
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المقصد الخامس
في الإحصار والصد
قال في القاموس
: الحصر ـ كالضرب والنصر ـ : التضييق والحبس عن السفر وغيره. وقال : صد فلانا عن
كذا : منعه. ونحوه نقل عن الجوهري. وقال في كتاب المصباح المنير : حصره العدو حصرا
ـ من باب قتل ـ : أحاطوا به ومنعوه من المضي لأمره. وقال ابن السكيت وثعلب : حصره
العدو في منزله : حبسه ، وأحصره المرض بالألف : منعه من السفر. وقال الفراء : هذا
هو كلام العرب ، وعليه أهل اللغة. وقال ابن القوطية وأبو عمرو الشيباني : حصره
العدو والمرض وأحصره ، كلاهما بمعنى حبسه. انتهى كلامه في المصباح. وقال في مادة «صد»
: صددته عن كذا صدا ـ من باب قتل ـ : منعته وصرفته.
أقول : ظاهر
كلام أهل اللغة مختلف في ترادف «حصر» و «أحصر» أو تغايرهما ، فظاهر ما نقله في
المصباح ـ عن ابن القوطية وابي عمرو ـ الأول ، وما نقله عن ابن السكيت وثعلب
والفراء ـ الثاني.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك : المحصر اسم مفعول من «أحصر» إذا منعه المرض من التصرف
، ويقال للمحبوس : «حصر» بغير همز فهو محصور. وقال الفراء : يجوز ان يقوم كل واحد
منهما مقام الآخر. وخالفه أبو العباس المبرد والزجاج ، قال المبرد : نظيره «حبسه»
جعله في الحبس ، و «احبسه» عرضه للحبس ، و «اقتله» عرضه للقتل ، وكذا «حصره» حبسه و
«أحصره» عرضه للحصر. والفقهاء يستعملون اللفظين ـ اعني المحصر والمحصور ـ ههنا ،
وهو جائز على رأي الفراء. انتهى.
والذي يظهر من
ما قدمنا من كلامهم اتحاد الحصر والصد ، وانهما بمعنى المنع ، من عدو كان أو مرض.
وهذا هو الذي عليه عامة فقهاء الجمهور واما عند الإمامية ـ وهو الذي دلت عليه اخبارهم ـ فهو
ان اللفظين متغايران ، وان الحصر هو المنع من تتمة أفعال الحج أو العمرة بالمرض ،
والصد هو المنع بالعدو. قال العلامة في المنتهى : الحصر عندنا هو المنع من تتمة
أفعال الحج ـ على ما يأتي ـ بالمرض خاصة ، والصد بالعدو ، وعند فقهاء المخالفين
الحصر والصد واحد ، وهما من جهة العدو. انتهى. ونقل النيشابوري وغيره اتفاق
المفسرين على ان قوله تعالى «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
نزلت في حصر الحديبية . ويفترقان أيضا في ان المصدود يحل له بالمحلل جميع ما
حرمه الإحرام حتى النساء ، دون المحصور فإنه يحل له ما عدا النساء. وفي مكان الذبح
، فالمصدود يذبحه في محل الصد ، والمحصور
__________________
يبعث به الى مكة فيذبح بها ان كان الصد في العمرة ، أو الى منى ان كان في
الحج. وسيجيء تفصيل الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى.
ومن الاخبار
الدالة على تغايرهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : المحصور غير المصدود ، وقال : المحصور هو
المريض ، والمصدود هو الذي رده المشركون ، كما ردوا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ليس من مرض. والمصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل
له النساء». ورواه الكليني بطريقين صحيحين عن معاوية بن عمار مثله ورواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله .
ورواه في
المقنع مرسلا ثم قال : والمحصور والمضطر يذبحان بدنتيهما في المكان
الذي يضطران فيه ، وقد فعل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ذلك يوم الحديبية حين رد المشركون بدنته وأبوا ان تبلغ
المنحر ، فأمر بها فنحرت مكانه.
وما رواه في
الكافي في الموثق عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «المصدود يذبح حيث صد ، ويرجع صاحبه فيأتي
النساء. والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما ، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه. قلت
: أرأيت ان ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء؟ قال : فليعد
وليس عليه شيء ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث».
__________________
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر قال : «سألت أبا
الحسن (عليهالسلام) عن محرم انكسرت ساقه ، أي شيء يكون حاله؟ وأي شيء
عليه؟ قال : هو حلال من كل شيء. قلت : من النساء والثياب والطيب؟ فقال : نعم من
جميع ما يحرم على المحرم. ثم قال : اما بلغك قول ابي عبد الله (عليهالسلام) : حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي؟. قلت : أخبرني
عن المحصور والمصدود هما سواء؟ فقال : لا. قلت : فأخبرني عن النبي (صلىاللهعليهوآله) حين صده المشركون ، قضى عمرته؟ قال : لا ولكنه اعتمر
بعد ذلك».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي. قال : يواعد
أصحابه ميعادا ، ان كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر فليقص
من رأسه ، ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك ، وان كان في عمرة فلينظر مقدار
دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها ، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل. وان كان
مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع رجع الى اهله ونحر بدنة ، أو أقام مكانه
حتى يبرأ إذا كان في عمرة ، وإذا بريء فعليه العمرة واجبة ، وان كان عليه الحج
رجع أو أقام ففاته الحج ، فان عليه الحج من قابل ، فان الحسين بن علي (صلوات الله
عليهما) خرج معتمرا فمرض في الطريق ، فبلغ عليا (عليهالسلام) ذلك
__________________
وهو في المدينة فخرج في طلبه ، فأدركه بالسقيا وهو مريض بها ، فقال : يا
بني ما تشتكي؟ فقال : اشتكي رأسي. فدعا علي (عليهالسلام) ببدنة فنحرها ، وحلق رأسه ، ورده إلى المدينة ، فلما
بريء من وجعه اعتمر قلت : أرأيت حين بريء من وجعه قبل ان يخرج إلى العمرة حلت له
النساء؟ قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة. قلت : فما بال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين رجع من الحديبية حلت له النساء ولم يطف بالبيت؟
قال : ليسا سواء ، كان النبي (صلىاللهعليهوآله) مصدودا والحسين (عليهالسلام) محصورا». ورواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عنه (عليهالسلام) مثله على اختلاف في ألفاظه. وزاد بعد قوله : «فان عليه
الحج من قابل» «فان ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه
شيء ولكن يبعث من قابل ويمسك ايضا».
الى غير ذلك من
الاخبار الآتي جملة منها ان شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك
فتفصيل الكلام في هذا المقام يقتضي بسطه في مطلبين :
الأول ـ في
المصدود ، من صد بالعدو بعد تلبسه بالإحرام ولا طريق له غيره ،
أو كان وقصرت نفقته عنه ، تحلل بالإجماع.
وتفصيل هذه
الجملة انه إذا تلبس بالإحرام ـ لحج كان أو لعمرة ـ تعلق به وجوب الإتمام إجماعا ،
لقوله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) . ولو صد في إحرامه ذلك عن الوصول إلى مكة أو الموقفين
__________________
ولا طريق غير موضع العدو ، أو كان ولا نفقة لسلوكه ، ذبح هديه أو نحره
بمكان الصد بنية التحلل ، فيحل على الإطلاق سواء كان في الحرم أو خارجه ، ولا
ينتظر في إحلاله بلوغ الهدي محله ، ولا يراعى زمانا ولا مكانا في إحلاله. وانما
اعتبرنا نية التحلل لان الذبح يقع على وجوه متعددة ، والفعل متى كان كذلك فلا
ينصرف إلى أحدها إلا بقصده ونيته ، كما تقدم تحقيق ذلك بما لا مزيد عليه في كتاب
الطهارة في بحث نية الوضوء. هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم).
قال في المختلف
: واليه ذهب الشيخان ، وابن البراج ، وابن حمزة ، وسلار ، وابن إدريس ، وهو الظاهر
من كلام علي بن بابويه ، حيث قال : وإذا صد رجل عن الحج وقد أحرم ، فعليه الحج من
قابل ولا بأس بمواقعة النساء ، لانه مصدود ، وليس كالمحصور. وقال أبو الصلاح :
وإذا صد المحرم بالعدو أو أحصر بالمرض عن تأدية المناسك ، فلينفذ القارن هديه ،
والمتمتع والمفرد ما يبتاع به شاة فما فوقها ، فإذا بلغ الهدي محله ـ وهو يوم
النحر ـ فليحلق رأسه ، ويحل المصدود بالعدو من كل شيء أحرم منه. وقال ابن الجنيد
: وإذا كان المصدود سائقا فصدت بدنته ايضا ، نحوها حيث صدت ، ورجع حلالا من النساء
ومن كل شيء أحرم منه ، فان منع هو ولم يمنع وصول بدنته إلى الكعبة ، أنفذ هديه مع
من ينحره واقام على إحرامه إلى الوقت الذي يواعد فيه نحرها. وقال الشيخ في الخلاف!
إذا أحصر بالعدو جاز ان يذبح هديه مكانه ، والأفضل ان ينفذ به الى منى أو مكة.
أقول : ما نقله
في المختلف عن ابن إدريس ـ من قوله بالقول المشهور ـ صحيح بالنظر الى صدر عبارته
في السرائر ، إلا ان كلامه في آخرها يشعر بالعدول عنه ، حيث قال : قال محمد بن
إدريس : واما المصدود فهو الذي يصده العدو عن الدخول إلى مكة والوقوف بالموقفين
فإذا كان ذلك ذبح هديه في المكان الذي صد فيه سواء كان في الحرم أو خارجه ، لان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صده المشركون بالحديبية ـ اسم بئر ـ وهو خارج الحرم ،
يقال : الحديبية بالتخفيف والتثقيل وسألت ابن العصار الفوهي فقال : أهل اللغة يقولونها بالتخفيف وأصحاب الحديث
يقولونها بالتشديد. وخطه عندي بذلك ، وكان إمام اللغة ببغداد. ولا ينتظر في إحلاله
بلوغ الهدي محله ، ولا يراعي زمانا ولا مكانا في إحلاله. فإذا كان قد ساق هديا
ذبحه ، وان كان لم يسق هديا ، فإذا كان اشترط في إحرامه ان عرض له عارض يحله حيث
حبسه ، فليحل ولا هدي عليه ، وان لم يشترط فلا بد من الهدي وبعضهم يخص وجوب الهدي
بالمحصور لا بالمصدود. وهو الأظهر ، لأن الأصل براءة الذمة. ولقوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ) أراد به المرض ، لانه يقال : «أحصره المرض وحصره العدو»
ويحل من كل شيء أحرم منه ، من النساء وغيره ، اعني : المصدود بالعدو. انتهى. وعلى
هذا فالأولى نقل ما اختاره في جملة
__________________
الأقوال المخالفة للقول المشهور.
والظاهر هو
القول المشهور. ويدل على ذلك ما تقدم في موثقة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) من قوله : «المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي
النساء ، والمحصور يبعث بهديه. الى آخره».
وما رواه
الصدوق (قدسسره) مرسلا قال! «قال الصادق (عليهالسلام) : المحصور والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي
يضطران فيه».
وما رواه في
الكافي عن حمران عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين صد بالحديبية قصر وأحل ونحر ثم انصرف منها ، ولم
يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك فاما المحصور فإنما يكون عليه التقصير».
وروى الشيخ في
الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع الى
المدينة».
وهذه الاخبار ـ
كما ترى ـ صريحة في كون الحكم الشرعي في المصدود هو التحلل بذبح أو نحر نسكه في
محل الصد ، ثم الرجوع محلا.
وقال في
المدارك! وهذا الحكم ـ اعني : توقف التحلل على ذبح
__________________
الهدي ناويا به التحلل ـ مذهب الأكثر. واستدل عليه في المنتهى بقوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ) . وبان النبي (صلىاللهعليهوآله) حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ثم رجع الى
المدينة . قال : وفعله (صلىاللهعليهوآله) بيان للواجب ، فيكون واجبا. وقد يقال : ان مورد الآية
الشريفة الحصر ، وهو خلاف الصد على ما ثبت بالنص الصحيح. وفعل النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يثبت كونه بيانا للواجب ، وبدون ذلك يحتمل الندب.
وقال ابن إدريس : يتحلل المصدود بغير هدي ، لأصالة البراءة. ولأن الآية الشريفة
إنما تضمنت الهدي في المحصور وهو خلاف المصدود. وقال في الدروس : ويدفعه صحيحة
معاوية بن عمار : «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) حين صده المشركون يوم الحديبية نحر وأحل». ويتوجه عليه
ما سبق. وبالجملة فالمسألة محل اشكال ، وان كان المشهور لا يخلو من رجحان ، تمسكا
باستصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلل. وتؤيده رواية زرارة. ثم أورد
موثقته التي قدمناها ، ثم أورد مرسلة ابن بابويه التي قدمناها أيضا.
أقول : الظاهر
ان هذه المناقشة من المناقشات الواهية ، فإن الظاهر من كلام العلامة في المنتهى ان
الحكم بذلك مجمع عليه بين الخاصة والعامة ، حيث لم ينقل فيه الخلاف إلا عن مالك ،
قال (قدسسره) : وإنما يتحلل المصدود بالهدي ونية التحلل معا ، اما
الهدي فقد أجمع
__________________
عليه أكثر العلماء ، وحكى عن مالك انه لا هدي عليه لنا : قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) قال الشافعي : لا خلاف بين أهل التفسير ان هذه الآية
نزلت في حصر الحديبية ولأن النبي (صلىاللهعليهوآله) حيث صده المشركون. الى آخر ما نقله. وبذلك يظهر انه لا
مخالف إلا ما يظهر من كلام ابن إدريس ونقله ذلك عن بعضهم.
واما قوله ـ :
ان مورد الآية الشريفة الحصر ، وهو خلاف الصد على ما ثبت بالنص الصحيح ـ ففيه ان
التحقيق ان يقال : ان المراد من الحصر في الآية الشريفة انما هو المعنى اللغوي
الذي قدمنا نقله عن جملة أهل اللغة الشامل للحصر والصد ، وهو عبارة عن مطلق المنع
بعد وكان أو مرض أو نحوهما. والفرق بين المصدود والمحصر انما هو عرف خاص عندهم (صلوات
الله عليهم) كما نطقت به اخبارهم.
ويعضد ما
ذكرناه من معنى الآية ما صرح به أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان ، حيث
قال : وقوله «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ»
فيه قولان :
أحدهما ان معناه : وان منعكم خوف أو عدو أو مرض فامتنعتم لذلك. عن ابن عباس ومجاهد
وقتادة وعطاء ، وهو المروي عن أئمتنا (عليهمالسلام). والثاني ان معناه : ان منعكم حابس قاهر. عن مالك
«فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
: فعليكم ما
سهل من الهدي أو فاهدوا ما تيسر من الهدي إذا أردتم الإحلال. انتهى كلامه (قدسسره). وبه يزول الإشكال في هذا المجال.
__________________
ويعضد ذلك ما نقله في المنتهى عن الشافعي ـ ونقله الشارح نفسه في صدر البحث
عن النيشابوري ـ من إجماع المفسرين على ان نزول الآية المذكورة في حصر الحديبية .
وحينئذ فإذا
ثبت ان المراد بالحصر في الآية المذكورة ما يشمل الصد بالمعنى المذكور فالله ـ سبحانه
ـ قد أوجب فيه الهدي ، لقوله (فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ) أي فعليكم ، كما ذكره في المجمع. فالآية ظاهرة في
المراد عارية عن وصمة الإيراد. وتعضدها الأخبار المتقدمة.
واما قوله ـ :
وفعل النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يثبت كونه بيانا للواجب ـ فهو مردود بما تقدم
تحقيقه في كتاب الطهارة ، في مسألة وجوب الابتداء في غسل الوجه بالأعلى ، من
الوجوه التي ذكرناها ثمة حيث ان الآية دلت على الغسل بقول مطلق ، والوضوءات
البيانية دلت على الابتداء بالأعلى. ومثله ما نحن فيه ، فان الآية قد دلت على ما
تيسر من الهدي في مرض كان أو عدو كما عرفت ، والنبي (صلىاللهعليهوآله) قد فعله بيانا ، وهو الحافظ للشريعة والمبلغ لأحكامها.
هذا ما اراده
العلامة (قدسسره) من وجه الاستدلال ، فإنه بني الكلام في الخبر على ما
ذكره من معنى الآية ، لا ان المراد ما توهمه من ان مجرد فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) أعم من الوجوب والندب.
ومع قطع النظر
عن ما ذكرناه فان للمستدل ان يتمسك بما ذكره من استصحاب حال الإحرام ، والاستصحاب
هنا دليل شرعي باتفاق الأصحاب ـ كما تقدم في مقدمات الكتاب ـ فان مرجعه الى عموم
الدليل
__________________
وشموله لجميع الحالات إلا ما يخرج بدليل ، مثل قولهم : «كل شيء طاهر حتى
تعلم انه قذر» . ونحوه ، فان الدليل هنا دل على عموم التحريم بعد
انعقاد الإحرام لجميع ما علم تحريمه على المحرم حتى يثبت المحلل ، فالواجب عليه
وعلى من يقول بقوله إثبات التحليل بمجرد الصد من غير هدي بالكلية ليتم له المراد ،
ودونه خرط القتاد. وبالجملة فإن التمسك بذلك أقوى دليل في المقام ، وتخرج الاخبار
شاهدة على الحكم المذكور ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
ومع قطع النظر
عن جميع ذلك فان لك ان تقول : ان الأحكام الشرعية أمور متلقاة من الشارع ، والذي
ورد في الاخبار ـ سيما وقد اعتضد بالاتفاق عليه والإجماع ـ هو وجوب الهدي وتوقف
التحليل عليه. وهذه المناقشة من ابن إدريس بناء على أصله الغير الأصيل وان أمكنت
إلا انها من مثله (قدسسره) غير جيدة.
وقد أشار الى
هذه المناقشة شيخه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث قال : ودليل التحلل بالذبح
أو النحر الإجماع المنقول في المنتهى. ثم ذكر كلام المنتهى والاخبار ، الى ان قال
في آخر الكلام : ومع ذلك يحتمل الرخصة. انتهى.
واما ما ذكره
العلامة من الأقوال المخالفة للمشهور في المسألة فإنه لم ينقل عليه دليلا من طرف
أحد من أولئك القائلين. ولم أقف في الاخبار على ما يدل على شيء منها إلا على ما
نقله عن الشيخ علي بن بابويه ، فإنه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي ، ومنه يعلم انه
مستنده
__________________
حيث قال (عليهالسلام) : وان صد رجل عن الحج وقد أحرم فعليه الحج من قابل ،
ولا بأس بمواقعة النساء ، لان هذا مصدود ، وليس كالمحصور. وظاهر هذا الكلام ربما
أشعر بعدم وجوب الهدي وان التحلل يحصل بدونه ، كما ذهب اليه ابن إدريس ، الا ان
غايته انه مطلق بالنسبة الى ذلك ، فيجب تقييده بما ذكرناه من الآية والروايات.
واما ما ذكره
أبو الصلاح ـ من إنفاذ المصدود هديه كالمحصور ، وانه يبقى على إحرامه الى ان يبلغ
الهدي محله ـ فترده الأخبار المتقدمة بالفرق بينهما في ذلك ، وان المصدود ينحر
هديه في موضع الصد ويتحلل. ويأتي ما يؤيدها أيضا.
واما تفصيل ابن
الجنيد في البدنة ـ بين إمكان إرسالها فيجب أو عدمه فينحرها في مكان الصد ـ ففيه
انه ـ مع عدم الدليل على هذا التفصيل ـ مخالف لإطلاق الأخبار المتقدمة.
وتنقيح البحث
في المسألة يتوقف على رسم مقالات الاولى ـ لو اتفق له طريق غير موضع الصد ، وكانت
له نفقة تقوم به ، فظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب المضي عليه ولا يتحلل ، وان علم
انه لا يدرك الحج. قالوا : اما وجوب المضي عليه في الصورة المذكورة فلعدم تحقق
الصد يومئذ ، واما عدم جواز التحلل على هذا التقدير وان خشي الفوت فلأن التحلل
بالهدي إنما يسوغ مع الصد والمفروض انه ليس بمصدود. وحينئذ فيجب عليه سلوك تلك
الطريق الى ان يتحقق الفوات ، فيتحلل بعمرة كما هو شأن من فاته الحج. ويقضيه في
السنة الأخرى ان كان واجبا من حجة الإسلام أو نذر غير معين.
__________________
والا تخير ان كان مستحبا. وبالجملة فإنه بالتمكن من سلوك طريق غير الطريق
التي صد عنها يكون خارجا عن افراد المصدود ، فان فاته الحج ترتبت عليه أحكام
الفوات في غير هذه الصورة ، والا فلا.
الثانية ـ هل
يشترط في جواز التحلل بالصد عدم رجاء زوال العذر؟ ظاهر كلام الأصحاب العدم ، حيث
صرحوا بجواز التحلل مع ظن انكشاف العدو قبل الفوات.
قال المحقق (قدسسره) في الشرائع : إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات
جاز له التحلل لكن الأفضل البقاء على إحرامه.
قال شيخنا في
المسالك! وجه الجواز تحقق الصد حينئذ فيلحقه حكمه ، وان كان الأفضل الصبر مع
الرجاء فضلا عن غلبة الظن ، عملا بظاهر الأمر بالإتمام.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : ولا ريب في أفضلية الصبر كما ذكره ، وانما الكلام في جواز التحلل مع
غلبة الظن بانكشاف العدو قبل فوات الحج ، فان ما وصل إلينا من الروايات لا عموم
فيه بحيث يتناول هذه الصورة ، ومع انتفاء العموم يشكل الحكم بالجواز.
أقول : لا ريب
في ان إطلاق الاخبار المتقدمة شامل لما ذكره الأصحاب ، فإن التحلل فيها بذبح الهدي
وقع معلقا على حصول الصد الشامل بإطلاقه لما لو ظن انكشاف العدو قبل الفوات وعدمه.
وهذا هو الذي أشار إليه جده بقوله : «وجه الجواز تحقق الصد فيلحقه حكمه» بمعنى ان
هذه الأحكام ترتبت على مطلق الصد وهو هنا مصدود فيلحقه حكمه.
قال في المدارك
بناء على ما ذكره من المناقشة : ولو قيل بالاكتفاء
في جواز التحلل بظن عدم انكشاف العدو قبل الفوات كان حسنا.
أقول : قد بينا
ان إطلاق النصوص أعم من ما ذكره ، فلا سبيل الى تقييدها من غير دليل.
الثالثة ـ قد
ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز للمصدود في إحرام الحج وعمرة التمتع
البقاء على إحرامه الى ان يتحقق الفوات فيتحلل بالعمرة ، كما هو شأن من فاته الحج.
بل تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني انه الأفضل ، وان جاز التحلل ، للأمر
بالإتمام في الآية . ويجب عليه إكمال أفعال العمرة ان تمكن ، وإلا تحلل
بالهدي. ولو كان إحرامه بعمرة مفردة لم يتحقق الفوات بل يتحلل منها عند تعذر
إكمالها ، ولو أخر التحلل كان جائزا ، فإن يئس من زوال العذر تحلل بالهدي حينئذ.
الرابعة ـ اختلف
الأصحاب في انه هل يجب على المصدود الحلق أو التقصير ويتوقف تحلله عليه بعد الذبح
أم لا؟ قولان.
قال في المختلف
: قال سلار : واما المصدود بالعدو فإنه ينحر الهدي حيث انتهى اليه ، ويقصر من شعره
، وقد أحل من كل شيء أحرم منه. وهو يشعر باشتراط التقصير في الحل. وكذا يفهم من
كلام ابي الصلاح ، الا انه قال : فليحلق رأسه. ولم يشترط الشيخ ذلك. انتهى.
وقوى الشهيدان
في الدروس والمسالك وجوب الحلق أو التقصير. وهو خيرة العلامة في المنتهى على تردد
، من حيث انه ـ تعالى ـ ذكر الهدي وحده ولم يشترط سواه ، ومن انه (صلىاللهعليهوآله) حلق يوم الحديبية .
__________________
قال في المدارك
بعد نقل ذلك عن المنتهى : وضعف الوجه الثاني من وجهي التردد معلوم من ما سبق.
أقول : أشار
بما سبق الى ما قدمنا نقله عنه من حمل فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) على الندب دون الوجوب. وقد عرفت ما فيه. إلا ان الحلق
الذي ذكره العلامة هنا في الوجه الثاني من وجهي التردد إنما استند فيه الى الرواية
العامية ، حيث قال : إذا ثبت هذا فهل يجب عليه الحلق أو التقصير مع ذبح الهدي أم
لا؟ فيه تردد ، لأنه ـ تعالى ـ ذكر الهدي وحده ولم يشترط سواه. وقال أحمد في إحدى الروايتين لا بد منه
، لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) حلق يوم الحديبية وهو أقوى. هذه عبارته في المنتهى ، فكان الاولى لصاحب
المدارك رد الوجه الثاني بعدم ثبوته في أخبارنا.
أقول : والذي
وقفت عليه في أخبارنا بالنسبة الى ذلك هو رواية حمران المتقدمة الدالة على ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين صد بالحديبية قصر وأحل ونحر ثم انصرف. وظاهر قوله (عليهالسلام) فيها : «ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك» هو انه (صلىاللهعليهوآله) لم يحلق الى ان حج في فتح مكة وقضى المناسك.
ويدل على هذا
المعنى صريحا وان لم يتنبه له أحد من أصحابنا (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ما
رواه في الكافي في الصحيح عن
__________________
البزنطي عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الفرق من السنة؟ قال : لا. قلت : فهل فرق رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ قال : نعم. قلت : كيف فرق رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وليس من السنة؟ قال. من اصابه ما أصاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وفرق كما فرق رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقد أصاب سنة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وإلا فلا. قلت له : كيف ذلك؟ قال : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين صد عن البيت وقد كان ساق الهدي وأحرم أراه الله ـ تعالى
ـ الرؤيا التي أخبرك الله بها في كتابه ، إذ يقول (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ
رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ
اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) فعلم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله (تعالى) سيفي له بما أراه ، فمن ثم وفر ذلك
الشعر الذي كان على رأسه حين أحرم انتظارا لحلقه في الحرم حيث وعده الله (تعالى) ،
فلما حلقه لم يعد في توفير الشعر ولا كان ذلك من قبله صلىاللهعليهوآله». وربما ظهر من قوله (عليهالسلام) : «من اصابه ما أصاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله). الى آخره» تأخير الحلق الى ان يحج متى كان الحج
واجبا.
وبالجملة
فالظاهر عندي ـ بناء على ما عرفت ـ هو توقف الحل على التقصير خاصة ، كما دلت عليه
الرواية المذكورة ، ومثلها قوله (عليهالسلام) في المرسلة التي نقلها شيخنا المفيد في المقنعة ،
وسيأتي نقلها ـ ان شاء الله تعالى ـ في المطلب الثاني : «والمصدود بالعد وينحر هديه
__________________
الذي ساقه بمكانه ويقصر من شعر رأسه ويحل» . ولا معارض لهما سوى إطلاق غيرهما من الاخبار. وبه يقيد
الإطلاق المذكور.
الخامسة ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط الهدي عن المصدود والمحصور مع الشرط في إحرامه
بأن يحله حيث حبسه ، فنقل في المختلف عن السيد المرتضى (رحمهالله) انه يسقط ، وعن الشيخ في الخلاف انه لا يسقط ، ونقل عن
ابن حمزة ان في سقوط الدم بالشرط قولين ، ثم أحال البحث في ذلك على ما قدمه في
المحصور.
أقول : والخلاف
في الموضعين واحد ، ونحن قد قدمنا البحث في هذه المسألة في مندوبات الإحرام ،
وأحطنا بأطراف الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام ، فليرجع اليه من أحب الوقوف
عليه.
السادسة ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في المصدود والمحصور لو ساق معه الهدي ، فهل
يكفي في التحلل ما ساقه أو يجب عليه للتحلل هدي آخر غير هدي السياق؟ قولان ،
أولهما للشيخ وسلار وابي الصلاح وابن البراج ، وثانيهما للصدوقين. والمحقق في
الشرائع في حكم المصدود وأفق الأول وفي النافع وأفق الثاني.
قال في المختلف
: قال علي بن بابويه : وإذا قرن الحج والعمرة وأحصر بعث هديا مع هديه ، ولا يحل
حتى يبلغ الهدي محله. وكذا قال ابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه. وقال ابن الجنيد
ـ ونعم ما قال ـ فإذا أحصر ومعه هدي قد أوجبه الله بعث بهدي آخر عن إحصاره ، فان
لم يكن أوجبه بحال من اشعار ولا غيره أجزأه عن إحصاره. انتهى. وظاهره اختيار قول
ابن الجنيد ، وهو يرجع الى قول الصدوقين ، مع انه في
__________________
المنتهى وافق القول الأول.
وقال في الدروس
بعد نقل قول الصدوقين وابن الجنيد : والظاهر ان مرادهما انه قبل الاشعار والتقليد
لا يدخل في حكم المسوق إلا ان يكون منذورا بعينه أو معينا عن نذره. وقيل :
يتداخلان إذا لم يكن السوق واجبا بنذر أو كفارة وشبههما. وأطلق المعظم التداخل.
وقال ابن إدريس
بعد نقل عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة عن رسالته : قال محمد بن إدريس : اما
قوله (رحمهالله تعالى) : «وإذا قرن الرجل الحج والعمرة» فمراده كل واحد
منهما على الانفراد ويقرن إلى إحرامه بواحد من الحج أو العمرة هديا يشعره أو يقلده
فيخرج من ملكه بذلك ، وان لم يكن ذلك واجبا عليه ابتداء ، وما مقصوده ومراده ان
يحرم بهما جميعا ويقرن بينهما ، لان هذا مذهب من خالفنا في حد القران ، ومذهبنا ان
يقرن إلى إحرامه سياق هدي. فليلحظ ذلك ويتأمل. فأما قوله : «بعث هديا مع هديه إذا
أحصر» يريد ان هديه الأول الذي قرنه إلى إحرامه ما يجزئه في تحليله من إحرامه ،
لأن هذا كان واجبا عليه قبل حصره ، فإذا أراد التحلل من إحرامه بالمرض الذي هو
الحصر عندنا ـ على ما فسرناه ـ فيجب عليه هدي آخر لذلك ، لقوله (تعالى) (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ) وما قاله قوي معتمد ، غير ان باقي أصحابنا قالوا : يبعث
بهديه الذي ساقه. ولم يقولوا : يبعث بهدي آخر. فإذا بلغ محله أحل إلا من النساء.
فهذا فائدة قوله (رحمهالله تعالى).
واستدل في
المختلف على ما اختاره من التفصيل المتقدم ، فقال : لنا
__________________
مع إيجاب الهدى : انه قد تعين نحر هذا الهدي أو ذبحه بسبب غير الإحصار ،
فلا يكون مجزئا عن هدي الإحصار ، لأن مع تعدد السبب يتعدد المسبب. ومع عدم إيجابه
: قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) .
وقال في
المدارك بعد نقل قول الصدوقين ومن تبعهما : ولم نقف لهم في ذلك على مستند سوى ما
ذكروه من ان اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات. وهو استدلال ضعيف ، لأن هذا
الاختلاف إنما يتم في الأسباب الحقيقية دون المعرفات الشرعية كما بيناه غير مرة.
والأصح ما اختاره المصنف والأكثر من الاكتفاء بهدي السياق ، لصدق الامتثال بذبحه ،
وأصالة البراءة من وجوب الزائد عنه.
أقول : لا يخفى
ان عبارة الشيخ علي بن بابويه المذكورة مأخوذة من الفقه الرضوي على العادة الجارية
التي قد عرفتها في غير موضع ، حيث قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور : فإذا قرن الرجل الحج والعمرة وأحصر بعث هديا مع هديه
، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بلغ محله أحل وانصرف الى منزله ، وعليه الحج
من قابل. ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل. وان صد رجل عن الحج. الى آخر العبارة
المتقدمة في صدر المطلب نقلا عن الشيخ علي بن بابويه ايضا.
ومن ذلك يعلم
ان مستند الشيخ المذكور وابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه انما هو الكتاب المذكور
، فلا يحتاج الى ما تكلفه العلامة
__________________
في المختلف من الاستدلال بتعدد الأسباب ، ولا يرد ما أورده في المدارك عليه
، حيث ان المعتمد انما هو كلامه (عليهالسلام) ، ولكنهم (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) معذورون ، لعدم
ظهور الكتاب المذكور عندهم ووصوله إليهم ، فوقعوا في ما ذكروا وتكلفوا ما تكلفوا.
هذا ما يدل على
قول الصدوقين في المسألة المذكورة.
واما ما يدل
على ما هو المشهور بينهم فلم أقف لهم فيه على دليل إلا ما تقدم نقله عن صاحب
المدارك من صدق الامتثال بذبحه ، وأصالة البراءة من الزائد. وغاية ما استدل به في
المنتهى هو ان الآية دلت على وجوب ما استيسر من الهدي ، وهو صادق على هدي السياق. ولا
يخفى ما في هذه الأدلة من تطرق المناقشات إليها.
والأظهر
الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال :
يبعث بهديه. قلت : هل يستمتع من قابل؟ فقال : لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن رفاعة أيضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ومحمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) انهما قالا : «القارن يحصر وقد قال واشترط : فحلني حيث
حبستني. قال : يبعث بهديه. قلنا : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما
خرج منه».
فإنه لا يخفى
ان المتبادر من «هديه» في الروايتين هو هدي السياق
__________________
والإضافة كاللام العهدية في إفادة العهد كما صرحوا به في محله ، فالمعنى
هديه الذي ساقه. وبذلك يعظم الإشكال في المسألة.
بقي الكلام في
ان مورد الاخبار في المسألة انما هو المحصر ، وانه يبعث هديا مع هدي السياق كما في
كتاب الفقه ، أو هدي السياق كما هو ظاهر الاخبار التي ذكرناها ، والأصحاب لم
يفرقوا في هذا الحكم بين المحصر والمصدود. ولا يخلو من اشكال. والحاقة بالمحصور في
الحكم المذكور يتوقف على الدليل ، وليس إلا هذه الاخبار المذكورة.
السابعة ـ المعروف
من مذهب الأصحاب انه لو لم يكن مع المصدود أو المحصور هدي وعجز عن ثمنه بقي على
إحرامه ولم يتحلل ، لان النص الدال على التحلل انما تعلق بالهدي ، ولم يثبت له بدل
، ومتى انتفت البدلية وجب البقاء على الإحرام الى ان يحصل المحلل الشرعي. وبه صرح
الشيخ وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة وسلار وعامة المتأخرين. قال ابن الجنيد :
ومن لم يكن عليه ولا معه هدي أحل إذا صد ، ولم يكن عليه دم. وظاهره انه يتحلل
بمجرد النية.
قال في المختلف
: قال الشيخ : إذا لم يجد المحصر الهدي ولا يقدر على ثمنه لا يجوز له ان يتحلل حتى
يهدي ، ولا يجوز له ان ينتقل الى بدل من الصوم أو الإطعام ، لأنه لا دليل على ذلك.
وقال ابن الجنيد : إذا لم يكن للهدي مستطيعا أحل ، لأنه ممن لم يتيسر له الهدي.
وكلا القولين محتمل. انتهى.
وقد تقدم مذهب
ابن إدريس وتخصيصه الهدي بالمحصور دون المصدود اختيارا.
أقول : وقد
وقفت في المسألة على بعض الاخبار التي لم يتعرض لنقلها
أحد من أصحابنا :
منها : ما رواه
في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في المحصور ولم يسق الهدي؟ قال : ينسك
ويرجع. قيل : فان لم يجد هديا؟ قال : يصوم».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في المحصور ولم يسق الهدي؟ قال : ينسك ويرجع
، فان لم يجد ثمن هدي صام».
إلا ان مورد
الأخبار المذكورة المحصر ، وإلحاق المصدود به من غير دليل مشكل. والواجب الوقوف في
الحكم بها على موردها ، وان لم يقل بذلك أحد منهم. والظاهر ان ذلك من حيث عدم
الوقوف على الروايات المذكورة ، كما يشعر به كلام الشيخ المتقدم ، وإلا فإطراحها ـ
مع صراحتها ولا معارض لها ـ ليس من قواعدهم سيما مع صحتها.
وحينئذ فيختص
البقاء على الإحرام بالمصدود خاصة ، لحصول البدل في هدي المحصور فينتقل اليه. وحيث
قلنا ببقاء المصدود مع العجز عن الهدي على إحرامه فليستمر عليه الى ان يتحقق
الفوات ، فيتحلل حينئذ بعمرة إن أمكن ، وإلا بقي على إحرامه الى ان يجد الهدي أو
يقدر على العمرة ، لأن التحلل منحصر فيهما كما لا يخفى.
الثامنة ـ يتحقق
الصد في إحرام العمرة بالمنع عن مكة ، وفي إحرام الحج بالمنع عن الموقفين أو
أحدهما مع فوات الآخر ، ولا يتحقق بالمنع
__________________
من مناسك منى ، وفي تحققه بالمنع عن مكة بعد الموقفين والتحلل أو قبله
اشكال.
وتفصيل هذه
الجملة انه لا خلاف في تحقق الصد بالمنع عن الموقفين في الحج ، وكذا عن أحدهما إذا
كان من ما يفوت بفواته الحج ، كما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ في تحرير اقسامه
الثمانية في موضعه اللائق به.
واما إذا أدرك
الموقفين أو ما به يدرك ثم صد ، فان كان عن مناسك منى خاصة ، فإن له ان يستنيب في
الرمي والذبح ـ كما في المريض ـ ثم يحلق ويتحلل. اما لو لم يمكن الاستنابة فإشكال
، لاحتمال البقاء على إحرامه تمسكا بالأصل ، وجواز التحلل لصدق الصد ، فيتناوله
عموم ما دل على جواز التحلل مع الصد. ولعله الأقرب. وكذا الوجهان لو كان المنع عن
مكة ومنى. وجزم العلامة في المنتهى والتذكرة بالجواز ، نظرا الى ان الصد يفيد
التحلل من الجميع فمن بعضه اولى. وهو قريب.
ولو صد عن مكة
خاصة بعد التحلل في منى فقد صرح جماعة ـ منهم : الشهيد في الدروس ـ بعدم تحقق الصد
، فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد الى ان يأتي ببقية الأفعال.
ونقل ذلك عن
المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد ، قال : لان المحلل من الإحرام إما الهدي
للمصدود والمحصور أو الإتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في
الثاني واتى بمناسك منى يوم النحر تعين عليه الإكمال ، لعدم الدليل على جواز
التحلل بالهدي ، وحينئذ فيبقى على إحرامه الى أن يأتي بباقي المناسك. انتهى.
والحق ان
الاشكال المتقدم جار هنا أيضا ، فإنه من المحتمل قريبا
ـ بل لعله الأقرب ـ ان النصوص الدالة على التحلل بالهدي في صورة الصد شاملة
بعمومها لهذه الصورة ، ومتى صدق عليه انه مصدود وجب اجراء حكم المصدود عليه من
التحلل بالهدي ونحوه.
بقي الكلام في
انه ينبغي ان يقيد ذلك بعدم خروج ذي الحجة وإلا اتجه التحلل البتة ، لما في بقائه
على ذلك الى العام القابل من الحرج المنفي بالآية والرواية .
ولا يتحقق الصد
بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت إجماعا ، على ما نقله جمع من الأصحاب
، بل يحكم بصحة حجه ، ويستنيب في الرمي إن أمكن ، وإلا قضاه في القابل.
واما لو كان
الصد في عمرة التمتع فلا ريب في انه يتحقق بالمنع من دخول مكة ، وبالمنع بعد
الدخول من الإتيان بالأفعال.
قال في المسالك
: وفي تحققه بالمنع من السعي بعد الطواف خاصة وجهان ، من إطلاق النص ، وعدم مدخلية
السعي في التحلل ، وعدم التصريح بذلك في النصوص والفتوى. ثم قال : والوجهان
آتيان في عمرة الافراد مع زيادة إشكال في ما لو صد بعد التقصير عن طواف النساء ،
فيمكن ان لا يتحقق حينئذ الصد بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن. ثم قال : وأكثر
هذه الفروع لم يتعرض لها الجماعة بنفي ولا إثبات ، فينبغي تحقيق الحال فيها.
وظاهر المدارك
وقوع الإشكال أيضا في طواف العمرة ، حيث قال :
__________________
ومن منع من الطواف خاصة استناب فيه مع الإمكان ، ومع التعذر يبقى على
إحرامه الى ان يقدر عليه أو على الاستنابة. ويحتمل قويا جواز التحلل مع خوف الفوات
، للعموم ، ونفي الحرج اللازم من بقائه على الإحرام. وكذا الكلام في السعي وطواف
النساء في المفردة. انتهى.
أقول : لا يخفى
ـ على من اعطى التأمل حقه في روايات الحصر والصد الواردة في هذا الباب ـ ان
المستفاد منها على وجه لا يكاد يداخله الارتياب انما هو حصول أحد الأمرين بعد
الإحرام وقبل التلبس بشيء من أفعال الحج أو العمرة ، وقرائن ألفاظها ومقتضى
أحوالها شاهدة بما قلناه لمن تأملها بعين الإنصاف ، فكثير من ما ذكر هنا من هذه
الفروع لا يخلو من الاشكال ، سيما مع ما عرفت من ان الصد المذكور في الاخبار له
أحكام تترتب عليه ، من وجوب الهدي ، ووجوب الحج من قابل متى كان الحج واجبا ، وحل
النساء له ، ونحو ذلك. والله العالم.
التاسعة ـ قد
صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا حبس بدين ، فان كان قادرا عليه لم يتحلل ، لانه
بالقدرة على ذلك يكون متمكنا من السير فلا يتحقق الصد في حقه ، اما لو عجز فإنه
يتحلل. وعلله في المنتهى يتحقق الصد الذي هو المنع ، لعجزه من الوصول بإعساره.
واستشكل بعض
المتأخرين هذا الحكم بان المصدود ليس هو الممنوع مطلقا بل الممنوع بالعدو ، وطالب
الحق لا تتحقق عداوته.
وأجيب عنه بان
العاجز عن أداء الحق لا يجوز حبسه ، فيكون الحابس ظالما. وبالمنع من اختصاص الصد
بالمنع من العدو لأنهم عدوا من أسبابه فناء النفقة وفوات الوقت ونحو ذلك.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : وفيهما معا نظر. ثم قال : وكيف كان فالأجود ما أطلقه المصنف وغيره
من جواز التحلل مع العجز ، لان المصدود هو الممنوع لغة ، إلا ان مقتضى الروايات
اختصاصه بما إذا كان المنع بغير المرض ، وذكر العدو في بعض الاخبار انما وقع على
سبيل التمثيل لا لحصر الحكم فيه. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في أول المقصد قد دلت على ان المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي
رده المشركون كما ردوا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، ومرسلة الصدوق المتقدمة عن الصادق (عليهالسلام) قد دلت على ان المحصور والمضطر ينحران بدنتهما في
المكان الذي يضطران فيه ، ورواية الفضل بن يونس الآتية عن ابي الحسن الأول (عليهالسلام) قد دلت على ان الرجل الذي أخذه سلطان فحبسه ظالما له
يوم عرفة ، قال : هذا مصدود عن الحج. ويحصل من مجموع هذه الروايات وضم بعضها الى
بعض ان المصدود هو الممنوع بعد وكان أو بظالم أو بقلة نفقة أو خوف في طريقه. وبه
يظهر قوة ما استجوده في المدارك وضعف تنظره في ما نقله من الوجهين المتقدمين.
قال العلامة في
المنتهى : ولا فرق بين الحصر العام وهو ان يصده المشركون ويصدوا أصحابه وبين الحصر
الخاص في حق شخص واحد ، مثل ان يحبسه ظالم بغير حق أو يأخذه اللصوص وحده ، لعموم
النص ، ووجود المعنى المقتضى لجواز التحلل في الصورتين. وكما انه لا فرق بينهما في
جواز التحلل فلا فرق بينهما في وجوب القضاء وعدم وجوبه فكل موضع حكمنا فيه بوجوب
القضاء في الصد العام فهو ثابت في
__________________
الصد الخاص ، وما لا يجب فيه هناك فهو لا يجب فيه هنا. انتهى. وهو جيد ،
لما عرفت.
العاشرة ـ اعلم
ان جملة من المتقدمين ومتقدمي المتأخرين صرحوا بالمسألة التي قدمنا ذكرها ، من انه
لو حبس بدين فان كان قادرا على أدائه لم يكن مصدودا ومع العجز يكون مصدودا. ثم
قالوا : وكذا لو حبس ظلما. ومن جملة المصرحين بذلك المحقق في الشرائع.
وشراح كلامهم
في هذا المقام قد اضطربوا في هذا التشبيه وان المشبه به ما هو؟ وقد أطال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك في توجيه ذلك. ولنقتصر على نقل ما ذكره سبطه في المدارك
، فإنه ملخص ما ذكره جده (رحمهالله).
قال (قدسسره) ـ بعد قول المصنف : «وكذا لو حبس ظلما» : يمكن ان يكون
المشبه به المشار اليه ب «ذا» ثبوت التحلل مع العجز والمراد انه يجوز تحلل المحبوس
ظلما. وهو بإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين ان يكون المطلوب منه قليلا أو كثيرا ، ولا
بين القادر على دفع المطلوب منه وغيره. ويمكن ان يكون مجموع حكم المحبوس بدين
بتفصيله ، بمعنى ان المحبوس ظلما على مال ان كان قادرا عليه لم يتحلل وان كان
عاجزا تحلل. إلا ان المتبادر من العبارة هو الأول وهو الذي صرح به العلامة في جملة
من كتبه. وأورد عليه ان الممنوع بالعدو إذا طلب منه مال يجب بذله مع المكنة كما
صرح به المصنف وغيره ، فلم لا يجب البذل على المحبوس ظلما إذا كان حبسه يندفع
بالمال وكان قادرا عليه؟ وأجيب عن ذلك بالفرق بين المسألتين ، فإن الحبس ليس بخصوص
المنع من الحج ولهذا لا يندفع الحبس لو اعرض عن الحج ، بخلاف منع العدو فإنه للمنع
من المسير حتى لو اعرض عن
الحج خلى سبيله. وحينئذ فيجب بذل المال في الثاني لأنه بسبب الحج دون
الأول. وهذا الفرق ليس بشيء ، لأن بذل المال للعدو المانع من المسير إنما وجب
لتوقف الواجب عليه ، وهذا بعينه آت في صورة الحبس إذا كان يندفع بالمال. وبالجملة
فالمتجه تساوي المسألتين في وجوب بذل المال المقدور ، لتوقف الواجب عليه سواء كان
ذلك قبل التلبس بالإحرام أو بعده. انتهى.
أقول : الظاهر
ان الأصل في هذا الحكم الذي ذكره المتقدمون إنما هو ما رواه الكليني في الكافي
والشيخ في التهذيب في الموثق عن الفضل بن يونس عن ابي الحسن الأول (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم
عرفة قبل ان يعرف ، فبعث به الى مكة فحبسه ، فلما كان يوم النحر خلى سبيله ، كيف
يصنع؟ قال : يلحق فيقف بجمع ، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق ، ولا شيء
عليه. قلت : فان خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال : هذا مصدود عن الحج ، ان كان
دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فليطف بالبيت أسبوعا ، ثم يسعى أسبوعا ، ويحلق
رأسه ، ويذبح شاة ، وان كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا حلق». وفي الكافي
«ولا شيء عليه» بين قوله : «فليس عليه ذبح» وقوله : «ولا حلق».
والى هذا الفرد
أشار العلامة في ما قدمنا نقله عنه في آخر المقالة السابقة. وبه يظهر ان المشبه به
في كلامهم إنما هو المحبوس بالدين
__________________
العاجز عن أدائه فإنه يتحلل. وكذا المحبوس ظلما. واما ان حبسه لأجل المال
أم لا ، ويمكن دفعه بالمال أم لا ، فهو غير مراد ولا ملحوظ كما عرفت من الرواية
المذكورة. واما ما ذكروه من التوجيهات والإشكالات فتكلفات لا ضرورة لها مع ظهور المعنى
وصحته.
وبنحو هذه
الرواية صرح في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام): ولو ان جلا حبسه سلطان جائر بمكة وهو متمتع بالعمرة
إلى الحج ثم أطلق عنه ليلة النحر ، فعليه ان يلحق الناس بجمع ثم ينصرف إلى منى
فيذبح ويحلق ولا شيء عليه ، وان خلى يوم النحر بعد الزوال فهو مصدود عن الحج ان
كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فليطف بالبيت أسبوعا ويسعى أسبوعا ويحلق
رأسه ويذبح شاة ، وان كان دخل مكة مفردا للحج ، فليس عليه ذبح ، ولا شيء عليه.
وهذه العبارة
قد نقلها في المختلف عن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : ولو ان رجلا. الى قوله :
وان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ، ولا شيء عليه. ثم زاد : بل يطوف بالبيت ،
ويصلي عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ويسعى بين الصفا والمروة ، ويجعلها عمرة ، ويلحق
بأهله. انتهى. ولا ادري هذه الزيادة هل سقطت من نسخة الكتاب التي عندي؟ فإنها كثيرة
الغلط ، أو انها زيادة من علي بن الحسين على العبارة المذكورة لمزيد الإيضاح فيها.
ثم ان العلامة
ـ بعد نقل ذلك عن علي بن الحسين (رحمهالله) ـ قال : وقد اشتمل هذا الكلام على حكمين : أحدهما ـ ان
إدراك الحج
__________________
يحصل بإدراك جمع قبل الزوال ، وهو مفهوم من كلامه. وفيه نظر. الثاني ـ إيجاب
الدم على المتمتع مع الفوات. وفيه نظر ، فإنه يتحلل بالعمرة. والأقرب انه لا دم
عليه ، ولا فرق بينه وبين المفرد. انتهى.
أقول : قد عرفت
ان هذه العبارة انما هي كلام الرضا (عليهالسلام) في الكتاب المذكور. ومثلها في الدلالة على الحكمين
المذكورين موثقة الفضل بن يونس المذكورة. وسيجيء (ان شاء الله تعالى) تحقيق كل من
المسألتين المذكورتين في المحل اللائق به.
الحادية عشرة ـ
قد تقدم ان المصدود يجوز له التحلل بذبح الهدي وان كان الأفضل له التأخير
والانتظار لزوال المانع ، فلو صابر ولم يتحلل حتى فات الحج ، فان تمكن من دخول مكة
بعد الفوات أو كان فيها ، فإنه يتحلل بالعمرة ، لإمكانها وانتفاء الصد عنها. ويسقط
الهدي لحصول التحلل بالعمرة. وان لم يتمكن من دخول مكة ، تحلل من العمرة بالهدي ،
وان استحب الصبر مع رجاء زوال العذر.
قال في المسالك
: ولا فرق في ذلك بين رجاء زوال العذر قبل خروج الوقت مع المصابرة وعدمه ، بل يجوز
الصبر الى ان يفوت الوقت مطلقا.
وقال في الدروس
: وعلى هذا فلو صار الى بلده ولما يتحلل وتعذر العود في عامه لخوف الطريق فهو
مصدود ، فله التحلل بالذبح والتقصير في بلده.
ويأتي تحقيق
الكلام في المسألة (ان شاء الله تعالى) عند الكلام في مسألة من فاته الحج.
وكيف كان فان
عليه القضاء بعد ذلك لو كان الحج واجبا مستقرا في ذمته ، فلا يجب قضاء المندوب
بالأصل وان كان قد وجب
بالشروع فيه ، ولا ما وجب في عامه ولم يتحقق التقصير في التأخير ، كما تقدم
بيانه في محله.
بقي الكلام في
ما إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات ، فان ظاهر الجماعة جواز التحلل ، كما
صرح به غير واحد منهم ، وظاهر المدارك المناقشة في الحكم المذكور ، مستندا الى ان
ما وصل اليه من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة ، ومع انتفاء العموم
يشكل الحكم بالجواز ، قال : ويلوح من كلام الشارح في الروضة وموضع من الشرح : ان
التحلل انما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت. ولا ريب انه
اولى. انتهى. أقول : فيه ما تقدم في المقالة الثانية.
ثم انه لو
انكشف العدو قبل التحلل والوقت باق ، وجب عليه الإتمام ، لأنه محرم ولم يأت
بالمناسك. ولروايتي الفضل بن يونس وكتاب الفقه. واما لو كان انكشافه بعد فوات
الوقت ، فإنه يتحلل بعمرة مفردة ، كما في الروايتين المشار إليهما أيضا.
الثانية عشرة ـ
قد تقدم انه لو أفسد المحرم حجه بالوطء قبل الموقفين أو أحدهما ، وجب عليه بدنة ،
وإتمام حجه ، والقضاء من قابل ، فلو صد بعد الإفساد ، وجب عليه مع ذلك الهدي
للتحلل ، ان أراد التحلل ولم يصابر ، فالصد أوجب الهدي ، والإفساد أوجب الثلاثة
المذكورة ، إلا ان وجوب الإتمام سقط هنا بالصد.
ثم انه قد
اختلف الأصحاب ـ كما تقدم ـ في انه هل الأولى هي الفريضة ، والثانية عقوبة ، أو
الفريضة هي الثانية وإتمام الأولى عقوبة؟ وقد قدمنا ان المختار هو الأول.
ثم انه قد تقدم
ايضا ان وجوب القضاء على المصدود انما هو في صورة ما إذا كان الحج واجبا مستقرا في
الذمة.
وعلى هذا ففي المسألة
صور : الاولى ـ ان يقال ان حجة الإسلام هي الاولى والثانية عقوبة. وقد صرح جملة من
الأصحاب بأن الواجب على تقدير هذا القول الإتيان بحجتين بعد الصد والتحلل مع وجوب
الحج واستقراره ، وبيانه انه لا إشكال في وجوب الحج ثانيا بالإفساد ، سواء قلنا ان
الاولى هي حجة الإسلام والثانية عقوبة أو بالعكس. وحينئذ فمتى قلنا بأن الأولى هي
الفرض ـ وقد عرفت ان الحج الواجب المستقر متى صد عنه وتحلل منه وجب قضاؤه ـ وجب
القضاء في هذه الصورة ، لأنها أحد جزئيات هذه الكلية. وعلى هذا فيجب عليه أولا حجة
القضاء ثم حج العقوبة للإفساد السابق.
الثانية ـ ان
الحج ليس بمستقر والواجب حج العقوبة خاصة ، ويسقط القضاء ، لان القضاء مراعى بفوته
مع الاستقرار في الذمة ، كما تقدم تحقيقه في محله ، وهنا ليس كذلك كما هو المفروض.
الثالثة ـ ان
يكون الحج مستحبا ، وهو وان وجب بالشروع فيه كما تقدم ، ووجب قضاؤه بالإفساد أيضا
، وإتمامه ، كما تقدم في محله ، إلا انه لا يجب قضاؤه بالصد عنه اتفاقا نصا وفتوى
في ما اعلم. وحينئذ فمتى صد عنه وتحلل منه سقط أداء وقضاء وبقي حج الإفساد خاصة.
الرابعة ـ ان
يقال : ان الاولى عقوبة والثانية حجة الإسلام. ولا ريب ولا اشكال ـ كما عرفت ـ في
وجوب الحج ثانيا ، وهو على هذا القول يكون قضاء لحج الإسلام.
بقي الكلام في
الحج الأول الذي أفسده وهو عقوبة على هذا القول
هل يجب قضاؤه أم لا؟ قولان : قيل بالأول ، لأنه حج واجب قد صد عنه ، وكل حج
واجب صد عنه يجب قضاؤه. وعلى هذا فيجب حجان. وقيل بالثاني ، لأن الصد والتحليل
مسقط لوجوب الأولى ، والقضاء يتوقف على الدليل ، ولا دليل في المقام ، إذ المستفاد
من اخبار القضاء إنما هو بالنسبة إلى حج الإسلام. ومن هنا يظهر منع كلية الكبرى.
وحينئذ فالواجب هنا حج واحد لا غير.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ظاهر المحقق الأردبيلي (قدسسره) المناقشة في الصورة الأولى ، حيث احتج ـ بعد ان قال
أولا : ثم الظاهر عدم وجوب غير حج واجب واحد في الصور كلها ، سواء قلنا ان الإتمام
عقوبة أو الحج من قابل عقوبة ـ بأنه بعد الصد عن الإتمام إذا تحلل عنه بالهدي أو
بالعمرة لم يعلم وجوب القضاء لهذا الفاسد مطلقا ، سواء قلنا انه عقوبة أو الذي شرع
فيه أولا ، إذ لا يعلم دليل عليه ، وانما الدليل في الحج الصحيح الذي صد عنه وتحلل
عنه مع عدم وجوب شيء آخر.
ومرجع كلامه (طاب
ثراه) الى ان الدليل الدال على وجوب القضاء على المصدود مخصوص بالحج الصحيح ، ولا
عموم فيه على وجه يتناول الحج الفاسد.
وهو مشكل ،
فانا لم نقف في روايات الصد على ما يوجب القضاء على المصدود حتى انه يختص ذلك
بالصد عن الحج الصحيح دون الفاسد وانما المستند في ذلك الروايات الدالة على وجوب
الحج على المستطيع مطلقا والقضاء في كلام الأصحاب ليس مرادا به معناه المعروف ،
__________________
وهو الإتيان بالفعل في خارج وقته ، لان الحج لا وقت له وان وجب فورا بل
المراد به مجرد الفعل. وحينئذ فإذا كانت الأدلة الدالة على وجوب الحج على المصدود
الذي تحلل انما هي الأخبار الدالة على وجوب الحج على المستطيع مطلقا ـ حيث انه من
جملة من يدخل تحت هذا الخطاب ـ فلا فرق في ذلك بين ما إذا كان الصد عن حج صحيح أو
فاسد في تناول الخطاب ، فإنه لما علم تعلق الخطاب بكل منهما من حيث الاستطاعة
واستقراره في الذمة ، فلا تبرأ الذمة إلا بالإتيان به من المكلف نفسه أو نائبه في
حياته أو بعد موته. وهذا ـ بحمد الله تعالى ـ ظاهر لا سترة عليه.
هذا كله إذا
تحلل قبل انكشاف العدو وضاق الوقت بعد انكشافه.
اما لو تحلل ثم
انكشف العدو والوقت يسع الإتيان بالحج ، فإنه لا خلاف ولا إشكال في وجوب الإتيان
بالحج.
قال في المنتهى
: وهو حج يقضى لسنته ، وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد فيه في غير هذه
المسألة. ولو ضاق الوقت قضى من قابل.
والظاهر ان
مبنى كلامه (قدسسره) على ما هو المختار عنده من ان حج الإسلام هو الثاني
والأول عقوبة ، فإنه بعد التحلل من ذلك الحج الفاسد سقطت العقوبة ، وحج العقوبة لا
يقضى كما تقدم ، فيستأنف عند زوال العذر حج الإسلام. والقضاء هنا بمعنى الاستئناف
والتدارك. ولا يجب عليه سواه ، لما عرفت من عدم وجوب قضاء حج العقوبة. فهو حج يقضى
لسنته في هذه الصورة خاصة من حيث اتساع الوقت له ، لأنه في غير صورة الصد يجب عليه
المضي في الفاسدة التي ذكرنا أن إتمامها عقوبة ، فيتأخر القضاء الى العام القابل.
وفي صورة
الصد مع القول بكون الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة لم يكن حجا يقضى
لسنته ، لان الواقع بعد التحلل في السنة الأولى حج الإسلام ولا يصح وصفها بكونها
قضاء ، لانه ليس محلها العام الثاني وقدمت هنا عليه ـ كما في الصورة الأولى ـ حتى
يقال ، انه حج يقضى لسنته ، وانما محلها العام الأول.
ولهم في معنى
هذه العبارة أعني قولهم : «حج يقضى لسنته» اختلاف ليس في التعرض له كثير فائدة ،
والمعتمد عندهم ما ذكرناه.
واما لو لم يتحلل
بالكلية بل صابر الى ان ينكشف العدو ، فان انكشف والوقت يسع الإتيان بالحج وجب
المضي في الحج الفاسد وان كان مندوبا ، ووجب القضاء في القابل بالإفساد ، وان ضاق
الوقت تحلل بعمرة ، ويلزمه بدنة للإفساد ، ولا شيء عليه للفوات ، وعليه الحج من
قابل سواء كان الحج واجبا أو ندبا. لأن التطوع يكون واجبا بالإفساد.
الثالثة عشرة ـ
قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم يندفع العدو إلا بالقتال ، فإنه لا
يجب عليه القتال ، سواء غلب على ظنه السلامة أو العطب.
واستدل عليه في
المنتهى بان في التكليف به مشقة زائدة وخطرا عظيما ، لاشتماله على المخاطرة بالنفس
والمال ، فكان منفيا بقوله (عزوجل) (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله (صلىاللهعليهوآله) : «لا ضرر ولا ضرار». وهو جيد متى بلغ الأمر الى ذلك
__________________
والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم.
نعم بقي الكلام
في الجواز ، فقال الشيخ في المبسوط : إذا أحرموا فصدهم العدو ، فان كان مسلما
كالأعراب والأكراد ، فالأولى ترك قتالهم وينصرفون إلا ان يدعوهم الإمام أو من نصبه
الى قتالهم ، وان كان مشركا لم يجب على الحاج قتالهم ، لان قتال المشركين لا يجب
إلا بإذن الإمام أو الدفع عن النفس أو الإسلام ، وليس هنا واحد منهما ، وإذا لم
يجب فلا يجوز ايضا ، سواء كانوا قليلين أو كثيرين. انتهى. وهو ظاهر في عدم جواز
قتال المشركين.
وصرح جملة من
الأصحاب ـ منهم : العلامة والشهيد ـ بالجواز لمشرك كان أو غيره ، مع ظن الظفر ،
لانه نهى عن منكر فلا يتوقف على اذن الامام (عليهالسلام).
قال في الدروس
: ومنعه الشيخ التفاتا إلى اذن الامام في الجهاد. ويندفع بأنه نهى عن منكر.
واستجوده في المدارك ، وأيده بأن لمانع ان يمنع توقف الجهاد على الاذن إذا كان
لغير الدعوة الى الإسلام ، قال : فانا لم نقف في ذلك على دليل يعتد به.
وقال في
المسالك ـ بعد نقل الجواز عن العلامة والشهيد ، واحتجاجهما بأنه نهى عن منكر ، فلا
يتوقف على اذن الامام ـ ما صورته : ويشكل بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال
أو الجرح على اذن الامام ، وهما قد اعترفا به في بابه. وبان ذلك لو تم لم يتوقف
الجواز على ظن الظفر ، بل متى جوزه كما هو الشرط فيه. وأيضا إلحاقه بباب النهي عن
المنكر يفضي الى وجوبه لا الى جوازه بالمعنى الأخص ، وهم قد اتفقوا على عدم الوجوب
مطلقا. انتهى.
ونقل في
المختلف عن ابن الجنيد انه قال : لو طمع المحرم في دفع من صده إذا كان ظالما له
بقتال أو غيره كان ذلك مباحا له ، ولو اتى على نفس الذي صده ، سواء كان كافرا أو
ذميا أو ظالما.
قال في المختلف
بعد نقله ذلك : وقول ابن الجنيد لا بأس به. انتهى. ولا بأس به.
ولو توقف زوال
العدو على دفع مال ، فقيل بعدم وجوب بذله ، وقيل بالوجوب إذا لم يجحف. وقد تقدم
تحقيق المسألة في شرائط وجوب الحج.
المطلب الثاني
ـ في الإحصار ، وهو ـ كما عرفت ـ المنع بالمرض من مكة أو من الموقفين. والكلام في
ما يتحقق به الحصر جار على نحو ما تقدم في ما يتحقق به الصد.
والكلام في هذا
المطلب يقع أيضا في مواضع :
الأول ـ لا
خلاف بين الأصحاب في ان تحلل المحصر يتوقف على الهدي ، وانما الخلاف في البعث
وعدمه ، فالمشهور بينهم انه يجب بعث الهدي الى منى ان كان حاجا ، والى مكة ان كان
معتمرا ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بلغ الهدي محله قصر وأحل من كل شيء
إلا النساء. قاله الشيخ وابنا بابويه وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن
إدريس. وقال ابن الجنيد بالتخيير بين البعث وبين الذبح حيث أحصر فيه. وقال سلار :
المحصور بالمرض اثنان : أحدهما في حجة الإسلام والآخر في حجة التطوع ، فالأول يجب
بقاؤه على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ، ثم يحل من كل شيء أحرم منه إلا النساء ،
فإنه لا يقربهن حتى يقضى مناسكه من قابل ، والثاني ينحر
هديه وقد أحل من كل شيء أحرم منه. وعن الجعفي أنه يذبح مكان الإحصار ما لم
يكن ساق.
ويدل على القول
المشهور ظاهر الآية ، وهي قوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا
رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) .
قال في المدارك
: وهي غير صريحة في ذلك ، لاحتمال ان يكون معناه : «حتى تنحروا هديكم حيث حبستم»
كما هو المنقول من فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) .
وفيه : ان
الظاهر من الاخبار ان المراد بمحل الهدي وبلوغه محله انما هو مكة أو منى ، كما
سنشير اليه ان شاء الله تعالى.
ومن أظهر
الاخبار في ذلك ما تقدم في حديث حج الوداع الطويل المتقدم في المقدمة الرابعة من
الباب الأول من احتجاجه (صلىاللهعليهوآله) على عدم الإحلال بسياق الهدي ، وانه لا يجوز لسائق
الهدي الإحلال حتى يبلغ محله ، يعني : منى ، كما لا يخفى.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام!) قال : «سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي. قال : يواعد
أصحابه ميعادا ، ان كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر فإذا كان يوم النحر فليقص من
رأسه ، ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي
__________________
المناسك. وان كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم
فيها ، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل. الحديث». وفي قوله : «ان كان في الحج فمحل
الهدي يوم النحر» ما يشير الى تفسير محل الهدي في الآية بأنه هذا المكان في الحج
ومكة في العمرة.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا أحصر الرجل بعث بهديه ، فإذا أفاق ووجد من
نفسه خفة. الحديث». وسيأتي قريبا (ان شاء الله تعالى).
وما رواه في
الكافي عن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه. الحديث».
وما رواه في
الكافي عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال : يبعث
بهديه. قلت : هل يستمتع من قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) وعن رفاعة في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انهما قالا : «القارن يحصر وقد قال واشترط : فحلني حيث
حبستني؟
قال : يبعث
بهديه. قلت : هل يتمتع في قابل؟ قال : «لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».
__________________
وما رواه في
التهذيب في الموثق عن زرعة قال : «سألته عن رجل أحصر في الحج.
قال : فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحله ان يبلغ الهدي محله ، ومحله منى يوم
النحر إذا كان في الحج ، وإذا كان في عمرة نحر بمكة. وإنما عليه ان يعدهم لذلك
يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفي ، وان اختلفوا في الميعاد لم يضره ان شاء الله
تعالى». وفيه إشارة الى ما قدمنا ذكره من معنى بلوغ الهدي محله.
إلا ان بإزاء
هذه الاخبار ما يدل على خلافها ، ومنها قوله (عليهالسلام) في تتمة صحيحة معاوية بن عمار المذكورة صدر هذه
الروايات بعد ما ذكر ما قدمناه منها : «وان كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد
الرجوع رجع الى اهله ونحر بدنة. الى آخره» وقد تقدم بكماله في صدر هذا المقصد وذكر فيه حديث الحسين (عليهالسلام) وانه لما بلغ عليا (عليهالسلام) خبره فاتى اليه حلق رأسه ونحر بدنة عنه ورجع به الى
المدينة.
ومنها : ما رواه
الصدوق في الصحيح عن رفاعة بن موسى عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «خرج الحسين (عليهالسلام) معتمرا ـ وقد ساق بدنة ـ حتى انتهى الى السقيا ، فبرسم
، فحلق شعر رأسه ونحوها مكانه ثم اقبل حتى جاء فضرب الباب ، فقال علي (عليهالسلام) : ابني ورب الكعبة ، افتحوا له الباب. وكانوا قد حموه
الماء ، فأكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد».
__________________
ومنها : ما
رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال «في المحصور ولم يسق الهدي؟ قال : ينسك ويرجع ،
فان لم يجد ثمن هدي صام».
ومنها : مرسلة
الفقيه عن الصادق (عليهالسلام) «المحصور والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي
يضطران فيه».
ويمكن الجمع بين
هذه الاخبار بالتخيير كما ذهب اليه ابن الجنيد.
ويحتمل ايضا
حمل الأخبار الأخيرة على عدم إمكان البعث ، فيجوز له ذلك في مكان الحصر. ولعل في
مرسلة الصدوق ما يشير الى ذلك.
ويحتمل ايضا
حمل اخبار البعث على السياق الواجب والنحر في محل الحصر على ما لم يكن كذلك.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من الاشكال. والاحتياط في الوقوف على القول المشهور.
واما ما نقل عن
سلار من التفصيل بين الحج الواجب والمندوب فيدل عليه ما رواه شيخنا المفيد في
المقنعة مرسلا قال : قال (عليهالسلام): المحصور بالمرض ان كان ساق هديا اقام على إحرامه حتى
يبلغ الهدي محله ثم يحل ، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل. هذا إذا كان
حجة الإسلام ، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وقد أحل من ما كان أحرم منه ، فان
شاء حج من قابل وان شاء لا يجب عليه الحج. والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه
بمكانه ويقصر
__________________
من شعر رأسه ويحل ، وليس عليه اجتناب النساء ، سواء كانت حجته فريضة أو
سنة. انتهى.
الثاني ـ قد
عرفت سابقا انه على تقدير وجوب البعث فإنه يجب عليه البقاء على إحرامه حتى يبلغ
الهدي محله ، والمراد ببلوغه محله يعني : حضور الوقت الذي وأعد أصحابه للذبح أو
النحر في المكان المعين ، كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وموثقة زرعة ، فإذا
حضر ذلك الوقت أحل من كل شيء إلا من النساء ، حتى يحج من القابل ان كان الحج
واجبا ، أو يطاف عنه ان كان الحج مستحبا.
هكذا ذكره
الأصحاب ، بل قال في المنتهى : انه قول علمائنا. مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
والروايات قاصرة عن هذه التفصيل.
اما انه لا تحل
له النساء بمجرد الذبح أو النحر في عام الحصر فلا اشكال فيه ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر المقصد : «والمصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له النساء».
وقوله في صحيحته الثانية المتضمنة لحصر الحسين (عليهالسلام). «أرأيت حين بريء من وجعه قبل ان يخرج إلى العمرة حلت
له النساء؟ قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة».
واما انه تحل
له بعد الطواف فهو صريح صحيحة معاوية المذكورة ثانيا. ومثلها قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي في المحصور كما تقدم نقل عبارته : ولا يحل حتى يبلغ
الهدي محله ، فإذا بلغ الهدي محله أحل وانصرف الى منزله ، وعليه الحج من قابل ولا
يقرب النساء حتى يحج من قابل.
__________________
وإطلاق هذه
الاخبار شامل لما لو كان الحج واجبا أو مستحبا بمعنى ان توقف الإحلال على الحج
ثانيا والإتيان بطواف النساء أعم من ان يكون الحج واجبا أو مندوبا.
ولم نقف على
دليل يدل على ما ذكروه من الاستنابة في طواف النساء متى كان الحج مندوبا ، بل هذه
روايات المسألة كما سمعت. والعلامة بعد ذكر هذا الحكم في المنتهى لم يستدل عليه
بشيء سوى ما يفهم من كلامه وإسناده ذلك الى علمائنا ، المؤذن بدعوى الإجماع عليه
كما قدمنا ذكره.
ونقل عن جمع من
المتأخرين الاستدلال عليه بان الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه ، والبقاء على
تحريم النساء ضرر عظيم ، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء.
وفيه : ما عرفت
من ان إطلاق الروايات المتقدمة دال على انه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ـ كما
في صحيحة معاوية بن عمار ـ أو حتى يحج من قابل ، كما في عبارة كتاب الفقه. واللازم
اما العمل بإطلاق هذه الاخبار ، فلا يتحلل إلا بالإتيان به واجبا كان الحج أو
مستحبا. وفيه : ما تقدم من الإشكال الذي ذكره جمع من المتأخرين. واما حمل هذه
الاخبار على الحج الواجب خاصة والقول بالسقوط في المستحب ، وعدم وجوب الإتيان
بطواف النساء لا بنفسه ولا بالاستنابة. ولعله الأقرب. وتؤيده المرسلة التي تقدم
نقلها عن شيخنا المفيد في المقنعة. ويؤيده قوله في كتاب الفقه : «حتى يحج من قابل»
بعد قوله أولا : «وعليه الحج من قابل» فإنه ظاهر في كون الحج واجبا مستقرا.
وقد ألحق شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك بالمستحب الواجب الغير
المستقر ، فيجوز النيابة فيه دون العود له ، قال : لما في تركه من الضرر
العظيم ، مع كونه من الأفعال القابلة للنيابة. ونقل عن العلامة في القواعد الجزم
به. ثم قال : وقيل يبقى على إحرامه الى ان يطوف لهن ، لإطلاق النص.
وألحق العلامة
في القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز عنه. وحكاه في الدروس بلفظ «قيل»
فقال : قيل : أو مع عجزه في الواجب. وهو مؤذن بتمريضه. قال في المدارك : والقول
بالجواز غير بعيد ، دفعا للحرج والضرر اللازم من البقاء على التحريم.
وأنت خبير بما
في هذه الإلحاقات بعد ما عرفت من عدم الدليل على الملحق به.
وبالجملة فالذي
يقرب عندي من اخبار المسألة هو وجوب طواف النساء ـ وعدم حل النساء إلا بالإتيان به
ـ على من وجب عليه الحج في العام الثاني ، واما من لم يجب عليه فالتمسك بأصالة
البراءة أقوى دليل في المقام. وتؤيده مرسلة المقنعة المتقدمة ، وان كان ما ذهبوا
اليه هو الأحوط في الدين وتحصل به البراءة بيقين.
قال في الدروس
: ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له ، إذ لا طواف لأجل النساء فيها.
قال في المدارك
ـ بعد ان نقل عن المحقق الشيخ علي انه قواه وعن جده انه مال اليه ـ ما لفظه : وهو
غير واضح ، إذ ليس في ما وصل إلينا من الروايات تعرض لذكر طواف النساء ، وانما
المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار توقف حل النساء في المحصور على
__________________
الطواف والسعي وهو متناول للحج والعمرتين. ومن هنا يظهر ان ما ذكره المحقق
الشيخ علي ايضا ـ من ان الاخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن ـ غير جيد.
انتهى.
أقول : قال في
المسالك : وتوقف تحريم النساء على طوافهن يتم مع وجوب طواف النساء في النسك ، فلو
كان عمرة التمتع فالذي ينبغي الإحلال من النساء أيضا ، إذ ليس فيها طواف النساء.
واختاره في الدروس. ولكن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن من غير تفصيل.
انتهى. وكلامه ـ كما ترى ـ يؤذن بالتردد لا بالميل الى ذلك القول كما نقله عنه
سبطه.
واما المحقق
الشيخ علي (قدسسره) فإنه قال : وفي الدروس : لو كانت عمرة التمتع أحل من
النساء أيضا ، إذ ليس فيها طواف النساء. وهو قوي متين. لكن الأخبار مطلقة بعدم حل
النساء إلا بطوافهن من غير تفصيل. ويمكن ان يحتج لذلك بأن عمرة التمتع دخلت في
الحج فالشروع فيها شروع فيه ، فيتوقف انقطاع الارتباط به على طواف النساء. وفيه
نظر ، لان الارتباط لا يقتضي منع إحرامه الذي هو فيه من النساء بعد التقصير الى ان
يطوف لهن. انتهى. وهو ـ كما ترى ـ كسابقه يؤذن بالتردد لا التقوية كما ذكره.
وحاصل كلامهما
ان عدم طواف النساء في صورة الحصر عن عمرة التمتع قوي ، بالنظر الى ان عمرة التمتع
ليس فيها طواف النساء ، إلا انه بالنظر الى إطلاق الاخبار لا يتم ذلك. ويؤيد ما
قلناه استدلال المحقق المذكور بما ذكره للقول المذكور ثم رده. ومنه يظهر ان النقل
عنهما بما ذكره لا يخلو من مسامحة. نعم كلام الشهيد في الدروس ظاهر في الجزم به.
ثم ما نقله
عن الشيخ علي (قدسسره) من ان الاخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن مذكور
ايضا ـ كما عرفت ـ في كلام جده ، فلا وجه لتخصيصه الشيخ علي بذلك.
وكيف كان فان
ما ذكراه من ان الاخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن ، ان أريد به في باب
المحصور فليس في الباب ما يتعلق بذلك إلا صحيحة معاوية بن عمار المذكورة وظاهرها انما هو التوقف على الطواف والسعي ، وليس فيها
تعرض لطواف النساء بخصوصه. والظاهر ان هذه العبارة خرجت مخرج التجوز ، بمعنى انه
لا تحل له النساء حتى يأتي بأفعال العمرة من الطواف والسعي ونحوهما ، فان سياق
الخبر في اعتمار الحسين (عليهالسلام) والظاهر انها عمرة مفردة. وان أريد الأخبار الدالة على
وجوب طواف النساء على الحاج والمعتمر مطلقا وان هذه الصورة تدخل تحت إطلاق تلك الاخبار ، فهو ايضا
غير متجه ، لأن الأخبار هناك غير مطلقة بل جملة من الاخبار دلت على وجوب طواف
النساء في الحج ولا خلاف فيه ، واختلفت في العمرة المفردة ، وان كان المشهور وجوبه
فيها كما سيأتي بيانه في موضعه. واما عمرة التمتع فالأخبار مستفيضة بعدم وجوب طواف
النساء فيها والأصحاب إلا من شذ على ذلك. وبالجملة فكلامهما (عطر
الله مرقديهما) لا يخلو من غفلة.
نعم لقائل أن
يقول في الانتصار لما ذكره شيخنا في الدروس بان ظاهر
__________________
سياق صحيحة معاوية المتضمنة لتلك العبارة انما هو اعتماد الحسين (عليهالسلام) عمرة مفردة ، فلا عموم فيها لما ادعاه في المدارك من
دخول الحج وعمرة التمتع ، غاية الأمر ان وجوب طواف النساء لما كان متفقا عليه في
الحج نصا وفتوى فلا بد من اجراء الحكم فيه من أدلة خارجة لا من
هذه الرواية ، وعمرة التمتع لما لم يكن فيها طواف النساء ـ كما استفاضت به الاخبار
ـ بقيت خارجة من الحكم ، وإثباته فيها في هذه الصورة يحتاج الى دليل ،
وليس إلا صحيحة معاوية المذكورة وظاهرها الاختصاص بالعمرة المفردة كما ذكرنا ، وسياق
الخبر حكاية حاله (عليهالسلام) فلا عموم فيه كما هو ظاهر. وبذلك يندفع الإشكال في
المقام. والله العالم.
الثالث ـ لو
ظهر ان هديه الذي بعثه لم يذبح وقد تحلل في يوم الوعد ، لم يبطل تحلله. وكذا لو لم
يبعث هديا وأرسل دراهم يشترى بها هدي وواعد بناء على ذلك ، فتحلل في يوم الوعد ،
ثم ردت عليه الدراهم ، فان تحلله صحيح أيضا ، لأن التحلل في الموضعين وقع باذن
الشارع كما سيظهر لك ، فلا يتعقبه مؤاخذة ولا بطلان. نعم الواجب عليه بعد العلم
بذلك بعث الهدي من قابل ، والإمساك عن ما يجب على المحرم الإمساك عنه الى يوم
الوعد.
ويدل على ما
ذكرناه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وقوله (عليه
__________________
السلام) في آخرها على رواية الشيخ في التهذيب كما تقدم : «وان ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد
أحل ، لم يكن عليه شيء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك ايضا».
وقوله (عليهالسلام) في موثقة زرارة المتقدمة بعد قول زرارة : «قلت : أرأيت ان ردوا عليه دراهمه ولم
يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء؟ قال : «فليعد وليس عليه شيء ، وليمسك الآن عن
النساء إذا بعث».
والمستفاد من
الروايتين المذكورتين وجوب الإمساك إذا بعث هديه في القابل أو قيمة يشترى بها. وهو
المشهور بين الأصحاب.
وقال ابن إدريس
: لا يجب عليه الإمساك عن ما يمسك عنه المحرم لانه ليس بمحرم.
واستوجهه
العلامة في المختلف ، وقال : ان الأقرب عندي حمل الرواية على الاستحباب ، جمعا بين
النقل وما قاله ابن إدريس. وأشار بالرواية إلى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث
لم ينقل سواها.
واعترضه في
المدارك بان ما ذكره ابن إدريس لا يصلح معارضا للنقل.
وفيه : ان
الظاهر ان مراد شيخنا المذكور ان ما ذكره ابن إدريس هو الأوفق بالقواعد الشرعية
والضوابط المرعية ، حيث ان الأصل في الأشياء الإباحة ، والاخبار الدالة على تحريم
تلك الأشياء إنما دلت بالإحرام أو في الحرم ، ومتى لم يكن محرما ولا في الحرم فلا
يحرم عليه شيء. وهذا جيد على قواعد ابن إدريس. إلا ان الجواب عنه انه
__________________
بعد ان دل النص الصحيح على ذلك فلا مجال للتوقف فيه. والعلامة (رحمهالله) انما لحظ ذلك لا مجرد قول ابن إدريس. وباعتبار ما
ذكرناه يكون من قبيل تعارض الدليلين ، وهو في غير موضع قد جمع بينهما في مثل ذلك
بالاستحباب ، وتكلمنا عليه بإمكان الجمع بتخصيص الإطلاق كما هنا ، وهو اولى من
الجمع بالاستحباب. وما ذكره العلامة من توجيه كلام ابن إدريس ليس مخصوصا به بل هو
ظاهر جماعة من الأصحاب ، كما ذكره في المسالك ، بل ظاهره في المسالك الميل اليه.
وهو من ما يؤذن بقوة قوله عندهم ، وليس إلا باعتبار ما وجهناه به.
ثم انه قال في
المدارك : واعلم انه ليس في الرواية ولا في كلام من وقفت على كلامه من الأصحاب
تعيين لوقت الإمساك صريحا ، وان ظهر من بعضها انه من حين البعث. وهو مشكل. ولعل المراد
انه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر موثقة زرارة وجوب الإمساك إذا بعث. ثم انه اي إشكال في القول بوجوب
الإمساك من حين البعث حتى انه يرتكب التخصيص بحين إحرام المبعوث معه الهدي؟ واي
دليل دل على ذلك حتى يفر اليه من هذا الاشكال. بل الإشكال في ما ذكره أعظم ، حيث
انه لا دليل عليه بالمرة ولا قائل به بالكلية والقول بوجوب الإمساك من حين البعث
هو ظاهر الأصحاب والاخبار اما موثقة زرارة فهي ظاهرة في ذلك. واما صحيحة معاوية بن عمار
__________________
فان قوله : «يبعث من قابل ويمسك أيضا» ـ يعني : من قابل ـ فهو ظاهر في كون
وقت الإمساك ووقت البعث واحدا.
بقي هنا شيء
وهو ان ظاهر موثقة زرارة أنه بالمواعدة وإتيان وقت الوعد يحل حتى من النساء. وهو
مشكل ، حيث ان ظاهر الأصحاب ان الحل من النساء متوقف على الطواف كما تقدم ، بنفسه
ان كان الحج واجبا ، لوجوب المضي عليه ، أو نائبه ان كان مستحبا. وهو ظاهر الاخبار
المتقدمة أيضا.
قال في الوافي
بعد نقل الخبر المذكور : لعل المراد بإتيانه النساء إتيانه إياهن بعد الطواف
والسعي .
أقول : لا يخفى
ما فيه ، فان سياق الخبر ان المحصور يبعث بهديه ويواعدهم يوما ، فإذا بلغ الهدي
أحل هذا في مكانه ، فقال له الراوي :
أرأيت ان ردوا
عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء؟ قال : فليعد وليس عليه شيء ،
وليمسك الآن عن النساء. هذا صورة الخبر ، فكيف يتم إن إتيانه بعد الطواف والسعي
وهو في مكانه؟ مع ان التكليف بالطواف بنفسه أو بنائبه انما هو في العام القابل كما
في الاخبار وكلام الأصحاب. اللهم إلا ان يحمل إتيانه النساء على الخطأ والجهل
بتوهم حلهن له بالمواعدة كما في سائر محرمات الإحرام ويكون قوله (عليهالسلام) : «ليس عليه شيء» يعنى من حيث الجهل ، فإنه معذور ،
كما في غير موضع من أحكام الحج ، وانه بعد العلم بذلك فليمسك الآن عن النساء إذا
بعث.
قال المحقق
الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد ـ بعد نقل
__________________
الخلاف بين المشهور وابن إدريس ، واحتجاج ابن إدريس بالأصل ، وانه ليس
بمحرم ولا في حرم ، فكيف يمنع من الصيد ونحوه؟ والجواب عن ذلك بأنه لا استبعاد بعد
وجود النص ، ويضمحل الأصل به. ويؤيده ما يدل على بعث الهدى من الآفاق والإمساك كما
سيجيء ـ : على انه قد يقال : وجوب الإمساك عن الصيد ونحوه غير معلوم ، وانما دل
الدليل على وجوب الإمساك عن النساء ، ولا استبعاد في ذلك ، كما إذا قصر المحصر لا
تحل له النساء حتى يطوف ، فان معنى قولهم : «لا يبطل إحلاله» انه لا تجب عليه
الكفارة بالتحلل بل لما وقع التحلل باعتقاد انه محل فلا شيء عليه. ولا ينافيه ان
يكون باقيا على إحرامه الى ان يبعث في القابل. ولكن يلزم كونه باقيا على الإحرام
من حين العلم لا من حين البعث ، ولا شك انه أحوط. بل الظاهر ان ذلك هو الواجب ،
لان المحلل ما حصل في نفس الأمر ، وكفاية زعمه غير ظاهر بعد العلم بفساد زعمه
وظنه. فتأمل. انتهى.
أقول : وفيه :
ان ظاهره موافقة ابن إدريس في عدم تحريم الصيد ونحوه من محرمات الإحرام إلا
النساء. ولعله اعتمد في ذلك على موثقة زرارة المتقدمة ، حيث نقلها سابقا في كلامه
، إلا انها غير صريحة بل ولا ظاهرة في ذلك وان أوهمته في بادي الرأي. والظاهر من
كلام الأصحاب وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة هو تحريم جميع محرمات الإحرام عليه
من حين البعث لا خصوص النساء. وبالجملة فإنا نقول : ان هذا المحرم بعد إحرامه قد
حرم عليه جميع محرمات الإحرام ، ولما أحصر واذن له الشارع ببعث الهدي أو ثمنه ،
وانه يعدهم بوقت ، وجوز له الإحلال في ذلك الوقت إلا من النساء ، ثم قصر وأحل في
وقت الوعد باذن الشارع
له في ذلك لا باعتبار زعمه وظنه كما ذكره (قدسسره) فقد وقع إحلاله في محله ، ولا يتعقبه نقص ولا كفارة.
وقوله (قدسسره) ـ : ولا ينافيه ان يكون باقيا على إحرامه الى ان يبعث
في القابل ـ ممنوع فإنه بناء على كون التحلل انما وقع في الظاهر باعتبار ظنه وزعمه
باعتقاده الذبح عنه ، وهو غلط منه ، بل التحلل عندنا انما استند إلى أمر الشارع له
بذلك وتجويزه ، كما دل عليه الخبران المتقدمان. ويؤيده أيضا قوله (عليهالسلام) في موثقة زرعة : «وانما عليه ان يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم
فقد وفى ، وان اختلفوا في الميعاد لم يضره ان شاء الله تعالى». وحينئذ إذا كان
إحلاله مستندا إلى اذن الشارع فهو محل ظاهرا وواقعا ، غاية الأمر ان الشارع أوجب
عليه لتدارك ما فات ان يرسل الهدي وان يجتنب ما يجتنبه المحرم وقت الإرسال ، كما
في الآفاقي الآتي ذكره ان شاء الله تعالى. وهذا غاية ما يفهم من اخبار المسألة.
