بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدمة الخامسة في لباس المصلى

وفيه مطالب (الأول) ـ في ما يجب ستره وما يتعلق به من الأحكام في المقام وفيه مسائل :

(الأولى) ـ أجمع العلماء كافة على وجوب ستر العورة في الصلاة ، ويدل عليه مضافا الى الإجماع المذكور جملة من الاخبار تصريحا في بعض وتلويحا في آخر :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود وان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال يصلي إيماء فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٥٠ من لباس المصلي.


فيومئان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برءوسهما. الحديث». ونحوهما من أحاديث العراة واخبار صلاتهم جماعة وان الامام يجلس وسط الصف ويتقدم بركبتيه.

والتقريب فيها انه لو لم يكن الستر واجبا فيها وشرطا في صحتها لما سقط لأجل فقده جملة من أركان الصلاة المتفق نصا وفتوى بل ضرورة من الدين على وجوبها في الصلاة وهي القيام والركوع والسجود كما عرفت من الخبر المذكور وأمثاله.

وبالجملة فإنه لا اشكال ولا خلاف في الحكم المذكور وانما الخلاف هنا وقع في مقامين آخرين :

(أحدهما) ـ انه هل الستر شرط مع الذكر خاصة أو مطلقا؟ صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى بالأول ، قال في المعتبر : لو انكشفت العورة ولم يعلم سترها ولم تبطل صلاته تطاولت المدة قبل علمه أو لم تطل كثيرا كان المنكشف أو قليلا ، لسقوط التكليف مع عدم العلم. انتهى. وقال في المنتهى. لو انكشفت عورته في أثناء الصلاة ولم ، يعلم صحت صلاته لانه مع عدم العلم غير مكلف. والى ذلك مال السيد السند في المدارك ، وهو الظاهر لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه اعادة؟ قال لا اعادة عليه وقد تمت صلاته». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (٢).

وقال ابن الجنيد على ما نقله عنه في المختلف : لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد ما كان في الوقت فقط. ونقل عنه الاحتجاج بما حاصله ان الستر شرط للصحة وقد انتفى فوجبت الإعادة لعدم حصول الامتثال ، واما القضاء فغير واجب لأنه بأمر جديد ولم يثبت. واعترض عليه بان الستر شرط للصحة مع التذكر لا مطلقا. وهو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ من لباس المصلي.


جيد للصحيحة المتقدمة إذ مفهومها ذلك ولولاها لكان قوله جيدا لان الخطاب في الوقت متوجه حتى يأتي بصلاة مستكملة الشروط والقضاء يحتاج إلى أمر جديد.

ونقل عن الشيخ في المبسوط انه قال فان انكشفت عورتاه في الصلاة وجب سترهما عليه ولا تبطل صلاته سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا بعضه أو كله. وكلام الشيخ هنا مطلق ، وقد اختلف كلام العلامة في التذكرة والمختلف في المراد منه فحمله في الأول على إطلاقه وشموله صورة العلم والعمد وحمله في المختلف على الانكشاف بدون العلم والعمد ، وهو الأقرب المنساق الى الذهن منها.

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل عبارات الشيخ في المبسوط وابن الجنيد والمحقق في المعتبر وذكر رواية على بن جعفر المتقدمة ونقل احتجاج العلامة في المختلف لابن الجنيد وجوابه عنه ـ ما هذا لفظه : وكلام الشيخ والمحقق ليس فيهما تصريح بأن الإخلال بالستر غير مبطل مع النسيان على الإطلاق لأنه يتضمن ان الستر حصل في بعض الصلاة فلو انتفى في جميع الصلاة لم يتعرضا له بخلاف كلام ابن الجنيد فإنه صريح في الأمرين ، والرواية تضمنت الفرج وجاز كونه للجنس فيشمل الفرجين وللوحدة ، فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر لكلام ابن الجنيد وان كان للوحدة ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة ، وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية وبينها مع عدمه بعض الاعتبارات تلازم بل جاز ان يكون المقتضى للبطلان انكشاف جميع العورة في جميع الصلاة فلا يحصل البطلان بدونه وجاز ان يكون المقتضي للصحة ستر جميعها في جميعها فتبطل بدونه. واما تخصيص ابن الجنيد بالإعادة في الوقت فوجهه ان القضاء انما يجب بأمر جديد ولم يوجد هنا. ولقائل أن يقول إذا كان الستر شرطا على الإطلاق فهو كالطهارة التي لا يفترق الحال فيها بين الوقت وخارجه. ولو قيل بأن المصلي عاريا مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا والمصلي مستورا ويعرض له التكشف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا كان قويا ، نعم يجب عليه عند التذكر الستر قطعا فلو أخل به بطلت


حينئذ لا قبله. انتهى. وبمثل ما اختاره هنا صرح في الدروس والبيان.

