعن محمد بن
حمران عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أسنان البقر تبيعها ومسنها في الذبح سواء». أقول
: والتبيع هو ما دخل في الثانية.
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال :
__________________
«يصلح الجذع من الضأن ، وأما الماعز فلا يصلح».
وعن سلمة بن
حفص عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان علي (عليهالسلام) ـ الى أن قال ـ : وكان يقول : يجزئ من البدن الثني ،
ومن المعز الثني ، ومن الضأن الجذع».
وأما أن الثني
من أسنان الإبل والبقر والغنم والجذع من الضأن ما تقدم نقله عنهم فهو المشهور في
كلامهم ، وقد تقدم في كتاب الزكاة ذكر الاختلاف في هذه الأسنان بين كلام الأصحاب وكلام
أهل اللغة ، بل بين كلام أهل اللغة بعضهم مع بعض ، والواجب الرجوع إلى الاحتياط.
إلا أن الموجود
في كتاب الفقه الرضوي هنا ما يدل على القول المشهور ، حيث قال (عليهالسلام) : «ولا يجوز في الأضاحي من البدن إلا الثني ، وهو الذي
تم له خمس سنين ودخل في السادسة ، ويجزئ من
__________________
المعز والبقر الثني ، وهو الذي تم له سنة ودخل في الثانية ، ومن الضأن الجذع
لسنته».
وبهذه العبارة
بعينها عبر الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وقال في باب الأضاحي : «ولا يجوز
في الأضاحي من البدن إلا الثني» إلى آخر ما نقلناه من الكتاب ، وبذلك يظهر قوة
القول المشهور ويتعين العمل به.
والمراد بقوله (عليهالسلام) : «ومن الضأن الجذع لسنته» يعني بعد أن يجذع إلى تمام
السنة ، فإذا كملت له السنة ودخل في غيرها خرج عن هذا الاسم إلى غيره ، وبذلك عبر
جملة من الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) كالمحقق في الشرائع.
الثالث : أن
يكون تاما ، وهو يتضمن أمورا :
(منها) أن لا
يكون أعور ولا أعرج بين العرج.
ويدل على ذلك ما
رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر «أنه سأل أخاه موسى (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها
هل يجزئ عنه؟ قال : نعم إلا أن يكون هديا واجبا ، فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا».
وما رواه في
الكافي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه
__________________
(عليهمالسلام) قال : «قال النبي (صلىاللهعليهوآله) : لا تضحي بالعرجاء ولا بالعجفاء ولا بالخرقاء ولا
بالجذاء ولا بالعضباء».
أقول : العجفاء
: المهزولة ، والخرقاء : المخروقة الأذن أو التي في أذنها ثقب مستدير ، والجذاء :
المقطوعة ، والمراد هنا المقطوعة الاذن ، والعضباء : المكسورة القرن الداخل أو
مشقوقة الاذن.
وما رواه في
التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) ورواه الصدوق مرسلا قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : لا تضحي بالعرجاء بين عرجها ، ولا بالعوراء بين
عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالخرماء ، ولا بالجذاء ، ولا بالعضباء». وفي الفقيه «الجرباء»
بدل «الخرماء» و «الجدعاء» مكان «الجذاء» و «الجدعاء» بالجيم والمهملتين : المقطوعة
الأنف والاذن ، و «الخرماء» بالخاء المعجمة والراء : المثقوبة الاذن والمشقوقة.
وما رواه الشيخ
في التهذيب مسندا عن شريح بن هاني عن علي (عليهالسلام) والصدوق (رحمهالله) مرسلا عن علي (عليهالسلام) قال : «أمرنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في الأضاحي أن نستشرف العين والاذن ، ونهانا عن
الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة».
__________________
قال في الوافي «نستشرف
العين والاذن : أي نتفقدهما ونتأمل سلامتهما لئلا يكون فيهما نقص من عوار أو جدع
من استشرفت الشيء إذا وضعت يدك على حاجبك تنظر إليه حتى يستبين أو تطلبهما
شريفتين بالتمام والسلامة ، والشرقاء بالقاف : مشقوقة الأذن طولا باثنتين ،
والمقابلة والمدابرة : الشاة التي شق اذنها ثم يفتل ذلك معلقا فإن أقبل به فهو
إقباله ، وإن أدبر به فادباره ، والجلدة المعلقة من الاذن هي الاقبالة والادبارة
والشاة مقابلة ومدابرة» انتهى. وبنحو ذلك صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم).
قال في المدارك
: «وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العور بين كونه بينا كانخساف العين وغيره
كحصول البياض عليها ، وبهذا التعميم صرح في المنتهى ، وأما العرج فاعتبر الأصحاب
فيه كونه بينا ، كما ورد في رواية السكوني وفسروا البين بأنه المتفاحش الذي يمنعها السير مع الغنم
ومشاركتهن في العلف والمرعى ، فتهزل ، ومقتضى صحيحة علي بن جعفر عدم إجزاء الناقص من الهدي مطلقا» انتهى.
أقول : لا ريب
أن صحيحة علي بن جعفر وإن دلت على ما ذكره ، لكن طريق الجمع بينها وبين رواية
السكوني الثانية الدالة على تقييد العرج والعور بالبين تقييد الصحيحة المذكورة بها
وحمل المطلق على المقيد ، كما هي القاعدة المطردة إلا أن مقتضى اصطلاحه الذي
يعتمده أن الجمع بين الاخبار فرع تساويها في الصحة ، لكن يرد عليه الاستدلال هنا
برواية السكوني ، ولعله لهذا أجمل في العبارة ، حيث اقتصر على مجرد نسبة ذلك إلى
الصحيحة المذكورة.
__________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن مقتضى إطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ـ أنه لو اشترى الهدي على أنه
تام ثم ظهر النقصان لم يجزه ـ أعم من أن يكون ظهور النقصان بعد الذبح أو قبله ،
قبل نقد الثمن أو بعده ، وكذلك أطلق جملة من الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
قال في الشرائع
: «ولو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم يجز».
قال شيخنا في
المسالك : «لا فرق بين ظهور المخالفة قبل الذبح وبعده» وبنحو ذلك بل أصرح منه صرح
في المدارك.
وقال في الدروس
: «ولو ظن التمام فظهر النقص لم يجز».
وقال في
المنتهى : «ولو اشترى على أنه تام فبان ناقصا لم يجز عنه ، لما تقدم في حديث علي
بن جعفر » وعلى هذا النحو كلامهم.
إلا أن المفهوم
من كلام الشيخ في التهذيب الخلاف في المسألة ، حيث خص الحكم المذكور بما إذا كان
قبل نقد الثمن ، قال في التهذيب : «إن من اشترى هديا فلم يعلم أن به عيبا حتى نقد
ثمنه ثم وجد به عيبا فإنه يجزئ عنه».
واستدل على ذلك
بما رواه عن عمران الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من اشترى هديا فلم يعلم أن به عيبا حتى نقد
ثمنه ثم علم بعد فقد تم».
ثم قال : «ولا
ينافي هذا الخبر ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم
__________________
عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل اشترى هديا وكان به عيب عور أو غيره ، فقال :
إن كان نقد ثمنه رده واشترى غيره». لأن هذا الخبر محمول على من اشترى ولم يعلم أن
به عيبا ثم علم قبل أن ينقد الثمن عليه ثم نقد الثمن بعد ذلك ، فان عليه رد الهدي
وأن يسترد الثمن ويشتري بدله ، ولا تنافي بين الخبرين».
وقال في
المدارك بعد نقل ذلك عنه : «هذا كلامه رحمهالله ولا بأس به». أقول : لا يخفى أن الشيخ (رحمهالله) إنما نقل رواية معاوية بن عمار من طريق محمد بن يعقوب
، والموجود في الكافي هكذا «فقال : إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه ، وإن لم
يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره» وعلى هذا فلا تنافي بين هذه الرواية وبين رواية
عمران الحلبي المذكورة ليحتاج إلى الجمع بينهما بما ذكره ، وكأنه قد سقط من نسخة
الكافي التي كانت عند الشيخ هذه الجملة المتوسطة ، أو انتقل نظره في حال النقل من «ثمنه»
الأول إلى «ثمنه» الثاني من حيث الاستعجال ، وهو الظاهر كما وقع له أمثال ذلك في
غير موضع.
وصاحب المدارك
اعتمد على ما نقله الشيخ (رحمهالله) هنا من نقل رواية معاوية بن عمار بهذا المتن الذي ذكره
، ولم يراجع الكافي ، فنقل
__________________
ذلك عنه في المدارك ونفى عنه البأس.
وربما وجد في
بعض نسخ المدارك ما يؤذن بالعدول عما ذكره هنا والتنبيه على سهو الشيخ (رحمهالله تعالى) في ذلك ، إلا أن أكثر نسخ الكتاب على ما ذكرناه
، ولعله عدول منه (قدسسره) بعد أن خرجت نسخة الكتاب وانتشر نسخها.
وقد وقع لشيخنا
الشهيد (رحمهالله) في الدروس مثل ما نقلناه عن المدارك من متابعة الشيخ
في هذا السهو ، حيث قال : «وروى الحلبي إجزاء المعيب إذا لم يعلم بعيبه حتى نقد
الثمن وروى معاوية عدم الاجزاء» انتهى.
وكيف كان فإنه
لا يخفى صحة الخبرين المذكورين وصراحتهما وإن كان خبر معاوية بن عمار من قسم الحسن
عندهم بإبراهيم بن هاشم الذي لا يقصر عن الصحيح عندهم وإن كان صحيحا عندنا ، وطريق
الجمع بينهما وبين صحيحة علي بن جعفر المذكورة إما بتقييد إطلاق صحيحة علي بن جعفر
بعدم نقد الثمن ، وإما بحملها على الهدي الواجب ، وحمل الروايتين المذكورتين على
غيره.
والعجب من
العلامة في المنتهى أنه نقل كلام الشيخ المذكور في فروع المسألة ولم ينكره ، ونقل
في الفرع الذي بعده ما قدمنا نقله عنه من عدم الاجزاء استنادا إلى صحيحة علي بن
جعفر ولم يتعرض للجواب عن كلام الشيخ ولا عن الرواية التي استدل بها ، وكذلك صاحب
المدارك.
وبالجملة فطريق
الاحتياط يقتضي الوقوف على ما أفتى به الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).
و (منها) أن لا
ينكسر قرنها الداخل ، وهو الأبيض الذي في وسط
الخارج ، أما الخارج فلا اعتبار به.
ويدل على
الأمرين المذكورين ما رواه الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن علي عن
أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال : «في المقطوع القرن أو المكسور القرن إذا كان
القرن الداخل صحيحا فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا».
ووصف في
المدارك هذا السند بالصحة حيث أسند إلى الشيخ أنه روى هذه الرواية في الصحيح ، مع
أن عليا المذكور في السند غير معلوم كما لا يخفى .
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الأضحية يكسر قرنها ، قال : إذا كان القرن الداخل
صحيحا فهو يجزئ».
قال في الفقيه
: «سمعت شيخنا محمد بن الحسن (رضي الله تعالى عنه) يقول : سمعت محمد بن الحسن
الصفار (رضي الله تعالى عنه) يقول : إذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه وبقي ثلثه فلا
بأس أن يضحى به».
ورده جملة من
متأخري الأصحاب لمخالفته مقتضى الروايتين المذكورتين.
قال في الدروس
في عد ما لا يجزئ : «ولا مكسور القرن الداخل وإن بقي ثلثه ، خلافا للصفار».
و (منها) أن لا
تكون مقطوعة الاذن ولو قليلا.
__________________
ويدل عليه ما
تقدم في روايتي السكوني ورواية شريح بن هاني ويدل عليه أيضا
ما رواه الشيخ
في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر بإسناده عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سئل عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو
مثقوبة بسمة ، فقال : ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس».
وما رواه
الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الضحية تكون الأذن مشقوقة ، فقال : إن كان شقها
وسما فلا بأس وإن كان شقا فلا يصلح».
وعن سلمة أبي
حفص عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «كان علي (عليهالسلام) يكره التشريم في الآذان والخرم ، ولا يرى بأسا إن كان
ثقب في موضع المواسم».
والمستفاد من
هذه الاخبار أنه لا بأس بالشق والثقب ما لم يوجب ذهاب شيء منها.
وقد قطع
الأصحاب باجزاء الجماء : وهي التي لم يخلق لها قرن والصمعاء :
وهي الفاقدة
الاذن خلقة للأصل ، ولأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة ولا في لحمها
، وفي التعليل الثاني نظر ، لإتيان ذلك في مثقوبة الاذن ومشقوقها على وجه يذهب
منها شيء ، وهم لا يقولون به ، بل
__________________
الأظهر هو دخول هذه الشاة في عموم أخبار الهدي والأضحية من غير معارض يوجب
الاستثناء ، ومرجعه إلى الأصل المذكور الذي هو بمعنى عموم الدليل لأنه أحد معاني
الأصل كما تقدم في مقدمات الكتاب .
واستقرب
العلامة في المنتهى إجزاء البتراء أيضا ، وهي المقطوعة الذنب ، قال في المدارك : «ولا
بأس به».
أقول : ونفي
البأس لا يخلو من بأس.
وقال في الدروس
: «وتجزئ الجماء وهي الفاقدة القرن خلقة والصمعاء وهي الفاقدة الأذن خلقة أو
صغيرتها على كراهة ، وفي إجزاء البتراء ـ وهي المقطوعة الذنب ـ قول» وظاهره التوقف
في البتراء وهو في محله.
ثم إن الذي صرح
به الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في تفسير الصمعاء كما سمعت أنها هي الفاقدة
الاذن أو صغيرتها ، والذي في كلام أهل اللغة إنما هو الثاني خاصة.
قال في القاموس
: «الأصمع : الصغير الاذن».
وقال في
النهاية الأثيرية : «الاصمع : الصغير الاذن من الناس وغيرهم ومنه حديث ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يضحي بالصمعاء أي الصغيرة الأذنين».
وقال الفيومي
في المصباح المنير : «الصمع : لصوق الأذنين وصغيرهما».
وأما إطلاقه
على الفاقدة الأذنين فلم أقف عليه في شيء منها ، ولم أعرف
__________________
لهم مستندا فيما ذكروه (رضوان الله تعالى عليهم).
و (منها) أن لا
يكون خصيا فحلا على خلاف فيه ، فذهب الأكثر إلى عدم إجزائه ، بل ظاهر العلامة في
التذكرة أنه قول علمائنا اجمع ، ونحوه في المنتهى ، ونقل في المختلف عن ابن أبي
عقيل أنه يكره ، والمعتمد المشهور ، للأخبار الصحيحة الدالة على عدم الاجزاء إلا
مع عدم غيره ، وبذلك صرح الشيخ (رحمهالله) أيضا ، حيث قال في النهاية : «لا يجوز في الهدي الخصى
، فمن ذبح خصياً وكان قادرا على أن يقيم بدله لم يجزه ذلك ، ووجب عليه الإعادة ،
فان لم يتمكن من ذلك فقد أجزأ عنه».
ومن الاخبار
المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن ابن الحجاج قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ولم
يكن يعلم أن الخصي لا يجوز في الهدي ، هل يجزوه أم يعيده؟ قال : لا يجزوه إلا أن
يكون لا قوة به عليه».
وعنه في الصحيح
أيضا قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيا مجبوبا ، قال : إن
كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «أنه سئل عن الأضحية فقال : أقرن فحل ـ إلى أن قال ـ :
وسألته أيضحي بالخصي؟ فقال : لا».
__________________
وفي الصحيح عنه
أيضا عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الأضحية بالخصي ، فقال : لا».
وعن الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصي
، وقال : الكبش السمين خير من الخصي ومن الأنثى ، وقال : سألته عن الخصي وعن
الأنثى ، فقال : الأنثى أحب إلي من الخصي».
وعن أحمد بن
محمد بن أبي نصر في الصحيح قال : «سئل عن الخصي يضحى به فقال : إن كنتم
تريدون اللحم فدونكم ، وقال : لا يضحى إلا بما عرف به».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «قلت : فالخصي يضحى به ، قال : لا إلا
أن لا يكون غيره».
وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام): «الخصي لا يجزئ في الأضحية».
وفي كتاب عيون
الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) في كتابه إلى المأمون قال : «ولا يجوز أن يضحى بالخصي
، لأنه ناقص ، ويجوز الموجاء».
وفي كتاب قرب
الاسناد بسنده عن عبد الله بن بكير «ان أبا عبد الله (عليهالسلام) سئل أيضحى بالخصي؟ فقال : إن كنتم إنما تريدون اللحم
فدونكم أو عليكم».
احتج لابن أبي
عقيل في المختلف بقوله تعالى : «فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ
__________________
الْهَدْيِ»
ولأنه أنفع
للفقراء ، ثم أجاب عنه بالأخبار الصحيحة التي نقلها وإطلاق جملة من عبائر الأصحاب
يدل على المنع وعدم الاجزاء مطلقا ، ولم أقف على من قيد بما قدمناه إلا على عبارة
الشيخ المتقدمة ، ونحوها في الدروس ، واستظهره في المدارك ، ولا ريب فيه ، لما
عرفت من الاخبار المتقدمة.
ويؤكده ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار في حديث قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : اشتر فحلا سمينا للمتعة فان لم تجد فموجوءا ، فان لم
تجد فمن فحولة المعز ، فان لم تجد فنعجة ، فان لم تجد فما استيسر من الهدي»
الحديث.
و (منها) أن لا
تكون مهزولة ، وهي التي ليس على كليتها شحم ، ولو اشتراها على أنها
سمينة فخرجت مهزولة أجزأت ، وكذا لو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت سمينة ، اما لو
اشتراها على أنها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز.
ومما يدل على
هذه الأحكام المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) في حديث قال : «وإن اشترى أضحية وهو ينوي أنها سمينة
فخرجت مهزولة أجزأت عنه ، وان نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه ، وإن نواها
مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه».
وعن منصور في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وإن اشترى الرجل هديا وهو يرى أنه سمين أجزأ
عنه وإن لم يجده سمينا ، ومن اشترى هديا وهو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه
__________________
وإن اشتراه وهو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة
فقد أجزأت ، عنه وإن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزئ عنه».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال علي (عليهالسلام) إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزئ عنه ، وإن
اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه ، وإن اشتراها عجفاء فوجدها سمينة أجزأت عنه
، وفي هدي المتمتع مثل ذلك».
قال في الوافي
: «قوله : «وفي هدي المتمتع مثل ذلك» يحتمل أن يكون من تمام الحديث وأن يكون من
كلام صاحب الكتاب ، وعلى الثاني يحتمل أن يكون بتقدير «قال» فيكون حديثا آخر ، وإن
يكون فتو منه مستفادا من حديث آخر» انتهى.
وروى في الكافي
في الصحيح عن العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الهرم الذي قد وقعت ثناياه أنه لا بأس به في
الأضاحي وإن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأ ، وإن اشتريته مهزولا فخرج مهزولا
فلا يجزئ».
__________________
قال : «وفي
رواية أخرى أن حد الهزال إذا لم يكن على كليته شيء من الشحم».
وروى في الكافي
والتهذيب عن الفضيل قال : «حججت بأهلي سنة فعزت الأضاحي فانطلقت فاشتريت
شاتين بغلاء ، فلما ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال
فأتيته فأخبرته بذلك ، فقال لي : إن كان على كليتهما شيء من الشحم أجزأنا».
قال في المدارك
: «وفي طريق هذه الرواية ياسين الضرير ، وهو غير موثق ، ولو قيل بالرجوع في حد
الهزال إلى العرف لم يكن بعيدا».
أقول : لا يخفى
أن الرواية وإن كانت ضعيفة باصطلاحه إلا أنه لا راد لها من الأصحاب (رضوان الله
تعالى عليهم) وقد تقدم منه قريبا أنه لا خروج عما عليه الأصحاب ، فلا وجه لردها
بذلك بعد اتفاقهم على الحكم هذا مع ما بينا في غير موضع مما تقدم ما في الرجوع إلى
العرف من الاشكال ، مضافا إلى عدم الدليل عليه في أمثال هذا المجال.
بقي الكلام في
موضعين (أحدهما) أن يشتريها على أنها مهزولة ثم يذبحها فتظهر سمينة ، فإن المشهور
الاجزاء كما قدمنا ذكره.
ونقل عن ابن
أبي عقيل أنها لا تجزئ ، لأن ذبح ما يعتقد كونه مهزولا غير جائز ، فلا يمكن التقرب
به إلى الله ، وإذا انتفت نية القربة
__________________
انتفى الاجزاء.
وأجيب عنه
بالمنع من الصغرى ، إذ غاية ما يستفاد من الأدلة عدم إجزاء المهزول ، لا تحريم ذبح
ما ظن كونه كذلك.
أقول : لا يخفى
أن المتبادر من قوله (عليهالسلام) في الروايات المتقدمة : «إذا اشترى الهدي مهزولا فوجده سمينا». أن الوجدان
إنما هو بعد الذبح الذي به يتحقق ذلك ، وبه يظهر ضعف هذا القول.
و (ثانيهما)
أنه لو لم يجد إلا فاقد الشرائط فهل يكون مجزئا أو ينتقل إلى الصوم؟ قولان :
وبالأول جزم الشهيدان ، لظاهر قوله (عليهالسلام). فيما قدمناه من الأخبار : «فان لم يجد فما استيسر من الهدي». وبالثاني صرح
المحقق الشيخ علي (رحمهالله) لأن فاقد الشرائط لما لم يكن مجزئا كان وجوده كعدمه.
ويمكن ترجيح
الأول بالخبر المذكور ، وقوله : «لأن فاقد الشرائط وجوده كعدمه» ممنوع ، لأنه إنما
يتم لو لم يأذن الشارع في غيره ، والاذن موجودة في فاقد الشرائط بالأخبار المشار
إليها ، كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته وفي جملة من أخبار الخصي الاجتزاء به
__________________
مع عدم إمكان الفحل.
وفي تفسير
العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا استمتعت بالعمرة إلى الحج فان عليك الهدي ،
ما استيسر من الهدي ، اما جزور وإما بقرة وإما شاة ، فان لم تقدر فعليك الصيام كما
قال الله تعالى» الحديث.
وعن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قوله تعالى :
«فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى
الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
قال : «ليكن كبشا سمينا ، فان لم يجد فعجلا من البقر ، والكبش أفضل فان لم
يجد فموجوء من الضأن وإلا ما استيسر من الهدي : شاة».
إلا أن لقائل
أن يقول : إن ظاهر سياق هذه الأخبار إنما هو بالنسبة إلى الأفضل فالأفضل من
الأنعام الثلاثة مع استكمال الشرائط المذكورة ، وأنه يقتصر على الشاة التي هي
أخسها إذا لم يتيسر سواها ، لا بالنسبة إلى ما اتصف بتلك الشرائط وما لم يتصف بها.
وبذلك يظهر قوة
القول الثاني ، والمسألة لذلك لا تخلو من الاشكال ، والاحتياط مما لا ينبغي تركه.
__________________
الموضع الثاني
في ما يستحب من صفاته
(فمنها) أن
الأفضل من البدن والبقر الإناث ومن المعز والضأن الذكور.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر ، وقد تجزي
الذكورة من البدن ، والضحايا من الغنم الفحولة».
ورواه الشيخ
المفيد في المقنعة مرسلا إلا أن فيه «وأفضل الضحايا من الغنم».
وهو واضح.
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تجوز ذكورة الإبل والبقر في البلدان إذا لم يجد
الإناث ، والإناث أفضل». وقد تقدم في صحيحة محمد بن مسلم نحو ذلك.
وعن أبي بصير قال : «سألته عن الأضاحي ، فقال : أفضل الأضاحي في الحج
الإبل والبقر ، وقال : ذوات الأرحام ، ولا يضحى
__________________
بثور ولا جمل».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الإبل والبقر أيهما أفضل أن يضحى به؟ قال : ذوات
الأرحام» الحديث.
وعن الحسن بن
عمارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «ضحى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بكبش أجذع أملح فحل سمين».
ويستفاد من
رواية أبي بصير كراهة التضحية بالثور والجمل ، والأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
قد ذكروا هنا كراهة التضحية بالجاموس والثور والموجوء ، وهو مرضوض الخصيتين حتى
تفسدا ، وهذا الخبر قد دل على الثور ، وأما الجاموس فلم أقف على ما يدل على كراهية
التضحية به.
بل روى الشيخ
في الصحيح عن علي بن الريان بن الصلت عن أبي الحسن الثالث (عليهالسلام) قال : «كتبت إليه أسأله عن الجاموس كم يجزئ في الضحية
، فجاء في الجواب إن كان ذكرا فعن واحد ، وإن كان أنثى فعن سبعة». وهو كما ترى
ظاهر في الجواز.
وأما الموجوء
فإنهم استدلوا على الكراهة فيه بقوله (عليهالسلام) في رواية معاوية بن عمار : «اشتر فحلا سمينا للمتعة ، فان لم تجد فموجوءا ، فان
لم تجد فمن فحولة المعز ، فان لم تجد فما استيسر».
__________________
وفي حسنة محمد
بن مسلم «والفحل من الضأن خير من الموجوء ، والموجوء خير من النعجة ، والنعجة خير
من المعز».
وأنت خبير بأن
غاية ما يستفاد من الخبرين المذكورين الترتيب في الفضل والاستحباب دون الكراهة ،
وإلا لزم كراهة جملة من هذه الافراد المفضل غيرها عليها ، وليس كذلك.
ونقل في
المختلف عن ابن إدريس أنه قال في الموجوء لا يجوز ، قال : «مع أنه قال بالجواز قبل
ذلك» ونقل عن الشيخ أنه لا بأس به ، وهو الذي اختاره في الكتاب المذكور ، وعليه
العمل.
و (منها) أن
تكون سمينة تنظر في سواد وتبرك في سواد وتمشي في سواد ، والأصل في هذا الحكم جملة
من الاخبار.
(منها) ما في
صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يضحي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد ويمشي في سواد».
و (منها) ما في
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد وينظر
في سواد ، فان لم تجد من ذلك شيئا فالله أولى بالعذر».
وفي صحيحة
الحلبي أو حسنته قال : «حدثني من سمع أبا عبد الله (عليهالسلام)
__________________
يقول : ضح بكبش أسود أقرن فحل ، فان لم تجد فأقرن فحل يأكل في سواد ويشرب
في سواد وينظر في سواد».
وفي صحيحة محمد
بن مسلم أو حسنته قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) أين أراد إبراهيم (عليهالسلام) أن يذبح ابنه؟ قال : على الجمرة الوسطى ، وسألته عن
كبش إبراهيم ما كان لونه وأين نزل؟ قال : أملح ، وكان أقرن ، ونزل من السماء على
الجبل الأيمن من مسجد منى ، وكان يمشي في سواد ، ويأكل في سواد ، وينظر ويبعر
ويبول في سواد».
واختلف الأصحاب
في تفسير ذلك ، فقال بعضهم : المراد بذلك كون هذه المواضع سوادا ، أي العين التي
تنظر بها والقوائم التي يمشي عليها والبطن الذي يبرك عليه ، باعتبار زيادة «ويبرك
في سواد» كما في عبائر بعض الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ولم نقف عليه في
الأخبار ، وهكذا سائر المواضع المذكورة ، ونقل هذا عن ابن إدريس.
وقيل : إن
المراد أنه من عظمه ينظر في ظل شحمة ، ويمشي في فيئه ويبرك في ظل شحمة.
أقول : وهذا
التفسير كناية عن المبالغة في السمن ، وهو الأنسب بسياق الروايات المذكورة ،
ومعناه أنه يكون سمينا له ظل يمشي فيه ويأكل فيه وينظر فيه ، والمراد أنه يكون له
ظل عظيم لا مطلق الظل ، فإنه لازم لكل ذي جسم كثيف.
وأما المشي فيه
فليس بلازم ، وإنما هو من تتمة المبالغة في عظم الظل فإن المشي فيه حقيقة لا يتحقق
إلا عند مسامتة الشمس لرأس الشخص ،
__________________
وحينئذ يتساوى الجسم الصغير والكبير في الظل باعتبار مطابقته له.
وقيل : إن
السواد كناية عن المرعى والمنبت ، فإنه يطلق عليه ذلك لغة ، كما قيل أرض السواد
لأرض العراق وقت الفتح ، لكثرة شجرها ونخلها وزرعها وقت التسمية ، ويكون المراد أن
الهدي رعى ومشى ونظر وبرك وبعر في الخضرة والمرعى فسمن لذلك ، وهذا المعنى أظهر
انطباقا بالأخبار المذكورة.
ونقل عن القطب
الراوندي أنه قال : إن التفسيرات الثلاثة مروية عن أهل البيت (عليهمالسلام) وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.
والظاهر أنه
تبع فيه ما نقل عن القطب الراوندي ، ويحتمل وقوفه على ما دل على ذلك من الاخبار.
وفي الدروس نسب النقل إلى القطب الراوندي.
وهذا المعنى
الثالث يرجع إلى الثاني ، وهو الكناية عن السمن ، وأما التفسير الأول فإنه يكون
وصفا برأسه.
و (منها) أن
يكون مما عرف به ، وهو الذي أحضر عرفة ، واستحباب ذلك هو المشهور بل قال في
التذكرة : «بالإجماع على ذلك».
وقال شيخنا
المفيد (عطر الله تعالى مرقده) في المقنعة : «لا يجوز أن يضحي إلا بما قد عرف به ،
وهو الذي أحضر عشية عرفة بعرفة». وظاهر كلامه الوجوب ، لكن حمله في المنتهى على
المبالغة في تأكد الاستحباب.
والأصل في هذه
المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر قال : «سئل عن الخصي ـ إلى أن قال ـ : وقال : لا يضحي
إلا بما قد عرف به».
وعن أبي بصير في الصحيح إليه وروايته لا تقصر عن الموثق عن
__________________
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يضحي إلا بما قد عرف به».
وعن سعيد بن
يسار في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إنا نشتري الغنم بمنى ولسنا ندري عرف بها أم لا ،
فقال : إنهم لا يكذبون لا عليك ضح بها».
وظاهر النهي في
هذه الأخبار التحريم إلا أن الأصحاب حملوه على الكراهة لما رواه الشيخ والصدوق عن
سعيد بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن من اشترى شاة لم يعرف بها ، قال : لا بأس بها عرف
بها أم لم يعرف».
وحمله الشيخ في
التهذيب على ما إذا لم يعرف بها المشتري وذكر البائع أنه عرف بها ، فإنه يصدقه في
ذلك ، ويجزى عنه ، واستند في هذا الحمل إلى صحيحة سعيد بن يسار المذكورة.
ويؤيده ما في
رواية الصدوق لهذا الخبر في الفقيه من قوله : «ولم يعرف بها» بالواو.
وعدول الشيخ عن
العمل بظاهر الخبر إلى تأويله بما ذكره يدل على اختياره لمذهب الشيخ المفيد ، مع
أنهم لم ينقلوا ذلك عنه ، وكلامه كما ترى ظاهر في ذلك.
وكيف كان
فالاحتياط ، مما لا ينبغي تركه ، فان مذهب الشيخين لا يخلو من قوة ، لما عرفت مما
قدمناه في الجمع بين الاخبار بالكراهة والاستحباب.
ويكفي في ثبوت
التعريف إخبار البائع من غير خلاف يعرف ، وعليه تدل صحيحة سعيد بن يسار المذكورة.
__________________
و (منها) أن
تنحر الإبل قائمة قد ربطت بين الخف والركبة ، ويطعنها من الجانب الأيمن.
ويدل على ذلك صحيحة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«فَاذْكُرُوا
اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ»
قال : «ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخف إلى الركبة ، ووجوب
جنوبها إذا وقعت على الأرض».
ورواية أبي
الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) كيف تنحر البدنة؟ فقال : تنحر وهي قائمة من قبل اليمين».
وقد روي ربط
يدها اليسرى خاصة ، رواه في الكافي عن أبي خديجة قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) وهو ينحر بدنته معقولة يدها اليسرى ، ثم يقوم على جانب
يدها اليمنى ويقول : بسم الله والله أكبر ، اللهمّ هذا منك ولك ، اللهم تقبله مني
ثم يطعن في لبتها ، ثم يخرج السكين بيده ، فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده».
والمراد بقولنا
: «يطعنها من الجانب الأيمن» هو ما فسرته رواية أبي خديجة من أنه يقف من جانب يدها
اليمنى وإليه أشار في رواية أبي الصباح الكناني بقوله (عليهالسلام): «من قبل اليمين ويطعنها
__________________
في موضع النحر وهو اللبة».
ومما يدل على
جواز النحر كيف اتفق ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد
الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟
قال : يعقلها ، وإن شاء قائمة وإن شاء باركة».
و (منها) الدعاء
حال النحر والذبح ، ويدل على ذلك ما تقدم في رواية أبي خديجة .
وما رواه
الكليني في الصحيح عن ابن أبي عمير وصفوان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره أو اذبحه
، وقل : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ،
اللهمّ منك ولك ، بسم الله والله أكبر اللهمّ تقبل مني ، ثم أمر السكين ، ولا
تنخعها حتى تموت».
ورواه في
الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) مثله.
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «فإذا أردت ذبحه أو نحره فقل :
__________________
وجهت وجهي ـ الدعاء إلى قوله ـ : وأنا من المسلمين ، اللهمّ هذا منك وبك
ولك وإليك ، بسم الله الرحمن الرحيم الله أكبر اللهم تقبل مني كما تقبلت من
إبراهيم خليلك وموسى كليمك ومحمد حبيبك (صلىاللهعليهوآله) ثم أمر السكين عليها ، ولا تنخعها حتى تموت».
و (منها) أن
يتولى الذبح بنفسه إن أحسنه وإلا فليترك يده مع يد الذابح.
ويدل على الأول
التأسي بالنبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) فإن المروي عنه (صلىاللهعليهوآله) أنه نحر هديه بنفسه وقد تقدم في رواية أبي خديجة عن الصادق (عليهالسلام) أنه نحر بدنته بنفسه .
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «لا يذبح ـ ورواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) قال : لا يذبح ـ لك اليهودي ولا النصراني أضحيتك ، فإن
كانت امرأة فلتذبح لنفسها ، ولتستقبل القبلة ، وتقول : وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا مسلما ، اللهمّ منك ولك».
ويدل على
الثاني ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار
__________________
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) وفي الفقيه مرسلا قال : «كان علي بن الحسين (عليهماالسلام) يجعل السكين في يد الصبي ثم يقبض الرجل على يد الصبي
فيذبح».
ومما يدل على
ذبح الغير اختيارا وإن لم يضع يده معه ما قدمنا نقله عن الصدوق في مقدمات هذا
الكتاب من ذبح النبي (صلىاللهعليهوآله) هديه وهدي علي (عليهالسلام) بيده وافتخار علي (عليهالسلام) على الصحابة بقوله : «من فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) هديه بيده» .
وقد تقدم في
جملة من الأخبار الواردة في الإفاضة من المشعر ليلا ما يدل على النيابة في الذبح أيضا.
__________________
المقام الثالث
في البدل
وفيه مسائل :
الأولى :
الظاهر أنه لا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن من لم يجد الهدي ولا قيمته فان
فرضه ينتقل إلى الصيام. قال في المنتهى : «إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه وجب عليه أن
يصوم بدله عشرة أيام : ثلاثة أيام في الحج متتابعات ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ،
ولا خلاف في ذلك بين العلماء كافة» ثم استدل بالآية .
وإنما الخلاف
في من وجد الثمن ولم يجد الهدي فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ـ ومنهم
الشيخان والصدوقان والمرتضى وأبو الصلاح وابن البراج وغيرهم ـ أن من فقد الهدي
ووجد الثمن جعل الثمن أمانة عند رجل متى عزم السفر ، فيشتري له هديا ويذبحه عنه في
ذي الحجة ، فإن تعذر ففي العام القابل في ذي الحجة إن لم يحج بنفسه فان لم يقدر
على الهدي ولا على ثمنه انتقل إلى الصوم.
قال الصدوق : «قال
أبي (رضياللهعنه) في رسالته إلي : إن
__________________
وجدت ثمن الهدي ولم تجد الهدي فخلف الثمن عند رجل من أهل مكة ليشتري لك في
ذي الحجة ويذبحه عنك ، فان مضى ذو الحجة ولم يشتر أخر إلى قابل ذي الحجة ، فإن
أيام الذبح قد مضت».
وقال ابن
الجنيد : «ولو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيرا بين أن ينظر أوسط ما وجد به
في سنته هدي ، فيتصدق به بدلا منه ، وبين أن يصوم وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل
مكة يذبح عنه إلى آخر ذي الحجة ، فان لم يجد ذلك أخره إلى قابل أيام النحر» وظاهره
التخيير بين الأمور المذكورة.
وقال ابن أبي
عقيل : «المتمتع إذا لم يجد هديا فعليه صيام» وأطلق.
وقال ابن إدريس
: «الأظهر والأصح أنه إذا لم يجد الهدي ووجد ثمنه لا يلزمه أن يخلفه ، بل الواجب
عليه إذا عدم الهدي الصوم ، سواء وجد الثمن أو لم يجد».
والأصح القول
المشهور ، ويدل عليه جملة من الاخبار التي هي المعتمد في الإيراد والإصدار.
و (منها) ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : يخلف الثمن
عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه ، وهو يجزئ عنه ، فان مضى ذو الحجة
أخر ذلك إلى قابل من ذي الحجة».
وما رواه في
التهذيب عن النضر بن قرواش قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه
فلم يصبه ، وهو موسر حسن الحال ، وهو يضعف عن الصيام ، فما ينبغي
__________________
له أن يصنع؟ قال : يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان يريد المضي إلى
أهله ، وليذبح عنه في ذي الحجة ، فقلت : فإنه دفعه إلى من يذبحه عنه فلم يصب في ذي
الحجة نسكا وأصابه بعد ذلك ، قال : لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة ولو أخره إلى قابل».
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي : «وإن وجدت ثمن الهدي ولم تجد الهدي فخلف الثمن عند
رجل من أهل مكة يشتري لك في ذي الحجة ويذبح عنك ، فان مضت ذو الحجة ولم يشتر لك
أخرها إلى قابل ذي الحجة ، فإنها أيام الذبح». وهذه عين عبارة الشيخ علي بن بابويه
المتقدمة بتغيير ما في آخرها.
احتج ابن إدريس
بأن الله تعالى لم ينقلنا عند عدم الهدي إلا إلى الصوم ولم يجعل بينهما واسطة ،
فمتى نقلنا إلى ما لم ينقلنا الله تعالى إليه يحتاج إلى دليل شرعي.
وادعى في
السرائر أن الشيخ ذهب إلى هذا القول في جملة وعقوده في فصل في نزول منى وقضاء
المناسك بها ، حيث نقل عنه أنه قال : «فهدي التمتع فرض مع القدرة ، ومع العجز
فالصوم بدل منه».
أقول : لا يخفى
أن هذه العبارة غير ظاهرة فيما ادعاه ، بل هي مجملة مطلقة كاجمال عبارة ابن أبي
عقيل المتقدمة ، لاحتمال أن يريد القدرة عليه أو على ثمنه ، كما أن عدم الوجدان
المترتب عليه الصوم في الآية محمول على ذلك بمعونة الأخبار المذكورة.
قال العلامة في
المنتهى بعد ذكر مذهب الشيخين في المسألة ومذهب
__________________
ابن إدريس ما صورته : «لنا أن وجدان الثمن بمنزلة وجدان العين ، كوجدان ثمن
الماء عنده ، مع أن النص ورد «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً»
وكذا وجدان ثمن الرقبة في العتق مع ورود النص بوجدان العين وما ذلك إلا أن التمكن يحصل باعتبار الثمن هناك ، ويصدق
عليه أنه واجد للعين فكذا هنا ، ويدل عليه ما رواه الشيخ» ثم أورد الروايتين
المتقدمتين.
ومرجع كلامه (قدسسره) إلى أن إطلاقات القرآن العزيز ومجملاته يرجع فيها إلى
أخبارهم (عليهمالسلام) لأن أحكام القرآن لا تؤخذ إلا عنهم ، ولما وردت الاخبار
في المواضع الثلاثة بأن وجود الثمن في حكم وجود العين وجب حمل الوجدان في
الآيات المذكورة نفيا أو إثباتا على الأعم من العين والثمن ، وهو كلام جيد متين
وجوهر عزيز ثمين.
ثم قال (قدسسره) بعد نقل دليل ابن إدريس المتقدم وجوابه : «لا نسلم أن
عدم الوجدان يصدق لمن وجد الثمن ، وقد بيناه في الكفارة والتيمم ، ومع ذلك فالدليل
الشرعي ما بيناه من الحديثين ، فان زعم أنه لا يعمل بأخبار الآحاد فهو غلط ، إذ
أكثر المسائل الشرعية مستفادة منها» انتهى. وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الحاذق
النبيه.
قال في المدارك
بعد ذكر الخبرين المتقدمين حجة للقول المشهور ما صورته :
__________________
«والرواية الأولى معتبرة الإسناد ، بل الظاهر أنها لا تقصر عن مرتبة الصحيح
كما بيناه مرارا ، وأما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند ، لأن راويها غير
موثق ، لكن ربما كان في رواية البزنطي عنه إشعار بمدحه ، لأنه ممن نقل الكشي إجماع
العصابة على تصحيح ما يصح عنه والإقرار له بالفقه. ـ ثم قال ـ : احتج ابن إدريس
بأن الله تعالى نقلنا إلى الصوم مع عدم الوجدان ، والنقل إلى الثمن يحتاج إلى دليل
شرعي ، وأجاب عنه في المنتهى بالمنع من عدم الوجدان ، قال : ومع ذلك فالدليل
الشرعي ما بيناه من الحديثين ، فان زعم أنه لا يعمل بأخبار الآحاد فهو غلط ، إذ
أكثر المسائل الشرعية مستفادة منها ، ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف ، والحق
أن كلام ابن إدريس جيد على أصله. بل لو لا ما ذكرناه من قوة اسناد الروايتين لتعين
المصير اليه» انتهى.
أقول : فيه (أولا)
أن ما ذكره من أن الرواية الأولى معتبرة الإسناد ـ يعني باعتبار إبراهيم بن هاشم ـ
وإن كان كذلك ، بل حديثه عندنا معدود في الصحيح بناء على الاصطلاح الغير الصحيح ،
إلا أنه قد طعن فيه في غير موضع مما تقدم ، وقد بينا في شرحنا على الكتاب وفي هذا
الكتاب أيضا أن هذا أحد المواضع التي حصل له فيها الاضطراب.
و (ثانيا) ما
ذكره بالنسبة إلى الرواية الثانية من الاعتماد عليها ـ مع كون راويها غير موثق ـ بناء
على رواية البزنطي عنه ، لأنه ممن نقل في حقه الإجماع المذكور فان اللازم من هذا
الاعتماد على كل خبر ضعيف باصطلاحه إذا كان الراوي عن ذلك الرجل أحد الجماعة
المذكورين وهو لا يقول به في غير هذا الموضع كما لا يخفى على من تصفح كتابه.
وبالجملة فإن
ما ذكره هنا خروج عن مقتضى اصطلاحه ، وتستر بما هو أوهن من بيت العنكبوت وأنه
لأوهن البيوت.
و (ثالثا) أن
ما طعن به على جواب العلامة في المنتهى عن دليل ابن إدريس ضعيف لا يعول عليه ،
لأنه إن أراد بالتعسف فيه بالنظر إلى منع العلامة من عدم الوجدان فهو في غير محله
، لما قرره العلامة في صدر الكلام ، كما نقلناه عنه وأوضحناه ، وإن أراد باعتبار
دعوى العلامة لوجود الدليل الشرعي الموجب للنقل إلى الثمن فهو قد وافق عليه ، حيث
قال : «إن كلام ابن إدريس جيد لولا ما ذكرناه من قوة أسناد الروايتين» وإن أراد
باعتبار تغليط ابن إدريس في عدم العمل بأخبار الآحاد فهو أيضا يوافق عليه ،
وبالجملة فإن كلامه هنا غير ظاهر البيان ولا واضح البرهان
ثم إن العلامة
في المختلف استدل لابن إدريس بما رواه أبو بصير عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان
يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، لأن أيام الذبح قد مضت».
ثم قال : «والجواب
أن وجدان الهدي عبارة عن وجود عينه أو ثمنه ، والرواية بعد سلامة سندها محمولة على
أنه إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه فشرع في الصوم ثم وجد الهدي فإنه لا يجب عليه الهدي
، لما رواه حماد بن عثمان في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج
من منى ،
__________________
قال : أجزأ صيامه» . » انتهى.
أقول : قد تقدم
ما في هذا الجواب من الإشكال في المسألة الحادية عشر من المقام الأول وعلى تقديره تحصل المعارضة بين هذه الرواية وبين
الاخبار المتقدمة ، لأن ظاهر هذا الخبر بناء على بطلان التأويل المذكور هو أن
الفرض ـ مع عدم وجدان العين وإن وجد الثمن ـ هو الصوم ، وأن أيام الذبح بعد يوم
النفر قد مضت ، ومقتضى الأخبار المتقدمة امتداد وقت الذبح إلى آخر ذي الحجة ، فمتى
كان الثمن موجودا فإنه يتربص به إلى آخر ذي الحجة إن كان جالسا ، وإن سافر أودعه
عند من يذبح عنه في تلك المدة ، ولا طريق إلى الجمع بينهما بوجه ، وليس إلا
الترجيح ، وهو في جانب تلك الروايات ، لكثرتها وصحة بعضها واعتضادها بعمل الطائفة
قديما وحديثا عدا ابن إدريس والصدوق على ما تقدم نقله عنه ، والاحتياط مما لا
ينبغي تركه في المقام.
ثم إنه لا يخفى
ما في خبر أبي بصير من التأييد لما ذكرناه ، من أن المراد بمن لم يجد الهدي يعني
من لم يجد عينه ولا ثمنه ، حيث إن السائل قال : «فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم
النفر وجد ثمن شاة» فإنه ظاهر في أن عدم الوجدان أولا لكل من العين والثمن والله
العالم.
__________________
المسألة الثانية
قد عرفت مما
تقدم أنه لا خلاف بين العلماء كافة في أن الواجب على فاقد عين الهدي وثمنه هو
الصيام والأصل فيه قوله عزوجل
«فَمَنْ
تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ،
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا
رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ»
والمراد بصوم
الثلاثة في الحج في بقية أشهر الحج ، وهو شهر ذي الحجة كما أشير إليه في صحيحة
رفاعة الآتية وغيرها.
قال في المنتهى
: «ويستحب أن تكون الثلاثة في الحج : هي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة.
فيكون آخرها يوم عرفة ، ذهب إليه علماؤنا».
أقول : وتدل
عليه جملة من الاخبار (منها) ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن متمتع لم يجد هديا ، قال : يصوم ثلاثة
أيام في الحج : يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : قلت : فان فاته
ذلك ، قال : يتسحر ليلة الحصبة ، ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده ، قلت : فان لم يقم
عليه جماله أيصومها في الطريق؟ قال : إن شاء صامها في الطريق وإن شاء إذا رجع إلى
أهله».
أقول : حمل
الشيخ جواز التأخير إلى الرجوع إلى أهله على ما إذا رجع
__________________
قبل انقضاء أيام ذي الحجة ، فإذا انقضت فلا يجوز له الا الدم كما يأتي
وعن رفاعة في
الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المتمتع لا يجد الهدي ، قال : يصوم قبل التروية
بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قلت : فإنه قدم يوم التروية ، قال : يصوم ثلاثة
أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله ، قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين
، قال : قلت : وما الحصبة؟ قال : يوم نفره ، قلت : يصوم وهو مسافر؟ قال : نعم ، أليس
هو يوم عرفة مسافرا؟! إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزوجل
«فَصِيامُ
ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ»
يقول في ذي
الحجة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن حماد بن عيسى قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : قال علي (عليهالسلام): صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم ويوم
التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة ـ يعني ليلة النفر ـ ويصبح
صائما ويومين بعده ، وسبعة إذا رجع». ورواه الحميري في كتاب قرب الاسناد إلى قوله : «فليتسحر ليلة الحصبة ، وهي ليلة النفر».
وعن عبد الرحمن
بن الحجاج في الصحيح قال : «كنت قائما أصلي وأبو الحسن (عليهالسلام) قاعد قدامي وأنا لا أعلم ، فجاء عباد
__________________
البصري فسلم ثم جلس ، فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع ولم يكن
له هدي؟ قال : يصوم الأيام التي قال الله تعالى ، قال : فجعلت أصغي إليهما ، فقال
له عباد : وأي أيام هي؟ قال : قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال :
فان فاته ذلك ، قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك ، قال : أفلا تقول كما قال
عبد الله بن الحسن ، قال : فأي شيء؟ قال : قال : يصوم أيام التشريق ، قال : إن
جعفرا كان يقول : إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد ،
قال : يا أبا الحسن إن الله قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، قال
: كان جعفر يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «روي عن الأئمة (عليهمالسلام) أن المتمتع إذا وجد الهدي ولم يجد الثمن صام ثلاثة
أيام في الحج يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع إلى
أهله ، تلك عشرة كاملة لجزاء الهدي ، فإن فاته صوم هذه الثلاثة الأيام تسحر ليلة
الحصبة ـ وهي ليلة النفر ـ وأصبح صائما ، وصام يومين من بعد ، فان فاته صوم هذه
الثلاثة الأيام حتى يخرج وليس له مقام صام الثلاثة في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام
العشرة في أهله ، ويفصل بين الثلاثة والسبعة بيوم ، وإن شاء صامها متتابعة» إلى
آخره.
__________________
وفي كتاب الفقه
الرضوي «وإذا عجزت عن الهدي ولم يمكنك صمت قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم
عرفة وسبعة أيام إذا رجعت إلى أهلك ، فإن فاتك صوم هذه الثلاثة أيام صمت صبيحة
ليلة الحصبة ، ويومين بعدها ، وإن وجدت ثمن الهدي». إلى آخر ما قدمناه في المسألة
الأولى.
وروى العياشي
في تفسيره عن ربعي بن عبد الله قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل
«فَصِيامُ
ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ»
قال : يوم قبل
التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليقض ذلك في بقية ذي الحجة ، فإن
الله تعالى يقول في كتابه : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُوماتٌ)».
وعن عبد الرحمن
بن محمد العرزمي عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) «في صيام ثلاثة أيام في الحج ، قال : قبل التروية بيوم
ويوم التروية ويوم عرفة ، فان فاته ذلك تسحر ليلة الحصبة».
وعن إبراهيم بن
أبي يحيى عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) قال : «يصوم المتمتع قبل التروية بيوم ويوم التروية
ويوم عرفة ، فان فاته ذلك ولم يكن عنده دم صام إذا انقضت أيام التشريق
__________________
يتسحر ليلة الحصبة ثم يصبح صائما».
وأما ما رواه
في الكافي عن أحمد بن عبد الله الكرخي قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) : المتمتع يقدم وليس معه هدي أيصوم ما لم يجب عليه ،
قال : يصبر إلى يوم النحر ، فان لم يصب فهو ممن لا يجد». فيمكن حمله على من توقع
إمكان حصول الهدي أو الجواز.
وأما الحمل على
من وجد الثمن كما ذكره في الوسائل فبعيد ، لأن من وجد الثمن حكمه التربص إلى آخر
الشهر دون الصوم ، كما صرح به الأصحاب ودلت عليه أخبارهم.
وبالجملة
فالخبر المذكور قاصر عن معارضة ما قدمناه من الأخبار ، فلا بد من ارتكاب تأويله
وإن بعد وإلا فطرحه.
وتنقيح البحث
في المسألة يتوقف على بيان أمور الأول المشهور بين الأصحاب ـ بل ادعى عليه ابن
إدريس الإجماع ـ أنه لو لم يتفق له صوم قبل يوم التروية فإنه يقتصر على يوم
التروية ويوم عرفة ثم يصوم الثالث بعد النفر ، ومرجعه إلى أن المرتبة الثانية بعد
تعذر الصوم الأفضل الذي دلت عليه الاخبار المتقدمة هو أن يكون كذلك.
واستدل عليه
الشيخ في التهذيب بما رواه عن عبد الرحمن بن الحجاج «في من صام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يجزؤه أن يصوم يوما آخر».
وما رواه في
التهذيب والفقيه عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس
__________________
له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق»
وزاد في الفقيه «بيوم».
أقول : لا يخفى
أنه قد تقدم من الاخبار بإزاء هاتين الروايتين ما هو أصح سندا وأكثر عددا مما دل
على أنه مع عدم التمكن من الصوم في تلك الأيام الثلاثة ـ وهي ما قبل التروية بيوم
ثم يوم التروية ثم يوم عرفة ـ فإنه يؤخر الصوم إلى ليلة الحصبة.
ومنها صحيحة
معاوية بن عمار الأولى وصحيحة رفاعة وصحيحة حماد بن عيسى وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ونحوها من الروايات التي بعدها.
ويزيد ذلك
تأكيدا أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي
، قال : لا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ، ويتسحر ليلة الحصبة ويصبح صائما ، وهو
يوم النفر ، ويصوم يومين بعده».
وما رواه في
التهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة».
وعن علي بن
الفضل الواسطي قال : «سمعته يقول إذا صام المتمتع يومين لا يتابع
الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ،
__________________
فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات ، فان لم يقدر ولم يقم عليه الجمال فليصمها
في الطريق ، وإذا قدم إلى أهله صام عشرة أيام متتابعات».
والشيخ (رحمهالله) بناء على ما قدمنا من القول المتفق عليه بينهم حمل هذه
الرواية على ما إذا كان اليومان اللذان صامهما غير يوم التروية ويوم عرفة ، فان من
كان كذلك لا يعتد باليومين.
وعن عبد الرحمن
بن الحجاج عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي قال
: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فان فاته صوم
هذه الأيام ، فقال : لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ، ولكن يصوم ثلاثة أيام
متتابعات بعد أيام التشريق». وحمله الشيخ على نفي صوم أحد اليومين على الانفراد
دون الجمع ، ولا يخفى ما فيه.
وبالجملة فإنهم
قد اتفقوا على وجوب التتابع في هذه الثلاثة ، وعليه دلت جملة من الاخبار ، ولكنهم
استثنوا هذه الصورة بهذين الخبرين ، فخصصوا بهما الإجماع وتلك الاخبار ، وهو جيد
لو انحصرت المعارضة في تلك الاخبار والإجماع ، ولكن المعارض لهما أيضا جملة أخرى
من الاخبار كما عرفت مما لا يقبل هذا الجمع ، ولا سيما النهي عن صومهما في صحيحة
العيص ورواية عبد الرحمن بن الحجاج .
وبذلك يظهر أن
المسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها متحتم على كل حال ، وبنحو ذلك
صرح السيد السند في المدارك أيضا ، وهو في محله والله العالم.
__________________
الثاني :
المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه مع عدم إمكان صوم يوم التروية ويوم عرفة كما
تقدم فإنه يجب عليه تأخير الصوم إلى بعد النفر ، ولا يجوز له الصوم في أيام
التشريق ، ونقله في المختلف عن الشيخ في بعض كتبه وأبي الصلاح وابن البراج وابن
حمزة.
وقال الشيخ في
النهاية : «من فاته صوم الثلاثة الأيام قبل العيد فليصم يوم الحصبة ـ وهو يوم
النفر ـ ويومين بعده» وكذا قال علي بن بابويه وابنه وابن إدريس.
وقال ابن
الجنيد : «فان دخل يوم عرفة أو فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج صام فيما بينه
وبين آخر ذي الحجة وكان مباحا صيام أيام التشريق في السفر وفي أهله إذا لم يمكنه
غير ذلك».
وقال في الخلاف
: «لا يجوز صيام أيام التشريق في بدل الهدي في أكثر الروايات وعند المحققين من
أصحابنا».
واستدل على
القول الأول بالإجماع على تحريم صوم أيام التشريق في مكة والاخبار الكثيرة.
ومنها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا ، قال :
__________________
فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة
إذا رجع إلى أهله وذكر حديث بديل بن ورقا».
وعن ابن مسكان
في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال : يصوم ثلاثة أيام ، قلت
له : أفيها أيام التشريق؟ قال : لا ، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى
أهله ، فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى
أهله ، ثم ذكر حديث بديل بن ورقاء».
وعن صفوان بن
يحيى في الصحيح عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «قلت له : ذكر ابن السراج أنه كتب إليك يسألك عن
متمتع لم يكن له هدي فأجبته في كتابك : يصوم ثلاثة أيام بمنى فان فاته ذلك صام
صبيحة الحصباء ويومين بعد ذلك قال : اما أيام منى فإنها أيام أكل وشرب لا صيام
فيها ، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله».
قال في الوافي
: «قوله : «وسبعة» عطف على صبيحة الحصباء» سواء ، كان من كلام الامام (عليهالسلام) أو من كلام السائل ، وما بينهما معترض» انتهى.
أقول : ومرجعه
إلى أن النهي عن الصوم أيام منى التي هي أيام أكل وشرب لا يستلزم النهي عن صوم يوم
الحصبة ويومين بعده في هذه الصورة وإن كان هذا اليوم من جملة أيام التشريق ، فيكون
كالمستثنى من ذلك.
قال في الفقيه في تتمة الرواية التي قدمناها عنه حيث قال : «روى عن
الأئمة (عليهمالسلام) أن المتمتع إذا وجد الهدي ـ إلى أن قال ـ :
__________________
ولا يجوز له أن يصوم أيام التشريق ، فإن النبي (صلىاللهعليهوآله) بعث بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق فأمره أن
يتخلل الفساطيط وينادي في الناس أيام منى : ألا لا تصوموا فإنها أيام أكل وشرب
وبمال ومن جهل صيام ثلاثة أيام في الحج صامها بمكة إن أقام جماله ، وإن لم يقم
صامها في الطريق أو المدينة إن شاء ، فإذا رجع إلى أهله صام سبعة أيام ، وإن مات
قبل أن يرجع إلى أهله ويصوم السبعة فليس على وليه القضاء».
ويدل على قول
ابن الجنيد ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «أن عليا (عليهالسلام) كان يقول : من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج
فليصمها أيام التشريق ، فان ذلك جائز له».
وعن القداح عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «أن عليا (عليهالسلام) كان يقول : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج ـ وهي
قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ـ فليصم أيام التشريق ، فقد أذن له».
ويدل على القول
الثالث ما قدمناه من الاخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة ، والعلامة في المختلف لم
يورد لهذا القول دليلا الا قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (عليهالسلام): «فان فاته ذلك قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد
ذلك». ثم أجاب عنه بأنه يحتمل أنه أراد بصبيحة يوم الحصبة ثاني يومها.
__________________
ولا يخفى ما في
هذا الجواب من البعد ، مضافا إلى الغفلة عن أدلة المسألة مع ما عرفت مما هي عليه
من الصحة والصراحة والاستفاضة.
والتحقيق في
المقام أنه لا منافاة بين هذه الاخبار ، إذ الظاهر من أخبار النهي عن صيام أيام
التشريق هو النهي عن صيامها جميعا ، دون صيام اليوم الأخير في خصوص هذه الصورة.
ومما يدل على
ذلك أن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة قد صرحت بالأمر بصيام يوم الحصبة ويومين بعده
لمن فاته صيام الثلاثة الموظفة فرجع له عباد السائل فقال له : «أفلا تقول بمقالة
عبد الله بن الحسن» من صوم أيام التشريق؟ فأجابه (عليهالسلام) بالحديث المنقول عنه (صلىاللهعليهوآله) بتحريم صوم أيام التشريق ، فلو أريد بالحديث عنه (صلىاللهعليهوآله) صومها ولو على الوجه المذكور للزم التناقض في قوله (عليهالسلام) ولانتهز الفرصة فيه عباد الذي هو من شياطين المخالفين
وأعداء الدين ، وألزمه بالتناقض في كلامه في المسألة ، كما لا يخفى على من عرف حال
الرجل ومعارضته لهم (عليهمالسلام) في غير مقام.
ومثل هذا الخبر
أيضا ما تقدم في المرسلة المنقولة عن الفقيه حيث صرح فيها بصوم يوم الحصبة ويومين بعده ثم ذكر بعد
ذلك أنه لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق ، ونحو ذلك صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة بالتقريب المذكور ذيلها ، وهذا بحمد الله
سبحانه ظاهر لا سترة عليه.
__________________
وأما ما استند
إليه ابن الجنيد من خبري إسحاق بن عمار والقداح فقد نسبهما الشيخ في التهذيبين إلى الشذوذ ثم إلى وهم
الراويين وجواز أن يسمعا من عبد الله بن الحسن أو غيره من أهل البيت ، كما تقدم في
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ثم إنهما إن سلما فلا يصلحان لمعارضة الأخبار المذكورة.
أقول : والأظهر
حملهما على التقية ، واستصوبه في الوافي أيضا ، وهو جيد.
الثالث :
قال العلامة في
المختلف : «هذه الثلاثة متتابعة إلا في موضع واحد ، وهو أنه إذا فاته قبل يوم
التروية صام يوم التروية وعرفة ثم صام الثالث بعد أيام التشريق ، قاله ابن إدريس ،
وقال ابن حمزة : لو صام قبل يوم التروية وخاف إن صام عرفة عجز عن الدعاء أفطر وصام
بدله بعد انقضاء أيام التشريق ، ولا بأس بهذا القول ، احتج ابن إدريس بأن الأصل
التتابع ، خرج عنه الصورة المجمع عليها ، فبقي الباقي على الوجوب ، احتج ابن حمزة
بأن التشاغل بالدعاء أمر مطلوب بالشرع فساغ له الإفطار ، كما لو كان الفائت الأول»
انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) من استثناء الصورة الأولى من وجوب التتابع المجمع عليه
بينهم قد استندوا فيه إلى الإجماع والخبرين المتقدمين ،
__________________
وبهما خصصوا الأخبار الدالة على وجوب التتابع مطلقا والإجماع المدعى في
المسألة وإن كان فيه ما عرفت.
أما استثناء الصورة
الثانية التي ذكرها ابن حمزة ونفى عنها البأس فلا أعرف لاستثنائها دليلا يعتمد
عليه ، والخروج عن الإجماع الدال على وجوب التتابع والاخبار الدالة عليه بمجرد هذا
التعليل العليل مجازفة ظاهرة ، والخروج عن أمر واجب لمجرد أمر مستحب غير معقول كما
لا يخفى.
قال في الدروس
: «ولو أفطر عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام يومين قبله استأنف ، خلافا لابن حمزة»
وهو جيد لما عرفت. وبالجملة فإن هذا القول بمحل من الضعف الذي لا يخفى.
الرابع :
الظاهر من
الاخبار المتقدمة أن يوم الحصبة هو اليوم الثالث من أيام التشريق ، وقد ورد تفسيره
في صحيحة رفاعة المتقدمة بأنه يوم نفره ، يعني في النفر الثاني وفي
صحيحة حماد بن عيسى «ليلة الحصبة ،. يعني ليلة النفر» ومثله في مرسلة الفقيه .
وإنما سمي هذا
اليوم يوم الحصبة لأن الحصبة الأبطح ، ومن السنة يوم النفر الثاني أن ينزل في
الأبطح قليلا ، كما سيأتي إنشاء الله تعالى عند ذكر النفر الثاني.
__________________
ونقل عن الشيخ (رحمهالله) في المبسوط أن ليلة الرابع ليلة التحصيب ، وحمله
الأصحاب على أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر ، وهو جيد.
الخامس :
قال الشيخ في
النهاية والخلاف والمبسوط : «قد وردت رخصة في جواز تقديم صوم الثلاثة من أول ذي
الحجة».
وقال ابن إدريس
: «وقد رويت رخصة في تقديم صوم الثلاثة الأيام من أول العشرة ، والأحوط الأول ـ ثم
قال بعد ذلك ـ : إلا أن أصحابنا أجمعوا على أنه لا يجوز الصيام إلا يوم قبل يوم
التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، وقبل ذلك لا يجوز».
وظاهر كلام
الشيخ التوقف في المسألة ، وظاهر كلام ابن إدريس الميل إلى التحريم.
ونقل في
المختلف عن شيخه جعفر بن سعيد (قدسسره) أنه أفتى بالجواز ، وهو صريح عبارته في الشرائع ،
وقيده بالتلبس بالمتعة ، فقال : «ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد التلبس
بالمتعة».
والظاهر أن هذا
القول هو المشهور بين المتأخرين ، والأصل فيه ما رواه الشيخ والكليني عن زرارة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من لم يجد الهدي وأحب أن يصوم الثلاثة الأيام
في أول العشر
__________________
فلا بأس بذلك».
ورده في
المدارك بضعف السند باشتماله في التهذيب على أبان الأزرق ، وهو مجهول ، وفي الكافي
على عبد الكريم بن عمرو ، وهو واقفي ، ثم قال : «والمسألة محل تردد».
أقول : لا وجه
لهذا التردد بناء على هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح ، بل الواجب
عليه الحكم بعدم الجواز ، لعدم الدليل الشرعي كما صار إلى ذلك في مواضع من شرحه.
ثم إنه مما يؤيد
جواز التقديم ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج من قول أبي الحسن (عليهالسلام) لعباد لما قال له : يا أبا الحسن إن الله قال
«فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ»
فقال : «كان
جعفر يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج».
وقال في الدروس
: «ولتكن الثلاثة بعد التلبس بالحج ، وتجوز من أول ذي الحجة ، ويستحب فيه السابع
وتالياه ولا يجب ، ونقل عن ابن إدريس أنه لا يجوز قبل هذه الثلاثة : وجوز بعضهم
تقديمه في إحرام العمرة ، وهو بناء على وجوبه بها ، وفي الخلاف لا يجب الهدي قبل
إحرام الحج بلا خلاف ، ويجوز الصوم قبل إحرام الحج ، وفيه إشكال» انتهى.
أقول : مقتضى
قوله : «ولتكن الثلاثة بعد التلبس بالحج ، وتجوز من أول ذي الحجة» هو تقييد الجواز
هنا بالتلبس بالحج ، فلا تجوز من أول ذي الحجة إلا لمن كان متلبسا بالحج في ذلك
الوقت ، مع أن
__________________
الأفضل اتفاقا نصا وفتوى هو أن يكون إحرام الحج يوم التروية ، مع ورود
الرواية بالرخصة في التقديم مطلقا نعم يجب تقييده بالتلبس
بالمتعة كما ذكره في الشرائع.
وبذلك يظهر لك
أيضا عدم الحاجة إلى ما ذكره من البناء على وجوب الحج المندوب بالشروع في العمرة ،
بمعنى أنه إن قلنا بوجوب الحج المندوب بالشروع في العمرة جاز تقديم الصوم في
العمرة وإلا فلا ، فإنه لا حاجة تلجئ إليه ، لما عرفت من أن إحرام الحج على ما
استفاضت به النصوص إنما هو يوم التروية ، فالتقديم الذي دلت عليه الرواية
يتحتم أن يكون في العمرة ، وبه أيضا يندفع الإشكال الذي أورده على كلام الشيخ في
الخلاف.
وقال في
المنتهى : «ويجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحج وقد وردت رخصة في جواز صومها في
أول العشر إذا تلبس بالمتعة» انتهى. وهو مؤيد لما اخترناه.
__________________
السادس :
قد صرح الأصحاب
بأنه يجوز صوم الثلاثة المذكورة طول ذي الحجة ، ولا يجوز صومها في غيره ، فلو خرج
ذو الحجة ولم يصمها تعين الهدي ، وعلى كل من الحكمين اتفاق أصحابنا فيما اعلم.
ويدل على الأول
ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال : «من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة
الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك». ونحوها رواية ربعي بن عبد الله المتقدمة نقلا من تفسير العياشي ، ومثلها صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج المتقدمة عن أبي الحسن (عليهالسلام) مع عباد البصري.
وعلى الثاني ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن منصور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم
فعليه دم شاة ، وليس له صوم ، ويذبحه بمنى».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن منصور بن حازم قال : «قلت
__________________
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : من لم يصم الثلاثة الأيام في الحج حتى يهل الهلال
فقال : عليه دم يهريقه ، وليس عليه صيام».
وما رواه الشيخ
والصدوق في الصحيح عن عمران الحلبي قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع
الذي لا يجد الهدي حتى يقدم اهله ، قال : يبعث بدم». وهو محمول على ما إذا قدم
اهله بعد انقضاء ذي الحجة الذي هو زمان للصوم ـ كما تقدم ـ ولم يصمها في الطريق.
ونقل في
المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط أنه قال : «ومن لم يصم الثلاثة الأيام بمكة
ولا في الطريق ورجع إلى بلده وكان متمكنا من الهدي بعث به ، فإنه أفضل من الصوم»
ثم قال بعد نقل ذلك عنه : «وهذا يؤذن بجواز الصوم ، وليس بجيد ، لأنه إن كان قد
خرج ذو الحجة تعين الهدي وكذا إذا لم يخرج ، لأن من وجد الهدي قبل شروعه في الصوم
وجب عليه الهدي» انتهى.
أقول : ويمكن
أن يستدل للشيخ (رحمهالله تعالى) بإطلاق هذا الخبر ، إلا أنه معارض بما ذكره
العلامة ، فإنه مقتضى الأخبار الواردة في المقام.
السابع :
لو صام الثلاثة
في وقتها المتقدم ذكره ثم وجد الهدي فالمشهور بين الأصحاب أن الصوم يكون مجزئا وإن
كان الأفضل ذبح الهدي ، قاله
__________________
الشيخ (رحمهالله) وتبعه الأكثر.
والمستند فيه
الجمع بين ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج
من منى ، فقال : أجزأه صيامه». وبين ما رواه في الكافي والتهذيب عن عقبة بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل تمتع وليس معه ما يشتري به هديا ، فلما أن صام
ثلاثة أيام في الحج أيسر ، أيشتري هديا فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع
إلى أهله؟ قال : يشتري هديا فينحره ، ويكون صيامه الذي صام نافلة له».
وحاصل هذا
الجمع ان له الخيار بين المضي على ما صامه ثم إتمامه بعد الرجوع أو الانتقال إلى
الهدي ، والثاني أفضل.
واستقرب
العلامة في القواعد وجوب الهدي إذا وجده في وقت الذبح ، واستدل ولده في الشرح بأنه
مأمور بالذبح في وقت وقد وجده فيه فيجب.
ويأتي على هذا
القول أن بدلية الصوم مع تقديمه إنما يتم مع عدم وجود الهدي في الوقت المعين للذبح
الذي هو يوم النحر وأيام التشريق كما تقدم لا مطلقا.
أقول : لا يخفى
أن هذا القول لا يتم إلا بطرح رواية حماد بن عثمان المذكورة وردها ، وهو مشكل ،
على أن ظاهر إطلاق الاخبار المتقدمة في استحباب صوم الثلاثة بدل الهدي قبل يوم
التروية بيوم ويومان بعده يعطى البدلية مطلقا كما لا يخفى ، وهو مؤكد لما دلت عليه
رواية حماد المذكورة
__________________
غاية الأمر أنه لما ورد في معارضة هذه الرواية رواية عقبة بن خالد فلا بد
من وجه يجمع به بينهما ، وقد عرفت ما جمع به الشيخ (رحمهالله) ومن تبعه من الحمل على الاستحباب.
ثم إن مقتضى ما
قدمنا نقله عن الأصحاب تخصيص الحكم المذكور بما إذا صام الثلاثة ، أما لو شرع فيها
ثم وجد الهدي قبل أن يتمها فإنه ينتقل حكمها إلى وجوب الهدي.
والظاهر أن
وجهه هو ان وقت الذبح عندهم مستمر إلى آخر الشهر كما تقدم ، والرواية التي دلت على
الاكتفاء بالصيام موردها صوم ثلاثة ، فاقتصروا في الخروج عن ذلك الأصل على مورد
الرواية.
وذهب ابن إدريس
والعلامة في جملة من كتبه إلى سقوط وجوب الهدي بمجرد التلبس بالصوم ، واحتج عليه
في المنتهى بقوله تعالى
«فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ»
إذ مقتضاه وجوب
الصوم على غير الواجد ، فالانتقال عنه إلى الهدي يحتاج إلى دليل ، ثم قال : «لا
يقال : هذا يقتضي عدم إجزاء الهدي وإن لم يدخل في الصوم ، لأنا نقول : لو خلينا
والظاهر لحكمنا بذلك ، لكن الوفاق وقع على خلافه وبقي ما عداه على الأصل» انتهى.