وبذلك يظهر ان ما ذكره ـ من ان الأحوط بل الظاهر انه الواجب كونه باقيا على
الإحرام من حين العلم ـ غير جيد ، بل مجرد وهم نشأ من بنائه تجويز الإحلال على
زعمه وظنه التحلل بالمواعدة وانهم وفوا بوعده ، وقد انكشف خلف الوعد فكان باقيا
على إحرامه. وقد عرفت ما فيه ، وان تجويز الإحلال إنما استند إلى أمر الشارع
واذنه. وليت شعري كيف الجمع ، بين حكمه أولا بأن وجوب الإمساك عن الصيد ونحوه غير
معلوم وإنما دل الدليل على وجوب الإمساك عن النساء ، وبين قوله ان يكون باقيا على
إحرامه من حين العلم بفساد المواعدة وانهم لم يذبحوا عنه ، لظهور بقائه على
__________________
الإحرام الأول؟ ما هو إلا عجب عجيب من هذا المحقق الأريب ، وبالجملة فإني
لا اعرف لكلامه (رحمهالله تعالى) هنا وجه صحة. والله العالم.
الرابع ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو وجد المحصور من نفسه خفة ـ بعد ان بعث
هديه ـ وامكنه المسير إلى مكة فالواجب عليه اللحوق بأصحابه ، لأنه محرم بأحد
النسكين فيجب عليه الإتيان به وإتمامه ، للآية والفرض انه متمكن. ثم انه ان أدرك أحد الموقفين الموجب
لصحة الحج فقد أدرك الحج وليس عليه الحج من قابل ، وان لم يدرك ما يوجب صحة الحج
فقد فاته الحج وكان عليه الحج من قابل ان كان واجبا ، ويتحلل بعمرة. وسيأتي ان شاء
الله (تعالى) تفصيل ما به يدرك الحج في محله.
ويدل على أصل
الحكم ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا أحصر الرجل بعث بهديه ، فإذا أفاق ووجد من
نفسه خفة فليعض ان ظن انه يدرك الناس ، فان قدم مكة قبل ان ينحر الهدي فليقم على
إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه ولا شيء عليه ، وان قدم مكة وقد نحر
هديه فان عليه الحج من قابل أو العمرة. قلت : فان مات وهو محرم قبل ان ينتهي إلى
مكة؟ قال : يحج عنه ان كانت حجة الإسلام ويعتمر ، انما هو شيء عليه». قوله : «ان
ظن انه يدرك الناس»
__________________
في الكافي ، وفي التهذيب «ان ظن انه يدرك هديه قبل ان ينحر».
قال في الوافي : قوله : «من قابل» قيد للحج خاصة دون العمرة ، وانما
الحج من قابل إذا نحر هديه وفات وقت مناسكه. وقوله : «أو العمرة» يعني : إذا كان
إحرامه للعمرة. انتهى.
وهو كذلك بناء
على عطف العمرة ب «أو» ، واما على العطف بالواو ـ كما في بعض النسخ ، وكذلك نقله
في الوسائل والمنتهى في ما حضرني من نسختهما ـ فالظاهر ان المراد عمرة التحلل. فان
قيل : ان التحلل قد حصل بذبح الهدي عنه. قلنا : ظاهر كلام الأصحاب وإطلاق عباراتهم
في هذا المقام يعطي وجوب التحلل بالعمرة وان تحقق الذبح عنه بعد وصوله.
قال في المدارك
ـ بعد قول المصنف : ولو بعث هديه ثم زال العارض لحق بأصحابه ، فإن أدرك أحد
الموقفين في وقته فقد أدرك الحج ، وإلا تحلل بعمرة ـ ما صورته : واعلم ان إطلاق
العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في وجوب التحلل بالعمرة مع الفوات بين ان يتبين
وقوع الذبح عنه وعدمه. وبهذا التعميم صرح الشهيدان ، نظرا الى ان التحلل بالهدي
انما يحصل مع عدم التمكن من العمرة أما معها فلا ، لعدم الدليل. ويحتمل عدم
الاحتياج إلى العمرة إذا تبين وقوع الذبح عنه لحصول التحلل به. انتهى.
وبالجملة فإنه
على تقدير نسخة الواو لا معنى للعمرة إلا عمرة التحلل وعلى تقديره تكون الرواية
واضحة الدلالة على ما ذكره الأصحاب والمعنى حينئذ انه ينتقل إحرامه الذي دخل به
للحج إلى العمرة المفردة
__________________
ويتحلل بها. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.
قال العلامة في
المنتهى : إذا فاته الحج جعل حجه عمرة مفردة ، فيطوف ويسعى ويحلق. قاله علماؤنا
أجمع. ثم نقل خلاف العامة .
والعجب من
السيد السند في المدارك حيث ذكر الحكم المذكور ولم يورد الرواية دليلا لذلك ، مع
صحتها وصراحتها ، وتهالكه على ذكر الأدلة ، ولا سيما مع صحة أسانيدها. ولعله غفل
عنها. والله العالم.
الخامس ـ الظاهر
انه لا خلاف ولا إشكال في ان حكم المعتمر في أحكام الحصر حكم الحاج ، فمتى أحصر
فعل ما ذكر في أحكام الحج ، وكان عليه العمرة واجبة ان كانت عمرة الإسلام أو غيرها
من الواجبات وان كانت نفلا كان الإعادة نفلا أيضا.
بقي الكلام في
انه هل يشترط مضى الشهر هنا أم يقضي عند زوال العذر مطلقا؟ ظاهر الأصحاب ان الخلاف
هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين. قال في الدروس
: المعتمر افرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا ، فيبني على الخلاف. أقول
: وسيأتي تحقيق الكلام فيه في محله ان شاء الله (تعالى).
قال في المدارك
: ويمكن المناقشة فيه بعدم تحقق العمرة ، لتحلله منها ، فلا يعتبر في جواز الثانية
تخلل الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين. الا ان يقال باعتبار مضى الزمان بين
الإحرامين. وهو جيد.
وكيف كان فإنما
يجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلك أو مع التفريط ، كما تقدم في الحج.
والله العالم.
السادس ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في المحصور
__________________
إذا كان قارنا ثم تحلل ، فهل يجب عليه القضاء بمثل ما خرج منه فلا يجوز له
التمتع أم لا؟ المشهور الأول ، وهو قول الشيخ ومن تبعه. وظاهر هذا القول عدم الفرق
بين الواجب والندب ، وان كان الندب لا يجب قضاؤه ، الا انه ان قضاه قضاه كذلك.
ومنع ابن إدريس من ذلك وجعل له ان يحرم بما شاء. وقال في المختلف : والأقرب ان
نقول ان تعين عليه نوع وجب عليه الإتيان به وإلا تخير ، غير ان الأفضل الإتيان
بمثل ما خرج منه. ونحوه في المنتهى.
والذي وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة رفاعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) ومحمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) انهما قالا : «القارن يحصر ، وقد قال واشترط : فحلني
حيث حبستني؟ قال : يبعث بهديه. قلنا : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في
مثل ما خرج منه».
ورواية رفاعة
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال : يبعث بهديه.
قلت : هل يستمتع من قابل؟ فقال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».
وبهذه الروايات
أخذ الشيخ ومن تبعه من الأصحاب.
قال في المنتهى
بعد نقل صحيحة محمد بن مسلم ورفاعة دليلا للشيخ : ونحن نقول بحمل هذه الرواية على
الاستحباب ، أو على انه قد كان القران متعينا في حقه ، لانه إذا لم يكن واجبا لم
يجب القضاء ، فعدم وجوب الكيفية أولى. انتهى. وهو جيد.
__________________
قال في المدارك
: والقول بوجوب الإتيان بما كان واجبا والتخيير في المندوب لابن إدريس وجماعة ،
وقوته ظاهرة. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان مقتضى كلام العلامة في المختلف ان في المسألة أقوالا ثلاثة : أحدها ـ ما نقله
عن الشيخ ، وهو المشهور كما قدمنا ذكره. الثاني ـ ما نقله عن ابن إدريس ، وهو ما
ذكرناه من انه يحرم بما شاء. وكذلك نقله في المنتهى بهذه العبارة. الثالث ـ ما
اختاره هو (قدسسره) في المنتهى والمختلف كما قدمنا ذكره عن المختلف. وقال
في المنتهى بعد نقل قولي الشيخ وابن إدريس : والوجه عندي انه يأتي بما كان واجبا ،
وان كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وان كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل. وهو
يرجع الى ما اختاره في المختلف.
والمحقق في
الشرائع نقل قول الشيخ والقول الذي حكيناه عن العلامة فقال : والقارن إذا أحصر
فتحلل لم يحج في القابل الا قارنا. وقيل : يأتي بما كان واجبا ، وان كان ندبا حج
بما شاء من أنواعه ، وان كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل. هذه عبارته.
والسيد السند (قدسسره) نسب هذا القول الثاني لابن إدريس وجماعة ، كما سمعت من
عبارته ، وهو وهم منه (قدسسره) فان قول ابن إدريس المحكي عنه في المختلف والمنتهى كما
سمعت انما هو الإحرام بما شاء ، واين هو من هذا التفصيل الذي في العبارة؟ وانما
هذا قول ثالث في المسألة غير قول ابن إدريس.
وهذه عبارة ابن
إدريس في سرائره ننقلها لتكون على يقين من ما قلناه ، قال : قال شيخنا أبو جعفر في
نهايته : والمحصور ان كان قد أحصر وقد أحرم بالحج قارنا فليس له ان يحج في
المستقبل متمتعا ،
بل يدخل بمثل ما خرج منه. قال محمد بن إدريس : وليس على ما قاله (رحمهالله) دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، بل الأصل
براءة الذمة. وبما شاء يحرم في المستقبل. انتهى. وبذلك يظهر لك ان ما ذكره في
المدارك ناشىء عن الغفلة وعدم مراجعة مذهب ابن إدريس في المسألة.
أقول : وكلام
ابن إدريس جيد على أصوله الغير الاصيلة ، والا فالسنة قد دلت على ما ذكره الشيخ ،
غير ان الشيخ لما كان من عادته في النهاية الإفتاء بمتون الاخبار غالبا ذكر فتواه
بصورة الرواية ، والرواية على إطلاقها غير معمول عليها. وبعين ما تؤول به الرواية
يؤول كلامه. والوجه فيه ما ذكره العلامة وغيره من ان الحج الأول ، ان كان واجبا
فالقضاء قرانا واجب ، وان كان مستحبا فهو مخير ، وان كان الأفضل جعله قرانا. واما
كلام ابن إدريس فهو ساقط رأي العين ، لانه مبني على اطراح الروايات من البين.
السابع ـ المحصور
قبل بلوغ الهدي محله ، ان احتاج الى حلق رأسه لأذى ، ساغ له ذلك ، ووجب عليه
الفداء. صرح به في المنتهى.
واستدل عليه برواية
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ، وآذاه رأسه قبل ان
ينحر فحلق رأسه ، فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يطعم ستة
مساكين».
أقول : وهذه
الرواية قد رواها الشيخ في موضع من التهذيب
__________________
بهذه ، الصورة ، وعليها اقتصر في الوافي ورواها أيضا في
موضع آخر عن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ، فآذاه رأسه قبل ان
ينحر هديه ، فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدق على ستة
مساكين. والصوم ثلاثة أيام. والصدقة نصف صاع لكل مسكين». والظاهر ان لفظ حلق الرأس
سقط من هذه الرواية. ولعله لذلك اقتصر في الوافي على نقل الرواية بالنحو الأول.
وكيف كان
فالظاهر ان وجوب الشاة أو بدلها إنما هو من حيث كفارة الحلق لا للتحلل بل التحلل
موقوف على حلول وقت المواعدة.
تذنيب
قال الشيخ في
النهاية : ومن أراد ان يبعث بهدي تطوعا فليبعثه ويواعد أصحابه يوما بعينه ، ثم
ليجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من الثياب والنساء والطيب وغيره. الا انه لا يلبي.
فإن فعل شيئا من ما يحرم عليه كانت عليه الكفارة كما تجب على المحرم سواء. فإذا
كان اليوم الذي واعدهم أحل. وان بعث الهدي من أفق من الآفاق يواعدهم يوما بعينه
بإشعاره وتقليده ، فإذا كان ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يبلغ الهدي
محله ، ثم انه أحل من كل شيء أحرم منه. انتهى.
قال ابن إدريس
بعد نقل ذلك : قال محمد بن إدريس : هذا غير
__________________
واضح ، وهذه اخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها ، وهذه أمور شرعية
يحتاج مثبتها ومدعيها إلى أدلة شرعية ، ولا دلالة من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا
إجماع ، وأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم ولا يودعونه في تصانيفهم ، وإنما أورده
شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، لان الكتاب المذكور كتاب خبر لا
كتاب بحث ونظر وكثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها. والأصل براءة الذمة من
التكاليف الشرعية.
وقال العلامة
في المختلف بعد نقل كلام ابن إدريس ـ ونعم ما قال ـ : وهذا الإنكار من ابن إدريس
خطأ ، فإن الشيخ قد ذكره في غير كتاب النهاية ، وابن البراج ايضا ذكره ، والصدوق ـ
وهو شيخ الجماعة وكبيرهم ـ قد روى في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار. ثم ساق الرواية كما سيأتي
ان شاء الله (تعالى) ونقل عنه أيضا المرسلة الآتية ، وساق جملة من روايات المسألة
الآتية ان شاء الله (تعالى) ، وقال بعدها : وهذه الاخبار متظاهرة مشهورة صحيحة
السند ، عمل بها أكثر العلماء ، فكيف يجعل ذلك شاذا من غير دليل؟ وهل هذا إلا جهل منه
بمواقع الأدلة ومدارك أحكام الشرع؟ انتهى.
أقول : وها أنا
أسوق إليك ما وقفت عليه من الاخبار في المسألة :
فمنها : صحيحة
معاوية بن عمار المشار إليها آنفا المروية في من لا يحضره الفقيه قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب. فقال : يواعد
أصحابه يوما فيقلدونه ، فإذا
__________________
كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم الى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر
أجزأ عنه. فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين صده المشركون يوم الحديبية نحر وأحل ، ورجع الى
المدينة».
وصحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بعث بهديه مع قوم سياق ، وواعدهم يوما يقلدون
فيه هديهم ويحرمون. فقال : يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه
حتى يبلغ الهدي محله. قلت : أرأيت ان اختلفوا في الميعاد وابطأوا في المسير عليه ،
وهو يحتاج ان يحل هو في اليوم الذي واعدهم فيه؟ قال : ليس عليه جناح ان يحل في
اليوم الذي واعدهم فيه».
وصحيحة هارون
بن خارجة قال : «ان أبا مراد بعث ببدنة وأمر الذي بعث بها معه ان
يقلد ويشعر في يوم كذا وكذا ، فقلت له : انه لا ينبغي لك ان تلبس الثياب. فبعثني
الى ابي عبد الله (عليهالسلام) وهو بالحيرة ، فقلت له : ان أبا مراد فعل كذا وكذا ،
وانه لا يستطيع ان يدع الثياب لمكان ابي جعفر. فقال : مره فليلبس الثياب ولينحر
بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب».
وصحيحة عبد
الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان ابن عباس وعليا (عليهالسلام) كانا يبعثان بهديهما من المدينة
__________________
ثم يتجردان ، وان بعثا بهما من أفق من الآفاق وأعدا أصحابهما بتقليدهما
وإشعارهما يوما معلوما ، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم
ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم ، إلا انه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا».
ورواية أبي
الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بعث بهدي مع قوم ، وواعدهم يوما يقلدون فيه
هديهم ويحرمون فيه. فقال : يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم حتى
يبلغ الهدي محله. فقلت : أرأيت إن أخلفوا في ميعادهم وابطأوا في السير ، عليه جناح
في اليوم الذي واعدهم؟ قال : لا ، ويحل في اليوم الذي واعدهم». ورواه الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام). الحديث كما قدمناه».
ورواية سلمة عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) كان يبعث بهديه ثم يمسك عن ما يمسك عنه المحرم ، غير
انه لا يلبي ، ويواعدهم يوم ينحر بدنة فيحل».
وروى في من لا
يحضره الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) : ما يمنع أحدكم ان يحج كل سنة؟ فقيل له : لا يبلغ ذلك
أموالنا. فقال : اما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن
__________________
يبعث معه بثمن أضحية ، ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ، ويذبح عنه فإذا
كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيأ واتى المسجد ، فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس».
أقول : والكلام
في هذه الاخبار يقع في مواضع الأول ـ لا يخفى ان هذه الروايات قد رواها المشايخ
الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في أصولهم المشهورة ، فما بين ما اشتركوا في روايته ،
وما بين ما انفرد كل منهم ببعض منها ، وهو دليل واضح على صحتها عندهم والعمل بها. وبذلك
يظهر ان كلام ابن إدريس وطعنه فيها من ما لا ينبغي ان يصغى اليه ، وهل الطعن فيها
مع رواية أساطين الطائفة المحقة لها ووجودها في الأصول المأثورة عنهم (عليهمالسلام) إلا طعن في اخبار الشريعة كملا؟
قال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك : واعلم ان هذه العبارة قد وردت في النصوص الصحيحة
المتكثرة ، وذكرها أكثر الأصحاب في كتبهم ، وأفتوا بمضمونها ، وإثبات الأحكام
الشرعية يحصل بدون ذلك. وحينئذ فلا يلتفت الى إنكار ابن إدريس لها ، زاعما ان
مستندها اخبار آحاد لا تكفي في تأسيس مثل ذلك ، فان ذلك منه في حين المنع. انتهى.
الثاني ـ ظاهر
الاخبار المذكورة المطابقة لما ادعاه الشيخ من وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم في
مدة المواعدة ، والتكفير لو تلبس بشيء من المحرمات ، وظاهر جملة من أصحابنا ـ منهم
: شيخنا الشهيد الثاني ـ ان محرمات الإحرام في المدة المضروبة مكروهة لا محرمة.
قال في المسالك
: يكره له بعد النية ملابسة تروك المحرم كراهة شديدة ، وفي رواية أبي الصباح عن
الصادق (عليهالسلام) «يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم
حتى يبلغ الهدي محله»
والظاهر انه أراد به تأكد الكراهة. انتهى.
أقول :
والتصريح بالتحريم كما وقع في رواية أبي الصباح المروية بطريق آخر في الصحيح عن
الحلبي فكذا في صحيحة الحلبي ، وصرح بالتكفير على لبس المخيط المؤذن بالتحريم في
صحيحة هارون بن خارجة مع اتفاق الروايات الباقية عدا المرسلة الأخيرة في انه يجتنب ما يجتنبه المحرم الى يوم النحر. ولا وجه
لاطراح هذه الاخبار كملا والخروج عن ظاهرها إلا مجرد الاستبعاد الذي ذكره ابن
إدريس في المسألة المتقدمة وهو من ردت عليه قيمة الهدي ، وانه يرسل هديا في العام
القابل ، ويمسك عن المحرمات وقت الإرسال. وهم قد ردوه سابقا ، وإلا فما الموجب
لتأويلها بما ذكره؟
ومن أجل ذلك
اعترضه سبطه في المدارك ايضا ، فقال بعد نقل ذلك عنه : ويشكل بان مقتضى روايتي
الحلبي وابي الصباح الكناني التحريم ، ولا معارض لهما يقتضي حملهما على الكراهة.
أقول : وظاهر
المحقق في الشرائع أيضا يشعر بذلك حيث صرح باستحباب الكفارة لو اتى بما يحرم على
المحرم. بل يشعر بنوع توقف في أصل الحكم حيث نسبه الى الرواية ، فقال : وروى ان
باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقت ذبحه أو نحره ، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم فإذا
كان وقت المواعدة أحل ، لكن هذا لا يلبي. ولو اتى بما يحرم على المحرم كفر
استحبابا. انتهى.
والظاهر ان
منشأ جميع ذلك هو الاستبعاد الذي ذكره ابن إدريس في تلك المسألة ورد لأجله أخبار
هذه المسألة. وهو مردود بأن الأحكام
__________________
الشرعية أمور متلقاة من الشارع ، فمتى ثبت الحكم عنه ولا معارض له فالخروج
عنه بمجرد التشهي غير جيد. واستفاضة الاخبار في باب الإحرام ودخول الحرم بتحريم
تلك الأشياء لا يقتضي التخصيص بهما وانه لا يحرم في صورة غيرهما ، بل كما ثبت ذلك
الحكم بالاخبار ثبت هذا ، وان كان ذلك أشد اشتهارا ، لاعتضاده بالكتاب والإجماع من الخاصة والعامة . على ان نظير هذه المسألة غير عزيز في الاخبار وفي
كلامهم ، فان الآيات والروايات قد استفاضت واتفقت على ان ما يخلفه الميت من الأموال
فهو للورثة إلا مع الوصية أو الدين ، مع انه قد ورد في الحبوة بعض الاخبار التي هي أقل من هذه الاخبار ، فخصصوا بها إطلاقات
الكتاب والسنة ، واستثنوا تلك الأشياء المذكورة فيها وجعلوها للولد الأكبر. ومثله
في قولهم بانعقاد الإحرام قبل الميقات بنذره ، مع استفاضة الروايات بأن الإحرام لا
يكون إلا من الميقات ، وقولهم بان النذر لا ينعقد إلا إذا
__________________
كان مشروعا قبل ذلك ، فخرجوا عن جميع ذلك بحديث أو حديثين ضعيفين كما تقدم ، الى غير ذلك من ما يقف عليه المتتبع.
وبالجملة
فالظاهر هو قول الشيخ المتقدم لاعتضاده بالنصوص المذكورة
الثالث ـ ان
الظاهر ان ما اشتملت عليه مرسلة الصدوق ، وهي الأخيرة من الروايات المتقدمة ، من
إرسال ثمن أضحية وأمر الرسول بذبحها ، وان يطوف عنه أسبوعا ، ثم يأتي يوم عرفة
المسجد بعد ان يلبس ثيابه ـ والظاهر ان المراد الثياب الحسنة المأمور بها في
الجمعة والعيدين ـ ويشتغل بالدعاء ، صورة أخرى غير ما اشتملت عليه الاخبار
المتقدمة ، لعدم تضمنها المواعدة لإشعار الهدي ، والاجتناب عن ما يجتنبه المحرم.
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك إدراجها في تلك الأخبار المتقدمة ، وتقييد إطلاقها بما
في تلك الاخبار وحملها عليها ، فقال بعد ذكر المرسلة المذكورة : وحاصل هذه العبارة
ـ على ما اجتمع من الاخبار ـ ان من أراد ذلك وهو في أفق من الآفاق ، يبعث هديا أو
ثمنه مع بعض أصحابه ، ويواعده يوما لإشعاره أو تقليده ، فإذا حضر ذلك الوقت اجتنب
ما يجتنبه المحرم ، فيكون ذلك بمنزلة إحرامه ، لكن لا يلبي ، فإذا كان يوم عرفة
اشتغل بالدعاء من الزوال الى الغروب استحبابا ، كما يفعله من حضرها ، ويبقى على
إحرامه إلى يوم النحر. ثم قال تفريعا على ما ذكره : أكثر الأخبار وردت ببعث الهدي
، وتبعها المصنف وغيره من أصحاب الفتاوى ، ولا شك انه أفضل ، لكنه غير متعين ،
فيجوز بعث الثمن خصوصا في من لا يقدر على بعث
__________________
بدنة ، فان باقي الأنعام لا يصلح للبعث إلا من قرب. وقد ورد بعث الثمن في
الخبر الذي ذكرناه وذكره الصدوق في الفقيه . انتهى.
والظاهر بعده ،
وان ما اشتملت عليه المرسلة المذكورة صورة أخرى خارجة عن مورد تلك الاخبار ،
وتقييدها بتلك الاخبار ـ مع اتفاقها كلها على نوع واحد وتعدد القيود فيها ـ تعسف
محض. والى ما ذكرناه مال سبطه السيد السند (قدسسره) في المدارك.
الرابع ـ ظاهر
الاخبار المتقدمة انه لا فرق في يوم المواعدة لاسعار الهدي أو تقليده بين اليوم
الذي يحرمون فيه أو قبله أو بعده ، وان اشتمل بعضها على انه واعدهم يوم يقلدون فيه
هديهم ويحرمون ، فإنما هو حكاية حال من حيث الاتفاق على المواعدة بذلك الوقت لا من
حيث تعينه ، ولا بين كونه بعد تلبسهم بالحج أو قبله ، ولا بين كون الزمان الذي
بينه وبين يوم النحر طويلا أو قصيرا ، كل ذلك لإطلاق النصوص. وبنحو ذلك صرح شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك.
الا ان الظاهر
انه لا بد ان يكون قبل الزوال يوم عرفة ليكون شريكا بالتشبه في إحرامه بالمعرفين
لهم في ذلك الموقف ، ولو كان بعده فإشكال.
واستظهر في
المسالك الاجزاء ، قال : ويمكن استفادته من قوله (عليهالسلام) في الخبر السالف : «فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه». فان الثياب عرفا
شاملة للمخيط. ويمكن ان يريد بها ثياب الإحرام. وهو الاولى.
__________________
أقول : وهذا
انما يتجه بناء على ما قدمنا نقله من ضم تلك المرسلة إلى الروايات المتقدمة
وتقييدها بها ، وجعل ما اشتمل عليه الجميع حكما في المسألة. وقد أشرنا إلى بعده.
ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ حمل مطلق الروايات على مقيدها ، وتخصيص يوم المواعدة
بالميقات ، وهو اليوم الذي يعقدون فيه الإحرام بالتقليد ، وانه يشاركهم في الإحرام
من ذلك الوقت.
وبالجملة
فالظاهر ان الغرض من هذا الفعل هو مشاركة هذا المرسل للحاج في أفعال الحج التي
أولها الإحرام من الميقات. والله العالم.
الخامس ـ قال
شيخنا في المسالك : المراد بالهدي هنا المجزئ في الحج ، فيتخير من النعم الثلاثة ،
ويشترط فيه شرائطها السابقة من السن والسلامة من العيوب والسمن وغيرها ، وأفضله
البدنة ، وقد صرح بها في بعض الاخبار ، وبعث البعيد منبه عليه ايضا. انتهى. وهو جيد.
بقي هنا شيء ،
وهو ان ما ذكره من التخيير بين الأنعام الثلاثة وان تم من حيث صدق الهدي على كل
منهما ، إلا ان الإرسال من الآفاق انما يتم في البدن خاصة دون غيرها من البقر
والغنم ، لضعفها عن الوصول كما لا يخفى ، فلو خص الهدي في الاخبار وكلام الأصحاب
بالبدن لكان جيدا. والقول ـ بأنه يمكن السياق من الأماكن القريبة ويتم سياق البقر
والغنم ـ فيه : انه وان أمكن ذلك إلا ان ظواهر الأخبار المتقدمة ان السياق انما هو
من الأماكن البعيدة. والله العالم.
السادس ـ قال
في المسالك : يفتقر اجتنابه لما يجتنبه المحرم الى
__________________
النية كغيره من العبادات ، فينوي اجتناب كذا وكذا من تروك الإحرام أو ما
يجتنبه المحرم لندبه قربة الى الله تعالى ، ويلبس ثوبي الإحرام إلى وقت المواعدة
بالذبح. ويمكن الاجتزاء باجتناب تروك الإحرام من غير ان يلبس ثوبيه ، لان ذلك هو
مدلول النصوص. وتظهر الفائدة في ما لو اقتصر على ستر العورة وجلس في بيته عاريا ،
ونحو ذلك. اما الثياب المخيطة فلا بد من نزعها. وكذلك كشف الرأس ، ونحوه.
أقول : الظاهر
من قوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد الله بن سنان في حكاية حال علي (عليهالسلام) وابن عباس : «يبعثان بهديهما من المدينة ثم يتجردان». هو
لبس ثوبي الإحرام في ذلك الوقت إذ لا يمكن حمله على ما فرضه من ستر العورة والجلوس
في بيته ، بل المراد انما هو نزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام ، كما وقع التعبير بذلك
في بعض روايات الإحرام ويؤيده قوله في تتمة الرواية : «ويجتنبان كل ما يجتنب
المحرم إلا انه لا يلبي» وكذا قوله في رواية سلمة «غير انه لا يلبي» فإن تخصيص هذا
الفرد بالاستثناء ـ من ما يجب على المحرم فعلا وتركا ـ يشعر بان ما عداه من لبس
ثوبي الإحرام وغيره لا بد منه. وبالجملة فالظاهر ان استثناء لبس ثوبي الإحرام غير
ظاهر. ويؤيده ان الغرض من ذلك التشبه بالحاج كما يشير اليه قوله (عليهالسلام) في المرسلة التي أدرجها في اخبار المسألة : «ما يمنع
أحدكم ان يحج كل سنة».
السابع ـ قال في
المسالك : وقت ذبح هذا الهدي يوم النحر على
__________________
ما ورد في رواية معاوية بن عمار وباقي الأخبار مطلقة ، وانما فيها انه يحل في اليوم
الذي واعدهم. ويمكن حمل المطلق على المقيد ، والتخيير مع أفضلية يوم النحر.
أقول : فيه
أولا : انه مع تسليم وجود ما ذكره في الروايات فلا معنى لما جمع به بينهما ، فان
مقتضى رواية معاوية بن عمار انه يجب عليه الاجتناب إلى يوم النحر ، ومقتضى روايات
يوم الوعد انه يجب عليه الاجتناب الى يوم الوعد ، فطريق حمل المطلق على المقيدان
يحمل يوم الوعد على ان يكون يوم النحر. وهو ظاهر. اما إذا حمل يوم الوعد على ما هو
أعم وأخذ على عمومه ، فلو فرض انه واعدهم قبل يوم النحر أو بعده فكيف يتخير؟ فإنه
ان كان النحر أو الذبح سائغا وجائزا قبل يوم النحر أو بعده فالواجب الوقوف على يوم
الوعد والا فلا معنى للمواعدة.
وثانيا : ان ما
ذكره (قدسسره) ـ من ان ما عدا رواية معاوية ابن عمار مطلقة ، وان
فيها انه يحل في اليوم الذي واعدهم ـ ليس كذلك بل يوم المواعدة في تلك الروايات
انما هو بالنسبة إلى مبدإ الاجتناب وهو يوم إشعار الهدي أو تقليده لا يوم نحره أو
ذبحه. والموجود في صحيحة معاوية بن عمار وكذا صحيحة عبد الله بن سنان هو ان غاية
الاجتناب الى يوم النحر ، وفي صحيحة الحلبي ورواية أبي الصباح «حتى يبلغ الهدى
محله» وهذا الإطلاق يجب حمله على يوم النحر ، لما علم من ان محل الهدي في الحج منى
يوم النحر ، وفي رواية سلمة «ويواعدهم يوم ينحر بدنة» وهذا الإطلاق أيضا يحمل على
ان ذلك اليوم
__________________
الذي حصلت فيه المواعدة هو يوم النحر. فلا منافاة بين هذه الروايات بوجه.
بقي الكلام في
قوله في صحيحة الحلبي بعد ان ذكر (عليهالسلام) ان غاية الاجتناب بلوغ الهدي محله : «قلت : أرأيت ان
اختلفوا في الميعاد وابطأوا في المسير عليه ، وهو يحتاج ان يحل هو في اليوم الذي
وأعدهم فيه؟ قال : ليس عليه جناح ان يحل في اليوم الذي وأعدهم فيه» ومثلها رواية
أبي الصباح الكناني. والظاهر ان المعنى فيهما. انه لو فرض انهم ابطأوا في السير
ولم يدركوا الحج ، فلم يتفق ذبح هديه في يوم النحر ، وهو قد أحل في يوم النحر ،
وهو يوم بلوغ الهدي محله ، فأجاب (عليهالسلام) بأنه لا شيء عليه. حسبما تقدم في المحصور الذي كان
الحج فيه واجبا ، ففي هذه الصورة بطريق اولى لو لم يكن نص في الباب. لا ان المراد
ما ربما يتوهم من ان المراد المواعدة بيوم غير يوم النحر. والله العالم.
الثامن ـ قال
في المسالك أيضا : أكثر الأخبار اقتصر فيها على هذه المواعدة والاجتناب ، ولكن زاد
في الرواية المتقدمة : «أنه يأمر نائبه ان يطوف عنه أسبوعا وانه يتهيأ للدعاء يوم
عرفة الى الغروب» وهو حسن. والزيادة غير المنافية مقبولة. ولو ترك ذلك أمكن تأدي
الوظيفة ، كما لو ترك التقليد الذي تضمنته تلك الروايات.
أقول أشار (قدسسره) بالرواية المتقدمة إلى مرسلة الفقيه. وهذا الكلام بناء
منه على ما قدمنا نقله عنه من جعله هذه الرواية من جملة روايات هذا الحكم ، وقد
قدمنا ان الظاهر بعده ، بل ما اشتملت
__________________
عليه هذه المرسلة صورة أخرى. واما ما ذكره ـ من تأدي الوظيفة المذكورة في
هذه المرسلة بترك الطواف والدعاء يوم عرفة الذي تضمنته الرواية ـ فهو بعيد. نعم
تتأدى به الوظيفة المذكورة في تلك الاخبار حيث اتى بما هو مذكور في اخبارها. واما
قوله ـ : كما لو ترك التقليد الذي تضمنته تلك الروايات ـ ففيه ان تلك الروايات لم
تتفق على التقليد وان كان أكثرها قد تضمن ذلك ، والسنة حاصلة بالتقليد كما تقدم في
عبارة الشيخ. وظاهر صحيحة عبد الله بن سنان ورواية سلمة في إرسال علي (عليهالسلام) هديه من المدينة عدم التقليد وانه يتجرد. والظاهر ان
هاتين الروايتين هي مستنده في ما ذكره من الصورة الأولى ، لكنه (قدسسره) ذكر المواعدة أيضا في هذه الصورة ، والروايتان خاليتان
من ذلك ، بل ظاهرهما انه يمسك من حين الإرسال كما هو ظاهر رواية سلمة ، ويتجرد من
حين البعث كما في صحيحة عبد الله بن سنان. ويؤيده ايضا ان المواعدة هنا لا معنى
لها ، لان ذلك انما يستقيم إذا توقف إحرامه على التقليد أو الإشعار فيواعد يوما
يقلدون فيه ويحرم في ذلك اليوم. وربما أشعرت الروايتان ولا سيما الاولى باختصاص
هذه الصورة بمثل المدينة ، لقرب موضع الإحرام منها ، وانه يلبس ثوبي الإحرام من
حين البعث منها ، ويتشبه بالمحرم من ذلك الوقت. ويعضده ما تقدم في بعض روايات
الإحرام من الأمر بالغسل في المدينة ، ولبس ثوبي الإحرام فيها ،
ثم الخروج الى الميقات. فكما ان ذلك جائز في الحج الحقيقي فهو في التشبه به اولى.
ويؤيده ما دل عليه الخبر الأول من تخصيص المواعدة بما إذا
__________________
كان البعث من أفق من الآفاق ، يعني : الأماكن البعيدة عن الميقات فإنه
يواعد يوما يقلد فيه الهدي ويحرم في ذلك اليوم. والله العالم.
الباب الثالث في العمرة
وهي لغة :
الزيارة ، وشرعا عبارة عن زيارة البيت لأداء المناسك المخصوصة عنده. وهي على قسمين
: عمرة مبتولة ، وعمرة تمتع. وحيث كانت العمرة المتمتع بها الى الحج مقدمة على
الحج ، وهي أول المناسك في مكة بعد الإحرام ، حسن عقد هذا الباب لها بعد ذكر
الإحرام وتوابعه. وذكر المفردة بعدها في هذا الباب وقع استطرادا.
وحينئذ فالكلام
في هذا الباب يقع في مطلبين الأول ـ في عمرة التمتع وما تتوقف عليه من الدخول إلى
مكة ، وفيه بحوث :
الأول ـ قد
عرفت في ما تقدم انه يستحب لمن أراد التمتع ان يوفر شعر رأسه ، وما يتعلق بذلك من
الأبحاث ، والإحرام وأحكامه وكيفيته ، والغسل له ، والمواقيت ، وجميع ما يتعلق
بذلك ويترتب عليه فلا وجه لإعادته ، وانما يبقى الكلام في دخول الحرم ومكة وآدابه
:
يستحب عند دخول
الحرم الغسل لدخوله ، ومضغ شيء من الإذخر :
روى الشيخ في
التهذيب عن ابان بن تغلب قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) مزاملة في ما بين مكة والمدينة ، فلما انتهى الى الحرم
نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا ، فصنعت مثل ما صنع ، فقال : يا
ابان من صنع مثل ما رأيتني صنعت
__________________
تواضعا لله ، محا الله عنه مائة ألف سيئة ، وكتب له مائة ألف حسنة وبنى
الله (عزوجل) له مائة ألف درجة ، وقضى له مائة ألف حاجة».
وروى ثقة
الإسلام في الكافي عن ابي عبيدة الحذاء قال : «زاملت أبا جعفر (عليهالسلام) في ما بين مكة والمدينة ، فلما انتهى الى الحرم اغتسل
وأخذ نعليه بيديه ثم مشى في الحرم ساعة».
وروى في الكافي
في الصحيح عن ذريح قال : «سألته عن الغسل في الحرم ، قبل دخوله أو بعد
دخوله؟ قال : لا يضرك اي ذلك فعلت وان اغتسلت بمكة فلا بأس ، وان اغتسلت في بيتك
حين تنزل بمكة فلا بأس». وهذا الخبر ظاهر في الرخصة في التقديم والتأخير.
وعن كلثوم بن
عبد المؤمن الحراني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أمر الله (تعالى) إبراهيم (عليهالسلام) ان يحج ويحج بإسماعيل معه ، فحجا على جمل احمر وجاء
معهما جبرئيل ، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل : يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل ان
تدخلا الحرم ، فنزلا فاغتسلا. الحديث».
وفي الصحيح أو
الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا انتهيت الى الحرم ـ ان شاء الله تعالى ـ فاغتسل
حين تدخله ، وان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة».
قوله (عليهالسلام) : «وان تقدمت» الظاهر ان معناه : وان تقدمت بالدخول
على الغسل ، بمعنى أخرت الغسل عن الدخول.
__________________
وعن ابي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه. وكان يأمر
أم فروة بذلك».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه».
قال صاحب
الكافي (عطر الله تعالى مرقده) : سألت بعض أصحابنا عن هذا ، فقال : يستحب ذلك
ليطيب به الفم لتقبيل الحجر.
ويستحب ايضا
لمن دخل مكة ان يدخلها من أعلاها ويخرج من أسفلها إذا كان قادما من المدينة ومريد
الرجوع لها :
وفي الكافي عن
يونس بن يعقوب في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : من أين ادخل مكة وقد جئت من المدينة؟ فقال : ادخل من
أعلى مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة».
ويستحب الغسل
ايضا لدخول مكة اما من بئر ميمون أو من فخ ، وان يمشي حافيا على سكينة ووقار :
فروى الكليني
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «أمرنا أبو عبد الله (عليهالسلام) ان نغتسل من فخ قبل ان ندخل مكة».
وفي الحسن عن
ابان عن عجلان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد ، فاغتسل
، واخلع نعليك ، وامش حافيا وعليك السكينة والوقار».
وفي الصحيح أو
الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه
__________________
السلام) انه قال : «من دخلها بسكينة غفر له ذنبه. قلت : كيف
يدخلها بسكينة؟ قال : يدخلها غير متكبر ولا متجبر».
وعن إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يدخل مكة رجل بسكينة إلا غفر له. قلت : ما
السكينة؟ قال : بتواضع».
وعن محمد
الحلبي في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان الله (عزوجل) يقول في كتابه : طهر (بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه
والأذى وتطهر». ورواه في التهذيب .
والموجود في القرآن
في سورة البقرة
«أَنْ
طَهِّرا بَيْتِيَ» وفي سورة الحج
«وَطَهِّرْ
بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»
وما ذكر في
الخبر لا يوافق شيئا من الموضعين.
وروى ايضا
استحباب دخولها بالثياب الخلقة ، ولعله للبعد عن حصول الكبر :
فروى في كتاب
المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «انظروا إذا هبط الرجل منكم وادي مكة فالبسوا
خلقان ثيابكم أو سمل ثيابكم ، فإنه لم يهبط وادي مكة أحد
__________________
ليس في قلبه من الكبر إلا غفر له».
والظاهر من
استحباب الغسل للدخول ان يكون دخولها بعد الغسل على وجه لا ينتقض بشيء من النواقض
، والمروي الانتقاض بالنوم ، وألحق الشهيدان به باقي النواقض.
ويدل على
الانتقاض بالنوم
صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام ، فيتوضأ قبل ان
يدخل ، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال :
لا يجزئه ،
لانه إنما دخل بوضوء».
ورواية علي بن
أبي حمزة عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال :
قال لي : «ان
اغتسلت بمكة ثم نمت قبل ان تطوف فأعد غسلك».
ويشير الى ما
ذكره الشهيدان رحمهماالله (تعالى) من إلحاق غير النوم من الأحداث به قوله (عليهالسلام) في الرواية : «إنما دخل بوضوء».
قال في الدروس
في باب طواف الزيارة : بل غسل النهار ليومه والليلة لليلته ما لم يحدث فيعيده.
وإنكار ابن إدريس إعادته مع الحدث ضعيف. وجعله الأظهر عدم الإعادة غريب. انتهى.
أقول : ويدل
على ما ذكره زيادة على ما ذكرناه
ما رواه الشيخ
عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن غسل الزيارة ، يغتسل بالنهار ويزور
بالليل بغسل واحد؟ قال :
يجزئه ان لم
يحدث ، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله».
__________________
وروى في الكافي
عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليهالسلام) مثله إلا انه قال. «يغتسل الرجل بالليل. الى ان قال في
آخر الخبر : فليعد غسله بالليل».
ويعضده ايضا
ظاهر موثقة الحلبي المتقدمة وقوله فيها : «فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة. الى آخره».
وقد تقدم
الكلام أيضا في هذا المقام في باب الغسل للإحرام.
ودخول مكة واجب
على التمتع لأجل الإتيان بعمرة التمتع ، ثم يحرم للحج من مكة. واما المفرد والقارن
فلا يجب عليهما ، لان الطواف والسعي انما يجب عليهما بعد الموقفين ونزول منى وقضاء
بعض المناسك بها ، إلا انه يجوز لهما بل يستحب ، ويبقيان على إحرامهما حتى يخرجا
الى عرفات ، ولهما الطواف بالبيت استحبابا قبل خروجهما الى عرفات ، إلا أنهما
يعقدان بالتلبية. وقد تقدم البحث في ذلك في مقدمات الباب الأول.
وقد تقدم في
باب الإحرام انه يقطع التلبية بعمرة التمتع عند مشاهدة بيوت مكة ، وقد تقدمت
الأخبار الدالة على ذلك.
وقد تقدم ايضا
انه لا يجوز لأحد دخول مكة إلا محرما إلا ما استثنى وقد تقدم تحقيق القول فيه.
ويستحب ايضا
الغسل لدخول المسجد الحرام وان يكون دخوله على سكينة ووقار وخضوع وخشوع :
روى ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
__________________
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : الغسل من الجنابة ، ويوم الجمعة.
الى ان قال : ويوم تزور البيت ، وحين تدخل الكعبة».
وروى الشيخ عن
سماعة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن غسل الجمعة. فقال : واجب في السفر والحضر. ثم عد (عليهالسلام) جملة من الأغسال ، الى ان قال : وغسل المحرم واجب ،
وغسل يوم عرفة واجب ، وغسل الزيارة واجب ، إلا من علة ، وغسل دخول البيت واجب ،
وغسل دخول الحرم ، يستحب ان لا يدخله إلا بغسل».
أقول :
والمستفاد من جملة ما ذكرناه من الاخبار انه يستحب هنا ثلاثة أغسال : أحدها لدخول
الحرم ، والثاني لدخول مكة ، والثالث لدخول المسجد لزيارة البيت. وبذلك صرح
الأصحاب أيضا.
ومنه يظهر لك
ما في كلام صاحب المدارك في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد نقل رواية أبان بن تغلب
وصحيحة ذريح وحسنة معاوية بن عمار وحسنة الحلبي ورواية عجلان ـ ما لفظه : فهذه
جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه المسألة ، ومقتضاها استحباب غسل واحد ، اما
قبل دخول الحرم أو بعده ، من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح أو من فخ وهو على
فرسخ من مكة للقادم من المدينة ، أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة ، على سبيل
التخيير. وغاية ما يستفاد منها ان إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل. فما ذكره
المصنف وغيره ـ من استحباب غسل لدخول مكة وآخر لدخول المسجد ـ غير واضح. وأشكل منه
حكم العلامة وجمع من المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال ،
__________________
بزيادة غسل آخر لدخول الحرم. وكذا الإشكال في قول المصنف : «فلو حصل عذر
اغتسل بعد دخوله» إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل الدخول وبعده لا اعتبار
العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح. انتهى.
أقول : الظاهر
ان منشأ الشبهة عنده (قدسسره) من صحيحة ذريح وحسنة معاوية بن عمار ، وإلا فلا ريب ان
رواية أبان بن تغلب وكذا رواية ابي عبيدة ظاهرة الدلالة في استحباب الغسل لدخول
الحرم ، وحسنة الحلبي ورواية عجلان ظاهرتا الدلالة أيضا في استحباب الغسل لدخول
مكة وان كانت الأولى أظهر ، وصحيحة معاوية بن عمار الأخيرة وكذا موثقة سماعة ظاهرة
الدلالة أيضا في استحباب الغسل لدخول المسجد ، وهو المعبر عنه بغسل الزيارة اي
زيارة البيت ، كما صرح به في الرواية الأولى منهما. وقد اشتملت موثقة سماعة على عد
غسل الزيارة على حدة وغسل دخول الحرم على حدة ، وأكده بقوله : «يستحب ان لا يدخله
إلا بغسل». ومن ذلك قوله (عليهالسلام) في رواية محمد ابن مسلم في عد جملة من الأغسال : «وحين تدخل الحرم ، وإذا أردت
دخول البيت». وقوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد الله بن سنان في عد الأغسال أيضا : «وحين يحرم وعند دخول مكة
والمدينة ودخول الكعبة ، وغسل الزيارة». وقوله (عليهالسلام) في حسنة محمد بن مسلم : «الغسل في سبعة عشر موطنا. وساق الكلام الى ان قال :
وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت. الى آخره». فأي
أدلة أصرح بالتعدد من هذه الروايات. وهذه الروايات بانضمام ما تقدم هي معتمد
الأصحاب في ما ذكروه من
__________________
التعدد ، ولكنه (قدسسره) ظن انحصار الأدلة في تلك الاخبار ، كما يشعر به قوله
بعد ذكر الروايات المشار إليها : فهذه جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه
المسألة. والأصحاب (رضوان الله عليهم) بسبب وضوح الحكم بما ذكروه من هذه الروايات
تأولوا صحيحة ذريح ورواية عجلان ـ حيث ان ظاهرهما المخالفة لما دلت عليه هذه
الاخبار ـ بالعذر كما ذكره المحقق ، أو الرخصة كما ذكره بعضهم ايضا. وهو جيد كما
ذكرناه.
بقي الكلام في
انه لو لم يحدث بين الأغسال فالظاهر الاكتفاء بغسل واحد ، فان الغرض من الغسل في
هذه المواضع دخوله لها على طهارة بالغسل ، وهو حاصل بما ذكرناه.
البحث الثاني ـ
في الطواف ، وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا ، ويجب قضاؤه لو تركه سهوا.
وله مقدمات
وكيفية وأحكام ، فالكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة :
الأول ـ في
مقدماته ، وفيها الواجب والمستحب ، ونشير الى كل من افرادهما حين ذكره.
فمنها الطهارة ،
وقد نقل إجماع علمائنا كافة على وجوب الطهارة واشتراطها في الطواف الواجب ، نقله
العلامة في المنتهى.
وعليه تدل جملة
من الاخبار : منها : ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا
الطواف ، فان فيه
__________________
صلاة. والوضوء أفضل».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في
الطواف. قال : يقطع طوافه ولا يعتد بشيء من ما طاف» وزاد في الكافي «وسألته عن
رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء. قال : يقطع طوافه ولا يعتد به».
وما رواه في
الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء ، أيعتد بذلك
الطواف؟ قال : لا».
وعن أبي حمزة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انه سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال : نعم ، إلا الطواف بالبيت
، فان فيه صلاة».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن رفاعة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أشهد شيئا من المناسك وانا على غير وضوء؟ قال : نعم
، إلا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة».
وما رواه في
الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أحدهما (عليهماالسلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور. قال :
يتوضأ ويعيد طوافه ،
__________________
وان كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين».
ويستفاد من هذه
الرواية صحة الطواف المستحب بغير وضوء. وهو أحد القولين في المسألة وأظهرهما.
ويدل عليه أيضا
موثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل طاف على غير وضوء؟ فقال : ان كان
تطوعا فليتوضأ وليصل».
وموثقته الأخرى
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : اني أطوف طواف النافلة وانا على غير
وضوء؟ فقال : توضأ وصل وان كنت متعمدا».
وصحيحة حريز عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء؟ فقال : يعيد الركعتين ولا
يعيد الطواف».
وروى في الفقيه
عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم
يتوضأ ويصلي ، فان طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل. ومن طاف تطوعا وصلى
ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف».
ونقل في
المختلف عن ابي الصلاح انه قال : لا يصح طواف فرض ولا نفل لمحدث. ونقل عنه في
المختلف انه احتج بقوله (صلىاللهعليهوآله) : «الطواف بالبيت صلاة». وموثقة أبي حمزة المتقدمة.
__________________
أقول : ومثل
هذه الرواية في الدلالة على ما ادعاه رواية زرارة المتقدمة.
والجواب عن
الرواية الأولى بعدم ثبوتها ، لأنا لم نقف عليها في شيء من كتب الاخبار وان
تناقلوها بهذا اللفظ في كتب الفروع من غير سند ، وما هذا شأنه فلا اعتماد عليه.
ومع تسليمه فالتشبيه لا يقتضي المساواة من كل وجه. وعن الروايتين انه يجب تقييد
إطلاقهما بما ذكرناه من الاخبار ، كما هو القاعدة المعول عليها.
وهل يستباح
بالتيمم مع عدم الماء أم لا؟ قال في المدارك : المعروف من مذهب الأصحاب استباحة
الطواف بالطهارة الترابية كما يستباح بالمائية. ويدل عليه عموم قوله (عليهالسلام) في صحيحة جميل : «ان الله (تعالى) جعل التراب طهورا كما جعل الماء
طهورا». وفي صحيحة محمد بن مسلم : «هو بمنزلة الماء». وذهب فخر المحققين الى ان التيمم
لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث في ما عداهما من المساجد. ومقتضاه عدم
استباحة الطواف به ايضا. وهو ضعيف. وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة.
انتهى. وهو جيد. إلا انه مناف لما قدمه في كتاب الطهارة ، لقوله ثمة في مسألة
التيمم للخروج من المسجدين ، حيث قال : فانا لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء
في جواز التيمم لغير الصلاة.
ومنها إزالة
النجاسة عن الثوب والبدن ، وهو واجب على الأشهر وبه صرح الشيخ (رحمهالله تعالى) فقال : لا يجوز ان يطوف وفي
__________________
ثوبه شيء من النجاسة. وبه قال ابن زهرة وابن إدريس والمحقق والعلامة
وغيرهم.
وظاهر كلامهم
انه لا فرق بين كون النجاسة من ما يعفى عنها أم لا ، بل صرح الشيخ بذلك على ما
نقله في المختلف ، فقال : لا فرق بين الدم وغيره ، سواء كان الدم دون الدرهم أو
أزيد. وبهذا التعميم صرح ابن إدريس أيضا. وهو ظاهر المحقق في الشرائع والعلامة في
المنتهى. وقال ابن الجنيد : لو طاف في ثوب إحرامه وقد اصابه دم لا تحل له الصلاة
فيه كره ذلك له ، ويجزئه إذا نزعه عند صلاته. وجعل ابن حمزة الطواف في الثوب النجس
مكروها ، وكذا إذا أصاب بدنه نجاسة. ونقل في المدارك عن بعض الأصحاب انه ذهب الى
العفو هنا عن ما يعفى عنه في الصلاة.
ويدل على القول
المشهور ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف. قال : ينظر
الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه».
وما رواه
الصدوق في الفقيه في الموثق عن يونس بن يعقوب ايضا قال : «قلت لأبي عبد
الله (عليهالسلام) : رأيت في ثوبي شيئا من دم وانا أطرف. قال : فاعرف
الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك».
إلا ان
بإزائهما صحيحة البزنطي عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله
__________________
(عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل في ثوبه دم من ما لا تجوز الصلاة
في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال : أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر».
قال في المدارك
ـ بعد ذكر رواية يونس بن يعقوب والطعن فيها بضعف السند ثم ذكر مرسلة البزنطي ـ ما
لفظه : ولا يضر إرسالها ، لأنها مطابقة لمقتضى الأصل وسالمة عن ما يصلح للمعارضة.
ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن الجنيد وابن حمزة. إلا ان الاولى اجتناب ما لم
يعف عنه في الصلاة. والأحوط اجتناب الجميع كما ذكره ابن إدريس.
أقول : فيه
أولا : ما عرفت في غير مقام من ان الطعن في السند لا يقوم حجة على المتقدمين الذين
لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا من لا يرى العمل به من غيرهم.
وثانيا : ان
مرسلة البزنطي أيضا ضعيفة بالإرسال. وقوله : «ولا يضر إرسالها» مجازفة ظاهرة ،
وخروج عن قاعدة اصطلاحه ، فإنه ان كان الخبر الضعيف بأي جهة كانت يصلح للحجية فلا
معنى لرده الخبر الأول ، وإلا فلا معنى لاحتجاجه هنا على العمل به بمطابقته للأصل
، بل العمل انما هو على الأصل السالم من المعارض بزعمه.
وثالثا : انه
لا وجه لحكمه بالكراهة كما ذكره ابن الجنيد وابن حمزة ، لأن الكراهة أيضا حكم شرعي
يتوقف إثباته على الدليل الواضح ومقتضى كلامه اطراح رواية يونس بن يعقوب ورميها من
البين ، حيث طعن فيها بأنها مشتملة على عدة من المجاهيل وان راويها فطحي ،
__________________
وحينئذ فتكون عنده في حكم العدم ، وقد صرح بالاعتماد على مرسلة البزنطي كما
سمعت من كلامه ، واللازم من ذلك هو الجواز من غير كراهة. ولكنه وأمثاله جروا على
هذه القاعدة الغير المربوطة والكلية الغير المضبوطة ، من حمل الأخبار الضعيفة متى
رموها بالضعف على الاستحباب أو الكراهة تفاديا من طرحها بالكلية. وهو غلط محض ،
فان الاستحباب والكراهة أيضا حكمان شرعيان كالوجوب والتحريم لا يجوز القول بهما
إلا بالدليل الصحيح الصريح ، كما قدمنا تحقيق ذلك في ما تقدم.
إذا عرفت ذلك
فالمسألة عندي باعتبار تعارض خبري يونس مع المرسلة المذكورة لا تخلو من توقف ، فان
الجمع بين الخبرين المذكورين لا يخلو من اشكال ، فإنه وان أمكن حمل رواية يونس على
الاستحباب كما صرح به بعض الأصحاب ، مع ما فيه من ما تقدم ، إلا انه يمكن ايضا
العمل بها وحمل مرسلة البزنطي على الجاهل بالحكم أو الأصل ، وفي المختلف حملها على
الجاهل. وبالجملة فالاحتياط عندي واجب في المسألة
ومنها إذا كان
ذكرا ان يكون مختونا ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، وموضع وفاق كما يظهر من
المنتهى.
ويدل عليه من
الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس ان تطوف المرأة».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن صفوان عن إبراهيم بن ميمون عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يسلم فيريد ان يحج
__________________
وقد حضر الحج ، أيحج أم يختتن؟ قال : لا يحج حتى يختتن». ورواه الشيخ
والصدوق ايضا .
وعن حريز في
الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة ، فأما
الرجل فلا يطوف إلا وهو مختتن».
ورواه الشيخ
والصدوق أيضا في الصحيح . وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب
الاسناد في الموثق عن حنان بن سدير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن نصراني أسلم وحضر الحج ولم يكن اختتن ، أيحج قبل ان
يختتن؟ قال : لا ولكن يبدأ بالسنة».
ونقل عن ابن
إدريس انه توقف في هذا الحكم. وهو ضعيف وان كان جيدا على أصوله الغير الاصيلة.
وجزم شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك بان الختان انما يعتبر مع الإمكان ، ولو تعذر ولو بضيق
الوقت سقط. وقال سبطه في المدارك بعد نقل ذلك : ويحتمل قويا اشتراطه مطلقا كما في
الطهارة بالنسبة إلى الصلاة.
أقول : مرجع
كلام شيخنا في المسالك الى ان الختان من شروط الصحة كالطهارة وتسر العورة ونحوهما
بالنسبة إلى الصلاة ، وقد تقرر ان شروط الصحة انما تجب مع الإمكان ، ولهذا تجب
الصلاة عاريا مع تعذر ستر العورة ، وفي النجاسة مع تعذر الإزالة ، ونحو ذلك. ومرجع
كلام السيد إلى انه مثل الطهارة التي لا تجب الصلاة إلا بها وتسقط بدونها مع
تعذرها ، لأنها وان كانت من شروط الصحة أيضا إلا ان
__________________
مقتضى الدليل فيها بخصوصها ذلك ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة.
والمسألة محل اشكال ، لقيام ما ذكره من الاحتمال ، فإن الأخبار بالنسبة إلى شروط
الصلاة المذكورة قد صرحت بالوجوب مع عدمها ، ولم تصرح بذلك هنا بالنسبة إلى الختان
، كما انها لم تصرح بذلك بالنسبة إلى الطهارة في الصلاة ، فإلحاق هذا الشرط
بالطهارة دون باقي الشروط المذكورة لا يخلو من قوة كما ذكره سبطه.
قال في المسالك
بعد قول المصنف : «وان يكون مختونا ولا يعتبر في المرأة» : ومقتضى إخراج المرأة
بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبي والخنثى في ذلك. وفائدته في الصبي
مع عدم التكليف في حقه بالختان كونه شرطا في صحته ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة
في حقه. وفي الدروس عكس العبارة فجعل الختان شرطا في الرجل المتمكن خاصة ، فيخرج
منه الصبي والخنثى كما خرجت المرأة. والاخبار خالية من غير الرجل والمرأة. ولعل
مختار الكتاب هو الأقوى.
وقال سبطه في
المدارك : ومقتضى إخراج المرأة من هذا الحكم بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء
الرجل والصبي والخنثى في ذلك ، والرواية الأولى متناولة للجميع ، فما ذكره الشارح
من ان الاخبار خالية من غير الرجل والمرأة غير واضح. انتهى.
أقول : أشار
بالرواية الأولى إلى صحيحة معاوية بن عمار المشتملة على الأغلف الشامل بإطلاقه
للافراد المذكورة. ولا يخفى ان الرجل في اللغة يطلق على البالغ وغيره ، ففي الصحاح
هو الذكر من الناس. وفي القاموس : الرجل بالضم معروف ، وانما هو لمن شب واحتلم ،
أو هو رجل ساعة يولد. وحينئذ فيمكن حمل الرجل في هذه الاخبار على ما هو أعم
، فتكون دالة على دخول الصبي أيضا في الحكم المذكور. بقي الكلام في الخنثى ،
ودخولها في صحيحة معاوية بن عمار باعتبار الأغلف لا يخلو من بعد ، لما عرفت في غير
مقام من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الأفراد النادرة
الوقوع ، بل لا يبعد اختصاص الاخبار بالرجل والمرأة كما ذكره شيخنا في المسالك
عملا بما ذكرنا ، وإطلاق صحيحة معاوية يقيد بباقي الاخبار. وكون الرجل يطلق على ما
يشمل الصبي وان صرح به في الصحاح إلا ان عبارة القاموس تدل على بعده ، والعرف يساعده ،
فإنه يطلق على البالغ ، قال في كتاب مجمع البحرين بعد نقل عبارتي الصحاح والقاموس
: وفي كتب كثير من المحققين تقييده بالبالغ. وهو أقرب ، ويؤيده العرف.
ومنها ستر
العورة ، وهو واجب في الفريضة وشرط في صحة الندب كما في الصلاة.
واستدل عليه
العلامة في المنتهى بقوله (صلىاللهعليهوآله) : «الطواف بالبيت صلاة». وقوله (صلىاللهعليهوآله) : «لا يحج بعد العام مشرك ولا عريان».
ويظهر من
العلامة في المختلف التوقف في ذلك ، حيث انه عزى.
__________________
الاشتراط الى الشيخ وابن زهرة ، واحتج لهما بالرواية الاولى من روايتي
المنتهى ، ثم قال : ولمانع ان يمنع ذلك ، وهذه الرواية غير مسندة من طرقنا فلا حجة
فيها.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد. والمسألة محل تردد ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل الى
ان يثبت دليل الاشتراط ، وان كان التأسي والاحتياط يقتضيه. انتهى.
أقول : والذي
يدل على ذلك ما رواه العياشي في تفسيره عن حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله). ثم ساق الحديث في مضي علي (عليهالسلام) بآيات «براءة» الى ان قال : ان عليا (عليهالسلام) قال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك».
وروى الصدوق في
كتاب العلل بسنده عن ابن عباس في حديث «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بعث عليا (عليهالسلام) ينادي : لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت
عريان.».
وروى الثقة
الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن محمد بن الفضيل عن الرضا (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أمرني عن الله (تعالى) ان لا يطوف بالبيت عريان ، ولا
يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام».
وروى العياشي
في تفسيره عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بعث عليا (عليهالسلام) بسورة «براءة» فوافى الموسم فبلغ عن الله (عزوجل)
__________________
وعن رسوله (صلىاللهعليهوآله) بعرفة ، والمزدلفة ، ويوم النحر عند الجمار ، وفي أيام
التشريق كلها ، ينادي «بَراءَةٌ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي
الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»
ولا يطوفن
بالبيت عريان».
وعن ابي العباس
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «فلما قدم علي (عليهالسلام) مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر.
الى ان قال : وقال : ولا يطوفن بالبيت عريان ولا مشرك».
وعن ابي بصير
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «خطب علي (عليهالسلام) الناس واخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان ولا
يحجن بالبيت مشرك. الحديث».
وعن ابي الصباح
الكناني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) نحوه .
وعن حكيم بن
الحسين عن علي بن الحسين (عليهالسلام) في حديث «ان عليا (عليهالسلام) نادى في الموقف : ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان ،
ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك».
وروى أمين
الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن عاصم بن حميد عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليهالسلام): ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أمرني عن الله. الى آخر ما تقدم في حديث محمد بن
الفضيل.
وهذه الاخبار
على كثرتها لما لم تكن من اخبار الكتب الأربعة المشهورة
__________________
خفيت عليهم ، وظن جملة منهم خلو المسألة من المستند كما سمعت من كلام
المختلف والمدارك.
ومنها استحباب
الغسل لدخول مكة ، وقد تقدم. ومضغ الإذخر. ودخول المسجد. وقد تقدم نقل الأخبار
الدالة على ذلك.
ومنها استحباب
الدخول من باب بني شيبة ، واستدل عليه في المنتهى بأن النبي (صلىاللهعليهوآله) دخل منه .
قال في المدارك
: وعلل أيضا بأن (هبل) بضم الهاء وفتح الباء ـ وهو أعظم الأصنام ـ مدفون تحت عتبته
فإذا دخل منه وطأه برجله.
أقول : الظاهر
انه (قدسسره) لم يقف على الخبر الدال على ذلك حيث اقتصر على مجرد
هذا النقل.
والذي وقفت
عليه من ما يدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام): ذكر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الحج ، وكتب الى من بلغه كتابه. ثم ساق الخبر في حكاية
حجه (صلىاللهعليهوآله) حجة الوداع. الى ان قال (عليهالسلام) : فلما انتهى الى باب المسجد استقبل الكعبة ـ وذكر ابن
سنان انه باب بني شيبة ـ فحمد الله واثنى عليه. الحديث».
وما رواه
الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب العلل بسنده الى سليمان بن مهران قال : «قلت لجعفر بن محمد (عليهماالسلام):
__________________
كم حج رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ فقال : عشرين حجة مستسرا في كل حجة يمر بالمأزمين
فينزل فيبول. فقلت : له يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ولم كان ينزل هناك فيبول؟ قال : لانه موضع عبد فيه
الأصنام ، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه (هبل) الذي رمى به علي (عليهالسلام) من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، فأمر به فدفن عند باب بني شيبة ، فصار الدخول الى
المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك. الحديث».
قال في المدارك
: وهذا الباب غير معروف الآن ، لتوسعة المسجد ، لكن قيل انه بإزاء باب السلام ،
فينبغي الدخول منه على الاستقامة الى ان يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به بناء
على هذا القول.
ومنها استحباب
الوقوف عند الباب ، والدخول اليه على سكينة ووقار وخشوع ، والسلام على النبي (ص)
بالمأثور :
روى في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على
السكينة والوقار والخشوع. وقال : من دخله بخشوع غفر الله له ان شاء الله (تعالى).
قلت : ما الخشوع؟ قال : السكينة لا تدخله بتكبر فإذا انتهيت الى باب المسجد فقم
وقل : «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، بسم الله وبالله ومن الله وما
شاء الله ، والسلام على أنبياء الله ورسله ، والسلام على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والسلام على إبراهيم ، والحمد لله رب العالمين» فإذا
دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت ، وقل : اللهم إني أسألك في مقامي هذا
__________________
في أول مناسكي ان تقبل توبتي وان تجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري ، الحمد
لله الذي بلغني بيته الحرام ، اللهم اني اشهد ان هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة
للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين ، اللهم اني عبد ك والبلد بلدك والبيت بيتك ،
جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك ، أسألك مسألة المضطر إليك
الخائف لعقوبتك ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني بطاعتك ومرضاتك».
وروى الشيخ (قدسسره) في التهذيب والصدوق (قدسسره) في من لا يحضره الفقيه في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقول وأنت على باب المسجد : بسم الله وبالله
ومن الله والى الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وخير الأسماء لله والحمد لله ، والسلام على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) السلام على محمد بن عبد الله ، السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على إبراهيم خليل
الرحمن ، السلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا
وآل محمد ، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم
صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلام عليهم وسلام
على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني في
طاعتك ومرضاتك واحفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني ، جل ثناء وجهك ، والحمد لله
الذي جعلني
__________________
من وفده وزواره وجعلني ممن يعمر مساجده وجعلني ممن يناجيه ، اللهم اني عبد
ك وزائرك في بيتك ، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره ، وأنت خير مأتي وأكرم مزور ،
فأسألك يا الله يا رحمان وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وبأنك
واحد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد ، وان محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبدك ورسولك (صلواتك عليه وعلى أهل بيته) يا جواد يا
ماجد يا جبار يا كريم ، أسألك أن تجعل تحفتك من زيارتي إياك ان تعطيني فكاك رقبتي
من النار ، اللهم فك رقبتي من النار (تقولها ثلاثا) وأوسع علي من رزقك الحلال
الطيب وادرأ عني شر شياطين الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم».
المقام الثاني
ـ في كيفيته ، وهي تشتمل على الواجب والمندوب ، فالكلام هنا في فصلين :
الفصل الأول ـ في
الواجب ، وهو أمور أحدها ـ النية ، وقد تقدم تحقيق القول فيها في كتاب الطهارة ،
وفي كتاب الصلاة ، وكتاب الصوم. وقد بينا انه لا شيء فيها وراء قصد الفعل لله
تعالى.
قال في المدارك
: واما التعرض للوجه ، وكون الحج إسلاميا أو غيره تمتعا أو أحد قسيميه ، فغير لازم
، كما هو ظاهر اختيار العلامة في المنتهى ، وان كان التعرض لذلك كله أحوط.
أقول : لا اعرف
لهذا الاحتياط وجها ولا معنى بعد معلومية جميع ذلك للمكلف سابقا ، وتعلق القصد به
من أول الأمر ، واستمراره الى وقت الفعل ، كما تقدم تحقيقه. والإتيان بهذا التصوير
الفكري والحديث النفسي عند الفعل ـ وهو المسمى عندهم بالنية ـ من ما لا أصل له ولا
مستند بالكلية.
وحكى الشهيد (قدسسره) في الدروس عن ظاهر بعض القدماء ان نية الإحرام كافية
عن خصوصيات باقي الأفعال.
قال في المدارك
: وكأن وجهه خلو الأخبار الواردة بتفاصيل أحكام الحج من ذكر النية في شيء من
أفعاله سوى الإحرام. وربما كان الوجه في تخصيص الإحرام بذلك توقف امتياز نوع الحج
والعمرة عليه.
أقول : فيه :
ما قدمنا ذكره في بحث نية الإحرام ، من ان ما اشتملت عليه النصوص ـ من قوله : «اللهم
اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك» ونحوه ـ ليس من قبيل النية التي هي
محل البحث حتى يسمى ذلك نية ويقال ان الاخبار اشتملت على نية الإحرام ، إذ النية
إنما هي القصد البسيط الناشئ عن تصور الدواعي الباعثة على الفعل كما تقدم تحقيقه
في المواضع المشار إليها. نعم هذا الكلام يتضمن الاخبار عن ذلك ، واين أحدهما من
الآخر؟ وبذلك يظهر لك ما في هذا القول المنقول عن بعض القدماء ايضا من انه لا وجه
له.
وبالجملة فإن
كلامهم كله يدور على ان النية عبارة عن هذا الحديث النفسي والتصوير الفكري الذي
يحدثه المكلف عند ارادة الفعل ويقارنه به. وقد عرفت سابقا ان النية ليست ذلك ،
وإلا فأفعال المكلف المختلفة المتعددة لا يدخل بعضها تحت بعض ، بحيث يصدق عرفا على
من قصد الإحرام خاصة ، الذي هو عبارة عن تجنب تلك الأشياء مع الإتيان بباقي شروطه
ـ من غير ملاحظة شيء آخر ـ انه نوى الحج أو العمرة أو نوعا مخصوصا من أنواع
أحدهما. نعم يصدق ذلك في ما إذا قصد الإحرام لحج التمتع مثلا حج الإسلام أو نحو
ذلك ، فان هذا القصد تعلق بالجميع لا بالإحرام خاصة ، واستمراره على هذا القصد كاف
كما
ذكرناه. ولا يلزم منه خلو كل فعل فعل من تلك الأفعال من القصد اليه على حدة
، إذ المراد ان ذلك القصد الأول مستمر الى حين إيقاع ذلك الفعل ، فهو لا يقع إلا
بقصد. وبالجملة فمرجع الكل الى القصد الأصلي الناشئ من تصور الدواعي الباعثة لا
الى هذا التصوير الفكري الذي يزعمونه. وبذلك يظهر لك ايضا ما في قوله في المدارك :
«ويجب مقارنة النية لأول الطواف ، ولا يضر الفصل اليسير. واستدامتها حكما الى
الفراغ» انتهى ، فإنه ـ كما ترى ـ ظاهر في ان النية عبارة عن هذا التصوير الفكري
والحديث النفسي ، وقد انجر الأمر فيه الى ذكره باللفظ وتسمية هذا اللفظ نية. وهو
أوهن من بيت العنكبوت ، وانه لا وهن البيوت.
وثانيها
وثالثها ـ الابتداء بالحجر والختم به ، وهو موضع اتفاق بين العلماء.
والأصل فيه ما
رواه الكليني (قدسسره) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) قال : «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر
الأسود إلى الحجر الأسود». ورواه الصدوق (قدسسره) الى قوله : «من الحجر الأسود». ولم يذكر الانتهاء الى
الحجر الأسود.
والسيد السند (قدسسره) في المدارك قد أسند الرواية بتمامها الى الشيخين
المذكورين ، واستدل بها على الحكم المذكور ، وهي على رواية الصدوق (قدسسره) قاصرة عن إفادة المدعى بتمامه كما ذكرناه.
__________________
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن ـ والشيخ في الصحيح ـ عن الحسن بن عطية قال : «سألته سليمان بن خالد وانا معه عن رجل طاف
بالبيت ستة أشواط. قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : وكيف طاف ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر ، وقال :
الله أكبر ، وعقد واحدا. فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : يطوف شوطا. فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى اتى أهله؟
قال : يأمر من يطوف عنه».
والمشهور بين
المتأخرين ـ والظاهر ان أولهم العلامة (قدسسره) وتبعه من تأخر عنه ـ في كيفية الابتداء بالحجر الأسود
جعل أول جزء من الحجر محاذيا لأول جزء من مقاديم البدن ، بحيث يمر عليه بجميع بدنه
بعد النية علما أو ظنا.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنهم : وهو أحوط ، لكن في تعينه نظر ، لصدق الابتداء بالحجر عرفا بدون
ذلك. ولخلو الاخبار من هذا التكليف مع استفاضتها في هذا الباب واشتمالها على
تفاصيل مسائل الحج الواجبة والمندوبة. بل ربما ظهر من طواف النبي (صلىاللهعليهوآله) على ناقته خلاف ذلك. انتهى.
وهو جيد. إلا
ان قوله أولا : «وهو أحوط» لا وجه له ، بل هو الى الوسواس أقرب منه الى الاحتياط ،
لما ذكره من الوجوه المذكورة ، ولا سيما حديث طوافه (صلىاللهعليهوآله) على ناقته كما
__________________
في رواية محمد بن مسلم : «واستلم الحجر بمحجنه». معتضدا ذلك بأصالة العدم.
وبالجملة فإنا لا نعرف لهم دليلا سوى ما يدعونه من الاحتياط ، والاحتياط انما يكون
في مقام اختلاف الأدلة لا مجرد القول من غير دليل بل ظهور الدليل في خلافه.
واعتبروا ـ بناء
على ما قدمنا نقله عنهم ـ محاذاة الحجر في آخر شوط على نحو ما تقدم في الابتداء ،
ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان. والكلام فيه كما تقدم من عدم ظهور الدليل على
ما ذكروه بل ظهوره في خلافه. والظاهر الاكتفاء بجوازه بنية ان ما زاد على الشوط لا
يكون جزء من الطواف.
ورابعها ـ ان
يطوف على يساره. يعني : ان يجعل البيت على يساره حال الطواف ، فلو استقبله بوجهه
أو استدبره أو جعله على يمينه في حال الطواف ولو في خطوة ، بطل طوافه ، ووجب عليه
الإعادة.
واستدل عليه في
المنتهى بأن النبي (صلىاللهعليهوآله) طاف كذلك وقال : «خذوا عني مناسككم» . ومرجع استدلاله (قدسسره) إلى التأسي. وبذلك صرح في المفاتيح تبعا للقوم ، فقال
في تعداد واجبات الطواف : وان يجعل البيت على يساره بلا خلاف ، للتأسي. مع انهم قد
صرحوا في الأصول بأن التأسي لا يصلح ان يكون دليلا للوجوب ، لان فعلهم (عليهمالسلام) كذلك أعم من الوجوب والاستحباب ، وكانوا ملازمين على
المستحبات كالواجبات.
__________________
وأكثر أصحابنا
ذكروا الحكم ولم يذكروا عليه دليلا ، ولا ناقشوا في عدم الدليل ، كما في المدارك ،
مع ما علم من عادته من ذكر الأدلة ومناقشته في الحكم مع عدم وجود الدليل ، وكأن
ذلك مسلم بينهم للاتفاق على الحكم المذكور.
والذي وقفت
عليه من الاخبار من ما يفهم منه ذلك وان لم يكن على جهة التصريح ما رواه في الكافي
في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا كنت في الطواف السابع فأت المتعوذ ـ وهو إذا قمت
في دبر الكعبة حذاء الباب ـ فقل : اللهم. الى ان قال : ثم استلم الركن اليماني ثم
ائت الحجر فاختم به».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة ـ وهو بحذاء
المستجار دون الركن اليماني بقليل ـ فابسط يديك على البيت. الى ان قال : ثم ائت
الحجر الأسود».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط. الى ان قال : فإذا
انتهيت إلى مؤخر الكعبة ـ وهو المستجار دون الركن اليماني بقليل ـ في الشوط السابع
، فابسط يديك على الأرض وألصق خدك وبطنك بالبيت ، ثم قل : اللهم. الى ان قال : ثم
استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود فاختم به».
__________________
والتقريب في
هذه الاخبار ان استحباب الوقوف في هذه الأماكن الثلاثة في الشوط السابع واستلامها
على هذا الترتيب لا يتم إلا مع جعل البيت على اليسار في حال الطواف كما لا يخفى.
وخامسها ـ ان
يدخل الحجر في الطواف ، وهو من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم).
ويدل عليه جملة
من الاخبار : منها : ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن ـ وفي من لا يحضره
الفقيه في الصحيح ـ عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر
الأسود» وزاد في الكافي «إلى الحجر الأسود».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في
الحجر؟ قال : يعيد ذلك الشوط».
ورواه الصدوق
عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في
الحجر ، كيف يصنع؟ قال : يعيد الطواف الواحد».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري
__________________
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يطوف بالبيت؟ قال : يقضي ما اختصر من طوافه».
وقوله : «يطوف بالبيت» اي وحده من غير إدخال الحجر في الطواف.
وربما ظهر من
هذه الاخبار ونحوها ان الحجر من البيت ، ونقل في الدروس ان المشهور كونه من البيت.
ولعل مستندهم هذه الاخبار وإلا فانا لم نقف على خبر يدل على ذلك ، بل انما دل جملة
من الاخبار على خلافه :
مثل ما رواه في
الكافي عن معاوية بن عمار في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحجر ، أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال :
لا ولا قلامة ظفر ولكن إسماعيل دفن امه فيه فكره أن توطأ فجعل عليه حجرا. وفيه
قبور أنبياء».
وعن زرارة في
الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الحجر هل فيه شيء من البيت؟ فقال : لا
ولا قلامة ظفر».
وعن ابي بكر
الحضرمي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان إسماعيل دفن امه في الحجر وحجر عليها لئلا
يوطأ قبر أم إسماعيل في الحجر».
__________________
وروى في كتاب
من لا يحضره الفقيه مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) قال : وصار الناس يطوفون حول الحجر ولا يطوفون فيه ،
لأن أم إسماعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها فطيف كذلك لئلا يوطأ قبرها. قال : وروى :
ان فيه قبور الأنبياء (عليهمالسلام). وما في الحجر شيء من البيت ولا قلامة ظفر.
ويمكن ان يكون
مستند المشهور ما نقل عن العلامة في التذكرة : ان البيت كان لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي ،
فهدمه السيل قبل مبعث النبي (صلىاللهعليهوآله) بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو
عليها اليوم ، وقصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته ، فتركوا من جانب
الحجر بعض البيت ، وخلفوا الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم (عليهالسلام) وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي
يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا ، وهو الذي يسمى الشاذروان. انتهى.
وما ذكره (قدسسره) في قصة بناء الكعبة على هذه الكيفية لم يرد في شيء من
الاخبار الواصلة إلينا في الأصول الأربعة وغيرها.
وقد رويت في
كيفية بناء قريش لها روايات عديدة ، إلا انها خالية من ذلك ، ومنها : ما رواه في
الكافي عن علي وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه ، قالوا : انما هدمت
قريش الكعبة لأن السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها ، فانصدعت وسرق من الكعبة
غزال من ذهب
__________________
رجلاه من جوهر
، وكان حائطها قصيرا ، وكان ذلك قبل مبعث النبي (صلىاللهعليهوآله) بثلاثين سنة ، فأرادت قريش ان يهدموا الكعبة ويبنوها
ويزيدوا في عرضها ، ثم أشفقوا من ذلك وخافوا ان وضعوا فيها المعاول ان تنزل عليهم
عقوبة ، فقال الوليد بن المغيرة : دعوني ابدأ فان كان لله رضى لم يصبني شيء وان
كان غير ذلك كففنا. فصعد على الكعبة وحرك منه حجرا فخرجت عليه حية وانكسفت الشمس
فلما رأوا ذلك بكوا وتضرعوا وقالوا : اللهم انا لا نريد إلا الإصلاح فغابت عنهم الحية
، فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم (عليهالسلام) ، فلما أرادوا أن يزيدوا في عرضه وحركوا القواعد التي
وضعها إبراهيم (عليهالسلام) أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة فكفوا عنه. وكان بنيان
إبراهيم (عليهالسلام) الطول ثلاثون ذراعا والعرض اثنان وعشرون ذراعا والسمك
تسعة أذرع ، فقالت قريش نزيد في سمكها ، فبنوها فلما بلغ البناء الى موضع الحجر
الأسود تشاجرت قريش في وضعه ، فقال كل قبيلة ، نحن اولى به فنحن نضعه. فلما كثر
بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة فطلع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقالوا : هذا الأمين قد جاء فحكموه ، فبسط رداءه ـ وقال
بعضهم : كساء طاروني كان له ـ ووضع الحجر فيه ، ثم قال : يأتي من كل ربع من قريش
رجل. فكانوا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد
العزى ، وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم ، وقيس بن عدي من بني سهم. فرفعوه
ووضعه النبي (صلىاللهعليهوآله) في موضعه. الحديث. ونحوه غيره وان كان أخصر.
وكلها ظاهرة في
ان البناء وقع على الأساس القديم الذي كان من زمان إبراهيم (عليهالسلام) لا انهم نقصوا منه بحيث خرج منه شيء في الحجر.
ويحتمل ان يكون
ما نقله في التذكرة من طرق العامة ، فإنهم رووا : «أن عائشة قالت : نذرت أن أصلي ركعتين في البيت. فقال
النبي (صلىاللهعليهوآله) : صلى في الحجر ، فان فيه ستة أذرع من البيت».
وبالجملة
فالظاهر من أخبارنا خروجه كملا عن البيت ، وما ذكروه من هذا القول المشهور لا نعرف
له مستندا.
ثم ان ظاهر
صحيحة الحلبي المتقدمة برواية الشيخين المذكورين ـ وكذا صحيحة حفص بن البختري أو
حسنته ـ هو اعادة ما اختصره خاصة من واحد أو أكثر دون اعادة الطواف من رأس. ونقل
في المدارك انه روى نحوه في الصحيح عن الحسن بن عطية عن الصادق (عليهالسلام). ولم أقف على هذه الرواية في ما حضرني من كتب الاخبار.
ولا تكفي
الإعادة من موضع دخول الحجر بان يتم الشوط من ذلك المكان ، بل تجب الإعادة من
الحجر الأسود.
ولا ينافي ذلك ما
رواه الشيخ (قدسسره) عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن سفيان قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليهالسلام): امرأة طافت طواف الحج ، فلما كانت في الشوط السابع
اختصرت وطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء ، ثم أتت منى.
__________________
فكتب (عليهالسلام) : تعيد» ،. فإنه يجب حمل إطلاقه على ما فصلته الروايات
المتقدمة من اعادة ما اختصرته خاصة. والله العالم.
وسادسها ـ ان
يكمله سبعا ، وهو إجماعي نصا وفتوى.
ومن الاخبار
الصريحة في ذلك ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة قريبا من قوله فيها : «ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط. الحديث».
وما رواه
الصدوق (قدسسره) في كتاب من لا يحضره الفقيه بإسناده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه عن جعفر
بن محمد عن آبائه (عليهمالسلام) في وصية النبي (صلىاللهعليهوآله) لعلي (عليهالسلام) قال : «يا علي ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن
أجراها الله (عزوجل) في الإسلام : حرم نساء الآباء على الأبناء. الى ان قال : ولم
يكن للطواف عدد عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط ، فأجرى الله (عزوجل) ذلك
في الإسلام».
وما رواه في
كتاب العلل والأحكام بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهالسلام) قال : «قلت : لأي علة صار الطواف سبعة أشواط؟ فقال ان
الله (تعالى) قال للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فردوا عليه وقالوا (أَتَجْعَلُ فِيها
مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). فقال (إِنِّي أَعْلَمُ ما
لا تَعْلَمُونَ) . وكان لا يحجبهم
__________________
عن نوره ، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام ، فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة ،
فرحمهم وتاب عليهم ، وجعل لهم البيت المعمور في السماء الرابعة ، وجعله مثابة ،
وجعل لهم البيت الحرام تحت البيت المعمور ، وجعله مثابة للناس وأمنا. فصار الطواف
سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا».
وعن ابي خديجة : «أنه سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في حديث : ان الله أمر آدم (عليهالسلام) ان يأتي هذا البيت فيطوف به أسبوعا ويأتي منى وعرفة
فيقضي مناسكه كلها ، فاتى هذا البيت فطاف به أسبوعا واتى مناسكه فقضاها كما امره
الله ، فقبل منه التوبة وغفر له. قال : فجعل طواف آدم (عليهالسلام) لما طافت الملائكة بالعرش سبع سنين ، فقال جبرئيل (عليهالسلام) : هنيئا لك يا آدم لقد طفت بهذا البيت قبلك بثلاثة
آلاف سنة».
واما الاخبار
الدالة على ذلك ضمنا فهي أكثر من ان يأتي عليها قلم الإحصاء في المقام ، وستمر بك
ان شاء الله (تعالى) متفرقة في جملة من الأحكام.
وسابعها ـ ان
يكون بين البيت والمقام ، وهو الأظهر الأشهر بين علمائنا الأعلام (رفع الله ـ تعالى
ـ قدرهم في دار المقام).
ويدل عليه ما
رواه ثقة الإسلام عن محمد بن مسلم قال : «سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم
يكن طائفا بالبيت. قال : كان الناس على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يطوفون
__________________
بالبيت والمقام وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحد
موضع المقام اليوم ، فمن جازه فليس بطائف. والحد قبل اليوم واليوم واحد ، قدر ما
بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من
مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت ، بمنزلة من طاف بالمسجد ، لانه طاف في غير حد ،
ولا طواف له».
إلا انه روى
الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن ابان عن محمد الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الطواف خلف المقام. قال : ما أحب ذلك ، وما ارى به
بأسا ، فلا تفعله إلا ان لا تجد منه بدا».
ويمكن انه بهذه
الرواية أخذ ابن الجنيد ، حيث نقل عنه انه جوز الطواف خارج المقام عند الضرورة.
وظاهر هذه
الرواية هو الجواز على كراهة وان الكراهة تندفع بالضرورة. فما ذكره بعض الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هنا ـ من الجمع بينها وبين الرواية السابقة بالحمل على الضرورة ،
بمعنى انه يحرم الخروج عن المقام إلا مع ضرورة الزحام ونحوه ـ ليس بجيد ، لان
ظاهرها الجواز على كراهة ، والضرورة إنما تنتج زوال الكراهة لا التحريم.
وربما فهم من
إيراد الصدوق (قدسسره) لها الإفتاء بمضمونها ، فيكون قولا آخر في المسألة
أيضا. وبذلك يعظم الإشكال في المسألة.
وبالجملة فإن
ظاهر كلام الأكثر هو تحريم الخروج عن الحد المتقدم مطلقا ، عملا برواية محمد بن
مسلم المتقدمة. والمنقول عن ابن الجنيد
__________________
هو جواز الخروج مع الضرورة. وظاهر صحيحة الحلبي ـ وهو ظاهر الصدوق (قدسسره) ـ هو جواز الخروج على كراهة إلا مع الضرورة. فالضرورة
على قول ابن الجنيد موجبة لزوال التحريم ، وعلى ظاهر الرواية وظاهر الصدوق موجبة
لزوال الكراهة ، والجمع بين الخبرين بما تقدم قد عرفت ما فيه. وظاهر العلامة في
المنتهى والمختلف حمل صحيحة الحلبي على الضرورة كما هو مذهب ابن الجنيد. وفيه ما
عرفت. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، لعدم وجه يحضرني الآن في الجمع بين
الخبرين المذكورين. والاحتياط لا يخفى.
وثامنها ـ خروجه
بجميع بدنه حال الطواف عن البيت ، فلو مشى على شاذروانه ـ وهو الخارج عن أساسه ـ بطل
طوافه من غير خلاف يعرف ، لعدم صدق الطواف به. ولو كان يمس الجدار بيده أو بدنه
وهو خارج عنه حال مشيه ، فقيل بالبطلان وهو خيرة العلامة (قدسسره في التذكرة والشهيد (قدسسره) في الدروس ، لان من مسه على هذا الوجه يكون بعض بدنه
في البيت ، فلا يتحقق الخروج عنه الذي هو شرط في صحة الطواف به. وقيل بالجواز وهو
ظاهر اختياره في القواعد ، وجعله في التذكرة وجها للشافعية . واستدل عليه بان من هذا شأنه يصدق عليه انه طاف بالبيت
، لان معظم بدنه خارج عنه. ثم أجاب عنه بالمنع من ذلك ، لان بعض بدنه في البيت ،
كما لو وضع احدى رجليه اختيارا على الشاذروان. والمسألة محل توقف. والاحتياط في
القول الأول.
