
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
المقصد الثاني
في ما يلحق
الصلاة من قواطعها وسهوها وشكوكها ، وتفصيل الكلام فيه يتوقف على بسطه في مطالب :
(الأول) ـ في
قواطعها ، ومنها ما يقطعها عمدا وسهوا على الخلاف الآتي ومنها ما لا يقطعها إلا
عمدا ، ومنها ما يكون الأفضل تركه وان لم يقطعها ، وإطلاق القطع عليه تجوز باعتبار
قطع فضلها ، فههنا مقامات ثلاثة :
(الأول) ـ في
ما يقطعها عمدا وسهوا ، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الصلاة
بترك الطهارة عمدا أو سهوا ، والظاهر ان الحكم للذكور إجماعي نصا وفتوى ، وكذا لا
خلاف في بطلانها بمبطلات الطهارة من حدث أكبر أو أصغر إذا كان عن عمد ، نقل
الإجماع على ذلك جماعة من الأصحاب : منهم ـ العلامة. إلا ان الظاهر من كلام ابن
بابويه ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة من ترك ركعتين من الصلاة ساهيا
فإنه يأتي بهما وان بلغ الصين ـ خلافه
ويمكن إلحاق هذا الفرد بالسهو ايضا على نحو مسألة من تكلم في الصلاة عامدا
بعد التسليم بناء على تمام صلاته ثم ظهر نقصانها فإنه يتمها وتكون صلاته صحيحة فلا
يخالف الإجماع المدعى في المقام.
إنما الخلاف في
ما لو أحدث ساهيا ، فأقول المشهور البطلان بل ادعى عليه العلامة في التذكرة
الإجماع فقال انه مبطل للصلاة إجماعا. وقال في النهاية لو شرع متطهرا ثم أحدث
ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها بطلت صلاته إجماعا إذا كان عن اختياره. ونسبه المحقق في
المعتبر إلى الخمسة. إلا ان كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا لا يخلو من إجمال
، فإن ظاهر كلامهم ان محل الخلاف في المسألة من أحدث في صلاته ساهيا ، والمتبادر
من هذا انه أحدث بانيا على انه ليس في الصلاة بل سها عن كونه فيها ، فهو في
الحقيقة متعمد للحدث لكنه ساه عن الصلاة كمن تكلم في الصلاة ساهيا ، فان كلامه وان
كان عن تعمد إلا انه سها عن كونه في الصلاة ، مع ان القول المنقول عن المرتضى
والشيخ في هذا المقام وهو اعادة الوضوء والبناء إنما هو في من سبه الحدث اى خرج
منه من غير اختياره ، قال في المنتهى أما الناسي إذا سبقه الحدث فإن أكثر أصحابنا
أوجبوا عليه الاستئناف بعد الطهارة ، وقال الشيخ في الخلاف والسيد المرتضى في
المصباح إذا سبقه الحدث ففيه روايتان وهكذا عبائر من نقل عنهما ذلك ، والظاهر ان
مرجع الجميع إلى أمر واحد وهو من أحدث غير متعمد لذلك في الصلاة اما بان يسبقه من
غير اختياره أو بان يسهو عن كونه في الصلاة. وقد تقدم مذهب الشيخين في باب التيمم
من تخصيص الحكم بالمتيمم إذا أحدث في الصلاة لا عن عمد ثم وجد الماء فإنه يتوضأ
ويبنى.
وكيف كان
فالواجب الرجوع الى ما ورد في المسألة من الأخبار عنهم (عليهمالسلام) وبيان ما يفهم منها في المقام :
فنقول اما ما
يدل على القول المشهور فمنه ما ذكره جملة من الأصحاب وهو ان الطهارة شرط في صحة
الصلاة فيكون انتفاؤها موجبا لانتفاء الصلاة قضية للشرطية
ومنه ـ رواية
أبي بكر الحضرمي عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) انهما كانا يقولان : «لا يقطع الصلاة إلا أربعة :
الخلاء والبول والريح والصوت» رواه الكليني عنه في الموثق.
وما رواه الشيخ
عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع
كيف يصنع؟ قال ان كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شيء ولم ينقض وضوءه ، وان
خرج متلطخا بالعذرة فعليه ان يعيد الوضوء وان كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد
الوضوء والصلاة».
وما رواه الشيخ
عن الحسن بن الجهم قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة؟
قال ان كان قال : «اشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله» فلا يعيد وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد».
وما رواه في
قرب الاسناد عن علي بن جعفر ونحوه في كتاب المسائل عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم ان ريحا قد
خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا؟ قال يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشيء مما
صلى إذا علم ذلك يقينا».
ويعضده أيضا رواية
أبي الصباح الكناني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال ان كان
لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء واعادة الصلاة وان كان يستيقن انه لم يحدث
فليس عليه وضوء ولا اعادة».
وما رواه في
التهذيب عن الحسين بن حماد عن ابى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «إذا أحس الرجل ان بثوبه بللا وهو يصلى فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فيمسحه
بفخذه فان كان بللا يعرف فليتوضأ وليعد الصلاة وان لم يكن بللا فذلك من الشيطان». أقول
يجب حمله على ما إذا لم يستبرئ قبل وضوئه.
وأورد على
الدليل الأول ان المعتبر عدم وقوع شيء من اجزاء الصلاة بدون الطهارة واما اشتراط
عدم تخلل الحدث في الأثناء فممنوع.
وفيه ان الصلاة
ليست عبارة عن تلك الاجزاء بالخصوص من قراءة وركوع وسجود ونحوها بل هي عبارة عن
ذلك وعن ما بينها من الانتقالات لقولهم (عليهمالسلام) في ما تقدم من الأخبار «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» وجواز
بعض الأفعال الخارجة عنها في أثنائها لدليل كغسل الرعاف ونحوه لا يستلزم جواز ما
لا دليل عليه.
وأورد على
الأخبار الطعن بضعف السند وهو على ما عرفت من طريقتنا غير واضح ولا معتمد ،
وبالجملة فالروايات المذكورة ظاهرة في القول المذكور تمام الظهور إلا انها معارضة
بما هو أصح سندا وأكثر عددا من اخبار القولين الآخرين
وها أنا أسوق
لك جملة ما وقفت عليه من اخبار المسألة زيادة على ما تقدم وأبين الوجه فيها بما
اتضح لي دليله وظهر لي سبيله :
فأقول ـ وبالله
التوفيق ـ من الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟
فقال انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا ،
فان تكلمت ناسيا فلا شيء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. قلت فان قلب
وجهه عن القبلة؟ قال نعم وان قلب وجهه عن القبلة». قال المرتضى (رضى الله عنه) على
ما نقل عنه : لو لم يكن الأذى والغمز ناقضا لم يأمره بالانصراف.
__________________
وما رواه الشيخ
عن ابى سعيد القماط قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو
في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟ قال فقال
إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس ان يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف الى مصلاه الذي
كان يصلى فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة
بكلام. قال قلت وان التفت يمينا وشمالا لو ولى عن القبلة؟ قال نعم كل ذلك واسع
إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه
ان يبنى على صلاته».
وما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه
أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ قال فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن
الصلاة فليصل وليصبر». ومفهومه انه لو لم يستطع الصبر فإنه يجوز له القطع ، واما
انه بعد القطع ما حكمه فالخبر مجمل في ذلك.
ونحو ذلك قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «وان كنت في الصلاة فوجدت غمزا فانصرف إلا ان يكون شيئا تصبر عليه من غير
إضرار بالصلاة».
ويعضد ذلك ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة
ثم أحدث فأصاب الماء؟ قال يخرج ويتوضأ ثم يبنى على ما مضى من صلاته التي صلى
بالتيمم».
وفي الصحيح عن
زرارة قال : «قلت له رجل دخل في الصلاة وهو
__________________
متيمم فصلى ركعة وأحدث فأصاب ماء؟ قال يخرج ويتوضأ ويبنى على ما مضى من
صلاته التي صلى بالتيمم».
وهذان الخبران
وان كان موردهما التيمم خاصة إلا أنهما دالان على ان وقوع الحدث في الصلاة غير
مبطل كما هو القول المشهور.
ويزيده تأييدا
أيضا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن بإبراهيم ابن هاشم عن زرارة عن
أبى جعفر (عليهالسلام) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد؟ قال
ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع الى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء يقعد
فيتشهد ثم يسلم ، وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ قال
تمت صلاته وانما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد».
وما رواه
الكليني عن عبيد بن زرارة في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من
السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ فقال اما صلاته فقد مضت وبقي التشهد وإنما
التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ وليعد الى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد».
وهذه الأخبار
وان كان موردها خاصا بالحدث قبل التشهد الأخير إلا أنه لا خلاف في وجوب التشهد
وانه جزء من الصلاة وحينئذ فيكون الحدث واقعا في الصلاة وغير مبطل لها خلافا
للمشهور كما عرفت.
وظاهر الصدوق
القول بهذه الأخبار الأخيرة حيث قال في الفقيه : ان
__________________
رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت
الشهادتين فقد مضت صلاتك وان لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد الى مجلسك
فتشهد. انتهى. قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار : ويشمل ظاهر كلامه العمد ايضا ولا يخلو من
قوة. انتهى.
أقول ـ وبالله
التوفيق والهداية إلى سواء الطريق ـ لا يخفى ان الأخبار المتقدمة التي هي مستند
القول المشهور وان ضعف سندها فإنها هي الأوفق بالقبول والمطابقة للقواعد الشرعية
والأصول مضافا الى الاحتياط المطلوب في الدين لذوي الألباب والعقول ، وان ما سواها
وان صح سندها بهذا الاصطلاح المحدث إلا انها لا تخلو من الخلل والقصور الزائد ذلك
على ما فيها من المخالفة لأخبار القول المشهور.
فاما صحيحة
الفضيل بن يسار فلا دلالة فيها على محل البحث ، فان ظاهرها إنما هو من وجد في بطنه
تلك الأشياء من غمز أو أذى أو ضربان وشيء ، من هذه الأشياء ليس بحدث أصلا اتفاقا
، وليس في سؤاله انه أحدث فأمره (عليهالسلام) بالانصراف عن الصلاة في تلك الحال وبقضاء الحاجة ثم
الوضوء والبناء. واما جواب صاحب المدارك عن ذلك بان التعبير عن قضاء الحاجة
بالانصراف شائع ليس في محله ، فان هذا الكلام إنما هو من الإمام (عليهالسلام) ومحل الإشكال إنما هو في السؤال حيث لم يتضمن وقوع
الحدث بالفعل وانما تضمن وقوع هذه الأوجاج الناشئة من حبس الغائط. ومثله في ما ذكرناه
خبر القماط.
نعم لقائل أن
يقول انه يمكن حمل الخبرين المذكورين على من حصل له شيء من هذه الأمور المذكورة
على وجه يخاف مبادرة الحدث وعدم إمكان إتمام الصلاة فإنه يجوز له قطع الصلاة وقضاء
الحاجة والوضوء ثم البناء على ما فعل. ويشهد لذلك ما ذكرناه من صحيحة عبد الرحمن
بن الحجاج وكلامه (عليهالسلام) في الفقه فإنهما وان كانا مطلقين بالنسبة إلى العود
والبناء الا أنه يمكن حمل إطلاقهما على ما دل عليه الخبران المذكوران من العود بعد
القطع والبناء وتكون هذه الروايات دالة على
هذا الحكم وان لم يقل به أحد من الأصحاب.
وكيف كان
فالخبران المذكوران بناء على ما ذكرناه خارجان عن فرض المسألة نعم فيهما دلالة على
بطلان الصلاة بتخلل الحدث ، والأظهر عندي حملهما على التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية. على ان فيهما
أيضا اشكالا من وجه آخر وهو ما تضمناه من الفرق بين الكلام متعمدا وبين الاستدبار
وان الصلاة تبطل بالأول دون الثاني وهو خلاف ما دلت عليه الأخبار وكلمة الأصحاب من
غير خلاف يعرف.
واما صحيحتا
زرارة الواردتان بالنسبة إلى المتيمم فقد تقدم البحث فيهما في باب التيمم ، وقد
تقدم في كلام المحقق الشيخ حسن في المنتفي حمل الخبرين المذكورين على معنى لا
يخالف الأخبار المتقدمة ، وملخصه ان المراد بالصلاة في قوله «يبنى على ما مضى من
صلاته» هي الصلاة التي صلاها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها ، ومرجعه
الى أن هذه الصلاة قد بطلت بالحدث وانه يخرج ويتوضأ من هذا الماء الموجود ولا يعيد
ما صلى بهذا التيمم وان كان في الوقت ، قال : ويكون قوله (عليهالسلام) في آخر الكلام : «التي صلى بالتيمم» قرينة قوية على
إرادة هذا المعنى ، فيكون مفاد الخبرين حينئذ عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة
بالتيمم بعد وجدان الماء. وهو معنى صحيح وارد في اخبار كثيرة مضى بعضها. انتهى.
وهو جيد وبه ينطبق الخبران المذكوران على مقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية
مع قرب احتمال التقية .
واما الأخبار
الأخيرة الدالة على صحة الصلاة مع حصول الحدث بعد السجدة الأخيرة وقبل التشهد فقد
تقدم البحث فيها في فصل التشهد.
__________________
وبالجملة فإن
التمسك بذيل الاحتياط في أمثال هذه الأحكام طريق النجاة. والله العالم.
(المقام الثاني)
ـ في ما يبطلها عمدا ، قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل من أخل
بواجب من واجبات الصلاة عمدا أو جهلا من اجزاء الصلاة كالقراءة والركوع والسجود أو
صفاتها كالطمأنينة في حال القراءة مثلا أو شرائطها كالوقت والاستقبال وستر العورة
بطلت صلاته ، قالوا وهذه كلية ثابتة في جميع مواردها عدا الجهر والإخفات فإن
الجاهل يعذر فيهما كما تقدم في فصل القراءة.
وههنا أشياء قد
صرح بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب لا بد من ذكرها تفصيلا والكلام
فيها تحقيقا ودليلا :
(الأول) ـ وضع اليمين على الشمال حال القيام فوق السرة أو تحتها وهو المسمى
بالتكتف والتكفير.
وقد اختلف الأصحاب
هنا في موضعين (الموضع الأول) في حكمه فالمشهور بين الأصحاب التحريم بل نقل
المرتضى والشيخ عليه إجماع الفرقة ، ونقل عن ابن الجنيد انه جعل تركه مستحبا وعن
أبى الصلاح انه جعل فعله مكروها واختاره المحقق في المعتبر.
واستدل على
القول المشهور بالإجماع المنقول ، وبالاحتياط ، وبأن أفعال الصلاة متلقاة من الشرع
ولا شرع هنا ، وبأنه فعل كثير خارج عن الصلاة.
وبما رواه
الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على
اليسرى ، قال ذلك التكفير فلا تفعل».
وعن حريز عن
رجل عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال «لا تكفر إنما
__________________
يصنع ذلك المجوس». ونحوه قوله (عليهالسلام) في حسنة زرارة المتقدمة في صدر الباب «ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس».
أقول : ويدل
عليه أيضا ما رواه في الخصال عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبه بأهل الكفر يعنى المجوس».
وروى في دعائم
الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انه قال : «إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى
على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى فان ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا
فإنه أحرى ان لا تشغل نفسك عن الصلاة».
وروى الحميري
في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «قال على بن الحسين (عليهالسلام) وضع الرجل احدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في
الصلاة عمل».
وروى على بن
جعفر في كتابه عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع احدى يديه
على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال لا يصلح ذلك فان فعل فلا يعود له. قال على قال موسى
(عليهالسلام) سألت أبي جعفر (عليهالسلام) عن ذلك فقال أخبرني أبي محمد بن على عن أبيه على ابن
الحسين عن أبيه الحسين بن على عن أبيه على بن ابى طالب (عليهمالسلام) قال ذلك عمل وليس في الصلاة عمل».
قال بعض
مشايخنا (قدس الله أسرارهم) «ليس في الصلاة عمل» اى لا ينبغي
__________________
أن يعمل في الصلاة عمل غير أفعال الصلاة أو هو بدعة ولا يجوز الابتداع فيها
أو هو فعل كثير كما فهمه بعض الأصحاب.
قال المحقق في
المعتبر : الوجه عندي الكراهة أما التحريم فيشكل لأن الأمر بالصلاة لا يتضمن حال
الكفين فلا يتعلق بها تحريم لكن الكراهة من حيث هي مخالفة لما دل عليه الأحاديث من
استحباب وضعهما على الفخذين. واحتجاج علم الهدى بالإجماع غير معلوم لنا وخصوصا مع
وجود المخالف من أكابر الفضلاء. والتمسك بأنه فعل كثير في غاية الضعف لان وضع
اليدين على الفخذين ليس بواجب ولم يتناول النهى وضعهما في موضع معين فكان للمكلف
وضعهما كيف شاء. واما احتجاج الطوسي (قدسسره) بأن أفعال الصلاة متلقاة (قلنا) حسن لكن كما لم يثبت
تشريع وضع اليدين لم يثبت تحريم وضعهما فصار للمكلف وضعهما كيف شاء وعدم تشريعه لا
يدل على تحريمه لعدم دلالة التحريم. وقوله الاحتياط يقتضي ترك ذلك (قلنا) متى؟ إذا
لم يوجد ما يدل على الجواز أم إذا وجد ، لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة
بإطلاقها على عدم المنع (قوله) عندنا تكون الصلاة باطلة (قلنا) لا عبرة بقول من
يبطل إلا مع وجود ما يقتضي البطلان اما الاقتراح فلا عبرة به. وأما الرواية
فظاهرها الكراهة لما تضمنت من قوله «يتشبه بالمجوس» وأمر النبي (صلىاللهعليهوآله) بمخالفتهم ليس على سبيل الوجوب لأنهم قد يفعلون الواجب
من اعتقاد الإلهية وانه فاعل الخير فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره ، فإذن ما قاله
الشيخ أبو الصلاح من الكراهة أولى. انتهى.
قال في المدارك
بعد نقله : وهو جيد لكن في اقتضاء التشبيه ظهور الرواية في الكراهة نظر ، مع أن
رواية محمد بن مسلم المتضمنة للنهي خالية من ذلك. وبالجملة فحمل النهى على الكراهة
مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة وهي منتفية فاذن المعتمد التحريم دون الابطال.
انتهى. ومنه يعلم قول ثالث في المسألة أيضا وهو التحريم بغير إبطال ، والى هذا
القول أشار جده (قدس الله روحهما) في الروض
ورده بأنه إحداث قول ثالث مخالف لما أجمع عليه الفريقان.
وقال الشهيد في
الذكرى بعد نقل كلام المحقق : قلت في بعض كلامه (قدسسره) مناقشة وذلك لأنه قائل في كتبه بتحريمه وإبطاله الصلاة
، والإجماع وان لم نعلمه فهو إذا نقل بخبر الواحد حجة عند جماعة من الأصوليين.
واما الروايتان فالنهي فيهما صريح وهو للتحريم على ما اختاره معظم الأصوليين ،
وخلاف العين لا يقدح في الإجماع ، والتشبه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعيته
حرام واين الدليل الدال على شرعية هذا الفعل؟ والأمر بالصلاة مقيد بعدم التكفير
الثابت في الخبرين المعتبري الاسناد الذين عمل بهما الأصحاب (رضوان الله عليهم)
فحينئذ الحق ما صار إليه الأكثر وان لم يكن إجماعا. انتهى. وجرى على نحوه الشهيد
الثاني في الروض أيضا.
أقول : ما ذكره
الشهيدان (قدس الله سرهما) بالنسبة إلى الإجماع هو الأنسب بالقواعد الأصولية وما
ذكره المحقق (قدسسره) هو الأوفق بالتحقيق.
بقي الكلام في
الروايات التي قدمناها مما ذكروه وما لم يذكروه ولا ريب ان مقتضى صيغة النهي فيها
هو التحريم الى ان يقوم ما يوجب صرفه عن حقيقته ، إلا ان عده في رواية حريز وصحيحة
زرارة في سياق جملة من المكروهات مما يثمر ظنا بكونه كذلك لقوله في الاولى «لا
تكفر انما يصنع ذلك المجوس ولا تلثم ولا تحتفز ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك».
وقوله في الثانية «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها
ما أقبلت عليه ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب
ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج
البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك نقصان في
الصلاة الحديث». والظاهر ان قوله «نقصان في الصلاة» راجع الى
كل من هذه
__________________
الأشياء المذكورة وهو مؤيد للحمل على الكراهة ، والى ذلك ايضا يشير قوله (عليهالسلام) في رواية على بن جعفر المنقولة من كتابه بعد قوله «لا يصلح ذلك» «فان فعل فلا يعود له» فإن مؤذن
بالكراهة أيضا.
وبالجملة فإن
المسألة لا تخلو من شوب تردد وان كان القول بالتحريم كما ذهب إليه في المدارك لا
يخلو من قوة. والله العالم.
(الثاني) ـ في
تفسيره ، والتكفير في اللغة هو الخضوع وان ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من
الركوع كما يفعله من يريد تعظيم صاحبه ، ففي القاموس فسره بان يخضع الإنسان لغيره.
وفي النهاية الأثيرية هو أن ينحني الإنسان. إلى آخر ما ذكر.
وقد اختلف
الأصحاب في تفسيره ، فالفاضلان على انه عبارة عن وضع اليمين على الشمال وقيده
العلامة في المنتهى والتذكرة بحال القراءة. وقال الشيخ لا فرق بين وضع اليمين على
الشمال وبالعكس وتبعه ابن إدريس والشهيدان ، ويدل على هذا القول ما تقدم من رواية
صاحب كتاب دعائم الإسلام وهو ظاهر روايتي على بن جعفر المتقدمتين ايضا وبه يظهر
قوة القول المذكور.
قال بعض
مشايخنا المتأخرين : والظاهر انه لا فرق في الكراهة أو التحريم بين أن يكون الوضع
فوق السرة أو تحتها وبين أن يكون بينهما حائل أم لا وبين أن يكون الوضع على الزند
أو على الساعد ، وقد صرح بالجميع جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) واستشكل
العلامة في النهاية الأخير. انتهى.
أقول : ويدل
على الأخير ما تقدم في رواية على بن جعفر الثانية من قوله «يضع احدى يديه
على الأخرى بكفه أو ذراعه» وبه يضعف استشكال العلامة في ذلك.
__________________
وكيف كان فلا
ريب في جوازه حال التقية بل وجوبه ان أدى تركه الى الضرر ، ولو تركه حال التقية
فالظاهر عدم البطلان لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة.
فائدة : روى
العياشي في تفسيره عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال
لا بأس ان بنى إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى فانزل
الله على
__________________
نبيه «خذ ما آتيتك بقوة» فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها يجلد وقوة. ثم ذكرها في
طلب الرزق فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة».
أقول : الظاهر
ان نفي البأس في الخبر المذكور خرج مخرج التقية وفيه إشارة الى ان التكفير يحصل
بوضع اليد على الذراع كما قدمنا ذكره. وباقي الخبر لا يخلو من غموض واشكال فيحتمل
أن يكون المراد بنبيه هنا هو موسى (عليهالسلام) وما ذكر فيه من تماوت بني إسرائيل يحتمل أن يكون راجعا
الى تكفيرهم في الصلاة فإن التكفير في هيئة التماوت وعلى هذا فالآية دالة على
النهى عنه والأمر بالدخول بقوة الذي هو عبارة عن وضع اليدين على الفخذين ، وعلى
تقدير كونه خطابا لنبينا (صلىاللهعليهوآله) يكون المراد انه ينبغي لهذه الأمة ان يأتوا بذلك من
الإرسال على الفخذين وعدم التكفير. والله العالم.
(الثاني) ـ الكلام
بحرفين فصاعدا مما ليس بقرآن ولا دعاء ، ولا خلاف في ذلك بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) وقد نقل اتفاقهم على ذلك جمع : منهم ـ الفاضلان والشهيدان وغيرهم.
ويدل على ذلك
جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يأخذه الرعاف أو القيء في الصلاة
كيف يصنع؟ قال ينفتل فيغسل انفه ويعود في الصلاة وان تكلم فليعد الصلاة». ورواه
الشيخ عن محمد بن مسلم بإسناد آخر صحيح وكذا رواه الكليني عنه بإسناد صحيح وزاد عليه «وليس عليه وضوء» ،
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق قال : «سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلى
المكتوبة فيعرض له رعاف كيف
__________________
يصنع؟ قال يخرج فان وجد ماء قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبن على
صلاته».
وما رواه
الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة؟ فقال
ان قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم
ليصل ما بقي من صلاته وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته».
وقال في الفقيه
: وفي رواية أبي بصير عنه (عليهالسلام) «ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة». وقد تقدم قريبا في صحيحة الفضيل بن يسار ورواية أبي سعيد القماط ما يدل
على ذلك أيضا.
وتمام تحقيق
الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل (الأولى) قد صرح بعضهم بان الكلام جنس لما
يتكلم به سواء كان من حرف واحد أو أكثر إلا ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) هنا تقييده بما تركب من حرفين فصاعدا ، وظاهرهم الإجماع على ان الحرف
الواحد الغير المفهم لا يسمى كلاما ، نقل الإجماع على ذلك جمع : منهم ـ العلامة في
التذكرة والشهيد في الذكرى.
قال في المدارك
: وقد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالكلام بالحرف الواحد لأنه لا يسمى كلاما في
العرف بل ولا في اللغة أيضا لاشتهار الكلام لغة في المركب من حرفين كما ذكره الرضي
(رضى الله عنه) وان ذكر بعضهم انه جنس لما يتكلم به سواء كان على حرف واحد أو أكثر
لأن الإطلاق أعم من الحقيقة. انتهى ولا يخفى ما فيه فإنه عدول عن ظاهر اللفظ
المذكور إلا انه يمكن ان يقال
__________________
كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع ـ ان الأحكام المودعة في الأخبار تبنى
على ما هو الغالب المتكرر الذي يتبادر إليه الإطلاق وهو هنا إنما يصدق على ما كان
من حرفين فصاعدا. ولعل إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحكم المذكور مبنى
على ذلك.
نعم يبقى
الكلام في الحرف الواحد المفهم مثل «ق» من «وقى يقي» و «ع» من «وعي يعي» ونحوهما
من الأفعال المعتلة الطرفين ، وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) دعوى صدق الكلام
عليها لغة وعرفا بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن الكلمة لتضمنه الإسناد المفيد
فيدخل في عموم الأخبار المتقدمة. ويمكن بناؤه على ان المحذوف في هذه الأوامر بمنزلة
المذكور فيكون حرفين فصاعدا.
(الثانية) حيث
قد عرفت ان الكلام عندهم هو ما تركب من حرفين فصاعدا وهو أعم من أن يكون موضوعا أو
مهملا فالتكلم بالألفاظ المهملة مبطل إجماعا بالترتيب المذكور.
(الثالثة)
الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في أن التنحنح والتأوه والأنين والتنخم ونحوها مما
لا يشتمل شيء منها على حرفين فإنه غير مبطل لعدم صدق التكلم بذلك لغة ولا عرفا.
ويدل على ما
رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح
لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو؟ فقال
لا بأس به».
وما رواه الشيخ
عن إسحاق بن عمار عن رجل من بنى عجل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت
__________________
السجود؟ فقال لا بأس». ورواه في الفقيه مرسلا نحوه .
إنما الكلام في
ما إذا اشتمل على حرفين والظاهر انه غير مبطل لان الحكم دائر مدار التسمية فما لم
يسم كلاما لا يحصل به الإبطال والسامع إنما يقول تنحنح أو تأوه أو نحو ذلك ، وظاهر
جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) الابطال به لصدق الكلام عليه باعتبار تضمنه
حرفين. وفيه ما عرفت من أنه وان تضمن حرفين لكنه لا يقال في العرف أنه تكلم وإنما
يقال تنحنح أو تنخم أو نحو ذلك
والى ما ذكرنا
يميل كلام المحقق في المعتبر حيث انه استحسن جواز التأوه بحرفين للخوف من الله عند
ذكر المخوفات ، قال وقد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة ، ووصف إبراهيم (عليهالسلام) بذلك يؤذن بجوازه. واستحسنه في المدارك.
وفيه ان جواز
ذلك إن كان من حيث خصوص ما ذكره من خوف الله ففيه انه لا دليل عليه مع صدق الكلام
عرفا ، والكلام عندهم مبطل إلا ما استثنى وليس هذا منه ، وان كان من حيث عدم
تسميته كلاما عرفا كما ذكرنا فلا وجه للتقييد بما ذكره.
قال في المنتهى
: لو تنحنح بحرفين وسمى كلاما بطل صلاته. قال بعض مشايخنا بعد نقل ذلك عنه : وهذا
الفرض مستبعد بل يمكن ادعاء استحالته إلا ان ينضم اليه كلام آخر. انتهى. وهو جيد
فان مع صدق التنحنح عرفا فصدق الكلام والحال كذلك مستبعد بل محال كما ذكره إلا ان
يصل هذين الحرفين بكلام يخرج بهما عن صدق التنحنح فيكون خارجا عن محل الفرض.
نعم روى الشيخ
عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام)
__________________
ان عليا (عليهالسلام) قال : «من أن في صلاته فقد تكلم». والأصحاب (رضوان
الله عليهم) حملوه على الأنين بحرفين والأظهر حمله على تأكيد الكراهة لما قلناه.
ويمكن ايضا
استثناء الأنين من الحكم المذكور للخبر المشار اليه. ويؤيده أيضاما رواه في الفقيه
عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ومن أن في صلاته فقد تكلم». ولعله
الأجود فيكون الأنين من جملة القواطع زائدا على الكلام ولا تعلق به بوجه ، ولا
ضرورة إلى تكلف اشتماله على الحرفين كما ذكروه.
(الرابعة) ظاهر
الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في بطلان الصلاة بالكلام بين أن يكون
الكلام لمصلحة الصلاة أم لا ولا بين أن يكون لمصلحة أخرى غير الصلاة كإنقاذ الأعمى
والصبي إذا خيف عليهما التردي في بئر أو الوقوع في نار ونحو ذلك ، ويفهم من
المعتبر والمنتهى ان الحكم إجماعي. ونقل عن العلامة في التذكرة انه غير مبطل.
والظاهر الأول لما
رواه الشيخ عن إسماعيل بن ابى زياد عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام) انه قال : «في رجل يصلى ويرى الصبي يحبو الى النار أو
الشاة تدخل البيت لتفسد الشيء؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبنى على صلاته ما
لم يتكلم».
(الخامسة) قد
تقدم انه يستثني من الكلام المبطل ما إذا كان دعاء أو ذكرا أو قرآنا ، ويدل على
ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق في تتمة الرواية
المتقدمة عنه في المسألة الثالثة «وعن الرجل والمرأة يكونان
__________________
في الصلاة فيريدان شيئا أيجوز لهما أن يقولا «سبحان الله»؟ قال نعم ويومئان
الى ما يريدان ، والمرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في الصلاة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته والى جانبه رجل راقد
فيريد أن يوقظه فيسبح ويرفع صوته لا يريد إلا ليستيقظ الرجل أيقطع ذلك صلاته أو ما
عليه؟ قال لا يقطع ذلك صلاته ولا شيء عليه. وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن
انسان على الباب فيسبح ويرفع صوته ويسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده ان على الباب
إنسانا هل يقطع ذلك صلاته وما عليه؟ قال لا بأس لا يقطع ذلك صلاته».
وروى ان عليا (عليهالسلام) قال : «كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فان كان في الصلاة سبح وذلك اذنه وان كان في غير
الصلاة اذن».
والروايات
الدالة على استحباب الدعاء في الصلاة لنفسه ولإخوانه أكثر من ان يحيط بها المقام.
واما جواز
قراءة القرآن في الصلاة فلا يحضرني من الأخبار إلا صحيحة معاوية بن وهب الدالة على قراءة أمير المؤمنين (عليهالسلام) في جواب ابن الكواء لما قرأ «وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» فأنصت أمير المؤمنين (عليهالسلام) الى ان كان
__________________
في الثالثة فقرأ أمير المؤمنين (عليهالسلام) في جوابه «فَاصْبِرْ إِنَّ
وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» .
وذكر بعض
الأصحاب انه يجوز التنبيه بتلاوة القرآن كما لو أراد الإذن لقوم بقوله «ادْخُلُوها بِسَلامٍ
آمِنِينَ» أو لمن أراد التخطي على البساط بنعله «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» أو أراد إعطاء كتاب من اسمه يحيى «يا يَحْيى خُذِ
الْكِتابَ بِقُوَّةٍ» .
أقول : والظاهر
ان من هذا القبيل ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ذكر السورة من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل «قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ» فقال إذا كنت تدعو بها فلا بأس». فإن الظاهر ان المراد
من الدعاء بها إنما هو بمعنى الطلب بمعنى يطلب بها الغير كما انه يطلب بالتسبيح
كما تقدم. وبعض الأصحاب حمل الدعاء بها في الخبر على القنوت بالقرآن في الصلاة
وجعله من قبيل التسبيح الذي ورد الاجتزاء به في القنوت. وبعض حمله على الدعاء وانه
لا يشترط فيه الطلب بمعنى انه لا يشترط فيه أن يكون متضمنا للطلب. وقال في الوافي
: لعل مراد السائل الرخصة في الإتيان بقراءة القرآن في غير محلها على وجه الدعاء
والتمجيد طلبا لمعناها لا على وجه التلاوة. انتهى. والكل تكلف محض بل الظاهر ما
ذكرناه فإنه معنى صحيح لا يحتاج الى تكلف.
وبما ذكرناه من
الأخبار يعلم انه لو لم يقصد بالتسبيح أو القرآن سوى التفهيم فالظاهر صحة صلاته ،
ونقل عن العلامة في النهاية احتمال البطلان.
ولو اتى
بمفردات القرآن على غير الترتيب الذي هي عليه كان يقول «بسلام ادخلوها» فالظاهر ـ كما
استظهره بعض الأصحاب ـ البطلان لانه ليس بقرآن فيكون كلاما أجنبيا.
__________________
وقد صرح غير
واحد بأن إشارة الأخرس ليست بكلام. وفيه وجه ضعيف بالبطلان.
(السادسة)
المشهور انه لا تبطل الصلاة بالكلام سهوا بل نفى عنه الخلاف جمع من الأصحاب : منهم
ـ الفاضلان وغيرهما.
ويدل عليه ما
رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم»
قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعده؟ قال
بعده».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم
يتكلم ولا شيء عليه».
وقد تقدم
في صحيحة
الفضيل بن يسار «فان تكلمت في الصلاة ناسيا فلا شيء عليك».
وروى في الفقيه
بإسناده عن عقبة «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل دعاه رجل وهو يصلى فسها فأجابه بحاجته كيف يصنع؟
قال يمضى على صلاته».
أقول : وفي
حكمه ما لو ظن الفراغ من الصلاة فتكلم على الأشهر الأظهر وذهب الشيخ في النهاية
إلى البطلان.
لنا ـ ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم «في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى انه قد أتم الصلاة وقد تكلم
ثم ذكر انه لم يصل غير ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شيء عليه».
__________________
وعن زرارة في
الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم
يتكلم ولا شيء عليه».
وعن زيد الشحام
قال : «سألته عن الرجل. ثم ساق الخبر الى ان قال (عليهالسلام) وان هو استيقن انه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم انصرف فتكلم
فلم يعلم انه لم يتم الصلاة فإنما عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها فإن نبي الله (صلىاللهعليهوآله) صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو
الشمالين يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أحدث في الصلاة شيء؟ فقال ايها الناس أصدق ذو
الشمالين؟ فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين. فقام فأتم ما بقي من صلاته». ونحوه صحيحة
سعيد الأعرج المتضمنة حكاية سهوه (صلىاللهعليهوآله) .
وما رواه
الصدوق والشيخ في الصحيح عن على بن النعمان الرازي قال : «كنت مع أصحاب لي في سفر وانا إمامهم فصليت بهم
المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين فقال أصحابي إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم
وكلموني فقالوا أما نحن فنعيد فقلت لكني لا أعيد وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا
فأتيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم
فعلا إنما يعيد الصلاة من لا يدرى ما صلى» ،.
أقول : الظاهر
ان تصويبه (عليهالسلام) للإمام دونهم إنما هو بالنسبة إلى أصل الحكم في
المسألة بمعنى انه من سلم ساهيا على ركعتين فان حكمه الإتمام ما لم يأت بمناف من
خارج دون الإعادة من رأس وإلا فان اعادة المأمومين في الصورة المذكورة في محلها
لأنهم على يقين من عدم تمام الصلاة وقد تكلموا في أثنائها عمدا بقولهم للإمام «إنما
صليت بنا ركعتين» فالإعادة في محلها لذلك ، واما الإمام ففي بنائه على ما فعل أيضا
إشكال لأنه بعد العلم بما أخبروه قال : «لكني لا أعيد وأتم بركعة» وهذا كلام أجنبي
قد وقع في أثناء الصلاة أيضا وهو موجب لإعادتها ، اللهم
__________________
إلا ان يراد به انه قال ذلك في نفسه من غير ان يتكلم بذلك. ونقل عن الشيخ
انه حمل الخبر على جهل المسألة وقال بان الجاهل هنا في حكم الناسي. والشهيد في
الذكرى حمل القول الأخير على مثل حديث النفس. وفيه انه لا يتم في المأمومين لأنهم
تكلموا أو لا عالمين بكونهم في الصلاة. ثم الظاهر ان المراد بأفعل التفضيل في قوله
«أنت كنت أصوب منهم» إنما هو بمعنى أصل الفعل كما هو شائع الاستعمال لا بمعنى كون
فعلهم ايضا صوابا فيدل على جواز الأمرين والتخيير بينهما كما توهمه بعض متأخري
المحدثين.
وأما ما ذهب
اليه الشيخ هنا من البطلان فلا أعرف له دليلا إلا ان كان دخوله تحت إطلاق أخبار
الكلام في الصلاة متعمدا وشمولها له. وفيه أن المتبادر من تلك الأخبار ان التعمد
المبطل انما هو من علم انه في الصلاة وتكلم متعمدا بمعنى انه تعمد الكلام في
الصلاة وأما من ظن أنه أتم وان تعمد الكلام إلا انه بنى على خروجه من الصلاة وان
لم يكن كذلك في الواقع فهو لم يتعمد الكلام في الصلاة ليلزم منه بطلان صلاته.
(السابعة) ـ قال
في المنتهى : لو تكلم مكرها ففي الإبطال به تردد ينشأ من كون النبي (صلىاللهعليهوآله) جمع بينه وبين الناسي في العفو والأقرب البطلان لأنه تكلم عامدا بما ليس من الصلاة ،
والإكراه لا يخرج الفعل عن التعمد. انتهى.
وقال في الذكرى
: لو تكلم مكرها ففي الإبطال وجهان : نعم لصدق تعمد الكلام ، ولا لعموم «وما
استكرهوا عليه» . نعم لا يأثم قطعا. وقال في التذكرة يبطل لانه مناف
للصلاة فاستوى فيه الاختيار وعدمه كالحدث. وهو قياس مع الفارق فان نسيان الحدث
مبطل لا الكلام ناسيا قطعا. انتهى.
__________________
أقول : لا يبعد
القول بالبطلان هنا لا لما ذكره في التذكرة بل لشمول الأخبار المتقدمة للمكره
لأنها قد اتفقت في الدلالة على ان من تكلم في صلاته فقد أبطلها ، وظاهرها أعم من
أن يكون ذلك عن عمد أو سهو أو إكراه وقيد التعمد إنما وقع في كلام الأصحاب ، نعم
قام الدليل على عدم البطلان بالنسبة إلى الكلام ساهيا فوجب استثناؤه من إطلاق تلك
الأخبار وبقي ما عداه. والأصحاب (رضوان الله عليهم) بالنظر الى قيام الأدلة على
استثناء الناسي وان صلاته صحيحة أطلقوا لفظ التعمد في جانب الأخبار الدالة على
البطلان وقيدوها به وإلا فهي كما عرفت مطلقة شاملة بإطلاقها للعامد والناسي
والمكره. وهذا بحمد الله سبحانه واضح. ثم انه لو ورد في شيء من اخبار البطلان قيد
التعمد لكان الظاهر حمله على ما قابل الناسي الذي دلت عليه الأخبار وبقي المكره
داخلا تحتها أيضا. وأما خبر «وما استكرهوا عليه» فغايته رفع الإثم بمعنى انه إذا
أكره على ارتكاب فعل محرم فلا اثم عليه في فعله وان بطلت الصلاة به في ما نحن فيه.
وظاهره في
الذكرى التوقف في الحكم المذكور وكذا في المدارك حيث قال : «وفي المكره وجهان
أحوطهما الإعادة» مع ان ما ذكرناه من الإبطال بالتقريب المذكور واضح لا سترة عليه.
وكيف كان فإنه
وان كان ما ذكرناه هو الأقرب لما عرفت إلا ان الاحتياط لعدم النص الصريح في المقام
مما لا ينبغي تركه. والله العالم.
(الثالث) ـ الالتفات
الى ما وراءه ، وكلام الأصحاب وكذا اخبار الباب لا يخلو في المقام من إجمال
واضطراب :
قال في المعتبر
: الالتفات يمينا وشمالا لا ينقض ثواب الصلاة والالتفات الى ما وراءه يبطلها لأن
الاستقبال شرط صحة الصلاة فالالتفات بكله مفوت لشرطها. الى ان قال وأما كراهة
الالتفات يمينا وشمالا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا فلرواية الحلبي . الى آخره.
__________________
وظاهر هذا
الكلام تخصيص الإبطال بالالتفات الى ما وراءه بجميع البدن عامدا أو ساهيا
والالتفات بكل البدن الى محض اليمين والشمال لا يوجب البطلان.
وبذلك يظهر ذلك
ما في نقل صاحب الذخيرة عنه حيث قال ـ بعد أن نقل عن أكثر عبارات الأصحاب (رضوان
الله عليهم) تقييد الالتفات المبطل بما إذا كان الى ورائه وذكر ان هذا التقييد
يوجب عدم بطلان الصلاة بالالتفات الى اليمين والشمال ـ ما لفظه : لكن صرح المحقق
في المعتبر بان الالتفات بكل البدن مبطل وهو أعم من أن يكون الى الخلف أو الى
اليمين أو اليسار بل يشمل ما بين الجانبين والقبلة أيضا. انتهى.
وفيه ما عرفت
من تصريحه في العبارة بما إذا كان الى ورائه ، نعم لو خلينا وظاهر تعليله لأمكن
استفادة ذلك منه لصدق عدم الاستقبال وتفويت الشرط على ما إذا كان محض اليمين أو
اليسار أو ما بين أحدهما وبين القبلة لكن قضية التقييد في المدعى يوجب التقييد في
الدليل ليكون منطبقا على المدعى. الا ان ظاهر كلام المنتهى ـ وهو قد حذا حذو
المعتبر في المقام ـ هو ما ذكره (قدسسره) من تخصيص الالتفات يمينا وشمالا الذي ينقض الصلاة بما
إذا كان بالوجه.
وبالجملة فإن
عبائرهم في المقام غير منقحة ولا ظاهرة بالظهور التام الحاسم لتطرق الاحتمال في
تمييز تلك الأحكام.
وقال في الذكرى
: يحرم الانحراف عن القبلة ولو يسيرا ، فلو فعل عمدا أبطلها ، وان كان ناسيا وكان
بين المشرق والمغرب فلا إبطال ، وان كان الى المشرق والمغرب أو كان مستدبرا فقد
أجرياه في المقنعة والنهاية مجرى الظان في الإعادة في الوقت إذا كان إليهما ومطلقا
ان استدبر. وتوقف فيه الفاضلان. الى ان قال واعلم ان الالتفات الى محض اليمين
واليسار بكله كالاستدبار كما انه بحكمه في الصلاة مستدبرا على أقوى القولين فيجيء
القول بالإبطال ولو فعله ناسيا إذا تذكر في الوقت ، وان فرقنا بين الالتفات وبين
الصلاة الى اليمين واليسار فلا إبطال. انتهى
وهو ظاهر في
بطلان الصلاة بتعمد الالتفات الى محض اليمين واليسار بجميع البدن كالاستدبار ، وهو
خلاف ما يفهم من كلام الأكثر من تخصيص الابطال بالالتفات الى ما رواه كما سمعت من
كلام المعتبر.
واما الالتفات
بالوجه خاصة فلا يخلو اما أن يكون الى الخلف أو الى أحد الجانبين أو الى ما بينه
وبين القبلة ، وظاهر قولهم انه تبطل بتعمد الالتفات الى ما وراءه تخصيص الإبطال في
الوجه أيضا بالصورة الأولى ، وظاهر عبارة المعتبر حيث خص الالتفات المبطل بكل
البدن عدم الإبطال وان استدبر به ، وكلام العلامة في المنتهى والتذكرة والنهاية لا
يخلو من اضطراب ، وقال في الذكرى يكره الالتفات الى اليمين والشمال بحيث لا يخرج
الوجه الى حد الاستدبار وكان بعض مشايخنا المعاصرين يرى ان الالتفات بالوجه قاطع
للصلاة كما يقوله بعض الحنفية .
هذا في صورة
التعمد واما السهو فكلامهم فيه أشد تدافعا واضطرابا ليس في التعرض له كثير فائدة
ومن أراد الاطلاع فليرجع في ذلك الى الذخيرة للفاضل الخراساني فإنه قد أطال فيه
بنقل تلك الأقوال.
والواجب الرجوع
الى الأخبار الواردة في المقام وبيان ما يظهر منها من الأحكام :
الأول ـ ما
رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن أذينة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته؟ فقال ان كان
الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير ان يلتفت وليبن على صلاته ،
فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة. قال والقيء مثل ذلك».
الثاني ـ ما
رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح «انه سمع أبا جعفر (عليهالسلام) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله».
الثالث ـ ما
رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه
__________________
السلام) قال : «سألته عن الرجل يلتفت في الصلاة قال لا ولا ينقض
أصابعه».
الرابع ـ ما
رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) في حديث قال : «ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك
عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله عزوجل يقول لنبيه (صلىاللهعليهوآله) في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ)» .
الخامس ـ ما
رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن
القبلة فتفسد صلاتك فان الله تعالى قال لنبيه (صلىاللهعليهوآله) في الفريضة (فَوَلِّ وَجْهَكَ). . الحديث».
السادس ـ ما
رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد
الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».
السابع ـ ما
تقدم في مسألة الكلام في الصلاة عمدا
من قوله (عليهالسلام) في صحيحة الحلبي أو حسنته «وان لم يقدر على ماء حتى
ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته».
الثامن ـ ما
رواه الصدوق عن ابى بصير عن الصادق (عليهالسلام) قال : «ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة».
التاسع ـ ما
رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام)
__________________
قال : «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الإمام
خرج مع الناس ثم ذكر انه قد فاتته ركعة؟ قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم
يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه فعليه ان يستقبل الصلاة استقبالا».
العاشر ـ ما
رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر وكتاب المسائل لعلي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك
صلاته؟ قال إذا كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد
به وان كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود».
الحادي عشر ـ ما
رواه في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال إذا
كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به وان كانت نافلة
فلا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود».
الثاني عشر ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن ان ثوبه قد
انخرق أو أصابه شيء هل يصلح له ان ينظر فيه أو يمسه؟ فقال ان كان في مقدم ثوبه أو
جانبيه فلا بأس وان كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح». ورواه على بن جعفر في
كتابه والحميري في قرب الاسناد .
الثالث عشر ـ ما
رواه الشيخ عن عبد الحميد بن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال لا وما أحب
أن يفعل».
__________________
الرابع عشر ـ ما
رواه في الخصال بإسناده عن على (عليهالسلام) في حديث الأربعمائة قال : «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة وينبغي لمن فعل ذلك
ان يبدأ الصلاة بالأذان والإقامة والتكبير».
أقول : هذا ما
حضرني من الأخبار ولا يخفى ما فيها من الاختلاف والاضطراب ومن أجلها اختلفت كلمات
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب
وتفصيل الكلام
في هذا المقام ان يقال ـ بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهمالسلام) ـ انه لا يخلو اما أن يكون الالتفات بالبدن كملا أو
الوجه خاصة ، وعلى الأول فاما أن يكون عمدا أو سهوا ، وعلى كل منهما إما أن يكون
الى ما بين اليمين واليسار أو الى محض اليمين واليسار أو الى دبر القبلة فههنا صور
:
(الأولى) ـ أن
يكون الالتفات بالبدن عمدا الى ما بين اليمين واليسار ، والظاهر الإبطال لأنه
متعمد الصلاة الى غير القبلة ، وعلى ذلك يدل الخبر الثاني والرابع والخامس والثامن
والتاسع.
(الثانية) ـ الصورة
الأولى بحالها ولكن الالتفات الى محض اليمين واليسار والحكم فيها كذلك لما عرفت.
(الثالثة) ـ الصورة
بحالها ولكن الى دبر القبلة ، وهو اولى بالبطلان للأخبار المتقدمة ، ويدل على ذلك
زيادة على ما تقدم الخبر السادس والعاشر والحادي عشر
(الرابعة) ـ ان
يكون الالتفات بالبدن سهوا الى ما بين اليمين والشمال ، والظاهر الصحة لما تقدم في
بحث القبلة من موثقة عمار الدالة على أن «من صلى الى غير القبلة فعلم وهو في
الصلاة قبل أن يفرغ وكان متوجها الى ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه حين يعلم.
الحديث». وهو شامل بإطلاقه للظان والساهي
وصحيحة معاوية
بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت
__________________
الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة
يمينا أو شمالا؟ فقال له : قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة».
والتقريب فيها
انه إذا صحت الصلاة بعد الإتيان بها كملا على تلك الحال في ما بين اليمين واليسار
صح بعضها بطريق اولى لاشتراك الجميع في موجب الصحة وهو كون ما بين اليمين واليسار
قبلة لغير المتعمد ، بل ظاهر بعض الأخبار ايضا انه قبلة للمتعمد كما تقدم في بحث
القبلة.
وبما ذكرنا من
هذه الأخبار يخص إطلاق الأخبار الدالة على الإبطال في الصورة المتقدمة بحملها على
العامد.
وبذلك يظهر ما
في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد إيراد جملة من اخبار المسألة :
إذا عرفت هذا فاعلم ان الصحيح ان الانحراف عن القبلة بكل البدن موجب لبطلان الصلاة
مطلقا وان لم يصل الى حد التشريق والتغريب عملا بمنطوق صحيحة زرارة المذكورة وعموم عدة من الأخبار المذكورة. انتهى. فان الظاهر ان
مراده بالإطلاق يعني أعم من ان يكون عن عمد أو سهو. وفيه ما عرفت
والى ما ذكرنا
من الصحة في هذه الصورة يشير كلامه في الذكرى كما قدمنا من قوله : وان كان ناسيا
وكان ما بين المشرق والمغرب فلا إبطال.
(الخامسة) ـ ان
يكون الالتفات بالبدن سهوا الى محض اليمين واليسار والظاهر انه لا إشكال في وجوب
الإعادة في الوقت لموثقة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك انك
صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد». ونحوها غيرها مما
تقدم في بحث القبلة وهي شاملة بإطلاقها للظان والساهي في الصلاة.
ويدل عليه
إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة ، خرج منه ما إذا كان الالتفات الى ما بين اليمين
واليسار بالنصوص المتقدمة وبقي ما عداه.
__________________
إنما الإشكال
في وجوب القضاء ، ومنشأه من ظواهر الأخبار المشار إليها فإن مقتضاها الإبطال في
الصورة المذكورة لما عرفت من عمومها لذلك وإنما خرج عنه حكم الصورة الرابعة
بالنصوص المذكورة وبقي ما عداه ، ومن دلالة موثقة عبد الرحمن المذكورة ونحوها على
عدم الإعادة خارج الوقت.
ومقتضى ما نقل
في الذكرى عن المقنعة والنهاية هو الإعادة في الوقت خاصة حملا للالتفات على ظن
الصلاة الى تلك الجهة وهو مقتضى موثقة عبد الرحمن المذكورة ، ولا يخلو من قوة إلا
أن الاحتياط في الإعادة.
والى القول
بعدم وجوب القضاء يميل كلام الشهيد في البيان وبه صرح أيضا في الروض ، وكذا ظاهر
عبارة الذكرى المتقدمة القول بوجوب القضاء في الوقت خاصة وقيل بوجوب القضاء مطلقا.
(السادسة) ـ ان
يكون الالتفات بالبدن سهوا الى دبر القبلة والمراد به ما بين اليمين واليسار من
خلف لا خصوص دبر القبلة حقيقة ، وظاهر الشهيد في الدروس ان المشهور عدم البطلان
إلا انه اختار البطلان ، ونقل ذلك عن ظاهر الشيخ في التهذيب ، وهو ظاهر المحقق في
ما تقدم من عبارته.
قال في الذكرى
: ويجوز ان يستدل على بطلان الصلاة بالاستدبار مطلقا بما رواه زرارة عن الباقر (عليهالسلام) قال قال : «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». فإنه
يشمل بإطلاقه العامد والناسي إلا ان يعارض بحديث الرفع عن الناسي فيجمع بينهما بحمله على العامد ، انتهى.
أقول : الظاهر
ضعف هذه المعارضة فإن المتبادر من الخبر المذكور إنما هو رفع المؤاخذة وهو لا
ينافي البطلان.
وبما ذكره هنا
من القول بالصحة في الناسي اعتمادا على الخبر المذكور صرح العلامة
__________________
في المنتهى فقال : لو التفت الى ما وراءه ناسيا لم يعد صلاته لقوله (صلىاللهعليهوآله) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ،. وفيه ما عرفت.
ثم انه على
تقدير البطلان فهل يختص بالوقت بمعنى وجوب الإعادة في الوقت خاصة أو يجب القضاء
أيضا؟ قولان وبالأول صرح في البيان ، قال في تعداد المبطلات : وتعمد التحرف عن
القبلة ولو يسيرا ، ولو كان الى محض الجانبين أو مستدبرا بطلت وان كان سهوا إلا ان
يستمر السهو حتى يخرج الوقت فلا قضاء فيهما على الأقرب. انتهى. وظاهر المقنعة
والنهاية هو الإعادة مطلقا كما تقدم في عبارة الذكرى ، والظاهر انه الأقرب لظواهر
إطلاق أكثر الأخبار المتقدمة وخصوصا الخبر العاشر والحادي عشر. هذا كله في
الالتفات في البدن.
واما الالتفات
بالوجه خاصة ففيه صور (الاولى) الالتفات الى محض اليمين واليسار ، والمشهور بين
الأصحاب جواز الالتفات على كراهية ، وقد تقدم نقل كلام صاحب الذكرى عن بعض مشايخه
المعاصرين ـ والظاهر إنه فخر المحققين ابن العلامة كما نقله غير واحد من الأصحاب ـ
انه كان يرى ان الالتفات بالوجه قاطع للصلاة كما يقوله بعض الحنفية قال لما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال «لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت». رواه
عبد الله بن سلام قال : ويحمل على الالتفات بكله. وروى زرارة عن الباقر (عليهالسلام) «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». انتهى.
قال في المدارك
بعد أن نقل حكاية القول المذكور عن الشهيد : وربما كان مستنده إطلاق الروايات
المتضمنة لذلك كحسنة زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن
القبلة
__________________
فتفسد صلاتك. الحديث». ثم قال : وحملها الشهيد في الذكرى على الالتفات بكل
البدن لما رواه زرارة في الصحيح «انه سمع أبا جعفر (عليهالسلام) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». وقد يقال ان
هذا المفهوم مقيد بمنطوق قوله (عليهالسلام) في رواية الحلبي «أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا». فان الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات
بالوجه خاصة الى أحد الجانبين. انتهى.
أقول : فيه (أولا)
ان الموجود في الذكرى هو ما قدمنا نقله عن الكتاب المذكور لا ما ذكره (قدسسره) من الاستدلال لذلك القول بصحيحة زرارة وجواب الشهيد عن
الرواية المذكورة. والمناقشة في ذلك وان كانت سهلة إلا ان من لم يراجع الذكرى
يتوهم ان الأمر على ما ذكره فلذلك نبهنا عليه.
و (ثانيا) ـ انه
إنما يتم التقييد الذي ذكره بناء على ما ادعاه من حصول التفاحش بالالتفات بالوجه
خاصة وهو بعيد ، مع ان هذا المفهوم مؤيد بما دل عليه الخبر الثاني عشر .
وظاهر السيد (قدسسره) الميل الى القول المذكور استنادا إلى إطلاق الروايات
المشار إليها وان كان صاحب القول المذكور انما استند الى تلك الرواية العامية. وهو
جيد لظاهر حسنة زرارة المذكورة ونحوها الخبر الرابع فان النظر بالوجه الى محض اليمين والشمال قلب الوجه عن
القبلة ، ونحوهما قوله في الخبر السابع «وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه فقد قطع صلاته» وكذا الخبر الثامن
والتاسع
وفي رواية أبي
بصير الواردة في الرعاف «ان تكلمت أو
__________________
صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة». ومثلها صحيحة ابن أذينة إلا أن ظاهر مفهوم صحيحة زرارة الدالة على ان الالتفات
يقطع الصلاة إذا كان بكله المؤيد بصحيحة على بن جعفر المذكورة هو عدم البطلان ، والمسألة لذلك موضع تردد.
واما ما نقله
في المدارك عن الذكرى من حمل حسنة زرارة على الالتفات بكل البدن فقد عرفت ان صاحب
الذكرى لم ينقل الحسنة المذكورة وإنما ذكر هذا التأويل للخبر العامي وهو غير بعيد
، اما بالنسبة إلى الحسنة المذكورة فهو بعيد حيث انها اشتملت على استقبال القبلة
بالوجه والنهى عن قلب الوجه. وحمل الوجه على مجموع البدن بعيد كما لا يخفى.
والعجب من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يظهر منهم من الاتفاق على عدم البطلان بالالتفات
بالوجه الى محض اليمين واليسار إلا من فخر المحققين وقد اتفقوا على رد قوله مع ان
الأخبار التي أشرنا إليها ظاهرة الدلالة على القول المذكور كالنور على الطور.
وأما التفصيل ـ
بالإتيان بشيء من الأفعال على تلك الحال فيعيد في الوقت وإلا فلا اعادة كما ذكره
في المدارك واقتفاه غيره ـ فلا أعرف عليه دليلا بل ظاهر الأخبار التي ذكرناها دالة
على الإبطال في هذه الصورة الدلالة على البطلان مطلقا كما لا يخفى.
هذا إذا كان
عمدا اما لو وقع الالتفات كذلك سهوا فالظاهر الصحة لأن الروايات الدالة على قطع
الصلاة بالالتفات بالوجه ظاهرة في العمد والنهى في ما ورد بالنهي انما يتوجه الى
العامد فلا شمول فيها للصورة المذكورة.
(الصورة
الثانية) ما بين اليمين واليسار والظاهر الصحة للخبر الثالث عشر
__________________
بحمله على هذه الصورة.
وما رواه
الصدوق في ثواب الأعمال عن الخضر بن عبد الله عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه
ولا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات فإذا التفت ثلاث مرات اعرض عنه». بحمله
على هذه المرتبة التي هي أقل مراتب الالتفات. ورواه البرقي في المحاسن .
ونحوه ما رواه
في قرب الاسناد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه عن على (عليهمالسلام) قال : «الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم
والالتفات في الصلاة فإن الله تبارك وتعالى يقبل على العبد إذا قام في الصلاة فإذا
التفت قال الله تعالى يا ابن آدم عمن تلتفت؟ (ثلاثا) فإذا التفت الرابعة أعرض عنه».
وروى البرقي في
المحاسن قال وفي رواية ابن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «قال على (عليهالسلام) للمصلي ثلاث خصال : ملائكة حافين به من قدميه إلى
أعنان السماء ، والبر ينتثر عليه من رأسه الى قدمه ، وملك عن يمينه وعن يساره ،
فإذا التفت قال الرب تبارك وتعالى الى خير من تلتفت يا ابن آدم؟ لو يعلم المصلى
لمن يناجي ما انفتل».
وبهذه الأخبار
يخص إطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على قطع الصلاة بالانصراف بالوجه ، فإنه وان
صدق الانصراف بالوجه في هذه الصورة في الجملة إلا ان هذه الأخبار قد دلت على مجرد
الكراهة كما عرفت ، وحينئذ فيخص الجواز على كراهة بهذه الصورة خلافا لما عليه
الأصحاب من عمومها للصورة المتقدمة لما عرفت. هذا مع التعمد ومنه يعلم السهو بطريق
أولى.
(الصورة
الثالثة) الاستدبار بالوجه والظاهر البطلان ان أمكن وقوعه مع التعمد قال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض : واختار جماعة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد البطلان مع
بلوغ الوجه الى حد الاستدبار وان كان الفرض بعيدا ، ويدل
__________________
عليه رواية الحلبي ـ وأشار بها الى الحديث السادس ـ قال إذ لا التفات أفحش مما يصير الى حد الاستدبار.
أقول : ونحوه
الخبر الثالث عشر ويدل عليه أيضا الأخبار التي أشرنا إلى دلالتها على
الإبطال بالالتفات الى محض اليمين والشمال بطريق الأولى.
قال في الروض :
وإنما يبطل الالتفات في مواضعه لو وقع على وجه الاختيار أما لو وقع اضطرارا أو
سهوا أو غيره ففي إبطاله نظر ، من أن الاستقبال شرط فيبطل المشروط بفواته ولا فرق
فيه بين الحالين كالطهارة إلا ما أخرجه النص ، ومن العفو عما استكره الناس عليه
للخبر وهذا هو الظاهر. انتهى. والله العالم.
الرابع ـ
القهقهة وهي لغة الترجيع في الضحك أو شدة الضحك كما في القاموس ، وقال في الصحاح :
القهقهة في الضحك معروف وهو أن يقول «قه قه». قال في الروض بعد نقل كلام أهل اللغة
وانه الترجيع في الضحك أو شدة الضحك : والمراد هنا مطلق الضحك كما صرح به المصنف
في غير هذا الكتاب.
والحكم بتحريم
القهقهة وإبطالها للصلاة مما لا خلاف فيه حكى إجماعهم عليه جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) كالفاضلين في المعتبر والمنتهى والتذكرة والشهيد في الذكرى وغيرهم.
والأصل فيه
الأخبار الواردة عنهم (عليهمالسلام) ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن
سماعة قال : «سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال أما التبسم فلا يقطع الصلاة
وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة».
وما روياه أيضا
في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) لا يقطع
__________________
التبسم الصلاة وتقطعها القهقهة ولا تنقض الوضوء».
وروى الصدوق في
الخصال عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا يقطع الصلاة التبسم ويقطعها القهقهة».
أقول : ظاهر
هذه الأخبار كما ترى هو ترتب القطع على القهقهة وقد عرفت معناها لغة ، وظاهر كلام
الروض المتقدم ان القاطع عند الأصحاب هو مطلق الضحك ، وقال في الروضة في تفسير
القهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت وان لم يكن فيه ترجيع ولا شدة ، وعلى هذا
النحو كلام غيره ايضا.
وبالجملة فإن
بعضهم فسر القهقهة هي بالضحك المشتمل على الصوت لوقوعها في الأخبار في مقابلة
التبسم الخالي منه ، ومنهم من فسرها بمطلق الضحك ظنا منهم ان التبسم ليس من افراد
الضحك مع ان الظاهر من موثقة سماعة انه من افراد الضحك ، وبذلك صرح في القاموس
ايضا حيث قال فيه هو أقل الضحك وأحسنه. وكيف كان فان ما ذكروه لا يخلو من الاشكال
لمخالفته للاخبار وكلام أهل اللغة.
ثم ان ظاهر
الأخبار المذكورة عدم الفرق بين العمد والسهو إلا ان العلامة في التذكرة والشهيد
في الذكرى ادعيا الإجماع على عدم الإبطال بالواقعة سهوا.
ولو وقعت على
وجه لا يمكن دفعها لمقابلة لاعب ونحوه فاستقرب الشهيد في الذكرى البطلان وان لم
يأثم لعموم الخبر. وهو جيد بل يظهر من التذكرة انه مجمع عليه بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) والله العالم.
الخامس ـ تعمد
الفعل الكثير الخارج به عن الصلاة بلا خلاف بين الأصحاب بل كافة العلماء ، حكى ذلك
الفاضلان وغيرهما.
قال في المنتهى
: ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج من أفعال الصلاة فلو فعله عامدا بطلت صلاته
وهو قول أهل العلم كافة ، لأنه يخرج به عن كونه مصليا ،
__________________
والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع ، قال ولم يحد الشارع القلة والكثرة
فالمرجع في ذلك الى العادة وكل ما ثبت ان النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) فعلوه
في الصلاة وأمروا به فهو من جنس القليل كقتل البرغوث والحية والعقرب ، وكما روى
الجمهور عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه كان يحمل امامة بنت أبى العاص فكان إذا سجد وضعها
وإذا قام رفعها.
أقول : لا يخفى
ان الأخبار خالية من ذكر هذا الفرد والتعرض له في عداد ما يبطل الصلاة وإنما ذكره
الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولهذا اضطرب كلامهم في تحديد القلة والكثرة اضطرابا
شديدا ، فمنهم من حده بما سمى كثيرا عرفا ، ومنهم من قال ما يخرج به فاعله عن كونه
مصليا عرفا.
__________________
وقال في
السرائر ما يسمى في العادة كثيرا مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله
الإنسان لا يسمى مصليا بل يسمى آكلا وشاربا ولا يسمى فاعله في العادة مصليا.
وقال العلامة
في التذكرة : اختلف الفقهاء في حد الكثرة فالذي عول عليه علماؤنا البناء على
العادة فما يسمى في العادة كثيرا فهو كثير وإلا فلا ، لأن عادة الشرع رد الناس في
ما لم ينص عليه الى عرفهم وبه قال بعض الشافعية. وقال بعضهم القليل ما لم يسع
زمانه لفعل ركعة من الصلاة والكثير ما يسع. وقال بعضهم ما لا يحتاج الى فعل اليدين
معا كرفع العمامة وحل الأزرار فهو قليل وما يحتاج إليهما معا كتكوير العمامة وعقد
السراويل فهو كثير. وقال بعضهم القليل ما لا يظن الناظر الى فاعله انه ليس في
الصلاة والكثير ما يظن به الناظر الى فاعله الاعراض عن الصلاة انتهى.
وأورد عليه ان
ما ذكره من التعليل على احالة الحكم على العرف فهو متجه ان كان مستند أصل الحكم
النص ، وليس كذلك فانى لم اطلع على نص يتضمن ان الفعل الكثير مبطل ولا ذكر نص في
هذا الباب في شيء من كتب الاستدلال ، فاذن مستند الحكم هو الإجماع فيجب اناطة
الحكم بمورد الاتفاق فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا ومتى ثبت
انه ليس بكثير فهو ليس بمبطل ، ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا
فان اشتراط الصحة بتركه يحتاج الى دليل بناء على ان الصلاة اسم للأركان المعينة مطلقا
فتكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها. ويحتمل القول بالبطلان ووجوب الإعادة لتوقف
البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه. انتهى.
أقول ـ وبالله
التوفيق إلى هداية سواء الطريق ـ قد عرفت في غير مقام مما تقدم ما في بناء الأحكام
الشرعية على الرجوع الى العرف من الفساد مضافا الى عدم
__________________
الدليل عليه من سادات العباد. واما قول العلامة في ما قدمناه من كلامه ـ ان
عادة الشرع رد الناس في ما لم ينص عليه الى عرفهم ـ فهو ممنوع أشد المنع بل
المعلوم من الأخبار على وجه لا يعتريه غشاوة الإنكار عند من جاس خلال الديار عند
فقد النص إنما هو الوقوف والتثبت والأخذ بالاحتياط ، وقد تقدمت في ذلك الأخبار في
مقدمات كتاب الطهارة في مقدمة البراءة الأصلية وكذا في مواضع من مطاوي أبحاث
الكتاب ، ولا بأس بالإشارة الى بعضها لإزالة ثقل المراجعة على النظار :
ومنها ـ قوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».
وقولهم (عليهمالسلام) في جملة من الأخبار «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة. إنما الأمور ثلاثة : أمر
بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه الى الله تعالى والى رسوله
(صلىاللهعليهوآله) قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات
نجى من الهلكات».
وقوله (عليهالسلام) في حديث حمزة بن الطيار «كف واسكت انه لا يسعكم في ما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت
والرد إلى أئمة الهدى (عليهمالسلام) حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى
ويعرفوكم فيه الحق ، قال الله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)» .
وقوله (عليهالسلام) «ان وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد علمه الى الله تعالى فإنك في
أوسع ما بين السماء والأرض».
وقول الصادق (عليهالسلام) في حديث ابى البريد المروي في الكافي
__________________
«اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا». الى غير ذلك من
الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.
واما الاعتماد
على الإجماع واناطة الحكم به فهو وان كان مشهورا بينهم إلا انك قد عرفت ما فيه مما
كشف عن ضعف باطنه وخافية.
والتحقيق عندي
في المقام هو ان يقال لا ريب أن الصلاة عبادة شرعية موظفة محدودة بالتكبير الى
التسليم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم . وانها عبارة عن الأفعال المخصوصة وما بينها من
الانتقالات إلا أنه قد رخص الشارع في الإتيان ببعض الأفعال فيها مما هو خارج عنها
، فيجب الوقوف على مواضع الرخص لأنها جارية على خلاف الأصل ، لأنا لو خلينا وظاهر
الأمر بها وانها عبارة عما ذكرنا ولم يرد شيء من ما ذكرناه من الرخص لكنا نوجب
الحكم ببطلانها مع الإتيان بتلك الأشياء البتة لخروجها عن الصلاة المبنية على
التوقيف عن صاحب الشرع لكن لما وردت النصوص بها لم يسع الحكم بالإبطال ، وحينئذ
فالواجب الاقتصار في الحكم بالصحة على موارد النصوص من تلك الأشياء ونحوها وما خرج
عن ذلك سمى عرفا كثيرا أو لم يسم انمحت به صورة الصلاة أم لا فإنه يجب الحكم فيه
بالإبطال وقوفا على ما ذكرناه من الأصل.
وبالجملة فإنه
حيث كانت النصوص خالية من هذا الحكم وما ادعوه من الإجماع في المقام وفرعوا عليه
من الأحكام فهي لا توصل عندنا الى مقام فالواجب الوقوف على مقتضى الأصل في حكم
الصلاة وما يقتضيه الأمر بها وما ورد من النصوص المخصصة لذلك في هذا الباب.
فالواجب ذكر
جملة من تلك النصوص الواردة في ذلك لتكون أنموذجا لا يتعداه السالك في هذه المسالك
، فمن ذلك أخبار الرعاف وقد تقدم جملة منها في مسألة الكلام.
__________________
ومنها ـ ما رواه
الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة انه قال : «لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى
يأخذ بيده فيعد به».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن يونس بن يعقوب قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) يسوى الحصى في موضع سجوده بين السجدتين».
وعن عبيد الله
الحلبي في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها
تراب؟ فقال نعم قد كان أبو جعفر (عليهالسلام) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب».
وعن إسحاق بن
عمار عن رجل من بنى عجل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود؟
فقال لا بأس».
وروى الكليني
والشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى دما كيف يصنع أينصرف؟ قال إن كان يابسا
فليرم به ولا بأس». وفي الكافي «دما كثيرا» .
وروى الشيخ في
الصحيح عن ابن ابى نصر عن ابى الوليد قال : «كنت جالسا عند ابى عبد الله (عليهالسلام) فسأله ناجية أبو حبيب فقال له جعلني الله فداك ان لي
رحى أطحن فيها فربما قمت في ساعة من الليل فاعرف من الرحى ان الغلام قد نام فاضرب
الحائط لأوقظه؟ فقال نعم أنت في طاعة الله تطلب رزقه». ورواه ابن بابويه بتفاوت في
المتن وفيه «فأقوم فأصلي. الى آخره».
وروى في الكافي
والتهذيب في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي
__________________
تصلى تصفق بيديها».
وروى في الفقيه
قال : «وسأله حنان بن سدير أيومئ الرجل وهو في الصلاة؟ قال نعم قد أومأ
النبي (صلىاللهعليهوآله) في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه. قال حنان ولا
أعلمه إلا مسجد بنى عبد الأشهل».
وروى في الفقيه
والتهذيب عن محمد بن بجيل أخي على بن بجيل قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) يصلى فمر به رجل وهو بين السجدتين فرماه أبو عبد الله (عليهالسلام) بحصاة فأقبل اليه الرجل».
ورؤيا أيضا عن
زكريا الأعور قال «رأيت أبا الحسن (عليهالسلام) يصلى قائما والى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا
له فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليهالسلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد الى موضعه
من الصلاة».
ورؤيا أيضا عن
سعيد الأعرج قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن
اقطع الدعاء واشرب واكره أن أصبح وأنا عطشان وامامى قلة بيني وبينها خطوتان أو
ثلاثة؟ قال تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء».
وروى في
التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه
وهي تتشهد».
__________________
وروى في الفقيه
قال : «سأل الحلبي أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يحتك وهو في الصلاة؟ قال لا بأس».
وروى في
التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام) انه قال : «في رجل يصلى ويرى الصبي يحبو الى النار أو
الشاة تدخل البيت لتفسد الشيء؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبنى على صلاته ما
لم يتكلم».
وروى الشيخ في
الحسن عن مسمع قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) فقلت أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها الى؟ قال
لا بأس».
وعن السكوني عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في الرجل يصلى في موضع ثم يريد ان يتقدم؟
قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثم يقرأ».
وما رواه في
التهذيب والكافي عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت
اليه رفع رأسه من قبل ان تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام
فالحق بالصف فان جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف». قال في الفقيه «وروى انه يمشى في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى». وفي هذا الحكم اخبار عديدة
بذلك.
وروى في الفقيه
والتهذيب في الموثق عن عمار قال : «سألت أبا عبد الله
__________________
(عليهالسلام) عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن
يتناولها فيقتلها؟ فقال ان كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها والا فلا».
ورؤيا في الحسن
عن الحسين بن ابى العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلى المكتوبة؟ قال
يقتلهما».
وفي الصحيح عن
زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) انه قال : «في رجل يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلى أيقتلها؟
قال : نعم ان شاء فعل».
وروى في الكافي
عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا وجدت قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى». ومثلها
رواية الحسين ابن ابى العلاء .
وروى في كتاب
قرب الاسناد وكتاب المسائل عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمى الكلب وغيره
بالحجر ما عليه؟ قال ليس عليه شيء ولا يقطع ذلك صلاته. وسألته عن الرجل هل يصلح
له وهو في صلاته أن يقتل القملة أو النملة أو الفأرة أو الحلمة أو شبه ذلك؟ قال
أما القملة فلا يصلح له ولكن يرمى بها خارجا من المسجد أو يدفنها تحت رجليه. وسألته
عن رجل رعف وهو في صلاته وخلفه ماء هل يصلح له أن ينكص على عقبيه حتى يتناول الماء
ويغسل الدم؟ قال إذا لم يلتفت فلا بأس. وسألته عن المرأة تكون في صلاة الفريضة
وولدها الى جنبها فيبكي وهي قاعدة هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها وتسكته
وترضعه؟ قال لا بأس».
وروى في
المحاسن عن ابن أذينة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال
__________________
«لدغت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عقرب وهو يصلى بالناس فأخذ النعل وضربها ثم قال بعد ما
انصرف : لعنك الله فما تدعين برا ولا فاجرا إلا آذيته. قال ثم دعا (صلىاللهعليهوآله) بملح جريش فذلك موضع اللذعة ثم قال لو علم الناس ما في
الملح الجريش ما احتاجوا معه الى ترياق وغيره».
وروى على بن
جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها الى جنبها هل يصلح
لها ان تتناوله وتحمله وهي قائمة؟ قال لا تحمل وهي قائمة».
قال بعض
مشايخنا (رضوان الله عليهم) قوله «لا تحمل وهي قائمة» يمكن أن يكون ذلك لاستلزام
زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في ذلك وظاهر بعض الأصحاب اشتراطها ، ثم
نقل كلام الذكرى الدال على ذلك ثم نقل رواية زكريا الأعور المتقدمة المتضمنة لهوي
الامام لمناولة الشيخ عصاه ثم قال : وهذا الخبر يدل على الجواز وعلى الاشتراط
المذكور ، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة أو الكراهة وخبر الأعور
على النافلة أو على الجواز والأول أظهر. انتهى.
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب نوادر البزنطي في الصحيح عن الحلبي «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يخطو امامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا؟ قال
نعم لا بأس. وعن الرجل يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة؟ قال نعم».
وروى الشهيد في
الذكرى عن البزنطي عن داود بن سرحان عن الصادق (عليهالسلام) «في عد الآي بعقد اليد؟ قال لا بأس هو احصى للقرآن».
وروى الصدوق في
الفقيه عن على بن جعفر «انه سأل أخاه موسى (عليه
__________________
السلام) عن الرجل يتحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل ينزعه؟ قال ان كان لا
يدميه فلينزعه وان كان يدميه فلينصرف. وعن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح
له أن يقطع الثالول وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال ان لم
يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس وان تخوف ان يسيل الدم فلا يفعله. وعن الرجل يرى في
ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه وهو في صلاته؟ قال : لا بأس. وقال لا بأس ان يرفع
الرجل طرفه الى السماء وهو يصلى».
وروى الحميري
في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وفي كمه شيء
من الطير؟ قال : ان خاف عليه ذهابا فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يستدخل
الدواء ويصلى وهو معه وهل ينقض الوضوء؟ قال لا ينقض الوضوء ولا يصلى حتى يطرحه. وسألته
عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وفي فيه الخرز واللؤلؤ؟ قال إذا كان يمنعه من قراءته
فلا وان كان لا يمنعه فلا بأس».
واما ما رواه
المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الموثق عن سماعة ـ قال : «سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة
فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل
الصلاة. قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف ان تذهب
أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس ان يقطع صلاته». وزاد في الفقيه «ويتحرز ويعود في صلاته».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق
أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام
__________________
أو غريما لك واقتل الحية».
فيجب حمله على
ما إذا استلزم فعل أحد المبطلات من الكلام والاستدبار ، على ان الثاني منهما مطلق
فيجوز حمله على ما تقدم من الأخبار.
أقول : ومن هذه
الأخبار يستفاد ان ما كان من الأفعال مثل ما اشتملت عليه نوعا أو شخصا فلا بأس به
وما زاد على ذلك وخرج عنه فهو محل الإشكال وان لم يسم كثيرا عرفا. هذا هو القدر
الذي يمكن القول به في المقام.
ثم ان المشهور
بينهم ان إبطال الفعل الكثير مخصوص بصورة العمد كما صرح بذلك جمع منهم ونسبه في
التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وقال الشهيد الثاني : لو استلزم
الفعل الكثير ناسيا انمحاء صورة الصلاة رأسا توجه البطلان ايضا لكن الأصحاب أطلقوا
الحكم بعدم البطلان. انتهى. وجزم سبطه في المدارك بالبطلان هنا حيث قال : ولم أقف
على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير لكن ينبغي ان يراد به ما
تنمحي به صورة الصلاة بالكلية كما هو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر اقتصارا في ما
خالف الأصل على موضع الوفاق وان لا يفرق في بطلان الصلاة بين العمد والسهو. انتهى.
(السادس) ـ تعمد
البكاء للأمور الدنيوية من ذهاب مال أو فوت عزيز وان وقع بغير اختيار إلا انه لا
يأثم به ، وهذا الحكم ذكره الشيخ ومن تأخر عنه وظاهر عدم الخلاف فيه.
واستدلوا عليه
بأنه فعل خارج عن حقيقة الصلاة فيكون قاطعا لها كالكلام ، وما رواه الشيخ عن أبي
حنيفة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال ان بكى لذكر
جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة وان كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة».
ورد الأول في
المدارك بأنه قياس والثاني بضعف السند لاشتماله على عدة من
__________________
الضعفاء ، قال فيشكل الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل ثم نقل عن
شيخه المعاصر التوقف في الحكم ، قال وهو في محله.
أقول : يمكن
الجواب بناء على الاصطلاح المحدث في تقسيم الأخبار بجبر الخبر بالشهرة بين الأصحاب
لما عرفت من اتفاقهم على الحكم المذكور والأمران اصطلاحيان
وقال في الفقيه
: وروى ان البكاء على الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر الجنة والنار من
أفضل الأعمال في الصلاة.
وقال شيخنا في
الروض : واعلم ان البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرد خروج الدمع
مع احتمال الاكتفاء به في البطلان ، ووجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء لغة
مقصورا وممدودا والشك في إرادة أيهما من الأخبار قال : الجوهري البكاء يمد ويقصر
فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها ، قال
الشاعر :
بكت عيني وحق
لها بكاها
|
|
ولا يجدى
البكاء ولا العويل
|
. انتهى أقول : لا يخفى أن الموجود
في النص الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو بالفعل الشامل للأمرين دون المصدر الذي
هو مظهر لكل من المعنيين المذكورين وحينئذ فما اشتهر بين الأصحاب من تخصيص الإبطال
بما إذا اشتمل على الصوت دون مجرد خروج الدمع لا أعرف له وجها. وربما أيده بعضهم
باستصحاب حكم الصحة في الصلاة والمتيقن هو الإبطال بما اشتمل على الصوت. وهو ضعيف.
واما ما ذكره
في الذخيرة ـ من ان الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) إرادة الأعم ـ لعله
مبنى على إطلاق بعضهم الكلام في البكاء وإلا فظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني
المذكور ظاهر في اختياره التخصيص بالمشتمل على الصوت وإنما جعل الآخر احتمالا.
وقال سبطه في
المدارك : وينبغي ان يراد بالبكاء ما كان فيه انتحاب وصوت
__________________
لا مجرد خروج الدمع اقتصارا على موضع الوفاق ان تم. انتهى. وبعضهم علله بما
قدمنا ذكره.
ثم ان ظاهر
كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من حيث تعليقهم الإبطال بالأمور الدنيوية الذي هو
أعم من ان يكون لفوتها أو لطلبها هو حصول الإبطال بالبكاء لطلب ولد أو مال أو شفاء
مريض أو نحو ذلك ، وهو مشكل لأنه مأمور به ومندوب إليه في الأخبار ، مع ان ظاهر
الخبر الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو فواتها لا طلبها. وحينئذ فالظاهر انه لا
تبطل بالبكاء لطلبها. ولا يعارض ذلك بمفهوم صدر الخبر لدلالته على انه ما لم يكن
من الأمور الأخروية يكون مبطلا ، لأنا نقول مفهوم صدر الخبر انه ما لم يكن كذلك
ليس أفضل الأعمال وعدم كونه أفضل الأعمال لا يوجب البطلان.
هذا. واما ما
يدل من الأخبار على عدم الإبطال بالبكاء للأمور الأخروية ـ من الشوق إلى الجنة أو
الخوف من العذاب أو الندامة على الذنوب بل هو من أفضل الأعمال عند ذي الجلال كما
استفاضت به اخبار الآل (صلوات الله وسلامه عليهم ما ترادفت الأيام والليالي)
وعضدته الآيات الواردة في الكتاب العزيز كقوله عزوجل «إِذا تُتْلى
عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا» ـ
فمنها ـ ما صح
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «انه قال لعلى (عليهالسلام) في جملة وصيته له : والرابعة كثرة البكاء لله يبنى لك
بكل دمعة ألف بيت في الجنة».
وما رواه
الصدوق (قدسسره) عن منصور بن يونس بزرج «انه سأل الصادق (عليهالسلام) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ قال قرة
عين والله. وقال إذا كان ذلك فاذكرني عنده».
__________________
وما رواه الشيخ
(عطر الله مرقده) عن سعيد بياع السابري قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال بخ بخ ولو مثل رأس
الذباب».
وما رواه ثقة
الإسلام (نور الله ضريحه) عن محمد بن مروان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن
القطرة تطفئ بحارا من نار فإذا أغر ورقت العين بمائها لم يرهق وجهها قتر ولا ذلة
فإذا فاضت حرمه الله على النار ، ولو ان باكيا بكى في أمة لرحموا».
وعن محمد بن
مروان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عين
بكت من خوف الله ، وما أغر ورقت عين بمائها من خشية الله (عزوجل) إلا حرم الله عزوجل سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه
قتر ولا ذلة ، وما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدمعة فإن الله عزوجل يطفئ باليسير منها البحار من النار فلو ان عبدا بكى في
أمة لرحم الله تلك الأمة ببكاء ذلك العبد».
وعن أبي حمزة
عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ما من قطرة أحب الى الله عزوجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها
غيره».
وفي الحسن عن
صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة : عين غضت
عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله».
وعن ابن ابى
عمير في الصحيح أو الحسن عن رجل من أصحابه قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اوحى الله عزوجل الى موسى ان عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب الى من
ثلاث خصال. قال موسى (عليهالسلام) يا رب وما هن؟ قال
__________________
يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي. قال موسى يا رب
فما لمن صنع ذا؟ فأوحى الله عزوجل اليه يا موسى اما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة واما
البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد واما الورعون عن المعاصي فإني
أفتش الناس ولا أفتشهم».
وعن على بن أبي
حمزة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) لأبي بصير ان خفت امرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ
بالله فمجده وأثن عليه كما هو اهله وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) واسأل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب ، ان ابى كان
يقول ان أقرب ما يكون العبد من الرب وهو ساجد باك».
(السابع) ـ تعمد
الأكل والشرب إلا في الوتر لصائم أصابه عطش على المشهور وأصل الحكم المذكور ذكره
الشيخ في الخلاف والمبسوط وادعى عليه الإجماع وتبعه عليه أكثر من تأخر عنه ، ومنعه
المحقق في المعتبر وطالبه بالدليل على ذلك. وهو جيد فانا لم نقف على ما يدل عليه
من الأخبار ، والى هذا مال جملة من أفاضل المتأخرين ومتأخريهم.
قال في الذكرى
: أما الأكل والشرب فالظاهر انهما لا يبطلان بمسماهما بل بالكثرة فلو ازدرد ما بين
أسنانه لم يبطل اما لو مضغ لقمة وابتلعها أو تناول قلة فشرب منها فان كثر ذلك عادة
أبطل وان كان لقمة أو شربة فقد قال في التذكرة يبطل لان تناول المأكول ومضغه
وابتلاعه أفعال معدودة. انتهى.
وقال في
المنتهى : لو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه لم تفسد صلاته عندنا وعند
الجمهور تفسد لانه يسمى أكلا. أما لو بقي بين أسنانه شيء من بقايا
الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لانه لا يمكن التحرز عنه ،
وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل. انتهى.
اما لو وضع في
فيه لقمة حال الصلاة ومضغها وابتلعها أو تناول قلة وشرب
__________________
منها فقد صرح العلامة في النهاية والتذكرة على ما نقل عنهما بأنه مبطل أيضا
لأن التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة وكذا المشروب. وهذا القول جار على مذهب
الشيخ المتقدم.
وبالجملة فإن
من نازع في أصل الحكم إنما بنى فيه على حصول الكثرة وعدمها فجعل الإبطال وعدمه
دائرا مدار الكثرة وعدمها وإلا فالأكل والشرب من حيث هما غير مبطلين وهو الأظهر في
المسألة ، لنا ـ ان مجرد الأكل والشرب من قبيل الأفعال التي تقدم في الأخبار
تعدادها وما اشتملت عليه تلك الأخبار من الافراد المعدودة فيها إنما خرج مخرج
التمثيل فتكون هي وما شابهها كذلك ، وما زاد عليها يكون مبطلا لخروجه من الأخبار
المذكورة وان علله الأصحاب بالكثرة التي عدوها من القواطع فالنزاع لفظي.
وكيف كان فإنه
لا خلاف في استثناء الصورة المتقدمة بالشروط الواردة في الخبر الذي هو مستند الحكم
المذكور وهو خبر سعيد الأعرج المتقدم في جملة أخبار ما يجوز فعله في الصلاة.
وهل يعدى الحكم
إلى النافلة مطلقا؟ صرح الشيخ بذلك والمشهور خلافه ، قال في المعتبر : قال في
المبسوط والخلاف لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة لأن الأصل الإباحة وإنما
منعناه في الفريضة بالإجماع ، وقال الشافعي لا يجوز في نافلة ولا في فريضة . ثم استدل برواية سعيد الأعرج ثم ساق الرواية. ثم قال
في المعتبر : وقوله «منعناه في الفريضة بالإجماع» لا نعلم اى إجماع أشار اليه
والرواية المذكورة غير دالة على دعواه لأنه ادعى الجواز في النافلة مطلقا والرواية
تدل على الوتر خاصة بالقيود التي تضمنها الحديث وهي إرادة الصوم وخوف العطش وكونه
في دعاء الوتر ، ولا يلزم من جواز الشرب على هذا التقدير جوازه في النافلة
__________________
مطلقا. انتهى. وهو جيد.
أقول : وبعضهم
لذلك تخطى عن عموم الوتر كما هو ظاهر المشهور الى تخصيص الجواز بدعائه كما هو مورد
الرواية ولا ريب انه الأحوط.
وأنت خبير بان
هذا الاستثناء إنما يصح بناء على قول الشيخ واتباعه من الإبطال بمسمى الأكل والشرب
أو بناء على ان الشرب فعل كثير فيقتصر حينئذ على موضع النص والا فلا استثناء ولا
قصر كما هو الأظهر وهو اختياره في المدارك ايضا
المقام الثالث
ـ في ما يكون الأفضل تركه وان لم يقطعها وبعبارة أخرى ما يكره فيها :
ومنها ـ الالتفات
يمينا وشمالا عند الأصحاب وذهب بعضهم إلى انه محرم مبطل وقد تقدم تحقيق القول في
ذلك قريبا.
ومنها ـ العقص
للرجل ، قال في القاموس عقص شعره ضفره وفتله. والقول بالكراهة هو المشهور بين
المتأخرين وذهب اليه سلار وأبو الصلاح وابن إدريس وجمهور المتأخرين ، وهو ظاهر
عبارة الشيخ المفيد حيث قال : لا ينبغي للرجل إذا كان له شعر ان يصلى وهو معقوص
حتى يحله وقد روى رخصة في ذلك للنساء. وقال الشيخ في التهذيب والمبسوط والخلاف إذا
صلى الرجل وهو معقوص الشعر عامدا بطلت صلاته.
واستدل عليه في
الخلاف بالإجماع وبما رواه في التهذيب عن مصادف عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر؟ قال يعيد صلاته».
وأجاب
المتأخرون عن الإجماع بعدم ثبوته وهو جيد ، وعن الرواية بضعف السند.
__________________
وفيه أولا ـ ما
عرفت في غير موضع مما تقدم من أن الطعن بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين
الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل ولا على من لا يرى العمل به. وبالجملة فإن رد
الخبر من غير معارض مشكل ومن ثم مال المحدث الشيخ محمد ابن الحسن الحر العاملي في
كتاب الوسائل إلى تحريمه وإبطال الصلاة به.
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن على (عليهالسلام) انه قال : «نهاني رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن اربع : عن تقليب الحصى في الصلاة وان أصلي وانا
عاقص رأسي من خلفي ، وان احتجم وانا صائم ، وان أخص يوم الجمعة بالصوم».
وظاهر هذه
الرواية الكراهة كما هو المشهور. ونفى البعد شيخنا المجلسي (قدسسره) عن حمل رواية مصادف على التقية .
وكيف كان
فالحكم مختص بالرجال واما النساء فلا كراهة فيهن إجماعا.
ثم ان جملة من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) صرحوا بأنه على تقدير التحريم لا يلزم البطلان ،
وعللوه بأن النهي عن أمر خارج عن العبادة فلا يستلزم بطلانها. ولا يخفى ما في هذا
الكلام من الغفلة عن النص المذكور حيث انه قد اشتمل على الإعادة الصريحة في
البطلان وليس في الباب غيره وليس ههنا نص يتضمن النهى حتى يتجه ما ذكروه من
التقريب. والله العالم.
ومنها ـ التثاؤب
والتمطي وفرقعة الأصابع والعبث بلحيته أو غيرها ونفخ موضع سجوده والتنخم والبصاق
ونحو ذلك.
والمستند في
هذه الأشياء ونحوها عدة اخبار : منها ـ ما ورد في صحيح زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك
فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا
__________________
بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس
ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك
ولا تفرقع أصابعك ، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا
متناعسا ولا متثاقلا ، فإنها من خلال النفاق فان الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا
إلى الصلاة وهم سكارى يعنى سكر النوم ، وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا
كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلّا قَلِيلاً)» .
بيان : قال في
النهاية : فيه «التثاؤب من الشيطان» التثاؤب معروف وهو مصدر تثاءب والاسم الثؤباء
، وإنما جعله من الشيطان كراهية له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه
واسترخائه وميله الى الكسل والنوم ، واضافه الى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء
النفس شهوتها. وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم
والشبع فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات. انتهى. والتمطي معروف وقيل أصله من
التمطط وهو التمدد.
قال في المنتهى
: يكره التثاؤب في الصلاة لأنه استراحة في الصلاة ومغير لهيئتها المشروعة وكذا
يكره التمطي ايضا لهذه العلة ، ويؤيده ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يتثأب في الصلاة ويتمطى؟ قال هو
من الشيطان ولن يملكه». ثم قال : وفي ذلك دلالة على رجحان الترك مع الإمكان.
انتهى.
واما التكفير
فقد تقدم الكلام فيه وكذا في اللثام. واما الاحتفاز فقال في النهاية : الحفز الحث
والإعجال ، ومنه حديث أبي بكرة «انه دب الى الصف راكعا وقد حفزه النفس». ومنه
الحديث «انه (عليهالسلام) اتى بتمر فجعل يقسمه وهو محتفز». اى مستعجل مستوفز
يريد القيام ، ومنه حديث على (عليهالسلام)
__________________
«إذا صلت المرأة فلتحتفز إذا جلست وإذا سجدت ولا تخوى كما يتخوى الرجل اى
تتضام وتجتمع». انتهى. وقال في المجمع : في حديث المصلى لا تلثم ولا تحتفز اى لا
تتضام في سجودك بل تتخوى كما يتخوى البعير الضامر وهذا عكس المرأة فإنها تحتفز في
سجودها ولا تتخوى. انتهى.
أقول : وقد علم
من ذلك ان هذا اللفظ محتمل لمعنيين : (أحدهما) الجلوس غير متمكن ولا متورك بل يجلس
مقعيا كالمريد للقيام سريعا. و (الثاني) بمعنى التضام في السجود اى لا تتضام في
حال سجودك ، وفي بعض النسخ «ولا تحتقن» والمراد به مدافعة الأخبثين.
وروى في الكافي
عن احمد بن محمد بن عيسى رفعه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك ولا برأسك
ولا تعبث بالحصى وأنت تصلي إلا أن تسوى حيث تسجد فلا بأس».
وروى الشيخ في
التهذيب عن ابى بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله تعالى فان
كنت لا تراه فاعلم انه يراك فاقبل قبل صلاتك ولا تمتخط ولا تبزق ولا تنقض أصابعك
ولا تورك فان قوما قد عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة. الحديث».
أقول : ان نقض
الأصابع بالقاف بعد النون ثم الضاد المعجمة ، قال في القاموس : انقض أصابعه ضرب
بها لتصوت. وقال في مجمع البحرين : وانقاض الأصابع تصويتها وفرقعتها وانقض أصابعه
ضرب بها لتصوت ، ومنه الحديث «لا ينقض الرجل أصابعه في الصلاة» انتهى. والتورك
قسمان : منه ما هو سنة وهو ما تقدم في بحث السجود والتشهد ، ومكروه وهو ان يضع
يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم ، وهو المراد في الخبر ، قال الصدوق في الفقيه : ولا
__________________
تتورك فان الله عزوجل قد عذب قوما على التورك كان أحدهم يضع يديه على وركيه
من ملالة الصلاة.
وروى البزنطي
في جامعه بإسناده عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قمت في صلاتك فاخشع فيها ولا تحدث نفسك ان
قدرت على ذلك واخضع برقبتك ولا تلتفت فيها ولا يجز طرفك موضع سجودك وصف قدميك وارخ
يديك ولا تكفر ولا تورك».
قال البزنطي (رحمهالله) فإنه بلغني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) ان قوما عذبوا لأنهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة.
انتهى. قال الجزري في النهاية : فيه «كره ان يسجد الرجل متوركا» هو ان يرفع وركيه
إذا سجد حتى يفحش في ذلك. وقيل هو ان يلصق ألييه بعقبيه في السجود. وقال الأزهري :
التورك في الصلاة ضربان سنة ومكروه ، اما السنة فان ينحي رجليه في التشهد الأخير
ويلصق مقعدته بالأرض ، وهو من وضع الورك عليها والورك ما فوق الفخذ وهي مؤنثة ،
واما المكروه فان يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم وقد نهى عنه. انتهى كلام
النهاية.
وقال العلامة
في المنتهى : يكره التورك في الصلاة وهو أن يعتمد بيديه على وركيه وهو التخصر روى
الجمهور عن أبي هريرة «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى عن التخصر في الصلاة». ومن طريق الخاصة ما رواه ابى
بصير ، ثم ساق الرواية المتقدمة.
والشهيد (قدسسره) في النفلية فسر التورك بالاعتماد على احدى الرجلين
تارة وعلى الأخرى أخرى والتخصر بقبض خصره بيده ، وحكم بكراهتهما معا.
وروى في الكافي
عن الحسن بن ابى الحسين الفارسي عن من حدثه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان
__________________
الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها : كره لكم العبث
في الصلاة.».
وروى في الفقيه
قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من
ولدي واتباعهم من بعدي : العبث في الصلاة والرفث في الصوم والمن بعد الصدقة وإتيان
المساجد جنبا والتطلع في الدور والضحك بين القبور».
وروى الكليني
عن مسمع ابى سيار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) سمع خلفه فرقعة فرقع الرجل أصابعه في صلاته فلما انصرف
قال النبي (صلىاللهعليهوآله) اما انه حظه من الصلاة».
ومنها ـ مدافعة
البول والغائط والريح ، وعلل بما فيه من سلب الخشوع والتوجه والإقبال الذي هو روح
العبادة.
ويدل على ذلك
من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة وهو بمنزلة من هو في
ثوبه».
بيان : الموجود
في التهذيب والذي نقله جملة من الأصحاب هو ما ذكرناه من قوله «ولا لحاقنة» ونقله
في الوافي «لحاقن ولا لحاقب» ثم قال : بيان ـ كلاهما بالحاء المهملة وفي آخر الأول
نون وفي آخر الثاني باء موحدة ، يعنى بالحاقن حابس البول وبالحاقب حابس الغائط. ثم
نقل كلام النهاية بذلك. الى ان قال فما يوجد في بعض نسخ التهذيب «لا صلاة لحاقن
ولا حاقنة» بالنون فيهما جميعا فلعله تصحيف. انتهى.
أقول : والظاهر
انه اجتهاد منه (قدسسره) بناء على ما نقله عن النهاية
__________________
وإلا فالموجود في التهذيب والذي نقله الأصحاب عنه في كتب الاستدلال إنما هو
ما ذكرناه ، ويؤيده أن البرقي في المحاسن قد رواه ايضا كذلك فروى عن أبيه عن ابن ابى عمير عن
هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو في
ثوبه».
قال في المنتهى
بعد إيراد هذه الصحيحة : المراد بذلك نفى الكمال لا الصحة. ثم قال بعد ذلك : يكره
مدافعة الأخبثين وهو قول من يحفظ عنه العلم ، قال ولو صلى كذلك صحت صلاته ذهب إليه
علماؤنا ونقل عن مالك وبعض العامة القول بالإعادة
وروى الشيخ عن
ابى بكر الحضرمي عن أبيه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين».
وروى في كتاب
الخصال في الصحيح عن احمد بن أبى عبد الله البرقي رفعه الى ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : العبد الآبق حتى يرجع
الى مولاه والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وتارك الوضوء والجارية
المدركة تصلي بغير خمار وامام قوم يصلى بهم وهم له كارهون والزنين ـ قالوا يا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) وما الزنين؟ قال الذي يدافع البول والغائط ـ والسكران
، فهؤلاء الثمانية لا تقبل منهم صلاة».
بيان : قال في
النهاية : فيه «لا يقبل الله صلاة الزبين» هو الذي يدافع الأخبثين وهو بوزن السجيل
هكذا رواه بعضهم والمشهور بالنون كما روى «لا تيصلين أحدكم وهو زنين». اى حاقن
يقال زن فدن اى حقن فقطر. وقيل هو الذي يدافع الأخبثين معا. انتهى. وقال في
القاموس في مادة «زبن» بالباء : وكسكين
__________________
مدافع الأخبثين أو ممسكهما على كره. ولم يتعرض في «زنن» بالنون الى ذلك.
ونحوه في مجمع البحرين.
وروى الصدوق في
كتاب معاني الأخبار والمجالس عن إسحاق بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحاذق فالحاقن الذي
به البول والحاقب الذي به الغائط والحاذق الذي قد ضغطه الخف».
وروى في كتاب
المحاسن عن عيسى بن عبد الله العمرى عن أبيه عن جده عن على بن ابى طالب (عليهالسلام) عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «لا يصل أحدكم وبه أحد العصرين يعنى البول
والغائط». أقول : قال في القاموس : والعصر الحبس وفي الحديث «أمر بلالا أن يؤذن
قبل الفجر ليعتصر معتصرهم». أراد قاضى الحاجة
وروى الكليني
والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه
أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ قال فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن
الصلاة فليصل وليصبر». وفيه دلالة على صحة الصلاة مع الحقن كما ادعى عليه الإجماع.
وكيف كان فان
الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل الدخول في الصلاة وإلا فلو كان بعد
ذلك فلا كراهة إجماعا.
مسائل
(الأولى) ـ لا
خلاف في جواز السلام على المصلى للأصل ولعموم قوله عزوجل «فَإِذا دَخَلْتُمْ
بُيُوتاً فَسَلِّمُوا» .
ولموثقة عمار
الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه سأله عن
__________________
التسليم على المصلى فقال إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد
عليه في ما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك».
وفي موثقة
سماعة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة؟ قال
يرد يقول سلام عليكم ولا يقل وعليكم السلام فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قائما يصلى فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد
النبي (صلىاللهعليهوآله) هكذا». هكذا رواه في الكافي عن عثمان بن عيسى عن سماعة
وفي التهذيب رواه عن عثمان بن عيسى عنه (عليهالسلام) .
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «دخلت على ابى جعفر (عليهالسلام) وهو في الصلاة فقلت السلام عليك فقال السلام عليك فقلت
كيف أصبحت؟ فسكت (عليهالسلام) فلما انصرف قلت أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال نعم
مثل ما قيل له».
ولا خلاف أيضا
في جواز الرد من المصلى بل وجوبه ، ويدل عليه موثقة عمار المذكورة وصحيحة محمد بن
مسلم المذكورة أيضا.
وما رواه في
الفقيه في الصحيح قال : «سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة فقال إذا سلم عليك
مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول السلام عليك وأشر بإصبعك».
__________________
أقول : ومن
اخبار المسألة ما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلى قال ترد عليه خفيا
كما قال».
وما رواه في
الفقيه قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) سلم عمار على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهو في الصلاة فرد عليه ثم قال أبو جعفر (عليهالسلام) ان السلام اسم من أسماء الله تعالى».
وما رواه عبد
الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن
أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل
هل يصلح له أن يرد؟ قال نعم يقول السلام عليك فيشير إليه بإصبعه».
وما رواه
الصدوق في الخصال عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «لا تسلموا على اليهود والنصارى. الى ان قال ولا
على المصلى ـ لأنه لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد
فريضة ـ ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام».
وما رواه الشهيد
في الذكرى قال : روى البزنطي عن الباقر (عليهالسلام) قال : «إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم وإذا
سلم عليك فاردد فإني أفعله ، وان عمار بن ياسر مر على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهو يصلى فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله
وبركاته فرد عليهالسلام».
وروى في الخصال
في الصحيح عن محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (عليهالسلام) في الرحبة والناس عليه متراكمون
__________________
فمن مستفت ومن مستعد إذا قام اليه رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين
ورحمة الله وبركاته فنظر إليه أمير المؤمنين (عليهالسلام) بعينيه هاتيك العظيمتين فقال وعليك السلام ورحمة الله
وبركاته. الخبر».
وروى في الكافي
عن حماد الأحمسي قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليهالسلام) وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا
ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال وعليك السلام اى والله انا لولده. الحديث».
وعن الحكم بن
عتيبة قال : «بينا أنا مع ابى جعفر (عليهالسلام) والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى
وقف على باب البيت فقال السلام عليك يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ورحمة الله وبركاته فقال أبو جعفر (عليهالسلام) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.».
وعن ابن القداح
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه ولا يقول سلمت فلم
يردوا على ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم ، فإذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول
المسلم سلمت فلم يردوا على ، ثم قال كان على (عليهالسلام) يقول لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطيبوا الكلام
وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلا عليهم قول الله تعالى (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)» .
وعن الحسن بن
المنذر قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول من قال السلام عليكم فهي عشر حسنات ومن قال سلام
عليكم ورحمة الله فهي عشرون
__________________
حسنة ومن قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة».
وعن منصور بن
حازم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «ثلاثة يرد عليهم رد الجماعة وان كان واحدا : عند العطاس يقال يرحمكم الله
وان لم يكن معه غيره ، والرجل يسلم على الرجل فيقول السلام عليكم والرجل يدعوا
للرجل فيقول عافاكم الله تعالى وان كان واحدا فان معه غيره». والضمير في «غيره»
راجع للواحد المذكور في جميع هذه الصور ، والمراد بالغير الملائكة الموكلون به
الحافظون والكاتبون وغيرهم.
وعن ابى عبيدة
الحذاء عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «مر أمير المؤمنين (عليهالسلام) بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله
وبركاته ومغفرته ورضوانه. فقال لهم أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عليهالسلام) إنما قالوا (رحمت الله وبركاته
عليكم أهل البيت)».
وعن عنبسة بن
مصعب عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «القليل يبدأون الكثير بالسلام والراكب يبدأ
الماشي وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال».
وعن ابن بكير
عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول يسلم الراكب على الماشي والماشي على
القاعد وإذا لقيت جماعة جماعة سلم الأقل على الأكثر وإذا لقي واحد جماعة سلم
الواحد على الجماعة».
إذا عرفت ذلك
فههنا فوائد شريفة ونكات لطيفة يجب التنبيه عليها في المقام ليكمل بها النظام :
الاولى ـ لا
خلاف في وجوب الرد في الصلاة كان أم لا ، والأصل فيه
__________________
قبل الأخبار الآية الشريفة وهي قوله عزوجل «وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» .
والمراد
بالتحية في الآية السلام أو ما هو أعم منه ، والتحية لغة أيضا السلام ، قال في
القاموس : التحية السلام. وقال في المصباح المنير : وحياة تحية أصله الدعاء
بالحياة ، ومنه التحيات لله اى البقاء ، وقيل الملك ، ثم كثر حتى استعمل في مطلق
الدعاء ثم استعمله الشارع في دعاء مخصوص وهو «سلام عليكم». وفي المغرب حياه بمعنى
أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية ، هذا أصلها ثم سمى ما حيي به من سلام ونحوه
تحية ، قال الله تعالى «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» وحقيقة «حييت فلانا» قلت حياك الله اى عمرك الله.
انتهى.
وقال أمين
الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان : التحية السلام يقال حيي يحيي تحية إذا سلم.
وقال في تفسير الآية أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم ان
كان مؤمنا وإلا فليقل «وعليكم» لا يزيد على ذلك ، فقوله «بِأَحْسَنَ مِنْها» للمسلمين خاصة وقوله «أَوْ رُدُّوها» لأهل الكتاب ، عن ابن عباس فإذا قال المسلم «السلام
عليكم» فقلت «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى
رد السلام. وقيل ان قوله «أَوْ رُدُّوها» للمسلمين ايضا عن السدي وعطاء وإبراهيم وابن جريح قالوا
إذا سلم عليك فرد عليه بأحسن مما سلم عليك أو بمثل ما قال. وهذا أقوى لما روى عن
النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم». وذكر
على بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين (عليهمالسلام) ان المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر ، وذكر
الحسن ان رجلا دخل على النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال السلام عليك فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) وعليك السلام ورحمة الله فجاءه آخر فقال السلام عليك
ورحمة الله فقال (صلىاللهعليهوآله) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
__________________
فجاءه آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فقيل يا رسول الله
زدت للأول والثاني في التحية ولم تزد للثالث فقال انه لم يبق لي من التحية شيئا
فرددت عليه مثله. انتهى كلامه زيد مقامه أقول : ومن الأخبار الواردة على العموم
كما ذكره على بن إبراهيم في تفسيره
ما رواه الصدوق
في الخصال بسنده في حديث طويل عن ابى جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهمالسلام) قال : «إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله ويقول
هو يغفر الله لكم ويرحمكم قال الله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)» .
وفي كتاب
المناقب لابن شهرآشوب «جاءت جارية للحسن (عليهالسلام) بطاق ريحان فقال أنت حرة لوجه الله. فقيل له في ذلك
فقال (عليهالسلام) أدبنا الله تعالى فقال «إِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» وكان أحسن منها عتقها».
ويؤيده ما رواه
في الكافي عن الصادق (عليهالسلام) في الصحيح من ان رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام.
بقي هنا اشكال
وهو انه على تقدير العموم في الآية يلزم وجوب تعويض كل بر وإحسان والظاهر انه لا
قائل به بل ربما دلت الأخبار على العدم ، ويمكن حمل الآية على الرجحان المطلق
الشامل للوجوب والاستحباب ، وعلى هذا فالاستدلال بالآية المذكورة على وجوب الرد لا
يخلو من الإشكال إلا ان يقال ان الواجب الحمل على مقتضى ظاهر الأمر وقيام الدليل
الصارف في بعض الافراد لا يستلزم القول بذلك في ما لا دليل عليه.
__________________
هذا. واما
الأخبار الدالة على وجوب الرد فقد تقدمت الإشارة إليها.