أقول : وما بعد
ما بين هذا القول الذي استدل عليه هنا بالآية وبين ما قدمنا نقله عنه في القواعد ،
والمسألة عندي لا تخلو من الاشكال ، حيث إن ما تقدم نقله عن الشيخ والجماعة من
الجمع بين الخبرين بالاستحباب فيه ما عرفت في غير مقام مما تقدم ، وعندي أن أحد
الخبرين إنما خرج مخرج
__________________
التقية ، والعامة هنا مثل أصحابنا على أقوال ثلاثة :
فمنهم من ذهب
إلى ما تقدم نقله عن الشيخ ، ونقله في المنتهى عن حماد والثوري.
ومنهم من ذهب
إلى ما نقل عن ابن إدريس ، ونقله في المنتهى عن الحسن وقتادة ومالك والشافعي وأحمد
في إحدى الروايتين.
ومنهم من ذهب
إلى ما نقل عن العلامة في القواعد ، ونقله في المنتهى عن أبي حنيفة ، قال : «وقال
: «وقال أبو حنيفة : يجب عليه الانتقال إلى الهدي ، وكذلك إذا وجد الهدي بعد أن
صام الثلاثة قبل يوم النفر ، وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصوم وإن لم
يتحلل ، لأنه قد مضى زمان التحلل».
ولا يخفى على
العارف بالسير أن ما عدا مذهب أبي حنيفة من المذاهب المذكورة لا شيوع له ولا صيت
في تلك الأوقات ، وإنما ظهر هذا الصيت للمذاهب الثلاثة المنضمة إليه في الأعصار
المتأخرة ، وليسوا في تلك الأوقات إلا كغيرهم من سائر المجتهدين.
وأما مذهب أبي
حنيفة فهو شائع ذائع ، وله مريدية يجادلون على مذهبه ، وجميع حكام الجور في وقته
وبعده أيضا في زمن تلامذته من أبي يوسف ونحوه لا يصدرون إلا عن أحكامه.
وبهذا التقريب
يقرب حمل رواية عقبة بن خالد على التقية ، فإنها ظاهرة في وجوب الهدي بعد صوم
الثلاثة في وقتها المستحب.
وحينئذ يكون
العمل على رواية حماد بن عثمان المعتضدة بإطلاق
__________________
الأخبار المستفيضة المتقدمة ، كما قدمنا الإشارة إليه ، والاحتياط
بالإتيان بالهدي في وقته مما لا ينبغي تركه ثم إكمال العشرة ، والله العالم.
الثامن :
لو لم يصم
الثلاثة في وقتها الموظف الذي تقدم في الاخبار فإن تمكن من صيام يوم الحصبة وما
بعده صامها ، وإن تمكن من التأخير إلى بعد أيام التشريق أخر صيامها إلى بعد تمام
أيام التشريق فإنه الأفضل ، وإلا صام يوم الحصبة ويومين بعده ، وإن لم يقم عليه
جماله صامها في الطريق أو في منزله إن لم يخرج ذو الحجة.
ويدل على الحكم
الأول من أن الأفضل بعد أيام التشريق ، ومع عدم إمكانه فيوم الحصبة وما بعده ما
تقدم في صحيحة رفاعة من قوله : «فإنه قدم يوم التروية ، قال : يصوم ثلاثة
أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله ، قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين».
وأما ما يدل
على الثاني من الصوم في الطريق فما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن عبد صالح (عليهالسلام) قال : «سألته عن المتمتع ليس له أضحية وفاته الصوم حتى
يخرج ، وليس له مقام ، قال : يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام في
أهله».
__________________
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في
الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة
أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله ، وإن كان له مقام بمكة
وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام».
قوله (عليهالسلام) : «وإن كان له مقام» أي بمكة بعد الرجوع من منى.
قال في القاموس
: «والصدر : أعلى مقام كل شيء ـ إلى أن قال ـ : والرجوع كالصدور ، والاسم
بالتحريك ، ومنه طواف الصدر ـ إلى أن قال ـ : والصدر بالتحريك : اليوم الرابع من
أيام النحر» انتهى.
ومرجعه إلى
احتمالات ثلاثة كلها قائمة في الخبر : أحدها أن يكون مصدرا بمعنى الرجوع ، فتكون
دالة ساكنة ، وأن يكون اسم مصدر منه ، فتكون دالة مفتوحة ، وأن يراد به اليوم
الرابع من أيام النحر ، وهو ثالث أيام التشريق ، فيكون مفتوح الدال أيضا.
وما رواه الشيخ
في الموثق عن الحسن بن الجهم قال : «سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج ،
قال : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة
ما لم يخرج منها ، فان أبى جماله
__________________
أن يقيم عليه فليصم في الطريق».
وعن يونس عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل متمتع لم يكن معه هدي ، قال : يصوم ثلاثة أيام
قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فقلت له : إذا دخل يوم التروية
وهو لا ينبغي أن يصوم بمنى أيام التشريق ، قال : فإذا رجع إلى مكة صام ، قلت :
فإنه أعجله أصحابه وأبوا أن يقيموا بمكة ، قال : فليصم في الطريق ، قال : فقلت :
يصوم في السفر ، قال : هو ذا يصوم في يوم عرفة ، وأهل عرفة في السفر».
وأما ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «الصوم الثلاثة الأيام إن صامها فأخرها يوم عرفة
، فان لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله ، ولا يصومها في السفر». فقد
أجاب عنه الشيخ ، فقال : «يعنى لا يصومها في السفر معتقدا أنه لا يسعه غير ذلك ،
بل يعتقد أنه مخير في صومها في السفر وفي اهله». ولا يخفى ما فيه من التكلف
والبعد.
وقال في كتاب
المنتقى بعد نقل الخبر : «قلت : ينبغي أن يكون هذا الحديث محمولا على رجحان تأخير
الصوم إلى أن يصل إلى أهله مع فوات فعله على وجه يكون آخره عرفة ، وإن جاز أن
يصومه في الطريق جمعا بين الخبر وبين ما سبق ، وللشيخ في تأويله كلام ركيك ذكره في
الكتابين» انتهى.
__________________
أقول : ظاهر
الخبر كما ترى أن المرتبة الثانية مع عدم الإتيان بها في الوقت الموظف الذي تقدم
في الاخبار هو التأخير إلى أن يصومها في أهله ، مع استفاضة الروايات المتقدمة
بالأمر بصوم يوم الحصبة وما بعده إن لم يتمكن من التأخير إلى ما بعد أيام التشريق
، وأن الصوم في الطريق إنما هو بعد هذه المراتب. وبذلك يظهر لك ما في حمل صاحب
المنتقى أيضا.
وظاهر المحدث
الكاشاني في الوافي حمل الخبر المذكور على التقية مستندا إلى ما تشعر به صحيحة
رفاعة المتقدمة ، ولعله الأقرب.
وكيف كان
فالرواية المذكورة معارضة بجملة من الاخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة المتفق على
العمل بها ، فلا تبلغ حجة في مقابلتها ، والله العالم.
المسألة الثالثة :
لا خلاف بين
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في وجوب الفصل بين الثلاثة والسبعة ، لأنهم
أوجبوا صوم الثلاثة في الحج والسبعة في البلد ، كما هو صريح الآية الشريفة وعليه دلت الأخبار المتكاثرة.
منها صحيحة
حماد بن عيسى المتقدمة في روايات صدر المسألة ، ومرسلة الفقيه ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمتان ثمة ، وما
__________________
تقدم في الأمر الثاني من صحيحة ابن سنان وصحيحة ابن مسكان وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا في الأمر الثامن.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل تمتع ولم يجد هديا ، قال : يصوم ثلاثة أيام
بمكة وسبعة إذا رجع».
أقول : وهذه
الرواية أيضا دالة على ما قدمناه في الأمر الثامن من أن الأفضل بعد فوات الثلاثة
المستحبة التأخير إلى بعد أيام التشريق ، كما تقدم في صحيحة رفاعة وخالف في هذا الحكم جملة من العامة ، فذهب بعضهم إلى
أنه يصوم بعد الفراغ من أفعال الحج ، ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه
وأحمد ، وقيل : يصوم إذا كان سائرا في الطريق وبه قال مالك والشافعي في القول
الثاني ، وهو خروج عن صريح القرآن العزيز.
وعلى هذا فلو
أقام بمكة ولم يرجع إلى بلاده انتظر مدة وصوله إلى أهله ما لم يتجاوز عن شهر ثم
صام ، فان زادت مدة وصوله على شهر اكتفى بمضي الشهر ومبدأ الشهر من انقضاء أيام
التشريق.
ويدل على ذلك
ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الأمر الثامن من قوله (عليهالسلام): «وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك
الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام».
__________________
وروى الشيخ في
الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر «في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده ، فإذا ظن
أنهم قد دخلوا فليصم السبعة أيام».
وعن ابن مسكان
عن أبي بصير قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة
أيام ، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم سنة ، قال : فلينتظر مقدم أهل بلده ، فإذا ظن
أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام» وفي أكثر النسخ «منهل أهل بلده» وربما
وجد في بعضها «مستهل أهل بلده».
وروى في المقنعة
مرسلا قال : «سئل (عليهالسلام) عن المتمتع بالعمرة لا يجد الهدي فيصوم ثلاثة أيام ثم
يجاور كيف يصنع في صيامه باقي الأيام؟ قال : ينتظر مقدار ما يصل إلى بلده من
الزمان ثم يصوم باقي الأيام».
قال : «وسئل (عليهالسلام) عن متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام ثم جاور مكة متى
يصوم السبعة الأيام الأخر؟ فقال : إذا مضى من الزمان مقدار ما كان يدخل فيه إلى
بلده صام السبعة الأيام».
وروى العياشي
في تفسيره عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن معه هدي صام
قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فان لم يصم هذه الثلاثة الأيام صام بمكة ،
فإن عجلوا صام في الطريق ، وإذا قام بمكة بقدر مسيره إلى
__________________
منزله فشاء أن يصوم السبعة الأيام فعل».
وهل يجزئ مضي
الشهر في الإقامة بمكة أو غيرها أم يختص بمكة؟ مورد النص الأول خاصة ، وبه صرح
شيخنا في المسالك حيث قال : «وإنما يكفي الشهر إذا كانت إقامته بمكة ، وإلا تعين
انتظار الوصول إلى أهله كيف كان اقتصارا على مورد النص ، وتمسكا بقوله تعالى
«وَسَبْعَةٍ
إِذا رَجَعْتُمْ» حملا للرجوع على ما يكون حقيقة أو حكما ، ومبدأ الشهر من
انقضاء أيام التشريق» انتهى.
قال في المدارك
بعد نقله : «هذا كلامه (رحمهالله) ولا بأس به ، بل المستفاد من ظاهر الآية الشريفة اعتبار الرجوع حقيقة ، فالمسألة محل إشكال» انتهى.
أقول : يمكن
تطرق المناقشة إلى ما ذكره شيخنا المشار إليه بأنه إن اقتصر في هذا الحكم على مورد
النص ـ وهو الإقامة بمكة ـ فالواجب أيضا الاقتصار في الانتظار على مدة وصوله بلده
على الإقامة في مكة ، كما وردت به النصوص المذكورة ، فلو أقام في غير مكة لم يكن
الحكم فيه كذلك ، مع أن الظاهر أنه لا يقول به ، بل يوجب عليه الانتظار المدة
المذكورة ، أقام بمكة أو غيرها. وحينئذ فلا يكون للإقامة في مكة مدخل في شيء من
الحكمين.
والظاهر أن ذكر
مكة إنما خرج مخرج التمثيل من حيث استحباب المجاورة فيها وأرجحية المقام بها ،
وإلا فلو فرضنا أنه انتقل إلى الطائف واقام بها فالحكم فيه كذلك في المسألتين
المذكورتين.
__________________
وأما ما ذكره
سبطه من الاشكال بالنظر إلى لزوم الخروج عن ظاهر الآية الشريفة فالظاهر أنه ليس في محله ، فان النصوص كما عرفت قد
تكاثرت بهذا الحكم ، فيجب تقييد إطلاق الآية به ، وتقييد إطلاق القرآن العزيز
بالاخبار غير عزيز في الأحكام الشرعية ولو بخبر واحد ، فكيف مثل هذه الاخبار على
كثرتها وصحة بعضها ، مثل أخبار الحبوة وميراث الزوجة وتوريث الزوجة بعد الخروج من العدة في المريض ضمن السنة
ونحو ذلك.
وينبغي التنبيه
على فوائد يتم بها تحقيق المسألة المذكورة.
الاولى :
قد تضمن جملة
من الاخبار جواز تأخير صوم الثلاثة إلى الرجوع إلى أهله.
كصحيحة معاوية
بن عمار المتقدمة ، حيث قال : «فان فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر
صام ثلاثة أيام بمكة وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله».
__________________
وفي صحيحة ابن
مسكان المتقدمة في الأمر الثاني من المسألة السابقة «فان لم يقم عليه أصحابه ولم
يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى اهله».
وفي مرسلة
الفقيه «فان فاته صوم هذه الثلاثة الأيام حتى يخرج وليس له مقام صام الثلاثة في
الطريق إن شاء ، وإن شاء صام العشر في أهله».
ويظهر من هذه
الاخبار أن التأخير إلى وصول الأهل لا يكون إلا عن عذر مانع من صيامها في مكة أو
قبل ذلك.
ثم الظاهر من
الاخبار عدم وجوب الفصل هنا بين الثلاثة والسبعة ، بل نبه على ذلك في مرسلة الفقيه
حيث قال بعد ذكر ما قدمناه هنا : «ويفصل بين الثلاثة والسبعة بيوم ، وإن
شاء صامها متتابعة».
بل ظاهر
العلامة في المنتهى عدم وجوب الفصل أيضا وإن كان في مكة بعد مضي المدة التي يمكن
الوصول فيها إلى أهله أو الشهر ، قال (قدسسره) : «إنما يلزمه التفريق بين الثلاثة والسبعة إذا كان
بمكة ، لأنه يجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فلا يمكن
الجمع بينهما ولو اقام فكذلك يجب عليه التفريق ، لأنه يلزمه أن يصبر شهرا أو قدر
وصول الناس إلى وطنه ، أما لو لم يصم الثلاثة الأيام إلا بعد وصول الناس إلى وطنه
أو مضي شهر فإنه لا يجب عليه التفريق بين الثلاثة والسبعة ، وكذا لو وصل إلى اهله
ولم يكن قد صام بمكة ثلاثة أيام ، فإنه يجوز له
__________________
الجمع بين الثلاثة والسبعة ، ولا يجب عليه التفريق» انتهى.
الثانية :
المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يشترط الموالاة في السبعة ، بل قال العلامة
في التذكرة والمنتهى : «إنه لا يعرف فيه خلافا».
ويدل عليه
إطلاق الآية وتقييدها يحتاج إلى دليل ، وما رواه الشيخ عن إسحاق بن
عمار قال : «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهماالسلام) : إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى نزعت بي
حاجة إلى بغداد قال : صمها ببغداد ، قلت : أفرقها ، قال : نعم».
ونقل في
المختلف في كتاب الصوم عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح وجوب التتابع في هذه السبعة ،
قال (قدسسره) : «المشهور ان السبعة في بدل الهدي لا يجب فيه التتابع
، وقال ابن أبي عقيل : وسبعة متتابعات إذا رجع إلى اهله ، وذهب أبو الصلاح إلى
وجوب التتابع في السبعة ، لنا : الأصل براءة الذمة ، وعدم شغلها بوجوب التتابع ،
احتج بأن الأمر للفور ، وما رواه علي بن جعفر في الحسن عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيصومها
متوالية أو يفرق بينها؟ قال : يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق
بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعا».
والجواب المنع
من
__________________
كون الأمر للفور ومن كون الخبر للوجوب ، ولو قيل به كان قويا ، للحديث»
انتهى.
وقال في
المدارك بعد نقل الخلاف في المسألة ، والطعن في سند رواية إسحاق بن عمار بالضعف ،
ونقل رواية علي بن جعفر دليلا للقول الآخر ما صورته : «وهذه الرواية معتبرة
الإسناد ، ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه إلا محمد بن أحمد العلوي ، وهو غير
معلوم الحال ، لكن كثيرا ما يصف العلامة الروايات الواقع في طريقها بالصحة ، ولعل
ذلك شهادة منه بتوثيقه» انتهى.
أقول : لا يخفى
ما فيه من الوهن بناء على القول باصطلاحهم ، ولكن هذه عادتهم كما أشرنا إليه في
غير موضع مما تقدم أنهم إذا احتاجوا إلى العمل بالخبر الضعيف باصطلاحهم لضيق
الخناق تستروا بمثل هذه الأعذار الواهية ، وليت شعري هل يخفى على مثله حال العلامة
(رضوان الله تعالى عليه) من استعجاله ـ سيما في المختلف ـ ومنه وصفه هذه الرواية
في هذا المقام بأنها حسنة ، وسندها على ما ترى ، فأي حسن أو صحة يمكن فيها والرجل
المشار إليه في كتب الرجال المعدة لضبط أحوال الرجال غير مذكور فيها بمدح ولا قدح.
والشيخ ومن
تبعه من الأصحاب قد جمعوا بين الخبرين بحمل رواية علي بن جعفر على الاستحباب ، ولا
يبعد حمل رواية إسحاق بن عمار على التقية ، حيث إن العامة لا يرون التتابع حتى في
الثلاثة ، كما نقله في المنتهى.
ولا ريب أن
الاحتياط في التتابع كما دلت عليه رواية علي بن جعفر.
وأما ما دلت
عليه من أنه لا يجمع بين السبعة والثلاثة فيجب تخصيصه
بما إذا كان في مكة على الوجه المتقدم دون وصوله إلى أهله كما عرفت آنفا.
الثالثة :
قد عرفت فيما
تقدم دلالة جملة من الاخبار على جواز صوم الثلاثة بعد الوصول إلى بلده ، فيصوم
العشر كملا هناك ، وينبغي تقييده بأن يكون وصوله قبل خروج ذي الحجة ، لأنه مع خروج
ذي الحجة ولمّا يصم الثلاثة يلزمه الدم كما تقدم ، ويجب تقييده أيضا بعدم وجود
الهدي وإرساله على وجه يمكن ذبحه في ذي الحجة وإلا تربص به إلى العام القابل وسقط
الصوم في الصورة المذكورة ، كما تقدم جميع ذلك في الأخبار .
ويدل عليه
زيادة على ما تقدم ما رواه في المقنع مرسلا قال : «وروى إذا لم يجد المتمتع الهدي حتى يقدم إلى اهله
أنه يبعثه».
قال شيخنا
الشهيد في الدروس : «لو رجع إلى بلده ولم يصم الثلاثة وتمكن من الهدي وجب بعثه
لعامه إذا كان يدرك ذا الحجة وإلا ففي القابل ، وقال الشيخ : يتخير بين البعث وهو
الأفضل وبين الصوم وأطلق» انتهى.
أقول : وقد
تقدم في الأمر السادس من المسألة المتقدمة نقل كلام الشيخ المذكور ، وكلام العلامة عليه في ذلك.
__________________
الرابعة :
المشهور بين
المتأخرين ومنهم ابن إدريس ومن بعده وجوب الصوم على الولي لو مات من وجب عليه
الصوم ولم يصم.
وقال الشيخ : «لو
مات قبل أن يصوم شيئا مع تمكنه قضى الولي الثلاثة دون السبعة» وبه قال ابن حمزة.
وقال الصدوق في
الفقيه بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار الآتية : «قال مصنف هذا الكتاب (رحمة الله عليه) : هذا
على الاستحباب لا على الوجوب ، وهو إذا لم يصم الثلاثة في الحج أيضا» وظاهره
الاستحباب حتى في الثلاثة.
والذي يدل على
القول الأول صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليه».
والشيخ بعد أن
نقل هذه الرواية عن الكافي قال في آخرها : «يعني هذه الثلاثة الأيام» والظاهر أن
هذا من كلامه بيانا لمذهبه في المسألة ، لخلو الرواية في الكافي والفقيه عن هذه
الزيادة ، وكذلك رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا قال : «قال (عليهالسلام) : من مات ولم يكن له هدي لمتعته صام عنه وليه».
__________________
واستدل الشيخ في التهذيب على عدم وجوب قضاء السبعة بما رواه عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه سل عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي
فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة
الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال : ما أرى عليه قضاء».
وأجاب عنه
العلامة في المنتهى بأن هذه الرواية لا حجة فيها ، لاحتمال أن يكون موته قبل أن
يتمكن من الصيام ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى فيها دلالة على المطلوب.
وهو جيد ،
ويعضده ما تقدم في مرسلة الفقيه من قولهم (عليهمالسلام) «وإذا مات قبل أن يرجع إلى اهله ويصوم السبعة فليس على
وليه القضاء».
وظاهر المحدث
الكاشاني في الوافي الميل إلى عدم الوجوب استنادا إلى ما ورد في رواية الحلبي من
أنه لا قضاء على الولي.
أقول : الظاهر
عندي هو القول المشهور بين المتأخرين ، لعدم ظهور الرواية المخالفة في المخالفة.
وأما ما ذهب
إليه الصدوق من الاستحباب وإن ظهر من صاحب الوافي موافقته فهو ضعيف ، إذ غاية ما
تدل عليه الرواية مع تسليم دلالتها هو عدم الوجوب في السبعة ، فتبقى الثلاثة على
ما دل عليه إطلاق صحيحة معاوية بن عمار ، والله العالم.
__________________
الخامسة :
لو تمكن من
صيام السبعة وجب عليه صيامها ، ولا تجزئ عنه الصدقة ، لأن الصدقة بدل ، ولا يجزئ
إلا مع عدم التمكن ، ولما رواه الشيخ عن عاصم بن حميد عن موسى بن القاسم عن بعض
أصحابنا عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «وكتب إليه أحمد بن القاسم في رجل تمتع بالعمرة
إلى الحج فلم يكن عنده ما يهدي به فصام ثلاثة أيام ، فلما قدم اهله لم يقدر على
صوم السبعة الأيام وأراد أن يتصدق من الطعام ، فعلى من يتصدق؟ فكتب : لا بد من
الصيام».
قال الشيخ : «قوله
: «لم يقدر على الصوم» يعني لم يقدر عليه إلا بمشقة ، لأنه لو لم يكن قادرا عليه
على كل حال لما قال (عليهالسلام) : لا بد من الصيام».
أقول : بل
الأقرب في معنى الخبر المذكور هو أنه لما كان صوم السبعة واجبا موسعا أمره بالتربص
للصيام بعد البرء.
السادسة :
قد صرح الأصحاب
(رضوان الله تعالى عليهم) بأن من مات وقد استقر الهدي في ذمته وجب إخراجه من أصل
تركته ، لأنه حق مالي فيخرج من أصل التركة كالدين ، قالوا : ولو قصرت التركة عنه
وعن
__________________
الدين وزعت التركة على الجميع بالحصص ، فان لم تف حصته بأقل هدي قال في
المسالك : «يجب إخراج جزء من هدي مع الإمكان ، لعموم قوله (صلىاللهعليهوآله) : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم». ـ قال ـ ولو
لم يمكن إخراج جزء ففي الصدقة به أو عوده ميراثا وجهان».
وقال سبطه في
المدارك : «وإن لم يمكن فالأصح عوده ميراثا ، بل يحتمل قويا مع إمكان شراء الجزء
أيضا ، وفي المسألة قول ضعيف بوجوب الصدقة به» انتهى.
أقول : لا يخفى
أن المسألة خالية من النص ، ولكن متى قلنا بما ذكروه من هذه الفروع فيها فلا ريب
أن القول بوجوب الصدقة متى لم يمكن إخراج جزء من هدي هو الأقوى واستضعافه ذلك في
المدارك ضعيف.
وقد تقدم تحقيق
الكلام في نظير هذه المسألة بما لا مزيد عليه في المسألة الحادية عشرة من المقصد
الثالث في حج النيابة من المقدمة الثالثة وأوضحنا رجحان ما اخترناه هنا في المسألة المذكورة
ونظائرها بالأخبار الواضحة والدلائل اللائحة.
__________________
المقام الرابع
في هدي القارن
قال العلامة (قدسسره) في المنتهى : «الهدي على ضربين :
(الأول) :
التطوع ، مثل أن خرج حاجا أو معتمرا فساق معه هديا بنية أن ينحره بمنى أو مكة من
غير أن يشعره أو يقلده ، فهذا لا يخرج عن ملك صاحبه ، بل هو على ملكيته يتصرف فيه
كيف شاء من بيع أو هبة ، وله ولده وشرب لبنه ، فان هلك فلا شيء عليه.
(الثاني) :
الواجب ، وهو قسمان : أحدهما ما وجوبه بالنذر في ذمته أو وجوبه بغيره ، كهدي
التمتع والدماء الواجبة بترك واجب أو فعل محظور كاللباس والطيب.
والذي وجب
بالنذر قسمان : (أحدهما) أن يطلق النذر فيقول : «لله علي هدي بدنة أو بقرة أو شاة»
وحكمه حكم ما وجب بغير النذر ، وسيأتي.
(والثاني) أن
يعينه فيقول : «لله علي أن أهدى هذه البدنة أو هذه الشاة» فإذا قال زال ملكه عنهما
، وانقطع تصرفه في حتى نفسه فيهما ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها
إلى المنحر ، ويتعلق الوجوب هنا بعينه دون ذمة صاحبه ، بل يجب عليه حفظه وإيصاله
إلى محله ، فإذا تلف بغير تفريط أو سرق أو ضل كذلك لم يلزمه شيء ، لأنه لم يجب في
الذمة ، وإنما تعلق الوجوب بعينه ، فيسقط بتلفها كالوديعة.
وأما الواجب
المطلق ـ كدم التمتع وجزاء الصيد والنذر غير المعين وما شابه ذلك ـ فعلى ضربين :
(أحدهما) أن
يسوقه ينوي به الواجب من غير أن يعينه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه إلا بذبحه ودفعه
إلى اهله ، وله التصرف فيه بما شاء من أنواع التصرف كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك
، لأنه لم يتعلق حق الغير به ، فان عطب تلف من ماله ، وإن عاب لم يجزه ذبحه ،
وعليه الهدي الذي كان واجبا عليه ، لأن وجوبه تعلق بالذمة ، فلا تبرأ منه إلا
بإيصاله إلى مستحقه ، وجرى ذلك مجرى من عليه دين لآخر فحمله إليه فتلف قبل وصوله
إليه.
(الثاني) أن
يعين الواجب فيه ، فيقول : هذا الواجب علي ، فيتعين الواجب فيه من غير أن تبرأ
الذمة منه ، لأنه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين ، فكذا إذا كان واجبا فعينه ،
ويكون مضمونا عليه ، فان عطب أو سرق أو ضل لم يجزه ، وعاد الوجوب إلى ذمته ، كما
لو كان عليه دين فاشترى صاحبه منه متاعا به فتلف المتاع قبل القبض ، فان الدين
يعود إلى الذمة ولأن التعيين ليس سببا في إبراء ذمته ، وإنما تعلق الوجوب بمحل آخر
، فصار كالدين إذا رهن عليه رهنا ، فان الحق يتعلق بالذمة والرهن ، فمتى تلف الرهن
استوفي من المدين ، فإذا ثبت أنه يتعين فإنه يزول ملكه عنه وينقطع تصرفه فيه ،
وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، فان وصل نحره وأجزأ وإلا سقط التعيين ووجب عليه إخراج
الذي في ذمته على ما قلناه ، وهذا كله لا نعلم فيه خلافا» انتهى كلامه ، علت في
الخلد اقدامه ، ورفع فيه مقامه.
وقال الشيخ في
المبسوط : «الهدي على ثلاثة أضرب : تطوع ، ونذر
شيء يعينه ابتداء ، وتعيين هدي واجب في ذمته ، فان كان تطوعا مثل أن خرج
حاجا أو معتمرا ـ ثم ذكر حكمه كما تقدم في كلام العلامة ثم قال ـ : الثاني هدي
أوجبه النذر ابتداء بعينه ـ ثم ذكر الحكم فيه كما تقدم أيضا إلى أن قال ـ : الثالث
ما وجب في ذمته عن نذر ، أو ارتكاب محظور كاللباس والطيب والثوب والصيد أو مثل دم
المتعة ، فمتى ما عينه في هدي بعينه تعين ، فإذا عينه زال ملكه عنه وانقطع تصرفه
فيه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، فان وصل نحره وأجزأه ، وإن عطب في الطريق أو
هلك سقط التعيين ، وكان عليه إخراج الذي في ذمته ، فإذا نتجت فحكم ولدها حكمها»
انتهى.
أقول : وصريح
كلام الشيخ المذكور وهو ظاهر كلام العلامة أيضا أنه إذا عين الهدي المضمون في عين
مخصوصة فإنه يخرج بذلك عن ملكه وينقطع تصرفه فيه.
قال في الدروس
: «وحكم الشيخ بأن الهدي المضمون كالكفارة ، وهدي التمتع يتعين بالتعيين ، كقوله :
«هذا هديي» مع نيته ، ويزول عنه الملك ، وظاهر الشيخ أن النية كافية في التعيين ،
وكذا الإشعار أو التقليد ، وظاهر المحقق أنهما غير مخرجين وإن وجب ذبحه لتعينه ،
وتظهر الفائدة في النتاج بعد التعيين ، فان قلنا بقول الشيخ وجب ذبحه معه ، وهو
المروي » انتهى.
أقول : لا ريب
في قوة ما ذهب إليه الشيخ باعتبار دلالة الاخبار على تبعية الولد بعد نتاجه لأمه في حكم الذبح معها ،
فإنه لولا تعينها
__________________
بالتعيين لما سرى الحكم إلى الولد الذي هو نتاجها وثمرتها ، نعم خرج من ذلك
جواز شرب لبنها وركوبها الغير المضرين ـ كما سيأتي إنشاء الله تعالى قريبا ـ بالنصوص
وبقي الباقي ، والله العالم.
إذا عرفت ذلك
ففي هذا المقام مسائل :
الاولى :
قد صرح جملة من
الأصحاب منهم الشيخ (رحمهالله) وابن إدريس والشهيدان في الدروس والمسالك والمحقق
الشيخ علي وغيرهم بأن هدي القران لا يخرج عن ملك سائقه وإن أشعره أو قلده ، إلا
أنه متى أشعره أو قلده لم يجز له إبداله ، ووجب نحره بمنى إن كان السياق في إحرام
الحج ، وفي مكة إن كان في إحرام العمرة ، والمراد من عدم خروجه عن ملكه بعد
الاشعار والتقليد الموجب لتعيينه للذبح أن له التصرف فيه بالركوب وشرب لبنه ونحو
ذلك من أنواع التصرف الذي لا ينافي نحره في مكانه.
قال في الدروس
بعد كلام في المقام : «وعلى كل تقدير لا يخرج عن ملكه ، نعم له إبداله ما لم يشعره
أو يقلده ، ولا يجوز حينئذ إبداله ، ويتعين ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحج ،
وإلا فبمكة ، والأفضل الجزورة».
وقال في
المسالك : «اعلم أن هدي القران لا يخرج عن ملك مالكه بشرائه أو إعداده قبل ذبحه أو
نحره ، ولم يجز له إبداله على ما يظهر من
__________________
جماعة من الأصحاب ، ويدل عليه أيضا صحيحة الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) «إن كان أشعرها نحرها». ولهذا يجب ذبحه لو ضل فأقام
غيره ثم وجده قبل ذبح الآخر ، والظاهر أنه مع ذلك لا يخرج عن ملكه وإن تعين للذبح
، لأصالة بقاء الملك ، ووجوب الذبح أو النحر لا ينافيه وتظهر الفائدة في جواز
ركوبه وشرب لبنه ، وإنما يمتنع إبداله وإتلافه ، ويجب حفظه حتى يفعل به ما يجب»
انتهى.
وقد وقع للمحقق
(رحمهالله) في الشرائع هنا نوع سهو في العبارة ، وتبعه عليه
العلامة في المنتهى كما هو الغالب من اقتفائه فيه أثر المحقق في المعتبر ونقل
عبائره.
قال في الشرائع
: «لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف فيه وإن أشعره أو قلده ،
لكن متى ساقه لا بد من نحره بمنى إذا كان لإحرام الحج ، وإن كان لإحرام العمرة
فبفناء الكعبة بالجزورة».
وقال في
المنتهى : «قد بينا أن غير المتمتع لا يجب عليه الهدي ، والقارن لا يخرج هديه عن
ملكه ، وله إبداله والتصرف فيه وإن شعره أو قلده ، لأنه غير واجب عليه ، لكن متى
ساقه فلا بد من نحره بمنى إن كان الإحرام بالحج ، وإن كان للعمرة فبفناء الكعبة
بالموضع المعروف بالجزورة ولو هلك لم يضمنه» انتهى.
واعترضهما
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وقبله المحقق الشيخ علي في حاشية الشرائع بلزوم
التدافع في هذا الكلام.
قال في المسالك
بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه : «إذا عرفت ذلك فعبارة
__________________
المصنف لا تخلو ظاهرا من التدافع ، حيث ذكر أولا أنه لا يخرج عن ملك سائقه
وأن له إبداله والتصرف فيه ، ثم قال : لكن متى ساقه فلا بد من نحره ، فإنه يقتضي
عدم جواز الأبدال والتصرف فيه بعد السياق ، وتبعه على هذه العبارة العلامة في أكثر
كتبه ، وعبارة الأولين خالية عن ذلك» ثم إنه ارتكب تأويل العبارة المذكورة
وتطبيقها على ما ذكره أولا بما لا يخلو من تكلف وتعسف.
ويظهر من السيد
السند في المدارك الانتصار للفاضلين المذكورين وتصحيح كلاميهما ، حيث قال بعد نقل
عبارة المصنف المتقدمة : «هذا الحكم ذكره المصنف والعلامة (رضى الله عنهما) في
جملة من كتبه ، ومقتضاه أن هدي القران لا يخرج عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف
فيه قبل الاشعار وبعده ما لم ينضم إليه السياق ، فان انضم إليه السياق وجب نحره ،
ويلزم منه عدم جواز التصرف فيه والحال هذه بما ينافي النحر» ثم نقل عن الشيخ وابن
إدريس والشهيد ومن تأخر عنه أن مجرد الإشعار يقتضي وجوب نحر الهدي وعدم جواز
التصرف فيه بما ينافي ذلك وإن لم ينضم إليه السياق.
أقول : إن مبنى
الاعتراض على كلام الفاضلين المذكورين هو أن المعروف من معنى سياق الهدي شرعا ليس
إلا عقد الإحرام به بالإشعار أو التقليد فمتى عقد إحرامه بإشعار الهدي أو تقليده
سمي سائقا ، ولا يتوقف ذلك على سياقه معه في الطريق إلى أن يصل ، وإن لزم ذلك فان
المتبادر من الأخبار الدالة على أن سائق الهدي لا يجوز له الإحلال حتى يبلغ
__________________
الهدي محله يعني من عقد إحرامه بإشعار الهدي أو تقليده ، لا مجرد سياقه
وصحبته في الطريق معه.
وحينئذ فما رام
في المدارك الجواب به ـ من حمل السياق على مجرد صحبة الهدي في الطريق وأنه يترتب
عليه وجوب الذبح وعدم جواز الأبدال دون الاشعار والتقليد فإنه يجوز الأبدال بعدهما
ـ لا معنى له ولا دليل عليه ، مع ما فيه من الخروج عن المعنى الشرعي المستفاد من
النصوص وكلام الأصحاب ، فإنه لا خلاف بينهم في أن السياق إنما هو عبارة عما ذكرناه
كما لا يخفى على من راجع عباراتهم.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنه قد استدل الشيخ ومن تبعه على ما ذهبوا إليه بصحيحة الحلبي المشار إليها
فيما قدمنا من عبارة المسالك ، وهي ما رواه في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها
فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : إذا لم يكن قد أشعرها فهي من ماله
، إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها». وهي كما ترى ظاهرة في
تعينها للنحر بمجرد الاشعار.
قال في المدارك
بعد نقل الاستدلال بها للقول المذكور ما صورته : «ويتوجه عليه أن أقصى ما تدل عليه
هذه الرواية وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم وجد في منى ، ولا يلزم منه
تعينه للنحر بعد الاشعار مطلقا».
أقول : لا يخفى
ما في هذا الجواب من المجازفة الظاهرة ، فإنه لو تم
__________________
مثل هذا الكلام لانسد باب الاستدلال في كل مقام ، إذ لا يخفى أن خصوصيات
المكان والزمان والسائل والمسؤول ونحوها من القيود اللازمة في المحاورات لا تؤخذ
ولا تعتبر في الحكم إلا إذا علم لها وجه في الدخول فيه وخصوصية تترتب عليها في ذلك
المقام ، فلا يتعدى الحكم حينئذ إلى غيرها وأما مجرد وجودها فإنه لا يقتضي
المدخلية في الحكم.
ومن الظاهر أن
الأمر بنحرها في الرواية إنما يترتب على الاشعار الذي ردد (عليهالسلام) الكلام فيه فقال : إن لم يشعر فالحكم كذا وإن أشعر
فالحكم كذا ، وحينئذ فيكون وجودها ـ كان في منى أم غيرها ، وكونها ضالة أم غير
ضالة ونحو ذلك ـ لا مدخل له في الحكم المذكور ، وإلا للزم عليه أن يقال : إنه إذا
قال القائل للإمام (عليهالسلام) : «ما تقول في رجل صلى يوم الجمعة في المسجد وفي
سراويله نجاسة فقال : يعيد» فينبغي بمقتضى ما ذكره أن يخص وجوب الإعادة بهذه
القيود المذكورة ، ولا يقال : أن هذه الرواية تدل على وجوب الإعادة بالصلاة في
النجاسة مطلقا.
وبالجملة فظهور
السخافة في هذا الجواب مما لا يخفى على ذوي الألباب ، والله العالم بالصواب.
المسألة الثانية :
الظاهر أنه لا
خلاف نصا وفتوى في أنه لو هلك هدي القران فلا يجب إقامة بدله ، لأنه غير مضمون ،
وإقامة البدل انما تجب في المضمون الذي اشتغلت به الذمة ، كما تقدم في كلام
العلامة (رضوان الله تعالى عليه) في صدر المقام.
والذي يدل على
كل من الحكمين ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب ،
قال : إن كان تطوعا فليس عليه غيره ، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسرت ، فقال : إن
كان مضمونة فعليه مكانها ، والمضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا ، وله أن يأكل
منها ، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شيء».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ المنحر أيجزئ
عن صاحبه قال : إن كان تطوعا فلينحره وليأكل منه وقد أجزأ عنه بلغ أو لم يبلغ ،
فليس عليه فداء ، وإن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ ،
وعليه مكانه».
وما رواه في
الفقيه عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها
موت أو هلاك ، قال : يذكيها إن قدر على ذلك ويلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من
مر بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها إن أراد ، فإن كان الهدي مضمونا فان عليه أن
يعيده ، يبتاع مكان
__________________
الهدي إذا انكسر أو هلك ، والمضمون : الواجب عليه في نذر أو غيره ، فان لم
يكن مضمونا وانما هو شيء تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانها إلا أن يشاء أن يتطوع».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل ساق بدنة فنتجت ، قال : ينحرها
وينحر ولدها ، وإن كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها ومكان ولدها».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شيء عليه
ينحره ، ويأخذ نعل التقليد فيغمسها في الدم فيضرب بها صفحة سنامه ولا بدل عليه ،
وما كان من جزاء صيد أو نذر فعطب فعل مثل ذلك ، وعليه البدل ، وكل شيء إذا دخل
الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره».
بقي الكلام في
أمرين : (أحدهما) : أن صحيحتي معاوية بن عمار قد دلتا على أن له أن يأكل من
المضمون ، وهو خلاف ما صرح به الأصحاب ودل عليه أيضا جملة من الأخبار وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة التاسعة من
المقام الأول والأظهر حمل هذه الأخبار على ظاهرها من جواز الأكل ،
لأنه متى كان مضمونا فقد انتقل الحكم الذي هو عدم جواز
__________________
الأكل منه إلى البدل ، ورجع هذا الهدى الأول إلى ملك صاحبه ، كما تقدم في
كلام شيخنا العلامة (قدسسره) وأما ما تقدم في المقام الأول من الأخبار الدالة على
جواز الأكل من الهدي المضمون وإن بلغ محله فقد ذكرنا أن الوجه فيها التقية.
و (ثانيهما) :
أن مرسلة حريز قد دلت على أن كل هدي دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو
غيره ، وهو ظاهر المنافاة لما تقدم من التفصيل بين الواجب المضمون وغيره من
المستحب أو الواجب الغير المضمون ، والشيخ في كتابي الأخبار قد حملها على العجز عن
البدل أو على عطب غير الموت كالكسر ، فينحره على ما هو به ويجزوه ، ولا يخفى بعده
، والأظهر العمل بما دلت عليه من الاكتفاء بدخول الحرم مع العطب مطلقا ، وتخصيص
تلك الاخبار بها ، وحملها على ما إذا حصل العطب قبل دخول الحرم.
المسألة الثالثة :
لو عجز هدي
السياق فظاهر الأخبار أنه يجب ذبحه أو نحره في مكانه ويعلم بما يدل على أنه هدي
ليأكل منه من أراد ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.
(منها) رواية
علي بن أبي حمزة ومرسلة حريز المتقدمتان.
و (منها) صحيحة
حفص بن البختري قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام):
__________________
رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا يعلم أنه هدي
، قال : ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به أنه هدي».
وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو
عرض لها موت أو هلاك فينحرها إن قدر على ذلك ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم حتى
يعلم من مر بها أنها قد ذكيت ، فيأكل من لحمها إن أراد ، وإن كان الهدي الذي انكسر
وهلك مضمونا فان عليه أن يبتاع مكان الذي انكسر وهلك ، والمضمون هو الشيء الواجب
عليك في نذر أو غيره ، فان لم يكن مضمونا وإنما هو شيء يتطوع به فليس عليه أن
يبتاع مكانه إلا أن يشاء أن يتطوع».
ورواية عمرو بن
حفص الكلبي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به
عليه ولا من يعلمه أنه هدي ، قال : ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه ليعلم من مر به
أنه صدقة».
ويستفاد من
جملة من الاخبار مما ذكرناه هنا وما قدمناه وما طوينا ذكره أنه يستحب سياق الهدي
في العمرة والحج وأنه تتأدى وظيفة الاستحباب بسياق الواجب أيضا مضمونا كان أم لا ،
متعينا كان أم لا ، وإن تفاوتت هذه الأفراد من جهة أخرى.
وظاهر هذه
الأخبار أن وجوب الذبح أو النحر مع العطب ، والعمل به بما ذكرناه شامل لجميع
الأفراد المذكورة وإن اختلف الحكم فيها في وجوب
__________________
الأبدال وعدمه ، كما فصلته الأخبار المذكورة ، وتقدم تفصيله في كلام شيخنا
العلامة رفع الله تعالى مقامه ، فكل ما كان مضمونا ـ مثل الكفارات وجزاء الصيد
والمنذور المطلق ودم المتعة ـ فإنه يجب إبداله متى ذبحه أو نحره لعطبه ، ويجوز
الأكل حينئذ من هذا الهدي المذبوح أو المنحور لوجوب بدله ، ويتعلق تحريم الأكل
حينئذ بالبدل ، ويرجع هذا الهدي بعد ما وقع عليه إلى ملكه ، فيتصرف فيه كيف شاء
وأما الواجب المعين كالنذر المعين فان حكمه حكم المتبرع به في عدم وجوب الأبدال ،
لعدم تعلقه بالذمة.
بقي هنا شيء :
وهو أنه قد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه
صاحبه ويستعين بثمنه على هدي؟ قال : لا يبيعه ، فان باعه تصدق بثمنه ويهدي هديا
آخر».
ورواه في
الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه؟
وإن باعه ما يصنع بثمنه؟ قال : إن باعه فليتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».
وفي الحسن عن
الحلبي قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه
صاحبه ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال : يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».
__________________
وظاهر الخبرين
وجوب التصدق بالثمن بعد البيع واقامة بدله ، أما إقامة البدل فلا إشكال فيه ، لما
تقدم من أن المضمون ما لم يبلغ محله يجب إبداله.
إنما الإشكال
في وجوب التصدق بثمنه مع ما عرفت من كلامهم أنه بعد العطب والكسر يرجع إلى ملك
صاحبه ، فله التصرف فيه كيف شاء ومن ثم حملوا التصدق بالثمن هنا على الاستحباب ،
لأن الجمع بين وجوب التصدق بثمنه ووجوب إقامة بدله خلاف القواعد الشرعية والقوانين
المرعية ، فإنه إن بقي على حاله الأول من تعينه فوجوب التصدق بثمنه في محله ، حيث
إنه خرج عن ملك صاحبه بتعينه للنسك ، إلا أنه لما تعذر إيصاله جاز بيعه والتصدق
بثمنه ، ولا معنى للبدل على هذا الوجه ، وإن كان قد خرج بما عرض له من العطب
والكسر عن التعين لذلك النسك ـ لأن. الواجب هدي صحيح يوصله إلى ذلك المكان ، فلما
عطب رجع إلى ملك صاحبه وزال التعين ، كما تقدم في كلامهم ووجب البدل ـ فوجوب البدل
ظاهر ، وهذا هو مدلول النصوص المتقدمة ، وأما وجوب التصدق بثمنه فلا وجه له حينئذ
، وبه يظهر صحة ما ذكروه من حمل التصدق على الاستحباب.
إلا أن عبائرهم
في هذا المقام لا تخلو من اضطراب ، حيث إنهم قالوا : «ولو عجز هدي السياق ذبح أو
نحر وعلم علامة الهدي ، ولو انكسر جاز بيعه والتصدق بثمنه أو إقامة بدله» وفي بعض
العبارات «ولو عجز هدي السياق جاز أن ينحر» إلى آخره.
ومرادهم بهدي
السياق المذكور أولا ما هو أعم من الهدي المستحب أو الواجب ، كما قدمنا ذكره ،
ومقتضى هذا الكلام بحسب ظاهره أن مورد هذين الحكمين هو هدي السياق بالمعنى المذكور
، وأنه يجوز ذبحه أو نحره
والاعلام به ، ويجوز بيعه على الوجه المذكور.
وربما أشعر ذلك
بالتخيير بين الأمرين ، وهو مشكل ، لأن مورد روايتي البيع والتصدق والأبدال إنما
هو الهدي الواجب على ما عرفت من الإشكال في ذلك أيضا لا الهدي المستحب ، كما هو
ظاهر عموم هدي السياق المفروض.
إلا أن الظاهر
من كلام العلامة في المنتهى تخصيص هدي السياق في هذا المقام بالهدي المستحب ، حيث
قال : «ولو عجز هدي السياق عن الوصول إلى مكة أو منى جاز أن ينحر أو يذبح ويعلم
بما يدل على أنه هدي ، ولو أصابه كسر جاز له بيعه ، وينبغي أن يتصدق بثمنه أو يقيم
بدله ، لأنه عوض عن هدي مستحب» انتهى.
والتقريب فيها
أن الضمير في «أصابه كسر» يرجع إلى هدي السياق المتقدم ، وآخر العبارة ظاهر في أن
المراد به الهدي المستحب ، وقد عرفت سابقا أن مورد روايات الحكم الأول هدي السياق
بالمعنى الأعم لما اشتمل عليه بعضها من وجوب الأبدال بعد النحر إن كان مضمونا
وعدمه إن لم يكن كذلك ، ومورد أخبار الحكم الثاني إنما هو الهدي الواجب خاصة ، ولم
نقف على رواية في الهدي المستحب أنه يباع ويتصدق بثمنه ويقام بدله غيره.
وبالجملة فإن
كلامهم على الاخبار هنا لا يخلو من الاشكال ، مع ما في عباراتهم من الإجمال ، حيث
عبروا بأن هدي السياق إذا عجز يجوز ذبحه ونحره ، والمستفاد من الأخبار كما تقدمت
هو الوجوب ، وكون هدي السياق في كلامهم هو الهدي المستحب ، كما يفهم من عبارة
المنتهى ، أو الأعم كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة.
وظاهر كلامهم
المتقدم أيضا الفرق بين العجز والكسر ، فخصوا الذبح أو النحر والتعليم بالأول ،
والبيع والتصدق أو إقامة البدل بالثاني ، زعما منهم المغايرة بين الأمرين ، بل
ادعى شيخنا الشهيد الثاني ورود النص بالفرق ، وأنكره سبطه في المدارك ، وهو كذلك ،
لما عرفت من صحيحة الحلبي المتقدمة في صدر المسألة ، حيث دلت على الذبح والتعليم
في صورة الكسر ، وأنه متى كان الهدي مضمونا فان عليه البدل ، وأيضا فإن الأخبار
اشتملت على ذكر العطب وهو أعم من الكسر وغيره.
وبالجملة
فالمستفاد من الاخبار على وجه لا يعتريه الإنكار هو ما قدمناه من أن هدي السياق
مطلقا متى عجز عن الوصول ـ سواء كان بواسطة الكسر أو غيره ـ وجب نحره أو ذبحه
والاعلام بكونه هديا بما تقدم في الأخبار من العلامات ، ولا يجب الإقامة عنده إلى
أن يوجد المستحق وإن أمكن.
ثم إنه إن كان
مضمونا وجب بدله وإلا سقط ، لما عرفت من حكم المضمون ، والأفضل له أن يتصدق بثمنه
إن باعه ، وعلى هذا فيتخير في المضمون بين ذبحه أو نحره وبين بيعه.
وينبغي أن يعلم
أن ما تقدم في الأخبار من وجوب الاعلام بكون الهدي صدقة ليأكل منه من يمر به إما
بكتابة كتاب عليه بذلك أو بلطخ نعله بالدم مخصوص بغير المضمون الذي يجب إقامة
البدل عنه ، لما عرفت من أنه بسبب وجوب البدل عنه ينتقل الحكم إلى البدل ، ويرجع
الأول إلى ملك صاحبه.
تتمة :
ظاهر الأصحاب
أن الهدي بأي المعاني المتقدمة يجب ذبحه بعد بلوغ محله ، فان كان سياقه مستحبا أو
نذرا فله التصرف فيه بعد الذبح كيف شاء ، إلا أن يكون نذره صدقة فإنه يجب صرفه
فيما نذره ، وإلا فالواجب الذبح أو النحر خاصة ، وأما لو كان واجبا كهدي المتعة
فقد تقدم الحكم فيه ، وأن الأظهر قسمته أثلاثا.
والأقرب أيضا
في هدي القران كذلك ، لما رواه الشيخ في الموثق عن شعيب العقرقوفي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت :
فأي شيء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا وأهد ثلثا وتصدق بثلث».
وفي صحيحة سيف
التمار في هدي السياق قال : «اطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع
والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا».
وأما الواجب في
الكفارة والنذر المطلق وهو المضمون فإنه لا يجوز الأكل منه كما تقدم ، بل يتصدق به
بعد الذبح ، ويدل على ذلك ما تقدم في رواية أبي بصير قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر ، قال إن كان
مضمونا ـ والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء ـ فعليه فداؤه ، قلت : أيأكل
منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين ، فان لم يكن
__________________
مضمونا فليس عليه شيء ، قلت : أيأكل منه؟ قال : يأكل منه».
وروى شيخنا
المفيد في المقنعة مرسلا قال : «قال (عليهالسلام): من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك
فليس له أن يأكل منه ، ويفرقه على المساكين ، وعليه مكانه بدل منه ، وإن كان تطوعا
لم يكن عليه بدله ، وكان لصاحبه أن يأكل منه». وما دل عليه الخبران من عدم جواز
الأكل من المضمون مع أن عليه بدله قد تقدم الكلام فيه قريبا في المسألة الثانية وقبلها في المسألة التاسعة من المقام الأول والله العالم.
المسألة الرابعة :
قد صرح الأصحاب
(رضوان الله تعالى عليهم) في جملة أحكام هدي السياق بأنه لو سرق من غير تفريط لم
يضمن ، وهو على إطلاقه مشكل لما عرفت سابقا من أن هدي السياق منه ما يكون مستحبا
وإن وجب بالإشعار أو التقليد ، ومنه ما يكون واجبا ، والواجب منه ما يكون مضمونا
وما يكون متعينا ، وهذا الحكم لا يتم إلا فيما عدا الواجب المضمون من المستحب أو
المتعين بنذر وشبهه ، فإنه يكون في يد صاحبه بمنزلة الأمانة إلى أن يوصله محله ،
كما تقدم في كلام شيخنا العلامة أجزل الله إكرامه ، فلو تلف من غير تفريط فلا ضمان
عليه.
__________________
وأما الواجب
المضمون كالمنذور مطلقا وجزاء الصيد ودم المتعة ونحو ذلك فان تلفه وإن كان بغير
تفريط لا يوجب براءة الذمة وإن عينه لذلك ، لأنه لا يخرج بالتعيين عن الاستقرار في
ذمته ، بل يكون مراعى ببلوغه محله حسب ما تقدم إيضاحه في كلام شيخنا المذكور من
غير خلاف فيه ، كما أشار إليه في آخر كلامه ، وحينئذ فالواجب حمل كلامهم على
الأفراد الأولة وقد استدل الشيخ في التهذيب على الحكم المذكور
بما رواه عن
احمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل اشترى شاة لمتعته فسرقت منه أو هلكت ، فقال :
إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه».
وفي الصحيح عن
معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال :
لا بأس ، وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شيء».
وقد نقل السيد
السند في المدارك استدلال الشيخ (رحمهالله) بهذين الخبرين وجمد عليه ، مع ما في ذلك من الاشكال
وظهور الاختلال ، لأن محل البحث هدي السياق بالمعنى الذي ذكرناه ، وأما هدي التمتع
فان الظاهر من كلام الأصحاب كما عرفت ـ حيث إنه واجب مضمون ـ أن تلفه لا يكون
مبرئا للذمة ، وهذه الرواية يجب أن تكون مخصوصة بالشاة التي اشتراها وأوثقها في
رحله بمنى ليكون القول بالاجزاء باعتبار بلوغ الهدي محله لا مطلقا.
__________________
ويؤيده ما رواه
الشيخ عن ابن جبلة عن علي عن عبد صالح (عليهالسلام) قال : «إذا اشتريت أضحيتك وقمطتها وصارت في رحلك فقد
بلغ الهدي محله».
ومورد الرواية
وإن كان بلفظ الأضحية إلا أنه كثيرا ما يطلق على هدي التمتع باعتبار إجزائه عن
الأضحية ، وكذا الرواية الثانية مقيدة بالأضحية في منى كما يشير إليه هذا الخبر
أيضا.
ويدل عليه أيضا
ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الله عن رجل يقال له الحسن عن رجل سماه قال : «اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت ، فقال لي أبي :
ائت أبا عبد الله (عليهالسلام) فاسأله عن ذلك ، فأتيته فأخبرته ، فقال : ما ضحي بمنى
شاة أفضل من شاتك».
نعم هما يصلحان
للتأييد في الجملة ، على أن مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى المذكورة معارضة بما هو
أوضح منها سندا ، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح
قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن رجل اشترى هديا لمتعته فأتى به منزله فربطه ثم انحل
فهلك هل يجزؤه أو يعيد؟ قال : لا يجزؤه إلا أن يكون لا قوة به عليه».
والدليل
الحقيقي على الاجزاء إنما هو ما تقدم من أنه في يده بمنزلة الأمانة التي لا يضمنها
صاحبها إلا مع التفريط ، ولا تعلق له بالذمة الذي هو موجب للضمان.
بقي الكلام في
الجمع بين مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى الدالة على
__________________
الاجزاء في الشاة المسروقة عن الهدي الواجب في ذمته وبين صحيحة عبد الرحمن
بن الحجاج الدالة على عدم الاجزاء إلا مع عدم القوة على غيره والمفهوم من كلام
الأصحاب هو القول بما دلت عليه المرسلة المذكورة.
قال في المنتهى
: «لو سرق الهدي من موضع حرز أجزأ عن صاحبه وإن أقام بدله فهو أفضل ، لما رواه
الشيخ عن احمد بن محمد بن عيسى» ثم ساق المرسلة المذكورة ، ثم أردفها بصحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة أيضا ، والظاهر من إيراده لها واستدلاله بها هو حمل
الأضحية فيها على ما هو أعم من الهدي الواجب ، لما أشرنا إليه آنفا ، ثم نقل مرسلة
إبراهيم بن عبد الله ورواية ابن جبلة عن علي عن عبد صالح (عليهالسلام) المتقدمين.
والظاهر أن
التقريب فيهما ما عرفت في صحيحة معاوية بن عمار ، ولم أقف على من أورد صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج المذكورة في المقام. فضلا عن الجواب عنها ودفع المنافاة بينها
وبين هذه الأخبار.
ولا يخفى أن ما
دلت عليه الصحيحة المذكورة هو الأوفق بما قدمنا نقله عنهم من أن المضمون المستقر
في الذمة لا تبرأ الذمة إلا بالإتيان به ، وأنه بمجرد الشراء للهدي أو سوقه ما لم
يبلغ محله فيذبحه أو ينحره لا تبرأ الذمة منه وأنه يجب إبداله لو تلف أو عطب ، كما
عرفت من كلام شيخنا العلامة المنقول في صدر المقام.
والظاهر أن
الأصحاب إنما صاروا إلى الاجزاء ، وخرجوا من مقتضى هذا الضابط الذي ذكروه من أجل
المرسلة المتقدمة ، لصراحتها في الاجزاء وتأييدها بالروايات المذكورة ، فكأنهم
خصصوا الضابط المذكور بهذه الروايات
ولم يقفوا على الصحيحة المذكورة الصريحة في الالتزام بهذا الضابط والمنافاة
بينها وبين المرسلة المشار إليها.
ويؤيد ما
ذكرناه عبارة شيخنا الشهيد (رحمهالله) في الدروس حيث قال : «لو ضل هدي المتمتع فذبح عن صاحبه
قيل : لا يجزئ ، لعدم تعينه ، وكذا لو عطب ، سواء كان في الحل أو في الحرم ، بلغ
محله أو لا ، والأصح الاجزاء ، لرواية جماعة «إذا ماتت شاة المتعة أو سرقت أجزأت ما لم يفرط». وفي رواية منصور بن حازم لو ضل فذبحه غيره أجزأ ، ولو تعيب بعد شرائه أجزأ في
رواية معاوية » انتهى.
أقول : ما ذكره
جيد لولا الصحيحة المذكورة المؤيدة بموافقة الضابط المتفق عليه بينهم ، كما عرفت
مما تقدم في كلام العلامة (قدسسره) والجمع بين الخبرين المذكورين لا يخلو من الإشكال ،
إلا أن تقيد المرسلة المذكورة ونحوها بالصحيحة المشار إليها فيقال بالاجزاء مع عدم
إمكان غيره ، أو حمل الاجزاء على الرخصة.
وعلى كل من
الوجهين فالظاهر تقييده بما إذا حصل التلف في منى لبلوغه محله ، كما أشارت إليه
رواية ابن جبلة ومرسلة إبراهيم بن عبد الله لا مطلقا ، كما يفهم من عبارة الدروس وإن افهمته مرسلة
أحمد المذكورة ،
__________________
اقتصارا فيما خالف الضابطة المذكورة على ما اتفقت عليه هذه الأخبار.
وكيف لا وجملة
الأخبار المتقدمة في المسألة الثانية والثالثة متفقة على وجوب الإبدال في المضمون
لو عطب أو انكسر أو تلف ، ودم الهدي كما عرفت من جملة أفراد المضمون.
ويؤيد ما
ذكرناه أيضا صحيحة منصور بن حازم المشار إليها في كلامه ، حيث اشتملت على أنه إن كان قد
ذبحه الواجد في منى أجزأ عن صاحبه ، وإن كان في غيرها لم يجز عنه.
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا عرف بالهدي ثم ضل بعد ذلك أجزأ». ومفهومه
الشرطي الذي هو حجة عند المحققين أنه لا يجزئ إذا لم يعرف به ، ولو لا ظهور صحيحة
عبد الرحمن المتقدمة في أن موردها هلاك الهدي في منى لأمكن تقييدها بهذه الأخبار ،
والله العالم.
المسألة الخامسة :
المفهوم من
كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أن هدي السياق بأي المعاني المتقدمة يجب
ذبحه بعد بلوغه المحل من مكة أو منى ، ثم إن كان هدي دم المتعة فقد تقدم الكلام
فيه ، وأن الأظهر قسمته أثلاثا وجوبا ، وإن كان هدي القران فالأظهر أنه كذلك
أثلاثا ، وظاهر الأصحاب
__________________
أنه على جهة الاستحباب ، مع اتفاق الأخبار على الأمر بالتثليث كما تقدمت في
المسألة الثامنة من المقام الأول وعدم المعارض.
ومنها موثقة شعيب
العقرقوفي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت :
فأي شيء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث».
وفي صحيحة سيف
التمار في هدي السياق قال : «اطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع
والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا». ونحوهما مما تقدم وهي محمولة على هدي القران
ودم المتعة دون غيرهما من الأفراد التي يأتي بيان حكمها.
وأما الهدي
المضمون وهو ما كان كفارة أو جزاء صيد أو النذر المطلق فمصرفه المساكين.
قال في المنتهى
: «قد بينا أن ما يساق في إحرام الحج يذبح أو ينحر بمنى ، وما يساق في إحرام
العمرة ينحر أو يذبح بمكة ، وما يلزمه من فداء ينحر بمكة إن كان معتمرا وبمنى إن
كان حاجا ، وبينا الخلاف فيه إذا عرفت هذا فإنه يجب أن يفرقه على مساكين الحرم ،
لما بيناه فيما تقدم ممن يجوز دفع الزكاة إليه ، وكذا الصدقة مصرفها مساكين الحرم
ـ الى أن قال ـ : ولو نذر هديا مطلقا أو معينا وأطلق مكانه وجب صرفه في فقراء
الحرم ـ ثم نقل خلاف أبي حنيفة وقال ـ : لنا قوله تعالى
__________________
«ثُمَّ مَحِلُّها
إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ»
ولأن إطلاق
النذر ينصرف إلى المعهود شرعا ، والمعهود في الهدي الواجب ذبحه في الحرم».
وظاهر كلامه (قدسسره) جريان هذا الحكم في جميع أفراد هدي السياق عدا دم
المتعة ، لما ذكره من حكمه في محله.
والظاهر من
كلام الأصحاب أنه لا يجوز الأكل من الهدي الواجب غير هدي المتعة.
قال في الدروس
: «ولا يجوز الأكل من الواجب غير المتعة ، فإن أكل ضمن القيمة ، وجوز الشيخ الأكل
منه للضرورة ، ولا قيمة عليه» انتهى.
أقول : ما نسبه
إلى الشيخ من القول بجواز الأكل مع الضرورة إنما منشأه حمله الأخبار المخالفة
الدالة على جواز الأكل من المضمون على حال الضرورة جمعا بينها وبين الأخبار الدالة على
عدم الجواز وفي نسبة القول له بذلك نظر ، وقد تقدم تحقيق الكلام في
هذه المسألة في المسألة التاسعة من المقام الأول وقد قدمنا أن ما دل على جواز الأكل من الهدي المضمون من
الاخبار محمول على التقية إن كان هدي نقصان ، وأما إذا كان الهدي من تمام الحج فلا
بأس ، هذا بالنسبة إلى الهدي متى بلغ محله.
وأما لو ذبحه
في الطريق لعطبه وعجزه عن بلوغ المحل فإنه متى كان مستحبا كهدي القران أو متعينا
كالنذر المعين ونحوه فإنه لا بدل عليه ، وله أن يأكل من لحمه ، وهو مما لا إشكال
فيه.
__________________
إنما الإشكال
في الواجب المضمون ، وظاهر كلام الأصحاب أنه يجب عليه بدله ، وينتقل أحكام الهدي
إلى البدل ، وأن الهدي الأول يرجع إلى ملكه ، وله التصرف فيه كيف شاء.
قال في المنتهى
زيادة على ما قدمناه عنه في صدر المقام ما صورته : «الواجب غير المعين إذا عينه
بالقول تعين على ما قلناه ، فان عطب أو عاب عيبا يمنع من الاجزاء لم يجز ذبحه عما
في ذمته ، لأن الواجب عليه هدي سليم ، ولو لم يوجد فعليه الأبدال ، إذا ثبت هذا
فإنه يرجع هذا الهدي إلى ملكه ، فيصنع به ما شاء من أكل وبيع وصدقة وهبة» انتهى.
والأخبار هنا
بالنسبة إلى جواز الأكل منه مختلفة. فمما يدل على جواز الأكل صحيحتا معاوية بن عمار المتقدمتان في المسألة الثانية ، ومما
يدل على المنع رواية أبي بصير المتقدمة في المسألة التاسعة من المقام الأول ونحوها ما
رواه في الفقيه عن حماد عن حريز المتقدم ثمة ، ونحوهما أيضا ما رواه شيخنا المفيد (قدسسره) في المقنعة مرسلا قال : «قال (عليهالسلام) : من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك
فليس له أن يأكل منه ، ويفرقه على المساكين ، وعليه مكانه بدل منه ، وإن كان تطوعا
لم يكن عليه بدله ، وكان لصاحبه أن يأكل منه».
أقول : ويعضد
هذه الأخبار الأخيرة ما تقدم في المسألة الثالثة من هذا
__________________
المقام من صحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي الدالتين على أن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب
فباعه صاحبه فان عليه أن يتصدق بثمنه ، وعليه بدله.
ويؤيد الأخبار
الأولة أنها الأوفق بمقتضى الضابط الذي ذكره شيخنا العلامة رفع الله مقامه من أنه «متى
وجب عليه البدل انتقل حكم الهدي الواجب في ذمته إلى هذا البدل ، ورجع الأول إلى
ملكه ، يتصرف فيه كيف شاء ، وإيجاب الصدقة بلحمه على المساكين والتصدق بثمنه إن
باعه مع إيجاب البدل مما لا يكاد يعقل وجهه إلا بالقول بوجوب هديين عليه وهو باطل».
وبالجملة
فالمسألة عندي محل إشكال ، ولا يحضرني الآن وجه جمع بين هذه الاخبار ، والله
العالم.
المسألة السادسة :
قد صرح الأصحاب
(رضوان الله تعالى عليهم) بأنه لو ضاع هدي السياق فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه
ولم يجب ذبح الأخير ، ولو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا على المشهور ، ووجوبا عند
الشيخ إذا كان قد أشعره أو قلده.
__________________
والأصل في هذه
المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها
فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : إن لم يكن أشعرها فهي ماله إن شاء
نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها».
وعن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى كبشا فهلك منه ، قال : يشتري مكانه آخر ،
قلت : فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول ، قال : إن كانا جميعا قائمين فليذبح
الأول وليبع الأخير ، وإن شاء ذبحه ، وإن ذبح الأخير ذبح الأول معه».
قال الشيخ في
التهذيب بعد نقل رواية أبي بصير : «إنما يذبح الأول مع الأخير إذا أشعره ، وإلا لم
يلزمه ذبحه» واستدل بصحيحة الحلبي المذكورة وبهذا التقريب نسب إلى الشيخ القول
بوجوب ذبح الأول مع الإشعار أو التقليد بعد ذبح الثاني ، كما قدمنا ذكره.
والمشهور عندهم
الاستحباب ، لسقوط ذبح الأول بذبح البدل.
قال في الدروس
: «لو ضل فأقام بدله ثم وجده ذبحه ، وسقط وجوب ذبح البدل ، ولو كان قد ذبح البدل
استحب ذبح الأول ، وأوجبه الشيخ إذا كان قد أشعره أو قلده ، لصحيح الحلبي ، وحكم
هدي التمتع كذلك» انتهى.
وقال في
المختلف بعد أن نقل عن الشيخ القول بالوجوب : «والأقرب عندي الاستحباب ، لنا : أنه
امتثل المأمور به ، فيخرج عن العهدة ، نعم لو
__________________
عينه بالنذر كان قول الشيخ جيدا» انتهى.
أقول : لا يخفى
أن ظاهر إطلاق صحيحة الحلبي وصريح رواية أبي بصير الدلالة على ما ذكره الشيخ ،
والتقريب فيهما أنه لا ريب كما تقدم أن الهدي يتعين إما بالاشعار والتقليد أو
بالتعيين ، كان ينوي أن هذا الهدي هو الذي في ذمتي ، وبذلك يخرج عن ملك صاحبه
ويتعين للذبح ، إلا أنه متى ضاع مثلا واشترى بدله وجوبا إن كان مضمونا أو استحبابا
إن لم يكن كذلك فإنه ينتقل الحكم إلى البدل انتقالا مراعى بعدم وجود المبدل منه ،
فإذا وجد المبدل منه تعلق به الحكم من حيث التعيين كما عرفت ، ولم يجز البدل حينئذ
وإن كان قد ذبحه.
فقوله في
المختلف : «لنا أنه امتثل المأمور به فيخرج عن العهدة» على إطلاقه ممنوع ، فإنه
إنما يحصل الامتثال ويخرج عن العهدة لو لم يوجد الأول ، وإلا فمع وجود الأول فهو
أول المسألة ومحل النزاع ، وهل هذا الكلام حينئذ إلا نوع مصادرة على المطلوب.
وبالجملة فإنا
نقول : إن البدلية مراعاة بعدم وجود المبدل منه ، وعلى هذا خرج الحكم في الروايتين
المذكورتين بوجوب ذبح الأول وإن كان قد ذبح الثاني ، وتأويلهما بما ذكروه من
الاستحباب يحتاج إلى المعارض ، وليس فليس ، وما ذكروه من التعليل عليل كما عرفت ،
فقول الشيخ لا يخلو من القوة.
وهكذا يجري
الكلام في هدي المتعة لو شراه وعينه للهدي ثم ضاع ، فإنه يتعين بالتعيين ، كما
تقدم في كلام شيخنا العلامة وغيره ، وحينئذ فمتى ضاع ووجده بعد أن ذبح بدله فإنه
يجب عليه ذبحه من حيث التعيين ،
وقوفا على ظاهر الخبرين المذكورين.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنه قال في المدارك بعد الكلام في أصل المسألة والاستدلال بالروايتين
المذكورتين على أصل الحكم المذكور : «إذا تقرر ذلك فاعلم أن قول المصنف : «ولو ضاع
فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه وإن كان ذبح الأخير ذبح الأول معه ندبا» يقتضي
بظاهره وجوب إقامة البدل في هدي السياق المتبرع به ، ووجوب ذبحه إذا لم يجد الأول
، وهو مناف لما تقدم من عدم وجوب إقامة بدله لو هلك.
وأجاب عنه
الشارح (قدسسره) إما بالتزام وجوب إقامة البدل مع الضياع ، وسقوطه مع
السرقة والهلاك ، قال : ولا بعد في ذلك بعد ورود النص وإما تخصيص الضياع بما وقع
منه بتفريطه.
وأقول : ان
الوجه الثاني مستقيم في نفسه ، أما الأول فمشكل ، وما ذكره (قدسسره) من أنه لا بعد في ذلك بعد ورود النص مسلم إلا أن
الكلام في إثبات ذلك ، فانا لم نقف في هذه على رواية سوى ما أوردناه من الخبرين ،
ولا دلالة لهما على وجوب الإبدال في هدي السياق المتبرع به بوجه.
أما الأول
فلأنه إنما يدل على وجوب ذبح الأول بعد ذبح الأخير إذا كان قد أشعره ، ولا دلالة
له على وجوب الأبدال.
وأما الثاني
فلعدم التعرض فيه لهدي السياق ، بل الظاهر أن المسؤول عنه فيه هدي التمتع.
ويمكن حمل
عبارة المصنف على الهدي الواجب ، ليتم وجوب اقامة بدله ، ويكون المراد أنه لو وجد
الأول بعد ذبح الأخير لم يجب ذبحه ،
لقيام البدل مقامه إلا إذا كان منذورا على التعيين ، فيجب حينئذ ذبحه بعد
ذبح الأخير لتعينه بالنذر لذلك» انتهى كلامه زيد إكرامه ورفع مقامه.
أقول : صورة
عبارة المصنف المشار إليها هكذا «ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ، ولم يجب
ذبح الأخير ، ولو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا إلا أن يكون منذورا» ولا يخفى أن غاية
ما يفهم من هذه العبارة انه لو ضاع الهدي ـ سواء كان هدي سياق قد أشعره أو قلده أو
كان هدي تمتع كما هو ظاهر الخبرين المذكورين اللذين هما المستند في هذا الحكم ـ فأقام
بدله وجوبا أو استحبابا ، وليس في العبارة أزيد من إقامته ، وهو أعم من أن يكون
وجوبا أو استحبابا كما ذكرنا.