وظاهر الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ان الشاذروان محيط بالبيت.
__________________
كما هو الظاهر لمن شاهد البيت. والمفهوم من كلام العلامة (قدسسره) في التذكرة ـ كما تقدم ـ انه من الركن الشامي إلى
الركن الذي فيه الحجر الأسود. والعمل بالأول أحوط.
فوائد
الأولى ـ قد
قطع الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه يجب مراعاة قدر ما بين البيت والمقام
من جميع الجهات. ثم صرحوا بأنه يجب ان تحسب المسافة من جهة الحجر من خارجه ، بان
ينزل منزلة البيت وان كان خارجا من البيت ، لوجوب إدخاله في الطواف ، فلا يكون
محسوبا من المسافة. واحتمل شيخنا في المسالك احتسابه منها على القول بخروجه وان لم
يجز سلوكه.
أقول : اما
الحكم الأول فلا ريب فيه ، لما عرفت من دلالة رواية محمد بن مسلم عليه. واما
الثاني فلا يخلو من الإشكال ، لان مقتضى ما صرحوا به أولا ـ وهو مدلول الرواية
المذكورة ـ أن المسافة المعتبرة من البيت الى المقام معتبرة من جميع الجهات ، ومن
جملتها جهة الحجر. ويؤكده قوله (عليهالسلام) في الرواية المذكورة : «فكان الحد موضع المقام اليوم
فمن جازه فليس بطائف ، والحد قبل اليوم واليوم واحد ، قدر ما بين المقام وبين
البيت من نواحي البيت كلها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا
بغير البيت. الى آخره». وهو ـ كما ترى ـ صريح في ان من تباعد من جميع نواحي البيت
بأزيد من هذه المسافة المعتبرة من البيت الى المقام كان طائفا بغير البيت ، وهذا
ظاهر في جهة الحجر وغيرها. فالاستثناء
في هذه الجهة يحتاج الى دليل ، ومجرد وجوب إدخاله في الطواف لا يستلزم ذلك.
وبالجملة فإن ما ذكره شيخنا المشار اليه من الاحتمال لا يبعد تعينه. والمسألة في
غاية الاشكال ، والاحتياط يقتضي المحافظة تمام المحافظة على عدم البعد عن الحجر
على وجه يلزم منه الخروج عن تلك المسافة.
الثانية ـ قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان المقام حقيقة هو العمود من الصخر الذي
كان إبراهيم (عليهالسلام) يصعد عليه عند بناء البيت ، وعليه اليوم بناء ، ويطلق
على جميعه مع ما في داخله المقام عرفا ، وربما استعمله الفقهاء في بعض عباراتهم. وعباراتهم
هنا وكذا النصوص مطلقة في كون الطواف بين البيت والمقام فهل المراد بالمقام هنا هو
الصخر المذكور أم المجموع من الحائط وما فيه؟ قالوا : كل محتمل وان كان الاستعمال
الشرعي في الثاني أقوى. أقول : لا ريب في ضعف الاحتمال الآخر ، فإنه متى كان
المقام حقيقة انما هو الصخر المذكور فالإطلاق على البناء انما وقع مجازا بحسب
العرف ، والأحكام انما تترتب على المعنى الحقيقي كما لا يخفى ، والاحتمال الآخر لا
وجه له بالكلية.
الثالثة ـ المستفاد
من رواية محمد بن مسلم المتقدمة ان المقام الذي هو عمود الصخر قد غير عن ما كان
عليه في عهد النبي (صلىاللهعليهوآله) وان الحكم في الطواف منوط بمحله الآن.
ويدل على الثاني
أيضا صحيحة إبراهيم بن ابي محمود قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) : أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث
__________________
هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ قال حيث هو الساعة».
وروى الصدوق في
الصحيح عن زرارة بن أعين «انه قال لأبي جعفر (عليهالسلام) : قد أدركت الحسين (عليهالسلام)؟ قال : نعم اذكر وانا معه في المسجد الحرام وقد دخل
فيه السيل والناس يتخوفون على المقام ، يخرج الخارج فيقول : قد ذهب به السيل.
ويدخل الداخل فيقول : هو مكانه. قال : فقال : يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت : أصلحك
الله (تعالى) يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام. قال : ان الله (عزوجل) قد جعله
علما لم يكن ليذهب به فاستقروا. وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليهالسلام) عند جدار البيت ، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية
إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلما فتح النبي (صلىاللهعليهوآله) مكة رده الى الموضع الذي وضعه إبراهيم ، فلم يزل هناك
الى ان ولي عمر ، فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال له
رجل : انا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي. فقال : ائتني به. فأتاه فقاسه ثم رده الى ذلك
المكان».
أقول : ظاهر
هذا الخبر لا يخلو من اشكال ، لأنه ربما يفهم من قوله (عليهالسلام) : «ان الله (تعالى) قد جعله علما لم يكن ليذهب به» انه
باعتبار جعله في هذا المكان علامة للطواف لم يكن ليذهب به.
__________________
وهذا هو الظاهر من كلام جملة من أصحابنا ، حيث أوردوا هذا الخبر في هذا
المقام مؤكدين به لرواية محمد بن مسلم وصحيحة إبراهيم بن ابي محمود ، كما في
المدارك وشرح الإرشاد للمحقق الأردبيلي (قدسسره). وربما يشعر بان ما فعلته الجاهلية وفعله عمر احياء
لسنتهم كان أصوب من ما فعله إبراهيم (عليهالسلام) ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) بعده ، حيث ان الله (تعالى) جعله في هذا المكان علما.
وهو مشكل. والظاهر عندي من معنى كلامه (عليهالسلام) انما هو الإشارة إلى قوله (تعالى) : «فِيهِ آياتٌ
بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ... الآية» بمعنى ان وجود هذا الحجر الذي قام عليه إبراهيم (عليهالسلام) في البيت من آياته (عزوجل) لا باعتبار هذه المكان ،
وإلا فهذا المكان حد للطواف وضع فيه الحجر أم لم يوضع ، كما في زمانه (صلىاللهعليهوآله) حسبما دلت عليه رواية محمد بن مسلم. والمراد بكونه آية
من حيث تأثير قدم إبراهيم (عليهالسلام) فيه ، فهو آية بينة وعلامة واضحة على قدرة الله (تعالى).
وبهذا الوجه ايضا يصح ان يكون علما كما ذكره (عليهالسلام). وبذلك يظهر انه لا وجه لا يراد هذه الرواية في هذا
المقام. والله العالم.
الفصل الثاني
في المندوب وهو
أمور :
منها : انه
يستحب الوقوف عند الحجر الأسود ، وحمد الله (تعالى) والثناء عليه ، والصلاة على
النبي (صلىاللهعليهوآله) ، ورفع اليدين
__________________
بالدعاء ، واستلام الحجر وتقبيله ، فان لم يمكن مسح عليه بيده ، فان لم
يمكن أشار اليه. والدعاء بما يأتي.
ويدل على هذه
الجملة ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دنوت من الحجر الأسود ، فارفع يديك ، واحمد
الله (تعالى) وأثن عليه وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) واسأل الله ان يتقبل منك. ثم استلم الحجر وقبله ، فان
لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك ، فان لم تستطع ان تستلمه بيدك فأشر اليه ، وقل :
اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك
وعلى سنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا
عبده ورسوله ، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وعبادة الشيطان
وعبادة كل ند يدعى من دون الله (تعالى). فان لم تستطع ان تقول هذا كله فبعضه ، وقل
: اللهم إليك بسطت يدي وفي ما عندك عظمت رغبتي فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني ،
اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة».
قال في الكافي : وفي رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر
الأسود فتستقبله ، وتقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان
__________________
هدانا الله ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، أكبر من
خلقه ، وأكبر ممن أخشى واحذر ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله
الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وتصلي على النبي
وآل النبي (صلىاللهعليهوآله) وتسلم على المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد. ثم تقول
: اللهم اني أومن بوعدك واوفي بعهدك. ثم ذكر كما ذكر معاوية». قوله : «كما فعلت
حين دخلت المسجد» إشارة الى ما قدمناه في رواية أبي بصير في آخر البحث من مقدمات
الطواف.
فائدة
استلام الحجر :
لمسه اما بالتقبيل أو باليد أو نحو ذلك ، قال في القاموس : استلم الحجر : لمسه إما
بالقبلة أو اليد. واما ما ورد في صحيحة يعقوب بن شعيب المروية في الكافي ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن استلام الركن. قال : استلامه ان تلصق بطنك به ،
والمسح ان تمسحه بيدك». ـ فالظاهر حملها على أخص أفراده ، فإن صحيحة معاوية
المذكورة قد صرحت بحصول الاستلام بالمس باليد. قال المرتضى (رضياللهعنه) : الاستلام : مس السلام بيده. وقيل انه مأخوذ من
السلام ، بمعنى أنه يحيي نفسه عن الحجر ، إذ ليس الحجر ممن يحييه ، وهذا كما يقال
: اختدم ، إذا لم يكن له خادم سوى نفسه. وقال في كتاب المصباح المنير : واستلأمت
الحجر ، قال ابن السكيت : همزته العرب على غير قياس والأصل استلمت ، لانه من
السلام وهي
__________________
الحجارة. وقال ابن الأعرابي : الاستلام أصله مهموز من الملاءمة وهي
الاجتماع. وحكى الجوهري القولين. انتهى. ونقل في التذكرة عن ثعلب انه حكى في
الاستلام الهمز وفسره بأنه اتخذه جنة وسلاحا من اللامة وهي الدرع. ومن اخبار
المسألة
ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عن من ذكره عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود
فقل : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ،
آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وبعبادة الشيطان وبعبادة كل ند يدعى
من دون الله. ثم ادن من الحجر واستلمه بيمينك. ثم تقول : بسم الله والله أكبر
اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي عندك بالموافاة».
وفي الصحيح عن
يعقوب بن شعيب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ما أقول إذا استقبلت الحجر؟ فقال : كبر وصل على محمد
وآله. قال : وسمعته إذا اتى الحجر يقول : الله أكبر السلام على رسول الله صلىاللهعليهوآله».
والاخبار
الدالة على استحباب استلام الحجر مع الإمكان كثيرة إلا انه قد استثنى من هذا الحكم النساء فلا يستحب لهن :
__________________
لما رواه في
الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس على النساء جهر بالتلبية ، ولا استلام
الحجر ، ولا دخول البيت ، ولا سعى بين الصفا والمروة ، يعني : الهرولة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «انما الاستلام على الرجل وليس على النساء بمفروض».
وعن فضالة بن
أيوب في الصحيح عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان الله وضع عن النساء أربعا ، وعد منها
الاستلام».
وروى الصدوق (قدسسره) في من لا يحضره الفقيه في حديث وصية النبي (صلىاللهعليهوآله) لعلي (عليهالسلام) قال : «يا علي ليس على النساء جمعة. الى ان قال : ولا
استلام الحجر».
وبإسناده عن
ابي سعيد المكاري عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان الله (تعالى) وضع عن النساء أربعا ، وعد منهن
استلام الحجر الأسود».
قال : وقال الصادق (عليهالسلام): «ليس على النساء أذان. الى ان قال : ولا استلام
الحجر. الحديث».
__________________
ومنها : ان
يكون حال الطواف ذاكرا لله (عزوجل) داعيا سيما بالمأثور ، ماشيا على سكينة ووقار ،
مقتصدا في مشيه ، وقيل يرمل في ثلاث ويمشي أربعا ومن الاخبار الواردة بذلك ما رواه
في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «طف بالبيت سبعة أشواط ، وتقول في الطواف :
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض ،
وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك ، وأسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك ،
وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك ،
وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد (صلىاللهعليهوآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك ، ان تفعل
بي كذا وكذا : ما أحببت من الدعاء. وكلما انتهيت الى باب الكعبة فصل على النبي (صلىاللهعليهوآله). وتقول في ما بين الركن اليماني والحجر الأسود (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ) . وقل في الطواف : اللهم إني إليك فقير واني خائف مستجير
فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي».
أقول : طلل
الماء بالفتح اي ظهره والجمع اطلال ، وجدد الأرض بالجيم والمهملتين قيل وجهها ،
وقال في كتاب مجمع البحرين : الجدد بالتحريك : المستوي من الأرض ، ومنه أسألك
باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض. واما قوله : «الذي
غفرت به لمحمد (صلىاللهعليهوآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر» فهو إشارة الى الآية
الواردة في
__________________
سورة الفتح وقد ورد في تفسيرها ما رواه الصدوق (قدسسره) في كتاب عيون الاخبار عن الرضا (عليهالسلام): انه سأله المأمون عن هذه الآية ، فقال (عليهالسلام) : انه لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) ، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما
، فلما جاءهم (صلىاللهعليهوآله) بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم ، وقالوا
: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ
إِلهاً واحِداً ... الى قولهم إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) . فلما فتح الله على نبيه (صلىاللهعليهوآله) مكة قال له : يا محمد (صلىاللهعليهوآله) «إِنّا فَتَحْنا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما
تَأَخَّرَ» عند مشركي أهل مكة بدعائك الى توحيد الله (تعالى) في ما
تقدم وما تأخر.
وروى في الكافي
في الصحيح الى عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم قال : «قلت لأبي عبد الله
(عليهالسلام) : دخلت الطواف فلم يفتح لي شيء من الدعاء إلا الصلاة
على محمد وآل محمد. وسعيت فكان ذلك. فقال : ما اعطى أحد ممن سأل أفضل من ما أعطيت».
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يستحب ان تقول بين الركن والحجر : اللهم (آتِنا فِي
__________________
الدُّنْيا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ) . وقال : ان ملكا يقول : آمين».
وعن أيوب أخي
أديم عن الشيخ يعني : موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : قال لي : «كان ابي إذا استقبل الميزاب قال :
اللهم أعتق رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن
والانس ، وأدخلني الجنة برحمتك».
وعن ابي مريم قال : «كنت مع ابي جعفر (عليهالسلام) أطوف فكان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا
استلمه ثم يقول : اللهم تب علي حتى أتوب ، واعصمني حتى لا أعود».
وعن عمرو بن
عاصم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان علي بن الحسين (عليهالسلام) إذا بلغ الحجر قبل ان يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول
: اللهم أدخلني الجنة برحمتك ـ وهو ينظر الى الميزاب ـ وأجرني برحمتك من النار ،
وعافني من السقم. وأوسع علي من الرزق الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر
فسقة العرب والعجم».
وعن عمر بن
أذينة في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لما انتهى الى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر : يا ذا
المن والطول والجود والكرم ان عملي ضعيف فضاعفه لي وتقبله مني انك أنت السميع
العليم».
__________________
وروى في كتاب
عيون اخبار الرضا (عليهالسلام) بسنده عن سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «كنت معه في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن
اليماني أقام (عليهالسلام) فرفع يديه ثم قال : يا الله يا ولي العافية وخالق
العافية ورازق العافية والمنعم بالعافية والمنان بالعافية والمتفضل بالعافية علي
وعلى جميع خلقك ، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، صل على محمد وآل محمد
وارزقنا العافية ودوام العافية وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا والآخرة ، يا
ارحم الراحمين».
وروى الشيخ عن
محمد بن فضيل عن ابي جعفر الثاني (عليهالسلام) قال : «وطواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه إلا
بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن. قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه
ويحدثه بالشيء من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به».
ومقتضى هذه
الرواية عدم كراهة الكلام في طواف النافلة بالمباح.
وروى الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الكلام في الطواف ، وإنشاد الشعر ، والضحك ، في
الفريضة أو غير الفريضة ، أيستقيم ذلك؟ قال : لا بأس به. والشعر ما كان لا بأس به
منه». وهو محمول على الجواز وان كره في الفريضة.
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن من
__________________
أخبره عن العبد الصالح (عليهالسلام) قال : «دخلت عليه وانا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة.
الى ان قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن
رأسه ، حافيا ، يقارب بين خطاه ، ويغض بصره ، ويستلم الحجر في كل طواف ، من غير ان
يؤذي أحدا ، ولا يقطع ذكر الله (عزوجل) عن لسانه ، إلا كتب الله (عزوجل) له بكل
خطوة سبعين ألف حسنة ، ومحا عنه سبعين ألف سيئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وأعتق
عنه سبعين ألف رقبة ، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، وشفع في سبعين من أهل بيته ،
وقضيت له سبعون ألف حاجة ان شاء فعاجلة ، وان شاء فآجلة».
واما الاقتصاد
في المشي ـ وهو التوسط بين الإسراع والبطء ، من غير فرق بين اوله وآخره ، ولا بين
طواف القدوم وغيره ، وهو قول أكثر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ـ
فيدل عليه ما
رواه الشيخ (قدسسره) عن عبد الرحمن ابن سيابة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الطواف فقلت : أسرع وأكثر أو أمشي وأبطئ؟ قال : مشي
بين المشيين».
وروى الصدوق عن
سعيد الأعرج «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المسرع والمبطئ في الطواف. فقال : كل واسع ما لم يؤذ
أحدا».
واما القول
بالرمل في الثلاثة الأول والمشي في الأربعة الباقية فهو
__________________
منسوب الى الشيخ (قدسسره) في المبسوط وتبعه المتأخرون عنه ، لكنه قيده بطواف
القدوم ، والمنقول في كلامهم الإطلاق. وهو غير جيد.
قال في المدارك
: ولم أقف على رواية تدل عليه من طريق الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم). نعم
قال العلامة في المنتهى : ان العامة كافة متفقون على استحباب ذلك ورووا ان السبب فيه انه لما قدم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) مكة فقال المشركون : انه يقدم عليكم قوم نهكتهم الحمى
ولقوا منها شرا. فأمرهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان يرملوا الأشواط الثلاثة وان يمشوا بين الركنين ،
فلما رأوهم قالوا : ما نراهم إلا كالغزلان . ولا ريب في ضعف هذا القول ، لعدم ثبوت هذا النقل ، ولو
ثبت لما كان فيه دلالة على الاستحباب مطلقا. انتهى.
أقول : اما
قوله ـ : انه لم يقف على رواية تدل عليه ـ فهو ظاهر ، حيث ان نظرهم مقصور على
مراجعة الكتب الأربعة المشهورة ، وإلا فالرواية بذلك موجودة :
كما رواه
الصدوق في كتاب علل الشرائع والأحكام عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن ابي عبد الله عن
ابن فضال عن ثعلبة عن زرارة أو محمد الطيار قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الطواف ، أيرمل فيه الرجل؟ فقال : ان رسول الله (صلى
الله عليه
__________________
وآله) لما ان قدم مكة ـ وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم ـ أمر
الناس ان يتجلدوا ، وقال : أخرجوا أعضادكم. واخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عضديه ثم رمل بالبيت ليريهم انهم لم يصبهم جهد ، فمن
أجل ذلك يرمل الناس ، واني لا مشي مشيا ، وقد كان علي بن الحسين (عليهالسلام) يمشي مشيا».
وبهذا الاسناد
عن ثعلبة عن يعقوب الأحمر قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : لما كان غزاة الحديبية وادع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أهل مكة ثلاث سنين ثم دخل فقضى نسكه ، فمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة فقال : هو ذا
قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم فيروا فيكم ضعفا قال : فقاموا فشدوا أزرهم وشدوا
أيديهم على أوساطهم ثم رملوا».
واما قوله (قدسسره) ـ : ولو ثبت لما كان فيه دلالة على الاستحباب مطلقا ـ فهو
جيد ، لان ما ذكرناه من الروايتين انما تدلان على كونه في خصوص ذلك اليوم لإظهار
التجلد والقوة لمشركي قريش. والمفهوم من الخبر الأول ان العامة اتخذوا ذلك سنة على
الإطلاق بسبب هذه القضية ، وانهم (عليهمالسلام) كانوا يمشون مشيا. وهو ظاهر في فصر الرمل على ذلك
اليوم للغرض المشار اليه. ولا تخصيص فيه بالثلاثة الأول. فما ذكره الشيخ (قدسسره) ومن تبعه من الأصحاب ـ من الاستحباب مطلقا أو في طواف
القدوم ـ لا مستند له.
__________________
ويؤكد ذلك وان
دل على تخصيص الرمل بالثلاثة ما رواه احمد ابن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال : «سئل ابن عباس فقيل له : ان قوما يروون ان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) أمر بالرمل حول الكعبة؟ فقال : كذبوا وصدقوا. فقلت :
وكيف ذلك؟ فقال : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها مشركون ، فبلغهم ان
أصحاب محمد (صلىاللهعليهوآله) مجهودون فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : رحم الله امرأ أراهم من نفسه جلدا ، فأمرهم فحسروا
عن أعضادهم ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط ، ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) على ناقته وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها ، والمشركون
بحيال الميزاب ينظرون إليهم. ثم حج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بعد ذلك فلم يرمل ولم يأمرهم بذلك. فصدقوا في ذلك
وكذبوا في هذا».
وعن أبيه عن
جده عن أبيه قال : «رأيت علي بن الحسين (عليهالسلام) يمشي ولا يرمل».
أقول : وبذلك
ظهر ان الرمل له أصل بسبب هذه القضية ، وان العامة اتخذوا ذلك سنة لذلك ، والأمر
عند أئمتنا (صلوات الله عليهم) ليس كذلك.
والرمل لغة :
الهرولة على ما ذكره في القاموس ، ورملت رملا من باب طلب : هرولت ، والهرولة إسراع
في المشي مع تقارب الخطى. وعرفه الشهيد (قدسسره) في الدروس بأنه الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون
الوثوب والعدو ، ويسمى الخبب. أقول : الظاهر
__________________
ان قوله : «ويسمى الخبب» راجع الى الوثوب والعدو ، فلا يتوهم رجوعه الى
الرمل. قال في المصباح المنير : وخب في الأمر خببا من باب طلب : أسرع الأخذ فيه.
ومنه الخبب لضرب من العدو ، وهو خطو فسيح دون العنق.
ومن ما يدل على
جواز الركوب اختيارا ما رواه في الكافي في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : «سمعت أبا
عبد الله (عليهالسلام) يقول : طاف رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على ناقته العضباء وجعل يستلم الأركان بمحجنه ويقبل
المحجن».
وما رواه في من
لا يحضره الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول : حدثني ابي ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه وسعى عليها بين
الصفا والمروة». قال : وفي خبر آخر : «انه كان يقبل الحجر بالمحجن». ونحوه في
رواية ابن عباس المذكورة.
ومنها : ان
يلتزم المستجار في الشوط السابع ويبسط يديه على حائطه ويلصق به بطنه وخده ويدعو
بالمأثور.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال فيه : «فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة ـ وهو
المستجار دون الركن
__________________
اليماني بقليل ـ في الشوط السابع ، فابسط يديك على الأرض ، وألصق خدك وبطنك
بالبيت ، ثم قل : اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار. ثم
أقر لربك بما عملت من الذنوب ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا
المكان إلا غفر له ان شاء الله (تعالى) ، فإن أبا عبد الله (عليهالسلام) قال لغلمانه : أميطوا عني حتى أقر لربي بما عملت.
ويقول : اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية ، اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه اللهم
لي ، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك. وتستجير بالله من النار وتختار
لنفسك من الدعاء. ثم استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود واختم به
، فان لم تستطع فلا يضرك. وتقول : اللهم متعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني.
ثم تأتي مقام إبراهيم (عليهالسلام). الحديث». وقد تقدم.
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله
(عليهالسلام) : إذا كنت في الطواف السابع فات المتعوذ ـ وهو إذا قمت
في دبر الكعبة حذاء الباب ـ فقل : اللهم البيت بيتك والعبد عبدك ، وهذا مقام
العائذ بك من النار ، اللهم من قبلك الروح والفرج. ثم استلم الركن اليماني ، ثم
ائت الحجر فاختم به».
ولو نسي
الالتزام حتى تجاوز المستجار الى الركن لم يرجع ، لما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن علي بن يقطين عن ابي الحسن
__________________
(عليهالسلام) قال : «سألته عن من نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز
الركن اليماني ، أيصلح ان يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر ، أو يدع ذلك؟ قال :
يترك اللزوم ويمضي. الحديث».
وأطلق المحقق
في النافع والعلامة في القواعد الرجوع والالتزام إذا جاوز المستجار ، وبعضهم قيده
بعدم بلوغ الركن. واستحب في الدروس الرجوع ما لم يبلغ الركن. قال في المدارك بعد
نقل ذلك عنه : وهو حسن.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر الخبر المذكور ان السؤال فيه انما تعلق بالالتزام بين الركن اليماني وبين
الحجر بعد نسيانه الالتزام في محله ، فأجاب (عليهالسلام) بأنه لا يلتزم في هذا المكان ، لفوات محل الالتزام
المأمور به ، ومجرد سؤال السائل عن نسيان الالتزام حتى جاوز المستجار لا يدل على
انه بعد تجاوز المستجار يرجع ، إذ هذا انما وقع في كلام السائل ، والغرض من سؤاله
انما هو ما ذكرنا لا السؤال عن جواز الرجوع وعدمه. وبالجملة فإن القول بالرجوع
مطلقا لا دليل عليه ، مع استلزامه الزيادة في الطواف. والقول بالرجوع ما لم يبلغ الركن
لا يفهم من الرواية صريحا ولا ظاهرا وان أوهمه بادئ النظر في الخبر.
ومنها : ان
يلتزم الأركان كلها وان تأكد الذي فيه الحجر والركن اليماني على المشهور ، بل
أسنده العلامة (قدسسره) في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
وأوجب سلار استلام اليماني. ومنع ابن الجنيد من استلام الشامي.
__________________
والأظهر القول
المشهور ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود قال : «قلت للرضا (عليهالسلام): استلم اليماني والشامي والغربي؟ قال : نعم».
وعن جميل بن
صالح في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول : ما بال هذين
الركنين يستلمان ولا يستلم هذان؟ فقلت : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) استلم هذين ولم يعرض لهذين ، فلا تعرض لهما إذ لم يعرض
لهما رسول الله (صلىاللهعليهوآله). قال جميل : ورأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) يستلم الأركان كلها».
قال في
الاستبصار : يعني : ليس في استلامهما من الفضل والترغيب في الثواب ما في استلام
الركن العراقي واليماني ، لا ان استلامهما محظور أو مكروه. ولأجل ما قلناه حكى
جميل انه رأى أبا عبد الله (عليهالسلام) يستلم الأركان كلها ، فلو لم يكن جائزا لما فعله (عليهالسلام). انتهى. وهو جيد.
ومن الاخبار
الدالة على تأكد الاستلام في الركن اليماني ما رواه في الكافي عن العلاء بن المقعد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق الله
السماوات والأرضين ليس له هجير إلا التأمين على دعائكم ، فلينظر عبد بما يدعو.
__________________
فقلت له : ما الهجير؟ فقال : كلام من كلام العرب ، اي ليس له عمل».
أقول : الهجير
في اللغة ـ كسجيل ـ : الدأب والعادة والديدن وهو موافق لتفسيره (عليهالسلام).
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله
(تعالى) منذ فتحه».
وروى في الفقيه
قال : «وقال الصادق (عليهالسلام): الركن اليماني بابنا الذي ندخل منه الجنة. وقال (عليهالسلام): فيه باب من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح».
وعن ابي الفرج
السندي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كنت أطوف معه بالبيت ، فقال : اي هذا أعظم حرمة؟
فقلت : جعلت فداك أنت اعلم بهذا مني. فأعاد علي ، فقلت له : داخل البيت. فقال :
الركن اليماني على باب من أبواب الجنة مفتوح لشيعة آل محمد (صلىاللهعليهوآله) مسدود عن غيرهم ، وما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلا صعد
دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله (تعالى) حجاب».
تتمة مهمة
يجب ان يعلم ان
من لوازم الطواف صلاة ركعتين وجوبا ان كان
__________________
واجبا واستحبابا ان كان مستحبا ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله
عليهم).
إلا ان الشيخ
نقل في الخلاف عن بعض أصحابنا القول باستحبابهما في الطواف الواجب.
وهو ضعيف مردود
بالآية والروايات ، لقوله (عزوجل) (وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) . والأمر للوجوب ـ بلا خلاف ـ في القرآن العزيز إلا مع
قيام قرينة خلافه ، وانما الخلاف في أوامر السنة.
ولما رواه
الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم (عليهالسلام) فصل ركعتين واجعله امامك ، واقرأ في الأولى منهما سورة
التوحيد : «قل هو الله أحد» وفي الثانية «قل يا ايها الكافرون» ثم تشهد واحمد الله
(تعالى) وأثن عليه ، وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) واسأله ان يتقبل منك. وهاتان الركعتان هما الفريضة ،
ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا
تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما».
وروى الشيخ (قدسسره) في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ثم تأتي مقام إبراهيم (عليهالسلام) فتصلي ركعتين واجعله اماما. واقرأ فيهما
__________________
بسورة التوحيد : «قل هو الله أحد» وفي الركعة الثانية «قل يا ايها الكافرون»
ثم تشهد واحمد الله (تعالى) وأثن عليه».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت
الشمس. قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب».
وروى في
التهذيب عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن ركعتي طواف الفريضة. قال : لا تؤخرهما
ساعة إذا طفت فصل».
الى غير ذلك من
الاخبار الآتية في المقام ان شاء الله (تعالى).
وتنقيح البحث
في هذا المقام يتوقف على بيان أمور الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ان محل ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ولا يجوز في غيره ، وركعتي طواف النافلة حيث
شاء من المسجد. وقال الشيخ (قدسسره) في الخلاف : يستحب ان يصلي الركعتين خلف المقام ، فان
لم يفعل وفعل في غيره أجزأه. كذا نقل عنه في المختلف ونقل عنه في المدارك ، قال :
وقال الشيخ (قدسسره) في الخلاف : يستحب فعلهما خلف المقام فان لم يفعل وفعل
في غيره أجزأ. وهو اما نقل بالمعنى أو في موضع آخر غير ما نقله العلامة (قدسسره). ونقل في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه انه قال : لا
يجوز ان تصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة ، ولا بأس ان
__________________
تصلي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام. قال : وكذا جوز
ابنه في المقنع صلاة ركعتي طواف النساء في جميع المسجد الحرام. ونقل عن ابي الصلاح
انه قال : يجب على كل من طاف بالبيت بعد فراغه من أسبوعه ان يصلي ركعتين عند مقام
إبراهيم (عليهالسلام) ويجوز تأديتهما في غير المقام من المسجد الحرام.
ويدل على
المشهور صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ومثلها موثقته المذكورة أيضا.
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في التهذيب في الصحيح عن صفوان عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف
المقام ، لقول الله (عزوجل) (وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) فان صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة».
وعن ابي عبد
الله الأبزاري قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحجر. قال
يعيدهما خلف المقام ، لان الله (تعالى) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) يعني بذلك : ركعتي طواف الفريضة».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود ، وقد تقدمت قريبا .
__________________
وهذه الروايات
دالة بإطلاقها على وجوب صلاة الركعتين عند المقام في كل طواف واجب لحج كان أو عمرة
أو طواف النساء.
والظاهر ان ما
نقل عن الصدوقين (قدسسرهما) من استثناء طواف النساء فمستنده كتاب الفقه الرضوي ،
حيث قال (عليهالسلام) : ـ بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها وترتيبها
في الفضل ـ ما صورته : وما قرب من البيت فهو أفضل ، إلا انه لا يجوز ان تصلي ركعتي
طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة. ولا بأس ان تصلي ركعتي طواف
النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام. وحينئذ فيمكن تخصيص إطلاق تلك الروايات
بهذه الرواية ، إلا ان الأحوط الوقوف على إطلاق تلك الاخبار.
واما ما ذكره
أبو الصلاح فلم أقف له على مستند ، مع ظهور الأخبار المذكورة في رده.
واما ما يدل على
ان صلاة طواف النافلة حيث شاء من المسجد فهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند
مقام إبراهيم (عليهالسلام) واما التطوع فحيث شئت من المسجد».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان ابي (عليهالسلام) يقول : من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي
جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة ..».
__________________
وعن ابي بلال
المكي قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) طاف بالبيت ثم صلى ما بين الباب والحجر الأسود ركعتين
، فقلت له : ما رأيت أحدا منكم صلى في هذا الموضع. فقال : هذا المكان الذي تيب على
آدم فيه».
وروى في كتاب
قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين
خارجا من المسجد. قال : يصلي بمكة لا يخرج منها ، إلا ان ينسى فيصلي إذا رجع في
المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله .
الثاني ـ المشهور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يصلي ركعتي الطواف الواجب في المقام ، ولو
منعه زحام أو غيره صلى خلفه أو الى أحد جانبيه. وهذا الكلام بحسب ظاهره لا يخلو من
الاشكال ولم أر من تنبه له ونبه عليه إلا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث
قال : الأصل في المقام انه العمود من الصخر الذي كان إبراهيم (عليهالسلام) يقف عليه حين بنائه البيت ، واثر قدميه فيه الى الآن. ثم بعد ذلك
بنوا حوله بناء ، وأطلقوا اسم المقام على ذلك البناء بسبب المجاورة حتى صار إطلاقه
على البناء كأنه حقيقة عرفية. إذا تقرر ذلك فنقول : قد عرفت ان المقام بالمعنى
الأول لا يصلح ظرفا مكانيا للصلاة على جهة الحقيقة ، لعدم إمكان الصلاة فيه وانما
تصلح خلفه أو الى أحد جانبيه. واما المقام بالمعنى الثاني فيمكن الصلاة فيه
__________________
وفي أحد جانبيه وخلفه ، فقول المصنف : «يجب ان يصلى في المقام» ان أراد به
المعنى الأول أشكل من جهة جعله ظرفا مكانيا ، ومن جهة قوله : «ولا يجوز في غيره»
فإن الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه جائزة بل معينة. ومن جهة قوله : «فان منعه زحام
صلى وراءه أو الى أحد جانبيه» فإن الصلاة في هذين جائزة مع الزحام وغيره. ولو حملت
الصلاة فيه على الصلاة حوله مجازا تسمية له باسمه بسبب المجاورة كان المقصود
بالذات من الكلام الصلاة خلفه أو الى أحد الجانبين مع الاختيار ، فيشكل شرطه بعد
ذلك جواز الصلاة فيهما بالاضطرار. اللهم إلا ان يتكلف لقوله : «خلفه أو الى أحد
جانبيه» بما زاد عن ما حوله من ما يقاربه عرفا ، وتصح الصلاة إليه اختيارا ، بان
يجعل ذلك كله عبارة عن المقام مجازا ، وما خرج عن ذلك من المسجد الذي يناسب الخلف
أو أحد الجانبين يكون محلا للصلاة مع الاضطرار والزحام. إلا ان هذا معنى بعيد
وتكلف زائد. وان أراد المقام بالمعنى الثاني وهو البناء المحيط بالصخرة المخصوصة
صح قوله : «ان يصلى في المقام» ولكن يشكل بالأمرين الآخرين ، فإن الصلاة في غيره
أيضا جائزة اختيارا ، وهو ما جاوره من أحد جانبيه وخلفه من ما لا يخرج عن قرب
الصخرة عرفا ، ولا يشترط فيه الزحام بل هو الواقع لجميع الناس في أكثر الاعصر. وفي
إرادة البناء فساد آخر ، وهو ان المقام كيف أطلق يجب كون الصلاة خلفه أو عن أحد
جانبيه ، ومتى أطلق على البناء وفرضت الصلاة الى أحد جانبيه صح من غير اعتبار ان
يكون عن جانب الصخرة. وهذا لا يصح ، لان المعتبر في ذلك انما هو بالصخرة لا
بالبناء ، فإنه هو مقام إبراهيم (عليهالسلام) وموضع الشرف وموضع إطلاق الشارع. وايضا قوله
«حيث هو الآن» احتراز عن محله قديما كما تقدم ، والمقام المنقول هو الصخرة
لا البناء كما لا يخفى. وهذا الإجمال أو القصور في المعنى مشترك بين أكثر عبارات
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وان تفاوتت في ذلك. ولقد كان الاولى ان يقول : يجب ان
يصلى خلف المقام أو الى أحد جانبيه ، فان منعه زحام جاز التباعد عنه مع مراعاة
الجانبين والوراء. انتهى كلامه (زيد مقامه). وهو جيد. وانما نقلناه بطوله لحسنه
وجودة محصوله.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المستفاد من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تخصيص الصلاة الى أحد
الجانبين بالزحام ، وخيروا بينه وبين الخلف كما تقدم نقله عنهم. وظاهر كلام الشيخ (قدسسره) ـ على ما نقله في المنتهى ـ ترتب الصلاة في أحد
الجانبين على عدم الإمكان خلفه. والمروي في الاخبار الكثيرة ـ كما تقدم شطر منها ـ
هو الصلاة خلفه ، سيما مرسلة صفوان المتقدمة وقوله (عليهالسلام) فيها : «ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف
المقام». وفي جملة من الاخبار الصلاة عند المقام ، والظاهر حمل إطلاقها على ما ذكر
في غيرها من الخلف. وفيها إشارة إلى القرب وعدم التباعد بحيث تصدق العندية بذلك.
ولم أقف على
رواية تدل على أحد الجانبين إلا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحسين
بن عثمان قال : «رأيت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا
__________________
من ظلال المسجد». ورواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب بسند فيه احمد بن هلال المذموم. وزاد في آخر الخبر : «لكثرة
الناس».
وهو على رواية
الشيخ (قدسسره) ظاهر الدلالة على ما هو المذكور في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) من التخصيص بالضرورة ، وعلى تقدير رواية الكافي ينبغي تقييده بذلك
أيضا للأخبار الكثيرة الدالة على التخصيص بخلف المقام ، ولا سيما مرسلة صفوان
المذكورة.
الثالث ـ قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه لو نسي ركعتي الطواف وجب
عليه الرجوع ، إلا ان يشق عليه فيقضيهما حيث ذكر. وفي الدروس بعد تعذر الرجوع الى
المقام فحيث شاء من الحرم ، فان تعذر فحيث أمكن من البقاع. ونقل عن المبسوط وجوب
الاستنابة ، قال : وتبعه الفاضل.
والذي وقفت
عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي عن ابي الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي ان يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) في طواف الحج والعمرة. فقال : ان كان بالبلد صلى
ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ، فان الله (عزوجل) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وان كان قد ارتحل فلا آمره ان يرجع».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن علي بن رئاب عن ابي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي ان يصلي
__________________
ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ـ وقد قال الله (تعالى) (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ
مُصَلًّى) ـ حتى ارتحل. فقال : ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه ولا
آمره ان يرجع ولكن يصلي حيث يذكر».
وما رواه
المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم (عليهالسلام) فلم يذكر حتى ارتحل من مكة. قال : فليصلهما حيث ذكر ،
وان ذكرهما وهو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما».
قال في الفقيه : وفي رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام): «ان كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض
الناس فليصلهما عنه». وطريقه الى عمر المذكور صحيح .
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ، ثم
طاف طواف النساء ولم يصل الركعتين ، حتى ذكر بالأبطح ، فصلى اربع ركعات؟ قال :
يرجع فيصلي عند المقام أربعا».
__________________
وما رواه في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين
حتى طاف بين الصفا والمروة ، وطاف بعد ذلك طواف النساء ولم يصل ايضا لذلك الطواف ،
حتى ذكر وهو بالأبطح. قال : يرجع الى مقام إبراهيم (عليهالسلام) فيصلي».
وما رواه في
التهذيب عن احمد بن عمر الحلال في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن
(عليهالسلام) عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى
اتى منى. قال : يرجع الى مقام إبراهيم (عليهالسلام) فيصليهما».
ورواه في
الفقيه بسنده عن احمد بن عمر مثله ، ثم قال : وقد رويت رخصة في
ان يصليهما بمنى ، رواها ابن مسكان عن عمر بن البراءة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) ..
وما رواه في
الكافي عن هشام بن المثنى وحنان قالا : «طفنا بالبيت طواف
النساء ونسينا الركعتين ، فلما صرنا بمنى ذكرناهما ، فأتينا أبا عبد الله (عليهالسلام) فسألناه ، فقال : صلياهما بمنى».
وعن هشام بن
المثنى قال : «نسيت ركعتي الطواف خلف مقام
__________________
إبراهيم (عليهالسلام) حتى انتهيت إلى منى ، فرجعت الى مكة فصليتهما ، فذكرنا
ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : ألا صلاهما حيث ذكر». أقول : الظاهر ان قوله : «فذكرنا
ذلك.» من كلام ابن ابي عمير ، وهو الراوي عن هشام المذكور. ورواه في التهذيب ايضا عن هشام بن المثنى مثله.
وروى في
التهذيب في الموثق عن حنان بن سدير قال : «زرت فنسيت ركعتي
الطواف ، فأتيت أبا عبد الله (عليهالسلام) ـ وهو بقرن الثعالب ـ فسألته ، فقال : صل في مكانك». أقول
: قرن الثعالب هو قرن المنازل الذي هو ميقات أهل الطائف.
وعن عمر بن
يزيد في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه سأله عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) حتى اتى منى. قال : يصليهما بمنى».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين. قال : يصلى
عنه».
وعن ابن مسكان عن من سأله عن رجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج.
قال : يوكل. قال ابن مسكان : وفي حديث آخر : ان كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع
وليصلهما ، فان الله (عزوجل) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) .
__________________
قال في الوافي
بعد نقل هذا الخبر : هكذا في النسخ التي رأيناها ، ولعله سقط من الكلام شيء بأن
يكون «ان كان جاوز» متعلقا ب «يوكل» والساقط «وان لم يجاوز ميقات أهل أرضه» أو «وإلا».
انتهى. وهو جيد.
أقول :
والمستفاد من أكثر هذه الاخبار هو جواز الصلاة حيث ذكر متى شق عليه الرجوع ، كما
هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ، والمستفاد ـ من صحيحة عمر
بن يزيد المتقدم نقلها عن كتاب من لا يحضره الفقيه ، وصحيحة محمد بن مسلم ، ورواية
ابن مسكان ـ انه يوكل من يصلي عنه. والظاهر انها المستند لمن قال بوجوب الاستنابة.
إلا ان المنقول عن الشيخ هو وجوب الاستنابة إذا شق عليه الرجوع كما نقله في
المدارك. وظاهر صحيحة عمر بن يزيد هو التخيير بين الرجوع والاستنابة في موضع يمكن
فيه الرجوع. وهي لا تنطبق على مذهبه. والروايتان الأخيرتان مطلقتان لا تصريح فيهما
بالاستنابة مع تعذر الرجوع ، فلعل إطلاقهما محمول على صحيحة عمر ابن يزيد
المذكورة. وبذلك يعظم الإشكال في المسألة بناء على كلام الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى
ـ عليهم). وربما يؤيد التخيير في مقام إمكان الرجوع روايات منى ، حيث ان بعضها
تضمن الرجوع الى المقام وبعضها الصلاة في منى ، فيجمع بينهما بالتخيير بين الأمرين
، ويكون ذلك مؤيدا لما دلت عليه صحيحة عمر بن يزيد المذكورة.
وبالجملة فإن
الوجه الذي تجتمع عليه هذه الروايات هو ان من لم يمكنه الرجوع فإنه يصلي حيث ذكر ،
ومن امكنه تخير بين الرجوع والاستنابة. والحكم الأول لا اشكال فيه بالنسبة الى
الاخبار ، واما
الثاني فالتقريب فيه حمل إطلاق روايتي محمد بن مسلم وابن مسكان على صحيحة
عمر بن يزيد ، وحمل روايات منى على التخيير. وبه يزول الإشكال في هذا المجال وان
لم يقل به أحد من علمائنا الأبدال.
والشيخ (قدسسره) قد جمع في التهذيب بين روايات منى بحمل الصلاة في منى على ما إذا شق عليه
العود. وفيه ان رواية هشام ابن المثنى الثانية صريحة في انه عاد إلى مكة وصلاهما
في المقام ، ومع ذلك لما أخبر الإمام (عليهالسلام) قال : «ألا صلاهما حيث ذكر» فكيف يتم ما ذكره؟.
وصاحب الفقيه حمل روايات عدم الرجوع على الرخصة ، وفي الاستبصار نحو ذلك.
واما رواية ابن
مسكان وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة ابن يزيد فلم أقف لهم على الجواب عنها إلا ما
ذكره في المدارك من الطعن في رواية ابن مسكان واطراح صحيحة عمر بن يزيد ، ولم
يتعرض لصحيحة محمد بن مسلم ولم ينقلها في المقام. وهو محض مجازفة لا تخفى على ذوي
الأفهام.
وبالجملة فإني
لا اعرف وجها تجتمع عليه هذه الاخبار سوى ما ذكرت.
واما ما ذكره
في الدروس ـ من إيجاب العود الى الحرم عند تعذر العود الى المقام ـ فلم نقف له على
دليل في الاخبار.
والظاهر إلحاق
حكم الجاهل بالناسي ، لما رواه الصدوق (قدس
__________________
سره) في الصحيح عن جميل بن دراج عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) بمنزلة الناسي».
ولا يخفى ان ما
نقلناه من الاخبار انما يتعلق بحكم الناسي والجاهل ، واما التارك لهما عمدا فلم
أقف على خبر يتضمن الحكم فيه وكذا الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا لذكره
إلا ما صرح به في المسالك ، حيث قال بعد ذكر ذلك : والذي يقتضيه الأصل انه يجب عليه
العود مع الإمكان ، ومع التعذر يصليهما حيث أمكن. وقال سبطه في المدارك بعد ان نقل
عنه ذلك : ولا ريب ان مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان ، وانما الكلام في
الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر أو بقائهما في الذمة الى ان يحصل التمكن من
الإتيان بهما في محلهما. وكذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما ، من صدق
الإتيان بها ، ومن عدم وقوعها على الوجه المأمور به. انتهى. وهو جيد.
الرابع ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو مات ولم يأت بهما وجب قضاؤهما على وليه.
والذي وقفت
عليه من الاخبار في هذه المسألة صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من
مكة فعليه ان يقضي ، أو يقضي عنه وليه ، أو رجل من المسلمين». ولم أقف على سواها.
وهي مع عدم
التصريح فيها بالموت كما هو موضع المسألة قد دلت
__________________
على التخيير بين الولي وغيره من المسلمين. والذي يظهر من الرواية هو كونها
من عداد صحيحة محمد بن مسلم ورواية ابن مسكان المتقدمين في الدلالة على ان من نسي
ركعتي الطواف فإنه يصلى عنه ، غاية الأمر ان هذه تضمنت قضاء الولي مخيرا بينه وبين
غيره. وذكر الولي فيها لا يستلزم الموت كما هو ظاهر ما فهموه من الخبر ، بل ربما
كان في التخيير بين قضائه وقضاء الأجنبي إشارة إلى الحياة كما لا يخفى. وبالجملة
فإن الرواية قاصرة عن إفادة المدعى.
وقال في
المسالك بعد قول المصنف : «ولو مات قضاهما الولي» هذا ان تركهما الميت خاصة ، ولو
ترك معهما الطواف ففي وجوبهما حينئذ عليه ويستنيب في الطواف أم يستنيب عليهما معا
من ماله وجهان ، ولعل وجوبهما عليه مطلقا أقوى ، لعموم قضاء ما فاته من الصلوات
الواجبة . اما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه قطعا وان كان بحكم
الصلاة.
واعترضه سبطه
في المدارك بان ما ذهب اليه من وجوب قضاء الركعتين مطلقا متجه ، اما قطعه بعدم
وجوب قضاء الطواف فمنظور فيه ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ فقال : لا تحل له
النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإن توفي قبل ان يطاف
عنه فليقض عنه وليه أو غيره». وهذه الرواية
__________________
وان كانت مخصوصة بطواف النساء لكن متى وجب قضاؤه وجب قضاء طواف العمرة
والحج بطريق اولى. انتهى.
أقول : يمكن ان
يقال : ان صلاة الطواف الواجب وان كانت واجبة لكن الظاهر ان وجوبها للطواف ، بمعنى
أنها تابعة له ، فان اتى بالطواف الواجب اتى بها ، وان أخل به على وجه لا يمكن
تداركه فلا تصح الصلاة وحدها بدونه بل يكون مؤاخذا بكل من الأمرين ، فإن ثبت قضاء
الطواف وجب قضاء الصلاة أيضا ، وإلا فلا بل كان مؤاخذا بالأمرين. واما انه يجب
قضاء الصلاة خاصة كما ذكره فلا اعرف له وجها وجيها. والروايات المتقدمة ـ في ترك الصلاة
نسيانا أو جهلا ، والأمر بقضائها أو النيابة فيها ـ قد تضمنت الإتيان بالطواف. وهو
من ما لا اشكال فيه. واما الاستناد الى عموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة فيمكن حملها على ما فاته من الصلوات الواجبة باستقلالها
لا ما كان وجوبه مرتبا على غيره مع عدم الإتيان بذلك الغير. ولا يتوهم من هذا
الكلام انا نمنع الوجوب بل انما نمنع الإتيان بالفعل والحكم بصحته مع عدم لإتيان
بالطواف ، ونقول انه متى ترك الطواف فلا تصح منه الصلاة وحدها بل يجب عليه الطواف
أولا ثم الصلاة. فتدبر. والله العالم.
الخامس ـ المفهوم
من الاخبار وكلام الأصحاب ان وقت صلاة الطواف الفراغ من الطواف ، فلا تكره لو
اتفقت في الأوقات التي يكره فيها ابتداء النوافل بل تصلى في كل وقت.
ومن الاخبار في
ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
__________________
محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت
الشمس. قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب».
وفي الصحيح أو
الحسن عن رفاعة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر ، أيصلي الركعتين
حين يفرغ من طوافه؟ فقال : نعم ، اما بلغك قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد
العصر فتمنعوهم من الطواف».
وفي الصحيح أو
الحسن عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا فرغت من طوافك فات مقام إبراهيم (عليهالسلام) فصل ركعتين. الى ان قال : وهاتان الركعتان هما الفريضة
، ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا
تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما».
وفي الموثق عن
إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين (عليهماالسلام) إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة».
وما رواه الشيخ
(رحمهالله) عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن ركعتي طواف الفريضة. قال : لا تؤخرهما
ساعة إذا طفت فصل».
واما ما رواه
عن محمد بن مسلم في الصحيح ـ قال : «سألت أبا جعفر
__________________
(عليهالسلام) عن ركعتي طواف الفريضة. فقال : وقتهما إذا فرغت من
طوافك ، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها».
وفي الصحيح عن
محمد بن مسلم ايضا قال : «سئل أحدهما (عليهماالسلام) عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر. قال :
يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها».
فحمله الشيخ (قدسسره) على التقية ، قال : لانه موافق للعامة . وأنت خبير بان ظاهر موثقة إسحاق بن عمار ان العامة لا
يمنعون ذلك وانهم لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهماالسلام) إلا جواز الصلاة في هذين الوقتين. ويمكن الجمع بحمل
الناس في الموثقة للذكورة على بعض العامة وان كان الأكثر على المنع .
وظاهر الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ان هذا الحكم مخصوص بصلاة طواف الفريضة ، واما صلاة طواف النافلة
فإنها تكون مكروهة في هذه الأوقات ، نص على ذلك الشيخ (قدسسره) وغيره.
واستدل عليه في
الاستبصار بما رواه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت
الرضا (عليهالسلام) عن صلاة طواف التطوع بعد العصر. فقال : لا. فذكرت له
قول بعض آبائه (عليهمالسلام) : ان الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهماالسلام) إلا الصلاة بعد العصر بمكة ، فقال : نعم ولكن إذا رأيت
الناس
__________________
يقبلون على شيء فاجتنبه. فقلت : ان هؤلاء يفعلون. فقال : لستم مثلهم».
أقول : الذي يظهر
من هذا الخبر ان نهيه (عليهالسلام) انما كان استصلاحا وتقية على السائل ونحوه. وحاصل
الخبر ـ والله سبحانه وقائله اعلم ـ انه لما نهاه عن الصلاة في هذا الوقت احتج
عليه بالحديث المذكور الدال على انهم يجوزون ذلك ، فقال له : نعم الأمر كما ذكرت
ولكن عملهم بذلك لا يدفع الضرر عنكم ، لأنهم يعلمون ان هذا الحكم ـ وهو جواز
الصلاة في هذه الأوقات المكروهة عندهم ـ من خصائص مذهبكم ، وهم إنما أخذوا عن
الحسن والحسين (عليهماالسلام) الجواز في صلاة الطواف خاصة ، فهم يؤاخذونكم لأجل ذلك
بما لا يؤاخذون به بعضهم بعضا. وهذا معنى قوله (عليهالسلام) : «لستم مثلهم» واما قوله : «ولكن إذا رأيت الناس.»
فالظاهر ان المراد منه ان اجتماعهم على أمر من الأمور ينبغي ان يكون سببا في بعدكم
عنه وتنحيكم له ، فإنهم ليسوا من الحنيفية على شيء ، كما استفاضت به الاخبار وهو إعطاء القاعدة كلية لا لخصوص هذا الموضع. وبالجملة
فالظاهر ان النهي انما خرج مخرج التقية .
ثم ان الشيخ (قدسسره) بعد ان أورد هذا الخبر في الاستبصار قال : فاما ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن
علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن علي بن يقطين ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه
__________________
السلام) عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلي ركعات
الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال : لا» ـ. فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من انه
كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له ان يصلي ركعتي الطواف إلا بعد ان يفرغ من الفريضة
الحاضرة. انتهى.
أقول : والأظهر
في معنى هذا الخبر ما ذكره في الوافي قال : والاولى ان يحمل وقت الصلاة فيه على وقت صلاة
الطواف ، يعني : له وقت يمكنه ان يصلي فيه صلاة الطواف قبل الطلوع أو الغروب وانما
نهاه (عليهالسلام) لمكان التقية .
السادس ـ روى
الشيخان ثقة الإسلام والصدوق (رحمهماالله) عن يحيى الأزرق عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «قلت له : اني طفت أربعة أسابيع فأعييت ، أفأصلي
ركعاتها وانا جالس؟ قال : لا. قلت : فكيف يصلي الرجل إذا اعتل ووجد فترة صلاة
الليل جالسا وهذا لا يصلي؟ قال : فقال : يستقيم ان تطوف وأنت جالس؟ قلت : لا. قال
: فصل وأنت قائم».
أقول : ظاهر
هذا الخبر قد تضمن حكمين غريبين لم أر من تنبه لهما : أحدهما ـ عدم جواز صلاة
ركعتي الطواف جالسا وان كان في طواف النافلة كما هو مورد الخبر. والظاهر حمله على
التمكن من الصلاة قائما وان كان فيه نوع مشقة. ويصير الفرق بينه وبين صلاة النافلة
__________________
في غير الطواف انه يجوز صلاة النافلة جالسا من غير عذر وان كان القيام أفضل
، واما صلاة الطواف وان كان نافلة فلا يجوز صلاتها جالسا بل يجب القيام فيها وان
اشتمل على نوع مشقة ، اما لو تعذر القيام أو اشتمل على مشقة لا تتحمل عادة فالظاهر
القول بجواز صلاتها جالسا. وربما يشير اليه ما ورد في رواية إسحاق بن عمار «في من اعتل عن إتمام طوافه : انه يطاف عنه ويصلي هو». فان الظاهر ان
الصلاة هنا من حيث المرض المانع من إتمام الطواف انما هي من جلوس. وبالجملة فإن
الأمر دائر بين ان يصلى هو من جلوس أو يصلى عنه ، والأوفق بالقواعد الشرعية هو
الأول ، فإن النيابة انما تصح مع تعذر الإتيان بالفعل مطلقا.
وثانيهما ـ عدم
جواز الطواف جالسا ، وهو أعم من ان يزحف على مقعدته زحفا على الأرض أو يمشي على
قدميه وهو جالس ، كالممنوع من الانتصاب والقيام لتشنج أعضائه. ويعضده ان الاخبار
قد دلت بالنسبة إلى المرض المانع من الطواف قائما ماشيا الشامل لهاتين الصورتين
على الطواف به ، بان يحمل ان أمكن ، وإلا فإنه يطاف عنه ولم يتعرض في شيء منها لاستثناء شيء من هاتين
الصورتين ولا غيرهما. والاخبار بإطلاقها شاملة لهما. والله العالم.
السابع ـ من
المستحب في هاتين الركعتين ان يقرأ فيهما بالتوحيد والجحد.
وقد تكاثرت
بذلك الاخبار ، ومنها : ما تقدم في صدر البحث في
__________________
صحيحة معاوية بن عمار ، وموثقته المذكورة أيضا.
ومنها : صحيحة
جميل بن دراج عن بعض أصحابه قال : «قال أحدهما (عليهماالسلام) : يصلي الرجل ركعتي الطواف طواف الفريضة والنافلة ب قل
هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».
ومثل ذلك رواية
معاذ بن مسلم . وقد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار ان التوحيد في الركعة
الاولى والجحد في الثانية ، وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم)
، وقال الشيخ (رحمهالله) في النهاية : انه يقرأ الجحد في الركعة الاولى
والتوحيد في الثانية. ولم نقف على مستنده ، بل قد روى هو (قدسسره) ـ زيادة على صحيحة معاوية المذكورة هنا ـ في كتاب
الصلاة من التهذيب مرسلا بعد ان نقل رواية معاذ بن مسلم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) الدالة على استحباب قراءة التوحيد والجحد في سبعة مواضع
، وعد منها ركعتي الفجر وركعتي الطواف ، قال : وفي رواية أخرى : «يقرأ في هذا كله
ب قل هو الله أحد وفي الركعة الثانية ب قل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل
الفجر ، فإنه يبدأ ب قل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو الله
أحد». إلا ان شيخنا الشهيد (قدسسره) في الدروس ـ بعد ان ذكر قراءة التوحيد في الاولى
والجحد في الثانية ـ قال : وروى العكس. وهذه الرواية لم تصل إلينا.
__________________
ويستحب ان يدعو
بعدهما بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تدعو بهذا الدعاء في دبر ركعتي طواف الفريضة ،
تقول بعد التشهد : اللهم ارحمني بطواعيتي إياك وطواعيتي رسولك (صلىاللهعليهوآله) اللهم جنبني أن أتعدى حدودك ، واجعلني ممن يحبك ويحب
رسولك (صلىاللهعليهوآله) وملائكتك وعبادك الصالحين».
وروى الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن إسحاق عن بكر بن محمد قال : «خرجت أطوف وانا الى جنب ابي عبد الله (عليهالسلام) حتى فرغ من طوافه ، ثم قام فصلى ركعتين فسمعته يقول
ساجدا : سجد وجهي لك تعبدا ورقا ، لا إله إلا أنت حقا حقا الأول قبل كل شيء
والآخر بعد كل شيء ، وها انا ذا بين يديك ناصيتي بيدك ، فاغفر لي انه لا يغفر
الذنب العظيم غيرك ، فاغفر لي فإني مقر بذنوبي على نفسي ، ولا يدفع الذنب العظيم
غيرك. ثم رفع رأسه ووجهه من البكاء كأنما غمس في الماء».
المقام الثالث
ـ في الأحكام ، وفيه مسائل الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الطواف
ركن ، من تركه عامدا بطل حجه ، ومن تركه ناسيا قضاه ولو بعد المناسك ، وان تعذر
العود استناب. ومرادهم بالركن ما يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا.
والأركان في
الحج عندهم ، النية ، والإحرام ، والوقوف بعرفة ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الزيارة
، والسعي بين الصفا والمروة. واما الفرائض التي ليست بأركان ، فالتلبية ، وركعتا
الطواف ، وطواف النساء ،
__________________
وركعتاه. وباقي أفعال الحج من المسنونات. وأركان فرائض العمرة : النية ،
والإحرام ، وطواف الزيارة ، والسعي. واما ما ليس بركن من فرائضها ، فالتلبية ،
وركعتا الطواف ، وطواف النساء ، وركعتاه. كذا ذكره أمين الإسلام الطبرسي في كتاب
مجمع البيان. وظاهره ان ما عدا هذه المذكورات التي هي الأركان والفرائض من
المسنونات والمستحبات وهو خلاف ما عليه ظاهر أكثر الأصحاب.
وظاهرهم
الاتفاق على ان طواف النساء ليس بركن بل من الفروض قال في الدروس : كل طواف واجب
ركن إلا طواف النساء. وقال في المسالك انه ليس بركن إجماعا.
وقال في
المدارك ـ بعد ان ذكر ان المراد بالركن هنا ما يبطل الحج بتركه عمدا خاصة ـ ما
صورته : ولا ريب في ركنية طواف الحج والعمرة بهذا المعنى ، فإن الإخلال بهما أو
بأحدهما يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة ، إلا ان
يقوم على الصحة دليل من خارج ، وهو منتف هنا. إلا ان ذلك بعينه آت في طواف النساء
فان الحكم بصحة الحج مع تعمد الإخلال به يتوقف على الدليل. وربما أمكن الاستدلال
عليه بما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «وعليه. يعني المفرد ـ طواف بالبيت بعد الحج».
فان المراد بهذا الطواف طواف النساء. وكونه بعد الحج يقتضي خروجه عن حقيقته فلا
يكون فواته مؤثرا في بطلانه.
أقول. ومثل هذه
الرواية بل أصرح منها ما رواه الشيخ (قدس
__________________
سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في القارن : «لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه
طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف
النساء». ونحوه حسنة له ايضا .
ثم استدل على
ذلك بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليهالسلام) بمكة فدخل عليه رجل ، فقال : أصلحك الله ان معنا امرأة
حائضا ، ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمال ان يقيم عليها. قال : فأطرق ساعة وهو
يقول : لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها. ثم رفع رأسه إليه
فقال : تمضي فقد تم حجها».
أقول : ويمكن
تطرق المناقشة في هذه الرواية بدعوى اختصاصها بحال الضرورة ، والمدعى أعم من ذلك. واستدل
بعضهم على ركنية طواف الحج بما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة. فقال : ان
كان على وجه الجهالة في الحج أعاد وعليه بدنة».
وعن حماد بن
عيسى في الصحيح عن علي بن أبي حمزة قال : «سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع الى
أهله. قال :
__________________
إذا كان على وجهه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة».
وروى الصدوق (رحمهالله) عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «انه سئل عن رجل سها ان يطوف بالبيت. الحديث». والتقريب
فيها انه إذا وجب اعادة الحج على الجاهل فعلى العامد بطريق اولى.
وظاهر المحقق
الأردبيلي المناقشة في هذا الحكم والطعن في هذه الاخبار حيث قال ـ بعد ان ذكر انه
يمكن استفادته بطريق الاولى من رواية علي بن أبي حمزة وصحيحة علي بن يقطين ، ثم
ساق الروايتين ، وطعن في رواية علي بن أبي حمزة بعدم الصحة لاشتراك علي بن أبي
حمزة وعدم التصريح بالمسؤول ـ ما صورته : ويمكن حملها على الاستحباب. ويؤيده عدم
شيء من الكفارة على الجاهل والناسي إلا في قتل الصيد في اخبار صحيحة وكذا الأصل ، والشريعة السهلة السمحة فتأمل. والثانية ليست بصريحة في إعادة الحج ، بل الظاهر
ان المراد هو اعادة الطواف المتروك ، وتطلق الإعادة على ما لم يفعل كثيرا ، لانه
كان واجبا فكان فعله باطلا. على انه ليس فيها انه طواف الحج أو العمرة ، للنساء أو
الزيارة. وانهما في الجاهل ، فلا يظهر حال العالم العامد. ونمنع الأولوية. على ان
وجوب البدنة غير مذكور في أكثر كتب الأصحاب
__________________
(رضوان الله عليهم) ، قال في الدروس : وفي وجوب البدنة على العامد نظر ، من
الأولوية أي من الطريق الاولى ، ومن عدم النص ، واحتمال زيادة العقوبة. فما ظهر
دليل على ركنية الطواف مطلقا غير الإجماع ان ثبت ، ولا على وجوب البدنة على العامد
، بل ولا على اعادة الحج على الجاهل. ويؤيده الأصل ورفع القلم والناس في سعة وجميع ما تقدم في كون الجاهل معذورا ، كما في صحيحة عبد
الصمد بن بشير من قوله (عليهالسلام): «أيما رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه». فيمكن ان
تسقط البدنة أيضا ، وتحمل الرواية على الاستحباب أو الدم الواجب للمتمتع. والعمل بها
اولى. انتهى كلامه (زيد مقامه). وقال السيد السند في المدارك : والمراد بالعامد
هنا العالم بالحكم كما يظهر من مقابلته بالناسي. وقد نص الشيخ وغيره على ان الجاهل
كالعامد في هذا الحكم. وهو جيد. وأوجب الأكثر عليه مع الإعادة بدنة ، واستدلوا
عليه بما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
__________________
علي بن يقطين. ثم ساق الرواية كما ذكرنا ، ثم أردفها برواية علي ابن أبي
حمزة بطريق الشيخ ، ثم قال : وهذه البدنة عقوبة محضة لا جبران لان النسك باطل من
أصله فلا يتعلق به الجبران. قال في الدروس : وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر ،
من الأولوية. وفيه منع ، لاختصاص الجاهل بالتقصير في التعلم المناسب لزيادة
العقوبة. مع انه يكفي في منع الأولوية عدم ثبوت تعليل الأصل كما بيناه مرارا.
انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ما ذكره المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) ـ من الطعن في الخبرين بما دل على معذورية
الجاهل ، ولا سيما في إيجاب الكفارة ـ جيد لا ريب فيه ، لاستفاضة الأخبار بمعذورية
الجاهل ، ولا سيما في باب الحج . ومن الاخبار الصريحة في سقوط الكفارة ـ وهي ما أشار
إليه المحقق المذكور في كلامه من الاخبار الصحيحة الدالة على انه لا كفارة في
أحكام الحج على الجاهل إلا في الصيد خاصة ـ صحيحة معاوية بن عمار وفيها «وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان
عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد». وفي صحيحته أو حسنته وقال : «اعلم انه ليس عليك فداء شيء أتيته وأنت جاهل
به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهالة
__________________
كان أو بعمد». وفي موثقة له ايضا «وليس عليك فداء شيء أتيته وأنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو
عمرتك إلا الصيد ، فان عليك الفداء بجهل كان أو عمد». وفي كتاب الفقه الرضوي وكل شيء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو
أتيت في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شيء إلا الصيد ، فان عليك فداءه. الى آخره. ويعضد
ذلك عموم صحيحة عبد الصمد بن بشير المذكورة في كلامه وغيرها. إلا انه ربما أمكن تطرق
المناقشة الى ذلك بحمل الأخبار المذكورة على الأفعال ، بمعنى ان كل ما فعله جهلا
فهو معذور فيه إلا الصيد. فلا تدخل فيه التروك كترك الطواف ونحوه ، كما هو
المتبادر من لفظ الإتيان. والظاهر بعده ، لتصريح الروايات بمعذورية الجاهل في جملة
من التروك ايضا ، كترك الإحرام ، وترك الوقوف بالمشعر مع الوقوف بعرفة ، بل الظاهر
ان المراد من الإتيان في هذه الاخبار ما هو أعم من فعل ما لا يجوز له أو ترك ما
يجب عليه.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام السيد (طاب ثراه) في هذا الباب وجموده على كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم). وأعجب من ذلك مبالغته في تخصيص الكفارة بالجاهل ، والمنع من الأولوية من
حيث تقصير الجاهل بالتعلم المناسب لزيادة العقوبة ، مع انه لا ريب ان
__________________
تقصير العالم أشد لتعمده المخالفة في ما علم وجوبه ، ومن المعلوم عند كافة
العقلاء ان مخالفة العالم العامد أشد من مخالفة الجاهل ، فهو أولى بالعقوبة
والمؤاخذة ، فكيف عكس القضية في هذا التحرير ، ما هذا إلا عجب عجيب من هذا الفاضل
التحرير. على انه قد صرح في غير موضع من ما تقدم في شرحه بإلحاق جاهل الحكم بجاهل
الأصل ، لاشتراكهما في العلة الموجبة للمعذورية التي هي عدم توجه الخطاب له ،
للزوم تكليف الغافل ، وهو من ما منعت منه الأدلة العقلية والنقلية.
واما طعن
المحقق المذكور في رواية علي بن أبي حمزة بالضعف وعدم الصحة فهو عندنا لا يوصل الى مراد فلا يتم
به الإيراد. وعدم التصريح بالمسؤول وان وقع في رواية الشيخ إلا انه مصرح به في
رواية الصدوق ، وان عبر فيها بالسهو عوض الجهل.
واما قوله
مشيرا إلى صحيحة على بن يقطين : «على انه ليس فيها انه طواف الحج أو العمرة. الى آخره»
ففيه ان الظاهر هنا هو طواف الحج خاصة ، لقوله : «ان كان على وجه الجهالة في الحج»
وقد عرفت ان طواف النساء كما تقدم بيانه خارج عن الحج ، والمفروض هنا ان المتروك
من اجزاء الحج. وأيضا فإن طواف الفريضة انما يطلق غالبا على طواف الحج كما لا يخفى
على من راجع الاخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الباب. وبذلك يخرج ايضا
طواف العمرة ، وهو أظهر من ان يحتاج الى بيان ، ولا مجال لاحتمال العمرة هنا
وبالجملة فالروايتان ظاهرتا الدلالة على وجوب الإعادة على الجاهل ووجوب البدنة ،
ولا مجال للمناقشة في ذلك إلا بارتكاب التمحلات
__________________
البعيدة والتأويلات غير السديدة. إلا انهما معارضتان بالأخبار المستفيضة
الدالة على معذورية الجاهل ولا سيما في باب الحج ، كما عرفت من ورود النصوص
بالمعذورية وصحة فعله ـ وان تضمن الإخلال بواجب ـ في جملة من الأحكام المتقدمة
والآتية ان شاء الله تعالى. مضافا الى الأدلة المطلقة. والمسألة لذلك محل اشكال.
ولا يبعد حمل الخبرين المذكورين على التقية وان لم يعلم القائل به الآن من العامة وربما كان في رواية هذا الحكم عن الكاظم (عليهالسلام) الذي كانت التقية في أيامه أشد ما يؤيد ذلك. وارتكاب
تخصيص تلك الأخبار المتكاثرة مع ما هي عليه من الصراحة في العموم والنص الظاهر لا
يخلو من بعد.
وقد تلخص من
الكلام في هذا المقام ان التارك للطواف عمدا لا دليل على القول ببطلان حجه ووجوب
الإعادة عليه إلا الإجماع ، وما يدعى من الأولوية المفهومة من اخبار الجاهل. واما
وجوب البدنة عليه فليس إلا مفهوم الأولوية المذكورة ، وقد عرفت ان ثبوت ذلك في
الأصل محل إشكال ففي الفرع أشكل. مضافا الى ما أشار إليه في المدارك من ان ذلك فرع
وجود التعليل في الأصل. واما وجوب الإعادة والبدنة على الجاهل فهو ظاهر الخبرين ،
وقد عرفت ما فيه ، وان كان الاحتياط يقتضيه. والله العالم.
__________________
فائدتان
الاولى ـ المفهوم
من كلام الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ان تمام ذي الحجة وقت الطواف والسعي
وانه يصح الإتيان بهما في تلك المدة ، وان اثم بالتأخير. وعلى هذا فلا يتحقق ترك
الطواف الموجب لبطلان الحج إلا بخروج الشهر. واما في عمرة التمتع فبضيق الوقت عن
التلبس بالحج ولما يفعله ، بمعنى انه لو اتى به فاته الموقفان واما في العمرة
المجامعة لحج الافراد وحج القران فبخروج السنة بناء على وجوب إيقاعها فيها. وسيأتي
الكلام فيه في محله ان شاء الله (تعالى). واما في المجردة فإشكال ، إذ يحتمل وجوب
الإتيان بالطواف فيها مطلقا لعدم التوقيت ، والبطلان بالخروج من مكة بنية الاعراض
عن فعله.
الثانية ـ إذا
بطل الحج بترك الركن كالطواف ونحوه ، فهل يحصل التحلل بذلك ، أو يبقى على إحرامه
الى ان يأتي بالفعل الفائت في محله ، ويكون إطلاق اسم البطلان مجازا ، كما قاله
الشهيد (قدسسره) في الحج الفاسد بناء على ان الفرض الأول ، أو يتحلل
بأفعال العمرة؟ احتمالات ، ونقل عن المحقق الشيخ علي (قدسسره) في حواشي القواعد انه جزم بالأخير ، وقال : انه على
هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضى للبطلان في العمرة المفردة ، لأنها هي
المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها ، فلو بطلت احتيج في التحلل من
إحرامها إلى أفعال العمرة. وهو معلوم البطلان. واعترضه في المدارك بأنه غير واضح
المأخذ ، فان التحلل بأفعال العمرة انما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان
النسك مطلقا. قال : والمسألة قوية الإشكال ، من حيث استصحاب حكم الإحرام الى ان
يعلم حصول المحلل ، وانما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة ، ومن أصالة عدم توقفه على
ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه. ولعل المصير الى ما ذكره (رحمهالله) أحوط. انتهى.
أقول :
والمسألة لخلوها من النص محل توقف واشكال. والله العالم. المسألة الثانية ـ قد
عرفت في سابق هذه المسألة انهم صرحوا بان تارك الطواف نسيانا يجب عليه قضاؤه ولو
بعد المناسك ، وان تعذر العود استناب.
وقال في
المدارك بعد ان ذكر ان هذا مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا اعلم فيه مخالفا :
ولم أقف لهم في هذا التفصيل على مستند ، والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في
الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده
وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : يبعث بهدي ، ان كان تركه في حج بعث به في حج ، وان
كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه». وإطلاق
الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا ، وانه لا
فرق في ذلك بين طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء. الى ان قال بعد البحث في
المسألة : وقد ظهر من ذلك ان الأظهر وجوب الإتيان بالطواف المنسي ، وجواز
__________________
الاستنابة فيه إذا شق العود أو مطلقا ، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر.
انتهى.
أقول : اما ما
ذكره (قدسسره) ـ من ان التفصيل المذكور مذهب الأصحاب (رضوان الله
عليهم) لا يعلم فيه مخالفا ـ ففيه انه قد نقل في البحث بعد هذا الكلام بيسير خلاف
الشيخ (قدسسره) في التهذيب وانه قال : ومن نسي طواف الحج حتى يرجع الى
أهله فإن عليه بدنة ، وان عليه اعادة الحج. وهو المستفاد من كلامه في الاستبصار
أيضا. وهو صريح ـ كما ترى ـ في ذهاب الشيخ (قدسسره) في التهذيب الى ان حكم الناسي هنا حكم العامد والجاهل
في المسألة المتقدمة ، من بطلان الحج ، ووجوب الإعادة ، والكفارة. ولهذا حمل صحيحة
علي بن جعفر المذكورة في التهذيب على طواف النساء ، قال : لأن الاستنابة لا تجوز في طواف
الحج ، كما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ ذكره في المقام. والى ما ذكره الشيخ هنا
مال المحقق الشيخ حسن في المنتقى ، وادعى انه مذهب الشيخين ، كما سيأتي ـ ان شاء
الله تعالى ـ نقل كلامه في ذلك ، فكيف يتم ما ذكره من اتفاق الأصحاب (رضوان الله
عليهم) على هذا التفصيل في طواف الحج متى كان تركه نسيانا؟
واما ما ذكره
من العمل بإطلاق صحيحة علي بن جعفر ـ في ان من نسي طواف الحج أو العمرة أو طواف
النساء فله الاستنابة فيه وان امكنه العود ـ فان فيه ان الروايات قد تكاثرت بهذا
التفصيل في الناسي لطواف النساء ، وانه لا يجوز له الاستنابة إلا مع تعذر الرجوع.
وإذا ثبت ذلك في طواف النساء ففي طواف الحج والعمرة بطريق اولى ، لما عرفت من ان
طواف النساء خارج عن الحج وطواف الحج من جملة أجزائه ،
__________________
فهو اولى بوجوب الرجوع اليه مع الإمكان ، وكذا طواف العمرة.
ومن الاخبار
الدالة على وجوب الرجوع في طواف النساء مع الإمكان ما رواه في الكافي في الصحيح أو
الحسن عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال : لا تحل له
النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج ، فإن توفي قبل ان يطاف
عنه فليقض عنه وليه أو غيره».
وما رواه في من
لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟
قال : يأمر بأن يقضى عنه ان لم يحج ، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل
فيطاف عنه ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليطف عنه وليه». وهو محمول على ما إذا لم
يقدر على الرجوع كما ذكره الشيخ (قدسسره).
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) : «في رجل نسي طواف النساء حتى اتى الكوفة. قال : لا
تحل له النساء حتى
__________________
يطوف بالبيت. قلت : فان لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه».
الى غير ذلك من
الاخبار الآتية ان شاء الله تعالى في تلك المسألة.
وبما ذكرنا
ايضا صرح المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) نقل
كلامه في المقام.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الشيخ (قدسسره) في كتابي الأخبار حمل الطواف في صحيحة علي بن جعفر
المذكورة على طواف النساء ، جمعا بينها وبين صحيحة علي بن يقطين ، ورواية علي بن
أبي حمزة المتقدمتين في سابق هذه المسألة ، قال (قدسسره) في التهذيب : ومن نسي طواف الحج حتى رجع الى أهله فإن عليه بدنة
وعليه اعادة الحج ، روى ذلك محمد بن احمد بن يحيى ، ثم نقل رواية علي بن أبي حمزة
المتقدمة ، ثم صحيحة علي بن يقطين ، ثم قال : والذي رواه علي بن جعفر عن أخيه. ثم
ساق صحيحة علي بن جعفر المذكورة ، الى ان قال : فمحمول على طواف النساء ، لان من
ترك طواف النساء ناسيا جاز له ان يستنيب غيره مقامه في طوافه ، ولا يجوز له ذلك في
طواف الحج فلا تنافي بين الخبرين ، يدل على ما ذكرناه ما رواه محمد بن يعقوب عن علي
بن إبراهيم عن أبيه عن رجل عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال : لا تحل له
النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج.».
واعترضه جملة
من أفاضل المتأخرين بأنه لا تنافي بين هذه الاخبار
__________________
لتحتاج الى الجمع بما ذكره ، فان مورد الخبرين الأولين الجاهل بوجوب الطواف
، ومورد الخبر الثالث الناسي ، والخبر الذي استدل به على تأويله المذكور غاية ما
يدل عليه جواز الاستنابة في طواف النساء ، ولا دلالة فيه على المنع من الاستنابة
في طواف الحج كما ادعاه.
بقي الإشكال في
دلالة الأخبار المذكورة على التفرقة بين الجاهل والناسي في هذا الحكم ، وجعل
الجاهل في حكم العامة دون الناسي. وقد عرفت ما فيه في المسألة المتقدمة.
واما ما في
الوافي تبعا للمدارك ـ من انه لا بعد في ان يكون حكم الجاهل حكم العامد ، لتمكنه
من التعلم بخلاف الناسي ـ ففيه زيادة على ما عرفت آنفا ان الروايات الصحيحة
الصريحة قد تكاثرت بالدلالة على صحة صلاة الجاهل بالنجاسة واستفاضت وتكاثرت بوجوب الإعادة على الناسي معللا في بعضها بأن إيجاب الإعادة عليه عقوبة لتفريطه
بعد الذكر في عدم إزالة النجاسة . وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في ان الجاهل أعذر من الناسي.
مضافا الى الأدلة الصحيحة الصريحة المستفيضة في معذورية الجاهل فكيف يتم الحكم هنا بان الجاهل كالعامد كما ذكروه ، وان
الناسي أعذر منه؟ أقول : وقد تصدى المحقق الشيخ حسن (قدسسره) في المنتقى الى تصحيح كلام الشيخ (قدسسره) في هذا المقام ، حيث قال أولا
__________________
بعد نقل تأويل الشيخ لخبر علي بن جعفر : ويرد على ما ذكره الشيخ (قدسسره) ان الخبر الذي اوله مفروض في نسيان الطواف والخبران
الآخران وردا في حكم الجهل ، فأي تناف يدعو الى الجمع ويحوج الى الخروج عن ظاهر
اللفظ؟ مع كونه متناولا بعمومه المستفاد من ترك الاستفصال لطوافي العمرة والحج
وطواف النساء. وقد اتفق في الاستبصار جعل عنوان الباب نسيان طواف الحج وإيراد هذه
الاخبار الثلاثة فيه ، مع ان تأويله لحديث علي بن جعفر يخرجه عن مضمون العنوان ،
وليس في غيره تعرض للنسيان ، فيخلو الباب من حديث يطابق عنوانه. وفي التهذيب أورد
الثلاثة في الاحتجاج لما حكاه من كلام المقنعة في حكم من نسي طواف الحج وان عليه
بدنة ويعيد الحج. وفي ذلك من القصور والغرابة ما لا يخفى. والجواب ان مبنى نظر
الشيخ (قدسسره) في هذا المقام على ان الجهل والنسيان فيه سواء ،
وتقريب القول في ذلك ان وجوب اعادة الحج على الجاهل يقتضي مثله في الناسي ، اما
بمفهوم الموافقة ، لشهادة الاعتبار بان التقصير في مثل هذا النسيان أقوى منه في
الجهل ، أو لأن اعذار كل منهما على خلاف الأصل ، لعدم الإتيان بالمأمور به على
وجهه ، فيبقى في العهدة ، ولا يصار إلى الأعذار إلا عن دليل واضح. وقد جاء الخبران
على وفق مقتضى الأصل في صورة الجهل ، فتزداد الحاجة في العمل بخلافه في صورة
النسيان الى وضوح الدليل ، والتتبع والاستقراء يشهدان بانحصار دليله في حديث علي
ابن جعفر ، وجهة العموم فيه ضعيفة ، واحتمال العهد الخارجي ليس بذلك البعيد عنه ،
وفي ذكر مواقعة النساء نوع إيماء إليه ، فأين الدليل الواضح الصالح لان يعول عليه
في إثبات هذا الحكم المخالف
للأصل والظاهر المحوج إلى التفرقة بين الأشباه والنظائر؟ والوجه في إيثار
ذكر النسيان ـ والاعراض عن التعرض للجهل بعد ما علم من كونه مورد النص ـ زيادة
الاهتمام ببيان الاختلاف بين طواف الحج وطواف النساء في هذا الحكم ودفع توهم
الاشتراك فيه. واتفق ذلك في كلام المفيد (قدسسره) فاقتفى الشيخ (قدسسره) أثره. وليس الالتفات الى ما حررناه ببعيد عن نظر
المفيد (قدسسره) ولخفائه التبس الأمر على كثير من المتأخرين فاستشكلوا
كلام الشيخ (قدسسره) واختاروا العمل بظاهر خبر علي ابن جعفر. إلا ان جماعة
منهم تأولوا حكم الهدي فيه بالحمل على حصول المواقعة بعد الذكر لئلا ينافي القواعد
المقررة في حكم الناسي وان الكفارة لا تجب عليه في غير الصيد. ويضعف بان عموم النص
هناك قابل للتخصيص بهذا فلا حاجة الى التكلف في دفع التنافي بالحمل على ما قالوه.
وسيجيء في مشهوري أخبار السعي ما يساعد على هذا التخصيص. ولبعض الأصحاب (رضوان
الله عليهم) فيه كلام يناسب ما ذكرناه في توجيه كون التقصير في وقوع مثل هذا النسيان
أقوى منه في الجهل. وفي الدروس : وروى علي بن جعفر ان ناسي الطواف يبعث بهدي ويأمر
من يطوف عنه . وحمله الشيخ (قدسسره) على طواف النساء. والظاهر ان الهدي ندب. وإذ قد أوضحنا
الحال من الجانبين بما لا مزيد عليه فلينظر الناظر في أرجحهما وليصر اليه. والذي يقوى
في نفسي مختار الشيخين. والعجب من ذهاب بعض المتأخرين إلى الاكتفاء بالاستنابة في
استدراك الطواف وان أمكن العود ، أخذا بظاهر حديث علي بن جعفر ، مع وضوح دلالة
الأخبار السالفة في نسيان
__________________
طواف النساء على اشتراط الاستنابة بعدم القدرة على المباشرة ، وإذا ثبت ذلك
في طواف النساء فغيره اولى بالحكم ، كما لا يخفى على من أمعن النظر. انتهى كلامه (زيد
مقامه).
أقول : ما ذكره
(قدسسره) ـ من حمل كلام الشيخ (قدسسره) على انه مبنى على ان الجهل والنسيان هنا سواء ـ غير
بعيد ، وان كان وقوع أمثال هذا الاستدلال الناشئ عن الاستعجال وعدم التدبر في ما
يورده من المقال من الشيخ (قدسسره) غير عزيز ، كما لا يخفى على من له انس بطريقته في
التهذيب.
واما ما ذكره
في توجيه هذا الحمل الذي ذكره بدقة نظره وحدة فكره فمن المقطوع به والمعلوم ان هذا
لا يخطر للشيخ (قدسسره) ببال ولا يمر له بفكر ولا خيال ، واين الشيخ (قدسسره) وهذه التدقيقات مع كونه في الظواهر لا وقوف له ولا
ثبات. على ان باب المناقشة في ما ذكره (قدسسره) غير مغلق ، ولو لا خوف الإطالة بما لا مزيد فائدة فيه
مع وجوب الاشتغال بما هو الأهم لاوضحنا ما فيه ، وبالجملة فالتكلف فيه أمر ظاهر
كما لا يخفى.
واما نسبته (قدسسره) العبارة التي في التهذيب وهو قوله : «ومن نسي طواف
الحج حتى يرجع الى أهله. إلى آخرها» الى الشيخ المفيد في المقنعة ـ وان الشيخ (قدسسره) أوردها ، واستدل عليها بالأخبار الثلاثة ، حتى انه جعل
هذا القول مذهب الشيخين ، وزيفه وشيده في البين ، وزعم ان ما ذكره من هذا التدقيق
قد تفطن له الشيخ المفيد (قدسسره) وان خفي على المتأخرين ـ فهو غريب من مثله (قدسسره) من أرباب التحقيق وذوي الفضل والتدقيق ،
فإنه لا يخفى على من راجع كتاب المقنعة انه لا عين لهذا الكلام ونحوه فيها
من ما يذكره الشيخ كذلك ولا اثر ، وإنما عادة الشيخ (قدسسره) بعد استيفاء كلام المقنعة والاستدلال عليه ان يذكر
فروعا في الباب ويستدل عليها بمثل هذا ونحوه.
واما قوله : «والعجب
من ذهاب بعض المتأخرين. الى آخره» فالظاهر انه اشارة الى ما قدمنا نقله عن المدارك
وأوضحنا ما فيه. وهو مؤيد لما قلناه ومؤكد لما أوضحناه.
بقي الكلام في
ان ما ذكره غير واحد منهم ـ من ان لفظ الفريضة في صحيحة علي بن جعفر شامل لطوافي
الحج والعمرة وطواف النساء ، بتقريب عدم الاستفصال وان ظاهر الخبر المذكور الاستنابة
مطلقا ـ يجب تقييده بما إذا تعذر العود بناء على المشهور ، والأمر بالهدي فيه يجب
حمله عندهم على الندب كما في الدروس ، أو المواقعة بعد الذكر كما في المنتهى.
واما ما ذكره
المحقق المتقدم ذكره ـ من العمل على ظاهر الخبر في وجوب الهدي مطلقا وتخصيص أخبار
المعذورية بهذا الخبر ـ فهو لا يخلو من قرب ، حيث ان اخبار العذر انما وردت في
الجاهل لا الناسي ، فيكون هذا الخبر لا معارض له. إلا انهم حيث حملوا الناسي على
الجاهل في المقام احتاجوا إلى تأويل الخبر بأحد الوجهين المتقدمين. وفيه ما عرفت.
وكيف كان فقد
تلخص ان المستند في أصل الحكم المذكور في المسألة ـ من وجوب الرجوع على الناسي ومع
عدم الإمكان فالاستنابة ـ هو الاخبار الدالة على هذا التفصيل في نسيان طواف النساء
كما تقدم ،
وانه إذا وجب ذلك في طواف النساء ففي غيره من طواف الحج والعمرة بطريق اولى
، بالتقريب الذي قدمنا ذكره. ولا أعرف للمسألة دليلا غير ذلك. واما صحيحة علي بن
جعفر فيجب إرجاعها الى هذا التقريب ، بتقييد إطلاقها بما قدمنا ذكره ، وحمل البدنة
فيها على أحد الوجهين المتقدمين. وبذلك تتلاءم الاخبار ويتم الاستدلال.
