
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الباب الثاني
في الصلوات
اليومية وما يلحق بها من قواطعها وسهوها وشكوكها ، والبحث فيه يقع في مقصدين :
(الأول) ـ في
الصلاة والواجب على عادتنا في الكتاب ان نذكر هنا جملة من الأخبار المشتملة على
أفعال الصلاة وآدابها :
فمن ذلك ما
رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الكافي والتهذيب والفقيه والمجالس
وغيرها ، رووا في الصحيح والحسن عن حماد بن عيسى قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) : يوما يا حماد تحسن ان تصلي؟ قال فقلت يا سيدي أنا
أحفظ كتاب حريز في الصلاة ، قال لا عليك يا حماد قم فصل قال فقمت بين يديه متوجها
إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت فقال يا حماد لا تحسن ان تصلي ما أقبح
بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة. قال
حماد : فأصابني في نفسي الذل فقلت : جعلت فداك فعلمني الصلاة ، فقام أبو عبد الله
__________________
(عليهالسلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد
ضم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات واستقبل بأصابع
رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة وقال بخشوع : «الله أكبر» ثم قرأ الحمد
بترتيل و «قل هو الله أحد» ثم صبر هنيهة بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم رفع يديه حيال
وجهه وقال «الله أكبر» وهو قائم ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه
إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره
ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال : «سبحان ربي العظيم وبحمده» ثم
استوى قائما فلما استمكن من القيام قال «سمع الله لمن حمده» ثم كبر وهو قائم ورفع
يديه حيال وجهه ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال «سبحان
ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات ولم يضع شيئا من جسده على شيء منه وسجد على ثمانية
أعظم : الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف ، وقال : سبعة منها
فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه وقال «وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً» وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ، ووضع الأنف
على الأرض سنة. ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال : «الله أكبر» ثم قعد
على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر فقال : «استغفر
الله ربي وأتوب إليه» ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الاولى
ولم يضع شيئا من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه
على الأرض ، فصلى ركعتين على هذا ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد فلما
فرغ من التشهد سلم فقال يا حماد هكذا صل».
وروى ثقة
الإسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام)
__________________
قال : «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما فصلا إصبعا أقل
ذلك إلى شبر أكثره ، واسدل منكبيك وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك
قبالة ركبتيك وليكن نظرك إلى موضع سجودك ، فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل
بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل
اليسرى ، وبلع أطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فان
وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب الي ان تمكن كفيك من
ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى
ما بين قدميك ، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا وابدأ بيديك
فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ولا
تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك ولا تلصق كفيك بركبتيك ولا
تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن
ذلك شيئا وابسطهما على الأرض بسطا واقبضهما إليك قبضا وان كان تحتهما ثوب فلا يضرك
وان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ، ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن
جميعا ، قال وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر
قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى وأليتاك على الأرض
وطرف إبهامك اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكن
قاعدا على الأرض فتكون انما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء».
بيان : الظاهر
ان إنكار الصادق (عليهالسلام) على حماد في صلاته وتعليمه انما هو بالنسبة إلى سنن
الصلاة وآدابها لا بالنسبة إلى واجباتها وإلا لأمره بقضاء ما مضى من صلواته ، على
ان مثل حماد (رضوان الله عليه) أجل قدرا من ان يجهل الواجب عليه كما يشير اليه
قوله : «انا أحفظ كتاب حريز في الصلاة» وبذلك يظهر لك
ما في كلام السيد المحدث السيد نعمة الله الجزائري (قدسسره) في مسألة معذورية الجاهل من دعواه جهل حماد بالأحكام
الواجبة وان الامام (عليهالسلام) لم يأمره بالقضاء من حيث معذورية الجاهل. وقد نقلنا
كلامه في كتاب الدرر النجفية في الدرة التي في مسألة معذورية الجاهل.
ويؤيد ما
ذكرناه ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى ، قال : والظاهر ان صلاة حماد كانت مسقطة
للقضاء وإلا لأمره بقضائها ولكنه عدل به إلى الصلاة التامة. والظاهر ان صلاته (عليهالسلام) لم تكن صلاة حقيقية بل كانت لمجرد التعليم للكلام في
أثنائها كما حكاه الراوي إلا ان يحمل على ان الكلام انما كان بعدها ولكن حماد حكاه
في أثنائها للبيان وربطه بما يتعلق به.
قوله : «ما
أقبح بالرجل منكم.» قال شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين : فصل بين فعل التعجب
وبين معموله وهو مختلف فيه بين النحاة فمنعه الأخفش والمبرد وجوزه المازني والفراء
بالظرف ونقلا عن العرب انهم يقولون «ما أحسن بالرجل ان يصدق» وصدوره من الامام (عليهالسلام) من أقوى الحجج على جوازه ، والجار في قوله (عليهالسلام) «منكم» حال من الرجل أو وصف له فان المعرف بلام العهد
الذهني في حكم النكرة ، والمراد ما أقبح بالرجل من الشيعة أو من صلحائهم.
قوله : «وقرب
بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات» هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) حيث صرحوا بأنه يستحب ان يكون بينهما ثلاث أصابع منفرجات إلى شبر إلا
ان ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة وقوله في صدرها «إصبعا أقل ذلك إلى شبر» ربما نافى
هذا الخبر. وأجاب عنه شيخنا البهائي في الحبل المتين بأنه لعل المراد به طول
الإصبع لا عرضه. والظاهر من الصحيحة المذكورة ان التحديد بالإصبع إلى قدر شبر انما
هو في حال القيام واما حال الركوع فإنه يكون بينهما قدر شبر ، والمفهوم من كلام
الأصحاب العموم.
قوله : «ثم قرأ
الحمد بترتيل» الترتيل لغة التأني وتبيين الحروف بحيث يتمكن السامع من عدها مأخوذ
من قولهم «ثغر رتل ومرتل» إذا كان مفلجا وبه فسر قوله تعالى «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلاً»
وعن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) «انه حفظ الوقوف وبيان الحروف». اي مراعاة الوقف التام والحسن والإتيان
بالحروف على الصفات المعتبرة من الهمس والجهر والاستعلاء والإطباق والغنة وأمثالها
، والترتيل بكل من هذين التفسيرين مستحب ، ومن حمل الأمر في الآية على الوجوب فسر
الترتيل بإخراج الحروف من مخارجها على وجه تتميز ولا يندمج بعضها في بعض.
قوله «صبر
هنيهة» في بعض نسخ الحديث «هنية» بضم الهاء وتشديد الياء بمعنى الوقت اليسير تصغير
«هنة» بمعنى الوقت ، وربما قيل «هنيهة» بإبدال الياء هاء واما «هنيئة» بالهمزة
فغير صواب نص عليه في القاموس ، كذا أفاد شيخنا البهائي في الحبل المتين إلا ان
شيخنا المجلسي نقل ان أكثر النسخ هنا بالهمزة وفي المجالس وبعض نسخ التهذيب
بالهاء.
قوله «بقدر ما
يتنفس» في بعض النسخ «بقدر ما تنفس» فيكون الضمير راجعا له (عليهالسلام) وفي بعضها «يتنفس» بالمضارع المبني للمجهول ، وفيه
دلالة على استحباب السكتة بعد السورة وان حدها بقدر النفس ، قال في الذكرى : من
المستحبات السكوت إذا فرغ من الحمد والسورة وهما سكتتان لرواية إسحاق بن عمار عن
الصادق (عليهالسلام) المشتملة على ان أبي بن كعب قال «كانت لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) سكتتان : إذا فرغ من أم القرآن وإذا فرغ من السورة». وفي
رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس. وقال ابن الجنيد روى سمرة وأبي بن كعب
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح والثانية بعد
__________________
الحمد ، ثم قال والظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل الركوع
وكذا عقيب التسبيح. انتهى. وسيجيء تمام الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى في
مستحبات القراءة.
قوله «ثم سجد
وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه»
ربما نافاه
قوله (عليهالسلام) في صحيح زرارة المتقدم «ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك
ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا» والجواب عن ذلك ما افاده شيخنا البهائي (عطر الله مرقده)
قال : وقوله (عليهالسلام) «ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك» اي لا تجعلهما في نفس
قبلة الركبتين بل احرفهما عن ذلك قليلا. ولا ينافي هذا ما في حديث حماد من انه (عليهالسلام) بسط كفيه بين يدي ركبتيه لأن المراد بكون الشيء بين
اليدين كونه بين جهتي اليمين والشمال وهو أعم من المواجهة الحقيقية والانحراف
اليسير إلى أحد الجانبين ويستعمل ذلك في كل من المعنيين. فاستعمل في هذا الحديث في
الأول وفي الآخر في الثاني ، قال صاحب الكشاف في قوله تعالى «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ» حقيقة قولهم : «جلست بين يدي فلان» ان يجلس بين الجهتين
المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع
القرب منهما توسعا كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه. انتهى
قوله «فصلى
ركعتين على هذا» قال شيخنا في البحار قال الشيخ البهائي (قدسسره) هذا يعطي انه (عليهالسلام) قرأ سورة التوحيد في الركعة الثانية أيضا وهو ينافي ما
هو المشهور بين أصحابنا من استحباب مغايرة السورة في الركعتين وكراهة تكرار
الواحدة فيهما إذا أحسن غيرها كما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) ويؤيده ما مال اليه بعضهم من استثناء سورة الإخلاص من
هذا الحكم وهو جيد
__________________
ويعضده ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) من «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى ركعتين وقرأ في كل منهما قل هو الله أحد». وكون
ذلك لبيان الجواز بعيد. انتهى كلام شيخنا المشار اليه.
قوله في صحيح
زرارة «وبلع أطراف أصابعك عين الركبة» ضبطه شيخنا البهائي (زاده الله بهاء وشرفا)
باللام المشددة والعين المهملة من البلع أي اجعل أطراف أصابعك بالعة عين الركبة ،
وقال : وهذا كما سيجيء في بحث الركوع من قوله (عليهالسلام) «وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة». اي تجعل عين الركبة كاللقمة لأطراف
الأصابع. وربما يقرأ «وبلغ» بالغين المعجمة وهو تصحيف. انتهى.
قوله في الحديث
المذكور «واقبضهما إليك قبضا» قال شيخنا البهائي (قدسسره) ولعل المراد بقبض الكفين في قوله (عليهالسلام) «واقبضهما إليك قبضا» انه إذا رفع رأسه من السجدة
الأولى ضم كفيه اليه ثم رفعهما بالتكبير لا انه يرفعهما بالتكبير وعن الأرض برفع
واحد ، وفي كلام الشيخ الجليل علي بن بابويه (قدسسره) ما يفسر ذلك فإنه قال : إذا رفع رأسه من السجدة الأولى
قبض يديه اليه قبضا فإذا تمكن من الجلوس رفعهما بالتكبير. انتهى كلام شيخنا المشار
اليه.
وفي نظري
القاصر ان ما ذكره في معنى العبارة المذكورة لا يخلو من بعد وقياسه على عبارة
الشيخ المذكور قياس مع الفارق فان سياق عبارة الخبر ان الأمر بقبضهما اليه قبضا
انما هو حال السجود فان ما قبل هذه الجملة وما بعدها كله في آداب حال السجود ولا
تعلق له بالرفع من السجود ، وحمل هذه الجملة من بين هذه الجمل التي قبلها وبعدها
على
__________________
المعنى الذي ذكره خروج عن ظاهر السياق والنظام بل من قبيل الألغاز الذي
يبعد تصوره عن الافهام ، ولا إشارة في هذه العبارة إلى التكبير فضلا عن التصريح
كما وقع التصريح به في عبارة الشيخ المذكور. واما عبارة الشيخ المذكور فإنها صريحة
في الرفع من السجود والتكبير بعده.
ثم انه (قدسسره) كتب في الحاشية على هذا الموضع : كان قدماء علمائنا (قدس
الله أرواحهم) يحافظون على لفظ الرواية أو ما قرب منه في كتب الفروع. انتهى.
أقول : مراده
بهذا الكلام الإشارة إلى ان الشيخ علي بن بابويه انما ذكر هذه العبارة أخذا من
الحديث المذكور وان الشيخ المذكور فهم منه ما فهمه هو (قدسسره) وهو غلط محض (أما أولا) فلما ذكرناه. و (اما ثانيا)
فلان كلام الشيخ المذكور انما أخذه من عبارة كتاب الفقه الرضوي على الطريقة التي
عرفت في غير موضع مما تقدم حيث قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور «ثم ارفع رأسك من السجود واقبض إليك قبضا وتمكن من الجلوس. الحديث». ومراده
قبض يديه اليه قبضا بعد الرفع إلى ان يجلس ولكنه لم يذكر التكبير بعد الجلوس كما
ذكره الشيخ المذكور.
والظاهر عندي
من معنى الكلام المذكور في صحيحة زرارة انما هو قبض الكفين اليه حال السجود بمعنى
ان لا يباعدهما عنه بل يدنيهما منه ويجعلهما محاذيين للمنكبين كما تضمنته الرواية.
وروى ثقة
الإسلام (عطر الله مرقده) في الكافي عن زرارة قال : «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا
تفرج بينهما وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها
على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها ، فإذا جلست فعلى ألييها ليس كما يقعد
الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض
، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت
__________________
ركبتيها من الأرض ، وإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا». قال في
الذكرى هذه الرواية موقوفة على زرارة لكن عمل الأصحاب عليها. انتهى.
وروى في الكافي
والتهذيب عن ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن جلوس المرأة في الصلاة؟ قال تضم فخذيها».
وروى ابن بكير
عن بعض أصحابنا قال : «المرأة إذا سجدت تضممت والرجل إذا سجد تفتح».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : والمرأة إذا قامت إلى صلاتها ضمت برجليها ووضعت يديها
على صدرها من مكان ثدييها فإذا ركعت وضعت يديها على فخذيها ولا تطأطئ كثيرا لئلا
ترتفع عجيزتها ، فإذا سجدت جلست ثم سجدت لاطئة بالأرض فإذا أرادت النهوض تقوم من
غير ان ترفع عجيزتها ، فإذا قعدت للتشهد رفعت رجليها وضمت فخذيها. انتهى.
أقول : قد ذكر
الشيخ وجمع من الأصحاب ان حكم المرأة في الصلاة حكم الرجل إلا في الجهر والإخفات
وفي مواضع أخرى مذكورة في صحيحة زرارة.
وروى في الكافي
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك
فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ولا
تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم ولا
تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع
أصابعك فإن ذلك كله نقصان من
__________________
الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنها من
خلال النفاق فان الله تعالى نهى المؤمنين ان يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني سكر النوم. وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا
كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلّا قَلِيلاً)» .
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي : فإذا أردت ان تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلا
ولا متناعسا ولا مستعجلا ولا متلاهيا ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة ،
وعليك بالخشوع والخضوع متواضعا لله عزوجل متخاشعا عليك خشية وسيماء الخوف راجيا خائفا بالطمأنينة
على الوجل والحذر ، فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه فصف قدميك
وانصب نفسك ولا تلتفت يمينا ولا شمالا وتحسب كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك
، ولا تعبث بلحيتك ولا بشيء من جوارحك ولا تفرقع أصابعك ولا تحك بدنك ولا تولع
بأنفك ولا بثوبك ، ولا تصل وأنت متلثم ، ولا يجوز للنساء الصلاة ومن متنقبات ،
ويكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائما ، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف وارغب مع
ذلك إلى الله عزوجل ولا تتكىء مرة على رجلك ومرة على الأخرى ، وتصلي صلاة
مودع ترى انك لا تصلي أبدا واعلم انك بين يدي الجبار ولا تعبث بشيء من الأشياء
ولا تحدث لنفسك وافرغ قلبك وليكن شغلك في صلاتك وأرسل يديك ألصقهما بفخذيك ، فإذا
افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك ، ولا
ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في النافلة
والوتر ، فإذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك وتفرج بين أصابعك واقبض عليهما ، وإذا
رفعت رأسك من الركوع فانتصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان ثم اسجد وضع
جبينك على الأرض وأرغم على راحتيك واضمم أصابعك وضعهما مستقبل القبلة ، وإذا جلست
فلا تجلس
__________________
على يمينك لكن انصب يمينك واقعد على ألييك ، ولا تضع يديك بعضهما على بعض
ولكن أرسلهما إرسالا فإن ذلك تكفير أهل الكتاب ، ولا تتمط في صلاتك ولا تتجشأ
وامنعهما بجهدك وطاقتك ، فإذا عطست فقل «الحمد لله» ولا تطأ موضع سجودك ولا تتقدم
مرة ولا تتأخر أخرى ، ولا تصل وبك شيء من الأخبثين وان كنت في الصلاة فوجدت غمزا
فانصرف إلا ان يكون شيئا تصبر عليه من غير إضرار بالصلاة ، واقبل على الله بجميع
القلب وبوجهك حتى يقبل الله عليك ، وأسبغ الوضوء وعفر جبينيك في التراب ، وإذا
أقبلت على صلاتك اقبل الله عليك بوجهه وإذا أعرضت أعرض الله عنك. واروي عن العالم (عليهالسلام) انه قال ربما لم يرفع من الصلاة إلا النصف أو الثلث أو
السدس على قدر إقبال العبد على صلاته وربما لا يرفع منها شيء ترد في وجهه كما يرد
الثوب الخلق وتنادي ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا يعطي الله القلب الغافل شيئا.
وروى إذا دخل العبد في صلاته لم يزل الله ينظر اليه حتى يفرغ منها. وقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) إذا أحرم العبد في صلاته اقبل الله عليه بوجهه ويوكل
به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا فإن أعرض أعرض الله عنه ووكله إلى الملك. انتهى
كلامه في الكتاب المذكور.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الصلاة تشتمل على الواجب والمستحب ونحن نذكر سياقها حسب ما ذكره أصحابنا (رضوان
الله عليهم) من جعل مطرح البحث فيها الواجبات الثمانية المشهورة ونزيد بذكر القنوت
في أثنائها وان كان مستحبا عندنا ، وننبه على مستحباتها كل في موضعه من غير ان
نفردها بعنوان على حدة كما فعله جملة من الاعلام فإن هذا أليق بالترتيب والنظام ،
ونفرد ذكر الأخيرتين بالبحث على حدة لا كما ذكره أصحابنا من جعله في بحث القراءة
والسبب في مخالفتنا لهم في ذلك هو ان الظاهر انهم انما جعلوه في بحث القراءة من
حيث ان القراءة في الأخيرتين هي الأصل عندهم والتسبيح انما هو فرع عليها كما لا
يخفى على من لاحظ كلامهم ، ونحن لما كان الظاهر عندنا ان الواجب في الأخيرتين انما
هو
التسبيح اما عينا كما هو اختيار بعض متأخري متأخرينا (رضوان الله عليهم) أو
تخييرا مع كونه الأفضل كما هو المقطوع به من اخبار أهل الذكر (عليهمالسلام) كان افراد ذلك بالبحث هو الأليق بالترتيب والنظام كما
لا يخفى على الفطن الأريب وجملة ذوي الأفهام ، ولطول البحث في المقام كما سنشرحه
لك ان شاء الله تعالى بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الاعلام ، ولما يتعلق بذلك
من الأحكام الخاصة التي لم تحم حولها الأقلام وحينئذ فالكلام في هذا المقصد يقع في
فصول عشرة :
الفصل الأول في النية
وقد تقدم البحث
فيها في كتاب الطهارة في نية الوضوء بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام
بتحقيق وتدقيق ـ يكشف نقاب الإجمال عنها والإبهام بجميع أحكامها ومتعلقاتها ـ للنصوص
مطابق وللاخبار موافق ، ولكن لا بأس بنقل بعض كلماتهم في هذا المقام وبيان ما فيها
من الاختلال وعدم الانتظام في سلك ذلك النظام :
فنقول قال
السيد السند (قدسسره) في مدارك الأحكام ـ بعد قول المصنف وحقيقتها استحضار
صفة الصلاة في الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة : الوجوب أو الندب والقربة
والتعيين وكونها أداء أو قضاء ـ ما لفظه : اعلم ان النية عبارة عن أمر واحد بسيط
وهو القصد إلى الفعل لكن لما كان القصد إلى الشيء المعين موقوفا على العلم به وجب
لقاصد الصلاة إحضار ذاتها في الذهن مطلقا وصفاتها التي يتوقف عليها التعيين ثم
القصد إلى فعل هذا المعلوم طاعة لله وامتثالا لأمره. وقد أحسن شيخنا الشهيد في
الذكرى حيث قال بعد ان ذكر نحو ذلك : وتحقيقه انه إذا أريد نية الظهر مثلا فالطريق
إليها إحضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن فإذا حضر قصد المكلف إلى إيقاعه
تقربا إلى الله تعالى ، وليس فيه ترتيب بحسب التصور وان وقع ترتيب فإنما هو بحسب
التعبير عنه بالألفاظ إذ من ضرورتها ذلك ، فلو ان مكلفا احضر في ذهنه الظهر
الواجبة المؤداة
ثم استحضر قصد فعلها تقربا وكبر كان ناويا. إذا عرفت ذلك فنقول انه يعتبر
في نية الصلاة القربة وهي الطاعة لله ، ثم ساق الكلام في تلك الأمور الأربعة التي
ذكرها المصنف بنقض وإبرام ، إلى ان قال. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعية
سهولة الخطب في أمر النية وان المعتبر فيها قصد الفعل المعين طاعة لله تعالى خاصة
، وهذا القدر أمر لا يكاد ينفك عنه عاقل متوجه إلى إيقاع العبادة ومن هنا قال بعض
الفضلاء لو كلف الله تعالى بالصلاة أو غيرها من العبادات بغير نية لكان تكليفا بما
لا يطاق. وقال بعض المحققين لو لا قيام الأدلة على اعتبار القربة وإلا لكان ينبغي
ان يكون هذا من باب «اسكتوا عما سكت الله عنه» . وذكر الشهيد (قدسسره) في الذكرى ان المتقدمين من علمائنا ما كانوا يذكرون
النية في كتبهم الفقهية بل كانوا يقولون أول واجبات الوضوء غسل الوجه وأول واجبات
الصلاة تكبيرة الإحرام. وكأن وجهه ان القدر المعتبر من النية أمر لا يكاد يمكن
الانفكاك عنه وما زاد عليه فليس بواجب ، ومما يؤيد ذلك عدم ورود النية في شيء من
العبادات على الخصوص بل خلو الأخبار الواردة في صفة وضوء النبي (صلىاللهعليهوآله) وغسله وتيممه من ذلك ، وكذا الرواية المتضمنة لتعليم الصادق (عليهالسلام) لحماد الصلاة حيث قال فيها : انه (عليهالسلام) قام واستقبل القبلة وقال بخشوع «الله أكبر» ولم يقل
فكر في النية ولا تلفظ بها ولا غير ذلك من هذه الخرافات المحدثة ، ويزيده بيانا ما
رواه الشيخان في الكافي والتهذيب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن
حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا
ثم كبر ثلاث تكبيرات.». ثم ساق الرواية كما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى.
__________________
أقول : لقد
أجاد في هذا الكلام الأخير بما أفاد وطابق السداد لكنه ناقض نفسه في ما صدر به
الكلام وأيده بما استحسنه من كلام الذكرى في ذلك المقام وكذا بما ذكره بعد ذلك في
مسألة مقارنة النية حيث احتذى حذو أولئك الاعلام.
وتوضيح ذلك ان
مقتضى كلامه الأول الذي في صدر البحث أنه لا بد من إحضار المنوي أولا في الذهن
بجميع مميزاته عن غيره فإذا احضر قصد إلى إيقاعه تقربا إلى الله تعالى ، ولا ريب
في مدافعته لما ذكره أخيرا بقوله «وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعية. إلى آخر
الكلام» فان مقتضى الكلام الأول كما عرفت انه لا بد لقاصد الصلاة عند التكبير من
إحضار ذاتها وتصورها وتصور صفاتها التي يتوقف عليها التعيين ثم القصد بعد ذلك إلى
فعل هذا المعلوم طاعة لله ، فلا بد على هذا من زمان يحصل فيه هذا التصور
والاستحضار وملاحظة المميزات وتخليصها من شباك وساوس إبليس وما يوقعه في ذلك الوقت
من الوسوسة والتلبيس حتى يكبر بعده ، واين هذا من مقتضى الكلام الأخير من ان النية
أمر جبلي لا ينفك عنه العاقل حتى لو كلف الله العمل بغير نية لكان تكليفا بما لا
يطاق ، ثم أيد ذلك بعدم ذكر النية في كلام المتقدمين وكذا في الأخبار؟ وعلى هذا
فأين ما ذكره أولا من وجوب إحضار المنوي في ذلك الوقت واين تصوره وتصور مميزاته ثم
القصد اليه وانه لا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بعد هذه التصورات ونحوها مما
اعترف أخيرا بأنه من الخرافات؟ وبالجملة فإن ظاهر كلامه الأخير يعطي ان ما ذكره
أولا من جملة تلك الخرافات التي أشار إليها وان كانت أقل مما ذكره غيره.
وتحقيق هذا
المقام بما لا يحوم حوله النقض والإبرام وان تقدم في كتاب الطهارة كما أشرنا اليه
إلا انه ربما تعذر على الناظر في هذا المقام الرجوع اليه لعدم وجود الكتاب عنده مع
ان ما ذكرناه هنا فيه مزيد إيضاح على ما تقدم :
فنقول وبالله
سبحانه الثقة والهداية لإدراك المأمول ونيل المسؤول : لا ريب ان أفعال العقلاء
كلها من عبادات وغيرها لا تصدر إلا عن تصور الدواعي الباعثة على الإتيان
بها وهي المشار إليها في كلامهم بالعلل الغائية ، مثلا ـ يتصور الإنسان ان
دخوله على زيد وزيارته له وخدمته له موجب لإكرامه له ، وكتابة هذا الكتاب موجب
لانتفاعه به ، وتزويجه امرأة موجب لكسر الشهوة الحيوانية أو حصول النسل ، ونحو ذلك
من الدواعي الحاملة على الأفعال ، فإذا تصورت النفس هذه الأغراض انبعث منها شوق
إلى جذبها وتحصيلها فقد يتزايد هذا الشوق ويتأكد ويسمى بالإرادة ، فإذا انضم إلى
القدرة التي هي هيئة للقوة الفاعلة انبعثت تلك القوة لتحريك العضلات إلى إيقاع تلك
الأفعال وإيرادها وتحركت إلى إصدارها وإيجادها لأجل غرضها الذي تصورته أولا ،
فانبعاث النفس وتوجهها وقصدها إلى ما فيه غرضها هو النية ، نعم قد يحصل بسبب تكرار
الفعل والاعتياد عليه نوع ذهول عن تلك العلة الغائية الحاملة على الفعل إلا ان
النفس بأدنى توجه والتفات تستحضر ذلك كما هو المشاهد في جملة أفعالنا المتكررة منا
، وحينئذ فليست النية بالنسبة إلى الصلاة إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من
قيامه وقعوده واكله وشربه ومغداه ومجيئه ونكاحه ونومه ونحو ذلك من الأفعال التي
تتكرر منه ، ولا ريب ان كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال
إلا بقصد ونية سابقة عليه مع انه لا يتوقف شيء من ذلك على هذا الاستحضار الذي
ذكروه والتصوير الذي صوروه.
وان أردت مزيد
إيضاح لما قلناه فانظر إلى نفسك إذا كنت جالسا في مجلسك ثم دخل عليك رجل عزيز حقيق
بالقيام له تواضعا ففي حال دخوله قمت له إجلالا وإكراما كما هو الجاري في رسم
العادة فهل يجب عليك ان تتصور أولا في ذهنك وخيالك معنى من المعاني وقصدا من
القصود بان تقصد إني أقوم لهذا الرجل إجلالا له وإعظاما لقدره وإلا لكان قيامك
وتواضعك بغير نية فلا يسمى تواضعا ولا تستحق عليه مدحا ولا ثوابا أم يكفي مجرد
قيامك في تلك الحال ويصدق انه وقع منك التعظيم له والإجلال؟ وهذا شأن الصلاة وان
المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا وهو عالم بوجوب ذلك
الفرض عليه وعالم بكيفيته وكميته وكان الحامل له على الإتيان به هو التقرب
إلى الله عزوجل ثم قام من مكانه وسارع إلى الوضوء ثم توجه إلى مسجده ووقف
في مصلاه واذن واقام ثم قال «الله أكبر» ثم استمر في صلاته فان صلاته صحيحة شرعية
مشتملة على النية ، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار كما أشار إليه في آخر كلامه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الذي أوقع الناس بالنسبة إلى النية في شباك الوسواس الخناس هو ان جملة من
المتأخرين عرفوا النية شرعا بأنها القصد المقارن للفعل ، قالوا فلو تقدمت عليه ولم
تقارنه سمى ذلك عزما لا نية ، ثم اختلفوا في المقارنة فما بين من فسرها بامتداد
النية بامتداد التكبير وما بين من فسرها بجعل النية بين الالف والراء وما بين من
فسرها بأن يأتي بالنية أولا ثم يبتدئ بالتكبير بلا فصل بينهما وهذا كله يعطي ان
مرادهم بالنية انما هو الكلام النفسي والتصوير الفكري الذي يحدثه المكلف في نفسه
ويتصوره في فكره بما يترجمه قوله «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء لوجوبه قربة إلى
الله تعالى» وقد عرفت ان النية ليست حقيقة إلا ما ذكرناه أولا ، وبذلك يظهر لك ما
في كلامه الأول من قوله : «لكن لما كان القصد إلى الشيء المعين موقوفا على العلم
به وجب لقاصد الصلاة إحضار ذاتها. إلى آخره» من عدم الملازمة فإنا لا نمنع من وجوب
القصد ومعرفة المقصود بجميع ما يتوقف عليه ولكنا نقول ان الجميع قد صار معلوما
للمكلف قبل ذلك فمتى دخل عليه الوقت وقام قاصدا للصلاة على الوجه الذي قدمناه فإنه
يكفي مجرد ذلك القصد والعلم الأولين لاستمراره عليهما وعدم تحوله عنهما فلا يتوقف
على استحضار آخر كما في سائر أفعال المكلف ، ولا فرق بين سائر أفعاله وبين عبادته
إلا باعتبار اشتراط القربة في العبادة وهو لا يوجب هذا الاستحضار بل هو كأصل النية
مستحضر من أول الأمر مقارن له غير مفارق.
وكأنهم توهموا
انه ما لم يحصل الاستحضار المذكور والمقارنة بهذه النية التي ذكروها يصير الدخول
في الصلاة عاريا عن النية لأن النية السابقة غير كافية عندهم لإمكان
تجدد الغفلة بعدها فيصير الفعل بغير نية. وفيه ـ مع قطع النظر عن انه لا
يكون كليا ـ انه ليس العبادة إلا كسائر أفعال المكلف كما عرفت والقدر المعلوم فيها
هو ما ذكرناه لا ما ذكروه ، فإنه لا يجب في جملة الأفعال بعد تصور الدواعي الحاملة
عليها ان يكون ذلك حاضرا في باله وجاريا على خياله لا يغيب عن تصوره في تلك المدة
فإنه وان زال لكن الذهن متى التفت اليه وجده كذلك وان اشتغل بفكر آخر أو كلام في
البين فإنه لا ينافي حضور ذلك في باله.
قال بعض
المحققين من متأخري المتأخرين ـ ونعم ما قال ـ انه لما كانت النية عبارة عن القصد
إلى الفعل بعد تصور الداعي والحامل عليه ـ والضرورة قاضية بما نجده في سائر
أفعالنا بأنه قد يعرض لنا مع الاشتغال بالفعل الغفلة عن ذلك القصد والداعي في
أثناء الفعل بحيث انا لو رجعنا إلى وجداننا لرأينا النفس باقية على القصد الأول
ومع ذلك لا نحكم على أنفسنا ولا يحكم علينا غيرنا بان ما فعلناه وقت الذهول
والغفلة بغير نية وقصد بل من المعلوم أنه أثر ذلك القصد والداعي السابقين ـ كان
الحكم في العبادة كذلك إذ ليس العبادة إلا كغيرها من الأفعال الاختيارية للمكلف
والنية ليست إلا عبارة عما ذكرناه. انتهى وهو جيد رشيق.
هذا ، واما
باقي الأبحاث المتعلقة بالنية في هذا المقام مما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم)
فقد تقدم الكلام فيه في بحث نية الوضوء مستوفى فليراجع.
الفصل الثاني
في تكبيرة الإحرام
وفيه مسائل (الأولى)
لا خلاف بين الأصحاب بل أكثر علماء الإسلام في ان تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة
وركن فيها تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا.
ويدل على ذلك
جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد».
وما رواه في
الكافي عن أبي العباس البقباق وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزئه
تكبيرة الركوع؟ قال لا بل يعيد صلاته إذا حفظ انه لم يكبر».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اقام الصلاة ونسي أن يكبر حين افتتح الصلاة؟ قال
يعيد الصلاة».
وعن محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الذي يذكر انه لم يكبر في أول صلاته؟ فقال إذا استيقن انه لم يكبر
فليعد ولكن كيف يستيقن».
وعن ذريح في
الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) : «سألته عن الرجل ينسى ان يكبر حتى قرأ؟ قال يكبر».
وعن الحسن بن
علي بن يقطين عن أخيه عن أبيه في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل ينسى ان يفتتح الصلاة حتى يركع؟ قال يعيد
الصلاة».
وفي الموثق عن
عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة؟ قال يعيد
الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح. الحديث».
فهذه جملة من
الأخبار الصريحة في الدلالة على المطلوب إلا انه قد ورد أيضا بإزائها ما يدل على
خلاف ذلك :
ومنه ـ ما رواه
الشيخ والصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة؟
فقال أليس
__________________
كان من نيته ان يكبر؟ قلت نعم. قال فليمض في صلاته».
وما رواه في
الفقيه مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) انه قال : «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح».
وما رواه في
التهذيب والفقيه في الصحيح عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «قلت له رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتى كبر
للركوع؟ فقال أجزأه».
وما رواه الشيخ
عن أبي بصير في الموثق أو الضعيف أو الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل قام في الصلاة ونسي أن يكبر فبدأ بالقراءة؟
فقال ان ذكرها وهو قائم قبل ان يركع فليكبر وان ركع فليمض في صلاته».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح وكذا في التهذيب في الصحيح أيضا عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح؟ فقال
ان ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع وان ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في
موضع التكبيرة قبل القراءة أو بعد القراءة. قلت فان ذكرها بعد الصلاة؟ قال فليقضها
ولا شيء عليه».
وأجاب الشيخ عن
هذه الأخبار بالحمل على من لا يتيقن الترك بل شك فيه. أقول : وهذا الحمل وان أمكن
في بعضها ولو على بعد إلا انه في بعض آخر لا يخلو من تعسف والوجه على ما ظهر في
ذلك انما هو الجمل على التقية وان لم يعلم به قائل منهم كما حققناه في المقدمة
الاولى من مقدمات الكتاب ، لان عمل الطائفة المحقة على الأخبار الأولة فيتعين ان
يكون ذلك مذهبهم (عليهمالسلام) ولا وجه لهذه الأخبار بعد ذلك إلا ما قلناه لأنها متى
ثبتت عنهم والمعلوم من مذهبهم خلافها فلا وجه لخروجها عنهم إلا
__________________
مجرد إلقاء الخلاف بين الشيعة في ذلك لدفع الشنعة عنهم كما تقدم تحقيقه في
المقدمة المذكورة ، على ان القول بذلك منقول عن جملة من المخالفين : منهم ـ الزهري
والأوزاعي وسعيد بن المسيب والحسن وقتادة والحكم فلعل لمذهب هؤلاء شهرة وصيتا في ذلك الوقت أوجب خروج
هذه الأخبار موافقة لهم ، وقد نقل عنهم في المنتهى انه إذا أخل المصلي بتكبيرة
الإحرام عامدا أعاد صلاته ولو أخل بها ناسيا أجزأته تكبيرة الركوع وكيف كان فالحمل
فيها على ما ذكرناه متعين إذ ليس مع عدم ذلك إلا طرحها وردها لما عرفت من إجماع
الطائفة على العمل بتلك الأخبار. والله العالم.
(المسألة
الثانية) ـ المشهور نصا وفتوى استحباب التوجه في أول الصلاة بست تكبيرات مضافة إلى
تكبيرة الإحرام وهي واجبة كما تقدم ، وكيفية التوجه بالجميع ان يكبر ثلاثا ثم يدعو
بالمرسوم ثم اثنتين ثم يدعو ثم اثنتين ثم يتوجه.
والمشهور بين
الأصحاب انه يتخير في السبع ايها شاء نوى بها تكبيرة الإحرام فيكون ابتداء الصلاة
بها ، قال في المدارك : والمصلي بالخيار ان شاء جعلها الأخيرة واتى بالست قبلها
وان شاء جعلها الاولى واتى بالست بعدها وان شاء جعلها الوسطى ، والكل حسن لأن
الذكر والدعاء لا ينافي الصلاة. ثم نقل عن الشهيد في الذكرى ان الأفضل جعلها
الأخيرة ثم قال ولا أعرف مأخذه. أقول : ما نقله عن الذكرى من جعلها الأخيرة قد صرح
به الشيخ في المصباح وتبعه في ذلك جمع : منهم ـ شيخنا الشهيد (قدسسره) وغيره ، وربما كان منشأ ذلك كون دعاء التوجه بعدها.
وفيه انه لا يصلح دليلا لذلك.
ثم أقول :
الظاهر عندي من التأمل في أخبار المسألة انها الاولى خاصة ، وممن تفطن إلى ذلك من
محققي متأخري المتأخرين شيخنا البهائي في حواشي الرسالة الاثني عشرية والمحدث
الكاشاني في الوافي والسيد الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري بل صرح بتعيين
الاولى لذلك.
__________________
ومن الأخبار
الدالة على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا
ثم كبر ثلاث تكبيرات. الحديث».
والتقريب فيه
ان الافتتاح انما يصدق بتكبيرة الإحرام والواقع قبلها من التكبيرات بناء على ما
زعموه ليس من الافتتاح في شيء ، وتسمية ما عدا تكبيرة الإحرام بتكبيرات الافتتاح
انما يصدق بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح حقيقة والدخول في
الصلاة وإلا كان من قبيل الإقامة ونحوها مما يقدم قبل الدخول في الصلاة.
ومما يدل على
ذلك بأوضح دلالة صحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء.
إلى ان قال ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير انه يستقبل القبلة بأول
تكبيرة حين يتوجه».
ومما يدل على
ذلك صحيح زرارة الوارد في علة استحباب السبع بإبطاء الحسين (عليهالسلام) عن الكلام حيث قال فيه «فافتتح رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الصلاة فكبر الحسين (عليهالسلام) فلما سمع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تكبيره عاد فكبر وكبر الحسين (عليهالسلام) حتى كبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبع تكبيرات وكبر الحسين (عليهالسلام) فجرت السنة بذلك».
والتقريب فيه
ان التكبير الذي كبره (صلىاللهعليهوآله) هو تكبيرة الإحرام التي وقع الدخول بها في الصلاة
لإطلاق الافتتاح عليها والعود الى التكبير ثانيا وثالثا انما وقع لتمرين الحسين (عليهالسلام) على النطق كما هو ظاهر السياق.
__________________
وروى السيد
الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب فلاح السائل
هذه القصة عن الحسن (عليهالسلام) قال في الحديث الذي نقله : «فخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حامله على عاتقه وصف الناس خلفه واقامه عن يمينه فكبر
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وافتتح الصلاة فكبر الحسن (عليهالسلام) فلما سمع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته تكبير الحسن (عليهالسلام) عاد فكبر وكبر الحسن حتى كبر سبعا فجرت بذلك سنة
بافتتاح الصلاة بسبع تكبيرات». وهو أوضح من ان يحتاج إلى بيان.
ومما يدل على
ذلك أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح. الحديث
المتقدم في سابق هذه المسألة» وهو صريح في ان تكبيرة الإحرام هي
الاولى.
ولا ينافي ذلك
اشتمال الخبر على ما لا يقول به الأصحاب كما عرفت فإنه يجب ارتكاب التأويل في موضع
المخالفة كما في غيره ، وقد صرحوا بان رد بعض الخبر لمعارض أقوى لا يمنع من العمل
بما لا معارض له وما هو إلا كالعام المخصوص والمطلق المقيد في العمل بالباقي بعد
التخصيص والتقييد.
فائدة
من الأخبار
الواردة في قضية الحسين (عليهالسلام) أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص ـ والظاهر
انه ابن البختري ـ عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي (عليهماالسلام) فكبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فلم يحر الحسين
__________________
(عليهالسلام) التكبير ثم كبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فلم يحر الحسين التكبير ولم يزل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يكبر ويعالج الحسين (عليهالسلام) التكبير فلم يحر حتى أكمل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبع تكبيرات فأحار الحسين (عليهالسلام) التكبير في السابعة فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) فصارت سنة».
بيان : قال في
الوافي المحاورة المجاوبة والتحاور التجاوب ، يقال كلمته فما أحار لي جوابا ، ولعل
المراد ان الحسين (عليهالسلام) وان كبر في كل مرة إلا انه لم يفصح بها إلا في المرة
الأخيرة ، وبهذا يجمع بين الخبرين الأخيرين. انتهى.
بقي الكلام في
انهم (عليهمالسلام) ينطقون ساعة الولادة كما وردت به الأخبار فكيف يمتنع
عليهم النطق في هذه الصورة؟ وأجاب عنه في البحار بأنه لعل ذلك كان عند الناس وان
التخوف كان من الناس لا منه (صلىاللهعليهوآله). أقول : وفيه بعد ويمكن ان يقال لا يخفى على المتأمل
في اخبارهم والمتطلع في أحوالهم انهم (عليهمالسلام) في مقام إظهار المعجز لهم حالات غير حالات الناس واما
في غير ذلك فإنهم يقدرون أنفسهم بالناس في صحة ومرض وغناء وفقر ونزول بلاء ونحو
ذلك ، وهذا من جملته فإنهم (عليهمالسلام) لا ينطقون إلا إذا أنطقهم الله تعالى كما ينطق سائر
الصبيان ولا يطلبون منه إلا ما يقدره ويريده فليس لهم إرادة زائدة على إرادته
تعالى بهم (عليهمالسلام) وان كانوا لو شاؤا لفعلوا ما يريدون. وهذا هو الجواب
الحق في المقام لا يعتريه نقض ولا إبرام.
ثم ان من العلل
الواردة في هذه التكبيرات الست المذكورة ما رواه في الفقيه عن هشام بن الحكم عن أبي
الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) وهي «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) لما اسرى به إلى السماء قطع سبع حجب فكبر عند كل حجاب
تكبيرة فأوصله الله تعالى بذلك إلى منتهى الكرامة».
__________________
قال في الفقيه أيضا : وذكر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) لذلك علة أخرى وهي انه انما صارت التكبيرات في أول
الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان واستفتاحهما بسبع تكبيرات : تكبيرة الافتتاح
وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجدتين وتكبيرة الركوع في الثانية وتكبيرتي السجدتين ،
فإذا كبر الإنسان في أول صلاته سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الافتتاح من
يعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته.
قال في الوافي
: لعل المراد باستفتاح الركعتين بالسبع التكبيرات التي يستفتح بها كل فعل ولهذا لم
يعد منها الأربع التي بعد الرفع من السجدات. انتهى. وهو جيد.
قال في الفقيه
بعد ذكر هذه الأخبار كملا : وهذه العلل كلها صحيحة وكثرة العلل للشيء تزيده
تأكيدا ولا يدخل هذا في التناقض ، انتهى.
تتميم
من العجب في
هذا المقام ما وقع لشيخنا المجلسي ووالده (عطر الله مرقديهما) من الكلام المنحل
الزمام والمختل النظام حيث قال في كتاب البحار : وظاهر خبر الحسين (عليهالسلام) ان النبي (صلىاللهعليهوآله) جعلها الاولى ولهذا ذهب بعض المحدثين إلى ان تعيين
الاولى متعين. ويمكن المناقشة فيه بان كون أول وضعها لذلك لا يستلزم استمرار هذا
الحكم ، مع ان العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شيء. وكان الوالد
(قدسسره) يميل إلى ان يكون المصلي مخيرا بين الافتتاح بواحدة
وثلاث وخمس وسبع ومع اختيار كل منها يكون الجميع فردا للواجب المخير كما قيل في
تسبيحات الركوع والسجود. وهذا أظهر من أكثر الأخبار كما لا يخفى على المتأمل فيها
بل بعضها كالصريح في ذلك. وما ذكروه من ان كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة
الافتتاح ان
__________________
أرادوا نية الصلاة فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها ، مع انهم جوزوا
تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين لكونه من مستحبات الوضوء فأي مانع من تقديم
نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها؟ وان أرادوا نية كونها تكبيرة الإحرام
فلم يرد ذلك في خبر ، وعمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة
في أثناء التكبيرات ، وهذه أيضا غير معلومة إذ يمكن ان يقال بجواز إيقاع المنافيات
قبل السابعة وان قارنت نية الصلاة الأولى لأن الست من الاجزاء المستحبة أو لأنه لم
يتم الافتتاح بعد بناء على ما اختاره الوالد (قدسسره) لكنهم نقلوا الإجماع على ذلك ، وتخيير إلا ما في تعيين
الواحدة التي يجهر بها يومي إلى ما ذكروه إذ الظاهر ان فائدة الجهر علم المأمومين
بدخول الإمام في الصلاة ، والاولى والأحوط رعاية الجهتين معا بان يتذكر النية عند
كل واحدة منها ولا يوقع مبطلا بعد التكبيرة الاولى ، ولو لا ما قطع به الأصحاب من
بطلان الصلاة إذا قارنت النية تكبيرتين منها لكان الأحوط مقارنة النية للأولى
والأخيرة معا. انتهى.
أقول : فيه من
المناقشات الدالة على بطلانه وانهدام أركانه ما لا يحصى ولا يعد إلا أنا نذكر ما
خطر بالبال على سبيل الاستعجال.
فنقول : اما
قوله «ويمكن المناقشة فيه بان كون أول وضعها لذلك لا يستلزم استمرار هذا الحكم»
فان فيه انه لا ريب ان العبادات الشرعية مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة كما
اعترف به هو وغيره فإذا علم من الشارع انه جعل الاولى من هذه التكبيرات للإحرام
وابتداء الصلاة وافتتاحها فإنه يلزم استمرار الحكم بذلك حتى يثبت النسخ لهذا الحكم
ويقوم دليل أقوى على الخروج عنه.
واما قوله : «مع
ان العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شيء» ففيه (أولا) ان هذه
العلل انما هي للتكبيرات الزائدة لا تعلق لها بتكبيرة الإحرام. و (ثانيا) ان خلو
الأخبار الدالة على بعض تلك العلل من هذا الحكم وكونها مجملة في
ذلك لا ينافي ما بين فيه الحكم المذكور كهذا الخبر ، ومقتضى القاعدة حمل
إجمال تلك الأخبار على هذا الخبر ، على ان الدلالة على ما ذهب إليه القائل
بالتعيين لا ينحصر في هذا الخبر كما توهمه بل هو مدلول أخبار عديدة كما عرفت.
واما ما نقله
عن أبيه ـ وان كان ظاهره تأييده وتشييده حمية لوالده ـ فهو في البطلان أظهر من ان
يحتاج إلى بيان كما لا يخفى على ذوي الأفهام والأذهان إلا أنا نشرح ذلك بوجه يظهر
منه البطلان كالعيان لكل انسان :
وذلك (أولا) ان
كلامه مبني على التخيير كما هو المشهور في كلام الأصحاب وقد عرفت ان النصوص على
خلافه.
و (ثانيا) انه
لا يخفى على من أحاط خبرا بالاخبار وجاس خلال تلك الديار ان المستفاد منها على وجه
لا يداخله الشك والإنكار ان الافتتاح والدخول في الصلاة انما هو بتكبيرة واحدة لا
بأكثر وهي التي مضى عليها الناس في صدر الإسلام برهة من الأزمان والأعوام ، وما
عداها فإنما يزيد استحبابا للعلل المذكورة في الأخبار وان استصحب استحبابها في
جميع الأدوار والأعصار فهي ليست من الافتتاح والتحريم حقيقة في شيء وان سميت بذلك
مجازا للمجاورة بالتقريب المتقدم ، وقد تقدم لك في صدر الفصل من الروايات الظاهرة
في وحدة تكبيرة الإحرام قوله في صحيحة زرارة «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد». وقوله (عليهالسلام) في مرسلة الفقيه «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح». وقوله
في صحيحة البزنطي «رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح». وفي صحيحة زرارة «ينسى أول تكبيرة من الافتتاح». وفي جملة من الأخبار «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان أوجز الناس في الصلاة كان يقول الله أكبر بسم الله
الرحمن الرحيم». الى غير ذلك من
__________________
الأخبار فإنها صريحة في كون الافتتاح انما هو بواحدة ، وما أجمل في الأخبار
فهو محمول على ذلك جريا على القاعدة المعلومة.
و (ثالثا) ان
ما ذكره تشريع ظاهر لأن المعلوم مما قدمناه في الوجه الثاني وكذا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قبل حصول هذه العلة الموجبة للزيادة انما هو تكبيرة
واحدة يحرم بها وهي المشار إليها بقولهم «تحريمها التكبير» ثم انه زاد هذه التكبيرات الست أخيرا للعلل المذكورة
فصارت مستحبة في الصلاة كزيادة النوافل التي زادها لمولد الحسنين وفاطمة (صلوات
الله عليهم) كما تقدم في بحث الأوقات وجرت بذلك السنة ولا مدخل لها في التحريم والافتتاح بل
هي اذكار مستحبة في هذا المكان ، ويشير إلى ذلك ما تقدم في حديث الحسين (عليهالسلام) من قوله (عليهالسلام) «فجرت السنة بذلك» ومثله في صحيحة حفص في قضية الحسين (عليهالسلام) إلا ان فيه ان الحسين لم يكبر إلا في السابعة ، قال (عليهالسلام) في تمام الحديث «فصارت سنة» ويعضده ما تقدم في الأخبار
من الدلالة على وحدة تكبيرة الإحرام ، وحينئذ فإذا كان المعلوم من صاحب الشريعة ان
التكبير الواجب انما هو تكبيرة واحدة وهي التي تعقد بها الصلاة فالزيادة عليها
تشريع محض ، ومجرد استحباب هذه التكبيرات في هذا الموضع لا يوجب جعلها في هذه
المرتبة بل تصريحهم (عليهمالسلام) باستحبابها دليل على عدم وجوبها والاستفتاح في الصلاة
بها كالتكبيرة الأصلية غاية الأمر انه قد اشتبه على أصحابنا بعد زيادة هذه الست
وصيرورة التكبيرات سبعا محل تكبيرة الإحرام منها هل هي أولا أو أخيرا أو وسطا؟
فقالوا بالتخيير لذلك ، وبالتأمل في أخبارهم (عليهمالسلام) يعلم انها الاولى وان الزيادة وقعت بعدها كما قدمنا
بيانه وأوضحنا برهانه.
وبذلك يظهر لك
ما في قياسه ذلك على تسبيح الركوع والسجود فإنه قياس مع الفارق وتشبيه غير مطابق ،
فان التخيير ثمة ثابت ومعلوم نصا وفتوى واما هنا فقد
__________________
عرفت على ما اخترناه قيام الدليل على التعيين في التكبيرة الاولى واما على
ذكره الأصحاب فقد عرفت ان معناه التخيير في واحدة من هذه السبع ايها يريد جعلها
تكبيرة الافتتاح لعدم معلومية محلها بعد شرع الست معها لا بمعنى التخيير بين ان
يجعل الإحرام بواحدة أو ثلاث أو سبع كما ذكره فإنه منه عجيب ، وأعجب منه قوله «وهذا
أظهر من أكثر الأخبار وبعضها كالصريح في ذلك» والظاهر انه أشار بذلك إلى حسنة
الحلبي المتقدمة وقوله فيها «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر
ثلاث تكبيرات ثم قل اللهم أنت الملك الحق. الخبر» وفيه ان سياق الخبر انما هو في
ذكر الأدعية الموظفة بين التكبيرات السبع وبيان محالها ، والحديث كما قدمنا ظاهر
في كون التحريم وقع بالتكبيرة الاولى وهي التي افتتح بها والتكبيرتان اللتان بعدها
انما ضما إليها لبيان وقوع الدعاء المذكور بعد الثلاث لأنك قد عرفت من الأخبار
المتقدمة وما حققناه آنفا وحدة تكبيرة الإحرام ، فتوهم كون الثلاث هنا للإحرام كما
ظنه توهم بارد وانما العلة في ذلك هو ما ذكرناه.
ولعل من مواضع
الشبهة أيضا عنده ما في حسنة زرارة من قوله (عليهالسلام) «ادنى ما يجزئ من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة
وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل». وقوله في صحيحة الحلبي : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث
تكبيرات». وقوله (عليهالسلام) في رواية أبي بصير «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت
سبعا فكل ذلك مجزئك غير انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».
وأنت خبير بان
مطرح هذه الأخبار والغرض منها انما هو بيان الرخصة في هذه
__________________
التكبيرات الست المستحبة بتركها والاقتصار على تكبيرة الافتتاح أو الإتيان
بثلاث منها تكبيرة الافتتاح ونحو ذلك من الاعداد المذكورة لا ان المعنى انه يحصل
الافتتاح بكل من هذه الاعداد فيكون واجبا مخيرا كما زعمه ، وبما ذكرناه صرح جملة
من الأصحاب في الباب.
واما قوله : «وما
ذكروه من ان كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الإحرام إن أرادوا نية الصلاة. إلخ»
ففيه انا نختار الشق الثاني وهو نية كونها تكبيرة الإحرام ، قوله «لم يرد ذلك في
خبر» مردود بأنه وان لم يرد بهذا العنوان ولكن مفاد الأخبار الدالة على الافتتاح
بتلك التكبيرة وتسميتها تكبيرة الافتتاح كما تقدم ذلك بالتقريب الذي قدمناه ، ومما
يوضح ذلك انه من المعلوم أولا ان الشارع قد جعل التكبير محرما بقوله «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم». والتكبير من حيث هو لا يكون محرما ولا
موجبا للدخول في الصلاة إلا إذا اقترن بالقصد إلى ذلك فما لم ينو بالتكبير الإحرام
ويقصد به الافتتاح للصلاة لا يصير محرما ولا موجبا للافتتاح ، ويعضده ان العبادات
موقوفة على القصود والنيات.
واما قوله : «ويمكن
ان يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة وان قارنت نية الصلاة الأولى لأن الست
من الاجزاء المستحبة» فعجيب من مثله (قدسسره) لما عرفت من انه متى قصد بالأولى الافتتاح والدخول في
الصلاة فإنه تحرم عليه المنافيات لما ورد عنهم (عليهمالسلام)
«تحريمها
التكبير» بمعنى انه يحرم عليه بالتكبير ما حل له قبله وليس الدخول في الصلاة
متوقفا على أزيد من الواحدة كما عرفت ، فكيف يجوز له إيقاع المنافيات وهو قد دخل
في الصلاة بمجرد كونه في الست المستحبة؟ وإلا لجاز إيقاع المنافيات في القنوت بناء
على استحبابه وان كان في أثناء الصلاة.
واما قوله : «أو
لأنه لم يتم الافتتاح بعد بناء على قول الوالد» ففيه ان ما نسبه
__________________
للوالد بعيد شارد أوهن من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ولو أنه أخفاه
ولم يظهر شيئا من هذا الكلام لكان أولى بالمحافظة على علو المقام.
وبالجملة فإن
كلامه هنا مزيف لا يخفى ما فيه على الفطن اللبيب وأضعف منه كلام أبيه ، وانما
أطلنا الكلام في نقض إبرامه وتمزيق سمط نظامه لئلا يغتر به من لم يعض على المسألة
بضرس قاطع فان نور الحق بحمد الله سبحانه واضح ساطع. والله العالم.
فروع
(الأول) ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لو كبر ونوى الافتتاح ثم
كبر ثانية ونوى الافتتاح بطلت صلاته فان كبر ثالثا بالنية المذكورة انعقدت الصلاة.
وهذا الحكم مبنى على ان زيادة الركن موجبة للبطلان كنقصانه. وهو على إطلاقه مشكل
واخبار هذه المسألة قد دلت على البطلان بترك التكبير عمدا أو سهوا واما بطلانها
بزيادته فلم نقف له على نص. وكون الركن تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا
مطلقا وان اشتهر ظاهرا بينهم إلا انه على إطلاقه مشكل لتخلف جملة من الموارد عن
الدخول تحت هذه الكلية كما يأتي بيانه كله في محله ، ومن ثم قال في المدارك في هذا
المقام : ويمكن المناقشة في هذا الحكم اعني البطلان بزيادة التكبير ان لم يكن
إجماعيا فإن أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمدا وسهوا وهو لا
يستلزم البطلان بزيادته. انتهى.
(الثاني) ـ التكبير
الواجب المنقول عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وأئمة الهدى (عليهمالسلام) بصيغة «الله أكبر» فيتعين الإتيان بها لأنها عبادة
مبنية على التوقيف وهذا هو الذي ورد فيها ، فلو زاد حرفا أو نقص حرفا أو عوض كلمة
مكان كلمة ونحو ذلك مما يتضمن الخروج عن هذه الصيغة بطلت صلاته اتفاقا إلا من ابن
الجنيد فإنه نقل عنه في الذكرى القول بانعقادها بلفظ «الله الأكبر» وان كان مكروها
وهو شاذ. وعلى هذا لا تجزى الترجمة للقادر على التعليم حتى يضيق الوقت
فيحرم بترجمتها عند الأصحاب مراعيا الترتيب فيقول الأعجمي مثلا «خدا بزرگتر است»
ولا خلاف بين أصحابنا بل وأكثر العامة في ذلك ، وقال بعض العامة يسقط التكبير عن
من هذا شأنه كالأخرس وهو محتمل. ولم أقف في المسألة على نص وان كان ما ذكروه
لا يخلو من قرب. قالوا : والأخرس ينطق على قدر ما يمكنه فان عجز عن النطق بالكلية
عقد قلبه بها مع الإشارة بإصبعه كما يشير اليه خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة
تحريك لسانه وإشارته بإصبعه». وربما احتج بعضهم أيضا بأن تحريك اللسان كان واجبا
مع القدرة على النطق فلا يسقط بالعجز عنه إذ لا يسقط الميسور بالمعسور . وفيه ما فيه ، ولو لا إشعار الرواية المذكورة بذلك
لأمكن احتمال ما ذكره بعض العامة من سقوط الفرض بالعجز. وكيف كان فما ذكره الأصحاب
هو الاولى.
(الثالث) ـ لا
ريب ان التكبير جزء من الصلاة فيعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في الصلاة من الطهارة
والستر والاستقبال والقيام في موضعه ونحو ذلك فلو كبر قاعدا أو آخذا في القيام مع
القدرة لم تنعقد صلاته ، قال في الذكرى : فلو كبر وهو آخذ في القيام أو وهو هاو
إلى الركوع كما يتفق للمأموم فالأقرب البطلان لأن الانحناء ليس قياما حقيقيا ، وهل
تنعقد نافلة؟ الأقرب المنع لعدم نيتها ، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلى الصلاة
والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها وهي من خصائص النافلة. انتهى. ولا يخفى ضعف ما ذكره
من الوجه في الانعقاد فان القصد إلى الصلاة مطلقا غير كاف في الانعقاد ما لم يقصد
الفرض ان كان فرضا أو النافلة ان كان كذلك.
__________________
ثم انه في
الذكرى نقل عن الشيخ انه جوز أن يأتي ببعض التكبير منحنيا ثم قال : ولم نقف على
مأخذه. وهو كذلك.
وقال في
المدارك : قال جدي (قدسسره) وكما يشترط القيام وغيره من الشروط في التكبير كذا
يشترط في النية فإذا كبر قاعدا أو آخذا في القيام وقعت النية أيضا على تلك الحالة
فعدم الانعقاد مستند إلى كل منهما ولا يضر ذلك لأن علل الشرع معرفات لا علل حقيقة.
وفيه نظر لانتفاء ما يدل على اعتبار هذه الشرائط في النية على الخصوص كما تقدم
تحقيقه إلا ان المقارنة المعتبرة للتكبير تدفع فائدة هذا الاختلاف. انتهى.
أقول : لا ريب
ان هذا الكلام مبني على النية المشهورة في كلامهم التي هي عبارة عن التصوير الفكري
وهو ما يترجمه قول المصلي «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء قربة إلى الله تعالى» ثم
يقارن بها التكبير ، وقد عرفت ان هذه ليست هي النية بل النية هي القصد البسيط
المصاحب له من حال قيامه إلى الوضوء والإتيان به ثم توجهه إلى مصلاه ثم صلاته إلى
ان يفرغ منها لا اختصاص له بوقت دون وقت ولا حال دون حال حتى يأتي بالفعل ويفرغ
كما في سائر الأفعال التي تصدر عن المكلفين.
(الرابع) ـ قد
عرفت ان النية أمر قلبي سواء كانت بالمعنى المشهور أو المعنى الذي ذكرناه لكن
الأصحاب بناء على المعنى المشهور من التصوير الفكري على الوجه المتقدم قالوا لو
تلفظ به بلسانه بان قال «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء لوجوبه قربة إلى الله» ثم
يقارن به التكبير فإنه يلزم أحد محذورين على تقدير الدرج الذي تحصل به المقارنة
أما قطع همزة «الله» فيلزم مخالفة القانون اللغوي لأنها همزة وصل واما وصلها فيلزم
مخالفة القانون الشرعي لأن المنقول عن الشرع قطعها ، ومن هنا قيل انه يحرم التلفظ
بالنية لاستلزام أحد المحذورين ، قال في الذخيرة : ولو فرض تلفظ المصلي بها كان
كلاما لغوا مخالفا للمعهود المنقول عن صاحب الشرع فلا عبرة بها فحينئذ وصل التكبير
بها يوجب مخالفة المعهود من صاحب الشرع من القطع. ونقل عن بعض المتأخرين جواز
الوصل
حينئذ عملا بظاهر القانون العربي وفيه ان إيراد الكلام المتصل به أمر
مستحدث مبتدع لم يعهد من الشارع فلا يوجب سقوط التكليف بما ثبت وجوبه من قطع
الهمزة كما لا يخفى. وظاهر هذا الكلام انه في الصورة المذكورة يقطع الهمزة مراعاة
للجانب الشرعي. وفيه ان المقتضى للسقوط كونها في الدرج حيث انها همزة وصل ولا مدخل
لكون ذلك الكلام معتبرا عند الشارع أو غير معتبر.
أقول : ما
ذكروه من ان المنقول عن صاحب الشرع قطع الهمزة لا اعرف له مستندا ولا به رواية إلا
ما ذكروه هنا من حيث ان النية التي يقارن بها التكبير أمر قلبي فليس ههنا كلام
قبلها يوجب كونها في درج الكلام. وفيه ان حسنة الحلبي المشتملة على الأدعية بين
التكبيرات بان يكبر ثلاثا ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو
مع قولهم بالتخيير في تكبيرة الإحرام بين هذه السبع موجب لوقوع كلام قبل تكبيرة
الإحرام فمن الممكن الجائز قصد الإحرام بإحدى التكبيرات المتوسطة مع درج الكلام
فتسقط الهمزة لا بد لنفيه من دليل. إلا ان يقال ان المعلوم من الشرع هو تعيين هذا
اللفظ للإحرام وعقد الصلاة فكما لا يجوز الزيادة فيه لا يجوز النقيصة منه وبمقتضى
ما ذكرتم يلزم سقوط الهمزة في الدرج فلا يكون آتيا بالمأمور به ، وحينئذ فالواجب
الوقوف بعد تمام الدعاء ثم الابتداء بالتكبير ، قال في الروض : واعلم ان الإخلال
بحرف من التكبير يتحقق بوصل احدى الهمزتين في الكلمتين فان وصل الهمزة إسقاط لها
بالكلية كما ذكره أهل العربية من ان همزة الوصل تسقط في الدرج. ووجه البطلان مع
وصل همزة «أكبر» ظاهر لأنها همزة قطع واما همزة «الله» فلأنها وان كانت همزة وصل
إلا ان سقوط همزة الوصل انما هو في الدرج في كلام متصل بها قبلها ولا كلام قبل
التكبير لأن النية إرادة قلبية. الى آخر كلامه زيد في مقامه. وفيه ما عرفت والجواب
كما تقدم.
وكما تبطل
بالإخلال بحرف منها كذا تبطل بالزيادة ولو بحرف فيها كما تقدم ، فلو مد همزة «الله»
بحيث تصير استفهاما فمع القصد تبطل قطعا وبدونه على الأصح فإن
الدلالة غير متوقفة على القصد وخروج ذلك عن المعهود من صاحب الشريعة.
ويحتمل عدم البطلان من حيث ان الإشباع بحيث يحصل به الحرف شائع في كلام العرب ،
وتحصيل يقين البراءة يوجب الوقوف على الأول. وكذا الكلام في لفظ «أكبر» فلو أشبع
الفتحة حتى صارت ألفا فصار «أكبار» وهو الطبل ذو وجه واحد فإنه يبطل مع القصد
يقينا وكذا مع عدمه على الأصح لما عرفت.
(الخامس) ـ صرح
جملة من الأصحاب بأنه يشترط القصد بالتكبير إلى الافتتاح. ولا ريب فيه لما تقدم
فلو قصد به تكبير الركوع لم تنعقد صلاته ، ويدل عليه صحيح البقباق وابن أبي يعفور
المتقدم واما ما عارضه من صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر
المتقدمة فقد عرفت الوجه فيها وفي أمثالها.
ولو قصدهما معا
كما في المأموم فقيل بالاجزاء ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ في الخلاف محتجا بإجماع
الفرقة ورواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته
تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع». والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
العدم استنادا إلى ان الفعل الواحد لا يتصف بالوجوب والاستحباب.
قال في الذكرى
: ويمكن حمل كلام الشيخ والرواية على ان المراد سقوط تكبير الركوع هنا ويكون له
ثوابه لإتيانه بصورة التكبير عند الركوع لا على ان المصلي قصدهما معا لأن الفعل لا
يكون له جهتا وجوب وندب ، ولو قلنا بوجوب تكبير الركوع ـ كما يجيء وقد صرح به
الشيخ هنا في الخلاف ـ لم تجزي الواحدة لأن تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب خلاف
الأصل. وكذا لو نذر تكبير الركوع لم تجزي الواحدة ، وحينئذ لو قصدهما معا فالأقرب
عدم تحريمه بالصلاة لعدم تمحض القصد إليها ولا صلاته نفلا أيضا لعدم نيته ولأن
السبب الواحد لا يجزى عن السببين ، فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة
__________________
الواحدة تكبيرة الإحرام والركوع لم تحصلا ولا إحداهما. وعندي في هذه
المسألة نظر لأن الأسباب قد تتداخل وجوبا كما في اجزاء الغسل الواحد للجنب وماس
الميت وندبا كما في اجزاء الغسل المندوب عن أسباب كثيرة ، والفعل الواحد قد يحصل
به الوجوب والندب كما في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا والناقص عنها. انتهى.
وانما نقلناه بطوله لإحاطته بأطراف الكلام في المقام.
والتحقيق عندي
ما اختاره أخيرا وهو ظاهر الخبر المذكور ، وتأويله بما ذكروه من غير معارض ـ إلا
ما ذكروه من هذه التعليلات العليلة ـ مجازفة.
ونظير هذا
الخبر أيضا ما رواه البرقي في كتاب المحاسن في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) «عن رجل جاء مبادرا والامام راكع فركع؟ قال أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في
الصلاة والركوع».
وقد تقدم في
مسألة تداخل الأغسال من كتاب الطهارة انه لا مانع من تداخل المسببات مع تعدد
الأسباب فإن العلل الشرعية معرفات لا علل حقيقية فلا يضر تواردها على أمر واحد.
(المسألة
الثالثة) ـ يستحب في هذا المقام أمور (الأول) أن يسمع الامام من خلفه التكبير
ويستحب للمأموم الأسرار بها وبغيرها ويتخير المنفرد ، ونقل في الذكرى عن الجعفي
انه أطلق استحباب رفع الصوت بها ، قال في المدارك ولا نعرف مأخذه.
والذي يدل على
الحكم الأول من الأخبار صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت إماما فإنه يجزئك ان تكبر واحدة تجهر
فيها وتسر ستا».
وروى الصدوق في
كتاب عيون الأخبار والخصال بسنده عن أبي علي الحسن ابن راشد قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن تكبيرة الافتتاح
__________________
فقال سبع؟ قلت روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه كان يكبر واحدة؟ فقال ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا». وروى في الخصال عن
الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) الحديث الأول .
وقد تقدم قريبا
في رواية أبي بصير قوله (عليهالسلام): «انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».
ويدل على الحكم
الثاني ما ورد في موثقة أبي بصير من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول
وللمأموم ان لا يسمع الإمام شيئا مما يقول. ولا منافاة بين ما دل عليه هذا الخبر
من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول وبين ما دلت عليه الأخبار
المتقدمة من استحباب إسراره بما عدا تكبيرة الإحرام ، لأن عموم هذا الخبر مخصوص
بما دلت عليه تلك الأخبار كما هو قضية اجتماع المطلق والمقيد والخاص والعام فلا
تغتر بما يفعله من يدعي انه من أهل العلم في هذه الأزمان وليس بذلك من الإجهار
بمجموع تكبيرات الافتتاح عملا بعموم هذا الخبر اللازم منه إلغاء ما دلت عليه تلك
الأخبار من الأسرار.
واما ما يدل
على الثالث فأصالة البراءة من الأمرين.
و (الثاني) ـ ما
ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) من انه يستحب ترك الاعراب في آخر التكبير
لما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله)
__________________
انه قال : «التكبير جزم». أقول : الظاهر ان هذه الرواية عامية ذكرها
أصحابنا في هذا المقام لعمومها. والذي وقفت عليه من الأخبار الدالة على جزم
التكبير هو ما تقدم في اخبار الأذان ولا عموم فيها بحيث يشمل تكبيرات الافتتاح
وغيرها. ولا بأس بمتابعتهم لكن لا باعتقاد الاستحباب لعدم الدليل الواضح عليه.
و (الثالث) ـ استحباب
التوجه ـ زيادة على التوجه بتكبيرة الإحرام ـ بست تكبيرات أو بما دونها مما دلت
عليه الأخبار :
ومنها ـ رواية
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت
ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا فكل ذلك مجزئ عنك غير انك إذا كنت اماما لم تجهر
إلا بتكبيرة».
وصحيحة زيد
الشحام قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك
الفضل».
وروى في الكافي
عن زرارة في الصحيح أو الحسن قال : «ادنى ما يجزى من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة
وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة لأن معك ذا
الحاجة والضعيف والكبير».
وقال في الفقيه
، وقد تجزئ في الافتتاح تكبيرة واحدة وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أتم الناس صلاة وأوجزهم كان إذا دخل في الصلاة قال
الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم.
__________________
وروى في
التهذيب في الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث
تكبيرات فإذا كانت قراءة قرأت مثل قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ، وإذا كنت
إماما فإنه يجزئك ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا».
وعن زرارة في
الموثق قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) أو سمعته استفتح للصلاة بسبع تكبيرات ولاء».
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن ادنى ما يجزئ في الصلاة من التكبير؟
قال تكبيرة واحدة».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ والثلاث
أفضل والسبع أفضل كله».
وربما يستفاد
من صحيحة معاوية بن عمار ـ ونحوها كلام الفقيه الذي هو لا يكون إلا عن الرواية
أيضا ـ عدم تأكد استحباب التكبيرات الزائدة على تكبيرة الإحرام للإمام ولم أقف على
من قال به من علمائنا الاعلام.
و (الرابع) ـ الدعاء
بين هذه التكبيرات فمن ذلك ما تضمنته صحيحة الحلبي أو حسنته كما رواه في الكافي
عنه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا
ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك اني ظلمت
نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم تكبر تكبيرتين ثم قل لبيك
وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت لا ملجأ منك إلا إليك
سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت
__________________
سبحانك رب البيت. ثم تكبر تكبيرتين ثم تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما انا من المشركين (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ
وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا) من (الْمُسْلِمِينَ). ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب».
بيان : «لبيك
وسعديك» قال في النهاية : لبيك أي إجابتي لك يا رب وهو مأخوذ من «لب بالمكان وألب»
إذا قام به «وألب على كذا» إذا لم يفارقه ، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في
معنى التكرير أي إجابة بعد اجابة ، وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت «ألب
إلبابا بعد الباب» وقيل معناه اتجاهي وقصدي يا رب إليك من قولهم «داري تلب دارك»
اي تواجهها. وقيل معناه إخلاصي لك من قولهم «حب لباب» إذا كان خالصا محضا ومنه لب
الطعام ولبابه. انتهى. وزاد في القاموس معنى آخر قال : أو معناه محبتي لك من امرأة
لبه محبة لزوجها. وفي النهاية «سعديك» اي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة أو إسعادا
بعد إسعاد ولهذا ثنى وهو من المصادر المنتصبة بفعل لا يظهر في الاستعمال ، قال
الجوهري لم يسمع «سعديك» مفردا. انتهى.
وروى السيد
الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده فيه عن ابن
أبي نجران عن الرضا (عليهالسلام) قال : «تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة :
اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمدا (صلىاللهعليهوآله) الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله استفتح
وبالله أستنجح وبمحمد رسول الله وآل محمد (صلى الله عليه وعليهم) أتوجه اللهم صل
على محمد وآل محمد واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين».
بيان : «الدعوة
التامة» أي الأذان والإقامة فإنهما دعوة إلى الصلاة وتمامهما في إفادة
__________________
ما وضعا له ظاهرا وهي الصلاة فالمصدر بمعنى المفعول. «والصلاة القائمة» أي
في هذا الوقت إشارة إلى قوله «قد قامت الصلاة» أو القائمة إلى يوم القيامة ،
والدرجة المختصة به (عليهالسلام) في القيامة هي الشفاعة الكبرى ، والوسيلة هي المنبر
المعروف الذي يعطيه الله في القيامة كما ورد في الأخبار.
وروى في
التهذيب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «يجزئك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى الله
سبحانه ان تقول (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على ملة إبراهيم حنيفا مسلما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ (إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وانا من المسلمين. ويجزيك تكبيرة واحدة».
وروى السيد
الزاهد العابد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث انه قال : «كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يقول لأصحابه من اقام الصلاة وقال قبل ان يحرم ويكبر ـ
يا محسن قد أتاك المسيء وقد أمرت المحسن ان يتجاوز عن المسيء وأنت المحسن وانا
المسيء فبحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني ـ فيقول
الله يا ملائكتي اشهدوا اني قد عفوت عنه وأرضيت عنه أهل تبعاته».
وقال الشهيد في
الذكرى انه قد ورد هذا الدعاء عقيب السادسة إلا انه لم يذكر فيه «فبحق محمد وآل
محمد» وانما فيه «وانا المسيء فصل على محمد وآل محمد. الى آخره»
وروى الطبرسي
في الاحتجاج قال : «كتب الحميري إلى القائم (عليهالسلام) يسأله عن التوجه للصلاة ان يقول «على ملة إبراهيم ودين
محمد صلىاللهعليهوآله» فان بعض أصحابنا ذكر انه إذا قال «على دين محمد» فقد
أبدع لأنا لم نجده في
__________________
شيء من كتب الصلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن
بن راشد ان الصادق (عليهالسلام) قال للحسن كيف تتوجه؟ قال أقول «لبيك وسعديك» فقال له
الصادق (عليهالسلام) ليس عن هذا أسألك كيف تقول «(وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما»؟ قال الحسن أقوله : فقال له الصادق (عليهالسلام) إذا قلت ذلك فقل : على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج
علي بن أبي طالب والائتمام بآل محمد حنيفا مسلما (وَما أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ)؟ فأجاب (عليهالسلام) التوجه كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي
كالإجماع الذي لا خلاف فيه (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (صلىاللهعليهوآله) وهدى أمير المؤمنين (عليهالسلام) (وَما أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ) ـ (إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وانا من المسلمين اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ الحمد». قال
الفقيه الذي لا يشك في علمه : الدين لمحمد (صلىاللهعليهوآله) والهداية لعلي أمير المؤمنين (عليهالسلام) لأنها له (صلى الله عليهما) وفي عقبه باقية إلى يوم
القيامة فمن كان كذلك فهو من المهتدين ومن شك فلا دين له ونعوذ بالله من الضلالة
بعد الهدى.
و (الخامس) ـ رفع
اليدين بالتكبير وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (الأول) الرفع فالمشهور الاستحباب
ونقل عن المرتضى انه أوجب رفع اليدين بالتكبير في جميع الصلاة ونقل عنه انه احتج
عليه بإجماع الفرقة ، قال في المدارك : وهو اعلم بما ادعاه.
أقول : لو رجع
السيد (رضياللهعنه) الى الآية والأخبار لوجدها ظاهرة الدلالة على ما ذهب اليه
على وجه لا يتطرق اليه النقض ولا الطعن عليه ولكنه (رضياللهعنه) ـ كما أشرنا
إليه في ما سبق ـ قليل الرجوع إلى الأخبار وانما يعتمد على أدلة واهية لا تقبلها
البصائر والأفكار من تعليل عقلي أو دعوى إجماع مع انه لا قائل به سواه كما
لا يخفى على من راجع مصنفاته (رضياللهعنه).
وبيان صحة ما
ذكرناه ان مما يدل على القول المذكور قوله تعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ» لورود الأخبار في تفسيرها كما سيأتي بأن المراد بالنحر
هنا انما هو رفع اليدين بالتكبير في الصلاة ، والأوامر القرآنية عندهم على الوجوب
إلا ما قام الدليل على خلافه
ومن ذلك
الأخبار المتكاثرة ومنها ـ صحيحة الحلبي المتقدمة وفيها «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا
ثم كبر ثلاث تكبيرات.».
ومنها ـ صحيحة
معاوية بن عمار قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه».
وفي صحيحة أخرى
له قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) حين افتتح الصلاة رفع يديه أسفل من وجهه قليلا».
وفي صحيحة
زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) «إذا قمت في الصلاة فكبرت فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك».
وفي صحيحة
صفوان بن مهران الجمال قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه».
وفي صحيحة عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في قول الله عزوجل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ) قال هو رفع يديك حذاء وجهك».
وروى أمين
الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في تفسير الآية المذكورة
__________________
عن عمر بن يزيد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في قوله تعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ» هو رفع يديك حذاء وجهك». قال وروى عنه عبد الله بن سنان
مثله .
وروى فيه أيضا
عن جميل قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) «فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ»؟ فقال بيده هكذا يعني استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في
افتتاح الصلاة».
ثم روى فيه
أيضا عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) «لما نزلت هذه السورة قال النبي (صلىاللهعليهوآله) لجبرئيل (عليهالسلام) ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال ليست بنحيرة
ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة ان ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من
الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع فان لكل شيء زينة
وان زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة». ورواه الشيخ الطوسي في مجالسه وكذا
ابنه في مجالسه فهذه الروايات الأربع تضمنت تفسير الآية.
ومن اخبار المسألة
أيضا ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في وصية النبي لعلي (عليهالسلام) «وعليك ان ترفع يديك في صلاتك. الحديث». إلى غير ذلك
من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى.
وأنت خبير بأن
جملة منها قد دلت على حكاية فعلهم (عليهمالسلام) وجملة قد دلت على الأمر بذلك وجملة على تفسير الآية
بذلك ولم نقف في الأخبار على ما يخالفها ويضادها.
وغاية ما
استدلوا به على عدم الوجوب كما ذكره بعض متأخري المتأخرين صحيحة علي بن جعفر عن
أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «على الامام ان يرفع يده في الصلاة وليس على غيره
ان يرفع يده في الصلاة». قالوا : والظاهر انه لا قائل بالفصل بين الإمام
__________________
وغيره فعدم وجوبه على غير الامام يوجب تعدي الحكم اليه ، ولهذا ذكر الشيخ
ان المعنى في هذا الخبر ان فعل الإمام أكثر فضلا وأشد تأكيدا وان كان فعل المأموم
أيضا فيه فضل. انتهى.
ولا يخفى ما في
هذا الاستدلال من ظهور الاختلال ومنافاته لظاهر الخبر المذكور مضافا إلى عدم
الصراحة بل الظهور في محل ذلك الرفع ولعله في القنوت. وبالجملة معارضة تلك الأخبار
الكثيرة الصحيحة الصريحة بهذه الرواية المجملة المتهافتة الدلالة لا تخلو من تعسف.
نعم لقائل أن يقول ان إيجاب الرفع في ما عدا تكبيرة الإحرام المتفق على وجوبها
وتكبيري الركوع والسجود على القول بوجوبهما لا يخلو من اشكال إذ متى كان أصل
التكبير مستحبا لزم ان يكون ما تعلق به من شرط وصفة ونحوهما مستحبا كما هو مقتضى
القواعد العقلية والنقلية ، وكيف كان فقول السيد (رضياللهعنه) بمحل من القوة
والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.
واما ما أطال
به في الذخيرة ـ انتصارا للقول المشهور ونقل معان متعددة للآية من كلام المفسرين ـ
فلا طائل تحته بعد ما عرفته ، والاعتماد على كلام المفسرين في مقابلة تفسير أهل
البيت (عليهمالسلام) خروج عن الدين كما لا يخفى على الحاذق المكين وقد تقدم
إيضاحه في غير مقام مما تقدم. نعم ما ذكره من رواية حريز عن رجل عن ابي جعفر (عليهالسلام) ـ قال : «قلت له (فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ)؟ قال النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره». ـ مسلم
إلا انه لا منافاة فيها لما دلت عليه تلك الأخبار حتى يعترض بها لإمكان تفسير
الآية بالأمرين وبه يجمع بين الأخبار ، ومثله في القرآن غير عزيز فان القرآن ذلول
ذو وجوه .
(الثاني) ـ قد
اختلفت عبارات الأصحاب في بيان حد الرفع ، فقال الشيخ الرفع
__________________
المعتبر في تكبيرة الإحرام وغيرها ان يحاذي بيديه شحمتي أذنيه. وعن ابن أبي
عقيل يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خديه لا يجاوز بهما أذنيه. وقال ابن بابويه
يرفعهما إلى النحر ولا يجاوز بهما الأذنين حيال الخد. وقال الفاضلان في بحث الركوع
من المعتبر والمنتهى في تكبير الركوع يرفع يديه حيال وجهه ، وفي رواية إلى أذنيه
وبه قال الشيخ. وقال الشافعي إلى منكبيه وبه رواية عن أهل البيت (عليهمالسلام).
أقول : قد تقدم
في الأخبار الواردة في هذا المقام في الموضع الأول صحيحة معاوية ابن عمار «وفيها
يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه» . وفي صحيحته الثانية «أسفل من وجهه قليلا». وفي صحيحة
زرارة «ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك». وفي صحيحة صفوان مثل صحيحة معاوية بن
عمار الاولى ، وفي صحيحة عبد الله بن سنان «حذاء وجهك» ومثله في رواية جميل. هذا
ما تقدم في المقام.
وفي صحيحة حماد
بن عيسى المتقدمة في تعليم الصادق (عليهالسلام) في تكبيرة للسجود «ورفع يديه حيال وجهه».
وفي رواية أبي
بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا دخلت المسجد فاحمد الله وأثن عليه وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) فإذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع
يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك».
وعن منصور بن
حازم قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن
كفيه».
وفي الصحيح عن
ابن سنان قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) يصلي يرفع
__________________
يديه حيال وجهه حين استفتح». وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا
ترفعهما كل ذلك».
وفي كتاب الفقه
الرضوي «فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء
أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في
النافلة والوتر».
والمفهوم من
هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو ان أعلى مراتب الرفع إلى ما سامت الأذنين
كما يشير اليه قوله في صحيحة زرارة الاولى «ولا تجاوز بكفيك أذنيك» ومثله في رواية
أبي بصير وعبارة كتاب الفقه ، وأقل مراتبه ان يكون أسفل من وجهه قليلا كما في
صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، والظاهر انها هي التي أشار إليها ابن بابويه بقوله
«يرفعهما إلى النحر» فإنه أسفل من الوجه قليلا وإلا فلفظ النحر لم أقف عليه في شيء
من الأخبار التي وصلت الي وهي جملة ما ذكرته هنا. وبهذا يجمع بين الأخبار المذكورة
وما دل عليه خبر أبي بصير وكذا كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه من النهي عن رفع اليدين بالدعاء في
المكتوبة حتى يجاوز بهما الرأس ، والظاهر انه هو المراد من الخبر المروي عن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) على ما ذكره جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) :
قال في الذكرى
: روى ابن أبي عقيل قال جاء عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه فقال ما لي أرى
أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها آذان خيل شمس؟». انتهى. ونحوه روى في
المعتبر والمنتهى عن علي (عليهالسلام)
__________________
قال شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : روى المخالفون هذه الرواية في كتبهم
فبعضهم روى «آذان خيل» وبعضهم «أذناب خيل» قال في النهاية «ما لي أراكم رافعي
أيديكم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس؟» هي جمع شموس وهي النفور من الدواب الذي لا
يستقر لشغبه وحدته. انتهى. والعامة حملوها على رفع الأيدي في التكبير لعدم قولهم بشرعية القنوت في أكثر الصلوات وتبعهم
الأصحاب
__________________
فاستدلوا بها على كراهة تجاوز اليد عن الرأس في التكبير ، ولعل الرفع
للقنوت منها أظهر ويحتمل التعميم أيضا والأحوط الترك فيهما معا. انتهى كلام شيخنا
المشار إليه.
أقول : والظاهر
هو ما استظهره من الحمل على القنوت ، وينبغي ان يخص بالفريضة كما تضمنه الخبران
المتقدمان ولا بأس بذلك في النافلة كما تضمنته عبارة كتاب الفقه. واما الحمل على
رفع اليدين في التكبير كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فالظاهر بعده عن سياق
الخبر وان كان الحكم كذلك كما يدل عليه النهي عن الرفع في التكبير عما زاد على
محاذاة الأذنين إلا ان الخبر المذكور ليس مرادا به ذلك بل المراد به ما اشتمل عليه
خبر أبي بصير وكلامه (عليهالسلام) في الكتاب المذكور.
(الثالث) ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يتبدئ في التكبير بابتداء رفع يديه وينتهي
بانتهائه ويرسلهما بعد ذلك ، قال في المعتبر : وهو قول علمائنا. ونحوه كلام
العلامة في المنتهى. وعللوه بأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا بذلك وعلى هذا جرى
في المدارك والذخيرة وغيرهما.
مع ان في
المسألة قولين آخرين (أحدهما) انه يبتدئ بالتكبير حال إرسالهما. وقيل انه يبتدئ
بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبر عند تمام الرفع ثم يرسل يديه. وهذا هو الظاهر من
صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة لقوله (عليهالسلام) «إذا افتتحت الصلاة ـ أي إذا أردت افتتاح الصلاة كما
في قوله عزوجل «فَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ» و «إِذا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» ـ فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات»
وأجاب العلامة عن هذه الرواية بحمل «ثم» على الانسلاخ عن معنى التراخي.
واما ما تمسكوا
به من ان الرفع بالتكبير لا يتحقق إلا بذلك فهو جيد لو وجدت هذه العبارة في شيء
من اخبار المسألة وقد تقدم لك ذكرها وان وجد ذلك فإنما هو في كلام الأصحاب ولا حجة
فيه.
__________________
وقريب من صحيحة
الحلبي في ذلك صحيحة صفوان المتقدمة وقوله : «إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ
أذنيه». فإن المراد إذا أراد التكبير كما تقدم فيدل على ان الرفع متقدم على وقوع
التكبير واقع عند إرادته واما كون التكبير عند انتهاء الرفع أو حال الإرسال فهي
مجملة في ذلك فهي موافقة للقول المشهور ومحتملة للقولين الآخرين.
وقال العلامة
في التذكرة : قال ابن سنان «رأيت الصادق (عليهالسلام) يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح». وظاهره يقتضي ابتداء
التكبير مع ابتداء الرفع وانتهاءه مع انتهائه وهو أحد وجهي الشافعية والثاني يرفع
ثم يكبر عند الإرسال وهو عبارة بعض علمائنا. وظاهر كلام الشافعي انه يكبر بين
الرفع والإرسال انتهى.
أقول : لا ريب
ان ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ما عرفت من الدلالة على القول الثالث وقريب منها
صحيحة صفوان بالتقريب الذي ذكرناه ، وهذه الرواية ظاهرة أيضا في القول المشهور كما
ذكره شيخنا المذكور وان أمكن التأويل فيها بحمل قوله : «استفتح» على ارادة
الاستفتاح كما في الخبرين الآخرين ، وبذلك تنطبق على الخبرين المذكورين ويكون
الجميع دليلا للقول الثالث. واما حملها على ظاهرها فيوجب المناقضة بينها وبين
الخبرين الأولين ، إلا ان يجاب عن صحيحة الحلبي بما ذكره العلامة من حمل «ثم» على
الانسلاخ من معنى التراخي وعن صحيحة صفوان بان المراد بقوله «إذا كبر» أي إذا
ابتدأ في التكبير فيصير ابتداء التكبير بابتداء الرفع كما هو القول المشهور ،
وبذلك تبقى المسألة في قالب الإشكال في البين لتصادم الاحتمال من الطرفين.
(الرابع) ـ ذهب
جمع من الأصحاب إلى استحباب ضم الأصابع حين الرفع ونقل الفاضلان عن المرتضى وابن
الجنيد تفريق الإبهام وضم الباقي ، ونقله في الذكرى عن المفيد وابن البراج وابن
إدريس وجعله اولى وأسنده إلى الرواية.
__________________
أقول : ظاهر
كلامهم في هذا المقام ان ضم الأصابع بعضها إلى بعض متفق عليه في ما عدا الإبهام
والخلاف انما هو فيها ضما وتفريقا. ولم أقف لهم على دليل لا في موضع الوفاق ولا في
موضع الخلاف.
وظاهر صاحب
المدارك الاستناد في أصل المسألة إلى خبر حماد حيث قال : ولتكن الأصابع مضمومة كما يستفاد من رواية
حماد في وصف صلاة الصادق (عليهالسلام) ..
وأنت خبير بان
خبر حماد لم يشتمل على رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فضلا عن كونها في حال الرفع
مضمومة الأصابع أم لا ، وقد صرح بالرفع في تكبير الركوع وتكبير السجود ولكنه أيضا
غير متضمن لضم الأصابع ، نعم ذكر في صدر الرواية قال : «فقام أبو عبد الله (عليهالسلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد
ضم أصابعه». فضم الأصابع في الخبر انما وقع في حال الإسدال على الفخذين ، وحينئذ
فلا دلالة فيه على ما ادعوه إلا ان يدعى استصحاب تلك الحال إلى حال الرفع. وفيه من
البعد ما لا يخفى.
وظاهر الشهيد
في الذكرى وصول النص اليه بالتفريق في الإبهام والضم حيث قال : ولتكن الأصابع
مضمومة وفي الإبهام قولان وفرقه أولى ، واختاره ابن إدريس تبعا للمفيد وابن البراج
وكل ذلك منصوص. انتهى.
نعم روى شيخنا
المجلسي في كتاب البحار عن زيد النرسي في كتابه عن ابي الحسن الأول (عليهالسلام) «انه رآه يصلى فكان إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه
الإبهام والسبابة والوسطى والتي تليها وفرج بينها وبين الخنصر ثم يرفع يديه
بالتكبير قبالة وجهه ثم يرسل يديه ويلزق بالفخذين ولا يفرج بين أصابع يديه فإذا
ركع كبر ورفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يلقم ركبتيه كفيه ويفرج بين الأصابع
فإذا اعتدل لم
__________________
يرفع يديه وضم الأصابع بعضها إلى بعض كما كانت ويلزق يديه مع الفخذين ثم
يكبر ويرفعهما قبالة وجهه كما هي ملتزق الأصابع فيسجد. الحديث». وهو وان تضمن ضم
الأصابع إلا انه تضمن تفريق الخنصر دون الإبهام فهو لا يصلح لأن يكون دليلا في
المقام ، وظاهره ضم الأصابع كملا في تكبير السجود.
(المسألة
الرابعة) ـ قد تقدم استحباب اضافة ست تكبيرات للافتتاح مع تكبيرة الإحرام وهو مما
لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وانما الخلاف في عموم هذا الحكم
للفرائض والنوافل أو لخصوص الفرائض أو بانضمام مواضع مخصوصة من النوافل لا جميعها
كما هو القول الأول؟ أقوال ، وبالأول صرح المحقق في المعتبر والعلامة وابن إدريس
واختاره السيد السند في المدارك والظاهر انه المشهور بين الأصحاب ونقل عن المرتضى (رضياللهعنه)
في المسائل المحمدية انه خصها بالفرائض دون النوافل وعن ابن الجنيد انه خصها
بالمنفرد.
وقال الشيخ
المفيد (نور الله مرقده) يستحب التوجه بسبع تكبيرات في سبع صلوات. قال الشيخ في
التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين في رسالته ولم أجد به خبرا مسندا وتفصيلها ما ذكره
: أول كل فريضة وأول ركعة من صلاة الليل وفي المفردة من الوتر وفي أول ركعة من
ركعتي الزوال وفي أول ركعة من نوافل المغرب وفي أول ركعة من ركعتي الإحرام ، فهذه
الستة مواضع ذكرها علي بن الحسين (قدسسره) وزاد الشيخ ـ يعني المفيد ـ الوتيرة. انتهى.
أقول : ينبغي
ان يعلم ان ما ذكره علي بن الحسين (قدسسره) في رسالته انما أخذه من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت
وستعرف في غير مقام مما تقدم وسيأتي حيث قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور «ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد
التكبير فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل والمفردة
من الوتر وأول ركعة من نوافل المغرب وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي
الإحرام وأول ركعة من ركعات الفرائض» انتهى. ورواه الصدوق في كتاب الهداية
مرسلا ومن الظاهر انه من هذا الكتاب كما عرفت.
احتج السيد
السند (قدسسره) في المدارك على ما اختاره من القول الأول بإطلاق
الأحاديث ، قال وقد تقدم طرف منها في ما سبق ثم قال :
وروى الشيخ في
الصحيح عن زيد الشحام قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك ، قلت : فالسبع؟ قال ذلك
الفضل». وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انه خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إلى الصلاة وقد كان الحسين (عليهالسلام) ابطأ. الحديث». وقد تقدم قريبا ثم نقل حسنة الحلبي أو صحيحته المتقدمة المشتملة على التكبيرات السبع والأدعية الثلاثة بينها.
أقول : ما ذكره
من إطلاق الأحاديث أشار به إلى الأخبار التي قدمناها في الأمر الثالث من المسألة
الثالثة ، وأنت خبير بأنه وان كان الأمر كما ذكره بالنسبة إلى إطلاق الأخبار إلا
انه مدخول بأنه من المحتمل قريبا حمل الإطلاق على الفريضة سيما اليومية التي هي
الفرض المتكرر الشائع المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق كما صرحوا به في غير موضع
سيما ان جملة منها ظاهرة كالصريح في الفريضة كأخبار العلل بزيادة هذه التكبيرات من
أحاديث الحسين (عليهالسلام) واخبار الحجب فإنها كلها ظاهرة كالصريح في الفريضة
واخبار الامام فإنها كذلك.
وأنت إذا راجعت
الأخبار وتأملتها بعين التفكر والاعتبار وضممت بعضها إلى بعض ظهر لك صحة ما قلناه
وقوة ما اخترناه ، وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره علي بن الحسين بن بابويه لاعتماده
فيه على الكتاب المذكور.
ويعضده أيضا ما
رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس
__________________
(رضوان الله عليه) في كتاب فلاح السائل عن التلعكبري عن محمد بن همام عن
عبد الله ابن علاء المذاري عن ابن شمون عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال قال : «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير : في
أول الزوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر ، وقد يجزئك في ما سوى ذلك من التطوع ان
تكبر تكبيرة لكل ركعتين».
وظاهر الخبر ان
المراد ثلاثة مواطن يعني بعد الفرائض كما يشير اليه قوله «قد يجزئك في ما سوى ذلك
من التطوع» وقد حمله ابن طاوس في الكتاب المذكور على التأكيد في هذه الثلاثة بعد
تخصيصه الاستحباب بسبعة مواضع بإلحاق الفريضة واولى نافلة المغرب والوتيرة وركعتي
الإحرام. وظاهره كما ترى موافقة الشيخ المفيد (قدسسره) في ضم الوتيرة إلى الستة المتقدمة في كتاب الفقه
الرضوي.
وقال شيخنا
المجلسي في البحار بعد نقله كلام علي بن بابويه المطابق لعبارة كتاب الفقه كما عرفت
: ويمكن حمله على تأكد الاستحباب في تلك المواضع لا نفيه عن غيرها. وفيه ان ذلك
فرع الدليل الظاهر في العموم وقد عرفت ما فيه.
(المسألة
الخامسة) ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى : زاد ابن الجنيد بعد التوجه استحباب
تكبيرات سبع و «سبحان الله» سبعا و «الحمد لله» سبعا و «لا إله إلا الله» سبعا من
غير رفع يديه ونسبه إلى الأئمة (عليهمالسلام) وروى زرارة عن الباقر (عليهالسلام) «إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح احدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير
أجزأك». انتهى.
أقول : ظاهر
كلامه (قدسسره) في نقل مذهب ابن الجنيد انه يستحب سبع تكبيرات سوى
التكبيرات الافتتاحية المشهورة ويمكن حمل التوجه على الكناية
__________________
عن تكبيرة الإحرام خاصة فتكون السبع المذكورة بعدها ، وكيف كان فهو مخالف
لما عليه الأصحاب.
وقال في
النفلية : وروى التسبيح بعده سبعا والتحميد سبعا. قال شيخنا الشهيد الثاني في
شرحها : ذكره ابن الجنيد ونسبه إلى الأئمة (عليهمالسلام) ولم نقف عليه وكذا اعترف المصنف في الذكرى بذلك.
انتهى.
أقول : قد روى
الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) وذكر حديث تكبيرات الافتتاح ثم قال : «قال زرارة فقلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) فكيف نصنع؟ قال تكبر سبعا وتحمد سبعا وتسبح سبعا وتحمد
الله وتثني عليه ثم تقرأ». ولعل هذا الخبر هو المستند لما ذكره ابن الجنيد إلا ان
ابن الجنيد ذكر التهليل سبعا والخبر خال من ذلك ولعل الخبر عنده كان كذلك ، ويؤيده
ما نقله بعض مشايخنا عن بعض الثقات انه رأى هذا الخبر في بعض النسخ بعد قوله «وتسبح
سبعا» و «تهلل سبعا» كما ذكره ابن الجنيد.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ما ذكره في النفلية بعيد الانطباق على مذهب ابن الجنيد وان كان شيخنا
الشهيد الثاني قد فسره به ، لأن ابن الجنيد ـ كما عرفت ـ ذكر التسبيح سبعا
والتهليل سبعا ومع فرض ان يكون المصنف فهم من التكبير سبعا في كلام ابن الجنيد
التكبيرات السبع بإضافة تكبيرة الإحرام إليها فلم يذكره لموافقته لكلام الأصحاب وانما
أراد التنبيه على ما لم يتعرضوا له إلا انه ينافيه حذف التهليل وعدم ذكره. ولعل
المصنف اطلع على رواية زرارة المذكورة وأشار بقوله «روى» إليها لا إلى ما نقل عن
ابن الجنيد دعوى الرواية به فإنه بعيد عن ظاهر هذه العبارة ، وكلامه إلى الانطباق
على ظاهر الصحيحة المذكورة ـ بحمله التكبير سبعا فيها على تكبيرات الافتتاح
المشهورة فلم يذكره وانما
__________________
ذكر التسبيح
والتحميد كما في الخبر ـ أقرب منه إلى الانطباق على كلام ابن الجنيد كما فهمه
الشارح.
واما رواية
زرارة التي ذكرها فصورتها على ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح والصدوق أيضا في
الصحيح عن زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين
تكبيرة ثم نسيت التكبير كله ولم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها».
والخبر المذكور
محمول على الرباعية والمراد بالاستفتاح الإحرام أي إذا كبرت بعدها احدى وعشرين
تكبيرة ـ وهي مجموع التكبيرات المستحبة في الرباعية ، إذ في كل ركعة خمس تكبيرات
واحدة للركوع ولكل سجدة اثنتان فيكون في الأربع الركعات عشرون تكبيرة وتكبيرة
القنوت وهي تمام العدد المذكور ـ فإذا نسيت جميع التكبيرات المستحبة في أماكنها
أجزأك عنها التكبير الأول على ارادة الجنس اي الإحدى والعشرين المتقدمة أولا ،
فعلى هذا يكون في الثلاثية ست عشرة تكبيرة وفي الثنائية إحدى عشرة كل ذلك سوى
تكبيرة الافتتاح.
ويؤكد ذلك وان
كان واضحا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «التكبير في صلاة الفرض ـ الخمس الصلوات ـ خمس
وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمس». ورواه أيضا عن علي عن أبيه عن ابن
المغيرة وفسرهن : في الظهر احدى وعشرون تكبيرة وفي العصر احدى
وعشرون تكبيرة وفي المغرب ست عشرة تكبيرة وفي العشاء الآخرة احدى وعشرون تكبيرة
وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة وخمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات.
__________________
أقول : ظاهر
هذه الأخبار طرح الست المستحبة الافتتاحية ، ولعل طرحها في صحيحة زرارة محمول على
الاكتفاء بتلك التكبيرات التي يقدمها وفي هذين الخبرين باعتبار تأكد هذه التكبيرات
زيادة عليها فإنها من أصل الصلاة قبل تلك الست التي تجددت لتلك العلل المذكورة. والله
العالم.
الفصل الثالث في القيام
وفيه مسائل (الأولى)
ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان القيام ركن في الصلاة متى أخل به مع
القدرة عمدا أو سهوا بطلت صلاته ، قال في المعتبر وعليه إجماع العلماء.
وفي تعيين
الموضع الركني منه أقوال : فنقل عن العلامة الحكم بركنيته كيف اتفق وفي المواضع
التي لا تبطل بزيادته يكون مستثنى بالنص كغيره. وقيل ان الركن منه ما اتصل
بالركوع. ولم نقف لهما على دليل. وقيل انه تابع لما وقع فيه ومنقسم بانقسامه في
الركنية والوجوب والاستحباب.
وهذا القول
الأخير نقل عن شيخنا الشهيد (قدسسره) قال ان القيام بالنسبة إلى الصلاة على أنحاء : فالقيام
في النية شرط كالنية ، والقيام في التكبير تابع له في الركنية والقيام في القراءة
واجب غير ركن ، والقيام المتصل بالركوع ركن فلو ركع جالسا بطلت صلاته وان كان
ناسيا ، والقيام من الركوع واجب غير ركن إذ لو هوى من غير رفع وسجد ناسيا لم تبطل
صلاته ، والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب.
واستشكل ذلك
المحقق الشيخ علي بان قيام القنوت متصل بقيام القراءة فهو في الحقيقة كله قيام
واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب؟
ورد بان مجرد
اتصاله به مع وجود خواص الندب فيه لا يدل على الوجوب والحال انه ممتد يقبل
الانقسام إلى الواجب والندب.
واعترض بان
القيام المتصل بالركوع هو بعينه القيام في القراءة إذ لا يجب قيام آخر بعدها قطعا
فكيف يجتمع فيه الركنية وعدمها؟
وأجيب بأنه لا
يلزم من اتصاله بالركوع كونه للقراءة بل قد يتفق لا معها كناسي القراءة فإن القيام
كاف وان وجب سجود السهو ، وكذا لو قرأ جالسا ناسيا ثم قام وركع تأدى الركن به من
غير قراءة ، وعلى تقدير القراءة فالركن منه هو الأمر الكلي وهو ما صدق عليه اسم
القيام متصلا بالركوع وما زاد على ذلك موصوف بالوجوب لا غير ، وهذا كالوقوف بعرفة
من حيث هو كلي ركن ومن حيث الاستيعاب واجب لا غير.
واعترض أيضا
بأنه على تقدير اتصاله بالركوع لا يتصور زيادته ونقصانه لا غير حتى ينسب بطلان
الصلاة إليه ، فإن الركوع ركن قطعا وهو اما مزيد أو ناقص وكل منهما مبطل من جهة
الركوع ، فلا فائدة في إطلاق الركنية على القيام.
وأجيب بأن
استناد البطلان إلى مجموع الأمرين غير ضائر فإن علل الشرع معرفات للاحكام لا علل
عقلية فلا يضر اجتماعها.
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في الروضة انه لا مستند للركنية في القيام إلا الإجماع ولولاه لأمكن
القدح في ركنيته لأن زيادته ونقصانه لا يبطلان إلا مع اقترانه بالركوع ومعه يستغنى
عن القيام لأن الركوع كاف في البطلان. انتهى.
وقال في الروض
: وحيث قد نقل المصنف الاتفاق على ركنية القيام ولم تتحقق ركنيته إلا بمصاحبة
الركوع خصت بذلك إذ لا يمكن القول بعد ذلك بأنه غير ركن مطلقا لانه لا يصح خلاف
الإجماع ، بل لو قيل بان القيام ركن مطلقا أمكن وعدم بطلان الصلاة بزيادة بعض
افراده ونقصها لا يخرجه عن الركنية فإن زيادته ونقصانه قد اغتفرا في مواضع كثيرة
للنص فليكن هذا منها بل هو أقوى في وضوح النص. انتهى.
أقول :
والتحقيق في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة
والسلام) ان يقال لا اشكال ولا ريب في ان القيام في الصلاة في الجملة مما
قد دل على وجوبه الكتاب العزيز والسنة المطهرة.
(اما الأول)
فقوله عزوجل «الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً»
فروى الكليني
في الحسن عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليهالسلام) في هذه الآية قال «الصحيح يصلي قائما ، وقعودا المريض
يصلي جالسا ، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا».
وروى العياشي
في تفسيره عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول في قول الله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ). قياما الأصحاء وقعودا يعني المرضى وعلى جنوبهم قال اعل
ممن يصلي جالسا وأوجع».
وفي تفسير
النعماني بسنده عن علي (عليهالسلام) في حديث قال فيه : «واما الرخصة فهي الإطلاق بعد النهي.
الى ان قال ومثله قوله عزوجل (فَإِذا قَضَيْتُمُ
الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) ومعنى الآية ان الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي قاعدا
ومن لم يقدر ان يصلي قاعدا صلى مضطجعا ويومئ إيماء. فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة».
و (اما الثاني)
فمنه ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) في حديث : وقم منتصبا فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال من لم يقم صلبه فلا صلاة له». ورواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن زرارة مثله .
وروى في الكافي
في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له». ورواه البرقي
في المحاسن عن أبي بصير مثله .
وظاهر هذين
الخبرين الركنية لدلالتهما على وجوب الانتصاب في الصلاة بلا انحناء ولا انخناس فان
الصلب هو عظم من الكاهل إلى العجب وهو أصل الذنب وإقامته تستلزم الانتصاب فالإخلال
بذلك عمدا أو سهوا موجب لبطلان الصلاة (ولو قيل) ان لفظ «لا صلاة له» قد استعمل
كثيرا في نفي الكمال دون نفي الصحة (قلنا) لا ريب ان هذا الاستعمال مجاز خلاف
حقيقة اللفظ المذكور ، وقيام الدليل على المجاز في تلك المواضع لا يستلزم الخروج
عن الحقيقة مطلقا بل الواجب حمل اللفظ على حقيقته إلى ان يقوم صارف عن ذلك ، سيما
مع تأكد هذين الخبرين بالأخبار الكثيرة الدالة على وجوب القيام كما ستعرف ان شاء
الله تعالى.
نعم يبقى
الكلام في انه من المعلوم ان القيام ليس بركن في جميع الحالات لأن من نسي القراءة
أو أبعاضها أو جلس في موضع القيام لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ومن جلس في موضع
قيام ساهيا أو زاده ساهيا لا تبطل صلاته ، وحينئذ فيمكن ان يقال بتخصيص الركن بما
قارن الركوع خاصة وهو الأمر الكلي منه كما تقدم ، ويجاب عن الإيراد بإمكان استناد
البطلان إلى الركوع بالجواب المتقدم من جواز الاستناد إليهما معا. ويمكن ان يقال
ان القيام كيف اتفق ركن وعدم البطلان بزيادته ونقصانه مستثنى بالنص ، فإنه مع
تصريحهم بل اتفاقهم على ركنية الركوع قد استثنوا مواضع منه لقيام الدليل عليها ،
كما لو سبق المأموم إمامه سهوا بالركوع ثم تبين له انه لم يركع بعد فإنه يعود
ويركع معه ونحو ذلك مما يأتي ان شاء الله تعالى. أو يقال بالتفصيل الذي ذكره شيخنا
الشهيد (قدسسره). وبالجملة فالمفهوم من الأدلة كما ذكرناه هو الركنية
في الجملة واما تعيين موضع الركن منه فغير معلوم.
__________________
والحق في
المقام ان يقال لا ريب ان تسميتهم هذه الأشياء بالأركان وتفسيرهم الركن بأنه ما
تبطل به الصلاة عمدا وسهوا والواجب ما تبطل به عمدا لا سهوا انما هو أمر اصطلاحي
لا اثر له في النصوص مع انخرام هذه القاعدة عليهم في كثير من المواضع كما عرفت
وستعرف ان شاء الله تعالى ، فالواجب الوقوف في جزئيات الأحكام على النصوص الواردة
في كل منها بالعموم أو الخصوص وإلغاء هذه القاعدة التي لا ثمرة لها ولا فائدة.
والله العالم.
(المسألة
الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الاستقلال في القيام
بمعنى ان لا يستند إلى شيء بحيث لو أزيل السناد سقط ، ونقل عن ابي الصلاح انه ذهب
إلى جواز الاستناد على الوجه المذكور وان كان مكروها.
استدل القائلون
بالقول المشهور بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ولا تستند إلى جدار إلا
ان تكون مريضا». والخمر بالخاء المعجمة والميم المفتوحتين ما وراءك من شجر ونحوه.
وأضافوا إلى
ذلك ان ذلك هو المتبادر من معنى القيام ، ودليل التأسي ، وصحيحة حماد بن عيسى
المتقدمة في تعليم الصادق (عليهالسلام) الصلاة.
والذي يدل على
القول الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يستند إلى حائط
المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال لا بأس.
وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين هل يصلح له ان يتناول
جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ قال لا بأس به».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «سألته عن الرجل يصلي متوكأ على عصا أو على حائط؟ فقال لا بأس
بالتوكؤ على عصا والاتكاء على الحائط».
وعن سعيد بن
يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكأة في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا فقال لا
بأس».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان من ذهب إلى القول الأول حمل هذه الأخبار على الاستناد الذي لا يكون فيه اعتماد
محتجين بان الاستناد والاتكاء في تلك الأخبار أعم مما فيه اعتماد أو لا اعتماد فيه
فيحمل على ما لا اعتماد فيه جمعا بين الأخبار. ومن ذهب إلى العمل بهذه الروايات
الأخيرة حمل صحيحة عبد الله بن سنان على الكراهة. والظاهر هو الثاني ويؤيد حمل
الاستناد في تلك الأخبار على ما فيه اعتماد قوله في صحيحة علي ابن جعفر «من غير
مرض ولا علة» فإن من شأن المريض والعليل الاعتماد لمزيد الضعف كما لا يخفى.
ويؤيده بأوضح
تأييد لا يخفى على جملة الأنام فضلا عن ذوي الأحلام والافهام ـ وان لم يتنبه له
أحد من علمائنا الاعلام ـ ان الاتكاء لغة يطلق على ما فيه اعتماد ، قال الفيومي في
كتاب المصباح المنير : اتكأ وزن افتعل ويستعمل بمعنيين أحدهما الجلوس مع التمكن
والثاني القعود مع تمايل معتمدا على أحد الجانبين ، صرح بذلك في مادة «تكأ» وقال
أيضا في مادة «وكأ» وتوكأ على عصاه اعتمد عليها ، إلى ان قال ابن الأثير والعامة
لا تعرف الاتكاء إلا الميل في القعود معتمدا على أحد الشقين وهو يستعمل في
المعنيين جميعا ، يقال اتكأ إذا أسند ظهره أو جنبه إلى شيء معتمدا عليه وكل من
اعتمد على شيء فقد اتكأ عليه. انتهى.
وحينئذ فمتى
كان الاتكاء حقيقة في الاعتماد فالواجب الحمل عليه حتى تقوم قرينة المجاز الموجبة
للخروج عنه ، ومجرد وجود الخبر الدال على خلاف ذلك ليس من قرائن
__________________
المجاز الموجب لحمل هذه الأخبار على خلاف معناها ، وحينئذ فدعوى انه أعم
مما فيه اعتماد أو لا اعتماد فيه كما بنى عليه جوابهم عن تلك الأخبار ممنوعة لما
عرفت من كلام أهل اللغة ، وعلى هذا فالواجب في مقام التعارض الرجوع إلى المرجحات
ولا ريب انها في جانب هذه الروايات الثلاث فيجب جعل التأويل في تلك الرواية كما
تقدم.
فروع
(الأول) ـ قد
صرح جمع من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك بوجوب الاعتماد على الرجلين
معا في القيام ولم أقف له على دليل ، والفاضل الخراساني في الذخيرة إنما استند في
ذلك إلى كونه المتبادر من الأمر بالقيام منتصبا. وفيه منع ظاهر وعلله في الذكرى
بعد الاستقرار وللتأسي بصاحب الشرع. وفيه منع أيضا فإن الاستقرار لا يتوقف على
الاعتماد عليهما معا بل يحصل الاستقرار بالاعتماد على واحدة. واما التأسي فقد
صرحوا في الأصول بأنه لا يجوز ان يكون دليلا للوجوب فان فعلهم (عليهمالسلام) أعم من ذلك ، مع انه قد روى الكليني في الصحيح عن محمد
بن أبي حمزة عن أبيه قال : «رأيت علي بن الحسين (عليهالسلام) في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى
جعل يتوكأ مرة على رجله اليمنى ومرة أخرى على رجله اليسرى. الحديث». وهو كما ترى
ظاهر الدلالة واضح المقالة في ما ذكرناه ولا معارض له سوى ما ذكروه من تلك
التعليلات العليلة.
ثم انه لا يخفى
أيضا حصول المدافعة بين القول بوجوب الاعتماد على الرجلين وبين القول بجواز
الاعتماد اختيارا على الحائط ونحوه كما ذهب إليه في المدارك وكذا غيره ممن اختار
القول بالجواز هناك وأوجب الاعتماد على الرجلين هنا ، فإنهم قد فسروا الاعتماد ثمة
بأنه لو سقط السناد سقط المصلى ومن الظاهر في هذه الحال انه لا اعتماد على
الرجلين. وإيجابهم الاعتماد على الرجلين في القيام هنا لم يقيدوه بمادة مخصوصة بل
ظاهرهم انه من
__________________
جملة واجبات الصلاة مطلقا. وبالجملة فإن التناقض بين القولين ظاهر كما ترى.
نعم لو رفع
احدى رجليه من الأرض بالكلية وانما وضع واحدة واعتمد عليها فلا إشكال في البطلان
لوقوعه على خلاف الوجه المتلقى من صاحب الشريعة امرا وفعلا
إلا انه روى
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ورفع احدى
رجليه حتى انزل الله تعالى (طه ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) فوضعها».
والواجب حمله
على النسخ بالآية المذكورة المصرحة بالنهي والأخبار الدالة على القيام على القدمين
، قال أمين الإسلام الطبرسي (قدسسره) روى «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يرفع احدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فانزل الله
تعالى الآية فوضعها». قال وروى ذلك عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ولعله أشار إلى هذه الرواية
وقد روى أيضا
في تفسير الآية المذكورة «انه (صلىاللهعليهوآله) كان يقوم على أصابع رجليه في الصلاة حتى تورمت فانزل
الله تعالى عليه (طه) ـ بلغة طي يا محمد (صلىاللهعليهوآله) ـ (ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)».
ويمكن ان يكون
الصلاة كانت مشروعة على هذه الكيفيات ثم نسخ ذلك فوجب الاعتماد على الرجلين معا
كما عليه اتفاق الأصحاب وغيرهم. والله العالم.
(الثاني) ـ لو
أخل بالاستقلال على تقدير القول المشهور فالظاهر من كلام الأصحاب بطلان الصلاة لو
تعمد ذلك للنهي عن الصلاة كذلك والنهي في العبادة موجب للبطلان. ويمكن ان يقال ان
النهى انما هو عن الاستناد وهو أمر خارج عن الصلاة وان كان مقارنا لها فلا يلزم من
النهى عنه النهى عن الصلاة ، فغاية ما يلزم من ذلك
__________________
الإثم خاصة وتصح صلاته نظير ما تقدم من البحث في الصلاة في الثوب والمكان
المغصوبين واما ما أطال به في الذخيرة من الاستدلال على البطلان فظني انه لا يرجع
إلى طائل. وكيف كان فلا ريب ان الاحتياط في ما ذكروه. واما مع النسيان فالظاهر
الصحة كما صرح به جملة من الأصحاب أيضا.
(الثالث) ـ يجب
مع الاستقلال نصب فقار الظهر بفتح الفاء وهو عظامه المنتظمة في النخاع التي تسمى
خرز الظهر جمع فقرة بكسرها ، ويحصل الإخلال بذلك بالانحناء والميل إلى اليمين
واليسار على وجه لا يعد منتصبا عرفا.
ويدل على ذلك
ما تقدم في خبر حماد من قوله «فقام أبو عبد الله (عليهالسلام) مستقبل القبلة منتصبا» وقد تقدم ان معنى الانتصاب
اقامة الصلب ، وان «من لم يقم صلبه فلا صلاة له» . وعدم اقامة الصلب يحصل بالميل إلى أحد الجانبين على
الوجه المتقدم أو الانحناء أو الانخناس.
والظاهر انه لا
يخل بالانتصاب اطراق الرأس وان كان الأفضل إقامة النحر كما تقدم
في مرسلة حريز
من قوله (عليهالسلام) في تفسير قوله عزوجل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ» «النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره».
ونقل عن أبي
الصلاح استحباب إرسال الذقن إلى الصدر. ويرد بعدم المستند بل هذا الخبر ـ كما ترى
ـ ظاهر في رده.
(الرابع) ـ قد
صرح جملة من الأصحاب بأنه لا يجوز تباعد ما بين الرجلين بما يخرج عن حد القيام.
والظاهر ان مستندهم في ذلك العرف فان من أفحش في التباعد بينهما لا يعد قائما
عرفا.
أقول : المفهوم
من الأخبار كما تقدم في شرح صحيحة حماد ان نهاية التباعد بينهما إلى قدر شبر
والاحتياط يقتضي ان لا يزيد على ذلك فإنه من المحتمل قريبا ان يكون
__________________
هذا غاية الرخصة في التباعد بينهما ويقين البراءة يقتضي الوقوف على ذلك.
(الخامس) ـ الظاهر
انه لا إشكال في جواز الاستعانة في حال النهوض والاعتماد على شيء ينهض به كما دلت
عليه صحيحة علي بن جعفر المتقدمة. ونقل عن بعض المتأخرين ـ والظاهر انه المحقق
الثاني في شرح القواعد ـ انه جعل حكمه حكم الاستناد في حال القيام ، وفيه انه لا دليل
عليه بل الدليل كما ترى واضح في خلافه.
(المسألة
الثالثة) ـ لو عجز عن القيام على الوجه المتقدم فإن أمكن الصلاة قائما معتمدا في
جميعها أو بعضها أو كيف أمكن وجب أولا فإن عجز عن ذلك انتقل إلى الجلوس
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع : (الأول) الظاهر انه لا خلاف بينهم في انه لو امكنه القيام
ولو في بعض الصلاة وجب ان يقوم بقدر المكنة منتصبا أو منحنيا مستقلا أو معتمدا ولو
مع تعذر الركوع والسجود فإنه يجب عليه القيام في موضعه وان أومأ للركوع وكذا
للسجود بعد الجلوس إذ لا يسقط وجوب أحدهما مع إمكانه بتعذر الآخر.
ويدل على بعض
هذه الأحكام ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن جميل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا؟ فقال ان الرجل
ليوعك ويحرج ولكنه اعلم بنفسه إذا قوي فليقم».
وأيده بعضهم بقوله
(صلىاللهعليهوآله) «إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم». وقوله (عليهالسلام) «لا يسقط الميسور بالمعسور».
وما ذكرناه ـ من
انه مع إمكان القيام وتعذر الركوع والسجود فإنه يومئ للركوع قائما وللسجود جالسا ـ
قد ادعى عليه في المنتهى الإجماع.
وعلى هذا لو
قدر على الجلوس والانحناء للركوع والسجود ولم يقدر عليه قائما
__________________
أومأ في حال القيام ولا ينتقل إلى الجلوس في الركوع. ويمكن ان يقال انه
يجلس في الصورة المذكورة ويأتي بالركوع الذي هو الانحناء لأن الركوع قد وردت به
الآية وهو عبارة عن مطلق الانحناء ولا تخصيص فيه بكون الانحناء في حال القيام ،
قال في القاموس وكل شيء يخفض رأسه فهو راكع. وعلى هذا يكون الانحناء واجبا كما ان
القيام واجب وحينئذ فيأتي بالقيام في موضعه فإذا أراد الركوع جلس وركع جالسا. وهذا
هو الأوفق بالأصول والقواعد المقررة عندهم إلا ان المشهور هو الأول بل ظاهرهم كما
عرفت الاتفاق عليه
(الثاني) ـ لو
عجز بالكلية ولو على بعض الوجوه المتقدمة انتقل إلى الجلوس وهو إجماعي ، نقل
الإجماع على ذلك غير واحد : منهم ـ المحقق والعلامة.
وتدل عليه
الأخبار الكثيرة ، ومنها صحيحة جميل المتقدمة قريبا وحسنة أبي حمزة المتقدمة في
المسألة الاولى.
وما رواه الشيخ
عن محمد بن إبراهيم عن من أخبره عن الصادق (عليهالسلام) قال : «يصلي المريض قائما فان لم يقدر على القيام صلى
جالسا». وأسنده في الفقيه إلى الصادق (عليهالسلام) .
ونقل مرسلا عن
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انه قال «المريض يصلى قائما فان لم يستطع صلى جالسا». الى
غير ذلك من الأخبار.
وانما الخلاف
بين الأصحاب في حد العجز المسوغ للقعود فالمشهور ان حده العجز عن القيام أصلا وهو
مستند إلى علمه بنفسه «بَلِ الْإِنْسانُ
عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» ونقل عن الشيخ المفيد (قدسسره) ان حد العجز الذي ينتقل معه إلى الجلوس ان لا يتمكن من
المشي بمقدار زمان الصلاة.
واستدل على
القول المشهور بما تقدم من صحيحة جميل ، وما رواه الشيخ في
__________________
الصحيح عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن من أخبره عن أبي جعفر (عليهالسلام) «انه سئل ما حد المرض». وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة قال : «كتبت إلى أبي عبد الله (عليهالسلام) اسأله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه والمرض الذي
يدع صاحبه الصلاة قائما؟ قال (بَلِ الْإِنْسانُ
عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ذاك اليه هو اعلم بنفسه».
والتقريب فيها
انه لو كان للعجز حد معين كما هو مقتضى القول الثاني لبينه (عليهالسلام) في الجواب ولم يجعله راجعا إلى العلم بنفسه الذي هو
عبارة عن القدرة على القيام وعدمها كما هو الظاهر.
ونحوه ما رواه
الصدوق في الصحيح عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن حد المرض الذي يفطر فيه الصائم ويدع الصلاة من قيام؟
فقال : (بَلِ الْإِنْسانُ
عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) وهو اعلم بما يطيقه».
ويدل على ما
نقل عن الشيخ المذكور ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي قال : «قال الفقيه المريض انما يصلى قاعدا إذا صار
بالحال التي لا يقدر فيها ان يمشي مقدار صلاته إلى ان يفرغ قائما».
وردها في
المدارك (أولا) بضعف السند بجهالة الراوي. و (ثانيا) بان ما تضمنته من التحديد غير
مطابق للاعتبار فإن المصلي قد يتمكن ان يقوم بمقدار صلاته ولا يتمكن من المشي
بمقدار زمانها وقد يتمكن من المشي ولا يتمكن من الوقوف ، قال وربما كان ذلك كناية عن
العجز عن القيام. انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) من الطعن في الخبر بالضعف ورميه له من البين قد عرفت
ما فيه (أولا) فيما تقدم من ان هذا الإيراد غير وارد على المتقدمين الذين
__________________
لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا غيرهم ممن لا يرى العمل به أيضا. و (ثانيا)
ان ما ذكره من رد الخبر هنا أيضا من متفرداته وان تبعه فيه من تبعه فإن جملة أرباب
هذا الاصطلاح من المتأخرين قد عملوا بالخبر وفزعوا عليه كما سيظهر لك في المقام ان
شاء الله تعالى.
وفي الذكرى بعد
ان اختار القول المشهور عملا بالأخبار المتقدمة حمل رواية المروزي على من يتمكن من
القيام إذا قدر على المشي للتلازم بينهما غالبا ، قال فلا يرد جواز انفكاكهما ثم
قال : فرع ـ لو قدر على القيام ولم يقدر على المشي وجب. ولو عجز عن القيام مستقرا
وقدر على القيام ماشيا أو مضطربا من غير معاون ففي ترجيحه على القيام ساكنا بمعاون
أو على القعود لو تعذر المعاون نظر أقربه ترجيحهما عليه ، لان الاستقرار ركن في
القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع. وقال الفاضل يجب المشي ولا يصلي قاعدا.
انتهى.