ولا ريب في
استحباب إقامة البدل في هدي القران بعد ضياعه أو هلاكه لما تقدم في رواية علي بن
أبي حمزة «فان لم يكن مضمونا وإنما هو شيء تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانها إلا
أن يشاء أن يتطوع». ومثله في صحيحة الحلبي ومورد الخبرين المذكورين وإن كان الذبح إلا أنه لا
خصوصية له في هذا المقام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، على أنهم قد صرحوا بجواز
بيعه مع الكسر واستحباب بدله والتصدق بثمنه.
والظاهر أن
مطرح نظر المصنف وغيره في هذا المقام إنما هو إلى الخلاف الذي قدمنا نقله عن الشيخ
من أنه متى وجد الهدي الضائع وقد ذبح الأول فهل يكون ذبحه واجبا كما يقوله الشيخ
أو ندبا؟ لا أنه يجب إقامة بدل هدي السياق بعد ضياعه ، ليكون منافيا لما قدمه حتى
أنه يحتاج إلى
__________________
ارتكاب هذه التكلفات التي ذكروها.
وبالجملة
فعبارة المصنف وغيره في هذه المسألة لا دلالة فيها على أزيد من أنه لو أقام له
بدلاً بعد ضياعه فما الحكم فيه لو وجد الأول ، وهو أعم من أن يكون إقامة البدل
ندبا كهدي القران أو وجوبا كهدي المتعة.
ولا ريب أن
ظاهر الخبرين المتقدمين هو وجوب ذبح الأول بعد وجوده ، ذبح الأخير أو
لم يذبحه ، كما قدمنا بيانه. وبه يظهر قوة مذهب الشيخ (رضوان الله عليه).
وخبر الحلبي ظاهر بل صريح في هدي القران ، وانه متى أشعره ثم ضاع
منه ولم يجده إلا في منى بعد أن نحر غيره فإنه ينحره ، وهو ظاهر في الوجوب غير
مدافع.
وظاهر رواية
أبي بصير هدي المتعة كما اعترف به السيد السند (قدسسره) في المدارك ، وهو وإن كان مطلقا لكن يجب حمله على
تعيين الهدي الذي في ذمته في هذا الذي اشتراه ، لتعيين ذبحه بذلك بعد رؤيته ، وذبح
الثاني من حيث التعيين.
ثم قال في
المدارك في تتمة الكلام المتقدم : «وكيف كان فالمتجه عدم وجوب إقامة البدل في
المتبرع به إذا ذهب بغير تفريط مطلقا ، تمسكا بمقتضى الأصل المعتضد بالنصوص
المتضمنة لعدم وجوب إقامة البدل مع العطب والسرقة ، وأنه متى وجد الأول وجب ذبحه
إن كان منذورا إذا كان قد أشعره وإلا فلا» انتهى.
__________________
أقول : أما ما
ذكره من عدم وجوب إقامة البدل في المتبرع به فلا إشكال فيه ، وتوهم نسبة ذلك إلى
عبارة المصنف ونحوها قد بينا بطلانه ، إلا أن الحكم كما عرفت لا يختص بالهدي
الواجب بل كما يجري في الواجب يجري في المستحب الذي هو هدي القران مع الإشعار أو
التقليد.
وأما ما ذكره
من أنه متى وجد الأول وجب ذبحه إن كان منذورا إذا كان قد أشعره وإلا فلا فهو محل
نظر وبحث ، فإنه قد تقدم أن من أسباب التعيين الإشعار أو التقليد ، ومنها نية
تعيين ما في الذمة في هذا الهدي المخصوص ، ومنهما تعيينه بالنذر ، بأن ينذر ذبح
هذا الهدي بعينه ، وكل من هذه الأسباب كاف في التعيين ، فمتى كان الهدي الضائع
أحدها ثم وجد بعد ذبح بدله فإنه من حيث تعينه أولا للذبح بأحد تلك الأمور المذكورة
يجب ذبحه ، ويكون ذبح البدل غير مجز ، لأن بدليته كما قدمناه مراعاة بعدم وجود
المبدل منه.
على أن فرضهم
ذلك في المنذور لا دليل عليه ، إذ مورد الروايتين إنما هو هدي القران وهدي المتعة
، وأما هدي النذر فلا وجود له في البين والله العالم.
المسألة السابعة :
المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه يجوز ركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضر به أو
بولده وإطلاق كلامهم شامل للهدي المتبرع به كهدي القران ، والواجب كهدي المتعة ،
ونحوه من المضمون في
الذمة وإن تعين ، وهو في الأول موضع وفاق بينهم على ما نقله في المدارك ،
ولعل وجهه أنه وإن تعين بالاشعار والتقليد لو أشعره أو قلده إلا أنه لا يخرج عن
الملك بالكلية ، بل غايته أنه يتعين ذبحه ولا يجوز إبداله ، وأما سائر التصرفات
مما لا ينافي ذلك فلا يمنع منه ، وإنما الخلاف في الثاني والمشهور أنه كالأول.
أقول : وينبغي
هنا التفصيل أيضا كما تقدم في كلام شيخنا العلامة (رفع الله تعالى مقامه) في صدر
هذا المقام من «أن الواجب المطلق كدم التمتع وجزاء الصيد والنذر غير المعين وما
شابه ذلك على ضربين : (أحدهما) : أن يسوقه ينوي به الواجب من غير أن يعينه بالقول
، فهذا لا يزول ملكه إلا بذبحه ودفعه إلى اهله ، وله التصرف فيه بما شاء ، كالبيع
والهبة والأكل وغير ذلك ، لأنه لم يتعلق حق الغير به ـ إلى أن قال ـ : (الثاني) :
أن يعين الواجب فيه» إلى آخر كلامه.
وهذا هو الذي
ينبغي أن يجعل محل النزاع من حيث تعلق حق المساكين به بالتعيين لذلك ، دون الأول
الذي قد عرفت أنه لا يخرج عن ملكه بوجه ، وله التصرف فيه كيف شاء.
وبذلك يظهر لك
ما في إطلاق جملة من أصحابنا من أن محل الخلاف الواجب مطلقا ، إلا أن ظاهر الأخبار
الدالة على تبعية الولد التي قد أشرنا إليها سابقا أنها هي المستند للقول
بالتعيين مطلقه كما سيأتي إنشاء الله تعالى.
وقال ابن
الجنيد : «ولا بأس أن يشرب من لبن هديه ، ولا يختار
__________________
ذلك في المضمون ، فان فعل غرم قيمة ما شرب من لبنها لمساكين الحرم» قال في
المختلف بعد نقله عنه : «ولا بأس به».
ويظهر من شيخنا
الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك اختيار ذلك أيضا ، حيث قال بعد أن حمل
عبارة المصنف بالحكم المذكور على الهدي المتبرع به بعد تعينه بالسياق ، لعدم خروجه
عن ملكه ، فيجوز له الانتفاع بما لا ينافي الذبح ما صورته : «ولو كان الهدي مضمونا
كالكفارات والنذور لم يجز تناول شيء منه ولا الانتفاع به مطلقا ، فان فعل ضمن
قيمته أو مثله لمستحق أصله ، وهو مساكين الحرم» انتهى.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي عن أبي الصباح
الكناني عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«لَكُمْ
فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى»
قال : «إن
احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها وإن كان لها لبن حلبها حلابا لا
ينهكها».
وما رواه في
الفقيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«لَكُمْ
فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى»
قال : «إن
احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها ، وإن كان لها لبن حلبها حلابا لا
ينهكها».
__________________
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم
انحرهما جميعا ، قلت : اشرب من لبنها وأسقي ، قال : نعم وقال : إن أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا رأى ناسا يمشون قد جهدهم المشي حملهم على بدنه ،
وقال : إن ضلت راحلة الرجل أو هلكت ومعه هدي فليركب على هديه».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن البدنة تنتج أيحلبها؟ قال : أحلبها
غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا ، قلت : يشرب من لبنها قال : نعم ويسقى إن شاء».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن حماد عن حريز «إن أبا عبد الله (عليهالسلام) قال : كان علي (عليهالسلام) إذا ساق البدنة ومر على المشاة حملهم على بدنه وإن ضلت
راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير مضر ولا مثقل».
وعن يعقوب بن
شعيب في الصحيح «أنه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل أيركب هديه إن احتاج إليه؟ فقال : قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله): يركبها غير مجهد ولا متعب».
وعن منصور بن
حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان علي (عليهالسلام) يحلب البدنة ويحمل عليها غير مضر».
__________________
وما رواه الشيخ
عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) «أنه سأل ما بال البدنة تقلد بالنعل وتشعر ، فقال : أما
النعل فيعرف أنها بدنة ويعرفها صاحبها بنعله ، وأما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على
صاحبها من حيث أشعرها ، فلا يستطيع الشيطان أن يتسنمها». ورواه الصدوق في العلل
مثله.
وأنت خبير بأن
ما عدا رواية السكوني من الروايات المتقدمة على كثرتها وصحة أكثرها قد اتفقت على
الدلالة على القول المشهور ، وبه يظهر أنه المؤيد المنصور ، وأن ما خالفه بمحل من
القصور ، والرواية المذكورة قاصرة عن المعارضة سندا وعددا ودلالة ، وينبغي حملها
على صورة الإضرار بها ، مع أن موردها المنع من الركوب خاصة ، ولا دلالة لها على
المنع من شرب اللبن ، فتبقى تلك الروايات بالنسبة إلى شرب اللبن خالية من المعارض
، ولم أعرف لهؤلاء المخالفين في المسألة دليلا.
فوائد :
الأولى :
ما دلت عليه
هذه الاخبار من جواز شرب لبنها على وجه لا يضر بولدها وركوبها على وجه لا يضر بها
يدل على أنه لو أضر بها أو بولدها ضمن.
قال في الدروس
: «ولا يجوز شرب لبنه إذا لم يفضل عنه فيضمن
__________________
ولو فضل فالأفضل الصدقة به ، ويجوز شربه عند الشيخ».
أقول : لا اعرف
لافضلية الصدقة بما فضل عن الولد هنا دليلا ، وهذه الروايات كلها كما سمعت ظاهرة
في جواز شربه له أو لغيره.
الثانية :
ما دلت عليه
صحيحة محمد بن مسلم ومثلها صحيحة سليمان بن خالد من الأمر بنحر البدنة مع ولدها ينبغي تقييده بما إذا
كان موجودا حال السياق ومقصودا به السياق أو متجددا بعده مطلقا ، أما لو كان
موجودا حال السياق ولم يقصد به السياق فإنه لا يجب ذبحه ، ولو أضر به شرب اللبن
فلا ضمان أيضا وإن أثم بذلك.
الثالثة :
قد صرح جملة من
الأصحاب بأن الصوف والشعر إن كان موجودا عند التعيين تبعه ولم يجز إزالته إلا أن
يضر به فيزيله ، ويتصدق به على الفقراء ، وليس له التصرف فيه ، ولو تجدد بعد
التعيين كان كاللبن والولد.
__________________
الرابعة :
الظاهر تخصيص
هذه الأخبار بغير الواجب المعين ، كما لو نذر عين هذا الهدي ، فإنه كما تقدم في
كلام شيخنا العلامة ضاعف الله إكرامه يخرج عن ملكه بالكلية ، ويبقى في يده أمانة
للمساكين ، وحينئذ فلا يجوز التصرف في شيء منه بركوب أو حلب أو نحو ذلك ، إلا أن
يكون ترك الحلب له مضرا به ، وعليه القيمة لو حلب وشرب ، والأجرة لو ركب لمستحقي
الأصل ، وهذا الفرد هو الذي يتم فيه كلام أولئك المخالفين في أصل المسألة.
المقام الخامس
في الأضحية
قال في المسالك
: «هي بضم الهمزة وكسرها ، وتشديد الياء المفتوحة فيها : ما يذبح يوم عيد الأضحى
تبرعا».
وقال في كتاب
مجمع البحرين : «وفي الأضحية لغات محكية عن الأصمعي : أضحية وأضحية بضم الهمزة
وكسرها وضحية على فعلية ، والجمع ضحايا كعطية وعطايا ، وأضحاة بفتح الهمزة كأرطاة
والجمع اضحى كارطى ، قيل : سميت بذلك لذبحها في الأضحية أو الضحى غالبا وسمي العيد
بها».
وهي مستحبة
استحباباً مؤكدا بإجماع علمائنا وأكثر العامة ، قال في المدارك وقبله العلامة في
المنتهى : «والأصل فيها قوله عزوجل : «فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ» وقد ذكر المفسرون أن المراد بالنحر نحر الأضحية بعد صلاة
العيد».
أقول : ما نقل
عن هؤلاء المفسرين لا مستند له في أخبار أهل البيت (عليهمالسلام) الواردة بتفسير هذه الآية ، بل الموجود فيها ما يخالفه
ويرده.
فروى أمين
الإسلام الطبرسي في مجمع البيان عن عمر بن يزيد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ) : هو رفع يديك حذاء وجهك». وروى عنه (عليهالسلام) عبد الله بن سنان مثله.
وعن جميل قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) فصل لربك وانحر ، فقال : بيده هكذا ، يعني استقبل
بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة».
وروى في ثالثة أنه عبارة عن رفع اليدين في تكبيرات الصلاة.
وروي في الكافي
في الصحيح عن حماد عن حريز عن رجل عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له : فصل لربك وانحر ، قال :
__________________
النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره».
وروى في كتاب
غوالي اللئالي عن مقاتل عن حماد بن عثمان قال : «سألت الصادق (عليهالسلام) ما النحر؟ فرفع يديه إلى صدره ، فقال : هكذا ، ثم
رفعهما فوق ذلك ، فقال : هكذا ، يعني يستقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة» .
هذا ما ورد من
الأخبار في تفسير الآية ، وهو كما ترى خال عن التفسير المذكور في كتب المفسرين ،
ومنه يظهر أنه لا يجوز الاعتماد على مجرد تفسير هؤلاء المفسرين المبني على مقتضى
ما تقر به عقولهم بل لا بد من تتبع الأخبار في ذلك وإلا فالوقوف.
وأما الاخبار
الدالة على استحبابها ومزيد التأكيد فيها فهي كثيرة.
ومنها ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل عن الأضحى أو أجب على من وجد لنفسه وعياله؟
فقال : أما لنفسه فلا يدعه ، وأما لعياله إن شاء ترك».
وما رواه في
الفقيه عن سويد القلاء في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير ،
وهي سنة».
وعن العلاء بن
الفضيل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «أن رجلا سئله عن الأضحى ، فقال : هو واجب على كل مسلم
إلا من لم يجد ، فقال
__________________
له السائل : فما ترى في العيال؟ قال : إن شئت فعلت وإن شئت لم تفعل فأما
أنت فلا تدعه».
قال في الفقيه : «وضحى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بكبشين : ذبح واحدا بيده ، وقال : اللهمّ هذا عني وعمن
لم يضح من أهل بيتي ، وذبح الآخر وقال : اللهمّ هذا عني وعمن لم يضح عن أمتي».
قال : «وكان
أمير المؤمنين (عليهالسلام) يضحي عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كل سنة بكبش يذبحه ، ويقول : بسم الله وجهت وجهي للذي
فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين ، اللهم منك ولك ، ويقول : اللهم هذا عن نبيك ، ثم يذبحه ،
ويذبح كبشا آخر عن نفسه» .
قال : «وقال (عليهالسلام) : لا يضحى عمن في البطن» .
قال : «وذبح
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن نسائه البقرة» .
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «جاءت أم سلمة (رضى الله عنها) إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) فقالت : يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ثمن
الأضحية فاستقرض واضحي ، قال : استقرضي فإنه دين مقضي».
ويغفر لصاحب الأضحية
عند أول قطرة من دمها.
وعن شريح بن
هاني عن علي (عليهالسلام) أنه قال : «لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا
وضحوا ، إنه ليغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها».
__________________
وروى في العلل
بسنده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله): إنما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم ، فأطعموهم من
اللحم».
وبسنده عن أبي
بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : ما علة الأضحية؟ فقال : إنه يغفر
لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها على الأرض ، وليعلم الله عزوجل من يتقيه بالغيب ، قال الله عزوجل : (لَنْ يَنالَ اللهَ
لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) ، ثم قال : انظر كيف قبل الله قربان هابيل ورد قربان
قابيل».
وروى علي بن
جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الأضحية ، فقال : ضح بكبش أملح أقرن
فحلا سمينا ، فان لم تجد كبشا سمينا فمن فحولة المعز أو موجوءا من الضأن أو المعز
، فان لم تجد فنعجة من الضأن سمينة : قال : وكان علي (عليهالسلام) يقول : ضح بثني فصاعدا واشتره سليم الأذنين والعينين ،
فاستقبل القبلة حين تريد أن تذبح وقل : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا
شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، اللهمّ تقبل مني ، بسم
الله الذي لا إله إلا هو والله أكبر ، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته ، ثم كل
وأطعم».
__________________
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله): استفرهوا ضحاياكم ، فإنها مطاياكم على الصراط». ورواه
في كتاب العلل مسندا عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله).» الحديث.
وتنقيح الكلام
في هذا المقام يتوقف على بيان أمور :
الأول :
المشهور بين
الأصحاب استحباب الأضحية ، بل ادعى عليه الإجماع ونقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب
، ويدل عليه ما تقدم من ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان ورواية العلاء بن الفضيل وصحيحة محمد بن مسلم .
وقال في الدروس
: «وقد روى الصدوق خبرين بوجوبها على الواجد وأخذ ابن الجنيد بهما».
وقال في
المدارك بعد نقل الاستدلال لابن الجنيد بصحيحة محمد بن مسلم ورواية العلاء : «ويجاب
بمنع كون المراد بالوجوب المعنى المتعارف عند الفقهاء ، كما بيناه غير مرة ، وقوله
(عليهالسلام) : «فأما أنت فلا تدعه» معارض بقوله (عليهالسلام) في رواية ابن مسلم : «وهي سنة» فان المتبادر من السنة
المستحب ، وبالجملة فلا يمكن الخروج عن مقتضى الأصل
__________________
والإجماع المنقول على انتفاء الوجوب بمثل هاتين الروايتين مع إمكان حملهما
على ما يحصل به الموافقة» انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في هذا الكلام من إمكان تطرق المناقشة إليه أما (أولا) فلأن المتبادر من لفظ
الوجوب عندهم إنما هو المعنى المتعارف عند الفقهاء ، كما صرحوا به في الأصول ،
وارتكاب التأويل فيه يحتاج إلى معارض أقوى ، سيما مع تأكد الوجوب بقوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد الله بن سنان : «أما لنفسه فلا يدعه»
وقوله (عليهالسلام) في رواية العلاء : «فأما أنت فلا تدعه».
وأما ما تمسك
به من قوله (عليهالسلام) في صحيحة محمد بن مسلم : «وهي سنة» فمن المحتمل أن
يراد بالسنة ما ثبت وجوبه بالسنة ، فإن استعمال هذا اللفظ بهذا المعنى أكثر كثير
في الأخبار ، وهذا هو الأوفق بنظم الرواية وسياقها ، حيث أنه صرح في صدرها بالوجوب
الذي قد عرفت أن المتبادر منه هو المعنى المتعارف عندهم ، فيجب حمل آخر الرواية
على ما قلناه ليطابق صدرها ، مع تأيد ذلك بالروايات الباقية كما ذكرناه.
وربما ظهر من
الصدوق باعتبار روايته لهاتين الروايتين الدالتين على الوجوب هو كون مذهبه ذلك ،
لأن مذاهبه التي ينقلونها عنه في الكتاب إنما هو باعتبار ما يرويه من الأخبار
بالتقريب الذي قدمه في صدر كتابه.
وبذلك يظهر ما
في استدلاله بالأصل ، فإنه لا اعتماد عليه بعد قيام الدليل الموجب للخروج عنه ،
فلم يبق إلا ما يدعيه من الإجماع هنا وإن خالفه ورده في غير مقام من شرحه إذا قام
له الدليل على خلافه.
هذا والتحقيق
عندي أن لفظة الوجوب والسنة من الألفاظ المتشابهة في
لأخبار ، لاستعمال لفظ الوجوب فيها تارة بالمعنى المصطلح بين الفقهاء ،
وتارة بالمعنى اللغوي ، أو تأكيد الاستحباب والمبالغة فيه ، وكل من الاستعمالين
شائع في الاخبار ، والحمل على المعنى المتعارف اصطلاح أصولي لا عبرة به بالنسبة
إلى الروايات ، وحينئذ فالحمل على أحد المعنيين يحتاج إلى قرينة وإلا وجب التوقف.
وهكذا في لفظ
السنة ، فإنها تستعمل فيها تارة بالمعنى المصطلح وهو المستحب. وتارة بمعنى ما وجب
بالسنة ، وهو كثير كما تقدم بيانه في كتاب الطهارة في غسل الجمعة والحمل على أحد المعنيين يحتاج أيضا إلى قرينة.
وبذلك يظهر أن
المسألة هنا لا تخلو من نوع إشكال ، والله العالم.
الثاني :
يفهم من مرسلة
الفقيه المتقدمة استحباب التضحية عن الغير وإن كان ميتا وأن
الواحد يجزئ عن جماعة ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل على اجزاء الشاة الواحدة عن السبعة بل السبعين
في مقام الضرورة.
ويفهم أيضا من
الرواية المذكورة جواز تأخير الذبح عن التسمية بمقدار قراءة الدعاء المذكور ونحوه
، وأنه يستحب الدعاء بما ذكره في هذه
__________________
الرواية أو الرواية المنقولة عن علي بن جعفر .
ويفهم منها
أيضا أنه لا يضحى عمن في البطن إلا بعد الولادة.
الثالث :
قد صرح الأصحاب
(رضوان الله تعالى عليهم) بأنه يستحب قسمة الأضحية أثلاثا ، فيأكل ثلثا ويهدي ثلثا
ويتصدق بثلث ، قال في المدارك بعد ذكر ذلك : «ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا».
أقول : يدل على
ذلك ما رواه في الكافي عن أبي الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن لحوم الأضاحي فقال : كان علي بن الحسين وأبو جعفر (عليهماالسلام) يتصدقان بثلث على جيرانهما وثلث على السؤال ، وثلث
يمسكانه لأهل البيت».
والظاهر حمل
التصدق على الجيران على الهدية ، ويشير إلى ذلك أيضا ما تقدم في صحيحة علي بن جعفر
المنقولة من كتابه من قوله (عليهالسلام) : «ثم كل واطعم» بحمل الإطعام على ما يعم الهدية
والصدقة.
ونقل عن الشيخ
أن الصدقة بالجميع أفضل ، وهو مع خلوه عن المستند مناف لما صرح به هو وغيره من
استحباب الأكل منها ، إلا أن يحمل على أن مراده الصدقة بالجميع بعد أكل شيء منها.
__________________
ونقل في
المنتهى عن الشيخ أنه لو أكل الجميع ضمن للفقراء قيمة الجزاء محتجا بالآية وأنها تدل على وجوب التصدق ، ويشكل بأن وجوب التصدق لا
يلائم استحباب الأضحية.
وقد أطلق
الأصحاب أيضا عدم جواز بيع لحمها من غير تقييد بوجوبها ، واستدل عليه في المنتهى
بأنها خرجت عن ملك المضحي بالذبح واستحقها المساكين ، وهو أيضا لا يلائم الاستحباب
في الأضحية ، اللهمّ إلا أن يحمل على الأضحية الواجبة ، كهدي التمتع والمنذور.
الرابع :
ما تضمنته
صحيحة علي بن جعفر من صفات الأضحية فقد صرح به الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
وقد تقدم البحث في ذلك في المقام الثاني من هذا الفصل وجميع ما يعتبر في الهدي يجري في الأضحية من كونها من
الأنعام الثلاثة على الصفات المتقدمة ثمة.
قال في المنتهى
: «وتختص الأضحية بالغنم والإبل والبقر ، وهو قول علماء الإسلام ، لقوله
تعالى «لِيَذْكُرُوا اسْمَ
اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ»
إذا ثبت هذا
فإنه لا يجزئ إلا الثني من الإبل والبقر والمعز ،
__________________
ويجزئ الجذع من الضأن ذهب إليه علماؤنا» انتهى.
وتحقيق القول
في ذلك قد تقدم مفصلا في المقام المشار إليه.
الخامس :
قد صرح الأصحاب
بأن وقتها بمنى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وفي الأمصار ثلاثة أيام
يوم النحر ويومان بعده ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك ونقل الأخبار الواردة في
هذا المقام في المسألة الحادية عشرة من المقام الأول .
قال العلامة في
المنتهى : «لو فاتت هذه الأيام فإن كانت الأضحية واجبة بالنذر وشبهه لم يسقط وجوب
قضائها ، لأن لحمها مختص بالمساكين ، فلا يخرجون عن الاستحقاق بفوات الوقت ، وإن
كانت غير واجبة فقد فات ذبحها ، فان ذبحها لم تكن أضحية ، فإن فرق لحمها على
المساكين استحق الثواب على التفرقة دون الذبح» انتهى.
أقول : ما ذكره
من الحكم الأول لا يخلو من مناقشة ، لأن النذر إن تعلق بالأضحية ـ كما هو المفروض
وهو بعد هذه الأيام لا تكون أضحية كما اعترف به في الحكم الثاني ـ فقد فات وقتها
وخرجت عن كونها أضحية فكيف تجب عليه ، ووجوب القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، ولا
يترتب على وجوب الأداء كما هو الحق في المسألة ، وحينئذ فليس إلا وجوب كفارة خلف
النذر ، كما لا يخفى.
وأما وقتها
بالنسبة إلى اليوم الذي تذبح فيه من أي ساعاته ، فقال
__________________
الشيخ في المبسوط : «ووقت الذبح يدخل بدخول يوم الأضحى إذا ارتفعت الشمس
ومضى مقدار ما يمكن صلاة العيد والخطبتان بعدها أقل ما يجزئ عن تمام الصلاة
وخطبتين خفيفتين بعدها».
وقال في
المنتهى : «وقت الأضحية إذا طلعت الشمس ومضى بقدر صلاة العيد سواء صلى الإمام أو
لم يصل».
وقال في الدروس
: «ووقتها بعد طلوع الشمس إلى مضي قدر صلاة العيد والخطبتين».
وظاهر عبارة
المبسوط أن وقت الذبح بعد مضي مقدار الصلاة والخطبتين المخففتين ، وكذا ظاهر عبارة
المنتهى ، وظاهر عبارة الدروس أنه بعد طلوع الشمس إلى أن يمضي مقدار الصلاة والخطبتين.
والعلامة في
المنتهى إنما استدل بعد نقل أقوال العامة بأن قال : «لنا أنها عبادة يتعلق آخر
وقتها بالوقت فيتعلق أوله بالوقت ، كالصوم والصلاة» ولا يخفى ما فيه.
قال المحقق
الأردبيلي بعد نقل كلام الدروس : «وسنده غير ظاهر ، ولعل مراده أفضل أوقاته من
اليوم فتأمل» انتهى.
أقول : قد روى
الشيخ في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : متى يذبح؟ قال : إذا انصرف الامام ،
قلت : فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة ، فقال : إذا استقلت الشمس
وقال : لا بأس أن تصلي وحدك ، ولا صلاة إلا مع إمام».
وظاهر الخبر
كما ترى يدل على أن وقتها بعد صلاة العيد وخطبتيها ،
__________________
وصلاة العيد كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة بعد طلوع الشمس ، وحينئذ فيكون دليلا لما ذكروه ، ويحمل
إطلاق كلام الشيخ على ما ذكره في المنتهى والدروس من التقييد بطلوع الشمس ومضي
مقدار الصلاة والخطبتين.
وأما قول
السائل : «فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام» فكأنه توهم تعلق الحكم بصلاة الإمام
الحق (عليهالسلام) فأجابه (عليهالسلام) بأن الوقت واحد ، وهو ما إذا ارتفعت الشمس ، وهو عبارة
عن مضي مقدار الصلاة والخطبتين بعد الصلاة كما لا يخفى.
السادس :
قد صرحوا (رضوان
الله تعالى عليهم) أيضا بأن الهدي الواجب يجزئ عن الأضحية وإن كان الجمع بينهما
أفضل.
أقول : أما
الحكم الأول فلا إشكال فيه ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «يجزؤه في الأضحية هديه» وفي نسخة «يجزؤك من
الأضحية هديك». وروى في الفقيه عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال : «يجزئ الهدي عن الأضحية».
وأما الثاني
فلم أقف على دليل عليه. إلا أنه ربما كان في لفظ الاجزاء
__________________
في الخبرين المذكورين إشعار به وإشارة إليه ، وعلله بعضهم بما فيه من فعل
المعروف ونفع المساكين ، قال في المدارك : «ولا بأس به».
أقول : بل
البأس فيه ظاهر ، فإن الأحكام الشرعية لا يمكن إثباتها بهذه التعليلات العليلة ،
والتسامح فيها من حيث الاستحباب أو الكراهة مثلا مجازفة محضة ، فإنه لا فرق بين
الوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة في كونها أحكامها شرعية لا يجوز القول فيها
على الله تعالى بغير دليل واضح ، ولو جاز ذلك في مقام الاستحباب جاز أيضا في مقام
الوجوب ، كما لا يخفى.
السابع :
قالوا : لو لم
يجد الأضحية تصدق بثمنها ، فان اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدنى وتصدق
بثلث الجميع.
ومستندهم في
ذلك ما رواه الشيخ عن عبد الله بن عمر قال : «كنا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي ،
فاشترينا بدينار ثم دينارين ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فوقع هشام
المكاري إلى أبي الحسن (عليهالسلام) فأخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل ولا كثير ، فوقع
انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه».
وقد نص جملة من
محققي المتأخرين على أن ما وقع في عبائر المتقدمين من جمع القيم الثلاث والتصدق
بالثلث إنما وقع تبعا للرواية المذكورة ، وإلا فالضابط في ذلك هو جمع القيم
المختلفة من اثنتين فما زاد ، والأخذ
__________________
بالنسبة إلى تلك الأعداد من النصف في الثنتين والثلث في الثلاث وهكذا.
قال في المسالك
: «والضابط الشامل لجميع افراد الاختلاف أن تجمع القيمتين أو القيم المختلفة
ويتصدق بقيمة نسبتها إليها نسبة الواحد إلى عددها ، فمن الاثنتين النصف ، ومن
الثلاث الثلث ، ومن الأربع الربع وهكذا» وعلى هذا النحو كلام غيره.
الثامن :
تكره التضحية
بما يربيه ، ويستحب بما يشتريه ، يدل على ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «قلت : جعلت فداك كان عندي كبش سمين لأضحي به ،
فلما أخذته وأضجعته نظر إلي فرحمته ورفقت عليه ، ثم إني ذبحته ، قال : ما كنت أحب
لك أن تفعل ، لا تر بين شيئا من هذا ثم تذبحه».
وعن أبي
الصحاري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : الرجل يعلف الشاة والشاتين ليضحي بهما
، قال : لا أحب ذلك قلت : فالرجل يشتري الجمل والشاة فيتساقط علفه من هاهنا ومن
هاهنا فيجيء الوقت وقد سمن فيذبحه ، قال : لا ، ولكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل
سوق المسلمين ويشتري منها ويذبحه».
__________________
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «وقال الصادق (عليهالسلام) لا يضحى إلا بما يشتري في العشر».
قال : وقال أبو
الحسن (عليهالسلام) : «لا يضحى بشيء من الدواجن».
قال في القاموس
: «ودجن بالمكان دجونا أقام ، والحمام والشاة وغيرهما ألفت : وهو داجن. والجمع :
دجون» وقال أيضا في مادة «رجن» «رجن المكان رجونا : أقام والإبل وغيرها ألفت».
وقال في كتاب
المصباح المنير : «دجن بالمكان دجنا من باب قتل ودجونا أقام به ، وادجن بالألف
مثله ، ومنه قيل لما يألف البيوت من الشاة والحمام ونحو ذلك : دواجن».
التاسع :
قال الشيخ في
المبسوط : «إذا اشترى شاة تجزى في الأضحية بنية أنها أضحية ملكها بالشراء وصارت
أضحية ، ولا يحتاج أن يجعلها أضحية بقول ولا نية مجددة ولا تقليد وإشعار ، لأن ذلك
إنما يراعى في الهدي خاصة ، وكذا لو كانت في ملكه فقال : قد جعلت هذه أضحية فقد
زال ملكه عنها وانقطع تصرفه فيها ، فان باعها فالبيع باطل ، ولو اشترى شاة فجعلها
أضحية فإن كانت حاملا تبعها ولدها».
قال في المختلف
بعد نقل ذلك عنه : «وعندي في ذلك نظر ، والأقرب
__________________
أن الشاة إنما تصير أضحية يجب تفرقتها بالنذر المعين أو بالتفرقة ، ولا
يتبعها الولد إلا إذا تجدد الحمل بعد النذر» انتهى.
أقول : ما ذكره
من النظر في كلام الشيخ المذكور جيد ، إلا أن الظاهر منه في المنتهى بل في سائر
كتبه موافقة الشيخ فيما اعترضه هنا.
قال في المنتهى
بعد أن ذكر أنه إذا اشترى شاة تجزئ في الأضحية بنية أنها أضحية ونقل كلام الشيخ
وخلاف العامة في المسألة ما صورته : «إذا عين الأضحية على وجه يصح به التعيين فقد
زال ملكه عنها ، فهل له إبدالها؟ قال أبو حنيفة ومحمد : نعم له ذلك ، فلا يزول
ملكه عنها وقال الشافعي : لا يجوز إبدالها ، فقد زال ملكه عنها ، وبه قال أبو يوسف
وأبو ثور ، وهو الظاهر من كلام الشيخ ، احتج الشافعي بما روي عن علي (عليهالسلام) أنه قال : «من عين أضحية فلا يستبدل بها». واحتج أبو
حنيفة بما روي عن النبي (صلىاللهعليهوآله) أنه أهدى هديا وأشرك عليا (عليهالسلام) فيها ،. وهو إنما يكون بنقلها إليه ، وفيه ضعف لجواز
أن يكون (صلىاللهعليهوآله) وقت السياق نوى أنها عن علي (عليهالسلام)» إلى آخر كلامه في الكتاب المذكور ، وهو طويل مشتمل
على فروع عديدة مبنية على زوال الملك عن الأضحية.
ثم إنه قال في
مسألة أخرى بعد هذه المسألة : «إذا عين أضحية ذبح معها ولدها ، سواء كان حملا حال
التعيين أو حدث بعد ذلك ، لأن التعيين
__________________
معنى يزيل الملك عنها ، فاستتبع الولد كالعتق ، ولقول أبي عبد الله (عليهالسلام) : إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما
جميعا».
وهذا نحو كلام
الشيخ في المبسوط حيث قال : «فان كانت حاملا تبعها ولدها ، وإن كانت حائلا فحملت
مثل ذلك ، لما روى عن علي (عليهالسلام) إنه راى رجلا يسوق بدنة معها ولدها فقال : لا تشرب من
لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها عن سبعة ، فأمر
بنحرها وولدها». انتهى. وعلى هذا النحو كلام الشهيد في الدروس كما لا يخفى على من راجعه.
أقول : والظاهر
عندي هو ما ذكره في المختلف ، فإنه متى كانت إلا ضحية مستحبة كما هو المنصوص في
كلامهم فإنها بمجرد تعيينها وقوله : «جعلتها أضحية» لا يعقل كونها واجبة إذ لا
دليل عليه من سنة ولا كتاب ، فأصالة العدم قائمة والخروج عنها يحتاج إلى دليل.
وأما بالنسبة
إلى الولد فقد تقدم في المسألة السابعة من المقام الرابع من الروايات صحيحة سليمان بن خالد وصحيحة محمد بن مسلم .
وفي الاولى «إن
نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما جميعا».
وفي الثانية «سألته
عن البدنة تنتج أنحلبها؟ قال : أحلبها غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا».
__________________
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل ساق بدنة فنتجت ، قال : ينحرها وينحر ولدها ،
وإن كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها ومكان ولدها». والنتاج لغة عبارة عن الوضع
والولادة.
وظاهر هذه
الروايات أن الولد في بطنها يتبعها في سياقها وجعلها هديا أو أضحية أو نذرا.
بقي الكلام في
وجوب ذلك ، فان ثبت ما ادعوه من الوجوب ففي الجميع والا فالاستحباب فيهما وأما ما
نقله في المبسوط عن علي (عليهالسلام) من الخبر المذكور فلم أقف عليه من طرقنا ، ولا يبعد أن
يكون من أخبار العامة ، فإنه كثيرا ما يستدل في الكتاب بأخبارهم.
العاشر :
وقد عرفت فيما
تقدم أن الحكم في الأضحية هو قسمة لحمها أثلاثا ، وأكل ثلث والصدقة بثلث وأن يهدي
ثلثا ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا.
ثم إنهم قد
ذكروا أيضا أنه لا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادخارها ، وأنه يكره أن
يخرج شيئا مما يضحيه من منى إلا السنام ، فإنه دواء وأنه كان منهيا عن ادخارها
فنسخ.
وهذا الكلام
الأخير لا يخلو من إجمال ، فإنه يحتمل أن يكون راجعا إلى مجموع اللحم مع عدم صرفه
في المصرف الموظف وهو التثليث ، وأن
__________________
يكون راجعا الى الثلث الذي يخص المالك بعد صرف الثلثين في مصرفهما الموظف
لهما ويؤيد الأول ما في بعض العبارات من انه يكره أن يخرج مما يضحيه من منى بل
يخرجه الى مصرفه.
وكيف كان فالذي
وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالأضاحي في هذا المقام ما رواه في الكافي في الموثق
عن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليهالسلام) وعن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «نهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم اذن فيها ، وقال : كلوا
من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادخروا».
وروى الشيخ بإسناده
عن احمد بن محمد بن عيسى المنتهى إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : «أمرنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام أذن لنا أن
نأكله ونقدد ونهدي إلى أهالينا».
وعن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : قال : «إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام».
وروى في كتاب
العلل بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «كان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل
الحاجة ، فأما اليوم فلا بأس به».
__________________
وفي الصحيح عن
جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام بمنى ، قال : لا
بأس بذلك اليوم إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إنما نهى عن ذلك أولا ، لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين
، فأما اليوم فلا بأس».
ورواه البرقي
في المحاسن عن أبيه عن يونس عن جميل ، والذي قبله عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد
بن مسلم.
أقول : وبهذا
السند يكون الحديث المذكور صحيحا.
وروى الصدوق
مرسلا قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام): كنا ننهى عن إخراج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لقلة
اللحم وكثرة الناس ، فأما اليوم فقد كثر اللحم وقل الناس فلا بأس بإخراجه».
وروى الشيخ
بسنده عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور ألا
فزوروها ، ونهيتكم عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاث ألا فكلوا وادخروا
ونهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا ، وكل مسكر حرام يعني الذي ينبذ بالغداة ويشرب
بالعشي وينبذ بالعشي ويشرب بالغداة ، فإذا غلا فهو حرام».
وعن علي بن أبي
حمزة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل منها
بمنى أيامها ، قال : وهذه
__________________
مسألة شهاب كتب إليه فيها».
وعن احمد بن
محمد عن علي عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله
أن يأكل منها إلا السنام ، فإنه دواء ، قال أحمد وقال : لا بأس أن يشتري الحاج من
لحم منى ويتزوده».
وروى الكليني
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال كنا
نقول : لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس ، فلا بأس
بإخراجه».
أقول : لا يخفى
ما في الجمع بين هذه الأخبار وبين ما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب من استحباب
التثليث في الأضحية بعد ذبحها أو نحرها من الإشكال ، فإنه متى كان الحكم الشرعي
فيها هو التثليث وقد أتى به فلم يبق في يده إلا الثلث الذي هو له يتصرف فيه كيف
شاء ، مع أنه لا يزيد غالبا على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهى عن إخراجه ثم
يؤمر به ويعلل بوجود المستحق وعدمه ، إذ لا يتعلق به حتى لمستحق بعد إخراج حتى
المستحقين.
اللهم إلا أن
يحمل استحباب التثليث على صدر الإسلام من حيث قلة اللحم وكثرة الناس ، وأنه بعد
ذلك سقط هذا الحكم ، لعدم من يتصدق عليه ومن يهدي له بسبب كثرة اللحوم وقلة الناس
، فلا بأس حينئذ بإخراج اللحم وإدخاره وعدم صرفه في ذلك المصرف الموظف ، إلا أن
هذا لا يلائم كلام الأصحاب ، لاتفاقهم على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار.
__________________
وبالجملة
فالجمع بين الحكمين لا يخلو من إشكال ولم أقف على من تنبه لذلك في هذا المجال.
ثم إن أكثر هذه
الأخبار المذكورة قد اتفقت على أن الحكم في صدر الإسلام كان النهي عن الأكل
والادخار بعد ثلاثة أيام ، ثم حصل النسخ فيه ، فجوز لهم الأكل والإدخار والحمل
معهم.
وحينئذ فما دلت
عليه رواية محمد بن مسلم من النهي عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام يحمل على
قصد إخباره (عليهالسلام) بأن الحكم الذي عليه الآن العمل كان قبل النسخ كذلك ،
كما ينادي به حديثه الثاني الذي بعده من كتاب العلل ، وربما حمل على الكراهة
أيضا ، وكذلك حديث علي عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) وبهذا جمعوا بينها ، والكلام في جلودها وأصوافها
وأوبارها في هذا المقام على نحو ما سبق في الهدي ، والله العالم.
__________________
الفصل الثالث
في الحلق والتقصير
وفيه مسائل :
الأولى :
المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أن الحاج إذا فرغ من الذبح تخير إن شاء حلق وإن
شاء قصر ، والحلق أفضل ، ويتأكد في حق الصرورة والملبد ، وهو من أخذ عسلا وصمغا
وجعله في رأسه لئلا يقمل أو يتوسخ ، وبه قال الشيخ في الجمل.
وقال في جملة
من كتبه : «لا يجزئ الصرورة والملبد إلا الحلق» وبه قال ابن حمزة ، وزاد في
التهذيب المعقوص شعره.
وقال ابن
الجنيد : «ولا يجزئ الصرورة ومن كان غير صرورة ملبد الشعر أو مضفورا أو معقوصا من
الرجال غير الحلق».
وقال ابن أبي
عقيل : «ويحلق رأسه بعد الذبح وإن قصر أجزأ ، ومن لبد رأسه أو عقصه فعليه الحلق
واجب» ولم يذكر حكم الصرورة بالنصوصية.
وقال المفيد : «لا
يجزئ الصرورة غير الحلق ، ومن لم يكن صرورة
أجزأه التقصير ، والحلق أفضل» ولم ينص على حكم الملبد ، وكذا قال أبو
الصلاح.
احتج العلامة
في المختلف على ما اختاره من القول المشهور بقوله تعالى : «لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ» قال : «وليس المراد الجمع ، بل إما التخيير أو التفضيل
والثاني بعيد ، وإلا لزم الإجمال ، فتعين الأول» وزاد بعضهم الاستدلال بالأصل.
واستدلوا أيضا بما
رواه الشيخ في التهذيب عن حريز في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوم الحديبية اللهمّ اغفر للمحلقين مرتين قيل :
والمقصرين يا رسول الله ، قال : وللمقصرين».
احتج الشيخ في
التهذيب على وجوب الحلق على الصرورة والملبد ومن عقص شعره بما رواه في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فان شاء
قصر وإن شاء حلق ، وإذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق ، وليس له التقصير».
وفي الصحيح
أيضا عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبدته فقد وجب عليك
الحلق ، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج ،
__________________
وليس في المتعة إلا التقصير».
وفي الصحيح عن
هشام بن سالم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام): إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد
وجب عليه الحلق فيه».
وفي الصحيح عن
سويد القلاء عن أبي سعيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبد ورجل حج
بدوا لم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه».
والعلامة في
المختلف بعد أن نقل الاحتجاج للشيخ ببعض هذه الروايات أجاب بالحمل على الاستحباب
عملا بالأصالة وجمعا بين الأدلة.
ولا يخفى ضعفه
، أما الأصل فيجب الخروج عنه بالدليل ، وهذه الأدلة كما ترى واضحة في تعين الحلق
على هؤلاء المعدودين ، وأما الجمع بين الأخبار بالاستحباب فقد عرفت ما فيه في غيره
موضع مما مر في الكتاب ، على أنه من الظاهر أن صحيحة حريز التي استندوا إليها
مطلقة وهذه الأخبار مقيدة ، ومن الأصول المعتمدة عندهم حمل المطلق على المقيد.
وأما ما ذكره
في المدارك من التوقف في وجوب الحلق على الصرورة قال بعد أن ذكر نحو ما قلناه : «نعم
يمكن أن يقال : هذه الروايات لا تدل على وجوب الحلق على الصرورة ، لأن لفظ «ينبغي»
الواقع في الرواية الأولى ظاهر في الاستحباب ، ولفظ الواجب في الرواية الأخيرة
محتمل لذلك ، كما بيناه مرارا» وأشار بالرواية الأخيرة إلى رواية أبي سعيد.
ففيه ـ مع
الإغماض عن المناقشة فيما ادعاه ـ أن وجوب الحلق على الصرورة ليس منحصرا في هاتين
الروايتين كما توهمه ، بل تدل عليه جملة من الأخبار.
__________________
منها ما رواه
الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق
قال : إن كان قد حج قبلها فليجز شعره ، وإن كان لم يحج فلا بد له من الحلق».
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر ، إنما
التقصير لمن حج حجة الإسلام».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن بكر بن خالد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس للصرورة أن يقصر ، وعليه أن يحلق».
وما رواه
الصدوق عن سليمان بن مهران في حديث : «أنه قال لأبي عبد الله (عليهالسلام) : كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال
: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين ، ألا تسمع قول الله عزوجل (لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ)؟ ».
ومن الأخبار
الدالة على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من وجوب الحلق على الملبد والعاقص ما
رواه ابن إدريس في الصحيح عن نوادر أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : من لبد شعره أو عقصه فليس له أن
يقصر ، وعليه الحلق ،
__________________
ومن لم يلبد إن شاء قصر وإن شاء حلق ، والحلق أفضل».
وبذلك يظهر لك
صحة ما ذهب إليه الشيخ (رحمهالله) وضعف ما سواه ، والله العالم.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن تمام القول في المسألة يتوقف على رسم فوائد :
الأولى :
ما ذكرنا من
التخيير بين الحلق والتقصير أو وجوب الحلق في تلك الافراد حكم مختص بالرجال ، وأما
النساء فالواجب في حقهن هو التقصير خاصة بما يحصل به المسمى اتفاقا نصا وفتوى ،
وحكى العلامة الإجماع في المختلف على تحريم الحلق عليهن.
ومن الأخبار
الواردة في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن سعيد الأعرج في حديث «أنه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن النساء ، فقال : إذا لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من
شعورهن ويقصرن من أظفارهن».
وعن علي بن أبي
حمزة عن أحدهما (عليهماالسلام) في حديث قال : «وتقصر المرأة ويحلق الرجل ، وإن شاء
قصر إن كان قد حج قبل ذلك».
وعن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس على
__________________
النساء حلق ، ويجزؤهن التقصير».
وروى في الفقيه
في وصية النبي (صلىاللهعليهوآله) لعلي (عليهالسلام) «ليس على النساء جمعة ـ إلى أن قال ـ : ولا استلام
الحجر ولا حلق».
وفي مرسلة ابن
أبي عمير «تقصر المرأة من شعرها لنفسها مقدار الأنملة».
والظاهر أن
المراد بمقدار الأنملة الكناية عن المسمى ، وهو المشهور ، ونقل في المختلف عن ابن
الجنيد أنه قال : «وعليها أن تقصر مقدار القبضة من شعر رأسها» ولم نقف على مأخذه ،
بل ظاهر المرسلة المتقدمة رده.
وفي المختلف رد
القول المذكور بقوله : «لنا أن الأمر بالكلي يكفي فيه أي فرد من جزئياته وجد ،
فيخرج من العهدة بأقل المسمى» انتهى.
الثانية :
نقل في المختلف
عن الشيخ في التبيان أنه قال : «الحلق والتقصير مندوب غير واجب ، وكذلك أيام منى ،
ورمى الجمار» ثم قال : «والمشهور أن ذلك كله واجب ، لنا أنه (صلىاللهعليهوآله) فعل ذلك ، والأخبار ناطقة بالأمر بإيجاب هذه الأشياء ،
وإيجاب الكفارة على تاركها» انتهى.
أقول : ولظاهر
كلام الشيخ هنا في التبيان وتصريحه بالاستحباب حكم أمين الإسلام الطبرسي في كتاب
مجمع البيان بالاستحباب في جميع هذه
__________________
الأفعال بعبارة موهمة لاتفاق الأصحاب على ذلك ، كما قدمنا نقله عنه في
المسألة الاولى من الفصل الأول في رمي جمرة العقبة .
الثالثة :
اجمع العلماء
كافة على أن من ليس على رأسه شعر يسقط عنه الحلق ، حكاه في المنتهى ، قال : «لعدم
ما يحلق ، ويمر الموسى على رأسه ، وهو قول أهل العلم كافة» ثم نقل رواية زرارة الآتية في حكاية الرجل الخراساني. و (بالجملة) فالحكم
المذكور لا إشكال فيه.
بقي الكلام في
أن إمرار الموسى هل هو على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ نقل في المنتهى الخلاف في ذلك
عن العامة ، حيث قال : «إذا ثبت هذا فهل هو واجب أم لا؟ قال : أكثر الجمهور : أنه
مستحب غير واجب. وقال أبو حنيفة : إنه واجب ، احتج الأولون بأن الحلق محله الشعر ،
فسقط بعدمه كما يسقط وجوب غسل العضو بقطعه ، ولأنه إمرار لو فعله في الإحرام لم
يجب عليه دم فلم يجب عليه عند التحلل ، كامرار اليد على الشعر من غير حلق ، احتج
أبو حنيفة بقوله (صلىاللهعليهوآله) : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم».».
ويظهر منه في
المنتهى اختيار ما ذهب إليه أبو حنيفة من الوجوب ،
__________________
حيث قال : «وهذا لو كان ذا شعر لوجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه ،
فإذا سقط أحدهما لتعذر موجب الآخر ، وكلام الصادق (عليهالسلام) يعطيه ، فإن الأجزاء يستعمل في الوجوب» انتهى.
وظاهره أن
الخلاف في المسألة المذكورة إنما هو بين العامة ، والمفهوم من شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك الخلاف في المسألة من وجهين ، وهذه صورة عبارته (قدسسره) قال ـ بعد أن ذكر أن ثبوت الإمرار في الجملة إجماعي ـ :
«وإنما الخلاف في موضعين : (أحدهما) هل هو على جهة الوجوب مطلقا أو الاستحباب
مطلقا أو بالتفصيل بوجوبه على من حلق في إحرام العمرة والاستحباب على الأقرع؟ قيل
بالأول لقوله (صلىاللهعليهوآله) : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم». وهذا لو كان
له شعر كان الواجب عليه إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات
الأول ، ولأمر الصادق (عليهالسلام) بذلك في أقرع خراسان وقيل بالثاني ، بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع ، لأن
محل الحلق الشعر ، وقد فات فسقط لفوات محله ، وبالتفصيل رواية والعمل بها أولى. (الثاني)
على تقدير الوجوب مطلقا أو على وجه هل يجزئ عن التقصير من غيره؟ قيل : نعم ،
لانتفاء الفائدة بدونه ، ولأن الأمر يقتضي الاجزاء ، ولعدم توجه الجمع بين الحلق
والتقصير ، والإمرار قائم مقام الأول ، وظاهر الخبر يدل عليه ، والأقوى وجوب
التقصير ، لأنه واجب اختياري قسيم للحلق ، والإمرار بدل اضطراري ، ولا يعقل
الاجتزاء بالبدل الاضطراري مع القدرة على
__________________
الاختياري ، ولا يمتنع وجوب الأمرين على الحالق في إحرام العمرة المبتولة
عقوبة له» انتهى.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام (قدسسره) عن زرارة قال «إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس
لا يحسن أن يلبي ، فاستفتي له أبو عبد الله (عليهالسلام) فأمر أن يلبى عنه وأن يمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك
يجزئ عنه».
ما رواه الشيخ
عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه قال : عليه دم
يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق».
وعن عمار
الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «سألته عن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال :
يذبح ويعيد الموسى ، لأن الله تعالى يقول (لا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ».
هذا ما وقفت
عليه من روايات المسألة ، وهي متفقة كما ترى في الأمر بإمرار الموسى على رأسه ،
أعم من أن يكون لا شعر عليه من أصله كأقرع خراسان أو عليه شعر قد أزاله ، وظاهرها
وجوب ذلك ، ولا معارض لها في البين فيتعين وجوب العمل بها.
__________________
وأما ما ذكروه
في تعليل الوجوب ـ من أن الواجب على ذي الشعر إزالته وإمرار الموسى على رأسه ، فلا
يسقط الأخير بفوات الأول ـ فدليل شعري لا يصلح لابتناء الأحكام الشرعية عليه ، وما
ذكروه من حديث «إذا أمرتكم» إلى آخره فلم نقف عليه في أصولنا.
بل الحق في
الاستدلال على ذلك إنما هو بظاهر الأخبار المذكورة ، على أن وجوب الإمرار غير مسلم
في حد ذاته ، وإنما وجوبه من حيث توقف الحلق عليه ، فالواجب منه ما تحقق في ضمن
الحلق لا مطلقا.
وأما القول
بالتفصيل فلم نقف له على دليل ، وما ادعاه شيخنا المتقدم من ورود خبر بذلك حتى أنه
بسبب ذلك مال إلى هذا القول فلم نقف عليه ، وبذلك اعترف سبطه في المدارك ، فقال : «إنا
لم نقف عليها في شيء من الأصول ، ولا نقله غيره ، وظاهر الأخبار المذكورة أيضا
الاكتفاء بذلك عن التقصير ، إذ لو كان واجبا مع الإمرار لذكر فيها ، لأن المقام
مقام بيان للحكم المذكور ، وليس فليس».
وبذلك يظهر ما
في كلام شيخنا المتقدم من قوله : «والأقوى وجوب التقصير ، لأنه واجب اختياري» إلى
آخره ، فإنهم إن وقفوا على العمل بهذه الأخبار فظاهرها كما ترى إنما هو ما قلناه ،
وحينئذ فهذا الكلام في مقابلتها إنما هو من قبيل الاجتهاد في مقابلة النصوص ، وأن
أطرحوها وأعرضوا عنها توجه ما ذكروه بناء على قواعدهم في البناء على التعليلات
العقلية ، وإلا وجب التوقف كما هو المعمول عندنا ، لعدم النص في المسألة ولكن لما
كانت النصوص موجودة وظاهرها ما عرفت من غير معارض في البين فالواجب الوقوف على
العمل بظاهرها.
نعم لقائل : أن
يقول لما كان الحكم في غير الأفراد المعدودة في الأخبار المتقدمة هو التخيير بين
الحلق والتقصير وإن كان الحلق أفضل فالواجب هنا حمل الأمر بإمرار الموسى الذي هو
نيابة عن الحلق على الفضل والاستحباب ، إذ لا يعقل وجوب البدل مع استحباب المبدل
منه ، ولا ريب أن ظاهر هذه الأخبار هو ما ذكرناه من غير الملبد وأشباهه ، فيكون
الحكم فيه التخيير بين التقصير والحلق ، وحيث تعذر الحلق أمر بالإمرار نيابة عنه ،
لقيامه مقامه في الفضل ، والله العالم.
الرابعة :
قد صرح الأصحاب
(رضوان الله تعالى عليهم) بأنه يجب أن يحلق أو يقصر بمنى ، فلو رحل رجع فحلق أو
قصر بها ، فان تعذر عليه الرجوع حلق أو قصر مكانه وبعث شعره ليدفن بها ، وإن تعذر
لم يكن عليه شيء.
فهاهنا أحكام
أربعة : (الأول) : وجوب الحلق أو التقصير بمنى ، وهو مقطوع به في كلامهم ، بل ظاهر
التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق.
واستدل عليه
الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أن يقصر من شعر رأسه أو يحلقه حتى ارتحل من
منى ، قال : يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها ، حلقا كان أو تقصيرا».
__________________
وعن أبي بصير قال : «سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى
ارتحل من منى ، قال : فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر ، وعلى الصرورة أن
يحلق».
ورواه الصدوق
بسنده عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير إلا أنه قال : «حتى يلقى شعره بها حلقا كان أو تقصيرا ،
وعلى الصرورة الحلق». ثم قال : «وروى أنه يحلق بمكة ويحمل شعره إلى منى».
وعن مسمع في
الحسن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر ، قال : يحلق
في الطريق أو أين كان». وحمله الشيخ على تعذر العود إلى منى ، ولا بأس به.
وطعن في هذه
الرواية في المدارك بأن راويها مسمع ، وهو غير موثق.
وفيه أنه وإن
كان غير موثق إلا أنه ممدوح ، وحديثه معدود عند القوم في الحسن ، ولكن كلامه فيه
كما عرفت في ما تقدم مضطرب ما بين أن يعده في الصحيح تارة وفي الحسن أخرى أو يرد
روايته كما هنا.
(الثاني) : أنه
متى تعذر عليه الرجوع حلق أو قصر مكانه وبعث بشعره ، أما جواز حلق الشعر أو تقصيره
في مكانه فلا إشكال فيه.
إنما الكلام في
أن البعث إلى منى وجوبا أو استحبابا ، فقيل بالأول ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية
والمحقق في الشرائع ، وظاهر أبي الصلاح أيضا. وقال الشيخ في التهذيب بالاستحباب ،
وبه جزم المحقق في النافع والعلامة في المنتهى.
__________________
وقال في
المختلف بعد أن اختار الاستحباب وأورد جملة من روايات المسألة الآتية : «ولو قيل
بوجوب الرد لو حلق عمدا بغير منى إذا لم يتمكن من الرجوع بعد خروجه عامدا وبعدم
الوجوب لو كان خروجه ناسيا كان وجها».
أقول : والذي
وقفت عليه من روايات المسألة ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يحلق رأسه بمكة ، قال : يرد الشعر إلى منى».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه ، قال : يحلقه بمكة ،
ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شيء». وبهاتين الروايتين استدل من قال بالوجوب.
ومثلهما أيضا ما
رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن أحدهما (عليهماالسلام) في حديث قال : «وليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير يعني المرادي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يوصي من يذبح عنه ويلقي هو شعره بمكة ، قال :
ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان علي بن الحسين (عليهماالسلام) يدفن
__________________
شعره في فسطاطه بمنى ، ويقول : كانوا يستحبون ذلك ، قال : وكان أبو عبد
الله (عليهالسلام) يكره أن يخرج الشعر من منى ، ويقول : من أخرجه فعليه
أن يرده».
وما رواه الشيخ
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه ، قال : يحلق بمكة
ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شيء».
وروى في كتاب
قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهمالسلام) «أن الحسن والحسين (عليهماالسلام) كانا يأمران أن يدفن شعورهما بمنى».
وما رواه الشيخ
عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل ، قال : ما
يعجبني أن يلقى شعره إلا بمنى ، ولم يجعل عليه شيئا».
وبهذه الرواية
الأخيرة أخذ من قال بالاستحباب ، وحمل الروايتين الأولتين على ذلك جمعا.
وفيه (أولا) ما
عرفت في غير موضع مما تقدم ما في هذا الجمع من الاشكال.
و (ثانيا) أن
دليل الوجوب غير منحصر في الروايتين المذكورتين ، بل هو مدلول جملة من الأخبار
التي تلوناها ، وهي ظاهرة تمام الظهور في الوجوب ، مثل قوله (عليهالسلام) في رواية علي بن أبي حمزة : «وليحمل الشعر إلى منى»
وفي صحيحة عبد الله بن مسكان «ليس له أن يلقي شعره إلا
__________________
بمنى» وفي صحيحة معاوية بن عمار «من أخرجه فعليه أن يرده» والمراد بالكراهة
فيها هو التحريم ، كما هو شائع في الأخبار بقرينة آخرها. وأما الاستناد في
الاستحباب إلى قوله (عليهالسلام) : «كانوا يستحبون ذلك» ففيه أن ظاهر السياق أن الإشارة
إنما هي إلى الدفن.
و (ثالثا) أن
الرواية المذكورة مع قطع النظر عن عدم قيامها بالمعارضة غير صريحة في عدم وجوب
البعث ، كما طعن عليها به في المدارك ، لجواز أن يرى هذه العبارة في المحرم أيضا.
(الثالث) أنه
متى تعذر البعث سقط ولم يكن عليه شيء وهو موضع إجماع.
(الرابع)
استحباب الدفن في منى ، سواء كان الحلق فيها أو خارجها ، وعليه تدل صحيحة معاوية
بن عمار ورواية قرب الاسناد .
ويؤيده أيضا ما
رواه في الكافي عن أبي شبل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إن المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثم دفنه جاء يوم
القيامة وكل شعرة لها لسان طلق تلبي باسم صاحبها». وعن الحلبي أنه أوجبه.
الخامسة :
روى ثقة
الإسلام في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليهالسلام)
__________________
قال : «إذا اشتريت أضحيتك ووزنت ثمنها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله ،
فإن أحببت أن تحلق فاحلق». ورواه الشيخ بلفظ «وقمطتها». مكان «ووزنت ثمنها».
وروى في الفقيه
عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا اشترى الرجل هديه وقمطه في بيته فقد بلغ
محله ، فان شاء فليحلق».
وظاهر الخبرين
المذكورين الاكتفاء في الحلق بمجرد شراء الهدي وربطه في بيته ، متوثقا منه بربط
يديه ورجليه كما يقمط الصبي في المهد.
وبذلك صرح في
المنتهى حيث قال : «لو بلغ الهدي محله ولم يذبح قال الشيخ (رحمهالله) : يجوز له أن يحلق ، لقوله تعالى : «وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»
وقال تعالى
«ثُمَّ
مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ»
وما رواه الشيخ
عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا اشتريت أضحيتك وقمطتها وصارت في جانب من
رحلك فقد بلغ الهدى محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق».».
أقول : ويؤيده
ما تقدم مما صرحوا به في إجزاء الهدي لو قمطه في منزله من منى ثم ضاع أو تلف فإنه
يجزؤه ، ولا يجب عليه غيره ، وعليه دل بعض الأخبار ، إلا أن له معارضا قد تقدم
الكلام فيه.
وعلى هذا
فيتخير في الحلق بين كونه بعد الذبح أو بعد التوثق في منزله بمنى وإن
__________________
كان بعد الذبح أفضل.
قال في المبسوط
: «لا يجوز أن يحلق رأسه ولا أن يزور البيت الا بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي محله ،
وهو أن يحصل في رحله ، فإذا حصل في رحله بمنى فإن أراد أن يحلق جاز له ذلك ،
والأفضل أن لا يحلق حتى يذبح» انتهى.
السادسة :
قال في المنتهى
: «يستحب لمن حلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين بلا خلاف».
وقال في الدروس
: «ويستحب استقبال القبلة والبدأة بالقرن الأيمن من ناصيته ، وتسمية المحلوق
والدعاء ، مثل قوله : اللهمّ أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة ، والاستيعاب إلى
العظمين اللذين عند منتهى الصدغين ، ودفن الشعر في فسطاطه أو منزله بمنى ، وقلم
الأظفار ، وأخذ الشارب بعده».
أقول : الذي
وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك أما بالنسبة إلى كيفية الحلق والدعاء فيه فهو ما
رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «أمر الحلاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن ، ثم
أمره أن يحلق وسمى هو ، وقال : اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة».
__________________
وما رواه في
الكافي عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «السنة في الحلق أن يبلغ العظمين».
وأنت خبير بأن
ظاهر صحيحة معاوية بن عمار وقوله : «أمر الحلاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن» أن
مبدأ الحلق إنما هو من أعلى الرأس من الجانب الأيمن منه ، لأنه الظاهر من لفظ
القرن وهو موضع قرن الدابة.
ويؤيده حديث ذي
القرنين «أنه ضرب على أحد قرنيه فمات خمسمائة سنة ، فأحياه الله ثم ، ضرب على قرنه
الآخر فمات» الحديث. وفي تتمة الخبر عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) «وفيكم مثله» إشارة إلى ضربه عمرو بن عبد ود في قضية
الخندق ثم ضربة ابن ملجم لعنه الله.
وهذا المعنى لا
يجامع الناصية التي هي عبارة عن قصاص الشعر مما يلي الجبهة خاصة حتى يقال إنه يبدأ
بالقرن الأيمن من ناصيته ، إذ المراد في الخبر المتقدم إنما هو قرن الرأس لا قرن
الناصية.
والظاهر أن
الحامل لهما (عطر الله مرقديهما) على ما ذكراه هو ما ذكره في المنتهى ـ بعد ذكر
العبارة المتقدمة ـ من الاستدلال على الحكم المذكور بالروايتين المذكورتين وبما
رواه الشيخ عن الحسن بن مسلم عن بعض الصادقين (عليهمالسلام) قال : «لما أراد أن يقصر من شعره للعمرة أراد الحجام
__________________
أن يأخذ من جوانب الرأس ، فقال له : ابدأ بالناصية ، فبدأ بها». فجمعا بين
الروايتين بما ذكراه من حمل القرن على طرف الناصية.
وفيه أن مورد
هذه الرواية إنما هو التقصير ، وهو أخذ شيء من الشعر لا الحلق ، والظاهر أنه في
إحرام العمرة المتمتع بها ، وغاية ما تدل عليه الرواية استحباب التقصير من شعر
الناصية لا من جوانب الرأس.
وبالجملة
فالمتبادر من الرواية الأولى أن المراد بالقرن الأيمن إنما هو قرن الرأس وهو ما
ذكرناه ، وهذه الرواية ليس من محل البحث في شيء فكلامهما (طاب ثراهما) لا يخلو من
نظر.
نعم قال في
كتاب الفقه الرضوي : «وإذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل القبلة ، وابدأ
بالناصية ، واحلق من العظمين النابتين بحذاء الأذنين وقل : اللهمّ أعطني بكل شعرة
نورا يوم القيامة». انتهى.
وظاهر هذه
العبارة هو استحباب الحلق من الناصية ، وهو خلاف ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار
بالتقريب الذي قدمناه.
وأما دفن الشعر
في منى فقد تقدم الكلام فيه. وأما استحباب اضافة التقصير من هذه المواضع إلى الحلق
فيدل عليه ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوم النحر يحلق رأسه ويقلم أظفاره ويأخذ من شاربه ومن
أطراف لحيته».
__________________
وما رواه الشيخ
عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك
وخذ من شاربك».
وقال في
المنتهى : «ويستحب لمن حلق رأسه أن يقصر بقلم أظفاره والأخذ من شاربه» ثم أورد
رواية عمر بن يزيد ، وقال : «ولا نعلم في ذلك خلافا».
وأما استقبال
القبلة حال الحلق فلم أقف فيه على خبر إلا ما تقدم من كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه ، ويحتمل أن يكون قد استند فيه إلى ما
اشتهر بينهم من حديث «خير المجالس ما استقبل به القبلة». كما ذكروه في الجلوس للوضوء.
المسألة الثانية :
اختلف الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) في ترتيب المناسك الثلاثة يوم النحر هل هو على جهة الوجوب :
الرمي ثم الذبح ثم الحلق أو الاستحباب ، قولان :
وبالأول قال
الشيخ في المبسوط والاستبصار ، وإليه ذهب أكثر المتأخرين ومنهم العلامة في أكثر
كتبه والمحقق في الشرائع وغيرهما.
__________________
وبالثاني قال
الشيخ في الخلاف ، وابن أبي عقيل وأبو الصلاح وابن إدريس ، واختاره في المختلف.
ويدل على
الوجوب رواية عمر بن يزيد المتقدمة ، لقوله (عليهالسلام) فيها : «إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك». لدلالة ألفا على
الترتيب.
ورواية جميل بن
دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق ، وفي العقيقة
بالحلق قبل الذبح».
وصحيحة معاوية
بن عمار أو حسنته عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك» الحديث.
وموثقة عمار
الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته ـ إلى أن قال ـ : وعن رجل حلق قبل أن
يذبح ، قال : يذبح ويعيد الموسى ، لأن الله تعالى يقول (وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)».
ورواية سعيد
السمان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عجل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى ، فأمر من كان
عليها منهن هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح ،
__________________
ومن لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور».
وصحيحة أبي
بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : لا بأس أن تقدم النساء إذا زال
الليل ، فيقفن عند المشعر الحرام ساعة ، ثم ينطلق بهن إلى منى ، فيرمين الجمرة ،
ثم يصبرن ساعة ، ثم ليقصرن وينطلقن إلى مكة ، إلا أن يكون أردن أن يذبح عنهن ،
فإنهن يوكلن من يذبح عنهن».
وصحيحة سعيد
الأعرج قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل ، قال : نعم ـ إلى
أن قال ـ : ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فان لم يكن عليهن
ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن» الحديث.
ورواية موسى بن
القاسم عن علي قال : «لا يحلق رأسه ولا يزور البيت حتى يضحي ، فيحلق
رأسه ويزور متى شاء». إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
وظاهر آية
«وَلا
تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ»
هو وجوب ترتيب
الحلق على الذبح أو التوثق من الهدي في رحله بمنى الذي هو قائم مقام الذبح ، وبه
فسرت الآية كما تقدم ، ويعضده أيضا أنه المعلوم يقينا من فعلهم (عليهمالسلام) ولا يعلم يقين براءة الذمة إلا
__________________
بمتابعتهم ، لعدم الدليل الواضح على التخصيص المجوز للخروج عن ذلك كما
ستعرفه إنشاء الله تعالى.
احتج القائلون
بالاستحباب بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق قال : لا ينبغي إلا
أن يكون ناسيا ، ثم قال : إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أتاه أناس يوم النحر ، فقال بعضهم : يا رسول الله حلقت
قبل أن اذبح ، وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئا ينبغي لهم أن يقدموه
إلا أخروه ، ولا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج».
وما رواه في
الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «قلت لأبي جعفر الثاني (عليهالسلام) : جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر
وحلق قبل أن يذبح ، قال : إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين ، فقالوا :
يا رسول الله ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح ، فلم يبق شيء مما
ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه ولا شيء مما ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : لا حرج لا حرج».
وأجاب الشيخ
عنهما بالحمل على حال النسيان ، والأقرب الحمل على الجهل ، وهو عذر شرعي قد تكثرت
الأخبار به ولا سيما في باب الحج.
__________________
وبذلك يظهر قوة
القول بوجوب الترتيب ، لاتفاق الآية والروايات المتقدمة على وجوب الترتيب بلا
إشكال معتضدا ذلك بملازمتهم (عليهمالسلام) على ذلك زيادة على أوامرهم ، وبأنه هو الأحوط في
الدين.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام شيخنا العلامة في المختلف ، حيث استدل على الاستحباب بصحيحة عبد الله
بن سنان الآتية في المقام ، وصحيحة جميل بن دراج ومثلهما رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر ولم يحتج للشيخ في مقابلة هذه الأخبار إلا بحديث «خذوا عني مناسككم». ورواية موسى بن القاسم عن علي ثم أجاب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا ، وغفل عن
الآية التي هي الأصل ، مع أنه في المنتهى جعلها مبدأ الاستدلال على الوجوب ، وغفل
عما سردناه من الأخبار الظاهرة بل الصريحة كما في أكثرها ، وأن المعارض يضعف عن
المعارضة للاحتمال الذي قدمناه.
وكذا ما ذكره
في المدارك. حيث إنه لم ينقل من أدلة الوجوب إلا
__________________
حديث «خذوا عنى مناسككم». ورواية جميل قال : «تبدأ بمنى بالذبح». ورواية موسى بن القاسم عن
علي وطعن فيها بأنها لا تخلو من قصور في دلالة أو ضعف في سند ، ثم قال : «والمسألة
محل تردد ، ولعل الوجوب أرجح» وغفل عن الروايات الصحيحة التي ذكرناها والآية
الشريفة التي هي أصرح صريح ، ولا ريب في ضعفه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
ثم إنه على
تقدير القول بالوجوب فظاهرهم الاتفاق على أنه لو خالف وقدم بعضها على بعض عامدا
كان أو ساهيا أو جاهلا فلا إعادة عليه وإن أثم ، وهو مشكل بالنسبة إلى العامد ،
سيما مع دلالة موثقة عمار المتقدمة على الإعادة ، حيث أمره بإمرار الموسى على
رأسه بعد الذبح الذي هو عوض عن الحلق ، مستدلا بالآية المذكورة ، وهي محمولة عندنا على العامد ، جمعا بينها
وبين صحيحة جميل بن دراج المذكورة.