واما ما ذكره
في المنتهى ـ من الاستدلال على هذا الحكم برواية على بن أبي حمزة وصحيحة على بن
يقطين فهو من عجيب الاستدلال فإنه قال بعد بيان وجوب طواف الحج وركنيته : إذا
ثبت هذا ، فإن أخل به عامدا بطل حجه ، وان أخل به ناسيا وجب عليه ان يعود ويقضيه ،
فان لم يتمكن استناب فيه. الى ان قال : ويدل على حكم الناسي ما رواه على بن أبي
حمزة. ثم ساق الخبر ، ثم نقل صحيحة على بن يقطين ونسبها الى علي بن جعفر. وأنت
خبير بما فيه ، فان مورد الروايتين الجاهل ، ولا يمكن ان يقال هنا بحمل النسيان
على الجهل وان حكمهما واحد ، لانه (قدسسره) قد قدم ان حكم الجاهل هنا كالعامد في وجوب الإعادة
والكفارة حسبما دل عليه الخبران المذكوران وهو المشهور كما تقدم ، وحكم الناسي
عندهم هو ما ذكره هنا من التفصيل. وبالجملة فالظاهر ان كلامه هنا انما نشأ من
الاستعجال وعدم التدبر في المقال ، كما يظهر من نسبة صحيحة علي بن يقطين الى علي
بن جعفر والله العالم.
__________________
تنبيهات
الأول ـ قد
عرفت من ما تقدم ان الحكم في الناسي لطواف الحج وجوب الإعادة ان أمكن ، وإلا
فالاستنابة.
وقد روى الشيخ
والصدوق (قدسسرهما) في الصحيح عن هشام ابن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن من نسي زيارة البيت حتى رجع الى أهله.
فقال : لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه».
وهو ـ كما ترى
ـ ظاهر في خلاف الحكم المذكور ، وحمله الشيخ (قدسسره) لذلك على طواف الوداع. وهو بعيد. ويمكن ان يحمل على
عدم الضرر في إفساد الحج ، وان وجب عليه الرجوع مع الإمكان أو الاستنابة. وغايته
انه مطلق بالنسبة إلى وجوب الرجوع أو الاستنابة فيجب تقييده بما دل على ذلك من
صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ونحوها بالتقريب المتقدم.
الثاني ـ لو
نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله وواقع اهله ، قال الشيخ (قدسسره) في النهاية والمبسوط : وجب عليه بدنة والرجوع الى مكة
وقضاء الطواف.
أقول : اما
الرجوع الى مكة وقضاء الطواف فقد تقدم الكلام فيه وانما الكلام هنا في وجوب
الكفارة ، فظاهر كلام الشيخ (قدسسره)
__________________
ـ كما ترى ـ هو الوجوب مطلقا ، وقال ابن إدريس : الأظهر عدم وجوب الكفارة ،
لأنه في حكم الناسي. نعم يجب عليه الرجوع الى مكة وقضاء طواف الزيارة. والى هذا
القول ذهب أكثر الأصحاب.
وقال في
المختلف : وللشيخ (قدسسره) ان يحتج بما رواه معاوية ابن عمار في الحسن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع وقع على اهله ولم يزر. قال : ينحر جزورا ،
وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا بأس عليه». ثم قال
: لا يقال : قوله : «وان كان جاهلا فلا بأس عليه» ينافي وجوب الكفارة ، لأنا نقول
: لا نسلم ذلك ، فان نفي البأس لا يستلزم نفي الكفارة. ولاحتمال ان يكون المقصود
انه لا ينثلم حجه لنسيانه.
ثم قال : وروى
عيص بن القاسم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل واقع اهله حين ضحى قبل ان يزور البيت. قال :
يهريق دما». ثم قال : والأقرب عندي وجوب البدنة ان جامع بعد الذكر. انتهى.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : وهو احتجاج ضعيف ، لاختصاص الرواية الأولى بالعالم. ولان المتبادر
من الرواية الثانية وقوع الوقاع قبل الزيارة لا قبل الإتيان بالطواف المنسي.
والأجود الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده.
الخبر». وقد تقدم في
__________________
صدر المسألة .
أقول : لا يخفى
ان ظاهر الخبر الأول مطلق لا تخصيص فيه بالعالم كما ذكره ، لأن السؤال وقع عن
متمتع وقع على اهله ولم يزر. وهو أعم من ان يكون عالما أو جاهلا أو ناسيا. فأجاب (عليهالسلام) بأنه ينحر جزورا. والعالم انما ذكره (عليهالسلام) باعتبار انثلام الحج وعدمه ، وهو قرينة العموم الذي
ذكرناه ، فان حاصل الجواب ان من فعل ذلك فعليه جزور ، إلا انه ان كان عالما فإنه
يثلم حجه وان كان جاهلا فلا. والخبر الثاني أيضا كذلك ، فإنه شامل بإطلاقه لأن
يكون جماعه عمدا أو جهلا أو نسيانا. ومبنى الاستدلال بهاتين الروايتين على ان من
جامع بناء على انه قد طاف طواف الزيارة فعليه دم. وهو يرجع الى من جامع ناسيا
للطواف ـ كما هو أصل المسألة ـ وان كان ذلك قبل الرجوع الى بلاده. وحينئذ فقوله ـ :
«ولان المتبادر من الرواية الثانية وقوع الوقاع قبل الزيارة لا قبل الإتيان
بالطواف المنسي» ـ من ما لا اعرف له وجها وجيها. وعلى هذا فيكون هذان الخبران مثل
صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كلامه ، وان كانت الصحيحة المذكورة أصرح ، لدلالتها
على حكم الناسي صريحا ، ودلالة الروايتين المذكورتين انما هو من حيث الإطلاق.
وكيف كان فظاهر
أصحاب القول المذكور حمل الروايات المذكورة على وقوع الجماع بعد الذكر لئلا تنافي
القاعدة المقررة من عدم وجوب الكفارة على الجاهل والناسي ، ولما تقدم من ان من
جامع ناسيا لإحرامه فلا كفارة عليه. واجراء هذا الحمل في صحيحة علي بن جعفر المشار
__________________
إليها لا يخلو من تعسف ، لأنها تضمنت أنه نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده
وواقع النساء. فهي ظاهرة كالصريح في استمرار النسيان الى حال المواقعة. ولهذا قد
تقدم في كلام المحقق الشيخ حسن تخصيص تلك الاخبار بها ، ووجوب الهدي المذكور فيها.
وعبارة الشيخ المتقدمة في المقام وان كانت مطلقة إلا ان ظاهر الأصحاب انهم فهموا
منها وجوب الكفارة مطلقا مع الذكر وعدمه. وقد عرفت ان صحيحة علي بن جعفر تدل عليه.
والمسألة لا تخلو من الاشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.
الثالث ـ ظاهر
كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل نسبه في الدروس إلى الأشهر انه لا
يشترط في استنابة الناسي لطواف النساء تعذر العود بل يجوز له الاستنابة وان أمكن
عوده ، لكن يشترط في جوازها ان لا يتفق عوده.
وبه صرح في
المسالك حيث قال ـ بعد قول المصنف : «ولو نسي طواف النساء جاز ان يستنيب» ـ ما
صورته : لا يشترط في جواز الاستنابة هنا تعذر العود بل يجوز وان أمكن ، لكن يشترط
في جوازها ان لا يتفق عوده.
والى ذلك ايضا
مال في المدارك فقال بعد ذكر عبارة الشرائع المتقدمة : إطلاق العبارة يقتضي انه لا
يشترط في جواز الاستنابة هنا تعذر العود كما اعتبر في طواف الحج ، بل يجوز وان
أمكن. وبهذا التعميم صرح العلامة في جملة من كتبه وغيره.
ويدل عليه
روايات : منها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية
ابن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل
فيطاف عنه ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليطف عنه وليه».
وقال الشيخ في
التهذيب والعلامة في المنتهى : انما يجوز الاستنابة إذا تعذر عليه العود.
واستدل عليه بما
رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل نسي طواف النساء حتى اتى الكوفة؟ قال : لا تحل له النساء حتى يطوف
بالبيت. قلت : فان لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه». وهذه الرواية غير صريحة في
المنع من الاستنابة إذا أمكن العود ، فكان القول بالجواز مطلقا أقوى. انتهى.
أقول : والذي
وقفت عليه من اخبار هذه المسألة هو روايات معاوية ابن عمار الأربع المذكورة في صدر
هذه المسألة ومنها : هاتان الروايتان. ولا يخفى ان اثنتين من هذه
الأربع دلتا على انه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت. وفي إحداهما «فان لم يقدر؟
قال : يأمر من يطوف عنه» وفي الثانية وهي المتقدمة ثمة : «قال يأمر من يقضي عنه ان لم يحج». ولا ريب ان تحريم
النساء عليه في هذين الخبرين حتى يطوف بالبيت ظاهر بل صريح في وجوب الطواف عليه
بنفسه ، غاية الأمر انه مع عدم القدرة ـ كما تضمنه أحد الخبرين ـ أو مع عدم حجه
بنفسه ـ كما تضمنه الخبر الآخر ـ يجوز له الاستنابة
__________________
والخبران الآخران وان دلا بإطلاقهما على الإرسال إلا انه يجب حمل هذا
الإطلاق على التفصيل المذكور في الخبرين الآخرين جمعا بين الاخبار ويعضده انك قد
عرفت في صدر المسألة وكذا في كلام المحقق الشيخ حسن ان المستند للتفصيل المذكور في
طواف الحج والعمرة انما هو هذه الاخبار الواردة في طواف النساء ، بإجراء الحكم في
الفردين الآخرين بطريق الأولوية.
ومن اخبار
المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع الى
أهله. قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ويطوف ، فان مات فليقض عنه وليه ،
فاما ما دام حيا فلا يصلح ان يقضي عنه. وان نسي رمى الجمار فليسا بسواء ، الرمي
سنة والطواف فريضة». وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في عدم جواز القضاء ، عنه ما دام حيا ،
وجواز القضاء في الرمي مع الحياة لكون الطواف فريضة مذكورة في القرآن ، فأي صراحة أصرح من ذلك. نعم يجب تقييده بالإمكان ،
جمعا بينه وبين الاخبار المتقدمة.
ومن اخبار
المسألة ما رواه ابن إدريس في آخر كتابه من كتاب نوادر البزنطي عن الحلبي عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله.
قال : يرسل
__________________
فيطاف عنه ، وان مات قبل ان يطاف عنه طاف عنه وليه». وهو مثل ذينك الخبرين
المطلقين ، فيجب تقييد إطلاقه.
وبالجملة فهذه
الاخبار بين ما دل على جواز الاستنابة على الإطلاق وبين ما دل على وجوب الحج بنفسه
على الإطلاق ، وبين ما دل على التفصيل. والقاعدة في مثل ذلك حمل المطلق على
المقيد. وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه.
بقي من اخبار
المسألة ما رواه عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «عن الرجل نسي أن يطوف طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال : عليه بدنة
ينحرها بين الصفا والمروة». والظاهر حملها على المواقعة مطلقا أو مع الذكر ، على
الخلاف المشار اليه آنفا.
الرابع ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في انه متى وجب قضاء طواف العمرة أو طواف
الحج فهل يجب إعادة السعي بعده أيضا أم لا؟ قولان ، فذهب الشيخ (قدسسره) في الخلاف ـ على ما نقل عنه ـ الى الوجوب ، واستقربه
الشهيد (قدسسره) في الدروس ، فقال : إذا وجب قضاء طواف العمرة أو طواف
الحج فالأقرب وجوب قضاء السعي أيضا ، كما قاله الشيخ في الخلاف. ونقل بعض الفضلاء
عن الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد (قدسسره) انه لم يذكر الأكثر قضاء السعي لو قضى الطواف. وفي
الخلاف : يقضي السعي بعده.
وقال بعض فضلاء
متأخري المتأخرين : ويمكن الاستدلال على قضاء
__________________
السعي معه بما رواه الكليني والشيخ عنه عن منصور بن حازم ـ في القوي عندي صحيح عند جماعة حسن عند بعضهم ـ قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت.
فقال : يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا والمروة فيطوف بينهما».
وما رواه الشيخ
عن منصور بن حازم بإسناد فيه اشتراك قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة. قال : يرجع
فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي. قلت : ان ذلك قد فاته؟ قال : عليه دم ، ألا ترى انك
إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك».
أقول : المفهوم
من مجموع هذين الخبرين انه متى اتى بالطواف والسعي معا إلا انه لم يرتب بينهما ،
فان كان حاضرا وجب عليه الإعادة بما يحصل معه الترتيب ، فان فاته ذلك ولم يمكن
استدراكه في عامه فان عليه دما ، لإخلاله بالترتيب. وظاهره صحة ما اتى به حيث لم
يوجب عليه الإعادة ، وهذا بخلاف محل البحث من نسيان الطواف بالكلية وعدم حضوره
لاستدراكه.
وبالجملة فإنه
لم يظهر لي دليل على وجوب السعي ، والأصل العدم. هذا مع ما عرفت في وجوب قضاء
الطواف من أصله من إمكان تطرق المناقشة ، لعدم الدليل الواضح سوى الإجماع ان تم.
والاحتياط لا يخفى.
الخامس ـ لو
عاد لاستدراك طواف الحج أو طواف العمرة أو النساء
__________________
بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة ، فهل يكتفى بذلك أو
يتعين عليه الإحرام ثم يقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟ اشكال ،
لخلو الحكم من النص. وربما رجح الأول نظرا الى الأصل ، وان من نسي الطواف يصدق
عليه انه محرم في الجملة والإحرام لا يقع إلا من محل. إلا انه لا يخلو من شوب
الاشكال.
السادس ـ قال
في المختلف : طواف النساء واجب إجماعا ، فإن أخل به حرمت عليه النساء حتى يطوف ،
أو يستنيب فيه فيطاف عنه وقال ابن بابويه (قدسسره) في الرسالة : ومتى لم يطف الرجل طواف النساء لم تحل له
النساء حتى يطوف. وكذلك المرأة لا يجوز لها ان تجامع حتى تطوف طواف النساء. إلا ان
يكونا طافا طواف الوداع فهو طواف النساء. وفي هذا الكلام بحثان : الأول حكمه على
المرأة بتحريم الرجل لو أخلت به. وفيه منع ، فان حمله على الرجل فقياس ، وان استند
الى دليل فلا بد منه ، ولم نقف عليه. الثاني ـ استغناؤه بطواف الوداع عنه. وفيه
إشكال ، فإن طواف الوداع عندنا مستحب ، فكيف يجزئ عن الواجب؟ وان استند إلى رواية إسحاق
ابن عمار عن الصادق (عليهالسلام) قال : «لولا ما من الله به على الناس من طواف الوداع
لرجعوا الى منازلهم ولا ينبغي لهم ان
__________________
يمسوا نساءهم ، يعني : لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر
بعد ما يسعى بين الصفا والمروة. وذلك على النساء والرجال واجب». قلنا : ان في
إسحاق بن عمار قولا ، ومع ذلك فهي معارضة بغيرها من الروايات. وابن الجنيد سمى
طواف النساء طواف الوداع ، وأوجبه. انتهى.
أقول : لا يخفى
عليك ان مستند الشيخ علي بن بابويه في ما ذكره انما هو كتاب الفقه الرضوي حسبما
قدمنا بيانه في غير موضع ، وهذه العبارة عين عبارته (عليهالسلام) في الكتاب المذكور ولكن الجماعة لم يصل إليهم الكتاب فاعترضوا عليه بمثل
ما هو مذكور هنا وغيره.
والى هذه
الرواية أشار ابنه في من لا يحضره الفقيه ايضا ، حيث قال بعد رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟
قال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج ، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت». وروى
في من نسي طواف النساء. انه ان كان طاف طواف الوداع فهو طواف النساء.
وظاهر جملة من
الأصحاب ـ منهم : شيخنا الشهيد في الدروس ـ ـ حمل الناس في رواية إسحاق بن عمار
المذكورة على العامة. والظاهر ان الوجه فيه من حيث ان العامة لا يرون وجوبه وكان برجوعهم
__________________
بدون الإتيان به تحرم عليهم النساء ، فوسع الله بكرمه عليهم وجعل طواف
الوداع لهم قائما مقامه في تحليل النساء لهم. إلا انه لما ورد في
أخبارنا ـ كما عرفت من كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه ـ ثبوت ذلك للناسي أيضا ، فالواجب حمل
خبر إسحاق على ذلك ، فيكون من نسي طواف النساء منا فإنه تحل له النساء بطواف
الوداع ، وان وجب عليه التدارك. ولا بعد في ذلك بعد قيام الدليل عليه وان لم يكن
مشهورا عندهم.
واما ما اعتل
به في المختلف ـ من ان طواف الوداع مستحب ولا يجزئ عن الواجب ـ فهو على إطلاقه
ممنوع ، فان صيام يوم الشك مستحب من شعبان ويجزئ عن شهر رمضان لو ظهر كونه منه.
والله العالم.
وسيأتي ـ ان
شاء الله تعالى ـ مزيد تحقيق في هذا المقام في أحكام منى في ما يتعلق بطواف النساء
من التحليل. وقد تقدم أيضا في المسألة الثانية من المسائل الملحقة بالمطلب الأول
من المقدمة الرابعة من الاخبار ما يدل على توقف حل النساء على الرجال على طواف
النساء.
المسألة
الثالثة ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) انه تحرم الزيادة
على السبعة في الواجب وتكره في المندوب. وظاهرهم تحريم الزيادة ولو خطوة ، كما صرح
به جملة منهم.
واحتجوا على
التحريم في الفريضة بأن النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يفعله فلا يجوز فعله ، لقوله (صلىاللهعليهوآله) : «خذوا عني مناسككم». وبأنها فريضة ذات عدد فلا تجوز
الزيادة عليها كالصلاة.
__________________
وما رواه الشيخ
عن ابي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض. قال : يعيد
حتى يستتمه». ورواه الكليني (قدسسره) في الكافي بلفظ «يثبته» عوض قوله : «يستتمه».
وعن عبد الله
بن محمد عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة
المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة. وكذلك السعي».
أقول : وتؤيده
الأخبار الصحيحة الدالة على وجوب الإعادة بالشك في عدد الطواف المفروض كما سيأتي (ان شاء الله تعالى) ، فلو لم تكن الزيادة
مبطلة لكان المناسب البناء على الأقل دون الإعادة من رأس ، سيما مع بناء الشريعة
على السهولة في التكليف إذ غاية ما يلزم الزيادة ، وهي غير مضرة كما هو
المفروض. ويؤيده أيضا لزوم القران لو لم نقل بالإبطال ، لأنه على تقدير القول
بالصحة لو زاد واحدا أضاف إليه ستة ، كما دلت عليه اخبار من طاف ثمانية من البناء
على ذلك الشوط وزيادة ستة عليه ليكون طوافا آخر فيلزم القران في الطواف
__________________
عمدا. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ ان الأظهر تحريمه في الفريضة عمدا.
قال في المدارك
بعد نقل هذه الأدلة التي نقلناها عنهم : وفي جميع هذه الأدلة نظر ، اما الأول فلان
عدم فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) لما زاد على السبع لا يقتضي تحريم فعله مطلقا ، ولا
كونه مبطلا للطواف لخروجه عن الواجب ، غاية الأمر ان إيقاعه على وجه العبادة يكون
تشريعا. واما الثاني فقياس محض. واما الرواية الأولى فيتوجه عليها (أولا) الطعن في
السند باشتراك راويها بين الثقة والضعيف. و (ثانيا) إجمال المتن ، إذ يحتمل ان
يكون المراد بالإعادة إتمام طواف آخر ، كما يشعر به قوله : «حتى يستتمه». وفي
الكافي نقل الرواية بعينها إلا ان فيها موضع قوله : «حتى
يستتمه» «حتى يثبته» وهو أوفق بالإعادة من قوله : «حتى يستتمه». ومع ذلك فإنما يدل
على تحريم زيادة الشوط لا مطلق الزيادة. واما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند
باشتراك الراوي أيضا ، فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل. وقد ظهر بذلك انه ليس على
تحريم زيادة ما دون الشوط دليل يعتد به. ومع ذلك فإنما يتوجه التحريم إذا وقعت
الزيادة بقصد الطواف ، اما لو تجاوز الحجر الأسود بنية ان ما زاد على الشوط لا
يكون جزء من الطواف فلا محذور فيه. انتهى.
أقول : الظاهر
ان المناقشة هنا في التحريم من المناقشات الواهية التي لا يلتفت إليها ولا يعرج في
مقام التحقيق عليها ، وان كان قد سبقه إليها شيخه المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد.
أما (أولا)
فلان مرجع كلامه في رد الوجه الأول الى ان ما زاد على
__________________
السبعة وان كان محرما إلا انه لا يقتضي بطلان الطواف ، لخروجه عن الواجب ،
وانما غايته ان يكون إيقاعه على وجه العبادة تشريعا. وقد تكرر منه نظير هذا الكلام
في مواضع من شرحه هذا. وفيه : انه لو تم ذلك للزم ان من زاد في الفريضة ركعة عامدا
ـ بناء على استحباب التسليم ـ تكون صلاته صحيحة ، لخروج هذه الركعة عن الواجب ،
وانما غايتها ان تكون تشريعا محرما والعبادة صحيحة. واتفاق الأصحاب (رضوان الله
عليهم) والاخبار على خلافه. وكذا من فرضه التقصير لو صلى تماما عامدا ، فإنه يكون
قد ادى الواجب وصحت صلاته وان فعل محرما بزيادة الركعتين. والاخبار والأصحاب (رضوان
الله عليهم) على خلافه. وبالجملة فإن الشارع إذا حد العبادة بحد معين وعدد معين ،
فتعمد المكلف المخالفة زيادة أو نقصانا ، فإنه لا ريب في بطلان عبادته ، لخروجه عن
مقتضى الأمر ، فلا يخرج عن العهدة ، فالتشريع هنا انما توجه إلى أصل العبادة لا
الى تلك الزيادة ، لكون النية المتعلقة بتلك العبادة قد تعلقت بالمجموع لا بما دون
الزيادة. والعبادات صحة وبطلانا تابعة للنيات ، كما تقدم في مبحث النية من كتاب
الطهارة. ولا ريب ان هذه النية المتعلقة بالجميع غير مشروعة ولا صحيحة ، فيكون
المنوي كذلك ، لأن النية اما شرط أو شطر وعلى اي منهما يبطل المشروط أو الكل.
ولهذا لو نوى صلاة القصر وصلى بهذه النية ثم بعد الفراغ من التشهد ـ بناء على
استحباب التسليم ـ زاد ركعتين سهوا أو عمدا ، فإنه لا يضر بصلاته الاولى بوجه كما
هو الحق في المسألة. وبه صرح السيد المشار إليه في كتاب الصلاة في صلاة السفر عند
ذكر هذه المسألة. نعم لو كانت النية أولا انما تعلقت بالطواف المأمور به شرعا ثم
انه بعد إتمامه زاد
شوطا آخر ايضا ، فلا يبعد القول بصحة الطواف المتقدم وتوجه البطلان الى هذه
الزيادة خاصة ، وان كان ظاهر كلام الأصحاب بطلان الطواف كلا كالصورة الاولى.
واما (ثانيا)
فان قوله : «واما الثاني فقياس محض» ليس في محله ، فان حاصل الدليل المذكور ان
الشارع قد أمر بهذه الفريضة المحصورة في هذا العدد المخصوص ، ولا ريب ان من تعمد
الزيادة على العدد المذكور واتى بكيفية أخرى ، فقد فعل محرما ، وكان ما فعله
باطلا. ومرجع هذا الوجه في التحقيق الى سابقه. والإتيان بالصلاة انما وقع على جهة
التنظير لا لإتمام الاستدلال ، فان الدليل في حد ذاته تام كما حررناه وأشرنا إليه
آنفا ، فلا يلزم ما ذكره من انه قياس. وحينئذ فتخرج رواية عبد الله بن محمد
المذكورة شاهدا على ذلك. وتعضدها الروايات ببطلان صلاة من زاد في
الصلاة المكتوبة عمدا تماما أو قصرا وكذا من تعمد الزيادة في وضوئه ، لقوله (عليهالسلام) في ما رواه الصدوق (قدسسره) مرسلا : «من تعدى في وضوءه كان كناقضه».
واما (ثالثا)
فإن طعنه في سند الخبرين (أولا) لا يقوم حجة على المتقدمين ، كما تقدم بيانه في
غير موضع ، بل ولا على من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح. و (ثانيا) انه قد اعترف في
صدر كلامه بان
__________________
هذا الحكم هو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، وهو مؤذن بدعوى
الاتفاق عليه. والأمر كذلك ، فإنه لم ينقل الخلاف فيه. وحينئذ فالخبران وان ضعف
سندهما إلا انه مجبور بعمل الطائفة قديما وحديثا بهما. وهو في غير موضع من شرحه قد
استدل بالأخبار الضعيفة بناء على ذلك ، كما لا يخفى على من راجعه ، وقد أشرنا إلى
جملة من تلك المواضع في شرحنا على الكتاب. إلا انه (قدسسره) ـ كما قدمنا ذكره في غير مقام ـ ليس له قاعدة يقف
عليها ولا ضابطة يرجع إليها.
واما (رابعا)
فان ما احتمله ـ من حمل الإعادة في رواية أبي بصير على إتمام طواف آخر ـ بعيد ، بل ربما يقطع ببطلانه ،
لأن الإعادة انما هي فعل الشيء بعد فعله أولا ، بمعنى ان الأول يصير في حكم العدم
والإتيان بطواف آخر ـ بناء على ما ذكره ـ انما يكون ثانيا والطواف الأول بحاله.
ولفظ «يستتمه» على رواية الشيخ لا منافرة فيه للإعادة المرادة في الخبر ، إذ
المعنى ان ما اتى به غير تام ، يعني : غير صحيح. وكثيرا ما يعبر بالتمام والنقصان
عن الصحة والبطلان. وكيف كان فإن الكلمة المذكورة في الكافي قاطعة لهذا الاحتمال
كما اعترف به. على ان الظاهر عندي ـ كما سيأتي ـ ان شاء الله (تعالى) التنبيه عليه
ـ ان رواية أبي بصير المذكورة هنا ليست من اخبار هذه المسألة وانما هي من اخبار
مسألة من زاد شوطا ثامنا سهوا ، كما سيأتي بيانه في المسألة المذكورة ان شاء الله (تعالى).
وقد استند
المحقق الأردبيلي في ما قدمنا نقله عنه إلى جملة من الاخبار الدالة على ان من طاف
ثمانية أشواط فليضم إليها ستة ليكون
__________________
طوافين بحملها على من تعمد الزيادة ، فجوز الزيادة في الطواف
عمدا لهذه الاخبار. وسيأتي نقل كلامه (طاب ثراه) والكلام عليه في تلك المسألة ان
شاء الله (تعالى).
نعم يبقى الشك
في الزيادة مع النية وان لم تبلغ شوطا ، لظاهر إطلاق رواية عبد الله بن محمد وظاهر
خبر ابي بصير الظاهر في كون استناد البطلان الى الطواف التام.
واما الزيادة
لا بنية الطواف بل بنية عدمه فالحق فيه ما ذكره ، فان العبادات دائرة مدار النيات
، وإذا خلت هذه الزيادة عن نية العبادة بل نوى العدم فالظاهر انه لا ضرر في ذلك.
والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ اختلف الأصحاب في حكم القران في الطواف ، فذهب الشيخ الى التحريم في
طواف الفريضة حيث قال : لا يجوز القران في طواف الفريضة. وقال ابن إدريس : انه
مكروه شديد الكراهة ، وليس المراد بذلك الحظر ، فان المكروه إذا كان شديد الكراهة
قيل فيه : لا يجوز. وظاهر جملة من الأصحاب هنا التوقف في الحكم ، فان المحقق في
النافع عزى تحريمه وبطلان الطواف به في الفريضة إلى الشهرة. وفي المختلف بعد نقل
قول الشيخ وابن إدريس أورد روايتي زرارة وعمر بن يزيد الآتيتين ان شاء الله (تعالى) وقال : انهما غير دالتين على
التحريم. وظاهره في المدارك ايضا التردد في ذلك ، حيث ذكر ان المستفاد من صحيحة
زرارة الآتية كراهة القرآن في الفريضة
__________________
ثم احتمل حملها على التقية لصحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر الآتية . وقال العلامة في المنتهى : القران في طواف الفريضة لا
يجوز عند أكثر علمائنا ، وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري ومالك وأبو حنيفة ،
وقال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير واحمد وإسحاق : لا بأس به .
أقول : والذي
وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن مسكان عن زرارة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : انما يكره ان يجمع الرجل بين الأسبوعين والطوافين في
الفريضة ، فأما في النافلة فلا بأس».
وما رواه في
الكافي عن عمر بن يزيد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : انما يكره القران في الفريضة ، فاما النافلة
فلا والله ما به بأس».
وعن علي بن أبي
حمزة قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل يطوف ، يقرن بين أسبوعين؟ فقال : ان شئت رويت
لك عن أهل مكة. قال : فقلت : لا والله مالي في ذلك من حاجة جعلت فداك ، ولكن ارو
لي ما أدين الله (عزوجل) به. فقال : لا تقرن بين أسبوعين ، كلما طفت أسبوعا فصل
ركعتين ، واما انا فربما قرنت الثلاثة
__________________
والأربعة. فنظرت اليه ، فقال : اني مع هؤلاء» .
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في التهذيب عن صفوان والبزنطي قالا : «سألناه عن قرآن الطواف
أسبوعين والثلاثة. قال : لا إنما هو سبوع وركعتان. وقال : كان ابي يطوف مع محمد بن
إبراهيم فيقرن ، وانما كان ذلك منه لحال التقية» .
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن صفوان عن احمد بن محمد ابن ابي نصر قال : «سأل
رجل أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن. فقال : لا إلا
أسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن (عليهالسلام) لانه كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية» .
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن زرارة في الصحيح قال : «طفت مع ابي جعفر (عليهالسلام) ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا وهو آخذ بيدي ، ثم خرج
فتنحى ناحية فصلى ستا وعشرين ركعة وصليت معه».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن زرارة قال : «ربما طفت مع ابي جعفر (عليهالسلام) ـ وهو ممسك بيدي ـ الطوافين والثلاثة ، ثم ينصرف ويصلي
الركعات ستا».
وروى عبد الله
بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده
__________________
عن علي بن جعفر «انه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهالسلام) عن الرجل يطوف السبوع وأسبوعين ، فلا يصلي ركعتين حتى
يبدو له ان يطوف أسبوعا ، هل يصلح ذلك؟ قال : لا يصلح حتى يصلي ركعتي السبوع الأول
ثم ليطف ما أحب».
ورواه علي بن
جعفر في كتابه مثله .
وعنه عن علي بن
جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يطوف الطوافين
والثلاثة ولا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي لها جميعا؟ قال : لا بأس ، غير انه
يسلم في كل ركعتين».
وعنه عن علي بن
جعفر قال : «رأيت أخي (عليهالسلام) يطوف أسبوعين والثلاثة فيقرنها ، غير انه يقف في
المستجار فيدعو في كل أسبوع ، ويأتي الحجر فيستلمه ، ثم يطوف».
وعنه عن علي بن
جعفر قال : «رأيت أخي (عليهالسلام) مرة طاف ومعه رجل من بني العباس ، فقرن ثلاثة أسابيع
لم يقف فيها ، فلما فرغ من الثالث وفارقه العباسي ، وقف بين الباب والحجر قليلا ،
ثم تقدم فوقف قليلا ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات».
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) في حديث قال : «ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة».
أقول : ما ذكره
في المدارك وكذا غيره ـ من الاستناد في كراهة القران في الفريضة إلى صحيحة زرارة
الأولى ، حيث قال فيها : «إنما يكره ان يجمع الرجل بين الأسبوعين في الفريضة»
ومثلها رواية عمر بن يزيد ـ
__________________
مردود بان استعمال لفظ الكراهة في التحريم في الاخبار أكثر كثير ، وبذلك
اعترف في المدارك في غير موضع.
والوجه الذي
تجتمع عليه هذه الاخبار عندي هو القول بتحريم القران في الفريضة والجواز في
النافلة ، وكذا في الفريضة في حال التقية أيضا ، فاما ما يدل على التحريم في
الفريضة فصحيحة زرارة الاولى ، ورواية عمر بن يزيد ، ورواية السرائر ، ورواية علي
بن أبي حمزة ، ورواية صفوان والبزنطي ، وصحيحة البزنطي. والنهي عن القران في
الثلاثة الأخيرة وان كان مطلقا إلا انه يجب حمله على الفريضة ، لما دلت عليه باقي
الاخبار من فعلهم (عليهمالسلام) ذلك مكررا ، الظاهر كونه في النافلة.
ويعضد ما
اخترناه من تحريم القران ما ذكره المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ، حيث قال :
قلت : يستفاد من حديث ابن ابي نصر ان المقتضى لوقوع القران هو ملاحظة التقية ،
فيحمل كل ما تضمنه عليها. ويقرب ان يكون فعله في النافلة سائغا ، لكنه خلاف
الاولى. ومراعاة حال التقية تدفع عنه المرجوحية. انتهى. وهو جيد.
واما قوله في
رواية السرائر : «لا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة» فالظاهر ان المراد منه انه
لا يجوز ان يقرن طواف النافلة بطواف الفريضة ، بل يجب ان يصلي ركعتي طواف الفريضة
ثم يطوف النافلة ، وعلى ذلك تحمل رواية قرب الاسناد الاولى ، ومرجعه إلى انه متى
أراد ان يطوف بعد طواف الفريضة طوافا مستحبا واحدا أو أكثر فلا يقون ذلك بطواف
الفريضة بل يصلى لطواف الفريضة ركعتيه ثم يقرن ما شاء.
وعلى هذا تجتمع
الاخبار على وجه واضح المنار. ويؤيده أوفقيته بالاحتياط والمشي على سوي الصراط.
المسألة
الخامسة ـ قد تقدم انه لا يجوز الطواف في النجاسة على المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ، وحينئذ فلو طاف عالما بها بطل طوافه على القول المذكور. وهو موضع
وفاق بين القائلين باشتراط طهارة الثوب والجسد في الطواف ، للنهي المقتضي للفساد
في العبادة.
ولو كان جاهلا
بها حتى فرغ فطوافه صحيح اتفاقا بين من قال بذلك لتحقق الامتثال بفعل المأمور به ،
وعدم تناول النهي للجاهل. والحكم هنا عندهم مبني على إلحاق جاهل النجاسة في الطواف
بجاهلها في الصلاة وإلا فالمسألة هنا عارية عن النصوص بالخصوص ، والأصل يقتضي
الصحة والنهي لا يتوجه الى الجاهل كما عرفت ، فيجب الحكم بالصحة.
وفي جاهل الحكم
اشكال ، والمعروف من مذهبهم عدم معذوريته كما عرفت في غير موضع ، إلا ان جملة من
أفاضل متأخري المتأخرين ألحقوه بجاهل الأصل في مواضع تقدم التنبيه عليها ، للعلة
المذكورة ثمة ، وهو عدم توجه الخطاب الى الجاهل. وهو الأقوى كما عرفت في مقدمات
الكتاب.
وانما الكلام في
الناسي ، والمشهور في الصلاة البطلان ووجوب الإعادة وعليه تدل أكثر الاخبار.
والمسألة هنا عارية عن النص. واختار في المنتهى إلحاق الناسي بالجاهل ، فقال : ولو
لم يذكر إلا بعد الفراغ نزعه أو غسله وصلى ركعتين. وهو ظاهر في حكمه بصحة طوافه.
واستظهره في المدارك مستندا الى عدم تناول النهي له. وفيه ان إلحاق الناسي بالجاهل
قياس مع الفارق ، فان الجاهل لم يتقدم له علم بالكلية بخلاف
الناسي ، فإنه قد علم وقصر في عدم إزالة النجاسة ، ولهذا تكاثرت الاخبار
بوجوب إعادة الصلاة عليه لو صلى في النجاسة ناسيا ، معللا في بعضها بان ذلك عقوبة
له لتقصيره في الإزالة مع استفاضة الأخبار الصحيحة الصريحة في صحة صلاة الجاهل
بها فكيف يتم إلحاق الناسي هنا بالجاهل؟
واما لو كان
جاهلا بها فوجدها في الأثناء فقد صرحوا بوجوب الإزالة وإتمام الطواف. وظاهر كلامهم
وجوب ذلك أعم من ان تتوقف الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه ، ولا بين ان
يقع العلم بعد إكمال أربعة أشواط أو قبل ذلك. قيل : والوجه فيه تحقق الامتثال
بالفعل المتقدم ، وأصالة عدم وجوب الإعادة.
والأظهر
الاستدلال على ذلك بروايتي يونس بن يعقوب المتقدمين في مقدمات الطواف المتضمنتين لان من رأى الدم وهو في
الطواف يخرج ويغسله ثم يعود في طوافه.
ويؤيدهما ما
رواه الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن حماد بن عثمان عن حبيب بن مظاهر قال : «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت
__________________
شوطا واحدا ، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثم جئت
فابتدأت الطواف. فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : بئس ما صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت.
ثم قال : اما انه ليس عليك شيء».
ونقل في
المدارك عن الشهيدين انهما جزما بوجوب الاستئناف ان توقفت الإزالة على فعل يستدعي
قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط ، نظرا الى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف ،
والحكم في المسألتين واحد. ثم قال : وهو مع تسليم الحكم في الأصل لا يخرج عن
القياس.
أقول : ما
ذكراه (قدسسرهما) محض اجتهاد في مقابلة النصوص المذكورة ، لإطلاق روايتي
يونس بن يعقوب وتصريح رواية حبيب ابن مظاهر بكون القطع وقع بعد طواف
شوط ، ومع هذا أنكر عليه الامام (عليهالسلام) الإعادة من رأس وجعل حكمه البناء على ما طاف.
وقال في
المدارك : ولو قيل بوجوب الاستئناف مطلقا مع الإخلال بالموالاة ـ الواجبة بدليل
التأسي وغيره ـ أمكن ، لقصور الروايتين المتضمنتين للبناء من حيث السند. والاحتياط
يقتضي البناء والإكمال ثم الاستئناف مطلقا. انتهى. وهو في الضعف كسابقه.
واستناده في
وجوب الموالاة إلى التأسي مردود بما صرح به هو وغيره من المحققين بان فعلهم (عليهمالسلام) أعم من ذلك ، فلا يصلح دليلا للوجوب. وأشار بالروايتين
إلى رواية يونس بن يعقوب المروية في التهذيب ورواية حبيب بن مظاهر. واما رواية يونس بن يعقوب
__________________
المروية في الفقيه فلم يذكرها. ولا يخفى ان هذه الروايات لا معارض لها في
الباب ، فردها وطرحها والحال كذلك لا يخلو من مجازفة ، بل جرأة على الأئمة الأطياب
(عليهمالسلام) سيما مع كون روايتي حبيب ويونس الأخرى من مرويات من لا
يحضره الفقيه التي قد صرح في غير موضع من شرحه بالاعتماد عليها متى احتاج إليها ،
لما ضمنه الصدوق (قدسسره) في صدر كتابه. ولكنه (قدسسره) لا يقف على قاعدة كما عرفت في غير موضع. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) انه لو زاد على
السبعة سهوا ، أكملها أسبوعين ، وصلى الفريضة أولا وركعتي النافلة بعد السعي. وبه
صرح الشيخ وعلي بن الحسين بن بابويه وابن البراج وغيرهم. وقال الصدوق (قدسسره) في المقنع : يجب عليه الإعادة ، قال : وروى : انه يضيف
ستة يجعل واحدا فريضة والباقي سنة.
واحتج الأصحاب (رضوان
الله عليهم) على ما ذهبوا اليه بما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه عن أبي أيوب في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة؟ قال :
فليضم إليها ستا ثم يصلي اربع ركعات». قال : وفي خبر آخر : «ان الفريضة هي الطواف
الثاني والركعتان الأوليان لطواف الفريضة ، والركعتان الأخريان والطواف الأول تطوع».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
__________________
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان في كتاب علي (عليهالسلام): إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن
ثمانية أضاف إليها ستا. وكذا إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا».
وعن معاوية بن
وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان عليا (عليهالسلام) طاف ثمانية فزاد ستة ثم ركع اربع ركعات».
وفي الصحيح عن
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان عليا (عليهالسلام) طاف طواف الفريضة ثمانية ، فترك سبعة وبنى على واحد
وأضاف إليها ستا ، ثم صلى ركعتين خلف المقام ، ثم خرج الى الصفا والمروة ، فلما
فرغ من السعى بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية. قال :
يضيف إليها ستة».
وعن رفاعة في الصحيح قال : «كان علي (عليهالسلام) يقول : إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر. قلت : يصلي
اربع ركعات؟ قال : يصلي ركعتين».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «سمعته يقول : من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة
عشر شوطا ثم ليصل ركعتين».
ومن اخبار
المسألة أيضا ما رواه في الفقيه عن علي بن أبي حمزة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل وانا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط.
فقال : نافلة أو فريضة؟ فقال : فريضة.
قال : يضيف
إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ثم خرج الى الصفا والمروة فطاف بينهما ، فإذا فرغ صلى
ركعتين أخراوين ، فكان طواف نافلة وطواف فريضة».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) عن ابي كهمس قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط. قال : ان كان ذكر قبل
ان يأتي الركن فليقطعه. وقد أجزأ عنه ، وان لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا
، وليصل اربع ركعات».
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن جميل «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن من طاف ثمانية أشواط وهو يرى أنها سبعة. قال : فقال
: ان في كتاب علي (عليهالسلام) : انه إذا طاف ثمانية أشواط يضم إليها ستة أشواط ثم
يصلي الركعات بعد. قال : وسئل عن الركعات كيف يصليهن أو يجمعهن أو ما ذا؟ قال :
يصلي ركعتين للفريضة ثم يخرج
__________________
الى الصفا والمروة ، فإذا رجع من طوافه بينهما رجع فصلى ركعتين للأسبوع
الآخر».
وروى الشيخ
المفيد (قدسسره) في المقنعة مرسلا قال : «قال (عليهالسلام) : من طاف بالبيت ثمانية أشواط ناسيا ثم علم بعد ذلك
فليضف إليها ستة أشواط».
وفي كتاب الفقه
الرضوي قال : «فان سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط فزد
عليها ستة أشواط ، وصل عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ركعتي الطواف ، ثم اسع بين الصفا والمروة ، ثم تأتي
المقام فصل خلفه ركعتي الطواف. واعلم ان الفريضة هو الطواف الثاني ، والركعتين
الأولتين لطواف الفريضة ، والركعتين الآخرتين للطواف الأول ، والطواف الأول تطوع».
أقول : وهذه
الرواية هي التي أشار إليها الصدوق في الفقيه بقوله : «وفي خبر آخر.» كما قدمنا نقله عنه.
ومن ما يدل على
ما قدمنا نقله عن المقنع ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس
عن سماعة عن ابي بصير قال : «قلت : رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف
أم سبعة أم ثمانية؟ قال : يعيد طوافه حتى يحفظ. قلت : فإنه طاف وهو متطوع ثماني
مرات وهو ناس؟ قال : فليتمه طوافين
__________________
ثم يصلي اربع ركعات. فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط».
ورجال هذا
الخبر ليس فيهم عندي من ربما يتوقف في شأنه سوى إسماعيل بن مرار ، حيث انه لم يذكر
في كتب الرجال بمدح ولا قدح ، إلا ان إكثار إبراهيم بن هاشم الجليل القدر الرواية
عنه من ما يشهد بحسن حاله والاعتماد على روايته. واما أبو بصير فإنه وان كان
مشتركا إلا ان الأظهر عندي جلالة يحيى بن القاسم وان كانوا يعدون حديثه في الموثق
أو الضعيف ، وقد عد حديثه في الصحيح الفاضل الخراساني في الذخيرة ، وبين في ذلك
فصلا طويلا في كتاب الطهارة في باب غسل الجنابة. والرواية بناء على اصطلاحهم
معتبرة الاسناد.
وما رواه في
الكافي وكذا في التهذيب في الصحيح الى ابي بصير ـ وقد عرفت الحال فيه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض. قال : يعيد
حتى يثبته» كذا في الكافي وفي التهذيب «حتى يستتمه».
والعلامة في
المختلف قد نقل هذه الرواية دليلا للقول المذكور ووصفها بالصحة أيضا ، ثم أجاب
عنها بالحمل على حال العمد. أقول : ولهذا ان الأصحاب نظموها في سلك الأدلة الدالة
على بطلان الطواف مع تعمد الزيادة ، كما قدمنا نقله عنهم في تلك المسألة. ولا ريب
ان هذا الاحتمال وان تم في هذه الرواية إلا انه لا يتم في الرواية الأولى ، فإنها
ظاهرة في ان تلك الزيادة وقعت سهوا ، لترتب التفصيل في الجواب على السؤال عن الناسي.
والحق ان الخبرين من باب واحد
__________________
وانهما من اخبار الزيادة سهوا لا عمدا. وهما ظاهران في الدلالة على هذا
القول.
ثم أقول : ويدل
على هذا القول ايضا ما تضمن من الاخبار المتقدمة صلاة ركعتين خاصة ، مثل صحيحة
رفاعة وصحيحة عبد الله بن سنان ، والتقريب فيها ان الطواف الأول صار باطلا باعتبار
الزيادة وان كانت سهوا كما عرفت ، وان الشوط الثامن قد اعتد به من الطواف الواجب
المأمور به بعد بطلان الأول ، وهاتان الركعتان له.
واما ما ذكره
في التهذيب في تأويل خبر رفاعة ـ من حمل صلاة الركعتين فيه على انه يقدمهما قبل
السعي ثم يصلي ركعتين بعده ايضا لما مر ـ ففيه ان السائل سأله عن الصلاة هل هي
أربع ركعات أو ركعتان؟ فأجاب بأنها ركعتان. ولو كان الأمر كما تأوله لأجاب بالأربع
ثم التفريق كما زعمه. وبالجملة فإن ما ذكره في غاية البعد عن لفظ الخبر.
ولم أر من تنبه
لفهم ما ذكرته من هذا المعنى سوى المحدث الكاشاني في الوافي ، حيث قال ـ في الجمع
بين اخبار الركعتين والأربع ـ ما لفظه : لا تنافي بين هذه الاخبار ، لان الطائف في
هذه الصور مخير بين الاقتصار على الركعتين ليكون الطواف الثاني إعادة للفريضة
والأول ملقى وبين الأربع ركعات موصولة أو مفصولة ليكون أحد الطوافين نافلة. انتهى
وحاصله الجمع ـ بين ما يدل على البطلان والإعادة كما ذهب إليه في المقنع ، وبين ما
يدل على القول المشهور من اضافة طواف آخر مع صحة الطواف الأول ـ بالتخيير بين
الأمرين ، بمعنى انه ان شاء نوى إبطال الطواف الأول واعتد بالشوط الزائد وأضاف
إليه ستة أخرى ، وان شاء اعتد به ونوى طوافا آخر.
وتنقيح البحث
في المقام يتوقف على رسم فوائد الاولى ـ انه على
تقدير الاعتداد بالطواف الأول كما هو المشهور هل تكون الفريضة هي الأول أو
الثاني؟
قال في المدارك
: نص العلامة (قدسسره) في المنتهى وغيره على ان الإكمال مع الزيادة على سبيل
الاستحباب ، ومقتضاه ان الطواف الأول هو طواف الفريضة. ونقل عن ابن الجنيد وعلي بن
بابويه انهما حكما بكون الفريضة هو الثاني ، وفي رواية زرارة المتقدمة دلالة عليه. وقال الصدوق في من لا يحضره
الفقيه بعد ان أورد رواية أبي أيوب المتقدمة : وفي خبر آخر : «ان
الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان الأوليان لطواف الفريضة والركعتان الأخريان
والطواف الأول تطوع». ولم نقف على هذه الرواية مسندة. ولعله أشار بها الى رواية
زرارة وعلى هذا فيكون الإتمام واجبا. انتهى.
أقول : اما ما
ذكره ـ من دلالة رواية زرارة المتقدمة على ان الفريضة هو الثاني بالنظر الى قوله فيها : «فترك
سبعة وبنى على واحد» ـ فهو جيد. إلا ان ما ذكره من انه لعلها ان تكون معتمد الصدوق
في ما ذكره فليس كذلك كما سيظهر لك. واما ما ذكره من انه لم يقف على الخبر الذي
نقله الصدوق (قدسسره) فقد عرفت ان ما نقله الصدوق انما هو متن عبارة كتاب
الفقه الرضوي بتغيير ما ، لكنه معذور حيث لم يصل الكتاب المذكور اليه ولا الى غيره
من المتأخرين.
وبالجملة
فالروايات المتقدمة الدالة على الاعتداد بالطواف الأول كلها مجملة في كون الفريضة
الأول أو الثاني ، ولا صراحة في شيء منها سوى
__________________
رواية كتاب الفقه ، وظاهر صحيحة زرارة ، وعليهما يحمل إطلاق تلك الاخبار
بناء على هذا القول. ومن ذلك يظهر لك صحة ما اشتملت عليه رواية أبي بصير المتقدمة
من وجوب الإعادة ، فإن الأخبار متى اجتمعت على ان الفريضة هو الطواف الثاني وانه
يجب إتمامه لكونه هو الفريضة فقد ثبت وجوب الإعادة المذكورة في ذينك الخبرين ،
وليس ذلك إلا من حيث الزيادة المذكورة في الطواف الأول وان كانت سهوا. والبناء على
الشوط الثامن لا ينافي الإعادة ، إذ المراد بالإعادة هو إلغاء السبعة الاولى
والإتيان بسبعة اخرى سواها. وهو حاصل بما ذكرناه. وبه يظهر قوة ما ذهب إليه في
المقنع.
بقي الكلام في
ان الطواف الأول هل يكون باطلا ـ كما هو ظاهر كلامه في المقنع ـ أم صحيحا كما هو
ظاهر المشهور؟ وقد عرفت الكلام فيه آنفا ، فان مقتضى الجمع بين الاخبار التخيير في
الاعتداد به وجعله نافلة فيصلي له ركعتين ، أو إبطاله وعدم الصلاة له.
الثانية ـ قد
أشرنا في ما تقدم الى ان المحقق الأردبيلي (قدسسره) قد استند في القول بجواز الزيادة على الطواف الواجب
عمدا إلى جملة من روايات هذه المسألة ، ووعدنا بالكلام عليه في هذا المقام ، فنقول
: قال (عطر الله مرقده) ـ بعد ذكر نحو ما قدمنا نقله عن المدارك في تلك المسألة ،
واحتمال حمل الإعادة في رواية أبي بصير التي استدل بها الأصحاب (رضوان الله عليهم)
على الاستحباب ـ ما ملخصه : ويدل على عدم البطلان والتحريم والحمل المذكور صحيحة
محمد بن مسلم ، ثم ساق الرواية كما قدمنا ، ثم عطف عليها صحيحة رفاعة ، وحمل ذكر
الركعتين فيها على ما قدمنا نقله عن الشيخ (قدسسره) قال : وظاهرهما عام
وترك التفصيل قرينة العموم. ثم أورد صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن وهب ، ثم
قال : وهما كالصريحتين في ان الزيادة عمدا وانه جائز ، لعدم جواز ان يسهو (عليهالسلام) في الفريضة وزيادته ما لا يجوز زيادته عمدا. انتهى.
أقول : فيه (أولا)
انه لا يخفى ان كل من كان عالما بان الطواف المأمور به شرعا انما هو سبعة أشواط
خاصة ـ كما عليه الاتفاق نصا وفتوى ـ فإنه بحسب الغالب بل المتحتم من ذوي الديانة
والتقوى ان لا يأتي بثمانية أشواط إلا عن سهو ونسيان وربما اتى به عن جهل ، وإلا
فالعالم بذلك لا يتعمد زيادة شوط عبثا ، ولا سيما مثل الامام (عليهالسلام) حتى انه بعد ذلك يضيف إليه ستة وجوبا أو استحبابا بناء
على زيادة هذا الواحد ، بل كان ينبغي ان يطوف طوافين متصلين أربعة عشر شوطا متصلة
، لا انه يزيد شوطا عمدا على هذا الطواف المتقدم لأجل ان يزيد عليه ستة بعد ذلك ، فإن
زيادة هذه الستة إنما استند الى البناء على هذا الشوط الزائد وتتميمه طوافا آخر.
وتوهم ذلك مجرد سفسطة وخيال ضعيف. وهذه السؤالات في هذه الاخبار انما تكاثرت
بالنسبة الى من زاد هذا الشوط ناسيا ، فأجابوا بأنه يضيف إليه ستة. وكذلك فعل علي (عليهالسلام) على تقدير تسليم صحته. وبالجملة فإنه مع علمه بان
الطواف سبعة لا غير ، وان من زاد عليه شوطا وجب عليه أو استحب له إتمام طواف آخر ،
فلا معنى لان يزيد هذا الشوط عمدا لأجل أن يجب عليه أو يستحب له إتمام طواف آخر بل
ينبغي ان يزيد طوافا آخر من أول الأمر ويقرن بينهما.
و (ثانيا) ان
مقتضى ما ذكره من جواز تعمد ذلك هو جواز القران في الفريضة عمدا ، وقد بينا سابقا
ان الظاهر من الاخبار تحريمه
في الفريضة. ومع التنزل عن ذلك فلا أقل من القول بالكراهة. ومن البعيد بل
الأبعد تكاثر هذه الاخبار في أمر مكروه.
و (ثالثا) ان
جملة من اخبار المسألة قد صرحت بكون هذه الزيادة عن سهو ونسيان ، وان هذا الحكم
انما ترتب على كونها عن سهو مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية أبي كهمس ،
وصحيحة جميل المنقولة في السرائر المرتب عليها حديث كتاب علي (عليهالسلام) ، ومرسلة الشيخ المفيد (قدسسره) في المقنعة ، ورواية كتاب الفقه الرضوي . وحينئذ فيجب حمل ما أطلق من الاخبار على هذه الروايات
المذكورة ، كما هو القاعدة المشهورة والضابطة الغير المنكورة.
و (رابعا) ان
تعلقه بزيادة أمير المؤمنين (عليهالسلام) المروية في حديثي معاوية بن وهب وزرارة ـ مستندا إلى
انه لا يجوز السهو عليه وانهما لذلك كالصريحين في جواز الزيادة عمدا ـ فيه أن مجرد
عدم تجويز السهو عليه لا يستلزم ما ذكره ، لما عرفت فيه من الفساد. ولجواز خروج
هاتين الروايتين مخرج التقية في النقل. ومثلهما غير عزيز في الاخبار. ومثلهما الخبر
المروي «انه صلى جنبا ناسيا فأمر مناديه بعد الصلاة ان ينادى في الناس بقضاء
صلاتهم وانه صلى بهم جنبا». ومثله غيره ، ولا محمل له إلا التقية. وسبيل هذين
الخبرين سبيل هذا الخبر.
واما ما ذكره
في المدارك في هذا المقام من ما يعطي الجمود على ظاهر هذين الخبرين في جواز السهو
عليه ـ مستندا الى مذهب ابن بابويه وشيخه ، حيث قال بعد نقل صحيحة زرارة : ومقتضى
الرواية وقوع السهو من
__________________
الإمام (عليهالسلام) وقد قطع ابن بابويه بإمكانه ، ونقل عن شيخه محمد بن
الحسن بن الوليد انه كان يقول : أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي (صلىاللهعليهوآله). انتهى. وظاهره الميل الى ما ذكره ابن بابويه هنا لأجل
التوصل الى العمل بالرواية المذكورة ـ ففيه ان كلام الصدوق (قدسسره) وشيخه لا عموم فيه لجميع المعصومين (عليهمالسلام) وانما هو مخصوص بالنبي (صلىاللهعليهوآله). ثم لا مطلقا ايضا بل مخصوص بالصلاة والنوم كما هو
مورد تلك الاخبار. وان سهوه (صلىاللهعليهوآله) في ذينك الموضعين كان من الله (تعالى) لمصلحة في ذلك ،
فدعوى العموم ـ كما يفهم من كلامه وكلام غيره ـ ليس في محله. ومنه يظهر انه لا
يجوز العمل بظاهر هذه الاخبار بل الواجب حملها على التقية كما ذكرناه ، وبه يزول
الاشكال. والله العالم.
الثالثة ـ قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه انما يثبت إكمال الأسبوعين إذا لم
يذكر حتى يبلغ الركن ، فان ذكر قبل ذلك وجب القطع. واستدل عليه الشيخ برواية أبي
كهمس المتقدمة .
قال في المدارك
بعد نقل هذه الرواية : وهذه الرواية معارضة بما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم. ثم
أورد صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وقال بعدها : وقال الشيخ في الاستبصار : ان هذا الخبر
مجمل ورواية أبي كهمس مفصلة ، والحكم بالمفصل اولى منه بالمجمل. وهو جيد لو تكافأ
السندان ، لكن الرواية الأولى ضعيفة الاسناد وهذه الرواية
__________________
معتبرة الإسناد. انتهى.
أقول : هذه
الرواية وان كانت معتبرة الإسناد كما ذكر إلا ان ما اشتملت عليه مخالف لأخبار
المسألة كملا ، فإنها قد اتفقت على ان البناء على الشوط الزائد وإتمامه بستة انما
هو مع إتمام الشوط وحصول الذكر بعد تمامه ، حيث ان الحكم فيها ترتب على حصول
الثمانية كملا وان السهو انما عرض بعد تمام الثمانية ، وظاهر هذه الرواية هو حصول
الوهم قبل إكمال الثمانية. مع احتمال حمل الوهم فيها على الشك أيضا ، فإن إطلاقه
عليه في الاخبار غير عزيز ، وحينئذ فكيف يمكن العمل عليها؟ على ان المعارضة لا
تختص برواية أبي كهمس كما توهمه ، بل جميع روايات المسألة معارضة لها كما عرفت ،
ولكن هذه عادته (طاب ثراه) من التهالك على الأسانيد ولا ينظر الى ما في متن الخبر
من العلل الموجبة لرده ، كما نبهنا عليه في غير موضع من شرحنا على الكتاب.
الرابعة ـ قد
صرح شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك بأن النية الواقعة بعد الذكر تؤثر في الشوط
المتقدم ، كنية العدول في الصلاة بالنسبة إلى تأثيرها في ما سبق. انتهى. وهو جيد.
ومنه أيضا تأثير نية الصوم لما تقدم من النهار لو أصبح مفطرا ثم عزم على الصوم قبل
الظهر أو بعده ، كما تقدم في كتاب الصوم ، فان صومه صحيح اتفاقا.
الخامسة ـ قد
صرحت رواية جميل المذكورة المنقولة في مستطرفات السرائر ـ وكذا كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه ـ بأنه يصلي ركعتي طواف الفريضة أولا
وصلاة النافلة بعد السعي. وهو المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما
قدمنا ذكره ، وصحيحة زرارة
وكذا رواية علي بن أبي حمزة قد صرحتا بالتفريق ايضا لكن من غير تعيين
لركعتي الفريضة ، ورواية أبي أيوب وكذا صحيحة معاوية بن وهب ورواية أبي كهمس قد صرحت بالأربع من غير تعرض للتفريق فضلا عن بيان
الفريضة منهما. والظاهر حمل مطلق هذه الاخبار على مقيدها في ذلك. إلا انه قد صرح
في المدارك بأن تأخير ركعتي طواف النافلة الى أن يأتي بالسعي انما هو على سبيل
الأفضلية ، قال : لإطلاق الأمر بصلاة الأربع في رواية أبي أيوب ، ولعدم وجوب
المبادرة بالسعي. وفيه ما عرفت من انه يمكن تقييد هذا الإطلاق بالروايات الدالة
على التفريق وهي الأكثر ، وان كان بعضها قد عين ان صلاة الفريضة هي الاولى وصلاة
النافلة هي التي بعد السعي ، وبعضها لم يعين فيه ذلك ، وهذا هو مقتضى القاعدة
المقررة عندهم المرتبطة بدلالة جملة من الاخبار. واما العمل بإطلاق تلك الروايات ـ
وحمل ما دل على تقديم ركعتي الفريضة على السعي وتأخير ركعتي النافلة عنه على
الاستحباب ـ فهو وان جروا عليه في جملة من الأبواب إلا انه لا مستند له من سنة ولا
كتاب ، كما تقدم بيانه.
المسألة
السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو نقص عدد طوافه ، أو قطعه
لدخول البيت أو لحاجة أو لمرض أو لحدث ، أو دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه ،
فان تجاوز النصف رجع فأتم ، ولو عاد إلى أهله استناب ، ولو كان دون النصف استأنف.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع الأول ـ في من نقص عدد طوافه ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هو ما قدمناه
__________________
من انه ان تجاوز النصف رجع وأتم ، ولو عاد إلى أهله استناب ، ولو كان دونه
استأنف.
ولم أقف له على
دليل في الاخبار ، والموجود فيها من ما يتعلق بذلك ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن الحسن بن عطية قال : «سأله سليمان بن خالد وانا معه عن رجل طاف بالبيت
ستة أشواط قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : وكيف طاف ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر وقال الله
أكبر ، وعقدا واحدا. فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : يطوف شوطا. فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى اتى
أهله؟ قال : يأمر من يطوف عنه».
وفي الصحيح عن
الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في
الحجر؟ قال : يعيد ذلك الشوط».
وروى المشايخ
الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن صفوان ابن يحيى عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصفا فطاف بين الصفا
والمروة ، فبينما هو يطوف إذ ذكر انه قد ترك بعض طوافه بالبيت؟ قال : يرجع الى
البيت فيتم طوافه ، ثم يرجع الى الصفا والمروة
__________________
فيتم ما بقي».
وهذه الروايات
ـ كما ترى ـ لا اشعار فيها بما ذكروه من التفصيل
والمنقول عن
الشيخ (قدسسره) في التهذيب انه قال : ومن طاف بالبيت ستة أشواط وانصرف فليضف إليها
شوطا آخر ولا شيء عليه ، فان لم يذكر حتى يرجع الى أهله أمر من يطوف عنه. وهو
ظاهر في البناء مع الإخلال بالشوط الواحد كما هو المذكور في صحيحة الحسن بن عطية
المذكورة. وربما أشعر التخصيص بذكر الشوط الواحد ان حكم ما زاد عليه خلاف ذلك.
قال في المدارك
بعد ذكر نحو ذلك : والمعتمد البناء ان كان المنقوص شوطا واحدا وكان النقص على وجه
الجهل أو النسيان ، والاستئناف في غيره مطلقا. لنا على البناء في الأول وجواز
الاستنابة مع تعذر العود : ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن الحسن بن عطية. وساق الرواية المتقدمة ثم
ساق صحيحة الحلبي ، ثم قال : ولنا على الاستئناف في الثاني : فوات الموالاة
المعتبرة بدليل التأسي ، والاخبار الكثيرة كصحيحة الحلبي. ثم ساق الرواية الآتية ـ
ان شاء الله تعالى ـ في قطع الطواف لدخول البيت الدالة على قطع الطواف بعد ثلاثة
أشواط وامره (عليهالسلام) بالإعادة ، ثم صحيحة البختري الواردة أيضا في قطع
الطواف لدخول البيت ، ثم حسنة الحلبي الواردة في من اشتكى وقد طاف أشواطا ، حيث
أمر (عليهالسلام) بالإعادة في الجميع.
أقول : اما ما
ذكره ـ من البناء في الشوط الواحد مع الجهل أو النسيان ـ فهو جيد ، لما عرفته من
الاخبار ، وظاهرها ان الترك كان على أحد الوجهين المذكورين. وبهذا القيد صرح
العلامة في جملة من كتبه ، وهو ظاهر كلام غيره ايضا.
__________________
واما ما ذكره ـ
من الإعادة في ما عدا ذلك ـ فلا اعرف له وجها وجيها ، اما ما احتج به من فوات
الموالاة بدليل التأسي فهو ضعيف ، إذ التأسي ـ كما صرح به المحققون في الأصول وصرح
به هو أيضا في مواضع من شرحه وان خالفه في مواضع أخر ـ لا يصلح للدلالة على الوجوب
، فان فعلهم (عليهمالسلام) أعم من ذلك ، نعم هو دليل على الرجحان في الجملة. وهو
ظاهر.
واما الاخبار
المذكورة فموردها غير محل البحث ، لان الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ان ما ذكرناه من هذه المواضع المشار إليها في صدر المسألة متغايرة لا يدخل بعضها
تحت بعض ، فان الظاهر من قولهم ـ : من نقص طوافه ، ثم عطفهم عليه من قطع طوافه
لدخول البيت ، وهكذا ـ ان كلا منها غير الآخر ، فالمراد ممن نقص طوافه انه فعل ذلك
لا لغرض من الأغراض ، بل اما ان يكون تعمد ترك بعض طوافه أو سها عنه أو جهله. وكذا
الأخبار المذكورة ، فإن الظاهر منها ايضا ذلك. وحينئذ فالاستدلال بهذه الأخبار
الواردة في قطع الطواف لدخول البيت أو لمرض أو نحو ذلك ليس في محله ، بل هذه مسائل
على حدة يأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى.
وأعجب من ذلك
ان المحقق الأردبيلي استدل على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة
بهذه الأخبار الواردة في قطع الطواف لدخول البيت ونحوها من الاخبار الواردة في
قطعه لعيادة المريض ونحو ذلك.
وبالجملة فإن
المسألة عندي محل إشكال ، فإني لا اعرف لهذا الحكم دليلا سوى الروايات التي تقدمت
، وهي قاصرة عن افادة
التفصيل الذي ذكروه.
بقي الكلام في
الرواية الثالثة حيث تضمنت ترك بعض طوافه وهو مجمل ، وقد أمر (عليهالسلام) بالبناء فيها ، والحمل على ما ذكر في تلك الرواية من
الشوط الواحد غير بعيد. إلا ان الظاهر ان مورد هذه الرواية خارج عن ما نحن فيه.
وسيأتي الكلام فيها ان شاء الله (تعالى) قريبا. والله العالم.
الثاني ـ في من
قطعه لدخول البيت فإنه يجب عليه ما تقدم من التفصيل بتجاوز النصف وعدمه. والاشكال
فيه كما في سابقه ، فاني لم أقف في الاخبار هنا ايضا على ما يدل على ذلك.
ومنها : صحيحة
الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من
البيت خلوة فدخله ، كيف يصنع؟ قال : يعيد طوافه ، وخالف السنة».
وصحيحة حفص بن
البختري عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في من كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال يستقبل طوافه».
وصحيحة ابن
مسكان قال : «حدثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط ثم وجد
خلوة من البيت فدخله قال : نقض طوافه وخالف السنة ، فليعد».
ورواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر البزنطي
__________________
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) مثله .
وموثقة عمران
الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط من الفريضة ثم وجد خلوة
من البيت فدخله. قال : يقضي طوافه ، وقد خالف السنة ، فليعد طوافه».
وهذه الروايات
ـ كما ترى ـ لا اشارة فيها فضلا عن التصريح للتفصيل الذي ذكروه ، بل ظاهر صحيحة
حفص بن البختري وجوب الإعادة متى قطعه لدخول البيت مطلقا. والى العمل بها مال في
المدارك فاختار بطلان الطواف بقطعه لدخول الكعبة مطلقا بلغ النصف أو لم يبلغ. وهو
جيد.
الثالث ـ في من
قطعه لحاجة ، والروايات في هذا الموضع مختلفة.
فمنها : صحيحة
أبان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة؟ فقال : ان كان طواف
نافلة بنى عليه ، وان كان طواف فريضة لم يبن عليه».
وروى ابن
بابويه في الصحيح عن صفوان الجمال قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف؟ فقال : يخرج معه في
حاجته ثم يرجع ويبني على طوافه».
__________________
وذكر ابن
بابويه ان في نوادر ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) انه قال «في الرجل يطوف فتعرض له الحاجة؟ قال : لا بأس
بأن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف. وإذا أراد ان يستريح في طوافه ويقعد
فلا بأس به. فإذا رجع بنى على طوافه وان كان أقل من النصف».
وروى الشيخ في
الصحيح عن النخعي وجميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) قال «في الرجل يطوف ثم تعرض له الحاجة؟ قال : لا بأس ان
يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف. وان أراد ان يستريح ويقعد فلا بأس بذلك.
فإذا رجع بنى على طوافه وان كان نافلة بنى على الشوط والشوطين. وان كان طواف فريضة
ثم خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه».
وروى الشيخ (قدسسره) في التهذيب عن ابان بن تغلب قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) في الطواف فجاءني رجل من إخواني فسألني ان امشي معه في
حاجة ، ففطن بي أبو عبد الله (عليهالسلام) فقال : يا ابان من هذا الرجل؟ قلت : رجل من مواليك
سألني ان اذهب معه في حاجته. فقال : يا ابان اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته
فاقضها له. فقلت : اني لم أتم طوافي. قال : أحص ما طفت وانطلق معه في حاجته. فقلت
: وان كان في فريضة قال : نعم وان كان في فريضة. قال : يا ابان وهل تدري ما ثواب
__________________
من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت : لا والله ما ادري. قال : تكتب له ستة
آلاف حسنة وتمحى عنه ستة آلاف سيئة وترفع له ستة آلاف درجة ـ قال : وروى إسحاق بن
عمار : وتقضى له ستة آلاف حاجة ـ ولقضاء حاجة مؤمن خير من طواف وطواف ، حتى عد
عشرة أسابيع. فقلت له : جعلت فداك أفريضة أم نافلة؟ فقال : يا أبان إنما يسأل الله
العباد عن الفرائض لا عن النوافل».
وروى في الكافي
عن سكين بن عمار عن رجل من أصحابنا يكنى أبا أحمد قال : «كنت مع ابي عبد
الله (عليهالسلام) في الطواف ـ ويده في يدي أو يدي في يده ـ إذ عرض لي
رجل له الي حاجة أومأت إليه بيدي فقلت له : كما أنت حتى افرغ من طوافي. فقال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما هذا؟ فقلت : أصلحك الله رجل جاءني في حاجة فقال
لي : أمسلم هو؟ قلت : نعم. فقال لي : اذهب معه في حاجته. فقلت له : أصلحك الله
فاقطع الطواف؟ قال : نعم. قلت : وان كنت في المفروض؟ قال : نعم وان كنت في
المفروض. قال : وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : من مشى مع أخيه المسلم في حاجة كتب الله له ألف ألف
حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة».
أقول : قد دلت
صحيحة أبان بن تغلب ومرسلة النخعي وجميل على انه يبني على الشوط والشوطين في طواف
النافلة ولا يبني في طواف الفريضة ، ورواية أبان بن تغلب ومرسلة سكين على جواز قطع
الطواف والبناء مطلقا. ويعضدهما إطلاق مرسلة ابن ابي عمير وصحيحة صفوان الجمال.
ووجه الجمع بينها يقتضي تخصيص إطلاق هذه الروايات
__________________
بالخبرين المذكورين ، بمعنى انه يبني في الفريضة متى قطع للحاجة إلا في ما
إذا قطع على شوط أو شوطين فإنه يعيد.
أقول : ومن
اخبار المسألة أيضا ما رواه في الكافي عن ابي عزة قال : «مر بي أبو عبد الله (عليهالسلام) وانا في الشوط الخامس من الطواف ، فقال لي : انطلق حتى
نعود ههنا رجلا. فقلت له : انما انا في خمسة أشواط فأتم أسبوعي. قال : اقطعه
واحفظه من حيث تقطع حتى تعود الى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه».
وما رواه في
التهذيب عن ابي الفرج قال : «طفت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) خمسة أشواط ، ثم قلت : اني أريد أن أعود مريضا. فقال :
احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتم طوافك».
والأمر في هذين
الخبرين سهل ، لأنهما ان حملا على الفريضة فلا إشكال في جواز البناء ، وان حملا
على النافلة فالحكم أظهر ، للاتفاق نصا وفتوى على جواز البناء على ما دون النصف.
وكيف كان فهذه
الاخبار على كثرتها لا تعرض فيها لما ذكروه من التفصيل بوجه ، ولو كان الحكم مبنيا
عليه لصرحوا به ولو بالإشارة إليه.
الرابع ـ في من
قطعه لمرض ، والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه الصورة ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا
__________________
ثم اشتكى أعاد الطواف ، يعني : الفريضة».
وعن إسحاق بن
عمار عن ابي الحسن (عليهالسلام) «في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف؟ فقال
: ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تم طوافه ، وان كان طاف
ثلاثة أشواط ولا يقدر على الطواف فان هذا من ما غلب الله عليه ، فلا بأس بأن يؤخر
الطواف يوما أو يومين ، فان خلته العلة عاد فطاف أسبوعا ، وان طالت علته أمر من
يطوف عنه أسبوعا ، ويصلي هو ركعتين ، ويسعى عنه ، وقد خرج من إحرامه. وكذلك يفعل
في السعي وفي رمي الجمار».
قال في المدارك
ـ بعد الاستدلال على ما ذكره المصنف من التفصيل برواية إسحاق بن عمار ، وان هذا
الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ ما صورته : ويتوجه على هذه
الرواية (أولا) الطعن من حيث السند بان من جملة رجالها اللؤلؤي ، ونقل الشيخ عن
ابن بابويه انه ضعفه. وان راويها وهو إسحاق بن عمار قيل انه فطحي. و (ثانيا) انها
معارضة بما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي. ثم ساق الرواية الاولى ، ثم قال :
والمسألة محل تردد ، ولعل الاستئناف مطلقا اولى. انتهى.
أقول : اما ما
طعن به من حيث الاسناد فقد تقدم الجواب عنه مرارا. واما من حيث المعارضة برواية
الحلبي فغاية ما يلزم ان رواية الحلبي هنا مطلقة بالنسبة إلى ترتب الإعادة على
الأشواط التي هي أعم
__________________
من تجاوز النصف وعدمه ، والواجب تقييد هذا الإطلاق برواية إسحاق بن عمار
وما دلت عليه من التفصيل. وحينئذ فهذان الخبران ظاهران في ما ذكره الأصحاب من
التفصيل. فلا إشكال في هذه الصورة.
الخامس ـ في من
قطعه لحدث ، ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن
أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه؟ قال :
يخرج فيتوضأ ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه ، وان كان أقل من النصف أعاد
الطواف». ورواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله. وهذا الخبر ايضا ظاهر في التفصيل المذكور فلا
اشكال.
وقال في كتاب
الفقه الرضوي بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف وانها تبنى بعد تجاوز
النصف لا قبله : وكذلك الرجل إذا أصابته علة وهو في الطواف لم يقدر على إتمامه خرج
وأعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه فان جاز نصفه فعليه ان يبنى على ما طاف. انتهى.
أقول : والمراد
من العلة بالنسبة الى الرجل هو ما تضمنه هذا الموضع وما قبله من المرض والحدث.
فالخبر المذكور دليل لهذين الموضعين. وفيه إشارة الى عدم البناء في غيرهما وإلا
لعده (عليهالسلام) في عدادهما كما لا يخفى.
__________________
السادس ـ لو
دخل في السعي فذكر أنه لم يتم طوافه ، فالمشهور انه ان تجاوز النصف رجع فأتم طوافه
ثم أتم سعيه. ولم أقف لهذا التفصيل في هذه المسألة على مستند.
وأطلق الشيخ (قدسسره) على ما نقل عنه ، والمحقق في النافع والعلامة في
المنتهى وجملة من كتبه إتمام الطواف من غير فرق بين تجاوز النصف وعدمه.
واستدلوا على
ذلك بموثقة إسحاق بن عمار المتقدمة في الموضع الأول ومقتضاها البناء مطلقا وان لم
يتجاوز النصف.
ومن ما يؤكد
ذلك ما اشتملت عليه زيادة على ما قدمناه منها حيث قال : «قلت : فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل ان يبدأ بالبيت؟
فقال : يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا والمروة. قلت : فما الفرق
بين هذين؟ قال : لان هذا قد دخل في شيء من الطواف وهذا لم يدخل في شيء منه». وهو
ظاهر ـ كما ترى ـ في انه يكفي في البناء الإتيان بشيء من الطواف. وهذا بحمد الله
سبحانه ظاهر. والله العالم.
تنبيه
المفهوم من
كلام شيخنا الشهيد في الدروس ان مبنى هذا التفصيل في هذه المواضع على وجوب
الموالاة في الطواف ، قال (قدسسره) في تعداد واجبات
__________________
الطواف : وحادي عشرها الموالاة فيه ، فلو قطعه في أثنائه ولما يطف أربعة
أشواط أعاد ، سواء كان لحدث أو خبث أو دخول البيت أو صلاة فريضة على الأصح أو
نافلة أو لحاجة له أو لغيره أم لا. اما النافلة فيبني فيها مطلقا ، وجوز الحلبي
البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة. وهو نادر كما ندر فتوى النافع بذلك ،
وإضافته الوتر. وانما يباح القطع لفريضة أو نافلة يخاف فوتها ، أو دخول البيت ، أو
ضرورة ، أو قضاء حاجة مؤمن. ثم إذا عاد بنى من موضع القطع. ولو شك فيه أخذ
بالاحتياط. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وفيه نظر من
وجوه : الأول ـ ان ما ادعاه من وجوب الموالاة لم نقف له على دليل إلا ما ذكره في
المدارك من التأسي ، وقد بينا ما فيه آنفا. وليس بعد ذلك إلا مجرد الشهرة بينهم ،
وإلا فالأخبار خالية منه بل صريحة في رده ، كما عرفت من إطلاق روايتي أبان بن تغلب
وسكين ابن عمار وصحيحة صفوان وغيرها من الروايات المتقدمة.
الثاني ـ ان ما
ذكره من التفصيل في هذه المواضع قد عرفت ان الاخبار في أكثرها لا تساعد عليه كما
أوضحناه ، والذي يدل منها على ذلك انما هو في صورتي القطع للمرض والحدث حسبما
بيناه.
الثالث ـ ان ما
ذكره ـ من عد الخبث في عداد هذه المذكورات وانه يجري فيه هذا التفصيل ـ من ما ترده
الأخبار الواردة في المسألة :
ومنها : ما
رواه الصدوق (قدسسره) عن حماد بن عثمان عن حبيب ابن مظاهر قال : «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا فإذا
إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت
__________________
الطواف. فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : بئسما صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت.
ثم قال : اما انه ليس عليك شيء».
وعن يونس بن
يعقوب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): رأيت في ثوبي شيئا من دم وانا أطوف؟ قال : فاعرف
الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك».
فالأولى صريحة
في وجوب البناء قبل النصف ، والثانية دالة على ذلك بإطلاقها.
الرابع ـ ان ما
عده من صلاة الفريضة وان هذا التفصيل يجري فيها من ما لا تساعده الأخبار ولا كلام
غيره من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
اما الأخبار
فمنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت الصلاة. قال : يصلي معهم
الفريضة فإذا فرغ بنى من حيث قطع».
وحسنة هشام عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة
فريضة. قال : يقطع طوافه ويصلي الفريضة ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه».
وصحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام)
__________________
قال : «سألته عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه فيطلع
الفجر ، فيخرج من الطواف الى الحجر أو الى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر ، ثم
يرجع الى مكانه فيتم طوافه ، افترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر وان أسفر بعض
الاسفار؟ قال : ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد».
وهذه الأخبار
كلها ـ كما ترى ـ مطلقة في جواز القطع للصلاة والبناء بعد الفراغ أعم من ان يكون
قبل النصف أو بعده ، والخبران الأولان صريحان في الطواف الواجب ، والثالث دال على
ذلك بإطلاقه. وبذلك يظهر ان ما نقله عن الحلبي من البناء على شوط إذا قطعه لصلاة
الفريضة لا بعد فيه ، لدلالة إطلاق هذه الأخبار عليه.
واما كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) فقد اعترف بتصريح المحقق في النافع بذلك وان نسبه الى
الندرة ، حيث صرح بجواز القطع للفريضة والبناء وان لم يبلغ النصف. وهذا هو ظاهر
كلام العلامة في المنتهى ، حيث قال : ولو دخل عليه وقت فريضة وهو يطوف قطع الطواف
وابتدأ بالفريضة ثم عاد فيتم طوافه من حيث قطع. وهو قول العلماء الا مالكا فإنه
قال يمضي في طوافه من حيث قطع. وهو قول العلماء الا مالكا فإنه قال يمضي في طوافه
ولا يقطعه الا ان يخاف ان يضر بوقت الصلاة انتهى. وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في التعميم ، فإن إطلاق
كلامه يقتضي عدم الفرق بين تجاوز النصف وعدمه. ونحوه كلامه في غيره وغيره في غيره.
الخامس ـ ان ما
طعن به على المحقق ـ في إضافة الوتر إلى الصلاة الواجبة وانه يقطع لأجلها الطواف
ونسبته له إلى الندرة ـ مردود بما قدمناه من دلالة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على
ذلك ، فالرد لهذا القول رد
__________________
للرواية ، مع انها لا معارض لها. وهو من ما لا يقول به محصل.
السادس ـ ان ما
ذكره ـ من انه انما يباح القطع «يعني : بعد النصف» للفريضة أو نافلة يخاف فوتها أو
دخول البيت. الى آخره ـ مدخول بأن الأخبار الواردة في جميع هذه الصورة لا دلالة
لها على التفصيل الذي ادعاه سوى أخبار صورتي المرض والحدث ، بل ظاهر صحيحة حفص بن
البختري كما عرفت آنفا تحريم القطع لدخول البيت مطلقا وان كان بعد النصف. وبالجملة فإن
كلامه (قدسسره) في هذا المقام لا ينطبق على ما نقلناه من اخبارهم (عليهمالسلام) بل هي ظاهرة في رده كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
فوائد : الأولى
ـ قال في المدارك ـ في شرح قول المصنف (قدسسره) : السادسة من نقص من طوافه ، فان جاوز النصف رجع فأتم ،
وان كان دون ذلك استأنف ـ ما لفظه : لا يخفى ان النقص المقتضى لوجوب الاستيناف
انما يتحقق مع فوات الموالاة والا وجب الإتمام قولا واحدا. انتهى.
أقول : فيه (أولا)
ان هذه الموالاة المدعاة في كلامهم لم يقم عليها دليل بل الأخبار ـ كما أشرنا إليه
آنفا ـ ظاهرة في عدم وجوبها. و (ثانيا) ان اخبار هذه المسألة وهي المتقدمة في
الموضع الأول ، منها ما هو مطلق كصحيحة الحسن بن عطية وصحيحة الحلبي ، وتقييدهما
يحتاج الى دليل ، ومنها ما هو صريح في عدم وجوب الموالاة وهي موثقة إسحاق بن عمار
الدالة على أن من طاف بالبيت ثم خرج الى الصفا والمروة وطاف بهما ثم ذكر نقصان
طوافه فإنه لا ريب في فوات الموالاة بهذه المدة ، مع انه (عليهالسلام) امره بالبناء على ما طافه ولم يأمره بالاستئناف.
الثانية ـ قال
ايضا : وذكر الشارح وغيره ان المراد بمجاوزة النصف
__________________
إتمام الأربع لا مطلق المجاوزة. وما وقفت عليه في هذه المسألة من النص خال
من هذا اللفظ فضلا عن تفسيره. انتهى.
أقول : لا يخفى
انه لم يرد التفصيل الذي ذكروه بالمجاوزة وعدمها إلا في رواية إسحاق بن عمار
المتقدمة في الموضع الرابع ، ومرسلة ابن ابي عمير المتقدمة في الموضع الخامس ،
والاولى دلت على صحة الطواف إذا طاف أربعة وانه يأمر من يطوف عنه ثلاثة ، والثانية
دلت على انه ان كان جاز النصف يبنى على طوافه ، وان كان أقل من النصف أعاد الطواف.
والجمع بين
الخبرين يقتضي حمل الجواز عن النصف على إتمام الأربعة كما تضمنه الخبر الأول.
فالحكم بصحة الطواف مع إتمام الأربعة لا ريب فيه ، وان كان أقل من ذلك فله مراتب :
أحدها ـ ان يكون على النصف الحقيقي ، الثانية ـ ان ينقص عنه ، الثالثة ـ ان يزيد
على وجه لا يتم شوطا والخبر انما دل على الإعادة في الثانية ، وحكم المرتبتين
الباقيتين غير معلوم من الخبر والاحتياط يقتضي الإعادة وعدم البناء فيهما وتخصيص
البناء بإكمال الأربعة.
الثالثة ـ ظاهر
الاخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجب حفظ الموضع الذي يقطع منه في الصورة
التي يجوز القطع فيها ليكمل منه بعد العود. والظاهر ان الوجه في المحافظة عليه خوف
الزيادة والنقصان في الطواف.
وجوز العلامة
في المنتهى البناء على الطواف السابق من الحجر وان وقع القطع في أثناء الشوط ، بل
جعل ذلك أحوط من البناء من موضع القطع قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو صريح
في عدم تأثير مثل هذه الزيادة. ولا بأس به. انتهى.
أقول : لا اعرف
لنفيه البأس عن ذلك وجها مع تكاثر النصوص بالأمر
بالبناء من موضع القطع وعدم وجود ما يعارضها في المقام ، فمن ذلك ما تقدم
في الموضع الثالث من الروايات الدالة على انه يبنى على طوافه. وأصرح منها
رواية أبي غرة وقوله فيها : «واحفظه من حيث تقطع حتى تعود الى الموضع
الذي قطعت منه فتبني عليه». ورواية أبي الفرج ، وقوله فيها : «احفظ مكانك ثم اذهب
فعده ثم ارجع فأتم طوافك». ورواية يونس بن يعقوب ، وقوله فيها : «فاعرف الموضع ثم
اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك». والخروج عن مقتضى هذه الأوامر من غير دليل
شرعي مشكل. وبذلك يظهر ان ما ذكره من ان الاحتياط في الإعادة من الحجر انما هو ضد
الاحتياط. والله العالم.
المسألة
الثامنة ـ لو شك في عدد الطواف فههنا صور : الاولى ـ أن يشك في عدده بعد الانصراف
منه. والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لا يلتفت. ويدل
عليه مضافا الى الأصل عموم قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة : «إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره
فشكك ليس بشيء».
الثانية ـ ان
يكون في الأثناء ويكون الشك في الزيادة. والظاهر انه لا خلاف في انه يقطع طوافه
ولا شيء عليه. وعلله في المنتهى بأنه متيقن الإتيان بالسبع ويشك في الزائد والأصل
عدمه. انتهى.
والأظهر
الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
__________________
بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية. فقال : اما السبعة فقد
استيقن وانما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين».
وعن الحلبي في
الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : رجل طاف فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية؟
قال : يصلي ركعتين».
وما نقله ابن
إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر احمد بن محمد ابن ابي نصر البزنطي عن جميل «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف فلم يدر سبعا طاف أم ثمانيا. قال : يصلي
ركعتين».
قال في المسالك
: انما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على منتهى الشوط واما لو كان في أثنائه بطل
طوافه ، لتردده بين محذورين : الإكمال المحتمل للزيادة عمدا والقطع المحتمل
للنقيصة.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنه : ويتوجه عليه منع احتمال تأثير الزيادة كما سيجيء في مسألة الشك
في النقصان. انتهى.
أقول : مورد
روايات المسألة هو وقوع الشك بعد إتمام الشوط المشكوك في كونه ثامنا أو سابعا ،
وانه يبنى على السبعة ولا يلتفت الى الشك ، اما لو كان في الأثناء قبل الإتمام
فيحتمل ان يكون الحكم فيه ما ذكره في المسالك من بطلان الطواف ، لما ذكره ، ويحتمل
الإتمام والبناء على السبعة كما ذكره في المدارك ليحصل يقين السبعة. وما ذكره من
منع تأثير احتمال الزيادة ـ كما سيجيء في الشك في النقصان ـ انما يتم بناء على ما
اختاره في المسألة المذكورة من البناء على الأقل والإتمام. وسيظهر لك ـ ان شاء
الله تعالى ـ انه لا دليل عليه ، بل الأدلة واضحة في رد وضعفه مصرحة بوجوب
__________________
الإعادة في الصورة المشار إليها. وبه يظهر قوة ما ذكره جده (قدسسره) فان الظاهر انه لا وجه للحكم بالإبطال في صورة الشك في
النقيصة دون الإتمام إلا من حيث احتمال الزيادة الموجبة للبطلان ، ومقتضى قوله (عليهالسلام) في صحيحة الحلبي ـ : «اما السبعة فقد استيقن وانما وقع
وهمه على الثامن» ـ انه لو قطع قبل إتمام الشوط المشكوك فيه لم يحصل يقين السبعة ،
لاحتمال ان يكون هو السابع.