الثانية ـ المفهوم
من الأخبار التي قدمناها ان الرد من المصلى بمثل ما قيل له من «السلام عليكم» و «السلام
عليك» ونحوهما ، وقد تضمنت موثقة سماعة النهي عن الرد بقوله «وعليكم السلام» واما
غير المصلى فإنه يرد بقوله «وعليكم السلام» بتقديم الظرف.
هذا هو المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولابن إدريس خلاف في موضعين ، قال في الروض بعد
ذكر وجوب الرد بالمثل في الصلاة وذكر بعض الأخبار الدالة عليه : وخالف ابن إدريس
في اعتبار المثل فجوز الرد بقوله «عليكم السلام» خصوصا مع تسليم المسلم به لعموم
الآية واستضعافا لخبر الواحد والأصحاب على خلافه. انتهى. والأظهر هو القول المشهور
لما تقدم من الأخبار الصريحة في ذلك. ويظهر من العلامة في المختلف موافقة ابن
إدريس في عدم وجوب الرد بالمثل ايضا.
وخالف ابن
إدريس أيضا بالنسبة الى غير المصلى فجوز الرد بالمثل ووافقه في ذلك بالنسبة الى
غير المصلى الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث جوز الرد بالمثل استنادا الى ما رواه
في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن ابى جعفر (عليهالسلام) في حديث قال : «إذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم
وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك».
وأنت خبير بأن
الأخبار الكثيرة مما قدمنا ذكره وما لم نذكره كلها متفقة الدلالة على الرد بتقديم
الظرف عكس ما يسلم به المسلم. ويمكن الجواب عن هذه الرواية بأن الغرض من هذا اللفظ
إنما هو بيان الفرق بين الرد على المسلم والكافر بان الكافر يقتصر في الرد عليه
بقوله «عليك» من غير إردافه بالتسليم عليه بخلاف المسلم فإنه يردفه بالتسليم عليه
، وسياق الخبر إنما هو في ذلك وليس الخبر مسوقا
__________________
لبيان كيفية الرد كما في الأخبار التي قدمناها.
ولا بأس بذكر
الخبر كملا لتظهر للناظر قوة ما ذكرناه من الإجمال وهو ما رواه زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «دخل يهودي على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وعائشة عنده فقال السلام عليكم فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عليكم. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد (صلىاللهعليهوآله) عليه كما رد على صاحبه. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عليه كما رد على صاحبيه فغضبت عائشة فقالت عليكم السام
والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير. فقال لها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يا عائشة ان الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء ان
الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه. قالت يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أما سمعت الى قولهم : السام عليكم؟ فقال بلى اما سمعت
ما رددت عليهم؟ قلت عليكم ، فإذا سلم عليكم مسلم. الحديث كما تقدم».
وسياق الخبر
كما ترى إنما هو في ما ذكرناه لا في بيان كيفية الرد وحينئذ فالمراد منه إنما هو
بيان زيادة لفظ السلام في الرد على المسلم دون الكافر وذكره بهذه الكيفية وقع
تعليما لذلك ، والأخبار المتقدمة صريحة في أن الكيفية الواجبة في الرد هي التي
يقدم فيها الظرف كما عرفت.
وبما ذكرناه
صرح العلامة في التذكرة فقال : وصيغة الجواب «وعليكم السلام» ولو قال : «وعليك
السلام» للواحد جاز. ولو ترك العطف فقال : «عليكم السلام» فهو جواب خلافا لبعض
الشافعية فلو تلاقى اثنان فسلم كل واحد منهما على الآخر وجب على
كل واحد منهما جواب الآخر ولا يحصل
__________________
الجواب بالسلام. انتهى.
وذهب بعض الى
الجميع بين الأخبار بالتخيير والأظهر ما قدمناه.
(الثالثة) ـ المفهوم
من الأخبار ان صيغة السلام التي يسلم بها لا بد أن يبدأ فيها بلفظ السلام مثل «سلام
عليكم أو عليك» أو «السلام» بأحد الوجهين ، فاما تقديم الظرف فإنما هو في الجواب
من غير المصلى كما عرفت.
ونقل بعض
المتأخرين عن ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان «عليك السلام أو عليكم السلام»
صحيح يوجب الرد.
وأنكره في
الذخيرة فقال ولم اطلع على ما نقله عن ظاهر الأصحاب إلا في كلام ابن إدريس مع انه
قد صرح العلامة في التذكرة بخلافه فقال : ولو قال «عليك السلام» لم يكن مسلما إنما
هي صيغة جواب. انتهى.
وهو الموافق
لما ورد في الأخبار كما أشرنا اليه وهو ظاهر لمن تتبع الأخبار وقد روى العامة عنه (صلىاللهعليهوآله) «انه قال لمن قال عليك السلام يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتى ،
إذا سلمت فقل سلام عليك فيقول الراد عليك السلام».
واما كلام ابن
إدريس في هذا المقام فإنه قال في السرائر : ويرد المصلى السلام إذا سلم عليه قولا
لا فعلا ولا يقطع ذلك صلاته سواء رد بما يكون في لفظ القرآن أو ما يخالف ذلك إذا
أدى بالرد الواجب الذي تبرأ ذمته به. إذا كان المسلم عليه قال له «سلام عليك أو
سلام عليكم أو السلام عليكم أو عليكم السلام» فله ان يرد عليه بأي هذه الألفاظ كان
لأنه رد سلام مأمور به وينويه رد سلام لا قراءة قرآن إذا سلم الأول بما قدمنا ذكره
، فان سلم بغير ما بيناه فلا يجوز للمصلي الرد
__________________
عليه لأنه ما تعلق بذمته الرد لأنه غير سلام ، وقد أورد شيخنا أبو جعفر في
مسائل خلافه خبرا عن محمد بن مسلم قال : دخلت على ابى جعفر (عليهالسلام) ثم ساق الخبر كما قدمناه ثم قال أورد هذا الخبر إيراد راض به مستشهدا به محتاجا
على الخصم بصحته ، فاما ما أورده في نهايته فخبر عثمان بن عيسى عن ابى عبد الله (عليهالسلام) وقد ذهب بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) الى خبر عثمان ابن
عيسى فقال : ويرد المصلى السلام على من سلم عليه ويقول له في الرد «سلام عليكم»
ولا يقول له «وعليكم» وان قال له المسلم «عليكم السلام» فلا يرد مثل ذلك بل يقول «سلام
عليكم» والأصل ما ذكرناه لأن التحريم يحتاج الى دليل. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان موثقة سماعة وان دلت بظاهرها على تعين الجواب بقوله «سلام عليكم» لكنها محمولة
على ما إذا كان المسلم عليه بهذه الصيغة عملا بما دل على وجوب الرد بالمثل حال
الصلاة فإن المستفاد منها انه يرد بمثل ما سلم عليه ، ونحوها في ذلك رواية محمد بن
مسلم المنقولة عن الفقيه حيث قال فيها «إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم
عليه تقول : السلام عليكم». فإنها مبنية على كون المسلم يسلم بهذه الصيغة أيضا ،
وبالجملة فإن إطلاق هذين الخبرين محمول على ما دل على وجوب الجواب بالمثل كما في
صحيحة محمد بن مسلم لما سلم على ابى جعفر بقوله «السلام عليك» فأجابه بقوله «السلام
عليك» ثم ذكر في آخر الرواية انه يرد بمثل ما قيل له. ونحو ذلك قوله (عليهالسلام) في صحيحة منصور بن حازم «ترد عليه خفيا كما قال». وما ذكرناه ظاهر من الأخبار باعتبار ضم بعضها الى
بعض لا ما توهمه من تعين الجواب ب «سلام عليكم» وان سلم عليه بصيغة أخرى غيرها. واما
ما ذكره في صيغ السلام التي يسلم بها ـ من انها «سلام عليكم أو سلام عليك أو
السلام عليكم أو عليكم السلام» وان ما عدا هذه الصيغ الأربع لا يجب
__________________
رد الجواب فيها لأنه ليس بسلام فلا يجوز للمصلي الرد عليه ففيه (أولا) ان
من جملة صيغ التسليم «السلام عليك» كما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم حيث سلم به على
الامام (عليهالسلام) فأجابه بمثله. (وثانيا) ان صيغة «عليكم السلام» ليست
من صيغ الابتداء بالسلام وإنما هي من صيغ الرد كما تقدم نقله عن العلامة في
التذكرة. والاستناد إلى إطلاق صدق التحية في الآية يجب تقييده بالأخبار ، فإن
المفهوم منها ان صيغ الابتداء بالسلام هي ما ذكرناه فيجب حمل إطلاق الآية على ذلك.
وبذلك ايضا
يظهر لك ما في كلام العلامة في المختلف حيث ان ظاهره موافقة ابن إدريس في هذا
المقام ، حيث قال ـ بعد ان نقل عن الشيخ انه يرد مثل ما قيل له «سلام عليكم» ولا
يقول «وعليكم السلام» وذكر انه احتج على ذلك بحديث عثمان ابن عيسى المتقدم نقله عن
سماعة ـ وعندي في العمل بهذه الرواية نظر فان في طريقها عثمان بن عيسى وهو ضعيف.
ثم نقل كلام ابن إدريس من قوله : واما ما أورده في نهايته. إلخ. ثم قال : وهذا
الكلام يشعر بتسويغ ذلك لو قال له المسلم وعليكم السلام. انتهى. ثم قال بعد ذلك :
الخامس في الحديث الذي رواه محمد بن مسلم اشعار بالإتيان بالمثل ، والأقرب انه ليس
واجبا بل لو أتى بمغايرة من التحيات لم يكن عندي به بأس. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان من تأمل الأخبار بعين الاعتبار ظهر له ما في كلامهما من القصور وإن المعتمد هو
القول المشهور من وجوب الرد بالمثل في الصلاة بشرط ان يكون السلام من الصيغ
الواردة في الأخبار وهي الأربع المتقدمة واما في غير الصلاة فيرد بأيها شاء بتقديم
الظرف.
أما لو قال «سلام
أو سلاما أو والسلام أو سلام الله عليك» أو نحو ذلك فتردد بعض الأصحاب في وجوب
الرد من حيث صدق التحية عرفا وعدم ثبوت عموم الآية ، وظاهر ابن إدريس كما عرفت
العدم لخروج ذلك عن الصيغ التي ذكرها وهو الأقرب فإن القدر المعلوم من الأخبار هو
ما ذكرناه من الصيغ الأربع
المتقدمة والحكم باشتغال الذمة يحتاج الى دليل قاطع وليس فليس. وصدق التحية
عرفا مقيد بالأخبار إذ الحكم شرعي لا عرفي ليكون مناطه العرف.
الرابعة ـ لا
خلاف في أن الرد واجب كفاية لا عينا وكذا استحباب الابتداء به كفاية لا عينا ونقل
في التذكرة عليه الإجماع.
ويدل عليه من
الأخبار مضافا الى الإجماع ما رواه في الكافي في الموثق عن غياث ابن إبراهيم عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم وإذا رد واحد
أجزأ عنهم».
وعن ابن بكير
عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلم واحد منهم
وإذا سلم على القوم وهم جماعة أجزأهم ان يرد واحد منهم».
وبهذين الخبرين
مضافا الى الإجماع المدعى في المسألة يخص إطلاق الآية.
وأيده بعض
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إنما سلم سلاما واحدا فليس له الا عوض واحد فإذا
تحقق خرجوا عن العهدة.
ثم الظاهر انه
انما يسقط برد من كان داخلا في المسلم عليهم فلا يسقط برد من لم يكن داخلا فيهم.
وهل يسقط برد
الصبي المميز الداخل فيهم؟ اشكال واستظهر في المدارك العدم وان قلنا ان عبادته
شرعية ، قال لعدم امتثال الأمر المقتضي للوجوب. وقال في الذكرى : وجهان مبنيان على
صحة قيامه بفرض الكفاية وهو مبنى على ان أفعاله شرعية أولا وقد سبقت الإشارة اليه.
ونحوه في الروض إلا انه رجح ان أفعاله تمرينية فلا يجزئ رد سلامه. وقد تقدم لنا
تحقيق في المسألة يؤذن بجواز الاكتفاء برده وان كان الأحوط ما ذكر. ولا يخفى ان
ظاهر الخبرين المذكورين حصول الاجزاء به إلا ان ظاهر الآية خلافه لتوجه الخطاب
فيها الى المكلفين.
__________________
ولو كان المسلم
صبيا مميزا ففي وجوب الرد عليه وعدمه وجهان استظهر أولهما جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) : منهم ـ السيد السند في المدارك وجده في الروض وغيرهما ، ووجه قربه
دخوله تحت عموم الآية.
ولو رد بعض
الجماعة فهل يجوز للمصلي الرد أيضا أم لا؟ قال في الذكرى : لم يضر لأنه مشروع في
الجملة ثم توقف في الاستحباب من شرعيته خارج الصلاة مستحبا ، ومن انه تشاغل بغير
الصلاة مع عدم الحاجة اليه. واستجود في الروض جوازه واستحبابه لعموم الأوامر إذ لا
شك انه مسلم عليه مع دخوله في العموم فيخاطب بالرد استحبابا ان لم يكن واجبا.
وزوال الوجوب بالكفاية لا يقدح في بقاء الاستحباب كما في غير الصلاة فإن استحباب
رد الثاني متحقق اتفاقا ان لم يوصف بالوجوب معللا بالأمر. انتهى. والمسألة محل
توقف لأن المسألة خالية من النص وقياس حال الصلاة على خارجها قياس مع الفارق.
الخامسة ـ قد
صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب الأسماع تحقيقا أو تقديرا ، قال في
الذخيرة : ولم أجد أحدا صرح بخلافه في غير حال الصلاة. وقال في المدارك : وهل يجب
على المجيب إسماع المسلم تحقيقا أو تقديرا؟ قيل نعم عدم صدق التحية عرفا ولا الرد
بدونه ، وقيل لا وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر وقواه شيخنا المعاصر لرواية
عمار المتقدمة ورواية منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : إذا سلم عليك رجل. ثم ساق الرواية كما قدمنا ثم قال : وفي الروايتين قصور من حيث السند فلا تعويل
عليهما. انتهى.
أقول ، لا يخفى
ما في كلامه هنا من النظر الظاهر للخبير الماهر وذلك فإن رواية عمار هذه قد استدل
بها سابقا على وجوب الرد في الصلاة ووصفها بكونها موثقة كما استدل أيضا بموثقة
سماعة ووصفها بذلك ، وحينئذ فإن كانت الأخبار الموثقة من الأدلة الشرعية صح ما
ذكره أو لا وينبغي أن يجيب عن الموثقة المذكورة
__________________
بغير ضعف السند وإلا فلا وجه لاستدلاله أولا بها ولا بموثقة سماعة ولكن هذه
قاعدته كما نبهنا عليه في غير مقام من استدلاله بالموثقات عند الحاجة إليها وردها
بضعف السند عند اختياره خلاف ما دلت عليه كما تراه هنا قد وصف رواية عمار في مقام
الاستدلال بكونها موثقة وفي مقام الإعراض عنها بكونها رواية عمار وهي طريقة غير
محمودة ، إلا ان ضيق المقام في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح
أوجب لهم انحلال الزمام وعدم الوقوف على قاعدة في المقام. واما صحيحة منصور بن
حازم فليس في سندها من ربما يحصل الاشتباه به إلا محمد بن عبد الحميد الذي سبق
الكلام معه فيه حيث توهم من ظاهر عبارة الخلاصة في ترجمته كما كتبه جده (قدسسرهما) على حواشيها ان التوثيق فيها انما يرجع الى أبيه وقد
أوضحنا في ما سبق بطلانه ولهذا ان أصحاب هذا الاصطلاح يعدون حديثه في الصحيح وهو
الحق كما لا يخفى على الممارس.
نعم يبقى
الكلام في مضمون الخبرين المذكورين فإنهما ظاهران في ما ذهب اليه الفاضلان
المتقدمان فينبغي الجواب عنهما عند من قال بوجوب الأسماع ، وكان هذا هو الاولى
بالتعرض في المقام إلا ان تلك الطريقة التي عكف عليها أسهل تناولا في الخروج عن
ضيق الإلزام.
والتحقيق عندي
في المقام ان يقال : الظاهر من كلام جل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الإسماع
تحقيقا أو تقديرا في الصلاة وغيرها والمخالف إنما أسند له الخلاف في الصلاة خاصة ،
ويدل على ما ذهب إليه الأصحاب إطلاق رواية ابن القداح المتقدمة ويؤيدها أيضا ما رواه في معاني الأخبار عن عبد الله بن
الفضل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن معنى التسليم في الصلاة قال التسليم علامة الأمن
وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذاك جعلت فداك؟ قال كان الناس في ما مضى إذا سلم عليهم
وارد أمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم
__________________
وان لم يسلم لم يأمنوه وان لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في
العرب. الحديث». وقد اشتمل صحيح محمد بن مسلم على إسماع أبي جعفر (عليهالسلام) له وهو في الصلاة ، وحينئذ فيمكن تأويل هذين الخبرين
بحمل قوله «خفيا» في صحيحة منصور بن حازم و «بينك وبين نفسك» في موثقة عمار على ما
يحصل به إسماع المسلم من غير إجهار يزيد على ذلك كما يشير اليه قوله في موثقة عمار
: «ولا ترفع صوتك» يعنى الجهر المنهي عنه في الآية ومثل هذا التجوز في الأخبار غير عزيز.
واحتمل بعض
الأصحاب (رضوان الله عليهم) حملهما على التقية ، قال لان المشهور عند العامة عدم
وجوب الرد نطقا ولعله الأقرب ، ويؤيده ما ذكره شيخنا في الذكرى في جملة
المسائل التي عدها في المقام ، قال : الثانية ـ لو كان في موضع تقية رد خفيا وأشار
وقد تحمل عليه الروايتان السابقتان. وأشار بالروايتين إلى روايتي منصور وعمار
المذكورتين ، وهو جيد وبه يزول الإشكال في المقام.
__________________
السادسة ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه إذا سلم عليه في الصلاة بقوله «سلام عليكم»
يجب أن يكون الجواب مثله ولا يجوز الجواب ب «عليكم السلام» ونسبه المرتضى (رضى
الله عنه) إلى الشيعة ، وقال المحقق هو مذهب الأصحاب قاله الشيخ وهو حسن. وقد تقدم
الكلام في ذلك ولم يخالف فيه الا ابن إدريس والعلامة في المختلف كما عرفت ،
والأصحاب انما نقلوا هنا خلاف ابن إدريس خاصة وكأنهم لم يطلعوا على كلام العلامة
في المختلف وإلا فهو كذلك كما أوضحناه آنفا.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني (قدسسره) في الروض : ولا يقدح في المثل زيادة الميم في «عليكم»
في الجواب لمن حذفه لأنه أزيد دون العكس لأنه أدون. انتهى وفيه ، إشكال ومثله ما
لو زاد في الرد بما يوجب كونه أحسن ، ووجه الإشكال تضمن الأخبار ان المصلى يرد
بمثل ما قيل له كما في صحيحة محمد بن مسلم وكما قال في صحيحة منصور بن حازم ويؤيده اقتصار ابى جعفر (عليهالسلام) في الرد على محمد بن مسلم بمثل ما قال. والآية وان
تضمنت التخيير بين المثل والأحسن إلا أنها مخصوصة بالأخبار المذكورة ومحمولة على
ما عدا المصلي.
السابعة ـ إذا
سلم عليه وهو في الصلاة وجب الرد عليه لفظا ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ونسبه في التذكرة إلى علمائنا ، وقال في المنتهى : ويجوز له ان يرد السلام
إذا سلم عليه نطقا ذهب إليه علماؤنا اجمع. وحمل كلامه على ان الظاهر ان مراده من
الجواز نفى التحريم ردا لقول بعض العامة وقال في الذكرى : يجب الرد عليه لعموم قوله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» والصلاة غير منافية لذلك وظاهر الأصحاب مجرد الجواز
للخبرين الآتيين والظاهر انهم أرادوا به بيان شرعيته ويبقى الوجوب معلوما من
__________________
القواعد الشرعية ، وبالغ بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال تبطل
الصلاة لو اشتغل بالأذكار ولما يرد السلام ، وهو من مشرب اجتماع الأمر والنهى في
الصلاة كما سبق والأصح عدم البطلان بترك رده.
أقول : لا ريب
ان جل الأخبار التي قدمناها ظاهرة في المشروعية بل الوجوب ، للأمر بذلك الذي هو
حقيقة في الوجوب في موثقة سماعة وصحيحة محمد ابن مسلم المروية في الفقيه مضافا الى الآية ، وباقي الأخبار تدل على المشروعية
وكأنه أشار بالخبرين الآتيين إلى موثقة عمار وصحيحة منصور الدالتين على الرد خفيا لأنه مع عدم الإسماع لا يتحقق
الرد كما تقدم تحقيقه.
الثامنة ـ قد
تكاثرت الأخبار باستحباب الابتداء بالسلام وظاهرها أفضليته على الرد وان كان الرد
واجبا ، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بأفضلية المستحب على الواجب :
روى في الكافي
عن السكوني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) السلام تطوع والرد فريضة».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «البادئ بالسلام اولى بالله وبرسوله صلىاللهعليهوآله».
وعن محمد بن
مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان سليمان (عليهالسلام) يقول أفشوا سلام الله تعالى فان سلام الله لا ينال
الظالمين».
أقول : المراد
بإفشاء السلام هو ان يسلم على كل من يلقاه من المسلمين ولو كان ظالما ، وحيث كان السلام
بمعنى الرحمة والسلامة من آفات الدنيا ومكاره الآخرة فإنه لا ينفع الظالمين ولا
ينالهم ونفعه انما يعود الى المسلم خاصة.
__________________
وعن محمد بن قيس
في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ان الله يحب إفشاء السلام».
وعن معاوية بن
وهب في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان الله عزوجل قال البخيل من بخل بالسلام».
وعن هارون بن
خارجة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «من التواضع ان تسلم على من لقيت».
وقد تقدم حديث الحسن بن المنذر الدال على ثواب المسلم وتزايده
بتزايد الصيغة في التسليم.
وروى في الكافي
بالسند الأول من هذه الأخبار قال : «من بدأ بالكلام قبل السلام فلا
تجيبوه. وقال ابدأوا بالسلام قبل الكلام فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه». قال
الشارح المحقق المازندراني (قدسسره) في شرحه على الكتاب : لأن ترك السنة المؤكدة
والاستخفاف بها وبالمؤمن خصوصا إذا كان بالتجبر يقتضي مقابلة التارك بالاستخفاف.
التاسعة ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان وجوب الرد فوري ، قالوا لانه المتبادر من الرد
والفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية ، وربما يمنع ذلك في الفاء الجزائية.
والمسألة محل توقف لعدم الدليل الناص في ما ذكروه وان كان هو الأحوط. ثم انه يتفرع
على الفورية إن التارك له يأثم ، وهل يبقى في ذمته مثل سائر الحقوق؟ تأمل فيه بعض
الأصحاب قال إلا أن يكون إجماعيا. وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) : الظاهر
ان الفورية المعتبرة في رد السلام إنما هو تعجيله بحيث لا يعد تاركا له عرفا وعلى
هذا لا يضر إتمام كلمة أو كلام لو وقع السلام في أثنائهما. انتهى. وهو جيد.
__________________
العاشرة ـ قال
في التذكرة : ولو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال : «السلام عليك يا فلان» أو كتب
كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال : «سلم على فلان» فبلغه الكتاب والرسالة
قال بعض الشافعية يجب عليه الجواب لأن تحية الغائب إنما تكون بالمناداة
أو الكتاب أو الرسالة وقد قال الله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» والوجه انه ان سمع النداء وجب الجواب وإلا فلا. انتهى.
قال في الذخيرة بعد نقله : وهو متجه لعدم ثبوت شمول الآية للصور المذكورة عدا صورة
المناداة مع سماع النداء.
أقول : روى ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ، والبادئ
بالسلام أولى بالله وبرسوله صلىاللهعليهوآله».
وهذا الخبر دال
بعمومه على وجوب رد السلام الذي كتب له في ذلك الكتاب لأنه من جملة ما يتوقع صاحبه
رده سيما إذا كان الكتاب إنما يشتمل على مجرد الدعاء والسلام وقد حكم (عليهالسلام) بوجوب رده كرد السلام. وفي قوله «والبادئ بالسلام. إلخ»
إشارة الى ان البادئ بالكتاب أفضل كما تقدم الخبر بذلك في أفضلية الابتداء
بالسلام. وبالجملة فإن ظاهر الخبر ان حكم الكتاب في وجوب الرد كحكم السلام.
وروى في الكافي
أيضا عن ابى كهمش قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) عبد الله بن ابى يعفور يقرأك السلام قال وعليك وعليهالسلام إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له. الحديث». وفي
هذا الخبر دلالة على استحباب الإرسال بالسلام وان الرد بصيغة الرد على الحاضر
بتقديم الظرف.
__________________
الحادية عشرة ـ
لو ترك المصلى الرد واشتغل بإتمام الصلاة يأثم وهل تبطل الصلاة؟ قيل نعم للنهي
المقتضي للفساد. وقيل ان اتى بشيء من الأذكار في زمان الرد بطلت. وقيل ان اتى بشيء
من القراءة أو الأذكار في زمان وجوب الرد فلا يعتد بها بناء على ان الأمر بالشيء
يستلزم النهى عن ضده والنهى عن العبادة يقتضي الفساد ، ولكن لا يستلزم بطلان
الصلاة إذ لا دليل على ان الكلام الذي يكون من قبيل الذكر والدعاء والقرآن يبطل
الصلاة وإن كان حراما ، فان استمر على ترك الرد وقلنا ببقائه في ذمته لزم بطلان
الصلاة لأنه لم يتدارك القراءة والذكر على وجه صحيح. قال بعض مشايخنا المحققين من
متأخري المتأخرين بعد نقل ذلك عنهم : والحق ان الحكم بالبطلان موقوف على مقدمات
أكثرها بل كلها في محل المنع لكن الاحتياط يقتضي إعادة مثل تلك الصلاة. انتهى. وهو
جيد.
الثانية عشرة ـ
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريم سلام المرأة على الأجنبي وعللوه بان
صوتها عورة فاستماعه حرام.
وتوقف جملة من
متأخري المتأخرين إذ الظاهر من الأخبار عدم كون صوتها عورة.
أقول : وهو
الحق مضافا الى ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ربعي عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ورواه في الفقيه مرسلا قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يسلم على النساء ويرددن عليه وكان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يسلم على النساء وكان يكره ان يسلم على الشابة منهن
ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل على أكثر مما اطلب من الأجر». قال في الفقيه :
إنما قال (عليهالسلام) لغيره وان عبر عن نفسه وأراد بذلك ايضا التخوف من ان
يظن ظان انه يعجبه صوتها فيكفر ، قال : ولكلام الأئمة (صلوات الله عليهم) مخارج
ووجوه لا يعقلها إلا العالمون.
__________________
أقول : ونظيره
في القرآن من باب «إياك أعني واسمعي يا جارة» كثير.
وروى في الفقيه
قال : «سأل عمار الساباطي أبا عبد الله (عليهالسلام) عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال المرأة
تقول عليكم السلام والرجل يقول السلام عليكم».
واما ما رواه
في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تسلم على المرأة». فهو محمول على الكراهة
جمعا.
ثم ان على
المشهور من التحريم على الأجنبي فهل يجب الرد عليها؟ قيل يحتمل ذلك لعموم الدليل
والعدم لكون المتبادر التحية المشروعة ، وهو مختار التذكرة حيث قال : ولو سلم رجل
على امرأة أو بالعكس فان كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزة خارجة عن مظنة
الفتنة ثبت استحقاق الجواب وإلا فلا.
قالوا : وفي
وجوب الرد عليها لو سلم عليها أجنبي وجهان فيحتمل الوجوب نظرا الى عموم الآية
فيجوز اختصاص تحريم الاستماع بغيره ، ويحتمل العدم كما اختاره العلامة ويحتمل وجوب
الرد خفيا كما قيل.
أقول : وهذا
البحث لما كان على غير أساس كما عرفت فلا وجه للتشاغل بصحته وإبطاله.
الثالثة عشرة ـ
قال العلامة في التذكرة : ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء ، ولو سلم عليه ذمي أو من
لم يعرفه فبان ذميا رد بغير السلام بان يقول «هداك الله أو أنعم الله صباحك أو
أطال الله بقاءك» ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله «وعليك» انتهى أقول :
الذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما تقدم من صحيحة زرارة أو حسنته في رد النبي (صلىاللهعليهوآله) على اليهود ، وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين
__________________
(عليهالسلام) لابتدأوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلموا عليكم فقولوا
وعليكم».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن اليهودي والنصراني والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو
جالس كيف ينبغي ان يرد عليهم؟ قال يقول عليكم».
وعن محمد بن
مسلم في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل
عليك».
وعن زرارة عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام».
وعن محمد بن
عرفة عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «قيل لأبي عبد الله (عليهالسلام) كيف أدعو لليهودي والنصراني؟ قال تقول بارك الله لك في
دنياك».
أقول :
المستفاد من الخبر الأول تحريم ابتداء أهل الكتاب بالسلام ونحوهم من المشركين
بطريق الاولى ، ولا ينافي ذلك ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليهالسلام) أرأيت ان احتجت الى متطبب وهو نصراني ان أسلم وأدعو له؟
قال نعم ولا ينفعه دعاؤك». لأنا نجيب عنه بالحمل على حال الضرورة ، وكذا ما تقدم
ايضا من حديث «أفشوا سلام الله فان سلام الله لا ينال الظالمين». ونحوه ، لأنا
نجيب عنه بان خبر غياث خاص وهذا عام والقاعدة تقديم العمل بالخاص وتخصيص العموم
به.
وأكثر هذه
الأخبار إنما اشتملت على الرد ب «عليكم أو عليك» واما ما ذكره من الرد بتلك
الألفاظ فلم نقف له على دليل ، نعم ربما يقال في مقام الدعاء له كما يشعر به خبر
محمد بن عرفة لا في مقام رد السلام كما ادعاه. نعم رواية زرارة قد
__________________
تضمنت الرد ب «سلام» والظاهر انه على تقدير الرواية بفتح السين من قبيل
قوله عزوجل «سَلامٌ عَلَيْكَ
سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» وقوله سبحانه «وَقُلْ سَلامٌ
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» والوجه في جوازه انه لم يقصد به التحية وانما قصد به
المباعدة والمتاركة قال أمين الإسلام الطبرسي (قدسسره) في تفسير الآية الأخيرة «وَقُلْ سَلامٌ» تقديره وقل أمرنا وأمركم سلام اى متاركة. ثم قال في بيان
معنى الآية :
«وقل سلام» اى
مداراة ومتاركة. وقيل هو سلام هجران ومجانبة لا سلام تحية وكرامة كقوله «سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا
نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» وقال في معنى الآية الاولى : وقال إبراهيم «سَلامٌ عَلَيْكَ» سلام توديع وهجر على الطف الوجوه وهو سلام متاركة
ومباعدة عن الجبائي وابى مسلم. وقيل هذا سلام إكرام وبر فقابل جفوة أبيه بالبر
تأدية لحق الأبوة اى هجرتك على وجه جميل من غير عقوق. انتهى. ولم أقف لهذا المعنى
في كتب اللغة على ذكر مع أن الآيات كما ترى ظاهرة فيه.
ثم ان أكثر هذه
الروايات انما اشتملت على الرد ب «عليكم السلام» و «عليك» بدون الواو ورواية غياث
اشتملت على ذكر الواو ، واخبار العامة أيضا مختلفة ففي بعضها بالواو وفي بعض آخر
بدونها والمعنى بدون الواو ظاهر لان المقصود حينئذ ان الذي
تقولون لنا مردود عليكم ، وهم غالبا ـ كما سمعت من صحيحة زرارة ـ إنما يسلمون بالسام الذي هو الموت ، واما مع الواو
فيشكل لأن الواو تقتضي إثبات ما قالوه على نفسه وتقريره عليها حتى يصح العطف فيدخل
معهم في ما دعوا به ، ولهذا قال ابن الأثير في النهاية : قال الخطابي عامة
المحدثين يروون «وعليكم» بإثبات واو العطف وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وهو
الصواب لأنه
__________________
إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بنفسه مردودا عليهم خاصة وإذا أثبت
الواو وقع الاشتراك معهم في ما قالوه لأن الواو تجمع بين الشيئين. والمثبتون للواو
اختلفوا فقال بعضهم انها للاستئناف لا العطف فلا تقتضي الاشتراك. وقال عياض : هذا
بعيد والاولى ان يقال الواو على بابها من العطف غير انا نجاب فيهم ولا يجابون فينا
كما دل عليه الحديث. ثم قال حذف الواو أصح معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر. انتهى.
وقال بعض
أصحابنا بعد نقل ذلك : وهذا ليس بأولى لأن المفسدة قبول المجيب دعاءهم على نفسه
وتقريره عليها وقبول المشاركة وهي باقية غير مدفوعة بما ذكره. ثم قال ثم أقول
ويمكن ان يقال إذا علم المجيب انهم قالوا «السام عليك» يجيب ب «عليكم» بدون واو
كما فعله (صلىاللهعليهوآله) وإذا علم انهم قالوا «السلام عليك» كما هو المعروف في
التحية يجيب بقوله «وعليكم» فيقبل سلامهم على نفسه ويقرره عليها ويأتي بلفظ يفيد
المشاركة إلا ان ذلك لا ينفعهم وفائدته مجرد الرفق وتأليف القلوب ، وكذا يصح ان
يجب ب «عليك» بدون واو ، وبذلك يتحقق الجمع بين الروايات. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : ما ذكره من الجمع جيد الا ان الظاهر ان الأجود منه حمل رواية غياث على
التقية لأنه لم يرد لفظ الواو في غيرها من الروايات المتقدمة ،
ويعضده ان الراوي عامي بتري فهو موافق لأكثر رواياتهم وأصحها كما عرفت من كلامهم.
ثم انه هل يجب
الرد عليهم؟ استشكله بعض الأصحاب ثم قال ولعل العدم أقوى. وقال الفاضل المازندراني
في حاشيته على الكتاب : ثم ان الأمر بردهم على سبيل الرخصة والجواز دون الوجوب وان
احتمل نظرا الى ظاهره كما نقل عن ابن عباس والشعبي وقتادة من العامة ، واستدلوا
بعموم الآية «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ
فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» حيث قال بأحسن منها للمسلمين وقوله «أَوْ رُدُّوها»
__________________
لأهل الكتاب. والحق ان كليهما للمسلمين لعدم وجوب الرد بالأحسن للمسلمين
اتفاقا بل الواجب أحد الأمرين اما الرد بالأحسن أو بالمثل. انتهى. وهو جيد.
الرابعة عشرة ـ
قد صرح الأصحاب بأنه يكره ان يخص طائفة من الجمع بالسلام ، وانه يستحب ان يسلم
الراكب على الماشي والقائم على الجالس والطائفة القليلة على الكثيرة والصغير على
الكبير وأصحاب الخيل على أصحاب البغال وهما على أصحاب الحمير.
أقول وقد تقدم في روايتي عنبسة بن مصعب وابن بكير عن بعض أصحابه
الدلالة على ذلك ، قال بعض شراح الحديث : اما بدأة الصغير على الكبير فلأن للكبير
على الصغير فضلا بالسن فحصل له بذلك مزية التقدم بالتحية ، نعم لو كان للصغير
فضائل نفسانية مثل العلم والأدب دون الكبير لا يبعد القول بالعكس لأن مراعاة الفضل
البدني تقتضي مراعاة الفضائل النفسانية بالطريق الاولى ، ولان العالم له نسبة
مؤكدة إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة المعصومين (عليهمالسلام) دون الجاهل ، ومن اعتبر حال بعض الأئمة والأنبياء علم
ان تقدمهم على غيرهم مع صغر سنهم انما كان لأجل كمالاتهم. وحمل الصغير والكبير على
الصغير المعنوي والكبير المعنوي مستبعد. واما بدأة المار على القاعد فلان القاعد
قد يقع في نفسه خوف من القادم فإذا ابتدأ القادم بالسلام أمن ، أو لأن القاعد لو
أمر بالبدأة على المارين شق عليه لكثرة المارين بخلاف العكس. واما بدأة القليل على
الكثير فلفضلة الجماعة وايضا لو بدأت الجماعة على الواحد لخيف معه الكبر ، ويحتمل
غير ذلك. واما بدأة الراكب على الماشي فلان للراكب فضلا دنيويا فعدل الشرع بينهما
فجعل للماشي فضيلة أن يبدأ بالسلام ، أو لأن الماشي قد يخاف من الراكب فإذا سلم
الراكب عليه أمن ، أو لأنه لو ابتدأ الماشي بالسلام على الراكب خيف على الراكب
الكبر. انتهى وهو جيد مستفاد من الأخبار كما لا يخفى على من جلس خلال الديار.
والله العالم.
__________________
الخامسة عشرة ـ
قد عرفت من جملة من الأخبار المتقدمة في صدر المسألة جواز التسليم على المصلى بل
استحبابه وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يكره السلام على
المصلى للعموم.
وفيه ان رواية
الخصال المتقدمة ثمة ـ وهي من الموثقات عن مسعدة بن صدقة قال فيها : «لا
تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على
موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث ولا على الشاعر الذي
يقذف المحصنات ولا على المصلى. إلى آخر ما تقدم ثمة». ـ ظاهرة في النهي عن ذلك ،
وقد عللها بما ذكره من ان المصلى لا يستطيع ان يرد السلام لان التسليم من المسلم
تطوع والرد فريضة ، والظاهر ان المقصود من التعليل المذكور انه لما كان الرد فريضة
فلا بد له أن يرد متى سلم عليه وفي ذلك شغل له عن التوجه والإقبال على صلاته ، فمعنى
كونه لا يستطيع أن يرد السلام اى من حيث استلزامه للشغل له.
ويعضد هذه
الرواية أيضا ما رواه في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر
بن محمد (عليهماالسلام) قال : «كنت أسمع أبي يقول إذا دخلت المسجد الحرام
والقوم يصلون فلا تسلم عليهم وسلم على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم أقبل على صلاتك ، وإذا دخلت على قوم جلوس يتحدثون
فسلم عليهم».
وظاهر صاحب
المدارك الميل الى القول بالكراهة لهذه الرواية الأخيرة حيث انه قال ـ بعد ان نقل
عن جمع من الأصحاب انه لا يكره السلام على المصلى للعموم ـ ما لفظه : ويمكن القول
بالكراهة لما رواه عبد الله بن جعفر في كتابه قرب الاسناد عن الصادق (عليهالسلام). الى آخر ما تقدم.
أقول : الأظهر
عندي حمل ما دل على المنع على التقية لما تقدم من ان
__________________
مذهب جمهور العامة المنع من الرد وإنما يشير بإصبعه ، وأبو حنيفة قد منع من
الرد والإشارة مع ان الراوي عن ابى عبد الله في رواية قرب الاسناد
إنما هو الحسين ابن علوان كما عرفت وهو عامي والعجب من صاحب المدارك في اعتماده عليها والحال كما
عرفت مع مناقشة الأصحاب في الروايات الصحيحة وتصلبه في الأدلة كيف ركن الى هذه
الرواية وأسندها إلى الصادق (عليهالسلام) ولم يذكر الراوي عنه لئلا يتطرق إليه المناقشة بما
ذكرناه. وبالجملة فالأظهر عندي هو ما عرفت. والله العالم.
المسألة
الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز للمصلي تسميت العاطس ،
والتسميت على ما نقل عن الجوهري ذكر اسم الله تعالى على الشيء ، وتسميت العاطس ان
يقول له «يرحمك الله» بالسين والشين جميعا ، قال ثعلب الاختيار بالسين لأنه مأخوذ
من السمت وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبيد الشين أعلى في كلامهم وأكثر. وقال ايضا
تسميت العاطس دعاء له وكل داع لأحد بخير فهو مسمت ومشمت. وقال في القاموس :
التسميت ذكر الله على الشيء والدعاء للعاطس. وفي المجمل يقولون للعاطس «يرحمك
الله» فيقال التسميت. ويقال التسميت ذكر الله على الشيء. وفي النهاية التسميت
بالسين والشين الدعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما. وقال في المصباح المنير
للفيومى : السمت الطريق والسمت القصد والسكينة والوقار وهو حسن السمت أي الهيئة ،
والتسميت ذكر الله تعالى على الشيء وتسميت العاطس الدعاء له ، وبالشين المعجمة
مثله. وقال في التهذيب سمته بالسين والشين إذا دعا له ، وقال أبو عبيد الشين
المعجمة أعلى وأفشى. وقال ثعلب السين المهملة هي الأصل أخذا من السمت وهو القصد
والهدى والاستقامة ، وكل داع بخير فهو مسمت اى داع بالعود والبقاء الى سمته.
انتهى.
والمشهور في
كلام الأصحاب جوازه للمصلي بل استحبابه ، وظاهر المحقق في
__________________
المعتبر التوقف فيه إلا انه قال بعد ذلك : والجواز أشبه بالمذهب.
والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة عن ابى بصير عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له اسمع العطسة وانا في الصلاة فاحمد الله
تعالى وأصلي على النبي (صلىاللهعليهوآله)؟ قال نعم». وزاد في الكافي «وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل الحمد لله».
وما رواه في
الكافي عن جراح المدائني قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) للمسلم على أخيه من الحق ان يسلم عليه إذا لقيه ويعوده
إذا مرض وينصح له إذا غاب ويسمته إذا عطس ـ يقول الحمد لله رب العالمين لا شريك له
ويقول له يرحمك الله ، فيجيبه يقول له يهديكم الله ويصلح بالكم ـ ويجيبه إذا دعاه
ويشيعه إذا مات».
وعن مسعدة بن
صدقة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا عطس الرجل فسمتوه ولو من وراء جزيرة». وفي رواية
أخرى «ولو من وراء
البحر».
وعن إسحاق بن
يزيد ومعمر بن ابى زياد وابن رئاب قالوا : «كنا جلوسا عند ابى عبد الله (عليهالسلام) إذ عطس رجل فما رد عليه أحد من القوم شيئا حتى ابتدأ
هو فقال سبحان الله ألا سمعتم؟ من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا اشتكى وان
يجيبه إذا دعاه وان يشهده إذا مات وان يسمته إذا عطس».
وعن داود بن
الحصين قال : «كنا عند ابى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
فأحصيت في البيت أربعة عشر رجلا فعطس أبو عبد الله (عليهالسلام) فما تكلم أحد من القوم فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) ألا تسمتون؟ من حق المؤمن على المؤمن إذا مرض ان يعوده
وإذا مات ان يشهد جنازته وإذا عطس ان يسمته ـ أو قال أن يشمته ـ وإذا دعاه ان
يجيبه».
والظاهر ان
مستند الأصحاب في ما ذهبوا اليه من استحباب تسميت المصلى لغيره هو عموم هذه
الأخبار فإنها شاملة للمصلي وغيره ، ويستفاد من هذه الاخبار استحباب الحمد لله
والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) للعاطس والسامع ، قال في المنتهى :
ويجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس ويصلى على النبي وآله (صلوات الله عليهم) وان
يفعل ذلك إذا عطس غيره وهو مذهب أهل البيت (ع)
ويفهم من بعض
الأخبار توقف استحباب التسميت على حمد الله سبحانه بل الصلاة على النبي وآله (صلوات
الله عليهم) من العاطس فلو لم يفعل لم يستحب تسميته كما سيأتي ان شاء الله.
وهل يجب على
العاطس الرد؟ الأظهر ذلك ، وصرح جمع : منهم ـ صاحب المدارك بالعدم قال : وهل يجب
على العاطس الرد؟ الأظهر لا لانه لا يسمى تحية.
أقول : قد روى
في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن ابى جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) مما علمه أصحابه في مجلس واحد من أربعمائة باب مما يصلح
للمسلم في دينه قال (عليهالسلام) «إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله وهو يقول
يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله عزوجل (وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)» . وهو ظاهر الدلالة في المطلوب ، والظاهر عدم وقوف هؤلاء
القائلين على الخبر المشار اليه.
وقد صرح جملة
من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى
__________________
في استحباب التسميت باشتراط كون العاطس مؤمنا ، قال في الذخيرة : ويحتمل
الجواز في المسلم مطلقا عملا بظاهر رواية جراح وغيرها مما اشتمل على ذكر المسلم.
وهو ضعيف فان لفظ المسلم وان ذكر كما نقله إلا ان المراد به المؤمن وإطلاقه عليه
أكثر كثير في الآيات والأخبار ، ويؤيده عد التسميت في قرن تلك الأشياء المعدودة من
حقوق الإخوان فإنها مخصوصة بالمؤمنين كما لا يخفى ، فما ذكره من الاحتمال لا وجه
له بالكلية.
ولا بأس بنقل
جملة من الأخبار الواردة في العطس لما فيها من الفوائد والأحكام وان كانت خارجة من
محل البحث في المقام :
ومنها ـ ما
رواه في الكافي عن صفوان في الصحيح قال : «كنت عند الرضا (عليهالسلام) فعطس فقلت له صلى الله عليك ثم عطس فقلت له صلى الله
عليك ثم عطس فقلت له صلى الله عليك. وقلت جعلت فداك إذا عطس مثلك يقال له كما يقول
بعضنا لبعض «يرحمك الله» أو كما نقول؟ قال نعم ، قال أو ليس تقول صلى الله على
محمد وآل محمد؟ قلت بلى. قال وارحم محمدا وآل محمد؟ قال بلى وقد صلى عليه ورحمه
وانما صلاتنا عليه رحمة لنا وقربة».
بيان : قوله «إذا
عطس مثلك» اى من أهل العصمة ولعل الترديد من الراوي بناء على ان مثلكم مرحومون
قطعا فلا فائدة في طلب الرحمة لكم كما يقول بعضنا لبعض لانه تحصيل حاصل. وقوله «كما
نقول» إشارة إلى قوله «صلى الله عليك» «قال نعم» يعنى كل من الأمرين جائز لا بأس
به. ثم أشار الى أن الفائدة في الترحم علينا لكم لا لنا. ثم قال له : أو ليس تقول
صلى الله على محمد وآله محمد؟ قلت بلى. وقال ارحم محمدا وآل محمد قال الامام بلى.
يعني أنك تقول ذلك بعد الصلاة والحال ان الله سبحانه صلى عليه ورحمه فلا حاجة به
الى صلاة مصل ولا ترحم مترحم وإنما فائدة ذلك راجعة الى المصلى. وبذلك صرح جملة من
أصحابنا (رضوان الله عليهم) قال
__________________
شيخنا الشهيد الثاني في شرح اللمعة : وغاية السؤال بها أي بالصلاة عائدة
الى المصلى لأن الله سبحانه وتعالى قد اعطى نبيه من المنزلة والزلفى لديه ما لا
تؤثر فيه صلاة مصل كما نطقت به الاخبار وصرح به العلماء الأخيار. انتهى.
ومنها ـ ما
رواه في الكتاب المذكور عن أيوب بن نوح قال : «عطس يوما وأنا عنده فقلت جعلت فداك ما يقال
للإمام إذا عطس؟ قال يقول صلى الله عليك».
بيان : قد عرفت
من الحديث السابق جواز تسميتهم (عليهمالسلام) بما يقول بعضنا لبعض من قوله «يرحمك الله» وسيأتي ما
يدل عليه ايضا ، ولعل التخصيص هنا بهذه الصورة لأنها أفضل الفردين.
ومنها ـ ما
رواه عن احمد بن محمد بن ابى نصر قال : «سمعت الرضا (عليهالسلام) يقول : التثاؤب من الشيطان والعطسة من الله تعالى».
بيان : ثئب
وتثأب أصابه كسل وفترة كفترة النعاس ، قال عياض : التثأب بشد الهمزة والاسم
الثؤباء ، وقال ابن دريد وأصله من «ثئب الرجل فهو مثؤوب» إذا استرخى وكسل. وقال في
مجمع البحرين : التثأب فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه يقال تثاءبت على تفاعلت
إذا فتحت فاك وتمطيت لكسل أو فترة والاسم الثؤباء. قال بعض الأفاضل وانما نسبه الى
الشيطان لانه من تكسيله وسببه. وقيل أضيف إليه لأنه يرضيه. وقيل إنما ينشأ من
امتلاء البدن وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم ولذلك كرهه
الله وأحبه الشيطان (لعنه الله) والعطاس لما كان سببا لخفة الدماغ واستفراغ
الفضلات وصفاء الروح وتقوية الحواس كان امره بالعكس ولكن التثأب من الشيطان. قيل
انه ما تثأب نبي قط. انتهى.
ومنها ـ ما
رواه عن صالح بن ابى حماد قال : «سألت العالم (عليهالسلام) عن
__________________
العطسة وما العلة في الحمد لله عليها؟ فقال ان لله تعالى نعما على عبده في
صحة بدنه وسلامة جوارحه وان العبد ينسى ذكر الله تعالى على ذلك وإذا نسي أمر الله
تعالى الريح فجالت في بدنه ثم يخرجها من انفه فيحمد الله تعالى على ذلك فيكون حمده
عند ذلك شكرا لما نسي».
بيان : يستفاد
من هذا الخبر وجه ما تقدم في سابقه من قوله : «العطسة من الله تعالى» والظاهر انه
أقرب مما ذكره ذلك الفاضل ، وحاصل ذلك ان معنى كونها من الله تعالى انه هو الذي
حمل عبده عليها بإدخال الريح في بدنه وإخراجها من انفه ليحمد الله تعالى عند ذلك.
ومنها ـ ما
رواه عن جابر قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) نعم الشيء العطسة تنفع في الجسد وتذكر بالله تعالى.
قلت ان عندنا قوما يقولون ليس لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) في العطسة نصيب؟ فقال (عليهالسلام) ان كانوا كاذبين فلانا لهم الله شفاعة محمد صلىاللهعليهوآله».
وعن ابن ابى
عمير عن بعض أصحابه قال «عطس رجل عند ابى جعفر (عليهالسلام) فقال الحمد لله فلم يسمته أبو جعفر (عليهالسلام) وقال نقصنا حقنا ، ثم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد
لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته. قال فقال الرجل فسمته أبو جعفر عليهالسلام».
بيان : نقصه
ونقصه بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد ، وفي الخبر دلالة على ما قدمنا الإشارة إليه
من ان استحقاق التسميت موقوف على حمد العاطس وصلاته على محمد وآله (صلوات الله
عليهم) ، وهو مروي من طريق العامة أيضا لكن بالنسبة إلى التحميد ، روى مسلم عن انس
بن مالك قال : «عطس عند النبي (صلى الله عليه
__________________
وآله) رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته
وعطست انا فلم تشمتني؟ فقال ان هذا حمد الله وانك لم تحمد الله تعالى».
وعن الفضيل بن
يسار قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) ان الناس يكرهون الصلاة على محمد وآله في ثلاثة مواطن
: عند العطسة وعند الذبيحة وعند الجماع؟ فقال أبو جعفر (عليهالسلام) ما لهم ويلهم نافقوا لعنهم الله».
وعن سعد بن ابى
خلف في الصحيح أو الحسن قال : «كان أبو جعفر (عليهالسلام) إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يغفر الله لكم ويرحمكم
، وإذا عطس عنده انسان قال له يرحمك الله».
بيان : هذا
الحديث يشتمل على ما اشتمل عليه حديث الخصال في رد التسميت ، قال في المدارك :
والاولى في كيفية الرد الاعتماد على ما رواه الكليني في الحسن عن سعد بن ابى خلف ،
ثم ساق الرواية.
وعن السكوني عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال الحمد لله فقال له النبي (صلىاللهعليهوآله) بارك الله فيك».
بيان : فيه
دلالة على استحباب تسميت الغلام إذا حمد الله تعالى بمثل هذا القول وان لم يتعرض
له الأصحاب في ما أعلم.
وعن محمد بن
مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا عطس الرجل فليقل الحمد لله لا شريك له ،
وإذا سمت الرجل فليقل يرحمك الله ، وإذا رد فليقل يغفر الله لك ولنا ، فان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) سئل عن آية أو شيء فيه ذكر الله تعالى فقال كل ما ذكر
الله فيه فهو حسن».
__________________
بيان : لا
ينافي هذا الخبر ما تقدم في مرسلة ابن ابى عمير من عدم تسميت الإمام للرجل حتى
أردف التحميد بالصلاة ، لأن غاية هذا الخبر ان يكون مطلقا فيجب تقييده بالخبر
المتقدم. ويحتمل ـ ولعله الأظهر ـ حمل الخبر الأول على التأديب وان جاز الاقتصار
على مجرد التحميد.
والمستفاد من
اخبار المسألة بالنسبة إلى العاطس انه يقول «الحمد لله» فان اقتصر عليها فهو جائز
وان زاد عليها «رب العالمين أو لا شريك له» أو نحو ذلك فهو أفضل وان زاد الصلاة
فهو أفضل الجميع سيما مع ما ذكرناه من الألفاظ الزائدة على التحميد ، وبالنسبة إلى
التسميت ان يقول «يرحمك الله أو يرحمكم الله» وفي الجواب ما ذكر في هذه الرواية ،
وأحسن منه ما تقدم في روايتي الخصال وسعد بن ابي خلف ، وان اتى بنحو ذلك فلا بأس
فإن الظاهر حمل هذه الروايات على التمثيل في الدعاء لأخيه من الدعاء بالخير للعاطس
وجوابه بما يناسب ذلك.
واما قوله في
آخر الخبر : «سئل عن آية أو شيء. إلخ» وفي نسخة الفاضل المازندراني ـ كما ذكره ـ «فان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سئل عن آية تقال عند العطسة أو شيء فيه ذكر الله
تعالى. إلخ» والمعنى على كل من النسختين واضح فان حاصله ان النبي (صلىاللهعليهوآله) سئل عن آية معينة أو ذكر معين يقال عند التسميت أورده
فقال كل ما تضمن ذكر الله عزوجل المناسب لمقام التسميت ورده فهو حسن. وهو عين ما أشرنا
إليه آنفا.
وعن مسمع قال «عطس أبو عبد الله (عليهالسلام) فقال «الحمد لله رب العالمين» ثم جعل إصبعه على انفه
فقال رغم الله أنفي رغما داخرا».
بيان : هذا
الحكم غير مذكور في ما حضرني من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وينبغي ان يعد في
مستحبات العطس ايضا.
وعن محمد بن
مروان رفعه قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام)
__________________
من قال إذا عطس «الحمد لله رب العالمين على كل حال» لم يجد وجع الأذنين
والأضراس».
وعن ابن فضال
عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في وجع الأضراس ووجع الآذان إذا سمعتم من يعطس
فابدأوه بالحمد لله».
وعن زيد الشحام
قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من سمع عطسة فحمد الله تعالى وصلى على النبي وأهل بيته
(صلىاللهعليهوآله) لم يشتك عينه ولا ضرسه. ثم قال ان سمعتها فقلها ولو
كان بينك وبينه البحر».
وعن عبد الرحمن
بن ابى نجران عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «عطس رجل نصراني عند ابى عبد الله (عليهالسلام) فقال له القوم «هداك الله» فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) «يرحمك الله» فقالوا له انه نصراني؟ فقال (عليهالسلام) لا يهديه الله حتى يرحمه».
بيان : هذا
الخبر بظاهره مناف لما تقدم نقله عن الأصحاب من اشتراط الإيمان في تسميت العاطس
كما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، ويمكن ان يقال بمعونة الأخبار المتقدمة الدالة
على اشتراط الايمان ان قصده (عليهالسلام) من التسميت ب «يرحمك الله» انما هو المنع من تسميته
بما ذكروه وبغيره وانه ليس أهلا للتسميت ، لأن تحاشيهم عن لفظ «يرحمك الله» الى ما
ذكروه لا يغني إذ الهداية مستلزمة لسبق الرحمة الموجبة لهدايته فالأولى ان لا يسمت
بحال. وهذا معنى لطيف وان تسارع الفهم القاصر الى رده.
وعن مسعدة بن
صدقة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا عطس المرء المسلم ثم سكت لعلة تكون به قالت
الملائكة عنه «الحمد لله رب العالمين» فان قال «الحمد لله رب العالمين» قالت
الملائكة «يغفر
__________________
الله لك» قال : وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) العطاس للمريض دليل العافية وراحة للبدن».
وعن حذيفة بن
منصور قال قال : «العطاس ينفع للبدن كله ما لم يزد على الثلاث فإذا زاد على
الثلاث فهو داء وسقم».
وعن زرارة عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا عطس الرجل ثلاثا فسمته ثم اتركه».
وعن ابى بكر
الحضرمي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قوله تعالى (إِنَّ أَنْكَرَ
الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) قال العطسة القبيحة».
بيان : العطسة
القبيحة المشتملة على الصوت المستنكر يعنى انها مندرجة تحت الآية لا ان الآية
مختصة بها. وفيه إشارة الى الأمر بالاعتدال.
وعن القاسم عن
جده عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال «الحمد
لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو اهله وصلى الله على محمد النبي وآله
وسلم» خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يصير تحت
العرش يستغفر له الى يوم القيامة».
وعن محمد بن
يحيى عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة قال «كنت أجالس أبا عبد الله (عليهالسلام) فلا والله ما رأيت مجلسا أنبل من مجالسه ، قال فقال لي
ذات يوم من اين تخرج العطسة؟ فقلت من الأنف. فقال لي أصبت الخطأ فقلت جعلت فداك من
اين تخرج؟ فقال من جميع البدن كما ان النطفة تخرج من
__________________
جميع البدن ومخرجها من الإحليل ، ثم قال اما رأيت الإنسان إذا عطس نفض
أعضاءه؟ وصاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام».
وعن السكوني عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تصديق الحديث عند العطاس».
وبهذا الاسناد قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا كان الرجل يتحدث بحديث فعطس عاطس فهو شاهد حق».
وعن القداح عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تصديق الحديث عند العطاس».
بيان : قال بعض
المحدثين لعل السر فيه ان العطسة رحمة من الله تعالى للعبد ويستبعد نزول الرحمة في
مجلس يكذب فيه خصوصا عند صدور الكذب فإذا قاربت الحديث دلت على صدقه. انتهى.
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن
محمد بن يحيى عن غياث عن جعفر (عليهالسلام) «في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال فسدت صلاة ذلك الرجل».
بيان : قال ابن
إدريس بعد إيراد الخبر : التسميت الدعاء للعاطس بالسين والشين معا ، وليس على
فسادها دليل لان الدعاء لا يقطع الصلاة. انتهى. وهو جيد وغير بعيد ان هذا الخبر
خرج مخرج التقية لأنه نسب إلى الشافعي وبعض العامة القول بالتحريم مع ان ظاهر الخبر بطلان صلاة العاطس وان لم يرد فإنه هو
الذي في الصلاة واما المسمت فغير ظاهر من الخبر كونه في الصلاة. وكيف ما كان
__________________
فبالحمل على أيهما كان لا يمكن القول بالبطلان لما تقدم. والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف هو تحريم
قطع الصلاة اختيارا وقيده جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في بعض كتبه بالفريضة.
واحتج عليه
بوجهين (الأول) ان الإتمام واجب وهو ينافي القطع فيكون القطع محرما (الثاني) قوله
تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» .
والأول منهما
لا يخلو من مصادرة ، والثاني لا يخلو من الإجمال المانع من الاستناد إليه في
الاستدلال ، ولهذا صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين بأنهم لم يقفوا في المسألة
على دليل يعتمد عليه وكان بعض المعاصرين يفتي لذلك بجواز قطع الصلاة اختيارا ،
ويجوز له في الشكوك المنصوصة قطع الصلاة والإعادة من رأس للخروج عما في بعض صورها
من الخلاف.
أقول : والحق
ان الدليل على ذلك ما تقدم في الأخبار الكثيرة من ان تحريمها التكبير وتحليلها
التسليم . ، فإنه لا معنى لكون تحريمها التكبير إلا تحريم ما كان
محللا على المصلى قبل التكبير وانه بالدخول فيها بالتكبير تحرم عليه تلك الأمور من
الاستدبار والكلام عمدا والحدث عمدا ونحو ذلك وان هذه الأشياء إنما تحل عليه
بالتسليم ، وهذا المعنى من هذه العبارة أظهر من ان يخفى والروايات بهذا المضمون
متكاثرة كما تقدمت في فصل التكبير والتسليم فلا مجال للتوقف في ذلك. وبذلك يظهر
انه لا يجوز قطع الصلاة ولا الخروج منها الا بالتسليم. نعم يستثني من ذلك ما دلت
النصوص على جواز القطع له كما يأتي ان شاء الله تعالى.
ويؤيده ما رواه
الشيخ والكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج
__________________
قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه
أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة
فليصل وليصبر».
وقد تقدمت هذه
الرواية وتقدمت روايات أخر في معناها ، والتقريب فيها ان الأمر
بالصلاة والصبر الذي هو حقيقة في الوجوب ظاهر في تحريم القطع في الصورة المذكورة
مع ما عرفت من الروايات الدالة على كراهة الصلاة مع المدافعة وانه
بمنزله من هو في ثيابه ، وإذا ثبت في هذه الصورة ثبت في ما سواها بطريق الاولى ،
ولو كان القطع جائزا في حد ذاته لما أمر باحتمال الأذى ولربما تضرر به إلا ان يخاف
سبق الحدث فإنه يجوز له القطع من حيث خوف خروجه.
ثم انه قد ذكر
الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يجوز قطع الصلاة لأشياء وعبر عنها بعض بالضرورة كقبض
الغريم وحفظ النفس المحرمة من التلف والضرر وإنقاذ الغريق وقتل الحية التي يخافها
على نفسه وإحراز المال ـ وربما قيد بما يضر ضياعه ـ وخوف ضرر الحدث مع إمساكه ،
الى غير ذلك. والذي وقفت عليه من اخبار المسألة
ما رواه الصدوق
في الصحيح عن حريز عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق
أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك
واقتل الحية». ورواه في الكافي عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) مثله .
وعن سماعة قال : «سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة
فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل
الصلاة. قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف ان تذهب
__________________
أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز ويعود الى صلاته».
أقول : والحديث
الأول وان دل على قطع الصلاة إلا انه غير صريح ولا ظاهر في الإعادة من رأس بعد
الإتيان بتلك الأشياء بل من الجائز بناؤه على ما مضى إلا مع وقوع أحد المبطلات في
البين من كلام عمدا أو استدبار أو نحو ذلك ، وكذا آخر الحديث الثاني وقوله فيه : «ويعود
الى صلاته» بل هو ظاهر في البناء على ما مضى كما لا يخفى ، وعلى هذا يجب حمل صدر
الخبر الثاني وقوله فيه «ثم يستقبل الصلاة» على ما إذا استلزم أحد المبطلات.
وبالجملة فالخبران غير صريحين في ما ادعاه الأصحاب من إبطال الصلاة بهذه الأشياء
إلا أن يدعى ان القطع إنما يطلق على الإبطال خاصة ولهذا سموا مبطلات الصلاة قواطع
في عباراتهم. وهو غير بعيد إذ هو المتبادر من ظاهر هذا اللفظ.
وقسم الشهيدان
القطع ههنا إلى الأقسام الخمسة ، فقال في الذكرى بعد حكمه أولا بتحريم القطع إلا
في مواضع الضرورة : وقد يجب القطع كما في حفظ الصبي والمال المحترم من التلف
وإنقاذ الغريق والمحترق ، وحيث يتعين عليه فلو استمر بطلت صلاته للنهى المفسد
للعبادة ، وقد لا يجب بل يباح كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها وإحراز
المال الذي لا يضر فوته ، وقد يستحب كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة
الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة والائتمام بإمام الأصل وغيره ، وقد يكره
كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفوته مع احتمال التحريم. انتهى
أقول : ما
ذكراه (قدسسرهما) في صورة وجوب القطع من الكم ببطلان الصلاة لو تعين
عليه واستمر في صلاته مبنى على استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص والظاهر
منه في غير موضع من كتابه المذكور عدم القول بذلك ، وبالجملة فالحكم بالبطلان ضعيف
بل غايته حصول الإثم.
واما ما ذكراه
في صورتي الإباحة والكراهة فمحل إشكال ، لأن الدليل قد دل على تحريم القطع كما
قدمنا بيانه ولا يجوز الخروج عنه إلا بدليل ظاهر الدلالة
على الجواز ، وظهور ما ادعوه من الخبرين المذكورين محل منع. وما ذكر من
التمثيل بالحية التي لا يغلب على الظن أذاها وإحراز المال الذي لا يضر فوته لا
دليل عليه ، والقطع للحية في الخبر الأول وقع مقيدا بخوفها على نفسه ، واما المال
فان المفهوم من الروايتين كونه مما يعتد به ويضر بالحال فوته فيكون القطع في
الموضعين داخلا تحت القطع الواجب.
وقد وافقنا في
هذا الموضع السيد السند (قدسسره) في المدارك إلا انه يرجع الى موافقة الجماعة لعدم
الدليل على تحريم القطع ، ونحوه الفاضل الخراساني (قدسسره) في الذخيرة ، قال في المدارك بعد نقل التقسيم إلى
الأقسام الخمسة عن جده وعدها كما ذكره : ويمكن المناقشة في جواز القطع في بعض هذه
الصور لانتفاء الدليل عليه إلا انه يمكن المصير اليه لما أشرنا إليه من انتفاء
دليل التحريم. انتهى. وفيه انا قد أوضحنا بحمد الله دليل التحريم في المقام بما لا
يتطرق اليه نقض ولا إبرام.
ثم انه قال في
الذكرى : وإذا أراد القطع فالأجود التحلل بالتسليم. والظاهر ضعفه إذ المتبادر من
الخبر انما هو بالنسبة إلى الصلاة التامة. والله العالم.
المطلب الثاني في السهو
وهو عبارة عن
زوال الشيء عن القوة الذاكرة مع بقائه في القوة الحافظة ولهذا انه يحصل بالتذكر ،
والنسيان عبارة عن زواله عن القوتين معا ولهذا يحتاج إلى المراجعة والتعلم ولا
يحصل بمجرد التفكر والتذكر. وربما قيل بالمرادفة بينهما والظاهر الأول. والشك هو
تساوى الطرفين ، وقد يطلق السهو في الأخبار وكلام الأصحاب على الشك ايضا.
وكيف كان
فالكلام في هذا المطلب يقع في مسائل (الأولى) لا خلاف بين الأصحاب في بطلان الصلاة
بالإخلال بركن منها وإن كان سهوا ، وقد تقدم بيان
ذلك في المقصد الأول المشتمل على تعداد أفعال الصلاة وتفصيلها في فصول.
نعم وقع الخلاف
هنا في موضعين (الأول) ان من أخل بالركوع ناسيا حتى سجد فهل تبطل صلاته أم لا؟ قولان
، المشهور الأول وهو مذهب الشيخ المفيد والمرتضى وسلار وابن إدريس وابى الصلاح
وابن البراج وهو المحكي عن ظاهر ابن ابى عقيل وهو مذهب جمهور المتأخرين.
وقال الشيخ في
المبسوط في فصل الركوع : والركوع ركن من أركان الصلاة متى تركه عامدا أو ناسيا
بطلت صلاته إذا كان في الركعتين الأولتين من كل صلاة وكذلك إذا كان في الثالثة من
المغرب ، وان كان من الركعتين الأخيرتين من الرباعية ان تركه متعمدا بطلت صلاته
وان تركه ناسيا وسجد سجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام فركع وتمم صلاته.
انتهى. ونقل عنه ذلك أيضا في كتابي الأخبار وقال في فصل السهو من كتاب المبسوط بعد
ان قسم السهو على خمسة أقسام وعد منها ما يوجب الإعادة ، فقال في تعداد السهو الذي
يوجب الإعادة : ومن ترك الركوع حتى سجد ، وفي أصحابنا من قال يسقط السجود ويعيد
الركوع ثم يعيد السجود.
والأول أحوط
لأن هذا الحكم مختص بالركعتين الأخيرتين. انتهى. ونحوه قال في الجمل والاقتصاد على
ما ذكره في المختلف. وقال في النهاية : فإن تركه ناسيا ثم ذكر في حالة السجود وجب
عليه الإعادة فان لم يذكر حتى صلى ركعة أخرى ودخل في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة
الاولى وبنى كأنه صلى ركعتين ، وكذلك ان كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في
الثانية وذكر في الثالثة أسقط الثانية وجعل الثالثة ثانية وتمم الصلاة.
وقال ابن
الجنيد على ما نقله عنه في المختلف : ولو صحت له الأولى وسها في الثانية سهوا لم
يمكنه استدراكه كأن أيقن وهو ساجد انه لم يركع فأراد البناء على الركعة الأولى
التي صحت له رجوت أن يجزئه ذلك ولو أعاد إذا كان في الأولتين وكان
__________________
الوقت متسعا كان أحب الى ، وفي الثانيتين ذلك يجزئه.
ويقرب منه قول
على بن بابويه ، فإنه قال : وان نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد
صلاتك لأنه إذا لم تثبت لك الأولى لم تثبت لك صلاتك وان كان الركوع من الركعة
الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل الثالثة ثانية والرابعة ثالثة. كذا نقله
عنه في المختلف.
أقول : ما ذكره
الشيخ في فصل السهو من المبسوط عن بعض الأصحاب ـ من القول بالتلفيق مطلقا وان كان
في الأوليين ـ حكاه العلامة في المنتهى عن الشيخ ايضا
احتج القائلون
بالقول المشهور من الابطال مطلقا بأن الناسي للركوع حتى يسجد لم يأت بالمأمور به
على وجهه فيبقى تحت عهدة التكليف الى ان يتحقق الامتثال
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن رفاعة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال
يستقبل».
وعن ابى بصير
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد
سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الرجل ينسى ان يركع؟ قال يستقبل حتى يضع كل شيء من
ذلك موضعه».
وخبر ابى بصير قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل نسي أن يركع؟ قال عليه الإعادة».
واعترض في
المدارك على الدليل الأول فقال : ويتوجه على الأول ان الامتثال يتحقق بالإتيان
بالركوع ثم السجود فلا يتعين الاستئناف ، نعم لو لم يذكر إلا بعد السجدتين اتجه
البطلان لزيادة الركن كما هو مدلول الروايتين الأوليين. والرواية الثالثة ضعيفة
السند فلا تنهض حجة في إثبات حكم مخالف للأصل. انتهى.
أقول : ظاهر
كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة من غير
__________________
خلاف يعرف انه متى سها عن الركوع حتى دخل في السجود فإنه تبطل صلاته وظاهر
السيد (قدسسره) هنا المناقشة في هذا الحكم على عمومه ومنع البطلان في
صورة ما لو ذكر ترك الركوع في السجدة الأولى أو بعدها قبل الدخول في الثانية وانه
يعمل بالتلفيق بغير استئناف ، إذ غاية ما يلزم منه زيادة الواجب وهو غير موجب
للبطلان ، وكأنه يجعله في حكم ما لو وقع سهوا. إلا ان ظاهر إطلاق الأصحاب ـ كما
أشرنا إليه أولا ـ إنما يتم بناء على الإبطال بزيادة الواجب هنا ، ويعضده موثقة
إسحاق بن عمار ورواية أبي بصير الثانية.
ومما يؤيد كلام
السيد السند (قدسسره) ان المفهوم من كلامهم من غير خلاف يعرف انه لو سها عن
واجب يمكن تداركه ثم تداركه فإنه يرتب عليه ما بعده ان كان ثمة واجب ايضا كمن سها
عن الحمد حتى قرأ السورة فإنه يجب عليه اعادة الحمد ثم السورة بعدها ، وهكذا ما
كان نحو ذلك.
ويدل عليه ما
في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) : «وان نسيت الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل ان تركع
فاقرأ الحمد وأعد السورة». وقال في موضع آخر «وان نسيت السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في الثانية من قبل ان تركع
فأرسل نفسك واسجدها ثم قم إلى الثانية وأعد القراءة». وهو صريح في ما دل عليه كلام
السيد السند (قدسسره).
إلا انه يمكن
خروج هذه المسألة التي نحن فيها عن القاعدة المذكورة بما ذكرنا من خبري إسحاق بن
عمار وابى بصير إذ لا معارض لهما في البين ، ويمكن تقييدهما بصحيحة رفاعة ورواية
أبي بصير الأولى ، ولعله أقرب لما عرفت من ظاهر اتفاقهم على اغتفار زيادة الواجب
في مثل ذلك. وكيف كان فالعمل بظاهر روايتي إسحاق ابن عمار وابى بصير الثانية طريق
الاحتياط.
احتج الشيخ (قدسسره) على ما تقدم نقله عنه ، اما على البطلان في الركعتين
__________________
الأوليين وثالثة المغرب فبما ذكرناه من الأخبار ، وعلى إسقاط الزائد
والإتيان بالفائت في الركعتين الأخيرتين من الرباعية بما رواه في التهذيب عن محمد
بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال فان استيقن فليلق السجدتين اللتين
لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وان كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ
وانصرف فليقم فليصل ركعة وسجدتين ولا شيء عليه».
وفي الصحيح عن
العيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم
يركع؟ قال يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو».
أقول : قد روى
في الفقيه رواية محمد بن مسلم بطريق صحيح ومتن أوضح مما نقله الشيخ ، روى عن
العلاء عن محمد بن مسلم ـ وطريقه في المشيخة الى العلاء صحيح ـ عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ فقال يمضي في صلاته حتى يستيقن انه لم
يركع فان استيقن انه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبنى على صلاته
على التمام ، فان كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين
ولا شيء عليه». والظاهر ان هذه الزيادة التي في هذه الرواية قد سقطت من قلم الشيخ
كما لا يخفى على من له انس بطريقته في التهذيب وقد نبهنا على ذلك في غير مقام مما
تقدم.
وروى هذه
الرواية أيضا ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب الحسن بن محبوب عن العلاء عن
محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال يمضى على شكه حتى يستيقن ولا شيء
عليه وان استيقن لم يعتد بالسجدتين اللتين لا ركعة معهما ويتم ما بقي عليه من
صلاته ولا سهو عليه».
__________________
وأجاب المحقق
في المعتبر عن رواية الشيخ بان ظاهرها الإطلاق وهو متروك وتخصيصها بالأخيرتين
تحكم. وزاد في المدارك الطعن بضعف السند باشتماله على الحكم بن مسكين وهو مجهول ،
وأورد على الرواية الثانية بأنها غير دالة على مطلوبه وإنما تدل على وجوب الإتيان
بالمنسي خاصة وهو لا يذهب اليه بل يوجب الإتيان بما بعده. انتهى.
أقول : اما ما
ذكره في المعتبر ـ من ان الرواية ظاهرها الإطلاق وهو متروك ـ ففيه ان من جملة
الأقوال في المسألة كما عرفت القول بالتلفيق مطلقا كما نقله في المبسوط عن بعض
الأصحاب ونقله العلامة في المنتهى عن الشيخ ، وحينئذ فكيف يدعى انه متروك لا قائل
به؟ واما ما ذكره ـ من ان تخصيصها بالأخيرتين تحكم ، ففيه انه لا يخفى ان الظاهر
ان ما ذهب اليه الشيخ هنا إنما هو وجه جمع بين أخبار المسألة ، وذلك لما اشتهر عنه
وعن شيخه المفيد كما سيأتي ان شاء الله تعالى من ان كل سهو يلحق الأوليين في
الاعداد والأفعال فهو موجب للإعادة ، فجمع بين هذه الأخبار بحمل إطلاقات الإبطال
على السهو في الأوليين وثالثة المغرب وما دل على التلفيق وصحة الصلاة على
الأخيرتين. وهو وجه وجيه في الجمع بين الأخبار بناء على صحة ما ادعاه في تلك
المسألة. نعم يبقى الكلام معه في ثبوت تلك المسألة وهو أمر خارج عن ما نحن فيه.
وبذلك يظهر أن طعنه على الشيخ في ما ذكره بأنه تحكم غير جيد.
واما ما ذكره
في المدارك من الطعن في السند فقد عرفت ما فيه في غير موضع وانه على مذهب الشيخ
وجملة المتقدمين غير متجه ولا معتمد.
بقي الكلام في
الجمع بين روايات المسألة ، والشيخ قد جمع بينها بما عرفت وقد أوضحنا ان جمعه جيد
بناء على ثبوت ما ادعاه في تلك المسألة ، وبه يندفع اعتراض المتأخرين عليه كما
سمعت من كلام صاحب المعتبر.
وقال في
المدارك بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم برواية الصدوق : ومقتضى الرواية وجوب الإتيان
بالركوع وإسقاط السجدتين مطلقا كما هو أحد الأقوال في
المسألة ، ويمكن الجمع بينها وبين ما تضمن الاستئناف بذلك بالتخيير بين
الأمرين وأفضلية الاستئناف.
وقال شيخنا
المجلسي (قدسسره) في البحار : واما الصحيحة الاولى ـ وأشار بها الى
صحيحة محمد بن مسلم برواية الفقيه ـ فلا يمكن العمل بها وترك سائر الأخبار الكثيرة
الدالة على بطلان الصلاة بترك الركوع ، إذ لا يتصور له حينئذ فرد يوجب البطلان
لأنها تتضمن انه لو لم يذكر ولم يأت به الى آخر الصلاة أيضا لا يوجب البطلان فلا
بد اما من طرحها أو حملها على الجواز وغيرها على الاستحباب ، فالعمل بالمشهور اولى
على كل حال. ويمكن حمله على النافلة لورود مثله فيها أو على التقية والشيخ حمله على الأخيرتين ، وكذا قال بالتفصيل مع عدم
إشعار في الخبر به. انتهى. وهو جيد إلا ان ما اعترض به على الشيخ قد عرفت جوابه
وان جمع الشيخ جيد ان ثبت ما ذكره في تلك المسألة.
واما استدلال
الشيخ بصحيحة العيص المتقدمة فقد أورد عليه بأنها غير دالة على مطلوبه وإنما تدل
على وجوب الإتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب اليه بل يوجب الإتيان بما بعده. وهو
جيد.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.
واما ما ذكره
الشيخ عن ابن بابويه مما قدمنا نقله عنه فقد اعترضه من تأخر عنه بعدم وجود المستند
في ذلك.
أقول : لا يخفى
ان عبارته المتقدمة مأخوذة من عبارة كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي قدمنا ذكره
في غير مقام ومنه يعلم ان مستنده إنما هو الكتاب المذكور وكلامه (عليهالسلام).
قال في الكتاب
المشار اليه : وان نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة
__________________
الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تصح لك الركعة الأولى لم تصح صلاتك ، وان
كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها أعني الثانية
الأولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة. انتهى.
ولا يخفى ما
فيه من الغرابة ، فإن المستفاد من النصوص والفتاوى ان ما ذكره من وجوب المحافظة
على الاولى لتصح صلاته ثابت للركعتين الأوليين لا لخصوص الاولى وان الثانية
كالثالثة والرابعة ، وقد صرحت النصوص بأن العلة في كون السهو في الأخيرتين دون
الأوليين للفرق بين ما فرضه الله وبين ما فرضه رسوله (صلىاللهعليهوآله) ولعل تخصيصه (عليهالسلام) هذا الحكم بالأولى بناء على مزيد التأكيد في المحافظة
عليها لما يظهر من بعض الأخبار وقد تقدم في صدر هذا الكتاب وهو ان الله عزوجل انما فرض الصلاة ركعتين لعلمه بعدم المحافظة على الركعة
الاولى والإقبال عليها فوسع لهم بزيادة الثانية. وصورته ما رواه الصدوق في العيون
والعلل في علل الفضل بن شاذان المروية عن الرضا (عليهالسلام) قال : «انما جعل أصل الصلاة ركعتين وزيد على بعضها
ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شيء لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة
لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة ، فعلم الله تعالى ان العباد
لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والإقبال
عليها فقرن إليها ركعة أخرى ليتم بالثانية ما نقص من الأولى ففرض الله أصل الصلاة
ركعتين ، فعلم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به
وكماله فضم الى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون بهما تمام
الركعتين الأوليين. الحديث».
الموضع الثاني
ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من نسي سجدتين الى ان ركع بعدهما
بطلت صلاته وانه لا فرق في ذلك بين الركعتين الأوليين والأخيرتين ، وهو قول الشيخ
المفيد والشيخ في النهاية وابى الصلاح وابن إدريس
__________________
واليه ذهب جمهور المتأخرين وهو المختار. وقال الشيخ في الجمل والاقتصاد ان
السجدتين إذا كانتا من الأخيرتين بنى على الركوع الأول وأعاد السجدتين. ووافق
المشهور في موضع من المبسوط ، وقال في موضع آخر منه : من ترك سجدتين من ركعة من
الركعتين الأوليين حتى يركع في ما بعدهما أعاد على المذهب الأول وعلى الثاني يجعل
السجدتين في الثانية للأولة وبنى على صلاته. وأشار بالمذهب الأول الى ما ذكره في
الركوع من انه إذا ترك الركوع حتى سجد أعاد.
حجة القول
المشهور انه قد أخل بالركن حتى دخل في ركن آخر فإن أوجبنا عليه الإتيان بالأول ثم
الركوع بعده وإتمام الصلاة لزم زيادة ركن وان أوجبنا عليه المضي في صلاته والحال
هذه لزم نقصان ركن ، وكلاهما مبطل.
ويؤيده قوله (عليهالسلام) : «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة
والركوع والسجود».
وقوله في رواية
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان الله عزوجل فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة
متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شيء عليه».
وموثقة منصور
بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى صليت المكتوبة فنسيت ان اقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس
قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت بلى. قال فقد تمت صلاتك إذا كان نسيانا».
ومفهوم الأول
ان نسيان الركوع والسجود يوجب الإعادة بقرينة المقابلة ومفهوم الثاني انه بعدم
إتمام السجود لا تتم الصلاة.
هذا. واما
القول الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك اعترف جملة من المتأخرين ومتأخريهم ، وغاية
ما تكلفه في المختلف للاستدلال على ذلك هو ان السجدتين
__________________
مساويتان للركوع في جميع الأحكام وقد ثبت جواز التلفيق فيه. وضعفه أظهر من
ان يحتاج الى بيان وهل هو إلا قياس محض؟ والله العالم.
المسألة
الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الصلاة
بتعمد زيادة ركعة فيها انما الخلاف في صورة السهو ، فالمشهور انه كذلك من غير فرق
بين الرباعية وغيرها ولا بين ان يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهد أم لا ، أما إذا لم
يجلس دبر الرابعة بقدر التشهد فالقول بالبطلان ايضا موضع اتفاق على ما حكاه جمع :
منهم ـ الفاضلان والشهيد وغيرهم ، اما لو جلس القدر المذكور فقد أطلق الأكثر ـ ومنهم
الشيخ في جملة من كتبه والسيد المرتضى وابن بابويه وغيرهم ـ البطلان ايضا.
وقال في
المبسوط : من زاد ركعة في صلاته أعاد وفي أصحابنا من قال ان كانت الصلاة رباعية
وجلس في الرابعة مقدار التشهد فلا اعادة عليه. والأول هو الصحيح لأن هذا قول من
يقول ان الذكر في التشهد ليس بواجب. انتهى. ونحوه كلامه في الخلاف ايضا. وهذا
القول الذي نقله الشيخ عن بعض أصحابنا أسنده في المختلف الى ابن الجنيد واليه ذهب
المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير والمختلف وجعله المحقق أحد قولي الشيخ
ونسبه في المنتهى الى الشيخ في التهذيب ، وفيه تأمل كما سيأتي
وقال ابن إدريس
في السرائر : من صلى الظهر اربع ركعات وجلس في دبر الرابعة فتشهد الشهادتين وصلى
على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) ثم قام ساهيا عن التسليم وصلى ركعة خامسة ، فعلى مذهب
من أوجب التسليم فالصلاة باطلة ، وعلى مذهب من لم يوجبه فالأولى ان يقال ان الصلاة
صحيحة لأنه ما زاد في صلاته ركعة لأنه بقيامه خرج من صلاته. والى هذا القول ذهب
شيخنا أبو جعفر في استبصاره ونعم ما قال. انتهى كلامه.
واستدل على
القول المشهور بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة وبكير ابني أعين عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا استيقن انه زاد في صلاته
__________________
المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا.».
وعن ابى بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من زاد في صلاته فعليه الإعادة».
أقول : ونحوهما
ما رواه الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام قال : «سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟
قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد. الحديث».
احتج المحقق في
المعتبر على ما ذهب إليه بأن نسيان التشهد غير مبطل فإذا جلس قدر التشهد فقد فصل
بين الفرض والزيادة.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل صلى خمسا؟ فقال ان كان جلس في
الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته».
وعن محمد بن
مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل استيقن بعد ما صلى الظهر انه صلى خمسا؟ قال
وكيف استيقن؟ قلت علم. قال ان كان علم انه جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة وليقم
فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فتكونان ركعتين نافلة ولا شيء عليه».
أقول : ويدل
عليه ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عن الصادق (عليهالسلام) «انه قال في رجل صلى خمسا انه ان كان جلس في الرابعة مقدار التشهد فعبادته
جائزة».
وعن العلاء عن
محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل صلى الظهر خمسا؟ فقال ان كان لا
يدرى جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل اربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهد ثم
يصلى وهو جالس ركعتين واربع سجدات فيضيفهما إلى الخامسة فتكون نافلة».
__________________
ولا يخفى ما في
مضمون هذا الخبر من المخالفة لما عليه الأصحاب (أما أولا) فإن ظاهر الرواية ان
الشك في الجلوس وعدمه حكمه حكم الجلوس المحقق في صحة الصلاة على القول به ، ولا
قائل به في ما أعلم إلا انه ربما كان في إيراد الصدوق هذه الرواية إشعار بالقول
بذلك بناء على قاعدته التي مهدها في صدر كتابه ، وفيه تأمل كما لا يخفى على من
راجع كتابه وعلم خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة.
و (اما ثانيا)
ـ فإنه إذا جعل اربع ركعات من هذه الخمس للظهر فهذا التشهد المذكور في الخبر اما
ان يكون للفريضة أو النافلة ، فإن كان للفريضة فهو لا يكون إلا على جهة القضاء
لوقوعه بعد الركعة الزائدة ، مع ان التشهد الأول مشكوك فيه والتشهد المشكوك فيه لا
يقضى بعد تجاوز محله لأنه في الخبر انه لا يدرى جلس بعد الرابعة أم لا فهو اما شك
في التشهد أو في ما قام مقامه وهو الجلوس قدر التشهد ، وان كان للنافلة فالأنسب
ذكره بعد الركعتين من جلوس ، واحتمال كونه تشهدا لهذه الركعة الزائدة التي جعلها
نفلا على قياس صلاة الاحتياط إذا كانت ركعة من قيام لا يخلو من الإشكال.
ثم انه قد أورد
على الحجة الأولى بأن تحقق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء
الصلاة. وعلى الروايات بان الظاهر ان المراد فيها من الجلوس بقدر التشهد التشهد
بالفعل لشيوع هذا الإطلاق وندور تحقق جلوس بقدر التشهد من دون الإتيان به. كذا
ذكره في المدارك قال : وبذلك صرح الشيخ في الاستبصار فقال ـ بعد ذكر خبري زرارة
ومحمد بن مسلم الأول ـ ان هذين الخبرين لا ينافيان الخبرين الأولين يعني روايتي
أبي بصير وابني أعين ، لأن من جلس في الرابعة وتشهد ثم قام وصلى ركعة لم يخل بركن
من أركان الصلاة وإنما أخل بالتسليم والإخلال بالتسليم لا يوجب إعادة الصلاة حسبما
قدمناه. وقريب منه في التهذيب ايضا. واستحسن هذا الحمل في الذكرى ، قال : ويكون في
هذه الأخبار دلالة على ندب التسليم.
أقول : ومما
يدل على ما ذكروه من ارادة التجوز في الأخبار المذكورة بحمل
الجلوس بقدر التشهد على وقوع التشهد بالفعل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
البجليّ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي
له الأولى كيف يصنع إذا جلس الامام؟ قال يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت
الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق
بالإمام. الحديث». فإنه لا إشكال في ان المراد من هذه العبارة ان اللبث وقع للتشهد
بالفعل لا بقدره. وهذه الرواية هي مستند الأصحاب في إيجاب التشهد على المسبوق.
ونحو ذلك ايضا ما في موثقة سماعة الواردة في من كان في الصلاة منفردا ثم دخل
الامام المسجد حيث قال (عليهالسلام) فيها : «وان لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو
ويصلى ركعة أخرى معه ويجلس قدر ما يقول «اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له
واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلىاللهعليهوآله» ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع. الحديث».
وأجاب جملة من
الأصحاب : منهم ـ الشيخ في الخلاف عن الأخبار المذكورة بحملها على التقية
لموافقتها لمذهب كثير من العامة مثل أبي حنيفة وغيره قال الشيخ في الخلاف في المقام : وإنما يعتبر الجلوس
بمقدار التشهد أبو حنيفة بناء على ان الذكر في التشهد ليس بواجب عنده.
أقول : ومن
رواياتهم في المسألة ما رواه مسلم في صحيحة عن عبد الله ابن مسعود «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى الظهر خمسا فلما سلم قيل له أزيد في الصلاة؟ فقال
وما ذاك؟ قالوا صليت خمسا. فسجد سجدتين».
وقال في شرح
السنة على ما نقله في البحار : أكثر أهل العلم على انه إذا صلى خمسا ساهيا فصلاته
صحيحة يسجد للسهو وهو قول علقمة والحسن البصري وعطاء
__________________
والنخعي وبه قال الزهري ومالك والأوزاعي والشافعي واحمد وإسحاق ، وقال
سفيان الثوري ان لم يكن قعد في الرابعة يعيد الصلاة. وقال أبو حنيفة ان لم يكن قعد
في الرابعة فصلاته فاسدة يجب إعادتها وان قعد في الرابعة تم ظهره والخامسة تطوع
يضيف إليها ركعة أخرى ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو انتهى.
ولا ريب أن
الأخبار الدالة على البطلان أبعد من مذاهب العامة في هذه المسألة والأخبار الأخيرة
موافقة لقول أبي حنيفة.
وبالجملة فإنه
لا مناص من أحد الحملين المذكورين وظني ان الأول أقرب لما عرفت من شيوع هذا المجاز
في الأخبار ، وبذلك يظهر لك اجتماع الأخبار على وجه لا يعتريه الإنكار ، وبذلك
يظهر صحة القول المشهور وانه المؤيد المنصور سيما مع أوفقيته بالاحتياط.
نعم يبقى
الكلام هنا في مواضع (الأول) ـ قد روى الشيخ في الضعيف عن زيد بن على عن آبائه عن
على (عليهمالسلام) قال : «صلى بنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم يا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) هل زيد في الصلاة شيء؟ قال وما ذاك؟ قال صليت بنا خمس
ركعات. قال فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع
ثم سلم وكان يقول هما المرغمتان». وهو ضعيف لا يعول عليه وشاذ نادر من جهات عديدة
فلا يلتفت اليه ، وحمل على انه (صلىاللهعليهوآله) تشهد ثم قام إلى الخامسة. والأظهر عندي حمله على
التقية فإن مذهب العامة صحة الصلاة مع زيادة الخامسة سهوا جلس بعد الرابعة أو لم
يجلس وقد تقدمت روايتهم ذلك عنه (صلىاللهعليهوآله) ومن رواياتهم في ذلك ايضا ما رووه عن ابن مسعود
__________________
«ان النبي (صلىاللهعليهوآله) صلى بنا خمسا فلما أخبرناه انفتل فسجد سجدتين ثم سلم
وقال إنما أنا بشر مثلكم انسى كما تنسون». نقله شيخنا الشهيد في الذكرى ثم قال
بعده : وهذا الحديث لم يثبت عندنا مع منافاته للقواعد العقلية. انتهى.
(الثاني) ـ لو
ذكر الزيادة بعد السجود والحال انه قد جلس بعد الرابعة قدر التشهد أو تشهد بالفعل
على القولين المتقدمين فالأولى ان يضيف إلى الخامسة ركعة لتكون معها نافلة كما
تضمنه خبر محمد بن مسلم المتقدم ، ونحوه صحيحته المتقدمة أيضا وان كان متنها لا
يخلو من قصور كما عرفت. ونقل عن العلامة انه احتمل التسليم وسجود السهو. وصرح في
الروض بأنه يتشهد ويسجد للسهو ، وهو راجع الى كلام العلامة أيضا ، والنصوص كما ترى
خالية من ذلك.
(الثالث) ـ لو
ذكر الزيادة قبل الركوع فلا إشكال في الصحة لأنه لم يزد إلا القيام وغاية ما يوجبه
سجود السهو ، ولو ذكر بعد الركوع وقبل السجود فنقل عن العلامة القول بالإبطال ،
قال : لأنا ان أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر في الصلاة وان لم نأمره زاد ركنا غير
متعبد به بخلاف الركعة الواحدة لإمكان البناء عليها نفلا. وقيل بأن حكمه حكم ما لو
ذكر بعد السجود فيبني صحة الصلاة على الجلوس بعد الرابعة بقدر التشهد أو التشهد
بالفعل على القولين المتقدمين والبطلان مع عدم ذلك وهو اختيار الشهيد في الذكرى.
(الرابع) ـ هل
ينسحب الحكم إلى زيادة أكثر من ركعة والى غير الرباعية من الثلاثية والثنائية إذا
جلس آخرها بقدر التشهد على أحد القولين؟ قال في الروض : وجهان من المساواة في
العلة ومخالفة المنصوص الثابت على خلاف الأصل. واختار في الذكرى التعدية فيهما.
وأطلق جماعة من الأصحاب البطلان بالزيادة مطلقا لعموم قول الباقر (عليهالسلام) «إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته».
__________________
أقول : الظاهر
انه لا إشكال على ما اخترناه من وقوع التشهد بالفعل في آخر الفريضة بناء على القول
باستحباب التسليم أو كونه واجبا خارجا ، فان هذه الزيادة بناء على القولين
المذكورين قد وقعت خارجة من الصلاة ، واما على القول بوجوب التسليم ودخوله فإنه لا
إشكال في بطلان الصلاة لكن هذه الأخبار باعتبار حملها على وقوع التشهد بالفعل كما
كشفنا عنه نقاب الإجمال تدفع هذا القول وترده ، وإنما الإشكال في ما لو قلنا بالاكتفاء
بمجرد الجلوس قدر التشهد بناء على الأخذ بظاهر الأخبار المتقدمة ، فإنها حيث كانت
واردة على خلاف القواعد الشرعية والضوابط المرعية فالواجب قصرها على مورد المخالفة
وهو الركعة الواحدة في الصلاة الرباعية والعمل بالقواعد المذكورة في ما عدا ذلك.
والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بطلان الصلاة بزيادة
ركن عمدا أو سهوا إلا ما استثنى مما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى.
واحتجوا على
ذلك (أولا) ـ باشتراك الزيادة والنقيصة في تغيير هيئة الصلاة. و (ثانيا) ـ بما
قدمناه في سابق هذه المسألة من حسنة زرارة وبكير المشتملة على
ان من استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة ، ورواية أبي
بصير الدالة على ان من زاد في صلاته فعليه الإعادة.
وأنت خبير بان
التعليل الأول عليل لا يبرد الغليل ، واما الخبران المذكوران فظاهرهما حصول
البطلان بكل زيادة ركنا كان أو غيره عمدا أو سهوا ، ولا قائل به مع دلالة الأخبار
على خلافه. وحملهما على الركن بخصوصه ـ مع خروج جملة من الافراد ومشاركة جملة من
الواجبات المزادة عمدا ـ تخصيص بغير مخصص ، على ان ما ذكروه من التسمية لهذه
الواجبات المخصوصة بكونها أركانا ثم تفريع ما ذكروه من الأحكام على هذه التسمية
يخدشه ان هذا الاسم لا وجود له في الأخبار وإنما ذلك اصطلاح منهم (رضوان الله
عليهم) وإلا فبالنظر الى الأخبار بعين
__________________
التحقيق والتأمل بالفهم الصائب الدقيق لا تجد فرقا بين سائر الواجبات وبين
هذه الواجبات التي سموها أركانا في أن زيادتها أو نقصانها في بعض المواضع قد يكون
موجبا لبطلان الصلاة وقد لا يكون ، وحينئذ فالواجب الرجوع في كل جزئي جزئي وفرد
فرد من الأحكام الى النصوص وما دلت عليه من صحة أو إبطال في ركن كان أو واجب ، ولا
وجه لهذه الكلية التي زعموها قاعدة ثم استثنوا منها ما ستعرفه ولقائل ان يجرى مثل
ذلك في مطلق الواجب ايضا ويجعل ما دلت النصوص على صحة الصلاة مع زيادته أو نقصانه
عمدا أو سهوا مستثنى.
وبالجملة ما
ذكروه من هذه القاعدة فإني لا اعرف له وجها وجيها لما عرفت مضافا الى اختلافهم في
بعض تلك الأركان كما سلف في الفصول المتقدمة كاختلافهم في الركن القيامي والركن
السجودى.
ثم ان الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بناء على ما ذكروه من هذه القاعدة استثنوا من ذلك مواضع أشار إليها
شيخنا الشهيد الثاني في الروض :
فمن المستثنى
من قاعدة البطلان بزيادة الركن عمدا النية فإن زيادتها غير مبطلة مع عدم التلفظ
بها لأن الاستدامة الفعلية أقوى من الحكمية.
ومما يستثني
أيضا من بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مواضع (الأول) النية أيضا فإن زيادتها سهوا
غير مبطلة بطريق أولى.
أقول : وعد
النية في هذين الموضعين بناء على النية المتعارفة في كلامهم التي هي عبارة عن
التصوير الفكري والكلام النفسي ، واما على ما قدمنا تحقيقه فلا معنى لهذا الكلام.
(الثاني) ـ
القيام ان قلنا انه ركن كيف اتفق كما هو أحد الأقوال في المسألة وهو اختيار
العلامة ولذا صرح بالاستثناء كما تقدم ذلك في فصل القيام ، واما على مذهب من يجعله
قياما خاصا كالقيام المقارن للركوع مثلا فلا استثناء.
(الثالث) ـ
الركوع كما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب صلاة الجماعة الحكم
بوجوب إعادة المأموم له لو سبق به الامام ساهيا فإنه يعيده مع الامام ،
ونحوه ما تقدم في ما لو استدركه الشاك فيه ثم تبين له حال ركوعه انه قد اتى به
فإنه يرسل نفسه الى السجود على أحد القولين ولا يضره ما اتى به.
(الرابع) ـ السجود
إذا زاد سجدة وجعلنا الركن عبارة عن ماهية السجود كما هو اختياره في الذكرى ، وان
جعلنا الركن مجموع السجدتين كان عدم البطلان بنسيان الواحدة موجبا للاستثناء من
قاعدة البطلان بنقصان الركن بناء على ان المجموع يفوت بفوات بعض اجزائه.
(الخامس) ـ لو
تبين للمحتاط ان صلاته كانت ناقصة وان الاحتياط متمم لها فإنه يجزئه وان كان الذكر
بعد الفراغ أو قبله على قول كما سيأتي ان شاء الله تعالى في موضع تحقيق المسألة ،
ويكون ما اتى به من الأركان من النية وتكبيرة الإحرام مغتفرا. وربما نوقش في ذلك
بان جعله من هذا الباب انما يستقيم إذا لم يجعل الاحتياط صلاة برأسها وهو موضع
تأمل ، وسيأتي تحقيق الحال في ذلك ان شاء الله تعالى.
(السادس) ـ لو
زاد ركعة سهوا آخر الفريضة وقد جلس آخرها بقدر التشهد فان صلاته صحيحة على أحد
القولين وان اشتملت على الأركان ، وقد مضى تحقيق المسألة.
(السابع) ـ لو
أتم المسافر جاهلا بوجوب القصر اتفاقا أو ناسيا ولم يذكر حتى خرج الوقت على أصح
القولين فان صلاته صحيحة والزيادة مغتفرة بالنصوص.
(الثامن) ـ لو
كان في الكسوف وتضيق وقت الحاضرة قطعها واتى بالحاضرة ثم بنى في صلاة الكسوف على
موضع القطع على أصح القولين في المسألة. وفي جعل هذه الصورة من قبيل محل البحث
تأمل وان كان قد عدها في الروض في هذا المقام ، فان محل البحث هو زيادة ركن أو
نقصانه من الصلاة وهنا ليس كذلك فإن صلاة الكسوف المقطوعة أجنبية عن الصلاة
اليومية والإتيان بالصلاة اليومية
في أثنائها لا يعد من قبيل زيادة الركن في صلاة الخسوف ولا مناسبة له بذلك
كما لا يخفى
(التاسع) ـ لو
سلم على نقص من صلاته ساهيا أو ظن انه سلم ثم شرع في فريضة أخرى ولما يأت بينهما
بالمنافي ، فإن المروي عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) إتمام الصلاة الأولى بما
شرع فيه من الصلاة الثانية واغتفار ما زيد من تكبيرة الإحرام :
روى الطبرسي في
الاحتجاج في ما كتبه عبد الله بن جعفر الحميري إليه (عليهالسلام) «يسأله عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر فلما ان
صلى من صلاته العصر ركعتين استيقن انه صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (عليهالسلام) ان كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد
الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى
العصر بعد ذلك». والظاهر ان المراد بالحادثة ما يقطع الصلاة عمدا وسهوا كالحدث
والاستدبار لا ما يقطعها عمدا كالكلام فإنه في حكم الناسي.
وظاهر الأخبار
وفتاوى الأصحاب في هذه الصورة هو العدول عن العصر الى صلاة الظهر وانه ينوي بما
مضى من الصلاة الظهر ويتم الصلاة ظهرا فلا زيادة على هذا التقدير ، واما على تقدير
ظاهر الخبر فإنه يلزم زيادة الركعتين الأوليين بجميع ما اشتملتا عليه من الأركان.
والى العمل بمضمون الرواية مال جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم). وقيل انه تبطل
الثانية ويعود إلى الأولى فيتمها. وقيل تبطل الاولى وتصح الثانية.
قال العلامة في
النهاية ولو نقص من عدد صلاته ناسيا وسلم ثم ذكر تدارك إكمال صلاته وسجد للسهو
سواء فعل ما يبطلها عمدا كالكلام أو لا ، اما لو فعل المبطل عمدا وسهوا كالحدث
والاستدبار إن ألحقناه به فإنها تبطل ، لعدم إمكان الإتيان بالفائت
__________________
من غير خلل في هيئة الصلاة ، ولقول أحدهما (عليهماالسلام) «إذا حول وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا». ولو فعل المبطل عمدا
ساهيا وتطاول الفصل فالأقرب عدم البطلان ، ويحتمل لخروجه عن كونه مصليا فحينئذ
يرجع في حد التطاول الى العرف. ولو ذكر بعد ان شرع في أخرى وتطاول الفصل صحت صلاته
الثانية وبطلت الأولى وان لم يطل عاد إلى الأولى وأتمها ، وهل يبني الثانية على
الاولى؟ فيه احتمال فيجعل ما فعله من الثانية تمام الاولى ويكون وجود التسليم
كعدمه لانه سهو معذور فيه والنية والتكبيرة ليستا ركنا في تلك الصلاة فلا تبطلها ،
ويحتمل بطلان الثانية لأنها لم تقع بنية الاولى فلا تصير بعد عدمه منها. ولو كان
ما شرع فيه ثانيا نفلا فالأقرب عدم البناء لانه لا يتأدى الفرض بنية النفل. انتهى.
وقال شيخنا
الشهيد في قواعده : لو ظن انه سلم فنوى فريضة أخرى ثم ذكر نقص الأولى فالمروي عن
صاحب الأمر (عجل الله فرجه) الاجزاء عن الفريضة الاولى ، والسر فيه ان صحة التحريم
بالثانية موقوف على التسليم من الاولى في موضعه أو الخروج منها ولم يحصلا فجرت
التحريمة مجرى الأذكار المطلقة التي لا تخل بصحة الصلاة ، ونية الوجوب في الثانية
لغو لعدم مصادفته محلا. وحينئذ هل تجب نية العدول إلى الأولى ، الأقرب عدمه لعدم
انعقاد الثانية فهو بعد في الأولى ، نعم يجب القصد إلى انه في الأولى من حين
الذكر. انتهى.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض في عداد ما يستثني من القاعدة المتقدمة : السادس ـ لو سلم
على بعض من صلاته ثم شرع في فريضة أو ظن انه سلم فشرع في فريضة أخرى ولما يأت
بينهما بالمنافي فإن المروي عن صاحب الأمر (عليهالسلام) الاجزاء عن الفريضة الأولى واغتفار ما زيد من تكبيرة
الإحرام ، وهل
__________________
يفتقر الى العدول إلى الأولى؟ يحتمله لأنه في غيرها وان كان سهوا كما لو صلى
العصر ظانا انه صلى الظهر ثم تبين العدم في الأثناء ، وعدمه وهو الأصح لعدم انعقاد
الثانية لأن صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج
بغيره ولم يحصلا. نعم ينبغي ملاحظة كونه في الاولى من حين الذكر بناء على تفسير
الاستدامة الحكمية بأمر وجودي ، وعلى التفسير الأصح يكفي في الأفعال الباقية عدم
إيقاعها بنية الثانية. انتهى.
أقول : ظاهر
كلام الشيخين الشهيدين (عطر الله مرقديهما) القول بمضمون الخبر لما وجهناه به ،
ولا يخفى ان مورد الخبر المذكور هو من صلى الظهر ركعتين ثم ذكر بعد ان صلى من العصر
ركعتين فأمره (عليهالسلام) بان يجعل الركعتين الباقيتين من العصر للظهر ويتمها
بهما ويكون ما اتى به من الركعتين الأوليين للعصر الواقعتين في البين مغتفرا غير
مضر مع اشتمالهما على تكبيرة الإحرام والركوع والسجود ، فتخصيص الاغتفار بتكبيرة
الإحرام في كلامهم خاصة لا اعرف له وجها ، وكأنهم بنوا على ان الإتمام وقع
بالركعتين الأوليين أو ان الحكم شامل لهما.
والتحقيق ان
الرواية المذكورة جارية على خلاف مقتضى الأصول الشرعية لما أشرنا إليه آنفا ، فان
مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب انه لا فرق بين الإتيان بالظهر على وجه باطل وتركها
بالكلية في انه متى ذكر بعد التلبس بصلاة العصر فإنه يعدل إليها بنيته وينوي الظهر
حين الذكر ، وما تقدم من الفريضة ينصرف بهذه النية إلى الظهر ايضا كما في ناوي
الصوم قبل الظهر أو بعده. وما ذكراه (نور الله ضريحهما) من التعليلات لبطلان
الثانية في هذه الصورة يجري أيضا في صورة عدم الإتيان بالأولى بالكلية ، فإن صحة
التحريم بالثانية ان أريد به باعتبار الواقع ونفس الأمر فكما انه موقوف على
التسليم من الاولى في محله كذلك موقوف على الإتيان بالأولى ، وان أريد باعتبار نظر
المكلف فكذلك أيضا إذ لا يجوز له الإتيان بالثانية ما لم يأت بالأولى. وبالجملة
فإنه لا فرق عندي بين الأمرين فالواجب حينئذ
الاقتصار في العمل بالرواية على موردها وهو من صلى الظهر ركعتين وذكر بعد
ان صلى من العصر ركعتين فإنه ينوي بهاتين الركعتين الباقيتين من العصر الظهر
ويتمها بهما ويغتفر له ما تقدم من الزيادات على اشكال في ذلك ايضا ، والاحتياط
بالإعادة بعد ذلك طريق السلامة. والله العالم.
(المسألة
الرابعة) ـ لو نقص المصلى من صلاته ركعة فما زاد فلا يخلو اما ان يذكر بعد التسليم
وقبل فعل المنافي أو بعد فعله ، وعلى الثاني فاما أن يكون ذلك المنافي مما يبطل الصلاة
عمدا لا سهوا كالكلام أو مما يبطلها مطلقا كالحدث ونحوه مما تقدم ، فههنا صور ثلاث
:
(الاولى) ـ ان
يذكر النقصان بعد تسليمه وقبل فعل المنافي مطلقا ، والظاهر انه لا خلاف ولا إشكال
في وجوب إتمام الصلاة بدون اعادة تمسكا بالأصل السالم من المعارض وبجملة من الأخبار
الصريحة في المقام :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة النصري قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انا صلينا المغرب فسها الامام فسلم في الركعتين فأعدنا
الصلاة؟ فقال ولم أعدتم أليس قد انصرف رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في ركعتين فأتم بركعتين ألا أتممتم؟».
وعن على بن
النعمان الرازي في الصحيح قال : «كنت مع أصحابي في سفر وانا إمامهم فصليت بهم
المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين فقال أصحابي إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم
وكلموني فقالوا اما نحن فنعيد فقلت لكني لا أعيد وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا
فانيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم
فعلا انما يعيد من لا يدرى ما صلى». ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن على بن
النعمان .
وما رواه في
التهذيب والكافي عن ابى بكر الحضرمي في الحسن قال :
__________________
«صليت بأصحابي المغرب فلما ان صليت ركعتين سلمت فقال بعضهم انما صليت
ركعتين فأعدت فأخبرت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقال لعلك أعدت فقلت نعم فضحك ثم قال إنما يجزئك ان
تقوم وتركع ركعة». وزاد في التهذيب «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سها فسلم في ركعتين ، ثم ذكر حديث ذي الشمالين فقال ثم
قام فأضاف إليها ركعتين».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن العيص قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم
يركع؟ قال يقوم فيركع ويسجد سجدتين». وأوردها الشيخ في موضع آخر بتغيير في السند وفيها «ويسجد سجدتي السهو».
وفي الحسن عن
الحسين بن ابى العلاء عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت أجيء الى الامام وقد سبقني بركعة في الفجر
فلما سلم وقع في قلبي انى قد أتممت فلم أزل اذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فلما
طلعت الشمس نهضت فذكرت ان الامام قد سبقني بركعة؟ قال فان كنت في مقامك فأتم بركعة
وان كنت قد انصرفت فعليك الإعادة».
وفي الموثق عن
عمار الساباطي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى ثلاث ركعات وهو يظن انها اربع فلما سلم ذكر
انها ثلاث؟ قال يبنى على صلاته متى ما ذكر ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي
السهو وقد جازت صلاته».