وبالجملة فإنه
متى كان الترتيب واجبا وأخل به عمدا فتحقق الامتثال والحال هذه مشكل ، ومقتضى
القواعد هو الإعادة على ما يحصل به الترتيب إلا أن ظاهرهم الاتفاق على الاجزاء ،
حيث أسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
ويمكن أن يستدل
لهم بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي قال : لا بأس ، وليس عليه شيء ،
ولا يعودن». والتقريب فيها أن النهي عن العود يدل على التحريم ، مع أنه نفى البأس
عما فعله المؤذن بصحته ، إلا أنه يبقى الكلام في الجمع بينها وبين رواية عمار المتقدمة ، ويمكن حمل هذه الصحيحة على غير صورة العمد ،
فإنه لا بأس اتفاقا ، والنهي إنما توجه إلى العمد بعد ذلك.
وكيف كان
فالاحتياط يقتضي الإعادة في صورة العمد ، والله العالم.
المسألة الثالثة :
ظاهر الأصحاب
الاتفاق على وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت للطواف والسعي ، وهو
المعهود من فعلهم (عليهمالسلام) وإليه تشير الأخبار الآتية.
قال في المدارك
: «ولا ريب في وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت للتأسي والأخبار
الكثيرة».
أقول : أما التأسي
ففيه ما عرفت في غير مقام ، وهو تارة يستدل به على الوجوب وتارة يرده.
وأما الأخبار
الكثيرة فلم يصل نظري القاصر إلى شيء من الأخبار الصريحة في ما ادعاه سوى صحيحة
على بن يقطين الآتية ، وقريب منها
__________________
صحيحة محمد بن مسلم الآتية أيضا ، نعم أخبار المسألة الآتية مشعرة بذلك.
وكيف كان فإنه
متى خالف وقدم زيارة البيت على الحلق أو التقصير فلا يخلو إما أن يكون ذلك عن عمد
أو نسيان أو جهل ، فهاهنا مواضع ثلاثة :
الأول : ما إذا
خالف عامدا عالما بالحكم ، والمقطوع به في كلامهم أنه يجب عليه دم شاة ، وإنما
الكلام في أنه هل يجب عليه إعادة الطواف أم لا؟
قال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك : «إن وجوب إعادة الطواف على العامد موضع وفاق».
وفي الدروس «وإن
كان عالما وتعمد فعليه شاة ، قاله الشيخ وأتباعه ، وظاهرهم أنه لا يعيد الطواف».
أقول : لا ريب
أن الأوفق بالقواعد الشرعية هو وجوب الإعادة ، لأن الطواف الذي أتى به وقع على
خلاف ما رسمه صاحب الشريعة ، ففي إجزائه مع عدم الدليل إشكال.
ويدل على ذلك
إطلاق صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت
وسعت في الليل ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : لا بأس به ، يقصر ويطوف
للحج ثم يطوف للزيارة ، ثم قد أحل من كل شيء».
وأما ما يدل
على وجوب الدم في الصورة المذكورة فهو ما رواه الشيخ في
__________________
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) «في رجل زار البيت قبل أن يحلق فقال : إن كان زار
البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له ، فان عليه دم شاة».
الثاني : أن
يكون ناسيا ، وظاهر الأكثر أن عليه إعادة الطواف خاصة بعد الحلق أو التقصير ، ويدل
عليه إطلاق صحيحة علي بن يقطين المتقدمة. وفي المدارك «أنه المعروف من مذهب الأصحاب»
مع أن المحقق في الشرائع قال : «ولو كان ناسيا لم يكن عليه شيء ، وعليه إعادة
الطواف على الأظهر» وهو مؤذن بوجوب الخلاف في ذلك.
وقال في
المسالك : «وفي الناسي وجهان : أجودهما الإعادة أيضا وإن لم تجب عليه الشاة».
وربما أشعرت
صحيحة جميل بن دراج المتقدمة بالعدم ، حيث قال فيها : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : لا ينبغي إلا
أن يكون ناسيا».
قال في الدروس
: «وفي صحيح جميل بن دراج لا ينبغي زيارة البيت قبل أن يحلق الا أن يكون ناسيا ،
وظاهره عدم إعادة الطواف لو فعل».
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال ، والاحتياط بالإعادة فيها مطلوب على كل حال.
الثالث : أن
يكون جاهلا ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقيل : إنه كالناسي في وجوب الإعادة ،
وعدم الكفارة ، وبه صرح شيخنا الشهيد
__________________
الثاني في المسالك ، فقال بعد ذكر العامد : «وفي إلحاق الجاهل به قول ،
وظاهر الرواية يدل على العدم ، والأجود وجوب الإعادة عليه دون الكفارة».
وربما احتج على
وجوب الإعادة بتوقف الامتثال على ذلك ، وبإطلاق صحيحة علي بن يقطين المتقدمة ، ونقل عن ظاهر الصدوق عدم وجوب الإعادة ،
والظاهر أنه الأقرب ، لما تقدم من صحيحة جميل بن دراج ورواية أحمد بن محمد بن أبي
نصر المتقدمين في سابق هذه المسألة ، مضافا إلى ما تكرر في الأخبار
سيما في باب الحج من معذورية الجاهل .
وهل تجب إعادة
السعي حيث تجب إعادة الطواف؟ صرح في المنتهى والتذكرة بالوجوب ، لتوقف الامتثال
عليه ، ولا ريب أنه الأحوط.
ولو قدم الطواف
على الذبح فظاهر كلامهم أن الحكم فيه كما إذا قدمه على الحلق أو التقصير ، وظاهر
المسالك التوقف من حيث تساويهما في التوقف ، ومن عدم النص ، وهو في محله ، والله
العالم.
المسألة الرابعة :
المشهور بين
الأصحاب أن مواطن التحلل ثلاثة ، أحدها بعد الحلق أو التقصير الذي هو ثالث مناسك
منى ، فيحل من كل شيء إلا الطيب والنساء إن كان متمتعا.
قال الشيخ في
المبسوط : «إذا حلق رأسه أو قصر فقد حل له كل
__________________
شيء أحرم منه إلا النساء والطيب ، وهو التحلل الأول إن كان متمتعا ، وإن
كان غير متمتع حل له الطيب أيضا ولا تحل له النساء ، فإذا طاف المتمتع طواف
الزيارة حل له الطيب ، ولا تحل له النساء ، وهو التحلل الثاني ، فإذا طاف طواف
النساء حلت له النساء ، وهو التحلل الثالث الذي لا يبقى بعده شيء من حكم الإحرام»
ونحوه قال في النهاية ، وعلى هذه المقالة جرى كلام الأكثر.
وقال علي بن
بابويه : «واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شيء إلا النساء والطيب ، فإذا
طفت طواف الحج حل لك كل شيء إلا النساء ، فإذا طفت طواف النساء حل لك كل شيء إلا
الصيد ، فإنه حرام على المحل والمحرم».
وقال ابنه في
الفقيه : «وإذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شيء إلا النساء والطيب».
وقال السيد
المرتضى في الجمل : «فإذا طاف طواف الزيارة وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل
شيء أحرم منه إلا النساء» ومثله في الانتصار.
وقال أبو
الصلاح : «بالطواف الأول والسعي يحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء ، وبالطواف
الآخر يحل منهن» وأشار بالأول إلى طواف الزيارة ، وبالآخر إلى طواف النساء. ونحوه
قال ابن البراج.
وظاهر هؤلاء أن
التحلل إنما هو في هذين الموضعين.
وقال ابن أبي
عقيل : «فإذا فرغ من الذبح والحلق زار البيت ، فيطوف به سبعة أشواط ويسعى ، فإذا
فعل ذلك أحل من إحرامه ، وقد قيل في
رواية شاذة عنهم (عليهمالسلام) أنه إذا طاف طواف الزيارة أحل من كل شيء أحرم منه إلا
النساء حتى يرجع إلى البيت ، فيطوف به سبعا آخر ويصلي ركعتي الطواف ، ثم يحل من كل
شيء ، وكذلك إذا كانت امرأة لم تحل للرجل حتى تطوف بالبيت سبعا آخر كما وصفت ،
فإذا فعلت ذلك فقد حل لها الرجال» انتهى.
ولا يخفى ما في
هذا الكلام من الضعف ، كما سيظهر لك في المقام إنشاء الله تعالى.
أقول :
والمختار هو القول الأول ، للأخبار المتكاثرة الدالة عليه ، كصحيحة معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شيء أحرم
منه إلا النساء والطيب ، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من
كل شيء أحرم منه إلا النساء ، فإذا طاف النساء فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا
الصيد». وقيل : المراد من الصيد هنا هو الصيد الحرمي كما لا يخفى.
وصحيحة العلاء قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إني حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتع أطلي رأسي بالحناء؟
قال : نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب ، قلت : ألبس القميص وأتقنع؟ قال : نعم ،
__________________
قلت : قبل أن أطوف بالبيت ، قال : نعم».
وصحيحته الأخرى
قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): تمتعت يوم ذبحت وحلقت فألطخ رأسي بالحناء ، قال : نعم
من غير أن تمس شيئا من الطيب ، قلت : أفالبس القميص؟ قال : نعم إذا شئت. قلت :
فأغطي رأسي ، قال : نعم».
وصحيحة منصور
بن حازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل رمى وحلق أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال : لا حتى
يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم قد حل له كل شيء إلا النساء حتى يطوف بالبيت
طوافا آخر ، ثم قد حل له النساء».
ورواية محمد بن
حمران قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال كل شيء إلا النساء
وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال : كل شيء إلا النساء والطيب».
ورواية عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اعلم أنك إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شيء إلا
النساء والطيب».
وهذه الروايات
قد اتفقت على التحليل بعد مناسك منى من كل شيء إلا الطيب والنساء ، كما هو القول
المشهور.
إلا أنه قد ورد
في جملة من الأخبار أيضا حل الطيب في الصورة المذكورة ، وأنه لا يبقى عليه إلا
النساء خاصة إلى أن يأتي بطواف النساء
__________________
وعلى هذا فليس إلا التحللان.
ومن الأخبار
المشار إليها صحيحة سعيد بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه
بالحناء قال : نعم ، الحناء والثياب والطيب وكل شيء إلا النساء رددها مرتين أو
ثلاثا ، قال : وسألت أبا الحسن (عليهالسلام) عنها ، فقال : نعم ، الحناء والثياب والطيب وكل شيء
إلا النساء». كذا رواه في الكافي.
ورواه الشيخ ولم يذكر فيه «قبل أن يزور» ولا لفظ «الطيب» في قوله
أولا : «نعم الحناء والثياب والطيب» وانما ذكره في آخر الخبر.
وصحيحة معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل ابن عباس هل كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال : رأيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يضمد رأسه بالسك قبل أن يزور».
ورواية أبي
أيوب الخزاز قال : «رأيت أبا الحسن (عليهالسلام) بعد ما ذبح حلق ثم صمد رأسه بسك ثم زار البيت وعليه
قميص وكان متمتعا».
أقول : السك
بالضم والتشديد : طيب مركب مع غيره ، قال في النهاية : «في حديث عائشة كنا نضمد جباهنا بالسك الطيب عند
__________________
الإحرام ، وهو طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل».
ورواية إسحاق
بن عمار قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له؟ فقال : كل شيء
إلا النساء».
وصحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج قال : «ولد لأبي الحسن (عليهالسلام) مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران ،
وكنا قد حلقنا ، قال عبد الرحمن : فأكلت أنا ، وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا ،
وقالا : لم نزر البيت ، فسمع أبو الحسن (عليهالسلام) كلامنا فقال لمصادف ـ وكان هو الرسول الذي جاءنا به ـ :
في أي شيء كانوا يتكلمون؟ قال : أكل عبد الرحمن وأبى الآخران ، وقالا : لم نزر
بعد ، فقال : أصاب عبد الرحمن ، ثم قال : أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم
فأكلت أنا منه وأبى عبد الله أخي أن يأكل منه ، فلما جاء أبي حرشه علي ، فقال : يا
أبت إن موسى أكل خبيصا فيه زعفران ولم يزر بعد فقال أبي : هو أفقه منك ، أليس قد
حلقتم رؤوسكم؟».
وأجاب الشيخ عن
صحيحة سعيد بن يسار بعد ذكره لها بالحمل على أنه (عليهالسلام) أراد أن الحاج متى حلق وطاف طواف الحج وسعى فقد حل له
هذه الأشياء وإن لم يذكرهما في اللفظ ، لعلمه بأن المخاطب عالم بذلك ، أو تعويلا
على غيره من الأخبار.
ولا يخفى ما
فيه من البعد الشديد ، سيما والرواية المذكورة كما قدمنا نقلها عن الكافي قد
اشتملت على أنه حلق رأسه قبل أن يزور ، فهي صريحة
__________________
في بطلان هذا الحمل وإن كان هو (قدسسره) لم يذكر هذه الزيادة في الخبر الذي نقله ، كما قدمنا
الإشارة إليه.
ولعله لهذا قال
في الدروس : «ورواية سعيد بن يسار عن الصادق (عليهالسلام) يحل الطيب بالحلق للتمتع متروكة ، وتطيب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بعد الحلق لأنه ليس بمتمتع».
وأجاب عن صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحة معاوية بن عمار بالحمل على الحاج الغير المتمتع ، قال
: «لأنه يحل له استعمال كل شيء إلا النساء فقط ، وإنما لا يحل استعمال الطيب مع
ذلك للمتمتع دون غيره». ثم استدل على هذا التأويل برواية محمد بن حمران المتقدمة.
قال في المدارك
: «وهذا الحمل غير بعيد لو صح سند هذه الرواية المفصلة ، لكن في الطريق عبد الرحمن
، وفيه نوع التباس وإن كان الظاهر أنه ابن أبي نجران ، فتكون الرواية صحيحة».
أقول : وقد
تقدم تحقيق الكلام في أن عبد الرحمن الذي يروي عنه موسى بن القاسم هو ابن أبي
نجران بلا ريب ولا إشكال ، وهو سابقا قد رد روايته باشتراك عبد الرحمن في المقام ،
وهنا قد استظهر كونه ابن أبي نجران ، والعجب منه (قدسسره) أنه انما استشكل في السند من حيث عبد الرحمن ثم استظهر
كونه ابن أبي نجران ، وحكم بصحة الرواية وغفل عن الراوي وهو محمد بن حمران ، فإنه
مشترك بين النهدي ـ وهو الثقة ـ وبين محمد بن حمران بن أعين مولى بني شيبان ومحمد
بن حمران مولى ابن فهر ، وهما مجهولان ، والظاهر أن محمد بن حمران المذكور في
الرواية هو مولى بني شيبان ، لما في الفهرست أن له كتابا يرويه عنه
ابن أبي عمير وابن أبي نجران ، وقد عرفت أن عبد الرحمن الراوي عنه هو ابن
أبي نجران ، فهو قرينة ظاهرة له ، فكيف حكم بصحة الرواية والحال هذه؟!.
ثم أقول : هذا
الحمل وان كان لا يخلو من تكلف إلا أنه في مقام الجمع لا بأس به.
والأقرب عندي
أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية ، لما صرح به في المنتهى ، حيث قال : «إنه
إذا حلق وقصر حل له كل شيء إلا الطيب والنساء والصيد ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه
قال مالك ، وقال الشافعي واحمد وأبو حنيفة : يحل له كل شيء إلا النساء ، وبه قال
ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاوس والنخعي وأبو ثور».
وظاهره أن
المعظم منهم ـ وهم الأئمة الثلاثة ومن تبعهم ـ قائلون بتحليل الطيب بعد الحلق ،
كما دلت عليه الأخبار المذكورة.
وأما ما نقل عن
الشيخ علي بن بابويه فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على نهج ما عرفت في غير مقام
مما قدمنا ، قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور : «واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شيء إلا
الطيب والنساء ، وإذا طفت طواف الحج حل لك كل شيء إلا النساء ، فإذا طفت طواف
النساء حل لك كل شيء إلا الصيد ، فإنه حرام على المحل في الحرم وعلى المحرم في
الحل والحرم». انتهى.
ولا يخفى ما
فيه من الاشكال ، لما عرفت من دلالة الأخبار المتقدمة على أن التحليل لا يحصل إلا
بعد الحلق الذي هو ثالث المناسك المذكورة ولا قائل به من العامة ولا الخاصة سوى
الشيخين المذكورين ، وقائله أعلم.
__________________
تنبيهات :
الأول :
قد صرح جملة من
الأصحاب بأن تحريم الطيب في التحليل الأول إنما هو بالنسبة إلى المتمتع ، أما
القارن والمفرد فيحل لهما ، وعلى ذلك تدل رواية محمد بن حمران المتقدمة.
بقي الكلام في
أن حل ذلك للقارن والمفرد هل هو مشروط بتقديمهما الطواف والسعي أو مطلقا؟ ظاهر
الشهيد في الدروس الأول وأكثر عبارات الأصحاب على الثاني.
قال في الدروس
: «أما القارن والمفرد فيحل لهما الطيب إذا كانا قدّما الطواف والسعي ، وأطلق
الأكثر إنهما يحل لهما الطيب ، وابن إدريس قائل بذلك مع عدم تجويزه تقديم الطواف
والسعي» ثم نقل عن الجعفي أنه سوى بين المتمتع وبين الفردين الآخرين في تحريم
الطيب على الجميع ، وهو محجوج بالخبر المشار إليه.
وأما ما ذكره
في الدروس من تقييد الحل بتقديم الطواف والسعي مع إطلاق الخبر المذكور فلعل الوجه
فيه هو النظر إلى إطلاق الأخبار الدالة على أنه بالحلق يحل له كل شيء إلا الطيب
والنساء ، فإنها شاملة للأفراد
__________________
الثلاثة ، إلا أنه لما كان تقديم الطواف والسعي للمفرد والقارن جائزا وهو
المحل للطيب كما عرفت فعلى هذا متى قدماه فإنه يحل لهما الطيب بعد الحلق لتقدم
محلله ، وإنما يبقى النساء خاصة ، بخلاف المتمتع فإنه عندهم لا يقدم طوافه ليمكن
إجراء ذلك أيضا فيه ، إلا أن الخبر المتقدم كما عرفت مطلق لا إشعار فيه بهذا
الاشتراط.
الثاني :
اعلم أنه وقع
في جملة من عبائر الأصحاب أنه بالحلق يتحلل من كل شيء الا من الطيب والنساء
والصيد ، وبالطواف للحج والسعي يتحلل من الطيب ، وبطواف النساء يتحلل من النساء ،
ولم يذكروا لتحليل الصيد محلا بخصوصه.
ونقل عن ظاهر
العلامة في المنتهى أن التحلل إنما يقع بطواف النساء ، لأنه استدل على عدم التحلل
منه بالحلق بقوله تعالى
«لا
تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»
قال : «والإحرام
يتحقق بتحريم الطيب والنساء».
وحكى الشهيد في
الدروس عن العلامة رحمهالله أنه قال : «إن ذلك ـ يعني عدم التحلل من الصيد إلا
بطواف النساء ـ مذهب علمائنا».
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : «ولولا ما أوردناه من العموم الذي لم يستثن منه سوى الطيب والنساء
لكان هذا القول متجها ، لظاهر الآية الشريفة» انتهى.
أقول : فيه أن
من جملة الروايات التي أشار إلى عمومها صحيحة
__________________
معاوية بن عمار المتقدمة ، مع أنه (عليهالسلام) صرح في آخرها بأنه «إذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل
شيء أحرم منه إلا الصيد». ومثلها كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي وحينئذ فيجب أن يخصص بهما عموم غيرهما من أخبار المسألة
جمعا بينها.
وبذلك يبطل ما
استند إليه من العموم ، وبه يتجه كلام العلامة المذكور.
إلا أنه ينقدح
الإشكال فيه من جهة أخرى ، وهو أنه لا يخفى أن ما قدمنا من عبارة كتاب الفقه
الرضوي ظاهر في بقاء التحريم ولو بعد طواف النساء ، وهو أيضا صريح صحيحة معاوية بن
عمار المتقدمة صدر الأخبار ، فإنها صريحة أيضا في ذلك ، وهو ظاهر كلام الشيخ
علي بن بابويه المتقدم أيضا.
قال في الدروس
: «وروى الصدوق تحريم الصيد بعد طواف النساء ولعله لمكان الحرم» انتهى.
وظاهر هذا
الكلام ـ وبه صرح غيره أيضا ـ هو حمل ما دل من الأخبار على أن التحلل بطواف النساء
يحصل من كل شيء عدا الصيد ، يعني ما دام في الحرم ، فإنه يحرم عليه من حيث الحرم
وإن كان محلا بلا خلاف ، وأما الصيد المحرم عليه من حيث كونه محرما فإنه لو خرج
إلى الحل جاز له الصيد بعد طواف النساء البتة ، وبهذا يرتفع الخلاف من البين.
__________________
الثالث :
لو أتى بالحلق
قبل الرمي والذبح أو بينهما فالظاهر عدم التحلل إلا بكمال الثلاثة ، فإن تعليق
التحلل على الحلق إنما وقع بناء على وجوب الترتيب كما قدمناه ووقوع الحلق أو
التقصير آخر المناسك الثلاثة ، وعلى هذا بني الإطلاق في كلام الأصحاب وبعض
الأخبار.
وفي صحيحة معاوية
بن عمار المتقدمة قال : «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شيء».
إلى آخره ، ونحوها صحيحة العلاء وهو مشعر بما قلنا.
الرابع :
ظاهر كلام جملة
من الأصحاب ـ منهم العلامة في المنتهى والمحقق ـ أن التحلل الثاني يحصل بمجرد
الطواف وإن لم يأت بالسعي معه.
قال في الدروس
: «ولا يكفي الطواف خاصة على الأقوى» وهو مؤذن بالخلاف في المسألة ، والأصح التوقف
في الإحلال على السعي ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة «فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة
فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء».
__________________
وفي صحيحة
منصور بن حازم المتقدمة قال : «لا حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قد حل
له كل شيء إلا النساء».
وفي صحيحة أخرى
لمعاوية بن عمار «ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه ، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ، ثم ائت
المروة فاصعد عليها ، وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا
فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع إلى البيت وطف
أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ثم قد أحللت من كل شيء وفرغت من حجك كله وكل شيء
أحرمت منه».
وبذلك يظهر أن
التحليل إنما يحصل بمجموع الطواف والسعي.
بقي الكلام في
أنه لو قدم الطواف والسعي المذكورين على أفعال الحج كما في المفرد والقارن مطلقا
والمتمتع من الضرورة فهل يحصل الإحلال بذلك؟
قال في المدارك
: «الأصح عدم حله بذلك ، بل يتوقف على الحلق المتأخر عن باقي المناسك ، تمسكا
باستصحاب حكم الإحرام إلى أن يثبت المحلل ، والتفاتا إلى مكان كون المحلل هو
المركب من الطواف والسعي وما قبلهما من الأفعال ، بمعنى كون السعي آخر العلة ، ثم نقل
عن بعض الأصحاب أنه ذهب إلى حل الطيب بالطواف وإن تقدم ـ قال ـ : واستوجهه الشارح (قدسسره) وهو ضعيف».
أقول : ظاهر
كلامه يؤذن بأن القائلين بالتحليل هنا إنما هو بالنسبة إلى الطيب لا مطلقا ، وظاهر
كلام جده يؤذن بالعموم ، حيث قال : «أما
__________________
لو قدمهما كالمفرد والقارن مطلقا والمتمتع مع الاضطرار ففي حله من حين
فعلهما وجهان ، أجودهما ذلك عملا بإطلاق النصوص» انتهى.
ثم أقول : لا يخفى
أنه قد تقدمت الأخبار في مسألة جواز تقديم القارن والمفرد الطواف والسعي دالة على أنهما يلبيان بعد الطواف والسعي لئلا يحلا ،
وبذلك صرح جمهور الأصحاب.
ومنها صحيحة
معاوية بن عمار أو حسنته عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف
الفريضة؟ قال : نعم ما شاء ، ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة
يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية». وقد تقدم تصريح الشيخ (رحمهالله تعالى) بأنهما لو لم يلبيا انقلب حجهما عمرة.
قال السيد
السند (قدسسره) في المدارك في تلك المسألة بعد البحث فيها وإيراد بعض
أخبارها ما صورته : «قال الشهيد في الشرح بعد أن أورد هذه الروايات : وبالجملة
فدليل التحلل ظاهر ، والفتوى مشهورة ، والمعارض منتف وهو كذلك ، لكن ليس في
الروايات دلالة على صيرورة الحجة مع التحلل عمرة كما ذكره الشيخ وأتباعه» انتهى.
وحينئذ فإذا
ثبت بما ذكرناه أنه بالطواف يحصل التحلل وأنه يحتاج إلى التلبية لانعقاده فالخلاف
في هذه المسألة كما نقلناه لا أعرف له وجها ، فإنه لا يخلو بعد طوافه إن كان قد
جدد التلبية وربط الإحرام بها فلا معنى للقول بحل ما يحلله الطواف والسعي لو تأخرا
من الطيب أو مطلقا
__________________
كما هو القول الثاني ، وإن لم يجدد التلبية فقد أحل وبطل إحرامه وحجه
وانقلب عمرة كما يقوله الشيخ ، فلا معنى لقول السيد (قدسسره) في ما قدمنا نقله عنه من أن الأصح عدم حله بذلك ، بل
يتوقف على الحلق المتأخر» إلى آخر كلامه.
وبالجملة فإن
هذا الخلاف إنما يتجه مع قطع النظر عن تلك المسألة وما وقع فيها من الأقوال
والأخبار ، واما مع ملاحظتها فإنها تكون مبنية عليها وفرعا من فروعها ، كما عرفت.
الخامس :
قد عرفت أنه
بالمحلل الثالث تحل له النساء ، وهو ظاهر في الرجل ومتفق عليه نصا وفتوى.
وأما الصبي
فالظاهر أنه في حكمه كما صرحوا به وإن لم يتعلق به تحريم ، حيث إنه غير مخاطب شرعا
، إلا أن الإحرام في حقه كالحدث في حال الصغر ، فإنه موجب للطهارة وإن تخلف أثره ،
لفقد شرطه كالبلوغ أو وجود مانع كالحيض ، فمتى وجد شرطه وزال مانعه عمل عمله ،
فكما أنه يحرم الصلاة على الصبي بعد البلوغ بالحدث السابق حتى يتطهر كذلك تحرم
عليه النساء بعد البلوغ بالإحرام السابق حتى يأتي بطواف النساء.
وأما المرأة
فلا إشكال في تحريم الرجال عليها بالإحرام ، لقوله
__________________
عزوجل
«فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ»
والرفث الجماع
بالنصوص والأخبار المتقدمة في محرمات الإحرام .
والظاهر من
كلام أكثر من وقفت عليه ممن صرح بالمسألة من الأصحاب أن طواف النساء هو المحلل لها
كالرجل.
قال في الدروس
بعد ذكر طواف النساء : «ولا تحل له النساء بدونه حتى العقد على الأقرب ، سواء كان
المكلف به رجلا أو امرأة ، فيحرم عليها تمكين الزوج على الأصح» انتهى.
وقد تقدم في
كلام ابن أبي عقيل أنه على تقدير الرواية الشاذة بزعمه ـ التي هي كما عرفت مستفيضة
ـ يجب على المرأة كما يجب على الرجل ، وأنه لا يحل لها إلا به.
وهو أيضا صريح
عبارة الشيخ على بن بابويه حيث قال : «ومتى لم يطف الرجل طواف النساء لم تحل
النساء حتى يطوف ، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تجامع حتى تطوف طواف النساء ، إلا
أن يكونا طافا طواف الوداع ، فهو طواف النساء».
قال العلامة في
المختلف بعد نقله : «وفيه منع ، فان حملها على الرجل فقياس ، وإن استند إلى دليل
فلا بد منه ، ولم نقف عليه» انتهى.
أقول : لا يخفى
أن عبارة الشيخ المذكورة هنا مأخوذة من كتاب الفقه
__________________
الرضوي ، وهو المستند عنده وإن لم يصل هذا الكتاب إلى نظر شيخنا العلامة
ولا غيره من المتأخرين ، كما أوضحناه في غير مقام مما تقدم.
قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور : «ومتى لم يطف الرجل طواف النساء لم تحل له النساء حتى
يطوف ، وكذلك المرأة لا يجوز لها أن تجامع حتى تطوف طواف النساء». انتهى.
وظاهر العلامة
في المختلف التوقف في ذلك ، حيث قال بعد نقل كلام الشيخ علي بن بابويه كما عرفت
بعد كلام ابن أبي عقيل الذي قدمناه في صدر المسألة ما صورته : «المقام الثاني هل
يحرم الرجال على النساء قبل أن يطفن طواف النساء؟ كلام ابن أبي عقيل يقتضي إيجاب
ذلك على الرواية الشاذة عنده ، وذهب علي بن بابويه إلى ذلك أيضا ، وعندي فيه إشكال
ظاهر لعدم الظفر بدليل عليه».
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى كلامه في المختلف حيث قال بعد نقله ذلك عن
المختلف «ووجه الاشكال ظاهر ، إذ ليس في النصوص ما يدل على حكم غير الرجل ـ ثم قال
ـ ويمكن الاستدلال عليه بأن الإحرام قد حرم عليهن ذلك فيجب استصحابه إلى أن يثبت
المزيل ، وهو غير متحقق قبل طواف النساء ، ويشكل بالأخبار الدالة على حل كل ما عدا الطيب والنساء والصيد بالحلق ،
وما عدا النساء بالطواف ، فإنها متناولة للمرأة ، ومن جملة ذلك حل الرجال ،
فالمسألة موضع إشكال» انتهى.
__________________
واعترضه سبطه
في المدارك بعد استدلاله على تحريم الرجال على النساء بآية
«فَلا
رَفَثَ» فقال بعد نقل ملخص كلامه «وأقول : إنا قد بينا الدليل
الدال بعمومه على التحريم ، مع أن أحكام النساء في مثل ذلك لا تذكر صريحا غالبا ،
وإنما تذكر بالفحوى والكنايات ، كما وقع في الروايات المتضمنة لتحريم أصل الفعل
عليهن ، وما اعتبره الشارح غير واضح ، فان الروايات المتضمنة لتلك الأحكام غير
متناولة للنساء صريحا ، بل هي مختصة بالرجال ، وأحكام النساء إنما تستفاد من أدلة
أخر ، كالإجماع على مساواتهن للرجال في ذلك» انتهى.
أقول : فيه أن
ما ذكره من الدليل إشارة إلى الآية التي قدمها ، فقد أشار إليه جده في كلامه بقوله
: «ويمكن الاستدلال عليه بأن الإحرام حرم عليهن ذلك فيجب استصحابه إلى أن يثبت
المزيل» ولكنه اعترض هذا الدليل بالروايات الدالة على حل كل ما عدا الطيب والنساء
والصيد للمحرم بعد الحلق والتقصير ، فإنها شاملة بإطلاقها أو عمومها للرجال
والنساء ، ومن جملة ما يحرم على المرأة حال الإحرام الرجال ، فيحل لها بعد التقصير
بموجب إطلاق هذه الأخبار.
وقوله في
الجواب عن ذلك : «إن هذه الروايات غير متناولة للنساء صريحا» وإن كان كذلك لكنها
متناولة لهن بالقرائن التي ذكرها من الإجماع ونحوه ، فإنه لا خلاف في حل جميع
المحرمات على النساء بعد التقصير إلا ما ذكره من الصيد والطيب والنكاح على الخلاف
المذكور وحينئذ فتكون هذه الروايات بمعونة ما ذكر شاملة لتحليل الرجال عليهن
__________________
هذا ما ذكروه (نور الله مراقدهم) في هذا المقام.
وأنت خبير بأنه
قد تقدمت جملة من الأخبار في المسألة الثانية من المسائل الملحقة بالمطلب الأول من
المقدمة الرابعة صريحة الدلالة في توقف حل الرجال للمرأة على إتيانها
بطواف النساء.
ومن تلك
الاخبار ما رواه في الكافي عن العلاء بن صبيح وعبد الله بن الحجاج وعلي بن رئاب
وعبد الله بن صالح كلهم يروونه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما
بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ، وإن لم تطهر
إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت وسعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت
المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ، ثم طافت طوافا للحج ، ثم خرجت
فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا
طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها». ونحوها غيرها مما تقدم.
وبذلك يظهر صحة
ما ذكره المتقدمون من الحكم المذكور ، وقد عرفت أيضا دلالة عبارة كتاب الفقه على
ذلك. والأخبار المتقدمة الدالة على أنه بطواف النساء يحل للمحرم جميع ما حرمه
الإحرام ، وهي شاملة بإطلاقها للرجال والنساء ، فيحكم باستصحاب التحريم حتى يثبت
المحلل ، والله العالم.
السادس :
قالوا : لو قدم
طواف النساء حيث يسوغ ذلك ففي حل النساء للرجل
__________________
وحل الرجل للنساء بفعله أو توقف ذلك على الحلق أو التقصير ما تقدم في البحث
من التنبيه عليه في الموضع الثالث .
أقول : وفيه ما
قدمناه ذيل كلامهم في الموضع المشار إليه ، وقد تلخص مما تقدم أنه متى طاف
الطوافين أعني طواف الزيارة وطواف النساء وسعى قبل الموقفين في موضع الجواز فليس
إلا تحلل واحد ، وهو عقيب الحلق أو التقصير بمنى ، ولو كان المتقدم طواف الزيارة
وسعيه خاصة كان له تحللان :
أحدهما عقيب
الحلق مما عدا النساء ، والثاني بعد طواف النساء لهن ، فان قلنا إنه يتحلل من
الطيب بطواف الزيارة وسعيه وإن تقدم ـ كما هو مختار شيخنا الشهيد الثاني ـ وكذلك
لو قدم طواف النساء فإنه يتحلل به من النساء كانت المحللات ثلاثة مطلقا.
السابع :
يكره لبس
المخيط بعد الحلق وتغطية الرأس حتى يطوف ويسعى ، ويكره الطيب للمتمتع حتى يطوف
طواف النساء.
ويدل على الأول
جملة من الأخبار : منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال «في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات وبالمشعر وذبح
وحلق ، قال : لا يغطي رأسه حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فان أبي (عليهالسلام) كان يكره ذلك
__________________
وينهى عنه ، فقلنا : فان كان فعل ، قال : ما ارى عليه شيئا ، وإن لم يفعل
كان أحب الي».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمى
الجمرة وذبح وحلق أيغطي رأسه؟ فقال : لا حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فقيل
له : فان كان فعل ، قال : ما أرى عليه شيئا».
وعن إدريس
القمي في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إن مولى لنا تمتع ، فلما حلق لبس الثياب قبل أن يزور
البيت ، فقال : بئس ما صنع ، قلت : أعليه شيء؟ قال : لا ، قلت : فإني رأيت ابن
أبي السماك يسعى بين الصفا والمروة وعليه خفان وقباء ومنطقة ، فقال : بئس ما صنع ،
قلت : أعليه شيء؟ قال : لا».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل رمى بالجمار وذبح وحلق رأسه أيلبس
قميصا وقلنسوة قبل أن يزور البيت؟ قال : إن كان متمتعا فلا ، وإن كان مفردا للحج
فنعم».
قال : «وقد روي
انه يجوز أن يضع الحناء على رأسه ، إنما يكره السك وضربه ، إن الحناء ليس
بطيب ، ويجوز أن يغطى رأسه ، لأن حلقه له أعظم من تغطيته إياه».
أقول : قد مضى
معنى السك ، وأنه طيب معروف وضربه هنا بمعنى خلطه.
__________________
وروى عبد الله
بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد
الخالق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ألبس قلنسوة إذا ذبحت وحلقت ، قال : أما المتمتع فلا
، وأما من أفرد الحج فنعم».
ويدل على
الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) هل يجوز للمحرم المتمتع أن يمس الطيب قبل أن يطوف طواف
النساء؟ فقال : لا».
وحمله الشيخ
على الكراهة. لما تقدم من حل الطيب بعد طواف الزيارة.
وفيه ما عرفت
في ما تقدم من أن الجمع بين الأخبار بالاستحباب أو الكراهة من غير قرينة ظاهرة محل
إشكال ، وقرائن الاستحباب في الحكم الأول ظاهرة من الأخبار المذكورة وأما في هذا
الخبر فليس إلا مجرد النهي الذي هو حقيقة في التحريم ، فإخراجه عن حقيقته يحتاج
إلى قرينة ، ومجرد اختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز ، إذ لعل للخبر وجها آخر
غير ما ذكر من تقية ونحوها ، والله العالم.
__________________
المقصد الرابع
في بقية المناسك
حيث إن الواجب
على الحاج بعد قضاء مناسك يوم النحر المضي إلى مكة لطواف الزيارة والسعي وطواف
النساء ثم الرجوع إلى منى والمبيت بها والإتيان ببقية المناسك إلى يوم النفر ثم
وداع البيت والرجوع إلى أهله فالواجب بسط الكلام في هذه الأحكام في فصول :
الأول :
في المضي إلى مكة
وقد صرح
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن الأفضل المضي إلى مكة للطواف والسعي ليومه ،
فإن أخره فمن غده ، ويتأكد ذلك في حق المتمتع ، فإن أخره أثم ويجزؤه طوافه وسعيه ،
ويجوز للقارن والمفرد تأخير ذلك طول ذي الحجة على كراهية.
فأما ما يدل
على أن الأفضل في المضي للطواف يوم النحر وإلا فمن الغد فجملة من الأخبار.
منها صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في زيارة البيت يوم النحر ، قال : زره ، فان شغلت فلا
يضرك أن تزور البيت من الغد ، ولا تؤخر أن تزور من يومك ، فإنه يكره للمتمتع أن
يؤخره ، وموسع للمفرد أن يؤخره» الحديث.
وصحيحة عمران
الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم النحر أو من
ليلته ، ولا يؤخر ذلك».
وصحيحة معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال يوم
النحر أو من الغد ولا يؤخر ، والمفرد والقارن ليسا بسواء ، موسع عليهما».
قال في الوافي
: «ليسا بسواء» جملة معترضة ، والمعنى أن المتمتع ليس كالمفرد والقارن.
وصحيحة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال يوم
النحر».
وصحيحة منصور
بن حازم قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وزر البيت يوم النحر أو من الغد وإن أخرتها إلى آخر
اليوم أجزأك».
__________________
وقد اختلف
الأصحاب في التأخير عن الغد للمتمتع ، فقال الشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار :
لا يجوز للمتمتع أن يؤخر الزيارة والطواف عن اليوم الثاني من النحر ، وبه قال
العلامة في المنتهى والمحقق في الشرائع.
وقال الشيخ : «لا
يؤخر المتمتع إلا لعذر ، فان كان مفردا أو قارنا جاز له أن يؤخر إلى أي وقت شاء».
وقال ابن إدريس
: «يستحب أن لا يؤخر إلا لعذر ، فإن أخره لعذر زار البيت من الغد ، ويستحب له أن
لا يؤخر طواف الحج وسعيه أكثر من ذلك ، فإن أخره فلا بأس عليه ، وله أن يأتي بالطواف
والسعي طول ذي الحجة ، لأنه من شهور الحج ، وإنما تقديم ذلك على جهة التأكيد
للمتمتع».
وكلام الشيخ في
الاستبصار يشعر بالندب أيضا ، وإلى هذا القول مال كثير من المتأخرين منهم العلامة
في المختلف والشهيدان في الدروس والمسالك والسيد السند في المدارك.
أقول : والذي
وقفت عليه من أخبار المسألة زيادة على ما تقدم ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس أن يؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر».
وفي الصحيح عن
عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح ، قال
: لا بأس ، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق ، ولكن لا يقرب النساء والطيب».
وفي الصحيح عن
هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق ، إلا أنك لا
تقرب النساء ولا الطيب».
وما رواه الشيخ
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر ،
إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث ، قال تعجيلها
أحب إلي ، وليس به بأس إن أخرته».
وما رواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أخر الزيارة إلى يوم النفر ، قال
: لا بأس ، ولا يحل له النساء حتى يزور البيت ويطوف طواف النساء».
قال في المدارك
بعد نقل جملة من هذه الأخبار : «وأجاب الأولون عن هذه الروايات بالحمل على المفرد
والقارن ، وهو بعيد جدا ، بل
__________________
الأجود حمل ما تضمن النهي عن التأخير على الكراهة ، كما يدل عليه قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر».
أقول : أما ما
نقله عنهم من حمل الأخبار المذكورة واستبعده فهو في محله ، والعلامة في المنتهى
انما استدل على جواز التأخير للقارن والمفرد إلى آخر ذي الحجة بهذه الروايات بناء
على ما نقله عنهم من الحمل على هذين الفردين ، وبعده أظهر من أن يذكر.
وأما ما ذكره
من حمل النهي عن التأخر عن اليوم الثاني على الكراهة مستندا الى قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر». إنما يتم لو كانت
الكراهة في عرفهم (عليهمالسلام) بهذا المعنى الأصولي ، والمفهوم من أخبارهم هو استعمالها
في التحريم في غير موضع ، وقد اعترف هو بذلك في غير موضع من شرحه.
على أن لقائل
أن يقول : إن هذه الروايات كلها إنما اتفقت على التأخير إلى اليوم الثالث من النحر
، وربما أشعر بعضها بعدم التأخير بعد ذلك ، كقوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد الله بن سنان : «لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر». فإنه
يشعر بحصول البأس بعد ذلك ، ومثلها صحيحة هشام بن سالم ورواية عبد الله بن سنان .
__________________
وبالجملة فغاية
ما يستفاد من هذه الروايات هو أن غاية التأخير اليوم الثالث عشر ، والمدعى جواز
التأخير طول ذي الحجة ، فالدليل غير منطبق على المدعى ، إلا أنه في المنتهى ـ بعد
أن نسب إلى علمائنا عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر وأنه آخر وقته ـ نقل عن
أبي حنيفة أن آخر وقته آخر أيام النحر ، وعن باقي الجمهور أنه لا تحديد لآخره ،
فاحتمال خروج هذه الأخبار الأخيرة مخرج التقية غير بعيد ، لقول أبي حنيفة وأتباعه
بمضمونها ، ومذهبه في وقته كان مشهورا ، والأخبار الأولة بعيدة عن التقية إذ لا
قائل بها منهم.
وأما ما استدل
به في المدارك على ما اختاره من القول المذكور بقوله عزوجل
«الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» وأن شهر ذي الحجة من أشهر الحج فيجوز إيقاع أفعاله فيه
مطلقا الا ما أخرجه الدليل.
فلا يخفى ما
فيه ، لما في الدليل المذكور من الإجمال المانع من الصلاحية للاستدلال ،
فالاستدلال بأمثال هذه الأدلة مجازفة محضة ، إذ غاية ما يستفاد من الأخبار أن ذا
الحجة إلى آخره من أشهر الحج باعتبار ما جوز الشارع فيه من الأفعال بعد مضي وقتها
إلى آخره ، لا أنه متى وردت الأخبار بتوظيف بعض الأفعال في أيام مخصوصة جاز لنا أن
تؤخرها إلى آخر ذي الحجة بناء على هذه الآية.
على أن الخصم
يدعي ان هذا مما أخرجه الدليل كما اعترف به ، لأن الروايات الأولة قد دلت على أنه
لا يجوز التأخير عن اليوم الثاني عشر ، والروايات الأخيرة غاية ما دلت عليه
التأخير إلى اليوم الثالث عشر ،
__________________
فكيف يجوز الامتداد إلى أخر الشهر والحال هذه.
وبالجملة
فالامتداد إلى آخر الشهر كما هو قول ابن إدريس ومن تبعه من الجماعة المذكورين لا
أعرف له وجها وجيها.
وإنما يبقى
الكلام في الجمع بين الأخبار الأولة الدالة على أنه لا يجوز التأخير عن اليوم
الثاني مع الأخبار الأخيرة الدالة على جواز التأخير إلى اليوم الثالث عشر ، وقد
عرفت أن احتمال التقية في الأخبار الأخيرة قائم ، واحتمال الرخصة أيضا ممكن.
ثم إنه بناء
على تحريم التأخير عن اليوم الثاني فلو أخر صح طوافه وإن أثم ولا كفارة.
قال في المنتهى
: «لو أخر المتمتع زيارة البيت عن اليوم الثاني من يوم النحر أثم ولا كفارة عليه ،
وكان طوافه صحيحا» انتهى. ووجهه ظاهر فإن غاية ثمرة ، النهي التأثيم والنهي إنما
توجه إلى أمر خارج عن العبادة وهو التأخير ، فلا يوجب بطلانها ، والأصل عدم
الكفارة.
وأما ما يدل
على جواز تأخير الزيارة للمفرد والقارن كما تقدم فقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة : «والمفرد والقارن ليسا بسواء ، موسع عليهما».
والمعنى كما عرفت آنفا أن المتمتع لا يؤخر من الغد ، والمفرد والقارن موسع عليهما
التأخير ، وأنهما ليسا كالمتمتع في عدم التأخير من الغد.
وإليه يشير قوله
(عليهالسلام) أيضا في صحيحة معاوية الاولى : «وموسع للمفرد أن يؤخره».
__________________
ويستحب أمام
دخول مكة ما تقدم في باب العمرة من الغسل لدخولها لطواف العمرة ، ويزيد هنا
استحباب تقليم الأظفار وأخذ الشارب والدعاء إذا وقف على باب المسجد ، ويجزئ الغسل
بمنى ، وقد تقدم الكلام في الغسل وما يجزئ من غسل اليوم ليومه والليل لليلته
والانتقاض بالحدث ونحو ذلك في الباب المشار إليه .
فأما ما يدل
هنا على استحباب هذه الأشياء فجملة من الأخبار (منها) ما رواه الشيخ عن عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ثم احلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك
وزر البيت» الحديث.
وعن عمران
الحلبي في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال : نعم ، إن الله
تعالى يقول (طَهِّرا بَيْتِيَ
لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وينبغي للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر قد غسل عنه العرق
والأذى وتطهر».
وما رواه في
الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوم النحر يحلق رأسه ويقلم ، أظفاره ويأخذ من شاربه
وأطراف لحيته».
__________________
وما رواه الشيخ
في الحسن عن حسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الغسل إذا زرت البيت من منى ، فقال :
إني اغتسل بمنى ثم أزور البيت». ورواه الكليني عن الحسين بن أبي العلاء مثله.
وفي صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة في صدر روايات أول الفصل بعد ذكر ما قدمناه
منها «فإذا انتهيت إلى البيت يوم النحر فقمت على باب المسجد قلت : اللهم أعني على
نسكك وسلمني له وسلمه لي ، أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي
ذنوبي وأن ترجعني بحاجتي اللهمّ إني عبدك ، والبلد بلدك ، والبيت بيتك ، جئت أطلب
رحمتك ، وأوم طاعتك ، متبعا لأمرك راضيا بقدرك ، أسألك مسألة المضطر إليك ، المطيع
لأمرك ، المشفق من عذابك ، الخائف لعقوبتك ، أن تبلغني عفوك ، وأن تجيرني من النار
برحمتك ، ثم ائت الحجر الأسود فتستلمه وتقبله ، فان لم تستطع فاستلمه بيدك وقبل
يدك ، وإن لم تستطع فاستقبله وكبر ، وقل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة»
الحديث.
ثم إنه يأتي
بالطواف والسعي ، وقد قدمنا في الباب الثاني في العمرة الكلام في الطواف والسعي
مستوفى ، فلا ضرورة إلى إعادته.
بقي الكلام هنا
في مسائل لم يسبق التعرض لها.
__________________
المسألة الأولى :
طواف النساء
واجب في الحج بأنواعه والعمرة المفردة ، وقد تقدم في باب العمرة المفردة ما يخصها
من الأحكام وبيان وجوب هذا الطواف فيها ، وحيث انا الآن بسياق الحج فلا بد من
التعرض لبيان ما يدل على وجوبه فيه وما يتعلق بذلك.
ويدل على ذلك
جملة من الأخبار (منها) ما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد والظاهر أنه ابن أبي نصر قال : «قال أبو الحسن (عليهالسلام) في قول الله عزوجل (وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ، قال : طواف الفريضة طواف النساء».
وعن حماد بن
عثگمان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«وَلْيُوفُوا
نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ»
قال : «طواف
النساء».
وعن حماد الناب
قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل (وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ، قال : هو طواف النساء».
ومنها صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف
بالبيت ، وسعيان بين الصفا والمروة ، فعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان عند
مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصر وقد أحل : هذا للعمرة
، وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة ويصلي عند كل
__________________
طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام)».
أقول : قوله (عليهالسلام) : «وعليه للحج طوفان» المراد طواف الزيارة وطواف
النساء.
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت وطوفان بين
الصفا والمروة» الحديث.
وعن منصور بن
حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف
بالبيت ، ويصلي لكل طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة».
وعن منصور بن
حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدى ، وعليه
طوافان بالبيت وسعي بين الصفا والمروة كما يفعل المفرد ، وليس أفضل من المفرد إلا
بسياق الهدى».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «القارن لا يكون إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف
بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج ، وهو طواف
النساء».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال في القارن : «لا يكون قران إلا بسياق الهدي ،
وعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم
__________________
(عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج ، وهو طواف
النساء ، وأما المتمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ثلاثة أطواف بالبيت ، وسعيان بين
الصفا والمروة ، قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : التمتع أفضل الحج وبه نزل القرآن وجرت السنة ، فعلى
المتمتع إذا قدم مكة طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصر وقد أحل هذه للعمرة ،
وعليه للحج طوافان ، وسعي بين الصفا والمروة ، ويصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند
مقام إبراهيم (عليهالسلام) وأما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند
مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة ، وهو طواف
النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية». إلى غير ذلك من الأخبار.
ولا خلاف بين
أصحابنا في وجوبه على جميع أفراد الحاج من الرجال والنساء والصبيان والخصيان ،
وادعى عليه الإجماع في المنتهى.
ويدل على ذلك
أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن علي ابن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال :
نعم عليهم الطواف كلهم».
الثانية :
المعروف من
مذهب الأصحاب أن طواف النساء بعد السعي في الحج والعمرة المفردة ، فلا يجوز تقديمه
عليه اختيارا ويجوز مع الضرورة أو
__________________
خوف الحيض أما الأخبار الدالة على أن مرتبة التأخير عن السعي فكثيرة.
منها قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم
دخلت مكة ، ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط : تبدأ بالصفا وتختم
بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء أحرمت منه إلا النساء ثم ارجع إلى
البيت وطف به أسبوعا آخر ، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام)» الحديث.
والمراد بهذا
الأسبوع الآخر هو طواف النساء ، وقضية العطف بثم الترتيبية وجوب تأخره.
وأظهر منها ما
رواه في الكافي عن أحمد بن محمد عمن ذكره قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف
طواف النساء ثم سعى ، قال : لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء». والظاهر من جوابه
(عليهالسلام) أنه ليس عليه إلا إعادة كل إلى موضعه والإتيان
بالترتيب الشرعي.
وأما جواز
تقديمه مع الضرورة وخوف الحيض فهو مقطوع به في كلامهم ، ولم أقف فيه على نص
بالخصوص ، إلا أن المستفاد من العمومات
__________________
أن الضرورات مبيحة للمحظورات ، وقد ورد لتقديم ما حقه التأخير وتأخير ما حقه التقديم لذلك رخص
في جملة من الأحكام ، وفيه تأييد لهذا المقام ، مضافا جميع ذلك إلى لزوم الحرج من
التكليف بذلك.
والظاهر أنه
يحمل على ذلك إطلاق ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل
أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : لا يضره ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من
حجه».
والأظهر عندي
حمل الرواية المذكورة على النسيان أو الجهل ، وقد صرح الأصحاب بالصحة في الناسي
واختلفوا في إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي ولو عكسوا بأن حكموا بالصحة في الجاهل
وجعلوا الاختلاف في الناسي لكان الأقرب إلى الصواب.
وكيف كان
فالظاهر أنه لا إشكال في جواز التقديم في صورة الضرورة ، كما ذكرنا.
وأيده بعضهم
أيضا بفحوى صحيحة أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز قال : «كنت عند أبي عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه رجل ، فقال : أصلحك الله إن معناه امرأة
حائضا ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمال أن يقيم عليها ، قال : فأطرق وهو يقول :
لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ، ثم رفع رأسه ، فقال : تمضي
فقد تم حجها». قال : «وإذا جاز ترك الطواف من أصله للضرورة جاز تقديمه بطريق أولى».
__________________
الثالثة :
لو ترك طواف
النساء ناسيا لم تحل له النساء ، ويجب عليه العود والإتيان بالطواف مع المكنة ،
فان لم يتمكن من الرجوع جاز له أن يأمر من يطوف عنه طواف النساء ، ولو مات قبل ذلك
طاف عنه وليه ، ولا أعرف فيه خلافا.
وعليه تدل جملة
من الأخبار : منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى
أهله ، قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، فان هو مات فليقض عنه وليه أو
غيره ، فاما ما دام حيا فلا يصلح له أن يقضى عنه ، وإن نسي الجمار فليسا بسواء ،
إن الرمي سنة والطواف فريضة». ورواه بسند أخر عنه (عليهالسلام) أيضا مثله إلا أنه قال «حتى يزور البيت ويطوف». وترك
قوله : «أو غيره».
وفي الصحيح
أيضا عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : يرسل
فيطاف عنه ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه».
وما رواه في
كتاب الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل نسي طواف النساء
__________________
حتى يرجع إلى أهله ، قال : يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج ، فإنه لا تحل له
النساء حتى يطوف بالبيت».
قال : «وروي في من نسي طواف النساء أنه إن كان طاف طواف الوداع فهو
طواف النساء».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة ، قال : لا
تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ، قلت : فان لم يقدر قال : يأمر من يطوف عنه».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : لا تحل له
النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإن توفي قبل أن
يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل نسي أن يطوف طواف النساء حتى يرجع إلى أهله
، قال : عليه بدنة ينحرها بين الصفا والمروة».
وما رواه ابن
إدريس في المستطرفات نقلا من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى
أهله ، قال : يرسل فيطاف عنه ، وإن مات قبل أن يطاف عنه طاف عنه وليه».
__________________
إذا عرفت ذلك
فالكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : المفهوم
من كلام جملة من الأصحاب جواز الاستنابة مطلقا ، أمكن العود أم لم يمكن ، استنادا
إلى ما دل على ذلك من صحيحة معاوية بن عمار الثانية ومثلها الرواية المنقولة من مستطرفات السرائر .
والتحقيق
التفصيل كما قدمناه جمعا بين هذين الخبرين وقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية الأولى : «فأما ما دام حيا فلا يصلح أن يقضى عنه». ويدل
على ذلك صحيحة معاوية بن عمار الرابعة ، وبها يخص إطلاق وجوب الاستنابة كما في
الخبرين المذكورين.
وبما ذكرنا من
التفصيل صرح العلامة في المنتهى واختار في سائر كتبه القول بالجواز مطلقا.
الثاني : ما
ذكره الصدوق بقوله : «وروي في من نسي طواف النساء أنه إن كان طاف طواف الوداع فهو
طواف النساء». الظاهر أنه أشار إلى ما ذكره (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي وقد تقدم الكلام في ذلك في ذيل المسألة الثانية من
المقام الثالث في أحكام الطواف .
__________________
الثالث : لا
يخفى أنه قد تقدم في صحيحة الخزاز الواردة في الحائض التي لا تستطيع أن تتخلف من أصحابها
ولا يقيم عليها جمالها أنها «تمضي فقد تم حجها» وهو مشكل ، لدلالة هذه الأخبار على
وجوب الاستنابة على من تعذر عليه الرجوع ، وعدم سقوط الطواف عنه إلا بالإتيان به
بنفسه أو بنائبه ، والخبر وإن دل على تعذر المباشرة إلا أن الاستنابة ممكنة مع أنه
(ع) لم يأمر بها ، وإنما جوز المضي وترك الطواف مطلقا.
وظاهر الأصحاب
القول بالخبر المذكور من غير ارتكاب تأويل فيه. ولعله مبني على الفرق بين ما دل
عليه هذه الأخبار من حكم الناسي ، فإنه لمكان تفريطه في ترك ذلك حتى أدى إلى
نسيانه وجب عليه العود أو الاستنابة والمرأة المذكورة لما كان تركها مع الحضور
إنما هو لما ذكر من المحظور لم يلزمها الرجوع ولا الاستنابة.
وظاهر المحدث
الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في وسائله حمل الخبر المذكور على أنها تستنيب ،
وهو في غاية البعد عن سياق الخبر المذكور.
ومثله صحيحة
الخزاز المذكورة الأخرى قال : «كنت عند أبي عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه رجل ليلا فقال : أصلحك الله امرأة معنا حائض
ولم تطف طواف النساء ، فقال : لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم فقال : أصلحك الله
أنا زوجها ، وقد أحببت أن أسمع ذلك منك ، فأطرق كأنه يناجي نفسه وهو يقول : لا
يقيم عليها جمالها ولا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ، تمضي وقد تم حجها».
__________________
الرابع : الأشهر
الأظهر أنه لا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة وإن كان مورد هذه الأخبار إنما
هو الرجل ، لما عرفت آنفا من أن طواف النساء محلل للرجال والنساء ، فيحل به للرجال
ما حرم عليهم من النساء وللنساء ما حرم عليهن من الرجال. وقد سبق تحقيق الكلام في
ذلك في التنبيه الخامس المذكور آخر سابق هذا المقصد .
ومتى ثبت تحريم
الرجال عليهن بالإحرام وأنه لا يحل لهن إلا بطواف النساء فيستصحب التحريم في صورة النسيان
إلى أن يأتين به مباشرة أو استنابة.
الخامس : روى
الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل نسي طواف النساء ، قال : إذا زاد على النصف
وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه ، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف».
أقول : يجب
تقييده بعدم إمكان الرجوع للإتمام ، لما عرفت من الأخبار المتقدمة من أن الاستنابة
إنما تجوز مع تعذر الرجوع.
والمشهور بين
الأصحاب على وجه لا يكاد يظهر خلافه أنه متى حصلت الزيادة على النصف بل بلوغ النصف
في مقام النسيان أو طرو الحيض أو عروض شيء من العوارض المتقدمة فإنه يبنى على ما
فعله ويجب عليه الإتيان بالباقي مباشرة أو استنابة ، ولا فرق في ذلك بين طواف الحج
أو طواف النساء.
وقد تقدم في
باب العمرة في بحث الطواف تحقيق الكلام في المقام
__________________
والإحاطة بأطراف النقض والإبرام.
ومن ذلك أيضا
ما ورد في الحائض من البناء كذلك ما رواه الصدوق عن أبان بن عثمان عن فضيل بن يسار
عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من
النصف فحاضت نفرت إن شاءت.
ثم إن ظاهر
الخبرين المذكورين ولا سيما الأول الاكتفاء في حل النساء على الرجل والرجل على
النساء بمجرد تجاوز النصف ، ولا أعلم به قائلا من الأصحاب.
قال في الدروس
: «ولا يكفي في حل النساء تجاوز النصف إلا في رواية أبي بصير رواها الصدوق».
السادس : ما
تضمنه موثقة عمار من وجوب البدنة على من نسي طواف النساء حتى يرجع إلى
أهله لم أر به قائلا ولا عنه مجيبا ، ولعله من جملة غرائب أحاديث عمار ، فإن
الأخبار المعتضدة باتفاق كلمة الأصحاب دالة على أن الحكم في ذلك الرجوع أو
الاستنابة مع ما تقدم في جملة من الأخبار أنه لا كفارة على الناسي والجاهل إلا في الصيد خاصة ، والله سبحانه وتعالى
وقائله أعلم.
__________________
الفصل الثاني :
في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود
وفيه مسائل :
الأولى :
الظاهر أنه لا
خلاف بين أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) في أنه إذا قضى الحاج مناسكه بمكة من
طواف الزيارة والسعي وطواف النساء فإنه يجب عليه العود في يوم النحر إلى منى
والمبيت بها ليالي التشريق ، وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ونسبه
في المنتهى إلى علمائنا أجمع مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، والأخبار به متظافرة كما
ستقف عليه إن شاء الله تعالى» فان بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة دم شاة إلا ما
استثني ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ونقل عن الشيخ
في التبيان أنه قال باستحباب المبيت.
أقول : قد تقدم
النقل عنه ، أيضا في الكتاب المذكور القول باستحباب مناسك منى ، وهو الذي قدمنا
نقله عن الشيخ أبي علي الطبرسي أيضا من القول باستحباب جميع مناسك منى السابقة ،
واللاحقة.
وكيف كان فهو
قول مرغوب عنه ، والأخبار بخلافه متظافرة ، وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من أخبار
المسألة كملأ ، وأذيلها بما رزقني الله فهمه منها وما ذكره أصحابنا (رضوان الله
تعالى عليهم) من الأحكام في المقام.
(فمنها) ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى ، فان بت بغيرها
فعليك دم ، وإن خرجت أول الليل فلا ينتصف لك الليل إلا وأنت بمنى ، إلا أن يكون
شغلك بنسكك أو قد خرجت من مكة ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح بغيرها».
وزاد في الكافي قال : «وسألته عن رجل زار عشيا فلم يزل في طوافه ودعائه
وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر ، قال : ليس عليه شيء كان في طاعة
الله تعالى».
و (منها) ما
رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان قال : «قال أبو الحسن (عليهالسلام) : سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة ،
فقلت : لا أدري ، فقلت له جعلت فداك ما تقول فيها؟ قال : عليه دم إذا بات ، فقلت :
إن كان حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه وسعيه لم يكن لنوم ولا لذة أعليه مثل ما
على هذا ، قال : ليس هذا بمنزلة هذا ، وما أحب أن ينشق له الفجر إلا وهو في منى».
وما رواه في
الفقيه والتهذيب عن جعفر بن ناجية قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عمن بات ليالي منى بمكة ، قال : عليه ثلاثة من الغنم
يذبحهن».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن العيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزيارة من منى ، قال :
__________________
إن زار بالنهار أو عشيا فلا ينفجر الفجر إلا وهو بمنى ، وإن زار بعد نصف
الليل أو بسحر فلا بأس أن ينفجر الفجر وهو بمكة».
وما رواه في
التهذيب عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت
إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت
بغير منى».
وفي الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) أنه قال في الزيارة : «إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس
فلا تصبح إلا بمنى».
وعن علي بن
جعفر في الصحيح عن أخيه (عليهالسلام) «عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح ، قال : إن
كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه».
وما رواه
الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) مثله معنى إلا أنه زاد على ما هنا «وإن كان خرج من منى
بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شيء».
وعن عبد الغفار
الجازي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح
بمكة ، قال : لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة أو يهريق دما ، فان خرج من منى بعد
نصف الليل لم يضره شيء».
__________________
وعن جميل بن
دراج في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم ،
وإن كان قد خرج منها فليس عليه شيء وإن أصبح دون منى».
ورواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل عن بعض أصحابنا «في رجل زار فنام في الطريق» الحديث. وقال بعده : «وجاء رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في الرجل يزور فينام دون منى ، قال : إذا جاز عقبة
المدنيين فلا بأس أن ينام».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن (عليهالسلام) «في الرجل يزور ثم ينام دون منى ، فقال : إذا جاز عقبة
المدنيين فلا بأس أن ينام».
وما رواه في
الكافي والفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاز بيوت
مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه».
__________________
وما رواه الشيخ
عن أبي الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الدلجة إلى مكة أيام منى وأنا أريد أن أزور البيت ،
فقال : لا حتى ينشق الفجر ، كراهية أن يبيت الرجل بغير منى».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن العيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى ، قال : ليس عليه شيء
، وقد أسا».
وعن سعيد بن
يسار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل ، فقال : لا بأس».
وعن علي ـ والظاهر
أنه ابن أبي حمزة ـ عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل زار البيت فطاف بالبيت وبالصفا
والمروة ثم رجع فغلبته عيناه في الطريق فنام حتى أصبح قال : عليه شاة».
وعن ليث
المرادي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت
فيطوف بالبيت تطوعا ، فقال : المقام بمنى أفضل وأحب إلي». ورواه في الفقيه عن ليث
المرادي مثله.
وما رواه في
الفقيه والتهذيب في الصحيح عن جميل بن دارج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام
منى فلا يبيت بها».
__________________
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن رفاعة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يزور البيت في أيام التشريق ، قال : نعم إن
شاء».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليهالسلام) : رجل زار فقضى طواف حجه كله أيطوف بالبيت أحب إليك أم
يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : أي ذلك شاء فعل ما لم يبت».
وعن يعقوب بن
شعيب في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن زيارة البيت أيام التشريق ، فقال : حسن».
وما رواه في
الكافي عن عيص بن القاسم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزيارة بعد زيادة الحج في أيام التشريق ، قال : لا».
وما رواه في
الكافي عن ابن بكير في الموثق عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تدخلوا منازلكم بمكة إذا زرتم يعني أهل مكة».
وما رواه في
كتاب العلل بسنده عن مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليهالسلام) «إن العباس استأذن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن يبيت بمكة ليالي منى ، فأذن له رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من أجل سقاية الحاج».
وما رواه
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري عن
__________________
جعفر عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) قال : «في الرجل أفاض الى البيت فغلبته عيناه حتى أصبح
، قال : لا بأس عليه ، ويستغفر الله ولا يعود».
أقول : والكلام
في هذه الأخبار يقع في جملة من المواضع.
الأول : أن ما
تضمنه صحيح معاوية بن عمار الأول وكذا صحيح صفوان وصحيح علي بن جعفر وصحيح جميل بن
دراج من وجوب الدم على من بات بمكة أو غير منى فهو مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه الا أن
ما دلت عليه صحيحة العيص بن القاسم ومثلها صحيحة سعيد بن يسار من أنه ليس عليه شيء
لا يخلو من مدافعة.
وحملهما الشيخ
على من بات بمكة مشغولا بالدعاء والمناسك بها أو على من خرج من منى بعد انتصاف
الليل ، ولا بأس به.
ويمكن أيضا
حملهما على الجاهل وإن كان إطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين العامد والجاهل ، وفي
بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد أن الجاهل لا شيء عليه ، وهو جيد ، لما
عرفته في تضاعيف الأبحاث المتقدمة والأحاديث المتكررة من معذورية الجاهل.
ولا يبعد أيضا
بل لعله الأقرب حملهما على التقية لأن مذهب أبي حنيفة أنه لو ترك المبيت لا شيء
عليه ، وللشافعي قول بأنه إذا ترك المبيت ليلة واحدة فعليه مد ، وفي قول آخر درهم.
ويشير الى ذلك
أيضا قوله (عليهالسلام) في صحيحة صفوان : «سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من
ليالي منى بمكة ، فقلت : لا ادري» فإنه من المعلوم أن السائل من هؤلاء ، وعدوله عن
جوابه إنما هو لما ذكرناه.
الثاني : أن
المستفاد من صحيحة هشام بن الحكم وصحيحة جميل بن دراج وصحيحة محمد بن إسماعيل أنه
لو نام بعد خروجه من مكة على وجه يخرج من حدودها التي آخرها عقبة المدنيين فليس
عليه شيء ، وعلى هذا فوجوب الدم إنما هو على من نام في مكة وما يدخل في حدودها.
وحينئذ فيجب
حمل رواية علي ـ الذي قد ذكرنا أن الظاهر أنه ابن أبي حمزة الدالة على وجوب الشاة
على من غلبته عيناه في الطريق فنام حتى أصبح على ما إذا لم يخرج عن حدود مكة.
ويؤيد ما
ذكرناه ما ذكره في الدروس قال : «وروى الحسن في من زار وقضى نسكه ثم رجع إلى منى
فنام في الطريق حتى يصبح إن كان قد خرج من مكة وجاز عقبة المدنيين فلا شيء عليه
وان لم يجز العقبة فعليه دم ، ونحوه روى هشام بن الحكم عن الصادق (عليهالسلام) إلا أنه لم يذكر حكم الذي لم يتجاوز» انتهى.
أقول :
والرواية الأولى لم أقف عليها إلا في كلامه (قدسسره) هنا.
الثالث : أنه
قد استثنى الأصحاب من وجوب الدم من بات بمكة مشتغلا بالعبادة في الليالي التي يجب
المبيت فيها بمنى ، سواء كان خروجه من منى لذلك قبل غروب الشمس أو بعده.
ونقل عن ابن
إدريس أنه أوجب الكفارة على المشتغل بالعبادة كغيره ، وهو ضعيف مردود بما تقدم من
صحيحة معاوية بن عمار الأولى ولا سيما الزيادة المنقولة ذيلها من الكافي ،
وصحيحة صفوان وصحيحة
__________________
معاوية بن عمار الثانية .
وقد نص
الشهيدان (رحمهماالله تعالى) على أنه يجب استيعاب الليل في العبادة إلا ما
يضطر إليه من غذاء أو شراب أو نوم يغلب عليه ، وصرحا بأنه إذا أكمل الطواف والسعي
قبل الفجر وجب عليه إكمال الليل بما شاء من العبادة.
واعترضهما في
المدارك بأن الأخبار لا تعطي ذلك ، وهو كذلك ، فان الظاهر منها إنما هو الاشتغال
بمناسكه الموظفة لا ما شاء من العبادات ، وعلى هذا فالأولى المبادرة إلى الرجوع
إلى منى بعد فراغه من مناسكه ، دون الاشتغال بشيء من العبادات الخارجة ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة صفوان : «وما أحب أن ينشق له الفجر إلا وهو بمنى».
وفي صحيحة عيص
بن القاسم : «فلا ينفجر الفجر إلا وهو بمنى».
قال في الدروس
: «ولو فرغ من العبادة قبل الانتصاف ولم يرد العبادة بعده وجب عليه الرجوع إلى منى
ولو علم أنه لا يدركها قبل انتصاف الليل على إشكال».
والظاهر أن وجه
الإشكال ينشأ من تحريم الكون بمكة لغير العبادة ومن انتفاء الفائدة في الخروج ، إذ
لا يدرك شيئا من المبيت الواجب ، ثم قال : «وأولى بعدم الوجوب إذا علم أنه لا
يدركها حتى يطلع الفجر».
الرابع : أنه
يستثني من وجوب الدم أيضا ما لو كان الخروج من منى بعد انتصاف الليل ، بمعنى أنه
يكفي في وجوب المبيت بها أن يتجاوز
__________________
الكون بها نصف الليل ، فله الخروج بعد الانتصاف حينئذ.
ونقل عن الشيخ (رحمهالله) أنه لا يدخل مكة حتى يطلع الفجر ، وهو ضعيف مردود
بإطلاق الأخبار الدالة على الاذن في الخروج بعد الانتصاف ، كقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار الثانية : «فإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت بغير منى».
وقوله (عليهالسلام) في رواية الحميري : «وإن كان خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس
عليه شيء». ومثلها رواية عبد الغفار الجازي بل صحيحة عيص بن القاسم الأولى ظاهرة في جواز دخول مكة قبل الفجر ، لقوله (عليهالسلام): «وان زار بعد نصف الليل أو بسحر فلا بأس أن ينفجر
الفجر وهو بمكة».
الخامس : أن ما
دلت عليه رواية جعفر بن ناجية من وجوب ثلاث من الغنم على من بات ليالي منى بمكة قول
الشيخ في النهاية وابن إدريس والعلامة في المختلف وجمع من الأصحاب.
وقال الشيخ في
المبسوط والخلاف : «من بات عن منى ليلة كان عليه دم ، فان بات عنها ليلتين كان
عليه دمان ، فان بات الليلة الثالثة لا يلزمه ، لأن له النفر في الأول ، وقد ورد
في بعض الأخبار أن من بات ثلاث ليال عن منى فعليه ثلاث دماء ، وذلك محمول على
الاستحباب أو على من لم ينفر في الأول حتى غابت الشمس».