الثالثة ـ ان
يكون الشك في الأثناء أيضا ولكن في النقصان. والمشهور انه يستأنف في الفريضة.
قال في المختلف
: اختلف الشيخان في حكم الشك في نقصان الطواف فقال الشيخ (قدسسره) : لو شك في طواف الفريضة هل طاف ستة أو سبعة؟ فإن
انصرف لم يلتفت ، وان كان في حال الطواف وجب عليه الإعادة. وكذلك لو شك في ما نقص
عن الستة. وقال المفيد (قدسسره) من طاف بالبيت فلم يدر ستا طاف أم سبعا فليطف طوافا
آخر ليستيقن انه طاف سبعا. واختار الأول ابن البراج ، وبه قال الصدوق (قدسسره) في كتاب المقنع ومن لا يحضره الفقيه وابن إدريس ،
وبالثاني قال الشيخ علي بن بابويه في رسالته وأبو الصلاح ، وهو قول ابن الجنيد
أيضا ، فإنه قال : وإذا شك في إتمام طوافه تممه حتى يخرج منه على يقين ، وسواء كان
شكه في شوط أو بعضه ، وان تجاوز الطواف إلى الصلاة والى السعي ثم شك فلا شيء عليه
، وان كان في طواف الفريضة كان الاحتياط خروجه منه على يقين من غير زيادة ولا
نقصان ، وان كان في النافلة بنى على الأقل. ثم قال (قدسسره) في
المختلف : والمعتمد الأول ، ثم ساق الكلام في الاستدلال عليه.
أقول :
والمعتمد عندي هو القول للأول ، والسيد السند في المدارك قد اختار القول الثاني ،
وهو مذهب الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين بن بابويه ونحن ننقل كلامه (قدسسره) ونبين ما فيه ، ومنه يظهر لك رجحان ما رجحناه وقوة ما
اخترناه.
قال (قدسسره) بعد نقل القول الثاني عن الجماعة المشار إليهم في كتاب
المختلف : وهو المعتمد ، لنا : الأصل ، وما رواه الكليني (قدسسره) في الصحيح عن منصور بن حازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة. قال
: فليعد طوافه. قلت : ففاته؟ فقال : ما ارى عليه شيئا. والإعادة أحب الي وأفضل». وما
رواه الشيخ في الصحيح ايضا عن منصور بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : اني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر.
فقال : هلا استأنفت؟ قلت : قد طفت وذهبت قال : ليس عليك شيء». وما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال «في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة. قال : يبنى
على يقينه». والبناء على اليقين هو البناء على الأقل. احتج الشيخ (قدسسره) بما
__________________
رواه عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أستة طاف أو سبعة طواف
فريضة. قال : فليعد طوافه. قيل : انه قد خرج وفاته ذلك؟ قال : ليس عليه شيء». وعن
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل لم يدر أستة طاف أو سبعة. قال : يستقبل». وعن حنان بن سدير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ما تقول في رجل طاف فأوهم ، فقال : اني طفت أربعة
وقال : طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام): اي الطوافين طواف نافلة أم طواف فريضة؟ ثم قال : ان
كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف ، وان كان طواف نافلة واستيقن الثلاث
وهو في شك من الرابع انه طاف فليبن على الثالث فإنه يجوز له». والجواب عن هذه
الروايات : (أولا) بالطعن في السند ، بان في طريق الأولى عبد الرحمن بن سيابة وهو
مجهول ، وفي طريق الثانية النخعي وهو مشترك وراوي الثالثة وهو حنان بن سدير قال
الشيخ (قدسسره) انه واقفي. (وثانيا) بإمكان الحمل على الاستحباب كما
يدل عليه قوله في صحيحة منصور : «والإعادة أحب الى وأفضل» وكيف كان فينبغي القطع
بعدم وجوب العود لاستدراك الطواف مع عدم الاستئناف كما تضمنته الأخبار المستفيضة.
انتهى كلامه (زيد مقامه).
وفيه نظر من
وجوه : الأول ـ ان ما استدل به من صحيحة منصور فهي بالدلالة على القول الأول أشبه
، إذ أقصى ما تدل عليه انه لا شيء عليه بعد
__________________
الذهاب. وهذا من ما لا نزاع فيه كما أشار إليه في آخر كلامه من قوله : «وكيف
كان فينبغي القطع بعدم وجوب العود. الى آخره» ومحل الخلاف انما هو مع الحضور هل
يجب عليه الاستئناف كما هو القول الأول أو البناء على الأقل كما اختاره؟ والامام (عليهالسلام) في هذه الرواية لما أخبره الراوي بأنه طاف طوافا آخر
أنكر عليه بقوله : «هلا استأنفت» يعني : ان الحكم الشرعي في هذه الصورة هو
الاستئناف ، غاية الأمر انه لما أخبره بأنه طاف وذهب وفات محل الاستئناف قال : «ليس
عليك شيء». وقد عرفت انه مع الذهاب لا نزاع في المسألة ، فقوله : «ليس عليك شيء»
لا دلالة فيه على ما ادعاه كما هو واضح. ومن ثم استدل العلامة (قدسسره) في المنتهى بهذه الصحيحة على القول المشهور. وهو الحق
الواضح الظهور كما أوضحناه وبيناه بما لا يشوبه شائبة القصور.
الثاني ـ ان ما
استدل به من صحيحة رفاعة فإن فيه ان صورة ما في كتاب من لا يحضره الفقيه هكذا : وروى عنه رفاعة انه قال : «في رجل لا يدرى ستة
طاف أو سبعة. قال : يبنى على يقينه. وسئل عن رجل لا يدرى ثلاثة طاف أو أربعة. قال
: طواف نافلة أو فريضة؟ قال : أجبني فيهما جميعا. قال : ان كان طواف نافلة فابن
على ما شئت ، وان كان طواف فريضة فأعد الطواف ، فان طفت بالبيت طواف الفريضة ولم
تدر ستة طفت أو سبعة فأعد طوافك. فان خرجت وفاتك ذلك فليس عليك شيء». والمحدث
الكاشاني في الوافي قد أورد هذه الجملة كما نقلناه ، وقال بعد ذلك : بيان : قوله :
«يبنى على يقينه» محمول على طواف النافلة كما يظهر من آخر الحديث. وظاهره ان
الجميع حديث واحد رواه رفاعة. وصاحب
__________________
الوسائل أورده كذلك ايضا الى قوله : «وان كان طواف فريضة فأعد الطواف» ولم
يذكر ما بعده. والظاهر انه فهم ان هذه الزيادة من كلام الصدوق (قدسسره) وذكر انه في المقنع روى قوله : «وسئل عن رجل. الى أخر
ما ذكره» مرسلا. والظاهر انه لأجل ذلك حكم بكون هذه الزيادة من كلامه لا من الخبر.
وظاهره ان قوله : «وسئل.» غير داخل في خبر رفاعة. والشيخ الحسن في المنتقى نقل
حديث رفاعة حسبما نقله السيد هنا وقال بعده : قلت : وجه الجمع بين هذا الحديث
والذي قبله ان يحمل هذا على إرادة النافلة كما وقع التصريح به في جملة من الاخبار
الضعيفة. انتهى. وكيف كان فالواجب حمل هذا الخبر على ما ذكروه من النافلة كما
سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
الثالث ـ ما
طعن به على رواية محمد بن مسلم ـ بان في طريقها عبد الرحمن ابن سيابة وهو مجهول ـ فالجواب
عنه ما افاده الشيخ حسن (قدسسره) في كتاب المنتقى حيث قال بعد ذكر الخبر المذكور : هذا
هو الموضع الذي ذكرناه في مقدمة الكتاب انه اتفق فيه تفسير عبد الرحمن بابن سيابة
، ولا يرتاب الممارس في انه من الأغلاط الفاحشة وانما هو ابن ابي نجران لان ابن
سيابة من رجال الصادق (عليهالسلام) فقط ، إذ لم يذكر في أصحاب أحد ممن بعده ولا توجد له
رواية عن غيره ، وموسى بن القاسم من أصحاب الرضا والجواد (عليهماالسلام) فكيف يتصور روايته عنه ، واما عبد الرحمن بن ابي نجران
فهو من رجال الرضا والجواد (عليهماالسلام) ورواية موسى بن القاسم عنه معروفة مبينة في عدة مواضع
، وروايته هو عن حماد بن عيسى شائعة وقد مضى منها اسناد عن قريب. وبالجملة فهذا
عند المستحضر من أهل الممارسة غني عن البيان. انتهى. والمحقق المذكور
عد الرواية في (صحي) وهو الصحيح عنده. هذا مع الإغماض عن المناقشة في هذا
الطعن ، لما عرفت في غير موضع من ما تقدم. وبالجملة فالخبر المذكور صحيح صريح في
المراد.
الرابع ـ ما
طعن به في رواية معاوية بن عمار فإنه مع تسليم ما جرى عليه من هذا الاصطلاح فهذا
الخبر وان رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب بهذا السند الذي فيه النخعي الا ان ثقة الإسلام رواه عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن حماد عن الحلبي عنه (عليهالسلام) وهذا السند وان كان حسنا بإبراهيم بن هاشم الا انه ذكر
في غير موضع من شرحه انه لا يقصر عن الصحيح ، فقال في شرح قول المصنف في قطع
الطواف لدخول البيت بعد نقل حسنة أبان بإبراهيم : فان دخولها في قسم الحسن بواسطة
إبراهيم بن هاشم ، وقد عرفت ان روايته لا تقصر عن الصحيح كما بيناه مرارا. انتهى.
أقول : وقد خالفه ايضا مرارا كما أوضحناه في شرحنا على الكتاب من كتاب الطهارة
والصلاة وحينئذ فتكون الرواية لما ذكره هنا معتمدة حسنة كالصحيح عنده ، فيجب العمل
بها وينتفي تطرق الطعن إليها.
الخامس ـ ان ما
ادعاه ـ بعد طعنه في الاخبار المذكورة ـ من حملها على الاستحباب ففيه :
(أولا) : ما
قدمنا في غير موضع من انه وان اشتهر هذا الجمع بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) الا
انه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب. وقد تقدم الكلام في ذلك موضحا منقحا بما يغني
عن الإعادة في الباب.
__________________
و (ثانيا) :
انك قد عرفت بما حققناه وتبينت بما أوضحناه انه لا دليل على ما ادعاه من القول
المذكور بالكلية ليحتاج إلى تأويل هذه الاخبار ، فإنه ليس إلا صحيحة رفاعة المجملة
، والجمع بينها وبين هذه الاخبار الصحاح الصراح في وجوب الإعادة يقتضي حملها على
النافلة كما عرفت وتعرف.
السادس ـ ان من
الاخبار الدالة على القول المشهور زيادة على ما تقدم ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح
عن منصور بن حازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أستة طاف أم سبعة.
قال : فليعد طوافه. قلت : ففاته؟ قال : ما ارى عليه شيئا والإعادة أحب الي وأفضل».
وما توهمه في
المدارك وقدمنا نقله عنه ـ من دلالة هذه الرواية على استحباب الإعادة حيث جعلها
مستندا لحمله الأخبار المتقدمة على الاستحباب ـ ضعيف ، لأن الإعادة التي جعلها (عليهالسلام) أحب وأفضل انما هي بعد المفارقة ان امكنه ذلك لا
الإعادة مع الحضور ، فإنه (عليهالسلام) بعد سؤال السائل أوجب عليه الإعادة ، فلما أخبر السائل
بأنه فاته ذلك يعني بمفارقة ذلك المكان قال : «ما ارى عليه شيئا» وهذا مثل غيره من
اخبار المسألة الدالة على انه مع المفارقة لا يجب عليه العود والإعادة ، الا انه
في هذا الخبر جعل الإعادة مع الإمكان أفضل.
وما رواه أيضا
في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سالته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر
ستة طاف أم سبعة. قال :
__________________
يستقبل قلت : ففاته ذلك؟ قال : ليس عليه شيء».
وعن ابي بصير قال : «قلت : رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة
طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال يعيد طوافه حتى يحفظ. الحديث».
وعن ابي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك في طواف الفريضة. قال : يعيد كلما شك. قلت :
جعلت فداك شك في طواف النافلة؟ قال : «يبنى على الأقل».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في التهذيب عن احمد بن عمر المرهبي عن ابي الحسن الثاني (عليهالسلام) قال : «قلت : رجل شك في طوافه فلم يدر أستة طاف أم
سبعة؟ قال : ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه ، وان كان في نافلة بنى على ما هو
أقل».
وبالجملة فإنه
لا دليل لهذا القول الثاني في الاخبار التي وصلت إلينا الا انه مذكور في كتاب
الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام): «وان شككت فلم تدر سبعة طفت أم ثمانية وأنت في الطواف
فابن على السبعة وأسقط واحدا واقطعه ، وان لم تدر ستة طفت أم سبعة فأتمها بواحدة».
وهو ظاهر الدلالة على القول المذكور.
وهذا هو مستند
الشيخ علي بن بابويه كما عرفت من ما تقدم في غير موضع ، ولو نقلت عبارته في
الرسالة لعرفت انها عين عبارة الكتاب المذكور.
هذا كله في
الشك في الفريضة ، واما في النافلة فإنه يبنى على الأقل
__________________
استحبابا وان تخير ، كما يدل عليه الخبر المتقدم نقله عن الصدوق (قدسسره) في من لا يحضره الفقيه عن رفاعة كما هو أحد الاحتمالين
المتقدمين ، أو هو خبر مرسل مستقل كما هو الاحتمال الآخر. ونحوه من الاخبار
المتقدمة.
المسألة
التاسعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه انه إذا حاضت المرأة
في أثناء الطواف قطعته وانصرفت ، فان كان ما طافته أكثر من النصف بنت عليه متى
طهرت ، وان كان أقل استأنفت. واليه ذهب الشيخان والشيخ علي بن بابويه ، ولابنه
قولان : هذا أحدهما ذكره في المقنع ثم قال فيه وروى : انه ان كانت طافت ثلاثة أشواط أو أقل ثم رأت
الدم حفظت مكانها ، فإذا طهرت طافت منه وأعدت بما مضى. والثاني في كتاب من لا
يحضره الفقيه قال : وروى حريز عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد
الله (عليهالسلام) عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما
قال : تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى». وروى العلاء عن محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله. قال : وبهذا الحديث افتى دون الحديث الذي رواه
ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن من سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت. قال :
تتم طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامة ، ولها ان تطوف بين الصفا والمروة لأنها
زادت على النصف ، وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج ، وان هي لم
__________________
تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج
إلى الجعرانة أو الى التنعيم فلتعتمر. قال : لأن هذا الحديث إسناده منقطع والحديث
الأول رخصة ورحمة وإسناده متصل. انتهى.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة زيادة على هذين الخبرين ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين
الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها
من الموضع الذي علمته ، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف
الطواف من اوله».
وعن احمد بن
عمر الحلال عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «سالته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت. قال :
إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك
الموضع الذي بلغت ، فإذا قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من
اوله».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج
قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت.
قال : تتم طوافها فليس عليها غيره ومتعتها تامة ، فلها ان تطوف بين الصفا والمروة
، وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحج».
__________________
وقال في كتاب
الفقه : ومتى حاضت المرأة في الطواف خرجت من المسجد فان كانت طافت ثلاثة أشواط
فعليها ان تعيد ، وان كانت طافت أربعة أقامت على مكانها ، فإذا طهرت بنت وقضت ما بقي
عليها. ولا تجوز على المسجد حتى تتيمم وتخرج منه. وكذلك الرجل إذا أصابته علة وهو
في الطواف لم يقدر على إتمامه ، خرج وأعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه ، فان
جاوز نصفه فعليه ان يبنى على ما طاف. انتهى.
أقول : وهذه
الاخبار كلها ـ ما عدا صحيحة محمد بن مسلم التي استند إليها الصدوق ـ صريحة
الدلالة واضحة المقالة في ان البناء انما هو بعد تجاوز النصف ، والشيخ (قدسسره) حمل صحيحة محمد بن مسلم على طواف النافلة جمعا بين
الاخبار. وهو جيد. وما استند اليه الصدوق (قدسسره) ـ من ان حديث إبراهيم بن إسحاق الذي ذكره إسناده منقطع
ـ مردود بان الشيخ كما ذكرناه رواه متصلا وبين الواسطة وهي سعيد الأعرج ، فزال به
الانقطاع الذي طعن به. وبالجملة فإن ما ذهب اليه (قدسسره) ضعيف ، للزوم طرح هذه الاخبار لو عملنا بخبره ، ومتى
عملنا بهذه الاخبار فالوجه في خبره ما ذكره الشيخ (قدسسره).
أقول : ومن ما
يؤيد أخبار القول المشهور ايضا ما رواه في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن
ابن مسكان عن إسحاق بياع اللؤلؤ عن من سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : «المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط
ثم رأت الدم فمتعتها تامة» وزاد في التهذيب : «وتقضى
__________________
ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وتخرج إلى منى قبل ان تطوف
الطواف الآخر».
أقول : الظاهر
ان المراد بالطواف الآخر قضاء ما بقي من الطواف الذي قطعته بعد الخروج إلى منى متى
كان الحيض باقيا. وقد تقدم لنا تحقيق زائد على ما ذكرناه في هذه المسألة في أبحاث
المقدمة الرابعة فليراجع.
المسألة
العاشرة ـ قال الشيخ (قدسسره) في النهاية : لا يجوز للرجل ان يطوف وعليه برطلة. وقال
في التهذيب : يكره للرجل ان يطوف وعليه برطلة وقال ابن إدريس انه مكروه في طواف
الحج محرم في طواف العمرة ، والى هذا القول مال أكثر المتأخرين ، قالوا : لأنه في
طواف العمرة قد غطى رأسه وهو محرم ، وفي طواف الحج لا مانع من تغطيته فلا موجب
للتحريم. والبرطلة على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) بضم الباء الموحدة
وإسكان الراء وضم الطاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة : قلنسوة طويلة كانت تلبس
قديما. وفي كتاب مجمع البحرين : البرطلة بالضم : قلنسوة ، وربما تشدد. وفيه دلالة
على ورودها بالتخفيف ايضا.
والأصل في هذه
المسألة ما رواه في الكافي عن زياد بن يحيى الحنظلي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة».
وعن يزيد بن
خليفة قال : رءاني أبو عبد الله (عليهالسلام) أطوف حول الكعبة وعلي برطلة ، فقال لي بعد ذلك : قد
رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة ، لا تلبسها حول الكعبة فإنها من زي اليهود». ورواه
الصدوق
__________________
(قدسسره) أيضا .
أقول : أما ما
ذكره ابن إدريس (قدسسره) من التحريم في طواف العمرة للعلة التي ذكروها فهي لا
تختص بالبرطلة ، والنهي عن لبسها قد ظهر وجهه من هذا الخبر الأخير. وهو مشعر
بالكراهة. وظاهر الخبر المذكور كراهة لبسها مطلقا ، حيث علل ذلك بكونها من زي
اليهود. وأظهر منه صحيحة هشام بن الحكم أو حسنته المروية في الكافي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه كره لباس البرطلة».
المسألة
الحادية عشرة ـ المريض لا يسقط عنه الطواف بل يطاف به ان أمكن والا طيف عنه.
ويدل على الحكم
الأول ما رواه في الكافي عن الربيع بن خيثم قال : «شهدت أبا عبد الله (عليهالسلام) وهو يطاف به حول الكعبة في محمل وهو شديد المرض ، فكان
كلما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه على الأرض فأدخل يده في كوة المحمل حتى يجرها
على الأرض ، ثم يقول : ارفعوني. فلما فعل ذلك مرارا في كل شوط قلت له : جعلت فداك
يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان هذا يشق عليك. فقال : اني سمعت الله (عزوجل) يقول (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) فقلت : منافع
__________________
الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال : الكل».
وروى في من لا
يحضره الفقيه عن ابي بصير «ان أبا عبد الله (عليهالسلام) مرض فأمر غلمانه ان يحملوه ويطوفوا به ، فأمرهم أن
يخطوا برجله الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف».
وروى في
التهذيب في الصحيح عن صفوان بن يحيى قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل المريض يقدم مكة ، فلا يستطيع ان يطوف بالبيت
ولا يأتي بين الصفا والمروة. قال : يطاف به محمولا يخطو الأرض برجليه حتى تمس
الأرض قدميه في الطواف ، ثم يوقف به في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا».
وعن حريز في
الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه؟ قال : فقال :
نعم إذا كان لا يستطيع».
ويدل على الحكم
الثاني ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما».
وفي الصحيح عن
حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه».
وفي الصحيح عن
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما الجمار».
وعن حبيب
الخثعمي في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان يطاف عن المبطون والكسير».
وعن يونس بن
عبد الرحمن البجليّ قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) ـ أو كتبت اليه ـ عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا
يستمسك بطنه أطوف عنه وأسعى؟ قال : لا ولكن دعه فإن بريء قضى هو وإلا فاقض أنت
عنه».
وبالجملة
فالطواف عنه دائر مدار عدم إمكان الطواف به بعد التربص لبرؤه ان لم يضق الوقت عن
ذلك ، وعدم إمكان الطواف به اما لكونه لا يستمسك طهارته أو كونه مغلوبا عليه أو
نحو ذلك.
ولا يجوز
الطواف عن الغير بغير علة مع حضوره. ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن إسماعيل بن عبد الخالق قال : «كنت
الى جنب ابي عبد الله (عليهالسلام) وعنده ابنه عبد الله وابنه الذي يليه ، فقال له رجل :
أصلحك الله يطوف الرجل عن الرجل وهو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال : لا لو كان ذلك
يجوز لأمرت ابني فلانا فطاف عني. سمى الأصغر وهما يسمعان».
المسألة
الثانية عشرة ـ قال الشيخ (قدسسره) : من نذر ان يطوف على اربع كان عليه ان يطوف طوافين :
أسبوعا ليديه وأسبوعا لرجليه. وقال ابن إدريس : لا ينعقد هذا النذر. وقال في
الشرائع بعد نقل القولين
__________________
المذكورين وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل.
وقال في المنتهى : الذي ينبغي الاعتماد عليه بطلان النذر في حق الرجل والتوقف في
حق المرأة ، فإن صح سند الخبرين قيل بموجبهما والا بطل كالرجل.
احتج الشيخ (قدسسره) بما رواه عن السكوني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) في امرأة نذرت ان تطوف على اربع. قال : تطوف أسبوعا
ليديها وأسبوعا لرجليها».
وعن ابي الجهم
عن ابي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) انه قال «في امرأة نذرت ان تطوف على اربع. قال : تطوف
أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها».
احتج ابن إدريس
ومن اقتفاه من المتأخرين بأن النذر المذكور غير منعقد لكونه غير مشروع ، ومن شرط
انعقاد النذر ان يكون مشروعا قبل النذر ، وبموجب ذلك يجب الحكم ببطلانه والمتأخرون
العاملون بهذا الاصطلاح المحدث ، لما كان النذر كما ذكره ابن إدريس والخبران
ضعيفان باصطلاحهم ـ فلا يصلحان لتخصيص القاعدة المذكورة ـ اطرحوهما. واما من لا
يرى العمل بالاصطلاح المذكور فإنه يخصص القاعدة المذكورة بهما وهو المختار ، كما
خصصت بالإحرام قبل الميقات لمن نذره ، للأخبار الواردة
__________________
بذلك فكذا هنا للخبرين المذكورين. نعم تلك الأخبار الواردة
بالإحرام قبل الميقات فيها ما هو صحيح باصطلاحهم دون هذه ، ولذا قال بذلك الأكثر
منهم ، وابن إدريس أيضا ثمة كما تقدم ذكره في موضعه.
قال في الدروس
: لو عجز إلا عن المشي على الأربع فالأشبه فعله ، ويمكن ترجيح الركوب لثبوت التعبد
به اختيارا ، قال في المدارك بعد نقله عنه : ولا ريب في ترجيح الركوب وان لم يثبت
التعبد به اختيارا ، لتعينه في حق المعذور قطعا.
أقول : ما ذكره
جيد ، الا انه يحتمل بناء على العمل بالروايتين المذكورتين الاجتزاء بالطواف على
اربع ، لدلالتهما على انعقاد نذره ، غاية الأمر انه مع القدرة على المشي أوجب عليه
طوافين ماشيا : أحدهما ليديه والآخر لرجليه ، ففيهما دلالة على مشروعية الطواف على
اربع مع تعذر المشي في الجملة. والاحتياط في الجمع بين الطواف على اربع والطواف
راكبا. والله العالم.
المسألة
الثالثة عشرة ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو حمل محرم محرما فطاف به ونوى كل
منهما الطواف أجزأ.
وعلى ذلك تدل جملة
من الأخبار : منها : ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن والشيخ في التهذيب في
الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به ، هل يجزئ ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال : نعم».
__________________
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : اني حملت امرأتي ثم طفت بها وكانت
مريضة ، وقلت له : اني طفت بها بالبيت في طواف الفريضة وبالصفا والمروة واحتسبت
بذلك لنفسي فهل يجزئني؟ قال : نعم».
وعن محمد بن
الهيثم التميمي عن أبيه قال : «حججت بامرأتي وكانت قد أقعدت بضع عشرة سنة ، قال
: فلما كان في الليل وضعتها في شق محمل وحملتها انا بجانب المحمل والخادم بالجانب
الآخر ، قال : فطفت بها طواف الفريضة وبين الصفا والمروة ، واعتددت به انا لنفسي ،
ثم لقيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فوصفت له ما صنعته ، فقال : قد أجزأ عنك».
وما رواه في
الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن هيثم التميمي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل كانت معه صاحبة لا تستطيع القيام على رجلها
فحملها زوجها في محمل فطاف بها طواف الفريضة بالبيت وبالصفا والمروة ، أيجزئه ذلك
الطواف عن نفسه طوافه بها؟ فقال : ايها الله إذا».
قال في الوافي
بعد نقل هذا الخبر : هذه الكلمة وجدت في الكافي والفقيه بهذه الصورة ، ولعل الصواب
في كتابتها «اي ها الله ذا» والمراد : نعم والله يجزئه هذا. قال في الصحاح : «ها»
للتنبيه وقد يقسم بها كما يقال : «لا ها الله ما فعلت» معناه «لا والله» أبدلت
الهاء من الواو ، وان شئت حذفت الألف التي بعد الهاء وان شئت أثبت ، وقولهم : «لا
ها الله ذا» أصله
__________________
«لا والله هذا» ففرقت بين «ها» و «ذا» وجعلت الاسم بينهما وجررته بحرف
التنبيه ، والتقدير «لا والله ما فعلت هذا» فحذف واختصر لكثرة استعمالهم هذا في
كلامهم ، وقدم «ها» كما قدم في قولهم «ها هو ذا وها انا ذا» وقال الرضي : ويفصل
بين اسم الإشارة وبين «ها» بالقسم نحو «ها الله ذا» قال : ويجب جر لفظة «الله»
لنيابة «ها» عن الجار. وقال في القاموس : «ها» للتنبيه ، وتدخل على اسم الله في
القسم عند حذف الحرف يقال «ها الله» بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألفها
وحذفها. قيل : ويحتمل ان يكون «ايها» كلمة واحدة ، قال في الغريبين : «ايها» تصديق
وارتضاء كأنه قال : صدقت. أقول : ويشكل حينئذ تصحيح ما بعدها ، والظاهر ان وصلها
تصحيف. وكذلك «إذا» في مكان «ذا» وربما يوجد في بعض النسخ «اذن» بالنون ويمكن
تصحيحها بأن «إذن» هو «إذ» الظرفية والتنوين فيه عوض عن المضاف اليه ، فيصير
المعنى هكذا : نعم والله يجزئه إذا كان كذا. وبهذا تصحح «إذا» أيضا. والاخبار
الآتية كلها تعطى الاجزاء انتهى. وانما أطلنا بنقله لما يتضمنه من التنبيه على
فائدة لطيفة.
المسألة
الرابعة عشرة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا بأس بأن يعول الرجل على
غيره في إحصاء عدد الطواف.
ويدل على ذلك ما
رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن سعيد الأعرج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الطواف أيكتفى الرجل بإحصاء صاحبه؟ فقال : نعم».
وروى الصدوق (قدسسره) بإسناده عن ابن مسكان عن الهذيل عن ابي عبد الله
__________________
(عليهالسلام) «في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف أيجزئه عنهما وعن الصبي؟ فقال :
نعم ، الا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه ، فهو مثله» قال في الوافي : «عنهما»
بدل من البارز في «يجزئه» وانما أبدل عنه ليعطف عليه «وعن الصبي».
ولو اختلفوا
انفرد كل واحد بحكم نفسه. ويدل على ذلك ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في
الصحيح عن صفوان قال : «سألته عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم
لصاحبه : تحفظوا الطواف. فلما ظنوا انهم قد فرغوا قال واحد : معي سبعة أشواط وقال
الآخر : معي ستة أشواط. وقال الثالث : معي خمسة أشواط. قال : ان شكوا كلهم
فليستأنفوا ، وان لم يشكوا وعلم كل واحد ما في يده فليبنوا». ومعناه ان ما يذكره
كل واحد منهم من العدد الذي معه ، ان كان عن يقين منه بنى عليه وصح طوافه ان كان
ما في يده تمام العدد الواجب والا أتمه ، وان كان عن شك أعاد.
وقد تقدمت جملة
من الأحكام المتعلقة بالطواف في المقدمات من الباب الأول فلا وجه لإعادتها.
__________________
خاتمة
تشتمل على جملة
من نوادر الطواف :
روى المشايخ
الثلاثة «عطر الله تعالى مراقدهم» في الصحيح عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يستحب ان تطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام
السنة ، فان لم تستطع فثلاثمائة وستين شوطا ، فان لم تستطع فما قدرت عليه من
الطواف».
ومقتضى استحباب
ثلاثمائة وستين شوطا ان يكون الطواف الأخير عشرة أشواط. وقد قطع الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هنا بعدم الكراهة ، لظاهر النص المذكور. ونقل العلامة في المختلف عن
ابن زهرة انه يستحب زيادة أربعة أشواط ليصير الأخير طوافا كاملا ، حذرا من كراهة
القران ، وليوافق عدد أيام السنة الشمسية. ونفى عنه البأس في المختلف ، ولا ريب في
حصول البأس فيه ، لخروجه عن مقتضى الخبر المذكور على ان القران المختلف في كراهته
وتحريمه انما هو الإتيان بأسبوع كامل مع الطواف الأول ـ كما دلت عليه الاخبار
المذكورة ثمة ـ لا مجرد زيادة شوط أو شوطين مثلا.
وفي كتاب الفقه
الرضوي : ويستحب ان يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة وستين
أسبوعا بعدد أيام السنة ، فان لم يقدر عليه طاف ثلاثمائة وستين شوطا.
__________________
وروى الشيخ في
التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يستحب ان يطاف بالبيت عدد أيام السنة ، كل
أسبوع لسبعة أيام فذلك اثنان وخمسون أسبوعا».
أقول : ظاهر
هذا الخبر لا يخلو من الإشكال لأنه بمقتضى ما تقدم من ان عدد السنة ثلاثمائة وستون
يوما فمتى طاف لكل يوم شوطا يكون عدد الأسابيع أحدا وخمسين أسبوعا وزيادة ثلاثة
أشواط. اللهم الا ان يحمل على ما ذكروه من عدد السنة الشمسية كما تقدم ، فيصير
مؤيدا لما نقل عن ابن زهرة. ولا يخلو من بعد.
وروى في الكافي
عن علي بن ميمون الصائغ قال : «قدم رجل على علي بن الحسين (عليهماالسلام) فقال : قدمت حاجا؟ فقال : نعم. فقال : أتدري ما للحاج؟
قال : لا. قال : من قدم حاجا وطاف بالبيت وصلى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة
، ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة ، وشفعه في سبعين ألف حاجة ،
وكتب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم». ورواه في من لا يحضره
الفقيه مرسلا عنه (عليهالسلام).
وروى في
التهذيب عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث انه قال : «يا لبان هل تدري ما ثواب من طاف
بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت : لا والله ما ادري. قال : يكتب له ستة آلاف حسنة ، وتمحى
__________________
عنه ستة آلاف سيئة ، وترفع له ستة آلاف درجة» قال : وروى إسحاق ابن عمار :
وتقضى له ستة آلاف حاجة.
وروى في الكافي
في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان ابي يقول : من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى
ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة ، ومحا عنه ستة آلاف
سيئة ، ورفع له ستة آلاف درجة ، وقضى له ستة آلاف حاجة ، فما عجل منها فبرحمة الله
وما أخر منها فشوقا إلى دعائه».
وروى في الكافي
ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من اقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة ،
ومن اقام سنتين خلط من ذا ومن ذا ، ومن اقام ثلاث سنين كانت الصلاة أفضل له من
الطواف».
ورواه في
التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري وحماد وهشام بن الحكم عنه (عليهالسلام). وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة ، والصلاة
لأهل مكة أفضل».
وروى في
التهذيب في الصحيح عن حريز قال : «سألت
__________________
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الطواف لغير أهل مكة ممن جاور بها أفضل أو الصلاة؟
فقال : الطواف للمجاورين أفضل ، والصلاة لأهل مكة والقاطنين بها أفضل من الطواف».
أقول : ويمكن
ان يستنبط من حديث هشام المتقدم بمعونة هذين الخبرين المذكورين بعده ان حكم المجاور
انما ينتقل الى أهل مكة ويصير حكمه حكمهم في السنة الثالثة. وقد تقدم اختلاف
الاخبار في ذلك.
وروى في الكافي
عن ابن القداح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «طواف قبل الحج أفضل من سبعين طوافا بعد الحج». أقول
: الظاهر ان المراد الطواف في عشر ذي الحجة قبل الحج كما ينبه عليه الخبر الآتي.
وعن ابن ابي
عمير عن بعض أصحابه قال : «طواف في العشر أفضل من سبعين طوافا في الحج». أقول
: وذلك لما لهذه العشرة عند الله (عزوجل) من الفضل والمزية.
وروى في الكافي
ومن لا يحضره الفقيه قال : «سأل أبان أبا عبد الله (عليهالسلام) : أكان لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) طواف يعرف به؟ فقال : كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يطوف بالليل والنهار عشرة أسابيع : ثلاثة أول الليل
وثلاثة آخر الليل واثنين إذا أصبح واثنين بعد الظهر ، وكان في ما بين ذلك راحته».
وعن حماد بن
عيسى عن من أخبره عن العبد الصالح (عليهالسلام)
__________________
قال : «دخلت عليه يوما وانا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة ، فلما رأيته عظم
علي كلامه ، فقلت له : ناولني يدك أو رجلك اقبلها. الخبر». وقد تقدم في الفصل
الثاني من المقام الثاني في كيفية الطواف .
وعن زياد
القندي قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام): جعلت فداك إني أكون في المسجد الحرام وانظر الى الناس
يطوفون بالبيت وانا قاعد فاغتم لذلك. فقال : يا زياد لا عليك ، فان المؤمن إذا خرج
من بيته يؤم الحج لا يزال في طواف وسعي حتى يرجع».
أقول : لعل
الرجل المذكور كان له عذر عن الطواف فيغتم لذلك فسلاه (عليهالسلام) بما ذكره.
وروى في الكافي
ومن لا يحضره الفقيه مرسلا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «دع الطواف وأنت تشتهيه».
وروى في الكافي
عن رفاعة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يطوف بالبيت ويسعى أيتطوع بالطواف قبل ان
يقصر؟ قال : ما يعجبني».
وروى في
التهذيب عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يطوف المعتمر بالبيت بعد طواف الفريضة حتى
يقصر».
وفي الكافي عن
ابي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من وصل أبا أو ذا
__________________
قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا ، وللذي طاف عنه مثل اجره ، ويفضل هو
بصلته إياه بطواف آخر.».
وفي الكافي عن
الحسن بن صالح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يحدث عطاء قال : كان طول سفينة نوح الف ومأتي ذراع
وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء مأتي ذراع ، وطافت بالبيت وسعت بين الصفا
والمروة سبعة أشواط ثم استوت على الجودي».
البحث الثالث في السعي
والكلام في
مقدماته وكيفيته وأحكامه يقتضي بسطه في مطالب ثلاثة :
الأول ـ في
المقدماتوهي عشرة ، وكلها مندوبة منها الطهارة ، واستحبابها هو الأشهر الأظهر ،
وأسنده في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، بل قال : وهو قول عامة
أهل العلم. ونقل عن ابن ابي عقيل انه قال : لا يجوز الطواف والسعي بين الصفا
والمروة إلا بطهارة.
ويدل على القول
المشهور أصالة البراءة من ما لم يقم على وجوبه دليل.
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا
الطواف ، فان فيه صلاة ، والوضوء أفضل على كل حال».
__________________
وفي الصحيح عن
رفاعة بن موسى قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): أشهد شيئا من المناسك وانا على غير وضوء؟ قال : نعم
الا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة».
وعن زيد الشحام
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير
وضوء. فقال : لا بأس».
وفي الصحيح عن
معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل ان تسعى. قال :
تسعى. قال : وسالته عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما. قال : تتم
سعيها».
وما رواه
الصدوق (قدسسره) في الحسن عن صفوان عن يحيى الأزرق قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : الرجل يسعى بين الصفا والمروة ثلاثة أشواط أو أربعة
ثم يبول ، أيتم سعيه بغير وضوء؟ قال : لا بأس ، ولو أتم نسكه بوضوء كان أحب الي».
ويدل على ما
ذهب اليه ابن ابي عقيل ما رواه الكليني (قدسسره) في الموثق عن ابن فضال قال : «قال أبو الحسن (عليهالسلام): لا تطوف ولا تسعى الا على وضوء».
__________________
وعن الحلبي في
الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض. قال : لا
ان الله (عزوجل) يقول (إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)» .
وروى علي بن
جعفر في كتابه عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلح أن يقتضي شيئا من المناسك
وهو على غير وضوء قال : لا يصلح الا على وضوء».
والجواب :
الحمل على الاستحباب كما تضمنته جملة من الاخبار المتقدمة.
ومنها ـ استلام
الحجر ، والشرب من زمزم ، والصب على الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر.
ويدل على هذه
الجملة جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فرغت من الركعتين فات الحجر الأسود فقبله
واستلمه أو أشر إليه ، فإنه لا بد من ذلك. وقال : ان قدرت ان تشرب من ماء زمزم قبل
ان تخرج الى الصفا فافعل. وتقول حين تشرب : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا
وشفاء من كل داء وسقم. قال : وبلغنا ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال حين نظر الى زمزم : لولا أن أشق على أمتي لأخذت
منه ذنوبا أو ذنوبين».
__________________
قال في الوافي : الذنوب بفتح المعجمة : الدلو الملأى ماء ، والمراد
بأخذها أما استعمالها جميعا في الشرب والصب أو استصحابها معه الى بلده.
وعن الحلبي في
الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتين ، فليأت
زمزم وليستق منها ذنوبا أو ذنوبين ، وليشرب منه ، وليصب على رأسه وظهره وبطنه ،
ويقول : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم. ثم يعود الى
الحجر الأسود».
وروى الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن ابن ابي عمير عن حفص بن البختري عن ابي
الحسن (عليهالسلام) وابن ابي عمير عن حماد عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يستحب ان تستقي من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب
منه وتصب على رأسك وجسدك ، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر».
ومنها ـ الخروج
الى الصفا من الباب المقابل للحجر على سكينة ووقار. ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن عبد الحميد بن سعيد قال
: «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن باب الصفا ، قلت : ان أصحابنا قد اختلفوا فيه ،
بعضهم يقول الذي يلي
__________________
السقاية ، وبعضهم يقول الذي يلي الحجر. فقال : هو الذي يلي الحجر ، والذي
يلي السقاية محدث صنعه داود أو فتحه داود». ورواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن صفوان .
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : ابدأوا بما بدأ الله (عزوجل)
به من إتيان الصفا ، ان الله (عزوجل) يقول (إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) قال أبو عبد الله (عليهالسلام): ثم اخرج الى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي
وعليك السكينة والوقار. الحديث».
قال في المدارك
: واعلم ان الباب الذي خرج منه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد صار الآن في داخل المسجد باعتبار توسعته. لكن قال
الشهيد (قدسسره) في الدروس : انه معلم بأسطوانتين معروفتين فليخرج من
بينهما. قال والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما. انتهى. ونحو ذلك قال
في المسالك.
ومنها ـ استحباب
الصعود على الصفا حتى يرى البيت ، واستقبال الركن الذي فيه الحجر ، والدعاء
بالمأثور ، والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح
__________________
مائة مائة ، والوقوف بقدر قراءة سورة البقرة.
ويدل على ذلك ما
رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «فاصعد على الصفا حتى تنظر الى البيت
وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد الله (عزوجل) وأثن عليه ، ثم اذكر من
الآية وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره ، ثم كبر الله (تعالى) سبعا
واحمده سبعا ، وهلله سبعا ، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله
الحمد ، يحيى ويميت ، وهو حي لا يموت وهو على كل شيء قدير (ثلاث مرات) ، ثم صل
على النبي (صلىاللهعليهوآله) وقل : الله أكبر الحمد لله على ما هدانا ، والحمد لله
على ما أولانا ، والحمد لله الحي القيوم والحمد لله الحي الدائم (ثلاث مرات) ، وقل
: اشهد ان لا إله إلا الله ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، لا نعبد إلا إياه
مخلصين له الدين ولو كره المشركون (ثلاث مرات) اللهم إني أسألك العفو والعافية
واليقين في الدنيا والآخرة (ثلاث مرات) اللهم (آتِنا فِي الدُّنْيا
حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ) (ثلاث مرات) ثم كبر الله مائة مرة ، وهلله مائة مرة ، واحمده مائة مرة ،
وسبحه مائة مرة ، وتقول : لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب
وحده ، فلن الملك وله الحمد وحده وحده ، اللهم بارك لي في الموت وفي ما بعد الموت
، اللهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته ، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل الا
ظلك. وأكثر من ان تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك. ثم تقول : استودع الله
__________________
الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودائعه ديني ونفسي وأهلي ، اللهم استعملني على
كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) وتوفني على ملته وأعذني من الفتنة. ثم تكبر ثلاثا ثم
تعيدها مرتين ثم تكبر واحدة ثم تعيدها ، فان لم تستطع هذا فبعضه. وقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا».
قال في المدارك
: والظاهر ان المراد بقوله : «فاصعد على الصفا حتى تنظر الى البيت وتستقبل الركن
الذي فيه الحجر الأسود فاحمد الله.» الأمر بالصعود والنظر الى البيت واستقبال
الركن لا الصعود الى ان يرى البيت لأن رؤية البيت لا تتوقف على الصعود ، ولصحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن النساء يطفن على الإبل والدواب أيجزئهن ان يقفن تحت
الصفا والمروة؟ فقال : نعم بحيث يرين البيت». وبما ذكرناه افتى الشيخ في النهاية ،
فقال : إذا صعد على الصفا نظر الى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر وحمد الله (تعالى).
وذكر الشارح ان المستحب الصعود على الصفا بحيث يرى البيت ، وان ذلك يحصل بالدرجة
الرابعة. وهو غير واضح. انتهى.
أقول : ويؤيد
ما ذكره (قدسسره) من استحباب رؤية البيت والنظر إليه مرفوعة علي بن
النعمان الآتية :
وروى في الكافي
عن علي بن النعمان يرفعه قال : «كان
__________________
أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم رفع يديه ثم يقول :
اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط ، فان عدت فعد علي بالمغفرة فإنك أنت الغفور
الرحيم ، اللهم افعل بي ما أنت أهله ، فإنك ان تفعل بي ما أنت أهله ترحمني ، وان
تعذبني فأنت غني عن عذابي وانا محتاج الى رحمتك ، فيا من انا محتاج الى رحمته
ارحمني ، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله فإنك ان تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولن
تظلمني ، أصبحت اتقي عدلك ولا أخاف جورك ، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني».
قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : قال في القاموس : قط تختص بالنفي
ماضيا والعامة تقول : «لا افعله قط» وهو لحن ، وفي مواضع من البخاري جاء بعد
المثبت : منها ـ في صلاة الكسوف «أطول صلاة صليتها قط» وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة ، قال : وهي من ما
خفي على كثير من النحاة أقول : فلأمير المؤمنين (عليهالسلام) أسوة بالنبي (صلىاللهعليهوآله) في استعمالها بعد المثبت ، وهما أفصح الناس (صلوات الله
عليهما) .
والظاهر انه لو
لم يتمكن من الإطالة والإتيان بالموظف اتى بما يتيسر له
__________________
ويدل على ذلك ما
رواه في الكافي في الصحيح عن جميل قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : هل من دعاء موقت أقوله على الصفا والمروة؟ فقال :
تقول إذا صعدت على الصفا : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد
، يحيى ويميت ، وهو على كل شيء قدير. ثلاث مرات».
وعن محمد بن عمر
بن يزيد عن بعض أصحابه قال : «كنت وراء ابي الحسن موسى (عليهالسلام) على الصفا أو على المروة وهو لا يزيد على حرفين :
اللهم إني أسألك حسن الظن بك على كل حال وصدق النية في التوكل عليك».
وعن ابي
الجارود عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس على الصفا شيء موقت».
وقد روى ان طول
الوقوف على الصفا يوجب زيادة المال ، رواه في الكافي عن الحسن بن علي بن الوليد
رفعه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أراد ان يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا
والمروة».
وروى في
التهذيب عن حماد المنقري قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام): ان أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا».
__________________
المطلب الثاني في الكيفية
وهي تشتمل على
الواجب والمستحب ، فالواجب أربعة :
أحدها ـ النية ،
والأمر فيها عندنا سهل. قالوا : ويجب ان تكون مقارنة للحركة.
ولا يجب الصعود
على الصفا إجماعا كما نقله في التذكرة ، وفي المنتهى انه قول أكثر أهل العلم كافة الا من شذ ممن لا يعتد به. والظاهر انه أشار به الى بعض
العامة. وعلله في التذكرة بأن السعي بين الصفا والمروة يتحقق بدون ذلك ، بان يلصق
عقبيه بالصفا فإذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب. ويدل على ما ذكره صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج المتقدمة المتضمنة لطواف النساء على الدواب وانه يجزئهن ان يقفن
تحت الصفا والمروة.
وقال الشهيد (قدسسره) في الدروس : ان الاحتياط الترقي إلى الدرج وتكفي
الرابعة. قال في المدارك : ولا ريب في أولوية ما ذكره خصوصا مع استحضار النية الى
ان يتجاوز الدرج.
أقول : المفهوم
من الاخبار ان الأمر أوسع من ذلك ، فإن السعي على الإبل الذي دلت عليه الاخبار ،
وان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يسعى على ناقته لا يتفق فيه هذا التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في
__________________
الابتداء وأصابعه يلصقها بالصفا موضع العقب بعد العود فضلا عن ركوب الدرج ،
بل يكفى فيه الأمر العرفي ، فإنه يصدق بالقرب من الصفا والمروة وان كان بدون هذا
الوجه الذي ذكروه. وقوله في المدارك : «خصوصا مع استحضار النية الى ان يتجاوز
الدرج» من ما ينبه على ان مرادهم بالنية انما هو الحديث النفسي والتصوير الفكري
كما تقدم تحقيقه ، وبينا انه ليس هو النية حقيقة.
وثانيها
وثالثها ـ البدأة بالصفا والختم بالمروة ، وهو قول كافة أهل العلم من الخاصة
والعامة والنصوص به مستفيضة وستأتي جملة منها في الباب ، ومنها ـ قوله (عليهالسلام) في موثقة معاوية بن عمار : «تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ثم قصر. الحديث». ومنها ـ
صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة المتضمنة ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال حين فرغ من طوافه وركعتيه : ابدأوا بما بدأ الله
به من إتيان الصفا. الحديث.
ويدل على ذلك
الأخبار الدالة على ان من بدأ بالمروة أعاد عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا وما ذلك الا لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه.
ومن الاخبار في
ذلك ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
__________________
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ
بالصفا قبل المروة».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وان بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ
بالصفا».
وعن علي بن أبي
حمزة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا. قال : يعيد ، الا ترى
انه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء. أراد ان يعيد الوضوء».
وعن علي الصائغ
قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) وانا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا. قال : يعيد ،
الا ترى انه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه ان يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله».
ورابعها ـ ان
يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا وعوده آخر ، وهو قول علمائنا اجمع كما ذكره في المنتهى
، بل قول كافة أهل العلم الا من شذ منهم كما نقله في المنتهى.
وعليه تدل
الأخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال :
__________________
«وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة».
وما رواه في
الصحيح عن هشام بن سالم قال : «سعيت بين الصفا والمروة انا وعبيد الله بن راشد
، فقلت له : تحفظ علي. فجعل يعد ذاهبا وجائيا شوطا واحدا فبلغ مثل ذلك ، فقلت له :
كيف تعد؟ قال : ذاهبا وجائيا شوطا واحدا. فأتممنا أربعة عشر شوطا ، فذكرنا ذلك
لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء».
ويجب في السعي
الذهاب في الطريق المعهود ، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجزئ.
قال في الدروس : وكذا لو سلك سوق الليل قالوا : ومن الواجبات ايضا استقبال المطلوب
بوجهه ، فلو مشى القهقرى لم يجزئ لأنه خلاف المعهود. وهو جيد.
وانها ها شيخنا
الشهيد في الدروس إلى عشرة ، وهو الستة المذكورة هنا ، والمقارنة لوقوفه على الصفا
في أي جزء منه ، ووقوعه بعد الطواف ، فلو وقع قبله بطل مطلقا الا طواف النساء وعند
الضرورة ، وإكمال الشوط وهو من الصفا إلى المروة ، فلو نقص من المسافة شيء بطل
وان قل ، وعدم الزيادة على السبعة ، فلو زاد عمدا بطل ، ولو كان ناسيا تخير بين
القطع وإكمال أسبوعين ، والموالاة المعتبرة في الطواف عند المفيد وسلار والحلبي ،
وظاهر الأكثر والاخبار البناء مطلقا. وظاهر كلامه عد البدأة بالصفا والختم بالمروة
واحدا لا اثنين كما ذكرناه ، فلا يتوهم المنافاة في ما نقلناه عنه.
واما ما يستحب
فيه فأربعة ايضا أحدها ـ ان يكون ماشيا فلو سعى راكبا جاز.
__________________
ويدل عليه
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة قريبا وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قلت له : المرأة تسعى بين الصفا والمروة على
دابة أو على بعير؟ فقال : لا بأس بذلك قال : وسالته عن الرجل يفعل ذلك. قال : لا
بأس به ، والمشي أفضل».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سالته عن السعي بين الصفا والمروة على الدابة.
قال : نعم ، وعلى المحمل».
وعن حجاج
الخشاب قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يسأل زرارة فقال : اسعيت بين الصفا والمروة؟ فقال :
نعم. قال : وضعفت؟ قال : لا والله لقد قويت. قال : فان خشيت الضعف فاركب فإنه أقوى
لك على الدعاء».
ويستفاد من هذا
الخبر أفضلية الركوب مع الضعف بالمشي عن الدعاء وان كان مكروها بدون ذلك ، كما
تقدم في صحيحة معاوية بن عمار ، فلا منافاة بين الخبرين.
وروى الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن محمد بن مسلم . قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول : حدثني ابي ان رسول الله
__________________
(صلىاللهعليهوآله) طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه ، وسعى عليها بين
الصفا والمروة».
وثانيها
وثالثها ورابعها ـ المشي طرفيه ، والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطارين والدعاء
حالته.
ويدل على ذلك ما رواه
الكليني (قدسسره) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) قال : «انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة
والوقار حتى تأتي المنارة وهي طرف المسعى ، فاسع ملء فروجك ، وقل : بسم الله
والله أكبر ، وصلى الله على محمد وأهل بيته ، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عن ما تعلم
وأنت الأعز الأكرم. حتى تبلغ المنارة الأخرى ، فإذا جاوزتها فقل : يا ذا المن
والفضل والكرم والنعماء والجود والوقار حتى تأتي المروة ، فاصعد عليها حتى يبدو لك
البيت ، واصنع عليها كما صنعت على الصفا وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم
بالمروة».
قوله (عليهالسلام) : «فاسع ملء فروجك» جمع فرج وهو ما بين الرجلين ،
يقال للفرس : ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع ، ومنه سمى فرج الرجل والمرأة ، لأنه
ما بين الرجلين.
وروى الشيخ (قده)
في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ثم انحدر ماشيا وعليك السكينة والوقار حتى تأتي
المنارة ـ وهي
__________________
طرف المسعى ـ فاسع ملء فروجك ، وقل : بسم الله والله أكبر ، وصلى الله على
محمد وآله ، وقل : اللهم اغفر وارحم واعف عن ما تعلم انك أنت الأعز الأكرم. حتى
تبلغ المنارة الأخرى. قال : وكان المسعى أوسع من ما هو اليوم ولكن الناس ضيقوه. ثم
امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة ، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت فاصنع
عليها كما صنعت على الصفا. ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة. ثم
قص من رأسك. الحديث». وسيأتي تمامه ان شاء الله تعالى.
وروى في الكافي
والتهذيب في الموثق عن سماعة قال : «سالته عن السعي بين الصفا والمروة. قال : إذا
انتهيت الى الدار التي على يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن
يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة ، فإذا انتهيت اليه فكف عن السعي وامش مشيا
، وإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك ، فإذا انتهيت الى
الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي وامش مشيا وانما
السعي على الرجال وليس على النساء سعي».
أقول : المراد
بالسعي الهرولة وهو الإسراع في السير دون العدو وهو المشار إليه في الخبرين
المتقدمين بقوله : «فاسع ملء فروجك».
وروى في الكافي
عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام)
__________________
قال : «كان ابي يسعى بين الصفا والمروة ما بين باب ابن عباد الى ان يرفع
قدميه من المسيل لا يبلغ زقاق آل ابي حسين».
وعن علي بن
أسباط عن مولى لأبي عبد الله (عليهالسلام) من أهل المدينة قال : «رأيت أبا الحسن (عليهالسلام) يبتدئ بالسعي من دار القاضي المخزومي ويمضى كما هو الى
زقاق العطارين».
فروع
الأول ـ قال الشيخ
(قدسسره) : لو نسي الرمل حال السعي حتى يجوز موضعه وذكر ،
فليرجع القهقرى الى المكان الذي يرمل فيه.
أقول : ويدل
عليه ما رواه الشيخ والصدوق مرسلا عن ابي عبد الله وابي الحسن (عليهماالسلام) انهما قالا : «من سها عن السعي حتى يصير من السعي على
بعضه أو كله ثم ذكر ، فلا يصرف وجهه منصرفا ولكن يرجع القهقرى الى المكان الذي يجب
فيه السعي».
ولو تركه
اختيارا فلا شيء عليه ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن سعيد الأعرج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة.
قال : لا شيء عليه».
__________________
الثاني ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز الجلوس في أثناء السعي للراحة.
وعليه تدل صحيحة
الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال : نعم
ان شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فيجلس».
وصحيحة علي بن
رئاب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يعيي في الطواف ، إله أن يستريح؟ قال : نعم
يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه ، في فريضة أو غيرها. ويفعل ذلك في سعيه وجميع
مناسكه».
ونقل عن
الحلبيين انهما منعا من الجلوس بين الصفا والمروة إلا مع الإعياء والجهد.
ويدل على ما
ذكراه ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يجلس بين الصفا والمروة الا من جهد».
قال في المدارك
ـ بعد ان استدل للقول المشهور بالروايتين وأورد هذه الرواية دليلا لهما ـ ما لفظه
: والجواب بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة. انتهى.
أقول : اما
صحيحة علي بن رئاب المذكورة فإنها ان لم تدل على ما ذكراه فلا تدل على خلافه ، لأن
السؤال وقع فيها عن الرجل يعيي في الطواف
__________________
أو السعي ، وهذه هي الصورة التي جوزا فيها الاستراحة. وأما صحيحة الحلبي
فهي مطلقة يمكن تقييد إطلاقها بهاتين الصحيحتين الظاهرتين في مذهبهما وبالجملة
فمذهبهما لا يخلو من قوة ، لما عرفت. والاحتياط يقتضي ترك الاستراحة إلا مع
الإعياء والجهد. والله العالم.
الثالث ـ قال
في المنتهى : ليس على النساء رمل ، ولا صعود على الصفا ولا على المروة ، لأن في
ذلك ضررا عليهن من حيث مزاحمة الرجال. ولأن ترك ذلك كله استر لهن فكان اولى من
فعله.
أقول : لا يخفى
ما في هذه التعليلات العليلة من عدم الصلوح لتأسيس الأحكام الشرعية ، ولا يخفى أن
مزاحمة الرجال في الطواف أعظم والأولى في الاستدلال على عدم استحباب الرمل لهن ما
تقدم في موثقة سماعة من قوله (عليهالسلام): «وانما السعي على الرجال وليس على النساء سعي». فإن
السعي في الخبر المذكور كما عرفت عبارة عن الرمل ، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليهالسلام) في حديث قال : «ليس على النساء سعي بين الصفا والمروة ،
يعني : الهرولة». وفي رواية فضالة بن أيوب عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : «ان الله وضع عن النساء أربعا. وعد منهن السعي بين
الصفا والمروة».
وروى الصدوق (قدسسره) مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام)
__________________
ليس على النساء أذان. الى ان قال : ولا الهرولة بين الصفا والمروة». الى
غير ذلك من الأخبار.
واما الصعود
على الصفا فالأخبار الواردة به وان كان موردها الرجال كسائر الأحكام الا انه لا
يظهر منها الاختصاص بهم ليكون ذلك ساقطا عن النساء.
الرابع ـ لو
سعى راكبا استحب له ان يحرك دابته شيئا. ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس على الراكب سعى ولكن ليسرع شيئا».
(المطلب الثالث)
في الأحكام وفيه
مسائل :
المسألة الأولى
ـ السعي ركن فمن تركه عامدا بطل حجه ، وهو مجمع عليه بين علمائنا كما حكاه في
التذكرة والمنتهى. ويدل عليه جملة من الاخبار :
فأما ما يدل
على وجوبه وفرضه فهو ما رواه في الكافي في الحسن عن الحسن بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال :
«سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنة؟ فقال : فريضة.
قلت : أو ليس إنما قال الله (عزوجل):
(فَلا جُناحَ عَلَيْهِ
أَنْ
__________________
يَطَّوَّفَ
بِهِما) قال : كان ذلك في عمرة القضاء ، ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) شرط عليهم ان يرفعوا الأصنام عن الصفا والمروة ،
فتشاغل رجل وترك السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت الأصنام فجاءوا اليه فقالوا : يا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام
، فأنزل الله (عزوجل) (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ
أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) اي : وعليهما الأصنام».
قال في الوافي : بيان : يعني : شرط على المشركين ان يرفعوا أصنامهم
التي كانت على الصفا والمروة حتى تنقضي أيام المناسك ثم يعيدوها فتشاغل رجل من
المسلمين عن السعي ففاته السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت الأصنام فزعم المسلمون عدم
جواز السعي حال كون الأصنام على الصفا والمروة.
وعن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «السعي بين الصفا والمروة فريضة». وروى
الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قصر الصلاة «قال (عليهالسلام) : أو ليس قال الله (عزوجل): (إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ
__________________
أَنْ
يَطَّوَّفَ بِهِما) الا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض ، لأن الله (عزوجل)
قد ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلىاللهعليهوآله».
واما ما يدل
على بطلان الحج بتركه عمدا فهو ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال : عليه الحج من قابل».
وفي الصحيح
ايضا عنه قال : «قال أبو عبد الله : (عليهالسلام) من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل».
وعنه أيضا في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث انه قال «في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال : لا حج
له».
وإطلاق النص
وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الوجوب والابطال بين كون السعي في الحج أو
العمرة.
هذا في ما لو
تركه عامدا ، اما لو كان ناسيا وجب عليه الإتيان به بعد الذكر فان خرج عاد اليه
وان تعذر استناب فيه.
اما وجوب
الإتيان به بعد الذكر والعود اليه مع الإمكان فظاهر ، لتوقف الامتثال والخروج عن
عهدة الخطاب عليه.
ويدل عليه ايضا
ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت : فرجل نسي السعي بين الصفا والمروة؟ قال :
يعيد السعي. قلت : فاته ذلك حتى خرج؟
__________________
قال : يرجع فيعيد السعي ، ان هذا ليس كرمي الجمار ان الرمي سنة والسعي بين
الصفا والمروة فريضة».
ورواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار ايضا وزاد في آخره : «وقال في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال :
لا حج له».
واما الاستنابة
فيه فلما رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب عن الشحام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى
يرجع الى أهله. فقال : يطاف عنه». والرواية وان كانت مطلقة الا ان طريق الجمع
بينها وبين صحيحة معاوية المتقدمة حمل تلك على إمكان الرجوع وهذه على تعذره.
ومثل هذه
الرواية أيضا ما رواه الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سالته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة.
قال : يطاف عنه».
المسألة
الثانية ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز في السعي
الزيادة على السبعة متعمدا فلو زاد كذلك بطل طوافه.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن صفوان عن عبد الله بن محمد عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة فإذا
زدت عليها فعليك الإعادة
__________________
وكذا السعي».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط
فليسع على واحد وليطرح ثمانية ، وان طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها
وليستأنف السعي. الحديث».
أقول : وفقه
هذا الحديث انه إذا طاف تسعة عامدا ـ كما هو المفروض ـ فقد بطلت السبعة بالزيادة
عليها شوطا ثامنا ، والشوط الثامن لا يمكن ان يعتد به لبدء سعي جديد ، لأن ابتداءه
يكون من المروة فيبطل ايضا ، واما التاسع فهو لخروجه عن الأشواط الباطلة وكون
مبدأه من الصفا يمكن ان يعتد به ويبنى عليه سعيا جديدا ، ولهذا قال : «فليسع على
واحد وليطرح ثمانية» ، وان طاف ثمانية خاصة فقد عرفت الوجه في بطلان الجميع ،
فلهذا أمر في آخر الخبر بان يطرحها ويستأنف. فالخبر ـ كما ترى ـ ظاهر الدلالة في
الإبطال بالزيادة على السبعة ، وهو صحيح السند.
وبذلك يظهر ما
في كلام السيد السند (قدسسره) في المدارك ، حيث انه لم يورد دليلا على الحكم المذكور
إلا رواية عبد الله بن محمد المذكورة واعترضها بأنها ضعيفة السند باشتراك الراوي
بين الثقة وغيره. ويمكن دفعه (أولا) بأن الراوي عنه وهو صفوان ممن اجتمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه والسند الى صفوان صحيح ، فيكون الحديث صحيحا وان ضعف المروي
عنه. و (ثانيا) بان ضعفها مجبور بعمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) بها ، إذ لا
مخالف في الحكم كما اعترف به في صدر
__________________
كلامه ، فقال بعد نقل عبارة المصنف الدالة على الإبطال بالزيادة عمدا : هذا
الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم). هذا مع تسليم العمل بهذا
الاصطلاح وقطع النظر عن الصحيحة التي أوردناها ، والا فلا يبقى للتردد مجال في
المقام.
هذا مع كون
الزيادة عمدا اما لو كانت سهوا فقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يتخير بين
إلغاء الزائد والاعتبار بالسبعة وبين إكمال أسبوعين فيكون الثاني مستحبا.
اما الأول فيدل
عليه ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) «عن رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ، ما عليه؟ فقال : ان كان خطأ
طرح واحدا واعتد بسبعة». قال في الفقيه : وفي رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «يضيف إليها ستة».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج قال : «حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة
أربعة عشر شوطا ، فسألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ذلك ، فقال : لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح».
__________________
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح
ثمانية واعتد بسبعة. وان بدأ بالمروة فليطرح وليبدأ بالصفا».
ومثلهما صحيحة
هشام بن سالم المتقدمة في أول هذا المطلب. واما الثاني فتدل عليه صحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان في كتاب علي (عليهالسلام) : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن
ثمانية أضاف إليها ستا. وكذا إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا».
أقول : والظاهر
ان هذه الرواية هي التي أشار إليها في الفقيه ، وظاهره ـ بناء على قاعدته المذكورة
في صدر كتابه ـ القول بالتخيير كما هو المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
حيث لم يتعرض للطعن في إحدى الروايتين.
الا ان صحيحة
محمد بن مسلم المذكورة لا تخلو من اشكال (أما أولا) فلأن السعي ليس مثل الطواف
والصلاة عبادة برأسها تقع مستحبة وواجبة ليكون الثاني نافلة ، فإنا لم نقف في غير
هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبا ، قال في المدارك : ولا يشرع استحباب السعي
إلا هنا ، ولا يشرع ابتداء مطلقا. و (اما ثانيا) فمع تسليم وقوعه مستحبا فان
اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة فكيف يجوز ان يعتد به
__________________
ويبنى عليه سعيا مستأنفا ، مع اتفاق الاخبار وكلمة الأصحاب على وجوب
الابتداء في السعي من الصفا وانه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة عامدا كان أو
ساهيا كما تقدم.
وبالجملة
فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأولة من طرح الزائد والاعتداد
بالسبعة الأولة ، واما العمل بهذا الخبر فمشكل كما عرفت والعجب من السيد السند (قدسسره) في المدارك حيث لم يتنبه لذلك وجمد على موافقة الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في هذا الباب.
ثم ان الظاهر
من رواية جميل ان الجاهل كالناسي في هذا الحكم ، لظهورها في جهلهم بالحكم يومئذ.
تنبيهات
الأول ـ قالوا
: لو تيقن عدد الأشواط وشك في ما به بدأ ، فإن كان في المزدوج على الصفا فقد صح
سعيه لأنه بدأ به ، وان كان على المروة أعاد وينعكس الحكم بانعكاس الفرض. والمراد
بانعكاس الفرض والحكم انه ان كان في الفرد على الصفا أعاد لأنه يقتضي ابتداءه
بالمروة ، وان كان على المروة صح سعيه لأنه يقتضي ابتداءه بالصفا والظاهر ان الشك
هنا انما هو باعتبار الدخول في أول الأمر والا فبعد ظهور كون العدد زوجا وهو على
الصفا يحصل العلم بالابتداء بالصفا. وكذا في صورة العكس.
الثاني ـ قال
في المنتهى : لو لم يحصر عدد طوافه اعاده ، لأنه غير متيقن لعدد فلا يأمن الزيادة
والنقصان. والمراد انه إذا شك على وجه لا يحصل
له عدد يبنى عليه فلا ريب في وجوب الإعادة.
ويدل على ذلك
قوله في صحيحة سعيد بن يسار الآتية في الباب ان شاء الله تعالى قال : «وان لم يكن حفظ انه سعى ستة فليعد فليبتدئ السعي
حتى يكمل سبعة أشواط».
قيل : ويستثني
من ذلك ما لو شك بين الإكمال والزيادة على وجه لا ينافي البدأة بالصفا ـ كما لو شك
بين السبعة والتسعة وهو على المروة ـ فإنه لا يعيد لتحقق الإكمال ، وأصالة عدم
الزيادة. ولو كان على الصفا أعاد
الثالث ـ قال
في المنتهى : ويجب ان يطوف بينهما سبعة أشواط ويلصق عقبه بالصفا ويبدأ به ان لم
يصعد عليه ، ويمشي إلى المروة ويلصق أصابعه بها ثم يبتدئ بها ويلصق عقبه بها ،
ويرجع الى الصفا ويلصق أصابعه بها هكذا سبعا ، فلو نقص ولو خطوة واحدة وجب عليه
الإتيان بها ، فان رجع الى بلده وجب عليه العود مع المكنة وإكمال السعي ، لأن
الموالاة لا تجب فيه. ولا نعلم فيه خلافا. ونحوه في التذكرة أيضا.
أقول : ما ذكره
ـ من وجوب إلصاق العقب والأصابع في كل شوط بكل من الصفا والمروة ـ لا ريب انه
الأحوط ، وفهم الوجوب من الأدلة لا يخلو من خفاء سيما مع جواز السعي على الإبل
والدواب كما أشرنا إليه آنفا. وما ذكره من انه لو نقص عن السبعة وجب عليه الإتمام
فلا ريب فيه. ويدل عليه قوله (عليهالسلام) في صحيحة سعيد بن يسار المشار إليها آنفا : «فان كان يحفظ انه قد سعى ستة
أشواط فليعد وليتم
__________________
شوطا». ونحوها رواية عبد الله بن مسكان الآتية ان شاء الله تعالى وفي صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : فان سعى الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع الى أهله ،
فعليه ان يرجع فيسعى تمامه وليس عليه شيء ، وان كان لم يعلم ما نقص فعليه ان يسعى
سبعا».
واما ما ذكره
من عدم وجوب الموالاة فيه فقد تقدم في كلام الدروس ما يدل على قول الشيخ المفيد
وسلار وأبي الصلاح بوجوب الموالاة فيه. وسيأتي ما ينبه عليه ايضا ان شاء الله
تعالى.
المسألة
الثالثة ـ لو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم سعيه فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما
نقص ، كان عليه إتمام ما نقص بلا خلاف ولا اشكال وعليه بقرة. وكذا لو قلم أظفاره
أو قص شعره ، والأصل في هذه المسألة
ما رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب عن عبد الله بن مسكان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها
سبعة فذكر بعد ما أحل وواقع النساء انه انما طاف ستة أشواط. فقال : عليه بقرة
يذبحها ويطوف شوطا
__________________
آخر». ورواه الصدوق (قدسسره) مرسلا .
وعن سعيد بن
يسار في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع
الى منزله وهو يرى انه قد فرغ منه ، وقلم أظافيره وأحل ، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط؟
فقال لي : يحفظ انه سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم
شوطا وليرق دما. فقلت : دم ما ذا؟ قال : بقرة. قال : وان لم يكن حفظ انه سعى ستة ،
فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ، ثم ليرق دم بقرة».
وفي كتاب الفقه
الرضوي : وان سعيت ستة أشواط وقصرت ، ثم ذكرت بعد ذلك انك سعيت
ستة أشواط ، فعليك ان تسعى شوطا آخر وان جامعت أهلك وقصرت سعيت شوطا آخر وعليك دم
بقرة.
وقال في
المسالك بعد نقل رواية سعيد المذكورة : وفي معناها رواية معاوية ابن عمار عنه (عليهالسلام) وزاد «قصر» ولم أقف بعد التتبع على رواية معاوية بن عمار بهذا
المعنى ولا نقلها ناقل غيره (قدسسره).
__________________
وجملة من المتأخرين قد طعنوا في هذين الخبرين المنقولين في كلامهم بمخالفة
الأصول والقواعد المقررة من وجوه : أحدها ـ وجوب الكفارة على الناسي ، وهو في غير
الصيد مخالف لغيرهما من النصوص والفتاوى. وثانيها ـ وجوب البقرة في تقليم الأظفار
، والواجب شاة في مجموعها. وثالثها ـ وجوب البقرة بالجماع ، والواجب به مع العمد
بدنة ، ولا شيء مع النسيان. ورابعها ـ مساواة الجماع في الكفارة بقلم الأظفار ،
والحال انهما مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة. ولأجل هذه المخالفات نقل عن
بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الخبرين على الاستحباب. وبعضهم فرق بين الظان
والناسي ، فأسقط الكفارة عن الناسي وجعل مورد هذه المسألة الظن كما صرح به في
الرواية الأولى. وأكثر الأصحاب تلقوهما بالقبول مطلقا ، وهو الحق الحقيق بالاتباع.
فان رد الرواية سيما إذا كانت صحيحة السند بهذه الأشياء مجرد استبعاد ، ولا سيما
ما يدعونه من عدم الكفارة على الناسي فإنه على إطلاقه محل المنع ، فان ذلك سيما في
باب الحج انما ورد بالنسبة إلى الجاهل ولكنهم ألحقوا الناسي به. والمفهوم من بعض
اخبار وجوب الإعادة بالصلاة في النجاسة ناسيا ان وجوب الإعادة عليه انما وقع عقوبة
لتقصيره في نسيانه وعدم تذكره .
قال في المسالك
بعد ذكر نحو ذلك : ويمكن توجيه هذه الاخبار بان الناسي وان كان معذورا لكن هنا قد
قصر حيث لم يلحظ النقص ، فان من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا ، وهو
واضح الفساد
__________________
فلم يعذر بخلاف الناسي غيره فإنه معذور. لكن يبقى ان المصنف فرض المسألة في
من فعل ذلك قبل إتمام السعي من غير تقييد بالستة ، فيشمل ما لو قطع السعي في
المروة على خمسة وهو محل العذر. والمسألة موضع اشكال وان كان ما اختاره المصنف من
العمل بظاهر الروايات اولى. انتهى
قال في المدارك
بعد نقل ذلك عن جده (قدسسره) : وما ذكره من التوجيه جيد بالنسبة إلى الخبرين
المتضمنين للحكمين ، إذ به يرتفع بعض المخالفات. لكن قد عرفت ان الرواية الأولى
ضعيفة ، والرواية الثانية انما تدل على وجوب البقرة بالقلم قبل إكمال السعي إذا
قطعه على ستة أشواط في عمرة التمتع ، فيمكن القول بوجوبها أخذا بظاهر الأمر ،
ويمكن حملها على الاستحباب كما اختاره الشيخ في أحد قوليه وابن إدريس نظرا الى ما
ذكر من المخالفة. والمسألة محل تردد. انتهى.
أقول : ظاهر
كلامه (قدسسره) في المدارك تخصيص وجوب البقرة في صحيحة سعيد بالقيود
المذكورة اقتصارا في ما خالف القواعد المذكورة على موضع النص. وفيه ان آخر الرواية
ـ وان كان لم ينقله ـ صريح أيضا في وجوب البقرة في ما لو لم يحفظ سعيه وجامع
والحال هذه. وهو يشعر بان وجوب هذه الكفارة انما هو من حيث الإحلال قبل الإتيان
بالسعي الواجب مطلقا ، كما هو المفروض في صدر المسألة وبه صرح الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ايضا. وعلى هذا فلا خصوصية لذكر الستة الا من حيث اتفاق وقوعها في السؤال.
واما ما نقله
عن ابن إدريس من انه حمل هذين الخبرين على الاستحباب فالذي وقفت عليه في كتاب
السرائر لا يشعر بشيء من ذلك ، فإنه لم يتعرض
للخبرين المذكورين وانما قال ما هذا لفظه : ومتى سعى الإنسان أقل من سبع
مرات ناسيا وانصرف ثم ذكر انه نقص منه شيئا رجع فتمم ما نقص منه ، وان لم يعلم كم
نقص منه وجب عليه إعادة السعي ، وان كان قد واقع اهله قبل إتمامه السعي وجب عليه
دم بقرة. وكذلك ان قصر أو قلم أظفاره كان عليه دم بقرة وإتمام ما نقص إذا فعل ذلك
عامدا. انتهى. وظاهره تخصيص وجوب البقرة في الصورة المذكورة بما إذا جامع أو قلم
عامدا ، وليس فيه تعرض لذكر من فعل ذلك ظانا الإتمام أو ساهيا كما هو محل المسألة.
على ان كلامه (قدسسره) لا يخلو من نظر ، فإنه ان استند في ما ذكره الى
الروايتين المذكورتين فموردهما ـ كما عرفت ـ انما هو من ظن الإتمام ، والمتبادر من
العامد خلافه ، وليس غيرهما في الباب الا ما قدمنا في مسألة جماع المحرم بعد
الموقفين وقبل طواف النساء من النصوص الدالة على وجوب البدنة في الصورة المذكورة وفي بعضها بدنة أو بقرة أو شاة باعتبار حال المكلف من
سعته وفقره وتوسطه بينهما. ونحوها الأخبار الواردة في من جامع بعد السعي وقبل
التقصير وستأتي في البحث الآتي ان شاء الله تعالى. والقول بوجوب
البقرة هنا من ما لا اعرف له وجها ولا عليه دليلا. الا ان ابن فهد في المهذب نقل
عن ابن إدريس في المسألة قولين مثل الشيخ ، حيث قال بعد ذكر القول المشهور : هذا
قول المفيد واحد قولي الشيخ والقول الآخر للشيخ في باب الكفارات من النهاية من انه
لا دم عليه للأصل ، ولابن إدريس مثل القولين. أقول :
__________________
لعله في موضع آخر من سرائره أو في غيره. وظاهره ان القول الثاني يوافق
المشهور.
وبالجملة
فالواجب العمل بالروايتين المذكورتين وعدم الالتفات الى هذه الاستبعادات.
والى ما ذكرناه
مال الشيخ ابن فهد في المهذب حيث قال ـ بعد ذكر نحو ما ذكرناه من الإشكالات التي
طعنوا بها على الروايات ـ ما صورته : والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل
البيت (عليهمالسلام) لأن قوانين الشرع لا يضبطها العقل. انتهى. وهو جيد.
والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو دخل عليه وقت الفريضة في
السعي قطعه وصلى ثم بنى ، وكذا لو قطعه لحاجة له أو لغيره. بل قال في التذكرة : لا
اعرف فيه خلافا. وكذا في المنتهى. مع انه في المختلف نقل عن الشيخ المفيد وسلار
وابي الصلاح انهم جعلوا ذلك كالطواف في اعتبار مجاوزة النصف. وهو مؤذن باشتراطهم
الموالاة فيه.
والأصح القول
المشهور ، للأخبار الدالة عليه ، ومنها ـ ما رواه الشيخ والصدوق (قدسسرهما) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت
الصلاة ، أيخفف ، أو يقطع ويصلي ثم يعود ، أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال
: لا بل يصلي ثم يعود ، أو ليس
__________________
عليهما مسجد؟».
وما رواه في
الموثق عن الحسن بن علي بن فضال قال : «سأل محمد بن علي أبا الحسن (عليهالسلام) فقال له : سعيت شوطا واحدا ثم طلع الفجر؟ فقال : صل ثم
عد فأتم سعيك».
وعن محمد بن
الفضيل «انه سأل محمد بن علي الرضا (عليهالسلام) فقال له : «سعيت شوطا ثم طلع الفجر قال صل ثم عد فأتم
سعيك.».
وعن صفوان في
الصحيح عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة
أشواط أو أربعة ، ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو الى الطعام. قال : ان
أجابه فلا بأس».
وزاد في الفقيه
: «ولكن يقضى حق الله أحب الي من ان يقضى حق صاحبه».
أقول : في هذه
الزيادة إشكال لما تقدم في اخبار قطع الطواف لحاجة أخيه المسلم من الدلالة الصريحة على أفضلية السعي في حاجة أخيه على
الطواف. ويمكن الجمع بحمل تلك الأخبار على حاجة يضر فوتها بالطواف وهذا الخبر على
ما لا يفوت بالتأخير. واما الحمل على ان أفضلية الإتمام
__________________
مخصوص بالسعي فبعيد ، لما علم من الأخبار من فضل الطواف على السعي فإذا جاز
القطع في الطواف فبالأولى في السعي.
قال في المدارك
: ولم يتعرض الأكثر لجواز قطعه اختيارا في غير هاتين الصورتين ، لكن مقتضى الإجماع
المنقول على عدم وجوب الموالاة فيه الجواز مطلقا ولا ريب ان الاحتياط يقتضي عدم
قطعه في غير المواضع المنصوصة.
أقول : لا ريب
ان العبادات توقيفية يجب الوقوف في أحكامها زيادة ونقصانا وصحة وبطلانا على ما
رسمه الشارع. وعدم الموالاة في السعي إنما استفيدت من هذه الأخبار الواردة بجواز
قطعه في هذه الموارد ، وهو لا يقتضي جواز القطع مطلقا. على ان ما ذكروه من وجوب
الموالاة في الطواف قد عرفت ما فيه وان أكثر الأخبار المتقدمة ترده وتنافيه.
وبالجملة فالواجب الوقوف على موارد النصوص وما دلت عليه بالعموم والخصوص.
المسألة
الخامسة ـ قد تقدم انه لو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه فإنه يرجع ويتم
طوافه ثم يبنى على ما سعى ويتم سعيه. والمشهور عندهم التفصيل بتجاوز النصف في
طوافه فيعمل كما ذكرناه أو قبله فيعيدهما معا.
اما لو ذكر في
أثناء السعي انه لم يصل ركعتي الطواف قطع السعي واتى بهما ثم أتم سعيه من حيث قطع.
ويدل على ذلك صحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى ان يصلي
الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك. قال : ينصرف
__________________
حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه».
وصحيحة معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال «في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى
طاف بين الصفا والمروة ثم ذكر. قال : يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم
يعود الى مكانه».
وبإسناده عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) «انه رخص له ان يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام».
قال الصدوق (قدسسره): بأي الخبرين أخذ جاز.
وروى الكليني (قدسسره) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن من ذكره عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى
طاف بين الصفا والمروة. قال : يعلم ذلك الموضع ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى
مكانه».
المسألة
السادسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في وجوب ترتب
السعي على الطواف ، فلو قدمه عليه وجب إعادتهما لوقوعهما على خلاف الترتيب الشرعي
، ويجب إرجاع كل منهما الى محله.
ويدل على ذلك
الأخبار المتقدمة في صدر البحث الدالة على انه بعد الفراغ من الطواف
وركعتيه يبادر الى الخروج الى الصفا والمروة.
واما ما يدل
على الابطال مع الإخلال بالترتيب فمنه ما رواه الشيخ (قده)
__________________
في الصحيح عن منصور بن حازم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة. قال : يرجع
فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي. قلت : ان ذلك قد فاته؟ قال : عليه دم ، الا ترى انك
إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد على شمالك».
وما رواه في
الكافي عن منصور بن حازم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت. قال
: يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا والمروة فيطوف بينهما».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): رجل طاف بالكعبة. الى ان قال : قلت : فإنه بدأ بالصفا
والمروة قبل ان يبدأ بالبيت؟ فقال يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا
والمروة. الحديث». وقد تقدم بتمامه .
وكما لا يجوز
تقديم السعي على الطواف كذلك لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي في الحج والعمرة
المفردة.
ويدل عليه
زيادة على الروايات الدالة على ترتيب المناسك وان مرتبة طواف النساء التأخر عن
السعي خصوص ما رواه في الكافي عن احمد بن محمد عن من ذكره قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام):
__________________
جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى. قال
: لا يكون السعي الا من قبل طواف النساء. فقلت : أفعليه شيء؟ فقال : لا يكون
السعي إلا قبل طواف النساء».
واما ما رواه
المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي
الحسن الماضي (عليهالسلام) ـ قال : «سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل ان
يسعى بين الصفا والمروة قال : لا يضره يطوف بين الصفا والمروة ، وقد فرغ من حجه».
فقد حمله الشيخ
(قدسسره) على الناسي ، ولهذا صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بان من قدم طواف النساء على السعي ساهيا لم تجب عليه الإعادة. قال في
المنتهى : ولا يجوز تقديم طواف النساء على السعي فلو فعل ذلك متعمدا كان عليه
اعادة طواف النساء ، وان كان ناسيا لم يكن عليه شيء. ثم استدل بمرسلة أحمد بن
محمد المذكورة ، ثم نقل موثقة سماعة ، ونقل جواب الشيخ (قدسسره) عنهما بما ذكرناه.
وبالجملة
فالظاهر ان الحكم لا خلاف ولا اشكال فيه. والله العالم.
المسألة
السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) انه لا يجوز تأخير السعي
عن الطواف الى الغد. وقال المحقق (قدسسره) : يجوز تأخيره إلى الغد ولا يجوز عن الغد.
والأظهر القول
المشهور ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يقدم
__________________
مكة حاجا وقد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة ويؤخر السعي الى ان يبرد. فقال
: لا بأس به وربما فعلته» وزاد في التهذيب قال : «وربما رأيته يؤخر السعي إلى
الليل» وقال في من لا يحضره الفقيه : وفي حديث آخر «يؤخره إلى الليل».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين
الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا».
وما رواه في
الكافي عن العلاء بن رزين في الصحيح قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا ، أيؤخر الطواف
بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا». ورواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله .
واما ما رواه
الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أحدهما (عليهماالسلام) عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا
والمروة؟ قال : نعم». فيجب حمل إطلاقه على ما تقدم في الأخبار من التأخير ساعة أو
ساعتين أو للاستراحة إلى الليل.
واما ما ذهب
اليه المحقق فلم نقف له على مستند. الا ان شيخنا الشهيد (قدسسره) في الدروس قال بعد نقل ذلك عن المحقق : وهو مروي. ولعل
الرواية وصلت اليه ولم تصل إلينا.
__________________
البحث الرابع
في التقصير وفيه
مسائل :
الأولى ـ لا
خلاف في انه يجب على المعتمر المتمتع بعد السعى التقصير وبه يحل من كل شيء إلا
الصيد لكونه في الحرم ، فلو خرج من الحرم حل له.
ومن ما يدل على
ذلك ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع ، فقصر من شعرك من
جوانبه ولحيتك ، وخذ من شاربك ، وقلم أظفارك ، وأبق منها لحجك ، فإذا فعلت ذلك فقد
أحللت من كل شيء يحل منه المحرم وأحرمت منه ، فطف بالبيت تطوعا ما شئت».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : قال : «وسمعته يقول : طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة ،
ويسعى بين الصفا والمروة ، ويقصر من شعره ، فإذا فعل ذلك فقد أحل».
وعن عمر بن
يزيد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ثم ائت منزلك فقصر من شعرك. وحل لك كل شيء».
__________________
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل : قال «رأيت أبا الحسن (عليهالسلام) أحل من عمرته وأخذ من أطراف شعره كله على المشط ثم
أشار الى شاربه فأخذ منه الحجام ، ثم أشار الى أطراف لحيته. فأخذ منه ثم قام».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج وحفص بن
البختري وغيرهما عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في محرم يقصر من بعض ولا يقصر من بعض؟ قال يجزئه».
وعن الحسين بن
أسلم قال : «لما أراد أبو جعفر ـ يعني : ابن الرضا (عليهماالسلام) ـ ان يقصر من شعره للعمرة أراد الحجام أن يأخذ من
جوانب الرأس ، فقال له : ابدأ بالناصية. فبدأ بها».
والمعروف من مذهب
الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجزئ مسمى التقصير.
قال في المنتهى
: وادنى التقصير ان يقص شيئا من شعره ولو كان يسيرا ، وأقله ثلاث شعرات لأن
الامتثال يحصل به فيكون مجزئا. ولما رواه الشيخ (قدسسره) في الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من
__________________
شعره بمشقص. قال : لا بأس». هذا اختيار علمائنا. ثم نقل اختلاف العامة .
وقال في الكتاب
المذكور : لو قص الشعر بأي شيء كان أجزأه. وكذا لو نتفه أو ازاله بالنورة ، لأن
القصد الإزالة ، والأمر ورد مطلقا ، فيجزئ كل ما يتناوله الإطلاق. ولو قص من
أظفاره أجزأ ، لأنه نوع من التقصير فيتناوله المطلق فيكون مجزئا. وكذا لو أخذ من
شاربه أو حاجبيه أو لحيته أجزأه. انتهى.
أقول : ومن ما
يدل على ذلك وانه لا يتوقف على الآلة المعهودة بل يكفى كيف اتفق ما تقدم في صحيحة
جميل وحفص بن البختري.
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جعلت فداك اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم
اقصر؟ قال : عليك بدنة. قال : قلت : اني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت ،
فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها. فقال : رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة
، وليس عليها شيء».
ورواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن حماد بن عثمان قال : قال رجل لأبي عبد الله (عليهالسلام). وذكر مثله.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقصر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة». ورواه
الكليني في الصحيح الى ابن أبي عمير مثله .