وما اختاره من
تقديم الصلاة جالسا هو ظاهر المحقق الشيخ علي أيضا في شرح القواعد مستندا إلى ان
الطمأنينة أقرب إلى حال الصلاة من الاضطراب عرفا وشرعا والخشوع الذي هو روح
العبادة بها يتحقق. وفيه ان الاعتماد في تأسيس حكم شرعي على مثل هذه التعليلات
مشكل كما أشرنا إليه في غير موضع.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض : ولا يعتبر القدرة على المشي بل لو أمكن القيام من دونه
وجب لانه المقصود الذاتي ، وربما قيل باشتراطه لرواية سليمان المروزي عن الكاظم (عليهالسلام) «المريض انما يصلي قاعدا إذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على المشي
مقدار صلاته». وحملها الشهيد على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي للتلازم
بينهما غالبا ، قال فلا يرد جواز انفكاكهما. وفيه نظر لانه تخصيص للعام من غير
ضرورة ، مع ان الرواية تدل على ان من قدر على القيام ماشيا لا يصلي جالسا بمعنى ان
القيام غير مستقر مرجح على القعود مستقرا وهو اختيار المصنف ، فلا يحتاج إلى تكلف
__________________
البحث عن التلازم بين القيام والمشي غالبا. ورجح في الذكرى الجلوس في هذه
الصورة محتجا بان الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع. والخبر حجة
عليه وكون الاستقرار واجبا في القيام لا يستلزم تقديم الجلوس على القيام بدونه فإن
المشي يرفع وصف القيام وهو الاستقرار والجلوس يرفع أصله وفوات الوصف خاصة أولى من
فوات الموصوف ، ومن ثم اتفق الجماعة على ان من قدر على القيام معتمدا على شيء وجب
مقدما على الجلوس مع فوات وصف القيام وهو الاستقلال. نعم بالغ المصنف فرجح القيام
ماشيا مستقلا عليه مع المعاون. ويضعف بأن الفائت على كل تقدير وصف من القيام
أحدهما الاستقرار والآخر الاستقلال فلا وجه لترجيح الثاني ، نعم يتجه ترجيح الأول
لما تقدم في حجة ترجيح القعود على المشي إذ لا معارض لها هنا ، ولأنه أقرب إلى
هيئة المصلي ، فظهر من ذلك ان التفصيل أجود من إطلاق المصنف ترجيح المشي عليهما
وإطلاق الشهيد القول بترجيحهما عليه. انتهى. وهو جيد وانما نقلناه بطوله لجودة
محصوله وإحاطته بأطراف الكلام في المقام.
إلا ان فيه ان
ما ذكره ـ من كون الاستقرار وصفا للقيام. الى آخر ما فرعه على ذلك ـ يمكن خدشه بان
الظاهر ان الاستقرار ليس من أوصاف القيام بل هو وصف من أوصاف المصلي معتبر في صحة
صلاته قائما كان أو قاعدا مع الإمكان فترجيح القيام عليه يحتاج إلى دليل ، ولانه
يجتمع هو وضده مع القيام والقعود فلا اختصاص له بالقيام. نعم جوابه يصلح إلزاما
للشهيد حيث ان ظاهره ذلك واما في التحقيق فلا ، وعلى هذا فالأولى الرجوع إلى دلالة
الخبر على الحكم المذكور من تقديم الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا.
أقول : والحق
ان الخبر المذكور محتمل لمعنيين (أحدهما) ما ذكره شيخنا الشهيد (قدسسره) في الذكرى من ان من يقدر على المشي بقدر الصلاة يقدر
على الصلاة غالبا ، وعلى هذا فلا يكون في الخبر منافاة للقول المشهور فان مرجعه
إلى انه انما يصلي قاعدا إذا لم يقدر
على القيام. و (ثانيهما) ما فهمه الأكثر من ان من قدر على المشي مصليا ولم
يقدر على القيام مستقرا فحكمه الصلاة ماشيا دون الصلاة جالسا ، إلا ان الظاهر هو
رجحان الاحتمال الثاني وبه يظهر قوة ما ذكره في الروض واختاره من القول بتقديم
الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا كما هو المنقول عن الشيخ المفيد (قدسسره) وهو اختيار العلامة أيضا على ما نقله عنه في الذكرى
كما تقدم في الروض إلا انه بالغ في ذلك أيضا فقال بتقديم الصلاة ماشيا على الصلاة
قائما معتمدا ، والمشهور بين الأصحاب هو تقديم القيام مطلقا مستقلا أو معتمدا
وانما الخلاف في ما لو تمكن من الصلاة ماشيا هل يقدم على الجلوس مستقرا أم لا؟
ومن ذلك ظهر ان
في المسألة أقوالا ثلاثة (أحدها) ما ذهب اليه الشيخ المفيد وشيخنا الشهيد الثاني
من انه متى قدر على الصلاة ماشيا بعد تعذر الصلاة قائما معتمدا فإنه يقدمه على
الجلوس. و (ثانيها) ما نقل عن العلامة من ترجيح الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا
وقائما مستقرا معتمدا. و (ثالثها) ما ذكره في الذكرى من ترجيح القيام معتمدا
مستقرا ثم الجلوس مستقرا على الصلاة ماشيا وهو عكس ما ذهب إليه العلامة.
(الثالث) ـ اعلم
ان العجز المسوغ للقعود وكذا في سائر المراتب الآتية يتحقق بحصول الألم الشديد
الذي لا يتحمل ولا يعتبر العجز الكلي ، وبه صرح غير واحد من الأصحاب في جملة من
الأبواب ، وهو المفهوم أيضا من ظاهر السنة والكتاب.
وكما انه يجوز
الانتقال إلى المرتبة الدنيا مع العجز عن المرتبة العليا بحصول الألم الشديد كذلك
يجوز الانتقال عنها باخبار الطبيب بالبرء في المرتبة الدنيا بعلاج ونحوه.
كما يدل عليه صحيحة
محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون
نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك وقال (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ
فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ».
__________________
وموثقة سماعة قال : «سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء
منها فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من
الصلاة الأيام وهو على حال؟ فقال لا بأس بذلك وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله
الله لمن اضطر اليه».
وما رواه
الحسين بن بسطام في كتاب طب الأئمة بسنده عن عبد الله بن المغيرة عن بزيع المؤذن قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اني أريد أن أقدح عيني؟
فقال استخر
الله وافعل. فقلت هم يزعمون انه ينبغي للرجل ان ينام على ظهره كذا وكذا ولا يصلي
قاعدا؟ قال افعل».
قوله في الخبر
الأول «كذلك يصلي» على الاستفهام بحذف الهمزة اي أكذلك يصلي؟
وظاهر الأخبار
جواز العمل بقول الأطباء في ترك القيام وان كانوا غير عدول بل فسقة أو كفارا ، والظاهر
انه لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم ولا غيره من الأحكام.
قال العلامة في
التذكرة : لو كان به رمد وهو قادر على القيام فقال العالم بالطب إذا صلى مستلقيا
رجى له البرء جاز ذلك ، وبه قال أبو حنيفة والثوري وقال مالك والأوزاعي لا يجوز
لان ابن عباس لم يرخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا انتهى وظاهره ان الخلاف انما هو بين العامة دون الخاصة.
وخبر ابن عباس
المشار إليه في كلامه هو ما روى من ان ابن عباس (رضياللهعنه) لما كف بصره أتاه رجل
فقال له ان صبرت على سبعة أيام لا تصلي إلا مستلقيا داويت عينيك ورجوت ان تبرأ
فأرسل إلى بعض الصحابة كأم سلمة وغيرها يستفتيهم في ذلك فقالوا لو متّ في هذه
الأيام ما الذي تصنع في الصلاة؟ فترك المعالجة.
أقول : والخبر
المذكور عامي لا يعارض ما ذكرناه من اخبارهم (عليهمالسلام) ومن البعيد بل الأبعد ان ابن عباس مع عدم علمه
بالمسألة يستفتي الصحابة مع وجود الحسن والحسين
__________________
(عليهماالسلام) معه وهو عالم بإمامتهما ووجوب الطاعة لهما.
(الرابع) ـ انه
مع الانتقال إلى القعود فإنه لا يختص بكيفية وجوبا بل يجلس كيف اتفق ، نعم يستحب
له ان يتربع قارئا ويثنى رجليه راكعا ويتورك بين السجدتين وعند التشهد. وفسروا
التربع هنا بان ينصب فخذيه وساقيه كهيئة جلوس المرأة في الصلاة وقد تقدم وجه
الإشكال في هذه المسألة في الفوائد الملحقة بالأخبار المذكورة في صدر المقدمة
الاولى من المقدمات المتقدمة في الباب الأول وفسروا تثنية رجليه بان يفترشهما تحته ويجلس على
صدورهما بغير إقعاء.
والذي وقفت
عليه من الأخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الشيخ عن حمران ابن أعين عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «كان أبي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه».
وما رواه
الصدوق عن معاوية بن ميسرة «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) قال أيصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال
لا بأس بذلك».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن عبد الله بن المغيرة وصفوان بن يحيى ومحمد بن ابي عمير عن أصحابهم عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الصلاة في المحمل؟ فقال صل متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك».
وما رواه في
الكافي عن معاوية بن ميسرة «أن سنانا سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يمد احدى رجليه بين يديه وهو جالس؟ قال لا
بأس. ولا أراه إلا قال في المعتل والمريض». قال الكليني وفي حديث آخر «يصلي متربعا ومادا رجليه كل ذلك واسع». وتمام الكلام في هذا المقام قد
تقدم في الموضع المشار اليه آنفا.
(الخامس) ـ الظاهر
انه لا خلاف في ان القاعد إذا تمكن من القيام للركوع فإنه يجب عليه القيام ليركع
عن قيام ، لما تقدم من ان القيام المقارن للركوع ركن تبطل
__________________
الصلاة بتركه عمدا وسهوا وحينئذ فمع القدرة عليه يجب الإتيان به.
والظاهر انه لا
تجب الطمأنينة في هذا القيام لأن وجوبها انما كان لأجل القراءة وقد اتى بها ، قال
في الذكرى : ولو خف بعد القراءة وجب القيام للركوع وهل تجب الطمأنينة في هذا
القيام قبل الهوى؟ قال الفاضل لا تجب بناء على ان القيام انما تجب الطمأنينة فيه
لأجل القراءة وقد سقطت. ويحتمل الوجوب (اما أولا) فلضرورة كون الحركتين المتضادتين
في الصعود والهبوط بينهما سكون فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما. و (اما ثانيا)
فلان ركوع القائم يجب ان يكون عن طمأنينة وهذا ركوع قائم. (واما ثالثا) فلان معه
يتيقن الخروج عن العهدة. أقول : فيه ما عرفت في غير مقام من عدم صلاحية أمثال هذه
التخريجات لتأسيس حكم شرعي ، ويزيده بيانا ان الأول من هذه التعليلات خارج عن محل
البحث ، فان الكلام في وجوب ذلك من حيث ترتب صحة الصلاة عليه لا من حيث حصول الفصل
بين الحركتين المتضادتين. والثاني على تقدير تسليمه انما يثبت في صلاة القائم واما
في صلاة الجالس فيحتاج إلى دليل ، وقياس أحدهما على الآخر قياس مع الفارق لأن
الصورة المقاس عليها حال اختيار والمقيسة حال اضطرار. والثالث غاية ما يفيده
الأولوية والاستحباب دون الوجوب لانه نوع احتياط. ثم قال في الذكرى : ولا يستحب
إعادة القراءة هنا لعدم الأمر بتكرارها في الركعة الواحدة وجوبا ولا ندبا. وهو جيد.
ثم قال ولو خف في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة وجب إكماله بأن يرتفع منحنيا إلى حد
الراكع وليس له الانتصاب لئلا يزيد ركوعا ثم يأتي بالذكر قائما لأنه لم يكن أكمله
، فإن اجتزأنا بالتسبيحة الواحدة لم يجز البناء هنا لعدم سبق كلام تام إلا ان نقول
هذا الفصل لا يقدح بالموالاة ، وان أوجبنا التعدد اتى بما بقي قطعا. ولو خف بعد
الطمأنينة قام للاعتدال من الركوع وجبت الطمأنينة في الاعتدال. ولو خف بعد
الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فيه قام ليطمئن. ولو خف بعد الطمأنينة في
الاعتدال فالأقرب وجوب القيام ليسجد عن قيام كسجود القائم ، وفي وجوب الطمأنينة في
هذا القيام بعد إلا إذا
عللناه بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين فتجب الطمأنينة. انتهى. وفي كثير
من هذه المواضع اشكال لعدم الدليل الواضح فيها كما لا يخفى على المتأمل إلا انه
يمكن اندراجها تحت القواعد المقررة في أمثال هذه المقامات. والله العالم.
(المسألة
الرابعة) ـ لو عجز عن القعود مستقلا فإنه يقعد معتمدا أو منحنيا ومع العجز عن ذلك
فإنه يصلي مضطجعا مقدما للجانب الأيمن على الأيسر وقيل بالتخيير بينهما ، ومع
العجز عن الجانبين يصلي مستلقيا.
وتفصيل هذه
الجملة انه لا خلاف بينهم في انه لو عجز عن القعود بجميع وجوهه المتقدمة فإنه
ينتقل إلى الاضطجاع ، ويدل عليه زيادة على الاتفاق عدة من الروايات :
منها ـ ما تقدم
من الروايات التي في تفسير قوله عزوجل «الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال فليصل وهو
مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ عنه ولن يكلف الله ما لا طاقة له به».
وعن عمار في
الموثق عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا كيف قدر صلى
اما ان يوجه فيومى إيماء ، وقال يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جنبه
الأيمن ثم يومئ بالصلاة فان لم يقدر ان ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له
جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء».
وروى المحقق في
المعتبر قال : «روى أصحابنا عن حماد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال «المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا يوجه كما يوجه
الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة فان لم يقدر على جانبه
الأيمن فكيف ما قدر فإنه
__________________
جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء». وهذا الخبر نقله أيضا
الشهيدان في الذكرى والروض.
وظاهر الفاضل
الخراساني في الذخيرة ان هذه الرواية رواية عمار المذكورة وان المحقق في المعتبر
أسندها إلى حماد وتبعه الشهيدان ، حيث قال بعد موثقة عمار المذكورة : وفي متن هذه
الرواية اضطراب ونقلها في المعتبر بوجه آخر وتبعه على ذلك الشهيدان وهو هذا «المريض
إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده» وهي على هذا الوجه تسلم
من الاضطراب وأسندها إلى حماد وهي كذلك في بعض نسخ التهذيب. انتهى
وظني بعد ما
تمحله وما ادري ما الحامل له على ذلك مع ان المحقق في المعتبر كثيرا ما ينقل
اخبارا زائدة على ما في الكتب الأربعة من الأصول التي عنده. وما ذكره من التعلل
بالاضطراب وانه برواية المحقق تسلم من الاضطراب فلا يخفى على المتتبع لروايات عمار
ما في كثير منها من الغرائب والاضطراب كما نبهنا عليه في غير موضع مما تقدم. ونسخ
المعتبر وكذا كتابي الشهيدين متفقة على حماد دون عمار. وبالجملة فالظاهر عندي انها
رواية مستقلة متنا وسندا.
وروى الصدوق
مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المريض يصلي قائما فان لم يستطع صلى جالسا فان لم
يستطع صلى على جنبه الأيمن فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر فان لم يستطع استلقى
وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده اخفض من ركوعه».
وروى في الكافي
عن محمد بن إبراهيم عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يصلي المريض قائما فان لم يقدر على ذلك صلى
قاعدا فان لم يقدر صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح
ثم يفتح عينيه ويكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم
يسبح فإذا سبح فتح
__________________
عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف».
وروى في
التهذيب بسنده عن محمد بن إبراهيم عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ورواه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يصلي المريض قائما فان لم يقدر على ذلك صلى
جالسا فان لم يقدر على ذلك صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه
ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا أراد ان يسجد
غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم
يتشهد وينصرف».
وروى الصدوق في
كتاب عيون اخبار الرضا عن عبد السلام بن صالح الهروي وبأسانيد ثلاثة أخرى عن الرضا
عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا لم يستطع الرجل ان يصلي قائما فليصل جالسا فان لم
يستطع فليصل مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء».
وقال في كتاب
دعائم الإسلام «وروينا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سئل عن صلاة العليل فقال يصلي قائما فان لم يستطع صلى
جالسا. إلى ان قال فان لم يستطع ان يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى
القبلة فان لم يستطع ان يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة
يومئ إيماء».
وبالجملة فإن
الأخبار وكلام الأصحاب متفق على الانتقال إلى الاضطجاع بعد تعذر القعود وانما
الخلاف في الموضعين المذكورين في كيفية الاضطجاع التي ينتقل إليها فظاهر الأخبار
كما عرفت وظاهر كلام جملة من الأصحاب التخيير بين الاضطجاع على الجانب الأيمن
والجانب الأيسر وبه صرح الشيخ في موضع من المبسوط وهو ظاهر
__________________
المحقق في الشرائع والنافع والعلامة في الإرشاد.
وقال في
المعتبر : ومن عجز عن القعود صلى مضطجعا على جانبه الأيمن مومئا وهو مذهب علمائنا
، ثم قال : وكذا لو عجز عن الصلاة على جانبه صلى مستلقيا. ولم يذكر الجانب الأيسر
، ونحوه في المنتهى. وظاهرهما تعيين الجانب الأيمن خاصة.
وقال العلامة
في التذكرة بعد ان ذكر الاضطجاع على الجانب الأيمن : ولو اضطجع على شقه الأيسر
مستقبلا فالوجه الجواز. وظاهره التخيير أيضا وبه قطع في النهاية لكنه قال ان
الأيمن أفضل.
وجزم الشهيد
ومن تأخر عنه بوجوب تقديم الأيمن على الأيسر وهو الأظهر بحمل مطلق الأخبار على
مقيدها ، ويدل على ما قلناه صريحا مرسلة الصدوق عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وهو ظاهر روايتي عمار وحماد المتقدمتين ، ودعوى
الاتحاد بعيد كما عرفت ، والتقريب فيهما ان ظاهر قوله (عليهالسلام) «فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر» وان كان
يقتضي استواء الاستلقاء والاضطجاع على الأيسر عند تعذر الأيمن إلا ان قوله «ويستقبل
بوجهه القبلة» يدل على الانتقال إلى الأيسر لأن به يحصل الاستقبال بالوجه حقيقة
دون الاستلقاء. واما ما في بقية رواية عمار من التهافت كما في كثير من رواياته فلا
يضر بعد ظهور المطلوب منها.
وبذلك يظهر ضعف
القول بالتخيير استنادا إلى إطلاق بعض أخبار المسألة ، وأضعف منه قول من اقتصر على
الجانب الأيمن ثم الاستلقاء مع تعذره ولم يذكر الجانب الأيسر كما هو ظاهر الفاضلين
في المعتبر والمنتهى وان دل عليه الخبر المتقدم نقله عن كتاب دعائم الإسلام ، إلا
انه معارض بما نقلناه من الأخبار الثلاثة مضافا إلى ما عرفت من عدم الاعتماد على
اخبار الكتاب المذكور وان صلحت للتأييد. وبالجملة فإن فيه إلغاء لهذه الأخبار التي
ذكرناها.
بقي الكلام في
الأخبار الدالة على الانتقال إلى الاستلقاء بعد تعذر الجلوس ،
قال في المعتبر بعد نفل رواية حماد المتقدمة : وفي رواية محمد بن إبراهيم
عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ثم ساق الخبر كما قدمناه ، ثم قال وهذه تدل على انتقاله
بعد العجز عن الصلاة قاعدا إلى الاستلقاء لكن الرواية الأولى أشهر وأظهر بين
الأصحاب لأنها مسندة وهذه مجهولة الراوي. وقال في المدارك : وربما وجد في بعضها
انه ينتقل إلى الاستلقاء بالعجز عن الجلوس وهو متروك. انتهى.
وبالجملة فإن
هذه الأخبار لا قائل بها ويؤيد ضعفها والاعراض عنها انها مخالفة لظاهر الآية أعني
قوله سبحانه «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً
وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ» التي قدمنا تفسيرها بالأخبار الدالة على التفصيل
بالصلاة قائما أو قاعدا ان ضعف عن القيام أو على الجنب ان ضعف عن القعود ، ومن
الظاهر عدم دخول المستلقي في ذلك.
والأظهر حمل
هذه الأخبار على التقية كما صرح به شيخنا المجلسي في البحار وبذلك أيضا صرح
الفاضل الخراساني في الذخيرة فقال بعد ذكر خبر عمار ومرسلة محمد ابن إبراهيم :
والجمع بين الروايتين بحمل المرسلة المذكورة على التقية غير بعيد. انتهى وبذلك
يظهر لك قوة ما اخترناه.
وتمام التحقيق
في المقام يتوقف على بيان أمور (الأول) المشهور انه يجب الإيماء في حالتي الصلاة
مضطجعا على جنبه أو مستلقيا بالرأس ان أمكن وإلا فبالعينين لكل من الركوع والسجود.
__________________
ومتى كان
الإيماء بالرأس فليكن الإيماء للسجود اخفض من الركوع كما تقدم في مرسلة الفقيه عنه
(صلىاللهعليهوآله).
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) دخل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح فقال يا رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) كيف أصلي؟ فقال ان استطعتم ان تجلسوه فأجلسوه وإلا
فوجهوه إلى القبلة ومروه فليوم برأسه إيماء ويجعل السجود اخفض من الركوع وان كان
لا يستطيع ان يقرأ فاقرأوا عنده وأسمعوه».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود؟
قال يومئ برأسه إيماء ، وان يضع جبهته على الأرض أحب الي».
وروى في الفقيه
والتهذيب عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل شيخ كبير لا يستطع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا
يمكنه الركوع والسجود؟ فقال ليوم برأسه إيماء وان كان له من يرفع الخمرة إليه
فليسجد فان لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء. الحديث».
واما انه مع
العجز عن الإيماء بالرأس فبالعينين وهو عبارة عن تغميضهما حال الركوع والسجود كما
تقدم في مرسلة محمد بن إبراهيم برواية المشايخ الثلاثة إلا ان موردها الاستلقاء ومورد الإيماء بالرأس في
الروايات المتقدمة الاضطجاع على أحد الجانبين والأصحاب قد رتبوا بينهما في كل من
الموضعين ، والوقوف على ظاهر الأخبار أولى إلا مع عدم إمكان الإيماء بالرأس من
المضطجع فإنه لا مندوحة عن الانتقال إلى الإيماء بالعينين. ولعل الأخبار انما خرجت
مخرج الغالب من ان النائم على أحد جنبيه لا يصعب عليه الإيماء برأسه والمستلقي
لمزيد الضعف لا يمكنه الإيماء بالرأس.
__________________
(الثاني) ـ الظاهر
انه لا خلاف بينهم في انه لو قدر المريض الذي فرضه الإيماء بالرأس سواء كان جالسا
أو مضطجعا على رفع موضع السجود والسجدة عليه وجب ذلك لصدق السجود عليه شرعا وان
تعذر بعض شروطه للضرورة ، قال في المدارك : وانما يجزئ الإيماء إذا لم يمكن ان
يصير بصورة الساجد بان يجعل مسجده على شيء مرتفع يضع جبهته عليه. وقال في الذكرى
: ولو أمكن تقريب مسجد اليه ليضع عليه جبهته ويكون بصورة الساجد وجب.
ويدل عليه
رواية الكرخي المتقدمة وكذا صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة فإن قوله (عليهالسلام) «وان يضع جبهته على الأرض» انما هو برفع ما يسجد عليه
، فان مورد الخبر من تعذر عليه السجود وكان حكمه الإيماء ، والمراد بالأرض شيء
منها يرفع اليه
وما رواه الشيخ
في الحسن عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به
القبلة وتجرئه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما امكنه من شيء ويومئ
في النافلة إيماء».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال «سألته عن المريض فقال يسجد على الأرض أو على
المروحة أو على سواك يرفعه وهو أفضل من الإيماء ، إنما كره من كره السجود على
المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وانا لم نعبد غير الله عزوجل قط فاسجد على المروحة أو على عود أو على سواك».
وعن أبي بصير قال : «سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد
عليه؟ قال لا إلا ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها وليس شيء مما حرم الله إلا وقد
أحله لمن اضطر اليه».
(الثالث) ـ هل
يجب ان يضع على جبهته شيئا حال الإيماء أو يستحب؟
__________________
قيل بالأول
لظاهر ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس؟ قال فليصل
وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ عنه ولن يكلف الله ما لا طاقة
له به».
وما رواه
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه
موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا
الإيماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه ويكبر هو.
الحديث».
قال في الذكرى
بعد نقل موثقة سماعة : قلت يمكن ان يراد به مع اعتماده على ذلك الشيء وهذا لا ريب
في وجوبه ، ويمكن ان يكون على الإطلاق اما مع الاعتماد فظاهر واما مع عدمه فلان
السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد فإذا تعذر
ذلك وملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله لأن الميسور لا يسقط بالمعسور . فان قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان مورد الموثقة المذكورة وكذا الرواية الثانية انما هو وضع شيء على الجبهة لا
وضع الجبهة على شيء والاعتماد انما يتم مع الثاني لا الأول.
وظاهر السيد في
المدارك الاستحباب فإنه قال بعد ان ذكر حسنة الحلبي المتقدمة المشتملة على قوله : «وان
يضع جبهته على الأرض أحب الي» ما لفظه : ويستفاد من هذه الرواية استحباب وضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه حال الإيماء ، ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة عن أبي
جعفر (عليهالسلام) ثم ساق الرواية المتقدمة ، ثم قال : وقيل بالوجوب لأن
السجود عبارة عن الانحناء ، ثم ذكر تعليل الذكرى المتقدم ثم قال ويؤيده مضمرة
سماعة ، ثم قال وفي التعليل نظر وفي الرواية ضعف إلا ان العمل بما
__________________
تضمنته أحوط. انتهى.
أقول : أنت
خبير بما ذكرناه ان الكلام هنا يقع في مقامين (أحدهما) وضع الجبهة على ما يصح
السجود عليه ، و (الثاني) وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة كما أشرنا إليه في
المقام من الصورتين المذكورتين ، وان الصورة الأولى تتعين وتجب مع الإمكان كما
عرفت ومحل الخلاف انما هو الثانية ، وحسنة الحلبي وصحيحة زرارة المذكورتان موردهما
الصورة الاولى لا الثانية كما يظهر من كلامه غاية الأمر انهما ليستا في الصراحة
مثل رواية الكرخي وحسنة عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري.
والظاهر ان
السبب في حمله لهما على ما ذكره هو ما صرح به في صدر البحث كما قدمنا نقله عنه من
انه متى أمكن ان يرفع له شيئا يسجد عليه فلا يجوز له الإيماء وهاتان الروايتان
ربما ظهر منهما التخيير مع استحباب وضع الجبهة على الأرض لقوله في الأولى «أحب الي»
وفي الثانية «وهو أفضل من الإيماء» وحينئذ فلا يصح حملهما على إمكان رفع شيء يسجد
عليه لأن ذلك واجب البتة فيتعين حملهما على وضع شيء على الجبهة كما تضمنته موثقة
سماعة.
وفيه ان هذه
العبارة كثيرا ما يرمى بها في مقام الوجوب كما قدمنا الإشارة إليه في مبحث الأوقات
في معنى قولهم (عليهمالسلام) «ان الوقت الأول أفضل». من انه لا يستلزم حصول فضل في الوقت الثاني ، فمعنى
كون الصلاة بهذه الكيفية أحب اليه وأفضل ليس على معنى التفضيل ، وهو كثير في
الكلام كقولهم «السيف امضى من العصا» وقوله تعالى «ما عِنْدَ اللهِ
خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ» ولا ريب في كون الواجب أحب وأفضل.
ويؤيد ما
ذكرناه ان مورد الخبرين كما عرفت هو ان يضع جبهته على الأرض ويسجد على الأرض أو
على مروحة أو سواك والوضع على الأرض والسجود يقتضي
__________________
الاعتماد غالبا ، لا انه يضع الأرض أو المروحة والسواك على جبهته كما هو
مدلول موثقة سماعة وأحدهما غير الآخر.
وبالجملة
فالظاهر من الخبرين انما هو ما قلناه من جعلهما من أدلة المسألة التي لا خلاف فيها
وهو وجوب رفع ما يسجد عليه إذا أمكن كما هو ظاهرهما ، وما يتوهم من منافاة تلك
العبارة فيندفع بما ذكرناه ومثله في الأخبار غير عزيز.
واما ما ذكره
في الذكرى في موثقة سماعة أولا من احتمال حملها على الاعتماد على ذلك الشيء فبعيد
جدا كما عرفت وانما معناها الظاهر هو وضع شيء على الجبهة.
بقي الكلام في
توجيه وجوب ذلك بالتقريب الذي ذكره فإنه محل اشكال لعدم ثبوت الخبر الذي ذكره ،
فانا لم نقف عليه مسندا في كتب الأخبار وانما يتناقله الفقهاء في كتب الفروع مع ما
فيه من الإجمال المانع من الاستناد إليه في الاستدلال.
وبالجملة
فالواجب من السجود يقينا هو الانحناء إلى ان يضع جبهته على الأرض باعتماد ومع تعذر
هذه الكيفية فإيجاب غيرها يحتاج إلى دليل. نعم قام الدليل في صورة ما إذا أمكن ان
يرفع إليه شيء يسجد عليه كما قدمنا ذكره في الأخبار وبقي الباقي وبذلك يظهر حمل
الرواية على الاستحباب. والله العالم.
(المسألة
الخامسة) ـ قد صرح الأصحاب بأنه لو تجدد عجز القائم قعد ولو تجددت قدرة العاجز عن
القيام قام وتفصيل هذا الإجمال يقع في مقامين :
(الأول) ـ ان
من كان يصلي قائما فتجدد له العجز عن القيام قعد ومن كان يصلي قاعدا فتجدد له
العجز عن القعود اضطجع ، وبالجملة فكل من تجدد له العجز في مرتبة عليا انتقل إلى
أدناها.
ثم انه متى كان
تجدد العجز قبل القراءة فإنه يقرأ قاعدا وان كان في أثناء القراءة فلا إشكال في
انه يبنى على ما اتى به من القراءة حال القيام.
وانما الإشكال
في انه هل يقرأ في حال الانتقال أم لا؟ وجهان بل قولان ،
ظاهر المشهور الأول وعللوه بالمحافظة على القراءة في المرتبة العليا مهما
أمكن لأن حالة الهوي أعلى من حالة القعود فتكون أولى بالقراءة لكونها أقرب إلى ما
كان عليه. وقيل بالثاني لاشتراط القراءة بالطمأنينة والاستقرار فيترك القراءة إلى
ان يستقر.
والشهيد قد
وافق المشهور في سائر كتبه إلا انه استشكل في الذكرى فقال : ويقرأ في انتقاله إلى
ما هو أدنى لأن تلك الحال أقرب إلى ما كان عليه. ويشكل بان الاستقرار شرط مع
القدرة ولم يحصل وتنبه عليه رواية السكوني عن الصادق (عليهالسلام) «في المصلى يريد التقدم؟ قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم ثم يقرأ». وقد
عمل الأصحاب بمضمون الرواية. انتهى.
وأجاب في الروض
عن ذلك بان الاستقرار شرط في القراءة مع الاختيار لا مطلقا وحصوله بعد الانتقال
إلى الأدنى يوجب فوات الحالة العليا بالكلية وعلى تقدير القراءة يفوت الوصف خاصة
وهو الاستقرار وفوات الوصف اولى من فوات الموصوف والصفة أو الموصوف وحده ، وقد
تقدم الكلام على نظيره في ما لو تعارض الصلاة قائما غير مستقر وجالسا مستقرا. واما
الرواية فعلى تقدير الالتفات إليها لا حجة فيها على محل النزاع بوجه لأن الحالتين
متساويتان في الاختيار بخلاف المتنازع. انتهى.
أقول : لا ريب
ان المسألة خالية من النص وإثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات قد عرفت ما
فيه في غير موضع مما تقدم ، إلا انا نقول على سبيل المجاراة معهم بناء على قواعدهم
ان قول شيخنا في الروض بان الاستقرار شرط في القراءة مع الاختيار صحيح ، وهو هنا
كذلك أيضا فإن الاضطرار انما تعلق هنا بالانتقال من حال القيام إلى حال القعود
والشارع قد جعل القعود بمنزلة القيام ، واما بالنسبة إلى القراءة فالواجب ان يراعى
فيها شرطها وهو الاستقرار والطمأنينة فينبغي ان يترك القراءة بعد الانتقال حتى
يستقر جالسا. وما عللوا به الوجوب في حال الانتقال ـ من ان حال الهوي أعلى من حال
__________________
القعود فيكون أولى بالقراءة ـ عليل إذ الواجب عندنا في تأسيس الأحكام
الشرعية هو الاعتماد على النصوص الجلية دون التخريجات العقلية. وما ذكره ههنا في
كلامه على الشهيد من ان الاستقرار وصف للقراءة حسبما قدمه في المسألة التي أشار
إليها قد بينا ضعفه في تلك المسألة وقلنا ان الاستقرار واجب من واجبات الصلاة وان
قارن القراءة أو القيام ونحوهما قالوا : وان كان بعد الفراغ من القراءة ركع جالسا
وان كان في أثناء الركوع فان كان بعد الذكر جلس مستقرا للفصل بينه وبين السجود
بدلا عن القيام من الركوع وان لم يمكنه رفع رأسه في حالة هويه ، ولو كان قبل الذكر
ففي الركوع جالسا أو الاجتزاء بما حصل من الركوع وجهان مبنيان على ان الركوع هل
يتحقق بمجرد الانحناء إلى ان يصل كفاه ركبتيه والباقي من الطمأنينة والرفع أفعال
خارجة؟ والأصح ان مسمى الركوع يتحقق بمجرد الانحناء المذكور فلا يركع جالسا مرة
أخرى لئلا يلزم زيادة الركن ، إلى غير ذلك من الفروع التي رتبوها. وانما ذكرنا ما
ذكرناه أنموذجا من كلامهم ومن أراد مزيد تحقيق كلامهم والرجوع إلى نقضهم في ذلك
وإبرامهم فليرجع إلى مطولاتهم (رضوان الله عليهم).
(الثاني) ـ ان
من كان يصلي قاعدا مثلا فتجددت له القدرة على القيام أو مضطجعا فتجددت له القدرة
على الجلوس وهكذا من كان في حالة دنيا وقدر على حالة عليا ، قالوا انه ينتقل إليها
تاركا للقراءة ان كانت القدرة في أثنائها أو قبلها لانتقاله إلى الحالة العليا
ويبنى على ما قرأ في الحالة الدنيا ، وقيل يجوز الاستئناف بل هو أفضل لتقع القراءة
متتالية في الحالة العليا. ويشكل باستلزامه زيادة الواجب مع حصول الامتثال وسقوط
الفرض بما اتى به أولا.
ولو خف بعد
القراءة وجب القيام للهوى للركوع ليركع عن قيام لما تقدم من ان القيام الركني انما
يتحقق مع اتصاله بالركوع.
أقول : وقد تقدم
الكلام في وجوب الطمأنينة في هذا القيام وعدمه وان الأظهر
العدم وخالف في ذلك الشهيد في الذكرى وقد نقلنا كلامه وبينا ما فيه.
قالوا : ولو خف
في الركوع قبل الطمأنينة وجب إكماله بأن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع وليس له
الانتصاب لئلا يزيد ركنا ثم يأتي بالذكر الواجب من اوله وان كان قد اتى ببعضه بناء
على الاجتزاء بالتسبيحة الواحدة فلا يجوز البناء على بعضها لعدم سبق كلام تام ،
ويحتمل ضعيفا البناء بناء على ان هذا الفصل يسير لا يقدح في الموالاة. ولو أوجبنا
تعدد التسبيح وكان قد شرع فيه فان كان أثناء تسبيحة استأنفها كما مر وان كان بين
تسبيحتين اتى بما بقي واحدة كان أو اثنتين.
ولو خف بعد
الذكر فقد تم ركوعه فيقوم معتدلا مطمئنا. ولو خف بعد الاعتدال من الركوع قام ليسجد
عن قيام ثم ان لم يكن قد اطمأن وجبت في القيام وإلا كفى ما يتحقق به الفصل بين
الحركتين المتضادتين.
أقول : وأكثر
ما ذكروه في هذا المقام لا يخرج عن القواعد الشرعية والضوابط المرعية ولا بأس
بالعمل به. والله العالم.
(المسألة
السادسة) ـ من المستحبات في هذا المقام اما بالنسبة إلى القائم فأمور : (منها) ان
يفرق الرجل بين قدميه من ثلاث أصابع إلى شبر وقد تقدم الكلام في ذلك في البيان
المتعلق برواية حماد في أول المقصد ، واما المرأة فإنها تجمع بين قدميها كما تقدم
في رواية زرارة في الموضع المشار اليه.
و (منها) ان
يستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة كما تضمنته رواية حماد المذكورة
و (منها) ان
يرسل يديه على فخذيه مضمومة الأصابع لقول حماد في خبره «فأرسل يديه جميعا على
فخذيه قد ضم أصابعه. الحديث» وظاهره ضم الإبهام إلى الأصابع ، وفي صحيح زرارة
المتقدم ثمة «واسدل منكبيك وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة
ركبتيك» واما المرأة فإنها تضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها كما تقدم في رواية
زرارة المشار إليها.
و (منها) اقامة
نحره لما تقدم
في مرسلة حريز
الواردة في تفسير قوله عزوجل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ» قال : «النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره». ونقل
عن أبي الصلاح انه يستحب ان يرسل ذقنه إلى صدره حال القيام والخبر المذكور حجة
عليه.
و (منها) النظر
إلى موضع سجوده نظر تخشع وخضوع لا نظر تحديق اليه لقوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة المتقدمة في صدر المقصد «وليكن نظرك
إلى موضع سجودك». وقوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «ويكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائما».
و (منها) ما
ذكره الشهيد في النفلية وهو عدم التورك وهو الاعتماد على احدى الرجلين تارة وعلى
الأخرى أخرى ، وعد في الذكرى في المستحبات ان يثبت على قدميه ولا يتكىء مرة على
هذه ومرة على الأخرى ولا يتقدم مرة ويتأخر أخرى قال قاله الجعفي.
أقول : ويدل
عليه قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «ولا تتكىء مرة على رجلك ومرة على الأخرى».
ثم انه لا يخفى
انه قد تقدم ان مذهب الأصحاب وجوب الاعتماد على الرجلين وظاهره ان الاتكاء على
إحداهما مناف للاعتماد عليهما إذ الاتكاء هو الاعتماد لغة وعرفا ، فكيف حكموا هنا
بالكراهة ومقتضى ما ذكروه ثمة هو التحريم لا الكراهة؟ مع انه قد تقدم خبر أبي حمزة
الدال على ان علي بن الحسين (عليهماالسلام) كان يطول القيام يتوكأ مرة على رجله اليمنى ومرة على
رجله اليسرى.
و (منها) لزوم
السمت الذي يتوجه اليه فلا يلتفت إلى أحد الجانبين لما روى عنه (صلىاللهعليهوآله) من قوله «اما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة ان يحول
الله وجهه وجه حمار؟». قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية ووجه التخويف
العظيم ان الغرض من الصلاة الالتفات إلى الله تعالى والملتفت فيها يمينا وشمالا
ملتفت عن الله وغافل
__________________
عن مطالعة أنوار كبريائه ومن كان كذلك فيوشك ان تدوم تلك الغفلة عليه
فيتحول وجه قلبه كوجه قلب الحمار في قلة غفلة للأمور العلوية وعدم إكرامه بشيء من
العلوم والقرب من الله تعالى.
و (منها) ما
ذكره الصادق (عليهالسلام) في خبر ابان ومعاوية بن وهب وهو ما رواه المشايخ
الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن ابان ومعاوية بن وهب قالا «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت إلى الصلاة فقل اللهم إني أقدم إليك محمدا (صلىاللهعليهوآله) بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك فاجعلني به وجيها عندك
في الدنيا والآخرة ومن المقربين واجعل صلاتي به مقبولة وذنبي به مغفورا ودعائي به
مستجابا انك أنت الغفور الرحيم».
وروى في الكافي
عن احمد بن محمد البرقي عن بعض أصحابنا رفعه قال : «تقول قبل دخولك في الصلاة اللهم إني أقدم محمدا
نبيك (صلىاللهعليهوآله) بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك في طلبتي فاجعلني به
وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين اللهم اجعل صلاتي بهم مقبولة وذنبي بهم
مغفورا ودعائي بهم مستجابا يا ارحم الراحمين».
وروى الشيخ في
التهذيب عن صفوان الجمال قال : «شهدت أبا عبد الله (عليهالسلام) استقل القبلة قبل التكبير فقال اللهم لا تؤيسني من
روحك ولا تقنطني من رحمتك ولا تؤمني مكرك فإنه لا يأمن (مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخاسِرُونَ) . قلت جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك؟ فقال ان من
أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله».
وروى في الكافي
عن علي بن النعمان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يقول من قال هذا القول كان
__________________
مع محمد وآل محمد (صلىاللهعليهوآله) إذا قام من قبل ان يستفتح الصلاة : اللهم إني أتوجه
إليك بمحمد وآل محمد وأقدمهم بين يدي صلاتي وأتقرب بهم إليك فاجعلني بهم وجيها في
الدنيا والآخرة ومن المقربين أنت مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم
وولايتهم فإنها السعادة اختم لي بها انك على كل شيء قدير ثم تصلي. الحديث».
و (منها) ما
ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي وأسنده في الذكرى إلى الصدوق ومن الظاهر انه انما أخذه
من الكتاب المذكور ، قال (عليهالسلام) : «إذا أردت ان تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلا
ولا متناعسا ولا مستعجلا ولا متلاهيا ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة
وعليك بالخشوع والخضوع متواضعا لله عزوجل متخاشعا عليك خشية وسيما الخوف راجيا خائفا بالطمأنينة
على الوجل والحذر فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه فصف قدميك وانصب
نفسك ولا تلتفت يمينا وشمالا وتحسب انك تراه فان لم يكن تراه فإنه يراك ، ولا تعبث
بلحيتك ولا بشيء من جوارحك ولا تفرقع أصابعك ولا تحك بدنك ولا تولع بأنفك ولا
بثوبك ، ولا تصل وأنت متلثم ولا يجوز للنساء الصلاة وهن متنقبات ، ويكون بصرك في
موضع سجودك ما دمت قائما ، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف وارغب مع ذلك إلى الله عزوجل ، ولا تتكىء مرة على رجلك ومرة على الأخرى ، وتصلي
صلاة مودع ترى انك لا تصلي أبدا ، واعلم انك بين يدي الجبار ولا تعبث بشيء من
الأشياء ولا تحدث لنفسك وافرغ قلبك وليكن شغلك في صلاتك وأرسل يديك ألصقهما بفخذيك
فإذا افتتحت الصلاة فكبر. إلى آخره» واما بالنسبة إلى القعود فقد تقدم في الموضع
الرابع من المسألة الثالثة . والله العالم.
__________________
الفصل الرابع
في القراءة والنظر
في واجباتها ومستحباتها ولواحقها وحينئذ فيجب بسط الكلام فيها في بحوث ثلاثة (الأول)
في واجباتها وفيه مسائل (الأولى) لا خلاف نصا وفتوى في وجوب قراءة الحمد عينا في
الصلاة الواجبة في ركعتي الصبح وأوليي الصلوات الباقية ، وعليه عمل النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) من بعده وبه استفاضت اخبارهم.
انما الخلاف في
الركنية وعدمها فالمشهور ـ بل ادعى عليه الشيخ (قدسسره) في الخلاف الإجماع ـ على العدم ، ونقل في المبسوط عن
بعض أصحابنا القول بركنيتها. ويدل على المشهور ما رواه الكليني في الكافي في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان الله عزوجل فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة فمن ترك القراءة
متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شيء عليه». ورواه الصدوق
في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله .
وروى في الفقيه
في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت
والقبلة والركوع والسجود ، ثم قال القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوليين
فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال
اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها».
__________________
وعن أبي بصير
في الموثق قال : «إذا نسي أن يقرأ في الاولى والثانية أجزأه تسبيح
الركوع والسجود ، وان كانت الغداة فنسي ان يقرأ فيها فليمض في صلاته». الى غير ذلك
من الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع نسيانها.
وربما استدل
على القول بالركنية بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته؟
قال لا صلاة له إلا ان يقرأ بها في جهر أو إخفات». وحملها الأصحاب على ترك القراءة
عمدا جمعا بينها وبين ما تقدم من الأخبار.
وعندي في
المقام اشكال لم أعثر على من تنبه له ولا نبه عليه وهو ان الفرض الذي تجب إعادة
الصلاة بتركه عمدا أو نسيانا هو ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز واما ما ثبت وجوبه
بالسنة فهو واجب لا تبطل الصلاة بتركه سهوا ، وبذلك صرح الأصحاب واليه تشير صحاح
زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمات ، مع انه قد ورد في القرآن العزيز ما يدل على الأمر
بالقراءة في الصلاة كقوله عزوجل «فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ
يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» وهي ظاهرة في ما ذكرناه.
وبعض الأصحاب
استدل بالآية على وجوب القراءة في الصلاة من حيث دلالة الأمر على الوجوب وأجمعوا
على انها لا تجب في غير الصلاة فتجب فيها. وبعض استدل بالتقريب المذكور على وجوب
السورة حيث قالوا الأمر للوجوب وما تيسر عام فوجب قراءة كل ما تيسر لكن وجوب
الزائد على مقدار الحمد والسورة منفي بالإجماع فيبقى وجوب السورة سالما عن المعارض.
وفيه ما سيأتي عند ذكر المسألة ان شاء الله تعالى.
__________________
ويعضد هذه
الآية أيضا قوله عزوجل «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلاً» وقوله : «فَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ» فإنهم قد استدلوا على استحباب الاستعاذة في الصلاة بهذه
الآية.
وبذلك ينبغي ان
تكون القراءة فريضة كالركوع والسجود ، وهذه الآيات في دلالتها على ما قلناه لا
تقصر عن آيات الركوع والسجود من قوله عزوجل «وَارْكَعُوا مَعَ
الرّاكِعِينَ» وقوله «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا» ونحوهما. وبالجملة فإن دلالتها على ما ذكرناه أظهر من
ان يذكر. ولعل من ذهب إلى الركنية نظر إلى دلالة هذه الآيات فتكون من قبيل الركوع
والسجود وفرائض الصلاة. إلا ان الأخبار كما عرفت قد صرحت بأنها ليست بفريضة وان
الصلاة لا تبطل بتركها سهوا كالفرائض من الركوع والسجود ، والأمر في ذلك مرجوع
إليهم (عليهمالسلام) فليس لنا إلا الانقياد والتسليم بعد ثبوت الحكم عنهم (عليهمالسلام).
ثم ان من
الأخبار الدالة على ما ذكرناه من وجوب القراءة صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة ورواية
أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أم القرآن؟ فقال ان كان لم يركع فليعد أم
القرآن».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة
الكتاب؟ قال فليقل أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم انه هو السميع العليم ثم
ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات».
وروى الصدوق
بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) انه قال : «إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا
يكون القرآن مهجورا منسيا وليكون
__________________
محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل ، وانما بدئ بالحمد دون سائر السور لانه
ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد.
الحديث». قال : وقال الرضا (عليهالسلام) «انما جعل القراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح في
الأخيرتين للفرق بين ما فرض الله من عنده وبين ما فرضه الرسول صلىاللهعليهوآله».
وروى محمد بن
الحسين الرضي في كتاب المجازات النبوية عنه (صلىاللهعليهوآله) «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج». الى غير ذلك من الأخبار.
وتنقيح الكلام
في المقام لئلا يتطرق اليه النقض والإبرام يتوقف على بيان جملة من الأحكام (الأول)
قد عرفت بما ذكرنا من الأخبار مضافا إلى اتفاق علمائنا الأبرار وجوب الحمد في كل
من الثنائية وأوليي غيرها ، وهل تتعين الفاتحة في النافلة؟ الأشهر الأظهر ذلك لأن
الصلاة كيفية متلقاة من الشرع فيجب الوقوف فيها على ما ثبت نقله عن الشارع. ونقل
عن العلامة في التذكرة انه لا يجب قراءة الفاتحة فيها للأصل. وقيل عليه انه ان
أراد الوجوب بالمعنى المصطلح الشرعي فهو حق لأن الأصل إذا لم يكن واجبا لم تجب
اجزاؤه ، وان أراد ما يعم الوجوب الشرطي بحيث تنعقد النافلة بدون القراءة ـ وهو
الظاهر من كلامه ـ فهو ممنوع وسند المنع ما ذكرنا آنفا. أقول : ولو تم ما ذكره
لجرى في جميع واجبات الصلاة من ذكر الركوع والسجود والتشهد ونحوها والظاهر انه لا
يلتزمه.
(الثاني) ـ قد
صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف في الباب بأنه يجب قراءة الحمد اجمع ولا تصح الصلاة
مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمدا حتى التشديد لأن الإتيان بها انما يتحقق مع
الإتيان بجميع اجزائها فيلزم من الإخلال بالجزء الإخلال بها ، ومن الحروف التشديد
في مواضعه فإنه حرف وزيادة : أحدهما الحرف والآخر ادغامه
__________________
في حرف آخر ، والإدغام بمنزلة الاعراب لا يجوز الإخلال به فالإخلال
بالإدغام إخلال بشيئين حينئذ ، ولو فكه بطلت وان لم يسقط الحرف لزوال الإدغام وعدم
وقوع القراءة على الكيفية المنزلة.
وكما تبطل
بالإخلال بحرف تبطل أيضا بترك الاعراب والمراد به ما يشمل الحركات البنائية ، ولا
فرق في الإخلال بين كونه مغيرا للمعنى كضم تاء «أنعمت» أولا كفتح دال «الحمد» وان
كان قد ورد في الشواذ لأن الاعراب كيفية للقراءة وكما وجب الإتيان بحروفها وجب
الإتيان بالإعراب المتلقى من صاحب الشرع.
وحكى في
المعتبر عن بعض الجمهور انه لا يقدح في الصحة الإخلال بالإعراب الذي لا يغير
المعنى لصدق القراءة معه ، قال في المدارك وهو منسوب للمرتضى في بعض رسائله ثم قال
ولا ريب في ضعفه.
ثم قال ولا
يخفى ان المراد بالإعراب هنا ما تواتر نقله في القرآن لا ما وافق العربية لأن
القراءة سنة متبعة ، وقد نقل جمع من الأصحاب الإجماع على تواتر القراءات السبع وحكى في الذكرى عن بعض الأصحاب انه منع من قراءة أبي
جعفر ويعقوب وخلف وهي كمال العشر ثم رجح الجواز لثبوت تواترها كتواتر السبع. قال
المحقق الشيخ علي بعد نقل ذلك وهذا لا يقصر عن ثبوت الإجماع بخبر الواحد فيجوز
القراءة بها. وهو غير جيد لأن ذلك رجوع عن اعتبار التواتر. وقد نقل جدي (قدسسره) عن بعض محققي القراء أنه أفرد كتابا في أسماء الرجال
الذين نقلوا هذه القراءات في كل طبقة وهم يزيدون عما يعتبر في التواتر ، ثم حكى عن
جماعة من القراء انهم قالوا ليس المراد بتواتر السبع والعشر ان كل ما ورد من هذه
القراءات متواتر بل المراد انحصار التواتر الآن في ما نقل من هذه القراءات فان بعض
ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن
__________________
غيرهم ، وهو مشكل جدا لكن المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان.
وعلى هذا
المنوال من الحكم بتواتر هذه القراءات عنه (صلىاللهعليهوآله) جرى كلام غيره من علمائنا في هذه المجال ، وهو عند من
رجع إلى اخبار الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) لا يخلو من الاشكال وان اشتهر في
كلامهم وصار عليه مدار نقضهم وإبرامهم حتى قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة
الألفية مشير الى القراءات السبع : فان الكل من عند الله تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) على قلب سيد المرسلين (صلىاللهعليهوآله) تخفيفا على الأمة وتهوينا على أهل هذه الملة انتهى.
وفيه (أولا) ان
هذا التواتر المدعى ان ثبت فإنما هو من طريق العامة الذين
__________________
هم النقلة لتلك القراءات والرواة لها في جميع الطبقات وانما تلقاها غيرهم
عنهم وأخذوها منهم ، وثبوت الأحكام الشرعية بنقلهم وان ادعوا تواتره لا يخفى ما
فيه.
و (ثانيا) ما
ذكره الإمام الرازي في تفسيره الكبير حيث قال على ما نقله بعض محدثي أصحابنا (رضوان
الله عليهم) : اتفق الأكثرون على ان القراءات المشهورة منقولة بالتواتر ، وفيه
إشكال لأنا نقول ان هذه القراءات منقولة بالتواتر ، وان الله خير المكلفين بين هذه
القراءات فان كان كذلك كان ترجيح بعضها على بعض واقعا على خلاف الحكم الثابت
بالتواتر فوجب ان يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض على البعض مستوجبين للفسق ان لم
يلزمهم الكفر ، كما ترى ان كل واحد من هؤلاء القراء يختص بنوع معين من القراءة
ويحمل الناس عليه ويمنعهم من غيره ، وان قلنا بعدم التواتر بل ثبوتها من طرق
الآحاد فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا للجزم والقطع وذلك باطل قطعا. انتهى.
والجواب عن ذلك
ـ بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني الذي هو أحد المشيدين لهذه المباني وهو ما أشار
إليه سبطه هنا من انه ليس المراد بتواترها ان كل ما ورد متواتر بل المراد انحصار
المتواتر الآن في ما نقل إلا من القراءات فان بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن
غيرهم كما حققه جماعة من أهل هذا الشأن. انتهى ـ منظور فيه من وجهين (أحدهما) ما
ذكره سبطه في الجواب عن ذلك من ان المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان
فلو كان بعضها متواترا كما ادعاه لصار معلوما على حدة لا يشتبه بما هو شاذ نادر
كما ذكره والحال ان الأمر ليس كذلك.
و (ثانيهما) ما
ذكره في شرح الألفية مما قدمنا نقله عنه فان ظاهره كون جميع تلك القراءات مما ثبت
عن الله عزوجل بطريق واحد وهو ما ادعوه من التواتر.
وبالجملة فإنه
لو كان هنا شيء متواتر من هذه القراءات في الصدر الأول أعني زمن أولئك القراء أو
كلها متواترة لم يجز هذا التعصب الذي ذكره الرازي بين أولئك القراء في حمل
كل منهم الناس على قراءته والمنع من متابعة غيره ، وهذا كما نقل عن
النحويين من التعصب من كل منهم في ما ذهب اليه ونسبة غيره إلى الغلط مع أنهم
الواسطة في النقل عن الغرب ومذاهبهم في النحو كاشفة عن كلام العرب في تلك المسائل.
والاشكال الذي ذكره الرازي ثمة جار أيضا في هذا المقام كما لا يخفى على ذوي
الأفهام.
و (ثالثا) وهو
العمدة ان الوارد في أخبارنا يدفع ما ذكروه فروى ثقة الإسلام في الكافي عن زرارة
عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان القرآن واحد نزل من عند الواحد ولكن الاختلاف
يجيء من قبل الرواة».
وروى فيه أيضا
في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان الناس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف؟ فقال كذبوا
أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد».
قال المحدث
الكاشاني في كتاب الصافي بعد نقل الخبرين المذكورين : والمقصود منهما واحد وهو ان
القراءة الصحيحة واحدة إلا انه (عليهالسلام) لما علم انهم فهموا من الحديث الذي رووه صحة القراءات
جميعا مع اختلافها كذبهم. انتهى.
ويقرب من ذلك ما
رواه في الكافي أيضا في الصحيح إلى المعلى بن خنيس قال : «كنا عند أبي عبد الله (عليهالسلام) ومعنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال فقال
ربيعة الرأي ضال؟ فقال نعم. ثم قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اما نحن فنقرأ على قراءة أبي».
قال في كتاب
الوافي : والمستفاد من هذا الحديث ان القراءة الصحيحة هي قراءة ابي وانها الموافقة
لقراءة أهل البيت (عليهمالسلام) إلا انها اليوم غير مضبوطة عندنا إذ لم تصل إلينا
قرائته في جميع ألفاظ القرآن. انتهى.
أقول : لعل
كلامه (عليهالسلام) في آخر الحديث انما وقع على سبيل التنزل
__________________
والرعاية لربيعة الرأي حيث انه معتمد العامة في وقته تلافيا لما قاله في حق
ابن مسعود وتضليله له مع انه عندهم بالمنزلة العليا سيما في القراءة وإلا فإنهم (عليهمالسلام) لا يتبعون أحدا وانما هو متبوعون لا تابعون.
ثم اعلم ان
العامة قد رووا في أخبارهم ان القرآن قد نزل على سبعة أحرف كلها شاف واف وادعوا تواتر ذلك عنه (صلىاللهعليهوآله) واختلفوا في معناه إلى ما يبلغ أربعين قولا أشهرها
الحمل على القراءات السبع.
وقد روى الصدوق
(قدسسره) في كتاب الخصال بإسناده إليهم (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أتاني آت من الله عزوجل يقول ان الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت
يا رب وسع على أمتي فقال ان الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف».
وفي هذا الحديث
ما يوافق خبر العامة المذكور مع انه (عليهالسلام) قد نفى ذلك في الأحاديث المتقدمة وكذبهم في ما زعموه
من التعدد ، فهذا الخبر بظاهره مناف لما دلت عليه تلك الأخبار والحمل على التقية
أقرب قريب فيه وان احتمل أيضا حمل السبعة الأحرف فيه على اللغات يعني سبع لغات كما
قاله ابن الأثير في نهايته في تفسير حديثهم المتقدم ، قال أراد بالحرف اللغة أي
سبع لغات من لغات العرب أي أنها مفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل
وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وليس معناه ان يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه
، على انه قد جاء في القرآن ما قرئ بسبعة وعشرة. ومما يبين ذلك قول ابن مسعود اني
قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم انما هو مثل قول أحدكم هلم
وتعال واقبل. وفيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها. انتهى.
ثم ان الذي
يظهر من الأخبار أيضا هو وجوب القراءة بهذه القراءات المشهورة لا من حيث ما ذكروه
من ثبوتها وتواترها عنه (صلىاللهعليهوآله) بل من حيث
__________________
الاستصلاح والتقية.
فروى في الكافي
بسنده إلى بعض الأصحاب عن أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «قلت له جعلت فداك انا نسمع الآيات في القرآن ليس
هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال لا اقرأوا
كما تعلمتم فسيجيء من يعلمكم».
وروى فيه بسنده
إلى سالم بن سلمة قال : «قرأ رجل على أبي عبد الله (عليهالسلام) ـ وانا استمع ـ حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها
الناس؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم
القائم. الحديث».
وبالجملة
فالنظر في الأخبار وضم بعضها إلى بعض يعطي جواز القراءة لنا بتلك القراءات رخصة
وتقية وان كانت القراءة الثابتة عنه (صلىاللهعليهوآله) انما هي واحدة وإلى ذلك أيضا يشير كلام شيخ الطائفة
المحقة (قدسسره) في التبيان حيث قال : ان المعروف من مذهب الإمامية
والتطلع في اخبارهم ورواياتهم ان القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد غير أنهم
أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء وان الإنسان مخير بأي قراءة شاء قرأ ،
وكرهوا تجريد قراءة بعينها. انتهى ومثله أيضا كلام الشيخ أمين الإسلام الطبرسي في
كتاب مجمع البيان حيث قال : الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على القراءة
المتداولة بين القراء وكرهوا تجريد قراءة مفردة والشائع في أخبارهم (عليهمالسلام) ان القرآن نزل بحرف واحد. انتهى.
وكلام هذين
الشيخين (عطر الله مرقديهما) صريح في رد ما ادعاه أصحابنا المتأخرون (رضوان الله
عليهم) من تواتر السبع أو العشر ، على ان ظاهر جملة من علماء العامة ومحققي هذا
الفن إنكار ما ادعى هنا من التواتر أيضا.
__________________
قال الشيخ
العلامة شمس الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي المقرئ في كتاب النشر للقراءات
العشر على ما نقله بعض مشايخنا المعاصرين : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه
ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا
يجوز ردها ولا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على
الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم العشرة أم غيرهم من الأئمة المقبولين
، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء
كانت عن السبعة أم عن من هو أكبر منهم ، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف
والخلف صرح بذلك الامام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ونص عليه في غير
موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب وكذلك الإمام أبو العباس احمد بن عمار
المهدوي وحققه الامام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بابي شامة
وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه ، قال أبو شامة في كتابه (المرشد
الوجيز) : فلا ينبغي ان يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة
ويطلق عليها لفظ الصحة وانها هكذا أنزلت إلا إذا دخلت في ذلك الضابط ، وحينئذ لا
ينفرد بنقلها مصنف دون غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم بل ان نقلت عن غيرهم من
القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من
تنسب إليه فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع
عليه والشاذ غير ان هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم
تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم. انتهى
وهو ـ كما ترى
ـ صريح في ان المعيار في الصحة انما هو على ما ذكروه من الضابط لا على مجرد وروده
عن السبعة فضلا عن العشرة وان العمل على هذا الضابط المذكور
__________________
مذهب السلف والخلف فكيف يتم ما ادعاه أصحابنا (رضوان الله عليهم) من تواتر
هذه السبع؟
ويؤيد ذلك ما
نقله شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني قال سمعت شيخي علامة
الزمان وأعجوبة الدوران يقول ان جار الله الزمخشري ينكر تواتر السبع ويقول ان
القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انما هي في صفتها وانما هي واحدة والمصلي لا تبرأ ذمته
من الصلاة إلا إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كل الوجوه كمالك وملك وصراط وسراط
وغير ذلك. انتهى. وهو جيد وجيه بناء على ما ذكرنا من البيان والتوجيه ولو لا ما
رخص لنا به الأئمة (عليهمالسلام) من القراءة بما يقرأ الناس لتعين عندي العمل بما ذكره.
ثم أقول : ومما
يدفع ما ادعوه أيضا استفاضة الأخبار بالتغيير والتبديل في جملة من الآيات من كلمة
بأخرى زيادة على الأخبار المتكاثرة بوقوع النقص في القرآن والحذف منه كما هو مذهب
جملة من مشايخنا المتقدمين والمتأخرين .
ومن الأول ما
ورد في قوله عزوجل «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ»
ففي تفسير
العياشي عن الصادق (عليهالسلام) «انه قرأ أبو بصير عنده هذه الآية فقال (عليهالسلام) ليس هكذا أنزلها الله تعالى وانما نزلت وأنتم قليل»
وفي آخر «وما كانوا اذلة وفيهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وانما نزل ولقد نصركم
__________________
الله ببدر وأنتم ضعفاء».
وما ورد في
قوله عزوجل «لَقَدْ تابَ اللهُ
عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ»
ففي الاحتجاج
عن الصادق (عليهالسلام) والمجمع عن الرضا (عليهالسلام) «لقد تاب الله بالنبي عن المهاجرين» والقمي عن الصادق (عليهالسلام) «هكذا أنزلت». وفي الاحتجاج عنه (عليهالسلام) «واي ذنب كان لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) حتى تاب منه؟ انما تاب الله به على أمته».
وما ورد في
قوله تعالى «وَعَلَى
الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ ... الآية»
ففي المجمع عن
السجاد والباقر والصادق (عليهمالسلام) «انهم قرأوا خالفوا». والقمي عن العالم (عليهالسلام) والكافي والعياشي عن الصادق (عليهالسلام) مثله قال : «ولو كانوا خلفوا لكانوا في حال طاعة».
وما ورد في
قوله عزوجل «لَهُ مُعَقِّباتٌ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ» ففي تفسير القمي عن الصادق (عليهالسلام) «ان هذه الآية قرئت عنده فقال لقارئها ألستم عربا فكيف تكون المعقبات من
بين يديه؟ وانما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا؟ فقال إنما أنزلت (له
معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله) ومن ذا الذي يقدر ان يحفظ
الشيء من أمر الله؟ وهم الملائكة المقربون الموكلون بالناس». ومثله في تفسير
العياشي .
وأنت خبير بان
ظواهر هذه الآيات لا تنطبق على ما نطقت به هذه الروايات إلا بارتكاب التكلفات
والتعسفات.
__________________
ونحو ذلك ما
ورد في قوله عزوجل «فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
ففي الكافي عن
الصادق (عليهالسلام) إنما أنزلت «فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) إلى أجل مسمى (فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ». والعياشي عن الباقر (عليهالسلام) انه كان يقرأها كذلك. وروته العامة أيضا عن جمع من
الصحابة .
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن غالب بن الهذيل قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل «وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» على الخفض هي أم على النصب؟ قال بل هي على الخفض». مع
ان قراءة النصب احدى القراءات السبع .
ومثله ما ورد
في قوله تعالى «سلام على آل ياسين» فإنها قراءة أهل البيت (عليهمالسلام) وبها وردت اخبارهم مع ان قراءة «آل ياسين» احدى القراءات السبع الى غير ذلك من المواضع التي لا يسع المقام الإتيان
عليها.
واما اخبار
القسم الثاني فهي أكثر وأعظم من ان يأتي عليها قلم البيان في هذا المكان ، واللازم
اما العمل بما قالوه من ان كل ما قرأت به القراء السبعة وورد عنهم في أعراب أو
كلام أو نظام فهو الحق الذي نزل به جبرئيل (عليهالسلام) من رب العالمين على سيد المرسلين ، وفيه رد لهذه
الأخبار على ما هي عليه من الصحة والصراحة والاشتهار وهذا مما لا يكاد يتجرأ عليه
المؤمن بالله سبحانه ورسوله (صلىاللهعليهوآله) والأئمة
__________________
الاطهار (عليهمالسلام) واما العمل بهذه الأخبار وبطلان ما قالوه وهو الحق
الحقيق بالاتباع لذوي البصائر والأفكار. والله العالم.
(الثالث) ـ لا
خلاف بين الأصحاب في أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة تجب قراءتها معها ما
عدا سورة براءة ، وعليه تدل الأخبار المتكاثرة :
فروى ثقة
الإسلام في الكافي عن معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت للصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة
القرآن؟ قال نعم. قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع
السورة؟ قال نعم».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال نعم.
قلت بسم الله الرحمن الرحيم من السبع؟ قال نعم هي أفضلهن».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في
فاتحة القرآن؟ قال نعم. قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
مع السورة؟ قال نعم».
وما رواه في
الكافي عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال : «كتبت إلى ابي جعفر (عليهالسلام) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن
الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها
فقال العياشي ليس بذلك بأس؟ فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العياشي».
قوله «يعيدها»
يعني الصلاة وحمله على البسملة بعيد وقوله «مرتين» يتعلق بقوله «كتب» لا بقوله «يعيدها»
إذ لا معنى لإعادة الصلاة مرتين. والعياشي ان حمل على الرجل المشهور صاحب التفسير
المشهور وهو محمد بن مسعود العياشي فينبغي تخصيصه بكون ذلك في أول أمره فإنه كان
من فضلاء العامة ثم استبصر ورجع إلى مذهب الشيعة فالحمل عليه بالتقريب
__________________
المذكور غير بعيد ويحتمل غيره من المشهورين في ذلك الوقت.
وروى العياشي
في تفسيره عن يونس بن عبد الرحمن عن من رفعه قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) «وَلَقَدْ آتَيْناكَ
سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» قال هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وانما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين».
ومنه عن أبي
حمزة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سرقوا أكرم آية في كتاب الله : بسم الله الرحمن
الرحيم».
ومنه عن صفوان
الجمال قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ما انزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته بسم الله
الرحمن الرحيم وانما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداء
للأخرى».
ومنه عن عيسى
بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليهالسلام) قال : «بلغه ان أناسا ينزعون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقال هي آية من كتاب الله أنساهم إياها الشيطان».
ومنه عن خالد بن
المختار قال : «سمعت جعفر بن محمد (عليهماالسلام)
__________________
يقول ما لهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة
إذا أظهروها؟ وهي بسم الله الرحمن الرحيم».
ومنه عن محمد
بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل «وَلَقَدْ آتَيْناكَ
سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» فقال فاتحة الكتاب يثنى فيها القول. قال : وقال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله تعالى من علي بفاتحة الكتاب من كنز الجنة ،
فيها «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» الآية التي يقول الله تعالى فيها «وَإِذا ذَكَرْتَ
رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً» و «الْحَمْدُ
لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» دعوى أهل الجنة حين شكروا لله حسن الثواب «مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ» قال جبرئيل ما قالها مسلم قط إلا صدقة الله وأهل سماواته
«إِيّاكَ نَعْبُدُ» إخلاص للعبادة «وَإِيّاكَ
نَسْتَعِينُ» أفضل ما طلب به العباد حوائجهم «اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» صراط الأنبياء وهم الذين أنعم الله عليهم «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ» اليهود «وَلَا الضّالِّينَ» النصارى». الى غير ذلك من الأخبار الآتي ذكر جملة منها
ان شاء الله تعالى.
وهذه الأخبار ـ
كما ترى ـ ظاهرة في ان البسملة جزء من الفاتحة بل من كل سورة تجب قراءتها مع كل
منها. والمشهور بين الأصحاب انها آية من كل سورة صرح به الشيخ في الخلاف والمبسوط
وبه قطع عامة المتأخرين. ونقل عن ابن الجنيد انها في الفاتحة بعضها وفي غيرها
افتتاح لها. وهو متروك وإثباتها في المصاحف مع كل سورة مع محافظتهم على تجرده مما
ليس منه دليل على ضعف ما ذهب اليه.
ثم لا يخفى انه
قد ورد جملة من الأخبار أيضا مما هو ظاهر المنافاة للأخبار المتقدمة ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه
__________________
السلام) عن الرجل يكون اماما فيستفتح بالحمد ولا يقرأ «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فقال لا يضره ولا بأس». وهو محمول على التقية.
ومنها ـ ما
رواه عن زكريا بن إدريس القمي قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن الرجل يصلي بقوم يكرهون ان يجهر ب «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فقال لا يجهر». وهو صريح في التقية وعليه يحمل الخبر
الأول كما ذكرنا.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) «انهما سألاه عن من يقرأ «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال نعم ان شاء سرا وان شاء
جهرا. فقالا أفيقرأها مع السورة الأخرى؟ فقال لا».
ومنها ـ ما
رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أيقرأ «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»؟ قال نعم إذا افتتح الصلاة فليقلها في أول ما يفتتح ثم يكفيه ما بعد ذلك».
وعن مسمع في
الحسن أو الموثق قال : «صليت مع أبي عبد الله (عليهالسلام) فقرأ «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ «بسم الله الرحمن
الرحيم» ثم قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ثم قرأ بسورة أخرى».
ولعل الصحيحين
الأولين هما مستند ابن الجنيد في ما تقدم نقله عنه ، والشيخ قد أجاب عنهما في
التهذيب بالحمل على ما إذا كان في صلاة النافلة وقد قرأ من السورة الأخرى بعضها
ويريد ان يقرأها فحينئذ لا يقرأ «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» والظاهر بعده.
وقال في
المدارك : والحق ان هذه الروايات انما تدل على عدم وجوب قراءة البسملة عند قراءة
السورة ، وربما كان الوجه فيه عدم وجوب قراءة السورة كما هو
__________________
أحد قولي الأصحاب.
أقول : والظاهر
عندي ان هذه الأخبار انما خرجت مخرج التقية كما صرح به في الاستبصار ، وإلى ذلك
تشير روايات العياشي المتقدمة وهي رواية أبي حمزة ورواية عيسى بن عبد الله ورواية
خالد بن المختار. والله العالم.
(الرابع) ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من لا يحسن الفاتحة يجب عليه التعلم فان ضاق
الوقت وأمكن الصلاة مأموما أو القراءة من مصحف ان أحسن ذلك وجب. وقيل بجواز
القراءة من المصحف مطلقا وهو ظاهر الخلاف والمبسوط وبه صرح الفاضلان معللين بان
الواجب مطلق القراءة. ومنع ذلك الشهيد ومن تبعه للمتمكن من الحفظ.
واستدل على
الأول بما رواه الشيخ في الصحيح إلى الحسن بن زياد الصيقل قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه
يضع السراج قريبا منه؟ فقال لا بأس بذلك».
إلا انه قد روى
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف امامه ينظر
فيه ويقرأ ويصلى؟ قال لا يعتد بتلك الصلاة».
واما ما أجاب
به في الذخيرة عن هذا الخبر ـ من حمله على الكراهة حيث اختار القول الأول ـ ففيه
ما عرفت في غير موضع مما تقدم.
على انه يمكن
الجمع بين الخبرين بحمل الأول على النافلة والثاني على الفريضة ، وإلى هذا التفصيل
ذهب شيخنا الشهيد الثاني وجمع من الأصحاب في المسألة مع انه لم ينقلوا خبر علي بن
جعفر المذكور وانما ذهبوا إلى ذلك بجعله وجه جمع بين التعليلات التي ذكروها من
الطرفين وهي عليلة ، وكان الاولى بكل من القائلين الاستناد إلى ما يوافقه
__________________
من الروايتين. وبالجملة فإن ما ذكرناه وجه حسن في الجمع بين الخبرين.
ويمكن حمل خبر
الصيقل أيضا على حال الضرورة كمحل المسألة وهو ظاهر الذكرى حيث انه بعد ان اختار
المنع محتجا بأن المأمور به القراءة على ظهر القلب إذ هو المتبادر إلى الأفهام ثم
احتج بخبر عامي قدمه وهو ما رواه عبد الله بن أبي أوفى «ان رجلا سأل النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال اني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا
اصنع؟ فقال له قل سبحان الله والحمد لله». فقال هنا في الاستدلال به : ولأن النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف ، ثم قال : وروى
الحسن الصيقل وساق الحديث المذكور. وظاهره حمله على الضرورة في الصورة المذكورة
وإلا فالخبر باعتبار إطلاقه ظاهر المنافاة لما ذكره فيكون حجة عليه فالواجب الجواب
عنه.
ثم انه مع تعذر
الائتمام والقراءة من المصحف فالمستفاد من كلامهم (رضوان الله عليهم) انه اما ان
يحسن بعض الفاتحة أو لا يحسن شيئا بالكلية ، وعلى الأول فاما ان يكون ما يحسنه آية
تامة أم أقل ، وعلى الثاني فاما ان يحسن غيرها من القرآن أم لا فههنا صور :
(الاولى) ـ ان
يحسن بعض الفاتحة وكان آية تامة والظاهر انه لا خلاف في قراءتها كما ذكره غير واحد
منهم.
وهل يقتصر على
الآية التي يأتي بها أو يجب التعويض عن باقي الفاتحة بتكرار تلك الآية أو بغيرها
من القرآن أو الذكر مع تعذر الأولين؟ قولان ، ظاهر الفاضلين في المعتبر والمنتهى
الأول واختاره في المدارك تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض. واختار العلامة
في بعض كتبه على ما نقل عنه التعويض ، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني في
__________________
الروض إلى المشهور بين المتأخرين ، واحتج بعموم «فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» قال خرج منه ما اتفق على عدم وجوبه وأخرجه الدليل فيبقى
الباقي ولا دليل على الاكتفاء ببعض الفاتحة. انتهى.
ثم انه على
تقدير وجوب التعويض كما هو مقتضى هذا القول فلو علم غيرها من القرآن فهل يعوض عن
الفائت بقراءة ما يعلمه من الفاتحة مكررا بحيث يساويها أم يأتي ببدله من سورة أخرى؟
قولان ، وعلل الأول بأنه أقرب إليها من غيرها ، والثاني بأن الشيء الواحد لا يكون
أصلا وبدلا. والتعليلان كما ترى.
(الثانية) ـ ان
يحسن بعض آية وفي وجوب قراءتها عليه هنا أقوال : الأول الوجوب لما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «فان كان معك قرآن فاقرأ به». الثاني ـ عدمه استنادا إلى ان النبي أمر
الأعرابي ان يحمد الله ويكبره ويهلله ، وقوله «الحمد لله» بعض آية ولم يأمره
بتكرارها. واستحسن هذا القول في المعتبر. الثالث ـ وجوب قراءتها ان كانت قرآنا وهو
المشهور بين المتأخرين.
(الثالثة) ـ ان
لا يحسن شيئا من الفاتحة ويحسن غيرها من القرآن ، والمشهور انه يجب عليه ان يقرأ
بدلها من غيرها ، وقيل انه يتخير بينه وبين الذكر وهو اختيار المحقق في الشرائع.
ويمكن
الاستدلال على الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) قال : «ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ألا ترى
لو ان رجلا دخل في الإسلام ثم لا يحسن ان يقرأ القرآن أجزأه ان يكبر ويسبح ويصلي».
__________________
ثم انه هل يجب
مساواة ما يأتي به من غيرها لها في المقدار أم لا؟ ظاهر الشيخ في المبسوط والمحقق
في المعتبر الثاني وظاهر المشهور بين المتأخرين الأول. وعلى هذا القول فهل تجب
المساواة في الحروف أو الآيات أو فيهما؟ أقوال.
(الرابعة) ـ ان
لا يحسن شيئا من القرآن والمشهور انه يسبح الله تعالى ويهلله ويكبره ، وذكر الشيخ
في الخلاف الذكر والتكبير وذكر بعضهم التحميد والتسبيح والتهليل والتكبير ،
والموجود في الرواية المتقدمة التي هي مستند هذا الحكم التكبير والتسبيح قال في
الذكرى : ولو قيل بتعين ما يجزئ في الأخيرتين من التسبيح كان وجها لانه قد ثبت
بدليته عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين عنهما. انتهى. وجعله
في المدارك أحوط.
وفيه منع ظاهر (أما
أولا) فلان الرواية التي هي مستند هذا الحكم قد اشتملت على بيان الوظيفة القائمة
مقام الحمد فالعدول عنها بمجرد هذه التخريجات لا يخرج عن الاجتهاد في مقابلة النص.
و (اما ثانيا)
فان ما بنى عليه من بدلية التسبيح عن الحمد في الأخيرتين ـ بمعنى ان الأصل في
الأخيرتين انما هو القراءة والتسبيح انما جعل عوضا عنها ـ وان اشتهر بينهم إلا انه
ممنوع أشد المنع لما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة من ان الأمر
انما هو بالعكس كما استفاضت به اخبار أهل الذكر (عليهمالسلام).
ثم انه هل يجب
مساواة ما يأتي به من الذكر للفاتحة أم لا؟ المشهور بين المتأخرين الأول ونفاه
المحقق في المعتبر ، قال : وقولنا «بقدر القراءة» نريد به الاستحباب لأن القراءة
إذا سقطت لعدم القدرة سقطت توابعها وصار ما تيسر من الذكر والتسبيح كافيا. انتهى.
ولو لم يحسن
الذكر قال في النهاية يقوم بقدر القراءة ثم يركع إذ لا يلزم من سقوط الواجب سقوط
غيره. انتهى.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان أكثر ما نقلناه من الأقوال خال من النصوص ولذا اقتصرنا في ذلك على مجرد
النقل ، والاحتياط في أمثال هذه المواضع مما لا ينبغي تركه بل الظاهر انه الحكم
الشرعي كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.
فرع
متى قلنا بوجوب
القراءة من المصحف فلو توقف تحصيل المصحف على شراء أو استئجار أو استعارة وجب ذلك
تحصيلا للواجب بقدر الإمكان ، وكذا لو احتاج إلى مصباح للظلمة المانعة من القراءة.
(الخامس) ـ اتفق
الأصحاب على انه لا يجوز القراءة بغير العربية فلا تجزئ الترجمة لأن الترجمة
مغايرة للمترجم ، ولقوله عزوجل «إِنّا أَنْزَلْناهُ
قُرْآناً عَرَبِيًّا» ووافقنا على ذلك أكثر العامة.
وقال أبو حنيفة
تجزئ الترجمة لقوله سبحانه «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ
وَمَنْ بَلَغَ» وانما ينذر كل قوم بلسانهم .
وفيه (أولا) ان
أخبارنا دالة على ان المراد بمن بلغ الأئمة (عليهمالسلام) فهو عطف على الفاعل في قوله «لِأُنْذِرَكُمْ».
و (ثانيا) انه
مع تسليم عطفه على المفعول فان الإنذار بالقرآن لا يستلزم نقل اللفظ بعينه إذ مع
إيضاح المعنى بالترجمة يصدق انه انذرهم بخلاف موضع البحث المطلوب فيه صورة المنزل.
ولو عجز عن
العربية في القراءة ولم يمكنه إلا الترجمة انتقل إلى الذكر بالعربية ، فإن عجز
أيضا قالوا وجبت الترجمة ، وفي تقديم اي الترجمتين قولان ، رجح بعض ترجمة القرآن
لأنها أقرب إليه من ترجمة الذكر ، ووجه القول الآخر فوات الغرض من القرآن
__________________
وهو نظمه المعجز بخلاف الذكر.
واتفقوا أيضا
على وجوب الترتيب في كلماتها وآيها على الوجه المنقول. ولا ريب فيه لتعلق الأوامر
بالقرآن على الكيفية التي نزلت واتى بها صاحب الشريعة ، فلو خالف عامدا أعاد
الصلاة على ما قطع به الأصحاب.
قال في المدارك
: وهو جيد ان لم يتداركها قبل الركوع لا مطلقا لان المقرو على خلاف الترتيب وان لم
يصدق عليه اسم السورة لكن لا يخرج بذلك عن كونه قرآنا. انتهى. وهو جيد. ولو كان
ناسيا قالوا يستأنف القراءة ما لم يركع وهو على إطلاقه محل بحث فإنه انما يتم إذا
لم يمكن البناء على السابق لفوات الموالاة وإلا بنى عليه وأتم القراءة كما لو قرأ
آخر الحمد ثم قرأ أولها.
(السادس) ـ الظاهر
انه لا خلاف بين الأصحاب في ان من واجبات القراءة إخراج الحروف من مخارجها المقررة
، والظاهر ان الوجه فيه هو انه لما كان القرآن عربيا نزل بلغة العرب فكل ما اقتضته
اللغة العربية وبنيت عليه من إخراج الحروف من مخارجها والتشديد في موضعه المقرر
والإدغام والمد على الوجوه المذكورة في محلها والاعراب ونحو ذلك مما بنيت عليه
اللغة المذكورة وكان من أصولها المقررة فإنه مما يجب الإتيان به ، لأن الواجب
القراءة باللغة العربية فكل ما كان من أصولها التي لا تحقق لها إلا به فإنه يجب
وما ليس كذلك مثل الجهر والهمس والاستعلاء والإطباق والترتيل والوقف والتفخيم
والترقيق ونحوها فإنه لا يجب بل هو من المحسنات.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان في شرح قول المصنف : «ويجب إخراج الحروف من
مواضعها» ما صورته : ويستفاد من تخصيص الوجوب بمراعاة المخارج والاعراب في ما تقدم
عدم وجوب مراعاة الصفات المقررة في العربية من الجهر والهمس والاستعلاء والإطباق
ونظائرها ، وهو كذلك بل مراعاة ذلك مستحبة. انتهى.
ونقله عنه
المحقق الأردبيلي واستحسنه ، ثم قال المحقق المشار إليه في موضع
آخر ـ في تعليل عدم إجزاء قراءة القرآن في الصلاة بالترجمة ـ ما صورته :
يشعر بعدم إجزاء ترجمة القرآن مطلقا ومعلوم من وجوب القراءة بالعربية المنقولة
تواترا عدم الاجزاء وعدم جواز الإخلال بها حرفا وحركة بنائية وإعرابية وتشديدا
ومدا واجبا وكذا تبديل الحروف وعدم إخراجها من مخارجها لعدم صدق القرآن فتبطل
الصلاة. الى آخر كلامه زيد في مقامه.
وعلى هذا النهج
كلام غيرهما ومرجعه إلى الفرق بين ما كان من أصول القراءة التي بنيت عليها اللغة
العربية وغيره وانه مع الإخلال بشيء من أصول القراءة تبطل الصلاة لعدم صدق
الإتيان بالقرآن كما ذكره المحقق المذكور في آخر كلامه. ويزيد ذلك إيضاحا ان مع
عدم إخراج الحروف من مخارجها المقررة ربما اختلف المعنى باختلاف المخرجين كما في «الضّالِّينَ» بالضاد والظاء فإنه على الأول من الضلال وعلى الثاني من
باب «ظل يفعل كذا» إذا فعله نهارا.
(المسألة
الثانية) ـ اتفق الأصحاب من غير خلاف يعرف على انه يجوز الاقتصار على الحمد بغير
سورة في النوافل وفي الفرائض في حال الاضطرار كالخوف وضيق الوقت بحيث ان قرأ
السورة خرج الوقت وكذا مع عدم إمكان التعلم.
وانما الخلاف
في وجوب السورة مع السعة والاختيار وإمكان التعلم فالمشهور الوجوب وبه صرح الشيخ
في كتابي الأخبار والخلاف والجمل وهو اختيار السيد المرتضى وابن أبي عقيل وأبي
الصلاح وابن البراج وابن إدريس وغيرهم وعليه أكثر المتأخرين. وذهب الشيخ في
النهاية إلى الاستحباب وهو اختيار ابن الجنيد وسلار ومال إليه في المعتبر والمنتهى
وعليه جمع من متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في
الذخيرة وغيرهما.
والواجب أولا
نقل الأخبار المتعلقة بالمقام وتذييلها بما يفهم من مضامينها من الأحكام ليتضح به
الحال وما هو الاولى بالاختيار في هذا المجال :
فأقول وبالله
سبحانه التوفيق لبلوغ المأمول : من الأخبار المذكورة التي استدل بها على الاستحباب
ما رواه الشيخ عن علي بن رئاب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول ان فاتحة الكتاب تجوز وحدها في
الفريضة».
وفي الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان فاتحة الكتاب وحدها تجزئ في الفريضة».
أقول : وهاتان
الروايتان من أقوى أدلة القول بالاستحباب وعليهما اعتمد في المدارك لصحتهما
وصراحتهما بزعمه ، قال والتعريف في الفريضة ليس للعهد لعدم تقدم معهود ولا للحقيقة
لاستحالة إرادته ولا للعهد الذهني لانتفاء فائدته فيكون للاستغراق. انتهى
والشيخ قد حمل
هذين الخبرين في التهذيبين على حال الضرورة دون الاختيار وهو أقرب قريب في المقام لما
رواه في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب
في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا». وبمضمونها أخبار أخر ،
وقضية إطلاق الخبرين الأولين وتقييد هذه الأخبار حمل الخبرين الأولين على هذه
الأخبار كما هو القاعدة.
وبما ذكرنا هنا
صرح العلامة في المنتهى حيث نقل عن الشيخ الاحتجاج على الاستحباب بصحيحة الحلبي
المذكورة في كلام السيد السند وأجاب عنها بالحمل على حال الضرورة والاستعجال وأورد
الأخبار الدالة على جواز الاقتصار على الحمد في الحالين المذكورين.
ومع الإغماض عن
ذلك فاحتمال التقية فيهما مما لا ريب فيه ولا مرية تعتريه ، ومن ذلك يظهر لك ضعف
الاستدلال بالخبرين المذكورين لقيام ما ذكرنا من الاحتمالين في البين ومنها ـ صحيحة
سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام)
__________________
قال : «سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف سورة هل يجزئه في الثانية ان
لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ قال يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة».
وصحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه
ويمضي في قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول عنها إلى غيرها؟ قال كل ذلك لا بأس به
وان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع».
وصحيحة إسماعيل
بن الفضل قال : «صلى بنا أبو عبد الله أو أبو جعفر (عليهالسلام) فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة فلما سلم التفت
إلينا فقال اما إني أردت أن أعلمكم».
ونحو ذلك ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أيقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟ قال
لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات».
وهي وان احتملت
الحمل على تكرار السورة في الركعتين إلا ان التقييد بأكثر من ثلاث آيات لا يظهر له
معنى إلا حمل الخبر على قسمة السورة في الركعتين.
وأصرح منه ما
رواه الشيخ في الصحيح عن ابان بن عثمان عن من أخبره عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ فقال نعم
اقسمها كيف شئت».
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن السورة أيصلي الرجل بها في ركعتين من الفريضة؟ قال نعم إذا
كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الاولى والنصف الآخر في الركعة الثانية».
وهذه الرواية
نقلها المحقق في المعتبر عن حريز بن عبد الله عن أبي بصير
__________________
والظاهر انه نقلها من كتاب حريز.
وصحيحة علي بن
يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن تبعيض السورة فقال اكره ذلك ولا بأس به في النافلة».
وقد تقدم في ما
يدخل في سلك هذه الأخبار صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة الحلبيين وحسنة مسمع أو موثقته
السابقات في الحكم الثالث من المسألة المتقدمة.
أقول : وهذه
الأخبار وان دلت بحسب ما يتراءى منها على ما ذكروه إلا ان باب الاحتمال فيها مفتوح
، فإن إطلاق جملة منها قابل للحمل على النافلة وما هو صريح في الفريضة أو ظاهر
فيها فحمله على التقية أقرب قريب وكذلك باقي الأخبار. وبالجملة فإن اتفاق العامة
على استحباب السورة وجواز تبعيضها مما أوهن الاستناد إليها وأضعف الاعتماد عليها إلا ان
أصحابنا (سامحهم الله تعالى بغفرانه) لما اطرحوا هذه القواعد المنصوصة عن أئمتهم (عليهمالسلام) ونبذوها وراء ظهورهم ـ كما قدمنا بيانه في غير مقام
مما تقدم ـ اتسع لهم المجال في مثل هذه الأقوال ، والله العالم بحقيقة الحال.
وعلى هذا
فالمراد بقوله (عليهالسلام) في صحيحة إسماعيل بن الفضل «إنما أردت أن أعلمكم» يعني
جواز التبعيض للتقية ، وقوله (عليهالسلام) في صحيحة علي بن يقطين «اكره ذلك» انما هو بمعنى
التحريم لا المعنى المصطلح فإنه اصطلاح عرفي طارئ وورود الكراهة بمعنى التحريم في
الأخبار أكثر كثير كما اعترف به جملة من الأصحاب وقد تقدم بيانه في غير مقام. هذا
ما يتعلق بالكلام على الأخبار الدالة على الاستحباب واما الأدلة التي استدلوا بها
على الوجوب فمنها الآية أعني قوله عزوجل «فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» فإن الأمر حقيقة في الوجوب.
ومنها ـ صحيحة
منصور بن حازم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام)
__________________
لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر».
وأجاب في
المدارك عن الآية بأنه لا دلالة لها على المدعى بوجه لأن موردها التهجد ليلا كما
يدل عليه السياق ، ولأن الظاهر ان «ما» ليست اسما موصولا بل نكرة تامة فلا تفيد
العموم بل يكون حاصل المعنى اقرأوا مقدار ما أردتم وأحببتم. واما الرواية فلا تخلو
من ضعف في السند والدلالة لأن في طريقها محمد بن عبد الحميد وهو غير موثق مع ان
النهي فيها وقع عن قراءة الأقل من سورة والأكثر وهو في الأكثر محمول على الكراهة
كما سنبينه فيكون في الأقل كذلك حذرا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه. انتهى
أقول : ما ذكره
في معنى الآية وان أمكن المناقشة فيه بما يطول به الكلام إلا ان الظاهر ان الآية
لا تصلح هنا للاستدلال لما هي عليه من التشابه وقيام الاحتمال.
واما ما ذكره
في الجواب عن صحيحة منصور من الطعن في السند والدلالة فهو مردود ، اما الطعن من
جهة السند ففيه ان منعه من توثيق محمد بن عبد الحميد ممنوع ، والظاهر انه اعتمد في
ذلك على عبارة العلامة في الخلاصة وما كتبه جده (قدس الله أرواحهم) في حواشيها ،
حيث قال العلامة في الخلاصة : محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر روى عبد
الحميد عن أبي الحسن موسى (عليهالسلام) وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين. انتهى. فكتب شيخنا
الشهيد الثاني في الحاشية : هذه عبارة النجاشي وظاهرها ان الموثق الأب لا الابن.
انتهى.
وأنت خبير بان
ما ذكره في المدارك وان احتمل بالنسبة إلى عبارة العلامة في الخلاصة إلا انه لا
يتم في عبارة النجاشي التي أخذ منها العلامة هذه العبارة فإن هذه العبارة بعينها
في كتاب النجاشي وبعدها بلا فصل : له كتاب النوادر. الى آخره. وحينئذ فمرجع ضمير «له»
هو مرجع ضمير «كان» كما لا يخفى على العارف بأسلوب الكلام من الأعيان ، ولا معنى
لرجوع الضمير الأول إلى الأب والثاني إلى الابن للزوم التفكيك في الضمائر وهو معيب
في كلام الفصحاء بل من قبيل التعمية والألغاز. ويؤيده أيضا ان محمد صاحب
الترجمة فجميع ما يذكر فيها يرجع اليه إلا مع قرينة خلافه ، ولهذا عد
العلامة في الخلاصة طريق الصدوق إلى منصور بن حازم في الصحيح مع ان محمد المشار
إليه في الطريق ، وجزم بتوثيقه جملة من علمائنا الأعلام منهم الميرزا محمد صاحب
كتاب الرجال وشيخنا المجلسي في الوجيزة وشيخنا أبو الحسن في البلغة وغيرهم.
ومن مواضع
الاشتباه في مثل ذلك ما ذكره النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن النعمان حيث قال
الحسن بن علي بن النعمان مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان ثقة ثبت له كتاب نوادر
صحيح الحديث كثير الفوائد. إلخ. والسيد السند صاحب المدارك كتب في حواشيه على
الخلاصة على هذا الموضع حيث نقل العلامة فيها هذه العبارة ما صورته : استفاد منه
بعض مشايخنا توثيقه وعندي في ذلك توقف والمصنف (قدسسره) جعل حديثه في الصحيح في المنتهى في بحث التخيير في
المواضع الأربعة وكأنه ظهر له توثيقه ولا يبعد استفادته من هذه العبارة. انتهى.
أقول : والذي
وقفت عليه في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) من علماء الرجال وغيرهم هو توثيق
الحسن بن علي بن النعمان المذكور ولم يتوقف أحد منهم في ذلك ، وهو بناء منهم على
انه إذا كانت الترجمة لرجل فجميع ما يذكر فيها انما يعود اليه كما هو في كتب
الرجال المعول عليها إلا مع قرينة خلافه كما أشرنا آنفا اليه ، وحينئذ فما توهمه (قدسسره) في هذا المقام ظاهر السقوط عند علمائنا الاعلام.
واما الطعن في
الرواية من حيث الدلالة بأن النهي عن الأكثر محمول على الكراهة ففيه ان ما وجه به
الكراهة ـ وهو الذي أشار إليه بقوله «سنبينه» من قيام الدليل عنده على جواز القران
في الفريضة فتحمل هذه الرواية ونحوها مما دل على النهي عن القران على الكراهة جمعا
ـ مدفوع بما سيجيء تحقيقه ان شاء الله تعالى في المسألة من ان المستفاد من
الأخبار هو التحريم. نعم يمكن توجيه ذلك بغير ما وجهه (قدسسره) وهو ان ظاهر الأخبار الكثيرة الدالة ـ كما قلنا ـ على
تحريم القران هو انه عبارة عن الجمع
بين سورتين بعد الحمد لا مجرد الزيادة على سورة. ولو ادعى أيضا شمول القران
لذلك بمجرد هذه الرواية كما ذهب اليه البعض فيمكن توجيه الكراهة حينئذ باستفاضة
الروايات واتفاق الأصحاب على جواز العدول عن سورة إلى أخرى في الجملة وان اختلفوا
في تحديده فإنه يدل على جواز قراءة ما زاد على سورة فيجب حمل النهي هنا عما زاد
على الكراهة البتة وبذلك يضعف الاعتماد في الوجوب عليها.
ومنها ـ صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد. ثم ليركع».
حتى انه يفهم من بعضهم وجوب قراءة «قل هو الله أحد» في هذه الصورة.
وفيه ان هذه
الرواية معارضة بصحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه
ويمضي في قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول منها إلى غيرها؟ فقال كل ذلك لا بأس به
وان قرأ آية واحدة فشاء ان يركع بها ركع». والاحتمال المخرج عن الاستدلال قائم من
الطرفين وجار في الروايتين.
ومنها ـ صحيحة
محمد بن إسماعيل قال : «سألته قلت أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في
مواضع فيها الاعراب أنصلي المكتوبة على الأرض فنقرأ أم الكتاب وحدها أم نصلي على الراحلة
فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ فقال إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها وإذا
قرأت الحمد وسورة أحب الي ولا أرى بالذي فعلت بأسا».
وهذه الرواية
مما استدل به المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل على الوجوب
حيث انه اختار فيه ذلك وهي بالدلالة على العدم أشبه ، قال (قدسسره) بعد نقلها : أقول لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك
الواجب من القيام وغيره. انتهى.
__________________
وفيه ان معنى
الرواية انما هو ان السائل لما سأل انه إذا تعارضت الصلاة على الأرض مع ترك السورة
للخوف مع الصلاة في المحمل وقراءة السورة فأيهما يختار؟ أجاب (عليهالسلام) بأنك إذا خفت فالصلاة في المحمل اولى. وليس في ذلك
دلالة على انه من حيث المحافظة على السورة وإن كان ذلك هو مراد السائل ومفهوم
السؤال إلا انهم (عليهمالسلام) قد يجيبون بما هو أعم من السؤال بل قد يجيبون بقواعد
كلية للمسؤول عنه وغيره ومن الظاهر بل الأظهر ان أولوية الصلاة في المحمل انما هو
من حيث الإقبال على العبادة وفراغ البال الذي هو روحها. ويؤيد الاستحباب هنا قوله
: «وإذا قرأت الحمد وسورة ـ يعني في صلاتك في المحمل ـ فهو أحب الي» فان مرمى هذه
العبارة انما هو الاستحباب.
ومنها ـ جملة
من الأخبار قد تضمنت نفى البأس عن الاقتصار على الفاتحة لمن أعجلت به حاجة ، وهو
يدل بمفهومه على ثبوت البأس لمن ليس كذلك.
وفيه (أولا) ان
ثبوت البأس أعم من التحريم. و (ثانيا) ان ما دل على الاستحباب ـ كما تقدم ـ صريح
الدلالة على ذلك بمنطوقه والمفهوم لا يعارض المنطوق.
وربما يستدل
على الوجوب بالأخبار الدالة على النهي عن القران في الفريضة بأن يقال النهي حقيقة
في التحريم ولا وجه لتحريم ذلك إلا من حيث انه يلزم زيادة واجب في الصلاة عمدا وهو
مبطل لها.
وفيه (أولا) ـ ان
ذلك مبني على تحريم القران فلا يقوم هذا الدليل حجة على من يحكم بالكراهة.
و (ثانيا) ـ ان
العبادة واجبة كانت أو مستحبة توقيفية من الشارع فمن الجائز كون السورة مستحبة
والنهي عن الإتيان بها ثانية لكونه خلاف الموظف شرعا ، وكما ان التشريع يحصل
بزيادة الواجب باعتقاد انه واجب ومشروع كذلك يحصل باعتقاد زيادة المستحب باعتقاد
توظيفه واستحبابه في ذلك المكان أو زمان من الأزمان ، واما
من حيث كونه قرانا فلا تبطل به سواء قلنا بوجوب السورة أو استحبابها.
نعم ربما يمكن
الاستدلال على ذلك بالأخبار الدالة على تحريم العدول من سورة التوحيد والجحد إلى
ما عدا سورتي الجمعة والمنافقين واتفاق جمهور الأصحاب على ذلك.
ومن تلك
الأخبار صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن
تقرأ غيرها فامض فيها ولا ترجع إلا ان تكون في يوم الجمعة. الحديث».
وصحيحة ابن أبي
نصر قال : «يرجع من كل سورة إلا من قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون». إلى
غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى في موضعها
وجه الاستدلال
بها انه لو لا وجوب السورة هنا لما حرم العدول عنها وليس وجوبها ناشئا عن مجرد
الشروع فيها ، إذ لا شيء من المستحب يجب بالشروع فيه إلا ما خرج بدليل خاص كالحج
، ومتى حرم العدول عنها وجب إتمامها ، ومتى ثبت الوجوب في هاتين السورتين ثبت في
غيرهما إذ لا قائل بالفصل ، وجواز العدول في غيرهما مع الإتيان بسورة كاملة بعد
ذلك لا ينافي أصل الوجوب بل يؤكده. وهذا أقوى ما يمكن ان يستدل به على الوجوب وان
كان بعض مقدماته لا يخلو من المناقشة.
وبما قررناه
وأوضحناه يظهر لك ان المسألة محل توقف واشكال وان الاحتياط فيها لازم على كل حال ،
فان ما استدل به على الوجوب كما عرفت لا ينهض بالدلالة الواضحة التي يمكن بناء حكم
شرعي عليها ، وما استدل به على الاستحباب وان كان واضح الدلالة إلا ان اتفاق
العامة على القول بمضمونها يضعف الاعتماد عليها والرجوع إليها لما استفاض في
الأخبار من الأمر بمخالفتهم ولو في غير مقام اختلاف الأخبار. والله العالم
فروع
(الأول) ـ يجب
الترتيب بين الحمد والسورة بتقديم الحمد أولا ثم السورة
__________________
فلو أخل أعاد السورة بعدها أو غيرها.
وقد وقع الخلاف
هنا في موضعين (أحدهما) انه لو قدم السورة عامدا فهل تبطل الصلاة أم يجب استئناف
السورة أو غيرها وتصح صلاته؟ قولان ، صرح جماعة من الأصحاب بالأول : منهم ـ الشهيد
في كتبه الثلاثة والشهيد الثاني في المسالك والعلامة في المنتهى والقواعد وهو ظاهر
المحقق الشيخ علي في الشرح حيث علل ذلك بثبوت النهي في المأتي به جزء من الصلاة
المقتضي للفساد ، وبالجملة فالظاهر انه المشهور. وظاهر إطلاق عبارة المحقق في
الشرائع الثاني واختاره في المدارك ولم أقف على مصرح به سواه حيث قال ـ بعد قول
المصنف : ولو قدم السورة على الحمد أعادها أو غيرها ـ ما لفظه : إطلاق العبارة
يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد والناسي وهو كذلك ، وجزم الشارح (قدسسره) ببطلان الصلاة مع العمد وهو غير واضح. أقول : وتخصيصه
المخالفة بالشارح فيه نوع إشعار بأن الأكثر على خلافه مع ان الأمر ليس كذلك فان ما
ذكره جده هو الذي صرح به جملة من وقفت على كلامه في المسألة ولم أقف على من صرح
بخلافه سواه في كتابه المذكور.
بقي الكلام في
الدليل على البطلان وقد عرفت ما ذكره المحقق الشيخ على من الدليل على ذلك ، وعلله
العلامة في المنتهى بان المنقول عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وأفعال الأئمة (عليهمالسلام) الترتيب وهذه الأمور انما ثبتت توقيفا. انتهى.
وكل من
التعليلين لا يخلو من النظر الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر (اما الأول)
فلان النهي هنا غير موجود إذ لا نص في المسألة إلا ان يبنى على المسألة الأصولية
وهو ان الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده الخاص وهو مأمور هنا بقراءة السورة بعد
الحمد. والقول بمقتضى هذه القاعدة عندنا غير ثابت إذ لا دليل عليه كما تقدم
تحقيقه.
و (اما الثاني)
فمرجعه إلى انه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة
التكليف ، وفيه ان ذلك لا يستلزم بطلان الصلاة لإمكان تداركه ما لم يركع
فيجب عليه قراءة تلك السورة أو سورة أخرى بعد الحمد وتصح صلاته. ولو قيل ـ بأنه مع
اعتقاده الترتيب على الوجه الذي اتى به يكون مشرعا فتبطل صلاته مع تعمده للنهي عن
ذلك القصد ـ فالجواب انه متى تدارك ذلك قبل الركوع كما ذكرنا فقد حصل امتثال الأمر
بالترتيب والنهي انما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة وهو القصد فلا يكون موجبا
لبطلانها.
وربما قيل هنا
بالتفصيل بين ما إذا كان عازما على إعادتها فتصح الصلاة أو لا فتبطل ، ووجهه غير
ظاهر.
الثاني ـ انه
لو قدم السورة ساهيا فظاهرهم الاتفاق على عدم إعادة الصلاة وانه يجب إعادة السورة
أو غيرها بعد الحمد وانما الخلاف في انه هل يجب اعادة الحمد أيضا أم لا؟ قولان ،
قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بعد قول المصنف : «ونسيانا يستأنف القراءة»
ما لفظه : ظاهر هذه العبارة وغيرها كعبارته في التذكرة والنهاية استئناف القراءة
من أولها فيعيد الحمد والسورة معا. وهو بعيد لأن الحمد إذا وقعت بعد السورة كانت
قراءتها صحيحة فلا مقتضى لوجوب إعادتها بل يبنى عليها ويعيد السورة خاصة. انتهى.
وهو جيد. وظاهر عبارة المدارك في هذا المقام ان هذا الخلاف في صورة تقديم السورة
عامدا ، والظاهر انه غفلة منه (قدسسره) فان الموجود في كلامهم كما سمعت من كلام المحقق
المذكور ان هذا الخلاف انما هو في صورة التقديم ناسيا واما في صورة التقديم عامدا
فهو كما قدمنا بيانه. ثم انه قد صرح غير واحد منهم بان الجاهل هنا كالعامد. هذا
كله على تقدير وجوب السورة كما لا يخفى.
(الثاني) ـ قد
صرح الأصحاب بأنه لا يجوز ان يقرأ من السور ما يفوت بقراءته الوقت بأن يقرأ سورة
طويلة مع علمه بان الوقت لا يسع لها ، قالوا فإنه إذا كان عامدا تبطل صلاته لثبوت
النهي عن فواتها المقتضى للفساد إذا خرج شيء من الصلاة وان قل عن وقتها ، وان
كان ناسيا بان قرأ سورة طويلة بظن طول الوقت ثم تبين الضيق وجب العدول إلى
غيرها وان تجاوز النصف محافظة على فعل الصلاة في وقتها.
ولا يخفى ان
الحكم المذكور مبني على القول بوجوب السورة وتحريم ما زاد عليها وإلا فلا يتجه
المنع ، اما على القول بالاستحباب فظاهر لجواز قطعها اختيارا واما على القول
بالوجوب مع تجويز الزيادة فلأنه يعدل إلى سورة قصيرة وما اتى به من القراءة غير
مضر. ولم أقف في أصل المسألة على نص مضافا إلى ما عرفت من الإشكال في وجوب السورة
وعدمه.
(الثالث) ـ يعتبر
في السورة على تقدير القول بالوجوب ما قدمنا ذكره في الفاتحة من وجوب التعلم لو لم
يحسن سورة ، فلو تعلم بعضها وضاق الوقت فقد صرحوا بأنه يأتي بما تعلمه.
واما وجوب
التعويض بالتكرار وغيره انما هو في ما لو جهل الفاتحة فإنها الأصل في القراءة فلا
يجوز خلو الصلاة منها أو بدلها اما لو علمها بتمامها وانما جهل السورة فإنه يقرأ
ما تيسر منها من غير تعويض عن الفائت بقرآن أو ذكر لسقوط اعتبارها مع الضرورة كما
عرفت ، والجهل بها مع ضيق الوقت قريب منها ان لم يكن اولى ، ولأن التعويض على خلاف
الأصل فيقتصر فيه على موضع الوفاق.
ومنه يعلم انه
لو جهلها رأسا سقط اعتبارها مع ضيق الوقت وأجزأت الفاتحة. وفي المنتهى ان الحكم
إجماعي فلا مساغ للتوقف فيه.
وكذا الكلام في
الوجوب عن ظهر القلب وجواز ذلك من المصحف اختيارا أو اضطرارا على الخلاف الذي تقدم
ذكره في الفاتحة. وكذا وجوب القراءة بالعربية فلا تجزئ الترجمة على ما تقدم ذكره
والاعراب أيضا حسبما تقدم.
(الرابع) ـ قال
في الذكرى : قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن
وعقد قلبه بمعناها لأن الميسور لا يسقط بالمعسور . وروى في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة
تحريك لسانه وإشارته بإصبعه». وهذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة كما
مر في التكبير. ولو تعذر إفهامه جميع معانيها افهم البعض وحرك لسانه به وأمر
بتحريك اللسان بقدر الباقي تقريبا وان لم يفهم معناه مفصلا. وهذه لم أر فيها نصا.
والتمتام والفأفاء والألثغ والأليغ يجب عليهم السعي في إصلاح اللسان ولا يجوز لهم
الصلاة مع سعة الوقت مهما أمكن التعلم فان تعذر ذلك صحت القراءة بما يقدرون عليه ،
والأقرب عدم وجوب الائتمام عليهم لأن صلاتهم مشروعة. انتهى. أقول وبنحو ذلك صرح
غيره.
وأنت خبير بأنه
لا إشكال في ما ذكروه من وجوب تحريك اللسان للنص المذكور ويعضده ان الواجب في
القراءة شيئان أحدهما تحريك اللسان والثاني القراءة على الوجه المخصوص فمع تعذر
القراءة يبقى وجوب تحريك اللسان بحاله. واما وجوب عقد القلب بمعناها فهو وان كان
مشهورا في كلامهم إلا انه خال من الدليل. ونقل في المنتهى عن الشيخ الاكتفاء
بتحريك اللسان.
والمراد بعقد
القلب بها على ما يستفاد من كلام جمع : منهم ـ العلامة وغيره هو ان يقصد كون هذه
الحركة حركة قراءة لتتميز بذلك عن حركته في غيرها ، وكأنهم لحظوا أن حركة اللسان
أعم من القراءة فلا تنصرف إليها إلا بالقصد والنية. والمفهوم من كلام الشهيد في
الدروس والبيان ـ وهو صريحه في هذا الكلام المنقول هنا ـ ان المراد بعقد القلب قصد
معاني الحمد والسورة وتصورها بقلبه حيث صرح في أثناء الكلام توضيحا لما قدمه أولا
بأنه لو تعذر إفهامه جميع معانيها افهم البعض وحرك لسانه به وأمر بتحريك اللسان
بقدر الباقي وان لم يفهم معناه مفصلا. والظاهر بعده لعدم الدليل عليه كما اعترف به
من انه لم
__________________
ير به نصا بل لم يقم دليل على ذلك في الصحيح فضلا عن الأخرس. وبالجملة فهذا
من قبيل «اسكتوا عما سكت الله عنه». كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب وقد مر مزيد بيان له أيضا
بقي هنا شيء
وهو ان ظاهر النص إضافة الإشارة بإصبعه إلى تحريك لسانه الذي هو بدل عن قراءته
وتكبيره وتشهده فيصير داخلا في البدلية. والخبر لا معارض له في ذلك وظاهر عبارة
شيخنا المشار إليه أيضا ذلك ولا بأس به.
واما ما ذكره
بالنسبة إلى التمتام والفأفاء والألثغ والأليغ فهو جيد ، ويدل عليه ما رواه
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال : «سمعت جعفر بن محمد (عليهماالسلام) يقول انك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما
يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك
فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح ولو ذهب
العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم انه يلزمه ويعمل به وينبغي له ان يقوم به
حتى يكون ذلك منه بالنبطية والفارسية لحيل بينه وبين ذلك بالأدب حتى يعود إلى ما
قد علمه وعقله ، قال ولو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرم ففعل فعال
الأعجمي والأخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشيء من الخير ولا يعرف
الجاهل من العالم».
أقول : في
النهاية فيه «فأرسل إلى ناقة محرمة» أي التي لم تركب ولم تذلل. وفي الصحاح جلد
محرم اي لم تتم دباغته وسوط محرم اي لم يلن بعد وناقة محرمة اي لم تتم رياضتها بعد
، وقال كل من لا يقدر على الكلام أصلا فهو أعجم ومستعجم ، والأعجم الذي لا يفصح
ولا يبين كلامه. انتهى.
أقول : ومنه
يعلم ان إطلاق المحرم في الخبر على من لا يمكنه الإتيان بالقراءة
__________________
ونحوها على وجهها من إخراج الحروف من مخارجها أولا يفصح به لشبهه بالدابة
ونحوها من الأشياء المعدودة في عدم لين لسانه وتذليله بالنطق. وحاصل معنى الخبر
الفرق بين من يمكنه الإتيان بالقراءة والأذكار والأدعية في صلاة أو غيرها على
وجهها ولو بالتعلم وبين من لا يمكنه ، وان القادر على الإتيان بذلك على وجهه ولو
بالتعلم لا يجزئه غير ذلك وجهله مع إمكان التعلم ليس بعذر شرعي.
والمستفاد من
بعض الأخبار ان من لا يقدر على إصلاح لسانه ويقرأ ويدعو على تلك الحال فان الله
سبحانه بمزيد فضله وكرمه يوكل الملائكة بإصلاحه فلا يرفع اليه إلا على الهيئة
والكيفية المأمور بها :
روى في الكافي
عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال النبي (صلىاللهعليهوآله) ان الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه
الملائكة على عربيته».
وقد ورد في
الحديث المشهور عنه (صلىاللهعليهوآله) «ان سين بلال عند الله شين».
(المسألة
الثالثة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) من متقدميهم ومتأخريهم وجوب
الجهر في الصبح وأوليي المغرب والعشاء والإخفات في الباقي فإن عكس عامدا عالما
وجبت عليه إعادة الصلاة ، ونقل عن ابن الجنيد انه يجوز العكس ولكن يستحب ان لا
يفعله وهو قول السيد المرتضى في المصباح. وإلى هذا القول مال جملة من متأخري
المتأخرين : أولهم ـ على الظاهر السيد السند (قدسسره) في المدارك وتبعه فيه جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم
غالبا.
والأظهر عندي
هو القول المشهور ، ولنكتف هنا في بيان ما اخترناه بنقل ما ذكره
__________________
السيد المشار اليه والكلام على كلامه وبيان ضعفه في نقضه وإبرامه :
قال (قدسسره) بعد نقل القولين المذكورين : احتج الشيخ (قدسسره) بما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له رجل جهر بالقراءة في ما لا ينبغي ان يجهر
فيه أو أخفى في ما لا ينبغي الإخفاء فيه؟ فقال اي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته
وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه». وجه
الدلالة قوله (عليهالسلام) «اي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة» فإن «نقض»
بالضاد المعجمة كناية عن البطلان والإعادة انما تثبت مع اشتمال الاولى على نوع من
الخلل. واحتج الشهيد في الذكرى على الوجوب أيضا بفعل النبي (صلىاللهعليهوآله) والتأسي به واجب. وهو ضعيف جدا فإن التأسي في ما لا
يعلم وجهه مستحب لا واجب كما قرر في محله. واحتج القائلون بالاستحباب بأصالة
البراءة من الوجوب ، وقوله تعالى «وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً» وجه الدلالة ان النهي لا يجوز تعلقه بحقيقة الجهر
والإخفات لامتناع انفكاك الصوت عنهما بل المراد ـ والله اعلم ـ ما ورد عن الصادق (عليهالسلام) في تفسير الآية وهو تعلق النهي بالجهر العالي الزائد عن
المعتاد والإخفات الكثير الذي يقصر عن الأسماع والأمر بالقراءة المتوسطة بين
الأمرين وهو شامل للصلوات كلها. وما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه
بالقراءة هل عليه ان لا يجهر؟ قال ان شاء جهر وان شاء لم يجهر». وأجاب عنها الشيخ
بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب العامة قال المصنف (قدسسره) وهو تحكم من الشيخ فان بعض
__________________
الأصحاب لا يرى وجوب الجهر بل يستحبه مؤكدا. والتحقيق انه يمكن الجمع بين
الخبرين بحمل الأول على الاستحباب أو حمل الثاني على التقية ، ولعل الأول أرجح لأن
الثانية أوضح سندا وأظهر دلالة مع اعتضادها بالأصل وظاهر القرآن. انتهى.
أقول : وعندي
فيه نظر من وجوه (أحدها) ـ نقله رواية زرارة عارية عن وصف الصحة حيث انه نقلها عن
الشيخ وهي وان كانت في كتابيه كذلك لكنها من روايات الصدوق في الفقيه وطريقه إلى
زرارة في أعلى مراتب الصحة فتكون الرواية صحيحة ، وبه يظهر ضعف ما ذكره أخيرا من
دعواه كون صحيحة علي بن جعفر أوضح سندا بناء على نقله لها عن الشيخ (قدسسره).
و (ثانيها) ـ انه
مما يدل على هذا القول أيضا صحيحة زرارة الأخرى عنه (عليهالسلام) قال : «قلت له رجل جهر بالقراءة في ما لا ينبغي الجهر
فيه أو أخفى في ما لا ينبغي الإخفاء فيه ، وترك القراءة في ما ينبغي القراءة فيه
أو قرأ في ما لا ينبغي القراءة فيه؟ فقال اي ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه».
وما رواه في
الفقيه في علل الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) «ان الصلوات التي يجهر فيها انما هي في أوقات مظلمة فوجب ان يجهر فيها
ليعلم المار ان هناك جماعة. الحديث».
ومثله ما رواه
الصدوق أيضا في حكاية صلاة النبي (صلىاللهعليهوآله) بالملائكة في ابتداء الصلاة قال : «سأل محمد بن عمران أبا عبد الله (عليهالسلام) قال لأي علة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة
العشاء الآخرة وصلاة الغداة وسائر الصلوات الظهر والعصر لا يجهر فيهما؟ قال لأن
النبي (صلىاللهعليهوآله) لما اسرى به إلى السماء كان أول صلاة فرض الله عليه
الظهر يوم الجمعة فأضاف إليه الملائكة تصلي خلفه وأمر نبيه (صلىاللهعليهوآله) ان يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله ثم فرض عليه العصر
ولم يضف إليه أحدا
__________________
من الملائكة وامره ان يخفى القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد ، ثم فرض عليه
المغرب وأضاف إليه الملائكة فأمره بالإجهار وكذلك العشاء الآخرة ، فلما كان قرب
الفجر نزل ففرض الله عليه الفجر فأمره بالإجهار ليبين للناس فضله كما بين للملائكة
فلهذه العلة يجهر فيها. الحديث».
والتقريب في
خبر الفضل ظاهر لتصريحه بالوجوب وفي خبر محمد بن عمران لتضمنه الأمر من الله
سبحانه لنبيه (صلىاللهعليهوآله) بالجهر والإخفات في تلك الصلوات ، وأوامره ونواهيه عزوجل للوجوب والتحريم بلا خلاف ، وانما الخلاف في الأوامر
والنواهي التي في السنة «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ
أَلِيمٌ» ومتى ثبت الحكم في حقه (صلىاللهعليهوآله) ثبت في أمته بدليل استدلال الصادق (عليهالسلام) بذلك على أصل الحكم المذكور ، وهو بحمد الله سبحانه
ظاهر لكل ناظر.
و (ثالثها) ـ استدلاله
بالآية فإنه وان كان الأمر كما ذكره وقرره إلا ان هذا الإجمال الذي دلت عليه الآية
غير معمول عليه لاتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب على انقسام الصلاة إلى جهرية
وإخفاتية وتعيين الجهرية في صلوات مخصوصة والإخفاتية في صلوات مخصوصة ، وقد دلت
الأخبار المتقدمة على وجوب الجهر في الجهرية والإخفات في الإخفاتية فلا بد من
تخصيص هذا الإجمال بهذه الأخبار المشار إليها ، وحينئذ فيصير معنى الآية لا تجهر
في الجهرية جهرا عاليا زائدا على المعتاد ولا تخافت في الإخفاتية إخفاتا لا تسمع
نفسك. واللازم من ذلك الجهر في الجهرية بدون الحد المذكور والإخفات في الإخفاتية
فوق الحد المذكور ، ومنه يظهر عدم جواز الاستناد إلى الآية في المقام لما هي عليه
من الإجمال المنافي لما فصلته اخبارهم (عليهمالسلام).
ومن الأخبار
الواردة بتفسير الآية المذكورة ما رواه العياشي عن سماعة بن
__________________
مهران عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في قول الله عزوجل (وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) ؟ قال المخافتة ما دون سمعك والجهر ان ترفع صوتك شديدا».
وما رواه الثقة
الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في قوله تعالى (وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)؟ قال الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع بإذنك
واقرأ ما بين ذلك».
وبهذا الاسناد
عنه (عليهالسلام) قال : «الإجهار رفع الصوت عاليا والمخافتة ما لم تسمع
نفسك».
وروى العياشي
في سبب النزول عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهماالسلام) «في قوله (وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ). الآية؟ قال كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا كان بمكة جهر بصلاته فيعلم بمكانه المشركون فكانوا
يؤذونه فأنزلت هذه الآية عند ذلك». ونحوه روى الطبرسي عنهما (عليهماالسلام) .
أقول : وهذه
الأخبار وان كان فيها أيضا نوع إجمال بالنسبة إلى الوسط الذي بين الجهر والإخفات
المنهي عنهما إلا انه قد علم من الأخبار المشار إليها آنفا ان هذا الحد الوسط له
فردان : (أحدهما) الجهر في الجهرية دون الحد المنهي عنه. و (ثانيهما) الإخفات في
الإخفاتية فوق الحد المنهي عنه ، لان الجهر والإخفات ـ كما سيأتي ان شاء الله
تعالى تحقيقه ـ حقيقتان متضادتان ، وبالجملة فإنك إذا ضممت أخبار المسألة كملا
بعضها إلى بعض فإنه لا مندوحة عن التخصيص في كل من الموضعين بما ذكرنا.
قال شيخنا
المجلسي (قدس الله روحه) في كتاب البحار في معنى الآية : يحتمل ان يكون الغرض بيان
حد الجهر في الصلاة مطلقا أو للإمام ، وهذا وجه قريب لتفسير الآية
__________________
اي ينبغي أن يقرأ في ما يجهر فيه من الصلوات بحيث لا يتجاوز الحد في العلو
ولا يكون بحيث لا يسمعه من قرب منه فيكون إخفاتا أو لا يسمعه المأمومون فيكون
مكروها. انتهى وبذلك يظهر لك ما في قوله أخيرا «وهو شامل للصلوات كلها» فإنه ناشىء
عن عدم ملاحظة الأخبار الواردة في المقام وما اشتملت عليه مما يوجب تقييد هذا
الإجمال كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
و (رابعها) ما
ذكره من الوجهين في الجمع بين الخبرين المنقولين في كلامه واختياره الاستحباب
منهما ، فان فيه ما عرفت في غير مقام مما سبق أنه (أولا) لم يقم عليه دليل وان
اشتهر بينهم (رضوان الله عليهم) جيلا بعد جيل. و (ثانيا) ان الاستحباب حكم شرعي لا
يصار اليه إلا بدليل واضح ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل على ذلك و (ثالثا) ان
الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا بالقرينة ومجرد اختلاف الأخبار ليس من قرائن
المجاز ، ومن المعلوم انه لو لا وجود صحيحة علي بن جعفر في البين لما كان معدل عن
الحكم بمقتضى صحيحة زرارة المذكورة والقول بالوجوب كما لا يخفى. و (رابعا) انه من
الجائز بل هو المتعين ان يجعل التأويل في جانب صحيحة علي بن جعفر بان تحمل على
التقية وهو مقتضى القاعدة المنصوصة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) في مقام اختلاف الأخبار فإن العامة كلهم على الاستحباب
كما هو مذهب ابن الجنيد على ما نقله في المعتبر ، ولكنهم (رضوان الله عليهم) الغوا
هذه القواعد الواردة عن أئمتهم (عليهمالسلام) واتخذوا قواعد لا أصل لها في الشريعة. و (خامسا) تأيد
صحيحة زرارة بالروايات التي قدمناها.
و (خامسها) ـ ما
ذكره من أظهرية دلالة صحيحة علي بن جعفر فإنه في الضعف والبطلان أظهر من ان ينكر ،
وكيف لا وصحيحة زرارة دلت على ان الإخفاتية لا يجوز الجهر فيها والجهرية لا يجوز
الإخفات فيها ، وهذا وان كان في كلام السائل إلا ان الامام (عليهالسلام) قرره عليه واجابه بما يطابقه ويدل عليه ، ودلت أيضا
على وجوب
الإعادة بعد حكمه بكون ذلك نقضا للصلاة إذا كانت المخالفة والإخلال عن عمد.
وكل واحد من هذه الوجوه يكفي في الدلالة لو انفرد فكيف مع الاجتماع ، وحينئذ فلا
وجه لدعواه ان صحيحة علي بن جعفر أظهر دلالة ، ومن المعلوم ان ترك المستحبات لا
يوجب الإعادة من رأس.
و (سادسها) ـ ما
ذكره من الاعتضاد بالأصل وظاهر القران ، فان في الأول منهما ان الأصل يجب الخروج
عنه مع قيام الدليل على خلافه وقد عرفت الدليل من الصحيحة المذكورة وصحيحته
الثانية والأخبار التي معها. وفي الثاني انه بمقتضى ما أوضحناه ان الآية لا دلالة
لها على ما ادعاه.
هذا. واما ما
ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة في هذا المقام ـ حيث انه ممن تبع السيد السند
كما هي عادته في أغلب الأحكام فزاد في تأييد مقالته ما زعمه من الإبرام من ظهور
لفظ «لا ينبغي» في الاستحباب وان «نقص» في الرواية بالصاد المهملة أي نقص ثوابه
وانه يحتمل حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب فيكون المراد المبالغة في استحبابه ـ
فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة واحتمالاته السخيفة ، ولو قامت مثل هذه التكلفات في
الأخبار والتمحلات التي تبعد عن مذاق الأفكار لم يبق دليل يعتمد عليه إلا وللقائل
فيه مقال وان سخف وبعد ذلك الاحتمال ، ومع هذا فانا نوضح بطلان ما اعتمده بأوضح
بيان :
فنقول : اما ما
ذكره من ظهور لفظ «لا ينبغي» في الاستحباب ان أراد في عرف الناس فهو كذلك ولكن لا
ينفعه ، وان أراد في عرفهم (عليهمالسلام) فهو ممنوع أشد المنع كما لا يخفى على من غاص بحار
الأخبار وجاس خلال تلك الديار ، وبذلك اعترف جملة من علمائنا الأبرار ، وقد حضرني
الآن من الأخبار التي استعمل فيها لفظ «ينبغي ولا ينبغي» في الوجوب والتحريم ما
ينيف على ثلاثين حديثا. والتحقيق في المقام هو ما قدمنا ذكره من ان هذا اللفظ من
الألفاظ المتشابهة في كلامهم (عليهمالسلام) فلا يحمل على أحد معنييه
إلا بقرينة ظاهرة والقرينة في ما ندعيه من المعنى واضحة من الجواب كما لا
يخفى على ذوي الألباب.
واما ما ذكره
من لفظ «نقص» وانه بالصاد فإنه مع تسليم صحته فهو مؤيد لما ندعيه ، وذلك فان
المتبادر من النقص في الشيء انما هو عدم الإتيان به تاما فمعنى نقص الصلاة عدم
الإتيان بها تامة ، وهذا هو المعنى الذي ينطبق عليه الأمر بالإعادة كما لا يخفى
على من اتخذ الإنصاف سجية وعادة. واما حمل النقص على نقص الثواب كما زعم فهو معنى
مجازي خلاف الظاهر لا يصار اليه إلا مع المعارض الراجح كما لا يخفى على الخبير
الماهر. واما حمل الإعادة على الاستحباب فقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإنك
إذا رجعت إلى القواعد الشرعية الواردة عن الذرية المصطفوية (عليهم أفضل الصلاة
والتحية) يظهر لك ان القول المشهور هو المؤيد المنصور وان القول الآخر بمحل من
الضعف والقصور.