واعترضه ابن
إدريس فقال : «التخريج الذي خرجه الشيخ لا يستقيم له ، وذلك أن من عليه كفارة لا
يجوز له أن ينفر في النفر الأول بغير
__________________
خلاف ، فقوله (رحمهالله) : أن ينفر في النفر الأول غير مسلم ، لأن عليه كفارة
لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين».
أقول : لا يخفى
أن الكلام في هذه المسألة متفرع على الكلام في مسألة النفر الأول ، وذلك فإنه لا
خلاف في جوازه لمن اتقى ، كما دلت عليه الآية .
لكن بقي الكلام
في أن المراد بالتقى هل هو من اتقى الصيد والنساء في إحرامه أو من لم يكن عليه
كفارة ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله.
وكلام الشيخ في
الخلاف والمبسوط مبني على الأول ، فيجوز له النفر الأول ، ومتى جاز له لم يلزمه دم
، والرواية عنده محمولة على من غابت عليه الشمس في الليلة الثالثة ، أو لم يتق
الصيد أو النساء ، لوجوب المبيت في هاتين الصورتين.
وكلامه في
النهاية وكذا كلام ابن إدريس محمول على الثاني ، كما أشار إليه ابن إدريس في
عبارته المذكورة أولا بقوله : «وذلك أن من عليه كفارة لا يجوز له أن ينفر في النفر
الأول» وقوله ثانيا : «لأن عليه كفارة ، لأجل إخلاله بالمبيت ليلتين» وحينئذ فتكون
الرواية عنده على ظاهرها.
السادس : ما دل
عليه صحيح رفاعة من جواز زيارة البيت أيام التشريق بما صرح به الأصحاب
أيضا.
قال في المنتهى
«ويجوز له أن يأتي إلى مكة أيام منى لزيارة البيت
__________________
تطوعا وإن كان الأفضل المقام بها إلى انقضاء أيام التشريق إلا أنه لا يبيت
إلا بمنى على ما قدمناه».
أقول : ويدل
على ما ذكره من أفضلية المقام بمنى رواية ليث المرادي وأما ما دلت عليه صحيحة عيص بن القاسم من النهي عن الزيارة بعد زيارة الحج أيام التشريق فهو
في معنى حديث ليث المرادي.
السابع : قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه رخص في ترك المبيت لثلاثة : الرعاة
ما لم تغرب عليهم الشمس بمنى ، وأهل سقاية العباس وإن غربت عليهم الشمس بمنى ، وكذا من له ضرورة بمكة
كمريض يراعيه أو مال يخاف ضياعه بمكة.
وعلل في
المنتهى الفرق بين الرعاة وأهل السقاية ـ باعتبار وجوب المبيت على الأولين مع
الغروب دون الأخيرين ـ أن الرعاة إنما يكون رعيهم بالنهار ، وقد فات فتفوت الضرورة
فيجب عليهم المبيت ، وأما أهل السقاية فشغلهم ليلا ونهارا ، فافترقا.
وقال في الدروس
بعد تعداد هذه المواضع : «وتسقط الفدية عن أهل السقاية والرعاة ، وفي سقوطها عن
الباقين نظر».
أقول : لم أقف
في الأخبار على ما يتعلق بهذا المقام إلا على رواية مالك بن أعين المتقدم نقلها عن كتاب العلل الدالة على استئذان العباس
من النبي (صلىاللهعليهوآله) أن يبيت بمكة ليالي منى لأجل
__________________
سقاية الحاج فأذن له ، وهي صريحة في جواز المبيت لأجل السقاية في مكة تلك
الليالي من غير دم ولا إثم.
المسألة الثانية :
يجب أن يرمي في
كل يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث ، كل جمرة بسبع حصيات.
قال في المنتهى
: «ولا نعلم خلافا في وجوب الرمي ، وقد يوجد في بعض العبارات أنه سنة ، وذلك في
بعض أحاديث الأئمة (عليهمالسلام) وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود ، وهو محمول على أنه
ثابت بالسنة لا أنه مستحب».
أقول : ما ذكره
من تأويل السنة بالحمل على ما ثبت وجوبه بالسنة جيد بالنسبة إلى الروايات متى وجد
فيها هذا اللفظ مع معلومية الوجوب بدليل آخر ، وأما في عبائر الفقهاء فإنهم إنما
يطلقونه على المعنى الأصولي المتعارف ، وتصريح الشيخ في الجمل والعقود بكون الرمي
سنة انما جرى على ما قدمنا نقله عن التبيان من حكمه باستحباب هذه المناسك ، ومثله
ما تقدم في كلام أمين الإسلام الطبرسي في تفسيره مجمع البيان.
وكيف كان فهذا
القول مرغوب عنه ، لتكاثر الاخبار بالأوامر الدالة على الوجوب ، كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في المقام.
وينبغي أن يعلم
أنه يجب هنا زيادة على ما تضمنته شروط الرمي المتقدمة الترتيب ، يبدأ أولا بالأولى
ثم بالوسطى ثم جمرة العقبة ، ولو رماها
__________________
منكوسة أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.
أما وجوب
الترتيب فهو قول علمائنا أجمع ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ارم في كل يوم عند زوال الشمس ، وقل كما قلت
حين رميت جمرة العقبة ، وابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل ،
وقل كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن
عليه وصل على النبي وآله ، ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله ان يتقبل منك ، ثم تقدم
أيضا وافعل ذلك عند الثانية ، فاصنع كما صنعت بالأولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ،
ثم تمضى إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها.
واما ما يدل
على وجوب الإعادة على الوجه المذكور لو رمى منكوسة ، فمنه ، ما رواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل رمى الجمار منكوسة قال يعيد على الوسطى وجمرة
العقبة.
وعن مسمع في الحسن ربه ، عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل نسي رمى الجمار يوم الثاني فبدأ بجمرة العقبة
ثم الوسطى ثم الأولى يؤخر ما رمى بما يرمى ، ويرمى الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة».
قوله «يوم
الثاني» أي يوم الرمي الثاني ، قوله «يؤخر ما رمى بما يرمى» أى يؤخر ما قدم رميه
نسيانا وهو جمرة العقبة بما يرمى اعادة له :
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «قلت له : الرجل ينكس في رمى الجمار
فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى؟ قال : يعود فيرمى الوسطى ثم يرمى جمرة
العقبة وان كان من الغد».
__________________
وما رواه في
الفقيه عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «قلت له : الرجل يرمى الجمار منكوسة قال
: يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة».
المسألة
الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب ان الرمي أيام التشريق ما بين طلوع الشمس الى
الغروب ، وان كان كلما قرب من الزوال أفضل ، ذهب اليه الشيخ في النهاية ، والمبسوط
والمفيد والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة وابن الجنيد وابن ابى عقيل وغيرهم ،
فقال الشيخ في الخلاف «لا يجوز الرمي أيام التشريق الا بعد الزوال ، وقد روى رخصة
قبل الزوال في الأيام كلها» وقال الشيخ على بن الحسين بن بابويه في رسالته : «ومطلق
لك في رمى الجمار من أول النهار الى الزوال ، وقد روى من أول النهار الى آخره»
وقال ابنه في المقنع «وارم الجمار في كل يوم بعد طلوع الشمس الى الزوال ، وكل ما
قرب من الزوال فهو أفضل» ونحوه قال في كتاب من لا يحضره الفقيه «وزاد وقد رويت
رخصة من أول النهار الى آخره.
والظاهر هو
القول الأول ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن منصور بن حازم وابي
بصير جميعا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «رمى الجمار من طلوع الشمس الى غروبها».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «قلت له : الى متى يكون رمى الجمار؟
فقال : من ارتفاع النهار الى غروب الشمس».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن منصور بن حازم قال : «سمعت أبا عبد الله
__________________
(عليهالسلام) يقول : رمى الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها».
وفي الصحيح أو
الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) «انه قال للحكم بن عتيبة ما حد رمى الجمار؟ فقال : عند
الزوال ، فقال أبو جعفر (عليهالسلام) أرأيت لو كانا رجلين فقال أحدهما لصاحبه : احفظ علينا
متاعنا حتى ارجع أكان يفوته الرمي وهو والله ما بين طلوع الشمس الى غروبها».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن صفوان بن مهران قال : «سمعت أبا ـ عبد الله عليهالسلام ، يقول : رمى الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها».
ونقل عن الشيخ
في الخلاف أنه احتج بإجماع الفرقة وطريق الاحتياط ، وان من رمى بعد الزوال كان
فعله مجزئا إجماعا ، وقبله ليس كذلك لوجود الخلاف فيه وبما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنه قال : ارم في كل يوم عند زوال الشمس».
وأجيب عنه
بالمنع من الإجماع في موضع النزاع ، بل قال في المختلف : ان الإجماع قد دل على
خلاف قوله ، وعن الاحتياط أنه ليس بدليل شرعي ، مع أنه معارض بأصالة البراءة ، وعن
الرواية بالحمل على الاستحباب جمعا.
أقول : وهذه
الرواية هي مستند الأصحاب في الأفضلية لما قرب من الزوال ، وقال في كتاب الفقه
الرضوي : «ومطلق لك الرمي من أول النهار الى زوال الشمس ، وقد
روى من أول النهار الى آخره ، وأفضل ذلك ما قرب من الزوال».
أقول : ومن هذه
العبارة أخذ الشيخ على بن بابويه (رحمة الله عليه) عبارته المتقدمة بلفظها ، وكذا
ابنه الصدوق في المقنع ومن لا يحضره الفقيه بمعناها ، ولا يجوز الرمي ليلا إلا
لذوي الأعذار كالخائف والمريض والرعاة والعبيد.
__________________
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ، ويضحى ويفيض
بالليل».
وعن سماعة بن
مهران في الموثق عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «رخص للعبد والخائف والواعي في الرمي ليلا».
وما رواه ابن
بابويه عن أبى بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الذي ينبغي له أن يرمى بليل من هو؟ قال : الحاطبة
والمملوك الذي لا يملك من أمره شيئا والخائف والمدين والمريض الذي لا يستطيع أن
يرمى ، يحمل الى الجمار فان قدر أن يرمى والا فارم عنه وهو حاضر».
وما رواه
الكليني عن سماعة في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) انه كره رمى الجمار بالليل ، ورخص للعبد والراعي في
رمى الجمار ليلا».
وعن أبى بصير قال : قال : أبو عبد الله عليهالسلام رخص رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لرعاة الإبل إذا جاؤوا بالليل أن يرموا».
ومن تعذر عليه
الرمي وجب أن يرمى عنه ، ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار
وعبد الرحمن ابن الحجاج جميعا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الكسير والمبطون يرمى عنهما والصبيان يرمى عنهم».
وعن إسحاق بن
عمار «أنه سأل أبا
الحسن (عليهالسلام) عن المريض ترمى عنه الجمار ، قال : نعم يحمل إلى
الجمرة ويرمى عنه ، قال : لا يطيق ، فقال يترك في منزله ويرمى عنه.
وما رواه الشيخ
عن رفاعة بن موسى عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال :
__________________
سألته عن رجل أغمي عليه ، فقال : ترمى عنه الجمار».
وعن داود بن
على اليعقوبي قال : سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن المريض لا يستطيع أن يرمى الجمار فقال يرمى عنه».
وعن يحيى بن
سعيد عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن امرأة سقطت من المحمل فانكسرت ولم تقدر
على رمى الجمار ، فقال : يرمى عنها وعن المبطون».
وعن حريز في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف به.
وعن حريز في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه ، قال : نعم
إذا كان لا يستطيع».
ولا يشترط في
استنابة المريض اليأس من البرء عملا بالإطلاق ولو زال عذره بعد فعل نائبه فلا
اعادة عليه ولو أغمي على المريض بعد الاستنابة لم ينعزل النائب للأصل وإطلاق
الاخبار.
ونقل عن بعض
المتأخرين انه استشكل ذلك بأن الإغماء يوجب زوال الوكالة فتزول النيابة.
قال في المدارك
«وهو ضعيف ، لأن إلحاق هذه الاستنابة بالوكالة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس ،
مع أنا نمنع ثبوت الحكم في الأصل ان لم يكن إجماعيا على وجه لا يجوز مخالفته ،
لانتفاء الدليل عليه» انتهى.
أقول : ويظهر
من موثقة إسحاق استحباب حمل المريض إلى الجمرة والرمي
__________________
بحضوره ، ومثلها رواية أبي بصير المتقدمة ، ويستفاد من صحيحة رفاعة أنه لو
أغمي عليه قبل الاستنابة فإنه يرمى عنه بعض المؤمنين ، سيما إذا خيف فوات الوقت ،
وربما ظهر من الرواية وجوب ذلك كفاية.
المسألة
الرابعة ـ قد تقدم أنه من المقطوع به نصا وفتوى وجوب الترتيب بين الجمار الثلاث ،
وعن المقطوع به فيها أيضا أنه يحصل الترتيب بمتابعة أربع حصيات لا أقل ، فيبني
عليها.
ويدل عليه ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وقال في رجل رمى الاولى بأربع
والأخيرتين بسبع سبع ، قال يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ ، وان كان رمى الاولى
بثلاث ورمى الأخيرتين بسبع سبع فليعد فليرمهن جميعا بسبع سبع ، وان كان رمى الوسطى
بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع ، فان كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث»
الحديث.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع
والثالثة بسبع قال : يعيد برميهن جميعا بسبع سبع ، قلت : فان رمى الاولى بأربع
والثانية بثلاثة والثالثة بسبع؟ قال : يرمى الجمرة الأولى بثلاث ، والثانية بسبع ،
ويرمى جمرة العقبة بسبع ، قلت : فان رمى الجمرة الأولى بأربع والثانية بأربع
والثالثة بسبع؟ قال : يعيد فيرمي الأولى بثلاث ، والثانية بثلاث ، ولا يعيد على
الثالثة».
وعن على بن
أسباط قال : قال أبو الحسن (عليهالسلام): إذا رمى الرجل الجمار أقل من أربع لم يجزه ، أعاد
عليها وأعاد على ما بعدها وان كان قد أتم ما بعدها. وإذا رمى شيئا منها أربعا بنى
عليها ولم يعد على ما بعدها ان كان قد أتم رميه».
__________________
وحسنة الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في رجل رمى الجمار منكوسة ، قال : يعيد على الوسطى
وجمرة العقبة». وان كان قد رمى من الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات وأتم الجمرتين
الأخيرتين ، فليعد على الثلاث الجمرات ، وان كان قد رمى من الأولى أربعا فليتم ذلك
، ولا يعيد على الأخيرتين ، وكذلك ان كان قد رمى من الثانية ثلاثا فليعد عليها
وعلى الثالثة ، وان كان قد رماهما بأربع ورمى الثالثة بسبع فليتمها ولا يعيد
الثالثة.
وهذه الرواية
الأخيرة نقلها السيد السند في المدارك ، ولم أقف عليها في كتب الاخبار ولا سيما
الوافي والوسائل الجامعين لما في الكتب الأربعة ، بل وغيرها
والظاهر أن نقل
الرواية بهذه الكيفية وقع سهوا من صاحب المدارك ، وذلك فان الظاهر أن صاحب المدارك
انما نقلها من التهذيب ، وصاحب التهذيب انما نقلها من الكافي حيث أنه نقل قبل هذه
الرواية سندا هكذا صورته «محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا ثم ساق الرواية ، ثم
قال بعد تمام هذه الرواية : وعنه عن على بن إبراهيم عن أبيه ثم ساق حسنة الحلبي
المذكور ، وهو في الكافي إلى قوله «يعيد على الوسطى وجمرة العقبة» وبه يظهر أن
قوله وان كان قد رمى من الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات الى آخر ما نقله في
المدارك انما هو من كلام الشيخ في التهذيب ، كما يدل عليه استدلاله بعد هذا الكلام
بالروايات.
ولكن صاحب
المدارك توهم أنه من متن الرواية ، وقد غفل عن ملاحظة المخبر من الكافي ، فإنه عار
عن هذه الزيادة ، والموجود فيه هو ما نقلناه ، كما لا يخفى على من راجعه.
وإطلاق هذه
الاخبار وان كان يقتضي البناء على الأربع مطلقا ، عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا الا
أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) قيدوها بحالتي الجهل والنسيان ، وصرحوا بوجوب
الإعادة من رأس على التي لم يكمل عددها سبعا مع العمد
__________________
وعلى التي بعدها ، لتحريم الانتقال إلى المتأخرة قبل إكمال المتقدمة وهو
جيد لما ثبت من وجوب الرمي بسبع.
وبالجملة
فالظابط على تقدير الجهل والنسيان أن من رمى واحدة أربعا وانتقل منها إلى الأخرى
كفاه إكمال الناقصة وان كان أقل من أربع ، فلا خلاف في أنه يستأنف ما بعدها ، لما
تقدم من تحريم الانتقال إلى المتأخرة قبل إكمال المتقدمة وانما الخلاف في استيناف
الناقصة وإكمالها ، فالمشهور الأول وهو المعتضد بالأخبار المتقدمة ، ونقل عن ابن
إدريس الاكتفاء بإكمالها ، لعدم وجوب الموالاة في الرمي.
وفي كتاب الفقه
الرضوي «وان جهلت ورميت إلى الأولى بسبع والى الثانية بست ، والى الثالثة بثلاث
فارم إلى الثانية بواحدة وأعد الثالثة ، ومتى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله ،
ومتى ما جزت النصف فابن على ذلك ، وان رميت إلى الجمرة الأولى دون النصف فعليك أن
تعيد الرمي إليها والى ما بعدها من أوله».
وهذه العبارة
بلفظها قد نقلها في المختلف عن الشيخ على بن بابويه ، وهو من جملة ما قدمنا ذكره
في غير موضع من أخذ عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها.
المسألة
الخامسة ـ لا خلاف في ان من ترك الرمي عامدا وجب عليه قضاؤه ولا يحرم عليه بذلك شيء
من محذورات الإحرام لأنه قد أحل بعد طواف النساء من جميع المحرمات ، وهذا الرمي
متأخر عنه.
واما ما ورد في
رواية عبد الله بن جبلة عن الصادق عليهالسلام ، قال : «من ترك رمى الجمار متعمدا لم تحل له النساء ،
وعليه الحج من قابل». فهو مع كونه معارضا بالأخبار المستفيضة الدالة على التحليل بالمحللات
الثلاثة المتقدمة لا قائل به من الأصحاب.
__________________
وقال الشهيد في
الدروس : انها محمولة على الاستحباب ، لعدم الوقوف على القائل بالوجوب.
وقال في
المنتهى : قال الشيخ (رحمة الله عليه) وقد روى أن من ترك الجمار متعمدا لا تحل له
النساء وعليه الحج من قابل ، رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، ثم ساق الرواية المشار
إليها إلى أن قال : قال الشيخ وهذا محمول على الاستحباب ، لأنا قد بينا في كتابنا
الكبير أن الرمي سنة وليس بفرض ، وإذا لم يكن فرضا ولا هو من أركان الحج لم يجب
عليه اعادة الحج بتركه ، ثم قال في المنتهى : وهذا يدل على اضطراب رأى الشيخ (رحمة
الله عليه) في وجوب الرمي.
أقول : قد عرفت
في غير موضع مما تقدم تصريحه بالاستحباب في الرمي ، ونحوه من مناسك منى وأكثر
كلامه يدور على ذلك ، واستصوب في الوافي حمل الرواية المذكورة على من ترك الرمي
استخفافا وبالجملة فالخبر غير معمول به ، وقائله أعرف به.
ولو تركه
نسيانا فان ترك رمى يوم قضاه من الغد مرتبا يبدء بالفائت ويعقب بالحاضر ، ويستحب
أن يكون ما يرميه لأمسه غدوة ، وما يرميه ليومه عند الزوال.
أما وجوب قضاء
ما فاته من الغد فيدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت : الرجل ينكس في رمى الجمار فيبدأ بجمرة
العقبة ثم الوسطى ثم العظمى قال : فيعود فيرمى الوسطى ثم يرمى جمرة العقبة وان كان
من الغد».
ويدل على
الحكمين معا ما رواه في الكافي الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض
فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس قال : يرمى إذا أصبح مرتين إحديهما بكرة وهي للأمس
، والأخرى عند زوال الشمس وهي ليومه». ورواه
__________________
الصدوق في الفقيه في الصحيح عنه مثله.
ورواه الشيخ في
الصحيح أيضا عنه الا انه «قال يرمى إذا أصبح مرتين مرة لما فاته والأخرى
ليومه الذي يصبح فيه وليفرق بينهما أحدهما بكرة وهي للأمس» الحديث.
وما رواه الشيخ
عن بريد بن معاوية العجلي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني ، قال :
فليرمها في اليوم الثالث لما فاته ، ولما يجب عليه في يومه ، قلت : فان لم يذكر
الا يوم النفر قال : فليرمها ولا شيء عليه».
قال : في
المدارك «وينبغي إيقاع الفائت بعد طلوع الشمس وان كان الظاهر جواز الإتيان به قبل
طلوعها أيضا لإطلاق الخبر.
أقول : يمكن
المناقشة فيه بأن ما دل من الاخبار المتقدمة على التحديد بما بين طلوع الشمس الى
غروبها أعم من الأداء والقضاء ، فيكون إطلاق هذا الخبر مقيدا بتلك الاخبار.
ويؤيده أيضا رواية
إسماعيل بن همام قال : «سمعت أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) يقول : لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس».
والروايات
المتقدمة الدالة على تخصيص الرمي في غير هذا الوقت بأصحاب الاعذار ، وبما ذكرنا
صرح في المنتهى ايضا حيث قال بعد ذكر هذا الوقت في الأداء «وكذلك القضاء فإنه بعد
طلوع الشمس من اليوم الثاني».
وروى في الكافي
عن عبد الأعلى عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : قلت له : رجل رمى الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة
في الحصا؟ قال : يعيدها ان شاء من ساعته ، وان شاء من الغد».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) انه قال
__________________
في رجل أخذ احدى وعشرين حصاة فترمي بها فزاد واحدة فلم يدر من أيتهن نقصت ،
قال : فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة ، ولو نسي الرمي حتى نزل إلى مكة رجع ورمى.
ويدل عليه ما
رواه الكليني في الصحيح. أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له رجل نسي ان يرمى الجمار حتى اتى مكة قال
: فيرجع فيرميها يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فاته ذلك وخرج؟ قال ليس عليه شيء».
وما رواه الشيخ
عن معاوية بن عمار في الصحيح قال : قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي رمى الجمار قال : يرجع فيرميها قلت : فان
نسيها حتى اتى مكة قال يرجع فيرمى متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فإنه
نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال : ليس عليه شيء أن يعيد».
وما رواه في
الكافي والفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) ما تقول في امرأة جهلت أن ترمى الجمار حتى نفرت إلى
مكة قال : فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمى والرجل كذلك».
وينبغي أن يعلم
أن ما دل عليه إطلاق هذه الاخبار من القضاء مطلقا وان كان بعد القضاء أيام التشريق
، وأنه بعد الخروج ليس عليه شيء كما في الخبر الأول أو ليس عليه أن يعيد» مقيد
بما صرح به الأصحاب من ان القضاء لا يكون إلا في أيام التشريق ومع فواتها فيجب
القضاء في القابل بنفسه أو نائبه.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : من أغفل رمى الجمار أو بعضها حتى تمضى أيام
التشريق ، فعليه أن يرميها
__________________
من قابل ، فان لم يحج رمى عنه وليه ، فان لم يكن له ولى استعان برجل من
المسلمين يرمى عنه ، فإنه لا يكون رمى الجمار إلا أيام التشريق.
والشيخ قد حمل
قوله في الصحيحتين المذكورتين «ليس عليه شيء أو أن يعيد» على الإعادة في ذلك
العام ، وأنه يجب عليه الإعادة في العام القابل ، واستدل على ذلك برواية عمر بن
يزيد المذكورة.
وصريح المحقق
في النافع وظاهره في الشرائع ان الإعادة في القابل انما هي على سبيل الاستحباب
واليه مال في المدارك ، لضعف رواية عمر بن يزيد المذكورة فيبقى العمل بإطلاق
الصحيحتين المذكورتين سالما عن المعارض وهو جيد على أصله الغير الأصيل.
فروع ـ الأول لو
فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتبا بينها ، لاحتمال كونها الاولى ،
فيبطل رمى الأخيرتين ، وهذا الحكم متفرع على وجوب الترتيب ، وكذا لو فاته أربع
حصيات من جمرة وجهلها ، فإنه يكون في حكم عدم الرمي بالكلية لما تقدم.
ولو فاته دون
الأربع كرره على الثالث ولا يجب الترتيب هنا ، لأن الفائت من واحدة لا غير ، ووجوب
الباقي انما هو من باب المقدمة ، كما لو فاته فريضة من الخمس مشتبهة فيها ، فإنه
لا يجب عليه الترتيب.
الثاني : لو
فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتيب لتعدد الفائت بالإضافة.
الثالث : لو
فاته ثلاث وشك في كونها من واحدة أو أكثر رماها من كل واحدة مرتبا لجواز التعدد
فلا يحصل اليقين بالبراءة إلا به ، وأما لو كان الفائت أربعا فقد عرفت أنه يستأنف.
المسألة السادسة
قد صرح الأصحاب
بأنه من المستحبات هنا الإقامة بمنى أيام التشريق ، لما تقدم
في صحيح عيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزيارة بعد زيارة الحج في أيام التشريق ، فقال :
لا».
ورواية ليث
المرادي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت
، فيطوف بالبيت أسبوعا فقال : المقام بمنى أفضل وأحب الى».
وقد ورد بما
يدل على جواز الطواف في المدة المذكورة روايات ، منها صحيحة رفاعة المتقدمة قريبا .
ومنها
صحيحة جميل بن
دراج عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى
ولا يبيت بها.
وصحيحة يعقوب
بن شعيب قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن زيارة البيت أيام التشريق ، فقال : حسن». ولا منافاة
فإن جواز الطواف لا ينافي أفضلية المقام.
روى الشيخ في
الموثق عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام رجل زار فقضى طواف حجه كله ، أيطوف بالبيت أحب إليك أم
يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال : أى ذلك شاء فعل ما لم يبت». فإنه ربما أشعر
بالمساواة بين الأمرين ، ويمكن حمل التخيير على الفضيلة دون الأفضلية. مع احتمال
التقية
ومنها أن يرمى
الجمرة الأولى عن يمينه وهي أبعد الجمرات من مكة ، وتلي مسجد الخيف ، ويقف ويدعو
وكذلك الثانية ، ويرمى الثالثة ، وهي جمرة العقبة مستدبر القبلة مقابلا لها ولا
يقف عندها.
__________________
ويدل على ذلك ما
رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «ارم في كل يوم عند زوال الشمس ، وقل كما قلت حين
رميت جمرة العقبة ، وابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل ، وقل
كما قلت يوم النحر ، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة فاحمد الله وأثن عليه
وصل على النبي وآله صلىاللهعليهوآله ثم تقدم قليلا فتدعو وتسأله أن يتقبل منك ثم تقدم أيضا
ثم افعل ذلك عند الثانية فاصنع كما صنعت بالأولى ، وتقف وتدعو الله كما دعوت ثم
تمضى إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار فارم ولا تقف عندها».
وعن يعقوب بن
شعيب في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجمار ، فقال : قم عند الجمرتين ، ولا تقم عند
جمرة العقبة ، قلت : هذا من السنة ، قال : نعم قلت : ما أقول إذا رميت؟ فقال : كبر
مع كل حصاة».
قال : في
المدارك وليس في هذه الرواية ولا في غيرها مما وقفت عليه من روايات الأصحاب دلالة
على استحباب استدبار القبلة في رمى الجمرة العقبة ، لكن قال في المنتهى : انه قول
أكثر أهل العلم ، واحتج لما روى عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم) «أنه رماها كذلك» ولعل مثل ذلك كاف في إثبات هذا الحكم
انتهى.
وفي صحيحة
إسماعيل بن همام «ترمى الجمار من بطن الوادي وتجعل كل جمرة عن يمينك».
وقد تقدم في
صحيح معاوية «فابدء بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في بطن المسيل». والمراد بيسارها
جانبها اليسار بالإضافة إلى التوجه إلى القبلة ، وحينئذ فيجعلها عن يمينه كما دلت
عليه صحيحة إسماعيل المذكورة.
وبذلك صرح
المحقق في النافع فقال : ويستحب الوقوف عند كل جمرة ، ويرميها عن يسارها مستقبل
القبلة ، ويقف داعيا عدا جمرة العقبة ، فإنه يستدبر القبلة
__________________
ويرميها عن يمينها.
ومنها التكبير
بمنى ، وهو عقيب خمس عشرة صلاة أولها ظهر النحر ، وفي البلدان عقيب عشر صلوات
أولها ظهر يوم النحر أيضا ، وتحقيق البحث فيه يقع في موضعين : أحدهما أن المشهور
استحبابه ، وقيل بالوجوب ، ذهب اليه المرتضى (رضى الله عنه) وابن حمزة.
واحتج عليه
المرتضى بإجماع الفرقة وبقوله عزوجل
«وَاذْكُرُوا
اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ»
فان المراد
بالذكر فيها هو التكبير ، لما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل
«وَاذْكُرُوا
اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ»
قال التكبير في
أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر الى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي
الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار ، ومن أقام بمنى
فصلى بها الظهر والعصر فليبكر ، وعن منصور بن حازم في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، في قول الله عزوجل
«وَاذْكُرُوا
اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ»
قال : هي أيام
التشريق كانوا إذا قاموا بمنى بعد النحر تفاخروا ، فقال الرجل منهم : كان أبى يفعل
كذا وكذا فقال الله عزوجل
«فَإِذا
أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ.
فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً»
قال : والتكبير
الله أكبر» الحديث. وسيأتي تمامه وقد تقدم تحقيق القول في الموضع المذكور في باب
صلاة العيد من كتاب الصلاة .
وثانيهما
الكيفية وقد تقدم البحث فيها مستوفى في الموضع المشار إليه.
المسألة
السابعة إذا رمى الحاج الجمار الثلاث في اليوم الأول من أيام التشريق وفي اليوم
الثاني جاز له أن ينفر من منى ، وهو النفر الأول ويسقط عنه رمى اليوم
__________________
الثالث ، وجواز هذا النفر مخصوص بمن كان قد اتقى في إحرامه الصيد والنساء ،
قال في المنتهى
: «وقد أجمع أهل العلم كافة على أن من أراد الخروج من منى شاخصا عن الحرم غير مقيم
بمكة فله ان ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق ، لا نعلم فيه خلافا».
أقول : والأصل
في هذه المسألة قوله عزوجل «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقى» وقيل في المقام اشكال ، وهو أن ظاهر قوله سبحانه «وَمَنْ تَأَخَّرَ
فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» يعطي أن التأخير ربما كان مظنة للإثم فنفى ذلك بقوله «لا اثم
عليه» مع أن التأخير أفضل للإتيان بمناسك اليوم الثالث ، فكيف يتوهم تقصيره وكونه
مظنة للإثم ليحتاج الى نفيه عنه.
وقد أجيب عن
ذلك بوجوه : منها أن الرخصة قد تكون عزيمة ، كما في التقصير ، فلمكان هذا الاحتمال
رفع الحرج في الاستعجال والتأخر دلالة على التخيير بين الأمرين.
ومنها أن أهل
الجاهلية كانوا فريقين : فمنهم من يجعل المتعجل آثما ، ومنهم من يجعل المتأخر آثما
فبين الله تعالى ، أن لا اثم على كل منهما.
ومنها أن
المعنى في إزالة الإثم على المتأخر انما هو لمن زاد على مقام ثلاثة أيام ، فكأنه
قيل : أن أيام منى التي ينبغي المقام بها ثلاثة فمن نقص فلا أثم عليه ، ومن زاد
على الثلاثة ولم ينفر مع عامة الناس فلا شيء عليه.
ومنها أن هذا
من باب رعاية المقابلة والمشاكلة مثل «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُها» بل هذا أولى لأن المندوب يصدق عليه أنه لا اثم على صاحبه
فيه ، وجزاء السيئة ليس سيئة أصلا.
وهذا الوجه
نقله في مجمع البيان عن الحسن بتقرير يرجع الى ما ذكر ، حيث قال : الثاني أن معناه
لا اثم عليه في التعجيل والتأخير وانما نفى الإثم لئلا يتوهم متوهم أن في التعجيل
إثما ، وانما قال : فلا اثم عليه في التأخير على جهة المزاوجة ، كما
__________________
يقال : ان أعلنت الصدقة فحسن ، وان أسررت فحسن ، وان كان الأسرار أحسن
وأفضل عن الحسن.
ومنها أن معناه
لا اثم عليه ، لأن سيئاته صارت مكفرة بما كان من حجه المبرور وهو معنى قول ابن
مسعود ، وعلى هذا الوجه والذي قبله اقتصر في كتاب مجمع البيان ، وما قدمناه من
الوجوه نقله السيد السند في المدارك.
ومنها وهو الأظهر
في المقام أنه لما كان الظاهر من الاخبار كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب وعليه محققو الأصوليين هو حجية مفهوم الشرط ، وحينئذ
فمقتضى قوله عزوجل أولا «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
ان من تأخر ولم
يتعجل فعليه الإثم ، والحال أنه لا اثم عليه شرعا ، فرفع سبحانه هذا الحكم ببيان
أن المفهوم هنا غير مراد ، فلا يتوهم أحد أن تخصيص التعجيل بنفي الإثم يستلزم حصول
الإثم بالتأخير.
وعلى ذلك يدل صحيح
أبي أيوب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انا نريد أن نتعجل المسير وكانت ليلة النفر حين سألته
فأي ساعة ننفر؟ فقال لي : أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس وكانت ليلة
النفر وأما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله فان الله جل ثناؤه
يقول «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
ولو سكت لم يبق
أحد إلا تعجل ، ولكنه قال «وَمَنْ تَأَخَّرَ
فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ».
قيل : لعل بناء
هذا الحديث على الرد على أهل الجاهلية بناء على ما تقدم من النقل عنهم بأن منهم من
أثم المتعجل بالنفر ، ومنهم من إثم المتأخر به
أقول : وهو جيد
لو ثبت النقل المذكور عنهم ، على أن المتبادر من قوله (عليهالسلام) «فلو سكت» الى آخره انما هو ما ذكرناه من أن مقتضى
مفهوم المخالفة في الآية هو تحريم التأخير ، ولكنه لما لم يكن مرادا بين سبحانه
ذلك برفع الإثم
__________________
عمن تأخر ،
وأما قوله عزوجل
«لِمَنِ
اتَّقى» فإنه قال في كتاب مجمع البيان فيه قولان : أحدهما ـ أنه
يقع الحج مبرورا ومكفرا للسيئات إذا اتقى ما نهى الله عنه ، والأخر ما رواه
أصحابنا أن قوله «لِمَنِ
اتَّقى» متعلق بالتعجيل
في اليومين ، وتقديره فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه لمن اتقى الصيد الى انقضاء
النفر الأخير ، وما بقي من إحرامه ومن لم يتقها فلا يجوز له النفر في الأول ، وهو
المروي عن ابن عباس واختيار القراء
أقول ويؤيد
المعنى الأول قوله عزوجل
«إِنَّما
يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»
وروى الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال وسمعته يقول : في قول الله تعالى
«فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا
إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) «قال يتقى الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر الأخير ، والظاهر أن هذه هي
الرواية التي أشار إليها في كتاب مجمع البيان في الوجه الثاني
أقول : ومن
الاخبار في المسألة ما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«فَمَنْ
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقى» الصيد يعني في إحرامه ، فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في
النفر الأول.
وعن حماد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في
النفر الأول ، ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس وهو
قول الله عزوجل
«فَمَنْ
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقى»
قال اتقى
الصيد.
وعن معاوية بن
عمار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : من نفر في النفر الأول متى يحل له الصيد؟ قال : إذا
زالت الشمس من اليوم الثالث».
__________________
وعن معاوية بن
عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي لمن تعجل في يومين أن يمسك عن الصيد حتى
ينقضي اليوم الثالث.
وعن جميل بن
دراج عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، في حديث قال : «ومن أصاب الصيد فليس له أن ينفر في
النفر الأول».
وروى في الكافي
عن محمد بن المستنير عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في
النفر الأول» قال في الكافي وفي رواية أخرى الصيد أيضا.
وقال فيمن لا
يحضره الفقيه بعد نقل صحيحة معاوية المتقدمة : وفي رواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق
عن سلام بن المستنير عن أبى جعفر (عليهالسلام) «أنه قال :»
«لِمَنِ اتَّقى» «الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه».
وفي رواية على
بن عطية عن أبيه عن أبى جعفر عليهالسلام قال «لمن اتقى الله» عزوجل. قال : وروى أنه يخرج من الذنوب كهيئة يوم ولدته أمه».
وروى «من وفى
وفى الله له».
وفي رواية
المنقري عن سفيان بن عيينة عن أبى عبد الله (عليهالسلام) (في قول الله عزوجل
«فَمَنْ
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
يعنى من مات
فلا اثم عليه ومن تأخر أجله فلا اثم عليه لمن اتقى الكبائر».
قال : وسئل
الصادق (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل
«فَمَنْ
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ» قال : ليس هو على أن ذلك واسع ، ان شاء صنع ذا وان شاء
صنع ذا لكنه يرجع مغفورا له لا اثم عليه ولا ذنب له».
وروى في الكافي
عن سفيان بن عينة عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال :
__________________
سأل رجل أبى بعد منصرفه من الموقف فقال : أترى يخيب الله هذا الخلق كله؟ فقال
: أبى ما وقف بهذا الموقف أحد إلا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا ألا انهم في
مغفرتهم على ثلاث منازل مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخروا عتقه من
النار ، وذلك قوله عزوجل
«رَبَّنا
آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ
النّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ»
ومنهم من غفر
الله له ما تقدم من ذنبه ، وقيل له : أحسن فيما بقي من عمرك وذلك قوله تعالى
«فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا
إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
يعنى من مات
قبل أن يمضي فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه ـ لمن اتقى الكبائر ، وأما العامة
فيقولون : فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ، يعني في النفر الأول ومن تأخر فلا اثم
عليه يعنى لمن اتقى الصيد ، أفترى أن الصيد ، يحرمه الله بعد ما أحله في قوله عزوجل
«وَإِذا
حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» وفي تفسير العامة معناه وإذا حللتم فاتقوا الصيد ، وكافر
وقف هذا الموقف زينة الحياة الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ان تاب من الشرك
فيما بقي من عمره ، وان لم يتب وفاه أجره ، ولم يحرمه أجر هذا الموقف ، وذلك قوله عزوجل
«مَنْ
كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ
فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ إِلَّا النّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ».
إذا عرفت ذلك
فتحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع : أحدها من المقطوع به كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أنه لا يجوز النفر في النفر الأول الا لمن اتقى الصيد والنساء في
إحرامه ، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيدا وان كفر عنه لم يجز له أن ينفر في النفر
الأول ، ووجب عليه المقام بمنى الى النفر الثاني.
وعلى ذلك تدل
جملة من الاخبار المتقدمة منها صحيحة معاوية بن عمار
__________________
ورواية حماد بن عثمان الاولى وروايته الثانية ، ورواية جميل بن دراج ،
ورواية محمد بن المستنير ، والعجب ، من السيد السند (قدسسره) في المدارك أنه انما استدل هذا الحكم برواية محمد بن
المستنير ورواية حماد بن عثمان الاولى ، وطعن فيهما بضعف الاسناد ، ثم قال :
والآية الشريفة محتملة لمعان متعددة ، بل مقتضى رواية معاوية بن عمار الصحيحة أن
المراد بالاتقاء خلاف هذا المعنى ، والمسألة محل إشكال.
أقول : ليت
شعري أي فرق بين مدلول رواية حماد بن عثمان التي ذكرها ، وصحيحة معاوية التي أشار
إليها ، فان كلا منهما قد فسر الاتقاء في الآية باتقاء الصيد في إحرامه ، فكيف يتم
ما ذكره من أن الصحيحة المذكورة تدل على ان الاتقاء خلاف هذا المعنى ، يعنى اتقاء
الصيد
نعم ذلك مدلول
روايات آخر كما عرفت ، وأعجب منه انه قد قدم الصحيحة المشار إليها بنحو ما نقلناه
، فكيف اتفقت له هذه الغفلة عن مراجعتها.
وبالجملة
فالحكم المذكور عار عن وصمة الإشكال كما لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في هذا
المقام ، وثانيها قد تقدم أن المشهور في معنى المتقى الذي يجوز له النفر في النفر
الأول هو من اتقى الصيد أو النساء في إحرامه.
وقال ابن إدريس
: أنه من لم يكن عليه كفارة بالكلية ، يعنى من اتقى جميع محرمات الإحرام الموجبة
للكفارة.
ويدل على القول
المشهور من الاخبار المتقدمة صحيحة معاوية ابن عمار ، ورواية حماد بن عثمان الاولى
والثانية وغيرها ، ويدل على ما ذهب اليه ابن إدريس رواية سلام بن المستنير
المتقدمة ، الا أنها غير صريحة بل ولا ظاهرة في المنافاة ، لما عرفت من اختلاف
الاخبار في تفسير التعجيل والتأخير وتفسير الاتقاء ، وهذه الرواية إنما اشتملت على
تفسير الاتقاء خاصة فلعل ذلك مبنى على معنى آخر للتعجيل والتأخير غير ما هو
المشهور في الاخبار وكلام الأصحاب ، ولا يحضرني الان مذهب العامة في المسألة فلعل
الرواية المذكورة خرجت مخرج التقية.
وكيف كان
فالعمل على ما دلت عليه الاخبار الكثيرة المعتضدة بكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
سلفا وخلفا.
وثالثها :
الظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في أن النفر الأول لا يكون الا
بعد الزوال ، وأنه لا يجوز قبل الزوال الا لعذر من ضرورة أو حاجة ،
وأما النفر
الثاني فيجوز له أن ينفر قبل الزوال وبعده أي ساعة شاء وأن النفر الأول بعد الزوال
مشروط بأن لا تغرب عليه الشمس بمنى ، والا وجب عليه المبيت بها والتأخير إلى النفر
الثاني.
ويدل على هذه
الأحكام جملة من الاخبار ، ومنها صحيحة أبي أيوب المتقدمة
وما رواه ثقة
الإسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى
تزول الشمس. فإن تأخرت الى أيام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أي ساعة
نفرت ، ورميت قبل الزوال أو بعده».
وزاد في الكافي
«فإذا نفرت وانتهيت إلى الحصبة وهي البطحاء فشئت أن تنزل قليلا فإن أبا عبد الله (عليهالسلام) قال : انه كان أبى ينزلها ثم يحمل فيدخل مكة من غير أن
ينام بها».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس ، فإن
أدركه المساء بات ولم ينفر».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن الحلبي أن أبا عبد الله (عليهالسلام) «سئل عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل ان تزول الشمس؟
فقال : لا ، ولكن يخرج ثقله ان شاء ، ولا يخرج هو حتى تزول الشمس».
__________________
وما رواه الشيخ
عن أبى بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل ينفر في النفر الأول؟ قال : له أن ينفر ما
بينه وبين أن تصفر الشمس ، فان هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر ، وليبت
بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء».
واما ما رواه
الشيخ عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأول قبل
الزوال». فحمله الشيخ في التهذيبين على الضرورة.
وما ذكرنا من
انه في النفر الثاني يجوز له النفر أي ساعة شاء قبل الزوال أو بعده وان كان هو
مدلول جملة من الاخبار ، الا أن الأفضل كونه قبل الزوال.
لما رواه ثقة
الإسلام في الصحيح عن أيوب بن نوح قال : «كتبت اليه : ان أصحابنا قد اختلفوا علينا فقال
بعضهم : ان النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل ، وقال بعضهم : قبل الزوال فكتب :
أما علمت ان رسول الله صلىاللهعليهوآله صلى الظهر والعصر بمكة ، ولا يكون ذلك الا وقد نفر قبل
الزوال».
ويؤكد ما ورد
من ان الأفضل والاوكد للإمام النفر قبل الزوال لما في صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ويصلى الامام الظهر يوم النفر بمكة».
ورابعها ـ لا
يخفى ان ما دلت عليه جملة من الروايات المتقدمة كصحيحة معاوية بن عمار ، ورواية
الأخرى أيضا ، ورواية حماد بن عثمان من تحريم الصيد على من نفر في النفر الأول الى
ان ينفر الثاني لا يخلو من الإشكال ، لأنه محل ، وقد قال الله تعالى
«وَإِذا
حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» وحينئذ فكيف يتوقف وحل الصيد له على النفر الثاني ، ولا
وجه لحمل الصيد هنا على الصيد الحرمي ، لأنه حرم ما دام في الحرم لا تعلق له
بالنفر الثاني ولا عدمه.
__________________
ونقل عن ابن
الجنيد أنه صرح بتحريم الصيد أيام منى ، وان أحل ، وهذه ظاهرة فيما ذكره ، ونحوها
ما تقدم في المسألة الرابعة من الفصل الثالث في الحلق والتقصير من صحيحة معاوية بن
عمار ، ورواية كتاب الفقه الدالتين على تحريم الصيد الى بعد طواف النساء.
والتحقيق ان
كلام الأصحاب في هذا الباب وكذا الاخبار لا تخلو من تشويش واضطراب ، اما كلام
الأصحاب فإنهم ذكروا انه بالحلق والتقصير يحل له كل شيء إلا الطيب والنساء والصيد
، وبطواف الزيارة يحل له الطيب ، وبطواف النساء تحل له النساء ، ولم يذكروا للصيد
محللا.
قال في المنتهى
ما ملخصه بعد ان عد محرمات الإحرام إذا عرفت هذا : فإنه إذا حلق أو قصر حل له كل
شيء ان كان الإحرام للعمرة ، وان كان للحج فقد حل له كل شيء إلا الطيب والنساء
والصيد ، ثم ساق الكلام الى ان قال : وإذا طاف طواف النساء حل له النساء الى ان
قال : فحينئذ مواطن التحليل ثلاثة : الأول إذا حلق أو قصر حل له كل شيء أحرم منه
الا النساء والطيب والصيد ، الثاني إذا طاف طواف الزيارة حل له الطيب ، الثالث إذا
طاف طواف النساء حل له النساء ، هذا كلامه رحمهالله.
وهو مع تكراره
خال من التعرض لمحل الصيد ، وقد تقدم في المسألة المشار إليها نقل مذهب الشيخ على
بن بابويه ببقاء تحريم الصيد الى بعد طواف النساء ، وهو الظاهر من كلامهم هنا
بالتقريب الذي ذكرناه ، حيث ذكروا تحريمه بعد الحلق أو التقصير ، ولم يذكروا له
محللا.
واما الاخبار
فقد تقدمت في المسألة المشار إليها أيضا ، وأكثرها دال على انه بالحلق أو التقصير
حل له كل شيء إلا الطيب والنساء وإذا طاف طواف الزيارة حل له الطيب ، وإذا طاف
طواف النساء حلت له النساء ، وظاهرها أن : الصيد يحل بالحلق أو التقصير ، ولا قائل
به ، بل ظاهر الآية يرده وهي قوله عزوجل
«لا
تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»
ولا ريب في صدق
العنوان عليه ما دام يحرم عليه الطيب والنساء
__________________
أو أحدهما ، فكيف يحل له الصيد.
وصحيحة معاوية
بن عمار ورواية كتاب الفقه قد تضمنت إبقاء تحريم الصيد كما عرفت الى بعد طواف النساء
، والأصحاب قد حملوا الصحيحة المذكورة على الصيد الحرمي ، وكذا حملوا عليه كلام
ابن بابويه وهو وان احتمل بالنسبة إليها ، الا أن هذه الاخبار المذكورة هنا لا
تقبل ذلك ، لما عرفت آنفا ، والحق أن الروايتين المذكورتين انما خرجتا مخرج هذه
الاخبار من الصيد الإحرامي ، وان كانت هذه الاخبار أصرح وأوضح دلالة في ذلك.
وبالجملة
فالأخبار المتعلقة بهذه المسألة منها ما دل على تحليل الصيد بعد الحلق أو التقصير
كالأخبار المتقدمة في تلك المسألة ، وهو مردود بظاهر آية
«لا
تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»
بالتقريب الذي قدمناه
مع عدم القائل بذلك ، ومنها وهو أخبار هذه المسألة ما دل على بقاء تحريم الصيد الى
أن ينفر الناس من النفر الثاني ، وهو مردود أيضا بظاهر قوله سبحانه
«وَإِذا
حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» وظاهر الاخبار التعارض في الصيد الإحرامي ، ولم أقف على
مذهب العامة في هذا المقام ولا على كلام الأحد من أصحابنا يرفع هذا الإبهام. والله
العالم.
وخامسها ـ لا
يخفى أن ما قدمناه صدر المسألة من الاخبار أكثرها دال على أن المراد بالتعجيل
والتأخير في الآية يعني بالنسبة إلى النفر الأول والثاني ، فإن المراد بالاتقاء
فيها على هذا التقدير اتقاء الصيد والرفث ، وأما ما ورد من تفسير التعجيل بالموت
بعد الحج ، والتأخير من تأخر أجله فان الاتقاء حينئذ بمعنى التقوى والورع عن
الكبائر ، كما في روايتي صفوان بن عيينة وسفيان بن عيينة وما ورد في المرسلة
المروية في الفقيه عن الصادق (عليهالسلام) وقوله «ليس هو على أن ذلك واسع ان شاء صنع ذا وان شاء
صنع ذا لكنه يرجع مغفورا له لا اثم عليه». بمعنى انه ليس المراد من الاية التخيير
في فعل أي الأمرين شاء بل المراد منها ان المتعجل والمتأخر سواء
__________________
في كونهما مغفورا لهما الذنوب كلها لا يختص الغفران بواحد منها.
وما رواه في
الكافي عن إسماعيل بن نجيح قال : «كنا عند أبى عبد الله عليهالسلام بمنى ليلة من الليالي. فقال : ما يقول هؤلاء فيمن تعجل
في يومين فلا اثم عليه ، ومن تأخر فلا اثم عليه؟ قلنا : ما ندري قال : بلى يقولون
: من تعجل من أهل البادية فلا اثم عليه ، ومن تأخر من أهل الحضر فلا اثم عليه ،
وليس كما يقولون قال الله جل ثنائه
«فَمَنْ
تَعَجَّلَ ... فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
ألا لا اثم
عليه ، ومن تأخر فلا اثم عليه ، ألا لا اثم عليه لمن اتقى ، انما هي لكم والناس
سواد وأنتم الحاج». يعنى أن المراد «بالمتقين» في الآية انما هم الشيعة ، والآية
انما هي فيهم ، والمغفرة لمن تعجل أو تأخر انما هي مخصوصة بهم.
وروى نحوه في
تفسير العياشي عن الباقر (عليهالسلام) أنه سئل عن تفسير هذه الآية «فقال : أنتم والله أنتم
ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : لا يثبت على ولاية على (عليهالسلام) الا المتقون». فلا منافاة فيه للأخبار المتقدمة ، لأن
القرآن له ظهر وبطن ، ولكل منهما ظهر وبطن ، فعلى أيهما حمل وبها فسر فلا منافاة
فيه ، كما ورد عن أصحاب البيت الذي نزل القرآن فيهم ، وهم أعرف الناس بباطنه
وظاهره ، وليس هذا من قبيل اختلاف تفسير المفسرين الاخذين بالعقول ، والآراء ،
فإنه مردود عندنا بلا اختلاف ولا امتراء.
فائدة : قال
ابن إدريس في السرائر : قال الثوري : سألت أبا عبيدة عن اليوم الثاني من النحر ما
كانت العرب تسميه؟ فقال : ليس عندي من ذلك علم ، فلقيت ابن مناذر فأخبرته بذلك
فتعجب وقال أسقط مثل هذا على أبى عبيدة ، وهي أربعة أيام متواليات كلها على الراء
، يوم النحر ، والثاني يوم المقر ، والثالث يوم النفر ، والرابع يوم الصدر ، فحدثت
أبا عبيدة فكتبه عنى عن ابن مناذر ، قال ابن إدريس : وابن
__________________
مناذر هذا شاعر لغوي بصري صاحب القصيدة الدالية «كل حي لاقى الحمام فهو دمي»
انتهى.
بقي الكلام
فيما اشتمل عليه خبر سفيان بن عيينة حيث أنه (عليهالسلام) بعد ان فسر التعجيل والتأخير بمن مات قبل أن يمضي ،
ومن تأخر موته ، نفى التفسير المشهور في الاخبار ، وكلام الأصحاب ونسبه الى عامة
الناس وجهالهم ، ونفى حمل الاتقاء على اتقاء الصيد معللا له بأنه كيف يحرمه الله
تعالى بعد ما أحله ، بقوله
«وَإِذا
حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» والكل ظاهر في منافاة الأخبار المتقدمة واتفاق كلمة
الأصحاب ، والأظهر عندي أن الخبر انما خرج بذلك مخرج التقية وأن سفيان المذكور من
رؤساء المخالفين وشياطينهم ، وله أحاديث مع الصادق (عليهالسلام) في الاعتراض عليه في لباسه ومأكله ، ويحتمل ولعله
الأقرب ان التقية كانت في أصل الخبر من الباقر (عليهالسلام) مع ذلك السائل كما يؤذن به سياق الخبر المذكور ، وأما
ما تكلف صاحب الوافي هنا في دفع المنافاة فلا معنى له كما لا يخفى على المتأمل في
الخبر المذكور ،
وسادسها ـ يستحب
للحاج أن يصلى في مسجد الخيف بمنى صلاة فرضها ونفلها ، وأفضله في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو من المنارة التي في وسط المسجد على نحو من ثلاثين
ذراعا إلى جهة القبلة ، وعن يمينها ، وعن يسارها وخلفها كذلك
ويدل على ذلك
ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «صل في مسجد الخيف وهو مسجد بمنى وكان مسجد رسول
الله صلىاللهعليهوآله على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلى
القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا وعن يمينها وعن يسارها وعن خلفها نحوا من ذلك ، قال :
فتحر ذلك فان استطعت أن يكون مصلاك فيه فافعل ، فإنه قد صلى فيه ألف بنى».
وروى فيمن لا
يحضره الفقيه عن الثمالي عن أبى جعفر عليهالسلام قال :
__________________
من صلى في مسجد الخيف بمنى مأة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما
، ومن سبح لله فيه مأة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة ، ومن هلل الله فيه مأة
تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة ، ومن حمد الله فيه مأة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين
ينفقه في سبيل الله عزوجل».
وروى الكليني عن على بن أبي حمزة ، والشيخ عنه عن أبى بصير عن أبى
عبد الله عليهالسلام ، قال : صل ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة». ولعل
المراد بأصل الصومعة يعني عند المنارة ، لا في الجهات الممتدة إلى نحو ثلاثين
ذراعا ، كما تقدم.
وسابعها ـ من
المستحبات ايضا التحصيب وهو انما يكون في النفر الثاني دون الأول ، كما صرح به
الأصحاب والاخبار والمراد به النزول بالمحصب ، وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح
على ما نقل عن الجوهري وغيره ، وقال في القاموس : والتحصيب النوم بالمحصب الشعب
الذي مخرجه إلى الأبطح ساعة من الليل ، والمحصب موضع رمى الجمار بمنى ، ونقل عن
الشيخ في المصباح وغيره أن التحصيب النزول في مسجد الحصبة.
وقال الصدوق في
الفقيه فإذا بلغت مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو مسجد الحصباء دخلته واستلقيت فيه على قفاك بقدر ما
تستريح ، ومن نفر في النفر الأول فليس عليه أن يحصب». وربما أشعر هذا الكلام بوجود
المسجد المذكور في زمانه (رحمهالله) وأما الآن فلا أثر له.
وقال ابن إدريس
: في السرائر وليس لهذا المسجد المذكور في الكتب أثر اليوم ، وانما المستحب
التحصيب ، وهو نزول الموضع والاستراحة فيه اقتداء بالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. انتهى.
ونقل في الدروس
عن ابن إدريس أنه قال : ليس للمسجد أثر الان ، فتتأدى
__________________
هذه السنة بالنزول بالمحصب من الأبطح ، قال : وهو ما بين العقبة وبين مكة ،
وقيل : ما بين الجبل الذي عند مقابر مكة ، والجبل الذي يقابله مصعدا في الشق
الأيمن للقاصد مكة ، وليس المقبرة منه واشتقاقه من الحصباء ، وهو الحصى المحمول
بالسيل.
أقول : لم أقف
على هذا الكلام في السرائر ، ولعله في غيره أو مكان آخر غير الموضع المعهود ،
والذي وجدته فيه هو ما قدمت نقله.
ثم قال في
الدروس : ونقل عن السيد ضياء الدين بن الفاخر شارح الرسالة أنه قال : ما شاهدت أحدا
يعلمني به في زماني وانما وقفني واحد على أثر مسجد بقرب من منى على يمنى قاصد مكة
على مسيل واد ، قال : وذكر آخرون أنه عند مخرج الأبطح إلى مكة.
أقول : لم أقف
في الاخبار على ذكر لهذا المسجد إلا في عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليهالسلام : إذا رميت الجمار يوم الرابع ارتفاع النهار فأفض منها
إلى مكة فإذا بلغت مسجد الحصباء ، دخلته واستلقيت فيه على قفاك على قدر ما تستريح.
وما يوجد في
بعض كتب أصحابنا أن النبي (صلىاللهعليهوآله) صلى فيه الظهرين والعشاءين ، وهجع هجعة ، ثم دخل مكة ،
فالظاهر أنه من روايات العامة ومما يدل على استحباب التحصيب من الاخبار مضافا الى
اتفاق الأصحاب ما تقدم قريبا من صحيحة معاوية بن عمار.
ورواه الشيخ عن
معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : إذا نفرت وانتهيت إلى الحصبة وهي البطحاء فشئت أن
تنزل قليلا فإن أبا عبد الله عليهالسلام قال : ان أبى كان ينزلها ثم يرتحل فيدخل مكة من غير ان
ينام بها ، وقال ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنما أنزلها حيث بعث بعائشة مع أخيها عبد الرحمن الى
التنعيم فاعتمرت لمكان العلة التي أصابتها فطافت بالبيت ثم سعت ثم رجعت فارتحل من
يومه».
__________________
وما رواه الصدوق
في الفقيه في الصحيح عن أبان وهو ابن عثمان عن أبى مريم عن ابى عبد الله عليهالسلام أنه سأل عن الحصبة فقال : كان أبى ينزل الأبطح قليلا ثم
يدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح فقلت له : أرأيت من تعجل في يومين عليه أن
يحصب؟ قال : لا وقال : كان أبى ينزل الحصبة قليلا ثم يرتحل وهو دون خبط وحرمان».
قال في المدارك
بعد ذكر الخبر المذكور ويستفاد من هذه الرواية أن التحصيب النزول بالحصبة ، وأنه
دون خبط وحرمان ، لكن لم أقف في كلام أهل اللغة على شيء يعتد به في ضبط هذين
اللفظين ، وتفسيرهما.
أقول : قال في
الوافي في ذيل الخبر المذكور لعل المراد بما دون خبط وحرمان أن لا ينام فيه مطمئنا
ولا يجاوزه محروما من الاستراحة فيه ، فان الخبط بالمعجمة والموحدة طرح النفس حيث
كان للنوم وفي بعض النسخ ذو خبط : يعنى يرتحل ، وهو طارح نفسه للنوم ومحروم من
النوم انتهى.
ونقل شيخنا
المولى محمد تقي المجلسي في بعض الحواشي المنسوبة إليه بعد أن ذكر احتمال ما قدمنا
ذكره عن الوافي أن في بعض كتب العامة دون حائط حرمان وذكر أنه كان هناك بستان
ومسجد الحصباء كان قريبا منه ثم قال شيخنا المشار اليه وهو أظهر.
الفصل الثالث في وداع البيت الشريف
والخروج ،
ومستحبات ذلك ، وفيه مسائل الأولى لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان
من قضى مناسكه بمنى جاز له أن ينصرف حيث شاء ، وان استحب له العود إلى مكة لوداع
البيت.
روى الشيخ عن
الحسين بن على السري قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام
__________________
ما ترى في المقام بمنى بعد ما ينصرف الناس؟ فقال : ان كان قد قضى نسكه
فليقم ما شاء ، وليذهب حيث شاء».
وحينئذ فمتى
أراد الرجوع للوداع فقد ذكر بعض الأصحاب انه يستحب امام العود إلى مكة صلاة ست
ركعات بمسجد الخيف واستدل على ذلك بما تقدم في الموضع الخامس من رواية على بن أبي
حمزة ، أو أبي بصير من قوله عليهالسلام «صل ست ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة ، وهذه الرواية لا اشعار فيها
باستحباب الصلاة امام العود كما ذكروه ، بل ظاهرها استحباب هذه الصلاة في هذا
الموضع ، أى وقت كان ثم انه بعد العود إلى مكة يستحب له دخول الكعبة ، ويتأكد في
حق الصرورة.
روى في الكافي
عن على بن خالد عمن حدثه عن ابى جعفر عليهالسلام قال : كان يقول : الداخل الكعبة يدخل والله راض عنه ،
ويخرج عطلا من الذنوب».
وعن ابن القداح
عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : سألته عن دخول الكعبة قال : الدخول فيها دخول في
رحمة الله ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور له ما
سلف من ذنوبه».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «وقال عليهالسلام من دخل الكعبة بسكينة وهو ان يدخلها غير متكبر ولا
متجبر غفر له».
واما ما يدل
على تأكده في حق الصرورة فهو ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن سعيد الأعرج عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا بد للصرورة أن يدخل الكعبة قبل ان يرجع»
الحديث.
__________________
وعن ابان بن
عثمان عن رجل عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ، وان يدخل
البيت».
وروى الشيخ في
الصحيح عن حماد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن دخول البيت؟ فقال : اما الصرورة فيدخله ، واما من قد
حج فلا». وحمل على ان المنفي تأكد الاستحباب الثابت في حق الصرورة.
وروى الصدوق (قدسسره) بسنده عن سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد عليهالسلام في حديث قال : «قلت له : وكيف صار الصرورة يستحب له
دخول الكعبة دون من قد حج؟ قال : لأن الصرورة قاضي فرض مدعوا الى بيت الله فيجب ان
يدخل البيت الذي دعى اليه ، ليكرم فيه».
وروى الحميري
في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر قال : «سألت أخي موسى بن جعفر عليهماالسلام عن دخول الكعبة أواجب هو على كل من حج : قال : هو واجب
أول حجة ، ثم إنشاء فعل وان شاء ترك».
ثم انه يستحب
لمن أراد الدخول ان يغتسل ثم تدخلها بسكينة ووقار بغير حذاء ولا يبزق ولا يمتخط
وان يدعو بالمأثور ويصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين ، وفي كل
زاوية ركعتين ، ويكبر مستقبلا لكل ركن.
ويدل على مجموع
هذه الأحكام جملة من الاخبار منها ما رواه ثقة الإسلام عطر الله مرقده في الكافي
عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : إذا أردت الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ، ولا
تدخلها بحذاء ، وتقول ، إذا دخلت : انك قلت : ومن دخله كان آمنا فآمني من عذاب
النار ، ثم تصلى ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ، تقرء في الركعة
الأولى حم السجدة ، وفي الثانية
__________________
عدد آياتها من القرآن وتصلى في زواياه ، وتقول : اللهم من تهيأ أو تعبأ أو
أعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجائزته ونوافله وفواضله ، فإليك يا سيدي
تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك ونوافلك وجائزتك ، فلا تخيب اليوم
رجائي يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح
قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولكن أتيتك مقرا بالظلم والاسائة على نفسي فإنه
لا حجة لي ولا عذر ، فأسألك يا من هو كذلك أن تعطيني مسألتي وتقيلني عثرتي ،
وتقبلني برغبتي ، ولا تردني مجبوها ممنوعا ولا خائبا ، يا عظيم يا عظيم يا عظيم ،
أرجوك للعظيم ، أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم ، لا إله إلا أنت» قال :
ولا تدخلنها بحذاء ولا تبزق فيها ولا تمتخط فيها ، ولم يدخلها رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الا يوم فتح مكة».
وعن إسماعيل بن
همام قال : قال أبو الحسن عليهالسلام : دخل النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) الكعبة فصلى في زواياها الأربع وصلى في كل زاوية
ركعتين».
وعن الحسين بن
أبى العلاء في الحسن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) وذكرت الصلاة في الكعبة قال : بين العمودين تقوم على
البلاطة الحمراء فان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) صلى عليها ، ثم أقبل على أركان البيت وكبر الى كل ركن
منه.
أقول : لا يبعد
حمل التكبير هنا على ما دل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من صلاة ركعتين في
كل زاوية ، لقوله : «ويكبر مستقبلا لكل ركن ، فالتكبير هنا كناية عن صلاة ركعتين
في كل زاوية ، وهي الأركان ، لا أن المراد التكبير منفردا كما فهمه الأصحاب.
وعن معاوية في الصحيح قال : «رأيت العبد الصالح دخل الكعبة فصلى
ركعتين على الرخامة الحمراء ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي فوقع
يده عليه ولزق به ودعا ، ثم تحول الى الركن اليماني فلصق به ودعا ، ثم أتى
__________________
الركن الغربي ثم خرج». وعن معاوية بن عمار في الصحيح في دعاء الولد قال : أفض عليك دلوا من ماء
زمزم ثم ادخل البيت فإذا قمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب ثم قل : اللهم ان
البيت بيتك والعبد عبدك وقد قلت : من دخله كان آمنا فآمني من عذابك وأجرني من سخطك
، ثم ادخل البيت فصل على الرخامة الحمراء ركعتين ، ثم قم إلى الأسطوانة التي بحذاء
الحجر وألصق بها صدرك ثم قل : يا واحد يا أحد يا ماجد يا قريب يا بعيد يا عزيز يا
حكيم لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ، هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء
ثم در بالأسطوانة فألصق بها ظهرك وبطنك وتدعو بهذا الدعاء فان يرد الله شيئا كان».
وروى الصدوق في
كتاب العلل والأحكام في الصحيح عن عبيد الله بن على الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) يغتسلن النساء إذا أتين البيت؟ قال : نعم ان الله عزوجل يقول
«أَنْ
طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»
فينبغي للعبد
أن لا يدخل الا وهو طاهر ، قد غسل عنه العرق والأذى ، وتطهر.
ويستحب التكبير
ثلاثا عند الخروج من الكعبة والدعاء بالمأثور وصلاة ركعتين عن يسار الدرجة ، ويمين
الخارج لما رواه في الكافي في الصحيح عن عبيد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) وهو خارج من الكعبة وهو يقول : الله أكبر الله أكبر
حتى قالها ثلاثا ، ثم قال اللهم لا تجهد بلاءنا ربنا ولا تشمت بنا أعداءنا فإنك
أنت الضار النافع ، ثم هبط فصلى الى جانب الدرجة جعل الدرجة عن يساره مستقبل
الكعبة ليس بينه وبينها أحد ثم خرج الى منزله».
المسألة
الثانية : لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب
__________________
طواف الوداع ، والمعتمد في كيفية الوداع ما رواه ثقة الإسلام وشيخ الطائفة (نور
الله تعالى مرقديهما) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال إذا أردت أن تخرج من مكة فتأتي أهلك فودع البيت
وطف بالبيت أسبوعا وان استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط
فافعل ، والا فافتتح به واختم به ، وان لم تستطع ذلك فموسع عليك ، ثم تأتى
المستجار فتصنع عنده كما صنعت يوم قدمت مكة وتخير لنفسك من الدعاء ثم استلم الحجر
الأسود ثم ألصق بطنك بالبيت تضع يدك على الحجر والأخرى مما يلي الباب واحمد الله
وأثن عليه وصل على النبي وآله ثم قل : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك
وحبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك اللهم كما بلغ رسالاتك وجاهد في سبيلك وصدع بأمرك
وأوذي في جنبك وعبدك حتى أتاه اليقين ، اللهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل
ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان والعافية «مما يسعني أن أطلب أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عندك وتزيدني عليه»
اللهم ان أمتني فاغفر لي وان أحييتني فارزقنيه من قابل ، اللهم لا تجعله آخر العهد
من بيتك ، اللهم انى عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على دوابك وسيرتني في بلادك
حتى أقدمتنى حرمك وأمنك وقد كان في حسن ظني بك ان تغفر لي ذنوبي فإن كنت قد غفرت
لي ذنوبي فازدد عنى رضا ، وقربني إليك زلفى ، ولا تباعدني ، وان كنت لم تغفر لي
فمن الان فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن كنت قد أذنت لي
غير راغب عنك ولا عن بيتك ولا مستبدل بك ولا به ، اللهم احفظني من بين يدي ومن
خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي ، فإذا بلغتني أهلي فاكفني مؤنة عبادك
وعيالي ، فإنك ولي ذلك من خلقك ومنى» ثم ائت زمزم واشرب من مائها ثم اخرج وقل «آئبون
تائبون عابدون لربنا حامدون الى ربنا راغبون الى الله
__________________
راجعون إنشاء الله قال : وان أبا عبد الله عليهالسلام لما ودعها وأراد ان يخرج من المسجد الحرام خر ساجدا عند
باب المسجد طويلا ثم قام وخرج».
وعن إبراهيم بن
أبى محمود في الصحيح قال رأيت أبا الحسن عليهالسلام ودع البيت فلما أراد أن يخرج من باب المسجد خر ساجدا ثم
قام واستقبل القبلة فقال : اللهم انى انقلب على أن لا إله إلا أنت».
وعن على بن
مهزيار في الصحيح قال : رأيت أبا جعفر الثاني عليهالسلام في سنة خمس عشرة ومأتين ودع البيت بعد ارتفاع الشمس ،
فطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط ، فلما كان في الشوط السابع استلمه ،
واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده ، ثم أتى المقام وصلى خلفه ركعتين ، ثم
خرج الى دبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ، ثم وقف عليه
طويلا يدعو ، ثم خرج من باب الحناطين وتوجه قال : فرأيته سنة سبع عشرة ومأتين ودع
البيت ليلا يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل شوط فلما كان في الشوط السابع
التزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل وكشف الثوب
عن بطنه ثم أتى الحجر الأسود فقبله ومسحه وخرج الى المقام ، فصلى خلفه ثم مضى ولم
يعد الى البيت وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم
ثمانية».
وعن أبي
إسماعيل قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام هو ذا أخرج جعلت فداك فمن أين أودع البيت ، قال : تأتى
المستجار بين الحجر والباب فتودعه من ثم ، ثم تخرج فتشرب من زمزم ثم تمضى ، فقلت :
أصب على رأسي ، فقال : لا تقرب الصب».
وعن قثم بن كعب
قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : انك لتدمن الحج قلت :
__________________
أجل قال : فليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول : المسكين على
بابك ، فتصدق عليه بالجنة».
وروى الشيخ في
التهذيب عن على «عن أحدهما عليهماالسلام في رجل لم يودع البيت؟ قال : لا بأس به ان كانت به علة
وكان ناسيا».
وروى في الكافي
عن حماد عن رجل قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام ، يقول : إذا طافت المرأة الحائض ثم أرادت أن تودع
البيت فلتقف على أدنى باب من أبواب المسجد ولتودع البيت».
أقول : الظاهر
أن المراد به أنه عرض لها الحيض بعد أن طافت طواف الوداع ، قبل الإتيان بدعاء
الوداع وقد صرح الأصحاب بسقوط الوداع عن الحائض لمكان الحيض.
قال في المنتهى
: والحائض لا وداع عليها ولا فدية على طواف الوداع الفائت بالحيض ، وهو قول عامة
فقهاء الأمصار ، بل يستحب لها أن تودع من أدنى باب من أبواب المسجد ، ولا تدخله
إجماعا ، لأنه يحرم عليها دخول المسجد.
أقول : وقد
تقدم أنه إذا طافت المرأة أربعة أشواط من طواف النساء ثم حاضت فإنها تنصرف ، وهو
واضح الدلالة في المراد.