__________________
وما رواه الشيخ
(قدسسره) عن محمد الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل ان تقصر فلما تخوفت
ان يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل عليها شيء؟
قال : لا ليس كل أحد يجد المقاريض».
ومن ذلك يعلم
ان ما اشتمل عليه صحيح معاوية بن عمار وصحيح محمد بن إسماعيل من الأخذ من تلك
المواضع المتعددة فمحمول على الفضل والاستحباب. وبذلك صرح أيضا الأصحاب (رضوان
الله عليهم).
الثانية ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يلزم التقصير في العمرة ولا يجوز حلق الرأس ،
ولو حلقه فعليه دم. ذهب اليه الشيخ في النهاية والمبسوط وابن البراج وابن إدريس
والمحقق والعلامة والشيخ الشهيد وغيرهم ، قال في الدروس : والأصح تحريمه ولو بعد
التقصير.
وذهب الشيخ في
الخلاف إلى انه يجوز الحلق ، والتقصير أفضل ، قال في المختلف بعد نقل قول الخلاف :
وكان يذهب إليه والدي (رحمهالله).
والأصح القول
المشهور ، ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وليس في المتعة إلا التقصير».
وعن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المتمتع أراد ان يقصر فحلق رأسه. قال : عليه دم
يهريقه ، فإذا كان يوم
__________________
النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق».
وروى الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن جميل بن دراج «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة قال ان كان جاهلا فليس عليه شيء
، وان تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء ، وان تعمد بعد
الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه».
أقول : قوله : «وان
تعمد بعد الثلاثين يوما» أي بعد دخول الثلاثين يوما ، وهو عبارة عن دخول ذي القعدة
، وهو الذي يوفر فيه الشعر. وقد تقدم الكلام في ذلك مع صاحب المدارك.
وبالجملة فإن
ما ذهب إليه في الخلاف لا اعرف له وجها بعد ورود الأمر بالتقصير وعدم ورود ما
ينافيه ، والعبادات مبنية على التوقيف من الشارع فالقول به من غير دليل ضعيف
البتة.
وأضعف منه ما
يظهر من العلامة في المنتهى حيث ان ظاهره فيه اختيار القول بالتحريم ووجوب التقصير
، ومع ذلك صرح بأنه لو حلق اجزاء وسقط الدم وكيف يجزئه ما لم يقم عليه دليل بل
الدليل على خلافه واضح السبيل ، حيث ان الشارع رتب على فعله الدم.
وأوجب الشهيد
في الدروس ان يكون التقصير بمكة ، قال : ولا يجب كونه على المروة للرواية الدالة
على جوازه في غيرها نعم يستحب عليها
__________________
وما ذكره (قدسسره) من الوجوب والاستحباب في الموضعين المذكورين لم أقف له
على مستند ، الا ان يكون الوجه في الأول هو وجوب الكون عليه بمكة الى ان يأتي
بالحج. الا انه على إطلاقه ممنوع كما تقدم بيانه في محله. ولعله قد وصل اليه من
الأدلة في أمثال ذلك ما لم يصل إلينا
ثم قال في
الدروس ايضا : ولو حلق بعض رأسه أجزأ عن التقصير ، ولا تحريم فيه. ولو حلق الجميع
احتمل الاجزاء لحصوله بالشروع. وعند التقصير يحل له جميع ما يحل للمحل حتى الوقاع
للنص على جوازه قولا وفعلا.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) من الاحتمال المذكور ليس ببعيد ، لكن ينبغي تقييده بما
إذا نوى من أول الأمر التقصير خاصة ثم بعد حصول التقصير وحصول الإحلال به حلق
الباقي ، اما لو نوى حلق الجميع من أول الأمر فالظاهر عدم الاجزاء ، لان المفهوم
من الاخبار ان العبادات صحة وبطلانا وزيادة ونقصانا تابعة للقصود والنيات ،
والروايات قد وردت بان الحلق مقابل للتقصير وأحدهما غير الآخر ، فإذا نوى الحلق من
أول الأمر وحلق رأسه والحال ان فرضه شرعا انما هو التقصير والحلق غير جائز له فمن
المعلوم ان ما اتى به غير مجزئ بل موجب للكفارة كما دلت عليه الاخبار المتقدمة.
وحينئذ فما ذكره شيخنا المشار اليه لا يصح على إطلاقه بل ينبغي التفصيل فيه.
ونظيره ما تقدم بيانه من انه لو ان مسافرا فرضه التقصير صلى تماما فان نوى القصر
في أول دخوله في الصلاة وانما أتمها بعد مضي صلاته المقصورة ، فإنه يأتي بناء على
استحباب التسليم صحة
__________________
صلاته لأن هذه الزيادة قد وقعت خارجة عن الصلاة وان نوى الإتمام من أول
الأمر بطلت صلاته. وعلى هذا الوجه تحمل الأخبار الدالة على بطلان صلاة المسافر إذا
صلى تماما الا مع الجهل .
الثالثة ـ لو
جامع امرأته قبل التقصير عالما عامدا وجب عليه جزور ان كان موسرا ، وبقرة ان كان
متوسطا ، وشاة ان كان معسرا كذا صرح به في المنتهى. ولو كان جاهلا فلا شيء عليه.
وكذا الناسي في ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم).
والذي وقفت
عليه من اخبار هذه المسألة ما تقدم في المسألة الاولى من صحيحة الحلبي أو حسنته.
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله
(عليهالسلام) عن رجل طاف بالبيت ثم بالصفا والمروة وقد تمتع ثم عجل
فقبل امرأته قبل ان يقصر من رأسه. فقال عليه دم يهريقه وان جامع فعليه جزور أو
بقرة». ورواه في الفقيه والتهذيب مثله بأدنى تفاوت.
وما رواه
المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن عمار قال :
__________________
«سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع وقع على امرأته قبل ان يقصر. قال : ينحر
جزورا وقد خفت ان يكون قد ثلم حجه» وزاد في الكافي والفقيه : «ان كان عالما وان
كان جاهلا فلا شيء عليه».
وما رواه الشيخ
في الصحيح بالإسناد المتقدم عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع وقع على امرأته قبل ان يقصر. قال : عليه دم
شاة».
وما رواه الشيخ
عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت : متمتع وقع على امرأته قبل ان يقصر؟ قال :
عليه دم شاة».
ولو واقعها بعد
التقصير فلا شيء عليه ، لما تقدم من الاخبار الدالة على الإحلال بذلك.
ويدل عليه ايضا
خصوص ما رواه الشيخ عن محمد بن ميمون قال : قدم أبو الحسن متمتعا ليلة عرفة فطاف وأحل واتى
بعض جواريه ، ثم أهل بالحج وخرج».
والظاهر ان
مستند ما ذكره الأصحاب من التفصيل المتقدم ذكره نقلا عن المنتهى هو الجمع بين
اخبار الجزور والبقرة والشاة بالحمل على الموسر
__________________
والمتوسط والمعسر وله نظائر عديدة في أحكام الحج وقد وردت فيها الاخبار
صريحة بهذا التفصيل. وقد دلت صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة على ان من قبل امرأته
قبل ان يقصر فعليه دم يهريقه وبه قال الشيخ (قدسسره) على ما نقله في المنتهى. ولا بأس به للخبر المذكور.
الرابعة ـ إذا
طاف المتمتع وسعى ثم أحرم بالحج قبل ان يقصر ، فان فعل ذلك عامدا فالمشهور انه
تبطل عمرته ويصير الحج مفردا. وقيل ببطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام
الأول. وان كان ناسيا فالمشهور انه لا شيء عليه. وقيل عليه دم وقد تقدم تحقيق
المسألة ونقل الأخبار التي فيها مستوفى في المقصد الثالث من مقاصد الباب الثاني فلا ضرورة إلى الإعادة.
الخامسة ـ الأفضل
لمن قصر من عمرة التمتع ان يتشبه بالمحرمين في ترك لبس المخيط وكذا أهل مكة أيام
الموسم.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري عن غير واحد عن أبي عبد الله
(عليهالسلام) قال : «ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحج إذا أحل ان لا
يلبس قميصا وليتشبه بالمحرمين». ورواه الصدوق (قدسسره) مرسلا .
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا ينبغي لأهل مكة ان يلبسوا القميص وان يتشبهوا
بالمحرمين شعثا غبرا. وقال : ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك».
__________________
وروى الشيخ
المفيد في المقنعة مرسلا قال قال (عليهالسلام): «ينبغي للمتمتع إذا أحل ان لا يلبس قميصا ويتشبه
بالمحرمين. وكذا ينبغي لأهل مكة أيام الحج».
ويكره الطواف
بعد السعي حتى يقصر ، لما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يطوف المعتمر بالبيت بعد طواف الفريضة حتى
يقصر».
السادسة ـ إذا
أتم المتمتع أفعال عمرته وقصر فقد أحل ، كما تقدمت به الاخبار ، وعليه أكثر الأصحاب ، سواء ساق الهدى معه
أم لا. وذهب الشيخ في الخلاف وابن أبي عقيل إلى انه متى سابق الهدى معه فإنه لا
يحل حتى يبلغ الهدى محله ، لأنه قارن. وقد تقدم البحث في المسألة مستوفى في
المقدمة المشتملة على تقسيم الحج إلى الأقسام الثلاثة فليراجع.
السابعة ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ـ بل ادعى العلامة في المنتهى انه لا يعرف
فيه خلافا ـ هو عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.
ونقل الشهيد في
الدروس عن بعض الأصحاب قولا بان في المتمتع بها طواف النساء.
وهو مع جهل
قائله مردود بالأخبار المستفيضة ومنها الأخبار المتقدمة
__________________
الدالة على انه متى قصر حل له كل شيء.
ومنها زيادة
على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي وصفوان عن معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال «على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت
وسعيان بين الصفا والمروة ، وعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان عند مقام
إبراهيم (عليهالسلام) وسعى بين الصفا والمروة ، ثم يقصر وقد أحل هذا للعمرة.
وعليه للحج طوافان وسعى بين الصفا والمروة.».
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «المتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت وطوافان بين الصفا والمروة. الحديث».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة قال «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل. فقال المتعة. فقلت
وما المتعة؟ فقال : يهل بالحج في أشهر الحج ، فإذا طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف
المقام وسعى بين الصفا والمروة قصر وأحل. الحديث».
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث ، وما دل عليه من أفضلية حج
الافراد على حج التمتع ، وانه خرج مخرج التقية.
نعم روى الشيخ
عن سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليهالسلام) قال : «إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا ، فطاف بالبيت ،
وصلى ركعتين
__________________
خلف مقام إبراهيم (عليهالسلام) ، وسعى بين الصفا والمروة وقصر ، فقد حل له كل شيء ما
خلا النساء ، لان عليه لتحلة النساء طوافا وصلاة».
وهو لضعف سنده
قاصر عن معارضة الأخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة من ما قدمناه ، وحمله الشيخ على
طواف الحج. وهو غير بعيد ، لأنه ليس الخبر صريحا ولا ظاهرا في ان طوافه وسعيه كان
للعمرة. والله العاچلم.
تتمة
تشتمل على فائدتين
:
الأولى ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من دخل مكة بعمرة التمتع في أشهر الحج ، لم يجز
له ان يجعلها مفردة ، ولا ان يخرج من مكة حتى يأتي بالحج ، لأنها مرتبطة بالحج.
وقال ابن إدريس
: لا يحرم ذلك بل يكره ، لأنه لا دليل على حظر الخروج من مكة بعد الإحلال من
مناسكها.
وهو مردود
بالاخبار : منها قوله (صلىاللهعليهوآله) في صحيحة معاوية بن عمار «دخلت العمرة في الحج هكذا. وشبك بين أصابعه». وإذا فعل عمرة التمتع فقد
فعل بعض أفعال الحج فيجب عليه الإتيان
__________________
بالباقي ، لقوله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) .
وما رواه
معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) من اين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : ان المتمتع
مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء».
وعن علي قال : «سأله أبو بصير وانا حاضر عمن أهل بالعمرة في
أشهر الحج ، له ان يرجع؟ فقال : ليس في أشهر الحج عمرة يرجع فيها إلى اهله ولكنه
يحتبس بمكة حتى يقضى حجه ، لأنه إنما أحرم لذلك».
وهذا الخبر وان
أوهم في بادي الرأي الحمل على العمرة المفردة من حيث إطلاقه الا ان المفهوم من
قوله «لأنه إنما أحرم لذلك» ان المراد بالعمرة فيه انما هي عمرة التمتع ، وان أصل
إحرامه انما هو للحج ، لما عرفت آنفا من ارتباط العمرة بالحج ، فالإحرام بالعمرة
المتمتع بها إحرام بالحج في الحقيقة ، بمعنى لا يجوز الخروج حتى يأتي بالحج.
الى غير ذلك من
الروايات المتقدمة في المقدمات الدالة على ان من تمتع بالعمرة إلى الحج
فليس له الخروج حتى يأتي بالحج أو يرجع قبل العشرة
الثانية ـ قد
صرح العلامة (قدسسره) في كتاب المنتهى والتذكرة بأن
__________________
من أحرم بالعمرة المتمتع بها الى الحج في غير أشهر الحج ، كانت صحيحة وان
لم يجز التمتع بها ، بل تصير عمرة مفردة ، قال في المنتهى : ولا ينعقد الإحرام
بالعمرة المتمتع بها إلا في أشهر الحج ، فإن أحرم بها في غيرها انعقد للعمرة
المبتولة. ونحوه في التذكرة. ولم ينقل خلافا في ذلك الا عن المخالفين وربما أشعر بذلك ايضا بعض عبارات غيره.
وهو ـ مع كونه
لا دليل عليه ، وبناء العبادات على التوقيف من الشارع ـ مردود بان ما نواه من
التمتع باطل ، لعدم حصول شرطه الذي هو وقوعه في أشهر الحج كما اعترف به ، والعمرة
المفردة غير منوية ولا مقصودة. وبالجملة فما ذهب اليه (قدسسره) لا اعرف له وجها.
وأغرب من ذلك
ما ذكره (قدسسره) ايضا من ان من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد
إحرامه للحج وانعقد للعمرة.
واستدل على ذلك
بما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر الأحول عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟ قال : يجعلها عمرة». والذي يقرب ان
المراد من الرواية هو ان من فرض الحج في غير أشهر الحج ينبغي له ان ينوي العمرة ،
لأن الحج لا يكون صحيحا على ذلك التقدير ، والاولى ان يقصد العمرة وينويها.
المطلب الثاني في العمرة المفردة
وفيه مسائل الأولى
ـ لا خلاف نصا وفتوى ان العمرة واجبة كالحج.
__________________
قال في المنتهى : العمرة واجبة مثل الحج على كل مكلف حاصل فيه شرائط الحج
بأصل الشرع ، ذهب إليه علماؤنا (رضوان الله عليهم) أجمع.
أقول : ويدل
عليه قوله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) .
وما رواه
الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من
استطاع ، لأن الله (عزوجل) يقول (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) . قلت : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزئ عنه؟ قال : نعم».
وعن عمر بن
أذينة في الحسن قال : «كتبت الى أبي عبد الله (عليهالسلام) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس ، فجاء
الجواب بإملائه : سألت عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) يعنى به الحج والعمرة جميعا ، لأنهما مفروضان. وسألته
عن قول الله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) قال : يعني بتمامهما أداءهما ، واتقاء ما يتقى المحرم
فيهما».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن الفضل أبي العباس عن أبي عبد الله «في قول الله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ)
__________________
قال : هما مفروضان».
وعن زرارة بن
أعين في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام) في حديث قال : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ،
لأن الله تعالى يقول (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) وانما نزلت العمرة بالمدينة».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن (يَوْمَ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ). فقال : هو يوم النحر والأصغر هو العمرة».
وعن المفضل بن
صالح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العمرة مفروضة مثل الحج. الحديث». قال : «وقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم». قال
الصدوق (قدسسره) يعني العمرة المفردة دون عمرة التمتع فلا يجوز ان يبدأ
بالحج قبلها.
وما رواه في
العلل في الصحيح عن عمر بن أذينة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) يعنى به الحج دون العمرة؟ قال :
__________________
لا ولكنه يعني الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان».
وروى في تفسير
العياشي عن عمر بن أذينة قال قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) (وَلِلّهِ عَلَى
النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) . الحديث مثله.
وقد تجب بالنذر
وشبهه والاستئجار ، والإفساد على ما قطع به الأصحاب والفوات ، فان من فاته الحج
يجب عليه ان يتحلل بعمرة مفردة ، ويقتضيه في العام المقبل ان كان واجبا والا استحب
قضاؤه ، وبدخول مكة عدا من استثنى ، وبالجملة فالحكم فيه كالحج. وقد تقدم تحقيق
هذه المسألة بالنسبة إلى الحج في المقدمات.
الثانية ـ قد
ذكر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ان أفعالها ثمانية النية ، والإحرام ،
والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء ، وركعتاه والتقصير أو الحلق.
أقول : وقد
قدمنا الكلام في جميع هذه المعدودات عدا طواف النساء وما بعده.
فاما وجوب طواف
النساء هنا فهو المشهور بين الأصحاب ، بل ادعى عليه في المنتهى الإجماع.
ونقل الشهيد في
الدروس عن الجعفي انه حكم بسقوط طواف النساء في المفردة.
أقول : وهو
ظاهر الصدوق في من لا يحضره الفقيه حيث قال : ولا يجب طواف النساء الا على الحاج.
ذكر ذلك في باب إهلال العمرة المبتولة وإحلالها
__________________
ونسكها ولم أعثر على من نقله عنه مع ان كلامه ظاهر فيه كما ترى.
وهو الظاهر
ايضا من ابن أبي عقيل ، كما سيأتي نقل عبارته ان شاء الله تعالى.
واما الاخبار
الواردة في ذلك فهي مختلفة فما يدل على القول المشهور ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن
رياح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن مفرد العمرة ، عليه طواف النساء؟ قال : نعم».
وعن محمد بن
عيسى قال : «كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي الى الرجل (عليهالسلام) يسأله عن العمرة المبتولة ، هل على صاحبها طواف النساء؟
وعن العمرة التي يتمتع بها الى الحج. فكتب : أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف
النساء. واما التي يتمتع بها الى الحج فليس على صاحبها طواف النساء».
ورواية إبراهيم
بن عبد الحميد عن عمر بن يزيد أو غيره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المعتمر يطوف ويسعى ويحلق ولا بد له بعد الحلق
من طواف آخر».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد قال :
__________________
«قلت لإبراهيم بن عبد الحميد وقد هيأنا نحوا من ثلاثين مسألة نبعث بها الى
أبي الحسن موسى (عليهالسلام) : أدخل لي هذه المسألة ولا تسمني له سله عن العمرة
المفردة على صاحبها طواف النساء؟ قال : فجاءه الجواب في المسائل كلها غيرها فقلت
له : أعدها في مسائل أخر. فجاءه الجواب عنها كلها غير مسألتي. فقلت لإبراهيم بن
عبد الحميد : ان هنا شيئا أفرد المسألة باسمي فقد عرفت مقامي بحوائجك. فكتب بها
اليه فجاء الجواب نعم هو واجب لا بد منه فلقي إبراهيم بن عبد الحميد إسماعيل بن
حميد الأزرق ومعه المسألة والجواب فقال : لقد فتق عليكم إبراهيم بن أبي البلاد
فتقا وهذه مسألته والجواب عنها. فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها فقال : نعم
هو واجب فلقي إسماعيل بن حميد بشر بن إسماعيل بن عمار الصيرفي فأخبره فدخل عليه
فسأله عنها فقال : نعم هو واجب». وهي في الدلالة على القول المشهور واضحة الظهور
عارية عن القصور.
واما ما يدل
على القول الآخر فصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت
وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة فليلحق بأهله ان شاء الله
تعالى».
وصحيحة صفوان
بن يحيى قال : «سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج
وطاف وسعى وقصر ، هل عليه طواف النساء؟
__________________
قال : لا انما طواف النساء بعد الرجوع من منى».
ورواية أبي
خالد مولى علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال : ليس عليه طواف
النساء».
ورواية يونس قال : «ليس طواف النساء الا على الحاج». قال في المدارك
بعد نقل هذه الاخبار الأخيرة : وحكى الشهيد في الدروس عن الجعفي الإفتاء بمضمون
هذه الروايات ، وهو غير بعيد ، لاعتبار سند بعضها وضعف معارضها ، ومطابقتها لمقتضى
الأصل. الا ان المصير الى ما عليه أكثر الأصحاب أولى وأحوط. انتهى.
أقول : ومن ما
يدل على هذا القول زيادة على ما نقله ما رواه في الكافي عن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول : إذا قدم المعتمر مكة وطاف وسعى فان شاء فليمض
على راحلته وليلحق بأهله».
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العمرة المبتولة يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم
يحل ، فان شاء ان يرتحل من ساعته ارتحل».
وما رواه الشيخ
(قدسسره) في التهذيب في الحسن عن نجية عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت وسعى
بين الصفا والمروة وصلى الركعتين خلف مقام إبراهيم فليلحق بأهله ان شاء».
__________________
ثم أقول : لا
يخفى ان ما طعن به في المدارك على الروايات المتقدمة من ضعف السند فقد عرفت في غير
مقام من ما تقدم انه غير مرضي ولا معتمد على ان بعض الاخبار المشار إليها صحيحة
السند وان كان لم ينقله أو لم يطلع عليه ، وهو صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد.
والذي يظهر من
سياقها هو خروج هذه الاخبار الأخيرة مخرج التقية ، فإن العامة لا يرون طواف النساء
في حج ولا عمرة وظاهر الخبر انه كان المعمول عليه يومئذ عدم طواف
النساء ، حتى انهم استغربوا امره (عليهالسلام) بذلك ، كما يشير اليه قوله : «لقد فتق عليكم إبراهيم
ابن أبي البلاد فتقا» وسؤال كل واحد منهم على حدة منه (عليهالسلام)
ويشير الى ذلك
قوله (عليهالسلام) في حديث عمر بن يزيد أو غيره «ولا بد له بعد الحلق من
طواف آخر» حيث كنى عنه ولم يصرح به.
ومثله ما رواه
في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يجيء معتمرا عمرة مبتولة؟ قال : يجزئه إذا طاف بالبيت وسعى بين
الصفا والمروة وحلق ان يطوف طوافا واحدا بالبيت. ومن شاء ان يقصر قصر». أقول :
قوله «طوافا واحدا» اي من غير ضم سعى إليه ، فإن طواف النساء لا سعي فيه ، فان هذه
الإشارات وعدم التصريح انما يقع غالبا في مقام التقية. والرواية ـ كما ترى ـ صحيحة
السند.
وبالجملة
فالظاهر هو القول المشهور. واتفاق الأصحاب عليه قديما
__________________
وحديثا من ما يؤذن بكونه مذهبهم (عليهمالسلام) وهو أبلغ في الدلالة من الاخبار كما قدمنا تحقيقه. على
انه مع العمل باخبار القول المشهور وحمل ما خالفها على التقية تجتمع الاخبار ،
واما مع العمل بالأخبار الأخيرة فإنه يلزم طرح تلك الاخبار مع صراحتها وصحة جملة
منها كما لا يخفى. والله العالم.
واما التخيير
بين الحلق والتقصير فيدل عليه جملة من الاخبار ومنها ما في صحيحة عبد الله بن سنان
المذكورة.
ومنها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة
وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصر. وسألته عن العمرة
المبتولة ، فيها الحلق؟ قال : نعم. وقال : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال في العمرة المبتولة اللهم اغفر للمحلقين قيل : يا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وللمقصرين قال وللمقصرين».
ويستفاد من هذا
الخبر ان الحلق فيها أفضل. وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ايضا.
هذا بالنسبة
إلى الرجال واما النساء فالواجب عليهم التقصير لا غير ، كما صرحوا به ايضا.
ويدل عليه ما
رواه الصدوق مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام)
__________________
ليس على النساء أذان. الى ان قال : ولا الحلق انما يقصرن من شعورهن». قال :
وروى انه يكفيها من التقصير مثل طرف الأنملة.
المسألة
الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في توالي العمرتين وما يجب من الفصل
بينهما وعدمه على أقوال مختلفة :
أحدها ـ ما ذهب
اليه السيد المرتضى وابن إدريس والمحقق في الشرائع وغيرهم من جواز الاتباع بين
العمرتين مطلقا ولو في كل يوم وان كره في أقل من عشرة أيام. قال ابن إدريس : اختلف
أصحابنا في أقل ما يكون بين العمرتين ، فقال بعضهم شهر ، وقال بعضهم يكون في كل
شهر يقع عمرة ، وقال بعضهم لا لوقت وقتا ولا اوجل بينهما مدة ويصح في كل يوم عمرة.
وهذا القول يقوى في نفسي وبه افتى ، واليه ذهب السيد المرتضى في الناصريات. وما
روى في مقدار ما يكون بين العمرتين اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
واستدل السيد
المرتضى في المسائل الناصرية على ما ذهب اليه بقوله (صلىاللهعليهوآله) : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما». ولم يفصل (عليهالسلام) بين ان يكون ذلك في سنة أو سنتين أو شهر أو شهرين.
وثانيها ـ ما
ذهب اليه الشيخ في النهاية والمبسوط من ان أقل ما يكون بين العمرتين عشرة أيام.
وبه قال ابن الجنيد وابن البراج.
__________________
وثالثها ـ في
كل شهر ، واليه ذهب ابن حمزة قال وروى في كل عشرة أيام. واليه ذهب العلامة في
المختلف ، قال والأقرب انه لا يكون بين العمرتين أقل من شهر وقال في المنتهى بعد
الكلام في المسألة : إذا عرفت هذا فقد قيل انه يحرم بين العمرتين أقل من عشرة أيام
، وقيل يكره وهو الأقرب. انتهى. وهو يرجع الى القول الأول ويخالف ما ذهب إليه في
المختلف.
ورابعها ـ ما
ذهب اليه ابن ابي عقيل من تحريمها في أقل من سنة ، قال : لا يجوز عمرتان في عام
واحد ، وقد تأول بعض الشيعة هذا الخبر على معنى الخصوص ، فزعم انها في المتمتع خاصة فأما غيره
فله ان يعتمر في أي الشهور شاء وكم شاء من العمرة. فإن يكن ما تأولوه موجودا في
التوقيت عن لسان الرسول (صلىاللهعليهوآله) فمأخوذ به ، وان كان غير ذلك من جهة الاجتهاد والظن
فذلك مردود عليهم وراجع في ذلك كله الى ما قالته الأئمة (عليهمالسلام) انتهى.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد
الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «في كتاب علي (عليهالسلام) : في كل شهر عمرة».
وعن يونس بن
يعقوب في الموثق قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان عليا (عليهالسلام) كان يقول : في كل شهر عمرة».
وعن علي بن أبي
حمزة قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل يدخل مكة في السنة المرة أو المرتين أو الأربع
، كيف يصنع؟
__________________
قال : إذا دخل فليدخل ملبيا وإذا خرج فليخرج محلا. قال : ولكل شهر عمرة.
فقلت يكون أقل؟ فقال : في كل عشرة أيام عمرة. ثم قال وحقك لقد كان في عامي هذه
السنة ست عمر. قلت : ولم ذاك؟ قال : كنت مع محمد بن إبراهيم بالطائف فكان كلما دخل
دخلت معه». ورواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن علي بن أبي حمزة مثله .
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان علي (عليهالسلام) يقول : لكل شهر عمرة».
وعن الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العمرة في كل سنة مرة».
وفي الصحيح عن
حريز عن أبي عبد الله (عليهالسلام) وفي الصحيح ايضا عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا يكون عمرتان في سنة».
وما رواه
الصدوق (قدسسره) عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة».
وعن علي بن أبي
حمزة عن أبي الحسن موسى (عليهالسلام) قال : «في كل شهر عمرة. قال : قلت : يكون أقل من ذلك؟
قال :
__________________
لكل عشرة أيام عمرة».
وما رواه عبد
الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن
الرضا (عليهالسلام) انه قال : «لكل شهر عمرة».
أقول : لا يخفى
ان أكثر هذه الروايات يدل على القول الثالث. وقد تقدم أيضا جملة من الاخبار في
الموضع السادس عشر من الفصل الثاني في كفارة الجماع من الباب الثاني صريحة الدلالة في ذلك. نعم يبقى الكلام في ما دل على
العشرة وهو رواية علي بن أبي حمزة ، واحتمل المحدث الكاشاني في الوافي حملها على
المتكرر دخوله من خارج ، كما تشعر به رواية صاحب الكافي لهذه الرواية كما قدمناه.
وهو غير بعيد. وعلى كل تقدير فالعمل على هذه الروايات الكثيرة أظهر.
واما ما دل على
مذهب ابن ابي عقيل من صحاح الحلبي وحريز وزرارة فقد حملها الشيخ ومن تبعه من
الأصحاب على عمرة التمتع. وهو في مقام الجمع غير بعيد. واحتمل المحدث المتقدم ذكره
حملها على التقية مستندا الى الأخبار الدالة على الشهر ، وانه مذهب علي (عليهالسلام) وما رواه الصدوق عن ابن بكير عن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول : من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحل أحب أو
__________________
كره الا من اعتمر في عامه ذلك أو ساق الهدى وأشعره وقلده». فان بناء
استثناء المعتمر على عدم جواز عمرتين في عام واحد ، حيث انه متى قلنا بذلك وقد اتى
بعمرة سابقة في عامه ذلك ، لم يحل بطوافه وسعيه ، لعدم صحة وقوع العمرة منه.
أقول : المفهوم
من المنتهى ان جمهور العامة على اعتبار الشهر كما عليه جملة من أصحابنا ، وقال :
وكره العمرة في السنة مرتين الحسن البصري وابن سيرين ومالك والنخعي والمنقول عنهم ـ كما ترى ـ القول بالكراهة والروايات
دالة على التحريم. وبه قال ابن أبي عقيل. فلا يتم ما ذكره من الحمل على التقية.
وكيف كان
فالأظهر هو ما دلت عليه جملة روايات الشهر.
__________________
واما ما ذهب
اليه المرتضى وابن إدريس ومن تبعهما فالظاهر انه ضعيف
اما ما استند
اليه المرتضى فخبر عامي كما نقله في المنتهى ، مع انه لا دلالة فيه على التقدير
ولا عدمه كما ذكره في المختلف.
قال في المختلف
ـ ونعم ما قال ـ : واما احتجاج ابن إدريس فضعيف جدا ، إذ ليس فيه سوى التشنيع على
الشيخ ، والحكم بإسناد هذا المطلوب الى اخبار الآحاد وذلك ليس حجة. وقول السيد
المرتضى لا حجة فيه ، واستدلاله غير ناهض وحكمه (عليهالسلام) ـ بأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ـ لا دلالة
فيه على التقدير ولا على عدمه. مع ان أصحابنا (رحمهمالله) نصوا على ان المفسد للعمرة يجب عليه الكفارة وقضاؤها
في الشهر الداخل. ولو كان كل وقت صالحا للعمرة لما انتظر في القضاء الى الشهر
الداخل. وايضا حكموا على الخارج من مكة بعد الاعتمار بأنه إذا دخل مكة في ذلك
الشهر اجتزأ بعمرته ، ولو دخل في غيره وجبت عليه عمرة أخرى ، ويتمتع بالأخيرة وكل
ذلك يدل على اعتبار الشهر بين العمرتين. انتهى. وهو جيد.
المسألة
الرابعة المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بل ربما ادعى عليه الإجماع
وجوب الفورية بالعمرة. وهو في عمرة التمتع ظاهر ، لوجوب الفورية بالحج وهي مقدمة
عليه. واما في العمرة المبتولة فيمكن الاستدلال عليه بالأخبار الدالة على مساواتها
للحج في كيفية الوجوب. وقد تقدمت في صدر المطلب .
__________________
الا ان كلامهم
في هذا الباب لا يخلو من نوع تشويش واضطراب ، فإنهم قد نصوا على الفورية كما سمعت
، قال في المنتهى : وهي واجبة على الفور كالحج. وقال المحقق في كتاب العمرة من
الشرائع : ووجوب العمرة على الفور. ويؤكده أيضا نصهم على ان محلها بعد الفراغ من
الحج. قال في الشرائع من كتاب الحج بعد ذكر حج الافراد : وعليه عمرة مفردة بعد
الحج والإحلال منه. ثم نصوا على انه يجوز وقوعها في غير أشهر الحج. ومرادهم العمرة
التي يجب الإتيان بها بعد الحج لا العمرة المطلقة ليمكن بذلك رفع التنافي.
قال في المدارك
بعد نقل عبارة المحقق من الشرائع في كتاب الحج بما ذكرناه : اي ويجوز وقوع العمرة
المفردة التي يجب الإتيان بها بعد الحج في غير أشهر الحج. وهذا الحكم مقطوع به في
كلام الأصحاب. بل قال في المنتهى : والعمرة المبتولة تجوز في جميع أيام السنة ،
ولا نعرف فيه خلافا. ويدل عليه إطلاق الأمر بالعمرة من الكتاب والسنة الخالي من
التقييد. انتهى.
وقال الشهيد في
الدروس : ووقت العمرة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من الحج وانقضاء أيام التشريق
، لرواية معاوية بن عمار السالفة أو في استقبال المحرم. وليس هذا القدر منافيا
للفورية وقيل يؤخرها عن الحج حتى يمكن الموسى من الرأس. انتهى.
وظاهر كلامه
وجوب تأخيرها بعد الحج الى انقضاء أيام لتشريق ، كما نقل عن جمع من الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) :
لصحيحة معاوية
بن عمار المتضمنة للنهي عن عمرة التحلل في أيام
__________________
التشريق ، وهي ما رواه في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف؟ قال يقيم مع
الناس حراما أيام التشريق ، ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا
والمروة وأحل ، وعليه الحج من قابل ، يحرم من حيث أحرم». قالوا : فغيرها اولى.
وفي دلالتها
على الوجوب سيما بالتقريب المذكور إشكال.
الا انه يمكن
الاستعانة على ذلك بما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن داود بن كثير
الرقي قال : «كنت مع أبي عبد الله (عليهالسلام) بمنى إذ دخل عليه رجل فقال : قدم اليوم قوم قد فاتهم
الحج. فقال : نسأل الله العافية. ثم قال : أرى عليهم ان يهريق كل واحد منهم دم شاة
ويحلون ، وعليهم الحج من قابل ان انصرفوا الى بلادهم وان أقاموا حتى تمضي أيام
التشريق بمكة ثم خرجوا الى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم
الحج من قابل».
والتقريب فيه
انه يفهم من الخبرين المذكورين ان العمرة كيف كانت لا تقع في أيام التشريق.
واما ما ذكره
من التأخير إلى استقبال المحرم فيدل عليه ما ذكره الشيخ (رحمهالله تعالى) قال : وقد روى أصحابنا وغيرهم عن ابي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
«ان المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر بعد الحج ، وهو الذي أمر به رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) عائشة. الى ان قال : وقالوا : قال أبو عبد الله (عليهالسلام): المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام إلى هلال المحرم
واعتمر ، فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة».
ثم العجب من
قوله (قدسسره) بعد ذلك : وليس هذا القدر منافيا للفورية. وكيف لا
يكون منافيا للفورية وظاهرهم تفسيرها بالإتيان به بعد الحج ، والمتبادر منها هي
البعدية القريبة الموجبة للاتصال. على ان شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله تعالى
مرقده) قد أورد على جواز التأخير إلى المحرم اشكالا بوجوب إيقاع الحج والعمرة في
عام واحد ، قال : الا ان يراد بالعام اثنا عشر شهرا ، ومبدأها زمان التلبس بالحج.
واما ما ذكره ـ
من نقل القول بالتأخير حتى يمكن الموسى من الرأس ـ فهو إشارة الى ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المعتمر بعد الحج قال : إذا أمكن الموسى من رأسه
فحسن». وظاهرها ان الإتيان بها بعد الإحلال لا قبله. ولا دلالة فيها على التوقيت.
ومن يعمل على هذا الاصطلاح المحدث يتعين عنده الوقوف على هذه الصحيحة ، ومن لا
يعمل به فالجمع عنده بين هذه الصحيحة وبين ما دل على التأخير الى بعد أيام التشريق
لا يخلو من اشكال قال في المدارك : وبالجملة فلم نقف في هذه المسألة على رواية
معتبرة تقتضي التوقيت ، لكن مقتضى وجوب الفورية التأثيم بالتأخير ، وهو لا ينافي
__________________
وقوعها في جميع أيام السنة كما قطع به الأصحاب (رضوان الله عليهم).
أقول : متى ثبت
الدليل على الفورية ، والعبادات توقيفية ، يجب الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشرع
وقتا وكمية وكيفية ، فإن كان ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا عن دليل فهو
خروج عن ما رسمه صاحب الشريعة فلا يكون مجزئا ولا صحيحا ، وان كان عن دليل فقد
تصادم الدليلان في المسألة وعظم الإشكال ، الا ان يترجح أحدهما بما يوجب العمل به
وطرح الآخر. فما ذكره (قدسسره) لا اعرف له على إطلاقه وجها وجيها.
وبالجملة فإن
كلامهم في هذه المسألة غير منقح ولا واضح ، والأدلة فيها كما عرفت. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ ميقات العمرة هو ميقات الحج لمن كان خارجا عن حدود المواقيت المتقدمة
إذا قصد مكة ، واما غيره ممن كان داخلا بينها وبين مكة أو من أهل مكة أو مجاورا
بمكة وأراد العمرة فإنه يخرج إلى أدنى الحل ، وأفضله من أحد المواقيت التي وقتها
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثمة ، وهي الحديبية وجعرانة وعسفان والتنعيم.
وظاهر الدروس
الترتيب بينها في الفضل ، حيث قال : وأفضله الجعرانة لإحرام النبي (صلىاللهعليهوآله) منها ، ثم التنعيم ، لأمره بذلك ، ثم الحديبية ،
لاهتمامه بها.
أقول : الظاهر
ان إحرامه يومئذ من الجعرانة انما هو من حيث كونها في طريقه بعد رجوعه من الطائف إلى
مكة ، فلا يدل على خصوصية توجب الفضل على غيرها. وقد أهل أيضا من عسفان في بعض
عمره ، كما يأتي في الأخبار ان شاء الله تعالى في المقام.
ومن الاخبار
المتعلقة بهذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال :
تمضى كما هي الى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر ، وتخرج الى التنعيم
فتجعلها عمرة» قال ابن أبي عمير : «كما صنعت عائشة».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال فيه : «واعتمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثلاث عمر متفرقات ، كلها في ذي القعدة : عمرة أهل فيها
من عسفان وهي عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء أهل فيها من الجحفة ، وعمرة أهل فيها
من الجعرانة ، وهي بعد ان رجع من الطائف من غزاة حنين».
وروى هذه
الرواية في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اعتمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثلاث عمر متفرقات : عمرة ذي القعدة أهل من عسفان وهي
عمرة الحديبية وعمرة أهل من الجحفة وهي عمرة القضاء ، وعمرة من الجعرانة بعد ما
رجع من الطائف من غزوة حنين».
__________________
وفي صحيحة
معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة في المطلب الأول من المقدمة الرابعة المتضمنة لسياق حجه (صلىاللهعليهوآله) قال «انه لما قالت له عائشة : يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أترجع نساؤك بحجة وعمرة معا وارجع بحجة؟ أنه أقام
بالأبطح وبعث بها عبد الرحمن بن أبي بكر الى التنعيم وأهلت بعمرة. الحديث».
وفي صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) لما قال له سفيان : ما يحملك على ان تأمر أصحابك يأتون
الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال : واي وقت من مواقيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هو؟ فقلت له : أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من
الطائف. الحديث.
وفي صحيحة عمر
بن يزيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من
أراد ان يخرج من مكة ليعتمر اعتمر من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها».
واما ما يدل
على الإحرام من المواقيت الستة المشهورة لمن كان خارجا فهو ما تقدم من انه لا يجوز
لأحد قاصد إلى مكة ان يجاوز هذه المواقيت الا محرما. وقد تقدمت الأخبار بذلك في المقصد
الثالث من الباب الثاني في الإحرام .
__________________
المسألة
السادسة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بان جميع أوقات السنة صالح
للعمرة المبتولة ، وان أفضلها رجب.
ومن الاخبار
الواردة في المقام ما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء ، وأفضل
العمرة عمرة رجب».
وروى الشيخ في
الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) في حديث قال : «وأفضل العمرة عمرة رجب».
وروى الصدوق في
الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل أي العمرة أفضل : عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال : لا بل
عمرة في رجب أفضل».
أقول : ويكفي
في كونها رجبية حصول الإهلال بها في رجب وان وقعت الأفعال في شعبان.
روى ذلك ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «اني كنت أخرج لليلة أو ليلتين تبقيان من
رجب ، فتقول أم فروة : أي أبه إن عمرتنا شعبانية فأقول لها : أي بنية انها في ما
أهللت وليس في ما أحللت». وعن عيسى الفراء عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
__________________
أهل بالعمرة في رجب وأحل في غيره كانت عمرته لرجب وإذا أهل في غير رجب وطاف
في رجب فعمرته لرجب».
وروى الصدوق في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبية».
المسألة
السابعة ـ قد قدمنا ان هذه العمرة واجبة مفروضة على الخلق كوجوب الحج. ويجب ان
يعلم ان من تمتع بالعمرة إلى الحج سقط عنه فرض وجوبها.
ويدل على ذلك ما
رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من
فريضة العمرة».
وعن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث «قلت : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزئ ذلك
عنه؟ قال : نعم».
وعن احمد بن
محمد بن أبي نصر قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن العمرة أواجبة هي؟ قال : نعم. قلت : فمن تمتع يجزى
عنه؟ قال : نعم».
وروى الشيخ في
الموثق عن يعقوب بن شعيب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : قول الله عزوجل : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
__________________
لِلّهِ) يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة
المفردة؟ قال : كذلك أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أصحابه».
وروى الصدوق (قدسسره) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العمرة مفروضة مثل الحج ، فإذا أدى المتعة فقد
أدى العمرة المفروضة» . ومن اعتمر في أشهر الحج عمرة مفردة فإن شاء ذهب حيث
شاء وان شاء دخل بها في الحج وجعلها عمرة تمتع.
المسألة الثامنة
ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ان صفة العمرة المفردة هو انه إذا
دخل مكة ، طاف بالبيت طوافا واحدا وصلى ركعتيه ثم سعى بين الصفا والمروة ، ثم قصر
ان شاء لو حلق ، ثم طاف طواف النساء ، وقد أحل من كل شيء أحرم منه.
ونقل في
المختلف عن أبي الصلاح تقديم طواف النساء على الحلق أو التقصير ، حيث قال ثم يدخل
المسجد ، فيطوف بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم يرجع الى البيت فيطوف طوافا
آخر ، وهو طواف النساء ثم يحلق رأسه.
وعن ابن أبي
عقيل انه قال في وصف العمرة المفردة : فإذا طاف بالبيت وصلى خلف المقام وسعى بين
الصفا والمروة ، قصر أو حلق ، وان شاء خرج وان شاء اقام. ولم يذكر طواف النساء
وظاهره موافق لما تقدم نقله عن الجعفي والصدوق من انه ليس في العمرة المبتولة طواف
النساء.
__________________
وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثانية.
بقي الكلام هنا
في ما ذكره أبو الصلاح من تقديم طواف النساء على الحلق والتقصير.
والذي يدل على
القول المشهور من تأخر طواف النساء رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة في المسألة المذكورة. ومثلها صحيحة عبد الله بن سنان
المنقولة ثمة أيضا .
ويؤيده أيضا
قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ثمة أيضا : «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من
طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصر».
والتقريب انه
رتب الحلق أو التقصير على الفراغ من هذه الأشياء خاصة ، فهو يدل على متابعته لها
وانه بعدها بلا فصل.
المسألة
التاسعة ـ المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ان من دخل مكة بعمرة
مفردة في غير أشهر الحج فليس له ان يتمتع بها وان كان في أشهر الحج فان له ان
يتمتع بها ، وان شاء ذهب حيث شاء والأفضل ان يقيم حتى يحج ويجعلها متعة. ونقل عن
ابن البراج ان من اعتمر بعمرة غير متمتع بها الى الحج في شمور الحج ثم أقام بمكة
إلى ان أدرك يوم التروية ، فعليه ان يحرم بالحج ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاج
، ويصير بذلك متمتعا. ومن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له ان يقضيها
ويخرج الى اي موضع شاء ما لم يدركه يوم التروية.
__________________
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع
الى اهله». وهذا الخبر دال بإطلاقه على القول المشهور الا ان يقوم دليل على
التقييد.
وفي الصحيح عن
إبراهيم بن عمر اليماني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم رجع الى بلاده. قال : لا بأس ،
وان حج من عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم ، فان الحسين بن علي (عليهماالسلام) خرج قبل التروية بيوم الى العراق وقد كان دخل معتمرا».
وفي التهذيب «خرج يوم التروية» وهو الأصح كما في الحديث الآتي.
وعن معاوية بن
عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): من اين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : ان المتمتع
مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين (عليهالسلام) في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس
يروحون إلى منى. ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج».
أقول : والظاهر
من استدلاله (عليهالسلام) بخروج الحسين (صلوات الله عليه) يوم التروية بعد
اعتماره في أشهر الحج هو جواز الخروج قبل ذلك بطريق اولى. وهو ظاهر في الرد على ما
نقل عن ابن البراج.
__________________
وما ادعاه بعض
المحققين من ان خروج الحسين (عليهالسلام) للضرورة فلا يكون حجة في الدلالة على جواز الخروج
مطلقا ينافيه استدلاله (عليهالسلام) بذلك ، وذلك فإن القائل بالقول المشهور لم يستدل بخروج
الحسين (عليهالسلام) في ذلك اليوم حتى انه يرد عليه ما ذكره ، بل انما
استدل بقوله (عليهالسلام) في الخبر الأول : «لا بأس» وفي الحديث الثاني «ذهب حيث
شاء» ثم استدل (عليهالسلام) على الحكم المذكور بفعل الحسين. والاعتراض بما ذكره
هذا المحقق يرجع في الحقيقة إلى الاعتراض على الامام (عليهالسلام) في هذين الخبرين ، وهو أظهر في البطلان من ان يحتاج
الى بيان.
وبالجملة فإن
الخبرين ظاهران في ان المعتمر عمرة مفردة في أشهر الحج له الخروج اي وقت شاء.
وأظهر منهما في
ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن نجية عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع ، فطاف بالبيت ،
وسعى بين الصفا والمروة ، وصلى الركعتين خلف مقام إبراهيم (عليهالسلام) فليلحق بأهله ان شاء. وقال : إنما أنزلت العمرة
المفردة والمتعة لأن المتعة دخلت في الحج ولم تدخل العمرة المفردة في الحج».
وظاهر الخبر
المذكور عدم جواز الدخول في حج التمتع بالعمرة المفردة وان كانت في أشهر الحج.
ولهذا حمله الشيخ على العمرة المفردة في غير أشهر الحج ومنها :
ما رواه الصدوق
في الموثق عن سماعة بن مهران عن
__________________
أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «من حج معتمرا في شوال ومن نيته ان يعتمر
ويرجع الى بلاده فلا بأس بذلك. وان هو أقام إلى الحج فهو متمتع ، لأن أشهر الحج
شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن اعتمر فيهن واقام إلى الحج فهي متعة ، ومن رجع
الى بلاده ولم يقم الى الحج فهي عمرة. وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى
الحج فليس بمتمتع وانما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج
بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا
بعمرة إلى الحج ، فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها».
أقول : ربما
يتوهم من هذه الرواية الدلالة على ما ذهب اليه ابن البراج بان يقال : المعنى فيها
انه بعد اعتماره ان انصرف الى بلاده فلا بأس ، وان أقام إلى الحج ـ أي إلى يوم
الحج وهو يوم التروية الذي يخرجون فيه الى الحج ـ فهو متمتع لا يجوز له الخروج بعد
ذلك. والظاهر انه ليس المعنى في الخبر ذلك ، بل المراد انما هو انه ان أراد الذهاب
بعد عمرته فلا بأس ، وان لم يرد الذهاب بل أراد الحج فليحج متمتعا. فظاهر الخبر
تعين التمتع في ما لو أراد الحج والحال هذه ، من حيث ان العمرة وان كانت انما وقعت
أولا بنية الافراد الا انها من حيث الوقوع في أشهر الحج صارت مرتبطة بالحج متى
قصده واراده. والذي يظهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الحج متعة انما هو
على جهة الأفضلية والاستحباب
__________________
ولعله نظر الى ان العمرة أولا انما كانت عمرة مفردة فهو مخير في الحج حينئذ
لكنه متى اختار التمتع كان له الاكتفاء بتلك العمرة. والذي يظهر لي من الخبر هو ما
ذكرته.
ومنها : ما
رواه الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من اعتمر عمرة مفردة فله ان يخرج إلى أهله متى
شاء الا ان يدركه خروج الناس يوم التروية».
أقول : وهذه
الرواية ظاهرة في ما نقل عن ابن البراج.
وما رواه الشيخ
عن موسى بن القاسم قال : أخبرني بعض أصحابنا : «انه سأل أبا جعفر (عليهالسلام) في عشر من شوال ، فقال : اني أريد ان أفرد عمرة هذا
الشهر. فقال له : أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : ان المدينة منزلي ومكة منزلي
ولي بينهما أهل وبينهما أموال؟ فقال له : أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : فإن لي
ضياعا حول مكة واحتاج الى الخروج إليها؟ فقال : تخرج حلالا وترجع حلالا الى الحج».
أقول : حمله في
التهذيبين على من دخل لعمرة التمتع ثم أراد إفرادها وفي الاستبصار جوز حمله على
الاستحباب.
ثم أقول : لا
يخفى ان هذا الخبر لا يوافق ما ذكره ابن البراج ، لتخصيصه وجوب الحج بدخول يوم
التروية عليه في مكة ، والا فيجوز له الخروج قبل ذلك. وهذا الخبر دل على انه يجب
عليه حج التمتع وان
__________________
أحرم في شوال وانه ليس له الخروج بعد دخوله بعمرته. فهو حينئذ غير معمول
عليه اتفاقا ، مع رد الأخبار المتقدمة له ، ولا سيما قوله (عليهالسلام) في آخر رواية معاوية بن عمار : «ولا بأس بالعمرة في ذي
الحجة لمن لا يريد الحج».
ومنها : ما
رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته ثم
خرج كان ذلك له ، وان أقام الى ان يدركه الحج كانت عمرته متعة. وقال : ليس تكون
متعة إلا في أشهر الحج».
أقول : وظاهر
هذه الرواية وان أوهم ما نقل عن ابن البراج الا انه يمكن حملها على انه أقام إلى
الحج وعزم عليه وكانت إقامته لأجل الحج فليتمتع. وهي ظاهرة ايضا في ما قدمناه من
تعين التمتع في الصورة المذكورة ومنها :
رواية عمر بن
يزيد ايضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس
له ان يخرج حتى يحج مع الناس».
وحملها الشيخ
على من اعتمر عمرة التمتع. وهو ممكن من حيث إطلاق العمرة فيها ، الا انه بالنظر
الى غيرها من ما صرح فيه بالمفردة وان الحكم فيها ما ذكر في هذه الرواية يمكن حمل
إطلاقها على تلك الروايات المذكورة
ومنها : ما رواه
الشيخ عن علي قال : «سأله أبو بصير وانا حاضر عن من أهل بالعمرة في
أشهر الحج ، إله ان يرجع؟ قال : ليس في أشهر
__________________
الحج عمرة يرجع منها إلى اهله ، ولكنه يحتبس بمكة حتى يقضى حجه لأنه إنما
أحرم لذلك». والظاهر حمله على عمرة التمتع ، كما قدمنا بيانه في التتمة التي في
آخر المطلب الثاني. ويدل عليه قوله في آخر الرواية : «لأنه إنما أحرم لذلك».
ومنها : ما
رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المعتمر في أشهر الحج. قال : هي متعة» ،.
وما رواه
الصدوق (قدسسره) في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المملوك يكون في الظهر يرعى وهو يرضى ان يعتمر ثم
يخرج. فقال : ان كان اعتمر في ذي القعدة فحسن ، وان كان في ذي الحجة فلا يصلح الا
الحج».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العمرة في العشر متعة».
أقول : قد دلت
صحيحة يعقوب بن شعيب على ما دلت عليه مرسلة موسى بن القاسم المتقدمة من ان من
اعتمر في أشهر الحج فليتمتع. وظاهر صحيحة عبد الله بن سنان تخصيص ذلك بذي الحجة ،
واما لو كان في ذي القعدة فلا بأس ان يخرج. ومثلها رواية عمر بن يزيد بالتقريب
المذكور في ذيلها. وظاهر رواية عبد الرحمن تخصيص ذلك بعشر ذي الحجة وظاهر صحيحتي
عمر بن يزيد المتقدمتين تخصيص ذلك بإدراك يوم التروية
__________________
المعبر عنه في الثانية بأن يدركه الحج. وهذه مراتب قد ترتبت في هذه
الروايات للأمر بالحج تمتعا لمن اعتمر مفردا في أشهر الحج. وابن البراج إنما أخذ
بالمرتبة الأخيرة. والروايات المتقدمة ـ كما عرفت ـ ظاهرة الدلالة في ان له الرجوع
مطلقا. ولا يحضرني وجه لهذا الاختلاف. والحكم فيه مرجأ إليهم (عليهمالسلام). والله العالم.
المسألة
العاشرة ـ قال في الدروس : ويستحب الاشتراط في إحرامها ، والتلفظ بها في دعائه
أمام الإحرام ، وفي التلبية. ولو استطاع لها خاصة لم تجب. وان استطاع للحج مفردا
دونها فالأقرب الوجوب. ثم تراعى الاستطاعة لها. ولا يدخل أفعالها في أفعال الحج.
ولا يكره إيقاعها في يوم عرفة ولا يوم النحر ولا أيام التشريق. ولو ساق فيها هديا
نحره قبل ان يحلق رأسه بالحزورة على الأفضل. ولو جامع فيها قبل السعي عالما عامدا
فسدت ووجبت عليه بدنة ، وقضاؤها في زمان يصح فيه الاتباع بين العمرتين. وعلى
المرأة المطاوعة مثله. ولو أكرهها تحمل البدنة. ولو جامع بعد السعي فالظاهر وجوب
البدنة وان كان بعد الحلق. ولو جامع في المتمتع بها قبل السعي ، فسدت ، وسرى
الفساد الى الحج في احتمال. ولو كان بعده قبل التقصير ، فجزور ان كان موسرا ،
وبقرة ان كان متوسطا ، وشاة ان كان معسرا. وقال الحسن : بدنة. وقال سلار : بقرة.
وأطلقا. وعلى المطاوعة مثله. ولو أكرهها تحمل. ولو قبلها قبل التقصير فشاة. فلو ظن
إتمام السعي فجامع أو قصر أو قلم أظفاره ، كان عليه بقرة ، وإتمام
السعي ، لروايتي معاوية وسعيد بن يسار وليس في رواية ابن مسكان سوى الجماع. انتهى.
أقول : اما ما
ذكره من استحباب الاشتراط في إحرامها فيدل عليه ما رواه في الكافي عن فضيل بن يسار
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث
حبسه. ومفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن حجة فعمرة».
واما التلفظ
بها في الدعاء والتلبية فلم أقف فيه على نص في خصوص العمرة المفردة ، ولعله مأخوذ
من نصوص التمتع فإنه المذكور فيها.
واما انه لو
استطاع لها خاصة لم تجب. الى آخر ما ذكره في ذلك فهو أحد الأقوال في المسألة على
ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في المدارك.
وقيل انه لا
يشترط في وجوبها الاستطاعة للحج معها بل لو استطاع إليها خاصة وجبت. وكذا الحج
بطريق اولى ، واستجوده في المسالك.
وقال في
المدارك : وهو أشهر الأقوال في المسألة وأجودها ، إذ ليس في ما وصل إلينا من
الروايات دلالة على ارتباطها بالحج ، بل ولا دلالة على اعتبار
__________________
وقوعها في السنة ، وانما المستفاد منها وجوبها خاصة.
أقول : وهو
الظاهر من الاخبار التي قدمناها في صدر هذا المطلب ، ومنها : قول أبي عبد الله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع.».
ونحوها صحيحة زرارة بن أعين المذكورة ثمة أيضا وغيرها.
وقيل ان كلا
منهما لا يجب الا مع الاستطاعة للآخر.
قال في المسالك
بعد نقل القولين المذكورين : وفصل ثالث فأوجب الحج مجردا عنها وشرط في وجوبها
الاستطاعة للحج. وهو مختار الدروس.
ثم ان ما ذكره
في المدارك ـ من انه ليس في ما وصل اليه من الروايات دلالة. من ما ينافيه ما قدمنا
نقله في المسألة الرابعة من قول أبي عبد الله (عليهالسلام) في المرسلة التي نقلها الشيخ عن أصحابنا وغيرهم : «ان
المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر بعد الحج. الحديث». فان ظاهره ان محلها
الموظف لها بعد الحج وان جاز تأخيره إلى أول المحرم كما دل عليه عجز الخبر.
والوظائف الشرعية يجب الوقوف فيها على النقل ، والتجاوز الى غيره يحتاج الى دليل.
فما ذكره في هذا المقام ـ وصرح به أيضا في موضع آخر من قوله : وقد قطع الأصحاب (رضوان
الله عليهم) انه يجب على القارن والمفرد تأخير العمرة عن الحج ، وفي استفادة ذلك
من الاخبار نظر. انتهى ـ محل اشكال.
__________________
واما ما ذكره ـ
من انه لا يدخل أفعالها في أفعال الحج ـ فوجهه ظاهر من ان العبادات مبنية على
التوقيف ، وكل من الحج والعمرة نسك مستقل فإدخال أحدهما في الآخر بأن ينوي الحج
قبل تحلله من العمرة أو العمرة قبل تحلله من الحج غير جائز عند علمائنا. وقد نقل
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الإجماع على ذلك. ويدل عليه ظاهر قوله (عزوجل) : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
لِلّهِ) وقد تقدم الخلاف في من لبى بالحج قبل ان يقصر من عمرته.
واما انه لا
يكره إيقاعها في الأيام المذكورة فينافيه ما تقدم منه قبيل هذا الكلام من قوله :
ووقت العمرة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من الحج وانقضاء أيام التشريق ، لرواية
معاوية بن عمار وقد تقدم إيضاح ذلك في المسألة الرابعة بما يؤذن بقوله
بوجوب تأخيرها عن أيام التشريق ، كما هو ظاهر الرواية المذكورة. فكيف يتم ما ذكره
هنا من انه لا يكره إيقاعها في أيام التشريق على إطلاقه. الا ان يخص بالواجبة
ويكون الكلام هنا في المستحبة لمن لم يجب عليه الحج ، فإنه لا مانع من إيقاعها في
هذه الأيام.
واما ان من ساق
هديا فيها نحره قبل ان يحلق رأسه بالحزورة فهو مدلول بعض الاخبار ، والاخبار في
المسألة مختلفة في ذلك. وسيأتي الكلام عليها ان شاء الله تعالى في محلها.
واما ما ذكره ـ
من انه لو جامع فيها قبل السعي. الى آخره ـ
__________________
فقد تقدم تحقيق القول فيه في الموضع السادس عشر من الفصل الثاني في كفارة
الجماع من الباب الثاني وكذا جماع المتمتع قبل السعي أو بعده قبل التقصير. وقد
تقدم في الموضع المشار اليه ما يدل على بعض أحكامه وقد تقدم قريبا ايضا ما يدل على
بعض.
واما حكم
المرأة المطاوعة والمكرهة فهو وان لم أقف عليه في خصوص إحرام العمرة المفردة لكنه
داخل في عموم الأخبار الدالة على جماع المحرم واما قوله ـ : ولو جامع بعد السعي.
إلى قوله : وان كان بعد الحلق ـ فيحتمل ان يكون حكما مستقلا عن ما قبل ، ويكون
إشارة الى ما تقدم في الموضع الثالث عشر من الفصل الثاني في كفارة الجماع من وجوب
البدنة على المجامع بعد السعي. الا ان قوله : «وأن كان بعد الحلق» مشكل ، حيث انه
بعد الحلق قد أحل فلا تلحقه الكفارة. ويحتمل ـ وهو الأنسب بصحة العبارة وان بعد من
حيث نظم الكلام ـ رجوع ذلك الى الإكراه ، بمعنى انه يجب عليه الكفارة بالإكراه بعد
السعي وان كان بعد الحلق ، يعني بعد إحلاله وإحرامها هي. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ ان
إيجابه البدنة انما هو من حيث عدم الإتيان بطواف النساء. الا اني لم أقف على مصرح
به من الأصحاب (رضوان الله عليهم). وقد تقدم في الموضع المشار اليه آنفا ان وجوب
البدنة في العمرة بعد السعي وقبل التقصير انما ثبت في عمرة التمتع دون المفردة.
فليتأمل. والله العالم.
__________________
الباب الرابع
في الحج وفيه
مقاصد :
المقصد الأول
في الوقوف
بعرفات.
والبحث عن
مقدماته وكيفيته وأحكامه يقع في فصول ثلاثة :
الفصل الأول في
المقدمات ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى
ـ المشهور بين الأصحاب استحباب الإحرام للحج يوم التروية ، ونقل في المختلف عن ابن
حمزة القول بالوجوب إذا أمكنه الإحلال والإحرام بالحج ولم يتضيق الوقت ، مستندا
الى الأمر بالإحرام يوم التروية في جملة من الاخبار الآتية ، وحمله الأصحاب على
الاستحباب ، استنادا الى اشتمال تلك الاخبار على جملة من المستحبات.
أقول : ومن ما
يدل على جواز وقوعه في غير يوم التروية ما تقدم قريبا في حديث أبي الحسن (عليهالسلام) من انه دخل ليلة عرفة معتمرا فاتى بأفعال العمرة وأحل
وجامع بعض جواريه ثم أهل بالحج وخرج الى منى.
__________________
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عن
أبي الحسن (عليهالسلام) في حديث قال فيه : «وموسع للرجل أن يخرج إلى منى من
وقت الزوال من يوم التروية الى ان يصبح حيث يعلم انه لا يفوته الموقف».
وفي الصحيح عن
علي بن يقطين قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الذي يريد ان يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه.
قال : إذا زالت الشمس. وعن الذي يريد ان يتخلف بمكة عشية التروية ، إلى آية ساعة يسعه
ان يتخلف؟ قال : ذلك موسع له حتى يصبح بمنى». ومعناه ان أول وقت الخروج إلى منى
زوال الشمس من يوم التروية وآخره آخر ليلة عرفة بان يصبح في منى لا يتقدم على هذا
ولا يتأخر عن هذا. هذا هو الأصل في أفضلية الوقت وان جاز التقديم والتأخير على
خلاف الفضل ، ولذوي الأعذار كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
والظاهر ان ما
ذكره علماء الرجال من ان علي بن يقطين روى عن أبي عبد الله (عليهالسلام) حديثا واحدا هو هذا الحديث.
__________________
وهذه الاخبار
ظاهرة في رد ما نقل عن ابن حمزة من القول بالوجوب في يوم التروية.
ثم ان من
المستحب في هذا اليوم ايضا قبل الإحرام الغسل وقص الأظفار وطلي العانة ونتف
الإبطين وأخذ الشارب.
ومن الاخبار في
المقام ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليهالسلام) قال : «إذا كان يوم التروية ان شاء الله ، فاغتسل ،
والبس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام
إبراهيم (عليهالسلام) أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ،
ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأحرم بالحج ، ثم امض وعليك
السكينة والوقار ، فإذا انتهيت الى الروحاء دون الردم فلب ، فإذا انتهيت الى الردم
وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت
حين أردت أن تحرم ، وخذ من شاربك ومن أظفارك ، واطل عانتك ان كان لك شعر ، وانتف
إبطيك ، واغتسل ، والبس ثوبيك ، ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم
، وتدعو الله تعالى وتسأله العون ، وتقول :
__________________
اللهم اني أريد الحج فيسره لي وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. وتقول
: أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي من النساء والطيب والثياب ، أريد بذلك وجهك
والدار الآخرة ، وتحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. ثم تلبي من المسجد الحرام
كما لبيت حين أحرمت ، وتقول : لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك. فان قدرت ان يكون
رواحك إلى منى زوال الشمس والا فمتى تيسر لك من يوم التروية».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ،
ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج ، فان كنت ماشيا فلب عند المقام ، وان كنت
راكبا فإذا نهض بك بعيرك ، وصل الظهر ان قدرت بمنى. واعلم انه واسع لك ان تحرم في
دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار».
وعن أيوب بن
الحر عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : انا قد اطلينا ونتفنا وقلمنا أظفارنا
بالمدينة فما نصنع عند الحج؟ فقال : لا تطل ولا تنتف ولا تحرك شيئا».
وهذا الخبر
حمله الشيخ في التهذيب على الحجة المفردة دون المتمتع بها قال : لان المفرد لا
يجوز له شيء من ذلك حتى يفرغ من مناسك يوم
__________________
النحر ، وليس في الخبر انا قد فعلنا ذلك ونحن متمتعون غير مفردين. وفي
الاستبصار حمله على الاخبار عن الجواز وان كان التنظيف أفضل. قال في الوافي : وهو
الأظهر ، لأن المتبادر من قوله «عند الحج» الإحرام به فينبغي حمله على ما إذا كان
قريب العهد بالاطلاء والنتف وكان أقل من خمسة عشر يوما الذي هو النصاب في ذلك. وهو
جيد.
فائدة
روى الصدوق (قدسسره) في كتاب علل الشرائع والأحكام في الحسن عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته لم سمي يوم التروية يوم التروية؟ قال :
لأنه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكة من الماء لريهم ، وكان بعضهم يقول
لبعض ترويتم ترويتم : فسمي يوم التروية لذلك».
ورواه في
المحاسن بالسند المذكور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) هكذا : قال : «لأنه لم يكن بعرفات ماء وكان يستقون من
مكة الماء لريهم ، وكان يقول بعضهم لبعض : ترويتم من الماء. فسميت التروية».
وروى في
المحاسن أيضا في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سميت التروية لأن جبرئيل أتى
__________________
إبراهيم يوم التروية فقال : يا إبراهيم ارتو من الماء لك ولأهلك. ولم يكن
بين مكة وعرفات ماء ، ثم مضى به الى الموقف فقال له : اعترف واعرف مناسكك. فلذلك
سميت عرفة. ثم قال له : ازدلف الى المشعر الحرام فسميت المزدلفة».
وروى في الكافي
عن أبي بصير «انه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهماالسلام) يذكران انه لما كان يوم التروية قال جبرئيل لإبراهيم
تروه من الماء. فسميت التروية. ثم أتى منى فأباته بها. ثم غدا به الى عرفات فضرب
خباءه بنمرة دون عرفة فبنى مسجدا بأحجار بيض ، وكان يعرف اثر مسجد إبراهيم حتى
أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة. الحديث». وهو طويل يتضمن قضية ذبح إسماعيل.
ونقل العلامة
في المنتهى عن الجمهور وجها آخر ، وهو ان إبراهيم راي في تلك الليلة التي رأى
فيها ذبح الولد رؤياه ، فأصبح يروى في نفسه أهو حلم أم من الله تعالى؟ فسمي يوم
التروية ، فلما كانت ليلة عرفة راى ذلك ايضا فعرف انه من الله تعالى ، فسمى يوم
عرفة.
الثانية ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بعد اتفاقهم على استحباب الإحرام أو وجوبه يوم
التروية عند الزوال ـ في أفضلية الصلاة المكتوبة في المسجد ووقوع الإحرام في دبرها
أو تأخيرها إلى منى ، فقال الشيخ في النهاية والمبسوط : وإذا أراد ان يحرم للحج
فليكن ذلك عند زوال الشمس بعد ان يصلي الفرضين في مكة. وذهب الشيخ المفيد.
__________________
والسيد المرتضى إلى تأخير الفرضين إلى منى. ونقل في المختلف عن الشيخ علي
بن الحسين بن بابويه انه قال : وإذا كان يوم التروية ، فاغتسل والبس ثياب إحرامك ،
وايت المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، وصل عند المقام الظهر والعصر ، واعقد
إحرامك في دبر العصر ، وان شئت في دبر الظهر ، بالحج مفردا. وقال ابن الجنيد :
الأفضل ان يكون عقيب صلاة العصر المجموعة إلى الظهر ، ويصلي ركعتين عند المقام أو
في الحجر ، وان صلى ست ركعات للإحرام كان أفضل ، وان صلى فريضة الظهر ثم أحرم في
دبرها كان أفضل.
وظاهر هذه
العبارات انه لا فرق في ذلك بين الامام وغيره. وقال الشيخ في التهذيب ان الخروج
بعد الصلاة مختص بمن عدا الامام من الناس ، فاما الإمام نفسه فلا يجوز له ان يصلي
الظهر والعصر يوم التروية إلا بمنى. وحمل العلامة في المنتهى عبارته بعدم الجواز
على شدة الاستحباب. والى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين ، والظاهر انه المشهور
بينهم. واختار في المدارك التخيير لغير الامام بين الخروج قبل الصلاة أو بعدها ،
واما الامام فيستحب له التقدم والخروج قبل الزوال وإيقاع الفرضين في منى. وهو جيد.
وعليه تجتمع الاخبار.
فمن الأخبار
الواردة في المقام ما تقدم من صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته ، وهي دالة على
استحباب الصلاة في المسجد ، لكنها مطلقة شاملة بإطلاقها للإمام وغيره ورواية عمر
بن يزيد وظاهرها أفضلية التأخير إلى منى مطلقا.
ومنها : ما
رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا انتهيت إلى منى فقال : اللهم ان هذه منى وهي من
ما مننت به علينا من المناسك ، فأسألك أن تمن علي بما مننت به على أنبيائك ، فإنما
أنا عبدك وفي قبضتك. ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ،
والامام يصلي بها الظهر لا يسعه الا ذلك. وموسع لك ان تصلي بغيرها ان لم تقدر ثم
تدركهم بعرفات.».
وهذا الخبر
ظاهر في استثناء الامام وانه لا يسعه إلا الصلاة بمنى ومفهومه ان غيره يسعه ذلك.
ووجه الجمع بين
هذه الاخبار بالنسبة الى غير الامام هو التخيير.
والظاهر ان
الشيخ المفيد والسيد المرتضى قد استندا في ما ذهبا اليه من تأخير الفريضة إلى منى
إلى صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، ورواية عمر ابن يزيد.
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : وإذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثوبيك اللذين
للإحرام ، وايت المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، وصل عند المقام الظهر والعصر
، واعقد إحرامك دبر العصر ، وان شئت في دبر الظهر بالحج مفردا ، تقول : اللهم اني
أريد ما أمرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) فان عرض لي عرض
__________________
حبسني فحلني أنت حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. ولب مثل ما لبيت في
العمرة. الحديث. ومنه يعلم أن ما تقدم نقله عن الشيخ علي ابن بابويه فهو مأخوذ من
الكتاب على ما تكرر في غير موضع من ما قدمنا.
ومن الأخبار
الدالة على اختصاص الإمام بتأخير الصلاة إلى منى زيادة على ما عرفت في صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره
الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على الامام أن يصلي الظهر بمنى ، ثم يبيت بها
ويصبح حتى تطلع الشمس ، ثم يخرج إلى عرفات».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي للإمام أن يصلي الظهر من يوم التروية بمنى
، ويبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ، ثم يخرج».
وما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلا
بمنى ويبيت بها إلى طلوع الشمس».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على الامام أن يصلي الظهر يوم التروية بمسجد
الخيف ويصلي الظهر يوم النفر في المسجد الحرام».
__________________
وما رواه في من
لا يحضره الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) هل صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الظهر بمنى يوم التروية؟ فقال : نعم ، والغداة بمنى
يوم عرفة».
أقول : وهذه
الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة في الوجوب كما هو ظاهر كلام الشيخ المتقدم ،
والأصحاب تأولوه بالحمل على شدة الاستحباب ولا يبعد أن مراد الشيخ إنما هو الوجوب
حقيقة ، فإن ظاهر هذه الأخبار كلها يساعده. ولا ينافي ذلك لفظ «ينبغي ولا ينبغي»
في الصحيحة جميل وصحيحة محمد بن مسلم ، فان استعمال ذلك في الوجوب والتحريم في
الأخبار أكثر من أن يحصى كما تقدم بيانه. وليس في شيء من هذه الأخبار أو غيرها ما
يؤذن بجواز ذلك له في غير منى. فالقول بالوجوب ليس بالبعيد عملا بظاهرها كما لا
يخفى.
أقول : والمراد
بالإمام هنا هو من يجعله الخليفة واليا على الموسم لا الإمام حقيقة وإن كان
منتحلا.
ويدل على ذلك ما
رواه في الكافي عن حفص المؤذن قال : «حج إسماعيل بن علي بالناس سنة
أربعين ومائة ، فسقط أبو عبد الله (عليهالسلام) عن بغلته ، فوقف عليه إسماعيل ، فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام): سر فإن الإمام لا يقف».
الثالثة ـ ما تقدم
من استحباب الخروج بعد الزوال من يوم التروية
__________________
مخصوص بغير ذوي الأعذار كما نبه عليه الأصحاب ودلت عليه الأخبار ، كالمريض
والشيخ الكبير ونحوهما ممن يخاف الزحام فإنه يجوز لهم التعجيل رخصة من غير كراهة ،
بل يستحب بيوم أو يومين أو ثلاثة.
ويدل على ذلك ما
رواه ثقة الإسلام في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف
ضغاط الناس وزحامهم ، يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال : نعم. قلت :
يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا ويتروح بذلك المكان؟ قال : لا. قلت : يعجل بيوم؟
قال : نعم قلت : بيومين؟ قال : نعم. قلت : ثلاثة؟ قال : نعم. قلت : أكثر من ذلك؟
قال : لا».
وروى في كتاب
من لا يحضره الفقيه عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل
الزحام وضغاط الناس؟ فقال : لا بأس» وقال في خبر آخر : «لا يتعجل بأكثر من ثلاثة
أيام».
وروى الشيخ في
الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض
__________________
أصحابه قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) : يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل
الزحام وضغاط الناس؟ فقال : لا بأس. الحديث». وقد تقدم تمامه في صدر المسألة
الأولى.
الرابعة ـ ما
تقدم من الأحكام في المسائل المتقدمة كله مختص بحج التمتع ، وأما الكلام في القارن
والمفرد فلم يتعرض له أصحابنا في البحث.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك ـ بعد نقل قول المصنف : فيستحب للمتمتع أن يخرج إلى
عرفات يوم التروية ـ ما هذا نصه : خص المتمتع بالذكر لأن استحباب الإحرام يوم
التروية موضع وفاق بين المسلمين. وأما القارن والمفرد فليس فيه تصريح من الأكثر ،
وقد ذكر بعض الأصحاب أنه كذلك وهو ظاهر إطلاق بعضهم. وفي التذكرة نقل الحكم في
المتمتع عن الجميع ثم نقل خلاف العامة في وقت إحرام الباقي هل هو كذلك أم في أول
ذي الحجة . انتهى.
أقول : وفي
المنتهى نحو ما نقله في التذكرة ، فإنه قال بعد الكلام في المتمتع : أما المكي
فذهب مالك إلى انه يستحب أن يهل بالحج من المسجد بهلال ذي الحجة ، وروى عن ابن عمر
وابن عباس وطاوس وسعيد بن
__________________
جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضا ، وهو قول أحمد. إلى أن قال (قدسسره) : ولا خلاف في انه لو أحرم المتمتع أو المكي قبل ذلك
في أيام الحج فإنه يجزئه. انتهى.
أقول :
المستفاد من الأخبار أن المفرد متى كان من أهل الأقطار مقيما بمكة وانتقل حكمه
إليهم أو أراد الحج مفردا استحبابا ، فإنه يحرم بالحج من أول ذي الحجة إن كان
صرورة ، وإن كان قد حج سابقا فمن اليوم الخامس من ذي الحجة ، وبعضها مطلق في
الإحرام من أول الشهر ، وأنه يخرج الى التنعيم أو الجعرانة ويحرم منها لا من مكة.
وقد تقدمت
الأخبار في ذلك في المقدمة الرابعة ، ولنشر هنا إلى بعضها :
فمنها : صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : اني أريد الجوار فكيف أصنع؟ فقال : إذا رأيت الهلال
هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج. إلى أن قال : ثم قال : ان
سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون
منها؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله). فقال : وأي وقت من مواقيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هو؟ فقلت له : أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من
__________________
الطائف. إلى أن قال : فقال : أما علمت أن أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إنما أحرموا من المسجد. فقلت : إن أولئك كانوا متمتعين
في أعناقهم الدماء وان هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة وأهل مكة لا متعة
لهم ، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض المواقيت وان يستغبوا به أياما. الحديث».
وعن صفوان عن
أبي الفضل قال : «كنت مجاورا بمكة ، فسألت أبا عبد الله (عليهالسلام) : من أين أحرم بالحج؟ فقال : من حيث أحرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من الجعرانة. فقلت : متى أخرج؟ قال : ان كنت صرورة
فإذا مضى من ذي الحجة يوم ، وان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس».
وروى الشيخ
المفيد في المقنعة مرسلا قال : قال (عليهالسلام): «ينبغي للمجاور بمكة إذا كان صرورة وأراد الحج أن
يخرج إلى خارج الحرم فيحرم من أول يوم من العشر ، وإن كان مجاورا وليس بصرورة فإنه
يخرج أيضا من الحرم ويحرم في خمس تمضي من العشر».
وفي الصحيح إلى
إبراهيم بن ميمون قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم
كيف يصنعون؟ قال : قل لهم : إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا
__________________
الحديث».
وفي موثقة
سماعة في من اعتمر في غير أشهر الحج واقام بمكة : «فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر
الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا
بعمرة إلى الحج ، فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها».
وهذه الأخبار
كلها كما ترى ظاهرة الدلالة في أن الإحرام بالحجة المفردة للمجاور من خارج الحرم
من هذه المواضع وانها ميقات له ، وان إحرامه من هلال ذي الحجة أو بعد مضي خمسة
أيام منه.
ويفهم من بعض
الاخبار ايضا انه يحرم يوم التروية أيضا.
وهو ما رواه في
الكافي عن سماعة في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج
: في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج ، فإن أشهر
الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد ان
يحرم ، فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها ثم يأتي مكة ، ولا يقطع التلبية حتى ينظر
الى البيت ، ثم يطوف بالبيت ويصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ثم يخرج الى الصفا والمروة فيطوف بينهما ، ثم يقصر
ويحل ، ثم يعقد التلبية يوم التروية».
والتقريب فيها
ان هذه العمرة الثانية المشار إليها بقوله : «ثم أراد ان يحرم.» لا يجوز ان تكون
عمرة تمتع لوجوب الإتيان بها من الميقات
__________________
كما أشارت إليه موثقة سماعة المتقدمة وصرح به غيرها ، وهي اتفاق الأصحاب بل
هي عمرة مفردة ، فالحج المشار اليه بقوله : «ثم يعقد التلبية يوم التروية» حج
إفراد البتة. وقد صرح بأنه يعقد إحرامه يوم التروية ، وهو ظاهر في كونه من مكة
أيضا واما غيره من أقسام المفردين فلا ريب في ان إحرامهم من مكة للأخبار المستفيضة
بان من كان منزله دون الميقات إلى مكة فإن ميقاته منزله. واما انه اي يوم فلم أقف
فيه على نص صريح كما اعترفوا به في ما قدمنا نقله عنهم ، ولكن أحدا منهم لم ينبه
على هذا الفرد الذي ذكرناه أيضا.
الخامسة ـ الظاهر
انه لا خلاف في ان إحرام الحج من مكة وانها ميقات حج التمتع ، وان اي موضع أحرم
فيه منها فهو مجزئ.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن صفوان عن أبي أحمد عمرو بن حريث الصيرفي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) من أين أهل بالحج؟ فقال : ان شئت من رحلك وان شئت من
الكعبة وان شئت من الطريق». إلا ان في التهذيب «وهو بمكة» بعد قوله : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام» وفيه «من المسجد» عوض قوله «من الكعبة».
وقد وقع
الاتفاق أيضا على أفضليته من المسجد ، وانما الخلاف في أفضلية أي موضع منه.
ومن ما يدل على
حصول الفضيلة من المسجد في أي جزء منه ما تقدم
__________________
في صدر البحث من رواية أبي بصير وقوله (عليهالسلام) فيها : «ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات. الى
آخره».
وما رواه في
الكافي عن يونس بن يعقوب في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) من اي المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال : من اي المسجد
شئت».
واما تعيين
الأفضل منه فقال الشيخ (قدسسره) : أفضل المواضع التي يحرم منها المسجد ، وفي المسجد
عند المقام. وهو قول ابن إدريس ، والظاهر من كلام ابن بابويه والمفيد والعلامة في
المختلف ، وبه صرح في الدروس ايضا فقال : والأقرب ان فعله في المقام أفضل من الحجر
تحت الميزاب. وقال في المنتهى : يحرم من مكة ، والأفضل ان يكون من تحت الميزاب
ويجوز ان يحرم من اي موضع شاء من مكة ، ولا نعلم فيه خلافا. انتهى. وظاهر كلام ابي
الصلاح يشعر بأن أفضله تحت الميزاب أو عند المقام
واستند الأولون
الى ما تقدم من رواية عمر بن يزيد المتقدمة في صدر البحث من قوله (عليهالسلام): «ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج». ويدل عليه
ايضا ما تقدم نقله عن كتاب الفقه الرضوي. وبه قال الشيخ علي بن بابويه كما تقدم
نقل عبارته.
ويدل على قول
ابي الصلاح صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ثمة أيضا وقوله (عليهالسلام): «ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر
__________________
ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك. الى آخره».
وقال في
المختلف في الجواب عن هذه الرواية : والجواب : التخيير لا ينافي أولوية أحد
الأمرين المخير فيهما بأمر آخر غير أمر التخيير كما في خصال الكفارة. انتهى.
أقول : فيه انه
مسلم لو دلت الرواية المذكورة على الأولوية ، ومجرد الذكر لا يدل على الأولوية ،
لأنه أحد فردي المخير والأولوية أمر آخر وراء مجرد ذكره كما لا يخفى.
واما ما ذكره
في المنتهى ومثله غيره ايضا من أفضليته تحت الميزاب بالخصوص فلم أقف له على دليل ،
والموجود في الاخبار كما عرفت انما هو التخيير أو كونه في المقام.
السادسة ـ قال
في المختلف : قال شيخنا المفيد : إذا كان يوم التروية فليأخذ من شاربه وليقلم
أظفاره ويغتسل ويلبس ثوبيه ، ثم يأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار ،
فليطف أسبوعا ان شاء ، ثم ليصل ركعتين لطوافه عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ثم ليقعد حتى تزول الشمس فإذا زالت فليصل ست ركعات.
وقال ابن الجنيد : من أحل من متعته أحرم يوم التروية للحج قبل خروجه إلى منى عقيب
طواف أسبوع بالبيت وركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) أو غيره. وقال أبو الصلاح : ويطوف أسبوعا ثم يصلي
ركعتي الطواف ثم يخرج بعدهما. ولم يذكر الشيخ هذا الطواف ولا السيد المرتضى ولا
ابن إدريس ولا ابن بابويه. والشيخ عول على الحديث ، فإنه لم يذكر فيه الطواف ،
والمفيد عول على انه قادم على
المسجد ، فاستحب له التحية ، والطواف أفضل من الصلاة. ولا نزاع بينهما
حينئذ. بقي ان يقال : ان قصد المفيد استحباب هذا الطواف للإحرام فهو ممنوع ، فان
المجاور يستحب له الصلاة أكثر من الطواف إذا جاور ثلاث سنين. انتهى.
أقول : قد ذكر
هذا الطواف ايضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه في باب سياق مناسك الحج فقال : فإذا كان يوم التروية فاغتسل ، والبس ثوبيك ،
وادخل المسجد الحرام حافيا وعليك السكينة والوقار ، فطف بالبيت أسبوعا تطوعا. الى
ان قال : واقعد حتى تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فصل ست ركعات قبل الفريضة ، ثم
صل الفريضة ، واعقد الإحرام في دبر الظهر وان شئت في دبر العصر. وحينئذ فما نقله (قدسسره) عن ابن بابويه من انه لم يذكر هذا الطواف ليس في محله
الا ان يريد به أباه الشيخ علي بن الحسين ، وهو خلاف المعروف من هذه العبارة في
كلامهم ثم ان ظاهر الشيخ المفيد تقديم مستحبات الإحرام المذكورة على الزوال وقال
أبو الصلاح : فإذا زالت الشمس من يوم التروية ، فليغتسل ، ويلبس ثوبي إحرامه ،
ويأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار ، فيطوف بالبيت أسبوعا ، ثم يصلي
ركعتي الطواف ، ثم يحرم بعدهما. وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث
صريحة الدلالة في ما ذكره شيخنا المفيد.
ثم إن ظاهر
كلام ابي الصلاح المذكور ان الإحرام عقيب ركعتي الطواف ، وهو ظاهر عبارة ابن
الجنيد المتقدمة. وظاهر كلام الشيخ المفيد
__________________
انه عقيب ست ركعات الإحرام. ونقل في المختلف عن الشيخين انهما جعلاه عقيب
ست ركعات وأقله ركعتان. ومال في المختلف الى ان الأفضل عقيب فريضة الظهرين ، وهو
الذي صرح به الشيخ علي بن بابويه في ما قدمنا من عبارته ، وهو الذي ذكره في كتاب
الفقه الرضوي ، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة. وما تقدم في رواية أبي
بصير من الإحرام عقيب الست ركعات ، ورواية عمر بن يزيد من الإهلال عقيب الركعتين
يمكن حملهما على غير وقت الفريضة ، فإنهما مطلقتان لا تصريح فيهما بكون الإحرام في
وقت مخصوص. واما ما ذكره الشيخ المفيد من الإحرام عقيب الست ركعات أو الركعتين فهو
مبني على ما نقل عنه آنفا من تأخير صلاة الظهرين إلى منى. وقد تقدم الكلام فيه.
السابعة ـ قال
الشيخ : ان كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه وان كان راكبا إذا نهض به بعيره ،
فإذا انتهى الى الردم فأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية. وقال الشيخ المفيد (قدسسره) : ثم ليلب حين ينهض به بعيره ويستوي قائما ، وان كان
ماشيا فليلب عند الحجر الأسود ، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم وأشرف على
الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى. وقال الشيخ علي بن بابويه : فإذا خرجت إلى
الأبطح فارفع صوتك بالتلبية. وقال ابن الجنيد : ويلبى ان شاء من المسجد أو من حيث
يخرج من منزله بمكة ، وان شاء ان يؤخر اجهاره بالتلبية الى أن ينتهي إلى الأبطح
خارج مكة فعل. وهو يدل على أولوية الإجهار عند الإحرام. وقال ابن إدريس : فإن كان
ماشيا جهر بالتلبية من موضعه الذي عقد الإحرام فيه ، وان كان راكبا لبى إذا نهض به
بعيره
فإذا انتهى الى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية. وقال أبو الصلاح
: ثم يلبى مستسرا فإذا نهض به بعيره أعلن بالتلبية ، وان كان ماشيا فليجهر بها من
عند الحجر الأسود ، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع
صوته بالتلبية حتى يأتي منى.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار ما تقدم من صحيحة معاوية ابن عمار ، وظاهرها ان مبدأ التلبية
إذا انتهى الى الروحاء دون الردم فإذا انتهى الى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته
بها.
وما تقدم من
رواية أبي بصير ، وفيها : انه يلبي من المسجد الحرام.
وما تقدم من
رواية عمر بن يزيد ، وفيها : التفصيل بأنه ان كان ماشيا فمن المقام وهو المكان
الذي صلى فيه صلاة الإحرام ، وان كان راكبا فإذا نهض به بعيره.
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) : متى ألبي بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى. ثم قال : إذا
جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب بالحج». وما رواه الصدوق في الصحيح
عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «وان أهللت من المسجد الحرام للحج ، فإن شئت
لبيت خلف
__________________
المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء فتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».