قال المحدث
الكاشاني في الوافي ـ بعد ذكر الأخبار المتضمنة لإعادة الصلاة مثل صحيحتي على بن
النعمان الرازي والحارث بن المغيرة ورواية أبي بكر الحضرمي ـ ما صورته. المستفاد
من هذه الأخبار صحة إعادة الصلاة أيضا في مواضع السهو
__________________
والنسيان وان الجبران والإتمام رخصة وتسهيل وان الله تعالى يحب أن يؤخذ
برخصه. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر كلامه ان الحكم الشرعي بالنسبة إلى العالم بالمسألة وان من ترك ركعة ساهيا
فإنه يأتي بها ما لم يتخلل أحد المبطلات انما هو الإعادة من رأس وان الإتمام
بالإتيان بتلك الركعة انما هو رخصة. والظاهر بعده والإعادة في هذه الأخبار انما
وقعت من حيث الجهل بحكم المسألة وإلا فحكمها انما هو الإتمام بما نقصه ، وهذا هو
الحكم الشرعي فيها لا انه رخصة ، ولكن أولئك لجهلهم بحكم المسألة لم يجدوا بدا من
الإعادة من رأس ولهذا ان الامام أنكر عليهم الإعادة ، فقال في الخبر الأول «ولم
أعدتم؟» ونحوه في الخبرين الآخرين ، غاية الأمر انه مع إعادة الصلاة من رأس وإبطال
الأولى لا يمكن الحكم ببطلان ما اتى به من الصلاة المعادة. على انك قد عرفت مما
تقدم في غير موضع سيما في مقدمات كتاب الطهارة انه مع الجهل بالحكم الشرعي فالواجب
في العمل هو الأخذ بالاحتياط وهو يتأتى بالإعادة البتة كما لا يخفى ، وانما يبقى
الكلام في إبطاله الاولى وتركه الإتمام لها وهذا مغتفر له لموضع الجهل. واما قوله (عليهالسلام) في صحيحة على بن النعمان : «أنت كنت أصوب منهم فعلا»
فهو محمول على ان أفعل التفضيل بمعنى أصل الفعل كما هو شائع في الكلام فلا يدل على
ان ما فعلوه كان صوابا إلا ان يخص من حيث الجهل كما أشرنا اليه. وبالجملة فإن مظهر
الخلاف بين ما ذكرناه وبين ما ذكره انما هو في المتعمد العالم بان الحكم هو
الإتمام هل يسوغ له ترك الإتمام والانتقال إلى الإعادة أم لا؟ ومقتضى كلامه
المذكور الأول ومقتضى ما ذكرناه هو الثاني لأن غاية ما دلت عليه الأخبار المذكورة
وقوع الإعادة جهلا.
الثانية ـ ان
يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا لا سهوا كالكلام ، والمشهور عدم وجوب الإعادة ،
وقال الشيخ في النهاية تجب عليه الإعادة وهو منقول عن ابى الصلاح الحلبي ، ونقل في
المبسوط قولا عن بعض أصحابنا بوجوب الإعادة في
غير الرباعية ، والمختار هو القول المشهور. وقد مر تحقيق المسألة في
المسألة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام الثاني من المطلب الأول .
الثالثة ـ ان
يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا وسهوا كالحدث والفعل الكثير الذي تنمحي به صورة
الصلاة ، والمشهور الابطال ووجوب الإعادة ، وقال ابن بابويه في المقنع على ما نقله
غير واحد من أصحابنا : ان صليت ركعتين من الفريضة ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأضف
إلى صلاتك ما نقص ولو بلغت الصين ، ولا تعد الصلاة فان إعادة الصلاة في هذه
المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن.
والذي يدل على
المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى ركعتين ثم قام. قال يستقبل. قلت فما يروى
الناس.؟ فذكر له حديث ذي الشمالين فقال ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يبرح من مكانه ولو برح استقبل».
وعن ابى بصير
في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته؟ قال يستقبل
الصلاة. قلت فما بال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يستقبل حين صلى ركعتين؟ فقال ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم ينفتل من موضعه».
وعن سماعة في
الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «قلت أرأيت من صلى ركعتين فظن انها اربع
فسلم وانصرف ثم ذكر بعد ما ذهب انه انما صلى ركعتين؟ قال يستقبل الصلاة من أولها.
قال قلت فما بال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يستقبل الصلاة وانما تم بهم ما بقي من صلاته؟ فقال
ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يبرح من مجلسه ، فان كان لم يبرح من مجلسه فليتم ما
نقص من صلاته إذا كان قد حفظ الركعتين الأولتين».
__________________
وعن محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه
بركعة فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر انه قد فاتته ركعة؟ قال يعيد ركعة
واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه عن القبلة فعليه ان
يستقبل الصلاة استقبالا». وروى هذه الرواية في الفقيه عن محمد بن مسلم الى قوله «ركعة واحدة».
ويعضد هذه
الأخبار ما تقدم من الأخبار الدالة على قواطع الصلاة وبطلانها بالحدث ونحوه.
وقال شيخنا
الشهيد في الذكرى : وعد الكليني من مبطلات الصلاة عمدا وسهوا الانصراف عن الصلاة
بكليته قبل أن يتمها. وهو مشعر بموافقة القول المشهور فنسبة الصدوق في المقنع هذا
القول الى يونس بن عبد الرحمن خاصة مؤذنا بشذوذه ليس في محله مع انا لم نقف على
موافق له في ما ذهب اليه لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ، نعم يدل عليه جملة من
الأخبار :
منها ـ ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو
بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان انه لمن يصل ركعتين؟ قال يصلى ركعتين».
وأجاب عنها
الشيخ تارة بالحمل على صورة الظن دون اليقين وتارة بالحمل على النافلة دون
الفريضة. وبعدهما ظاهر.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ عن محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) ورواه الصدوق في الفقيه ايضا عن محمد بن مسلم عن ابى
جعفر (عليهالسلام) قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته. الحديث
المتقدم الى قوله :
__________________
«ركعة واحدة». بدون الزيادة.
وما رواه في
الفقيه عن عبيد بن زرارة في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى ركعة من الغداة ثم انصرف وخرج في حوائجه ثم
ذكر انه صلى ركعة؟ قال فليتم ما بقي».
وعن عبيد بن
زرارة في الموثق بعبد الله بن بكير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصلى الغداة ركعة ويتشهد ثم ينصرف ويذهب ويجيء
ثم يذكر بعد انه انما صلى ركعة؟ قال يضيف إليها ركعة».
ونقل عن الشيخ
انه حمل هذه الأخبار على ما إذا لم يحصل الاستدبار. ولا يخفى ما فيه.
وما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار في جملة حديث قال فيه «والرجل يذكر بعد ما قام وتكلم
ومضى في حوائجه انه انما صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب؟ قال يبنى في
صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد الصلاة». ورواه ابن بابويه ايضا بتفاوت في المتن.
وجمع في
المدارك بين هذه الأخبار بحمل هذه الأخبار على الجواز وما تضمن الاستئناف على
الاستحباب. واقتفاه في هذا الحمل جملة ممن تأخر عنه من الأصحاب واحتمل جملة من
المتأخرين : منهم ـ شيخنا المجلسي في البحار حمل هذه الأخبار على التقية. وهو جيد
لما عرفت من ان الحمل على ذلك لا يتوقف على وجود القائل به من المخالفين ، وانما
الوجه في ذلك هو انه لما كان مذهب جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) من المتقدمين
والمتأخرين هو الإبطال والإعادة كما عرفت انه مذهب يونس من القدماء والكليني وبه
صرح الشيخان ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن ابن بابويه ، ومن الظاهر ان شهرة القول
بذلك بين المتقدمين مؤذن بكونه مذهب
__________________
أئمتهم (عليهمالسلام) ويعضده انه هو الأوفق بالاحتياط. وبالجملة فالعمل على
القول المشهور والاحتياط بالإتمام ثم الإعادة أولى. والله العالم.
فرع
لو نسي التسليم
ثم ذكر بعد فعل المنافي عمدا كالكلام فالمشهور ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ عدم
بطلان الصلاة.
ولو ذكر بعد
فعل المنافي عمدا وسهوا فالمشهور بطلان الصلاة بناء على القول بوجوبه كما هو
المشهور لأن المنافي حينئذ واقع في أثناء الصلاة بناء على القول المذكور ونقل في
المدارك عن جده أنه استشكله بان التسليم ليس بركن فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا وان
فعل المنافي ، قال اللهم إلا ان يقال بانحصار الخروج من الصلاة فيه وهو في حيز
المنع. ثم اعترضه بأنه يمكن دفعه بان المقتضي للبطلان على هذا التقدير ليس هو
الإخلال بالتسليم وإنما هو وقوع المنافي في أثناء الصلاة فإن ذلك يتحقق بفعله قبل
الفراغ من الأفعال الواجبة وان لم يتعقبه ركن كما في حال التشهد.
أقول : لا يخفى
ان كلام جده المذكور مشعر بالجواب عن هذا الاعتراض ، وذلك فان المفهوم منه ان
الإبطال لا يمكن استناده الى ترك التسليم لان التسليم ليس بركن فلا تبطل الصلاة
بتركه سهوا ولا الى فعل المنافي في هذا المقام لانه مبنى على ان الخروج من الصلاة
لا يتحقق إلا بالتسليم وهو ممنوع.
ولا يخفى ان ما
ادعاه السيد من وقوع المنافي في أثناء الصلاة انما يتم بناء على عدم الخروج من
الصلاة إلا بالتسليم وإلا فمتى قيل بالخروج منها قبله كما يشير اليه كلام جده فان
المنافي لم يقع في أثناء الصلاة لأن الخصم يدعى انه قد خرج من الصلاة ولا توقف له
على التسليم. نعم يبقى الكلام مع جده في ما ادعاه من منع انحصار الخروج من الصلاة
في التسليم وهي مسألة أخرى.
ثم قال السيد
المشار اليه على اثر الكلام المتقدم : ومع ذلك فالأجود عدم
بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وان قلنا بوجوبه لما رواه الشيخ في الصحيح
عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلى ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم؟
قال تمت صلاته». وفي الصحيح عن زرارة أيضا عن ابى جعفر (عليهالسلام) «عن الرجل يحدث بعد ان يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل ان يتشهد؟ قال
ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع الى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء قعد فيتشهد
ثم يسلم ، وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته». انتهى.
أقول : قد عرفت
في فصل التسليم ان المختار الذي تجتمع عليه الأخبار في مسألة التسليم هو القول
بكونه واجبا خارجا وهذه الاخبار التي ذكرها ونحوها انما خرجت بناء على هذا القول
وان لم يهتد اليه هو ولا غيره من جمهور الأصحاب والا فإنه متى كان التسليم واجبا
داخلا كما هو المفروض في كلامه ، فإنه يلزم أن يكون الحدث الواقع بعد التشهد وقبل
التسليم واقعا في أثناء الصلاة كما الزم به جده في ما قدمنا من كلامه ، ولا يعقل
هنا خصوصية لإبطاله قبل التشهد ولا بعده قبل التسليم بناء على القول المذكور بل
الحال في المقامين واحدة ، إذ العلة الموجبة للإبطال في الموضعين واحدة وهي وقوع
الحدث في أثناء الصلاة.
والعجب كل
العجب انه (قدسسره) قد قال في مسألة التسليم في الاستدلال على استحبابه
حيث انه اختار ذلك ما لفظه : ويدل عليه ايضا أنه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة
بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله ، اما الملازمة
فإجماعية واما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح ، ثم ساق هذه الروايات
المذكورة. وحينئذ فمتى كانت هذه الملازمة إجماعية بمقتضى كلامه هذا ـ وليست هذه
الملازمة إلا عبارة عن انه متى وجب التسليم لزم بطلان الصلاة بتخلل المنافي في
الموضع المذكور ـ فكيف يقول هنا ان الأجود عدم بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وان
قلنا بوجوبه؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر
__________________
وبالجملة فهذه
الروايات لا تنطبق إلا على القول بالاستحباب كما اختاره في المسألة أو القول بكونه
واجبا خارجا كما اخترناه وإلا فالتزام القول بها مع القول بكونه واجبا داخلا ـ كما
يشعر به كلامه هنا ـ سفسطة ظاهرة كما لا يخفى. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ إذا أخل بواجب سهوا فمنه ما تتم معه الصلاة من غير تدارك ومنه ما يتدارك
من غير سجود ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو ، فههنا صور ثلاث :
الاولى ـ ما
تتم معه الصلاة من غير تدارك ولا سجود للسهو ، وتفصيل القول فيها ان من سها عن
واجب تداركه ما لم يدخل في ركن كما لو سها عن القراءة مثلا أو بعض واجباتها قبل
الركوع فإنه يتداركها ما لم يركع ، فلو ركع مضى في صلاته لاستلزام تداركها زيادة
ركن ، أو يلزم من تداركه زيادة ركن كما إذا سها عن الذكر الواجب في الركوع أو
الطمأنينة فيه حتى يرفع رأسه فإن العود الى ذلك وتداركه مستلزم لزيادة الركن.
ونحوه من سها عن الذكر في السجود أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه
حتى يرفع رأسه. نعم يستثني من ذلك السجود على الجبهة حيث ان السجود لا يتحقق بدون
وضعها فإن الإخلال به في السجدتين يكون موجبا للإبطال ، وقد نبه على ذلك الشهيد في
البيان.
ومن الأخبار
الدالة على صحة الصلاة مع نسيان أحد الواجبات ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ان الله عزوجل فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة
متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شيء عليه».
وعن منصور بن
حازم في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انى صليت المكتوبة فنسيت ان اقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس
قد أتممت
__________________
الركوع والسجود؟ قلت بلى. قال تمت صلاتك إذا كان نسيانا».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت الرجل يسهو في القراءة في الركعتين الأولتين
فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال
انى اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها».
وعن ابى بصير
في الموثق قال : «إذا نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تسبيح
الركوع والسجود وان كانت الغداة فنسي ان يقرأ فيها فليمض في صلاته».
وعن الحسين بن
حماد في القوى عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له أسهو عن القراءة في الركعة الأولى؟ قال
اقرأ في الثانية. قلت أسهو في الثانية؟ قال اقرأ في الثالثة. قلت أسهو في صلاتي
كلها؟ قال إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك».
وعن القداح عن
جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا؟ قال تمت صلاته».
وعن على بن
يقطين قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده؟ قال لا بأس بذلك».
الى غير ذلك من
الأخبار الواردة بنسيان السجدة والتشهد وان تضمن بعضها القضاء بعد الفراغ.
ومما يدل على
التدارك ما لم يدخل في ركن رواية أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أم القرآن؟ قال ان كان لم يركع فليعد أم
القرآن».
__________________
ثم انه ينبغي
ان يستثني من هذا الحكم الجهر والإخفات فإنه لا يتداركه وان لم يدخل في ركن كما
تقدم في صحيحتي زرارة من انه متى فعل شيئا ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شيء
عليه.
الثانية ـ ما
يتدارك من غير سجود وذلك في مواضع : (منها) من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة أو
بعضها فإنه يرجع الى الحمد ثم يقرأ سورة بعدها ، وربما ظهر من بعض العبارات وجوب
قراءة السورة الأولى بعينها.
ويدل عليه قوله
(عليهالسلام) في كتاب الفقه : وان نسيت الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل ان تركع
فاقرأ الحمد وأعد السورة وان ركعت فامض على حالتك. انتهى.
قال في المدارك
ـ بعد قول المصنف : الثاني من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة استأنف الحمد وسورة
ـ ما لفظه : انما نكر المصنف السورة للتنبيه على انه لا يتعين قراءة السورة التي
قرأها أو لا بل يتخير بعد الحمد أي سورة شاء. انتهى.
ونحوه كلام جده
في الروض حيث ان عبارة المصنف ظاهرة في إعادة السورة نفسها فاعترضه فقال : ويفهم
من قوله : «أعادها» وجوب إعادة السورة التي قرأها بعينها وليس متعينا بل يتخير بين
إعادتها وقراءة غيرها لوقوعها فاسدة فساوت غيرها. انتهى. وهو جيد إلا ان ظاهر
الخبر المتقدم كما عرفت خلافه والاحتياط يقتضي الوقوف عليه.
وممن صرح أيضا
بإعادة السورة بعينها الشهيد في الذكرى فقال : لو ترك الحمد حتى قرأ السورة وجب
بعد قراءة الحمد إعادة السورة. انتهى.
ومنها ـ من نسي
السجدتين أو إحداهما فإنه يتلافاهما ما لم يركع ثم يقوم ويأتي بما يلزمه من قراءة
أو تسبيح.
وهذا الحكم في
السجدة الواحدة موضع اتفاق كما نقله غير واحد ، ويدل
__________________
عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟
قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى
يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء».
وما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن ابن مسكان عن ابى بصير ـ وهو ليث المرادي بقرينة الراوي عنه ـ قال : «سألت أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال
يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها
وحدها وليس عليه سهو».
وانما الخلاف
في السهو عن السجدتين فالمشهور سيما بين المتأخرين انه كالأول في وجوب الرجوع ما
لم يركع ، ونقله في الذخيرة عن المفيد في الرسالة الغرية ، ومنهم من صرح بوجوب
سجدتي السهو للقيام الذي زاده ، وذهب ابن إدريس الى ان نسيان السجدتين بعد قيامه
الى الركوع يوجب إعادة الصلاة ونقل ايضا عن ابى الصلاح ، وبه صرح الشيخ المفيد في
المقنعة حيث قال : ان ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كل حال وان نسي واحدة
منهما حتى ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام.
احتج من ذهب
الى القول الأول بأن القيام ان كان انتقالا عن المحل لم يعد إلى السجدة الواحدة
والا عاد الى السجدتين.
واستدل للقول
الثاني بالروايات الدالة على بطلان الصلاة بنسيان السجود خرج منها ما دل على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة
بالخبرين المتقدمين وبقي ما عداه. والفرق بين السجدة والسجدتين بعد الركوع ظاهر للحكم
بالصحة في الأول والبطلان في الثاني فيمكن ان يكون ما قبل الركوع كذلك أيضا.
__________________
وأيد القول
المشهور في المدارك بإطلاق صحيحة ابن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو
تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». ورواية محمد بن مسلم الصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع
بعد السجدتين قال : فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما
ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق اولى. انتهى.
ويمكن المناقشة
في صحيحة ابن سنان المذكورة بما سيأتي إيضاحه قريبا ان شاء الله تعالى ، وكذا في
صحيحة محمد بن مسلم بان ما دلت عليه من الحكم المذكور خارج عن مقتضى القواعد
الشرعية مع معارضتها بالأخبار الكثيرة ، وقد تقدم الكلام فيها في المسألة الأولى.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال بالرجوع
والإتمام ثم الإعادة من رأس وان كان القول الأول لا يخلو من قوة.
وتمام تحقيق
البحث في المقام يتوقف على بيان أمور (الأول) لا كلام في انه لو كان المنسي مجموع
السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما.
اما لو كان
المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب الأولى واطمأن بنية الفصل أو لا بنيته فإنه لا
كلام في انه لا يجب الرجوع الى الجلوس قبل السجدة.
اما لو لم يجلس
أو جلس ولم يطمئن فقيل انه يجب الجلوس وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض وسبطه
السيد السند في المدارك ، وعلله في المدارك بان الجلوس من أفعال الصلاة ولم يأت به
مع بقاء محله فيجب تداركه. قال في الذخيرة بعد نقل نحو ذلك عن الروض ايضا : ويمكن
المنازعة فيه بان القدر الثابت الجلوس الفاصل بين السجدتين المتصل بهما وقد فات
ولا يمكن تداركه لا مطلقا. انتهى. وظني ضعف هذه المنازعة فإن ما ذكره من
الخصوصيتين المذكورتين لا دخل لهما في وجوب الجلوس وان اتفق ذلك وإلا للزم اجراء
ما ذكره في الاجزاء التي يجب تداركها مطلقا.
__________________
وقيل بعدم
الوجوب ، قال في الذخيرة : وهو قول المصنف في المنتهى وهو المحكي عن الشيخ في
المبسوط استنادا الى ان الفصل بين السجدتين تحقق بالقيام. ورد بان الواجب ليس هو
مطلق الفصل بل الجلوس الفاصل ولم يحصل.
وبالجملة
فالظاهر هو قوة القول الأول سيما مع أوفقيته بالاحتياط.
(الثاني) ـ قال
في الروض بناء على ما اختاره من وجوب الجلوس في المسألة المذكورة : ولو شك هل جلس
أم لا؟ بنى على الأصل فيجب الجلوس وان كان حالة الشك قد انتقل عن محله لأنه بالعود
إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في محله فيأتي به. ومثله ما لو تحقق نسيان سجدة وشك
في الأخرى فإنه يجب عليه الإتيان بهما معا عند الجلوس وان كان ابتداء الشك بعد
الانتقال. انتهى. وهو جيد.
اما لو نوى
بالجلوس الاستحباب لظنه انه قد اتى بالسجدتين وان ذلك الجلوس إنما هو جلسة
الاستراحة فهل يكتفي به؟ وجهان أحدهما نعم ، لاقتضاء نية الصلاة ابتداء كون كل فعل
في محله وذلك يقتضي كون هذه الجلسة للفصل فلا تعارضها النية الطارئة سهوا
بالاستراحة ، وثانيهما العدم لتنافي وجهي الوجوب والندب فلا يجزئ أحدهما عن الأخر
، وقوله (عليهالسلام) «انما لكل امرئ ما نوى» .
والظاهر هو
الأول لا لما ذكر من التعليل فإنه عليل بل للأخبار الكثيرة الدالة على انه لو دخل
في الصلاة بنية الفريضة ثم سها في أثنائها وقصد ببعض أفعالها الندب وانها نافلة لم
يضره ذلك بل يبنى على النية الأولى .
وقد تقدم تحقيق
القول في ذلك في كتاب الطهارة في باب الوضوء في المقامات التي في تحقيق النية ونقل
جملة من الأخبار في المقام.
ومن تلك
الأخبار ما رواه الشيخ عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو
__________________
ينوي أنها نافلة؟ قال هي التي قمت فيها ولها. وقال إذا قمت وأنت تنوي
الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له ، وان كنت دخلت فيها وأنت
تنوي النافلة ثم انك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة ، وانما يحسب للعبد من
صلاته التي ابتدأ في أول صلاته». ونحوها أخبار أخر تقدمت في المقام المشار اليه.
(الثالث) ـ لا
اشكال ولا خلاف في انه لو كان قد تشهد أو قرأ أو سبح ثم ذكر نسيان السجود فإنه يجب
اعادة ما اتى به أولا رعاية لوجوب الترتيب.
ولو فرض ان
المنسي السجود الأخير وذكر بعد التشهد اعادة ثم تشهد وسلم وهذا على القول بوجوب
التسليم واضح لذكره في محله قبل الخروج من الصلاة ، واما على القول بندبه فهل يعود
الى السجود أو تبطل الصلاة لو كان المنسي السجدتين ويقضى السجدة الواحدة لو كان
المنسي واحدة؟ إشكال ينشأ من ان آخر الصلاة على هذا التقدير التشهد فيفوت محل التدارك
، ومن إمكان القول بتوقف الخروج من الصلاة حينئذ على فعل المنافي أو التسليم فما
لم يحصلا لا يتحقق الخروج من الصلاة.
وربما قيل بمجيء
الإشكال وان ذكر بعد التسليم ، ووجه قضاء السجدة حينئذ أو بطلان الصلاة بنسيان
السجدتين ظاهر للخروج من الصلاة بالتسليم قبل تداركهما ، ووجه التدارك عدم صحة
التشهد والتسليم حيث وقعا قبل تمام السجود لأن قضية الأفعال الصحيحة وقوعها في
محلها مرتبة. والكلام ايضا آت في نسيان التشهد الى ان يسلم. وعلى هذا الوجه ان ذكر
قبل فعل المنافي تدارك المنسي وأكمل الصلاة وان ذكر بعده بطلت الصلاة. واليه ذهب
ابن إدريس في ناسي التشهد حتى يسلم.
وقد صرح جملة
من الأصحاب : منهم ـ العلامة بأن فوات محل هذه الأجزاء بالتسليم مطلقا قوى فيقضى
منها ما يقضى وتبطل الصلاة بما هو ركن. وهو جيد.
ومنها ـ من نسي
التشهد وذكر قبل ان يركع فإنه يرجع له ويتلافاه ثم يأتي بما يلزمه بعده ويرتبه
عليه ، وهو مما لا خلاف فيه.
ويدل عليه جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان ابن خالد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين؟ فقال ان ذكر
قبل ان يركع فليجلس وان لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم ويسجد
سجدتي السهو».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة فلا
يجلس فيهما؟ فقال ان كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس وان لم يذكر حتى يركع
فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم».
وعن الحلبي في
الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها ولم
تتشهد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل ان تركع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتك
، وان أنت لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو
بعد التسليم قبل ان تتكلم».
الى غير ذلك من
الأخبار الآتية قريبا ان شاء الله تعالى.
قال في المدارك
: واعلم انه ليس في كلام المصنف (قدسسره) ما يدل على حكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة
والتشهد الأخير والأجود تدارك الجميع إذا ذكر قبل التسليم وان قلنا باستحبابه
لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما ، ولو لم يذكر إلا بعد التسليم بطلت الصلاة ان
كان المنسي السجدتين لفوات الركن وقضى السجدة الواحدة والتشهد لإطلاق قوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن سنان «إذا نسيت
__________________
شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». وصحيحة
محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف؟ فقال ان كان قريبا رجع
الى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه». انتهى.
أقول : ما ذكره
من قضاء التشهد في ما لو لم يذكر إلا بعد التسليم جيد لصحيحة محمد بن مسلم
المذكورة فإنها ظاهرة في التشهد الأخير.
واما ما ذكره ـ
من قضاء السجدة الواحدة في الصورة المذكورة استنادا إلى صحيحة عبد الله بن سنان
التي ذكرها ـ ففيه ان الصحيحة المذكورة على إطلاقها غير معمول عليها وكذا ما شابهها
:
كصحيحة حكم بن
حكيم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل ينسى ن صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها ثم يذكر بعد ذلك؟ فقال
يقضى ذلك بعينه.
فقلت أيعيد
الصلاة؟ قال لا».
ورواية الحلبي
عنه (عليهالسلام) قال : «إذا نسيت من صلاتك فذكرت قبل ان تسلم أو بعد ما
تسلم أو تكلمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمه».
فإن الجميع قد
اشتركت في الدلالة على قضاء ما نسيه من الأفعال كائنا ما كان وان كان ركنا ، ولم
يقل بذلك أحد من الأصحاب وانما أوجبوا قضاء أشياء معينة مثل السجدة الواحدة
والتشهد والقنوت وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن كالركوع
__________________
والسجدتين ، وحينئذ فكيف يمكن الاستناد الى مجرد إطلاق الصحيحة المذكورة؟
والأخبار
المتقدمة الدالة على قضاء السجدة ظاهرة في ما عدا السجدة الأخيرة ، وعلى هذا يبقى
حكم السجدة الأخيرة خاليا من المستند والدليل على وجوب قضائها. والاستناد في ذلك
الى مجرد إطلاق هذه الرواية ونحوها مع كونهم لا يقولون به مجازفة محضة وإلا لزم
القول ايضا بوجوب قضاء ما اشتملت عليه من الركوع والتكبير ونحوهما وهم لا يكتمونه
ولا قائل به إلا ما يظهر من الذكرى من نقل ذلك عن صاحب البشرى ، قال بعد ذكر
الروايات الثلاث المذكورة : وابن طاوس في البشرى يلوح منه ارتضاء مفهومها.
وبالجملة فإنه
وان كان ظاهر الأصحاب عدم الخلاف في القضاء إلا ان الدليل كما عرفت قاصر عن ذلك ،
إذ الروايات المتقدمة موردها انما هو ما عدا السجدة الأخيرة وهذه الرواية التي قد
استند إليها في المدارك قد عرفت ما فيها.
فائدتان
الأولى ـ قال
في المدارك بعد ذكر صحيحة حكم بن حكيم : والظاهر ان المراد بالركعة مجموعها لا نفس
الركوع خاصة ، وبالشيء منها القنوت والتشهد ونحو ذلك مما لم يقم دليل على سقوط
تداركه. انتهى.
أقول : بل
الظاهر ان المراد بالركعة انما هي نفس الركوع كما صرحت به صحيحة ابن سنان المذكورة
، ويؤيده ذكر السجدة بعدها ، والمراد من الخبر المذكور إنما هو عد الأفعال التي لو
نسيها لوجب قضاؤها من ركوع أو سجود ونحوهما من أفعال الصلاة المشار إليها بقوله «أو
الشيء منها»
ومما يستأنس به
لذلك صحيحة منصور عن الصادق (عليهالسلام) «في رجل صلى فذكر انه زاد سجدة؟ لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة» ،.
__________________
قال السيد
المذكور بعد نقلها : والظاهر ان المراد بالركعة الركوع كما يظهر من مقابلته
بالسجدة.
الثانية ـ ظاهر
أكثر الأصحاب انه لا فرق في تدارك التشهد بعد الصلاة بين كونه التشهد الأول
والأخير تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أم لا.
وقال ابن إدريس
: لو تخلل الحدث بين الصلاة والتشهد الأول لم تبطل الصلاة لخروجه منها بالتسليم ،
ولو تخلل بينهما وبين التشهد الثاني بطلت صلاته لأن قضية السلام الصحيح أن يكون
بعد التشهد فوقوعه قبله كلا سلام فيكون حدثه قد صادف الصلاة.
واعترضه المحقق
في المعتبر فقال بعد نقل كلامه : وليس بوجه لأن التسليم مع السهو مشروع فيقع موقعه
ويقضى التشهد لما روى حكم بن حكيم عن الصادق (عليهالسلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. قال في المدارك بعد نقل
كلام المعتبر : وهو حسن.
أقول : الأظهر
في الفرق بين التشهدين في الحكم المذكور بناء على مذهب ابن إدريس من استحباب
التسليم هو أن يقال انه انما يخرج من الصلاة بالتشهد الأخير فإذا نسيه لم يتحقق
الخروج فيكون قد أحدث قبل الخروج من الصلاة فتبطل صلاته وكان الأولى لابن إدريس
التعليل بذلك.
واما استدلال
المحقق على وجوب قضاء التشهد الأخير برواية حكم بن حكيم المذكورة من حيث لفظ الشيء
فيها الشامل للتشهد فقد عرفت ما فيه وكان الأولى له الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم
المتقدمة.
هذا. والتحقيق
كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى انه لا دليل على وجوب قضاء التشهد الأول أحدث
بعد الصلاة أو لم يحدث ، ويجب قضاء التشهد الثاني لصحيحة محمد بن مسلم المذكورة
أحدث أم لم يحدث.
ونقل في الذكرى
عن العلامة في المختلف انه نازع في تخلل الحدث إذا نسي
التشهد الأول وحكم بإبطاله الصلاة وحكم بان التسليم وقع في محله وان نسي
التشهد الأخير فتكون الصلاة صحيحة. انتهى.
وفيه ان ما حكم
به من إبطال الصلاة في الصورة الأولى ممنوع ولو قلنا بوجوب قضاء التشهد لدلالة
الأخبار وكلام الأصحاب على الصحة أحدث أو لم يحدث وإنما الكلام في ما ادعوه من
وجوب القضاء وعدمه. وقد تقدم في فصل التشهد نقل كلام ابن بابويه وحكمه بصحة الصلاة
بالحدث بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة والأخبار الدالة على ذلك وبيان القول في
ذلك فليراجع ثمة.
فرع
المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب قضاء الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) بعد الصلاة إذا سها عنها المصلى وفات موضع تداركها ،
ويتداركها كما يتدارك التشهد لو لم يفت محل تداركها اعنى قبل الركوع فإنه يعود
إليها قالوا ولا يضر الفصل بينها وبين التشهد.
وأنكر ابن
إدريس شرعية قضائها لعدم النص. ورده في الذكرى بان التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه
تسوية بين الجزء والكل.
واحتج في
المختلف على وجوب قضائها زيادة على الدليل المذكور بأنه مأمور بالصلاة على النبي
وآله (صلىاللهعليهوآله) ولم يأت به فيبقى في عهدة التكليف الى ان يخرج منه
بفعله.
واعترضه في
المدارك بأن الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) انما تجب في التشهد وقد فات والقضاء فرض مستأنف فيتوقف
على الدليل وهو منتف. قال على ان في وجوب الأداء خلافا بين الأصحاب كما تقدم
تحقيقه.
واعترض الدليل
الأول أيضا بمنع الملازمة ، قال مع انه لا يقول بالتسوية بين الكل والجزء مطلقا.
أقول ويؤيده ان الصلاة تقضى ولا تقضى اجزائها مطلقا.
وأنكر العلامة
في المختلف كلام ابن إدريس وقال بعد استدلاله بالدليلين
المذكورين : وليس في هذه الأدلة قياس وانما هو لقصور قوته المميزة حيث لم
يجد نصا صريحا حكم بأن إيجاب القضاء مستند الى القياس خاصة. انتهى. ولا يخفى ما
فيه
أقول : والظاهر
في هذه المسألة هو قول ابن إدريس لما عرفت من كلام السيد السند (قدسسره) فان دعوى إثبات الأحكام الشرعية بهذه التعليلات
العليلة مجرد مجازفة في أحكامه سبحانه. نعم يمكن الاستدلال على القول المشهور
بإطلاق صحيحتي عبد الله بن سنان وحكم بن حكيم ورواية الحلبي إلا انك قد عرفت انه لا قائل بذلك من الأصحاب سوى ما
نقله في الذكرى عن ظاهر ابن طاوس في البشرى
الثالثة ـ ما
يتداركه بعد الصلاة مع سجود السهو عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو السجدة
والتشهد المنسيان ولما يذكر إلا بعد الركوع فإنه يقضيهما ويسجد للسهو كما صرحوا به
، إلا انه لا يخلو من الإشكال في كل من الموضعين.
وتحقيق الكلام
في ذلك يتوقف على بسطه في مقامين (الأول) في السجدة والمشهور في كلامهم ان من ترك
سجدة من صلاته ولم يذكر حتى ركع فإنه يقضيها بعد الصلاة من غير ان تجب عليه
الإعادة وانه يجب عليه سجود السهو.
وقد وقع الخلاف
هنا في مواضع ثلاثة (الموضع الأول) ـ في وجوب قضائها خاصة مع صحة الصلاة وهو الذي
عليه الأكثر ، وذهب الشيخ في التهذيب إلى انه متى كان نسيان السجدة الواحدة من
الركعتين الأوليين فإنه يعيد الصلاة ، وحكى في الذكرى عن الشيخ المفيد والشيخ في
التهذيب ان كل سهو يلحق الأوليين موجب لإعادة الصلاة وكذلك الشك سواء كان في
عددهما أو أفعالهما ، ونقل الشيخ هذا القول عن بعض علمائنا ، وقد تقدم ايضا مذهب
ابن ابى عقيل بإعادة الصلاة بترك السجدة مطلقا من الأوليين أو الأخيرتين.
والذي يدل على
القول المشهور صحيحتا إسماعيل بن جابر وابى بصير المتقدمتان في الموضع الثاني من
مواضع الصورة الثانية .
__________________
ونحوهما ما
رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا نسي الرجل سجدة وأيقن انه قد تركها فليسجدها
بعد ما يقعد قبل ان يسلم وان كان شاكا فليسلم ثم يسجدها وليتشهد تشهدا خفيفا ولا
يسميها نقرة فإن النقرة نقرة الغراب».
والظاهر ان
المراد بقوله «بعد ما يقعد» اى بعد ما يتشهد لما أسلفناه من الأخبار الدالة على
وقوع مثل هذا التجوز في فصيح الكلام الوارد عنهم (عليهمالسلام). واما السجود في صورة الشك فحمله بعض الأصحاب على
الاحتياط والاستحباب لما تقرر من ان الشك بعد تجاوز المحل لا اثر له. والأظهر حمله
على سجود السهو لأنه الذي فيه التشهد الخفيف وانه لا يسمى نقرة وان كان في ذكر
الضمير نوع منافرة لذلك.
وما رواه الشيخ
عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن الرجل ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع؟ قال يمضى في صلاته
ولا يسجد حتى يسلم فإذا سلم سجد مثل ما فاته. قلت فان لم يذكر الا بعد ذلك؟ قال
يقضى ما فاته إذا ذكره».
احتج الشيخ بما
رواه عن احمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل صلى ركعتين ثم ذكر في الثانية وهو راكع انه ترك
سجدة في الأولى؟ فقال كان أبو الحسن (عليهالسلام) يقول إذا تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدر واحدة
أو اثنتين استقبلت حتى يصح لك اثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة
بعد ان تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود».
ورواه الكليني
في الصحيح ايضا بما هذه صورته قال : «سألته عن رجل
__________________
صلى ركعة ثم ذكر وهو في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة من الأولى؟ فقال كان
أبو الحسن (عليهالسلام) يقول إذا تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدر واحدة
أم ثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك انهما ثنتان». وعلى هذه الرواية لا ينطبق مدعى
الشيخ (قدسسره)
والظاهر ان
الراوي روى الخبر مرتين مرة بنحو ما ذكره الشيخ واخرى بما نقله في الكافي.
ويعضد رواية
الشيخ ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن
ابى نصر. الحديث كما في التهذيب الا انه قال : «بعد ان تكون قد حفظت الركوع والسجود».
وكيف كان فهذا
الخبر لا يخلو من الإجمال بل الإشكال الموجب لضعف الاستناد إليه في الاستدلال ،
وذلك ان قوله (عليهالسلام) في الخبر المذكور «ولم تدر واحدة أو اثنتين» محتمل لان
يكون المراد الركعة أو الركعتين اى شككت مع ترك السجدة بين الركعة والركعتين ،
وعلى هذا فلا إشكال في ما ذكره (عليهالسلام) من الحكم بالاستقبال الا انه لا ينطبق حينئذ الجواب
المذكور على ما ذكره من السؤال ويحتمل ان يكون المراد السجدة والسجدتين ، والمعنى
انه ترك سجدة وشك في انه هل سجد شيئا أم لا ، وعلى هذا يدل على مراد الشيخ في
الجملة إذ الشك بعد تجاوز المحل لا عبرة به فيكون البطلان انما هو لترك السجدة.
ويحتمل ان يكون الواو في قوله «ولم تدر واحدة أو اثنتين» بمعنى «أو» وان الأصل
انما هو «أو» ويكون قد سقطت الهمزة من قلم النساخ ، وعلى هذا فيحتمل الوجه الأول
أعني الحمل على الركعة والركعتين والثاني أي السجدة والسجدتين ، فعلى الوجهين يدل
على ما ذهب اليه الشيخ في السجود ، وعلى الثاني يدل على ما قدمنا نقله عن الشيخين
من إبطال مطلق الشك في الأولتين ، وحينئذ فمع هذا الإجمال وتعدد الاحتمال يشكل
العمل به في مقابلة تلك الأخبار الصحيحة الصريحة الدلالة في عدم الفرق بين
الأوليين والأخيرتين.
__________________
احتج من قال
بان كل سهو يلحق الأوليين أو شك فإنه يوجب الإعادة بجملة من الأخبار الآتية ان شاء
الله تعالى في مسألة الشك في الأوليين :
ومنها ـ رواية
أبي بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سهوت في الركعتين الأولتين فأعدهما».
وحسنة الحسن بن
على الوشاء قال : «قال لي أبو الحسن الرضا (عليهالسلام) الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين
الأخيرتين». ونحوهما.
وسيأتي ان شاء
الله تعالى تحقيق المسألة في الموضع المشار اليه.
واما ما ذهب
اليه ابن ابى عقيل من بطلان الصلاة بترك السجدة فقد تقدم القول فيه في فصل السجود
منقحا.
الموضع الثاني
ـ في ان محل قضائها بعد الفراغ من الصلاة وهو الذي عليه الأكثر من الأصحاب ، ويدل
عليه صحيحتا إسماعيل بن جابر وابى بصير وصحيحة ابن ابى يعفور وموثقة عمار المتقدم
جميع ذلك في المسألة .
وقال الشيخ أبو
الحسن على بن الحسين بن بابويه في رسالته على ما نقله عنه في الذكرى : فان نسيت
سجدة من الركعة الأولى فذكرتها في الثانية من قبل ان تركع فأرسل نفسك فاسجدها ثم
قم إلى الثانية وابتدئ القراءة فإن ذكرت بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة ،
وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فأرسل نفسك
واسجدها فان ذكرتها بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة ، وان كانت سجدة من
الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم تركع وان ذكرتها بعد
الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم. انتهى.
__________________
ونقل في الذكرى
ايضا عن الشيخ المفيد (قدسسره) في الغرية انه قال : إذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث
سجدات واحدة منها قضاء. ثم قال في الذكرى : وكأنهما عولا على خبر لم يصل إلينا.
أقول : اما ما
ذكره الشيخ على بن بابويه فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي عرفته في
غير موضع مما تقدم وان كان بحذف بعض الزوائد حيث قال (عليهالسلام) : وان نسيت السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في الثانية
من قبل ان تركع فأرسل نفسك واسجدها ثم قم إلى الثانية وأعد القراءة ، فإن ذكرتها
بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة ، وان نسيت السجدتين جميعا من الركعة الأولى
فأعد صلاتك فإنه لا تثبت صلاتك ما لم تثبت الأولى ، وان نسيت سجدة من الركعة الثانية
وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فأرسل نفسك واسجدها فان ذكرت بعد الركوع فاقضها في
الركعة الرابعة وان كانت سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك
واسجدها ما لم تركع فان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم. انتهى.
ثم انه لا يخفى
ما في إفتاء الشيخ المزبور بعبارات هذا الكتاب والعدول عن مثل هذه الأخبار
المعارضة لها والصريحة في خلافها مع كونها بمرأى منه ومنظر من مزيد اعتماده على
الكتاب المذكور ووثوقه بكونه معلوما مقطوعا به عنه (عليهالسلام) وهو مؤيد لما اخترناه من العمل باخبار الكتاب المذكور
كغيره من كتب الأخبار المشهورة والأصول المأثورة. إلا ان الظاهر في هذه المسألة هو
القول المشهور المعتضد بالأخبار المتقدمة الصحيحة الصريحة في القضاء بعد الفراغ
ولا يحضرني وجه تأويل لهذه الرواية وهي مرجأة إلى قائلها (عليهالسلام).
واما ما ذهب
اليه الشيخ المفيد فلم أقف له على دليل ، وصورة عبارته المحكية عن الرسالة الغرية
على ما نقله الفاضل الخراساني في الذخيرة «ان ذكر بعد الركوع
__________________
فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء والاثنتان للركعة التي هو فيها» وهي
أظهر دلالة من العبارة المنقولة في الذكرى وكأنه في الذكرى قد اختصر العبارة. ولا
يخفى ان مذهب الشيخ المفيد في المقنعة موافق للقول المشهور. والله العالم.
الموضع الثالث
ـ في وجوب سجدتي السهو في قضاء السجدة ، وهو المشهور كما عرفت بل نقل العلامة في
المنتهى والتذكرة عليه الإجماع مع انه في المختلف حكى الخلاف في ذلك عن ابن ابى
عقيل وابني بابويه والشيخ المفيد في المسائل الغرية
احتج القائلون
بوجوبهما برواية سفيان بن السمط عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو
نقصان.».
وأنت خبير بان
هذه الرواية (أولا) معارضة بأخبار كثيرة دالة على عدم وجوب سجدتي السهو في كثير من
مواضع الزيادة والنقصان .
(وثانيا) ـ بصحيحة
أبي بصير المتقدمة في الموضع الثاني من الصورة الثانية لقوله (عليهالسلام) فيها «قضاها وحدها وليس عليه سهو».
وموثقة عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام). وساق الخبر الى ان قال : «وسئل عن الرجل ينسى الركوع
أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو؟ قال لا قد أتم الصلاة».
ورواية محمد بن
منصور قال : «سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها؟
فقال إذا خفت ان لا تكون وضعت وجهك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع
وجهك مرة واحدة وليس عليك سهو».
واما ما ذكره
الشيخ في تأويل رواية أبي بصير ـ من حمل قوله (عليهالسلام)
__________________
«وليس عليه سهو» على معنى انه لا يكون في حكم السهاة بل يكون حكم القاطعين
لأنه إذا ذكر ما كان فاته وقضاه لم يبق شيء يشك فيه فخرج عن حد السهو ـ فبعده
أظهر من ان يخفى.
و (ثالثا)
الأخبار الواردة في المسألة كصحيحة إسماعيل بن جابر وصحيحة ابن ابى يعفور وموثقة
عمار والتقريب فيها انه لو كان سجود السهو واجبا لأشار (عليهالسلام) إليه لأن المقام مقام البيان.
و (رابعا) تأيد
ذلك بموافقة الأصل فإن الأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل الواضح.
وبالجملة
فالظاهر عندي من الأخبار هو القول الثاني وان كان الاحتياط في العمل بالقول
المشهور.
المقام الثاني
ـ في التشهد والمشهور انه يجب قضاؤه ما لم يذكره الا بعد الركوع وتجب سجدتا السهو
معه.
وقد وقع الخلاف
هنا في موضعين (الموضع الأول) في وجوب القضاء وهو المشهور كما عرفت ، وذهب الشيخ
المفيد والصدوقان إلى أنه يجزئ التشهد الذي في سجدتي السهو عن القضاء ، ونسب
الشهيد في الذكرى هذا القول للشيخ المفيد في المسائل الغرية ، وهو كذلك فإنه في
المقنعة قد صرح بموافقة القول المشهور ذكر ذلك في موضعين.
احتج الأولون بما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف؟
فقال ان كان
قريبا رجع الى مكانه فتشهد والا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه».
وعن على بن أبي
حمزة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت
__________________
في الركعتين الأولتين ولم تشهد فذكرت قبل ان تركع فاقعد وتشهد وان لم تذكر
حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد
الذي فاتك».
احتج جملة من
الأصحاب للقول الثاني بالأخبار الكثيرة الدالة على ان ناسي التشهد حتى يركع يجب
عليه سجدتا السهو من غير تعرض لذكر التشهد فيهما مثل صحاح سليمان بن خالد وعبد
الله بن سنان والحلبي المتقدمات في الموضع الثالث من الصورة الثانية .
ونحوها ما رواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل ان يجلس بينهما؟ قال
فليجلس ما لم يركع وقد تمت صلاته ، وان لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته وإذا سلم
سجد سجدتين وهو جالس». ورواه الشيخ في التهذيب وذكر محل «سجد سجدتين» «نقر نقرتين» وما في الكافي أصوب
لما تقدم في صحيح ابن ابى يعفور من النهى عن تسميتها نقرة.
وما رواه في
التهذيب في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة لا يجلس فيهما حتى
يركع في الثالثة؟ قال فليتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان
يتكلم».
وعن ابى بصير
في الموثق قال : «سألته عن الرجل ينسى ان يتشهد؟ قال يسجد سجدتين
يتشهد فيهما».
وعن ابى بصير
في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
__________________
عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما؟ فقال ان كان ذكر وهو
قائم في الثالثة فليجلس وان لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس
قبل ان يتكلم».
وعن الحسن
الصيقل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يصلى الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو
راكع؟ قال يجلس من ركوعه ويتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا
ذكره بعد ما يركع مضى ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة
مثل الفريضة».
أقول : وهذه
الاخبار وان كانت كما ذكره المستدل من الدلالة على مجرد سجود السهو من غير تعرض
للتشهد الا ان المدعى في كلام أولئك القائلين بهذا القول مركب من أمرين (أحدهما)
عدم وجوب قضاء التشهد. و (ثانيهما) قيام تشهد سجدتي السهو مقام التشهد المنسي ،
وهذه الأخبار لا تفي إلا بالأول.
والتحقيق
والصواب وان لم يهتد إليه أحد من متأخري الأصحاب أن أولئك الجماعة انما عولوا في
هذا المقام على كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) وان نسيت التشهد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة
فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع فان ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت
سجدتي السهو وتشهدت فيهما ما قد فاتك. انتهى.
وبهذه العبارة
عبر الصدوق في الفقيه فقال : وان نسيت التشهد في الركعة الثانية وذكرته في الثالثة
فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع فان ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت
سجدتي السهو وتشهدت فيهما التشهد الذي قد فاتك.
وهذا القول هو
الظاهر عندي لظاهر خبر الكتاب المعتضد بتلك الأخبار الصحيحة الصريحة فإنها على
كثرتها إنما تضمنت مجرد سجود السهو مع انها واردة في مقام البيان فلو كان قضاء
التشهد واجبا لذكر ولو في بعضها.
__________________
واما ما استدل
به للقول المشهور فهو بمحل من القصور ، أما صحيحة محمد بن مسلم فان موردها التشهد
الأخير ومحل البحث في الأخبار وكلام الأصحاب انما هو التشهد الأول للتفصيل الواقع
في الأخبار وكلامهم بكون الذكر قبل الركوع أو بعد الركوع.
واما رواية على
بن أبي حمزة فهي وان كان موردها التشهد الأول إلا ان ظاهرها ان التشهد الذي بعد
الفراغ انما هو تشهد سجدتي السهو وانه يقصد به التشهد الذي فاته ، فهي بالدلالة
على خلاف مرادهم انسب والى الدلالة على ما ندعيه أقرب ، إذ مرجع ما دلت عليه الى
ما صرحت به عبارة كتاب الفقه المذكورة ، على ان المفهوم من كلامهم ان الواجب هو
الإتيان بالأجزاء المنسية أولا ثم سجود السهو لها ومقتضى هذه الرواية بناء على ما
يدعونه هو تقديم سجود السهو على قضاء الاجزاء فلا يتم الاستناد إليها من هذه
الجهة.
وكيف كان
فينبغي بناء على ما اخترناه ان يقصد بتشهده في سجدتي السهو قضاء التشهد المنسي.
واما ما رواه
الشيخ عن محمد بن على الحلبي ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ قال يرجع
فيتشهد. قلت أيسجد سجدتي السهو؟ فقال لا ليس في هذا سجدتا السهو». ـ فمحمول على ما
إذا ذكر ذلك قبل الركوع.
الموضع الثاني
ـ في وجوب سجدتي السهو في الموضع المذكور وقد عرفت تكاثر الأخبار بذلك ، وهو الذي
صرح به أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل بعض شراح الشرائع انه لا خلاف فيه بين
الأصحاب.
قال في الذخيرة
: ونقل في المختلف والذكرى الخلاف فيه عن ابن ابى عقيل والشيخ في الجمل والاقتصاد
ولم يذكره أبو الصلاح في ما يوجب سجدة السهو.
أقول : انه ان
كان مراده (قدسسره) انهما صرحا في الكتابين المذكورين
__________________
بنقل القول بنفي السجود في الموضع المذكور عن ابن ابى عقيل والشيخ في
الكتابين المذكورين فالظاهر انه ليس كذلك لأني لم أقف عليه بعد المراجعة والتتبع ،
نعم نقل عنهما عدم عد ذلك في ما يجب له سجود السهو حيث حصراه في مواضع ليس هذا
منها ، فكان الأولى نسبة القول إليهما بما نقله عن ابى الصلاح.
قال في الذخيرة
بعد نقل جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب سجدتي السهو في هذه الصورة :
وهذه الأخبار وان كانت غير صريحة في الوجوب إذ لم يثبت كون الأمر في أخبارنا حقيقة
في الوجوب لكن لا يبعد ان يعول في الوجوب على هذه الأخبار بمعونة الشهرة لكن ذلك
لا يخلو من شوب النظر والتأمل. انتهى. وهو من جملة تشكيكاته الواهية التي هي لبيت
العنكبوت ـ وانه لأضعف البيوت ـ مضاهية ، وقد أوضحنا في غير مقام مما تقدم فساده
وان فيه خروجا عن الدين من حيث لا يشعر قائله.
واما ما رواه
الشيخ في الموثق بابن بكير عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) هل سجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سجدتي السهو قط؟ فقال لا ولا يسجدهما فقيه». فأجاب
عنها في الذخيرة بأنه يمكن حملها على ان الفقيه يسعى في حفظ صلاته بالتوجه فيها
بحيث لا يصدر منه السهو. قال : وفيه بعد لكن الرواية غير معمولة بين الأصحاب فيشكل
التعويل عليها. انتهى.
أقول : الأظهر
في الجواب عنها هو حمل الفقيه على الامام (عليهالسلام) فإنه هو الفقيه الحقيقي بمعنى انه لم يسجدها رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) لعصمته عن السهو ولا يسجدها امام بعده للعلة المذكورة.
وفي الخبر المذكور رد ظاهر للأخبار الدالة على سهوه (صلىاللهعليهوآله) ولا سيما ما دل منها على انه سجد سجدتي السهو.
(المسألة
السادسة) ـ لو سها عن الركوع فله صور (الأولى) ان يذكر
__________________
بعد الدخول في السجود ، والأشهر الأظهر بطلان الصلاة ، وقد تقدم تحقيق
المسألة ونقل خلاف الشيخ في ذلك في المسألة الاولى.
وقد صرح بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بأنه لا فرق في البطلان إذا ذكر بعد وضع
الجبهة بين كون وضعها على ما يصح السجود عليه وما لا يصح ، قال ولو ذكر بعد وضع
الجبهة سواء كان على ما يصح السجود عليه أم لا فالمشهور حينئذ بطلان الصلاة. ثم
نقل خلاف الشيخ المشار اليه.
وعندي في ذلك
إشكال فإنه لا ريب في ان وضع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه لغير تقية ولا
ضرورة ليس بسجود شرعي بل هو في حكم العدم فكيف يمتنع العود منه الى الركوع ويحكم
ببطلان الصلاة؟ فإن استندوا إلى إطلاق الاخبار المتقدمة مثل صحيحة رفاعة عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل ينسى ان يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال
يستقبل».
ونحوها ، فإنه
لا ريب في ان المراد بالسجود فيها هو السجود الشرعي فإنه هو المتبادر الذي ينصرف
إليه الإطلاق وأيضا فإنهم صرحوا بأنه متى سها عن ركن تداركه متى لم يدخل في ركن
والدخول في الركن بالسجود على ما لا يصح السجود عليه ممنوع. وبالجملة فإنه إن اعتد
بهذا السجود في الصلاة وحكم بصحته فما ذكروه صحيح لكنهم لا يقولون به وإلا فلا
معنى للحكم بالبطلان بل الواجب تدارك الركوع لبقاء المحل ثم الإتيان بالسجود
الشرعي
الثانية ـ ان
يذكر بعد الهوى للسجود ولما يسجد بمعنى انه تجاوز قوس الراكع ، وقد صرحوا بأنه يجب
عليه ان يقوم منتصبا لوجوب الهوى للركوع عن قيام ، بل عد جملة منهم القيام المتصل
بالركوع ركنا كما تقدم ذكره في فصل القيام وهو المشهور في كلامهم ، وهو لا يتحقق
إلا بقصد الهوى للركوع عنه وحينئذ فيجب القيام أولا ثم الركوع.
ويدل على وجوب
الإتيان بالركوع في الصورة المذكورة إن الذمة مشغولة
__________________
بفعله ولا مانع منه لعدم تجاوز المحل فيبقى الخطاب به في الحال المذكورة. ويعضده
إطلاق
صحيحة عبد الله
بن سنان المتقدمة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو
تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». بحملها على صورة التذكرة قبل فوات المحل بمعونة ما
دل على ان نسيانه حتى يفوت المحل موجب لبطلان الصلاة.
ويؤيده ما سيجيء
أيضا من وجوب الإتيان به إذا شك في فعله قبل فوات محله ففي صورة النسيان أولى
بمعونة الحكم بعدم البطلان استنادا الى الأصل.
ومقتضى
التعليلات المذكورة في هذه الصورة هو حصول النسيان في حال القيام وبه يفرق بينها
وبين ما يأتي بعدها.
الثالثة ـ هي
الصورة الثانية بمعنى الذكر بعد الهوى للسجود وتجاوز قوس الراكع ولكن عروض السهو
انما هو بعد الهوى للركوع وقبل الدخول في قوس الراكع ، والحكم هنا عندهم هو الرجوع
بان يقوم منحنيا الى قوس الراكع خاصة من غير انتصاب ، لانه قد هوى بقصد الركوع
وانما عرض له السهو بعد ذلك فلا يجب اعادة القيام حينئذ.
الرابعة ـ هي
الصورة بحالها ولكن عرض السهو بعد الدخول في قوس الراكع ، وفي العود حينئذ إشكال
لأنه قد حصل الركن الركوعى بمجرد الدخول في قوس الراكع لان الركوع عبارة عن
الانحناء على الكيفية المخصوصة وقد حصل ، والذكر والطمأنينة واجبات خارجة عن
حقيقته واستدراكها موجب لزيادة الركوع. ومقتضى ذلك انه يمضى في صلاته لحصول الركوع
الشرعي والهوى له بعد القيام ، ولم يحصل هنا غير الإخلال بالذكر والطمأنينة وقد
عرفت انها واجبات خارجة لا يضر تركها سهوا والمحل غير قابل لاستدراكها لما عرفت من
ان ذلك موجب لزيادة ركن في الصلاة. والى ما ذكرناه يميل كلام السيد السند في
المدارك والفاضل
__________________
الخراساني في الذخيرة وهو الظاهر لما عرفت.
واما ما ذكره
شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدسسره) في رسالته الصلاتية في هذه الصورة ـ حيث قال : ولو كان
عروضه ـ يعنى السهو ـ بعد وصوله الى حد الراكع ففي تحريم العود نظر ـ فلا اعرف له
وجها. ولتلميذه المحدث الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني (قدسسره) في شرحه على الرسالة المذكورة في توجيه ذلك وموافقته
له على التوقف في هذه المسألة كلام لا يخلو من السهو والإشكال الناشئ عن
الاستعجال. وبالجملة فالحق عندي في المسألة ما تقدم ذكره.
تنبيه
قد تقدم في
الفصل الخامس في الركوع ان من جملة واجبات الركوع ان يقصد بهويه عن القيام اليه
فلو هوى لا بقصده بل لغرض آخر لم يحصل بوصوله الى قوس الراكع ركوع ، بل ولو نوى
الركوع في تلك الحال فإنه لا يجزئه بل يجب عليه ان يقوم منتصبا وينوي الهوى له.
وظاهر الفاضل
الخراساني التوقف في ذلك ، قال في الذخيرة بعد ذكر وجوب القيام في الصورة الثانية
من الصور المتقدمة : وربما يقال انه معلل باستدراك الهوي إلى الركوع فإنه واجب ولم
يقع بقصد الركوع. ذكر ذلك غير واحد من الأصحاب وللنزاع في إثبات وجوب الهوى
المذكور مجال إلا ان اليقين بالبراءة من التكليف الثابت يقتضيه.
أقول : لا يخفى
ان اللازم مما ذكره انه لو هوى في صلاته لتناول شيء حتى جاوز قوس الراكع هو بطلان
صلاته لحصول الركوع إذ الركوع ليس إلا عبارة عن الانحناء حتى تصل يداه ركبتيه وقد
حصل وان لم يحصل القصد اليه والذكر والطمأنينة انما هي واجبات خارجة ، ولا أظنه
يلتزمه ، مع ان العبادات مشروطة بالقصود والنيات فلا ينصرف الفعل الى كونه عبادة
إلا بالنية والقصد إليها وإلا فهو في حد
ذاته أعم من ذلك كما تقدم تحقيقه في باب الوضوء من كتاب الطهارة وعليه دلت
الأخبار الكثيرة كقوله (عليهالسلام) «إنما الأعمال بالنيات». ونحوه مما تقدم في الموضع المشار اليه.
وقد روى الشيخ
والصدوق عن زكريا الأعور قال : «رأيت أبا الحسن (عليهالسلام) يصلى قائما والى جانبه رجل كبير يريد ان يقوم ومعه عصا
له فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليهالسلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد الى صلاته».
وهو مؤيد لما ذكرناه.
نعم روى الثقة
الجليل على بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي
ابنها الى جنبها هل يصلح لها ان تتناوله وتحمله وهي قائمة؟ قال : لا تحمل وهي
قائمة».
قال شيخنا
المجلسي في كتاب البحار بعد نقل الخبر المذكور : «لا تحمل وهي قائمة» يمكن ان يكون
ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في ذلك ، وظاهر بعض الأصحاب
اشتراطها. ثم نقل كلام الشهيد في الذكرى الدال على وجوب القصد بالهوى الى الركوع
ثم نقل رواية زكريا الأعور ، وقال بعدها : وهذا يدل على الجواز وعلى الاشتراط
المذكور. ثم قال : وذكر العلامة والشهيد وغيرهما مضمون الرواية من غير رد ، ويمكن
الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة أو الكراهة وخبر الأعور على النافلة أو
على الجواز ، والأول أظهر. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان خبر على بن جعفر غير ظاهر في المنافاة ليحتاج الى تكلف الجمع بينه وبين خبر
الأعور ، فإنه (عليهالسلام) انما نهى عن الحمل في الصلاة أعم من ان يكون بالتناول
من الأرض أو لا به ، ولو كان المراد النهى من حيث استلزام
__________________
حصول الركوع لكان الظاهر التعبير بقوله «لا تتناول» فإنه هو المستلزم لحصول
الانحناء الموجب لكونه ركوعا وان لم يكن مقصودا.
بقي الكلام في
النهي عن الحمل مع ورود الأخبار الكثيرة بجواز مثله في الصلاة من الأفعال التي لا
تعد كثيرة وهي مسألة أخرى لا تتعلق بمحل البحث ، ولعل النهى محمول على الكراهة من
حيث الإخلال بوظائف القيام من وضع اليدين في الموضع الموظف أو بالنسبة إلى القنوت
أو نحو ذلك. ويعضد ما قلناه إطلاق موثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه
وهي تتشهد».
وبالجملة فإن
الخبر غير ظاهر المنافاة ، مع ما عرفت من ان الأفعال في حد ذاتها لا تصلح لكونها
عبادات يصح التقرب بها إلا باعتبار القصود إليها والنيات كما دلت عليه جملة من
الأخبار المتقدمة في الموضع المشار اليه آنفا.
وحينئذ فالظاهر
ان ما ذكره شيخنا المزبور بمحل من البعد والقصور وكأنه جرى على ما جرى عليه الفاضل
المتقدم ذكره فإنه كثيرا ما يحذو حذوه في الأحكام ويعتمد كلامه في غير مقام كما لا
يخفى على من له انس بطريقته في الكتاب المذكور. والله العالم.
المطلب الثالث في الشك
والمراد به في
هذا المقام عند الأصحاب ـ كما صرح به غير واحد ـ هو تساوى الاعتقادين وتكافؤهما ،
والمفهوم من كلام أهل اللغة انه ما قابل اليقين وهو حينئذ أعم من الشك بهذا المعنى
وما يشمل الظن ، والتخصيص بهذا المعنى الذي ذكره الأصحاب اصطلاح أهل المعقول ، فان
العلم عندهم عبارة عن الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، والظن عبارة عن الاعتقاد
الراجح الغير المانع من النقيض ويقابله
__________________
الوهم ، والشك عبارة عن تساوى الاعتقادين من غير ترجيح ، والأصحاب قد جروا
في أكثر هذه المعاني في أبواب الفقه وجل الأحكام على كلام أهل اللغة.
والمفهوم من
الأخبار ان العلم شرعا أعم مما ذكروه ومن الظن ، فان يقين الطهارة والحلية المأمور
بالأخذ بهما حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك انما هو عبارة عن عدم العلم بالرافع لا
العلم بعدمه كما تقدم تحقيقه في الباب الخامس من كتاب الطهارة
والظن لغة
لمعان : منها ـ الشك واليقين ، قال في كتاب مجمع البحرين نقلا عن بعضهم انه يقع
لمعان أربعة : منها معنيان متضادان أحدهما الشك والآخر اليقين الذي لا شك فيه ،
قال : فاما بمعنى الشك فأكثر من ان تحصى شواهده واما بمعنى اليقين فمنه قوله عزوجل «وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ
لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً» ثم أطال الى ان قال : والمعنيان الغير المتضادين أحدهما
الكذب والآخر التهمة. إلى آخر كلامه زيد في مقامه. واما الوهم فكثيرا ما يطلق في
الأخبار على الظن كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
واما الشك فقد
فسر في الصحاح والقاموس بأنه خلاف اليقين ، وقال في كتاب المصباح المنير : قال
أئمة اللغة الشك خلاف اليقين فقولهم خلاف اليقين هو التردد بين شيئين سواء استوى
طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر ، قال الله تعالى «فَإِنْ كُنْتَ فِي
شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ» قال المفسرون اى غير مستيقن وهو يعم الحالتين. وقال
الأزهري في موضع من التهذيب الظن هو الشك وقد يجعل بمعنى اليقين. وقال في موضع آخر
: الشك نقيض اليقين. ففسر كل واحد بالآخر ، وكذلك قال جماعة. وقال ابن فارس الظن
يكون شكا ويقينا ، وقد استعمل الفقهاء الشك في الحالين على وفق اللغة نحو قولهم من
شك في الطلاق ومن شك في الصلاة أي لم يستيقن سواء رجح أحد الجانبين أم لا ، وكذلك
قولهم ـ من تيقن الطهارة وشك في الحدث وعكسه ـ انه يبنى على اليقين. انتهى ما ذكره
في المصباح المنير.
__________________
وبالجملة
فالواجب الرجوع في كل جزئي من جزئيات الشك الى الروايات في ذلك المقام وما تدل
عليه من العموم أو الخصوص في هذه المعاني المذكورة كما سنشير اليه ان شاء الله
تعالى في ما سيأتي منها.
وكيف كان
فالبحث في هذا المطلب يقع في مسائل (الأولى) لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في انه متى شك في عدد الثنائية ـ كالصبح وصلاة السفر وصلاة الجماعة
والعيدين إذا كانت واجبة والكسوف ـ والمغرب فإنه موجب لبطلانها ونقلوا الخلاف هنا
عن ابن بابويه ، قال في المنتهى : انه قول علمائنا اجمع إلا ابن بابويه فإنه جوز
البناء على الأقل والإعادة.
أقول : قد
اشتهر في كلام الأصحاب من العلامة فمن دونه نقل الخلاف عن ابن بابويه في مواضع من
الشكوك كما ستمر بك ان شاء الله تعالى مع انه لا أصل له وهذا من أعجب العجاب عند
ذوي الألباب ، والسبب في ذلك هو تقليد المتأخر للمتقدم من غير مراجعة لكلام ابن
بابويه والنظر فيه بعين التأمل والتحقيق كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في ما
نشرحه لك من البيان الرشيق ، ومن جملتها هذا الموضع فان كلامه فيه جار على ما جرى
عليه الأصحاب ودلت عليه الأخبار في الباب ، فإنه قال في كتاب الفقيه في باب أحكام
السهو في الصلاة : ومن شك في المغرب فعليه الإعادة ومن شك في الغداة فعليه الإعادة
ومن شك في الجمعة فعليه الإعادة. وقال في كتاب المقنع : وإذا شككت في الفجر فأعد وإذا
شككت في المغرب فأعد. وسيأتيك قريبا ان شاء الله تعالى التنبيه على بقية المواضع
التي نسبوا اليه فيها الخلاف
ثم انه مما يدل
على الحكم المذكور الأخبار الكثيرة : ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي
وحفص بن البختري وغير واحد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا شككت في المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر
فأعد». وما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله
__________________
(عليهالسلام) عن الرجل يصلى ولا يدرى واحدة صلى أم اثنتين؟ قال
يستقبل حتى يستيقن انه قد أتم ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر».
وعن يونس عن
رجل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس في المغرب والفجر سهو».
وما رواه في
التهذيب عن ابى بصير في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «إذا سهوت في المغرب فأعد».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن السهو في صلاة الغداة قال إذا لم تدر
واحدة صليت أم ثنتين فأعد الصلاة من أولها ، والجمعة أيضا إذا سها فيها الامام
فعليه ان يعيد الصلاة لأنها ركعتان ، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلى فعليه
ان يعيد الصلاة». أقول : قوله «لأنها ركعتان» كأنه ضابط كلي في وجوب الإعادة في
الثنائية.
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن السهو في المغرب؟ قال يعيد حتى يحفظ ،
انها ليست مثل الشفع».
وعن العلاء بن
رزين في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يشك في الفجر؟ قال يعيد. قلت
المغرب؟ قال نعم والوتر والجمعة ، من غير أن اسأله».
وروى الصدوق في
الخصال في القوى عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا يكون السهو في خمس : في الوتر والجمعة والركعتين
الأولتين من كل صلاة وفي الصبح والمغرب».
وروى الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن العلاء عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلى الفجر فلا يدرى أركعة صلى
أو ركعتين؟ قال يعيد. فقال له بعض أصحابنا وانا حاضر : والمغرب؟
__________________
قال : والمغرب. فقلت له انا : والوتر؟ قال نعم والوتر والجمعة».
وفي المقام
فوائد يحسن التنبيه عليها (الأولى) قد روى الشيخ (قدسسره) عن عمار الساباطي في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل شك في المغرب فلم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا؟ قال
يسلم ثم يقوم فيضيف إليها ركعة. ثم قال هذا والله مما لا يقضى أبدا».
وعن عمار
الساباطي أيضا في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال يتشهد
وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة فإن كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا وان كان صلى ركعة
كانت هذه تمام الصلاة. قلت فصلى المغرب فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يتشهد
وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة فإن كان صلى ثلاثا كانت هذه تطوعا وان كان صلى اثنتين
كانت هذه تمام الصلاة ، وهذا والله مما لا يقضى أبدا».
وهذان الخبران
كما ترى ظاهر ان في المنافاة لما استفاض في الأخبار المعتضدة باتفاق الأصحاب (رضوان
الله عليهم) والذي ينبغي ارجائهما الى قائلهما (عليهالسلام) وأجاب الشيخ (قدسسره) في التهذيب عنهما بأنه يحتمل ان يكون المراد من شك ثم
غلب على ظنه الأكثر وتكون إضافة الركعة على وجه الاستحباب. وأجاب في الاستبصار
بأنهما شاذان مخالفان للاخبار كلها فإن الطائفة قد اجتمعت على ترك العمل بهما. ثم
احتمل حملهما على نافلتي الفجر والمغرب. ولا يخفى ما في هذا الحمل من البعد فان
الخبرين ظاهران في الفريضة ، فإن قوله «فيضيف إليها ركعة» في الأول وقوله : «فان
كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا» في الثاني يناديان بان المراد بهما الفريضة ، وكذا
قوله في الخبر الثاني «كانت هذه تمام الصلاة».
قال في الوافي
بعد استبعاد حمل الشيخ : أقول ويحتملان في المغرب الرخصة وذلك لانه قد حفظ
الركعتين وانما شك في الثالثة فلا يبعد الإتمام ، وفي إطلاق حديث
__________________
البقباق والخبر الآتي إشعار بذلك. ثم قال : ولو كان الراوي غير عمار لحكمنا
بذلك إلا ان عمارا ممن لا يوثق باخباره.
وقال شيخنا
المجلسي في البحار بعد نقل خبر عمار الثاني والكلام فيه : وبالجملة فيشكل التعويل
على هذا الخبر الذي هو رواية عمار الذي قلما يكون خبر من اخباره خاليا من تشويش
واضطراب في اللفظ أو المعنى وترك الأخبار الكثيرة الصحيحة الدالة على البطلان وإلا
كان يمكن القول بالتخيير. واما قوله (عليهالسلام) في آخر الحديثين «وهذا والله مما لا يقضى أبدا» فلعل
معناه ان هذا الحكم مما لا يقضى به العامة لأنهم يرون ان مثل هذا الشك مما يوجب
الإعادة. انتهى.
أقول : والأظهر
في الخبرين المذكورين هو ما قدمنا ذكره والحمل على التقية غير بعيد ، واستقربه في
الوسائل قال لموافقتهما لجميع العامة وهو جيد واما قوله (عليهالسلام) «انه لا يقضى به ابدا» فالظاهر انه اشارة الى ان هذا
الكلام انما خرج منه (عليهالسلام) مخرج التقية في المخالفة بين الأحكام كما قدمنا بيانه
في المقدمة الاولى من مقدمات كتاب الطهارة بمعنى انه لا يقضى به العامة لما ذكره
ولا الشيعة أيضا لما استفاض في أخبارهم من إبطال هذا الشك للصلاة ووجوب الإعادة
الثانية ـ ان
ما دلت عليه الأخبار المذكورة من بطلان الصلاة بالشك في
__________________
المغرب هو المعروف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد تقدم نقل ذلك عن
الصدوق إلا ان العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى نقلا عنه في المقنع انه قال :
إذا شككت في المغرب فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في أربع وقد أحرزت الثنتين في نفسك
فأنت في شك من الثلاث والأربع فأضف إليها ركعة أخرى ولا تعتد بالشك ، وان ذهب وهمك
إلى الثالثة فسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس. قال في الذكرى بعد نقل ذلك :
وهو نادر. وكتاب المقنع لا يحضرني الآن لا راجع ذلك منه فليلاحظ.
ثم اعلم ان
عموم النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في وجوب الإعادة بين الشك في الزيادة والنقصان
، ويعضده ما رواه الشيخ عن الفضيل قال : «سألته عن السهو فقال في صلاة المغرب إذا لم تحفظ
ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك».
الثالثة ـ الظاهر
من الروايات ان الشك في الفريضة الثنائية والثلاثية مبطل مطلقا واجبة بالأصل أو
بالعارض كصلاة السفر والصبح والجمعة والعيدين الواجبين وصلاة الكسوف والصلاة
المنذورة ثنائية أو ثلاثية وركعتي الطواف.
وينبغي ان يعلم
انه لو كان الشك في صلاة الكسوف فان كان الشك بين الركعة الاولى والثانية أو
بينهما وبين الثالثة بطلت لأنها ثنائية ، وان كان الشك انما هو في عدد الركوعات
فان تضمن الشك في الركعتين كما لو شك هل هو في الركوع الخامس أو السادس؟ فإنه ان
كان في السادس فهو في الركعة الثانية وان كان في الخامس فهو في الركعة الأولى بطلت
ايضا ، وان أحرز ما هو فيه ولكن شك في عدد الركوع فالأشهر الأظهر البناء على الأقل
لأصالة عدم فعله ، فهو في الحقيقة شك في فعل شيء وهو في محله فيأتي به كركوع
الصلاة اليومية.
وفي المسألة
قولان نادران : أحدهما للقطب الراوندي والثاني للسيد جمال الدين ابن طاوس في
البشرى قد نقلهما في الذكرى وردهما ، من أحب الوقوف عليهما فليرجع الى الكتاب
المذكور.
__________________
الرابعة ـ ظاهر
خبري الخصال وقرب الاسناد وكذا صحيح العلاء المنقول برواية الشيخ ان الشك في الوتر
يوجب البطلان ، ولا يخلو من الإشكال لأنها نافلة والمعروف من كلام الأصحاب هو
التخيير في النافلة متى شك فيها بين البناء على الأقل والأكثر وان كان البناء على
الأقل أفضل. وحملها على صلاة الوتر المنذورة وان أمكن إلا انه لا يخلو من بعد.
ويحتمل تخصيص عموم حكم النافلة بالأخبار المذكورة فيقال باستثناء الوتر من ذلك
الحكم ، وقد نقل بعض مشايخنا المحققين أنه الى ذلك صار بعض المتأخرين.
وقيل انه لما
كان الوتر يطلق غالبا على الثلاث فيحمل على الشك بين الاثنتين والثلاث إذ الشك بين
الواحدة والاثنتين شك في الشفع حقيقة والشك بين الثلاث والأربع نادر فيعود شكه إلى
انه علم إيقاع الشفع وشك في انه أوقع الوتر أم لا ولما كانت الوتر صلاة برأسها
فإذا شك في إيقاعها يلزمه الإتيان بها وليس من قبيل الشك في الركعات. انتهى.
الخامسة ـ ينبغي
ان يعلم ان المراد بالشك في هذه المسألة ما هو أعم من الظن لمقابلة الشك فيها
باليقين كما في صحيح محمد بن مسلم من قوله (عليهالسلام) «حتى يستيقن انه قد أتم» والتعبير في جملة من الأخبار
المتقدمة بالدراية التي هي بمعنى العلم كما صرح به أهل اللغة مثل قوله (عليهالسلام) «إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين» أي إذا لم تعلم ،
ونحوها غيرها ، فإنه (عليهالسلام) جعل مناط الإبطال عدم العلم الشامل للظن. والمفهوم من
كلام جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الشك على المعنى المشهور وحينئذ فلو ظن
بنى على ظنه صحة وفسادا. والأخبار تدفعه : منها ـ ما أشرنا اليه ومنها ـ ما يأتي
في المسألة الآتية بعد هذه المسألة. وسيأتي لهذه المسألة زيادة تحقيق أيضا في
المسألة الخامسة ان شاء الله تعالى.
المسألة
الثانية ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا شك في شيء من أفعال الصلاة ركنا كان
أو غيره فان كان في موضعه اتى به وان انتقل عنه الى غيره مضى
في صلاته ، وانه لا فرق في ذلك بين الأولتين والأخيرتين.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مقامات (المقام الأول) ان ما ذكروه من التلافي في محله والمضي بعده
ركنا كان أو غيره مما لا اعرف فيه خلافا لا في كلام الأصحاب ولا في الأخبار.
ويدل على الأول
أصالة عدم فعله وبقاء الخطاب بفعله مضافا الى جملة من الاخبار :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عمران الحلبي قال : «قلت الرجل يشك وهو قائم فلا يدرى أركع أم لا؟
قال فليركع».
وعن عبد الرحمن
بن ابى عبد الله في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل ان يستوي جالسا فلم
يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد. قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم
يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد».
وعن ابى بصير
بإسنادين أحدهما في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع؟ قال
يركع ويسجد».
وفي الصحيح أو
الحسن عن الحلبي قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين؟ قال يسجد اخرى
وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو».
وما رواه في
الكافي عن ابى بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك فلم يدر سجدة سجد أم سجدتين؟ قال يسجد حتى
يستيقن انهما سجدتان».
وعن الشحام عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) «في رجل شبه عليه فلم يدر واحدة سجد أو ثنتين؟ قال فليسجد أخرى».
__________________
وما رواه في
التهذيب عن ابى بصير والحلبي «في الرجل لا يدرى أركع أم لم يركع؟ قال يركع».
وجملة من هذه
الأخبار وان كانت مطلقة إلا انه يجب حملها على بقاء محل التدارك للاخبار المقيدة
من قبيل حمل المطلق على المقيد ، والأخبار الآتية الدالة على انه يمضي في صلاته
متى دخل في غيره.
واما ما رواه
الشيخ عن الفضيل بن يسار في الصحيح ـ قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) استتم قائما فلا أدرى ركعت أم لا؟ قال : بلى قد ركعت
فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان». ـ فحملها الشيخ (قدسسره) على انه أراد (عليهالسلام) إذا استتم قائما من الركعة الرابعة فلا يدرى أركع في
الثالثة أم لا؟ ولا يخفى بعده.
قال في الذخيرة
بعد ذكر تأويل الشيخ ورده بأنه بعيد ما صورته : والجمع بالتخيير ممكن إلا ان
الظاهر انه لا قائل بمضمونه من الأصحاب. ويمكن أن يقال المراد بقوله «استتم قائما»
القيام عن الانحناء وظاهر ذلك حصول الركوع منه فيكون من باب الظن بالركوع فلم يجب
عليه الركوع. أو يقال انه شك في الركوع بعد الاشتغال بواجب آخر وهو القيام عن
الركوع. ولعل هذا الوجه أقرب. ويمكن أيضا تأويل هذا الخبر بالحمل على كثرة السهو
ويشعر به قوله «استتم» بصيغة الاستقبال الدالة على الاستمرار التجديدي ، وقوله (عليهالسلام) «انما ذلك من الشيطان» لا يخلو من إيماء اليه. وفيه
بعد. انتهى.
أقول : لا ريب
ان ما ذكره من التأويل الأول والثالث وهو الذي قربه لا يخلو من بعد ، اما الأول
فلان الخروج عن مضمون تلك الأخبار بهذا الخبر المجمل المتشابه لا يخلو من مجازفة.
واما الثالث فإنه متى علم انه واجب آخر وانه قيام عن
__________________
الركوع فقد سقط البحث ولا معنى للسؤال حينئذ فكيف يقول «فلا أدرى أركعت أم
لا؟» والظاهر هو الوجه الثاني أو الرابع وهو الذي يعضده قوله (عليهالسلام) «فإنما ذلك من الشيطان».
ويدل على الحكم
الثاني جملة من الأخبار ايضا : ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال يمضي. قلت
رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر؟ قال يمضي. قلت رجل شك في التكبير وقد قرأ؟ قال
يمضى. قلت شك في القراءة وقد ركع؟ قال يمضى. قلت شك في الركوع وقد سجد؟ قال يمضى
على صلاته. ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء».
وعن محمد بن
مسلم في الموثق عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو».
وعن إسماعيل بن
جابر في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود
بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه». ورواه
الشيخ ايضا بسند آخر عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) مثله .
__________________
وعن حماد بن
عثمان في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أشك وانا ساجد فلا أدرى ركعت أم لا؟ قال امض».
وعن حماد بن
عثمان أيضا في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أشك وانا ساجد فلا أدرى ركعت أم لا؟ فقال قد ركعت امضه».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال
يمضى في صلاته».
بقي الكلام في
انه هل المراد بالشك في هذه المسألة ما هو عبارة عن تساوى لطرفين خاصة أو ما يشمل
الظن ايضا؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول من غير خلاف يعرف وظاهر النصوص المتقدمة هو
الثاني وهو المؤيد بكلام أهل اللغة الذي قدمناه في صدر المطلب ، فان قولهم (عليهمالسلام) في جملة من تلك الأخبار
«شك فلم يدر
سجد أم لم يسجد». يعنى لم يعلم سجد أم لا ، وهو شامل لظن السجود فان عدم العلم أعم
من ان يكون مترددا أو مرجحا لأحدهما ترجيحا لا يبلغ حد العلم وهو الظن عندهم.
وأصرح من ذلك قولهم (عليهمالسلام) في بعض تلك الأخبار
«يسجد
__________________
حتى يستيقن انهما سجدتان».
ومحل الاشكال
المتفرع على القولين انه لو شك قبل تجاوز المحل مع ظن الإتيان بما شك فيه فإنه على
تقدير كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) يمضي في صلاته وعلى تقدير ما قلناه يأتي
بما شك فيه وان ظنه حتى يستيقن الإتيان به ، وفي ما إذا تجاوز المحل لو ظن عدم
الإتيان بما شك فيه فعلى كلام الأصحاب يجب الإتيان به وعلى ما قلناه يمضى بمجرد
تجاوز المحل وان ظن عدم الإتيان به ولا يلتفت الى هذا الظن في الموضعين.
وبالجملة فإنك
قد عرفت من كلام أهل اللغة ان الشك عبارة عما يشمل الظن بل ظاهرهم الاتفاق عليه وظاهر هذه الأخبار يساعد ما
ذكروه ولكن ظاهر الأصحاب كما عرفت. والمسألة لذلك محل إشكال فإن الخروج عن ما
ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل وموافقتهم مع ظهور الأدلة في خلاف ما ذهبوا إليه أشكل ،
والاحتياط يقتضي العمل بما قلناه ثم الإعادة من رأس. والله العالم.
(المقام الثاني)
ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في الحكمين المتقدمين بين ان
يكون في الأولتين والأخيرتين ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وكل سهو يلحق
الإنسان في الركعتين الأولتين من فرائضه فعليه الإعادة. وحكى المحقق في المعتبر عن
الشيخ قولا بوجوب الإعادة لكل شك يتعلق بكيفية الأولتين كأعدادهما. ونقل في الذكرى
عن الشيخين القول بالبطلان إذا شك في أفعالهما كما إذا
__________________
شك في أعدادهما ، قال ونقله الشيخ عن بعض القدماء من علمائنا ، ونقله في
المختلف عن الشيخ وغيره ، قال نقل الشيخ وغيره عن بعض علمائنا إعادة الصلاة بكل
سهو يلحق الركعتين الأولتين سواء كان في أفعالهما أو في عددهما وسواء كان في
الأركان من الأفعال أو غيرها.
ويدل على
المشهور ما تقدم من إطلاق الأخبار المتقدمة في كل من الحكمين فإنها بإطلاقها شاملة
للأولتين والأخيرتين ، وكذا إطلاق الأخبار الدالة على صحة الصلاة بنسيان السجدة
وقضائها بعد الصلاة. واما ما ظاهره المعارضة كرواية المعلى ابن خنيس فقد تقدم
الجواب عنها.
واما ما يدل
على قول الشيخين ومن قبلهما فجملة من الروايات الصحيحة التي لم يتنبه لها أحد من
الأصحاب في ما اعلم :
ومنها ـ صحيحة
زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر
ركعات وفيهن القراءة وليس فيهن وهم ـ يعنى سهوا ـ فزاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا وفيهن الوهم وليس فيهن قراءة فمن شك في الأولتين
أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم».
وإطلاقه شامل
للاعداد والأفعال وانه لا بد في الأوليين من اليقين فيهما فلا يكفي البناء على
الظن كما عليه جمهور الأصحاب من انه لو ترجح أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه في
الأوليين كان أو الأخيرتين. وظاهر هذا الخبر وكذا ما يأتي من قبيله تخصيص ذلك بالأخيرتين.
ومنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «عشر ركعات : ركعتان من الظهر وركعتان من العصر
__________________
وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة لا يجوز الوهم فيهن ومن
وهم في شيء منهن استقبل الصلاة استقبالا وهي الصلاة التي فرضها الله تعالى على
المؤمنين في القرآن ، وفوض الى محمد (صلىاللهعليهوآله) فزاد النبي (صلىاللهعليهوآله) في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة انما هو
تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء ، والوهم انما يكون فيهن».
وعن عبد الله
بن سليمان العامري عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لما عرج برسول الله (صلىاللهعليهوآله) نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين فلما ولد الحسن
والحسين (عليهماالسلام) زاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبع ركعات. الى ان قال وانما يجب السهو في ما زاد رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) فمن شك في أصل الفرض في الركعتين الأولتين استقبل
صلاته».
وعن عمر بن
أذينة في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في بعض اخبار المعراج وهو طويل قال (عليهالسلام) في آخره : «ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأولتان كلما
حدث فيهما حدث كان على صاحبهما إعادتهما».
ونقل ابن إدريس
في مستطرفات السرائر من كتاب حريز بن عبد الله قال : «قال زرارة قال أبو جعفر (عليهالسلام) كان الذي فرض الله من الصلاة عشرا فزاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا وفيهن السهو وليس فيهن قراءة فمن شك في الأولتين
أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين. الحديث» ،.
ولا يخفى ما في
هذه الأخبار من الظهور في ما ادعاه أولئك الأعلام. والمراد من الوهم المنفي فيها
هو الظن كما تكرر في الأخبار من قولهم (عليهمالسلام) «وان ذهب وهمك». ونحوه.
__________________
ويدل على ذلك ايضا
ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل بن عبد الملك قال : «قال لي إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد
صلاتك».
وعن الوشاء قال : «قال لي أبو الحسن الرضا (عليهالسلام) الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين
الأخيرتين».
وبهذين الخبرين
استدل في المدارك للشيخين ثم أجاب عنهما بالحمل على حفظهما من الشك في العدد.
وأنت خبير بأنه
لو خلينا وظاهر هذه الروايات التي سردناها لأمكن تخصيص إطلاق الاخبار التي استدل
بها للقول المشهور بهذه الأخبار لأنها خاصة والقاعدة تقتضي تقديم العمل بها.
إلا انك قد
عرفت من صحيحة زرارة المتقدمة في أدلة الحكم الثاني من المقام الأول الدلالة على
ان «من شك في التكبير وقد قرأ قال يمضى ومن شك في القراءة وقد ركع قال يمضى» وهذا
الشك لا يكون إلا في الأولتين مع انه (عليهالسلام) حكم بصحة الصلاة والمضي فيها بعد تجاوز المحل ،
ومفهومه الرجوع لو لم يتجاوز المحل كما يدل عليه آخر الخبر وقد تقدم ، وهو ظاهر في
عدم بطلان الأوليين بالشك في الأفعال.
ونحوها في ذلك رواية
محمد بن منصور قال : «سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة
الثانية أو شك فيها؟ فقال إذا خفت ألا تكون وضعت وجهك إلا مرة واحدة فإذا سلمت
سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة وليس عليك سهو».
والشيخ أجاب
عنها في التهذيب بان المراد بالركعة الثانية يعنى من الركعتين الأخيرتين ، ولا
يخفى ما فيه. وحينئذ فالواجب حمل إطلاق الأخبار المتقدمة على
__________________
الاعداد خاصة واستثناء الشك في الأفعال من عمومها بهذين الخبرين ، وانه لا
بد في العمل بالأعداد من البناء على اليقين فلو شك في عددهما ثم غلب عليه ظن أحد
الطرفين فإنه لا يكفي في البناء عليه خلافا لظاهر الأصحاب بل لا بد من اليقين
فيهما كما صرحت به هذه الأخبار.
(المقام الثالث)
ـ لا ريب في انه متى شك في فعل من الأفعال وقد دخل في غيره فإنه يمضى وقبل الدخول
فيه يرجع لكن هذه الأفعال التي يترتب عليها هذا الحكم هل هي عبارة عن أفعال الصلاة
المعدودة في كتاب الصلاة المفردة بالتبويب من النية وتكبيرة الإحرام والقيام
والقراءة والركوع والسجود والتشهد مثلا أو ما هو أعم منها ومن مقدماتها كالهوي
للركوع والهوى للسجود ولما يركع ولما يسجد والنهوض للقيام ولما يستتم قائما والرفع
من السجود لأجل التشهد مثلا ونحو ذلك؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض الأول
وهو ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في أول روايات الحكم الثاني من المقام الأول وصحيحة
إسماعيل بن جابر المروية أيضا عن ابى بصير .
ويدل عليه صحيحة
عبد الرحمن بن ابى عبد الله قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل ان يستوي جالسا فلم
يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد. قلت فرجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم
يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد». وهي كما ترى ظاهرة في انه بالدخول في مقدمات
الفعل يجب عليه الرجوع ، وهو ظاهر في تخصيص الغيرية التي يترتب عليها الحكم
المذكور بنفس تلك الأفعال دون مقدماتها.
إلا انه قد روى
ايضا هذا الراوي بعينه في الصحيح قال : «قلت
__________________
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال قد
ركع». وهو ظاهر المنافاة لخبره الأول.
والعجب ان صاحب
المدارك قد عمل بكل من الخبرين فقال في تعداد المواضع التي وقع الخلاف فيها في هذا
المقام : الثاني ـ ان يشك في الركوع وقد هوى إلى السجود ، والأظهر عدم وجوب تداركه
لصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله ، ثم أورد الصحيحة الثانية ، ثم قال : وقد قوى
الشارح وجوب العود ما لم يصر الى حد السجود وهو ضعيف. الى ان قال : الرابع ـ ان
يشك في السجود وقد أخذ في القيام ولما يستكمله ، والأقرب وجوب الإتيان به كما
اختاره الشهيدان لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله ، ثم ذكر
الصحيحة الاولى.
وأنت خبير بما
فيه وذلك فان مقتضى القاعدة المنصوصة في الاخبار وكلام الأصحاب من انه متى شك في
شيء وقد دخل في غيره فلا يلتفت والا فإنه يرجع هو ان مناط الرجوع الى المشكوك فيه
وعدم الرجوع هو الدخول في ذلك الفعل الآخر وعدمه ، وحينئذ فإن صدق ذلك الغير على
مقدمات الأفعال فما اختاره في الثاني جيد للصحيحة المذكورة لكنه يرد عليه ان ما
اختاره في الرابع ليس كذلك وان الصحيحة التي أوردها مما يجب تأويلها ، وان لم يصدق
ذلك الغير على المقدمات بل يختص بالأفعال المعدودة أو لا كان الأمر بالعكس.
وبالجملة فإن الروايتين المذكورتين قد تعارضتا في هذا الحكم فالقول بهما قول
بالمتناقضين.
واما ما أجاب
به المحدث الكاشاني في الوافي ـ عن تعارض هاتين الروايتين حيث قال ـ بعد ذكر
الصحيحة الأولى أولا ثم الثانية ثانيا ـ ما لفظه : (ان قيل) ما الفرق بين النهوض
قبل استواء القيام والهوى للسجود قبل السقوط له؟ حيث حكم في الأول في حديث البصري
بالإتيان بالسجود المبتني على بقاء محله وحكم في الثاني هنا بالمضي المبتني على
تجاوز وقت الركوع (قلنا) الفرق بينهما ان الهوى للسجود مستلزم للانتصاب الذي منه
أهوى له والانتصاب فعل آخر غير الركوع وقد
دخل فيه وتجاوز عن محل الركوع ، بخلاف النهوض قبل ان يستتم قائما فإنه بذلك
لم يدخل بعد في فعل آخر. انتهى ـ
فالظاهر ضعفه (أما
أولا) فلاستلزامه انه لو شك في حال القيام قبل الهوى للسجود في انه ركع أم لا انه
يمضى ولا يركع مع انه لا خلاف نصا وفتوى في انه يجب عليه الركوع في الصورة
المذكورة فكيف يتم ما ادعاه من ان الانتصاب فعل آخر يمضى مع الدخول فيه وانه تجاوز
وقت الركوع؟
و (اما ثانيا)
فان آخرية القيام وغيريته بالنسبة إلى الركوع انما تثبت لو كان مرتبته التأخر عنه
كما هو في سائر الأفعال التي يجب المضي فيها بالشك في ما قبلها ، وهو هنا غير
معلوم لجواز ان يكون هذا القيام الذي أهوى عنه الى السجود انما هو القيام الذي يجب
أن يركع عنه ، وهذا هو السبب في وجوب الركوع لو شك وهو قائم كما هو مدلول الأخبار
وكلام الأصحاب. وبالجملة فتوجيهه عندي غير موجه كما لا يخفى على التأمل.
واما ما جرى
عليه السيد السند (قدسسره) ـ من القول بالروايتين المذكورتين فأفتى في صورة الشك
في الركوع وقد أهوى إلى السجود بأن الأظهر عدم وجوب تداركه للصحيحة التي ذكرها
وافتى في ما إذا شك في السجود وقد أخذ في القيام ولما يستكمله بأن الأقرب وجوب
الإتيان به ـ
فقد عرفت ما
فيه ، وحينئذ فلا يخلو اما ان يخص ذلك الفعل الذي يتصل بالدخول فيه بتلك الأفعال المعهودة التي أشرنا إليها
آنفا كما هو ظاهر الشهيدين ، وحينئذ فيجب الرجوع بالدخول في مقدماتها ، ولهذا ذهب
جده كما نقل عنه في الموضع الثاني إلى وجوب العود ما لم يصر الى حد السجود حيث انه
يخص الفعل
__________________
الموجب للمضى بتلك الأفعال المعدودة ، وعلى هذا فيجب تأويل صحيحة عبد
الرحمن الدالة على المضي في الصورة المذكورة ، أو انه يقول بالعموم لمقدمات تلك
الأفعال فيجب المضي في الصورتين ، وحينئذ يجب تأويل صحيحة عبد الرحمن الأخرى أو
القول بها وتخصيصها بموردها والعمل في ما عدا هذا الموضع بإطلاق الأخبار المتقدمة
من صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر ونحوهما باعتبار صدق الغيرية في المقدمات.
إذا عرفت هذا
فاعلم ان الذي يقرب عندي هو القول بالفرق بين الأفعال المشار إليها آنفا وبين
مقدماتها وانه لا يجب عليه المضي إلا بالدخول في تلك الأفعال وفاقا للشهيدين اما
بالدخول في مقدماتها فإنه يرجع عملا بصحيحة عبد الرحمن الاولى
وما ذكروه ـ من
عموم تلك الأخبار المتقدمة مثل صحيحتي زرارة وإسماعيل بن جابر ونحوهما باعتبار صدق
الغيرية على مقدمات الأفعال وقد جعل (عليهالسلام) المناط في المضي هو الدخول في الغير والغيرية ثابتة في
تلك المقدمات ـ فهو وان تم في بادئ النظر إلا انه بالتأمل في الاخبار المذكورة ليس
كذلك ، وذلك فان قوله (عليهالسلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر «ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض». يدل
بمفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين على عدم المضي قبل ذلك وانه ليس هنا حد
يوجب المضي في الأول قبل السجود وفي الثاني قبل القيام ، وحينئذ فقوله «كل شيء شك
فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره» وان كان مطلقا كما تمسك به الخصم إلا انه يجب
تقييده بما دل عليه صدر الخبر. وهذا المعنى قد وقع
في صحيحة زرارة
على وجه ظاهر في ما ذكرناه حيث قال : «يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت
في غيره فشكك ليس بشيء». فإن عطف قوله «دخلت في غيره» ب «ثم» الدالة على المهلة
والتراخي يشعر بوجود واسطة بين الدخول والخروج كما هو موجود في تلك الأفعال
المعدودة في الرواية ،
__________________
وإلا فالخروج عن الشيء مستلزم للدخول في غيره والتلبس به البتة فلا معنى
لهذا التراخي والمهلة المدلول عليها ب «ثم» لو كان المراد ما هو أعم من الأفعال
ومقدماتها
ولعل الإجمال
في الاخبار انما وقع بناء على معلومية الحكم يومئذ كما هو الآن معلوم بين الفقهاء
فإنهم يعدون أفعال الصلاة ويفسرونها بهذه الأفعال المشار إليها آنفا المخصوصة
بالبحث والتبويب في الكتب الفقهية وكذا في الاخبار.
وبالجملة
فصحيحة عبد الرحمن الاولى صريحة في هذا الحكم فيحمل عليها إجمال هذين الخبرين
بالتقريب الذي ذكرناه.
واما صحيحته
الثانية الدالة على انه متى شك حال الهوى للسجود في انه ركع قال (عليهالسلام) «قد ركع» فالذي يقرب عندي انها ليست من محل البحث في
شيء بل هي محمولة على كثير السهو ، ولعله (عليهالسلام) علم ذلك من قرينة الحال والسؤال يومئذ أو ان ذلك مجرد
وسواس.
ومما يدفع
الاستبعاد عما ذكرنا صحيحة الفضيل المتقدمة قريبا قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) استتم قائما فلا أدرى ركعت أم لا؟ قال بلى قد ركعت
فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان». فإنه لا إشكال في ان من شك في الركوع وهو
قائم انه يجب عليه الركوع كما دلت عليه الاخبار واتفقت عليه كلمة الأصحاب مع انه (عليهالسلام) أمره بالمضي وحكم بأنه ركع ونسب شكه الى مجرد الوسواس.
ومما يستأنس به
لذلك ايضا قوله (عليهالسلام) في صحيحة الفضيل المذكورة «بلى قد ركعت» وفي صحيحة عبد
الرحمن ايضا قال : «قد ركع» مع ان الأمر بالمضي بعد تجاوز الفعل
المشكوك لا يستلزم التمام وانه انما أمر بالتجاوز لانه قد فعله بل وقع الأمر بذلك
تسهيلا وتخفيفا في التكليف ودفعا لتسلط الشيطان ، وفي هاتين الروايتين قد حكم بأنه
ركع وهو كناية عن عدم الالتفات الى الشك
__________________
بالكلية كما في كثير الشك. والله العالم.
(المقام الرابع)
ـ قد ذكر الأصحاب هنا مواضع وقع الخلاف فيها في البين :
منها ـ ان يشك
في قراءة الفاتحة وهو في السورة ، والظاهر ان المشهور وجوب الإعادة لعدم تحقق
التجاوز عن المحل فإن القراءة الشاملة لكل من الفاتحة والسورة أمر واحد ، ويعضده
ما تقدم
في صحيحة زرارة
من قوله «شك في القراءة وقد ركع».
ونقل عن ابن
إدريس انه قال لا يلتفت ، ونقله ايضا عن الشيخ المفيد في رسالته الى ولده ، وهو
الأقرب.
واليه مال في
المعتبر ايضا حيث قال بعد ان نقل عن الشيخ القول بوجوب الإعادة : ولعله بناء على
ان محل القراءتين واحد وبظاهر الاخبار يسقط هذا الاعتبار واعترضه في المدارك بأنه
غير جيد ، قال : فإن الاخبار لا تدل على ما ذكره بل ربما لاح من قوله : «قلت شك في
القراءة وقد ركع» انه لو لم يركع لم يمض. انتهى.
أقول : من
المحتمل قريبا ان صاحب المعتبر انما أراد بالأخبار الأخبار الواردة في القراءة مما
يؤذن بمغايرة الحمد للسورة كالأخبار الدالة على وجوب الحمد وانه لا تصح الصلاة إلا
بها مع دلالة الاخبار على صحتها بترك السورة في مقام العذر والضرورة والنافلة ،
وكذا مع اختلافها في وجوبها واستحبابها في الفريضة وجواز تبعيضها ، فان جميع ذلك
مما يدل على المغايرة التي هي مناط المضي ، وبالجملة فإن التسمية منفردة والأوامر
الواردة في كل منهما مؤيدة وأحكامهما المتغايرة شاهدة والى هذا القول يميل كلام
الفاضل الخراساني في الذخيرة مستندا الى ثبوت الغيرية ودلالة الاخبار على انها هي
المناط في المضي وعدم الرجوع. واختاره ايضا شيخنا المجلسي في البحار مستندا الى
الدليل المذكور ، وقبلهما المحقق الأردبيلي
__________________
(طاب ثراه) في شرح الإرشاد.
واما ما استند
اليه في المدارك ـ من قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «شك في القراءة وقد ركع» من دلالة
مفهومه على عدم المضي لو لم يركع ـ ففيه أولا ـ انه معارض بما اشتملت عليه الصحيحة
المذكورة وغيرها من جعل مناط المضي الغيرية وقد بينا ثبوتها بين الحمد والسورة.
وثانيا ـ ما
أجاب به في الذخيرة حيث قال : حجة القول الأول قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «قلت شك في القراءة وقد ركع». فان التقييد بالركوع يقتضي مغايرة حكم ما قبل
الركوع له. وقد تعلق بهذا الوجه جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو ضعيف ،
لان التقييد ليس في كلامه (عليهالسلام) بل في كلام الراوي فلا يصلح للاحتجاج ، على انه ليس في
كلام الراوي أيضا حكم على محل الوصف حتى يقتضي نفيه عما عداه بل سؤال عن حكم محل
الوصف ولا دلالة في ذلك على شيء ، سلمنا لكن دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق. انتهى.
وربما استدل
بعضهم للقول الأول بأن القراءة فعل واحد ، وهو مردود بما ذكرناه من إثبات المغايرة
، على انه يطلق على جميع الأفعال اسم الصلاة أيضا مع انه غير مانع من المغايرة في
أفعالها اتفاقا.
أقول : القول
بالفصل في المقام بناء على ما قدمنا تحقيقه من حمل الغير الذي يجب المضي فيه على
تلك الأفعال المعدودة هو وجوب الرجوع في الصورة المذكورة وما استدل به في المدارك
على ذلك صحيح والإيراد عليه بحديث الغيرية قد عرفت جوابه. وجواب صاحب الذخيرة عن
الخبر المذكور مدخول بان الاعتماد في الاستدلال ليس على كلام السائل بل انما هو
على جواب الامام (عليهالسلام) فإنه في قوة قوله «إذا شك في القراءة وقد ركع فليمض»
ومفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين انه إذا لم يكن كذلك فلا يمضى. وبالجملة
فإن تقرير الإمام السائل
__________________
على ما ذكره وجوابه عنه بالمضي في قوة قوله هو نفسه (عليهالسلام) بذلك. وقوله ـ ان دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق ـ مردود
بما قدمنا تحقيقه من حمل الغير في الرواية على تلك الأفعال المخصوصة جمعا بين
الأخبار كما أوضحنا بيانه وشددنا أركانه وبه يتجه قوة القول المشهور.
وما أبعد ما
بين هذا القول الأخير وبين ما نقل عن العلامة من وجوب العود الى السجود عند الشك
فيه بعد القراءة ما لم يركع ، نقله عنه في الروض.
بقي الكلام في
الآيات في كل من الفاتحة والسورة ، والظاهر من المحقق الأردبيلي القول بالمضي أيضا
لحصول المغايرة ، وبه صرح ايضا الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد نقل كلام
في المقام : ومما ذكرنا يظهر ان الشك في أبعاض الحمد أو السورة بعد التجاوز عنه
والدخول في بعض آخر حكمه عدم الالتفات. انتهى.
ونفى عنه البعد
شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار إلا انه قال : ويمكن ان يقال الرجوع هنا
أحوط إذ القرآن والدعاء غير ممنوع في الصلاة ودخول ذلك في القرآن الممنوع غير
معلوم. انتهى.
والمسألة لا
تخلو من توقف إذ الظاهر ان الأمر لا يبلغ الى هذا المقدار وإلا لجرى في الحروف في
الكلمة الواحدة ايضا كأن يشك في إخراج الحرف الأول من الكلمة من مخرجه أو تشديده
أو إعرابه بعد انتقاله الى آخرها ، وهو بعيد لا أظن أحدا يلتزمه خصوصا على القول
بتغيير الفعل الموجب للمضى فيه بتلك الأفعال المعدودة خاصة كما هو ظاهر الشهيدين
وتخصيص الغيرية به أو مع العموم لمقدمات تلك الأفعال ، واما البلوغ في الغيرية
الموجبة للمضى الى هذا الحد من الآيات في السورة الواحدة فمشكل والأخبار تقتضي
الرجوع كما ذكره شيخنا المشار اليه آنفا. والله العالم.
ومنها ـ الشك
في السجود وهو في التشهد أو بعد ما تشهد وقبل الاستكمال قائما ، ومقتضى ما قدمناه
من التحقيق هو عدم الرجوع لان التشهد أحد أفعال
الصلاة المعدودة مع ثبوت الغيرية بالدخول فيه ، وبه صرح الشيخ في المبسوط
وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
وظاهر شيخنا
الشهيد في الذكرى هو الرجوع في الصورة المذكورة استنادا الى قوله (عليهالسلام) في صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة «رجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال
يسجد». فإنه مطلق في العود الى السجود قبل استكمال القيام فيشمل ما لو كان بعد
السجود تشهد أم لم يكن.
قال (قدسسره) في الكتاب المذكور : لو شك في السجود وهو متشهد أو قد
فرغ منه ولم يقم أو قام ولم يستكمل القيام يأتي به ، وكذا لو شك في التشهد يأتي به
ما لم يستكمل القيام لأصالة عدم فعل ذلك كله وبقاء محل استدراكه ، ولرواية عبد
الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليهالسلام) «في رجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟
فقال يسجد». انتهى.
ورده جملة من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحمل الخبر المذكور على ما إذا كان النهوض بعد السجود
من غير تشهد في البين ، ولا ريب انه هو ظاهر الخبر المذكور لقوله في الخبر : «رجل
نهض من سجوده فشك» فان عطف الشك على النهوض بالفاء المقتضية للتعقيب بغير مهلة
ظاهر في عدم تخلل التشهد بينهما ، هذا مع دلالة صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر على
المضي بالدخول في الغير وغيرية التشهد للسجود أمر ظاهر. وبالجملة فالظاهر بعد ما
ذكره (قدسسره) والله العالم.
ومنها ـ الشك
في الركوع وهو هاو الى السجود ولم يسجد ، وقد صرح في
__________________
المدارك بأن الأظهر عدم وجوب تداركه لصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله
المتقدمة الواردة «في رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم
يركع؟ قال قد ركع». وقد صرح جده في الروض بان الواجب هو العود ما لم يصر الى حد
السجود ، وهو الذي استظهرناه في ما تقدم وبينا حمل الرواية المذكورة على غير ما
ادعاه السيد المشار اليه ههنا. ويزيده تأييدا قوله (عليهالسلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر «ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض». فان مفهومه انه لو لم يسجد فلا يمضى
بل يعود. ونحوه مفهوم صحيحتي حماد ومحمد بن مسلم المذكورتين آنفا
ومنها ـ الشك
في السجود أو التشهد بعد ان قام واستكمل القيام ، والأشهر الأظهر المضي لأن القيام
فعل آخر فيمضي بالدخول فيه حسبما دلت عليه الروايات المتقدمة.
قال في الذكرى
: وبه قال الشيخ في المبسوط. ثم نقل عنه انه قال في النهاية يرجع الى السجود
والتشهد ما لم يركع إذا شك في فعله.
وفي المدارك
نقل هذا القول عن المبسوط حيث قال : وقال الشيخ في المبسوط يرجع الى السجود
والتشهد ما لم يركع. وهو بعيد جدا. انتهى.
أقول : وكل من
النقلين لا يخلو من خلل وسهو ، اما ما نقله في المدارك عن المبسوط فليس كذلك بل
كلامه فيه صريح في موافقة القول المشهور كما ذكره في الذكرى ، وهذه عبارته في
المبسوط ، وان شك في القراءة في حال الركوع أو في الركوع في حال السجود أو في
السجود في حال القيام أو في التشهد الأول وقد قام إلى الثالثة فإنه لا يلتفت.
واما ما نقله
في الذكرى عن النهاية فهو كذلك بالنسبة إلى السجود خاصة دون التشهد ، حيث قال في
الكتاب المذكور : فان شك في السجدتين وهو قاعد أو قد قام قبل أن يركع عاد فسجد
السجدتين. الى ان قال : ومن شك في التشهد وهو
__________________
جالس فليتشهد فان كان شكه في التشهد الأول بعد قيامه إلى الثالثة مضى في
صلاته وليس عليه شيء.
ثم انه في
الذكرى بعد ان نقل عن النهاية القول المتقدم ذكره احتج له بحسنة الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) «في رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين؟ قال يسجد اخرى. الحديث». وقد تقدم
، قال وهو يشمل الشاك بعد القيام كما يشمل الشاك في الجلوس. ثم قال : وجوابه الحمل
على الشك ولما يقم توفيقا بين الأخبار. انتهى. وهو جيد ، ونحن قد أشرنا الى هذا
الحمل ذيل الرواية المذكورة في ما تقدم.
ونقل العلامة
في النهاية والشهيد في الذكرى عن القاضي انه فرق في بعض كلامه بين السجود والتشهد
فأوجب الرجوع بالشك في التشهد حال قيامه دون السجود وفي موضع آخر سوى بينهما في
عدم الرجوع. وحمل على انه أراد بالشك في التشهد تركه ناسيا لئلا يتناقض كلامه.