واما ما ذكره
المحقق ـ ردا على الشيخ في حمله صحيحة علي بن جعفر على التقية من انه تحكم لأن بعض
الأصحاب ذهب إلى القول بمضمونها ـ ففيه ان ظاهر هذا الكلام يعطي انه لا يصح حمل
الخبر على التقية إلا إذا كان ذلك الخبر مطرحا عند جميع الأصحاب بحيث لا يقول به
قائل في ذلك الباب ، وهذا غريب من مثل هذا المحقق التحرير وتحكم محض بل سهو في هذا
التحرير ، ولعله لهذا اطرحوا قاعدة عرض الأخبار في مقام الاختلاف على التقية مع
انها في اختلاف الأخبار هي أصل كل بلية كما نبهنا عليه في مقدمات الكتاب ، ولا
يخفى ان الأخبار الخارجة عنهم (عليهمالسلام) بالاختلاف في الأحكام لا وجه للاختلاف فيها سوى التقية
كما حققناه في مقدمات الكتاب ، ولكن العامل بذلك الخبر الخارج مخرج التقية إنما
عمل به من حيث ثبوته عنهم (عليهمالسلام) ولا علم له بكونه خرج مخرج التقية ، ولهذا وردت
الأخبار عنهم (عليهمالسلام) بالرخصة بالعمل بالأخبار الخارجة مخرج التقية حتى يعلم
بأنها إنما خرجت كذلك فيكون حينئذ
مخاطبا بترك العمل بها إذا لم تلجئه التقية للعمل بها وما نحن فيه من هذا
القبيل. وبالجملة فإن الأخبار المستفيضة بالترجيح بمخالفة العامة في مقام اختلاف
الأخبار أعم مما ذكره فإنه متى ما وافق أحد الخبرين العامة وخالفهم الآخر وجب تركه
عمل به أو لم يعمل به ولهذا ترى الأصحاب في مقام البحث والترجيح يستدل أحدهم بخبر
ويجيب عنه الآخر بالحمل على التقية. والله العالم.
تنبيهات
(الأول) ـ قد
صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق وابن إدريس والعلامة والشهيد وغيرهم بأن أقل
الجهر ان يسمع القريب منه تحقيقا أو تقديرا وأقل الإخفات ان يسمع نفسه لو كان
سامعا ، وادعى عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع وقال الشهيد في الذكرى : أقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان يسمع وحد
الإخفات إسماع نفسه ان كان يسمع وإلا تقديرا ، قال في المعتبر وهو إجماع العلماء
ولأن ما لا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة.
وقال ابن إدريس
في السرائر : وادنى حد الجهر ان تسمع من على يمينك أو شمالك ولو علا صوته فوق ذلك
لم تبطل صلاته ، وحد الإخفات أعلاه ان تسمع أذناك القراءة وليس له حد ادنى بل ان
لم تسمع أدناه القراءة فلا صلاة له وان سمع من على يمينه أو شماله صار جهرا فإذا
فعله عامدا بطلت صلاته. انتهى.
وقال السيد
السند في المدارك بعد قول المصنف «وأقل الجهر ان يسمعه القريب الصحيح السمع إذا
استمع والإخفات ان يسمع نفسه ان كان يسمع» : هذا الضابط ربما أوهم بظاهره تصادق
الجهر والإخفات في بعض الافراد وهو معلوم البطلان لاختصاص الجهر ببعض الصلوات
والإخفات ببعض وجوبا أو استحبابا. والحق ان الجهر والإخفات حقيقتان متضادتان يمتنع
تصادقهما في شيء من الافراد. ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شيء زائد على
الحوالة على العرف انتهى.
والظاهر ان
مبنى ما ذكره السيد (قدسسره) من الاعتراض على الضابط المذكور هو انه فهم من عبارة
الفاضلين والشهيد عطف الإخفات في عبائرهم على المضاف إليه في قولهم «أقل الجهر ان
يسمع القريب منه والإخفات» يعني أقل الإخفات واللازم من هذا تصادق الجهر والإخفات
في إسماع القريب بان يكون ذلك أعلى مراتب الإخفات لأن أقله إسماع نفسه وأكثره
إسماع القريب وأقل مراتب الجهر كما صرحوا به ، وحينئذ فيكون بينهما عموم وخصوص من
وجه وتصير هذه الصورة مادة الاجتماع والحال ان المفهوم من النصوص الدالة على
انقسام الصلاة إلى جهرية وإخفاتية خلافه.
وأنت خبير بان
كلام الجماعة المذكورين وان أوهم في بادئ النظر ما ذكره إلا ان الظاهر ان ما ذكروه
من تعريف الإخفات ليس بيانا للمرتبة الدنيا منه بل انما هو بيان لمعنى حقيقة
الإخفات وانه عبارة عما ذكروه وانه ليس معطوفا على المضاف اليه بل على المضاف
والواو للاستئناف. وبالجملة فالظاهر انهم انما قصدوا بذلك بيان معنى الإخفات وانه
عبارة عن إسماع الإنسان نفسه حقيقة أو تقديرا واما ما زاد عليه فهو جهر تبطل
الصلاة به كما هو صريح عبارة ابن إدريس واليه يشير آخر عبارة العلامة في المنتهى
حيث قال بعد تحديد الإخفات بأن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعا : وانما حد
دناه بما قلنا لأن ما دونه لا يسمى كلاما ولا قرآنا وما زاد عليه يسمى جهرا.
انتهى. وهو ظاهر في ان إسماع القريب جهر عنده لا إخفات بل الإخفات خاص بإسماع
نفسه.
وقال المحقق
الشيخ علي في شرح القواعد : الجهر والإخفات حقيقتان متضادتان كما صرح به المصنف في
النهاية عرفيتان يمتنع تصادقهما في شيء من الافراد ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى
شيء زائد على الحوالة على العرف. الى ان قال ـ بعد ذكر تعريف المصنف له بأن أقل
الجهر إسماع القريب تحقيقا أو تقديرا ـ ما صورته : وينبغي ان يزاد فيه قيد آخر وهو
تسميته جهرا عرفا وذلك بان يتضمن إظهار الصوت على الوجه المعهود.
ثم قال بعد قوله : «وحد الإخفات إسماع نفسه تحقيقا أو تقديرا» ولا بد من
زيادة قيد آخر وهو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمن إخفات الصوت وهمسه وإلا لصدق
هذا الحد على الجهر ، وليس المراد إسماع نفسه خاصة لأن بعض الإخفات قد يسمعه
القريب ولا يخرج بذلك عن كونه إخفاتا. انتهى.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض : واعلم ان الجهر والإخفات كيفيتان متضادتان لا يجتمعان في
مادة كما نبه عليه في النهاية ، فأقل السر ان يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا
وأكثره ان لا يبلغ أقل الجهر ، وأقل الجهر ان يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع
مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا ، وأكثره ان لا يبلغ العلو
المفرط وربما فهم بعضهم ان بين أكثر السر وأقل الجهر تصادقا وهو فاسد لأدائه إلى
عدم تعيين أحدهما لصلاة لإمكان استعمال الفرد المشترك حينئذ في جميع الصلوات وهو
خلاف الواقع لان التفصيل قاطع للشركة. انتهى.
وظاهر كلام
هذين الفاضلين أنه لا بد في صدق الجهر وحصوله من اشتمال الكلام على الصوت وهذا هو
منشأ الفرق بين الجهر والإخفات ، فإن اشتمل الكلام على الصوت سمى جهرا اسمع قريبا
أو لم يسمع وان لم يشتمل عليه سمي إخفاتا كذلك. وبنحو ما ذكره الفاضلان المذكوران
صرح المحقق الأردبيلي (قدسسره) والظاهر انه قول كافة من تأخر عنهما.
وفيه من
المخالفة لكلام أولئك الفضلاء ما لا يخفى فإنهم ـ كما عرفت ـ جعلوا أقل مراتب
الجهر ان يسمع من قرب منه اشتمل على صوت أو لم يشتمل وان الإخفات عبارة عن إسماع
نفسه اشتمل على صوت أو لم يشتمل وادعى الفاضلان على ذلك الإجماع كما تقدم ،
واللازم من ذلك ان من قرأ في الصلوات الإخفاتية بحيث يسمعه من قرب منه وان لم
يشتمل على صوت فان صلاته تبطل بذلك وهو صريح كلام ابن إدريس كما تقدم ، مع ان صريح
كلام هؤلاء المتأخرين هو انه متى كان كذلك فإن الصلاة صحيحة.
والعرف يساعد
ما ذكره المتأخرون فإن مجرد سماع القريب مع عدم الاشتمال على الصوت الظاهر انه لا
يطلق عليه الجهر عرفا. وبالجملة فالمتبادر عرفا من الجهر هو ما اشتمل على هذا
الجرس الذي هو الصوت وان كان خفيا وما لم يشتمل عليه فإنما يسمى إخفاتا وان سمعه
القريب. واما ما ذكره شيخنا المشار إليه في آخر كلامه بقوله : «وربما فهم بعضهم.
إلخ» فقد عرفت وجهه مما تقدم.
وكيف كان فإنه
لا يعتد في الإخفات بما دون إسماع نفسه لما عرفت من الأخبار المتقدمة من تفسير
الإخفات المنهي عنه بما لا يسمع نفسه.
ويؤيده ما رواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا يكتب من القرآن والدعاء إلا ما اسمع نفسه».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟
قال لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة».
واما ما رواه
الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) ـ قال : «سألته عن الرجل يصلح له ان يقرأ في صلاته ويحرك
لسانه بالقراءة في لهواته من غير ان يسمع نفسه؟ قال لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم
توهما». ـ
فقد حمله الشيخ
في التهذيب على من يصلي مع قوم لا يقتدي بهم واستدل عليه بما رواه عن محمد بن أبي
حمزة عن من ذكره قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس».
أقول : وقريب
منه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدي بصلاته
__________________
والامام يجهر بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك وان لم تسمع نفسك فلا بأس».
(الثاني) ـ المشهور
في كلامهم انه لا جهر على النساء في موضع الجهر بل الحكم مختص بالرجال ، وادعى
عليه الفاضلان والشهيدان إجماع العلماء ، فيكفيها إسماع نفسها تحقيقا أو تقديرا.
ولو جهرت ولم يسمعها الأجنبي فقد صرحوا بصحة صلاتها لحصول الامتثال اما لو سمعها
فالمشهور عندهم البطلان للنهي في العبادة المستلزم للفساد.
والظاهر ان
مرادهم بالنهي هنا هو ان صوت المرأة عورة فهي منهية عن إسماعه الأجنبي وأنت خبير
بأنه لم يقم عندنا ما يدل على ما ادعوه من كون صوتها عورة وانها منهية عن إسماعه
الأجنبي بل ظاهر الأخبار الدالة على تكلم فاطمة (عليهاالسلام) مع الصحابة في مواضع عديدة ولا سيما في المخاصمة في
طلب ميراثها والإتيان بتلك الخطبة الطويلة المشهورة كما نقلناها بطولها في كتابنا
سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد وتكلم النساء في مجلس الأئمة (عليهمالسلام) هو خلاف ما ذكروه.
ثم انه مع
تسليم صحة ما ذكروه فالنهي هنا انما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة وان كان مقارنا
كما تقدم البحث فيه في مسألة الصلاة في المكان والثوب المغصوبين. وبالجملة فإن
كلامهم هنا لا يخلو من ضعف لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما عرفت
أقول : والذي
وقفت عليه في هذا المقام من الأخبار ما رواه الشيخ في القوى عن علي بن يقطين عن
أبي الحسن الماضي (عليهالسلام) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها
بالقراءة والتكبير؟ فقال بقدر ما تسمع».
وعن علي بن
جعفر في الصحيح عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها
بالقراءة والتكبير؟ قال قدر ما تسمع». وما رواه في قرب الاسناد عن عبد الله بن
الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه مثله وزاد قال : «وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة
في الفريضة؟ قال
__________________
لا إلا ان تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها».
أقول : ظاهر
هذه الأخبار انه لا جهر على النساء كما ذكره الأصحاب إلا إذا كانت تؤم النساء
فإنها تجهر ولكن لا تجاوز بجهرها إسماع نفسها ، وإطلاق الأخبار الأولة يحمل على
الخبر الأخير. وهذه المرتبة وان كانت في عبارات الفاضلين والشهيدين وابن إدريس كما
تقدم من مراتب الإخفات وهي حد الإخفات عندهم إلا انه بالنظر إلى كلام المتأخرين
الذين جعلوا المدار في الفرق بين الجهر والإخفات هو وجود الصوت وعدمه لا مانع من
جعلها من مراتب الجهر إذا اقترنت بالصوت وان كان خفيا. ويمكن حينئذ الفرق بين حال
إمامتها وغيرها باعتبار الصوت وعدمه بمعنى أنها تقرأ في الموضعين بقدر ما تسمع
نفسها إلا انه في حال الإمامة يكون مقرونا بصوت خفي وفي غيرها بغير صوت ، واما كون
ذلك في مقام سماع الأجنبي أو عدمه فغير معلوم من الأخبار وانما هو من تكلفات الأصحاب
في هذا الباب. بقي الكلام في انها لو أجهرت زيادة على ذلك فقضية الأصل جوازه وان
كان خلاف الأفضل كما صرحوا به في مقام عدم سماع الأجنبي لها. هذا بالنسبة إلى
الصلاة الجهرية.
واما بالنسبة
إلى الصلاة الإخفاتية فالظاهر من كلام الأكثر وجوب الإخفات عليها في موضعه ولم أقف
على مصرح به إلا انه يظهر من تخصيصهم استثناء النساء بصورة وجوب الجهر على الرجل ،
قيل وربما أشعر بعض عباراتهم بثبوت التخيير لها مطلقا. وقال المحقق الأردبيلي (قدسسره) انه لا دليل على وجوب الإخفات على المرأة في الإخفاتية
، واختاره جملة ممن تأخر عنه : منهم ـ الفاضل الخراساني وشيخنا المجلسي ، وكيف كان
فالأحوط العمل بالقول المشهور لحصول البراءة اليقينية على تقديره.
(الثالث) ـ وجوب
الجهر على تقدير القول به انما هو في القراءة خاصة ولا يجب في شيء من أذكار
الصلاة لأصالة العدم.
ولما رواه
الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه
السلام) قال : «سألته عن التشهد والقول في الركوع والسجود
والقنوت للرجل ان يجهر به؟ قال ان شاء جهر وان شاء لم يجهر».
والظاهر ان ذكر
هذه الأشياء في الرواية انما هو على وجه التمثيل فيكون الحكم شاملا لجميع أذكار
الصلاة إلا ما خرج بالدليل ، ومنه القراءة أو التسبيح في الأخيرتين فإن الحكم فيها
ذلك إلا ان ظاهر الأصحاب وجوب الإخفات فيه ، وفي هذه الأزمان اشتهر بين جملة من
أبناء هذا الزمان القول بوجوب الجهر فيه والكل بمعزل عن الصواب وسيجيء ان شاء
الله تحقيق المقام في الفصل الموضوع لهذه المسألة. وبالجملة فالظاهر انه لا خلاف
ولا إشكال في ما عدا هذا الموضع في ان المصلي مخير بين الجهر والإخفات نعم يستحب
للإمام الجهر في هذه المواضع لما في موثقة أبي بصير من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول
وللمأموم ان لا يسمع الإمام شيئا مما يقول.
(الرابع) ـ لا
خلاف بين الأصحاب هنا في معذورية الجاهل وهذا أحد الموضعين الذين خصوهما
بالاستثناء في كلامهم ، ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحتي زرارة. ولو ذكر في الأثناء
لم يجب عليه الاستئناف كما صرح به بعض الأصحاب ، وإطلاق الصحيحتين المذكورتين دال
عليه. والناسي أيضا كذلك كما دل عليه الصحيحان المذكوران ، فلو خافت في موضع الجهر
أو جهر في موضع الإخفات جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه وصحت صلاته ولا يجب بالإخلال
بهما سجود سهو لإطلاق الرواية. والظاهر انه لا خلاف في جميع هذه الأحكام.
(الخامس) ـ حكم
القضاء حكم الأداء في ذلك بلا خلاف كما ذكره في المنتهى
__________________
سواء كان القضاء في ليل أو نهار ، قال في المنتهى : قد أجمع أهل العلم على
الإسرار في صلاة النهار إذا قضيت في ليل أو نهار وكذا صلاة الليل إذا قضيت بالليل
جهر بها وإذا قضاها بالنهار جهر بها عندنا ، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن
المنذر ، وقال الشافعي يسر بها . الى آخره.
بقي الكلام في
ما لو كان يقضي عن غيره واختلف حكم القاضي والمقضي عنه كالرجل يقضي عن المرأة
والمرأة تقضى عن الرجل ، فان الرجل يجب عليه الجهر في الجهرية والمرأة يجب عليها
الإخفات في الجهرية في مقام سماع الأجنبي عند الأصحاب ، فلو أرادت المرأة القضاء
عن الرجل صلاته الجهرية في مقام يسمع صوتها الأجانب فمقتضى القاعدة الأولة وجوب
الجهر عليها كما فاتت ذلك الرجل ، ومقتضى ما صرحوا به من عدم جواز الجهر لها
بالنسبة إلى صلاتها انه يكون الحكم كذلك بالنسبة إلى هذه الصلاة التي تقضيها عن
الغير ، وكذا لو أراد الرجل ان يقضي عن المرأة صلاة جهرية وجب عليه الإخفات فيها
أو استحب فان مقتضى القاعدة أنه يقضيها إخفاتا لأن الفائتة كانت كذلك ، ومقتضى
إطلاق الأخبار الدالة على وجوب الجهر في هذه الصلاة وان المرأة إنما وجب عليها
الإخفات أو استحب لخصوص مادة وهو تحريم إسماع صوتها الأجنبي أو كراهة ذلك مطلقا هو
وجوب الجهر عملا بالإطلاق إذ المخصص المذكور غير موجود هنا. ولم أقف في هذا المقام
على كلام لأحد من علمائنا الاعلام والأقرب الأنسب بالقواعد هنا هو الاعتبار بحال
القاضي لا المقضي عنه لما عرفت في تعليل كل من المسألتين هذا كله بناء على قواعد
الأصحاب في تحريم سماع صوت المرأة واما على ما ذكرناه واخترناه فلا اشكال.
(السادس) ـ المستحب
في نوافل النهار الإخفات وفي نوافل الليل الإجهار بالقراءة ، قال في المنتهى : وهو
مذهب علمائنا اجمع.
__________________
أقول : ويدل
عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي ابن فضال عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «السنة في صلاة النهار بالإخفات والسنة في صلاة
الليل بالإجهار».
ومما يدل على
جواز الجهر نهارا وان كان خلاف الأفضل ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل هل يجهر بقراءته في التطوع
بالنهار؟ قال نعم».
(المسألة
الرابعة) ـ اختلف الأصحاب في حكم القران بين السورتين في الفريضة فقال الشيخ في
النهاية والمبسوط انه غير جائز بل قال في النهاية انه مفسد للصلاة ونحو منه كلامه
في الخلاف ، واليه ذهب المرتضى في الانتصار ونقل إجماع الفرقة عليه واختاره في
المسائل المصرية الثالثة أيضا ، لكن نقل في التذكرة عن المرتضى القول بكراهة
القران ولعله في موضع آخر من مصنفاته. والعلامة اختلف اختياره في هذه المسألة في
كتبه فاختار التحريم في التحرير والقواعد والإرشاد والمختلف ومال اليه الشهيد في
رسالته واليه ذهب أبو الصلاح على ما رأيته في كتابه الكافي حيث قال : ولا يجوز ان
يقرأ مع فاتحة الكتاب بعض سورة ولا أكثر من سورة. انتهى. وممن صرح بذلك الصدوق في
الفقيه حيث قال : ولا تقرن بين سورتين في فريضة فاما في النافلة فأقرن ما شئت. وذهب
الشيخ في الاستبصار إلى الكراهة واختاره ابن إدريس والمحقق وجمهور المتأخرين
ومتأخريهم.
والظاهر عندي
هو القول بالتحريم ، ومما يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال لا
لكل سورة ركعة».
__________________
وصحيحة منصور
بن حازم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر».
والسيد السند
في المدارك حيث اختار القول المشهور بين المتأخرين نقل هذه الصحيحة في أدلة القول
بالتحريم عارية عن وصف الصحة ثم طعن فيها في آخر كلامه بأنها ضعيفة الاسناد ، وسند
هذه الرواية قد اشتمل على محمد بن عبد الحميد وسيف بن عميرة. والظاهر ان طعنه فيها
بالضعف لاشتمال سندها على محمد بن عبد الحميد كما عرفت من كلامه فيه آنفا وقد تقدم
الجواب عنه منقحا. ويحتمل أيضا بالنظر إلى سيف بن عميرة حيث نقل ابن شهرآشوب انه
ثقة واقفي وعليه فتكون الرواية في الموثق والموثق عندهم من قسم الضعيف إلا ان
المشهور خلافه ، وقد وثقه الشيخ والعلامة والشهيد في كتاب نكت الإرشاد في بحث نكاح
الأمة بإذن المولى ، قال بعد ان نقل الطعن عليه بالضعف : والصحيح انه ثقة. وبه صرح
خاتمة المحدثين المجلسي في وجيزته وشيخنا الشيخ سليمان في بلغته ، فالحديث صحيح
بلا شبهة ولا ريب.
ومن الأخبار
الدالة على ذلك أيضا موثقة زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال ان لكل
سورة حقا فأعطها حقها من الركوع والسجود».
أقول : وحق
السورة من الركوع والسجود هو ان يأتي بهما بعد السورة بلا فصل فإذا قرن بين سورتين
فقد ترك حق الاولى. وتوثيق هذا الخبر انما هو بعبد الله بن بكير الذي قد عد في من
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يقصر خبره عن رتبة الصحيح بناء على
اصطلاحهم.
ومن ذلك ما
رواه الشيخ عن عمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اقرأ سورتين في ركعة؟ قال نعم. قلت أليس يقال أعط كل
سورة حقها من
__________________
الركوع والسجود؟ فقال ذلك في الفريضة فأما في النافلة فليس به بأس».
ومن ذلك ما
رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تقرن بين سورتين في الفريضة في ركعة فإن ذلك
أفضل». ولا يتوهم من قوله «فان ذلك أفضل» الدلالة على الاستحباب فان استعمال افعل
التفضيل بمعنى أصل الفعل شائع.
وما رواه في كتاب
الخصال بسنده فيه إلى علي (عليهالسلام) في حديث الأربعمائة قال : «أعطوا كل سورة حقها من الركوع والسجود».
وما رواه في
كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل قرأ سورتين في ركعة؟ قال إذا كانت
نافلة فلا بأس واما الفريضة فلا يصلح».
وما رواه في
آخر السرائر بالسند المتقدم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا قران بين سورتين في ركعة ولا قران بين
أسبوعين في فريضة ونافلة ولا قران بين صومين».
وما رواه في
المعتبر والمنتهى من جامع البزنطي عن المفضل قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وأ
لم نشرح والفيل ولإيلاف».
وما رواه في
كتاب الهداية للصدوق مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) لا تقرن بين السورتين في الفريضة واما في النافلة فلا
بأس».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي قال العالم (عليهالسلام) لا تجمع بين
__________________
السورتين في الفريضة».
أقول : هذا
مجموع ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على التحريم وهي في الدلالة والظهور كالنور
على الطور.
احتج السيد
السند في المدارك على القول بالكراهة حيث اختاره بالأصل والعمومات وما رواه الشيخ
في الصحيح عن علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال لا
بأس». وفي الموثق عن زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة فاما
النافلة فلا بأس». ثم نقل كلام ابن إدريس بأن الإعادة وبطلان الصلاة يحتاج إلى
دليل وأصحابنا قد ضبطوا قواطع الصلاة وما يوجب الإعادة ولم يذكروا ذلك في جملتها
والأصل صحة الصلاة والإعادة والبطلان يحتاج إلى دليل ، ثم نقل عن القائلين
بالتحريم الاحتجاج بصحيحة محمد بن مسلم التي قدمناها في أول الأخبار ثم صحيحة
منصور بن حازم معبرا عنها بلفظ رواية منصور ، ثم قال والجواب الحمل على الكراهة
جمعا بين الأدلة. اما البطلان فاحتج عليه في المختلف بان القارن بين السورتين غير
آت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. وهو ضعيف فان الامتثال حصل بقراءة
السورة الواحدة والنهي عن الزيادة لو سلمنا انه للتحريم فهو أمر خارج عن العبادة
فلا يترتب عليه الفساد. انتهى.
وفيه نظر من
وجوه : (الأول) ـ ان ما احتج به من الأصل والعمومات وأيده بنقل كلام ابن إدريس
المذكور فهو مردود بما ذكرناه من الأخبار فإنها في ما ادعيناه واضحة المنار مع
تعددها وكثرتها وهم يخرجون عن الأصل بأقل من ذلك كما لا يخفى على الخبير المنصف.
(الثاني) ـ ان
ما احتج به من صحيحة علي بن يقطين فهي محمولة على التقية
__________________
كما صرح به جملة من الأصحاب : منهم ـ شيخنا المجلسي في البحار وان رجح
القول بالكراهة تبعا للجماعة ، قال : ويمكن الجمع بين الأخبار بوجهين (أحدهما) حمل
اخبار المنع على الكراهة. و (ثانيهما) حمل اخبار الجواز على التقية والأول أظهر
والثاني أحوط. انتهى
أقول : لا اعرف
لهذه الأظهرية وجها سوى متابعة المشهور بين المتأخرين لما عرفت (أولا) مما حققناه
في غير مقام مما سبق من ان الجمع بين الأخبار بالكراهة والاستحباب مما لا مستند له
من سنة ولا كتاب مع خروجه عن القواعد الشرعية والضوابط المرعية ، لأن الحمل على
ذلك مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ولا قرينة هنا سوى اختلاف أخبار المسألة
وهذا ليس من قرائن المجاز سيما مع ظهور محمل سواه.
و (ثانيا) ان
القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهمالسلام) في أمثال هذا المقام هو الترجيح بين الأخبار بالعرض
على مذهب العامة والأخذ بخلافه ، والخروج عن قواعدهم (عليهمالسلام) التي قرروها وضوابطهم التي ذكروها بمجرد التشهي رد
عليهم في ما ذكروه.
و (ثالثا) ان
من ضوابطهم المقررة أنهم يعملون بالمرجحات ويجعلون التأويل في طرف الخبر المرجوح ،
ولا ريب ان ما ذكرناه من الأخبار وان لم يتفطنوا لها ولم ينقلوها أكثر عددا وظهور
رجحانها على هذه الرواية ظاهر ، فالواجب جعل التأويل في جانب هذه الرواية ووجه
التأويل بالحمل على التقية ظاهر فيها كما اعترف به ، فأي أظهرية في ما ادعاه مع
التأمل في ما ذكرناه؟ ما هذه إلا مجاز فات نشأت من الاستعجال وعدم إعطاء النظر حقه
في هذا المجال.
(الثالث) ـ ان
ما احتج به من موثقة زرارة ـ مع قطع النظر عن كونه يرد الأخبار الموثقة ويرميها
بالضعف ويطرحها كما لا يخفى على من عرف طريقته في الكتاب المذكور ـ مردود بأنه
مبني على كون الكراهة في عرفهم (عليهمالسلام) بهذا المعنى المصطلح وهو قد اعترف في غير موضع من شرحه
وصرح بكون استعمالها في الأخبار بمعنى
التحريم شائعا كثيرا بل ربما ترجح على المعنى الأصولي ، فكيف يتم له الاستدلال
بالخبر المذكور والحال كما ترى؟
(الرابع) ـ ما
أجاب به عن الروايتين المنقولتين في كلامه حجة للقائلين بالتحريم من حملهما على
الكراهة فإن فيه ما عرفت مما قدمنا ذكره على كلام شيخنا المجلسي (قدسسره) ونزيده تأكيدا بأن نقول انه إذا كان العمل عندهم في
الجمع بين الأخبار في جميع الأحكام من أول أبواب الفقه إلى آخرها انما هو على هذه
القاعدة من حمل الأوامر على الاستحباب والنواهي على الكراهة كما لا يخفى على
الخائض في كلامهم والناظر في نقضهم وإبرامهم فلمن خرجت هذه الأخبار المستفيضة بهذه
القواعد المقررة عنهم (عليهمالسلام) في الأخبار المتعارضة ، أهنأ شريعة غير هذه الشريعة أو
خوطب بها أحد غيرهم؟ ما هذه إلا غفلة عجيبة سامحنا الله وإياهم.
(الخامس) ـ قوله
في رد كلام العلامة «وهو ضعيف. الى آخره» فان فيه ما كتبه عليه الفاضل الشيخ محمد
بن الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في حاشية الكتاب حيث قال ـ ونعم ما قال ـ لا
يخلو كلام شيخنا من نظر ، لان الظاهر من القران قصد الجمع بين السورتين لأن العدول
لا ريب في جوازه مع الشرط المذكور فيه ، وحينئذ فكلام العلامة متوجه لأن قصد
السورتين يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به إذ المأمور به السورة وحدها. وقول شيخنا ـ
ان النهي عن الزيادة نهى عن أمر خارج ـ انما يتم لو تجدد فعل الزيادة بعد فعل
الاولى قصدا للسورة الاولى منفردة واين هذا من القران؟ انتهى.
وبما حررناه
وأوضحناه يظهر لك قوة القول بالتحريم وان القول بالكراهة انما نشأ عن عدم إعطاء
التأمل حقه في الأخبار والتتبع لها والنظر فيها بعين الفكر والاعتبار. والله
العالم.
وفي المقام
فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : ويتحقق
القران بقراءة أزيد من سورة وان لم يكمل الثانية بل بتكرار السورة الواحدة
أو بعضها ومثله تكرار الحمد. انتهى.
وفيه (أولا) ان
اخبار القران التي قدمناها كلها قد اشتملت على السورة بمعنى ان القران انما هو
عبارة عن قراءة سورة ثانية تامة ، وليس فيها ما ربما يحتمل ما ذكره إلا صحيحة
منصور بن حازم لقوله (عليهالسلام) «بأقل من سورة ولا بأكثر». والواجب حمل إطلاقها على ما صرحت به تلك الأخبار
العديدة من ان القران هو الجمع بين السورتين. و (ثانيا) انه لا خلاف في جواز
العدول في الجملة ولا ريب في حصول الزيادة على سورة مع انه لا قائل بالتحريم.
وبالجملة فالظاهر ضعف ما ذكره (قدسسره)
(الثانية) ـ الظاهر
ان موضع الخلاف في القران جواز أو تحريما بالسورة تامة أو ما دونها هو ما إذا قصد
بقراءته كونه جزء من القراءة الواجبة ، فإن الظاهر انه لا خلاف في جواز القنوت
ببعض الآيات واجابة المسلم بلفظ القرآن والاذن للمستأذن بقوله : «ادْخُلُوها بِسَلامٍ
آمِنِينَ» ونحو ذلك.
(الثالثة) ـ ينبغي
ان يعلم ان محل الخلاف بغير خلاف يعرف هو الفريضة واما النافلة فلا بأس بالقران
فيها كما تقدم التصريح به في رواية عمر بن يزيد ورواية قرب الاسناد ومرسلة الصدوق
في كتاب الهداية.
ويزيد ذلك
تأكيدا ما رواه الشيخ عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت».
وعن محمد بن
القاسم قال : «سألت عبدا صالحا (عليهالسلام) هل يجوز ان يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟
فقال ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث وما كان من صلاة النهار فلا
تقرأ إلا بسورة سورة». وفيه دلالة على ترجيح ترك القران في النافلة النهارية.
__________________
(الرابعة) ـ يجب
ان يستثني من الحكم بتحريم القران أو كراهته في الفريضة صلاة الآيات لما سيأتي ان
شاء الله تعالى بيانه من جواز تعدد السورة فيها. والله العالم.
(المسألة
الخامسة) ـ المشهور بين الأصحاب تحريم قراءة العزائم الأربع في الفرائض بل نقل
عليه الإجماع جملة من الأصحاب : منهم ـ المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف وابن
زهرة في الغنية والعلامة في النهاية. وخالف في ذلك ابن الجنيد فقال لو قرأ سورة من
العزائم في النافلة سجد وان كان في فريضة أومأ فإذا فرغ قرأها وسجد.
ومن اخبار
المسألة ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإن السجود
زيادة في المكتوبة». وهذه الرواية كما ترى صريحة في القول المشهور.
ما رواه الشيخ
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال يسجد ثم يقوم فيقرأ
فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد».
ما رواه في الكافي
والتهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان صليت مع قوم فقرأ الامام «اقرأ باسم ربك الذي
خلق» أو شيئا من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأومى إيماء ، والحائض تسجد إذا
سمعت السجدة».
ما رواه الشيخ
في التهذيب عن سماعة قال «من قرأ «اقرأ باسم ربك» فإذا ختمها ، فليسجد فإذا
قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع. قال وان ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزئك
الإيماء والركوع ولا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع».
عن وهب بن وهب
عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) انه قال : «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع
بها».
__________________
عن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع
ويسجد قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم».
عن عمار بن
موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال إذا بلغ موضع
السجدة فلا يقرأها وان أحب ان يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع
إلى غيرها. وعن الرجل يصلي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه وربما قرأوا آية من
العزائم فلا يسجدون فيها فكيف يصنع؟ قال لا يسجد».
عن علي بن جعفر
في الصحيح عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن امام قوم قرأ السجدة فأحدث قبل ان يسجد
كيف يصنع؟ قال يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو وقد تمت صلاتهم». وروى الحميري في
كتاب قرب الاسناد مثله إلا انه قال : «يقدم غيره فيسجد ويسجدون وينصرف فقد تمت
صلاتهم».
ما رواه الثقة
الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله ابن الحسن عن
جده علي بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع
بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع
ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله إلا انه قال : «فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة
في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة».
هذا ما حضرني
من الأخبار في المسألة ولا يخفى ما هي عليه من التدافع الظاهر لكل ناظر ، إلا انه
يمكن ان يقال بتوفيق الملك المتعال وبركة الآل عليهم صلوات ذي الجلال :
__________________
اما الخبر
الأول فإنه ظاهر ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ في القول المشهور. واما الثاني فليس فيه
تصريح بكون القراءة في الفريضة فيحمل على النافلة لما سيأتي ان شاء الله تعالى من
جواز ذلك فيها.
واما الثالث
فيحمل على الصلاة خلف المخالف وانه مع الإلجاء والضرورة يومئ إيماء ، ويؤيده ما في
موثقة سماعة من الأمر بالإيماء في هذه الصورة ، وما في آخر رواية عمار من الأمر له
في هذه الصورة بعدم السجود لا ينافيه الإيماء كما في هذين الخبرين فيجب تقييد
إطلاق خبر عمار بهذين الخبرين.
واما الرابع
فصدره كالخبر الثاني مطلق فيحمل على النافلة كما حملنا عليه ذلك الخبر وعجزه يحمل
على ما عرفت في الخبر الثالث ، وقوله في آخر الخبر «لا تقرأ في الفريضة اقرأ في
التطوع» صريح الدلالة على القول المشهور من النهى عن القراءة في الفريضة وصريح في
جواز ذلك في النافلة كما أشرنا إليه آنفا.
واما الخامس
فقد حمله الشيخ (قدسسره) على ما إذا كان مع قوم لا يتمكن معهم من السجود. ولا
بأس به في مقام الجمع. واما السادس فهو مطلق أيضا فيحمل على النافلة جمعا.
واما السابع
فيمكن حمله على من شرع في السورة ساهيا ثم ذكر قبل قراءة السجدة فان حكمه ان يقرأ
سورة أخرى غيرها ان أوجبنا السورة وتغتفر له هذه الزيادة وان اكتفينا بالتبعيض في
السورة فإنه يكتفي بما قرأ ويتم صلاته. وفي الخبر بناء على ما ذكرنا إيماء إلى عدم
جواز قراءة السجدة في الصلاة ففيه تأييد للقول المشهور.
واما الثامن
فهو ظاهر في قراءة العزائم في الفريضة ، وحمله على النافلة بعيد لعدم جواز الجماعة
فيها إلا في مواضع نادرة. ويمكن الجواب عنه بالحمل على النسيان كما قدمناه في الخبر
السابع أو على التقية وهو الأقرب.
بقي الكلام في
معنى الخبر وقد قال شيخنا (قدسسره) في البحار انه يحتمل وجوها :
(الأول) ان يكون فاعل التشهد والسجود والانصراف الامام الأول فيكون التشهد
محمولا على الاستحباب للانصراف من الصلاة ، والسجود للتلاوة لعدم اشتراط الطهارة
فيه (الثاني) ان يكون فاعل الأولين الإمام الثاني بناء على ان الامام قد ركع معهم
فالمراد بقول السائل «قبل ان يسجد» قبل سجود الصلاة لا سجود التلاوة. ولا يخفى
بعده (الثالث) ان يكون فاعل التشهد الإمام الثاني أي يتم الصلاة بهم ، وعبر عنه
بالتشهد لانه آخر أفعالها ، ويسجد الإمام الأول للتلاوة وينصرف. (الرابع) ان يكون
فاعل الأولين الإمام الثاني ويكون المراد بالتشهد إتمام الصلاة بهم وبالسجود سجود
التلاوة أي يتم الصلاة بهم ويسجد للتلاوة بعد الصلاة. واما على ما في قرب الاسناد
فالمعنى يسجد الإمام الثاني بالقوم اما في أثناء الصلاة كما هو الظاهر أو بعدها
على احتمال بعيد وينصرف أي الإمام الأول بعد السجود منفردا أو قبله بناء على
اشتراط الطهارة فيه وهو أظهر من الخبر. انتهى.
واما الخبر
التاسع فينبغي حمله على الناسي أو التقية ، وفي خبر كتاب قرب الاسناد «ولا يعود
يقرأ في الفريضة بسجدة» وقوله في خبر الكتاب «وذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن
يقرأ السجدة في الفريضة» وهو مؤيد للقول المشهور ، وخبر الكتاب أوضح دلالة في ذلك
فإنه لو كان قراءته لها لا عن أحد الوجهين لم يكن لذكر هذا الكلام مزيد فائدة ان
لم يكن منافيا.
وعلى ما ذكرناه
تجتمع الأخبار المذكورة في المقام ويظهر قوة القول المشهور بما لا يعتريه وصمة
النقض والإبرام عند من يعمل بأخبار أهل البيت (عليهمالسلام). واما ما ذكره في المدارك ـ بعد طعنه في روايتي زرارة
وموثقة سماعة بضعف السند من القول بالجواز عملا بظاهر الصحاح المذكورة حيث انه ممن
يدور مدار صحة الأسانيد ولا ينظر إلى ما اشتملت عليه متون الأخبار من العلل كما
بيناه غير مرة ـ فهو جيد على أصله الغير الأصيل ، على ان صحيحة علي بن جعفر
المنقولة في كتابه ظاهرة في ما
دلت عليه الروايتان المشار إليهما من النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة مع
إجماع المخالفين واتفاقهم على الجواز كما نقله في المعتبر.
وبالجملة فإنه
مع العمل بجملة أخبار المسألة كما هو الحق الحقيق بالاتباع فالحكم في المسألة هو
ما أوضحناه وشرحناه وعليه تجتمع الأخبار على وجه صحيح العيار واضح المنار إلا انه
ينبغي الكلام هنا في مواضع
(الأول) ـ قال
في المدارك ـ بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على انه لا يجوز ان يقرأ في الفرائض
شيئا من سور العزائم ـ ما صورته : هذا هو المشهور بين الأصحاب واحتجوا عليه بان
ذلك مستلزم لأحد محذورين : اما الإخلال بالواجب ان نهيناه عن السجود واما زيادة
سجدة في الصلاة متعمدا إن أمرناه به. ولا يخفى ان هذا مع ابتنائه على وجوب إكمال
السورة وتحريم القران انما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا وان زيادة السجدة
مبطل كذلك وكل من هذه المقدمات لا يخلو من نظر. انتهى.
أقول : بل
الظاهر ان النظر انما هو في كلامه (قدسسره) لا في كلام الأصحاب
(أما أولا) فإن
ما ذكره من ابتناء ما ذكروه على وجوب إكمال السورة وتحريم القران مما لا اعرف له
وجها وجيها وان كان قد تقدمه فيه المحقق في المعتبر ، وذلك لأن غاية ما دل عليه
النهي ـ وهو ظاهر إطلاق الأصحاب ـ انه لا يجوز قراءة سورة العزيمة في الصلاة لأحد
محذورين سواء أوجبنا السورة أو جعلناها مستحبة وذلك كما تقدم ان الأصحاب في السورة
على قولين الوجوب والاستحباب ، والمراد هنا ان هذه السورة التي تقرأ في هذا الموضع
وجوبا أو استحبابا لا يجوز ان تكون سورة من سور العزائم الأربع للزوم المحذور. هذا
غاية ما يفهم من النص وإطلاق كلامهم ولا ترتب لذلك على جواز القران ولا عدمه ، فلو
قلنا ان السورة مستحبة فإن هذه السورة لا تصلح للإتيان بوظيفة الاستحباب للعلة
المذكورة ، وكذا لو قلنا بجواز القران فإنه لا منافاة بالتقريب المذكور. وبالجملة
فإن الغرض انما هو التنبيه على ان هذه السورة لا يجوز قراءتها في الصلاة
كغيرها من سور القرآن بأي كيفية كانت ، وهذا معنى صحيح لا يترتب عليه شيء
مما ذكره هو وغيره. بقي الكلام في انه لو قرأ منها ما عدا موضع السجدة فهل تصح
صلاته ويمضي فيها أم لا؟ وهي مسألة أخرى يترتب الكلام فيها على وجوب السورة وعدمه
، وكذا لو عدل إلى سورة أخرى بعد ان قرأ منها بعضا فهل تصح صلاته أيضا أم لا؟ وهي
مسألة أخرى أيضا مبنية على تحريم القران وانه أعم من زيادة سورة كاملة أو بعض منها
وقد تقدم الكلام فيه ، وهذا هو مطمح نظره في اعتراضه على كلام الأصحاب والحق ان
هذا شيء خارج عما نحن فيه كما عرفت.
و (اما ثانيا)
فان ما ذكره ـ من النظر في فورية سجود التلاوة وفي الإبطال بزيادة السجدة ـ مردود
، أما فورية السجود فلانه لا خلاف بين الأصحاب في الفورية مطلقا وهو ممن صرح بذلك
فقال في بحث السجود وذكر سجدة التلاوة بعد قول المصنف : «ولو نسيها اتى بها في ما
بعد» ما هذا لفظه : أجمع الأصحاب على ان سجود التلاوة واجب على الفور. إلخ. وقضية
الوجوب فورا هو انه يجب عليه السجود بعد قراءتها في الصلاة البتة والاستثناء في
هذا المكان يحتاج إلى دليل وليس فليس ، بل اعترف بذلك في هذا المقام في الرد على
ابن الجنيد حيث نقل عنه انه يومئ إيماء فإذا فرغ قرأها وسجد ، فقال في الرد عليه :
وهو مشكل لفورية السجود. ولو تم ما ذكره من النظر الذي أورده على كلام الأصحاب في
الفورية فأي إشكال هنا يلزم به كلام ابن الجنيد؟ فانظر إلى هذه المخالفات في مقام
واحد ليس بين الكلامين إلا أسطر يسيرة. واما الإبطال بالسجدة فقد صرحت به رواية
زرارة المتقدمة بقوله «فان السجود زيادة في المكتوبة» أي زيادة مبطلة وإلا
فالزيادات فيها كثيرة ، وقوله في صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كتابه «فإن ذلك
زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة» ويشير اليه قوله في موثقة
عمار «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها. إلخ».
(الثاني) ـ قال
شيخنا الشهيد الثاني في الروض تفريعا على القول بالتحريم مطلقا
ان قرأ العزيمة عمدا بطلت صلاته بمجرد الشروع في السورة وان لم يبلغ موضع
السجود للنهي المقتضي للفساد.
أقول : فيه ان
الظاهر من الأخبار كما عرفت هو ان العلة في التحريم انما هو محذور السجود وعدمه
فإنه ان سجد لزم بطلان الصلاة بزيادة السجدة وان لم يسجد لزم الإخلال بالواجب
الفوري وبذلك علله الأصحاب أيضا ، وحينئذ فالنهي في الحقيقة لم يتوجه إلى مجرد
القراءة بل انما توجه إلى قراءة السجدة. نعم يتجه ما ذكره لو أوجبنا السورة تامة
وحرمنا الزيادة عليها لأن اللازم من قراءتها باعتقاد كونها الواجب في هذا المكان
مع عدم جواز السجود زيادة واجب ان اتى بسورة بعدها والإخلال بواجب ان اقتصر عليها
(الثالث) ـ قال
في الذكرى : لو قرأ العزيمة سهوا في الفريضة ففي الرجوع عنها ما لم يتجاوز النصف
وجهان مبنيان على ان الدوام كالابتداء أولا؟ والأقرب الأول ، وان تجاوز ففي جواز
الرجوع أيضا وجهان من تعارض عمومين أحدهما المنع من الرجوع هنا مطلقا والثاني
المنع من زيادة سجدة وهو أقرب ، وان منعناه أومأ بالسجود ثم يقضيها ويحتمل وجوب
الرجوع ما لم يتجاوز السجدة وهو قريب أيضا مع قوة العدول مطلقا ما دام قائما. وابن
إدريس قال : ان قرأها ناسيا مضى في صلاته ثم قضى السجود بعدها وأطلق. انتهى.
وقال في الروض
: ان قرأها سهوا فان ذكر قبل تجاوز السجدة عدل إلى غيرها وجوبا سواء تجاوز النصف
أم لا مع احتمال عدم الرجوع لو تجاوز النصف لتعارض عمومي المنع من الرجوع بعده
والمنع من زيادة سجدة فيومى للسجود بها ثم يقضيها ، وان لم يذكر حتى تجاوز السجدة
ففي الاعتداد بالسورة وقضاء السجدة بعد الصلاة لانتفاء المانع أو وجوب العدول مطلقا
ما لم يركع لعدم الاعتداد بالعزيمة في قراءة الصلاة فيبقى وجوب السورة بحاله لعدم
حصول المسقط لها وجهان ومال في الذكرى إلى الثاني ، وعلى ما بيناه من ان الاعتماد
في تحريم العزيمة على السجود يتجه الاجتزاء بها حينئذ ، وقال ابن إدريس
ثم نقل قوله المتقدم ذكره.
أقول : لا يخفى
ان المسألة المذكورة لما كانت عارية عن النص كثرت فيها الاحتمالات قربا وبعدا
واختلفت فيها الافهام نقضا وإبراما إلا أن الأقرب إلى القواعد الشرعية والضوابط
المرعية هو انا متى قلنا بوجوب سورة كاملة لا زيادة عليها وقلنا بالنهي عن العزائم
وبطلان الصلاة بها لما عرفت فان الواجب على من قرأها ساهيا هو العدول عنها متى ذكر
ولم يقرأ السجدة وان يقرأ غيرها ، وهذه الزيادة مغتفرة لمكان السهو كسائر الزيادات
الواقعة في الصلاة مما لا تبطل الصلاة به تجاوز النصف أم لم يتجاوز وهذا هو الذي
اختاره في الروض. واما احتماله فيه عدم الرجوع لو تجاوز النصف ـ بناء على عموم
الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلى أخرى مع تجاوز النصف ـ ففيه ان هذه
الأخبار لا وجود لها وانما وقع ذلك في كلام الأصحاب كما سيأتي ذكره قريبا ان شاء
الله تعالى في مسألة العدول.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام صاحب المدارك هنا أيضا ردا على جده حيث ان جده كما عرفت اختار ما
اخترناه من العدول قبل بلوغ السجدة وان تجاوز النصف فاعترض عليه بأنه مشكل لإطلاق
الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلى أخرى مع تجاوز النصف. انتهى. وفيه انه
قد اعترف في بحث صلاة الجمعة بعدم وجود النص المذكور في هذا المقام حيث ان المصنف
ذكر انه يستحب العدول إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة فقال (قدسسره) : اما استحباب العدول مع عدم تجاوز النصف في غير هاتين
السورتين فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، إلى ان قال واما تقييد الجواز بعدم تجاوز
النصف فلم أقف له على مستند واعترف الشهيد في الذكرى بعدم الوقوف عليه أيضا.
انتهى. وحينئذ فأين هذه الأخبار المانعة من جواز العدول مع تجاوز النصف التي أورد
بها الاشكال على جده؟ وبذلك يظهر لك ما في كلام الذكرى في هذا المقام.
وعلى ما ذكرناه
هنا تحمل موثقة عمار كما أشرنا إليه آنفا من حملها على الساهي وانه يعدل إلى سورة
أخرى. هذا كله في ما لو ذكر قبل قراءة السجدة واما لو قرأ السجدة أيضا ساهيا ولم
يذكر إلا بعد قراءتها فإشكال لما ذكره من الاحتمالين في المقام. والله العالم.
(الرابع) ـ الظاهر
انه لا خلاف في جواز قراءة العزائم في النوافل وعلى ذلك تدل موثقة سماعة المتقدمة
حيث قال فيها «ولا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع» وهو مبني على اغتفار زيادة
السجدة في التطوع ، وحينئذ فإذا قرأها في أثناء القراءة سجد ثم قام وأتم القراءة
وركع ، ولو كانت السجدة في آخر السورة فقد صرح بعضهم بأنه بعد السجود يقوم ثم يقرأ
الحمد استحبابا ليكون ركوعه عن قراءة واستند في ذلك إلى رواية الحلبي المتقدمة
بحملها على النافلة ، ونقل عن الشيخ انه يقرأ الحمد وسورة أو آية معها. ولو نسي
السجدة حتى ركع سجد إذا ذكر لصحيحة محمد بن مسلم بحملها على النافلة كما تقدم ،
وبذلك صرح العلامة من غير خلاف يعرف ، ويعضده ان السجود واجب وسقوطه يحتاج إلى
دليل ، ومجرد السهو عنه في محله لا يصلح لأن يكون دليلا على السقوط ويخرج النص
شاهدا على ذلك.
(الخامس) ـ قال
في المنتهى : يستحب له إذا رفع رأسه من السجود ان يكبر رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا
تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك ، والعزائم أربعة. الحديث».
وروى في
المنتهى عن الشيخ انه روى في الموثق عن سماعة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك».
__________________
وهذه الرواية لم أقف عليها في الوافي ولا في الوسائل في جملة أخبار العزائم
مع انها في التهذيب في باب كيفية الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك والمسنون
من الزيادات والله العالم.
البحث الثاني في مستحباتها
والمسنون في
هذا المقام أمور : منها ـ الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الاولى من كل صلاة ،
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) وذكر دعاء التوجه بعد تكبيرة الإحرام ثم قال : «ثم تعوذ
بالله من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب».
والكلام هنا
يقع في مواضع (الأول) المشهور انها مستحبة ونقل فيه الشيخ في الخلاف الإجماع منا ،
وقال أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان : والاستعاذة عند التلاوة مستحبة
غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة. ونقل في الذكرى عن الشيخ أبي علي
القول بالوجوب فيها ، قال وللشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول
بوجوب التعوذ للأمر به وهو غريب ، لأن الأمر هنا للندب اتفاقا وقد نقل فيه والده
في الخلاف الإجماع ، وقد روى الكليني عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي ان
لا تستعيذ». انتهى. أقول ويؤيده ما ذكره الصدوق قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أتم الناس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال
الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم». انتهى. إلا انه يمكن ان يقال انه لما كان (صلىاللهعليهوآله) ليس للشيطان عليه سبيل فلا يثبت
__________________
الحكم المذكور بتركه الاستعاذة. وفيه ان الأئمة (عليهمالسلام) كذلك مع ان الأخبار دلت على وقوع الاستعاذة منهم في
الصلاة ، والغرض منها بالنسبة إليهم (عليهمالسلام) انما هو تعليم الشيعة واقامة السنة. وبالجملة فالقول
المشهور هو الظاهر كما لا يخفى.
وقال شيخنا
المجلسي في البحار ـ بعد نقل كلام شيخنا الشهيد في الذكرى بطوله المشتمل على بعض
الأخبار ـ ما لفظه : ولو لا الأخبار الكثيرة لتأتي القول بوجوب الاستعاذة في كل
ركعة يقرأ فيها بل في غير الصلاة عند كل قراءة ولكن الأخبار الكثيرة تدل على
الاستحباب وتدل بظواهرها على اختصاصه بالركعة الاولى والإجماع المنقول والعمل
المستمر مؤيد ، ومن مخالفة ولد الشيخ يعلم معنى الإجماع الذي ينقله والده (قدس
الله روحيهما) وهو اعرف بمسلك أبيه ومصطلحاته. انتهى.
أقول : الظاهر
ان منشأ تقوية القول بالوجوب هو ورود ذلك في الآية مطلقا في الصلاة وغيرها وأوامر
القران للوجوب بلا خلاف إلا ما يخرج بدليل. واما ما ذكره من ان الأخبار الكثيرة
تدل على خلاف ظاهر الآية فظني بعده بل ظاهرها انما هو التأييد لما دلت عليه الآية
حيث تضمنت الأمر بالاستعاذة كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى نعم الخبر الذي رواه
عن الكافي وهو خبر فرات بن أحنف عن ابي جعفر (عليهالسلام) المذكور المؤيد بما نقلناه عن الصدوق الذي هو في قوة
خبر مرسل والإجماع المدعى في المسألة مما يدافع ذلك. واما كون محله في الصلاة
الركعة الأولى فتدل عليه صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة لكن لا دلالة فيها على
الاختصاص كما ذكره (قدسسره)
(الثاني)
المشهور في كيفيتها انها «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» قال شيخنا الشهيد الثاني
في شرح النفلية بعد ذكر المصنف لها : وهذه الصيغة محل وفاق رواها أبو سعيد الخدري
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) أقول : وهذه الرواية نقلها في
__________________
الذكرى ، قال في الاستدلال على استحباب الاستعاذة : ولما رواه أبو سعيد
الخدري «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ثم قال بعد كلام في البين : وصورته ما روى الخدري.
أقول الظاهر ان الرواية المذكورة عامية كما لا يخفى ، ونقل عن الشيخ المفيد (قدسسره) «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» نقله
عنه في الذكرى ، وعن ابن البراج «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ان
الله هو السميع العليم».
والذي وصل الي
من الأخبار في هذا المقام ما رواه الشهيد في الذكرى عن البزنطي عن معاوية بن عمار
عن الصادق (عليهالسلام) «في الاستعاذة؟ قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم».
وروى الشيخ عن
سماعة في الموثق قال : «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة
الكتاب؟ قال فليقل أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ان الله هو السميع العليم ، ثم
ليقرأها ما دام لم يركع».
وروى الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن حنان بن سدير في الموثق قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) المغرب فتعوذ بإجهار : أعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم وأعوذ بالله ان يحضرون. الحديث». وهذه الرواية نقلها في الذكرى
أيضا عن حنان بن سدير مثله إلا انه لم يذكر لفظ «المغرب» والرواية الأولى موافقة
لما نقل عن الشيخ المفيد. وقال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية
وروى هشام بن
سالم عن أبي عبد الله
__________________
(عليهالسلام) «أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم أعوذ
بالله ان يحضرون ان الله هو السميع العليم».
وفي كتاب تفسير
الإمام العسكري قال (عليهالسلام): «اما قولك الذي ندبك الله اليه وأمرك به عند قراءة
القرآن أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. الحديث». وهو مثل رواية
معاوية بن عمار المتقدمة في الدلالة على ما ذهب اليه الشيخ المفيد (قدسسره).
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي في سياق ذكر تكبيرات الافتتاح وأدعيتها : «ثم افتتح
الصلاة وارفع يديك ، ثم ذكر تكبيرات الافتتاح إلى ان قال أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم». وهذه الرواية أيضا مطابقة لمذهب الشيخ
المذكور كالروايتين المذكورتين.
ويزيده تأييدا ما
في رواية كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «تعوذ بعد التوجه من الشيطان الرجيم تقول أعوذ
بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. الحديث».
وبه يتبين قوة
القول المذكور وان كان خلاف ما هو المشهور الذي قد عرفت انه لا مستند له إلا تلك
الرواية العامية واما باقي روايات المسألة فلا بأس بالعمل بها إلا ان ما اخترناه
أرجح.
(الثالث) ـ المشهور
بين الأصحاب ـ بل نقل عن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع عليه ـ هو استحباب الإخفات
بالاستعاذة ، قال شيخنا في الذكرى : يستحب الأسرار بها ولو في الجهرية ، قاله
الأكثر ونقل الشيخ فيه الإجماع منا ، ثم قال وروى حنان بن سدير ثم ساق الرواية كما
قدمنا ذكرها ثم قال ويحمل على الجواز.
__________________
وقال شيخنا
المجلسي في البحار بعد نقل رواية حنان بن سدير المذكورة من كتاب قرب الاسناد ثم
نقل كلام الذكرى المتعلق بهذا المقام : أقول لم أر مستندا للإسرار والإجماع لم
يثبت والرواية تدل على استحباب الجهر خصوصا للإمام لا سيما في المغرب إذ الظاهر
اتحاد الواقعة في الروايتين ، ويؤيده عموم ما ورد في إجهار الإمام في سائر الأذكار
إلا ما أخرجه الدليل. نعم ورد في صحيحة صفوان قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) أياما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب «بسم الله الرحمن
الرحيم» فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى
ما سوى ذلك». وانه يدل على استحباب الإخفات في الاستعاذة لأن قوله «ما سوى ذلك»
يشملها. ويمكن ان يقال لعله لم يتعوذ في تلك الصلوات والاستدلال موقوف على
الإتيان. بها وهو بعيد إذ تركه (عليهالسلام) الاستعاذة في صلوات متوالية بعيد. لكن دخولها في «ما
سوى ذلك» غير معلوم إذ يحتمل ان يكون المراد ما سوى ذلك من القراءة أو الفاتحة بل
هو الظاهر من السياق وإلا فمعلوم انه (عليهالسلام) كان يجهر بالتسبيحات والتشهدات والقنوتات وسائر
الأذكار ، والاستعاذة ليست بداخلة في القراءة ولا في الفاتحة بل هي من مقدماتها.
والله العالم. انتهى. وهو جيد.
(الرابع) ـ قال
شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية بعد نقل الصورة المشهورة والصورة المذكورة في
رواية هشام وهي «أستعيذ بالله» ما صورته : والمعنى في «أعوذ وأستعيذ» واحد قال الجوهري
عذت بفلان واستعذت به أي لجأت اليه. وفي «أستعيذ» موافقة لفظ القرآن إلا ان «أعوذ»
في هذا المقام أدخل في المعنى وأوفق لامتثال الأمر الوارد بقوله «فَاسْتَعِذْ» لنكتة دقيقة هي ان السين والتاء شأنهما الدلالة على
الطلب فوردتا في الأمر إيذانا بطلب التعوذ ، فمعنى «استعذ» اي اطلب منه ان يعيذك
وامتثال الأمر ان يقول «أعوذ بالله» اي ألتجئ إليه لأن قائله متعوذ قد عاذ والتجأ
والقائل «أستعيذ»
__________________
ليس بعائذ انما هو طالب العياذ به كما يقول «أستخير الله» اي اطلب خيرته «واستقيل»
اي اطلب إقالته «واستغفر» اي اطلب مغفرته ، لكنها هنا قد دخلت في فعل الأمر وفي
امتثاله بخلاف الاستعاذة ، وبذلك يظهر الفرق بين الامتثال بقوله «استغفر الله» دون
«أستعيذ بالله» لأن المغفرة انما تكون من الله فيحسن طلبها والالتجاء انما يكون من
العبد فلا يحسن طلبه. فتدبر ذلك فإنه لطيف ، ويظهر منه ان كلام الجوهري ليس بذلك
الحسن وقد رده جماعة من المحققين.
واعترضه شيخنا
أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (عطر الله مرقده) في كتاب الفوائد
النجفية فقال بعد نقل ذلك عنه : أقول لا يخفى على المتأمل بعين البصيرة ان ما
افاده الشيخ (قدسسره) من النكتة التي سماها دقيقة ظاهرة الاختلال كما لا
يخفى على أرباب الكمال ، لأنه إذا كان معنى «استعذ» اطلب منه ان يعيذك فامتثال
الأمر بقوله «أستعيذ» ظاهر لا سترة فيه لأن معناه اطلب من الله ان يعيذني لأن
السين والتاء شأنهما الدلالة على الطلب كما لا يخفى. واما الامتثال بقوله «أعوذ
بالله» فغير ظاهر إلا بجعل هذه الجملة مرادا بها الطلب والدعاء ، واما إذا بقيت
على ظاهرها من الأخبار بالالتجاء إلى الله فظاهر عدم تحقق الامتثال بها لما علمت.
ومن العجب قوله «لأن قائله متعوذ قد عاذ والتجأ والقائل «أستعيذ» ليس بعائذ وانما
هو طالب العياذ به» فإنه كلام متهافت مختل النظام إذ ظاهر ان القائل باللفظين أراد
طلب الاعاذة منه سبحانه لكن دلالة اللفظ الثاني عليه ظاهرة قضية السين والتاء واما
دلالة الأول فبناء على إرادة الإنشاء لا الأخبار والامتثال في الأول أوضح قطعا ،
وكأنه بنى ما ذكره على ان معنى «أستعيذ» اطلب اللجأ إلى الله تعالى فان معنى «استعذ
بالله» اي اطلب منه ان يعيذك فلا يكون الأول امتثالا للثاني. ولا يخفى ما فيه من
التحكم والتمحل لظهور انه إذا كان معنى الأمر ما ذكره انسحب مثله في «أستعيذ»
ضرورة. وما أعجب من يتحكم فيفصل بين الفعلين في المعنى المأخوذ فيهما ليترتب عليه
ما تخيله من عدم صلاحية
الأول للامتثال ، فتأمل في المقام وبالله سبحانه الاعتصام. انتهى كلام
شيخنا المذكور.
ومنها ـ الجهر
بالبسملة في مقام الإخفات وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فالمشهور
استحبابه في أول الحمد والسورة في الركعتين الأولتين والأخيرتين للإمام والمنفرد ،
وقال ابن إدريس باختصاص ذلك بالركعتين الأولتين دون الأخيرتين فإنه لا يجوز الجهر
فيهما. ونقل عن ابن الجنيد اختصاص ذلك بالإمام ، وقال ابن البراج يجب الجهر بها في
ما يخافت به وأطلق ، وقال أبو الصلاح يجب الجهر بها في أولتي الظهر والعصر في كل
من الحمد والسورة.
واختار السيد
السند في المدارك القول الأول واحتج عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) أياما فكان يقرأ في فاتحة الكتاب «بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله
الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك». وفي الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليهالسلام) في مسجد بني كاهل فجهر مرتين ببسم الله الرحمن الرحيم».
قال وقد تقرر في الأصول استحباب التأسي في ما لا يعلم وجوبه بدليل من خارج.
والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالإمام وان كان ذلك مورد الروايتين ، لان المشهور
من شعار الشيعة الجهر بالبسملة لكونها بسملة حتى قال ابن ابي عقيل تواترت الأخبار
عنهم (عليهمالسلام) ان لا تقية في الجهر بالبسملة. وروى الشيخ في المصباح
عن أبي الحسن الثالث (عليهالسلام) انه قال : «علامات المؤمن خمس صلاة الإحدى والخمسين
وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم». انتهى.
وهو جيد.
__________________
إلا ان ظاهر
الخبرين الأولين مع اختصاصهما بالإمام كما اعترف به ان الجهر انما هو في الأولتين
خاصة ، اما الأول فبتقريب قوله : «فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها» وقد عرفت ان
انقسام الصلاة إلى جهرية وإخفاتية انما هو باعتبار القراءة في الأولتين. واما
الثاني فبتقريب قوله «مرتين» يعني في الفريضة فمرة في الفاتحة ومرة في السورة. ويعضد
ذلك عدم معلومية كون الامام (عليهالسلام) يختار القراءة في الأخيرتين بل الظاهر من الأخبار ـ كما
سيأتي ان شاء الله تعالى في محلها مكشوفة النقاب مرفوعة الحجاب ـ انهم انما كانوا
يسبحون وان القراءة في هذه المسألة مرجوحة وأخبارها إنما خرجت مخرج التقية وان كان ذلك خلاف المشهور عندهم كما سيتضح لك ان شاء
الله تعالى في ذلك المجال. وبموجب ما ذكرناه فالخبران المذكوران لا دلالة لهما على
عموم المدعى ولم يبق إلا ظاهر ما نقله من حديث علامات المؤمن وحديث شعار الشيعة ،
والاستدلال بهما على ذلك لا يخلو من نظر وان أوهم إطلاقهما ذلك ، فإن الإطلاق انما
ينصرف إلى الفرد الشائع المتكثر وهو القراءة في الأولتين دون الأخيرتين كما سيظهر
لك من الأخبار وان كان القراءة أرجح في الدوران في كلامهم والاشتهار.
ومن الأخبار في
المقام أيضا ما رواه ثقة الإسلام في روضة الكافي في الحسن أو الصحيح عن سليم بن قيس في خطبة طويلة يذكر
فيها احداث الولاة الذين كانوا قبله فقال : «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا
فيها رسول الله (صلىاللهعليهوآله)
__________________
متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته. أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم (عليهالسلام) فرددته إلى الموضع ، ثم ساق جملة من بدع الثاني إلى ان
قال : وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. الحديث».
وما رواه في
التهذيب عن أبي حمزة قال : «قال علي بن الحسين (عليهماالسلام) يا ثمالي ان الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين
الامام فيقول هل ذكر ربه؟ فان قال نعم ذهب وان قال لا ركب على كتفيه وكان امام
القوم حتى ينصرفوا. قال فقلت جعلت فداك أليس يقرأون القرآن؟ قال بلى ليس حيث تذهب
يا ثمالي انما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم». والظاهر أيضا من هذه الرواية
انما هو القراءة في الأولتين. قال في الوافي : المراد بقرين الامام الملك الموكل
به. أقول بل الظاهر ان المراد انما هو الشيطان الموكل به فان لكل مكلف ملكا
وشيطانا موكلين به هذا يهديه وهذا يغويه والأنسب بسؤال الشيطان هو قرينه دون
الملك.
وما رواه في
الكافي عن صفوان الجمال قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) أياما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله
الرحمن الرحيم وكان يجهر في السورتين جميعا».
وروى الصدوق
بسنده إلى الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) في حديث شرائع الدين قال «والإجهار ببسم الله الرحمن
الرحيم في الصلاة واجب».
وروى في كتاب
عيون الأخبار بأسانيد عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) «انه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار».
__________________
وبالجملة فإن
بعض هذه الأخبار بإطلاقه وان تناول الأخيرتين مع اختيار القراءة فيهما إلا ان
الحمل على الفرد الشائع كما أشرنا إليه ممكن.
احتج ابن الجنيد
على ما نقل عنه بأن الأصل وجوب المخافتة بالبسملة في ما يخافت به لأنها بعض
الفاتحة خرج الامام بالنص والإجماع فيبقى المنفرد على الأصل. وجوابه منع ان الأصل
وجوب المخافتة فيها بل الأصل عدمه ، ومع الإغماض عن ذلك فالأصل المذكور يجب الخروج
عنه بالدليل وهو ما ذكرناه من الأخبار الزائدة على اخبار الامام
واما قول ابن
إدريس باختصاص الحكم بالأولتين فاعترض عليه بأنه تحكم لا دليل عليه. قيل : وكأنه
نظر إلى ان الأصل في استحباب الجهر بالبسملة هو التأسي بهم (عليهمالسلام) وذلك لا يتم في الأخيرتين إذ لم يثبت انهم يقرأون في الأخيرتين
أم يسبحون فكيف يثبت جهرهم بالبسملة فيهما؟
أقول : لا ريب
انه بالنظر إلى إطلاق جملة من هذه الأخبار فإنه يضعف قول ابن إدريس إلا انه بالنظر
إلى ما ذكرنا من حمل الإطلاق على الفرد المتكثر يقوى ما ذكره ، وهو الأظهر لما
سيجيء ان شاء الله تعالى في فصل ذكر الأخيرتين من مرجوحية القراءة وان العمل
فيهما انما هو على التسبيح.
احتج الموجبون
بأنهم (عليهمالسلام) كانوا يداومون عليه ولو كان مسنونا لا خلوا به في بعض
الأوقات ، وضعفه ظاهر فإنهم كانوا يداومون أيضا على المستحبات ، مع ان صحيحة
الحلبيين المتقدمة في الحكم الثالث من المسألة الأولى ظاهرة في رد هذا القول لتضمنها التخيير بين السر
والجهر.
ومن الأخبار
الدالة على القول المشهور والظاهرة فيه تمام الظهور على الوجه الذي قدمناه ما ورد
في كتاب تأويل الآيات الباهرة نقلا من تفسير محمد بن العباس بن
__________________
ماهيار بسنده فيه إلى أبي بصير قال : «سأل جابر الجعفي أبا عبد الله (عليهالسلام) عن تفسير قوله عزوجل «وَإِنَّ مِنْ
شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ» فقال ان الله لما خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأى
نورا إلى جنب العرش فقال إلهي ما هذا النور؟ فقال له هذا نور محمد (صلىاللهعليهوآله) صفوتي من خلقي. ورأى نورا إلى جنبه فقال إلهي وما هذا
النور؟ فقيل له هذا نور علي بن أبي طالب (عليهالسلام) ناصر ديني. ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال إلهي وما
هذه الأنوار؟ فقيل له هذا نور فاطمة (عليهاالسلام) فطمت محبيها من النار ونور ولديها الحسن والحسين (عليهماالسلام) فقال إلهي وأرى أنوارا تسعة قد حفوا بهم؟ قيل يا
إبراهيم هؤلاء الأئمة (عليهمالسلام) من ولد علي وفاطمة. فقال إلهي أرى أنوارا قد احدقوا
بهم لا يحصى عددهم إلا أنت؟ قيل يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة علي (عليهالسلام). فقال إبراهيم (عليهالسلام) وبم تعرف شيعته؟ قال بصلاة الإحدى والخمسين والجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع والتختم باليمين. فعند ذلك قال
إبراهيم اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال فأخبر الله في كتابه فقال وان من شيعته لإبراهيم».
وروى الشيخ حسن
بن سليمان في كتاب المحتضر نقلا من كتاب السيد حسن ابن كبش بإسناده إلى الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا كان يوم القيامة تقبل أقوام على نجائب من
نور ينادون بأعلى أصواتهم «الحمد لله الذي أنجز لنا وعده الحمد لله الذي أورثنا
أرضه (نَتَبَوَّأُ مِنَ
الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ)» قال فتقول الخلائق هذه زمرة الأنبياء فإذا النداء من
عند الله عزوجل هؤلاء شيعة علي بن أبي طالب وهو صفوتي من عبادي وخيرتي.
فتقول الخلائق إلهنا وسيدنا بم نالوا هذه الدرجة؟ فإذا النداء من قبل الله عزوجل نالوها بتختمهم باليمين وصلاتهم احدى وخمسين وإطعامهم
المسكين وتعفيرهم
__________________
الجبين وجهرهم في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم». وانما أطلنا بذكر هذين
الخبرين لما فيهما من البشارة الفاخرة لشيعة العترة الطاهرة جعلنا الله تعالى منهم
بمنه وفضله.
ومنها ـ ترتيل
القراءة وقد اجمع العلماء كافة على استحبابه في القراءة في الصلاة وغيرها لقوله عزوجل «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلاً» .
وروى الشيخ
بإسناده في الصحيح عن أبي عبد الله البرقي وأبي أحمد يعني محمد بن ابي عمير جميعا
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ينبغي للعبد إذا صلى ان يرتل في قراءته فإذا مر
بآية فيها ذكر الجنة وذكر النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار ، وإذا مر ب «(يا أَيُّهَا النّاسُ) و (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا)» يقول لبيك ربنا».
قال في الصحاح
: الترتيل في القراءة الترسل فيها والتبيين من غير بغي. وفي النهاية التأني فيها
والتمهل وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل وهو المشبه بنور الأقحوان.
وفي المغرب الترتيل في الأذان وغيره ان لا يعجل في إرسال الحروف بل يتثبت فيها
ويبينها تبيينا ويوفيها حقها من الإشباع من غير إسراع من قولهم ثغر مرتل ورتل مفلج
مستوي الثنية حسن التنضيد. وقال في القاموس رتل الكلام ترتيلا أحسن تأليفه وترتل
فيه ترسل. وقال في الكشاف ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف
وإشباع الحركات حتى يجيء المتلو منه شبيها بالثغر المرتل وهو المفلج المشبه بنور
الأقحوان ، وان لا يهذه هذا ولا يسرده سردا حتى يشبه المتلو في تتابعه الثغر
الألص. انتهى. هذا ما قاله أهل اللغة.
واما الفقهاء
فقال المحقق في المعتبر : هو تبيينها من غير مبالغة ، قال وربما كان واجبا إذا
أريد به النطق بالحروف بحيث لا يدمج بعضها في بعض ، ويمكن حمل الآية عليه لأن
الأمر عند الإطلاق للوجوب. ونحوه قال العلامة في المنتهى وقال الشهيد في الذكرى هو
حفظ الوقوف وأداء الحروف. وقال العلامة في النهاية هو بمعنى بيان الحروف
__________________
وإظهارها ولا يمد بحيث يشبه الغناء.
وقال أمين
الإسلام الطبرسي في مجمع البيان اي بينه بيانا واقرأه على هينتك. وقيل معناه ترسل
فيه ترسلا ، وقيل تثبت فيه تثبتا ، وروى عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) في معناه انه قال : «بينه بيانا ولا تهذه هذا الشعر ولا تنثره
نثر الرمل ولكن أقرع به القلوب القاسية ولا يكونن هم أحدكم آخر السورة». وروى أبو
بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في هذا قال «هو ان تتمكث فيه وتحسن به صوتك». انتهى.
وعده الشهيد في
النفلية من المستحبات وقال هو تبيين الحروف بصفاتها المعتبرة من الهمس والجهر
والاستعلاء والإطباق والغنة وغيرها والوقف التام والحسن وعند فراغ النفس مطلقا.
وفسر الشهيد الثاني في شرحها التام بالذي لا يكون لما قبله تعلق بما بعده لفظا ولا
معنى ، والحسن بالذي يكون له تعلق من جهة اللفظ دون المعنى ، ثم قال ومن هنا يعلم
ان مراعاة صفات الحروف المذكورة وغيرها ليس على وجه الوجوب كما يذكره علماء فنه مع
إمكان أن يريدوا تأكيد الفضل كما اعترفوا به في اصطلاحهم على الوقف الواجب ، ثم
قال ولو حمل الأمر بالترتيل على الوجوب كان المراد ببيان الحروف إخراجها من
مخارجها على وجه يتميز بعضها عن بعض بحيث لا يدمج بعضها في بعض وبحفظ الوقوف
مراعاة ما يخل بالمعنى ويفسد التركيب ويخرج عن أسلوب القرآن الذي هو معجز بغريب
أسلوبه وبلاغة تركيبه. انتهى.
وقال الشيخ
البهائي في كتاب الحبل المتين : الترتيل التأني وتبيين الحروف بحيث يتمكن السامع
من عدها مأخوذ من قولهم ثغر رتل ومرتل إذا كان مفلجا ، وبه فسر في قوله تعالى «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلاً»
وعن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) «انه حفظ الوقوف وبيان الحروف». اي مراعاة الوقف التام والحسن والإتيان
بالحروف
__________________
على الهيئات المعتبرة من الجهر والهمس والاستعلاء والإطباق والغنة وأمثالها
، والترتيل بكل من هذين التفسيرين مستحب ، ومن حمل الأمر في الآية على الوجوب فسر
الترتيل بإخراج الحروف من مخارجها على وجه تتميز ولا يندمج بعضها في بعض. انتهى.
وقد ظهر بما
ذكرنا ان المراد من الترتيل عند أهل اللغة هو الترسل والتأني وعليه حمل الآية جملة
من أصحابنا وغيرهم ، وهو ظاهر خبر البرقي وابن أبي عمير المتقدم ذكره وهو أيضا
ظاهر الخبر المتقدم نقله عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) في تفسير الطبرسي لكن لما روى الخاص والعام عن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) وكذا عن ابن عباس تفسيره بحفظ الوقوف وأداء الحروف ـ وان
كنت لم أقف على هذه الرواية مسندة في شيء من كتب الأخبار إلا انها في كلامهم وعلى
رؤوس أقلامهم في غاية الاشتهار ، وفي بعض الروايات «وبيان الحروف» ـ تمسك به أصحاب
التجويد وفسروه بهذا الوجه الذي سمعته من كلام شيخنا الشهيد الثاني وشيخنا البهائي
(عطر الله مرقديهما) وتبعهم الشيخان المذكوران وجمع ممن تأخر عن شيخنا الأول من
الأصحاب في تفسيرهم الحديث بذلك حيث فسروه على قواعدهم ومصطلحهم. والأظهر عندي هو
ما ذكره أهل اللغة لاعتضاده بالاخبار المتقدم ذكرها وعدم ثبوت الخبر الدال على ما
ذكره أهل التجويد وان تبعهم فيه من تبعهم من أصحابنا (رضوان الله عليهم) ويحتمل ان
يكون الخبر من طرق العامة وان استسلقه أصحابنا في هذا المقام.
ولشيخنا محمد
تقي المجلسي كلام جيد في المقام نقله عنه ابنه (رفع الله مقامهما في دار السلام)
قال الترتيل الواجب هو أداء الحروف من المخارج وحفظ أحكام الوقوف بان لا يقف على
الحركة ولا يصل بالسكون فإنهما غير جائزين باتفاق القراء وأهل العربية ، والترتيل
المستحب هو أداء الحروف بصفاتها المحسنة لها وحفظ الوقوف التي استحبها القراء
وبينوها في تجاويدهم ، والحاصل انه ان حملنا الترتيل في الآية على
__________________
الوجوب كما هو دأبهم في أوامر القران فليحمل على ما اتفقوا على لزوم رعايته
من حفظ حالتي الوصل والوقف وأداء حقهما من الحركة والسكون أو الأعم منه ومن ترك
الوقف في وسط الكلمة اختيارا ، ومنع الشهيد من السكوت على كل كلمة بحيث يخل بالنظم
فان ثبت تحريمه كان أيضا داخلا فيه ، ولو حمل الأمر على الندب أو الأعم كان مختصا
أو شاملا لرعاية الوقف على الآيات مطلقا كما ذكره جماعة من أكابر أهل التجويد ،
ويشمل أيضا على المشهور رعاية ما اصطلحوا عليه من الوقف اللازم والتام والحسن
والكافي والجائز والمجوز والمرخص والقبيح ، لكن لا يثبت استحباب رعاية ذلك عندي
لأن تلك الوقوف من مصطلحات المتأخرين ولم تكن في زمان أمير المؤمنين (عليهالسلام) فلا يمكن حمل كلامه عليه ، إلا ان يقال غرضه (عليهالسلام) رعاية الوقف على ما يحسن بحسب المعنى على ما يفهمه
القارئ ولا ينافي هذا حدوث تلك الاصطلاحات بعده. ويرد عليه أيضا ان هذه الوقوف
انما وضعوها على حسب ما فهموه من تفاسير الآيات وقد وردت أخبار كثيرة كما سيأتي في
ان معاني القرآن لا يفهمها إلا أهل البيت (عليهمالسلام) الذين نزل عليهم القرآن ، ويشهد له انا نرى كثيرا من
الآيات كتبوا فيها نوعا من الوقف بناء على ما فهموه ووردت الأخبار المستفيضة بخلاف
ذلك المعنى كما انهم كتبوا الوقف اللازم في قوله سبحانه «وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ» على آخر الجلالة لزعمهم ان الراسخين في العلم لا يعلمون
تأويل المتشابهات وقد وردت الأخبار المستفيضة في ان الراسخين هم الأئمة (عليهمالسلام) وهم يعلمون تأويلها ، مع ان المتأخرين من مفسري العامة
والخاصة رجحوا في كثير من الآيات تفاسير لا توافق ما اصطلحوا عليه في الوقوف. ولعل
الجمع بين المعنيين ـ لورود الأخبار على الوجهين وتعميمه بحيث يشمل الواجب
والمستحب من كل منهما حتى انه يراعى في الوقف ترك قلة المكث بحيث ينافي التثبت
والتأني وكثرة المكث بحيث ينقطع الكلام ويتبدد النظام فيكره أو يصل إلى حد يخرج عن
كونه قارئا
__________________
فيحرم على المشهور ـ اولى وأظهر تكثيرا للفائدة ورعاية لتفاسير العلماء
واللغويين واخبار الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) والله يعلم حقائق
كلامه المجيد. انتهى كلامه زيد مقامه. وانما نقلناه بطوله لجودة معناه ومحصوله.
وروى الشيخ في
الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال «سألته عن الرجل يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أخرى في
النفس الواحد؟ فقال ان شاء قرأ في نفس وان شاء في غيره».
وعن إسحاق بن
عمار عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان رجلا من أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كتب إلى أبي بن كعب كم كانت لرسول الله من سكتة؟ قال
كانت له سكتتان : إذا فرغ من أم القرآن وإذا فرغ من السورة».
وروى في الكافي
عن محمد بن يحيى بإسناد له عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يكره ان يقرأ قل هو الله أحد في نفس واحد».
ومنها ـ ما
ذكره جمع من الأصحاب من انه يستحب ان يقرأ في الصلاة بسور المفصل وهي من سورة محمد
(صلىاللهعليهوآله) الى آخر القرآن ، فيقرأ مطولاته في الصبح وهي من سورة
محمد إلى «عم» ومتوسطاته في العشاء وهي من سورة «عم» الى «والضحى» وقضاه في
الظهرين والمغرب وهي من الضحى إلى آخر القرآن ، وانه يستحب في غداة الخميس
والاثنين بسورة «هل اتى» وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة والأعلى وفي الظهرين
بالجمعة والمنافقين وفي نوافل النهار بالسور القصار ويسر بها وفي نوافل الليل
بالسور الطوال ويجهر بها ، وان يقرأ في أولتي صلاة الليل بقل هو الله أحد ثلاثين
مرة.
وتفصيل هذه
الجملة يتوقف على بسط الكلام في مقامات (الأول) لا يخفى ان ما ذكروه (رضوان الله
عليهم) من استحباب القراءة بسور المفصل على التفصيل المذكور لم أجد له مستندا في
أخبارنا بعد التتبع التام وبذلك اعترف جملة من محققي متأخري
__________________
المتأخرين كالسيد السند في المدارك حيث قال بعد نقل ذلك : وليس في أخبارنا
تصريح بهذا الاسم ولا تحديده وانما رواه الجمهور عن عمر بن الخطاب . انتهى. ومن هنا يعلم ان الظاهر ان أصحابنا قد تبغوا في
ذلك العامة ، ولا يخفى ان كلام العامة أيضا هنا لا يخلو من اختلاف إلا ان المشهور
بينهم هو ما ذكر هنا.
قال في القاموس
: المفصل كمعظم من القرآن من الحجرات إلى آخره في الأصح أو من الجاثية أو القتال
أو (ق) عن النووي ، أو الصافات أو الصف أو (تبارك) عن ابن أبي الصيف ، أو (انا
فتحنا) عن الدزماري ، أو (سبح اسم ربك الأعلى) عن الفركاح أو الضحى عن الخطابي . انتهى.
وقال في كتاب
مجمع البحرين : وفي الحديث «فضلت بالمفصل» قيل سمى به لكثرة ما يقع فيه من الفصول بالتسمية بين
السور ، وقيل لقصر سوره. واختلف في أوله فقيل من سورة (ق) وقيل من سورة محمد (صلىاللهعليهوآله) وقيل من سورة الفتح ، وعن النووي مفصل القرآن من سورة
محمد (صلىاللهعليهوآله) الى آخر القرآن وقصاره من الضحى إلى آخره ومطولاته إلى
عم ومتوسطاته إلى الضحى. وفي الخبر «المفصل ثمان وستون سورة» انتهى.
أقول : ربما
أشعر كلامه بأن الأخبار المذكورة في كلامه مروية من طرفنا ولم أقف على من نقلها
كذلك سواه والظاهر انها من طرق العامة وان تناقلها أصحابنا في كتب الفروع. نعم
وقفت على ذلك في كتاب دعائم الإسلام إلا انه من كلامه ولم
__________________
يسنده إلى رواية حيث قال «ولا بأس بأن يقرأ في الفجر بطوال المفصل وفي الظهر والعشاء الآخرة بأوساطه
وفي العصر والمغرب بقصاره».
وكيف كان
فالواجب الرجوع في ذلك إلى الأخبار الواردة عنهم (عليهمالسلام) وهي كثيرة لا بأس بذكر ما يسعه المقام منها :
فمنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) القراءة في الصلاة فيها شيء موقت؟ قال لا إلا الجمعة
يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين. قلت فأي السور يقرأ في الصلاة؟ قال اما الظهر
والعشاء الآخرة يقرأ فيهما سواء والعصر والمغرب سواء واما الغداة فأطول ، فأما
الظهر والعشاء الآخرة فسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما ، واما العصر
والمغرب فإذا جاء نصر الله والفتح وألهاكم التكاثر ونحوهما ، واما الغداة فعم
يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا اقسم بيوم القيامة وهل اتى على الإنسان حين من
الدهر».
وعن أبان في
الصحيح عن عيسى بن عبد الله القمي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي الغداة بعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا
اقسم بيوم القيامة وشبهها ، وكان يصلي الظهر بسبح اسم والشمس وضحاها وهل أتاك حديث
الغاشية وشبهها ، وكان يصلي المغرب بقل هو الله أحد وإذا جاء نصر الله والفتح وإذا
زلزلت ، وكان يصلي العشاء الآخرة بنحو ما يصلي في الظهر والعصر بنحو من المغرب».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي وقال العالم (عليهالسلام) اقرأ في صلاة الغداة المرسلات وإذا الشمس كورت ومثلهما
من السور ، وفي الظهر إذا السماء انفطرت وإذا
__________________
زلزلت ومثلهما ، وفي العصر العاديات والقارعة ومثلهما ، وفي المغرب والتين
وقل هو الله أحد ومثلهما ، وفي يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين.
وقال شيخنا
الصدوق في الفقيه : أفضل ما يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في الركعة الأولى
الحمد وانا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة العشاء الآخرة
ليلة الجمعة ، إلى ان قال وانما يستحب قراءة القدر في الاولى والتوحيد في الثانية
لأن القدر سورة النبي وأهل بيته (عليهمالسلام) فيجعلهم المصلي وسيلة إلى الله لانه بهم وصل إلى
معرفته ، واما التوحيد فالدعاء على أثرها مستجاب وهو قنوت. انتهى.
ويشهد له جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الكليني عن أبي علي بن راشد قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) جعلت فداك انك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه ان أفضل
ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه وقل هو الله أحد ، وان صدري ليضيق بقراءتهما في
الفجر؟ فقال (عليهالسلام) لا يضيقن صدرك بهما فان الفضل والله فيهما».
وفي حديث عمر
بن أذينة وغيره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في كيفية الصلاة قال : «ان الله اوحى إلى نبيه (صلىاللهعليهوآله) ليلة الإسراء في الركعة الأولى ان اقرأ قل هو الله أحد
فإنها نسبتي ونعتي ثم اوحى الله إليه في الثانية بعد ما قرأ الحمد ان اقرأ إنا
أنزلناه في ليلة القدر فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة».
وروى الصدوق في
الفقيه قال «حكى من صحب الرضا (عليهالسلام) الى خراسان انه كان يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة
في الركعة الأولى الحمد وانا أنزلناه وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد. الحديث».
أقول : الظاهر
انه اشارة إلى ما رواه (قدسسره) في كتاب عيون اخبار الرضا (عليهالسلام) بسنده عن رجاء بن أبي الضحاك قال : «كان الرضا (عليهالسلام) في طريق خراسان قراءته في جميع المفروضات في الأولى
الحمد وانا أنزلناه
__________________
وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم
الجمعة فإنه كان يقرأ فيها بالحمد وسورة الجمعة والمنافقين ، وكان يقرأ في صلاة
العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح
اسم ربك الأعلى ، وكان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى
الحمد وهل اتى على الإنسان وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية. الحديث».
وروى في كتاب
العيون أيضا بسنده عن أبي الحسن الصائغ عن عمه قال : «خرجت مع الرضا (عليهالسلام) الى خراسان فما زاد في الفرائض على الحمد وانا أنزلناه
في الاولى والحمد وقل هو الله أحد في الثانية».
وروى السيد
الزاهد العابد رضي الدين بن طاوس (قدسسره) في كتاب فلاح السائل بسنده فيه عن محمد بن الفرج «انه كتب إلى الرجل (عليهالسلام) يسأله عما يقرأ في الفرائض وعن أفضل ما يقرأ فيها؟
فكتب (عليهالسلام) اليه ان أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه في ليلة
القدر وقل هو الله أحد».
وروى الشيخ في
كتاب الغيبة والطبرسي في الاحتجاج «انه كتب محمد ابن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان (عليهالسلام) في ما كتبه وسأله عما روى في ثواب القرآن في الفرائض
وغيرها ان العالم (عليهالسلام) قال عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في ليلة
القدر كيف تقبل صلاته ، وروى ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو الله أحد. وروى من
قرأ في فرائضه (الهمزة) اعطى من الثواب قدر الدنيا ، فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة)
ويدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روى انه لا تقبل صلاة ولا تزكو إلا بهما؟
التوقيع : الثواب في السور على ما قد روى ، وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ قل
هو الله أحد وانا أنزلناه لفضلهما اعطى ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك ، ويجوز
ان يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ولكنه يكون
__________________
قد ترك الأفضل».
ومن الأخبار
الدالة على التأكيد في سورة التوحيد واستحباب قراءة الجحد أيضا ما رواه في الكافي
عن يعقوب بن شعيب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان أبي يقول قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن
وقل يا ايها الكافرون ربع القرآن».
وعن منصور بن
حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال «من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ
فيها بقل هو الله أحد قيل له يا عبد الله لست من المصلين».
وروى الشيخ في
التهذيب عن محمد بن أبي طلحة خال سهل بن عبد ربه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قرأت في صلاة الفجر بقل هو الله أحد وقل يا ايها
الكافرون وقد فعل ذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
وروى الصدوق في
كتاب ثواب الأعمال بسنده عن الحسين بن أبي العلاء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من قرأ قل يا ايها الكافرون وقل هو الله أحد في
فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وان كان شقيا محي من ديوان الأشقياء وأثبت
في ديوان السعداء وأحياه الله سعيدا وأماته شهيدا وبعثه شهيدا». الى غير ذلك من
الأخبار الدالة على جملة من السور.
(المقام الثاني)
ـ في ما يقرأ في مغرب وعشاء يوم الجمعة والغداة والظهر والعصر منه ، اما المغرب
والعشاء فالمشهور انه يقرأ الجمعة في الاولى والأعلى في الثانية في كل منهما ، ذهب
اليه الشيخ في النهاية والمبسوط والمرتضى وابن بابويه وأكثر الأصحاب.
ومستنده رواية
أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي
الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد.».
__________________
ونحوه روى
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا (عليهالسلام) «انه يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الغداة الجمعة
وقل هو الله أحد». والمراد يعني في كل من الفرضين.
والخلاف هنا
واقع في كل من الفرضين ، اما في المغرب فمن الشيخ حيث قال في المصباح والاقتصاد
تقرأ في ثانية المغرب قل هو الله أحد :
لما رواه أبو
الصباح الكناني قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل
هو الله أحد وإذا كانت العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى فإذا
كانت صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله أحد».
واما في العشاء
الآخرة فمن ابن أبي عقيل حيث قال انه يقرأ في ثانية العشاء ليلة الجمعة سورة
المنافقين ، ومستنده ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز وربعي رفعاه إلى أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا كانت ليلة الجمعة يستحب ان يقرأ في العتمة
سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وفي صلاة الصبح مثل ذلك وفي صلاة الجمعة مثل ذلك
وفي صلاة العصر مثل ذلك». قال في الذكرى : والأول أظهر وأشهر في الفتوى ، أقول :
لا يخفى ان المقام مقام استحباب فلا مشاحة.
واما الصبح
فالمشهور انه يقرأ بسورة الجمعة في الاولى والتوحيد في الثانية. وقال ابن بابويه
والمرتضى في الانتصار يقرأ بالمنافقين في الثانية.
ويدل على الأول
ما تقدم من رواية أبي بصير ورواية أبي الصباح الكناني وما رواه الكليني في الصحيح
عن الحسين بن أبي حمزة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) بما اقرأ في صلاة الفجر في يوم الجمعة؟ فقال اقرأ في
الأولى بسورة الجمعة
__________________
وفي الثانية بقل هو الله أحد ثم أقمت حتى تكونا سواء».
ويدل على
الثاني مرفوعة حريز وربعي المتقدمة وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) في حديث طويل يقول «اقرأ سورة الجمعة والمنافقين فان
قراءتهما سنة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر ولا ينبغي لك ان تقرأ بغيرهما في
صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماما كنت أو غير امام».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «اقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة الجمعة في الاولى وفي الثانية
المنافقين وروى قل هو الله أحد».
وروى فيها
الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى ، رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن
أخيه (عليهالسلام) قال قال : «يا علي بم تصلي في ليلة الجمعة؟ قلت بسورة
الجمعة وإذا جاءك المنافقون. فقال رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة بسورة الجمعة وقل هو
الله أحد وفي الفجر بسورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الجمعة بسورة الجمعة
وإذا جاءك المنافقون».
وظاهر هذه
الرواية ان الجمعة والتوحيد ليلة الجمعة في كل من الفرضين ففيه دلالة على ما ذهب
اليه الشيخ (قدسسره) في المصباح والاقتصاد في المغرب ، واما في العشاء فلم
أقف على قائل به إذ الخلاف كما عرفت في سورة الأعلى والمنافقين واما التوحيد فلم
يقل به أحد في ما اعلم.
واما الظهر
فالمشهور فيها استحباب الجمعة والمنافقين ، وقال ابن بابويه في الفقيه لا يجوز ان
يقرأ في ظهر يوم الجمعة بغير سورة الجمعة والمنافقين فان نسيتهما أو واحدة منهما
في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ
نصف السورة فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلهما ركعتي نافلة وسلم فيهما وأعد
صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين ، وقد رويت رخصة في القراءة في صلاة الظهر بغير
__________________
سورة الجمعة والمنافقين لا استعملها ولا افتى بها إلا في حال السفر والمرض
وخيفة فوت حاجة. انتهى. ومراده بالظهر ما هو أعم من الجمعة والظهر لأنه متى ثبت
الحكم في الظهر ففي الجمعة بطريق الاولى ولا سيما ان اخباره التي استند إليها
فإنما هي في الجمعة.
ومنشأ هذا
الخلاف اختلاف الأخبار ظاهرا في هذه المسألة فروى الكليني والشيخ عنه في الصحيح أو
الحسن عن عمر بن يزيد قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في
سفر أو حضر». والثابت في السفر انما هو الظهر لا الجمعة.
وروى الكليني
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر
بالقراءة؟ قال نعم وقال اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة».
وروى الكليني
أيضا في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بشارة لهم والمنافقين توبيخا للمنافقين ولا ينبغي
تركهما فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له».
وعن الحسين بن
عبد الملك الأحول عن أبيه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من لم يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين فلا
جمعة له».
وقد تقدم في
صحيحة زرارة المنقولة في كتاب العلل «انه لا ينبغي ان يقرأ بغير الجمعة والمنافقين في صلاة الظهر يعني في يوم
الجمعة».
وروى الشيخ في
الصحيح عن صباح بن صبيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل أراد ان يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال
يتمها ركعتين
__________________
ثم يستأنف».
ورواه الكليني
مرسلا . وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس في القراءة شيء موقت إلا الجمعة يقرأ
بالجمعة والمنافقين».
وروى الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) القراءة في الصلاة فيها شيء موقت؟ قال لا إلا الجمعة
يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين».
وعن سليمان بن
خالد في الصحيح في حديث «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجمعة فقال القراءة في الركعة الأولى بالجمعة وفي
الثانية بالمنافقين».
وروى الشيخ في
الصحيح عن علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟
فقال لا بأس بذلك».
وعن علي بن
يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الجمعة في السفر ما اقرأ فيهما؟ قال اقرأهما بقل هو
الله أحد».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول في صلاة الجمعة لا بأس بأن تقرأ فيها
بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا».
وعن محمد بن
سهل عن أبيه قال : «سألت أبا الحسن (صلوات الله عليه) عن الرجل يقرأ
في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ قال لا بأس».
وعن يحيى
الأزرق قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) قلت رجل صلى الجمعة فقرأ سبح اسم ربك الأعلى وقل هو
الله أحد؟ قال أجزأه».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «وتقرأ في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين
وسبح اسم ربك الأعلى ، وان نسيتهما أو واحدة منهما
__________________
فلا اعادة عليك ، فان ذكرتها من قبل ان تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة
الجمعة وان لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك».
أقول : هذه
جملة أخبار المسألة والصدوق قد حمل الأخبار الدالة على مطلق الأمر بهاتين السورتين
في الجمعة التي هي أعم ـ كما عرفت ـ من الواجبة أو الظهر على الوجوب مستندا إلى
صحيحة عمر بن يزيد الدالة على الإعادة لو أخل بهما ، وصحيحة محمد بن مسلم الدالة
على ان من تركهما متعمدا فلا صلاة له ، ورواية الأحول عن أبيه الدالة على ان من لم
يقرأهما فلا جمعة له ، ورواية صباح بن صبيح الدالة على إتمام ركعتين ثم الاستئناف
لو تركهما. ثم انه حمل الروايات الدالة بظاهرها على صحة الجمعة مع قراءة غير
السورتين المذكورتين على السفر أو المرض أو الحاجة. وفيه ان بعض تلك الأخبار وان
أمكن فيه ما ذكره إلا ان صحيحة علي بن يقطين ورواية محمد بن سهل قد صرحتا بان من
قرأ بغير السورتين المذكورتين متعمدا فلا بأس ومفاد التعمد هو عدم العذر ، وحينئذ
فلا يجري حمله المذكور فيهما مع إمكان التأويل في ما استند اليه بالحمل على تأكيد
الاستحباب وله نظائر في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار. واما قوله (عليهالسلام) «لا صلاة له أو لا جمعة له» فقد ورد نظيره «ان من تكلم
في أثناء الخطبة فلا جمعة له» . و «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه» . ونحو ذلك. واما الإعادة لو تركهما فإنه قد ورد نظيره
في تارك الأذان والإقامة ونحو ذلك ، على ان الإعادة في رواية صباح انما هي في صلاة
الجمعة ومدعاه أعم منها ومن الظهر فلا تنهض دليلا له. وحمل الجمعة على الظهر وان
أمكن إلا انه مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة. وبالجملة فالظاهر هو القول
المشهور وحمل هذه الأخبار على ما ذكرناه.
واما العصر
فالمشهور فيها استحباب السورتين المذكورتين والصدوق قد وافق هنا
__________________
على الاستحباب حيث قال : «ولا بأس ان تصلي العشاء والغداة والعصر بغير
الجمعة والمنافقين إلا ان الفضل في ان تصليها بالجمعة والمنافقين» والمستند هنا في
استحباب السورتين المذكورتين ما تقدم في مرفوعة حريز وربعي ، وردها في المدارك
بالضعف ثم قال إلا ان هذا المقام يكفي فيه مثل ذلك وفيه نظر قد تقدم ذكره مرارا مع
انه قد تقدم في صحيحة زرارة المنقولة من كتاب العلل ما يدل على ذلك أيضا ولكنه لم
يقف عليها ، ونحو ذلك ما تقدم في رواية رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا (عليهالسلام) في طريق خراسان.
وقال في
المدارك بعد نقل كلام الصدوق المتقدم : والمعتمد استحباب قراءتهما في الجمعة خاصة
لما رواه الشيخ ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على انه ليس في
الصلاة شيء موقت إلا الجمعة ، إلى ان قال واما الاستحباب في صلاة الظهر فلم أقف
على رواية تدل بمنطوقها عليه.
أقول : قد تقدم
في صحيحة زرارة المنقولة من كتاب العلل «اقرأ بالسورتين في ظهر الجمعة إماما كنت
أو غير امام». وكذا في صحيحة الحلبي أو حسنته التصريح بذلك حيث قال : «إذا صليت
وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال نعم ، وقال اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم
الجمعة». فإنها كما ترى صريحة في القراءة في الظهر. والعجب انه استدل بصدر الرواية
على جواز الجهر.
بقي هنا شيء
يجب التنبيه عليه وهو ان المحقق (قدسسره) في الشرائع نقل قولا بوجوب السورتين في الظهر والعصر ،
والمنقول عن ابن بابويه كما تقدم انما هو الوجوب في الظهر خاصة ، واستنكر هذا
القول جملة من المتأخرين من حيث عدم الوقوف عليه إلا من عبارة المحقق المذكور ،
وحمله في المدارك على الغفلة بعد نقل كلام ابن بابويه في كتابه الكبير فتوهم من
ظاهر أول العبارة العموم للظهر والعصر والحال ان آخرها صريح في الظهر خاصة.
(المقام الثالث)
ـ في ما يقرأ في صبحي الاثنين والخميس والمشهور انه يستحب ان يقرأ فيهما «هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ».
وقد تقدم في
حديث رجاء بن أبي الضحاك المنقول من كتاب العيون «ان الرضا (عليهالسلام) كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى
الحمد و (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ) وفي الثانية الحمد و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ
الْغاشِيَةِ)».
وقال الصدوق في
الفقيه : في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الركعة الأولى الحمد و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) وفي الثانية الحمد و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ
الْغاشِيَةِ) ، فإن من قرأهما في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم
الخميس وقاه الله شر اليومين ، وقد حكى من صحب الرضا (عليهالسلام) الى خراسان لما أشخص إليها انه كان يقرأ في صلاته
بالسور التي ذكرناها فلذلك اخترناها من بين السور بالذكر في هذا الكتاب. انتهى. وأشار
بذلك إلى ما قدمه من أفضلية سورتي التوحيد وانا أنزلناه وما يقرأ في يوم الجمعة
وليلتها وما يقرأ في غداة الخميس والاثنين وقد تقدم ذلك في الحديث المشار اليه.
وروى الشيخ أبو
علي بن شيخنا أبي جعفر الطوسي (قدسسره) في كتاب المجالس في الصحيح إلى علي بن عمر العطار قال : «دخلت على أبي الحسن العسكري (عليهالسلام) يوم الثلاثاء فقال لم أرك أمس؟ قلت كرهت الحركة في يوم
الاثنين. قال يا علي من أحب ان يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من
صلاة الغداة (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ) ، ثم قرأ أبو الحسن (عليهالسلام) (فَوَقاهُمُ اللهُ
شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) ».
وروى في كتاب
ثواب الأعمال بسنده عن عمرو بن جبير العزرمي عن أبيه عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «من قرأ (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ) في كل غداة خميس
__________________
زوجه الله تعالى من الحور العين ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيب وحوراء من
الحور العين وكان مع محمد صلىاللهعليهوآله».
(المقام الرابع)
ـ ما ذكروه بالنسبة إلى نوافل الليل والنهار من القراءة بالسور الطوال والقصار
والجهر والإخفات ، فاما الأول فلم أقف له على مستند من الأخبار وبذلك اعترف في
المدارك فقال : لم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه ، ثم قال وربما أمكن الاستدلال
عليه بفحوى صحيحة محمد بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) هل يجوز ان يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث.
الخبر». وقد تقدم في مسألة حكم القران في الفريضة. واما الثاني فقال في المعتبر
انه قول علمائنا اجمع ويدل عليه ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «السنة في صلاة النهار بالإخفات والسنة في صلاة
الليل بالإجهار». قال في المعتبر : والرواية وان كانت ضعيفة السند مرسلة لكن عمل
الأصحاب على ذلك. انتهى. واما استحباب التوحيد ثلاثين مرة في الركعتين الأولتين من
صلاة الليل فقد تقدم الكلام فيه مشروحا في المقدمة الاولى من مقدمات الباب الأول
من هذا الكتاب.
ومنها ـ استحباب
الجهر بالظهر في يوم الجمعة إماما كان أو منفردا على الأشهر الأظهر ، وقد اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا بعد الاتفاق على استحباب الجهر في صلاة الجمعة ،
فقيل بالاستحباب كما ذكرنا وهو المشهور ، قال الصدوق أبو جعفر ابن بابويه بعد نقل
صحيحة عمران الحلبي الآتية وهذه رخصة الأخذ بها جائز والأصل انه انما يجهر فيها
إذا كانت خطبة فإذا صلاها الإنسان وحده فهي كصلاة الظهر في سائر الأيام يخفى فيها
القراءة ، وكذلك في السفر من صلى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر بالقراءة
__________________
وان أنكر ذلك عليه. وقال السيد المرتضى في المصباح : والمنفرد بصلاة الظهر
يوم الجمعة فقد روى انه يجهر بالقراءة استحبابا ، وروى ان الجهر انما يستحب لمن
صلاها مقصورة بخطبة أو صلاها أربعا ظهرا في جماعة ولا جهر على المنفرد. وقال ابن
إدريس : وهذا الثاني هو الذي يقوى في نفسي وأعتقده وافتي به ، لأن شغل الذمة بواجب
أو ندب يحتاج إلى دليل شرعي لأصالة براءة الذمة والرواية مختلفة فوجب الرجوع إلى
الأصل ، ولأن الاحتياط يقتضي ذلك لأن تارك الجهر تصح صلاته إجماعا وليس كذلك
الجاهر بالقراءة. ونقل المحقق في المعتبر عن بعض الأصحاب المنع من الجهر في الظهر
مطلقا وقال ان ذلك أشبه بالمذهب.
أقول : وتحقيق
المسألة كما هو حقها بنقل اخبارها وبيان الجمع بينها كما سيأتي ان شاء الله تعالى
في باب صلاة الجمعة.
ومنها ـ السكوت
بعد القراءة كما تقدم في رواية حماد وحكايته صلاة الصادق (عليهالسلام) تعليما له ، قال فيه «ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله
أحد ثم صبر هنية بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم قال الله أكبر».
قال شيخنا في
الذكرى : يستحب السكوت إذا فرغ من الحمد والسورة فهما سكتتان لرواية إسحاق بن عمار
عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) «ان رجلين من أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اختلفا في سكتة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فكتب إلى ابى بن كعب كم كانت لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) من سكتة؟ قال كانت له سكتتان : إذا فرغ من أم القران
وإذا فرغ من السورة». وفي رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس. وقال ابن
الجنيد روى سمرة وأبي بن كعب عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والثانية بعد الحمد». ثم قال (قدسسره) فرع ـ الظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين
قبل
__________________
الركوع وكذا عقيب التسبيح. انتهى.
وروى الصدوق في
كتاب الخصال عن الخليل عن الحسين بن حمدان عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن زريع عن
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن «ان سمرة بن جندب وعمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة انه حفظ عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سكتتين سكتة إذا فرغ من قراءته عند ركوعه ثم ان قتادة
ذكر السكتة الأخيرة إذا فرغ من قراءة «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ». اي حفظ ذلك سمرة وأنكره عليه عمران بن حصين قال فكتبنا في ذلك إلى أبي بن
كعب وكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما ان سمرة قد حفظ» قال الصدوق (قدسسره) ان النبي (صلىاللهعليهوآله) انما سكت بعد القراءة لئلا يكون التكبير موصولا
بالقراءة وليكون بين القراءة والتكبير فصل ، وهذا يدل على انه لم يقل آمين بعد
فاتحة الكتاب سرا ولا جهرا لان المتكلم سرا أو علانية لا يكون ساكتا وفي ذلك حجة
قوية للشيعة على مخالفيهم في قولهم آمين بعد الفاتحة ولا قوة إلا بالله. انتهى.
أقول : الذي
يقرب عندي في هذا المقام ان السكوت المستحب انما هو ما دل عليه خبر حماد المشار
اليه واما ما عدا ذلك من كونه بعد التكبير أو بعد الفاتحة فالظاهر انه قول الجمهور
وظاهر رواية الخصال انها عامية ورجالها من العامة ، وحديث إسحاق بن عمار
المنقول في الذكرى لا دلالة فيه على ذلك ان لم يكن فيه إشارة إلى الدلالة على
العدم ، وذلك لأن عدوله (عليهالسلام) عن الإفتاء بذلك كما في جملة الأحكام الشرعية التي
تخرج عنه إلى الأخبار بما نقل في الخبر نوع إشارة إلى ما قلناه وان قصده (عليهالسلام) حكاية ما عليه العامة حسب ما تضمنه حديث الخصال وان
اختلف الحديثان في السكتة الأخرى من انها بعد الحمد أو بعد تكبيرة الإحرام.
ثم ان ظاهر
كلام الصدوق أيضا ان السكوت الذي اشتمل عليه خبر حماد ليس
__________________
مستحبا من حيث هو بل من حيث استحباب إظهار همزة «الله» في التكبير ولو وصل
لزم سقوطها لأنها همزة وصل والنصوص دالة على قطعها والقطع لا يكون إلا مع السكوت
قبلها. إلا ان كلامه (قدسسره) وقوله : «وهذا يدل على انه لم يقل آمين. الى آخره» لا
اعرف له وجها وجيها لأن ظاهر الحديث الذي نقله ان السكتتين إحداهما بعد تكبيرة
الإحرام والأخرى بعد تمام القراءة قبل الركوع وهذا هو الذي حفظه سمرة والتأمين
انما هو بعد الفاتحة والسكتة بعد الفاتحة إنما ذكرها قتادة. نعم كلامه يتم على
تقدير رواية إسحاق بن عمار التي نقلها في الذكرى حيث اشتملت على ذلك إلا انه لم
يلم بها ولم ينقلها.
وقال في
المنتهى : يستحب للمصلي أن يسكت بعد قراءة الحمد وبعد السورة وبه قال احمد
والأوزاعي والشافعي وكرهه مالك وأصحاب الرأي ، وقال بعضهم يسكت عقيب الافتتاح وبعد
الحمد خاصة لنا ما رواه الجمهور ، ثم ذكر رواية تدل على الأول ثم
قال ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار ، ثم نقل
رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.
ومنها ـ ما
تقدم في الفائدة العشرين من الفوائد الملحقة باخبار المقدمة الثانية من نقل جملة
من السور التي يستحب قراءتها في النوافل فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.
البحث الثالث في الأحكام وفيه مسائل
(الأولى) ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من واجبات القراءة الموالاة فلو قرأ خلالها من
غيرها فان كان عمدا فظاهر الشهيد في الذكرى بطلان الصلاة ونقل عن الشيخ في المبسوط
انه يستأنف القراءة ولا تبطل الصلاة ، ولو كان ناسيا استأنف القراءة على ما صرح به
في الذكرى ، وفي المبسوط انه يبني على ما قرأ
__________________
أولا ، وفي الدروس تبع الشيخ في استئناف القراءة في صورة العمد ونسب ما
اختاره في الذكرى من البطلان إلى لفظ «قيل» مؤذنا بتمريضه وضعفه واما في صورة
النسيان فكما في الذكرى من إعادة القراءة ، وبهذا يصير هذا قولا ثالثا في المسألة
وهو ظاهر المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد واليه جنح في المدارك أيضا ، وفي
البيان كما في الذكرى من الحكم ببطلان الصلاة في صورة العمد ولم يتعرض لحكم
الناسي.
أقول : أنت
خبير بان الظاهر انه لا دليل لهم على وجوب الموالاة إلا دعوى ان ذلك هو المفهوم من
القراءة ، وزاد بعضهم الاستناد إلى التأسي فإنه (صلىاللهعليهوآله) وكذا الأئمة (عليهمالسلام) بعده كانوا يوالون في قراءتهم مع قوله (صلىاللهعليهوآله) «صلوا كما رأيتموني أصلي». ومعنى الموالاة عندهم هو ان لا يقرأ في خلالها
ولا يسكت بحيث يخرج عن كونه قارئا ، واستثنوا من ذلك الدعاء فإنه جائز. ويشكل ذلك
بان الظاهر من العرف ان نحو الكلمة والكلمتين لا يخل بالموالاة فلو قيد الحكم
المذكور في المنع من القراءة في الأثناء بما يخل بالموالاة عرفا كما قيدوا بذلك في
السكوت لكان أظهر.
ثم ان الظاهر
عندي ان ما حكم به في الذكرى والبيان من بطلان الصلاة بالإخلال بالموالاة عمدا لا
يخلو من اشكال لعدم الوقوف في المسألة على نص. وفي الذكرى انما علل ذلك بتحقق
المخالفة المنهي عنها ، وحاصله انه منهي عن تلك القراءة والنهي عن العبادة يوجب
الفساد. وفيه ان النهي غير موجود لعدم النص في المسألة إلا ان يدعى انه مأمور
بالموالاة التي هي ـ كما عرفت ـ عبارة عن عدم القراءة خلالها والأمر بالشيء
يستلزم النهى عن ضده الخاص وهو القراءة خلالها. وتوجه المنع إلى جملة من مقدمات
هذا الدليل واضح ، اما الأمر بالموالاة فغير ظاهر إلا ما عرفت من دعوى انه المفهوم
من القراءة ، ومع الإغماض عن ذلك فدعوى فوات الموالاة بمجرد القراءة ولو بمثل كلمة
أو كلمتين
__________________
قد عرفت ما فيه ، واما الاستناد إلى قاعدة أن الأمر بالشيء يستلزم النهي
عن ضده الخاص فقد عرفت ما فيه مما تقدم بيانه في أثناء مباحث الكتاب زيادة على ما
تقدم في المقدمات من كتاب الطهارة ، ومرجعه إلى عدم ثبوت هذه القاعدة بل قيام
النصوص على خلافها فلا ثمرة لها ولا فائدة وان أطالوا فيها الكلام بإبرام النقض
ونقض الإبرام إلا انه عند من يتمسك باخبار أهل العصمة (عليهمالسلام) لا يصل إلى محل ولا مقام وبذلك يظهر لك ان ما ذهب اليه
الشيخ هو الأقرب في كل من صورتي العمد والنسيان
قال السيد
السند في المدارك بعد قول المصنف «الموالاة في القراءة شرط في صحتها فلو قرأ
خلالها من غيرها استأنف القراءة» ما صورته : اما اشتراط الموالاة في القراءة
فللتأسي بالنبي (صلىاللهعليهوآله) فإنه كان يوالي في قراءته ، وقال (صلىاللهعليهوآله) «صلوا كما رأيتموني أصلي».
أقول : لا يخفى
ما في هذا الدليل من الوهن لما صرح به هو في غير مقام من هذا الشرح وغيره من
الأصحاب من ان التأسي في ما لا يعلم وجه وجوبه بدليل من خارج مستحب لا واجب ، وقد
تقدم نحو ذلك في مسألة الجهر والإخفات في شرح قول المصنف «ويجب الجهر بالحمد
والسورة. إلخ» حيث نقل ثمة عن الشهيد الاستدلال على الوجوب بفعل النبي (صلىاللهعليهوآله) والتأسي به واجب ، فقال في رده : وهو ضعيف جدا فإن
التأسي في ما لا يعلم وجهه مستحب لا واجب كما قرر في محله. وعين ما أورده على
الشهيد يرد عليه هنا. وبالجملة فإن هذا الموضع من جملة المواضع التي اضطرب كلامه
فيها في هذا الشرح كما نبهنا عليه في غير مقام ففي جملة من المواضع يستدل به وفي
مواضع اخرى يرد على من استدل به.
نعم يمكن ان
يقال ان العبادات لما كانت مبنية على التوقيف والذي ثبت عن صاحب الشريعة انما هو
الموالاة فيقين البراءة من التكليف الثابت في الذمة بيقين
__________________
والخروج عن العهدة لا يحصل إلا بذلك.
واما ما ذكره
الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ من ان عموم ما دل على جواز قراءة القرآن في أثناء
الصلاة يضعف التمسك بذلك ـ ففيه انا لم نقف بعد الفحص في شيء من الأخبار على ما
يدل على هذا العموم وان اشتهر بين الأصحاب على وجه لا يكاد يوجد له فيه مخالف ،
فإنهم جعلوا مما يستثني في الصلاة الدعاء وقراءة القرآن ، والأول موجود في الأخبار
اما الثاني فلم أقف على ما يدل عليه بعد الفحص والتتبع بل ربما دل بعض الأخبار على
خلافه مثل ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ذكر السورة من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل (قل
هو الله أحد) فقال إذا كنت تدعو بها فلا بأس». ومفهومه حصول البأس مع عدم قصد
الدعاء بها.
ثم قال في
المدارك : وقال الشيخ في المبسوط يستأنف القراءة مع العمد ويبنى على السابق مع
النسيان. وهو مشكل أيضا لفوات الموالاة الواجبة مع العمد والنسيان فلا يتحقق
الامتثال.
أقول : فيه انه
يمكن ان يقال ان مع القول بوجوب الموالاة فغاية ما يفيده الإخلال بها عمدا بطلان
القراءة فمن ثم أوجب الشيخ الإعادة واستئناف القراءة لا بطلان الصلاة لتوقفه على
الدليل ، وقد عرفت مما تقدم في الكلام على كلام الذكرى انه لا دليل على الابطال.
واما حال السهو فان ترك الواجب سهوا غير مبطل فيبني كما ذكره الشيخ. ولو سكت في
أثناء القراءة بما يزيد عن العادة فلهم فيه تفصيل ، فان كان لانه ارتج عليه وأراد
التذكر لم يضر إلا ان يخرج عن كونه مصليا ، وان سكت متعمدا لا لحاجة حتى خرج عن
كونه قارئا أعاد قراءته ولو خرج عن كونه مصليا بطلت صلاته ، ولو نوى قطع القراءة وسكت
فنقل عن الشيخ الحكم بوجوب إعادة الصلاة حيث قال : «وان
__________________
نوى ان يقطعها ولم يقطعها بل قرأها كانت صلاته ماضية ، وان نوى قطعها ولم
يقرأ بطلت صلاته» والمشهور الصحة ، وأورد على الشيخ انه قد ذهب في المبسوط إلى عدم
بطلان الصلاة بنية فعل المنافي. واعتذر عنه في الذكرى بان المبطل هنا نية القطع مع
القطع فهو في الحقيقة نية المنافي مع فعله. ورده في المدارك بأنه غير جيد لأن
السكوت بمجرده غير مبطل للصلاة إذا لم يخرج به عن كونه مصليا.
ثم قال :
والأصح ان قطع القراءة بالسكوت غير مبطل لها سواء حصل معه نية القطع أم لا إلا ان
يخرج بالسكوت عن كونه قارئا فتبطل القراءة أو مصليا فتبطل الصلاة. انتهى. وهو جيد.
وبالجملة
فالمسألة لما كانت عارية عن النص فالواجب فيها الوقوف على جادة الاحتياط وهو في ما
ذكره السيد المشار إليه (أفاض الله رواشح رضوانه عليه) ويعضده ان الأصل في الصلاة
الصحة حتى يقوم دليل الابطال. والله العالم.
(المسألة
الثانية) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم التأمين في الصلاة فقيل
بتحريمه وبطلان الصلاة به وهو المشهور عندهم حتى انه نقل الشيخان والمرتضى وابن
زهرة والعلامة في النهاية الإجماع عليه ، وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه :
ولا يجوز ان يقال بعد فاتحة الكتاب (آمين) لان ذلك كان يقوله النصارى. ونقل عن ابن
الجنيد انه يجوز التأمين عقيب الحمد وغيرها ، ومال اليه المحقق في المعتبر ونقله
في المدارك عن شيخه المعاصر والظاهر انه المحقق الأردبيلي كما عبر عنه في غير موضع
من الكتاب بذلك.
واما الأخبار
الواردة في المقام فمنها ـ ما رواه الكليني والشيخ في الحسن أو الصحيح عن جميل عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها
فقل أنت الحمد لله رب العالمين ولا تقل آمين».
__________________
وعن معاوية بن
وهب في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أقول (آمين) إذا قال الامام غير المغصوب عليهم ولا
الضالين؟ قال هم اليهود والنصارى ، ولم يجب في هذا».
وعن محمد
الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين؟ قال لا». وفي
المعتبر نقل هذه الرواية عن جامع البزنطي عن عبد الكريم عن محمد
الحلبي المذكور.
وعن جميل في
الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب
آمين؟ قال ما أحسنها واخفض الصوت بها».
وروى الفضل بن
الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قرأت الفاتحة وقد فرغت من قراءتها وأنت في
الصلاة فقل الحمد لله رب العالمين».
وقال في كتاب
دعائم الإسلام «وروينا عنهم (عليهمالسلام) انهم قالوا يبتدأ بعد بسم الله الرحمن الرحيم في كل
ركعة بفاتحة الكتاب ، إلى ان قال وحرموا ان يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب (آمين)
كما يقول العامة ، قال جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انما كانت النصارى تقولها. وعنه عن آبائه (عليهمالسلام) قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا تزال أمتي بخير وعلى شريعة من دينها حسنة جميلة ما
لم يتخطوا القبلة بأقدامهم ولم ينصرفوا قياما كفعل أهل الكتاب ولم تكن ضجة آمين».
هذا مجموع ما
حضرني من اخبار المسألة والذي يدل منها على القول المشهور ـ وهو المؤيد المنصور ـ صحيحة
جميل أو حسنته. وهذا الترديد الذي نذكره دائما في الأسانيد من حيث اشتمال السند
على إبراهيم بن هاشم المعدود حديثه عند الأكثر في الحسن وعند
__________________
جمع من أصحابنا في الصحيح ، وهو الصحيح على الاصطلاح الغير الصحيح حيث
اشتملت على النهي عن قولها وهو حقيقة في التحريم ، ونحوها رواية الحلبي. أما صحيحة
جميل فهي محمولة على التقية ويعضد ذلك عدوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن وهب عن جواب السؤال إلى ما ذكره من
تفسير «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضّالِّينَ» باليهود والنصارى.
وقال المحقق في
المعتبر : ويمكن ان يقال بالكراهة ويحتج بما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير
عن جميل ، ثم ذكر صحيحة جميل الثانية ، ثم قال : ويطعن في الروايتين الأولتين ـ يعني
روايتي الحلبي ـ بأن إحداهما رواية محمد بن سنان وهو مطعون فيه وليس عبد الكريم في
النقل والثقة كابن أبي عمير فتكون رواية الإذن اولى لسلامة سندها من الطعن
ورجحانها ، ثم لو تساوت الروايتان في الصحة جمع بينهما بالاذن والكراهة توفيقا ،
ولأن رواية المنع تحتمل منع المنفرد والمبيحة تتضمن الجماعة ولا يكون المنع في
إحداهما منعا في الأخرى.
ولا يخفى عليك
ما فيه بعد الإحاطة بما أسلفناه ، ويزيده بيانا ان راوي الرواية المبيحة وهو جميل
قد روى المنع أيضا وهي الرواية الاولى من هذه الروايات المنقولة ولكنه لم ينقلها
في كتابه وانما نقل رواية الحلبي المروية عن الشيخ بالطريق الذي فيه محمد بن سنان
وعن جامع البزنطي بالطريق الذي فيه عبد الكريم وهو عبد الكريم بن عمرو وهو ثقة
واقفي فردها بما ذكره ، وحينئذ بناء على ما ذكرناه من رواية جميل المذكورة الدالة
على النهي تكون معتضدة بالروايتين المذكورتين اللتين قد وجه الطعن إليهما فلا
__________________
ترجيح لرواية الترخيص بل الترجيح لرواية المنع المعتضدة بالروايتين
المذكورتين وغيرهما ولا سيما رواية كتاب دعائم الإسلام لما عرفت فيها من الصراحة ،
مضافا ذلك إلى الشهرة بين الأصحاب حتى ادعى عليه الإجماع جملة منهم كما عرفت ،
ومخالفة العامة القائلين بالاستحباب ، مع ان الرواية المبيحة التي اعتمدها وبنى
النزاع في المسألة عليها لا تقبل ما حملها عليه من الكراهة فإن استحسانها على سبيل
التعجب ينفي الكراهة بل أقل مراتب الاستحسان الاستحباب فكيف يمكن حملها على الجواز
على كراهة كما ذهب اليه؟ بل المحمل الظاهر لها انما هو التقية ، ويشهد له ما عرفت
من صحيحة معاوية بن وهب.
قال شيخنا
البهائي (قدسسره) في كتاب الحبل المتين : وقد تضمن الحديث السابع عشر
عدم مشروعية قول «آمين» في الصلاة فإن عدوله (عليهالسلام) عن جواب السؤال عن قولها إلى تفسير المغضوب عليهم ولا
الضالين يعطى التقية وان بعض المخالفين كان حاضرا في المجلس فاوهمه (عليهالسلام) ان سؤال معاوية انما هو عن المراد بالمغضوب عليهم ولا
الضالين ، وربما حمل قوله (عليهالسلام) «هم اليهود والنصارى» على التشنيع على المخالفين
والمراد ان الذين يقولون (آمين) في الصلاة هم يهود ونصارى اي مندرجون في عدادهم
ومنخرطون في الحقيقة في سلكهم. انتهى. أقول لا يخفى ما في قوله : «وربما حمل قوله (عليهالسلام). إلخ» من اللطف والحسن في المقام.
وقال السيد
السند في المدارك : احتج الشيخ في الخلاف على التحريم والإبطال بإجماع الفرقة
فإنهم لا يختلفون في ان ذلك مبطل للصلاة ، وبقول النبي (صلىاللهعليهوآله) «ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» وقول «آمين». من
كلامهم لأنها ليست بقرآن ولا دعاء وانما هي اسم للدعاء والاسم غير المسمى ، وبما
رواه في الحسن عن جميل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ، ثم نقل رواية جميل وهي الاولى من الروايات المتقدمة
ثم نقل رواية الحلبي بعدها ، ثم قال : وفي كل من هذه
__________________
الأدلة نظر ، اما الإجماع فقد تقدم الكلام فيه مرارا ، واما ان «آمين» من
كلام الآدميين لأنها اسم للدعاء وليست بدعاء فلتوجه المنع إلى ذلك بل الظاهر انها
دعاء كقولك «اللهم استجب» وقد صرح بذلك المحقق نجم الأئمة الرضي (رضياللهعنه)
فقال : وليس ما قال بعضهم ـ من ان «صه» مثلا اسم للفظ (اسكت) الذي هو دال على معنى
الفعل فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه ـ بشيء لأن العربي القح يقول «صه» مع انه
ربما لا يخطر في باله لفظ «اسكت» وربما لم يسمعه أصلا ، ولو قلت اسم لاصمت أو
امتنع أو اكفف عن الكلام أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى لصح فعلمنا ان المقصود
المعنى لا اللفظ. واما الروايتان فمع سلامة سندهما انما تضمنتا النهي عن هذا اللفظ
فيكون محرما ولا يلزم كون ذلك مبطلا للصلاة ، لأن النهي انما يفسد العبادة إذا
توجه إليها أو إلى جزء منها أو شرط لها وهو هنا انما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة.
ثم نقل احتجاج ابن زهرة على التحريم والابطال ثم نقل كلام المحقق في المعتبر ورده.