أقول : وبهذه
الصحيحة الأخيرة يجمع بين الاخبار المتقدمة ، بأن يقال انه يتخير بين التلبية من
المسجد وبين تأخيرها إلى هذه المواضع المذكورة في الاخبار وهو الأفضل. واما الجهر
بها فهو إذا أشرف على الأبطح. وما دلت عليه رواية عمر بن يزيد من التفصيل بين
الراكب والماشي يحمل على انه إذا اختار التلبية من المسجد وان كان خلاف الأفضل
فليعمل بهذا التفصيل.
الثامنة ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا طواف بالبيت بعد إحرام الحج. وظاهر الحسن
بن ابي عقيل استحبابه في الصورة المذكورة ، حيث قال : إذا اغتسل يوم التروية وأحرم
بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط وخرج منها متوجها الى منى ، ولا يسعى بين الصفا
والمروة حتى يزور البيت فيسعى بعد طواف الزيارة. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه :
ولم يذكر باقي أصحابنا هذا الطواف ، فان قصد بذلك ما ذكره الشيخ المفيد وابن
الجنيد فذلك قبل الإحرام. انتهى. أقول : أشار بما ذكره الشيخ المفيد وابن الجنيد
الى ما قدمنا نقله عنهما في المسألة السادسة.
هذا. والمفهوم
من كلام الشيخ وغيره من الأصحاب كراهة هذا الطواف ، بل يفهم من كلام الشيخ تحريمه
، حيث قال في النهاية والمبسوط : إذا أحرم بالحج لم يجز له ان يطوف بالبيت الى ان
يرجع من منى ، فان سها فطاف بالبيت لم ينتقض إحرامه غير انه يعقده بتجديد التلبية.
واختاره ابن حمزة وقال ابن إدريس : لا ينبغي ان يطوف بالبيت الى ان يرجع من منى ،
فان سها فطاف بالبيت لم ينتقض إحرامه سواء جدد التلبية أو لم يجدد. وإحرامه
منعقد فلا حاجة الى انعقاد المنعقد. وقال في التهذيب : لا يجوز لمن أحرم بالحج ان
يطوف بالبيت تطوعا الى ان يعود من منى ، فان فعل ذلك ناسيا فلا شيء عليه. وقال في
المنتهى : ولا يسن له الطواف بعد إحرامه. وقال في الدروس : ولا طواف بعد إحرام
الحج. واستحسنه الحسن.
أقول : والأظهر
ما هو المشهور من كراهته ، لما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام وقد أزمع
بالحج ، يطوف بالبيت؟ قال : نعم ما لم يحرم».
وعن صفوان بن
يحيى في الصحيح عن عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن الأول (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام
بالحج ، ثم طاف بالبيت بعد إحرامه ، وهو لا يرى ان ذلك لا ينبغي ، أينقض طوافه
بالبيت إحرامه. فقال : لا ولكن يمضى على إحرامه».
ثم ان ما ذكره
الشيخ ـ من انه بعد الطواف سهوا يعقد إحرامه بتجديد التلبية ـ مبنى على ما تقدم في
المقدمة الرابعة من ان من طاف بعد عقد إحرامه ولو في حج التمتع طوافا
مستحبا فإنه يعقد إحرامه بالتلبية
__________________
لئلا يحل. وما ذكره ابن إدريس هنا مبنى على ما ذكره في تلك المسألة أيضا من
ان المحرم لا يحل بمجرد الطواف بل بالنية. وقد تقدم تحقيق القول في المسألة في
الموضع المذكور. الا ان ظاهر رواية عبد الحميد المذكورة من ما يدل على عدم بطلان
الإحرام بالنسبة إلى حج التمتع. ويعضده ان جملة الروايات المتقدمة الدالة على تجديد التلبية موردها القارن والمفرد خاصة.
الا ان مورد هذه الرواية الجاهل أو الناسي.
التاسعة ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من نسي الإحرام بالحج الى ان يحصل بعرفات جدد
الإحرام منها وليس عليه شيء فان لم يذكر حتى يرجع الى بلده ، فان كان قد قضى
مناسكه كلها فلا شيء عليه ، قاله الشيخ (قدسسره) ومن تبعه من الأصحاب.
وقال ابن إدريس
في السرائر ـ بعد نقل عبارة الشيخ في النهاية بهذا المضمون الذي ذكرناه ـ ما صورته
: وقال الشيخ في المبسوط : أما النية فهي ركن في الأنواع الثلاثة من تركها فلا حج
له عامدا أو ناسيا إذا كان من أهل النية. ثم قال بعد ذلك : وعلى هذا إذا فقد النية
لكونه سكران هذا آخر كلامه. قال محمد بن إدريس : والذي يقتضيه أصول المذهب ما ذهب
إليه في مبسوطه ، لقوله تعالى (وَما لِأَحَدٍ
عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) وقول الرسول (صلىاللهعليهوآله)
__________________
«الأعمال بالنيات» و «انما لامرئ ما نوى» . وهذا الخبر مجمع عليه وبهذا افتي وعليه اعمل فلا يرجع
عن الأدلة بأخبار الآحاد ان وجدت.
قال في المختلف
بعد نقل ذلك : والأقرب عندي انه ان تمكن من الرجوع الى مكة للإحرام فيها وجب وان
لم يتمكن أحرم من موضعه ولو من عرفات ، فان لم يذكر حتى أكمل مناسكه صح وأجزأه ،
لنا : انه مع التمكن من الرجوع يكون قادرا على الإتيان به على وجهه ، فيجب عليه
فعله ، ولا يجزئه الإحرام من غيره ، لأنه حينئذ يكون قد اتى بغير المأمور به فيبقى
في عهدة التكليف. ومع النسيان يكون معذورا ، لقوله (صلىاللهعليهوآله) : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». ولأن إلزام الإعادة
مشقة عظيمة فيكون منفيا ، لقوله تعالى
«وَما
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»
وما رواه
العمركي بن علي الخراساني في الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سالته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات
ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم إحرامه. فإن جهل ان يحرم
يوم
__________________
التروية بالحج حتى يرجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه». وحجة
ابن إدريس غير مناسبة لدعواه. انتهى. وهو جيد.
ويزيده بيانا ما
رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن جميل ابن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) : «في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها
وطاف وسعى؟ قال : تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وان لم يهل».
وصحيحة علي بن
جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سالته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل ان
يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد
تم حجه».
وقد تقدم تحقيق
القول في هذه المسألة بمزيد بسط في الكلام وبيان ما فيها من النقض والإبرام في
المسألة الثالثة من المقام الثاني من المقدمة الخامسة في المواقيت .
العاشرة ـ من
المستحبات الدعاء بالمأثور عند الخروج إلى منى بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح
أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا توجهت إلى منى فقل : اللهم إياك أرجو وإياك
أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي».
__________________
وإذا انتهيت
إلى منى بما رواه أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) وقد تقدم في المسألة الثانية .
وعند التوجه
الى عرفات بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ايضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا غدوت الى عرفة فقل وأنت متوجه إليها : اللهم
إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت أسألك أن تبارك لي في رحلتي وان تقضي لي حاجتي
وان تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني. ثم تلبي وأنت غاد الى عرفات. الحديث».
ومن المستحبات
ان لا يخرج الامام من منى الا بعد طلوع الشمس.
ويدل عليه صحيحة
جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «على الامام ان يصلي الظهر بمنى ثم يبيت فيها
ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات».
وموثقة إسحاق
بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان من السنة ان لا يخرج الامام من منى الى عرفة
حتى تطلع الشمس».
__________________
واما غيره
فالأفضل له ان يفيض من منى بعد الفجر على المشهور ، وقال أبو الصلاح : لا يجوز له
ان يفيض منها قبل الفجر مختارا ، وقال ابن البراج في أقسام التروك المفروضة : ولا
يخرج أحد من منى الى عرفات الا بعد طلوع الفجر. وظاهرهما تحريم الخروج قبل الفجر
اختيارا.
ولعلهما استندا
الى ما رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إنا مشاة فكيف نصنع؟ فقال : أما أصحاب الرحال فكانوا
يصلون الغداة بمنى ، واما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق».
وقال في
المدارك ـ بعد قول المصنف (ره) : «ويكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة» ـ : هذا هو
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ثم نقل قول أبي الصلاح وقال : وهو ضعيف ،
ثم قال : ويمكن المناقشة في الكراهة أيضا ، لعدم الظفر بما يتضمن النهي عن ذلك.
نعم لا ريب انه خلاف الأولى.
أقول : ومن
روايات المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا
بأس به.».
وما في صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) المتقدمة في المسألة الثانية من قوله (عليهالسلام): «ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة
والفجر».
والمفهوم من
الاخبار المذكورة أن السنة في الخروج من منى بعد الفجر
__________________
الا مع الضرورة ، ويلزم من ذلك مرجوحية الخروج قبل الفجر اختيارا ، وبه
تثبت الكراهة التي ذكرها الأصحاب. وبذلك تندفع المناقشة التي ذكرها في المدارك.
وثبوت الكراهة لا يتوقف على النهي صريحا كما يفهم من كلامه (قدسسره) بل تثبت بكون ذلك خلاف الأفضل ، للزوم المرجوحية التي
هي مقتضى الكراهة.
ومن المستحبات
ايضا ان لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوع الشمس على المشهور.
لما رواه
الكليني في الصحيح أو الحسن والشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس».
ونقل عن الشيخ
وابن البراج القول بالتحريم أخذا بظاهر النهي. ولا يخلو من قرب.
الفصل الثاني في الكيفية
وهي تشتمل على
الواجب والندب ، والكلام فيها يقع في مواضع :
الموضع الأول ـ
النية ، قال في المنتهى : وتجب فيه النية خلافا للجمهور
__________________
لنا : قوله تعالى
«وَما
أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»
والوقوف عبادة.
ولانه عمل فيفتقر إلى النية ، لقوله (صلىاللهعليهوآله) «الأعمال بالنيات». و «انما لكل امرئ ما نوى» . الى غير ذلك من الأدلة الدالة على وجوب النية في
العبادات ، ولان الواجب إيقاعه على وجه الطاعة ، وهو انما يتحقق بالنية ، ويجب
فيها نية الوجوب والتقرب الى الله تعالى.
وقال في الدروس
: واما واجبة فخمسة : النية مقارنة لما بعد الزوال فلا يجوز تأخيرها عنه ، فيأثم
لو تعمده ويجزئ واستدامة حكمها الى الفراغ.
وقال في
المسالك ـ بعد قول المصنف : «ويجب كونها بعد الزوال» ـ ما صورته : في أول أوقات
تحققه ليقع الوقوف الواجب ـ وهو ما بين الزوال والغروب ـ بأسره بعد النية. ولو
تأخرت عن ذلك اثم وأجزأ. ويعتبر فيها قصد الفعل وتعيين نوع الحج ، والوجه ،
والقربة ، والاستدامة الحكمية. هذا هو المشهور. وفي اعتبار نية الوجه هنا بحث.
انتهى.
وقال في
المدارك : واعتبر الأصحاب في النية وقوعها عند تحقق الزوال ليقع الوقوف الواجب ـ وهو
ما بين الزوال والغروب ـ بأسره بعد النية. وما وقفت عليه من الاخبار في هذه
المسألة لا يعطى ذلك ، بل ربما ظهر
__________________
من بعضها خلافه ، كقول الصادق (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي (صلىاللهعليهوآله) : «انه انتهى الى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك فضربت
قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ،
فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم مضى الى
الموقف فوقف به». وفي رواية أخرى لمعاوية بن عمار «ثم تلبي وأنت غاد الى عرفات ، فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ،
وهي بطن عرفة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر
والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وانما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ،
فإنه يوم دعاء ومسألة. قال : وحد عرفة من بطن عرفة وثوية ونمرة إلى ذات المجاز ،
وخلف الجبل موقف». وتشهد له
رواية أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأما النزول تحته
حتى تزول الشمس وتنهض الى الموقف فلا بأس. ، والمسألة محل اشكال ، ولا ريب ان ما
اعتبره الأصحاب أولى وأحوط. انتهى.
أقول : لا
اشكال بحمد الملك المتعال بعد اتفاق الأخبار الواردة في
__________________
هذا المجال على الحكم المذكور. وأولوية ما ذكره الأصحاب وأحوطيته مع عدم
دليل عليه ـ بل دلالة الاخبار على خلافه ـ ممنوعة. على انه لم يتحقق الإجماع على
ذلك ، وانما ذكر هذا الحكم جملة من المتأخرين بناء علي مزيد تدقيقهم في أمر النية
التي لا اثر لها في الاخبار بالكلية. وبنحو هذه الاخبار عبر الشيخ في النهاية ،
فقال : فإذا زالت الشمس اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما ثم يقف بالموقف
ويدعو لنفسه ولوالديه. الى آخره. وبهذه العبارة عبر في المبسوط ايضا. وبنحو ذلك
عبر ابن إدريس في السرائر فقال : فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا ، يجمع
بينهما بأذان واحد وإقامتين لأجل البقعة ، ثم يقف بالموقف ويدعو. الى آخره. وقال
في المقنعة : فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل ويقطع التلبية ويكثر من التهليل
والتحميد والتكبير ، ثم يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين. الى ان قال : ثم
يأتي الموقف. وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه نحو ذلك أيضا في باب سياق مناسك
الحج. وهذه العبارات جارية على نهج الاخبار لا تعرض فيها للنية فضلا عن مقارنتها
لأول الزوال كما ذكره جملة من المتأخرين ، وهو من ما ينبهك على ما قدمنا تحقيقه
وأوسعنا مضيقة من أن النية أمر جبلي وحكم طبيعي لا تنفك عنه أفعال العقلاء في
عبادة ولا غيرها. واما ما ذكروه من المقارنة فلا وجه له ولا دليل عليه ، إذ النية
عندنا مستصحبة لا ينفك عنها في حال من الأحوال ، وهو انما يتمشى على ما تخيلوه من
النية بالمعنى الذي صاروا إليه الذي هو عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري
بما يترجمه قول القائل : «افعل كذا لوجوبه قربة إلى الله تعالى» وهذا كما تقدم تحقيقه
بمعزل عن
النية الحقيقية.
بقي الكلام في
ان وقت الوقوف الواجب من مبدأ الزوال كما ذكروه ، فيجب على هذا الكون في الموقف من
ذلك الوقت ، والاخبار ـ كما ترى ـ لا تساعده ، والظاهر ان المراد من كونه من
الزوال انه يقطع التلبية من ذلك الوقت كما تكاثرت به الاخبار ، ويشتغل بالوقوف
ومقدماته من الغسل أولا ثم الصلاة الواجبة والخطبة واستماعها ـ كما تقدم في صحيحة
معاوية بن عمار من انه (صلىاللهعليهوآله) وعظ الناس ـ ثم الوقوف بعرفة.
هذا ما يستفاد
من الاخبار وكلام متقدمي الأصحاب كما سمعت. وبذلك يظهر انه لا إشكال في هذا المجال
بحمد الله المتعال وبركة الآل (عليهم صلوات ذي الجلال).
الموضع الثاني
ـ وجوب الكون فيها الى الغروب ، فلا يجزئ الوقوف في حدودها ، وحدها ـ كما ذكره في
الدروس والمسالك وغيرهما ـ نمرة بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء ، وثوية بفتح
الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة من تحت ، وذو المجاز ، والأراك
كسحاب ، وهو موضع بعرنة قرب نمرة ، قال في القاموس : وعرنة بضم العين وفتح الراء
والنون. قال في الدروس : وحدها نمرة وثوية وذو المجاز والأراك ، ولا يجوز الوقوف
بالحدود. وقال في المسالك بعد ذكر الأماكن الخمسة المتقدمة : وهذه الأماكن الخمسة
حدود عرفة وهي راجعة إلى أربعة كما هو المعروف من الحدود ، لأن نمرة بطن عرنة كما
روى في حديث معاوية بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) ولا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما
__________________
حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر ، وغيرهما وان شاركهما باعتبار اتساعه في
إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة بخلاف نمرة وعرنة. ونقل في الدروس عن
الحسن وابن الجنيد والحلبي ان حدها من المأزمين إلى الموقف.
أقول : والكل
مروي وحدود وان كان من جهات متعددة.
روى الكليني
والشيخ في الصحيح عن أبي بصير ـ وهو ليث المرادي بقرينة ابن مسكان عنه ـ عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف».
وروى في من لا
يحضره الفقيه عن معاوية بن عمار وأبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «حد منى من العقبة إلى وادي محسر ، وحد عرفات من
المأزمين إلى أقصى الموقف. قال : وقال (عليهالسلام): حد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة وذي المجاز ، وخلف
الجبل موقف الى وراء الجبل». قال في الوافي : ولعل المراد بوراء الجبل ما خرج من سفحه. من خلفه.
وفي صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
__________________
انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ـ
الى ان قال ـ : وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف».
وروى في الكافي
عن مسمع عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «عرفات كلها موقف ، وأفضل الموقف سفح الجبل».
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا وقفت بعرفات فادن من الهضاب والهضاب هي
الجبال ، فإن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : ان أصحاب الأراك لا حج لهم ، يعني : الذين يقفون
عند الأراك».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في الموقف : ارتفعوا عن بطن عرنة. وقال : ان أصحاب
الأراك لا حج لهم».
وروى في
التهذيب عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات».
وعن سماعة في
الموثق في حديث قال : «قلت : فإذا كانوا
__________________
بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون الى الجبل ، وقف في
ميسرة الجبل ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقف بعرفات ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون
الى جانبها فنحاها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ففعلوا مثل ذلك. فقال : ايها الناس انه ليس موضع أخفاف
ناقتي بالموقف ولكن هذا كله موقف. وأشار بيده الى الموقف وقال : هذا كله موقف.
فتفرق الناس. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. وإذا رأيت خللا فتقدم فسده بنفسك وراحلتك ،
فان الله يحب ان تسد تلك الخلال. وانتقل عن الهضاب واتق الأراك ونمرة ـ وهي بطن
عرنة ـ وثوية وذا المجاز ، فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه».
أقول : وهذه
الاخبار كلها ـ كما ترى ـ صريحة في عدم جواز الوقوف في حدودها.
واما انه يجب
الوقوف فيها الى الغروب الذي هو عبارة عن زوال الحمرة المشرقية إلى ناحية المغرب
على الأشهر الأظهر فيدل عليه مضافا الى اتفاق الأصحاب جملة من الاخبار.
ومنها : ما
رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان المشركين كانوا يفيضون قبل ان تغيب الشمس فخالفهم
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فأفاض بعد غروب الشمس».
وما رواه الشيخ
عن يونس بن يعقوب في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : متى تفيض من عرفات؟ قال : إذا ذهبت
__________________
الحمرة من ههنا وأشار بيده الى المشرق والى مطلع الشمس».
وما رواه في
الكافي عن يونس المذكور أيضا في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : متى الإفاضة من عرفات؟ قال : إذا ذهبت الحمرة. يعنى
من الجانب الشرقي».
وحيث ثبت ان
الواجب الوقوف الى الغروب فلو أفاض قبل الغروب فان كان جاهلا أو ناسيا فلا شيء
عليه إجماعا منا ، كما ادعاه في التذكرة والمنتهى بل قال : انه قول كافة العلماء.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الحسن عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس؟ قال : ان كان جاهلا فلا شيء عليه ،
وان كان متعمدا فعليه بدنة».
ووصف في
المدارك هذه الرواية بالصحة مع طعنه في روايات مسمع في غير موضع بأنه غير موثق كما
في مسألة كفارة من نظر الى امرأته فأمنى ، ومنها في كفارة من قبل امرأته. بل صرح
في هذا الموضع بضعف روايته بسببه. وبالجملة فإن له فيه اضطرابا عظيما ، فتارة يصف
روايته بالصحة كما هنا ، ومثله في كفارة القنفذ والضب واليربوع ، وتارة بالحسن
وتارة بالضعف. والمعصوم من عصمه الله تعالى.
وان كان عامدا
جبره ببدنة ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما. ولا خلاف في صحة حجه وان وجب جبره
، وانما اختلف الأصحاب في ما يجب جبره به ، فالأشهر الأظهر وجوب جبره ببدنة.
__________________
ويدل عليه حسنة
مسمع المتقدمة.
وصحيحة ضريس عن
أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس.
قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في
الطريق أو في اهله».
ورواية الحسن
بن محبوب عن رجل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل أفاض من عرفات قبل ان تغرب الشمس؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يقدر
على بدنة صام ثمانية عشر يوما».
ونقل عن ابني
بابويه ان الكفارة شاة. قال في المدارك ولم نقف لهما على مستند.
أقول : الظاهر
ان مستندهما كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) : «وإياك ان تفيض قبل الغروب فيلزمك دم». وقال ايضا بعد ذكر المشعر : «وإياك ان تفيض منها قبل طلوع الشمس ،
ولا من عرفات قبل غروبها فيلزمك الدم».
والدم حيث يطلق
في الاخبار وكلام الأصحاب فالمراد به دم شاة ، وينبهك على ذلك ان العلامة في
المختلف نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : الأفضل ان يقف الى غروب الشمس في النهار
ويدفع عن الموقف بعد غروبها ، فان دفع قبل الغروب لزمه دم. ثم اعترضه في موضعين من
هذا الكلام : الأول : قوله : «الأفضل» فإنه يوهم جواز الإفاضة قبل الغروب مع انه
لا خلاف بيننا انه يجب الوقوف الى الغروب ولا يجوز قبله ، والاخبار
__________________
دالة على ذلك كما تقدم. الى ان قال : الثاني : انه أوجب الدم ، وقد عرفت ان
الدم إذا أطلق حمل على أقل مراتبه وهو الشاة ، عملا بأصالة البراءة ، وقد بينا في
المسألة السابقة ان الواجب بدنة ، خلافا لابني بابويه انتهى.
قالوا : ولو أفاض
عامدا وعاد قبل الغروب لم يلزمه الجبر ، لأصالة البراءة ولانه لو لم يقف أولا ثم
اتى قبل غروب الشمس ووقف حتى تغرب الشمس لم يجب عليه شيء ، فكذا هنا. وحكى
العلامة في المنتهى عن بعض العامة قولا باللزوم لحصول الإفاضة المحرمة المقتضية للزوم الدم فلا يسقط الا
بدليل. قال في المدارك : وهو غير بعيد وان كان الأقرب السقوط.
أقول : المسألة
عندي محل توقف ، لفقد النص في المقام ، والتعليلات التي ذكروها عليلة لا تصلح
لتأسيس الأحكام الشرعية ، والقول العامي لا يخلو من قوة.
بقي الكلام في
ان مورد رواية مسمع الجاهل والعامد. واما حكم الناسي فهو غير مذكور فيها ،
والأصحاب قد أدرجوه في حكم الجاهل وجعلوا حكمه حكم الجاهل ، كما قدمنا نقله عنهم ،
ودعوى الإجماع عليه. وكأنهم بنوا في ذلك على اشتراكهما في العذر وعدم توجه الخطاب.
وفيه منع ظاهر فان المفهوم من تتبع الاخبار ان الجاهل أعذر ، وان الناسي بسبب
تذكره أولا وعلمه سابقا لا يساوي الجاهل الذي لا علم له أصلا ، ولهذا استفاضت
الاخبار بعدم وجوب قضاء الصلاة على جاهل النجاسة وتكاثرت بوجوب القضاء على الناسي ، حتى علل في بعضها
بأنه عقوبة له لنسيانه وعدم
__________________
تذكره وبالجملة فإن الحكم بمساواتهما لا دليل عليه ان لم يكن
الدليل قائما على خلافه. والله اعلم.
الموضع الثالث
ـ من المستحبات الغسل بعد الزوال في هذا اليوم للوقوف ويدل عليه قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر
بأذان واحد وإقامتين فإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم
دعاء ومسألة».
وفي صحيحة
الحلبي أو حسنته قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام): الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس ، وتجمع بين الظهر
والعصر بأذان وإقامتين».
وفي صحيحة عمر
بن يزيد قال : «إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية واغتسل
وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والثناء على الله. وصل الظهر والعصر
بأذان واحد وإقامتين».
ومنها : الجمع
بين الظهر والعصر ، وقد عرفت ذلك من الاخبار المذكورة ، ونحوها غيرها ايضا.
ومنها : الدعاء
ولا سيما بالمأثور عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم).
فروى ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار
__________________
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قد تقدم صدره غير مرة قال (عليهالسلام): «فإذا وقفت بعرفات فاحمد الله وهلله ومجده وأثن عليه
وكبره (مائة مرة) واقرأ قل هو الله أحد (مائة مرة) وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت
، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة ، وتعوذ بالله من الشيطان ، فان الشيطان لن يذهلك
في موطن قط أحب إليه من ان يذهلك في ذلك الموطن ، وإياك ان تشتغل بالنظر الى الناس
واقبل قبل نفسك ، وليكن في ما تقول : اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار ،
وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، اللهم لا تمكر بي ولا
تخدعني ولا تستدرجني يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا
ارحم الراحمين ، أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا. وليكن في
ما تقول وأنت رافع يديك الى السماء : اللهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني
ما منعتني والتي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، أسألك خلاص رقبتي من النار ،
اللهم اني عبدك وملك يدك وناصيتي بيدك ، وأجلى بعلمك ، أسألك أن توفقني لما يرضيك
عني ، وان تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم (عليهالسلام) ودللت عليها نبيك محمدا (صلىاللهعليهوآله) وليكن في ما تقول : اللهم اجعلني ممن رضيت عمله وأطلت
عمره وأحييته بعد الموت حياة طيبة». وروى الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
نحو ذلك وساق الحديث الى ان قال : «وليكن في ما تقول : اللهم اني عبدك فلا
تجعلني من أخيب وفدك ، وارحم مسيري إليك من الفج العميق. وليكن فيما تقول : اللهم
رب المشاعر كلها. ثم ساقه كما تقدم الى قوله ـ : ولا تستدرجني ـ ثم قال ـ : وتقول
: اللهم إني أسألك بحولك وجودك وكرمك ومنك وفضلك يا اسمع السامعين ويا أبصر
الناظرين. الحديث». كما تقدم الى آخره.
وروى الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لعلي (عليهالسلام) : الا أعلمك دعاء يوم عرفة وهو دعاء من كان قبلي من
الأنبياء (عليهمالسلام)؟ قال : تقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له
الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير
، اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا من ما نقول وفوق ما يقول القائلون ، اللهم لك
صلاتي ونسكي ، ومحياي ومماتي ، ولك براءتي وبك حولي ومنك قوتي ، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن
وساوس الصدور ومن شتات الأمر ومن عذاب القبر ، اللهم إني أسألك خير الرياح وأعوذ
بك من شر ما تجيء به الرياح وأسألك خير الليل وخير النهار ، اللهم اجعل في قلبي
نورا وفي سمعي وبصري نورا ، وفي لحمي ودمي
__________________
وعظامي وعروقي ومقعدي ومقامي ومدخلي ومخرجي نورا وأعظم لي نورا يا رب يوم
ألقاك انك على كل شيء قدير».
ورواه في
الفقيه عن معاوية بن عمار الى قوله : «وخير النهار». وقال : وفي رواية عبد الله بن سنان : «اللهم اجعل في قلبي
نورا. الدعاء».
وروى في من لا
يحضره الفقيه عن زرعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت وسبح الله (مائة
مرة) وكبر الله (مائة مرة) وتقول : ما شاء الله ولا قوة إلا بالله (مائة مرة)
وتقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى
ويميت ويميت ويحيى وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير (مائة مرة)
ثم تقرأ عشر آيات من أول سورة البقرة ، ثم تقرأ قل هو الله أحد (ثلاث مرات) وتقرأ
آية الكرسي حتى تفرغ منها ، ثم تقرأ آية السخرة (إِنَّ رَبَّكُمُ
اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ... إلى قوله قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ) ثم تقرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس حتى تفرغ
منهما ، ثم تحمد الله على كل نعمة أنعم عليك وتذكر النعمة واحدة واحدة ما أحصيت
منها ، وتحمده على ما أنعم عليك
__________________
من أهل ومال ، وتحمد الله على ما أبلاك ، وتقول : اللهم لك الحمد على
نعمائك التي لا تحصى بعدد ولا تكافأ بعمل ، وتحمده بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه
في القرآن ، وتسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في القرآن ، وتكبره بكل تكبير كبر به
نفسه في القرآن ، وتهلله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن ، وتصلي على محمد وآل
محمد وتكثر منه وتجتهد فيه ، وتدعو الله بكل اسم سمى به نفسه في القرآن وبكل اسم
تحسنه ، وتدعوه بأسمائه التي في آخر الحشر وتقول : أسألك ـ يا الله يا رحمان بكل اسم هو لك ،
وأسألك بقوتك وقدرتك وعزتك وبجميع ما أحاط به علمك وبجمعك وأركانك كلها ، وبحق
رسولك (صلىاللهعليهوآله) وباسمك الأكبر الأكبر ، وباسمك العظيم الذي من دعاك به
كان حقا عليك ان تجيبه ، وباسمك الأعظم الأعظم الذي من دعاك به كان حقا عليك ان لا
ترده وان تعطيه ما سأل ـ ان تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في. وتسأل الله حاجتك
كلها من الآخرة والدنيا ، وترغب إليه في الوفادة في المستقبل وفي كل عام ، وتسأل
الله الجنة (سبعين مرة) وتتوب اليه (سبعين مرة). وليكن من دعائك : اللهم فكني من
النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة
العرب والعجم. فان نفد هذا الدعاء ولم تغرب الشمس فأعده من أوله الى آخره ولا تمل
من الدعاء والتضرع والمسألة».
وروى في الكافي
في الصحيح عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون القداح
__________________
قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقف بعرفات ، فلما همت الشمس ان تغيب قبل ان تندفع قال
: اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن تشتت الأمر ومن شر ما يحدث بالليل والنهار أمسى
ظلمي مستجيرا بعفوك ، وأمسى خوفي مستجيرا بأمانك ، وأمسى ذلي مستجيرا بعزك ، وأمسى
وجهي الفاني مستجيرا بوجهك الباقي ، يا خير من سئل ويا أجود من اعطى ، جللني
برحمتك ، وألبسني عافيتك واصرف عني شر جميع خلقك. قال عبد الله بن ميمون : وسمعت
أبي يقول : يا خير من سئل ، ويا أوسع من اعطى ، ويا ارحم من استرحم. ثم سل حاجتك».
أقول : لعل المراد
بقوله : «سمعت أبي.» ان أباه روى الحديث بهذه الزيادة.
وروى الشيخ
بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا غربت الشمس فقل : اللهم لا تجعله آخر العهد
من هذا الموقف وارزقنيه من قابل ابدا ما أبقيتني واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا
لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك عليك ، وأعطني أفضل ما
أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة وبارك لي في ما ارجع
اليه من أهل أو مال أو قليل أو كثير وبارك لهم في».
ورواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن زرعة .
__________________
ومن المستحب
الدعاء في هذا اليوم ايضا بدعاء الحسين (عليهالسلام) وهو مشهور ودعاء ابنه زين العابدين (عليهالسلام) في الصحيفة الكاملة .
وقال شيخنا
المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة بعد ذكر ما في رواية أبي بصير المتقدمة : «ثم يدعو
بدعاء الموقف فيقول : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم
، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش
العظيم ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد عبدك
ورسولك وخيرتك من خلقك وعبادك الذي اصطفيته لرسالتك ، واجعله إلهي أول شافع وأول
شفيع وأول قائل وأنجح سائل ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل
محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، أفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل
إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم انك تجيب المضطر إذا دعاك ، وتكشف السوء ، وتغيث
المكروب وتشفي السقيم ، وتغني الفقير ، وتجبر الكسير ، وترحم الصغير وتعين الكبير
، وليس فوقك أمير أنت العلي الكبير يا مطلق المكبل الأسير ويا رازق الطفل الصغير ،
ويا عصمة الخائف المستجير ، يا من لا شريك له ولا وزير ، اللهم إنك أقرب من دعى ،
وأسرع من أجاب ، وأكرم من عفى ، وخير من اعطى ، وأوسع
__________________
من سئل ، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ليس كمثلك شيء مسؤول ولا معط ،
دعوتك فأجبتني ، وسألتك فاعطيتني ، وفرعت إليك فرحمتني ، وأسلمت لك نفسي فاغفر لي
ذنوبي ولوالدي ولأهلي وولدي ولكل سبب ونسب في الإسلام لي ولجميع المؤمنين
والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم إني أسألك ـ بعظيم ما سألك به أحد من خلقك
من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصة آلائك ان تصلي على محمد وآل محمد ، وان تجعل
عشيتي هذه أعظم عشية مرت علي منذ انزلتني الى الدنيا بركة ، في عصمة ديني ، وخاصة
نفسي ، وقضاء حاجتي ، وتشفيعي في مسائلي ، وإتمام النعمة علي ، وصرف السوء عني
وألبسني العافية ، وان تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك ، إنك جواد
كريم. اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد مني حتى
تبلغنيها من قابل مع حاج بيتك الحرام والزوار لقبر نبيك (عليه وآله السلام) في
اعفى عافيتك ، وأتم نعمتك ، وأوسع رحمتك وأجزل قسمك ، وأسبغ رزقك ، وأفضل الرجاء ،
وانا لك على أحسن الوفاء انك سميع الدعاء. اللهم صل على محمد وآل محمد ، واسمع دعائي
، وارحم تضرعي وتذللي واستكانتي وتوكلي عليك ، فانا لك سلم ، لا أرجو نجاحا ولا
معافاة ولا تشريفا الا بك ومنك ، فامنن علي بتبليغي هذه العشية من قابل وانا معافى
من كل مكروه ومحذور ومن جميع البوائق. واعني على طاعتك وطاعة أوليائك الذين
اصطفيتهم من خلقك لخلقك ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وسلمني في ديني ، وامدد لي
في أجلي ، وأصح لي جسمي ، يا من رحمني وأعطاني سؤلي ، فاغفر لي ذنبي انك على كل شيء
قدير اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتمم علي نعمتك في ما بقي من اجلي حتى تتوفاني
وأنت عني راض. اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تخرجني من ملة الإسلام ، فإني
اعتصمت بحبلك ، ولا تكلني إلى غيرك. اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعلمني
ما ينفعني ، واملأ قلبي علما وخوفا من سطوتك ونقمتك. اللهم إني أسألك ـ مسألة
المضطر إليك ، المشفق من عذابك ، الخائف من عقوبتك ـ ان تغفر لي وتعيذني بعفوك
وتحنن علي برحمتك ، وتجود علي بمغفرتك وتؤدي عني فريضتك ، وتغنيني بفضلك عن سؤال
أحد من خلقك ، وان تجيرني من النار برحمتك. اللهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح له
فتحا يسيرا ، وانصره نصرا عزيزا ، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا. اللهم صل على
محمد وآل محمد ، وأظهر حجته بوليك ، واحي سنته بظهوره ، حتى تستقيم بظهوره جميع
عبادك وبلادك ، ولا يستخفي أحد بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق. اللهم إني أرغب
إليك في دولته الشريفة الكريمة التي تعز بها الإسلام واهله وتذل بها الشرك واهله.
اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والعابرين في
سبيلك ، وارزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة. اللهم ما أنكرنا من الحق فعرفناه وما
قصرنا عنه فبلغناه. اللهم صل على محمد وآل محمد ، واستجب لنا جميع ما دعوناك
وسألناك. واجعلنا ممن يذكر فتنفعه الذكرى. وأعطني اللهم سؤلي في الدنيا والآخرة ،
انك على كل شيء قدير».
أقول قال
الصدوق (قدسسره) في من لا يحضره الفقيه ـ بعد ما أورد ما قدمناه قبل هذا الدعاء ـ ما صورته :
وقد أخرجت دعاء جامعا لموقف عرفة في كتاب دعاء الموقف ، فمن أحب ان يدعو به دعا به
ان شاء الله تعالى. انتهى. والظاهر انه أشار الى هذا الدعاء الذي ذكره شيخنا
المذكور. والله العالم.
__________________
ومنها : الدعاء
للإخوان ، روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن علي بن إبراهيم عن أبيه قال : «رأيت عبد الله بن جندب بالموقف ، فلم أر موقفا
كان أحسن من موقفه ، ما زال مادا يديه الى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ
الأرض ، فلما انصرف الناس قلت : يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك. قال
: والله ما دعوت إلا لإخواني وذلك لان أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) أخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش : «ولك
مائة ألف ضعف مثله» فكرهت ان ادع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا ادري تستجاب أم لا».
ورواه الصدوق مرسلا نحوه .
وعن ابن أبي
عمير قال : «كان عيسى بن أعين إذا حج فصار الى الموقف اقبل على الدعاء لإخوانه
حتى يفيض الناس. قال : قلت له : تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت الى الموضع الذي
تبث فيه الحوائج الى الله (عزوجل) أقبلت على الدعاء لإخوانك وتركت نفسك؟! قال : اني
على ثقة من دعوة الملك لي وفي شك من الدعاء لنفسي».
وفي الموثق عن
إبراهيم بن أبي البلاد أو عبد الله بن جندب قال : «كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب
فسلمت عليه ، وكان مصابا بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم ،
__________________
فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك وانا والله مشفق على عينك الأخرى ، فلو قصرت
من البكاء قليلا. قال : لا والله يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة. فقلت :
فلمن دعوت؟ فقال : دعوت لإخواني ، فإني سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : من دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله به ملكا يقول
: «ولك مثلاه» فأردت ان أكون أنا أدعو لإخواني ويكون الملك يدعو لي ، لأني في شك
من دعائي لنفسي ولست في شك من دعاء الملك لي».
ومنها : ان
يضرب خباءه بنمرة ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة : «فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن
عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل. الحديث».
وفي صحيحته
الأخرى الواردة في حج النبي (صلىاللهعليهوآله) «انه انتهى الى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك ، فضربت قبته وضرب الناس
أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد
فوعظ الناس. الحديث». وقد تقدم في المقام .
واستشكل في
المسالك هنا بفوات جزء من الوقوف الواجب عند الزوال قال : والذي ينبغي انه لا تزول
الشمس عليه الا بها. انتهى. وهو مبنى على
__________________
ما قدمنا نقله عنه وعن أمثاله من المتأخرين من إيجابهم الوقوف بعرفة من أول
الزوال ومقارنة النية لأوله. وقد عرفت الكلام فيه في الموضع الأول مستوفى.
ومنها : سد
الخلل بنفسه أو برحله ، لما تقدم
في صحيحة
معاوية بن عمار من قوله (عليهالسلام): «فإذا رأيت خللا فسده بنفسك وراحلتك ، فان الله (عزوجل)
يحب ان تسد تلك الخلال».
وربما علل
استحباب سد الفرج الكائنة على الأرض بأنها إذا بقيت فربما يطمع أجنبي في دخولها ،
فيشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء ، ويؤذيهم في شيء من أمورهم.
واحتمل بعض
الأصحاب (رضوان الله عليهم) كون متعلق الجار في «بنفسك وراحلتك» محذوفا صفة للخلل
، والمعنى انه يسد الخلل الكائن بنفسه وبرحله ، بأن يأكل ان كان جائعا ، ويشرب ان
كان عطشانا ، وهكذا يصنع ببعيره ، ويزيل الشواغل المانعة من الإقبال والتوجه في
الدعاء.
وهو معنى حسن
في حد ذاته الا انه بعيد عن لفظ الخبر والمستفاد من غيره ، بل المراد انما هو
الفرج الواقعة في الأرض.
كما يدل عليه
صريحا ما رواه في الكافي عن سعيد بن يسار قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) عشية من العشيات ونحن بمنى ـ وهو يحثني على الحج
ويرغبني فيه ـ : يا سعيد أيما عبد رزقه الله رزقا من رزقه
__________________
فأخذ ذلك الرزق فأنفقه على نفسه وعلى عياله ، ثم أخرجهم قد ضحاهم بالشمس
حتى يقدم بهم عشية عرفة الى الموقف فيقيل ، ألم تر فرجا تكون هناك فيها خلل وليس
فيها أحد؟ فقلت : بلى جعلت فداك. فقال : يجيء بهم قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك
الفرج ، فيقول الله (تبارك وتعالى لا شريك له) : عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك
الرزق فأنفقه فضحى به نفسه وعياله ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس
مغفرتي ، اغفر له ذنبه ، واكفه ما أهمه. وارزقه. الحديث».
قال في الوافي بعد ذكر الخبر : «قد ضحاهم بالشمس» اي ابرزهم لحرها ،
والضحى بالضم والقصر : الشمس. قوله : «ألم تر» جملة معترضة والتقدير فيقيل بهم حتى
يشعب بهم تلك الفرج. والفرجة بالضم : الثلمة في الحائط ونحوه. والخلل : منفرج ما
بين الشيئين. والشعب : الرتق والجمع والإصلاح ، يعني : عمر تلك المواضع بعبادته
وعبادة أهل بيته وملأها بهم وسدها» انتهى.
ومنها : الوقوف
بميسرة الجبل بعرفة ، فإنه الأفضل وان أجزأ الوقوف بأي موضع منها.
فروى في الكافي
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قف في ميسرة الجبل ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقف بعرفات في ميسرة الجبل ، فلما وقف جعل الناس
__________________
يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون الى جانبه ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : ايها
الناس انه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف ولكن هذا كله موقف. وأشار بيده الى الموقف.
وقال : هذا كله موقف. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. الحديث».
وعن مسمع عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «عرفات كلها موقف ، وأفضل الموقف سفح الجبل. الى
ان قال : وانتقل عن الهضبات واتق الأراك».
وعن محمد بن
سماعة عن سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم فكيف يصنعون؟ فقال :
يرتفعون إلى وادي محسر. قلت : فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال :
يرتفعون إلى المأزمين. قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟
قال : يرتفعون الى الجبل ويوقف في ميسرة الجبل ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقف بعرفات فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته. الحديث». كما
تقدم في صحيحة معاوية بن عمار.
ومنها : القيام
، ذكره جملة من الأصحاب ، وعللوه بأنه أشق ، وأفضل
__________________
الأعمال أحمزها .
وقال الشيخ في
الخلاف : يجوز الوقوف بعرفة راكبا وقائما سواء. وفي المبسوط القيام أفضل. قال في
المختلف : وهو الحق ، لنا : انه أشق ، وقال (صلىاللهعليهوآله): «أفضل الأعمال أحمزها» . ثم نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال في استدلاله :
وايضا القيام أشق من الركوب ، فينبغي ان يكون أفضل.
وقال في
المدارك بعد ان اختار ذلك وعلله بما ذكره الأصحاب أيضا : وينبغي ان يكون ذلك حيث
لا ينافي الخشوع لشدة التعب ونحوه ، والا سقطت وظيفة القيام.
وقال في
المدارك بعد ان نقل عن المصنف كراهة الركوب والقعود : لم أقف على رواية تتضمن
النهي عن ذلك. نعم لا ريب انه خلاف الاولى ، لاستحباب القيام. وقال بعض العامة :
ان الركوب أفضل من القيام ، لما رووه من ان النبي (صلىاللهعليهوآله) وقف راكبا وهو ضعيف. انتهى.
أقول :
والمسألة عندي لا تخلو من شوب التردد ، فان ما ذكروه من استحباب القيام لم يرد في
شيء من اخبار عرفة على كثرتها واشتمالها على جملة من المندوبات ، مع ان هذا الحكم
من أهمها لو كان كذلك. وما عللوه به
__________________
من الخبر لا يخلو من شيء.
مع ان الظاهر
من صحيحة معاوية بن عمار في حكاية وقوفه (صلىاللهعليهوآله) وقوله فيها : «فلما وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون الى جانبه ،
فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك». ان وقوفه (صلىاللهعليهوآله) كان على الناقة.
وأصرح منه
وأظهر ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى عن
حماد بن عيسى قال : «رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهالسلام) في الموقف على بغلة رافعا يده الى السماء عن يسار والى
الموسم حتى انصرف ، وكان في موقف النبي (صلىاللهعليهوآله) وظاهر كفيه الى السماء وهو يلوذ ساعة بعد ساعة
بسبابتيه».
ومنها : عدم
الوقوف في أعلى الجبل الا مع الضرورة. لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟ فقال
: على الأرض».
ونقل عن ابن
البراج وابن إدريس أنهما حرما الوقوف على الجبل إلا لضرورة. ولم أقف لذلك على دليل
سوى الرواية المذكورة.
وكيف كان فمع
الضرورة كالزحام ونحوه تنتفي الكراهة أو التحريم.
__________________
لما تقدم في
رواية محمد بن سماعة . وما رواه في الكافي عن سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون الى الجبل».
ومنها : الوقوف
على طهارة ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يقف بعرفات على
غير وضوء؟ قال : لا يصلح له الا وهو على وضوء».
وانما حملناه
على الاستحباب لما تقدم في أحاديث السعي والطواف من ما يدل على جواز أداء المناسك
بغير طهارة إلا الطواف.
وينبغي تقييد
ذلك ايضا بما إذا لم يكن وقوفه على غسل والا فالغسل مجزئ عنه ، كما هو القول
المختار من اجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة.
الموضع الرابع
ـ المشهور بين الأصحاب ان الدعاء يوم عرفة مستحب ، قال في المنتهى : وهذه الأدعية
مستحبة وليست بواجبة إنما الواجب الوقوف ولا نعلم في ذلك خلافا. ثم أورد الخبرين
الآتيين.
أقول : وربما
أشعر كلام بعضهم بالوجوب ، ونقل في الدروس عن الحلبي انه أوجب الدعاء والاستغفار.
وعن ابن زهرة إيجاب الذكر.
وقال في
المختلف : قال أبو الصلاح : يلزم افتتاحه بالنية ، وقطع زمانه
__________________
بالدعاء والتوبة والاستغفار. قال : وهذا يوهم وجوب هذه الأشياء. والحق ان
الواجب النية والكون بها خاصة دون وجوب شيء من الأذكار. وكذا قال في المشعر. وهو
اختيار ابن البراج. لنا : الأصل براءة الذمة ، وما رواه عبد الله بن جذاعة الأزدي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس ، فبقي ينظر الى
الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس؟ قال : يجزئه وقوفه. ثم قال : أليس قد صلى بعرفات
الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت : بلى. قال : فعرفات كلها موقف ، وما قرب من الجبل
فهو أفضل». وعن أبي يحيى زكريا الموصلي قال : «سألت العبد الصالح (عليهالسلام) عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولد ،
قبل ان يذكر الله بشيء أو يدعو ، فاشتغل بالجزع والبكاء عن الدعاء ، ثم أفاض
الناس. فقال : لا ارى عليه شيئا وقد أساء ، فليستغفر الله ، اما لو صبر واحتسب
لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا من غير ان ينقص من حسناتهم شيء».
__________________
الفصل الثالث في الأحكام
وفيه مسائل :
الأولى ـ لا
خلاف بين الأصحاب بل بين علماء الإسلام في ان الوقوف بعرفة ركن من تركه عامدا فلا حج له.
ويدل عليه ما
تقدم في جملة من الاخبار : ان أهل الأراك لا حج لهم . وإذا بطل الحج بالوقوف في غير الموقف فبعدم الوقوف
بالكلية بطريق أولى. فأما ما رواه الشيخ عن ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) ـ قال : «الوقوف بالمشعر فريضة ، والوقوف بعرفة سنة».
فقد رده
المتأخرون بالطعن في السند بالإرسال ، وضعف المرسل.
وأجاب عنه
الشيخ بحمل السنة على ما ثبت فرضه من جهة السنة دون النص بظاهر القرآن ، قال : وما
عرف فرضه من جهة السنة جاز ان يطلق عليه الاسم بأنه سنة ، وقد بينا ذلك في غير
موضع ، وليس كذلك الوقوف بالمشعر ، لان فرضه علم بظاهر القرآن ، قال الله تعالى (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ
فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) انتهى. وهو جيد.
__________________
وقال في الدروس
: ورواية ابن فضال ـ انه سنة ـ مزيفة بالإرسال. ومعارضة بالإجماع. ومأولة بالثبوت
بالسنة.
وينبغي ان يعلم
ان الركن منه هو المسمى خاصة ، وما عداه فيتصف بالوجوب ، ومن ثم صح حج المفيض قبل
الغروب عمدا وان وجب عليه جبره بالبدنة أو الشاة على القولين المتقدمين. وصح ايضا
حج من أخل به أول الوقت.
ولا يختص الركن
بجزء معين منه بل الأمر الكلي ، كما قالوا في الركن الركوعي من انه المقارن
للركوع.
الثانية ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الوقت الاختياري لوقوف عرفة من زوال الشمس الى
الغروب ، من تركه عامدا فسد حجه ومن تركه ناسيا تداركه ما دام وقته باقيا ولو قبل
طلوع الفجر من يوم النحر. ولو فاته اكتفى بالوقوف بالمشعر ، والوقت الاضطراري إلى
طلوع الفجر من يوم النحر.
وتفصيل هذا
الإجمال وما يتعلق به من الاستدلال يقع في مواضع.
فاما بيان ان
الوقت الاختياري من زوال الشمس الى الغروب فقد تقدمت الأخبار الدالة عليه في بيان
كيفية الوقوف .
واما أن من ترك
الوقوف في هذا الوقت عامدا فسد حجه فقد تقدم بيانه في سابق هذه المسألة.
واما بيان
الوقت الاضطراري وانه يجزئ لمن لم يدرك الاختياري فيدل عليه جملة من الاخبار :
منها : ما رواه
الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار والكليني
__________________
في الصحيح أو الحسن عنه ايضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وقال في رجل أدرك الامام وهو بجمع. فقال
: ان ظن انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وان
ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع ، فقد تم حجه».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات. فقال : ان
كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل
ان يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات ، وان قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر
الحرام ، فان الله تعالى أعذر لعبده ، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع
الشمس وقبل ان يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها
عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل».
وعن إدريس بن
عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي ان مضى الى عرفات ان يفيض
الناس من جمع قبل ان يدركها. فقال : ان ظن ان يدرك الناس بجمع قبل
__________________
طلوع الشمس فليأت عرفات فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس
، فقد تم حجه».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في سفر ، فإذا شيخ كبير فقال : يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له : ان ظن انه
يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وان ظن انه لا
يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها ، وقد تم حجه».
واما انه لو
فاته الوقوف الاضطراري اكتفى بالوقوف بالمشعر فقد دلت عليه الاخبار المذكورة.
بقي الكلام في
ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) استدلوا بهذه الروايات على ما قدمنا نقله عنهم من
حكم الناسي ، وهي ـ كما ترى ـ لا تعرض فيها لذكر الناسي ولو بالإشارة فضلا عن
التصريح ، وانما موردها ضيق الوقت على القادم للحج.
واما ما ذكره
في المدارك بعد ان أورد عليهم نحو ما أوردناه ـ حيث قال : ويمكن استفادته من
التعليل المستفاد من قوله (عليهالسلام) في رواية الحلبي : «الله أعذر لعبده» فان النسيان من
أقوى الأعذار. بل يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل ايضا كما هو ظاهر اختيار
الشهيد في الدروس.
فهو محل نظر.
وكأنه بناء منه على ما قدمنا نقله عنه في كتاب الصيام
__________________
من دعواه ان النسيان من الله (تعالى). وقد بينا ثمة ضعفه ، وان النسيان
انما هو من الشيطان كما تكررت به آيات القرآن. وبالجملة فإن الناسي من حيث حصول
العلم له أولا فعروض النسيان له انما هو لإهماله التذكر وعدم الاعتناء بإجرائه على
البال. ومن أجل ذلك يضعف القول بمعذوريته ، وان كان ظاهر كلامه هنا وكذا كلام غيره
زيادة معذوريته على الجاهل. وهو غلط محض ، فإن الأخبار قد استفاضت بمعذورية الجاهل
ولا سيما في باب الحج عموما وخصوصا. والوجه فيه ظاهر ، كما تقدم تحقيقه في غير
مقام ولا سيما في مقدمات الكتاب ، وهم في أكثر المواضع انما استندوا في معذورية
الناسي الى اخبار معذورية الجاهل ، فلو عكسوا لأصابوا.
وظاهر الاخبار
المذكورة الاكتفاء في الوقوف الاضطراري بمسمى الكون بعرفة ، وبذلك صرح الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ايضا ، قال في المنتهى : لو لم يقف بعرفة نهارا ووقف بها ليلا أجزأه
على ما بيناه ، وجاز له ان يدفع من عرفات اي وقت شاء بلا خلاف.
ونقل عن الشيخ
في الخلاف انه أطلق ان وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة الى طلوع الفجر من يوم
النحر. وحمله جملة من الأصحاب على ان مراده بيان مجموع وقتي الاختيار والاضطرار ،
لا أن ذلك وقت اختياري لتصريحه في سائر كتبه بالتفصيل المذكور.
وحمله ابن
إدريس على ان مراده الوقت الاختياري ، فاعترضه بان هذا القول مخالف لأقوال علمائنا
وانما هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ
__________________
في كتابه إيرادا لا اعتقادا.
وقال العلامة
في المختلف ـ ونعم ما قال ـ : والتحقيق ان النزاع هنا لفظي ، فإن الشيخ قصد الوقوف
الشامل للاختياري وهو من زوال الشمس الى غروبها ، والاضطراري وهو من الزوال الى
طلوع الفجر ، فتوهم ابن إدريس ان الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري ، فأخطأ في
اعتقاده ونسب الشيخ الى تقليد بعض المخالفين ، مع ان الشيخ أعظم المجتهدين
وكبيرهم. ولا ريب في تحريم التقليد للمحق من المجتهدين فكيف المخالف الذي يعتقد
المقلد انه مخطئ ، وهل هذا الا جهالة منه واجتراء على الشيخ (رحمهالله).
ويستفاد من
الاخبار المذكورة انه لا يجب عليه المضي الى عرفات في الصورة المذكورة إلا مع ظن
إدراك اختياري المشعر ، فلو تردد في ذلك لم يجب عليه المضي واجتزأ باختياري المشعر
، وهو الظاهر ايضا من كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ونقل عن الشيخ انه
احتمل وجوب المضي الى عرفات مع التردد تقديما للوجوب الحاضر. وضعفه ظاهر. ومنه
يستفاد ايضا ان اختياري المشعر مقدم على اضطراري عرفة. وسيأتي تحقيق ذلك في المقام
ان شاء الله تعالى.
الثالثة ـ اعلم
ان أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية : أربعة مفردة ، وهي
كل واحد من الاختياريين والاضطراريين ، وأربعة مركبة ، وهي الاختياريان
والاضطراريان واختياري عرفة مع اضطراري المشعر وبالعكس. قالوا : وكلها مجزئة إلا
اضطراري عرفة ، قولا واحدا كما نقله في الدروس وقد وقع الخلاف في اختياري عرفة ايضا
، وكذا في
الاضطراريين ، وكذا في اضطراري المشعر وحده.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع الأول : ان يقال : اما الاختياريان واضطراري عرفة مع اختياري
المشعر ، وكذا اختياري المشعر خاصة ، وكذا اختياري عرفة مع اضطراري المشعر ، فهي
مجزئة قولا واحدا.
ويدل على الأول
منها انه الحج المأمور به وقد اتى به ، وعلى الثاني والثالث الاخبار المتقدمة في
المسألة الثانية .
وعلى الرابع ما
رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى؟ قال :
فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها وان كان الناس قد أفاضوا من جمع».
وفي الموثق عن
يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): رجل أفاض من عرفات بالمشعر. فلم يقف حتى انتهى الى
منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار؟ قال : يرجع الى المشعر فيقف ثم يرجع
فيرمي الجمرة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا
وليقف بها وان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع».
الثاني ـ اختياري
عرفة خاصة ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
__________________
الاجتزاء به حتى انه ادعى في المسالك عدم الخلاف فيه ، حيث قال : انه لا
خلاف في الاجتزاء بأحد الاختياريين. واعترضه سبطه في المدارك بأنه مشكل جدا ،
لانتفاء ما يدل على الاجتزاء باختياري عرفة خاصة مع ان الخلاف في المسألة متحقق ،
فإن العلامة في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك ، وهذه عبارته : ولو أدرك أحد
الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فان كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراك
المشعر ، وان كان هو المشعر ففيه تردد. ونحوه قال في التذكرة ، فعلم من ذلك ان
الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعيا كما ذكره الشارح وان المتجه فيه عدم
الاجزاء لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وانتفاء ما يدل على الصحة مع هذا
الإخلال. والله العالم بحقيقة الحال. انتهى.
أقول : روى
الكليني في الصحيح أو الحسن عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال «في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى اتى
منى. فقال : ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟ قلت : فإنه جهل ذلك. قال :
يرجع. قلت : ان ذلك قد فاته. قال : لا بأس».
وروى في
التهذيب في الصحيح ايضا عن محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في من جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى اتى منى ، قال : يرجع. قلت :
ان ذلك قد
__________________
فاته. قال : لا بأس به».
وهذان الخبران
ظاهرا الدلالة على الاجتزاء باختياري عرفة ، والتقريب فيهما أن من الظاهر ان مروره
بالمزدلفة والإتيان إلى منى انما هو من عرفات بعد الوقوف الاختياري بها ، والامام (عليهالسلام) قد أمر بالرجوع إلى المزدلفة للوقوف بها ولو الاضطراري
، ولما أخبره السائل بفوات الوقت حكم بصحة الحج في الصورة المذكورة.
والشيخ (رحمهالله تعالى) حملهما في التهذيبين ـ بعد الطعن في الراوي بأنه
عامي ، وانه رواه تارة بواسطة واخرى بدونها ـ على من وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا دون
الوقوف التام.
وما ادري ما
الموجب لتأويلهما؟ سيما مع قولهم بالاجتزاء باختياري عرفة كما عرفت ، ودلالة
الخبرين على ذلك من غير معارض في البين. والخبران ظاهران في ان ترك الوقوف كان عن
جهل ، فلا يمكن حينئذ حملهما على ترك الوقوف عمدا ، ليكون ذلك موجبا لبطلان الحج
كما ربما يتوهم. وبالجملة فإني لا اعرف وجها في ردهما والحال كما عرفت. وما ذكره
من ان محمد بن يحيى الخثعمي عامي ، فلم يذكره إلا في هذا الموضع من الاستبصار ،
واما في كتب الرجال فإنه لم يتعرض للقدح فيه بذلك. مع ان النجاشي قد وثقه ، فحديثه
صحيح كما ذكرناه.
ولم أعثر على
من تنبه لما قلناه من الاستدلال بالخبرين المذكورين على هذه الصورة مع ان دلالتهما
ظاهرة بالتقريب المذكور.
وقال في الدروس
ـ بعد ان اختار اجزاء الثمانية المتقدمة إلا الاضطراري الواحد منهما ، ونسب إجزاء
اضطراري المشعر إلى رواية صحيحة ـ ما صورته
وخرج الفاضل وجها باجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة وحده ،
ولعله لقول الصادق (عليهالسلام) : «الوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة سنة». وقوله (عليهالسلام) : «إذا فاتتك المزدلفة فاتك الحج». ويعارض بما اشتهر من
قول النبي (صلىاللهعليهوآله): «الحج عرفة» . و «أصحاب الأراك لا حج لهم» .
أقول : ومن هذا
الكلام يظهر ان مستندهم في القول بالاجتزاء باختياري عرفة انما هو الخبر المذكور
عنه (صلىاللهعليهوآله) في الموضعين. ولا يخفى ما فيه من الإجمال الموجب لضعف
الاستدلال. وما ذكرناه من الخبرين المتقدمين أظهر دلالة وأوضح مقالة.
الثالث ـ
الاضطراريان ، والأظهر إدراك الحج بإدراكهما ، كما صرح به الشيخ في كتابي الاخبار
، واستقربه في المختلف واختاره المحقق في الشرائع ، والسيد السند في المدارك.
لما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحسن العطار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر ،
__________________
فاقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا ، فليقف قليلا
بالمشعر الحرام ، وليلحق الناس بمنى ، ولا شيء عليه».
وهي صريحة
الدلالة في إدراك الحج بإدراك الاضطراريين ، ولا ينافيها صحيحة حريز الآتية ونحوها
من ما دل على فوات الحج بإدراك المشعر بعد طلوع الشمس ، لأنها محمولة على من لم
يدرك عرفة بالمرة وانما أدرك اضطراري المشعر خاصة ، كما سيأتي بيانه ان شاء الله
تعالى.
ولا يخفى انه
على القول بإدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر خاصة يتعين القول بالصحة بإدراكهما
معا بطريق اولى ، وانما تصير ثمرة الخلاف في هذا القول بناء على القول الآخر من
عدم ادراك الحج في الصورة المذكورة.
ثم العجب من
المحقق الشيخ حسن (قدسسره) في منسك الحج حيث قال بعد ذكر عدم الاجزاء في صورة
اضطراري المشعر : ومثله القول في الثالث ، فان الخلاف فيه واقع ، وبالاجزاء حديث
من مشهوري الصحيح واضح الدلالة ، الا ان الاعتماد على مثله في حكم مخالف للأصل
مشكل. انتهى. وأشار بالثالث إلى صورة ادراك الاضطراريين. وبالحديث إلى صحيحة الحسن
المذكورة ولا يخفى ما فيه من المجازفة بناء على اعتمادهم على القواعد الأصولية
زيادة على الاخبار المعصومية ، فإن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل ولا معارض له من
الاخبار ، فيجب القول به على كل حال.
الرابع ـ اضطراري
المشعر خاصة ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إدراك الحج بإدراكه وعدمه
، فالمشهور العدم ، بل ادعى عليه في المنتهى انه موضع وفاق ، وقال ابن الجنيد
والمرتضى والصدوق في كتاب علل الشرائع والأحكام بالأول ، واختاره شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك وسبطه
السيد السند في المدارك.
قال (قدسسره) بعد نقل ذلك عن الجماعة المذكورين : وهو المعتمد لنا ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن المغيرة قال : «جاءنا رجل بمنى فقال اني لم أدرك الناس
بالموقفين جميعا. فقال له عبد الله بن المغيرة : فلا حج لك. وسأل إسحاق بن عمار
فلم يجبه فدخل إسحاق على أبي الحسن (عليهالسلام) فسأله عن ذلك ، فقال : إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل
ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج». وفي الحسن عن جميل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال
الشمس فقد أدرك الحج». وقد روى نحو هذه الرواية ابن بابويه في كتاب من لا يحضره
الفقيه بطريق صحيح عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل ان تزول
الشمس فقد أدرك الحج». وقال في كتاب علل الشرائع والأحكام : والذي افتى به واعتمده في هذا المعنى ما حدثنا به
شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (رضي الله تعالى عنه) قال حدثني محمد بن الحسن
الصفار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
ونقل الرواية بعينها. وهذه الرواية مع صحتها واضحة الدلالة على المطلوب ،
ويدل عليه ايضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن إسحاق ابن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أدرك المشعر الحرام قبل أن تزول الشمس فقد
أدرك الحج». وفي الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذا أدرك الزوال فقد أدرك الموقف». واستدل الشارح (قدسسره) على هذا القول بصحيحة عبد الله ابن مسكان عن الكاظم (عليهالسلام) «إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس فقد أدرك
الحج» وتقدمه في ذلك الشيخ فخر الدين في شرح القواعد. ولم نقف على هذه الرواية في
شيء من الأصول ولا نقلها أحد غيرهما في ما اعلم. والظاهر انها رواية عبد الله بن
المغيرة فوقع السهو في ذكر الأب. والعجب ان الكشي قال روى : ان عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق (عليهالسلام) الا حديث : «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج». انتهى.
أقول : فيه انه
وان دلت هذه الاخبار المذكورة على ما ادعاه من القول المذكور الا ان بإزائها أيضا
ما يدل على القول المشهور ، فكان الواجب في مقام التحقيق ذكرها والجواب عنها بوجه
يحسم مادة الاشكال والنزاع ، والا فإن المسألة تبقى في قالب التعويق الموجب لعدم
الفائدة في ما ذكره والانتفاع.
__________________
ومن الاخبار
المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا. فقال : له الى
طلوع الشمس من يوم النحر ، فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ، ويجعلها عمرة
، وعليه الحج من قابل». والرواية مع صحة سندها صريحة الدلالة في القول المذكور.
ومن ما يدل على
ذلك ايضا ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة الثانية لقوله (عليهالسلام) فيها : «وان قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام
، فان الله تعالى أعذر لعبده ، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس
وقبل ان يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها عمرة
مفردة ، وعليه الحج من قابل». والتقريب فيها ان الظاهر من قوله (عليهالسلام) : «وان لم يدرك المشعر» يعني : على الوجه الذي ذكره
أولا من كونه قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس ، كما هو ظاهر السياق المتبادر من
هذا الإطلاق. ونحوها أيضا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ثمة وقوله (صلىاللهعليهوآله) لذلك الشيخ : «ان ظن انه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم
يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها. الخبر». الا ان للاحتمال فيه مجالا.
__________________
ومن ما يدل على
ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن سنان قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الذي إذا أدركه الإنسان فقد أدرك الحج. فقال : إذا
أتى جمعا والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، وان
أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له ، فان شاء ان يقيم بمكة أقام
وان شاء ان يرجع الى أهله رجع ، وعليه الحج من قابل».
وعن محمد بن
فضيل قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج. فقال : إذا
اتى جمعا والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، وان لم يأت
جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له ، فان شاء اقام وان شاء رجع ، وعليه
الحج من قابل».
وعن إسحاق بن
عبد الله قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي ان يفوته الموقفان.
فقال : له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر ، فإذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت :
كيف يصنع بإحرامه؟ فقال يأتي مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. فقلت له :
إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال : ان شاء أقام بمكة وان شاء رجع الى الناس بمنى ،
وليس منهم في شيء ، وإن
__________________
شاء رجع الى اهله ، وعليه الحج من قابل».
فهذه جملة من
الاخبار الدالة على القول المشهور كما ذكرنا. وهو وان أجاب عن بعضها بضعف السند
بناء على اصطلاحه الغير المعتمد الا ان فيها الصحيح كما عرفت ، فيجب عليه التصدي
للجواب عنه. والشيخ (رحمهالله) قد أجاب عن الروايات الأولى تارة بالحمل على إدراك
الفضيلة والثواب دون ان تسقط عنه حجة الإسلام ، وتارة بتخصيصها بمن أدرك عرفات ثم
جاء الى المشعر قبل الزوال. ولا يخفى ما فيهما من البعد عن سياق الأخبار المذكورة
والحق ان الروايات من الطرفين صريحة في كل من القولين ، وما تكلفه المحقق الشيخ
حسن (قدسسره) في المنتقى هنا ـ من الجمع بين الاخبار وارتكاب
التأويل وان زاد في التطويل في جانب اخبار القول الغير المشهور ـ فهو لا يخلو من
تكلف مع انه لا يجري في جميع أخبار المسألة كما لا يخفى على من تأمله.
وبالجملة
فالمسألة عندي محل توقف واشكال. والله العالم بحقيقة الحال.
ثم ان ما ذكره (قدسسره) في الرواية المنقولة عن عبد الله بن مسكان عن الكاظم (عليهالسلام) جيد ، فانا لم نقف عليها بعد التتبع في ما وصل إلينا
من كتب الاخبار. واما رواية الكشي المذكورة فقد روى مثلها النجاشي في كتابه ، ولعل
هذه الرواية كانت مشهورة على ألسنتهم وان لم تنقل في أصولهم ، أو انها لم تصل
إلينا.
المقصد الثاني
في الوقوف
بالمشعر :
ويسمى جمعا
والمزدلفة ، قال في الصحاح : المشاعر : مواضع المناسك والمشعر الحرام أحد المشاعر
، وكسر الميم لغة. وقال ايضا : ويقال للمزدلفة : جمع ، لاجتماع الناس بها. وقال في
القاموس : المشعر الحرام وتكسر ميمه : المزدلفة ، وعليه بناء اليوم. ووهم من ظنه
جبلا بقرب ذلك البناء. وقال في كتاب مجمع البحرين بعد ذكر قوله (عزوجل) : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ
الْحَرامِ) : هو جبل بآخر مزدلفة واسمه : قزح ، ويسعى جمعا ومزدلفة
والمشعر الحرام. والظاهر انه تبع في ذلك صاحب المصباح المنير فإنه يقتضي أثره
غالبا حيث قال في الكتاب المذكور : والمشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح ،
وميمه مفتوحة على المشهور وبعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة. أقول : وهذا
القول هو الذي أشار إليه في القاموس ونسب قائله الى الوهم. ونقل في الدروس عن
الشيخ تفسيره بالجبل المذكور ، حيث قال في مسألة استحباب وطء الصرورة المشعر برجله
: وقال ابن الجنيد : يطأ برجله أو بعيره. وقد قال الشيخ : هو قزح ، فيصعد عليه
ويذكر الله تعالى عنده. ثم قال : والظاهر انه المسجد الموجود الآن. وسيأتي تتمة
الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى.
واما ما ورد في
تعليل هذه الأسماء لهذا المكان فقد تقدم في الفائدة
__________________
المنقولة في صدر المقصد الأول في حديث المحاسن من قول جبرئيل لإبراهيم (عليهالسلام) : ازدلف الى المشعر الحرام. فسميت مزدلفة.
وروى ابن
بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال في حديث إبراهيم (عليهالسلام): «ان جبرئيل انتهى به الى الموقف واقام به حتى غربت
الشمس ، ثم أفاض به ، فقال : يا إبراهيم ازدلف الى المشعر الحرام. فسميت مزدلفة».
وروى في العلل عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد
بن أبي الديلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سميت المزدلفة جمعا لأن آدم (عليهالسلام) جمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء».
وروى الصدوق
مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) والأئمة (عليهمالسلام) «انه انما سميت المزدلفة جمعا لانه يجمع فيها بين المغرب والعشاء بأذان
واحد وإقامتين».
ومن ما روى في
فضل هذا المكان ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما لله (عزوجل)
__________________
منسك أحب الى الله تعالى من موضع المشعر ، وذلك انه يذل فيه كل جبار عنيد».
وكيف كان
فالكلام في هذا المقصد يقع في مقامات ثلاثة.
الأول ـ في
مقدمات الوقوف ، ومنها الإفاضة من عرفات بعد الغروب على سكينة ووقار وخشوع داعيا
بما تقدم نقله عن الصادق (عليهالسلام) من الدعاء عند مغيب الشمس.
وروى الكليني
والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان المشركين كانوا يفيضون من قبل ان تغيب الشمس ،
فخالفهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فأفاض بعد غروب الشمس. قال : وقال أبو عبد الله (عليهالسلام): إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار
، وأفض بالاستغفار. فان الله (عزوجل) يقول (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإذا انتهيت الى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل :
اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي.
__________________
وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : ايها الناس ان الحج ليس بوجيف الخيل ولا إيضاع
الإبل ، ولكن اتقوا الله ، وسيروا سيرا جميلا ، ولا توطئوا ضعيفا ، ولا توطئوا
مسلما ، وتوأدوا ، واقتصدوا في السير ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يكف ناقته حتى يصيب رأسها مقدم الرجل ، ويقول :
ايها الناس عليكم بالدعة. فسنة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تتبع. قال معاوية بن عمار : وسمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : اللهم أعتقني من النار. يكررها حتى أفاض الناس
، فقلت : الا تفيض؟ فقد أفاض الناس قال : اني أخاف الزحام ، وأخاف ان أشرك في عنت
انسان».
قال في الوافي : «من حيث أفاض الناس»
اي من عرفات ، وروى
في مجمع البيان عن الباقر (عليهالسلام) انه قال : «كانت قريش وحلفاؤهم من الحمس لا يقفون مع الناس
بعرفة ولا يفيضون منها ويقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج من الحرم ، فيقفون
بالمشعر ويفيضون منه ، فأمرهم الله ان يقفوا بعرفات ويفيضوا منها». وفي تفسير
العياشي عن الصادق (عليهالسلام) «يعني بالناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم ممن أفاض من عرفات». والكثيب
: التل من الرمل «وإياك والوجيف» في التهذيب هكذا : «وإياك والوضف الذي يصنعه كثير من الناس ،
__________________
فإنه بلغنا ان الحج ليس بوضف الخيل ولا إيضاع الإبل» وكل من الوجيف بالجيم
والوضف بالواو والضاد المعجمة والإيضاع بمعنى الإسراع. والتؤدة التأني. وليست لفظة
«وتوأدوا» في التهذيب وفي بعض نسخ الكافي : «لا تؤذوا» من الإيذاء. والدعة
قريب من التؤدة في المعنى. والعنت : المشقة والانكسار والهلاك .
وروى في الكافي
عن هارون بن خارجة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في آخر كلامه حين أفاض : اللهم إني أعوذ بك ان
أظلم أو أظلم أو اقطع رحما أو أوذي جارا».
ومنها استحباب
تأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو الى ربع الليل بل الى ثلث الليل ، وهو
إجماع علماء الإسلام كافة .
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وان ذهب ثلث الليل».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بجمع.
فقال : لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وان مضى من الليل ما مضى ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمعهما بأذان واحد وإقامتين
__________________
كما جمع بين الظهر والعصر بعرفات».
وعن الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا ، فصل بها المغرب
والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ،. وانزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من
المشعر». وتجوز الصلاة قبله.
وقال الشيخ في
النهاية : لا تصل المغرب والعشاء الآخرة الا بالمزدلفة وان ذهب من الليل ربعه أو
ثلثه ، فان عاقه عائق عن المجيء إلى المزدلفة الى ان يذهب من الليل أكثر من الثلث
جاز له ان يصلي المغرب في الطريق ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وهذا الكلام بظاهره
موهم لتحريم الصلاة قبل المشعر.
ونحوه كلام ابن
أبي عقيل ، حيث قال بعد ان حكى صفة سيرة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : وأوجب بسنته على أمته ان لا يصلي أحد منهم المغرب
والعشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى يأتوا المشعر الحرام.
ونحو ذلك كلام
الشيخ في الخلاف ، وقريب منه في الاستبصار حيث ذهب الى انه لا تجوز صلاة المغرب
بعرفات ليلة النحر.
وحمل العلامة
في المختلف كلام الشيخ في النهاية على إرادة الكراهة ، قال : والظاهر ان قصد الشيخ
الكراهية ، وكثيرا ما يطلق على المكروه انه لا يجوز. وهو جيد.
__________________
ومما يدل على
جواز الصلاة قبل المشعر ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله
(عليهالسلام) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة».
وفي الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة ، فنزل وصلى
المغرب ، وصلى العشاء بالمزدلفة».
وعن محمد بن
سماعة بن مهران قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): الرجل يصلي المغرب والعتمة في الموقف فقال : قد فعله
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلاهما في الشعب».
أقول : لو لا
ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) الاتفاق على جواز التقديم ـ بل ظاهر
المنتهى دعوى الإجماع عليه ، حيث قال : لو ترك الجمع فصلى المغرب في وقتها والعشاء
في وقتها صحت صلاته ولا اثم عليه ، ذهب إليه علماؤنا ـ لأمكن العمل بظاهر الأخبار
المتقدمة ، وحمل النهي على ظاهره من التحريم وحمل الأخبار الأخيرة على العذر ، كما
هو ظاهر المنتهى ، حيث انه خص الأخبار الثلاثة الأخيرة بصورة العذر ، حيث قال في
جملة الفروع : السادس ـ لو عاقه في الطريق عائق وخاف ان يذهب أكثر الليل صلى في
الطريق لئلا يفوت الوقت ، رواه الشيخ عن محمد بن سماعة بن مهران. ثم ساق الروايات
الثلاث. ونحو ذلك ظاهر كلام الشهيد (قدسسره) في الدروس حيث قال : وتأخير العشاءين الى جمع إجماعا ،
وأوجب الحسن تأخيرهما إلى المشعر في ظاهر كلامه ، وله
__________________
التأخير وان ذهب ثلث الليل ، رواه محمد بن مسلم. ولو منع صلى بعرفة أو
الطريق. والظاهر ان قوله : «ولو منع» إشارة إلى تلك الأخبار الدالة على الصلاة
بعرفة والطريق بحملها على المانع. وحينئذ فإذا كانت هذه الروايات موردها العذر كما
حملت عليه لم يبق للنهي الموجب للتحريم في تلك الروايات معارض الا ما يدعى من
الإجماع المتقدم ذكره.
وبذلك يظهر ان
تأويل تلك العبارات الدالة على التحريم ليس في محله بل القول بالتحريم لا يخلو من
قرب.
ويؤيده ما رواه
أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير عن الحسن بن موسى
الخشاب عن جعفر بن محمد بن حكيم عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور
وأبي أسامة ويعقوب الأحمر جميعا قالوا : «كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليهالسلام) فدخل زرارة بن أعين فقال : ان الحكم بن عتيبة يروى عن
أبيك انه قال : تصلى المغرب دون المزدلفة. فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) بأيمان ثلاثة : ما قال هذا أبي قط ، كذب الحكم بن
عتيبة على أبي (عليهالسلام)». وعن محمد بن مسعود قال : كتب إلينا الفضل يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم
بن عبد الحميد. ثم ذكر نحوه.
والتقريب فيه
ان الظاهر أن مراد الحكم بما نقله هو جواز صلاة المغرب قبل المزدلفة ، فأنكره (عليهالسلام) وحلف ان أباه (عليهالسلام) لم يقل ذلك. واما الحمل على ان المراد ان وظيفة صلاة
المغرب والأفضل
__________________
ان تصلى قبل المزدلفة فبعيد جدا ، لاتفاق الخاصة والعامة على ان الأفضل التأخير إلى المشعر وان السنة ذلك ، بل
الظاهر ان المعنى انما هو الأول ، فيكون الخبر مؤيدا لما ذكرناه. والله العالم. ومنها
الجمع بين
الفرضين بأذان واحد وإقامتين وعدم الفصل بالنافلة ، وقد تقدم ما يدل عليه في موثقة
سماعة وصحيح الحلبي.
ويدل عليه ايضا
ما رواه الكليني في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ،
ولا تصل بينهما شيئا. وقال : هكذا صلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم».
وروى الكليني
في الصحيح عن ابن مسكان عن عنبسة بن مصعب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة؟ فقال :
صلها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات».
وروى الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن عنبسة بن مصعب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إذا صليت المغرب بجمع أصلي الركعات بعد المغرب وقال
: لا ، صل المغرب والعشاء ثم صل الركعات بعد».
__________________
وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا في صدر المقصد من مرسلة الصدوق
ورواية العلل.
وفي الصحيح عن
ابان بن تغلب قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء
الآخرة ولم يركع في ما بينهما. ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام
فتنفل بأربع ركعات».
وهو محمول على
بيان الجواز ، ومن ثم استدل به بعض الأصحاب على امتداد وقت نافلة المغرب بامتداد
الفريضة ، كما تقدم في كتاب الصلاة.
قال في المنتهى
: لو صلى بينهما شيئا من النوافل لم يكن مأثوما ، لأن الجمع مستحب فلا يترتب على
تركه اثم. ثم استدل بصحيحة ابان المذكورة.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ وعليه دلت الأخبار
المتقدمة في كيفية الجمع ـ هو ان يكون بأذان واحد وإقامتين ، ونقل عن الشيخ في
الخلاف انه قال : يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة بأذان واحد واقامة
واحدة مثل صلاة واحدة
__________________
واحتج بإجماع الفرقة وحديث جابر قال : «جمع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين ، ولم
يسبح بينهما شيئا». قال في المختلف والجواب : ان الإجماع على ما قلناه ، وكذا حديث
جابر. وهذا الاستدلال من الشيخ انما هو على قول من يكرر الأذان اما من يكرر
الإقامة فلا.
ومنها ان يكون
متطهرا ، ونقل في الدروس عن الصدوق (رحمهالله) استحباب الغسل للوقوف ايضا.
ويدل على
استحباب الوقوف على طهر قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار الآتية : «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا
من الجبل وان شئت حيث شئت. الحديث».
واما الغسل فلم
أقف على ما يدل عليه.
ومنها استحباب
النزول ببطن الوادي عن يمين الطريق والدعاء. رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن
عن الحلبي ومعاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب
والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين. وانزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من
المشعر. ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر
__________________
الحرام ويطأه برجله ،. ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة ، وتقول : اللهم هذه
جمع ، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير ، اللهم لا تؤيسني من الخير
الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي. ثم أطلب إليك ان تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي
هذا وان تقيني جوامع الشر. وان استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل ، فإنه بلغنا ان
أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين لهم دوي كدوي النحل ، يقول الله (جل
ثناؤه) أنا ربكم وأنتم عبادي أديتم حقي وحق علي ان استجيب لكم. فيحط تلك الليلة عن
من أراد ان يحط عنه ذنوبه ، ويغفر لمن أراد ان يغفر له».
ومنها استحباب
أن يطأ الصرورة المشعر برجله. ويدل عليه قوله (عليهالسلام) في رواية معاوية المتقدمة : «ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه
برجله».
وعن ابان بن
عثمان عن رجل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام وان يدخل
البيت».
وروى الصدوق عن
سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) في حديث قال : «قلت : كيف صار الصرورة وطء المشعر عليه
واجبا؟ فقال : ليستوجب بذلك وطء بحبوحة الجنة».
أقول : قال
الشيخ رحمهالله تعالى : المشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح.
قال العلامة في
المنتهى بعد نقل ذلك عن الشيخ (رحمهالله) : ويستحب
__________________
الصعود عليه وذكر الله تعالى عنده ، قال الله تعالى (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ
فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) وروي عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه أردف الفضل بن العباس ووقف على قزح ، وقال : هذا
قزح ، وهو الموقف ، وجمع كلها موقف. وروى الجمهور في حديث جعفر بن محمد الصادق (عليهالسلام) عن أبيه عن جابر : ان النبي (صلىاللهعليهوآله) ركب القصوى حتى اتى المشعر الحرام فرقي عليه واستقبل
القبلة ، فحمد الله وهلله وكبره ووحده ، ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا. قال ابن
بابويه : يستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله أو يطأه ببعيره ، وروى الشيخ عن ابان
بن عثمان ثم ساق الرواية المتقدمة. إلى هنا كلام المنتهى.
وظاهره اختيار
ما ذهب اليه الشيخ من ان المشعر عبارة عن الجبل المذكور ولذا أيده بالروايات
المذكورة.
ومما يؤكد ذلك ما
رواه الصدوق (قدسسره) في كتاب العلل عن عبد الحميد ابن أبي الديلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمي الأبطح أبطح لأن آدم (عليهالسلام) أمر أن ينبطح في بطحاء فانبطح حتى انفجر الصبح ثم أمر
ان يصعد جبل جمع وامره إذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ، ففعل ذلك فأرسل الله تعالى
نارا من السماء فقبضت قربان آدم».
وبذلك يظهر لك
ايضا ما في كلام الدروس ، حيث انه فسره بالمسجد
__________________
وفاقا لصاحب القاموس ، كما يظهر من قوله : «وعليه بناء اليوم».
قال في المدارك
: واختلف كلام الأصحاب في تفسير المشعر ، فقال الشيخ : انه جبل هناك يسمى قزح ،
وفسره ابن الجنيد بما قرب من المنارة ، قال في الدروس : والظاهر انه المسجد
الموجود الآن. والذي نص عليه أهل اللغة ان المشعر هو المزدلفة وعليه دلت صحيحة
معاوية بن عمار المتضمنة لتحديد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي
محسر لكن مقتضى قوله (ع) في رواية الحلبي المتقدمة : «انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر». ان
المشعر أخص من المزدلفة.
أقول : اما ما
نقله عن أهل اللغة من ان المشعر هو المزدلفة ففيه انك قد عرفت من ما قدمناه من
عبارة القاموس انه جعله عبارة عن الموضع الذي عليه بناء اليوم ، ومن عبارة المصباح
انه عبارة عن الجبل الذي ذكره الشيخ (رحمهالله) واما عبارة الصحاح فلم يتعرض فيها لذلك. واما ما دلت
عليه صحيحة معاوية بن عمار فهو تحديد للمكان الذي يجب الوقوف فيه. ولا ريب أن
المشعر يطلق على مجموع هذا المحدود باعتبار كونه أحد المشاعر التي هي عبارة عن
مواضع العبادة مجازا ، واما التسمية الحقيقية فهي مخصوصة للجبل أو المكان الذي
عليه المسجد الآن. والظاهر هو الأول لما عرفت. وأيضا فإن الأخبار الدالة على
استحباب وطء الصرورة المشعر لا تلائم هذا القول الذي توهمه من الوادي المتسع ،
ونحوها رواية الحلبي التي أشار إليها.
__________________
المقام الثاني في الكيفية
وفيه مسائل الأولى
ـ يجب بعد النية الوقوف بالمشعر ، وحده كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار من انه من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر. وهذا
التحديد مجمع عليه بين الأصحاب كما ذكره في المنتهى.
ويدل عليه
زيادة على الصحيحة المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) «انه قال للحكم بن عيينة : ما حد المزدلفة؟ فسكت : فقال أبو جعفر (عليهالسلام) : حدها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسر».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة».
وفي صحيحة أبي
بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «حد المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين». ونحوها
موثقة إسحاق ابن عمار .
ويجوز مع
الزحام الارتفاع إلى المأزمين ، لما رواه الكليني (رحمهالله) في الموثق عن سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال :
يرتفعون إلى المأزمين».
__________________
والأصحاب ذكروا
الارتفاع الى الجبل ، واستدلوا بالرواية. وهو كما ترى ، فإن المأزمين أحد الحدود
والجبل حد آخر ، كما تضمنته صحيحة زرارة المتقدمة
وجوز الشهيدان
وجماعة الارتفاع الى الجبل اختيارا. وفيه ان صحيحة زرارة المذكورة قد دلت على انه
أحد حدود المشعر الخارجة عنه.
وهو ركن من
أركان الحج من تركه عامدا بطل حجه.
ومن الاخبار في
ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الوقوف بالمشعر فريضة. الحديث».
وفي الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا
وليقف بها وان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع».
وروى الشيخ عن
عمران وعبيد الله ابني علي الحلبيين عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج».
وفي الموثق عن
يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام):
رجل أفاض من
عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى فرمى
__________________
الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار. قال : يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع
فيرمي الجمرة».
ويدل على ذلك
ما تقدم في جملة من الاخبار التي في المسألة الثالثة من مسائل
الفصل الثالث من المقصد الأول من ما يدل على ان من لم يدرك المشعر الا بعد طلوع
الشمس أو بعد الزوال فقد فاته الحج ، وعليه ان يتحلل بعمرة مفردة.
وبالجملة فإنه
لا خلاف بينهم في ركنيته ، وان من تركه متعمدا فقد بطل حجة ، إلا ما يظهر من ابن
الجنيد فإنه قال : يستحب ان لا ينام الحاج تلك الليلة وان يحيوها بالصلاة والدعاء
والوقوف بالمشعر ، ومن لم يقف به جاهلا رجع ما بينه وبين زوال الشمس من يوم النحر
حتى يقف به ، وان تعمد ترك الوقوف به فعليه بدنة.
قال العلامة في
المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهذا الكلام يحتمل أمرين : أحدهما : ان من ترك الوقوف
بالمشعر الذي حده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر وجب عليه بدنة.
والثاني : ان من ترك الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل ـ فإنه يستحب الوقوف
عليه عند أصحابنا ـ وجب عليه بدنة. وعلى الاحتمالين فيه خلاف لما ذكره علماؤنا ،
فإن أحدا من علمائنا لم يقل بصحة الحج مع ترك الوقوف بالمشعر عمدا مختارا ، ولم
يقل أحد منهم بوجوب الوقوف على نفس المشعر الذي هو الجبل وان تأكد استحباب الوقوف
به. وحمل كلامه على الثاني أولى ، لدلالة سياق كلامه عليه. ويحتمل ثالث : وهو ان يكون
قد دخل المشعر ثم
__________________
ارتحل متعمدا قبل ان يقف مع الناس مستخفا ، لما رواه علي بن رئاب عن الصادق
(عليهالسلام) قال : «من أفاض من عرفات مع الناس ولم يلبث معهم بجمع ،
ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة». انتهى. أقول : الظاهر رجحان المعنى
الثالث الذي ذكره (رحمهالله).
ثم ان في كلامه
(قدسسره) دلالة على ما رجحناه من ان المشعر اسم للجبل كما قدمنا
نقله عن الشيخ (رحمهالله تعالى).