وقد تقدم النقل
عن العلامة انه أوجب العود الى السجود عند الشك فيه بعد القراءة ما لم يركع. ولو
حمل كلامه على السهو وأراد السهو كما حمل عليه كلام القاضي لكان وجها ، ويدل صريحا
على وجوب المضي بالشك في السجود بعد القيام قوله (عليهالسلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة «وان شك في السجود بعد ما قام فليمض». والله العالم.
ومنها ـ ما لو
شك في القراءة وهو قانت ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض الميل الى وجوب
الرجوع بناء على تخصيص المضي بالأفعال المعدودة المتقدمة التي هي واجبات الصلاة.
قال (قدسسره) : مقتضى الصحيحتين عدم وجوب العود ومفهوم قوله (عليهالسلام) في خبر زرارة «قلت شك في القراءة وقد ركع؟ قال يمضى».
انه لو لم يكن
__________________
ركع يعود فيدخل فيه ما لو كان قانتا ، وخبر عبد الرحمن يقتضيه أيضا فإن
العود الى الفعل مع الشروع في واجب وان لم يكن مقصودا بالذات قد يقتضي العود مع
الشروع في المندوب بطريق اولى. ويمكن أن يقال هنا ان القنوت ليس من أفعال الصلاة
المعهودة فلا يدخل في الخبرين. ثم قال : ولا يكاد يوجد في هذا المحل احتمال أو
إشكال إلا وبمضمونه قائل من الأصحاب. انتهى.
أقول : اما ما
ذكره من ان مقتضى الصحيحتين ـ يعنى صحيحتي زرارة وإسماعيل ابن جابر ـ ذلك فهو جيد
من حيث الغيرية ويعضده انه فعل آخر من أفعال الصلاة وان لم يكن من الواجبات
المعدودة.
واما الاستناد
إلى صحيحة زرارة المذكورة في وجوب العود في غير ظاهر ، وذلك فان الظاهر من سؤالات
زرارة في هذا الخبر الترتيب فيها وان مراده بالقراءة والركوع انما هو باعتبار
الركعة الأولى التي لا قنوت فيها ، وإدخال الركعة الثانية وان أمكن باعتبار عموم
الكلام أو إطلاقه لكن سياق الخبر يشعر بان المراد انما هو الركعة الأولى ولا أقل
أن يكون ما ذكرناه احتمالا يسقط به الاستدلال في هذا المجال.
واما الاستناد
الى خبر عبد الرحمن بالتقريب الذي ذكره ففيه ان الأظهر ان يقال ـ باعتبار ما قدمه
من الفرق بين الأفعال وبين مقدماتها وهي التي أشار إليها هنا بأنها غير مقصودة
بالذات من انه بالدخول في الأفعال يمضي وبالدخول في المقدمات يرجع ـ ان الواجب هنا
هو المضي لأن القنوت من جملة الأفعال وان كان مستحبا على المشهور والرجوع مخصوص
بالمقدمات والقنوت ليس كذلك ، والرجوع والمضي ليس معلقا بالواجب وعدمه ليتجه هنا
انه متى جاز الرجوع من الواجب وان لم يكن مقصودا ذاتيا جاز من المستحب بطريق اولى
بل المناط فيه انما هو آخرية الفعل وكونه فعلا مستقلا ليس مقدمة لغيره واجبا كان
أو مستحبا.
فروع
الأول ـ لو
تدارك ما شك فيه في محله ثم ذكر فعله فالمشهور انه ان كان ركنا أعاد للزوم زيادة
ركن في الصلاة وان كان واجبا آخر فلا بأس سجدة كان أو غيرها وقال المرتضى (رضى
الله عنه) : ان شك في سجدة فاتى بها ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة وهو قول ابى الصلاح
وابن ابى عقيل ، ولعله لقولهم بركنية السجدة الواحدة ، إلا ان الدليل عليه غير
ناهض بالدلالة.
ويدل على عدم
الإبطال بزيادة السجدة صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل صلى فذكر انه زاد سجدة؟ فقال لا
يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة».
وموثقة عبيد بن
زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثم
استيقن انه قد زاد سجدة؟ فقال لا والله لا تفسد الصلاة زيادة سجدة ـ وقال لا يعيد
صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة».
الثاني ـ لو
تلافى ما شك فيه بعد الانتقال فالظاهر البطلان كما صرح به جملة من الأصحاب ان تعمد
ذلك ، وعللوه بالإخلال بنظم الصلاة ، ولأن المأتي به ليس من أفعال الصلاة. وقال في
الذخيرة بعد نقل ذلك : وفيه تأمل نعم يتوقف تحصيل البراءة اليقينية من التكليف على
ترك التدارك. انتهى. واحتمل الشهيد في الذكرى عدم البطلان بناء على ان ترك الرجوع
رخصة.
أقول : لا ريب
أن الأخبار المتقدمة قد اتفقت على الأمر بالمضي فالواجب حينئذ هو المضي ، وحمل ذلك
على الرخصة تخرص لا دليل عليه بل هو خلاف ظاهر النصوص والعبادات توقيفية ، وهذا هو
الذي رسمه صاحب الشريعة (صلى الله
__________________
عليه وآله) فيها فالخروج عنه من غير دليل يدل عليه تشريع محض موجب لبطلان
العبادة. والله العالم.
الثالث ـ لو شك
في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر في أثناء الركوع انه قد ركع سابقا فالمشهور بين
المتأخرين بطلان الصلاة ، وذهب الكليني في الكافي والشيخ والمرتضى وابن إدريس إلى
أنه يرسل نفسه الى السجود ولا شيء عليه.
حجة الأولين
انه قد زاد ركوعا إذ ليس رفع الرأس جزء من الركوع.
وقال في الذكرى
بعد نقل القول الثاني : وهو قوي لأن ذلك وان كان بصورة الركوع إلا انه في الحقيقة
ليس بركوع لتبين خلافه ، والهوى إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدى الهوي إلى
السجود به فلا تتحقق الزيادة حينئذ بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع فإن
الزيادة حينئذ متحققة لافتقاره إلى هوي السجود قال في المدارك بعد نقله ذلك : ولا
يخفى ضعف هذا التوجيه نعم يمكن توجيهه بان هذه الزيادة لم تقتض تغيير الهيئة
الصلاة ولا خروجا عن الترتيب الموظف فلا تكون مبطلة وان تحقق مسمى الركوع لانتفاء
ما يدل على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نص أو إجماع. ولا يشكل ذلك
بوجوب إعادة الهوي للسجود حيث لم يقع بقصده وانما وقع بقصد الركوع ، لأن الأظهر ان
ذلك لا يقتضي وجوب إعادته كما يدل عليه فحوى صحيحة حريز المتضمنة لان من سها في
الفريضة فأتمها على انها نافلة لا يضره وقد ظهر بذلك قوة هذا القول وان كان الإتمام ثم الإعادة
طريق الاحتياط. انتهى.
أقول : ومرجع
ما ذكره جملة من المتأخرين في توجيه كلام المتقدمين مما نقلناه وما لم ننقله يرجع
الى وجوه : (أحدها) ان الانحناء الخاص مشترك بين الركوع والهوى إلى السجود وانما
يتميز الأول عن الثاني بالرفع منه ولم يثبت ان مجرد القصد يكفي في كونه ركوعا فإذا
لا يلزم زيادة الركن. و (ثانيها) ما ذكره الشهيد في
__________________
الذكرى. و (ثالثها) ما ذكره في المدارك. و (رابعها) انه بعد تسليم تحقق
الزيادة فإن المنساق الى الذهن مما دل على ان الزيادة في الصلاة مبطلة وكذا ما دل
على ان زيادة الركوع مبطلة غير هذا النحو من الزيادة.
ولا يخفى ما في
الجميع من الوهن والضعف فان بناء الأحكام الشرعية التي استفاضت الآيات والروايات
بوجوب كونها عن علم ويقين بمثل هذه التخريجات الضعيفة والتقريبات السخيفة لا يخلو
من المجازفة في أحكام سبحانه.
والظاهر ان
الحامل لهم على ارتكاب هذه التكلفات في توجيه القول المذكور هو ذهاب صاحب الكافي
اليه وإفتاؤه به وإلا فإنهم لا يعبأون بأقوال الشيخ والمرتضى ونحوهما ولا يحافظون
عليها ويتكلفون تصحيحها ان لم يقابلوها بالرد والاعتراض.
أقول : ان الله
لا يستحيى من الحق ، فإن كان صاحب الكافي إنما افتى بذلك لنص وصل اليه ـ وهو
الظاهر لأنه من أرباب النصوص ـ فان حكمنا في ذلك غير حكمه لعدم وصول النص إلينا
وعدم وجوب تقليده علينا ، وان كان انما هو لمجرد استنباط كما ذهب اليه غيره فالأمر
أظهر من ذلك. نعم لو كان لهذه الفتوى شهرة في كلام غيره من المعاصرين له
والمتقدمين عليه والمتأخرين عنه من المتقدمين لأمكن الاعتماد عليها كما تقدم
التصريح به في صدر كتاب الطهارة في المقدمة التي في الإجماع
وكيف كان فكلام
المتأخرين وما عللوا به الإبطال لا يخلو من قوة كما اعترف به هؤلاء المخالفون في
المسألة في غير موضع ـ إلا انه لعدم النص في المسألة فالواجب فيها الاحتياط
بالإتمام كما ذكره القائلون بالصحة ثم الإعادة كما ذكره الآخرون فإن المسألة عندي
من المتشابهات الواجب فيها الاحتياط. والله العالم.
الرابع ـ قد
عرفت ان ضابط التجاوز عن المحل في الشك هو الشروع في فعل موضعه بعد ذلك الفعل ركنا
كان أو غيره ، بقي الكلام في التخصيص بأفعال مخصوصة أو ما هو أعم وقد تقدم الكلام
فيه.
وضابط التجاوز
في السهو فوت المحل بان يدخل في ركن يكون بعد ذلك المنسي أو يكون تداركه مستلزما
لتكرار ركن أو تكرار جزء من ركن ، أما تكرار الركن فكنسيان ذكر الركوع حتى رفع
رأسه منه وانتصب قائما ، وكذا نسيان الطمأنينة فيه ، فان تدارك ذلك موجب لتكرار
الركوع. واما تكرار جزء من الركن فهو كنسيان ذكر احدى السجدتين وتذكره بعد الرفع ،
فان العود اليه وان لم يوجب تكرار الركن لكن يوجب تكرار جزء منه فإن السجدة
الواحدة جزء من الركن وهو السجدتان ، وحينئذ فليس لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة
فيه حتى ينتصب الرجوع فيه ولا لناسي الرفع من الركوع أو الطمأنينة في الرفع حتى
يسجد الرجوع وكذا ناسي الذكر في السجدتين حتى رفع رأسه من السجدة الثانية أو الذكر
في إحدى السجدتين أو السجود على الأعضاء السبعة سوى الجبهة أو الطمأنينة فيهما أو
في الجلوس بينهما أو إكمال الرفع من السجدة الأولى حتى سجد ثانيا. وكذا لو شك في
شيء من ذلك فليس له الرجوع الى استدراك شيء من ذلك. ولا تبطل صلاته بتركها ولا
يلزمه شيء سوى سجود السهو على القول بكونه لكل زيادة ونقيصة.
والمستند في
الجميع فوات محل التدارك وعدم الدليل على الرجوع إليها أو على بطلان الصلاة بتركها
ناسيا ، وقد وردت جملة من الروايات بخصوص بعض هذه المواضع. والله العالم.
الخامس ـ لو شك
بعد رفع رأسه من الركوع هل وصل الى حد الراكع أم لا؟ مع جزمه بتحقق الانحناء في
الجملة وكون هويه بقصد الركوع فالأقرب العود ، لانه يرجع الى حكم الشاك في الركوع
قائما وقد صرحت الأخبار بوجوب الرجوع عليه وكذا صرح الأصحاب.
ومن الأخبار صحيحة
عمران الحلبي قال : «قلت الرجل يشك وهو قائم فلا يدرى أركع أم لا؟
قال فليركع».
__________________
واحتمل بعض
مشايخنا عدم العود لرواية الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) استتم قائما فلا أدرى ركعت أم لا؟ فقال بلى قد ركعت
فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان».
وقد قدمنا
الكلام في هذا الخبر وانه لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار الناصة على وجوب الرجوع
المعتضدة بكلام الأصحاب وبينا ان الظاهر حمله على كثير الشك فان الغالب ان مثل هذا
الشك لا يصدر الا منه ، وقوله (عليهالسلام) «فإنما ذلك من الشيطان» ظاهر في التأييد لما قلناه.
وربما حمل الخبر المذكور على القيام من السجود أو التشهد. وهو وان كان لا يخلو عن
بعد إلا انه لضرورة الجمع بين الأخبار غير بعيد ، وكم مثله بل أبعد منه في أمثال
هذه المقامات ولا سيما في كلام الشيخ (قدسسره) والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الصلاة بالشك في عدد
الأوليين.
وقد نقل
الأصحاب من العلامة فمن بعده عن الصدوق هنا ايضا القول بجواز البناء على الأقل ،
قال العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى انه قول علمائنا أجمع إلا أبا جعفر ابن
بابويه فإنه قال : «لو شك بين الركعة والركعتين فله البناء على الأقل» وتناقل هذه
العبارة عن الصدوق جملة من تأخر عنهم كصاحب المدارك وغيره مع انا لم نقف عليها في
كلامه بل الموجود فيه ما يخالفها ويطابق القول المشهور.
وهذا الموضع
الثاني من مواضع نقولاتهم المختلفة عنه (رضى الله عنه) في هذا المقام فإنه قال في
كتاب الفقيه : والأصل في السهو ان من سها في الركعتين الأولتين من كل صلاة فعليه
الإعادة ومن شك في المغرب. الى آخر ما قدمناه عنه في صدر المسألة الاولى.
ولا يخفى ان
مراده بالسهو هنا ـ كما ذكره ايضا المحقق المشهور بخليفة سلطان
__________________
في حواشيه على الكتاب ـ انما هو الشك بقرينة ما بعد العبارة المذكورة ، قال
المحقق المذكور : الظاهر ان المراد الشك في عدد الأولتين لا كل سهو وقع فيهما فإنه
لو كان السهو فيهما عن غير الركن أو عن الركن وتمكن من استدراكه في محله فليس عليه
إعادة الصلاة. انتهى.
أقول : ويوضح
ذلك قوله في آخر العبارة : ومعنى الخبر الذي روى «ان الفقيه لا يعيد الصلاة». انما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين.
وهو كما ترى صريح في حكمه بوجوب الإعادة بالشك في الأولتين. هذا كلامه في الكتاب
المذكور وقال أيضا في كتاب المقنع : إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة وروى
ابن على ركعة. انتهى. وهو كما ترى صريح في الفتوى بوجوب الإعادة كما عليه الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وانما نسب البناء على الأقل إلى الرواية.
ففي أي موضع
هذه العبارة التي نقلوها عنه وتبع المتأخر فيها المتقدم؟ وهذا كلامه في الكتابين
صريح في موافقة الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجل الروايات الواردة في الباب ، ما
هذا إلا عجب عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب. ونحوه ما سيأتي ان شاء الله تعالى
أيضا في المقام.
ونقل في الذكرى
عن الشيخ على بن بابويه انه قال : إذا شك في الركعة الاولى والثانية أعاد ، وان شك
ثانيا وتوهم الثانية بنى عليها ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا ، وان توهم
الأولى بنى عليها وتشهد في كل ركعة ، فإن تيقن بعد التسليم الزيادة لم يضر لان
التسليم حائل بين الرابعة والخامسة ، وان تساوى الاحتمالان تخير بين ركعة قائما
وركعتين جالسا. انتهى. ثم قال في الذكرى : وأطبق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على
الإعادة ولم نقف له على رواية تدل على ما ذكره من التفصيل.
__________________
أقول : والذي
يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار المتكاثرة :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك في الصحيح قال : «قال لي إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد
صلاتك».
وعن ابى بصير
في الصحيح أو الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سهوت في الركعتين الأولتين فأعدهما حتى
تثبتهما».
وعن رفاعة في
الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل لا يدرى أركعة صلى أم ثنتين؟ قال يعيد».
وما رواه ثقة
الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له رجل لا يدرى واحدة صلى أم اثنتين؟ قال
يعيد».
وعن الحسن بن
على الوشاء قال : «قال لي أبو الحسن الرضا (عليهالسلام) الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين
الأخيرتين».
وروى الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل شك في الركعة الأولى؟ قال يستأنف».
وعن عنبسة بن
مصعب قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد».
وعن سماعة في
الموثق قال قال : «إذا سها الرجل في الركعتين الأولتين من
الظهر والعصر ولم يدر واحدة صلى أم ثنتين فعليه ان يعيد الصلاة».
وعن إسماعيل
الجعفي وابن ابى يعفور عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) انهما قالا : «إذا لم تدر أواحدة صليت أم ثنتين فاستقبل».
هذه جملة ما
حضرني من الأخبار الدالة على القول المشهور وهي في دلالتها
__________________
واضحة الظهور لا يعتريها خلل ولا قصور.
إلا انه قد ورد
بإزائها بعض الأخبار الدالة على البناء على الأقل واستدل من نسب بزعمه الى ابن
بابويه القول بالبناء على الأقل بهذه الأخبار وقد عرفت فساد النسبة وانها غلط بلا
ريبة.
ومن الأخبار
المشار إليها ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل لا يدرى أركعتين صلى أم واحدة؟ قال يتم».
وعن عبد الرحمن
بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «في الرجل لا يدرى ركعة صلى أم ثنتين؟ قال يبنى
على الركعة».
وعن عبد الله
بن ابى يعفور في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل لا يدرى أركعتين صلى أم واحدة؟ قال يتم بركعة».
وأجاب الشيخ عن
هذه الأخبار (أولا) بأنها أخبار قليلة وما تضمن الإعادة كثير جدا ولا يجوز العدول
عن الأكثر إلى الأقل. و (ثانيا) بالحمل على النافلة إذ لا تصريح فيها بكون الشك في
الفريضة.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنه : وهذا الحمل وان كان بعيدا إلا انه لا بأس بالمصير اليه لضعف هذه
الروايات من حيث السند ولو صح سندها لأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأقل والاستئناف
كما اختاره ابن بابويه. انتهى.
أقول : بل الحق
في ذلك انما هو حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل
كل بلية.
ويدل على ذلك ما
رواه مسلم في صحيحة بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف
__________________
قال : «سمعت النبي (صلىاللهعليهوآله) يقول إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم
اثنتين فليبن على واحدة ، وان لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على اثنتين ، وان
لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل ان يسلم».
قال البغوي في
شرح السنة بعد نقل الخبر المذكور : هذا الحديث يشتمل على حكمين (أحدهما) انه إذا
شك في صلاته فلم يدر كم ركعة صلى يأخذ بالأقل. و (الثاني) ان محل سجدتي السهو قبل
السلام. اما الأول فأكثر العلماء على انه يبنى على الأقل ويسجد للسهو. الى آخر
كلامه.
وبذلك يظهر
بطلان ما ذكره من الاحتمال وان فرضنا صحة تلك الأخبار وان الحمل على التقية كما هو
القاعدة المنصوصة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) مما لا ريب فيه ولا اشكال ، وسيأتي ان شاء الله تعالى
ما فيه مزيد إيضاح وتأييد لذلك بتوفيق الملك المتعال.
هذا. واما ما
ذكره الشيخ أبو الحسن على بن بابويه واعترضه من وصل اليه كلامه بعدم الوقوف له على
دليل فدليله انما هو كتاب الفقه الرضوي على الطريق التي عرفت وستعرف في غير مقام حيث
قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور «وان شككت في الركعة الاولى والثانية فأعد صلاتك ، وان شككت مرة أخرى فيهما
وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها واجعلها ثانية فإذا سلمت صليت ركعتين من
قعود بأم الكتاب ، وان ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الاولى وتشهدت في كل ركعة ، وان
استيقنت بعد ما سلمت ان التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية
__________________
وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شيء لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة
وان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت صليت ركعتين من قيام وإلا ركعتين وأنت جالس».
ثم انه نقل في
الذكرى ايضا عن الشيخ على بن بابويه على اثر العبارة المتقدمة انه قال أيضا : فإن
شككت فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين
من جلوس. ثم قال : وربما استند إلى صحيحة على بن يقطين عن ابى الحسن (عليهالسلام) «عن الرجل لا يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أم ثلاثا؟ قال يبنى على الجزم
ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا». قال : وظاهر الجزم الاحتياط بما ذكر لانه
بناء على الأكثر ثم التدارك. انتهى.
أقول : وهذا
ايضا من قبيل ما قدمناه فإن عبارة الشيخ المذكور عين عبارة الكتاب المشار إليه في
هذا الموضع ايضا حيث قال (عليهالسلام) : وان شككت فلم تدر ثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل
ركعة من قيام وركعتين وأنت جالس ، وكذلك ان شككت فلم تدر واحدة صليت أم ثنتين أم
ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين وأنت جالس. انتهى.
وأنت خبير بان
اعتماد الشيخ المشار اليه على الإفتاء بعبارة الكتاب المذكور ـ في المسألة التي هي
محل البحث في مقابلة تلك الاخبار الصحاح الصراح المتكاثرة وترجيحه العمل بهذا
التفصيل على ما دلت عليه تلك الأخبار ـ أظهر ظاهر في صحة نسبة هذا الكتاب اليه (عليهالسلام) زيادة على نسبة تلك الأخبار إليهم (عليهمالسلام) كما لا يخفى ، ومنه يظهر قوة الاعتماد على الكتاب
المذكور والرجوع إليه في الأحكام الشرعية لاعتماد هذا العمدة في رسالته من أولها
إلى آخرها عليه كما أوضحناه في غير مقام مما تقدم. وسيأتي مثاله في الأبواب الآتية
والكتب التالية. والله العالم
(المسألة
الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) في انه لو لم
__________________
يدر كم صلى فإنه يجب عليه الإعادة.
وقد نسبوا الى
الصدوق أيضا في هذه المسألة الخلاف السابق الذي زعموا قوله به ، قال في المدارك
بعد ذكر هذا الحكم : ومقتضى كلام ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه جواز
البناء على الأقل في مثل هذه المسألة أيضا. ونحوه قال الفاضل الخراساني في الذخيرة.
أقول : الظاهر
انه أشار في المدارك بقوله «ومقتضى كلام ابن بابويه» الى ما قدمنا نقله عنه في
المسألة السابقة من نقل تلك العبارة المتقدمة عن الصدوق مع انك قد عرفت انه لا عين
لها ولا اثر بل المصرح به فيه خلاف ذلك ، وكذلك في هذا الموضع فإنه قد صرح فيه بما
صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث انه قال في الكتاب المذكور : ومن لم يدر كم
صلى ولم يقع وهمه على شيء فليعد الصلاة. انتهى. وهو عين ما افتى به الأصحاب ودلت
عليه أخبار الباب.
ولا أدرى كيف
اتفقوا على هذه النقولات الظاهرة الخلل واجتمعوا على الوقوع في هذا الخلل والزلل
وكتاب الفقيه بمنظر منهم وسيأتي مثله ايضا.
نعم ربما ظهرت
المخالفة في هذه المسألة من كلام والده في الرسالة على ما تقدم نقله في الذكرى عنه
من قوله : فان شككت فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من
قيام وركعتين من جلوس. وقد قدمنا ان ذلك مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي.
وكيف كان
فالمعتمد هو القول المشهور لدلالة الأخبار المتكاثرة عليه ، ومنها ما رواه ثقة
الإسلام في الصحيح عن صفوان عن ابى الحسن (عليهالسلام) قال : «ان كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء
فأعد الصلاة».
وعن عبد الله
بن ابى يعفور بإسنادين أحدهما في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في
__________________
اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ولا تمض على الشك».
وعن ابى بصير
وزرارة بإسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن قالا : «قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى
كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال يعيد. قلنا فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك؟ قال
يمضى في شكه. الحديث».
وعن على بن
النعمان الرازي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «إنما يعيد من لا يدرى ما صلى».
ويعضده ما رواه
الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدرى صلى
شيئا أم لا؟ فقال يستقبل».
ويدل عليه ايضا
ما تقدم من الأخبار الدالة على بطلان الصلاة مع عدم سلامة الأوليين .
إلا انه قد ورد
بإزاء هذه الروايات ما يدل بظاهره على جواز البناء على الأقل واستدل بها الصدوق
بناء على زعمهم قوله بذلك.
ومن الأخبار
المذكورة ما رواه الشيخ عن على بن يقطين في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أم ثلاثا؟
قال يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا».
وحملها الشيخ
على ان المراد بالجزم استئناف الصلاة وحمل الأمر بالسجود على الاستحباب. وأجاب
العلامة عنها بالحمل على من كثر سهوه. والجميع بمحل من البعد وانما الوجه فيها
الحمل على التقية كما قدمنا ذكره في سابق هذه المسألة
__________________
فإنك قد عرفت ان الحكم عندهم البناء على الأقل وسجود السهو.
وعن عنبسة بن
مصعب قال : «سألته عن الرجل لا يدرى ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثا؟ قال يبنى
صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ويسجد سجدتي السهو».
وعن عبد الله
بن المغيرة عن على بن أبي حمزة عن رجل صالح قال : «سألته عن الرجل يشك فلا يدرى واحدة صلى أو
اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته؟ قال كل ذا؟ قلت نعم. قال فليمض في
صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يوشك ان يذهب عنه».
قال في الفقيه بعد نقل رواية على بن أبي حمزة المذكورة : وروى سهل بن
اليسع في ذلك عن الرضا (عليهالسلام) انه قال : «يبنى على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد
التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».
والوجه في هذه
الأخبار ما عرفت من الحمل على التقية مع زيادة احتمال الحمل على كثرة السهو في
رواية على بن أبي حمزة. واحتمل الشيخ فيها الحمل على السهو في النوافل ثم احتمل
الحمل على من كثر سهوه. واحتمل جملة من المتأخرين الجمع بين الأخبار المختلفة في
هذه المسألة بالحمل على التخيير ، قال في الذخيرة : والأقرب في الجمع بين الأخبار
الحمل على التخيير ولكن العدول عن الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة إلى غيرها
مشكل. وبالجملة لا ريب في ان الاحتياط في الإعادة.
وقال في
المدارك بعد رد تأويلي الشيخ والعلامة في المختلف بالبعد : وكيف كان فلا ريب أن
الاستئناف اولى وأحوط.
أقول : بل
الظاهر الذي لا يكاد يختلجه الريب هو أن هذه الأخبار انما
__________________
خرجت مخرج التقية كما سيأتيك ان شاء الله تعالى مزيد بيان لذلك ، ولكنهم (رضوان
الله عليهم) حيث الغوا هذه القواعد بالكلية وكذا غيرها من القواعد المنصوصة في
مقام اختلاف الأخبار وقعوا في ما وقعوا فيه من هذا الكلام وأمثاله الناقص العيار ،
وربما ارتكبوا التأويلات الباردة والتمحلات الشاردة ، والحق أحق أن يتبع.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان مما نقل عن الصدوق أيضا في أحكام الشكوك جواز البناء على الأقل في الشكوك
الآتية المتعلقة بالأخيرتين وجعلوه مخالفا للأصحاب والأخبار القائلين بالبناء على
الأكثر في تلك الشكوك ، وهنا موضع اشتباه في كلامه (قدسسره) في الفقيه ربما كان هو الحامل لهم على ما وقع لهم من
الوهم وان كانت بعض نقولاتهم عنه يأبى ذلك مثل نقل العبارة المتقدمة عنه مع انه لا
وجود لها في كلامه.
وها انا اذكر
لك ملخص كلامه (قدسسره) في الكتاب المذكور واشرح لك ما تضمنه ودل عليه ليظهر
لك ما في كلامهم من القصور :
قال (قدسسره) في أحكام السهو في الصلاة قريبا من أول الباب ما صورته : والأصل في السهو ان من سها في الركعتين
الأولتين من كل صلاة فعليه الإعادة ، ومن شك في المغرب فعليه الإعادة ، ومن شك في
الغداة فعليه الإعادة ومن شك في الجمعة فعليه الإعادة ، ومن شك في الثانية
والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ بالأكثر فإذا سلم أتم ما ظن انه قد نقص. وقال
أبو عبد الله (عليهالسلام) لعمار بن موسى «يا عمار اجمع لك السهو كله في كلمتين
متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت انك قد نقصت». ومعنى الخبر الذي روى «ان الفقيه لا يعيد الصلاة». إنما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين.
انتهى. وهذا الكلام كما ترى
__________________
من أوله الى آخره موافق لما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ودلت عليه
أخبار تلك الأبواب.
ثم ساق الكلام
بعد ما ذكرناه في جملة من مسائل السهو والشك الخارجة عن ما نحن فيه بما يقرب من
ورقة كبرى الى أن قال : وروى الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب
وهمك إلى شيء فتشهد وسلم ثم صل ركعتين. الرواية إلى آخرها». وهذا الخبر هو مستند
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه الصورة التي اشتمل عليها الخبر ، وظاهر روايته
له وجموده عليه يؤذن بموافقته الأصحاب في ذلك.
ثم ساق الكلام
والأخبار في مسائل خارجة عما نحن فيه الى أن قال : وروى الحلبي عنه (عليهالسلام) انه قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا. الحديث الى
آخره». والتقريب فيه ما تقدم في سابقه.
ثم ساق الكلام
في أمور خارجة الى أن قال : وروى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا. الحديث». والتقريب
فيه أيضا كما ذكرناه.
ثم قال : وروى
على بن أبي حمزة عن العبد الصالح (عليهالسلام) ثم ساقها كما قدمناه ثم قال : وروى سهل بن اليسع. الى آخر ما قدمنا نقله
أيضا عنه ثم قال : وقد روى انه يصلى ركعة من قيام وركعتين من
جلوس . وليست هذه الأخبار مختلفة وصاحب السهو بالخيار بأي خبر أخذ منها فهو
مصيب. وروى عن إسحاق بن عمار انه قال «قال لي أبو الحسن (عليهالسلام) إذا شككت فابن
__________________
على اليقين. قال قلت هذا أصل؟ قال نعم». ثم ساق الكلام في غير ما نحن فيه
وأطال الى أن قال : ومن لم يدر كم صلى ولم يقع وهمه على شيء فليعد الصلاة. هذا
خلاصة ما ذكره في الكتاب المذكور بالنسبة إلى المسائل التي نقلوها عنه.
ومن المحتمل
قريبا ـ بل هو الظاهر من كلام المحدث الكاشاني في الوافي ـ ان منشأ الشبهة في ما
نقلوه عنه قوله هنا «وليست هذه الأخبار مختلفة وصاحب السهو بالخيار.» باعتبار
إرجاع الإشارة الى جميع ما تقدم من تلك المسائل المتفرقة.
وفيه (أولا) ان
الظاهر ـ بل هو المقطوع به كما سنشرحه لك ان شاء الله تعالى ـ ان مراده بالإشارة
انما هو الى هذه الأخبار الثلاثة المتصلة في هذا المقام المتضمنة للشك بين الواحدة
والثنتين والثلاث والأربع ، فإنها كما ترى قد اختلفت في ذلك ، فظاهر رواية على بن
أبي حمزة وقوله فيها «فليمض في صلاته» انه يتمها بالبناء على الأكثر من غير احتياط
، وظاهر رواية سهل بن اليسع في ذلك أيضا انه يبنى على الواحدة ويتم صلاته ويسجد
سجدتي السهو ، وظاهر قوله «وقد روى انه يصلى» انه يبنى على الأكثر ويحتاط بهذا
الاحتياط المذكور. والظاهر ان مراده بقوله «روى» هو الإشارة الى كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي المتضمن لهذه الصورة وانه يحتاط
فيها بما ذكر ، وهي التي قدمنا نقلها عن أبيه في الرسالة بنقل صاحب الذكرى. وان
هذه الروايات الثلاث مع كون موردها أمرا واحدا قد اختلفت في حكمه وهو قد جمع بينها
بالتخيير بين العمل بأي الأخبار الثلاثة شاء ، والظاهر من نقله رواية إسحاق بن
عمار هو ان مراده تأييد البناء على الأقل. هذا هو ظاهر كلامه.
و (ثانيا) انه
كيف يصح حمل الإشارة بهذه الأخبار الى أخبار مسائل الشكوك التي نقلوا عنه الخلاف
فيها؟ والحال ان جملة من تلك المسائل التي قدمنا نقلها عنه في الكتاب المذكور انما
ذكرها بطريق الفتوى المؤذن بالجزم بذلك لا بطريق الرواية كما عرفت من صدر عبارته
التي قدمناها أول الكلام مثل مسألة الشك
في أولتي الرباعية ومسألة الشك في الثنائية والثلاثية ومسألتي الشك بين
الثنتين والثلاث والثلاث والأربع ، فإنه لم ينقل في شيء من هذه المسائل خبرا ،
ومثل مسألة «من لم يدر كم صلى» المتأخرة عن هذه الإشارة بكثير ، فكيف يصح الإشارة
الى هذه الفتاوى الغير المقرونة بخبر بالكلية بقوله «وليست هذه الأخبار»؟ سيما مع
تأخر بعضها عن الإشارة ، ما هذا إلا تعسف صرف وتكلف بحت.
و (ثالثا) انه
مع الإغماض عن ذلك كيف يصح الإشارة الى هذه المسائل المتفرقة المتقدمة وفيها ما هو
متقدم بورقة كبرى مع تفرقها بين الأخبار والأحكام الخارجة عما نحن فيه؟
و (رابعا) انهم
قد نقلوا عنه عبارات في بعض الخلافات التي نسبوها اليه مع ان تلك العبارات لا وجود
لها في كتابه بل الموجود انما هو ما يدل على خلاف ذلك.
وبالجملة فإن
حمل الإشارة في هذه العبارة ـ على الإشارة الى جميع ما تقدم وما تأخر من المسائل
المذكورة والحال ما عرفت ـ تعسف ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر فضلا عن الخبير
الماهر ، بل كلامه المتقدم في أول الباب والأخبار التي نقلها في الأثناء كله صريح
في مطابقة كلام الأصحاب ولم يورد له مناقضا في الباب وانما نقل هذه الأخبار
الثلاثة المختلفة في خصوص هذه الصورة وجمع بينها بما ذكر.
بقي الكلام في
شيء آخر وهو انه قد دل صدر كلامه الذي قدمنا نقله على ان الشك متى تعلق بالأولتين
كان مبطلا وفي هذه الصورة التي اختلفت فيها هذه الأخبار الأمر كذلك ، فكيف حكم
بالصحة هنا وخير بين ما دلت عليه هذه الأخبار والواجب هو الحكم بالبطلان وتأويل
هذه الأخبار؟
ويمكن الجواب
باستثناء هذه الصورة عنده بهذه الأخبار مما دلت عليه أخبار ذلك الحكم ، وأما غيرها
فهو جار على ما ذكره أولا لاتفاق الأخبار وعدم ذكره المخالف في شيء من تلك
المسائل فلا منافاة حينئذ.
ثم انه لا يخفى
ان ما حملنا عليه كلامه ووجهناه به ان لم يكن متعينا ومتحتما
لما ذكرناه فلا أقل ان يكون هو الأرجح والأظهر ومع التنزل فلا أقل أن يكون
مساويا لما ذكروه ، وبه يبطل ما زعموه من حمل كلامه على الخلاف في تلك المسائل
فإنه متى قام الاحتمال بطل الاستدلال كما هو بينهم مسلم في مقام البحث والجدال.
والله العالم.
(المسألة
الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الشك انما يعتبر مع تساوى الطرفين
واما مع الظن بأحدهما فإنه يبنى على الظن ، ومعناه تقدير الصلاة كأنها وقعت على
هذا الوجه المظنون سواء اقتضى الصحة أو الفساد.
وظاهر كلامهم
انه لا فرق في حمل الشك على هذا المعنى بين ما إذا شك في الأعداد أو الأفعال ، وقد
عرفت في ما تقدم انه في الأفعال محل اشكال لما قدمناه في المسألة الثانية ، وأما
في الأعداد فإنه لا اشكال فيه لدلالة الأخبار على البناء على الظن فيها فالمراد
بالشك فيها ما هو عبارة عن تساوى طرفي ما شك فيه ، فلو شك بين الاثنتين والثلاث
وظن الثلاث بنى عليه من غير احتياط ، ولو شك بين الأربع والخمس وظن الأربع بنى
عليه من غير سجود السهو ، ولو ظن كونها خمسا كان كمن زاد ركعة فيجيء فيه الخلاف
المتقدم في هذه المسألة.
وقد وقع في
كثير من عبائر الأصحاب التعبير هنا بغلبة الظن وربما أشعر بعدم الاكتفاء بمطلق
الظن مع انه خلاف النص والفتوى كقوله (عليهالسلام) «إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه وان وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف».
والمراد بالوهم هنا هو الظن وهو الطرف الراجح ويرجع الى مطلق ترجيح أحد النقيضين ،
ولا يمكن حمله على معناه المصرح به في كلام أهل المعقول فإنه باطل إجماعا ، وحينئذ
فلا وجه لاعتبار ما زاد على مجرد الظن. قال في الروض : وكأن من عبر بالغلبة تجوز
بسبب ان الظن لما كان غالبا بالنسبة إلى الشك والوهم وصفه بما
__________________
هو لازم له وأضاف الصفة إلى موصوفها بنوع من التكلف.
والمشهور بين
الأصحاب انه لا فرق في هذا الحكم بين الأوليين والأخيرتين ولا بين الرباعية
والثلاثية والثنائية ، فإن حصل الشك في موضع يوجب البطلان كالثنائية وغلب الظن على
أحد الطرفين بنى عليه وان تساويا بطلت حتى لو لم يدر كم صلى وظن عددا معينا بنى
عليه. وكذا لا فرق في ذلك بين الأفعال والاعداد في الركعات. ونقل عن ابن إدريس ان
غلبة الظن انما تعتبر فيما عدا الأوليين وان الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وان
غلب الظن.
قال في الذكرى
: لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه لأن تحصيل اليقين عسر في كثير من
الأحوال فاكتفي بالظن تحصيلا لليسر ودفعا للحرج والعسر وروى العامة عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك الى الصواب فليبن عليه». وعن
الصادق (عليهالسلام) بعدة طرق «إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه وان وقع
وهمك على الأربع فسلم وانصرف» ولا فرق بين الشك في الأفعال والاعداد ولا بين
الأوليين والأخيرتين في ذلك. ويظهر من كلام ابن إدريس ان غلبة الظن تعتبر فيما عدا
الأوليين وان الأوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وان غلب الظن ، فان أراده فهو بعيد
وخلاف فتوى الأصحاب وتخصيص لعموم الأدلة. انتهى.
واعترضه في
المدارك بأن لقائل أن يقول ان مخالفته لفتوى المعلومين من الأصحاب لا محذور فيه
إذا لم يكن الحكم إجماعيا. وما ادعاه من العموم غير ثابت فان الخبر الأول عامي
وباقي الروايات مختص بالأخيرتين. نعم يمكن الاستدلال
__________________
على اعتبار الظن في الأولتين بما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن سعد بن سعد عن صفوان عن ابى الحسن (عليهالسلام) قال «ان كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء
فأعد الصلاة». ومقتضى الرواية اعتبار الظن في أعداد الأولتين. انتهى ملخصا. ونحوه
ما ذكره في الذخيرة أيضا.
أقول : لقائل
أن يقول ان مفهوم هذه الرواية الدال على انه إذا وقع وهمه على شيء فإنه لا يعيد
بل يبنى على ظنه الشامل للأوليين في أعدادهما وأفعالهما معارض بمنطوق جملة من
الأخبار المتقدمة في المقام الثاني من المسألة الثانية من هذا المطلب بتقريب ما بيناه في ذيل الرواية الأولى منها ، إلا انك
قد عرفت معارضة صحيحة زرارة المذكورة ثمة ورواية محمد بن منصور
لما دلت عليه وان وجه الجمع بين الجميع هو تخصيص الروايات المشار إليها بالشك في
الأعداد كما هو المتفق عليه بين جملة علمائنا الأمجاد ، وحينئذ فالشك في الأفعال
فيها غير مبطل واما انه مع ترجح أحد الطرفين هل يبنى على الظن الحاصل له أم لا
سواء كان قبل التجاوز أو بعده؟ فهو راجع الى ما قدمناه من الاشكال المذكور في آخر
المقام الأول من المسألة الثانية. وبالجملة فإنه يجب استثناء الشك في الأفعال إذ
لا تعلق للأخبار المشار إليها بالافعال بناء على مقتضى الجمع المذكور ، نعم لا بد
في الأعداد فيهما من اليقين فلو شك في عددهما ثم ترجح عنده أحد الأعداد بطريق الظن
فإنه لا يجوز البناء بمقتضى الاخبار المشار إليها على ذلك الظن لتصريحها باعتبار
العلم واليقين كقوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة التي هي إحدى تلك الروايات «فمن شك في الأولتين أعاد
حتى يحفظ ويكون على يقين ومن شك في الأخيرتين عمل
__________________
بالوهم». فإنه صريح كما ترى في ان البناء على الظن الذي عبر عنه بالوهم
إنما هو في الأخيرتين وان الأولتين لا بد فيهما من اليقين فما لم يحصل له اليقين
تجب عليه الإعادة. وعلى هذا النحو جملة من الروايات الباقية فإنها صريحة أو ظاهرة
في اشتراط اليقين في الأولتين. وهي وان كانت بإطلاقها شاملة للأفعال والأعداد إلا
انك قد عرفت تخصيصها بالأعداد جمعا بينها وبين صحيحة زرارة المتقدمة ورواية محمد
بن منصور.
ومما ذكرنا
يظهر لك قوة كلام ابن إدريس في هذه المسألة بالنسبة إلى اعداد الأولتين وانه لا
يجوز البناء فيهما على الظن ، وان ما استدل به في المدارك للقول المشهور من مفهوم
الرواية التي ذكرها ليس بجيد لمعارضة هذا المفهوم بمنطوق هذه الاخبار الصحاح
الصراح في ما ذكرنا ، وربما يظهر من كلام ابن إدريس (قدسسره) في سرائره ان حكم المغرب والغداة حكم الأولتين في وجوب
البناء على اليقين حيث قال في جملة كلام له : والسهو المعتدل فيه الظن على ضروب
ستة : فأولها ما يجب إعادة الصلاة على كل حال ، وعد منه السهو في الركعتين والمغرب
والغداة. وكلامه في الكتاب المشار اليه لا يخلو من نوع تشويش واضطراب كما لا يخفى
على من راجعه.
ويشير الى ذلك
أيضا كلام شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار حيث قال : الأولى ان الشك إنما يعتبر
مع تساوى الطرفين ومع غلبة الظن يبنى عليه وهذا في الأخيرتين إجماعي واما في
الأولتين والصبح والمغرب فالمشهور أيضا ذلك ، ونسب الى ظاهر ابن إدريس تخصيص الحكم
بالأخيرتين من الرباعية. ثم نقل الاحتجاج للمشهور برواية صفوان المتقدمة في كلام
السيد السند (قدسسره) ثم قال : وبمفهوم الأخبار الواردة في انه إذا شككت في
المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر فأعد وإذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد.
أقول : أما
الاستدلال للمشهور برواية صفوان المذكورة فقد عرفت ما فيه ، وأما الاستدلال
بالنسبة إلى المغرب والفجر والركعتين الأوليين بالأخبار المشار
إليها فهو مبنى على ما تقرر في كلامهم من ان الشك عبارة عن تساوى
الاعتقادين وتكافؤهما ، ونحن قد قدمنا لك في صدر هذا المطلب ان الشك لغة ـ كما صرح
به جملة من أئمة اللغة ـ أعم من هذا المعنى ومن الظن ، وهم قد قرروا في غير مقام
ان الواجب مع فقد الحقيقة الشرعية والعرفية الخاصة الرجوع الى الحقيقة اللغوية
وكلام أهل اللغة كما ترى أعم ، وحينئذ فكما يجوز حمل الشك في هذه الاخبار على
المعنى الذي ذكروه يجوز حمله على الظن أيضا الذي هو أحد معنييه لغة ، وحينئذ فلا
تقوم هذه الأخبار حجة على ما ادعوه مع ما عرفت من تصريح الأخبار المتقدمة باشتراط
اليقين في الأوليين في صحة الصلاة فلا يبعد ان تكون الثنائية والثلاثية كذلك وبه
يحصل الإشكال في هذا المجال لتشابه الدليل المذكور بتعدد الاحتمال.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المفهوم من النصوص وكلام جل الأصحاب ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ انه مع حصول
الظن والبناء عليه فإنه في قوة وقوع الصلاة كذلك عن علم ويقين إن أوجب صحة أو
إبطالا وانه لا احتياط مع ذلك. ولم يوجد الخلاف في هذا الحكم إلا في كلام الشيخ
على بن بابويه (قدسسره) في الرسالة ومنه ما تقدم في المسألة الثالثة من قوله «وان
شك ثانيا وتوهم الثانية بنى عليها ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا» وما سيأتي
ان شاء الله في مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث من انه إذا حصل الظن بالثلاث يبنى
عليه ويتم ويصلى صلاة الاحتياط ركعة قائما ويسجد سجدتي السهو. وهو شاذ وان كان
مأخذه انما هو كتاب الفقه الرضوي كما عرفت وستعرف.
ثم انه قد صرح
شيخنا الشهيد الثاني بأن من عرض له الشك في شيء من أفعال الصلاة يجب عليه التروي
فإن ترجح عنده أحد الطرفين بنى عليه وان بقي الشك بلا ترجح لزمه حكم الشاك.
وأنت خبير بأن
الأخبار خالية من ذلك وتقييد إطلاقها من غير دليل مشكل وان كان الأحوط ما ذكره (قدسسره) والله العالم.
(المسألة
السادسة) إذا شك في الرباعية بين الاثنتين والثلاث فالأشهر الأظهر انه يبنى على
الثلاث ويتم ثم يأتي بصلاة الاحتياط الآتية ان شاء الله تعالى.
وفي المسألة
أقوال أخر : منها ـ البناء على الأقل نقل ، عن المرتضى في المسائل الناصرية حيث
قال : من شك في الأولتين استأنف ومن شك في الأخيرتين بنى على اليقين. وفي الانتصار
وافق المشهور.
ومنها ـ قول
الشيخ على بن الحسين بن بابويه حيث قال : وان ذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها
رابعة فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها ، وان ذهب وهمك إلى الأقل فابن عليه وتشهد
في كل ركعة ثم اسجد سجدتين بعد التسليم ، فان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت بنيت
على الأقل وتشهدت في كل ركعة وان شئت بنيت على الأكثر وعملت على ما وصفناه. انتهى.
ومنها ـ ما
نقلوه بزعمهم عن الصدوق من تجويزه البناء على الأقل. وفيه ما عرفت مما قدمنا
تحقيقه في المسألة الرابعة فإنه قد صرح في ما نقلناه عنه ثمة بأن من شك في الثانية
والثالثة أو في الثالثة والرابعة أخذ بالأكثر فإذا سلم أتم ما ظن انه نقص. وهذا هو
الذي عليه الأصحاب في هذه المسألة ، ولم يصرح بما يخالفه الا بما أشرنا إليه ثمة
من موضع الاشتباه الذي ربما كان سببا لارتكابهم لهذه الأوهام السخيفة والخيالات
الضعيفة.
ومنها ـ ما نسب
إليه في كتاب المقنع من القول بالإبطال متى عرض له هذا الشك حيث قال «سئل الصادق (عليهالسلام) عن من لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يعيد. قيل فأين
ما روى عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال انما ذلك في الثلاث
والأربع». والتقريب فيه ان من عادته في هذا الكتاب الإفتاء بمتون الاخبار ولهذا
نقل جملة من الأصحاب القول بذلك عنه في الكتاب المذكور الا ان الفاضلين نقلا
الإجماع على عدم الإعادة في صور الشك
__________________
في الأخيرتين ، وهو المؤيد بالأخبار كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.
وتحقيق البحث
في هذه المسألة يقع في مواضع :
(الموضع الأول)
ـ قال في الذكرى : وأما الشك بين الاثنتين والثلاث فأجراه معظم الأصحاب مجرى الشك
بين الثلاث والأربع ولم نقف فيه على رواية صريحة ونقل فيه ابن ابى عقيل تواتر
الاخبار. انتهى.
ونحوه الشهيد
الثاني في الروض حيث قال : وليس في مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث الآن نص خاص
ولكن الأصحاب أجروه مجرى الشك بين الثلاث والأربع. ثم نقل عن ابن ابى عقيل كما نقل
في الذكرى.
وظاهر هما ـ كما
ترى ـ عدم الوقوف على نص صريح في المسألة مع ان الشيخ استدل في التهذيب بما رواه
في الحسن عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له رجل لا يدرى واحدة صلى أم اثنتين؟ قال
يعيد. قلت رجل لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال ان دخله الشك بعد دخوله في
الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شيء عليه ويسلم».
وعن عمار بن
موسى الساباطي قال «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) كل ما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر ،
قال فإذا انصرفت فأتم ما ظننت انك نقصت».
إلا ان السيد
السند (قدسسره) في المدارك اعترضه فقال : ويتوجه عليه ان الرواية
الثانية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية فلا تنهض حجة ، والرواية
الأولى غير دالة على المطلوب وانما تدل على البناء على الأقل إذا وقع الشك بعد
الدخول في الثالثة وهي الركعة المترددة بين الثالثة والرابعة حيث قال : «مضى في
الثالثة ثم صلى الأخرى ولا شيء عليه» ولا يجوز حمل الثالثة على الركعة
__________________
المترددة بين الثانية والثالثة لأن ذلك شك في الأولتين وهو مبطل. انتهى.
وقد تبعه على
هذا التوجيه لمعنى الحسنة المذكورة من تأخر عنه من الفضلاء كما هي عادتهم غالبا
كالفاضل الخراساني والمحدث الكاشاني والفاضل المجلسي وغيرهم.
والتحقيق عندي
ان ما ذكروه بمحل من القصور بل الرواية المذكورة واضحة الظهور في الدلالة على
القول المشهور.
وحاصل كلام
السيد المزبور ان قوله (عليهالسلام) : «ان دخله الشك بعد الدخول في الثالثة يمضي فيها. إلخ»
يدل على أن الشك عرض له في أول الدخول في تلك الركعة المعبر عنها بالثالثة. وهذه
الركعة التي سماها (عليهالسلام) ثالثة اما ان تكون مترددة بين الثانية والثالثة فيلزم منه
الشك قبل إكمال الأولتين وهو مبطل فلا يجوز حمل الخبر عليه ، واما أن تكون مترددة
بين الثالثة والرابعة كما هو ظاهر الخبر وحينئذ فلا يكون من محل الاستدلال في شيء
لأنه شك بين الثلاث والأربع وقد أمره (عليهالسلام) بالبناء على الثلاث التي هي الأقل.
أقول : والظاهر
ان منشأ الشبهة الذي أوجب للسيد المذكور الطعن في الخبر وحمله على ما ذكره من
وجهين :
(أحدهما) ـ قوله
(عليهالسلام) «ثم صلى الأخرى» فإنه حملها على الركعة الرابعة بمعنى
انه بعد البناء على الثالثة وهي التي شك في حال القيام لها أردفها بالركعة
الرابعة. وهذا وان توهم في بادئ النظر إلا انه ليس هو المراد بل المراد بالأخرى في
الخبر إنما هي ركعة الاحتياط كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
و (ثانيهما) ـ قوله
(عليهالسلام) : «فان دخله الشك بعد دخوله في الثالثة» فإن ظاهر كلام
السيد حمل الالف واللام في الشك على العهد الذهني أي شك ما من الشكوك وهو الشك في
كون هذه الركعة ثالثة أو رابعة. والتحقيق ان الالف واللام إنما هي للعهد الخارجي
والمراد انما هو الشك المسؤول عنه وهو الشك بين الاثنتين والثلاث فحكم (عليهالسلام) بأنه يمضي في الثالثة التي هي الأكثر ويتمها
بعد البناء على الثلاث فتكون هذه رابعة ثم يصلى اخرى وهي ركعة الاحتياط.
وتوضيح ما
قلناه انه لا يخفى على من تأمل روايات هذه المسائل المشتملة على البناء على الأكثر
والتعبير عن الاحتياط فيها انها مختلفة في تأدية هذا المعنى والدلالة عليه ، ففي
بعضها جعل الاحتياط في عبارة الخبر موصولا كما هنا بمعنى انه لم يصرح في الرواية
بأنه يتشهد ويسلم ثم يحتاط بل عبر عنه بمثل هذه العبارة المجملة الموهمة لدخوله في
الصلاة الأصلية ، وبعض منها قد صرحت بالفصل وان تفاوتت أيضا تأديته كما سيظهر لك
ان شاء الله تعالى ، وسنشير الى ذلك ان شاء الله تعالى ذيل الروايات الآتية في
صورة الشكوك الباقية مذيلا ببيان ما قلناه وإيضاح ما ادعيناه.
وحينئذ فمعنى
الخبر المذكور بناء على ما ذكرناه ـ وهو الذي فهمه من استدل به من علمائنا الأعلام
ـ انه ان دخله الشك المسؤول عنه بعد إكماله الثنتين ودخوله في الثالثة المتيقنة
المترددة بين كونها ثالثة أو رابعة مضى في الثالثة يعني بنى على الثلاث وأتمها
بهذه الركعة التي شك حال قيامها ثم أردفها بالركعة الأخرى التي هي صلاة الاحتياط ،
لأنه بشكه حال القيام بكونها ثالثة أو رابعة قد حصل له الشك في ما تقدم من انه
ركعتان فتكون هذه ثالثة أو ثلاث فتكون هذه رابعة فهو شاك حينئذ في ما قدمه هل هو
ثلاث أو اثنتان فأمره (عليهالسلام) بالمضي في الثالثة بالمعنى الذي ذكرناه ، وفي العطف ب «ثم»
اشعار بذلك غاية الأمر انه (عليهالسلام) جعل صلاة الاحتياط هنا موصولة ولم يصرح بما يوجب الفصل
بينها وبين الصلاة الأصلية مما يؤذن بكونها خارجة عن الصلاة الأصلية ومنه نشأ
الاشتباه كما عرفت.
ومما يوضح ما
قلناه بأظهر إيضاح ويفصح عنه بأنور إفصاح (أولا) ان الشك في جميع الصور انما يطلق
على ما تقدم من الصلاة لا ما يأتي فإذا قيل شك بين الاثنتين والثلاث فالمراد ان ما
قدمه هل هو اثنتان أو ثلاث ، وكذلك قولك شك بين الثلاث والأربع انما هو بمعنى ان
ما قدمه هل هو ثلاث أو أربع ، ولهذا صرح العلامة في القواعد والمنتهى والمختلف
بأنه لو قال : لا أدرى قيامي هذا
للثالثة أو الرابعة فهو شك بين الاثنتين والثلاث وهو عين ما اشتملت عليه
الرواية المذكورة لا انه شك بين الثلاث والأربع كما توهموه وبنوا عليه ما بنوا من
الإيراد وعدم دلالة الخبر على ما هو المطلوب والمراد. وقد صرح العلامة في المختلف
وغيره أيضا بأنه لو قال : لا أدرى قيامي هذا للخامسة أو الرابعة فإنه شك بين
الثلاث والأربع وانه يجلس ويبنى على الأربع. ومما ينبه على هذا الألف واللام في
قوله : «فان دخله الشك» أى الشك المسؤول عنه وهو الشك بين الاثنتين والثلاث.
و (ثانيا) ـ انه
يلزم بناء على ما توهموه ان الامام (عليهالسلام) لم يجب عن أصل السؤال بشيء بالكلية لأن السائل إنما
سأله عن من لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فكيف يجيبه الامام بحكم الثلاث والأربع
وانه يبنى على الثلاث التي هي الأقل؟ وكيف سكت السائل وقنع بذلك وهو زرارة الذي من
عادته تنقيح أجوبة المسائل وطلب الحجج فيها والدلائل؟ وكيف ينسب الى الامام (عليهالسلام) العدول عن ذلك ولا مانع في البين.
و (ثالثا) ان
البناء على الأقل في هذه الصور المنصوصة بل مطلقا لا مستند له ولا دليل عليه وان
ظهر من جملة منهم ـ لعدم إمعان النظر في الاخبار ـ الركون اليه ، وأخباره كلها
محمولة على التقية كما عرفت آنفا وستعرف ان شاء الله تعالى ، وحينئذ فلا يصح حمل هذه
الرواية عليه بالكلية.
وإذا ثبت بما
ذكرناه ان مورد الرواية إنما هو الشك بين الاثنتين والثلاث وانه (عليهالسلام) أمره في ذلك بالبناء على الثلاث فإنه يتحتم البتة حمل
قوله (عليهالسلام) : «ثم صلى الأخرى» على ركعة الاحتياط وإلا لزم البناء
على الأكثر في الصورة المذكورة مع عدم الاحتياط بالكلية وهو باطل إجماعا.
وبالجملة فإن
الخبر المذكور بتقريب ما أوضحناه في هذه السطور ظاهر الدلالة
__________________
عار عن القصور.
ومثله في ذلك ما
رواه الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن خالد عن العلاء قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة؟ قال : يبنى على اليقين
فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة بفاتحة الكتاب». والمراد باليقين هنا ما يحصل
به يقين البراءة وهو البناء على الأكثر فإنه ان ظهر التمام كان الاحتياط نافلة وان
ظهر النقصان كان الاحتياط متمما. وأما حمل اليقين هنا على البناء على الأقل فإنه
ينافيه الاحتياط المذكور.
وهذه الرواية
من الاخبار التي صرح فيها بفصل الاحتياط بالتشهد الشامل للتسليم تجوزا. والله
العالم.
(الموضع الثاني)
قال في المدارك على اثر الكلام المتقدم نقله عنه : وربما ظهر من هذه الرواية بطلان
الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث إذا عرض الشك قبل الدخول في الثالثة ، ويدل
عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا؟ قال :
يعيد. قلت : أليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ قال : انما ذلك في الثلاث والأربع». وبمضمون
هذه الرواية أفتى ابن بابويه (قدسسره) في كتاب المقنع ، وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بالحمل
على صلاة المغرب. ويدفعه الحصر المستفاد من قوله (عليهالسلام) : «انما ذلك في الثلاث والأربع». الى ان قال :
والمسألة قوية الإشكال ولا ريب ان الإتمام والاحتياط مع الإعادة إذا عرض الشك قبل
الدخول في الثالثة طريق الاحتياط. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان مقتضى ما ذكره من انه بعروض الشك حال القيام في الثالثة المترددة بين كونها
ثالثة أو رابعة وانه يصير من قبيل الشك بين الثلاث والأربع هو بطلان الصلاة بالشك
بين الاثنتين والثلاث ، فان المفهوم من الخبر على هذا انه
__________________
ان دخله الشك قبل الدخول في الثالثة لم يمض بل تبطل صلاته ، وهو ظاهر في
الإبطال بالشك بين الاثنتين والثلاث ، لانه متى شك بعد السجدة الثانية بين كون ما
صلاة اثنتين أو ثلاثا فإن الصلاة باطلة بمقتضى ظاهر التعليق ، ولهذا استدل بصحيحة
عبيد بن زرارة الظاهرة في بطلان الصلاة بالشك في الصورة المذكورة. واما على ما
ذكرناه من ان هذا الشك الذي وقع منه بعد القيام للركعة المذكورة انما هو الشك بين
الاثنتين والثلاث فإنه لا فرق بين عروض هذا الشك في حال القيام أو قبله بعد إتمام
الركعتين المتيقنتين بالسجدة الثانية فإنه يجب العمل فيه بالبناء على الأكثر
والاحتياط كما هو المشهور.
وأما ما دل
عليه الخبر بمفهومه ـ من انه لو دخله الشك قبل دخوله في الثالثة لم يمض بل تبطل
صلاته كما ذكره ـ فإنه يجب ارتكاب التأويل فيه ، ولهذا ان جملة ممن تبع السيد
السند في الطعن في الخبر بما تقدم ذكره أجابوا عن مفهوم ما دل عليه الخبر الموجب
لبطلان الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث بحمل الدخول في الثالثة على ما هو أعم
من الدخول فيها أو في مقدماتها والرفع من السجود من جملة مقدماتها. وأجاب بعضهم
بتقييد المفهوم بما إذا وقع الشك قبل إكمال الأوليين ، ولا يخفى ما في الجميع من
البعد.
والذي يقرب
عندي ان هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز وان التعليق غير مراد منها بمعنى ان
قوله (عليهالسلام) : «ان دخله الشك بعد دخوله في الثالثة» إنما هو كناية
عن إتمام الأولتين فكأنه قال : «إذا دخله الشك بعد إكمال الأولتين مضى. إلخ» وباب
المجاز في الكلام واسع ، ولعل الإجمال في هذه الرواية في كل من هذا الحكم والحكم
الأول مبنى على معلومية ذلك يومئذ عند أصحابهم (عليهمالسلام) كما هو الآن معلوم بين علمائنا.
وبالجملة فإنه
متى ثبت ما حققناه آنفا من ان الرواية دالة على حكم الشك بين الاثنتين والثلاث
حسبما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد علم اتفاقا
نصا وفتوى ان المدار في العمل في الشك في الأخيرتين على إتمام الأوليين فلا
معنى لصحته حال القيام وبطلانه قبله بعد إتمام الأوليين وأيضا فإن القاعدة الجارية
في سائر الشكوك المنصوصة لا يفرق فيها بين عروض الشك جالسا أو قائما ، وبه يظهر ان
هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز وكم مثلها وأمثالها في الكتاب العزيز والأخبار.
وأما ما استند
اليه في حجية هذا المفهوم ـ من صحيحة عبيد بن زرارة التي من أجلها استشكل في
المسألة كما صرح به في آخر كلامه ـ فهو أيضا بمحل من الوهن والضعف :
(أما أولا)
فلما شرحناه من معنى حسنة زرارة وبيان دلالتها على حكم المسألة فتكون معارضة لهذه
الرواية ، وكذا رواية العلاء التي قدمنا نقلها عن كتاب قرب الاسناد.
و (أما ثانيا)
فلمعارضتها بالروايات الكثيرة الدالة بإطلاقها على وجوب البناء على الأكثر في جميع
الشكوك كموثقة عمار التي قدمنا نقلها عن الشيخ وان كان السيد المذكور قد ردها بضعف السند بناء على هذا
الاصطلاح الغير المعتمد مع ما جرى له من التمسك بالموثقات إذا احتاج إليها كما
نبهنا عليه في غير موضع مما تقدم.
و (أما ثالثا)
فلمعارضتها بالأخبار الصحيحة الصريحة الدالة على ان الإعادة في الأوليين والسهو في
الأخيرتين ، وقد تقدمت في المقام الثاني من المسألة الثانية من هذا المطلب .
وحينئذ فلا بد
من تأويل هذه الرواية وإلا فارجائها إلى قائلها ولكنه لما كان من عادته انه إنما
يحوم حول الأسانيد في جميع الأحكام والمقامات ولا ينظر الى ما اشتمل عليه متن
الرواية من المخالفات والمناقضات وقع في الإشكال الذي أشار اليه. ومن تأمل ما
ذكرناه حق التأمل ظهر له ان ما ذكره الأصحاب (رضوان الله
__________________
عليهم) هو الحق الذي لا غشاوة عليه ولا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين
يديه. والأظهر في صحيحة عبيد بن زرارة المذكورة هو الحمل على الشك قبل إكمال
الركعتين كما ذكره جملة من متأخري الأصحاب في البين. والله العالم.
(الموضع الثالث)
قال في المدارك أيضا على اثر الكلام المتقدم في سابق هذا الموضع : ونقل عن السيد
المرتضى في المسائل الناصرية انه جوز البناء على الأقل في جميع هذه الصور ، وهو
الظاهر من كلام ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه ، ويدل عليه ما رواه في الموثق
عن إسحاق بن عمار قال : «قال لي أبو الحسن الأول (عليهالسلام) إذا شككت فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟ قال : نعم».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج وعلى عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) «في السهو في الصلاة؟ فقال : يبنى على اليقين ويأخذ بالجزم ويحتاط بالصلاة
كلها». ثم نقل كلام الشيخ على بن بابويه حسبما قدمنا نقله عنه وقال بعده قال في
الذكرى : ولم نقف على مأخذه. ثم قال : والمسألة قوية الإشكال. إلى آخر ما قدمناه.
أقول : وهذه
الروايات أيضا هنا حيث ان فيها الصحيح باصطلاحه مما قوى هذا الإشكال عنده في هذا
المجال ولكن قد عرفت وستعرف انه لا إشكال بحمد الملك المتعال.
ولا بأس
بالتعرض لبيان ما في كلامه (قدسسره) أيضا هنا من الاختلال ليظهر لك صحة ما ذكره وقوة ما
قويناه :
فنقول : أما ما
نقله عن المرتضى (رضى الله عنه) من انه جوز البناء على الأقل فالمنقول عنه في
الكتاب المذكور إنما هو تعين البناء على الأقل ، وهذا هو الذي تنادي به عبارة
الكتاب المشار اليه حيث ان جده الناصر قال : «ومن شك في الأولتين استأنف الصلاة
ومن شك في الأخيرتين بنى على اليقين» فقال السيد
__________________
«قدسسره» : هذا مذهبنا وهو الصحيح عندنا. إلخ. وهو كما ترى صريح
في تعين البناء على الأقل لا تجويزه ، ولا ريب في ضعف هذا القول ان حمل اليقين على
البناء على الأقل كما هو الظاهر من سياق عبارة جده لأن فيه طرحا للأخبار المتكاثرة
الصحيحة الصريحة في أحكام هذه الصور في البناء على الأكثر ، ويشبه ان يكون قائله
لم يراجع الاخبار في هذا المجال ولم يخطر له يومئذ بالبال. ولا يخفى ان الناصر جد
السيد المذكور كان من كبراء الزيدية علما وشرفا وجاها
__________________
والزيدية قد جروا في فقههم غالبا على فقه العامة والسيد (قدسسره) قد جرى
__________________
قلمه بذلك غفلة عن الاخبار المشار إليها.
وأما ما نقله
عن ابن بابويه فقد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه وخافية.
وأما ما نقله
من الاخبار الدالة على البناء على الأقل التي هي معظم الشبهة له ولغيره في هذا
المقام ونحوه فقد تقدم الجواب عنها ، ونزيده هنا بيانا ببسط الكلام بما يرفع عن
المسألة إن شاء الله تعالى غشاوة الإبهام :
فنقول : لا
يخفى انه قد اختلفت الاخبار في البناء في مطلق الشك على الأقل والأكثر ، فمما يدل
على البناء على الأقل ما نقله من موثقة إسحاق بن عمار وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
المذكورتين ، مع انه قد رد موثقة عمار الدالة على البناء على الأكثر بضعف السند بكونها
موثقة ، فان كان الأمر كما زعمه من ضعف الموثقات فكيف يستدل هنا بموثقة إسحاق بن
عمار؟ وإلا فلا وجه لطعنه في موثقة عمار. وأعجب من ذلك انه حيث اختار العمل بهذه
الرواية عبر عنها بموثقة إسحاق بن عمار وحيث لم يختر موثقة عمار عبر عنها برواية
عمار من غير أن
__________________
يعبر عنها بلفظ «موثقة» إيذانا بمزيد الضعف ، وكل ذلك خلاف قواعد الإنصاف
كما لا يخفى على ذوي المعرفة والعفاف.
ومما يدل على
ذلك أيضا صحيحة على بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟
قال : يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا».
ورواية سهل بن
اليسع المروية في الفقيه عن الرضا (عليهالسلام) في ذلك انه قال : «يبنى على يقينه ويسجد سجدتي السهو
بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».
وروايته الأخرى
قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا يدرى أثلاثا صلى أم اثنتين؟ قال : يبنى
على النقصان ويأخذ بالجزم».
ومما يدل على
البناء على الأكثر موثقة عمار المتقدمة في صدر الموضع الأول وموثقته الأخرى برواية
صاحب التهذيب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن شيء من السهو في الصلاة؟ فقال : الا أعلمك شيئا
إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟ قلت : بلى. قال : إذا سهوت
فابن على الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت انك نقصت فان كنت قد أتممت لم
يكن في هذه عليك شيء وان ذكرت انك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت».
وموثقة ثالثة
له أيضا برواية صاحب الفقيه قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) لعمار بن موسى : يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين
: متى ما شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت انك قد نقصت».
ولا يخفى ان
الترجيح للأخبار الأخيرة وذلك من وجوه : (أحدها) الاعتضاد بالأخبار الصحاح الصراح
الواردة في خصوصيات الصور المذكورة في
__________________
هذا المقام فإنها متفقة الدلالة على البناء على الأكثر في جميع الصور كما
سنشرحه إن شاء الله تعالى. ويعضدها زيادة على ذلك إجماع الطائفة سلفا وخلفا على
العمل بمضمونها إلا الشاذ النادر وهم انما يتوهمون بخلاف المرتضى والصدوق وقد عرفت
ما فيه.
و (ثانيها) ـ صراحة
هذه الأخبار في المدعى وتطرق وجوه الاحتمالات الى كثير من تلك الأخبار المخالفة
كموثقة إسحاق بن عمار المشتملة على البناء على اليقين ، فإنه من المحتمل قريبا ان
المراد انما هو البناء على ما يوجب اليقين أى يقين البراءة وذلك في البناء على
الأكثر كما فصلته موثقة عمار الثانية ، وقد عرفت من رواية قرب الاسناد المتقدمة
إطلاق هذا اللفظ على هذا المعنى بحيث لا يحتمل غيره فلا يبعد إرادته هنا أيضا.
ومثلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فإنها محتملة لما ذكرناه ويؤيده قوله فيها : «يأخذ
بالجزم ويحتاط بالصلاة كلها» فان الاحتياط وهو فعل ما يوجب براءة الذمة على جميع
الوجوه والاحتمالات انما يحصل بالحمل على ما قلناه وإلا فمع البناء على الأقل
والإتمام لو ذكر تمام الصلاة فإنه يلزم زيادة ما يوجب بطلانها فتجب الإعادة حينئذ.
وبالجملة فإنه لو لم يكن ما ذكرناه في هاتين الروايتين هو الأظهر فلا أقل ان يكون
مساويا وبه يسقط الاستدلال بهما. ونحوهما في ذلك أيضا رواية سهل بن اليسع الاولى.
وأما صحيحة على بن يقطين فهي معارضة بالأخبار الكثيرة الدالة على الابطال متى تعلق
الشك بالأوليين المعتضدة باتفاق الأصحاب سلفا وخلفا على ذلك فلا تصلح للعمل عليها.
وأما رواية سهل الثانية فهي معارضة بخصوص حسنة زرارة ورواية قرب الاسناد وعموم
الروايات المتقدمة المعتضدة بعمل الطائفة.
و (ثالثها) ـ وهو
المعتمد ما قدمنا ذكره آنفا من ان هذه الروايات انما خرجت مخرج التقية لما عرفت من
حديث مسلم المتقدم وكلام البغوي في شرح السنة
__________________
ويؤيده اشتمال صحيحة على بن يقطين ورواية سهل الاولى على سجدتي السهو بعد
الأمر بالبناء على الأقل حسبما تضمنته الرواية العامية ، وقد صرح المحقق في
المعتبر بنسبة ذلك إليهم أيضا حيث نقل عن الشافعي البناء على اليقين وعن أبي حنيفة
البناء على الظن فان فقده بنى على اليقين محتجا على ذلك بأن الأصل عدم المشكوك فيه ، ولما رووه
عنه (صلىاللهعليهوآله) قال : «من لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليلق الشك وليبن
على اليقين».
وممن أشار الى
ما ذكرنا أيضا شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في كتاب روض الجنان حيث قال بعد نقل رواية ابن اليسع :
ورواية ابن اليسع مطرحة لموافقتها لمذهب العامة. ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة
إلى شيخنا المجلسي (قدسسره) استصواب الحمل على التقية ، وبه صرح المحدث الشيخ محمد
بن الحسن الحر العاملي (طاب ثراه).
__________________
ومما يستأنس به
للحمل على التقية في هذه الأخبار انها كلها إنما خرجت عن الكاظم (عليهالسلام) ولا يخفى على المتتبع للسير والآثار والعارف بالقصص
والأخبار اضطر أم نار التقية في وقته (عليهالسلام) زيادة على غيره من الأوقات وما وقع عليه (عليهالسلام) وعلى شيعته من المخافات. ومما يومئ الى ذلك التعبير
بهذا اللفظ المجمل في جل تلك الأخبار ، ولهذا تكاثرت الأخبار بالتقية بالنقل عنه (عليهالسلام) بغير اسمه الشريف من العبد الصالح أو عبد صالح ونحو
ذلك.
وبالجملة
فالحمل على التقية عندي مما لا ريب فيه ولا شك يعتزيه عملا بالقاعدة المنصوصة عن
أهل العصمة (عليهمالسلام) في عرض الأخبار عند اختلافها على مذهب العامة والأخذ
بخلافه كما استفاضت به النصوص ولكن أصحابنا (رضوان الله عليهم) لما الغوا العمل بهذه
القواعد فاتهم ما يترتب عليها من الفائدة ووقعوا في ما وقعوا فيه من مشكلات هذه
الإشكالات وارتكاب التمحلات والتكلفات.
وأما ما نقل عن
الشيخ على بن بابويه في هذه المسألة ـ وقوله في الذكرى : انه لم يقف على مأخذه ـ فهو
مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على نحو ما عرفت من الطريقة المعروفة والسجية المألوفة
حيث قال (عليهالسلام) : وان شككت فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا وذهب وهمك إلى
الثالثة فأضف إليها الرابعة فإذا سلمت صليت ركعة بالحمد وحدها ، وان ذهب وهمك إلى
الأقل فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد سجدتي السهو بعد التسليم ، وان اعتدل
وهمك فأنت بالخيار ان شئت بنيت على الأقل وتشهدت في كل ركعة وان شئت بنيت على
الأكثر وعملت ما وصفناه لك. انتهى.
وكيف كان
فالظاهر ان الترجيح للقول المشهور المؤيد بالأخبار الموافقة لمقتضى الأصول
المعتضدة بعمل الطائفة ، وهذه الرواية لا تبلغ قوة
__________________
المعارضة فهي مفوضة إلى قائلها (عليهالسلام).
وأنت خبير أيضا
بما في عدول الشيخ المذكور عن القول المشهور المعتضد بالأخبار المشار إليها إلى
القول بعبارة الكتاب من الدلالة على مزيد الاعتماد على الكتاب المذكور وثبوت حجيته
عنده.
وبما حققناه في
المقام وكشفنا عنه في هذه المواضع الثلاثة نقاب الإبهام يظهر لك ان المسألة بحمد
الله سبحانه ذي الجلال خالية من الاشكال كما وقع فيه صاحب المدارك ومن نسج معه على
ذلك المنوال حيث لم يعطوا التأمل حقه في ما شرحناه في هذا المجال من واضح المقال.
والله العالم.
(الموضع الرابع)
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) التخيير في احتياط هذه الصورة بين ركعة من
قيام وركعتين من جلوس ، ونقل عن ابن ابى عقيل والجعفي انهما لم يذكرا التخيير
وانما ذكرا الركعتين من جلوس. والموجود في حسنة زرارة التي هي مستند هذا الحكم كما عرفت إنما هو الركعة من
قيام ، وكذا في رواية قرب الاسناد ونحوهما في عبارة كتاب الفقه على تقدير البناء على
الأكثر وهو فتوى الشيخ على بن الحسين بن بابويه كما عرفت ، والمعتمد ما دلت عليه
هذه الأخبار. وأما القولان الآخران فلم أقف فيهما على دليل.
(الموضع الخامس)
قال في المدارك في هذا المقام : واعلم ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان كل
موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين يشترط فيه إكمال السجدتين محافظة على ما سبق من
اعتبار سلامة الأولتين ، ونقل عن بعض الأصحاب الاكتفاء بالركوع لصدق مسمى الركعة
وهو غير واضح ، قال في الذكرى نعم لو كان ساجدا في الثانية ولما يرفع رأسه وتعلق
الشك لم استبعد صحته لحصول مسمى الركعة. وهو غير بعيد. انتهى. أقول : قد صرح بما
ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى.
__________________
وأنت خبير بأن
هنا شيئين : (أحدهما) ـ أن ما يصدق عليه الركعة هل هو عبارة عن ما يدخل فيه السجود
أو يكفي مجرد الركوع؟ قولان : المشهور الأول وبه صرح السيد السند هنا وفي ما تقدم
في بحث المواقيت في شرح قول المصنف : «ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة. إلخ»
ونقله عن العلامة أيضا حيث قال : وتتحقق الركعة برفع الرأس من السجدة الثانية كما
صرح به في التذكرة. واحتمل الشهيد في الذكرى الاجتزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا
ولأنه المعظم. وهو بعيد.
أقول : ونحن قد
حققنا في مقدمة المواقيت بأن حكمهم بكون الركعة عبارة عن ما ذكروه يوجب انقداح
اشكال عليهم في مسألة الشك بين الأربع والخمس فيما إذا حصل الشك بعد الركوع وقبل
السجود ، حيث انهم قالوا بالصحة في هذه الصورة مع انه لم يأت بالركعة بزعمهم فلا
يكون داخلا تحت النص الوارد في المسألة. والمحقق في أجوبة المسائل البغدادية إنما
تخلص من هذا الاشكال بالتزام كون الركعة عبارة عن مجرد الركوع كما سيأتي إن شاء
الله تعالى تحقيقه في المسألة المذكورة ونقل كلامه في ذلك.
و (ثانيهما) ـ انه
على تقدير القول المشهور هل تتحقق الركعة بمجرد إتمام ذكر السجدة الثانية أو يتوقف
على رفع الرأس من السجود؟ وجهان : جزم بالأول منهما شيخنا الشهيد الثاني في الروض
حيث قال : ويتحقق إكمالها بتمام السجدة الثانية وان لم يرفع رأسه منها على الظاهر
لأن الرفع ليس جزء من السجود وإنما هو واجب آخر. انتهى. وهو جيد. والمشهور الثاني
ولهذا انه في الذكرى إنما أشار إليه احتمالا في المقام.
(المسألة
السابعة) ـ إذا شك بين الثلاث والأربع فالمشهور انه يجب البناء على الأكثر ويحتاط
بركعة قائما أو ركعتين جالسا ، ونقل في المختلف ومثله السيد السند في المدارك ومن
تبعهما عن ابن بابويه وابن الجنيد انهما قالا : يتخير الشاك بين
الثلاث والأربع بين البناء على الأقل ولا احتياط والأكثر مع الاحتياط.
وأنت خبير بما
في هذا النقل عن ابن بابويه في هذا المقام فإنه على قياس ما قدمناه من النقولات
المختلفة والحكايات المعتلة ، حيث انه لا وجود لشيء من ذلك في كتابه بالمرة بل
الموجود فيه انما هو ما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما عرفت من البناء على
الأكثر من غير تردد ولا ذكر لفرد آخر ، ونسبة هذه العبارة إليه ـ باعتبار التوهم
الذي ينشأ من قوله : «وليست هذه الأخبار مختلفة» كما قدمنا ذكره ـ بعيد عن سياق
الكلام وخارج عن سلك ذلك النظام.
وبالجملة فإن
هذه النقولات في هذه المقامات محل عجب عجاب سيما مع متابعة الخلف للسلف في هذا
الباب ، والفقيه بمنظر منهم مطبقين على درسه وشرحه ومراجعته فكيف اتفق لهم هذا
الأمر الغريب ولم يتنبه أحد منهم الى هذا العجب العجيب؟
وأما نقل ذلك
عن ابن الجنيد فان كلامه لا يحضرني ولا أعلم صحته ولا بطلانه.
وكيف كان
فالمعتمد هو القول المشهور وهو المؤيد المنصور للأخبار الكثيرة
ومنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن سيابة وابى العباس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على
الثلاث فابن على الثلاث ، وان وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف ، وان اعتدل وهمك
فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وان كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا
ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب وان
ذهب وهمك الى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ،
__________________
فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو».
قال في الوافي
: لعل الأمر بسجدتي السهو في الصورة الأخيرة لتدارك النقصان الموهوم وينبغي حمله
على الاستحباب. أقول : وسيأتي تحقيق القول في ذلك في موجبات سجدتي السهو إن شاء
الله تعالى.
وعن جميل عن
بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في من لا يدرى أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك
سواء؟ قال فقال : إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة
وهو قائم وان شاء صلى ركعتين واربع سجدات وهو جالس».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن الحسين بن ابى العلاء في الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إن استوى وهمه في الثلاث والأربع سلم وصلى
ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر في التشهد». قوله «يقصر في التشهد»
أى يخففه. وربما وجد في بعض النسخ «يقصد» بالدال من القصد وهو بمعنى التوسط.
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وان شككت فلم تدر ثلاثا صليت أم أربعا وذهب وهمك إلى
الثالثة فأضف إليها ركعة من قيام وان اعتدل وهمك فصل ركعتين وأنت جالس».
ومن أخبار
المسألة التي لا تخلو من الإشكال ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «انما السهو ما بين الثلاث والأربع وفي الاثنتين
والأربع بتلك المنزلة ، ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا واعتدل شكه قال : يقوم
فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلم ويصلى ركعتين واربع سجدات وهو جالس ، وان كان أكثر
__________________
وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ وسجد
سجدتين وتشهد وسلم ، وان كان أكثر وهمه الى الثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلم».
وجه الإشكال
فيه انه حكم في من شك بين الثلاث والأربع واعتدل شكه بأنه يقوم فيتم ثم يجلس
فيتشهد ويسلم ويصلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ، وهو ظاهر في انه يبنى على الأقل
ويتم صلاته ثم يحتاط مع ذلك بركعتين جالسا ولا قائل به. وأيضا فإن الاحتياط إنما
هو مع البناء على الأكثر لا مع البناء على الأقل. وكذا الإشكال في قوله : «وان كان
أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ فاتحة الكتاب. الى آخره» فإنه ظاهر في انه
مع ظن الأربع وترجيحها يبنى عليها ويحتاط مع ذلك بركعتين جالسا مع انه لا خلاف ولا
إشكال في انه مع ترجيح أحد الطرفين وظنه يبنى عليه زيادة أو نقصانا ولا احتياط
بالكلية.
وما ذكره في
الوافي بالنسبة إلى الأول ـ حيث قال : الظاهر ان «أو» بدل الواو في قوله : «ويصلى
ركعتين» ـ لا يدفع الإشكال فإن غايته انه مع تساوى طرفي الشك في الصورة المذكورة
يتخير بين البناء على الأقل والأكثر ولا قائل به ايضا.
وكيف كان فان
الخبر المذكور لما لم يكن مسندا عن الإمام (عليهالسلام) وإنما هو كلام محمد بن مسلم كان الخطب هينا.
ومن ذلك ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب عن ابى بصير في الموثق قال : «سألته عن رجل صلى فلم يدر أفي الثالثة هو أم في
الرابعة؟ قال : فما ذهب وهمه اليه ، ان رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء
سلم بينه وبين نفسه ثم يصلى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب».
وظاهره انه مع
غلبة ظنه انه في الثالثة يبنى على الأربع ويصلى صلاة الاحتياط وهو خلاف فتوى
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وخلاف ما عليه غير هذا الخبر من الأخبار. ويمكن تأويله
بحمل جوابه (عليهالسلام) على التفصيل بين ما ذهب
__________________
إليه وهمه فيبني عليه وبين ما لم يكن كذلك فيعمل فيه بموجب الشك في
المسألة. وقوله : «ان رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء» بمعنى مساواته
لما رآه في الثالثة فيحمل على الشك الموجب لتساوى الطرفين.
وأما ما ذكره
المحدث الكاشاني ـ بعد نقله لهذه الرواية حيث قال : هذا برزخ بين الفصل والوصل لان
سهوه برزخ بين الظن والشك. انتهى ـ فلا أعرف له وجها وجيها لما عرفت من انه مع ظن
أحد الطرفين فإنه يجب البناء عليه ولا احتياط كما ذكره الأصحاب (رحمهمالله) وعليه دلت صحيحة عبد الرحمن ابن سيابة وابى العباس
وصحيحة الحلبي أو حسنته وغيرهما وان تساوى الطرفان فالواجب البناء على الأكثر والاحتياط
كما هو المشهور وهو الذي عبر عنه بالفصل ، وعلى القول الآخر يتخير بينه وبين
البناء على الأقل والإتمام وهو الذي عبر عنه بالوصل ، وحينئذ فهذه الرواية ان حملت
على المعنى الأول أشكل الأمر فيها بالاحتياط المذكور وان حملت على المعنى الثاني ـ
وان كان خلاف ظاهرها ـ فلا إشكال. والفصل والوصل الذي ذكره محله إنما هو في صورة
الشك وتساوى الطرفين فإنه عنده يتخير بين البناء على الأقل ولا احتياط وهو المسمى
بالوصل وبين البناء على الأكثر والاحتياط ، وما في هذا الخبر لا يخرج عن أحد
الفردين المتقدمين ليكون برزخا وواسطة في البين ، فان زعم ان ذلك باعتبار قوله : «وفي
قلبه من الرابعة شيء» فإنه لا يخفى ان كل من رجح أحد الطرفين وظنه فان في قلبه
شيئا من الطرف الآخر وهو المسمى عندهم بالوهم ولكن لا عمل عليه في مقابلة الظن.
وبالجملة فإن كلامه غير موجه ولا واضح.
وأما ما نقل عن
ابن الجنيد ـ من القول بالتخيير ، وعن الصدوق بزعمهم ـ فلم أقف له على خبر يدل
عليه ، إلا انه قال في المدارك : احتج القائلون بالتخيير بأن فيه جمعا بين ما تضمن
البناء على الأكثر وبين ما تضمن البناء على الأقل
__________________
كصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز
الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه.». وهذا القول لا يخلو من رجحان إلا أن
الأول أجود. انتهى.
أقول ـ وبالله
الثقة لإدراك المأمول ونيل المسؤول ـ الظاهر ان هذا الدليل الذي نقله عن القائلين
بالتخيير إنما هو من مخترعاته (قدسسره) بناء على ما توهمه من الصحيحة المذكورة وانها دالة على
البناء على الأقل حسبما جرى له في حسنة زرارة المتقدمة ، ويدل على ذلك (أولا) ان
العلامة في المختلف إنما احتج لأصحاب هذا القول بدليل عقلي إقناعي ثم رده وأبطله. و
(ثانيا) انه قد نسب هذا القول والاحتجاج بهذا الدليل الى ابن بابويه مع انه ليس له
في كتابه عين ولا اثر كما عرفت ، ولكنه (قدسسره) حيث فهم من الرواية المذكورة ـ وقوله فيها :
«قام فأضاف
إليها أخرى» يعني بنى على الثلاث وقام فأضاف إليها رابعة ـ البناء على الأقل مع
صراحة الأخبار المتقدمة في البناء على الأكثر جمع بينها بالتخيير وجعله دليلا لهذا
القول ، وكان الاولى على هذا ان يقول : ويدل على هذا القول ان فيه جمعا بين
الاخبار لا انه ينسب ذلك الى أصحاب هذا القول والحال كما عرفت.
وتحقيق القول
في هذا المقام على وجه تنكشف به غشاوة الاشكال ويتضح به هذا الإجمال هو ان يقال :
لا يخفى على المتأمل في اخبار الاحتياط التي وردت في هذه الصور المنصوصة بعين
الإنصاف أن الأئمة (عليهمالسلام) ربما أجملوا في التعبير عن ذلك الاحتياط إجمالا زائدا
يوهم الناظر ما وقع فيه السيد المشار اليه ومن تبعه من توهم انه من نفس الصلاة
الأصلية وربما أوضحوا ذلك إيضاحا تاما وبينهما مراتب متفاوتة في الوضوح والخفاء
وكل ذلك بالنظر الى أحوال السامعين وزيادة الغباوة والبلادة والفهم والذكاء ،
ولهذا ان أصحابنا (رضوان الله عليهم)
__________________
قديما وحديثا لم يزالوا يستدلون بهذه الأخبار على وجوب الاحتياط في كل صورة
صورة من هذه الصور مجملها ومفصلها وموصولها ومفصولها فيحملون المجمل على المفصل
والموصول على المفصول حتى انتهت النوبة إلى السيد السند فوقع في هذا الإشكال وتبعه
جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا مثل المحدث الكاشاني والفاضل الخراساني
وغيرهما ، حتى ان المحدث الكاشاني في الوافي عمد الى هذه الأخبار الغير المصرح
فيها بالفصل فجعلها أصلا وقاعدة كلية وقابلها بالأخبار الصريحة في الفصل وجعلها
قاعدة ثانية فأثبت هنا ضابطتين ، وقوى الشبهة عنده في ذلك (أولا) ما ورد في
الأخبار من الروايات الدالة على البناء على الأكثر بقول مطلق وما ورد منها دالا
على البناء على الأقل مطلقا كما تقدم نقله في المسألة المتقدمة. و (ثانيا) توهم
ذهاب الصدوق الى ما ذكروه واستدلاله بهذا الخبر كما سمعت من كلام صاحب المدارك.
والجميع من قبيل البناء على غير أساس فلهذا عظم فيه الاشتباه والالتباس وهو عند التأمل
في ما ذكرناه ظاهر الانهدام والانطماس.
وقال المحدث
المشار إليه في الكتاب المذكور بعد نقل صحيحة زرارة أو حسنته التي استند السيد
السند هنا الى عجزها الوارد في حكم هذه الصورة ، وصورتها كملا هكذا : زرارة عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد
أحرز الثنتين؟ قال : يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا
شيء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها
أخرى ولا شيء عليه». فقال المحدث المشار اليه بعد نقلها بطولها ما صورته : لم
يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل الركعتين أو الركعة المضافة للاحتياط ووصلها كما
تعرض في الخبر السابق والاخبار في ذلك مختلفة وفي بعضها إجمال كما ستقف عليه ،
وطريق التوفيق بينها التخيير كما ذكره في الفقيه ويأتي كلامه فيه ، وربما يسمى
الفصل بالبناء على الأكثر والوصل
__________________
بالبناء على الأقل وما سمعت أحدا تعرض لهذه الدقيقة ، وفي حديث عمار الآتي
إشارة الى ذلك فلا تكونن من الغافلين. انتهى.
أقول : أشار بحديث
عمار الى روايته التي قدمناها وهي قوله (عليهالسلام): «كل ما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الأكثر.
إلخ». فإنه قد قال بعدها : هذه هي الضابطة الكلية المشتملة على أكثر أخبار هذا
الباب وهي فذلكتها وفي مقابلتها ضابطة أخرى هي البناء على الأقل وإتمام الصلاة
جملة واحدة. انتهى.
ولا بد في دفع
هذه الأوهام التي وقع فيها هؤلاء الأعلام من نقل جملة من الروايات الواردة في
المقام وبيان ما اشتملت عليه من المراتب في الإيضاح والإفهام عن ذلك المعنى الذي
اضطربت فيه هذه الافهام. لكن ينبغي أن يعلم أولا انه لما ثبت بما حققناه آنفا ان
هذه الاخبار الصريحة في البناء على الأقل مطلقا إنما خرجت مخرج التقية والعمل إنما هو على الاخبار الدالة على البناء على
الأكثر مطلقا كان أو في خصوص هذه الصور فالواجب حمل ما دل من هذه الأخبار الواردة
في هذه الصور المذكورة على التقية أيضا لو كان صريحا في البناء على الأقل والإعراض
عن العمل به فكيف وهو قابل للحمل على تلك الروايات المفصلة بل بعضه ظاهر في ذلك.
وهذه الجملة كافية في دفع شبهة هذا الخصم ولكنا مع ذلك نستظهر بنقل الروايات التي
أشرنا إليها :
فمن ذلك ـ الصحيحة
التي ذكر المحدث المذكور هذا الكلام على أثرها فإنه (عليهالسلام) قد أجمل في صدرها وعجزها إلا ان صدرها أظهر في الدلالة
على ما ندعيه لأن ذكر فاتحة الكتاب قرينة على إرادة الاحتياط كما هو مصرح به في
غيرها وان كانت القراءة في الأخيرتين جائزة من حيث التخيير بناء على المشهور لكنه
لم يجر في هذه الأخبار ولا عبر به في شيء منها بل ذكر القراءة في روايات الاحتياط
كلها إنما هو من حيث الفصل ، وكأنهم (ع) قصدوا إلى أنها صلاة منفردة لا بد فيها
__________________
من فاتحة الكتاب كما ربما ذكروا أيضا فيها التشهد والتسليم.
ومن ذلك ـ قوله
(عليهالسلام) في صحيحة البقباق : «وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس». والاحتياط
ههنا موصول لكن قرينة الأمر بالجلوس دفع توهم دخوله في الصلاة.
ومن ذلك ـ قوله
(عليهالسلام) في مرسلة جميل : «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ان
شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء صلى ركعتين واربع سجدات وهو جالس». وهذه الرواية
أيضا لم يصرح فيها بالفصل وانما علم من حيث التخيير في الاحتياط بين الفردين
المذكورين ، ولو لم يذكر الركعتين من جلوس لسبق الى الوهم كون تلك الركعة من قيام
متصلة داخلة في الصلاة الأصلية وكل ذلك انما جرى على التوسع في التعبير كما أشرنا
إليه آنفا.
ومن ذلك ـ قوله
(عليهالسلام) في رواية ابن ابى يعفور : «في رجل لا يدرى ركعتين صلى أم أربعا؟ قال : يتشهد
ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات».
وفي صحيحة محمد
بن مسلم : «في رجل صلى ركعتين فلا يدرى ركعتان هي أو أربع؟ قال
: يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب».
وقد أفصح (عليهالسلام) في هذين الخبرين أى إفصاح وصرح بالفصل الصراح. وفي
موثقة أبي بصير : «إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين
ثم سلم واسجد سجدتين». وقد أجمل (عليهالسلام) في هذا الخبر كمل أجمل في صدر صحيحة زرارة أو حسنته
المتقدمة إلا أنه هناك صرح بفاتحة الكتاب التي هي قرينة على كونها صلاة الاحتياط
كما قدمنا ذكره.
وهذه كلها كما
ترى في الشك بين الاثنتين والأربع والاحتياط فيها واحد
__________________
لكن الأخبار اختلفت في الإجمال والتصريح ، والأصحاب قد حملوا مجملها على
مفصلها كما هو القاعدة في أمثال ذلك.
وهؤلاء الأعلام
باعتبار الروايات الدالة على جواز البناء على الأقل مطلقا ونسبتهم ذلك الى الصدوق
عمدوا الى هذه الأخبار المجملة وألحقوها بتلك الروايات المطلقة. وأنت قد عرفت ما
في أساسهم الذي بنوا عليه من الخراب والانهدام لوجوب حمل تلك الروايات على التقية
وفساد ما نسبوه الى الصدوق في هذا المقام ومتى بطل الأصل الذي بنوا عليه بطل ما
فرعوه وجعلوه راجعا اليه.
هذا. وأما ما
ذكره المحدث المذكور ـ وسجل به مما قدمنا نقله عنه وان ما ذكره دقيقة لم يتفطن لها
غيره ـ
ففيه (أولا) ـ ان
هذه الدقيقة ان أراد بها ما فهمه من الأخبار المجملة من حيث عدم التصريح بالفصل
بين الصلاة الأصلية وبين صلاة الاحتياط فقال فيها بالبناء على الأقل وجعلها ضابطة
كلية وقابلها بالأخبار الصريحة في الفصل الدالة على البناء على الأكثر فجعلها
ضابطة اخرى ، ففيه انه قد سبقه صاحب المدارك الى ذلك بل الصدوق أيضا بزعمهم. نعم
ان السيد قد وقف على مورد تلك الأخبار المجملة وهو قد جعل ذلك قاعدة كلية في جميع
الشكوك اعتضادا بعموم تلك الأخبار المطلقة. وأنت قد عرفت ان تلك الأخبار التي هي
أصل الشبهة الحاملة له على جعل ذلك ضابطة كلية إنما خرجت مخرج التقية. وأما هذه
الأخبار المجملة في هذه الصور فيجب حمل إجمالها على الروايات المفصلة كما هي
القاعدة الكلية.
و (ثانيا) ـ ان
ما زعمه من نسبة التخيير في جميع الشكوك الى الفقيه بناء على قوله : «وليست هذه
الاخبار مختلفة وصاحب السهو بالخيار. إلخ» وهو الذي أشار إليه في كلامه المتقدم
بقوله «ويأتي كلامه فيه» فقد أوضحنا بطلانه بما لا مزيد عليه. والله العالم ورسوله
وأولياؤه (عليهمالسلام).
بقي الكلام في
الاحتياط في هذه الصورة والمشهور ما قدمناه من التخيير ونقل عن ظاهر ابن ابى عقيل
والجعفي تعين الركعتين من جلوس وهو الذي تضمنه أكثر أخبار المسألة المتقدمة إلا ان
مرسلة جميل قد دلت على التخيير وعليها عمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبها قيدوا
إطلاق تلك الاخبار. وصاحب المدارك ومن حذا حذوه بناء على الاصطلاح المحدث بينهم قد
ردوا الرواية بضعف السند فلا تصلح لتخصيص تلك الاخبار ، وهو جيد على ذلك الأصل
الغير الأصل. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على ما تضمنه أكثر الاخبار من
الركعتين من جلوس. والله العالم.
(المسألة
الثامنة) ـ لو شك بين الاثنتين والأربع فالمشهور هو البناء على الأكثر والاحتياط
بركعتين من قيام.
ويدل عليه جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى ركعتين فلا يدرى ركعتان هي أو أربع؟ قال
يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف وليس عليه شيء».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن والصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك
إلى شيء فتشهد وسلم ثم صل ركعتين واربع سجدات تقرأ فيهما بأم القرآن ثم تشهد وسلم
، فان كنت إنما صليت ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وان كنت صليت الأربع كانت
هاتان نافلة».
وما رواه في
الكافي عن ابن ابى يعفور قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل لا يدرى ركعتين صلى أم أربعا؟ قال يتشهد
ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم
، فان كان
__________________
صلى أربعا كانت هاتان نافلة وان كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ،
وان تكلم فليسجد سجدتي السهو».
وعن زرارة في
الصحيح قال : «قلت له من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد
أحرز الثنتين؟ قال يركع ركعتين واربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شيء
عليه. الحديث».
وعن جميل عن
بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في رجل لم يدر ركعتين صلى أم أربعا ووهمه يذهب
إلى الأربع والى الركعتين؟ فقال يصلى ركعتين واربع سجدات. الحديث». قوله : «ووهمه
يذهب إلى الأربع والى الركعتين» اى من غير ترجيح ولا ظن أحدهما».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «وان شككت في الثانية أو الرابعة فصل ركعتين من قيام بالحمد».
وروى الشيخ عن
ابى بصير في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع
ركعتين ثم سلم واسجد سجدتين وأنت جالس ثم سلم بعدهما».
وحمل الشيخ
والعلامة سجدتي السهو هنا على ما إذا تكلم ناسيا. ولا يخلو من البعد. وجملة من
متأخري المتأخرين حملوهما على الاستحباب. ومن المحتمل قريبا ان الأمر بالسجود هنا
انما هو من حيث البناء على الأقل وان الحديث يراد به البناء على الأقل ويكون حينئذ
محمولا على التقية لما قدمنا تحقيقه من ان العامة على البناء على الأقل وسجود السهو
كما مر في خبر صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن عوف وبه صرح البغوي في شرح السنة.
وحينئذ فلا يكون هذا الخبر من اخبار المسألة في شيء لخروجه مخرج التقية.
__________________
ونحوه في ذلك ما
رواه احمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن عن بكير بن أعين في الحسن عن ابى
جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له رجل شك فلم يدر أربعا صلى أم اثنتين وهو
قاعد؟ قال يركع ركعتين واربع سجدات ويسلم ثم يسجد سجدتين وهو جالس».
قال في المدارك
في هذا المقام بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم والحلبي دليلا للقول المشهور : ويحتمل
قويا التخيير في هذه المسألة بين ذلك وبين البناء على الأقل ولا احتياط جمعا بين
هذه الروايات وبين ما رواه الكليني في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له من لم يدر.» ثم ساق الخبر المتقدم
أقول : هذا من
جملة ما قدمنا ذكره من توهم وصل الاحتياط بالصلاة الأصلية في الأخبار لعدم ذكر
الفصل بالتشهد والتسليم بينه وبين الصلاة الأصلية أو أحدهما ، وهذه الرواية هي
التي قدمنا الكلام عليها وبينا ان قوله فيها «بفاتحة الكتاب» قرينة على ان المراد
صلاة الاحتياط لا كونهما أخيرتي الرباعية لما شرحناه آنفا ، فان التعبير بذلك وقع
في جملة من الروايات كصحيحة محمد بن مسلم المذكورة في هذه المسألة ، وكذا صحيحة
الحلبي المذكورة هنا ايضا ، ومثلهما حسنة الحلبي المتقدمة في صورة الشك بين الثلاث
والأربع ، وعبارة كتاب الفقه. وهو مع هذه القرينة الظاهرة تعسف في حملهما على
الركعتين الأخيرتين وان قراءة الفاتحة انما هي لكونها أحد الفردين المخير بينهما.
ولا يخفى عليك ما فيه من التعسف
وبالجملة فإنه
إنما وقع في هذا الوهم من حيث انه ذكر في صحيحتي محمد بن مسلم والحلبي المذكورتين
في كلامه الفصل بالتشهد والتسليم أو التسليم وفي هذه الرواية قال : «يركع ركعتين.
الى آخره» ولم يذكر انه يتشهد أو يسلم ، فهو يدل على كون هاتين الركعتين من الصلاة
الأصلية بأنه يكون قد بنى على الأقل.
وفيه انه كيف
يتم الاستناد الى مجرد هذه العبارة والحال انه قد وقع التعبير
__________________
بها في جملة من الروايات التي علم الفصل فيها بقرائن آخر كما قدمنا ذكره ،
وغاية ما يلزم انها باعتبار عدم التصريح بالفصل وعدم وجود قرينة أخرى على ارادة
الفصل مجملة محتملة لكل من الأمرين لا انها تكون صريحة أو ظاهرة في ما يدعيه ولهذا
ان صاحب الذخيرة ـ بعد نقل رواية أبي بصير المتقدمة التي هي في الإجمال مثل هذه
الرواية ـ قال يمكن ان يحمل على البناء على الأقل والأكثر ولا يبعد ادعاء ظهوره في
الأول. انتهى. وادعاء ظهوره في الأول ممنوع لما عرفت.
وبالجملة فإنه
مع هذا الإجمال لا يصح الاستناد إليها أو الى غيرها متى كان كذلك في إثبات حكم
شرعي مخالف للاخبار الصحيحة الصريحة المتكاثرة المعتضدة بفتوى الأصحاب قديما
وحديثا عدا من وقع في هذا الوهم من هؤلاء المذكورين ولا ريب ان هذا التعبير وهذا
الإجمال انما نشأ من معلومية الحكم يومئذ وكم مثله في سعة التجوز في العبارات كما
لا يخفى على من خاض بحور الاستدلالات وتتبع المقالات ، بل الواجب حمل إجمالها على
ما فصل في غيرها.
وكيف كان فإنك
قد عرفت ان كلامهم في هذه الروايات انما نشأ من تلك الأخبار المطلقة في البناء على
الأقل فإنهم اتخذوها كالأساس ، ونحن قد هدمنا بحمد الله سبحانه بنيانها وزعزعنا
أركانها فزال الالتباس. ولم تر مثل هذا التحقيق الرشيق في غير زبرنا ومصنفاتنا
فتأمله بعين البصيرة وأنظره بمقلة عير حسيرة ليظهر لك ما في الزوايا من الخبايا.
ونقل في
المختلف عن ابن بابويه في كتاب المقنع انه يعيد الصلاة ، وربما كان مستنده ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد ـ وهو ابن مسلم على الظاهر ـ قال : «سألته عن الرجل لا
يدرى صلى ركعتين أم أربعا؟ قال يعيد الصلاة». والجواب عنها ما تقدم من الجواب عن
صحيحة عبيد بن زرارة المذكورة في مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث ويجب حملها على
ما حملت تلك عليه. والشيخ حملها على الشك في
__________________
الصبح أو المغرب وبعده ظاهر. قيل : والصدوق قال بالتخيير لهذه الرواية. وهو
ضعيف لما عرفت.
وقال في البحار
: واحتمل الشهيد في الذكرى والعلامة في النهاية كون البناء على الأكثر وصلاة
الاحتياط للرخصة والتخفيف وتكون الإعادة أيضا مجزئة. ثم رده وقال لا يخفى بعد هذا
الكلام عن ظواهر النصوص ولا داعي الى ذلك ولم يعلم قائل بذلك ايضا قبلهما انتهى.
وهو جيد فان الخروج عن ظواهر تلك الأخبار بل صريحها الدال على وجوب البناء على
الأكثر والاحتياط بما ذكر بهذا الخبر الشاذ النادر لا يخلو من مجازفة ، وقد سبق
نظيره في مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث مع ان المعارض ثمة أقل مما هنا ، وما
ذكراه هنا انسب بتلك المسألة سيما مع دعوى جملة منهم عدم الدليل كما عرفت ثمة.
والله العالم.
(المسألة
التاسعة) ـ لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع فالمشهور انه يبنى على الأكثر ويتم
صلاته ثم يصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، وذهب الصدوقان وابن الجنيد إلى
انه يبنى على الأربع ويصلى ركعة من قيام وركعتين من جلوس. ونقل عن ابن الجنيد
البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت.
ويدل على القول
المشهور ما رواه الكليني والشيخ عن ابن ابى عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) «في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ قال يقوم فيصلي ركعتين
من قيام ويسلم ثم يصلى ركعتين من جلوس ويسلم فان كان صلى اربع ركعات كانت الركعتان
نافلة وإلا تمت الأربع».
وأنت خبير بان
هذه الرواية قد اشتملت على وصل الاحتياط بالفريضة مثل ما وقع في حسنتي زرارة المتقدمتين
اللتين صارتا منشأ لتوهم السيد ومن تبعه ولكن لمعلومية الاحتياط هنا وانه لا يصلح
للجزئية من حيث ركعتي الجلوس زال الوهم المذكور. إلا ان اللازم بمقتضى ما توهمه ـ لو
كان صحيحا ـ ان يكون الحكم
__________________
في هذه الرواية هو البناء على الأقل ثم الإتمام بتلك الركعتين من قيام
يجعلهما من الصلاة الأصلية ثم الاحتياط بركعتين جالسا وهو لا يقول به ولا يلتزمه.
والظاهر انه لا
خلاف هنا في البناء على الأكثر إلا ما يتوهمون به من قول الصدوق بالتخيير في جميع
افراد الشكوك ، وما تقدم من المرتضى في المسائل الناصرية من البناء على الأقل
مطلقا وقد عرفت ما في الجميع. والخلاف المشهور هنا انما هو في الاحتياط وقد عرفت
ما هو المشهور وما يدل عليه.
واما القول
الثاني من الاحتياط بركعة قائما وركعتين جالسا فقال في الذكرى انه قوى من حيث
الاعتبار لأنهما تنضمان حيث تكون الصلاة اثنتين ويجتزأ بأحدهما حيث تكون ثلاثا إلا
ان النقل والاشتهار يدفعه.
وكأنه أشار
بالنص إلى مرسلة ابن ابى عمير المذكورة مع انه قد روى الصدوق عن عبد الرحمن بن
الحجاج في الصحيح عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ فقال يصلى
ركعة من قيام ثم يسلم ثم يصلى ركعتين وهو جالس».
وفي كتاب الفقه
الرضوي قال (عليهالسلام): «وان شككت فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل
ركعة من قيام وركعتين من جلوس».
وربما استشكل
في الرواية المذكورة من حيث تضمنها لسؤال الكاظم من أبيه (عليهماالسلام) كما أشار إليه في المدارك حيث قال ـ بعد رد مرسلة ابن
ابى عمير بأنها قاصرة من حيث الإرسال وذكر الصحيحة المذكورة ـ ما لفظه : إلا ان ما
تضمنته الرواية من سؤال الكاظم من أبيه (عليهماالسلام) على هذا الوجه غير معهود والمسألة محل اشكال. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان المعلوم من قاعدته ـ كما نبهنا عليه في غير موضع ـ انه متى صح سند الرواية جمد
على القول بما تضمنته وان خالف مقتضى القواعد والأصول
__________________
أو خالف ما هو المعلوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أو نحو ذلك فلا
وجه لهذا الإشكال باعتبار عدم معهودية رواية الكاظم عن أبيه (عليهماالسلام) وقد اشتمل كتاب الفقه الرضوي على الرواية عن أبيه (عليهماالسلام) في مواضع لا تخفى بقوله : «واروى عن العالم وكنت يوما عند العالم». ونحو ذلك
ورواياتهم عن آبائهم (عليهمالسلام) بعد الموت كثيرة. وبالجملة فإن هذا ليس مما يوجب الطعن
في السند باصطلاحه. إلا ان نسخ من لا يحضره الفقيه في هذا الخبر مختلفة ففي بعضها «يصلى
ركعتين من قيام» وفي سند الرواية أيضا اختلاف ففي بعضها عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) قال : «قلت له.» إلا ان أكثر النسخ على ما ذكرناه في
الخبر. ويؤيده بالنسبة إلى الأول خبر كتاب الفقه.
وكيف كان
فالظاهر في الجمع بين الأخبار المذكورة هو القول بالتخيير وان لم يعلم به قائل من
الأصحاب (رضوان الله عليهم).
ثم انه على
تقدير القول المشهور فهل يجوز ان يصلى بدل الركعتين جالسا ركعة قائما أم لا؟ أقوال
ثلاثة : (أحدها) تحتمه ونسبه في الذكرى الى ظاهر الشيخ المفيد في الغرية وسلار. و
(ثانيها) عدم الجواز ونسبه في الذكرى الى الأصحاب. و (ثالثها) التخيير لتساويهما
في البدلية بل الركعة من قيام أقرب الى حقيقة المحتمل وهو قول العلامة والشهيدين.
قال في الذخيرة والأوسط أقرب وقوفا على النص.
أقول : ما ذكره
جيد لو لم يكن في المسألة إلا رواية ابن ابى عمير المذكورة وأما بالنظر الى ما
ذكرناه من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية كتاب الفقه فالثالث هو الأصح لا
باعتبار ما ذكروه من التعليل فإنه عليل بل من حيث الجمع بين الخبرين وان كان ما
ذكر انما هو تفريع على القول المشهور.