إلى ان قال وقد ظهر من ذلك كله ان الأجود التحريم دون الابطال وان كان القول
بالكراهة محتملا لقصور الروايتين عن إثبات التحريم من حيث السند وكثرة استعمال
النهي في الكراهة خصوصا مع مقابلته بأمر الندب. انتهى. أقول : وبما اختاره في
المسألة من التحريم دون الابطال يصير في المسألة أقوال ثلاثة بانضمام هذا القول
إلى القولين المتقدمين
ثم ان كلامه (قدسسره) لا يخلو عندي من نظر (أما أولا) فإن طعنه في الإجماع
بما أشار اليه وان كان حقا ولكن لا يخفى على من لاحظ كتابه كثرة تمسكه بالإجماع في
غير مقام وذبه عنه بجدة وجهده في جملة من الأحكام وهو من جملة المواضع التي اضطرب
فيها كلامه في هذا الكتاب.
و (اما ثانيا)
فما ذكره ـ من توجه المنع إلى ان «آمين» من كلام الآدميين مستندا إلى ما ذكره
المحقق المذكور ـ فان فيه (أولا) انه مع تسليمه انما يتم لو كان معنى (آمين)
منحصرا في (اللهم استجب) لفظا أو معنى وليس كذلك بل لها معان أخر لا يتم على
تقديرها ما ذكره ، قال في القاموس : آمين بالمد والقصر وقد يشدد الممدود
ويمال أيضا عن الواحدي في البسيط اسم من أسماء الله أو معناه «اللهم استجب أو كذلك
فليكن أو كذلك فافعل» انتهى. وقال ابن الأثير : هو اسم مبني على الفتح ومعناه «اللهم
استجب لي» وقيل معناه (كذلك فليكن) يعني الدعاء. وقال في المغرب معناه «استجب»
وقال صاحب الكشاف انه صوت سمي به الفعل الذي هو «استجب» كما ان «رويدا وحيهل وهلم»
أصوات سميت بها الأفعال التي هي «أمهل وأسرع واقبل» انتهى. وقال في كتاب المصباح
المنير : وآمين بالقصر في لغة الحجاز والمد إشباع بدليل انه لا يوجد في العربية
كلمة على «فاعيل» ومعناه «اللهم استجب» وقال أبو حاتم معناه (كذلك يكون) وعن الحسن
البصري انه اسم من أسماء الله تعالى. أقول : هذه جملة من كلمات أساطين اللغة
وأرباب العربية الذين عليهم المعول وهي متفقة في ان أحد معانيه «اللهم استجب أو
استجب» أو غيرهما من الألفاظ المذكورة التي ليست بدعاء البتة وترجيح كلام المحقق
المشار اليه على كلامهم محل نظر ، على ان اللازم ـ مما ذكره المحقق المذكور لو تم
ـ عدم وجود هذا القسم الذي هو اسم الفعل بالكلية فإن كلامه هذا جار في جميع أسماء
الأفعال التي وضعت بإزائها ، فهي حينئذ بمقتضى ما ذكره من قبيل الألفاظ المترادفة
مع انه لا خلاف بين أهل العربية في ان اسم الفعل قسم من الأقسام المذكورة في
كلامهم والمبحوث عنها في كتبهم. و (ثانيا) ان الظاهر ان هذه الأخبار التي وردت
بالمنع والنهي عن التأمين لا وجه لتصريحها بذلك إلا من حيث كونه كلاما أجنبيا
خارجا عن الصلاة مبطلا لها متى وقع فيها وإلا فالنهي عنه ـ مع كونه دعاء كما ادعاه
واستفاضة الأخبار بجواز الدعاء في الصلاة بل استحبابه ـ مما لا يعقل له وجه.
و (اما ثالثا)
فما طعن به على رواية جميل بقوله أولا «فمع سلامة سندها» وقوله ثانيا «لقصور
الروايتين عن إثبات التحريم من حيث السند» وهذا الطعن انما هو من حيث اشتمال سندها
على إبراهيم بن هاشم ، وهو مناف لما صرح به في غير موضع من كتابه من
الاعتماد على روايته وعدها في الصحيح في جملة من المواضع ، وهذا من جملة
المواضع التي اضطرب فيها كلامه أيضا كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع. وبذلك
يظهر لك ان القول المشهور هو المؤيد المنصور.
ثم انه نقل في
المدارك عن المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه انهما استدلا على ان
التأمين مبطل للصلاة بأن معناه «اللهم استجب» ولو نطق بذلك لبطلت صلاته فكذا ما
قام مقامه ، ثم رده بأنه ضعيف جدا فان الدعاء في الصلاة جائز بإجماع العلماء وهذا
دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به فلا وجه للمنع منه. انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) جيد وفيه دلالة على صحة ما ألزمناه به في ما اختاره من
التحريم دون الابطال مع قوله بأنه دعاء لا اسم لما يدل على الدعاء ، فإنه لا يعقل
لتحريمه وجه مع كونه دعاء كما عرفت.
(المسألة
الثالثة) ـ المشهور في كلام المتقدمين ـ وبه صرح الشيخان والصدوق والمرتضى (رضوان
الله عليهم) ـ ان «الضحى» و «ألم نشرح» وكذا «الفيل» و «لإيلاف» سورة واحدة ،
والمشهور بين المتأخرين ـ ومنهم المحقق وربما كان أولهم ـ خلافه.
قال في المعتبر
بعد البحث في المسألة : ولقائل أن يقول لا نسلم أنهما سورة واحدة بل لم لا يكونان
سورتين وان لزم قراءتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه؟ ونطالب بالدلالة على
كونهما سورة واحدة ، وليس قراءتهما في الركعة الواحدة دالة على ذلك وقد تضمنت
رواية المفضل تسميتهما سورتين ، ونحن قد بينا ان الجمع بين السورتين في الفريضة
مكروه فتستثنيان من الكراهة. انتهى.
وقال في
المدارك ـ بعد قول المصنف : روى أصحابنا ان «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة وكذا «الفيل»
و «لإيلاف» فلا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كل ركعة ولا يفتقر إلى البسملة
بينهما على الأظهر ـ ما صورته : ما ذكره المصنف من رواية الأصحاب ان «الضحى» و «ألم
نشرح» سورة واحدة وكذا «الفيل» و «الإيلاف» لم أقف عليه في شيء من
الأصول ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال. والذي وقفت عليه في ذلك روايتان ـ إحداهما
ـ رواية زيد الشحام في الصحيح قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليهالسلام) فقرأ «الضحى» و «ألم نشرح» في ركعة». والأخرى رواية
المفضل قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا «الضحى» و
«ألم نشرح» وسورة «الفيل» و «لإيلاف». ولا دلالة لهما على ما ذكروه من الاتحاد بل
ولا على وجوب قراءتهما في الركعة ، أما الأولى فظاهر لأنها تضمنت انه (عليهالسلام) قرأهما في الركعة والتأسي في ما لا يعلم وجوبه مستحب
لا واجب. واما الثانية فلأنها مع ضعف سندها انما تضمنت استثناء هذه السورة من
النهي عن الجمع بين السورتين في الركعة والنهي هنا للكراهة على ما بيناه في ما سبق
فيكون الجمع بين هذه السور مستثنى من الكراهة. والذي ينبغي القطع بكونهما سورتين
لاثباتهما في المصاحف كذلك كغيرهما من السور فتجب البسملة بينهما ان وجب قراءتهما
معا ، وهو ظاهر المصنف في المعتبر فإنه قال بعد ان منع دلالة الروايتين على وجوب
قراءتهما في الركعة : ولقائل ، ثم ساق كلامه الذي ذكرناه.
أقول : الظاهر
ان منشأ الشبهة في هذه المسألة على المتأخرين (أولا) هو انه لما كان نظرهم غالبا
مقصورا على الكتب الأربعة المشهورة وهي خالية من هذه الرواية التي أشار إليها
المحقق حصل لهم الإشكال في ذلك. و (ثانيا) وجود البسملة في كل من السور المذكورة
في المصاحف. و (ثالثا) حكمهم بكراهة القران دون تحريمه كما سيظهر لك من كلام صاحبي
المعتبر والمدارك. والجميع محل بحث ونظر كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
وتحقيق المقام
بما لا يحوم حوله النقض والإبرام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم
الصلاة والسلام) انك قد عرفت مما قدمنا في غير موضع ان كثيرا من
__________________
الأحكام التي يذكرها المتقدمون وهذه الكتب المشار إليها عارية عن أدلتها
فيعترض عليهم المتأخرون بعدم وجود الدليل وربما تكلفوا لهم دليلا والحال ان أدلتها
موجودة في مواضع أخر من كتب الأخبار ، ومنها هذه المسألة فإن دليلها موجود في
مواضع :
منها ـ كتاب
الفقه الرضوي الذي قد أشرنا سابقا إلى تفرده بأمثال ذلك وبه صرح شيخنا المجلسي
وولده (عطر الله مرقديهما) حيث قال (عليهالسلام) «ولا تقرأ في صلاة الفريضة «والضحى» و «ألم نشرح» و «ألم تر كيف» و «لإيلاف»
، لانه روى ان «والضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة وكذلك «ألم تر كيف» و «لإيلاف»
سورة واحدة. الى ان قال فإن قرأت بعض هذه السور الأربع فاقرأ «والضحى» و «ألم نشرح»
ولا تفصل بينهما ، وكذلك «ألم تر كيف» و «لإيلاف». انتهى.
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) في حديث قال فيه «وموسع عليك أي سورة قرأت في فرائضك
إلا أربع وهي «والضحى» «وأ لم نشرح» في ركعة لأنهما جميعا سورة واحدة و «لإيلاف» و
«ألم تر كيف» في ركعة لأنهما جميعا سورة واحدة ، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع
سور في ركعة فريضة». وبهذه الرواية أفتى في الفقيه من غير اسناد إلى الرواية كما
هي عادته غالبا من الإفتاء بمضامين الأخبار.
ومنها ـ ما
نقله شيخنا أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان قال : «روى أصحابنا ان «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة
وكذا سورة «ألم تر كيف» و «لإيلاف قريش». قال وروى العياشي عن أبي العباس عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ألم تر كيف فعل ربك» و «لإيلاف قريش» سورة
واحدة». قال : «وروى ان أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه». انتهى.
__________________
وهذه الأخبار
هي مستند شهرة الحكم بين المتقدمين بالاتحاد ، ويؤيدها صحيحة زيد الشحام ورواية المفضل
المتقدمتين بنقل صاحب المدارك ، ورواية المفضل هذه رواها في المعتبر من جامع احمد
بن محمد بن أبي نصر وعليهما اقتصر في المعتبر أيضا ، وهاتان الروايتان ليستا
بالدليل في المسألة على الحكم المذكور كما توهماه حتى انه بتأويلهما يسقط الدليل
في المقام ، بل الدليل الواضح انما هو ما نقلناه من الأخبار وهذان انما خرجا بناء
على ما تضمنته هذه الأخبار من الاتحاد وإلا فهما في حد ذاتهما غير صريحين في ذلك.
ويؤيد ما
ذكرناه ما صرح به الشيخ في الاستبصار من ان هاتين السورتين سورة واحدة عند آل محمد
(عليهمالسلام) وينبغي ان يقرأهما موضعا واحدا ولا يفصل بينهما ب (بسم
الله الرحمن الرحيم) في الفرائض. وقال في التهذيب : وعندنا انه لا يجوز قراءة
هاتين السورتين إلا في ركعة واحدة. وكلامه في الاستبصار مشعر باتفاق الروايات على
الاتحاد وانه مذهب أهل البيت (عليهمالسلام) وكلامه في التهذيب مشعر باتفاق الأصحاب على الحكم
المذكور.
ثم ان من
روايات المسألة مما لم يقف عليه صاحبا المعتبر والمدارك زيادة على الخبرين
المنقولين في كلامهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليهالسلام) فقرأ بنا «بالضحى» و «ألم نشرح». وحملها الشيخ على انه
قرأهما في ركعة واحدة كما في روايته المتقدمة.
وروى الشيخ في
الصحيح عن زيد الشحام قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليهالسلام) فقرأ في الاولى «والضحى» وفي الثانية «ألم نشرح لك
صدرك». وحملها في التهذيبين على قراءتهما في النافلة.
والأقرب عندي
حمل الرواية الثانية على جواز التبعيض فيكون سبيلها سبيل ما دل على التبعيض في
السورة كغيرها من الأخبار فبعين ما تحمل عليه تلك الأخبار عند من
__________________
أوجب السورة كاملة تحمل عليه هذه الرواية. وهذان الخبران كانا اولى
بالاستدلال لصاحبي المعتبر والمدارك لو اطلعا عليهما.
وبالجملة
فالظاهر من الأخبار هو الاتحاد كما عليه متقدمو الأصحاب ويؤيده ارتباط المعنى بين
السورتين. بقي الكلام في توسط البسملة بينهما في المصاحف وهذا من أعظم الشبهة في
ذهاب المتأخرين إلى خلاف ما عليه المتقدمون.
وفيه (أولا)
انك قد عرفت من عبارة كتاب الفقه عدم الفصل بينهما بالبسملة متى أراد قراءتهما معا
، وما نقله في مجمع البيان عن أبي بن كعب من عدم إثباته البسملة في مصحفه.
و (ثانيا) ان
الاستدلال بإثباتها في المصاحف انما يتم لو كان هذا القرآن الموجود بأيدينا جمع
الامام (عليهالسلام) وليس كذلك لاتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب وغيرهم على
انه جمع الخلفاء الثلاثة واما القرآن الذي جمعه (عليهالسلام) فلم يخرج ولم يظهر
__________________
لأحد حتى يقوم القائم (عليهالسلام) وتقرير الأئمة (عليهمالسلام) على هذا القرآن أعم من ذلك لما تقدم في القراءات
السبع.
وحينئذ إذا دلت
الأخبار على انهما سورة واحدة كما عرفت وانهما تقرءان معا في ركعة واحدة مع تحريم
القران بين السورتين كما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقة فقد علم من ذلك ان وجود
البسملة في المصاحف ليس بحجة ـ ويؤيده خلو مصحف أبي منها في هذين الموضعين دون
غيرهما ـ وان قراءتهما في ركعة واحدة انما هو من حيث الاتحاد
إذ مع التعدد لا يجوز إلا على تقدير جواز القران وقد أثبتنا تحريمه ، وهذا خلف.
واما ما استند
اليه في المعتبر من ان رواية المفضل قد تضمنت انهما سورتان ففيه ـ مع الإغماض عن
المناقشة في السند بناء على اصطلاحهم ـ انه قد أجيب عنها بحمل الاستثناء على كونه
منفصلا لا متصلا أو الحمل على التقية ، والأظهر عندي ان ذلك انما خرج مخرج التجوز
والمسامحة في التعبير من حيث انهما بإثبات البسملة في المصاحف تسميان سورتين ،
ويؤيد ذلك ما في عبارة الصدوق في الفقيه ورواية كتاب الهداية حيث أطلق على كل
منهما أنهما سورة مع تصريحه بكونهما سورة واحدة ، وحاصله انهما سورتان باعتبار
الرسم في القرآن والشهرة على اللسان وإلا فهما في التحقيق سورة واحدة وبذلك يظهر
لك قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور. والله العالم.
(المسألة
الرابعة) ـ المشهور بين الأصحاب جواز العدول من سورة إلى أخرى
__________________
ما لم يبلغ نصفها أو يتجاوز نصفها على الخلاف في ذلك وانه يحرم بعد بلوغ
الحد المذكور إلا في سورتي التوحيد والجحد فإنه يحرم العدول عنهما بمجرد الشروع
فيهما أو يكره على الخلاف إلا إلى الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة فإنه يعدل
منهما إلى السورتين المذكورتين ما لم يبلغ النصف أو يتجاوزه على الأشهر.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مقامات ثلاثة إلا ان الواجب أولا نقل الأخبار المتعلقة بالمسألة
فأقول :
الأول ـ ما
رواه الكليني والشيخ عن عمرو بن أبي نصر قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يقوم في الصلاة فيريد ان يقرأ سورة فيقرأ قل هو
الله أحد وقل يا ايها الكافرون؟ فقال يرجع من كل سورة إلا من قل هو الله أحد وقل
يا ايها الكافرون».
والثاني ـ ما
رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد؟ قال لا بأس ،
ومن افتتح بسورة ثم بدا له ان يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قل هو الله أحد فلا
يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا ايها الكافرون».
والثالث ـ عن
عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أراد ان يقرأ في سورة فأخذ في أخرى؟ قال فليرجع
إلى السورة الأخرى إلا ان يقرأ بقل هو الله أحد. قلت رجل صلى الجمعة فأراد أن يقرأ
سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد؟ قال يعود إلى سورة الجمعة».
الرابع ـ عن
عبيد بن زرارة في الموثق أيضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها فقال له ان يرجع ما بينه وبين
ان يقرأ ثلثيها».
__________________
الخامس ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد؟ قال
يرجع إلى سورة الجمعة». ورواه الشيخ عن احمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح مثله
السادس ـ ما
رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن
تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلا ان تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة
والمنافقين منها».
السابع ـ ما
رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام)
ورواه علي بن
جعفر في كتاب المسائل أيضا عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له
ان يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال نعم ما لم تكن قل هو الله أحد
وقل يا ايها الكافرون. وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال بسورة الجمعة
وإذا جاءك المنافقون وان أخذت في غيرها وان كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها
وارجع إليها». وعبارة كتاب المسائل في السؤال الأول هكذا «هل يصلح له بعد ان يقرأ
نصفها ان يرجع. إلى آخر ما هنا».
الثامن ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي وأبي الصباح الكناني وأبي بصير
كلهم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ
منها ثم يذكر قبل ان يركع؟ قال يركع ولا يضره».
التاسع ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن صباح بن صبيح قال : «قلت
__________________
لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل أراد ان يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال
يتمها ركعتين ثم يستأنف». ورواه الكليني مرسلا .
العاشر ـ ما
رواه الشهيد في الذكرى نقلا من كتاب نوادر البزنطي عن أبي العباس «في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في أخرى؟ قال يرجع إلى التي يريد وان
بلغ النصف». وهذه الرواية نقلها في البحار عن الذكرى أيضا إلا ان فيها عن أبي العباس عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) «في الرجل. إلى آخره» والذي وقفنا عليه من نسخ الذكرى
التي عندنا هو ما نقلناه.
الحادي عشر ـ ما
ذكره (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي قال : «وقال العالم لا تجمع بين السورتين في الفريضة.
وسئل عن رجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثم ينسى فيأخذ في الأخرى حتى يفرغ منها
ثم يذكر قبل ان يركع؟ قال لا بأس به. وتقرأ في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة
الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى وان نسيتها أو واحدة منها فلا
اعادة عليك فان ذكرتها من قبل ان تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة وان لم
تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك».
الثاني عشر ـ ما
رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يفتتح السورة فيقرأ بعضها ثم
يخطئ فيأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم انه قد أخطأ هل له ان يرجع في الذي افتتح
وان كان قد ركع وسجد؟ قال ان كان لم يركع فليرجع ان أحب وان ركع فليمض».
الثالث عشر ـ ما
رواه في كتاب دعائم الإسلام قال : «وروينا عن جعفر بن
__________________
محمد (عليهماالسلام) انه قال : من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى ان
يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى إلا ان يكون بدأ
بقل هو الله أحد فإنه لا يقطعها ، وكذلك سورة الجمعة وسورة المنافقين في الجمعة لا
يقطعهما إلى غيرهما ، وان بدأ بقل هو الله أحد فقطعها ورجع إلى سورة الجمعة أو
سورة المنافقين في صلاة الجمعة يجزئه خاصة».
هذا ما حضرني
من روايات المسألة ، والكلام في هذه الأخبار وبيان ما اشتملت عليه من الأحكام يقع
في مقامات ثلاثة :
(الأول) ـ في
جواز العدول من سورة إلى أخرى ما عدا سورتي الجحد والتوحيد ، فقيل بجواز العدول في
الصورة المذكورة ما لم يبلغ النصف وبه قال ابن إدريس والشهيد في الذكرى والدروس
وابن بابويه في الفقيه والجعفي وابن الجنيد وأسنده في الذكرى إلى الأكثر. وقيل ما
لم يتجاوز النصف وظاهره جواز العدول وان بلغ النصف وهو قول الشيخين والفاضلين في
المعتبر والمنتهى وغيره من كتبه وعليه جملة من الأصحاب بل قال في الذخيرة انه
المشهور ومثله شيخنا المجلسي في البحار قال بأنه المشهور. واعترف جملة من الأصحاب
: منهم ـ الشهيدان في الذكرى والروض وكذا من تأخر عنهما بعدم وجود النص على شيء
من هذين القولين ، قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : واعترف
جماعة من الأصحاب بأن التحديد بمجاوزة النصف أو بلوغه غير موجود في النصوص وهو
كذلك. انتهى.
وأنت خبير بان
ما عدا روايتي كتاب الفقه وكتاب دعائم الإسلام من الروايات المذكورة لا دلالة في
شيء منها على شيء من القولين بالكلية حسبما ذكره الأصحاب المشار إليهم آنفا وهذه
هي الأخبار التي وصل نظرهم إليها من الكتب الأربعة وغيرها ، واما عبارة كتاب الفقه
فإنها دالة على القول الأول. والعجب هنا من شيخنا المجلسي (قدسسره) انه مع تصديه في كتاب البحار لنقل عبارات هذا الكتاب
وشرحها
كلمة كلمة كيف لم ينبه على ذلك؟ بل غاية ما ذكره هنا ان قال والجزء الأخير
يدل على اعتبار مجاوزة النصف في الجملة. انتهى. وأراد بالجزء الأخير آخر العبارة
التي ذكرناها وهي كما ترى تدل على الاعتبار ببلوغ النصف لا بمجاوزته حيث انه (عليهالسلام) قال «ان ذكرتها من قبل ان تقرأ نصف سورة فارجع وان لم
تذكر إلا بعد ما قرأت النصف فامض» وهو صريح في ان المدار في جواز الرجوع وعدمه على
بلوغ النصف وعدمه فان بلغه مضى في صلاته وإلا رجع. والصدوق الذي قد نسب اليه القول
ببلوغ النصف انما استفيد ذلك من عبارته في الفقيه بهذه العبارة وان جعلها في الظهر
خاصة ورتب عليها وجوب السورة في الظهر حيث قال : «ان نسيتهما ـ يعني سورة الجمعة
والمنافقين ـ أو واحدة منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة
الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلها
ركعتين نافلة وسلم فيهما وأعد صلاتك» ومرجع العبارتين الى معنى واحد وهو الاعتبار
ببلوغ النصف وعدمه. واما عبارة كتاب دعائم الإسلام فهي صريحة في القول الثاني حيث
رتب جواز الرجوع على عدم الدخول في النصف الآخر من السورة التي قرأها فلو دخل فيه
مضى وهذا معنى ما عبروا به من تجاوز النصف.
بقي الكلام في
الاعتماد على الكتابين المذكورين ، اما كتاب الفقه فقد تقدم الكلام فيه غير مرة
وانه باعتماد الصدوقين عليه وافتائهما بعباراته لا يقصر عن غيره من كتب الأخبار ،
وقد نبهنا في غير موضع على ان كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون ولم يصل
دليلها إلى المتأخرين فاعترضوا عليهم بعدم وجود الدليل قد وجدنا أدلتها في هذا الكتاب
، وهذا منها فإن عبارة الصدوق هنا كما ترى موافقة لعبارة الكتاب وان كان انما
رتبها على الظهر خاصة بناء على مذهبه من وجوب السورتين فيها. واما كتاب دعائم
الإسلام فاخباره صالحة للتأييد البتة والغرض هنا التنبيه على ما وصل إلينا من
اخبار المسألة. والعجب هنا أيضا من شيخنا المجلسي مع تصديه لنقل اخبار الكتاب
المذكور
والبحث فيها وبيانها وإيضاحها أغمض النظر عن هذه العبارة ولم يتكلم فيها
ولو بالإشارة وظاهره ـ كما عرفت من كلامه المنقول آنفا ـ الجمود على ما ذكره جملة
ممن قدمنا نقل ذلك عنه وعنهم من عدم وجود نص على شيء من ذينك القولين.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ما دلت عليه عبارة كتاب الفقه وكذا عبارة الصدوق معارض بما دلت عليه
الرواية السابعة من حكمه (عليهالسلام) بان من أراد قراءة سورة فقرأ غيرها فإنه يجوز له
الرجوع إلى التي أرادها أولا وان قرأ نصف السورة التي شرع فيها وكذا الرواية
العاشرة والرواية الرابعة ، وفي هذه الرواية رد أيضا للقول بتجاوز النصف فان ما
قبل الثلثين كما يشمل بلوغ النصف يشمل بلوغ ما زاد على النصف إلى ان يبلغ الثلثين.
ويدل على جواز الرجوع مطلقا في غير ما استثنى إطلاق الرواية الاولى والثانية
والثالثة ، وإطلاق هذه الأخبار مع تصريح تلك الأخبار الأخر كما عرفت مما يدفع
رواية كتاب الفقه ، وبذلك يظهر ضعف العمل عليها والاستناد في الحكم المذكور إليها.
وبالجملة فإني
لا اعرف دليلا معتمدا لهذين القولين بل الأخبار كما ترى ظاهرة في خلافه رأى العين
، والشيخ (قدسسره) لما حكى كلام الشيخ المفيد بالتحديد بمجاوزة النصف لم
يذكر له دليلا إلا الرواية الثامنة ، ومن الظاهر انها لا دلالة فيها على شيء من
التحديدين بالكلية وانما غاية ما تدل عليه صحة الصلاة عند العدول بعد النصف في حال
النسيان وهو مع كونه مخصوصا بالنسيان لا يقتضي عدم جواز العدول بعد مجاوزة النصف
إلا بمفهوم اللقب وهو مما لا حجة فيه عند محققي الأصوليين.
واحتمل الشهيد
في الذكرى إرجاع قول الشيخ بمجاوزة النصف إلى القول ببلوغ النصف ليطابق كلام
الأكثر ، قال ـ بعد نقل جملة من العبارات الدالة على بلوغ النصف ـ ما لفظه : فتبين
ان الأكثر اعتبروا النصف والشيخ اعتبر مجاوزة النصف ولعل مراده بلوغ النصف. انتهى.
وفيه (أولا) ان
ما ذكره جيد بالنسبة إلى ما ادعاه من ان الأكثر على القول ببلوغ
النصف والمخالف انما هو الشيخ خاصة أو مع الشيخ المفيد ، اما على تقدير ما
قدمنا نقله عن جملة من الأصحاب من ان المشهور انما هو مذهب الشيخ فلا وجه له. و (ثانيا)
انه اي فائدة في إرجاع مذهب الشيخ إلى قول الأكثر بناء على كلامه والحال انه لا
دليل عليه في المقام كما اعترف به في صدر كلامه. و (ثالثا) ان الشيخ كما عرفت قد
أورد الرواية الثامنة دليلا على ما ادعاه وهي صريحة في العدول مع بلوغ النصف ، وهل
ما ذكره (قدسسره) إلا صلح مع عدم تراضي الخصمين؟
والعلامة في
النهاية قد وجه كلام الشيخين ومن تبعهما بالبناء على تحريم القران ، قال : وكما لا
يجوز القران بين سورتين فكذا لا يجوز بين السورة ومعظم الأخرى. ولا يخفى ما فيه.
وشيخنا الشهيد
الثاني في الروض لما اختار التحديد ببلوغ النصف استدل عليه وفاقا للمحقق الشيخ علي
بقوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» فإن الانتقال من سورة إلى أخرى إبطال للعمل.
وفيه منع ظاهر
فان الانتقال المذكور من حيث هو انتقال ليس إبطالا للعمل وإلا لصدق على الانتقال
قبل بلوغ النصف بل الظاهر من إبطال العمل انما هو إسقاطه عن درجة الانتفاع به وعدم
ترتب الثواب عليه بالمرة بأن يكون فعله كلا فعل ، وعلى هذا لا يتم الاستدلال
بالآية إلا إذا ثبت ان الانتقال عن السورة يوجب ارتفاع ثوابها بالكلية وهو غير
واضح بل المعلوم خلافه. ويعضد ما ذكرناه ان بعض المفسرين حمل الابطال على إبطال
الأعمال بالكفر والنفاق وعلى هذا يدل سياق الآية ، وبعض على الابطال بالرياء
والسمعة ، وبعض على الإبطال بالمعاصي والكبائر ، وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها في
مجمع البيان. وبالجملة فالقول المذكور بمحل من البعد والقصور. ثم انه لو سلم
دلالتها على ما ادعاه لوجب تخصيصها بالنصوص المتقدمة الدالة عموما وخصوصا على
الرجوع بعد بلوغ النصف
__________________
كما خصصت بالإجماع والأخبار قبل بلوغ النصف.
نعم ادعى جماعة
من الأصحاب : منهم ـ الشهيد الثاني في الروض والمحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد
الإجماع على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف فان تم كان هو الوجه لا ما ذكروه من
هذه التخريجات الواهية ، وحينئذ يجعل النهي عن إبطال العمل مؤيدا له والأخبار
دليلا على جواز العدول في النصف فما دونه ، وتحمل الرواية الرابعة الدالة على جواز
العدول في ما بينه وبين ثلثي السورة على الشروع في النصف الثاني جمعا بين الأخبار
كما ذكره بعض الاعلام. إلا ان تحقق الإجماع المذكور مشكل لما عرفت في مقدمات
الكتاب. ومن ذلك يظهر لك قوة القول بجواز العدول مطلقا للأصل مضافا إلى إطلاق
الأخبار المتقدمة والأوامر المطلقة في القراءة لصدقها بعد العدول أيضا والأخبار
المتقدمة الصريحة في جواز العدول ولو بعد مجاوزة النصف. والله العالم.
(المقام الثاني)
ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجوز العدول عن سورتي التوحيد
والجحد إلى غيرهما سوى ما سيأتي بل متى شرع فيهما وجب إتمامهما ، صرح به الشيخان
والمرتضى وابن إدريس والعلامة وغيرهم ونقل المرتضى في الانتصار إجماع الفرقة عليه.
وخالف المحقق في المعتبر فذهب إلى الكراهة. وتوقف فيه العلامة في المنتهى والتذكرة
، وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا التوقف في ذلك.
والذي يدل على
القول المشهور ما تقدم من الرواية الاولى والثانية والثالثة والسادسة والسابعة.
وقال المحقق في
المعتبر بعد ان نقل عن السيد المرتضى (قدسسره) القول بالتحريم : الوجه الكراهة لقوله تعالى «فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» قال ولا تبلغ الرواية قوة في تخصيص الآية.
__________________
وضعفه ظاهر (أما
أولا) فلا جمال الآية المذكورة وقد حققنا في مقدمات الكتاب عدم جواز الاستدلال
بمجملات القرآن ومتشابهاته إلا بتفسير منهم (عليهمالسلام)
و (اما ثانيا)
ـ فإنه مع تسليم دلالة الآية على ما ادعاه فان الروايات المذكورة لصحتها وصراحتها
وتعددها موجبة لتخصيص الآية ، وقد خصصوا آيات القرآن بما هو أقل عددا من هذه
الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار.
و (اما ثالثا)
فإن الآية المذكورة مخصصة عندهم بما إذا لم يتجاوز النصف أو لم يبلغه فإنهم يحرمون
العدول بعد الحدين المذكورين على اختلاف القولين مع ان الدليل في ما نحن فيه أقوى
وأظهر.
واما ما ذكره
الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث قال : والأصل في هذا الباب الروايتان السابقتان
أعني رواية عمرو بن أبي نصر ورواية الحلبي ودلالتهما على التحريم ليس بواضح ، إلى
ان قال والتوقف في هذا المقام في موضعه إلا ان مقتضاه عدم العدول تحصيلا للبراءة
اليقينية. انتهى ـ فهو من جملة تشكيكاته الواهية لأنه مبني على ما تفرد به مما
نبهناك عليه مرارا من عدم دلالة الأوامر والنواهي في الأخبار على الوجوب والتحريم
وقد أوضحناه في غير مقام مما تقدم.
فرع
لو قلنا بتحريم
العدول كما هو الأشهر الأظهر فخالف وعدل إلى غيرهما فهل تبطل صلاته أم غاية ما
يترتب عليه الإثم خاصة؟ لم أقف فيه على نص من الأخبار ولا تصريح لأحد من الأصحاب
إلا على كلام للوالد العلامة (أفاض الله عليه الكرامة) حيث قال ـ بعد ان اعترف
أيضا بعدم الوقوف على نص من الأخبار ولا كلام لأحد من الأصحاب ـ ما لفظه : ولا
يبعد القول ببطلان العبادة بذلك لأن النهي حينئذ راجع إلى جزء العبادة فيبطلها لأن
النهي عن الرجوع عنهما إلى غيرهما نهى في الحقيقة عن قراءة غيرهما مع انه مأمور
بإتمامهما فعند العدول عنهما وقراءة غيرهما يكون آتيا بما نهى عنه تاركا
لما أمر به فيكون باقيا تحت العهدة فتبطل عبادته حينئذ ، فتأمل. انتهى. وهو جيد.
(المقام الثالث)
ـ المشهور جواز العدول من التوحيد والجحد إلى الجمعة والمنافقين ، وقال المحقق في
الشرائع في أحكام صلاة الجمعة : وإذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى الجمعة
والمنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة الجحد والتوحيد. وظاهره عدم جواز
العدول عنهما ولو إلى الجمعة والمنافقين ، وربما ظهر ذلك من كلام المرتضى (قدسسره) في الانتصار حيث قال : ومما انفردت به الإمامية حظر
الرجوع من سورة الإخلاص وروى قل يا ايها الكافرون أيضا إذا ابتدأ بها ، ثم نقل
الإجماع عليه. وظاهره عموم المنع حيث لم يستثن هاتين السورتين ، قيل وهو ظاهر
إطلاق ابن الجنيد أيضا.
ويدل على القول
المشهور الخبر الثالث من الأخبار المتقدمة والخبر الخامس والخبر السادس والسابع ،
وقد تقدم في الرواية التاسعة جواز العدول إلى النفل كما ذهب اليه الصدوق في ظهر
الجمعة وقد تقدم بيانه. والظاهر الجمع بينها وبين الأخبار المذكورة بالتخيير في
مورد الرواية المذكورة وهو صلاة الجمعة. ومنع ابن إدريس من العدول إلى النفل هنا
بناء على أصله الغير الأصيل من عدم العمل بخبر الواحد مع تحريم قطع الصلاة
الواجبة. ولا ريب ان ما ذكره أحوط.
واما القول
الثاني فلعل مستنده إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على انه بالشروع في
التوحيد والجحد فإنه لا يجوز العدول عنهما كالرواية الاولى من الروايات المتقدمة
والثانية والثالثة والسؤال الأول من الرواية السابعة. وفيه ان مقتضى القاعدة تقييد
إطلاق هذه الأخبار بالأخبار المتقدمة فإنها مفصلة والمفصل يحكم على المجمل.
بقي الكلام هنا
في مواضع (الأول) ان النصوص المتقدمة المتعلقة بالمقام الثاني قد دلت على عدم جواز
العدول عن سورتي التوحيد والجحد إلى غيرهما ونصوص هذا المقام انما دلت على جواز
العدول إلى سورتي الجمعة والمنافقين من التوحيد خاصة واما
سورة الجحد فلم يدل على جواز العدول عنها دليل ، فبقي عموم الأخبار الدالة
على عدم جواز العدول عنها على حاله لا مخصص له والتخصيص انما وقع في الأخبار
المتعلقة بالتوحيد ، والأصحاب قد شركوا بين السورتين في جواز العدول عنهما إلى
سورتي الجمعة والمنافقين والدليل كما ترى لا ينهض بذلك.
واستند بعضهم
في الجواب عن هذا الإشكال إلى التمسك بالإجماع المركب وهو ان كل من أجاز العدول من
التوحيد اجازه من الجحد. وبعض استند إلى طريق الأولوية. وضعف الجميع عني عن
البيان.
نعم ربما
يستفاد ذلك من الرواية السابعة وقوله فيها «وان أخذت في غيرها وان كان قل هو الله
أحد فاقطعها من أولها وارجع إليها» وجه الدلالة دخول سورة الجحد في ذلك الغير
المأمور بقطعه. إلا انه لا يخلو من شيء فان تقييد إطلاق تلك الأخبار بإطلاق هذا
الخبر ليس اولى من تقييد إطلاق هذا الخبر بإطلاق تلك الأخبار ، وبالجملة فههنا
اطلاقان تعارضا وتقييد أحدهما بالآخر لازم لكن لا بد لتعيين أحدهما من ترجيح.
وبذلك يظهر ان
الأظهر عدم جواز العدول عن سورة الجحد مطلقا لا إلى هاتين السورتين ولا إلى غيرهما
، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط.
(الثاني) ـ انه
قد صرح جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه المشهور ـ بجواز العدول عن سورتي التوحيد
والجحد هنا إلى سورتي الجمعة والمنافقين باشتراط عدم بلوغ النصف أو تجاوزه كما
تقدم من القولين السابقين ، وكثير من عباراتهم مجمل لا تقييد فيه بذلك والأخبار
كما عرفت عارية عن هذا التقييد.
واستدل شيخنا
الشهيد الثاني ومثله المحقق الشيخ علي على ذلك بالجمع بين الرواية التاسعة الدالة
على ان من صلى الجمعة وقرأ بقل هو الله أحد فإنه يتمها ركعتين ثم يستأنف وبين
الروايات المتقدمة الدالة على العدول ، قال في الروض : وانما اعتبروا فيهما عدم
بلوغ
النصف جمعا بين ما دل على جواز العدول منهما كصحيحة محمد بن مسلم وغيرها
وبين ما روى عن الصادق (عليهالسلام) ثم ذكر الرواية التاسعة المشار إليها ، قال فان العدول
من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز لأنه في حكم إبطال العمل المنهي عنه
فحملت هذه الرواية على بلوغ النصف والأولى محمولة على عدمه. انتهى.
وفيه (أولا) ان
الجمع بين الروايات لا ينحصر في ما ذكره بل يمكن الجمع بينها بالتخيير كما قدمنا
الإشارة اليه ، وهو انما ألجأه إلى القول المذكور ضرورة الجمع والجمع يحصل بما
ذكرنا. وما ذكر من الجمع بالتخيير ظاهر الكليني في الكافي حيث انه بعد نقل صحيحة
محمد بن مسلم الدالة على العدول قال «وروى أيضا يتمها ركعتين ثم يستأنف».
و (ثانيا) انك
قد عرفت مما قدمنا انه لا دليل من الأخبار على هذا التقييد من أصله فالقول به
كائنا ما كان قول بلا دليل.
و (ثالثا) انه
مخالف لما عليه الأصحاب فإن العدول إلى النافلة عندهم غير مقيد ببلوغ النصف بل
يجوز مطلقا تبعا لإطلاق النص.
و (رابعا) ان
قوله ـ ان العدول إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز ـ مردود بما ذكروه ودلت عليه
الأخبار من العدول لاستدراك الجماعة ، وقطع الفريضة لتدارك الأذان والإقامة ، فإن
كانت هذه الأشياء من الضرورات التي يجوز لأجلها القطع أو العدول فكذا في ما نحن
فيه وإلا فاشتراط الضرورة في جواز العدول ممنوع.
(الثالث) ـ انه
قد صرح المحققان الفاضلان المحقق الشيخ علي وشيخنا الشهيد الثاني (عطر الله
مرقديهما) بان جواز العدول من التوحيد والجحد إلى السورتين المذكورتين مشروط بكون
قراءتهما على وجه السهو والنسيان ، وحينئذ فلو كان عمدا فإنه لا يجوز له الرجوع عملا
بإطلاق أخبار المقام الثاني.
والظاهر ان
مستندهم في ذلك قوله في الرواية الخامسة «في الرجل يريد ان يقرأ
__________________
سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد؟» ونحوها غيرها من روايات
المسألة ، فإن ظاهرها ان القصد كان لسورة الجمعة وان قراءة التوحيد انما وقع لا عن
قصد بل سهوا
وفيه ان هذه
العبارة كما تحتمل ما ذكروه كذلك تحتمل الحمل على العامد أيضا بأن يكون قد قصد
أولا إلى سورة الجمعة ثم بدا له فقصد إلى التوحيد ، على ان ظاهر الرواية السابعة
شمول العامد لقوله بعد الأمر بقراءة سورتي الجمعة والمنافقين «وان أخذت في غيرها.
إلى آخره» فإن الأخذ في الغير أعم من ان يكون عمدا أو سهوا ونحوها رواية كتاب
دعائم الإسلام.
والتحقيق ما
ذكره العلامة الوالد (قدسسره) هنا حيث قال بعد الكلام في المسألة : وبالجملة فإن
المفهوم من الروايات ان المصلي إذا قرأ سورة التوحيد وكان في قصده قراءة غيرها فلا
يرجع عنها إلا إلى السورتين ، وهذا المعنى لا خصوص له بالناسي بل ينطبق على العامد
ويصح حمل اللفظ عليه ، على ان رواية علي بن جعفر المذكورة آنفا لا وجه لقصرها على
حال النسيان لظهور شمولها لحال العامد أيضا بل هي فيه أظهر. وبهذا يندفع ما يقال
ان الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة الصريحة في المنع عن العدول من سورة التوحيد
بل والجحد أيضا بناء على ما مر بمجرد الاحتمال غير جيد بل ينبغي الاقتصار فيها على
المتيقن من حال الناسي لأنه متيقن الإرادة منها ومتفق عليه بين الأصحاب ، لأن ذلك
مبني على ظهور الأخبار في الناسي ليكون متيقن الإرادة منها بخلاف العامد لكونه
حينئذ خلاف الظاهر منها ، اما من لا يسلم ظهورها فيه كما هو مقتضى كلام الأكثر
فيكون اللفظ محتملا لهما على سواء والخروج فيهما عن مقتضى الأخبار الصحيحة الصريحة
في المنع على حال واحدة ، نعم لا يبعد ان الأخبار في الناسي أظهر منها في حال
العامد وهو لا يقتضي إلا أولوية العدول فيه لا خصوصيته به والكلام فيه. فتأمل
المقام فإنه حري بالتأمل التام. انتهى كلامه رفع مقامه.
(الرابع) ـ انه
لا يخفى ان الأخبار المتعلقة بهذا المقام الدالة على القول المشهور
كما قدمنا الإشارة إليها من العدول عن التوحيد والجحد إلى سورتي الجمعة
والمنافقين ـ موردها انما هو صلاة الجمعة وليس فيها مار بما يوهم خلاف ذلك إلا
قوله في الرواية السادسة «إلا ان تكون في يوم الجمعة» ويجب حمله على صلاة الجمعة
كما صرحت به بقية أخبار المسألة حمل المطلق على المقيد ، ويعضد ذلك الروايات
الدالة على تحريم العدول عن هاتين السورتين اعنى التوحيد والجحد مطلقا فيجب
الاقتصار في التخصيص على مورد النصوص والمتيقن بالخصوص وهو صلاة الجمعة خاصة.
واما ما قيل
هنا في تأييد ما ذكرنا ـ من ان استحباب قراءة السورتين انما ثبت بالروايات الصحيحة
في صلاة الجمعة خاصة دون ما سواها وهو قرينة قوية على اختصاص العدول إليهما بها.
انتهى ـ ففيه انه غلط محض نشأ من الركون إلى ما ذكره في المدارك كما قدمنا نقله
عنه وأوضحنا فساده بالأخبار الدالة على استحباب السورتين المذكورتين في غير صلاة
الجمعة من المواضع المذكورة في الأخبار المتقدمة ثمة.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المقام من الخروج عن جادة أخبارهم (عليهمالسلام) فإنهم قد اختلفوا في مواضع العدول زيادة على صلاة
الجمعة التي هي مورد الأخبار المذكورة كما عرفت ، فبعض اثبت هذا الحكم في الظهر
وعليه المحقق وابن إدريس والعلامة في المنتهى وقبلهم الصدوق في الفقيه كما تقدم
نقل عبارته بذلك ، وقال الجعفي بثبوته في صلاة الجمعة والصبح والعشاء ، قال (قدسسره) على ما نقله عنه في الذكرى : وان أخذت في سورة وبدا لك
في غيرها فاقطعها ما لم تقرأ نصفها إلا قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ، فان
كنت في صلاة الجمعة والصبح يومئذ والعشاء الآخرة ليلة الجمعة فاقطعها وخذ في سورة
الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وقال الشهيد الثاني في الروض بثبوته في الجمعة
وظهرها أو ظهريها.
أقول : والظاهر
ان ما ذهب إليه هؤلاء الفضلاء (قدس الله أسرارهم) قد بنوه على ما ثبت عندهم من
المواضع التي يستحب فيها قراءة السورتين المذكورتين ،
فكل موضع ثبت فيه استحباب قراءة هاتين السورتين حكموا بجواز العدول عن
سورتي التوحيد والجحد إليهما تحصيلا لفضيلتهما في ذلك الموضع ، وقد تقدم نقل
مذاهبهم في محل السورتين المذكورتين ونقل مذهب الجعفي باستحبابهما في هذه المواضع
التي نقلت عنه ههنا ، فكأنهم بنوا الحكم على عموم الأخبار الدالة على استحباب
هاتين السورتين سواء كان ابتداء أو مع العدول عن سورتي الجحد والتوحيد.
وفيه ان
الأخبار الدالة على انه بالشروع في الجحد والتوحيد فإنه لا يجوز العدول عنهما
مطلقا شاملة بإطلاقها لسورتي الجمعة والمنافقين وغيرهما ، وقد وردت بإزائها روايات
مخصصة بالعدول منهما إلى هاتين السورتين في هذا الموضع المخصوص أعني صلاة الجمعة
خاصة ، فالقول بالعدول وتخصيص تلك الأخبار في غير الجمعة يحتاج إلى دليل ، ومجرد
استحباب هاتين السورتين في هذه المواضع لا يكفي في التخصيص كما لا يخفى. والله
العالم.
تنبيهات
(الأول) ـ المشهور
في كلام الأصحاب ولا سيما المتأخرين من العلامة ومن تأخر عنه انه مع العدول يجب ان
يعيد البسملة لأن البسملة آية من كل سورة وقد قرأها أولا بنية السورة المعدول عنها
فلا تحسب من المعدول إليها ، ولأن البسملة لا يتعين كونها من سورة إلا بالقصد.
وصرحوا أيضا بأنه يعيدها لو قرأها بعد الحمد من غير ان يقصد بها سورة معينة بعد
القصد ، حيث ان البسملة صالحة لكل سورة فلا تتعين لإحدى السور إلا بالتعيين والقصد
بها إلى إحداها وبدونه يعيدها بعد القصد.
وجملة من
المتأخرين فرعوا على هذا الأصل تفاصيل في كلامهم فقالوا لا يشترط في الحمد القصد
ببسملة معينة لتعينها ابتداء فيحمل إطلاق النية على ما في ذمته ، وكذا لو عين له سورة
معينة بنذر أو شبهه أو ضاق الوقت إلا عن أقصر سورة أو لا يعلم إلا تلك السورة فإنه
يسقط القصد كالحمد ، لأن السورة لما كانت متعينة بتلك الأسباب اقتضت
نية الصلاة ابتداء قراءتها في محلها كما اقتضت إيقاع كل فعل في محله وان لم
يقصده عند الشروع فيه.
قالوا : ومحل
القصد حيث يفتقر اليه عند الشروع في قراءة السورة ، وهل يكفى القصد المتقدم على
ذلك في جملة الصلاة بل قبلها؟ نظر ، من ان السورة كاللفظ المشترك يكفي في تعيين
أحد أفرادها القرينة وهي حاصلة في الجميع ، ومن عدم المخاطبة بالسورة فلا يؤثر
قصدها ، والاقتصار على موضع اليقين طريق البراءة. واختار الشهيد في بعض فتاويه
الاجزاء في الجميع ونفى عنه البعد في الروض. قالوا ولو كان معتادا لسورة مخصوصة
فالوجهان ، والاجزاء هنا أبعد.
ولو جرى لسانه
على بسملة وسورة فهل يجزئ المضي عليها أم تجب الإعادة؟ نظر واستقرب الشهيد الاجزاء
، واحتج عليه في الذكرى برواية أبي بصير وهي الثامنة من الروايات المتقدمة
المنسوبة إلى ثلاثة أحدهم أبو بصير ، إلى غير ذلك من كلامهم في هذا المقام وما
أوسعوا فيه من تفريع الأحكام وما وقع لهم فيه من النقض والإبرام.
وقد رده جملة
من أفاضل متأخري المتأخرين ـ أولهم في ما أظن المحقق الأردبيلي ـ بان ما ذكروه من
انه يحتاج إلى النية لاشتراك البسملة بين السور فلا تتعين للسورة إلا بالنية غير
واضح ، لأن نية الصلاة تكفي لأجزائها بالاتفاق ولو فعلت مع الغفلة والذهول ويكفيه
قصد فعلها في الجملة ، واتباع البسملة بالسورة يعين كونها جزء لها وذلك كاف ،
وبالجملة فإنا لا نسلم أن للنية مدخلا في صيرورة البسملة جزء من السورة بل متى اتى
بمجرد البسملة فقد اتى بشيء يصلح لأن يكون جزء لكل سورة فإذا أتى ببقية الأجزاء
فقد اتى بجميع اجزاء هذه السورة المخصوصة ولا فساد في ذلك. ودعوى تميز بسملة كل
سورة عن بسملة الأخرى يحتاج إلى دليل وليس فليس. ولو تم ما ذكروه للزم ان يكون كل
كلمة مشتركة بين سورتين تحتاج إلى القصد مثل «الحمد لله» والظاهر انهم لا يقولون
به.
والتحقيق عندي
في أمثال هذا المقام هو ان يقال لا ريب انهم لا يختلفون في أصالة العدم
وان الأصل عدم الوجوب في شيء إلا مع قيام الدليل عليه إذ لا تكليف إلا بعد
البيان ولا مؤاخذة إلا بعد اقامة البرهان ، وعدم الدليل دليل العدم. وما ادعوه هنا
ـ من وجوب القصد بالبسملة إلى سورة معينة فلو بسمل لا بقصد فإنه يجب إعادتها بعد
القصد ـ لم يأتوا عليه بدليل واضح سوى ما عرفت من التعليل العليل الذي لا يشفي
العليل ولا يبرد الغليل مع استفاضة الأخبار عنهم (عليهمالسلام) بالسكوت عما سكت الله عنه والنهي عن تكلف الدليل في ما لم يرد عنهم (عليهمالسلام) فيه دليل واضح :
ومن ذلك ما
رواه الشيخ في التهذيب بسنده فيه عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) كان يقول : الربائب عليكم حرام مع الأمهات التي قد دخل
بهن في الحجور كنّ وغير الحجور سواء ، والأمهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل بهن
فحرموا ما حرم الله وأبهموا ما أبهم الله».
وما رواه الشيخ
المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب المجالس بسنده عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله حد لكم حدودا فلا تعتدوها وفرض عليكم فرائض
فلا تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها وعفا عن أشياء
رحمة منه لكم من غير نسيان فلا تتكلفوها».
وما رواه في
الفقيه من خطبة أمير المؤمنين وقوله (عليهالسلام) فيها «ان الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا
تنقصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم
فاقبلوها».
__________________
مضافا إلى ما
ورد في الآيات القرآنية والسنة النبوية من النهي عن القول بغير علم ولا اثر وارد
من الكتاب أو السنة «أتقولون على الله ما لا تعلمون» «ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا» ونحوهما من الآيات والأخبار الكثيرة الدالة على الوقوف
والتثبت والرد إليهم (عليهمالسلام) في ما لم يرد فيه أمر منهم ، وفي حديث أبي البريد
المروي في الكافي عن الصادق (عليهالسلام) «اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا». ونحوه من الأخبار
الواردة في هذا المضمار كما لا يخفى على ذوي البصائر والأفكار ، ولا ريب ان بناء
الأحكام الشرعية على هذه التخريجات الفكرية خروج عن منهاج السنة النبوية لانحصار
أدلة الأحكام في القرآن العزيز واخبارهم (عليهمالسلام).
(الثاني) ـ قال
شيخنا الشهيد الثاني في الروض ـ بعد البحث في المسألة بنحو ما قدمناه في صدر
المقام المتقدم اعتراضا على عبارة المصنف وهي قوله : ومع العدول يعيد البسملة وكذا
يعيدها لو قرأها بعد الحمد من غير قصد سورة بعد القصد ـ ما صورته : بقي في المسألة
إشكال وهو ان حكمه بإعادة البسملة لو قرأها من غير قصد بعد القصد ان كان مع
قراءتها أو لا عمدا لم يتجه القول بالإعادة بل ينبغي القول ببطلان الصلاة للنهي عن
قراءتها من غير قصد وهو يقتضي الفساد ، وان كان قرأها ناسيا فقد تقدم القول بأن
القراءة خلالها نسيانا موجب لإعادة القراءة من رأس ، فالقول بإعادة البسملة وما
بعدها لا غير لا يتم على تقديري العمد والنسيان ، والذي ينبغي القطع بفساد القراءة
على تقدير العمد للنهي ، وهو الذي اختاره الشهيد في البيان وحمل الإعادة هنا على
قراءتها ناسيا. انتهى.
أقول فيه (أولا)
ان ما ادعاه على تقدير القراءة عمدا ـ من بطلان الصلاة للنهي
__________________
عن قراءتها من غير قصد ـ مردود بأنه أي نهي هنا ورد بما ذكره واي حديث دل
على ما سطره؟ وغاية ما يمكن ان يقال بناء على أصولهم العديمة النوال انه مأمور
بالقصد إلى البسملة كما عرفت من كلامهم المتقدم آنفا والأمر بالشيء يستلزم النهي
عن ضده الخاص. وقد عرفت مما حققناه آنفا انه لا دليل على هذه الدعوى إلا مجرد
تخريجات لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، ومع تسليم صحة ذلك فان استلزام الأمر
بالشيء النهي عن ضده الخاص وان ذهب اليه جمع منهم إلا ان مذهبه (قدسسره) العدم كما صرح به في كتابه المشار اليه ، وبذلك يظهر
فساد ما ذكره وبنى عليه.
و (ثانيا) ان
ما ذكره بناء على تقدير القراءة ناسيا ـ من انه تقدم القول بأن القراءة خلالها
نسيانا موجب لإعادة القراءة من رأس ـ غفلة عجيبة من مثله (قدسسره) فان محل البحث هنا انما هو الإتيان بالبسملة بعد الحمد
والقراءة بتلك البسملة بغير قصد واللازم من البسملة والقراءة بغير قصد بناء على
دعواه وجوب القصد هو اعادة ما قرأه بعد القصد ، والذي تقدم في مسألة وجوب الموالاة
انما هو القراءة في خلال آيات الحمد والسورة واين هذا من ذاك؟ ولم يذكر في ما تقدم
حكم القراءة بين سورة الحمد والسورة التي بعدها ، وغاية ما يلزم هنا هو قراءة
القرآن في الصلاة وهو مما لا خلاف بينهم في جوازه ولا تعلق له بمسألة وجوب
الموالاة التي هي عبارة عن ان لا يقرأ خلال الفاتحة والسورة غيرهما ، وجميع ما
فرعه انما هو من فروع وجوب الموالاة ومذهب الشهيد الذي نقله انما هو في الموالاة
كما قدمنا نقله ، وما نحن فيه ليس من مسألة الموالاة في شيء. وجميع ما ذكرنا ظاهر
بحمد الله لا سترة عليه.
(الثالث) ـ المستفاد
من الأخبار المتقدمة انه لا فرق في جواز العدول حيث يصح بين ان يكون دخوله في
السورة المعدول عنها بقصد أو بغيره ، وعلى الأول فقد يكون عدوله عنها مقصودا لذاته
بان يبدو له العدول إلى غيرها فيعدل أو لنسيانها بان يحمله نسيانها على قصد غيرها
أو غير مقصود بان يتمادى به السهو والنسيان إلى ان يدخل في الثانية من غير قصد ،
وعلى الثاني لا فرق بين ان تكون السورة المعدول إليها مما سبق
قصدها أم لا ، فهذه صور خمس كلها مستفادة من النصوص المتقدمة :
أما الصورة
الاولى ـ وهي ان يقصد سورة فيبدو له في قصد غيرها ـ فهي مستفادة من الرواية
الثانية من الروايات المتقدمة.
واما الصورة
الثانية وهي ان يقصد سورة فينساها فيتعمد العدول الى غيرها ، والثالثة ـ وهي ان
يقصد سورة فينساها فينجر به الذهول والنسيان إلى ان يدخل في غيرها من غير قصد ـ فهما
مستفادتان من إطلاق الرواية الثامنة ، فإن قوله فيها «ثم ينسى فيأخذ في أخرى»
يحتمل ان يكون المراد فينسى ما هو فيه فيعمد إلى الدخول في أخرى أو ينسى ما هو فيه
فيشرع بطريق السهو والنسيان في أخرى ، والثانية من هاتين الصورتين مستفادة من
الرواية الثانية عشرة ، فإن قوله فيها «ثم يعلم انه قد أخطأ» ظاهر في ان دخوله في
الثانية انما كان عن سهو وخطأ لا عن تعمد ، بمعنى انه استمر به السهو بعد شروعه في
الاولى إلى ان دخل في الثانية وفرغ منها ثم ذكر بعد ذلك.
والصورة
الرابعة ـ وهي ان يشرع في السورة لا بطريق القصد بل بعد القصد لسورة أخرى فيغفل
عنها إلى ان يدخل في الثانية سهوا فيعدل عنها إلى الأولى المقصودة أولا ـ مستفادة
من أكثر الأخبار كالرواية الاولى والثالثة والرابعة والتاسعة ، لظهور شمولها لذلك
بل هو أظهر من احتمالها لإرادة قراءة سورة فينساها فيعمد إلى قراءة غيرها لأجل
النسيان ثم يذكر فيعدل إلى السورة المقصودة أولا. وهذا الاحتمال الثاني قد تضمن
كون المعدول عنه والمعدول اليه كلاهما مقصودين ولكن كان المعدول اليه مقصودا قبل
المعدول عنه لكن عرض نسيانه فلا يبعد دخولها في الصورة الأولى لشمولها من حيث
إطلاقها لذلك ، وتكون هذه الأخبار من حيث احتمالها لذلك شاهدة له وان حصلت صورة
سادسة لأن فيها زيادة اعتبار ليس في الاولى فلا بأس به.
والصورة
الخامسة ـ وهي ان يكون شروعه في السورة لا بطريق القصد فيبدو له في أثنائها العدول
إلى أخرى لم تكن مقصودة قبل ـ ربما تشملها الرواية الثانية ، فإن قوله
فيها «ومن افتتح بسورة» أعم من ان يكون بطريق القصد أو جرى ذلك على لسانه
من غير قصد وان كان الظاهر هو الأول. وبالجملة ففي جميع هذه الصور يصح العدول بغير
اشكال. والله العالم.
(الرابع) ـ المستفاد
من الأخبار المذكورة بمعونة ما تقدم تحقيقه انه لا يجب في الصلاة قصد سورة معينة
قبل البسملة خلافا للمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وذلك لأن نية الصلاة
كافية لاجزائها إجماعا وان فعلت حال الغفلة والذهول ، فلو جرى لسانه ابتداء على
سورة أخرى من غير قصد أو قصد سورة فقرأ غيرها نسيانا صحت الصلاة ولم يجب عليه
العدول إلى سورة أخرى وان تذكر قبل الركوع ، للأصل وحصول الامتثال المقتضي للاجزاء
وهي الأخبار المتقدمة خصوصا الرواية الثامنة.
وقال الشهيد (قدسسره) في الذكرى ـ بعد ما صرح بوجوب ان يقصد بالبسملة سورة
معينة ـ ما نصه : اما لو جرى لسانه على بسملة وسورة فالأقرب الإجزاء لرواية أبي
بصير السالفة ولصدق الامتثال ، وروى البزنطي عن أبي العباس «في الرجل يريد ان يقرأ
السورة فيقرأ في أخرى.». الرواية العاشرة من الروايات المتقدمة ثم قال : قلت وهذا حسن ويحمل كلام الأصحاب والروايات
على من لم يكن مريدا غير هذه السورة ، لأنه إذا قرأ غير ما اراده لم يعتد به ولهذا
قال «يرجع» فظاهره تعين الرجوع. انتهى كلامه. وحاصله الفرق بين الصورتين
المذكورتين سابقا والاجزاء في الصورة الأولى لما ذكره دون الثانية أعني ما تعلق
القصد بغيرها نسيانا ، فان كلامه (قدسسره) يعطي وجوب العدول عنها لو ذكرها قبل الركوع لرواية
البزنطي المذكورة حيث جعل ظاهرها تعين الرجوع ، وأظهر منها في الدلالة على ذلك
موثقة عبيد بن زرارة الاولى لتضمنها الأمر بالرجوع. وقد جعل (قدسسره) محل جواز العدول وعدمه في الروايات وكلام الأصحاب ما
إذا تعلق قصده بغير السورة التي قرأها كما في الصورة الاولى من
__________________
الصور الخمس المتقدمة.
وفي ما ذكره (قدسسره) من جميع ذلك نظر : (أما أولا) فلان ما دل على الاجزاء
وعدم تعين الرجوع في الصورة الأولى قائم بعينه في الصورة الثانية لموافقة الأصل
وحصول الامتثال ولرواية أبي بصير التي أوردها دالة على الاجزاء في الصورة الاولى
وهي صحيحة الحلبي والكناني وأبي بصير ومن حيث الاشتراك صح نسبتها إلى كل من
الثلاثة ، فإن ظاهرها بل صريحها تعلق القصد والإرادة بغير ما قرأه ناسيا. والعجب
منه كيف استدل بها على الاولى مع انها صريحة الدلالة على الثانية.
و (اما ثانيا)
فإنه لو كان تعلق القصد بغير هذه السورة موجبا لعدم الاعتداد بها كما ذكره حتى وجب
لأجله العدول عنها إلى ما قصده أولا لم يكن فرق في ذلك بين بلوغ النصف وما قبله
وما بعده بل ولو فرغ من السورة قبل الركوع ، فإنه يجب في جميع ذلك الرجوع مطلقا
بمقتضى ما ذكره من عدم الاعتداد مع دلالة رواية البزنطي التي أوردها دالة على تعين
الرجوع على عدم جواز الرجوع بعد تجاوز النصف ودلالة موثقة عبيد ابن زرارة الثانية
على عدم جوازه بعد الثلثين كما هو ظاهر.
و (اما ثالثا)
فلدلالة الروايات على ان الرجوع في هذه الصورة على سبيل الجواز والتخيير دون
الوجوب والتعيين كما هو ظاهر موثقة عبيد بن زرارة المذكورة ، حيث قال فيها «له ان
يرجع ما بينه وبين ثلثيها». ونحوه صحيحة علي بن جعفر الأولى فإن مفادها الجواز دون
الوجوب ، وصحيحته الثانية صريحة في التخيير حيث قال : «فليرجع ان أحب» وحينئذ
فيحمل ما دل على الأمر بالرجوع صريحا أو ظاهرا على الاستحباب دون الإيجاب.
و (اما رابعا)
فلانه لو كان الحكم في هذه الصورة وجوب الرجوع لما ذكره من عدم الاعتداد لم يكن
لاستثناء سورتي التوحيد والجحد من ذلك وجه لاشتراك الجميع في عدم الاعتداد الموجب
لتعيين المعدول إليه حينئذ ، مع دلالة أكثر الروايات الدالة
على هذا الحكم على استثناء هاتين السورتين منه ووجوب المضي فيهما وعدم جواز
الرجوع كما عليه الأصحاب.
وبالجملة
فالظاهر من الروايات استحباب العدول من كل سورة دخل فيها بغير قصد غير السورتين
المذكورتين وان جاز له المضي فيها ، إذ هو الظاهر مما تضمنته من الأمر بالرجوع
صريحا أو ظاهرا ، وظاهر الأصحاب أيضا الاتفاق على جواز الرجوع هنا دون وجوبه.
والله العالم.
تتمة تشتمل على فوائد
(الأولى) ـ نقل
في الذكرى عن ابن أبي عقيل (قدسسره) انه قال لا يقرأ في الفريضة ببعض السورة ولا بسورة
فيها سجدة مع قوله بأن السورة غير واجبة. وقال أيضا من قرأ في صلاة السنن في
الركعة الأولى ببعض السورة وقام في الركعة الأخرى ابتدأ من حيث بلغ ولم يقرأ
بالفاتحة. قال في الذكرى : وهو غريب والمشهور قراءة الحمد وقد روى سعد بن سعد عن
الرضا (عليهالسلام) «في من قرأ الحمد ونصف سورة هل يجزئه في الثانية ان لا يقرأ الحمد ويقرأ ما
بقي من السورة؟ فقال يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة». والظاهر انه في
النافلة.
(الثانية) ـ أجمع
علماؤنا وأكثر العامة على ان المعوذتين من القرآن العزيز وانه يجوز القراءة بهما
في الصلاة المفروضة ، روى منصور بن حازم قال «أمرني أبو عبد الله (عليهالسلام) ان اقرأ المعوذتين في المكتوبة». وعن صفوان الجمال في
الصحيح قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليهالسلام) المغرب فقرأ بالمعوذتين ، ثم قال هما من القرآن». وعن
صابر مولى بسام قال «أمنا أبو عبد الله (عليهالسلام) في صلاة
__________________
المغرب فقرأ المعوذتين ثم قال : هما من القرآن».
قال في الذكرى
: ونقل عن ابن مسعود انهما ليستا من القرآن وانما أنزلتا لتعويذ الحسن والحسين (عليهماالسلام) وخلافه انقرض واستقر الإجماع الآن من العامة والخاصة
على ذلك انتهى.
أقول : روى
الحسين بن بسطام في كتاب طب الأئمة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن؟ قال (عليهالسلام) هما من القرآن. فقال الرجل انهما ليستا من القرآن في
قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه؟ فقال (عليهالسلام) أخطأ ابن مسعود أو قال كذب ابن مسعود هما من القرآن.
قال الرجل أفأقرأ بهما في المكتوبة؟ قال نعم».
وروى علي بن
إبراهيم في تفسيره بسنده عن أبي بكر الحضرمي قال :
__________________
«قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) ان ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف؟ فقال كان
أبي يقول انما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهما من القرآن».
وهذه الأخبار
كما ترى متفقة الدلالة على ما عليه الأصحاب إلا ان كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي صريح الدلالة في ما نقل عن ابن
مسعود حيث قال (عليهالسلام) : وان المعوذتين من الرقية ليستا من القرآن أدخلوهما في
القرآن ، وقيل ان جبرئيل (عليهالسلام) علمهما رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى ان قال أيضا : واما المعوذتين فلا تقرأهما في
الفرائض ولا بأس في النوافل. انتهى. والأقرب حمله على التقية.
(الثالثة) ـ قال
في الذكرى : لا قراءة عندنا في الأخيرتين زائدا على الحمد فرضا ولا نفلا وعليه
الإجماع منا ، وفي الجعفريات عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «انه كان يقرأ في ثالثة المغرب : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ
إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ» . قال : وهو محمول على إيرادها دعاء لا انه جزء من
الصلاة.
(الرابعة) ـ روى
الشيخ في التهذيب عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أصلي بقل هو الله أحد؟ فقال نعم قد صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في كلتا الركعتين بقل هو الله أحد لم يصل قبلها ولا
بعدها بقل هو الله أحد أتم منها». قال في الذكرى بعد نقل هذا الخبر : قلت تقدم
كراهة ان يقرأ بالسورة الواحدة في الركعتين فيمكن ان يستثني من ذلك «قل هو الله
أحد» لهذا الحديث ولاختصاصها بمزيد الشرف ، أو فعله النبي (صلىاللهعليهوآله) لبيان جوازه.
أقول : المشهور
في كلام الأصحاب كراهة قراءة السورة الواحدة في الركعتين استنادا إلى رواية علي بن
جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته
__________________
عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها فان فعل
فما عليه؟ قال إذا أحسن غيرها فلا يفعل وان لم يحسن غيرها فلا بأس». وجملة من
الأصحاب قد استثنوا من هذا الحكم سورة التوحيد للخبر المذكور أولا ، ونحوه صحيحة
حماد بن عيسى الواردة في تعليم الصادق (عليهالسلام) له الصلاة حيث قال فيها : «ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد ،
وساق الكلام في حكاية صلاته (عليهالسلام) الى ان قال : فصلى ركعتين على هذا».
(الخامسة) ـ روى
السكوني عن أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في الرجل يصلي في موضع ثم يريد ان يتقدم؟
قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ». قال في
الذكرى : قلت هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، وهل الكف واجب؟ توقف فيه بعض
المتأخرين ، والأقرب وجوبه لظاهر الرواية ، وان القرار شرط في القيام. انتهى. وقال
العلامة في المنتهى إذا أراد الرجل ان يتقدم في صلاته سكت عن القراءة ثم تقدم لأنه
في تلك الحال غير واقف ، ويؤيده ما رواه الشيخ (قدسسره) ، ثم ذكر الرواية.
(السادسة) ـ قد
ورد في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليهالسلام) «في المصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك
وان لم تسمع نفسك فلا بأس».
وفي مرسلة علي
بن أبي حمزة عن الصادق (عليهالسلام) «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس».
قال في الذكرى
: قلت هذا يدل على الاجتزاء بالإخفات عن الجهر للضرورة وعلى
__________________
الاجتزاء بما لا يسمعه عما يجب إسماعه نفسه للضرورة أيضا ولا يلزم فيها
سقوط القراءة لأن الميسور لا يسقط بالمعسور انتهى.
الفصل الخامس في الركوع
وهو لغة
الانحناء ، يقال ركع الشيخ اي انحنى من الكبر ، وفي الشرع انحناء مخصوص ، قال في
القاموس ركع المصلي ركعة وركعتين وثلاث ركعات محركة : صلى ، والشيخ انحنى كبرا أو
كبا على وجهه وافتقر بعد غنى وانحطت حاله ، وكل شيء يخفض رأسه فهو راكع ، والركوع
في الصلاة ان يخفض رأسه بعد قومة القراءة حتى ينال راحتاه ركبتيه. انتهى.
ووجوبه ثابت
بالنص والإجماع في كل ركعة مرة إلا في صلاة الآيات كما سيجيء ان شاء الله تعالى
في محله ، وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه ركن تبطل الصلاة بتركه عمدا
وسهوا وكذا زيادته إلا ما استثنى.
ومن الأخبار
الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ألا ترى
لو ان رجلا دخل في الإسلام لا يحسن ان يقرأ القرآن أجزأه ان يكبر ويسبح ويصلي؟».
وفي الصحيح عن
رفاعة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل ينسى ان يركع حتى يسجد ويقوم؟
قال يستقبل».
وعن إسحاق بن
عمار في الصحيح قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن الرجل ينسى ان يركع؟ قال يستقبل حتى يضع كل شيء من
ذلك موضعه».
__________________
وعن أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن رجل نسي أن يركع؟ قال عليه الإعادة».
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد
سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث
سجود».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان الله فرض الركوع والسجود.».
وروى الشيخ في
الصحيح بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود. الحديث».
وروى الصدوق في
الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان الله فرض الركوع والسجود والقراءة سنة.
الحديث».
وعن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الفرض في الصلاة فقال الوقت والطهور والقبلة
والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟
قال سنة في
فريضة».
وروى الشيخ في
الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليهالسلام) في حديث «ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) كان يقول ان أول صلاة أحدكم الركوع
__________________
والسجود. قيل هل نزل في القرآن؟ قال نعم قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا)» .
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن؟ قال
نعم قول الله عزوجل : يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا . الخبر».
أقول : وهذان
الخبران ظاهران في وجود الحقائق الشرعية ردا على من أنكر ذلك.
والقول بركنية
الركوع في الصلاة في كل ركعة هو المشهور وذهب الشيخ في المبسوط إلى انه ركن في
الأوليين وفي ثالثة المغرب دون غيرها ، وسيجيء ان شاء الله تعالى تحقيق البحث في
المسألة في محلها.
ثم انه لا يخفى
ان الركوع يشتمل على الواجب والمستحب فتحقيق الكلام فيه حينئذ يحتاج إلى بسطه في
مقامين :
(الأول) في
الواجب والواجب فيه أمور (الأول) الانحناء بقدر ما تصل يداه ركبتيه ويمكن وضعهما
على الركبتين ، اما وجوب الانحناء فلا شك فيه لأن الركوع كما عرفت عبارة عن
الانحناء لغة وشرعا فما لم يحصل الانحناء لا يصدق الإتيان بالركوع. واما التحديد
بما ذكر فقد نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى والشهيدان عليه إجماع العلماء كافة
إلا من أبي حنيفة واستدلوا على ذلك بوجوه :
(أحدهما) ان
النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يركع كذلك فيجب التأسي به.
و (ثانيها) ـ صحيحة
حماد المتقدمة في أول الباب وقوله فيها : «ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد
ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب
__________________
عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح
ثلاثا بترتيل فقال سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات). الحديث».
و (ثالثها) ـ صحيحة
زرارة المتقدمة ثمة أيضا حيث قال (عليهالسلام) فيها «وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على
ركبتيك اليمنى قبل اليسرى وبلع بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها
على ركبتيك ، فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب الي ان
تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها ، وأقم صلبك ومد عنقك
وليكن نظرك إلى ما بين قدميك». قال في المدارك : وهذان الخبران أحسن ما وصل إلينا
في هذا الباب.
ونقل المحقق في
المعتبر والعلامة في المنتهى عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي قالوا : «وبلع بأطراف أصابعك عين الركبة فإن وصلت أطراف
أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب ان تمكن كفيك من ركبتيك فإذا أردت أن
تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا». والظاهر ان هذه الرواية قد نقلها المحقق من
الأصول التي عنده ولم تصل إلينا إلا منه (قدسسره) وكفى به ناقلا.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه لا خلاف بين الأصحاب في ما اعلم انه لا يجب وضع اليدين على الركبتين وقد
نقلوا الإجماع على ذلك ، وانما المعتبر وصولهما بحيث لو أراد الوضع لوضعهما والوضع
انما هو مستحب.
وانما الخلاف
في القدر المعتبر في الوصول من اليد ، فالمشهور على ما ذكره شيخنا في البحار ان
الانحناء إلى ان تصل الأصابع إلى الركبتين هو الواجب والزائد مستحب وقال الشهيد في
البيان الأقرب وجوب انحناء تبلغ معه الكفان ركبتيه ولا يكفي بلوغ أطراف الأصابع
وفي رواية «بكفي». وبذلك صرح الشهيد الثاني في الروض والروضة
__________________
والمحقق الشيخ علي ، وظاهر عبارة المعتبر وصول الكفين إلى الركبتين ، وفي
عبارة العلامة في التذكرة وصول الراحتين وادعيا عليه الإجماع إلا من أبي حنيفة وفي المنتهى تبلغ يداه إلى ركبتيه ، ونحوها عبارة
الشهيد في الذكرى ، وهو ظاهر في الاكتفاء بوصول جزء من اليد. ويمكن حمل عبارة
المعتبر والتذكرة على المسامحة في التعبير لأنه في المعتبر قد استدل ـ كما عرفت ـ بالرواية
المنقولة عن الثلاثة المتقدمين وهي صريحة في الاكتفاء بوصول رؤوس الأصابع ، وكذلك
صحيحة زرارة المتقدمة هنا لقوله : «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك
أجزأك ذلك» وبذلك يظهر لك ما في كلام المشايخ الثلاثة المتقدم ذكرهم من ان وصول شيء
من رؤوس الأصابع إلى الركبتين غير كاف
قال في الروض
بعد نقل قول الباقر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «وتمكن راحتيك من ركبتيك». والمراد
بالراحة الكف ومنها الأصابع ، ويتحقق بوصول جزء من باطن كل منهما لا برءوس
الأصابع. انتهى. وفيه ان سياق عبارة الرواية ينادي بان ما استند اليه هنا انما هو
على جهة الأفضلية لا انه الواجب الذي لا يجزئ ما سواه لتصريحه في الرواية بما
ذكرناه أولا ثم قال بعده : «وأحب الي ان تمكن كفيك من ركبتيك» وبذلك يظهر ان ما
ذكره ناشىء عن الغفلة عن مراجعة الخبر.
بقي هنا شيء
وهو ان المحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ادعيا الإجماع إلا من أبي حنيفة على ما ذكراه من وصول الكفين أو الراحتين إلى الركبة ،
والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى ادعيا الإجماع على ما ذكراه من وصول اليد
الصادق بوصول رؤوس الأصابع إلى الركبة ، والتدافع في نقل هذا الإجماع ظاهر من
الكلامين فلا بد من حمل احدى العبارتين على التساهل في التعبير وإرجاعها إلى
العبارة الثانية ، ونحن قد أشرنا إلى ان التجوز والتساهل قد وقع في عبارتي المعتبر
والتذكرة لما ذكرناه
__________________
من استدلال المحقق على ما ذكره بالرواية المنقولة عن الرواة الثلاثة
المتقدمين وهي صريحة في خلاف ظاهر كلامه ونحوه صحيحة زرارة كما عرفت ، فلو لم يحمل
كلامه على ما ذكرناه لم يتم استدلاله بالخبر المذكور.
والفاضل
الخراساني في الذخيرة مال إلى ان التجوز والمسامحة في عبارتي المنتهى والذكرى فيجب
إرجاعهما إلى عبارتي المعتبر والتذكرة مستندا إلى ان الذي يقع في الخاطر من وضع
اليد وصول شيء من الراحة ، وتشعر بذلك الأدلة التي في الكتابين سيما الذكرى ،
فإنه قال فيه بعد نقل قول الباقر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «وتمكن راحتيك من ركبتيك» وهو دليل على
الانحناء هذا القدر لأن الإجماع على عدم وجوب وضع الراحتين. فاذن لا معدل عن العمل
بما ذكره المدققان لتوقف البراءة اليقينية عليه ، ولا تعويل على ظاهر الخبر إذا
خالف فتاوى الفرقة. انتهى.
وفيه (أولا)
انك قد عرفت صراحة الروايتين المتقدمتين في الاكتفاء ببلوغ رؤوس الأصابع ، ويؤكده
تصريحه (عليهالسلام) في صحيحة زرارة بالأفضلية في وضع الكفين بقوله «وأحب
الي» والواجب هو العمل بالأخبار لا بالأقوال العارية عن الأدلة وان ادعى فيها
الإجماع.
و (ثانيا) ـ ما
ذكره ـ من ان الذي يقع في الخاطر من وضع اليد وصول شيء من الراحة ـ فإنه ممكن لو
كان عبارة المنتهى والذكرى كما ذكره من وضع اليد والذي فيهما انما هو «الى ان تبلغ
اليد» والفرق بين العبارتين ظاهر فان بلوغ اليد يصدق ببلوغ رؤوس الأصابع.
و (ثالثا) ـ ان
استدلال الشهيد في الذكرى بما ذكره من صحيحة زرارة وقوله : «وهو دليل على الانحناء
هذا القدر» انما وقع في مقام الاستدلال على أصل الانحناء ردا على أبي حنيفة وإلا
فالرواية المذكورة صريحة كما عرفت في ان هذه الكيفية انما هي على جهة الفضل
والاستحباب.
و (رابعا) ـ ما
ذكره من رد الخبر إذا خالف فتاوى الفرقة انما يتم مع الإغماض عما فيه إذا ثبت هنا
إجماع على ما يدعيه ، وهو لم ينقل إلا عبارتي المعتبر والتذكرة خاصة مع مخالفة
ظاهر عبارتي المنتهى والذكرى لذلك ، فأين فتاوى الفرقة التي ينوه بها والحال كما
ترى؟ على انك قد عرفت مما قدمنا نقله عن شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار ان المشهور انما هو ما اخترناه من الاكتفاء
برءوس الأصابع ، ما هذه إلا مجازفات محضة ودعاوي صرفة.
و (خامسا) ـ ان
الشهيد الثاني وان صرح بما ذكره في الروض والروضة إلا انه قد صرح بما ذكرناه في
المسالك ، حيث قال : والظاهر الاكتفاء ببلوغ الأصابع ، وفي حديث زرارة المعتبر «فان
وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحب إلى ان تمكن كفيك» انتهى.
وهو عدول عما ذكره في الروض والروضة ولا شك ان كلامه هنا هو المؤيد بالدليل كما
عرفت. وكيف كان فالاحتياط في الانحناء إلى وصول الكف والراحة.
ثم لا يخفى ان
ظاهر اخبار المسألة هو الوضع لا مجرد الانحناء بحيث لو أراد لوضع وان الوضع مستحب
كما هو المشهور في كلامهم والدائر على رؤوس أقلامهم ، فإن هذه الأخبار ونحوها
ظاهرة في خلافه ولا مخصص لهذه الأخبار إلا ما يدعونه من الإجماع على عدم وجوب
الوضع.
فوائد
(الأولى) ـ اعتبار
مقدار وصول اليد إلى الركبتين بالانحناء احتراز عن الوصول بغير انحناء ، فإنه لا
يكفي في صدق الركوع ولا يسمى ركوعا كالانخناس بان يخرج ركبتيه وهو مائل منتصب فإنه
لا يجزئه ، وكذا لو جمع بين الانحناء والانخناس بحيث لو لا الانخناس لم تبلغ
اليدان لم يجزئ.
(الثانية) ـ الراكع
خلقة يستحب ان يزيد الانحناء يسيرا ليفرق بين قيامه وركوعه ، قاله الشيخ واختاره
في المعتبر لأن ذلك حد الركوع فلا يلزم الزيادة عليه ، واليه مال في المدارك. وجزم
المحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه بالوجوب ليكون فارقا بين حالة القيام
وحالة الركوع فان المعهود افتراقهما. ورد بمنع وجوب الفرق على العاجز. والمسألة
خالية من النص والاحتياط فيها مطلوب بالإتيان بانحناء يسير.
(الثالثة) ـ يجب
ان يقصد بهويه الركوع ، فلو هوى لسجدة العزيمة في النافلة أو هوي لقتل حية أو
لقضاء حاجة ـ فلما انتهى إلى حد الراكع أراد ان يجعله ركوعا وكذا لو هوى للسجود
ساهيا فلما وصل إلى قوس الركوع ذكر فأراد أن يجعله ركوعا ـ فإنه لا يجزئ ويجب عليه
الرجوع والانتصاب ثم الهوى بقصد الركوع فإن الأعمال بالنيات . كما تقدم تحقيقه في مبحث نية الوضوء من كتاب الطهارة.
ولا يلزم من ذلك زيادة ركوع لأن الأول ليس بركوع. والظاهر انه لا خلاف في الحكم
المذكور.
(الرابعة) ـ لو
تعذر الانحناء للركوع اتى بالمقدور ، ولا يسقط الميسور بالمعسور . و «لا
يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها» ولو أمكن إيصال إحدى اليدين دون الأخرى لعارض في إحدى
الشقين وجب خاصة. ولو امكنه الانحناء إلى أحد الجانبين فظاهر المبسوط الوجوب. ولو
افتقر إلى ما يعتمد عليه في الانحناء وجب ولو تعذر ذلك أجزأ الإيماء برأسه ، لما
رواه الشيخ عن إبراهيم الكرخي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع
والسجود؟ فقال ليومئ برأسه إيماء وان كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد فان لم
يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء».
__________________
(الخامسة) ـ لو
كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء ـ أو قصيرتين بحيث لا تبلغ مع
الانحناء ، ونحوهما المقطوعتان ـ انحنى كما ينحني مستوي الخلقة حملا لألفاظ النصوص
على ما هو الغالب المتكرر كما عرفت في غير موضع.
(السادسة) ـ لو
لم يضع يديه على ركبتيه وشك بعد انتصابه هل أكمل الانحناء أم لا؟ احتمالان ذكرهما
العلامة والشهيدان (أحدهما) العود لعموم رواية أبي بصير عن الصادق (عليهالسلام) «في رجل شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع قال يركع». وكذا رواية عمران
الحلبي (ثانيهما) العدم لأن الظاهر منه إكمال الركوع ، ولأنه في المعنى شك بعد
الانتقال. أقول : الظاهر هو الوجه الثاني فإن المتبادر من رواية أبي بصير المذكورة
ـ وكذا رواية الحلبي وهي ما رواه في الموثق قال : «قلت الرجل يشك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟
قال فليركع». ـ انما هو من لم يأت بالانحناء بالكلية وشك في ان قيامه هذا هل هو
قيام قبل الركوع والانحناء فيجب الركوع عنه أو قيام بعده فيجب ان يسجد عنه؟ فإنه
يصدق عليه انه شك في المحل فيجب الإتيان بالمشكوك فيه ، واما من انحنى وشك بعد
رفعه في بلوغه المقدار الواجب في الانحناء فإنه يدخل تحت قاعدة الشك بعد الدخول في
الغير وتجاوز المحل.
(الثاني) ـ
الطمأنينة بضم الطاء وسكون الهمزة بعد الميم وهي عبارة عن سكون الأعضاء واستقرارها
في هيئة الراكع بقدر الذكر الواجب في الركوع ، ووجوبها بهذا القدر مما لا خلاف فيه
ونقل الإجماع عليه الفاضلان وغيرهما ، وانما الخلاف في الركنية فذهب الشيخ في
الخلاف إلى انها ركن ، والمشهور العدم وهو الأصح لما سيأتي ان شاء الله تعالى من
عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا.
والأصحاب لم
يذكروا هنا دليلا على الحكم المذكور من الأخبار وظاهرهم انحصار الدليل في الإجماع
، مع انه قد روى ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن
__________________
أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «بينا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه
ولا سجوده فقال (صلىاللهعليهوآله) نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على
غير ديني». ورواه البرقي في المحاسن عن ابن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة
نحوه .
وفي الذكرى يجب
الركوع بالإجماع ولقوله تعالى «وَارْكَعُوا مَعَ
الرّاكِعِينَ» ولما روى «ان رجلا دخل المسجد ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال (صلىاللهعليهوآله) وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء
فقال له مثل ذلك فقال له الرجل في الثالثة علمني يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل
القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك
حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في
صلاتك كلها». أقول : وهذا الخبر لم أقف عليه في ما وصل الي من كتب الأخبار حتى
كتاب البحار إلا في كتاب الذكرى.
ولو كان مريضا
لا يتمكن من الطمأنينة سقطت عنه لأن الضرورات تبيح المحظورات وما غلب الله عليه
فهو اولى بالعذر . والحكم المذكور مما لا خلاف فيه ولا اشكال يعتريه ،
انما الخلاف في انه لو تمكن من مجاوزة الانحناء أقل الواجب والابتداء بالذكر عند
بلوغ حده وإكماله قبل الخروج منه فهل يجب ذلك؟ قيل نعم استنادا إلى ان الذكر في
حال الركوع واجب والطمأنينة واجب آخر ولا يسقط أحد الواجبين بسقوط الآخر واستحسنه
الفاضل الخراساني في الذخيرة وجعله في المدارك اولى. وقيل لا لأصالة العدم واليه
ذهب الشهيد في الذكرى ، قال (قدسسره) بعد ذكر الطمأنينة أولا : ويجب
__________________
كونها بقدر الذكر الواجب لتوقف الواجب عليها ، ولا يجزئ عن الطمأنينة
مجاوزة الانحناء القدر الواجب ثم العود إلى الرفع مع اتصال الحركات لعدم صدقها
حينئذ ، نعم لو تعذرت أجزأ زيادة الهوي ويبتدئ بالذكر عند الانتهاء إلى حد الراكع
وينتهي بانتهاء الهوى ، وهل يجب هذا الهوى لتحصيل الذكر في حد الراكع؟ الأقرب لا
للأصل فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه. انتهى. والمسألة لعدم النص محل اشكال
والاحتياط يقتضي الإتيان بما ذكروه من الكيفية المذكورة وان لم يقم دليل واضح على
الوجوب.
ولو اتى بالذكر
من دون الهوى أو رفع قبل إكماله فظاهر الشهيد الثاني في الروض بطلان صلاته ان كان
عامدا قال لتحقق النهي ، وان كان ناسيا استدركه في محله ان أمكن. وظاهر الشهيد في
الدروس والعلامة القول بمساواة العامد للناسي إذا استدركه في محله ، قال في الروض
وليس بجيد. ويتحقق التدارك في الأول بالهوى ثم الإتيان بالذكر وفي الثاني بالإتيان
به مطمئنا قبل الخروج عن حد الراكع.
(الثالث) ـ رفع
الرأس منه حتى يقوم منتصبا فلا يجوز ان يهوى للسجود قبل الانتصاب إلا لعذر.
ويدل عليه جملة
من الأخبار ففي صحيحة حماد بعد ذكر الركوع قال : «ثم استوى قائما فلما استمكن من
القيام قال : سمع الله لمن حمده. الحديث».
وفي رواية أبي
بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة
لمن لا يقيم صلبه». ومثلها روايته الأخرى
وفي كتاب الفقه
الرضوي «وإذا رفعت رأسك من الركوع فانتصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان
ثم اسجد».
(الرابع) ـ الطمأنينة
قائما ولا حد لها بل يكفي مسماها وهو ما يحصل به الاستقرار والسكون ، ولا خلاف في
وجوبها بل نقل عليه الإجماع جمع منهم.
__________________
وذهب الشيخ هنا
إلى الركنية أيضا ، ورد بقوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».
والظاهر من
الأخبار وكلام الأصحاب انه لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة ونقل جمع من
الأصحاب عن العلامة في النهاية القول بأنه لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع أو
السجود في صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته لانه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل.
وهو ضعيف مردود بان جميع ما يجب في الفريضة فهو شرط في صحة النافلة فلا معنى
للتخصيص بهذا الموضع ، إلا ان يمنع وجوبه في الفريضة وهو لا يقول به بل صرح في
جميع كتبه بخلافه. نعم خرج من ذلك السورة على القول بوجوبها في الفريضة بدليل خاص
وغيرها يحتاج إلى دليل أيضا وليس فليس. وقوله ـ انه ليس ركنا. إلخ ـ كلام مزيف لا
معنى له عند المحصل.
(الخامس) ـ
التسبيح وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (أحدهما) انه هل الواجب في حال الركوع
والسجود هو التسبيح خاصة أو يجزئ مطلق الذكر؟ قولان مشهوران (الثاني) انه على
تقدير القول الأول من تعين التسبيح فقد اختلفوا في الصيغة الواجبة منه على أقوال ،
ونحن نبسط الكلام في المقامين بنقل الأخبار والأقوال وما سنح لنا من المقال في هذا
المجال بتوفيق الملك المتعال وبركة الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) :
(الموضع الأول)
ـ اعلم انه قد اختلف الأصحاب في ان الواجب في الركوع والسجود هل هو مطلق الذكر أو
يتعين التسبيح؟ قولان : والأول منهما مذهب الشيخ في المبسوط والجمل والحلبيين
الأربعة ، واليه ذهب جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني وسبطه في
المدارك وغيرهما. والثاني مذهب الشيخ في باقي كتبه والشيخ المفيد والمرتضى وابني
بابويه وأبي الصلاح وابن البراج وسلار وابن حمزة وابن الجنيد ، وادعى
__________________
عليه السيد المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية
الإجماع. والظاهر انه المشهور بين المتقدمين ونسبه في الذكرى إلى المعظم. وللشيخ
في النهاية قول آخر يؤذن بكونه ثالثا في المسألة حيث يجوز ان يقال بعد التسبيح في
الفريضة «لا إله إلا الله والله أكبر» مع انه قال فيه : والتسبيح في الركوع فريضة
من تركه عمدا فلا صلاة له.
والذي يدل على
الأول من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في كتابيهما عن هشام بن سالم في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته يجزئ عني ان أقول مكان التسبيح في الركوع
والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل هذا ذكر الله». ولفظ
«والحمد لله» ليس في رواية الكافي وانما هو في التهذيب.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع
والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل هذا ذكر الله».
ورواه في
الكافي في الصحيح عن هشام بن الحكم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ما من كلمة أخف على اللسان منها ولا أبلغ من «سبحان
الله». قال قلت يجزئني في الركوع والسجودان أقول مكان التسبيح : لا إله إلا الله
والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل ذا ذكر الله». وروى هذا الخبر ابن إدريس في
مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب عن احمد بن محمد عن ابن
أبي عمير عن هشام بن الحكم نحوه
وأيد هذا القول
في المدارك بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي نجران عن مسمع ابي سيار
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يجزئك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات
أو قدرهن مترسلا وليس له ولا كرامة أن يقول
__________________
سبح سبح سبح».
والظاهر ان عده
هذه الرواية من المؤيدات دون ان تكون دليلا اما من حيث ان الراوي لها مسمع أبي
سيار وهو يطعن في حديثه في مواضع من شرحه وان عده حسنا تارة وصحيحا أخرى في مواضع
أخر ولهذا وصف الحديث بالصحة إلى عبد الرحمن ابن أبي نجران مؤذنا بانتهاء صحة
الحديث اليه ، ويحتمل ان يكون من حيث إجمال متنها بقوله «أو قدرهن» لاحتمال ان
يكون قدرهن من الذكر ، ويحتمل ان يكون قدرهن من تسبيحة واحدة كبرى.
ومثلها حسنة
أخرى لمسمع أيضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو
قدرهن». هذا ما يتعلق من الأخبار بالقول المذكور.
واما ما يدل
على القول الآخر فروايات عديدة تأتي ان شاء الله تعالى في المقام الآتي والذي يظهر
لي في وجه الجمع بين اخبار القولين على وجه يندفع به التنافي في البين ان يقال ان
المفهوم من الأخبار ان التسبيح هو الأصل والذكر وقع رخصة كما يشير اليه هنا ما
تقدم في اخبار الهشامين من قولهما «يجزئ ان يقول مكان التسبيح» وحينئذ فتحمل
روايات التسبيح على الأفضلية وروايات الذكر على الرخصة والاجزاء ، وهذا كما في غسل
الجنابة ترتيبا وارتماسا فإن الأصل فيه هو الأول وهو الذي استفاضت به الأخبار
وعليه عمل النبي (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته الاطهار والثاني ورد في خبرين رخصة كما
أشرنا إلى ذلك ثمة. ولعله على هذا بنى الشيخ (قدسسره) في عبارته في النهاية حيث صرح بأن الفريضة التسبيح مع
قوله بجواز إبداله بالذكر المذكور في كلامه ، وبذلك يندفع ما أورده عليه المتأخرون
من التناقض في كلامه. ولم أقف للقائلين بتعين التسبيح على جواب عن هذه الروايات
الدالة على الاجتزاء بمطلق الذكر والله العالم.
__________________
(الموضع الثاني)
ـ اعلم انه قد اختلف أصحاب القول بتعين التسبيح في ما يجب منه على أقوال : (أحدها)
القول بجواز التسبيح مطلقا وهو منقول عن السيد المرتضى (رضياللهعنه) و (ثانيها)
وجوب تسبيحة واحدة كبرى وهي «سبحان ربي العظيم وبحمده» وهو قول الشيخ في النهاية. و
(ثالثها) تسبيحة واحدة كبرى أو ثلاث صغريات وهي «سبحان الله» ثلاثا ، ونقل عن ظاهر
ابني بابويه وهو ظاهر التهذيب كما ذكره في المدارك. و (رابعها) وجوب ثلاث مرات على
المختار وواحدة على المضطر ، وهو منقول عن أبي الصلاح ، ونقل عنه في المختلف انه
قال أفضله «سبحان ربي العظيم وبحمده» ويجوز «سبحان الله» وهو ظاهر في تخيير
المختار بين ثلاث صغريات أو كبريات و (خامسها) وجوب ثلاث تسبيحات كبريات ، نسبه
العلامة في التذكرة إلى بعض علمائنا. هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.
واما الأخبار
الجارية في هذا المضمار (فأحدها) ما رواه الشيخ في التهذيب عن هشام ابن سالم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التسبيح في الركوع والسجود فقال تقول في الركوع «سبحان
ربي العظيم» وفي السجود «سبحان ربي الأعلى» الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث
والفضل في سبع».
الثاني ـ ما
رواه عن عقبة بن عامر الجهني قال : «لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال لنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اجعلوها في ركوعكم ، فلما نزلت «سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى» قال لنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اجعلوها في سجودكم».
الثالث ـ ما
رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟
فقال ثلاث تسبيحات في
__________________
في ترسل وواحدة تامة تجزئ».
الرابع ـ ما
رواه عن علي بن يقطين في الصحيح عن ابى الحسن الأول (عليهالسلام) قال : «سألته عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟
فقال ثلاثة وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض».
قال في الوافي
الظاهر ان المراد بالتسبيح «سبحان الله» ويحتمل التام. ولعل السر في اشتراط إمكان
الجبهة من الأرض في الاجتزاء بالواحدة تعجيل أكثر الناس في ركوعهم وسجودهم وعدم
صبرهم على اللبث والمكث فمن اتى منهم بواحدة فربما يصدر منه بعضها في الهوى أو
الرفع ، فلا بد لمن هذه صفته أن يأتي بالثلاث ليتحقق لبثه بمقدار واحدة.
الخامس ـ ما
رواه عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين بن علي بن يقطين في الصحيح عن أبي
الحسن الأول (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يسجد كم يجزئه من التسبيح في
ركوعه وسجوده؟ فقال ثلاث وتجزئه واحدة».
السادس ـ ما
رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يجزئك من القول. الخبر». وقد تقدم في المقام
الأول .
السابع ـ ما
رواه عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن.
الخبر وقد تقدم ، إلى ان قال فقلت كيف حد الركوع والسجود؟ فقال اما ما يجزئك من
الركوع فثلاث تسبيحات تقول سبحان الله سبحان الله (ثلاثا). الحديث». ويأتي ان شاء
الله تعالى.
الثامن ـ ما
رواه عن معاوية بن عمار في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال ثلاث تسبيحات
مترسلا تقول سبحان
__________________
الله سبحان الله سبحان الله».
التاسع ـ ما
رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو
قدرهن».
العاشر ـ ما
رواه عن أبي بصير قال : «سألته عن ادنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع
والسجود؟ فقال ثلاث تسبيحات».
الحادي عشر ـ ما
رواه عن أبي بكر الحضرمي قال قال أبو جعفر (عليهالسلام): «أتدري أي شيء حد الركوع والسجود؟ قلت لا. قال تسبيح
في الركوع ثلاث مرات «سبحان ربي العظيم وبحمده» وفي السجود «سبحان ربي الأعلى
وبحمده» ثلاث مرات ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته
ومن لم يسبح فلا صلاة له».
الثاني عشر ـ ما
رواه عن ابان بن تغلب في الصحيح قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليهالسلام) وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة».
الثالث عشر ـ ما
رواه عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد ، قالا «دخلنا على ابى عبد الله (عليهالسلام) وعنده قوم فصلى بهم العصر وقد كنا صلينا فعددنا له في
ركوعه «سبحان ربى العظيم» أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة. وقال أحدهما في حديثه «وبحمده»
في الركوع والسجود».
الرابع عشر ـ ما
رواه في كتاب العلل بسنده عن هشام بن الحكم عن ابى الحسن
__________________
موسى (عليهالسلام) قال : «قلت لأي علة يقال في الركوع «سبحان ربي العظيم
وبحمده» ويقال في السجود «سبحان ربي الأعلى وبحمده»؟ قال يا هشام ان الله تبارك
وتعالى لما اسرى بالنبي (صلىاللهعليهوآله) وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه
فكبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا حتى رفع له سبع حجب فلما ذكر ما رأى من عظمة الله
ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه وأخذ يقول «سبحان ربي العظيم وبحمده» فلما اعتدل
من ركوعه قائما ونظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وجعل يقول «سبحان
ربي الأعلى وبحمده» فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة».
الخامس عشر ـ ما
رواه إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات عن عباية قال : «كتب أمير المؤمنين (عليهالسلام) الى محمد بن أبي بكر انظر ركوعك وسجودك فإن النبي (صلىاللهعليهوآله) كان أتم الناس صلاة واحفظهم لها وكان إذا ركع قال : «سبحان
ربي العظيم وبحمده» ثلاث مرات ، وإذا رفع صلبه قال : سمع الله لمن حمده اللهم لك
الحمد ملء سماواتك وملء أرضيك وملء ما شئت من شيء ، فإذا سجد قال : «سبحان ربي
الأعلى وبحمده» ثلاث مرات».
السادس عشر ـ ما
رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) سبح في ركوعك ثلاثا : تقول «سبحان ربي العظيم وبحمده»
ثلاث مرات ، وفي السجود «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات ، فان الله عزوجل لما انزل على نبيه (صلىاللهعليهوآله) «فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ» . قال النبي (صلى
__________________
الله عليه وآله) اجعلوها في ركوعكم فلما انزل الله «سبح اسم ربك الأعلى» قال اجعلوها في سجودكم ، فان قلت سبحان الله سبحان الله
سبحان الله أجزأك ، وتسبيحة واحدة تجزئ للمعتل والمريض والمستعجل».
السابع عشر ـ ما
رواه في كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم قال : «سئل أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن معنى قوله : سبحان ربي العظيم وبحمده. الحديث».
الثامن عشر ـ ما
ذكره في كتاب الفقه الرضوي قال : «فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في ركوعك
بعد التكبير : اللهم لك ركعت. ثم ساق الدعاء إلى ان قال بعد تمامه : سبحان ربي
العظيم وبحمده ، ثم ساق الكلام في السجود كذلك إلى ان قال : سبحان ربي الأعلى
وبحمده».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الظاهر ان مستند القول الأول وهو القول بجواز التسبيح مطلقا هو العمل
بأخبار المسألة كملا والاكتفاء بكل ما ورد ، ومرجعه إلى التخيير بين جملة الصور
الواردة في الأخبار ، إلا ان ظاهره الاكتفاء ولو بتسبيحة صغرى لصدق التسبيح بها مع
دلالة جملة من الأخبار على ان ادنى ما يجزئ ثلاث صغريات.
وهذا القول قد
اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة واستدل عليه بالرواية الرابعة والخامسة فإنهما
دالتان على جواز الاكتفاء بواحدة ويحمل الأخبار المعارضة لهما على الاستحباب جمعا
بين الأدلة. وأراد بالأخبار المعارضة ما دل على ان أقل المجزئ ثلاث صغريات
كالرواية السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة.
وفيه ان
الروايتين اللتين استند إليهما غير صريحتين بل ولا ظاهرتين في ما ادعاه لجواز ان
يكون المراد بالواحدة تسبيحة كبرى ، ومرجعه إلى التخيير بين ثلاث
__________________
صغريات وواحدة كبرى ، فان جعل كل منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في
مرتبة واحدة ، ويشير إلى ما ذكرناه ما قدمناه من كلام صاحب الوافي ، ويعضد ما
ذكرناه الخبر الثالث حيث انه جعل المجزئ ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة والمراد
ثلاث صغريات بتأن وتثبت أو واحدة تامة كبرى. نعم قد ورد في الخبر السادس عشر ما يدل
على الاكتفاء بواحدة صغرى للمعتل والمريض والمستعجل. وبذلك يظهر لك ان القول
المذكور لا مستند له من الأخبار.
واما القول
الثاني فاستدل عليه في المدارك بالخبر الأول. وفيه ان الخبر ليس فيه «وبحمده» كما
هو المذكور في كلام الشيخ (قدسسره) فلا ينطبق على تمام المدعى إلا بتكلف. والأظهر
الاستدلال عليه بالخبر الحادي عشر ـ ولا ينافيه نقص الصلاة بنقص واحدة أو اثنتين
إذ المراد نقص ثوابها ـ والخبر الرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر
وكذا حديث حماد بن عيسى المتقدم في أول الباب .
واما القول
الثالث فاستدل عليه في المدارك بالخبر الثالث والخبر الثامن. وفيه ان الثاني لا
دلالة فيه على تمام المدعى ، فان القول المذكور مشتمل على التخيير بين واحدة كبرى
وثلاث صغريات والرواية إنما اشتملت على ثلاث تسبيحات صغريات. وكونها أخف ما يقال
في التسبيح لا يستلزم خصوصية كون الفرد الآخر تسبيحة كبرى كما لا يخفى ، والدليل
انما هو الأول. ويدل عليه أيضا الحديث الرابع والخامس بالتقريب الذي قدمناه ذكره
من حملهما على ما دل عليه الخبر الثالث.
واما القول
الرابع فاستدل عليه في المدارك بالخبر الحادي عشر. وفيه (أولا) ان الخبر المذكور
غير منطبق على القول المشار اليه بكلا طرفيه إذ لا تصريح في الخبر المذكور بحكم
المضطر. و (ثانيا) ان ظاهر القول المذكور وجوب الثلاث والخبر المذكور لا دلالة له
على ذلك ، لان نقصان ثلث الصلاة لمن ترك واحدة وثلثيها لمن ترك ثنتين انما هو
بمعنى نقص
__________________
ثوابها فغاية ما يفهم منه الفضل والاستحباب في الإتيان بالزائد على واحدة ،
وحينئذ فلا يكون منطبقا على القول المذكور.
والأظهر
الاستدلال له بالخبر السادس عشر فإنه مشتمل على حكم المختار والمضطر ، وان المختار
مخير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات حسب ما تقدم نقله عن المختلف في نقله عن ذلك
القائل ما يؤذن بالتخيير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات ، وبالجملة فالرواية منطبقة
على القول المذكور من جميع جهاته كما لا يخفى فهي الأولى بأن تجعل دليلا له. إلا
انها معارضة بالخبر الثالث لدلالته على حصول الواجب بواحدة كبرى وثلاث صغريات
فالواجب حمله على الفضل والاستحباب ، ومنه يظهر انه لا دليل للقول المذكور.
واما القول
الخامس فلم أقف له على دليل ظاهر من الأخبار.
بقي الكلام في
شيء آخر وهو انه على تقدير القول بمطلق الذكر كما هو أحد القولين أو كون ذلك رخصة
وان كان الأصل انما هو التسبيح كما قدمنا ذكره فاللازم الاكتفاء بتسبيحة واحدة
صغرى لحصول الذكر بذلك مع انك قد عرفت من جملة من الأخبار ان أقل المجزئ ثلاث
تسبيحات صغريات والواحدة انما هي لذوي الاعذار.
وهذا الاشكال
قد تنبه له في الروض حيث انه اختار الاكتفاء بمطلق الذكر ، وأجاب عنه وقال بعد نقل
جملة من اخبار القولين : والتحقيق انه لا منافاة بين هذه الأخبار الصحيحة من
الجانبين فإن التسبيحة الكبرى وما يقوم مقامها تعد ذكر الله فتكون أحد أفراد
الواجب التخييري المدلول عليه بالأخبار الأولى ، فإنها دلت على اجزاء ذكر الله وهو
أمر كلي يتأدى في ضمن التسبيحة الكبرى والصغرى المكررة والمتحدة فيجب الجميع
تخييرا. وهذا مع كونه موافقا للقواعد الأصولية جمع حسن بين الأخبار فهو اولى من
اطراح بعضها أو حملها على التقية وغيرها. نعم رواية معاوية بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) ـ حين «سأله عن أخف ما يكون من التسبيح في
__________________
الصلاة فقال ثلاث تسبيحات مترسلا تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله». ـ
قد تأبى هذا الحمل لكن لا صراحة فيها بان ذلك أخف الواجب فيحمل على أخف المندوب
فإنه أعم منهما إذ لم يبين فيه الفرد المنسوب إليه الأخفية. انتهى.
وفي هذا الحمل
الذي ذكره (قدسسره) من البعد ما لا يخفى سيما مع دلالة الخبر التاسع الذي
هو نظيره في هذا المعنى على انه لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو
قدرهن ، وفي الخبر العاشر «ادنى ما يجزئ من التسبيح».
ويمكن ان يقال
في الجواب عن هذا الاشكال ـ بناء على ما اخترناه من ان الأصل هو التسبيح والاكتفاء
بمطلق الذكر انما وقع رخصة ـ ان المستفاد من اخبار التسبيح كما عرفت هو ان الواجب
منه انما هو تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات ، وحينئذ فيجب التخصيص في اخبار الذكر بما
ذكرنا من اخبار التسبيح الدالة على الصورة المذكورة بمعنى انه لا يجزئ من التسبيح
أقل مما ذكرنا وكل ما صدق عليه الذكر فإنه يجزئ ما عدي ما نقص من التسبيح عما
ذكرنا. هذا أقصى ما يمكن ان يقال.
والعجب هنا ان
العلامة في المنتهى قال اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على ان الواجب من ذلك
تسبيحة واحدة تامة كبرى صورتها «سبحان ربي العظيم وبحمده » أو ثلاث صغريات صورتها «سبحان الله» ثلاثا مع الاختيار
، ومع الضرورة تجزئ الواحدة الصغرى لرواية زرارة ، والاجتزاء بالواحدة الكبرى دل
عليه قول أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث هشام بن سالم «تقول في الركوع سبحان ربي
العظيم ، الفريضة.». ثم ساق الخبر كما تقدم ، ثم قال وعلى قيام الثلاث الصغرى
مقامها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ، ثم ساق الرواية كما تقدمت ،
ثم قال والاجتزاء بواحدة صغرى في حال الضرورة مستفاد من الإجماع. انتهى. ولا يخفى
ما فيه بعد الإحاطة بما تلوناه عليك فلا ضرورة في الإعادة.
__________________
تذييل جليل
قال شيخنا
البهائي (قدسسره) في كتاب الحبل المتين : ومعنى «سبحان ربي العظيم
وبحمده» انزه ربي عن كل ما لا يليق بعز جلاله تنزيها وانا متلبس بحمده على ما
وفقني له من تنزيهه وعبادته ، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف ان يكون في هذا
الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل فتدارك ذلك بقوله وانا متلبس بحمده على ان
صيرني أهلا لتسبيحه وقابلا لعبادته ، على قياس ما قاله جماعة من المفسرين في قوله
تعالى حكاية عن الملائكة «ونحن نسبح بحمدك» فسبحان مصدر بمعنى التنزيه كغفران ولا يكاد يستعمل إلا
مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله وهو هنا مضاف إلى المفعول وربما جوز كونه مضافا
إلى الفاعل ، والواو في «وبحمده» حالية وربما جعلت عاطفة. و «سمع الله لمن حمده»
بمعنى استجاب لكل من حمده ، وعدي باللام لتضمنه معنى الإصغاء والاستجابة ، والظاهر
انه دعاء لا مجرد ثناء كما يستفاد مما رواه المفضل عن الصادق (عليهالسلام) قال : «قلت له جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي احمد
الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك يقول سمع الله لمن حمده». ، انتهى كلامه
زيد إكرامه
(المقام الثاني)
ـ في ما يستحب في الركوع وهي أمور : (منها) التكبير له على المشهور بين الأصحاب ،
ونقل عن ابن أبي عقيل القول بوجوب تكبير الركوع والسجود وهو اختيار سلار ونقله
الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا ، وتردد فيه المحقق في الشرائع ثم استظهر الندب.
قال في المدارك
: منشأ التردد من ورود الأمر به في عدة اخبار كقول أبي جعفر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب
__________________
الله أكبر ثم اركع». وفي صحيحة أخرى له عنه (عليهالسلام) «ثم تكبر وتركع». ومن أصالة البراءة من الوجوب ، واشتمال ما فيه ذلك الأمر
على كثير من المستحبات ، وموثقة أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ادنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة؟ قال تكبيرة
واحدة». والمسألة محل إشكال إلا ان المعروف من مذهب الأصحاب هو القول بالاستحباب.
انتهى. وعلى هذا النهج كلام غيره أيضا.
أقول : لقائل
أن يقول ان أصالة البراءة يجب الخروج عنها بالدليل وهو هنا الأمر الذي هو حقيقة في
الوجوب كما قرر في محله ، واشتمال ما فيه ذلك الأمر على كثير من المستحبات لا
يستلزم حمل ذلك الأمر على الاستحباب إذ ليس هذا أحد قرائن المجاز فان كثيرا من
الأخبار قد اشتمل على الصنفين المذكورين ، وقيام الدليل على استحباب تلك الأشياء
المذكورة لا يقتضي استحباب ذلك في ما لا دليل فيه.
ويؤيد القول
بالوجوب ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام): «واعلم ان الصلاة ثلث وضوء وثلث ركوع وثلث سجود ، وان
لها أربعة آلاف حد ، وان فروضها عشرة : ثلاثة منها كبار وهي تكبيرة الإحرام
والركوع والسجود ، وسبعة صغار وهي القراءة وتكبير الركوع وتكبير السجود وتسبيح
الركوع وتسبيح السجود والقنوت والتشهد ، وبعض هذه أفضل من بعض». انتهى.
واما موثقة أبي
بصير التي أوردها فظني انها ليست على ما فهمه منها ، فان الظاهر ان السؤال في هذه
الرواية انما هو بالنسبة إلى التكبيرات الافتتاحية وادنى ما يجزئ منها لا تكبيرات
الصلاة ليدخل فيه تكبير الركوع والسجود كما ظنه.
ومن هذا القبيل
رواية أبي بصير أيضا عنه (عليهالسلام) قال : «إذا
__________________
افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا.
الحديث».
وصحيحة الشحام قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك
الفضل».
وهذه الرواية
إنما خرجت هذا المخرج وان كانت مجملة ليست كهذين الخبرين في التقييد بالافتتاح
ومقتضى المقام وقرائن الكلام يومئذ كانت ظاهره في ذلك ونحوه في الأخبار غير عزيز.
وبالجملة
فالمسألة غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال ، ولو لا اتفاق
الأصحاب قديما وحديثا إلا ابن أبي عقيل ـ مع إمكان إرجاع كلامه إلى ما ذكروه ـ لكان
القول بالوجوب متعينا.
و (منها) ـ رفع
اليدين بالتكبير قائما قبل الركوع حتى يحاذي أذنيه على نحو ما تقدم تحقيقه في بحث
تكبيرة الإحرام.
ويدل على ذلك قوله
(عليهالسلام) في صحيحة زرارة : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثم
اركع وقل اللهم : لك ركعت. الحديث».
وفي صحيحته
الأخرى عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : قال «إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ثم
اركع واسجد».
وفي صحيحة حماد
المتقدمة أول الباب في وصف صلاة الصادق (عليهالسلام) «انه رفع يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم
ركع».
وقال الشيخ في
الخلاف : ويجوز ان يهوى بالتكبير. قيل فإن أراد الجواز المطلق فهو متجه وان أراد
المساواة في الفضيلة فهو ممنوع. ذكر ذلك جمع من المتأخرين.
__________________
وقد تقدم نقل
الخلاف في رفع اليدين في التكبير وجوبا واستحبابا وكذا الكلام في نهاية الرفع وحده
في الموضع المشار اليه آنفا.
فائدة
روى الشيخ في
الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد
وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد ان يسجد الثانية».
وعن ابن مسكان
في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «في الرجل يرفع يديه كلما أهوى للركوع والسجود
وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود؟ قال هي العبودية».
وقد وقع الخلاف
في ما دل عليه هذان الخبران من رفع اليدين بعد الركوع والسجود في موضعين :
(أحدهما) في
ثبوته واستحبابه كما هو ظاهر الخبرين المذكورين وبه قال ابنا بابويه وصاحب الفاخر
ونفاه ابن أبي عقيل والمحقق والعلامة ، وأكثرهم لم يتعرضوا لذلك بنفي ولا إثبات ،
قال في المعتبر : رفع اليدين بالتكبير مستحب في كل رفع ووضع إلا في الرفع من
الركوع فإنه يقول «سمع الله لمن حمده» من غير تكبير ولا رفع يد وهو مذهب علمائنا.
انتهى. وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل الخبرين المذكورين : لم أقف على قائل
باستحباب رفع اليدين عند الرفع من الركوع إلا ابني بابويه وصاحب الفاخر ونفاه ابن
ابي عقيل والفاضل وهو ظاهر ابن الجنيد ، والأقرب استحبابه لصحة سند الخبرين وأصالة
الجواز وعموم «ان الرفع زينة الصلاة واستكانة من المصلي» . وحينئذ يبتدئ بالرفع عند
__________________
ابتداء رفع الرأس وينتهي بانتهائه وعليه جماعة من العامة انتهى. ونقل هذا الكلام عن الذكرى في كتاب الحبل المتين
ونفى عنه البأس ، وظاهر المدارك أيضا الميل إلى ذلك
و (ثانيهما) في
التكبير مصاحبا للرفع فأثبته بعض الأصحاب ومنهم ـ المحدث السيد نعمة الله الجزائري
(قدسسره) في رسالته (التحفة) وادعى ان الخبرين المذكورين صريحان
في ذلك. وهو عجيب فإنهما كما عرفت لم يتضمنا إلا الرفع خاصة. وممن بالغ في ذلك
وأطال الاستدلال عليه شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني
في بعض أجوبة المسائل وادعى ما ادعاه السيد المزبور من ظهور الخبرين في التكبير
وادعى أيضا تصريح ابن بابويه وصاحب الفاخر بذلك. وأنت خبير بان الخبرين المذكورين
لا دلالة فيهما على ما ادعياه كما عرفت ، واما كلام صاحب الفاخر فلا يحضرني الآن ،
واما كلام الصدوق في الفقيه فهو بهذه العبارة «ثم ارفع رأسك من الركوع وارفع يديك
واستو قائما ثم قل سمع الله لمن حمده والحمد لله رب العالمين ، ثم ذكر الدعاء إلى
ان قال واهو إلى السجود. وهي كما ترى خالية من ذلك.
ومن ذلك يظهر
ان الأقوال في المسألة ثلاثة (أحدها) نفى الرفع كما هو قول ابن أبي عقيل ومن تبعه.
و (ثانيها) إثباته كما دل عليه الخبران. و (ثالثها) القول بالرفع واضافة التكبير.
والأول والثالث طرفا إفراط وتفريط ، لأن الأول فيه رد للحكم مع وجود النص الصحيح
الصريح الدال على ذلك ، والثالث يتضمن زيادة ليس لها في النص اثر ، وأحسن الأمور
أوسطها.
والشيخ المحدث
الصالح المشار اليه قد أطال في الاستدلال على ما ادعاه بما لا مزيد طائل في التعرض
اليه ، وعمدة ما استدل به التلازم بين الرفع والتكبير ، قال (قدسسره) : الأول انه لما ثبت استحباب الرفع ثبت استحباب
التكبير لعدم انفكاك الرفع عن التكبير شرعا إذ لم يعهد من الشارع رفع بدون تكبير
وانما ذكر الملزوم وهو الرفع
__________________
مع ارادة التكبير لأن التكبير لازم للرفع تنبيها على تأكده ولزومه له بخلاف
العكس. انتهى
وهذه الدعوى
ممنوعة لعدم دليل على التلازم ، ومجرد عدم وجود الرفع بدون التكبير في غير هذه
الصورة لا يصلح دليلا إذ هو محل النزاع ، وهل هي إلا مصادرة على المطلوب؟ وبالجملة
فإن العبادات تشريعية دائرة مدار الورود عن صاحب الشرع ولا مدخل للاستبعادات
العقلية فيها ، والذي ورد هو ما ترى من الرفع خاصة وما زاد يتوقف على الدليل وليس
فليس ، بل لا يبعد ان الإتيان بالتكبير في الصورة المذكورة تشريع لعدم ثبوت التعبد
به.
وبالجملة
فالظاهر هو القول الوسط من الأقوال الثلاثة المتقدمة ، على ان احتمال التقية في
الخبرين المذكورين بالنسبة إلى هذا الحكم غير بعيد كما أشار إليه الشهيد في الذكرى
في ما قدمنا من عبارته ، ويؤيد ذلك ما ذكره شيخنا المجلسي (قدسسره) حيث قال بعد نقل كلام الذكرى : أقول : ميل أكثر العامة
إلى استحباب الرفع صار.
__________________
سببا لرفع الاستحباب عند أكثرنا. انتهى. أقول ومن ذلك يعلم انه لا يبعد حمل
الحكم المذكور على التقية حيث انه لم يشتهر هذا الحكم في اخبارهم ولا بين متقدمي
أصحابهم (عليهمالسلام).
ومما يؤيد ذلك
ما وقفت عليه في كتاب المنتظم للشيخ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي في مقام الطعن
على أبي حنيفة ، حيث عد فيه جملة من المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة روايات
الصحاح باجتهاده ، وقد نقلت تلك المسائل في مقدمة كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن
أبي الحديد في جملة مطاعن أبي حنيفة ، قال في كتاب المنتظم : الخامس ـ تعين رفع
اليدين في الركوع وعند الرفع منه وقال أبو حنيفة لا يسن ، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا
أراد ان يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع». الى ان قال : وقد رواه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نحو من عشرين صحابيا. انتهى. أقول : لا يخفى ان تخصيص
أبي حنيفة بالمخالفة في هذا الحكم مؤذن بشهرة الحكم عندهم واتفاق من عداه على
الحكم المذكور ، وقد استفاضت الأخبار بمخالفة ما عليه العامة والأخذ بخلافهم وان
كان في غير مقام تعارض الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ
تلك الثمار. والله العالم.
ومنها ـ ما
اشتملت عليه صحيحة حماد من قوله : «ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد
ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبت عليه قطرة من.
__________________
ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل
فقال سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات) ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام
قال «سمع الله لمن حمده» ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد. الحديث».
وصحيحة زرارة
عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب «الله أكبر» ثم
اركع وقل : اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي
وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف
ولا مستكبر ولا مستحسر سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات في ترتيل) وتصف في
ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى
على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلع بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا
وضعتها على ركبتيك ، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك بين قدميك ، ثم قل : سمع الله
لمن حمده ـ وأنت منتصب قائم ـ الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء
والعظمة لله رب العالمين. تجهر بها صوتك. ثم ترفع يديك بالتكبير ثم تخر ساجدا».
وفي صحيح زرارة
الآخر عن أبي جعفر (عليهالسلام) المتقدم في صدر الباب «فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من
ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلع بأطراف الأصابع عين
الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى
ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب الي ان تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة
وتفرج بينها ، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين قدميك ، فإذا أردت أن
تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا. الحديث».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «وإذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك وتفرج
__________________
بين أصابعك واقبض عليهما».
وقال في موضع
آخر : «فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك
ركعت ولك خشعت وبك اعتصمت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري
وشعري وبشري ومخي ولحمي ودمي وعصبي وعظامي وجميع جوارحي وما الأرض مني غير مستنكف
ولا مستكبر لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث
مرات) وان شئت خمس مرات وان شئت سبع مرات وان شئت التسع فهو أفضل. ويكون نظرك في
وقت القراءة إلى موضع سجودك وفي الركوع بين رجليك ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك
إلى موضعه وقل : سمع الله لمن حمده بالله أقوم واقعد أهل الكبرياء والعظمة لله رب
العالمين لا شريك له وبذلك أمرت ثم كبر واسجد».
أقول : وفي هذا
المقام فوائد (الأولى) ما دل عليه خبر حماد من استحباب التغميض حال الركوع مناف
لما دل عليه صحيحا زرارة من استحباب النظر إلى ما بين القدمين ، وكلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي ، وربما جمع بينهما بالتخيير
وإلى ذلك أشار الشيخ (قدسسره) في النهاية حيث قال : وغمض عينيك فان لم تفعل فليكن
نظرك إلى ما بين رجليك وقال في الذكرى : لا منافاة فإن الناظر إلى ما بين قدميه
تقرب صورته من صورة المغمض ، وهذا الكلام محتمل لمعنيين (أحدهما) ان إطلاق حماد
التغميض على هذه الصورة الشبيهة به مجاز. و (ثانيهما) ان صورة الناظر إلى ما بين
قدميه لما كانت شبيهة بصورة المغمض ظن حماد ان الصادق (عليهالسلام) كان مغمضا. وهذان الاحتمالان ذكرهما في كتاب الحبل
المتين واستظهر الأول منهما واستبعد الثاني.
(الثانية) ـ ان
صريح خبر حماد انه (عليهالسلام) كبر للسجود قائما وظاهر خبر زرارة كون التكبير حال
الهوى للسجود ، وأصرح منهما في ذلك ما رواه في الكافي
__________________
عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال «سمعته يقول كان علي بن الحسين (عليهماالسلام) إذا هوى ساجدا انكب وهو يكبر». والجمع بالتخيير جيد
وقال في الذكرى : ولو كبر في هويه جاز وترك الأفضل. وهو مشكل بعد ورود الخبر كما
عرفت. وقال ابن أبي عقيل : يبدأ بالتكبير قائما ويكون انقضاء التكبير مع مستقره
ساجدا. وخير الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما. وفيه تأييد لما ذكرناه
من الجمع بين الأخبار بالتخيير. إلا ان ما ذكره ابن أبي عقيل ـ من امتداد ذلك إلى
ان يستقر ساجدا ـ فيه ما ذكره بعضهم من انه لا يستحب مده ليطابق الهوى لما ورد «ان التكبير جزم». وقال في الذكرى : لا ينبغي مد التكبير قصدا لبقائه ذاكرا
إلى تمام الهوى لما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «التكبير جزم». وبالجملة فإن غاية ما يدل عليه
خبر المعلى انه يكبر هاويا ، واما امتداده إلى هذا المقدار فلا دلالة فيه عليه.
(الثالثة) ـ ظاهر
الأخبار المذكورة بل صريحها انه يأتي بالسمعلة بعد الاستقرار قائما وهو المشهور في
كلام الأصحاب ، ونقل في الذكرى عن ظاهر كلام ابن أبي عقيل وابن إدريس وصريح أبي
الصلاح وابن زهرة انه يقول «سمع الله لمن حمده» في حال ارتفاعه وباقي الأذكار بعد
انتصابه. وهو خال من المستند بل الأخبار ـ كما ترى ـ صريحة في رده.
(الرابعة) ـ قد
تضمنت صحيحة زرارة الأولى بعد السمعلة : الحمد لله رب العالمين. الى آخر الدعاء
المذكور ثمة ، وكذلك عبارة الفقه الرضوي بعد البسملة : بالله أقوم واقعد. إلى آخر
ما هو مذكور ثمة ، وهو ظاهر في العموم لجميع المصلين. وقد نقل الفاضلان في المعتبر
والمنتهى الإجماع على استحباب السمعلة للمصلي إماما كان أو مأموما أو منفردا.
__________________
وفي صحيحة جميل
المروية في الكافي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «قلت ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال يقول :
الحمد لله رب العالمين ويخفض من الصوت». وضمير «قال» يحتمل رجوعه إلى الامام
وحينئذ فالمستحب للمأموم انما هو «الحمد لله رب العالمين» خاصة فيمكن تخصيص
الأخبار الأولة بها ، ويحتمل رجوعه إلى المأموم فيكون من قبيل الأخبار المتقدمة
إلا انه يقتصر في الذكر بعد السمعلة على لفظ «الحمد لله رب العالمين» والظاهر ان
الأول أقرب إلا ان فيه ما يوجب الخروج عن الإجماع المدعى في المقام كما عرفت.
وقال في
الذخيرة : ولو قيل باستحباب التحميد خاصة للمأموم لم يكن بعيدا لما رواه الكليني
عن جميل بن دراج في الصحيح ، ثم ذكر الرواية. وفيه ما عرفت من الاحتمالين في
الرواية وكلامه لا يتم إلا على تقدير الاحتمال الأول ، وفيه ما عرفت من الخروج عن
دعوى الإجماع المنقول.