وكلامه في الذكرى يحتمل أمرين (أحدهما) الفرق بين الانكشاف في جميع الصلاة وبين الانكشاف في البعض. و (ثانيهما) ـ الفرق بين النسيان ابتداء والتكشف في الأثناء. والمعنى الثاني هو الذي فهمه صاحب المدارك فقال : واستقرب الشهيد في الذكرى والبيان الفرق بين نسيان الستر ابتداء وعروض التكشف في الأثناء والصحة في الثاني دون الأول. وهو حسن. انتهى وهو ظاهر عبارة البيان حيث قال : لو تعمد كشف العورة بطلت صلاته ولو نسي فالأقرب ذلك ، ولو انكشفت في الأثناء من غير قصد ولما يعلم صحت وان علم استتر. وقيل تبطل لان الشرط قد فات والوجه عدمه. ونحو ذلك عبارته في الدروس. ورجح بعض الأصحاب حمل كلامه على المعنى الأول استنادا الى قوله كما قدمنا : وليس بين الصحة مع عدم الستر بالكلية. إلى آخر العبارة. والحق ان هذا كلام في البين للرد على كلام من ذكره.

وبالجملة فقد تلخص مما ذكرنا من كلامهم (رضوان الله عليهم) انه لا خلاف ولا إشكال في شرطية الستر مع الإمكان والذكر فلو أخل به والحال كذلك ولو لحظة في أثناء صلاته بطلت ، وانما الخلاف في وقوع ذلك سهوا فظاهر كلام الأكثر انه غير مبطل وقع في جميع الصلاة أو بعضها لما عللوه به من سقوط التكليف مع عدم العلم كما ذكره في المعتبر ونحوه عبارة المنتهى. وما ذكره في الذكرى من ان المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى لم يتعرضا الى الانكشاف في جميع الصلاة مردود بان ذلك وان ظهر من عبارتيهما إلا ان التعليل مؤذن بالعموم. وصحيحة علي بن جعفر التي هي الأصل في هذا الحكم مطلقة في الانكشاف أعم من ان يكون في جميع الصلاة أو بعضها لإطلاق الجواب من غير استفصال وهو قرينة العموم في المقال كما ذكروه في أمثال هذا المجال ، فالاحتجاج بها على القول المذكور متجه سواء حمل الفرج فيها على الجنس أو الوحدة ، وحينئذ فما ذكره شيخنا الشهيد من التفصيل ـ وان تبعه فيه صاحب المدارك كما عرفت ـ


لا اعرف له وجها. واما ما ذهب اليه ابن الجنيد فقد عرفت ما فيه. واما كلام الشيخ في المبسوط فهو موافق لما ذكرنا ايضا بناء على ما فسرناه به. والله العالم.

و (ثانيهما) ـ في العورة التي يجب سترها في الصلاة وعن الناظر المحترم وانها عبارة عما ذا؟ والأشهر الأظهر انها عبارة عن القبل والدبر ، والمراد بالقبل الذكر والبيضتان وبالدبر حلقة الدبر التي هي نفس المخرج. ونقل عن ابن البراج انها ما بين السرة والركبة وجعله المرتضى رواية كما نقله في المنتهى. وعن ابي الصلاح انه جعلها من السرة الى نصف الساق مع ان المحقق في المعتبر نقل الإجماع على ان الركبة ليست من العورة.

ويدل على القول المشهور أخبار عديدة : منها ـ رواية أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن ابي الحسن الماضي (عليه‌السلام) (١) قال : «العورة عورتان : القبل والدبر والدبر مستور بالآلتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة».

ورواية الميثمي عن محمد بن حكيم (٢) قال : «لا أعلمه إلا قال رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أو من رآه متجردا وعلى عورته ثوب فقال ان الفخذ ليست من العورة».

وفيه دلالة صريحة على خلاف القولين المتقدمين. وربما أمكن الاستدلال لما ذهب اليه ابن البراج برواية بشير النبال (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الحمام قال تريد الحمام؟ قلت نعم. فأمر بإسخان الحمام ثم دخل فاتزر بإزار وغطى ركبتيه وسرته ثم أمر صاحب الحمام فطلى جسده ما كان خارجا من الإزار ثم قال اخرج عني ثم طلى هو ما تحته بيده ، ثم قال هكذا فافعل».

وفيه انه قد روى مثل هذه الحكاية في الفقيه عنه (عليه‌السلام) (٤) وفيها «انه كان يطلي عانته وما يليها ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيم الحمام فيطلي

__________________

(١ و ٢) المروية في الوسائل الباب ـ ٤ من آداب الحمام.

(٣) الوسائل الباب ٥ و ٣١ من آداب الحمام.

(٤) الوسائل الباب ١ و ١٨ من آداب الحمام.


سائر بدنه». وبالجملة فالرواية المذكورة ليس فيها تصريح بكون ما لف عليه الإزار عورة ليمكن الاستدلال به ، وفعله (عليه‌السلام) لا يدل على ذلك لإمكان حمله على استحباب ستر هذا الموضع.

نعم روى في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) انه قال : «إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن الى عورتها والعورة ما بين السرة إلى الركبة». وهو صريح في ذلك ، ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها المرتضى في ما تقدم من نسبته هذا القول إلى الرواية ، والأظهر حملها على التقية فإن القول بذلك نسبه في المنتهى الى مالك والشافعي واحمد في إحدى الروايتين وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء (٢) ويعضده ان الراوي وهو الحسين بن علوان عامي. هذا بالنسبة الى الرجل.