وهل يجب تقديم
الركعتين من قيام؟ فيه أيضا أقوال : (الأول) وجوب ذلك وهو قول الشيخ المفيد في
المقنعة والمرتضى في أحد قوليه (الثاني) التخيير ونقل
__________________
عن ظاهر المرتضى (قدسسره) في الانتصار. (الثالث) تحتم تقديم الركعتين جالسا وقد
نقل بعض الأصحاب حكاية قول به. (الرابع) تحتم تقديم الركعة من قيام وهو قول الشيخ
المفيد في الغرية. والصواب هو الأخذ بما دل عليه النص في الباب.
فائدة
قال شيخنا
الشهيد الثاني (قدسسره) في الروض وانما خص المصنف وأكثر الجماعة من مسائل الشك
هذه الأربع لأنها مورد النص على ما مر ، ولعموم البلوى بها للمكلفين فمعرفة حكمها
واجب عينا كباقي واجبات الصلاة ، ومثلها الشك بين الأربع والخمس وحكم الشك في
الركعتين الأوليين والثنائية والثلاثية بخلاف باقي مسائل الشك المتشعبة فإنها تقع
نادرا ولا تكاد تنضبط لكثير من الفقهاء. وهل العلم بحكم ما يجب معرفته منها شرط في
صحة الصلاة فتقع بدون معرفتها باطلة وان لم تعرض في تلك الصلاة؟ يحتمله تسوية
بينها وبين باقي الواجبات والشرائط التي لا تصح الصلاة بدون معرفتها وان اتى بها
على ذلك الوجه ، وعدمه لأن الإتيان بالفعل على الوجه المأمور به يقتضي الاجزاء ،
ولأن أكثر الصحابة لم يكونوا في ابتداء الإسلام عارفين بأحكام السهو والشك مع
مواظبتهم على الصلاة والسؤال عند عروضه. ولأصالة عدم عروض الشك وان كان عروضه
أكثريا. وفي هذه الأوجه نظر واضح وللتوقف مجال. انتهى.
أقول : والأصح
ما ذكره أخيرا بقوله «وعدمه. إلخ» لما حققناه في كتاب الدرر النجفية في درة الجاهل
بالأحكام الشرعية وفي مطاوي أبحاث الكتاب من صحة العبادة بدون ذلك. وقد تقدم أيضا
في كتاب الطهارة في المقام التاسع من مقامات البحث في النية ما فيه إشارة الى ذلك.
(المسألة
العاشرة) ـ لو شك بين الأربع والخمس فالمشهور انه يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو.
وعلى ذلك تدل
جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي
السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت
فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».
وعن ابى بصير
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي
السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما».
ومما استدل به
بعض الأصحاب في هذا المقام أيضا صحيحة زرارة أو حسنته قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد
سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المرغمتين».
والمفهوم من
هذه الرواية انما هو ان من مواضع سجدتي السهو الشك في الزيادة والنقيصة كما هو
ظاهر بعض الاخبار التي قبلها ايضا.
وأظهر منها في
ذلك ما رواه الصدوق بطريقه إلى الفضيل بن يسار «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن السهو فقال من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا
السهو وانما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها».
والمراد بالسهو
الشك كما يطلق عليه في الاخبار في غير مقام ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ان من
مواضع سجدتي السهو الشك في الزيادة والنقيصة لهذه الاخبار وبموجب ذلك يجب سجود
السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة وهو قول الصدوق
__________________
إلا انه يجب تقييد هذه الاخبار بالاخبار الدالة على إبطال الشك المتعلق
بالأولتين والثنائية والثلاثية فيخص بما عدا ذلك.
والخلاف في هذه
المسألة قد وقع في موضعين (أحدهما) ما ذهب اليه الصدوق في المقنع من الاحتياط في
هذه الصورة بركعتين جالسا حيث قال في الكتاب المذكور : إذا لم تدر أربعا صليت أم
خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي
حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة. انتهى.
وقال في
المختلف ـ بعد ذكر القول المشهور ونقل قول ابن بابويه المذكور والاستدلال للقول
المشهور بصحيحة الحلبي المتقدمة ـ ما لفظه : ولأن الأصل عدم الإتيان بالزيادة فلا
يجب عليه شيء ، ولان الركعتين جعلتا تماما لما نقص من الصلاة والتقدير انه شك في
الزيادة بعد حفظ الكمال فلا يجب عليه بدل المأتي به. نعم ان قصد الشيخ أبو جعفر
ابن بابويه ان الشك إذا وقع في حالة القيام كأنه يقول قيامي هذا لا أدرى أنه
لرابعة أو خامسة فإنه يجلس إذا لم يكن قد ركع ويسلم ويصلى ركعة من قيام أو ركعتين
من جلوس ويسجد للسهو وان كان بعد ركوعه قبل السجود فإنه يعيد الصلاة. انتهى.
أقول : ما ذكره
وأورده على الصدوق جيد لو كان ما ذكره الصدوق هنا من نفسه وانما هو مأخوذ من كتاب
الفقه الرضوي على الطريقة التي قدمنا ذكرها ، وهذه صورة عبارته (عليهالسلام) في الكتاب المشار اليه : وان لم تدر أربعا صليت أم
خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي
حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة وتشهد فيهما تشهدا خفيفا. انتهى. وهي
كما ترى طبق عبارة المقنع كلمة كلمة وحرفا وحرفا إلا في زيادة قوله «وتشهد فيهما
تشهدا خفيفا» في عبارة كتاب الفقه. وهو (عليهالسلام) قد أفتى أولا بالاحتياط ونسب ما دلت عليه الاخبار
المتقدمة
المعمول عليه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلى الرواية مؤذنا بتضعيفه.
وقد روى الشيخ
عن زيد الشحام عن أبي أسامة قال : «سألته عن رجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟
قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد وان كان لا يدرى أزاد أم نقص فليكبر وهو
جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد. الحديث». ورده
بعضهم بضعف السند وانه غير معمول عليه بين الأصحاب.
وكيف كان
فالظاهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة المعتضدة بفتوى الأصحاب (رضوان الله
عليهم) قديما وحديثا وهم (عليهمالسلام) اعرف بما قالوه في الخبرين المذكورين.
الموضع الثاني
ـ ما ذهب إليه جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ المفيد والشيخ في الخلاف والصدوق
وسلار وأبو الصلاح من عدم وجوب سجدتي السهو في هذا الموضع والأخبار المتقدمة كما
ترى على خلافه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان للشك بين الأربع والخمس صورا أنهاها بعضهم الى ثلاث عشرة صورة إلا انها
ترجع عند التحقيق الى ثلاث صور :
الأولى ـ ان
يشك قبل الركوع والظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه يجلس وينقلب شكه الى الثلاث
والأربع فيعمل فيه على ما تقدم في تلك المسألة ويزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان
القيام ، وقد تقدم ذلك في كلام العلامة في المختلف وهو مؤيد لما حققناه سابقا من
انه إذا شك في حال قيامه بين كون قيامه لثالثة أو رابعة فإنه لا يكون شكا بين
الثلاث والأربع كما توهمه السيد واتباعه بل يكون شكا بين الثنتين والثلاث كما انه
في هذه الصورة لا يكون شكا بين الأربع والخمس وانما هو
__________________
شك بين الثلاث والأربع.
وقال شيخنا
المحدث الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني في شرح رسالة شيخه الصلاتية ـ بعد
ان ذكر هذه الصورة وذكر انه لا خلاف فيها بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ انه لا
مستند لها بالخصوص إلا ما روى انه «ما أعاد الصلاة فقيه يحتال فيها ويدبرها حتى لا
يعيدها» كما في موثقة عمار المروية في الفقيه . انتهى
أقول : لا يخفى
ما فيه فان أخبار الشك بين الثلاث والأربع شاملة لهذه الصورة فإنه ما لم يدخل في
الركوع يرجع الى ما تقدم ، إذ لا فرق بين ان يشك وهو جالس قبل القيام أو بعد
القيام وقبل الركوع حسبما فصل في هذه الصورة.
الثانية ـ ان
يشك بعد رفع رأسه من السجود أو بعد تمام ذكر السجدة الثانية وان لم يرفع على
القولين المتقدمين قريبا ، فإنه يبنى على الأربع ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو ،
وعلى ذلك دلت الأخبار المتقدمة في صدر المسألة.
الثالثة ـ الشك
بعد الركوع وقبل تمام السجود والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكمها
كحكم سابقتها في الصحة والبناء على الأربع وسجود السهو.
وقطع العلامة (قدسسره) في جملة من كتبه بالبطلان واقتفاه المحقق الشيخ على (قدسسره) على ما نقل عنه.
واحتجوا على
ذلك بلزوم التردد بين محذورين : الإكمال المعرض للزيادة والهدم المعرض للنقيصة.
ورد بان المبطل إنما هو يقين الزيادة لا احتمالها ولو اثر ذلك
__________________
لأثر في ما لو عرض الشك بعد السجود ايضا مع انهم اتفقوا هناك على الصحة.
إلا ان شيخنا
الشهيد الثاني في الروضة نقل الاحتجاج للعلامة هنا بحجة اخرى وهو ان في القول
بالصحة هنا خروجا عن مقتضى النصوص فإنه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه انه شك بينها
وبين ما قبلها ، قال (قدسسره) ـ بعد قول المصنف : وقيل تبطل الصلاة لو شك ولما يكمل
السجود إذا كان قد ركع ـ ما صورته : لخروجه عن المنصوص فإنه لم يكمل الركعة حتى
يصدق عليه انه شك بينهما. ثم نقل الحجة الثانية وهو تردده بين محذورين ثم ردها بما
قدمنا ذكره. ولم يتعرض للجواب عن الحجة الاولى ، والسبب فيه انه قد صرح هو وغيره
بان الركعة عبارة عن الركوع والسجود فما لم يكملها بتمام السجود لا يصدق حصول
الركعة ومتى لم يصدق لم يدخل تحت النصوص ، وانما الكلام في تحقق إتمامها بالرفع من
السجود أو بإتمام ذكر السجدة الثانية وقد تقدم ، ولهذا أوجبوا في صحة الشك والعمل
به إتمام الأوليين بالسجود وحينئذ فإذا ثبت ان الركعة عبارة عما ذكر فالشك قبل
السجود شك قبل إكمال الركعة وتمامها فلا يدخل تحت النص ، لان مرجع الشك بين الأربع
والخمس إلى انه لا يدرى اتى بخمس أو أربع فإذا لم يتمها فكيف يصدق الشك فيها؟
وبذلك يظهر لك
ان ما ذكروه في المقام ـ من الحكم بالصحة في ما إذا وقع الشك بين السجدتين وكذا
بين الركوع والسجود ـ مدافع لما ذكروه من عدم تحقق الركعة إلا بالإتمام بالسجود بل
بالرفع منه فكيف يصح شكه هنا ويبنى على الأربع؟ وبالجملة فإنه ما لم تتحقق الركعة
وتتم بالسجود أو مع الرفع لا يتجه دخوله في الصورة المفروضة ، ومن أجل ذلك ان
شيخنا المشار إليه في الروضة أغمض النظر عن احتجاجه للعلامة أولا بالخروج عن محل
النص ولم يجب عنه بشيء لاتفاقهم على هذه المقالة المؤذنة بصحة الحجة المذكورة ،
ولا طريق الى الجواب عن ذلك والخروج من هذا الإشكال إلا بمنع ما ادعوه من ان
الركعة عبارة عما ذكروه والقول بأنها عبارة عن مجرد الركوع كما هو القول الآخر
الذي تقدم ذكره وان تقدم رد صاحب
المدارك له بالضعف إلا انه ناشىء عن الغفلة عن هذا الإشكال.
والى هذا القول
مال المحقق في أجوبة المسائل البغدادية وجعله وجه الجواب عن القول بالصحة في
المسألة حيث قال ـ بعد حكمه بالصحة وعدم البطلان في الصورة المذكورة ـ ما نصه :
لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة والسجود والركبة والركوب. انتهى.
وبذلك يظهر ان
المدار هنا في الجواب عن الإشكال المذكور مبنى على بيان معنى الركعة شرعا وانها
عبارة عما ذا؟ فان كانت عبارة عما ذكروه فالحكم بالصحة غير متجه لما عرفت وان كانت
عبارة عن مجرد الركوع فما ذكروه من الحكم بالصحة جيد. والمفهوم من الأخبار انها
تطلق تارة على مجرد الركوع واخرى على ما يدخل فيه السجود بل التشهد ايضا كقولهم :
يتشهد في الركعة الثانية ويسلم في الركعة الرابعة ونحو ذلك. ولعل الكلام في ما عدا
الأول انما خرج مخرج التجوز تسمية للكل باسم الجزء ومما يؤيده الأخبار الواردة في
صلاة الكسوف حيث اشتملت على التعبير عن الركوع فيها بالركعة كما لا يخفى على من
راجعها وهو أقوى حجة في ما ذكرناه.
قال في الذكرى
: واما الشك بين الأربع والخمس فالنص ان عليه سجدتي السهو كما يأتي ، وفصل متأخر
والأصحاب (رضوان الله عليهم) بما حاصله ان ههنا صورا : (أحدها) ان يقع بعد إكمال
السجدتين والأمر فيه ظاهر. و (ثانيها) ان يقع قبل رفع رأسه من السجدة الثانية
والظاهر الحاقه به لان الرفع لا مدخل له في الزيادة. و (ثالثها) ان يقع بين
السجدتين فيحتمل الحاقه بها تنزيلا لمعظم الركعة منزلة جميعها ويحتمل عدمه لعدم
الإكمال وتجويز الزيادة. و (رابعها) ان يقع بين الركوع والسجود وهي أشكل مسائله ،
قطع الفاضل فيها بالبطلان لتردده بين محذورين اما القطع وهو معرض للأربع واما
الإتمام وهو معرض للخمس. وقطع شيخه المحقق في الفتاوى بالصحة تنزيلا للركعة على
الركوع والباقي تابع. وتجويز الزيادة لا ينفى ما هو ثابت بالأصالة ، إذ الأصل عدم
الزيادة ، ولان تجويز الزيادة لو منع لأثر
في جميع صوره. و (خامسها) ان يقع في أثناء الركوع فيحتمل الوجهين وان يرسل
نفسه فكأنه شاك بين الثلاث والأربع. و (سادسها) ان يقع بعد القراءة وقبل الركوع
سواء كان قد انحنى ولم يبلغ حد الراكع أو لم ينحن أصلا. و (سابعها) ان يقع في
أثناء القراءة. و (ثامنها) ان يقع قبل القراءة وقد استكمل القيام. و (تاسعها) ان
يقع في أثناء القيام. وفي هذه الصور الأربع يلزم الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين
جالسا لانه شك بين الثلاث والأربع ويرسل نفسه في جميعها ولا يترتب على التعدد فيها
شيء سوى احتمال سقوط سجود السهو ما لم يستكمل القيام واحتمال تعدده إذا قرأ. وهذه
الاحتمالات التسعة واردة في كل مسألة من المسائل الأربع المتقدمة فلو أريد تركيب
مسائل الشك الخمسة تركيبا ثنائيا وثلاثيا ورباعيا حصل منه إحدى عشرة مسألة : ست من
الثنائي واربع من الثلاثي وواحد من الرباعي ، فإذا ضربت في الصور التسع كانت تسعا
وتسعين مسألة تظهر بأدنى تأمل. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : ومرجع
هذه التسع التي ذكرها عند التحقيق والتأمل بالنظر الثاقب الدقيق الى ما قدمناه من
الثلاث ، أما الأربع الأخيرة فلما اعترف به بقوله «وفي هذه الصور الأربع.» من حيث
انقلاب الشك الى ما بين الثلاث والأربع والخروج عن محل البحث ، ومرجع هذه الأربع
إلى الصورة الاولى من الثلاث المتقدمة ، واما الاولى والثانية فمرجعهما الى ما
ذكرناه من الصورة الثانية ، وما ذكره من التعدد يرجع الى الخلاف في ما يتحقق به
إتمام الثانية من الرفع أو مجرد إتمام ذكر سجود الثانية ، وقد عرفت ان الذي اختاره
ومثله الشهيد الثاني في الروض هو الثاني ، واما الثالثة والرابعة والخامسة فمرجعها
الى ما ذكرناه من الصورة الثالثة لاشتراك الصور الثلاث المذكورة في عدم الدخول تحت
النصوص المتقدمة بالتقريب الذي تقدم تحقيقه لا لما ذكره من الاحتمالات.
واما ما ذكره (قدسسره) من ورود هذه الاحتمالات التسعة في كل من المسائل
الأربع المتقدمة فصحيح إلا انه يرجع على ما ذكرناه من التحقيق الى الثلاث
المتقدمة.
واما ما ذكره ـ
من تركيب مسائل الشكوك الخمس تركيبا ثنائيا. إلخ ـ فتوضيحه أن الثنائي ما كان
مشتملا على التردد بين طرفين منها وهي الشك بين الاثنتين والثلاث وبين الاثنتين
والأربع وبين الاثنتين والخمس وبين الثلاث والأربع وبين الثلاث والخمس وبين الأربع
والخمس ، فهذه ست صور للثنائى ، والثلاثي ما كان مشتملا على التردد بين أطراف
ثلاثة وهي الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع وبين الاثنتين والثلاث والخمس وبين
الاثنتين والأربع والخمس وبين الثلاث والأربع والخمس ، والرباعي ما كان مشتملا على
أربعة أطراف كالشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فهذه إحدى عشرة صورة
حاصلة من تركيب الشكوك الخمسة وضم بعضها الى بعض إذا ضربت في ما ذكرناه من الثلاث
المتقدمة تبلغ ثلاثا وثلاثين مسألة وان ضربت في ما ذكروه من الاحتمالات التسعة
بلغت الى ما ذكره شيخنا المذكور.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد أنهى جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) افراد الشكوك الى اعداد
أكثرها لا يرجع الى طائل لخلوه من الدلائل سوى مجرد التخريجات العقلية والاحتمالات
الظنية ، ولنشر إلى جملة من ذلك ونبين ما هو الأصح لدينا باعتبار المدارك :
فمنها ـ ما لو
شك بين الاثنتين والأربع والخمس ، وهذا الفرد يشتمل على شكين منصوصين فيلزم فيه ما
يلزم فيهما فيبني على الأربع حينئذ ويحتاط بركعتين قائما ثم يسجد للسهو.
ومنها ـ ما لو
شك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، ويزيد فيها على الاحتياط الذي في الصورة
الأولى ركعتين جالسا لتضمنه الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والحكم فيها ركعتان
من قيام وركعتان من جلوس.
ومنها ـ الشك
بين الثلاث والأربع والخمس ، وهو ايضا يشتمل على شكين
منصوصين فيجب فيه ما يجب فيهما وهو الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا
ثم السجود للسهو.
وتنظر بعض
أفاضل متأخري المتأخرين في الاحتياط في هذه الصور الثلاث بما قدمناه لخروجها عن
النص فإنه إنما تضمن حكم كل منها على حدة واختار في كل منها البناء على الأقل نظرا
الى عموم ما دل على البناء على الأقل وشموله لكل شك وفيه أولا ـ ان النصوص الواردة في أحكام
تلك الصور التي أسلفناها في المسائل المتقدمة مطلقة لا تقييد فيها بحال انفراد أو
اجتماع وان كان الأكثر الانفراد فإنها تضمنت ان من شك بين الثلاث والأربع مثلا
فالحكم فيه كذا وكذا. وهو كما ترى مطلق شامل بإطلاقه الحالين المذكورين فالشاك بين
الثلاث والأربع والخمس يصدق عليه انه شاك بين الثلاث والأربع فيدخل تحت عموم
اخباره وانه شاك بين الأربع والخمس فيدخل تحت عموم دليله ايضا.
وثانيا ـ ان ما
دل بإطلاقه على البناء على الأقل قد أوضحنا في ما تقدم انه انما خرج مخرج التقية وانه غير معمول عليه وان اشتهر في كلامهم الأخذ به
والعمل عليه غفلة عما ذكرناه من التحقيق المتقدم في المسألة.
ومنها ـ الشك
بين الاثنتين والخمس والشك بين الاثنتين والثلاث والخمس والشك بين الثلاث والخمس.
قالوا : وفيه
وجه بالبناء على الأقل بناء على أصالة الصحة ولقوله (عليهالسلام) «ما أعاد الصلاة فقيه». ولعموم الروايات الدالة على البناء على الأقل ووجه بالإبطال لتعذر البناء على أحد الطرفين لاستلزامه
التردد بين محذورين ، فان البناء على الأكثر موجب للزيادة ومعرض للنقصان والبناء
على الأقل معرض للزيادة. ورجح في الذخيرة الأول استنادا إلى الأدلة المذكورة.
__________________
والأظهر
البطلان لعدم النص الواضح في ذلك. وما ذكروه من أصالة الصحة كلام شعري ، ومن عموم
تلك الروايات فقد عرفت ما فيه.
واما حديث «ما
أعاد الصلاة فقيه» فالعجب منهم في الاستدلال به في غير موضع مع ورود النص بتخصيصه
بالثلاث والأربع كما تقدم في صحيحة عبيد ابن زرارة الواردة بالإبطال في صورة الشك
بين الاثنتين والثلاث حيث قال له الراوي : «أليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟
قال انما ذلك في الثلاث والأربع».
ومثلها ايضا ما
رواه الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : «كنت عند ابى
عبد الله (عليهالسلام) فدخل عليه رجل فسأله عن رجل لم يدر واحدة صلى أو
اثنتين؟ فقال له يعيد الصلاة. فقال له فأين ما روى ان الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال
انما ذلك في الثلاث والأربع».
وما قدمنا ذكره
في المسألة السادسة نقلا عن الصدوق في المقنع حيث قال : «وسئل الصادق (عليهالسلام) عن من لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يعيد الصلاة.
قيل فأين ما روى عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال إنما ذلك في الثلاث
والأربع».
فهذه جملة من
الروايات الدالة على التخصيص فكيف يحسن مع ذلك الاستناد الى عموم الخبر المذكور
كما صاروا إليه؟
تتمة
قال في المختلف
: لو شك بين الأربع وما زاد على الخمس قال ابن ابى عقيل ما يقتضي انه يصنع كما لو
شك بين الأربع والخمس ، لانه قال تجب سجدتا السهو في موضعين : من تكلم ساهيا ودخول
الشك عليه في أربع ركعات أو خمس فما عداها واستوى وهمه في ذلك حتى لا يدرى صلى
أربعا أو خمسا أو ما عداها. ولم نقف
__________________
لغيره في ذلك على شيء. وما قاله محتمل لأن رواية الحلبي تدل عليه من حيث
المفهوم ولانه شك في الزيادة فلا يكون مبطلا للصلاة لإحراز العدد ولا مقتضيا
للاحتياط إذ الاحتياط يجب مع شك النقصان فلم يبق إلا القول بالصحة مع سجدتي السهو
، مع انه يحتمل الإعادة لأن الزيادة مبطلة فلا يقين بالبراءة. والحمل على المشكوك
فيه قياس فلا يتعدى صورة المنصوص. انتهى.
أقول : وما
احتمله أولا قد مال إليه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم الشهيدان
وغيرهما ، قالا في الرسالة الصلاتية وشرحها : الثاني عشر ـ ان يتعلق الشك بالسادسة
فما زاد وفيه وجه بالبطلان مطلقا لأن زيادة الركن مبطلة إجماعا ومع احتمالها لا
يتيقن البراءة من الصلاة التي قد اشتغلت الذمة بها بيقين. وضعفه ظاهر فان تجويز
زيادة الركن لو اثر لبطل حكم كثير من الصور السابقة مع النص على صحتها والإجماع
على صحة بعضها. واحتمال خروج تلك عن الحكم بالنص يندفع بأصالة عدم الزيادة والشك
في المبطل. ووجه آخر بالبناء على الأقل لأصالة عدم الزيادة والبناء على الأكثر أو
الأربع موقوف على النص لخروجه عن الأصل وهو مفقود هنا والفساد غير معلوم. وفيه وجه
ثالث أشار إليه بقوله : «أو يجعل حكمه حكم ما يتعلق بالخمس فيصح حيث يصح ويبطل حيث
يبطل ويجب سجود السهو في موضع الصحة ويلزمه الاحتياط مع السجود في موضع اجتماعهما»
والى هذا الاحتمال ذهب ابن ابى عقيل من القدماء ومال اليه المصنف والعلامة ورجحه
الشارح المحقق ، وهو الظاهر تمسكا بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة
بمجرد احتمال الزيادة ، ولعموم قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمالَكُمْ»
وان الفقيه لا
يعيد صلاته . وإطلاق قول الصادق (عليهالسلام) في صحيحة الحلبي «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم زدت
أم نقصت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو». انتهى.
__________________
أقول وبالله
التوفيق للهداية إلى سواء الطريق : لا يخفى ان ما استند اليه من الأدلة في إلحاق
حكم تعلق الشك بالسادسة بتعلقه بالخامسة لا يخلو من شوب النظر والإشكال :
أما تمسكه
بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة بمجرد احتمال الزيادة أي زيادة الركن ،
فإن أريد بها النصوص الواردة في الشك بين الأربع والخمس مع البناء على الأربع
المستلزم لاحتمال زيادة الخامسة فهو صحيح بالنسبة إلى مورده ، وحمل تعلقه بالسادسة
على ذلك قياس محض ، إذ ليس فيها ما يدل على أزيد من هذه الصورة ، وان أراد النصوص
الواردة في بقية صور الشكوك المتقدمة فليس فيها ما يدعيه فإنه مع البناء على
الأكثر والاحتياط بما ذكر فيها من إتمام الناقص على تقدير احتمال النقص لا يتضمن
احتمال زيادة الركن ، لأنه مع بنائه على الأكثر فإن كان الأمر كذلك واقعا صار
الاحتياط نافلة وإلا كان متمما فلا احتمال فيها لزيادة الركن وليس هنا نصوص واردة
بوجه كلى حسبما ادعاه ليتم الاستناد إليها.
واما تمسكه
بعموم قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» فقد تقدم ما فيه في غير موضع ، والظاهر من سياق الآية
انما هو إبطال الأعمال بالكفر لا ما يتناقلونه في كلامهم ويتداولونه على رؤوس
أقلامهم من مثل هذا المقام ونحوه من الأحكام.
واما التمسك
بحديث «ان الفقيه لا يعيد صلاته» فقد عرفت ما فيه آنفا.
واما صحيحة
الحلبي فهي لا تخلو من الإجمال القابل لتعدد الاحتمال ، والاستدلال بها هنا مبنى
على ان المراد فيها بيان نوع واحد من الشك بين التمام وبين الناقص والزائد بركعة
وأزيد كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست فيكون تقدير الكلام : إذا لم تدر
أربعا صليت أم خمسا أم نقصت عن الأربع أم زدت على الخمس ، فيكون شاملا للشك بين
الأربع والخمس والأزيد منهما والأنقص ، نعم يخرج ما اشتمل على الشك في الأوليين
بالأخبار الدالة على الإبطال ويبقى ما عدا ذلك. والاحتمال الثاني في الرواية
المذكورة ان يكون «أم» في قوله «أم نقصت
أم زدت» بمعنى «أو» وهو المصرح به في روايتي المقنع وكتاب الفقه الرضوي وان
كان الظاهر أنهما رواية واحدة كما تقدم ذكره في صدر هذه المسألة ، فيكون بيانا
لنوع آخر من الشك وهو الشك في الزيادة والنقيصة وهو أحد موجبات سجود السهو. وهذا
الاحتمال هو الأظهر لما تقدم في صدر المسألة من دلالة صحيحة زرارة أو حسنته وكذا
صحيحة الفضيل بن يسار على هذا الفرد وانه أحد موجبات سجدتي السهو ، وان لم يكن هذا
الاحتمال أرجح فلا أقل ان يكون مساويا وبه يبطل الاستدلال معتضدا ذلك بروايتي
المقنع وكتاب الفقه.
وزاد بعض مشايخنا
المحدثين من متأخرين المتأخرين في الاستدلال على ما ذكره في شرح الألفية الاستدلال
بقول الكاظم (عليهالسلام) في موثقة إسحاق ابن عمار المروية في الفقيه «إذا شككت فابن على اليقين. قال : قلت هذا أصل؟ قال نعم».
وفيه ما عرفت
آنفا من ان هذا الخبر ونحوه إنما خرج مخرج التقية لما قدمناه من بيان مذهب العامة ومعارضته ونحوه بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة
فلا يبقى للتمسك به وجه.
ثم انه على
تقدير ما ذكره هؤلاء الأعلام من تصحيح الشك المتعلق بالسادسة قالوا تكون الصور
فيها خمس عشرة صورة : سبع منها مع ضميمة ما زاد على الخامسة إليها وإدخال ما نقص
عنها وسبع مع انفرادها عنها وواحدة مع الشك فيهما خاصة بأن تحقق الزيادة على
الأربع ، فأربع من الجميع ثنائية وست ثلاثية واربع رباعية وواحدة خماسية.
فالأولى أعني
الأربع الثنائية الشك بين الاثنتين والست والشك بين الثلاث والست والشك بين الأربع
والست والشك بين الخمس والست.
والثانية أعني
الست الثلاثية الشك بين الاثنتين والثلاث والست ، والشك
__________________
بين الاثنتين والأربع والست ، والشك بين الاثنتين والخمس والست ، والشك بين
الثلاث والأربع والست ، والشك بين الثلاث والخمس والست ، والشك بين الأربع والخمس
والست.
والثالثة أعني
الأربع الرباعية الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والست والشك بين الاثنتين
والثلاث والخمس والست ، والشك بين الاثنتين والأربع والخمس والست ، والشك بين
الثلاث والأربع والخمس والست.
والرابعة اعنى
الواحدة الخماسية الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس والست.
قالوا :
والمراد بالست في جميع ما ذكر الست فما فوقها لاشتراك الجميع في الوصف وهو الزيادة
على الخامسة المشار إليها في صحيحة الحلبي بقوله «زدت» والاشتراك أيضا في الحكم
بناء على ما قدمنا نقله عنهم.
فهذه خمس عشرة
صورة تضاف الى ما تقدم في كلام الشهيد في الذكرى من الصور الأحد عشر ثم تضرب في
الأحوال التسعة المتقدمة ثمة أيضا والمجتمع مائتان وأربعة وثلاثون هي مسائل الشك
التي يقع البحث عنها من حيث الصحة والبطلان. وأنت خبير بأنه على ما اخترناه من
بطلان الشك المتعلق بالسادسة تسقط هذه الصور الخمس عشرة رأسا وعلى تقدير ما ذكروه
من الصحة يصح منها ما صححوه في صور التعلق بالخامسة. والله العالم.
(المسألة
الحادية عشرة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا سهو في سهو. وهذه
العبارة لا تخلو من الإجمال وتعدد الاحتمال في هذا المجال والأصل في هذا الحكم ما
رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن حفص ابن البختري عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس على الإمام سهو ولا على من خلف الامام سهو
ولا على السهو سهو ولا على الإعادة إعادة».
__________________
وما رواه
الكليني في مرسلة يونس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) من قوله : «ولا سهو في سهو».
قال العلامة في
كتاب المنتهى : ومعنى قول العلماء : «لا سهو في السهو» أى لا حكم للسهو في
الاحتياط الذي يوجبه السهو كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه يصلى ركعتين احتياطا
فلو سها فيهما ولم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت الى ذلك. وقيل معناه ان من
سها فلم يدر هل سها أم لا؟ لا يعتد به ولا يجب عليه شيء. والأول أقرب.
والظاهر ان
مراده بعدم الالتفات الى ذلك البناء على الفعل المشكوك فيه كما هو ظاهر المحقق في
المعتبر فإنه يحذو في المنتهى حذوه في الأكثر حيث قال في المعتبر : ولا حكم للسهو
في السهو لانه لو تداركه أمكن ان يسهو ثانيا فلا يتخلص من ورطة السهو ، ولأن ذلك
حرج فيسقط اعتباره ، ولأنه شرع لازالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.
ثم انه ذكر جمع
من أصحابنا المتأخرين (رضوان الله عليهم) انه يمكن أن يراد بالسهو في كل من
الموضعين معناه المتعارف الذي هو عبارة عن نسيان بعض الأفعال ، ويمكن أن يراد به
الشك فيحصل من ذلك صور أربع.
أقول : وتفصيل
الكلام في هذا المقام بوجه واضح لجميع الافهام لا يحوم حوله ان شاء الله تعالى نقض
ولا إبرام هو انه لما كان السهو يطلق في الأخبار على الشك زيادة على معناه اللغوي
وعلى ما هو أعم إطلاقا شائعا كما لا يخفى على من راجعها وتتبع مظانها ومواضعها
فيحتمل هنا حمل كل من اللفظين على كل من المعنيين فتحصل من ذلك صور أربع وهي التي
ذكرها الأصحاب ، وهي السهو في السهو والشك في الشك والسهو في الشك والشك في السهو
، إلا انه لما كان الثاني من اللفظين على اى كان من المعنيين محتملا للموجب بكسر
الجيم والموجب بفتحها فإنه يلزم انحلال هذه
__________________
الصور الأربع إلى ثمان صور ناشئة من ضرب أربعة في اثنين.
وها نحن نفصل
الكلام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة والسلام) وان طال به
زمام الكلام لما فيه من عموم النفع والفائدة في المقام فنقول :
(الصورة الأولى)
ـ الشك في موجب الشك بكسر الجيم اى شك في انه هل شك في الفعل أم لا؟ وقد صرح
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يلتفت اليه وفصل بعض مشايخنا المحققين من
متأخري المتأخرين (رضوان الله عليهم) فقال بعد ذكر ما نقلناه عن الأصحاب :
والتحقيق انه ان كان الشكان في زمان واحد وكان محل الفعل المشكوك فيه باقيا ولا
يترجح عنده في هذا الوقت الفعل أو الترك فهو شاك في أصل الفعل ولم يتجاوز محله
فمقتضى عمومات الأدلة وجوب الإتيان بالفعل ولا يظهر من النصوص استثناء تلك الصورة
، ويشكل تخصيص العمومات ببعض المحامل البعيدة لقوله (عليهالسلام) : «ولا سهو في سهو» ولو ترجح عنده أحد طرفي الفعل
والترك فهو جازم بالظن غير شاك في الشك ، ولو كان بعد تجاوز المحل فلا عبرة به.
ولو كان الشكان في زمانين ـ ولعل هذا هو المعنى الصحيح لتلك العبارة ـ بأن شك في
هذا الوقت في انه هل شك سابقا أم لا؟ فلا يخلو اما ان يكون شاكا في هذا الوقت ايضا
ومحل التدارك باق فيأتي به أو تجاوز عنه فلا يلتفت اليه ، أو لم يبق شكه بل اما
جازم أو ظان بالفعل أو الترك فيأتي بحكمهما. ولو تيقن بعد تجاوز المحل حصول الشك
قبل تجاوز محله ولم يعمل بمقتضاه فلو كان عمدا بطلت صلاته ولو كان سهوا فيرجع الى
السهو في الشك وسيأتي حكمه هذا إذا استمر الشك ، ولو تيقن الشك وأهمل حتى جاز محله
عمدا بطلت صلاته ولو كان سهوا يعمل بحكم السهو ، ولو تيقن الفعل وكان تأخير الفعل
المشكوك فيه الى حصول اليقين عمدا بطلت صلاته ايضا ان جاوز محله وان كان سهوا فلا
تبطل صلاته. وكذا الكلام لو شك في انه هل شك سابقا بين الاثنتين والثلاث أو بين
الثلاث والأربع ، فإن ذهب شكه الآن وانقلب باليقين أو الظن فلا عبرة به
ويأتي بما تيقنه أو ظنه ، وإذا استمر شكه فهو شاك في هذا الوقت بين
الاثنتين والثلاث والأربع. وكذا الكلام لو شك في أن شكه كان في التشهد أو في
السجدة قبل تجاوز المحل أو بعده. وبالجملة الركون الى تلك العبارة المجملة وترك
القواعد المقررة المفصلة لا يخلو من إشكال. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : ما فصله
(قدسسره) من التحقيق جيد رشيق لكنه من مفهوم العبارة بمحل سحيق
، فإنه لا يخفى ان الشك في الشيء يقتضي تقدم زمان المشكوك فيه بمعنى انه لا يدرى
الآن ان هذا الفعل المشكوك فيه وقع في الزمان المتقدم أم لا غاية الأمر أنه
بالنسبة إلى الشك في الأفعال قد يكون الوقت الذي حصل فيه الشك مما يمكن التدارك
فيه بان لم يدخل في فعل آخر وقد يكون مما لا يمكن التدارك فيه لدخوله في شيء آخر
، فمعنى قوله : «انه شك بين الثنتين والثلاث» انه لا يدرى الآن هل صلى قبل هذه
الحالة التي عرض فيها الشك ثنتين أو ثلاثا؟ وكذا لو شك في التشهد والسجود بمعنى
انه الآن لا يدرى انه قد حصل منه سابقا سجود أو تشهد مثلا ، فكذا في هذه العبارة
أيضا بعين ما ذكرنا ، ففرضه اجتماع الشكين مما لا وجه له في البين. وهذا المعنى هو
الذي رتب عليه الفقهاء الحكم بعدم الالتفات
ثم ان ظاهر
عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو كون المشكوك فيه الشك بقول مطلق لا شك مقيد
بكونه في سجدة أو تشهد أو بين الركعات أو نحو ذلك حتى يلزم فيه هذا التفصيل ، فإنه
لا ريب انه يجب فيه لو كان كذلك ما رتبه من الأحكام ولا أظن أحدا من الفقهاء يتجشم
الخروج عن هذه الأحكام الظاهرة المتفق عليها بينهم نصا وفتوى بمثل هذا اللفظ
المجمل كما ظنه (قدسسره) بل ظاهر عبائرهم إنما هو ما قلناه من الشك المطلق ،
ولهذا اتفقوا على عدم الالتفات اليه بقول مطلق ، وكلامهم هنا إنما هو مجرد فرض
احتملوه في ظاهر هذا اللفظ وأسقطوه لعدم ترتب حكم شرعي عليه بالكلية. والله
العالم.
(الثانية) ـ الشك
في موجب الشك بفتح الجيم بمعنى انه شك في ما أوجبه
الشك من صلاة احتياط أو سجود سهو وله أفراد :
منها ـ ان يشك
بعد الفراغ من الصلاة في انه هل اتى بالفعل الذي أوجبه الشك من صلاة احتياط أو
سجود سهو أو لم يأت به؟ والظاهر انه لا إشكال في وجوب الإتيان به لتيقن حصول السبب
الموجب وتيقن اشتغال الذمة والشك في الخروج عن عهدة التكليف مع بقاء الوقت كما لو
شك في الوقت هل صلى أم لا؟
ومنها ـ ان
يعلم بعد الصلاة حصول شك منه يوجب الاحتياط مثلا إلا انه شك في انه هل يوجب ركعتين
من قيام أو ركعتين من جلوس؟ والظاهر هنا هو وجوب الإتيان بهما معا لتوقف البراءة
اليقينية على ذلك ، ونظيره في الأحكام الشرعية غير عزيز ، ومنه من فاتته فريضة وشك
في كونها ظهرا أو صبحا مثلا فإنه يجب عليه الإتيان بهما معا.
ومنها ـ ما لو
شك في ركعات الاحتياط أو في أفعالها أو في عدد سجدتي السهو أو في أفعالهما ، وهذا
الفرد هو الذي ينطبق عليه مدلول الخبر المذكور ، وأكثر الأصحاب خصوا الخبر بهذا
الفرد وبصورة الشك في موجب السهو.
وعلى هذا فلو
شك في عدد ركعتي الاحتياط يبنى على الأكثر ويتم ما لم يستلزم الزيادة المبطلة وإلا
بنى على الأقل فيبني على الصحيح دائما ولا يلزمه احتياط ولا سجود سهو. ولو وقع شك
في فعل من أفعالهما لم يلتفت اليه وان كان في محله بل يبنى على وقوعه.
وقيل يبنى على
الأقل في أعداد الركعات ويأتي بالفعل المشكوك فيه لو لم يتجاوز محله ، ونقل عن
المحقق المولى الأردبيلي (قدسسره) الميل اليه معلللا له بعدم صراحة النص في سقوط ذلك
وأصل بقاء شغل الذمة ، ولعموم ما ورد في وجوب العود الى المشكوك فيه. وفي هذه
الأدلة مناقشات سيأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى.
والحكم وان كان
ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه وكلام المحقق المذكور انما هو
على جهة الإيراد والمناقشة للأصحاب وإلا فهو لم يجزم به إلا انه عندي لا
يخلو من اشتباه والعمل فيه بالاحتياط عندي لازم فيأتي بالاحتياط على ما ذكره
الأصحاب ثم يعيد الصلاة من رأس.
وبالجملة فإن
ما ذكرناه من هذا الفرد الأخير هو الذي ينطبق عليه الخبر كما ذكرنا وإلا فالأفراد
المتقدمة من حيث وجوب التدارك فيها لا يمكن حمل الخبر عليها كما هو ظاهر ، ويحتمل
دخولها تحت الخبر المذكور باعتبار انه لم يترتب عليها في خصوص هذا الشك شيء زائد
على ما تقرر في سائر المواضع والظاهر بعده.
(الثالثة) ـ الشك
في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس السهو كان شك في انه هل عرض له سهو أم لا؟
وظاهر الأصحاب الإطلاق في انه لا يلتفت اليه.
وفصل شيخنا
المشار اليه آنفا هنا ايضا فقال بعد نقل كلام الأصحاب وإطلاقهم عدم الالتفات فيه :
والتحقيق انه لا يخلو اما ان يكون ذلك الشك بعد الصلاة أو في أثنائها ، وعلى
الثاني لا يخلو اما أن يكون محل الفعل باقيا بحيث إذا شك في الفعل يلزمه العود
إليه أم لا؟ ففي الأول والثالث لا شك انه لا يلتفت إليه لأنه يرجع الى الشك بعد
تجاوز المحل وقد دلت الأخبار الكثيرة على عدم الالتفات اليه ، واما الثاني فيرجع
الى الشك في الفعل قبل تجاوز محله وقد دلت الاخبار على وجوب الإتيان بالفعل
المشكوك فيه ، ولعل كلام الأصحاب أيضا مخصوص بغير تلك الصورة. انتهى.
أقول : الظاهر
ان كلام الأصحاب انما ابتنى على تعلق الشك بمطلق السهو من غير تقييد بعين ما قلنا
في الصورة الاولى ، ولهذا ان جملة منهم ممن صرح بعدم الالتفات ذكروا فروعا في
المسألة بالنسبة إلى السهو المقيد ورتبوا عليه أحكام الشك كما لا يخفى على من راجع
مطولاتهم.
(الرابعة) ـ الشك
في موجب السهو بفتح الجيم وله ايضا صور : منها ـ ان يقع منه سهو يلزمه تدارك ذلك
بعد الصلاة كالتشهد والسجود مثلا أو سجدتي السهو
ثم يشك بعد الصلاة في انه هل اتى به أم لا؟ والظاهر انه لا إشكال ولا خلاف
في وجوب الإتيان به بعين ما قدمناه في الفرد الأول من افراد الصورة الثانية.
ومنها ـ ان يشك
في أثناء السجدة المنسية أو التشهد المنسي في التسبيح أو الطمأنينة أو بعض فقرات
التشهد ، ولا إشكال في انه يجب عليه الإتيان به متى كان المحل باقيا
وأنت خبير بأن
شيئا من هذين الفردين لا يدخل في مصداق الخبر المذكور إلا على المعنى الذي
احتملناه أخيرا في الصورة الثانية.
ومنها ـ أن يشك
في عدد سجدتي السهو أو أفعالهما قبل تجاوز المحل فإنه يبنى على وقوع المشكوك فيه
إلا ان يستلزم الزيادة فيبني على الصحيح. وهذا الفرد مصداق الخبر في هذه الصورة
يقينا.
(الخامسة) ـ السهو
في موجب الشك بكسر الجيم أي في الشك نفسه ، والظاهر انه غير داخل في مصداق النص
المذكور.
ويمكن فرضه في
ما لو شك في فعل يجب تداركه كالسجدة قبل القيام وكان يجب عليه فعلها فسها ولم يأت
بها فلو ذكر الشك والمحل باق يأتي بها ولو ذكر بعد تجاوز المحل لا يلتفت إليه لأنه
يرجع الى الشك بعد تجاوز المحل.
واستشكل فيه
بعض الأفاضل بأنه يمكن ان يقال ان هذا الفعل الواجب بسبب الشك بمنزلة الفعل الأصلي
في الوجوب ، لان هذه السجدة صارت واجبة بالشك فيها في محل يجب تداركها فيه وهو قد
سها عن ذلك الشك ، فكما ان السجدة الأصلية إذا سها عنها وذكر قبل الركوع يأتي بها
ولو ذكر بعد الركوع يقضيها بعد الصلاة فكذا هذه السجدة الواجبة يجب الإتيان بها لو
ذكرها بعد القيام وقبل الركوع لانه خرج عن حكم الشك في أصل الفعل بسبب ما لزمه من
السجدة بسبب الشك فقد تيقن ترك سجدة واجبة والوقت باق فيجب الإتيان بها.
ويمكن ان يجاب
بان شمول أدلة السهو في أفعال الصلاة واجزائها لما نحن فيه غير معلوم ولا متيقن ،
فان المتبادر منها كون تلك الأفعال التي عرض الشك فيها
إجزاء حقيقية للصلاة فإن قولهم «من شك في سجدة فحكمه كذا ومن شك في الركوع
فحكمه كذا» انما يتبادر الى الأجزاء الأصلية التي تركبت الصلاة منها لا مثل هذه
السجدة التي إنما حصل وجوبها بالشك ، وفي ما نحن فيه لم يحصل اليقين بترك الفعل
الأصلي والجزء الحقيقي حتى يجب تداركه في الصلاة أو بعدها بتلك العمومات بل انما
حصل اليقين بترك فعل وجب الإتيان به بسبب الشك ودخول مثله في العمومات غير معلوم
فيرجع الى حكم الأصل وهو عدم وجوب قضاء الفعل.
وبالجملة فإنهم
قد قرروا في غير مقام ان الأحكام المودعة في الأخبار إنما تنصرف الى الافراد
الشائعة المتكررة الوقوع ، ولا ريب في ان هذه الفروض المذكورة نادرة أتم الندور
والتكرار في أحكام الشكوك والسهو إنما هو بالنسبة إلى أفعال الصلاة الأصلية.
وكيف كان
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والأحوط ـ لو اتفق ذلك ـ المضي في الشك ثم
الإعادة.
ومما يتفرع على
هذا الإشكال ما لو شك في السجدتين معا في حال الجلوس فنسي أن يأتي بهما حتى قام
فذكر في القيام أو بعد الركوع فعلى تقدير كونهما بحكم الأجزاء الأصلية يجب عليه
العود في الأول وتبطل الصلاة في الثاني وعلى الوجه الآخر لا يلتفت إليه أصلا.
(السادسة) ـ السهو
في موجب الشك بفتح الجيم ويحصل فرض ذلك في مواضع :
منها ـ ان يسهو
عن فعل في صلاة الاحتياط أو في سجدتي السهو اللتين لزمتا بسبب الشك في الصلاة ،
والأشهر الأظهر انه لا يجب عليه لذلك سجود السهو لأن الأدلة الدالة على وجوب سجدتي
السهو غير معلوم شمولها لمثل صلاة الاحتياط وسجود السهو بل الظاهر اختصاصها بأصل
الفرائض.
ومنها ـ ان
يسهو في فعل من أفعال صلاة الاحتياط أو سجود السهو وذكر في محله الحقيقي ، والظاهر
انه لا إشكال في وجوب الإتيان به كما إذا نسي سجدة من
صلاة الاحتياط وذكرها قبل القيام أو قبل الشروع في التشهد ، إذ ليس الإتيان
بها من جهة السهو حتى يسقط بالسهو في السهو بل وجوب الإتيان بها إنما نشأ من أصل
الأمر بصلاة الاحتياط والأمر بسجدتي السهو فإن الأمر بالشيء يقتضي الأمر بجميع
اجزائه.
هذا إذا كان في
محل الفعل واما إذا جاز عنه ولم يجز عن محل تدارك الفعل المنسي إذا كان في أصل
الصلاة فهل يكون الحكم هنا كالحكم في الصلاة في وجوب التدارك والسجود أم لا؟ ظاهر
جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني الأول ، وتنظر فيه بعض مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين معللا ذلك بأنه بعد الشروع في فعل آخر فات محله
المأمور به بالأمر الأول والتدارك والعود يحتاج الى دليل وشمول دلائل العود
الواردة في الصلاة لصلاة الاحتياط ممنوع. والمسألة لا تخلو من الإشكال.
ومنها ـ ان
يسهو عن صلاة الاحتياط وسجدتي السهو الواجبتين بسبب الشك فلا يأتي بشيء من ذلك
بعد الصلاة ثم انه يذكر بعد ذلك فهذا السهو لا يترتب عليه حكم ، فإنه ان ذكر قبل
عروض المبطل للصلاة فلا خلاف ولا إشكال في صحة الصلاة ووجوب الإتيان بهما كما
سيأتي بيانه في المسألتين المذكورتين ان شاء الله تعالى ومع عروض المبطل فهو محل
خلاف كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى وان الأظهر الصحة أيضا فلا يترتب على هذا
السهو حكم.
(السابعة) ـ السهو في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس السهو
كأن يترك السجدة الواحدة أو التشهد سهوا ثم يذكر بعد القيام وكان الواجب عليه
العود الى ما نسيه فنسي العود والسهو ، وحينئذ فإن ذكر قبل الركوع اتى به وان ذكر
بعده تداركه بعد الصلاة مع سجدتي السهو على المشهور. ولو كان السهو عن السجدتين
معا وذكرهما في حال القيام ولم يأت بهما سهوا ثم ذكرهما بعد الركوع بطلت صلاته. ومن
ذلك يظهر انه لا يترتب على السهو هنا حكم جديد بل ليس حكمه إلا حكم السهو
في أصل الفعل. وكذا لو نسي ما يجب تداركه بعد الصلاة من الاجزاء المنسية
التي يجب قضاؤها أو سجود السهو لها فإنه يجب الإتيان بهما بعد الذكر إذ ليس لهما
وقت معين ومع عروض المبطل فالأظهر أيضا وجوب الإتيان بهما كما عرفت في تلك المسألة
(الثامنة) ـ السهو في موجب السهو بفتح الجيم ، والسهو قد يوجب سجدتي السهو
وقد يوجب قضاء السجدة والتشهد وقد يوجب الرجوع الى الفعل وتداركه في الصلاة ما لم
يتجاوز محل التدارك.
وفي جميع هذه
الصور قد يتعلق السهو بنفس الفعل المتروك أو باجزائه ، فإذا سها في الثلاثة الأول
عن نفس الفعل بعد الفراغ من الصلاة ثم ذكر بعد ذلك وجب عليه الإتيان به بعد الذكر
، وفي الرابع يأتي به ان ذكره في محل التدارك وإلا فإن كان مما يقضى قضاه وإلا سقط
، فالسهو في جميع هذه الافراد ليس فيه زيادة على الأحكام المقررة قبله. وعلى هذا
تكون هذه الصورة غير داخلة في مصداق الخبر كما ذكرنا سابقا.
ويحتمل انه
باعتبار عدم ترتب شيء على خصوص هذا السهو يصدق عليه انه لا سهو في سهو اى لا شيء
يترتب عليه. إلا ان المتبادر من هذه العبارة المذكورة انه من حيث كونه سهوا في سهو
لا يترتب عليه شيء بالكلية بل يكون حكمه حكم ما لو لم يكن ثمة سهو بالمرة وعدم
الترتب هنا ليس من هذه الحيثية بل من حيثية أخرى.
وقد يتعلق
باجزاء ذلك الفعل كأن يسهو في فعل من أفعال الفعل الذي يقضيه بعد الصلاة وهو
السجدة أو التشهد ، وهل يلحقه ما يلحق أفعال الصلاة من الأحكام؟ ظاهر الأصحاب
العدم لظاهر هذا الخبر. واحتمل بعض مشايخنا المحققين مساواته للصلاة في الأحكام
وهو الأحوط.
هذا. واما قوله
في الخبر «ولا على الإعادة إعادة» فإنه قد ذكر أصحابنا (رضوان الله عليهم) فيه
احتمالين (أحدهما) ما رجحه شيخنا المجلسي ونقله عن والده (طاب ثراهما) من انه إذا
صدر منه شك أو سهو مبطل بحيث لزمته الإعادة ثم صدر في
الإعادة ما يوجب الإعادة أيضا فإنه لا يلتفت اليه. و (ثانيهما) ان من صلى
منفردا ثم وجد الإمام فأعاد استحبابا فإنه لا يعيد مع امام آخر. والظاهر رجحان
الأول فإن نظم هذه العبارة مع قوله «لا سهو في سهو» في محل واحد ومقام واحد قرينة
على ذلك ، إذ المعنى الثاني لا مناسبة له في المقام وان كان صحيحا في حد ذاته. إلا
ان الأحوط الإعادة في الصورة الأولى أيضا لتشابه الخبر وعدم تيقن هذا المعنى منه.
وفي الخبر ايضا احتمالات أخر لا تخلو من البعد. والله العالم.
(المسألة
الثانية عشرة) ـ لا يخفى ان ما تقدم في أحكام السهو في سابق هذا المطلب وما تقدم
في هذا المطلب من أحكام الشك كله مخصوص بالإنسان نفسه واما ما يتعلق بالإمام
والمأموم فلم يجر له ذكر في البين في شيء من الموضعين ، فلا بد من بيان ذلك هنا
ان شاء الله تعالى في مقامين :
(الأول) ـ في
الشك الحاصل لهما ، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في رجوع كل من الامام
والمأموم إلى الآخر لو شك وحفظ عليه الآخر ، وهو مقطوع به في كلامهم كما نقله غير
واحد من المتأخرين.
ويدل عليه
زيادة على ما تقدم في سابق هذه المسألة من صحيحة حفص أو حسنته
ما رواه ثقة
الإسلام (قدسسره) عن يونس عن رجل عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الامام يصلى بأربعة أنفس أو خمسة أنفس
فيسبح اثنان على انهم صلوا ثلاثا ويسبح ثلاثة على انهم صلوا أربعا ويقول هؤلاء
قوموا ويقول هؤلاء اقعدوا والامام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟
قال ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام ، ولا
سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ولا في الركعتين الأولتين من كل صلاة ولا
في نافلة ، فإذا اختلف على الامام من خلفه فعليه وعليهم
__________________
في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم». وفي التهذيب «بإيقان» عوض لفظ «اتفاق».
وقال في من لا
يحضره الفقيه : في نوادر إبراهيم بن هاشم «انه سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن امام يصلى بأربعة نفر أو خمسة فيسبح. الحديث» بدون
قوله «ولا في نافلة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن رجل يصلى خلف الامام لا يدرى كم صلى هل
عليه سهو؟ قال لا».
وما رواه
الصدوق في الفقيه عن محمد بن سهل عن الرضا (عليهالسلام) قال : «الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح».
ونحوه روى الكليني
والشيخ عنه عن محمد بن يحيى رفعه عن الرضا عليهالسلام قال : «الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح».
وتحقيق الكلام
في هذا المقام يتوقف على بيان أمور (أحدها) قد عرفت مما قدمنا ان السهو يطلق في
الاخبار كثيرا على الشك وعلى ما يشمله والمعنى المشهور ولا ريب في شمول الأخبار
المذكورة لكل منهما ، ولا خلاف في رجوع كل من الامام والمأموم عند عروض الشك الى
الآخر مع حفظه له في الجملة سواء
__________________
كان الشك في الركعات أو في الأفعال ، ولا فرق بين الشك الموجب للإبطال لو
كان منفردا أو الموجب للاحتياط كالشك بين الثلاث والأربع مثلا أو سجود السهو كالشك
بين الأربع والخمس ، والى الأول يشير قوله في صحيحة على بن جعفر «لا يدرى كم صلى»
ونحوه الشك قبل الركعتين وفي الفجر والمغرب. ومقتضى الأخبار المذكورة انه لا إبطال
في الأول ولا احتياط في الثاني ولا سجود للسهو في الثالث.
و (ثانيها) ـ قال
في المدارك : وكما يرجع الشاك من الامام والمأموم إلى المتيقن كذا يرجع الظان الى
المتيقن والشاك الى الظان. انتهى. وبنحو ذلك صرح غيره أيضا.
أقول : ما
ذكروه من رجوع الظان منهما الى المتيقن والشاك الى الظان وان كان ظاهر الأصحاب في
هذا الباب إلا انه لا يخلو من الاشكال عند التأمل بعين الحق والصواب ، وذلك فإن
غاية ما يستفاد من الدليل هو رجوع الشاك منهما الى المتيقن ، واما رجوع الظان
منهما الى المتيقن ففيه ما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين من عدم ثبوت الدليل
عليه مع انه متعبد بظنه. وكون اليقين أقوى من الظن غير نافع هنا لأن قوة اليقين
الموجبة للترجيح مختصة بمن حصل له اليقين لا غيره. نعم ان حصل له ظن أقوى بسبب
يقين الغير كان عليه العمل بمقتضاه إلا انه خارج عن محل المسألة.
واما رجوع
الشاك الى الظان فاستدلوا عليه بان الظن في باب الشك بمنزلة اليقين وفيه (أولا)
انه ان أريد انه بمنزلة اليقين لمن حصل له الظن فمسلم لأن الإنسان في باب الشكوك
يبنى على ظنه كما يبنى على يقينه ولكن لا يجدى نفعا في المقام ، وان أريد انه متى
كان شاكا يبنى على ظن غيره فلا دليل عليه.
و (ثانيا) قوله
عليهالسلام في المرسلة التي هي مستند الحكم «بإيقان منهم» كما في
التهذيب والكافي «وباتفاق منهم» كما في الفقيه .
__________________
و (ثالثها) ـ المشهور
في كلام الأصحاب انه لا فرق في رجوع الإمام إلى المأموم بين كون المأموم ذكرا أو
أنثى ولا بين كونه عدلا أو فاسقا ولا بين كونه واحدا أو متعددا مع اتفاقهم ولا بين
حصول الظن بقولهم أم لا ، لإطلاق النصوص المتقدمة في جميع ذلك وعدم التعرض للتفصيل
في شيء منها.
واما مع كون
المأموم صبيا مميزا فقيل ان فيه اشكالا ، وذهب جمع الى قبول قوله للاعتماد على
قوله في كثير من الأحكام كقبول الهدية واذن الدخول وأمثالهما. وفيه ما فيه.
والأظهر التمسك في ذلك بإطلاق النصوص المذكورة. وان حصل الظن بقوله فلا إشكال.
وربما يستأنس
لهذا الحكم بما روى عن الصادق عليهالسلام «في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف أيجزيه عنها وعن الصبي؟ فقال نعم
ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله».
واما غير
المأموم فلا تعويل عليه إلا ان يفيد قوله الظن فيدخل في عمومات ما ورد في هذا
الباب من التعويل على الظن.
و (رابعها) ـ قوله
عليهالسلام في آخر مرسلة يونس «فإذا اختلف على الامام من خلفه
فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم» كذا في نسخ الكافي والتهذيب وبعض
نسخ الفقيه ، وفي أكثر نسخ الفقيه «فعليه وعليهم في الاحتياط والإعادة الأخذ بالجزم» بتقديم العاطف في
الإعادة ، وظاهر الكلام على تقدير النسخة الأولى ان على الجميع في صورة اختلاف المأمومين
خلف الامام ولا سيما في مخالفة الإمام لكل من الفريقين الإعادة. وفيه منافاة لما
ذكره الأصحاب في كثير من الصور الآتية في المقام ان شاء الله تعالى وكذا كثير من
عمومات أحكام اليقين والشك. واما على النسخة الثانية من تقديم العاطف فالظاهر ان
__________________
معنى الكلام حينئذ ان على الامام وعلى كل من المأمومين في صورة اختلافهم ان
يعمل كل منهم على ما يقتضيه شكه أو يقينه من الاحتياط أو الإعادة حتى يحصل له
الجزم ببراءة الذمة. وهذا هو الموافق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية وليس كلامه
عليهالسلام مقصورا على الحكم المنقول عنه حتى يقال انه لا تلزم
الإعادة في الصورة المذكورة على أحد منهم بل هو حكم عام يشمل جميع صور الاختلاف
بين الجميع فيشمل ما إذا شك الإمام أو بعض المأمومين بين الواحدة والاثنتين فإنه
تلزمه الإعادة وكذا كل صورة تجب فيها الإعادة.
و (خامسها) ـ لا
يخفى انه متى كان الامام موقنا أو ظانا أو شاكا فالمأموم لا يخلو اما ان يكون
موافقا له في المواضع الثلاثة فلا إشكال في الأولين واما الثالث فسيجيء حكمه على
حدة ، واما ان يكون مخالفا له في كل من الأمور الثلاثة فههنا صور :
(الأولى) ان
يكون الامام موقنا والمأموم شاكا ، والحكم هنا هو رجوع المأمومين الى الامام سواء
كانوا متفقين في الشك أو مختلفين إلا ان يكونوا مع شكهم موقنين بخلاف يقين الامام
فينفردون حينئذ.
(الثانية) ان
يكون المأموم موقنا والامام شاكا مع اتفاق المأمومين ، ولا شك حينئذ في رجوع
الإمام إلى يقينهم إلا ان يكون مع شكه موقنا بخلاف يقينهم فيرجع كل منهم الى
يقينه.
(الثالثة) ان
يكون الامام موقنا والمأمومون موقنين بخلافه اتفقوا في يقينهم أو اختلفوا ، ولا خلاف
أيضا في انه يرجع كل منهم الى يقينه.
(الرابعة) ان
يكون الامام شاكا والمأمومون موقنين مع اختلافهم كما هو المفروض في مرسلة يونس ،
والمشهور في كلام الأصحاب وجوب انفراد كل منهم والعمل بما يقتضيه شكه أو يقينه ،
إذ لا يمكن رجوع المأمومين مع يقينهم الى شك الإمام ولا رجوع الإمام الى أحد
اليقينين لانه ترجيح من غير مرجح. نعم لو حصل له بالقرائن ظن بقول أحدهما عمل
بمقتضى ظنه. وحينئذ فلا ينفرد عنه
الموقن الذي وافقه ظن الإمام وينفرد الآخر.
وربما احتمل
تخير الإمام في الرجوع الى أحد اليقينين مع عدم حصول الظن له لعموم قوله عليهالسلام «ليس على الإمام سهو». وفيه ما يظهر من المرسلة المذكورة من عدم رجوع
الإمام إلى المأمومين إلا مع اتفاقهم سيما على رواية الفقيه من قوله «باتفاق منهم».
نعم يبقى
الكلام على تقدير نسخة تأخير العاطف فإنك قد عرفت في الأمر الرابع ان ظاهر الكلام
على هذه النسخة وجوب الإعادة على الجميع وهو مخالف كما ترى لما ذكرناه من الحكم
المشهور في هذه الصورة المؤيد بعمومات أحكام المتيقن والشاك ، فان حكم كل منهما
البناء على ما يقتضيه شكه ويقينه ، وتخصيص تلك العمومات بهذه الرواية سيما مع
ضعفها وإرسالها لا يخلو من الإشكال. والاحتياط بالعمل بكل من الأمرين.
(الخامسة) ـ ان
يكون المأمومون متيقنين متفقين مع ظن الإمام بخلافهم ، والمشهور في كلام الأصحاب
رجوع الإمام إليهم ، ومال المحقق الأردبيلي على ما نقل عنه في شرح الإرشاد إلى عمل
الامام بظنه وانفراده عن المأمومين. وقوى بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين الأول بأن الظاهر من قوله عليهالسلام) «لا سهو على الإمام». عدم ترتب أحكام السهو على سهوه ، قال ولا يخفى على
المتتبع ان في الأخبار يطلق السهو على ما يشمل الظن كما يظهر من مرسلة يونس بل ومن
صحيحة على بن جعفر ايضا. انتهى. أقول قد عرفت في الأمر الثاني ما يؤيد
كلام المحقق المذكور وانه هو الاولى بالظهور.
(السادسة) ـ تيقن
المأمومين مع اختلافهم وظن الامام بخلافهم ، والأشهر الأظهر الانفراد لكل منهم
وعمل كل بظنه أو يقينه كما تقدم في الصورة الرابعة.
__________________
ويأتي الإشكال المذكور ثمة هنا ايضا ، والاحتياط في الإعادة بعد إتيان كل
منهم بما يلزمه من ظنه ويقينه.
(السابعة) ـ اختلاف
المأمومين في اليقين وظن الإمام بأحدهما ، والظاهر انه يعمل هنا بظنه ويتبعه
الموافقون له في ذلك بيقين منهم وينفرد المخالفون ، وظاهر المرسلة المتقدمة بناء
على نسخة تأخير العاطف وجوب الإعادة على الجميع. والاحتياط كما عرفت في العمل بما
ذكرنا ثم اعادة الجميع.
(الثامنة) ـ يقين
الامام مع ظن المأمومين بخلافه متفقين أو مختلفين ، والمشهور هنا رجوع المأمومين
إلى يقين الامام.
وتوقف فيه
المحقق الأردبيلي كما عرفت في الصورة الخامسة. ورد بما تقدم من عمومات الأخبار
الدالة على وجوب متابعة الإمام مطلقا خرج منه اليقين إجماعا فيبقى الظن. وفيه ما
عرفت آنفا كما حققناه في الأمر الثاني ، والأخبار الدالة على وجوب متابعة الإمام
لا عموم فيها على وجه يشمل هذه الصورة ، ولو سلم فكما خصت باليقين فلتخص بالظن
ايضا لما تقرر عندهم ودلت عليه الأخبار من تعبد الإنسان بظنه وانه لا دليل على
التعبد بيقين الغير.
واستدل شيخنا
الشهيد الثاني على القول المشهور بما تقدم في رواية محمد بن سهل ومرفوعة محمد بن يحيى من قول
الرضا عليهالسلام «الإمام يحمل أوهام من خلفه». والتقريب ان الوهم يطلق في الأخبار على الظن
كقوله عليهالسلام
«ان ذهب وهمك
الى الثلاث فابن عليها». ونحوه مما تقدم ، فيدل الخبران المذكوران على ان الامام
يحمل ظنون من خلفه فلا عبرة بظنهم مع يقين الامام.
وفيه ان ما
ذكره (قدسسره) من إطلاق الوهم على الظن في الأخبار وان كان كذلك إلا
ان إرادته في الخبرين المذكورين غير معلوم بل الظاهر منهما إنما هو السهو أو الأعم
منه ومن الشك وان احتمل إرادة الأعم منهما ومن الظن لكنه
__________________
يشكل الاستدلال
به على ذلك لما ذكرناه.
(التاسعة) ـ ظن
الإمام أو المأموم مع شك الآخر ، والمشهور في كلام الأصحاب انه يرجع الشاك منهما
الى الظان.
واستدل عليه
بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعموم النصوص الدالة على عدم اعتبار شك
الامام والمأموم ، قال : وايضا عموم أخبار متابعة الإمام تدل على عدم العبرة بشك
المأموم مع ظن الامام ولا قائل بالفرق في ذلك بين الامام والمأموم ، ولا معارض في
ذلك إلا ما يتراءى من مرسلة يونس من اشتراط اليقين في المرجوع اليه ، وليس فيه شيء
يكون صريحا في ذلك سوى ما في أكثر النسخ من قوله عليهالسلام «بإيقان» واتفاق نسخ الفقيه على قوله «باتفاق» مكانه ومخالفة مدلوله لما هو
المشهور بين الأصحاب ، مع ما عرفت من أن ضعف السند يضعف الاحتجاج به وسبيل
الاحتياط واضح. انتهى.
وما ذكره (قدسسره) من الاستدلال للقول المشهور بما تكلفه من الدليلين
المذكورين لا يخلو من نظر وللمناقشة فيهما مجال والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.
قال المحقق
الأردبيلي (قدسسره) : لا شك في رجوع أحدهما إلى الآخر مع شكه ويقين الآخر
واما إذا ظن الآخر فهو ايضا محتمل لأن الظن في باب الشك معمول به وانه بمنزلة
اليقين. وظاهر قوله في المرسلة المتقدمة «مع إيقان» العدم وكأنه محمول على ما يجب
لهم ان يعملوا به من الظن أو اليقين مع احتمال العدم والحمل على الظاهر إلا انها
مرسلة. انتهى.
(العاشرة) ـ كون
كل من الامام والمأموم ظانا بخلاف الآخر ، وظاهر الأصحاب هو عدم رجوع أحدهما إلى
الآخر وان كل واحد منهما ينفرد بحكمه ، ويمكن ترجيحه بان المتبادر من النصوص
الدالة على رجوع أحدهما الى صاحبه ان يكون بينهما تفاوت في مراتب ما اختلفا فيه
بحيث ان المرجوع اليه ذو مرتبة زائدة ولا سيما المرسلة المذكورة حيث قال : «إذا حفظ
عليه من خلفه». وربما احتمل
هنا التمسك بوجوب متابعة الامام وهو ضعيف سيما مع ما عرفت.
(الحادية عشرة)
ـ يقين الامام ويقين بعض المأمومين بخلافه وشك آخرين فالشاك منهم يرجع الى يقين
الامام للأخبار المتقدمة وينفرد الآخرون الموقنون بخلاف الإمام.
(الثانية عشرة)
ـ شك الامام وبعض المأمومين مختلفين في الشك أو متفقين مع يقين بعض المأمومين ،
والأشهر الأظهر رجوع الإمام إلى الموقن من المأمومين ورجوع الشاك من المأمومين الى
الإمام ، إلا ان مقتضى مرسلة يونس المتقدمة عدم رجوع الإمام إلى المأمومين مع
اختلافهم وعدم متابعة المأموم للإمام والحال كذلك ، قال بعض مشايخنا المحققين من
متأخري المتأخرين : ويمكن حملها على ان المراد بقوله عليهالسلام «إذا حفظ عليه من خلفه بإيقان» أعم من يقين الجميع بأمر واحد ويقين البعض
مع عدم معارضة يقين آخرين ، وحمل قوله «فإذا اختلف على الامام من خلفه» على
الاختلاف في اليقين. وبالجملة يشكل التعويل على المرسلة المزبورة لضعفها مع معارضة
النصوص المعتبرة وان كان الاحتياط يقتضي العمل بما قلناه ثم اعادة الجميع لظاهر
المرسلة لا سيما على نسخ الفقيه من قوله عليهالسلام «باتفاق منهم».
(الثالثة عشرة)
ـ ان يشترك الامام والمأموم في الشك مع الاتفاق منهم في نوع الشك ، والأشهر الأظهر
انه يلزمهم جميعا حكم ذلك الشك.
قال في الذخيرة
بعد ذكر هذه الصورة أولا ثم الصورة الآتية وان حكم هذه الصورة ما ذكرناه : ويحكى
عن بعض المتأخرين وجوب الانفراد واختصاص كل منهما بشكه في الصورة الأولى مع
الموافقة في الصورة الثانية. ولا وجه له. انتهى وذكر بعضهم انه لا يبعد التخيير
بين الائتمام والانفراد في ما يلزمهم من صلاة الاحتياط.
(الرابعة عشرة)
ـ اشتراكهما في الشك مع اختلافهما في نوعه ووجود رابطة
بين الشكين ، والمشهور رجوعهما الى تلك الرابطة والعمل عليها ، كما إذا شك
أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع ، فهما متفقان في تجويز
الثلاث والامام موقن بعدم احتمال الأربع والمأموم موقن بعدم احتمال الثنتين ، فإذا
رجع كل منهما الى يقين الآخر تعين اختيار الثلاث وحينئذ فيبنون عليها ويتمون الصلاة
من غير احتياط.
وربما قيل في
هذه الصورة بانفراد كل منهما بشكه. ويمكن ان يستأنس له بما يفهم من مرسلة يونس من
عدم رجوع أحدهما إلى الآخر مع شك الآخر وانما يرجع مع اليقين. إلا انه يمكن دفعه
بأنه ليس الرجوع هنا إلا الى ما أيقنا به.
(الخامسة عشرة)
ـ الصورة المتقدمة مع عدم الرابطة الجامعة بين الشكين كما إذا شك أحدهما بين
الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس ، والمشهور انه ينفرد كل منهما بحكم
شكه. وربما كان وجهه عموم النصوص الدالة على حكم شك كل منهما وعدم دخوله ظاهرا في
عموم نصوص رجوع أحدهما إلى الآخر.
ثم انه لا يخفى
ان المشهور انه لا فرق في هاتين الصورتين بين الركعات والأفعال وكذا لا فرق في
صورة وجود الرابطة بين كون شك أحدهما مبطلا أم لا ، ولا بين كون الرابطة شكا أيضا
أم لا ، ولا بين اختلاف المأمومين أيضا في الشك الذي انفردوا به أو اتفاقهم ، فان
المدار على وجود الرابطة وعدمه ، فالأول كما لو شك أحدهما بين الواحدة والثنتين
والثلاث والآخر بين الثنتين والثلاث ، فإنهم يرجعون الى الشك بين الثنتين والثلاث
والرابطة هنا شك ، وبه يحصل المثال الثاني أيضا ، والثالث كالمثال المتقدم من شك
أحدهما بين الثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع فإن الرابطة الثلاث يعملون
عليها من غير احتياط ، والرابع كما إذا شك أحدهم بين الواحدة والثنتين والثلاث
والآخر بين الثنتين والثلاث والأربع والثالث بين الثنتين والثلاث والخمس والرابطة
هنا هو الشك بين الاثنتين والثلاث فيرجع الجميع اليه ويعملون بمقتضاه ، والخامس هو
عدم وجود الرابطة مع التعدد كما لو
شك أحدهم بين الثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس وآخر بين الثنتين
والأربع
(المقام الثاني)
ـ في السهو ولنذكر أولا الأخبار المتعلقة بذلك ثم نعطف الكلام على ما ذكره الأصحاب
وما يفهم من الأخبار في هذا الباب مستمدين منه عن شأنه الهداية إلى جادة الصواب :
فمن الأخبار
المشار إليها ما تقدم في المقام الأول ، ومنها ـ ما رواه الكليني والشيخ (طيب الله
تعالى مرقديهما) عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال لا».
ومنها ـ ما
رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة قال : «سألت أحدهما (عليهماالسلام) عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه لم يكن على وضوء؟
قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت أيضمن الإمام الصلاة؟ قال لا ليس بضامن».
وما روياه أيضا
في الكتابين المذكورين عن الحسين بن بشير كما في التهذيب وابن كثير كما في الفقيه
ـ والرجلان مجهولان ـ عن ابى عبد الله عليهالسلام «انه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام فقال لا ان الإمام ضامن للقراءة وليس
يضمن الإمام صلاة الذين خلفه إنما يضمن القراءة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون انه يضمن؟ فقال لا يضمن أي شيء
يضمن إلا ان يصلى بهم جنبا أو على غير طهر».
__________________
وما رواه في
التهذيب والفقيه عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل سها خلف امام بعد ما افتتح
الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم؟ فقال قد جازت صلاته
وليس عليه شيء إذا سها خلف الامام ولا سجدتا السهو لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه».
وما رواه الشيخ
عن عمار الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل ينسى وهو خلف الامام ان يسبح في
السجود أو في الركوع أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا؟ فقال ليس عليه شيء».
وعن عمار أيضا
في الموثق قال : «سألته عن الرجل يدخل مع الامام وقد سبقه الإمام
بركعة أو أكثر فسها الامام كيف يصنع؟ فقال إذا سلم الامام فسجد سجدتي السهو فلا
يسجد الرجل الذي دخل معه وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي
السهو. الى ان قال : وعن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة؟ قال يعيد الصلاة
ولا صلاة بغير افتتاح».
وعن عبد الرحمن
بن الحجاج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم؟
قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد».
وعن منهال
القصاب ـ في الصحيح اليه وهو مجهول ـ قال : «قلت لأبي عبد الله
عليهالسلام أسهو في الصلاة وانا خلف الامام؟ قال فقال إذا سلم
فاسجد سجدتين ولا تهب».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع :
(الأول) ـ ما
اشتمل عليه بعضها من ضمان الامام وبعض آخر من عدم الضمان يمكن الجمع بينها بوجوه :
__________________
(أحدها) ـ ما
ذكره الصدوق (قدسسره) حيث قال بعد إيراد رواية أبي بصير : ليس هذا بخلاف خبر
عمار وخبر الرضا عليهالسلام لأن الإمام ضامن لصلاة من صلى خلفه متى سها عن شيء
منها غير تكبيرة الإحرام وليس بضامن لما يتركه المأموم متعمدا.
و (ثانيها) ـ ما
ذكره (طاب ثراه) ايضا حيث قال : ووجه آخر وهو انه ليس على الإمام ضمان لإتمام
الصلاة بالقوم فربما حدث به حادث قبل ان يتمها أو يذكر انه على غير طهر. ثم استشهد
برواية زرارة المتقدمة.
و (ثالثها) ـ ان
يكون المراد بالضمان ضمان القراءة وبعدمه سائر الأذكار والأفعال. واليه يشير خبر
الحسين بن بشير أو ابن كثير المتقدم.
و (رابعها) ـ ما
ذكره بعض مشايخنا الكرام (رفع الله أقدارهم في دار السلام) وهو ان يكون المراد
بالضمان الإثم والعقاب على الإخلال بالشرائط والواجبات من جهة المأمومين وبعدمه
عدم الإثم إذا كان ذلك سهوا ، أو عدم التأثير في بطلان صلاة المأمومين مطلقا كما
يومئ اليه بعض الأخبار السالفة ، أو عدم وجوب إعلامهم بذلك كما يشير إليه أيضا بعض
الأخبار. انتهى. والظاهر بعده.
و (خامسها) ـ وهو
الأظهر حمل ما دل على الضمان على التقية واليه تشير صحيحة معاوية بن وهب ويعضده ما
نقله في المنتهى من أنه أطبق الجمهور إلا مكحول على انه لا سهو على المأموم .
(الثاني) ـ لو
اشترك الامام والمأموم في السهو فالظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في وجوب العمل
عليهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو اتفقا في خصوصه أو اختلفا ، فالأول كما إذا تركا
سجدة واحدة سهوا فذكراها بعد الركوع فإنهما يمضيان في الصلاة ويقضيان السجود بعدها
اتفاقا ويسجدان للسهو بناء على المشهور من وجوب
__________________
سجود السهو في هذا الموضع ، ولو ذكراها قبل الركوع فإنهما يجلسان ويأتيان
بها ثم يستأنفان الركعة. والثاني كما إذا ذكر الإمام السجدة المنسية بعد الركوع
والمأموم قبله فإنه يأتي المأموم بها ثم يلحق الامام وأما الامام فإنه يقضيها بعد
صلاته كما تقدم وفي السجود للسهو ما مر. ولو كانا قد نسيانا السجدتين معا وذكرهما
الامام بعد الركوع والمأموم قبله بطلت صلاة الإمام وأما المأموم فإنه يأتي بهما
وينفرد ويتم صلاته.
(الثالث) ـ لو
اختص السهو بالمأموم فلا خلاف ولا إشكال في عدم وجوب شيء لذلك على الإمام ، إنما
الخلاف بالنسبة إلى المأموم في انه هل يجب عليه الإتيان بموجب ذلك السهو أم لا؟
والأشهر الأظهر انه يجب عليه الإتيان بموجبه ، وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط إلى
انه لا حكم لسهو المأموم هنا ولا يجب عليه سجود السهو بل ادعى عليه الإجماع ،
واختاره المرتضى (رضى الله عنه) ونقله عن جميع الفقهاء إلا مكحولا ومال اليه الشهيد في الذكرى والمحقق في المعتبر على
اختلاف بينهما في بعض الأحكام كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في المقام.
قال في الذكرى
: ولا حكم لسهو المأموم الموجب لسجدتي السهو في حال الانفراد بمعنى انه لو فعل
المأموم موجب سجدتي السهو كالتكلم ناسيا أو نسيان السجدة أو التشهد لم تجبا عليه
وان وجب قضاء السجدة والتشهد ، وكذا لو نسي ذكر الركوع أو السجود أو الطمأنينة
فيهما لم يسجد لهما وان أوجبنا السجود للنقيصة وذلك كله ظاهر قول الشيخ في الخلاف
والمبسوط واختاره المرتضى ونقله عن جميع الفقهاء إلا مكحولا ورواه العامة عن عمر . الى آخر كلامه (قدسسره) وقال المحقق في المعتبر ـ بعد نقل ذلك عن الخلاف وعلم
الهدى وجميع الفقهاء إلا مكحولا والاستدلال عليه بالرواية العامية ورواية حفص بن
البختري والرواية المتقدمة عن الرضا عليهالسلام في سابق هذا المقام ـ ما لفظه : والذي أراه ان ما يسهو
__________________
عنه المأموم ان كان محله باقيا اتى به وان تجاوز محله وكان مبطلا استأنف
وان كان مما لا يبطل فلا قضاء عليه ولا سجود سهو عملا بالأحاديث المذكورة.
وظاهره كما ترى
عدم وجوب القضاء في ما يقضى من الأجزاء المنسية لو كان منفردا وعدم سجود السهو في
ما أوجب السجود كذلك ، وظاهر كلام الشهيد المتقدم انما هو سقوط سجود السهو خاصة
واما قضاء الأجزاء المنسية فإنه يجب.
استدل الشهيد
في الذكرى على ما قدمنا نقله عنه فقال على اثر الكلام المتقدم : ورواه العامة عن
عمر عن النبي صلىاللهعليهوآله «انه ليس عليك خلف الإمام سهو الإمام كافيه وان سها الامام فعليه وعلى من
خلفه» وهذا الحديث رواه الدار قطني وفي طريقه ضعف عند المحدثين ولأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلىاللهعليهوآله فلم يأمره بالسجود
وروينا في
الحسن عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ليس على الامام سهو ولا على من خلف الامام سهو
ولا على السهو سهو ولا على الإعادة اعادة». وقال الفاضل لو انفرد المأموم بموجب
السهو وجب عليه السجدتان كالمنفرد لقول أحدهما (عليهماالسلام) «ليس على الامام ضمان». قلنا الخاص مقدم ، ويعارض بما رواه عيسى الهاشمي عن
أبيه عن جده عن على عليهالسلام انه قال : «الامام ضامن». وقد يحتج بما رواه في التهذيب
عن منهال القصاب ، ثم نقل الرواية
__________________
كما قدمناه. ثم قال ويمكن حملها على الاستحباب. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : أنت
خبير بأن أدلة هذا القول ترجع إلى رواية حفص وحديث الرضا عليهالسلام وموثقة عمار الأولى والثانية ، والجميع لا يخلو من
الإشكال فإن منها ما هو في غاية الإجمال الموجب للقدح في الاستدلال ومنها ما هو
ظاهر إلا ان تطرق الحمل على التقية اليه متوجه لما عرفت آنفا من أن ذلك مذهب
الجمهور.
فاما رواية حفص
فلما تقدم من ان السهو فيها مجمل يحتمل شموله للسهو بالمعنى المشهور وعدمه ،
والظاهر من مرسلة يونس وصحيحة على بن جعفر هو حمل السهو على الشك فيمكن أن يكون في
هذه الرواية كذلك.
واما رواية
الرضا عليهالسلام فهي أشد إجمالا وأكثر احتمالا وقد قيل فيها وجوه :
(أحدها) أن
يكون المراد بالوهم الشك أو ما يشمله والظن ، فإن المأموم الشاك يرجع الى يقين
الامام اتفاقا والى ظنه على الأشهر كما تقدم ، والظان الى يقينه على الأشهر كما
تقدم ايضا ، فيصدق انه يحمل أوهام من خلفه. واما استثناء التكبير فيه فلأنه مع
الشك فيه لم يتحقق الدخول في الصلاة فضلا عن تحقق المأمومية فلا يرجع اليه.
و (ثانيها) ـ ان
يكون المراد بالوهم الأعم من الشك والسهو ويكون المقصود بيان فضيلة الجماعة
وفوائدها وانه لا يقع من المأموم سهو وشك غالبا في الركعات والأفعال لتذكير الامام
له. ولا يخلو من بعد.
و (ثالثها) ـ ان
يكون المراد بالوهم ما يشمل الشك والظن والسهو أو يختص بالسهو كما فهمه جماعة ،
فيدل على عدم ترتب حكم السهو على سهو المأموم كما هو مطلوب المستدل. ومنه يظهر عدم
بطلان صلاة المأموم بزيادة الركن سهوا في ما إذا ركع أو سجد قبل الإمام أو رفع
رأسه منهما قبله فإنه يرجع في تلك الصور ولا يضره زيادة الركن.
و (رابعها) ـ ان
يكون المراد ما يسهو عنه من الأذكار غير تكبيرة الإحرام
إذ ليس فيها ركن غيرها ، ولعل المراد انه يثاب عليها مع تركه لها سهوا
وإتيان الإمام بها بخلاف المنفرد فان غايته انه لا يعاقب على تركها دون أن يثاب
عليها وحينئذ فمع تعدد ما ذكرنا من الاحتمال فكيف يصلح للاستدلال.
وأما موثقتا
عمار فالأظهر حملهما على التقية ، على ان الثانية منهما غير ظاهرة لأن وجوب سجود
السهو في الأمور التي اشتملت عليها إنما يتجه على قول من قال بذلك لكل زيادة
ونقيصة وهو خلاف المشهور ودليله لا يخلو من القصور كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى
في تلك المسألة.
هذا. واما ما
يدل على القول المشهور من وجوب سجود السهو بعروض أحد أسبابه المروية فصحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج ورواية منهال القصاب ومنها روايات نفى الضمان وقد تقدم جميع ذلك .
واما احتمال حمل
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على ان القائل كان منفردا كما قيل فبعيد جدا بل تعسف
محض.
واما حمل
الشهيد (قدسسره) في ما تقدم من كلامه رواية منهال على الاستحباب ففيه
ان الدليل ليس منحصرا فيها مع ما عرفت في هذا الحمل في غير مقام واما ما ذكره (قدسسره) ايضا ـ من ان نفى الضمان عام ونفى السجود خاص والخاص
مقدم على العام مع المعارضة برواية عيسى بن عبد الله الهاشمي ـ ففيه ما عرفت في
تلك الروايات من الإجمال وتعدد الاحتمال في بعض والحمل على التقية في آخر.
وبالجملة فإنه
مع تسليم تعارض الأخبار يشكل ترك العمل بالأحكام الثابتة بالعمومات القوية عند
عروض السهو مع انه الأوفق بالاحتياط ومؤيد بالأخبار الدالة عليه ، فالأقوى والأحوط
عدم ترك سجود السهو للمأموم متى عرض له أحد أسبابه. والله العالم.
__________________
(الرابع) ـ لو
اختص السهو بالإمام كما لو تكلم ناسيا والحال ان المأموم لم يتابعه فالمشهور سيما
بين المتأخرين اختصاصه بحكم السهو ، وذهب الشيخ وجملة من أتباعه إلى انه يجب على
المأموم متابعته في سجدتي السهو وان لم يعرض له السبب وبهذا القول قال أكثر العامة
.
استدل الشيخ
بوجوه : (أحدها) وجوب متابعة الامام. ورد بأنه انما تجب متابعته حال كونه اماما
وسجدتا السهو إنما هما بعد الفراغ من الصلاة وانقضاء الائتمام على ان صلاة المأموم
لا تبنى على صلاة الإمام فقد تبطل صلاة الإمام مع صحة صلاة المأموم كما لو تبين
حدثه أو فسقه أو كفره فان ذلك لا يقدح في صحة صلاة المأموم فكذا مع حصول النقص
فيها واستدراكه بالسجود مثلا فإنه لا يستلزم تعدى ذلك الى المأموم.
و (ثانيها) ـ ما
رواه العامة عن عمر عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : «ليس على من خلف الامام سهو الإمام كافيه وان
سها الامام فعليه وعلى من خلفه» رواه الدار قطني . ورد بان الخبر من روايات العامة فلا يقوم حجة مع انه
عندهم ايضا ضعيف
و (ثالثها) ـ موثقة
عمار المتقدمة وهي الثالثة من رواياته والجواب عنه بالحمل على التقية كما عرفت فان
القول بذلك مذهب جمهور العامة .
واما ما يشعر
به كلام صاحب الذخيرة ـ من التردد هنا والميل الى مذهب الشيخ لما ذكره من الدليل
الأول والثالث ـ فهو من تشكيكاته الواهية.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الشهيد في الذكرى قد ذكر فروعا على قول الشيخ في القاعدتين ، قال (الأول)
لو رأى المأموم الإمام يسجد للسهو وجب عليه السجود وان لم يعلم عروض السبب حملا
على ان الظاهر منه انه يؤدى ما وجب
__________________
عليه ، ولعدم شرعية التطوع بسجدتي السهو.
واعترضه المحقق
الأردبيلي (قدسسره) بأنه يحتمل أن يكون عرض له السبب في صلاة أخرى وذكره
في هذا الوقت فلا يجب على المأموم متابعته.
وأورد عليه بعض
مشايخنا المحققين أيضا بالنسبة إلى ادعائه عدم مشروعية التطوع بهما انه في محل
المنع ، قال إذ الأصحاب كثيرا ما يحملون الأخبار الواردة بهما مع المعارض أو
مخالفة المشهور على الاستحباب.
أقول : يمكن
دفع هذا الإيراد بأن الظاهر ان مراد الشيخ الشهيد إنما هو عدم مشروعية سجدتي السهو
بدون أحد الأسباب المعدودة في الأخبار وكلام الأصحاب كما انه يستحب السجود مطلقا
بل إنما يقع ويشرع مع أحد الأسباب المذكورة ، وحينئذ فلا يرد عليه حمل الأصحاب
لهما على الاستحباب باعتبار وجود أحد الأسباب. ومرجع كلام الأصحاب إلى أصل السبب
وصلوحه للسببية لا الى نفس السجود فمن حيث عدم صلوحه للسببية لمعارض ونحوه يحملون
السجود على الاستحباب وهذا لا يأباه كلام الشهيد بناء على ما فسرناه به.
ثم ذكر جملة من
الفروع التي ليس في إيرادها كثير فائدة مع ما عرفت من ضعف القول الذي فرعت عليه.
(الخامس) ـ قوله
عليهالسلام في رواية منهال القصاب «فاسجد سجدتين ولا تهب» يحتمل أن
يكون من المضاعف اى لا تقم من مكانك حتى تأتى بهما ، قال في النهاية : فيه «لقد
رأيت أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله يهبون إليها كما يهبون الى المكتوبة» يعنى ركعتي المغرب
اى ينهضون إليها. وفي القاموس الهب الانتباه من النوم ونشاط كل سائر وسرعته.
ويحتمل أن يكون على بناء الأجوف وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد به عدم الخوف عليه
من تشنيع الناس عليه بالسهو في الصلاة أو عدم الخوف من المخالفين للخلاف بينهم في
ذلك. والله العالم.
فائدة
روى الصدوق في
الفقيه والشيخ في التهذيب عن سماعة عن ابى عبد الله
عليهالسلام «في رجل سبقه الإمام بركعة ثم أوهم الإمام فصلى خمسا؟ قال يعيد تلك الركعة
ولا يعتد بوهم الامام». كذا في التهذيب وفي الفقيه «يقضى تلك الركعة» عوض «يعيد».
قال في الوافي
: «يعيد تلك الركعة» أي يصليها منفردا أسماها اعادة لانه قد فاتته مع الامام.
انتهى.
أقول : لعل
المراد من كلامه ان السؤال وقع عن حكم المأموم قبل الإتمام مع الامام ، بمعنى انه
لما صلى ثلاثا وبقيت عليه ركعة واحدة ولكن الإمام في تلك الحال سها فزاد رابعة فما
حكم المأموم في حال قيام الإمام للخامسة؟ قال يأتي بما بقي عليه وهي الركعة التي
فاتته. ولكنه عبر عن الإتيان بالإعادة ، ولا يخلو من بعد فان ظاهر الخبر ان الرجل
أكمل صلاته أربعا مع الامام وتابعه في الخامسة التي زادها الامام سهوا ، وحينئذ
فيشكل امره بإعادة تلك الركعة التي تابع الامام فيها حال سهوه لانه يلزم أن تكون
صلاته خمسا حينئذ ، فإن هذا ظاهر الخبر والاشكال فيه من جهة ما ذكرناه ظاهر ايضا ،
والأقرب على هذا ان قوله «يعيد تلك الركعة» وقع تصحيف «يعتد» بالتاء الفوقانية من
الاعتداد عوض الياء التحتانية من الإعادة فإنه لا معنى لإعادة الركعة هنا بالكلية
، وحاصل المعنى انه يعتد بتلك الركعة التي تابع فيها الامام ولكن يجب حمله على نية
الانفراد فيها أو مشاركته للإمام في سهوه ، فان بطلان صلاة الإمام بزيادة تلك
الركعة لا يوجب بطلان صلاة المأموم لعدم حصول الزيادة في صلاته والاقتداء به فيها
على تقديره إنما وقع سهوا فلا اشكال. هذا على ما في التهذيب واما على ما في الفقيه
من قوله «يقضى» فالمراد من القضاء مجرد الفعل كقوله «فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ» لا المعنى المشهور ، وحاصله أن يأتي بتلك الركعة ويتم
صلاته ولا يعتد ببطلان صلاة
__________________
الإمام ، وهو اما بقصد الانفراد ان تابع الإمام في خامسته أو انه انفرد من
أول الأمر ولم يتابع فيها. والله العالم.
(المسألة
الثالثة عشرة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا حكم
للسهو مع الكثرة لكن ظاهر جملة منهم ان المراد بالسهو هنا الشك كما صرح به في
المعتبر وهو ظاهر العلامة في المنتهى والتذكرة واختاره في المدارك ونقل بعض
مشايخنا انه مذهب الأكثر ، وظاهر آخرين ـ ومنهم الشيخ وابن زهرة وابن إدريس وغيرهم
والظاهر انه المشهور ـ هو العموم للشك والسهو وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني وغيره
وهو الأظهر.
والأصل في
المسألة الأخبار ، ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة وابى
بصير قالا : «قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى ولا ما بقي
عليه؟ قال يعيد. قلنا فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك؟ قال يمضى في شكه ثم قال لا
تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض
أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه الشك. قال
زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ان يطاع فإذا عصى لم يعد إلى أحدكم».
وما رواه
المشايخ الثلاثة عن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك ان
يدعك انما هو من الشيطان». وفي الفقيه «فدعه» مكان «فامض في صلاتك».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابن سنان ـ والظاهر انه عبد الله الثقة ـ عن غير واحد عن ابى عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك».
وعن عمار
الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يكثر
__________________
عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدرى أركع أم لا ويشك في السجود
فلا يدرى أسجد أم لا؟ فقال لا يسجد ولا يركع ويمضى في صلاته حتى يستيقن يقينا».
وروى الصدوق
مرسلا عن الرضا عليهالسلام قال : «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك».
وما رواه في
الفقيه والتهذيب عن على بن أبي حمزة عن رجل صالح عليهالسلام قال : «سألته عن رجل يشك فلا يدرى أواحدة صلى أو اثنتين
أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته؟ قال كل ذي؟ قال قلت نعم. قال فليمض في صلاته
ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يوشك أن يذهب عنه».
وهذا الخبر
حمله الشيخ على النوافل أولا ثم حمله ثانيا على كثير الشك وهو الصواب ولذا أوردناه
في اخبار الباب إذا عرفت هذا فاعلم ان تحقيق الكلام في هذا المقام يحتاج إلى بسطه
في موارد
(الأول) ـ قوله
عليهالسلام في صحيحة زرارة وابى بصير المتقدمة أو حسنتهما «الرجل
يشك كثيرا في صلاته» الظاهر ان المراد بالكثرة هنا كثرة أطراف الشك ومحتملاته وان
كان شكا واحدا كأن يشك لا يدرى واحدة صلى أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا ومن ثم أمره
بالإعادة وليس المراد به كثرة افراد الشك الذي هو محل البحث فإنه لا اعادة معه
اتفاقا نصا وفتوى إلا ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في المقام من بعض الأعلام ،
ثم انه لما راجعه السائل وقال : «انه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك» امره بما هو
الحكم في كثير الشك من المضي في شكه وعدم الالتفات فإنه بكثرة ذلك عليه قد دخل تحت
كثير الشك فوجب عليه ما ذكرناه من حكمه.
واحتمل المحقق
الأردبيلي حمل قوله في صدر الخبر «يشك كثيرا» على كثرة افراد الشك اى يقع منه الشك
كثيرا حتى يبلغ الى حد لا يعرف عدد ركعاته ، ويدل الخبر على ما اختاره من التخيير
في الحكم في كثير الشك بين ان يكون حكمه المضي وعدم الالتفات أو العمل بمقتضى الشك
فهو عنده مخير بين العمل بالشك
__________________
وعدم الالتفات اليه مستندا إلى انه عليهالسلام أمره أولا بالإعادة ثم لما بالغ في الكثرة أمره بعدم
الالتفات اليه.
وأنت خبير بما
فيه من البعد عن سياق الخبر المذكور كما لا يخفى على المتأمل البصير ولا ينبئك مثل
خبير ، فان نهيه عليهالسلام عن تعويد الخبيث وامره بالمضي في الشك ونهيه عن إكثار
نقض الصلاة وذكر التعليلات المذكورة لا يجامع شيء منها التخيير فضلا عن اجتماعها
وصراحتها في المدعى. وبالجملة فإن معنى الخبر انما هو ما قدمنا ذكره من حمل الكثرة
في صدر الخبر على كثرة أطراف الشك ومحتملاته والكثرة بالمعنى المراد في المقام
انما هي ما أشار إليه السائل بعد المراجعة بقوله : «فإنه يكثر عليه ذلك. إلخ» ومن
ثم أمره عليهالسلام بالإعادة في الأول والمضي في الثاني
وبذلك يظهر لك
ان ما ذكره المحقق المشار اليه غير موجه وان سبقه الى ذلك ايضا الشهيد الأول (طاب
ثراه) في الذكرى حيث انه احتمل حمل الأمر بالمضي في الشك على الرخصة.
قال (قدسسره) في الكتاب المذكور لو اتى بعد الحكم بالكثرة بما شك
فيه فالظاهر بطلان صلاته لأنه في حكم الزيادة في الصلاة متعمدا إلا ان يقال هذا
رخصة لقول الباقر عليهالسلام «فامض في صلاتك فإنه يوشك ان يدعك الشيطان». إذ الرخصة هنا غير واجبة.
انتهى.
ولا يخفى ما
فيه سيما مع عدم دلالة الخبر على ما يدعيه ان لم يدل على خلافه كما لا يخفى على من
يتدبر في ما ذكرناه ويعيه ، فإن الأصل في الأوامر الواردة في هذه الأخبار بالمضي
هو الوجوب والنواهي المانعة عن تعويد الشيطان من نفسه وعن إكثار نقض الصلاة هو
التحريم ، وحملهما على المجاز يحتاج الى دليل لا بمجرد التشهي والظن.
واما ما يظهر
من خبر على بن أبي حمزة من ان كثرة الشك تحصل بتعدد
__________________
الاحتمالات في الشك الواحد ـ وقد أشرنا سابقا الى ان مثل هذا ليس من كثرة
الشك في شيء ـ فينبغي حمله على علم الامام عليهالسلام من حال السائل انه كان كثير الشك لا من مجرد هذا السؤال
أو دلالة قرائن الأحوال يومئذ على انه لا يصدر عنه مثل هذا الشك إلا من حيث كونه
كثير الشك دائما.
(الثاني) ـ قد
تقدمت الإشارة إلى الخلاف في ان الحكم المذكور هنا هل هو مخصوص بالشك أو شامل له
وللسهو؟ وربما رجح الأول بنسبة ذلك الى الشيطان والذي يقع من الشيطان انما هو الشك
واما السهو فهو من لوازم طبيعة الإنسان. وفيه نظر لتصريح الآيات والروايات بنسبة
السهو ايضا الى الشيطان كقوله عزوجل «وَإِمّا
يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ» وقوله «وَما أَنْسانِيهُ
إِلَّا الشَّيْطانُ» مع ان الشك انما يحصل من الشيطان فلا فرق بينهما في ان
كلا منهما من الشيطان.
والظاهر عندي
هو العموم لان اخبار المسألة منها ما ورد بلفظ الشك ومنها ما ورد بلفظ السهو
والقول بالعموم جامع للعمل بالأخبار كملا واما التخصيص بالشك فيحتاج إلى التأويل
في اخبار السهو بالحمل على الشك وإخراجه عن ظاهر حقيقته اللغوية التي هي النسيان
وهو يحتاج الى دليل مع انه لا ضرورة تلجئ اليه.
ويؤيد ما قلناه
ما تشير إليه الأخبار المذكورة من ان العلة في هذا الحكم هو رفع الحرج والتخفيف
على المكلفين لأن الإعادة موجبة للزيادة حيث ان ذلك من الشيطان وهو معتاد لما عود
، وهذا مما يجري في الشك والسهو.
وممن وافقنا في
المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا فقال :
واعلم ان ظاهر عبارات كثير من الأصحاب التسوية بين الشك والسهو في عدم الالتفات
إليهما بل شمول الحكم للسهو في كلامهم أظهر. وهو ظاهر النصوص. وفي عبارة المعتبر وكلام
المصنف في عدة من كتبه اشعار باختصاص الحكم بالشك. والأول يقتضي عدم الإبطال
بالسهو في الركن وعدم
__________________
القضاء إذا كان السهو موجبا له ، ولم أجد من الأصحاب من صرح بهما بل صرح
جماعة منهم بخلافهما مع تصريح بعضهم بسقوط سجود السهو والفرق بينه وبين القضاء محل
تأمل واحتمل الشارح الفاضل عدم وجوب القضاء. انتهى. وهو جيد وسيأتي في المقام ان
شاء الله تعالى ما فيه مزيد تحقيق لما اخترناه وتأييد لما ذكرناه.
(الثالث) ـ قال
في المدارك : ولو كثر السهو عن واجب يستدرك اما في محله أو في غير محله وجب
الإتيان به ، ولو كان عن ركن وتجاوز محله فلا بد من الإعادة تمسكا بعموم ما دل على
الحكمين المتناول لكثرة السهو وغيره السالم من المعارض. وهل تؤثر الكثرة في سقوط
سجدات السهو؟ قيل نعم وهو خيرة الذكرى دفعا للحرج ، وقيل لا وهو الأظهر لأن أقصى
ما تدل عليه الروايات المتقدمة وجوب المضي في الصلاة وعدم الالتفات الى الشك فتبقى
الأوامر المتضمنة للسجود بفعل موجبه سالمة من المعارض. انتهى.
أقول : فيه ان
هذا الكلام لا يلائم ما قدمه في صدر البحث من اختصاص الحكم بالشك ، فان اللازم من
ذلك ان كثرة السهو ليس من هذه المسألة في شيء حتى يستثني منه هذين الفردين.
اللهمّ إلا ان يقال ان غرضه بيان حكم هذين الفردين بناء على القول بالعموم. وفيه
ان عبارته قاصرة عن افادة هذا المفهوم.
وكيف كان فإنه
على تقدير القول بالعموم فهل يكون الحكم في هذين الفردين ما ذكره من عدم العمل
بموجب الكثرة فيهما وبقاء حكمهما على ما كان أو انه يجرى حكم الكثرة فيهما؟ ظاهر
كلامهم الأول كما تقدمت الإشارة إليه في كلام الفاضل الخراساني وبه صرح في الذكرى
كما ذكره السيد السند هنا.
وما استدل به
السيد من التمسك بعموم ما دل على الحكمين المتناول لكثرة السهو وغيره معارض بعموم
ما دل على المضي في الصلاة مع الكثرة وإلغاء السهو الشامل لهذين الفردين وغيرهما ،
وكيف استجاز تخصيص عموم اخبار السهو في غير هذين الموضعين واخبار الشك بهذه
الأخبار ويمنعه في هذين الموضعين مع عدم ظهور
الفرق في البين وهل هو إلا تحكم محض؟ واما ما دل على وجوب الاحتياط في
افراد الشكوك فشامل بإطلاقه لكثير السهو وغيره.
وبالجملة فإنه
قد تعارض هنا عمومان عموم أخبار المضي مع كثرة الشك والسهو الشامل للسهو في ركن
وغيره ولما كان في محله أو غير محله مما يقضي أو لا يقضى ، وعموم ما دل على
البطلان بالسهو عن الركن حتى تجاوز محله أو دل على التدارك في المحل والقضاء بعده
الشامل لكثير السهو وغيره ، فدعوى تخصيص العموم الأول بالثاني دون العكس ترجيح من
غير مرجح بل الأمر بالعكس لما ثبت في جملة أفراد الشك وأفراد السهو في غير
الموضعين المذكورين من تخصيص أدلة تلك الأحكام فليكن مثله في هذين الفردين مؤيدا
بما اشتملت عليه التعليلات في الأخبار من مراعاة حال المكلف وتخفيف الأمر عليه
وتخليصه من شباك الوسواس الخناس.
وبذلك يتبين لك
ايضا ما في كلام شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) حيث انه من جملة من مال الى تخصيص
حكم الكثرة بالشك تبعا لصاحب المدارك ومن تقدمه حيث قال ـ بعد الكلام في المقام
واختيار حمل الأخبار كملا على الشك ـ ما صورته : بل الأصوب ان يقال شمول لفظ السهو
في تلك الأخبار للسهو المقابل للشك غير معلوم وان سلم كونه بحسب أصل اللغة حقيقة
فيه ، إذ كثرة استعماله في المعنى الآخر بلغت حدا لا يمكن فهم أحدهما منه إلا
بالقرينة ، وشمولها للشك معلوم بمعونة الأخبار الصريحة ، فيشكل الاستدلال على
المعنى الآخر بمجرد الاحتمال ، مع ان حمله عليه يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن
الظهور لو كان ظاهرا فيه ، إذ لو ترك بعض الركعات أو الأفعال سهوا يجب عليه
الإتيان به في محله إجماعا ، ولو ترك ركنا سهوا وفات محله تبطل صلاته إجماعا ولو
كان غير ركن يأتي به بعد الصلاة لو كان مما يتدارك ، فلم يبق للتعميم فائدة إلا في
سقوط سجود السهو وتحمل تلك التخصيصات الكثيرة أبعد من حمل السهو على خصوص الشك لو
كان بعيدا ، مع ان مدلول الروايات المضي في الصلاة وهو لا ينافي وجوب سجود السهو
إذ هو خارج عن الصلاة ، فظهر ان من عمم النصوص لا تحصل له في التعميم
فائدة. انتهى
أقول : لا يخفى
ان ما ذكره وأورده وارد على من قال بهذه الإجماعات ووافق عليها وجعلها حججا شرعية
ومع ذلك كله يقول بالعموم ، واما من لا يعتبر هذه الإجماعات ولا يجعلها دليلا
شرعيا وإنما يعتمد على الروايات ويجعل البحث منوطا بها ومعلقا عليها من غير نظر
الى خلاف أو وفاق فلا ريب ان الحق عنده في المسألة هو ما قدمناه كما قدمناه في
سابق هذا المورد وأوضحناه.
واما دعواه ـ ان
كثرة استعمال السهو بمعنى الشك أوجبت الاشتراك بين المعنى الحقيقي للسهو وبين هذا
المعنى المجازي لشيوعه وكثرته حتى انه لا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة. إلخ. فإن
فيه مع غض النظر عن المناقشة انه وان كان الأمر كما ذكره إلا ان التعليلات التي
اشتملت عليها الأخبار ظاهرة في العموم ، فان الغرض من المضي في السهو والشك وعدم
الالتفات إليهما إنما هو رعاية حال المكلف وتخفيف الأمر عليه بعدم استيلاء الشيطان
وتطرقه اليه وهذا أمر مشترك بين الشك والسهو بل ربما كان أظهر في السهو كما يشعر
به نقض الصلاة بمعنى ابطالها بالكلية الناشئ عن السهو في ركن حتى تجاوز محله ونحو
ذلك.
واما قوله ـ مع
ان مدلول الروايات المضي في الصلاة. الى آخره ـ ففيه ان الظاهر من قولهم «يمضي في
شكه ويمضى في صلاته» انما هو الكناية عن عدم الالتفات الى ما يوجبه الشك أو السهو
من الإتيان بالمشكوك فيه أو الاحتياط أو الإتيان بما سها عنه في محله أو بعد فوات
محله أو ما أوجباه من سجود سهو ونحوه ، وبالجملة فالمراد جعل ذلك في حكم العدم
كأنه لم يكن ثمة سهو ولا شك بالمرة ، وهذا هو المعنى الملائم لتلك التعليلات
المشار إليها آنفا من التخفيف على المصلى وان لا يطمع الشيطان في العود اليه وهو
الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر.
وكيف كان
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط مما لا ينبغي تركه بحال. والله العالم.
(الرابع) ـ اعلم
ان ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ان حكم الشك مع الكثرة عدم الالتفات إليه
بالكلية كما تقدمت الإشارة إليه ، فلو اشتمل على ما يبطلها في غير تلك الحال من
الأركان أو الأفعال لم تبطل في صورة الكثرة بل يمضي في صلاته ويبنى على وقوع
المشكوك فيه وان كان محله باقيا ركنا كان أو غيره ما لم يستلزم الزيادة فيبني على
الصحيح ، وقد دلت موثقة عمار على انه بالشك في الركوع والسجود وان كان في محله فإنه
يمضى ولا يركع ولا يسجد. وإذا ثبت ذلك في الأركان ثبت في غيرها من الأفعال بطريق
اولى ، مضافا الى الأمر بالمضي في الأخبار وهكذا يقال بالنسبة إلى السهو على ما
اخترناه من العموم. ومن جملة ذلك أيضا صلاة الاحتياط في صور الشك المتقدمة فإنه لا
يأتي بها ، وتردد المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) في سقوط صلاة الاحتياط. ولا يخفى ما
فيه.
وقد أشرنا في
ما تقدم ايضا الى ان الحكم بما ذكرناه من عدم الالتفات الى الشك أو السهو حتى
لظواهر الأوامر والنواهي الواردة في الأخبار ، ولم يظهر خلاف في ذلك إلا ما قدمناه
عن المحقق الأردبيلي وقبله الشهيد في الذكرى.
ومقتضى كلام
الأصحاب ان من كثر شكه فإنه يبنى على الأكثر وتسقط عنه صلاة الاحتياط لعلة الكثرة
، واختار المحقق الأردبيلي (قدسسره) البناء على الأقل للأصل مع العمل بعدم اعتبار الشك مع
الكثرة في الجملة. ولم أقف على قائل بذلك سواه.