ونقل في الذكرى
عن الحسين بن سعيد انه روى بإسناده إلى أبي بصير عن الصادق (عليهالسلام) انه كان يقول بعد رفع رأسه «سمع الله لمن حمده الحمد
لله رب العالمين الرحمن الرحيم بحول الله وقوته أقوم واقعد أهل الكبرياء والعظمة
والجبروت». وروى أيضا بإسناده إلى محمد بن مسلم عنه (عليهالسلام) «إذا قال الامام سمع الله لمن حمده قال من خلفه ربنا لك الحمد ، وان كان
وحده إماما أو غيره قال : سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين».
ونقل المحقق في
المعتبر عن الشيخ في الخلاف ان الامام والمأموم يقولان : «الحمد لله رب العالمين
أهل الكبرياء والعظمة» بعد السمعلة ، قال وهو مذهب علمائنا ثم نقل عن الشافعي يقول
الامام والمأموم «ربنا ولك الحمد» وعن احمد روايتان : إحداهما كما قال الشافعي ،
والثانية لا يقولها المنفرد ، وفي وجوبها عنه روايتان ، وعن أبي حنيفة يقولها
__________________
المأموم دون الامام وأنكر في المعتبر ذلك مستندا إلى خلو أخبارنا منه وان
المنقول فيها ما ذكره الشيخ. قال في الذكرى : والذي أنكره في المعتبر يدفعه قضية
الأصل والخبر حجة عليه وطريقه صحيح واليه ذهب صاحب الفاخر واختاره ابن الجنيد ولم
يقيده بالمأموم
أقول : الظاهر
ان المحقق (قدسسره) لم يقف على الخبر الذي نقله في الذكرى فيكون إنكاره في
محله لعدم وصول الخبر اليه والذي وصل اليه خال من ذلك ، ويعضده ما نقله في المدارك
عن الشيخ انه قال ولو قال «ربنا لك الحمد» لم تفسد صلاته لانه نوع تحميد لكن
المنقول عن أهل البيت (عليهمالسلام) أولى ، فإنه مشعر بعدم وصول الرواية له بذلك عن أهل
البيت (عليهمالسلام).
ثم أقول : من
المحتمل قريبا حمل الخبر المذكور على التقية لموافقته لما عليه العامة من استحباب
هذا اللفظ واليه يشير ما نقله في المدارك عن الشيخ (قدسسره) من قوله «لكن المنقول عن أهل البيت اولى» والحمل على
التقية لا يختص بوجود المعارض كما عرفته غير مرة حسبما صرحت به اخبارهم (عليهمالسلام).
ثم ان الخبر
المنقول عندنا بلفظ «ربنا لك الحمد» بغير واو والعامة مختلفون في ثبوتها وسقوطها
بناء على اختلاف رواياتهم في ذلك ، فمنهم من أسقطها لأنها زيادة لا معنى لها وهو
منقول عن الشافعي ، والأكثر منهم على ثبوتها ، وعلى تقدير ثبوتها فمنهم من زعم
انها واو العطف ومنهم من زعم انها مقحمة .
(الخامسة) ـ لا
يخفى ان «سمع» من الأفعال المتعدية إلى المفعول بنفسها وعدي هنا باللام تضمينا
لمعنى (استحباب) فعدي بما يعدى به كما ان قوله تعالى «لا يسمعون إلى الملإ الأعلى»
ضمن معنى الإصغاء اي يصغون فعدي ب «إلى» قال في النهاية الأثيرية
__________________
«سمع الله لمن حمده» أي أجاب حمده وتقبله ، يقال اسمع دعائي أي أجب لأن غرض
السائل الإجابة والقبول ، ومنه الحديث «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع». اي لا
يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع.
(السادسة) ـ قال
في الذكرى : يستحب للإمام رفع صوته بالذكر في الركوع والرفع ليعلم المأموم لما سبق
من استحباب إسماع الإمام للمأمومين ، أما المأموم فيسر واما المنفرد فمخير إلا
التسميع فإنه جهر على إطلاق الرواية السالفة. انتهى. أقول : أشار بالرواية إلى ما
تقدم في صحيحة زرارة الاولى من قوله «تجهر بها صوتك».
(السابعة) ـ قال
في الذكرى أيضا : ويجوز الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) في الركوع والسجود بل يستحب ، ففي الصحيح عن عبد الله
بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) وهو في الصلاة المكتوبة إما راكعا أو ساجدا فيصلي عليه
وهو على تلك الحال؟ فقال نعم ان الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير والتسبيح وهي
عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه». وعن الحلبي عنه (عليهالسلام) «كل ما ذكرت الله عزوجل به والنبي (صلىاللهعليهوآله) فهو من الصلاة».
أقول : روى
الصدوق في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) من قال في ركوعه وسجوده وقيامه : اللهم صل على محمد
وآل محمد ، كتب الله له ذلك بمثل الركوع والسجود والقيام». ونحوه روى الشيخ في
التهذيب إلا ان فيه «صلى الله على محمد وآل محمد». وهذا الخبر
هو الأليق
__________________
بالاستدلال على الحكم المذكور ، إذ المدعى هو استحباب الصلاة ابتداء في هذه
المواضع والأخبار المذكورة انما تدل على الاستحباب من حيث ذكره (صلىاللهعليهوآله) بناء على ما هو المشهور بينهم من استحباب الصلاة متى
ذكر وان كان الأظهر عندي القول بالوجوب وهذا أمر عام لحال الركوع وغيره والمدعى
انما هو استحباب الصلاة في الركوع وكذا في السجود والقيام كما دل عليه الخبر
المذكور.
(الثامنة) ـ قد
صرح جملة من الأصحاب بكراهة القراءة في الركوع والسجود ، قال في المنتهى لا تستحب
القراءة في الركوع والسجود وهو وفاق لما رواه علي (عليهالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود». رواه الجمهور
ولأنها عبادة فتستفاد كيفيتها من صاحب الشرع وقد ثبت انه لم يقرأ فيهما
فلو كان مستحبا لنقل فعله ، وقال : يستحب ان يدعو في ركوعه لانه موضع اجابة لكثرة
الخضوع فيه. وقال في الدروس : يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود. وقال في
الذكرى : كره الشيخ القراءة في الركوع وكذا يكره عنده في السجود والتشهد ، وقد روى
العامة عن علي (عليهالسلام) عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال : «ألا اني نهيت ان اقرأ راكعا وساجدا». ولعله
ثبت طريقه عند الشيخ (رحمهالله) وقد روى في التهذيب قراءة المسبوق مع التقية في ركوعه
وروى عن عمار
عن الصادق (عليهالسلام) في الناسي حرفا من القرآن «لا يقرأ راكعا بل ساجدا».
__________________
أقول : ظاهر
كلام أصحابنا في هذا المقام انه لا سند لهذا الحكم في أخبارنا ولذلك ان العلامة في
المنتهى اقتصر على الخبر المنقول عن علي (عليهالسلام) مع اعترافه بكونه من روايات الجمهور ، واليه يشير أيضا
قوله في الذكرى بعد اسناد الحكم إلى الشيخ وتعقيبه بالخبر المذكور : «ولعله ثبت
طريقه عند الشيخ».
أقول : والذي
وقفت عليه من أخبارنا في ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري
عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) قال : «لا قراءة في ركوع ولا سجود انما فيهما المدحة
لله عزوجل ثم المسألة فابتدئوا قبل المسألة بالمدحة لله عزوجل ثم اسألوا بعدها».
وما رواه في
الخصال عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) قال : «سبعة لا يقرأون القرآن : الراكع والساجد وفي
الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض».
أقول : ما
اشتمل عليه الخبر الأول من استحباب الدعاء في الركوع قد صرح به ابن الجنيد فقال :
لا بأس بالدعاء فيهما ـ يعني الركوع والسجود ـ لأمر الدين والدنيا من غير ان يرفع
يديه في الركوع عن ركبتيه ولا عن الأرض في سجوده.
وروى في كتاب
معاني الأخبار عن محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن عبد العزيز عن القاسم بن سلام
رفعه قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود ، فاما
الركوع فعظموا الله فيه واما السجود فأكثروا فيه الدعاء فإنه قمن ان يستجاب لكم».
أقول : والذي
يقرب في الخاطر الفاتر ان أصل هذا الحكم انما هو من
__________________
العامة وان هذه الأخبار خرجت مخرج التقية ، ويعضدها ان رواتها
رجال العامة ، وان هذا الحكم انما ذكره المتأخرون واشتهر بينهم ولا وجود له في
كلام المتقدمين في ما أظن ، وقد عرفت ان أصحابنا القائلين بذلك انما استندوا إلى
ذلك الخبر العامي وهذا الخبر الأخير يشير إليه أيضا ، وكيف كان فالاحتياط في ترك
ذلك.
(التاسعة) ـ قال
في الذكرى : ظاهر الشيخ وابن الجنيد وكثير ان السبع نهاية الكمال في التسبيح وفي
رواية هشام اشارة اليه ، لكن روى حمزة بن حمران والحسن بن زياد ،
ثم نقل الخبر وقد تقدم في الموضع الثاني من المقام الأول ثم نقل رواية أبان بن تغلب المنقولة ثمة ، ثم قال قال
في المعتبر الوجه استحباب ما لا يحصل معه السأم إلا ان يكون اماما. وهو حسن. ولو
علم من المأمومين حب الإطالة استحب له أيضا التكرار.
أقول : أشار
برواية هشام إلى الخبر الأول من الأخبار المتقدمة في الموضع الثاني من المقام
الأول المصرحة بأن السنة ثلاث والفضل في سبع ، وظاهر عبارة كتاب الفقه المتقدمة
ان الفضل في التسع ، والجمع بين الأخبار لا يخلو من اشكال إلا ان المقام مقام
استحباب.
(العاشرة) ـ روى
الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر ورواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن تفريج الأصابع في الركوع أسنة هو؟ قال
من شاء فعل ومن شاء ترك».
__________________
وربما أشعر هذا
الخبر بان تفريج الأصابع ليس بسنة حال الركوع مع دلالة الأخبار المتقدمة وغيرها
على استحبابه ، ولعل المراد انه ليس بسنة مؤكدة ، أو ليس من الواجبات التي علمت من
جهة السنة ، وبالجملة فالواجب ارتكاب التأويل في الخبر وان بعد لكثرة الأخبار
الدالة على استحباب ذلك مع اعتضادها بفتوى الأصحاب.
وقال في
المنتهى : يستحب للمصلي وضع الكفين على عيني الركبتين مفرجات الأصابع عند الركوع ،
وهو مذهب العلماء كافة إلا ما روى عن ابن مسعود انه كان إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه.
وفي الذكرى عد
التطبيق من مكروهات الركوع قال : ولا يحرم على الأقرب وهو قول أبي الصلاح
والفاضلين ، وظاهر الخلاف وابن الجنيد التحريم ، وحينئذ يمكن البطلان للنهي عن
العبادة والصحة لأن النهي عن وصف خارج.
أقول : لم أقف
في الأخبار على نهي عن ذلك بل ولا ذكر لهذه المسألة بنفي أو إثبات فالقول بالتحريم
وما فرع عليه من البطلان لا اعرف له وجها.
(الحادية عشرة)
ـ قد عد جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ (عطر الله مرقده) ومن تأخر عنه من مكروهات
الركوع ان يركع ويداه تحت ثيابه ، وقالوا يستحب ان تكونا بارزتين أو في كمه. وقال
ابن الجنيد لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزر أو سراويل.
ويمكن
الاستدلال على ما ذكروه برواية عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يصلي فيدخل يده تحت ثوبه؟ قال ان كان عليه ثوب آخر إزار أو
سراويل فلا بأس».
ونقل عن أبي
الصلاح انه قال : يكره إدخال اليدين في الكمين أو تحت الثياب. وأطلق ، ويدفعه ما
رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام)
__________________
قال : «سألته عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه؟ قال ان اخرج يديه فحسن
وان لم يخرج فلا بأس».
(الثانية عشرة)
ـ روى في مستطرفات السرائر من كتاب الحسن بن محبوب عن بريد العجلي قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أيهما أفضل في الصلاة كثرة القراءة أو طول اللبث في
الركوع والسجود؟ قال فقال كثرة اللبث في الركوع والسجود في الصلاة أفضل ، أما تسمع
لقول الله تعالى «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» إنما عنى بإقامة الصلاة طول اللبث في الركوع والسجود ،
قلت فأيهما أفضل كثرة القراءة أو كثرة الدعاء؟ فقال كثرة الدعاء أفضل أما تسمع
لقوله تعالى لنبيه (صلىاللهعليهوآله) (قُلْ ما يَعْبَؤُا
بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ)» .
الفصل السادس في السجود
وهو لغة الخضوع
والانحناء وشرعا عبارة عن وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس
، فهو خضوع وانحناء خاص فيكون مجازا لغويا أو حقيقة شرعية ، والسجدة بالفتح
الواحدة وبالكسر الاسم.
ووجوبه في
الصلاة ثابت بالنص والإجماع ، قال الله تعالى «ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا» وقد تقدمت جملة من الأخبار في سابق هذا الفصل دالة على
وجوبه وركنيته في الصلاة.
ويجب في كل
ركعة سجدتان هما ركن في الصلاة تبطل بالإخلال بهما في الركعة الواحدة عمدا وسهوا ،
وقال في المعتبر انه مذهب العلماء. قال في المدارك : والوجه فيه ان الإخلال
بالسجود مقتض لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة إلى ان
يتحقق الامتثال.
__________________
ويدل عليه صحيحة
زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».
ويظهر من كلام
الشيخ في المبسوط انهما ركن في الأوليين وثالثة المغرب بناء على ان ناسيهما في
الركعتين الأخيرتين من الرباعية يحذف الركوع ويعود إليهما. وسيجيء تحقيق البحث في
ذلك في محله من أحكام السهو.
والمشهور بين
الأصحاب ان الركن من السجود هو مجموع السجدتين. وأورد عليه لزوم بطلان الصلاة
بفوات السجدة الواحدة لفوات المجموع بفوات الجزء وهو خلاف النص والفتوى.
وأجاب الشهيد (قدسسره) بان الركن مسمى السجود وهو الأمر الكلي الصادق
بالواحدة ومجموعهما ولا يتحقق الإخلال به إلا بتركهما معا لحصول المسمى بالواحدة
وفيه (أولا) ان فيه خروجا عن محل البحث فان الكلام مبني على كون الركن مجموع
السجدتين كما هو المدعى أولا لا ان الركن المسمى فإنه قول آخر. و (ثانيا) لزوم
البطلان أيضا بزيادة السجدة الواحدة لحصول المسمى. وهو خلاف النص والفتوى.
والتحقيق انه
لا مناص في الجواب بعد القول بركنية المجموع إلا باستثناء هذا الفرد الذي ذكرنا من
القاعدة لدلالة النصوص على صحة الصلاة مع فوات السجدة سهوا وكذا لو قلنا بان الركن
المسمى يكون زيادة السجدة الواحدة سهوا مستثنى من القاعدة بالنص ، وله نظائر كثيرة
كما لو سبق المأموم إمامه بالركوع سهوا فإنه يرفع ويعيد معه ، ونحو ذلك.
واما ما يدل من
النصوص على صحة الصلاة مع نقصان السجدة فأخبار عديدة :
منها ـ صحيحة
إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل
__________________
نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال فليسجد
ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض في صلاته حتى يسلم ثم
يسجدها فإنها قضاء».
وصحيحة عبد
الله بن مسكان عن أبي بصير ـ وهو ليث المرادي بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه
ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال
يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها
وحدها وليس عليه سهو». ونحوهما غيرهما كما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب السهو.
وذهب ابن أبي
عقيل ـ على ما نقل عنه ـ إلى ركنية السجدة الواحدة وان الصلاة تبطل بالإخلال بها
ولو سهوا استنادا إلى رواية المعلى بن خنيس قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليهالسلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته؟ قال إذا ذكرها قبل
ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وان ذكرها بعد ركوعه
أعاد الصلاة. ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء».
والجواب
المعارضة بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة ، مع ان في رواية المعلى بن خنيس
عن الكاظم (عليهالسلام) اشكالا لم أقف على من تنبه له في هذا المقام ، فان
المعلى بن خنيس قتل في زمن الصادق (عليهالسلام) وقضيته مشهورة فكيف روى عن الكاظم (عليهالسلام) ولا سيما بهذه العبارة المشعرة بتأخره عن الكاظم (عليهالسلام) لان قوله «سألت أبا الحسن الماضي» يدل على ان هذا
الأخبار بعد مضيه وموته (عليهالسلام).
__________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان السجود يشتمل على الواجب والمستحب وان له أحكاما تتعلق به ، وحينئذ
فتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مقامات ثلاثة :
(الأول) ـ في
واجباته وهي أمور (أحدها) انه يجب السجود على سبعة أعظم : الجبهة والكفين
والركبتين وإبهامي الرجلين ، هذا هو المشهور بل قيل انه لا خلاف فيه ، وفي التذكرة
انه مذهب علمائنا اجمع ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
ونقل عن
المرتضى انه جعل عوض الكفين المفصل عند الزندين. أقول وبذلك صرح ابن إدريس في
السرائر ، قال : ويكون السجود على سبعة أعظم : الجبهة ومفصل الكفين عند الزندين
وعظمي الركبتين وطرفي إبهامي الرجلين ، والإرغام بطرف الأنف مما يلي الحاجبين من
السنن الأكيدة. انتهى.
والذي يدل على
القول المشهور من الأخبار ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) السجود على سبعة أعظم : الجبهة واليدين والركبتين
والإبهامين ، وترغم بأنفك إرغاما ، فأما الفرض فهذه السبعة واما الإرغام بالأنف
فسنة من النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وما تقدم
في صحيحة حماد
بن عيسى من قوله «وسجد على ثمانية أعظم : الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين
والجبهة والأنف ، وقال سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه فقال «وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً» وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ووضع الأنف
على الأرض سنة».
وما رواه عبد
الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون
القداح عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم : يديه ورجليه
وركبتيه وجبهته».
__________________
وروى الفضل بن
الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان قال : «روى ان المعتصم سأل أبا جعفر محمد بن علي بن
موسى الرضا (عليهالسلام) عن قوله تعالى (وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)؟ فقال هي الأعضاء السبعة التي يسجد عليها».
أقول : وهذه
الرواية التي أشار إليها في كتاب مجمع البيان هي ما رواه العياشي عن أبي جعفر
الثاني (عليهالسلام) «انه سأله المعتصم عن السارق من اي موضع يجب ان تقطع يده؟ فقال ان القطع
يجب ان يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف. قال وما الحجة في ذلك؟ قال قول رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين
والرجلين. فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال
الله «(وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلّهِ) ـ يعنى به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ـ فلا
تدعوا مع الله أحدا» وما كان لله فلا يقطع. الخبر».
وفي كتاب
الفقيه في وصية أمير المؤمنين (عليهالسلام) لابنه محمد بن الحنيفة «قال الله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ). يعني بالمساجد الوجه واليدين والركبتين والإبهامين».
واما القول
الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك صرح في المدارك أيضا فقال ولم نقف للمرتضى في
اعتبار المفصل على حجة.
فوائد
(الاولى) ـ الظاهر
من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يكفي في ما عدا الجبهة من هذه الأشياء
المعدودة ما يصدق به الاسم ولا يجب الاستيعاب ، قال في المدارك : ولا نعرف فيه
خلافا. وقال في الذخيرة : ولم نجد قائلا بخلاف ذلك ، ثم قال ويدل عليه حصول
الامتثال بذلك وعموم صحيحة زرارة المشتملة على حصر ما تعاد
__________________
منه الصلاة مضافا إلى الأصل. انتهى.
والعجب ان
العلامة مع تصريحه في أكثر كتبه بهذا الحكم تردد في المنتهى في الكفين فقال هل يجب
استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد ، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل
لورود النص في خصوصية الجبهة ، والتعدي بالاجزاء في البعض يحتاج إلى دليل.
(الثانية) ـ هل يجوز السجود على ظاهر الكفين؟ إطلاق الأخبار يدل
على ذلك لأنها وردت بلفظ اليدين في بعض والكفين في آخر ، إلا ان المفهوم والمتبادر
انما هو بطن الكفين ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم ان إطلاق الأخبار يجب حمله
على الافراد المعهودة الشائعة المتكثرة ، وحينئذ يجب تقييد إطلاق الأخبار بذلك.
وقال في
المدارك : والاعتبار في الكفين بباطنهما للتأسي. وفيه ما عرفت في غير مقام وبه صرح
هو في غير موضع من ان التأسي لا يصلح ان يكون دليلا للوجوب في حكم من الأحكام.
وصرح العلامة
في النهاية والشهيدان بعدم الاجتزاء بالظاهر ، ونقله في الذكرى عن الأكثر ، ونقل
في النهاية عن ظاهر علمائنا إلا المرتضى وجوب تلقى الأرض بباطن راحتيه. وفي
المنتهى لو جعل ظهور كفيه إلى الأرض وسجد عليها ففي الإجزاء نظر ، اما ظاهر
الإبهامين في الرجلين لو سجد عليهما فالأقرب عندي الجواز. انتهى.
(الثالثة) ـ الظاهر
الاكتفاء في الإبهامين بالظاهر والباطن لإطلاق الأخبار وان كان السجود على رؤوسهما
أفضل لظاهر خبر حماد ، وقد تقدم في عبارة ابن إدريس التصريح بطرفي إبهامي الرجلين
والظاهر انه أراد به الاستحباب.
وقال الشيخ في
المبسوط : ان وضع بعض أصابع رجليه أجزأه. وقال ابن زهرة يسجد على أطراف القدمين.
وقال أبو الصلاح أطراف أصابع الرجلين. ونقل في
__________________
الذكرى عن نهاية الشيخ ذكر الإبهامين في هذا المقام ورؤوس الأصابع في باب
التحنيط وجمع بينهما ، قال في النكت لما كانت المساجد لا تنفك ان يجامعها في
السجود غيرها مسح عليه وان لم يجب السجود عليه ، وتسمى مساجد لاتفاق السجود عليها
لا لوجوبه. ثم انه قال في الذكرى : والوجه تعين الإبهامين نعم لو تعذر السجود
عليهما لعدمهما أو لقصرهما أجزأ على بقية الأصابع. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان اخبار المسألة بعض منها بلفظ الإبهامين وآخر بلفظ الرجلين ، وحمل مطلقها على
مقيدها يقتضي القول بالإبهامين ، وحينئذ فلا وجه للقول الآخر ولا دليل عليه.
(الرابعة) ـ قالوا
ويجب الاعتماد على مواضع الأعضاء بإلقاء ثقله عليها فلو تحامل عنها لم يجزئ. وعلل
بأن الطمأنينة لا تحصل بهذا القدر.
أقول : الظاهر
ان الوجه فيه انما هو من حيث كون ذلك هو المتبادر من الأمر بالسجود على الأعضاء.
ويؤيده ما تقدم
في صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم (عليهالسلام) قال : «وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض».
ورواية علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن جبهته
من الأرض؟ قال يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع جبهته».
ويعضده أنه
الأوفق بالاحتياط ، فلو سجد على مثل الصوف والقطن وجب ان يعتمد عليه حتى تثبت
الأعضاء إن أمكن وإلا فلا يصلي عليه إلا ان يتعذر غيره ، ولا يجب المبالغة في
الاعتماد بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء.
(الخامسة) ـ قيل
يجب ان يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب على وجهه ومد
__________________
يديه ورجليه ووضع جبهته على الأرض منبطحا لم يجزئه على ما صرح به العلامة
وغيره لانه لا يسمى ذلك سجودا.
أقول : ان عدم
الاجزاء في الصورة المذكورة ليس من عدم مجافاة البطن عن الأرض بل من حيث ان هذه
الهيئة والكيفية لا تسمى سجودا وانما تسمى نوما على وجهه أو انبطاحا ، اما لو لصق
بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد مع وضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة
فيها فالظاهر الصحة وان كان خلاف الأفضل.
(الثاني) ـ وضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه ، وقد تقدم تحقيق ما يجوز السجود عليه وما لا يجوز
السجود عليه في المسألة السادسة من المقدمة السادسة في المكان وملخص ذلك هو الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس
إلا القرطاس خاصة أو ما أوجبته الضرورة ، وحينئذ فلو سجد على كور عمامته لم يجزئ
لكونه مما يلبس وأطلق الشيخ في المبسوط المنع من السجود على ما هو حامل له ككور العمامة
، قال في الذكرى : فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق ، وان جعل
المانع نفس الحمل كمذهب العامة طولب بدليل المنع.
واختلف الأصحاب
هنا في ما يجب وضعه على الأرض ونحوها من الجبهة فالمشهور الاكتفاء بالمسمى وما
يصدق به الاسم كغيرها من الافراد الأخر ، وقال الصدوق في موضعين من الفقيه وابن
إدريس بتحديده بقدر الدرهم.
ومما يدل على
القول المشهور ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال
إذا مس شيء من جبهته الأرض في ما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه».
وعن عمار بن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد اي ذلك
أصبت به الأرض أجزأك».
__________________
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين
موضع السجود فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة».
وما رواه في
التهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن حد السجود؟ قال ما بين قصاص الشعر إلى
موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك».
وعن بريد بن
معاوية عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «الجبهة إلى الأنف أي ذلك أصبت به الأرض في
السجود أجزأك والسجود عليه كله أفضل».
وما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال على خمرة أو على
مروحة أو على سواك يرفعه اليه وهو أفضل من الإيماء ، إنما كره من كره السجود على
المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وانا لم نعبد غير الله قط
فاسجدوا على المروحة وعلى السواك وعلى عود».
ولم نقف للقول
الآخر على دليل معتمد ، قيل لعل مستند ابن بابويه وابن إدريس ما رواه الكليني في
الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام). ثم ذكر رواية زرارة الثانية ثم قال : وغالب استعمال
الاجزاء في أقل الواجب ، ثم أجاب بأن طرف الأنملة أقل من مقدار الدرهم فلا دلالة
فيها على المدعى بل هي بالدلالة على نقيضه أشبه ، سلمنا لكنها محمولة على الفضيلة
جمعا بين الأدلة. انتهى. وهو جيد.
وبذلك قطع
الشهيد في الذكرى في باب المكان ثم رجع عنه في هذا المقام ، فقال والأقرب ان لا
ينقص في الجبهة عن درهم لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب به فيحمل المطلق من الأخبار
وكلام الأصحاب على المقيد.
__________________
وفيه أولا ان
الكثير من الأصحاب انما قالوا بالمسمى ولم ينقل القول بمقدار الدرهم إلا عن ابن
بابويه وابن إدريس و (ثانيا) ان ما ذكره من الحمل جيد لو وجد ما يدل على القول
بالدرهم ولم نقف في الباب إلا على رواية زرارة الثانية وقد عرفت اشتمالها على ما
ينافي ذلك من قوله «ومقدار طرف الأنملة» وحينئذ فلا بد من حمل قوله فيها «أجزأك
مقدار الدرهم» على الفضل والاستحباب وإلا فلو حمل على وجوبه وتعينه لم يكن لقوله
بعده «ومقدار طرف الأنملة» معنى بل يلزم اشتمال الخبر على حكمين متناقضين كما لا
يخفى. وبه يظهر انه لا دليل للقول المذكور وان المعتمد هو القول المشهور.
وربما يتوهم
الاستناد في ذلك إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض
جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض».
وهذه الرواية في الحقيقة غير دالة على ذلك إذ لا تعرض فيها لذكر الدرهم بوجه وانما
غاية ما تدل عليه هو وضع الجبهة كملا وهو مما وقع الاتفاق على عدم وجوبه والأخبار
المتقدمة صريحة في خلافه فلا بد من حملها على وجه الفضل والاستحباب كما صرح به
جملة من الأصحاب.
والتحقيق عندي
في هذا المقام ان الصدوق (رضياللهعنه) لم يستند في ما ذهب اليه من هذا القول
المنقول عنه هنا إلى شيء من هذه الأخبار التي تكلفوها مستندا له ، وانما مستنده
في ذلك كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي عرفته في غير مقام إلا انه مع ذلك لا
يخلو من الاشكال ، وتفصيل هذا الإجمال هو ان يقال لا ريب ان الصدوق في كتاب الفقيه
قد ذكر هذه المسألة في موضعين (أحدهما) في باب (ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه)
فإنه نقل في هذا الباب عن أبيه في رسالته اليه قال : وقال أبي في رسالته الي :
اسجد على الأرض أو على ما أنبتت ، وساق كلامه إلى ان قال : ويجزئك في
__________________
موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم. الى آخره ، ثم نقل في
الباب أيضا صحيحة زرارة المشتملة على اجزاء قدر الدرهم ومقدار طرف الأنملة ، ثم نقل أيضا رواية عمار المتقدمة الدالة على ان ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد
فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك. و (ثانيهما) في باب (وصف الصلاة من فاتحتها إلى
خاتمتها) فإنه قال فيه أيضا : ويجزئك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين
مقدار درهم. وهذه عين العبارة المتقدمة التي نقلها عن أبيه في رسالته اليه. ولا
يخفى ان هذه العبارة وما بعدها من الكلام كله مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على
النهج الذي قدمناه ذكره في غير مقام وسيأتي أمثاله ان شاء الله تعالى في جملة من
الأحكام ومنه يعلم ان مستند الصدوقين انما هو الكتاب المذكور ، والأصحاب لعدم
اطلاعهم على ما ذكرناه تكلفوا لهم الاستدلال بهذه الأخبار وقد عرفت انها غير صالحة
للدلالة.
بقي هنا شيء
وهو ان الأصحاب ينسبون إلى الصدوق في الفقيه المذاهب في المسائل الشرعية بنقله
الروايات ، وقد عرفت انه بعد ذكر ما نقله عن والده المؤذن بإفتائه به كما نسبوه
اليه نقل أيضا صحيحة زرارة وموثقة عمار الظاهرتين ـ ولا سيما الثانية ـ في
الاكتفاء بالمسمى ولم يتعرض للقدح فيهما ولا الجواب عنهما مع انهما في مخالفة ما
ذكره أولا ظاهرتان كما عرفت آنفا ، وبالجملة فإن نقل القول عنه بذلك مع نقله
الخبرين المذكورين لا يخلو من اشكال. والله العالم.
(الثالث) ـ ان
ينحني حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا ان يكون العلو يسيرا بقدر لبنة بفتح اللام
وكسر الباء وبكسر اللام وسكون الباء ، والمراد بها ما كانت معتادة في زمن الأئمة (عليهمالسلام) وقدرها الأصحاب بأربع أصابع تقريبا ، ويؤيده اللبن
الموجود الآن في ابنية بني العباس في سر من رأى فان الآجر الذي في أبنيتها بهذا
المقدار تقريبا.
__________________
وأسند هذا
التحديد اعني تحديد العلو الجائز باللبنة في المعتبر والمنتهى إلى الشيخ (قدسسره) ثم قال في المنتهى «وهو مذهب علمائنا» مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه ، وكذا أسنده في الذكرى إلى الأصحاب ، قال في المعتبر : لا يجوز ان
يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلى بما يعتد به مع الاختيار وعليه علماؤنا لأنه
يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع.
أقول : ويدل
على ما ذكروه من التحديد باللبنة ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن السجود على الأرض المرتفعة فقال إذا
كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس». ومفهومه ثبوت البأس مع
الزيادة على قدر اللبنة ، ومفهوم الشرط حجة شرعية كما تقدم تحقيقه في مقدمات كتاب
الطهارة.
واعترض هذه
الرواية في المدارك فقال انه يمكن المناقشة في سند الرواية بان من جملة رجالها
النهدي وهو مشترك بين جماعة منهم من لم يثبت توثيقه ، مع ان عبد الله بن سنان روى
في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن موضع جبهة الساجد أيكون ارفع من مقامه؟ قال لا
وليكن مستويا». ومقتضاها المنع من الارتفاع مطلقا ، وتقييدها بالرواية الأولى
مشكل. انتهى.
أقول : فيه ان
الظاهر ان النهدي الذي في سند هذه الرواية هو الهيثم بن أبي مسروق بقرينة رواية
محمد بن علي بن محبوب عنه والرجل المذكور ممدوح في كتب الرجال فحديثه معدود في
الحسن وله كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء : منهم ـ محمد بن علي بن محبوب وسعد بن
عبد الله ومحمد بن الحسن الصفار.
ويؤيد الخبر
المذكور أيضا شهرة العمل به بين الطائفة وعدم الراد له سواه ، وكذا يؤيده ما يأتي
من موثقة عمار.
__________________
وحينئذ فيجب
الجمع بينه وبين الصحيحة المذكورة بحمل الصحيحة المشار إليها على الفضل والاستحباب
، ويشير إلى ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد؟ فقال اني أحب ان
أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه». وروى هذه الرواية شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار من كتاب عاصم بن حميد عن أبي بصير مثله إلا انه قال : «في
مثل قدمي وكره ان يضعه الرجل». وسياق هذه العبارة يعطي الأفضلية كما لا يخفى.
فوائد
(الأولى) ـ ظاهر
كلام المتقدمين في هذه المسألة جواز المساواة وانخفاض موضع السجود مطلقا وارتفاعه
بقدر اللبنة ، والحق الشهيدان بالارتفاع الانخفاض فقيداه بقدر اللبنة أيضا ومنعا
من الزيادة على ذلك.
ويدل عليه موثقة
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض؟ فقال إذا كان الفراش غليظا قدر
آجرة أو أقل استقام له ان يقوم عليه ويسجد على الأرض وان كان أكثر من ذلك فلا».
ومما يدل على
جواز الانخفاض بقول مطلق ما رواه الشيخ عن صفوان عن محمد بن عبد الله عن الرضا (عليهالسلام) في حديث «انه سأله عن من يصلي وحده فيكون موضع سجوده
أسفل من مقامه؟ فقال إذا كان وحده فلا بأس».
وهي مطلقة في
قدر اللبنة وأزيد كما هو ظاهر كلام المتقدمين إلا انه يجب تقييدها بالموثقة
المذكورة جمعا ، وبه يظهر قوة ما ذكره الشهيدان. ويمكن تقييد كلام المتقدمين بذلك
أيضا.
__________________
واما ما ذكره
في الذخيرة هنا ـ حيث قال : والحق الشهيد الانخفاض بالارتفاع وتبعه على ذلك الشهيد
الثاني ولم أجده في كلام غيرهما من المتقدمين عليهما بل المستفاد من كلامهم
استحباب المساواة وعدم جواز الارتفاع بالمقدار المذكور حسب ، وصرح المصنف في
النهاية بجواز الانخفاض ، ونقل في التذكرة الإجماع عليه ، ويدل عليه صدق السجود
معه فيحصل الامتثال ، واستدل الشهيد بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار ، ثم ساق الرواية
كما قدمنا ، ثم قال وهي غير ناهضة بإثبات التحريم. انتهى ـ فهو من جملة تشكيكاته
الواهية المبنية على أصوله المخترعة التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لأوهن البيوت ـ مضاهية
، فاني لا اعرف لعدم ثبوت التحريم وجها إلا ما صرح به في غير موضع من كتابه
ونقلناه عنه في غير موضع مما تقدم من دعواه عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب
وكذا النهي غير دال على التحريم ، وقد عرفت بطلان ذلك في غير مقام مما تقدم وانه
موجب لخروج قائله من الدين من حيث لا يشعر.
والعجب هنا ان
السيد السند في المدارك ـ بعد ان اعترض رواية عبد الله بن سنان المتقدمة الدالة
على جواز ارتفاع موضع الجبهة بقدر اللبنة ورجح العمل بالصحيحة الدالة على المساواة
ـ قال هنا بعد ان نقل عن الشهيد إلحاق الانخفاض بالارتفاع قدر لبنة : وهو حسن
ويشهد له موثقة عمار ثم ساق الرواية كما ذكرناه.
وأنت خبير بما
فيه من المناقضة الظاهرة حيث انه استشكل في تقييد الصحيحة المذكورة بالرواية
الاولى وهو مؤذن بجموده على ظاهر الصحيحة من مساواة الموقف للمسجد وهذه الموثقة
دالة على انخفاض موضع الجبهة ، وبموجب استحسانه المذكور يلزم تقييد الصحيحة
المذكورة بهذه الموثقة ، مع انك قد عرفت ان الرواية الأولى حسنة.
وبالجملة فإن
الظاهر من الأخبار المذكورة في المقام بضم بعضها إلى بعض وحمل بعضها على بعض هو
أفضلية المساواة وجواز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة وضعف هذه المناقشات
الواهية.
(الثانية) ـ صرح
الشهيد بإجراء الحكم المذكور في جميع المساجد ، قال في
الذكرى في تعداد مستحبات السجود : ومنها مساواة مساجده في العلو والهبوط ،
وجعله في الروض وفي المدارك أحوط. ولم أقف فيه على نص والذي وقفت عليه من نصوص
المسألة هو ما ذكرته ، قال في الذخيرة : واعتبر الشهيد ذلك في بقية المساجد ولم
أجده في كلام من تقدم عليه إلا ان المصنف في النهاية قال : يجب تساوي الأعالي
والأسافل أو انخفاض الأعالي وهو ظاهر في ما ذكره والاحتياط فيه وان كان إثبات
وجوبه محل اشكال. انتهى.
وصرح جملة منهم
بأنه لا فرق في جواز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة والمنع مما زاد بين الأرض
المنحدرة وغيرها لإطلاق النص. وهو جيد.
(الثالثة) ـ المفهوم
من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا من صاحب المدارك ومن تبعه كالفاضل الخراساني
انه لو وقعت جبهته حال السجود على ما لا يصح السجود عليه مما هو أزيد من لبنة
ارتفاعا أو انخفاضا أو غيره مما لا يصح السجود عليه فإنه يرفع رأسه ويضعه على ما
يصح السجود عليه ، وان كان مما يصح السجود عليه ولكنه لا على الوجه الأكمل وأراد
تحصيل الفضيلة وما هو الأفضل في السجود فإنه يجر جبهته ولا يرفعها لئلا يلزم زيادة
سجود ثان.
وقال في
المدارك : لو وقعت جبهته على موضع مرتفع بأزيد من اللبنة فقد قطع المصنف وغيره
بأنه يرفع رأسه ويسجد على المساوي لعدم تحقق السجود معه ، ولرواية الحسين بن حماد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع؟ فقال ارفع رأسك
ثم ضعه». وفي السند ضعف ، والاولى جرها مع الإمكان لصحيحة معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها على
الأرض». والنبكة بالنون والباء الموحدة مفتوحتين واحدة النبك وهي اكمة محدودة
الرأس ، وقيل النباك التلال الصغار.
__________________
وجمع المصنف في المعتبر بين الروايتين بحمل هذه الرواية على مرتفع يصح معه
السجود فيجب السحب لئلا يزيد في السجود. وهو بعيد. ولو وقعت الجبهة على ما لا يصح
السجود عليه جرها إلى ما يسجد عليه ولا يرفعها مع الإمكان ومع التعذر يرفعها ولا
شيء عليه. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ما ذكره الأصحاب هو الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، واستبعاده هنا
لا اعرف له وجها وجيها إلا مجرد صحة سند رواية معاوية بن عمار وضعف ما عداها من
الرواية التي نقلها فمن أجل ذلك جمد على إطلاقها ، وهذه قاعدته (قدسسره) كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم انه يدور مدار
الأسانيد فمتى صح السند غمض عينيه ونام عليه واضرب عن متن الخبر سواء خالف الأصول
أو وافقها ، ولم أقف على هذه الطريقة إلا في كلامه وكلام من اقتفاه وإلا فأصحاب
هذا الاصطلاح يراعون متون الأخبار صح السند أو ضعف كما في هذا الموضع وغيره
وبالجملة فما
ذكره الأصحاب هو الأظهر ، لأنه متى كان السجود باطلا بان يكون على موضع مرتفع
بأزيد من لبنة أو كان على شيء لا يصح السجود عليه فإنه لا يعتبر به ولا يعد سجودا
شرعيا ، فرفع الرأس منه إلى ما يصح السجود عليه غير ضائر ولا مانع منه شرعا بخلاف
ما لو وقعت جبهته على ما يصح السجود عليه فإنه بالرفع عنه والسجود مرة ثانية يلزم
زيادة سجدة في الصلاة ويكون موجبا لبطلانها ، وحينئذ يجب حمل صحيحة معاوية ابن
عمار على ما ذكره في المعتبر.
ومن روايات
المسألة أيضا رواية الحسين بن حماد الثانية قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يسجد على الحصى؟ قال يرفع رأسه حتى يستمكن». والظاهر
حملها على عدم استقرار الجبهة وعدم حصول السجود الواجب فلا يضر رفع رأسه والسجود
مرة ثانية.
ومنها ـ صحيحة
علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته
__________________
عن الرجل يسجد على الحصا فلا يمكن جبهته من الأرض؟ فقال يحرك جبهته حتى
يتمكن فينحي الحصا عن جبهته ولا يرفع رأسه». وهي محمولة على حصول السجود الواجب
بمجرد الوضع على الحصا واستقرار الجبهة عليه فلذا منعه من الرفع ، وانما أمره
بالتحريك لأجل تحصيل الفضيلة في وقوع الجبهة كملا على الأرض.
ومنها ـ رواية
ثالثة للحسين بن حماد أيضا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو
على شيء مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو؟ قال نعم جر وجهك على الأرض من غير ان
ترفعه». والتقريب فيها كما تقدم في نظيرها.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في الاحتجاج فرواه في كتاب الغيبة عن محمد بن احمد بن داود القمي
قال : «كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل عن المصلي
يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع
فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقع (عليهالسلام) : ما لم يستو جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب
الخمرة».
وظاهره لا يخلو
من اشكال لما يعتريه من غشاوة الإجمال وفيه دلالة على جواز الرفع لتحصيل السجادة
ثم السجود عليها مرة أخرى لعدم الاعتداد بالسجود الأول لكونه وقع على ما لا يصح
السجود عليه. إلا ان التقييد بالاستواء جالسا وعدمه لا اعرف له وجها.
(الرابع) ـ الذكر
حال السجود وقد تقدم الكلام في ذلك في الركوع ، والبحث في هذه المسألة حسبما تقدم
ثمة خلافا واستدلالا واختيارا.
(الخامس) ـ
الطمأنينة وقد تقدم البحث فيها ثمة أيضا ، وقال في المدارك : اما وجوب الطمأنينة
بقدر الذكر الواجب فهو قول علمائنا اجمع وتدل عليه مضافا إلى التأسي
__________________
روايتا حريز وزرارة المتقدمتان. انتهى. وفيه ان التأسي لا يصلح دليلا على
الوجوب كما تقدم ذكره في غير مقام وصرح به جملة الاعلام وان اضطرب كلامه فيه كما
عرفته في ما تقدم. واما ما ذكره من الروايتين المشار إليهما فلم يتقدما في كلامه
والظاهر انه من سهو رؤوس اقلامه ، ونحن قد أسلفنا في فصل الركوع انهم لم يأتوا
بدليل على وجوب الطمأنينة زيادة على الاتفاق على الحكم المذكور ، وقد قدمنا ثمة
صحيح زرارة أو
حسنه الدال على انه (صلىاللهعليهوآله) رأى رجلا يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال : «نقر كنقر
الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني». وهو واضح الدلالة على وجوب
الطمأنينة في كل من الموضعين ، ومثله ما رواه البرقي في المحاسن قال وفي رواية عبد
الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أبصر علي بن أبي طالب (عليهالسلام) رجلا ينقر صلاته فقال منذ كم صليت بهذه الصلاة؟ فقال
له الرجل منذ كذا وكذا. فقال مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر لو متّ متّ على
غير ملة أبي القاسم محمد (صلىاللهعليهوآله) ، ثم قال (عليهالسلام) ان أسرق الناس من سرق من صلاته».
(السادس) ـ رفع
الرأس بعد السجدة الاولى والجلوس مطمئنا ، وهو مذهب العلماء كافة ونقل عليه
الإجماع جملة من الاعلام وتدل عليه النصوص قولا وفعلا ، ولا حد لهذه الطمأنينة بل
بما يحصل مسماها.
(المقام الثاني)
ـ في مستحبات السجود : منها ـ التكبير للأخذ فيه والرفع منه على المشهور ، وقد تقدم
البحث في ذلك في فصل الركوع والخلاف الخلاف والدليل الدليل وقد تقدم تحقيق القول
في المسألة.
ومنها ـ ان
يكبر قائما قبل السجود لقوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة المتقدمة في صدر الباب «فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا».
__________________
وفي رواية المعلى بن خنيس «يكبر هاويا». وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في المقام الثاني في مستحبات
الركوع.
ومنها ـ ان
يبدأ بيديه فيضعهما على الأرض قبل ركبتيه ونقل عليه الإجماع.
وعليه يدل قوله
(عليهالسلام) في صحيح زرارة المذكور «وابدأ بيديك فيضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا».
ويدل على ذلك
أيضا صحيحة محمد بن مسلم قال : «رأيت أبا عبد الله (عليهالسلام) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا أراد ان يقوم رفع
ركبتيه قبل يديه».
ورواية الحسين
بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يضع يديه قبل ركبتيه في الصلاة؟ قال نعم».
وصحيحة محمد بن
مسلم قال : «سئل عن الرجل يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه؟ قال نعم يعني في
الصلاة».
واما ما رواه
الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ـ قال : «لا بأس إذا صلى الرجل ان يضع ركبتيه على الأرض
قبل يديه».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه أيبدأ فيضع
يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال لا يضره بأي ذلك بدأ هو مقبول منه».
فحملهما الشيخ
في التهذيبين على الضرورة ومن لا يتمكن. والأظهر حملهما على الجواز لأن المقام
مقام استحباب فلا ينافيه جواز خلافه.
بقي الكلام في
ان ظاهر هذه الأخبار ولا سيما الاولى انه يضع اليدين دفعة
__________________
واحدة من غير ترتيب بينهما ، وفي رواية عمار انه يضع اليمنى قبل اليسرى ، ونقل عن الجعفي. والعمل
بالمشهور أظهر لما عرفت من الأخبار الصحيحة المذكورة.
ومنها ـ ان
يكون حال سجوده مجنحا بالجيم ثم النون المشددة والحاء المهملة أي رافعا مرفقيه عن
الأرض جاعلا يديه كالجناحين ، ونقل على استحباب التجنيح الإجماع.
ويدل على ذلك
قوله (عليهالسلام)
في صحيح زرارة
المشار اليه آنفا «ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك
ولكن تجنح بمرفقيك. الحديث».
وفي حديث حماد «ولم يستعن بشيء من جسده على شيء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنحا ولم
يضع ذراعيه على الأرض». أقول : قوله «وكان مجنحا» يعني في ركوعه وسجوده ، وقوله «ولم
يضع ذراعيه على الأرض» عطف تفسيري على قوله «مجنحا».
وروى في الكافي
عن حفص الأعور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان علي (عليهالسلام) إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر يعني بروكه». قال
المحدث الكاشاني في الوافي : كذا في النسخ التي رأيناها من باب التفعل وضبطه أهل
اللغة من باب التفعيل ، قال في النهاية : فيه «انه كان إذا سجد خوى» اي جافى بطنه
عن الأرض ورفعه وجافى عضديه عن جنبيه حتى يخوى ما بين ذلك ، ومنه حديث علي (عليهالسلام) «إذا سجد الرجل فليخو وإذا سجدت المرأة فلتحتفز». وفي
__________________
القاموس : خوى في سجوده تخوية تجافى وفرج ما بين عضديه وجنبيه. انتهى وهو
التجنيح الذي دلت عليه الأخبار المذكورة.
وروى في البحار
عن جامع البزنطي نقلا من خط بعض الأفاضل عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبع
ذراعيه ولكن جنح بهما فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يجنح بهما حتى يرى بياض إبطيه».
ونقل في الذكرى
عن ابن الجنيد انه قال : لو لم يجنح الرجل كان أحب الي. وهو محجوج بالأخبار
المذكورة.
ومنها ـ مماسة
كفيه الأرض حال سجوده لقوله (عليهالسلام) في الصحيح المشار اليه : «وان كان تحتهما ثوب فلا يضرك وان أفضيت بهما إلى
الأرض فهو أفضل».
وما رواه الشيخ
عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه فإنهما يسجدان كما
يسجد الوجه».
وما رواه في
الفقيه عن السكوني عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) «إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الأرض لعل الله تعالى يدفع عنه الغل يوم
القيامة».
وروى في
التهذيب عن أبي حمزة قال «قال أبو جعفر (عليهالسلام) لا بأس ان تسجد وبين كفيك وبين الأرض ثوبك». وهو محمول
على الجواز كما تضمنه صحيح زرارة المتقدم.
__________________
ومنها ـ ضم
الأصابع بعضها إلى بعض مستقبلا بها القبلة حال وضعها على الأرض لقوله (عليهالسلام) في الصحيح المذكور «ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا». وفي صحيح حماد «وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه».
وظاهر الخبرين
المذكورين شمول الضم للأصابع الخمس بعضها إلى بعض. ونقل في كتاب الذكرى عن ابن
الجنيد تفريق الإبهام عنها ونقله في كتاب الحبل المتين عن بعض علمائنا ، قال ولم
أظفر بمستنده.
واما استقبال
القبلة بالأصابع فقد ذكره الشيخان وابن الجنيد وغيرهم ولم أظفر بمستنده إلا في
كتاب الفقه الرضوي حيث قال : «وضم أصابعك وضعها مستقبل القبلة».
وقد روى أيضا
التفريق في وضع الأصابع رواه زيد النرسي في كتابه عن سماعة ابن مهران «انه رأى أبا عبد الله (عليهالسلام) إذا سجد بسط يديه على الأرض بحذاء وجهه وفرج بين أصابع
يديه ويقول انهما يسجدان كما يسجد الوجه». ويمكن حمله على الجواز جمعا أو لعذر أو
خصوص الإبهام كما ذهب اليه ابن الجنيد.
ومنها ـ السجود
على الأرض لأنه أبلغ في التذلل والخضوع ولا سيما على التربة الحسينية (على مشرفها
أفضل التحية) وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك في آخر المسألة السادسة من كتاب المكان فليراجع.
ومنها ـ الإرغام
بأنفه اى إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب ، وادعى الإجماع على استحبابه جملة من
الأصحاب ، وظاهر الصدوق في من لا يحضره الفقيه الوجوب حيث قال : الإرغام سنة في
الصلاة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له.
قال في المدارك
: ويدل على الاستحباب مضافا إلى الإجماع صحيحتا زرارة وحماد
__________________
المتقدمتان
وموثقة عمار عن
الصادق عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) انه قال «لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين». وهي
محمولة على نفي الاجزاء الكامل. انتهى.
وفيه ان ما
أورده من الأخبار لا دلالة فيه على الاستحباب بل هو بالدلالة على خلافه أشبه. أما صحيحة
زرارة فإن الذي فيها «فاما الفرض فهذه السبعة واما الإرغام بالأنف فسنة من النبي صلىاللهعليهوآله». واما صحيحة حماد فإن الذي فيها «وسجد على ثمانية أعظم
، ثم عدها وقال سبع منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه قال (وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) ووضع الأنف على الأرض سنة».
وروى الصدوق في
كتاب الخصال في الصحيح أو الحسن بإبراهيم عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «السجود على سبعة أعظم : الجبهة والكفين
والركبتين والإبهامين ، وترغم بأنفك. اما المفترض فهذه السبعة واما الإرغام فسنة».
وأنت خبير مما
أسلفنا تحقيقه في غير مما تقدم ان لفظ السنة وان كان من الألفاظ المشتركة بين ما
ثبت وجوبه بالسنة وبين المستحب إلا انه متى قوبل بالفرض ترجح كونه بالمعنى الأول ،
فهو ان لم يكن بمعنى الواجب هنا فلا أقل من تساوى الاحتمالين الموجب لبطلان
الاستدلال به في البين.
واما موثقة
عمار التي نقلها فهي ظاهرة الدلالة في خلاف مدعاه ولهذا احتاج إلى ارتكاب التأويل
في الاستدلال بها.
ونحوها أيضا ما
رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن
__________________
المغيرة قال : «أخبرني من سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا صلاة لمن لم يصب انفه ما يصيب جبينه».
وبذلك يظهر قوة
ما نقل عن الصدوق إلا انه يمكن الاستدلال للقول المشهور برواية محمد بن مصادف قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول انما السجود على الجبهة وليس على الأنف سجود». وضعف
سنده بهذا الاصطلاح المحدث مجبور بشهرة العمل به حتى ادعى الإجماع عليه كما عرفت.
وقضية الجمع
بين الأخبار حمل السنة في الصحيحتين الأوليين على معنى المستحب وحمل الخبرين
الأخيرين على تأكيد الاستحباب كقوله (عليهالسلام) «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد».
فوائد
(الأولى) ـ ظاهر
كلام الأصحاب ان المراد بالإرغام المستحب في هذا المقام هو وضع الأنف على الرغام
وهو التراب أو ما يصح السجود عليه مطلقا ، صرح بذلك الشهيدان ومن تأخر عنهما.
ويظهر من بعض
الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الإرغام بالأنف غير السجود على الأنف وانهما سنتان
، قال شيخنا البهائي (قدسسره) في تفسير حديث حماد من كتاب الأربعين الحديث : ما
تضمنه الحديث من سجوده (عليهالسلام) على الأنف الظاهر انه سنة مغايرة للإرغام المستحب في
السجود ، فإنه وضع الأنف على الرغام بفتح الراء وهو التراب ، والسجود على الأنف ـ
كما روى عن علي (عليهالسلام) «لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين». ـ يتحقق بوضعه على ما يصح
السجود عليه وان لم يكن ترابا. وربما قيل الإرغام يتحقق بملاصقة الأنف الأرض
__________________
وان لم يكن معه اعتماد ، ولهذا فسره بعض علمائنا بمماسة الأنف التراب ،
والسجود يكون معه اعتماد في الجملة ، فبينهما عموم من وجه. وفي كلام شيخنا الشهيد
ما يعطى أن الإرغام والسجود على الأنف أمر واحد مع انه عد في بعض مؤلفاته كلا
منهما سنة على حدة. ثم على تفسير الإرغام بوضع الأنف على التراب هل تتأدى سنة
الإرغام بوضعه على مطلق ما يصح السجود عليه وان لم يكن ترابا؟ حكم بعض الأصحاب
بذلك وجعل التراب أفضل. وفيه ما فيه ، فليتأمل. انتهى.
أقول : وجه
التأمل على ما ذكره في الحاشية انه قياس مع الفارق. ثم أقول لا يخفى ان ما ذكره
شيخنا المشار اليه ورجحه ـ من المغايرة بين الإرغام والسجود على الأنف وان بينهما
عموما من وجه ـ ليس كذلك فان الظاهر ان هذه التعبيرات في الأخبار من لفظ الإرغام
في بعض ولفظ السجود في بعض انما خرج مخرج المسامحة في التعبير وإلا فالمراد أمر
واحد وهو وضع الأنف على ما يصح السجود عليه من إرغام وغيره ، وذكر الإرغام انما هو
من حيث أفضلية السجود على الأرض بالجبهة والأنف تابع لها في ذلك ومما يشير إلى ذلك
التعبير في موثقة عمار
بقوله (عليهالسلام) «لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين». ونحوها
مرسلة عبد الله بن المغيرة ألا ترى انه عبر هنا بمجرد الإصابة التي هي أعم من
السجود المأخوذ فيه الاعتماد؟ وبمقتضى كلامه ينبغي ان يكون هذا قسما ثالثا وليس
كذلك بل انما هو مبني على التوسع في التعبير.
(الثانية) ـ إطلاق
الأخبار المتقدمة يقتضي حصول السنة بإصابة أي جزء من الأنف ، ونقل عن المرتضى (رضياللهعنه)
اعتبار اصابة الطرف الأعلى الذي يلي الحاجبين ، وهو صريح عبارة ابن إدريس التي
قدمنا نقلها في صدر المقام الأول. وقال ابن الجنيد يماس الأرض بطرف الأنف وخديه
إذا أمكن ذلك للرجل والمرأة.
أقول : وربما
يشير إلى قول المرتضى ما في بعض الأخبار التي لا يحضرني الآن
__________________
موضعها عن بعض الأصحاب من انه رأى علي بن الحسين (عليهماالسلام) وعنده من يأخذ من لحم عرنينه والعرنين طرف الأنف الأعلى. والظاهر ان الأخذ منه لكونه
بكثرة السجود عليه قد مات لحمه فيكون من قبيل الثفنات التي كانت في بدنه (عليهالسلام) كالجبهة والركبتين.
ويمكن تأييد
القول المشهور زيادة على إطلاق الأخبار بقوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «وترغم بأنفك ومنخريك في موضع الجبهة». والتقريب فيها ان المنخرين عبارة عن
ثقبي الأنف والثقبان ممتدان من رأس الأنف الأسفل إلى أعلاه فالارغام يحصل من أسفل
الأنف إلى أعلاه فأي جزء باشر به الأرض ونحوها حصلت به سنة الإرغام.
(الثالثة) ـ ظاهر
الأخبار وكلام الأصحاب ان الإرغام المستحب والسجود على الأنف يشترط فيه ما يشترط
في الجبهة مما يصح السجود فيها عليه فلا يجزئ السجود به على ما يضع عليه سائر
المساجد الباقية ، واحتمل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين الاكتفاء بما
يضع عليه سائر المساجد والظاهر ضعفه.
ومنها ـ الدعاء
حال السجود ولا سيما بالمأثور ، روى الكليني عن عبد الرحمن ابن سيابة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أدعو وانا ساجد؟ قال نعم فادع للدنيا والآخرة فإنه رب
الدنيا والآخرة».
وعن عبد الله
بن عجلان قال : «شكوت إلى أبي عبد الله (عليهالسلام) تفرق أموالنا وما دخل علينا فقال عليك بالدعاء وأنت
ساجد فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله
__________________
عزوجل وهو ساجد؟ قال قلت فأدعو في الفريضة وأسمي حاجتي؟ فقال
نعم قد فعل ذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وفعله علي (عليهالسلام) بعده». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب
محمد بن علي ابن محبوب .
وعن زيد الشحام
عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد : يا
خير المسؤولين ويا خير المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك فإنك ذو الفضل العظيم».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «صلى بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد وقد
كانت ضلت ناقة لجمالهم : اللهم رد على فلان ناقته. قال محمد فدخلت على أبي عبد
الله (عليهالسلام) فأخبرته فقال وفعل؟ فقلت نعم قال وفعل؟ قلت نعم. قال
فسكت. قلت فأعيد الصلاة؟ فقال لا».
وعن الحلبي في
الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سجدت فكبر وقل : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك
أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحمد لله رب
العالمين تبارك الله أحسن الخالقين ، ثم قل سبحان ربي الأعلى «ثلاث مرات» فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني
وأجرني وادفع عني إني لما أنزلت الي من خير فقير تبارك الله رب العالمين».
وعن أبي عبيدة
الحذاء في الصحيح قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول وهو ساجد : أسألك بحق حبيبك محمد (صلىاللهعليهوآله) إلا بدلت سيئاتي حسنات وحاسبتني حسابا يسيرا. ثم قال
في الثانية : أسألك بحق حبيبك محمد (صلى الله
__________________
عليه وآله) إلا كفيتني مؤنة الدنيا وكل هول دون الجنة. وقال في الثالثة :
أسألك بحق حبيبك محمد (صلىاللهعليهوآله) لما غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل وقبلت مني عملي
اليسير. ثم قال في الرابعة : أسألك بحق حبيبك محمد (صلىاللهعليهوآله) لما أدخلتني الجنة وجعلتني من سكانها ولما نجيتني من
سعفات النار برحمتك وصلى الله على محمد وآله». الى غير ذلك مما هو مذكور في مظانه.
ومنها ـ استحباب
زيادة التمكن في السجود لتحصيل أثره الذي مدح الله تعالى عليه بقوله عزوجل «سِيماهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» .
وروى السكوني
عن الصادق (عليهالسلام) قال «قال علي (عليهالسلام) اني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها اثر
السجود».
وروى إسحاق بن
الفضل عن الصادق (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يحب ان يمكن جبهته من الأرض».
وروى الصدوق في
كتاب العلل عن جابر عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال «ان أبي علي بن الحسين (عليهماالسلام) كان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى السجاد لذلك».
وروى في الكافي
عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الباقر (عليهمالسلام) قال : «كان لأبي (عليهالسلام) في موضع سجوده آثار نابتة وكان يقطعها في السنة مرتين
في كل مرة خمس ثقبات فسمى ذا الثقبات لذلك».
وروى الصدوق في
كتاب عيون الأخبار بسنده عن عبد الله بن الفضل عن أبيه في حديث «انه دخل على ابي الحسن موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال فإذا
__________________
انا بغلام اسود
بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين انفه من كثرة سجوده».
ومنها ـ انه
يستحب للمرأة ان ترفع شعرها عن جبهتها وان كانت تصيب ببعضها الأرض لزيادة التمكين
:
لما رواه علي
بن جعفر في الصحيح عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض
جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض».
هذا مع ما دل على عدم وجوب استيعاب الجبهة بالسجود بل يكفي المسمى كما تقدم بيانه.
وقال ابن
الجنيد : لا يستحب للمرأة ان تطول قصتها حتى يستر شعرها بعض جبهتها عن الأرض أو ما
تسجد عليه.
و (منها) ـ كشف
باقي الأعضاء ، قال في المبسوط : ولم نقف على مستنده. واما الجبهة فلا ريب في وجوب
كشفها.
ومنها ـ نظره
في حال سجوده إلى طرف انفه ، قال في الذكرى : قاله جماعة من الأصحاب. وهو يؤذن
بعدم وقوفه على مستنده ، وبذلك صرح غيره أيضا.
ومستنده الذي
وقفت عليه ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام): «ويكون بصرك في وقت السجود إلى انفك وبين السجدتين في
حجرك وكذلك في وقت التشهد».
أقول :
والمتأخرون قد نقلوا هذا الحكم وكذلك استحباب النظر في حال التشهد إلى حجره
واعترفوا بعدم وجود المستند وانما عللوا ذلك ـ بعد كراهة التغميض في الصلاة ـ بأنه
أبلغ في الخشوع والإقبال على العبادة. والخبر المذكور كما ترى صريح في ذلك والظاهر
انه مستند الحكم عند المتقدمين سيما الصدوقين كما عرفت في غير مقام.
ومنها ـ ان
يكون نظره في حال جلوسه بين السجدتين إلى حجره ، لما عرفته
__________________
من عبارة كتاب الفقه الرضوي المذكور ، قال في الذكرى في تعداد مستحبات
السجود : ومنها ـ ان يكون نظره في حال جلوسه بين السجدتين إلى حجره ، قاله المفيد
وسلار ، وأطلق ابن البراج ان الجالس ينظر إلى حجره. انتهى. وهو مؤذن بما ذكرناه
آنفا كما لا يخفى.
ومنها ـ مساواة
مسجده لموقفه لقول الصادق (عليهالسلام) في ما تقدم : اني أحب ان أضع وجهي في موضع قدمي. وكره رفع الجبهة
عن الموقف.
وقد تقدم انه
يجوز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة وان كان الأفضل المساواة وقال ابن الجنيد :
ولا نختار ان يكون موضع السجود إلا مساويا لمقام المصلي من غير رفع ولا هبوط فان
كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز ذلك مع الضرورة لا الاختيار ولو كان علو
مكان السجود كانحدار التل ومسيل الماء جاز ما لم يكن في ذلك تحرف وتدريج وان تجاوز
أربع أصابع لضرورة. انتهى.
ومنها ـ وضع
اليدين حال السجود حيال المنكبين لقوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك». اي
اجعلهما بين ذلك حيال منكبيك.
أو حيال وجهه
كما هو ظاهر صحيح حماد حيث قال فيه : «ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين
يدي ركبتيه حيال وجهه وقال سبحان ربي الأعلى وبحمده. الحديث».
ومنها ـ ان
يجلس بعد السجدة الثانية مطمئنا على المشهور وهي جلسة الاستراحة وقال ابن الجنيد إذا
رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى والثالثة حتى يماس ألياه الأرض أو
اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم جاز ذلك. وقال على بن بابويه : لا بأس ان لا يقعد في
النافلة ، كذا ذكره في الذكرى.
__________________
وذهب المرتضى (رضياللهعنه)
الى وجوب الجلوس هنا محتجا بالإجماع والاحتياط ، واحتج له العلامة في المختلف بما
رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة
الأولى حين تريد ان تقوم فاستو جالسا ثم قم». قال فان ظاهر الأمر الوجوب.
واعترضه في
المدارك بأنه معارض بما رواه الشيخ عن زرارة قال : «رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهماالسلام) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا». قال
والسندان متقاربان ثم قال : ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد
بن عواض «انه رأى أبا عبد الله (عليهالسلام) إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس
حتى يطمئن ثم يقوم». انتهى.
أقول : الظاهر
ان عمدة أدلتهم على الاستحباب هو رواية زرارة المذكورة والذي يظهر لي إنما خرجت
مخرج التقية :
لما رواه الشيخ
في التهذيب عن الأصبغ بن نباتة قال : «كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم فقيل له
يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على
صدور اقدامهم كما تنهض
__________________
الإبل؟ فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) انما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس ان هذا من توقير
الصلاة».
ونحوه ما رواه
زيد النرسي في كتابه قال : «سمعت أبا الحسن (عليهالسلام) يقول إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل ان
تقوم فاجلس جلسة ثم بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك وابسط يديك بسطا واتك عليهما
ثم قم فان ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه ، ولا تطش من سجودك مبادرا إلى القيام كما
يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم».
ويؤكده ما رواه
الصدوق في كتاب الخصال بسند معتبر عن أبي بصير ومحمد ابن مسلم عن أبي عبد الله عن
آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا فان ذلك
من فعلنا».
واما ما رواه
الشيخ في التهذيب عن رحيم ـ قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليهالسلام) جعلت فداك أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في
الركعة الاولى والثالثة تستوي جالسا ثم تقوم فنضع كما تصنع؟ قال لا تنظروا إلى ما
أصنع أنا اصنعوا ما تؤمرون». ـ فالظاهر عندي ان السائل في هذه الرواية من
المخالفين فلذا منعه من الاقتداء به وامره بما هم عليه من المبادرة إلى القيام
وعدم الجلوس ، وإلا فلو كان من الشيعة كيف يمنعه من العمل بما صنع هو (عليهالسلام) والحال انه السنة المأمور بها ويأمره بخلاف ذلك مما
يوهم انه مأمور به مع انه ليس بمأمور به عندنا وانما ذلك عند مخالفينا؟ وقد نقل
القول بذلك في المنتهى عن جمهور المخالفين ولم ينقل خلافه إلا في رواية عن الشافعي
ورواية عن احمد وفي الروايتين الأخيرتين وفاقا للأكثر القيام من غير جلوس ومتى ثبت خروج الخبر المذكور مخرج التقية انتفى المعارض
لما دلت عليه رواية
__________________
أبي بصير من الأمر بالجلوس وتؤكده الروايات الباقية.
وبالجملة فإن
الأخبار المذكورة بعد حمل خبر زرارة على ما ذكرناه غير منافية لما ذهب اليه السيد
المرتضى (قدسسره) بل قابلة للانطباق عليه ، فان منها ما دل على حكاية
فعلهم (عليهمالسلام) في الجلوس ، ومنها ما دل على الأمر به ، وغاية ما
استدلوا به رواية زرارة وقد عرفت الوجه فيها.
ومن العجب قول
السيد السند (قدسسره) : «ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد
الحميد بن عواض.» وذلك فان فعله (عليهالسلام) لذلك أعم من الوجوب والاستحباب بل يلزم ـ بما ذكره في
غير موضع من الاستدلال بالتأسي على الوجوب ـ دلالة الرواية المذكورة على الوجوب
فأين الدلالة على الاستحباب؟
ومنها ـ التورك
في الجلوس بين السجدتين وفي جلسة الاستراحة وكذا في التشهد كما سيأتي ان شاء الله
تعالى ، بان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى
على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، هكذا
فسره الشيخ (قدسسره) ومن تبعه من المتأخرين. ونقل عن المرتضى في المصباح
انه قال : يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى للأرض رافعا فخذه اليمنى
على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه معا
القبلة. وقال ابن الجنيد في الجلوس بين السجدتين انه يضع ألييه على بطن قدميه ولا
يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ولا يقعي إقعاء الكلب. وقال في تورك التشهد يلزق
ألييه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض ولا يجزئه غير ذلك ولو كان في
طين ، ويجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه
الأيسر ويلزق طرف إبهام رجله اليمنى مما يلي طرفها الأيسر بالأرض وباقي أصابعها
عاليا عليها ولا يستقبل بركبتيه جميا القبلة.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما تقدم في صحيحة حماد حيث قال : «ثم قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه
الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : «استغفر الله ربي وأتوب إليه» ثم كبر وهو جالس
وسجد السجدة الثانية».
وما تقدم في
صحيحة زرارة قال : «وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج
بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك
اليسرى والياك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك
فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون انما قعد بعضك على بعض فلا تصبر
للتشهد والدعاء».
والظاهر هو
القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة لظاهر هذين الخبرين ولا سيما الثاني ،
قال في الذكرى : ومنها التورك بين السجدتين بان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه
جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه
اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض كما في خبر جماد. ولا يستحب عندنا الافتراش وهو ان
يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل
بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى القبلة ، ويظهر من خبر
زرارة عن الباقر (عليهالسلام) كراهته حيث قال : «وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك
ولا تكون قاعدا على الأرض انما قعد بعضك على بعض». انتهى.
ومنها ـ الدعاء
بعد الجلوس من السجدة الأولى ، قال في المنتهى : إذا جلس عقيب السجدة الأولى دعا
مستحبا ذهب إليه علماؤنا.
وقد تقدم في
صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
«فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني. الدعاء
إلى آخره».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «وقل بين سجدتيك اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني فإني لما أنزلت الي
من خير فقير ، ثم اسجد الثانية».
وفي صحيح حماد «ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر. وقال استغفر الله
ربي وأتوب إليه ، ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية».
ومنها ـ ان
يدعو عند القيام معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه ، وهو مما لا خلاف فيه بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم).
والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم في
حديث قد تقدم قريبا قال : «وإذا أراد ان يقوم رفع ركبتيه قبل يديه».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا سجد الرجل ثم أراد ان ينهض فلا يعجن بيديه
في الأرض ولكن يبسط كفيه من غير ان يضع مقعدته على الأرض». قال في الوافي : ولعل
المراد بقوله (عليهالسلام) : «من غير ان يضع مقعدته على الأرض» ترك الإقعاء.
وعن أبي بكر
الحضرمي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت من الركعة فاعتمد على كفيك وقل : بحول الله
وقوته أقوم واقعد ، فإن عليا (عليهالسلام) كان يفعل ذلك».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «إذا قمت من السجود قلت : اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم واقعد ، وان
__________________
شئت قلت واركع واسجد».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قام الرجل من السجود قال بحول الله أقوم
واقعد».
وما رواه
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن القيام من التشهد من الركعتين الأوليين
كيف يصنع يضع ركبتيه ويديه على الأرض ثم ينهض أو كيف يصنع؟ قال ما شاء صنع ولا بأس».
وما رواه
الطبرسي في الاحتجاج قال : «كتب الحميري.». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة عن
جماعة من مشايخه عن محمد بن احمد بن داود القمي عن محمد بن عبد الله الحميري «انه كتب إلى القائم (عليهالسلام) يسأله عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة
الثالثة هل يجب عليه ان يكبر ، فان بعض أصحابنا قال لا يجب عليه التكبير ويجزئه ان
يقول بحول الله وقوته أقوم واقعد؟ فوقع (عليهالسلام) ان فيه حديثين : أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة
إلى حالة اخرى فعليه التكبير. واما الآخر فإنه روى انه إذا رفع رأسه من السجدة
الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد
الأول يجري هذا المجرى. وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا».
وما رواه في
مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب بسنده عن سعد الجلاب عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يبرأ من القدرية في كل ركعة ويقول بحول الله وقوته
أقوم واقعد».
وما رواه عنه
أيضا من الكتاب المذكور عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن
__________________
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قمت من السجود قلت اللهم بحولك وقوتك أقوم
واقعد واركع واسجد».
وما رواه في
كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك يعني
تعتمد عليهما وهي مقبوضة ولكن ابسطهما بسطا واعتمد عليهما وانهض قائما».
وعن علي (عليهالسلام) «انه كان يقول إذا نهض من السجود إلى القيام اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد».
وما رواه في
كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن موسى (عليهالسلام) «انه كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة ثم نهض للقيام
وبادر بركبتيه من الأرض قبل يديه وإذا سجد بادر بهما الأرض قبل ركبتيه».
أقول : قد
اشتملت هذه الأخبار على جملة من الأحكام : (الأول) الابتداء في الجلوس بوضع اليدين
قبل الركبتين ، وقد مر انه إجماعي وتقدم ما يدل عليه من الأخبار.
(الثاني) ـ استحباب
الابتداء عند القيام برفع الركبتين قبل اليدين وهو أيضا إجماعي.
(الثالث) ـ كراهة
العجن باليدين عند القيام بان يقبضهما ويقوم عليهما مقبوضتي الأصابع بل ينبغي ان
يبسطهما ويقوم عليهما كما تضمنه صحيح الحلبي وخبر كتاب دعائم الإسلام.
(الرابع) ـ رجحان
الإتيان بجلسة الاستراحة وقد تقدم تحقيق القول فيها.
__________________
(الخامس) ـ استحباب
الدعاء عند القيام ، قال في الذكرى في تعداد مستحبات السجود : ومنها ـ الدعاء في
جلسة الاستراحة بقوله «بحول الله تعالى وقوته أقوم واقعد واركع واسجد» قال في
المعتبر : والذي ذكره علي بن بابويه وولده والجعفي وابن الجنيد والمفيد وسلار وأبو
الصلاح وابن حمزة ـ وهو ظاهر الشيخ (قدسسره) ـ ان هذا القول يقوله عند الأخذ في القيام وهو الأصح ،
ثم استدل بجملة من الروايات المتقدمة. وهو جيد
(السادس) ـ التخيير
بين الأدعية المذكورة في الأخبار في كل من القيام عن التشهد وعن جلسة الاستراحة.
(السابع) ـ ما
دل عليه خبر التوقيع المذكور من التكبير عند القيام من التشهد الأول ، والمشهور
بين الأصحاب عدم مشروعيته ، ونقل عن الشيخ المفيد (قدسسره) استحباب التكبير هنا وعدم استحبابه في القنوت. واعترض
عليه الشيخ في التهذيب والشهيد في الذكرى بأنه يكون حينئذ عدد التكبير في الصلاة
أربعا وتسعين مع ورود الرواية بأن عددها خمس وتسعون ، قال الشهيد (قدسسره) مع انه روى بعدة طرق : منها ـ رواية محمد بن مسلم عن
الصادق (عليهالسلام) في القيام من التشهد يقول «بحول الله وقوته أقوم واقعد»
وفي بعضها «بحولك وقوتك» وفي بعض «واركع واسجد». ولم يذكر في شيء منها التكبير
فالأقرب سقوطه للقيام وثبوته للقنوت وبه كان يفتي المفيد (قدسسره) وفي آخر عمره رجع عنه ، قال الشيخ ولست اعرف بقوله هذا
حديثا أصلا. انتهى.
وقال السيد
السند في المدارك ـ بعد ان أورد صحيحتي عبد الله بن سنان ومحمد بن مسلم المتقدمتين
ـ ما لفظه : ويستفاد من هذه الرواية وغيرها عدم مشروعية التكبير عند القيام من
التشهد وهو اختيار الشيخ وأكثر الأصحاب ، وقال المفيد (قدسسره) انه يقوم بالتكبير ، وهو ضعيف (أما أولا) فلما أوردناه
من النقل و (اما ثانيا) فلأن تكبيرات
__________________
الصلاة منحصرة في خمس وتسعين : خمس للافتتاح وخمس للقنوت والبواقي للركوع
والسجود فلو قام إلى الثالثة بالتكبير لزاد أربعا ، ويدل على هذا العدد روايات :
منها ـ ما رواه الشيخ في الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس
وتسعون تكبيرة : منها ـ تكبيرة القنوت خمس». انتهى
أقول : لقائل
أن يقول ان غاية ما يستفاد من هذه الروايات التي ذكروها هو عدم الدلالة على
المشروعية لا الدلالة على العدم فإنها مطلقة ولا دلالة فيها على نفيه ولا المنع
منه ، والمستلزم لعدم المشروعية انما هو الثاني لا الأول. واما الاستناد إلى حصر
التكبيرات في خمس وتسعين تكبيرة كما ذكروه ففيه انه انما يتم لو كان الحصر المذكور
حقيقيا والظاهر انه ليس كذلك ، لان الست الافتتاحية المضافة إلى تكبيرة الإحرام
مما لا خلاف في استحبابها نصا وفتوى مع انها غير مذكورة ، وكذا استحباب الافتتاح
بإحدى وعشرين تكبيرة كما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر (عليهالسلام) من ان من استفتح بها أول صلاته أجزأه عن كل تكبير في
الصلاة إذا نسيه. وينبغي القول بما دلت عليه وان لم ينص عليه أحد في ما أعلم لصحة
مستنده وصراحته ، وحينئذ فمتى كان الحصر إضافيا فلا دلالة في الأخبار المذكورة
فتحمل على التكبيرات المؤكدة والوظائف اللازمة. نعم لو احتجوا على هذه الدعوى بان
العبادات توقيفية والقول بشيء منها من غير دليل إدخال في الدين ما ليس منه فيكون
تشريعا محرما لكان له وجه وجيه. إلا انه يجاب حينئذ عن ذلك بخبر التوقيع المذكور.
ويمكن ان يكون الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) انما استند اليه ، ومن المقطوع ان
مثله (قدسسره) لا يعدل عما كان عليه إلا لوضوح الدليل لديه ، وعدم
اطلاع الشيخ كما ذكره لا يدل على العدم ، وظاهر خبر التوقيع المذكور ان الخلاف في
المسألة يومئذ كان موجودا ونسبة السائل
__________________
المحالفة إلى بعض الأصحاب يؤذن بأن الأكثر كان يومئذ على القول بالاستحباب
كما لا يخفى.
(الثامن) ـ ما
يدل عليه الخبر المذكور من التخيير في مقام اختلاف الأخبار كما نص عليه جملة من
أصحابنا (رضوان الله عليهم) وجعلوه وجه جمع بين الأخبار. وهو جيد لهذا الخبر ونحوه
في بعض الأخبار أيضا.
(التاسع) ـ قوله
(عليهالسلام) في التوقيع المذكور «واما الآخر فإنه روى أنه إذا رفع
رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس. إلخ» فإنه ربما يشعر بظاهره بان تكبير الرفع
من السجدة الثانية قبل ان يستوي جالسا وهو خلاف المفهوم من كلام الأصحاب ، ونحوه
في ذلك قوله في خبر حماد «ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر ثم قعد على جانبه
الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى». قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار في شرح حديث حماد : هذا يوهم ان التورك بعد
التكبير ولم يقل به أحد وليس في رواية أخرى مثله.
أقول : في هذه
الرواية كما ترى مثله ، وقد مر له نظير في تكبير الأخذ في السجدة الأولى فإن أكثر
الأخبار ـ وهو الذي صرح به الأكثر ـ انه حال القيام وقيل يهوى بالتكبير وعليه دل
بعض الأخبار المتقدمة.
ثم ان شيخنا
المشار اليه احتمل ان «ثم» هنا ليست للتراخي الزماني بل للتراخي الرتبي والترتيب
المعنوي.
(المقام الثالث)
ـ في الأحكام وفيه مسائل (الأولى) قد عرفت في ما تقدم استحباب التورك في جلوس
الصلاة وبيان كيفيته ، وقد صرح الأصحاب بكراهة الإقعاء في جلوس الصلاة إلا انه قد
وقع الخلاف في حكمه وكيفيته فلا بد من الكلام في الموضعين
فاما في حكمه
فالمشهور بين الأصحاب هو القول فيه بالكراهة بل ادعى الشيخ في الخلاف
__________________
عليه الإجماع ، ونقل القول بالكراهة المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار
ومحمد بن مسلم من القدماء.
ونقل عن الشيخ
في المبسوط والمرتضى (رضياللهعنهما) انهما ذهبا إلى عدم الكراهة ، قال في
المبسوط حيث ذكر الجلوس بين السجدتين وبعد الثانية : الأفضل ان يجلس متوركا وان
جلس بين السجدتين أو بعد الثانية مقعيا كان أيضا جائزا إلا انه في موضع آخر ـ حيث
عد التروك المسنونة ـ قال : ولا يقعي بين السجدتين. وقال في النهاية : لا بأس ان
يقعد متربعا أو يقعي بين السجدتين ولا يجوز ذلك في حال التشهد. وفي الخلاف الإقعاء
مكروه.
وقال الصدوق :
لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ولا بأس به بين الاولى والثانية وبين الثالثة
والرابعة ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين لأن المقعي ليس بجالس انما يكون بعضه
قد جلس على بعض فلا يصبر للدعاء والتشهد ، وقال ابن إدريس : لا بأس بالإقعاء بين
السجدتين من الاولى والثانية والثالثة والرابعة ، وتركه أفضل ، ويكره أشد من تلك
الكراهة في حال الجلوس للتشهدين. وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا : ولا يجوز الإقعاء
في حال التشهدين. وذلك يدل على تغليظ الكراهة لا الحظر لأن الشيء إذا كان شديد
الكراهة قيل «لا يجوز» ويعرف ذلك بالقرائن.
وإلى هذا يميل
كلام العلامة (قدسسره) في المختلف حيث قال : والأقرب عندي كراهة الإقعاء
مطلقا وان كان في التشهد آكد. وظاهر هذا الكلام هو ثبوت الكراهة في كل جلوس وهو
ظاهر الشهيدين أيضا وبه صرح العلامة في النهاية على ما نقل عنه. وأكثر الأخبار
الآتية ان شاء الله تعالى المشتملة على النهي مختصة بالجلوس بين السجدتين والأخبار
انما تقابلت نفيا وإثباتا في هذا الموضع كما ستمر بك ان شاء الله تعالى واما
الكلام في كيفيته فقد وقع الخلاف في ذلك بين الفقهاء وأهل اللغة ، قال في الصحاح :
أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا يديه ، وقد جاء
النهي عن الإقعاء في الصلاة وهو ان يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين ،
وهذا تفسير الفقهاء ، واما أهل اللغة فالإقعاء عندهم ان يلصق الرجل ألييه بالأرض
وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره. وقال ابن الأثير في النهاية : فيه «انه نهى عن
الإقعاء في الصلاة» الإقعاء أن يلصق الرجل ألييه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع
يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وقيل هو ان يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين ،
والقول الأول ومنه الحديث «انه (صلىاللهعليهوآله) أكل مقعيا». أراد انه كان يجلس عند الأكل على وركيه
مستوفزا غير متمكن.
وقال في
القاموس : أقعى في جلوسه تساند إلى ما وراءه والكلب جلس على استه.
وقال المطرزي
في المغرب : الإقعاء أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما
يقعي الكلب. وتفسير الفقهاء ان يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين وقال في كتاب
المصباح المنير : أقعى إقعاء ألصق ألييه بالأرض ونصب ساقيه ووضع يديه على الأرض
كما يقعي الكلب. وقال الجوهري الإقعاء عند أهل اللغة ، وأورد نحو ما تقدم وجعل مكان
«وضع يديه» «ويتساند إلى ظهره» وقال ابن القطاع : أقعى الكلب جلس على ألييه ونصب
فخذيه وأقعى الرجل جلس تلك الجلسة. انتهى.
فهذه جملة من
كلام أهل اللغة متفقة على تفسيره بإقعاء الكلب على النحو المذكور في كلامهم.
واما الفقهاء
فقال المحقق (عطر الله مرقده) في المعتبر : ويستحب الجلوس بين السجدتين متوركا ،
وقال في المبسوط : الأفضل ان يجلس متوركا ولو جلس مقعيا بين السجدتين وبعد الثانية
جاز. وقال الشافعي وأبو حنيفة واحمد يجلس مفترشا لرواية أبي حميد الساعدي وكيفية التورك ان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه
جميعا ويفضي بمقعدته إلى الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على
باطن
__________________
قدمه اليسرى ، وكيفية الافتراش ان يجلس على رجله اليسرى ويخرج رجله اليمنى
من تحته وينصبها ويجعل بطون أصابعها على الأرض معتمدا عليها إلى القبلة. وقال علم
الهدى (قدسسره) : يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض
رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض
ويستقبل بركبتيه معا القبلة. وما ذكره الشيخ اولى. ثم قال (قدسسره) : يكره الإقعاء بين السجدتين قاله في الجمل وبه قال
معاوية بن عمار منا ومحمد بن مسلم والشافعي وأبو حنيفة واحمد وقال الشيخ بالجواز وان كان التورك أفضل وبه قال علم
الهدى. لنا ـ ما رووه عن علي (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا تقع بين السجدتين». وعن انس قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب». ومن
طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تقع بين السجدتين إقعاء». والدليل على ان
النهي ليس للتحريم ما رواه عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بالإقعاء في الصلاة في ما بين السجدتين».
والإقعاء أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه. وقال بعض أهل اللغة هو
ان يجلس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب. والمعتمد الأول لأنه تفسير
الفقهاء وبحثهم على تقديره. وعلى هذا الكلام من أوله إلى آخره جرى العلامة في
المنتهى وقريب منه الشهيد في الذكرى.
وبالجملة فكلام
الفقهاء متفق على تفسير الإقعاء بما اختاره المحقق وبين انه المعمول
__________________
عليه بين الفقهاء وان بحثهم على تقديره. بقي الكلام في اخبار المسألة ،
والواجب نقلها ثم الكلام في المقام بما سنح بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر
عليهم الصلاة والسلام :
فمن أخبار
المسألة ما تقدم في كلام المحقق من روايتي أبي بصير والحلبي ، وما رواه في التهذيب
في الصحيح عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم والحلبي قالوا : «لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب».
وما رواه في
كتاب معاني الأخبار عن عمرو بن جميع قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة
الاولى والثانية وبين الركعة الثالثة والرابعة ، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب ان
تقوم فيه فتجاف ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلا من علة لأن المقعي ليس
بجالس انما جلس بعضه على بعض. والإقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهديه.
فأما الأكل مقعيا فلا بأس به فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد أكل مقعيا».
وما رواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) لا بأس بالإقعاء في ما بين السجدتين ولا ينبغي الإقعاء
في موضع التشهد انما التشهد في الجلوس وليس المقعي بجالس».
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن الإقعاء بالمعنى الذي عليه الفقهاء قد صرحت به رواية عمرو بن جميع إلا
انها دلت على المنع منه في التشهدين ونفى البأس عما عداهما ، والإقعاء بالمعنى
الذي صرح به أهل اللغة قد أشارت إليه صحيحة المشايخ الثلاثة معاوية بن عمار ومحمد
بن مسلم والحلبي ودلت على النهي عنه بين السجدتين ، وحينئذ فيكون كل من المعنيين
قد ورد في الأخبار لكن على الوجه الذي عرفت ، وعلى هذا فيمكن الجمع بين الروايات
بحمل روايات النهي على الإقعاء المنقول عن أهل اللغة ـ وهو الجلوس على
__________________
الأليين ناصبا فخذيه واضعا يديه على الأرض مثل إقعاء الكلب ، ورواية أبي
بصير الدالة على النهى عنه بين السجدتين وان كانت مطلقة إلا ان رواية للمشايخ
الثلاثة المصرحة بالنهي في الصورة المذكورة قد صرحت بأنه بهذا المعنى فتحمل رواية
أبي بصير عليها في ذلك ـ وروايات الجواز على الإقعاء بالمعنى الذي عند الفقهاء كما
صرحت به رواية عمرو بن جميع ، ورواية عبيد الله بن علي الحلبي المتقدمة الدالة على
نفى البأس عنه بين السجدتين وان كانت مطلقة في معنى الإقعاء إلا انه يجب حملها على
رواية عمرو بن جميع التي اشتركت معها في نفي البأس عنه في الصورة المذكورة حيث
صرحت بتفسيره. وفي هذا وقوف على ظاهر الروايات من كل من الطرفين وتقييد مجملها
بمفصلها وحمل مطلقها على مقيدها.
هذا بالنسبة
إلى الجلوس بين السجدتين الذي هو مورد اختلاف الأخبار فإنها إنما تقابلت فيه خاصة.
واما التشهد
فظاهر روايتي معاني الأخبار والسرائر هو المنع من الإقعاء ، وليس لهاتين الروايتين
بالنسبة إلى التشهد معارض في الأخبار بل فيها ما يؤيدهما مثل قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة الدالة على النهى عن القعود على قدميه
وانه يتأذى بذلك ولا يكون قاعدا على الأرض وانما قعد بعضه على بعض فلا يصبر للتشهد
والدعاء وما توهمه صاحب المدارك ـ من تعدية الحكم فيها إلى
الجلوس بين السجدتين ، قال فإن العلة التي ذكرها في التشهد تحصل في غيره فيتعدى
الحكم اليه ـ ممنوع بان الذكر والدعاء في التشهد أكثر منهما بين السجدتين كما لا
يخفى فلا يثبت تعدي الحكم ، ورواية السرائر وان أجمل فيها الإقعاء إلا انه مفسر في
رواية عمرو بن جميع فيحمل إجمالها على تفسير هذه.
نعم يبقى
الكلام في انه قد تقدم ان ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب هو استحباب التورك في جلوس
الصلاة مطلقا. والوجه في الجواب عن ذلك ما ذكره الشيخ من حمل اخبار الجواز على الرخصة
والجواز وان كان خلاف الأفضل.
__________________
ثم انه من
المحتمل قريبا أيضا ـ ولعله الاولى والأرجح في المقام ـ حمل روايات نفى البأس عن
الإقعاء بمعنى الجلوس على العقبين كما ذكرنا على التقية ، حيث ان مذهب جماعة من
العامة استحبابه ونقلوا عن ابن عباس أنه السنة ، وعن طاوس قال : رأيت العبادلة
يفعلون ذلك : عبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير .
وقال بعض شراح
صحيح مسلم في باب الإقعاء بعد نقل حديث ابن عباس انه سنة : اعلم ان الإقعاء ورد
فيه حديثان ففي هذا الحديث انه سنة وفي حديث آخر النهي عنه ، رواه الترمذي وغيره
من رواية علي (عليهالسلام) ، وابن ماجة من رواية انس ، واحمد بن حنبل من رواية
سمرة وأبي هريرة ، والبيهقي من رواية سمرة وانس وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف
العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث ، والصواب الذي لا
معدل عنه ان الإقعاء نوعان : (أحدهما) ان يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه
على الأرض كإقعاء الكلب ، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد
القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة ، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. و
(النوع الثاني) ان يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين ، وهذا هو مراد ابن عباس انه
سنة ، وقد نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين : وحمل حديث ابن عباس
عليه جماعات من المحققين : منهم ـ البيهقي والقاضي عياض وآخرون ، قال القاضي وقد
ورد عن جماعة من الصحابة والسلف انهم كانوا يفعلونه ، قال وكذا جاء مفسرا عن ابن
عباس من السنة ان تمس عقبيك ألييك ، فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس ، وقد
ذكرنا ان الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين. انتهى. ومما ذكرناه
يظهر قرب حمل اخبار الجواز على التقية.
__________________
وقد عرفت مما
قدمناه ان المراد بالإقعاء في اخبار الجواز هو الإقعاء الذي جعلوه هنا سنة وهو
الجلوس على العقبين معتمدا على صدور الرجلين ، هذا بالنسبة إلى ما بين السجدتين
وإلا فقد عرفت ان الإقعاء في التشهد مما لا معارض للقول بالمنع منه.
ولا يخفى ان ما
ذكره الأصحاب ـ من جواز الإقعاء على كراهة في جلوس الصلاة مطلقا مع تفسيرهم
الإقعاء بالجلوس على العقبين معتمدا على صدور قدميه ـ ظاهر في صحة الصلاة بجلوسه
على هذه الكيفية ، وهو مشكل فان صدق الجلوس شرعا أو عرفا على هذه الكيفية لا يخلو
من بعد سيما مع تصريح الخبر بأن المقعي ليس بجالس. والظاهر ان ما ذكره في الفقيه
وصرحت به رواية عمرو بن جميع من عدم الجواز مراد به ظاهره لا المبالغة في الكراهة
كما صرح به ابن إدريس ، لما عرفت من ان الجالس على عقبيه مع اعتماده على صدور
رجليه لا يصدق عليه انه جالس كما صرحت به الرواية وحينئذ فيجب حمل لفظ «لا ينبغي»
في رواية السرائر على معنى التحريم وهو أكثر كثير في الأخبار كما تقدم ذكره في غير
مقام.
وبالجملة فالذي
يتلخص مما فهمنا من اخبار المسألة هو كراهة الإقعاء بمعنى الجلوس على الأليين
كإقعاء الكلب بحمل روايات النهي على هذه الصورة كما عرفت واما روايات الجواز فهي
محمولة على الإقعاء بالمعنى الثاني ولكن رواياته انما خرجت مخرج التقية وموردها
بين السجدتين الذي قد عرفت من كلامهم انه سنة ، والظاهر هو عدم جوازه لعدم صدق
الجلوس معه إلا في حال التقية وان كان ذلك خلاف ما عليه الأصحاب كما عرفت. والله
العالم.
(المسألة
الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ان من كان في موضع سجوده دمل أو جراحة أو دم يمنع
من السجود عليه فان أمكنه أن يحفر حفيرة أو يعمل شيئا مجوفا من طين أو خشب أو
نحوهما ليقع السليم من الجبهة على ما يصح السجود عليه وجب وان تعذر لاستغراق
الجبهة بالمرض أو غير ذلك سجد على أحد الجبينين فان تعذر فعلى ذقنه.
وقال الشيخ في المبسوط ان كان هناك دمل أو جراحة ولم يتمكن من السجود عليه
سجد على أحد جانبيه فان لم يتمكن سجد على ذقنه وان جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها
فيه كان جائزا. وفيه تصريح بعدم وجوب الحفيرة أولا ونحوه في النهاية. وقال ابن
حمزة يسجد على أحد جانبيها فان لم يتمكن فالحفيرة فان لم يتمكن فعلى ذقنه فقدم
السجود على أحد الجانبين على الحفيرة. وقال الشيخ علي بن بابويه يحفر حفيرة للدمل
وان كان بجبهته علة تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته فان عجز فعلى
قرنه الأيسر من جبهته فان عجز فعلى ظهر كفه فان عجز فعلى ذقنه. ونحوه كلام ابنه
الصدوق (قدسسره).
واما الأخبار
التي وقفت عليها في هذه المسألة فمنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار
عن بعض أصحابه عن مصادف قال «خرج بي دمل فكنت اسجد على جانب فرأى أبو عبد الله (عليهالسلام) أثره فقال ما هذا؟ فقلت لا أستطيع ان اسجد من أجل
الدمل فإنما اسجد منحرفا. فقال لي لا تفعل ذلك ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في
الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض».
وما رواه في
الكافي عن علي بن محمد بإسناده قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن من بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها قال يضع
ذقنه على الأرض ان الله تبارك وتعالى يقول (يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» .
وما رواه الثقة
الجليل علي بن إبراهيم في كتابه في الموثق عن أبيه عن الصباح عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها؟ قال يسجد
ما بين طرف شعره فان لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر
فان لم يقدر فعلى ذقنه. قلت على ذقنه؟
__________________
قال : نعم اما تقرأ كتاب الله عزوجل (يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» .
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «فإن كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود أو دمل فاحفر حفيرة فإذا سجدت
جعلت الدمل فيها ، وان كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على
قرنك الأيمن فان لم تقدر عليه فعلى قرنك الأيسر فان لم تقدر عليه فاسجد على ظهر
كفك فان لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك لقول الله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ
قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً). إلى قوله (وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعاً)» .
هذا ما وقفت
عليه من اخبار المسألة ووصل الي منها ، والمذكور في كتب الأصحاب منها رواية مصادف
المشتملة على الحفيرة خاصة ومرسلة الكليني عن علي بن محمد المشتملة على الوضع على
الذقن من أول الأمر خاصة ، ولذا احتاج في المعتبر وتبعه في المدارك ـ في تتميم
الاستدلال على القول المشهور من الانتقال إلى الجبينين بعد تعذر الحفيرة ـ إلى
تعليل عقلي فقال في المعتبر بان الجبينين مع الجبهة كالعضو الواحد فيقوم أحدهما
مقامها للعذر ، وان السجود على أحد الجبينين أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء
وان الإيماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين اولى. ونقله في المدارك عنه أيضا وجمد
عليه حيث لم يقف على دليل سواه يستند اليه.
وأنت خبير بما
في الاستناد إلى هذه التعليلات العقلية من عدم الصلاحية لتأسيس الأحكام الشرعية
كما نبهت عليه في غير مقام مما تقدم.
والأظهر
الاستدلال على ذلك بما في موثقة علي بن إبراهيم بحمل الحاجب الأيمن والأيسر على
الجبينين مجازا ، وأظهر منها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي منها أخذ كلام الصدوقين
كما عرفت ، فان المراد بالقرن الأيمن والأيسر هما الجبينان بلا إشكال ، إلا انها
اشتملت على الترتيب بينهما فالواجب القول به.
__________________
واما السجود
على الذقن فاستدل عليه في المدارك تبعا لصاحب المعتبر وغيره بمرسلة الكليني ، قال
في المدارك بعد نقلها والاستدلال بها : وهذه الرواية وان ضعف سندها إلا ان مضمونها
مجمع عليه بين الأصحاب.
وفيه انه كيف
يكون مضمونها مجمعا عليه بين الأصحاب وهي قد دلت على الانتقال من أول الأمر إلى
السجود على الذقن والأصحاب قائلون بالحفيرة أولا ثم مع تعذرها فالجبينان ثم مع
تعذرهما فالذقن ، فالسجود على الذقن انما هو مرتبة ثالثة والرواية دالة على انه من
أول الأمر. ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح
أوجب الوقوع في أمثال هذه التمحلات ، والخبر حيث كان ضعيفا باصطلاحه أراد التستر
في العمل به على خلاف قاعدته بما ذكره ، على انه كم قد خالف الأصحاب وناقشهم في
أمثال ذلك كما لا يخفى على من له انس بطريقته.
وبالجملة
فالظاهر من هذه الأخبار التي نقلناها باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو القول بالحفيرة
أولا ان أمكن عملا برواية مصادف ، ونحوها كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه. واما مع تعذر ذلك فالروايات قد تصادمت
ههنا ، فاما مرسلة الكليني فإنها دلت على الانتقال إلى الذقن ، واما موثقة إسحاق
بن عمار المروية في تفسير علي ابن إبراهيم فقد تضمنت الحاجب الأيمن ثم الأيسر ثم
الذقن ، واما عبارة كتاب الفقه فقد تضمنت القرن الأيمن ثم القرن الأيسر ، وهاتان
الروايتان اتفقتا على تأخير الذقن فالعمل بهما اولى من المرسلة المذكورة وينبغي
حمل الحاجب في موثقة إسحاق على الجبينين مجازا جمعا بين الخبرين فيتم الاستدلال
بهما للقول المشهور لكن باعتبار الترتيب لا كما هو ظاهرهم من التخيير بين الجبينين
لعدم المستند له في هذه الأخبار.
واما ما ذكره
في الذخيرة ـ من قوله : ولا ترتيب بين الجبينين لإطلاق الرواية لكن الاولى تقديم
الأيمن خروجا عن خلاف ابن بابويه ـ ففيه انه لم يذكر في هذا البحث كغيره من
الأصحاب إلا رواية مصادف ومرسلة الكافي وشيء منهما لم يشتمل على الجبينين كما
عرفت. ووجوب السجود على أحد الجبينين انما علله بعد دعوى انه لا خلاف فيه
بما نقلناه عن المعتبر وزاد عليه توقف يقين البراءة من التكليف الثابت عليه ، فأي
رواية هنا يعتمد في التخيير على إطلاقها؟ وبالجملة فإن كلامه هنا سهو ظاهر كما لا
يخفى على الخبير الماهر.
ومع عدم إمكان
الجبينين فالذقن وهو المرتبة الثالثة والروايات متفقة عليه في الجملة وان اختلفت
فيما قبله ، وما اشتملت عليه عبارة كتاب الفقه من السجود على ظهر الكف بعد تعذر
الجبينين فهو غريب مرجوع إلى قائله (عليهالسلام).
والمراد بالذقن
مجمع اللحيين ، وهل يجب كشفه لأجل السجود عليه؟ صرح شيخنا الشهيد الثاني بذلك
استنادا إلى ان اللحية ليست من الذقن فيجب كشفه لتصل البشرة إلى ما يصح السجود
عليه. وقيل لا يجب لإطلاق الخبر. واختاره سبطه في المدارك قال في الذخيرة ولعله
أقرب.
والمراد بالعذر
هنا وفي أمثاله المشقة الشديدة التي لا تتحمل عادة وان أمكن تحملها بعسر.
ثم انه مع تعذر
جميع ذلك ينتقل إلى الإيماء كما تقدم في بحث القيام. والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة النفخ في موضع السجود في الصلاة.
ومن الأخبار في
ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال «قلت له الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال لا».
وما رواه الشيخ
عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال «لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ
أحدا».
وعن إسحاق بن
عمار في الموثق عن رجل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المكان يكون عليه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود
فقال لا بأس».
__________________
وروى الصدوق
مرسلا قال : «سأل رجل الصادق (عليهالسلام). وذكر الحديث ثم قال وروى عن الصادق (عليهالسلام) انه قال : انما يكره ذلك خشية أن يؤذي من إلى جانبه».
وروى الصدوق
بإسناده إلى شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) عن النبي (صلىاللهعليهوآله) في حديث المناهي قال : «ونهى ان ينفخ في طعام أو شراب وان ينفخ في موضع
السجود».
وروى في كتاب
العلل عن ليث المرادي في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يصلي فينفخ في موضع جبهته؟ فقال ليس به بأس إنما
يكره ذلك ان يؤذي من إلى جانبه».
وروى في كتاب
المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم
عنها. إلى ان قال وكره النفخ في الصلاة». ورواه في الفقيه بإسناده عن سليمان بن
جعفر عن عبد الله بن الحسين ابن زيد مثله .
وعن الحسين بن
مصعب قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : يكره النفخ في الرقى والطعام وموضع السجود».
وبإسناده عن
علي (عليهالسلام) في حديث الأربعمائة قال : «لا ينفخ الرجل في موضع سجوده ولا ينفخ في طعامه
ولا في شرابه ولا في تعويذه».
وأنت خبير بان
ظاهر خبر الحضرمي ومرسلة الصدوق وصحيح ليث المرادي ان الكراهة انما هي من حيث
استلزام إيذاء أحد وهو مؤذن بعدم الكراهة من حيث الصلاة. ويمكن تقييد إطلاق صحيح
محمد بن مسلم وكذا أخبار المناهي بها إلا ان ظاهر
__________________
اخبار المناهي والمتبادر منها ان الكراهة انما هي من حيث الصلاة ، وحينئذ
فيمكن ان يقال بأنه وان كان مكروها من حيث الصلاة إلا أنه أشد كراهة باعتبار
الإيذاء ، ونفى البأس في باقي الأخبار يحمل على أصل الجواز وهو غير مناف للكراهة
بل ربما ايدها لقولهم : نفى البأس مؤذن بالبأس.
تذنيب يشتمل على مقامين
(الأول) ـ في سجدات
القرآن وهي خمس عشرة : منها أربع عزائم ، وها أنا أولا ابدأ بذكر الأخبار المتعلقة
بذلك ثم أعطف الكلام على ما يظهر منها من الأحكام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل
الذكر عليهمالسلام :
(الأول) ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا
تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك. والعزائم أربع : حم السجدة ، وتنزيل ،
والنجم ، واقرأ باسم ربك».
(الثاني) ـ ما
روياه أيضا عن أبي بصير قال قال : «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها
فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن
أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد».
(الثالث) ـ ما
روياه أيضا عن عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل سمع السجدة تقرأ؟ قال لا يسجد إلا ان يكون
منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلي بصلاته ، فاما ان يكون يصلي في ناحية وأنت تصلي
في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت».
__________________
(الرابع) ـ ما
رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك».
(الخامس) ـ ما
رواه أيضا في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا تستقيم الصلاة فيها قبل غروب
الشمس وبعد صلاة الفجر؟ فقال لا يسجد».
(السادس) ـ ما
رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد
عليه مرارا في المقعد الواحد؟ قال عليه ان يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه أيضا
ان يسجد».
(السابع) ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده
: سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا متعظما بل انا
عبد ذليل خائف مستجير».
(الثامن) ـ ما
رواه في الفقيه مرسلا قال : «وروى انه يقول في سجدة العزائم : لا إله إلا
الله حقا حقا لا إله إلا الله ايمانا وتصديقا لا إله إلا الله عبودية ورقا سجدت لك
يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا مستكبرا بل انا عبد ذليل خائف مستجير. ثم يرفع
رأسه ثم يكبر».
(التاسع) ـ ما
رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ
إنسان السجدة
__________________
كيف يصنع؟ قال يومئ برأسه. قال : وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر
السجدة؟ قال يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته إلا ان يكون
في فريضة فيومى برأسه إيماء».
(العاشر) ـ ما
رواه في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي ابن محبوب عن غياث عن جعفر
عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) قال : «لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة».
(الحادي عشر) ـ
ما رواه أيضا بسنده عن عمار الساباطي قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال ليس فيها
تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود».
(الثاني عشر) ـ
ما رواه في كتاب العلل في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟
قال يسجد حيث توجهت به ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي على ناقته وهو مستقبل المدينة يقول الله عزوجل (فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ». ورواه العياشي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) مثله .
(الثالث عشر) ـ
ما رواه في كتاب مجمع البيان قال : «روى عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال العزائم الم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم إذا هوى
، واقرأ باسم ربك ، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض».
(الرابع عشر) ـ
منه أيضا قال : «عن أئمتنا (عليهمالسلام) ان السجود
__________________
في سورة (فصلت) عند قوله (إِنْ كُنْتُمْ
إِيّاهُ تَعْبُدُونَ)» .
(الخامس عشر) ـ
ما رواه في كتاب عوالي اللئالئ مرسلا قال : «روى في الحديث انه لما نزل قوله تعالى «وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ» سجد النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال في سجوده : أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من
عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
(السادس عشر) ـ
ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لأحمد ابن محمد بن أبي نصر عن الوليد
بن صبيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «في من قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء؟ قال
يسجد».
(السابع عشر) ـ
ما رواه فيه أيضا من الكتاب المذكور في الصحيح عن الحلبي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء؟ قال يسجد إذا
كانت من العزائم».
(الثامن عشر) ـ
ما رواه في كتاب الخصال في الصحيح عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان العزائم أربع : اقرأ باسم ربك الذي خلق ،
والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة».
(التاسع عشر) ـ
ما رواه في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) «في من يقرأ السجدة من القرآن من العزائم لا يكبر حين يسجد ولكن يكبر إذا
رفع رأسه».
(العشرون) ـ ما
رواه في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد بن محمد
__________________
ابن أبي نصر عن العلاء عن محمد بن مسلم قال : «سألته عن الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فينسى
فيركع ويسجد سجدتين ثم يذكر بعد؟ قال يسجد إذا كانت من العزائم ، والعزائم أربع : ألم
تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك. وكان علي بن الحسين (عليهماالسلام) يعجبه ان يسجد في كل سورة فيها سجدة».
(الحادي
والعشرون) ـ ما رواه في كتاب العلل بسنده عن جابر عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان أبي علي بن الحسين (عليهالسلام) ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب
الله عزوجل فيها سجود إلا سجد. الى ان قال فسمى السجاد لذلك».
(الثاني
والعشرون) ـ ما رواه في كتاب دعائم الإسلام قال : مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا أولها آخر
الأعراف ، وفي سورة الرعد «وَظِلالُهُمْ
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» وفي النحل «وَيَفْعَلُونَ ما
يُؤْمَرُونَ» وفي بني إسرائيل «وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعاً» وفي كهيعص «خَرُّوا سُجَّداً
وَبُكِيًّا» وفي الحج «إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ
ما يَشاءُ» وفيها «وَافْعَلُوا
الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وفي الفرقان «وَزادَهُمْ نُفُوراً» وفي النمل «رَبُّ الْعَرْشِ
الْعَظِيمِ» وفي تنزيل السجدة «وَهُمْ لا
يَسْتَكْبِرُونَ» وفي ص «وَخَرَّ راكِعاً
وَأَنابَ» وفي حم السجدة «إِنْ كُنْتُمْ
إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» وفي آخر النجم وفي إذا السماء انشقت «وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ
الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ» وآخر «اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ».
__________________
وروينا عن أبي
جعفر محمد بن علي (عليهماالسلام) انه قال : «العزائم من سجود القرآن أربع : في «الم
تنزيل السجدة» و «حم السجدة» والنجم «واقرأ باسم ربك» قال فهذه العزائم لا بد من
السجود فيها وأنت في غيرها بالخيار ان شئت فاسجد وان شئت فلا تسجد ، قال وكان علي
بن الحسين (عليهماالسلام) يعجبه ان يسجد فيهن كلهن».
وعن جعفر بن
محمد (عليهماالسلام) انه قال : «من قرأ السجدة أو سمعها من قارئ يقرأها وكان
يستمع قراءته فليسجد ، فان سمعها وهو في صلاة فريضة من غير الإمام أومأ برأسه ،
وان قرأها وهو في الصلاة سجد وسجد معه من خلفه ان كان اماما ، ولا ينبغي للإمام ان
يتعمد قراءة سورة فيها سجدة في صلاة فريضة».
وعنه (عليهالسلام) انه قال : «ومن قرأ السجدة أو سمعها سجد اي وقت كان ذلك
مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز عند طلوع الشمس وعند غروبها ويسجد وان كان على غير
طهارة ، وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود ، ويدعو في
سجوده بما تيسر من الدعاء».
وعنه (عليهالسلام) انه قال : «إذا قرأ المصلي سجدة انحط فسجد ثم قام
فابتدأ من حيث وقف فان كانت في آخر السورة فليسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب
ويركع ويسجد».
وعن ابي جعفر
بن علي (عليهماالسلام) انه قال : «إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجها إلى
القبلة وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجهت ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي على راحلته وهو متوجه إلى المدينة بعد
انصرافه من مكة يعني النافلة ، قال وفي ذلك قول الله عزوجل (فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» . انتهى.
__________________
أقول : والكلام
في ما اشتملت عليه هذه الأخبار يقع في مواضع (الأول) وجوب السجود في العزائم
الأربع المذكورة في هذه الأخبار بقراءتها أو استماعها مما انعقد عليه إجماع
الأصحاب ، وعليه دل الخبر الثاني والرابع والسادس والثاني عشر والسادس عشر والسابع
عشر والعشرون والثاني والعشرون.
واما ما ذكره
الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ بناء على أصله الغير الأصيل وقاعدته الخالية من
الدليل من ان هذه الأخبار وان لم تكن مصرحة بالوجوب كما نبهنا عليه كثيرا لكن
انضمام عمل الأصحاب وفهمهم يقتضي المصير إلى الوجوب ـ ففيه ما عرفت مما أوضحناه في
غير مقام مما تقدم. والتجاؤه هنا إلى عمل الأصحاب وفهمهم انما نشأ من ضيق الخناق ،
وإلا فالواجب على الفقيه هو العمل بالأحكام الشرعية بمقتضى الأدلة الواضحة الجلية
لا تقليد العلماء وما فهموه فإنها مرتبة المقلدين القاصرين عن رتبة الاستنباط
والاستدلال ، والواجب عليه بمقتضى قاعدته وعدم ثبوت الوجوب عنده من الأخبار هو نفي
الوجوب لعدم الدليل في أمثال هذا الموضع وهو خروج من الدين بما لا يشعر به قائله
وكفى به شناعة.
وكيف كان فكما
انعقد الإجماع على الوجوب في هذه المواضع الأربعة انعقد أيضا على الاستحباب في
باقي الخمس عشرة ، وعليه يدل الخبر الثالث عشر والعشرون والحادي والعشرون وبذلك
يظهر لك ما في قول صاحب المدارك هنا حيث قال : واما استحباب السجود في غير هذه
الأماكن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به في كلام الأصحاب مدعى عليه
الإجماع ولم أقف فيه على نص يعتد به. انتهى. فان فيه انه ان أراد بالنص الذي يعتد
به ما كان صحيح السند بناء على اصطلاحه فالخبر العشرون صحيح السند لأن البزنطي
صاحب الكتاب رواه عن العلاء عن محمد بن مسلم والثلاثة ثقات بالاتفاق ، على انه في
غير موضع من كتابه يعمل بالخبر الضعيف في السنن ومتى ظن في خبر ظاهره الوجوب أو
التحريم بضعف السند حمله على الاستحباب أو الكراهة
تفاديا من طرحه فلا معنى لرده هنا يضعف السند. وبالجملة فالعذر له ظاهر حيث
ان نظره مقصور على اخبار الكتب الأربعة وعدم الفحص عن غيرها وهذه الأخبار خارجة
عنها ، وإلا فهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة على ذلك وفيها الصحيح باصطلاحه
لكن الحق هو الاعتذار عنه بما ذكرناه.
(الثاني) ـ لا
خلاف بين الأصحاب في ان السجدات خمس عشرة كما فصلها في كتاب دعائم الإسلام وادعى
عليه الشهيد (قدسسره) الإجماع ، قال في الذكرى : أجمع الأصحاب على ان سجدات
القرآن خمس عشرة : ثلاث في المفصل وهي في النجم وانشقت واقرأ ، واثنتا عشرة في
باقي القرآن وهي في الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين
والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم فصلت : انتهى. ونقل عن الصدوق ابن بابويه انه
يستحب ان يسجد في كل سورة فيها سجدة ، وعلى هذا فيدخل فيها آل عمران لقوله تعالى «يا مَرْيَمُ اقْنُتِي
لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي» وغيرها ، ويومئ اليه الخبر الحادي والعشرون. ولا بأس
بالعمل به احتياطا.
(الثالث) ـ لا
خلاف بين الأصحاب في وجوب السجود على القارئ والمستمع وهو المنصت ، وانما الخلاف
في الوجوب على السامع من غير إصغاء ، فذهب الشيخ إلى عدم الوجوب عليه ونقل عليه
الإجماع في الخلاف ، وإلى هذا القول ذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في
الشرائع والعلامة في المنتهى. وقال ابن إدريس انه يجب على السامع وذكر انه إجماع
الأصحاب ، واليه يميل كلامه في الذكرى وبه صرح في المسالك وعليه الأكثر من
الأصحاب. وهو الأقرب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى استدل الشيخ بعد الإجماع
بالخبر الثالث ، واحتج ابن إدريس بعد الإجماع الذي ادعاه بعموم الأمر وبالخبر
الثاني.
قال في الذكرى
بعد ذكر القولين والدليلين : وطريق الرواية التي ذكرها الشيخ
__________________
فيه محمد بن عيسى عن يونس ، مع أنها تقتضي وجوب السجود إذا صلى بصلاة
التالي لها وهو غير مستقيم عندنا إذ لا يقرأ في الفريضة عزيمة على الأصح ولا يجوز
القدوة في النافلة غالبا ، وقد نقل ابن بابويه عن ابن الوليد انه لا يعتمد على
حديث محمد بن عيسى عن يونس. وروى العامة عدم سجود السامع عن ابن عباس وعثمان ولا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب.
أقول : ما ذكره
من الإشكال في مضمون الخبر جيد إلا ان الظاهر حمله على الائتمام بالمخالف ، مع ان
القدوة في بعض النوافل كالاستسقاء والغدير والعيدين مع اختلال الشرائط جائزة.
ثم انه مما يدل
أيضا على الاكتفاء. بمجرد السماع زيادة على الخبر الثاني الخبر التاسع ، ويؤيد ما
دل عليه الخبر الثالث قوله في بعض أخبار الدعائم المتقدمة «أو سمعها من قارئ
يقرأها وكان يستمع قراءته» اي ينصت لها.
وبالجملة
فالأخبار من الطرفين ظاهرة الدلالة على كل من القولين ، قال في المدارك بعد ذكر ما
دل على السماع وما دل على الاستماع : وانا في هذه المسألة من المتوقفين. والحق ان
الجمع بين أخبار المسألة دائر بين أمرين : اما حمل ما دل على الأمر بالسجود بمجرد
السماع على الفضيلة والاستحباب ، واما حمل ما دل على التخصيص بعد القراءة
بالاستماع دون السماع على التقية لموافقته لمذهب العامة وهو الأرجح. والاحتياط لا
يخفى.
(الرابع) ـ قد
صرح جملة من الأصحاب بأن الظاهر ان موضع السجود في هذه الأربعة بعد الفراغ من
الآية ، وذهب المحقق في المعتبر إلى ان موضعه في حم السجدة
__________________
عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ» ونقله عن الشيخ في الخلاف.
وقال في الذكرى
: موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات والفراغ من الآية فعلى هذا يسجد في
فصلت عند «تَعْبُدُونَ» وهو الذي ذكره في الخلاف والمبسوط واحتج عليه بالإجماع
وقال قضية الأصل الفور ، ونقل في المعتبر عن الخلاف انه عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ» واختاره مذهبا ، وليس كلام الشيخ صريحا فيه ولا ظاهرا بل
ظاهره ما قلناه لانه ذكر في أول المسألة ان موضع السجود في «حم» عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ
الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» ثم قال وأيضا قوله «وَاسْجُدُوا لِلّهِ
الَّذِي خَلَقَهُنَّ» أمر والأمر يقتضي الفور عندنا وذلك يقتضي السجود عقيب
الآية ومن المعلوم ان آخر الآية «تَعْبُدُونَ» ولأن تخلل السجود في أثناء الآية يؤدى إلى الوقوف على
المشروط دون الشرط وإلى ابتداء القارئ بقوله «إِنْ كُنْتُمْ
إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» وهو مستهجن عند القراء ولانه لا خلاف فيه بين المسلمين ،
انما الخلاف في تأخير السجود إلى «يَسْأَمُونَ» فإن ابن عباس والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون اليه
والأول هو المشهور عند الباقين فاذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به ، فان احتج
بالفور قلنا هذا القدر لا يخل بالفور وإلا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند
صيغة الأمر وحذف ما بعده من اللفظ ولم يقل به أحد. انتهى. وهو جيد ، ويؤيده الخبر
الرابع عشر وما ذكره صاحب كتاب دعائم الإسلام من السجود بعد تمام الآيات المشتملة
على لفظ السجدة ومنها سورة حم فصلت.
أقول : لا يخفى
ان ظواهر الأخبار التي قدمناها هو السجود عند ذكر السجدة لتعليق السجود في جملة
منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها والمتبادر منها هو
__________________
لفظ السجدة ، والحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات بان
يراد سماع آية السجدة إلى آخرها. إلا ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على ان محل السجود
بعد تمام الآية كما عرفت ، واليه يشير قول شيخنا الشهيد في آخر عبارته : وإلا لزم
وجوب السجود. إلى قوله ولم يقل به أحد. وبالجملة فإني لا أعرف لإطلاق الأخبار
المذكورة مخصصا سوى ما يدعى من الاتفاق في المقام.
قال شيخنا في
كتاب البحار : رأيت في بعض تعليقات شيخنا البهائي (قدسسره) قول بعض الأصحاب بوجوب السجود عند التلفظ بلفظ السجدة
في جميع السجدات الأربع ولم أر هذا القول في كلام غيره ، وقد صرح في الذكرى بعدم
القول به فلعله اشتباه. انتهى.
أقول : لا ريب
في قوة هذا القول بالنظر إلى ما ذكرناه من التقريب إلا ان الخروج عما ظاهرهم
الاتفاق عليه مشكل سيما مع عدم إخلال ذلك بالفور الواجب في المقام كما أشار إليه
شيخنا الشهيد (قدسسره) في ما تقدم من كلامه ، نعم ظاهر الخبر الرابع عشر وما
ذكره في كتاب دعائم الإسلام مؤيد لما ذكره الأصحاب.
(الخامس) ـ الظاهر
ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ ان الطهارة من الحدث غير شرط في هذا السجود ،
وعليه يدل الخبر الثاني والخبر السادس عشر والسابع عشر والثاني والعشرون.
ونحو هذه
الأخبار موثقة أبي عبيدة الحذاء قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الطامث تسمع السجدة قال ان كانت من العزائم فلتسجد
إذا سمعتها».
ومنع الشيخ في
النهاية عن سجود الحائض ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد ان ظاهره اعتبار الطهارة.
ويدل عليه
الخبر العاشر ، ونحوه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن
__________________
ابن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا
سمعت السجدة؟ قال تقرأ ولا تسجد».
وحمله الشيخ في
الاستبصار على جواز الترك ، وحمله على الاستفهام الإنكاري غير بعيد بمعنى انه يجوز
لها قراءة القرآن الذي من جملته العزائم ولا يجب عليها السجود بل تسجد كما أنها
تقرأ. واما خبر غياث المتقدم فهو يضعف عن معارضة ما ذكرناه من الأخبار. ولا يبعد
عندي حمل الخبرين على التقية فإن العلامة قد نقل في المنتهى عن أكثر الجمهور
اشتراط الطهارة من الحدثين .
واما ستر العورة
والطهارة من الخبث واستقبال القبلة فظاهر الأكثر انه لا خلاف في عدم اشتراطها ،
قال في الذكرى اما ستر العورة واستقبال القبلة فغير شرط ، وكذا لا يشترط خلو البدن
والثوب من النجاسة لإطلاق الأمر بها فالتقييد خلاف الأصل. انتهى أقول : قد تقدم في
ما ذكره في كتاب الدعائم مما رواه عن جعفر (عليهالسلام) التفصيل بين ما إذا قرأها وهو جالس فإنه يستقبل القبلة
أو قرأها وهو راكب فحيث ما توجه. إلا ان الكتاب على ما قدمنا ذكره لا تصلح اخباره
للاستدلال وانما قصارها التأييد سيما مع ما نقله في المنتهى عن العامة من اشتراط
الاستقبال فيها فيضعف الاعتماد عليها وتقييد إطلاق الأخبار كملا بها.
(السادس) ـ اختلف
الأصحاب في باقي المساجد غير الجبهة هل يشترط السجود عليها أيضا أم لا ، وكذا في
السجود على الجبهة هل يجب وضعها على ما يصح السجود عليه في الصلاة أم يكفي على اي
شيء كان؟ والأخبار المتقدمة كما عرفت مطلقة لا اشعار فيها بالتقييد بشيء مما
ذكروه في الموضعين المذكورين.
قال في الذكرى
: وفي اشتراط السجود على الأعضاء السبعة أو الاكتفاء بالجبهة
__________________
نظر من انه السجود المعهود ومن صدقه بوضع الجبهة ، وكذا في السجود على ما
يصح السجود عليه في الصلاة من التعليل هناك بان الناس عبيد ما يأكلون ويلبسون وهو
مشعر بالتعميم. انتهى.
أقول : أشار
بالتعليل المذكور إلى ما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم «انه قال لأبي عبد الله (عليهالسلام) أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود
لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقال له جعلت
فداك ما العلة في ذلك؟ قال لأن السجود خضوع لله عزوجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل أو يلبس لأن أبناء الدنيا
عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء
الدنيا الذين اغتروا بغرورها».
وعندي في ما
ذكره من التعليل في كل من الموضعين نظر ، اما ما علل به اشتراط باقي المساجد من
انه السجود المعهود فإنه على إطلاقه ممنوع نعم هو معهود بالنسبة إلى الصلاة لا
مطلقا ، وبالجملة فإنه قد اعترف بصدق السجود بمجرد وضع الجبهة وهو كاف في التمسك
بإطلاق الأخبار المذكورة وأصالة عدم ما زاد حتى يقوم عليه دليل. واما الخبر
المذكور فمورده أيضا انما هو سجود الصلاة ، وما تضمنه من العلة لا يخفى انه ليس من
قبيل العلل الحقيقية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ويجب اطرادها ، فان هذه
العلل انما هي معرفات وبيان حكمة شرعية أو مناسبة جلية للتقريب للإفهام. وبالجملة
فأصالة البراءة أقوى دليل في المقام حتى يقوم الدليل الصريح والبرهان الصحيح
الموجب للخروج عنه إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا حجة إلا بعد البرهان.
(السابع) ـ المشهور
بين الأصحاب عدم التكبير لها وقال أكثر العامة بوجوب التكبير قبلها نعم يستحب التكبير عند الرفع ، وظاهر الشيخ في المبسوط
__________________
والخلاف والشهيد في الذكرى الوجوب.
ويدل على
التكبير ما تقدم في الخبر الأول وقد تضمن النهي عن التكبير قبل السجود والأمر به حين
رفع الرأس ، والخبر الرابع وفيه «ولا تكبر حتى ترفع رأسك» والخبر الثامن لقوله «ثم يرفع رأسه ثم يكبر» والخبر التاسع عشر وفيه «لا يكبر حين يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه».
ولعل من يظهر
منه القول بوجوب التكبير نظر إلى لفظ الأمر به في هذه الأخبار إلا ان ظاهر الخبر
الحادي عشر عدم التكبير مطلقا حيث قال فيه «ليس فيها تكبير إذا
سجدت ولا إذا قمت ـ يعني رفعت من السجود ـ ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود»
فإنه ظاهر في انه ليس فيها شيء غير الذكر ، ونحوه خبر الدعائم وقوله فيه «وإذا
سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود» والواجب حملهما على نفي
الوجوب جمعا ، وبه يظهر ضعف قول من ادعى وجوب التكبير المذكور. وكيف كان فالأحوط
عدم تركه. ثم ان ظاهر الأخبار الدالة عليه انه بعد الرفع وقبل الجلوس إلا ان يحمل
على التجوز في العبارة.
(الثامن) ـ يستحب
الذكر فيها بما تيسر وأفضله المأثور ، ومنه ما تقدم في الخبر السابع والخبر الثامن
وظاهر الخبر الحادي عشر انه يقول ما يقول في سجود الصلاة ، وفي خبر الدعائم ما تيسر من الدعاء ، وقال في المنتهى يستحب ان يقول في
سجوده «آمنا بما كفروا وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك إلى ما دعوا فالعفو العفو»
وقال في : الفقيه : ويستحب ان يسجد الإنسان في كل سورة فيها سجدة إلا ان الواجب في
هذه العزائم الأربع ، قال ومن قرأ شيئا من هذه العزائم الأربع فليسجد وليقل «إلهي
آمنا بما كفروا. الى آخر ما تقدم» قال ثم يرفع رأسه ويكبر.