واما المرأة فالمشهور في كلام الأصحاب ان بدن المرأة الحرة جميعه عورة عدا الوجه والكفين والقدمين ، ونقل في المختلف والذكرى عن ابن الجنيد انه ساوى بين الرجل والمرأة في أن العورة انما هي القبل والدبر ، وظاهر الشيخ في الاقتصاد وابي الصلاح وابن زهرة أن بدن المرأة كله عورة. قال في الاقتصاد : فأما المرأة الحرة فإن جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ولا تكشف عن غير الوجه فقط. وهذا يقتضي منع كشف غير الوجه من الكفين والقدمين باطنا وظاهرا. وقال أبو الصلاح المرأة كلها عورة وأقل ما يجزئ الحرة البالغة درع سابغ الى القدمين وخمار. وهو يرجع الى ما ذكره في الاقتصاد. وقال ابن زهرة : والعورة الواجب سترها من النساء جميع أبدانهن إلا رؤوس المماليك منهن. وقال ابن الجنيد : الذي يجب ستره من البدن العورتان وهما القبل والدبر من الرجل وللمرأة. وقال ايضا لا بأس ان تصلي المرأة الحرة وغيرها وهي مكشوفة الرأس حيث لا يراها غير ذي محرم لها وكذلك الرواية عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من نكاح العبيد والإماء.

(٢) المغني ١ ج ص ٥٧٨.


أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انتهى.

واحتج العلامة في المختلف على وجوب ستر البدن للحرة بما رواه زرارة في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن ادنى ما تصلي فيه المرأة قال درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلل بها».

وكذا استدل بها في المنتهى وزاد التعليل بان النظر الى كل جزء منها متعلق الشهوة فأشبه العورة. وعلى استثناء هذه الثلاثة بان الوجه لا يجب ستره بإجماع علماء الإسلام ادعى ذلك في المنتهى والمختلف ، قال وكذا الكفان عندنا. وظاهره دعوى الإجماع عندنا على ذلك ، وعلل ذلك بأنهما ليستا من العورة إذ الغالب كشفهما دائما إذ الحاجة داعية الى ذلك للأخذ والعطاء وقضاء المهام وكذا الرجلان بل كشفهما أغلب في العادة. ثم احتج بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) قال : «والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة». قال والدرع هو القميص والمقنعة تزاد للرأس ، والظاهر ان القميص لا يستر القدمين. انتهى.

وفي المدارك بعد ان استدل بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قال : وهذه الرواية كما تدل على وجوب ستر الرأس والجسد تدل على استثناء الوجه والكفين والقدمين لانه (عليه‌السلام) اجتزأ بالدرع وهو القميص والمقنعة وهي للرأس فدل على ان ما عدا ذلك غير واجب والدرع لا يستر اليدين ولا القدمين بل ولا العقبين غالبا. انتهى.

أقول : التحقيق عندي في هذا المقام على ما يظهر من اخبارهم (عليهم‌السلام) ان الوجه لا إشكال في استثنائه لا لما ذكروه بل لما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٤) قال : «سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس وان أسفرت فهو أفضل».

واما استثناء الكفين والقدمين فلا يخلو من غموض بل ربما كان الظاهر منها

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من لباس المصلي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٨ من لباس المصلي.

(٤) الوسائل الباب ٣٣ من لباس المصلى.


العدم ، وذلك لان مبنى استدلالهم بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة على ان الظاهر ان القميص لا يستر ذلك عادة ، وهذا انما يتم لو علم ان ثياب النساء في وقت خروج هذه الاخبار في تلك الديار كانت على ما يدعونه ، ولم لا يجوز ان دروعهن كانت مفضية إلى ستر أيديهن وأقدامهن كما هو المشاهد الآن في نساء أعراب الحجاز بل أكثر بلدان العرب؟ فإنهم يجعلون القميص واسعة الأكمام مع طول زائد فيها بحيث تكون طويلة الذيل تجر على الأرض ، ومن القريب كون ذلك جاريا على الزمان القديم في تلك البلدان فجرت الاخلاف على ما جرت عليه الاسلاف ، ويعضد ذلك ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يجر ثوبه؟ قال اني لأكره أن يتشبه بالنساء». فان مورد الخبر بالنسبة إلى استحباب تشمير الثياب للرجل وظاهره كما ترى بل صريحه ان النساء يومئذ على خلاف ذلك وانهن يجررنه على الأرض ، وبذلك يظهر لك ما في استدلالهم بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة التي هي عمدة أدلتهم المتقدمة وليس بعدها إلا تلك التعليلات العليلة التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

واما ما عدا هذه الرواية من اخبار الباب فإنه لا يأبى الانطباق على ما ذكره القائلون بشمول وجوب الستر لهذين الموضعين :

فمن الأخبار صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على ادنى ما تصح صلاة المرأة فيه وانه درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها ، والملحفة عبارة عن ثوب واسع سابغ شامل للبدن يلبس على الثياب ، وحينئذ فالملحفة المذكورة ان تجللت بها يعني نشرتها على رأسها وعلى جميع بدنها وضمتها على بدنها كما توضحه الأخبار الآتية حصل بذلك ستر الكفين والقدمين. هذا مضافا الى ما عرفت من حصول الستر بالدرع لما عرفت مما هو عليه من السعة طولا وعرضا.