ولا يخفى على
الناظر في الأخبار بعين التأمل والاعتبار انه ليس العلة في تغيير الحكم في كثير
الشك عن ما كان عليه غيره إلا مراعاة جانبه والتخفيف عليه بدفع وساوس الشياطين عنه
، والتخفيف إنما يحصل بما عليه الأصحاب من البناء على الأكثر وجعل المشكوك فيه
كأنه فعله واتى به من غير ان يترتب على ذلك شيء زائد على إتمامه الصلاة على تلك
الحال ، إذ في البناء على الأقل يحصل زيادة تكليف موجب
__________________
لإعادة الشيطان له ورغبته في تشكيكه.
وبالجملة فإن
جميع ما ذكره هذا المحقق من الأقوال وخلاف الأصحاب كله خلاف ظواهر النصوص الدالة
على تسهيل التكليف مضافا الى عموم النصوص الدالة على ان دينه صلىاللهعليهوآله سمح سهل كما تمدح به صلىاللهعليهوآله من قوله «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة».
قال شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) بعد الكلام في الشك بنحو ما ذكرناه : واما السهو فقد
عرفت ان المشهور بين الأصحاب عدم ترتب حكم على الكثرة فيه ، وذهب الشهيد الثاني
إلى ترتب الحكم عليه مع موافقته لسائر الأصحاب في وجوب العود الى الفعل الذي سها
فيه إذا ذكره مع بقاء محله ، وقضائه بعد الصلاة مع تذكره بعد فوات محله ، وبطلان
الصلاة بترك الركن أو الركعة نسيانا مع مضى وقت التدارك وكذا زيادة الركن والركعة
على التفصيل المقرر في أحكام السهو ، فلم يبق النزاع إلا في سجود السهو ويشكل
الاستدلال بالنصوص على سقوطه فالأحوط الإتيان به. واحتمل الشهيد في الذكرى اغتفار
زيادة الركن سهوا ، من كثير السهو دفعا للحرج ولاغتفار زيادته في بعض المواضع.
أقول طريق الاحتياط واضح. انتهى.
أقول : اما ما
ذكره من نسبة الاختصاص بالشك الى المشهور فهو اعرف به فإنه لم ينقل ذلك إلا عن
ظاهر المحقق والعلامة. وأما تخصيص العموم بالشهيد الثاني ففيه ما تقدم من ان ذلك
مذهب الشيخ وابن زهرة وابن إدريس ، نقل ذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة. واما ما
أورده على الشهيد الثاني فهو في محله كما تقدمت الإشارة اليه ولكن ظواهر الأخبار ـ
كما قدمنا بيانه ـ تدفع ذلك لظهور عمومها للسهو والشك في ركن كان أو غيره في محله
أو في غير محله كما تقدم تحقيقه.
__________________
واما ما ذكره من الإشكال في الاستدلال بالنصوص على سقوط سجدتي السهو فقد
تقدم الجواب عنه ايضا ، وان العبارة المذكورة في النصوص إنما خرجت مخرج الكناية عن
عدم الالتفات بالكلية الى ما يترتب على ذلك السهو والشك. والله العالم.
(الخامس) ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما تتحقق به الكثرة الموجبة لسقوط الأحكام في هذا
المقام ، فظاهر المشهور بين المتأخرين ومتأخريهم هو إرجاع ذلك الى العرف ، ذهب
اليه الفاضلان والشهيدان ومن بعدهم ، وقال الشيخ في المبسوط : واما ما لا حكم له
ففي اثنى عشر موضعا : من كثر سهوه وتواتر وقيل ان حد ذلك ان يسهو ثلاث مرات
متوالية.
قال في المختلف
بعد نقل ذلك عنه : وهذا يدل على عدم الرضا بهذا القول. وقال ابن إدريس السهو الذي
لا حكم له هو الذي يكثر ويتواتر ، وحده ان يسهو في شيء واحد أو فريضة واحدة ثلاث
مرات فيسقط بعد ذلك حكمه أو يسهو في أكثر الخمس فرائض أعني ثلاث صلوات من الخمس كل
منهن قام إليها فسها فيها فيسقط بعد ذلك حكم السهو ولا يلتفت الى سهوه في الفريضة
الرابعة. وقال ابن حمزة لا حكم له إذا سها ثلاث مرات متواليات وأطلق في فريضة أو
فرائض.
وأنكر المحقق
ما ذكره ابن إدريس تمام الإنكار وقال بعد نقل ذلك عنه انه يجب ان يطالب هذا القائل
بمأخذ دعواه فانا لا نعلم لذلك أصلا في لغة ولا شرع والدعوى من غير دلالة تحكم.
انتهى.
أقول : يمكن أن
يكون الوجه في ما ذكره ابن إدريس هو ان النصوص تضمنت سقوط حكم السهو مع الكثرة ولم
تحد هذه الكثرة في الأخبار بحد معين والكثرة لغة وعرفا تحصل بثلاث مرات ، إلا انه
يبقى الكلام في محلها وهو أعم من الشيء الواحد أو الفريضة الواحدة أو الفرائض
الخمس حسبما ذكره ، فلو سها أو شك في شيء واحد ثلاث مرات مضى في الرابعة ولم
يلتفت ، أو كان كذلك في فريضة واحدة شخصية فإنه يمضى في الرابع ولا يلتفت ، أو كان
كذلك في
ثلاث فرائض متوالية فيسقط حكمه في الفريضة الرابعة. وهذا القول ليس بذلك
البعيد إلا ان المحقق لما كان مولعا بتتبع سقطات الشيخ المزبور والتشنيع عليه سارع
قلمه الى ما ذكره.
والذي ورد في
هذا المقام من الأخبار ما رواه الصدوق عن محمد بن ابى عمير عن محمد بن أبي حمزة في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام انه قال : «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن
كثر عليه السهو». ولا يخفى ما فيه من الإجمال الموجب لسعة دائرة الاحتمال.
قال في الذخيرة
بعد الحكم بترجيح القول المشهور وهو الرجوع الى العرف ثم نقل الخبر : انه يحتمل
وجهين (أحدهما) ان يكون المراد الشك في جميع الثلاث بان يكون المراد الشك في كل
واحد واحد من اجزاء الثلاث اى ثلاث كان. و (ثانيهما) ان يكون المراد انه كلما صلى
ثلاث صلوات يقع فيها الشك بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية من الشك ثبت له حكم
الكثرة ، وحينئذ يقع الاحتياج الى العرف أيضا إذ ليس المراد كل ثلاث صلوات تجب على
المكلف على التعاقب الى انقضاء التكليف وإلا يلزم انتفاء حكم الكثرة وسقوطه
بالكلية. وترجيح أحد الاحتمالين على الآخر على وجه واضح لا يخلو من إشكال وان لم
يبعد ترجيح الأخير ومع هذا فالثلاث مجمل فيحتمل أن يكون المراد الصلوات أو الفرائض
أو الركعات أو الأفعال مطلقا ولا يبعد ترجيح الأولين ، ومع هذا فغاية ما يستفاد من
الرواية حصول الكثرة بذلك وهو غير مناف للعرف لا حصرها فيه فاذن لا معدل عن
الإحالة إلى العرف. انتهى.
أقول : ما ذكره
من المعنى الأول فهو الذي فهمه المحقق الأردبيلي (نور الله مرقده) من الخبر
المذكور ، حيث قال : ويمكن ان يكون معنى رواية محمد بن ابى عمير ان السهو في كل
واحدة واحدة من اجزاء الثلاث بحيث يتحقق في جميعه موجب
__________________
لصدق الكثرة وانه لا خصوصية له بثلاث دون ثلاث بل في كل ثلاث تحقق تتحقق
كثرة السهو فتزول بواحدة واثنتين ايضا ويتحقق حكمها في المرتبة الثالثة فيكون
تحديد التحقق وزوال حكم الشك معا ، فتأمل فإنه قريب. انتهى كلامه (علا مقامه)
والظاهر انه لا يخلو من البعد من لفظ الخبر.
واما المعنى
الثاني فالظاهر انه الأقرب الى لفظ الخبر وهو ان يسهو في كل ثلاث صلوات متواليات
سهوا واحدا ولا تكون ثلاث صلوات متواليات خالية من السهو ، كأن يسهو مثلا في الصبح
ثم في المغرب ثم في الظهر وهكذا ، فهو إنما يفيد تحديد انقطاع كثرة السهو بخلو
ثلاث فرائض متواليات من السهو فيها لا تحديد حصول الكثرة ، فإن مقتضى لفظ «كل» هو
الدوام ، فان جعل ذلك باعتبار الاستمرار الى آخر عمره لزم ان لا يعلم كونه كثير
السهو إلا بعد موته ؛ وان جعل باعتبار اليوم والليلة أو الأسبوع أو الشهر فلا
دلالة للخبر على شيء من ذلك ، مع انه لا تتعدد الثلاث في اليوم والليلة وظاهر
الخبر كون ذلك في زمان تتعدد فيه الثلاث ، فلا بد من الخروج عن ظاهر لفظ الخبر
والرجوع الى العرف بمعنى انه تكررت تلك الحال منه بحيث يقال في العرف انه ليس له
ثلاث صلوات خالية من الشك ، فيصير الخبر من هذه الجهة خاليا من الفائدة إذ ظاهر
سياقه انما هو لبيان حكم الانقطاع فقط ففي حصول الكثرة يرجع الى العرف وفي
انقطاعها الى خلو ثلاث صلوات متوالية عن السهو.
ثم أقول : لا
يخفى انه لما كان من القواعد المقررة في كلامهم انه مع عدم وجود الحقيقة الشرعية
أو العرفية الخاصة فإنه يجب حمل اللفظ على الحقيقة اللغوية أو العرفية حيث كانت
الحقيقة اللغوية أو العرفية ، وحيث كانت الحقيقة اللغوية هنا غير معلومة حملوا لفظ
الكثرة على العرف والعادة.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض : والمرجع في الكثرة إلى العرف لعدم تقديرها شرعا ، وقيل
تتحقق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية أو في فريضة واحدة
ثلاث مرات ، والظاهر انه غير مناف للعرف. وفي حكمه السهو ثلاثا في فريضتين
متواليتين ، وربما خصها بعضهم بالسهو في ثلاث فرائض لقول الصادق عليهالسلام في رواية ابن ابى عمير «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو». وهي غير
صريحة في ذلك فان ظاهرها ان المراد وجود الشك في كل ثلاث بحيث لا تسلم له ثلاث
صلوات خالية من شك. ولم يقل أحد بانحصار الاعتبار في ذلك. انتهى.
وأنت خبير بما
في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من الإشكال كما نبهنا عليه في غير مقام مما
تقدم :
اما (أولا)
فلما علم اختلاف الناس والأقاليم والبلدان في العرف والعادات فان لكل بلد عرفا
وعادة خاصة.
و (ثانيا) انه
ان أريد العرف الخاص بمعنى عرف كل بلد بالنسبة الى من فيها فإنه موجب لاختلاف
الحكم الشرعي باختلاف الناس في عرفهم وهو غير معهود من الشارع ولا دليل عليه بل
الدليل على خلافه واضح السبيل ، وان أريد العام فهو في تعذر الوقوف عليه والاطلاع
أظهر من أن يحتاج الى البيان. ومن ذا الذي يدعى الإحاطة بعرف عامة البلدان في حكم
واحد فضلا عن أحكام عديدة مما ناطوه بالعرف.
و (ثالثا) ان
المفهوم من الأخبار انه مع تعذر الوقوف على المعنى المراد من اللفظ وما عنى به
وقصده الشارع فان الواجب الوقوف عن الفتوى والعمل بالاحتياط متى احتيج الى العمل
بذلك لدخول هذا الفرد في الشبهات المأمور فيها بذلك والاحتياط في المقام بالعمل بأحكام الشك والسهو ثم
الإعادة من رأس.
__________________
ثم انه على
تقدير تخصيص الكثرة بالثلاث فهل الحكم يتعلق بالثالثة أو الرابعة؟ قولان ، قال في
الروض : ومتى حكم بثبوتها بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع ويستمر الى أن يخلو من
السهو والشك فرائض يتحقق بها الوصف فيتعلق به حكم السهو الطارئ وهكذا. انتهى.
وتمسك القائلون
بذلك ـ على ما نقله بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) ـ بان حصول الثلاث سبب لتحقق
حكم الكثرة والسبب مقدم على المسبب. ويرد عليه ان تقدم السبب ذاتي ولا تنافيه
المعية الزمانية. مع ان التقدم الزماني لا يخل هنا بالمقصود وظاهر ما قدمنا نقله
عن المحقق الأردبيلي تعلق الحكم بالثالث. واحتمل في الذكرى حصول الكثرة بالثانية ،
قال : ويظهر من قوله عليهالسلام في حسنة حفص بن البختري «ولا على الإعادة اعادة». ان السهو يكثر بالثانية. إلا أن يقال يختص بموضع
وجوب الإعادة. انتهى.
أقول : قد
قدمنا ان الأظهر في معنى هذه العبارة هو انه لو صدر منه شك أو سهو موجب لإعادة
الصلاة ثم حصل في الصلاة المعادة ما يوجب الإعادة أيضا فإنه لا يعيد ولا يلتفت
اليه بل يتم صلاته ، ولا منافاة بينه وبين التحديد الواقع في صحيحة محمد بن ابى
عمير إذ لا يلزم ان يكون عدم الإعادة في الصلاة المعادة إنما هو لحصول الكثرة
بل هما حكمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه ، إذ السهو الموجب للكثرة لا ينحصر
في ما كان سببا للإعادة ، والسهو في المعادة لا يستلزم كثرة السهو وان اجتمع الحكمان في بعض الموارد ولا تنافي بينهما.
وقد عرفت ان
ظاهر كلام الذكرى ان الإعادة تستلزم الكثرة ، ويظهر من المدارك موافقته على ذلك
حيث قال بعد نقل عبارة الذكرى المتقدمة : وهو كذلك إلا انى لا أعلم بمضمونها
قائلا.
__________________
قال شيخنا
المجلسي بعد نقل ذلك عنه : أقول لما لم يعلم تحقق إجماع على خلافه والرواية
المعتبرة دلت عليه فلا مانع من القول به ولذا مال إليه والدي العلامة (قدس الله
روحه) والأحوط الإتمام والإعادة رعاية للمشهور بين الأصحاب. انتهى.
أقول : ان كان
مراده وكذا مراد السيد السند بتقوية ما ذكره في الذكرى ودلالة الرواية عليه
بالنسبة الى عدم الإعادة في الصلاة المعادة لو حصل فيها موجب الإعادة فهو جيد إلا
انه بعيد عن سياق كلام الذكرى ، وان أراد بالنسبة إلى حصول الكثرة وان عدم الإعادة
في الصلاة المعادة إنما هو من حيث حصول الكثرة كما هو ظاهر كلام الذكرى وكلام
السيد ايضا ففيه ان الرواية لا دلالة فيها على ذلك ومجرد نفى الإعادة لا دلالة فيه
على ان ذلك لحصول الكثرة. وبالجملة فإن الظاهر ان كلام شيخنا المشار اليه لا يخلو
من غفلة. والله العالم.
(المسألة
الرابعة عشرة) ـ قد تقدم في صور الشكوك الأربعة وجوب صلاة الاحتياط ولم نتعرض ثمة
للبحث عنها ولا عن أحكامها وتحقيق ذلك هنا يقع في مواضع :
(الأول) ـ الظاهر
من كلام الأصحاب وجوب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط بل كاد ان يكون اتفاقا
بينهم ، إلا ان بعض متأخري أصحابنا نقل عن القطب الراوندي في شرح النهاية الطوسية
انه قال : من أصحابنا من قال انه لو شك بين الاثنتين والأربع أو غيرهما من تلك
الأربعة فإذا سلم قام ليضيف ما شك فيه الى ما يتحقق قام بلا تكبيرة الإحرام ولا
تجديد نية ويكتفى في ذلك بعلمه وإرادته ويقول لا تصح نية مترددة بين الفريضة
والنافلة على الاستئناف وان صلاة واحدة تكفيها نية واحدة وليس في كلامهم ما يدل
على خلافه. وقيل ينبغي ان ينوي انه يؤدى ركعات الاحتياط قربة الى الله ويكبر ثم
يصلى. انتهى.
وهذا القول وان
لم يشتهر نقله بين الأصحاب إلا أن إطلاق الأخبار المتقدمة في الأمر بالاحتياط
يعضده ، فإن أقصى ما تضمنته تلك الأخبار انه يقوم ويركع ركعة أو ركعتين من قيام أو
جلوس ، وليس فيها على تعددها وكثرتها تعرض
لذكر تكبيرة الإحرام كما لا يخفى على من راجعها مع اشتمالها على قراءة
الفاتحة والتشهد والتسليم ، والمقام فيها مقام البيان لأنها مسوقة لتعليم المكلفين
، فلو كان ذلك واجبا لذكر ولو في بعض كما ذكر غيره مما أشرنا اليه.
والذي وقفت
عليه من عبائر جملة من المتقدمين وجل المتأخرين خال من ذكر التكبير ايضا.
نعم روى الشيخ
في التهذيب عن زيد الشحام قال : «سألته عن الرجل يصلى العصر ست ركعات أو خمس
ركعات؟ قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد ، وان كان لا يدرى أزاد أم نقص
فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد».
فان ظاهره ان
هاتين الركعتين إنما هما للاحتياط وان كان الاحتياط هنا غير مشهور في كلام الأصحاب
إلا ان ظاهر الصدوق في المقنع القول بذلك ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة
العاشرة ، وحينئذ فيمكن أن تخصص تلك الأخبار بهذا الخبر. وكيف كان فالاحتياط يقتضي
الوقوف على القول المشهور.
(الثاني) ـ لو
فعل المبطل قبل الإتيان بصلاة الاحتياط فهل تبطل الفريضة ويسقط الاحتياط أم تبقى
على الصحة ويجب الإتيان بالاحتياط؟ قولان يلتفتان الى ان صلاة الاحتياط هل هي جزء
من الفريضة المتقدمة أم هي صلاة برأسها خارجة عن تلك الصلاة؟ فالأول مبنى على
الأول والثاني على الثاني. والقول بالبطلان منقول عن ظاهر الشيخ المفيد واختاره
العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى ، والى الثاني ذهب جمع : منهم ـ ابن إدريس
والعلامة في الإرشاد والظاهر انه الأشهر في كلام المتأخرين.
قال في الذكرى
: ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب تعقيب الاحتياط للصلاة من غير تخلل حدث أو كلام أو
غيره حتى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام قبله
__________________
ناسيا كما مر ، وقال ابن إدريس لا تفسد الصلاة بالحدث قبله لخروجه عن
الصلاة بالتسليم وهذا فرض جديد. وهو ضعيف لان شرعيته ليكون استدراكا للفائت من
الصلاة فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون الحدث واقعا في الصلاة فيبطلها.
انتهى.
واستدل العلامة
في المختلف على ما ذهب اليه من الابطال بتخلل الحدث بوجوه (أحدها) ان الاحتياط معرض
لان يكون تماما للصلاة فكما تبطل الصلاة بالحدث المتخلل بين أجزائها المحققة فكذا
ما هو بمنزلتها. و (ثانيها) قوله (عليهالسلام) في آخر رواية ابن ابي يعفور المتقدمة في مسألة الشك
بين الاثنتين والأربع «فإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع وان كان صلى أربعا كانت هاتان
نافلة وان تكلم فليسجد سجدتي السهو». و (ثالثها) قوله (عليهالسلام) في رواية أبي بصير المتقدمة «إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين». والفاء للتعقيب
وإيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث. و (رابعها) قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة المتقدمة «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع. قام فأضاف إليها أخرى». فإن جعل
القيام جزء يقتضي تعقيب فعله بالشرط ،
هذا حاصل ما
استدلوا به على هذا القول وما يمكن تكلفه له من الأدلة.
ورده جملة من
متأخري المتأخرين (أما الأول) فلان شرعية فعل الاحتياط استدراكا للفائت لا يقتضي
جزئيته من الصلاة ، مع انه منفصل عنها بما يوجب الانفصال والانفراد من النية
والتكبير والتسليم. و (اما الثاني) فمع عدم صحة الرواية فهي غير صريحة في المدعى
لاحتمال ان يكون المراد سجود السهو للكلام الصادر في أثناء الصلاة أو أثناء صلاة
الاحتياط لا الكلام المتخلل بين الصلاتين ، على ان ترتب السجود عليه غير صريح في
تحريمه ، مع انه لو سلم تحريمه لا يلزم منه بطلان الصلاة به. و (اما الثالث) فبعد
تسليم دلالة الفاء الجزئية على التعقيب مع ـ انه
__________________
قد منعه بعض العلماء ، وان مجرد الحدث مناف للتعقيب الذي دلت عليه الفاء ـ فانا
نقول ليس المراد بها هنا التعقيب بدلالة ذكر «ثم» في مثل هذا الموضع في بعض
الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي ورواية ابن ابى يعفور وعدم ذكر شيء
منهما في بعض الأخبار ايضا كحسنة زرارة وبالجملة فإنه لا يخفى على المتتبع ان الفاء في أمثال
هذا المقام منسلخة عن معنى التعقيب وانما المراد منها مجرد ترتب ما بعدها على
السابق ، ومع تسليم ذلك لا يلزم منه بطلان الصلاة بترك المبادرة وإنما اللازم منه
وجوب المبادرة وهو غير محل البحث. و (اما الرابع) فإنه لا يعتبر في الجزاء ان يكون
بعد الشرط بلا فصل ، مع ان ذلك لا يقتضي إلا مجرد الوجوب وهو غير محل البحث أيضا.
أقول :
والتحقيق ان هذه التعليلات المذكورة كما عرفت عليلة وقصارى ما تدل عليه اخبار
الاحتياط هو وجوب المبادرة به بعد إتمام الصلاة وهو غير موجب لبطلان ما تقدم
بالحدث المتجدد بينهما ، مع ما ورد من ان تحليل الصلاة التسليم وهو عام وتخصيصه بغير موضع النزاع يحتاج الى دليل وليس
فليس ، وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه ابن إدريس. ويؤيده أيضا ما ورد من الأخبار
الدالة على صحة الصلاة مع تخلل الحدث قبل التسليم بناء على استحباب التسليم كما هو أحد الأقوال أو كونه
واجبا خارجا كما هو المختار ، فإنها شاملة بإطلاقها لهذا الموضع وتخصيصها يحتاج
الى مخصص وليس فليس.
وكيف كان فإنه
وان كان الأرجح لما ذكرناه هو القول بالصحة إلا ان المسألة لما كانت خالية من النصوص
بالخصوص فالأحوط الإتيان بالاحتياط ثم اعادة الصلاة من رأس.
ثم اعلم ان
العلامة في المختلف أورد على ابن إدريس التناقض بين فتواه بعدم
__________________
البطلان بالحدث المتخلل وقوله بجواز التسبيح ، لأن الأول يقتضي كونها صلاة
منفردة والثاني يقتضي كونها جزء.
قال في الذكرى
: ويمكن دفعه بان التسليم جعل لها حكما مغايرا للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة
ولا ينافي ذلك تبعية الجزء في باقي الأحكام. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو جيد
لو ثبت التبعية بدليل من خارج لكنه غير ثابت بل الدليل قائم على خلافه. انتهى. وهو
جيد.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر الأخبار الدالة على انه مع ظهور تمام الصلاة فالاحتياط نافلة ومع ظهور
النقصان فهو متمم هو أن هذه الصلاة ذات جهتين فهي من جهة صلاة مستقلة برأسها ومن
جهة أخرى تكون سادة للنقص الواقع في الصلاة وبالنظر الى هذا الوجه الأخير جوز ابن
إدريس التسبيح إلا ان الأخبار كما ستعرف ان شاء الله تعالى تدفعه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ظاهر الأصحاب ترتب الوجهين المتقدمين في صلاة الاحتياط على الأجزاء
المنسية فلو فاتته السجدة أو التشهد أو أبعاضه على القول بوجوب القضاء ففعل
المنافي قبل الإتيان بها ففيه الوجهان المتقدمان في الاحتياط.
قال في الذكرى
: واولى بالبطلان عند بعضهم للحكم بالجزئية هنا يقينا ، ولا خلاف في انه يشترط
فيها ما يشترط في الصلاة حتى الأداء في الوقت ، فان فات الوقت ولما يفعلها تعمدا
بطلت صلاته عند بعض الأصحاب لأنه لم يأت بالماهية على وجهها ، وان كان سهوا لم
تبطل عنده ونوى بها القضاء وكانت مترتبة على الفوائت قبلها أبعاضا كانت أو صلوات
مستقلة. انتهى.
أقول : اما ما
نقله من الأولوية استنادا الى الحكم بالجزئية يقينا فلا يخلو من شيء ، إذ لو تم
ذلك لوجب الحكم ببطلان الصلاة وبتخلل الأركان بين محلها أولا ومحل تلافيها أخيرا
على انه ليس كذلك ، وبالجملة فإنه لا ريب في خروجها عن محض الجزئية ، ووجوب
الإتيان بها بعد الصلاة حكم آخر. واما ما ذكره
من كونها مترتبة على الفوائت قبلها فلم نقف له على دليل بل إطلاق الأدلة
يقتضي انتفاءه
وبالجملة فحيث
كانت المسألة كسابقتها خالية من النصوص فالاحتياط فيها مطلوب وان كان الظاهر هو
القول بالصحة كما عرفت في تلك المسألة. والله العالم.
(الثالث) ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تعين الفاتحة في صلاة الاحتياط ، وذهب ابن إدريس
إلى التخيير بينها وبين التسبيح. والقول الأول هو المعتضد بالنصوص المتقدمة
الصريحة في وجوب قراءة الفاتحة فيها ، ولا ينافي ذلك إطلاق بعض الأخبار بذكر ركعة
أو ركعتين من غير تعرض لذكر الفاتحة ، فإنه محمول على تلك الأخبار حمل المطلق على
المقيد كما هو القاعدة المشهورة المنصوصة أيضا.
واما ما ذكره
في الذخيرة هنا ـ من احتمال حمل الأخبار الدالة على التعيين على الاستحباب حتى
ادعى انه لا ترجيح لأحد التأويلين على الآخر ـ
ففيه (أولا) ما
عرفت من ان هذه القاعدة في الجمع بين الأخبار وان اشتهر العمل بها بين الأصحاب بل
لا عمل لهم على غيرها في جميع الأبواب إلا انه لا دليل عليها من سنة ولا كتاب بل
ظاهر الأدلة المذكورة ردها ، فان الحمل على الاستحباب مجاز لا يجوز القول به إلا
مع القرينة الصارفة عن الحمل على الحقيقة وليس فليس.
و (ثانيا) ان
اللازم بمقتضى ما ذكره انه يتخير بين القراءة وعدمها وان كانت القراءة أفضل ولا
قائل به ولا دلالة في ذلك على قول ابن إدريس.
وبالجملة فإن
ما ذكره لا اعرف له وجها وجيها وانما التجأ إلى موافقة القول المشهور لقوله صلىاللهعليهوآله «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب». قال وان لم يصل الى حد الحقيقة فالحمل عليه
أقرب. ولا يخفى عليك ما فيه من الوهن لما عرفت في غير مقام مما تقدم من ان إطلاق
الأحكام في الأخبار إنما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة فإنها هي التي يتبادر
إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ، على انك قد عرفت
__________________
ان صلاة الاحتياط غير متمحضة للاستقلال والمتبادر من الخبر انما هو الصلاة
المستقلة. وبالجملة فالأولى في الاستدلال على ذلك انما هو ما ذكرناه.
ونقل عن ابن
إدريس انه احتج بان الاحتياط قائم مقام الركعتين الأخيرتين فيثبت فيه ما ثبت في
مبدله. وضعفه أظهر من ان يتصدى الى بيانه. والله العالم.
(الرابع) ـ الظاهر
انه لا خلاف ولا إشكال في صحة الصلاة لو ذكر تمامها بعد الإتيان بصلاة الاحتياط
لدلالة الأخبار على ذلك وان الاحتياط هنا يكون نافلة. اما لو ذكر في حال الاحتياط
والحال هذه فهل يقطع الاحتياط لظهور الاستغناء عنه أم يتمه؟ الظاهر التخيير في ذلك
وان كان الأفضل الإتمام حيث انه بظهور الاستغناء عنه يكون نافلة ومن شأن النافلة
ذلك.
اما لو ذكر
نقصان صلاته فلا يخلو اما ان يذكر بعد الفراغ من الصلاة والاحتياط معا أو بعد
الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط أو في أثناء الاحتياط فههنا صور ثلاث :
(الأولى) ـ ان
يذكر بعد الفراغ من الصلاة والاحتياط معا والمشهور عدم الالتفات مطلقا ، وعليه تدل
ظواهر الأخبار المصرحة بأنه متى اتى بالاحتياط فان كانت صلاته تامة كان احتياطه
نافلة وان كانت ناقصة كان متمما.
وذهب بعض
الأصحاب إلى البطلان في صورة المخالفة يعني مخالفة الاحتياط للناقص الذي ظهر نقصه
كما إذا كان الشك بين الثنتين والثلاث والأربع وقد احتاط بركعتين من قيام ثم
ركعتين من جلوس ثم ظهر له بعد ذلك كون ما صلى ثلاث ركعات. ولعل وجه البطلان عنده
من حيث لزوم اختلال نظم الصلاة حيث انه متى ذكر ان الناقص ركعة والمبدو به من
الاحتياط انما هو الركعتان من قيام وهو مخالف للناقص والمطابق له انما هو الركعتان
من جلوس وهي المتأخرة فيلزم اختلال نظم الصلاة. وفيه ان ذلك إنما يشكل إذا قلنا
بأن صلاة الاحتياط جزء لا صلاة مستقلة وقد عرفت في ما تقدم ان الأظهر هو الاستقلال
فلا إشكال.
(الثانية) ـ ان
يذكر بعد الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط ، وحينئذ فلا يخلو اما ان يكون قد فعل
منافيا يبطل الصلاة أم لا ، وعلى الثاني لا إشكال في وجوب الإتمام ثم السجود للسهو
لما زاده من التشهد والتسليم ، وعلى الأول يبنى على مسألة من فعل المنافي بعد
تسليمه على ركعتين من كون ذلك المنافي مبطلا عمدا لا سهوا أو عمدا وسهوا أو غير
مبطل. وقد تقدم تحقيق ذلك في المسألة المذكورة
(الثالثة) ـ ان
يذكر النقص في أثناء الاحتياط ، وحينئذ اما ان يكون ذلك الاحتياط مطابقا للناقص
كما إذا شك بين الثنتين والثلاث فأتم وشرع في ركعة الاحتياط من قيام ثم ذكر في
أثنائها النقصان ، أو غير مطابق كما إذا شك بين الثنتين والثلاث والأربع ثم شرع في
الركعتين من قيام وذكر في أثنائها نقصان ركعة. فعلى الأول هل تبطل الصلاة ويستأنف
نظرا الى ان القدر المعلوم ثبوته من تلك الأدلة ورودها بالنسبة إلى الشك المستمر
الى الفراغ من الاحتياط ، فان هذا الترديد المتقدم في الأخبار انما هو بالنظر الى
صلاته واقعا بمعنى انه ان كانت في الواقع صلاته تامة فاحتياطه نافلة وان كانت
ناقصة فاحتياطه متمم لا بالنظر الى ظهور ذلك للمكلف وان أمكن الجري على ذلك في بعض
المواضع ولهذا لم تجد لهذه الصور التي فرعها الأصحاب في هذا المقام في الأخبار
أثرا ، أو يجب الإتمام نظرا الى عموم الأدلة؟ قولان. وعلى الثاني فهل يتم الاحتياط
ولا شيء عليه أو يقتصر على القدر المطابق ان لم يتجاوزه أو يبطل الاحتياط ويرجع
الى حكم تذكر النقصان أو تبطل الصلاة؟ احتمالات والاحتياط في مثل هذه المواضع
المشتبهة الخالية من النصوص واجب. والله العالم.
فروع
(الأول) ـ قال
في الذكرى : لو صلى قبل الاحتياط غيره بطل فرضا كان أو نفلا ترتب على الصلاة
السابقة أولا ، لأن الفورية تقتضي النهي عن ضده
وهو عبادة. هذا إذا كان متعمدا ولو فعل ذلك سهوا وكانت نافلة بطلت ، وكذا
إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها اما لاختلاف نوعها كالكسوف واما لتجاوز محل
العدول ، ويحتمل الصحة بناء على ان الإتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة وان أمكن
العدول يحتمل قويا صحته كما يعدل الى جميع الصلاة.
(الثاني) ـ يترتب
الاحتياط ترتب المجبورات ، وهو بناء على انه لا يبطله فعل المنافي ، وكذا الأجزاء
المنسية تترتب ، ولو فاتته سجدة من الأولى وركعة احتياط قدم السجدة ، ولو كانت من
الركعة الأخيرة احتمل تقديم الاحتياط لتقدمه عليها وتقديم السجدة لكثرة الفصل
بالاحتياط بينها وبين الصلاة.
(الثالث) لو
أعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجزئ لعدم إتيانه بالمأمور به ، وربما احتمل
الإجزاء لإتيانه على الواجب وزيادة.
كذا صرح بذلك
في الذكرى. وفي كثير منها اشكال والاحتياط في أمثال هذه المواضع مطلوب على كل حال
كما عرفت في غير موضع مما تقدم.
خاتمة في أحكام
سجدتي السهو اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في موجب سجدتي السهو على أقوال
متعددة واراء متفرقة ، فقال ابن ابى عقيل : الذي تجب فيه سجدتا السهو عند آل
الرسول صلىاللهعليهوآله شيئان : الكلام ساهيا خاطب المصلى نفسه أو غيره ،
والآخر دخول الشك عليه في أربع ركعات أو خمس فما عداها.
والشيخ المفيد
في المقنعة قد عد ثلاثة مواضع تجب فيها سجدتا السهو أحدها ـ السهو عن سجدة حتى
يفوت محلها ، ومن نسي التشهد ولم يذكر حتى يركع في الثالثة ، ومن تكلم ناسيا. ولم
يذكر شيئا آخر ولم ينص على عدد.
وقال في
الرسالة الغرية : لو نسي التشهد الأول وذكره بعد الركوع مضى في صلاته فإذا سلم من
الرابعة سجد سجدتي السهو ، وكذلك ان تكلم ناسيا في صلاته فليسجد بعد التسليم سجدتي
السهو ، وان لم يدر أزاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد
ركوعا أو نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان الشك له فيه حاصلا بعد تقضى وقته
وهو في الصلاة سجد سجدتي السهو ، قال وليس لسجدتي السهو موضع في الشك في الصلاة
إلا في هذه الثلاثة المواضع والباقي بين مطرح أو متدارك بالجبران أو فيه اعادة
وقال ثقة
الإسلام في الكافي بعد تقسيمه مواضع السهو الواردة في الأخبار الى ما يجب على
الساهي فيه اعادة الصلاة وهي سبعة مواضع ثم عدها ، وما لا يجب فيها إعادة الصلاة
وتجب فيها سجدتا السهو : الذي يسهو فيسلم في الركعتين ثم يتكلم من غير ان يحول
وجهه وينصرف عن القبلة ، قال فعليه أن يتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو ، والذي ينسى
تشهده ولا يجلس في الركعتين وفاته ذلك حتى يركع في الثالثة فعليه سجدتا السهو
وقضاء تشهده إذا فرغ من صلاته ، والذي لا يدرى أربعا صلى أو خمسا عليه سجدتا السهو
، والذي يسهو في بعض صلاته فيتكلم بكلام لا ينبغي له مثل أمر ونهى من غير تعمد
فعليه سجدتا السهو ، فهذه أربعة مواضع تجب فيها سجدتا السهو. الى آخر كلامه.
وقال الشيخ في
المبسوط : واما ما يوجب الجبران بسجدتي السهو فخمسة مواضع : من تكلم في الصلاة
ساهيا ، ومن سلم في الأولتين ناسيا ، ومن نسي التشهد الأول حتى يركع في الثالثة ،
ومن ترك واحدة من السجدتين حتى يركع في ما بعد ، ومن شك بين الأربع والخمس ، قال
وفي أصحابنا من قال ان من قام في حال قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه كان عليه
سجدتا السهو. وقال في الجمل ما يوجب الجبران بسجدتي السهو أربعة مواضع ، وعد ما
تقدم وأسقط التشهد.
وقال في الخلاف
: وسجدتا السهو لا تجبان في الصلاة إلا في أربعة مواضع (أحدها) إذا تكلم في الصلاة
ناسيا. و (الثاني) إذا سلم في الصلاة في غير موضع السلام ناسيا. و (الثالث) إذا
نسي سجدة واحدة ولا يذكر حتى يركع في الركعة التي بعدها. و (الرابع) إذا نسي
التشهد الأول ولا يذكر حتى يركع في الثالثة ، فإن هذه المواضع يجب عليه المضي في
الصلاة ثم سجدتا السهو بعد التسليم ، قال واما
ما عدا ذلك فهو كل سهو يلحق الإنسان ولا يجب عليه سجدتا السهو فعلا كان أو
قولا زيادة كان أو نقصانا متحققة كانت أو متوهمة وعلى كل حال ، قال وفي أصحابنا (رضوان
الله عليهم) من قال عليه سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان. وفي الاقتصاد مثل الجمل.
وقال السيد
المرتضى في الجمل : تجب سجدتا السهو في خمسة مواضع : في نسيان السجدة والتشهد ولم
يذكر حتى يركع ، وفي الكلام ساهيا ، وفي القعود حالة القيام وبالعكس ، وفي الشك
بين الأربع والخمس.
وقال أبو جعفر
بن بابويه ، ولا تجب سجدتا السهو إلا على من قعد في حال قيام أو قام في حال قعود
أو ترك التشهد أو لم يدر أزاد أو نقص. ثم قال في موضع آخر : وان تكلمت في صلاتك
ناسيا فقلت «أقيموا صفوفكم» فأتم صلاتك واسجد سجدتي السهو.
وقال في المقنع
: واعلم ان السهو الذي تجب فيه سجدتا السهو هو انك إذا أردت أن تقعد قمت وإذا أردت
أن تقوم قعدت ، قال وروى أنه لا يجب عليك سجدتا السهو إلا ان سهوت في الركعتين
الأخيرتين لأنك إذا شككت في الأولتين أعدت الصلاة ، قال وروى ان سجدتي السهو تجب
على من ترك التشهد. وأوجب أبوه سجدتي السهو في نسيان التشهد وفي الشك بين الثلاث
والأربع إذا ذهب وهمه إلى الرابعة.
وأوجب سلار
سجدتي السهو في نسيان التشهد والسجدة والكلام ناسيا والقعود في حالة القيام
وبالعكس. وأوجبهما أبو الصلاح على من شك في كمال الفرض وزيادة ركعة عليه فيلزمه أن
يتشهد ويسلم ويسجد بعد التسليم سجدتي السهو وعلى من جلس ساهيا في موضع قيام
وبالعكس وعلى من تكلم ساهيا وعلى الساهي عن سجدة وعلى من يسهو عن ركعة أو اثنتين
ويسلم ثم يذكر ذلك قبل ان ينصرف فيلزمه التلافي وسجدتا السهو والتسليم. وابن
البراج أوجبهما في ما أوجبهما السيد
المرتضى وزاد التسليم في غير موضعه ، وكذا ابن حمزة إلا انه أسقط التسليم
في غير موضعه وجعل عوضه السهو عن سجدتين من الأخيرتين.
وقال ابن إدريس
: اختلف أصحابنا في ما يوجب سجدتي السهو فذهب بعضهم إلى أنها أربعة مواضع وقال
آخرون في خمسة مواضع وقال الباقون الأكثرون المحققون في ستة مواضع ، قال وهو الذي
اخترناه لما فيه من الاحتياط لان العبادات يجب أن يحتاط لها ولا يحتاط عليها.
والمواضع التي عدها نسيان السجدة والتشهد والكلام ناسيا والتسليم في غير موضعه
والقعود حالة القيام وبالعكس والشك بين الأربع والخمس.
وقال المحقق في
المعتبر بوجوبهما في نسيان السجدة والتشهد والسلام والكلام والشك بين الأربع
والخمس ، وحكى القيام والقعود ورده برواية سماعة الآتية ان شاء الله تعالى ، وحكى
الزيادة والنقصان والخلاف فيه والمستمسك من الجانبين ولم يرجح شيئا في البين. وقال
ابن عمه نجيب الدين في الجامع بمقالته وحكى القيام والقعود.
وقال العلامة
في المنتهى بوجوبهما في الكلام سهوا والتسليم في غير موضعه كالأولتين من الرباعيات
والثلاثية والأولة من الثنائية ، والشك بين الأربع والخمس والقعود في حال قيام وبالعكس
والسهو عن السجدة الواحدة. وفي المختلف أنهاه إلى ستة مواضع : الكلام
ناسيا والتسليم في غير موضعه وترك التشهد ناسيا وترك السجدة كذلك ومن شك بين
الأربع والخمس ومن شك فلا يدرى زاد أو نقص.
هذا ما وقفت
عليه من كلام الأصحاب واختلافهم في هذا الباب والواجب ان نبين من ذلك مما ذكره
الأصحاب كلا أو بعضا ما اقترن بالأخبار عنهم (عليهمالسلام) ودلت عليه الأدلة في المقام وذلك في مواضع :
(الأول) الكلام
ناسيا ، والمشهور بين الأصحاب وجوبهما بل نقل العلامة
__________________
في المنتهى إجماع الأصحاب عليه إلا انه نقل في الذخيرة عن المختلف والذكرى
انهما نقلا خلاف ابني بابويه في ذلك. وأنت خبير بأنه قد تقدم النقل عن ابن بابويه
بان قال : «وان تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت «أقيموا صفوفكم» فأتم صلاتك واسجد سجدتي
السهو» إلا ان يحمل كلامه على وجوب سجدتي السهو في خصوص هذا الكلام كما هو ظاهر
عبارته لا مطلق الكلام كما فهمه الأصحاب من الخبر الوارد بهذه العبارة ، نعم عبارة
أبيه ظاهرة في عدم عد الكلام في ما يوجب سجود السهو حيث اقتصر على ذينك الموضعين.
إلا انه يمكن القول بان كلامه غير دال على الحصر في الموضعين المذكورين وغايته أن
يكون مطلقا بالنسبة الى غير ذينك الموضعين لما ستعرف ان شاء الله تعالى من دلالة
الأخبار على جملة من المواضع الزائدة عليهما فيبعد منه الاقتصار على ذينك الموضعين
والحصر فيهما.
ويدل على
المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم»؟
قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد»
والظاهر فيه كما فهمه الأصحاب ان ذكر قوله «أقيموا صفوفكم». إنما خرج مخرج التمثيل
فيكون الخبر دالا على السجود لمطلق الكلام لا التخصيص كما هو ظاهر عبارة الصدوق
المتقدمة.
ورواية عبد
الله بن ابى يعفور المتقدمة في المسألة الثامنة وقوله فيها : «وان تكلم فليسجد سجدتي السهو».
والظاهر انه لا
فرق في وجوب السجود بين التكلم في الصلاة ناسيا أو ظانا الخروج من الصلاة.
ويدل على ذلك ما
رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن سعيد الأعرج
__________________
قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول صلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدث في الصلاة شيء؟ فقال وما ذاك؟ قالوا إنما صليت
ركعتين. فقال أكذلك يا ذا اليدين؟ ـ وكان يدعى ذا الشمالين ـ فقال نعم. فبنى على
صلاته فأتم الصلاة أربعا. وقال ان الله عزوجل هو الذي أنساه رحمة للأمة ، ألا ترى لو ان رجلا صنع هذا
لعير وقيل ما تقبل صلاتك ، فمن دخل عليه اليوم ذلك قال قد سن رسول الله صلىاللهعليهوآله وصارت أسوة. وسجد سجدتين لمكان الكلام».
إلا انه قد ورد
في مقابلة هذا الخبر في خصوص السجدتين المذكورتين ما رواه الشيخ في الموثق بعبد
الله بن بكير عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام هل سجد رسول الله صلىاللهعليهوآله سجدتي السهو قط؟ فقال لا ولا يسجدهما فقيه».
قال في التهذيب
: الذي افتى به ما تضمنه هذا الخبر واما الأخبار التي قدمناها من ان النبي صلىاللهعليهوآله سها فسجد فإنها موافقة للعامة وانما ذكرناها لأن ما
تتضمنه من الأحكام معمول بها على ما بيناه.
ثم ان مما يدل
على عدم السجدتين في هذا الموضع عدة أخبار أيضا : منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن
زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم
يتكلم ولا شيء عليه».
وعن زيد الشحام
قال : سألته عن الرجل. ثم ساق الخبر كما في صحيح زرارة المذكور الى ان قال : وان هو استيقن انه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم
انصرف وتكلم فلم يعلم انه لم يتم الصلاة فإنما عليه ان يتم الصلاة ما بقي منها فإن
نبي الله صلىاللهعليهوآله صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو
الشمالين يا رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدث
__________________
في الصلاة شيء؟ فقال ايها الناس أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا نعم لم تصل إلا
ركعتين. فقام فأتم ما بقي من صلاته.
وعن الفضيل بن
يسار في الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟
فقال انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا
وان تكلمت ناسيا فلا شيء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. الحديث».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح «في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى انه قد أتم الصلاة وتكلم ثم
ذكر انه لم يصل غير ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شيء عليه».
وأنت خبير بان
هذه الأخبار غير صريحة بل ولا ظاهرة في المنافاة لاحتمال قوله «ولا شيء عليه»
يعنى من إعادة الصلاة وصحيحة الفضيل ظاهرة في هذا المعنى ، أو لا شيء عليه من
الإثم. والأول أقرب. واما حمل الروايات المتقدمة على الاستحباب كما اختاره بعض
الأصحاب فظني بعده لما عرفت ما في هذا الحمل في غير باب ، ويعضد الأخبار المتقدمة
شهرة العمل بها بين الأصحاب وانها الأوفق بالاحتياط وعدم ظهور الأخبار الأخيرة في
المنافاة.
واما ما أريد
به بعضهم القول بالعدم ـ من حديث على بن النعمان الرازي المشتمل على انه سلم في المغرب في الركعتين الأولتين
سهوا وتكلم فأعاد أصحابه الصلاة وهو لم يعد بل أتم بركعة ، حيث ان ظاهره انه لم
يسجد سجدتي السهو وإلا لذكر والصادق عليهالسلام صوب فعله ـ ففيه ما قدمنا بيانه في المقام الثاني في ما
يبطل الصلاة من المطلب الأول في قواطع الصلاة وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما عرفت.
والله العالم.
__________________
(الثاني) ـ من
سلم في غير موضعه ناسيا ، والمشهور وجوب السجود فيه بل نقل العلامة في المنتهى
الاتفاق على ذلك ونسبه المحقق إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
وأنت خبير بأنه
يظهر من عبائر جملة ممن قدمنا كلامهم سقوط السجود في هذا الموضع كابن ابى عقيل
والشيخ المفيد والمرتضى وابن زهرة وسلار وابن حمزة.
احتج العلامة
في المختلف على ذلك بأنه لما كان في غير موضعه كان كلاما غير مشروع صدر نسيانا من
المصلى فيدخل في مطلق الكلام. واحتج على ذلك في بعض كتبه بصحيحة سعيد الأعرج
المتقدمة بالتقريب الذي ذكره في المختلف.
وفيه ان الظاهر
من الصحيحة المذكورة ان المراد بالكلام فيها انما هو ما تكلم صلىاللهعليهوآله به بعد التسليم وخاطب به القوم لا نفس التسليم.
واحتج المحقق بما
رواه عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام «انه سأله عن رجل صلى ثلاث ركعات فظن انها اربع فسلم ثم ذكر انها ثلاث؟ قال
يبنى على صلاته متى ما ذكر ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : «وكنت يوما عند العالم ورجل سأله عن رجل سها فسلم في
ركعتين من المكتوبة ثم ذكر انه لم يتم صلاته؟ قال فليتمها ويسجد سجدتي السهو».
فان الظاهر ان
المراد بالسهو في الركعتين يعنى التسليم على الركعتين لقوله «ثم ذكر انه لم يتم
صلاته» وحينئذ فيكون ذلك دالا على وجوب سجدتي السهو للتسليم في غير موضعه.
إلا انه يمكن
تطرق القدح إلى دلالة رواية عمار بأنه يجوز ان يكون السجود لغير التسليم وذلك فإنه
قد جلس في الثالثة وتشهد وسلم وكل من الجلوس والتشهد صالح لان يكون سببا للسجود
فيجوز ان يكون السجود لأجل الجلوس في موضع
__________________
القيام أو لزيادة التشهد فلا يكون الخبر ظاهرا في المدعى. وبنحو ذلك يمكن
القول في عبارة كتاب الفقه .
ويدل على عدم
الوجوب في هذه الصورة صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في سابق هذا الموضع ورواية على
بن النعمان الرازي المشار إليها ثمة ورواية زيد الشحام وفيه ما عرفت مما قدمنا ذكره.
نعم يمكن ان
يستدل على ذلك بصحيحة الحارث بن المغيرة ورواية أبي بكر الحضرمي وحسنة الحسين بن
ابى العلاء المتقدم جميع ذلك في صدر المسألة الرابعة من المطلب الثاني .
إلا انه يمكن
الجواب عن ذلك بان مساق الأخبار المذكورة انما هو في بيان صحة الصلاة وعدم بطلانها
بذلك ومقام البيان فيها إنما تعلق بذلك ، فغايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى وجوب
سجدتي السهو. إلا ان صحة هذا الكلام يتوقف على وجود المخصص وقد عرفت ان رواية عمار
قاصرة عن ذلك. والاحتياط لا يخفى قال في المدارك ـ بعد نقل الاتفاق في الصورة
المذكورة على وجوب السجود عن العلامة في المنتهى ـ ما لفظه : واستدل عليه بصحيحة
سعيد الأعرج الواردة في حكاية تسليم النبي صلىاللهعليهوآله على ركعتين في الرباعية وتكلمه مع ذي الشمالين في ذلك
حيث قال في آخرها : «وسجد سجدتين لمكان الكلام» وفي الدلالة نظر إذ من المحتمل ان
يكون الموجب للسجود التكلم الواقع بعد التسليم كما هو مذهب الكليني (رضى الله عنه)
ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ، ثم ساق الرواية كما
قدمناه ، ثم قال لأنا نجيب عنه بالحمل على نفى الإثم أو الإعادة كما تقدم ولو لا
الاتفاق على هذا الحكم لأمكن الجمع بين الروايتين بحمل الأولى على الاستحباب.
انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه (أولا) ان
جعله ما ذكره احتمالا في الرواية مشعر بكون الظاهر من
__________________
الرواية هو ما ذكره العلامة من حمل الكلام على التسليم لان هذه العبارة
إنما ترمى في هذا المقام ، مع انه ليس الأمر كذلك عند النظر في الخبر بعين التحقيق
بل هذا الاحتمال الذي ذكره هو ظاهر الخبر بل ربما يدعى تعينه ، فان المتبادر من
الكلام إنما هو الكلام الأجنبي من الصلاة لا اجزاء الصلاة المعدودة منها وأما
اجزاء الصلاة فإنه لو أريد التعبير عنها فإنما يعبر عنها بصورتها من سجود أو تسليم
أو تشهد أو نحو ذلك مع التقييد بالسهو أو العمد ، والمراد به في الخبر انما هو
كلامه صلىاللهعليهوآله مع ذي الشمالين أو مع الصحابة ومخاطبته لهم ، فركونه (قدسسره) الى ما ذكروه من المعنى السحيق البعيد عن جارة التحقيق
حتى انه يجعل ما قابله احتمالا مخالفا للظاهر ليس مما ينبغي ، بل الرواية المذكورة
ظاهرة الدلالة في ان المراد انما هو كلامه صلىاللهعليهوآله مع المأمومين. والظاهر ان الحامل لهم على الاستدلال
بهذه الرواية انما هو ضيق الخناق بعد دعوى الاتفاق في عدم الدليل من الأخبار مع ما
عرفت من ظهور الدلالة في موثقة عمار إلا انها لم تجر يومئذ على خواطرهم فالتجأوا
الى هذه الرواية بالتقريب المتقدم في كلام المختلف.
و (ثانيا) ـ ان
هذه الرواية قد تضمنت وقوع السهو منه صلىاللهعليهوآله مع اتفاقهم على عدم جوازه عليه صلىاللهعليهوآله وردهم لأخباره أو حملهم لها على التقية وطعنهم على
الصدوق وشيخه ابن الوليد حيث جوزا ذلك ، فكيف قبلوها هنا واعتمدوا في الاستدلال
عليها وحكموا انه صلىاللهعليهوآله سها وسجد للسهو؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر كما لا يخفى على
كل ناظر.
و (ثالثا) ـ دلالة
موثقة عمار المتقدمة على الحكم المذكور وظهورها فيه تمام الظهور ولقد كانت هي
الأولى بالإيراد والاستدلال بها على المراد مع اعتضادها بكلامه عليهالسلام في كتاب الفقه وقد قدمنا بيانه.
و (رابعا) ـ قوله
«ولو لا الاتفاق على هذا الحكم» نظرا الى دعوى العلامة ذلك مع انه في غير موضع من
شرحه طعن في أمثال هذه الدعاوي وناقش في هذه
الإجماعات ولا سيما مع ظهور المخالف هنا كما اعترف به من ان مذهب ثقة
الإسلام في المقام هو نفى السجود في هذه الصورة وهو من قدماء المحدثين ورؤساء
أساطين الدين وهو أعرف من العلامة (رضوان الله عليهما) بمواقع الأحكام في تلك
الأيام لأنه في عصرهم (عليهمالسلام) فإنه قال في الكتاب المذكور ـ في ضمن عده ما يجب فيه
سجدتا السهو وما لا يجب ـ ما صورته : ومنها مواضع لا يجب لها سجدتا السهو. الى ان
قال والذي يسلم في الركعتين الأولتين ثم يذكر فيتم قبل أن يتكلم فلا سهو عليه. وهو
ظاهر الجماعة الذين قدمنا ذكرهم في صدر الكلام.
و (خامسا) ـ ما
ذكر من الحمل على الاستحباب الذي اتخذوه ذريعة في هذه الأبواب مع ما فيه من الخروج
عن جادة التحقيق والصواب. والله العالم.
(الثالث) ـ من
شك بين الأربع والخمس ، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك في المسألة العاشرة في بيان
الخلاف في المسألة ونقل الأخبار الدالة على القول المشهور وقد عرفت من جملة من
العبارات المتقدمة عدم ذكر هذا الموضع في موجبات سجود السهو. ولم نقف للنافين على
دليل والعلامة في المختلف انما استدل لهم بأصالة البراءة ثم رده بأن الأصل يخرج
عنه بالدليل المنافي. وهو جيد.
وقد تقدم في
المسألة الثامنة رواية أبي بصير الدالة على سجود السهو في الشك بين
الاثنتين والأربع وقد تقدم تحقيق القول في ذلك.
(الرابع
والخامس) ـ نسيان السجدة الواحدة وذكرها بعد تجاوز المحل ونسيان التشهد وذكره بعد
تجاوز المحل
، وقد تقدم
تحقيق القول في ذلك في المسألة الرابعة من مسائل المطلب الثاني من هذا المقصد .
(السادس) ـ الشك
بين الثلاث والأربع مع غلبة الظن بالأربع ، قال الصدوق بوجوب سجدتي السهو في
الموضع المذكور. ونسب في الذكرى الى الصدوقين القول بوجوبهما في كل شك ظن الأكثر
وبنى عليه ، قال في الذكرى : لو ظن الأكثر
__________________
بنى عليه لما سلف ولا يجب معه سجدتا السهو للأصل ولعدم ذكرهما في أحاديث
الاحتياط هنا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وأوجبهما الصدوقان ولعله لرواية
إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا ذهب وهمك الى التمام ابدا في كل صلاة فاسجد
سجدتين بغير ركوع أفهمت؟ قلت نعم». وحملت على الاستحباب. انتهى.
أقول : روى ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام في حديث قال : «وان كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا
ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب وان
ذهب وهمك الى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ، فان ذهب وهمك
إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو». وهذا الحديث كما ترى مع صحة سنده
صريح في ما ذكره الصدوقان وبه يحصل الجواب عما ذكره في الذكرى من عدم ذكر السجدتين
في هذا الموضع في أحاديث الاحتياط فان هذا من أحاديث الاحتياط وهو صريح في ذلك مع
اعتضاده بخبر إسحاق بن عمار المذكور في كلامه.
ثم ان الظاهر
ان ما نقله عن الصدوقين في المقام انما استندا فيه الى كتاب الفقه الرضوي حيث انه
أفتى فيه بمضمون صحيحة الحلبي أو حسنته المذكورة كما هي عادتهما المعروفة
وطريقتهما المألوفة كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى حيث قال عليهالسلام «وان لم تدر ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين
واربع سجدات وأنت جالس تقرأ فيهما بأم القرآن ، وان ذهب وهمك إلى الثالثة فقم فصل
الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ، وان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم واسجد
سجدتي السهو». انتهى
__________________
وقد ظهر من ذلك
انه قد تطابق على هذا الحكم صحيحة الحلبي أو حسنته ورواية إسحاق بن عمار وكلامه عليهالسلام في هذا الكتاب فلا مجال للتوقف فيه مع عدم المنافي
وبذلك يظهر ما
في كلام شيخنا المجلسي في البحار حيث قال ـ بعد ذكر رواية إسحاق وحسنة الحلبي أو
صحيحته وان الحكم بذلك لا يخلو من قوة ـ ما لفظه : ولكن موثقة أبان عن ابى العباس
ظاهرة في عدم الوجوب فيمكن حمله على الاستحباب. انتهى. والرواية التي أشار إليها
هي ما رواه الراوي المذكور عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على
الثلاث فابن على الثلاث وان وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف وان اعتدل وهمك
فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس».
وأنت خبير بأن
غاية هذه الرواية ان تكون مطلقة بالنسبة إلى الحكم المذكور فيجب تقييدها بالأخبار
المتقدمة وحملها عليها من قبيل حمل المطلق على المقيد فلا منافاة. ولا يخفى على
المتتبع ان أحكام المسألة الواحدة لا تكاد تجتمع في خبر واحد وإنما تؤخذ من مجموع
اخبارها بضم بعضها الى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها وعامها على
خاصها ونحو ذلك.
وبما حققناه
يظهر قوة القول المذكور وان كان خلاف ما هو المشهور لاعتضاده بالدليل المأثور.
والله العالم.
(السابع) ـ القيام
في موضع قعود وبالعكس ، صرح به الصدوق والمرتضى وسلار وأبو الصلاح وابن البراج
وابن حمزة وابن إدريس والعلامة ، وخالف فيه الشيخان والكليني والشيخ على بن بابويه
وابن ابى عقيل وابن الجنيد والمحقق وابن عمه الشيخ نجيب الدين في الجامع وهو
اختيار العلامة في المنتهى وقد تقدم ذلك في عبائر الجماعة المذكورة ، والأخبار في
المسألة ايضا ظاهرة الاختلاف.
احتج في
المختلف بأنه زاد على صلاته وكل من زاد على صلاته وجب عليه
__________________
سجود السهو ، اما الصغرى فظاهرة واما الكبرى فلان الشك في الزيادة والنقيصة
يقتضي وجوب السجدتين كما تقدم فاليقين بهما اولى. انتهى.
ومما يدل على
الوجوب من الأخبار ما رواه الشيخ عن منهال القصاب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أسهو في الصلاة وانا خلف الإمام؟ فقال إذا سلم فاسجد
سجدتين ولا تهب».
قال في المختلف
بعد إيراده دليلا على ذلك : وجه الاستدلال انه علق وجوب السجدتين على السهو المطلق
وهو يتناول صورة النزاع.
وعن عمار
الساباطي في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ فقال إذا أردت أن
تقعد فقمت أو أردت ان تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت
فعليك سجدتا السهو وليس في شيء مما تتم به الصلاة سهو».
إلا ان في هذه
الرواية ما يضعف الاحتجاج بها حيث قال بعد السؤال الأول وهو ما قدمناه
«وعن الرجل إذا
أراد ان يقعد فقام ثم ذكر من قبل ان يقوم شيئا أو يحدث شيئا؟ قال ليس عليه سجدتا
السهو حتى يتكلم بشيء». وهذه المناقضة في الخبر قد أوردها جملة من مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين.
ويمكن الجواب
عنها بأنه لما استفيد من السؤال الأول ان سجود السهو انما هو بالإتيان بالقيام
كملا في موضع القعود وبالعكس سأل ثانيا بأنه لو ذكر قبل ان يأتي بشيء من القيام
بالكلية أو يفعل شيئا مطلقا أجاب عليهالسلام بأنه لا سجود للسهو هنا إلا ان يتكلم بشيء. وهو معنى
صحيح لا منافاة فيه للحكم الأول كما لا يخفى.
بقي الكلام في
ما ذكره عليهالسلام من عد التسبيح في موضع القراءة أو القراءة في موضع
التسبيح ساهيا من الموجبات ، ويمكن حمله على ان السجود حينئذ لوقوع
__________________
القراءة أو التسبيح في غير محلهما وزيادتهما في الصلاة ، هذا إذا كان الذكر
في موضع السهو وتلافى ما أخل به وان كان بعد التجاوز فيكون لنقصان القراءة أو
التسبيح ، والجميع مبنى على وجوب السجدتين لكل زيادة ونقيصة كما سيأتي ان شاء الله
تعالى.
ثم ان القراءة
في موضع التسبيح يمكن حمله على الأخيرتين بناء على تعين التسبيح كما هو ظاهر
الأخبار المتقدمة في المسألة وبه قال بعض الأصحاب إلا انه خلاف المشهور من التخيير
، وسجود السهو هنا متى حملنا الخبر على هذا الموضع لا يتجه إلا على ما ذكرناه إذ
مع التخيير لا معنى لسجود السهو. ويحتمل على بعد الحمل على تسبيح الركوع والسجود
بأن يقرأ ساهيا في الموضعين أو أحدهما. ووجوب سجدتي السهو هنا نقله في الخلاف عن
الشافعي .
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس ـ وهو ضعيف عند جمع وصحيح عند
آخرين ـ عن معاوية بن عمار قال : «سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد
في حال قيام؟ قال يسجد سجدتين بعد التسليم وهما المرغمتان ترغمان الشيطان».
ومما يدل على
خلاف ما دلت عليه هذه الأخبار ما رواه في الكافي عن سماعة في الموثق قال : «من حفظ سهوه وأتمه فليس عليه سجدتا السهو انما
السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها». ورواه في الفقيه عن ابى عبد الله
عليهالسلام مثله .
__________________
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله عليهالسلام «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال
فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم
ثم يسجدها فإنها قضاء». وفي مضمونها صحيحة أبي بصير مع اشتمالها زيادة على هذه
الرواية على قوله : «وليس عليه سهو» فهي صريحة في نفى سجدتي السهو وقد تقدمتا في
المسألة الرابعة من المطلب الثاني من هذا المقصد .
وبالجملة فإن
جملة روايات نسيان السجدة وكذا روايات نسيان التشهد وانه يرجع إليهما ما لم يركع
ما بين ظاهر وصريح في نفى السجدتين ، وروايات السجدة وذكر انها بعد الركوع ظاهرة
ايضا في قضاء السجدة خاصة من غير سجود وان كان المشهور في كلامهم وجوب السجود كما
تقدم.
واستدل العلامة
في المنتهى على ما اختاره فيه من عدم السجود بما رواه الشيخ في الموثق عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ فقال يرجع
فيتشهد. فقلت أيسجد سجدتي السهو؟ فقال لا ليس في هذا سجدتا السهو». قال : وهذا من
صورة النزاع.
أقول :
الاستدلال بهذا الخبر إنما يتم مع الحمل على التشهد الأول اما مع الحمل على الثاني
فلا ، والاستدلال مستند هنا إلى إطلاق الخبر. والجمع بين الأخبار في هذا المقام لا
يخلو من الإشكال ، وجملة من متأخري المتأخرين جمعوا بين الأخبار هنا بحمل اخبار
السجود على الاستحباب كما هي القاعدة المطردة عندهم في جميع الأحكام والأبواب. ولا
يبعد عندي حمل اخبار السجود على التقية فإن القول بوجوب السجود هنا مذهب أبي حنيفة
والشافعي وأتباعهما والله العالم.
__________________
الثامن ـ كل
زيادة ونقيصة ، وهذا القول نقله الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب كما تقدم في نقل
عبارته ، وظاهر الأكثر عدم عده في موجبات السجود وجملة عبائر من قدمنا نقل كلامه
خالية من ذلك ، وقال في الدروس انه لم يظفر بقائله ولا بمأخذه مع انه من القائلين
به في اللمعة وجعله في الألفية أحوط ونقله في الذكرى عن الفاضل واختاره بعد ذلك من
بين الأقوال ، ونقله شيخنا الشهيد الثاني في شرح اللمعة عن الصدوق ايضا واختاره في
كتاب الروض ، ونقل هذا القول عن الصدوق قد وقع في التحرير للعلامة ثم قال : وهو
الأقوى عندي.
ويمكن ان يستدل
عليه بما رواه الشيخ عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن ابى عبد
الله عليهالسلام قال : «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو
نقصان». وردها جملة من متأخري المتأخرين بضعف الاسناد
وربما استدل
على ذلك أيضا بصحيحة الحلبي الواردة في الشك بين الأربع والخمس وقوله عليهالسلام فيها «أم نقصت أم زدت» فإنه إذا وجب السجود بالشك في
الزيادة والنقيصة ففي صورة اليقين اولى.
ويظهر من
المبسوط ان قولهم بالسجود للزيادة والنقصان شامل للمستحبات وظاهر العلامة تخصيصه
بالواجبات ، وقال ابن الجنيد بوجوبهما في خصوص القنوت ان تركه ، وعد أبو الصلاح من
جملة موجباتهما لحن القراءة سهوا.
وأنت خبير بأن
جملة الأخبار المتقدمة الدالة على عدم سجدتي السهو في المواضع المتقدمة كلها دالة
على عدم الوجوب ، ومنها أخبار السجدة والتشهد وذكرهما قبل الركوع أو بعده ، فإن
أخبارهما في الحالتين دالة على عدم الوجوب. نعم اخبار التشهد دلت على السجود لنقص
التشهد لا لزيادة القيام الذي ذكره قبل ركوعه أو
__________________
بعده ، ومنها اخبار نسيان القراءة في الصلاة كصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة
زرارة وموثقة منصور بن حازم ورواية معاوية بن عمار وغيرها من الأخبار الدالة على
ذلك ، ومنها اخبار الجهر والإخفات كصحيحة زرارة والأخبار الواردة في نسيان ذكر
الركوع ، الى غير ذلك من الأخبار الواردة في جملة من الأحكام مما تدل على عدم
السجود في هذه المقامات ، وبعض منها صريح في المطلوب وبعض باعتبار عمومه وإطلاقه
وبعض باعتبار السكوت عن سجدتي السهو في مقام البيان. ومنه يظهر قوة القول المشهور
إلا ان الاحتياط يقتضي الإتيان بالسجود حيث لا محمل للخبر المذكور ظاهرا مع احتمال
حمله على الزيادة والنقصان في الركعات لا مطلقا ، وكيف كان فهو مردود إلى قائله عليهالسلام ، والله العالم.
التاسع ـ الشك
في الزيادة والنقيصة. ذهب إليه العلامة كما تقدم في عبارته في المختلف ، قيل وهو
ظاهر ما نقله الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب. وفيه ما لا يخفى ، وكلام الصدوق في
الفقيه يحتمله وقد تقدم نقل عبارته في المقام. ويحتمل ان يكون مراده زيادة الركعة
أو نقصانها. والى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في الروض وكذا الى ما قبله
كما قدمنا ذكره. وذهب المفيد في الغرية كما قدمناه في عبارته الى وجوبهما ان لم
يدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعا أو نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان الشك بعد
تقضى وقته. والمشهور بين الأصحاب هو عدم الوجوب في جميع ما ذكر.
أقول : ويدل
على هذا القول جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن
الفضيل بن يسار «انه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن السهو فقال من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو
وانما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها».
وما رواه
الكليني والشيخ عنه عن سماعة في الموثق قال قال «من حفظ
__________________
سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته
أم نقص منها».
وعن زرارة في
الصحيح أو الحسن قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد
سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله صلىاللهعليهوآله المرغمتين». وإطلاق هذه الأخبار شامل للافعال والاعداد.
واحتج جملة من
الأصحاب لهذا القول أيضا بصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت
فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».
وأنت خبير بان
هذه الرواية محتملة لوجهين (أحدهما) حمل الزيادة والنقيصة على أن يكونا من أسباب
سجدتي السهو كما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، وحينئذ فتكون الرواية مشتملة على
سببين من الأسباب المذكورة وهي الشك بين الأربع والخمس والشك في الزيادة والنقيصة.
و (ثانيهما) ان يكون المراد انما هو بيان نوع واحد من الأسباب المذكورة وهو الشك
بين الأربع والخمس والنقيصة عن الأربع والزيادة عن الخمس ، فيكون تقدير الكلام إذا
لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت من الأربع أم زدت على الخمس ، وحينئذ فيشمل كل
شك بين الأربع والخمس والأزيد منهما والأنقص كالشك بين الثلاث والأربع والخمس
والست والشك بين الاثنتين والأربع والخمس والسبع مثلا. نعم لا بد من استثناء ما
تعلق به الشك في الأولتين بالأخبار الدالة على الإبطال ويبقى ما سوى ذلك ، وعلى
هذا الاحتمال فلا تصلح الرواية هنا للاستدلال. والظاهر هو الاحتمال الأول المؤيد
بالأخبار المذكورة ، وعلى هذا فتجب سجدتا السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة.
وتمام الكلام
في المقام يتوقف على بسطه في مقامات (الأول) المشهور بين
__________________
الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان موضع السجدتين المذكورتين بعد التسليم سواء
كانتا لزيادة أو نقصان ، ونقله في المختلف عن ابن ابى عقيل والشيخ في المبسوط
والشيخ المفيد والسيد المرتضى ، قال وهو الظاهر من كلام على بن بابويه وابى الصلاح
وهو قول سلار والصدوق ابن بابويه. وقيل انهما ان كانتا للزيادة فمحلهما بعد
التسليم وان كانتا للنقيصة فمحلهما قبله ، ونسبه في المعتبر الى قوم من أصحابنا
ونقله في المختلف عن ابن الجنيد ، قال وقال ابن الجنيد ان كان السهو للزيادة كان
محلهما بعد التسليم وان كان للنقصان كان قبل التسليم. والشهيد في الذكرى نقل كلام
ابن الجنيد ولم يذكر هذه العبارة التي ذكرها في المختلف ، ثم قال وليس في هذا كله
تصريح بما يرويه بعض الأصحاب ان ابن الجنيد قائل بالتفصيل ، نعم هو مذهب أبي حنيفة
من العامة والظاهر ان ذكر العلامة هذه العبارة انما وقع من كلامه
بناء على اشتهار النقل بذلك عن ابن الجنيد. واحتمال ان يكون ابن الجنيد قال ذلك في
غير الموضع الذي نقله عنه في الذكرى بعيد. ونقل المحقق في الشرائع قولا بان محلهما
قبل التسليم مطلقا قال في المدارك والقول بأنهما قبل التسليم منقول عن بعض علمائنا
ولم نظفر بقائله.
ثم انه مما يدل
على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار :
منها ـ صحيحة
ابن ابى يعفور الواردة في نسيان التشهد حيث قال فيها «وان لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم
يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم».
وصحيحة عبد
الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا كنت لا تدري
__________________
أربعا صليت أم
خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».
ورواية أبي
بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا لم تدر خمسا صليت أم أربعا فاسجد سجدتي
السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما».
وصحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم»؟
فقال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد».
ورواية عبد
الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على (عليهمالسلام) قال : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام».
الى غير ذلك من
الأخبار المتقدمة في مواضع وجوب سجدتي السهو.
ومما يدل على
القول بالتفصيل ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري قال : «قال الرضا عليهالسلام في سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت فبعده». قال
شيخنا الصدوق إني افتى به في حال التقية .
واما القول
بأنهما قبل التسليم مطلقا فربما كان مستنده
ما رواه الشيخ
عن محمد ابن سنان عن ابى الجارود قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام متى اسجد سجدتي السهو؟ قال قبل التسليم فإنك إذا سلمت
فقد ذهبت حرمة صلاتك».
وأجاب الشيخ في
الاستبصار عن هذه الرواية ورواية سعد بن سعد بالحمل على ضرب من التقية ، قال
لأنهما موافقان لمذهب كثير من العامة ونقل عن ابن بابويه انه قال إنما أفتي بهما في حال
التقية. وهو جيد.
واما ما ذكره
في الذخيرة ـ من قوله ويمكن الجمع بين الأخبار بالتخيير أيضا
__________________
إلا ان الترجيح للتأويل المذكور ـ فضعيف لان التخيير (أولا) فرع قيام
المعارض بالمعارضة والأمر هنا ليس كذلك كما عرفت. و (ثانيا) عدم وجود المحمل
الشرعي وقد عرفت ان الحمل على التقية أحد المحامل الشرعية المنصوصة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) فلا معدل عنه الى هذه الوجوه التخريجية. والله العالم.
(الثاني) ـ المشهور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب التكبير فيهما واستدلوا عليه بما رواه
الصدوق في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟
فقال لا إنما هما سجدتان فقط فان كان الذي سها هو الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع
رأسه ليعلم من خلفه انه قد سها ، وليس عليه ان يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد
السجدتين».
وأنت خبير بما
في الدلالة من القصور لاختصاص ذلك بالإمام مضافا الى ما دلت عليه من نفى التسبيح
فيهما والتشهد مع دلالة الأخبار على ذلك ، وبالجملة فإن ما يقولون به لا تدل عليه
وما تدل عليه الرواية لا يقولون به فلا وجه للتعلق بها
(الثالث) ـ المشهور
وجوب التشهد فيهما والتسليم ، بل قال الفاضلان في المعتبر والمنتهى انه قول
علمائنا اجمع ، واستدلا على وجوب التشهد بقول الصادق عليهالسلام في صحيحة الحلبي «واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة
تتشهد فيهما تشهدا خفيفا». وعلى وجوب التسليم بقوله عليهالسلام في صحيحة ابن سنان «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم
بعدهما».
أقول : ومما
يدل على ذلك موثقة أبي بصير قال : «سألته عن الرجل ينسى ان يتشهد؟ قال يسجد سجدتين
يتشهد فيهما».
ورواية على بن
أبي حمزة قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام إذا قمت في الركعتين
__________________
الأولتين ولم تتشهد. الى ان قال : فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما
ثم تشهد التشهد الذي فاتك». والمعنى انه ينوي بتشهده في السجدتين قضاء ما فاته من
التشهد كما قدمنا تحقيقه في المسألة.
ورواية الحسن
الصيقل عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يصلى الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو
راكع؟ قال يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا
ذكره بعد ما ركع مضى ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة مثل
الفريضة».
وصحيحة على بن
يقطين قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل لا يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ قال
: يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد خفيفا».
ورواية سهل بن
اليسع عن الرضا عليهالسلام انه قال : «يبنى على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد
التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».
وقال العلامة
في المختلف : الأقرب عندي ان ذلك كله للاستحباب بل الواجب فيه النية لا غير ،
واستدل عليه بأصالة البراءة ورواية عمار المتقدمة.
قال في المدارك
: ويؤيده انتفاء الأمر بالتسليم في صحيحة الحلبي والأمر بالتشهد في صحيحة ابن سنان
مع ورودهما في مقام البيان. انتهى.
وفيه ان أصل
الدليل عليل لا اعتماد عليه ولا تعويل فلا ينفع هذا التأييد مع بطلان ما يبنى عليه
، اما الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفته مما أوردناه من الأخبار
المذكورة. واما رواية عمار فهي مردودة بما اعترف به في المقام من ضعفها فلا تنهض
حجة في مقابلة تلك الأخبار ، مضافا الى ما في متنها
__________________
من التهافت والمخالفات كما سيأتي إيضاحه ان شاء الله تعالى. ووجود هذه
الأحكام في اخبار متفرقة وعدم اجتماعها في خبر واحد لا يمنع من العمل بها لوجود
النظير في جملة من المسائل بأن يضم بعض أخبار المسألة الى بعض فيجتمع من المجموع
جملة الأحكام ، وغاية ما فيها إطلاق بعض بالنسبة إلى الآخر فيحمل المطلق على
المقيد عملا بالقاعدة المقررة. وما ادعاه من ان المقام البيان فيجب فيه ذكر جملة
الأحكام ممنوع كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في المقام.
وبالجملة فإن
ما ذكره بمحل من الضعف وان كان قد تبعه في ذلك صاحب الذخيرة فقال ـ بعد الإشارة
الى بعض الأخبار الدالة على وجوب ذكرهما وما دل على عدم ذكرهما مع وروده في مقام
البيان ـ ما صورته : فيحصل الجمع بين الأخبار بحمل ما دل على التشهد والتسليم على
الاستحباب فإذا قول المصنف في المختلف قوى. انتهى
(الرابع) ـ المشهور
وجوب الذكر فيهما وتردد فيه المحقق في الشرائع ، قال في المدارك منشأ التردد من
إطلاق قوله عليهالسلام «فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما». وقوله عليهالسلام «واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا». وغير ذلك من
الأخبار الكثيرة المتضمنة لإطلاق الأمر بالسجود من غير تعرض للذكر ولو كان واجبا
لذكر في مقام البيان. ويدل على عدم الوجوب صريحا رواية عمار المتقدمة حيث قال : «وليس
عليه ان يسبح فيهما». ومن رواية الحلبي الصحيحة عن الصادق عليهالسلام الدالة بظاهرها على الوجوب. الى ان قال وجزم المصنف في
النافع والمعتبر بعدم وجوب الذكر مطلقا وهو غير بعيد وان كان العمل بمضمون هذه
الرواية أولى وأحوط. انتهى.
وتبعه في ذلك
في الذخيرة كما هي عادته غالبا فقال : وهل يجب فيهما الذكر مطلقا؟ المشهور نعم
خلافا للمحقق في المعتبر والمصنف في المنتهى وهو لا يخلو من قوة
__________________
نظرا إلى إطلاق الأمر بالسجود من غير تعرض للذكر في مقام البيان.
أقول ـ وبالله
التوفيق إلى هداية الطريق ـ الأظهر عندي هو القول المشهور من وجوب الذكر في
السجدتين المذكورتين وان المراد به الذكر المخصوص في هذا الموضع لا مطلق الذكر.
والمستند في ما
قلناه ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال «يقول في سجدتي السهو بسم الله وبالله اللهم صل على
محمد وآل محمد. قال الحلبي وسمعته مرة أخرى يقول فيهما بسم الله وبالله السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته». ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن الحلبي. الحديث إلا ان فيه «وصلى الله على
محمد وآل محمد». وفي بعض نسخ الفقيه مثل ما نقلناه عن الكافي أيضا ، ورواه الشيخ
عن عبيد الله الحلبي في الحسن عن ابى عبد الله عليهالسلام مثل ما في الفقيه لكن فيه «والسلام» بإضافة الواو؟
والظاهر اجزاء الكل إلا ان تطرق السهو إلى زيادة هذه الواو في رواية الشيخ غير
بعيد لما علم من عدم محافظته على ضبط الأخبار فالأحوط ان لا يؤتى بها.
وقال عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي : «وقال يقول في سجدتي السهو بسم الله وبالله وصلى الله
على محمد وآل محمد وسلم. وسمعته مرة أخرى يقول بسم الله وبالله السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته».
__________________
واما ما يتوهم
ـ من إطلاق سجدتي السهو في تلك الأخبار التي استند إليها المحقق الذي هو منشأ هذا
الخلاف فتبعه من تبعه فيه من الاسلاف والاخلاف استنادا إلى انه لو كان الذكر واجبا
فيهما لذكر لان المقام مقام البيان وحيث لم يذكر علم انه غير واجب ـ
ففيه ان المقام
وان كان مقام بيان إلا انه ليس لبيان سجدتي السهو وكيفيتهما وأحكامهما كما توهموه
وانما هو لبيان أحكام أخر وذكر سجدتي السهو انما وقع استطرادا لبيان أحكام تلك
المسائل.
وها أنا أسوق
لك جملة من أخبارهم التي استندوا إليها ليظهر لك صحة ما ذكرناه : ففي صحيحة الحلبي
«إذا لم تدر
أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة
تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».
وفي رواية عبد
الله بن سنان «فان كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم
بعدهما».
وفي حسنة زرارة
«إذا شك أحدكم
في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس. الحديث».
وفي موثقة إسحاق
بن عمار «إذا ذهب وهمك الى التمام ابدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع». الى
غير ذلك من الأخبار التي ذكر فيها سجود السهو.
فإنه لا يخفى
ان المقام انما هو في بيان تلك الموجبات للسجود وان من جملة ما يترتب على حصول تلك
الأسباب سجود السهو ، فذكر سجود السهو انما وقع استطرادا لما يترتب على الأسباب لا
ان المقام مقام بيان سجود السهو وما يترتب عليه ويتعلق به من الأحكام. نعم ربما
عبروا (عليهمالسلام) بمجرد الإتيان بالسجدتين وربما أضافوا الى ذلك بعض
أحكامهما من كونهما بعد التسليم وكونه يسلم فيهما وكونه يتشهد
__________________
فيهما ، وحينئذ فغاية الأخبار المذكورة ان تكون مطلقة بالنسبة إلى أحكام
السجدتين حيث لم يتعرض لذكر شيء منها فيهما والقاعدة تقتضي حمل مطلقها على مقيدها.
واما صحيحتا
الحلبي الواردتان بالذكر فيهما فان المقام فيهما مقام البيان لسجدتي السهو وما يجب
فيهما من الذكر وانما سيقتا لذلك فيجب تقييد إطلاق تلك الأخبار بهما.
وبالجملة فإنك
إذا لاحظت روايات المسألة كملا وضممت مطلقها الى مقيدها ومجملها الى مفصلها ظهر لك
صحة ما قلناه وقوة ما ادعيناه.
واما رواية
عمار فهي لا تبلغ حجة في معارضة صحيحتي الحلبي ولا غيرهما من الأخبار المشار
إليها آنفا ، مضافا الى نفى التشهد فيها مع استفاضة الأخبار به كما عرفت ، وما
تضمنته من إيجاب التكبير على الإمام إذا سها مع انهم لا يقولون به ، مع ما في
روايات عمار من الغرائب التي قد تقدم الطعن عليه بذلك من جملة من الأصحاب. وحملها
بعض الأصحاب على التقية لموافقة ما اشتملت عليه لجملة من العامة وهو جيد. على ان الرواية إنما تضمنت نفى التسبيح فيهما
يعنى مثل تسبيح سجود الصلاة وهو كذلك ، وهو لا يستلزم نفى غيره من الذكر الذي
اشتملت عليه صحيحتا الحلبي. وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما عرفت.
ثم ان المحقق
في المعتبر طعن في صحيحة الحلبي بأنها منافية للمذهب من حيث تضمنها وقوع السهو من
الامام ، قال ثم لو سلمناه لما وجب فيهما ما سمعه لاحتمال ان يكون ما قاله على وجه
الجواز لا اللزوم.
__________________
ورد بان سماع
ذلك من الإمام لا يستلزم وقوع السهو منه لجواز كونه اخبارا عما يقال فيهما بل
الظاهر انه هو المراد لقوله عليهالسلام في الرواية المتقدمة بنقل صاحبي الكافي والفقيه قال : «يقول في سجدتي السهو
بسم الله. الحديث».
واما ما ذكره ـ
من انه لو سلم وجوب الذكر فيهما فإنه لا يتعين فيهما ما سمعه لاحتمال ان يكون على
وجه الجواز لا اللزوم ـ ففيه ما حققناه في مسألة الابتداء بالأعلى في غسل الوجه من
كتاب الطهارة من ان فعله عليهالسلام إذا وقع بيانا للمجمل وجب اتباعه وتعين فعله والأمر هنا
كذلك. وقد تقدم تحقيق المسألة في الموضع المذكور. والله العالم.
وقد تلخص مما
حققناه في المقام ان الواجب فيهما هو الذكر المذكور في الأخبار ـ وجوز الشيخ في
المبسوط فيهما ما شاء من الأذكار ولا اعرف له دليلا ـ والتشهد والتسليم ، ونقل عن
ابى الصلاح هنا انه ينصرف منهما بالسلام على محمد صلىاللهعليهوآله ولم ينقلوا عليه دليلا. والمراد بالتشهد الخفيف فيهما
هو الاقتصار على الواجب منه كما ذكره بعض الأصحاب. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ الحمل
على التشهد الخالي من الأذكار الطويلة المستحبة في التشهد وان اشتمل على بعض
المستحبات.
(الخامس) ـ قال
في المدارك : ويجب فيهما السجود على الأعضاء السبعة ووضع الجبهة على ما يصح السجود
عليه ، لانه المعهود من لفظ السجود في الشرع فينصرف اليه اللفظ عند الإطلاق. وفي
وجوب الطهارة والستر والاستقبال قولان أحوطهما الوجوب. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان دعوى ان المعهود من لفظ السجود ما ذكره لا يخلو من بعد ، لأن هذا انما يتم في
سجود الصلاة حيث انه اشترط فيه ذلك لا مطلق السجود ، كيف؟ وهو قد قال في سجود
التلاوة : وفي اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه والسجود على الأعضاء
السبعة واعتبار المساواة بين المسجد
__________________
والموقوف نظر ، ولا ريب ان اعتبار ذلك أحوط. انتهى. وما نحن فيه كذلك ولو
تم ما ذكره هنا لجرى في سجود التلاوة أيضا لأن المسألتين من باب واحد وهو قد تنظر
فيه وإنما تمسك بالاحتياط فكذا القول في هذه المسألة ، لأن المسألة خالية من النص
ولفظ السجود من حيث هو لا يدل على ذلك. لكن يقين البراءة من التكليف الثابت بيقين
يقتضي ما ذكره. واما ما ذكره من وجوب الطهارة والستر والاستقبال فالأمر فيه كذلك
ايضا لعدم النص إلا ان المفهوم من ظاهر النصوص الدالة على الفورية والمبادرة بهما
بعد التسليم وقبل الكلام ذلك بناء على ما هو الغالب من حال المكلف من بقائه على
الحال التي كان عليها في الصلاة. وبالجملة فإنه لا مستمسك في هذا المقام زيادة على
الاحتياط ويقين البراءة من التكليف الثابت. والله العالم.
(السادس) ـ المشهور
بين الأصحاب انه لو تركهما عمدا لم تبطل صلاته ووجب عليه الإتيان بهما وان طالت
المدة ، إذ غاية ما يفهم من الأخبار هو وجوبهما لا اشتراط صحة الصلاة بهما.
ونقل عن الشيخ
في الخلاف اشتراط صحة الصلاة بهما ، قال في الذخيرة وهو أحوط ، ثم قال وتحقيق
الأمر مبنى على ان الصلاة اسم للأركان مطلقا أو مقيدا باستجماعها شرائط الصحة ،
وعلى الأول يقوى الأول وعلى الثاني الثاني لتوقف اليقين بالبراءة عليه. انتهى.
وفيه انه لا
ريب ان الصلاة اسم لهذه الأفعال المخصوصة التي مفتاحها التكبير وتحليلها التسليم وهو اتفاقي نصا وفتوى ، ولا ريب ان المكلف متى سلم فقد
تمت صلاته ومضت على الصحة ما لم يعرض لها شيء من القواطع المتقدمة ، وإيجاب
الشارع بعد ذلك بعض الأفعال ـ تداركا لخلل واقع فيها غير مبطل لها مثل صلاة
الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهد على القول به أو سجود السهو مثلا ـ لا يدل على
__________________
اشتراط صحتها به وانه ان لم يأت به بطلت صلاته لعدم الدليل على ذلك ، ومجرد
الأمر بتلك الأشياء لا يدل عليه بل غايته التأثيم بالإخلال بذلك كما تقدم تحقيقه.
ويدل على وجوب
الإتيان بهما متى نسيهما ثم ذكر بعد ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى
عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد
سجدتي السهو؟ قال يسجدهما متى ذكر».
والمفهوم من
الأخبار كما تقدمت الإشارة إليه وجوبهما فورا لاشتمال الاخبار على ان محلهما بعد
التسليم وقبل الكلام إلا انه قد روى الشيخ عن عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى
يصلى الفجر كيف يصنع؟ قال لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». والظاهر
انه لا قائل به من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
(السابع) ـ قال
في الذكرى : لو جلس في موضع قيام ناسيا ولما يتشهد كالجلوس على الأول أو الثالثة
صرف إلى جلسة الاستراحة ولا سجود عليه على الأقوى ، وان تشهد وجب السجود للتشهد لا
للجلوس على الأصح. وفي الخلاف ان كان الجلوس بقدر الاستراحة ولم يتشهد فلا سجود
عليه وان تشهد أو جلس بقدر التشهد سجد على القول بالزيادة والنقيصة وفي المختلف ان
جلس ليتشهد ولم يتشهد فالزائد على جلسة الاستراحة يوجب السجود والظاهر انه مراد
الشيخ. ولكن في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد إشكال لأن جلسة الاستراحة لا
قدر لها بل يجوز تطويلها وتركه فان صرف الجلوس للتشهد إليها فلا يضر طولها وان لم
يصرف فلا ينفع قصرها في سقوط سجود السهو. انتهى كلامه زيد إكرامه
أقول : لا يخفى
ان الأفعال تابعة للقصود والنيات فيها تصير عبادة تارة ولغوا اخرى ، وهذا الجالس
في أحد هذين الموضعين ان قصد بجلوسه جلسة الاستراحة خاصة طول أو قصر فلا اشكال ،
وان قصد به التشهد ولم يأت بالتشهد فالحق ما قاله
__________________
في المختلف من ان ما زاد على جلسة الاستراحة يوجب سجدتي السهو بناء على
القول بأنهما لكل زيادة ونقيصة لتحقق حصول الزيادة. وقول شيخنا (قدسسره) هنا ـ ولكن في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد
إشكال. الى آخره ـ مردود بأنه انما قصد الجلوس للتشهد وبهذا القصد يكون هذا الجلوس
زيادة في الصلاة حيث انه غير محل التشهد ، نعم استثنى منه قدر ما يحصل به جلوس
الاستراحة حيث انه لا يشترط في الإتيان به قصد الاستراحة به بل يكفي الإتيان به
كيف اتفق وبه تتحقق سنة الاستراحة ولو اتفق وقوعه سهوا. وقوله ـ فان صرف الجلوس
للتشهد إليها. الى آخره ـ لا اعرف له وجها فان المفروض ان هذا الجلوس جميعه انما
وقع بقصد التشهد مع زيادته على ما هو المتعارف من جلسة الاستراحة لا انه صرف جلوس
التشهد الزائد إلى جلسة الاستراحة ونوى به انه من الاستراحة والفرق بين الأمرين
واضح. والله العالم.
(الثامن) ـ اختلف
الأصحاب في ما لو تعدد الموجب للسجود فهل يتداخل مطلقا أو لا مطلقا أو التداخل ان
تجانس السبب وإلا فلا؟ أقوال : والى الأول ذهب في المبسوط وجعل التعدد أحوط ، والى
الثاني ذهب العلامة في المختلف وجمع من المتأخرين ، والى الثالث ذهب ابن إدريس ،
قال في كتابه : ان تجانس اكتفى بالسجدتين لعدم الدليل ولقولهم (عليهمالسلام) «من تكلم في صلاته ساهيا تجب عليه سجدتا السهو» ولم يقولوا دفعة واحدة أو
دفعات ، فاما إذا اختلف الجنس فالأولى عندي بل الواجب الإتيان عن كل جنس بسجدتي
السهو لعدم الدليل على تداخل الأجناس بل الواجب إعطاء عن كل جنس ما يتناوله اللفظ
لانه قد تكلم وقام في حال قعود وقالوا (عليهمالسلام) «من تكلم تجب عليه سجدتا السهو ومن قام في حال قعود تجب عليه سجدتا السهو» وهذا قد فعل الفعلين فيجب عليه
__________________
امتثال الأمر ، ولا دليل على التداخل لان الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف
محقق. انتهى.
واستدل العلامة
في المختلف على ما ذهب اليه من عدم التداخل وأطال بما لا يرجع الى طائل ، ومرجعه
الى وجوب تعدد المسبب بتعدد السبب وإلا لزم تخلف المعلول عن علته التامة لغير مانع
أو تعدد العلل المستقلة على المعلول الواحد الشخصي وكل واحد منهما محال فالملزوم
محال ، ثم أطال في بيان هذه المقدمات.
وأنت خبير بان
هذا انما يجرى في العلل العقلية لا العلل الشرعية فإنها ليست من قبيل العلل
العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات كما تقدم التصريح
به في غير موضع ، وهذا أمر ظاهر لمن تدبر الأخبار المنقولة في كتاب علل الشرائع
وما اشتملت عليه من العلل لتلك الأحكام.
وقال في الذكرى
: والأقرب عدم التداخل لقيام السبب واشتغال الذمة ، ولما روى عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «لكل سهو سجدتان».
وفيه انه لو
ثبت الخبر المذكور لكان حجة واضحة إلا ان الظاهر انه ليس من طرقنا وانما هو من
طريق العامة. واما التعليل بما ذكره فستعرف ما فيه مما يبين عن ضعف باطنه وخافية.
والأقرب ـ كما
استقربه جمع من أفاضل متأخري المتأخرين ـ هو القول بالتداخل مطلقا لما روى عنهم (عليهمالسلام) بأسانيد عديدة «إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها حق
واحد». وما ذكره العلامة من وجوب تعدد المسببات بتعدد الأسباب انما هو في الأسباب
الحقيقية التي يدور المسبب فيها مدار السبب وجودا وعدما ، وكذا قولهم «انه لا يجوز
اجتماع علتين على معلول واحد» انما هو في تلك العلل العقلية لا الشرعية ، ألا ترى
انه قد ورد في تعليل وجوب
__________________
العدة على المطلقة ان ذلك لاستبراء الرحم من الولد مع وجوب العدة وان كان قد فارقها قبل الطلاق بعشر سنين
مثلا ، وورد في علة استحباب غسل الجمعة ان الأنصار كانت تحضر الصلاة وتأتى من
نواضحها فيتأذى الناس بريح آباطهم فأمر صلىاللهعليهوآله بالغسل لذلك مع ما عرفت من عموم الاستحباب لمن كان ريحه أطيب من ريح
المسك بل جواز تقديمه وقضائه ، الى غير ذلك من العلل التي يقف عليها المتتبع
وقال في الذخيرة حيث اختار التداخل : لنا ان الأمر مطلق فيحصل الامتثال
بفرد واحد من المأمور به ، فإنهم (عليهمالسلام) قالوا «إذا تكلم سجد للسهو . وإذا سلم في غير موضعه سجد للسهو» . وليس في أحد النصين تقييد للسجود بكونه سجودا مغايرا
لسجود يتدارك به خلل آخر بل النص مطلق فيحصل امتثال كل من التكليفين بكل ما كان
فردا للسجود.
ويمكن تطرق
المناقشة إليه بأن المتبادر من قوله «إذا تكلم سجد للسهو» مثلا هو ان ذلك السجود
للكلام خاصة والاكتفاء به عن السلام وغيره يحتاج الى دليل ومجرد عدم التقييد
للسجود بكونه سجودا مغايرا لسجود يتدارك به خلل آخر لا يكفي في الاكتفاء به ، فإنه
متى انصرف هذا السجود الى الكلام مثلا بهذا الخبر وتعين ترتبه عليه فدخول غيره من
الأسباب ومشاركته لهذا السبب يتوقف على الدليل. وبالجملة فالأظهر انما هو الاستناد
الى ما ذكرنا من عموم النص المتقدم.
ومما يستأنس به
لذلك ـ بل يمكن أن يكون دليلا واضحا في المقام وان لم يخطر ببال أحد من علمائنا
الأعلام رفع الله تعالى أقدارهم في دار السلام ـ
__________________
موثقة عمار عن
ابى عبد الله عليهالسلام «انه سأله عن رجل صلى ثلاث ركعات فظن انها اربع فسلم ثم ذكر انها ثلاث؟ قال
يبنى على صلاته ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو».
والتقريب فيها
انه جلس في موضع قيام وهو أحد موجبات سجود السهو كما تقدم ودلت عليه جملة من
الأخبار ، وتشهد وهو أحد الموجبات بناء على القول بالزيادة والنقصان وسلم وهو كذلك ، فهذه موجبات ثلاثة للسجود مع انه عليهالسلام لم يأمره إلا بسجود واحد.
ونحوها عبارة
كتاب الفقه المتقدمة مع هذه الرواية في الموضع الثاني من صدر الخاتمة .
إلا ان
الاستدلال بهذين الخبرين انما يقوم دليلا واضحا مع اتفاق الأخبار على سببية هذه
الأسباب الثلاثة وقد عرفت الاختلاف في كل واحد من المواضع الثلاثة. والله العالم.
(التاسع) ـ قال
شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الذكرى : ينبغي ترتيبه بترتيب الأسباب. ولو كان
هناك ما يقضى من الاجزاء قدمه على سجدتي السهو وجوبا على الأقوى. ولو تكلم ونسي
سجدة سجدها أو لا ثم سجد لسهوها وان كان متأخرا عن الكلام لارتباطه بها ، ويحتمل
تقديم سجود الكلام لتقدم سببه. ولو ظن ان سهوه كلام فسجد له فتبين انه كان نسيان
سجدة فالأقرب الإعادة بناء على ان تعيين السبب شرط وهو اختيار الفاضل. ولو نسي
سجدات اتى بها متتاليا وسجد للسهو بعدها وليس له ان يخلله بينها على الأقرب صونا
للصلاة عن الأجنبي. انتهى.
__________________
وفي أكثر هذه
الأحكام تأمل سيما بعد ما عرفت من ان عمدة ما يقضى عندهم من الأجزاء المنسية هو
السجدة ، والتشهد ، وقد عرفت ان الروايات الواردة بقضاء السجدة ليس فيها ما يدل على
سجود السهو بل الذي فيها انما يدل على عدمه ، والروايات الواردة في التشهد لا
دلالة فيها على قضاء التشهد كما يدعونه وانما تضمنت سجود السهو خاصة ، ومع الإغماض
عن ذلك والنظر الى استدلالهم فما اشتمل منها على قضاء التشهد ليس فيه تعرض للسجود
بالكلية وما اشتمل منها على السجود ليس فيه تعرض لذكر القضاء بالكلية.
(العاشر) ـ المشهور
بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) ان وجوب السجدتين المذكورتين فوري مستندين الى كون
الأمر للفور. وفيه منع ظاهر لما صرح به محققوا الأصوليين في المسألة من عدم ذلك
كما لا يخفى على من راجع كتبهم.
واستندوا ايضا
الى الأخبار المتقدمة الدالة على إيقاعهما جالسا قبل ان يتكلم وانهما بعد السلام
وقبل الكلام .
وأورد عليه بان
غاية ما تدل عليه كون إيقاعهما قبل الكلام ولا تلازم بينه وبين الفورية.
أقول : لا يخفى
انه وان كان هذا الوجه لا يصلح دليلا إلا ان إشعاره بالفورية ظاهر ، فان المتبادر
ـ من كونه بعد السلام وقبل الكلام كما اشتمل عليه بعض الأخبار مع حمل البعدية على
البعدية القريبة كما هو المتبادر من الإطلاق ـ هو الفورية به
وظاهر الشهيد
في الألفية جعل الفورية مستحبة فيهما حيث قال : ولا يجب فعلهما في الوقت ولا قبل
الكلام والاولى وجوبه. قال شيخنا الشهيد الثاني في الشرح : لورود أخبار كثيرة
وفيها إشعار بالفورية ، ولما كانت الأخبار ليست سليمة من الطعن لم يكن التزام
مدلولها متعينا بل اولى. ثم نقل القول بالفورية عن الذكرى. وظاهر كلامه (قدسسره) ان سبب العدول الى استحباب الفورية
__________________
دون الوجوب إنما هو من حيث عدم سلامة الأخبار المشار إليها من الطعن. والظاهر
ان مراده الطعن في الدلالة لما قدمنا ذكره وإلا فجملة من الأخبار المشار إليها لا
طعن فيها من حيث السند.
ثم انه على
القولين المذكورين لا يقدح تأخيرهما في صحة الصلاة ويجب الإتيان بهما وان طالت
المدة.
ونقل ايضا عن
ظاهر العلامة في النهاية استحباب الفورية.
وظاهر جملة من
الأصحاب تحريم سائر المنافيات قبلهما ، وربما كان التفاتهم الى ان الأمر بهما بعد
التسليم وقبل الكلام الذي هو من المنافيات وتخصيصه بالذكر حيث ان الغالب وقوعه بعد
الفراغ وذكره انما خرج مخرج التمثيل لذلك. وبه يظهر ما في رد بعض المتأخرين لما
ذكروه بأنه غير مستفاد من الأخبار. وكيف كان فالاحتياط يقتضيه البتة.
وذهب جماعة من
الأصحاب إلى وجوب إيقاعهما في وقت الصلاة التي لزمتا بسببها ولم يذكروا له دليلا
معتمدا ، وظاهر الألفية كما تقدم في عبارتها الاستحباب. وظاهر أكثر الأصحاب
الاتفاق على انه لو أخل بالفور أو الوقت أو تكلم عمدا أو سهوا لا تبطل الصلاة به
ولا يسقط السجود إذ لا دليل يدل على اشتراط صحة الصلاة به كما تقدم ذكره ، وتدل
عليه رواية عمار المتقدمة في المقام السادس وكذا روايته الثانية المذكورة ثمة إلا ان موردهما النسيان. وظاهر الثانية وقوع السهو في
الصلاة السابقة على الفجر.
تتمة تشتمل على فائدتين
(الأولى) ـ الظاهر
انه لا خلاف بين الأصحاب في التخيير في النافلة بين البناء على الأكثر أو الأقل لو
عرض له الشك فيها مع أفضلية البناء على الأقل ، قال في المدارك : لا ريب في أفضلية
البناء على الأقل لأنه المتيقن ، واما جواز البناء على
__________________
الأكثر فقال المصنف في المعتبر انه متفق عليه بين الأصحاب ، واستدل عليه
بان النافلة لا تجب بالشروع فكان للمكلف الاقتصار على ما أراد. ثم قال في المدارك
: وهو استدلال ضعيف إذ ليس الكلام في جواز القطع وانما هو في تحقق الامتثال بذلك
وهو يتوقف على الدليل إذ مقتضى الأصل عدم وقوع ما تعلق به الشك. انتهى. وهو جيد.
أقول يمكن ان
يستدل لافضلية البناء على الأقل هنا بما رواه ثقة الإسلام في الكافي مرسلا قال «وروى انه إذا سها في النافلة بنى على الأقل». والظاهر
من إيراده هذا الخبر هو التنبيه على الفرق بين الفريضة والنافلة ، فإن حكم الفريضة
ـ كما قدمنا تحقيقه ـ هو البناء على الأكثر مطلقا وما ورد فيها من البناء على
الأقل فقد بينا وجهه ، واما النافلة فإن الحكم فيها هو البناء على الأقل لهذا
الخبر. واما ما ذكره أصحابنا من جواز البناء على الأكثر فالظاهر انه لا مستند له
إلا ما يدعونه من الاتفاق كما سمعت من عبارة المعتبر.
قال في المدارك
: واعلم انه لا فرق في مسائل السهو والشك بين الفريضة والنافلة إلا في الشك في
الأعداد فإن الثنائية من الفريضة تبطل بذلك بخلاف النافلة ، وفي لزوم سجود السهو
فإن النافلة لا سجود فيها بفعل ما يوجبه في الفريضة للأصل وصحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن السهو في النافلة؟ قال ليس عليك سهو». انتهى.
وهو جيد. والظاهر من صحيحة محمد بن مسلم المذكورة ان السهو في النافلة لا يوجب ما
يوجبه السهو في الفريضة من سجدتي السهو أو غيرهما فمعنى قوله «ليس عليك سهو» رفع
أحكام السهو بالكلية.
واما ما ورد في
بعض الأخبار من الإعادة بالشك في الوتر فحمله الأصحاب
__________________
على الاستحباب دون البطلان وقد تقدم ذكره.
وروى الشيخ في
الصحيح عن عبيد الله الحلبي قال : «سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس
بينهما حتى قام فركع في الثالثة؟ قال يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف
الصلاة بعد».
وهذا الخبر
مؤيد لما ذكرناه في معنى صحيحة محمد بن مسلم من العموم فإنه في هذه الصورة
المفروضة قد صلى النافلة ثلاث ركعات ولم يذكر إلا في حال ركوعه في الثالثة فأمره عليهالسلام بإلغاء الركعة الثالثة والبناء على الركعتين الأولتين
ولم يحكم ببطلان النافلة للزيادة كما حكموا به في الفريضة. وفي معناها رواية الحسن
الصيقل المتقدمة في المقام الثالث والله العالم.
(الثانية) ـ روى
ثقة الإسلام والصدوق عن السكوني عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «أتى رجل النبي صلىاللهعليهوآله فقال يا رسول الله أشكو إليك ما القى من الوسوسة في
صلاتي حتى لا أدرى ما صليت من زيادة أو نقصان؟ فقال : إذا دخلت في صلاتك فاطعن
فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة ثم قل : بسم الله وبالله توكلت على الله أعوذ
بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. فإنك تنحره وتطرده».
وروى الصدوق في
الفقيه عن عمر بن يزيد في الصحيح انه قال «شكوت الى ابى عبد
الله عليهالسلام السهو في المغرب فقال صلها بقل هو الله أحد وقل يا ايها
الكافرون ففعلت ذلك فذهب عنى».
وعن أبي حمزة
الثمالي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «اتى النبي صلىاللهعليهوآله رجل فقال يا رسول الله لقيت من وسوسة صدري شدة وانا رجل
معيل مدين محوج؟ فقال له كرر هذه الكلمات «توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله
الذي لم يتخذ
__________________
صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره
تكبيرا» قال فلم يلبث ان عاد اليه فقال يا رسول الله صلىاللهعليهوآله اذهب الله عنى وسوسة صدري وقضى ديني ووسع رزقي». نسأل
الله ان يذهب عنا وسوسة الصدور وينجينا من عداوة الشيطان الرجيم في الورود والصدور
ويقضى عنا ديون الدنيا والآخرة ويصلح لنا الأمور ويوسع في أرزاقنا ويقينا كل
محذور.
الى هنا انتهى
الكلام في المجلد الثالث من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة
ويتلوه ان شاء الله تعالى المجلد الرابع في صلاة الجمعة وما يتبعها من الصلوات
والملحقات وفق الله تعالى لإتمامه والفوز بسعادة ختامه ودفع عنا عوائق هذه الأيام
وما تبديه ولا سيما عروض الأمراض والأسقام وبوائقها التي لا تنيم ولا تنام. وكان
ذلك في الأرض المقدسة التي على التقوى مؤسسة كربلاء المعلى على ساكنها وأجداده
وأبنائه صلوات ذي العلاء في اليوم الأول من الشهر المبارك شهر رمضان ختم بالخير
والعافية والرضوان من السنة الثامنة والسبعين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية
على مهاجرها وآله أفضل التحية.
الباب الثالث
في بقية الصلوات وفيه فصول
(الفصل الأول)
ـ في صلاة الجمعة وفيه مقدمة ومطالب :
أما المقدمة
ففي فضل يوم الجمعة وليلته ، روى في الكافي عن ابى بصير قال «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة».
__________________
وعن احمد بن
محمد عن ابى الحسن الرضا عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ان يوم الجمعة سيد الأيام يضاعف الله تعالى فيه الحسنات
ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات ويستجيب فيه الدعوات ويكشف فيه الكربات ويقضى
فيه الحوائج العظام ، وهو يوم المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ، ما دعا به
أحد من الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله تعالى ان يجعله من عتقائه وطلقائه
من النار ، فان مات في يومه وليلته مات شهيدا وبعث آمنا ، وما استخف أحد بحرمته
وضيّع حقه إلا كان حقا على الله عزوجل ان يصليه نار جهنم إلا ان يتوب».
وعن ابان عن
الصادق عليهالسلام قال : «ان للجمعة حقا وحرمة فإياك أن تضيع أو تقصر في
شيء من عبادة الله تعالى والتقرب اليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها ، فان
الله يضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات. وذكر ان يومه مثل
ليلته فان استطعت ان تحييها بالصلاة والدعاء فافعل فان ربك ينزل في أول ليلة
الجمعة إلى السماء الدنيا فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات وان الله واسع
كريم».
أقول : الظاهر
كما استظهره في الوافي وقوع التقديم والتأخير في قوله في الخبر «يومه مثل ليلته»
سهوا من بعض النقلة وانه انما كان «ليلته مثل يومه».
وعن ابن ابى
يعفور عن الباقر عليهالسلام قال : «قال له رجل كيف سميت الجمعة؟ قال ان الله عزوجل جمع فيها خلقه لولاية محمد صلىاللهعليهوآله ووصيه في الميثاق فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه».
وعن جابر عن
الباقر عليهالسلام قال : «سئل عن يوم الجمعة وليلتها فقال ليلتها ليلة
غراء ويومها يوم أزهر ، وليس على وجه الأرض يوم تغرب فيه
__________________
الشمس أكثر معافى من النار ، من مات يوم الجمعة عارفا بحق أهل البيت (عليهمالسلام) كتب الله تعالى له براءة من النار وبراءة من عذاب
القبر ، ومن مات ليلة الجمعة أعتق من النار».
وعن إبراهيم
ابن ابى البلاد عن بعض أصحابه عن الباقر أو الصادق (عليهماالسلام) قال : «ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة وان كلام
الطير فيه إذا لقي بعضها بعضا سلام سلام يوم صالح».
وعن محمد بن
إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليهالسلام قال : «قلت له بلغني ان يوم الجمعة أقصر الأيام؟ قال
كذلك هو. قلت جعلت فداك كيف ذاك؟ قال ان الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين
الشمس فإذا ركدت الشمس عذب الله أرواح المشركين بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم
الجمعة لا يكون للشمس ركود رفع الله تعالى عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون
للشمس ركود».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «سئل الصادق عليهالسلام عن الشمس كيف تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود؟
قال لان الله تعالى جعل يوم الجمعة أضيق الأيام. فقيل له ولم جعله أضيق الأيام؟
قال لأنه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم لحرمته عنده».