(التاسع) قال
العلامة في المنتهى : يجوز فعلها في الأوقات كلها وان كانت
__________________
مما يكره فيه النوافل ، وهو قول الشافعي واحمد في إحدى الروايتين ومروي عن
الحسن والشعبي وسالم وعطاء وعكرمة ، وقال أحمد في الرواية الأخرى انه لا يسجد وبه
قال أبو ثور وابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق ، وقال مالك يكره قراءة السجدة في
وقت النهي . انتهى. وظاهر تشاغله بنقل أقوال العامة خاصة انه لا
مخالف في هذا الحكم من أصحابنا.
ويدل على الحكم
المذكور إطلاق أكثر الأخبار المتقدمة ، وخصوص رواية كتاب الدعائم حيث قال «ومن قرأ السجدة أو سمعها سجد اي وقت كان ذلك مما تجوز الصلاة فيه أو لا
تجوز وعند طلوع الشمس وعند غروبها». إلا ان الخبر الخامس قد دل على النهي عن السجود إذا كان في تلك الساعات.
والعلامة في
المنتهى قد احتج على الحكم المذكور بإطلاق الأمر بالسجود المتناول للأوقات كلها ،
قال ولأنها ذات سبب فجاز فعلها في وقت النهي عن النوافل كقضاء النوافل الراتبة. ثم
اعترض على نفسه برواية عمار المذكورة ثم أجاب بأن رواتها فطحية فلا تعارض ما ثبت بغيرها من
الأخبار.
وأنت خبير بان
الحكم المذكور لا يخلو من اشكال لعدم المعارض للموثقة المذكورة سوى إطلاق الأخبار
الذي يمكن تقييده بالرواية المذكورة كما هو مقتضى القاعدة ، ورواية كتاب الدعائم
لا تبلغ قوة في رد هذه الموثقة إلا انها بانضمام اتفاق الأصحاب على القول بمضمونها
لا تقصر عن معارضتها ، مضافا إلى ما في روايات عمار مما نبهت عليه في غير موضع.
وبالجملة فللتوقف في الحكم مجال.
(العاشر) ـ الظاهر
انه لا خلاف في فوريتها وقد نقلوا الإجماع على ذلك ، ولو أخل بها حتى فاتت الفورية
فهل تكون أداء أو قضاء؟ قال في الذكرى يجب قضاء العزيمة مع الفوات ويستحب قضاء
غيرها ، ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف لتعلق الذمة ، بالواجب أو المستحب فتبقى على
الشغل. وهل ينوي القضاء؟ ظاهره ذلك لصدق حد القضاء عليها ، وفي المعتبر
__________________
ينوي الأداء لعدم التوقيت. وفيه منع لأنها واجبة على الفور فوقتها وجود
السبب فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها ولا نعني بالقضاء إلا ذلك. انتهى.
أقول : فيه ان
الظاهر ان المراد من الوقت للشيء ما كان ظرفا له يقع الإتيان به فيه كاوقات
الصلوات الخمس ونحوها ، والظاهر هنا بالنسبة إلى قراءة العزيمة انما هو كونها سببا
لوجوب السجود بحيث متى اتى بها اشتغلت الذمة بالسجود كالزلزلة فإنها سبب لوجوب
الصلاة وان قصر وقتها عن الإتيان بالصلاة فتجب الصلاة بحصولها ، وقد حققنا ان
الوقت في الزلزلة هو العمر فتبقى أداء مطلقا إذ لا وقت لها فكذلك السجدة هنا تكون
أداء مطلقا لعدم التوقيت فيها ، وقراءة العزيمة انما هو سبب لوجوب الإتيان بها لا
وقت له كما ذكره لأن الإتيان بها لا يقع إلا بعد مضي القراءة وانقضائها وقضية
الوقتية الوقوع في أثناء الوقت كما عرفت ، وبذلك يظهر ان ما ذكره في المعتبر هو
الأقوى والمعتبر.
هذا كله بناء
على وجوب الإتيان بنية الوجه كما هو المشهور بينهم واما على ما نختاره وهو الأصح
في المسألة فالواجب الإتيان به مطلقا من غير تعرض لنية قضاء ولا أداء.
ونظير الزلزلة
في ما ذكرنا الحج أيضا فإنه بالاستطاعة يصير واجبا فيبقى وجوبه مستقرا في جميع
الأزمان فلا وقت له يوجب الإتيان به في خارجه بنية القضاء ، ونسبة قراءة السجدة
إلى وجوب السجود كنسبة الاستطاعة إلى الحج والزلزلة إلى الصلاة في كون الجميع من
قبيل الأسباب.
(الحادي عشر) ـ
قال في الذكرى : تتعدد السجدة بتعدد السبب سواء تخلل السجود أو لا لقيام السبب
وأصالة عدم التداخل وروى محمد بن مسلم ، ثم أورد الخبر السادس .
أقول : لا
إشكال في التعدد مع تخلل السجود واما مع عدمه فهو مبني على ما اشتهر
__________________
بينهم من أصالة عدم تداخل الأسباب ، وقد عرفت في مسألة تداخل الأغسال من
كتاب الطهارة ما يبطل هذا الأصل للأحبار الكثيرة الدالة على انه إذا اجتمعت عليك
حقوق أجزأك عنها حق واحد واما خبر محمد بن مسلم الذي استند اليه فلا دلالة فيه
على ما ادعاه ، إذ غاية ما يدل عليه انه متى قرأ السجدة وجب عليه السجود تحقيقا
للفورية التي لا خلاف فيها ، واما انه لو قرأ مرارا متعددة من غير تخلل السجود فهل
الواجب عليه سجدة واحدة أو سجدات متعددة بعدد القراءة فلا دلالة في الخبر عليه.
والله العالم
(المقام الثاني)
ـ في سجدة الشكر وهي مستحبة عقيب الصلاة شكرا على التوفيق لأدائها ، قال في
التذكرة انه مذهب علمائنا اجمع خلافا للجمهور .
ويدل عليه من
الأخبار ما يكاد يبلغ حد التواتر المعنوي ، ومنها ما رواه الشيخ وابن بابويه في
الصحيح عن مرازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك
وترضى بها ربك وتعجب الملائكة ، منك وان العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب
تبارك وتعالى الحجاب بين العبد والملائكة فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى
فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ما ذا له عندي؟ قال
فتقول الملائكة يا ربنا رحمتك. ثم يقول الرب تبارك وتعالى ثم ما ذا له؟ فتقول
الملائكة يا ربنا جنتك. فيقول الرب تبارك وتعالى ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة يا
ربنا كفاية مهمه. فيقول الله تبارك وتعالى. ثم ما ذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلا
قالته الملائكة فيقول الله تبارك وتعالى يا ملائكتي ثم ما ذا؟ فتقول الملائكة ربنا
لا علم لنا. قال فيقول الله تبارك وتعالى اشكر له كما شكر لي واقبل
__________________
إليه بفضلي وأريه وجهي».
أقول : في التهذيب
«رحمتي» مكان «وجهي»
وقال في الفقيه : من وصف الله تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر وأشرك
ووجهه أنبياؤه وحججه (صلوات الله عليهم) وهم الذين يتوجه بهم الإنسان إلى الله عزوجل وإلى معرفته ومعرفة دينه ، والنظر إليهم في يوم القيامة
ثواب عظيم يفوق كل ثواب.
وروى الشيخ في
التهذيب والصدوق في الفقيه عن إسحاق بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان موسى بن عمران إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده
الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) اوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران أتدري لما اصطفيتك
بكلامي دون خلقي؟ قال موسى لا يا رب. قال يا موسى اني قلبت عبادي ظهرا وبطنا فلم
أجد منهم أحدا أذل نفسا لي منك يا موسى انك إذا صليت وضعت خديك على التراب».
وروى في الكافي
عن جعفر بن علي قال : «رأيت أبا الحسن (عليهالسلام) وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض وألصق جؤجؤه
بالأرض في دعائه». أقول الجؤجؤ كهدهد ، الصدر.
وعن عبد الرحمن
بن خاقان قال : «رأيت أبا الحسن الثالث (عليهالسلام) سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه بالأرض
فسألته عن ذلك فقال كذا نحب».
وفي الكافي
والفقيه عن ابن جندب قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه
__________________
السلام) عما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟ فقال قل وأنت ساجد
اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك انك أنت الله ربي
والإسلام ديني ومحمد نبيي وفلان وفلان إلى آخرهم أئمتي بهم أتولى ومن عدوهم أتبرّأ.
اللهم إني أنشدك دم المظلوم (ثلاثا) وزاد في الفقيه «اللهم إني أنشدك بإيوائك على
نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين» ثم اشترك الكتابان في قوله بعد ذلك
«اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم على عدوك وعدوهم ان تصلي على
محمد وعلى المستحفظين من آل محمد» في الفقيه (ثلاثا) ثم اشتركا «اللهم إني أسألك
اليسر بعد العسر (ثلاثا) ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني
المذاهب وتضيق على الأرض بما رحبت ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا صل
على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ، ثم ضع خدك الأيسر وتقول : يا مذل كل جبار
ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي (ثلاثا) ثم تقول : يا حنان يا منان يا كاشف
الكرب العظام (ثلاثا) ثم تعود للسجود فتقول مائة مرة «شكرا شكرا» ثم تسأل حاجتك ان
شاء الله تعالى».
قال في الوافي صرح في الفقيه بأسماء الأئمة (عليهمالسلام) هكذا : وعلي امامي والحسن والحسين وعلي بن الحسين
ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد
والحسن بن علي والحجة ابن الحسن بن علي أئمتي. ومعنى أنشدك «أسألك بالله» من النشد
والمراد هنا أسألك بحقك أن تأخذ بدم المظلوم يعني الحسين (عليهالسلام) وتنتقم من قاتليه وممن أسس أساس الظلم عليه وعلى أبيه
وعلى أخيه (صلوات الله عليهم). والإيواء بالمثناة التحتانية والمد : العهد ،
والمستحفظين بصيغة الفاعل أو المفعول بمعنى استحفظوا الإمامة أي حفظوها أو
استحفظهم الله تعالى إياها. «يا كهفي حين تعييني المذاهب» اي يا ملجأي حين تعييني
مسالكي إلى الخلق وتردداني إليهم في
__________________
تحصيل بغيتي وتدبير أموري و «تعييني» بيائين مثناتين من تحت من الإعياء أو
بنونين أولهن مشددة وبينهما مثناة تحتانية من التعنية بمعنى الإيقاع في العناء. «بِما رَحُبَتْ» اي بسعتها وما مصدرية.
وروى في الكافي
عن سليمان بن حفص قال : «كتبت إلى أبي الحسن (عليهالسلام) في سجدة الشكر فكتب الي مائة مرة شكرا شكرا وان شئت
عفوا عفوا».
وعن محمد بن
سليمان عن أبيه قال : «خرجت مع أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) الى بعض أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله
ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين وتغرغر دموعه : رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك
لأخرستني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك
لأصممتني وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني
وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس
هذا جزاؤك مني. قال ثم أحصيت له ألف مرة وهو يقول العفو العفو ، قال ثم ألصق خده
الأيمن بالأرض فسمعته وهو يقول بصوت حزين : بؤت إليك بذنبي عملت سوء وظلمت نفسي
فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي «ثلاث مرات» ثم ألصق خده الأيسر
بالأرض فسمعته يقول : ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف (ثلاث مرات) ثم رفع رأسه».
وروى في
التهذيب في الصحيح وكذا في الفقيه عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن سجدة الشكر فقال اي شيء سجدة الشكر؟
فقلت له ان أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر. فقال ان
الشكر إذا أنعم الله على عبد النعمة أن يقول : (سُبْحانَ الَّذِي
__________________
سَخَّرَ
لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) والحمد لله رب العالمين».
وروى الطبرسي
في كتاب الاحتجاج في ما كتبه الحميري إلى القائم (عليهالسلام) «يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز
ان يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وان جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد
الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليهالسلام) سجدة الشكر من الزم السنن وأوجبها ولم يقل ان هذه
السجدة بدعة إلا من أراد ان يحدث في دين الله بدعة. واما الخبر المروي فيها بعد
صلاة المغرب. الحديث». وقد تقدم في المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب .
وروى الصدوق في
كتاب المجالس بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «بينا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يسير مع بعض أصحابه في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن
دابته ثم خر ساجدا فأطال ثم رفع رأسه فعاد ثم ركب فقال له أصحابه يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رأيناك ثنيت رجلك عن دابتك ثم سجدت فاطلت السجود؟ فقال
ان جبرئيل (عليهالسلام) أتاني فأقرأني السلام من ربي وبشرني انه لن يخزيني في
أمتي فلم يكن لي مال فأتصدق به ولا مملوك فأعتقه فأحببت أن أشكر ربي عزوجل».
وروى الصدوق في
العلل وفي العيون في الموثق عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «السجدة بعد الفريضة شكر لله تعالى على ما وفق له
العبد من أداء فرضه ، وادنى ما يجزئ فيها من القول ان يقول شكرا لله شكرا لله
__________________
شكرا لله (ثلاث مرات) قلت فما معنى قوله شكرا لله؟ قال : يقول هذه السجدة
مني شكر لله عزوجل على ما وفقني له من خدمته وأداء فرضه والشكر موجب
للزيادة فإن كان في الصلاة تقصير لم يتم بالنوافل تم بهذه السجدة».
وروى الشيخ أبو
علي بن شيخنا الطوسي في كتاب المجالس بسنده عن جميل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران أتدري يا
موسى لم انتجبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي؟ فقال لا يا رب. فأوحى الله اليه اني
اطلعت إلى الأرض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي منك فخر موسى ساجدا وعفر خديه في
التراب تذللا منه لربه عزوجل فأوحى الله اليه ان ارفع رأسك يا موسى وأمر يدك في موضع
سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة».
وروى في كتاب
العلل بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال : «قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهالسلام) ان أبي علي بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد
ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد ولا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد
كائد إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد ،
وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى السجاد لذلك».
أقول : وفي هذا
المقام فوائد يحسن التنبيه عليها ويهش خاطر الذاكر الشاكر إليها
(الاولى) ـ قد
أنكر هذه السجدة بعد الصلاة العامة وشددوا في إنكارها مع ورودها في اخبارهم والظاهر ان السبب في ذلك مراغمة الشيعة حيث شددوا في استحبابها والملازمة عليها كما استفاضت به
اخبارهم ، وعلى ذلك يحمل صحيح سعد بن
__________________
سعد المتقدم عن الرضا (عليهالسلام) المتضمن لإنكارها فإنه إنما خرج مخرج التقية كما ينادي
به الخبر الذي بعده بلا فصل.
وهي بعد تمام
التعقيب والفراغ منه كما ينادي به ما رواه الصدوق «ان الكاظم (عليهالسلام) كان يسجد بعد ما يصلي الفجر فلا يرفع رأسه حتى يتعالى
النهار».
(الثانية) ـ يستحب
فيها ان يفترش ذراعيه ويلصق صدره بالأرض كما تقدم في رواية جعفر بن علي ، وفي
رواية عبد الرحمن بن خاقان و «بطنه» أيضا.
(الثالثة) ـ يستحب
فيها تعفير الخدين وهو وضعهما على العفر الذي هو التراب ، وقد تقدم في خبر إسحاق
بن عمار نقلا عن موسى بن عمران ومثله اخبار أخر غيره أيضا مما
ذكرنا هنا وما لم نذكره.
وقد ذكر جملة
من الأصحاب : منهم ـ الشهيدان والسيد في المدارك استحباب تعفير الجبينين أيضا وهما
المكتنفان للجبهة. واستدل عليه في المدارك بالخبر المشهور في ان من علامات المؤمن
خمسا ، وعد منها تعفير الجبين .
وعندي في ذلك
إشكال إذا لم أقف في اخبار السجود على تعددها وكثرتها على ما يدل عليه ، والاستدلال
بهذا الخبر على ذلك غير ظاهر إذ من المحتمل بل هو الظاهر ان المراد بالجبين هو
الجبهة كما مر نظيره في باب التيمم من كثرة هذا الإطلاق في الأخبار ويؤيده التعبير
في الخبر بالجبين مفردا والمراد حينئذ انما هو استحباب السجود على الأرض. وجعل ذلك
من علامات المؤمن من حيث ان المخالفين لا يرون استحباب سجدة الشكر كما عرفت كما جعل (عليهالسلام) من جملة ذلك التختم باليمين
__________________
ردا على المخالفين الذين يستحبون التختم باليسار ومثله الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في مواضع إخفات
القراءة فإنه في مقام الرد عليهم كما تقدم ذكره في المسألة المذكورة وأيضا فإنه لا
دلالة في الخبر المذكور على انه بعد السجود أو لا ليحصل به الفصل بين السجدتين
وتعددهما كما ذكروه قياسا على تعفير الخدين فان الخبر لا يدل على ذلك كما لا يخفى.
وبالجملة فإن فهم ما ذكروه من هذه الرواية في غاية من الخفاء والاشكال إلا ان يكون
لهم خبر آخر ولم يوردوه ولم أقف عليه في اخبار السجود ، والذي صرحوا به دليلا لهذا
الحكم انما هو هذه الرواية كما في المسالك والمدارك وغيرهما والحال كما ترى.
(الرابعة) ـ قد
دل خبر جميل المروي في كتاب مجالس الشيخ أبي علي على استحباب وضع اليد بعد السجود
على محل السجود وان يمسح بها وجهه وما نالته من بدنه وان لم يكن به علة ولا مرض لدفع
ما عساه يعرض من الأمراض في هذه الأماكن.
وقد روى في
كتاب مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن عبد الحميد «ان الصادق (عليهالسلام) قال لرجل إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك ثم
أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبهتك إلى جانب خدك الأيمن ثم قل بسم الله
الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم والحزن
(ثلاثا)».
وقال شيخنا
المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : يضع باطن كفه الأيمن موضع سجوده ثم يرقعها
فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلى صدغيه ثم يمرها على باقي وجهه ويمرها على
صدره فان ذلك سنة وفيه شفاء ان شاء الله تعالى ، وقد روى عن
__________________
الصادقين (عليهمالسلام) انهم قالوا «ان العبد إذا سجد امتد من عنان السماء عمود
من نور إلى موضع سجوده فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده ثم
يمسح بها وجهه وصدره فإنه لا تمر بداء إلا نقته ان شاء الله تعالى». انتهى.
وقال في الذكرى
: يستحب إذا رفع رأسه منها ان يمسح يده على موضع سجوده ثم يمرها على وجهه من جانب
خده الأيسر وعلى جبهته إلى جانب خده الأيمن ويقول بسم الله. الدعاء كما تقدم. ثم
قال ورواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق (عليهالسلام) فإنه يدفع الهم قال وفي مرفوع اليه (عليهالسلام) «إذا كان بك داء من سقم أو وجع فإذا قضيت صلاتك فامسح بيدك على موضع سجودك
من الأرض وادع بهذا الدعاء وأمر يدك على موضع وجعك (سبع مرات) تقول : يا من كبس
الأرض على الماء وسد الهواء بالسماء واختار لنفسه أحسن الأسماء صل على محمد وآل
محمد وافعل بي كذا وكذا وارزقني كذا وكذا وعافني من كذا وكذا».
(الخامسة) ـ قال
في الذكرى : ليس في سجود الشكر تكبير الافتتاح ولا تكبير السجود ولا رفع اليدين
ولا تشهد ولا تسليم ، وهل يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود؟ أثبته في المبسوط.
وهل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة؟ في الأخبار السالفة
إيماء اليه والظاهر انه غير شرط لقضية الأصل. اما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا
ليتحقق مسمى السجود. ويجوز على الراحلة اختيارا لأصالة الجواز. انتهى.
أقول : اما ما
ذكره الشيخ في المبسوط من استحباب التكبير للرفع من هذه السجدة فالظاهر انه حمله
على سجدة التلاوة كما عرفت من دلالة أخبارها على التكبر للرفع وإلا فأخبار سجدة
الشكر على كثرتها لا تعرض فيها لذلك كما لا يخفى على المتتبع.
واما ما اختاره
في الذكرى من عدم اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه
__________________
في الصلاة فجيد لقضية الأصل وعدم وجود ما يوجب الخروج عنه. وورود بعض
الأخبار بحكاية حال في ذلك لا دلالة فيه على الحصر والاختصاص ، وهذا هو الذي أشار
إليه بالإيماء في كلامه.
واما ما اختاره
من اشتراط وضع المساجد السبعة لأن به يتحقق مسمى السجود فمحل اشكال لما تقدم في
سجود التلاوة من اعترافه بصدق السجود بمجرد وضع الجبهة والأخبار مطلقة وتقييدها
بما زاد على وضع الجبهة مع صدق السجود بذلك يحتاج إلى دليل. ودعوى ان السجود لا
يتحقق إلا بوضع المساجد السبعة ممنوعة مخالفة لما اعترف به سابقا من صدق ذلك بمجرد
وضع الجبهة. قال شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين : وهل يشترط السجود على
الأعضاء السبعة أم يكتفى بوضع الجبهة؟ كل محتمل وقطع شيخنا في الذكرى بالأول وعلله
بان مسمى السجود يتحقق بذلك. واما وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فالأصل عدم
اشتراطه. انتهى. وهو جيد.
(السادسة) قال
شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين : أطبق علماؤنا (رضوان الله
عليهم) على ندبية سجود الشكر عند تجدد النعم ودفع النقم ، وقد روى «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا جاءه شيء يسره خر ساجدا». وروى «انه سجد يوما فأطال فسئل عنه فقال أتاني جبرئيل (عليهالسلام) فقال من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا فخررت شكرا
لله». وروى «ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) سجد يوم النهروان شكرا لما وجدوا ذا الثدية قتيلا». وكما
يستحب السجود لشكر النعمة المتجددة فالظاهر ـ كما قاله شيخنا في الذكرى ـ انه
يستحب عند تذكر النعمة وان لم تكن متجددة ، وقد روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
__________________
(عليهالسلام) قال : «إذا ذكرت نعمة الله عليك وقد كنت في موضع لا
يراك أحد فألصق خدك بالأرض ، وإذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك على أسفل بطنك واحن
ظهرك وليكن تواضعا لله فان ذلك أحب وترى ان ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك». انتهى.
أقول : ومما
يعضد ما ذكره ما تقدم في حديث جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر (عليهالسلام) في حكايته عن أبيه علي بن الحسين (عليهالسلام) وفيه زيادات على ما ذكروا.
ومنها ـ ما
رواه في كتاب ثواب الأعمال عن ذريح المحاربي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب
الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات في الجنان».
وما رواه في
كتاب البصائر عن معاوية بن وهب قال «كنت مع أبي عبد الله (عليهالسلام) وهو راكب حماره فنزل وقد كنا صرنا إلى السوق أو قريبا
من السوق قال فنزل وسجد وأطال السجود وانا انتظره ثم رفع رأسه قال فقلت جعلت فداك
رأيتك نزلت فسجدت؟ قال اني ذكرت نعمة الله علي. قال قلت قرب السوق والناس يجيئون
ويذهبون؟ قال انه لم يرني أحد». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في
مظانها.
(السابعة) ـ الظاهر
من كلام الأصحاب وكذا من الأخبار ان سجود الشكر المندوب إليه يتأدى بالمرة الواحدة
وان كان التعدد بالفصل بتعفير الخدين بين السجدتين أفضل ، فإن كثيرا من الأخبار
انما اشتمل على سجدة واحدة وجملة منها دلت على التعدد وكذا في كلام الأصحاب ربما
عبروا بسجدة الشكر وربما عبروا بسجدتي الشكر والكل منصوص كما عرفت ، والتعدد سيما
مع توسط التعفير أفضل البتة.
__________________
(الثامنة) ـ قد
استفاضت الأخبار باستحباب اطالة السجود فروى في الكافي عن زيد الشحام عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ان العبد إذا سجد فأطال السجود نادى
إبليس يا ويله أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت».
وعن عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «مر بالنبي (صلىاللهعليهوآله) رجل وهو يعالج بعض حجراته فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إلا أكفيك؟ قال شأنك. فلما فرغ قال له رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حاجتك قال الجنة ، فأطرق رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثم قال نعم. فلما ولى قال له يا عبد الله أعنا بطول
السجود».
وعن عبد الحميد
بن أبي العلاء قال «دخلت المسجد الحرام. ثم ساق الخبر إلى ان قال فإذا
أنا بأبي عبد الله (عليهالسلام) ساجدا فانتظرته طويلا فطال سجوده علي فقمت فصليت ركعات
وانصرفت وهو بعد ساجد فسألت مولاه متى سجد؟ فقال من قبل ان تأتينا. فلما سمع كلامي
رفع رأسه. الحديث».
وعن الوشاء قال : «سمعت الرضا (عليهالسلام) يقول أقرب ما يكون العبد من الله تعالى وهو ساجد وذلك
قوله تعالى (وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ)» .
وروى في كتاب
العلل عن أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) يا أبا محمد عليك بطول السجود فان ذلك من سنن الأوابين».
الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وقد روى
الأصحاب «ان ادنى ما يجزئ في سجدة الشكر (شكرا شكرا) ثلاث مرات». ذكر ذلك الشهيد في
الذكرى. وقد ورد في عدة اخبار عن الصادق (عليهالسلام) «ان العبد إذا سجد فقال يا رب يا رب حتى ينقطع نفسه قال له الرب
__________________
عزوجل لبيك ما حاجتك».
الفصل السابع في القنوت
وهو لغة الطاعة
والسكون والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام ، نص على ذلك في القاموس ،
وذكر ابن الأثير معاني أخر كالخشوع والصلاة والعبادة والقيام وطول القيام. وقال
الجوهري القنوت الطاعة هذا هو الأصل ومنه قوله تعالى (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) ثم سمى القيام في الصلاة قنوتا. وقريب منه كلام ابن
فارس ، والمراد هنا ذكر مخصوص في موضع معين سواء كان معه رفع اليدين أم لا ، وربما
يطلق على الدعاء مع رفع اليدين.
والكلام في هذا
الفصل أيضا ينتظم في مسائل (الأولى) المشهور بين الأصحاب استحباب القنوت ، وقال
الصدوق في الفقيه انه سنة واجبة من تركه عمدا أعاد. ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل
القول بوجوبه في الصلوات الجهرية ، وإلى القول بوجوبه كما هو ظاهر الصدوق مال
شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وذكر انه صنف رسالة في القول
بالوجوب ولم أقف عليها.
والأصل في هذا
الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار الواردة في المسألة ، وينبغي ان يعلم ان روايات
المسألة على ثلاثة أقسام ، فمنها ما يدل على القول المشهور ، ومنها ما يدل على
القول الآخر ، ومنها ما هو مجمل قابل للحمل على كل من القولين وان كان جملة من المتأخرين
قد نظموه في أدلة القول المشهور إلا انه بمحل من القصور كما سيظهر لك ان شاء الله.
ولا بد من الإتيان على جميع أخبار المسألة وذكرها ليظهر لك حقيقة الحال فنقول :
(الأول) ـ ما
رواه ثقة الإسلام والشيخ في الموثق عن محمد بن
__________________
مسلم قال «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن القنوت في الصلوات الخمس؟ فقال اقنت فيهن جميعا قال
: وسألت أبا عبد الله (عليهالسلام) بعد ذلك عن القنوت فقال لي اما ما جهرت فيه فلا تشك».
(الثاني) ـ ما
رواه في الكافي عن أبي بصير في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت فقال في ما يجهر فيه بالقراءة. قال فقلت له
اني سألت أباك عن ذلك فقال في الخمس كلها؟ فقال رحم الله أبي ان أصحاب أبي أوه
فسألوه فأخبرهم بالحق ثم أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية».
(الثالث) ـ ما
رواه أيضا عن الحارث بن المغيرة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اقنت في كل ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع».
(الرابع) ـ ما
رواه أيضا عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن القنوت فقال في كل صلاة فريضة ونافلة».
(الخامس) ـ ما
رواه أيضا في الصحيح عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له».
(السادس) ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب أيضا في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع».
(السابع) ـ ما
رواه في الكافي عن محمد بن مسلم قال : «القنوت في كل صلاة في الفريضة والتطوع».
(الثامن) ـ ما
رواه في التهذيب عن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر
والغداة فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له».
أقول : المراد
بالعشاء هنا المغرب.
__________________
(التاسع) ـ ما
رواه في التهذيب في الموثق والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة». وفي
التهذيب زيادة على ذلك : قال الحسن وأخبرني عبد الله بن بكير عن
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «القنوت في كل الصلوات». قال محمد بن مسلم فذكرت
ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : «اما ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة».
(العاشر) ـ ما
رواه الصدوق في كتاب الخصال بسنده فيه عن الأعمش عن الصادق (عليهالسلام) قال : «القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة
الثانية قبل الركوع وبعد القراءة. وقال فرائض الصلاة سبع : الوقت والطهور والتوجه
والقبلة والركوع والسجود والدعاء».
أقول : هذا ما
يمكن الاستدلال به للقول بالوجوب من الأخبار.
(الحادي عشر) ـ
ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال لا قبله ولا بعده».
(الثاني عشر) ـ
ما رواه في الصحيح عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلها أم في
ما يجهر فيها بالقراءة؟ قال ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب».
(الثالث عشر) ـ
ما رواه عن يونس بن يعقوب في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت في أي الصلوات اقنت؟ فقال لا تقنت إلا في
الفجر».
(الرابع عشر) ـ
ما رواه عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه
__________________
السلام) قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) في القنوت ان شئت فاقنت وان شئت لا تقنت. قال أبو
الحسن (عليهالسلام) وإذا كان التقية فلا تقنت وانا أتقلد هذا».
(الخامس عشر) ـ
ما رواه عن احمد بن محمد عنه في الصحيح قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) في القنوت في الفجر ان شئت فاقنت وان شئت فلا تقنت
وقال إذا كانت تقية فلا تقنت وانا أتقلد هذا».
(السادس عشر) ـ
ما رواه عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن القنوت في الجمعة؟ فقال اما الامام
فعليه القنوت في الركعة الأولى. الى ان قال فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل ان
يركع وان شاء لم يقنت وذلك إذا صلى وحده».
(السابع عشر) ـ
ما رواه عن عبد الملك بن عمرو قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية
بعد الركوع؟ فقال لا قبل ولا بعد».
أقول : هذا ما
يمكن الاستدلال به للقول بالاستحباب من الأخبار الواردة في هذا المضمار.
(الثامن عشر) ـ
ما رواه المشايخ الثلاثة عن صفوان الجمال في الصحيح قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) أياما فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها».
أقول : وتحقيق
الكلام في هذه الأخبار ان يقال لا ريب انه وان كانت هذه الأخبار ظاهرة الاختلاف في
المقام ومتصادمة في هذا الحكم كما في غيره من الأحكام ، والجمع بينها كما يمكن
بالعمل باخبار الاستحباب وحمل اخبار الوجوب على تأكيد
__________________
الاستحباب كذلك يمكن العمل باخبار الوجوب وحمل اخبار الاستحباب على التقية
إلا ان الظاهر
هو ترجيح الحمل الأول (اما أولا) فلما تدل عليه قرائن ألفاظ تلك الأخبار وعباراتها
من تخصيص الصلاة الجهرية بذلك في بعض والتشريك بين الفريضة والنافلة في بعض وتخصيص
بعض أفراد الجهرية به في ثالث ، فان الظاهر ان ذلك مبني على ترتيب هذه الافراد في
الفضل والكمال.
و (اما ثانيا)
فان بعض اخبار القول بالاستحباب لا يمكن اجراء الحمل على التقية فيه مثل صحيحتي
أحمد بن محمد بن أبي نصر (وموثقة يونس بن يعقوب) الدالتين على التخيير «ان شئت فاقنت وان شئت فلا تقنت
وإذا كانت تقية فلا تقنت» فان ذلك ظاهر في التخيير في حال عدم التقية واما حال التقية
فيتحتم فيها ترك القنوت.
ومن ذلك يظهر
انه مع القول بالاستحباب يمكن اجتماع الروايات عليه بحمل ما دلت عليه تلك الأخبار
من انه «من تركه رغبة عنه فلا صلاة له» على المبالغة والتأكيد في استحبابه كقولهم (عليهمالسلام) «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه» . ونحو ذلك.
واما ما دل
عليه الخبر العاشر ـ من قوله فيه «سنة واجبة» ونحوه ما رواه
__________________
الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) في كتابه إلى المأمون قال : «القنوت سنة واجبة في
الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة». ـ
ففيه ما عرفت
في غير موضع مما تقدم من اشتراك لفظ السنة وكذا لفظ الوجوب في المعنيين المشهورين
المذكورين وانه لا يحمل شيء منهما على أحد المعنيين إلا مع القرينة ، فمن المحتمل
حينئذ ان المراد بالسنة هنا المستحب وبالوجوب تأكيد الاستحباب فيكون المراد
الاستحباب المؤكد جمعا بين الأخبار وبه يرتفع عنها التنافي بخلاف الحمل على الوجوب
لما عرفت آنفا.
واما الاستناد
إلى لفظ الدعاء ـ في قوله في الخبر المذكور
«فرائض الصلاة
سبع.». وعد منها الدعاء بحمل الدعاء على القنوت ، ومثله ما رواه الصدوق في الفقيه
في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) قال : «الفرض في الصلاة الوقت والطهور والقبلة والتوجه
والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟ قال سنة في فريضة». وهذا الخبر مما
استدل به شيخنا أبو الحسن المتقدم ذكره على الوجوب في هذه المسألة قال : «والقنوت
دعاء ولا يجب منه سواه» ـ
ففيه (أولا) ان
جملة من الأخبار دلت على الاكتفاء في ذكر القنوت بالتسبيح وهو ليس بدعاء كما في
رواية حريز عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليهالسلام)
__________________
قال : «يجزئك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل». ورواية أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ادنى القنوت فقال خمس تسبيحات». رواهما الشيخ في
التهذيب وقال الصدوق في الفقيه : ادنى ما يجزئ في القنوت أنواع ، وعد منها ان يقول
«سبحان من دانت له السماوات والأرض بالعبودية» ومنها ان يسبح ثلاث تسبيحات ولا ريب
ان جواز التسبيح كما دل عليه الخبران المذكوران ينافي إيجاب الدعاء بظاهر الآية
على ما يدعيه الخصم. ولو أجيب بإطلاق الدعاء على التسبيح مجازا فلنا حينئذ ان
نحمله على الأذكار الواقعة في الركوع والسجود أيضا لذلك.
و (ثانيا) انه
من المحتمل حمل الدعاء على الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) في التشهد فان المشهور ـ بل ادعى عليه الإجماع ـ وجوبها
وهي دعاء ، وعلى ذلك يدل بعض الأخبار الصحاح وغيرها كما يأتي تحقيقه في محله ان
شاء الله تعالى.
ولو أجيب ـ بأن
المراد بالفرض هنا ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز والقنوت قد ثبت بالكتاب دون الصلاة
في التشهد.
قلنا : يشكل
ذلك عليكم بعد التوجه بل يحصل الاشكال به ولو بحمل الفرض على الواجب أيضا ، فإن
التوجه الذي هو عبارة عن الإقبال على العبادة مستحب إجماعا ، ولا مخرج من هذا
الإشكال إلا بان يحمل الفرض هنا على ما يشمل الواجب والمستحب مجازا.
وما يقال ـ من
انه يلزم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه وهو ممنوع عند الأصوليين ـ مردود
بما حققناه سابقا وأشرنا إليه في غير موضع مما تقدم من وقوع ذلك في الأخبار كثيرا
بل صرح بجوازه شيخنا الشهيد في الذكرى أيضا كما قدمناه في كتاب الطهارة إلا انه
أيضا لا يخلو من اشكال.
واستدل شيخنا
المشار اليه آنفا على الوجوب بالآية أعني قوله عزوجل :
«وَقُومُوا
__________________
لِلّهِ
قانِتِينَ» قال (قدسسره) بعد ذكر الآية : قال في مجمع البيان قال ابن عباس معناه «داعين» والقنوت هو الدعاء في
الصلاة حال القيام وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهماالسلام) انتهى. وفي الكشاف فسره بذكر الله قائما ولعله أراد به
الذكر في الوقت المخصوص لا مطلق الذكر ، وعلى تقديره فهو أشمل إذ المروي عنهما (عليهماالسلام) في ما يعم الذكر والدعاء ، وفي بعض الأخبار الصحيحة
تفسيره بالدعاء كما أوردناه في رسالتنا المعمولة في المسألة ، ويمكن حمله على ما
يشمل الذكر ولو مجازا. انتهى. ثم قال في تقرير الاستدلال : إذ لا يجوز حمله على
الخضوع لانه مجاز إذ القنوت حقيقة شرعية في المصطلح عليه بين الفقهاء كما ذكرناه
في رسالتنا القنوتية. وأجاب جماعة من أصحابنا عن الاستدلال بالآية باحتمال
الاختصاص بالوسطى واحتمال إرادة الطاعة والخشوع وارادة الأذكار الواجبة في الصلاة
ولا يخفى ما في هذه الأجوبة اما الأول فلأنه مع بعده لا يضر بالاستدلال لعدم
القائل بالفصل. واما الأخير فلما بيناه فإنه حقيقة شرعية في المصطلح المتبادر
وظواهر الأخبار. انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه نظر (أما
أولا) فلما عرفت من المعاني للقنوت لغة فهو حينئذ من قبيل الألفاظ المتشابهة التي
لا يمكن الاستدلال بها إلا مع القرينة المشخصة للمراد ليندفع عنه بذلك وصمة
الإيراد.
قوله ـ : ان
القنوت حقيقة شرعية في المعنى المدعى ـ قننا ان استند في ثبوت ذلك إلى الرواية
التي نقلها عن كتاب مجمع البيان فهي معارضة بما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم
القمي في تفسيره عن الصادق (عليهالسلام) في تفسير الآية المذكورة قال : «(قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) : إقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا
يشغله عنها شيء».
__________________
وروى العياشي
عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) «في قول الله (وَقُومُوا لِلّهِ
قانِتِينَ)؟ قال مطيعين راغبين».
وروى العياشي
أيضا عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «في قوله تعالى (وَقُومُوا لِلّهِ
قانِتِينَ)؟ قال إقبال الرجل على صلاته ومحافظته على وقتها.».
وفي رواية
سماعة «(وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ)؟ قال هو الدعاء».
فهذه جملة من
الأخبار قد اشتملت على تفسير الآية بخلاف ما ادعاه فكيف يتم ما ادعاه من انه حقيقة
شرعية في ما ذكره؟
ودعواه التبادر
ممنوعة إذ شهرة استعمال القنوت الآن بين المتشرعة في ما ذكره لا يدل على انه مراده
(عزوجل) سيما مع ما عرفت من اختلاف الأخبار في تفسير المعنى المراد من الآية ، ومع
تسليم حمل القنوت على الدعاء فالتخصيص أيضا ممنوع لجواز الحمل على الفاتحة فإنها
مشتملة على الدعاء أيضا.
و (اما ثانيا)
فان ما ذكره ـ في جواب من حمل الآية على الاختصاص بالصلاة الوسطى من قوله : «انه
مع بعده لا يضر بالاستدلال» ـ عجيب من مثله (قدسسره) ونسبة ذلك إلى البعد بعيد الصدور منه (قدسسره) لورود صحيحة زرارة بذلك كما تقدمت في صدر مقدمات
الكتاب وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : وقال «حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر «وَقُومُوا لِلّهِ
قانِتِينَ» قال وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر. الحديث.
وهو ـ كما ترى ـ صحيح صريح في ان
__________________
القنوت المأمور به في الآية انما وقع في الوسطى وهي الجمعة ، وهذا القائل
إنما استند إلى هذا النص الصحيح الصريح ، فمقابلته بالاستبعاد اما غفلة أو مقابلة
للنص بالاجتهاد وهو خروج عن منهج السداد والرشاد.
و (اما ثالثا)
فان قوله : «مع عدم القائل بالفصل» أيضا لا يخلو من تعجب لما علم منه في جميع
مصنفاته انه إذا مر به دعوى الإجماع أطال في نقضه ورده والتشنيع على مدعيه وأبطله
ومزقه فكيف يجنح اليه هنا ويتمسك به؟ ولكن ضيق الخناق في المقام أوجب له الوقوع في
هذه المشاق.
واما ما نقل عن
ظاهر ابن أبي عقيل من القول بالوجوب في الصلاة الجهرية فلعل مستنده الخبر الأول من
الأخبار المتقدمة والخبر الثامن والتاسع ، والجميع كما عرفت محمول على مزيد
التأكيد في هذه الفرائض زيادة على ما يخافت فيه مع احتمال الحمل على التقية كما
يشير اليه الخبر الثاني ، وفيه ما يشعر بالطعن على الشيعة في زمانه (عليهالسلام) والشكاية منهم في أنهم يذيعون إسراره كما تقدم نظيره
في اخبار الأوقات.
وبما حققناه في
المقام يظهر لك قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور. على ان نسبة القول بالوجوب
إلى الصدوق (قدسسره) بمجرد العبارة المتقدمة لا يخلو من اشكال لإمكان حمله
على تأكيد الاستحباب كما حملت عليه الرواية الواردة بذلك ، لأن عادة المتقدمين
غالبا التعبير بمتون الأخبار وان كان المراد منها خلاف ظواهرها فبعين ما يقال في
الأخبار من التأويل يجري في كلامهم أيضا ، ولهذا ان بعض أصحابنا ذكر ان القائل
بالوجوب غير معلوم كما ذكره المحقق الأردبيلي وقبله المحقق فخر الملة والدين الشيخ
احمد ابن متوج البحراني في كتاب آيات الأحكام. والله العالم.
(المسألة
الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ان محله بعد القراءة وقبل الركوع بل ادعى عليه في
المنتهى الإجماع حيث قال : ومحل القنوت قبل الركوع وعليه علماؤنا.
وظاهر المحقق
في المعتبر الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع وبعده وان كان
الأول أفضل ، لما رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «القنوت قبل الركوع وان شئت فبعده».
وقال الشيخ في
الجواب عن هذا الخبر انه محمول على حال القضاء أو التقية على مذهب العامة في
الغداة. أقول : والثاني جيد لما ستعرف ان شاء الله تعالى من معارضته بما هو أصح
منه سندا ودلالة.
ويدل على القول
المشهور عدة روايات : منها ـ الخبر الثالث والخبر السادس من الأخبار المتقدمة.
ومنها ـ صحيحة
يعقوب بن يقطين قال : «سألت عبدا صالحا (عليهالسلام) عن القنوت في الوتر والفجر وما يجهر فيه قبل الركوع أو
بعده؟ فقال قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك».
وصحيحة معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما اعرف قنوتا إلا قبل الركوع».
وموثقة سماعة قال : «سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال كل شيء
يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت ، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة».
وفي موثقة أبي
بصير عنه (عليهالسلام) «كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة».
وما استند اليه
المحقق من الخبر المذكور ضعيف لا ينهض بمقاومة خبر من هذه الأخبار بل ظاهر قوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار «ما اعرف قنوتا إلا قبل
الركوع» مما يؤذن برده. وكذا ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن
الرضا (عليهالسلام) في كتابه إلى المأمون قال : «كل القنوت قبل الركوع وبعد القراءة». ويشير إلى
ذلك الاستثناء في موثقة أبي بصير أيضا. وبالجملة
__________________
فالمعتمد هو القول المشهور لما ذكرناه من الأخبار الصحيحة الصريحة الظهور
ورد ذلك الخبر إلى قائلة.
نعم لو نسيه قبل
الركوع ثم ذكره بعد الركوع اتى به ، والظاهر انه لا خلاف فيه انما الخلاف في كونه
أداء وقضاء ، فقال في المنتهى لا خلاف عندنا في استحباب الإتيان بالقنوت بعد
الركوع مع نسيانه قبله واما انه هل هو أداء أو قضاء ففيه تردد. ثم قرب كونه قضاء.
وقال الشيخ المفيد (قدسسره) في المقنعة : ولو لم يذكر القنوت حتى ركع في الثالثة
قضاه بعد الفراغ. ونحوه قال الشيخ في النهاية أيضا.
والذي يدل على
استحباب الإتيان به بعد الركوع في صورة النسيان أخبار عديدة :
منها ـ ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا «سألنا أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع؟ قال يقنت بعد الركوع
فان لم يذكر فلا شيء عليه».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت ينساه الرجل؟ قال يقنت بعد ما يركع فان لم
يذكر حتى ينصرف فلا شيء عليه».
وعن عبيد بن
زرارة في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل ذكر انه لم يقنت حتى ركع؟ قال يقنت إذا رفع رأسه».
والذي يدل على
ما ذكره الشيخان (قدسسرهما) من الإتيان به بعد الصلاة لو فات محله المذكور ما رواه
الشيخ في التهذيب في الموثق عن أبي بصير قال : «سمعته يذكر عند أبي عبد الله (عليهالسلام) قال في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو
جالس».
ويدل عليه أيضا
ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة قال : «قلت
__________________
لأبي جعفر (عليهالسلام) رجل نسي القنوت فذكره وهو في بعض الطريق؟ فقال يستقبل
القبلة ثم ليقله. ثم قال اني لأكره للرجل ان يرغب عن سنة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أو يدعها».
واما ما رواه
الشيخ في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ـ «عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر؟ قال
ليس عليه شيء. وقال ان ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل ان يضع يديه على الركبتين
فليرجع قائما وليقنت ثم يركع وان وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته وليس عليه
شيء».
وما رواه أيضا
عنه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان نسي الرجل القنوت في شيء من الصلاة حتى يركع
فقد جازت صلاته وليس عليه شيء وليس له ان يدعه متعمدا».
وما رواه عن
محمد بن سهل عن أبيه قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل نسي القنوت في المكتوبة؟ قال لا اعادة عليه».
وما رواه في
الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أيقنت؟ قال
لا» ـ.
فهي محمولة على
نفي الوجوب وعدم بطلان الصلاة بتركه كما يفصح به بغضها.
والنهي في
الخبر الأخير يحتمل زيادة على ذلك التقية كما ذكره الشيخ (قدسسره) وروى في الفقيه مرسلا قال : «سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت في الوتر قال قبل الركوع. قال فان نسيت اقنت
إذا رفعت رأسي؟ قال لا».
__________________
قال في الفقيه بعد ذكر هذا الخبر : حكم من ينسى القنوت حتى يركع ان
يقنت إذا رفع رأسه من الركوع وانما منع الصادق (عليهالسلام) من ذلك في الوتر والغداة خلافا للعامة لأنهم يقنتون
فيهما بعد الركوع وانما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت
فيها . انتهى.
وأنت خبير بان
الخبر الذي ذكره لم يشتمل إلا على الوتر خاصة فضم الغداة إلى ذلك اما سهو من قلمه
أو قلم الناسخين أو سقط من الخبر المذكور أو الخبر بذلك وصل اليه ولم يذكره هنا.
هذا. واما ما
ذكره في المنتهى ـ من التردد في نية القضاء أو الأداء ـ فهو مبني على ما هو
المشهور بينهم من نية وجوب الوجه في العبادات وقد تقدم انه لا دليل عليه فلا ضرورة
تلجئ إلى التشاغل به إلا مجرد تضييع الوقت. والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ ذكر الشيخ وأكثر الأصحاب ان أفضل ما يقال في القنوت كلمات الفرج ، وقال
ابن إدريس وروى انها أفضله ، واعترف جملة من محققي متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد
السند في المدارك والفاضل المجلسي في البحار بأنهم لم يقفوا في ذلك على خبر يدل
عليه. وهو كذلك نعم ورد ذلك في قنوت الجمعة ومفردة الوتر خاصة
قال في المدارك
: وصورته «لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله
رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد
لله رب العالمين» روى ذلك زرارة في الحسن عن أبي جعفر (عليهالسلام) . وذكر المفيد (قدسسره) وجمع من الأصحاب انه يقول قبل التحميد «وَسَلامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ» وسئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لانه بلفظ القرآن ولا
ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه منها ليس بجيد. انتهى.
__________________
أقول : وروى
الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه في أول باب غسل الميت قال : «قال الصادق (عليهالسلام) ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال له قل : لا
إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم وسلام على
المرسلين والحمد لله رب العالمين. فقالها فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الحمد لله الذي استنقذه من النار». ثم قال الصدوق :
هذه الكلمات هي كلمات الفرج. وهو كما ترى ظاهر في دخول «وَسَلامٌ عَلَى
الْمُرْسَلِينَ» في كلمات الفرج ، على ان صاحب الكافي نقل الخبر المذكور عاريا عن الزيادة المذكورة.
وقال أيضا في
كتاب الهداية الذي جمع فيه متون الأخبار في تلقين الميت قال : يلقنه عند موته
كلمات الفرج : لا إله إلا الله. وساقها كما ذكر في الفقيه.
ونحو ذلك أيضا في
كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام): «ويستحب ان يلقن كلمات الفرج وهي لا إله إلا الله
الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب
الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله
رب العالمين».
والأخبار في
ضبط كلمات الفرج مختلفة زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا كما أوردنا جملة منها في
فصل غسل الأموات في أحكام التلقين من كتاب الطهارة فليرجع إليها من أحب الوقوف
عليها وهذا الاختلاف هنا من جملة تلك الاختلافات.
وليس فيه شيء
معين ويجوز الدعاء بما سنح للدنيا والدين إلا ان الإتيان بالمأثور أفضل :
__________________
روى الكليني
والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن سعد بن أبي خلف عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يجزئك في القنوت : اللهم اغفر لنا وارحمنا
وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة انك على كل شيء قدير».
ورؤيا أيضا
بإسنادين مختلفين في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت وما يقال فيه؟ قال ما قضى الله على لسانك
ولا اعلم فيه شيئا موقتا».
وروى الصدوق في
الصحيح عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت فيه قول معلوم؟ فقال أثن على ربك وصل على
نبيك واستغفر لذنبك».
وعن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله في الصحيح قال : «القنوت في الوتر الاستغفار وفي الفريضة الدعاء».
وروى الشيخ عن
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة
يقول في القنوت : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا
إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش
العظيم والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد كما هديتنا به ،
اللهم صل على محمد وآل محمد كما أكرمتنا به ، اللهم اجعلنا ممن اخترته لدينك
وخلفته لجنتك ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت
الوهاب».
قال في الذكرى
: أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج ، قال ابن إدريس وروى انها أفضله. وقد ذكرها
الأصحاب وفي المبسوط والمصباح هي أفضل ، وروى سعد بن ابي خلف عن الصادق (عليهالسلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال وعن
__________________
أبي بصير قال : «سألته عن ادنى القنوت قال خمس تسبيحات». وقال
ابن أبي عقيل والجعفي والشيخ أقله ثلاث تسبيحات. واختار ابن أبي عقيل الدعاء بما
روى عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) في القنوت : «اللهم إليك شخصت الأبصار ونقلت الاقدام ورفعت الأيدي
ومدت الأعناق وأنت دعيت بالألسن وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال ربنا افتح بيننا
وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ، اللهم انا نشكو إليك غيبة إمامنا وقلة عددنا
وكثرة عدونا وتظاهر الأعداء علينا ووقوع الفتن بنا ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره
وامام حق نعرفه إله الحق آمين رب العالمين». قال : وبلغني ان الصادق (عليهالسلام) كان يأمر شيعته ان يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج. قال
ابن الجنيد وأدناه «رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم» قال والذي استحب فيه ما يكون
فيه حمد الله وثناء عليه والصلاة على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) وان يتخير لنفسه من الدعاء
وللمسلمين ما هو مباح له. انتهى ما ذكره في الذكرى.
وقال شيخنا
المجلسي (قدسسره) في البحار بعد نقل ذلك عنه : وأقول ليس «آمين» في هذا
الدعاء في سائر الروايات كما سيأتي والأحوط تركه لما عرفته. أقول : بل الواجب تركه
لما عرفت في فصل وجوب القراءة من بطلان الصلاة بهذا اللفظ.
وفي مستطرفات
السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي بن محبوب عن عبد الله بن هلال قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان حالنا قد تغيرت؟ قال فادع في صلاتك الفريضة. قلت أيجوز
في الفريضة فاسمي حاجتي للدين والدنيا؟ قال نعم فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد قنت ودعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم
وفعله علي (عليهالسلام) من بعده».
__________________
وروى الكشي في
كتاب الرجال عن إبراهيم بن عقبة قال : «كتبت إلى العسكري (عليهالسلام) جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في
الصلاة؟ قال نعم اقنت عليهم في الصلاة».
أقول : المراد
بالممطورة الواقفية كما قال شيخنا البهائي في مقدمات كتاب مشرق الشمسين من تسمية
الواقفة يومئذ بذلك يعني الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم
قال في الذكرى
: يجوز الدعاء فيه المؤمنين بأسمائهم والدعاء على الكفرة والمنافقين لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) دعا في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى آخرين بأعيانهم كما
روى انه قال : «اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة
والمستضعفين من المؤمنين واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان» وقنت أمير المؤمنين (عليهالسلام) في صلاة الغداة فدعا على أبي موسى الأشعري وعمرو ابن العاص ومعاوية
وأبي الأعور وأشياعهم ، قاله ابن أبي عقيل. انتهى.
وروى في البحار
من كتاب محمد بن المثنى عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال : «قال
الحارث بن المغيرة النصري لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان أبا معقل المزني حدثني عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انه صلى بالناس المغرب فقنت في الركعة الثانية ولعن
معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري وأبا الأعور السلمي؟ قال (عليهالسلام) الشيخ صدق فالعنهم».
وفي كتاب الفقه
الرضوي قال (عليهالسلام): «وقل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع :
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم لا إله إلا أنت العلي العظيم سبحانك
رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما
__________________
بينهن ورب العرش العظيم يا الله الذي ليس كمثله شيء صل على محمد وآل محمد
واغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات انك على ذلك قادر. ثم اركع».
وروى الصدوق في
كتاب عيون الأخبار عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث سفر الرضا (عليهالسلام) إلى خراسان قال فيه «وكان قنوته في جميع صلواته : رب
اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم. الحديث».
(المسألة
الرابعة) ـ اختلف الأصحاب في جواز القنوت بالفارسية فمنعه سعد ابن عبد الله واجازه
محمد بن الحسن الصفار واختاره ابن بابويه والشيخ في النهاية والفاضلان وغيرهم.
لصحيحة علي بن
مهزيار قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه؟
قال نعم».
قال ابن بابويه
بعد نقل هذا الخبر : ولو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر الذي روى عن الصادق (عليهالسلام) انه قال «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى». والنهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير
موجود والحمد لله. ونقل عن الصادق (عليهالسلام) مرسلا «كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام».
واقتصر في
المدارك على نقل القولين المذكورين والرواية وكلام الصدوق ولم يرجح شيئا ، ونحوه
في الذخيرة وقبلهما الشهيد في الذكرى ، ونقل فيه عن الفاضلين انهما عللا جوازه
بالفارسية زيادة على الرواية بصدق اسم الدعاء عليه.
أقول : والذي
يقرب عندي هو ما ذهب اليه سعد بن عبد الله من المنع والتحريم وبيان ذلك ان الظاهر
عندي من صحيحة علي بن مهزيار التي استندوا إليها ان المراد منها انما هو التكلم
بكل شيء من المطالب الدينية والدنيوية لا باعتبار اللغات المختلفة ، ولا يخفى
__________________
ان هذا المعنى ان لم يكن هو الأقرب والأظهر من هذا الخبر فلا أقل ان يكون
مساويا لما ذكروه في الاحتمال وبه لا يتم الاستدلال على حال كما لا يخفى على من
عرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال.
واما ما ذكره
الصدوق ـ من انه بمجرد عدم ورود النهي عن الدعاء بالفارسية يكون ذلك مجوزا للدعاء
بها ـ ففيه ان العبادة توقيفية يجب الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشريعة وعلم منه
بقول أو فعل أو تقرير وشيء من الثلاثة لم يعلم منه هنا. ولو تم ما ذكره للزم أيضا
جواز الذكر في الركوع والسجود بالفارسية بناء على الاكتفاء بمطلق الذكر ولا أظن
هذا القائل يلتزمه ، وقد صرح شيخنا الشهيد في الذكرى بذلك فقال واما الأذكار
الواجبة فلا يجوز مع الاختيار.
واما حديث «كل
شيء مطلق.» . فالاخباريون قاطبة وجملة من المجتهدين على تأويله
وإخراجه عن ظاهره لدلالته على جواز العمل بالبراءة الأصلية في الأحكام الشرعية
والتثنية فيها مع استفاضة الأخبار بالتثليث : «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك». ودلالة جملة من
الأخبار على رد البراءة الأصلية كما تقدم في مقدمات الكتاب وبسطنا القول عليه
زيادة على ذلك في كتابنا الدرر النجفية. والله العالم.
(المسألة
الخامسة) ـ اختلف الأصحاب في القنوت في الجمعة فالمشهور ان فيها قنوتين : أحدهما ـ
في الركعة الأولى قبل الركوع ، وثانيهما ـ في الركعة الثانية بعد الركوع.
قال الصدوق (قدسسره) في المقنع : على الامام قنوت في الركعة الأولى قبل
الركوع وقنوت في الثانية بعد الركوع.
__________________
وقال في الفقيه
: قال أبو جعفر الباقر (عليهالسلام) لزرارة بن أعين «إنما فرض الله على الناس من الجمعة
إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واحدة فرضها الله عزوجل في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة : عن الصغير
والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس
فرسخين. والقراءة فيها بالجهر. والغسل فيها واجب. وعلى الامام فيها قنوتان : قنوت
في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الركعة الثانية بعد الركوع. ومن صلاها وحده فعليه
قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع». وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة. والذي
استعمله وافتى به ومضى عليه مشايخي (رضوان الله عليهم) هو ان القنوت في جميع
الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع.
وقال ابن إدريس
في السرائر : ومحله بعد القراءة في الثانية وقبل الركوع وهو قنوت واحد في الصلوات
، وروى ان في الجمعة قنوتين والأظهر الأول لأن هذا مروي من طريق الآحاد والقنوت
الواحد مجمع على استحبابه.
وقال شيخنا
المفيد في المقنعة ـ على ما نقله عنه غير واحد من الأصحاب ونسبه في المدارك إلى
جمع من الأصحاب أيضا ـ أن في الجمعة قنوتا واحدا في الركعة الأولى قبل الركوع. وهو
ظاهر ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف وكذا اختاره السيد السند في المدارك ،
قال : وهو المعتمد للأخبار الكثيرة الدالة عليه.
__________________
وظاهر السيد
المرتضى (قدسسره) التردد في المسألة حيث قال في الجمل : وعلى الامام ان
يقنت في الأولى قبل الركوع وكذلك الذين خلفه ، وروى ان على الإمام إذا صلاها جمعة
مقصورة قنوتين : في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع. ولم ينص على واحد
منهما.
وظاهر كلام ابن
أبي عقيل وأبي الصلاح ان في الجمعة قنوتين وانهما قبل الركوع في كل من الركعتين ،
قال ابن أبي عقيل في باب الجمعة على ما نقله عنه في المختلف : ويقنت في الركعتين
جميعا. ولم يفصل موضعه. وقال في باب القنوت : وكل القنوت قبل الركوع بعد الفراغ من
القراءة. والذي ينتج من هذين الكلامين مع ضم أحدهما إلى الآخر هو ان القنوت في
الجمعة في الركعتين معا وانه بعد القراءة وقبل الركوع ، وعلى هذا النهج كلام أبي
الصلاح حيث قال في باب الجمعة : ويقنت في الركعة الاولى والثانية. وقال في تعداد
المسنونات : واما القنوت فموضعه بعد القراءة من الركعة وقبل الركوع. وان خص
كلامهما في باب القنوت بقنوت ما عدا الجمعة بقي ما ذكراه في الجمعة مجملا فيمكن
حمله على القول المشهور ، ولعله الأقرب لما ستعرفه ان شاء الله تعالى من عدم
الدليل على القنوت قبل الركوع في كل من الركعتين.
وقد تلخص مما
ذكرناه ان الأقوال في المسألة خمسة : (أحدها) القول المشهور وهو القنوتان في
الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعده. و (ثانيها) مذهب الصدوق في الفقيه
وابن إدريس وهو قنوت واحد في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع و (ثالثها)
مذهب الشيخ المفيد وابن الجنيد ومن تبعهما وهو قنوت واحد في الركعة الأولى قبل
الركوع. و (رابعها) مذهب السيد المرتضى (قدسسره) وهو التوقف ويمكن حمل صدر كلامه على الفتوى بذلك ، ولا
ينافيه نسبة القول الثاني إلى الرواية بل ربما يؤكده ويؤيده كما يقع كثيرا في
عبائر الأصحاب. و (خامسها) مذهب ابن أبي عقيل وأبي الصلاح بناء على الاحتمال
الأول.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ
في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «القنوت قنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد
القراءة تقول في القنوت : لا إله إلا الله الحليم الكريم. الحديث».
وما رواه ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في قنوت الجمعة إذا كان اماما قنت في الركعة
الاولى وان كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع».
وما رواه الشيخ
عن عمر بن حنظلة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) القنوت يوم الجمعة؟ فقال أنت رسولي إليهم في هذا إذا
صليتم في جماعة ففي الركعة الاولى وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية».
وعن سليمان بن
خالد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «القنوت يوم الجمعة في الركعة الاولى».
وعن أبي بصير
في الموثق قال : «القنوت في الركعة الأولى قبل الركوع».
وعن عمر بن
يزيد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة
وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصا وليقعد قعدة بين الخطبتين وبجهر
بالقراءة ويقنت في الركعة الأولى منهما قبل الركوع».
أقول : وهذه
الأخبار ظاهرة في ما ذهب اليه الشيخ المفيد (قدسسره) واقتصر في المدارك على الاستدلال منها بصحيحتي معاوية
بن عمار وسليمان بن خالد وأيدهما أيضا بقوله (عليهالسلام) في صحيحة معاوية بن عمار «ما اعرف قنوتا إلا قبل الركوع».
__________________
ومنها ـ ما
رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق قال : «سأل عبد الحميد أبا عبد الله (عليهالسلام) وانا عنده عن القنوت في يوم الجمعة فقال له في الركعة
الثانية فقال له حدثنا بعض أصحابنا انك قلت في الركعة الأولى؟ فقال في الأخيرة.
وكان عنده ناس كثير فلما رأى غفلة منهم قال يا أبا محمد هو في الركعة الاولى
والأخيرة. قال قلت جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال كل القنوت قبل الركوع إلا
الجمعة فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن القنوت في الجمعة فقال اما الامام
فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل ان يركع وفي الثانية
بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود. الحديث».
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في كتاب العلل والعيون بسنده عن الفضل بن شاذان في العلل التي رواها
عن الرضا (عليهالسلام) فان قال : «فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل
القراءة ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟ قيل لأنه أحب ان يفتتح
قيامه لربه تعالى وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختم بمثل ذلك».
وما رواه في
كتاب الخصال عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد
بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي نجران والحسين سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد
الله عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «انما فرض الله عزوجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة
واحدة فرضها في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون
__________________
والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين ،
والقراءة فيها جهار ، والغسل فيها واجب. وعلى الامام فيها قنوتان : قنوت في الركعة
الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع».
أقول : هذا
الخبر عين الخبر الذي قدمنا نقله عن الفقيه في صدر المسألة. والعجب من جملة من
أصحابنا المحققين من متأخري المتأخرين حيث اضطربوا في قول الصدوق ثمة بعد نقل
الخبر المذكور : «وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة» حيث ظنوا ان الخبر الذي نقله
عن زرارة قد تم بقوله : «ومن كان على رأس فرسخين» وان ما بعده من أحكام الجهر
بالقراءة ووجوب الغسل ووجوب القنوتين انما هو من كلام الصدوق خصوصا ان الصدوق قد
زاد فيها ومن صلاها وحده.» فإنه ليس في رواية الخصال كما عرفت. قال في المدارك :
قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه بعد ان أورد القنوت في الركعتين على هذا الوجه :
تفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة. إلى آخر عبارته. ثم قال وما ذكره (رحمهالله) من رواية زرارة يصلح مستندا للقول الأول لو كانت
متصلة. والظاهر ان مراده لو كانت متصلة بالإمام (عليهالسلام) لاحتمال ان يكون ذلك قول زرارة فتكون الرواية مقطوعة
موقوفة عليه وهو ناشىء عما قلناه من حملهم تلك الأحكام على الخروج عن الرواية.
هذا ما وقفت
عليه من روايات المسألة ، وجملة منها ـ كما ترى ـ دالة على ما ذهب اليه الشيخ
المفيد ومن تبعه ، وجملة منها دالة على القول المشهور ، وبذلك يظهر ما في مذهب
الصدوق في الفقيه وابن إدريس من الضعف والقصور لأنهما إنما اعتمدا على الروايات
المطلقة في القنوت والقول بما ذهبا اليه موجب لطرح هذه الأخبار كملا مع ما عرفت من
صحتها وكثرتها وفيه من الشناعة ما لا يخفى. واما قول ابن إدريس انها اخبار آحاد
فهو مبني على أصله الخارج عن نهج السداد ، فان الطعن في هذه الأخبار مع تكررها في
الأصول المعتمدة وقول جمهور الطائفة المحقة بها موجب للطعن في تلك الأخبار التي
اعتمدوا
عليها أيضا إذ الحال في الجميع واحد. وما ادعاه من إجماع الأصحاب على تلك
الأخبار انما هو في ما عدا الجمعة واما الجمعة فهي محل النزاع فلا يتم له التعلق
بالإجماع.
بقي الكلام في
الجمع بين اخبار هذين القولين فأقول ـ وبالله سبحانه التوفيق إلى الهداية إلى جادة
التحقيق ـ لا يخفى انه مع القول باخبار القنوت الواحد في الركعة الأولى فإنه يلزم
طرح الأخبار الأخر مع صراحتها وصحة بعضها كما عرفت وهو مما لا يتجشمه محصل ، واما
مع القول باخبار القول المشهور فإنه يمكن ان يقال ان غاية ما تدل عليه تلك الأخبار
المقابلة هو ثبوت القنوت في الركعة الاولى واما بالنسبة إلى الركعة الثانية فلا
تعرض لها فيه بنفي ولا إثبات بل هي مطلقة في ذلك فإثباته في الأولى بهذه الأخبار
لا ينافي ثبوته في الثانية بدليل آخر ، ونظيره في الأحكام الشرعية مما استفيد فيه
الحكم من ضم روايات المسألة بعضها إلى بعض غير عزيز.
والى ما ذكرناه
أشار المحدث الكاشاني في كتاب المعتصم حيث ان ظاهره فيه اختيار القول المشهور ،
قال بعد ان أورد الروايات الدالة على مذهب الشيخ المفيد (قدسسره) : وما استدلوا به على المشهور وان كان من حيث السند
قاصرا عن معارضة هذه الأخبار الصحاح إلا ان الاولى عدم الخروج عما عليه الأكثر
سيما والسند لا يخلو من اعتبار مع تأيده برواية حريز ، بل لو لا قطع هذه الرواية
لكفى ، على ان متنها غير قابل للتأويل والمعارض قابل له فان ثبوت القنوت في الركعة
الأولى لدليل لا ينافي ثبوته في الثانية أيضا لدليل آخر وان كان ظاهر الأخبار
منافيا لظاهر الأول فإن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. انتهى.
واما ما ذكره
الصدوق (قدسسره) ـ من ان القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في
الركعة الثانية. الى آخره ـ
ففيه (أولا) ـ زيادة
على ما عرفت ـ انه إذا استند في ذلك إلى إطلاق الروايات الواردة في اليومية ففيه
انه مخصوص باخبار الجمعة فإنها خاصة والخاص مقدم على العام
كما هو القاعدة المتفق عليها بين العلماء الاعلام ، وان استند في ذلك إلى
اخبار وردت في الجمعة بالخصوص فلم نقف عليها ولم ينقلها ناقل في ما اعلم.
و (ثانيا) انه
لو فرض وجود حديث بذلك في خصوص الجمعة أيضا فإن ظاهر صدر رواية أبي بصير المتقدمة رده وانه انما خرج مخرج التقية لأنه لما سأله السائل أولا عن قنوت الجمعة أجاب بأنه في
الركعة الثانية فلما راجعه بأنه نقل لنا عنك انك قلت في الركعة الأولى فأجاب بأنه
في الأخيرة ولما رأى الغفلة من الحاضرين أسر إلى أبي بصير انه في الاولى والثانية.
وظاهر سياق الخبر ان افتاءه (عليهالسلام) للسائل أولا انما كان تقية لأجل الحاضرين ، وحينئذ فلو
ورد من خارج ما يدل على ما ادعاه لوجب حمله بحكم هذا الخبر على التقية كما لا
يخفى.
ثم ان ظاهر
الخبر ـ كما ترى ـ ينادي بأنه (عليهالسلام) افتى بالقنوت في الركعة الأولى كما تضمنته اخبار الشيخ
المفيد (قدسسره) مع انه (عليهالسلام) لم يكذب الراوي وانما عدل إلى التشديد على القنوت في
الثانية فلما رأى الفرصة أسر إلى أبي بصير بالقنوتين. ومن هذا الخبر يفهم ان تلك
الأخبار مخصوصة بهذا الخبر ما على النحو الذي ذكرناه أو انها خرجت لمعنى آخر وغرض
آخر لا من حيث كونه هو الحكم الشرعي في
__________________
المسألة بل لغرض من الأغراض وانما الحكم الشرعي هذا الذي أسره في هذا
المقام. وبالجملة فإن هذا الخبر بما اشتمل عليه من هذا التفصيل حاكم على القولين
المذكورين ومسقط لرواياتهما من البين ، وبذلك يظهر قوة القول المشهور وانه المؤيد
المنصور.
وليت شعري كيف
خفيت على الصدوق اخبار هذه المسألة على تعددها وكثرتها ولم تصل اليه؟ ولعله لهذا
لم ينقل شيئا منها في كتابه ، ويؤيده نسبة رواية القنوتين إلى تفرد حريز بها عن
زرارة مع انها كما عرفت موجودة في روايتي أبي بصير وسماعة ، وفي المثل المشهور
الدائر : كم ترك الأول للآخر.
قال المحقق في
المعتبر : والذي يظهر ان الامام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة ركعتين ومن عداه يقنت
مرة جامعا كان أو منفردا ، ويدل على ذلك رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن القنوت في
الأولى قبل الركوع وفي الأخيرة بعد الركوع».
ثم ذكر رواية
سماعة المتقدمة ثم صحيحة معاوية بن عمار ثم رواية عمر بن حنظلة. والظاهر انه أراد
بذلك وجه الجمع بين هذه الأخبار وانه أراد بالإمام إمام الأصل (عليهالسلام) بمعنى انه إذا صلاها إمام الأصل جمعة ففيها قنوتان ،
وعلى هذا حمل رواية أبي بصير وسماعة ، وان صلاها غيره فان كان صلاها جمعة ولم يكن
إمام الأصل فقنوت واحد في الركعة الاولى ، وعلى هذا حمل صدر صحيحة معاوية بن عمار
وصدر رواية عمر بن حنظلة ، وان صلاها ظهرا جماعة أو منفردا فقنوت واحد في الركعة
الثانية ، وعلى هذا يدل عجز صحيحة معاوية بن عمار وعجز رواية عمر بن حنظلة. وفيه
من البعد ما لا يخفى فإن الإمام في هذه الأخبار بل اخبار الجمعة كملا اما ان يحمل
على إمام الأصل كما هو المشهور بينهم أو الإمام مطلقا كما هو الحق ، وحمله في خبر
على أحدهما وفي آخر على غيره ترجيح من غير مرجح ، على ان التفصيل الذي في رواية
أبي بصير
__________________
وان لم ينقله لا يطابق ما ذكره كما لا يخفى.
وظاهر العلامة
في المنتهى حمل اختلاف الأخبار على الفضيلة والكمال حيث ان المقام مقام الاستحباب
، قال : وهذه الأخبار وان اختلفت في الوجه الأول فلا يضر اختلافها إذ هو في فعل
مستحب وذلك يحتمل اخلافه لا خلاف الأوقات والأحوال فتارة يبالغ الأئمة (عليهمالسلام) في الأمر بالكمال وتارة يقتصر على ما يحصل معه بعض
المندوب ولا استبعاد في ذلك. وأيده بالأخبار الدالة على عدم القنوت فيها بالكلية
وهي ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية
بعد الركوع؟ فقال لي لا قبل ولا بعد». وموثقة داود بن الحصين قال : «سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله (عليهالسلام) وانا حاضر عن القنوت في الجمعة فقال ليس فيها قنوت». قال
بعد ذكر هذين الخبرين : فههنا قد اقتصر على فعل الصلاة من غير قنوت اشعارا
باستحبابه وانه ليس فيها قنوت واجب. انتهى.
ومرجع كلامه (قدسسره) الى التخيير بين القنوت في الأولى خاصة كما هو مذهب
الشيخ المفيد (قدسسره) واتباعه وان كان أقل فضلا وبين القنوتين كما هو
المشهور وهو الأفضل وبين عدم القنوت بالكلية وهو المرتبة الخالية من الفضيلة
بالمرة. وهو محتمل إلا ان ظاهر رواية أبي بصير وما اشتملت عليه من الجواب ينافيه
فإنه لو كان المقام مقام تخيير لما اضرب (عليهالسلام) عما افتى به أولا من القنوت في الركعة الأولى الذي
افتى به سابقا وأمر بالقنوتين كما لا يخفى. واما خبر عبد الملك ابن عمرو وكذا خبر
داود بن الحصين فما حملهما عليه من نفى الوجوب كما هو أحد احتمالي الشيخ (قدسسره) في التهذيب محتمل إلا ان الظاهر هو حملهما على التقية كما
__________________
هو أحد الحملين في التهذيب أيضا واقتصر عليه في الاستبصار ، على ان نفى
الوجوب لا يدل على الترك بالكلية وانما يدل على الرخصة في ذلك. والله العالم.
(المسألة
السادسة) ـ قد تقدم تصريح الأصحاب بأن أفضل ما يقال في القنوت كلمات الفرج ، بقي
الكلام في جملة من المستحبات فيه أيضا :
منها ـ الجهرية
في الجهرية والإخفاتية إماما كان أو منفردا واما المأموم فالأفضل له الإخفات به
على المشهور ، وقال المرتضى والجعفي (رضياللهعنهما) انه تابع للصلاة في الجهر
والإخفات. وقال ابن الجنيد : يستحب ان يجهر به الإمام ليؤمن من خلفه على دعائه.
والقولان الأخيران بمحل من الضعف.
فاما ما يدل
على القول المشهور فما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) القنوت كله جهار». ورواه ابن إدريس في مستطرفات
السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة مثله .
وبإسناده عن
أبي بكر بن أبي سمال قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليهالسلام) الفجر فلما فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا
مما كان يقرأ وقال : اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة
انك على كل شيء قدير».
واما ما يدل
على استحباب الإخفات به للمأموم فما ورد في رواية أبي بصير من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول ولا
ينبغي لمن خلفه ان يسمعه شيئا مما يقول. ومثله رواية حفص بن البختري عن علي (عليهالسلام) . ونقل عن المرتضى والجعفي الاستدلال على ما نقل عنهما
بعموم
قوله (عليهالسلام) «صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهر». وفيه ان دليلنا خاص فيجب ان
__________________
يخصص به العموم المذكور.
واما ما ذكره
ابن الجنيد فإن أراد بقوله : «ليؤمن من خلفه على دعائه» لفظ «آمين» فقد تقدم القول
فيه وانه مبطل للصلاة ، وان أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس به إلا انه لا ينافي
استحباب ذلك للمنفرد أيضا.
واما ما رواه
الشيخ في الموثق أو الضعيف عن علي بن يقطين ـ قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليهالسلام) عن الرجل هل يصلح له ان يجهر بالتشهد والقول في الركوع
والسجود والقنوت؟ فقال ان شاء جهر وان شاء لم يجهر».
وما رواه في
الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل له ان يجهر بالتشهد والقول في
الركوع والسجود والقنوت؟ فقال ان شاء جهر وان شاء لم يجهر».
وروى الحميري
في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر مثله ـ فهو محمول على الجواز فلا ينافي ما دل على الاستحباب.
ومنها ـ تطويل
القنوت لما رواه الصدوق قال «قال النبي (صلىاللهعليهوآله) أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة
في الموقف».
وروى في كتاب
ثواب الأعمال عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهمالسلام) عن أبي ذر (رضياللهعنه) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أطولكم قنوتا. الحديث».
وقال الشهيد في
الذكرى ورد عنهم (عليهمالسلام) «أفضل الصلاة ما طال قنوتها». قال وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه بإسناده إلى
الصادق (عليهالسلام) قال : «صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة والإخلاص واقنت
في الثانية بقدر
__________________
ما قمت في الركعة الأولى».
أقول : وقد نقل
شيخنا المجلسي في كتاب البحار جملة من قنوتات الأئمة (عليهمالسلام) الطويلة وعقد لها بابا على حد فقال : باب آخر في القنوتات الطويلة المروية عن أهل البيت (عليهمالسلام).
وينبغي ان
يستثني من ذلك صلاة الجماعة إلا مع حب المأمومين لذلك لما استفاض في الأخبار من
استحباب الإسراع فيها.
ومنها ـ التكبير
له لما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير في صلاة الفرض الخمس الصلوات خمس وتسعون
تكبيرة : منها ـ تكبيرة القنوت خمس». ورواه أيضا بطريق آخر وفسر فيه التكبيرات وعد منها خمس تكبيرات القنوت في خمس
صلوات.
وما رواه الشيخ
عن الصباح المزني قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام): خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات : منها ـ
تكبير القنوت».
ونقل عن الشيخ
المفيد (عطر الله مرقده) نفيه ، قال الشيخ في الاستبصار بعد نقل هذه الأخبار : هذه
الروايات التي ذكرناها ينبغي ان يكون العمل عليها وبها كان يفتي شيخنا المفيد (قدسسره) قديما ثم عن له في آخر عمره ترك العمل بها والعمل على
رفع اليدين بغير تكبير ، والأول أولى لوجود الروايات بها وما عدا هذا لست اعرف به
حديثا أصلا. انتهى.
أقول : ليت
شعري كيف لم يسأله عن ذلك وهو شيخه وكان ذلك في حياتهما (رضوان الله عليهما)؟ هذا
ومن المعلوم ان مثل الشيخ المفيد (قدسسره) في جلالة شأنه وعلو مكانه لا يخرج عن هذه الأخبار من
غير دليل فكيف لم يسأله عن ذلك حتى انه يعترض عليه هنا؟
__________________
قال في الذكرى
: والمفيد لا يكبر للقنوت ويكبر عنده للقيام من التشهد فالتكبير عنده اربع وتسعون
والروايات تخالفه ، مع انه قد روى مشهورا بعدة طرق : منها ـ رواية محمد بن مسلم عن
الصادق (عليهالسلام) في القائم من التشهد يقول : «بحول الله وقوته أقوم
واقعد». وفي بعضها «بحولك وقوتك أقوم واقعد». وفي بعضها «واركع واسجد». ولم يذكر في شيء منها التكبير. والأقرب سقوطه للقيام
وثبوته للقنوت وبه كان يفتي المفيد (قدسسره) وفي آخر عمره رجع عنه إلى المذكور أولا ، قال الشيخ
ولست اعرف بقوله هذا حديثا أصلا. انتهى.
أقول : اما
الاعتراض عليه (قدسسره) بقوله بالتكبير للقيام من التشهد فقد تقدم العذر عنه
في آخر المقام الثاني من الفصل السادس في السجود وبينا الدليل في ما ذهب اليه من التكبير المذكور. واما
نفيه تكبير القنوت فلم نقف على وجهه. والله العالم
ومنها ـ رفع
يديه تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل بباطنهما السماء وظهورهما الأرض ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وقال الشيخ المفيد يرفع يديه حيال صدره. وحكى في المعتبر قولا بجعل
باطنهما إلى الأرض. وذكر ابن إدريس انه يفرق الإبهام عن الأصابع. قالوا ويستحب
نظره إلى بطونهما. وعن الجعفي انه يمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره.
أقول : اما ما
ذكروه من رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل بباطنهما السماء فلم أقف له في
الأخبار على دليل ، والذي وقفت عليه صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في صلاة الوتر
وهي ما رواه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في الصحيح قال : «تدعو في الوتر على العدو وان شئت سميتهم وتستغفر
وترفع يديك في الوتر حيال وجهك وان شئت تحت ثوبك». وهي مع ورودها في خصوص الوتر
قاصرة
__________________
عن الدلالة على المدعى.
وروى في الفقيه
عن أبي حمزة الثمالي قال : «كان علي بن الحسين (عليهماالسلام) يقول في آخر وتره وهو قائم : رب اسأت وظلمت نفسي وبئس
ما صنعت وهذه يداي جزاء بما صنعتا قال ثم يبسط يديه جميعا قدام وجهه ويقول : وهذه
رقبتي خاضعة لك لما أتت. قال ثم يطأطئ رأسه ويخضع برقبته ثم يقول : وها انا ذا بين
يديك. إلى آخر الدعاء».
ومفهوم هذا
الخبر انه انما يبسط يديه جميعا قدام وجهه عند قوله «وهذه يداي » مع ان هذا الدعاء في قنوت الوتر الذي يستحب التطويل
فيه بالدعاء ، والأدعية المروية فيه والموظفة له طويلة ، وهذا الكلام انما هو في
آخره كما صرح به في الخبر ، فدلالة هذا الخبر على ان بسط يده انما هو في هذه الحال
مشعر بكونهما في وقت القنوت ليستا كذلك وهو خلاف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في هذا الباب.
وقال في الذكرى
: يستحب رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء وبظهورهما الأرض ،
قاله الأصحاب وروى عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) «وترفع يديك حيال وجهك وان شئت تحت ثوبك وتتلقى بباطنهما السماء». ونحو ذلك
ذكر الفاضل الخراساني في الذخيرة. ولم أقف على رواية عن عبد الله بن سنان بهذه
الصورة والذي وقفت عليه انما هي الرواية الواردة في الوتر على نحو ما ذكرته.
واما ما ذكره
الشيخ المفيد (قدسسره) ـ من جعل اليدين حيال صدره وكذا ما نقله في المعتبر
وما ذكره ابن إدريس ـ فلم أقف بعد التتبع على ما يدل عليه. واما ما ذكروه من
استحباب النظر إليهما فظاهر كلام المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى يدل على
وجود النص به ، وما ذكروه وان لم يرد به نص إلا انه لا بأس به
__________________
لحبس النظر لكن لا ينبغي اعتقاد استحبابه وتوظيفه.
واما ما نقل عن
الجعفي ـ من مسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره بعد القنوت ـ فلم أقف فيه على
خبر بل ظاهر التوقيع المروي عن صاحب الزمان (عليهالسلام) خلافه وهو ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد
الله بن جعفر الحميري ونحوه في قرب الاسناد «انه كتب إلى صاحب الزمان (عليهالسلام) يسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه ان يرد
يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روى ان الله عزوجل أجل من ان يرد يدي عبد صفرا بل يملأهما من رحمته أم لا
يجوز فان بعض أصحابنا ذكر انه عمل في الصلاة؟ فأجاب (عليهالسلام) رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في
الفرائض والذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء ان يرد
بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر ويركع. والخبر صحيح وهو في نوافل
النهار والليل دون الفرائض والعمل به فيها أفضل».
قال في المنتهى
: هل يستحب ان يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء؟ قيل نعم ولم يثبت. وقال في
الذكرى : ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره قاله الجعفي وهو مذهب بعض
العامة . انتهى.
وكيف كان فما
اشتمل عليه الخبر من التفصيل وان كان غير مشهور بين الأصحاب إلا ان العمل به متيقن
إذ لا معارض له في ذلك فيخص الاستحباب بالنافلة ويكره ذلك في الفريضة. والله
العالم.
__________________
الفصل الثامن
في ما يعمل في
الركعتين الأخيرتين من الرباعية وثالثة المغرب اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم)
على التخيير في المواضع المشار إليها بين التسبيح وقراءة الفاتحة وانما وقع الخلاف
في الأفضل من الأمرين المذكورين على أقوال :
أحدها ـ القول
بأفضلية التسبيح مطلقا وهو مذهب ابن ابي عقيل والصدوقين وابن إدريس ، واليه مال
جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي
وشيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني والشيخ محمد بن ماجد من مجتهدي علماء
البحرين ، وهو المختار عندي.
وثانيها ـ القول
بأفضلية القراءة مطلقا ، ذهب إليه أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي واختاره الشهيد في
اللمعة واليه مال السيد السند في المدارك.
وثالثها ـ القول
بالتخيير مطلقا من غير تفصيل ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والجمل والمبسوط ونقله
شيخنا المجلسي (قدسسره) عنه في أكثر كتبه ، وهو ظاهر العلامة في الإرشاد
والمختلف والمحقق في المعتبر.
ورابعها ـ القول
بأفضلية القراءة للإمام والمساواة لغيره من منفرد أو مأموم واختاره الشيخ في
الاستبصار والعلامة في القواعد وقبله المحقق في الشرائع واختاره أيضا المحقق الشيخ
على في شرح القواعد ومتعلقات المختصر ، واليه ذهب الشهيد في البيان واختاره المحقق
الأردبيلي (قدسسره) في شرحه على الإرشاد.
وخامسها ـ القول
بأفضلية القراءة للإمام وأفضلية التسبيح للمأموم وهو مذهب العلامة في المنتهى.
وسادسها ـ القول
بأفضلية القراءة للإمام والتسبيح للمنفرد ، اختاره الشهيد في الدروس واستحسنه
العلامة في التذكرة على ما نقل عنه.
وسابعها ـ أفضلية
التسبيح للإمام إذا تيقن ان ليس معه مسبوق وأفضلية القراءة إذا تيقن دخول مسبوق أو
جوزه والقراءة للمأموم والتخيير للمنفرد ، ذهب اليه ابن الجنيد على ما نقل عنه.
واما الأخبار
الواردة في المقام فهي لا تخلو من التناقض وعدم الالتئام ومن ثم اختلفت فيها كلمات
علمائنا الأعلام باختلاف الأذهان والأفهام.
والذي يدل على
القول الأول وهو الذي عليه من بينها المعول جملة من الأخبار :
الأول ـ ما
رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال قال : «لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع
الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير امام. قال قلت فما أقول فيهما؟ قال ان
كنت إماما أو وحدك فقل «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله» ثلاث مرات تكمله
تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع».
الثاني ـ ما
رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «عشر ركعات : ركعتان من الظهر وركعتان من العصر
وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة لا يجوز الوهم فيهن ومن وهم في
شيء منهن استقبل الصلاة استقبالا. وفوض إلى محمد (صلىاللهعليهوآله) فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة
انما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء فالوهم انما يكون فيهن».
الثالث ـ ما
رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال «كان الذي فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات
وفيهن القراءة وليس فيهن وهم يعني سهو فزاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا وفيهن الوهم وليس فيهن قراءة».
__________________
الرابع ـ ما
رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء
ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب
وسورة. الى ان قال : فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما لأن الصلاة
انما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ
فيهما انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة. وان أدرك ركعة قرأ فيها
خلف الإمام فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى
ركعتين ليس فيهما قراءة». وروى هذه الرواية في الفقيه عن زرارة مثله بأدنى تفاوت لا يخل بالمقصود.
أقول : لا يخفى
ما في دلالة هذه الأخبار الصحاح من الصراحة في أفضلية التسبيح بل تعينه مطلقا
اماما كان أو غيره سيما الصحيحة الاولى ، وظاهر هذه الأخبار بل صريحها انما هو
تعين التسبيح دون الأفضلية للنهي عن القراءة والنفي لها إلا انها لما اتفقت كلمة
الأصحاب على التخيير بينه وبين القراءة وعضدها بعض الأخبار الآتية ان شاء الله
تعالى فلا مندوحة عن تأويلها بما يرجع إلى ذلك بحمل النهي على الكراهة والنفي على
نفي الأفضلية الراجع إلى أقلية الثواب في القراءة. وكيف كان فهي صريحة في الرد على
ما اشتهر بين أصحابنا من أصالة القراءة في هذا الموضع وان التسبيح انما هو بدل
منها وقائم مقامها ، ويشير إلى ذلك ما يأتي في صحيحة عبيد بن زرارة ان شاء الله تعالى مما سنشير
إليه ثمة.
فإن قيل : من
الجائز حمل النهي والنفي هنا على النهي عن تحتم القراءة ووجوبها فمعنى «لا تقرأن»
يعني على جهة الحتم والتعيين كما في الأوليين ، وكذلك «ليس فيهن قراءة» يعني
متحتمة متعينة.
قلت : فيه (أولا)
ان قوله (عليهالسلام) في الصحيحة الثانية والرابعة «إنما
__________________
هو تسبيح وتكبير. إلى آخره» الدال على حصر الموظف في ذلك يمنع مما ذكرت.
و (ثانيا) ـ انه
لو كان النهي عن القراءة في الصحيحة بقوله «لا تقرأن» مؤكدا بالنون انما توجه إلى
اعتقاد وجوب القراءة وتحتمها دون أصل القراءة لكان الأظهر في جواب السائل حين قال «فما
أقول؟» ان يقال له انك مخير بين القراءة والتسبيح لا ان يخص الجواب بالتسبيح
المؤذن بتعيينه.
وبالجملة
فدلالة هذه الأخبار مع صحة أسانيدها في المدعى أظهر من ان ينكر إلا ان أصحابنا في
كتبهم المبسوطة لم يلموا بها وان ذكر بعضهم منها خبرا واحدا.
الخامس ـ ما
رواه في الفقيه بسند صحيح إلى محمد بن عمران العجلي «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من
القراءة؟ فذكر (عليهالسلام) حديث المعراج وصلاة الملائكة خلف النبي (صلىاللهعليهوآله) الى ان قال : وصار التسبيح أفضل من القراءة في
الأخيرتين لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عزوجل فدهش فقال «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة».
السادس ـ ما
رواه في كتاب العلل عن محمد بن أبي حمزة قال «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) لأي شيء صار التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة؟
قال لانه لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله تعالى فدهش فقال «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» فلتلك العلة صار التسبيح أفضل من
القراءة».
أقول :
والتقريب في هذين الخبرين ان قضية التعليل عموم الحكم لجميع المصلين من امام
ومأموم ومنفرد ، إذ الحكم راجع إلى الصلاة من حيث هي بمعنى ان التسبيح فيها يرجح
على القراءة بهذا الوجه ولا سيما الامام حيث ان النبي (صلىاللهعليهوآله)
__________________
يوم سبح كان إماما للملائكة ، وذلك فان هذا الخبر قد تضمن أيضا السؤال عن
علة الجهر قبل ان يسأله عن علة أفضلية التسبيح وفي الجواب عن علة الجهر تصريح بأنه
(صلىاللهعليهوآله) كان اماما يصلي بالملائكة فليراجع.
السابع ـ ما
رواه في الفقيه عن الرضا (عليهالسلام) ونحوه في كتاب العلل عنه (عليهالسلام) قال : «انما جعل القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح
في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله تعالى من عنده وبين ما فرضه الله من عند
رسوله صلىاللهعليهوآله».
والتقريب فيه
ما تقدم من ان قضية التعليل العموم لكل مصل فكما ان الحكم في الأوليين عام بلا خلاف
فكذا في الأخيرتين بمقتضى الخبر المذكور لرجوعه إلى الصلاة من حيث هي.
الثامن ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما
فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر». هكذا نقله في الاستبصار وفي التهذيب أسقط منه لفظ «الأخيرتين» والظاهر انه سهو من قلمه.
وقد أجيب عن
الاستدلال بهذا الخبر بان قوله «لا تقرأ فيهما» نفي لا نهى والجملة حالية من
الضمير البارز في قوله «إذا قمت» اي حال كونك غير قارئ. وإلى هذا يشير كلام المحقق
في المعتبر حيث قال : وقوله «لا تقرأ» ليس نهيا بل بمعنى «غير» كأنه قال «غير قارئ».
انتهى. فجواب الشرط حينئذ قوله «فقل. إلى آخره» ولهذا قرنه بالفاء وجرد جملة النفي
عنها تنبيها على ذلك.
__________________
وأجاب بعض
مشايخنا (قدس الله أسرارهم) عن هذا الجواب بان قوله : «لا تقرأ فيهما» جملة خبرية
وقعت صفة للركعتين لأنهما معرفتان بلام الجنس وهو قريب المسافة من النكرات لعدم
التوقيت فيه والتعيين كما في قوله : «ولقد أمر على اللئيم يسبني» قال العلامة
الزمخشري في تفسير الفاتحة في قوله تعالى «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ» : (فان قلت) كيف يصح ان يكون «غير» صفة للمعرفة وهو لا
يتعرف وان أضيف إلى المعارف؟ (قلت) «الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ» لا توقيت فيه فهو كقوله : ولقد أمر على اللئيم يسبني.
انتهى قال : والوجه في حسن هذا الوصف وملاحته في هذا المقام ما أشير إليه في
صحيحتي زرارة بل صحاحه من ان الأخيرتين لا قراءة فيهما بالأصالة بل الثابت فيهما
بالأصالة هو التسبيح واما القراءة فهي مرجوحة وان أجزأت لاشتمالها على التحميد
والدعاء لا من حيث اختصاصها بالموضع من حيث هي قراءة كما أشير إليه في صحيحة عبيد
بن زرارة المروية في التهذيب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر؟ قال تسبح وتحمد الله
وتستغفر لذنبك وان شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء». انتهى كلامه (زيد مقامه)
وهو جيد نفيس وعليه فيكون جزاء الشرط هو جملة قوله : «فقل» وجملة «لا تقرأ» خبرية
وقعت صفة للركعتين. ووصف هاتين الركعتين بعدم القراءة فيهما مؤذن بمرجوحية القراءة
فيهما
واختار المحقق
الشيخ حسن في كتاب المنتقى جعل جملة «لا تقرأ» طلبية قال : لبعد ارادة غير النهى
منه كما اوله به جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ المحقق في المعتبر
فقال ان «لا» فيه بمعنى «غير» كأنه قال «غير قارئ» مع ان التجوز في قوله «تقرأ»
بإرادة الإرادة للقراءة أو الحمل على إضمار كلمة «تريد» أقل تكلفا مما ذكروه والكل
خلاف الظاهر. إلى ان قال : وربما يستشهد لترجيح خلاف النهي بإدخال فاء الجواب على
كلمة «قل» ولو أريد النهي لكان حقها ان تقترن به. ويدفعه بعد التنزل لتسليم تعين
كونها للجواب تكثر الإشارة في ما سلف من هذا الكتاب
__________________
إلى قلة ضبط الكتابة للأخبار في خصوص الواو والفاء ففي الغالب يصحف أحدهما
بالآخر ويكتب الحديث بأحدهما في كتاب أو في موضع وبالآخر في غيره حتى من المصنف
الواحد فلا وثوق بهذه الشهادة في مقام التعارض. انتهى.
ولا يخفى عليك
ان ما نقلناه عن شيخنا المتقدم أقرب في الجواب لانطباقه على ما هو المتبادر من سوق
الكلام سيما كون الجملة الجزائية هي قوله «فقل» فان ما ذكره (رحمهالله) من الجواب هنا عن ذلك وان احتمل إلا ان فتح هذا الباب
يؤدي إلى رفع الوثوق بالاخبار والاعتماد عليها فالواجب ان لا يصار اليه إلا مع عدم
المندوحة.
التاسع ـ ما
رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «وان كنت خلف امام فلا تقرأن شيئا في الأولتين
وأنصت لقراءته ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين ، فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين «(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) ـ يعني في الفريضة خلف الامام ـ (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)» والأخيرتان تبع للأولتين». وهذه الرواية نقلها ابن
إدريس (قدسسره) في مستطرفات السرائر تتمة لصحيحة زرارة الاولى .
وحاصل معنى هذه
الرواية النهي عن القراءة خلف الإمام إذا دخل معه في أولتيه والأمر بالإنصات
لقراءته ، والنهي عن القراءة في أخيرتيه أيضا من حيث كون الأخيرتين تبعا للأولتين.
وملخصه انه إذا دخل معه في أولتيه فلا يقرأ فيهما ولا في الأخيرتين ، والعلة في
النهي في الأولتين من حيث قضية الإنصات وفي الأخيرتين التبعية.
العاشر ـ ما
رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار بسنده إلى ابن أبي الضحاك «انه صحب الرضا (عليهالسلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين يقول : «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» ثلاث مرات ثم يركع». وربما سقط
__________________
من بعض نسخه لفظ «والله أكبر».
الحادي عشر ـ ما
رواه المحقق في المعتبر عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الأخيرتين من الظهر قال تسبح وتحمد الله وتستغفر
لذنبك».
الثاني عشر ـ ما
رواه الشيخ عن محمد بن قيس في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا صلى يقرأ في الأولتين من صلاته الظهر سرا ويسبح في
الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من صلاته العشاء ، وكان يقرأ في الأولتين من
صلاته العصر سرا ويسبح في الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء».
الثالث عشر ـ ما
رواه أيضا في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يدرك الامام وهو يصلي اربع ركعات
وقد صلى الامام ركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في الركعتين. إلى
ان قال : فإذا سلم الامام ركع ركعتين يسبح فيهما ويتشهد ويسلم».
الرابع عشر ـ ما
رواه المحقق في المعتبر عن علي (عليهالسلام) انه قال : «اقرأ في الأولتين وسبح في الأخيرتين».
الخامس عشر ـ ما
رواه في الكافي أيضا عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال ان تقول
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتكبر وتركع».
فهذه جملة من
الأخبار واضحة الدلالة في ما ادعيناه وجملة منها ظاهرة بل صريحة
__________________
في تعين التسبيح مطلقا وقد نص بعضها على الامام بخصوصه وجملة قد صرحت
بالأفضلية مطلقا كما أشرنا إليه آنفا ، وجملة قد تضمنت الأمر بذلك المؤذن لا أقل
بالرجحان والأفضلية ، وجملة قد تضمنت حكاية صلواتهم (عليهمالسلام) ومن الظاهر انهم كانوا أئمة في تلك الصلوات لأنهم أشد
مواظبة على سنة الجماعة والناس أشد حرصا ومواظبة على الاقتداء بهم ولا سيما صلاة
الرسول (صلىاللهعليهوآله) بالملائكة وصلاة الرضا (عليهالسلام) في طريق خراسان. وهذا كله بحمد الله سبحانه ظاهر لا
يقبل الإنكار وبين لا يعتريه الاستتار.
السادس عشر ـ ما
رواه الشيخ (قدسسره) بسنده عن سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت امام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين
الأولتين وعلى الذين خلفك ان يقولوا «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» وهم قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرأوا
فاتحة الكتاب وعلى الامام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين».
وهذا الخبر
استدل به بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ، والظاهر ان محل الاستدلال هو
قوله «وعلى الامام التسبيح. إلخ» وحينئذ فهو دليل على أفضلية التسبيح بالنسبة إلى
الامام لا مطلقا كما هو ظاهر المستدل ، ولذلك ان الفاضل الخراساني في الذخيرة جعله
من الأخبار الدالة على أفضلية التسبيح للإمام. وأياما كان فالظاهر ان معنى قوله : «فإذا
كان في الركعتين الأخيرتين» يعني إذا كان الائتمام في الأخيرتين بأن يكون
المأمومون مسبوقين بركعتين ففرض من صلى خلفه القراءة لأنهما اولتان بالنسبة إليهم
، والواجب عليهم القراءة هنا على الأظهر كما يأتي بيانه في محله. وقوله أخيرا «في
الركعتين الأخيرتين» اما ان يتعلق بالظرف اعنى قوله «على الامام» ويكون معنى قوله «مثل
ما يسبح القوم» إشارة إلى ما تقدم في صدر الحديث من
__________________
التسبيح وقت قراءة الامام ، وحاصله حينئذ انه على الامام ان يسبح في
الأخيرتين مثل تسبيح القوم خلفه في الأولتين ، واما ان يتعلق بالفعل اعني «يسبح»
ويكون المعنى حينئذ : وعلى الامام ان يسبح في تلك الركعتين الأخيرتين اللتين على
المأمومين المسبوقين ان يقرأوا فيهما مثل تسبيح المأمومين فيهما لو كانوا غير
مسبوقين. ولعل المستدل بالرواية على الأفضلية مطلقا ناظر إلى هذا المعنى. وكيف كان
فالظاهر عدم جواز حمل الركعتين الأخيرتين في قوله : «فإذا كان في الركعتين
الأخيرتين» على ان يكونا أخيرتين بالنسبة إلى الامام والمأموم لاستلزامه حينئذ
أولوية القراءة فيهما للمأمومين والتسبيح للإمام كما هو ظاهر اللفظ بناء على ذلك
ولا قائل به بل لا دليل عليه من خارج. والاعتماد في إثباته على مجرد هذا الاحتمال
لا يخلو من الاشكال بل الاختلال ، فإنه يلزم من ذلك حصول الحشو في الكلام وهو مما
يجب ان يصان عنه كلام الامام (عليهالسلام) كما لا يخفى على ذوي الأذهان والافهام.
السابع عشر ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين
فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال
اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها». استدل به شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب الحبل المتين على استحباب التسبيح للمنفرد.
وقال العلامة
في المختلف ـ بعد الاستدلال بالخبر المذكور على عدم تعين القراءة في الأخيرتين
لناسيهما في الأولتين ردا على من ذهب إلى ذلك ـ ما صورته : وهذا الحديث كما يدل
على عدم وجوب القراءة فإنه دال على أولوية التسبيح أيضا كما اختاره ابن أبي عقيل.
هذا ما وقفت
عليه من الأخبار الدالة على القول الأول.
__________________
واما ما يدل
على القول الثاني فرواية محمد بن حكيم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال
القراءة أفضل».
وأنت خبير بان
هذه الرواية لضعف سندها وانحطاط عددها تقصر عن معارضة ما قدمناه من الأخبار ولا
سيما على مذاق أصحاب هذا الاصطلاح ، والظاهر بل المتعين حملها على التقية التي هي
في اختلاف الأحكام الشرعية رأس كل بلية ، وذلك لأن تعيين القراءة في الأخيرتين
مذهب جمهور الجمهور ، فان المنقول عن الشافعي والأوزاعي واحمد في إحدى الروايتين
وجوب القراءة في الأخيرتين ، وعن مالك وجوبها في معظم الصلاة ، وعن الحسن في كل
ركعة ، وعن أبي حنيفة القول بالتخيير مع فضيلة القراءة فالحمل على التقية ظاهر لا ستر عليه.
واما ما ذكره
شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار ـ حيث نقل عن العلامة في
__________________
المنتهى القول بأفضلية القراءة للإمام والتسبيح للمأموم ، قال وقواه في
التذكرة ، ثم قال وهذا القول لا يخلو من قوة إذ به يجمع بين أكثر الأخبار وان كان
بعض الأخبار يأبى عنه. وذهب جماعة من محققي المتأخرين إلى ترجيح التسبيح مطلقا
وحملوا الأخبار الدالة على أفضلية القراءة للإمام أو مطلقا على التقية لأن الشافعي
واحمد ، يوجبان القراءة في الأخيرتين ومالكا يوجبها في ثلاث ركعات من الرباعية
وأبا حنيفة خير بين الحمد والتسبيح وجوز السكوت ويرد عليه ان التخيير مع أفضلية القراءة أو التفصيل بين
الامام والمنفرد مما لم يقل به أحد من العامة فلا تقبل الحمل على التقية نعم يمكن
حمل أخبار التسوية المطلقة على التقية لقول أبي حنيفة بها. انتهى ـ
ففيه نظر من
وجوه (أحدها) انه لا يخفى على من لاحظ الأخبار التي قدمناها وتدبر في ما ذيلناها
به من التحقيق الرشيق انه لا معدل عن العمل بها والقول بما دلت عليه وهذه الرواية
ظاهرة بل صريحة في المخالفة فلم يبق إلا ردها لقصورها عن المعارضة وليس بعد العمل
بما دلت عليه هذه الرواية إلا رد تلك الأخبار المستفيضة المتكاثرة الصحيحة الصريحة
في ما ادعينا وفيه من الشناعة ما لا يتجشمه محصل ولا يتفوه به قائل ، وحينئذ فيجب
رد هذه الرواية إلى قائلها كما أمروا به (عليهمالسلام).
و (ثانيها) ـ انه
مع تسليم صحة ما ذكره في نقل مذاهب العامة من عدم تصريحهم بالأفضلية فإنه لا ينافي
حمل الرواية المذكورة وأمثالها على التقية ، وذلك فإنه يمكن حمل أخبار الفاتحة على
التقية باعتبار ان المتبادر من اخبار الأمر بالفاتحة للإمام هو الوجوب كما صرح به
الفاضل الأردبيلي (قدسسره) في ما يأتي من نقل كلامه ، ولا ينافيه لفظ الأفضلية في
رواية محمد بن حكيم المذكورة الدالة على ان القراءة أفضل مطلقا لأن الواجب أفضل من
المندوب البتة إلا فيما استثنى ، وحينئذ فتكون التقية باعتبار مذهب الشافعي
واتباعه.
__________________
و (ثالثها) ـ ان
مذهب أبي حنيفة هو التخيير مع أفضلية القراءة كما نص عليه المخذول المهان فضل الله
بن روزبهان الخنجي في كتابه الذي رد فيه على كشف الحق ونهج الصدق حيث قال : ومذهب أبي حنيفة أنه يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة فقط
وهذا أفضل وان سبح أو سكت جاز. انتهى. والعجب انه كيف خفي ذلك على شيخنا المشار
اليه مع وفور اطلاعه.
وربما يستدل
لهذا القول أيضا بما رواه الطبرسي في الاحتجاج من التوقيعات الخارجة من الناحية
المقدسة في أجوبة الحميري «انه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض
يرى أن قراءة الحمد فيهما أفضل وبعض يرى ان التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما
لنستعمله؟ فأجاب (عليهالسلام) قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ،
والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليهالسلام) : كل صلاة لا قراءة فيها خداج إلا للعليل ومن يكثر
عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه».
وأنت خبير بما
في هذا الخبر من الإجمال والاشكال الذي لا يهتدى منه إلى وجه يبنى عليه في هذا
المجال وما هذا شأنه فلا يعترض به ما قدمناه من الأخبار.
واما القول
الثالث وهو التخيير مطلقا من غير تفصيل فلا اعرف عليه دليلا من الأخبار سوى رواية
علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما اصنع فيهما؟ قال
ان شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وان شئت فاذكر الله فهما سواء. قال قلت فأي ذلك أفضل؟
قال هما والله سواء ان شئت سبحت وان شئت قرأت».
وأنت خبير بما
هي عليه من الضعف فلا تصلح لمعارضة خبر واحد من تلك
__________________
الأخبار الصحيحة الصريحة في أفضلية التسبيح فلم يبق إلا طرحها وإرجاعها إلى
قائلها ، إذ العمل بما دلت عليه مستلزم لطرح تلك الأخبار وهو ما لا يتجشمه من له
أدنى روية من ذوي الأذهان والأفكار ، مع إمكان حملها على التقية وان لم يعرف
بالقول بالتساوي مطلقا قائل من العامة إذ التخير مذهب أبي حنيفة واتباعه مع أفضلية
القراءة كما تقدم وقد قدمنا في مقدمات الكتاب ان الحمل على التقية لا
يتوقف على وجود القائل منهم ، وبالجملة فإنه لم يبق إلا طرحها أو حملها على التقية
وإلا فالعمل بها وان ذهب اليه من ذهب غفلة عما قدمناه من الأخبار لا يتفوه به من
وقف على ما حققناه ونقلناه من تلك الأخبار الساطعة الأنوار والعلية المنار.
واما الاستناد
في هذا القول إلى صحيحة عبيد بن زرارة فهي بالدلالة على أفضلية التسبيح أشبه لما
عرفته آنفا ، فإن قضية التعليل فيها فرعية القراءة وأصالة التسبيح كما دلت عليه
الأخبار المستفيضة المتقدمة.
وربما استدل
بعضهم لهذا القول بتعارض الأخبار وتساقطها فلا يتوجه رجحان أحد الطرفين على الآخر
فيبقى التساوي مؤيدا برواية علي بن حنظلة. وهذا القول جهل من صاحبه بما قدمناه من
الأخبار إذ الظاهر انها لم تقرع سمعه ولم تمر بنظره وهو كذلك كما سيظهر لك ان شاء
الله في البحث مع السيد السند وشيخنا المحقق الأردبيلي فإنهما من هذا القبيل ،
وهذه الأخبار التي قدمناها وجمعناها لم تجتمع في كتاب بل ولا نصفها ولا ربعها كما
لا يخفى على من راجع كتبهم في هذا الباب.
واما القول
بأفضلية القراءة للإمام وهو القول الرابع والخامس والسادس وان اختلفوا في ما عداه
فهو باعتبار المستند أظهر من سابقيه.
ويدل عليه من
الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن
__________________
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين
بفاتحة الكتاب وان كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل».
وما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين؟ فقال
الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح.».
وما رواه الشيخ
عن جميل بن دراج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة؟ فقال
بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ويقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب».
أقول : لا يخفى
انه مع العمل بهذه الأخبار والقول بما دلت عليه فإنه يلزم طرح ما عارضها من
الأخبار الدالة على أفضلية التسبيح مطلقا أو بالنسبة إلى الامام ، وهي الرواية
الاولى من الروايات المتقدمة والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة
والسابعة والعاشرة والثانية عشرة والسادسة عشرة بالتقريبات المذكورة ذيولها ، وفي رد هذه الروايات
وطرحها مع صحتها وصراحتها من الشناعة ما لا يخفى ، واما مع العمل بروايات التسبيح
فحمل الأخبار المذكورة على التقية ظاهر لا ستر عليه وواضح لا يأتيه الباطل لا من
خلفه ولا من بين يديه ، لما عرفت آنفا من ان مذهب جمهور الجمهور وجوب القراءة ، وأبو حنيفة
واتباعه وان خيروا إلا ان القراءة عندهم أفضل فحمل هذه الأخبار على التقية أقرب
قريب ، وقد استفاضت الأخبار عنهم (عليهمالسلام) بعرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ
بخلافه.
وقد أيد بعض
مشايخنا الحمل على التقية بما في صحيحة منصور بن حازم من لفظ السعة للمأموم ، فإن
مفهومه انه لا يسع الامام غير القراءة للتقية واما المأموم فيسعه تركها
__________________
والعدول إلى التسبيح. أقول : ويعضده ان المستفاد من كثير من الأخبار ان
أصحابنا كانوا يأمونهم في الجماعة.
وقد صرح بهذا
الحمل جملة من أصحابنا المحققين من متأخري المتأخرين : منهم ـ الفاضل الخراساني في
الذخيرة والمحقق الشيخ حسن في المنتقى وغيرهما.
فالوجه الأظهر
في اخبار القراءة مطلقا هو الحمل على التقية سيما للإمام لعظم الخطب عليه واقتضاء
الاستصلاح التقية بالنسبة إليه فلذا خصه بالقراءة في صحيحتي منصور ومعاوية بن عمار
وحثه عليها خوفا عليه من الشناعة والضرر ، ومتى حملت هذه الأخبار على التقية سلمت
اخبار التسبيح وتوجه العمل بها من غير معارض. ولم يقل أحد من العامة بتعين التسبيح
أو أفضليته حتى يمكن حمل اخباره على التقية بل هو عندهم مطروح واما اخبار القراءة
فهي كما عرفت موافقة لهم. وقضية القواعد المنصوصة عنهم (عليهمالسلام) في عرض الأخبار في مقام الاختلاف هو حمل أخبار القراءة
على التقية ، حتى انه قد ورد ما هو أبلغ من ذلك وهو انه إذا لم يكن في البلد من
تستفيه في الحكم الشرعي فاستفت قاضي البلد وخذ بخلافه ، رواه الشيخ في التهذيب
والصدوق في عيون الأخبار ولكن أصحابنا سامحهم الله تعالى بغفرانه وأسكنهم أعلى
جنانه كما نبهناك عليه في غير موضع مما تقدم قد الغوا هذه القواعد الواردة عنهم (عليهمالسلام) واتخذوها وراء ظهورهم واصطلحوا على قواعد لم يرد بها
نص ولا اثر فاتخذوها وجه جمع بين الأخبار.
تتميم في المقام وكلام على كلام بعض الاعلام
قال السيد
السند في المدارك ـ وهو ممن اختار القول بأفضلية القراءة مطلقا أو للإمام كما
سيظهر لك من كلامه ـ اختلف الأصحاب في أن الأفضل للمصلي القراءة أو التسبيح ، فقال
الشيخ في الاستبصار ان الأفضل للإمام القراءة وانهما متساويان بالنسبة
__________________
إلى المنفرد ، وقال في النهاية والمبسوط هما سواء للمنفرد والامام ، وأطلق
ابنا بابويه وابن أبي عقيل أفضلية التسبيح ، احتج الشيخ في الاستبصار على أفضلية
القراءة للإمام بما رواه في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين
بفاتحة الكتاب وان كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل». ونحوه روى معاوية بن عمار في
الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال
الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وان شئت فسبح».
وعلى التساوي للمنفرد بما رواه عن عبد الله بن بكير عن علي بن حنظلة عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما اصنع فيهما؟
فقال ان شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وان شئت فاذكر الله فهما سواء. قال قلت فأي ذلك
أفضل؟ فقال هما والله سواء ان شئت سبحت وان شئت قرأت». وهذا الجمع جيد لو كانت
الأخبار متكافئة من حيث السند لكن الرواية الأخيرة ضعيفة جدا بجهالة الراوي وبان
من جملة رجالها الحسن بن علي بن فضال وعبد الله بن بكير وهما فطحيان. ولو قيل
بأفضلية القراءة مطلقا كما يدل عليه ظاهر صحيحتي منصور بن حازم ومعاوية بن عمار لم
يكن بعيدا من الصواب ، ويؤيده رواية حكم بن حكيم قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟
فقال القراءة أفضل». ورواية جميل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة فقال
بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ويقرأ الرجل
__________________
فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب». وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) وقال : «يجزئك التسبيح في الأخيرتين. قلت اي شيء تقول
أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب». ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله الحلبي في الصحيح عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما
فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر». لأنا تجيب عنها بالحمل على ان «لا» نافية
وتكون جملة «لا تقرأ» حالية والمعنى إذا قمت في الركعتين الأخيرتين وأنت غير قارئ
فيهما فقل كذا وكذا أو يقال انها ناهية والنهي انما توجه إلى القراءة مع اعتقاد ان
غير القراءة لا يجوز كما ذكره الشيخ في الاستبصار ، وبالجملة فهذه رواية واحدة فلا
تترك لأجلها الأخبار المستفيضة السليمة السند المؤيدة بعمل الأصحاب. انتهى.
أقول فيه نظر
من وجوه : (الأول) ان ما نقله عن الشيخ في الاستبصار ـ من انه احتج على أفضلية
القراءة للإمام بصحيحة منصور بن حازم وعلى التساوي للمنفرد برواية علي بن حنظلة ـ ليس
في محله فان الشيخ بعد ان عنون الباب بالتخيير بين القراءة والتسبيح أورد من
الروايات الدالة على التخيير صحيحة عبيد بن زرارة ورواية علي بن حنظلة الدالتين
على التساوي مطلقا ، ثم أورد في خبر ما يخالفهما في ذلك وهي رواية محمد بن حكيم
التي نسبها هو إلى حكم بن حكيم الدالة على أفضلية القراءة مطلقا وجمع بينهما بحمل ما
دل على أفضلية القراءة على ما إذا كان اماما وحمل تلك الروايتين الدالتين على
التساوي على غيره ، ثم أورد صحيحة منصور بن حازم سندا لهذا الحمل بطرفيه من أفضلية
القراءة للإمام والتساوي لغيره ، والرواية كما ترى دالة على ذلك هذا خلاصة كلام
الشيخ في الاستبصار وبه يتضح لك ما في نقل السيد السند (قدسسره) من الخلل الذي لا ستر عليه ولا غبار.
(الثاني) ـ ان
المفهوم من سياق كلامه ان الشيخ قد استدل على أفضلية القراءة للإمام بهذه الرواية
الدالة على عموم أفضلية القراءة مطلقا بحملها على الإمام ،
__________________
وعلى التساوي للمنفرد برواية علي بن حنظلة الدالة بعمومها على المساواة
مطلقا بحملها على المنفرد ثم رد (قدسسره) الحمل المذكور بعدم تكافؤ الأخبار من حيث السند ثم رجح
أفضلية القراءة مطلقا مستندا إلى العموم الذي ادعاه من تلك الصحيحة وأردفها بصحيحة
معاوية بن عمار. وهو لعمري بعيد الصدور من مثل هذا الفحل المشهور ، فان الصحيحتين
المذكورتين تناديان بالتصريح بحكم الامام على حدة من أفضلية القراءة له وحكم
المنفرد على حدة من التخيير ، فأين إطلاق أفضلية القراءة الذي جنح اليه وادعى
دلالة تلك الصحيحتين عليه؟ وما تكلفه بعض في الاعتذار عنه ـ من انه يمكن تطبيقهما
على أفضلية القراءة مطلقا وتكون فائدة التفصيل فيهما بين الامام والمنفرد تأكد
الفضل في الإمام ـ فتمحل ظاهر لا يلتفت اليه وتكلف متعسف لا يعول عليه. وحينئذ
فرواية علي بن حنظلة متى حملت على المنفرد كانت مؤيدة لما دلت عليه تلك الصحيحتان
من حكم المنفرد فيهما لا منافية لهما بناء على ما ادعاه من عموم أفضلية القراءة
للمنفرد. نعم ذلك مدلول رواية محمد بن حكيم التي نسبها إلى حكم بن حكيم كما رأيت
في نسخ منه متعددة.
(الثالث) ـ ان
ظاهر قوله : «ولو قيل بأفضلية القراءة مطلقا» انه لا قائل بذلك صريحا مع انا قد
أسلفنا نقله عن الحلبي وتبعه الشهيد في اللمعة ولعله لندرة القائل وشذوذه خفي عليه
حتى انه قال في التهذيب اني لا أعلم قائلا بهذا المذهب. وهو حق حيث انه انما حدث
بعده. وممن خفي عليه القول بذلك أيضا شيخنا البهائي (قدسسره) حيث انه صرح في كتاب الحبل المتين انه لم يطلع على
قائل بأفضلية القراءة للمنفرد.
(الرابع) ـ ان
ما استدل به على ما ادعاه من صحيحة ابن سنان منظور فيه من حيث السند والمتن :
اما الأول فلما
ذكره بعض أصحابنا من احتمال كون ابن سنان هو محمد أخو عبد الله بن سنان الذي هو
مذكور مهملا في كتب الرجال كما ذكره الشيخ في كتاب رجاله من رجال الصادق (عليهالسلام) وهو غير محمد بن سنان الزاهري الضعيف فإنه
لا يروي عن الصادق (عليهالسلام) كما ذكر في كتب الرجال وشهد به التتبع في هذا المجال ،
وقد وردت رواية محمد بن سنان بقول مطلق عن الصادق (عليهالسلام) في باب كراهة أكل الثوم من كتاب علل الشرائع ووقع التصريح به في ثلاثة أحاديث من كتاب طب الأئمة (عليهمالسلام) اما الحديث الأول منه فصورته عن الوشاء عن عبد الله بن
سنان عن أخيه محمد عن جعفر بن محمد الصادق (عليهالسلام) ومثله الحديث الثاني من الكتاب المذكور وفي باب مقدار الثواب في كل علة منه أيضا عن الوشاء عن
عبد الله بن سنان قال : سمعت محمد بن سنان يحدث عن الصادق (عليهالسلام) وحينئذ فما أطلقوه من انه متى وردت رواية ابن سنان عن
الصادق (عليهالسلام) بغير واسطة تعين الحمل على عبد الله لكون الزاهري
الضعيف لا يروي عنه إلا بالواسطة غير جيد لانه مبني على الحصر في عبد الله ومحمد
الزاهري والحال ان محمدا أخا عبد الله ممن يروي عنه (عليهالسلام) أيضا بلا واسطة. والجواب ـ بان محمدا أخا عبد الله
نادر الرواية فلا ينصرف إليه الإطلاق ـ مدخول بما يتناقل في كلامهم ويدور على رؤوس
أقلامهم من انه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.
واما الثاني
فإن ما ادعاه من الدلالة غير واضح البيان ولا ساطع البرهان لانه (قدسسره) قد اقتطع عجز الرواية واستدل به وهو وان كان يعطي ذلك
بظاهره إلا انه بملاحظة ما تقدمه في صدر الرواية للاحتمال فيه مجال واسع ،
والرواية بتمامها هي ما رواه الشيخ عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها
بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال
يجزئك التسبيح في الأخيرتين. قلت اي شيء تقول
__________________
أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب». وكأنه (رحمهالله) بنى في اقتطاعه عجز الرواية واعتماده عليه في
الاستدلال على انقطاعه عما قبله في المعنى وان له معنى مستقلا ، وربما كان وجهه
عنده ان السائل لما سأله عما يفعله (عليهالسلام) أعم من ان يكون إماما أو مأموما أو منفردا فقال : «اقرأ
فاتحة الكتاب» دل ذلك على رجحان القراءة مطلقا.
قال المحقق
المدقق الشيخ حسن في كتاب منتقى الجمان بعد ذكر الرواية ما لفظه : قلت يسبق إلى
الفهم في بادئ الرأي من عجز هذا الخبر انه في معنى الخبرين اللذين قبله ـ وأشار
بهما إلى صحيحتي عبيد بن زرارة ومنصور بن حازم ـ ثم قال وقد اعتمد ذلك بعض
المتأخرين فاقتطعه عن الصدر وأورده في حجة ترجيح قراءة الحمد للإمام حديثا مستقلا
، وبعد التأمل يرى ان ذلك أحد الاحتمالات فيه وانه لا وجه لترجيح المصير اليه على غيره
، ثم الحق ان اقتطاع بعض الحديث وافراده عن سائره بمجرد ظن استقلاله أو تخيله كما
اتفق لجماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أمر بعيد عن الصواب فكم من خطأ قد وقع
بسببه في الاستدلال لمن لم تنكشف له بالتدبر حقيقة الحال. انتهى
هذا. والأظهر
بناء على اتصال عجز الرواية بصدرها كما هو المتبادر إلى الفهم ان معنى قوله (عليهالسلام) : «يجزئك التسبيح في الأخيرتين» يعني عن القراءة في
الأوليين خلف الإمام إذا كنت مأموما ، وحينئذ فقول السائل «أي شيء تقول أنت؟»
يحتمل ان يكون معناه اي شيء تفتي به أنت وتحكم به من الاجتزاء بالتسبيح في
الأخيرتين أو القراءة فيهما وعلى هذا يكون قوله (عليهالسلام) : «اقرأ فاتحة الكتاب» فعل أمر ، وان يكون معناه اي شيء
تفعل أنت في صلاتك مأموما خلف هؤلاء من القراءة في الأوليين أو الترك والاجتزاء
بالتسبيح لأنهم (عليهمالسلام) كانوا يحضرون جمعات هؤلاء وجماعاتهم فأجاب (عليهالسلام) بأنه يقرأ في الأوليين حيث ان ائتمامه بمن لا يصح
الاقتداء به. وهذا هو الأظهر في معنى الرواية وهو الذي استظهره المحدث الكاشاني في
الوافي بعد ان ذكر الاحتمال الأول أيضا. ويحتمل أيضا ان يكون معنى
«أي شيء تقول أنت؟» أي شيء تفعله أنت في الركعتين الأخيرتين إذا كنت
مأموما من الاجتزاء بالتسبيح أو القراءة فيهما ، وحينئذ ففيه دلالة على تخيير
المأموم في الركعتين الأخيرتين بين القراءة والتسبيح مع أفضلية القراءة. ويحتمل
أيضا ان يراد منه بيان حال المسبوق وانه يجزئه تسبيح الإمام في الأخيرتين وان كان
المأموم مصليا للأوليين أو الثانية في تلك الحال غير ان الاولى للإمام قراءة
الحمد. وهذان الاحتمالان ذكرهما في المنتقى زيادة على الاحتمال الذي حكاه عن ذلك
البعض في ما أسلفنا من نقل عبارته. وكيف كان فهذه الرواية لما فيها من سعة دائرة
الاحتمال لا تصلح للاستدلال فإنها بتعدد هذه الاحتمالات تكون من قبيل المتشابهات.
(الخامس) ـ قوله
«ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله الحلبي في الصحيح. إلى آخر الكلام» فان فيه من
العجب العجاب بما اشتمل عليه من الخلل والاضطراب ما لا يخفى على من تأمل بعين
الصواب :
(أما أولا) ـ فلحصره
المنافاة في هذه الرواية وانه بالجواب عنها يتم له ما ذكره وهذا مصداق ما أشرنا
إليه آنفا من عدم الوقوف على تلك الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة المتقدمة ،
فليت شعري كأنها لم تمر به مدة اشتغاله بالعلوم في تلك الأيام حتى يغمض العين عنها
ولا يتعرض لشيء منها في المقام.
(واما ثانيا) ـ
فان الظاهر من سياق كلامه ـ كما عرفت ـ هو الميل إلى أفضلية القراءة مطلقا لقوله «ولو
قيل بأفضلية القراءة مطلقا» وقد عرفت مما أسلفناه انه ليس في الأخبار ما يدل على
هذا القول إلا رواية محمد بن حكيم الضعيفة السند التي لا تصلح للاستدلال بناء على
اصطلاحه ولا تعتمد. واما ما ادعاه من دلالة صحيحتي منصور بن حازم ومعاوية بن عمار
فقد عرفت ما فيه.
و (اما ثالثا)
ـ فان ما ادعاه ـ من التأييد بعمل الأصحاب مع قوله أولا «ولو قيل» المشعر بعدم
القائل كما عرفت ـ لا يخلو من التشويش والاضطراب. وبالجملة
فإنا لم نقف على قائل بهذا القول الذي اختاره هنا سوى الحلبي والشهيد في
اللمعة ولا من الأدلة سوى رواية محمد بن حكيم المذكورة. والله العالم.
وقال المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد الكلام في كمية التسبيح : واما التفضيل فلا شك في
تفضيل القراءة عليه للإمام لصحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القراءة. ثم ساق الحديث ، ثم قال : ولرواية جميل.