ومنها ـ صحيحة علي بن جعفر المروية في الفقيه (٢) «انه سأل أخاه موسى

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام الملابس.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من لباس المصلى.


(عليه‌السلام) عن المرأة ليس عليها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال تلتف بها وتغطي رأسها وتصلي فإن خرجت رجلها وليست تقدر على غير ذلك فلا بأس». والتقريب ما تقدم ، وفي قوله : «فان خرجت رجلها» ما يدل على كون الملحفة شاملة في الغالب للرجلين الى آخرهما ، وانما نفى البأس هنا مع خروج الرجلين من حيث الضرورة بعدم وجود ساتر غيرها وهو مؤذن بحصول البأس مع إمكان غيرها ، وفيه إيماء إلى وجوب ستر القدمين مع الإمكان.

ومنها ـ ما رواه في الصحيح ـ ولكنه مختلف فيه ـ الى المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة؟ قال لا بأس إذا التفت بها فان لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا». والظاهر من قوله «فان لم تكن تكفيها عرضا» يعني لأجل الوصول الى القدمين وسترهما استظهارا إذا لم يسترهما الدرع وإلا فستر الرأس حاصل بها البتة.

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الله بن ابي يعفور (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إزار ودرع وخمار ولا يضرها ان تتقنع بالخمار ، فان لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر. قلت فان كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ قال لا بأس إذا تقنعت بالملحفة فان لم تكفها فتلبسها طولا».

أقول : يحتمل ان يكون المراد بالإزار هنا ثوبا شاملا للبدن من شقة واحدة كما ورد في اجزاء الكفن. والأصحاب حملوا الثلاثة هنا على الاستحباب لحصول الستر هنا بالدرع والخمار ولا بأس به. ويمكن حمله على الاستظهار في ستر القدمين والكفين ايضا بناء على ما قلناه. واما قوله : «ولا يضرها ان تتقنع بالخمار» فالظاهر ان المراد به انه لو لم يكن ثمة إزار فإنها تختمر بأحد طرفي الخمار وتتقنع بالطرف الآخر الطويل منه لان الظاهر من الأخبار انه يستحب لها بعد تخمير الرأس وتغطيته القناع فوقه كما

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من لباس المصلى.


يستحب للرجل بعد تغطية الرأس بالقلنسوة ونحوها العمامة. ثم ذكر (عليه‌السلام) انه لو لم تجد هذه الثلاثة ولا الدرع ولا الخمار فإنه يجزئها ثوبان على الوجه المذكور بان يكونا ساترين لجميع ما يجب ستره في الصلاة. وظاهر هذه الاخبار كما ترى لا يأبى الانطباق على ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) في الاقتصاد ومن تبعه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟ قال يكون عليها ملحفة تضمها عليها».

وحمل ذكر الملحفة على الاستحباب والفضل. وهو جيد للاستظهار في ستر أطرافها من اليدين والرجلين.

واما ما اعترض به في المدارك على كلام الشيخ (قدس‌سره) في الاقتصاد ـ حيث قال : واما احتجاج الشيخ في الاقتصاد على وجوب الستر بان بدن المرأة كله عورة فإن أراد بكونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم فمسلم ، وان أراد وجوب ستره في الصلاة فهو مطالب بدليله. انتهى ـ ففيه ان الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ان وجوب الستر عن الناظر المحترم وكذا في الصلاة أمران متلازمان ، وذلك فان وجوب الستر في الموضعين دائر مدار ثبوت كونه عورة ، ولهذا كما عرفت من كلام العلامة في المنتهى والمختلف انما تمسك في عدم وجوب ستر هذه الأشياء بالخروج عن كونها عورة. ولعل وجه الفرق الذي توهمه انما بناه على ما فهمه من صحيحة محمد بن مسلم ودعوى دلالتها على خروج الكفين والقدمين وقد عرفت ما فيه. وبالجملة فإني لا اعرف لهم دليلا سوى الإجماع المدعى منهم مع وجود المخالف كما عرفت.

واما ما ذهب اليه ابن الجنيد ـ من مساواة المرأة للرجل في ان العورة انما هي القبل والدبر ـ فلم نقف له فيه على دليل ، وصاحب المختلف مع تكلفه نقل الأدلة للأقوال

__________________

(١) رواه في الوسائل في الباب ٢٨ من لباس المصلى.


التي ينقلها فيه لم يتعرض هنا لنقل دليل له مع نقله القول المذكور وهو أظهر ظاهر في ضعفه بعد ما عرفت.