وروى في الفقيه
والتهذيب عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان الله تبارك وتعالى لينادي كل ليلة جمعة من
فوق عرشه من أول الليل الى آخره ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر
فأجيبه؟ ألا عبد مؤمن يتوب الى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه؟ ألا عبد مؤمن
قد قترت عليه
__________________
رزقه يسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه؟ ألا عبد
مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه؟ ألا عبد مؤمن محبوس مغموم
يسألني ان أطلقه من حبسه وأخلي سربه؟ ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته
قبل طلوع الفجر فانتصر له وآخذ له بظلامته؟ قال فلا يزال ينادى بهذا حتى يطلع
الفجر».
وروى في الفقيه
عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن إبراهيم بن ابى محمود قال : «قلت للرضا عليهالسلام ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلىاللهعليهوآله انه قال ان الله تبارك تعالى ينزل في كل ليلة جمعة الى
السماء الدنيا؟ فقال عليهالسلام لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه والله ما قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله كذلك انما قال ان الله تبارك وتعالى ينزل ملكا الى
السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة من أول الليل فيأمره فينادي
هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ يا طالب الخير
أقبل ويا طالب الشر اقصر. فلا يزال ينادى بهذا حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد
الى محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك ابى عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله».
أقول : يمكن ان
يكون وجه الجمع بين هذا الخبر وما تقدم في حديث ابان بحمل تحريف الكلم عن مواضعه
في هذا الخبر على فهم المخالفين من هذا الحديث الذي نقلوه عنه صلىاللهعليهوآله التجسيم وان نزوله عزوجل انما هو باعتبار نزول من يأمره بذلك ، فان هذا المجاز
شائع في الكلام كما تقول «قتل الملك فلانا» باعتبار امره بذلك ، ويكون الخبر الذي
نقله عليهالسلام هنا انما هو عبارة عن معنى ذلك الخبر وان المراد به ذلك
لا ما فهموه من التجسيم وجواز الانتقال عليه عزوجل كما هو مذهب الحنابلة .
__________________
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «وروى انه ما طلعت الشمس في يوم أفضل من يوم الجمعة وكان
اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله أمير المؤمنين عليهالسلام بغدير خم يوم الجمعة ، وقيام القائم عليهالسلام يكون في يوم الجمعة ، وتقوم القيامة في يوم الجمعة يجمع
الله تعالى فيه الأولين والآخرين ، قال الله عزوجل (ذلِكَ يَوْمٌ
مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)» .
وروى محمد عن
الصادق عليهالسلام في قول يعقوب لبنيه (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ
لَكُمْ رَبِّي) قال : «أخرها إلى السحر ليلة الجمعة».
وروى أبو بصير
عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان العبد المؤمن ليسأل الله عزوجل الحاجة فيؤخر الله عزوجل قضاء حاجته التي سأل الى يوم الجمعة ليخصه بفضل يوم
الجمعة».
وروى داود بن
سرحان عن الصادق عليهالسلام في قول الله عزوجل (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) قال «الشاهد يوم الجمعة».
__________________
قال في مجمع
البيان في تفسير قوله تعالى «وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» فيه أقوال : (أحدها) ـ ان الشاهد يوم الجمعة والمشهود
يوم عرفة عن ابن عباس وقتادة ، وروى ذلك عن الباقر والصادق عليهماالسلام) وعن النبي صلىاللهعليهوآله ايضا. وسمى يوم الجمعة شاهدا لانه يشهد على كل عامل بما
عمل فيه ، وفي الحديث «ما طلعت الشمس على يوم ولا غربت على يوم أفضل منه وفيه ساعة
لا يوافقها من يدعو فيها الله تعالى بخير إلا استجاب له ولا استعاذ من شر إلا
أعاذه منه». ويوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحج وتشهده الملائكة. و (ثانيها)
ان الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة عن إبراهيم. و (ثالثها) ان الشاهد محمد صلىاللهعليهوآله والمشهود يوم القيامة عن ابن عباس في رواية أخرى وسعيد
بن المسيب وهو المروي عن الحسن بن على (عليهماالسلام). وروى ان رجلا دخل مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فإذا رجل يحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال فسألته عن الشاهد والمشهود فقال : نعم الشاهد يوم
الجمعة والمشهود يوم عرفة. فجزته الى آخر يحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله فسألته عن ذلك فقال نعم : اما الشاهد فيوم الجمعة واما
المشهود فيوم النحر. فجزتهما الى غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله فسألته عن ذلك فقال : نعم اما الشاهد فمحمد صلىاللهعليهوآله واما المشهود فيوم القيامة ، أما سمعته سبحانه يقول «يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً» وقال «ذلِكَ يَوْمٌ
مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس وسألت عن الثاني فقالوا
ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا الحسن بن على (عليهماالسلام). و (رابعها) ان الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم الجمعة ،
وعن ابى الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود
تشهده الملائكة وان أحدا لا يصلى على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها. قال
__________________
فقلت وبعد الموت؟ فقال ان الله تعالى حرم على الأرض ان تأكل أجساد الأنبياء
فنبى الله حتى يرزق». و (خامسها) ان الشاهد الملك يشهد على ابن آدم والمشهود يوم
القيامة عن عكرمة ، وتلا هاتين الآيتين «وَجاءَتْ كُلُّ
نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ» «وَذلِكَ يَوْمٌ
مَشْهُودٌ» و (سادسها) ان الشاهد الذين يشهدون على الناس والمشهود هم الذين يشهد عليهم
عن الجبائي. و (سابعها) الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله «لِتَكُونُوا شُهَداءَ
عَلَى النّاسِ» عن الحسن ابن الفضل. و (ثامنها) الشاهد أعضاء بنى آدم
والمشهود هم لقوله تعالى «يَوْمَ تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ). الآية» و (تاسعها) الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحاج. و (عاشرها) الشاهد الأيام
والليالي والمشهود بنو آدم ، وينشد للحسين بن على عليهالسلام :
مضى أمسك
الماضي شهيدا معدلا
|
|
وخلفت في يوم
عليك شهيد
|
فإن أنت
بالأمس اقترفت إساءة
|
|
فقيد بإحسان
وأنت حميد
|
ولا ترج فعل
الخير يوما الى غد
|
|
لعل غدا يأتي
وأنت فقيد
|
(الحادي عشر) الشاهد الأنبياء
والمشهود محمد صلىاللهعليهوآله لقوله سبحانه «(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ
مِيثاقَ النَّبِيِّينَ). الى قوله (فَاشْهَدُوا وَأَنَا
مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ)» (الثاني عشر) الشاهد الخلق والمشهود الحق «وفي كل شيء له آية تدل على انه
واحد» وقيل الشاهد الله والمشهود لا إله إلا الله لقوله تعالى : «شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلّا هُوَ ... الآية» . انتهى.
وروى الصدوق في
الفقيه عن المعلى بن خنيس عن الصادق عليهالسلام انه قال «من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن بشيء غير
العبادة فإن فيه يغفر للعباد وتنزل عليهم الرحمة».
__________________
قال : وروى
الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليهالسلام انه قال : «ليلة الجمعة ليلة غراء ويومها يوم أزهر من
مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من ضغطة القبر ومن مات يوم الجمعة كتب الله له
براءة من النار».
وعن هشام بن
الحكم في الصحيح عن الصادق عليهالسلام «في الرجل يريد ان يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال
يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم الجمعة يضاعف».
وروى في الخصال
بسنده عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «ان ليلة الجمعة ويوم الجمعة أربع وعشرون ساعة
لله عزوجل في كل ساعة ستمائة ألف عتيق من النار».
وعن ابن ابى
عمير عن غير واحد عن الصادق عليهالسلام قال : «السبت لنا والأحد لشيعتنا والاثنين لأعدائنا
والثلاثاء لبني أمية (لعنهم الله) والأربعاء يوم شرب الدواء والخميس تقضى فيه
الحوائج والجمعة للتنظيف وهو عيد المسلمين وهو أفضل من الفطر والأضحى ، ويوم غدير
خم أفضل الأعياد وهو الثامن عشر من ذي الحجة. ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة
وتقوم القيامة يوم الجمعة ، وما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة على محمد وآله».
الى غير ذلك من
الأخبار وفي ما ذكرناه كفاية لذوي الاعتبار.
المطلب الأول
في بيان حكم
صلاة الجمعة في زمن الغيبة ونقل الأقوال والأخبار وبيان ما هو المختار الظاهر من
الآية وأحاديث العترة الأطهار (صلوات الله عليهم آناء الليل والنهار» إلا أنا قبل
الخوض في المقام نقدم من التحقيق الظاهر لذوي الأفهام ما عسى به تنكشف غشاوة
الإبهام وتنجلي به غياهب الظلام :
فنقول : لا ريب
ان الظاهر من الأخبار حتى كاد ان يكون كالشمس الساطعة
__________________
على جميع الأقطار هو الوجوب العيني الذي لا يختلجه الشك منها والإنكار متى
لوحظت في حد ذاتها بعين الإنصاف والاعتبار إلا ان الشبهة قد دخلت على جل أصحابنا (رضوان
الله عليهم) في هذه المسألة من وجهين فاسقطوا بذلك فيها الوجوب العيني من البين : (أحدهما)
عدم جواز العمل بخبر الواحد فان بعضا منهم منع من العمل به وبعضا توقف في ذلك
وتحقيق ذلك في الأصول. و (ثانيهما) من أخذ الإجماع مدركا شرعيا كالكتاب والسنة
النبوية وجعله دليلا مرعيا يعتمد عليه في الأحكام الشرعية ، فالكلام هنا يقع في
مقامين :
(الأول) ـ في
العمل بخبر الواحد فانا نقول بتوفيق الله تعالى وهدايته وعنايته : ان أخبارنا
المروية في كتب الأخبار المصنفة من علمائنا الأبرار وان صدق عليها اخبار الآحاد
باعتبار المقابلة بالمتواتر إلا انها قد اعتضدت بالقرائن الدالة على صحتها عن
الأئمة الطاهرين كما صرح به جملة من علمائنا المحققين : منهم ـ شيخ الطائفة في صدر
كتاب الاستبصار وكتاب العدة وغيره في غيرهما ، بل صرح بذلك المرتضى (رضى الله عنه)
الذي هو أحد المنقول عنه تلك المقالة كما نقله عنه في المعالم. ولا يخفى ان عمل
أصحابنا (رضوان الله عليهم) قديمهم وحديثهم مجتهدهم واخباريهم إنما هو على هذه
الأخبار وبناء مذهبهم إنما هو عليها ، وقد قيض الله تعالى بلطيف حكمته ومنيف
عنايته أقواما من الثقات الصادقين في زمن الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم
أجمعين) لجمع الأخبار المسموعة عنهم (عليهمالسلام) وتدوينها في الأصول المشهورة وهي أربعمائة أصل كما صرح
به جملة من الأصحاب وأمروا من أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) بتدوينها
وحفظها لعلهم بما يحدث من التقية والحيرة بعد غيبة قائمهم (عليهمالسلام) وانسداد أبواب استفادة الأحكام التي كانت في زمانهم
وزمان نواب قائمهم مشرعة لجملة الأنام فالعمل والمدار في الإيراد والإصدار إنما هو
على هذه الاخبار كما لا يخفى على ذوي البصائر والأبصار.
ولنكتف هنا
بنقل كلام المحقق المدقق صاحب المعالم في المقام ونذكره مع طوله لجودة محصوله وان
طال به زمام الكلام فنقول :
قال المحقق
المذكور بعد ان ذكر أولا ان خبر الواحد يفيد العلم مع انضمام القرائن اليه
واحتجاجه بما ذكره من الحجج عليه ، ثم ذكر ان ما عرى من خبر الواحد عن القرائن
المفيدة للعلم يجوز التعبد به عقلا ، وهل هو واقع أو لا؟ خلاف بين الأصحاب ، فذهب
جمع من المتقدمين كالمرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس الى الثاني وصار
جمهور المتأخرين إلى الأول وهو الأقرب ، ثم استدل على ذلك بوجوه ثم ذكر الأول
والثاني ثم قال ما صورته : الثالث ـ اطباق قدماء الأصحاب الذين عاصروا الأئمة (عليهمالسلام) وأخذوا منهم أو قاربوا عصرهم على رواية أخبار الآحاد
وتدوينها والاعتناء بحال الرواة والتفحص عن المقبول والمردود والبحث عن الثقة
والضعيف واشتهار ذلك بينهم في كل عصر من تلك الأعصار وفي زمان امام بعد امام ولم
ينقل عن أحد منهم إنكار لذلك أو مصير الى الى خلافه ولا روى عن الأئمة (عليهمالسلام) حديث يضاده مع كثرة الروايات عنهم في فنون الأحكام ،
قال العلامة في النهاية : اما الإمامية فالاخباريون منهم لم يعولوا في أصول الدين
وفروعه إلا على اخبار الآحاد المروية عن الأئمة (عليهمالسلام) والأصوليون منهم كأبي جعفر الطوسي وغيره وافقوا على
قبول الخبر الواحد في الفروع ولم ينكره أحد سوى المرتضى واتباعه لشبهة حصلت لهم.
وحكى المحقق عن الشيخ سلوك هذا الطريق في الاحتجاج للعمل بأخبارنا المروية عن
الأئمة (عليهمالسلام) مقتصرا عليه فادعى الإجماع على ذلك وذكر ان قديم
الأصحاب وحديثهم إذا طولبوا بصحة ما افتى به المفتي منهم عولوا على المنقول في
أصولهم المعتمدة وكتبهم المدونة فيسلم له خصمه منهم الدعوى في ذلك ، وهذه سجيتهم
من زمن النبي صلىاللهعليهوآله الى زمن الأئمة (عليهمالسلام) فلو لا ان العمل بهذه الأخبار جائز لأنكروه وتبرأوا من
العامل به. وموافقونا من أهل الخلاف احتجوا بمثل هذه الطريقة ايضا فقالوا ان
الصحابة والتابعين أجمعوا على ذلك بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد
وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى ، وقد تكرر ذلك مرة بعد اخرى
وشاع وذاع بينهم ولم ينكر عليهم أحد والا لنقل ، وذلك يوجب العلم العادي
باتفاقهم كالقول الصريح. (الرابع) ـ ان باب العلم القطعي بالأحكام الشرعية
التي لم تعلم بالضرورة من الدين أو من مذهب أهل البيت (عليهمالسلام) في نحو زماننا منسد قطعا ، إذ الموجود من أدلتها لا
يفيد غير الظن لفقد السنة المتواترة وانقطاع طريق الاطلاع على الإجماع من غير
النقل بخبر الواحد ووضوح كون أصالة البراءة لا تفيد غير الظن وكون الكتاب ظني
الدلالة ، وإذا تحقق انسداد باب العلم في حكم شرعي كان التكليف فيه بالظن قطعا ،
والعقل قاض بان الظن إذا كانت له جهات متعددة تتفاوت بالقوة والضعف فالعدول عن
القوى منها الى الضعيف قبيح ، ولا ريب ان كثيرا من أخبار الآحاد يحصل بها من الظن
ما لا يحصل بشيء من سائر الأدلة فيجب تقديم العمل بها. ثم ساق الكلام في الذنب عن
ما ذكره في المقام ورد حجج أولئك الأعلام على ما ذهبوا اليه من ذلك القول الناقص
العيار والقليل المقدار ، الى ان قال : وقد أورد السيد على نفسه في بعض كلامه
سؤالا هذا لفظه : فان قيل إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أي شيء تعولون في
الفقه كله؟ وأجاب بما حاصله ان معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذهب أئمتنا (عليهمالسلام) فيه بالأخبار المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه ـ ولعله
الأقل ـ يعول فيه على إجماع الإمامية. وذكر كلاما طويلا في بيان ما يقع فيه
الاختلاف بينهم ومحصوله انه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرناها
تعين العمل عليه وإلا كنا مخيرين بين الأقوال المختلفة لتعذر دليل التعيين. ولا
ريب ان ما ادعاه من علم معظم الفقه بالضرورة وبإجماع الإمامية أمر ممتنع في هذا
الزمان وأشباهه والتكليف فيها بحصول العلم غير جائز والاكتفاء بالظن في ما يتعذر
فيه العلم مما لا شك فيه ولا نزاع ـ وقد ذكره في غير موضع من كلامه أيضا ـ فتستوي
حينئذ الأخبار وغيرها من الأدلة المفيدة للظن في الصلاحية لإثبات الأحكام الشرعية
في الجملة كما حققناه ، مع ان السيد قد اعترف في جواب المسائل التبانيات بأن أكثر
أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها اما بالتواتر واما بأمارة وعلامة
دلت على صحتها وصدق رواتها فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وان وجدناها مودعة في
الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد.
الى هنا ما
نقلناه من كلام المحقق المشار اليه آنفا وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن
النبيه إلا ان جعله (قدسسره) الأخبار تبعا لما ذكره غيره من علمائنا الأبرار من
قبيل اخبار الآحاد العارية عن القرائن الموجبة للعلم بصحتها محل مناقشة يطول
بذكرها الكلام.
ثم ان مما يدل
على الاعتماد على اخبار الآحاد وصحة العمل بها ما روى عنه صلىاللهعليهوآله في خطبة الغدير وغيرها من قوله «فليبلغ الشاهد الغائب».
وقوله صلىاللهعليهوآله في خطبته في مسجد الخيف المروية في الكافي وغيره عن
الصادق عليهالسلام «رحم الله امرأ سمع مقالتي فبلغها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه.
الحديث». وحديث «من حفظ على أمتي أربعين حديثا». وما علم من إرساله صلىاللهعليهوآله وكذا أمير المؤمنين عليهالسلام بعده في وقت خلافته الى جباية الخراج والصدقات
والمقاسمات بل غير ذلك من الولايات الى البلدان البعيدة آحاد الناس ممن لم يبلغ
عددهم التواتر فان جميع ذلك ونحوه مما يدل على ان المرجع في العمل بالأخبار ليس
إلا الى ما يقتضي سكون النفس واطمئنان الخاطر لا الى ما يقتضي القطع واليقين بصحة
المخبر به من عدد أو قرينة كما توهمه من لم يعض بضرس قاطع على تتبع السير
__________________
والأخبار ولم يعط التأمل حقه في الآثار.
وبالجملة فإن
ما ذهب إليه أولئك المتقدم ذكرهم من المنع من العمل بخبر الواحد ودعوى كون أخبارنا
المذكورة من جملة ذلك في البطلان أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان ، إذ ليس مع رد
هذه الأخبار المدونة في كتب الأصحاب إلا الخروج من هذا الدين أو العمل على غير
مذهب ودين ، وذلك فإنه ليس بعد هذه الأخبار عندهم إلا الكتاب والإجماع ودليل العقل
، ولا ريب ان الكتاب لما هو عليه من الإجمال وقبول الاحتمال لا يفي بالمراد ، واما
الإجماع فقد عرفت وستعرف ما فيه من انه ليس في عدة إلا تكثير السواد وتضييع المداد
، واما دليل العقل فاضعف ومع تسليمه فهو لا يأتي على جميع الأحكام.
ثم انه مما
يزيد ما ذكرناه تأييدا ويعلى منارة تشييدا ما استفاض بل تواتر معنى بين الخاصة
والعامة من قوله صلىاللهعليهوآله «انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم
بهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض». وهو مروي بطرق عديدة ومتون متقاربة ، ونحوه
خبر «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق».
__________________
والتقريب فيهما
هو دلالتهما على ان النجاة والأمن من الوقوع في مهاوي الضلال انما هو في التمسك
بحبل الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) والاقتداء بهم في الأقوال والأفعال ، وحينئذ
فاما ان يخص هذا بزمان وجودهم (صلوات الله عليهم) وما قاربه واللازم منه تضييع
باقي الأمة إلى يوم القيامة ، لانه صلىاللهعليهوآله كان عالما بامتداد أمته إلى يوم القيامة وكان عالما بان
زمان وجود الأئمة (عليهمالسلام) الى وقت الغيبة إنما هو زمان يسير ، وعلى هذا فلو قصر
الأمر بالتمسك بهم على زمان وجودهم وما قاربه فاللازم ما ذكرناه وهو مما يقطع
بفساده ، واما ان يجعل هذا الخطاب للأمة والأمر لهم بالإتباع والتمسك الى يوم
القيامة وهو لا يتم إلا بالعمل بهذه الأخبار المروية عن أبنائه الأطهار التي هي
محل البحث ، إذ لا طريق في مثل زماننا هذا وأمثاله من أزمان الغيبة إلى اتباعهم
والأخذ بدينهم والتمسك بهم سواها. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.
ثم لا يخفى ان
ظاهر الخبرين المذكورين الإشارة إلى سد باب التمسك بسوى الثقلين المذكورين حيث كان
رفع الضلال على وجه الشمول لافراده وافراد زمانه والنجاة ليس مرتبا إلا على التمسك
بهما ، وبالجملة فإن التمسك بهما طريق علم انها مخلصة من الضلال على كل حال واما
غيرهما فما أشد الإشكال فيه والإعضال سيما مع عدم ورود الإذن بالأخذ به في حال من
الأحوال.
(المقام الثاني)
في الإجماع وقد تقدم في مقدمات الكتاب نزر من القول
__________________
في بيان بطلان القول به والاعتماد عليه في الأحكام الشرعية وعدم كونه مدركا
لها وان اشتهر في كلامهم عده من المدارك القطعية كالكتاب العزيز والسنة النبوية ،
ونزيده هنا بمزيد من التحقيق الرشيق والتدقيق الأنيق :
فنقول : قد
عرفت مما قدمنا في المقام الأول دلالة خبر الثقلين على ان ما يعمل به أو عليه من
حكم فرعى أو مدرك أصلي يجب أن يكون متمسكا فيه بكتاب الله تعالى واخبار العترة على
ما مر من البيان لتحقق الأمن من الضلال والنجاة من أهوال المبدأ والمآل ، والزاعم
لكون ذلك مدركا شرعيا زائدا على ما ذكره صلىاللهعليهوآله يحتاج إلى إقامة البرهان والدليل وليس له الى ذلك سبيل
إلا مجرد القال والقيل
ومن الظاهر عند
التأمل بعين الإنصاف وتجنب العصبية للمشهورات الموجبة للاعتسافات ان عد أصحابنا (رضوان
الله عليهم) الإجماع مدركا إنما اقتفوا فيه العامة العمياء لاقتفائهم لهم في هذا
العلم المسمى بعلم أصول الفقه وما اشتمل عليه من المسائل والأحكام والأبحاث وهذه
المسألة من أمهات مسائله ، ولو ان لهذا العلم من أصله أصلا أصيلا لخرج عنهم (عليهمالسلام) ما يؤذن بذلك ، إذ لا يخفى على من لاحظ الأخبار انه لم
يبق أمر من الأمور التي يجري عليها الإنسان في ورود أو صدور من أكل وشرب ونوم
ونكاح وتزويج وخلاء وسفر وحضر ولبس ثياب ونحو ذلك إلا وقد خرجت الأخبار ببيان
السنن فيه وكذا في الأحكام الشرعية نقيرها وقطميرها ، فكيف غفلوا (عليهمالسلام) عن هذا العلم مع انه كما زعموه مشتمل على أصول الأحكام
الشرعية فهو كالأساس لها لابتنائها عليه ورجوعها اليه هذا ، وعلماء العامة
كالشافعي وغيره في زمانهم (عليهمالسلام) كانوا عاكفين على هذه العلوم تصنيفا وتأليفا واستنباطا
للأحكام الشرعية بها وجميع ذلك معلوم للشيعة في تلك الأيام فكيف غفلوا عن السؤال
منهم عن شيء من مسائله؟ ومع غفلة الشيعة كيف رضيت الأئمة (عليهمالسلام) بذلك لهم ولم يهدوهم اليه ولم يوقفوهم عليه؟ مع كون
مسائله أصولا للأحكام كما زعمه أولئك الأعلام ، ما هذا إلا عجب عجيب
كما لا يخفى على الموفق المصيب .
__________________
ومما يعضد ما
ذكرناه بأوضح تأييد رسالة الصادق عليهالسلام الى الشيعة وامره لهم
__________________
__________________
بمدارستها والتعهد لها المروية في روضة الكافي بأسانيد ثلاثة ونحن ننقل موضع الحاجة منها :
قال عليهالسلام «أيتها العصابة المرحومة المفلحة ان الله عزوجل أتم لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا انه ليس من علم
الله تعالى ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأى ولا مقاييس
، قد انزل الله تعالى القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء وجعل للقرآن ولتعلم القرآن
أهلا ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأى
ولا مقاييس ، أغناهم الله تعالى عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم
كرامة من الله تعالى أكرمهم بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله تعالى هذه الأمة
بسؤالهم وهم الذين قد سبق في علم الله تعالى ان من يتبعهم ويصدق
أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدى به الى الله
__________________
باذنه والى جميع سبل الحق ، وهم الذين لا يرغب عنهم ولا عن مسألتهم وعن
علمهم الذي أكرمهم الله تعالى به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله تعالى
الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة ، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر وأولئك
الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتى دخلهم الشيطان ، لأنهم جعلوا أهل
الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله
مؤمنين وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراما وجعلوا ما حرم الله تعالى
في كثير من الأمر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم ، وقد عهد إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل موته فقالوا نحن بعد ما قبض الله عزوجل رسوله صلىاللهعليهوآله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأى الناس بعد قبض الله
تعالى رسوله وبعد عهده الذي عهد إلينا وأمرنا به مخالفا لله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله فما أحد اجرأ على الله تعالى ولا أبين ضلالة ممن أخذ
بذلك وزعم ان ذلك يسعه ، والله ان لله تعالى على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في
حياة محمد صلىاللهعليهوآله وبعد موته. الحديث».
أقول : وكما
يستفاد من هذا الخبر ان أصل الإجماع من مخترعات العامة وبدعهم يستفاد منه ان الرجوع
الى القرآن وأخذ الأحكام منه يتوقف على تفسيرهم (عليهمالسلام) وبيان معانيه عنهم ، ومنه يعلم ان الأخبار كالأصل
لمعرفة الكتاب وحل مشكلاته وبيان مفصلاته وتفسير مجملاته وتعيين المراد من أحكامه
وبيان إبهامه ، وهو المشار إليه في خبر الثقلين بعدم الافتراق بين العترة والقرآن
بمعنى ان القرآن لما كان المرجع فيه إليهم وأحكامه لا تؤخذ إلا منهم (عليهمالسلام) فهو لا يفارقهم وانه لما كانت أفعالهم وأقوالهم (عليهمالسلام) مقتبسة من القرآن فهم لا يفارقونه.
وكيف كان فهذا
الخبر الشريف ظاهر في ما دل عليه خبر الثقلين من ان الاعتماد ليس الا على القرآن
والأخبار وان ما عداهما فهو ساقط عن درجة النظر اليه والاعتبار.
ولا يخفى ان
تكرر كلامه عليهالسلام ومقابلته عدم الأخذ عنهم (عليهمالسلام) بالرأي والهوى والمقاييس مما يشير الى ان الاستناد الى
هذا الإجماع من جملة الهوى والرأي حيث انه لما لم يكن مستندا إليهم (عليهمالسلام) حيث لم يأمروا به ولم يشيروا إليه بالكلية فهو إنما
استند إلى رأى ذلك القائل به وهواه ، ولهذا ان أصحابنا لما اقتفوهم في جعله من
مدارك الأحكام الشرعية عدلوا عن معناه عند العامة بأنه عبارة عن إجماع الناس الى
اعتبار دخول المعصوم عليهالسلام فيه وكشفه عن دخوله وان الحجة في ذلك انما هو قول
المعصوم عليهالسلام.
على ان التحقيق
ان الذين هم الأصل في الإجماع كالشيخ والمرتضى قد كفونا مؤنة القدح فيه وبيان
بطلانه بما وقع لهم من دعوى الإجماعات المتناقضة تارة ودعوى الإجماع على ما تفرد
به أحدهما تارة أو تبعه عليه شذوذ من أصحابه كما لا يخفى على المطلع على أقوالهم ،
وقد وقفت على رسالة لشيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) قد عد فيها إلا جماعات التي ناقض الشيخ فيها نفسه في
مسألة واحدة انتهى عددها الى نيف وسبعين مسألة ، قال (قدسسره) فيها : افردناها للتنبيه على ان لا يغتر الفقيه بدعوى
الإجماع فقد وقع فيه الخطأ والمجازفة كثيرا من كل واحد من الفقهاء سيما من الشيخ
والمرتضى ، قال ومما ادعى الإجماع من كتاب النكاح دعواه في الخلاف. ثم ساق الكلام
في تعداد تلك المسائل إلى آخرها بما يقرب مما ذكرنا.
قال شيخنا زين
الملة والدين في رسالته التي في هذه المسألة : الإجماع عند أصحابنا إنما هو حجة
بواسطة دخول قول المعصوم عليهالسلام في جملة أقوال القائلين والعبرة عندهم إنما هي بقوله
دون قولهم ، وقد اعترفوا بان قولهم «الإجماع حجة» إنما هو مشى مع المخالف حيث انه
كلام حق في نفسه وان كان حيثية الحجية مختلفة عندنا وعندهم على ما هو محقق في محله
، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من العلم بدخول قول المعصوم عليهالسلام في جملة أقوالهم حتى يتحقق حجية قولهم ومن اين لهم
العلم في أمثال هذه المواضع مع عدم وقوفهم على خبره فضلا عن قوله عليهالسلام؟ واما
ما اشتهر بينهم ـ من انه متى لم يعلم في المسألة مخالف أو علم مع معرفة أصل
المخالف ونسبه يتحقق الإجماع ويكون حجة ويجعل قول الإمام في الجانب الذي لا ينحصر
ونحو ذلك مما بينوه واعتمدوه ـ فهو قول مجانب للتحقيق جدا ضعيف المأخذ ، ومن اين
يعلم ان قوله عليهالسلام وهو بهذه الحالة من جملة أقوال هذه الجماعة المخصوصة
دون غيرهم من المسلمين خصوصا في هذه المسألة فإن قوله بالجانب الآخر أشبه وبه اولى
لموافقته لقول الله تعالى ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم) على ما قد عرفت. ثم
متى بلغ قول أهل الاستدلال من أصحابنا في عصر من الأعصار السالفة حدا لا ينحصر ولا
يعلم به بلد القائل ولا نسبه وهم في جميع الأعصار محصورون منضبطون بالاشتهار
والكتابة والتحرير لأحوالهم على وجه لا يتخالجه شك ولا تقع معه شبهة ، ومجرد
احتمال وجود واحد منهم مجهول الحال مغمور في جملة الناس مع بعده مشترك من الجانبين
، فان هذا ان اثر كان احتمال وجوده مع كل قائل ممكنا ومثل هذا لا يلتفت إليه أصلا
ورأسا ، وقد قال المحقق في المعتبر ـ ونعم ما قال ـ الإجماع حجة بانضمام المعصوم عليهالسلام فلو خلا المائة من فقهائنا من قوله لما كان حجة ولو حصل
في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله عليهالسلام فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعي الإجماع باتفاق الخمسة
والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلا مع العلم القطعي بدخول الامام عليهالسلام في الجملة. انتهى. ومن اين يحصل العلم القطعي بموافقة
قوله عليهالسلام لأقوال الأصحاب مع هذا الانقطاع المحض والمفارقة الكلية
والجهل بما يقوله على الإطلاق من مدة تزيد عن ستمائة سنة. انتهى ما أردنا نقله من
كلامه زيد في مقامه.
وقال في
المسالك ـ في مسألة «ما لو اوصى له بأبيه فقبل الوصية» بعد الطعن في الإجماع ـ ما
هذا لفظه : وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين في كثير من
المسائل التي ادعوا فيها الإجماع إذا قام عنده الدليل على ما يقتضي خلافهم وقد
اتفق لهم ذلك كثيرا ولكن زلة المتقدم متسامحة بين الناس دون المتأخر.
وقال بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : ومن جملة ما عد مدركا من المدارك الأصلية
لفروع الأحكام ما يسمونه إجماعا المفسر عند العامة
باتفاق فقهاء امة محمد صلىاللهعليهوآله في عصر على أمر شرعي وعند الخاصة باتفاق الفرقة المحقة
منها فيه عليه. وقد حاولت العامة في استخراج مدرك حجيته من الكتاب بأدلة كلها مزيفة ومن السنة بخبر رووه عنه صلىاللهعليهوآله «لا تجتمع أمتي على خطأ». وفيه من النقوض ما هو مذكور في محله ولا طائل في
ذكره ، واما أصحابنا الذين حذوا حذو العامة في عده مدركا فحاولوا في الاستدلال على
حجيته بأنه إذا تحقق اتفاق فقهاء الطائفة المحقة على أمر اقتضى دخول المعصوم عليهالسلام فيهم لكونه من الفقهاء وعدم خلو عصر من معصوم يكون قوله
حجة والحجة حينئذ قوله والإجماع كاشف عنه. وهذا إقرار بأنه ليس دليلا وان كان
كاشفا عنه وليس في عده من الأدلة إلا تكثير العدد واطالة الطريق وإيهام جواز خلو العصر
من معصوم حجة كما هو معتقد أولئك الذين هم عن الحق بمرمى سحيق ، ولذا خلا ظاهر
الكتاب وما وصل إلينا من اخبار العترة الطاهرة عن ما يشعر بالأمر بالعمل بما يسمى
إجماعا.
وقال (قدسسره) في موضع آخر : ثم انه على تقدير ما ذكروه في بيان
الإجماع وحجيته ان الحجة انما هو دخول المعصوم فان علم دخوله فلا بحث ولا مشاحة في
إطلاق اسم الإجماع عليه ثم اسناد الحجية اليه ولو تجوزا فيهما ، وان لم
__________________
يعلم فان ظن ولو بمعاضدة خبر واحد يحكى فعله أو قوله أو تقريره فكذلك وإلا
فليس نقل الإجماع بمجرده موجبا للظن بدخول المعصوم ولا كاشفا عنه كما زعموه. ثم ان
العلم بدخول المعصوم في زمان ظهوره وانحصار حملة الحديث في قوم معروفين أو بلدة
محصورة ممكن اما في مثل زماننا هذا كزمان الغيبة الكبرى فالحق انه لا طريق الى العلم
به ـ لأنه إنما يكون بطريق التواتر بان ينقله في كل طبقة جماعة يؤمن تواطؤهم على
الكذب مستندون الى الحس بمعاينة اعمال جميع من يتوقف انعقاد الإجماع عليه أو سماع
أقوالهم على وجه لا يمكن حمل القول والعمل على نوع من التقية ونحوها مع تشتتهم
وانتشارهم في أقطار الأرض وانزوائهم في الطوامير والسراديب وحرصهم على ان لا يطلع
عليهم ولا على عقائدهم ومذاهبهم وهو كما لا يخفى ممتنع عادة ـ ولا الى ظنه بنقله
بطريق الآحاد لما ذكرنا من التشتت والانزواء المانعين من اطلاع آحاد الناس.
وقال المحقق
الشيخ حسن (قدسسره) في المعالم ـ بعد ان أسلف انه يتجه ان يقال ان المدار
في الحجية على العلم بدخول المعصوم عليهالسلام من غير حاجة الى اشتراط اتفاق جميع المجتهدين أو أكثرهم
ولا سيما معروفى النسب ، ونقل عن المحقق في المعتبر ما تقدم نقله في كلام والده
مما يتضمن التصريح باشتراط العلم القطعي بدخول المعصوم عليهالسلام في حجية الإجماع ـ ما هذا لفظه : هنا فوائد (الأولى)
الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الإجماع في زماننا وما ضاهاه من غير جهة النقل
، إذ لا سبيل الى العلم بقول الامام كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين
ليدخل في جملتهم ويكون قوله مستورا بين أقوالهم وهذا مما يقطع بانتفائه ، فكل
إجماع يذكر في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) مما يقرب من عصر الشيخ الى زماننا
هذا وليس مستندا الى نقل متواترا أو آحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم
فلا بد ان يراد به ما ذكره الشهيد (قدسسره) من الشهرة ، واما الزمان السابق على ما ذكرنا المقارب
لعصر ظهور الأئمة (عليهمالسلام) وإمكان الاطلاع على أقوالهم فيمكن فيه
حصول الإجماع والعلم بطريق التتبع ، والى مثل هذا نظر بعض علماء أهل الخلاف
حيث قال : والإنصاف يقتضي ان لا طريق إلى معرفة حصول الإجماع إلا في زمن الصحابة
حيث كان المؤمنون قليلين لا يتعذر معرفتهم بالتفصيل.
وقال الفاضل
المولى محمد باقر الخراساني (قدسسره) صاحب الذخيرة والكفاية في رسالته في المسألة بعد
الكلام في المسألة : (فإن قلت) الآية والأخبار كما ذكرت دالة على الوجوب العيني
إلا ان الأصحاب نقلوا الإجماع على انتفاء الوجوب العيني ، وممن نقل ذلك العلامة في
النهاية والتذكرة والشيخ على والشهيد الثاني في شرح اللمعة وشرح الألفية وهو ظاهر
كلام المحقق والشهيد ، والإجماع الذي نقله هؤلاء الأعيان من فضلاء أصحابنا حجة إذ
التعويل في موارد الإجماع والخلاف على قولهم فاذن سقط القول بالوجوب العيني ،
واعترف جماعة منهم بان الكتاب والسنة دالان على الوجوب العيني لكن دعاهم الى عدم
القول به إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على انتفائه (قلت) هذا هو الداء العضال
والشبهة التي بها زلت اقدام وعدلت عن الحق أقوام وأخطأت التحقيق افهام لكنه عند
الفحص الصحيح والنظر بمكان من الضعف ، ثم أطال في بيان عدم تحققه وإمكانه زمن
الغيبة الى ان قال : (الثاني) نجد في كثير من المسائل ادعى بعضهم الإجماع عليه مع
وجود الخلاف فيه بل من المدعى نفسه في كتاب آخر سابق عليه أولا حق به ، وكذلك نجد
بعض من ادعى الإجماع على حكم وادعى آخر الإجماع على خلافه حتى قد يتفق ذلك من
المدعى نفسه ، وحسبك في هذا الباب ما وقع للسيد المرتضى والشيخ ابى جعفر في
الانتصار والخلاف مع كونهما امامى الطائفة ومقتدييها ، ومن أغرب ذلك دعوى السيد
المرتضى في الكتاب المذكور إجماع الإمامية على وجوب التكبيرات الخمس في كل ركعة
للركوع والسجود والقيام منهما ، ثم ساق جملة من إجماعاته التي من هذا القبيل ، ثم
نقل ذلك عن العلامة وعن المحقق الشيخ على.
ولهذا الفاضل
المذكور في الذخيرة بحث طويل في الطعن في الإجماع في باب
غسل الجنابة في مسألة الوطء في الدبر وقد أشبع الكلام فيه ونفى كونه من
الأدلة الشرعية وإنما غايته الصلوح للتأييد.
واما صاحب
المدارك فإنه نقل في الكتاب المذكور انه صنف رسالة في رد الإجماع وإبطاله.
فإن قيل : ان
هؤلاء المذكورين كثيرا ما يستندون إليه في جملة من المسائل.
(قلنا) نعم
ربما يستسلقونه مجازفة في مواضع وربما قيدوه بقولهم «ان تم» أو «ان ثبت» واما في
مقام التحقيق فإنهم يمزقونه تمزيقا ويجعلونه حريقا. وعلى هذا النهج كلام جملة من
متأخري المتأخرين.
وبالجملة فإن
ملخص القول في ذلك هو انه غير متحقق الوقوع ولا الإمكان لما عرفت من اتفاق كلمة
هؤلاء الأعيان ، وغاية ما ربما يتشبث به الخصم هو ان الإجماع المنقول بخبر الواحد
حجة وهو باطل من وجوه :
الأول ـ انه
حيث قد عرفت ما وقع لهم من الاختلاف والاضطراب في دعوى الإجماع كما قدمنا نقله عن
رسالة شيخنا الشهيد الثاني من ضبط جملة من الإجماعات التي ادعى الشيخ فيها الإجماع
على حكم وادعى الإجماع على خلافه وهكذا دعاوي المرتضى الإجماع على ما يتفرد به
ونحوه غيره ، فإنه لا وثوق حينئذ بنقلهم لهذا الإجماع في هذه المسألة فلعله من
قبيل تلك الإجماعات التي نفاها عليهم من تأخر عنهم.
الثاني ـ انه
مع غض النظر عن ذلك فإنه من المقرر في كلامهم والجاري في قواعدهم انهم لا يجمعون
بين الدليلين متى تعارضا إلا مع التكافؤ في الصحة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح أو
يأولونه بما يرجع به الى الراجح ، ولا ريب في ان هذا الإجماع المدعى إنما هو في
قوة خبر مرسل بل أضعف فلا يقوم بمعارضة ما سنذكره ان شاء الله تعالى من الأخبار
المستفيضة الصحيحة الصريحة فالواجب طرحه من البين.
الثالث ـ انه
من القواعد المقررة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) عرض
الأخبار في مقام الاختلاف على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه وما خالفه
يضرب به عرض الحائط فإذا كانت اخبارهم الصحيحة الصريحة ترد مع مخالفة
الكتاب العزيز فكيف هذا الإجماع الذي يرجع في التحقيق الى قول جماعة قليلة من
الأصحاب؟
الرابع ـ تحقق
الخلاف في المسألة كما سيأتي ان شاء الله تعالى نقله عن جماعة من متقدمي الأصحاب
كالشيخ المفيد والكليني والصدوق وابى الصلاح والكراجكي بل هو ظاهر غيرهم من
المتقدمين كما ذكره شيخنا زين الدين في الرسالة وتلميذه الشيخ حسين بن عبد الصمد
في كتاب العقد الطهماسى ، وسيأتي نقل كلامهما ان شاء الله تعالى وحينئذ فكيف تتم
دعوى الإجماع والحال كما عرفت؟
الخامس ـ انهم
عللوا هذا الإجماع بعلة ضعيفة روما لتقويته وزيادته على سائر الإجماعات كما سيأتي
نقله عن المحقق في المعتبر ، وسيأتي الكلام عليها وبيان ضعفها ان شاء الله تعالى
عند نقل القول بالتخيير.
السادس ـ ان
ظاهر كلام أكثرهم ان هذا الشرط إنما هو عند حضور الامام عليهالسلام والتمكن منه كما أومأ إليه المحقق (قدسسره) حيث شبهه بالقضاء ، فان التعيين في القضاء عندهم إنما
هو عند حضور الامام عليهالسلام واما مع غيبته فيجب على الفقهاء القيام به مع تمكنهم
منه.
وأظهر منها
عبارة الشهيد في الذكرى حيث قال : التاسع ـ اذن الامام كما كان النبي صلىاللهعليهوآله يأذن لأئمة الجماعات وأمير المؤمنين عليهالسلام بعده وعليه اتفاق الإمامية ، هذا مع حضور الامام واما
مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان. الى آخر كلامه وسيأتي نقله ان شاء الله
تعالى بتمامه.
ونحوه كلام
شيخنا الشهيد الثاني في الروضة وقال (قدسسره) : ان الذي يدل عليه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ان موضع الإجماع المدعى انما هو
__________________
حال حضور الامام وتمكنه والشرط المذكور حينئذ انما هو إمكانه لا مطلقا في
وجوبها عينا لا تخييرا كما هو مدعاهم حال الغيبة ، لأنهم يطلقون القول باشتراطه في
الوجوب ويدعون الإجماع عليه أولا ثم يذكرون حال الغيبة وينقلون الخلاف فيه
ويختارون جوازها حينئذ أو استحبابها معترفين بفقد الشرط. هكذا عبروا به في المسألة
وصرحوا به في الموضعين ، فلو كان الإجماع المدعى لهم شاملا لموضع النزاع لما ساغ
لهم نقل الخلاف بعد ذلك بل اختيار جواز فعلها بدونه أيضا ، فإنهم يصرحون بأنه شرط
للوجوب ثم يذكرون الحكم حال الغيبة ويجعلون الخلاف في الاستحباب فلا يعبرون عن
حكمها حينئذ بالوجوب ، وهو دليل بين على ان الوجوب الذي يجعلونه مشروطا بالإمام
وما في معناه إنما هو حيث يمكن أو في الوجوب العيني حال حضوره بناء منهم على ان ما
عداه لا يسمونه واجبا وان أمكن إطلاقه عليه من حيث انه واجب تخييري. وعلى هذا
الوجه يسقط الاستدلال بالإجماع في موضع النزاع لو سلمنا تمامه في غيره.
السابع ـ ان
كلامهم في الاذن لا يخلو من تشويش لدلالة بعض عباراتهم على ان المراد الاذن لخصوص
شخص بعينه لهذه الصلاة بخصوصها أو لما يشملها وبعض يدل على الاذن العام الشامل
للفقيه ، وبعضها على الأعم الشامل لكل من يصلح للإمامة وعلى هذا تسقط فائدة
النزاع.
قال الشيخ في
الخلاف ـ بعد ان اشترط أولا في الجمعة الإمام أو نائبه ونقل فيه الإجماع ـ ما هذا
لفظه (فان قيل) أليس قد رويتم في ما مضى من كتبكم انه يجوز لأهل القرى والسواد من
المؤمنين إذا اجتمعوا العدد الذي تنعقد بهم ان يصلوا جمعة؟ (قلنا) ذلك مأذون فيه
مرغب فيه فجرى مجرى ان ينصب الامام من يصلى بهم. انتهى. وظاهره ان الاذن الذي ادعى
الإجماع على اشتراطه أولا يشمل الاذن العام كما ينادى به قوله «فجرى مجرى ان ينصب
الامام من يصلى بهم» وحينئذ فإذا قام الاذن العام مقام النصب الخاص فأي مانع من
الوجوب العيني
ولهذا نسب الوجوب العيني إلى الشيخ في الخلاف لظاهر هذه العبارة ، قالوا :
وقوله «مأذون ومرغب» لا ينافي ذلك.
أقول : فلينظر
العاقل الفطن المنصف المتقيد بقيود الشريعة في هذا الإجماع المدعى في هذا المقام
والمعول عليه عند هؤلاء الاعلام ما هو عليه من الضعف وتطرق الطعن اليه الظاهر لكل
ناظر من الأنام ، وهل يستجيز مؤمن يخاف الله تعالى ان يخرج عن ظواهر الأخبار
الساطعة الأنوار المستفيضة الصحيحة الصريحة مضافا الى الآية الشريفة بهذا الإجماع الذي لما عرفت تمجه الطباع مضافا الى ما عرفت في أصل
الإجماع. ثم انه كيف يشترط في العمل بالكتاب والسنة عمل الشيخ والمرتضى وأتباعهما
بذلك واى فرق بين الشيخ ومن تبعه في هذه المسألة وبين الشهيد الثاني ومن تأخر
عنه؟ حيث تعتبر أقوال أولئك ولا تعتبر أقوال
__________________
هؤلاء مع انه لا ريب عند كل ناظر وسامع ممن عرف الرجال بالحق لا الحق
بالرجال ان هؤلاء أدق فهما واذكى ذهنا وأشد تيقظا وأكثر تتبعا وأقرب الى الصواب وابتداء الفحص والتحقيق وترك التقليد للسلف نشأ من زمن
الشهيد الأول وان أحدث المحقق والعلامة شيئا من ذلك.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في الدراية : ان أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه
في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فلما جاء المتأخرون وجدوا
أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها شهرة بين العلماء وما دروا ان
مرجعها الى الشيخ (قدسسره) وان الشهرة إنما حصلت بمتابعته. ثم قال : وممن اطلع
على هذا الذي تبينته وتحققته من غير تقليد الشيخ الفاضل سديد الدين محمود الحمصي
والسيد رضى الدين بن طاوس وجماعة ، قال السيد (قدسسره) في كتابه المسمى بالبهجة لثمرة المهجة : أخبرني جدي
الصالح ورام بن أبي فراس (قدس الله تعالى روحه) ان الحمصي حدثه انه لم يبق
للإمامية مفت على التحقيق بل كلهم حاك. وقال السيد عقيب ذلك : والآن قد ظهر ان
الذي يفتي به ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدمين. انتهى.
أقول : ومن
إبطال هذين الأصلين يظهر بطلان ما ابتنى عليهما من القول
__________________
بالتحريم في هذه المسألة كما هو القول النادر الشديد الندور ، والقول
بالوجوب التخييري كما هو بين جملة من المتأخرين مشهور ، ومنه يظهر قوة القول
بالوجوب العيني المؤيد بالآية والأخبار والمنصور كما ستأتي أدلته ان شاء الله
تعالى ساطعة الظهور كالنور على الطور.
وإذ قد عرفت
ذلك فلنشرع الآن في الأقوال المذكورة في المسألة وما يتعلق بها من الكلام وتحقيق
البحث فيها وما ذكر فيها من نقض وإبرام مستمدين منه سبحانه التوفيق للسلامة من زلل
الاقدام وزيغ الافهام متوسلين في ذلك بأهل الذكر (عليهمالسلام) :
فنقول : ينبغي
أن يعلم أولا ان هنا مقامات (الأول) انه هل يشترط الامام المعصوم في الجمعة أو
نائبه أم لا؟ (الثاني) انه هل هذا الشرط شرط في الانعقاد أو الوجوب؟ (الثالث) ان
هذا الشرط مخصوص بزمان الحضور أو يشمل الغيبة أيضا؟ (الرابع) ان المراد بالنائب هل
هو الخاص أو العام الذي يشمل الفقيه حال الغيبة أو الأعم الشامل لإمام الجماعة؟ (الخامس)
ان وجوبها على تقدير اشتراط الفقيه عيني أو تخييري؟ أقوال ولكل من هذه الشقوق قائل
، والذي استقر عليه رأي جملة من محققي متأخري المتأخرين وهو الحق اليقين الذي لا
يداخله الظن ولا التخمين هو ان وجوب هذه الفريضة مع اجتماع شرائطها الآتية ان شاء
الله تعالى كغيرها من الفرائض اليومية لا توقف فيها على حضور الامام ولا غيبته ولا
اذنه ولا غير ذلك وقوفا على ظواهر الأدلة الواردة فيها من الكتاب والسنة.
ولا خلاف بين
أصحابنا في وجوبها عينا مع حضوره عليهالسلام أو نائبه الخاص وانما الخلاف في زمن الغيبة وعدم وجود
الاذن على الخصوص على أقوال :
(الأول) القول
بالوجوب العيني وهو المختار المعتضد بالآية والأخبار وبه صرح جملة من مشاهير
علمائنا الأبرار (رضوان الله عليهم) متقدميهم ومتأخريهم :
أحدهم ـ الشيخ
المفيد (قدسسره) حيث قال في المقنعة : واعلم ان الرواية
جاءت عن الصادقين (عليهمالسلام) «ان الله جل جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة
لم يفرض فيها الاجتماع إلا في صلاة الجمعة خاصة فقال جل من قائل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ
وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)» . وقال الصادق عليهالسلام «من ترك الجمعة ثلاثا من غير علة طبع الله على قلبه». ففرضها ـ وفقك الله ـ
الاجتماع على ما قدمناه إلا انه بشريطة حضور إمام مأمون على صفات يتقدم الجماعة
ويخطبهم خطبتين يسقط بهما وبالاجتماع عن المجتمعين من الأربع ركعات ركعتان ، وإذا
حضر الإمام وجبت الجمعة على سائر المكلفين إلا من عذره الله تعالى منهم ، وان لم
يحضر امام سقط فرض الاجتماع ، وان حضر امام يخل شرائطه بشريطة من يتقدم فيصلح به
الاجتماع فحكم حضوره حكم عدم الإمام. والشرائط التي تجب في من يجب معه الاجتماع ان
يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته مجنبا من الأمراض الجذام والبرص خاصة في خلقته
مسلما مؤمنا معتقدا للحق في ديانته مصليا للفرض في ساعته ، فإذا كان كذلك واجتمع
معه أربعة نفر وجب الاجتماع. ومن صلى خلف امام بهذه الصفات وجب عليه الإنصات عند
قراءته والقنوت في الاولى من الركعتين في فريضته ومن صلى خلف امام بخلاف ما وصفناه
رتب الفرض على المشروح في ما قدمناه. ويجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة
فرضا ويستحب مع من خالفهم تقية. انتهى.
وظاهر الشيخ في
التهذيب موافقته في ذلك حيث انه بعد نقل هذا الكلام استدل له بجملة من الأخبار
الآتية ان شاء الله تعالى الدالة على ما نقله عنه ولم يتعرض لتأويلها ولا الجواب
عنها كما هو دأبه في ما يخالف اختياره.
__________________
وقال (قدسسره) في كتاب الاشراف باب عدد ما يجب به الاجتماع في صلاة
الجمعة : عدد ذلك ثمانية عشرة خصلة : الحرية والبلوغ والتذكير وسلامة العقل وصحة
الجسم والسلامة من العمى وحضور المصر والشهادة للنداء وتخلية السرب ووجود أربعة
نفر بما تقدم ذكره من هذه الصفات ووجود خامس يؤمهم له صفات يختص بها على الإيجاب :
ظاهر الإيمان والطهارة في المولد من السفاح والسلامة من ثلاثة أدواء البرص والجذام
والمعرة بالحدود المشينة لمن أقيمت عليه في الإسلام والمعرفة بفقه الصلاة والإفصاح
بالخطبة والقرآن واقامة فرض الصلاة في وقتها من غير تقديم ولا تأخير عنه بحال
والخطبة بما تصدق عليه من الكلام. وإذا اجتمعت هذه الثمانية عشرة خصلة وجب
الاجتماع في الظهر يوم الجمعة على ما ذكرناه وكان فرضها على النصف من فرض الظهر
للحاضر في سائر الأيام. انتهى. وهو صريح في ان المعتبر في إمام الجمعة هو المعتبر
في إمام الجماعة.
والمراد من
الوجوب في عبارته هو الوجوب العيني لأن ذلك هو ظاهر الإطلاق والمنصرف اليه اللفظ
بالاتفاق سيما مع قوله في العبارة الاولى : ويجب الحضور مع من ذكرناه فرضا.
ثم عقب ما ذكره
في كتاب الاشراف بقوله : باب من يجتمع في الجمعة وهو خمسة نفر في عدد الامام
والشاهدين والمشهود عليه والمتولي لإقامة الحدود. وهو ظاهر بل صريح في ان المعتبر
حضور قوم بعدد المذكورين لا عينهم كما توهمه من ذهب الى ذلك استنادا الى خبر محمد
بن مسلم الآتي ان شاء الله تعالى وان اشتمل على سبعة بزيادة القاضي والمدعى.
الثاني ـ الشيخ
أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي حيث قال : لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة أو
منصوب من قبله أو من تتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذر الأمرين. هذه عبارته
وهي صريحة الدلالة في الاكتفاء عند تعذر الامام ومنصوبه
__________________
بإمام الجماعة ، وليس في عبارات الأصحاب في هذا الباب اجلى ولا أوضح منها ،
ويؤكد ذلك قوله في باب الجماعة من الكتاب المذكور : واولى الناس بها إمام الملة أو
من نصبه فان تعذر الأمر ان لم تنعقد إلا بإمام عدل. الى آخره. ومنه يعلم ان حكم
الجمعة والجماعة عنده أمر واحد.
ومراده بالوجوب
العيني كما صرح به أخيرا في كتابه حيث قال بعد ذلك : وإذا تكاملت هذه الشروط
انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع ركعات الى ركعتين بعد الخطبة ، وتعين فرض
الحضور على كل رجل مسلم بالغ سليم مخلى السرب حاضر بينه وبينها فرسخان فما دونهما
ويسقط فرضها عن من عداه فان حضرها تعين عليه فرض الدخول فيها جمعة.
ومن العجيب مع
تصريحه بذلك في الكتاب المذكور ما اتفق لشيخنا الشهيد في البيان حيث انه نقل عنه
القول بعدم شرعيتها في حال الغيبة كما ذهب اليه سلار وابن إدريس مع تصريحه كما
سمعت بالوجوب العيني ، مع انه نقل عنه في كتاب نكت الإرشاد القول بالاستحباب
الراجع الى الوجوب التخييري وكذا نقله عنه العلامة في المختلف ، وكل من النقلين
كما ترى ليس في محله لما عرفت من تصريحه بالوجوب العيني.
الثالث ـ الشيخ
أبو الفتح الكراجكي في كتابه المسمى بتهذيب المسترشدين قال ـ بعد ان ذكر جملة من
أحكام الجمعة وان العدد المعتبر فيها خمسة ـ ما هذا لفظه : وإذا حضرت العدة التي
يصح أن تنعقد بحضورها الجماعة يوم الجمعة وكان امامهم مرضيا متمكنا من اقامة
الصلاة في وقتها وإيراد الخطبة على وجهها وكانوا حاضرين آمنين ذكورا بالغين كاملين
العقول أصحاء وجبت عليهم فريضة الجمعة جماعة وكان على الامام ان يخطب بهم خطبتين
ويصلى بهم بعدهما ركعتين. الى آخره. وهذه العبارة أيضا صريحة في الاكتفاء للجمعة
بإمام مرضى للجماعة وهي لعمومها لحال الحضور والغيبة كعبارة المفيد في الإشراف.
الرابع ـ الشيخ
عماد الدين الطبرسي في كتاب نهج العرفان إلى هداية الإيمان حيث قال بعد نقل الخلاف
بين المسلمين في وجوب الجمعة : ان الإمامية أكثر إيجابا للجمعة من الجمهور ومع ذلك
يشنعون عليهم بتركها حيث انهم لم يجوزوا الائتمام بالفاسق ومرتكب الكبائر والمخالف
في العقيدة الصحيحة. وتقريب الدلالة فيها ـ على ما ذكره شيخنا زين الدين في رسالة
الجمعة ـ ان العلة في ترك الشيعة الإمامية صلاة الجمعة والتهاون بها ما عهد من
قاعدة مذهبهم انهم لا يقتدون بالمخالف ولا الفاسق والجمعة إنما تقع في الأغلب من
أئمة المخالفين ونوابهم فكانوا متهاونين بها لهذا الوجه ، فتركهم الجمعة لهذه
العلة لا لأمر آخر فلو كانوا يشترطون في وجوبها بل في جوازها مطلقا اذن الامام
المفقود حال الغيبة أصلا أو أكثريا بالنسبة إلى الموضع الذي يحضر فيه النائب بل في
زمان حضوره ايضا لعدم تمكنه غالبا من نصب الأئمة لها حينئذ أيضا ولا مباشرتها
بنفسه لما تصور العاقل ان الإمامية أكثر إيجابا لها من العامة ، لأن ذلك معلوم
البطلان ضرورة وإنما يكونون أكثر إيجابا من حيث انهم لا يشترطون فيها المصر كما
يقوله الحنفي ولا جوفه ولا حضور أربعين كما يقوله الشافعي ويكتفون في إيجابها بإمام يقتدي به أربعة مكلفون بها ،
فيظهر بذلك كونهم أكثر إيجابا من الجمهور وإنما منعهم من إقامتها غالبا ما ذكرناه
من فسق الأئمة. انتهى.
الخامس ـ شيخنا
ثقة الإسلام الكليني (قدسسره) في الكافي حيث قال في كتاب الصلاة : باب «وجوب الجمعة
وعلى كم تجب» ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم وابى بصير عن الصادق عليهالسلام «ان الله تعالى فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة : منها صلاة واجبة
على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة.
__________________
الى آخرها» وصحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام «فرض الله تعالى على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة : منها
صلاة واحدة فرضها الله عزوجل في جماعة وهي الجمعة. إلى آخرها». وسيأتي نقلها
بتمامها. ثم روى أخبار أخر في تعيين العدد ووجوب حضور من كان على رأس فرسخين
واشتراط الفصل بين الجمعتين بثلاثة أميال واقتصر على ذلك. وهو ظاهر في ان مذهبه
وما يفتي به هو الوجوب العيني من دون شرط اذن ولا تجويز الترك الى بدل ، إذ لو كان
يعتقد شيئا من ذلك أو وصل اليه حديث بذلك لذكره ولو اشارة. وإنما نسبنا ذلك اليه
مذهبا لما صرح به في صدر كتابه من قوله لبعض إخوانه الذي صنف لأجله الكتاب الذي
شكى اليه ان أمورا قد أشكلت عليه لا يعرف وجهها وانه يجب ان يكون عنده كتاب كاف
يجمع من جميع فنون العلم ما يكتفى به المتعلم ويرجع اليه المسترشد ويأخذ منه من
يريد علم الدين بالآثار الصحيحة عن الصادقين (عليهمالسلام) والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدى فرض الله
تعالى وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله : وقد يسر الله تعالى وله الحمد تأليف ما سألت. الى
آخره.
السادس ـ شيخنا
رئيس المحدثين الصدوق أبو جعفر محمد بن على بن الحسين ابن بابويه القمي في كتاب
الفقيه حيث قال فيه ـ بعد ان قدم ما صدر به كتابه من انه إنما قصد إلى إيراد ما
يفتي به ويحكم بصحته ويعتقد انه حجة بينه وبين ربه ـ باب «وجوب الجمعة وفضلها ومن
وضعت عنه والصلاة والخطبة فيها» قال أبو جعفر الباقر عليهالسلام لزرارة بن أعين «إنما فرض الله عزوجل على لناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة :
منها صلاة واحدة فرضها الله عزوجل في جماعة وهي الجمعة.». ثم ذكر الحديث بتمامه. وهو ظاهر
بل صريح بالنظر الى ما صرح به في صدر كتابه في ان مذهبه وما يفتي به هو مضمون هذه الرواية. ولا ريب
ان
__________________
مقتضى مضمونها هو الوجوب العيني من غير شرط ولا تخيير فإن أصحابنا
المخالفين لنا في المسألة ـ كما عرفت آنفا وستعرف ـ معترفون بدلالة هذه الأخبار
على الوجوب العيني وانما صرفهم عنها ما يزعمه شذوذ منهم أنها اخبار آحاد وآخرون
الإجماع على نفى الوجوب العيني فيرتكب التأويل فيها بالحمل على الوجوب التخييري
جمعا بين الأدلة ، وحينئذ فمن ليس لهذا الإجماع عنده عين ولا أثر كالصدوق ونحوه من
المتقدمين الذين لا يتجاوزون مدلول الأخبار وبها افتاؤهم وعليها عملهم مع الكتاب
العزيز على ممر الأدوار والأعصار فلا ريب في نسبة هذا القول اليه بذكره هذه
الاخبار ونقلها في كتابه بعد ان يعنون الباب بالوجوب.
وقال (قدسسره) في المقنع في باب صلاة الجمعة : وان صليت الظهر مع
الإمام بخطبة صليت ركعتين وان صليت بغير خطبة صليتها أربعا وقد فرض الله تعالى من
الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة : منها صلاة واحدة فرضها الله تعالى في جماعة
وهي الجمعة ووضعها عن تسعة : الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة
والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين ، ومن صلاها وحده فليصلها أربعا كصلاة
الظهر في سائر الأيام.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في الرسالة الموضوعة في المسألة : ودلالة هذه العبارة على المراد
واضحة. من وجوه : (منها) قوله «وان صليت الظهر مع الإمام. الى آخره» فان المراد
بالإمام حيث يطلق في مقام الاقتداء من يقتدى به في الصلاة أعم من كونه السلطان
العادل أو غيره. وهذه العبارة خلاصة قول الصادق عليهالسلام في موثقة سماعة حيث سأله عن الصلاة يوم الجمعة فقال : «اما مع الامام
فركعتان واما من يصلى وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر يعني إذا كان امام يخطب
فإذا لم يكن امام يخطب فهي أربع ركعات وان صلوا جماعة». هذا آخر الحديث والصدوق
طريقته في هذا الكتاب ان يذكر متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد
__________________
ولا يغيرها غالبا. وايضا فلا يمكن حمله على السلطان من وجه آخر وهو انه ليس
بشرط بإجماع المسلمين فان الشرط عند القائل به هو أو من نصبه ولا شك ان منصوبه
غيره. و (منها) قوله «تسقط عن تسعة» وعدهم ، وهو مدلول رواية زرارة المتقدمة الدالة على المطلوب ، فان مفهومها عدم سقوطها عن غيرهم
فيتناول موضع النزاع. و (منها) قوله «ومن صلاها وحده فليصلها أربعا» وهذا يقابل
قوله سابقا «وان صليت الظهر مع الامام» ومقتضاه ان من صلاها في جماعة مطلقا يصليها
اثنتين كما تقدم. ولا تعرض لجميع العبارة باشتراط السلطان العادل وما في معناه
مطلقا. انتهى كلامه.
وقال (قدسسره) في الأمالي في وصف دين الإمامية : والجماعة يوم الجمعة
فريضة واجبة وفي سائر الأيام سنة فمن تركها رغبة عنها وعن جماعة المسلمين من غير
علة فلا صلاة له. ووضعت الجمعة عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر
والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين. انتهى. وتأويلها بالتخصيص
بزمان الحضور ـ مع انه بصدد بيان مذهب الإمامية للعمل به في جميع الأحوال والأزمان
ـ تعسف محض لا يخفى على ذوي الأذهان والافهام.
هذا ما وقفت
عليه من كلام المتقدمين واما المتأخرون عن عصر شيخنا الشهيد الثاني ممن قال بهذا
القول فهم أكثر من أن يأتي عليهم قلم الإحصاء وان يدخلوا في حيز الاستقصاء إلا انه
لا بأس بذكر جملة من مشاهيرهم ونقل عبائرهم في المقام تتمة لما قدمناه من متقدمي
علمائنا الأعلام :
السابع ـ شيخنا
الشيخ زين الدين في رسالته المشهورة وهو أول من كشف الغطاء عن هذه المسألة بعد
اندراسها وأحيا رسومها بعد انطماسها ، وقد تقدم وسيأتي ان شاء الله تعالى نقل جملة
من كلماته.
الثامن ـ حافده
سيد المحققين السيد محمد في كتاب المدارك ، قال بعد نقل
__________________
جملة من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى : فهذه الأخبار الصحيحة الطرق
الواضحة الدلالة على وجوب الجمعة على كل مسلم عدا ما استثنى تقتضي الوجوب العيني ،
إذ لا اشعار فيها بالتخيير بينها وبين فرد آخر خصوصا قوله عليهالسلام «من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات طبع الله على قلبه». فإنه لو جاز تركها
الى بدل لم يحسن هذا الإطلاق ، وليس فيها دلالة على اعتبار حضور الامام عليهالسلام أو نائبه بوجه بل الظاهر من قوله عليهالسلام «فان كان لهم من يخطب جمعوا». وقوله «فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم». خلافه كما سيجيء تحقيقه
ان شاء الله تعالى وقال جدي في رسالته الشريفة التي وضعها في هذه المسألة بعد ان
أورد نحو ما أوردناه من الأخبار ونعم ما قال : فكيف يسع المسلم الذي يخاف الله
تعالى إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم) بهذه الفريضة
وإيجابها على كل مسلم ان يقصر في أمرها ويهملها الى غيرها ويتعلل بخلاف بعض
العلماء فيها وأمر الله ورسوله وخاصته (صلوات الله عليهم) أحق ومراعاته اولى ، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ
عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)» ولعمري لقد أصابهم الأمر الأول فليرتقبوا الثاني ان لم
يعف الله ويسامح نسأل الله العفو والرحمة بمنه وكرمه. انتهى.
__________________
التاسع ـ شيخنا
الفاضل الشيخ حسين بن عبد الصمد تلميذ شيخنا الشهيد الثاني
__________________
ووالد شيخنا البهائي ، قال في رسالته المعروفة بالعقد الطهماسى : تتمة مهمة
ـ ومما يتحتم فعله في زماننا صلاة الجمعة اما لدفع تشنيع أهل السنة إذ يعتقدون انا
نخالف الله والرسول صلىاللهعليهوآله وإجماع العلماء في تركها وظاهر الحال معهم ، واما بطريق
الوجوب الحتمي والإعراض عن الخلاف لضعفه لقيام الأدلة القاطعة الباهرة على وجوبها
من القرآن وأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة المعصومين الصحيحة الصريحة التي لا تحتمل
التأويل بوجه ، وكلها خالية من اشتراط الإمام والمجتهد بحيث انه لم تحضرني مسألة
من مسائل الفقه عليها أدلة بقدر أدلة صلاة الجمعة من كثرتها وصحتها والمبالغة فيها
، ولم نقف لمن اشترط المجتهد على دليل ناهض وكيف مع معارضة القرآن والأحاديث
الصحيحة ، ولا قال باشتراطه أحد من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين ما عدا الشهيد
في اللمعة وفي باقي كتبه وافق العلماء ولم يشترطه نعم تبعه عليه المحقق الشيخ على.
ثم قال وملخص الأقوال ثلاثة : الوجوب الحتمي من غير تعرض للمجتهدين وهو ظاهر كلام
كل العلماء المتقدمين وجماعة من المتأخرين. والثاني ـ الوجوب التخييري بينها وبين
الظهر وهو مذهب المتأخرين ما عدا سلار وابن إدريس ، وادعوا عليه الإجماع ولم
يشترطوا مجتهدا. والثالث ـ المنع منها حال الغيبة مطلقا سواء حضر المجتهد أو لا
وهو مذهب سلار وابن إدريس ، واتفق الكل على ضعف دليله وبطلانه. والذي يصلى الجمعة
يكون قد برئت ذمته وادى الفرض بمقتضى كلام الله ورسوله والأئمة (صلوات الله عليهم)
وجميع العلماء ، وخلاف سلار وابن إدريس والشيخ لا يقدح في الإجماع لما تقرر من
قواعدنا ان خلاف الثلاثة والأربعة بل والعشرة والعشرين لا يقدح في الإجماع إذا
كانوا معلومي النسب وهذا من قواعدنا الأصولية الإجماعية ، والذي يصلى الظهر تصح
صلاته على مذهب هذين الرجلين والمتأخرين لأنهم ذهبوا الى التخيير ولا تصح بمقتضى
كلام الله ورسوله صلىاللهعليهوآله والأئمة المعصومين والعلماء المتقدمين «فَأَيُّ
الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» نعم لو أراد أحد تمام الاحتياط للخروج من خلاف هذين
__________________
الرجلين صلى الظهر بعدها. وليهيئ تاركها الجواب لله تعالى لو سأله يوم
القيامة لم تركت صلاة الجمعة وقد أمرت بها في كتابي العزيز على أبلغ وجه وأمر بها
رسولي الصادق صلىاللهعليهوآله على آكد وجه وأمر بها الأئمة الهادون (عليهمالسلام) وأكدوا فيها غاية التأكيد ووقع إجماع المسلمين على
وجوبها في الجملة؟ فهل يليق من العاقل الرشيد ان يقول تركتها لأجل خلاف سلار وابن
إدريس؟ ما هذا إلا عمى أو تعامى أو تعصب مضر بالدين أجارنا الله وإياكم منه وجميع
المسلمين انتهى كلامه زيد مقامه
العاشر ـ الفاضل
المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في رسالته الموسومة بالاثني عشرية وابنه
الفاضل الشيخ محمد ، قال في الرسالة : شرط وجوب الجمعة الآن حضور خمسة من المؤمنين
فما زاد ويتأكد في السبعة وان يكون فيهم من يصلح للإمامة ويتمكن من الخطبة. وقال
ابنه الفاضل في شرح هذه الرسالة مشيرا الى الأخبار المتقدمة : وهذه الأخبار كما
ترى مطلقة في وجوب الجمعة عينا والحمل على التخييري موقوف على قيام ما يصلح
للدلالة على وجوب الآخر وإلا فالدلالة على الفرد المذكور وحده لا يعتريه شوب
الارتياب ولا يخفى مفادها على ذوي الألباب. وما ينقل من الإجماع على انتفاء العيني
في زمن الغيبة فقد سمعت الكلام في نظيره. انتهى.
الحادي عشر ـ الشيخ
الفقيه الزاهد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي في شرح الرسالة المتقدمة ، حيث قال
: اما في زمن الغيبة كهذا الزمان الذي عبر عنه المصنف بالآن فللعلماء في انعقادها
وعدمه أقوال ثلاثة. الى ان قال : و (ثالثها) الوجوب العيني من غير تعرض للمجتهد
وهو ظاهر كلام أكثر المتقدمين كما نقل عنهم ، وما ظفرنا فيه شاهد على هذا النقل
كعبارة المفيد في المقنعة فإنها صريحة في عدم اشتراط الإمام أو نائبه في الوجوب
العيني وقد نقل ذلك عنه في كتاب الاشراف ، ثم ساق ملخص العبارة ونقل القول بذلك من
جملة ممن قدمنا ذكره ، الى
__________________
أن قال : وما ادعوه من الإجماع غير تام فإنه لو تم فإنما هو بنقل الواحد ،
وعلى تقدير تسليم حجيته لا يزيد عن الخبر بل ربما يكون بمنزلة الخبر المرسل فإذا
عارض الأخبار رجعنا الى الترجيح ورجحان الأخبار هنا غير خفي لصراحتها. ثم قال ولله
در الشهيد الثاني حيث قال في بعض كتبه كيف يسع المسلم. الى آخر ما قدمناه.
الثاني عشر ـ الفقيه
المحدث محمد تقى المشهور بالمجلسي والد شيخنا صاحب البحار في رسالة مبسوطة ألفها
في تحقيق هذه المسألة وإثبات الوجوب العيني من غير اشتراط ، وقد أبلغ الكلام فيها
غايته وجاوز نهايته بنقل آيات باهرة واخبار كثيرة ظاهرة وذكر وجوه دلالتها متعاضدة
متكاثرة ، قال (قدسسره) فذلكة : فصار مجموع الأخبار مائتي حديث ، فالذي يدل
على الوجوب بصريحه من الصحاح والحسان والموثقات وغيرها أربعون حديثا ، والذي يدل
بظاهره على الوجوب خمسون حديثا ، والذي يدل على المشروعية في الجملة أعم من أن
يكون عينيا أو تخييريا تسعون حديثا ، والذي يدل بعمومه على وجوب الجمعة وفضلها
عشرون حديثا ثم الذي يدل بصريحه على وجوب الجمعة إلى يوم القيامة حديثان ، والذي
يدل على عدم اشتراط الاذن بظاهره ستة عشر حديثا بل أكثرها كذلك كما مرت الإشارة
إليه في تضاعيف الفصول ، وأكثرها أيضا يدل على الوجوب العيني كما أشير إليه ، فظهر
من هذه الأخبار المتواترة الواضحة الدلالة التي لا يشوبها شك ولا يحوم حولها شبهة
من طرف سيد الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ان
صلاة الجمعة واجبة على كل مسلم عدا ما استثنى. وليس في هذه الأخبار مع كثرتها تعرض
لشرط الامام ولا من نصبه ولا لاعتبار حضوره في إيجاب هذه الفريضة العظيمة ، فكيف
يليق بالمؤمن الذي يخاف الله إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله وأئمة (صلوات الله
عليهم أجمعين) وإيجابها على كل مسلم وعلى كل مؤمن وعلى كل عاقل ان يقصر في أمرها
ويتعلل بخلاف سلار وابن إدريس فيها مع اتفاق كافة العلماء على وجوبها؟ وأمر الله
تعالى ورسوله وأئمته (صلوات الله عليهم أجمعين) أحق ومراعاته أولى «فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ
يُخالِفُونَ
عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» انتهى.
الثالث عشر ـ الفقيه
الفاضل المولى محمد باقر السبزواري في رسالة ألفها في الوجوب العيني في هذه
المسألة فإنه قال فيها ـ بعد نقل الأدلة والبراهين على الوجوب العيني بلا شرط ـ ما
صورته : ومما ذكرنا ظهر ان الذي يقتضيه التحقيق والأدلة القاهرة الظاهرة ان صلاة
الجمعة في زمن الغيبة واجبة عينا وانه لا يعتبر فيها الفقيه بل يكفى العدل الجامع
لشرائط الإمامة. الى ان قال فلا يليق إهمالها وتعطيلها وهجرها استنادا الى العلل
العليلة والأهواء الردية ومع ذلك فقد أهمل الناس مثل هذه الفريضة المؤكدة وتركوها
وهجروها في بلاد المؤمنين مع انتفاء التقية من قبل المخالفين.
وقال في موضع
آخر من هذه الرسالة أيضا : وما كان حق هذه الفريضة العظيمة من فرائض الدين ان يبلغ
التهاون بها الى هذا الحد مع أن شرائط الوجوب متحققة في أكثر بلاد الايمان خصوصا
في هذه الأعصار والأزمان ، والعجب كل العجب من طائفة من المسلمين كيف يقدمون على
إنكار هذه الفريضة العظيمة ويشنعون على من فعلها أو قصد الإتيان بها ويبالغون في
ذلك أشد المبالغة من غير أن يكونوا على بينة ويتمسكوا في ذلك بحجة؟ فيا عجبا كيف
جرأتهم على الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله واقدامهم على الحق واهله. وسيجمع الله بين الفريقين في
موقف واحد هناك ويرفع حجاب كل مكتوم ويعرف الظالم من المظلوم «وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» فالى الله المشتكى في كل حال وعليه التوكل في المبدأ
والمآل. انتهى.
الرابع عشر ـ المحدث
الكاشاني وله في المسألة رسالة اختار فيها الوجوب العيني ، قال في صدر الرسالة
المذكورة : مقدمة ـ اعلم أيدك الله بروح منه ان وجوب صلاة الجمعة أظهر من الشمس في
رابعة النهار وانه مما اتفق عليه علماء الإسلام في جميع الأعصار وسائر الأمصار
والأقطار كما صرح به جم غفير من
__________________
الأخبار ، وان جميع علماء الإسلام طبقة بعد طبقة قاطعون بأن النبي صلىاللهعليهوآله استمر بفعلها على الوجوب العيني طول حياته المقدسة وان
النسخ لا يكون بعده ، ولم يذهب الى اشتراط وجوبها بشرط يوجب سقوطها إلا رجل أو
رجلان من متأخري فقهائنا الذين هم أصحاب الرأي والاجتهاد دون الأخباريين من
القدماء الذين هم لا يتجاوزون مدلول ألفاظ الكتاب والسنة واخبار أهل البيت (عليهمالسلام) فإنه لا خلاف بينهم في وجوبها العيني الحتمي وعدم
سقوطها أصلا إلا للتقية ، كما لا اختلاف في ألفاظ القرآن والحديث في ذلك ، وانما
وقعت في الشبهة أصحاب الآراء من المتأخرين لما رأوا من ترك أجلة الأصحاب لها برهة
من الزمان دون برهة فزعموا ان لها شرطا آخر غير ما ثبت من الأخبار الصحيحة وانه قد
يوجد وقد لا يوجد وإلا لما تركها هؤلاء الأجلاء وقتا دون وقت كما قال الشيخ الشهيد
(قدسسره) بعد إثباته الوجوب العيني بالبرهان : إلا ان عمل
الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار والأمصار واتفقت آراؤهم على ان ذلك الشرط إنما هو حضور السلطان
العادل أو من نصبه لذلك ، وكأنهم عنوا بالسلطان العادل ـ كما صرح به بعضهم ـ الإمام
المعصوم عليهالسلام فاشترطوا حضوره إذا تيسر كما في بلد إقامته في دولة
الحق واذنه عليهالسلام لها إذا لم يتيسر الحضور كما في البلاد الأخر ذلك الوقت
، ولذلك لما رأوا أن الأئمة كانوا كذلك يفعلون في دولتهم محقين كانوا أو مبطلين
ولما رأوا ان العامة يستدلون عليه بان الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن والحكمة
موجبة لحسم مادة الاختلاف ولن يستمر الأمر إلا مع السلطان فاستحسنوا هذا الاستدلال
كما استحسنوا أصل الاجتهاد والقول بالرأي منهم ثم زعموا ان ذلك كان شرطا لشرعية
هذه الصلاة. ثم اختلف هؤلاء فمنهم من عمم هذا الشرط لزمان الحضور والغيبة
__________________
فحكم بسقوط الصلاة في الغيبة لعدم إمكان الشرط حينئذ وهو محمد بن إدريس
صريحا وسلار بن عبد العزيز ظاهرا وهما اللذان كنينا عنهما بالرجل والرجلين ، وانما
أتينا بالترديد لاحتمال كلام سلار التأويل بما يرجع الى الحق ، ومنهم من خص الشرط
بزمان الظهور وأسقطه في زمان الغيبة لامتناعه. ثم اختلف هؤلاء فمنهم من جعل الوجوب
حينئذ حتميا من دون رخصة في تركها فوافق رأيهم مذهب القدماء الأخباريين وسائر
الأمة ، ومنهم من زعم ان في تركها حينئذ رخصة وان وجوبها حينئذ تخييري وانها أفضل
الفردين الواجبين تخييرا فهي مستحبة عينا واجبة تخييرا واليه ذهب شرذمة من مشاهيرهم
، وذلك لما رأوا من ترك أصحابنا لها في بعض الأوقات كما ذكرناه ، والاشتباه وقع
لهم من عبارات بعض من تقدم عليهم ولا سيما الشيخ الطوسي الذي هو قدوتهم كما ستقف
عليه ان شاء الله تعالى. وكأنهم عنوا بالتخيير ـ كما صرح به بعضهم ـ ان الناس
بالخيار في إنشائها وجمع العدد لها وتعيين الإمام لأجلها فإذا فعلوا ذلك وعزموا
على فعلها تعين على كل من اجتمعت له الشرائط الأخر حضورها ولا يسع أحدا التخلف
عنها حينئذ لا ان لآحاد الناس حينئذ التخيير في حضورها وعدمه ، ومنهم من زعم ان
الإذن العام قائم مقام الإذن الخاص في زمان الغيبة فاشترط فيها حضور الفقيه لأنه
نائب الامام على العموم ومأذون من قبله في إجراء الأحكام ، واليه ذهب واحد أو
اثنان من متأخريهم. وكل من أصحاب هذه الآراء ادعى الإجماع على رأيه مع انه لا
مستند لإجماعه من كتاب ولا سنة ولا خبر وليس لرأيه من هذه الدلائل الثلاثة عين ولا
اثر. انتهى ما أردنا نقله من كلام المحدث المتقدم ذكره.
الخامس عشر ـ شيخنا
غواص بحار الأنوار ومستخرج ليالي النكت والآثار قال (قدسسره) في كتاب البحار ـ بعد الأبحاث الطويلة وذكر جملة من
اخبار المسألة ـ تتميم : جملة القول في هذه المسألة التي تحيرت فيها الأفهام
واضطربت فيها الإعلام انه لا أظن عاقلا يترتب في انه لو لم يكن الإجماع المدعى
فيها لم يكن لأحد
مجال شك في وجوبها على الأعيان في جميع الأحيان والأزمان كما في سائر
الفرائض الثابتة بالكتاب والسنة ، فكما ليس لأحد أن يقول لعل وجوب صلاة العصر
وزكاة الغنم مشروطان بوجود الإمام وحضوره واذنه فكذا ههنا لعدم الفرق بين الأدلة
الدالة عليها ، لكن طرأ ههنا نقل إجماع من الشيخ وتبعه جماعة ممن تأخر عنه كما هو
دأبهم في سائر المسائل فهو عروتهم الوثقى وحجتهم العظمى به يتصاولون فاشتهر في
الأصقاع ومالت اليه الطباع ، والإجماع عندنا ـ على ما حققه علماؤنا في الأصول ـ هو
قول جماعة من الأمة يعلم دخول قول المعصوم عليهالسلام في أقوالهم وحجيته إنما هو باعتبار دخول قوله عليهالسلام فهو كاشف عن الحجة والحجة إنما هو قوله عليهالسلام قال المحقق في المعتبر. ثم نقل كلامه المؤذن بذلك ثم
قال والإجماع بهذا المعنى لا ريب في حجيته على فرض تحققه والكلام في ذلك. ثم انهم (قدس
الله أرواحهم) لما رجعوا الى الفروع كأنهم نسوا ما أسسوه في الأصول فادعوا الإجماع
في أكثر المسائل سواء ظهر الاختلاف فيها أم لا وافق الروايات المنقولة فيها أم لا
، حتى ان السيد (رضى الله عنه) وأضرابه كثيرا ما يدعون الإجماع في ما ينفردون
بالقول به أو يوافقهم عليه قليل من اتباعهم ، وقد يختار هذا المدعى للإجماع قولا
آخر في كتابه الآخر ، وكثيرا ما يدعى أحدهم الإجماع على مسألة ويدعى غيره الإجماع
على خلافه ، فيغلب على الظن ان مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه في الأصول بأن
سموا الشهرة عند جماعة من الأصحاب إجماعا كما نبه عليه الشهيد في الذكرى وهذا
بمعزل عن الحجية ، ولعلهم انما احتجوا به في مقابلة المخالفين ردا عليهم أو تقوية
لغيره من الدلائل التي ظهرت لهم. ولا يخفى ان في زمان الغيبة لا يمكن الاطلاع على
الإجماع إذ مع فرض الاطلاع على مذاهب جميع الإمامية مع تفرقهم وانتشارهم في أقطار
البلاد والعلم بكونهم متفقين على مذهب واحد لا حجة فيه ، لما عرفت ان العبرة عندنا
بقول المعصوم ولا يعلم دخوله فيها. وما يقال ـ من انه يجب حينئذ على المعصوم ان يظهر
القول بخلاف ما أجمعوا عليه لو كان باطلا فلما لم
يظهر ظهر انه حق ـ لا يتم سيما إذا كانت في روايات أصحابنا رواية بخلاف
ما أجمعوا عليه ، إذ لا فرق بين ان يكون إظهار الخلاف على تقدير وجوبه بعنوان انه
قول فقيه وبين أن يكون الخلاف مدلولا عليه بالرواية الموجودة في روايات أصحابنا.
الى ان قال : وايضا دعوى الإجماع إنما نشأ من زمن السيد والشيخ ومن عاصرهما ثم
تابعهما القوم ومعلوم عدم تحقق الإجماع في زمانهم فهم ناقلون عن من تقدمهم فعلى
تقدير كون مرادهم بالإجماع هذا المعنى لكان في قوة خبر مرسل فكيف ترد به الأخبار
الصحيحة المستفيضة ومثل هذا يمكن أن يركن اليه عند الضرورة وفقد دليل آخر
أصلا. إلى آخر كلامه زيد في إكرامه
فهذه جملة من
عبائر من وصل إلينا كلامهم في القول بالوجوب العيني ، واما غيرهم ممن قال بهذا
القول فقد ذكرنا آنفا ان قلم الإحصاء لا يأتي عليهم إلا ان الذي حضرني الآن منهم
جماعة : منهم ـ المحقق العماد مير محمد باقر الداماد ، قال المحدث الكاشاني في
رسالته المشار إليها آنفا انه كان يواظب على فعلها متى تيسر له ، قال وقد صلينا
معه غير مرة. ومنهم ـ العلامة السيد الماجد البحراني ، قال المحدث المشار إليه في
الرسالة : وكان استاذنا المتبحر السيد ماجد بن هاشم الصادقي البحراني (طاب ثراه)
من المواظبين عليها بشيراز وقد صليت معه زمانا طويلا وكنا في ذلك الأوان نستفيد من
بركات صحبته بكرة وأصيلا ، وكان يقول مقتضى الدليل
__________________
الوجوب الحتمي ولم يثبت الإجماع على خلافه. انتهى.
وقال أيضا في
الرسالة : وكان السيدان الجليلان أمير محمد زمان ولد أمير محمد جعفر وأمير معز
الدين محمد (رحمهمالله تعالى) مواظبين على هذه الصلاة بمشهد الرضا (صلوات الله
عليه) برهة من الزمان ، وقد صنف أحدهما في الوجوب العيني في زمان الغيبة رسالة
رأيتها ولم تحضرني الآن. انتهى.
ومنهم ـ المحقق
المدقق الشيخ احمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني صاحب كتاب رياض المسائل ، وله
في المسألة رسالة قد رد فيها على الشيخ الفقيه الشيخ سليمان ابن على بن أبي ظبية
الشاخورى البحراني ، حيث ان الشيخ سليمان المذكور كان يذهب الى التحريم في هذه
المسألة وكتب فيها رسالة فكتب الشيخ المحقق المذكور رسالة في ردها ونقضها.
ومنهم ـ الشيخ
العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وتلميذه المحدث الصالح الشيخ عبد الله
بن صالح البحراني ـ وقد جرى بين الشيخ عبد الله المذكور وبين الفاضل المشهور
بالفاضل الهندي من علماء أصفهان ـ وكان يقول بالتحريم ـ مباحثات في المسألة وصنف
الشيخ المذكور رسالة في الرد عليه سماها اسالة الدمعة للقائل بتحريم صلاة الجمعة ،
كذا ذكر في بعض تحقيقاته. ولم أقف على الرسالة المذكورة ـ والفاضل المشهور المولى
عبد الله التستري ، ونقله شيخنا المحقق المدقق الشيخ احمد بن الشيخ محمد بن يوسف
البحراني عن الشيخ ابن ميثم البحراني صاحب شرح نهج البلاغة.
ومنهم ـ الآخوند
المشهور بملا رفيعا المجاور بالمشهد الرضوي حيا وميتا والمحدث الشيخ محمد بن الحسن
الحر العاملي والشيخ على بن الشيخ جعفر بن الشيخ على بن سليمان البحراني والشيخ
أحمد بن عبد الله البحراني أحد تلامذة شيخنا الشيخ سليمان والفاضل الشريف الملا
أبو الحسن بن الشيخ محمد طاهر المجاور بالنجف الأشرف حيا وميتا في شرحه على
المفاتيح.
وبالجملة فجملة
من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني ووقفت على رسالته من الفضلاء المحققين فكلهم على
الوجوب العيني إلا الشاذ النادر ممن قال بالتحريم أو الوجوب التخييري كما لا يخفى
على من له انس واطلاع على العلماء وسيرهم وأحوالهم
وانما أطلنا
الكلام بنقل كلام هؤلاء الأعلام وأسماء من ذهب الى هذا القول وان كان خارجا عن ما
هو المقصود والمرام لما ذكره بعض الفضلاء المعاصرين (سامحه الله بعفوه وغفرانه)
مما لا يليق ان ينسب إليه في هذا المقام ، حيث قال : الصنف السادس ـ جماعة جاهلون
قاصرون أو غافلون أو متجاهلون متغافلون وهم الذين يقولون وجوب الجمعة في زمن
الغيبة بالوجوب العيني أيضا من اليقينيات ، ينسبون فقهاءنا المتقدمين والمتأخرين
إلى الإجماع على الجهل والقصور والغفلة والغرور نعوذ بالله من هذا. الى آخر كلامه
، فان فيه (أولا) ان القائلين بالوجوب العيني هم الأكثر كما عرفت من كلامنا وكلام
شيخنا الشهيد الثاني وغيره. و (ثانيا) ان أحدا لم يقل ما ذكره من هذه الألفاظ
الظاهرة في سوء الأدب وغاية ما ربما يقولون ان منشأ القول بالتخيير هو الغفلة عن
تتبع الأدلة وإعطاء التأمل حقه في المسألة. وهذا ليس ببدع ولا منكر كما هو شائع في
كلام علمائنا جيلا بعد جيلا ، على انه قد وقع منهم ما هو أعظم من ذلك كما سجل به
المحقق والعلامة على ابن إدريس من الطعن فيه حتى نسبوه الى الجهل في جملة من
المواضع ، ومن شيخنا المفيد في كتاب تصحيح اعتقادات الصدوق ورسالته التي في الرد
عليه في عدم جواز السهو على المعصوم كما لا يخفى على من راجعها ، وهذه سجية بين
العلماء جارية قديما وحديثا. وبالجملة فكلامه ـ دام ظله ـ لا يخلو من غفلة عن تتبع
أقوال من نقلنا عنه القول بالوجوب وعدم الاطلاع على مذاهبهم وأقوالهم وعدم إعطاء
النظر حقه في الأدلة والأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ
هذه الثمار. وفي كلامه سلمه الله تعالى مناقشات واسعة ليس في التعرض لها كثير
فائدة. فهذا ما ذكر من معى وذكر من قبلي في إيجاب هذه الفريضة المعظمة والصلاة المحتمة.
__________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الدليل على هذا القول المختار منحصر في الآية والأخبار وهما الثقلان
المأمور بالتمسك بهما من النبي المختار صلىاللهعليهوآله اللذان من أخذ بهما نجى من أهوال المبدأ والمآل ومن
تنكب عنهما وقع في تيه الضلال.
والكلام هنا
يقع في مقامين (المقام الأول) الآية الشريفة أعني قوله عزوجل «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ» والتقريب فيها اتفاق المفسرين على ان المراد بالذكر في
الآية صلاة الجمعة أو خطبتها أو هما معا ، نقل ذلك غير واحد من العلماء ، والأمر
للوجوب على ما تحقق في الأصول ، وقد قدمنا في مقدمات الكتاب ما يدل على ذلك من
الآيات القرآنية والأخبار المعصومية ، فلا حاجة الى الأدلة الأصولية القابلة للبحث
والنزاع ، ولا سيما الأوامر القرآنية فإن الخلاف بينهم إنما هو في أوامر السنة كما
تقدم ذكره في المقدمات المشار إليها. وسياق الآية ظاهر في إرادة الصلاة أو ما يشمل
الخطبة فكأنه قال : «إذا نودي للصلاة فاسعوا إليها» وسماها ذكرا تنويها بشأنها ،
وبه أيضا ينادى قوله تعالى «فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ»
ويعضد ذلك ما
رواه في الكافي عن جابر بن يزيد عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له قول الله عزوجل (فَاسْعَوْا إِلى
ذِكْرِ اللهِ)؟ قال اعملوا وعجلوا فإنه يوم مضيق على المسلمين فيه
وثواب اعمال المسلمين فيه على قدر ما ضيق عليهم والحسنة والسيئة تضاعف فيه. قال
وقال أبو جعفر عليهالسلام والله لقد بلغني ان أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس لانه يوم مضيق على
المسلمين».
أقول : الظاهر
ان المراد من الخبر المذكور انه حيث كان وقت صلاة الجمعة مضيقا بساعة زوال الشمس ـ
كما ستأتيك الأخبار به ان شاء الله تعالى في المقام ـ لا اتساع فيه كغيره من أوقات
الصلاة في سائر الأيام وقع الحث على تقطيع العلائق وازالة
__________________
العوائق عن الإتيان بالصلاة في ذلك الوقت إذ لا سعة فيه كما عرفت حتى انهم
كانوا يتجهزون للفراغ للصلاة ويقضون اعراضهم التي ربما تمنع من الإتيان بها في
وقتها في يوم الخميس كما دل عليه الخبر المذكور.
والمراد
بالنداء الأذان أو دخول وقته كما ذكره المفسرون ، وروى الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «روى انه كان بالمدينة إذا أذن المؤذن يوم الجمعة
نادى مناد حرم البيع لقول الله عزوجل (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)» .
وحينئذ
فالمستفاد من الآية المذكورة الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة لكل واحد من المؤمنين
متى تحقق الأذان لها أو دخول وقته ، وحيث ان الأصل عدم التقييد بشرط يلزم عموم
الوجوب بالنسبة إلى زمان الغيبة والحضور.
وقد أورد على
هذا الدليل وجوه من الإيرادات لا بأس بذكرها وذكر ما أجيب به عنها :
الأول ـ ان
كلمة «إذا» غير موضوعة للعموم لغة فلا يلزم وجوب السعى كلما تحقق النداء بل يتحقق
بالمرة وهي عند تحقق الشرط.
والجواب عن ذلك
ان «إذا» وان لم تكن موضوعة للعموم لغة إلا انه يستفاد منها العموم في أمثال هذه
المواضع اما بحسب الوضع العرفي أو بحسب القرائن الدالة عليه كما قالوه في آية
الوضوء وأمثالها ، على ان حملها على الإهمال يجعل الكلام خاليا من الفائدة المعتد
بها وهو مما يجب تنزيه كلام الحكيم عنه. وأيضا فإنه لا يخلو اما أن يكون المراد
إيجاب السعي ولو في العمر مرة واحدة أو إيجابه على سبيل العموم أو إيجابه بشرط
حضور الإمام أو نائبه ، لا سبيل إلى الأول لمخالفته لإجماع المسلمين إذ الظاهر
انهم متفقون على انه ليس المراد من الآية إيجاب
__________________
السعي ولو في الجملة بحيث يتحقق بالمرة بل الظاهر المعلوم اطباقهم على ان
المراد التكرار ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا يقبل الإنكار. واما الثالث فإنه
لا سبيل إليه أيضا لكونه خلاف الظاهر من اللفظ إذ لا دلالة للفظ عليه ولا قرينة
تؤنس به وتشير اليه ، والعدول عن الظاهر يحتاج الى دليل قاهر. على انك قد عرفت
وستعرف ان شاء الله تعالى انه لا وجود لهذا الشرط الذي ذكروه ولا معنى لهذا
الاعتبار الذي اعتبروه. وحينئذ فيتعين الثاني وهو المطلوب.
وزاد بعض
الأفاضل في الجواب قال : وايضا الخطاب عام بالنسبة الى جميع المؤمنين سواء تحقق
الشرط المدعى بالنسبة إليه أم لا فعلى تقدير تجويز ان لم يكن المراد بالآية
التكرار يلزم إيجاب السعي على من لم يتحقق الشرط بالنسبة اليه ولو مرة ويلزم منه
الدوام والتكرار لعدم القائل بالفصل. انتهى.
وبالجملة فإنه
لا يخفى على المتأمل بعين التحقيق والمنصف الناظر بالفكر الصائب الدقيق ان هذه
المناقشة من المناقشات الواهية المضاهية لبيت العنكبوت وانه لا ضعف البيوت ، إذ لا
يخفى على من تأمل سياق السورة المذكورة وفعله صلىاللهعليهوآله مدة حياته والخلفاء من بعده حقا أو جورا ان المراد من
الآية انما هو التكرار والاستمرار مدى الأزمان والأعصار لا ما توهمه هذا المورد من
صدق ذلك ولو مرة واحدة.
الثاني ـ ان
الأمر في الآية معلق على ثبوت الأذان فمن اين ثبت الوجوب مطلقا؟
والجواب انه
يلزم بصريح الآية الإيجاب متى تحقق الأذان ويلزم منه الإيجاب مطلقا لعدم القائل
بالفصل واتفاق المسلمين على ان الأذان ليس شرطا لوجوب الجمعة ، ولعل فائدة التعليق
على الأذان الحث على فعله لتأكد استحباب الأذان لها حتى ذهب بعضهم الى وجوبه لها.
ويحتمل أن يكون المراد من النداء دخول الوقت على سبيل الكناية كما ذكره في الكشاف.
(فان قيل) لنا
ان نعارض ذلك ونقول انه يستفاد من الآية عدم وجوب السعى عند عدم الأذان ويلزم من
ذلك انتفاء الوجوب في بعض صور انتفاء الشرط
المتنازع فيه ويلزم منه عدم الوجوب عند عدم الشرط المذكور مطلقا لعدم
القائل بالفصل.
(قلنا) إذا
حصلت المعارضة بين منطوق الكلام ومفهومه فدلالة المفهوم مطرحة باتفاق المحققين كما
حقق في محله ، على ان التعليق بالأذان إنما خرج مخرج الغالب ويعتبر في دلالة
المفهوم ان لا يكون للتعليق فائدة سوى انتفاء الجزاء بانتفاء شرطه والأمر هنا بناء
على ما ذكرنا ليس كذلك.
قال شيخنا زين
الملة والدين في رسالته الموضوعة في المسألة : (لا يقال) الأمر بالسعي في الآية
معلق على النداء لها وهو الأذان لا مطلقا والمشروط عدم عند عدم شرطه فيلزم عدم
الأمر بها على تقدير عدم الأذان. سلمنا لكن الأمر بالسعي إليها مغاير للأمر بفعلها
ضرورة انهما غير ان فلا يدل على المدعى. سلمنا لكن المحققين على ان الأمر لا يدل
على التكرار فيحصل الامتثال بفعلها مرة واحدة (لأنا نقول) إذا ثبت بالأمر أصل
الوجوب حصل المطلوب لإجماع المسلمين قاطبة فضلا عن الأصحاب على ان الوجوب غير مقيد
بالأذان وانما علقه على الأذان حثا على فعله لها حتى ذهب بعضهم الى وجوبه لها لذلك
، وكذا القول في تعليق الأمر بالسعي فإنه أمر مقدماتها على أبلغ وجه ، وإذا وجب
السعى لها وجبت هي أيضا إذ لا يحسن الأمر بالسعي إليها وإيجابه مع عدم إيجابها ،
ولإجماع المسلمين على عدم وجوبه بدونها ، كما أجمعوا على انها متى وجبت وجب
تكرارها في كل وقت من أوقاتها على الوجه المقرر ما بقي التكليف بها كغيرها من الصلوات
اليومية والعبادات الواجبة مع ورود الأوامر بها مطلقة كذلك ، والأوامر المطلقة وان
لم تدل على التكرار لم تدل على الوحدة فيبقى إثبات التكرار حاصلا من خارج بالإجماع
والنصوص ، وسنتلوا عليك ما يدل على التكرار صريحا. انتهى كلامه زيد مقامه.
قال شيخنا غواص
بحار الأنوار في الكتاب المذكور ـ ونعم ما قال ـ بعد ذكر أصل الاعتراض الذي قدمنا
ذكره : والجواب انه يلزم بصريح الآية الإيجاب متى
تحقق الأذان ويلزم منه الإيجاب مطلقا ، مع انا قد قدمنا ان الظاهر ان
المراد دخول وقت النداء. واعترض عليه بوجوه سخيفة اخرى الاعراض عنها أحرى وبعضها
يتضمن الاعتراض على الله تعالى ، إذ لا يترتب متتبع في ان الآية إنما نزلت لوجوب
صلاة الجمعة والحث عليها فقصورها عن افادة المرام يؤول إلى الاعتراض على الملك
العلام ، ويظهر الجواب عن بعضها مما قررناه سابقا في تفسير الآيات. ثم ان أمثال
تلك الاعتراضات انما يحسن ممن لم يستدل في عمره بآية ولا خبر في حكم من الأحكام
واما من كان دأبه الاستدلال بالظواهر والإيهامات على الأحكام الغريبة لا يليق به
تلك المناقشات وهل توجد آية أو خبر لا يمكن المناقشة في الاستدلال به بأمثال ذلك؟
ومن العجب انهم يقولون ورد في الخبر ان الذكر رسول الله صلىاللهعليهوآله فيمكن أن يكون المراد به هنا السعي إليه صلىاللهعليهوآله ولا يعرفون ان الأخبار الواردة في تأويل الآيات وبطونها
لا تنافي الاستدلال بظواهرها ، فقد ورد في كثير من الأخبار ان الصلاة رجل والزكاة
رجل وان العدل رسول الله صلىاللهعليهوآله والإحسان أمير المؤمنين عليهالسلام والفحشاء والمنكر والبغي الثلاثة ، وأمثال ذلك أكثر من
ان يحصى ، وشيء منها لا ينافي العمل بظواهرها والاستدلال بها ، وقد حققنا معانيها
وأشبعنا الكلام فيها في تضاعيف هذا الكتاب والله الموفق للصواب. انتهى كلامه (رفع
مقامه) وهو جيد رشيق وسيأتي في كلامنا ان شاء الله ما يؤيده من التحقيق.
الثالث ـ ان
الخطاب انما يتوجه الى الموجودين عند المحققين ولا يشمل من سيوجد إلا بدليل من
خارج وليس إلا الإجماع وهو لا يجري في موضع الخلاف.
والجواب ان
التحقيق ـ كما ذكره غير واحد من المحققين ـ ان الخطاب يتوجه الى المعدومين بتبعية
الموجودين إذا كان في اللفظ ما يدل على العموم كهذه الآية وقد حقق في محله.
والإجماع على عدم اختصاص الأحكام بزمانه صلىاللهعليهوآله لم يتحقق على كل مسألة مسألة حتى يقال لا يجري في موضع
الخلاف بل على هذا المفهوم الكلى مجملا وإلا فلا يمكن الاستدلال بالآيات والأخبار
على شيء من المسائل الخلافية إذا ورد بلفظ
الخطاب وهذا سفسطة.
على ان التحقيق
ان الأخبار المستفيضة دالة على عدم اختصاص أحكام السنة والكتاب بزمان دون زمان
وان حلال محمد صلىاللهعليهوآله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة .
بل جملة منها
دالة على ان الخطابات القرآنية شاملة للموجودين في أيامه صلىاللهعليهوآله ولمن يأتي بعدهم :
روى ثقة
الإسلام في الكافي عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام في حديث قال : «لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات
ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري في من بقي كما جرى في من مضى».
وروى الصدوق في
كتاب العلل عن الرضا عن أبيه (عليهماالسلام) «ان رجلا سأل أبا عبد الله عليهالسلام ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة؟
فقال ان الله لم يجعله لزمان دون زمان وناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل
قوم غض الى يوم القيامة».
وروى في الكافي
والتهذيب عن ابى عمرو الزبيري عن ابى عبد الله عليهالسلام حين سأله عن أحكام الجهاد وساق الخبر الى ان قال «فمن
كان قد تمت فيه شرائط الله عزوجل التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما اذن لهم لان حكم
الله في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والأولون
والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون عن أداء
الفرائض كما يسأل الأولون ويحاسبون كما يحاسبون به. الحديث».
__________________
وروى في الكافي
عن ضريس عن ابى عبد الله عليهالسلام في حديث قال : «ان الآية تنزل في الرجل ثم تكون في
أتباعه. الحديث».
وهذه الأخبار ـ
كما ترى ـ ظاهرة في المراد لا تعتريها شبهة النقض ولا الإيراد قال بعض مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين في بعض تحقيقاته : اعلم أيدك الله تعالى انه يدل على
وجوب الجمعة عينا مطلقا كتاب الله تعالى حيث أمر فيه المؤمنين بالسعي إلى ذكر الله
وترك البيع بعد النداء للصلاة يوم الجمعة ، وهذا الأمر يعم جميعهم الى يوم القيامة
على القول بان خطاب المشافهة يعم الكل ولا كلام فيه ، واما على القول بأنه يخص
الموجودين زمنه صلىاللهعليهوآله فلا ريب ان حكمه لم ينسخ في زمنه فهو باق بشروطه
الثابتة إلى آخر التكليف لا ناسخ له بعده صلىاللهعليهوآله ومنع ثبوته هنا في بعض الأزمنة كزمان الغيبة للإجماع
المنقول مما لا يليق ، فإن الإجماع المدعى انما هو على اشتراطه بشرط ولا كلام في
انتفاء المشروط حيث انتفى الشرط ، انما الكلام في إثبات الاشتراط وهو على مدعيه
وليس على المستدل إثبات العدم ويكفيه عدم وجدان دليله وأصالة العدم وهو واضح ،
والأمر حقيقة في الوجوب على ما حقق. انتهى المراد من نقل كلامه زيد مقامه.
أقول : وبذلك
يظهر لك ضعف ما ذهب اليه الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في كتاب الذخيرة من
جعل الآية المذكورة من المؤيدات لا من الأدلة لهذا الإيراد المذكور في المقام مع
ما هو عليه كما عرفت من الانتقاض والانهدام ، حيث قال (قدسسره) في الكتاب المذكور بعد ذكر الروايات الدالة على ما
اختاره من الوجوب العيني : ويؤيده قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ...» ثم ساق الآية وساق الكلام في بيان دلالتها الى ان قال :
وانما جعلنا الآية من المؤيدات دون الدلائل إذ لقائل ان ينازع في دلالة الآية ويقول
المشهور بين المحققين ان الخطابات القرآنية لا تشمل غير الموجودين في زمن الخطاب
وانما
__________________
يعلم شمولها للموجودين وغيرهم بدليل من خارج من الإجماع وغيره ، وعلى هذا
فيجوز أن يكون الإيجاب بالنسبة إلى الموجودين في زمن الخطاب بناء على تحقق شرط
الوجوب وهو الإمام الصالح لإمامة الجمعة ولا يلزم وجوبه بالنسبة الى غير الموجودين
إيجابا مطلقا سواء تحقق الشرط أم لا ، نعم صلاحيتها للتأييد غير منكر كما لا يخفى
على المتدبر. انتهى. إلا انه في رسالته التي له في المسألة أورد الآية دليلا وأجاب
عن ما أورد عليها في المقام ولم يتعرض لهذا الإيراد. وكيف كان فقد عرفت انه لا
ورود له.
الرابع ـ ان
الأمر بها معلق على النداء لها والنداء لها يتوقف على الأمر بها للقطع بأنها لو لم
تكن مشروعة لم يصح الأذان لها فيلزم الدور. وايضا الحكم معلق على الأذان لها وهو
لا يشرع لها إلا إذا كانت مأمورا بها وتحقق ذلك بدون الشرط المتنازع فيه ممنوع
والجواب عن ذلك
ما افاده شيخنا زين الملة والدين في الرسالة حيث قال : مقتضى الآية ان الأمر
بالسعي معلق على مطلق النداء للصلاة الصالح لجميع افراده ، وخروج بعض الافراد
بدليل خارج واشتراط بعض الشرائط فيه لا ينافي أصل الإطلاق ، وكل ما لا يدل دليل
على خروجه فالآية متناولة له وبه يحصل المطلوب قال : ويمكن دفع الدور بوجه آخر وهو
ان المعلق على النداء هو الأمر بها الدال على الوجوب والأذان غير متوقف على الوجوب
بل على أصل المشروعية فيرجع الأمر الى ان الوجوب متوقف على الأذان والأذان متوقف
على المشروعية والمشروعية أعم من الوجوب فلا دور. وأيضا فإن النداء المعلق عليه
الأمر هو النداء للصلاة يوم الجمعة أعم من كونها أربع ركعات وهي الظهر المعهودة أو
ركعتين وهي الجمعة ولا شبهة في مشروعية النداء للصلاة يوم الجمعة مطلقا وحيث ينادى
لها يجب السعي إلى ذكر الله وهي صلاة الجمعة أو سماع خطبتها المقتضى لوجوبها وكأنه
تعالى قال : إذا نودي للصلاة عند زوال يوم الجمعة فصلوا الجمعة أو فاسعوا إلى صلاة
الجمعة وصلوها. وهذا واضح الدلالة لا إشكال فيه. ولعل السر في قوله تعالى «فَاسْعَوْا إِلى
ذِكْرِ اللهِ»
ولم يقل «فاسعوا إليها» لئلا يلزم الإشكال المتقدم. انتهى. ومنه يعلم
الجواب عن وجهي الإيراد.
الخامس ـ ان
مطلق النداء لها غير مراد في الأمر بالسعي عنده بل يحتمل ان يراد به نداء خاص وهو
حال وجود الامام عليهالسلام وقرينة الخصوص الأمر بالسعي الدال على الوجوب لأن
الأصحاب لا يقولون به عينا حال الغيبة بل غايتهم القول بالوجوب التخييري ومن ثم
عبر أكثرهم بالاستحباب أو الجواز حينئذ.