المسألة
الثالثة ـ من المستحبات قبل الخروج بعد الوداع الشرب من ماء زمزم ، قال في الدروس
في تعداد ما يستحب يومئذ «ورابعها : الشرب من ماء زمزم والإكثار منه ، والتضلع منه
أى الامتلاء فقد قال النبي صلىاللهعليهوآله «ماء زمزم لما شرب له». وقد روى حماد أن جماعة من العلماء شربوا منه لمطالب
مهمة ما بين تحصيل علم وقضاء حاجة وشفاء من علة وغير ذلك فنالوها والأهم طلب
المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار وغير ذلك ، ويستحب حمله وأهداه قال : وفي
رواية معاوية «أسماء
__________________
زمزم : ركضة جبرائيل ، وحفيرة إسماعيل ، وحفيرة عبد المطلب وزمزم وبرة
والمضمونة والردا وشبعة وطعام ومطعم وشفاء سقم .
أقول : وقد روى
الصدوق مرسلا قال : قال الصادق (عليهالسلام): ماء زمزم شفاء لما شرب له ، قال : وروى ان من روى من
ماء زمزم أحدث به شفاء ، وصرف عنه به داء ، قال : وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة». وقد تقدم في الاخبار
السابقة ما يدل على نحو ذلك.
ومنها الخروج
من باب الحناطين كما دلت عليه رواية على بن مهزيار المتقدمة وقال في الدروس وهو
باب بنى جمح وهو بإزاء الركن الشامي قيل وانما سمى باب الحناطين لبيع الحنطة عنده
، وقيل لبيع الحنوط.
قال المحقق
الشيخ على ولم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب ، فان المسجد قد زيد فيه فينبغي أن
يتحرى الحاج موازاة الركن الشامي ثم يخرج.
ومنها ان يخر
ساجدا عند خروجه كما تضمنه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، وصحيحة إبراهيم بن أبى
محمود وربما أوهم بعض العبارات كون السجود بعد الخروج من المسجد ، وليس كذلك ،
فأن ظاهر الخبرين المذكورين كونه في المسجد.
ومنها أن يشترى
بدرهم تمرا ويتصدق به ناويا التكفير عما كان منه في الإحرام ، أو الحرم مما لا
يعلم ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : يستحب للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكة حتى
يشتريا بدرهم تمرا فليصدقا به ، لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله
عزوجل».
وما رواه ثقة
الإسلام (عطر الله مرقده) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار وحفص بن البختري
جميعا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : ينبغي للحاج
__________________
إذا قضى مناسكه وأراد أن يخرج أن يبتاع بدرهم تمرا يتصدق به ، فيكون كفارة
لما لعله دخل عليه في حجه من حك أو قملة سقطت أو نحو ذلك».
وعن أبى بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا أردت ان تخرج من مكة فاشتر بدرهم تمرا فتصدق به
قبضة قبضة فيكون لكل ما كان منك وفي إحرامك وما كان منك بمكة».
ومنها أن لا
يخرج من الحرمين بعد ارتفاع النهار حتى يصلى الظهرين لما رواه ثقة الإسلام عطر
الله مرقده عن إبراهيم بن عبد الحميد قال : «سمعته يقول : من خرج من الحرمين بعد ارتفاع
النهار قبل أن يصلى الظهر والعصر نودي من خلفه لاصحبك الله».
خاتمة الكتاب فيها مطلبان
المطلب الأول :
في النوادر والزيارات وما يتعلق بذلك من البحوث والتحقيقات وفيه فصول :
الفصل الأول : روى
ثقة الإسلام عطر الله مرقده في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : سألته عن قول الله عزوجل (مَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً) قال : إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر الى
الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا
يسقى ولا يكلم ، فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم
جناية أقيم عليه الحد في الحرم لانه لم يدع للحرم حرمته.
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله
__________________
(عليهالسلام) عن رجل قتل رجلا في الحل ثم دخل الحرم فقال : لا يقتل
ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد ، قلت :
فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق قال : يقام عليه الحد صاغرا أنه لم ير للحرم
حرمة وقد قال الله عزوجل
«فَمَنِ
اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»
فقال : هذا هو
في الحرم فقال (فَلا عُدْوانَ إِلّا
عَلَى الظّالِمِينَ)».
وعن على بن أبي
حمزة عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن قول الله عزوجل
«وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً» قال : ان سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر
إلى مكة لم يؤخذ ما دام بالحرم حتى يخرج منه ، ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا
يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ ، وان أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه».
وروى الصدوق في
الفقيه والشيخ في التهذيب عن ابن أبى عمير عن هشام بن الحكم عن أبى عبد الله عليهالسلام في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم قال : لا
يقام عليه الحد ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع ، فإنه إذا فعل به ذلك يوشك
أن يخرج فيقام عليه الحد ، وان جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم فإنه
لم ير للحرم حرمة».
أقول : ما
اشتملت عليه هذه الاخبار من الأحكام المذكورة مما لا خلاف فيه بين أصحابنا (رضوان
الله عليهم) ، الا أن عباراتهم في هذا المقام ربما أشعرت بنوع منافاة للأخبار
المذكورة ونحوها ، حيث قالوا : من أحدث حدثا في غير الحرم والتجأ إلى الحرم ضيق
عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد ، ولفظ التضييق لم يقع في شيء
من روايات المسألة ، وقد فسر التضييق بأن يطعم ويسقى
__________________
ما لا يحتمله مثله عادة ، أو ما يسد الرمق ، ولا ريب أن كلا من المعنيين
مناسب للفظ التضييق ، الا ، انه كما عرفت لا أثر له في النصوص ، وانما ظاهرها عدم
إطعامه وسقيه بالكلية ، ولو مات جوعا وعطشا
ثم ان بعض
الأصحاب ألحق بالحرم مسجد النبي صلىاللهعليهوآله ومشاهد الأئمة عليهمالسلام محتجا بإطلاق اسم الحرم عليها في بعض الاخبار ، ولا ريب
في ضعفه.
وروى في الكافي
عن عبد الخالق الصيقل قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل
«وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً» فقال : لقد سألتني عن شيء ما سألني أحد الا من شاء الله
قال : من أم هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عزوجل به ، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا
والآخرة» ،. ورواه الصدوق مرسلا بدون قوله «لقد سألتني عن شيء ما سألني الا من
شاء الله ، ولا «ثم قال».
أقول : لا
منافاة بين هذا التفسير وبين ما تقدم ، فان هذا من الباطن وذلك من الظاهر ،
والمراد بقوله عليهالسلام «آمنا في الدنيا والآخرة» أى من سخط الله وعذابه
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن وفي الفقيه عن معاوية بن عمار قال : «أتى أبو عبد الله عليهالسلام في المسجد فقيل له : ان سبعا من سباع الطير على الكعبة
ليس يمر به شيء من حمام الحرم إلا ضربه فقال : انصبوا له واقتلوه فإنه قد الحد».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قوله الله عزوجل
«وَمَنْ
يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ»
فقال : كل ظلم
إلحاد ، وضرب الخادم من غير ذنب من ذلك الإلحاد». قيل : الباء في «بإلحاد» زائدة ،
تقديره ومن يرد فيه إلحادا وفي بظلم المتعدية
وعن أبى الصباح
الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ، عن قول الله عزوجل (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ
بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)» فقال : كل ظلم يظلم الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم
أحد أو شيء من الظلم فإني أراه إلحادا ولذلك كان يتقى
__________________
أن يسكن الحرم». وروى الصدوق مثله ، وزاد في آخره ولذلك كان يتقى الفقهاء
أن تسكن مكة
وروى الشيخ في
الصحيح عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل
«وَمَنْ
يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ»
فقال : كل
الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت ان يكون إلحادا ولذلك كان الفقهاء
يكرهون سكنى مكة.
أقول : قد دلت
هذه الاخبار وأمثالها على كراهة سكنى مكة ويستنبط منها كراهة ذلك أيضا في سائر
الأماكن المشرفة والمشاهد المعظمة ، والوجه في ذلك هو أن شرف المكان كما يقتضي
تضاعف أجر الطاعات فيه من حيث شرفه يقتضي أيضا تضاعف جزاء العاصي من حيث هتك حرمته
، ألا ترى الى نساء النبي صلىاللهعليهوآله لمزيد قربهن منه صلىاللهعليهوآله والفوز بشرف أمومة المؤمنين قد ضاعف لهم الأجر بقوله
«وَمَنْ
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها
مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً»
وقال
«لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ»
ثم ضاعف لهم
العذاب بالمعاصي فقال
«يا
نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا
الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ» وهكذا يكون الحكم في جميع الأماكن الشريفة والأزمان
المنيفة ،
والمشهور بين
الأصحاب كراهة المجاورة بمكة ، وعلل ذلك بوجوه : منها الخوف من الملالة وقلة
الاحترام ، والخوف من ملابسة الذنب ، فان الذنب فيها عظيم ، أو بأن المقام فيها
يقسي القلب ، أو من سارع الى الخروج منها يدوم شوقه إليها ، وذلك مراد الله عزوجل ، وجميع هذه التوجيهات مروية ، وقد ورد في الاخبار ما
يدل على استحباب المجاورة ، كصحيحة على بن مهزيار قال : سألت أبا الحسن (عليهالسلام) «عن المقام بمكة أفضل أو الخروج الى بعض الأمصار؟ قال
: المقام
__________________
عند بيت الله أفضل».
وروى ابن
بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه مرسلا عن الباقر عليهالسلام قال : من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنوبه ولأهل بيته ،
ولكل من استغفر له ولعشيرته ولجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت ، وعصموا من كل سوء
أربعين ومأة سنة ، ثم قال : والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة». والجمع بين
الاخبار ممكن لجمل ما دل على استحباب الجوار على ما إذا أمن من نفسه وقوع الذنب
فيها كما عرفت من الاخبار المتقدمة.
وروى الشيخ عن
أيوب بن أعين عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها
فنال بيده حتى وضعها على ذراعها ، فاثبت الله يده في ذراعها حتى قطع الطواف فأرسل
الى الأمير واجتمع الناس وأرسل الى الفقهاء وجعلوا يقولون : اقطع يده ، فهو الذي
جنى الجناية فقال : هيهنا أحد من ولد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقالوا : نعم الحسين بن على قدم الليلة ، فأرسل إليه
فدعاه فقال انظر ما لقيا ذان ، فاستقبل القبلة ورفع يده ومكث طويلا يدعو ثم جاء
إليهما حتى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟ فقال : لا». أول
أقول : لا يبعد أن يكون الجاني من الشيعة الإمامية ، وأنه ما لحقه من الخزي
والفضيحة حصل له الندم والتوبة ، فلذلك عفى عنه ولم يعاقبه.
وروى الحميري
في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن الرضا (عليهالسلام) قال : «سأله صفوان وأنا حاضر عن الرجل يؤدب مملوكه في
الحرم؟ فقال : كان أبو جعفر (عليهالسلام) يضرب فسطاطه في حد الحرم بعض أطنابه في الحرم وبعضها
في الحل ، فإذا أراد أن يؤدب بعض
__________________
خدمه أخرجه من الحرم وأدبه في الحل». وروى الشيخ عن ابى الصباح الكناني قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمدا؟ قال :
يضرب رأسه ضربا شديدا ثم قال : ما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا؟ قال : يقتل».
أقول : المراد
بالحدث هنا البول والغائط لما ورد في خبر آخر في الفرق بين الإسلام والايمان رواه الصدوق
قال : «قال الصادق عليهالسلام : في حديث يذكر فيه الإسلام والايمان ولو أن رجلا دخل
الكعبة فبال فيها معاندا خرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه.
وعن أبى الصباح
الكناني قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ، أيهما أفضل الإيمان أو الإسلام ، فإن من قبلنا يقولون أن الإسلام أفضل من
الايمان ، فقال : الايمان ارفع من الإسلام قلت : فأوجدني ذلك قال : ما تقول فيمن
أحدث في المسجد الحرام متعمدا؟ قال : قلت : يضرب ضربا شديدا قال : أصبت قال : فما
تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا؟ قال : قلت : يقتل ، قال : أصبت.
الفصل الثاني :
روى ثقة الإسلام في الكافي عن الحسين بن أبى العلاء في الحسن قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان معاوية أول من علق على بابه مصراعين بمكة فمنع
حاج بيت الله ما قال الله عزوجل
«سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ».
وكان الناس إذا
قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضى حجه ، وكان معاوية صاحب السلسلة التي
قال الله تعالى
«فِي
سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً
__________________
فَاسْلُكُوهُ
إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ»
وكان فرعون هذه
الأمة».
وعن يحيى بن
أبى العلاء «عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) قال : لم يكن لدور مكة أبواب كان أهل البلدان يأتون
بقطرانهم فيدخلون فيضربون بها فكان أول من بوبها معاوية». (لعنه الله) قال في
الوافي : القطران كأنه جمع قطار الإبل كالجدار وأما قطوان بالواو كما يوجد في بعض
النسخ فلم نجد له معنى محصلا.
وروى الشيخ في
الحسن عن الحسين بن أبى العلاء «قال ذكر أبو عبد الله (عليهالسلام) هذه الآية
«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ...» قال : كانت مكة ليس على شيء منها باب ، وكان أول من
علق على بابه المصراعين معاوية بن أبى سفيان وليس ينبغي لأحد ان يمنع الحاج شيئا
من الدور ومنازلها».
وعن حفص بن
البختري في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام) قال : ليس ينبغي لأهل مكة أن يجعلوا على دورهم أبوابا
، وذلك أن الحاج ينزلون معهم في ساحة الدار حتى يقضوا حجهم».
وروى الصدوق في
العلل مسندا في الصحيح عن عبيد الله بن على الحلبي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن قول الله عزوجل
«سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ»
فقال : لم يكن
ينبغي ان يصنع على دور مكة أبواب ، لأن للحاج ان ينزلوا معهم في دورهم في ساحة
الدار حتى يقضوا مناسكهم ، وأن من جعل لدور مكة أبوابا معاوية» ورواه في الفقيه
مرسلا قال : سئل الصادق (عليهالسلام) عن قول الله تعالى وساق الحديث.
وروى عبد الله
بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن الحسين بن علوان «عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام) أنه نهى أهل مكة أن يؤاجروا دورهم وأن يعلقوا أبوابا
وقال «سَواءً الْعاكِفُ
فِيهِ وَالْبادِ» قال : وفعل ذلك أبو بكر وعمر
__________________
وعثمان وعلى حتى كان في زمن معاوية».
وعن السندي بن
محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليهمالسلام أنه كره اجارة بيوت مكة وقرأ
«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ».
وروى على بن
جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «وليس ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئا من
الدور ينزلونها.
أقول : المشهور
بين المتأخرين أن المنع من سكنى الحاج بالأبواب ونحوها انما هو على جهة الكراهة ،
ونقلوا عن الشيخ (رحمة الله عليه) القول بالتحريم ، وردوه بما اشتملت عليه صحيحة
حفص بن البختري ، ورواية الحسين بن ابى العلاء ونحوهما من لفظ ليس ينبغي ، فإنه
ظاهر في الكراهة ، ونقل عن الشيخ فخر الدين في شرح القواعد أنه استدل للشيخ بأن
مكة كلها مسجد لقوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي
أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)» الى آخره وكان الإسراء من دار أم هاني ، وإذا كانت
كذلك فلا يجوز منع أحد منها لقوله تعالى
«سَواءً
الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ»
ورد بأنه
استدلال ضعيف ، أما أولا فلان الإجماع القطعي منعقد على خلافه ، وأما ثانيا فلمنع
كون الإسراء من بيت أم هاني ، ثم لو سلمنا لجاز مروره بالمسجد الحرام ليتحقق
الإسراء منه حقيقة :
أقول : الأظهر
في الاستدلال للشيخ (رحمة الله عليه) انما هو بظاهر الآية فان ظاهرها مساواة
البادي للحاضر في الانتفاع بمساكنها ودورها حتى يقضوا نسكهم وإذا كان حقا شرعيا
لهم فمنعهم منه محرم كما ينادى به قوله (عليهالسلام) في الرواية الأولى فمنع حاج بيت الله ما قال الله
تعالى «سَواءً الْعاكِفُ
فِيهِ وَالْبادِ» بمعنى أنه منعهم حقا قد فرض الله لهم في كتابه وأما
التمسك بقوله «فليس ينبغي» فقد عرفت في غير موضع ان هذا اللفظ قد ورد بمعنى
التحريم في الاخبار بما لا يحصى كثرة ، وقد بينا أنه
__________________
من الألفاظ المتشابهة في الاخبار التي لا تحمل على أحد المعنيين إلا بقرينة
، وان كان في العرف الظاهر بين الناس الآن انما هو بمعنى ما ذكروه الا انه لا عبرة
به.
وبالجملة
فالاعتماد في الاستدلال على ظاهر الآية بالتقريب الذي ذكرناه ، ويخرج ما ورد في
رواية قرب الاسناد من نهى أمير المؤمنين عليهالسلام أهل مكة أن يؤاجروا دورهم ، وأن يعلقوا أبوابا الذي هو
حقيقة في التحريم ـ شاهدا على ما ذكرناه وتكاثر هذه الاخبار بإنكار ذلك على معاوية
وذمه بها وأنها من بدعه بالتحريم أنسب والى الانطباق عليه أقرب.
الفصل الثالث
روى الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن اللقطة ونحن يومئذ بمنى فقال : أما بأرضنا هذه فلا
تصلح ، واما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ، ثم هي كسبيل
ماله».
وعن الفضيل بن
يسار في الصحيح قال
: «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن لقطة الحرم فقال : لا تمس ابدا حتى يجيء صاحبها
فيأخذها قلت : فان كان مالا كثيرا ، قال : فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها».
وعن على بن أبي
حمزة قال : «سألت العبد الصالح عليهالسلام عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال : بئس ما صنع ما
كان ينبغي له ان يأخذ قلت : ابتلى بذلك ، قال : يعرفه ، قلت : فإنه قد عرفه فلم
يجد له باغيا ، قال : يرجع الى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فان جاء
طالبه فهو له ضامن».
وعن إبراهيم بن
عمر اليماني في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : اللقطة لقطتان : لقطة الحرم تعرف سنة ، فان وجدت
صاحبها والا تصدقت بها ولقطة غيره تعرف سنة ، فان لم تجد صاحبها وهي كسبيل مالك».
ورواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن مثله ، الا انه قال في آخره : «فان
__________________
جاء صاحبها والا فهي كسبيل مالك».
وعن إبراهيم بن
ابى البلاد عن بعض أصحابه عن ابى الحسن الماضي عليهالسلام قال : «لقطة الحرم لا تمس بيد ولا رجل ولو ان الناس
تركوها لجاء صاحبها فأخذها».
وروى في الكافي
عن الفضيل بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يجد اللقطة في الحرم ، قال : لا يمسها واما
أنت فلا بأس ، لأنك تعرفها».
وعن فضيل بن
غزوان في الصحيح قال : «كنت عند ابى عبد الله عليهالسلام فقال له الطيار إن حمزة ابني وجد دينارا في الطواف قد
انسحق كتابته قال هو له».
وعن محمد بن
رجا الخياط قال : كتبت الى الطيب (عليهالسلام) انى كنت في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه
لآخذه فإذا أنا بآخر «فنحيت الحصا» فإذا أنا بثالث ، فأخذتها فعرفتها فلم يعرفها أحد فما
ترى في ذلك ، فكتب : فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير فان كنت محتاجا فتصدق بثلثها ،
وان كنت غنيا فتصدق بالكل».
أقول : الكلام
في هذه الاخبار يقع في مواضع : الأول : قد اختلفت الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
لقطة الحرم فقال الشيخ في النهاية : اللقطة ضربان ضرب يجوز أخذه ولا يكون على من
أخذه ضمانه ولا تعريفه ، وهو ما كان دون الدرهم ، أو يكون قد وجده في موضع خربان
قد باد أهله واستنكر رسمه ، وضرب لا يجوز أخذه ، فإن أخذه لزمه حفظه وتعريفه ، وهو
على ضربين ، ضرب يجده في الحرم
__________________
فيجب تعريفه سنة ، ثم يتصدق به ، وضرب يجده في غير الحرم فيلزمه أيضا أن
يعرفه سنة ، فان جاء صاحبه رده عليه ، وان لم يجيء كان كسبيل ماله»
قال في المختلف
بعد نقل ذلك : هذا الكلام : يشعر بأن ما يجده في الحرم مما يقل قيمته عن درهم يجوز
أخذه ، وكذا عبارة ابن البراج في الكامل وابن إدريس ، ثم نقل عن على بن بابويه قال
: اللقطة لقطتان : لقطة الحرم ، ولقطة غيره ، فأما لقطة الحرم فإنها تعرف سنة ،
فان جاء صاحبها والا تصدق بها ، ولقطة غير الحرم تعرفها سنة ، فان جاء صاحبها والا
كسبيل مالك وان كانت دون الدرهم فهي لك.
ثم قال : وهذا
يشعر بأن المأخوذ في الحرم يجب تعريفه مطلقا ، وكذا عبارة أبيه في المقنع.
ثم نقل عن
الشيخ المفيد نحوا من عبارة الشيخ على بن بابويه ، وحاصلها في الدلالة على أن لقطة
الحرم يجب تعريفها مطلقا فان عرف صاحبها ، والا تصدق بها ولقطة غير الحرم يعرفها
كذلك ، فان عرف صاحبها والا تصرف فيها الذي وجدها ولا بأس أن ينتفع بما يجده مما
لم يبلغ قيمته درهما واحدا ولا يعرفه ، ثم نقل عن سلار ما يشعر بموافقة الشيخ في
إباحة ما ينقص عن الدرهم في الحرم ، ثم اختار مذهب الشيخ على بن بابويه.
أقول : وقد ظهر
من ذلك أن محل الخلاف هنا في أن ما نقص عن درهم من لقطة الحرم هل يجوز تملكه من
غير تعريف أم لا؟ فظاهر الشيخ في النهاية ومن تبعه أول ، وظاهر الشيخ على بن
بابويه والشيخ المفيد الثاني.
والعجب انه في
المختلف قال في صدر البحث : لا يجوز تملك لقطة الحرم إجماعا ، بل يجب تعريفها حولا
ثم يتخير بعده بين الاحتفاظ والصدقة ، وهذا الكلام كما ترى يؤذن بدعوى الإجماع على
عدم جواز تملكها ، وان كانت أقل من درهم ، مع أنه نقل الخلاف المذكور في أثناء
المبحث.
ثم ان ظاهر
عبارة الشيخ المتقدمة أن ما كان درهما فما ذا لا يجوز أخذه ولا التقاطه من الحرم
كان أو غيره ، وقيل : انه لا يحل لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة ،
وبه صرح المحقق في كتاب الحج من الشرائع ، وعزاه في المدارك الى الشيخ في
النهاية ، وعبارته المتقدمة كما عرفت لا تساعده ، إذ ظاهرها انما هو ما كان درهما
فصاعدا وقيل بالكراهة ، وهو اختياره في النافع.
وقيل يجوز
التقاط القليل مطلقا ، والكثير على كراهية مع نية التعريف ، وهو خيرة المحقق في
كتاب اللقطة على ما ذكره في المدارك ، والظاهر ان من ذهب الى التحريم مطلقا أخذ
بظاهر النهى عن أخذها ، ومنها كما في صحيحة الفضيل بن يسار ورواية إبراهيم ابن ابى
البلاد ، ورواية على بن أبي حمزة وغيرها الا انه ينافيه قوله (عليهالسلام) في صحيحة الفضيل ، «فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها»
فإنه مما يؤذن بالرخصة ، وجواز الأخذ لمثله ، ومثله قوله (عليهالسلام) في رواية الأخرى ، «واما أنت فلا بأس».
ومن هنا قيل
بالكراهة سيما مع ورود النهي أيضا في غير لقطة الحرم ، كما في حسنة الحسين بن أبى
العلاء قال : «ذكرنا لأبي عبد الله (عليهالسلام) اللقطة فقال : لا تعرض لها فان الناس لو تركوها لجاء
صاحبها حتى يأخذها».
وقول على (عليهالسلام) في رواية مسعدة بن زياد عن الصادق (عليهالسلام) «إياكم واللقطة ، فإنها ضالة المؤمن ، وهي حريق من
حريق جهنم». إلا أنك قد عرفت من ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة القول بالتحريم مطلقا ،
وان كان من غير لقطة.
واما من قال
بالتحريم في خصوص الدرهم فما زاد كما هو ظاهر عبارة النهاية ولعله خصص عموم هذه
الاخبار بأخبار جواز أخذ ما نقص عن الدرهم.
ومن فصل بين
الكثير والقليل لعله نظر الى ظاهر صحيحة الفضيل بن يسار مع ما دل على جواز التقاط
ما دون الدرهم.
وكيف كان فمع
أخذها وتعريفها فقيل : انه يتخير بين الحفظ فتكون أمانة عنده وبين الصدقة ، فإن
تصدق بها بعد الحول ، ففي الضمان قولان للشيخ : أحدهما ثبوته
__________________
قال في النهاية في باب آخر من فقه الحج ، وكذا في المبسوط والخلاف ، وبه
قال ابن الجنيد وابن إدريس.
والقول الثاني
في باب اللقطة من النهاية أنه لا ضمان عليه ، وهو قول المفيد وابن البراج ، وسلار
، وابن حمزة ، والمحقق في كتاب الحج من الشرائع ، ونسبه في المختلف أيضا الى ولده
، وجعل الأقوى الأول.
أقول : ويأتي
على ما قدمناه القول بجواز التقاط ما دون الدرهم وتملكه تخصيص البحث هنا بما زاد
على ذلك ، ونقل عن المحقق في كتاب اللقطة أنه جوز تملك ما دون الدرهم دون الزائد ،
فخير بين إبقائه أمانة والتصدق به ولا ضمان
أقول : أما ما
ذكره من التخيير بين الحفظ والتصدق فالروايات المتقدمة خالية عنه ، فإنها كلها
متفقة على التصدق سوى رواية الفضيل بن غزوان ، وسيجيء الكلام فيها إنشاء الله
وأما ما قيل :
من عدم الضمان على تقدير التصدق ، فلعل منشؤه إطلاق الأمر بالتصدق في صحيحة
إبراهيم بن عمر اليماني ، ورواية محمد بن رجا الخياط ، ومتى كان مأمورا بالصدقة
وقد امتثل فلا يتعقبه ضمان ، الا أن رواية على بن أبي حمزة قد دلت على الضمان متى
جاء طالبه ، فيجب تقييد إطلاق الخبرين بها ، وبذلك تقوى القول بالضمان كما اختاره
في المختلف.
الثاني قال في
المختلف : كلام الشيخ يشعر بمنع أخذ ما زاد على الدرهم من اللقطتين ، وكذا قال ابن
البراج ، وقال ابن على بن بابويه أفضل ما تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم
أو غير الحرم أن تتركها ولا تمسها ، وهو يدل على أولوية الترك ، والأشهر الكراهة
ثم استدل
للقائلين بالتحريم بعصمة مال الغير وبحسنة الحسنين بن أبى العلاء المتقدمة ، وأجاب
عنها بأنه لا منافاة بين عصمة مال الغير والالتقاط ، فانا لا تملكه إياها بمجرده ،
بل نأمره بالتعريف والالتقاط ، وذلك حفظ لها قال : وقد روى زرارة
__________________
عن الباقر (عليهالسلام) قال : «سألته عن اللقطة ، فأراني خاتما في يده من فضة
، قال : ان هذا مما جاء به السيل وانا أريد أن أتصدق به».
وذلك يدل على
التسويغ أقول : والذي يقرب عندي من الاخبار الواردة في اللقطة مطلقا في الحرم أو
غيره هو تحريم رفعها ، لأن الأخبار قد تكاثرت بالنهي عن ذلك الذي هو حقيقة في
التحريم مؤكدا بذلك بقول على عليهالسلام في رواية مسعدة المتقدمة وهي حريق من حريق جهنم ، وقوله
عليهالسلام في رواية على بن أبي حمزة بئس ما صنع ، غاية الأمر انه
رخص للثقة الأمين جواز ذلك ، كما دلت عليه صحيحة الفضيل بن يسار ، ورواية الأخرى
وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ ومن تبعه.
الثالث قال في
المختلف : قال على بن بابويه : وان وجدت في الحرم دينارا مطلقا فهو لك لا تعرفه ،
وكذا قال ابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، والمشهور التحريم ، للعموم الدال على
المنع من أخذ لقطة الحرم ، احتج بما رواه الفضيل بن غزوان ثم ساق الرواية كما
قدمناه ، ثم قال : والجواب المعارضة بما تقدم من الأحاديث.
أقول : لا يخفى
أن ما نقله عن الشيخ على بن بابويه في هذا المقام من عباراته المنقولة في المواضع
الثلاثة انما هو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال في الكتاب المذكور في باب اللقطة اعلم أن
اللقطة لقطتان : لقطة الحرم ، ولقطة غير الحرم فأما لقطة الحرم فإنها تعرف سنة ،
فان جاء صاحبها والا تصدقت بها ، وان كنت وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا
تعرفه ، ولقطة غير الحرم تعرفها أيضا سنة ، فان جاء صاحبها والا فهي كسبيل مالك ،
وان كان دون درهم فهو لك حلال ـ الى أن قال عليهالسلام وأفضل ما تستعمله في اللقطة إذا وجدتها في الحرم أو غير
الحرم أن تتركها فلا تأخذها ولا تمسها ، ولو أن الناس تركوا ما وجدوا جاء صاحبها
وأخذها» ومنه يعلم أن مستند الشيخ المذكور فيما ذكره من هذه الأحكام وغيرها مما
عرفت فيما تقدم انما هو الكتاب المذكور ، وان كانت ثمة أخبار تدل على ذلك أيضا.
__________________
نعم يبقى
الكلام في أن الاخبار كما عرفت قد دلت على عدم جواز تملك لقطة الحرم ، وهو وجه
الفرق بين لقطة غير الحرم وغيره ، فان الحكم في لقطة الحرم التخيير بين التملك
والصدقة ، والحفظ أمانة ، وأما لقطة الحرم فقد عرفت من كلامهم أن الحكم فيها
التخيير بين الحفظ والصدقة ، والظاهر من الاخبار كما عرفت انما هو الصدقة ،
فالتملك فبها غير جائز ، وهذا الخبر قد دل على جواز التملك في خصوص الدينار المطلس
، وقد دل الخبران المذكوران على جواز تملكه ، فالواجب هو تخصيص الاخبار المذكورة
بهما في خصوص هذا الفرد.
الرابع : ما
اشتمل عليه خبر محمد بن رجا الخياط من التصدق بالثلث ان كان محتاجا مما قال به
الشيخ (رحمة الله عليه) فقال : انه إذا كان محتاجا يجوز له تملك الثلثين والتصدق
بالباقي.
وحمله العلامة
على الضرورة ، وأنكر هذا القول ، وأنت خبير بما فيه ، فإنه يجوز انه لما كان من
حيث احتياجه من مصارف الصدقة جاز له تملك الثلثين ويكون الأمر بالتصدق بالثلث
محمولا على ضرب من الفضل والاستحباب ، على أنه مع رفع الأمر للإمام (عليهالسلام) الذي هو صاحب الاختيار في التصدق وغيره ، أمره بما راى
من أخذ الثلثين صدقة عليه ، وأن يتصدق بالثلث على غيره. فيكون الحكم مقصورا على
هذه الصورة ، فلا منافاة فيه للأخبار الدالة على عدم جواز تملك لقطة الحرم.
وربما قيل : ان
تقريره (عليهالسلام) على أخذه يدل على جواز أخذ لقطة الحرم ، كما ذهب اليه
البعض.
وفيه ان
الإنكار قد وقع في غيره من الاخبار فيخص به هذا الخبر ، وانما هذا لما ابتلى بذلك
جعل له المخرج لما ذكره (عليهالسلام).
الخامس : قد
اتفقت الأخبار المذكورة هنا بالنسبة إلى لقطة غير الحرم ان الحكم فيها بعد التعريف
هو انها تكون كسبيل ماله.
ونحوها
رواية داود بن
سرحان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «أنه قال في اللقطة : يعرفها
__________________
سنة ، ثم هي كسائر ماله ،. والأصحاب قد فهموا منها التملك واستدلوا بها على
جواز تملكها بعد التعريف ، والخلاف هنا قد وقع في أنه هل تدخل في ملكه بعد التعريف
بغير اختيار أو لا بد عن اختياره ذلك ، ظاهر كلام الشيخ في النهاية الأول ، فإنه
قال : يعرفها سنة ، فان لم يجيء صاحبها كانت كسبيل ماله ، وكذا قال ابن بابويه ،
وبه جزم ابن إدريس.
وقال الشيخ في
الخلاف والمبسوط : إذا عرفها سنة لا تدخل في ملكه الا باختياره ، بأن يقول قد
اخترت ملكها ، وكذا قال ابن حمزة وأبو الصلاح ، وقال الشيخ المفيد وسلار ، وان كان
الموجود في غير الحرم عرف سنة ، فان جاء صاحبه والا تصرف فيه الذي وجده وهو ضامن
له ، وليس فيه دلالة على شيء من القولين ، بل هو محتمل لكل منهما ، قال ابن إدريس
: الصحيح أنه يملكها بغير اختياره ، وهو مذهب أصحابنا أجمع ، وبه تواترت أخبارهم ،
وقول الشيخ في الخلاف أنه يتخير بين حفظها على صاحبها ، وبين أن يتصدق بها عنه ،
ويكون ضامنا وبين أن يتملكها مذهب الشافعي وابى حنيفة اختاره هيهنا والحق الصحيح
إجماع أصحابنا على أنه بعد السنة كسبيل ماله أو يتصدق بها بشرط الضمان ، ولم
يقولوا هو بالخيار بعد السنة في حفظها على صاحبها.
أقول : وعندي
فيما ذكروه من دلالة هذه الاخبار على التملك سيما على القول بدخولها في الملك من
غير اختياره إشكال ، فإن غاية ما تدل عليه هذه العبارة انها بعد التعريف سنة تكون
كسبيل ماله ، والتشبيه لا يقتضي المساواة من كل وجه ، فيجوز ان يكون المراد بحفظها
في جملة أمواله ويجرى عليها ما يجرى عليها.
ومما يدل على
ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : سألته عن اللقطة قال : لا ترفعوها فان ابتليت
فعرفها سنة ، فان جاء
__________________
طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجرى عليها ما يجرى على مالك الى أن يجيء
طالب».
وروى في الكافي
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال سألته عن اللقطة فقال : لا ترفعها فإذا ابتليت بها
فعرفها سنة فان جاء طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجرى عليها ما يجرى على مالك
حتى يجيء لها طالب ، فان لم يجيء بها طالب فأوص بها في وصيتك». وأنت خبير بان
ظاهر الأمر بجعلها في عرض ماله حتى يجيء لها طالب هو بقاء العين تلك المدة
وروى في من لا
يحضره الفقيه في الصحيح عن على بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع ، قال :
يعرفها سنة ، فان لم يعرف جعلها في عرض ماله حتى يجيء طالبها فيعطيها إياه ، وان
مات أوصى بها ، وهو لها ضامن». وربما أشعر قوله وهو لها ضامن وبالتملك والتصرف ،
ويمكن حمله على التفريط فيها يعنى وهو لها ضامن ان فرط في حفظها»
وروى المشايخ
الثلاثة عطر الله مرقدهم عن أبى خديجة عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ينبغي له أن يعرفها سنة في مجمع ، فان
جاء طالبها دفعها اليه والا كانت في ماله ، وان مات كان ميراثا لولده ولمن ورثه
فان لم يجيء لها طالب كانت في أموالهم هي لهم ان جاء طالبها دفعوها اليه .
وهذه الاخبار
كلها ظاهرة في بقاء العين في يده مدة حياته أو يد ورثته وإطلاق الميراث عليها ،
وأنها للورثة تجوز باعتبار اختصاصهم بحفظها
وبالجملة
فإثبات التملك بهذا اللفظ مشكل
__________________
نعم قد روى
الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن حنان بن سدير قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن اللقطة وأنا أسمع قال تعرفها سنة فان وجدت صاحبها
والا فأنت أحق بها». قال في الفقيه : يعني لقطة غير الحرم وقال : هي كسبيل مالك
وقال : خيره إذا جائك بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها ،
والحديث ظاهر في جواز تملكها والتصرف فيها وضمانها بعد ظهور صاحبها ان طلبها.
وأما ما يدل
على جواز الصدقة بها مع الضمان فهو ما رواه في التهذيب عن الحسين بن كثير عن أبيه قال : «سأل رجل أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن اللقطة فقال : يعرفها فان جاء صاحبها دفعها اليه
والا حبسها حولا ، فان لم يجيء صاحبها أو من يطلبها تصدق بها ، فان جاء صاحبها
بعد ما تصدق بها ان شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له ، وان كره ذلك
احتسبها والأجر له ،.
وأما ما يدل
على حفظها وجعله أمانة عنده فليس الا الاخبار الأربعة التي ذكرنا منافاتها لاخبار
الملك كما عرفت ، وحينئذ فإن عمل بهذه الاخبار على ظاهرها لزم منه القدح في دليلهم
المتقدم ، بالتقريب الذي ذكرناه ، وان ارتكب فيها التأويل بما يرجع به الى الدلالة
على الملك لزم أن يكون القول بالحفظ خاليا إذ ليس من الدليل في الباب سوى هذه
الاخبار والله العالم.
الفصل الرابع
روى الشيخ (قدسسره) عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال : سألته عن رجل جعل ثمن جاريته هديا للكعبة كيف
يصنع فقال : مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ، ألا من قصرت به نفقته أو قطع به أو
نفذ طعامه فليأت فلان بن فلان ، وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى يتصدق بثمن الجارية».
__________________
ورواه الحميري
في قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر مثله ، الا انه قال : ثمن جاريته ، وزاد «وسألته
عن رجل يقول : هو يهدى كذا وكذا ما عليه؟ فقال : إذا لم يكن نذر فليس عليه شيء».
وروى ثقة
الإسلام في الصحيح عن حريز عن ياسين قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : ان قوما أقبلوا من مصر فمات رجل فأوصى بألف درهم
للكعبة فلما قدم الوصي مكة سأل فدلوه على بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر فقالوا :
قد برئت ذمتك ادفعها إلينا ، فقام الرجل فسأل الناس فدلوه على أبى جعفر محمد بن
على (عليهالسلام) قال أبو جعفر (عليهالسلام) : فأتاني فسألني فقلت له : ان الكعبة غنية عن هذا انظر
الى من أم هذا البيت فقطع به ، أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع الى
أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت لك ، فأتى الرجل بني شيبة فأخبرهم بقول ابى
جعفر (عليهالسلام) فقالوا : هذا ضال مبتدع ليس يؤخذ عنه ، ولا علم له ،
ونحن نسألك بحق هذا البيت وبحق كذا وكذا لما أبلغته عنا هذا الكلام قال فأتيت أبا
جعفر (عليهالسلام) فقلت له : لقيت بني شيبة فأخبرتهم فزعموا انك كذا وكذا
وانك لا علم لك ثم سألوني بالعظيم الا بلغتك ما قالوا قال : وأنا أسألك بما سألوك
لما أتيتهم فقلت لهم ان من علمي أن لو وليت شيئا من أمر المسلمين لقطعت أيديهم ثم
علقتها في أستار الكعبة ثم أقمتهم على المصطبة ثم أمرت مناديا ينادي ألا ان هؤلاء سراق الله فاعرفوهم.
ورواه الصدوق في كتاب العلل مثله.
وعن على بن
جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليهالسلام) قال : سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة ، كيف يصنع؟
قال : ان ابى أتاه رجل قد جعل جاريته هديا للكعبة فقال له : قوم الجارية أو بعها
ثم مر مناديا يقوم على الحجر
__________________
فينادي الا من قصرت نفقته أو قطع به طريقه أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان
وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفد ثمن الجارية».
ورواه الشيخ
بإسناده عن على بن جعفر مثله الا انه قال : جعل ثمن جاريته وترك قوله «قوم الجارية»
وقال : في آخره حتى يتصدق بثمن الجارية ، ورواه الصدوق في العلل مثله.
وروى في الفقيه
عن محمد بن عبد الله بن مهران عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : سألته عن الرجل يقول : هو يهدى الى الكعبة كذا
وكذا ما عليه إذا كان لا يقدر على ما يهديه؟ قال : ان كان جعله نذرا ولا يملك فلا
شيء عليه ، وان كان مما يملك غلاما أو جارية أو شبههما باع واشترى بثمنه طيبا
فيطيب به الكعبة ، وان كانت دابة فليس عليه شيء».
وعن أبى الحر عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال جاء رجل الى ابى جعفر (عليهالسلام) فقال له : انى أهديت جاريته إلى الكعبة فأعطيت بها خمس
مأة دينار فما ترى؟ فقال : بعها ثم خذ ثمنها ثم قم على حائط الحجر ثم ناد ، وأعط
كل منقطع به وكل محتاج من الحاج.
ورواه في موضع
آخر وقال : عن أبى الحسن عوض قوله عن أبى الحر ورواه الصدوق في العلل عن ابى الحر
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) مثله ، ورواه الشيخ عن ابى الحسن عن أبى عبد الله عليهالسلام مثله ، والظاهر كما استظهره في الوافي أن لفظة أبى الحر
وقع تصحيف أبى الحسن.
وعن سعيد بن
عمر الجعفي عن رجل من أهل مصر قال : اوصى الى أخي بجارية كانت له
مغنية فارهة ، وجعلها هديا لبيت الله الحرام فقدمت مكة فسألت
__________________
قيل : ادفعها إلى بني شيبة ، وقيل : الى غير ذلك من القول ، فاختلف على فيه
، فقال لي رجل من أهل المسجد : إلا أرشدك الى من يرشدك في هذا إلى الحق؟ قلت : بلى
قال : فأشار الى شيخ جالس في المسجد ، فقال : هذا جعفر بن محمد عليهماالسلام فاسأله قال : فأتيته (عليهالسلام) وقصصت عليه القصة فقال : ان الكعبة لا تأكل ولا تشرب
وما اهدى لها فهو لزوارها ، بع الجارية ، وقم على الحجر فناد هل من منقطع به ، وهل
من محتاج من زوارها فإذا أتوك فسل عنهم ، وأعطهم واقسم فيهم ثمنها ، قال : فقلت له
: ان بعض من سألته أمرني بدفعها إلى بني شيبة ، فقال : اما ان قائمنا (عليهالسلام) لو قد قام لقد أخذهم فقطع أيديهم فطاف بهم ، وقال :
هؤلاء سراق الله.
ورواه الشيخ
أيضا والصدوق في العلل مثله ،
وعن أبى عبد
الله البرقي عن بعض أصحابنا قال : دفعت الى امرأة غزلا فقالت : ادفعه بمكة ليخاط به
كسوة الكعبة فكرهت أن ادفعه الى الحجبة ، وأنا أعرفهم فلما صرت بالمدينة دخلت على
أبى جعفر (عليهالسلام) فقلت له : جعلت فداك ان امرأة أعطتني غزلا وأمرتني أن
ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن ادفعه الى الحجبة ، فقال : اشتر به عسلا
وزعفرانا وخذ طين قبر أبى عبد الله (عليهالسلام) واعجنه بما السماء واجعل فيه شيئا من العسل والزعفران
، وفرقه على الشيعة ليداووا به مرضاهم».
قال في الفقيه وروى عن الأئمة (عليهمالسلام) أن الكعبة لا تأكل ولا تشرب ، وما جعل هديا لها فهو
لزوارها ، قال : وروى «انه ينادى على الحجر ألا من انقطعت به النفقة فليحضر فيدفع اليه ،».
وروى في العلل
والعيون عن عبد السلام بن صالح الهروي وعن الرضا
__________________
(عليهالسلام) في حديث قال : «قلت له : بأي شيء يبدأ القائم منكم
إذا قام ، قال : يبدأ يبني شيبة فيقطع أيديهم لأنهم سراق بيت الله».
وروى النعماني
في كتاب الغيبة بسنده عن بندار الصيرفي عن رجل من أهل الجزيرة عن أبى جعفر ، (عليهالسلام) قال : قلت له : معي جارية جعلتها على نذر بيت الله في
يمين كانت على وقد ذكرت ذلك للحجبة فقالوا جئنا بها ، فقد وفى الله بنذرك فقال أبو
جعفر (عليهالسلام) : يا عبد الله ان البيت لا يأكل ولا يشرب ، فبع جاريتك
واستقص وانظر أهل بلادك ممن حج هذا البيت ، فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتى
يفيئوا إلى بلادهم» الحديث.
وروى محمد بن
الحسين الرضي (رضى الله عنه) في كتاب نهج البلاغة قال روى أنه ذكر عند عمر في أيامه حلي الكعبة وكثرته ،
فقال قوم : لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة
بالحلي ، فهم عمر بذلك ، فسأل عنه أمير المؤمنين فقال : ان القرآن نزل على رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) والأموال أربعة أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في
الفرائض ، والفيء فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات
فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حلي الكعبة فيها يومئذ ، فتركه الله على حاله ، ولم
يتركه نسيانا ، ولم يخف عليه مكانا فأقره حيث أقر الله ورسوله ، فقال عمر : لولاك
لافتضحنا ، وترك الحلي بحاله.
وروى في العلل
في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على (عليهماالسلام) قال : «لو كان لي واديان يسيلان ذهبا وفضة ما أهديت
الى الكعبة شيئا ، لأنه يصير إلى الحجبة دون المساكين».
وتحقيق القول
والبيان فيما اشتملت عليه هذه الاخبار الحسان يقع أيضا في مواضع : أحدها ـ لا يخفى
أن المعروف في كلام الأصحاب هو أنه لو نذر أن يهدى الى بيت الله سبحانه غير النعم
وغير عبده وجاريته ودابته ، بأن نذر أن يهدى ثوبا أو
__________________
طعاما أو دراهم أو دنانير أو نحو ذلك فقيل : أنه يبطل النذر ، ونسب الى ابن
الجنيد وابن أبى عقيل وابن البراج معللين ذلك بأنه لم يتعبد بالإهداء إلا في النعم
، فيكون نذر غير ما يتعبد به ، وهو باطل ، ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) وفيها «فان قال الرجل : أنا أهدى هذا الطعام فليس بشيء
إنما تهدى البدن»
وقيل : يباع
ذلك ويصرف في مصالح البيت ، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل المصنف
هذا القول : وأما القول ببيعه وصرفه في مصالح البيت فنقله المصنف عن بعضهم ، ولم
يعلم قائله.
نعم صرف ما
يهدى الى المشهد وينذر له الى مصالحه ومعونة الزائرين حسن ، وعليه عمل الأصحاب ،
ويبدء بمصالح المشهد أولا وعمارته ثم يصرف الفاضل الى زواره لينفقوه في سفر
الزيارة لا غير مع حاجتهم اليه انتهى.
وظاهر كلام
شيخنا المشار اليه هو الفرق بين ما يهدى الى البيت الحرام ، والى المشاهد المشرفة
، وأن ما يهدى الى المشاهد ينبغي صرفه في مصالحها ومعاونة زوارها ، وأما ما يهدى
الى الكعبة فسيأتي مذهبه فيه ، وحينئذ فمحل الخلاف في المسألة انما هو ما عدا
الانعام ، للإجماع نصا وفتوى اهداؤها ، وما عدا الثلاثة المذكورة فإن الحكم فيها
انها تباع ويصرف ثمنها في مصالح البيت أو المشهد ، ومعونة الحجاج والزائرين.
وتنظر شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك ، وقبله الشهيد في نكت الإرشاد في تخصيص محل النزاع بما
ذكر أولا ، بل ظاهره دخول الثلاثة المذكورة أيضا في ذلك وهو جيد ، فان مقتضى دليل
المانعين ذلك لتخصيصهم الهدى بالنعم كما عرفت ، وما عداها فلا يصلح لذلك فلا يكون
نذره منعقدا وحينئذ فتدخل الثلاثة المذكورة في محل النزاع.
وكيف كان فهذا
القول منقول عنه مردود بما تلوناه من الاخبار الدالة على إهداء الجارية والغزل ،
وأما رواية أبي بصير المذكورة فإنها لا تبلغ قوة في معارضة ما قدمناه من الاخبار ،
مع أن ظاهرها تخصيص الهدى بالبدن ، والإجماع نصا وفتوى
على خلافه ، وثانيها المفهوم من كلام الشيخ في المبسوط أن مصرف ما يهدى الى
بيت الله الحرام مساكين الحرم.
قال : إذا نذر
أن يهدى انعقد نذره ويهدى الى الحرم ، ويفرقه في مساكين الحرم ، لأنه الذي يحمل
الإطلاق عليه ، والهدى المشروع ما كان الى الحرم ، قال الله تعالى
«ثُمَّ
مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ»
وقال الله
تعالى «هَدْياً بالِغَ
الْكَعْبَةِ» فإذا ثبت انعقاد نذره ، فاما أن يعين أو يطلق ، فان عين
فان كان بما ينقل ويحول كالنعم والدراهم والدنانير والثياب وغيرها انعقد نذره ،
ولزمه نقله الى الحرم وتفرقة في مساكين الحرم ، الا أن يعين الجهة التي نذر لها
كالثياب لستارة الكعبة وطيبها ونحوهما ، فيكون على ما نذر ، وان كان مما لا ينقل
ولا يحول ، مثل أن يقول : «لله على أن أهدى الهدي» لزمه ما يجزى أضحيته من الثني
من الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن ، لأنه المعهود وان قال : لله على أن أهدى
أو قال : «أهدى هديا» قال قوم : يلزمه ما يجزى أضحيته ، وقال آخرون : يلزمه ما يقع
عليه الاسم من تمرة أو بيضة فما فوقها ، لان اسم الهدى يقع عليه لغة وشرعا ، يقال
: أهدي بيضة وتمرة ، وقال تعالى
«يَحْكُمُ
بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ»
وقد يحكمان
بقيمة عصفور أو جرادة وسمى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) البيضة هديا ، فقال في التكبير إلى الجمعة ، ومن راح
في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة ، والأول أحوط ، والثاني أقوى ، لأن الأصل
براءة الذمة انتهى
قال في المسالك
وذهب الشيخ في المبسوط الى صرف الهدى الى بيت الله الى مساكين الحرم ، كالهدي من
النعم إذا لم بعين له في نذره مصرفا غيرهم ، ورجحه العلامة في المختلف والتحرير ،
وولده والشهيد وهو الأصح ، ويدل عليه صحيحة على بن جعفر «قال : سألته عن رجل» ثم
ساق رواية على بن جعفر الثانية ، ثم قال :
__________________
ولا خصوصية للجارية فيكون غيرها كذلك لعدم الفارق ، بل الإجماع على عدمه
انتهى.
أقول : وقد
تحصل أن في المسألة أقوالا ثلاثة أحدها البطلان كما تقدم ، وثانيها الصحة وبيعه
وصرف ثمنه في مصالح البيت كما هو القول المجهول القائل بينهم ، وثالثها الصحة وصرف
ذلك إلى مساكين الحرم.
ثم أقول : لا
يخفى ان ما اختاره هؤلاء الفضلاء الأجلاء (نور الله تعالى مراقدهم) من صرف ذلك الى
مساكين الحرم تبعا للشيخ لا أعرف له دليلا واضحا ، بل الأخبار التي قدمناها واضحة
في رده وبطلانه ، واستدلال شيخنا في مسالكه برواية على بن جعفر المشار إليها مردود
بأنها وأن أوهمت ذلك في بادى النظر ، الا انها عند التأمل فيها وملاحظة ما عداها
من أخبار المسألة ، فإن المراد بأولئك الذين يناديهم انما هم الحجاج المنقطعون من
أهل الافاق لا مساكين الحرم ، ومنها قوله في رواية ياسين «انظر الى من أم هذا
البيت» الحديث ، وقوله في رواية أبي الحر أو أبي الحسن «أعط كل محتاج من الحاج»
وقوله في رواية المصري» «وما أهدى لها فهو لزوارها» ، وقوله «فناد هل من منقطع ومن
محتاج من زوارها» ونحو ذلك رواية النعماني.
ولا ريب أن
إطلاق ما عدا هذه الاخبار محمول على هذه الاخبار ، وقرائن عباراتها ظاهرة في ذلك.
وبالجملة فإن
ما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) انما نشأ من عدم الوقوف على هذه الاخبار.
وثالثها الظاهر
أن ما اشتمل عليه أكثر هذه الاخبار من ذكر الجارية لا يوجب تخصيص الحكم بها ، بل
ذلك يجري في كل ما أهدي للكعبة من الحيوانات الأناسي وغيرها وغير الحيوانات ،
وخصوص السؤال عن الجارية لا يوجب تخصيص الحكم كما تقرر في محله ، ولانه متى كان
النذر منعقدا صحيحا تعين المصرف فيما ذكر ، لعدم الخصوصية كما عليه ظاهر اتفاق
كلمة القائلين بانعقاد النذر المذكور ، وقال السيد السند صاحب المدارك في شرح
النافع بعد نقل بعض أخبار الجارية : «وألحق به
المصنف إهداء الدابة أيضا ، لاشتراك الجميع في المعنى ، وهو حسن ، بل لا
يبعد مساواة غيرهما لهما في هذا الحكم من إهداء الدراهم والدنانير والأقمشة وغير
ذلك ، ويشهد له أيضا ما رواه الكليني ، ثم أورد رواية ياسين المتقدمة» ونحوه كلام
جده المتقدم ، وقوله ولا خصوصية للجارية الى آخره.
واما ما ذكره
الأصحاب من وجوب البدنة بمصالح البيت والمشهد ، فإليه يشير قوله (عليهالسلام) في رواية ياسين «ان الكعبة غنية عن هذا» وقوله في
الروايات الآخران «الكعبة لا تأكل ولا تشرب» فإنه كناية عن عدم الحاجة لي ذلك
وأما ما دلت
عليه رواية على بن جعفر الثالثة من الفرق بين العبد والجارية وبين الدابة أنه إذا
نذر الدابة فليس عليه شيء فلا قائل به من الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتفاق على خلافه
، وبذلك طعن به عليها في المسالك ، مضافا الى ضعف الراوي لها عن على بن جعفر ، وهو
محمد بن عبد الله بن مهران ، فإنه ضعيف جدا ، وزاد في الطعن عليها بتخصيص الحكم
فيها بهذه الأشياء المذكورة ، وهو كذلك.
وما ذكروه في
الوافي في بيان وجه الفرق حيث قال : «انما صح إهداء الغلام والجارية وشبههما إلى
الكعبة دون الدابة لأن الغلام يصلح لخدمتها وكذا الجارية وكل ما يصلح أن يصرف
إليها وهو المراد بشبهه ، بخلاف الدابة ، وانما يباع ما يصلح لها لأن الحجبة
يحولون بينه وبين الانتفاع به هناك»
فيه أولا أنه
لو تم هذا التعليل لاقتضى عدم جواز إهداء الدراهم والدنانير لها مع أن في الروايات
المتقدمة ما دل على إهداء ثمن الجارية ، والوصية بألف درهم للكعبة ونحو ذلك
وثانيا
تعليلاتهم (عليهمالسلام) «بأن الكعبة غنية عن ذلك ، وما يهدى لها فهو لزوارها»
فإذا كان مصرف ذلك شرعا انما هو زوارها فلا فرق بين إهداء ما يمكن صرفه بنفسه أو
يتوقف على بيعه وصرف ثمنه كائنا ما كان
وثالثا قوله (عليهالسلام) في رواية السكوني الأخيرة «لأنه يصير إلى الحجبة دون
المساكين» فإنه ظاهر في عدم إهدائه للكعبة انما هو من حيث أن مصرف ما يهدى
إليها للمساكين ، والحجبة يحولون بينها وبين مصرفه ، لا أن مصرفه الخدمة
كما ذكره ، وأمر ببيعه لأن الحجبة يحولون بينه وبين الخدمة وبالجملة فالظاهر هو ما
عليه الأصحاب من العموم
ورابعها ـ الظاهر
أن ما اشتملت عليه هذه الاخبار من ذكر هذا الحكم بالنسبة إلى الكعبة جار أيضا
بالنسبة إلى المشاهد الشريفة ، فلو أهدى شيئا لها أو نذر لها كان الحكم فيه ما
تقدم ، وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما تقدم من كلام شيخنا الشهيد
الثاني.
بل ظاهر ابن
إدريس في السرائر ، ورود الرواية بذلك في المشاهد أيضا ، حيث قال : وروى «أنه من
جعل جاريته أو عبده أو دابته هديا لبيت الله الحرام أو لمشهد من مشاهد الأئمة (عليهمالسلام) فليبع العبد أو الجارية أو الدابة ، ويصرف ثمنه في مصالح
البيت ، أو المشهد ، أو معونة الحاج ، أو الزائرين الذين خرجوا في السفر ويتناولهم
اسم الحاج والزائرين ، ولا يجوز لأحد أن يعطى شيئا من ذلك قبل خروجهم الى السفر
انتهى.
أقول : ان كان
قد وردت الرواية بما ذكره كما هو ظاهر كلامه ، والا فمقتضى الأخبار المتقدمة أن
مصرف الوجه المذكورة انما هو الحاج أو الزائرين المتوقف رجوعهم إلى أوطانهم على
ذلك ، لا مطلق من أراد السفر وابتدأ به ، وان كان ما ذكره لا يخلو من قرب ، حملا
للأخبار المذكورة على اتفاق وقوع ذلك في مكة أيام الموسم ، وليس يومئذ إلا الرجوع.
وبالجملة
فالأظهر الأحوط انما هو ما ذكرناه وممن صرح أيضا بالعموم كما ذكرناه السيد السند
في شرح النافع حيث قال «ولو نذر شيئا لأحد المشاهد المشرفة صرف فيه على حسب ما
قصده الناذر ، ومع الإطلاق يصرف في مصالح المشهد ، ولو استغنى المشهد عنه في الحال
فالظاهر جواز صرفه في معونة الزوار ، ولان ذلك أولى من إبقاءه على حاله معرضا
للتلف ، فيكون صرفه على هذا الوجه إحسانا محضا ، وما على المحسنين من سبيل انتهى.
ويقرب بالبال
العليل والفكر الكليل التفصيل في ما يهدى أو ينذر لهم (عليهمالسلام) بأنه ان كان متعلق النذر أو الهدية هو المشهد الشريف ،
فالحكم فيه ما ذكر ، وان كان متعلقة هو الامام (عليهالسلام) المدفون في ذلك المشهد ، مثل أن ينذر للحسين (عليهالسلام) أو يهدي له فينبغي صرف ذلك الى أولادهم المحتاجين أولا
، ثم شيعتهم المضطرين ثانيا ، لان ذلك يصير من قبيل أموالهم التي قد علم أن حكمها
في حال الغيبة الحل لشيعتهم ، الا ان الأحوط تقديم أولادهم الواجبي النفقة عليهم
لو كانوا أحياء ، وقد ورد في الوقف عليهم حال حياتهم (عليهالسلام) والإهداء لهم ، والوصية لهم (عليهالسلام) والنذر لهم ، وقبولهم ذلك روايات عديدة ، والظاهر أنه
لا فرق في ذلك بين حال حياتهم وموتهم في صحة كل من الأمرين.
وخامسها ـ أكثر
الأخبار المتقدمة قد اشتملت على أن مصرف ما يهدى للكعبة أو ينذر للمنقطعون من
الحجاج ، وفي رواية على بن جعفر الثالثة «أن مصرفه أن يشترى به طيبا فيطيب به
الكعبة» وفي رواية البرقي في قيمة الغزل «ان يشترى به عسلا وزعفرانا ويضيفه طين
قبر الحسين (عليهالسلام) وماء السماء ويدفعه إلى الشيعة يتداوون به» ووجه
المنافاة ظاهرة ، سيما قوله (عليهالسلام) ما أهدي للكعبة فهو لزوارها» الدال بظاهره على اختصاص
المصرف بالزوار وفي المسالك جعل رواية على بن جعفر المذكورة مؤيدة للصرف في مصالح
البيت ، بجعل الطيب من المصالح ، وفيه توقف ، ولا يبعد حمل الخبرين المذكورين على
اتفاق ذلك في غير أيام الحج ، لعدم تيسر المصرف المذكور في تلك الاخبار سيما رواية
الغزل فإنها صريحة في أن السؤال عن ذلك انما هو بالمدينة بعد منصرفه من الحج ،
ويحتمل فيه أيضا أنه لقلة ثمن الغزل لا يبلغ لذلك المصرف المذكور ، وبالجملة
فالعمل على الاخبار الكثيرة المذكورة.
سادسها ـ ظاهر
هذه الاخبار متفق الدلالة على تصديق مدعى الفقر والحاجة ، وعدم التوقف على يمين أو
بينة كما هو المشهور في كلام الأصحاب ، خلافا لمن
نازع في ذلك كصاحب المدارك ، ومثله الفاضل الخراساني في مسألة دفع الزكاة
لمدعي الفقر ، فان هذه الاخبار كلها ظاهرة الدلالة بالأمر بأنه ينادي على الحجر
لكل محتاج منقطع به ، وانه يعطى أولا فأولا حتى ينفد المال
وأما قوله (عليهالسلام) في رواية الرجل المصري «فإذا أتوك فاسئل عنهم ، وأعطهم»
فالظاهر أن المراد انما هو السؤال عن كونهم من الحجاج المنقطعين ، أو من أهل البلد
،
وسابعها ـ يمكن
أن يستفاد من الخبر المروي في كتاب نهج البلاغة الدال على عدم جواز التعرض لحلى
الكعبة ان صح ، جواز تحلية المشاهد الشريفة أيضا ، وعدم جواز التعرض له ، الا انه
يمكن الفرق أيضا بالنظر الى أنهم (صلوات الله عليهم) في أيام الحياة لا يرون تحلية
بيوتهم ، بل يكرهونه كما هو معلوم من أحوالهم (صلوات الله عليهم) ولو أمكن قسمة
ذلك في أولادهم المحتاجين بل شيعتهم المضطرين لكان حسنا ، لان هذا مصرف أموالهم
زمان الغيبة ، واستغنائهم عن ذلك.
الفصل الخامس :
روى ثقة الإسلام في الكافي عن إسماعيل بن جابر قال : «كنت فيما بين مكة والمدينة أنا وصاحب لي
فتذاكرنا الأنصار فقال أحدنا : هم نزاع من قبائل ، وقال أحدنا : هم من أهل اليمين
، قال : فانتهينا الى أبى عبد الله (عليهالسلام) وهو جالس في ظل شجرة فابتدأ الحديث ولم نسأله فقال :
ان تبعا لما جاء من قبل العراق وجاء معه العلماء وأبناء الأنبياء فلما انتهى الى
هذا الوادي لهذيل أتاه الناس من بعض القبائل قالوا : انك تأتى الى أهل بلدة قد
لعبوا بالناس زمانا طويلا حتى اتخذوا بلادهم حرما وبيتهم ربا أو ربة فقال : ان كان
كما تقولون قتلت مقاتليهم وسبيت ذريتهم ، وهدمت بيتهم ، قال : فسالت عيناه حتى
وقعتا على خديه قال فدعى العلماء وأبناء العلماء فقال : انظرونى وأخبروني لما
أصابني هذا ، فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم ، فقالوا : حدثنا بأي شيء حدثتك به
نفسك ، قال : حدثت نفسي
__________________
أن أقتل مقاتليهم وأسبي ذريتهم وأهدم بيتهم ، فقالوا : انا لا نرى الذي
أصابك إلا لذلك ، قال : ولم هذا؟ قالوا : لان البلد حرم الله والبيت بيت الله
وسكانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن ، فقال صدقتم فما مخرجي مما وقعت فيه ، قالوا :
تحدث نفسك بغير ذلك فعسى الله ان يرد عليك ، قال : فحدث نفسه بخير ، فرجعت حدقتاه
وثبتتا في مكانهما قال : فدعى القوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم ، ثم أتى
البيت فكساه وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مأة جزور حتى حملت الجفان الى السباع
في رؤوس الجبال ونثرت الأعلاف في الأودية للوحوش ثم انصرف من مكة إلى المدينة ،
فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الأنصار ، قال في الكافي وفي رواية أخرى
كساه النطاع وطيبه».
قال في الفقيه : ما أراد الكعبة أحد بسوء الا غضب الله تعالى لها ،. «ونوى
يوما تبع الملك أن يقتل مقاتله أهل الكعبة ويسبى ذريتهم». ثم ساق الحديث على
اختلاف في ألفاظه وقال فيه أيضا «وروى انه ذبح له ستة آلاف بقرة بشعب ابن عامر ، وكان يقال له
مطابخ تبع حتى نزلها ابن عامر ، فأضيفت اليه فقيل شعب ابن عامر ولم يكن تبع مؤمنا ولا
كافرا ولكنه ممن كان يطلب الدين الحنيف ولم يملك المشرق الا تبع وكسرى». انتهى.
أقول : قال في
كتاب مجمع البحرين : «وتبع كسكر : اسم لملوك اليمن التبابعة ، وهم سبعون تبعا
ملكوا جميع الأرض ومن فيها من العرب والعجم ، وكان تبع الأوسط مؤمنا وهو تبع
الكامل بن ملكي بن كرب بن تبع الأكبر بن تبع الأقرن ، وهو ذو القرنين الذي قال
الله فيه
«أَهُمْ
خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ»
وكان من أعظم
التبابعة ، وأفصح شعراء العرب ويقال : انه نبي مرسل الى نفسه ، لما تمكن من ملك
الأرض والدليل على ذلك أن الله تعالى ذكره عند ذكر الأنبياء ، فقال
«وَقَوْمُ
تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ»
ولم يعلم أنه
أرسل الى قوم تبع رسول غير تبع ، وهو الذي
__________________
نهى النبي (صلىاللهعليهوآله) ، عن سبه ، لانه آمن قبل ظهوره بسبع مأة عام ، وفي بعض
الاخبار تبع لم يكن مؤمنا ولا كافرا ، ولكن يطلب الدين الحنيف ، وتبع أول من كسى
البيت الأنطاع بعد آدم حيث كساه الشعر ، وقبل إبراهيم (عليهالسلام) حيث كساه الخصف انتهى.
ثم انه ما قد
ورد في الأنصار أنهم كانوا من قوم تبع أيضا ما رواه في الكافي والعياشي في تفسيره عن الصادق (عليهالسلام) في تفسير قوله تعالى
«وَكانُوا
مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا»
الاية قال (عليهالسلام) كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد (صلىاللهعليهوآله) ما بين عير وأحد ، فخرجوا يطلبون الموضع ، فمروا بجبل
يسمى حداد فقالوا : حداد وأحد سواء فتفرقوا عنده ، فنزل بعضهم بتيماء ، وبعضهم
بفدك ، وبعضهم بخيبر ، فاشتاق الذين بتيماء الى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس
فتكاروا منه ، وقال لهم : أمر بكم ما بين عير وأحد ، فقالوا له : إذا مررت بهما
فآذنا بهما فلما توسط بهم أرض المدينة قال لهم : ذلك عير وهذا أحد فنزلوا عن ظهر
ابله ، فقالوا : قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك ، فاذهب حيث شئت ، وكتبوا
إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع ، فهلموا إلينا ، فكتبوا إليهم
أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الأموال ، وما أقربنا منكم ، فإذا كان ذلك فما
أسرعنا إليكم ، فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ تبع فغزاهم
فتحصنوا منه فحاصرهم ، وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع ، فيلقون إليهم بالليل التمر
والشعير ، فبلغ ذلك تبع فرق لهم فآمنهم فنزلوا اليه فقال لهم : انى قد استطبت
بلادكم ، وما أراني الا مقيما فيكم فقالوا له : انه ذلك ليس لك ، انها مهاجر نبي (صلىاللهعليهوآله) ، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك ، فقال لهم : انى مخلف
فيكم من أسرتى من إذا كان ذلك ساعده ونصره ، فخلف حيين الأوس ، والخزرج ، فلما
كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم :
__________________
أما لو قد بعث محمد (صلىاللهعليهوآله) ليخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله محمدا (صلىاللهعليهوآله) آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود ، وهو قول الله عزوجل
«وَكانُوا
مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما
عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ».
الفصل السادس :
روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر عليهالسلام «قال حج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقام بمنى ثلاثا يصلى ركعتين ، ثم صنع ذلك أبو بكر ،
ثم صنع ذلك عمر ، ثم صنع ذلك عثمان ستة سنين ثم أكملها عثمان أربعا فصلى الظهر
أربعا ثم تمارض ليشد بذلك بدعته ، فقال للمؤذن : اذهب الى على (عليهالسلام) ، فقل له فليصل بالناس العصر فأتى المؤذن عليا (عليهالسلام) فقال له ان أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلى بالناس
العصر فقال : اذن لا أصلي إلا ركعتين كما صلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فذهب المؤذن فأخبر عثمان بما قال على (عليهالسلام) فقال : اذهب اليه وقل له : انك لست من هذا في شيء فصل
كما تؤمر فقال (عليهالسلام) لا والله لا أفعل فخرج عثمان فصلى بهم أربعا فلما كان
خلافة معاوية واجتمع الناس عليه ، وقتل أمير المؤمنين (عليهالسلام) ، حج معاوية ، فصلى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثم سلم ،
فنظرت بنوا أمية بعضهم الى بعض وثقيف ومن كان من شيعة عثمان ثم قالوا : قد قضى على
صاحبكم وخالف وأشمت به عدوه ، فقاموا فدخلوا عليه فقالوا أتدري ما صنعت ما زدت على
ان قضيت على صاحبنا وأشمت به عدوه ورغبت عن صنيعه وسنته ، فقال : ويلكم أما تعلمون
أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلى في هذه المكان ركعتين ، وأبو بكر وعمر وصلى
صاحبكم ست سنين كذلك ، فتأمروني أن ادع سنة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وما صنع أبو بكر وعمر وعثمان قبل أن يحدث فقالوا : لا
والله ما نرضى عنك الا بذلك قال : فأقيلوا فانى مشفعكم وراجع الى سنة صاحبكم ،
فصلى العصر أربعا فلم يزل الخلفاء والأمراء على ذلك الى اليوم».
أقول : وما
اشتمل عليه هذا الخبر من هذه البدعة التي من عثمان مما قد رواها
__________________
القوم أيضا في كتبهم ، وقد نقلنا ذلك في كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن
ابى الحديد في بدعة ، وقد اعتذر بعض أولياءه أنه انما صلى تماما لانه كانت له
يومئذ دار بمكة
وفيه أنه كيف
صلى قصرا ست سنين من صدر خلافته وأين كانت تلك الدار وأيضا فليس الأمر مقصورا على
صلاته وحده ، بل على جملة الناس كافة على الصلاة كذلك مع أنهم من أهل الافاق كما
أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في الكتاب المشار اليه.
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : ان أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا ، وإذا زاروا
ورجعوا الى منازلهم أتموا».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن قال : «ان أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم
أتموا ، وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): ان أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات؟ فقال : ويلهم أو
ويحهم وأى سفر أشد منه لا ، لا يتم. ورواه الشيخ بطرق عديدة والصدوق في الفقيه في
الصحيح عن معاوية بن عمار مثله.
وروى الشيخ في
التهذيب عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) في كم التقصير؟ فقال : في بريد ويحهم كأنهم لم يحجوا
مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقصروا.
وعن معاوية بن
عمار في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام في كم يقصر الصلاة؟ فقال : في بريد ألا ترى أن أهل مكة
إذا خرجوا الى عرفة كان عليهم التقصير».
وروى شيخنا
المفيد في المقنعة مرسلا ، قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام)
__________________
ويل لهؤلاء الذين يتمون الصلاة بعرفات أما يخافون الله ، فقيل له : فهو سفر
فقال : وأى سفر أشد منه.