الثانية : لا
يخفى ان الوقوف الركني عند الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) عبارة عن الكون بالمشعر
والوقوف به مطلقا ، وظاهر انه أعم من الوقوف ليلة النحر أو يومه ، وكأنهم أرادوا
به ما هو أعم من الاختياري والاضطراري بمعنييه الآتيين ، وان الوقوف الاختياري ما
يكون بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، والاضطراري إلى زوال الشمس من يوم النحر. والحكمان
الأخيران إجماعيان عندهم.
فاما ما يدل
على انه بعد الفجر فهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت
قريبا من الجبل ، وان شئت حيث شئت. الحديث».
__________________
واما ما يدل
على امتداده الى طلوع الشمس فهو ما تقدم في المسألة الثالثة من الفصل الثالث من المقصد الأول من
الاخبار الدالة على ان من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ، ومن لم
يدركه في ذلك الوقت فقد فاته الحج.
واما ما يدل
على امتداد الاضطراري إلى الزوال فالأخبار المتقدمة ثمة أيضا الدالة على صحة حج من أدركه قبل الزوال.
قال في المنتهى
: قد بينا ان وقت الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، هذا في حال
الاختيار ، واما لو لم يتمكن من الوقوف بالمشعر الا بعد طلوع الشمس للضرورة جاز ،
ويمتد الوقت الى زوال الشمس من يوم النحر. وقال المرتضى (رحمهالله تعالى) : وقت الوقوف الاضطراري بالمشعر يوم النحر ، فمن
فاته الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج.
أقول : وظاهره
يؤذن بأن السيد قائل بامتداد الاضطراري إلى غروب الشمس من يوم النحر ، وهذا القول
نقله ابن إدريس في السرائر عن السيد (رضى الله عنه) وأنكره في المختلف أشد
الإنكار.
قال في المختلف
: نقل ابن إدريس عن السيد المرتضى (رضياللهعنه) في انتصاره ان وقت الوقوف بالمشعر جميع اليوم من يوم
العيد ، من أدرك المشعر قبل غروب الشمس من يوم العيد فقد أدرك الحج. وهذا النقل
غير سديد ، وكيف يخالف المرتضى جميع علمائنا ، فإنهم نصوا على
__________________
ان الوقت الاضطراري للمشعر الى زوال الشمس يوم النحر ، وانما حصل الوهم
لابن إدريس باعتبار ان السيد (رحمهالله) ذكر مسألة أخرى عقيب هذه المسألة مؤكدة لمطلوبه ، وهي
ان من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج خلافا للمخالفين
كافة ولم يفصل قبل طلوع الشمس أو بعد طلوعها ، فكيف بعد الزوال. ثم استدل السيد
على مطلوبه بإجماع الفرقة ، ومعلوم ان أحدا من علمائنا لم يذكر ذلك. انتهى
وهو حسن الا
انه مناف لنقله ذلك عنه في المنتهى ، كما هو ظاهر عبارته المتقدمة ، وكذا عبارته
الآتية وقوله فيها : والى غروبها منه على قول السيد.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو أفاض قبل الفجر عامدا بعد
ان كان به ليلا ولو كان قليلا ، لم يبطل حجه ، وجبره بشاة. وربما زاد بعضهم كون
ذلك بعد الوقوف بعرفات. وقال ابن الجنيد : يجب عليه دم. قال في المختلف بعد نقل
ذلك عنه : وهو موافق لما قلناه ، فان الدم إذا أطلق حمل على أقل مراتبه. وعن ابن
إدريس انه يبطل حجه ، وقول الشيخ في الخلاف يوهم ذلك ، حيث قال : فان دفع قبل طلوع
الفجر مع الاختيار ولم يجزئه.
احتج الأصحاب
على ما ذهبوا اليه بما رواه الشيخ في التهذيب عن مسمع عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : «في رجل وقف مع الناس
__________________
بجمع ثم أفاض قبل ان يفيض الناس. قال : ان كان جاهلا فلا شيء عليه ، وان
كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة».
واعترض هذه
الرواية في المدارك بأنها ضعيفة السند باشتمالها على سهل ابن زياد وهو عامي. وبأن
راويها ـ وهو مسمع ـ غير موثق فيشكل التعويل على روايته. نعم روى ابن بابويه في من
لا يحضره الفقيه هذه الرواية بطريق صحيح عن علي بن رئاب عن مسمع فينتفي
الطعن الأول. انتهى أقول : لا يخفى عليك ما في طعنه على الرواية برواية مسمع لها ،
فان حديث مسمع في الحسن عند الأصحاب ، فتكون الرواية حسنة. وقد تقدم قريبا عده
رواية مسمع في الصحيح ، وتكلمنا عليه ثمة باضطراب كلامه فيه ، وهذا من جملة ذلك.
وبالجملة فالرواية حسنة معتبرة لا يتوجه إليها طعن ، فالعمل بها متعين. وهو كثيرا
ما يستدل بالحسان بل بالموثقات وان ضعفها في الموضع الذي لا يرتضيها ، كما لا يخفى
على من تأمل كتابه وطريقه فيه ، وقد نبهنا على ذلك في غير موضع.
وقال ابن إدريس
: ان من أفاض قبل طلوع الفجر عامدا مختارا بطل حجة ، لأن الوقوف بالمشعر من طلوع
الفجر الى طلوع الشمس ركن ، فيبطل بالإخلال به.
وأجاب عنه
العلامة في المنتهى بالمنع من ذلك ، قال : فانا لا نسلم له ان الوقوف بعد طلوع
الفجر ركن. نعم مطلق الوقوف ليلة النحر أو يومه ركن ، اما بعد طلوع الفجر فلا نسلم
له ذلك. وكون الوقوف يجب ان يكون بعد طلوع الفجر لا يعطى كون الوقوف في هذا الوقت
ركنا.
__________________
وقول ابن إدريس لا نعرف له موافقا فكان خارقا للإجماع. انتهى
أقول : فيه نظر
أما أولا فلأنه قد صرح (قدسسره) ـ كما قدمنا نقله عنه ـ بان الوقوف بالمشعر بعد طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس في حال الاختيار. الى آخر ما تقدم ، وقال بعد هذا الكلام في
مسألة أخرى : قد ظهر من جميع ما تقدم ان الوقت الاختياري بعرفات. الى ان قال :
والوقت الاختياري للوقوف بالمشعر من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، والاضطراري من
غروب الشمس ليلة النحر الى الزوال من يومه على قول الشيخ والى غروبها منه على قول السيد.
وهذا الكلام منه في الموضعين ظاهر في ان الوقوف الذي هو شرط في صحة الحج متى كان
مختارا عامدا هو الوقوف من بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، فان غيره من الوقتين
الآخرين أعني ليلة النحر وما بعد طلوع الشمس انما هو وقت اضطراري لأصحاب الاعذار.
ومثله كلام غيره من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم). ولا ريب ان من أفاض قبل
الفجر عالما عامدا فقد تعمد ترك هذا الواجب الذي هو شرط في صحة الحج ، كما هو ظاهر
كلامه ، سواء سماء ركنا أم لم يسمه وهذه التسمية لا مشاحة فيها ، حيث انها أمر
اصطلاحي ، وانما الكلام بالنظر الى الأدلة ، والمفهوم منها ما ذكرناه من ان الوقوف
الاختياري هو من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، والوقوفين الاضطراريين عبارة عن ما
يكونان في ذينك الوقتين. ولا ريب انه متى أخل المكلف بهذا الواجب الذي دلت الاخبار
على ان مدار صحة الحج على إدراكه ـ كما تقدم ـ فان الحكم بالصحة يحتاج الى دليل.
نعم لما دلت حسنة مسمع المذكورة على الصحة في الصورة المذكورة وجب الحكم به.
وبالجملة فإنا لو خلينا
وقول ابن إدريس لكان القول بما ذهب إليه في غاية القوة والمتانة ، لما عرفت
، ولكن لما وردت الرواية المعتبرة بالصحة وجب القول بذلك وفاقا لجمهور الأصحاب.
واما ثانيا :
فان عدم الموافق لابن إدريس في ما ذهب اليه لا يقدح في قوله إذا اقتضته الأدلة
الشرعية ، كما عرفت لولا الرواية المذكورة. واما دعوى كونه خارقا للإجماع فغير
ظاهرة ، فان عدم العلم بالموافق له لا يقتضي انعقاد الإجماع على خلافه.
أقول : ويخطر
بالبال في معنى رواية مسمع المذكورة وجه تنطبق به على القواعد المذكورة ، ويصح به
قول ابن إدريس ، ويبطل به ما اشتهر بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) من
الحكم بصحة حج من تعمد الإفاضة قبل الفجر ، وبيانه ان السائل سأل عن رجل أفاض من
جمع قبل الناس بعد ان وقف معهم. والمتبادر من هذا الوقوف هو الوقوف الشرعي المأمور
به ، فكأنه وقف بعد الفجر ثم أفاض قبل طلوع الشمس ، لان المبيت بالمشعر ليلا لا
يسمى وقوفا ، وعبائرهم متفقة على ان الوقوف المأمور به من بعد الفجر كما عرفت ،
فيجب حمل الخبر عليه البتة. فأجاب (عليهالسلام) بأنه إذا أفاض في هذا الوقت جاهلا فلا شيء عليه ،
لحصول الواجب من الوقوف الشرعي واغتفار ما بقي من الوقت بالجهل ، وان كانت إفاضته
جهلا قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. وليس في الرواية تصريح بكون إفاضته عمدا ،
والقسمان في الخبر انما هما للجاهل خاصة. وحاصل المعنى بعد فرض الإفاضة في كلام
السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا : ان كان جاهلا فلا شيء عليه في إفاضته في
ذلك الوقت ، وان كانت إفاضته
قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة.
وبالجملة فإن
الرواية المذكورة مخالفة لظاهر الروايات المتقدمة الكثيرة الصحيحة الصريحة في ان
الوقوف الواجب الذي هو شرط في صحة الحج وإدراكه هو من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ،
والاضطراري إلى الزوال وان من تركه وجب عليه الرجوع اليه متى أدركه قبل طلوع الشمس
أو قبل الزوال على اختلاف الاخبار في المسألة ، واما ليلة النحر فهي وقت اضطراري
لأصحاب الأعذار الآتي ذكرهم ان شاء الله تعالى ، وحينئذ فكيف يصح تعمد ترك هذا
الوقوف والحكم بصحة الحج ، كما ذكروا (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم).
وكيف كان فان
لم يكن ما ذكرناه هو الظاهر من الخبر فلا أقل من ان يكون محتملا فيه قريبا ، وبذلك
يسقط الاستدلال به. على ان ظاهر الخبر صحة الحج بذلك وان لم يكن وقف بعرفة ، لأنه
مطلق ، وغاية ما دل عليه انه وقف مع الناس بجمع وأفاض قبلهم ، وهو أعم من ان يكون
وقف بعرفة أم لا ، وبه يشتد الاشكال فيه ، ولهذا ان بعض الأصحاب ـ كما قدمنا
الإشارة إليه ـ قيد المسألة بكون ذلك بعد الوقوف بعرفات.
والظاهر انه من
أجل هذا الإجمال في الرواية قال في المسالك : وعلى ما اخترناه من اجزاء اضطراري
المشعر وحده يجزئ هنا بطريق أولى ، لأن الوقوف الليلي بالمشعر فيه شائبة الاختياري
، للاكتفاء به للمرأة اختيارا ، وللمضطر والمتعمد مطلقا مع جبره بشاة ، والاضطراري
المحض ليس كذلك والظاهر انه أراد بالإطلاق في قوله : «والمتعمد مطلقا» : يعني أعم
من ان يكون قد وقف بعرفات أم لا.
واعترضه سبطه
في المدارك بأنه يمكن المناقشة فيه بان الاجتزاء باضطراري المشعر انما ثبت بقوله (عليهالسلام) في صحيحة جميل بن دراج «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج». ونحو
ذلك. ولا يلزم من ذلك الاجتزاء بالوقوف الليلي مطلقا ورواية مسمع المتضمنة للاجتزاء بالوقوف الليلي لا تدل على العموم ،
إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن أدرك عرفة.
أقول : أنت
خبير بان هذه المناقشة واهية لا محصل لها ، فإن جده (قدسسره) لم يستدل على الاجتزاء بهذا الوقوف بصحيحة جميل ونحوها
وانما استدل على هذا بأنه إذا قام الدليل على الاجتزاء بالامتداد الى وقت الظهر
الذي هو بعيد من الوقت الاختياري غاية البعد ، فلان يكتفى بما قرب منه وداخله ـ وهو
الوقوف الليلي المشوب بالاختياري باعتبار اكتفاء المرأة به اختيارا وجوازه للمتعمد
مطلقا مع الجبر بشاة ـ بطريق اولى. هذا حاصل كلامه.
واما قوله : «ورواية
مسمع لا تدل على العموم ، إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن أدرك عرفة» ـ فممنوع ،
إذ لا وجه لهذا التبادر ، ولا اشعار به في الرواية إلا قوله : «وقف مع الناس بجمع»
ووقوفه معهم بجمع لا يستلزم ان يكون قد شاركهم ووقف معهم بعرفة بل هو أعم من ذلك
كما لا يخفى.
وبالجملة
فالأقرب عندي في معنى الرواية هو ما قدمته ، وهو ان المتبادر
__________________
من هذا الوقوف انما هو الوقوف الشرعي الذي هو بعد الفجر ، إذ مجرد البيات
بالليل لا يسمى وقوفا شرعا ، ولهذا انهم اختلفوا في وجوبه وعدمه والمشهور وجوبه ،
وقال في التذكرة : انه ليس بواجب. وغاية ما استدل به في المدارك على وجوبه التأسي
، وضعفه ظاهر. وقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة». وهو غير ظاهر في
الوجوب ، لإمكان حمله على الفضل والاستحباب لشرف المكان وفضله. مع عدم استلزام
مجرد النزول المبيت ، لجواز خروجه الى موضع آخر ليلا وان عاد اليه وقت الوقوف. وبالجملة
فإن دلالته على الوجوب غير ظاهرة. وحينئذ فحاصل معنى الخبر انما هو السؤال عن من
وقف بعد الفجر وأفاض قبل طلوع الشمس ، والتفصيل في الجواب انما وقع في حكم المفيض
الجاهل في هذا الوقت. وبذلك تحصل السلامة من هذه الإشكالات ومخالفة صحاح الروايات
وان خالف ذلك المشهور عندهم.
هذا كله في ما
لو أفاض قبل الفجر عامدا اما لو كان ناسيا فظاهرهم انه ليس عليه شيء.
قال في المدارك
بعد قول المصنف : «ولو أفاض ناسيا لم يكن عليه شيء» : هذا من ما لا خلاف فيه بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم أقف فيه على رواية تدل عليه صريحا. وربما أمكن
الاستدلال عليه بفحوى ما دل على جواز ذلك للمضطر وما في معناه. وفي إلحاق الجاهل
بالعامد أو الناسي وجهان. انتهى.
أقول : يمكن
القول هنا بصحة حج الجاهل بناء على ما يأتي تحقيقه ـ ان شاء الله تعالى ـ من ان من
ترك الوقوف بالمشعر جاهلا مع وقوفه
__________________
بعرفات ، فإن حجه صحيح ، كما تدل عليه روايتا محمد بن يحيى فإنه متى ثبت صحة حجه بترك الوقوف مطلقا فأولى بالصحة
لو أفاض قبل الفجر مع وقوفه ليلا. واما على ما هو المشهور بينهم من البطلان فيتجه
ما ذكره هنا من التردد في المسألة.
وفي المسالك
بعد ان ذكر هذا التردد رجح إلحاق الجاهل بالعامد ، بناء على ان الجاهل بالحكم
عندهم كالعامد في جميع الأحكام. وهو خلاف ما استفاضت به اخبار أهل الذكر (عليهمالسلام) .
الثالثة ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ـ وبه استفاضت الأخبار ـ بأنه يجوز
الإفاضة ليلا لذوي الأعذار من الضعفاء والنساء والصبيان ومن يخاف على نفسه من غير
جبران ، بل قال في المنتهى انه قول كافة من يحفظ عنه العلم.
ويدل على ذلك
جملة من الاخبار : منها : قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي (صلىاللهعليهوآله) : «ثم أفاض وأمر الناس بالدعة حتى انتهى الى المزدلفة ،
وهو المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثم اقام حتى
صلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء بني هاشم بالليل ، وأمرهم ان لا يرموا الجمرة ـ جمرة
العقبة ـ حتى تطلع الشمس. الحديث».
__________________
وما رواه ابن
بابويه عن ابن مسكان في الصحيح عن أبي بصير ـ وهو ليث المرادي بقرينة الراوي عنه ـ قال : «سمعت أبا
عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل ، فيقفن
عند المشعر ساعة ، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة ، ثم يصبرن ساعة ، ثم يقصرن
وينطلقن إلى مكة فيطفن ، الا ان يكن يردن ان يذبح عنهن ، فإنهن يوكلن من يذبح عنهن».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن سعيد الأعرج قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل؟ قال : نعم تريد
ان تصنع كما صنع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قلت : نعم. قال : أفض بهن بليل ، ولا تفض بهن حتى تقف
بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى ، فيرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح
، فليأخذن من شعورهن ، ويقصرن من أظفارهن ، ثم يمضين إلى مكة في وجوههن ، ويطفن
بالبيت ، ويسعين بين الصفا والمروة ، ثم يرجعن الى البيت فيطفن أسبوعا ، ثم يرجعن
إلى منى وقد فرغن من حجهن.».
وفي الحسن عن
جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «رخص رسول الله (صلىاللهعليهوآله) للنساء
__________________
والصبيان ان يفيضوا بالليل ، وان يرموا الجمار بالليل ، وان يصلوا الغداة
في منازلهم.».
وفي الكافي عن
جميل بن دراج في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا بأس ان يفيض الرجل بالليل إذا كان خائفا».
وعن علي بن أبي
حمزة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «اي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام
ليلا فلا بأس ، فليرم الجمرة ثم ليمض ، وليأمر من يذبح عنه ، وتقصر المرأة ويحلق
الرجل ، ثم ليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم يرجع الى منى. فإن اتى منى ولم يذبح
عنه فلا بأس ان يذبح هو. وليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى. وان شاء قصر ان كان
قد حج قبل ذلك».
الى غير ذلك من
الاخبار أقول : وعلى ما دلت عليه هذه الاخبار يحمل إطلاق ما رواه الشيخ في التهذيب
عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس ،
وسائر الناس ان شاءوا عجلوا وان شاءوا أخروا».
__________________
وما رواه في
الصحيح عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس
لا بأس به ، والتقدم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم
بمنى لا بأس».
وعلى ذلك
حملهما الشيخ (رحمهالله). ويمكن حملهما على التقية أيضا لما صرح به في المنتهى
، حيث قال : قد بينا ان الوقوف بالمشعر يجب ان يكون بعد طلوع الفجر ، فلا يجوز
الإفاضة منه قبل طلوعه اختيارا ، بل يجب الكون به بعد طلوع الفجر ، وبه قال أبو
حنيفة ، وقال باقي الفقهاء يجوز الدفع بعد نصف الليل ثم أورد الأخبار الدالة على ما اختاره.
والمفهوم من
صحيحتي أبي بصير وسعيد الأعرج ان أصحاب الاعذار لا يفيضون حتى ينووا الوقوف الواجب
ليلا. وفيه دلالة على ان مجرد الكون بها ليلا والمبيت لا يكفي عن الوقوف ما لم
ينوه.
الرابعة ـ المفهوم
من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ حيث صرحوا بأن الوقوف الواجب بالمشعر من
طلوع الفجر ـ هو انه تجب فيه نية الوقوف من ذلك الوقت ولا يجوز تأخيرها. وبذلك صرح
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث قال بعد قول المصنف : «وان يكون الوقوف بعد
طلوع الفجر» ما لفظه : اي الوقوف الواجب ، فيجب كون النية عند تحقق الطلوع. وقال
في موضع آخر : واما الوقوف المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر ، فلا يجوز
تأخير نيته الى ان يصلي.
__________________
والمفهوم من صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة وقوله (عليهالسلام) فيها : «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت
قريبا من الجبل وان شئت حيث شئت ، فإذا وقفت فاحمد الله (عزوجل) وأثن عليه. الحديث».
وقوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي : «فإذا أصبحت فصل الغداة ، وقف
بها كوقوفك بعرفة ، وادع الله. الى أخره». هو جواز تأخير نية الوقوف عن الصلاة
وانها بعدها.
وقوله في
المدارك ـ : وليس في هذه الرواية ذكر للنية ـ مبنى على ما يتعاطونه من النية
المصطلحة بينهم ، وقد عرفت انه لا اثر لها في الاخبار لا في هذا الموضع ولا في
غيره ، والا فمعنى قوله (عليهالسلام) : «فقف إن شئت قريبا من الجبل» هو الإشارة إلى النية
اي اقصد الوقوف ، فان مجرد الكون ـ من غير قصد التقرب به الى الله (سبحانه وتعالى)
وانه هو الواجب المأمور به ، وانه يقصد الإتيان به متقربا ـ لا يوجب حصول الوقوف
المأمور به الا في صورة النسيان ، كما يفهم من بعض الاخبار الآتية في المقام ان
شاء الله تعالى.
وقال في
المنتهى : ويستحب ان يقف بعد ان يصلي الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة إذا كان قد طلع
الفجر أجزأه.
ثم انه على
تقدير المبيت والنية له ليلا هل يكتفى بها عن النية بعد طلوع الفجر أم لا؟ قال في
المسالك : والأقوى وجوب المبيت ليلا ، والنية له عند الوصول ، والمراد به الكون
بالمشعر ليلا. ثم ان لم نقل
__________________
بوجوبه فلا إشكال في وجوب النية للكون عند الفجر. وان أوجبنا المبيت فقدم
النية عنده ، ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر ، ويظهر من الدروس عدم الوجوب.
وينبغي ان يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للكون به مطلقا ، اما لو نواه ليلا
أو نوى المبيت كما هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك بعد الاجتزاء بها عن نية
الوقوف نهارا ، لأن الكون ليلا والمبيت مطلقا لا يتضمنان النهار ، فلا بد له من
نية أخرى. والظاهر ان نية الكون به عند الوصول كافية عن النية نهارا ، لانه فعل
واحد الى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة ، وليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك. انتهى.
أقول : ان كلامه
(قدسسره) هنا كله يدور على النية المصطلحة التي هي عبارة عن
الحديث النفسي والتصوير الفكري ، وقد عرفت ما فيه في غير موضع ، والا فمن المعلوم
انه إذا كان الوقوف الواجب الذي عليه مدار الحج صحة وبطلانا في حال التعمد
والاختيار انما هو الوقوف بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، وان غير هذا الوقت من
المتأخر عنه والمتقدم عليه انما هو وقت لذوي الأعذار ، فنية الوقوف انما هي في هذا
الوقت خاصة ، ولا معنى لنية الوقوف ليلا ، الا ان يكون من قبيل العزم عليه وهو غير
النية الشرعية عندهم. والمستفاد من الخبرين المتقدمين ان الوقوف الشرعي الذي يجب
على المكلف الإتيان به ـ وعليه مدار صحة حجه وبطلانه ـ انما هو الذي بعد الفجر ،
والاكتفاء بغيره يحتاج الى دليل ، فقوله ـ بعد اختياره ان نية الكون عند الوصول
كافية عن النية نهارا : وليس في النصوص ما يدل على خلافه ـ ليس في محله ، بل هذه
النصوص دالة على خلافه. على ان مجرد عدم دلالة النصوص على خلافه لا يكفي في
ثبوته ، بل لا بد من دلالة النصوص عليه ليتم الحكم به ، والا كان قولا من غير
دليل. وهو غير سديد النهج ولا واضح السبيل ، لأن حكم العبادات صحة وبطلانا مبنية
على التوقيف والثبوت عن صاحب الشريعة ، فلا بد في كل حكم من أحكامها من دليل واضح
وبرهان لائح.
وبالجملة فإن
القدر المستفاد من الاخبار والذي يدور عليه كلامهم هو ان الوقوف الواجب الذي يدور
عليه الحج صحة وبطلانا مع الاختيار هو هذا الوقت المذكور ، فيجب قصد التقرب به الى
الله (عزوجل) والنية به وأداء الواجب به ، ومجرد الكون قبله غير كاف.
واما ما رواه
الشيخ والصدوق عن محمد بن حكيم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أصلحك الله ، الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة يكونان
مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى ولم ينزل بهم جمعا.
فقال : أليس قد صلوا بها؟ فقد أجزأهم. قلت : فان لم يصلوا بها؟ قال : ذكروا الله
تعالى فيها؟ فان كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم» ،.
وما رواه في
الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له : جعلت فداك ان صاحبي هذين جهلا أن يقفا
بالمزدلفة؟
__________________
فقال : يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة. قلت : فإنه لم يخبرهما أحد حتى
كان اليوم وقد نفر الناس؟ قال : فنكس رأسه ساعة ثم قال : أليسا قد صليا الغداة
بالمزدلفة؟ قلت : بلى. قال : أليس قد قنتا في صلاتهما؟ قلت : بلى. فقال : تم
حجهما. ثم قال : المشعر من المزدلفة والمزدلفة من المشعر ، وانما يكفيهما اليسير
من الدعاء».
فهو محمول على
حال الجهل وعدم إمكان الرجوع مع إتيانهم بما تضمنه الخبران من الذكر والدعاء ، وان
ذلك قائم مقام نية الوقوف في الصورة المذكورة.
قال في من لا
يحضره الفقيه : وروى في من جهل الوقوف بالمشعر : ان القنوت في صلاة
الغداة بها يجزئه وان اليسير من الدعاء يكفى. انتهى
الخامسة ـ من
المستحب في الوقوف ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت
قريبا من الجبل وأن شئت حيث شئت ، فإذا وقفت فاحمد الله (عزوجل) وأثن عليه ، واذكر
من آلائه وبلائه ما قدرت عليه ، وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم ليكن من قولك : اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من
النار ، وأوسع على من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، اللهم أنت خير
مطلوب اليه وخير مدعو وخير مسؤول ، ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في موطني هذا
ان تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وان تتجاوز عن خطيئتي ،
__________________
ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي. ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع
أخفافها».
وقد تقدم في المقام الأول في صحيحة الحلبي ومعاوية بن عمار دعاء
آخر ، لكن ظاهر ذلك الخبر انه وقت النزول وهذا الدعاء بعد الوقوف.
ونقل العلامة
في المختلف عن ابن البراج انه عد في أقسام الواجب الذكر لله تعالى والصلاة على
النبي (صلىاللهعليهوآله) وعلى آله في الموقفين ثم قال بعد نقل ذلك عنه :
والمشهور الاستحباب. وقد تقدم ما يدل على ذلك في الوقوف بعرفة من الخبرين
المنقولين ثمة.
وقال الصدوق في
كتاب من لا يحضره الفقيه : وليكن وقوفك وأنت على غسل ، وقل : اللهم رب المشعر
الحرام ورب الركن والمقام ورب الحجر الأسود وزمزم ورب الأيام المعلومات ، فك رقبتي
من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة
العرب والعجم ، اللهم أنت خير مطلوب اليه وخير مدعو وخير مسؤول ، ولكل وافد جائزة
، فاجعل جائزتي في موطني هذا ان تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وتتجاوز عن خطيئتي ،
وتجعل التقوى من الدنيا زادي ، وتقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به
أحد من وفدك وحجاج بيتك الحرام. وادع الله (عزوجل) كثيرا. الى ان قال : فإذا طلعت
الشمس فاعترف لله (عزوجل) بذنوبك سبع مرات ، واسأله التوبة سبع مرات.
__________________
المقام الثالث في الأحكام
وفيه أيضا
مسائل الأولى ـ قد عرفت من ما تقدم ان المشهور انه لو أفاض قبل الفجر عامدا بعد ان
كان به ليلا صح حجه وجبره بشاة.
اما لو لم يقف
بالمشعر ليلا ولا بعد الفجر عامدا ، فالظاهر انه لا خلاف بينهم في بطلان حجة.
الا انه قد نقل
العلامة في المنتهى عن الشيخ انه قال : من ترك الوقوف بالمشعر متعمدا فعليه بدنة.
لما رواه حريز
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أفاض من عرفات مع الناس ، ولم يلبث معهم بجمع
ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا ، فعليه بدنة».
وظاهره الحكم
بصحة حجه ووجوب البدنة عليه جبرا لنقصانه بترك الوقوف.
قال في المنتهى
بعد نقل ذلك عنه : والوجه انه إذا ترك الوقوف بالمشعر عمدا بطل حجه ، لما تقدم من
انه ركن يبطل الحج بالإخلال به عمدا. انتهى.
ونقل هذا القول
في الدروس عن ابن الجنيد ايضا ، حيث قال : الوقوف بالمشعر ركن أعظم من عرفة عندنا
، فلو تعمد تركه بطل حجه. وقول ابن الجنيد بوجوب البدنة لا غير ضعيف. ورواية حريز
ـ بوجوب البدنة على متعمد تركه أو المستخف به ـ متروكة محمولة على من وقف به ليلا
قليلا ثم مضى. انتهى
__________________
وظاهره (قدسسره) حمل هذه الرواية على ما دلت عليه حسنة مسمع المتقدمة ،
وان تفاوتا باعتبار دلالة تلك على الجبر بشاة وهذه على الجبر ببدنة. وهو قريب في
مقام الجمع.
ولو قيل بحملها
على بطلان الحج ووجوب البدنة لم يكن بعيدا ، كما في المجامع قبل أحد الموقفين من
الحكم بفساد حجه مع وجوب البدنة ، وان اختلفا من حيثية أخرى أيضا.
والعجب انه نقل
عن الشيخ (رحمهالله) في المنتهى قبيل هذا الكلام انه قال : من فاته الوقوف
بالمشعر فلا حج له على كل حال.
واستدل عليه بما
رواه عن عبيد الله وعمران ابني علي الحلبيين عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج». قال : وهذا
خبر عام في من فاته ذلك عامدا أو جاهلا أو على كل حال
وهذا الكلام
ظاهر في ان فوت الوقوف بالمشعر عنده موجب لبطلان الحج عمدا أو جهلا أو نسيانا. وهو
ـ كما ترى ـ ظاهر المنافاة لما ذكره من الكلام الأول.
وما ذكره (قدسسره) ـ من بطلان الحج بترك الوقوف وان كان جهلا أو نسيانا ـ
هو ظاهر جملة من الأصحاب أيضا.
الا ان الظاهر
عندي من الاخبار والمفهوم منها ان التارك للوقوف جاهلا عليه الرجوع وان لم يدرك
إلا الاضطراري ، وان استمر به الجهل حتى فات وقت التدارك صح حجه.
فاما ما يدل
على الحكم الأول فصحيحة معاوية بن عمار وموثقة
__________________
يونس بن يعقوب المتقدمتان في المسألة الاولى من مسائل المقام الثاني.
واما ما يدل
على الثاني فروايتا محمد بن يحيى المتقدمتان في المسألة الثالثة من مسائل الفصل الثالث من المقصد
الأول ، لدلالتهما على ان من جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت حتى اتى منى وفاته
التدارك فإنه لا بأس به.
والشيخ (رحمهالله) ـ بعد ان استدل بخبر الحلبيين المتقدم على بطلان الحج
بترك الوقوف بالمشعر وقال : ان هذا الخبر عام في من فاته ذلك عامدا أو جاهلا أو
على كل حال ـ قال : ولا ينافيه ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، ثم أورد الخبرين
المشار إليهما ، وحملهما ـ بعد الطعن في الراوي ـ على الوقوف بالمشعر ولو قليلا.
وفيه ما قد بيناه في الموضع الذي نقلنا فيه الخبرين.
وممن وافقنا
على دلالة الخبرين على ما ذكرنا من صحة حج الجاهل في الصورة المذكورة ـ السيد
السند في المدارك حيث قال : وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على عدم بطلان حج
الجاهل بذلك ، كرواية محمد بن يحيى عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ثم ساق الخبر كما ذكرناه. ثم ذكر جواب الشيخ (رحمهالله) وحمله الخبرين على ما ذكرناه. ثم قال بعده : ولا يخفى
ما في هذا الحمل من البعد.
وبذلك يشعر
كلام الدروس ايضا حيث قال : ولو ترك الوقوف بالمشعر جهلا بطل حجه عند الشيخ في
التهذيب ، ورواية محمد بن يحيى بخلافه. وتأولها الشيخ على تارك كمال الوقوف جهلا
وقد اتى باليسير منه. انتهى.
__________________
الثانية ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في وقت الإفاضة من المشعر ، فقال الشيخ :
فإذا كان قبل طلوع الشمس بقليل رجع الى منى ، ولا يجوز وادي خسر الا بعد طلوع
الشمس ، ولا يجوز للإمام أن يخرج من المشعر إلا بعد طلوع الشمس ، وان أخر غير
الامام الخروج الى بعد طلوع الشمس لم يكن به بأس. وقال ابن أبي عقيل : فإذا أشرق
الفجر وتبين ورأت الإبل مواضع أخفافها أفاض بالسكينة والوقار والدعاء والاستغفار.
قال في المختلف
بعد نقل ذلك عنهما : وهذا الكلام من الشيخين (رحمهماالله) يدل على أولوية الإفاضة
قبل طلوع الشمس وكذا قال ابن الجنيد وابن حمزة ثم نقل عن علي بن بابويه انه قال :
وإياك ان تفيض منها قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل غروبها ، فيلزمك دم شاة. ونقل
عن الصدوق انه قال : ولا يجوز للرجل الإفاضة قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل
غروبها ، فيلزمه دم شاة. قال : وهذا الكلام يشعر بوجوب اللبث الى طلوع الشمس ثم
نقل عن المفيد (رحمهالله) انه قال : فإذا طلعت الشمس فليفض منها إلى منى ، ولا
يفض قبل طلوع الشمس الا مضطرا وكذا قال السيد المرتضى وسلار. ثم نقل عن أبي الصلاح
انه قال : وليقف داعيا الى ان تطلع الشمس ، ولا يجوز للمختار ان يفيض منه حتى تطلع
الشمس. وعد ابن حمزة في الواجبات الإقامة بالمشعر للإمام الى ان تطلع الشمس. وقال
ابن إدريس : وملازمة الموضع الى ان تطلع الشمس مندوب غير واجب. هذا كلامه في
المختلف.
والعجب انه مع
ذلك قال في المنتهى بعد الكلام في المسألة : إذا ثبت هذا فلو دفع قبل الاسفار بعد
طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن
مأثوما ، ولا نعلم فيه خلافا. انتهى. والاختلاف بين الكلامين أظهر من ان
يخفى.
أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار
في الموثق قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام). اي ساعة أحب إليك ان أفيض من جمع؟ قال : قبل ان تطلع
الشمس بقليل فهو أحب الساعات الى. قلت : فان مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال : لا بأس».
وعن هشام بن
الحكم في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) . قال «لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس».
وروى الشيخ في
الصحيح عن معاوية بن حكيم قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) : اي ساعة أحب إليك ان تفيض من جمع؟». وذكر مثل الحديث
الأول.
وعن جميل بن
دراج عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس ،
وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وان شاءوا أخروا».
وعن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع
أخفافها ، قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : كان أهل الجاهلية يقولون : «أشرق ثبير ـ يعنون
__________________
الشمس ـ كيما نغير» وانما أفاض رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خلاف أهل الجاهلية ، كانوا يفيضون بإيجاف الخيل وإيضاع
الإبل ، فأفاض رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة ، فأفض بذكر الله
تعالى والاستغفار وحرك به لسانك. الحديث».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وإياك ان تفيض منها قبل طلوع الشمس ، ولا من عرفات
قبل غروبها ، فيلزمك الدم. وروى انه يفيض من المشعر إذا انفجر الصبح وبان في الأرض
أخفاف البعير وآثار الحوافر».
والمفهوم من ما
عدا عبارة كتاب الفقه من الاخبار المذكورة هو انه يجوز التعجيل في الإفاضة قبل
طلوع الشمس والتأخير. الا أن الأول أفضل وهذه الاخبار مستند الشيخ ومن تبعه.
وعبارة كتاب الفقه صريحة في مذهب الصدوقين بل عبارتاهما انما أخذتا من هذه العبارة
كما عرفت في غير موضع من ما تقدم ، وان غير الأسلوب في عبارة الفقيه. واما عبارة
أبيه في الرسالة فهي حذو عبارة الكتاب الا في تفسيره الدم بدم شاة وهو (عليهالسلام) بعد ان افتى بهذه العبارة نسب القول الآخر الذي دلت
عليه الاخبار المذكورة إلى الرواية. وربما أشعر ذلك بكون الرواية بذلك انما خرجت
مخرج التقية ، حيث انه (عليهالسلام) اعترف بأن ذلك مروي عن آبائه (عليهمالسلام) ومع ذلك عدل عنه وأوجب التأخير إلى طلوع الشمس ، والدم
على من خالف ذلك ، وجعل الحكم هنا كالحكم في عرفات لو أفاض منها قبل الغروب.
__________________
ويعضد ذلك ما
ذكره العلامة في المنتهى حيث قال بعد البحث في المسألة وذكر خبري إسحاق ومعاوية بن
حكيم : إذا عرفت هذا فإنه يستحب الإفاضة بعد الاسفار قبل طلوع الشمس بقليل ، على
ما تضمنه الحديثان الأولان ، وبه قال الشافعي واحمد وأصحاب الرأي ، وكان مالك يرى
الدفع قبل الاسفار .
وهو ظاهر في ان
ما دلت عليه هذه الاخبار مذهب الجمهور ، الا ان متأخري أصحابنا (رضوان الله ـ تعالى
ـ عليهم) حيث لم يصل إليهم ما يخالفها جمدوا عليها ، فالعذر لهم واضح ، والمتقدمون
سيما الصدوقان لما عثروا على ما خالفها أطرحوها وتمسكوا بغيرها ، فان القول بوجوب
اللبث الى طلوع الشمس مذهب جمع منهم كما تقدم. والظاهر انهم لم يصيروا الى ذلك مع
وصول هذه الاخبار إليهم الا من حيث الوقوف على دليل سواها ، والدليل من عبارة كتاب
الفقه واضح كما عرفت.
وبالجملة
فالاحتياط يقتضي التأخير إلى طلوع الشمس ، والخروج قبله لا يخلو من الاشكال ، كما
عرفت من عبارته (عليهالسلام) في كتاب الفقه ، والكتاب عندنا ـ كما عرفت في غير موضع
ـ معتمد كما اعتمده الصدوقان (نور الله ـ تعالى ـ مرقديهما). والله العالم.
الثالثة ـ قد
عرفت من ما تقدم ان الواجب في الوقوف النية كغيره من العبادات من غير خلاف يعرف ،
وعلى هذا لو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه ، وهو المعروف من مذهب
الأصحاب (رضوان الله عليهم) لأن الركن من الوقوف مسماه ، وهو يحصل بآن يسير بعد
النية
__________________
وقال الشيخ في
المبسوط : المواضع التي يجب ان يكون الإنسان فيها مفيقا حتى تجزئه أربعة : الإحرام
والوقوف بالموقفين والطواف والسعي وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء ، وكذلك
طواف النساء ، وكذلك حكم النوم سواء ، والاولى ان نقول يصح منه الوقوف بالموقفين
وان كان نائما ، لأن الفرض الكون فيه لا الذكر. وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عنه :
هذا غير واضح ، ولا بد من نية الوقوف بغير خلاف ، والإجماع عليه. الا انه قال في
نهايته : ومن حضر المناسك كلها ورتبها في موضعها الا انه كان سكران ، فلا حج له ،
وكان عليه الحج من قابل. وهذا هو الواضح الصحيح الذي تقتضيه الأصول. قال : والأولى
عندي انه لا يصح منه شيء من العبادات إذا كان مجنونا ، لان الرسول (صلىاللهعليهوآله) قال «الأعمال بالنيات» . و «انما لا لامرئ ما نوى» . والنية لا تصح منه. وقال تعالى
«وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ
تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى»
فنفى (تعالى) ان يجزي أحد بعمله الا ما أريد وطلب به وجه ربه الأعلى
والمجنون لا ارادة له.
وقال في
المختلف بعد نقل القولين المذكورين : واعلم ان الشيخ شرط العقل في المواضع التي
يفوت الحج بتركها ، وما عداها يجب عليه فعلها ولكن يجزئه الحج ، فقوله ـ : «المواضع
التي يجب ان يكون الإنسان فيها مفيقا حتى يجزئه أربعة» ـ يشير بذاك الى إجزاء الحج
، وحينئذ يتم
__________________
كلامه. واما الوقوف للنائم فنقول : إذا ابتدأ الوقوف بالنية أجزأه الكون
وان كان نائما ، ولا يجب استمرار الانتباه في جميع الوقت ، فان قصد الشيخ وابن
إدريس ذلك فقد أصابا واتفقا ، وان قصد الشيخ تسويغ ابتداء الوقوف للنائم من غير
نية ، أو قصد ابن إدريس استمرار الانتباه منعنا ما قصداه ، اما الأول فلما قاله ابن
إدريس ، فإنه لا يدل الا على ما اخترناه ، واما الثاني فلما قاله الشيخ (رحمهالله). انتهى. وهو جيد.
ثم ان ظاهر
كلام الشيخ (رحمهالله تعالى) الفرق بين الإغماء والجنون وبين النوم ، حيث
اشترط في صحة تلك الأشياء المذكورة ان يكون مفيقا وقال بصحة الوقوف وان كان نائما.
وهو غير جيد لاشتراك الجميع في عدم الإتيان بالنية ، والكون في ذلك المكان حاصل
للجميع أيضا ، فإن اكتفى بمجرد الكون فينبغي القول بالصحة في الجميع ، وان اشترط
فيه أمر زائد على مجرد الكون وهو النية فيكون ذلك في الجميع ايضا فلا وجه للفرق
حينئذ.
قال في الدروس
: والواجب فيه ستة. الأول : النية. الى ان قال : وخامسها السلامة من الجنون
والإغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت.
وظاهر عبارة
الشرائع الخلاف في ذلك ، حيث قال : ولو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه ، صح
وقوفه ، وقيل لا. ولم نقف لهذا القول على قائل به.
الرابعة ـ أجمع
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) على ان من فاته الوقوفان في وقتهما فقد فاته
الحج ، وسقط عنه بقية أفعاله ، وتحلل بعمرة مفردة.
ويدل عليه جملة
من الاخبار : منها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج. قال : وقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) : أيما حاج سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة
إلى الحج قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل».
وعن الحلبي في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته
الحج ، فيجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل».
وعن محمد بن
سنان قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي ان يفوته الموقفان.
فقال : له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر ، فإذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت :
كيف يصنع بإحرامه؟ فقال : يأتي مكة فيطوف بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة. فقلت
له : إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال : إن شاء أقام بمكة وان شاء رجع الى الناس
بمنى ، وليس منهم في شيء ، فان شاء رجع الى اهله ، وعليه الحج من قابل».
__________________
وعن حريز في
الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا. فقال : له الى
طلوع الشمس من يوم النحر ، فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ، ويجعلها عمرة
، وعليه الحج من قابل».
ورواه في موضع
آخر وزاد فيه : «قلت : كيف يصنع؟ قال : يطوف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، فإن
شاء أقام بمكة وان شاء اقام بمنى مع الناس ، وان شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس
في شيء».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف؟ قال : يقيم مع
الناس حراما أيام التشريق ، ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت ، وسعى بين
الصفا والمروة ، وأحل ، وعليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم».
وروى المشايخ
الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) في الصحيح الى داود الرقي وفيه خلاف ، قال : «كنت مع أبي عبد الله (عليهالسلام) إذ جاء رجل فقال : ان قوما قدموا يوم النحر وقد فاتهم
الحج؟ فقال : نسأل الله العافية ، ارى ان يهريق كل واحد منهم دم شاة ، ويحلون ،
وعليهم الحج من قابل ان انصرفوا الى بلادهم ، وان أقاموا حتى تمضي
__________________
أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا
فليس عليهم الحج من قابل».
وعن ضريس بن
أعين في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا
يوم النحر. فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة فيطوف ويسعى بين
الصفا والمروة ، ويحلق رأسه ، وينصرف إلى اهله ان شاء. وقال : هذا لمن اشترط على
ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل».
وهذه الرواية رواها
الصدوق عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن ضريس مثله الا انه زاد بعد قوله : «ويحلق رأسه» : «ويذبح شاته»
وزاد في آخرها : «فان لم يشترط فان عليه الحج والعمرة من قابل».
والكلام في هذه
الاخبار في مواضع أحدها : انها قد اتفقت على ما ذكرناه من الحكم بان من فاته
الموقفان ، بطل حجه ، وسقط عنه إتمامه وتحلل بعمرة مفردة.
ومعنى تحلله
بالعمرة على ما ذكره في المنتهى انه ينقل إحرامه بالنية من الحج إلى العمرة ثم
يأتي بأفعالها.
قال في المدارك
: ويحتمل قويا انقلاب الإحرام إليها بمجرد الفوات كما هو ظاهر اختيار العلامة في
موضع من القواعد والشهيد في الدروس ،
__________________
لقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة : «يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها ،
فإذا انقضت ، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة. الحديث». وفي صحيحة ضريس «يقيم على إحرامه ، ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ، ويسعى بين الصفا
والمروة ، ويحلق رأسه ، وينصرف إلى اهله ان شاء.». دلت الروايتان على وجوب الإتيان
بأفعال العمرة على من فاته الحج من غير تعرض لنقل النية ، فلا تكون النية معتبرة.
ولا ينافي ذلك قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «فليجعلها عمرة». لأن الظاهر ان معنى جعلها عمرة
الإتيان بأفعال العمرة. ولا ريب ان العدول اولى وأحوط. انتهى
أقول : لا يخفى
عليك ما في هذا الكلام من الغفلة أو المجازفة ، وذلك فان الطواف والسعي والتقصير
لا مخرج له من ان يكون في حج أو عمرة إذ لا ثالث ، ولم يشرع ذلك خارجا عن الفردين
المذكورين ، وحينئذ فإذا انتفى كونها للحج تعين ان تكون للعمرة ، ولا معنى لكونها
للعمرة وهو لم يقصد بها للعمرة ، لأن العبادات بل الأفعال مطلقا لا يمتاز بعضها عن
بعض الا بالقصود والنيات ، كلطمة اليتيم تأديبا وظلما ، ونحوها ، فكيف تصير عمرة
بمجرد فوات الحج من غير ان يقصد العدول بإحرامه إلى أفعال العمرة؟ والتعبير بقوله
: «يجعلها عمرة» ليس مقصورا على صحيحة معاوية بن عمار ، بل أكثر الروايات المتقدمة
قد تضمن ذلك ، كصحيحة معاوية المذكورة وصحيحة
__________________
الحلبي وصحيحة حريز ، وهذا هو الذي يوافق القواعد المقررة والضوابط
المعتبرة من وجوب النية في العبادة والقصد إليها ، وهو الذي دلت عليه الاخبار في
مقامات العدول في الصلاة وغيرها ، من وجوب نية العبادة التي يريد العدول إليها
وقصدها ، وما أطلق من الروايات التي ذكرها ونحوها يجب حمله على هذه الروايات
المقيدة حمل المطلق على المقيد. على ان الظاهر من عبارة الدروس هو التردد لا
اختيار الانقلاب بمجرد الفوات كما ذكره فإنه قال : وهل ينقلب إحرامه أو يقلبه
بالنية؟ الأحوط الثاني ، ورواية محمد بن سنان : «فهي عمرة مفردة». تدل على الأول ، ورواية معاوية «فليجعلها عمرة». تدل على الثاني. انتهى. وظاهره التوقف من حيث تعارض
الروايتين عنده ، وانما صار الى الثاني احتياطا لذلك.
وبالجملة
فكلامهم هذا مبنى على النية الاصطلاحية التي هي عبارة عن الحديث النفسي والتصوير
الفكري الذي قد عرفت في غير موضع انه ليس هو النية حقيقة ، والا فإنه لا يخفى على
ذي دراية ان جملة أفعال العقلاء لا تصدر الا عن القصود والنيات ، سيما في مقام
الاشتراك والتعدد ، فلا بد من القصود المميزة ، فكيف يتم انه يأتي بالعمرة بعد
تلبسه بإحرام الحج من غير ان يقصد الى كونها عمرة؟ ما هذا الا غفلة ظاهرة.
وثانيها : ان
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) أنه لا هدى على من فاته الحج
تمتعا كان أو افرادا ، وهذا هو ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة ، لورودها في مقام
البيان عارية عن التعرض له.
__________________
واما القارن فقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه ينحر هديه بعد بطلان
الحج بمكة لا بمنى ، لعدم سلامة الحج. ونقل في الدروس عن الشيخ علي بن الحسين بن
بابويه وابنه الصدوق أنهما أوجبا على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان العمرة ودم
شاة ، ولا شيء على المفرد سوى العمرة.
ونقل الشيخ عن
بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) قولا بوجوب الهدى للفوات مطلقا واحتج له برواية
داود بن فرقد المتقدمة . وأجاب العلامة في المنتهى عنها بالحمل على الاستحباب ،
اي كون تلك الحجة مستحبة لا واجبة. والشيخ حملها على كون الفائت ندبا أو على من
اشترط في حال إحرامه ، لرواية ضريس المتقدمة حيث انها مصرحة بأن المشترط تكفيه العمرة وغيره يحج من
قابل. وقد اعترض هذا الحمل الثاني جملة من الأصحاب ـ منهم : العلامة في المنتهى
والشهيد في الدروس ـ بأنه ان كان الحج واجبا لم يسقط وجوبه بالاشتراط حتى انه لا
يجب قضاؤه في العام القابل ، وان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط. قال في
المنتهى : والوجه في هذه الرواية الثانية ـ وأشار بها الى رواية ضريس ـ حمل إلزام
الحج في العام القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب. انتهى.
ثم ان العلامة
في المنتهى بعد ان اختار حمل رواية داود بن فرقد على الحج المندوب ـ كما هو أحد
احتمالي الشيخ ـ اعترض على نفسه ، فقال : لا يقال : لو كان كذلك لما قال في أول
الخبر : «وعليهم الحج من قابل ان انصرفوا الى بلادهم» فإنه إذا كان الحج تطوعا لا
يجب عليه الرجوع من
__________________
قابل ، سواء انصرف الى بلده أو أقام. لأنا نقول : انما أوجب عليهم الرجوع
من قابل مع الانصراف لأنهم حينئذ يكونون قد تركوا الطواف والسعي والتقصير ، وهو
العمرة التي أوجبنا تحللهم بها ، فوجب عليهم الرجوع من قابل للإتيان بالطواف
والسعي ، ولا يجب الرجوع لأداء الحج ثانيا. انتهى. ولا يخفى عليك ما فيه ، فان
الخبر صريح في انه يجب الحج من قابل لا العمرة كما يدعيه.
وبالجملة
فالظاهر عندي هو بعد هذه المحامل ، لما فيها من مزيد التكلفات والبعد عن ظاهر تلك
الروايات.
والأقرب عندي
حمل وجوب الهدي الذي دلت عليه رواية داود بن فرقد ـ ومثلها صحيحة ضريس الأخرى ـ على
التقية ، وكذا وجوب اعادة الحج من قابل إذا كان مندوبا على التقية.
فاما التقية
الاولى فيدل عليها ما ذكره في المنتهى ، حيث قال : وهل يجب على فائت الحج الهدي أم
لا؟ فيه قولان : أحدهما : انه لا يجب قاله الشيخ (رحمهالله) وهو قول أصحاب الرأي ، وثانيهما : يجب عليه الهدي ،
وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء ونقله الشيخ عن بعض أصحابنا واما التقية الثانية فيدل
عليها ما ذكره في الكتاب المذكور ايضا ، حيث قال : إذا كان الفائت واجبا كحجة
الإسلام أو منذورة أو غير ذلك من أنواع الواجبات ، ويجب القضاء ، ولا تجزئه العمرة
التي فعلها للتحلل ، وان لم يكن الحج واجبا ، لم يجب عليه القضاء ، وبه قال عطاء
واحمد في إحدى الروايتين ومالك في أحد القولين ، وقال الشافعي يجب القضاء وان
__________________
كان الحج تطوعا ، وبه قال ابن عباس وابن الزبير ومروان وأصحاب الرأي ثم نقل احتجاجهم بقول النبي (صلىاللهعليهوآله) : «من فاته الحج فليتحلل بعمرة ، وعليه الحج من قابل». ولأن
الحج يلزم بالشروع فيه فيكون حكمه حكم الواجب.
وعلى ما ذكرناه
تكون رواية داود الرقي محمولة على الحج المندوب ، وانه يجب ان يتحلل منه
بالهدي ، ثم بعد إحلاله فان اتى بالعمرة فلا حج عليه من قابل ، وان لم يأت بها وجب
عليه القضاء. وكل من وجوب الهدى ووجوب القضاء انما خرج مخرج التقية.
قال في المدارك
: وهل يجب الهدي على فائت الحج؟ قيل لا وهو المشهور بين الأصحاب ، تمسكا بمقتضى
الأصل السالم. وحكى الشيخ عن بعض أصحابنا قولا بالوجوب ، لورود الأمر به في رواية
داود الرقي وهي ضعيفة السند ، فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم
مخالف للأصل. انتهى.
وفيه ان صحيحة
ضريس المنقولة من كتاب من لا يحضره الفقيه قد اشتملت على ذكر الهدي ايضا ، وبه
يظهر ان مجرد طعنه في رواية داود لا يقطع مادة الإشكال ، بناء على هذا الاصطلاح
الواضح الاختلال ،
__________________
وانما الجواب الحق ما قدمناه.
واما ما قدمنا
نقله عن الصدوقين فلم نقف فيه على دليل. والله العالم.
وثالثها : ان
أكثر الروايات المتقدمة قد صرحت بأن عليه الحج من قابل وهو محمول عند الأصحاب (رضوان
الله عليهم) على الحج الواجب المستقر فان المندوب وان وجب بالشروع الا أنه متى لم
يكن فواته بتقصير المكلف فإنه لا يلحقه اثم بتركه ، ولا دليل على وجوب قضائه فيسقط
البتة. والواجب الغير المستقر ، فلو بادر به في عام الوجوب وفاته من غير تفريط فلا
قضاء عليه في ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم).
ونقل في
المدارك عن الشيخ في التهذيب ان من اشترط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء ، ولو لم
يشترط وجب ، واحتج بصحيحة ضريس المتقدمة وظاهره حمل الصحيحة المذكورة على صورة الحج الواجب
الغير المستقر.
وفيه ما لا
يخفى ، فإنه لا قرينة في الخبر ـ ولا اشعار فضلا عن التصريح ـ تؤذن بهذا الحمل.
وقد عرفت ما في الرواية من الاشكال ومخالفة الأصول المقررة. ولا اعرف لها وجها
تحمل عليه الا التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية والا
فالارجاع إلى قائلها (عليهالسلام)
ورابعها : انه
قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن هذه العمرة التي يتحلل بها لا تجزئ
عن العمرة الواجبة وهي عمرة الإسلام لأن سبب هذه فوات الحج فاجزاؤها عن العمرة
الواجبة بأصل الإسلام يحتاج الى دليل ، وليس فليس. وهو جيد.
وخامسها : انه
قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستحب
__________________
الإقامة بمنى أيام التشريق ، ثم الإتيان بالعمرة التي يتحلل بها ، واستدلوا
على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وقد تقدم في المسألة الرابعة من المطلب الثاني في العمرة المفردة
ما يؤذن بقولهم بالوجوب ، كما هو ظاهر الخبر المذكور.
وسادسها : ان
ظاهر الاخبار المذكورة هو وجوب العدول إلى العمرة والتحلل في أشهر الحج ، ولا سيما
صحيحة معاوية بن عمار ورواية داود الرقي المصرحتين بالإتيان بها بعد أيام التشريق. والأصحاب قد
ذكروا هنا انه لو أراد من فاته الحج البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به فهل
يجوز له ذلك أم لا؟ صرح جملة : منهم : العلامة والشهيد بعدم الجواز ، ولا ريب انه
ظاهر الاخبار المذكورة ، لدلالتها على الأمر بالعدول الذي هو حقيقة في الوجوب فلا
يجوز البقاء حينئذ.
وسابعها : ان
ظاهر الاخبار المذكورة توقف تحلله على الإتيان بأفعال العمرة ، فلو رجع الى بلاده
ولم يأت بها ، فلا إشكال في بقائه على إحرامه ولو تعذر عليه العود لخوف الطريق فهو
مصدود عن إكمال العمرة ، فله التحلل بالذبح والتقصير في بلده. ولو عاد قبل التحلل
لم يحتج الى تجديد إحرام مستأنف من الميقات وان طال الزمان ، ثم يأتي بأفعال
العمرة الواجبة عليه ، ثم يأتي بعدها بما أراد من النسك.
الخامسة ـ يستحب
التقاط حصى الجمار من المشعر ، وهي سبعون
__________________
حصاة ، فإن أخذ زائدا احتياطا فلا بأس.
ولها شروط
واجبة ومستحبة ، فمنها : ان تكون من الحرم ولا تجزئ من غيره.
ويدل عليه ما
رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «حصى الجمار ان أخذته من الحرم أجزأك ، وان أخذته
من غير الحرم لم يجزئك. قال : وقال : لا ترمى الجمار الا بالحصى». وهي صريحة
الدلالة في المطلوب.
ومرسلة حريز عن
من أخبره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال «سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال : لا
تأخذه من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى الجمار ، ولا بأس بأخذه من سائر الحرم».
ومنها : ان
الأفضل ان تكون من المزدلفة.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار قال : «خذ حصى الجمار من جمع وان أخذته من رحلك بمنى
أجزأك».
وفي الصحيح عن
ربعي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) مثله .
__________________
وعن زرارة عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الحصى التي ترمي بها الجمار. فقال :
تؤخذ من جمع ، وتؤخذ بعد ذلك من منى».
وفي كتاب الفقه
الرضوي : «وخذ حصيات الجمار من حيث شئت وقد روي ان أفضل ما
يؤخذ حصى الجمار من المزدلفة».
أقول : يجب حمل
قوله (عليهالسلام) : «من حيث شئت» أي من الحرم. وإطلاقه (عليهالسلام) مبني على عدم خروج الحاج بعد الإفاضة من المشعر إلى
منى من الحرم.
ومنها : ان لا
تؤخذ من المسجد الحرام ولا من مسجد الخيف.
ويدل عليه ما
رواه الكليني في الموثق عن حنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من
المسجد الحرام ومسجد الخيف».
وألحق جملة من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بهما باقي المساجد لتساويها في تحريم إخراج الحصى
منها. وهو جيد ان ثبت ذلك.
قيل : وربما
كان الوجه في تخصيص هذين المسجدين في الرواية وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
انهما الفرد المعروف من المساجد في الحرم لا لانحصار الحكم فيهما. وهو غير بعيد.
__________________
قال في الدروس
: ويجوز من الحرم بأسره إلا المساجد مطلقا على الأشبه ، والقدماء لم يذكروا غير
المسجد الحرام والخيف.
ومنها : انه
يجب ان تكون أبكارا ، أي لم يرم بها قبل ذلك. وقيده في المدارك : رميا صحيحا.
والظاهر من الأبكار : يعني : غير المستعمل مطلقا. وهو الظاهر من الاخبار ، ومنها :
قوله (عليهالسلام) في مرسلة حريز المتقدمة : «لا تأخذه من موضعين : من خارج الحرم ومن حصى الجمار.».
وفي رواية عبد الأعلى : «ولا من حصى الجمار». والمراد منه ما رمي به الجمار ،
أعم من ان يكون رميا صحيحا أو باطلا ، فما ذكره من القيد المذكور لا اعرف عليه
دليلا واضحا. واستدل على ذلك أيضا بالتأسي. واطباق الناس على نقل الحصى الدال
بظاهره على عدم الاجزاء مطلقا. وفيه نظر. نعم يصلح ذلك مؤيدا لا دليلا ، لما عرفت
غير مرة من عدم دلالة التأسي على الوجوب. واطباق الناس ليس بدليل شرعي يصلح لتأسيس
الأحكام الشرعية.
ومنها : انه
يجب ان تكون أحجارا. وخصصه بعضهم بما يسمى حصاة. ولا ريب انه ظاهر الاخبار الواردة
في المسألة ، كما تقدم شطر منها ، فإنها إنما تضمنت الحصى لا مطلق الحجر ، ولا
سيما صحيحة زرارة
__________________
أو حسنته لقوله (عليهالسلام) في آخرها : «لا ترمى الجمار إلا بالحصى». فإنها ظاهرة
في الحصر في الحصى. وحينئذ فلا يجزئ الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة ، ولا
الصغير جدا بحيث لا يسمى حصاة
قال في الدروس
: وجوز في الخلاف الرمي بالبرام والجوهر. وفيه بعد ان كان من الحرم وأبعد ان كان
من غيره. انتهى. وهو جيد.
وقال في
المدارك : ولو رمى بحصاة مستها النار أجزأ ما لم تستحل. ولو رمى بخاتم فضه من حصى
الحرم قيل : أجزأ ، لصدق الرمي بالحصاة ، وقيل : لا. وهو الأظهر ، لعدم انصراف
الإطلاق اليه. وفي اعتبار طهارة الحصى قولان أظهرهما العدم ، تمسكا بالإطلاق.
انتهى.
أقول : لم أقف
في شيء من الاخبار التي وقفت عليها على ما يدل على اشتراط الطهارة إلا في كتاب
الفقه الرضوي من قوله (عليهالسلام): «واغسلها غسلا نظيفا». والظاهر حمله على الاستحباب
والمبالغة في الطهارة. وبذلك صرح في الدروس فعد من جملة المستحبات ان تكون طاهرة
مغسولة ولا ريب ان الأحوط الطهارة ، والأفضل الغسل ايضا.
ومنها : انه
يستحب ان تكون برشا كحلية ملتقطة منقطة رخوة بقدر الأنملة.
ويدل على ذلك
من الاخبار رواية هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : «في حصى الجمار؟ قال : كره الصم منها. وقال :
__________________
خذ البرش». والصم جمع الأصم وهو الصلب المصمت من الحجر ، لان المستحب الرخو
كما يأتي في الرواية الآتية. والبرش جمع الأبرش وهو ما فيه نكت صغار تخالف سائر
لونه. والمراد كونها مختلفة الألوان ، لأن البرشة بالضم في شعر الفرس : نكت تخالف
سائر لونه ، على ما ذكره الجوهري وغيره.
وعن احمد بن
محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «حصى الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء
ولا بيضاء ولا حمراء ، خذها كحلية منقطة ، تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها
بظفر السبابة. الحديث».
وفي كتاب الفقه
الرضوي : «وتكون منقطة كحلية مثل رأس الأنملة ، واغسلها غسلا
نظيفا. ولا تأخذ من الذي رمى مرة. الحديث».
ومن ذلك يعلم
ان البرش في الخبر الأول هي المنقطة في الخبرين الأخيرين فيجب حمل جميعها في كلام
الأصحاب على التأكيد.
وقد ذكر
الأصحاب انه يكره ان تكون صلبة ومكسرة. وكراهة الصلبة ظاهرة من ما تقدم في رواية
هشام بن الحكم ، لان الصم هو الصلب كما قدمنا ذكره. واما المكسرة وهي المشار إليها
بقولهم «الملتقطة» بمعنى انه يستحب ان تكون كل من حصيات الرمي ملتقطة من الأرض لا
انه يكسر واحدة ويجعلها اثنتين. وقد استدل على ذلك بقوله (عليهالسلام)
__________________
في رواية أبي بصير : «التقط الحصى ولا تكسرن منهن شيئا».
هذا آخر الجزء
السادس عشر من كتاب الحدائق الناضرة ويليه الجزء السابع عشر ـ ان شاء الله ـ في
باقي أحكام الحج والنوادر والزيارات. والحمد لله أولا وآخرا.
__________________
فهرس الجزء السادس
عشر
من كتاب الحدائق
الناظرة
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
تحقيق مفهوم الاحصار والصد
|
٢
|
هل يكفي في تحلل المصدود والمحصور
الهدي المسوق؟
|
١٩
|
الاخبار في تغاير الاحصار والصد
|
٣
|
حكم المصدود والمحصور العاجز عن الهدي
|
٢٣
|
حكم المصدود
|
٦
|
بماذا يتحقق الصد؟
|
٢٤
|
من صد في احرامه عن مكة أو الموقفين
|
٦
|
بماذا يتحقق الصد في الحج؟
|
٢٥
|
لو اتفق للمصدود طريق غير موضع الصد
|
١٤
|
بماذا يتحقق الصد في عمرة التمتع؟
|
٢٦
|
هل يشترط في التحلل بالصد عدم رجاء
زوال العذر؟
|
١٥
|
متى يتحقق الصد بالحبس؟
|
٢٧
|
هل يجوز للمصدود البقاء على احرامه
إلى ان يتحقق الفوات فيتحلل بالعمرة؟
|
١٦
|
لا فرق بين الحصر العام والحصر الخاص
|
٢٨
|
هل يتوقف تحلل المصدود على الحلق أو
التقصير؟
|
١٦
|
تحقيق في تشبيه المحبوس ظلما بالمحبوس
بالدين
|
٢٩
|
هل يسقط الهدي عن المصدود والمحصور مع
الشرط في احرامه بأن يحله حيث حبسه؟
|
١٩
|
لو لم يتحلل المصدود حتى فات الحج
|
٣٢
|
|
|
هل يجوز التحلل عند غلبة الظن بانكشاف
العدو قبل الفوات؟
|
٣٣
|
|
|
حكم انكشاف العدو قبل التحلل
|
٣٣
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
حكم الصد عن الحج بعد افساده
|
٣٣
|
حكم المحصور الذي يخف بعد بعث الهدي
|
٥٥
|
صور الصد عن الحج بعد افساده
|
٣٤
|
المعتمر المحصر حكمه حكم الحاج المحصر
في وجوب الإعادة واستحبابها باختلاف الموارد
|
٥٧
|
البحث في حكم الصورة الأولى للصد بعد
الافساد
|
٣٥
|
هل يجب تخلل الشهر بين العمرة المتحلل
منها بالاحصار والعمرة المعادة؟
|
٥٧
|
انكشاف العدو بعد تحلل المصدود والوقت
يسع الاتيان بالحج
|
٣٦
|
القارن المتحلل بالاحصار هل يقضى بمثل
ما خرج منه؟
|
٥٧
|
لو لم يتحلل المصدود إلى ان انكشف
العدو
|
٣٧
|
حكم المحصور المحتاج إلى حلق الرأس
قبل بلوغ الهدي محله
|
٦٠
|
لو لم يندفع العدو الصاد عن الحج إلا
بالقتال
|
٣٧
|
حكم باعث الهدي تطوعا
|
٦١
|
حكم الاحصار
|
٣٩
|
البحث مع ابن إدريس في سند اخبار هذه
المسألة
|
٦٥
|
ما يتحقق به الحصر
|
٣٩
|
هل يجرى حكم المحرم على باعث الهدي
تطوعا في مدة المواعدة؟
|
٦٥
|
هل يجب على المحصر بعث الهدي إلى منى
ان كان حاجا والى مكة ان كان معتمرا؟
|
٣٩
|
تحقيق في مدلول مرسلة الصدوق في
المقام
|
٦٨
|
توقف حل النساء للمحصر على الحج إذا
كان واجبا
|
٤٤
|
تحقيق في يوم المواعدة من حيث تعينه
وعدمه
|
٦٩
|
بماذا تحل النساء للمحصر في الحج
المستحب؟
|
٤٥
|
ما هو الهدي في المقام؟
|
٧٠
|
بماذا تحل النساء للمحصر في عمرة
التمتع؟
|
٤٦
|
كيف تجتنب المحرمات هنا؟
|
٧٠
|
حكم المحصور المتحلل الذي لم يذبح
هديه في الموعد
|
٤٩
|
وقت ذبح الهدي المبعوث تطوعا
|
٧١
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
بماذا تتأدى وظيفة باعث الهدي تطوعا؟
|
٧٣
|
عن الثوب والبدن؟
|
٨٦
|
عمرة التمتع
|
٧٥
|
اشتراط الختان في طواف الرجل
|
٨٩
|
الغسل لدخول الحرم
|
٧٥
|
هل الختان شرط في طواف الرجل مطلقا أو
مع الامكان؟
|
٩٠
|
الغسل لدخول مكة
|
٧٧
|
هل يشترط الختان في طواف الصبي
والخنثى؟
|
٩١
|
آداب دخول مكة
|
٧٧
|
هل يشترط في الطواف ستر العورة؟
|
٩٢
|
هل ينتقض الغسل لدخول مكة بالنوم
وغيره؟
|
٧٩
|
الدخول في المسجد الحرام من باب بني
شيبة
|
٩٥
|
دخول مكة واجب على المتمتع دون المفرد
والقارن
|
٨٠
|
آداب الدخول في المسجد الحرام
|
٩٦
|
التلبية بعمرة التمتع تقطع عند مشاهدة
بيوت مكة
|
٨٠
|
كيفية الطواف
|
٩٨
|
لا يجوز لاحد دخول مكة إلا محرما إلا
ما استثنى
|
٨٠
|
وجوب النية في الطواف
|
٩٨
|
الغسل لدخول المسجد الحرام
|
٨٠
|
ما هي النية؟
|
٩٨
|
البحث مع صاحب المدارك في مفاد
الأخبار في المقام منم حيث تعدد الغسل ووحدته
|
٨١
|
يجب في الطواف البدء بالحجر الأسود
والختم به
|
١٠٠
|
الطواف
|
٨٣
|
هل للبدء بالحجر في الطواف والختم به
كيفية خاصة؟
|
١٠١
|
اشتراط الطهارة في الطواف الواجب
|
٨٣
|
يجب في الطواف ان يكون على اليسار
|
١٠٢
|
هل يصح الطواف بغير وضوء؟
|
٨٥
|
يجب في الطواف ادخال الحجر فيه
|
١٠٤
|
هل يستباح الطواف بالتيمم مع عدم
الماء؟
|
٨٦
|
الحجر خارج من البيت
|
١٠٥
|
هل يشترط في الطواف إزالة النجاسة
|
|
قصة بناء الكعبة
|
١٠٦
|
|
|
ما هي الوظيفة عند اخراج الحجر من
الطواف؟
|
١٠٨
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
يجب أن يكون الطواف سبعة أشواط
|
١٠٩
|
الأخبار الدالة على تأكد الاستلام في
الركن اليماني
|
١٣٢
|
هل يجب ان يكون الطواف بين البيت
والمقام؟
|
١١٠
|
صلاة الطواف
|
١٣٣
|
يجب في الطواف خروج جميع البدن من
البيت
|
١١٢
|
موضع الاتيان بصلاة الطواف
|
١٣٥
|
هل تجب مراعاة قدر ما بين البيت
والمقام من كل جهة؟
|
١١٣
|
تحقيق حول ايقاع صلاة الطواف في
المقام
|
١٣٨
|
ما هو المقام؟
|
١١٤
|
هل يتخير في صلاة الطواف بين جانبي
المقام وخلفه؟
|
١٤٠
|
المعتبر في الطواف محل المقام الآن
|
١١٤
|
حكم من نسي صلاة الطواف
|
١٤١
|
آداب الشروع في الطواف
|
١١٦
|
حكم التارك لصلاة الطواف جهلا
|
١٤٦
|
استلام الحجر وتقبيله
|
١١٧
|
حكم من مات ولم يأت بصلاة الطواف
|
١٤٧
|
تفسير الاستلام
|
١١٨
|
صلاة الطواف في الأوقات التي لاتبتدأ
فيها النوافل
|
١٤٩
|
لا يستحب استلام الحجر للنساء
|
١١٩
|
حكم صلاة الطواف من جلوس
|
١٥٣
|
آداب الطواف
|
١٢١
|
حكم الطواف من جلوس
|
١٥٤
|
تفسير غفران ذنب النبي (ص)
|
١٢٢
|
ما يقرأ من السور في صلاة الطواف
|
١٥٥
|
الاقتصاد في المشي في الطواف
|
١٢٥
|
الدعاء بعد صلاة الطواف
|
١٥٦
|
هل يستحب الرمل في الطواف؟
|
١٢٥
|
طواف الحج ركن
|
١٥٦
|
تفسير الرمل
|
١٢٨
|
طواف النساء ليس بركن
|
١٥٧
|
الركوب في الطواف
|
١٢٩
|
الاستدلال على ركنية طواف الحج ببعض
الأحاديث
|
١٥٨
|
آداب الشرط السابع من الطواف
|
١٢٩
|
مناقشة المحقق الأردبيلي في الاستدلال
بالأخبار في المقام
|
١٥٩
|
لو نسى التزام المستجار في الشوط
السابع
|
١٣٠
|
|
|
التزام الأركان في الطواف
|
١٣١
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
كلام صاحب المدارك في المقام
|
١٦٠
|
ناسي الطواف
|
١٧٥
|
كلام المصنف حول معذورية الجاهل
|
١٦١
|
هل تجب الكفارة لو نسي طواف الزيارة
فواقع أهله؟
|
١٧٦
|
التعليق على كلام صاحب المدارك في
المقام
|
١٦٢
|
هل يشترط في استنابة الناسي لطواف
النساء تعذر العود؟
|
١٧٩
|
التعليق على مناقشة المحقق الأردبيلي
في المقام
|
١٦٣
|
هل تجب إعادة السعي عند قضاء طواف
العمرة أو طواف الحج؟
|
١٨٢
|
ملخص الكلام في حكم تارك الطواف عمدا
أو جهلا
|
١٦٤
|
هل يجب الاحرام لو عاد لاستدراك
الطواف؟
|
١٨٣
|
متى ينتهي وقت الطواف والسعي؟
|
١٦٥
|
كلام العلامة في طواف النساء وحكم
المرأة فيه
|
١٨٤
|
ما هو المحلل من الاحرام عند بطلان
الحج بترك الركن؟
|
١٦٥
|
التعليق على كلام العلامة في طواف
النساء
|
١٨٥
|
حكم تارك الطواف نسيانا "
|
١٦٦
|
حكم الزيادة على السبعة في الطواف
|
١٨٦
|
الأخبار الواردة في نسيان طواف النساء
|
١٦٨
|
مناقشة المدارك في حرمة الزيادة على
السبعة في الطواف
|
١٨٨
|
توجيه الشيخ حديث ابن جعفر الوارد في
نسيان الطواف
|
١٦٩
|
التعليق على مناقشة المدارك في حرمة
الزيادة على السبعة في الطواف
|
١٨٨
|
الاعتراض على التوجيه المذكور
|
١٦٩
|
حكم القران في الطواف
|
١٩٢
|
كلام صاحب المنتقى في توجيه كلام
الشيخ في المقام
|
١٧٠
|
بطلان الطواف مع النجاسة في حال العلم
|
١٩٧
|
التعليق على كلام صاحب المنتقى في
المقام
|
١٧٣
|
حكم الطواف مع النجاسة في حال الجهل
بها
|
١٩٧
|
دليل التفصيل في حكم ناسي الطواف
|
١٧٤
|
|
|
استدلال العلامة في المنتهى لحكم
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
حكم الطواف مع النجاسة في حال نسيانها
|
١٩٧
|
حكم من قطع الطواف الحدث
|
٢٢٢
|
حكم الطواف مع النجاسة في حال الجهل
بها إذا وجدها في الأثناء
|
١٩٨
|
حكم من دخل في السعي فذكر انه لم يتم
طوافه
|
٢٢٣
|
لو زاد في الطواف سهوا فهل يكمله
أسبوعين أو يعيده؟
|
٢٠٠
|
كلام الشهيد في وجوب الموالاة في
الطواف
|
٢٢٣
|
لو اعتد بالطواف الأول في اكمال
الأسبوعين فهل الفرض هو أو الثاني؟
|
٢٠٦
|
التعليق على كلام الشهيد في وجوب
الموالاة في الطواف
|
٢٢٤
|
تجويز المحقق الأردبيلي الزيادة على
السبعة في الطواف عمدا
|
٢٠٧
|
التعليق على كلام صاحب المدارك في
الموالاة وفي مجاوزة النصف
|
٢٢٧
|
التعليق على تجويز المحقق الأردبيلي
الزيادة في الطواف عمدا
|
٢٠٨
|
هل يجب حفظ موضع القطع ليكمل منه بعد
العود؟
|
٢٢٨
|
الحديث الدال على وقوع السهو من
الامام (عليه السلام)
|
٢٠٩
|
الشك في عدد الطواف بعد الانصراف منه
|
٢٢٩
|
هل يعتبر في اكمال الأسبوعين في
الزيادة سهوا بلوغ الركن؟
|
٢١٠
|
الشك في أثناء الطواف في الزيادة
|
٢٢٩
|
موقع صلاة الطواف الفريضة والنافلة في
اكمال الأسبوعين
|
٢١١
|
الشك في أثناء الطواف في النقيصة
|
٢٣١
|
حكم من اتى بالطواف ناقصا
|
٢١٢
|
عروض الحيض للمرأة في أثناء الطواف
|
٢٣٩
|
حكم من قطع الطواف لدخول البيت
|
٢١٦
|
لبس البرطلة حال الطواف
|
٢٤٢
|
حكم من قطع الطواف للحاجة
|
٢١٧
|
المريض يطاف به ان أمكن
|
٢٤٣
|
حكم من قطع الطواف للمرض
|
٢٢٠
|
المريض يطاف عنه ان لم يمكن الطواف به
|
٢٤٤
|
|
|
نذر الطواف على أربع
|
٢٤٥
|
|
|
طواف المحرم بالمحرم يجزئ للحامل
والمحمول
|
٢٤٧
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
التعويل على الغير في احصاء عدد
الطواف
|
٢٤٩
|
يجب في السعي استقبال المطلوب بالوجه
|
٢٦٨
|
جملة من نوادر الطواف
|
٢٥١
|
واجبات السعي في كلام الشهيد في
الدروس
|
٢٦٨
|
السعي
|
٢٥٦
|
استحباب المشي في السعي
|
٢٦٨
|
استحباب الطهارة حال السعي
|
٢٥٦
|
استحباب المشي طرفيه والهرولة ما بين
المنارة وزقاق العطارين والدعاء حالته
|
٢٧٠
|
استلام الحجر والشرب من زمزم والصب
على الجسد من مائها
|
٢٥٨
|
حكم ترك الرمل حال السعي
|
٢٧٢
|
الخروج إلى الصفا من الباب المقابل
للحجر
|
٢٥٩
|
الجلوس أثناء السعي للراحة
|
٢٧٣
|
الصعود على الصفا واستقبال ركن الحجر
|
٢٦٠
|
ليس على النساء رمل
|
٢٧٤
|
الدعاء والذكر على الصفا
|
٢٦٠
|
من ترك السعي عامدا بطل حجه
|
٢٧٥
|
هل يستحب النظر إلى البيت من الصفا؟
|
٢٦٢
|
حكم من ترك السعي ناسيا
|
٢٧٧
|
الاتيان بالميسور على الصفا إذا لم
تمكن الإطالة
|
٢٦٣
|
من زاد فيه السعي عامدا أعاد
|
٢٧٨
|
طول الوقوف على الصفا يزيد في المال
|
٢٦٤
|
حكم من زاد في السعي ساهيا
|
٢٨٠
|
كيفية السعي
|
٢٦٥
|
الشك في بعض جوانب السعي
|
٢٨٢
|
لا يجب في السعي الصعود على الصفا
|
٢٦٥
|
هل يجب إلصاق العقب والأصابع بالصفا
والمروة؟
|
٢٨٣
|
البدء بالصفا والختم بالمروة
|
٢٦٦
|
تذكر المتمتع نقص السعي بعد الاحلال
|
٢٨٣
|
وجوب السعي سبعا بجعل الذهاب والاياب
شوطين
|
٢٦٧
|
دخول وقت الفريضة حال السعي
|
٢٨٩
|
يجب في السعي الذهاب في الطريق
المعهود
|
٢٦٨
|
تذكر عدم الاتيان بصلاة الطواف حال
السعي
|
٢٩١
|
|
|
ترتب السعي على الطواف
|
٢٩٢
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي
|
٢٩٣
|
ما يتحلل به من العمرة المفردة من
الحلق والتقصير
|
٣١٧
|
حكم تأخير السعي عن الطواف إلى الغد
|
٢٩٤
|
توالي العمرتين وما يجب من الفصل
بينهما وعدمه
|
٣١٨
|
وجوب التقصير على المعتمر المتمتع
|
٢٩٦
|
وقت الاتيان بالعمرة
|
٣٢٣
|
يجزئ في التقصير مسماه بأي شئ
|
٢٩٧
|
ميقات العمرة
|
٣٢٧
|
هل يتعين التقصير في العمرة؟
|
٢٩٩
|
أفضل أوقات العمرة
|
٣٣٠
|
أين يقصر المعتمر؟
|
٣٠٠
|
عمرة التمتع تجزئ عن العمرة المفردة
|
٣٣١
|
حلق المعتمر بعض رأسه
|
٣٠١
|
كيفية العمرة المفردة
|
٣٣٢
|
جماع المعتمر قبل التقصير عالما
" عامدا "
|
٣٠٢
|
هل يخرج المعتمر في أشهر الحج من مكة؟
|
٣٣٣
|
جماع المعتمر بعد التقصير
|
٣٠٣
|
احكام العمرة في كلام الشهيد في
الدروس
|
٣٤٠
|
احرام المتمتع بالحج قبل ان يقصر
|
٣٠٤
|
التعليق على احكام العمرة في الدروس
|
٣٤١
|
الأفضل لمن قصر من عمرة التمتع ان يتشبه
بالمحرمين وكذا أهل مكة أيام الموسم
|
٣٠٤
|
الحج
|
٣٤٥
|
المتمتع الذي ساق الهدي هل يشترط في
احلاله بلوغ الهدي محله؟
|
٣٠٥
|
وقت الاحرام للحج
|
٣٤٥
|
هل يجب طواف النساء في عمرة التمتع؟
|
٣٠٥
|
المستحبات يوم التروية قبل احرام الحج
|
٣٤٧
|
هل يجوز للمتمتع ان يخرج من مكة قبل
الحج؟
|
٣٠٧
|
لما ذا سمي اليوم الثامن من ذي الحجة
يوم التروية؟
|
٣٤٩
|
هل تصح عمرة التمتع في غير أشهر الحج؟
|
٣٠٨
|
أين يؤدي الحاج ظهري يوم التروية؟
|
٣٥٠
|
العمرة واجبة كالحج
|
٣٠٩
|
أين يؤدي الامام ظهري يوم التروية؟
|
٣٥١
|
هل يجب طواف النساء في العمرة المفردة؟
|
٣١٢
|
من هو الإمام هنا؟
|
٣٥٤
|
|
|
ذو العذر يجوز له تعجيل الخروج إلى
منى
|
٣٥٤
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
وقت الاحرام لحج القران والافراد
|
٣٥٦
|
أو برحله
|
٣٩٥
|
من أين يكون الاحرام لحج التمتع؟
|
٣٦٠
|
الوقوف بميسرة الجبل بعرفات
|
٣٩٦
|
آداب الاحرام لحج التمتع
|
٣٦٢
|
هل يستحب القيام في الوقوف بعرفات؟
|
٣٩٧
|
مبدأ التلبية والجهر بها في احرام
الحج
|
٣٦٤
|
عدم الوقوف في أعلى الجبل إلا مع
الضرورة
|
٣٩٩
|
الطواف بالبيت بعد الاحرام لحج التمتع
|
٣٦٦
|
استحباب الطهارة في الوقوف بعرفات
|
٤٠٠
|
نسيان احرام الحج
|
٣٦٨
|
الدعاء يوم عرفة مستحب
|
٤٠٠
|
الدعاء بالمأثور عند الخروج إلى منى
|
٣٧٠
|
الوقوف بعرفة ركن من تركه عامدا فلا
حج له
|
٤٠٢
|
خروج الامام من منى بعد طلوع الشمس
|
٣٧١
|
الوقت الاختياري والاضطراري للوقوف
بعرفات
|
٤٠٣
|
خروج الامام من منى بعد طلوع الشمس
|
٣٧٢
|
هل يجزئ الوقوف الاضطراري بعرفات
للناسي؟
|
٤٠٥
|
الوقوف بعرفات
|
٣٧٣
|
يكفي في الوقوف الاضطراري مسمى الكون
|
٤٠٦
|
نية الوقوف بعرفات
|
٣٧٣
|
كلام الشيخ في الخلاف في تحديد زمان
الوقوف بعرفات
|
٤٠٦
|
وقت نية الوقوف بعرفات
|
٣٧٤
|
صور ادراك الوقت الاختياري والاضطراري
للموقفين
|
٤٠٧
|
وجوب الكون في عرفات
|
٣٧٧
|
المجزئ من هذه الصور
|
٤٠٨
|
حدود عرفات
|
٣٧٧
|
هل يجزئ ادراك اختياري عرفة خاصة؟
|
٤١٠
|
وجوب الكون في عرفات إلى الغروب
|
٣٨٠
|
هل يجزئ أدراك الاضطراريين خاصة من
الموقفين؟
|
٤١١
|
حكم الإفاضة من عرفات قبل الغروب
|
٣٨١
|
|
|
الغسل بعد الزوال للوقوف بعرفات
|
٣٨٤
|
|
|
الدعاء بالمأثور حين الوقوف بعرفات
|
٣٨٤
|
|
|
الدعاء للاخوان حين الوقوف بعرفات
|
٣٩٣
|
|
|
استحباب ضرب الخباء بنمرة
|
٣٩٤
|
|
|
استحباب سد الخلل في عرفات بنفسه
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يجزئ ادراك اضطراري المشعر خاصة؟
|
٤١٢
|
ينتهي بالزوال أو يمتد إلى الغروب من
يوم النحر؟
|
٤٣٦
|
الوقوف بالمشعر
|
٤١٨
|
حكم الإفاضة من المشعر قبل الفجر عمدا
"
|
٤٣٧
|
أسماء المشعر وموضعه
|
٤١٨
|
حكم الإفاضة من المشعر قبل الفجر
نسيانا
|
٤٤٣
|
ما ورد في علة أسماء المشعر الحرام
|
٤١٨
|
جواز الإفاضة من المشعر ليلا لذوي
الاعذار
|
٤٤٤
|
مقدمات الوقوف بالمشعر
|
٤٢٠
|
وقت نية الوقوف بالمشعر
|
٤٤٧
|
الإفاضة من عرفات بعد الغروب على
سكينة ووقار وخشوع
|
٤٢٠
|
الدعاء المأثور حين الوقوف بالمشعر
|
٤٥١
|
تأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة
|
٤٢٢
|
حكم ترك الوقوف بالمشعر
|
٤٥٦
|
الجمع بين الفرضين باذان واحد
وإقامتين في المشعر
|
٤٢٦
|
لو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي
عليه
|
٤٥٩
|
استحباب الوقوف بالمشعر على طهر
|
٤٢٨
|
فوت الحج ووجوب التحلل بعمرة مفردة
بفوت الوقوفين
|
٤٦١
|
استحباب النزول ببطن الوادي عن يمين
الطريق والدعاء
|
٤٢٨
|
معنى التحلل بالعمرة عند فوت الوقوفين
|
٤٦٤
|
استحباب وطء الصرورة المشعر برجله
|
٤٢٩
|
هل يجب الهدي على من فاته الحج؟
|
٤٦٦
|
ما هو المشعر وما هي آدابه؟
|
٤٢٩
|
هل يجب الحج من قابل بفوت الحج؟
|
٤٧٠
|
حدود المشعر
|
٤٣٢
|
عمرة التحلل عند فوت الحج لا تجزئ عن
عمرة الاسلام
|
٤٧٠
|
الوقوف بالمشعر ركن من تركه عامدا
" بطل حجه
|
٤٣٣
|
هل يجب تأجيل عمرة التحلل عند فوت
الحج عن أيام التشريق؟
|
٤٧٠
|
الوقوف الركني هو الكون بالمشعر
|
٤٣٥
|
|
|
الوقت الاختياري للوقوف بالمشعر من
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
|
٤٣٥
|
|
|
الوقت الاضطراري للوقوف بالمشعر
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يجب تعجيل عمرة التحلل في أشهر
الحج؟
|
٤٧١
|
شروط حصى الجمار
|
٤٧٢
|
استحباب التقاط حصى الجمار من المشعر
|
٤٧١
|
الأوصاف المستحبة في حصى الجمار
|
٤٧٥
|
|
|
الختام
|
٤٧٧
|
|