والجواب ما
افاده شيخنا المتقدم ذكره في الرسالة ، قال : لأنا نقول لا شك ان النداء المأمور
بالسعي معه مطلق شامل بإطلاقه لجميع الأزمان التي من جملتها زمان الغيبة فيدل
بإطلاقه على الوجوب المضيق ، والوجوب التخييري الذي ادعاه متأخرو الأصحاب ستعرف
ضعف مبناه ان شاء الله تعالى ولكن على تقدير تسليمه يمكن ان يقال ان الأمر بالسعي
المقتضي للوجوب لا ينافيه لان الوجوب التخييري داخل في مطلق الوجوب الذي يدل عليه
الأمر وفرد من أفراده ، فإن الأمر لا يدل على وجوب خاص بل على مطلقه الشامل للعيني
المضيق والتخييري والكفائي وغيرها وان كان إطلاقه على الفرد الأول منها أظهر
وتخصيص كل منها في مورده بدليل خارج عن أصل الأمر الدال على ماهية الوجوب الكلية
كما لا يخفى.
السادس ـ ان
الأمر بالسعي على تقدير النداء المذكور ليس عاما بحيث يشمل جميع المكلفين للإجماع
على ان الوجوب مشروط بشرائط خاصة كالعدد والجماعة وغيرهما ، وإذا كان مشروطا
بشرائط غير معينة في الآية كانت مجملة بالنسبة إلى الدلالة على الوجوب المتنازع
فلا يثبت بها المطلوب.
والجواب ما
افاده شيخنا المذكور (منحه الله بالقرب والحبور) قال : لأنا نقول مقتضى الأمر
المذكور وإطلاقه يدل على وجوبها على كل مؤمن وتبقى دلالة باقي الشروط من خارج ،
فكل شرط يدل عليه دليل صالح يثبت به ويكون مقيدا لهذا
الأمر المطلق وما لا يدل عليه دليل صالح تبقى دلالة هذه الآية الكريمة على
أصل الوجوب ثابتة مطلقا. انتهى.
أقول :
والتحقيق ان هذه المناقشات في هذه الآية إنما حمل عليها التعصب للقول المشهور وإلا
فأي آية من الآيات التي استدلوا بها في الأحكام بل والأخبار ايضا لا يتطرق إليها
أمثال ذلك من الاحتمالات البعيدة والتمحلات السخيفة العديدة؟ ولو قامت هذه
الاحتمالات في مقابلة الظواهر لانسد باب الاستدلال إذ لا قول إلا وللقائل فيه مجال
، فكيف تقوم الحجة لهم على مخالفيهم في الإمامة بل وأصحاب الملل والأديان إذا
قابلوهم بالاحتمالات في ما يستدلون به من الآيات والأخبار ونحوها؟ مع ان الناظر
المنصف إذا تأمل الآية المذكورة وما قرنت به في هذه السورة من أولها إلى آخرها لا
تخفى عليه دلالة الآية على ما قلناه ، وهل المناقش بهذه المناقشات الواهية إلا
متعرض للرد على الله ورسوله صلىاللهعليهوآله؟ إذ من المعلوم ضرورة من الدين وجوب هذه الفريضة
المعظمة ولو في الجملة ، ومن المعلوم بين الخاصة والعامة ان هذه الآية إنما نزلت
في الأمر بها والحث عليها منه تعالى ، والراد لدلالة الآية راد عليه تعالى وعلى
رسوله صلىاللهعليهوآله كما لا يخفى ومن أراد الاطلاع على ما في السورة المذكورة من الإيماء
والإشارة الى ما ذكرنا فليرجع الى ما فصله شيخنا غواص بحار الأنوار (نور الله
مرقده) في الكتاب المذكور.
ثم ان مما يؤيد
هذه الآية أيضا قوله عزوجل «لا تُلْهِكُمْ
أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ» حيث فسر الذكر هنا أيضا بصلاة الجمعة كما نقله جمع من
الأصحاب ، وقوله عزوجل «حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» حيث ان الذي عليه المحققون ان الصلاة الوسطى هي صلاة
الظهر في غير يوم الجمعة وفي يوم الجمعة هي صلاة الجمعة لا غير ، وقد مر تحقيق ذلك
في مقدمات هذا الكتاب في شرح صحيحة
__________________
زرارة الواردة بذلك بل قال جماعة من الأصحاب انها هي الجمعة لا غير كما
نقله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين عن الشهيد الثاني في بعض فوائده.
(المقام الثاني)
ـ وهو الدليل الواضح الظهور بل الساطع النور الذي لا يعتريه نقص ولا قصور إلا عند
من غطت على قلبه ولبه غشاوة العصبية للقول المشهور الأخبار المستفيضة الصحيحة
الصريحة كالنور على الطور :
ومنها ـ صحيحة
زرارة عن الباقر عليهالسلام قال : «فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا
وثلاثين صلاة : منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة :
عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على
رأس فرسخين».
أقول : لا يخفى
ان غير الجمعة من هذه الفرائض المشار إليها مما لا خلاف ولا إشكال في وجوبها عينا
من غير شرط زائد على ما قرر في الصلوات اليومية ، ونظم الجمعة فيها وعدها معها
أظهر ظاهر في أنها مثلها في الوجوب العيني مع استكمال ما دلت عليه الاخبار واتفقت
عليه علماؤنا الأبرار من الشرائط فيها. وادعاء الوجوب التخييري على بعض الوجوه
موجب لتهافت الكلام واختلاف حكم الفرائض بغير مائز. وايضا لو كان وجوبها تخييريا
على بعض الوجوه لاستثني ذلك الوجه كما استثنى المملوك والمسافر وغيرهما ، فان
استثناء هؤلاء إنما هو من الوجوب العيني لا مطلق الوجوب لوجوبها عليهم لو حضروا
وإنما لهم الخيرة في الحضور كما تقرر عندهم فالوجوب التخييري ثابت لهم فلا وجه
لاستثنائهم دون شركائهم.
واما تخصيص
الوجوب بزمان حضور الإمام عليهالسلام فغير جائز (أما أولا) فلأنه خلاف الظاهر فيحتاج الى
دليل واضح وليس فليس كما ظهر وسيظهر ان شاء الله تعالى تمام الظهور.
__________________
و (اما ثانيا)
فلأنه ان أريد بزمان حضوره زمان ظهوره على وجه الشوكة والسلطنة والاستيلاء كما نقل
عن جماعة منهم التصريح به فاللازم حينئذ خروج أكثر الجمعات وأكثر الناس عن هذا
الحكم لأن أيام ظهور الامام على وجه السلطنة والاستيلاء قليلة جدا بالنسبة إلى
غيرها ، ويلزم منه خروج أكثر أفراد العام وهو غير جائز عند المحققين وسياق الخبر
ظاهر في رده ، وهل يستقيم في الطباع السليمة تجويز أن يكون المعصوم عليهالسلام في بيان الحكم الشرعي وافادته يبالغ في وجوب شيء ويقول
انه واجب على كل مسلم في كل أسبوع إلا جماعة خاصة ويقرنه بصلوات واجبة التكرار في
اليوم والليلة ومع ذلك لا يثبت ذلك الحكم لأحد من أهل عصره ولا لمعظم المسلمين بل
انما ثبت لقليل مضوا في زمان النبي صلىاللهعليهوآله وزمان خلافة أمير المؤمنين عليهالسلام وسوف يثبت في آخر الزمان بعد ظهور القائم عليهالسلام ليس إلا؟ وان أريد بزمن الحضور ما هو أعم من السلطنة
والاستيلاء فلا وجه للتخصيص المذكور ، إذ لا فرق بين حضوره مع الخوف وبين غيبته في
عدم تمكنه من الصلاة بنفسه ولا بتعيين نائب عنه الذي هو مناط الوجوب العيني عند من
نفاه في زمن الغيبة
ومنها ـ صحيحة
أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام قال : «ان الله فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة
: منها صلاة واجبة على كل مسلم ان يشهدها إلا خمسة : المريض والمملوك والمسافر
والمرأة والصبي».
والتقريب في
هذا الخبر كما في سابقه من المبالغة والتأكيد والإتيان بلفظ الفرض الدال على تأكد
الوجوب كما في سابقه الصريح بلفظ «كل» الذي هو أوضح الألفاظ في العموم في الموضعين
مع الاستثناء الموجب لزيادة التأكيد في العموم والشمول لسائر الأزمنة كالصلوات
الأخر التي جمع بينها وبين الجمعة في الحكم ومنها ـ صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام على من تجب
__________________
الجمعة؟ قال تجب على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة من
المسلمين أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم».
قال بعض
المحدثين من متأخري المتأخرين : وهذا نص في عدم اشتراط الإذن الذي ادعوه ، وان
مرادهم بالإمام في مثل هذا الموضع امام الصلاة لا المعصوم عليهالسلام فان سموا مثل هذا إذنا من الإمام واكتفوا به فهو ثابت
الى يوم القيامة لكل من يصلح لان يخطب ويؤم.
ومنها ـ صحيحة
منصور بن حازم عن الصادق عليهالسلام قال : «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا
فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم. والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها
إلا خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي». قال بعض المحدثين «يجمع
القوم» بتشديد الميم اى يصلون الجمعة.
ومنها ـ صحيحة
عمر بن يزيد عنه عليهالسلام «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ
على قوس أو عصى وليقعد قعدة بين الخطبتين ويجهر بالقراءة ويقنت في الركعة الأولى
منهما قبل الركوع».
ومنها ـ صحيحة
الفضل بن عبد الملك قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فان
كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين».
أقول : وهذا نص
أيضا في عدم اشتراط اذن الامام أو حضوره إلا ان يكتفوا بمثل هذا الإذن العام.
ومنها ـ صحيحة
زرارة قال : «قال أبو جعفر عليهالسلام الجمعة واجبة على من ان صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله انما يصلى العصر
__________________
في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله رجعوا الى رحالهم قبل الليل وذلك سنة الى يوم القيامة».
ومنها ـ صحيحة
أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام قال : «من ترك الجمعة ثلاث جمع متوالية طبع الله على
قلبه».
ومنها ـ صحيحة
زرارة قال «حثنا أبو عبد الله عليهالسلام على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه فقلت نغدو
عليك؟ فقال لا انما عنيت عندكم» .
__________________
ومنها ـ موثقة
عبد الملك عن الباقر عليهالسلام قال «مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله؟ قال قلت كيف
أصنع؟ قال صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة».
ومنها ـ حسنة
محمد بن مسلم بإبراهيم بن هاشم التي هي عندنا وعند جملة من المحققين من الصحيح على
الاصطلاح الغير الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الجمعة فقال تجب على من كان منها على رأس فرسخين فان
زاد على ذلك فليس عليه شيء».
ومنها ـ حسنة
محمد بن مسلم وزرارة ـ بإبراهيم الذي قد عرفت ان حديثه عندنا من الصحيح ـ عن ابى
جعفر عليهالسلام قال : «تجب الجمعة على كل من كان منها على فرسخين».
ومنها ـ موثقة
سماعة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة يوم
__________________
الجمعة؟ فقال اما مع الإمام فركعتان واما من يصلى وحده فهي أربع ركعات
بمنزلة الظهر يعني إذا كان امام يخطب فان لم يكن امام يخطب فهي أربع ركعات وان
صلوا جماعة».
ومنها ـ موثقة
سماعة عن ابى عبد الله عليهالسلام انه قال : «صلاة الجمعة مع الامام ركعتان فمن صلى وحده
فهي أربع ركعات».
ومنها ـ صحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟
قال نعم يصلونها أربعا إذا لم يكن من يخطب».
ومنها ـ حسنة
زرارة قال : «كان أبو جعفر عليهالسلام يقول لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من
خمسة رهط : الإمام وأربعة».
ومنها ـ صحيحة
زرارة برواية الفقيه قال : «قال زرارة قلت له على من تجب الجمعة؟ قال تجب
على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام فإذا
اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم».
ومنها ـ ما
نقله جمع من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني في رسالته والمحدث الكاشاني في
الوافي وغيرهما من الأخبار المرسلة عنه صلىاللهعليهوآله «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه».
وعنه صلىاللهعليهوآله «من ترك ثلاث جمع متعمدا من غير علة ختم الله على قلبه بخاتم النفاق».
وعنه صلىاللهعليهوآله «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم
__________________
ثم ليكونن من الغافلين».
وعنه صلىاللهعليهوآله في خطبة طويلة حث فيها على صلاة الجمعة «ان الله تبارك
وتعالى قد فرض عليكم الجمعة فمن تركها في حياتي أو بعد موتى وله امام عادل
استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في امره ، ألا ولا صلاة
له ألا ولا زكاة له ألا ولا حج له ألا ولا صوم له ألا ولا بر له حتى يتوب». قال في
الوافي : قوله صلىاللهعليهوآله «وله امام عادل» ليس في بعض الروايات ، ورواه العامة هكذا «وله امام عادل
أو فاجر» انتهى.
وعنه صلىاللهعليهوآله «كتبت عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة».
وعنه صلىاللهعليهوآله «الجمعة واجبة على كل مسلم إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض».
ومنها ـ ما
نقله شيخنا مفيد الطائفة قال : واعلم ان الرواية جاءت عن الصادقين (عليهمالسلام) «ان الله جل جلاله فرض على عباده من الجمعة إلى الجمعة
خمسا وثلاثين صلاة لم يفرض فيها الاجتماع إلا في صلاة الجمعة خاصة فقال عز من قائل
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا
إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ)» .
ومنها ـ صحيحة
زرارة بن أعين عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع
الإمام فإن ترك رجل من غير علة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض ، ولا يدع ثلاث فرائض
من غير علة إلا منافق». رواه الصدوق في كتاب المجالس .
__________________
ومنها ـ ما
رواه في كتاب ثواب الأعمال في الصحيح أو الموثق عن ابى بصير ومحمد بن مسلم قالا «سمعنا أبا جعفر عليهالسلام يقول : من ترك الجمعة ثلاثا متوالية بغير علة طبع الله
على قلبه».
ومنها ـ ما
رواه في كتاب عقاب الأعمال في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع
الإمام.».
أقول : فلينظر
العاقل المنصف الى ما دلت عليه هذه الأخبار من الدلالة الصريحة الواضحة على وجوب
هذه الفريضة المعظمة وجوبا عينيا من غير ما زعموه من الشرائط التي تمحلوها بمجرد
آرائهم وعقولهم ، وهل ورد في مسألة من مسائل الفقه المسلمة بينهم مثل ما ورد في
هذه المسألة من الأخبار؟ ولا معارض لها إلا ما يدعونه ويصولون به من الإجماع على
نفى الوجوب العيني زمن الغيبة وقد عرفت آنفا ما فيه مما أوضح فساد باطنه وخافية ،
وقصاراه مع تسليمه انه في قوة خبر مرسل ومن المقرر في كلامهم والمتفق عليه من
قواعدهم انهم لا يجمعون بين الأدلة إلا مع التكافؤ في الصحة ، وهل يبلغ هذا
الإجماع على تقدير ما ذكرنا إلى مقاومة خبر من هذه الأخبار فضلا عنها كلها حتى انه
يجب تخصيصها به؟ ما هذا إلا قلة تأمل وانصاف بل عدم صيانة وعفاف وجرأة تامة على
ترك هذه الفريضة الجليلة نعوذ بالله من زيغ الافهام وطغيان الأحلام وزلل أقدام
الأقلام في أحكام الملك العلام .
وممن اعترف بما
قلناه من دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب العيني شيخنا الشهيد في الذكرى إلا
انه تعلل بان عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار والأمصار.
وفيه انك قد
عرفت من كلام المشايخ الذين قدمنا نقل عبائرهم دلالة كلامهم
__________________
على الوجوب العيني كالشيخ المفيد وثقة الإسلام والصدوق في كتبهم المتقدم
ذكرها وغيرهم ما بين صريح في ذلك وظاهر ، والظاهر ان جملة المتقدمين وان لم يبلغ
إلينا كلامهم كانوا كذلك فان هذا القول الذي ادعاه انما ثبت عن الشيخ والمرتضى ومن
تأخر عنهما وإلا فمن تقدمهما لم يصرح بشيء من ذلك ، ويوضح صحة ما قلناه ان جملة
المتقدمين كانوا من أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها بالخصوص وليس لهذا
الإجماع في هذه المسألة ولا في غيرها في كلامهم عين ولا أثر ، وكتبهم التي تشتمل
على مذاهبهم انما تضمنت النصوص خاصة وفتاويهم فيها تعلم من تبويب الأبواب للنصوص
التي ينقلونها كما عرفت من الصدوق وثقة الإسلام ، ونصوص هذه المسألة كما عرفت كلها
دالة على الوجوب العيني ، ولعله لما ذكرنا نقل جملة من متأخري أصحابنا المتأخرين
القائلين بالوجوب العيني عن القدماء هذا القول مع انه لم يوجد مصرح منهم بذلك إلا
من قدمنا نقله عنه من المشايخ المتقدم ذكرهم وما ذكرناه واضح في صحة نسبة القول
إليهم بذلك. وبالجملة فدعوى شيخنا المشار اليه اتفاق الطائفة على ما ذكره دعوى
عارية عن البرهان يكذبها صريح العيان .
قال المحدث
الكاشاني في كتاب الوافي ـ بعد نقل أخبار المسألة المذكورة في الكتب الأربعة ـ ما
لفظه : لا يخفى دلالة هذه الأخبار المستفيضة على وجوب صلاة الجمعة على كل مسلم عدا
من استثنى من غير شرط سوى ما ذكر كوجوب سائر الصلوات اليومية وجوب حتم وتعيين من
غير تخيير في تركها ولا توقف على حضور معصوم أو اذن منه (صلوات الله عليه) وذلك
لانه ليس في شيء منها ذكر لشيء من ذلك وأوامر الشارع إنما تكون شاملة للازمان
والأشخاص إلا ما خرج بدليل خاص ، فما زعمته طائفة من متأخري أصحابنا من التخيير في
هذه الصلاة في زمن غيبة الإمام أو عدم جواز فعلها حينئذ أو عدم جوازه مطلقا من دون
اذن منه فلا وجه له ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة .
__________________
وقال شيخنا زين
المحققين في الرسالة بعد نقل الآية وبعض ما قدمناه من الأخبار : فهذه الأخبار
الصحيحة الطرق الواضحة الدلالة التي لا يشوبها شك ولا تحوم حولها شبهة من طرق أهل
البيت (عليهمالسلام) في الأمر بصلاة الجمعة والحث عليها وإيجابها على كل
مسلم عدا من استثنى والتوعد على تركها بالطبع على القلب الذي هو علامة الكفر
والعياذ بالله كما نبه عليه في كتابه العزيز. وتركنا ذكر غيرها من الأخبار الموثقة
وغيرها حسما لمادة النزاع ودفعا لشبهة المعارضة في الطريق ، وليس في هذه الأخبار
مع كثرتها تعرض لشرط الامام ولا من نصبه ولا لاعتبار حضوره في إيجاب هذه الفريضة
المعظمة ، فكيف يسع المسلم الذي يخاف الله تعالى إذا سمع مواقع أمر الله ورسوله
وأئمته (عليهمالسلام) بهذه الفريضة وإيجابها على كل مسلم ان يقصر في أمرها
ويهملها الى غيرها ويتعلل بخلاف بعض العلماء فيها؟ وأمر الله ورسوله وخاصته (عليهمالسلام) أحق ومراعاته اولى «فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ» ولعمري لقد أصابهم الأمر الأول فليرتقبوا الثاني ان لم يعف
الله ويسامح نسأل الله العفو والرحمة. وقد تحصل بهذين الدليلين ان من كان مؤمنا
فقد دخل تحت نداء الله وأمره في الآية الكريمة بهذه الفريضة العظيمة ونهيه عن
الانتهاء عنها ، ومن كان مسلما فقد دخل تحت قول النبي صلىاللهعليهوآله وقول الأئمة (عليهمالسلام) انها واجبة على كل مسلم ، ومن كان عاقلا فقد دخل تحت
تهديد قوله تعالى «(وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ) ـ يعنى الانتهاء عنها ـ (فَأُولئِكَ هُمُ
الْخاسِرُونَ)»
وقولهم (عليهمالسلام) «من تركها على ذلك الوجه طبع الله على قلبه». لان من
موضوعة لمن يعقل ان لم تكن أعم ، فاختر لنفسك واحدة من هذه الثلاث وانتسب الى اسم
من هذه الأسماء اعنى الإيمان أو الإسلام أو العقل وادخل تحت مقتضاه أو اختر قسما
رابعا ان شئت. نعوذ بالله من قبح الزلة وسنة الغفلة .
__________________
ثم انه اعترض
على نفسه بأن دلالة هذه الأخبار مطلقة فلا ينافي تقييدها بشرط من دليل خارج.
وأجاب بأن
مقتضى القواعد الأصولية وجوب إجرائها على إطلاقها والعمل على مدلولها الى ان يتحقق
الدليل المقيد ، وسنبين ان شاء الله تعالى انه غير متحقق.
ثم اعترض على
نفسه ثانيا بأنه يجوز استناد الوجوب في خبري حث زرارة وعتاب عبد الملك إلى إذن
الإمامين (عليهماالسلام) كما نبه عليه العلامة في النهاية بقوله : لما أذنا
لزرارة وعبد الملك جاز لوجود المقتضى وهو اذن الإمام عليهالسلام.
وأجاب بأن
المعتبر عند القائل بهذا الشرط كون إمام الجمعة الإمام عليهالسلام أو من نصبه وليس في الخبرين ان الإمام نصب أحد الرجلين
إماما لصلاة الجمعة وإنما أمرهما
__________________
بصلاتها أعم من فعلهما لها إمامين أو مؤتمين وليس في الخبرين زيادة على
غيرهما من الأوامر الواقعة بها من الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله والأئمة (عليهمالسلام) لسائر المكلفين ، فان كان هذا كافيا في الاذن فلتكن
تلك الأوامر كافية ويكون كل مكلف جامع لشرائط الإمامة مأذونا فيها منهم أو كل مكلف
مطلقا مأذونا فيها ولو بالائتمام بغيره كما يقتضيه الإطلاق ، إذ لا فرق في الشرع
بين الأمر الخاص والعام من حيث العمل بمقتضاه. وايضا فامرهما (عليهماالسلام) للرجلين ورد بطريق يشمل الرجلين وغيرهما من المكلفين
أو من المؤمنين كقوله «صلوا جماعة». وقول زرارة «حثنا أبو عبد الله عليهالسلام على صلاة الجمعة». وقوله «إنما عنيت عندكم». من غير فرق
بين المخاطبين وغيرهما إلا في قوله عليهالسلام
«مثلك يهلك ولم
يصل فريضة فرضها الله». وذلك أمر خارج عن موضع الدلالة ، وعلى تقدير اختصاص
المخاطبين فظاهر رواية زرارة انهم كانوا بحضرته عليهالسلام جماعة ولم يعين أحدا منهم للإمامة ولا خصه بالأمر والحث.
انتهى.
الثاني من
الأقوال في المسألة القول بالوجوب التخييري ، والمراد به ـ كما تقدم في كلام
المحدث الكاشاني (قدسسره) نقله عن بعض أصحاب هذا القول ـ ان للناس الخيار في
إنشائها وجمع العدد لها وتعيين الامام لها فإذا فعلوا ذلك تعين على كل من اجتمعت
له الشرائط حضورها والإتيان بها ويصير الوجوب حينئذ عينيا لا ان لآحاد الناس
التخيير في حضورها وعدمه بعد اجتماع الامام والعدد المشترط معه. والظاهر ان البعض
المصرح بما ذكر هو شيخنا الشهيد في كتاب نكت الإرشاد حيث صرح ـ بعد قول المصنف :
وفي استحبابها حال الغيبة وإمكان الاجتماع قولان ـ بان الاستحباب انما هو في
الاجتماع لها في الحالة المذكورة لا في إيقاع الجمعة فإنه مع الاجتماع يجب الإيقاع
وتتحقق البدلية عن الظهر.
واستدلوا على
هذا القول بأدلة أقواها وأمتنها بزعمهم ان الكتاب والسنة وان دلا على الوجوب
العيني إلا انه يعارضهما الإجماع المدعى على اشتراط الإمام أو اذنه في الوجوب
العيني ويرجع الى الإجماع على نفى الوجوب العيني زمان الغيبة.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض ـ حيث انه في أول الأمر قبل تسريح النظر وإمعان الفكر في
أدلة المسألة من الجماعة القائلين بالقول المشهور ـ ما لفظه بعد الكلام في المسألة
وذكر الآية وجملة من روايات المسألة : والدليل الدال على الوجوب أعم من الحتمي
والتخييري ولما انتفى الحتمي في حال الغيبة بالإجماع تعين الحمل على التخييري
ولولا الإجماع على عدم العيني لما كان لنا عنه عدول. انتهى.
وقال (قدسسره) في الروضة بعد الكلام في المسألة : ولو لا دعواهم
الإجماع على عدم الوجوب العيني لكان القول به في غاية القوة. انتهى.
وشيخنا الشهيد
في الذكرى بسبب هذا الإجماع قد تخطى بعد اختياره القول المشهور الى القول بالتحريم
في المسألة وتبع ابن إدريس حيث انه ان عمل بمقتضى الأدلة المذكورة فاللازم هو
الوجوب العيني ، قال في الكتاب المذكور في تعداد شروط الوجوب : التاسع ـ اذن
الامام كما كان النبي صلىاللهعليهوآله يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين عليهالسلام بعده وعليه إطباق الإمامية ، هذا مع حضور الامام واما
مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان أصحهما وبه قال معظم الأصحاب الجواز إذا
أمكن الاجتماع والخطبتان ، ويعلل بأمرين : أحدهما ـ ان الاذن حاصل من الأئمة
الماضين (عليهمالسلام) فهو كالاذن من امام الوقت ، واليه أشار الشيخ في
الخلاف ، ويؤيده صحيح زرارة قال : «حثنا أبو عبد الله عليهالسلام. الحديث كما تقدم» ثم قال : ولان الفقهاء حال الغيبة
يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن كالحكم والإفتاء فهذا اولى. والتعليل الثاني ان
الاذن إنما يعتبر مع إمكانه اما مع عدمه فيسقط اعتباره ويبقى عموم القرآن والأخبار
خاليا من المعارض ، وقد روى عمر بن يزيد. ثم ساق الرواية وقد تقدمت ثم نقل بعدها موثقة عبد الملك ثم قال : في اخبار كثيرة مطلقة والتعليلان حسنان
والاعتماد على الثاني. ثم نقل عن الفاضلين سقوط وجوب الجمعة حال الغيبة وعدم سقوط
الاستحباب ، قال وظاهرهما انه لو اتى بها كانت واجبة مجزية عن الظهر
__________________
والاستحباب انما هو في الاجتماع أو بمعنى أنها أفضل الأمرين الواجبين على
التخيير ثم قال : وربما يقال بالوجوب المضيق حال الغيبة لأن قضية التعليلين ذلك
فما الذي اقتضى سقوط الوجوب؟ إلا ان عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر
الأعصار والأمصار ، ونقل الفاضل فيه الإجماع. وبالغ بعضهم فنفى الشرعية أصلا ورأسا
وهو ظاهر كلام المرتضى وصريح سلار وابن إدريس وهو القول الثاني من القولين بناء
على ان اذن الامام شرط الصحة وهو مفقود. الى ان قال : وهذا القول متوجه وإلا لزم
الوجوب العيني. انتهى ملخصا.
وبالجملة فإنهم
مصرحون بان مقتضى الكتاب والسنة هو الوجوب العيني كما عرفت وانما صرفهم عنه
الإجماع حيث انه أحد الأدلة الشرعية والجمع بينه وبين دليلي الكتاب والسنة يقتضي
حمل الوجوب على الوجوب التخييري كما هو المشهور فيبقى الكلام معهم في هذا الإجماع
وحجيته وقد عرفت مما حققناه آنفا ما يبطل التمسك به والاعتماد عليه.
ونزيده تأكيدا (أولا)
ـ انه لا ريب ان هؤلاء المتأخرين إنما تلقوا هذا الإجماع من الشيخ والمرتضى اللذين
هما أصل الخلاف في هذه المسألة ، وقد قدمنا لك ما في دعاويهم الإجماع في غير مقام
من المجازفة والمساهلة سيما ما عدده شيخنا الشهيد الثاني في رسالته التي قدمنا
ذكرها ، وحينئذ فهل يثق أحد ممن وقف على ذلك بالركون الى هذا الإجماع والخروج به
عن صريح قول الله عزوجل ورسوله صلىاللهعليهوآله الصريحين في الوجوب العيني بمزيد التأكيد والتشديد؟ ما
هذه إلا جرأة تامة على الله ورسوله وأئمته صلىاللهعليهوآله. والتستر بأن الإجماع المنقول بخبر الواحد مقبول لا
يخفى ما فيه بعد ما عرفت.
و (ثانيا) ـ انه
مع تسليم قبوله فهو لا يخرج عن أن يكون من قبيل خبر مرسل في الباب وهو مما لا
يعارض به تلك الأدلة الصحيحة الصريحة من السنة والكتاب ، وتخصيصها به متوقف على
كونه في الصحة والصراحة مثلها ليجب الجمع بينه وبينها
وإلا فهو مما يرمى به جزافا كما هو المقرر في قواعدهم فإنهم لا يجمعون بين
الدليلين إلا مع التكافؤ في الصحة والصراحة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح. وهذا بحمد
الله سبحانه واضح للمنصف غاية الوضوح.
و (ثالثا) ـ ما
عرفته في ما تقدم من اتفاق كلمات جملة من علمائنا الاعلام على تعذر الإجماع في زمن
الغيبة لما وجهوه به من الوجوه النيرة الظاهرة التي لا يتطرق المنع إليها إلا
بطريق المكابرة.
وجملة منهم قد
تمحلوا لتصحيح هذا الإجماع المدعى في المقام فاصطنعوا له دليلا ليجدوا اليه سبيلا
، فقالوا ـ كما تقدمهم فيه العامة العمياء وكم قد تبعوهم في أمثال هذه الظلماء ـ ان الاجتماع لما
كان مظنة النزاع ومثار الفتن والحكمة موجبة لحسم مادة الاختلاف فالواجب قصر الأمر
في ذلك على الإمام بأن يكون هو المباشر لهذه الصلاة أو الاذن فيها وان النبي صلىاللهعليهوآله ومن بعده من الخلفاء كانوا يعينون أئمة الجمعات.
قال المحقق في
المعتبر : مسألة ـ السلطان العادل أو نائبه شرط في وجوب الجمعة وهو قول علمائنا ،
ثم نقل الخلاف فيه عن فقهاء العامة ، ثم قال والبحث في مقامين (أحدهما) في اشتراط
الإمام أو نائبه والمصادمة مع الشافعي ومعتمدنا فعل النبي
__________________
صلىاللهعليهوآله فإنه كان يعين لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما
يعين للقضاء ، فكما لا يصح للإنسان أن ينصب نفسه قاضيا من دون اذن الامام فكذا
إمام الجمعة. وليس هذا قياسا بل استدلالا بالعمل المستمر في الأعصار فمخالفته خرق
للإجماع. ثم أيده برواية محمد ابن مسلم قال : «لا تجب الجمعة على أقل من سبعة : الامام وقاضيه
ومدعى حقا ومدعى عليه وشاهدان ومن يضرب الحدود بين يدي الإمام». ثم قال : المقام
الثاني ـ اشتراط عدالة السلطان وهو انفراد الأصحاب خلافا للباقين وموضع النظر ان الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن غالبا
والحكمة موجبة لحسم مادة الهرج وقطع نائرة الاختلاف ولن يستمر إلا مع السلطان. ثم
المعنى الذي باعتباره توقفت نيابة إمامة الجمعة على اذن الامام يوجب عدالته إذ
الفاسق يسرع الى بواعث طبعه ومرامي أهويته لا الى مواقع المصلحة فلا يتحقق حسم
مادة الهرج على الوجه الصواب ما لم يكن العادل. ولان الفاسق لا يكون اماما فلا
يكون له أهلية الاستنابة (لا يقال) لو لزم ما ذكرتم لما انعقدت الجمعة ندبا مع
عدمه لانسحاب العلة في الموضعين وقد أجزتم ذلك إذا أمكنت الخطبة ، لأنا نجيب بان
الندب لا تتوفر الدواعي على اعتماده فلا يحصل الاجتماع المستلزم للفتن إلا نادرا.
الى آخر كلامه (زيد في مقامه) ونحوه كلام العلامة في التذكرة فإنه يحذو حذوه غالبا
في كتبه ولا سيما المنتهى والتذكرة.
وجملة من أصحاب
هذا القول أيدوا ذلك بما تقدم من حديثي زرارة
__________________
وعبد الملك الدال أولهما على قوله «حثنا أبو عبد الله عليهالسلام. الى آخره». وثانيهما على قوله عليهالسلام «مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله». باعتبار ان ظاهر
الخبرين يشعر بان الرجلين كانا متهاونين بالجمعة مع انهما من أجلاء الأصحاب وفقهاء
أصحابهما (عليهماالسلام) ولم يقع منهما إنكار بليغ عليهما بل حثاهما على فعلها
فدل ذلك على ان الوجوب ليس عينيا وإلا لانكرا عليهما بتركها كمال الإنكار ، نعم يستفاد
من حثهما وقوله عليهالسلام «فريضة فرضها الله» وجوبها في الجملة فيحمل على التخييري أقول ـ وبالله سبحانه الاستعانة والتوفيق إلى هداية
سواء الطريق وازالة شبه التعويق ـ : لا يخفى ما في هذا الكلام من انحلال الزمام
واختلال النظام بعد ما عرفت في المقام ولكن لا مندوحة عن بيان ما فيه مما يكشف عن
فساد باطنه وخافية وذلك من وجوه :
(الأول) ـ ما
ادعاه من الإجماع على اشتراط السلطان العادل أو نائبه في وجوب الجمعة فإن فيه (أولا)
ما عرفت من الطعن في الإجماع وعدم تحققه في زمن الغيبة ولا سيما بعد وجود المخالف
كما تقدم ، ولا ريب ان هذا الاشتراط مذهب المخالفين كالحنفية وغيرهم وأصحابنا قد تبعوهم فيه كما تبعوهم في حجية الإجماع
والاعتماد عليه ونحو ذلك مما استحسنوه من أصولهم فلا اعتداد به ولا سيما في مقابلة
الأخبار التي قدمناها بل لو فرضنا وجود خبر بهذا الشرط لوجب حمله على التقية لما
عرفت ، بل لقائل أن يقول لو قلبت هذه الدعوى بان يدعى الإجماع على الوجوب العيني
لكان وجها إذ لا كلام في الوجوب زمانه صلىاللهعليهوآله الى ان مات بغير نسخ ومقتضى الأصل والاستصحاب والأدلة
الشرعية بقاؤه ، أما الأولان فظاهران. واما الثالث فللخبر المسلم «حلال محمد صلىاللهعليهوآله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة». ووجوب
التأسي به في ما علم جهة وجوبه معلوم. ومجرد
__________________
احتمال أن يكون الوجوب مقيدا بشرط حاصل بالنسبة إليه صلىاللهعليهوآله وغير حاصل بالنسبة إلينا يتوقف على إثباته بالدليل
القاطع ، ولقوله عليهالسلام «إياك أن تنقض اليقين بالشك». وما تقدم
في حديث ابى
عمرو الزبيري من قول الصادق عليهالسلام «لان حكم الله في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث
يكون ، والأولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل
الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل عنه الأولون ويحاسبون كما يحاسبون به».
ويعضد ذلك
ويؤكده ويعلى منارة ويشيده ما قدمنا الإشارة إليه من ان الوجوب العيني مذهب قدماء
أصحابنا بالتقريب الذي ذكرناه ذيل الأخبار المتقدمة. واما الشيخ (قدسسره) فان كلامه في كتبه في هذه المسألة لا يخلو من اضطراب
وهو الى القول بالوجوب العيني في زمن الغيبة أقرب منه الى الوجوب التخييري الذي
ادعوه عليه كما لا يخفى على من راجع كلامه في الخلاف والمبسوط والنهاية ، ولم يظهر
هذا القول صريحا إلا من المحقق والعلامة والشهيد في غير الذكرى واما من تأخر عن
شيخنا زين الملة والحق والدين بعد تصنيفه هذه الرسالة فإنهم كلهم إلا الشاذ النادر
على القول بالوجوب العيني كما أسلفنا لك نقل كلام جملة من مشاهيرهم فينحصر الخلاف
هنا في المحقق والعلامة والشهيد ، وقد قرروا ان مخالفة معلوم النسب غير قادح ،
ولهذا ان شيخنا المشار اليه (قدسسره) في الرسالة لم يذكر القول بالتخيير في جملة أقوال
المسألة التي عدها وتعرض لنقضها إيذانا بشذوذه وضعفه وإنما أشار إليه في ضمن بعض
المباحث :
فقال : واعلم
انه قد ظهر من كلام بعض المتأخرين أن الوجوب العيني
__________________
منتف في هذه الصلاة حال الغيبة وإنما يبقى الجواز بالمعنى الأعم ، والمراد
منه استحبابها بمعنى كونها أفضل الفردين الواجبين تخييرا اعنى الجمعة والظهر لا
انه ينوي الاستحباب لان ذلك منتف عنها على كل حال بإجماع المسلمين بل إما تجتمع
شرائطها فتجب أو تنتفي فتسقط ، وقد عرفت أيضا ان هذا الحكم وهو وجوبها تخييرا وان
كان أفضل الفردين لا دليل عليه إلا ما ادعوه من الإجماع ولم يدعه منهم صريحا سوى
ما ظهر من عبارة التذكرة ودونها في الدلالة عبارة الشهيد في الذكرى ، فإنه قال
فيها : إذا عرفت ذلك فقد قال الفاضلان يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة ولا يسقط
الاستحباب ، وظاهرهما انه لو اتى بها كانت واجبة مجزية عن الظهر. الى قوله ونقل
الفاضل فيه الإجماع ـ وقد تقدمت العبارة المذكورة كملا ـ ثم قال : وفي هذه العبارة
مع ما اشتملت عليه من المبالغة إشعار بعدم ظهور الإجماع عنده ومن ثم نسبه الى
الفاضل ، وقد عرفت مما حكيناه من عبارات المتقدمين ما يقدح في الإجماع وعمل
الطائفة معا ، ولعله أشار بقوله : «وربما قيل بالوجوب المضيق» الى ذلك. والظاهر ان
عمل الطائفة لا يتم إلا في المتأخرين منهم أو من بعضهم لا من الطائفة مطلقا لما
سمعت من كلام المتقدمين الذين هم عمدة فقهاء الطائفة. وما اقتصرت على من ذكرت
لخصوصية قولهم في ذلك بل لعدم وقوفي على مصنفاتهم ولا على باقي مصنفات من ذكرت ،
وفي وجود ما نقلته في ما حضرني من ذلك دليل بين على أن ذلك من الأحكام المقررة
عندهم المفروغ عنها لأن أحدا منهم لم ينقل في ذلك خلافا فكيف يتم للمتأخرين الحكم
بخلافه؟ ولا يخفى عليك ان مجرد عمل الطائفة على هذا الوجه لا يكون حجة ولا قريبا
منها خصوصا مع دلالة الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة على خلاف ذلك فكيف مع انحصار
القول في قليل منهم؟ والقدح في ذلك بمعلومية نسب المخالف مشترك الإلزام ان لم يكن
في جانب المخالف أرجح لما عرفت من ان القائل بالوجوب العيني أكثر من القائل
بالتخييري مع اشتراكهما في الوصف .
__________________
انتهى كلامه زيد مقامه. وهو صريح في ما قلناه وواضح في ما ادعيناه.
__________________
(الثاني) ـ ما استندوا اليه من قولهم :
ان الاجتماع مظنة النزاع والفتن. والجواب عنه ما افاده شيخنا الشهيد الثاني في الرسالة حيث قال (قدسسره) ونعم ما قال : وبقي من استدلاله ان الاجتماع مظنة
النزاع الذي لا يندفع إلا بالإمام العادل أو من نصبه. وهذا بالإعراض عنه حقيق بل
ينبغي رفعه من البين وستره فان اجتماع المسلمين على طاعة الله تعالى لو توقف على
حضور الامام العادل وما في معناه لما قام للإسلام نظام ولا ارتفع له مقام ، ولا
ارتاب مريب من الاجتماع في سائر الصلوات وحضور الخلق عرفات وغيرها من القربات وبها
شرف مقامهم وتضاعف ثوابهم ولم يختل نظامهم ، بل وجدنا الخلل حال وجوده وحضوره أكثر
والاختلاف أزيد كما لا يخفى على من وقف على سيرة أمير المؤمنين عليهالسلام في زمن خلافته وحاله مع الناس أجمعين وحال غيره من أئمة
الضلال وانتظام الأمر وقلة الخلاف والشقاق في زمنهم. وبالجملة فالحكمة الباعثة على
الإمام أمر آخر وراء مجرد الاجتماع في حال الصلاة وغيرها من الطاعات. انتهى.
أقول : لا يخفى
عليك ما في الركون الى هذه التعليلات الواهية ـ في مقابلة ما قدمناه من الآية
الشريفة والأخبار المنيفة ودفعها عن ما دلت عليه بهذه الترهات وتزييفها بهذه الخرافات
ـ من المجازفة في أحكام الملك العلام ، ولو تم ما ذكروه للزم ترك سائر الاجتماعات
والجماعات في سائر الفرائض اليومية وغيرها من الصلوات كالاجتماع لصلاة العيدين
والاستسقاء والكسوفين والجنائز وأفعال الحج كالوقوفين ـ كما تقدم في كلام شيخنا ـ وأفعال
منى.
وما اعتذر به
في المعتبر ـ من أن وجوب الاجتماع مظنة ذلك دون الجواز إذ لا تتوفر الدواعي على
الحضور الجائز توفرها على الحضور الواجب ـ مما لا يسمن
__________________
ولا يغني من جوع ، لأنا نرى بالفعل في جميع الأوقات التي مرت بنا وبمن
تقدمنا في زمن الغيبة ما وقع من الاجتماع في هذه الفرائض المعدودة والكثرة مثل ما
في الاجتماع الواجب للجمعة مع انه لم يترتب عليه مفسدة ولا ضرر وليس العيان
كالخبر. على ان الأخبار المتقدمة المصرحة بوجوب الجمعة قد دلت على اشتراط الوجوب
بعدم خوف ضرر أو حدوث فتنة كما يرشد اليه قولهم (عليهمالسلام) «ولم يخافوا» ومعه فلا جواز فضلا عن الوجوب. على انا نقول مجرد حصول
النزاع على شيء لا يقتضي عدم شرعيته فإنه أمر ينشأ من فعل المكلفين من غير ان
يكون لأصل الحكم الشرعي مدخل فيه ، ولو كان الأمر كما ذكروا لبطل كثير من الأحكام
التي هي أعظم من ما نحن فيه بل ما أخضر للإسلام عود ولا استقام له عمود ثم انه لا
يخفى عليك ان المحقق المذكور ونحوه قد تبعوا في ذلك علماء العامة ، قال بعض محققي
متأخري المتأخرين من مشايخنا الأخباريين بعد نسبة اشتراط حصول الإمام أو نائبه الى
ابى حنيفة واتباعه من المخالفين القائلين بهذا الاشتراط ما سوى الحسن البصري
والأوزاعي وحبيب بن ابى ثابت بل محمد بن الحسن أيضا واحمد بن حنبل في إحدى
الروايتين عنه : وعمدة مستندهم ان الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن
والحكمة موجبة لحسم مادة الاختلاف ولن يستمر إلا مع السلطان . انتهى. وهو كما ترى عين ما قدمنا نقله عنهم (رضوان
الله عليهم).
(الثالث) ـ ما
ذكروه من أن النبي صلىاللهعليهوآله والخلفاء من بعده كانوا يعينون أئمة للجمعات.
وفيه (أولا) ـ انه
منقوض بالوجوب التخييري الذي ذهبوا إليه إذ لا فرق بين الوجوبين في ذلك فكيف
أثبتوه في أحدهما ونفوه في الآخر؟
و (ثانيا) ـ بالنقض
بإمامة الجماعة والأذان فإنهم كانوا يعينون لأمثال ذلك أيضا فيلزم بمقتضى ما ذكروه
سقوطهما زمن الغيبة.
__________________
و (ثالثا) ـ بالقضاء
كما اعترفوا به فيلزم سقوطه وعدم مشروعيته في زمن الغيبة مطلقا ويلزم تعطيل
الأحكام ، فان أجيب بأنه قد ورد عنهم (عليهمالسلام) الاذن بالقضاء بقولهم «انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف
أحكامنا فارضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما. الحديث». ونحوه غيره ، قلنا قد
ورد أيضا في ما قدمناه من الأخبار ما يدل على انه إذا كان قوم في قرية ولهم من يخطب جمعوا
أى صلوا الجمعة. وفي آخر «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة». ونحو ذلك مما تقدم.
و (رابعا) ـ مع
تسليم اطراده في جميع الأمة نمنع دلالته على الشرطية بل هو أعم منها والعام لا يدل
على الخاص.
قال بعض
مشايخنا المحققين : والظاهر ان التعيين إنما هو لحسم مادة النزاع في هذه المرتبة
ورد الناس الى منصوبه من غير تردد واعتمادهم على تقليده بغير ريبة كما انهم كانوا
يعينون لإمامة الجماعة والأذان مع عدم توقفهما على اذن الامام إجماعا. وأيضا فإن
حسن الأدب يقتضي ان يرجع القوم في مهمات أمورهم إلى رأي سيدهم وإمامهم إذا كان
فيهم بل غير هذا لا يكون ، ولا يلزم من ذلك تعطيل الأمور وتركها رأسا إذا لم يوجد
فيهم الإمام إلا إذا علم ان لوجوده واذنه مدخلا ودون ثبوته في ما نحن فيه خرط
القتاد. انتهى.
أقول : ويؤيده رواية
حماد عن الصادق عن أبيه عن على (عليهمالسلام) قال «إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ليس
لأحد ذلك غيره». فإنه يدل بالمفهوم على جواز تجميع غير الإمام إذا لم يكن هو شاهدا
وتقديمه من حيث كونه
__________________
اماما ظاهرا. ونحن لا ننكر تقدم الإمام أو نائبه إذا وجد أحدهما وإنما نمنع
سقوط التقديم عند عدم حضور أحدهما. على انك قد عرفت ان أصل هذا الاشتراط إنما هو
من العامة تبعهم فيه من تبعهم توهما أنه مذهبنا ، وأخبارنا وكلام قدمائنا كما عرفت
خال من ذلك.
(الرابع) ـ ما
ذكره من رواية محمد بن مسلم فقد أجاب عنه شيخنا الشهيد الثاني في الرسالة بوجوه
نذكر المعتمد منها ملخصا :
(أحدها) ـ الطعن
في سند الرواية بان في طريقها الحكم بن مسكين وهو مجهول وما هذا شأنه يرد الحديث
لأجله ، وشهرته بين الأصحاب على وجه العمل بمضمونه بحيث يجبر ضعفه ممنوعة فإن
مدلوله لا يقول به الأكثر.
و (ثانيها) ـ ان
الخبر متروك الظاهر لان مقتضى الظاهر ان الجمعة لا تنعقد إلا باجتماع هؤلاء ،
واجتماعهم جميعا ليس بشرط إجماعا وإنما الخلاف في حضور أحدهم وهو الامام ، فما يدل
عليه الخبر لا يقول به أحد وما استدل به منه لا يدل عليه بخصوصه (فان قيل) حضور
غيره خرج بالإجماع فيكون هو المخصص لمدلول الخبر فتبقى دلالته على ما لم يجمع عليه
باقية (قلنا) يكفي في إطراحه وتهافته مع ضعفه مخالفة أكثر مدلوله لإجماع المسلمين
وما الذي يضطر معه الى العمل ببعضه مع هذه الحالة العجيبة.
و (ثالثها) ـ ان
مدلوله من حيث العدد وهو السبعة متروك ايضا ومعارض بالأخبار الصحيحة الدالة على
اعتبار الخمسة خاصة وما ذكر فيه السبعة غير هذا فإنه نفى فيه وجوبها عن أقل
من سبعة.
و (رابعها) ـ انه
مع تقدير سلامته من هذه القوادح يمكن حمله على حالة إمكان حضور الإمام واما مع
تعذره فيسقط اعتباره جمعا بين الأدلة. ويؤيده
__________________
إطلاق الوجوب فيه الدال بظاهره على الوجوب العيني المشروط عند من اعتبر هذا
الحديث بحالة الحضور ، واما حالة الغيبة فلا يطلقون على حكم الصلاة اسم الوجوب بل
الاستحباب بناء على ذهابهم الى الوجوب التخييري مع كون الجمعة أفضل الفردين
الواجبين تخييرا.
و (خامسها) ـ حمل
العدد في الخبر المذكور على اعتبار حضور قوم من المكلفين بها بعدد المذكورين اعنى
حضور سبعة وان لم يكونوا عين المذكورين نظرا الى فساد حمله على ظاهره من اعتبار
أعيان المذكورين لإجماع المسلمين على عدم اعتباره. وقد نبه على هذا التأويل شيخنا
المتقدم السعيد أبو عبد الله المفيد في كتاب الاشراف فقال : وعددهم في عدد الامام
والشاهدين والمشهود عليه والمتولي لإقامة الحدود
أقول : قد تقدم
ذلك في عبارته المنقولة من الكتاب المذكور ، وهذا الوجه عندي أقرب الوجوه في معنى
الخبر فإنهم (عليهمالسلام) كثيرا ما يأتون بمثل ذلك في قالب التعليل تقريبا
للأذهان ، والغرض هنا بيان علية السبعة في الوجوب دون ما زاد وما نقص فعلله عليهالسلام بان الامام بحسب العادة والطريقة المستمرة لا يخلو من
هؤلاء من حيث ترافع الناس اليه واقامة الحدود بين يديه فلا بد من هذه السبعة فجعل
في الجمعة هذا العدد لذلك.
ثم ذكر وجها
سادسا وهو لا يخلو من تكلف وغموض والغرض منه تكثير الجواب فلم نتعرض لنقله.
ثم قال : و (سابعها)
ـ ان العمل بظاهر الخبر يقتضي أن لا يقوم نائبه مقامه وهو خلاف إجماع المسلمين.
و (ثامنها) ـ انه
معارض بما رواه محمد بن مسلم ـ راوي هذا الحديث ـ في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟
قال نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب». ومفهوم الشرط
__________________
انه إذا كان فيهم من يخطب يصلون الجمعة ركعتين ، وهي عامة في من يمكنه
الخطبة الشامل لمنصوب الامام وغيره ، ومفهوم الشرط حجة عند المحققين ، وإذا تعارضت
رواية الرجل الواحد سقط الاستدلال فكيف مع حصول الترجيح لهذا الجانب بصحة طريقه
وموافقته لغيره من الأخبار الصحيحة وغير ذلك؟ انتهى ملخصا
أقول : و (تاسعها)
ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين من ارادة التمثيل دون التخصيص ،
وحذف المضاف خصوصا لفظ «مثل» كثير.
و (عاشرها) ما
ذكره من ان تخصيصهم بالذكر ليس لاختصاص مطلق الوجوب بهم لما مر بل لاختصاص الوجوب
المطلق بهم بمعنى ان عند اجتماع هذه السبعة يكون وجوب الجمعة وجوبا مطلقا لا يتوقف
على شرط آخر لتحقق جميع شرائط الوجوب وارتفاع جميع موانعه حتى الخوف عند اجتماعهم
، فان وجود من هو معد للقضاء وآخر يضرب الحدود من جهته عليهالسلام عند ثبوته لأحد المتداعيين على الآخر بالشاهدين يقتضي
بسطه اليد وانتفاء الخوف بخلاف ما لو اجتمعت سبعة سواهم وان كان المعصوم أحدهم
فإنه يجامع الخوف فلا يتحقق الوجوب إذ هو مشروط بفقده.
وقد يزاد هذا
الجواب إيضاحا وتقريرا بان يقال : لا ريب انه ليس المراد حصر متعلق الوجوب في
السبعة بمعنى السقوط عن غيرهم بل ان اجتماع هذه السبعة بأعيانها سبب لتعلق الوجوب
المطلق بكل واحد منهم وبغيرهم ممن تعلق به الخطاب بوجوب الجمعة ، فليس تخصيص
السبعة المعينة بالذكر إلا بيانا لسبب الوجوب المطلق لا حصرا لمتعلق الوجوب فيها ،
ف «على» للسببية. فتأمل فإنه من غوامض الأسرار وعرائس الأفكار.
و (حادي عشرها)
ما ذكره أيضا من انه بتقدير تسليم ان ذكر أعيان السبعة لبيان متعلق الوجوب دون
سببه ـ مع ما قد عرفت من وضوح فساده ـ لا يدل على انتفاء الوجوب عند انتفائها إلا
من حيث المفهوم ، وهو ـ بعد تسليم انه مفهوم
وصف وانه حجة وان الخبر صحيح ـ واجب الطرح عند معارضة ما هو أقوى منه من
مناطيق الكتاب والسنة وعموماتها. انتهى. وهو جيد نفيس.
(الخامس) ما
اعتضد به جملة منهم من خبري زرارة وعبد الملك بالتقريب المتقدم في كلامهم ، فان
فيه انه لا ريب ان ذلك الزمان الذي كانا فيه زمان تقية وخوف وكانت الشيعة لا
يتمكنون من اقامة الجمعة منفردين عن المخالفين لاشتراطها باذن الخليفة ، وامام ذلك
الوقت والأئمة المنصوبون لها كانوا من المخالفين المنصوبين من أئمة الضلال ، وهم
لا يجوزون الاقتداء بهم وانما يصلون يوم الجمعة وغيره في بيوتهم ثم يخرجون الى
جماعتهم ويصلون معهم تقية يجعلونها نافلة أو يصلون معهم ويقرأون لأنفسهم فيصيرون
منفردين ، وربما صلوا الجمعة معهم بهذه الكيفية ثم صلوا على أثرها ركعتين كما فعله
أمير المؤمنين عليهالسلام في صلاته خلف اللصوص الثلاثة وهذا هو السبب في تركهم
الجمعة يومئذ. وهذه احدى الشبه الباعثة لمتأخرى أصحابنا على القول بالتخيير في هذه
الفريضة فإنهم ظنوا ان ترك أصحاب الأئمة (عليهمالسلام) لها زمانا وصلاتها زمانا آخر إنما كان لذلك ، وليس
الأمر كما زعموه بل ان السر في ذلك هو ما ذكرناه ، وكأنه لما كان في ذلك الوقت
الذي صدر منهما (عليهماالسلام) ما ذكر في هذين الخبرين كانت سورة التقية أهون وهو زمن
الباقر والصادق (عليهماالسلام) لم يرضوا للشيعة بتركها بل حثوهم على فعلها سرا في
بيوتهم ولم يرضوا لهم بترك هذه الفريضة الجليلة وإهمالها مع إمكان الإتيان بها على
الوجه المذكور .
وملخص الكلام
في هذا المقام ان العمدة في ثبوت هذا القول هو الإجماع المدعى على اشتراط الإمام
أو نائبه في هذه الفريضة كما سمعته من كلام شيخنا المجلسي المتقدم ذكره وقوله فيه
: لو لم يكن الإجماع المدعى فيها لم يكن لأحد مجال شك
__________________
في وجوبها على الأعيان في جميع الأحيان والأزمان. إلى آخر ما قدمنا ذكره. وأنت
قد عرفت ما في ثبوت الإجماع وان دونه خرط القتاد وخصوصا في هذه المسألة كما هو
ظاهر لمن وفق للسداد والرشاد ، ولهذا ان جملة من أفاضل المتأخرين عن عصر شيخنا
الشهيد الثاني إلا الشاذ النادر ممن لا يعبأ به ولا يعد قوله في أقوال العلماء
المشهورين كلهم على القول بالوجوب العيني كما أسلفنا لك نقل أسماء جملة ممن حضرنا
كلامهم وأطلعنا على مذهبهم. واما من أخذته العصبية للقول بالتخيير الذي ظن بزعمه
انه المشهور ـ مع ان الأمر بالعكس كما عرفت مما قدمناه في هذه السطور ، لما اعتراه في
ذهنه من الفتور والقصور فحاد عن هذا القول المؤيد المنصور بالآيات والروايات
الساطعة الظهور ـ فهو أقصى نصيبه في المقام وغاية حظه من الافهام. ويا عجبا انهم
يستندون الى الآيات القرآنية في جملة من الأحكام مع انه ليس فيها ما هو أظهر دلالة
ولا أوضح مقالة من آية الجمعة المشتملة على مزيد التأكيد والحث الشديد ويستندون في
الأحكام الى خبر أو خبرين من الأخبار ولو بالإطلاق أو العموم كما هو مسلم بينهم
ومعلوم ، ويقابلون هذه الأخبار الواضحة الظهور كالنور على الطور بما عرفت من
التمحلات البعيدة والتأويلات الغير السديدة ، مع انه لم يخرج في حكم مسألة من
مسائل الفقه ما خرج عنهم (عليهمالسلام) في هذه المسألة من الأخبار البالغة في الاشتهار
والانتشار والتهديد والتشديد والحث الأكيد إلى حد لا يقبل الإنكار ، إلا انها (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى
الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ولله در من قال :
لقد أسمعت لو
ناديت حيا
|
|
ولكن لا حياة
لمن تنادي
|
ونار لو نفخت
بها أضاءت
|
|
ولكن أنت
تنفخ في رماد
|
__________________
(الثالث) ـ من
الأقوال في المسألة المذكورة القول بالتحريم في زمن الغيبة ، وهذا القول صريح ابن
إدريس وسلار وظاهر المرتضى في أجوبة المسائل الميافارقيات والعلامة في المنتهى
وجهاد التحرير والشهيد في الذكرى ، وهؤلاء الثلاثة في غير هذه الكتب المذكورة قد
وافقوا أصحاب القول بالتخيير. وأنت خبير بان من عدا الأولين فإن كلامهم في المسألة
صار متعارضا فيصير من قبيل ما قيل : تعارضا تساقطا. واما نقل القول به عن الشيخ في
الخلاف فهو ليس بصحيح كما لا يخفى على من راجع العبارة المذكورة. واما نقله عن ابى
الصلاح فقد بينا آنفا فساده.
ولنذكر في هذا
المقام جملة ما وصل إلينا من أدلة أصحاب هذا القول مما ذكره ابن إدريس وغيره وهي
ثلاثة :
(الأول) ـ ان
وجوب الظهر ثابت بيقين ولا يعدل عنه إلا بيقين مثله فلا تقابله وتزيله صلاة مشكوك
فيها ، لان اليقين لا ينقضه الشك ابدا للإجماع ولما رواه زرارة في الصحيح عن
الباقر عليهالسلام «ليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك ابدا».
والجواب ـ والله
الهادي إلى جادة الصواب ـ ان نقول (أولا) ـ انه ان أراد بالظهر الثابت وجوبها
بيقين الفريضة الواجبة عند الظهيرة مقدمة على غيرها ليكون يقينية وجوبها شاملا
لجميع الأحوال والأوضاع فيكون متناولا لموضع النزاع ، فنحن قائلون به ولكن لا
يجديه نفعا إذ هي بهذا المعنى شاملة لذات الركعتين المفروضتين قبل ان تسن الزيادة
وبعدها مع الخطبتين وبدونهما ولذات الأربع ، وتيقن وجوب مفهوم كلى لا ينقض تيقن
وجوب جزئي خاص منه إلا بدليل خارج ، والثابت وجوبه بيقين في موضع النزاع ذلك
المفهوم الكلى ، والمشكوك فيه خصوصية أحد الفردين : الأربع بدون الخطبة أم
الاثنتين معها ، وهما سيان في تعلق الشك بهما ، فأين العدول عن اليقين الى الشك
واين نقضه به؟ إذ تيقن وجوب ذلك المفهوم لا ينقضه الشك في أن ذلك الوجوب المحقق
بأي الفردين على الخصوص
__________________
يتعلق أو انه بأي الفردين يتحقق. وان أراد بالظهر الثابتة بيقين ذات الأربع
أو مقصورتها بلا تعويض الخطبتين ، ففيه انه ان أراد عموم وجوبها بالنسبة الى جميع
المكلفين في جميع الأزمان فهو أوضح واضح في البطلان ، إذ عينية الركعتين بالخطبتين
على بعض المكلفين في بعض الأزمان وتحريم فعل الأربع حينئذ على ذلك البعض في ذلك
البعض غنى عن البيان في المقام إذ هو من ضروريات دين الإسلام ، وان أراد أن يقين
وجوبها ثابت في الجملة فلا يجديه نفعا إذ يقين وجوب الجمعة ثابت كذلك. وان أراد ان
وجوب الظهر ثابت في يوم الجمعة باعتبار تناول عموم وجوب خمس فرائض كل يوم إحداها
الظهر ففيه ـ بعد تسليم اختصاص الظهر بما هو قسيم للركعتين ذات الخطبتين لا ما
يعمهما ـ انه أول المسألة ومحل البحث وهل الكلام والنزاع إلا في ذلك؟ وتناول
عمومات وجوب الجمعة في يومها لموضع النزاع أقوى والعمل به أظهر وأولى. وان أراد
معنى آخر غير ما ذكرنا فلا بد من بيانه حتى ننظر فيه.
و (ثانيا) ـ ان
ما ذكره من الدليل مقلوب عليه في المقام بالنظر الى أصل مشروعية الصلاة وما ورد في
ذلك عنهم (عليهمالسلام) فان الثابت بأصل الشرع إنما هو ركعتان على جميع الناس
في جميع الأزمان مقرونة بالخطبتين في يوم الجمعة. ثم زيد فيهما حضرا في غير يوم
الجمعة وبقي يوم الجمعة والسفر على ما كان عليه الأمر سابقا والذي يفصح عن ذلك
ما رواه
المشايخ الثلاثة في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام في حديث طويل قال فيه : «وقال تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ
الْوُسْطى) وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلىاللهعليهوآله وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنهار : صلاة الغداة
وصلاة العصر ، وفي بعض القراءة «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر
وقوموا لله قانتين».
__________________
قال : ونزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلىاللهعليهوآله في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر
وأضاف للمقيم ركعتين ، وانما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلىاللهعليهوآله يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن صلى
يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام».
والتقريب فيها
ان قوله عليهالسلام «وتركها رسول الله صلىاللهعليهوآله على حالها في السفر والحضر» مع قوله : «وأضاف للمقيم
ركعتين» صريح في بقاء يوم الجمعة على حكم الركعتين وتساوى حالها في الحالين لان
ضمير «تركها» راجع الى صلاة الجمعة المدلول عليها بسياق الكلام وان اختلاف الحالين
باعتبار اضافة الركعتين للمقيم إنما هو في غيرها ، إلا انه لما كان مقتضى ذلك نفى
الأربع فيها مطلقا حتى بالنسبة الى من لم يصل الجمعة ذات الخطبتين لفقد شرائطها أو
لتعمد تفويتها استدرك عليهالسلام بما هو كالتخصيص فقال «وانما وضعت الركعتان. الى قوله
كصلاة الظهر في سائر الأيام» وفي ذلك إشارة الى ان صلاة الظهر كما تطلق على الأربع
في سائر الأيام كذا تطلق على الركعتين مع الخطبتين في يوم الجمعة وإلا لم يكن
للتشبيه معنى.
ونحوه في ذلك ـ
وان كان ليس فيه من مزيد البيان ما في الخبر المتقدم ـ ما رواه ثقة الإسلام في
الحسن عن زرارة عن الباقر عليهالسلام قال : «عشر ركعات : ركعتان من الظهر وركعتان من العصر
وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة. الى أن قال وهي الصلاة التي
فرضها الله تعالى على المؤمنين في القرآن وفوض الى محمد صلىاللهعليهوآله. الى ان قال فزاد رسول الله صلىاللهعليهوآله في صلاة المقيم غير المسافر ركعتين في الظهر والعصر
والعشاء الآخرة وركعة في المغرب للمقيم والمسافر». ونحوها غيرها.
الثاني ـ ان
شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه لها إجماعا وفي حال الغيبة الشرط منتف فينتفى
المشروط.
والجواب منع
هذا الشرط مطلقا ولو مع حضور الامام كما تقدم بيانه ، والإجماع
__________________
قد عرفت ما فيه. وما اعتمدوه في تقريب هذا الإجماع والدلالة عليه ـ من فعل
النبي صلىاللهعليهوآله والخلفاء من بعده وانه مع عدمه يكون موجبا للفتنة
والاختلاف ـ فقد عرفت ما فيه أيضا في ما تقدم مشروحا مبرهنا بما لا يحوم حوله
للمتأمل الطالب للحق شك ولا شبهة.
ونزيده بيانا
وتأكيدا فنقول (أولا) ـ انه على تقدير إمكان انعقاد مثل هذا الإجماع فلا بد من
نقله مسلسلا من زمان الانعقاد الى زمان النزاع ولو آحاد ان اكتفينا به وليس فليس ،
فلم يبق إلا إجماع منقول بخبر واحد مرسل ، فان نقلة هذا الإجماع كابن إدريس
والمقداد وغيرهما ليس أحد منهم ممن عاين سيرة الأئمة (عليهمالسلام) فكيف يمكن نقلها فضلا عن انها مجمع عليها بدون واسطة
بل لا بد من وسائط معلومة تنتهي الى من عاين تلك السيرة ، وليس لناقل هذا الإجماع
دليل يلجأ اليه ولا مستمسك يعتمد عليه سوى ما عرفت من دعوى ان النبي صلىاللهعليهوآله والخلفاء الراشدين بعده كانوا يباشرون هذه الصلاة أو
يعينون لها من يقوم بها كما عرفت ، مع ان المباشرة والتعيين الثابتين أعم من
الواجبين بالأصالة أو بالعارض ولو باعتبار مصلحة مدنية والندبين والمختلفين ، ولا
دلالة للعام على الخاص ولو دل لدل تعيين المؤذنين وأئمة الجماعات وسقاة الحج
وقابضى مفاتيح الكعبة وامارة الحجيج ونحو ذلك على الوجوب ، وشيء من ذلك ليس بواجب
إلا لعروض عارض مدني ؛ وبالجملة فإنه إنما يدل على رجحان عارض يختلف باختلاف
المعين والمعين والزمان والمكان والسكان لا رجحان أصلي شرعي لا يختلف باختلافها
فأين دلالته على الوجوب الشرعي المدعى؟
ثم من العجب
العجاب عند ذوي البصائر والألباب والدعوى التي هي أبعد شيء من الصواب ادعاء
الإجماع على سنة من سنن النبي صلىاللهعليهوآله بل على سيرة من سيره لم يخرج عن مستودعي سره وخازني
علمه أهل بيت العصمة والطهارة فيها نبأ من الإنباء الآحادية يدل على ثبوتها ولو
دلالة إيماء واشارة ، هذا والصوارف عن نقلها
من جهة التقية ـ حيث كان مقتضاها أشبه بمذهب أبي حنيفة ـ مصروفة والبواعث عليها ـ لشدة الحاجة الى الحكم
المبنى عليه ـ بالتحقيق معروفة ، أو ما علموا انه ليس لسره وسريرته وسنته مظهر سوى
ما ظهر منهم (عليهمالسلام) من الآثار؟ أو ما سمعوا مناديهم ينادى ان لا شيء من
الحق والصواب في أيدي الناس إلا ما برز من وراء تلك الحجب والأستار؟
قال بعض
المحققين من متأخري المتأخرين : ولعل تعيين من يباشر صلاة الجمعة كان من جملة
المحدثات التي أحدثها من كان بعده صلىاللهعليهوآله وبدعهم التي لم يجر عليها قلم التغيير أو آراء أبي
حنيفة التي بنيت أكثرها على الاستحسان وملائمة طباع سلاطين الوقت والمنصوبين من
قبلهم من قاض أو أمير ثم عمت البلية فسرى الاشتباه الى هذه الفرقة الناجية وانقدح
في بعض الأذهان حيث كان منسوبا إلى سيرة النبي صلىاللهعليهوآله وصادف قلوبا عن التحلي بحلية ما هو الحق الواقعي خالية
كما قيل «وصادف قلبا خاليا فتمكنا» وانضاف الى ذلك عموم التقية المقتضية لعدم
مباشرتهم (عليهمالسلام) وشيعتهم تلك الوظيفة إلا سرا ولزوم حضورهم جمعة أهل
الخلاف وجماعاتهم وحثهم عليها نهيا وامرا. ولعل الله ان يجعل هذه الشبهة في حق من
ذهب الى الإبداع أو التخيير علة وعذرا . انتهى كلامه زيد مقامه. وهو جيد نفيس مؤيد لما قلناه
مؤكد لما سطرناه.
و (ثانيا) ـ ما
أجاب به شيخنا زين المحققين في الرسالة من انه على تقدير تسليمه لا يلزم منه تحريم
فعلها حال الغيبة مطلقا كما زعمه هذا القائل ، فإن الفقهاء نواب الامام على العموم
لقول الصادق «انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا
فارضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما. الحديث». وغيره مما في معناه. وجعله
حاكما من قبله عليهالسلام على العموم
__________________
الشامل للمناصب الجليلة التي هي وظيفة الإمام كالقضاء واقامة الحدود وغيرها
فتدخل فيه الصلاة المذكورة بطريق أولى لأن شرطيتها به أضعف. ومن ثم اختلف فيها
بخلاف هذه المناصب فإنها متوقفة على اذنه قطعا. الى ان قال : ومع هذا كله فعمدة
الأمر عندي على منع الإجماع المذكور على وجه يوجب مدعاهم ، ثم أطال بذكر وجه ذلك
(الثالث) ـ انه
يلزم من عدم القول به الوجوب العيني لإفضاء الأدلة اليه والمسوغون لها لا يقولون
به كما أشار إليه في الذكرى مما قدمناه من نقل عبارته في صدر القول الثاني.
والجواب عنه (أولا)
ـ ان تقريره وصحة دليله مبنى على عدم ثبوت الوجوب العيني وقد عرفت ثبوته بالآيات
الشريفة والأخبار الصحيحة الصريحة المنيفة.
و (ثانيا) ـ ما
ذكره شيخنا زين المحققين في الرسالة من انه مع تسليم عدم الوجوب العيني ان بعض
الأخبار المتقدمة دال على الوجوب المطلق اعنى الوجوب الكلى المحتمل لكل واحد من
افراده المنقسم إليها كالعيني والتخييري وغيرهما وان كان ظاهرا في أحدها إلا ان
الصارف عنه موجود وهو الإجماع الذي زعمه القائل وأى صارف عن هذا الفرد أكبر من
الإجماع إذا تم فيحمل على غيره من الأفراد والإجماع منحصر في إرادة أحد الفردين
العيني أو التخييري فإذا انتفى الأول بقي الآخر ، هذا على تقدير انسداد باب القول
بالوجوب العيني وان قامت عليه الأدلة ودلت عليه عبارات الأصحاب ، لكن قد عرفت ان
دليله قائم والقائل به من الأصحاب موجود ودعوى الإجماع على عدمه ممنوعة. ثم غايته
انه نقل إجماع بخبر الواحد وهو غير مفيد هنا لان دليل القائل بحجيته من الأصوليين
ـ مع ظهور الخلاف فيه ـ انه مفيد للظن المجوز للعمل بمقتضاه ، وهو منتف هنا خصوصا
مع ما قد أطلعنا عليه من ظهور خطأهم في هذه الدعوى كثيرا ، ويكفيك في نقل العلامة
الإجماع وظهور خلاف ما نقله في كثير من كتبه من الإجماع على ان الكعبين هما مفصل
الساق والقدم مع ظهور الإجماع على عدمه من جميع الأصحاب
بل من المسلمين. الى أن قال : وكيف يحصل الظن بنقل الإجماع في مسألة ظاهرة
الخلاف واضحة الأدلة على ما خالفه : واما ما اتفق لكثير من الأصحاب ـ خصوصا
المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف مع أنهما اماما الطائفة ومقتدياها في دعوى
الإجماع على مسائل كثيرة مع اختصاصهما بذلك القول من بين الأصحاب أو شذوذ الموافق
لهما ـ فهو كثير لا يقتضي الحال ذكره. ثم نقل جملة من إجماعات المرتضى (رضى الله
عنه) التي هي من هذا القبيل. الى أن قال : ولو ضممنا اليه ما ادعاه كثير من
المتأخرين خصوصا الشيخ على لطال الخطب ، ومن غريبها دعوى الشيخ على في شرح الألفية
الإجماع ، ثم ساق جملة من دعاويه الإجماع التي هي من هذا القبيل. الى أن قال : ولو
أتيت لك على جميع ما ذكره من ذلك في رسائله ومسائله لطال وفي هذا القدر كفاية ،
فإذا أضفت هذا الى ما قررناه سابقا كفاك في الدلالة على حال هذا الإجماع ونقله
بخبر الواحد المنقول به الإجماع. والله يشهد ـ وكفى به شهيدا ـ ان ليس الغرض من
كشف هذا كله إلا بيان الحق الواجب المتوقف عليه لقوة عسر الفطام عن المذهب الذي
تألفه الأنام ولولاه لكان لنا عنه أعظم صارف والله تعالى يتولى اسرار عباده. انتهى
كلامه زيد مقامه وعلت في الفردوس أقدامه.
وبعض المجتهدين
من متأخري المتأخرين من علماء بلادنا البحرين قد اختار القول بالتحريم في هذه
المسألة وكتب فيها رسالة ذكر فيها زيادة على ما نقلناه من الأدلة ، ولولا ان هذا
القول لمزيد ظهور ضعفه وشذوذ القائل به سيما في زماننا هذا غنى عن الإطالة في رده
لتعرضنا لنقل أدلته وبيان ما فيها من القصور.
وأظهرها شبهة
في ما يدعيه قول زين العابدين عليهالسلام في الصحيفة «اللهمّ هذا يوم مبارك ميمون والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك. الى ان
قال اللهم ان هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي
__________________
اختصصتهم بها قد ابتزوها وأنت المقدر لذلك. الى قوله عليهالسلام حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون
حكمك مبدلا ولا كتابك منبوذا. الى قوله عليهالسلام وعجل الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم».
وجه الاستدلال
ان الإشارة في قوله «هذا المقام» ترجع إلى الجمعة والعيد والخطبة ، وقوله «لخلفائك»
يدل على الاختصاص بهم ، وكذا قوله عليهالسلام «قد اختصصتهم بها» وقوله «قد ابتزوها» فان الابتزاز هو الاستيلاء والأخذ
قهرا.
والجواب عنه من
وجوه (أحدها) ـ احتمال ان يكون المشار اليه إنما هو الخلافة الكبرى لظهور آثارها
في هذا اليوم لما فيه من الحكم العظيمة بظهور دولتهم وتمكنهم وأمرهم ونهيهم
وهدايتهم العباد وإرشادهم واقتداء الخلق بهم ، والى ذلك يشير قوله عليهالسلام «حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا وكتابك
منبوذا وفرائضك محرفة عن جهات إشراعك وسنن نبيك متروكة» إذ من الظاهر ان الأمور
المذكورة مما يترتب على الخلافة الكبرى والولاية العظمى.
و (ثانيها) ـ ان
اللام كما يحتمل الملك والاختصاص يحتمل الاستحقاق ولا دلالة لاستحقاق شخص لأمر على
نفى استحقاق غيره لذلك الأمر إذ ليس معناه إلا استيهاله إياه وكونه أهلا له وهو لا
يدل على الاختصاص به وإلا لرجع الاستحقاق اليه فلم يكن لجعله معنى آخر وجه ويؤيده
ما نقله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين عن المحقق الدواني في حواشيه
على شرح المختصر للعضدى من ان هذا الاختصاص ليس بمعنى الحصر بل يكفى فيه ارتباط
مخصوص كما يقال : الجل للفرس. قيل ومن هنا نجد فرقا بينا بين قولنا «الحمد لله»
وقولنا «لله الحمد» وقولنا «الأمر لله» و «لله الأمر».
و (ثالثها) ـ حمل
الخلفاء على ما هو أعم من الامام الشامل لعلماء الشيعة وفقهائهم لأنهم ورثة علومهم
ورواة أحاديثهم التي من أخذ منها أخذ بحظ وافر لان العلماء لم يورثوا درهما ولا
دينارا وانما ورثوا علما من علومهم ، ويؤيده
ما رواه الصدوق وغيره عنه صلىاللهعليهوآله قال : «اللهمّ ارحم خلفائي. قيل يا رسول الله صلىاللهعليهوآله ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي».
وفي رواية أخرى زاد : «ويعلمون الناس بعدي». على انه لا بد للخصم من
الحمل على المعنى العام الشامل للمنصوب الخاص والتفاوت بالشدة والضعف ان أوجب
الحمل على الأشد تعين الحمل على الأخص ، ودعوى صدق اسم خليفة الله على المأذون له
إذنا خاصا دون الاذن العام محل منع.
و (رابعها) ـ ان
عطف الأصفياء على الخلفاء يؤذن بالمغايرة كما هو مقتضى الأصل فيمكن أن يكون المراد
بالخلفاء هم (عليهمالسلام) أو هم ومنصوبوهم على الخصوص وبالأصفياء عدول الشيعة ،
والتأسيس أولى من التأكيد.
و (خامسها) ـ بتقدير
استفادة الحصر من هذه العبارة فإنها في قوة قولك «ليس هذا المقام إلا لخلفائك. الى
آخره» فالحصر هنا ليس منحصرا في الحقيقي بل يعمه والإضافي ، وكثرة استعماله وشيوعه
في الإضافي غير منكور ولا مدافع بل في ما نحن فيه من قصر الموصوف على الصفة لا
يصدق إلا إضافيا كما حقق في محله ، ودعوى كونه مجازا فيه غير مسموع ، وحينئذ فليس
المراد إلا ان هذا المقام مقصور على الاتصاف بكونه لخلفاء الله قصرا إضافيا
أفراديا أو قلبيا أو تعيينيا ردا على من اعتقد مشاركة أعدائهم لهم (عليهمالسلام) أو اختصاصهم به دونهم أو تردد في ذلك ، ولا يلزم من
ذلك نفى ان يقوم بهذا المقام أولياؤهم المعترفون بان يدهم يد فرعية لاحظ لها في
الشركة فضلا عن الاختصاص والابتزاز.
و (سادسها) ـ بتقدير
تسليم الدلالة بطريق الحصر على نفى الاستحقاق عن ما سوى الخلفاء والأصفياء بالمعنى
الخاص فهو عام مخصوص بما قدمنا من الأدلة الدالة على عموم الاذن بالتصرف في هذا
الحق حضورا وغيبة بل الأمر به من غير تخصيص للاذن بمخاطب دون مخاطب ولا في زمان
دون زمان ، هذا وهم مضطرون
__________________
لإدراج النائب الخاص الى ما وجهنا به هذا الدليل لكونه مشترك الورود علينا
وعليهم فما وجهوه به فنحن نوجهه بمثله وقد كفيناهم ـ ولله الحمد ـ مؤنة خطبه.
(الرابع) ـ من
الأقوال في المسألة وجوب الصلاة المذكورة وجوبا تخييريا حال الغيبة لكن بشرط حضور
الفقيه الجامع لشرائط الفتوى وإلا لم تشرع ، وهذا القول مذهب المحقق الشيخ على (قدسسره) قد رجحه ونصره واعتنى به واستدل عليه ، وربما نسب الى
ظاهر كلام العلامة في التذكرة والنهاية والشهيد في اللمعة والدروس القول بذلك أيضا
، ورد بعدم ظهور الدلالة.
والأصل في هذا
القول ان اذن الامام معتبر فيها فمع حضوره يعتبر حضوره أو نائبه ومع غيبته يقوم
الفقيه المذكور مقامه لأنه نائبه على العموم.
وعمدة ما استدل
به على هذا الشرط وجوه ثلاثة (الأول) ـ ان النبي صلىاللهعليهوآله كان يعين لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء من بعده كما يعين
للقضاء ، وكما لا يصح ان ينصب الإنسان نفسه قاضيا بدون اذن الامام فكذا إمام
الجمعة. قالوا وليس هذا قياسا بل استدلالا بالعمل المستمر في الأعصار والأمصار
ومخالفته خرق للإجماع.
(الثاني) ـ رواية
محمد بن مسلم قال : «لا تجب الجمعة على أقل من سبعة. الحديث». وقد تقدم .
(الثالث) ـ انه
إجماع كما نقله جماعة من الأصحاب : منهم ـ المحقق نجم الدين ابن سعيد في المعتبر
والعلامة جمال الدين بن المطهر والشهيد في الدروس والذكرى والإجماع المنقول بخبر
الواحد حجة فكيف بنقل هؤلاء الأعيان.
وأجيب عن الأصل
المذكور بأنه لو تم لزمهم القول بوجوبها مع الفقيه عينا على حد وجوبها مع الامام
ونائبه الخاص قضية لوجود الشرط ، وهؤلاء المتأخرون لا يقولون به بل يجعلونها حال
الغيبة مستحبة بمعنى أنها أفضل الفردين الواجبين على التخيير فهي مستحبة عينا
واجبة تخييرا فما يقتضيه دليلهم لا يقولون به
__________________
وما يقولون به لا يقتضيه دليلهم. على انهم يعتبرون في هذه الحال عدم وجود
شرط الوجوب الذي هو الإمام أو نائبه كما وقع في عبائرهم وحكاية كلامهم ، فلا فرق
حينئذ بين وجود الفقيه وعدمه حيث لا يوجد هذا الشرط بل اما ان يحكموا بوجوبها نظرا
الى ان الشرط المذكور انما يعتبر مع إمكانه لا مطلقا أو يحكموا بعدم مشروعيتها
التفاتا الى فقد الشرط.
فان قيل : انهم
يختارون الأول وهو حصول الشرط بوجود الفقيه ولكن الوجوب العيني منتف بالإجماع كما
ندعيه فقلنا بالوجوب التخييري حيث دل الدليل على الوجوب ولم يمكن القول الأول.
قلنا : قد
اعترفتم في كلامكم بفقد الشرط في هذه الحالة وهو خلاف ما التزمتموه هنا ودعوى الإجماع
المذكور ممنوعة.
أقول : مدار
هذه الأقوال الخارجة عن جادة الاعتدال وثبوتها على هذا الإجماع الذي يدعونه في
المسألة وببطلانه يبطل ما فرعوه عليه وقد عرفت ـ بحمد الله سبحانه الملك المنان ـ بطلانه
بأوضح بيان. واما ما ذكره من الوجوه الثلاثة للاستدلال على هذا الإجماع فقد عرفت
الكلام فيها منقحا. والله العالم.
قد تم الجزء
التاسع من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة
ويتلوه الجزء
العاشر والحمد لله أولا وآخرا
فهرس الجزء التاسع
من كتاب الحدائق الناصرة
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
بطلان الصلاة بترك الطهارة عمدا
" أو سهوا "
|
٢
|
جواز التنبيه بتلاوة القرآن
|
٢٢
|
بطلان الصلاة بالحدث عمدا "
|
٢
|
الاتيان بمفردات القرآن في الصلاة على
غير ترتيبها.
|
٢٢
|
الحدث سهوا هل يبطل الصلاة؟
|
٣
|
هل اشارة الاخرس كلام؟
|
٢٣
|
الحدث سهوا هل يبطل الصلاة؟
|
١٠
|
لا تبطل الصلاة بالكلام سهوا "
|
٢٣
|
تفسير التكفير في الصلاة
|
١٤
|
لو تكلم في الصلاة مكرها "
|
٢٥
|
تفسير التكفير في الصلاة
|
١٥
|
من مبطلات الصلاة الالتفات إلى الوراء
|
٢٦
|
من مبطلات الصلاة الكلام
|
١٦
|
اضطراب كلام الفقهاء في تحديد
الالتفات المبطل للصلاة
|
٢٦
|
تحديد الكلام المبطل للصلاة
|
١٧
|
الاخبار الواردة في الالتفات
|
٢٨
|
لافرق بين الكلام الموضوع والمهمل في
ابطال الصلاة
|
١٨
|
الالتفات بالبدن عمدا " إلى ما
بين اليمين واليسار.
|
٣١
|
التنحنح ونحوه ما لا يشتمل على حرفين
لا يبطل الصلاة
|
١٨
|
الالتفات بالبدن عمدا إلى اليمين
واليسار
|
٣١
|
حكم التنحنح ونحوه اذا اشتمل على
حرفين
|
١٩
|
الالتفات بالبدن عمدا إلى دبر القبلة
|
٣١
|
لا فرق في ابطال الكلام بين ان يكون
لمصلحة الصلاة وعدمه
|
٢٠
|
الالتفات بالبدن سهوا الى ما بين
اليمين والشمال
|
٣١
|
يستثنى من الكلام المبطل للصلاة
الدعاء والذكر والقرآن.
|
٢٠
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الالتفات بالبدن سهوا إلى اليمين
واليسار
|
٣٢
|
هل يعم الابطال البكاء لمثل طلب الولد
وشفاء المريض؟
|
٥٢
|
الالتفات بالبدن سهوا إلى دبر القبلة
|
٣٣
|
عدم بطلان الصلاة بالبكاء للامور
الاخروية
|
٥٢
|
الالتفات بالوجه إلى اليمين واليسار
|
٣٤
|
من مبطلات الصلاة الاكل والشرب على
المشهور
|
٥٤
|
الالتفاوت بالوجه إلى ما بين اليمين
واليسار
|
٣٦
|
دوران البطلان بالاكل والشرب مدار
الكثرة
|
٥٥
|
الاستدبار بالوجه
|
٣٧
|
لاخلاف في استثناء الشرب في الوتر
للصائم الذى اصابه عطش
|
٥٥
|
من مبطلات الصلاة القهقهة
|
٣٨
|
هل يتعدى البطلان بالاكل والشرب إلى
النافلة؟
|
٥٥
|
هل تبطل الصلاة بالقهقهة سهوا؟
|
٣٩
|
الالتفات يمينا " وشمالا في
الصلاة
|
٥٦
|
بطلان الصلاة بالقهقهة التى لا يمكن
دفعها
|
٣٩
|
حكم العقص للرجل في الصلاة
|
٥٦
|
من مبطلات الصلاة الفعل الكثير
|
٣٩
|
كراهة التثاؤب والتمطى ونحو ذلك في
الصلاة
|
٥٧
|
تحديد الفعل الكثير
|
٤٠
|
كراهة مدافعة البول والغائط والريح في
الصلاة
|
٦١
|
الاخبار المسوغة لبعض الافعال في
الصلاة
|
٤٤
|
جواز السلام على المصلى
|
٦٣
|
هل يختص ابطال الفعل الكثير بصورة
العمد؟
|
٥٠
|
وجوب رد السلام على المصلى
|
٦٤
|
من مبطلات الصلاة البكاء
|
٥٠
|
الاخبار الواردة في السلام ورده
|
٦٥
|
هل البكاء المبطل خصوص المشتمل على
الصوت؟
|
٥١
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
وجوب رد السلام
|
٦٧
|
ستر أو حائط أو في الكتاب أو مع
الرسول؟
|
٨٢
|
الاستدلال بالاية على وجوب رد السلام
|
٦٨
|
لو ترك المصلى الرد واشتغل باتمام
الصلاة.
|
٨٣
|
الاشكال في دلالة الآية على وجوب الرد
|
٦٩
|
سلام المرأة على الاجنبى
|
٨٣
|
كيفية رد السلام من المصلى وغيره
|
٧٠
|
هل يجب على المرأة رد سلام الاجنبى
|
٨٤
|
صيغة السلام التى يسلم بها
|
٧٢
|
كيفية الرد على أهل الذمة
|
٨٤
|
الابتداء بالسلام ورده كفائى
|
٧٥
|
هل يجب الرد على اهل الذمة؟
|
٨٧
|
انما يسقط الوجوب برد من كان داخلا في
المسلم عليهم
|
٧٥
|
من يبدأ بالسلام
|
٨٨
|
هل يسقط الوجوب برد الصبى المميز؟
|
٧٥
|
هل يكره السلام على المصلى؟
|
٨٩
|
هل تجب الرد اذا كان المسلم صبيا
" مميزا "؟
|
٧٦
|
يجوز للمصلى تسميت العاطس
|
٩٠
|
هل يجوز للمصلى الرد اذا رد بعض
الجماعة؟
|
٧٦
|
هل يجب على العاطس رد التسميت؟
|
٩٢
|
هل يجب الاسماع في رد السلام؟
|
٧٦
|
الاخبار الواردة في العطس
|
٩٣
|
المصلى يرد بمثل ما سلم عليه
|
٧٩
|
حرمة قطع الصلاة
|
١٠١
|
يجب على المصلى الرد لفظا "
|
٧٩
|
جواز قطع الصلاة في بعض الموارد
|
١٠٢
|
استحباب الابتداء بالسلام
|
٨٠
|
تقسيم قطع الصلاة إلى الاقسام الخمسة
|
١٠٣
|
هل وجوب رد السلام فورى؟
|
٨١
|
بطلان الصلاة بالاخلال بركن منها
|
١٠٤
|
هل يجب رد السلام من وراء
|
|
من أخل بالركوع ناسيا " حتى سجد
|
١٠٥
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
من نسى سجدتين إلى ان ركع بعد هما
|
١١١
|
المنافى عمدا وسهوا
|
١٢٨
|
من زاد في صلاته ركعة سهوا
|
١١٣
|
لو نسى التسليم وذكر بعد المنافى
|
١٣١
|
الخبر المتضمن لزيادة النبى صلى الله
عليه وآله في صلاته
|
١١٧
|
ما تتم الصلاة مع السهو عنه بلا تدارك
وسجود
|
١٣٣
|
لو ذكر الزيادة بعد السجود وقد جلس
بعد الرابعة قدر التشهد أو تشهد
|
١١٨
|
ما يتدارك مع الاخلال به سهو من غير
سجود
|
١٣٥
|
لو ذكر زيادة الركعة قبل الركوع
|
١١٨
|
لو سها عن سجدتين وذكر قبل الركوع
|
١٣٦
|
هل ينسحب الحكم إلى زيادة اكثر من
ركعة؟
|
١١٨
|
لو تذكر فوت احدى السجدتين فهل يجب
الجلوس قبلها؟
|
١٣٧
|
بطلان الصلاة بزيادة الركن
|
١١٩
|
لو شك هل جلس اولا على القول بوجوب
الجلوس
|
١٣٨
|
موارد الاستثناء من البطلان بالاخلال
بالركن
|
١٢٠
|
هل يجزئ الجلوس بنية الاستحباب عن
الجلوس الواجب؟
|
١٣٨
|
لو سلم على نقص من صلاته أو ظن انه
سلم ثم شرع في صلاة اخرى
|
١٢٢
|
وجوب رعاية الترتيب لو ذكر نسيان
السجود وقد تشهد أو قرأ أو سبح
|
١٣٩
|
لو ذكر المصلى نقص ركعة فما زاد بعد
التسليم قبل المنافى
|
١٢٥
|
تذكر السجود الاخير بعد التشهد قبل
السلام أو بعده
|
١٣٩
|
لو ذكر المصلى النقص بعد المنافى عمدا
لا سهوا
|
١٢٧
|
من نسى التشهد وذكر قبل ان يركع
|
١٣٩
|
لو ذكر المصلى النقص بعد
|
|
كلام صاحب المدارك في نسيان
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
السجود والتشهد في الركعة الاخيرة
والتعليق عليه
|
١٤٠
|
السجود
|
١٥٦
|
المراد بالركعة في صحيحة حكم ابن حكيم
|
١٤٢
|
لو هوى لا بقصد الركوع
|
١٥٨
|
هل يفرق بين فوت التشهد الاول والتشهد
الاخير؟
|
١٤٣
|
تفسير الشك
|
١٦٠
|
هل يجب قضاء الصلاة على النبى صلى
الله عليه وآله بعد الصلاة؟
|
١٤٤
|
الشك في عدد الثنائية والثلاثية مبطل
|
١٦٢
|
ما يتدارك بعد الصلاة مع سجود السهو
|
١٤٥
|
توجيه ما دل على عدم ابطال الشك في
الثنائية والثلاثية
|
١٦٤
|
قضاء السجدة لو ذكرها بعد الركوع
|
١٤٥
|
نسبة المخالفة إلى المقنع في الشك في
المغرب
|
١٦٥
|
محل قضاء السجدة لو ذكرها بعد الركوع
|
١٤٨
|
عدم الفرق في وجوب الاعادة بين الشك
في الزيادة والشك في النقصان
|
١٦٦
|
هل تجب سجدتا السهو في قضاء السجدة؟
|
١٥٠
|
لا فرق في ابطال الشك في الثنائية
والثلاثية بين الواجبة بالاصل الواجبة بالعرض
|
١٦٦
|
هل يجب قضاء التشهد لو ذكره بعد
الركوع؟
|
١٥١
|
الشك في صلاة الكسوف
|
١٦٦
|
وجوب سجدتى السهو لو ذكر فوت التشهد
بعد الركوع
|
١٥٤
|
الشك في الوتر
|
١٦٧
|
لو سها عن الركوع وذكر بعد الدخول في
السجود
|
١٥٥
|
هل المراد بالشك في الشك في الثنائية
والثلاثية ما هو أعم من الظن؟
|
١٦٧
|
لوسها عن الركوع وذكر قبل
|
|
وجوب الاتيان بالمشكوك فيه اذا كان
الشك في محله
|
١٦٧
|
|
|
وجوب المضى اذا كان الشك
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
في الفعل بعد تجاوز محله
|
١٧٠
|
لو شك في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر
في اثنائه انه قد ركع
|
١٨٩
|
هل المراد بالشك في الحكمين المتقدمين
ما يشمل الظن؟
|
١٧١
|
ضابط التجاوز عن المحل في الشك والسهو
|
١٩٠
|
هل يفرق في الحكمين المتقدمين بين
الاوليين والاخيرتين؟
|
١٧٢
|
لو شك بعد رفع الرأس من الركوع في
الوصول إلى حده
|
١٩١
|
هل يختص تجاوز المحل بالدخول في
الافعال أو يعم المقدمات؟
|
١٧٦
|
بطلان الصلاة بالشك في عدد الاوليين
|
١٩٢
|
اذا شك في قراءة الفاتحة وهو في
السورة
|
١٨١
|
وجوب الاعادة على من لم يدر كم صلى
|
١٩٧
|
الشك في ابعاض الحمد والسورة بعد
الدخول في بعض آخر
|
١٨٣
|
الاشكال في صحة ما نقل عن الصدوق في
احكام الشكوك
|
٢٠١
|
الشك في السجود وهو في التشهد أو بعده
قبل استكمال القيام
|
١٨٣
|
اعتبار الظن في عدد الركعات
|
٢٠٥
|
الشك في الركوع وهو هاو إلى السجود
ولم يسجد
|
١٨٤
|
هل يعتبر الظن في عدد الاوليين؟
|
٢٠٦
|
الشك في السجود أو التشهد بعد القيام
|
١٨٥
|
الوظيفة عند الظن
|
٢٠٩
|
الشك في القراءة في حال القنوت
|
١٨٦
|
هل يتروى عند الشك في الفعل؟
|
٢٠٩
|
لو تدارك ما شك فيه في محله ثم ذكر
فعله
|
١٨٨
|
الشك في الرباعية بين الاثنتين
والثلاث
|
٢١٠
|
لو تلافى ما شك فيه بعد الانتقال
|
١٨٨
|
المناقشة في ما استدل به للشك بين
الاثنتين والثلاث
|
٢١١
|
|
|
دفع المناقشة في ما استدل به للشك بين
الاثنتين والثلاث
|
٢١٢
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الشك بين الاثنتين والثلاث قبل الدخول
في الثالثة
|
٢١٥
|
دفع كلام المحدث الكاشانى في المقام
|
٢٣٤
|
ما نقل عن المرتضى من البناء على
الاقل في الشك في الاخيرتين
|
٢١٨
|
هل تتعين الركعتان من جلوس في احتياط
الشك بين الثلاث والاربع؟
|
٢٣٧
|
تحقيق حال الناصر الكبير
|
٢١٩
|
الشك بين الاثنتين والاربع
|
٢٣٧
|
الاخبار الدالة على البناء على الاقل
في مطلق الشك
|
٢٢١
|
احتمال صاحب المدارك التخيير في الشك
بين الاثنتين والاربع ودفعه
|
٢٣٩
|
ترجيح الاخبار الدالة على البناء على
الاكثر
|
٢٢٢
|
الاستدلال للقول باعادة الصلاة فى
الشك بين الاثنين والاربع ورده
|
٢٤٠
|
هل يتخير في احتياط الشك بين الاثنتين
والثلاث بين ركعة
|
٢٢٦
|
الشك بين الاثنين والثلاث والاربع
|
٢٤١
|
ما يتحقق به سلامة الاوليين في الشك
المتعلق بالاثنتين
|
٢٢٦
|
هل يجوز الاتيان بركعة قائما بدل
الركعتين جالسا في احتياط الشك بين الاثنين والثلاث والاربع؟
|
٢٤٣
|
الشك بين الثلاث والاربع
|
٢٢٧
|
هل يجب تقديم الركعتين من قيام في
احتياط الشك بين الاثنتين والثلاث والاربع؟
|
٢٤٣
|
حجة التخيير بين الاقل والاكثر في
الشك بين الثلاث والاربع
|
٢٣١
|
هل العلم بحكم ما يجب معرفته من
الشكوك شرط في صحة الصلاة؟
|
٢٤٤
|
دفع حجة التخيير في الشك بين الثلاث
والاربع
|
٢٣٢
|
|
|
كلام المحدث الكاشانى المتضمن للتخيير
بين البناء على الاكثر والبناء على الاقل
|
٢٣٣
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الشك بين الاربع والخمس
|
٢٤٤
|
الاثنتين والثلاث والخمس وبين الثلاث
والخمس
|
٢٥٣
|
هل يجب الاحتياط في الشك بين الاربع
والخمس؟
|
٢٤٦
|
الشك بين الاربع وما زاد على الخمس
|
٢٥٤
|
وجوب سجدتى السهو في الشك بين الاربع
والخمس
|
٢٤٧
|
صور الشك المتعلق بالسادسة
|
٢٥٧
|
الشك بين الاربع والخمس قبل الركوع
|
٢٤٧
|
لاسهو في سهو
|
٢٥٨
|
الشك بين الاربع والخمس بعد السجود أو
بعد تمام ذكر السجدة الثانية
|
٢٤٨
|
معنى لا سهو في سهو
|
٢٥٩
|
الشك بين الاربع والخمس بعد الركوع
وقبل تمام السجود
|
٢٤٨
|
الشك في موجب الشك بكسر الجيم.
|
٢٦٠
|
صور الشك بين الاربع والخمس في كلام الشهيد
|
٢٥٠
|
الشك في موجب الشك بفتح الجيم.
|
٢٦١
|
رجوع الصور التسع في كلام الشهيد إلى
الثلاث المتقدمة
|
٢٥١
|
الشك في موجب السهو بكسر الجيم.
|
٢٦٣
|
الشك بين الاثنتين والاربع والخمس
|
٢٥٢
|
الشك في موجب السهو بفتح الجيم
|
٢٦٣
|
الشك بين الاثنتين والثلاث والاربع
والخمس
|
٢٥٢
|
السهو في موجب الشك بكسر الجيم.
|
٢٦٤
|
الشك بين الثلاث والاربع والخمس
|
٢٥٢
|
السهو في موجب الشك بفتح الجيم.
|
٢٦٥
|
الشك بين الاثنتين والخمس وبين
|
|
السهو في موجب السهو بكسر الجيم.
|
٢٦٦
|
|
|
السهو في موجب السهو بفتح الجيم.
|
٢٦٧
|
|
|
رجوع كل من الامام والمأموم
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الشاك إلى حفظ الآخر
|
٢٦٨
|
اختصاص السهو بالامام
|
٢٨٥
|
إلى المتيقن والشاك إلى الظان؟
|
٢٧٠
|
تفسير رواية منهال
|
٢٨٦
|
لافرق في رجوع الامام إلى المأموم بين
الذكر والانثى والعدل والفاسق والواحد والمتعدد مع الاتفاق وحصول الظن بقوله
وعدمه.
|
٢٧١
|
توجيه رواية سماعة
|
٢٨٦
|
هل يرجع الامام إلى الصبى المميز؟
|
٢٧١
|
توجيه رواية سماعة
|
٢٨٨
|
لا تعويل على غير المأموم إلا مع الظن
|
٢٧١
|
المراد بكثرة الشك في صحيحة زرارة
وابى بصير
|
٢٨٩
|
اختلاف المعنى في مرسلة يونس باختلاف
النسخ
|
٢٧١
|
الامر بعد الالتفات في كثرة الشك رخصة
أو عزيمة؟
|
٢٨٩
|
صور اختلاف الامام والمأموم
|
٢٧٢
|
الامر بعدم الالتفات هل يعم كثرة
السهو؟
|
٢٩١
|
اشتراك الامام والمأموم في الشك
|
٢٧٦
|
مناقشة كلام صاحب المدارك في المقام
|
٢٩٢
|
الاخبار المتعلقة بسهو الامام
والمأموم
|
٢٧٨
|
مناقشة كلام المجلسى في المقام
|
٢٩٣
|
الجمع بين ما دل على ضمان الامام وما
دل على عدمه
|
٢٧٩
|
الحكم المترتب على كثرة الشك
|
٢٩٥
|
الجمع بين ما دل على ضمان الامام وما
دل على عدمه
|
٢٨٠
|
الحكم المترتب على كثرة السهو
|
٢٩٦
|
اختصاص السهو بالمأموم
|
٢٨١
|
ما تتحقق به الكثرة الموجبة لسقوط
الاحكام
|
٢٩٧
|
|
|
لو خصت الكثرة بالثلاث فهل يتعلق
الحكم بالثالثة أو الرابعة؟
|
٣٠١
|
|
|
هل تجب تكبيرة الاحرام في صلاة
الاحتياط؟
|
٣٠٢
|
|
|
لو فعل المبطل قبل صلاة الاحتياط
|
٣٠٣
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
لو فعل المنافى قبل الاتيان بالجزء
المنسى
|
٣٠٦
|
والخمس
|
٣٢٠
|
هل تتعين الفاتحة في صلاة الاحتياط؟
|
٣٠٧
|
سجود السهو في نسيان السجدة والتشهد
|
٣٢٠
|
لو ذكر تمام الصلاة بعد صلاة الاحتياط
أو في اثنائها
|
٣٠٨
|
سجود السهو في الشك بين الثلاث
والاربع مع غلبة الظن بالاربع
|
٣٢٠
|
لو ذكر نقصان الصلاة بعد الفراغ منها
ومن الاحتياط
|
٣٠٨
|
هل يجب سجود السهو في القيام في موضع
العقود وبالعكس؟
|
٣٢٢
|
لو ذكر نقصان الصلاة بعدها قبل صلاة
الاحتياط
|
٣٠٩
|
هل يجب سجود السهو لكل زيادة ونقيصة؟
|
٣٢٦
|
لو ذكر نقصان الصلاة بعدها قبل صلاة
الاحتياط
|
٣٠٩
|
هل يجب سجود السهو في الشك في الزيادة
والنقيصة؟
|
٣٢٧
|
لو ذكر نقصان الصلاة بعدها قبل صلاة
الاحتياط
|
٣٠٩
|
موضع سجدتى السهو
|
٣٢٨
|
ترتيب الاحتياط والاجزاء المنسية
|
٣١٠
|
هل يستحب التكبير في سجدتى السهو؟
|
٣٣١
|
لو اعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط
|
٣١٠
|
هل يجب التشهد والتسليم في سجدتى
السهو؟
|
٣٣١
|
مواضع وجوب سجدتى السهو
|
٣١٠
|
هل يجب الذكر في سجود السهو؟
|
٣٣٣
|
هل يجب سجود السهو للكلام سهوا "؟
|
٣١٣
|
هل يجب في سجود السهو ما يجب في سجود
الصلاة؟
|
٣٣٧
|
هل يجب سجود السهو للتسليم في غير
موضعه سهوا "؟
|
٣١٧
|
لو ترك سجدتى السهو عمدا "
|
٣٣٨
|
سجود السهو في الشك بين الاربع
|
|
كلام الشهيد في الذكرى والتعليق عليه
|
٣٣٩
|
|
|
هل يتداخل سجود السهو لو تعدد موجبه؟
|
٣٤٠
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
ترتيب السجود بترتيب السبب
|
٣٤٣
|
ما يستفاد من رسالة الصادق (ع)
|
٣٦٧
|
تقدم الجزء المقضى على سجدتى السهو
|
٣٤٣
|
كلام الشهيد الثانى في الاجماع
|
٣٦٨
|
هل يجب الفور في سجود السهو؟
|
٣٤٤
|
كلام بعض المشايخ في الاجماع
|
٣٦٩
|
التخيير في الشك في النافلة بين الاقل
والاكثر مع أفضلية البناء على الاقل
|
٣٤٥
|
كلام المحقق الشيخ حسن في الاجماع
|
٣٧١
|
الفرق بين الفريضة والنافلة في حكم
الشك والسهو
|
٣٤٦
|
كلام الفقيه الخراسانى في الاجماع
|
٣٧٢
|
علاج وسوسة الصدر وكثرة الشك
|
٣٤٧
|
عدم حجية الاجماع المنقول
|
٣٧٣
|
فضل يوم الجمعة وليلته
|
٣٤٨
|
تتمة الكلام في رد الاجماع على عدم
الوجوب التعيينى
|
٣٧٦
|
صلاة الجمعة في زمن الغيبة
|
٣٥٥
|
الاقوال في صلاة الجمعة في زمان
الغيبة
|
٣٧٨
|
العمل بالخبر الواحد
|
٣٥٦
|
كلمات القائلين بالوجوب التعيينى
|
٣٧٨
|
كلام صاحب المعالم في العمل بالخبر
الواحد
|
٣٥٧
|
كلام الشيخ المفيد في المقنعة
|
٣٧٨
|
الاخبار الدالة على حجية الخبر الواحد
|
٣٥٩
|
كلام الشيخ المفيد في الاشراف
|
٣٨٠
|
عدم حجية الاجماع
|
٣٦١
|
كلام الحلبى في الكافى
|
٣٨٠
|
التعرض لعلم الاصول
|
٣٦٢
|
كلام الشيخ الكراجكي
|
٣٨١
|
ابتناء الفقه على الاصول
|
٣٦٣
|
كلام الكلينى في الكافى
|
٣٨٢
|
الاستدلال لعدم حجية الاجماع برسالة
الصادق عليه السلام
|
٣٦٤
|
كلام الصدوق في الفقيه
|
٣٨٣
|
|
|
كلام الصدوق في المقنع
|
٣٨٤
|
|
|
كلام الصدوق في الامالى
|
٣٨٥
|
|
|
كلام صاحب المدارك
|
٣٨٥
|
|
|
كلام الشيخ حسين والد الشيخ البهائى
|
٣٨٧
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
كلام صاحب المعالم وولده
|
٣٨٩
|
على الاستدلال بالآية وجوابه
|
٤٠٦
|
كلام الشيخ فخر الدين بن طريح
|
٣٨٩
|
المناقشة بالوجوه المتقدمة تعرض للرد
على الله ورسوله (ص)
|
٤٠٧
|
كلام المجلسى الاول
|
٣٩٠
|
تأييد دلالة الآية
|
٤٠٧
|
كلام الفقيه السبزوارى
|
٣٩١
|
الاستدلال بالاخبار للوجوب التعيينى
|
٤٠٨
|
كلام المحدث الكاشانى
|
٣٩١
|
عدم مقاومة الاجماع المدعى لتخصيص
الاخبار
|
٤١٥
|
كلام صاحب البحار
|
٣٩٣
|
اعتراف الشهيد بدلالة الاخبار وتعلله
بعمل الطائفة ورده
|
٤١٥
|
تعداد جمع من القائلين بالوجوب
التعيينى
|
٣٩٥
|
كلام المحدث الكاشانى في دلالة
الاخبار على الوجوب التعيينى
|
٤١٦
|
توجيه اطالة الكلام بنقل كلمات
الاعلام.
|
٣٩٧
|
كلام الشهيد الثانى في دلالة الاخبار
على الوجوب التعيينى
|
٤١٧
|
الاستدلال بالاية للوجوب التعيينى
|
٣٩٨
|
الاستدلال للقول بالوجوب التخييرى
بالاجماع
|
٤١٩
|
الاول من وجوه الايراد على الاستدلال
بالاية وجوابه
|
٣٩٩
|
ابطال التمسك بالاجماع على عدم الوجوب
التعيينى
|
٤٢١
|
الثانى من وجوه الايراد على الاستدلال
بالآية وجوابه
|
٤٠٠
|
ما استدل به لاعتبار مباشرة الامام او
اذنه في صلاة الجمعة
|
٤٢٢
|
الثالث من وجوه الايراد على الاستدلال
بالآية وجوابه
|
٤٠٢
|
تأييد الوجوب التخييرى بحديثى زرارة وعبدالملك
|
٤٢٣
|
الرابع من وجوه الايراد على الاستدلال
بالآية وجوابه
|
٤٠٥
|
رد الاجماع على اعتبار السلطان
|
|
الخامس من وجوه الايراد على الاستدلال
بالآية وجوابه
|
٤٠٦
|
|
|
السادس من وجوه الايراد
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
العادل أو نائبه في صلاة الجمعة
|
٤٢٤
|
بالوجوب التخييرى
|
٤٣٤
|
كلام الشهيد الثانى في رد الاجماع على
اعتبار السلطان العادل او نائبه في صلاة الجمعة
|
٤٢٥
|
الدليل الاول للقول بحرمة الجمعة في
زمان الغيبة ورده
|
٤٣٦
|
رد الوجه الاعتبارى في اعتبار السلطان
العادل او نائبه في الجمعة
|
٤٢٨
|
الدليل الثانى للقول بحرمة الجمعة في
زمان الغيبة ورده
|
٤٣٨
|
رد التمسك لاعتبار السلطان العادل او
نائبه بفعل النبى صلى الله عليه وآله
|
٤٢٩
|
الدليل الثالث للقول بحرمة الجمعة في
زمان الغيبة ورده
|
٤٤١
|
رد التمسك لاعتبار السلطان العادل او
نائبه بالرواية
|
٤٣١
|
الاستدلال للقول بالتحريم بدعاء
الصحيفة
|
٤٤٢
|
رد التمسك بحديثى زرارة وعبدالملك
|
٤٣٤
|
رد الاستدلال للقول بالتحريم بدعاء
الصحيفة
|
٤٤٣
|
خاتمة الكلام في رد القول
|
٤٣٤
|
دليل القول بالتخيير بشرط حضور الفقيه
ورده
|
٤٤٥
|
|
|
|
|
|