واما ما ذهب اليه من القول الآخر فاحتج عليه واحتجوا له عليه بما رواه عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة ان تصلي وهي مكشوفة الرأس». وأجاب عنها الشيخ بالحمل على الصغيرة أو على حال الضرورة. وقال في المعتبر ان هذه الرواية مطرحة لضعف عبد الله بن بكير فلا يترك لخبره الأخبار الصحيحة المتفق على مضمونها.

أقول : والأظهر عندي حمل الرواية على ان المراد بكشف الرأس يعنى من القناع الذي أشرنا سابقا إلى انه يستحب لها التقنع زيادة على ستر الرأس الواجب ، وهو ليس ببعيد في مقام التأويل والجمع بين الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ، ومما ينفي عنه البعد الرواية الأخرى عن ابن بكير ايضا (٢) قال : «لا بأس ان تصلي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع». فان من الظاهر ان القناع عرفا زيادة على الخمار الذي يلف به الرأس كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما تقدم كله من الكلام انما هو بالنسبة إلى بدن المرأة وجسدها من وجوب ستره كملا أو ما عدا المواضع الثلاثة المتقدمة.

واما بالنسبة إلى شعرها فلم يتعرض للكلام فيه وقل من تعرض للكلام فيه من أصحابنا (رضوان الله عليهم) قال في المدارك في هذا المقام : واعلم انه ليس في العبارة كغيرها من عبارات أكثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر شعر الرأس بل ربما ظهر منها انه غير واجب لعدم دخوله في مسمى الجسد ، ويدل عليه إطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل ولم يثبت إذ الاخبار لا تعطي ذلك ، واستقرب الشهيد في الذكرى الوجوب لما رواه ابن بابويه عن الفضيل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال :

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٩ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من لباس المصلى.


«صلت فاطمة (عليها‌السلام) في درع وخمار وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها». وهي مع تسليم السند لا تدل على الوجوب ، نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق وفي رواية زرارة المتقدمة إشعار به ايضا. انتهى. أقول : فيه ان الظاهر من الأخبار المتقدمة ـ باعتبار اشتمالها على الخمار والمقنعة التي هي عبارة عن الخمار ايضا كما ذكره أهل اللغة وغيرهم والملحفة تلتف بها ـ هو ستر شعر الرأس وستر العنق بل ستر الرأس وما انحدر عنه ما عدا الوجه ، اما بالنسبة إلى الملحفة فظاهر لما عرفت من معناها وانها بعد التقنع بها تلفها وتضمها على بدنها ، واما بالنسبة إلى الخمار فان الظاهر بل المعلوم انحداره عن العنق وزيادة لا الاختصاص بالرأس كما يوهمه ظاهر كلامه (قدس‌سره) ومن أظهر الأدلة على ذلك قوله عزوجل «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ» (١) قال شيخنا أمين الإسلام الطبرسي (قدس‌سره) في تفسير مجمع البيان. والخمر المقانع جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة المنسدل على جنبيها ، أمرن بإلقاء المقانع على صدورهن تغطية لنحورهن فقد قيل انهن كن يلقين مقانعهن على ظهورهن فتبدو صدورهن ، وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة عليها. وقيل انهن أمرن بذلك ليسترن شعرهن وقرطهن وأعناقهن ، قال ابن عباس تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها. انتهى. وهو صريح ـ كما ترى ـ في كون الخمار منسدلا الى الصدر والظهر موجبا لستر شعر الرأس والعنق كما لا يخفى ، وان حملناه على ما هو المعمول الآن والمتعارف بين نساء هذا الزمان فهو أبلغ وأظهر في ستر الأجزاء المذكورة من ان يحتاج الى بيان.

واما الرواية التي نقلها عن فاطمة (عليها‌السلام) التي هي سبب وقوعه في هذا الوهم فهي ـ مع كونها ظاهرة في كون تلك الحال حال ضرورة ـ ظاهرة في وجوب ستر الشعر فإنه لا يخفى ان شعر الرأس بمقتضى العادة منسدل على العنق والبدن من إمام

__________________

(١) سورة النور الآية ٣١.


وخلف وهي (صلوات الله عليها) لمكان الضرورة وعدم كون خمارها متسعا كسائر الاخمرة التي أشرنا إليها قد جمعت شعر رأسها ووارته في ذلك الخمار اليسير حيث انه ليس فيه سعة يأتي على شعرها مع انسداله ، فان ظاهر الخبر ان ذلك الخمار لصغره انما وارى ما فوق العنق خاصة فجمعت شعر رأسها فيه ، ولو كانت الصلاة جائزة مع عدم ستر الشعر كما توهمه لما كان لجمعها له في الخمار وجه البتة لما عرفت انه بمقتضى العادة منسدل الى تحت ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ، وبه يظهر ان ما استقر به في الذكرى من دلالة الخبر على الوجوب في محله وان كلامه عليه ومنعه الدلالة لا وجه له