ثم ذكرها ، ثم قال : ولما ثبت جواز التسبيح للإمام أيضا بالإجماع حمل القراءة له
على الأفضل فلا ينبغي تركها ، ويحمل ما في هذه للمنفرد على الجواز فقط لرواية علي
بن حنظلة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : سألته. ثم ساق الرواية ثم قال حمله الشيخ وغيره
على المنفرد لما مر من ترجيح القراءة للإمام ، ولرواية منصور بن حازم الثقة ، ثم
أوردها إلى آخرها ، ثم قال : ولو لا الإجماع على التخيير للإمام أيضا لكان الحمل
على ظاهرها من وجوب القراءة للإمام متعينا فتحمل على الاستحباب لذلك ، ويفهم منها
التسوية للمنفرد حيث قال بعد الترجيح للإمام «وان كنت.» ومع ذلك لا يبعد أولوية
اختيارها للمنفرد أيضا لفضيلة الفاتحة ووجود «فاقرأوا» ووجود الخلاف في التسبيح
بأنه مرة أو ثلاثا أو غيرهما ولبعض ما مر مثل الأمر بالقراءة في صحيحة معاوية بن
عمار بقوله «فاقرأ فيهما» ثم الإتيان ب «ان شئت» فإن سوق الكلام يدل على ان
التسبيح رخصة ، وما في رواية جميل ، ولرواية محمد بن حكيم قال : سألت أبا الحسن (عليهالسلام). وساق الرواية كما قدمناه ثم قال ولا يحتاج إلى الحمل
على الامام فقط لاحتمال كونها أفضل للإمام وكان للمنفرد أيضا أفضل لكن دونه في
الفضل ويكون الأمر للإمام والتخيير للمنفرد للمبالغة له دونه مع عدم صحة ما يدل
على التسوية في رواية علي بن حنظلة مع عمومها المتروك بالدليل واحتمال التأويل.
انتهى.
قول : انظر إلى
هذا الكلام المختل النظام والمنحل الزمام فإنه ـ كما ترى ـ ظاهر في انه لم يقف على
شيء من اخبار التسبيح التي قدمناها بالكلية ولهذا انما استند في
معارضة أخبار القراءة إلى الإجماع على التسبيح وجمع بينهما بالتخيير ،
والظاهر ان السبب في ذلك ان الدائر في كتبهم في مقام البحث عن الأخيرتين انما هو
هذه الأخبار التي نقلها هنا وزاد عليها صاحب المدارك رواية الحلبي التي أجاب عنها
واما الأخبار التي قدمناها فهي متفرقة في مواضع لم تجتمع إلا في كلامنا في هذا
المجال. وأصحاب التصانيف لمزيد الاستعجال في التصنيف يقنعون بما حضر بين أيديهم من
كتب من قبلهم ولا يعطون التأمل حقه في استقصاء الأدلة من مظانها وطلبها من أماكنها
ومن ثم وقعوا في ما وقعوا فيه ، والواجب في مقام البحث والتحقيق التعرض لنقل جملة
أدلة المسألة والكلام فيها وترجيح ما يرجحه والجواب عما عارضه.
وأنت خبير بان
قوله : «ولما ثبت جواز التسبيح للإمام أيضا بالإجماع. إلى آخره» الدال على انه
انما صار إلى التسبيح تخييرا بالإجماع فللقائل ان يعكس عليه هذه الدعوى ويقول انه
قد دلت صحاح زرارة على النهي عن القراءة مطلقا والنفي لها والأمر بالتسبيح خاصة
ودل غيرها من الأخبار المتقدمة على التسبيح أيضا ، وما عارضها من روايات القراءة
قد حمل على التقية بمقتضى القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهمالسلام) في مقام تعارض الأخبار ، فلو لا الإجماع على القول
بالقراءة في المقام لتعين الاقتصار على التسبيح بمقتضى ذلك إلا ان الإجماع على
القراءة أوجب لنا القول بالتخيير وحمل ما دل على تعين التسبيح والنهي عن القراءة
على الأفضلية ، وما ادعيناه في المقام هو الأوفق بأخبارهم وقواعدهم (عليهمالسلام).
وبالجملة فإن
كلامهم (رضوان الله عليهم) في المقام لما كان مبنيا على غير أساس تطرق اليه القدح
والالتباس ، وضعف كلامه (قدسسره) أظهر من ان يحتاج إلى مزيد بيان لمن انكشف له ما
ذكرناه من نقل أخبار المسألة كملا وما وشحناها به من التحقيقات الفائقة والتدقيقات
الرائقة. والله العالم.
إذا عرفت ذلك
فاعلم أن تنقيح البحث في المسألة وتحقيق القول فيها كما هو حقه
يتوقف على ذكر مقامات :
(الأول) ـ في
كيفية التسبيح المذكور هنا وقد اختلف الأصحاب في ذلك على أقوال : أحدها ـ الاجتزاء
بأربع تسبيحات : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» مرة واحدة ،
ذهب اليه الشيخ المفيد والشيخ في الاستبصار وجمع من المتأخرين : منهم ـ العلامة في
المنتهى وشيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قال انه أصح الأقوال ، ويدل عليه من
الأخبار المتقدمة الخبر الخامس والسادس والخامس عشر والسادس عشر.
وثانيها ـ انها
تسع تسبيحات : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله» يكررها ثلاث مرات ، ذهب
اليه الصدوق ابن بابويه وأسنده في المعتبر والتذكرة والذكرى إلى حريز بن عبد الله
السجستاني من قدماء الأصحاب ، ونقل في المختلف عن علي بن بابويه انه قال : وتسبح
في الأخراوين إماما كنت أو غير امام تقول «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله»
ثلاثا. قال فيكون الواجب عنده تسع تسبيحات ورواه ابنه في من لا يحضره الفقيه وهو
اختيار أبي الصلاح. انتهى وظاهر كلامه في المختلف ان مذهب أبي الصلاح القول بالتسع
مع انه في المنتهى نسب اليه القول بثلاث تسبيحات كما نقله عنه في الذخيرة ومثله
شيخنا في البحار إلا اني لم أقف عليه في المنتهى كما ذكراه ولم يذكر لأبي الصلاح
هنا مذهبا بالكلية وهما اعلم بما نقلاه.
ويدل على هذا
القول ما تقدم في الخبر الأول من الأخبار المتقدمة إلا ان هذا الخبر قد نقله ابن
إدريس في السرائر عن حريز عن زرارة في موضعين بزيادة في أحدهما على ما قدمنا نقله
عن الصدوق (أحدهما) في باب كيفية الصلاة وزاد فيه بعد «لا إله إلا الله» «والله أكبر» وثانيهما
في آخر الكتاب في ما استطرفه من كتاب حريز ولم يذكر فيه التكبير ، قال شيخنا المجلسي (قدس
__________________
سره) في البحار بعد نقل ذلك : والنسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ما
ذكرناه ويحتمل ان يكون زرارة رواه على الوجهين ورواهما حريز عنه في كتابه لكنه بعيد
جدا ، والظاهر زيادة التكبير من قلمه أو من النساخ لأن سائر المحدثين رووا هذه
الرواية بدون التكبير وزاد في الفقيه وغيره بعد التسبيح «تكمله تسع تسبيحات»
ويؤيده انه نسب في المعتبر وفي التذكرة القول بتسع تسبيحات إلى حريز وذكرا هذه
الرواية. انتهى. وهو جيد وجيه. أقول : ويدل عليه أيضا خبر ابن أبي الضحاك عن الرضا
(عليهالسلام) على ما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.
ثم العجب هنا
من شيخنا الشهيد الثاني (رفع الله درجته) في المسالك والروض حيث انه في الروض بعد
ان اختار القول الأول قال : والثاني أحوط والثالث جائز واما الرابع فلا لعدم
التكبير. وأراد بالثاني القول بالاثني عشر وبالثالث القول بالعشر وبالرابع القول
بالتسع ، ونحوه في المسالك فمنع العمل به مع ان روايته أصح روايات المسألة ، وما
ذكره من القول الثاني والثالث لا دليل عليه كما سيظهر لك.
قال شيخنا
المجلسي في البحار بعد ان اختار القول بمطلق الذكر : ثم الأفضل اختيار التسع لأنه
أكثر وأصح اخبارا وهو مختار قدماء المحدثين الآنسين بالاخبار المطلعين على الأسرار
كحريز بن عبد الله والصدوق (قدس الله روحيهما) أقول : وهو مذهب أبيه أيضا كما
قدمنا نقله هنا عن المختلف.
وثالثها ـ انها
عشر بزيادة التكبير على التسع المذكورة في القول الثاني وهو مذهب السيد المرتضى
والشيخ في الجمل والمبسوط وابن إدريس وسلار وابن البراج ، ولم نقف على رواية تدل
عليه وبذلك اعترف جملة من الأصحاب.
ورابعها ـ انها
اثنا عشر بتكرير التسبيح المذكور في الصورة الأولى ثلاثا وهو مذهب الشيخ في
النهاية والاقتصاد وهو المنقول عن ظاهر ابن أبي عقيل إلا انه
__________________
قال ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : السنة في الأواخر التسبيح وهو ان
يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» سبعا أو خمسا وأدناه
ثلاثا في كل ركعة.
وقد اعترضه جمع
من الأصحاب بعدم الدليل عليه. وربما استدل عليه بما رواه ابن إدريس في السرائر في
باب كيفية الصلاة إلا انك قد عرفت ما فيه.
وربما أمكن
الاستدلال بما رواه في كتاب العيون عن ابن أبي الضحاك الذي صحب الرضا (عليهالسلام) الى خراسان فقال : «كان يسبح في الأخراوين يقول : «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» ثلاث مرات ثم يركع». إلا ان شيخنا
المجلسي (قدسسره) نقل الخبر المذكور في كتاب البحار عاريا من لفظ التكبير ثم قال : بيان ـ في بعض النسخ زيد
في آخرها «والله أكبر» والموجود في النسخ القديمة المصححة كما نقلناه بدون التكبير
، والظاهر ان الزيادة من النساخ تبعا للمشهور ، انتهى. وعلى هذا فيكون الخبر
المذكور دليلا واضحا على القول الثاني.
نعم يدل على
ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام): وفي الركعتين الأخراوين الحمد وحده وإلا فسبح فيهما
ثلاثا ثلاثا تقول «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» تقولها في
كل ركعة منهما ثلاث مرات.
وخامسها ـ وهو
منقول عن ابن الجنيد انها ثلاث تسبيحات غير مرتبة ، قال ـ على ما نقله عنه في
المختلف ـ : والذي يقال في مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير يقدم ما يشاء.
واستدل له
بالخبر الثامن من الأخبار المتقدمة وصحيحة عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال تسبح وتحمد الله
وتستغفر لذنبك وان شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء». وهذه الرواية
__________________
أسندها المحقق في المعتبر إلى زرارة ولم يذكر فيها «وان شئت.» والظاهر
كونها رواية أخرى غير رواية عبيد بن زرارة .
وسادسها ـ القول
بالتخيير بين الصور الواردة في الأخبار ، واليه ذهب السيد الجليل جمال الدين أبو
الفضائل أحمد بن طاوس صاحب البشرى والمحقق في المعتبر وان جعل القول الأول أولى.
قال في المعتبر
بعد نقل القول الأول والاستدلال عليه بصحيحة زرارة وهو الخبر الخامس عشر ثم القول بالتسع ونقل عليه صحيحة زرارة المتقدمة في
الخبر الأول ثم القول بالاثني عشر ولم ينقل له دليلا ثم ذكر صحيحة
عبيد بن زرارة إلا انه أسندها إلى زرارة على الوجه الذي قدمناه ثم صحيحة الحلبي
التي قدمناها دليلا لابن الجنيد وهي الخبر الثامن ثم قال : اختلفت الرواية أيهما أفضل؟ ففي رواية «هما سواء» وفي أخرى التسبيح وفي رواية «انه ان كنت إماما فالقراءة أفضل وان كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل». والوجه
عندي القول بالجواز في الكل إذ لا ترجيح وان كانت الرواية الأولى أولى وما ذكره في
النهاية أحوط لكن ليس بلازم. انتهى.
وظاهر هذا
الكلام انه جمع بالتخيير بين روايات القراءة وروايات التسبيح من غير تفصيل وكذلك
بين اخبار صور التسبيح والمنقول عنه في المدارك ذلك بالنسبة إلى صور التسبيح ،
ورواياته وكلامه كما ترى عام له وللاختلاف في ترجيح القراءة على التسبيح وبالعكس
والتفصيل فإنه اختار التخيير مطلقا وكلامه به ألصق واليه أقرب.
وإلى هذا القول
مال جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك والمحقق الشيخ حسن
في المنتقى والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في
__________________
المفاتيح وهو قوى وان كان الأول أولى.
ومما يؤيده
اختلاف الأخبار في كيفية ذلك مع جودة أسانيد أكثرها وعدم مجال الحمل فيها على غير
التخيير مضافا إلى ما دل على اتساع الأمر في ذلك من الأخبار مثل قوله في صحيحة
زرارة المتقدمة «انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء». وفي صحيحته الأخرى «تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء». وفي صحيحة عبيد بن زرارة «وان شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء».
ومن ذلك يظهر
قوة القول الثالث فإنه لا اشكال فيه إلا من حيث زيادة التكبير في آخره وإلا فما
تضمنه من التسبيحات التسع قد عرفت دليله ويكفي في ثبوت التكبير فيه إطلاق
الصحيحتين المذكورتين. وينقل عن بعض المتأخرين التوقف في ذلك بناء على عدم الوقوف
في ذلك على نص بالخصوص والظاهر ضعفه لما قلناه.
وربما دل إطلاق
هذه الصحاح المشار إليها على عدم اعتبار ترتيب معين وبذلك صرح المحقق في المعتبر
ومال اليه بعض المتأخرين ، إلا انه يمكن خدشه بأن إطلاقها يجب تقييده بالأخبار
الدالة على الترتيب مضافا إلى وجوب تحصيل يقين البراءة من التكليف الثابت بيقين.
وبما ذكرناه صرح في الذكرى فقال هل يجب الترتيب فيه كما صوره في صحيحة زرارة؟
الظاهر ذلك أخذا بالمتيقن ونفاه في المعتبر للأصل.
هذا ، ويفهم من
كلام البعض اتحاد القولين الأخيرين حيث انه استدل لابن الجنيد بصحيحتي زرارة
المشار إليهما وصحيحة عبيد بن زرارة. والظاهر تغايرهما حيث ان صريح عبارة ابن
الجنيد التخصيص بالتحميد والتسبيح والتكبير فهو كسائر الأقوال المتقدمة في التخصيص
بأذكار مخصوصة وانما يخالفها في عدم وجوب الترتيب ، وصريح المنقول عن صاحب البشرى
وكذا كلام المحقق في المعتبر جواز العمل بكل ما روى في المسألة ، واما الاستدلال
لابن الجنيد بتلك الصحاح المشار إليها فغير مطابق لصريح
__________________
عبارته حيث ان صحيحتي زرارة عاريتان عن لفظ التحميد الموجود في عبارة ابن
الجنيد مع زيادة التهليل والدعاء فيهما وصحيحة عبيد غير متضمنة للتكبير مع زيادة
الاستغفار فيها. وبالجملة فالتغاير أمر ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر فضلا عن
الخبير الماهر.
بقي هنا شيء
يجب التنبيه عليه وهو ان ظاهر رواية علي بن حنظلة ربما دلت على اجزاء مطلق الذكر
حيث قال فيها «ان شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وان شئت فاذكر الله تعالى». وقد صرح باستفادته
منها جمع من أفاضل المتأخرين لكنهم ردوها بضعف السند فلا تنهض حجة بإثباته فلم يقل
به أحد منهم لذلك. وظاهر شيخنا المجلسي (قدسسره) وقبله الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل إلى ذلك
لظاهر الخبر المذكور إلا ان ظاهر الفاضل المشار اليه التوقف بعد ذلك كما سيأتي في
كلامه ، واما شيخنا المشار اليه فظاهره الجزم بذلك حيث قال : والذي يظهر لي من
مجموع الأخبار الاكتفاء بمطلق الذكر ثم الأفضل اختيار التسع. إلى آخر ما قدمنا
نقله عنه.
أقول : لا يخفى
على من لاحظ أخبار المسألة ـ وقد قدمناها جميعا ـ انه ليس فيها ما ربما يوهم ذلك
إلا رواية علي بن حنظلة المذكورة وهي مع غض النظر عن المناقشة في سندها فلا تبلغ
قوة في معارضة الأخبار الصحاح الصراح الدالة على خصوص التسبيح مع أنها قابلة
للتأويل والحمل على تلك الأخبار بحمل الذكر فيها على التسبيح المذكور في تلك
الأخبار ، ويؤيده ما في آخر الرواية المذكورة حيث قال الراوي في تمام الرواية بعد
ان أجابه (عليهالسلام) بما ذكرناه «قلت فأي ذلك أفضل ؟ قال هما والله سواء ان شئت سبحت وان شئت قرأت». فإنه
صريح في ان التخيير انما هو بين القراءة والتسبيح وهو مؤيد لحمل الذكر في الجواب
الأول على التسبيح ، ويعضد ذلك ان يقين البراءة انما يحصل بالتسبيح الذي استفاضت
به الأخبار.
وقال الفاضل
الخراساني في الذخيرة : وهل يجزئ مطلق الذكر؟ يحتمل ذلك لإطلاق
__________________
رواية علي بن حنظلة مع كون إسنادها معتبرا إلى ابن بكير إذ ليس فيه من
يتوقف في شأنه إلا الحسن بن علي بن فضال وهو بمكان من الجلالة وكذا ابن بكير ،
والواسطة بينه وبين الامام (عليهالسلام) وان كان مجهولا إلا ان ابن بكير ممن اجتمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر جهالة حال الواسطة ، وفي التعليل المذكور في خبر
عبيد بن زرارة نوع اشعار بجواز الاكتفاء بمطلق التحميد والدعاء وان لم يكن دالا
عليه بناء على ان عدم مدخلية خصوص المادة في العلية ليس بذلك الواضح ، والاشعار
المذكور مضافا إلى رجحان دعوى عدم القائل بالفصل يؤيد جواز الاكتفاء بمطلق الذكر
ويحتمل العدم لنوع تأمل في اسناد الخبر وعدم صراحته في المدعى ومخالفة ظاهره من
التسوية لما سنحققه من تفضيل التسبيح وعدم قائل بهذه التوسعة صريحا ، مع ان
التكليف اليقيني يقتضي البراءة اليقينية. انتهى. والمعتمد هو ما ذكره أخيرا لما
حققناه أولا. واما ما ذكره من الوجوه أولا فهي وجوه مدنفة عليلة ليس في التعرض
لبيان ضعفها كثير فائدة بعد ما عرفت. والله العالم.
(المقام الثاني)
ـ المشهور بين الأصحاب بقاء التخيير لناسي القراءة في الأوليين ، وقال الشيخ في
المبسوط ان نسي القراءة في الأولتين لم يبطل تخيره والأولى القراءة لئلا تخلو
الصلاة منها وقال ابن أبي عقيل من نسي القراءة في الركعتين الأولتين وذكر في
الأخيرتين سبح فيهما ولم يقرأ شيئا لأن القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح في
الأخيرتين.
قال في الذكرى
: وقد روى انه إذا نسي في الأولتين القراءة تعين في الأخيرتين ولم نظفر بحديث صريح
في ذلك لكن روى محمد بن مسلم عن الباقر (عليهالسلام) في ناسي الفاتحة لا صلاة له .
ونقل عن الشيخ
في الخلاف تعين قراءة الحمد في الأخيرتين على ناسي القراءة في الأوليين
__________________
نقل ذلك عنه السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني في المفاتيح والمجلسي
في البحار والذي نقل عنه الشهيد في الذكرى انه قال : ان نسي القراءة في الأولتين
قرأ في الأخيرتين. وهو أعم من ذلك.
وكتاب الخلاف
لا يحضرني الآن لكن بعض الأصحاب قد نقل عبارته بما هذا لفظه : تجب القراءة في الركعتين
الأولتين وفي الأخيرتين والثالثة يتخير بين القراءة والتسبيح ولا بد من واحد منهما
فإن نسي القراءة في الأولتين قرأ في الأخيرتين ، وروى ان التخيير قائم. وقال الشافعي تجب قراءة الحمد في كل
ركعة وقال مالك تجب القراءة في معظم الصلاة وقال داود وأهل الظاهر انما تجب في
ركعة واحدة دليلنا إجماع الفرقة وأيضا قوله تعالى «فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنْهُ» وهذا قد قرأ وتكراره يحتاج إلى دليل. وقول النبي (صلىاللهعليهوآله) «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب». يدل على ذلك أيضا لأنه لم يذكر التكرار. وروى
علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الركعتين. الحديث». كما تقدم ثم قال ومن قال لا يبطل التخيير مع النسيان استدل بما
رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
__________________
السلام) قال : «قلت الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين
فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال
اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها». وانما قلنا الأحوط القراءة في هذه الحال لما
رواه الحسين ابن حماد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له أسهو عن القراءة في الركعة الأولى؟ قال
اقرأ في الثانية. قلت أسهو في الثانية؟ قال اقرأ في الثالثة. قلت أسهو في صلاتي
كلها؟ قال إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك». انتهى والظاهر من هذا الكلام
ان حكمه أولا بالقراءة في الأخيرتين وان كان محتملا للوجوب إلا ان آخر كلامه يكشف
عن كون ذلك على سبيل الأولوية والاحتياط لا على جهة التعيين كما نقله في المدارك
وتبعه من تبعه عليه على عادتهم غالبا من حسن الظن به في ما ينقله ، ويؤيد ما قلناه
ما ذكره في الذكرى حيث قال بعد ذكر رواية الحسين بن حماد المذكورة : وقال في
الخلاف ان نسي القراءة في الأولتين قرأ في الأخيرتين واحتج بهذه الرواية وأورد
رواية معاوية بن عمار الآتية دليلا على بقاء التخيير ثم جعل القراءة أحوط. انتهى
وبذلك يتبين لك ما في نقل أولئك الفضلاء من القصور.
وأجاب في
المختلف عن رواية الحسين بان الأمر بالقراءة لا ينافي التخيير فان الواجب المخير
مأمور به. ونحوه الشهيد في الذكرى أيضا. وفيه ان ظاهر الأمر الإيجاب عينا والتخيير
يحتاج إلى دليل من خارج ليخرج عن ظاهر الأمر.
والتحقيق في
المقام ان ما استدلوا به على التخيير في الصورة المذكورة من صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة فالظاهر انه لا دلالة فيها على ما ادعوه لأن الظاهر من هذه الرواية
وروايات أخر في معناها أيضا ان المراد بجعل آخر الصلاة أولها انما هو بقراءة الحمد
والسورة في الأخيرتين كما سيأتي في مسألة المسبوق في باب صلاة الجماعة.
__________________
ومن أخبارها مرسلة
أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال «قال لي : أي شيء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته
مع الامام ركعتان؟ قلت يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة. فقال هذا يقلب صلاته
فيجعل أولها آخرها. فقلت فكيف يصنع؟ فقال يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة».
وبذلك يظهر ان
المراد من رواية معاوية بن عمار المذكورة انما هو المنع من قراءة الحمد والسورة
التي يترتب عليها قلب الصلاة لا قراءة الحمد وحدها التي هي أحد الفردين المخيرين
وانها تتعين هنا من حيث النسيان أولا. وبذلك يظهر ان ما ذكره في المختلف وتبعه
عليه بعض من تأخر عنه من ان هذه الرواية كما لا دلالة لها على وجوب القراءة فهي
تدل على أفضلية التسبيح محل نظر.
ويدل على وجوب
القراءة في الصورة المذكورة ـ زيادة على رواية الحسين بن حماد المتقدمة بالتقريب
الذي ذكرناه في بيان الاستدلال بها وجواب ما اعترضوا به على دلالتها ـ صحيحة زرارة
المروية في الفقيه عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له رجل نسي القراءة في الأولتين فذكرها في
الأخيرتين؟ فقال يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأولتين في
الأخيرتين ولا شيء عليه».
والظاهر ان هذه
الرواية هي التي تقدمت الإشارة إليها في كلام الشهيد (قدسسره) في الذكرى من قوله : وقد روى انه إذا نسي في الأولتين
القراءة تعين في الأخيرتين ، وذكر انه لم يظفر بحديث صريح في ذلك فإنه ربما نقل له
ذلك مجملا ولكنه لم يقف على الخبر. والظاهر انه هذا الخبر فإنه ـ كما ترى ـ صحيح
صريح في الإتيان بالقراءة في الأخيرتين.
وبعض المتأخرين
نقل هذه الرواية عارية عن لفظ «في الأخيرتين» في آخر الخبر وأجاب عنه بجواز ان
يكون المراد انه يقضي القراءة بعد الفراغ من الصلاة إذ
__________________
ليس فيها تعيين زمان القضاء. وهو مسلم بالنسبة إلى ما نقله من الرواية
العارية عن اللفظ المشار اليه واما على ما نقلناه من وجوده كما هو المنقول في كتب
الأخبار فلا وجه لكلامه
ومن ذلك يظهر
لك ان القول بوجوب القراءة في الصورة المذكورة ليس ببعيد لظاهر الخبرين المذكورين.
وتأويلهما وان أمكن إلا انه فرع وجود المعارض. والمعارضة بعموم الأخبار الدالة على
التخيير وشمولها للناسي وغيره معارضة بما دل على عدم صحة الصلاة بدون الفاتحة من قوله
(صلىاللهعليهوآله) «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب». ونحوه ، فإن أجابوا ـ بأنه محمول على العامد
جمعا بينه وبين ما دل على صحة صلاة ناسي الفاتحة في جميع الصلاة ـ أجبنا عن الأول
بأنه محمول على غير الناسي جمعا ومرجعه إلى تخصيص عموم اخبار التخيير بهذين
الخبرين والعمل بالخاص مقدم كما هو القاعدة المسلمة عندهم.
وكيف كان
فأولوية القراءة واستحبابها كما ذكره الشيخ مما لا يرتاب فيه وانما الكلام في
الوجوب وقد عرفت ان ظاهر الخبرين ذلك إلا اني لم أقف على قائل به. والله هو
العالم.
(المقام الثالث)
ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب ان التخيير المجمع عليه في الأخيرتين بين الحمد
والتسبيح انما هو في ما عدا أخيرتي المأموم في الرباعية وأخيرته في الثلاثية ،
وذلك فإنهم قد اختلفوا هنا في ما يجب على المأموم وجعلوا هذا الخلاف شعبة من
الخلاف في أولتي المأموم بالنسبة إلى جواز القراءة له وعدمه.
واختلفوا في
الأخيرتين هنا على أقوال نقلها شيخنا الشهيد الثاني في الروض ولا بأس في التعرض
لها وبيان ما هو الحق المستفاد من اخبار أهل الذكر (عليهمالسلام) فيها :
الأول ـ وجوب
القراءة مخيرا بينها وبين التسبيح كما لو كان منفردا جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية
، قال وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة. أقول وهو صريح عبائر أكثرهم وكذا صريح كلام
المرتضى (رضياللهعنه) قال : لا يقرأ المأموم خلف
__________________
الموثوق به في الأولتين في جميع الصلوات. إلى ان قال : واما الأخيرتان
فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبح وروى انه ليس عليه ذلك .
(الثاني) ـ استحباب
قراءة الحمد وحدها في الجهرية والإخفاتية ونقله في الروض عن الشيخ بقول مطلق ولم
يسنده إلى كتاب والذي في النهاية وكذا في المبسوط لا دلالة فيه على ذلك لانه لم
يذكر حكم الأخيرتين في كلامه فيجوز رجوعه إلى ما قدمه في صدر كلامه من الأولتين ،
قال في النهاية : إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن خلقه سواء كانت الصلاة
مما يجهر فيها بالقراءة أو لا يجهر بل تسبح مع نفسك وتحمد الله ، وان كانت الصلاة
مما يجهر فيها بالقراءة فأنصت للقراءة فإن خفي عليك قراءة الإمام قرأت لنفسك ، وان
سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك ان لا تقرأ وأنت مخير في القراءة ،
ويستحب لك ان تقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الامام فيها بالقراءة وان لم تقرأها
فليس عليك شيء. انتهى. ونحوه في المبسوط ، وهو ظاهر كما ترى فيما قلناه إذ لا
اشارة فيه إلى الأخيرتين بوجه بل جميع ما ذكره من الأحكام بمقتضى سياق الكلام انما
يرجع إلى الأولتين.
(الثالث) ـ التخيير
في الجهرية بين قراءة الحمد والتسبيح استحبابا ، قال في الروض وهو ظاهر جماعة :
منهم ـ العلامة في المختلف أقول قال العلامة في المختلف ـ بعد نقل الأقوال في
مسألة القراءة خلف الامام وشطر من اخبار المسألة ـ ما هذا لفظه : والأقرب في الجمع
بين الأخبار استحباب القراءة في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب وتحريم
القراءة فيها مع السماع لقراءة الامام والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين
من الإخفاتية. وأنت خبير بان ظاهر كلامه هو الوجوب لا الاستحباب وذلك في الإخفاتية
لا الجهرية كما نقل عنه فالنقل لا يخلو من الخلل في الموضعين المذكورين ، وبالجملة
__________________
فكلام العلامة هنا يرجع إلى القول الأول إلا انه خص ذلك بالصلاة الإخفاتية
وظاهر قول الثلاثة المتقدمين العموم.
(الرابع) ـ سقوط
القراءة والتسبيح ولم ينقل هذا القول في الروض مع انه صريح ابن إدريس (قدسسره) حيث قال : اختلفت الرواية في القراءة خلف الامام
الموثوق به فروى انه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات والصلوات
سواء كانت جهرية أو إخفاتية. وهي أظهر الروايات والذي تقتضيه أصول المذهب لأن
الإمام ضامن للقراءة بلا خلاف بين أصحابنا ، وروي انه لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع الصلوات
الجهرية والإخفاتية إلا ان تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ
لنفسه ،. وروى انه ينصت في ما جهر فيه الإمام بالقراءة ولا يقرأ هو
شيئا ويلزمه القراءة في ما خافت ،. وروى انه بالخيار في ما خافت فيه الإمام ،. فأما الركعتان الأخيرتان فقد
روى انه لا قراءة على المأموم فيهما ولا تسبيح ،. وروى انه يقرأ فيهما أو يسبح. والأول أظهر لما قدمناه.
انتهى.
(الخامس) ـ التخيير
بين القراءة والتسبيح والسكوت وأفضلية الأول ثم الثاني ، وهو قول ابن حمزة في
الوسيلة كما نقله عنه في الذكرى. وهذا القول لم ينقله في الروض أيضا ، قال في
الكتاب المذكور : وإذا اقتدى بالإمام لم يقرأ في الأولتين فإن جهر الامام وسمع
أنصت وان خفي عليه قرأ وان سمع مثل الهمهمة فهو مخير وان خافت الامام سبح في نفسه
، وفي الأخيرتين ان قرأ كان أفضل وان لم يقرأ جاز وان سبح كان أفضل من السكوت.
(السادس) ـ استحباب
التسبيح في نفسه وحمد الله أو قراءة الحمد مطلقا ، نقله في الروض عن الشيخ نجيب
الدين يحيى بن سعيد. وعندي ان عبارته ليست
__________________
صريحة في ان ذلك في الأخيرتين بل ظاهرها كونه في الأوليين ، حيث قال : ولا
يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغي لها فان لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز ان
يقرأ ، وان كان في صلاة إخفات سبح مع نفسه وحمد الله ، وندب إلى قراءة الحمد في ما
لا يجهر فيه. ولا تعرض فيها ـ كما ترى ـ للأخيرتين بل ظاهرها انه في الأوليين من
الصلاة الإخفاتية يستحب له التسبيح والحمد لله ، ثم روى استحباب قراءة الحمد في
الحال المذكورة
(السابع) ـ ما
اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة من تحريم القراءة في أخيرتي الإخفاتية حيث قال
ـ بعد نقل جملة من عبائر الأصحاب في المقام وشطر من اخبار مسألة القراءة خلف
الامام ـ ما لفظه : إذا عرفت هذا فاعلم ان الذي يترجح عندي بالنظر إلى هذه الأخبار
تحريم القراءة في الإخفاتية مطلقا سواء كانت في الأوليين أم في الأخيرتين. انتهى.
أقول : الظاهر
ان منشأ اختلاف هذه الأقوال في المقام هو اختلاف الأخبار عنهم (عليهمالسلام) في القراءة خلف الامام واختلاف الأذهان في ذلك
والافهام من المنع فيها عن القراءة مطلقا أو في الأوليين خاصة أو التفصيل بين
الجهرية والإخفاتية.
وأنت خبير بان
ما قدمناه من الأخبار المستفيضة على أفضلية التسبيح في الأخيرتين شاملة بعمومها أو
إطلاقها للمأموم والأخبار الدالة على التخيير والتساري أو أفضلية القراءة كذلك
شاملة لاخيرتي المأموم أيضا ، ويدل على خصوص المأموم وان الأفضل له التسبيح الخبر
الرابع وهو صحيح زرارة مكررا ذلك فيه والخبر التاسع والخبر الثالث عشر والسادس عشر
بالتقريب المذكور في ذيله. وليس في اخبار القراءة خلف الإمام التي فرعوا
عليها هذا الاختلاف ما يدل على خصوص الأخيرتين بل دلالتها على ذلك ان كان انما هو
بالإطلاق ، وحينئذ فقد تعارض الإطلاقان فلا بد من تقييد أحدهما بالآخر ، والظاهر
ان الأخبار الأولى أظهر في العموم والشمول لوضوح الدلالة فيها بالتقريبات التي
وشحناها به كما
__________________
قدمناه سيما مع تأيدها بالأخبار التي أشرنا إليها مصرحة بالمأموم بخصوصه
دون هذه الأخبار ، فإن من المحتمل فيها قريبا ـ بل هو الظاهر ـ اختصاص المنع من
القراءة بحال المتابعة في الأوليين للإمام وهو الموضع الذي تتعين فيه القراءة حتما
وبه انقسمت الصلاة إلى جهرية وإخفاتية دون الأخيرتين بحيث لم تتعين فيهما القراءة
بل كانت مرجوحة كما أوضحناه من أولوية التسبيح. وأيضا فلو اختار الإمام القراءة
كانت قراءته إخفاتية كما هو المجمع عليه بينهم فكيف يترتب عليه حكم كلي بالنسبة
إلى المأموم من تحريم القراءة وعدمه أو التفصيل بالسماع وعدمه والانقسام باعتبار
ذلك إلى الجهرية والإخفاتية؟ فانا وان سلمنا جريان هذه الشقوق فيما إذا اختار
الإمام القراءة المرجوحة باعتبار انه لا منافاة بين وجوب الإخفات والسماع والإنصات
كما قيل إلا انه لا يتم في ما إذا اختار التسبيح فكيف يصح الحكم بتحريم القراءة
على المأموم مطلقا؟ مع عدم جريان الدليل على تقدير تسليمه إلا في مادة اختيار
الإمام القراءة.
والظاهر ان
منشأ الشبهة في هذا الاختلاف هو ما اتفقت عليه كلمتهم من أصالة القراءة في
الأخيرتين وان التسبيح إنما يؤتى به عوضا عنها ولذا ترى أكثر عباراتهم بالتسبيح
بلفظ البدلية عن القراءة فيقولون «ويجزئ بدلا عن القراءة التسبيح» ولا سيما
بالنسبة إلى الامام عندهم فإن القراءة في حقه آكد ، وقد عرفت ان الظاهر من الأخبار
خلافه للنهى عن القراءة في تلك الأخبار الصحاح الصراح والنفي لها ودلالة صحيحة
عبيد بن زرارة على فرعية القراءة كما تقدمت الإشارة اليه. ومنه يظهر
ان الأظهر هنا هو التخيير مع أفضلية التسبيح كغيره حسبما حققناه سابقا.
ومن الأخبار
التي اعتمدوها هنا في ما ذهبوا اليه وبنوا عليها صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة خلف الامام اقرأ خلفه؟ فقال اما الصلاة التي
لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل اليه فلا تقرأ خلفه واما
__________________
الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فأنصت وان
لم تسمع فاقرأ». فإن قضية الجعل إلى الامام في الصلاة الإخفاتية بمعنى الاعتماد
على قراءته والاكتفاء بها فلا يجوز للمأموم القراءة لذلك لا يتم كليا إلا في
الأوليين لوجوب القراءة عليه فيهما حتما واما الأخيرتان فحيث كان مخيرا فيهما سيما
مع أفضلية التسبيح له كما اخترناه فكيف يتم الجعل اليه والاعتماد عليه في سقوط
القراءة عن المأموم وتحريمها عليه؟ والحال انه ليس القراءة عليه واجبة بل الأفضل
له التسبيح كما هو المفروض ، وقضية الإنصات في الجهرية أظهر فإن تحريم القراءة من
حيث وجوب الإنصات لا يجري إلا في الأوليين فإن القراءة في الأخيرتين على تقدير
اختيارها إخفاتية إجماعا ، وجملة الروايات الواردة في هذا المجال كلها على هذا
المنوال وان تفاوتت في وضوح الدلالة على ذلك.
واما ما دل على
المنع من القراءة خلف الامام بعمومه وإطلاقه كقوله (عليهالسلام) «من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة». ونحوه فهو غير معمول
عليه عندهم على عمومه كما نبهوا عليه وشذ من قال به على عمومه.
هذا ، وما نقل
من الرواية في كلام جملة منهم بعدم القراءة والتسبيح كما اختاره ابن إدريس لم أقف
عليها في شيء من كتب الأخبار التي تحضرني الآن إلا انه قد روى الشيخ في الصحيح عن
علي بن يقطين «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما
بالحمد وهو امام يقتدى به؟ قال ان قرأت فلا بأس. وان سكت فلا بأس». ومن المحتمل ان
تكون هذه الرواية هي المشار إليها في كلامهم فان ظاهرها التخيير بين القراءة والسكوت
إلا ان القول بذلك قول أبي حنيفة كما تقدم ذكره فيجب حمل الرواية على التقية لذلك ولمعارضتها بالأخبار
المستفيضة الدال أكثرها على التسبيح وجملة منها على القراءة أو الأفضلية في أحدهما
أو
__________________
التخيير. وبه يظهر ان ما ذهب اليه ابن إدريس من اختيار السكوت غير جيد.
(المقام الرابع)
ـ لو قلنا بالتخيير بين الصور المتقدمة كما هو أحد الأقوال في المسألة ـ واختار
المكلف الإتيان بما زاد على الأربع التسبيحات كما هو القول الأول من الأقوال
المتقدمة أو الثلاث كما هو مذهب ابن الجنيد ـ فهل يوصف الزائد هنا بالوجوب أو
الاستحباب؟ قولان ظاهر العلامة في كتبه الفقهية ـ وبه صرح في كتبه الأصولية ـ الثاني
محتجا عليه بجواز تركه ولا شيء من الواجب يجوز تركه.
واعترضه شيخنا
الشهيد الثاني في الروض بان قوله : «لا شيء من الواجب يجوز تركه» ان أريد تركه
مطلقا يعني ولو إلى بدل فمنعه واضح لانتقاضه بالواجبات الكلية كالتخييرية وإخوتها
، وان أريد به لا إلى بدل فمسلم لكن المتروك له ههنا بدل وهو الفرد الناقص بمعنى
ان مقولية الواجب على الفرد الزائد والناقص كمقولية الكلي على أفراده المختلفة قوة
وضعفا ، وحصول البراءة بالفرد الناقص لا من حيث هو جزء الزائد بل من حيث انه الفرد
الناقص ، وقد وقع مثله في تخيير المسافر بين القصر والإتمام. وهذا هو التحقيق في
المقام. انتهى
والمشهور الأول
وهو الذي جزم به في الروض ونسبه في الروضة إلى ظاهر النص والفتوى والظاهر انه
الأقوى ، وعلى تقديره ففي المقام سؤالات :
أحدها ـ انه
لقائل أن يقول ان اللازم مما ذكر إمكان كون الزائد واجبا لكن إذا تحققت البراءة في
ضمن الفرد الناقص لم يبق دليل على وجوب الزائد فنحن لا نستبعده لكن ننفيه حتى يقوم
عليه الدليل.
هكذا قرره في
الروض ثم أجاب عنه بان الروايات الدالة على القدر الزائد الواقعة بصيغة الأمر ـ كقوله
(عليهالسلام) في صحيحة حريز عن زرارة «فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله (ثلاث مرات)». وكون ذلك واقعا
بيانا للواجب ـ تدل على
__________________
وصف الزائد بالوجوب ولما لم يتم وجوبه عينا للرواية الدالة على الاجتزاء
بالأقل لزم القول بوجوبه تخييرا من جهة تأدي الواجب به وحصول الامتثال.
هكذا حقق (قدسسره) الجواب والظاهر ان مراده يرجع إلى منع تحقق البراءة في
ضمن الفرد الناقص بقول مطلق بل انما يتم ذلك فيما لو قصد الامتثال بالناقص لكونه
فردا ناقصا من افراد الواجب الكلي بأن قصده أولا أو عدل اليه عند تمامه ، اما إذا
قصد الامتثال بالكامل وإيقاع الناقص ضروري من حيث انه جرؤه فتحقق البراءة بالفرد
الناقص والحال هذه ممنوع ، كما انه لو قصد المكلف في مقام التخيير بين القصر
والإتمام الامتثال بالأربع فإنه لا يبرأ بما لو سلم ساهيا على الركعتين أو أحدث أو
فعل منافيا على القول باستحباب التسليم أو وجوبه خارجا ، وحينئذ فدلالة الرواية
على وصف الزائد بالوجوب من حيث انه جزء الواجب وهو مجموع التسبيحات التسع مثلا لا من
حيث الزيادة وإطلاق الزائد عليه مجازا بالنظر إلى اختيار الفرد الناقص. هكذا ينبغي
ان يحقق كلامه وإلا فلو سلم للسائل تحقق البراءة في ضمن الفرد الناقص مطلقا وانه
يخرج به من العهدة وجعل مطرح الكلام في الزائد خاصة لم يتم الجواب بالتزام خطابه
بالزيادة على وجه الإيجاب إذ بعد الخروج عن عهدة الخطاب كيف يبقى الإيجاب؟
وأورد بعضهم
السؤال بما صورته : لقائل أن يقول لا ريب ان المكلف إذا اتى بالتسبيحة الواحدة
منها برئت ذمته بذلك ولا مجال لقصده بالثانية والثالثة الوجوب إذ لا يعقل بعد ذلك
في المأتي به وصف الوجوب.
ثم أجاب عنه
بما لفظه : ولك ان تقول لا ريب ان المأمور به هنا هو الأمر الكلي الذي هو الموصوف
بالوجوب ووجوده في الخارج انما هو في ضمن جزئياته وتحقق الكلي في ضمن جزئياته لا
يلزم ان يكون على وجه واحد بل قد يتفاوت ذلك بالقوة والضعف فعلى هذا نقول كون
التسبيحة الواحدة فردا للكلي مبرئا للذمة لا يمنع منه انضمام ما به يتحقق الفرد
الكامل ويكون ذلك طريق البراءة. انتهى.
وأنت خبير بما
فيه مما أشرنا إليه آنفا فإنه متى سلم كون التسبيحة الواحدة التي أنى بها أحد
أفراد الكلي وان الذمة قد برئت بالإتيان بها فبعد براءة الذمة من ذلك الواجب الكلي
بالإتيان بأحد أفراده كما هو المفروض كيف يعقل عود الوجوب واشتغال الذمة حتى يكون
انضمام ما به يتحقق الفرد الكامل طريق البراءة؟
والتحقيق في
ذلك هو ما أشرنا إليه من التفصيل ودوران ذلك مدار قصد المكلف فإنه متى قصد المكلف
الصورة الناقصة من أول الأمر أو عدل إليها قبل تجاوزها فلا ريب في صحة ما اتى به ،
وعلى هذا فالزيادة لا توصف بوجوب ـ لحصول البراءة بما اتى به وسقوط التكليف ،
ولعدم تعلق النية بهذه الزيادة والعبادات تابعة للقصود والنيات ـ ولا باستحباب
لعدم الدليل عليه. نعم نفس الصورة الكاملة هي الموصوفة بالوجوب لأنها أحد أفراد
الكلي التخييري وبالاستحباب لأنها الفرد الكامل منه لا هذه الزيادة كما توهموه ،
ومتى قصد المكلف الصورة الزائدة فالواجب هو مجموع تلك الصورة ، وما اتى به من
الصورة الناقصة ضمن هذه الصورة الكاملة لا يكون مبرئا للذمة ما لم يتعلق به قصد من
أول الأمر أو عدول اليه ، ولو حصل براءة الذمة بها بمجرد الإتيان بها كما يوهمه
ظاهر كلامهم للزم مثله في من قصد في مواضع التخيير أربعا ثم سلم ساهيا على
الركعتين فإنه يجتزئ بهما وتصح صلاته وان لم يقصدهما مع انه ليس كذلك. وبالجملة
فإن كلامهم هنا غير منقح وقد تقدم لنا تحقيق في ذلك في كتاب الطهارة في مسألة
المسح من باب الوضوء.
الثاني ـ انهم
صرحوا بوصف الزائد بالاستحباب مع حكمهم بوجوبه تخييرا والوجوب والاستحباب حكمان
متقابلان.
وأجاب عن ذلك
جمع من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني بحمل الاستحباب على العيني ، قال بعد
ان جزم بالوجوب التخييري ما لفظه : ويبقى إطلاق الاستحباب على الفرد الزائد محمولا
على استحبابه عينا بمعنى كونه أفضل الفردين الواجبين
وذلك لا ينافي وجوبه تخييرا من جهة تأدي الواجب به وحصول الامتثال. انتهى.
أقول : وبذلك
يظهر الجواب عما أورده السيد السند صاحب المدارك في المقام من انه ان أريد
بالاستحباب المعنى العرفي وهو رجحان الفعل مع جواز تركه لا إلى بدل لم يمكن تعلقه
بشيء من افراد الواجب التخييري ، وان أريد به كون أحد الفردين الواجبين أكثر
ثوابا من الآخر فلا امتناع فيه إلا انه خروج عن المعنى المصطلح. انتهى وحاصل
الجواب حينئذ التزام الشق الثاني من الترديد ولا محذور فيه بعد ظهور المراد فقد
صرح به جملة من أجلاء الأصحاب.
وربما أجيب عن
ذلك أيضا بالتزام الشق الأول ، وجواز ترك المندوب لا إلى بدل من جهة ندبه لا ينافي
عدم جواز تركه من جهة أخرى وهي جهة وجوبه التخييري باعتبار كونه أحد أفراد الواجب
، وغاية ما يلزم اتصافه بالوجوب والاستحباب باعتبارين ولا امتناع فيه وانما يمتنع
اتصافه بهما من جهة واحدة وهو غير لازم هنا.
وأجيب عنه أيضا
بناء على ذلك بان الاستحباب متعلق بالفرد الكامل من افراد المخير ويجوز تركه لا
إلى بدل إذ لا يقوم مقامه في الكمال غيره ، والبدل الحاصل من فعل الواجب انما هو
بدل لهذا الفرد من حيث الوجوب لا من حيث الاستحباب. وأنت خبير بان هذا الجواب راجع
في المعنى إلى ما قبله كما لا يخفى.
ثم انه لا يخفى
ان ظاهر كلامهم كون محل البحث ومطرح النزاع هو الزائد بعد الإتيان بالصورة الناقصة
وقد أشرنا في جواب السؤال الأول إلى عدم صحته بل ينبغي ان يجعل مطرح البحث هو
مجموع التسبيحات الزائدة وهي الاثنتا عشرة أو التسع أيهما اتى بها فإنه الموصوف
بالوجوب التخييري والاستحباب الذاتي ، واتصافها بالأول لكونها أحد أفراد الواجب
التخييري وبالثاني لكونها الفرد الكامل ، وكلام الأصحاب لا يخلو من الإجمال بل
الاختلال وان أحببت تحقيق الحال زيادة على ما ذكرناه في هذا المجال فارجع إلى ما
حققناه في باب الوضوء في مسألة المسح على الرأس فإنا قد استوفينا ثمة
الكلام بما لا يحوم حوله نقض ولا إبرام. والله الهادي لمن يشاء.
الثالث ـ لو
شرع في الزائد على الأقل فهل يجب عليه المضي فيه ويجب إيقاعه على الوجه المأمور به
في الواجب من الطمأنينة وغيرها من الهيئات الواجبة أم يجوز تركه وتغييره عن الهيئة
الواجبة؟ يحتمل الأول لما تقدم من كونه موصوفا بالوجوب ولا ينافيه تركه بالكلية
كما مر فيكون المكلف مخيرا ابتداء بين الشروع فيه فيوقعه على وجهه وبين تركه ،
ويحتمل الثاني لأن جواز تركه أصلا قد يقتضي جواز تبعيضه وتغييره عن وصفه مع كونه
ذكر الله تعالى بطريق اولى فيبقى حاله مراعى منظورا إليه في آخره ، فان طابق وصف
الواجب كان واجبا وترتب عليه ثواب الواجب وحكمه وإلا فلا ، ولا قاطع بأحد الأمرين
فليلاحظ ذلك. هكذا قرره في الروض سؤالا وجوابا. وقال بعض مشايخنا المتأخرين بعد
نقل ملخص ذلك عنه ما لفظه : أقول لا يبعد ان يقال ان قصد الامتثال بالأقل فالحق
الثاني لأن الزائد حينئذ ليس بواجب فلا محذور في تركه وتغييره بل هو من قبيل
الأذكار المأذون فيها في الصلاة عموما ، وان قصد الامتثال بالفرد الزائد فالحق
الأول لعدم تحقق الخروج عن عهدة الخطاب بالناقص كما حررناه في ما سبق. انتهى.
أقول : وهذا
الكلام ناظر إلى ما أشرنا إليه في جواب السؤال الأول ولكنه لا يخلو من نظر ، وذلك
لأن ما ذكره (قدسسره) أولا بناء على قصد الامتثال بالأقل من انه لا محذور في
ترك الزائد ولا تغييره متجه لو كان قصد المكلف من الإتيان بالزائد مجرد الذكر فإنه
لا محذور في تركه ولا تغييره عن وصفه اما لو قصد به التسبيح الموظف في المقام كما
يعطيه مراعاة حاله في آخره على ما ذكره في الروض ولم يأت به على الوجه المأمور به
مع انه قصد أولا الامتثال بالأقل ففيه إشكال ، لأنه مع قصد الامتثال بالأقل كما لا
يكون الزائد واجبا لحصول البراءة بالأقل كذلك لا يكون مستحبا لعدم الدليل عليه.
والركون في أمثال هذه المقامات إلى قضية الذكر لا يسد باب الإيراد فإن المكلف
لو فعل بعض الأذكار في الصلاة في مقام لم يعينه الشارع فيه معتقدا تعيينه
واستحبابه هناك كان تشريعا محرما البتة.
وما ذكره ثانيا
ـ من انه ان قصد الامتثال بالفرد الزائد فالحق الأول لعدم تحقق الخروج عن عهدة
الخطاب بالناقص ـ متجه في مقام الزيادة على الناقص كما هو فرض المسألة ، لاستلزامه
مع القطع قبلها عدم الإتيان بما قصده من الفرد الزائد فلا بد ان يوقعه على وجهه أو
يتركه حذرا من تغيير الهيئة الواجبة ، اما لو قطع على الناقص بعد قصد الفرد الزائد
قاصدا العدول اليه فلم لا يجوز ذلك وما المانع منه؟ وقد صرح المحقق في المعتبر في
مسألة القصر والإتمام بأنه يجوز لمن نوى الإتمام الاقتصار على الركعتين ولمن نوى
القصر الإتمام أيضا ، واستحسنه في المدارك فلم لا يجوز ان يكون هنا كذلك؟
وبالجملة فإنه
قد تلخص مما ذكرنا ان الأظهر في المقام ان يقال انه متى قصد أحد الأفراد الزائدة
وتجاوز الفرد الناقص فالظاهر وجوب الإتمام لما ذكرنا ، ومتى قصد الفرد الناقص وزاد
عليه قاصدا العدول إلى أحد الأفراد الزائدة وجب ذلك أيضا ، لأن الظاهر انه لا فرق
بين قصده أولا والعدول اليه ثانيا كما صرحوا به في صورة التخيير بين القصر
والإتمام ، وان قصد بالزائد مجرد الذكر فأولى بالصحة ، واما انه يقصد به التسبيح
الموظف ويقطع بعد تجاوز المرتبة الاولى وقبل بلوغ احدى المراتب الزائدة ففيه اشكال
لما ذكرنا.
تنبيه
لا يخفى ان ما
ذكر من الخلاف في المقام وما وقع فيه من النقض والإبرام جار أيضا بالنسبة إلى
القدر الزائد على المسمى في مسح الرأس كما تقدم البحث فيه في كتاب الطهارة ، وكذا
في تكرير التسبيح في الركوع والسجود زيادة على القدر المجزئ وما يتأدى به أقل
الواجب.
ونقل بعض
مشايخنا المحققين المتأخرين عن شيخنا الشهيد في الذكرى انه اختار هنا وجوب الزائد
مع انه اختار في المسح الزائد على المسمى الاستحباب التفاتا إلى جواز تركه. قال
وهو عجيب.
ونقل عنه ذلك
في الروض تفصيلا واستحسنه ، قال واستقرب شيخنا الشهيد في الذكرى استحباب الزائد عن
أقل الواجب محتجا بجواز تركه ، قال هذا إذا أوقعه دفعة واحدة ولو أوقعه تدريجا
فالزائد مستحب قطعا. وهذا التفصيل حسن لانه مع التدريج يتأدى الوجوب بمسح جزء
فيحتاج إيجاب الباقي إلى دليل والأصل يقتضي عدم الوجوب بخلاف ما لو مسحه دفعة
واحدة إذ لم يتحقق فعل الواجب إلا بالجميع. انتهى.
وقيل عليه ان
ذلك مناف لما صرح به (قدسسره) في هذا المقام من وجوب الزائد من التسبيحات كما نص
عليه في الروض ونسبه في الروضة إلى ظاهر النص والفتوى إذ التدريج هنا ضروري فينبغي
القطع باستحباب الثانية والثالثة من التسبيحات.
ونقل عن شيخنا
البهائي (قدسسره) انه فرق بين المسح والتسبيح بأنه يجوز في التسبيح قصد
استحباب الزائد على الواحدة بخلاف المسح فإنه يجب قصد وجوب الزائد مطلقا حذرا من
لزوم تكرار المسح. وهو تحكم وتعليله عليل.
والذي يظهر لي
ان ما ذكره الشهيدان (رفع الله مقامهما) من التفصيل المذكور صحيح لا غبار عليه ،
والإيراد عليهما بمسألة التسبيح لا يصغى اليه ولا يلتفت اليه لظهور الفرق بين
المقامين ، لا كما نقل عن شيخنا البهائي بل من حيث ان وجه التخيير بالنسبة إلى
المسح غيره بالنسبة إلى التسبيح ، فان القول بالتخيير في التسبيح إنما ادى اليه
ضرورة الجمع بين الأخبار المختلفة في بيان كيفيته كما أشار إليه كلام الروض في ما
تقدم في جواب السؤال الأول ، والقول به في المسح انما نشأ من إطلاق الأمر الصادق
بمجرد المسمى ولو بجزء من إصبع وبالمسح بمجموع الثلاث الأصابع وما بينهما من
الافراد ، وافراد الكلي في الأول هي مجموع كل واحدة من الصور التي وردت بها النصوص
وفي
الثاني هو كل مسحة أوقعها المكلف دفعة أعم من ان تكون يسيرة أو مستوعبة ،
وحينئذ فالمكلف إذا مسح تدريجا فقد ادى الواجب الذي هو مسمى المسح بهذا الجزء الذي
قطع عليه ، فإيجاب المسح على الباقي بعد القطع على ذلك الجزء الذي حصل المسمى في
ضمنه وبرئت الذمة به يحتاج إلى دليل وليس ، بخلاف التسبيح فان المكلف إذا تجاوز
الصورة الناقصة قاصدا إيجاد الكلي في ضمن احدى الصور الزائدة لم يصدق أنه أوجد
الكلي في ضمن الناقصة ، حيث انه لم يقصدها بالكلية وان كان حصولها ضروريا من حيث
الجزئية ، والعبادات تابعة للقصود والنيات وإلا لم تكن الأفراد الزائدة افرادا
للواجب الكلي بالمرة ، لأن الصورة الصغرى حاصلة في ضمنها البتة فلو كان مجرد
الإتيان بها وان لم تكن مقصودة موجبا لحصول الكلي في ضمنها وحصول البراءة اليقينية
من التكليف لزم ما قلناه وفيه رد للأخبار الدالة على وجوبها المحمولة على الوجوب
التخييري جمعا.
والظاهر ان
منشأ الإيراد هو توهم كون محل الاتصاف بالاستحباب والوجوب التخييري هو الزائد على
الصورة الناقصة كما تقدمت الإشارة إليه ، إذ على تقديره لو جعل مناط الحكم بالوجوب
والاستحباب هو الاتصال والانفصال تعين هنا الحكم بالاستحباب لتحتم انفصال التسبيحة
الثانية والثالثة عما قبلها.
ومما ذكرنا
يعلم الكلام أيضا في تسبيح الركوع والسجود ، فان قلنا ان الواجب فيهما هو مجرد
الذكر كما هو أحد القولين كان من قبيل المسح ، وان قلنا ان الواجب هو التسبيح
المخصوص فإنه يأتي بناء على مذهب من يختار التخيير بين الافراد المروية أو بين
بعضها ما يأتي في التسبيح في الأخيرتين على مذهب التخيير أيضا. وقد تقدم نقل
الخلاف في التسبيح على تقدير القول به في الركوع والسجود بما ينتهي إلى خمسة
أقوال.
(المقام الخامس)
ـ في فوائد مهمة يقع بها الختام والتتمة : (الأولى) المشهور بين الأصحاب وجوب
الترتيب في هذا التسبيح وظاهر القائلين بالتخيير بين صوره
الواردة في الأخبار العدم ، ووجه كل منهما معلوم من دليله ، اما الأول فحيث
استند كل من القائلين بصورة معينة إلى خبر مخصوص قد ورد بها لزمه القول بذلك على
الكيفية الواردة ، ووقوع الواو بين التسبيح والتحميد وبين التحميد والتهليل مثلا
وان كانت للعطف الغير الموجب للترتيب فيها لكنها من كلام الامام (عليهالسلام) في بيان الكيفية فهي جزء من اجزاء الكيفية المنقولة
تختل باختلالها وليست من القول حتى يلزم جواز تقديم بعض المعطوفات على بعض الموجب
لعدم الترتيب واما الثاني فحيث كان مستنده الجمع بين الأخبار المختلفة في الكيفية
بالزيادة والنقصان والتقديم والتأخير مؤيدا بإطلاق الصحاح المشار إليها آنفا كان
عدم الترتيب متجها بناء على ذلك ، وقد صرح به من القائلين بالتخيير المحقق في
المعتبر.
وبذلك يظهر ما
في كلام جملة من الاعلام من الإجمال في هذا المقام ، قال في الذكرى : هل يجب
الترتيب فيه كما صوره في رواية زرارة؟ الظاهر نعم أخذا بالمتيقن ونفاه في المعتبر
للأصل مع اختلاف الرواية.
وقال في
المدارك : استقرب المصنف في المعتبر عدم ترتيب الذكر لاختلاف الرواية في تعيينه وهو
غير بعيد وان كان الأحوط اتباع ما ورد به النقل بخصوصه.
وقال في
الذخيرة : الأقرب عدم اشتراط الترتيب في التسبيحات وفاقا للمحقق في المعتبر
لاختلاف الروايات وهو أقوى دليل على ذلك ، وخالف فيه المصنف والشهيد
أقول : لا يخفى
ان محل الخلاف في كلامهم غير محرر فان الخلاف في المسألة كما تقدم قد بلغ إلى ستة
أقوال ، وهذا الخلاف انما يترتب على القول بالتخيير خاصة الذي هو أحد تلك الأقوال
، وإلا فإن كل من ذهب إلى صورة خاصة مستندا فيها إلى رواية مخصوصة فان الواجب عنده
هو الإتيان بما دل عليه دليله ولا معنى للخلاف فيه بعدم الترتيب ، والمحقق هنا
انما ذهب إلى عدم الترتيب من حيث قوله بالتخيير خاصة وقد أوضحنا وجهه ، والظاهر
حينئذ ان من خالف المحقق هنا إلى القول بالترتيب انما أراد
الإتيان بالفرد المخير بإحدى الروايات الدالة على الترتيب كأن يختار مثلا
صحيحة زرارة الدالة على التسبيحات الأربع أو الصحيحة الدالة على التسع أو نحو ذلك
من الأقوال المتقدمة ، ولا ريب انه الأحوط على تقدير هذا القول.
(الثانية) ـ المشهور
بين الأصحاب وجوب الإخفات في تسبيح الأخيرتين بل ربما ادعى عليه الإجماع ، واحتج
عليه جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد في الذكرى بالتسوية بينه وبين المبدل ، ثم
قال ونفاه ابن إدريس للأصل وعدم النص قلنا عموم الإخفات في الفريضة كالنص مع
اعتضاده بالاحتياط. انتهى.
وقال في
المدارك : وذكر جمع من الأصحاب انه يجب الإخفات في هذا الذكر تسوية بينه وبين
المبدل ونفاه ابن إدريس للأصل وفقد النص. وأجاب عنه في الذكرى بان عموم الإخفات في
الفريضة كالنص. وهو غير واضح وان كان الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكره. انتهى.
أقول : اما ما
ادعوه ـ من وجوب كون التسبيح بدلا عن القراءة وهي إخفاتية فيجب الإخفات في البدل
أيضا ـ فممنوع (أولا) بأن المستفاد من الأخبار كما عرفت هو العكس وهو أصالة
التسبيح في الأخيرتين وان القراءة فرع عليه ورخصة لا العكس كما ذكروه وان كان ظاهر
كلامهم الاتفاق عليه كما تقدمت الإشارة اليه إلا ان اتفاق الأخبار الصحيحة على
خلافه. و (ثانيا) انه مع تسليم البدلية فوجوب التساوي بينه وبين المبدل منه في
جميع الأحكام ممنوع.
واما ما ادعاه
ـ من ان عموم الإخفات في الفريضة كالنص ـ ففيه ان المتبادر الظاهر من الأخبار
الدالة على الإخفات انما هو بالنسبة إلى القراءة لا ما يشمل التسبيح بل القراءة في
الأوليين أيضا لا الأخيرتين. وانقسام الفريضة إلى جهرية وإخفاتية انما هو بالنظر
إلى القراءة في الأوليين كما تقدم تحقيقه في اخبار القراءة.
نعم ربما يشير
إلى ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما
بالحمد وهو امام يقتدى به؟ قال ان قرأت فلا بأس وان سكت فلا بأس». فإن الظاهر ان
مراده بقوله «بصمت فيهما الإمام» أي يخافت ففيه إشارة إلى أن السنة في ما يؤتى به
في الأخيرتين هو الإخفات وان كان مورد الرواية الإمام خاصة. والرواية وان كانت
قاصرة عن افادة العموم إلا انها لا تخلو من نوع تأييد. ويحتمل في الرواية معنى آخر
ولعله الأظهر وهو ان المراد بالصمت في الموضعين هو السكوت ، وحاصل المعنى انه سأل
عن الركعتين اللتين يسكت فيهما الامام ـ والمراد بهما الأخيرتان ـ هل يقرأ فيهما
بالحمد؟ فأجاب (عليهالسلام) بالتخيير بين الحمد والسكوت ، وقد تقدم ان ذلك مذهب
ابن إدريس ، فيكون الخبر محمولا على التقية لأن ذلك مذهب أبي حنيفة كما تقدم ذكره .
وبالجملة
فالظاهر ان هذا الذكر كسائر الأذكار التي يتخير فيها بين الجهر والإخفات كما يشير
اليه بعض الروايات وان كان الإخفات أولى لشهرته بين الأصحاب بل دعوى الإجماع في
الباب مع تأيده بظاهر الخبر المتقدم. والله العالم.
(الثالثة) لو
شرع في القراءة أو التسبيح فهل يجوز له العدول إلى الآخر أم لا؟ قال في الذكرى :
الأقرب انه ليس له العدول إلى الآخر لأنه إبطال للعمل ولو كان العدول إلى الأفضل ،
مع احتمال جوازه كخصال الكفارة وخصوصا إلى الأفضل. انتهى وقال في المدارك أيضا :
الظاهر جواز العدول من كل منهما إلى الآخر خصوصا مع كون المعدول إليه أفضل.
أقول : لا ريب
في ضعف التعليل الذي ذكره في الذكرى والمسألة محل توقف لعدم النص في المقام وان
كان القول الثاني لا يخلو من قرب.
(الرابعة) قال
في الذكرى : ولو شرع في أحدهما بغير قصد اليه فالظاهر
__________________
الاستمرار عليه لاقتضاء نية الصلاة فعل أيهما كان. ولو كان قاصدا إلى
أحدهما فسبق لسانه إلى الآخر فالأقرب ان التخيير باق فان تخير غيره اتى به وان تخير
ما سبق اليه لسانه فالأجود استئنافه لأنه عمل بغير نية. انتهى.
أقول : لا يخفى
انه لا خلاف نصا وفتوى في ان ما يأتي به من أفعال الصلاة ساهيا صحيح وان كان بغير
نية للاكتفاء بالنية الإجمالية في أول الصلاة ، فإن نية الصلاة التي هي عبارة عن
مجموع هذه الأفعال نية لكل منها ، وحينئذ فإن ما سبق اليه لسانه من جملة ذلك وان
كان في نيته وقصده سابقا على وقت الشروع فيه الإتيان بالفرد الآخر فحكمه بوجوب
الاستئناف لأنه بغير نية مما لا وجه له ، على ان ما يشعر به كلامه من اشتراط النية
والقصد إلى أحدهما حسبما ذكروه في القراءة من وجوب القصد إلى سورة مخصوصة ممنوع إذ
لم يقم عليه دليل لا في هذا الموضع ولا في ذلك كما تقدم تحقيقه. ولعله بنى هنا على
ما صرحوا به في القراءة وقد عرفت انه لا دليل عليه. وكيف كان فالأحوط ما ذكره (قدسسره).
(الخامسة) ـ قال
في الذكرى أيضا : تجب فيه الموالاة الواجبة في القراءة ومراعاة اللفظ المخصوص به
باللسان العربي فلا تجزئ ترجمته. نعم لو اضطر اليه ولم يمكنه العربية فالأقرب
جوازه لما سبق في التكبير والأذكار في الأوليين.
أقول : اما
وجوب الموالاة فلا اعرف عليه دليلا إلا الحمل على القراءة وقضية البدلية. وفيه ما
عرفت آنفا. وباقي ما ذكره وجهه واضح.
(السادسة) ـ قال في الذكرى أيضا : ليس
فيه بسملة لأنها جزء من القراءة لا من التسبيح ، والأقرب انها غير مسنونة هنا ولو
انى بها لم يكن به بأس. انتهى.
أقول : ربما
يشعر قوله «والأقرب انها غير مسنونة» باحتمال كونها مسنونة وان كان خلاف الأقرب.
وهو غير جيد لأن العبادة مبنية على التوقيف وحيث لم يرد النص بها كان اعتقاد
شرعيتها هنا تشريعا محرما. ومن ذلك يظهر لك ما في قوله :
«ولو اتى بها لم يكن به بأس» فإن الإتيان بها ان كان لاعتقاد شرعيتها ففيه
ما ذكرنا وان كان من حيث انها ذكر فلا ثمرة في التخصيص بهذا المقام.
(السابعة) ـ قد
صرح جمع من الأصحاب بأنه لو شك في عدد التسبيح بنى على الأقل لأنه المتيقن ، ولو
ذكر الزيادة فلا بأس.
(الثامنة) ـ قال
في الذكرى : المشهور انه لا يستحب الزيادة على اثنى عشر. وقال ابن أبي عقيل يقول :
«سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» سبعا أو خمسا وأدناه ثلاث في
كل ركعة. ولا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب تكرار ذكر الله.
انتهى.
وأنت خبير بما
فيه ، فان الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل. واما ما يوهمه كلامه من كون
المستند في ذلك كونه ذكرا ففيه ما أشرنا إليه مرارا من ان ذلك نوع مجازفة في البحث
، فإن قضية الذكر انما تصلح مستندا فيما إذا كان القصد لذلك واما مع اعتقاد
التوظيف بمحل مخصوص أو كيفية مخصوصة من غير ورود اثر بذلك فهو تشريع محض ،
وبالجملة فالاحتياط في عدم تجاوز الصورة المنصوصة. والله العالم.
الفصل التاسع في التشهد
وتحقيق الكلام
فيه يقع في موارد (الأول) لا ريب ان التشهد واجب في كل ثنائية مرة بعد الركعة
الثانية وفي غيرها مرتين ، أحدهما بعد الثانية وثانيهما بعد الثالثة في الثلاثية
وبعد الرابعة في الرباعية ، وهو إجماعي وقد نقل الإجماع عليه عدة من مشاهير
الأصحاب : منهم ـ المرتضى والشيخ وابن زهرة والعلامة والشهيد وغيرهم. إلا ان
الأخبار قد اختلفت في كيفيته ووجوبه وعدمه اي اختلاف واضطربت اضطرابا لا يرجى معه
الائتلاف.
وها أنا أورد
جملة ما وقفت عليه من الأخبار في المقام واذيلها بما وفق الله تعالى
لفهمه منها على وجه لا يعتريه ان شاء الله نقض ولا إبرام :
فالأول ـ ما
رواه في الكافي عن بكر بن حبيب قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن التشهد فقال لو كان كما يقولون واجبا على الناس
هلكوا انما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأ عنك».
الثاني ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب عن بكر بن حبيب أيضا قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) اي شيء أقول في التشهد والقنوت؟ فقال قل بأحسن ما
علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس».
الثالث ـ ما
رواه في الكافي عن سورة بن كليب قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن ادنى ما يجزئ من التشهد فقال الشهادتان».
الرابع ـ ما
رواه الشيخ في الموثق عن عبد الملك بن عمرو الأحول عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «التشهد في الركعتين الأولتين : الحمد لله اشهد
ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد
وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته».
الخامس ـ ما
رواه عن زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال
ان تقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له. قلت فما يجزئ من تشهد
الركعتين الأخيرتين؟ قال الشهادتان».
السادس ـ ما
رواه عن حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليهالسلام) يقول «إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله تعالى أجزأه».
__________________
السابع ـ ما
رواه عن احمد بن محمد بن أبي نصر قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزئ أن أقول في
الرابعة؟ قال نعم».
الثامن ـ ما
رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) التشهد في الصلاة؟ قال مرتين. قال قلت وكيف مرتين؟ قال
إذا استويت جالسا فقل : «اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا
عبده ورسوله» ثم تنصرف. قال قلت قول العبد «التحيات لله والصلوات الطيبات لله»؟ قال
هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه».
التاسع ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فان كان
مستعجلا في أمر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه».
العاشر ـ ما
رواه عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد
الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».
الحادي عشر ـ ما
رواه عن زرارة في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ فقال
تمت صلاته وانما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد».
الثاني عشر ـ ما
رواه عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام)
__________________
«في الرجل يحدث بعد ان يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل ان يتشهد؟ قال
ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء يقعد
فيتشهد ثم يسلم ، وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته».
الثالث عشر ـ ما
رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال ان كان قريبا رجع
إلى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه ، وقال انما التشهد سنة في الصلاة».
الرابع عشر ـ ما
رواه في المحاسن عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة
الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ قال اما صلاته فقد مضت واما التشهد فسنة في
الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو إلى مكان نظيف فيتشهد».
الخامس عشر ـ ما
ذكره في الفقه الرضوي حيث قال : «وادنى ما يجزئ من التشهد الشهادتان».
السادس عشر ـ ما
رواه في الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا قال العبد في التشهد الأخير وهو جالس : «اشهد ان
لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله (وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ
فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ» ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته».
السابع عشر ـ ما
رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل ترك التشهد حتى سلم كيف يصنع؟ قال
ان ذكر قبل ان يسلم فليتشهد وعليه سجدتا السهو وان ذكر انه قال «اشهد ان لا إله
إلا الله» أو «بسم الله»
__________________
أجزأه في صلاته ، وان لم يتكلم بقليل ولا كثير حتى سلم أعاد الصلاة».
هذا ما حضرني
من الأخبار الجارية في هذا المضمار وأنت خبير بما فيها من التدافع في وجوب التشهد وعدمه
وفي كيفيته.
ويستفاد من هذه
الأخبار أمور (الأول) الذي يدل على وجوبه من هذه الأخبار في الجملة الخبر الثالث
والرابع والخامس والثامن والتاسع والعاشر والخامس عشر والسادس عشر.
واما ما دل
عليه الخبر الخامس ـ من الاقتصار على الشهادة بالتوحيد في التشهد الأول والشهادتين
في الثاني ـ فقد أجاب عنه في المعتبر ـ بعد حكمه بوجوب الشهادتين وإيراد الأخبار
المتضمنة لذلك ـ بأنه دال على القدر المذكور فيه وليس مانعا من وجوب الزيادة
فالعمل بما يتضمن الزيادة أولى. واقتفاه في ذلك العلامة في المنتهى.
والأظهر ما
أجاب به المحقق الشيخ حسن (قدسسره) في المنتقى ، قال ولعل الغرض من السؤال استعلام كيفية
التشهد وانه هل يختلف فيه حكم الأول والأخير؟ فاكتفى في جواب السؤال الأول بذكر
كيفية الشهادة بالوحدانية اعتمادا على ان كيفية الشهادة الأخرى التي تضم إليها
متقررة معروفة ، وجعل الجواب عن السؤال الثاني بشهادتين كناية عن الاتفاق في الحكم
بالنسبة إلى القدر المجزئ ، وسيجيء التصريح بهذا المعنى في خبر آخر. انتهى.
(الثاني) ـ اعلم
ان المشهور بين الأصحاب ان التشهد الواجب انما يحصل بان يقول «اشهد ان لا إله إلا
الله واشهد ان محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله» ثم يصلي على النبي وآله وما زاد على ذلك فهو مندوب.
وقيل الواجب «اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله
اللهم صل على محمد وآل محمد».
أقول : الظاهر
ان بناء القول الأول على العمل بإطلاق الأخبار المتقدمة من الإتيان بالشهادتين
الصادق بما ذكروه فيكون ما زاد على ذلك مستحبا ، وبناء الثاني على
وجود هذه الصورة في الرواية الرابعة والثامنة والسادسة عشرة ، وقضية حمل
مطلق الأخبار على مقيدها ومجملها على مفصلها هو الإتيان بما اشتملت عليه الروايات
المذكورة وهو الأقرب مؤيدا بالاحتياط أيضا.
(الثالث) ـ ان
ما دل عليه الخبر الأول والثاني ـ من الاكتفاء بكل ما يقول وانه ليس شيء واجبا
وإذا حمدت الله تعالى أجزأك ـ فحمله جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في
المدارك على الضرورة أو التقية .
أقول : والحمل
على التقية غير بعيد لكن الظاهر انه لا ضرورة تلجئ اليه بل الظاهر ان المراد انما
هو الأذكار الزائدة على أصل الشهادتين المنقولة في جملة من الأخبار المذكورة زيادة
على الشهادتين والصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) والمراد انه ليس شيء من تلك الأذكار واجبا متعينا
وإلا لهلك الناس حيث لا يأتون بها وبطلت صلاتهم وانما يأتون منها بأيسر ما يعلمونه
ولو بمجرد اضافة «الحمد لله» الى الشهادتين والصلاة لا ان المراد بذلك الشهادتان
وعدم وجوبهما ، واضافة القنوت في الخبر الثاني ظاهر في ما قلناه.
(الرابع) ـ ان
ما دل عليه الخبر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من صحة الصلاة
بالحدث قبل التشهد يحتمل وجوها :
أحدها ـ الحمل
على التقية وعليه اقتصر في الذكرى فقال بعد إيراده
__________________
لجملة من الأخبار المخالفة لما عليه الأصحاب ومنها بعض الأخبار المشار
إليها : ولو حملت على التقية لكان أنسب لأنه مذهب كثير من العامة كالشافعي وأهل
العراق والأوزاعي ومالك إذ يقولون بعدم وجوب التشهد الأول ، وقال بعدم وجوب التشهد
الثاني أيضا مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي ورووه عن علي (عليهالسلام) وسعيد ابن المسيب والنخعي والزهري انتهى. وهو جيد.
وثانيها ـ ما
ذكره الشيخ (قدسسره) من ان هذه الأخبار انما تنفي وجوب ما زاد على
الشهادتين ونحن نقول به وكذا قوله : «انما التشهد سنة» أي ما زاد على الواجب
والحديث محمول على انه لم يكمل التشهد لا انه لم يأت به. والظاهر بعده.
وثالثها ـ ما
يظهر من الصدوق (قدسسره) من عمله بهذه الأخبار حيث قال : ان رفعت رأسك من
السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت
__________________
الشهادتين فقد مضت صلاتك وان لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد الى
مجلسك وتشهد. انتهى.
أقول : الظاهر
ان مراده ـ وهو ظاهر الأخبار المذكورة ـ ان التشهد واجب لكنه ليس من قبيل الأركان
المفروضة التي تبطل الصلاة بتركها وانما هو واجب بالسنة والإخلال به وتخلل الحدث
قبله غير مبطل للصلاة فيتوضأ ويأتي به.
وإلى هذا يميل
كلام شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار أيضا حيث قال بعد نقل الخبر الرابع عشر وذكر
محمل الشيخ ثم ذكر الحمل على التقية : والأظهر حمله على ان وجوبه يظهر من السنة لا
من القرآن فيكون من الأركان والحدث الواقع بعد الفراغ من أركان الصلاة لا يوجب
بطلانها كما تدل عليه صحيحة زرارة أيضا واختاره الصدوق ولا ينافي وجوب التشهد ،
وما ورد من الأمر بالإعادة في خبر قاصر السند يمكن حمله على الاستحباب والأحوط العمل بهذا الخبر ثم
الإعادة. انتهى. أقول : وعلى هذا الاحتمال لا تكون المخالفة من حيث التشهد لانه قد
أمر به في الأخبار المذكورة وانما تكون المخالفة والاشكال من حيث الحكم بصحة
الصلاة مع تخلل الحدث. وما ادعاه (قدسسره) من ان الحدث الواقع بعد الفراغ من الأركان لا يوجب
البطلان مردود بعموم الأخبار الدالة على بطلان الصلاة بتخلل الحدث فيها وخصوص رواية الحسين ابن الجهم الآتي جميع ذلك ان شاء
الله في مسألة قواطع الصلاة ، وهذه الرواية هي التي أشار إليها بالضعف والحمل على
الاستحباب.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال فإن هذه الأخبار الأربعة مع اعتبار أسانيدها قد
اتفقت على هذا الحكم ، والحمل على التقية كما ذكره الشهيد من قول العامة بصحة
الصلاة بدون التشهد ينافيه الأمر بالتشهد فيها لاتفاقها على الأمر بالإتيان
__________________
به وظاهرها الوجوب. نعم لو أريد به التقية من حيث قولهم بصحة الصلاة مع
تخلل الحدث في أثنائها أمكن ، فإن المحقق الشيخ حسن نقل في المنتقى انه يعزى إلى
ابي حنيفة وجماعة من العامة القول بإعادة الوضوء لمن سبقه الحدث والبناء على ما
فعله ومن ثم اختار حمل اخبار البناء على ذلك وإلا فالتقية بالمعنى الذي ذكره
شيخنا المشار اليه بعيد كما ترى.
الخامس ـ ظاهر
الأخبار التي اشتملت على التشهد وحملنا عليها مطلق الأخبار عدم وجوب الصلاة على
النبي (صلىاللهعليهوآله) لورودها في مقام البيان خالية من ذلك فلو كانت واجبة
لذكرت فيها.
ويمكن الجواب
بأن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار هو بيان كيفية التشهد والصلاة ليست داخلة في
كيفيته بل هي واجب آخر بعد التشهد ، وكون المقام مقام بيان مسلم لكنه لبيان صورة
التشهد الذي أجمل في الأخبار الباقية لا لبيان ما وجب في الصلاة ليلزم من عدم ذكر
الصلاة فيه عدم وجوبها ، فغايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى وجوبها وعدمه ولا
تصريح ولا اشارة فيها إلى عدم الوجوب ليحصل بها المنافاة بل غايتها كما عرفت
الإطلاق وهو مقيد بما سيأتي ذكره من الدليل على وجوبها في هذا الموضع فلا منافاة ،
على ان رواية عبد الملك بن عمرو قد اشتملت على ذكر الصلاة وكذا جملة من الروايات الآتية
أيضا ان شاء الله تعالى. والجواب عن ذلك ـ بأنها قد اشتملت على جملة من المستحبات
فيحتمل ان يكون هذا من جملتها ـ سيأتي جوابه.
نعم ربما أشكل
ذلك بقوله في الخبر الثامن بعد ذكر الشهادتين «ثم تنصرف» فان الانصراف إما كناية
عن الإتيان بالتسليم أو عبارة عن انقضاء الصلاة وتمامها. وقريب منه قوله في الخبر
التاسع «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته».
__________________
ويمكن الجواب
عن الخبر الأول وان بعد بان المراد ثم تنصرف يعني بعد الإتيان بالصلاة ، ويشير
اليه عطف الانصراف ب «ثم» الدالة على المهلة والتراخي. وبالجملة فإنه لما قام
الدليل على الوجوب في هذا الموضع بالأخبار الصريحة الصحيحة بالتقريب الآتي فالواجب
حمل ما ينافي ذلك على ما يرجع به اليه وان بعد في حد ذاته إلا انه ليس ذلك بعيدا
في مقام الجمع كما وقع لهم مثله في غير موضع. واما الخبر الثاني فيحمل على دخول
الصلاة في الشهادتين تجوزا كما أطلق التشهد على مجموع الأذكار الطويلة الآتية في
رواية أبي بصير ونحوها.
السادس ـ ما
تضمنه الخبر السابع عشر من الأحكام لا يخلو من الإشكال في المقام قال شيخنا
المجلسي (قدسسره) في البحار بعد نقل الخبر المذكور : لم أر به عاملا من
الأصحاب بل المشهور قضاء التشهد وسجدتا السهو كما سيأتي. نعم قال ابن إدريس : إذا
كان المنسي التشهد الأخير وأحدث ما ينقض طهارته قبل الإتيان به يجب عليه إعادة
الصلاة. وهو أيضا خلاف المشهور. ويمكن حمل الخبر عليه والأظهر حمله على الاستحباب
وروى في التهذيب قريبا منه عن عمار الساباطي ولو قضى التشهد وسجد السهو ثم أعاد الصلاة كان أحوط.
انتهى.
أقول : ويخطر
بالبال العليل والفكر الكليل ان المراد من الخبر المذكور انه متى ذكر انه قال «اشهد
ان لا إله إلا الله» أو ذكر انه قال «بسم الله» فإنه يبني على وقوع التشهد بمعنى
انه يبعد بعد الشروع فيه ببعض هذه العبارات ان يترك باقيه نسيانا ويسهو عنه ، اما
لو علم انه لم يتكلم بقليل ولا كثير فان السهو عنه ممكن وحكمه حينئذ بإعادة الصلاة
محمول على حصول المنافي في البين بمعنى حصول ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا فان الواجب
هو الإعادة. وهو معنى صحيح لا غبار عليه وهو في باب التأويل غير بعيد كما لا يخفى.
__________________
(المورد الثاني)
ـ أفضل التشهد ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا جلست في الركعة الثانية فقل : بسم الله
وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وان محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة
، أشهد انك نعم الرب وان محمدا (صلىاللهعليهوآله) نعم الرسول ، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته
في أمته وارفع درجته. ثم تحمد الله تعالى مرتين أو ثلاثا ثم تقوم فإذا جلست في
الرابعة قلت : بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، اشهد ان لا إله إلا
الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين
يدي الساعة ، أشهد انك نعم الرب وان محمدا (صلىاللهعليهوآله) نعم الرسول التحيات لله والصلوات الطاهرات الطيبات
الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ما طاب وزكا وطهر وخلص وصفا
فلله ، واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله
أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد ان ربي نعم الرب وان محمدا (صلىاللهعليهوآله) نعم الرسول ، واشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها وان
الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان
هدانا الله الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد
وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد وترحم على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت
على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك
رؤوف رحيم ، اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن علي بالجنة وعافني من النار ، اللهم
صل على محمد وآل محمد واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين
والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا. ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته السلام
__________________
على أنبياء الله ورسله السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين
السلام على محمد ابن عبد الله (صلىاللهعليهوآله) خاتم النبيين لا نبي بعده والسلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين. ثم تسلم».
وقال (عليهالسلام) في الفقه الرضوي فإذا تشهدت في الثانية فقل : بسم الله وبالله والحمد
لله والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان
محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. ولا تزد على ذلك ثم
انهض إلى الثالثة وقل إذا نهضت : بحول الله أقوم واقعد ، الى ان قال فإذا صليت
الركعة الرابعة فقل في تشهدها : بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها
لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله
بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، التحيات لله والصلوات الطيبات الزاكيات
الغاديات الرائحات التامات الناعمات المباركات الصالحات لله ما طاب وزكا وطهر ونما
وخلص وما خبث فلغير الله ، أشهد انك نعم الرب وان محمدا (صلىاللهعليهوآله) نعم الرسول وان علي بن أبي طالب (عليهالسلام) نعم المولى وان الجنة حق والنار حق والموت حق والبعث
حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي
هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله ، اللهم صل على محمد وآل محمد
وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت
على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد المصطفى
وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلى الأئمة الراشدين من آل طه ويس ،
اللهم صل على نورك الأنور وعلى حبلك الأطول وعلى عروتك الوثقى وعلى وجهك الأكرم
وعلى جنبك الأوجب وعلى بابك الأدنى وعلى مسلك الصراط ، اللهم صل على الهادين
المهديين الراشدين الفاضلين الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار ، اللهم صل على
جبرئيل وميكائيل وإسرافيل
__________________
وعزرائيل وعلى ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين ورسلك أجمعين من أهل
السماوات والأرضين وأهل طاعتك المتقين واخصص محمدا بأفضل الصلاة والتسليم ، السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين. ثم سلم عن يمينك وان شئت يمينا وشمالا وان شئت
تجاه القبلة.
بيان
المشهور في
كلام الأصحاب ـ كما ذكره الشيخ وغيره ـ في افتتاح التشهد «بسم الله وبالله
والأسماء الحسنى كلها لله» ورواية أبي بصير خالية من لفظ «الأسماء الحسنى كلها لله»
إلا انها في الفقه الرضوي ، والصدوق في الفقيه قد عبر بهذه العبارة والظاهر انه
أخذ ذلك من الكتاب المذكور والجماعة تبعوا الصدوق في ذلك.
وقال الشهيد
الثاني في شرح النفلية : اختصاص التحيات بالتشهد الثاني موضع وفاق بين الأصحاب فلا
تحيات في الأول إجماعا فلو اتى بها فيه لغير تقية معتقدا لشرعيتها مستحبا اثم واحتمل البطلان ، ولو لم
يعتقد استحبابها اثم من حيث الاعتقاد. وتوقف المصنف في الذكرى في بطلان الصلاة
حينئذ ، وعدم البطلان متجه لانه ثناء على الله تعالى. انتهى.
وقال في الذكرى
: لا تحيات في التشهد الأول بإجماع الأصحاب غير ان أبا الصلاح قال فيه «بسم الله
وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله ، لله ما طاب وزكا ونما وخلص وما خبث
فلغير الله» وتبعه ابن زهرة.
وقال الشهيد في
النفلية : وروى مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) جواز التسليم
__________________
على الأنبياء ونبينا (صلىاللهعليهوآله) في التشهد الأول ولم يثبت. قال الشارح من حيث إرسال
خبره وعدم القائل به من الأصحاب. انتهى.
والتحية لغة ما
يحيى به من سلام وثناء ونحوهما ، وقد تفسر التحيات بالعظمة والملك والبقاء ، قال
في النهاية الأثيرية : التحيات جمع تحية ، قيل أراد بها السلام يقال «حياك الله»
اي سلم عليك ، وقيل التحية الملك وقيل البقاء. وانما جمع التحية لأن ملوك الأرض
يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم «أبيت اللعن» ولبعضهم «أنعم صباحا» ولبعضهم «عش
ألف سنة» فقيل للمسلمين قولوا «التحيات لله» اي الألفاظ التي تدل على السلام
والملك والبقاء هي لله عزوجل. والتحية تفعلة من الحياة وانما أدغمت لاجتماع الأمثال
والهاء لازمة لها والتاء زائدة. انتهى. وقيل «التحيات لله» هي أسماء الله تعالى : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ). (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) يريد التحية بهذه الأسماء. وقوله «الصلوات لله» اي
الرحمة لله على العباد كقوله تعالى «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» وقيل الصلوات الأدعية لله. «والغاديات» الكائنات وقت
الغدو. و «الرائحات» الكائنة في وقت الرواح وهو من زوال الشمس إلى الليل وما قبله
الغدو. و «السابغات» الكاملات الوافيات. والمراد من الناعمات ما يقرب من معنى
الطيبات. و «خلص» بفتح اللام كما ذكره ابن إدريس في السرائر.
فروع
(الأول) ـ قال
في كتاب البحار : لو قال «اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا (صلىاللهعليهوآله) رسول الله ، أو قال اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا
(صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله ، أو قال اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان
محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله» من غير واو أو غير الترتيب فلا يبعد
الاجزاء والأحوط العدم. انتهى.
__________________
أقول : الظاهر
التفصيل في ذلك فان قلنا ان الواجب هو الشهادتان عملا بإطلاق جملة من الأخبار
المتقدمة فلا ريب في اجزاء ما ذكره من الصور وان قلنا بتلك الصورة المخصوصة
المذكورة في الأخبار التي قدمنا ذكرها وحملنا عليها إطلاق الأخبار الباقية فلا ريب
في عدم الاجزاء ، قال في الذكرى : ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء
بالشهادتين مطلقا فعلى هذا لا يضر ترك «وحده لا شريك له» ولا لفظ «عبده» وفي رواية
أبي بصير «وان محمدا» بغير لفظ «اشهد» نعم لو بدل الألفاظ المخصوصة بمرادفها من
العربية أو غيرها من اللغات لم يجزئ نعم تجزئ الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلم
(الثاني) ـ قد
تقدم الكلام في استحباب التورك وكراهة الإقعاء في فصل السجود ، وقد ذكر الأصحاب
انه يستحب حال التشهد النظر إلى حجره وظاهر كلام جملة من المتأخرين ومتأخريهم عدم
الوقوف فيه على نص ، قال في الذكرى : ويكون نظره حال التشهد إلى حجره قاله
الأصحاب. وقال في المدارك بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : ذكره الأصحاب ولا بأس به
لما فيه من الخشوع والإقبال على عبادة الله تعالى. انتهى.
أقول : مستند
هذا الحكم مما اختص به كتاب الفقه الرضوي كما تقدم في السجود واستحباب النظر إلى
طرف أنفه فإنه لم يوجد إلا فيه أيضا ، قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور : «وليكن بصرك في وقت السجود الى طرف انفك وبين
السجدتين في حجرك وكذا في وقت التشهد». انتهى. والظاهر ان الأصحاب تبعوا في ذلك
الصدوقين والصدوقان انما أخذاه من الكتاب المذكور على النهج الذي تقدم ذكره في غير
موضع.
(الثالث) ـ قال
في الذخيرة : والجاهل بالتشهد يتعلم مع السعة ومع الضيق يأتي منه بقدر ما يعلم ،
وان لم يعلم شيئا لا يبعد وجوب الجلوس بقدر حمد الله تعالى كما
__________________
اختاره الشهيد وقوفا على ظاهر خبر الخثعمي السابق ولو لم يعلم شيئا أصلا لا يبعد وجوب الجلوس أيضا.
انتهى.
أقول : قال في
الذكرى على اثر العبارة المتقدمة في الفرع الأول : والأقرب وجوب التحميد عند تعذر
الترجمة للروايتين السالفتين. انتهى. وأشار بالروايتين السالفتين إلى ما تقدم في
الخبر الأول من قوله «إذا حمدت الله أجزأ عنك». وقوله في الخبر
السادس وهو خبر الخثعمي «إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه».
وأنت خبير بان
هذين الخبرين غير معمول عليهما عند الأصحاب وشيخنا الشهيد في الكتاب المذكور حيث
فهم منهما الاجتزاء بذلك عن التشهد الواجب حملهما على التقية واما على ما حققناه
آنفا فهما محمولان على الأذكار المستحبة وانه يجزئ منها ما كان بهذا المقدار ،
وأياما كان فلا يتم الاستناد إليهما في هذا الحكم كما لا يخفى.
واما ما ذكره
في الذخيرة ـ من انه لو لم يعلم شيئا أصلا فلا يبعد وجوب الجلوس ـ فكأنه بناء على
ان الواجب الجلوس والتشهد معا وسقوط أحدهما لتعذره لا يسقط وجوب الآخر كما صرحوا
به في أمثال هذه المواضع. وفيه انه وان تراءى منه بحسب الظاهر صحة ما ذكروه إلا ان
بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية لا يخلو من مجازفة كما تقدمت
الإشارة إليه في غير موضع.
(الرابع) ـ قال
في الذكرى : وعبارة الصلاة في الأشهر «اللهم صل على محمد وآل محمد» وسبق في رواية
سماعة «صلىاللهعليهوآله» فيمكن اختصاصه بحال الضرورة كما تضمنته الرواية ويمكن
اجزاؤه لحصول مسمى الصلاة. انتهى.
أقول : قد تقدم
في المورد الأول في الرواية الرابعة الصلاة بصيغة «اللهم صل على محمد وآل محمد»
ومثله في المورد الثاني في موثقة أبي بصير في التشهد الأول والثاني وفي عبارة كتاب
الفقه الرضوي في التشهد الثاني وان كانت هاتان الروايتان الأخيرتان
__________________
مشتملتين على جملة من المستحبات زيادة على اللفظ المذكور.
وقد روى
الكليني في الصحيح أو الحسن عن عمر بن أذينة في حديث طويل يتضمن المعراج وبدو
الصلاة وحكاية صلاته (ص) بالملائكة والنبيين قال فيه في حكاية التشهد : «ثم اوحى الله اليه يا محمد (صلىاللهعليهوآله) صل على نفسك وعلى أهل بيتك فقال صلى الله علي وعلى أهل
بيتي وقد فعل. ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل يا محمد
سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الخبر».
وبالجملة فان
الواجب هي الصلاة عليه وآله وهي كما تحصل بالجملة الإنشائية تحصل بالجملة الخبرية
المراد بها الإنشاء كما سيأتي تحقيقه قريبا ان شاء الله إلا ان الأحوط هو الإتيان
بلفظ «اللهم صل على محمد وآل محمد» لوروده في أكثر الأخبار.
(المورد الثالث)
ـ الأظهر الأشهر اضافة الصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) إلى التشهد واقتصر في المقنع على الشهادتين ولم يذكر
الصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) ثم قال : وادنى ما يجزئ من التشهد ان يقول الشهادتين
أو يقول «بسم الله وبالله.» ثم يسلم ، نقل ذلك في الذكرى ، ونقل عن والده في
الرسالة انه لم يذكر الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول ، ثم قال والقولان
شاذان لا يعدان ويعارضهما إجماع الإمامية على الوجوب.
أقول : وظاهر
الصدوق في الفقيه أيضا عدم وجوب الصلاة في التشهد حيث قال : إذا رفعت رأسك من
السجدة الثانية فتشهد وقل : «بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله
اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة»
ثم انهض إلى الثالثة.
وقال ابن
الجنيد : تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمد وآل محمد في أحد
التشهدين.
__________________
قال في المدارك
: واستدل عليه من طريق الأصحاب بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير وزرارة قالا «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما ان الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له
إذا تركها متعمدا ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله». وقد يقال ان أقصى ما تدل عليه الرواية وجوب الصلاة
على النبي وآله في الصلاة اما كونها في كل من التشهدين فلا ، على ان هذا التشبيه
ربما اقتضى توجه النفي إلى الفضيلة والكمال لا إلى الصحة للإجماع على عدم توقف صحة
الصوم على إخراج الزكاة. انتهى.
أقول : روى
الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا صلى أحدكم ولم يصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) سلك بصلاته غير سبيل الجنة». وروى مثله في كتاب
المجالس
ورواه في
الكافي أيضا وفيه «إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) يسلك بصلاته غير سبيل الجنة».
وحينئذ فلقائل
أن يقول لا ريب ان هذه الأخبار قد دلت على وجوب الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) في الصلاة وان من تركها عمدا فلا صلاة له ، وليست
دلالتها على الوجوب باعتبار الأمر فيها بالصلاة حتى يمكن ان يقال في الجواب ان
الأمر بذلك يتأدى بالإتيان بها في أي جزء من الصلاة فلا يدل على وجوبها في التشهد
بخصوصه بل دلالتها انما هو بالاشعار والأخبار وان الشارع قد جعلها من اجزاء الصلاة
الواجبة وان الصلاة تبطل بتركها عمدا كما تبطل بترك سائر الأجزاء الواجبة كذلك.
وهذه الأخبار وان كانت مجملة بالنسبة إلى تعيين محلها من الصلاة وبيان موقعها إلا
أنا لما رجعنا إلى أفعال الصلاة المفهومة من الأخبار والمعدودة فيها لم نجد لها
موضعا نص الشارع على ذكرها
__________________
فيه إلا في التشهد كما ورد في رواية عبد الملك بن عمرو وغيرها من الروايات المذكورة في المقام.
وغاية ما طعن
به الخصم على تلك الروايات انها قد اشتملت على جملة من المستحبات فيحتمل ان تكون
الصلاة من تلك الجملة فلا تكون صريحة في الوجوب.
ونحن نقول انه
بمعونة هذه الروايات الدالة على جزئيتها من الصلاة يجب الحكم بوجوبها وجزئيتها في
هذا الموضع لأن الشارع كما عرفت قد أخبرنا بجزئيتها وحينئذ فلا يجوز ان تخلو
الصلاة منها ونحن لم نجد ذكره لها إلا في هذا الموضع فيتعين الحمل عليه البتة ولا
يبقى لاحتمال الاستحباب هنا مجال. ونحن لم نستدل على وجوبها بمجرد هذه الروايات
التي وردت مشتملة على التشهد بجميع المستحبات فيه حتى يتطرق اليه ما ذكروه من
الاحتمال. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا ستر عليه ولا يأتيه النقض من خلفه ولا من
بين يديه.
ثم أقول : ومن
الأدلة الظاهرة في الوجوب ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم
في حديث طويل في المعراج قال فيه في الجلوس في الركعة الثانية : «يا محمد (صلىاللهعليهوآله) إذا ما أنعمت عليك فسم باسمي فالهم ان قال : «بسم الله
وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله» ثم اوحى الله اليه يا محمد (صلىاللهعليهوآله) صل على نفسك وعلى أهل بيتك فقال صلى الله علي وعلى أهل
بيتي وقد فعل. ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل يا محمد (صلىاللهعليهوآله) سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحديث».
واما المعارضة
بأخبار التشهد المشعرة بتمام الصلاة بعده فغير مضر بما ذهبنا اليه وبيناه في
المقام ، وذلك فان غرضنا انما هو إثبات الدليل على وجوب الصلاة في التشهد
__________________
ردا على من أنكر وجود الدليل على ذلك واما قيام دليل آخر يعارضه فيصير من
قبيل تعارض الدليلين في حكم من الأحكام وهو خارج عن محل البحث.
واما قوله في
المدارك ـ : «على ان هذا التشبيه ربما اقتضى توجه النفي إلى الفضيلة والكمال. إلخ»
ـ
ففيه (أولا) ان
التشبيه لا يجب ان يكون من كل وجه. و (ثانيا) ان كونها في المشبه كذلك لا يوجب
كونها في المشبه به على نحوه ، نعم لو كان الواقع في الرواية هو العكس اعني تشبيه
الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) في الصلاة بالزكاة مع الصوم يتجه ما ذكره فإنك إذا قلت
«زيد كالأسد» يعني في الشجاعة فان المبالغة والتجوز انما هو في جانب المشبه واما
في جانب المشبه به فهو على الحقيقة.
على ان الفاضل
المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (قدسسره) في الوسائل نقل عن الصدوق في الفقيه صحيحة زرارة وأبي بصير بما هذه صورته قال : «ان الصلاة
على النبي (صلىاللهعليهوآله) من تمام الصلاة ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله». وذكر انه اقتطعه من حديث طويل ، وظني إني وقفت عليه
في الكتاب المذكور حين قرأ بعض الاخوان علي الكتاب المذكور ولكن لا يحضرني موضعه
الآن وهو اما ان يكون رواية لتلك الصحيحة بنحو آخر أو يكون حديثا آخر ، وأياما كان
فهو ظاهر في المراد عار عن وصمة الإيراد ويعضده الخبران المتقدمان. وبذلك يظهر لك
قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور. ولا تكاد تقع على أمثال هذه التحقيقات في
غير كتبنا وزبرنا وله سبحانه المنة والحمد على مزيد إفضاله
__________________
تذييل جليل وتكميل نبيل
هل تجب الصلاة
على النبي (صلىاللهعليهوآله) حيثما ذكر أم تستحب؟ المشهور الثاني بل نقل العلامة في
المنتهى والمحقق في المعتبر الإجماع عليه ، قالا في الكتابين المذكورين : لا يقال
ذهب الكرخي إلى وجوبها في غير الصلاة في العمر مرة واحدة وقال الطحاوي كلما ذكر قلنا الإجماع سبق الكرخي والطحاوي فلا عبرة بتخريجهما.
قال في الذخيرة ولم اطلع على مصرح بالوجوب من الأصحاب إلا ان صاحب كنز العرفان ذهب
إلى ذلك ونقله عن ابن بابويه واليه ذهب الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح. وللعلامة
هنا أقوال مختلفة ، قال في الكشاف : الصلاة على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) واجبة وقد اختلفوا فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره ، وفي
الحديث «من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله». وروى «انه قيل يا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) أرأيت قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فقال هذا من العلم المكنون ولو لا أنكم سألتموني عنه ما
أخبرتكم به ، ان الله وكل بي ملكين فلا اذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك
الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين «آمين» ولا اذكر عند
عبد مسلم فلا يصلى علي إلا قال ذلك الملكان لا غفر الله لك وقال الله وملائكته
لذينك الملكين «آمين». ومنهم من قال تجب في كل مجلس مرة وان تكرر ذكره كما قيل في
آية السجدة وتسميت العاطس وكذلك في كل دعاء في اوله وآخره ، ومنهم من أوجبها في
العمر مرة وكذا قال في إظهار الشهادتين والذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كل
ذكر لما ورد من الأخبار. انتهى. قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد الكلام في
المسألة وذكر كلام صاحب
__________________
الكشاف : والأقرب عدم الوجوب للأصل المضاف إلى الإجماع المنقول سابقا وعدم
تعليمها للمؤذنين وعدم ورودها في اخبار الأذان وعدم وجودها في كثير من الأدعية
المضبوطة المنقولة عن الأئمة الطاهرين (عليهمالسلام) مع ذكره (صلىاللهعليهوآله) فيها ، وكذلك في الأخبار الكثيرة. وما ربما يتوهم
دليلا على وجوبها ـ كما ذكر ـ أمور :
(الأول) الآية وقد عرفت الجواب عنه (الثاني) الروايات المنقولة عن
الكشاف (الثالث) انها دالة على التنويه بشأنه والشكر لإحسانه المأمور بهما (الرابع)
انه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهي عنه في آية النور وبهذه الوجوه الثلاثة احتج صاحب الكنز وهو ضعيف جدا (الخامس)
صحيحة زرارة السابقة وجوابه ضعف دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب فلا
يصلح التعويل على مجرد ذلك إذا لم تنضم إليه قرينة أخرى خصوصا إذا عارض الإجماع
المنقول ، وقد ورد من طريقنا بعض الروايات الدالة على الوجوب مثل ما رواه الكليني
عن محمد بن هارون عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة. وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله. وقال
(صلىاللهعليهوآله) من ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة». وعن
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من ذكرت عنده فنسي ان يصلي علي خطأ الله به طريق الجنة».
لكن الروايتين ضعيفتا السند جدا فلا تصلح للتعويل. وقال بعض المتأخرين : ويمكن
اختيار الوجوب في كل مجلس مرة ان صلى آخر وان
__________________
صلى ثم ذكر يجب أيضا كما في تعدد الكفارة بتعدد الموجب إذا تخللت وإلا فلا.
وهو ضعيف والظاهر انه لم يقل به سواه. انتهى كلام الفاضل المذكور.
وأنت خبير بما
فيه من القصور بخروجه عن الأخبار الواضحة الظهور وجموده على متابعة المشهور بدعوى
تزييفه بالإجماع مع رده له في غير موضع من كتابه وجعله غير حاسم لمادة النزاع.
واما رده صحيحة
زرارة ـ وهي ما رواه المشايخ الثلاثة عنه في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك». بعدم دلالة الأوامر في
أخبارنا على الوجوب ـ فقد أوضحنا في ما تقدم ما فيه من الفساد فإنه موجب للخروج عن
الشريعة المحمدية من حيث لا يشعر قائله بالكلية.
ومن الأخبار
الصحيحة الصريحة في الدلالة على الوجوب ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته
وأفصح بالألف والهاء ، وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره».
وما رواه في
الكافي في الصحيح قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء ، وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في أذان أو غيره».
وفي هذين
الخبرين ما يدل على ضعف قوله : «وعدم تعليمها للمؤذنين
__________________
وعدم ورودها في اخبار الأذان» فإنهما ـ كما ترى ـ واردان في اخبار الأذان
عند تعليم المؤذنين وغيرهم ممن ذكره (صلىاللهعليهوآله) ولكن باب الجواب عنهما بان الأمر عنده لا يدل على
الوجوب مفتوح ، وليت شعري إذا كانت أوامرهم لا تدل على الوجوب وهذه التهديدات التي
تضمنتها الأخبار من عدم قبول الأعمال بدونها والتوعد بدخول النار وأمثال ذلك لا
تدل على الوجوب فأي دليل يراد ليندفع الإيراد؟ ما هذا إلا عجب عجيب من مثل هذا
الفاضل الأريب.
وبالجملة فإن
القول بالوجوب في المقام مما لا يعتريه غشاوة الإبهام لصحة جملة من هذه الأخبار
بناء على الاصطلاح الناقص العيار ودلالة الجملة الأخرى مما ذكره وقد عرفت استفاضة
الأخبار من الخاصة والعامة على ذلك فالإنكار بعد ذلك مكابرة صرفة وممن ذهب إلى
الوجوب ـ زيادة على ما ذكره ـ المحدث الكاشاني في الوافي والمحقق المدقق
المازندراني في شرحه على أصول الكافي وقد حقق ذلك في شرح باب الدعاء من الكافي ،
وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني.
أقول : ومن
الأخبار الدالة على ما قلناه زيادة على ما تقدم ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا ذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلاة واحدة
صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق شيء مما خلق الله إلا صلى
على ذلك العبد لصلاة الله عليه وصلاة ملائكته ، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور
قد بريء الله منه ورسوله وأهل بيته». والأمر بالإكثار محمول على الاستحباب
وقرينته من سياق الخبر ظاهرة.
والمراد
بالنسيان في الخبرين المتقدمين الترك كقوله تعالى «وَلَقَدْ عَهِدْنا
إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» اي ترك لا النسيان بالمعنى المعهود فإنه لا مؤاخذة
__________________
عليه الحديث رفع القلم .
فروع
(الأول) ـ هل
يختص الوجوب على القول به كما هو المختار وكذا الاستحباب كما هو المشهور بين
الأصحاب باسمه العلمي أو يتعدى إلى لقبه وكنيته وكذا ضميره الراجع اليه؟ لم أقف
لأحد من أصحابنا على كلام في ذلك غير شيخنا البهائي والمحدث الكاشاني ، أما الشيخ
المذكور فإنه قال في مفتاح الفلاح بعد نقل صحيحة زرارة المتقدم ذكرها : ولا يخفى
ان قول الباقر (عليهالسلام) في الحديث الأول «كلما ذكرته أو ذكره ذاكر» يقتضي وجوب
الصلاة سواء ذكره باسمه أو لقبه أو كنيته ، ويمكن ان يكون ذكره بالضمير الراجع
اليه (صلىاللهعليهوآله) كذلك. ولم أظفر في كلام علمائنا (قدس الله أرواحهم) في
ذلك بشيء والاحتياط يقتضي ما قلناه من العموم. واما المحدث المشار إليه فإنه قال
في خلاصة الأذكار : ولا فرق بين الاسم واللقب والكنية بل الضمير على الأظهر. انتهى
وظاهره الجزم بذلك وظاهر الأول الاحتياط.
أقول : والذي
يقرب في الخاطر العليل والفكر الكليل هو التفصيل بأنه ان ذكره باسمه العلمي فلا
ريب في الوجوب ، وان ذكره بغيره من الألقاب والكنى فان كان من الألفاظ التي اشتهرت
تسميته بها واشتهر بها وجرت في الإطلاقات مثل «الرسول والنبي ورسول الله وأبي
القاسم» ونحو ذلك فهي ملحقة بالاسم العلمي ، وان كان غير ذلك من الألفاظ التي يراد
منها وليس كذلك مثل «خير الخلق وخير البرية والمختار» فالظاهر العدم ، والظاهر ان
الضمير من قبيل الثاني ، والاحتياط لا يخفى.
(الثاني) ـ تبعية
آله وعترته له (صلىاللهعليهوآله) في الوجوب والاستحباب لان المستفاد من الأخبار دخولها
في كيفية الصلاة عليه وان المراد بالصلاة عليه كلما ذكر هو ان يصلى عليه وعلى آله
وأهل بيته لا تخصيصه بالصلاة وحده.
__________________
روى في الكافي
عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول «اللهم صل
على محمد» فقال له أبي لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على محمد وأهل بيته».
وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا.
بل قد ورد في
اخبار المخالفين مثل ذلك في جملة منها وقد ذكرناها في كتاب سلاسل الحديد في تقييد
ابن أبي الحديد :
منها ـ قوله (صلىاللهعليهوآله): «لا تصلوا علي الصلاة البتراء فقالوا وما الصلاة
البتراء؟ قال تقولون «اللهم صلى على محمد» وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وآل
محمد» رواه ابن حجر المتأخر في صواعقه . أحرقه الله بها ، وهو من انصب النصاب المعاندين.
ومن أفحش
تعصباتهم انهم مع رواية هذه الأخبار أجمعوا على عدم جواز الصلاة
__________________
على غيره (صلىاللهعليهوآله) وغير الأنبياء بل صرح جملة منهم بالمنع من ضم آله في
الصلاة إليه كل ذلك عداوة وبغضا لهم (عليهمالسلام) بل صرح بعضهم بالاعتراف بذلك وانهم انما تركوها مراغمة
للشيعة حيث انهم يضمون أهل بيته اليه (صلىاللهعليهوآله) في الصلاة عليه كما شرحناه منقحا في الكتاب المشار اليه.
(الثالث) ـ تأدى
ذلك بذكر الصلاة عليه وعليهم كيف اتفق من قولك
__________________
«اللهم صل على محمد وآل محمد» وأردف آله بضميره ، أو قولك «صلىاللهعليهوآله أو صلوات الله عليهم» وكذا ابدال الآل بعترته أو أهل
بيته ، وكل ذلك مستفاد من الأخبار والأدعية المأثورة عنهم (صلوات الله عليهم) ولا
سيما الصحيفة السجادية ، وحينئذ فما ورد عنه (صلىاللهعليهوآله) ـ «انه لما نزلت آية قوله سبحانه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» قيل يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ فقال
قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على
محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد». ـ فالظاهر حمله
على الفرد الأكمل من الصلاة عليه. وهذا الخبر أيضا مروي من طرق القوم كما نقلناه في الكتاب المشار اليه آنفا. وفي هذا الخبر
دلالة على ما قدمناه من دخول الآل في كيفية الصلاة عليه (صلى الله عليه وعليهم
أجمعين).
(الرابع) ـ لو
سمع ذكره (صلىاللهعليهوآله) في حال الصلاة واشتغل بإتمام صلاته ولم يصل عليه
فالأشهر الأظهر صحة صلاته وان اثم على القول بالوجوب. وربما قيل بالبطلان بناء على
انه مأمور بالصلاة والأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده الخاص ، والنهي متى توجه في
العبادة إلى شرطها أو جزئها أوجب فسادهما. وحيث ان القاعدة المذكورة لم يقم دليل
عندنا على صحتها كما تقدم الكلام فيه في غير موضع لم يثبت الحكم بالبطلان ، بل
ناقش بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين في القاعدة الثانية أيضا فقال ان
النهي وان توجه إلى شرطها وجزئها لا يكون مبطلا. ولكن الظاهر بعده
(الخامس) ـ ظاهر
قوله في صحيحة زرارة المتقدمة : «كلما ذكرته أو ذكره ذاكر» وجوب الفورية بها وهو
كذلك. وممن صرح بذلك أيضا الفاضل المحقق المولى
__________________
محمد صالح المازندراني في شرحه على الأصول حيث قال : ثم الظاهر من بعض
الأخبار المذكورة ـ حيث رتب الأمر بالصلاة على الذكر بالفاء التعقيبية ـ هو
فوريتها فلو أهمل الفور اثم على تقدير الوجوب ولم يسقط. وكذا الظاهر هو الأمر بها
على كل أحد في جميع الأحوال. ولو كان مشتغلا بالصلاة. ثم ذكر نحو ما ذكرنا في
الفرع الرابع من تفريع الابطال وعدمه على المسألة الأصولية واختار عدم الابطال
لعدم التعويل على تلك القاعدة الأصولية.
تذنيب
لا بأس بنقل
بعض الأخبار الواردة في فضل الصلاة عليهم تقربا إلى الله تعالى وإليهم زيادة على
ما ذكرناه وتأكيدا لما سطرناه :
فمنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل
محمد».
وعن السكوني عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من دعا ولم يذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) رفرف الدعاء على رأسه فإذا ذكر النبي رفع الدعاء».
وعن صفوان
الجمال في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كل دعاء يدعى الله تعالى به محجوب عن السماء حتى
يصلى على محمد وآل محمد «صلىاللهعليهوآله».
وعن ابن جمهور
عن أبيه عن رجاله قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآل
محمد (صلىاللهعليهوآله) ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد فان
الله تعالى أكرم من ان يقبل الطرفين ويدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمد وآل محمد
لا تحجب عنه».
__________________
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) «ان رجلا اتى النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اجعل لك ثلث صلاتي لا بل اجعل لك نصف صلاتي لا بل
اجعلها كلها لك فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا تكفى مؤنة الدنيا والآخرة».
وعن أبي بكر
الحضرمي قال : «حدثني من سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول جاء رجل إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال اجعل نصف صلاتي لك قال نعم. ثم قال اجعل صلاتي
كلها لك. قال نعم. فلما مضى قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كفي هم الدنيا والآخرة».
أقول : المراد
بالصلاة في هذين الخبرين الدعاء بمعنى انه كلما دعا الله تعالى في حاجة صلى على
الرسول وآله وجعل الصلاة عليه وعلى آله أصلا وأساس لدعائه ثم بنى عليه كما سيأتي
في الأخبار الآتية الإشارة اليه ان شاء الله.
وعن مرازم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان رجلا اتى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال يا رسول الله اني جعلت ثلث صلاتي لك فقال له خيرا
فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اني جعلت نصف صلاتي لك فقال له ذاك أفضل فقال اني جعلت
كل صلاتي لك فقال إذا يكفيك الله (عزوجل) ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك. فقال له
رجل أصلحك الله كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) لا يسأل الله شيئا إلا بدأ بالصلاة على محمد وآل محمد».
وعن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) ما معنى «اجعل صلاتي كلها لك»؟ فقال يقدمه بين يدي كل
حاجة فلا يسأل الله شيئا حتى يبدأ بالنبي (صلىاللهعليهوآله) فيصلي عليه ثم يسأل الله حوائجه».
__________________
وروى الصدوق في
كتاب ثواب الأعمال بسنده عن عاصم بن ضمرة عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : «الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) أمحق للخطايا من الماء للنار والسلام على النبي (صلىاللهعليهوآله) أفضل من عتق رقاب وحب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أفضل من مهج الأنفس ، أو قال ضرب السيوف في سبيل الله».
وعن جابر عن
أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون
سنة ثم انه سأل الله بحق محمد وأهل بيته (صلىاللهعليهوآله) لما رحمتني فأوحى الله إلى جبرئيل أن اهبط إلى عبدي
فأخرجه قال يا رب وكيف لي بالهبوط في النار؟ قال الله اني امرتها ان تكون عليك
بردا وسلاما. قال يا رب فما علمي بموضعه قال انه في جب في سجين. قال فهبط جبرئيل
على النار على وجهه فأخرجه فقال الله عزوجل يا عبدي كم لبثت في النار؟ قال ما احصي يا رب. فقال
وعزتي وجلالي لو لا ما سألتني به لأطلت هوانك في النار ولكني حتمت على نفسي ان لا
يسألني أحد بحق محمد وأهل بيته (صلىاللهعليهوآله) إلا غفرت له ما كان بيني وبينه وقد غفرت لك اليوم».
وعن عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ذات يوم لأمير المؤمنين (عليهالسلام) ألا أبشرك؟ قال بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشرا
بكل خير. فقال أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) وما الذي أخبرك يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله)؟ قال أخبرني ان الرجل من أمتي إذا صلى علي واتبع
بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة وانه
لمذنب خطأ ثم تحات عنه الذنوب
__________________
كما يتحات الورق من الشجر ويقول الله تعالى لبيك عبدي وسعديك يا ملائكتي
أنتم تصلون عليه سبعين صلاة وانا أصلي عليه سبعمائة صلاة. فإذا صلى علي ولم يتبع
بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا ويقول الله (جل جلاله) لا
لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا ان يلحق بالنبي (صلىاللهعليهوآله) عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بها أهل بيتي». وفي
هذا الخبر دلالة على ما قدمناه سابقا من دخول الآل في الصلاة عليه (صلى الله عليه
وعليهم).
وعن الرضا (عليهالسلام) «من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها
تهدم الذنوب هدما».
إلى غير ذلك من
الأخبار وفي ما ذكرناه كفاية لاولى الأفكار ، نسأل الله الثبات على ولايتهم والحشر
في زمرتهم انه القادر على ما يشاء.
الفصل العاشر في التسليم
وقد وقع الخلاف
فيه في مواضع : (الأول) في وجوبه واستحبابه ، و (الثاني) في دخوله في الصلاة
وخروجه ، و (الثالث) في كيفيته وانه عبارة عما ذا؟ وحينئذ فتحرير الكلام في المقام
وتنقيحه بما يدفع عنه تطرق النقض والإبرام يتوقف على بسطه في مواضع ثلاثة :
(الأول) ـ في
الوجوب والاستحباب وشرح الخلاف فيه ، فذهب المرتضى في المسائل الناصرية والمحمدية
وأبو الصلاح وسلار وابن أبي عقيل والقطب الراوندي وصاحب الفاخر وابن زهرة إلى
الوجوب واختاره المحقق وصاحب البشرى والعلامة في المنتهى والشهيد وهو المختار ،
وذهب الشيخان وابن البراج وابن إدريس إلى الاستحباب واليه ذهب جمهور المتأخرين.
ويدل على
الوجوب وقوع الأمر به الذي هو حقيقة في الوجوب في الأخبار
__________________
المستفيضة : منها ـ ما تقدم
في صحيحة ابن
أذينة أو حسنته من حديث المعراج وقول الله تعالى لنبيه (صلىاللهعليهوآله): «سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وأوامره
عزوجل للوجوب بلا خلاف إلا ما خرج بالدليل. ومنها ـ ما تقدم في موثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل من قوله
في آخرها : «ثم تسلم» وكذا في عبارة الفقه من قوله «ثم سلم عن يمينك» إلى غير ذلك من الأخبار التي
يضيق المقام عن نقلها.
قال الفاضل
الخراساني في الذخيرة في نقل أدلة القائلين بالوجوب : السابع ـ تعلق الأمر وما في
معناه به في اخبار كثيرة والأمر للوجوب فيكون التسليم واجبا ، فمن ذلك ما رواه
الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت
فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع. الحديث». وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يصلى الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى
يركع؟ فقال يتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان يتكلم». الى غير
ذلك من الأخبار الكثيرة كصحيحة الحلبي وصحيحة عبد الحميد بن عواض ومرسلة ابن أبي يعفور ومرسلة ابن أبي عمير وحسنة زرارة الطويلة الواردة في حكم الفوائت وحسنة الحلبي الواردة في صلاة الخوف وحسنة أخرى لزرارة وموثقة أبي بصير
__________________
وموثقة عمار ورواية أبي بكر الحضرمي ورواية الحسين بن أبي العلاء ورواية عبد الله بن أبي يعفور وعبد الرحمن بن سيابة وغيرها من الأخبار التي لا مزيد فائدة في نقلها.
والجواب ان دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب من غير قرينة تلتحق بها غير واضح
، وعلى كل تقدير فلا معدل عن حمل الأوامر في تلك الأخبار على الاستحباب جمعا بين
الأدلة. انتهى.
وفيه ما عرفت
في غير موضع من ان هذا الأمر الذي تفرد به من بين كافة العلماء قديما وحديثا باطل
موجب لخروج قائله عن الدين من حيث لا يشعر كما تقدم التنبيه عليه في غير مقام مما
تقدم ، والواجب حمل هذه الأوامر على الوجوب كما عليه محققو الأصوليين ودلت عليه
الآيات والروايات المتقدمة في مقدمات الكتاب إلى ان يظهر خلافه. وما يدعى من أدلة
الاستحباب سيأتيك الكلام عليها في الباب.
ولنكتف هنا في
تحقيق ما اخترناه بنقل كلام صاحب المدارك وبيان ما فيه حيث انه ممن اختار القول
بالاستحباب وبالغ في الاستدلال عليه ونقض ما خالفه ، وبإبطاله يظهر صحة ما اخترناه
زيادة على ما استندنا اليه من الأوامر المشار إليها فنقول :
قال (قدسسره) بعد ذكر الاستحباب ونقله عن جملة من الأصحاب ما لفظه :
وهو المعتمد ، لنا ـ ان الوجوب زيادة تكليف والأصل عدمه ، وما رواه الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «إذا استويت جالسا فقل : اشهد ان لا إله إلا
الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. ثم تنصرف». وفي الصحيح عن
الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر
__________________
(عليهالسلام) قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فان كان
مستعجلا في أمر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه». والمراد بالإجزاء الاجزاء في
حصول الفضيلة والكمال كما يقتضيه أول الخبر. وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه
موسى (عليهالسلام) «وقد سأله عن المأموم يطول الامام فتعرض له الحاجة قال يتشهد وينصرف ويدع
الامام». وفي الموثق عن يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت ان أسلم
عليهم فقالوا ما سلمت علينا؟ فقال ألم تسلم وأنت جالس ، قلت بلى ، قال لا بأس عليك
ولو نسيت حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم». ويمكن ان يستدل
عليه أيضا بصحيحة معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين
واجعله امامك واقرأ في الأولى منهما «قل هو الله أحد» وفي الثانية «قل يا ايها
الكافرون» ثم تشهد واحمد الله تعالى وأثن عليه وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) واسأله ان يتقبل منك.». فان ظاهره عدم وجوب التسليم في
ركعتي الطواف ولا قائل بالفصل. ويدل عليه أيضا انه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة
بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله ، اما الملازمة
فإجماعية واما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليهالسلام) «انه سأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته». وما
رواه الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد
الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».
__________________
وما رواه غالب بن عثمان في الموثق عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلي المكتوبة فتنقضي صلاته
ويتشهد ثم ينام قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته وان كان رعافا غسله ثم رجع فسلم». انتهى.
وتوجه النظر
اليه من وجوه : (الأول) ان ما ذكره من الاستدلال بالأصل فصحيح إلا انه يجب الخروج
عنه بالدليل وهو هنا الأوامر الواردة بالتسليم التي هي حقيقة في الوجوب باعترافه ،
وهي في الأخبار أكثر من ان يأتي عليها قلم الإحصاء ، وقد عرفت منها ما تقدم وستعرف
ان شاء الله.
(الثاني) ـ استدلاله
بالصحيحتين المذكورتين ، فان فيه (أولا) انهم لا يقفون على ظاهرهما ولا يفتون بهما
لدلالتهما على عدم وجوب الصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) في التشهد مع إجماعهم على ذلك ، وحينئذ فكيف يستندون
إليهما هنا والحال في المقامين واحد؟
و (ثانيا) ـ ان
غاية ما يدلان عليه تمام الصلاة بعد التشهد وهو غير مناف لمذهبنا في المسألة ،
فانا نختار فيها كون التسليم واجبا خارجا فلا يرد علينا الاستدلال بهما كما لا
يخفى ، على ان الثانية منهما وهي صحيحة الفضلاء الثلاثة ظاهرة في وجوب التسليم وان
كان قد تمت صلاته بالتشهد وهو عين ما نختاره من كونه واجبا خارجا كما سيأتي تحقيقه
ان شاء الله ، وحاصل معنى الخبر انه بالفراغ من التشهد فقد تمت صلاته ، فان كان
مستعجلا في أمر يخاف فوته سلم وانصرف من غير ان يأتي ببقية الأذكار المستحبة التي
مرت في موثقة أبي بصير وعبارة الفقه الرضوي ، وان كان غير مستعجل اتى بتلك الأذكار
الموظفة مستجمعا لمستحباتها على الوجه الأكمل ، وبذلك يظهر لك ما في قوله : «والمراد
بالإجزاء الاجزاء في حصول الفضيلة والكمال» من التكلف الذي لا ضرورة تلجئ إليه في
هذا المجال.
__________________
(الثالث) ـ ان
ما ذكره من صحيحة علي بن جعفر فإنه لم ينقلها على وجهها وكأنه نقلها بالمعنى وحرف
لفظ التسليم إلى التشهد ، وصورة الرواية هكذا : علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف امام فيطول في التشهد
فيأخذه البول أو يخاف على شيء ان يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال يسلم وينصرف
ويدع الامام». والعجب انه قد نقلها بهذه الصورة التي ذكرناها في بحث صلاة الجماعة
في مسألة جواز الانفراد للمأموم مع العذر ، وبذلك يظهر ان هذه الرواية مثل صحيحة
الفضلاء الثلاثة المتقدمة في انها دالة على خلاف ما يدعيه فهي عليه لا له كما لا
يخفى.
أقول : ومثل
هذه الرواية أيضا صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل يكون خلف الامام فيطيل الامام
التشهد؟ قال يسلم ويمضي لحاجته ان أحب».