أقول : وهذه
الروايات مع صحة أسانيدها واضحة الدلالة ، صريحة المقالة في إيجاب التقصير على من
قصد أربعة فراسخ ، رجع ليومه أو لغده ، ما لم يقطع سفره بأحد القواطع المعلومة ،
وفيها رد ظاهر للقول المشهور من التقييد بالرجوع ليومه ، ورد للقول بالتخيير بين
القصر والإتمام بقصد الأربعة كما ذهب إليه في المدارك ، وما ارتكبه فيها من
التأويل ضعيف لا يعول ، وسخيف لا يلتفت اليه ، كما تقدم تحقيق القول في المسألة في
كتاب الصلاة
الفصل السابع :
روى في الكافي عن على بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان آدم (عليهالسلام) لما حبط في الأرض هبط على الصفا ، ولذلك سمى الصفا ،
لان المصطفى هبط عليه ، فقطع للجبل اسم من اسم آدم لقول الله عزوجل
«إِنَّ
اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى
الْعالَمِينَ»
وأهبطت حواء
على المروة ، وانما سميت المروة لأن المرأة هبطت عليها فقطعت للجبل اسم من اسم
المرأة ، وهما جبلان عن يمين الكعبة ، وشمالها ، فقال آدم حين فرق بينه وبين حواء
ما فرق بيني وبين زوجتي الا وقد حرمت على ، فاعتزلها وكان يأتيها بالنهار فيتحدث
إليها ، فإذا كان الليل خشي أن تغلبه نفسه عليها رجع فبات على الصفا ، ولذلك سمى
النساء لانه لم يكن لادم أنس غيرها
فمكث آدم بذلك
ما شاء الله ان يمكث ، لا يكلمه الله ولا يرسل اليه رسولا والرب سبحانه يباهي
بصبره الملائكة ، فلما بلغ الوقت الذي يريد الله عزوجل أن يتوب على آدم فيه أرسل إليه جبرائيل (عليهالسلام) فقال : السلام عليك يا آدم الصابر لبليته التائب عن
خطيئته ، ان الله عزوجل بعثني إليك لأعلمك مناسك التي يريد
__________________
أن يتوب عليك بها ، فأخذ جبرئيل (عليهالسلام) بيد آدم (عليهالسلام) حتى أتى به مكان البيت فنزل غمام من السماء فأظل مكان
البيت فقال جبرائيل : يا آدم خط برجلك حيث أظل الغمام فإنه قبلة لك ولاخر عقبك من
ولدك ، فخط آدم برجله حيث أظل الغمام ، ثم انطلق به الى منى ، فأراه مسجد منى فخط
برجله ، ومد خطة مسجد الحرام بعد ما خط مكان البيت ، ثم انطلق به من منى الى عرفات
، فأقامه على المعرف ، فقال : إذا غربت الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات وسل الله
المغفرة والتوبة سبع مرات ، ففعل ذلك آدم (عليهالسلام) ولذلك سمى المعرف لان آدم (عليهالسلام) اعترف فيه بذنبه وجعل سنة لولده يعترفون بذنوبهم كما
اعترف آدم (عليهالسلام) ويسألون التوبة كما سألها آدم ، ثم أمره جبرائيل فأفاض
من عرفات فمر على الجبال السبعة فأمره أن يكبر عند كل جبل أربع تكبيرات ، ففعل ذلك
آدم حتى انتهى الى جمع ثلث الليل جمع فيه بين المغرب والعشاء الآخرة تلك الليلة
ثلث الليل في ذلك الموضع ثم أمره أن ينبطح في بطحاء جمع فانبطح في بطحاء جمع حتى
انفجر الصبح فأمره أن يصعد على الجبل جبل جمع ، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف
بذنبه سبع مرات ، ويسأل الله التوبة والمغفرة سبع مرات ففعل ذلك آدم كما أمره
جبرائيل (عليهالسلام)
وانما جعله
اعترافين ليكون سنة في ولده فمن لم يدرك منهم عرفات وأدرك جمعا فقد وافى حجه ، ثم
أفاض من جمع إلى منى ، فبلغ منى ضحى فأمره فصلى ركعتين في مسجد منى ، ثم أمره أن
يقرب لله قربانا ليقبل الله منه ويعرف أن الله عزوجل قد تاب عليه ، ويكون سنة في ولده القربان ، فقرب آدم
قربانا فقبل الله منه ، فأرسل نارا من السماء فقبلت قربان آدم ، فقال له جبرائيل :
يا آدم ان الله قد أحسن إليك إذ علمك المناسك التي يتوب بها عليك ، وقد قبل قربانك
فأحلق رأسك تواضعا لله ، إذ قبل قربانك فحلق آدم رأسه تواضعا لله عزوجل.
ثم أخذ جبرائيل
بيد آدم عليهالسلام فانطلق به الى البيت فعرض له إبليس لعنه الله عند
الجمرة فقال له إبليس لعنه الله : يا آدم أين تريد فقال له جبرائيل : يا آدم ارمه
بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ، ففعل ذلك آدم فذهب إبليس ثم عرض
له عند الجمرة الثانية فقال له : يا آدم اين تريد؟ فقال له جبرائيل : ارمه
بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ذلك آدم عليهالسلام فذهب إبليس ، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فقال : يا
آدم اين تريد؟ فقال له جبرائيل عليهالسلام ارمه بسبع حصيات ، وكبر مع كل حصاة تكبيرة ، ففعل ذلك
آدم فذهب إبليس ، فقال له جبرائيل : إنك لن تراه بعد مقامك هذا أبدا.
ثم انطلق به
الى البيت ، وأمره أن يطوف بالبيت سبع مرات ، ففعل ذلك آدم فقال له جبرائيل (عليهالسلام) ان الله قد غفر لك ذنبك ، وقبل توبتك وأحل لك زوجتك».
وعن أبي
إبراهيم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) نحوا من الحديث المتقدم الا أن فيه زيادة على المذكور
السعى بين الصفا والمروة أسبوعا يبدء بالصفا ويختم بالمروة ، ثم يطوف بعد ذلك
أسبوعا بالبيت وهو طواف النساء ، لا يحل للمحرم أن يباضع حتى يطوف طواف النساء
ففعل آدم» الحديث.
وعن جميل بن
صالح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال لما طاف آدم (عليهالسلام) بالبيت وانتهى الى الملتزم قال له جبرائيل (عليهالسلام) : يا آدم أقر لربك بذنوبك في هذا المكان ، قال : فوقف
آدم (عليهالسلام) فقال : يا رب ان لكل عامل أجرا وقد عملت فما أجري؟
فأوحى الله (عزوجل اليه) يا آدم قد غفرت ذنبك قال : يا رب ولولدي أو
لذريتي ، فأوحى الله اليه يا آدم من جاء من ذريتك الى هذا المكان وأقر بذنوبه وتاب
كما تبت ثم استغفر غفرت له».
وعن على بن
محمد العلوي قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) حيث حج آدم (عليهالسلام) بما حلق رأسه ، فقال : نزل عليه جبرائيل (عليهالسلام) بياقوتة من الجنة فأمرها على رأسه فتناثر شعره».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال :
__________________
لما أفاض آدم (عليهالسلام) من منى تلقته الملائكة فقالوا : يا آدم بر حجك أما انه
قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجه بألفي عام». وروى في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر عليهالسلام : أتى آدم هذا البيت ألف أتية على قدميه ، منها سبعمائة
حجة ، وثلاثمأة عمرة ، وكان يأتيه من ناحية الشام ، وكان يحج على ثور ، والمكان
الذي يبيت فيه (عليهالسلام) الحطيم وهو ما بين البيت والحجر الأسود وطاف آدم (عليهالسلام) قبل أن ينظر الى حواء) مائة عام ، وقال له جبرائيل (عليهالسلام) : حياك الله وبياك» يعنى أصلحك.
أقول : قيل :
ان المراد من قوله كان يحج على ثور يعنى زائدا على الألف التي يمشي فيها على قدميه
، ويحتمل على أن المراد أنه حين اشتغاله بالمناسك كان على ثور ، كما أن موسى (عليهالسلام) كان على جمل أحمر وكان نبينا (صلىاللهعليهوآله) على ناقته ، وحياك الله يعني أبقاك وبياك ، يعنى أصلحك
، ولعل تفسيرهما هنا بأصلحك تفسير باللازم
وعن أبى بصير عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان آدم هو الذي بنى البيت ووضع أساسه ، وأول من
كساه الشعر وأول من حج اليه ثم كساه تبع بعد آدم (عليهالسلام) الأنطاع ، ثم كساه إبراهيم (عليهالسلام) الخصف ، وأول من كساه الثياب سليمان بن داود عليهماالسلام كساه القباطي».
الفصل الثامن :
روى في الكافي بسنده عن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : أمر الله عزوجل إبراهيم (عليهالسلام) أن يحج ، ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم ، فحجا على
جمل أحمر وما معهما إلا جبرائيل (عليهالسلام) فلما بلغا الحرم قال له جبرائيل (عليهالسلام) : يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم فنزلا
واغتسلا وأراهما كيف يتهيئان للإحرام ففعلا ثم أمرهما
__________________
فأهلا بالحج ، وأمرهما بالتلبيات الأربع التي لبى بها المرسلون ، ثم صار
بهما الى الصفا فنزلا وقام جبرائيل (عليهالسلام) بينهما ، واستقبل البيت فكبر الله وكبرا وهلل الله
وهللا وحمد الله وحمدا ومجد الله ومجدا وأثنى على الله ففعلا مثل ذلك وتقدم جبرئيل
وتقدما يثنيان على الله عزوجل ويمجدانه حتى انتهى بهما الحجر فاستلمه جبرائيل ،
وأمرهما أن يستلما فطاف بهما أسبوعا ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم (عليهالسلام) فصلى ركعتين فصليا ثم أراهما المناسك وما يعملان به ،
فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيم (عليهالسلام) بالانصراف ، وأقام إسماعيل وحده ما معه غير أمه ، فلما
كان من قابل أذن الله لإبراهيم (عليهالسلام) في الحج وبناء الكعبة ، وكانت العرب تحج اليه وانما
كان ردما الا ان قواعده معروفة
فلما صدر الناس
جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة فلما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم
(عليهالسلام) فقال : يا بنى قد أمرنا الله ببناء الكعبة ، فكشفا
عنها ، فإذا هو حجر واحد أحمر فأوحى الله عزوجل اليه ضع بنائها عليه وانزل الله عزوجل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة ، وكان إبراهيم
وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنى عشر ذراعا وهيأ له بابين
، بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ، ووضعا عليه عتبا وشرجا من حديد على أبوابه كانت
الكعبة عريانة فصدر إبراهيم (عليهالسلام) وقد سوى البيت وأقام إسماعيل فلما ورد عليه الناس نظر
الى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسأل الله عزوجل ان يزوجها إياه ، وكان لها بعل فقضى الله على بعلها
بالموت ، وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك منها وزوجها إسماعيل ، وقدم
إبراهيم (عليهالسلام) للحج وكانت امرأة موفقة وخرج إسماعيل (عليهالسلام) الى الطائف يمتار لأهله طعاما فنظرت الى شيخ شعث
فسألها عن حالهم ، فأخبرته بحسن حال فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين ، وسألها
ممن أنت فقالت امراة من حمير فسار إبراهيم ، ولم يلق إسماعيل ، وقد كتب إبراهيم
كتابا فقال : ادفعي هذا الى بعلك إذا أتى إنشاء الله فقدم عليها إسماعيل (عليهالسلام) فدفعت اليه الكتاب فقرأه فقال : أتدرين من ذلك الشيخ ،
فقالت لقد رأيته جميلا فيه مشابهة
منك ، فقال ذاك إبراهيم (عليهالسلام) فقالت : وا سوأتاه منه ، فقال : ولم نظر الى شيء من
محاسنك؟ فقالت : لا ولكن خفت ان أكون قد قصرت ، فقالت له المرأة وكانت عاقلة :
فهلا تعلق على هذين البابين سترين سترا من هيهنا وسترا من هيهنا ، فقال لها : نعم
فعملا لهما سترين طولهما اثنى عشر ذراعا ، فعلقاهما على البابين فأعجبهما ذلك
فقالت : فهلا أحوك للكعبة ثيابا فتسترها كلها ، فان هذه الحجارة سمجة فقال إسماعيل
: (عليهالسلام) بلى فأسرعت في ذلك فبعثت الى قومها بصوف كثير تستغزلهم
قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : وانما وقع استغزال النساء بعضهن من بعض لذلك ،
فأسرعت واستعانت في ذلك ، فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم ، وقد بقي وجه من
وجوه الكعبة ، فقالت لإسماعيل : كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم تدركه الكسوة فكسوة
خصفا فجاء الموسم وجاءته العرب على حال ما كانت تأتيه فنظروا إلى أمر أعجبهم
فقالوا : ينبغي لعامل هذا البيت ان يهدى اليه فمن ثم وقع الهدي : فأتى كل فخذ من
العرب بشيء يحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى اجتمع شيء كثير فنزعوا ذلك الخصف
وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين ، وكانت الكعبة ليست بمسقفة فوضع إسماعيل
فيها أعمدة مثل هذه الأعمدة التي ترون من خشب ، فسقفها إسماعيل بالجرائد وسواها
بالطين ، فجائت العرب من الحول ، فدخلوا الكعبة ورأوا عمارتها فقالوا : ينبغي
لعامر هذا البيت ان يزاد فلما كان من قابل جاء الهدى ، فلم يدر إسماعيل كيف يصنع
به ، فأوحى الله عزوجل ان انحره وأطعمه الحاج ، قال : وشكى إسماعيل (عليهالسلام) الى إبراهيم صلى الله عليهما ، قلة الماء فأوحى الله عزوجل إلى إبراهيم ان احتفر بئرا يكون منها شراب الحاج ، فنزل
جبرائيل (عليهالسلام) فاحتفر قليبهم ، يعنى زمزم حتى ظهر ماؤها ، ثم قال
جبرائيل : انزل يا إبراهيم فنزل بعد جبرائيل فقال يا إبراهيم : اضرب في أربعة
زوايا البئر وقل : بسم الله قال : فضرب إبراهيم (ع) في زاوية التي تلي البيت ،
وقال : بسم الله ، فانفجرت عين ، ثم ضرب في زاوية الثانية ، وقال : بسم الله ،
فانفجرت عين ، ثم ضرب في الثالثة وقال : بسم الله فانفجرت عين ، ثم صرف في الرابعة
وقال : بسم الله ، فانفجرت عين ، فقال له جبرائيل
اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة ، فخرج إبراهيم وجبرائيل عليهماالسلام جميعا من البئر ، فقال أفض عليك يا إبراهيم ، وطف حول
البيت فهذه سقيا سقى الله عزوجل ولد إسماعيل (ع) فسار إبراهيم وشيعة إسماعيل حتى خرج من
الحرم فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم».
أقول : قد تقدم
في صدر الكتاب في المقدمة الاولى في الفصل الأول صحيح معاوية ابن عمار المنقول من
العلل ، وفيه أن زمزم نبعت لما فحص الصبي برجله ، وظاهره أنه في أول نزول إسماعيل
مع أمه ، وهذا الخبر قد اشتمل على حفر إبراهيم زمزم ، ويمكن الجمع بأن ما دل عليه
ذلك الخبر صحيح ، الا أنه ربما قل الماء بعد ذلك فان هذا الخبر انما اشتمل على
شكاية إسماعيل لأبيه قلة الماء لا عدمه بالكلية ، وظاهر الخبرين مضى مدة بين أول
ظهورها وحفر إبراهيم (عليهالسلام) لها فان ظاهر الخبر الأول انه حال طفولية إسماعيل ،
وهذا الخبر بعد تزويجه ، فيمكن حصول القلة في الماء حتى احتيج الى حفر والله
العالم.
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) أين أراد إبراهيم (عليهالسلام) أن يذبح ابنه فقال : على الجمرة الوسطى ، وسألته عن
كبش إبراهيم (عليهالسلام) ما كان لونه وأين نزل ، فقال : أملح وكان أقرن ، ونزل
من السماء على الجبل من مسجد منى ، وكان يمشي في سواد ويأكل في سواد ، وينظر ويبعر
ويبول في سواد».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «سئل الصادق (عليهالسلام) أين أراد إبراهيم (عليهالسلام) أن يذبح ابنه ، فقال : على الجمرة الوسطى» ولما أراد
إبراهيم (عليهالسلام) أن يذبح ابنه (صلى الله عليهما) قلب جبرائيل (عليهالسلام) المدية واجتر الكبش من قبل ثبير ، واجتر الغلام من
تحته ، ووضع الكبش مكان الغلام ، ونودي من ميسرة مسجد الخيف «أَنْ يا إِبْراهِيمُ
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّ هذا
لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ»
__________________
يعنى بكبش أملح يمشي في سواد ، ويأكل في سواد ، وينظر في سواد ، ويبول في
سواد ، ويبول في سواد أقرن فحل ، وكان يرتع في رياض الجنة أربعين عاما» أقول : قد
تقدم الكلام في تفسير كونه يمشي في سواد الى آخره في باب الهدى ، وعن عتيبة بن
بشير عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : ان الله عزوجل أمر إبراهيم (عليهالسلام) ببناء الكعبة وأن يرفع قواعدها ، ويرى الناس مناسكهم ،
فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم سافا حتى انتهوا الى موضع الحجر الأسود ، وقال
أبو جعفر (عليهالسلام) فنادى أبو قبيس إبراهيم (عليهالسلام) ان لك عندي وديعة فأعطاه الحجر الأسود ، فوضعه موضعه ،
ثم ان إبراهيم أذن في الناس بالحج ، فقال : أيها الناس إني إبراهيم خليل الله ،
وان الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت ، فحجوه فأجابه من يحج ، الى يوم القيامة ،
وكان أول من أجابه من أهل اليمن ، قال : وحج إبراهيم هو وأهله وولده ، فمن زعم أن
الذبيح هو إسحاق فمن كان هيهنا ذبحه.
وذكر عن أبى
بصير أنه سمع أبا جعفر (عليهالسلام) وأبا عبد الله (عليهماالسلام) يزعمان أنه إسحاق ، وأما زرارة فزعم أنه إسماعيل».
قال في الوافي
: الساف كل عرق من الحائط ويقال بالفارسية : چينه ، ولعل معنى قوله «فمن هيهنا كان
ذبحه» أنه لما لم يكن هناك سوى إبراهيم وأهله وولده إسماعيل الذي كان يساعده في
بناء البيت دون إسحاق ، فمن كان هيهنا ذبحه إبراهيم عليهالسلام ، يعنى لم يكن هناك إسحاق ليذبحه ، قوله «فمن زعم الى
آخره لعله من كلام بعض الرواة»
قال في الفقيه
: اختلف الروايات في الذبيح ، فهنها ما ورد بأنه إسماعيل ، ومنها ما ورد بأنه
إسحاق ولا سبيل الى رد الاخبار متى صح طرقها ، وكان الذبيح إسماعيل ، لكن إسحاق
لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمره أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله ويسلم
له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب ،
__________________
فعلم الله ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحا لتمنيه ذلك قال : وقد ذكرت
اسناد ذلك في كتاب النبوة متصلا بالصادق عليهالسلام :
واعترضه في
الوافي فقال : أقول : لا يخفى ان خبر أبى بصير الذي مضى في قصة الذبح من الكافي لا
يتحمل هذا التأويل وحمله على التقية أيضا بعيد ، كأنهم (عليهمالسلام) كانوا يرون المصلحة في إبهام الذبيح ، كما يظهر من بعض
أدعيتهم ولذا جاء فيه الاختلاف عنهم ، وكانا جميعا ذبيحين أحدهما بمنى والأخر بالمني
انتهى.
أقول بل الوجه
في اختلاف الاخبار هو التقية ، فإن الذبيح عند العامة هو إسحاق كما صرحوا به ،
واستبعاده الحمل على التقية لا أعرف له وجها.
وقد روى في
الفقيه عن الصادق (عليهالسلام) مرسلا قال : سئل الصادق (عليهالسلام) عن الذبيح من كان ، فقال : إسماعيل لأن الله تعالى ذكر
قصته في كتابه ثم قال «(وَبَشَّرْناهُ
بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ).
وعن الحسين بن
نعمان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما زادوا في المسجد الحرام ، فقال : ان إبراهيم
وإسماعيل (عليهالسلام) حد المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة» قال في الكافي
بعد ذكر هذا الخبر : وفي رواية أخرى عن أبى عبد الله (عليهالسلام) خط إبراهيم عليهالسلام بمكة ما بين الحزورة إلى المسعى فذلك الذي خط إبراهيم (عليهالسلام) يعنى المسجد».
وقال في الفقيه
«روى أن
إبراهيم (عليهالسلام) خط ما بين الحزورة إلى المسعى».
وعن جميل بن
دراج في الصحيح أو الحسن قال : «قال له الطيار وأنا
__________________
حاضر : هذا الذي زيد هو من المسجد؟ فقال : نعم ، انهم لم يبلغوا بعد مسجد
إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما». وروى في التهذيب عن الحسين بن نعيم «قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما زادوا في المسجد الحرام عن الصلاة فيه ، فقال ان
إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام حدا المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة ، فكان الناس
يحجون من المسجد الى الصفا» وقال في الوافي «يحجون من مسجد الى الصفا». يحجون اما
بمعنى يطوفون ، أو بمعنى يحرمون ، يعنى كان ذلك داخلا في سعة مطافهم ، أو محل
إحرامهم
وروى في الكافي
عن أبى بكر الحضرمي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان إسماعيل دفن أمه في الحجر ، وحجر عليها لئلا
يوطأ قبر أم إسماعيل في الحجر».
وعن المفضل بن
عمر عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال :
لا ولا قلامة ظفر. ولكن إسماعيل دفن فيه أمه فكره أن توطأ فحجر عليه حجرا وفيه
قبور الأنبياء».
وعن زرارة في الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الحجر هل فيه شيء من البيت؟ قال : لا
ولا قلامة ظفر».
وعن معاوية بن
عمار قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : دفن في الحجر مما يلي الركن الثالث عذارى بنات
إسماعيل».
وعن سعيد
الأعرج في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «ان العرب
__________________
لم يزالوا على شيء من الحنيفية ، يصلون الرحم ، ويقرون الضيف ويحجون البيت
، ويقولون اتقوا مال اليتيم ، فان مال اليتيم عقال ، ويكفون عن أشياء من المحارم
مخافة العقوبة ، وكانوا لا يملى لهم إذا انتهكوا المحارم ، وكانوا يأخذون من لحاء
شجر الحرم فيعلقونه في أعناق الإبل ، فلا يجترئ أحد أن يأخذ من تلك الإبل حيثما
ذهبت ولا يجترئ أحد أن يعلق من غير لحاء شجر الحرم ، أيهم فعل ذلك عوقب ، وأما
اليوم فأملى لهم ، ولقد جاء أهل الشام فنصبوا المنجنيق على أبى قبيس ، فبعث الله
عليهم سحابة كجناح الطير ، فأمطرت عليهم صاعقة فأحرقت سبعين رجلا حول المنجنيق».
الفصل التاسع :
روى في الكافي عن على بن عبد الله عن أبى عبد الله عليهالسلام ، قال : «كان على بن الحسين عليهالسلام ، يقول : يا معشر من لم يحج استبشروا بالحاج إذا قدموا
، وصافحوهم وعظموهم ، فان ذلك يجب عليكم تشاركوهم في الأجر». وعن سليمان بن جعفر
الجعفري عمن رواه عن ابى عبد الله عليهالسلام قال كان على ابن الحسين يقول بادروا بالسلام على الحاج
والمعتمر ومصافحتهم قبل ان تخالطهم الذنوب.
وروى في الفقيه
مرسلا قال «قال أبو جعفر عليهالسلام ، وقروا الحاج والمعتمر فان ذلك واجب عليكم». وروى فيه
أيضا مرسلا قال : «قال الصادق عليهالسلام : ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول للقادم من مكة قبل الله منك وأخلف عليك نفقتك
وغفر ذنبك». وروى الشيخ في التهذيب عن عبد الوهاب بن صباح عن أبيه قال : «لقي مسلم مولى أبى عبد الله عليهالسلام صدقة الاجدب وقد قدم من مكة فقال له مسلم : الحمد لله
الذي يسر سبيلك وهدى دليلك ، وأقدمك بحال عافية وقد قضى الحج وأعان على السعة ،
فقبل الله منك وأخلف عليك نفقتك ، وجعلها حجة مبرورة ولذنوبك طهورا ،
__________________
فبلغ ذلك أبا عبد الله عليهالسلام فقال له : كيف قلت بصدقة؟ فأعاد عليه فقال : من علمك
هذا؟ فقال : جعلت فداك مولاي أبو الحسن (عليهالسلام) فقال له : نعم ما تعلمت ، إذا لقيت أخا من إخوانك فقل
له هكذا : فإن الهدى بنا هدى ، وإذا لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون». قوله (عليهالسلام) «فإن الهدى بنا هدى» الظاهر أنه في الموضعين مصدر
ويكون من قبيل قوله سبحانه
«قُلْ
إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ»
الفصل العاشر :
روى في الكافي عن على بن أبي حمزة قال : «قال أبو الحسن (عليهالسلام) : ان سفينة نوح كانت مأمورة طافت بالبيت حيث غرقت
الأرض ثم أتت منى في أيامها ثم رجعت السفينة ، وكانت مأمورة ، وطافت بالبيت طواف
النساء». وعن الحسن بن صالح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يحدث عطاء قال : كان طول سفينة نوح (عليهالسلام) ألف ذراع ومأتي ذراع وعرضها ثمان مأة ذراع ، وطولها في
السماء مائتين ذراعا ، وطافت بالبيت سبعة أشواط ، وسعت بين الصفا والمروة سبعة
أشواط ، ثم استوت على الجودي».
«وعن أبى بصير «قال : سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول : مر موسى بن عمران في سبعين نبيا على فجاج
الروحاء عليهم العباء القطوانية ، يقول : لبيك عبدك ، وابن عبديك لبيك». وقال في
الفقيه
«روى أن موسى
أحرم من رملة مصر وأنه في سبعين على صفائح الروحاء عليهم القبا القطوانية يقول :
لبيك عبدك وابن عبديك لبيك». قيل : والروحاء بالمهملتين موضع بين الحرمين على
ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة ، والفجاج بالجيمين : جمع فج ، وهو الطريق
الواسع بين الجبلين ، والصفائح حجارة عراض رقاق ، ويقال : أيضا صفاح كرمان ،
والقطوان محركة موضع بالكوفة
__________________
منه الأكسية.
قال في الفقيه مر موسى النبي عليهالسلام بصفائح الروحاء على جمل أحمر خطامه من ليف عليه عباءتان
قطوانيتان وهو يقول : لبيك يا كريم لبيك ، ومر يونس بن متى عليهالسلام بصفائح الروحاء ، وهو يقول : لبيك كشاف الكرب العظام
لبيك ، ومر عيسى بن مريم بصفائح الروحاء ، وهو يقول : لبيك عبدك ابن أمتك لبيك ،
ومر محمد (صلىاللهعليهوآله) ، بصفائح الروحاء وهو يقول لبيك ذا المعارج لبيك».
وروى في الكافي
عن جابر عن أبى جعفر (عليهالسلام) ، قال : أحرم موسى (عليهالسلام) من رملة مصر قال : ومر بصفائح الروحاء محرما يقود
ناقته بخطام من ليف عليه عباءتان قطوانيتان يلبى وتجيبه الجبال».
قال في الفقيه
: «وكان موسى (عليهالسلام) يلبى ويجيبه الجبال وسميت التلبية اجابة ، لأنه أجاب
موسى ربه ، وقال : لبيك».
وروى في الكافي
عن عبد الله بن مسكان عمن رواه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان داود (عليهالسلام) لما وقف الموقف بعرفة نظر الى الناس وكثرتهم فصعد
الجبل فأقبل يدعو فلما قضى نسكه أتاه جبرائيل (عليهالسلام) فقال له : يا داود يقول لك ربك : لم صعدت الجبل ، ظننت
أنه يخفى على صوت من صوت ، ثم مضى به الى البحر الى جدة فرسب به في الماء مسيرة
أربعين صباحا في البحر فإذا صخرة ففلقها فإذا فيها دودة فقال له : يا داود يقول لك
ربك : أنا أسمع صوت هذه في بطن هذه الصخرة في قعر هذا البحر ، فظننت أنه يخفى على
صوت من صوت».
وعن على بن
عقبة عن أبيه عمن رواه عن ابى جعفر (عليهالسلام) «قال ان سليمان بن داود (عليهالسلام) حج البيت في الجن والانس والطير والرياح وكسا البيت
القباطي».
__________________
«وروى في
الكافي والتهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر (عليهالسلام) «قال : لم يحج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بعد قدومه المدينة إلا واحدة ، وقد حج بمكة مع قومه
حجات».
وعن عمر بن
يزيد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «حج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عشرين حجة».
وعنه قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أحج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) غير حجة الوداع؟ قال : نعم عشرين حجة».
وعن ابن أبى
يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : حج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عشرين حجة مستسرا في كلها يمر بالمأزمين فينزل ويبول».
قيل : المأزمان
ويقال : المأزم مضيق بين جمع وعرفة ، وآخر بين مكة ومنى ، ويقال : لكل مضيق بين
الجبال ، قال في الوافي : وأما السبب في استتاره أو استسراره على اختلاف الروايتين
، فلعله ما قيل : انه كان لأجل النسيء ، فان قريشا أخروا وقت الحج والقتال كما
أشير إليه بقوله سبحانه (إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) ، فلم يمكن النبي (صلىاللهعليهوآله) أن يخالفهم فيستر حجه أو فيستسره.
أقول : فيه ان
جميع حجه الذي حجه وهو عشرون سنة كان كله كذلك ، ومن البعيد أن يكون جميع ذلك في
النسيء ، ويمكن حمل الاستتار على أنه (صلىاللهعليهوآله) كان يستتر ببعض الأفعال التي قد غيرها أهل الجاهلية من
أحكام الحج الشرعية بعقولهم وأهواءهم ، لا أن الاستتار في أصل الحج فإنهم قد
أحدثوا بعقولهم وأهوائهم في الأحكام والحلال والحرام ما هو مفصل في القرآن المجيد.
وأما البول في
المأزمين فقد تقدم وجهه ، وانه لمكان الأصنام في ذلك المكان أقول : وقد تقدم حديث
حج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حجة الوداع بطوله فلا نعيده
الفصل الحادي
عشر : روى في الكافي والفقيه عن عيسى بن يونس قال : «
__________________
كان ابن ابى العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد ، فقيل له :
تركت مذهب صاحبك ودخلت في ما لا أصل له ولا حقيقة ، فقال : ان صاحبي كان مخلطا كان
يقول طورا بالقدر ، وطورا بالجبر ، وما أعلمه اعتقد مذهبا دام فيه ، وقدم مكة
متمردا وإنكارا على من يحج ، وكان يكره العلماء مجالسته ومسائلته لخبث لسانه وفساد
ضميره ، فأتى أبا عبد الله عليهالسلام وجلس إليه في جماعة من نظرائه ، فقال : يا أبا عبد الله
ان المجالس أمانات ولا بد لكل من به سعال أن يسعل أفتأذن لي أن أتكلم فقال : تكلم
بما شئت.
فقال : الى كم
تدوسون هذا البيداء وتلوذون بهذا الحجر ، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر
وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ، من فكر في هذا أو قدر ، علم أن هذا فعل أسسه
غير حكيم ولا ذي نظر.
فقل : فإنك رأس
هذا الأمر وسنامه وأبوك أسسه وتمامه ، فقال. أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان من أضله الله وأعمى قلبه ، استوخم الحق فلم يستعذ
به ، وصار الشيطان وليه وربه وقرينه ، يورده مناهل الهلكة ، ثم لا يصدره ، وهذا بيت
استعبد الله به خلقه ، ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثهم على تعظيمه وزيارته ،
وجعله محل أنبياءه وقبلة للمصلين اليه ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدى الى
غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال ، خلقه الله قبل دحو الأرض
بألفي عام ، فأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه ، وزجر الله المنشئ للأرواح
والصور» وزاد في الفقيه فقال : ابن أبى العوجاء ذكرت الله يا أبا عبد الله فأحلت
على غائب ، فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب
من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم وانما المخلوق الذي إذا
انتقل من مكان اشتغل به مكان ، وخلا منه مكان ، فلا يدرى في المكان الذي صار اليه
ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فاما الله العظيم الشأن الملك الديان فإنه لا
يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ولا يكون الى مكان
أقرب منه الى مكان ، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة ، وأيده
بنصره واختاره لتبليغ رسالاته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه ، فقال ابن ابى
العوجاء فقال لأصحابه : من ألقانى في بحر هذا سألتكم أن تلتمسوا الى خمرة ،
فألقيتموني على جمرة ، قالوا له : ما كنت في مجلسه الا حقيرا فقال : انه ابن من
حلق رؤس من ترون».
أقول : في كتاب
الاحتجاج للطبرسي بعد قوله «ويعلم أسرارهم» فقال ابن ابى العوجاء : فهو في كل مكان
إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ،
فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) «انما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان» الى آخره
وهو الصواب ، ولعل ما بينهما سقط من قلم صاحب الفقيه.
وفي كتاب اعلام
الورى بعد قوله «أقرب منه الى مكان ، يشهد له بذلك آثاره ويدل عليه أفعاله ، والذي
بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد (صلىاللهعليهوآله) جاءنا بهذه العبادة» ، وهو الأنسب أيضا قيل : لعل
المراد بالتماس الخمرة بالخاء المعجمة تحصيل الظل للاستراحة فيه ، قال في النهاية
: انطلقت أنا وفلان نلتمس الخمر ، الخمر بالتحريك : كل ما سترك من شجر وبناء أو
غيره ، انتهى
وأما الإلقاء
على الجمرة فهو بالجيم ويحتمل ان يكون التماس الجمرة أيضا بالجيم بمعنى اتخاذ قبس
من النار ، للانتفاع بها ، ويكون الإلقاء على الجمرة كناية عن الاحتراق بها وحلق
الرأس كناية عن التذليل والرمي بالهوان والصغار ، لان العرب كانوا يعدونه عارا
لتكبرهم ونخوتهم من أن يعلى رؤسهم ، وأشار به الى النبي أو الى أمير المؤمنين صلى
الله عليهما وعلى آلهما
وروى في الكافي
قال : وروى أن أمير المؤمنين قال في خطبة له : ولو أراد الله عزوجل ثناءه بأنبياءه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ،
ومعادن العقيان ومغارس الجنان ، وأن يحشر طير السماء ووحوش الأرض معهم لفعل ، ولو
فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء ، واضمحل الابتلاء ، ولما وجب للقائلين أجور المبتلين
__________________
ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ، ولا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين
، ولذلك لو أنزل الله من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ، ولو فعل لسقط
البلوى عن الناس أجمعين ، ولكن الله جل ثناءه جعل رسله أولي قوة في عزائم نياتهم ،
وضعفة في ما ترى الأعين من حالاتهم من قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه ، وخصاصة
تملأ الأسماع والأبصار أذاؤه ، ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام
، وملك يمد نحوه أعناق الرجال ، ويشد إليه عقد الرحال ، لكان أهون على الخلق في
الاختبار ، وأبعد لهم من الاستكبار ، ولأمنوا من رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة
بهم فكانت النيات مشتركة ، والحسنات مقتسمة ، ولكن الله أراد أن يكون الاتباع
لرسله والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته
أمورا له خاصة ، لا تشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم ،
كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم
الى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع.
فجعلها بيته
الحرام الذي جعله للناس قياما ثم جعله بأوعر بقاع الأرض حجرا وأقل نتائق الدنيا
مدرا ، وأضيق بطون الأودية معاشا ، وأغلظ مجال المسلمين مياها ، بين جبال خشنة ،
ورمال دمثة ، وعيون وشلة ، وقرى منقطعة ، وأثر من مواضع قطر السماء داثر ، ليس
يزكو به خف ولا ظلف ولا حاضر ، ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار
مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم تهوى اليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار
متصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة ، حتى يهزوا مناكبهم ذللا يهللون
الله حوله ، ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له ، قد نبذوا القنع والسراويل وراء
ظهورهم ، وحسروا بالشعور حلقا من رؤوسهم ابتلاء عظيما واختبارا كبيرا وامتحانا
شديدا وتمحيصا بليغا وفتونا مبينا جعله الله سببا لرحمته ووصلة وسيلة إلى جنته ،
وعلة لمغفرته ، وابتلاء للخلق برحمته ، ولو كان الله تبارك وتعالى وضع بيته الحرام
ومشاعره العظام بين جنات وأنهار وسهل وقرار ، جم الأشجار ، داني الثمار ، ملتف
النبات ، متصل القرى ، من برة سمراء ، وروضة خضراء
وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة ، وطرق عامرة ، وحدائق كثيرة
لكان قد صغر الجزاء ، على حسب ضعف البلاء ، ثم لو كان الأساس المحمول عليها أو
الأحجار المرفوع بها ما بين زمردة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء لخفف ذلك
مصارعة الشك في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من
الناس ،
ولكن الله عزوجل يختبر عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبدهم بألوان المجاهدة
ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا للتكبر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلل في أنفسهم ،
وليجعل ذلك أبوابا إلى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه وفتنة ، كما قال
«الم
أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ،
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ».
أقول : هذه
الخطبة التي أشار إليها في الكافي قد نقلها بتمامها السيد الرضى (قدسسره) في كتاب نهج البلاغة ، بيان لا بأس بإيضاح بعض ألفاظها
المغلقة ، الذهبان : جمع ذهب كخرب بالتحريك لذكر الحبارى ، وخربان والعقبان ، قال
في القاموس : ذهب ينبت وقيل خالص الذهب ، والقائلين : قيل من القيلولة ، يعني لو
لم يكن ابتلاء لكانوا مسترحين ، فلا ينالون أجور المبتلين ، ولم يكن هناك إحسان
فلا يلحقهم ثواب المحسنين ، ولا يكون مطيع ولا عاص ، ولا محسن ولا مسيىء ، بل
ترتفع هذه الأسماء ، ولا يستبين لها معنى.
وفي كتاب نهج
البلاغة واضمحل الأبناء أى تلاشت وفنيت الأخبار يعني الوعد والوعيد ، وفيه غنى
وادى مكان غناه وأذاه والخصاصة الفقر ، والحاجة ، والروم الطلب ، والضيم الظلم.
ومد الأعناق نحو الملك ، كناية عن تعظيمه يعنى يؤمله المؤملون ويرجوه الراجون وشد
الرحال كناية عن مسافرة أرباب الرغبات اليه ، بمعنى أنه لو كان الأنبياء ملوكا ذوي
بأس وشوكة وقهر ، لم يكن ايمان الخلق لهم لله سبحانه ، بل كان لرهبة لهم ، وخوف
منهم ، أو لرغبة وطمع فيهم ، فتكون النيات
__________________
مشتركة ، والوعر : ضد السهل ، والنتايق : جمع نتيقة بالنون ثم التاء
المثناة من فوق ، فعلية بمعنى مفعولة ، والنتق : الجذب.
وسميت المدن
والبلدان والأماكن المرتفعة نتائق ، لارتفاع نباتها وشهرتها وعلوها عن غيرها من
الأرض كأنها جذبت ورفعت ، والدمث : اللين ، والوشل : القليل الماء ، والأثر : بقية
رسم الشيء ، والداثر : الدارس ، ليس يزكو به : أى ينمو ، لان الزكاء النماء ،
والخف : كناية عن الإبل ، والظلف عن البقر : والغنم ، والحافر عن الدابة ، بمعنى
أنها لا تسمن فيه ، لانه ليس فيه مرعى ترعاه فتسمن ، وعطفا الرجل : جانباه وناحيتا
عنقه ، والثني : العطف ، وهو كناية عن قصده للحج ، يقال : ثنى عطفه نحوه ، أى توجه
اليه ، والمثابة : المرجع ، والمنتجع : اسم مفعول من الانتجاع ، وهو طلب الكلاء ،
والماء والمراد محل الكلاء ، وانتجع فلان فلانا : أتاه طالبا معروفه وفي قوله تهوى
اليه ثمار الأفئدة استعارة لطيفة ، ونظر الى قوله عزوجل حكاية عن خليله عليهالسلام (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً
مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ)» والقفر : من المفاوز ما لا ماء فيه ، ولا كلاء ،
والفجاج : جمع فج ، وهي الطريق الواسع بين الجبلين ، وفي قوله «ومهاوي فجاج عميقة»
إشارة إلى دفعته وعلوه ، ونظر الى قوله سبحانه
«يَأْتِينَ
مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»
وفي النهج من
مفاوز قفار سحيقة ، ومهاوى فجاج عميقة ، وجزائر بحار منقطعة ، والنهز بالتحريك : وهو
كناية عن الشوق نحوه ، والتوجه والسفر اليه ، وفي النهج يهلون لله من الإهلال وهو
الأقرب ، والرمل محركة : الهرولة ، والشعث : انتثار الأمر واغبرار الرأس وتلبد
الشعر ، والنبذ : الإلقاء. والمراد بالقنع والسراويل ما يستر أعالي البدن وأسافله.
وفي النهج قد
نبذوا السراويل : وهي القمصان ، والحسر : الكشف ، وبه يتعلق
__________________
قوله «عن رؤسهم» والمصادر الأربعة متقاربة المعاني ، والقنوت : الخضوع ،
والجم : الكثير ، والدنو : القرب ، والتفاف النبات : اشتباكه.
وفي النهج «ملتف
البناء» أى مشتبك العمارة ، والبرة : الواحدة من البر ، وهو الحنطة أو بالفتح اسم
جمع ، والريف بالكسر : أرض ذات ذرع وخصب ، وما قارب الماء من أرض العرب ، والمحدقة
: المحيطة ، وعراص : جمع عرصة ، وهي الساحة ، والمغدقة كثيرة الماء ، وفي قوله «مصارعة
الشك» استعارة لطيفة ، وكذا في قوله «معتلج الريب» ومعناهما متقاربان ، والمعتلج :
اسم مفعول من الاعتلاج ، وهو التغالب والاضطراب ، يقال : اعتلجت الأمواج ، أى
تلاطمت واضطربت.
ومرجع الكلام
إلى أنه كلما كان الابتلاء والامتحان أشد كان الثواب أجزل وأعظم ، ولو أنه سبحانه
جعل العبادة سهلة على المكلفين لما استحقوا عليها الا يسيرا من الجزاء ، وهذا هو
وجه الحكمة في ابتلاء خلقه بإبليس وجنوده ، والنفس الامارة بالسوء والأمر بالجهاد
ونحو ذلك ، والا فهو قادر على دفع إبليس عنهم ، وخلق نفوسهم مطيعة ، وجمع الناس
على طاعته ، ولكنه لا يظهر حينئذ وجه استحقاقهم الثواب والجزاء ، كما لا يخفى ،
والله العالم.
الفصل الثاني
عشر : روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أقوم أصلي بمكة والمرأة بين يدي جالسة أو مارة؟ فقال
: لا بأس إنما سميت بمكة لانه تبك فيه الرجال والنساء». أقول : أي يزدحم من بكة
إذا زحمه.
وعن معاوية بن
وهب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحطيم؟
قال : هو ما
بين الحجر الأسود وبين الباب ، وسألته لم سمى الحطيم؟ قال : لان الناس يحطم بعضهم
بعضا هناك».
وعن أبان عمن أخبره عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له : لم سمي
__________________
البيت العتيق؟ قال : هو بيت حر ، عتيق من الناس ، لم يملكه أحد.
أقول : وفي خبر
آخر ، انه أعتق من الغرق ، وروى في الفقيه عن سليمان بن مهران قال : «قلت لجعفر بن محمد (عليهماالسلام). كم حج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال : عشرين حجة مستسرا ، في كل حجة يمر بالمأزمين
فينزل فيبول فقلت له : يا بن رسول الله ولم كان ينزل هناك فيبول؟ قال : لانه موضع
عبد فيه الأصنام ، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به على (عليهالسلام) من ظهر الكعبة ، لما علا ظهر رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فأمر به ودفن عند باب بني شيبة ، فصار الدخول الى
المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك ، قال سليمان : فقلت : فكيف صار التكبير يذهب
بالضغاط هناك؟ قال : لان قول العبد الله أكبر معناه أكبر من أن يكون مثل الأصنام
المنحوتة ، والالهة المعبودة دونه ، وأن إبليس في شياطينه يضيق على الحاج مسلكهم
في ذلك الموضع ، فإذا سمع التكبير طار مع شياطينه وتبعهم الملائكة حتى يقفوا في
اللجة الخضراء ، قلت : وكيف صار الصرورة يستحب له دخول الكعبة دون من قد حج؟ فقال
: لأن الصرورة قاضي فرض مدعو الى حج بيت الله فيجب أن يدخل البيت الذي دعى اليه ،
ليكرم فيه ، فقلت : وكيف صار الحلق عليه واجبا دون من قد حج؟ فقال : ليصير بذلك
موسما بسمة الآمنين ، الا تسمع قول الله تعالى
«لَتَدْخُلُنَّ
الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ»
فقلت : وكيف
صار وطء المشعر عليه فريضة؟ قال : ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة».
وروى في الكافي
عن السكوني عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : سئل أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن إساف ونائلة وعبادة قريش لهما فقال : نعم كانا
شابين صبيحين وكان بأحدهما تأنيث فكانا يطوفان بالبيت فصادفا من البيت
__________________
خلوة فأراد أحدهما صاحبه ففعل فمسخهما الله تعالى فقالت قريش : لولا أن
الله رضي أن يعبد هذان معه ما حولهما من حالهما». قال في الوافي : إساف بالكسر
والفتح صنم لقريش ، وكذا نائلة وضعهما عمرو بن لحى على الصفا والمروة ، وكان يذبح
عليهما تجاه القبلة ، قيل : كانا من حزبهم إساف بن عمرو نائلة بنت سهل ففجرا في
الكعبة فمسخا حجرين ثم عبدتهما قريش.
وعن على بن
أسباط عن رجل من أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كان أيام الموسم بعث الله عزوجل ملائكة في صورة الآدميين يشترون متاع الحاج والتجار ،
قلت : فما يصنعون به؟ قال : يلقونه في البحر». ورواه في الفقيه مرسلا عن أبى عبد
الله (عليهالسلام).
وروى في
التهذيب عن سليمان بن الحسن عن كاتب على بن يقطين قال : «أحصيت لعلي بن يقطين من وافى عنه في عام واحد
خمسمائة وخمسين رجلا ، أقل من أعطاه سبعمائة ، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف».
أقول : لا يبعد
انه لما كان على بن يقطين من وزراء الخليفة الرشيد المقربين فكان يلي أمر الخراج
فتوصل الى دفعه للشيعة ورفدهم به بهذه الحيلة.
وعن عبد الله
بن حماد الأنصاري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يأتي زمان يكون فيه حج الملوك نزهة ، وحج الأغنياء
تجارة ، وحج المساكين مسألة.
وروى في الكافي
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«لَيَبْلُوَنَّكُمُ
اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ»
قال : ما تناله
الأيدي البيض والفراخ ، وما تناله الرماح فهو ما لا تصل الأيدي».
__________________
وعن الشحام عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«وَمَنْ
عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ»
قال : ان رجلا
انطلق وهو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار الى وجهه ، وجعل الثعلب يصيح ، ويحدث
من استه ، وجعل أصحابه ينهونه عما يصنع ، ثم أرسله بعد ذلك ، فبينما الرجل نائم إذ
جائته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلت عنه».
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن قال : «سئلت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل لبى بحجة أو عمرة وليس يريد الحج قال ليس بشيء
، ولا ينبغي له أن يفعل».
وعن إسحاق بن
عمار عن جعفر عن آبائه (عليهمالسلام) أن عليا (عليهالسلام) كان يكره الحج والعمرة على الإبل الجلالات».
وفي الصحيح أو
الحسن عن إسماعيل الخثعمي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ، انا إذا قدمنا مكة ذهب بعض أصحابنا يطوفون ، ويتركوني
أحفظ متاعهم ، قال : أنت أعظم أجرا».
وعن مرازم بن
حكيم ـ قال : «زاملت محمد بن مصادف فلما دخلنا مكة اعتللت فكان
يمضي الى المسجد ويدعني وحدي فشكوت ذلك الى مصادف فأخبر به أبا عبد الله (عليهالسلام) فأرسل إليه قعودك عنده أفضل من صلاتك في المسجد».
وعن ابان بن
تغلب في الصحيح أو الحسن قال : «كنت مع أبى جعفر (عليهالسلام) في ناحية عن المسجد الحرام ، وقوم يلبون حول الكعبة ،
فقال أما ترى هؤلاء الذين يلبون ، والله لأصواتهم أبغض الى الله من أصوات الحمير».
وعن عبد الرحمن بن الأشل بياع الأنماط عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كانت
__________________
قريش تلطخ الأصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر وكان يغوث قبال
الباب ، وكان يعوق عن يمين الكعبة وكان نسر عن يسارها ، وكانوا إذا دخلوا أخروا
سجدا ليغوث ، ولا ينحنون ، ثم يستديرون بحيالهم الى يعوق ثم يستديرون بحيالهم الى
نسر ثم يلبون فيقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك الا شريك هو لك ، تملكه
وما ملك ، قال فبعث الله ذبابا أخضر له أربعة أجنحة فلم يبق من ذلك المسك والعنبر
شيئا إلا أكله ، وانزل الله عزوجل
«يا
أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ».
وعن عمر بن
يزيد عن ابى عبد الله عليهالسلام قال لا يلي الموسم مكي».
وعن معاوية بن
عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا ينبغي لأهل مكة أن يلبسوا القميص ، وأن
يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا ، وقال : ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك».
قيل : وأن
يتشبهوا يعنى ، وينبغي أن يتشبهوا ، ويحتمل أن يكون في الكلام تقديم وتأخير ،
تقديره ينبغي لأهل مكة أن لا يلبسوا القميص ، وأن يتشبهوا بالحرمين
وعن هارون بن
خارجة قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر ، فقلت : من
بر الناس وفاجرهم ، فقال : من بر الناس وفاجرهم». ورواه الصدوق مرسلا ، ورواه
البرقي في المحاسن ، بسنده عن هارون بن خارجة مثله
وعن على بن
سليمان قال : «كتبت إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات
__________________
بدفن بعرفات أو ينقل الى الحرم ، فأيهما أفضل ، فكتب : يحمل الى الحرم
ويدفن فهو أفضل».
وعن حفص وهشام
بن الحكم أنهما سألا أبا عبد الله (عليهالسلام) أيما أفضل الحرم أو عرفة ، فقال الحرم» الحديث.
وعن عبد الملك
بن عتبة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يصل إلينا من ثياب الكعبة هل يصلح ان نلبس منها
شيئا قال يصلح للصبيان والمصاحف والمخدة تبتغي بذلك البركة إنشاء الله».
وعن مروان بن
عبد الملك قال : «سألت أبا الحسن عن رجل اشترى من كسوة الكعبة
شيئا فاقتضى ببعضه حاجته وبقي بعضه في يده هل يصلح بيعه؟ قال يبيع ما أراد ويهب ما
لم يرد ويستنقع به ويطلب بركته قلت : أيكفن به الميت قال : لا. «ورواه الصدوق مرسلا
عن أبى الحسن موسى عليهالسلام
وروى في الفقيه
عن مسمع بن عبد الملك عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : لا بأس أن تأخذ من ديباج الكعبة فتجعله غلاف
مصحف أو مصلى ، تصلى عليه وروى شيخنا الشهيد في الدروس قال : روى البزنطي عن ثعلبة
بن ميسرة قال : كنا عند أبى جعفر (عليهالسلام) في الفسطاط نحوا من خمسين رجلا فقال : أتدرون أى
البقاع أفضل عند الله منزلة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد على نفسه ، فقال تلك مكة
الحرام الذي وضعها الله لنفسه حرما وجعل نبيه فيها ثم قال : أتدرون أي بقعة في مكة
أفضل حرمة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد على نفسه فقال : ذلك المسجد الحرام ، ثم
قال : أتدرون أي بقعة في المسجد أعظم عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد
على نفسه فقال : ذلك بين الحجر الأسود الى باب الكعبة ، ذلك حطيم
__________________
إسماعيل (عليهالسلام) الذي كان يذود فيه غنيمته ، ويصلى فيه ، فوالله لو أن
عبدا صف رجليه في ذلك المقام قائما بالليل مصليا حتى يجيئه النهار ، وقائما
بالنهار حتى يجيئه الليل ، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئا
ابدا ، إلا أن أبانا إبراهيم «عليه الصلاة وعلى محمد وآله كان مما اشترط على ربه
أن قال رب اجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ، أما انه لم يعن الناس كلهم ، فأنتم
أولئك ، حكم الله ونظراؤكم وانما مثلكم في الناس مثل الشعرة السوداء في الثور
الأنور.
الفصل الثالث عشر
لا ريب في
استحباب زيارة قبر النبي (صلىاللهعليهوآله) استحبابا مؤكدا ويتأكد ذلك زيادة في حق الحاج ويجبر
الناس على ذلك لو تركوها كما يجبرون على الأذان ، ومنع ابن إدريس كما نقل عنه ضعيف
، قال في المنتهى : «لو ترك الناس زيارة النبي (صلىاللهعليهوآله) قال الشيخ (رحمهالله) : يجبرهم الامام عليها ، ومنع ابن إدريس من وجوب ذلك ،
لأنها مستحبة فلا يجب إجبارهم عليها ، ونحن نقول : ان ذلك يدل على الجفاء ، وهو
محرم فيجبرهم الامام عليها لذلك انتهى.
روى المشايخ الثلاثة
بأسانيدهم الصحيحة المتكثرة عن حفص بن البختري وهشام بن سالم ومعاوية بن عمار وغيرهم عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن
يجبرهم على ذلك ، وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبي (صلىاللهعليهوآله) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك ، وعلى المقام عنده
، فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين».
وروى في الكافي
عن ابى الحجر الأسلمي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم
القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ،
ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجرا الى الله
عزوجل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر».
__________________
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا
بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم ، ويعرضوا علينا نصرتهم».
وعن جابر عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «تمام الحج لقاء الامام». ورواه في الفقيه عن
جابر .
وروى في الفقيه
بسنده الى ذريح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في قول الله عزوجل
«ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» قال : «التفث لقاء الامام». وروى في الكافي عن عبد الله
بن سنان عن ذريح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان الله أمرني في كتابه بأمر فأحب أن أعلمه ، قال :
وما ذلك قال : قلت : قول الله عزوجل
«ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ» قال : يقضوا تفثهم لقاء الامام ، وليوفوا نذورهم تلك
المناسك قال عبد الله بن سنان : فأتيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت : جعلت فداك قوله عزوجل
«ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) ، قال : أخذ الشارب وقص الأظفار وما أشبه ذلك ،. قال :
قلت : جعلت فداك ان ذريح المحاربي حدثني عنك بأنك قلت له
«لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ»
لقاء الامام ،
«وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ»
تلك المناسك ،
فقال : صدق ذريح وصدقت ان للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل ما يحتمل ذريح».
وروى في الفقيه
عن عبد الله بن سنان قال : أتيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت جعلني الله فداك» الحديث.
وعن يحيى بن
يسار قال حججنا فمررنا بأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : حجاج
__________________
بيت الله وزوار قبر نبيه (صلىاللهعليهوآله) وشيعة آل محمد (صلوات الله عليهم ، هنيئا لكم».
أقول : وهذه
الاخبار وان كان موردها حال حياتهم (عليهمالسلام) الا أنه لا فرق بين الحياة والموت بالنسبة إليهم (صلوات
الله عليهم) فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، يشاهدون كل من ورد الى قبورهم.
ويشهد لذلك ما
رواه الشيخ في التهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال : «دخلت على فاطمة (عليهاالسلام) فبدأتني بالسلام ، ثم قالت : ما غدا بك قلت : طلب
البركة قالت : أخبرني أبى وهو ذا ، هو أنه من سلم عليه وعلى ثلاثة أيام أوجب الله
له الجنة ، قلت لها : في حياته وحياتك؟ قالت : نعم وبعد موتنا».
إذا عرفت ذلك
فاعلم أنه قد اختلفت الاخبار في استحباب البدعة بالحج ثم زيارة النبي (صلىاللهعليهوآله) أو العكس ، فروى في الكافي عن على بن محمد بن عبد الله
البرقي عن أبيه قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) أبدأ بالمدينة أو بمكة ، قال : ابدأ بمكة واختم بالمدينة
، فإنه أفضل». ورواه في الفقيه مرسلا ، ورواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن
جعفر عن أبيه عليهالسلام.
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن عيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحاج من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكة؟ قال : بالمدينة».
ورواه في الفقيه عن عيص بن القاسم مثله ، وروى الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الممر بالمدينة في البداية أفضل ، أو في الرجعة ،
قال : لا بأس بذلك آية كان».
روى في الكافي
والتهذيب في الموثق عن سدير عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : ابدأ وبمكة واختموا بنا».
__________________
أقول الظاهر في
وجه الجمع هو أن الأفضل مع الاختيار والتمكن من الأمرين معا البدأة بالحج ، وعليه
تحمل رواية البرقي ، وموثقة سدير.
وأما إذا حج
على طريق المدينة فالبدأة بها أفضل ، لئلا يخترم دون ذلك ، أو لا يتفق له رجوع على
تلك الطريق الاولى ، وبهذا جمع الشيخ وصاحب الفقيه (عطر الله مرقديهما)
وأما الاخبار
الواردة في ثواب زيارتهم (صلوات الله عليهم) في الحياة أو بعد الموت فهي أكثر من
أن تحصى ، ولا بأس بنقل جملة منها تيمنا وتبركا) فمنها ما رواه في الكافي في
الصحيح عن أبان عن السدوسي عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة».
وعن ابن شهاب قال : قال الحسين (عليهالسلام) لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يا أبتاه ما لمن زارك؟ فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يا بنى من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك أو زار
أخاك كان حقا على أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه».
وروى الشيخ في
التهذيب عن إبراهيم بن عبد الله بن حسين بن عثمان بن معلى بن جعفر قال : «قال الحسن بن على (عليهمالسلام) : يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما لمن زارنا؟ قال : من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك
حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا أو زارك حيا أو ميتا كان حقا على ان استنقذه
يوم القيامة».
وروى في الكافي
عن محمد بن على يرفعه قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وفي الفقيه مرسلا «قال : قال رسول الله لعلى (عليهمالسلام) : يا على من زارني في حياتي أو بعد مماتي أو زارك في
حياتك أو بعد مماتك أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة ان
أخلصه من أهوالها وشدائدها حتى
__________________
أصيره معي في درجتي».
«وعن زيد
الشحام قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ما لمن زار رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال كمن زار الله فوق عرشه» قال : قلت : فما لمن زار
واحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
وروى الشيخ في
التهذيب عن أبى الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن على بن الحسين عليهالسلام عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن على بن الحسين (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله): من زار قبري بعد موتى كان كمن هاجر الى في حياتي فان
لم تستطيعوا فابعثوا الى بالسلام ، فإنه يبلغني».
وعن ابى عامر
واعظ الحجاز عن الصادق (عليهالسلام) عن أبيه عن جده (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : لعلى عليهالسلام يا أبا الحسن ان الله عزوجل جعل قبرك وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة ، وعرصة من
عرصاتها ، وان الله عزوجل جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوته من عباده ، تحن إليكم
وتحتمل الأذى والمذلة فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم الى الله
، ومودة منهم لرسول الله ، اولائك يا على المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ،
وهم زواري غدا في الجنة ، يا على من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن
داود (عليهماالسلام) على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب
سبعين حجة بعد حجة الإسلام ، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه ،
فأبشر يا على وبشر أوليائك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن
سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولكن حثالة من الناس يعيرون
__________________
زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها ، أولائك شرار أمتي لا
تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي». الى غير ذلك من الاخبار التي يضيق عن نقلها المقام
الفصل الرابع عشر
يستحب لقاصدى
المدينة المشرفة المرور بمسجد الغدير ودخوله والصلاة فيه والإكثار من الدعاء ، وهو
موضع الذي نص فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) على امامة أمير المؤمنين وخلافته بعده ، ووقع التكليف
بها ، وان كانت النصوص قد تكاثرت بها عنه (صلىاللهعليهوآله) قبل ذلك اليوم ، الا ان التكليف الشرعي والإيجاب
الحتمي انما وقع في ذلك اليوم ، وكان تلك النصوص المتقدمة كانت من قبيل التوطئة
لتوطن النفوس عليها ، وقبولها بعد التكليف بها.
فروى ثقة
الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن أبان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : يستحب الصلاة في مسجد الغدير ، لأن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أقام فيه أمير المؤمنين (عليهالسلام) وهو موضع أظهر الله عزوجل فيه الحق».
وروى المشايخ
الثلاثة (نور الله تعالى مضاجعهم) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الصلاة في مسجد غدير خم وأنا مسافر ، فقال : صل فيه
فان فيه فضلا كثيرا وكان أبى يأمر بذلك». ويستحب أيضا النزول بالمعرس وصلاة ركعتين
فيه ، والتعريس لغة نزول القوم في السفر آخر الليل ، قال في القاموس : أعرس القوم
نزلوا في آخر الليل للاستراحة ، كعرس وليلة التعريس الليلة التي نام فيها النبي (صلىاللهعليهوآله) والمعرس : بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة
، ويقال : بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء ، مسجد يقرب مسجد الشجرة بازاءه
مما يلي القبلة ، والمراد بالتعريس في المسجد المذكور هو الاضطجاع فيه ، إذا مر به
ليلا كان أو نهارا ، كما يدل عليه الاخبار الاتية ، وقد أجمع الأصحاب على استحباب
النزول فيه والصلاة تأسيا بالنبي
__________________
(صلىاللهعليهوآله) ويستحب أيضا الرجوع اليه لو تجاوزه ، ويدل على ذلك
جملة من الاخبار ، ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن
عمار قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام): إذا انصرفت من مكة إلى المدينة وانتهيت إلى ذي
الحليفة وأنت راجع الى المدينة من مكة ، فأت معرس النبي (صلىاللهعليهوآله) فان كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصل فيه ، وان
كان في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه قليلا ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يعرس فيه ، ويصلى». ورواه الصدوق أيضا في الصحيح
عن معاوية بن عمار مثله.
وعن الحسن بن
على بن فضل قال : «قال على بن أسباط لأبي الحسن ونحن نسمع : انا لم
نكن عرسنا فأخبرنا ابن القاسم بن الفضيل أنه لم يكن عرس وأنه سألك فأمرته بالعود
الى المعرس فيعرس فيه ، فقال : نعم ، فقال له : فانا انصرفنا فعرسنا فأي شيء نصنع؟
قال : تصلى فيه وتضطجع ، وكان أبو الحسن (عليهالسلام) يصلى بعد العتمة فيه ، فقال له محمد : فان مر به في
غير وقت صلاة مكتوبة؟ قال : بعد العصر ، قال : سئل أبو الحسن (عليهالسلام) عن ذا فقال (عليهالسلام) : ما رخص في هذا الا في ركعتي الطواف ، فان الحسن بن
على (عليهماالسلام) فعله ، وقال : يقيم حتى يدخل وقت الصلاة ، قال : فقلت
له : جعلت فداك فمن مر به بليل أو نهار يعرس فيه ، أو إنما التعريس في الليل؟ فقال
: ان مر به بليل أو نهار فليعرس فيه».
قال في الوافي
المستتر في «قال» في قوله «قال بعد العصر» يرجع الى محمد يعنى كما إذا مر به بعد
العصر ما رخص في هذا يعنى ما رخص في النافلة بعد العصر إلا في ركعتي طواف النافلة
، وقد مر الكلام فيه في كتاب الصلاة ، وانها موضع تقية حتى يدخل وقت الصلاة يعني
الوقت الذي يجوز فيه الصلاة من غير كراهة ، كوقت الصلاة المكتوبة.
وعن على بن
أسباط عن بعض أصحابنا «انه لم يعرس فأمره الرضا (عليهالسلام) ان ينصرف فيعرس.
وعن محمد بن
القاسم قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) جعلت
__________________
فداك ان جمالنا مر بنا ولم ينزل المعرس ، فقال : لا بد أن ترجعوا اليه
فرجعت اليه.
وروى الشيخ في
التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال لي في المعرس ـ معرس النبي صلىاللهعليهوآله : ـ إذا رجعت الى المدينة فمر به وانزل وأنخ به وصل فيه
، ان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فعل ذلك ، قلت : فان لم يكن وقت صلاة؟ قال : فأقم قلت
: لا يقيمون أصحابي؟ قال : فصل ركعتين وامضه ، وقال : انما المعرس إذا رجعت الى
المدينة ليس إذا بدأت بها».
وعن ابن أسباط قال : «قلت لعلى بن موسى (عليهالسلام) : ان الفضيل بن يسار روى عنك وأخبرنا عنك بالرجوع الى
المعرس ، ولم نكن عرسنا فرجعنا إليه فأي شيء نصنع ، قال : تصلى وتضطجع قليلا ،
فقد كان أبو الحسن (عليهالسلام) يصلى فيه : ويقعد ، فقال محمد بن على بن فضال : فان
مررت به في غير وقت صلاة بعد العصر فقال : فقد سئل أبو الحسن (عليهالسلام) عن ذلك فقال : صل فيه ، فقال محمد بن على بن فضال : ان
مررت به ليلا أو نهارا انعرس ، أو إنما التعريس بالليل فقال. نعم ان مررت به ليلا
أو نهارا فعرس فيه ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يفعل ذلك».
وروى في الفقيه
«قال سأل العيص
بن القاسم أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الغسل في المعرس ، فقال : ليس عليك فيه غسل ،».
ويستفاد من
صحيحة معاوية بن عمار التي هي أول الاخبار ومن رواية الأخيرة ان التعريس المستحب
انما هو في الرجوع من مكة إلى المدينة دون العكس
الفصل الخامس عشر
وللمدينة
المنورة حرم ، وهو من ظل عائر إلى وعير ، لا يعضد شجره ، ولا يصاد ما بين الحرمين
منه ، وهي حرة ليلى ، وحرة وأقم ، بكسر القاف اسم لحصن هناك ، أضيفت الحرة اليه ،
وهل النهى هنا على جهة الكراهة أو التحريم قولان ،
__________________
وتفصيل هذه الجملة أن الحرم المذكور هو ما بين الجبلين المذكورين ، فان
عائرا ووعيرا : اسمان لجبلين مكتنفين للمدينة ، أحدهما من المشرق ، والأخر من
المغرب ووعير ضبطه الشهيد في الدروس بفتح الواو ، ونقل عن المحقق الشيخ على أنه
وجده في مواضح متعددة يضم الواو ، وفتح العين المهملة ، والحرة بالفتح والتشديد
أرض ذات أحجار سود ، ومنه سميت الحرتان المذكورتان بذلك ، وهما أدخل في المدينة ،
وهذا الحرم : بريد في بريد ، ويوضح ذلك ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى الخراز عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «بينا نحن جلوس وأبى عند وال لبني أمية على
المدينة إذ جاء أبى فجلس فقال : كنت عند هذا قبيل فسألهم عن التقصير فقال قائل
منهم : في ثلاث وقال قائل منهم : يوما وليلة ، وقال قائل منهم روحة فسألني فقلت له
: ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لما انزل عليه جبرائيل (عليهالسلام) بالتقصير قال له النبي (صلىاللهعليهوآله) في كم ذاك ، فقال : في بريد ، قال : وأي شيء البريد :
قال ما بين ظل عير إلى فيء وعير ، قال : ثم عبرنا زمانا ثم رأى بنو أمية يعلمون
أعلاما على الطريق ، وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر (عليهالسلام) فذرعوا ما بين ظل عير إلى فيء وعير ثم جزؤه على اثنى
عشر ميلا» الحديث.
والتقريب فيه
أنه دل على أن ما بين الجبلين بريد اثنا عشر ميلا ، واختلف الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في صيد هذا الحرم ، وقطع شجرة فقيل : انه لا يجوز قطع شجرة ، ولا قتل صيد
ما بين الحرمين ، ونسبه في المدارك إلى الأكثر قال : به قطع في المنتهى ، وأسنده
إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه
وقيل بالكراهة
، وبه صرح المحقق في الشرائع ، وذكر في المسالك ان هذا القول هو المشهور بين
الأصحاب قال : بعد أن ذكر أن في المسألة قولين : أحدهما التحريم ، وهو اختيار
الشيخ والعلامة في المنتهى ، والثاني وهو المشهور بين الأصحاب ، بل كثير منهم لم
يذكروا فيه خلافا الكراهة الى أن قال وبعض
__________________
الأصحاب قطع بتحريم قطع الشجر ، وجعل الخلاف في الصيد ، قال وظاهر الاخبار
يدل عليه ، فإنه لم يرد خبر بجواز قطع الشجر وانما تعارضت الاخبار في الصيد ، الا
أن الأصحاب نقلوا الكراهة في الجميع واختاروها انتهى.
أقول : وها أنا
أسوق لك ما وقفت عليه من أخبار المسألة وأبين ما وضح لي منها بتوفيق الله سبحانه
وهدايته.
فمنها ما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن زرارة بن أعين عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المدينة ما بين لابتيها صيدها وحرم ما حولها بريدا في
بريد ان يختلا خلاها أو يعضد شجرها إلا عودي الناضح». قال في الفقيه : وروى ان
لابتيها ما أحاطت به الحرار ، وروى في خبر آخر أن ما بين لابتيها ما بين الصورين إلى
الثنية ، والذي حرمه من شجر ما بين ظل عائر إلى فيء وعير ، وهو الذي حرم ، وليس
صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك
أقول : وقد
تقدم أن الخلا مقصورة : الرطب من النبات ، واحدته خلاه أو كل بقلة واختلاه جزه ، وروى
الكليني والشيخ في الصحيح عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن الحسن الصيقل عن أبى عبد الله (عليهالسلام) ، قال : كنت جالسا عند زياد بن عبد الله وعنده ربيعة
الرأي فقال له زياد : ما الذي حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، من المدينة؟ فقال له :
بريد في بريد ،
فقال لربيعة : وكان على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أميال فسكت ولم يجبه فاقبل على زياد فقال : يا أبا عبد
الله ما تقول أنت؟ فقلت : حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من المدينة من الصيد» ما بين لابتيها ، قال : وما بين
لابتيها؟ قلت : ما أحاطت به «الحرار» قال : وما حرم من الشجر؟ قلت : ما بين عير الى وعير» ـ وزاد
في الكافي ـ قال صفوان : قال ابن مسكان : قال الحسن فسأله إنسان وأنا جالس ، فقال
له وما بين لابتيها؟
__________________
قال : ما بين الصورتين إلى الثنية».
أقول : الذي في
الكافي «حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من المدينة ما بين لابتيها» وليس فيه من الصيد ، وانما
هو في رواية التهذيب خاصة ، وفي التهذيب ولم يحسن بدل ولم يجبه ثم ، أقول :
والظاهر أن هذه الزيادة المنقولة في الكافي هي التي أشار إليها الصدوق فيما قدمنا
نقله بقوله «وروى في خبر أخر أن ما بين لابتيها» الى آخره قيل : والصورين كأنه
تثنية الصور ، وهو جماعة من النخل ، ولا واحد له من لفظه ، ويجمع على صيران وفي
الخبر أنه خرج الى صور بالمدينة.
أقول : قال في
القاموس : «والصور : النخل الصغار ، أو المجتمع ، الجمع صيران» وقال : في مجمع
البحرين : والصور : الجماعة من النخل ، ولا واحد له من لفظه ، والجمع على صيران ،
ومنه خرج الى صور بالمدينة ، وحديث بدر أن أبا سفيان بعث الى رجلين من أصحابه
فاحرقا صور من صيران العريض
وروى في الفقيه
عن ابى بصير عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «حد ما حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من المدينة من ذباب الى واقم والعريض والنقب من قبل
مكة.
أقول «وذباب»
بضم المعجمة جبل قرب المدينة على نحو من بريد منها ، وفي صحيحة زرارة كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا اتى ذبابا قصر وانما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان
سفره بريدين ثمانية فراسخ ، وراقم : اسم حصن هناك من حصون المدينة ، وهو الذي
أضيفت إليه الحرة ، كما تقدم ، وفي الكافي «فأقم» مكان «وأقم» والظاهر أنه غلط
وعريض كزبير واد بالمدينة ، به أموال لأهلها ، قال في القاموس : ومرجع هذين
التحديدين الى التحديد الأول والنقب بالنون : الطريق في الجبل ، ومنه ألقاب
المدينة إلى الطرق الداخلة إليها من بين الجبال ،
وروى في الكافي
عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : قال رسول
__________________
الله (صلىاللهعليهوآله) : مكة حرم الله ، حرمها إبراهيم (صلوات الله عليه) وان
المدينة حرمي ما بين لابتيها ، حرم لا يعضد شجرها ، وهو ما بين ظل عائر إلى ظل
وعير ، وليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذلك وهو بريد».
وروى في
التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال يحرم من الصيد صيد المدينة ما بين الحرتين».
وروى في الفقيه
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال يحرم من صيد المدنية ما صيد بين الحرتين».
وروى المشايخ
الثلاثة عن أبى العباس يعنى الفضل بن عبد الملك البقباق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : حرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المدينة؟ قال : نعم حرم بريدا في بريد غضاها قال : قلت
: صيدها؟ قال : لا ، يكذب الناس».