واما قوله ـ : نعم يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق ـ فضعيف بل عجيب من مثله (قدس‌سره) فإنه لا يخفى ان ظاهر الخبر ينادي بأن صلاتها (صلوات الله عليها) في ذلك الخمار بهذه الكيفية انما هي لمكان الضرورة وانه ليس عليها أكثر من ذلك فالحال حال ضرورة والضرورات تبيح المحظورات وانما صلت كذلك حيث لم تجد ساترا يستر ما زاد على ذلك ، فكيف يسوغ منه الاستدلال به على جواز كشف العنق مطلقا؟ وقد عرفت من ظاهر الآية ـ كما ذكره أمين الإسلام المتقدم ذكره ـ الدلالة على كون الخمار المتعارف يومئذ ساترا للجميع وان الله سبحانه قد أوجب ستر هذه المواضع عن الناظر المحترم لكونها عورة فيجب سترها في الصلاة أيضا كما تقدم ، ويجب حمل الخمار في الأخبار المتقدمة على ذلك كما عرفت ، وبه يظهر وجوب ستر العنق ونحوه ايضا.

وأعجب من ذلك قوله : «وفي رواية زرارة المتقدمة إشعار به» وكأنه توهم من نشر الملحفة على رأسها انها ترمي طرفي الملحفة على يمينها ويسارها وتصلي مكشوفة العنق مما يلي صدرها وغفل عن قوله : «وتجلل بها» فان المراد بالتجلل بها ضمها على البدن كما عرفت من الروايات الأخر ، وبه صرح أهل اللغة حيث ذكروا ان الجلال للدابة كالثوب للإنسان يقيه من البرد ونحوه وهو يقتضي ضمه على البدن من جميع جهاته وأطرافه


وبالجملة فإن كلامه في أمثال هذه المقامات لا يخلو من مجازفة وعدم تأمل ، وأعجب من جميع ذلك متابعة من تأخر عنه له في أمثال هذه المقامات من غير إعطاء النظر حقه في الأخبار وكلام علمائنا الأبرار ولا تحقيق ما هو الحق منها في المقام لحسن الظن بصاحب الكتاب واشتهاره بالفضل والتحقيق في جميع الأبواب والحال كما عرفت في غير موضع مما شرحناه وسنشرحه ان شاء الله تعالى في ما يأتي من الكتاب. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز كشف الرأس للأمة والصبية في الصلاة وقد نقل عليه الفاضلان والشهيد الإجماع من علماء الإسلام إلا الحسن البصري فإنه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه (١).

ويدل على الحكم المذكور مضافا الى الإجماع المدعى بالنسبة إلى الأمة عدة روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس على الإماء ان يتقنعن في الصلاة ولا ينبغي للمرأة أن تصلي إلا في ثوبين».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له الأمة تغطي رأسها؟ قال لا ولا على أم الولد ان تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد».

وعن ابي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار إلا ان تكون مملوكة فإنه ليس عليها خمار إلا ان تحب ان تختمر وعليها الصيام».

وما في كتاب قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الأمة هل يصلح لها ان تصلي في قميص واحد؟ قال لا بأس».

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٦٠٤.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من لباس المصلي.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٩ من لباس المصلي.


وما رواه في الكافي والفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبرة ولا على المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها ويجري عليها ما يجري على المملوك في الحدود كلها». وزاد في الفقيه (٢) قال : «وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت وليس عليها التقنع في الصلاة».

واما ما يدل على ذلك بالنسبة إلى الصبية فاستدل عليه بعضهم بأصالة عدم التكليف. وعندي ان ذكر الصبية في هذا المقام كما ذكره غير واحد منهم لا وجه له لان هذا الحكم انما ذكروه في مقام الاستثناء من القاعدة المتقدمة وهو وجوب ستر البدن كملا على المرأة وانه عورة والصبية مما لا مدخل لها في أصل القاعدة فلا حاجة الى استثنائها.

وإطلاق كلام أكثر الأصحاب وأكثر الأخبار يقتضي عدم الفرق في الأمة بين المملوكة والمدبرة والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤد من مكاتبتها شيئا وأم الولد سواء كان ولدها حيا أو ميتا ، ويفهم من صحيحة محمد بن مسلم الاولى ان أم الولد انما تكون كذلك بعد موت ولدها وإلا فمع وجوده فهي كالحرة في وجوب الستر ، والى ذلك يميل كلام صاحب المدارك حيث قال بعد ذكر الخبر المذكور : وهو يدل بمفهومه على وجوب تغطية الرأس على أم الولد ومفهوم الشرط حجة كما حقق في محله ، ويمكن حمله على الاستحباب إلا انه يتوقف على وجود المعارض. انتهى. وهو جيد لولا ما يدل عليه ظاهر صحيحة محمد بن مسلم الثانية على رواية الفقيه من قوله : «وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار. الى آخره» فان الظاهر ان المعنى فيها هو ان السائل ظن ان وجوب الخمار على المرأة امة كانت أو حرة دائر مدار الولادة المؤذنة بالبلوغ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٩ من لباس المصلي.


فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لو كان كذلك فإنه لا اختصاص له بالولادة بل يجري في الحيض الذي هو أحد أسباب البلوغ ايضا مع انه ليس على الأمة التقنع في الصلاة مطلقا. وفيه إشارة إلى تساوي حالها قبل الولادة وبعدها في عدم التقنع قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : كأن الراوي ظن ان حد وجوب التقنع على النساء إذا ولدن فنبه (عليه‌السلام) ان حده إذا حضن وانه ساقط عن الإماء في جميع الأحوال. انتهى وظني بعده عن سياق الخبر إلا انه دال على ما قلناه من عدم وجوب التقنع على أم الولد ولو مع وجود الولد ، وحينئذ فلا يلتفت الى دلالة المفهوم مع وجود المنطوق. واما ما ذكره في الذخيرة ـ من ان هذه الرواية لا تصلح لمعارضة الخبرين الآخرين لانه لو سلم مفهومها لم يكن واضح الدلالة على الوجوب كما لا يخفى ـ فغير متوجه وكيف لا ومفهوم الشرط لا إشكال في حجيته كما اعترف به في مواضع من كتابه وعليه المحققون من الأصوليين معتضدا ذلك بالأخبار المتقدمة في مقدمات الكتاب ، والخبران المشار إليهما في كلامه وهما صحيحتا عبد الرحمن ومحمد بن مسلم الثانية مطلقتان وهذه مقيدة بناء على حجية المفهوم المذكور فلا تعارض إذ المقيد يحكم على المطلق كما هو القاعدة ، فكلام السيد لا يخلو من قوة لو لا دلالة الصحيحة المذكورة كما أوضحناه. وبالجملة فإنك قد عرفت ان مقتضى الأخبار المتقدمة في سابق هذه المسألة ان بدن المرأة كله عورة يجب ستره في الصلاة حرة كانت أو امة استثنى من ذلك ما قام عليه الدليل من الأمة بهذه الاخبار وبقي ما عدا موضع الاستثناء على الوجوب ، وبذلك يظهر لك ضعف قوله : «انه لو سلم مفهومها لم يكن واضح الدلالة في الوجوب» فان الوجوب ثابت بتلك الاخبار المشار إليها لا بهذا الخبر غاية الأمر انه قد استثنى من الوجوب في المرأة مطلقا ما قام عليه الدليل بهذه الاخبار وهي الأمة. وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه.

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) ـ قال في المعتبر : وهل يستحب لها القناع؟ قال به عطاء ولم يستحب الباقون لما رووه ان عمر كان ينهى الإماء عن التقنع


وقال انما القناع للحرائر وضرب امة لآل انس رآها متقنعة وقال اكشفي ولا تشبهي بالحرائر (١) وما قاله عطاء حسن لان الستر انسب بالخفر والحياء وهو مراد من الحرة والأمة ، وما ذكروه من فعل عمر جاز ان يكون رأيا رآه. انتهى.

أقول : ظاهر جملة ممن تأخر عنه خلاف ما ذكره واختاره من استحباب القناع للأمة لما رواه احمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن بإسناده عن حماد اللحام (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال لا قد كان ابي إذا رأى الخادم تصلي متقنعة ضربها لتعرف الحرة من المملوكة». وروى الصدوق في كتاب العلل هذا الحديث ايضا عن حماد اللحام (٣) وروى فيه أيضا في الصحيح عن حماد اللحام ـ وهو مجهول ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الخادم تقنع رأسها في الصلاة؟ قال اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة». وروى الشهيد في الذكرى عن البزنطي في كتابه بإسناده إلى حماد اللحام عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) «في المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال لا. الحديث الأول الى آخره». قال وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه عن ابي خالد القماط (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأمة أتقنع رأسها؟ فقال ان شائت فعلت وان شائت لم تفعل ، سمعت ابي يقول كن يضر بن فيقال لهن لا تشبهن بالحرائر». أقول : لا يخفى ما في هذه الاخبار من الدلالة على خلاف ما صار إليه في المعتبر ولعل العذر له في عدم الوقوف عليها.

وظاهر الصدوق في كتاب العلل القول بتحريم الستر على الأمة حيث قال : «باب العلة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها» ثم ذكر الاخبار المتقدم نقلها عنه ، ولعل منشأ ذهابه الى التحريم من حيث اشتمال الاخبار على الضرب. وفيه انه

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٦٠٤.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٢٩ من لباس المصلي.

(٥) ص ١٤٠.


لا يخفى على من تأمل الاخبار انه كثيرا ما يؤكدون (عليهم‌السلام) في المنع من المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات كما يؤكدون في المستحبات بما يكاد يلحقها بالواجبات ، ويدل على حمل ذلك على الكراهة قوله (عليه‌السلام) في حديث القماط «ان شائت فعلت وان شائت لم تفعل» وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير المتقدمة «إلا ان تحب ان تختمر» ويؤيده التعبير في كثير من الروايات بأنه ليس عليها. وبالجملة فالأظهر هو الكراهة كما هو المشهور بين الأصحاب ، ويقرب حمل اخبار الضرب الظاهرة في التحريم على التقية كما تقدم نقله عن عمر ويشير اليه قوله (عليه‌السلام) في رواية القماط بعد إفتائه بالتخيير «سمعت ابي يقول كن يضربن» إذ الظاهر كونه إشارة الى ما رواه العامة عن عمر ، ويؤيده إسناد الحكم إلى أبيه في أكثر هذه الاخبار ، وكيف كان فالأظهر الكراهة.