(الرابع) ـ استدلاله
بموثقة يونس بن يعقوب ومثلها موثقة غالب بن عثمان فإنه لا يخلو من غرابة ، إذ لا
يخفى ان قاعدته في هذا الكتاب رد الأخبار الموثقة والحكم بضعفها وانها متى وردت من
طرف الخصم طعن فيها بالضعف وردها فكيف جاز منه الاستدلال بها هنا؟ ما هذه إلا
مجازفة ظاهرة ، على ان معنى هذه الرواية أعني موثقة يونس ليس ما توهمه بل هي
بالدلالة على نقيض ما يدعيه أشبه ، وذلك ان الغرض من السؤال انما هو ان المصلي بعد
ان صلى بالقوم وأتم صلاته وسلم لم يلتفت إلى القوم بوجهه ويسلم عليهم كما هو السنة
يومئذ ولا سيما في مقام التقية من التفات الإمام إلى
__________________
المأمومين بوجهه وقوله «السلام عليكم» وان سلم لنفسه ، ولهذا قال له
الامام «ألم تسلم وأنت جالس؟ قال بلى فقال لا بأس عليك» لإتيانه بالواجب والذي أخل
به أمر مستحب وهو الالتفات إليهم بوجهه ، ثم قال له «ولو نسيت السلام عليهم حتى
قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك ـ في مقامك ذلك ـ وقلت السلام عليكم» وحينئذ
فالرواية كسابقتها عليه لا له
(الخامس) ـ استدلاله
بصحيحة معاوية بن عمار فإنها (أولا) أخص من المدعى والاستناد في التعميم إلى عدم
القائل بالفصل ليس بذلك الفصل. و (ثانيا) إمكان التجوز بل شيوعه بحمل التشهد على
ما يشمل التسليم كما انه يطلق على مجموع تلك الأذكار الطويلة اسم التشهد. وقوله في
الرواية «واحمد الله. إلخ» المراد به بعد صلاة الركعتين كما لا يخفى.
(السادس) ـ الاستدلال
ببطلان الصلاة بتخلل المنافي لو كان واجبا ففيه :
(أولا) ان ما
ادعاه من ان الملازمة إجماعية فهو في حيز المنع لأن جملة من الأصحاب القائلين
بالوجوب قد ذهبوا إلى كونه واجبا خارجا كما يأتي ذكره ان شاء الله تعالى ، ومنهم ـ
شيخنا الشهيد في قواعده حيث قال على ما نقله عنه بعض مشايخنا المحققين وسيأتي نقل
كلامه ان شاء الله. وبه يظهر ان دعوى الإجماع مجازفة ولو كان ثمة إجماع لما خفي
على شيخنا المشار اليه مع تبحره وسعة باعه ووفور اطلاعه.
و (ثانيا) ـ ان
ما ذكره من الأخبار انما يرد على من قال بكونه واجبا داخلا ونحن قلنا بكونه واجبا
لكنا نقول بكونه خارجا. بقي
__________________
أنها مطلقة بالنسبة إلى التسليم إذ لا تعرض له فيها بنفي ولا إثبات وقضية
ورود جملة من الأخبار الدالة على الوجوب ـ كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ـ حمل
إطلاق هذه الأخبار على تلك فيجب الحكم بصحة الصلاة وان وجب عليه الإتيان بالتسليم.
ثم قال في
المدارك أيضا في رد ما احتج به القائلون بالوجوب : الثالث ـ ما رواه الشيخ
والمرتضى وابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انه قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها
التسليم». وقد رواه الكليني مسندا عن علي بن محمد بن عبد الله عن سهل بن زياد عن جعفر
بن محمد الأشعري عن القداح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله). الحديث». وجه الاستدلال ان التسليم وقع خبرا عن
التحليل فيجب كونه مساويا للمبتدإ أو أعم منه فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ
أعم. وأيضا فإن الظاهر ارادة حصر التحليل فيه لأنه مصدر مضاف إلى الصلاة فيتناول
كل تحليل يضاف إليها. ولأن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى ان الذي صدق
عليه انه تحليل للصلاة يصدق عليه التسليم. كذا قرره في المعتبر ، وجوابه (أولا)
بضعف هذا الحديث ، وما قيل ـ من ان هؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا
علمهم بصحته لما أرسلوه ـ فظاهر الفساد. و (ثانيا) ان ما قرر في إفادة الحصر غير
تام لأن مبناه على دعوى كون الإضافة للعموم وهو ممنوع فإن الإضافة كما تكون
للاستغراق تكون للجنس وللعهد الذهني والخارجي كما قرر في محله. الرابع ـ ما رواه
الشيخ عن ابي بصير قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما
__________________
جلس في الركعتين قبل ان يتشهد رعف؟ قال فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم
صلاته فان آخر الصلاة التسليم». والجواب (أولا) بالطعن في السند باشتراك أبي بصير
بين الثقة وغيره ، وبأنه من جملة رجالها عثمان بن عيسى وسماعة وهما واقفيان. و (ثانيا)
منع الدلالة فإن كون التسليم آخر الصلاة لا يقتضي وجوبه فإن الأفعال تشمل الواجب
والمندوب. و (ثالثا) بأنه متروك الظاهر إذ لا نعلم بمضمونه قائلا من الأصحاب. انتهى
المقصود من كلامه زيد في مقامه.
وفيه نظر من وجوه
: (الأول) ما أجاب به عن حديث «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» من ضعف السند
فان فيه (أولا) ما قدمنا بيانه في غير موضع من ان الطعن بذلك لا يقوم حجة على
المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح الذي هو أقرب إلى الفساد من الصلاح عندهم
ولا على غيرهم ممن يرى بطلانه.
و (ثانيا)
استفاضة الأخبار بذلك وان ضعف سندها فان تكررها في الأصول المعتمدة برواية أجلاء
مشايخ العصابة لا يقصر عن خبر صحيح باصطلاحهم كما لا يخفى على المصنف :
ففي حديث الفضل
بن شاذان المروي في العلل وعيون الأخبار «انما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا
آخر قيل لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى
الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين بالكلام انما
هو بالتسليم». وفي نسخة اخرى «وانما بدأ المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم» فانظر
إلى صراحة هذا الخبر في حصر التحليل في التسليم دون غيره من تكبير أو تسبيح أو ضرب
آخر.
وفي كتاب
المناقب لابن شهرآشوب عن أبي حازم قال : «سئل علي بن الحسين (عليهالسلام) ما افتتاح الصلاة؟ قال التكبير. قال ما تحليلها؟ قال
التسليم».
__________________
وفي عيون
الأخبار في ما كتبه الرضا (عليهالسلام) للمأمون قال : «تحليل الصلاة التسليم».
وفي العلل
بسنده عن المفضل بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال
لانه تحليل الصلاة. إلى ان قال : فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحية
الملكين».
وما رواه
الصدوق في الهداية قال : «قال الصادق (عليهالسلام) تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم».
وروى الشيخ
مرسلا قال : «قال رجل لأمير المؤمنين (عليهالسلام) ما معنى قول الامام : السلام عليكم؟ فقال ان الامام
يترجم عن الله تعالى ويقول في ترجمته لأهل الجماعة أمان لكم من عذاب الله يوم
القيامة».
وما رواه
الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي بسند معتبر قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال التسليم علامة الأمن
وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذلك جعلت فداك؟ فقال الناس في ما مضى إذا سلم عليهم وارد
أمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم وإذا لم يسلم عليهم لم يأمنوه وإذا لم
يردوا على المسلم لم يأمنهم وذلك خلق في العرب ، فجعل التسليم علامة للخروج من
الصلاة وتحليلا للكلام وأمنا من ان يدخل في الصلاة ما يفسدها والسلام اسم من أسماء
الله تعالى وهو واقع من المصلي على الملكين الموكلين».
وهذه الأخبار ـ
كما ترى ـ ظاهرة في ان التسليم الذي يحصل به الاذن والتحليل انما هو صيغة «السلام
عليكم» دون «السلام علينا» على ان من جملة من نقل الحديث
__________________
المذكور الصدوق في الفقيه وهو قد استدل باخبار الفقيه وان ضعفت في مواضع من
شرحه اعتمادا على ما ضمنه في صدر كتابه : منها ـ في جلد الميتة يوضع فيه السمن
واللبن ، وقد تقدم في كتاب الطهارة .
(الثاني) ـ ما
طعن به على دلالة الخبر المذكور من عدم افادته الاستغراق فإنه لا يخفى ان المتسارع
إلى الفهم الصائب من هذه الأخبار التي تلوناها والمنساق إلى الذوق الثاقب منها
انما هو بيان الحد الموجب لتحريم ما كان محللا قبل الدخول في الصلاة وتحليل ما كان
محرما بعد الدخول ، فبين (عليهالسلام) ان الحد الأول الذي يحرم به ما كان محللا هو التكبير
للإحرام والحد الثاني الذي يحل به ما كان محرما في الصلاة هو التسليم. ولا ريب ان
هذا المعنى انما يتجه بناء على إفادة الإضافة العموم والاستغراق والمفهوم من كلام
علماء الفن في أمثال هذا المقام وان كان هو استعمال الإضافة في كلا المعنيين كما
ذكره إلا ان قرينة السياق واخبار التعليل بوجوب التسليم والإتيان به في الصلاة ولا
سيما الخبر الأول انما تنطبق على الحمل على العموم والاستغراق في هذه الإضافة فيجب
الحمل عليه البتة كما لا يخفى ، فان المنصف تكفيه الإشارة والمتعسف لا ينتفع ولو
بألف عبارة.
(الثالث) ـ ما طعن
به في موثقة أبي بصير (أما أولا) فما طعن به من ضعف السند فقد عرفت انه غير مسموع
ولا معتمد ، على انه متى كانت الأخبار الموثقة ضعيفة باصطلاحه كما طعن به في هذا
الموضع وغيره فكيف يستدل بالموثقتين المتقدمتين كما أشرنا إليه آنفا؟ ولكن هكذا
طريقته في غير مقام متى احتاج إلى الاستدلال بالموثقات استدل بها وزيفها بوجوه
تخريجية ومتى استدل بها الخصم طعن فيها بضعف السند ، وهذه من جملة المناقضات التي
جرت له في هذا الشرح.
و (اما ثانيا)
فان ما ذكره من منع الدلالة ضعيف ، فان المتسارع إلى الفهم السليم
__________________
والذوق القويم من هذه العبارة هو الأمر بالرجوع وإتمام الصلاة يعني بالتشهد
والتسليم عملا بمقتضى التعليل ، فان معنى «فليتم صلاته» يعني يأتي بها إلى آخرها.
ثم ذكر ان آخرها التسليم ، وحينئذ فالأمر بالإتمام متوجه إلى الصلاة التي آخرها
التسليم ، نظير ذلك قولك اكتب هذا الكتاب من أوله إلى آخره فان آخره كذا. فإنه لا
ريب ان ذلك الآخر داخل في المأمور بكتابته ، وبذلك يتضح ان التسليم في الخبر
المأمور به والأمر للوجوب كما قرر في محله. هذا وجه الاستدلال بالخبر لأن محل
الاستدلال ـ كما توهمه ـ مجرد قوله في الخبر «فان آخر الصلاة التسليم» حتى يتوجه
ما ذكره.
(الرابع) ـ ما
ذكره بقوله : «انها متروكة الظاهر» فاني لا اعرف له وجها كما لا يخفى على الناظر
الماهر ، فإنه ان أراد من حيث اشتمال الخبر على الخروج وغسل انفه ثم الرجوع في
صلاته ففيه انه قد ورد الحكم بذلك في عدة من الأخبار وبه قال الأصحاب من غير خلاف
يعرف ، بمعنى ان المصلي يقطع الصلاة ويزيل النجاسة ثم يرجع في صلاته ويبنى على ما
مضى ما لم يستلزم ذلك مبطلا من خارج ، فالمراد بالخروج في الخبر هو الخروج من
الصلاة وقطعها لأجل إزالة النجاسة ، وستأتي الأخبار بذلك في محلها ان شاء الله
تعالى.
(الموضع الثاني)
ـ في بيان كونه واجبا خارجا ، اما وجوبه فلما عرفت في الموضع المتقدم ، واما خروجه
فهو قول جمع من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد في قواعده فان الظاهر منه ذلك حيث
قال : ان صحيحة زرارة في المحدث قبل التسليم «قد تمت صلاته». وصحيحته الأخرى في من صلى خمسا «ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته». لا يدل شيء منهما على
عدم وجوب التسليم وانما يدلان على عدم جزئيته. انتهى.
واعترضه تلميذه
الفاضل المقداد في شرح النافع بلزوم خرق الإجماع المركب ،
__________________
قال : لأن القائل قائلان انه اما واجب فهو جزء من الصلاة ـ ولهذا حصروا
الواجبات في ثمانية ـ أو غير واجب فيكون واحدا من مندوباتها ، فالقول بكونه واجبا
غير جزء خرق للإجماع وحينئذ لا يتم حمله المذكور للرواية. انتهى. وفيه ما قدمنا
تحقيقه في غير مقام ولا سيما في مقدمات الكتاب من ان هذا الإجماع المتناقل في
كلامهم والدائر على السن أقلامهم لا يعول عليه وليس بدليل شرعي يرجع اليه ، على
انه لو كان ثمة إجماع لما خفي على شيخنا المذكور مع سعة باعه ووفور اطلاعه. والعجب
من جمود صاحب المدارك ـ كما قدمنا عنه ـ على ذلك مع ضيق ساحته في الإجماع وكثرة
الجدال منه فيه والنزاع.
وممن يظهر منه
الميل إلى هذا القول أيضا الجعفي صاحب الفاخر على ما نقله عنه في الذكرى من حكمه
بعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث مع قوله بوجوب التسليم وبه صرح الفاضل أبو الفضائل
أحمد بن طاوس الحسنى صاحب كتاب البشرى حيث نقل عنه ان التسليم واجب وان حصل الخروج
من الصلاة قبله بقوله «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» واليه ذهب المحدث
الكاشاني في المفاتيح والحر العاملي ، وهو المختار الذي تجتمع عليه الأخبار كما
عرفت في ما تقدم ، وهو ظاهر صحيحة الفضلاء الثلاثة المتقدمة بالتقريب الذي ذكرناه ثمة.
ويدل عليه أيضا
قوله في صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في من نسي التشهد الأول حيث قال : «يتم صلاته ثم يسلم».
وصحيحة سليمان
بن خالد في ذلك أيضا حيث قال (عليهالسلام): «وان لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ
فليسلم».
فان العطف في
الأول على إتمام الصلاة وقوله في الثاني «حتى إذا فرغ فليسلم» أوضح دليل على ذلك ،
والخبران ـ كما ترى ـ دالان على الوجوب من حيث الأمر فيهما بالتسليم.
__________________
وبالجملة فإن
الأخبار لما دلت على الوجوب من حيث تكرار الأمر بذلك فيها مضافا إلى ما حققناه في
الموضع الأول ودلت اخبار تخلل الحدث ونحوه قبل التسليم على صحة الصلاة فلا وجه
للجمع بين الجميع إلا بهذا القول وتخرج الصحيحتان المذكورتان ونحوهما شاهدا على
ذلك.
ويدل على ذلك
أيضا الأخبار الآتية في الموضع الآتي ان شاء الله الدالة على انه بقوله : «السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقد تمت صلاته وانقطعت وان التسليم انما هو بعد
ذلك.
نعم ربما ينقدح
هنا اشكال وهو ان يقال مقتضى اخبار «تحليلها التسليم» ـ كما تقدم تحقيقه ـ هو ان
التحليل لا يحصل إلا به فهي ظاهرة في دخوله وجزئيته ومقتضى ما اخترتم هو حصول
التحليل بغيره وان وجب الإتيان به. وبهذا الوجه اعترض الفاضل المقداد على شيخنا
الشهيد أيضا في ما تقدم نقله عنه مما يدل على كونه واجبا خارجا.
والجواب عنه ان
الذي يقتضيه الجمع بين الأدلة في هذا المقام ان التسليم وان كان واجبا خارجا إلا
انه لا دليل على جواز تعمد الفعل المنافي قبله ، وهذا معنى كونه تحليلا بمعنى ان
ما حرم في الصلاة لا يحل للمكلف الإتيان به إلا بعد التسليم ، ولا ينافي ذلك ما لو
سبقه الحدث أو غلبه النوم مثلا فإنه لا دليل على بطلان صلاته بذلك بل الأدلة دالة
كما عرفت على الصحة. ولم أقف على من نبه على هذا الاشكال من القائلين بهذا القول ،
والجواب عنه هو ما ذكرنا.
قال الفاضل
الخراساني في الذخيرة ـ بعد البحث في المسألة واختياره القول بالاستحباب كما هو
المشهور بين متأخري الأصحاب ـ ما صورته : وهل التسليم جزء من الصلاة. أم خارج عنها؟
قال المرتضى لم أجد لأحد فيه نصا ويقوى عندي انه من الصلاة والظاهر هو الثاني ،
وقد تقدمت في هذا البحث روايات كثيرة دالة عليه ويزيدها بيانا ما رواه الشيخ في
الصحيح عن سليمان بن خالد ، ثم ذكر صحيحة سليمان
ابن خالد المذكورة ، ثم قال وعن الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصلي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس بينهما
حتى يركع في الثالثة ، قال فليتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان
يتكلم». ويدل على كونه جزء من الصلاة رواية أبي بصير المتقدمة ويؤيده تأييدا ضعيفا صحيحة الفضلاء الواردة في صلاة
الخوف ولا معدل عن ارتكاب التأويل في ما دل على الجزئية لعدم انتهاضه بمقاومة
الأخبار الدالة على خروجه عن الصلاة. انتهى.
وظاهره ـ كما
ترى ـ القول بخروجه واستحبابه ، وإلى هذا يميل كلام شيخنا المجلسي في كتاب البحار
أيضا فيصير قولا ثالثا في المسألة ، لأن القول المشهور على تقدير الوجوب هو
الجزئية والقول الثاني الخروج مع الوجوب ، وظاهره هنا مع اختياره الاستحباب ـ كما
قدمنا نقله عنه ـ اختيار الخروج فيصير عنده مستحبا خارجا. والظاهر انه أشار بقوله
هنا «وقد تقدمت في هذا البحث روايات كثيرة دالة عليه» الى روايات صحة الصلاة مع
تخلل الحدث ونحوه قبل التسليم.
ثم ان من أظهر
اخبار الجزئية أخبار «تحليلها التسليم» . كما لا يخفى إلا ان الواجب ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ تخصيصها
باخبار تخلل الحدث ونحوه سهوا.
(الموضع الثالث)
ـ في الصيغة الواجبة التي يخرج بها من الصلاة هل هي «السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين» أو «السلام عليكم»؟
وقد وقع الخلاف
هنا في موضعين (الأول) في الصيغة الواجبة في التسليم وانها اي الصيغتين؟ فالمشهور
انه «السلام عليكم» قال في الدروس وعليه الموجبون. وذكر في البيان ان «السلام
علينا.» لم يوجبها أحد من القدماء وان القائل بوجوب التسليم يجعلها مخرجة. وذهب
المحقق في كتبه الثلاثة إلى التخيير بين الصيغتين وان الواجب
__________________
ما تقدم منهما. وتبعه العلامة. وأنكره الشهيد في الذكرى والبيان. فقال في
الذكرى انه قول محدث في زمان المحقق أو قبله بزمان يسير ونقل الإيماء الى ذلك من
شرح رسالة سلار ، وقال في موضع آخر انه قوي متين إلا انه لا قائل به من القدماء
وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا؟ مع انه قد قال بذلك في الرسالة الألفية واللمعة
الدمشقية وهي من آخر مصنفاته. وذهب صاحب الجامع يحيى بن سعيد إلى وجوب «السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين» وتعينها للخروج من الصلاة. وأنكره في الذكرى وقال
انه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر به قائله. ونسب المحقق في المعتبر هذا القول
إلى الشيخ وخطأه الشهيد في هذه النسبة. وذهب الجعفي صاحب الفاخر إلى وجوب «السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» وهو ظاهر الشيخ المقداد في كنز العرفان.
(الثاني) ـ في
ما يخرج به المكلف من الصلاة ، فقيل بتعين الخروج ب «السلام عليكم» وهو قول أكثر
القائلين بوجوب التسليم ، ومنهم من قال انه يخرج من الصلاة بقوله «السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين» وان وجب الإتيان ب «السلام عليكم» بعد ذلك وهو قول صاحب البشرى
، قال في الذكرى : وقال صاحب البشرى السيد جمال الدين بن طاوس ـ وهو مضطلع بعلم
الحديث وطرقه ورجاله ـ لا مانع ان يكون الخروج ب «السلام علينا.» وان كان يجب «السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته» بعده للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق (عليهالسلام) في وصف صلاة النبي (صلىاللهعليهوآله) في السماء «انه لما صلى أمر ان يقول للملائكة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». إلا
ان يقال هذا في الإمام دون غيره ، قال ومما يؤكد وجوبه رواية زرارة ومحمد بن مسلم
عن الباقر (عليهالسلام) قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فان كان
مستعجلا في أمر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه». وذهب
__________________
المحقق والعلامة في المنتهى والشهيد في اللمعة إلى التخيير بينهما وانه
يخرج من الصلاة بكل منهما ولو جمع بينهما يحصل الخروج بالمتقدم منهما. وقد تقدم
إنكار الشهيد لذلك في الذكرى. وقال في البيان بعد البحث عن الصيغة الاولى :
وأوجبها بعض المتأخرين وخير بينها وبين «السلام عليكم» وجعل الثانية منهما مستحبة
وارتكب جواز «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» بعد «السلام عليكم» ولم يذكر
ذلك في خبر ولا مصنف بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلونها مقدمة. وذهب
يحيى بن سعيد إلى تعين الخروج بالصيغة الأولى.
أقول :
المستفاد من الأخبار الواردة في هذا المقام ان السلام المطلق الذي هو معدود في
سياق أفعال الصلاة وواجباتها وانه تحليل الصلاة انما هو «السلام عليكم» ولكن جملة
من الأخبار قد صرحت ان آخر أفعال الصلاة «هو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»
وهو آخر اجزاء التشهد المستحب ومن توابعه وصرحت بأنه بها تتم الصلاة وتنقطع ويخرج
من الصلاة. ومن هنا وقع الخلاف ونشأ الإشكال الموجب لتعدد هذه الأقوال ، فحيث رأوا
في الأخبار ان «السلام علينا» مخرجة من الصلاة وقاطعة لها وهي في آخر اجزاء التشهد
وانضم إلى ذلك ورود الأمر بالتسليم بقول مطلق في جملة من الأخبار المحتملة لحمله
على «السلام علينا.» ورأوا أيضا فيها ان «السلام عليكم» تحليل الصلاة واذن
بالانصراف منها وإيذان حملوا هذه الألفاظ في الموضعين على معنى واحد ، فبعض منهم
خير بين الصورتين فأيهما قدم كانت كافية في أداء الواجب والخروج من الصلاة وكانت
الثانية مستحبة ، وآخرون لما رأوا اخبار «السلام علينا.» قاصرة عن افادة الوجوب
حملوا إطلاق الأمر بالتسليم على خصوص «السلام عليكم» وجعلوها مستحبة وان كانت
مخرجة كما يفهم من كلام صاحب البشرى.
ومن الأخبار
الواردة في المقام موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي (عليه
وآله السلام) وتقول
__________________
«السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم
تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة «السلام عليكم» وكذلك إذا كنت وحدك تقول «السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين» مثل ما سلمت وأنت إمام ، فإذا كنت في جماعة فقل
مثل ما قلت وسلم على من على يمينك وشمالك. الحديث».
دلت هذه
الرواية على انقطاع الصلاة وتمامها بعد قول «السلام علينا.» وذلك يعطي أنها آخر
اجزاء الصلاة وان التسليم الذي هو «السلام عليكم» واجب خارج كما اخترناه وهو الذي
يؤذن به القوم ويرخصهم إذا كان اماما بقوله «السلام عليكم» وكذلك إذا كان منفردا
أو مأموما.
ومن ذلك رواية
أبي كهمس عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما
للتشهد فقلت وانا جالس «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» انصراف هو؟
قال لا ولكن إذا قلت «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فهو الانصراف». ورواه
ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب مثله .
وصحيحة الحلبي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) كل ما ذكرت الله (عزوجل) به والنبي (صلىاللهعليهوآله) فهو من الصلاة فإن قلت «السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين» فقد انصرفت». والمراد ان ما يأتي به من الأذكار وذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) فهو من جملة الصلاة واجزائها وان كان مستحبا حتى يقول «السلام
علينا.» فإنه يخرج بعد ذلك منها.
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت إماما فإنما التسليم ان تسلم على النبي (عليه
وآله السلام) وتقول «السلام علينا وعلى عباد الله
__________________
الصالحين» فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ثم تؤذن القوم. الحديث». وسيأتي
تمامه.
وحسنة ميسر عن
أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم. إلى ان قال وقول
الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».
وروى الصدوق في
الفقيه عن الصادق (عليهالسلام) قال : «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين. إلى ان
قال وبقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» يعني في التشهد الأول.
دلت هذه
الأخبار ـ كما ترى ـ على ان هذه الصيغة مخرجة وقاطعة حتى انه لو اتى المكلف بها
عمدا في التشهد الأول بطلت صلاته لأن الشارع قد وضعها لهذا المعنى فجعلها مخرجة
وقاطعة ولكن عين محلها في آخر اجزاء التشهد الثاني خاصة.
ويزيد ذلك
تأييدا ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يقال في التشهد الأول «السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين» لان تحليل الصلاة هو التسليم وإذا قلت هذا فقد سلمت».
ومعنى التحليل
هنا عبارة عن انقطاع الصلاة والخروج منها ومن هنا سرى الوهم المتقدم ذكره ، فإنهم
جعلوا معنى الخروج هنا وانقطاع الصلاة عبارة عن إتمام أفعال الصلاة وواجباتها
الداخلة والخارجة وعدم الإثم في ترك ما يترك بعد ذلك وفعل ما لا يجوز فعله قبل
ذلك. وليس الأمر كما ظنوه بل انما معناه إتمام أفعال الصلاة واجزائها الداخلة فيها
المبطل تركها للصلاة والمبطل تخلل الحدث بينها على المشهور. والمعنى الأول الذي توهموه
انما هو التحليل في «السلام عليكم» يعني انه يحل بهذه الصيغة ما كان محرما من غير
ترتب اثم ولا اعادة في شيء بالكلية.
ومن الأخبار في
ذلك موثقة أبي بصير المتقدمة في فصل التشهد المشتملة
__________________
على التشهد الكامل الجامع للاذكار المستحبة حيث قال بعد سياق التشهد
المستحب وختمه ب «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» : «ثم تسلم» ونحوه عبارة
كتاب الفقه المذكورة بعده.
وأنت خبير بأن
غاية ما يستفاد من الأخبار المذكورة بالنسبة إلى «السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين» هو كونها قاطعة للصلاة متى اتى بها ولا يستفاد منها وجوب الإتيان بها ،
إذ ليس بعد هذه الأخبار الدالة على كونها قاطعة ومخرجة إلا مجرد حكايتها في التشهد
المشتمل على المستحبات العديدة وجعلها في قرن ذلك وإلا فالأوامر التي ذكرنا
دلالتها على وجوب التسليم والأخبار الدالة على انه محلل واذن ونحو ذلك انما وردت
في «السلام عليكم» خاصة لا تعلق لشيء منها ب «السلام علينا.» كما لا يخفى على من
عمق النظر في الأخبار وذاق من لذيذ تلك الثمار.
قال في الذكرى
بعد الكلام في المسألة : وبعد هذا فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين
القولين وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه بادئا ب «السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين» لا بالعكس فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض
كتب المحقق (قدسسره) ويعتقد ندب «السلام علينا» ووجوب الصيغة الأخرى ، وان
أبي المصلي إلا إحدى الصيغتين ف «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» مجزئة
بالإجماع. انتهى. وهو جيد وجيه متين كما لا يخفى على الحاذق المكين وان كان قد
خالف نفسه فيه بما قدمنا نقله عنه في الرسالة واللمعة وفاقا للمحقق كما تقدم ، وهو
خلاف ما ذهب اليه الفاضل يحيى بن سعيد.
تنبيهات
(الأول) ـ قد
ذكر جملة من الأصحاب ان المستحب للإمام والمنفرد ان يسلما تسليمة واحدة لكن الامام
يومئ بصفحة وجهه إلى يمينه والمنفرد يومئ بمؤخر عينه إلى
يمينه ، والمؤخر كمؤمن طرفها الذي يلي الصدغ. واما المأموم فإنه يسلم من
الجانبين إذا كان على يساره أحد وإلا فعن يمينه ويومئ بصفحة وجهه. وقال ابن الجنيد
: إذا كان إماما في صف سلم عن جانبيه. ونقل عن الصدوقين انهما جعلا الحائط عن يسار
المأموم كافيا في التسليمتين يمينا وشمالا. وسيأتي نقل كلام ابنه في الفقيه مع
دليله وتحقيق القول فيه.
واما الأخبار
التي وقفت عليها في هذا الباب فهي لا تخلو بحسب ظاهرها من الاختلاف والاضطراب كما
هو في أكثر الأحكام المتفرقة في جملة الأبواب.
فمن ذلك :
الأول ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك
لأن عن يسارك من يسلم عليك وإذا كنت اماما فسلم تسليمة واحدة وأنت مستقبل القبلة».
الثاني ـ ما
رواه الكليني والشيخ عن عنبسة بن مصعب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يقوم في الصف خلف الامام وليس على يساره أحد
كيف يسلم؟ قال يسلم واحدة عن يمينه».
الثالث ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (عليهالسلام) قال «رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمدا بنى جعفر يسلمون في
الصلاة عن اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» .
الرابع ـ عن
عبد الحميد بن عواض في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك
وان كنت مع إمام
__________________
فتسليمتين وان كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة».
الخامس ـ عن
منصور بن حازم في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) الامام يسلم واحدة ومن وراءه يسلم اثنتين فان لم يكن
عن شماله أحد سلم واحدة».
السادس ـ عن
أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كنت اماما. الحديث وقد تقدم قريبا الى ان قال : ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة :
السلام عليكم ، وكذلك إذا كنت وحدك تقول «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»
مثل ما سلمت وأنت إمام ، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت وسلم على من على يمينك
وشمالك فان لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين عن يمينك ولا تدع التسليم على
يمينك وان لم يكن على شمالك أحد».
قال في الوافي
بعد نقل هذا الخبر : ويستفاد من هذا الحديث وبعض الأخبار السابقة ان آخر اجزاء
الصلاة قول المصلي «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» وبه ينصرف عن الصلاة
وبعد الانصراف عنها بذلك يأتي بالتسليم الذي هو اذن وإيذان بالانصراف وتحليل
للصلاة وهو قول «السلام عليكم» ولما اشتبه هذا المعنى على أكثر متأخري أصحابنا
اختلفوا في صيغة التسليم المحلل اختلافا لا يرجى زواله. والحمد لله على ما هدانا.
أقول وهو موافق لما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقة.
ثم قال (قدسسره) : قوله (عليهالسلام) في آخر الحديث «وان لم يكن على شمالك أحد» الظاهر انه
كان «على يمينك» فسها النساخ فكتبوا «على شمالك» وفي بعض النسخ «ان لم يكن» بدون
الواو وكأنه نشأ إسقاطه مما رأوا من التهافت الناشئ من ذلك السهو ، ويؤيد ما قلناه
ما يأتي من كلام الفقيه انتهى. وهو جيد.
السابع ـ ما
رواه الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
__________________
(عليهالسلام) قال : «سألته عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟
قال تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان عن يمينك أحد أو لم يكن». أقول : وفي هذا الخبر
دلالة على صحة ما ذكره المحدث الكاشاني في خبر أبي بصير من السهو.
الثامن ـ ما
رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن عبد الله بن ابي يعفور قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن تسليم الامام وهو مستقبل القبلة؟ قال يقول السلام
عليكم».
التاسع ـ عن
عبد الكريم عن أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك».
العاشر ـ ما في
الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) بعد سياق التشهد الطويل كما تقدم في فصل التشهد وذكر «السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين» في آخره «ثم سلم عن يمينك وان شئت يمينا وشمالا
وان شئت تجاه القبلة». وظاهره التخيير مطلقا اماما كان أو مأموما أو منفردا.
هذا ما حضرني
من اخبار المسألة وسيجيء خبر آخر مع كلام الصدوق بعد تحقيق ما في هذه الأخبار حيث
ان ما فيه لا يخلو من غرابة كما سنوضحه ان شاء الله تعالى
أقول : ويستفاد
من هذه الأخبار اما بالنسبة إلى الامام فقد دل الخبر الأول على انه يسلم تسليمة
واحدة وهو مستقبل القبلة ، والخبر الرابع تضمن تسليمة واحدة عن يمينه ، والخبر
الخامس تضمن انه يسلم تسليمة واحدة ولم يعين الجهة فيها ، والخبر السادس دل على
انه يسلم مستقبل القبلة ، وهو ظاهر الخبر الثامن أيضا لأن الاستقبال وان كان في
كلام السائل إلا ان ظاهر جوابه (عليهالسلام) تقريره على ذلك ، وقد تقدم في موثقة يونس بن يعقوب ما يدل على انه يسلم ويستقبلهم بوجهه ، وهو مؤيد لما دل
عليه الخبر الرابع.
__________________
وبعض مشايخنا
جمع بين الأخبار هنا بان يبتدئ أولا إلى القبلة ثم يختمه مائلا إلى اليمين.
والظاهر بعده ولا يبعد الجمع بين الأخبار بالتخيير كما يدل عليه ظاهر الخبر
العاشر.
واما بالنسبة
إلى المأموم فقد تضمن الخبر الأول انه يسلم تسليمة عن يمينه وتسليمة عن يساره ،
وتضمن الخبر الثاني انه يسلم واحدة عن يمينه خاصة إذا لم يكن على يساره أحد ،
وتضمن الخبر الرابع انه يسلم تسليمتين بقول مطلق ، وإطلاقه محمول على ما تضمنه
غيره من ان إحداهما إلى اليمين والأخرى إلى اليسار متى كان على يساره أحد ،
والخامس تضمن انه يسلم اثنتين إلا ان لا يكون على شماله أحد فواحدة عن اليمين ،
والسادس تضمن كما تضمنه الخامس ، والخبر السابع تضمن تسليمة واحدة خاصة على اليمين
سواء كان أحد عن يمينه أو لم يكن ، وإطلاقه في التسليمة الواحدة يحمل على ما إذا
لم يكن على يساره أحد.
وبالجملة
فالمفهوم من ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض ان المأموم يسلم واحدة عن يمينه سواء
كان عن يمينه أحد أو لم يكن ويسلم عن يساره إذا كان ثمة أحد وإلا فلا.
واما ما ذكره
في المدارك بعد ذكر الرواية الخامسة والسادسة ـ حيث قال : وليس في هاتين الروايتين
ولا في غيرهما مما وقفت عليه دلالة على الإيماء بصفحة الوجه ـ ففيه ان المتبادر من
هذه الألفاظ المذكورة في الأخبار ـ من قولهم «سلم على من على يمينك وشمالك» وقولهم
«تسليمة واحدة عن يمينك» ونحو ذلك ـ التوجه بالوجه كلا أو بعضا نحو اليمين والشمال
، فان العرف قاض بان من قصد خطاب شخص توجه اليه بوجهه ، واما الاكتفاء في ذلك
بمجرد النية والقصد فبعيد غاية البعد. ويؤيد ما قلناه ما اشتملت عليه الرواية
السادسة من قوله في حكم الامام «سلم وأنت مستقبل القبلة» وقوله في حكم المأموم «سلم
على من على يمينك وشمالك» فإنه لا ريب في تغاير معنى كل من العبارتين للأخرى وليس
إلا بما قلناه.
واما الاستشكال
في الانحراف حال التسليم يمينا وشمالا من حيث كراهة
الانحراف في الصلاة بناء على القول بكونه جزء واجبا فيمكن الجواب عنه بما
ذكره في الذكرى من تخصيص أخبار الكراهة بأخبار التسليم فيكون التسليم مستثنى من
الحكم المذكور بدليل من خارج.
واما المنفرد
فقد تضمن الخبر الرابع انه يسلم واحدة مستقبل القبلة ، وكذلك ظاهر الخبر السادس ،
والخبر التاسع تضمن انه يسلم تسليمة واحدة عن يمينه ، وإطلاق الخبر العاشر يدل على
التخيير بين ان يسلم عن يمينه خاصة أو عن يمينه وشماله أو واحدة تجاه القبلة ،
وإطلاق الخبر الثالث يدل على التسليمتين أيضا عن اليمين والشمال إلا ان يحمل على
كونهم مأمومين كما هو الأقرب من حيث مداومتهم على الصلاة خلف أئمة ذلك الزمان
وورود التسليمتين في أكثر الأخبار للمأموم خاصة.
والأصحاب ـ كما
تقدم ـ ذكروا ان المنفرد يسلم تسليمة واحدة ويومئ بمؤخر عينه الى يمينه ، والأخبار
كما ترى خالية من ذلك.
وقال المحقق في
المعتبر : أما الإشارة بمؤخر العين فقد ذكره الشيخ في النهاية وهو من المستحب عنده
وربما أيده ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه وذكر الخبر التاسع.
وأنت خبير بان
ظاهر الخبر انما هو الإيماء بالوجه إلى اليمين كما أوضحناه آنفا وبالجملة فالإيماء
بمؤخر العين لا اعرف دليلا من الأخبار والجماعة قد تبعوا الشيخ كما هي قاعدتهم
غالبا لحسن الظن به والأخبار خالية منه كما ترى.
بقي الكلام في
الجمع بين الخبر الدال على التسليم عن يمينه والأخبار الدالة على التسليم مستقبل
القبلة ولا اعرف له وجها إلا التخيير.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الصدوق قال في الفقيه : ثم تسلم وأنت مستقبل القبلة وتميل بعينك إلى
يمينك ان كنت اماما ، وان صليت وحدك قلت «السلام عليكم» مرة واحدة وأنت مستقبل
القبلة وتميل بأنفك إلى يمينك ، وان كنت خلف إمام تأتم به فسلم تجاه القبلة
واحدة ردا على الامام وتسلم على يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة إلا ان لا
يكون على يسارك انسان فلا تسلم على يسارك إلا ان تكون بجنب الحائط فتسلم على يسارك
، ولا تدع التسليم على يمينك كان على يمينك أحد أو لم يكن. انتهى. وقال في المقنع
نحو هذه العبارة.
وربما كان
مستنده في ذلك ما رواه في علل الشرائع والأحكام بسنده فيه عن المفضل ابن عمر قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال
لانه تحليل الصلاة. قلت فلأي علة يسلم على اليمين ولا يسلم على اليسار؟ قال لأن
الملك الموكل يكتب الحسنات على اليمين والذي يكتب السيئات على اليسار والصلاة
حسنات ليس فيها سيئات فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار. قلت فلم لا يقال «السلام
عليك» والملك على اليمين واحد ولكن يقال «السلام عليكم»؟ قال ليكون قد سلم عليه
وعلى من على اليسار وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه. قلت فلم لا يكون الإيماء
في التسليم بالوجه كله ولكن كان بالأنف لمن يصلي وحده وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال
لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين فصاحب اليمين على الشدق الأيمن وتسليم المصلي
عليه ليثبت له صلاته في صحيفته ، قلت فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال تكون واحدة ردا
على الامام وتكون عليه وعلى ملكيه وتكون الثانية على من على يمينه والملكين
الموكلين به وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكلين به ، ومن لم يكن على
يساره أحد لم يسلم على يساره إلا ان يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى المصلي معه
خلف الامام فيسلم على يساره. قلت فتسليم الامام على من يقع؟ قال على ملكيه
والمأمومين ، يقول لملكيه : اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها. ويقول لمن خلفه : سلمتم
وأمنتم من عذاب الله تعالى قلت فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحية
الملكين وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد من النار
وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة
__________________
قبول سائر أعماله فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع اعماله وان لم تسلم صلاته
وردت عليه رد ما سواها من الأعمال الصالحة».
أقول : الظاهر
ان هذا الخبر هو مستند الصدوق في ما ذكره في هذه العبارة من الأحكام الغريبة
المخالفة لما عليه الأصحاب بل واخبار الباب :
فمنها ـ الإيماء
بالأنف لمن يصلي وحده ، فان المشهور في كلام الأصحاب هو الإيماء بمؤخر عينه كما
عرفت والذي في الأخبار هو التسليم إلى القبلة أو الإيماء بوجهه إلى يمينه كما عرفت
، على ان تحقق الإيماء بالأنف خاصة لا يخلو من الإشكال فإنه لا يمكن ذلك إلا مع
الإيماء بالوجه ، ولعل المراد الإيماء القليل بالوجه بحيث ينحرف به الأنف.
ومنها ـ الإيماء
بالعين للإمام والمشهور الانحراف بالوجه ، والأخبار منها ما دل على ما هو المشهور
ومنها ما دل على التسليم إلى القبلة.
ومنها ـ التسليم
ثلاثا للمأموم والمشهور في الأخبار وكلام الأصحاب مرتان بالتفصيل المتقدم.
ومنها ـ استحباب
التسليم إلى الحائط إذا كان في جانب اليسار إلا ان عبارة الحديث لا تساعده في هذا
الوجه فان ظاهرها التسليم على اليسار إذا كان الحائط على اليمين واما ما ذكره
الشهيد في الذكرى ـ حيث قال بعد النقل عن ابني بابويه انهما جعلا الحائط على يسار
المصلي كافيا في استحباب التسليمتين : ولا بأس باتباعهما لأنهما جليلان لا يقولان
إلا عن ثبت ـ
فلا يخفى ما
فيه على الحاذق النبيه (أما أولا) فلان الأحكام الشرعية لا يجوز الاعتماد فيها على
مجرد القول ما لم يعلم دليله إلا ان يكون مقلدا عاجزا عن استنباط الأدلة وتحصيلها
ومرتبته (قدسسره) أجل من ذلك ، وقول الصدوقين بأي حكم من الأحكام لدليل
اطلعا عليه ولم يصل إلينا ولم نقف عليه لا يجوز لنا متابعتهما إلا على ما عرفت من
التقليد ، وبالجملة فإن الفقيه مكلف من الله عزوجل بالعمل بما ثبت
عنده من الدليل ومنهي عن القول على الله بغير دليل في واجب كان أو مستحب أو
محرم أو مكروه. نعم يمكن حمل كلامه على أتباعهما في العمل بذلك دون الإفتاء به إلا
ان فيه أيضا ما سيأتي.
و (اما ثانيا)
ـ فلما ظهر لشيخنا الصدوق في جملة من المواضع من الأوهام التي تفرد بها وربما شنع
بها على من لم يوافقه عليها أتم التشنيع مع انه لم يوافقه عليها أحد من الأصحاب ،
ومنها ـ وجوب تأخير خطبتي الجمعة ، ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع البصير (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).
و (اما ثالثا)
ـ فان الظاهر ان مستنده في هذا الكلام وما تضمنه من الأحكام انما هو هذا الخبر وهو
ـ كما ترى ـ لا ينطبق على ما ذكره في هذا الموضع. والله العالم.
(الثاني) ـ قد
أشرنا في ما تقدم في صدر الموضع الثالث إلى ان الجعفي وصاحب كنز العرفان ذهبا إلى
وجوب «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».
قال في كنز
العرفان في تفسير قوله تعالى «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» : استدل بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج من الصلاة
بما تقريره : شيء من التسليم واجب ولا شيء منه في غير التشهد بواجب فيكون وجوبه
في الصلاة وهو المطلوب ، اما الصغرى فلقوله «سَلِّمُوا» الدال على الوجوب واما الكبرى فللإجماع وفيه نظر لجواز
كونه بمعنى الانقياد ، سلمنا لكنه سلام على النبي (صلىاللهعليهوآله) لسياق الكلام وقضية العطف وأنتم لا تقولون انه المخرج
من الصلاة بل المخرج غيره. ثم قال واستدل بعض شيوخنا المعاصرين على انه يجب اضافة «السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» الى التشهد الأخير بالتقريب المتقدم. قيل
عليه انه خرق للإجماع لنقل العلامة الإجماع على استحبابه. ويمكن الجواب بمنع
الإجماع على عدم وجوبه والإجماع المنقول على مشروعيته وراجحيته وهو أعم من الوجوب
والندب. ثم قال وبالجملة الذي يغلب على ظني الوجوب. واستدل ببعض الأخبار.
__________________
وقال الجعفي في
الفاخر على ما نقله عنه في الذكرى ، قال قال صاحب الفاخر : أقل المجزئ من عمل
الصلاة في الفريضة تكبيرة الافتتاح وقراءة الفاتحة في الركعتين أو ثلاث تسبيحات
والركوع والسجود وتكبيرة واحدة بين السجدتين والشهادة في الجلسة الاولى وفي
الأخيرة الشهادتان والصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) والتسليم و «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته».
قال شيخنا
الشهيد في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : وكلامه هذا يشتمل على أشياء لا تعد من المذهب
: منها ـ التكبيرة الواحدة بين السجدتين ، ومنها ـ القصر على الشهادة في الجلسة
الاولى ، ومنها ـ وجوب التسليم على النبي (صلىاللهعليهوآله) واما البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار ، صرح
بذلك في غير هذا الموضع. انتهى.
أقول : لا يخفى
ضعف هذا القول على من تأمل ما قدمناه من اخبار المسألة ، ومنشأ الشبهة هو لفظ
التسليم فيه وقد عرفت ان مساق الأخبار الواردة بالأمر بالتسليم وانه مخرج وقاطع
ونحو ذلك لا يتعلق بهذه الصيغة المذكورة ، واخبار تخلل الحدث بعد التشهد صريحة في صحة الصلاة ، وحينئذ فأي دليل للوجوب على ذلك؟
(الثالث) ـ قال
شيخنا الشهيد في الذكرى ـ بعد البحث في المسألة ونقل عبارات جملة من الأصحاب
والمناقشة في ما كان محلا للمناقشة عنده ـ ما لفظه : أقول وبالله التوفيق : هذه
المسألة من مهمات الصلاة وقد طال الكلام فيها ولزم منه أمور ستة : (الأول) القول
بندبية التسليم بمعنييه كما هو مذهب أكثر القدماء ، وينافيه تواتر النقل عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته (عليهمالسلام) بقوله «السلام عليكم» من غير بيان ندبيته مع انه
امتثال الأمر الواجب ، وقد روى الشيخ بإسناده إلى أبي بصير بطريق موثق قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في الركعتين قبل ان
يتشهد رعف؟ قال فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته فإن
__________________
آخر الصلاة التسليم». ومثله كثير وحمله الشيخ على الأفضل ، حتى ان قول سلف
الأمة «السلام عليكم» عقيب الصلاة داخل في ضروريات الدين وانما الشأن في الندبية
أو الوجوب (الثاني) وجوب التسليم بمعنييه اما «السلام عليكم» فلإجماع الأمة واما
الصيغة الأخرى فلما مر من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها ،
لكنه لم يقل به أحد في ما علمته (الثالث) وجوب «السلام علينا.» عينا وقد تقدم
القائل به ، وفيه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله (الرابع) وجوب «السلام
عليكم» عينا لإجماع الأمة على فعله ، وينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة
الأخرى مما لا سبيل إلى رده فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة؟ (الخامس) وجوب
الصيغتين تخييرا جمعا بين ما دل عليه إجماع الأمة واخبار الإمامية ، وهو قوي متين
إلا انه لا قائل به من القدماء وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا؟ (السادس) وجوب «السلام
عليكم» أو المنافي تخييرا وهو قول شنيع وأشنع منه وجوب احدى الصيغتين أو المنافي ،
وبعد هذا كله فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين وليس ذلك بقادح
في الصلاة بوجه من الوجوه بادئا ب «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» لا
بالعكس فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق (قدسسره) ويعتقد ندب «السلام علينا.» ووجوب الصيغة الأخرى ، وان
أبي المصلي إلا إحدى الصيغتين ف «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» مخرجة
بالإجماع. انتهى.
وظاهره مؤذن
بالتوقف في المسألة وانه انما صار إلى ما صار إليه أخيرا أخذا بالاحتياط. وأنت
خبير بان ما ذكره أخيرا هو الحق المستفاد من اخبار المسألة وضم بعضها إلى بعض كما
تقدم تحقيقه ، والأخبار الكثيرة التي أشار إليها بالنسبة إلى «السلام علينا.»
غايتها ـ كما قدمنا تحقيقه ـ الدلالة على انقطاع الصلاة بعدها وهو لا يستلزم
وجوبها بوجه. وأحاديث صحة الصلاة بتخلل الحدث بعد التشهد أصرح صريح في استحبابها.
__________________
واما صيغة «السلام عليكم» فالدليل على وجوبها بعد الإجماع المذكور استفاضة
الأخبار بالأمر بها كما تقدم بيانه. وما ذكره في الوجه الرابع من منافاة القول
بوجوب «السلام عليكم» للأخبار الدالة على الانقطاع بالصيغة الأخرى انما يرد على
القائلين بالجزئية كما تقدم واما من يقول بكونه واجبا خارجا فلا كما عرفت. واما
الإشكال باخبار الحدث قبل التسليم وجعل الحدث بذلك مخرجا فقد تقدم الجواب عنه.
(الرابع) ـ قيل
ان الواجب على تقدير القول بوجوب التسليم هو «السلام عليكم» خاصة ونقل عن ابن
بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، وقال أبو الصلاح يجب «السلام عليكم ورحمة الله»
ونقل عن ابن زهرة وجوب «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وقال العلامة في المنتهى
: ولو قال «السلام عليكم ورحمة الله» جاز وان لم يقل «وبركاته» بغير خلاف.
أقول : لا يخفى
ان الأخبار في ذلك مختلفة أيضا ففي صحيح ابن أذينة أو حسنه المتقدم ذكره في آخر
فصل التشهد ان النبي (صلىاللهعليهوآله) لما امره الله تعالى بالسلام على الملائكة والنبيين
قال «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وفي صحيح علي
بن جعفر وهو الخبر الثالث من الأخبار المتقدمة حكاية عن اخوته الذين منهم الامام (عليهالسلام) «السلام عليكم ورحمة الله ».
وروى في دعائم
الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «فإذا قضيت التشهد فسلم عن يمينك وعن شمالك تقول «السلام
عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله». وظاهره استحباب المرتين للمنفرد أيضا.
__________________
وفي الخبر
السادس من الأخبار المتقدمة أيضا «السلام عليكم» خاصة ومثله
الخبر الثامن ، ومثلهما ما تقدم في موثقة يونس بن يعقوب الدالة علي انه نسي السلام على من خلفه حيث قال (عليهالسلام) «ولو نسيت. استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم» ومورد
الجميع الإمام إلا ان الظاهر انه لا قائل بالفرق.
وفي كتاب
المقنع بعد ذكر التسليمات المستحبة على النبي (صلىاللهعليهوآله) والأنبياء والرسل والملائكة : فإذا كنت اماما فسلم وقلmz١ السلام عليكمmz٢
مرة واحدة وأنت مستقبل القبلة وتميل بعينيك إلى يمينك وان لم تكن اماما تميل بأنفك
إلى يمينك ، وان كنت خلف إمام تأتم به فتسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الامام
وتسلم على يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة. إلى آخره. وهو جار على ما تقدم نقله عن
الفقيه.
والظاهر من
الجمع بين هذه الأخبار هو حمل ما زاد على «السلام عليكم» على الفضل والاستحباب كما
هو مقتضى القول الأول من الأقوال المتقدمة ، ويؤيده انه هو السلام المعهود المتكرر
بين كافة الناس والسلام في الصلاة مأخوذ منه كما يشير اليه حديث عبد الله بن الفضل
الهاشمي المتقدم في الموضع الأول ونحوه حديث الفضل بن شاذان المذكور ثمة أيضا .
(الخامس) ـ قال
في الذكرى : يستحب ان يقصد الامام التسليم على الأنبياء والأئمة (عليهمالسلام) والحفظة والمأمومين لذكر أولئك وحضور هؤلاء والصيغة
صيغة خطاب والمأموم يقصد بأولى التسليمتين الرد على الامام ، فيحتمل ان يكون على
سبيل الوجوب لعموم قوله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» ويحتمل ان يكون على سبيل الاستحباب لانه لا يقصد به
التحية وانما الغرض منه الإيذان بالانصراف
__________________
من الصلاة كما مر في خبر أبي بصير وجاء في خبر عمار بن موسى قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التسليم ما هو؟ فقال هو اذن». والوجهان ينسحبان في
رد المأموم على مأموم آخر ، وروى العامة عن سمرة قال : «أمرنا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان نسلم على أنفسنا وان يسلم بعضنا على بعض» وعلى
القول بوجوب الرد يكفي في القيام به واحد فيستحب للباقين ، وإذا اقترن تسليم
المأموم والامام أجزأ ولا رد هنا وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين لتكافؤهم في
التحية. ويقصد المأموم بالثانية الأنبياء والحفظة والمأمومين. واما المنفرد فيقصد
بتسليمه ذلك. ولو أضاف الجميع إلى ذلك قصد الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من
مسلمي الجن والانس كان حسنا. وقال ابن بابويه يرد المأموم على الإمام بواحدة ثم
يسلم عن جانبيه تسليمتين. وكأنه يرى ان التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة
متعلقة بالصلاة ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة ،
وانما قدم الرد لانه واجب مضيق إذ هو حق لآدمي ، والأصحاب يقولون ان التسليمة تؤدي
وظيفتي الرد والتعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه
من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة. وهذا يتم حسنا على القول باستحباب
التسليم واما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب ان الاولى من المأموم للرد على
الامام والثانية للإخراج من الصلاة ولهذا احتاج إلى تسليمتين. ويمكن ان يقال ليس
استحباب التسليمتين في حقه لكون الاولى ردا والثانية مخرجة لأنه إذا لم يكن على
يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه وكانت محصلة للرد والخروج من الصلاة وانما
شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب فإذا وجهه إلى أحد
الجانبين اختص به وبقي الجانب الآخر بغير تسليم ، ولما كان الامام غالبا ليس على
جانبيه أحد اختص بالواحدة وكذلك المنفرد ، ولذا حكم ابن الجنيد بما تقدم
__________________
من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وهو جيد متين
إلا ان للمناقشة في بعضه مجالا ، ومنه ـ ما تأول به قول ابن بابويه بالتسليمات
الثلاث للمأموم من قوله «وكأنه يرى. إلخ» فإن فيه ان الظاهر ان ابن بابويه انما
عول على الخبر الذي قدمنا نقله عنه من العلل ، نعم ما ذكره يصلح وجه حكمة لما
اشتمل عليه الخبر المشار اليه.
(السادس) ـ هل
يجب نية الخروج على القول بوجوب التسليم؟ الأظهر العدم لعدم الدليل على ذلك وبذلك
صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين ، وقال في المنتهى لم أجد لأصحابنا نصا فيه. وقال
الشيخ في المبسوط ينبغي ان ينوي بها ذلك.
وقال في الذكرى
: ووجه الوجوب ان نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين ومن ثم
تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا وإذا لم تقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان
مناقضا للصلاة مبطلا لها. ووجه عدم الوجوب قضية الأصل ، وان نية الصلاة اشتملت
عليه وان كان مخرجا منها ، ولأن جميع العبادات لا تتوقف على نية الخروج بل
الانفصال منها كاف في الخروج ، ولأن مناط النية الإقدام على الأفعال لا الترك لها.
انتهى.
أقول : ان ما
وجه به العدم من الوجوه المذكورة مضافا إلى الأصل في غاية القوة والرزانة ، وما
وجه به الوجوب ضعيف سخيف لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، فإنه وان كان كما ذكره
من كونه خطابا للآدميين وانه تبطل الصلاة بفعله في الأثناء صحيحا إلا ان ذلك لا
يستلزم نية التحليل به ، إذ المفهوم من الأخبار المتقدمة ان الشارع قد جعله محللا
بمعنى انه متى اتى به المكلف فقد تحلل من الصلاة قصد ذلك أو لم يقصده ونواه أو لم
ينوه ، وتوقف التحليل به على أمر وراء الإتيان به يحتاج إلى دليل إذ لا يفهم من
الأخبار أمر وراء ذلك كما عرفت ، مع ما عرفت في ما قدمناه في غير مقام من الأخبار
الدالة على السكوت عما سكت الله عنه والإبهام لما أبهمه الله والنهي عن تكلف
ذلك وكلام شيخنا المذكور هنا مؤذن بالتوقف في المسألة حيث
لم يرجح شيئا من الوجهين.
(السابع) ـ هل
يجوز الاكتفاء بقوله «سلام عليكم»؟ صرح المحقق في المعتبر بذلك ، قال لو قال «سلام
عليكم» ناويا به الخروج فالأشبه أنه يجزئ لانه يقع عليه اسم التسليم ، ولأنها كلمة
وردت في القرآن صورتها .
وفيه نظر (أما
أولا) فلأنه خلاف الوارد عن صاحب الشرع (صلىاللهعليهوآله). قوله ـ «لانه يقع عليه اسم التسليم» ـ مردود بأنه وان
ورد الأمر بالتسليم بقول مطلق في بعض الأخبار إلا أن أكثر الأخبار قد دلت على ان
التسليم انما هو بصيغة «السلام عليكم» كما عرفت من اخبار التحليل وغيرها مما صرح
بهذه الصيغة ، وحمل مطلق الأخبار على مقيدها يقتضي التخصيص بتلك الصيغة فلا يجزئ
ما سواها. وبالجملة فإنا لا نسلم وقوع التسليم الشرعي عليه.
و (اما ثانيا)
فان مجرد وروده في القرآن لا يجوز التعبد به في الصلاة ما لم يرد به نص على الخصوص
لأن العبادات توقيفية. وجميع ما ذكرناه بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء فيه.
ختام به الإتمام في التعقيب
وتحقيق القول
فيه يقع في مواضع (الأول) في معناه قال في القاموس : التعقيب الجلوس بعد الصلاة
للدعاء. وقال في المصباح المنير : والتعقيب في الصلاة الجلوس بعد قضائها لدعاء أو
مسألة. وقال الجوهري : التعقيب في الصلاة الجلوس بعد ان تقضيها
__________________
لدعاء أو مسألة. ونحوه قال ابن فارس في الجمل. وفي النهاية الأثيرية : فيه «من
عقب في صلاته فهو في صلاة» أي أقام في مصلاه بعد ما يفرغ من الصلاة. وكلام أهل
اللغة كما ترى متفق الدلالة على دخول الجلوس في مفهومه. ونقل عن بعض فقهائنا أنه
فسره بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر وما أشبه ذلك ولم يذكر الجلوس ، ولعل
المراد بما أشبه ذلك نحو قراءة القرآن. وهل مجرد الجلوس بعد الصلاة من غير اشتغال
بما ذكر تعقيب؟ ظاهر عبارة النهاية ذلك.
وقال شيخنا
البهائي في الحبل المتين : لم أظفر في كلام أصحابنا (قدس الله أرواحهم) بكلام شاف
في ما هو حقيقة التعقيب شرعا بحيث لو نذر التعقيب لانصرف اليه ولو نذر لمن هو
مشتغل بالتعقيب في الوقت الفلاني لاستحق المنذور إذا كان مشتغلا به فيه ، وقد فسره
بعض اللغويين كالجوهري وغيره بالجلوس بعد الصلاة لدعاء أو مسألة. وهذا يدل بظاهره
على ان الجلوس داخل في مفهومه وانه لو اشتغل بعد الصلاة بالدعاء قائما أو ماشيا أو
مضطجعا لم يكن ذلك تعقيبا ، وفسره بعض فقهائنا بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر
وما أشبه ذلك ولم يذكر الجلوس ، ولعل المراد بما أشبه الدعاء والذكر البكاء من
خشية الله تعالى والتفكر في عجائب مصنوعاته والتذكر لجزيل آلائه وما هو من هذا
القبيل. وهل يعد الاشتغال بمجرد تلاوة القرآن بعد الصلاة تعقيبا؟ لم أظفر في كلام
الأصحاب بتصريح في ذلك والظاهر انه تعقيب ، اما لو ضم اليه الدعاء فلا كلام في صدق
التعقيب على المجموع المركب منهما ، وربما يلوح ذلك من بعض الأخبار ، وربما يظن
دلالة بعضها على اشتراط الجلوس في التعقيب كما روى عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انه قال «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أيما امرء مسلم جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر
الله تعالى حتى تطلع الشمس كان له من الأجر كحاج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وغفر له فان جلس فيه حتى تكون ساعة تحل فيها الصلاة
فصلى ركعتين
__________________
أو أربعا غفر له ما سلف وكان له من الأجر كحاج بيت الله». وما روى عن
الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهمالسلام) قال : «من صلى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس كان له
سترا من النار». وغيرهما من الأخبار المتضمنة للجلوس بعد الصلاة والحق انه لا
دلالة فيها على ذلك بل غاية ما تدل عليه كون الجلوس مستحبا أيضا اما انه معتبر في
مفهوم التعقيب فلا ، وقس عليه عدم مفارقة مكان الصلاة. وفي رواية الوليد ابن صبيح
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد.
يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة». وهذا التفسير اعني تفسير التعقيب بالدعاء عقيب
الصلاة لعله من الوليد بن صبيح أو من بعض رجال السند وأكثرهم من أجلاء. أصحابنا
وهو يعطي بإطلاقه عدم اشتراطه بشيء من الجلوس والكون في المصلى والطهارة واستقبال
القبلة وهذه ، الأمور انما هي شروط كماله. فقد ورد ان المعقب ينبغي ان يكون على
هيئة المتشهد في استقبال القبلة والتورك ، واما ما رواه هشام بن سالم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اني اخرج في الحاجة وأحب ان أكون معقبا؟ فقال ان كنت
على وضوء فأنت معقب». فالظاهر ان مراده (عليهالسلام) ان لمستديم الوضوء مثل ثواب المعقب لا انه معقب حقيقة.
وهل يشترط في صدق اسم التعقيب شرعا اتصاله بالصلاة وعدم الفصل الكثير بينه وبينها؟
الظاهر نعم وهل يعتبر في الصلاة كونها واجبة أو تحصل حقيقة التعقيب بعد النافلة
أيضا؟ إطلاق التفسيرين السابقين يقتضي العموم وكذا إطلاق رواية ابن صبيح وغيرها ،
والتصريح بالفرائض في بعض الروايات لا يقتضي تخصيصها بها والله العالم. انتهى
كلامه زيد مقامه. وقال الشهيد في الذكرى : قد ورد ان المعقب يكون على هيئة المتشهد
في استقبال القبلة وفي التورك وان ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب. انتهى.
__________________
أقول : ويشير
اليه ما ورد في الأخبار ـ كما سيأتي ان شاء الله في المقام ـ ان من سبح تسبيح
فاطمة (عليهاالسلام) قبل ان يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له». وما
ورد أيضا قال : «من قال في دبر صلاة الفريضة قبل ان يثنى رجليه
استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي. الحديث». وسيأتي ان شاء الله ، إلا انه يمكن
حمله على الفرد الأكمل منه. وبالجملة فإنه لا ريب في تحققه بالجلوس مشتغلا بالدعاء
والمسألة والذكر دبر الصلاة وانما الشك في اشتراطه بالشروط المذكورة من الاستقبال
والطهارة والتورك والجلوس بحيث لا يصدق مع الإخلال بشيء منها.
وقال شيخنا
المجلسي في البحار : وربما احتمل بعض الأصحاب كون محض الجلوس بعد الصلاة بتلك
الهيئة تعقيبا وان لم يقرأ دعاء ولا ذكرا ولا قرآنا. وهو بعيد بل الظاهر تحقق
التعقيب بقراءة شيء من الثلاثة بعد الصلاة أو قريبا منها عرفا على اي حال كان
والجلوس والاستقبال والطهارة من مكملاته. نعم ورد في بعض التعقيبات ذكر بعض تلك
الشرائط كما سيأتي فيكون شرطا فيها بخصوصها في حال الاختيار وان احتمل ان يكون
فيها أيضا من المكملات ويكون استحبابه فيها أشد منه في غيرها. والأفضل والأحوط
رعاية شروط الصلاة فيه مطلقا مع الإمكان. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد ، وأشار
بقوله «نعم ورد في بعض التعقيبات.» الى ما ذكرنا من الخبرين ونحوهما.
وقال الشهيد في
الرسالة النفلية : ووظائفه عشرة : الإقبال عليه بالقلب والبقاء على هيئة التشهد
وعدم الكلام ـ اي قبله وخلاله كما ذكره في الشرح ـ والحدث بل الباقي على طهارته
معقب وان انصرف ، وعدم الاستدبار وعدم مزايلة المصلي اي مفارقته وكل مناف صحة
الصلاة أو كمالها. قال في الشرح هذا كله من وظائف الكمال وإلا فإنه يتحقق بدونها.
انتهى. والله العالم.
__________________
(الثاني) في
فضله ، قد دلت الآية واستفاضت الرواية بالحث عليه وما فيه من مزيد النفع في الدين
والدنيا :
قال الله تعالى
«فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى
رَبِّكَ فَارْغَبْ» قال في مجمع البيان : معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في
الدعاء وارغب إليه في المسألة. عن مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي ، وهو
المروي عن ابي جعفر وأبي عبد الله (عليهماالسلام). وقال الصادق (عليهالسلام) هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس. انتهى.
وروى في دعائم
الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انه قال في قول الله عزوجل (فَإِذا فَرَغْتَ
فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) قال : «الدعاء بعد الفريضة إياك ان تدعه فان فضله بعد
الفريضة كفضل الفريضة على النافلة».
وروى في قرب
الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان أبي يقول في قول الله تعالى (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى
رَبِّكَ فَارْغَبْ) : فإذا قضيت الصلاة بعد ان تسلم وأنت جالس فانصب في
الدعاء من أمر الدنيا والآخرة فإذا فرغت من الدعاء فارغب إلى الله (عزوجل) ان
يتقبلها منك».
وروى في الكافي
عن بزرج عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله
وحق على الله تعالى ان يكرم ضيفه».
وروى في الكافي
والفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا» وزاد
في الفقيه
__________________
«وبذلك جرت السنة».
قيل : لعل
المراد بالتنفل غير الرواتب لأنها أهم من التعقيب كما مر بيانه ، على انه لا راتبة
بعد فريضة إلا نافلة المغرب وقد مضى انه لا ينبغي تركها في سفر ولا حضر. انتهى.
وهو جيد.
وروى الشيخ في
الصحيح عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد.
يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة».
أقول : المراد
بالضرب في البلاد السفر للتجارة مع ما ورد «ان تسعة أعشار الرزق في التجارة». ومع ذلك فالتعقيب أبلغ منها في طلبه ،
ولعل ذلك لأن التاجر يتكل على طلبه وسعيه وجده واجتهاده والمعقب انما يتكل على
الله تعالى وقد ورد «ان من كان لله كان الله له».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) الجلوس بعد صلاة الغداة في التعقيب والدعاء حتى تطلع
الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض».
وروى في
التهذيب عن عبد الله بن محمد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما عالج الناس شيئا أشد من التعقيب». قيل ،
المعالجة المزاولة والمداواة فكأن المراد انهم لا يزاولون عملا أشق عليهم منه ، أو
المراد انه لا دواء أنفع لادوائهم منه.
وروى السيد
الزاهد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بإسناده إلى محمد بن علي بن
محبوب عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) قال :
__________________
«قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من جلس في مصلاه ثانيا رجله وكل الله به ملكا فقال له
ازدد شرفا تكتب لك الحسنات وتمحى عنك السيئات وتثبت لك الدرجات حتى تنصرف». وروى
في كتاب دعائم الإسلام مثله إلا ان فيه «ثانيا رجليه».
وروى في
التهذيب مسندا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) ورواه في الفقيه مرسلا «ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء
ولينصب في الدعاء؟ فقال ابن سبأ يا أمير المؤمنين أليس الله بكل مكان؟ قال (عليهالسلام) بلى. قال فلم يرفع يديه إلى السماء؟ قال أو ما تقرأ «وَفِي السَّماءِ
رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ» فمن اين يطلب الرزق إلا من موضعه ، وموضع الرزق وما وعد
الله السماء». قيل المراد بالسماء السحاب وبالرزق المطر لانه سبب الأقوات ، وما
توعدون اي من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة أو لأن الأعمال وثوابها مكتوبة
مقدرة في السماء ، والحاصل انه لما كان تقدير الرزق وأسبابه في السماء والمثوبات
الأخروية وتقديرها في السماء ناسب رفع اليد إليها في طلب الأمور الدنيوية
والأخروية في التعقيب وغيره. وابن سبا هذا هو الذي كان يزعم ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) إله فاستتابه أمير المؤمنين ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه
.
__________________
وروى الصدوق في
الفقيه في الصحيح عن هشام بن سالم قال : «قلت.
__________________
لأبي عبد الله (عليهالسلام) اني اخرج في الحاجة واجب ان أكون معقبا؟ فقال ان
__________________
كنت على وضوء فأنت معقب».
__________________
وقال في الفقيه
«قال الصادق (عليهالسلام) المؤمن معقب ما دام على وضوئه».
وروى الصدوق في
المجالس بسنده عن عمير بن مأمون العطاردي قال : «رأيت الحسن بن علي (عليهالسلام) يقعد في مجلسه حين يصلي الفجر حتى تطلع الشمس وسمعته
يقول سمعت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يقول من صلى الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى
حتى تطلع الشمس ستره الله عزوجل من النار ستره الله من النار ستره الله من النار».
وروى العياشي
في تفسيره عن الحسين بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له جعلت فداك انهم يقولون ان النوم بعد
الفجر مكروه لأن الأرزاق تقسم في ذلك الوقت؟ فقال الأرزاق موظوفة مقسومة ولله فضل
يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وذلك قوله «وَسْئَلُوا اللهَ
مِنْ فَضْلِهِ» ثم قال وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من
الضرب في الأرض». الى غير ذلك من الأخبار.
(الثالث) ـ قد
استفاضت الأخبار بالحث على تسبيح فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وفضله في
التعقيب ، قال في المنتهى : أفضل الأذكار كلها تسبيح الزهراء (سلام الله عليها)
وقد أجمع أهل العلم كافة على استحبابه.
والأخبار من
طرقنا وطرق المخالفين أيضا متكاثرة إلا انها لا تخلو من
__________________
الاختلاف في ترتيبه فالواجب أولا سوق جملة من الأخبار الواردة فيه ثم
الكلام بما يرفع التنافي بينها في المقام وما وقفنا عليه في ذلك من كلام علمائنا
الأعلام :
فمن الأخبار
المشار إليها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن أبي عبد الله (عليهالسلام) إلا ان ثقة الإسلام والشيخ روياه في الصحيح عن عبد
الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من سبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) قبل ان يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ،
ويبدأ بالتكبير».
وروى في الكافي
عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن رجل عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة
مرة وأتبعها بلا إله إلا الله مرة غفر الله له».
وعن أبي هارون
المكفوف عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (عليهاالسلام) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنه لم يلزمه عبد فشقي».
وعن صالح بن
عقبة عن عقبة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «ما عبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح
فاطمة (عليهاالسلام) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فاطمة (عليهاالسلام)».
وعن أبي خالد
القماط قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول تسبيح
__________________
فاطمة (ع) في كل يوم في دبر كل صلاة أحب الي من صلاة ألف ركعة في كل يوم».
وعن زرارة عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) من الذكر الكثير الذي قال الله تعالى (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً)» .
وعن محمد بن
عذافر في الصحيح قال : «دخلت مع أبي على أبي عبد الله (عليهالسلام) فسأله أبي عن تسبيح فاطمة (عليهاالسلام) فقال «الله أكبر» حتى أحصى أربعا وثلاثين مرة ثم قال «الحمد
لله» حتى بلغ سبعا وستين ثم قال «سبحان الله» حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة».
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال في تسبيح فاطمة (عليهاالسلام): «تبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين ثم التحميد ثلاثا
وثلاثين ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين».
وعن هشام بن
سالم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «تسبيح فاطمة (عليهاالسلام) إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا وثلاثين واحمده ثلاثا
وثلاثين وسبحه ثلاثا وثلاثين. الحديث».
ونقل في البحار
عن مشكاة الأنوار قال : «دخل رجل على أبي عبد الله (عليهالسلام) وكلمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله (عليهالسلام) وشكى اليه ثقلا في أذنيه فقال ما يمنعك واين أنت من
تسبيح فاطمة (عليهاالسلام)؟ فقال له جعلت فداك وما تسبيح فاطمة؟ فقال تكبر الله
أربعا وثلاثين وتحمد الله ثلاثا وثلاثين وتسبح الله ثلاثا
__________________
وثلاثين تمام المائة».
وروى الشيخ في
التهذيب عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في حديث نافلة شهر رمضان قال : «سبح تسبيح فاطمة (عليهاالسلام) وهو الله أكبر أربعا وثلاثين مرة وسبحان الله ثلاثا
وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة فوالله لو كان شيء أفضل منه لعلمه رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) إياها».
وروى في الفقيه
في الصحيح عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) إذا توسد الرجل يمينه فليقل : بسم الله. إلى ان قال ثم
يسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام).».
وروى في الفقيه
مرسلا عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) «انه قال لرجل من بني سعد إلا أحدثك عني وعن فاطمة (عليهاالسلام)؟ انها كانت عندي. ثم ساق الحديث إلى ان قال فقال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما
منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمدا ثلاثا
وثلاثين تحميدة. الحديث».
وروى في الكافي
عن داود بن فرقد عن أخيه «ان شهاب بن عبد ربه سأله ان يسأل أبا عبد الله (عليهالسلام) وقال قل له ان امرأة تفزعني في المنام بالليل فقال قل
له اجعل مسباحا وكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة وسبح الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة
واحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة وقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك
وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي بيده الخير وله اختلاف الليل والنهار وهو على كل
شيء قدير (عشر مرات)». أقول : المسباح ما يسبح به ويعد به الأذكار.
__________________
وفي كتاب الفقه
الرضوي «وتسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) وهو اربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث
وثلاثون تحميدة».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقديم التكبير وانما الخلاف في تقديم التحميد
على التسبيح أو العكس فالمشهور الأول.
قال في المختلف
: المشهور في تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) تقديم التكبير ثم التحميد ثم التسبيح ، ذكره الشيخ في
النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة وسلار وابن البراج وابن إدريس. وقال علي بن
بابويه يسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) وهو اربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث
وثلاثون تحميدة. وهو يشعر بتقديم التسبيح على التحميد ، وكذا قال ابنه أبو جعفر
وابن الجنيد والشيخ في الاقتصاد. انتهى.
وقال شيخنا البهائي
في مفتاح الفلاح : اعلم ان المشهور استحباب تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) في وقتين أحدهما بعد الصلاة والآخر عند النوم ، وظاهر
الرواية الواردة به عند النوم يقتضي تقديم التسبيح على التحميد ، وظاهر الرواية
الصحيحة الواردة في تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) على الإطلاق يقتضي تأخيره عنه. ولا بأس ببسط الكلام في
هذا المقام وان كان خارجا عن موضوع الكتاب فنقول : قد اختلف علماؤنا في ذلك مع
اتفاقهم على الابتداء بالتكبير لصراحة صحيحة ابن سنان عن الصادق (عليهالسلام) في الابتداء به ، فالمشهور الذي عليه العمل في التعقيبات
تقديم التحميد على التسبيح ، وقال رئيس المحدثين وأبوه وابن الجنيد بتأخيره عنه ،
والروايات عن أئمة الهدى (عليهمالسلام) لا تخلو بحسب الظاهر من اختلاف ، والرواية المعتبرة
التي ظاهرها تقديم التحميد شاملة بإطلاقها لما يفعل بعد الصلاة وما يفعل عند النوم
وهي ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن محمد بن عذافر ، ثم ساق الحديث
كما تقدم ثم قال والرواية التي ظاهرها تقديم التسبيح على التحميد مختصة بما يفعل
عند النوم ، ثم أورد
__________________
عن الفقيه رواية علي وفاطمة (عليهماالسلام) وأوردها بطولها ـ ونحن قدمنا موضع الحاجة منها ـ ثم قال ولا يخفى ان هذه الرواية غير
صريحة في تقديم التسبيح على التحميد فان الواو لا تفيد الترتيب وانما هي لمطلق
الجمع على الأصح كما بين في الأصول ، نعم ظاهر التقديم اللفظي يقتضي ذلك وكذا
الرواية السابقة غير صريحة في تقديم التحميد على التسبيح فان لفظ «ثم» فيها من
كلام الراوي فلم يبق إلا ظاهر التقديم اللفظي أيضا فالتنافي بين الروايتين انما هو
بحسب الظاهر ، فينبغي حمل الثانية على الاولى لصحة سندها واعتضادها ببعض الروايات
الضعيفة كما رواه أبو بصير عن الصادق (عليهالسلام) ثم ساق الرواية المتقدمة ثم قال : وهذه الرواية صريحة في تقديم التحميد على
التسبيح فهي مؤيدة لظاهر لفظ الرواية الصحيحة فتحمل الرواية الأخرى على خلاف ظاهر
لفظها ليرتفع التنافي بينهما كما قلنا (فان قلت) يمكن العمل بظاهر الروايتين معا
بحمل الاولى على الذي يفعل بعد الصلاة والثانية على الذي يفعل عند النوم ، وحينئذ
لا يحتاج إلى صرف الثانية عن ظاهرها فلم عدلت عنه وكيف لم تقل به؟ (قلت) لأني لم
أجد قائلا بالفرق بين تسبيح الزهراء (عليهاالسلام) في الحالين بل الذي يظهر بعد التتبع ان كلا من
الفريقين القائلين بتقديم الحمد وتأخيره قائل به مطلقا سواء وقع بعد الصلاة أو قبل
النوم ، فالقول بالتفصيل احداث قول ثالث في مقابل الإجماع المركب ، واما ما يقال ـ
من ان احداث القول الثالث انما يمتنع إذا لزم منه رفع ما اجتمعت عليه الأمة كما
يقال في رد البكر الموطوءة بعيب مجانا لاتفاق الكل على عدمه بخلاف ما ليس كذلك
كالقول بفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون بعض لموافقة كل من الشطرين في شطر ،
وكما نحن فيه إذ لا مانع منه مثل القول بصحة بيع الغائب وعدم قتل المسلم بالذمي
بعد قول أحد الشطرين بالثاني ونقيض الأول والشطر الثاني بعكسه ـ فجوابه ان هذا
التفصيل انما
__________________
يستقيم على مذهب العامة اما على ما قرره الخاصة من ان حجية الإجماع مسببة عن
كشفه عن دخول المعصوم فلا ، إذ المخالفة حاصلة وان وافق القائل كلا من الشطرين في
شطر ، وقس عليه مثال البيع والقتل. انتهى.
أقول : ان ما
ذكره ـ من الطعن على صحيحة محمد بن عذافر من انها غير صريحة في تقديم التحميد على
التسبيح فان لفظ «ثم» فيها من كلام الراوي ـ طريف فإنه لا ريب في انه وان كان لفظ «ثم»
من كلام الراوي لكن الراوي حكى فعل الامام (عليهالسلام) لبيان كيفية التسبيح التي سأل عنها أبوه ولا ريب ان
فعله (عليهالسلام) في بيان الكيفية حجة ظاهرة في الترتيب على النحو
المذكور في الخبر كما في الوضوء البياني ونحوه.
واما ما ذكره ـ
من عدم إمكان الجمع بين أخبار المسألة بحمل اخبار تقديم التحميد على ما كان بعد
الصلاة واخبار تقديم التسبيح على ما كان عند النوم من حيث مخالفة الإجماع المركب ـ
فضعيف والإجماع على تقدير حجيته غير ثابت ، وهذا الجمع جيد لو لم يرد تقديم
التسبيح في اخبار التعقيب أيضا اما مع وروده كما قدمنا ذكره في رواية المفضل بن
عمر المروية في تعقيب نوافل شهر رمضان ، وكذا ورد تقديم التحميد في اخبار
النوم كما في رواية هشام بن سالم المتقدمة نقلا وهذا هو المانع من الحمل المذكور لا ما ذكره (قدسسره) بناء على اقتصاره على الروايات التي نقلها حيث لم يصل
اطلاعه إلى غيرها.
وبالجملة ان
صحيحة محمد بن عذافر ورواية أبي بصير ظاهرتان بل صريحتان في القول المشهور وهما
مطلقتان لا تخصيص فيهما بحال الصلاة بل إطلاقهما شامل للحالين ، ويعضدهما رواية
هشام بن سالم وان كان موردها النوم ورواية كتاب المشكاة وهي مطلقة
__________________
واما الروايات
الأخر الدالة بظاهر الترتيب الذكرى على تقديم التسبيح في حال النوم ـ كما في خبر
علي وفاطمة الزهراء (عليهماالسلام) وكذا خبر شهاب بن عبد ربه أو تعقيب الصلاة كما في خبر
المفضل ـ فالجواب عنها ممكن من وجوه : (أحدها) عدم صراحة العطف بالواو في الدلالة
على الترتيب وان كان ظاهر الترتيب الذكرى ذلك إلا انه ينبغي ان يحمل على الأخبار
الأخر المعتضدة بصحة الاسناد وشهرة القول به بين الطائفة المحقة جمعا بين الأخبار.
و (ثانيها) القول بالتخيير مطلقا. و (ثالثها) حمل هذه الأخبار على التقية ويؤيده ان حديث علي مع فاطمة الزهراء (عليهماالسلام) وان رواه في الفقيه مرسلا عن علي (عليهالسلام) إلا ان ظاهر سنده في العلل ان رجاله انما هم من العامة وابن الأثير في نهايته قد شرح جملة من ألفاظه.
وروى الشيخ أبو
علي ابن الشيخ الطوسي عن حمويه عن أبي الحسين عن أبي خليفة عن محمد بن كثير عن
شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة
__________________
قال : «معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن : يكبر أربعا وثلاثين ويحمد ثلاثا
وثلاثين». قال السيد رضي الدين بن طاوس في فلاح السائل رأيت في تأريخ نيشابور في
ترجمة رجاء ابن عبد الرحيم ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «معقبات.» وذكر نحوه. قال في البحار رواه العامة عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن
بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة مثله إلا انهم قدموا في روايتهم التسبيح على التحميد
والتحميد على التكبير ولذا قالوا بهذا الترتيب ، قال في شرح السنة أخرجه مسلم ثم نقله عن الآبي في إكمال الكمال وشرح لفظ «معقبات».
وبالجملة فإنه
لما كان القول المشهور بين الطائفة المعتضد بالأخبار المتقدمة هو تقديم التكبير ثم
التحميد ثم التسبيح فلو سلمنا صراحة المخالف في المخالفة فالظاهر انه لا محمل له
إلا التقية لموافقته لرواياتهم ولا سيما ان طريق الخبر المذكور رجالهم ، ونقل الصدوق
له في الفقيه بناء على صحته عنده لا ينافي الحمل على التقية.
ثم العجب هنا
من صاحب المدارك حيث قال : وربما ظهر من كلام ابن بابويه
__________________
تقديم التسبيح على التحميد ولم نقف على مأخذه ، مع ما عرفت من كثرة الأخبار
الواردة به في الكتب الأربعة وغيرها. وكيف كان فالعمل على القول المشهور كما عرفت.
فائدة
الأفضل ان يكون
التسبيح بالتربة الحسينية (على مشرفها أفضل الصلاة والتحية) لما ذكره في كتاب المصباح
قال : «روى عن الصادق (عليهالسلام) انه قال من أدار الحجر من تربة الحسين (عليهالسلام) فاستغفر به مرة واحدة كتب الله له سبعين مرة وان أمسك
السبحة بيده ولم يسبح بها ففي كل حبة منها سبع مرات».
وروى الشيخ عن
محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال : «كتبت إلى الفقيه (عليهالسلام) اسأله هل يجوز ان يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟
فأجاب ـ وقرأت
التوقيع ومنه نسخت ـ يسبح به فما من شيء من السبح أفضل منه ، ومن فضله ان المسبح
ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح». وقال ابن بابويه في الفقيه وقال ـ يعني الصادق (عليهالسلام) ـ : «السجود على طين قبر الحسين (عليهالسلام) ينور إلى الأرضين السبع ومن كان معه سبحة من طين قبر
الحسين (عليهالسلام) كتب مسبحا وان لم يسبح بها». والتسبيح بالأصابع أفضل
منه بغيرها لأنها مسئولات يوم القيامة. انتهى.
أقول : الظاهر
ان قوله : «والتسبيح بالأصابع. إلخ» من كلام الصدوق وعلى تقديره فهو محل نظر فان
هذه العلة لا تستلزم أفضلية التسبيح بالأصابع على التسبيح بالسبحة سيما مع ما عرفت
من الخبرين المذكورين.
__________________
قال في مكارم
الأخلاق على ما نقله في البحار من مسموعات السيد ابي البركات المشهدي روى إبراهيم بن
محمد الثقفي «ان فاطمة بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات
فكانت (عليهاالسلام) تديرها بيدها تكبر وتسبح إلى ان قتل حمزة بن عبد
المطلب سيد الشهداء (رضياللهعنه) فاستعملت تربته وعملت المسابيح فاستعملها الناس
فلما قتل الحسين (عليهالسلام) عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل
والمزية». وفي كتاب الحسن بن محبوب «ان أبا عبد الله (عليهالسلام) سئل عن استعمال التربتين من طين قبر حمزة والحسين (عليهالسلام) والتفاضل بينهما فقال (عليهالسلام) السبحة من طين قبر الحسين (عليهالسلام) تسبح بيد الرجل من غير ان يسبح». وروى «ان الحور العين
إذا بصرن بواحد من الاملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما يستهدين منه السبح والترب من
طين قبر الحسين (عليهالسلام)». وروى عن الصادق (عليهالسلام) «انه من أدارها مرة واحدة بالاستغفار أو غيره كتب الله
له سبعين مرة وان السجود عليها يخرق الحجب السبع». انتهى.
وروى في
الاحتجاج قال : «كتب الحميري إلى القائم (عجل الله فرجه) يسأله
هل يجوز ان يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟ فأجاب (عليهالسلام) يسبح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ومن فضله ان
الرجل ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له التسبيح. وسئل هل يجوز ان يدير السبحة
بيده اليسرى أو لا يجوز؟ فأجاب يجوز ذلك والحمد لله».
الرابع ـ في نبذة مما يستحب بعد كل صلاة
، ومنه رفع اليدين بالتكبير ثلاثا :
__________________
روى الصدوق في
العلل بسنده عن المفضل بن عمر قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) لأي علة يكبر المصلي بعد التسليم ثلاثا يرفع بها يديه؟
فقال لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) لما فتح مكة صلى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود فلما
سلم رفع يديه وكبر ثلاثا وقال : «لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده
وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير»
ثم اقبل على أصحابه وقال لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كل صلاة مكتوبة
فإن من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا القول كان قد ادى ما يجب عليه من شكر الله
على تقوية الإسلام وجنده». ورواه في فلاح السائل بسنده عن المفضل .
وروى فيه
بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا سلمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثا».
قال في الذكرى
: قال الأصحاب يكبر بعد التسليم ثلاثا رافعا بها يديه كما تقدم ويضعها في كل مرة
إلى ان تبلغ فخذيه أو قريبا منهما. وقال المفيد يرفعهما حيال وجهه مستقبلا
بظاهرهما وجهه وبباطنهما القبلة ثم يخفض يديه إلى نحو فخذيه وهكذا ثلاثا. انتهى.
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال قال : «لا تنسوا الموجبتين ـ أو قال عليكم
بالموجبتين ـ في دبر كل صلاة. قلت وما الموجبتان؟ قال تسأل الله الجنة وتعوذ بالله
من النار».
وعن داود
العجلي مولى أبي المغراء قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ثلاث أعطين سمع الخلائق : الجنة والنار والحور
العين ، فإذا صلى العبد وقال : «اللهم أعتقني من النار وأدخلني الجنة وزوجني من
الحور العين» قالت النار يا رب ان
__________________
عبدك قد سألك أن تعتقه مني فأعتقه وقالت الجنة يا رب ان عبدك قد سألك إياي
فأسكنه وقال الحور العين يا رب ان عبدك قد خطبنا إليك فزوجه منا ، فان هو انصرف من
صلاته ولم يسأل الله تعالى شيئا من هذا قالت الحور العين ان هذا العبد فينا لزاهد
وقالت الجنة ان هذا العبد في لزاهد وقالت النار ان هذا العبد بي لجاهل».
وروى في الخصال
بسنده عن عائذ الأحمسي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «أربعة أعطوا سمع الخلائق : النبي (صلىاللهعليهوآله) والحور العين والجنة والنار فما من عبد يصلي على النبي
(صلىاللهعليهوآله) أو يسلم عليه إلا بلغه ذلك وسمعه ، وما من أحد قال : «اللهم
زوجني من الحور العين» إلا سمعته وقلن يا ربنا ان فلانا قد خطبنا إليك فزوجنا منه
، وما من أحد يقول : «اللهم أدخلني الجنة» إلا قالت الجنة اللهم أسكنه في ، وما من
أحد يستجير بالله من النار إلا قالت النار اللهم أجره مني».
وبهذا المضمون
أخبار عديدة.
ومنه ـ ما رواه
في الكافي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لما أمر الله تعالى هذه الآيات ان يهبطن إلى
الأرض تعلقن بالعرش وقلن اي رب إلى أين تهبطنا إلى أهل الخطايا والذنوب؟ فأوحى
الله تعالى إليهن ان اهبطن فوعزتي وجلالي لا يتلوكن أحد من آل محمد (صلىاللهعليهوآله) وشيعتهم في دبر ما افترضت عليه إلا نظرت إليه بعيني
المكنونة في كل يوم سبعين نظرة اقضى له مع كل نظرة سبعين حاجة وقبلته على ما فيه
من المعاصي ، وهي أم الكتاب و «شهد الله انه لا إله إلا هو.» وآية الكرسي وآية
الملك».
ومنه ـ ما رواه
الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير قال : «قلت لأبي عبد الله
__________________
(عليهالسلام) قول الله عزوجل «اذْكُرُوا اللهَ
ذِكْراً كَثِيراً» ما ذا الذكر الكثير؟ قال : أولها ان تسبح في دبر
المكتوبة ثلاثين مرة».
وعن أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال لأصحابه ذات يوم أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من
الثياب والآنية ثم وضعتم بعضه على بعض أترونه يبلغ السماء؟ قالوا لا يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته «سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر» ثلاثين مرة وهن يدفعن الهدم والغرق والحرق
والتردي في البئر وأكل السبع وميتة السوء والبلية التي نزلت على العبد في ذلك
اليوم».
وروى الصدوق في
المجالس في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من صلى صلاة مكتوبة ثم سبح في دبرها ثلاثين مرة
لم يبق على بدنه شيء من الذنوب إلا تناثر».
وروى في خبر
آخر في الكتاب المذكور عن الحارث بن المغيرة النصري قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول من قال : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر» أربعين مرة في دبر كل صلاة فريضة قبل ان يثنى رجليه ثم سأل الله
اعطي ما سأل».
ومنه ـ ما رواه
ثقة الإسلام في الكافي عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السراج قال : «سمعنا أبا عبد الله (عليهالسلام) وهو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعا من الرجال وأربعا من
النساء : فلان وفلان وفلان ـ ويسميهم ـ ومعاوية وفلانة وفلانة وهندا وأم الحكم أخت
معاوية».
__________________
وبإسناده عن
جابر عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلا
بانصراف لعن بني أمية».
وما رواه
الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب مرسلا عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انه قال : «من أحب ان يخرج من الدنيا وقد تخلص من
الذنوب كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ولا يطلبه أحد بمظلمة فليقل في دبر كل
صلاة نسبة الرب تبارك وتعالى اثنتي عشرة مرة ثم يبسط يديه فيقول : «اللهم إني
أسألك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك وأسألك باسمك العظيم وسلطانك
القديم ان تصلي على محمد وآل محمد يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب
من النار أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد وان تعتق رقبتي من النار وتخرجني من
الدنيا آمنا وتدخلني الجنة سالما وان تجعل دعائي أوله فلاحا وأوسطه نجاحا وآخره
صلاحا انك أنت علام الغيوب» ثم قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) هذا من المخبيات مما علمني رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وأمرني ان أعلمه الحسن والحسين (عليهماالسلام)». وفي الفقيه «في دبر الصلوات الخمس» ورواه الصدوق في معاني الأخبار في الصحيح عن
إبراهيم بن هاشم واحمد بن محمد بن عيسى معا عن علي بن الحكم عن أبيه عن سعد بن
طريف عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) كما هنا إلا انه قال «الطاهر الطهر» وقال بعد قوله «القديم»
: يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب من النار صل على محمد وآل محمد
وفك رقبتي من النار وأخرجني من الدنيا آمنا وأدخلني الجنة سالما واجعل دعائي. إلى
آخر ما هنا.
ومنه ما رواه
في قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد
__________________
البزنطي قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) كيف الصلاة على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في دبر المكتوبة وكيف السلام عليه؟ فقال (عليهالسلام) تقول السلام عليك يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا محمد بن عبد الله (صلىاللهعليهوآله) السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا حبيب الله
السلام عليك يا صفوة الله السلام عليك يا أمين الله أشهد أنك رسول الله وأشهد أنك
محمد بن عبد الله وأشهد انك قد نصحت لأمتك وجاهدت في سبيل ربك وعبدته حتى أتاك
اليقين فجزاك الله يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أفضل ما جزى نبيا عن أمته اللهم صل على محمد وآل محمد
أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد».
ومنه ـ ما قال
في الفقه الرضوي : إذا فرغت من صلاتك فارفع يديك وأنت جالس فكبر ثلاثا
وقل : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
وأعز جنده وحده فله الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير»
وتسبح بتسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) وهو اربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث
وثلاثون تحميدة ثم قل : اللهم أنت السلام ومنك السلام ولك السلام وإليك يعود
السلام سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وتقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على الأئمة الراشدين
المهديين من آل طه ويس. ثم تدعو بما بدا لك من الدعاء بعد المكتوبة. انتهى.
ومنه ـ ما رواه
في التهذيب عن سلام المكي عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «اتى رجل إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) يقال له شيبة الهذيل فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اني شيخ قد كبر سني وضعفت قوتي عن عمل كنت قد عودته
__________________
نفسي من صلاة وصيام وحج وجهاد فعلمني يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كلاما ينفعني الله به وخفف علي يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال أعد فأعاد ثلاث مرات فقال له رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما حولك شجرة ولا مدرة إلا وقد بكت من رحمتك ، فإذا
صليت الصبح فقل عشر مرات «سبحان الله العظيم وبحمده لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم» فان الله يعافيك بذلك من العمى والجنون والجذام والفقر والهرم. فقال
يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هذا للدنيا فما للاخرة؟ فقال تقول في دبر كل صلاة : «اللهم
اهدني من عندك وأفض علي من فضلك وانشر علي من رحمتك وانزل علي من بركاتك» قال فقبض
عليهن بيده ثم مضى فقال رجل لابن عباس ما أشد ما قبض عليها خالك. قال فقال (صلىاللهعليهوآله) اما انه ان وافى بها يوم القيامة لم يدعها متعمدا فتح
الله له ثمانية أبواب من أبواب الجنة يدخل من ايها شاء».
قيل : المراد
بقبضهن عدهن بالأصابع وضمها لهن. أقول : الظاهر حمله على ظاهره ويكون ذلك مبالغة
في حفظه لهذه الكلمات كأنها من قبيل شيء وضع في يده فضم عليه بيده. وقيل في قوله «خالك»
اي صاحبك يقال انا خال هذا الفرس اي صاحبه ، وقيل يحتمل ان يكون عبد الله بن عباس
منتسبا من جانب الأم إلى هذيل.
إلى غير ذلك
مما هو مذكور في مظانه من اراده فليطلبه منها.
قد تم المجلد
الأول من كتاب الصلاة من الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ويتلوه ان شاء
الله تعالى في المجلد الثاني المقصد الثاني في ما يلحق الصلاة من قواطعها وسهوها
وشكوكها.
__________________
فهرس الجزء الثامن
من كتاب الحدائق
الناضرة
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الاخبار المشتملة على أفعال الصلاة
وآدابها
|
٢
|
الاشكال في صحة تكبيرة الاحرام عند
التلفظ بالنية
|
٣٣
|
حقيقة النية
|
١٣
|
بطلان تكبيرة الاحرام بالزيادة فيها
|
٣٤
|
تكبيرة الاحرام ركن في الصلاة
|
١٨
|
هل يجزئ التكبير الواحد للافتتاح
والركوع؟
|
٣٥
|
تعيين تكبيرة الاحرام من بين
التكبيرات السبع
|
٢١
|
الامام يسمع من خلفه تكبيرة الاحرام
والمأموم يسر بها وبغيرها والمنفرد يتخير
|
٣٦
|
صحيح حفص الوارد في تكبير الحسين (ع)
|
٢٣
|
هل يستحب ترك الاعراب في آخر التكبير؟
|
٣٧
|
العلة في تشريع التكبيرات الست
|
٢٤
|
استحباب التوجه بست تكبيرات
|
٣٨
|
كلام المجلسي في تعيين الواجب من
التكبيرات السبع.
|
٢٥
|
استحباب الدعاء بين التكبيرات السبع
|
٣٩
|
رد كلام المجلسي في المقام
|
٢٦
|
الدعاء بعد الإقامة قبل الاستفتاح
|
٤٠
|
هل تبطل الصلاة بزيادة تكبيرة الاحرام؟
|
٣١
|
رفع اليدين بالتكبير
|
٤٢
|
صيغة التكبيرات الواجب
|
٣١
|
حد رفع اليدين بالتكبير
|
٤٥
|
حكم العاجز عن النطق بالتكبير
كالأعجمي والأخرس
|
٣٢
|
موضع التكبير من حيث رفع اليدين
وارسالهما
|
٤٩
|
يعتبر في تكبيرة الاحرام ما يعتبر في
الصلاة من الشروط
|
٣٣
|
كيفية الأصابع من حيث الضم والتفريق
عند رفع اليدين بالتكبير
|
٥٠
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
موارد استحباب إضافة التكبيرات الست
إلى تكبيرة الاحرام
|
٥٢
|
يستحب للمصلي قاعدا " ان يتربع
قارئا " ويثني رجليه راكعا "
|
٧٣
|
التسبيح والتحميد والتهليل بعد التوجه
|
٥٤
|
وجوب القيام للركوع عند التمكن منه
|
٧٣
|
التكبير بعد الاستفتاح
|
٥٦
|
هل تجب الطمأنينة في القيام للركوع
عند التمكن منه؟
|
٧٤
|
تعيين الركن من القيام
|
٥٧
|
لو عجز عن القعود مستقلا قعد معتمدا
" أو منحنيا "
|
٧٥
|
المشهور وجوب الاستقلال في القيام
|
٦١
|
لو عجز القعود بالكلية صلى مضطجعا
"
|
٧٥
|
هل يجب الاعتماد على الرجلين معا
" في القيام؟
|
٦٣
|
هل يتخير في الاضطجاع بين الجانبين أو
يتقدم اليمين على اليسار؟
|
٧٧
|
هل تبطل الصلاة لو أخل المصلي
بالاستقلال؟
|
٦٤
|
الاخبار الدالة على الاستلقاء بعد
تعذر الجلوس
|
٧٨
|
يجب نصب فقار الظهر في القيام
|
٦٥
|
الايماء بالرأس للركوع والسجود في
الاضطجاع والاستلقاء
|
٧٩
|
اطراق الرأس لا يخل بالانتصاب
|
٦٥
|
الايماء بالعينين مع العجز عن الايماء
بالرأس
|
٨٠
|
لا يجوز تباعد الرجلين بما يخرج عن حد
القيام
|
٦٥
|
لو قدر المريض الذي فرضه الايماء على
رفع موضع السجود وجب
|
٨١
|
جواز الاستعانة في حال النهوض
|
٦٦
|
هل يضع على جبهته شيئا " حال
الايماء؟
|
٨١
|
العاجز عن القيام على الوجه المتقدم
يجب عليه القيام بقدر الامكان
|
٦٦
|
حكم من تجدد له العجز عن المرتبة
العليا
|
٨٤
|
لو عجز عن القيام بالكلية انتقل إلى
الجلوس
|
٦٧
|
من تجدد له العجز عن المرتبة العليا
هل يقرأ في حال الانتقال إلى الدنيا؟
|
٨٤
|
حد العجز المسوغ للقعود
|
٦٧
|
|
|
الانتقال إلى المرتبة الدنيا بالألم
الشديد وباخبار الطبيب
|
٧١
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
حكم من تجددت له القدرة على المرتبة
العليا
|
٨٦
|
لا يجوز القراءة بغير العربية
|
١١٣
|
ما يستحب للمصلي في حال القيام
|
٨٧
|
حكم العاجز عن العربية
|
١١٣
|
ما يستحب في القيام للصلاة
|
٨٩
|
وجوب اخراج الحروف من مخارجها
|
١١٤
|
هل القراءة في الصلاة ركن؟
|
٩١
|
هل تجب السورة في الفريضة؟
|
١١٥
|
وجوب الفاتحة في كل من الثنائية
وأوليي غيرها
|
٩٤
|
الاخبار التي استدل بها على استحباب
السورة
|
١١٦
|
هل تتعين الفاتحة في النافلة؟
|
٩٤
|
ما استدل به على وجوب السورة
|
١١٨
|
لا يجوز الاخلال بشئ من الفاتحة
|
٩٤
|
نتيجة البحث
|
١٢٣
|
هل القراءات السبع متواترة؟
|
٩٥
|
يجب الترتيب بين الحمد والسورة
|
١٢٣
|
رواية العامة ان القرآن نزل على سبعة
أحرف
|
٩٩
|
لو قدم المصلي السورة عامدا "
|
١٢٤
|
كلام الجزري المقرئ الدال على عدم
تواتر القراءات
|
١٠١
|
لو قدم المصلي السورة ساهيا "
|
١٢٥
|
الاخبار الدالة على التغيير في بعض
الآيات.
|
١٠٢
|
لا يجوز ان يقرأ ما يفوت الوقت
بقراءته
|
١٢٥
|
البسملة آية من كل سورة إلا سورة
براءة
|
١٠٥
|
وجوب تعلم السورة على القول بوجوبها
|
١٢٦
|
وجوب تعلم الفاتحة في سعة الوقت
والائتمام أو القراءة من المصحف عند ضيقه
|
١٠٩
|
حكم من جهل السورة أو بعضها وضاق
الوقت
|
١٢٦
|
حكم من جهل الفاتحة وتعذر عليه
الائتمام والقراءة من المصحف
|
١١٠
|
قراءة الأخرس
|
١٢٦
|
|
|
الجهر في الصبح وأوليي المغرب والعشاء
والاخفاء في الباقي
|
١٢٩
|
|
|
تحديد الجهر والاخفاء
|
١٣٧
|
|
|
لا جهر على النساء في موضع الجهر
|
١٤١
|
|
|
هل صوت المرأة عورة؟
|
١٤١
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يجب الاخفاء على المرأة في الصلاة
الاخفائية؟
|
١٤٢
|
لو قرأ المصلي العزيمة عمدا " في
الفريضة
|
١٥٧
|
وجوب الجهر على القول به انما هو في
القراءة خاصة
|
١٤٢
|
لو قرأ المصلي العزيمة سهوا " في
الفريضة
|
١٥٨
|
معذورية الجاهل بوجوب الجهر والاخفاء
|
١٤٣
|
يجوز قراءة العزائم في النوافل
|
١٦٠
|
القضاء يتبع الأداء في الجهر والاخفاء
|
١٤٣
|
استحباب التكبير عند رفع الرأس من
سجود العزيمة
|
١٦٠
|
لو اختلف حكم القاضي والمقضي عنه
|
١٤٤
|
استحباب الاستعاذة قبل القراءة في
الركعة الأولى من كل صلاة
|
١٦١
|
المستحب في نوافل النهار الاخفاء وفي
نوافل الليل الاجهار
|
١٤٤
|
كيفية الاستعاذة
|
١٦٢
|
حكم القرن بين السورتين في الفريضة
|
١٤٥
|
هل يستحب الاخفاء في الاستعاذة؟
|
١٦٤
|
ما يتحقق به القران
|
١٥٠
|
كلام الشهيد الثاني في شرح النفلية في
الاستعاذة
|
١٦٥
|
موضع الخلاف في القران صورة قصد
الجزئية للقراءة الواجبة
|
١٥١
|
الاعتراض على كلام الشهيد الثاني في
المقام
|
١٦٦
|
لا بأس بالقران بين السورتين في
النافلة
|
١٥١
|
الجهر بالبسملة في مقام الاخفاء
|
١٦٧
|
صلاة الآيات مستثناة من الحكم بحرمة
القرآن أو كراهته في الفريضة
|
١٥٢
|
استحباب الترتيل في القراءة
|
١٧٢
|
حرمة قراءة العزائم الأربع في الفرائض
|
١٥٢
|
تعريف الترتيل
|
١٧٢
|
مناقشة صاحب المدارك في حرمة قراءة
العزائم في الفرائض
|
١٥٦
|
كلام والد المجلسي في الترتيل
|
١٧٤
|
دفع مناقشة صاحب المدارك في المقام
|
١٥٦
|
القراءة بسورة المفصل
|
١٧٦
|
|
|
ما يقرأ في الفرائض من السور
|
١٧٨
|
|
|
ما يقرأ في المغرب والعشاء ليلة
الجمعة
|
١٨١
|
|
|
ما يقرأ في صبح يوم الجمعة
|
١٨٢
|
|
|
ما يقرأ في ظهر يوم الجمعة
|
١٨٣
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
ما يقرأ في عصر يوم الجمعة
|
١٨٦
|
النصف أو تجاوزه؟
|
٢١٨
|
نقل المحقق القول بوجوب الجمعة
والمنافقين في ظهر الجمعة وعصرها
|
١٨٧
|
هل يعتبر في العدول هنا ان تكون قراءة
الأولى سهوا "؟
|
٢١٩
|
ما يقرأ في صبحي الاثنين والخميس
|
١٨٨
|
هل يجوز العدول من التوحيد والجحد إلى
السورتين في غير صلاة الجمعة؟
|
٢٢٠
|
ما يقرأ في نوافل الليل والنهار من
السور والجهر والاخفاء فيها
|
١٨٩
|
هل يعيد البسملة عند العدول؟
|
٢٢٢
|
الجهر بالظهر يوم الجمعة
|
١٨٩
|
ايراد الشهيد الثاني على العلامة في
المقام.
|
٢٢٥
|
السكوت بعد القراءة
|
١٩٠
|
الصور الخمس للعدول من السورة
|
٢٢٥
|
الموالاة في القراءة
|
١٩٢
|
هل يجب قصد سورة معينة قبل البسملة؟
|
٢٢٨
|
التأمين في الصلاة
|
١٩٦
|
كلام ابن أبي عقيل المتضمن عدم وجوب
الفاتحة في بعض الموارد
|
٢٣٠
|
هل تعتبر الضحى والانشراح والفيل
والإيلاف سورتين أو أربع؟
|
٢٠٢
|
المعوذتان من القرآن
|
٢٣٠
|
العدول من سورة الى أخرى
|
٢٠٧
|
لا قراءة في الأخيرتين زائدا "
على الحمد
|
٢٣٢
|
العدول من غير الجحد والتوحيد
|
٢١١
|
قراءة السورة الواحدة في الركعتين
|
٢٣٢
|
العدول من التوحيد والجحد إلى غير
الجمعة والمنافقين
|
٢١٥
|
هل يجب على المصلي ان يكف عن القراءة
إذا أراد ان يتقدم؟
|
٢٣٣
|
هل تبطل الصلاة بالعدول على القول
بحرمته؟
|
٢١٥
|
وظيفة المصلي خلف من لا يقتدي بصلاته
|
٢٣٣
|
العدول من التوحيد والجحد إلى الجمعة
والمنافقين
|
٢١٧
|
|
|
الاشكال في العدول من الجحد إلى
الجمعة والمنافقين
|
٢١٧
|
|
|
هل يعتبر في العدول هنا عدم بلوغ
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الركوع ركن تبطل الصلاة بزيادته ونقصه
|
٢٣٤
|
رفع اليدين بالتكبير قبل الركوع
|
٢٥٨
|
حد الانحناء الواجب في الركوع
|
٢٣٦
|
رفع اليدين بعد الركوع والسجود
|
٢٥٩
|
لا يجزئ الانخناس في الركوع
|
٢٤٠
|
التكبير عند رفع اليدين بعد الركوع
والسجود
|
٢٦٠
|
الراكع خلقة يزيد في الانحناء يسيرا
"
|
٢٤١
|
ما اشتملت عليه صحيحة حماد من آداب
الركوع
|
٢٦٢
|
يجب على المصلي ان يقصد بهويه الركوع
|
٢٤١
|
ما اشتمل عليه صحيحة زرارة من آداب
الركوع
|
٢٦٣
|
لو تعذر الانحناء للركوع اتى بالمقدور
|
٢٤١
|
ما اشتمل عليه الفقه الرضوي من آداب
الركوع
|
٢٦٣
|
ركوع ذي اليدين الطويلتين أو القصير
تين
|
٢٤٢
|
التنافي بين صحيح حماد وصحيحي زرارة
في التغميض حال الركوع والنظر إلى ما بين القدمين
|
٢٦٤
|
لو شك بعد الانتصاب في اكمال الانحناء
|
٢٤٢
|
التنافي بين خبري حماد وزرارة في
التكبير للسجود حال القيام وحال الهوي
|
٢٦٤
|
وجوب الطمأنينة في الركوع
|
٢٤٢
|
السمعلة يأتي بها المصلي بعد
الاستقرار قائما
|
٢٦٥
|
لو تعذرت الطمأنينة في الركوع
|
٢٤٣
|
ما يستحب للامام والمأموم والمنفرد من
الذكر بعد الركوع
|
٢٦٥
|
رفع الرأس من الركوع
|
٢٤٤
|
تفسير السمعلة
|
٢٦٧
|
الطمأنينة قائما "
|
٢٤٤
|
وظيفة الامام والمأموم والمنفرد في
الذكر في الركوع وبعد الرفع من
|
|
هل الواجب في الركوع والسجود مطلق
الذكر أو خصوص التسبيح؟
|
٢٤٥
|
|
|
الواجب من التسبيح في الركوع والسجود
على القول بتعينه
|
٢٤٨
|
|
|
تفسير ذكر الركوع والسمعلة
|
٢٥٦
|
|
|
التكبير للركوع
|
٢٥٦
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
حيث الجهر والاخفات
|
٢٦٨
|
هل يجوز السجود على ظاهر الكفين؟
|
٢٧٨
|
الصلاة على النبي وآله (ص) في الركوع
والسجود
|
٢٦٨
|
يكفي في الابهامين الظاهر والباطن
|
٢٧٨
|
الصلاة على النبي وآله (ص) في الركوع
والسجود
|
٢٦٩
|
وجوب الاعتماد على مواضع الأعضاء في
السجود
|
٢٧٩
|
نهاية الكمال في عدد التسبيح في
الركوع والسجود
|
٢٧١
|
هل يجب مجافاة البطن عن الأرض في
السجود؟
|
٢٧٩
|
استحباب تفريج الأصابع في الركوع
|
٢٧١
|
وجوب وضع الجبهة على ما يصح السجود
عليه
|
٢٨٠
|
التطبيق في الركوع
|
٢٧٢
|
ما يجب وضعه على الأرض ونحوها من
الجبهة
|
٢٨٠
|
هل يكره جعل اليدين تحت الثياب في
الركوع؟
|
٢٧٢
|
وجوب الانحناء في السجود حتى يساوى
موضع الجبهة الموقف واستثناء العلو قدر لبنة
|
٢٨٣
|
كثرة اللبث في الركوع والسجود وكثرة
الدعاء
|
٢٧٣
|
يجوز انخفاض موضع السجود بأزيد من قدر
لبنة
|
٢٨٥
|
وجوب السجود وركنيته
|
٢٧٣
|
حكم سائر المساجد من حيث المساواة. في
العلو والهبوط
|
٢٨٦
|
الاشكال في ركنية السجود
|
٢٧٤
|
لو وقعت جبهة المصلي على ما لا يصح
السجود عليه
|
٢٨٧
|
النصوص الدالة على صحة الصلاة مع
نسيان السجدة الواحدة
|
٢٧٤
|
وجوب الذكر حال السجود
|
٢٨٩
|
دعوى ركنية السجدة الواحدة وردها
|
٢٧٥
|
وجوب الطمأنينة في السجود
|
٢٨٩
|
وجوب السجود على سبعة أعظم
|
٢٧٦
|
|
|
لا يجب الاستيعاب في ما عدا الجبهة من
أعضاء السجود
|
٢٧٧
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
رفع الرأس بعد السجدة الأولى والجلوس
مطمئنا "
|
٢٩٠
|
استحباب مساواة المسجد للموقف
|
٣٠٢
|
التكبير للاخذ في السجود والرفع منه
|
٢٩٠
|
استحباب وضع اليدين حال السجود حيال
المنكبين أو الوجه
|
٣٠٢
|
التكبير قبل السجود قائما "
|
٢٩٠
|
التورك بين السجدتين وفى جلسة
الاستراحة والتشهد
|
٣٠٥
|
استحباب وضع اليدين قبل الركعتين على
الأرض
|
٢٩١
|
استحباب الدعاء بعد الجلوس من السجدة
الأولى
|
٣٠٦
|
استحباب وضع اليدين قبل الركعتين على
الأرض
|
٢٩١
|
كيفية النهوض وما يقال فيه
|
٣٠٧
|
استحباب التجنيح حال السجود
|
٢٩٢
|
الاحكام المستفادة من الاخبار الواردة
في المقام
|
٣٠٩
|
استحباب مباشرة الأرض بالكفين
|
٢٩٣
|
التكبير عند القيام من التشهد الأول
|
٣١٠
|
استحباب السجود على الأرض
|
٢٩٤
|
التخيير في اختلاف الاخبار
|
٣١٢
|
استحباب الارغام بالأنف
|
٢٩٤
|
متى يكبر لرفع الرأس من السجدة
الثانية؟
|
٣١٢
|
تعريف الارغام من الانف
|
٢٩٦
|
حكم الاقعاء في جلوس الصلاة
|
٣١٢
|
موضع الارغام من الانف
|
٢٩٧
|
كيفية الاقعاء
|
٣١٣
|
هل يشترط في الارغام بالأنف ما يشترط
في الجبهة؟
|
٢٩٨
|
ما يستفاد من الاخبار الواردة في
الاقعاء
|
٣١٦
|
استحباب الدعاء حال السجود
|
٢٩٨
|
مذهب العامة في الاقعاء
|
٣١٨
|
استحباب زيادة التمكن في السجود
|
٣٠٠
|
الاشكال في جواز الجلوس على العقبين
معتمدا " على صدور القدمين
|
٣١٩
|
استحباب رفع الشعر عن الجبهة للمرأة
|
٣٠١
|
من كان في موضع سجوده ما يمنع من
السجود عليه
|
٣١٩
|
كشف غير الجبهة من الأعضاء
|
٣٠١
|
|
|
النظر حال السجود إلى طرف الانف
|
٣٠١
|
|
|
النظر حال الجلوس بين السجدتين إلى
الحجر
|
٣٠١
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
النفخ في موضع السجود في الصلاة
|
٣٢٣
|
انكار العامة لسجدة الشكر بعد الصلاة
|
٣٤٦
|
الاخبار الواردة في سجدات القرآن
|
٣٢٥
|
تعفير الخدين والجبينين في سجود الشكر
|
٣٤٧
|
وجوب السجود في العزائم الأربع
واستحبابه في غيرها
|
٣٣١
|
مسح الوجه باليد بعد سجود الشكر وما
نالته من بدنه
|
٣٤٨
|
عدد سجدات القرآن
|
٣٣٢
|
ليس في سجود الشكر تكبير ولا رفع ولا
تشهد ولا تسليم
|
٣٤٩
|
وجوب السجود على القارئ والمستمع
والخلاف في السامع
|
٣٣٢
|
هل يستحب التكبير لرفع الرأس من سجود
الشكر؟
|
٣٤٩
|
موضع السجود في العزائم الأربع
|
٣٣٣
|
هل يشترط في سجود الشكر وضع الجبهة على
ما يصح السجود عليه؟
|
٣٤٩
|
لا يعتبر في سجود التلاوة الطهارة من
الحدث
|
٣٣٥
|
هل يعتبر في سجود الشكر وضع المساجد
السبعة؟
|
٣٥٠
|
لا يعتبر في سجود التلاوة ستر العورة
والطهارة من الخبث واستقبال القبلة
|
٣٣٦
|
استحباب سجود الشكر عند تجدد النعم
ودفع النقم
|
٣٥٠
|
هل يعتبر في سجود التلاوة السجود على
باقي المساجد؟
|
٣٣٦
|
التعدد في سجود الشكر أفضل
|
٣٥١
|
التكبير في سجود التلاوة
|
٣٣٧
|
استحباب إطالة السجود
|
٣٥٢
|
الذكر في سجود التلاوة
|
٣٣٨
|
حكم القنوت
|
٣٥٣
|
سجود التلاوة في أوقات كراهة النوافل
|
٣٣٨
|
الاخبار التي يستدل بها لوجوب القنوت
|
٣٥٣
|
فورية سجود التلاوة
|
٣٣٩
|
الاخبار التي يستدل بها لاستحباب
القنوت
|
٣٥٥
|
هل يتعدد سجود التلاوة بتعدد السبب
|
٣٤٠
|
|
|
الاخبار الوارد في سجدة الشكر
|
٣٤١
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الجمع بين اخبار القنوت
|
٣٥٦
|
استحباب الجهر بالقنوت للامام
والمنفرد والاخفاء للمأموم
|
٣٨٢
|
الاستناد في وجوب القنوت إلى لفظ
الدعاء في الخبر الوارد في فرائض الصلاة
|
٣٥٨
|
استحباب تطويل القنوت
|
٣٨٣
|
الاستدلال على وجوب القنوت بالآية
|
٣٥٩
|
استحباب التكبير للقنوت
|
٣٨٤
|
رد الاستدلال على وجوب القنوت بالآية
|
٣٦٠
|
رفع اليدين في حال القنوت
|
٣٨٥
|
رد قول ابن أبي عقيل بوجوب القنوت في
الصلاة الجهرية
|
٣٦٢
|
مسح الوجه باليدين وامرارهما على
اللحية والصدر بعد بعد القنوت
|
٣٨٧
|
الاشكال في نسبة القول بوجوب القنوت
إلى الصدوق
|
٣٦٢
|
الأقوال في الأفضل من القراءة
والتسبيح في الركعتين الأخيرتين
|
٣٨٨
|
محل القنوت
|
٣٦٢
|
الاخبار الدالة على أفضلية التسبيح
مطلقا " في الركعتين الأخير تين وما يرجع إليها من التحقيق
|
٣٨٩
|
لو نسي القنوت قبل الركوع
|
٣٦٤
|
دليل أفضلية القراءة مطلقا " في
الركعتين الأخيرتين ودفعه
|
٣٩٨
|
ما يقال في القنوت
|
٣٦٦
|
كلام المجلسي (قدس سره) في المقام
|
٣٩٨
|
القنوت بالفارسية
|
٣٧١
|
النظر في كلام المجلسي في المقام
|
٣٩٩
|
الأقوال في قنوت صلاة الجمعة
|
٣٧٢
|
الاستدلال على أفضلية القراءة مطلقا
" بخبر الاحتجاج ودفعه
|
٤٠٠
|
الاخبار الواردة في قنوت صلاة الجمعة
|
٣٧٥
|
دليل التخيير مطلقا " ودفعه
|
٤٠٠
|
الجمع بين الاخبار الدالة على قول
المفيد وأخبار القول المشهور
|
٣٧٨
|
دليل أفضلية القراءة للامام ودفعه
|
٤٠١
|
رد قول الصدوق بأن القنوت في صلاة
الجمعة في الركعة الثانية
|
٣٧٨
|
كلام صاحب المدارك في المقام
|
٤٠٣
|
جمع المحقق بين أخبار قنوت الجمعة
|
٣٨٠
|
النظر في كلام صاحب المدارك في المقام
|
٤٠٥
|
جمع المحقق بين أخبار قنوت الجمعة
|
٣٨١
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
كلام المحقق الأردبيلي في المقام
ونقده
|
٤١٠
|
جريان الخلاف في مسح الرأس وذكر
الركوع والسجود
|
٤٣٣
|
الأقوال في كيفية التسبيح في الركعتين
الأخيرتين وما يستدل به لها
|
٤١٢
|
هل يختلف التسبيح والمسح في الحكم؟
|
٤٣٤
|
هل يجزئ مطلق الذكر في الركعتين
الأخيرتين؟
|
٤١٧
|
هل يجب الترتيب في تسبيح الأخيرتين؟
|
٤٣٥
|
هل يبقى التخيير في الأخيرتين لناسي
القراءة في الأوليين
|
٤١٨
|
هل يجب الاخفاء في تسبيح الأخيرتين؟
|
٤٣٧
|
الأقوال في أخيرتي المأموم في
الرباعية وأخيرته في الثلاثية
|
٤٢٢
|
هل يجوز العدول بعد الشروع في أحد
الفردين إلى الآخر؟
|
٤٣٨
|
ما يقتضيه التحقيق في المقام
|
٤٢٥
|
لو شرع في أحد الفردين بغير قصد أو
قصد أحدهما فسبق لسانه إلى الآخر
|
٤٣٨
|
هل الزائد على الأقل على القول
بالتخيير واجب أو مستحب؟
|
٤٢٨
|
هل تجب الموالاة في تسبيح الأخيرتين؟
|
٤٣٩
|
الاشكال في وجود الدليل على وجوب
الزائد على الأقل
|
٤٢٨
|
تجب مراعاة اللفظ المخصوص بالتسبيح
باللسان العربي
|
٤٣٩
|
الاشكال في معقولية وجوب الزائد على
الأقل
|
٤٢٩
|
ليس في تسبيح الأخيرتين بسملة
|
٤٣٩
|
كيف يتصف الزائد على الأقل بالوجوب
والاستحباب؟
|
٤٣٠
|
لو شك في عدد التسبيح بنى على الأقل
|
٤٤٠
|
محل البحث في الزائد المتصف بالوجوب
والاستحباب
|
٤٣١
|
هل يستحب الزيادة على لأنثى عشر في
تسبيح الأخيرتين؟
|
٤٤٠
|
هل يجب المضي بعد الشروع في الزائد
على الأقل؟
|
٤٣٢
|
وجوب التشهد في الصلاة
|
٤٤٠
|
|
|
الاخبار الواردة في التشهد
|
٤٤١
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
ما يدل على وجوب التشهد من هذه
الاخبار وتوجيه ما يدل على كفاية الشهادة الأولى في التشهد الأول
|
٤٤٤
|
عبارة الصلاة على محمد وآله (ص)
|
٤٥٥
|
التشهد الواجب
|
٤٤٤
|
وجوب إضافة الصلاة على النبي وآله (ص)
إلى التشهد
|
٤٥٦
|
توجيه ما دل على كفاية كل ما يقال في
التشهد
|
٤٤٥
|
هل تجب الصلاة على النبي وآله (ص)
حيثما ذكر؟
|
٤٦٠
|
توجيه ما دل على صحة الصلاة بالحدث
قبل التشهد
|
٤٤٥
|
ما يتحقق به ذكره (ص)
|
٤٦٤
|
توجيه اخبار التشهد الخالية من الصلاة
على النبي (ص)
|
٤٤٨
|
تبعية الال له (ص) في الوجوب
والاستحباب
|
٤٦٤
|
ما تضمنه خبر على بن جعفر من الاحكام
|
٤٤٩
|
تأدي الصلاة عليه وعليهم (ص) كيف اتفق
|
٤٦٦
|
أفضل التشهد
|
٤٥٠
|
لو سمع ذكره (ص) في حال الصلاة
|
٤٦٧
|
افتتاح التشهد
|
٤٥٢
|
فورية الصلاة عليه وآله (ص) عند ذكره (ص)
|
٤٦٧
|
اختصاص التحيات بالتشهد الثاني
|
٤٥٢
|
الاخبار الواردة في فضل الصلاة عليهم (ص)
|
٤٦٨
|
تفسير التحيات في التشهد
|
٤٥٣
|
هل التسليم في الصلاة واجب أو مستحب؟
|
٤٧١
|
لو غير الترتيب أو لم يأت بحرف العطف
في الشهادتين
|
٤٥٣
|
تقريب صاحب المدارك استحباب التسليم
في الصلاة
|
٤٧٣
|
استحباب التورك وكراهة الاقعاء في
التشهد
|
٤٥٤
|
نقد كلام صاحب المدارك في المقام
|
٤٧٥
|
دليل استحباب النظر حال التشهد إلى
الحجر وطرف الانف
|
٤٥٤
|
رد صاحب المدارك حجة القائلين بوجوب
التسليم
|
٤٧٨
|
حكم الجاهل بالتشهد
|
٤٥٤
|
ما يرد على صاحب المدارك في رده حجة
الموجبين
|
٤٧٩
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
التسليم واجب خارج
|
٤٨٢
|
ما هو الواجب على القول بوجوب التسليم
|
٥٠١
|
الصيغة الواجبة في التسليم
|
٤٨٥
|
من يقصده المصلي بالسلام
|
٥٠٢
|
ما يخرج به المكلف من الصلاة
|
٤٨٦
|
هل يجب رد هذا السلام؟
|
٥٠٢
|
كيفية تسليم الامام والمأموم والمنفرد
|
٤٩٠
|
هل يجب قصد الخروج على القول بوجوب
التسليم؟
|
٥٠٤
|
الاخبار الواردة في كيفية تسليم
المصلي
|
٤٩١
|
هل يجوز الاكتفاء بقوله " سلام
عليكم؟
|
٥٠٥
|
ما يستفاد من هذه الاخبار في تسليم
الامام
|
٤٩٣
|
ختام في التعقيب
|
٥٠٥
|
ما يستفاد من هذه الاخبار في تسليم
المأموم
|
٤٩٤
|
حقيقة التعقيب
|
٥٠٦
|
ما يستفاد من هذه الاخبار في تسليم
المنفرد
|
٤٩٥
|
ما ورد في فضل التعقيب
|
٥٠٩
|
كلام الصدوق في كيفية التسليم
|
٤٩٥
|
تحقيق في شخصية عبد الله بن سبأ
|
٥١١
|
مستند الصدوق في ما ذكره من كيفية
التسليم
|
٤٩٦
|
فضل تسبيح الزهراء (ع)
|
٥١٥
|
ما اشتمل عليه مستند الصدوق من
الاحكام الغريبة
|
٤٩٧
|
الاخبار الواردة في تسبيح الزهراء (ع)
|
٥١٦
|
النظر في متابعة الشهيد لابني بابويه
|
٤٩٧
|
كيفية تسبيح الزهراء (ع)
|
٥١٩
|
حكم السلام على النبي (ص) في التشهد
الأخير
|
٤٩٨
|
كلام الشيخ البهائي في كيفية تسبيح
الزهراء (ع)
|
٥١٩
|
كلام الشهيد المتضمن للأقوال في حكم
التسليم
|
٤٩٩
|
التعليق على كلام الشيخ البهائي في
المقام
|
٥٢١
|
التعليق على كلام الشهيد في المقام
|
٥٠٠
|
توجيه الروايات الدالة على تقديم
التسبيح عند النوم
|
٥٢٢
|
|
|
الأفضل التسبيح بالتربة الحسينية
|
٥٢٤
|
|
|
ما يستحب بعد كل صلاة
|
٥٢٥
|
|