أقول : الغضا
بالمعجمتين جمع غضاة وهو شجر معروف
وروى الصدوق في
كتاب معاني الاخبار في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ما بين لابتيى المدينة ظل عائر إلى ظل وعير حرم
قلت : طائره كطائر مكة؟ قال : لا ، ولا يعضد شجرها ـ قال : وروى ـ أنه يحرم من صيد
المدينة ما صيد بين الحرتين».
وروى الصفار في
بصائر الدرجات بسنده عن الفضيل بن يسار قال : «سألته الى أن قال فقال : ان الله أدب نبيه فأحسن
تأديبه فلما انتدب فوض اليه ، فحرم الله الخمر وحرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كل مسكر ، فأجاز الله له ذلك ، وحرم الله مكة ، وحرم
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المدينة فأجاز الله ذلك كله الحديث.
وعن عبد الله
بن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ان الله
__________________
أدب نبيه (صلىاللهعليهوآله) انتدب ففوض اليه ، وان الله حرم مكة ، وان رسول الله
حرم المدينة فأجاز الله له ، وان الله حرم الخمر ، وان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حرم كل مسكر ، فأجاز الله له».
أقول : هذا ما
وقفت عليه من أخبار المسألة وكلها متفقة الدلالة في تحريم قطع الشجر ، وانما
اختلفت في الصيد كما تقدمت الإشارة إليه في كلام شيخنا الشهيد الثاني ، وأكثر
الأخبار دال على التحريم خصوصا في بعض ، وعموما في آخر ، والذي يدل على عدم
التحريم ، منها رواية معاوية بن عمار المنقولة من الكافي ، ونحوها رواية أبي
العباس ، وكذا صحيحة معاوية بن عمار المنقولة من كتاب معاني الاخبار.
والشيخ رضوان
الله عليه بعد نقله الروايتين الأوليين في التهذيب أجاب عنهما ، فقال : ما تضمن
هذان الخبران من أن صيد المدينة لا يحرم ، المراد به ما بين البريد الى البريد ،
وهو ظل عائر إلى ظل وعير ، ويحرم ما بين الحرتين ، وبهذا تميز صيد هذا الحرم من
حرم مكة ، لأن صيد مكة محرم في جميع الحرم ، وليس كذلك في حرم المدينة ، لأن الذي
يحرم منها هو الصيد المخصوص انتهى. ثم استدل على ذلك برواية عبد الله بن سنان
المذكورة ، نقلا من التهذيب ، ورواية الحسن الصيقل المتقدمة أيضا.
أقول : وبذلك
صرح من تأخر عنه كالعلامة في المنتهى وغيره ، ومنهم السيد السند في المدارك ، وزاد
الطعن في الخبرين المذكورين بضعف السند ، واعترضه المحدث الكاشاني في الوافي ،
فقال بعد نقل كلامه المذكور : ما لفظه أقول : ظاهر خبر ابن عمار ان التحديدين واحد
، ولا دلالة فيه على عدم تحريم الصيد ، ولا على تحريمه ، وانما يدل على عدم تحريم
أكله ، وخبر البقباق أيضا يحتمل معنيين ، أحدهما أن لا يكون كلاما برأسه ، ويكون
يكذب الناس كلاما آخر على حدة من الكذب ، والثاني أن يكون كلاما واحدا من التكذيب
على سبيل التقية ، فإن العامة روت في التحريم رواية ، ثم الخبران الإتيان إنما
يدلان على ما ذكره ، لو كانا كما رواهما ،
أما لو كانا كما رويا في الفقيه والكافي فلا دلالة لهما على ذلك ، كما ستقف
عليه إنشاء الله. نعم ما يدل على ما ذكره روايته ، انتهى.
أقول : لا يخفى
أن ظاهر صحيحة زرارة وكذا ظاهر رواية الحسن الصيقل هو تغاير التحديدين ، وان الحد
الذي يحرم فيه الصيد هو بين لابتيها ، والذي يحرم فيه الشجر هو ما بين الجبلين ،
وهو مسافة البريد ، وحينئذ فلعل ما في رواية معاوية المذكورة وكذا صحيحة المنقولة
في كتاب معاني الاخبار من الدلالة على اتحاد الحدين خرج مخرج التجوز ، حيث أنه
القدر المتفق عليه ، والا مسافة ما اشتملت عليه الحرتان أقل من المسافة التي بين
الجبلين كما لا يخفى.
وأما قوله «ولا
دلالة فيه على عدم تحريم الصيد ولا على تحريمه» ففيه أن الظاهر من عدم التحريم
أكله عدم تحريم صيده ، كما ان الظاهر من تحريم الصيد هو تحريم الأكل إذا كان مما
يؤكل ، كما لا يخفى على من لاحظ الأخبار المتقدمة في الصيد في باب محرمات الإحرام
، واتفاق كلمة الأصحاب على ذلك ، وهذا المعنى ظاهر من صحيحة معاوية المروية في
كتاب المعاني ، فإن قوله «قلت طائره كطائر مكة» يعني في تحريم صيده ، وما يترتب
عليه من تحريم أكله ، «قال : لا».
وبالجملة
فالروايتان ظاهرتان في عدم تحريم الصيد ، وحمل الشيخ في هذا المقام جيد كما عرفت ،
وأما خبر البقباق فالظاهر ان إجمال متنه يمنع من الاعتماد عليه استدلالا ، أو
إيرادا أو نقضا ، فطرحه من البين قريب ، وأما قوله ثم الخبران الإتيان الى آخره
إشارة إلى صحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية الحسن الصيقل ، ففيه أن ما ذكره
بالنسبة إلى رواية الفضيل الصيقل مسلم ، لما عرفت من الاختلاف في الروايتين ، لكن
الطعن به انما يتم لو لم يعتمد على روايات التهذيب ، وليس كذلك ، وحينئذ فالاعتراض
به لا محصل له ، وأما بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن سنان فإنه لا يخفى أن ما رواه
في الفقيه لا ينافي رواية التهذيب كما توهمه ، بل مرجع الروايتين الى معنى واحد
كما لا يخفى.
وبالجملة فما
ذهب اليه الشيخ من التحريم في كل من الصيد والشجر هو الظاهر من الاخبار ، والله
العالم.
الفصل السادس عشر :
قد اتفقت
الاخبار وكلمة الأصحاب على انه يستحب لزائر المدينة بعد الدخول إكثار الصلاة في
مسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) ولا سيما في الروضة ، وهي ما بين القبر والمنبر الى
طرف الظلال ، وأن يأتي المنبر ويمسح مما يليه وأن يأتي المساجد الشريفة بالمدينة ،
كمسجد قبا ، ومسجد الفتح ، ومسجد الأحزاب ومسجد الفضيح ، وهو الذي ردت فيه الشمس
لأمير المؤمنين (عليهالسلام) ومشربة أم إبراهيم (عليهالسلام) وقبور الشهداء بأحد ولا سيما قبر حمزة (رضى الله عنه).
روى ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلىاللهعليهوآله فأت المنبر وامسحه بيدك وخذ برمانتيه ، وهما السفلاوان
، وامسح عينيك ووجهك به ، فإنه يقال : انه شفاء العين ، وقم عنده فاحمد الله وأثن
عليه ، واسأل حاجتك ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ، ومنبري
على ترعة من ترع الجنة ـ والترعة هي الباب الصغير ـ ثم تأتى مقام النبي (صلىاللهعليهوآله) فتصلي فيه ما بدا لك ، فإذا دخلت المسجد فصل على النبي
(صلىاللهعليهوآله) وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك ، وأكثر من الصلاة في مسجد
الرسول (صلىاللهعليهوآله) ورواه في الفقيه مقطوعا مرسلا بدون قوله وأكثر الى
آخره ، وقال ما بين منبري وقبري روضة وزاد بعد ترع الجنة وقوائم منبري ربت في
الجنة».
قال في الوافي
: الترعة بضم المثناة الفوقانية ثم المهملتين في الأصل : هي الروضة على المكان
المرتفع خاصة ، فإذا كان في المطمئنين فهي روضة ، قال القتيبي في معنى الحديث ان الصلاة
والذكر في هذا الموضع يؤديان إلى الجنة ، فكأنه قطعة منها ، وقيل الترعة الدرجة ،
وقيل الباب كما في هذا الحديث وكان الوجه
__________________
فيه ان بالعبادة هناك يتيسر دخول الجنة ، كما ان بالباب يتمكن من الدخول ، ولا
تنافي بين ما في الكافي والفقيه لانه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) دفن في بيته ، وربت أى نمت وارتفعت انتهى.
أقول : قال بعض
شراح الحديث : وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، لأن فاطمة عليهاالسلام بين قبره ومنبره صلىاللهعليهوآله وقبرها عليهاالسلام روضة من رياض الجنة ، ويحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة
في المنبر والروضة بأن يكون حقيقتها كذلك ، وان لم يظهر في الصورة بذلك في الدنيا
، لأن الحقائق تظهر بالصور المختلفة انتهى.
وعن أبى بكر
الحضرمي عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله):
ما بين بيتي
وقبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة ، وقوائم منبري
ربت في الجنة ، قال : قلت هي روضة اليوم ، قال : نعم لو كشف الغطاء لرأيتم.
أقول : وفي هذا
الخبر ما يدل على ما ذكره ذلك البعض المتقدم ، وعن مرازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يقول الناس في الروضة؟ «قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : في ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري
على ترعة من ترع الجنة ، فقلت له : جعلت فداك فما حد الروضة؟ فقال : بعد أربع
أساطين من المنبر الى الظلال : فقلت : جعلت فداك من الصحن فيها شيء؟ قال : لا».
وعن عبد الله
بن مسكان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «حد الروضة في مسجد الرسول الى طرف الظلال ، وحد
المسجد إلى الأسطوانتين عن يمين المنبر الى الطريق مما يلي سوق الليل». وعن عبد
الأعلى مولى آل سام قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : كم كان مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ قال : كان
__________________
ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرا».
قال في المغرب
: الذراع المكسر ست قبضات ، وهو ذراع العامة وانما وصفت بذلك؟ لأنها نقصت عن ذراع
الملك بقبضة ، وهو بعض الأكاسرة ، وكانت ذراعه سبع قبضات انتهى.
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «سألته عن حد مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ فقال : الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين
من وراء المنبر عن يمين القبلة ، وكان من وراء المنبر طريق تمر فيه الشاة ويمر
الرجل منحرفا وكان ساحة المسجد من البلاط الى الصحن».
قال في الوافي
: البلاط بالفتح موضع بالمدينة بين المسجد والسوق ، مبلط اى مفروش بالحجارة التي
تسمى بالبلاط ، سمى المكان به اتساعا ، وعن معاوية بن وهب في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : هل قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة؟ فقال : نعم
، وقال : بيت على وفاطمة (عليهماالسلام) ما بين البيت الذي فيه النبي (صلىاللهعليهوآله) الى الباب الذي يحاذي الزقاق الى البقيع ، قال : فلو
دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر ، ثم سمى سائر البيوت ، وقال :
قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره الا المسجد
الحرام فهو أفضل».
وعن جميل بن
دراج «قال سمعت أبا
عبد الله (عليهالسلام) يقول : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : ما بين منبري وبيوتي روضة من رياض الجنة ، ومنبري
على ترعة من ترع الجنة ، وصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا
المسجد الحرام ، قال جميل : قلت له : بيوت النبي (صلىاللهعليهوآله) وبيت على (عليهالسلام) منها؟ قال : نعم وأفضل».
وبهذا المضمون
بالنسبة إلى فضل الصلاة في مسجده (صلىاللهعليهوآله) أخبار عديدة
__________________
فيها الصحيح وغيره ، وعن أبى الصامت قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : صلاة في مسجد النبي (صلىاللهعليهوآله) تعدل عشرة آلاف صلاة».
وعن هارون بن
خارجة قال : الصلاة في مسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) تعدل عشرة آلاف صلاة».
وعن يونس بن
يعقوب في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الصلاة في بيت فاطمة (عليهاالسلام) مثل الصلاة في الروضة؟ قال : وأفضل».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام): لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قباء فإنه المسجد
الذي أسس على التقوى من أول يوم ، ومشربة أم إبراهيم (عليهالسلام) ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء ومسجد الأحزاب وهو مسجد
الفتح ، قال : وبلغنا أن النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا أتى قبور الشهداء قال : السلام عليكم بما
صبرتم فنعم عقبى الدار ، وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح يا صريخ المكروبين ، يا
مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همي وغمي وكربى كما كشفت عن نبيك غمه وهمه وكربه ،
وكفيته هول عدوه في هذا المكان».
وهمه وكربه ،
وكفيته هول عدوه في هذا المكان» ورواه في الفقيه مرسلا مقطوعا على اختلاف في
ألفاظه.
قال في الوافي
: المشربة بفتح الراء وضمها الغرفة والصفة ، يقال : هو في مشربته : أي في غرفته ،
وعدها ـ في كتاب مغانم ـ المطابة : في معالم طابة ـ : للفيروزآبادى صاحب القاموس ـ
في المساجد ، قال : ومنها مسجد أم إبراهيم (عليهالسلام) الذي يقال له مشربة أم إبراهيم (عليهالسلام) ، وهو مسجد بقبا شمالي مسجد بني قريظة ، قريب من الحقة
الشرقية في موضع يعرف بالدشت ، قال : وليس عليه بناء ولا جدار ، وانما هو عريصة
صغيرة بين نخيل طولها نحو عشرة أذرع ، وعرضها أقل منه ، بنحو
__________________
ذراع وقد حوط عليها برصم لطيف من الحجارة السود.
قال : ومنها
مسجد الفضيخ بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة بعدها مثناة تحتية وخاء معجمة.
قال : وهذا
المسجد يعرف بمسجد الشمس اليوم ، وهو شرقي مسجد قبا على شفير الوادي مرصوم بحجارة
سود ، وهو مسجد صغير.
أقول : ويأتي
وجه تسميته بمسجد الشمس عن قريب ، قال : ومنها مسجد الفتح ، وهو مسجد على قطعة من
جبل سلع من جهة الغرب ، وغربية وادي بطحان انتهى.
وعن عقبة بن
خالد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) انا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ؟ قال :
ابدء بقباء فصل فيه وأكثر ، فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في هذه العرصة ثم ائت مشربة أم إبراهيم (عليهالسلام) فصل فيها وهي مسكن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومصلاه ، ثم تأتى مسجد الفضيخ فتصلي فيه فقد صلى فيه
نبيك فإذا قضيت هذا الجانب أتيت جانب أحد فبدأت بالمسجد الذي دون الحرة فصليت فيه
، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلمت عليه ، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم
فقلت : السلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط وانا بكم لاحقون ، ثم تأتى المسجد
الذي في المكان الواسع الى جنب الجبل عن يمينك حين تدخل أحدا فتصلي فيه ، فعنده
خرج النبي (صلىاللهعليهوآله) الى أحد حين لقي المشركين فلم يبرحوا حتى حضرت الصلاة
فصلى فيه ، ثم مر أيضا حتى ترجع فتصلي عند قبور الشهداء ما كتب الله لك ، ثم امض
على وجهك حتى تأتى مسجد الأحزاب فتصلي فيه ، وتدعوا الله فيه ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دعى فيه يوم الأحزاب ، فقال : يا صريخ المكروبين ويا
مجيب دعوة المضطرين ويا مغيث الملهوفين اكشف همي وكربى وغمي ترى حالي وحال أصحابي».
__________________
وروى في الفقيه
مرسلا قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من أتى مسجدي ومسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة. وكان
(عليهالسلام) يأتيه فيصلي فيه بأذان واقامة.
وروى في الكافي
في الصحيح عن الحلبي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) هل أتيتم مسجد قباء أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم؟
قلت : نعم ، قال : أما انه لم يبق آثار رسول الله (صلىاللهعليهوآله) شيء الا وقد غير غير هذا».
وعن ليث
المرادي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن مسجد الفضيخ لم سمى مسجد الفضيخ؟ قال : لنخل يسمى
الفضيخ فلذلك سمى مسجد الفضيخ». وعن عمار بن موسى قال دخلت أنا وأبو عبد الله (عليهالسلام) مسجد الفضيخ فقال : يا عمار ترى هذه الوهدة؟ قلت : نعم
، قال : كانت امرأة جعفر التي خلف عليها أمير المؤمنين (عليهالسلام) قاعدة في هذا الموضع ، ومعها ابناها من جعفر ، فقال
لها ابناها : ما يبكيك يا أمه؟ قالت : بكيت لأمير المؤمنين (عليهالسلام) فقالا لها : تبكين لأمير المؤمنين ولا تبكين لأبينا!
قالت : ليس هذا هكذا ولكن ذكرت حديثا حدثني به أمير المؤمنين (عليهالسلام) في هذا الموضع ، فأبكانى ، قالا : وما هو؟ قالت : كنت
أنا وأمير المؤمنين (عليهالسلام) في هذا المسجد ، فقال لي : ترين هذه الوهدة؟ قلت : نعم
قال كنت : أنا ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) قاعدين فيها ، إذ وضع رأسه في حجري ثم خفق حتى غطّ
وحضرت صلاة العصر فكرهت أن أحرك رأسه عن فخذي ، فأكون قد آذيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، حتى ذهب الوقت وفاتت ، فانتبه رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فقال يا على صليت؟ قلت : لا ، قال : ولم ذلك؟ قلت :
كرهت أن أوذيك قال : فقام واستقبل القبلة ومد يديه كلتيهما ، وقال : اللهم رد
الشمس الى وقتها حتى يصلى على ، فرجعت الشمس الى وقت الصلاة حتى صليت
__________________
العصر ثم انقضت انقضاض الكواكب».
المطلب الثاني في المزار
أقول : وقد
قدمنا في المطلب الأول جملة من الاخبار الدالة على فضل زيارة النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وزيارة الأئمة (عليهمالسلام) ولا سيما بعد الحج احياء وأمواتا وينبغي أن يعلم أن
للزيارة آدابا وقد ذكر شيخنا الشهيد في الدروس جملة من ذلك لا بأس بنقلها في
المقام ، قال (نور الله تعالى مرقده) وللزيارة آداب ، أحدها الغسل قبل دخول المشهد
، والكون على طهارة فلو أحدث أعاد الغسل
قال المفيد رحمهالله : وإتيانه بخضوع وخشوع في ثياب طاهرة جدد نظيفة وثانيها
الوقوف على بابه ، والاستيذان والدعاء بالمأثور ، فإن وجد خشوعا وخضوعا دخل ، والا
فالأفضل له تحرى زمان الرقة ، لأن الغرض الأهم حضور القلب لتلقى الرحمة النازلة من
الرب ، فإذا دخل قدم رجله اليمنى ، وإذا خرج قدم اليسرى ، وثالثها ـ الوقوف على
الضريح ملاصقا له أو غير ملاصق ، وتوهم أن البعد أدب وهم فقد نص على الاتكاء على
الضريح وتقبيله.
ورابعها ـ استقبال
وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة ، ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من
الزيارة ، ويدعو متضرعا ثم يضع خده الأيسر ويدعو سائلا من الله تعالى بحقه وبحق
صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ، ويبالغ في الدعاء والإلحاح ثم ينصرف الى ما
يلي الرأس ثم يستقبل القبلة ويدعو
وخامسها ـ الزيارة
بالمأثور ويكفى السلام والحضور
وسادسها ـ صلاة
ركعتي الزيارة عند الفراغ ، فان كان زائرا للنبي (صلىاللهعليهوآله) ففي الروضة ، وان كان لأحد الأئمة (عليهمالسلام) فعند رأسه ، ولو صلاهما بمسجد المكان جاز ، ورويت رخصة
في صلاتهما الى القبر ، ولو استدبر القبر وصلى جاز ، وان كان غير مستحسن ، الا مع
البعد
أقول ما ذكره (قدسسره) من الصلاة عند الرأس هو الوارد في أكثر الأخبار
المعتمدة وهو المشهور بين الأصحاب ، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه ، وأما
الصلاة خلف القبر فقيل بالتحريم ، والمشهور الكراهة ، وأما التقدم على القبر
فالمشهور الجواز على الكراهة ، وقيل : بالتحريم وهو الأصح ، وقد تقدم تحقيق المسألة
في كتاب الصلاة ثم قال (قدسسره) : وسابعها ـ الدعاء بعد الركعتين بما نقل ، والا فبما
سنح له في أمور دينه ودنياه وليعم الدعاء فإنه أقرب الى الإجابة
وثامنها ـ تلاوة
شيء من القرآن عند الضريح واهداءه الى المزور والمنتفع بذلك الزائر وفيه تعظيم
للمزور
وتاسعها ـ إحضار
القلب في جميع أحواله ما استطاع ، والتوبة من الذنب ، والاستغفار والإقلاع
وعاشرها ـ الصدقة
على السدنة والحفظة للمشهد وهم القوام وإكرامهم وإعظامهم ، فان فيه إكرام صاحب
المشهد (عليه الصلاة والسلام) وينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير والصلاح ،
والدين والمروة ، والصبر والاحتمال ، وكظم الغيظ خالين من الغلظة على الزائرين ،
قاضين لحوائج المحتاجين ، مرشدي ضالى الغرباء الواردين ، وليتفقد أحوالهم ، الناظر
فيه ، فان وجد من أحد منهم تقصيرا نبهه عليه ، فان أصر زجره ، فإن كان من المحرم
جاز ردعه بالضرب إذا لم يجد فيه التعفيف من باب النهى عن المنكر
وحادي عشرها ـ انه
إذا انصرف من الزيارة إلى منزله استحب له العود إليها ما دام مقيما ، فإذا حان
الخروج ودع ودعا بالمأثور ، وسأل الله تعالى العود اليه
وثاني عشرها ـ أن
يكون الزائر بعد الزيارة خيرا منه قبلها فإنها تحط الأوزار إذا صادف القبول.
وثالث عشرها ـ تعجيل
الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة ، لتعظم الحرمة ، ويشتد الشوق ، وروى أن الخارج
يمشى القهقرى حتى يتوارى
ورابع عشرها ـ الصدقة
على المحاويج بتلك البقعة ، فإن الصدقة مضاعفة هنالك وخصوصا على الذرية الطاهرة
كما تقدم بالمدينة انتهى
الفصل السابع عشر
في ذكر سيدنا
رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب فهر بن مالك بن
النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
وروى أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال إذا بلغ نسبي الى عدنان فأمسكوا وكان مولده بمكة في
شعب أبى طالب يوم الجمعة بعد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الأول عام الفيل ، وهذا
هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وقيل : لاثنى عشر مضت من الشهر ، وقيل
اليوم العاشر منه ، وقيل الثاني
وقال شيخنا
الطبرسي في كتاب اعلام الورى : وفي رواية العامة أن مولده (صلىاللهعليهوآلهوسلم) يوم الاثنين ، ثم اختلفوا فمن قائل يقول : لعشر ليال
خلون منه ، الى آخر كلامه ، وبعث (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، في اليوم السابع والعشرين من رجب ، وله أربعون سنة ،
وقبض بالمدينة يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة ، وهو ابن ثلاث
وستين سنة ، ونقل في الدروس قولا بأنه قبض لاثنتي عشرة مضت من شهر ربيع الأول من
السنة المذكورة ، واختاره الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في الكافي ، وقيل : الثامن
منه عشر من الشهر ، وقيل : الثاني منه ، وسنه ثلاث وستون سنة ، وأمه آمنة بنت وهب
بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب ، وتزوج خديجة بنت
خويلد (رضى الله عنها) وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وتوفى عمه أبو طالب (عليهالسلام) وعمره ستة وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون
يوما ، وتوفيت خديجة رضى الله عنها بعده بثلاثة أيام فسمى ذلك العام عام الحزن ،
وأقام بعد المبعث بمكة ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر الى المدينة بعد ان استتر في الغار
ثلاثة أيام ، ودخل المدينة يوم الاثنين الحادي عشر من شهر ربيع الأول وبقي بها عشر
سنين ، وذكر جمع من أصحابنا منهم الشيخ في التهذيب
والعلامة في المنتهى انه قبض (صلىاللهعليهوآلهوسلم) مسموما
وأما صفة
زيارته (صلىاللهعليهوآله) فهو ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية ابن
عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين
تدخلها ، ثم تأتى قبر النبي (صلىاللهعليهوآله) فتسلم على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثم تقوم عند الأسطوانة المتقدمة من جانب القبر الأيمن
عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر
ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر ، فإنه موضع رأس رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أنك رسول الله ، وأشهد أنك محمد بن عبد الله ،
وأشهد انك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله
مخلصا حتى أتاك اليقين ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأديت الذي عليك من الحق ،
وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين ، فبلغ الله بك فضل شرف محل المكرمين ،
الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة ، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات
ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن
سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك
ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك ، اللهمّ أعطه الدرجة والوسيلة من
الجنة ، وابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون ، اللهم انك قلت : ولو أنهم
إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما
، وانى أتيت نبيك تائبا مستغفرا من ذنوبي وانى أتوجه بك الى الله ربى وربك ليغفر
ذنوبي» ، وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك
فإنها أحرى ان تقضى ان شاء الله». ورواه الصدوق مرسلا مقطوعا.
__________________
وروى في الكافي
عن أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : كيف نسلم على رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) عند قبره؟ فقال : قل السلام عليك يا رسول الله ،
السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا أمين الله
، أشهد أنك قد نصحت لأمتك وجاهدت في سبيل ربك وعبدته حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله
يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته ، اللهم صل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت
على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد».
وعن محمد بن
مسعود قال : رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) انتهى الى قبر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فوضع يده عليه ، وقال : أسأل الله الذي اجتباك واختارك
وهداك وهدى بك أن يصلى عليك ، ثم قال : (ان الله وملائكته
يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)».
وعن على بن
حسان عن بعض أصحابنا قال : حضرت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة
قد جاءوا الى قبر النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فقال : هارون لأبي الحسن تقدم فأبى ، فتقدم هارون فسلم
، وقام ناحية ، وقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن (عليهالسلام) : تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون ، فقال
جعفر لأبي الحسن (عليهالسلام) : تقدم فأبى ، فتقدم جعفر فسلم ، ووقف مع هارون ،
فتقدم أبو الحسن (عليهالسلام) فقال : السلام عليك يا أبتاه اسأل الله الذي اصطفاك
واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلى عليك ، فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال : قال : نعم
، قال هارون أشهد أنه أبوه حقا».
وعن على بن
جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى (عليهالسلام) عن أبيه عن جده (عليهمالسلام) قال : «كان أبى على بن الحسين (صلوات الله عليه) يقف
على قبر
__________________
النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فيسلم عليه ، ويشهد له بالبلاغ ويدعو بما حضره ثم يسند
ظهره إلى المروة الخضراء الدقيقة العرض مما يلي القبر ، ويلتزق بالقبر ، ويسند
ظهره الى القبر ويستقبل القبلة ويقول : اللهم إليك ألجأت ظهري والى قبر محمد عبدك
ورسولك أسندت ظهري ، والقبلة التي رضيت لمحمد (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، استقبلت اللهم إني أصبحت لا أملك لنفسي خير ما أرجو
، ولا ادفع عنها شر ما أحذر عليها وأصبحت الأمور بيدك فلا فقير أفقر مني ، إني لما
أنزلت الى من خير فقير ، اللهم ارددني منك بخير ، فإنه لا راد لفضلك ، اللهم إني
أعوذ بك من ان تبدل اسمي أو تغير جسمي أو تزيل نعمتك عنى ، اللهمّ كرمني بالتقوى ،
وحملني بالنعم ، واعمرني بالعافية ، وارزقني شكر العافية».
واما وداعه (صلىاللهعليهوآلهوسلم) بعد ارادة الخروج عن المدينة ،
فهو ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام): إذا أردت ان تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي
(صلىاللهعليهوآلهوسلم) بعد ما تفرغ من حوائجك فودعه واصنع مثل ما صنعت عند
دخولك ، وقل اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك (صلىاللهعليهوآلهوسلم) فإن توفيتني قبل ذلك فإني أشهد في مماتي على ما شهدت
عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك».
وعن يونس بن
يعقوب قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وداع قبر النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال : تقول : صلى الله عليك والسلام عليك ولا جعله
الله آخر تسليمي عليك». وفي الفقيه أورد ما تضمنه الخبران مرسلا مقطوعا من دون ذكر
الغسل.
الفصل الثامن عشر
في ذكر سيدتنا
وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) قال
__________________
شيخنا الطبرسي في كتاب اعلام الورى : الأظهر في روايات أصحابنا أنها ولدت
سنة خمس من المبعث بمكة في العشرين من جمادى الآخرة ، وأن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قبض ولها ثمانية عشر سنة وسبعة أشهر.
قال : وروى عن
جابر بن يزيد قال : سئل الباقر (عليهالسلام) كم عاشت فاطمة (عليهاالسلام) بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم)؟ قال : أربعة أشهر ، ولها ثلاث وعشرون سنة ، وهذا قريب
مما روته العامة أنها ولدت سنة احدى وأربعين من مولد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فيكون بعد البعث بسنة انتهى.
وقال الكفعمي
في المصباح بعد ذكر جمادى الأخرى وفي عشرينه سنة اثنتين من البعث كان مولد فاطمة (عليهاالسلام) وقيل سنة خمس من البعث ، وفي ثالثها كان وفاتها (صلوات
الله عليها)
وفي معرفة
قبرها (عليهاالسلام) على الخصوص اشكال ، قال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده)
في الفقيه اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين (عليهاالسلام) فمنهم من روى أنها دفنت في البقيع ، ومنهم من روى أنها
دفنت بين القبر والمنبر ، وأن النبي (صلىاللهعليهوآله) انما قال : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» ،
لأن قبرها بين القبر والمنبر ، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو
أمية في المسجد صارت في المسجد ، وهذا هو الصحيح عندي انتهى.
وقال الشيخ (قدسسره) في التهذيب بعد أن نقل عن الشيخ المفيد (رحمهالله) الأمر بزيارتها في الروضة ، لأنها مقبورة هناك : ما
صورته وقد اختلفت أصحابنا في موضع قبرها فقال : بعضهم أنها دفنت في البقيع ، وقال
بعضهم : أنها دفنت بالروضة ، وقال بعضهم : أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية
في المسجد صارت من جملة المسجد ، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين والأفضل عنها أن
يزور الإنسان في الموضعين جميعا ، فإنه لا يضره ذلك ، ويجوز به أجرا عظيما ، فأما
من قال أنها دفنت بالبقيع
__________________
فبعيد من
الصواب انتهى.
أقول : وروى
الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن أبى نصر قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن قبر فاطمة عليهاالسلام قال : دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد
صارت في المسجد».
ورواه الكليني
أيضا بسنده عن احمد بن محمد بن يحيى والصدوق بإسناده عن البزنطي
وروى الصدوق
طاب ثراه في كتاب معاني الاخبار عن محمد بن موسى بن المتوكل عن السعدآبادي عن
البرقي عن أبيه عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله): «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على
ترعة من ترع الجنة». لأن قبر فاطمة (عليهاالسلام) بين قبره ومنبره ، وقبرها روضة من رياض الجنة ، واليه
ترعة من ترع الجنة» قال الصدوق : وقد روى هذا الحديث هكذا والصحيح عندي في موضع
قبر فاطمة (عليهاالسلام) ما رواه البزنطي ، وذكر الحديث المتقدم ، وهو راجع الى
ما اختاره في الفقيه.
وقال الشيخ (قدسسره) في التهذيب أما القول عند زيارتها فقد روى أحمد بن
محمد بن داود ثم ساق سنده إلى إبراهيم بن محمد بن عيسى بن محمد العريضي قال : حدثنا أبو جعفر (عليهالسلام) ذات يوم قال : إذا صرت الى قبر جدتك فاطمة (عليهاالسلام) فقل يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك
لما امتحنك صابرة ، وزعمنا أنا لك أولياء ومصدقون وصابرون لكل ما أتانا به أبوك (صلىاللهعليهوآله) وأتانا به وصيه (عليهالسلام) فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما
بالبشرى لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك». ثم قال (قدسسره) وهذه الزيارة وجدتها مروية لفاطمة (عليهاالسلام).
وأما ما وجدت
أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها (عليهاالسلام) فهو أن تقف
__________________
على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما ، وتقول : «السلام عليك يا بنت رسول الله
السلام عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت
خليل الله ، السلام عليك يا بنت صفي الله ، السلام عليك يا بنت أمين الله. السلام
عليك يا بنت خير خلق الله ، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته ،
السلام عليك يا بنت خير البرية ، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين
والآخرين ، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة
، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة السلام عليك أيتها الرضية المرضية ، السلام
عليك أيتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية ، السلام عليك
أيتها التقية النقية ، السلام عليك أيتها الزهراء المحدثة العليمة ، السلام عليك
أيتها المظلومة المغصوبة ، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة ، السلام عليك يا
فاطمة بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ،
أشهد أنك مضيت على بينة من ربك ، وأن من سرك فقد سر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومن جفاك فقد جفا رسول الله ، ومن آذاك فقد أذى رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) ومن وصلك فقد وصل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومن قطعك فقد قطع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه ، كما قال (صلىاللهعليهوآله) أشهد الله ورسله وملائكته أنى راض عمن رضيت عنه ،
وساخط على من سخطت عليه ، ومتبرئ ممن تبرأت منه ، موال لمن واليت معاد لمن عاديت ،
مبغض لمن أبغضت محب لمن أحببت ، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا ، ثم تصلى
على النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) إنشاء الله تعالى انتهى.
وقال شيخنا
الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه وانى لما حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة
بتوفيق الله تعالى ذكره ، فلما فرغت من زيارة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، قصدت بيت فاطمة (عليهاالسلام) وهو من عند الأسطوانة التي تدخل
__________________
إليها من باب جبرائيل (عليهالسلام) الى مؤخر الحفيرة التي فيها النبي (صلىاللهعليهوآله) فقمت عند الحظيرة ويساري إليها ، وجعلت ظهري إلى
القبلة واستقبلتها بوجهي وانا على غسل وقلت : السلام عليك يا بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، السلام عليك يا بنت نبي الله ، السلام عليك يا بنت
حبيب الله ، السلام عليك يا بنت خليل الله ، ثم ساق الزيارة المتقدمة إلى آخرها ،
الى ان قال : ثم قلت : اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتم
النبيين وخير الخلائق أجمعين ، وصل على وصيه على بن أبى طالب أمير المؤمنين وامام
المسلمين وخير الوصيين ، وصل على فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين وصل على سيدي
شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، وصل على زين العابدين على بن الحسين ، وصل على
محمد بن على باقر العلم ، وصل على الصادق جعفر بن محمد ، وصل على الكاظم موسى بن
جعفر ، وصل على الرضا على بن موسى ، وصل على التقى محمد بن على ، وصل على النقي
على بن محمد ، وصل على الزكي الحسن بن على ، وصل على الحجة القائم بن الحسن بن على
، اللهم احى به العدل ، وأمت به الجور ، وزين بطول بقائه الأرض وأظهر به دينك وسنة
نبيك ، حتى لا يستخفى بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق ، واجعلنا من أعوانه
وأشياعه والمقتولين في زمرة أوليائه يا رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل بيته
الذين أذهب عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ، ثم قال (قدسسره : قال مصنف هذا الكتاب (رضى الله عنه) : لم أجد في
الاخبار شيئا موظفا محدودا لزيارة الصديقة (عليهاالسلام) فرضيت لمن نظر في كتابي هذا من زيارتها ما رضيت لنفسي
، والله الموفق للصواب انتهى.
الفصل التاسع عشر
في ذكر زيارة
ائمة البقيع روى الشيخ في التهذيب بسنده عن عمر بن يزيد رفعه قال : «كان محمد بن الحنفية يأتي قبر الحسن بن على
(عليهماالسلام) فيقول :
__________________
السلام عليك يا بقية المؤمنين وابن أول المسلمين ، وكيف لا تكون كذلك ،
وأنت سليل الهدى ، حليف التقى ، وخامس أصحاب الكساء غذتك يد الرحمة ، وربيت في حجر
الإسلام ، ورضعت من ثدي الايمان ، فطبت حيا وطبت ميتا ، غير ان الأنفس غير طيبة
لفراقك ، ولا شاكة في الجنان لك ، ثم يلتفت الى الحسين (صلوات الله عليه وآله)
ويقول السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى ابى محمد السلام».
قال في الوافي
: والجنان ان كان بكسر الجيم فالمعنى أنها كانت متألمة بفراقك ، ولكنها راضية لك
بأن تكون في الجنان ، وان كان بفتح الجيم فالمعنى أنها غير طيبة بالفراق ، ولا
شاكية من الله في القلب بترك الصبر وإظهار الجزع ، وإخفاء السخط في القلب انتهى.
وقال المشايخ
الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) : إذا أتيت قبور الأئمة بالبقيع فاجعله بين يديك «ثم
تقول : وأنت على غسل السلام عليكم يا أئمة الهدى السلام عليكم يا أهل التقوى ،
السلام عليكم يا حجج الله على أهل الدنيا ، السلام عليكم أيها القوامون في البرية
بالقسط ، السلام عليكم يا أهل الصفوة ، السلام عليكم يا أهل النجوى ، أشهد أنكم قد
بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله تعالى ، وكذبتم وأسيئ إليكم فغفرتم ، وأشهد انكم
الأئمة الراشدون المهديون ، وأن طاعتكم مفترضة ، وأن قولكم الصدق ، وأنكم دعوتم
فلم تجابوا وأمرتم فلم تطاعوا ، وأنكم دعائم الدين ، وأركان الأرض ، ولم تزالوا
بعين الله ينسلخكم في أصلاب المطهرين ، وينقلكم من أرحام المطهرات لم تدنسكم
الجاهلية الجهلاء ولم تشترك فيكم فتن الأهواء ، طبتم وطاب منبتكم أنتم الذين من
علينا بكم ديان الدين ، فجعلكم في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ، وجعل
صلواتنا عليكم رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ، إذا اختاركم لنا ، وطيب خلقنا بما من به
علينا من ولايتكم وكنا عنده مسلمين بفضلكم ، ومعروفين بتصديقنا إياكم.
__________________
وفي الفقيه
وكنا عندكم بفضلكم معترفين ، وبتصديقنا إياكم مقرين وهذا مقام من أسرف وأخطأ
واستكان وأقر بما جنى ، ورجا بمقامه الخلاص ، وأن يستنقذ بكم مستنقذ الهلكى من
النار ، فكونوا الى شفعاء ، فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا واتخذوا آيات
الله هزوا ، واستكبروا عنها ، يا من هو قائم لا يسهو ، ودائم لا يلهو ، ومحيط بكل
شيء ، لك المن بما وفقتني ، وعرفتني بما ائتمنتنى عليه ، إذ صد عنه عبادك ،
وجهلوا معرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا الى سواهم فكانت المنة منك على مع أقوام
خصصتهم بما خصصتني به ، فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مكتوبا فلا تحرمني ما رجوت
، ولا تخيبني فيما دعوت» وادع لنفسك بما أحببت ، ثم صل ثماني ركعات في المسجد الذي
هناك ، وتقرأ فيهما بما أحببت ، وتسلم في كل ركعتين ، ويقال أنه مكان صلت فيه
فاطمة» وقال في التهذيب «فإذا أردت الانصراف فقف على قبورهم وقل : السلام عليكم أئمة الهدى ، ورحمة
الله وبركاته ، أستودعكم الله واقرأ عليكم السلام آمنا بالله وبالرسول وبما جئتم
به ودللتم عليه ، اللهمّ فاكتبنا مع الشاهدين ، ثم ادع الله كثيرا واسأله أن لا
يجعله آخر العهد من زيارتهم» أقول : الظاهر أن الثمان ركعات المذكورة لأن الأئمة (عليهمالسلام) هناك أربعة فتجعل لكل واحد ركعتين
الفصل العشرون
في ذكر الأئمة
الاثني عشر (ص) إجمالا وذكر زياراتهم قد وكلناه الى كتب أصحابنا (رضوان الله عليهم)
المصنفة في هذا الباب
الأول ـ مولانا
أمير المؤمنين ووصى رسول رب العالمين ، وسيد الخلق بعده أجمعين ، على بن ابى طالب
بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ولد بمكة في البيت الحرام ، ولم يولد فيه أحد
قبله ولا بعده ، وهي فضيلة خص بها (عليه الصلاة
__________________
والسلام) وكان ذلك يوم الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب ، وروى سابع شعبان
بعد عام الفيل الذي تقدم أنه ولد فيه (رسول الله (صلىاللهعليهوآله)) بثلاثين سنة ، وقبض (عليهالسلام) بالكوفة قتيلا ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر
رمضان سنة أربعين من الهجرة ، وله يومئذ ثلاث وستون سنة ، وأمه فاطمة بنت أسد بن
هاشم بن عبد مناف ، وهو وإخوانه أول هاشمي ولد بين هاشميين ، وقبره بالغري من نجف
بالكوفة ، والاخبار في فضل زيارته (عليهالسلام) أكثر من أن يأتي عليها قلم الإحصاء في هذا المقام ،
الثاني
الإمام الزكي
الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة ولد بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان ،
سنة ثلاثين من الهجرة ، ونقل عن شيخنا المفيد رحمهالله ثلاث ، وقبض بها مسموما يوم الخميس سابع عشرين من شهر
صفر سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين من الهجرة ، وله سبع أو ثمان وأربعون سنة ، وفي
حديث «أنه قال (عليهالسلام) : يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما لمن زارنا؟ فقال : يا بنى من زارني حيا أو ميتا أو
زار أخاك حيا أو ميتا كان حقا على أن استنقذه من النار ،». وفي الخبر «أنه قيل للصادق (عليهالسلام) ما لمن زار واحدا منكم؟ قال : كمن زار رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم».
وعن الرضا (عليهالسلام) «ان لكل امام عهدا في عنق أولياءه وشيعته ، وأن من تمام الوفاء بالعهد وحسن
الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لمن رغبوا فيه كان أئمتهم
شفعاؤهم يوم القيامة».
الثالث
الامام الحسين
سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ولد (عليهالسلام) بالمدينة
__________________
ثالث شهر شعبان ، وقيل : آخر شهر ربيع الأول ، سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل :
يوم الخميس ثالث عشر رمضان ، وقال الشيخ المفيد رحمهالله : لخمس خلون من شعبان ، سنة أربع ، وأمه وأم أخيه الحسن
فاطمة سيدة نساء العالمين ، وقتل عليهالسلام بطف كربلاء يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين ، وقيل :
يوم الجمعة ، عاشر شهر المحرم سنة احدى وستين من الهجرة ،
والاخبار في
فضل زيارته (عليهالسلام) مستفيضة والظاهر في كثير منها الوجوب ، واليه يميل كلام بعض
أصحابنا ، (رضوان الله عليهم) وليس بذلك البعيد فمنها ما يدل على أنها فرض على كل
مؤمن ، وأن من تركها ترك حقا لله ورسوله وأن تركها عقوق لرسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونقص في الايمان والدين ، وأنه حق على الغنى زيارته
في السنة مرتين ، والفقير في السنة مرة ، وأنه من أتى عليه حول ولم يأت قبره نقص
من عمره حولا ، وأنها تطيل العمر ، وأن أيام زيارته لا تعد من الأجل ، وتفرج الهم
، وتمحص الذنوب ، وله بكل خطوة حجة مبرورة ، وله بزيارته أجر عتق ألف نسمة ، وحمل
على ألف فرس في سبيل الله ، وله بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم ، وأن من أتى قبره
عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأن زيارته يوم عرفة بعشرين
حجة ، وعشرين عمرة مبرورة ، وعشرين غزوة مع النبي (صلىاللهعليهوآله) والامام ، بل روى أن مطلق زيارته خير من عشرين حجة ،
وأن زيارته يوم عرفة مع المعرفة بحقه بألف ألف حجة ، وألف ألف عمرة متقبلات ، وألف
ألف غزوة مع نبي أو امام ، وزيارة أول رجب مغفرة للذنب البتة ، ونصف شعبان يصافحه
مأة ألف نبي ، وليلة القدر مغفرة الذنب ، وأن الجمع في سنة واحدة بين زيارته ليلة
عرفة والفطر وليلة النصف من شعبان بثواب ألف حجة مبرورة ، وألف عمرة متقبلة ،
وقضاء ألف حاجة للدنيا والآخرة ، وزيارته يوم عاشوراء مع معرفة حقه كمن زار الله
فوق عرشه ، وهو كناية من علو المرتبة ، وكثرة الثواب بمنزلة من رفعه الله الى سماءه
، وأدناه من عرشه الذي هو موضع عظمته ، وزيارته في العشرين من
__________________
صفر من علامات المؤمن ، وزيارته في كل شهر ثوابها ثواب مأة ألف شهيد من
شهداء بدر ، ومن بعد عنه وصعد على سطحه ثم رفع رأسه الى السماء ثم توجه الى قبره
وقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، كتب الله له زورة ،
والزورة حجة وعمرة وإذا زاره (عليهالسلام) فليزر ابنه على بن الحسين (عليهالسلام) من طرف رجله ، وقد اختلف أصحابنا في أنه الأكبر أو
الأصغر ، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد أن المقتول مع أبيه هو الأصغر ،
قال ابن إدريس في السرائر : وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد الى أن المقتول
بالطف هو على الأصغر ، وهو ابن الثقفية ، وأن على الأكبر هو الامام زين العابدين ،
أمه أم ولد ، وهي شاة زنان بنت كسرى يزدجرد قال محمد بن إدريس : والاولى الرجوع
الى أهل هذه الصناعة ، وهم النسابون وأصحاب السير ، والاخبار والتواريخ ، مثل
الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش وأبى الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين ،
والبلاذرى والمزني صاحب كتاب اللباب في أخبار الخلفاء ، والعمرى النسابة حقق ذلك
في كتاب المجدي ، فإنه قال : وزعم من لا بصيرة له أن عليا الأصغر هو المقتول
باللطف ، وهذا خطاء ووهم
والى هذا ذهب
صاحب كتاب الزواجر والمواعظ ، وابن قتيبة في المعارف وابن جرير الطبري المحقق لهذا
الشأن وابن أبي الأزهري في تاريخه ، وأبو حنيفة الدينوري في الاخبار الطوال ،
وصاحب كتاب المفاخر مصنف من أصحابنا الإمامية ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست
المصنفين ، وأبو على بن همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليهم ، وهو
من جملة من أصحابنا المصنفين المحققين ، وهؤلاء جميعا أطبقوا على هذا القول ، وهم
أبصر بهذا النوع انتهى. كلامه في السرائر أقول : والى هذا القول مال شيخنا الشهيد
في الدروس
الرابع
الإمام أبو
محمد على بن الحسين (ع) زين العابدين ، ولد بالمدينة يوم الأحد خامس شهر شعبان ،
سنة ثمان وثلاثين ، وقبض بها يوم السبت ، ثاني عشر المحرم ، سنة خمس وتسعين ، عن
سبع وخمسين سنة ، وأمه شاه زنان بنت شيرويه
بن كسرى بن يزدجرد ، وقيل : ابنة يزدجرد.
الخامس
الإمام أبو
جعفر محمد بن على الباقر (ع) ولد بالمدينة يوم الاثنين ثالث عشر شهر صفر ، سنة سبع
وخمسين ، وقبض بها يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة أربعة عشر ومأة ، وروى ست عشرة ،
وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن على (عليهماالسلام).
السادس
الإمام أبو عبد
الله جعفر بن محمد الصادق (ع) ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول ،
سنة ثلاث وثمانين ، وقبض بها في شوال ، وقيل : منتصف شهر رجب ، سنة ثمان وأربعين
ومأة ، عن خمس وستين سنة ، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر ، وقال
الجعفي : اسمها فاطمة ، وكنيتها أم فروة ، وقبره وقبر أبيه وجده وعمه الحسن (عليهمالسلام) بالبقيع في مكان واحد ، وفي بعض الروايات أن جدتهم
فاطمة بنت أسد معهم في تربتهم ، وعن أبى الحسن بن على العسكري (عليهالسلام) من زار جعفرا وأباه لم يشتك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم
يمت مبتلى ، وعن الصادق (عليهالسلام) من زارني غفرت له ذنوبه ، ولم يمت فقيرا.
السابع
الإمام أبو
إبراهيم ويكنى أيضا بأبي الحسن الأول ، ويكنى أيضا أبا على موسى بن جعفر بن محمد
بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب (عليهمالسلام) ولد بالأبواء بين مكة والمدينة ، سنة ثمان وعشرين ومأة
، يوم الأحد رابع صفر ، وقبض قتيلا بالسم ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك ، لست
بقين من رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومأة من الهجرة ، وقيل : يوم الجمعة لخمس خلون من
رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومأة ، وسنة يومئذ خمس وخمسون سنة ، وأمه أم ولد ، يقال
لها : حميدة
__________________
البربرية ، فقبره بالكرخ من بغداد ، وعن الرضا (عليهالسلام) قال : من زار قبر أبى ببغداد كان كمن زار قبر رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) وقبر أمير المؤمنين (عليهالسلام). «وسأله الحسن بن على الوشاء عن زيارة أبيه أبي الحسن (عليهالسلام) أهي مثل زيارة الحسين (عليهالسلام)؟ قال : «نعم». وعنه (عليهالسلام) قال : «ان الله نجى بغداد لمكان قبره بها ، وان لمن
زاره الجنة».
الثامن
الإمام أبو
الحسن على بن موسى الرضا (ع) أمه أم ولد ، ويقال لها : أم البنين ، ولد بالمدينة
سنة ثمان وأربعين ومأة ، وقيل : يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة ، وقبض بطوس في آخر
صفر سنة ثلاث ومأتين ، وهو ابن خمس وخمسين سنة ، وقيل : سابع شهر رمضان ، وقيل :
ثالث عشر ذي القعدة ، وبعض الاخبار يدل على أنه قبض مسموما سمه المأمون العباسي ،
واليه ذهب الصدوق (رحمهالله) وأكثر أصحابنا لم يذكروه ، وعن الكاظم (عليهالسلام) قال : «من زار قبر ولدي على كان عند الله كسبعين حجة
مبرورة ، فقال له يحيى المازني : سبعين حجة؟ قال : نعم ، وسبعين ألف حجة». وقيل
لأبي جعفر محمد بن على الجواد زيارة الرضا أفضل أم زيارة الحسين (عليهالسلام)؟ قال : زيارة أبي أفضل لأنه لا يزوره الا الخواص من
الشيعة ، وعنه (عليهالسلام) أنها أفضل من الحج ، وأفضلها في رجب ، وروى البزنطي قال : «قرأت كتاب أبى الحسن الرضا (عليهالسلام) بخطه : أبلغ شيعتي أن زيارتي تعدل عند الله ألف حجة
وألف عمرة متقلبة كلها ، قال : قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) ألف حجة؟ قال : اى والله وألف ألف حجة لمن يزوره عارفا
بحقه». وقال الرضا (عليهالسلام) من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في
ثلاثة مواطن ، حتى أخلصه من أهوالها إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا ، وعند الصراط
والميزان.
__________________
التاسع
الامام الجواد
أبو جعفر محمد بن على (ع) ولد بالمدينة في شهر رمضان في سابق عشر أو خمس عشر منه ،
أو تاسع عشر على خلاف فيه ، وقيل : كان مولده في عاشر شهر رجب ، سنة خمسين وتسعين
ومأة ، وقبض ببغداد في آخر ذي القعدة ، وقيل : يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة ،
سنة عشرين ومأتين ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ودفن في ظهر جده الكاظم (عليهالسلام) وأمه الخيزران أم ولد ، وكانت من أهل بيت مارية
القبطية أم إبراهيم (عليهالسلام) ، ابن النبي (عليهالسلام) وقيل : اسمها سبيكة نوبية ويقال : درة لكن سماها الرضا
(عليهالسلام) خيزران ، وقد تقدم ما يدل على فضل زيارته عموما.
العاشر
الامام الهادي
أبو الحسن على بن محمد (ع) ، ولد بالمدينة منتصف ذي الحجة ، سنة اثنى عشر ومأتين ،
وقيل : في السابع من الشهر ، وروى مولده في خامس رجب ، سنة أربع ومأتين ، وقبض بسر
من رأى يوم الاثنين ثالث رجب ، سنة أربع وخمسين ومأتين ، ودفن في داره بها ، وسنه
يومئذ احدى وأربعون سنة وسبعة أشهر ، وأمه أم ولد ، يقال لها : سمانة ،
الحادي عشر
الإمام أبو
محمد الحسن بن على العسكري (ع) ، ولد بالمدينة في شهر ربيع الأول وقيل : يوم
الاثنين رابعته ، سنة اثنتين وثلاثين ومأتين ، وقبض بسر من رأى يوم الأحد ، وقال
شيخنا المفيد : يوم الجمعة ، ثامن شهر ربيع الأول ، سنة ستين ومأتين ، ودفن الى
جانب أبيه (عليهالسلام) وأمه أم ولد ، يقال لها : حديثة.
أقول : وقد
تقدمت الأخبار الدالة على فضل زيارته وزيارة أبيه (عليهماالسلام) عموما ، قال شيخنا الشهيد في الدروس : وقال المفيد رحمهالله : يزاران من ظاهر
الشباك ، ومنع من دخول الدار ، قال الشيخ أبو جعفر : وهو الأحوط ، لأنها
ملك الغير ، فلا يجوز التصرف فيها بغير اذن المالك ، وقال : لو أن أحدا دخلها لم
يكن مأثوما ، وخاصة إذا تأول في ذلك ما روى عنهم (عليهمالسلام) أنهم جعلوا شيعتهم في حل من أموالهم انتهى.
واقتصار شيخنا
المذكور على نقل كلام الشيخين من غير أن يرجع شيئا في البين ربما أشعر بتوقفه ،
والظاهر عندي
هو ما ذكره الشيخ أخيرا من البناء على الاخبار المشار إليها ، ويؤيده أنه من
المعلوم والمجزوم به انهم (صلوات الله عليهم) في أيام حياتهم لا يحجبون أحدا من
شيعتهم ومواليهم عن الدخول الى بيوتهم وزيارتهم إلا إذا كان ثمة تقية ، والا فهم
يسرون بقدومهم ويفرحون برؤيتهم ويثنون عليهم بذلك ، غاية الثناء وأحوالهم في
الممات كذلك ، بل آكد ويزيد ذلك تأييدا ما رواه الشيخ في كتاب الأمالي عن الفحام قال : حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد بن بطة ، وكان لا
يدخل المشهد ويزور من وراء الشباك ، فقال : ذهبت يوم عاشوراء نصف النهار ظهيرا
والشمس تعلى ، والطريق خال من أحد ، وأنا فزع من الدعاء بين أهل البلد الجفاة ،
الى ان بلغت الحائط الذي أسعى منه الى الشباك ، فمددت عيني فإذا برجل جالس على
الباب ، ظهره إلى كأنه ينظر في دفتر ، فقال لي : إلى أين يا أبا الطيب بصوت يشبه
صوت حسين بن على بن ابى جعفر بن الرضا (عليهالسلام) فقلت : هذا حسين قد جاء يزور أخاه ، قلت : يا سيدي
أمضى أزور من الشباك وأجيئك فأقضي حقك ، قال ولم لا تدخل يا أبا الطيب ، فقلت له :
الدار لها مالك ، لا أدخلها من غير اذنه ، فقال يا أبا الطيب تكون مولانا رقا
وتوالينا حقا ونمنعك تدخل الدار؟ ادخل يا أبا الطيب ، فقلت : أمضى أسلم عليه ، ولا
اقبل منه فجئت الى الباب ، وليس عليه أحد فيشعرنى فتبادرت الى عند البصري خادم
الموضع ،
__________________
ففتح الباب فدخلت : فكنا نقول : ا ليس كنت لا تدخل الدار؟ فقال : أما انا
أذنوا لي بقيتم أنتم.
أقول لا يخفى
ان قوله (عليهالسلام) ، تكون مولانا رقا وتوالينا حقا ونمنعك تدخل الدار ،
اذن لكل من كان كذلك ، وهم جميع شيعتهم ومواليهم القائلين بإمامتهم ، فإنهم مقرون
أو مذعنون بالعبودية والرقية لهم منها ، والكون على قبول ذلك منهم لا اختصاص له
بذلك الرجل كما توهم رحمهالله
الثاني عشر
الإمام المهدي
بن الحسن (ع) (عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه) وجعلنا من أنصاره وأعوانه ولد بسر
من رأى قيل : ليلة الجمعة من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومأتين من الهجرة ، وقتل
ضحى خامس عشر من شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين وقيل : لثمان خلون من شعبان
للسنة المذكورة ، وهو الذي اختاره الشيخ في كتاب الغيبة وأمه ريحانة ، ويقال : لها
صيقل ، ويقال : سوسن ، وقيل : مريم ، بنت زيد العلوية ، كما اختاره شيخنا المجلسي
عطر الله مرقده ، أن اسمها مليكة ، ولقبها نرجس ، بنت يشبوعا بن قيصر ملك الروم ،
وأمها بنت شمعون ، الصفا وصى عيسى (عليهالسلام) ونقل حديثا طويلا عن الشيخ الصدوق يتضمن إرسال الهادي (عليهالسلام) لبعض أصحابه فاشتراها له ، وأعطاها ابنه الحسن (عليهالسلام) فأولدها الإمام القائم (عليهالسلام) ثم ذكر أن القول بكونها مريم بنت زيد العلوية في نهاية
الضعف
أقول : ويؤيده
تأييدا ما رواه الصدوق في كتاب عيون الاخبار في الخبر الذي فيه اللوح ، قال فيه : ان أمه جارية
اسمها نرجس ، وكان سنه عند وفاة أبيه (عليهالسلام) خمس سنين أتاه الله العلم والحكم صبيا كما أتى يحيى
وعيسى (عليهماالسلام)
وكان له غيبتان
صغرى وهي التي كان فيها السفراء (رضى الله عنهم) ويقرب من خمس وسبعين سنة ، وكان
أولهم عثمان بن سعيد ، اوصى الى ابى جعفر محمد
__________________
بن عثمان وأوصى أبو جعفر الى أبى القاسم الحسين بن روح وأوصى أبو القاسم
الى أبى الحسن على بن محمد السمري رحمهالله ، فلما حضرت السمري الوفاة اجتمعت عنده الشيعة ، وسألوه
أن يوصى الى أحد فقال : لله أمر هو بالغه فوقعت الغيبة الكبرى.
ولنختم الكتاب
بسامي أسماء هؤلاء الاعلام الذين هم نواب الملك العلام ، وأساس الإسلام ، وأبواب
دار السلام ومن بهم الملاذ والاعتصام ، في هذه الدار وفي يوم القيامة ، ليكون
ختامه بالمسك الأذفر (صلوات الله عليهم وسلامه) ما عبد الله عابد ، وكبر وأناب
اليه منيب وأستغفر وأسال الله تعالى بحقهم ، وأتوسل إليه بفضلهم ان يكون هذا
الكتاب عنده وعندهم في درجة القبول ووسيلة لنيل كل مسئول ومأمول ، وكان الفوز
بإتمامه والتوفيق لسعاده ختامه في مشهد الحسين (عليهالسلام) من أرض كربلاء المعلى على مشرفها وآبائه وأبنائه أشرف
صلوات الله ذي العلاء باليوم الثالث والعشرين من شهر جمادى الأخرى من السنة
الثامنة والسبعين بعد المأة والالف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل صلاة
وتحية ، وكتب مؤلفه بيمينه الداثرة ، أعطاه الله تعالى كتابه بها في الآخرة الفقير
الى ربه الكريم يوسف بن احمد بن إبراهيم حامدا مصليا مسلما مستغفرا آمين آمين
بحرمة السادة الميامين
الى هنا تم
الجزء السابع عشر على حسب تجزئتنا وبه يكتمل أحكام الحجج ويتلوه الجزء الثامن عشر
بأحكام المكاسب إنشاء الله تعالى ونسأل الله التوفيق على طبع بقية الاجزاء والله
ولى التوفيق ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
فهرس الجزء السابع
عشر
من كتاب الحدائق الناظره
في نزول منى وما بها
من المناسك.................................................... ٣
تحديد وقت الإفاضة من
المشعر.................................................... ٤
استحباب السعي والدعاء
في وادى محسره............................................ ٥
وجوب الرمي بسبع حصيات..................................................... ١١
لزوم إصابة الحصيات
الجمرة...................................................... ١٣
استحباب كون الرامي
على طهر.................................................. ١٥
استحباب استقبال
الجمرة حين رميها.............................................. ١٧
استحباب البعد عن
الجمرة حين الرمي............................................. ١٩
استحباب الرمي ماشيا........................................................... ٢٠
الروايات الواردة في
الرمي راكبا وماشيا........................................ ٢٢
ـ ٢١
وجوب الهدى على
المتمتع........................................................ ٢١
عدم لزوم الهدى على
المفرد والقارن................................................ ٢٧
هل يجب الهدى على
المكي لو تمتع............................................... ٢٩
تخير المولى بين الهدى
عن مملوكه أو أمره بالصوم..................................... ٣١
اعتبار النية في الذبح............................................................ ٣٤
الأقوال في اجزاء
الهدى عن الأكثر من واحد وعدمه................................. ٣٥
كفاية هدى التطوع عن
أكثر من واحد............................................ ٤٠
بيان موضع ذبح
الكفارات والهدى........................................... ٤٣
ـ ٤١
حكم ما لو ضل هديه
وذبحه غيره................................................ ٤٧
هل يجب الاكل من الهدى
الضال على واجده...................................... ٥٠
كيفية تقسيم الهدى
وانه واجب أو مستحب....................................... ٥١
بيان الأدلة في وجوب
تقسيم الهدى والروايات الواردة في تقسيمه................. ٥٤
ـ ٥٥
هل الاكل من الهدى
واجب أو مستحب.......................................... ٥٩
اعتبار الايمان في
الفقير الذي يجب الدفع إليه...................................... ٦١
التحقيق عن الروايات
الواردة في جواز الأكل من الكفارات........................... ٦٤
عدم جواز اخراج لحم
الهدى الواجب من منى....................................... ٦٧
استحباب التصدق بجلد
الهدى ونحوه.............................................. ٧٢
بيان اليوم الذي يجب
فيه الذبح أو النحر.......................................... ٧٦
الروايات الواردة في
تأخير الذبح عن يوم النحر...................................... ٧٩
هل يجوز الذبح في
الليالي المتخللة لأيام النحر....................................... ٨٢
عدم وجوب بيع التجمل
لشراء الهدى............................................. ٨٤
السن المعتبر في الهدى........................................................... ٨٨
عدم كفاية الأعور
والأعرج في الهدى.............................................. ٩١
عدم اجزاء مكسور القرن
الداخل في الهدى......................................... ٩٧
عدم اجزاء الخصي
والمهزولة في الهدى..................................... ١٠٠
ـ ١٠٢
بيان الفرد الأفضل من
النعم الثلاثة في الهدى..................................... ١٠٧
اعتبار كون الهدى
سمينا........................................................ ١٠٩
الكيفية المستحبة في
نحر الإبل.................................................. ١١٣
لزوم ايداع الثمن
أمانة لو لم يجد الهدى.......................................... ١١٧
الأيام التي صومها في
الحج عند فقدان الهدى...................................... ١٢٤
حكم من فاته الصوم قبل
يوم التروية............................................ ١٢٨
تأخير الصوم لمن لم
يتمكن منه يومى التروية وعرفة................................ ١٣١
الموارد التي لا يلزم
فيها التتابع في صوم الثلاثة...................................... ١٣٥
جواز تقديم صوم
الثلاثة على التروية............................................. ١٣٧
عدم وجوب الهدى لو
وجده بعد صوم الثلاثة..................................... ١٤١
حكم من لم يتمكن من
صوم الثلاثة في وقتها الموظف.............................. ١٤٥
لزوم انتظار مدة وصوله
إلى أهله لصيام السبعة في مكة............................. ١٤٩
هل يجزى مضى الشهر في
الإقامة بغير مكة...................................... ١٥١
عدم لزوم الفصل بين
الثلاثة والسبعة لو صامها في بلده............................ ١٥٣
وجوب صوم بدل الهدى
على الولي لو مات الحاج.................................. ١٥٧
بيان أقسام الهدى............................................................. ١٦١
عدم خروج هدى القرآن
عن ملك سائقه......................................... ١٦٤
ذبح هدى السياق واعلام
كونه صدقة لو عطب.................................. ١٧١
لو عطب الهدى وجب بيعه
والتصدق بثمنه وإقامة بدله............................ ١٧٣
ما يجوز الأكل منه
ومالا يجوز من أقسام الهدى.................................... ١٧٧
عدم براءة الذمة لو
تلف الهدى المضمون قبل ذبحه................................. ١٧٩
وجوب ذبح هدى السياق
بعد بلوغه المحل........................................ ١٨٣
حكم الاكل من هدى
السياق.................................................. ١٨٥
جواز ركوب الهدى وشرب
لبنه.................................................. ١٩٣
ثبوت الضمان لو أضر
بالهدى بركوبه أو بشرب لبنه............................... ١٩٧
معنى الأضحية
واستحبابها............................................... ١٩٩
ـ ٢٠٠
استحباب التضحية عن
الغير................................................... ٢٠٦
الصفات المعتبرة في
الأضحية.................................................... ٢٠٨
اجزاء الهدى الواجب عن
الأضحية.............................................. ٢١١
تعين الشاة للأضحية لو
اشتراها بنيتها........................................... ٢١٤
جواز أكل لحوم الأضاحي
بعد ثلاثة أيام......................................... ٢١٧
بيان من يجب عليه
الحلق والتقصير....................................... ٢٢٣
ـ ٢٢٤
وجوب الحلق علي
الصرورة..................................................... ٢٢٥
تعين التقصير على
النساء...................................................... ٢٢٦
هل امرار الموسى لمن
لاشعر على رأسه واجب أو مستحب.......................... ٢٢٨
وجوب امرار الموسى على
من لا شعر له.......................................... ٢٣٠
وجوب كون الحلق أو
التقصير بمنى............................................... ٢٣٢
حكم ما لو تعذر من
الرجوع إلى منى للحلق أو التقصير............................ ٢٣٣
وجوب رد الشعر إلى منى
لو حلق بغيرها.......................................... ٢٣٤
استحباب دفن الشعر
بمنى...................................................... ٢٣٦
جواز الحلق بمجرد شراء
الهدى وربطه في منزله...................................... ٢٣٧
ما يستحب في كيفية
الحلق والدعاء فيه.......................................... ٢٣٨
بيان المراد من القرن............................................................ ٢٣٩
استحباب قلم الأظفار
واخذ الشارب بعد الحلق................................... ٢٤٠
هل الترتيب بين
المناسك يوم النحر واجب أو مستحب............................ ٢٤١
أدلة القول بوجوب
واستحباب الترتيب في مناسك يوم النحر................. ٢٤٢
ـ ٢٤٤
حكم الاخلال بالترتيب
في مناسك يوم النحر.................................... ٢٤٦
وجوب تقديم الحلق أو
التقصير على زيارة البيت................................... ٢٤٧
بيان مواطن التحلل............................................................ ٢٥٠
هل حل الطيب للقارن
والمفرد مشروط أم لا...................................... ٢٥٨
بيان ما يتحلل به من
الصيد.................................................... ٢٥٩
هل التحلل الثاني
يتوقف على السعي أم يحصل بالطواف........................... ٢٦١
هل يحصل التحلل
بالطواف والسعي المتقدمين.................................... ٢٦٢
الصبى في حكم الرجل في
التحلل بطواف النساء.................................. ٢٦٤
عدم حلية الرجال
للنساء إلا بعد طواف النساء................................... ٢٦٥
كراهة لبس المخيط
وتغطيته الرأس بعد الحلق حتى يطوف ويسعى.................... ٢٦٩
كراهة الطيب للمتمتع
إلا بعد طواف النساء..................................... ٢٧١
استحباب زيارة البيت
يوم النحر................................................ ٢٧٢
جواز تأخير زيارة
البيت إلى يوم النحر............................................ ٢٧٤
بيان ما يستحب فعله
لزيارة البيت............................................... ٢٧٩
وجوب طواف النساء.......................................................... ٢٨١
بيان مورد طواف النساء........................................................ ٢٨٤
جواز تقديم طواف
النساء للضرورة............................................... ٢٨٥
وجوب تدارك طواف
النساء ولو تركه نسيانا...................................... ٢٨٦
جواز الاستنابة لتدارك
طواف النساء لو تركه نسيانا................................ ٢٨٨
حكم ما لو حاضت المرأة
ولم تتمكن من طواف النساء............................. ٢٨٩
حكم ما لو نسى طواف
النساء بعد تجاوز النصف................................ ٢٩٠
عدم لزوم الكفارة
بنسيان طواف النساء.......................................... ٢٩١
لزوم البيتوتة بمنى
ليالي التشريق.................................................. ٢٩٢
لزوم الدم على من بات
بغير منى ليالي التشريق.................................... ٢٩٨
حكم من بات ليالي
التشريق بمكة مشتغلا بالعبادة................................. ٢٩٩
لزوم الدم لكل ليلة من
ليالي التشريق بات بغير منى................................ ٣٠١
جواز كون زيارة البيت
في أيام التشريق........................................... ٣٠٢
بيان من رخص له في ترك
المبيت بمنى............................................ ٣٠٣
وجوب الرمي في أيام
التشريق................................................... ٣٠٤
أحكام رمى الجمار............................................................ ٣٠٥
وجوب الترتيب بين الجمار
الثلاث............................................... ٣١٠
أحكام النفر من المنى.......................................................... ٣١٩
في ان النفر الأول لا
يكون إلا بعد الزوال........................................ ٣٢٦
في أنه متى يحل الصيد......................................................... ٣٢٨
في انه يستحب الصلاة
في مسجد الخيف........................................ ٣٣١
استحباب التحصيب.......................................................... ٣٣٣
استحباب وداع البيت......................................................... ٣٣٥
استحباب الصلاة في
الكعبة.................................................... ٣٣٧
استحباب طواف النساء....................................................... ٣٤١
استحباب شرب ماء زمزم....................................................... ٣٤١
في النوادر والزيارات............................................................ ٣٤٣
حكم من جنى في الحرم........................................................ ٣٤٥
في أنه لم لدور مكة
أبواب...................................................... ٣٤٩
أحكام لقطة الحرم............................................................. ٣٥١
حكم الهدى للحرم............................................................ ٣٦٣
حكم ما اهدى للحرم......................................................... ٣٦٩
في الأنصار كانوا من
قوم تبع................................................... ٣٧١
حكم الصلاة في المنى.......................................................... ٣٧٥
حج آدم عليه السلام.......................................................... ٣٧٧
في حج إبراهيم عليه السلام.................................................... ٣٧٩
في ان الله أمر
إبراهيم بناء الكعبة................................................ ٣٨٣
في حد مسجد الحرام.......................................................... ٣٨٥
استحباب توقير الحاج.......................................................... ٣٨٧
في ان رسول الله صلى
الله عليه وآله حج عشرين حجة............................. ٣٨٩
حديث ابن أبى العوجاء
مع الصادق عليه السلام في الحج........................... ٣٩١
خطبة أمير المؤمنين
عليه السلام في الحج.......................................... ٣٩٣
بيان أن مكة لم سميت
بمكة.................................................... ٣٩٥
في نوادر الحج................................................................ ٣٩٧
استحباب زيارة النبي
صلى الله عليه وآله.......................................... ٤٠١
في ان تمام الحج لقاء
الامام..................................................... ٤٠٣
ثواب زيارة النبي
والأئمة عليهم السلام........................................... ٤٠٥
استحباب الصلاة في
مسجد الغدير............................................. ٤٠٧
حكم صيد حرم المدنية......................................................... ٤١٠
في ان حرم المدينة ما
بين لابتيها................................................. ٤١١
أحكام حرم المدينة............................................................ ٤١٣
استحباب الصلاة في
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله............................ ٤١٥
فضل الصلاة في مسجد
النبي صلى الله عليه وآله.................................. ٤١٨
استحباب الصلاة في
مساجد حول المدينة........................................ ٤١٩
في آداب زيارة النبي
والأئمة عليهم السلام........................................ ٤٢٢
في زيارة النبي صلى
الله عليه وآله................................................ ٤٢٥
في ذكر سيدتنا فاطمة
عليها السلام............................................. ٤٢٧
في زيارة الزهراء
عليها السلام.................................................... ٤٢٩
في زيارة أئمة البقيع
عليهم السلام............................................... ٤٣١
|