نعم يبقى الإشكال في العنق فان الظاهر من الاخبار المانعة من التقنع جواز كشفه ولا سيما خبر علي بن جعفر المتقدم نقله من كتاب قرب الاسناد الدال على جواز صلاتها في قميص واحد فان القميص لا يستر العنق. وبالجملة فإن إغفاله في هذه الاخبار مع اشتمالها على النهي عن التقنع ظاهر في جواز كشفه وانه من جملة الرأس المرخص في كشفه أو المكروه تغطيته. وبما قلناه من جواز كشفه صرح جملة من أصحابنا المتأخرين ومتأخريهم.

(الثانية) ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ (قدس‌سره) بأنه يجب على الأمة ستر ما عدا الرأس ، قال في المعتبر بعد ان حكى ذلك عن الشيخ : ويقرب عندي جواز كشف وجهها وكفيها وقدميها لما قلناه في الحرة. انتهى. واستدرك عليه الشهيد في الذكرى ذلك فقال بعد نقله عنه : قلت ليس هذا موضع التوقف لانه من باب كون المسكوت عنه اولى بالحكم من المنطوق به ولا نزاع في مثله. وهو جيد بناء على ما هو المشهور ، إلا ان فيه ما عرفت آنفا في الكفين والقدمين.

(الثالثة) ـ لو انعتق بعض الأمة وجب عليها ستر رأسها لعدم دخولها تحت الأخبار المتقدمة فإن المذكور فيها من كانت امة والمتبادر منها هي المملوكة كملا ، قال في


الذكرى بعد نقل القول المذكور عن الشيخ والفاضل ونقل صحيحة محمد بن مسلم الثانية : وهو يشعر بما قالوه للتخصيص بالمشروطة. يعني ان تخصيصه (عليه‌السلام) المكاتبة المشروطة بالذكر في هذا المقام ـ وهي التي لا تنعتق حتى تؤدي مال الكتابة كملا دون المطلقة التي ينعتق منها بنسبة ما تؤديه ـ مشعر بأن المطلقة متى أدت بعضها لم تدخل في عداد هؤلاء المذكورين بانعتاق بعضها فيغلب جانب الحرية منها ويلحقها حكم الأحرار.

(الرابعة) ـ قال في المنتهى : الخنثى المشكل يجب عليه ستر فرجيه إجماعا وان كان أحدهما زائدا. وهل يجب عليه ستر جميع جسده كالمرأة؟ فيه تردد ينشأ من أصالة براءة الذمة فيصار إليها ، ومن العمل بالاحتياط في وجوب ستر الجميع. والأقرب الثاني لأن الشرط بدون ستر الجميع لا يتيقن حصوله. والى ما ذكره من اختيار الثاني مال الشهيد في الذكرى فقال : والأقرب إلحاق الخنثى بالمرأة في وجوب الستر أخذا بالمبرئ للذمة. واعترضهما الفاضل الخراساني في الذخيرة بأن الاشتراط انما ثبت في حق المرأة لا مطلقا فههنا كان إطلاق الأمر بالصلاة باقيا على حاله من غير تقييد فمقتضى ذلك عدم الوجوب. انتهى.

أقول : لا يخفى ان اخبار هذا الباب وكلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد اتفقت على ان حكم الرجل بالنسبة الى هذه المسألة وجوب ستر العورتين خاصة وجواز كشف ما عداهما والمرأة يجب عليها ستر البدن كملا ما عدا المواضع المستثناة على ما تقدم ولا ريب ان الخنثى المشكل لا يسمى رجلا لتلحقه أحكام الرجل ولا امرأة لتلحقه أحكام المرأة ولم يرد فيه نص بخصوصه فيبقى الحكم فيه مشكلا ، وقد تكاثرت الاخبار بالتثليث (١) «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك». ولا ريب ان حكم الخنثى هنا من القسم الثالث ، وقد ورد عنهم (عليهم‌السلام) ان الحكم في هذا القسم هو الأخذ بالاحتياط في العمل ، وهو عندنا واجب في هذه الصورة وان كان عند أصحابنا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يقضى به.


الأصوليين مستحبا ، فما ذهب اليه الشيخان المذكوران هو الحق في المسألة وكلام هذا الفاضل عليهما لا معنى له ، وتمسكه بإطلاق الأمر بالصلاة مجازفة إذ قد علم من الشرع ضرورة ان هذا الإطلاق قد قيدته النصوص بالشروط الواجبة على جميع المكلفين بلا خلاف من وجوب الستر وطهارته وطهارة المصلى من الحدث والقبلة والوقت ونحوها فلا بد في صحة الصلاة من اي مكلف كان من الإتيان بهذه الشروط ، والخنثى المشكل من جملة المكلفين البتة فيجب عليها ستر العورة لكن حصل الشك في إلحاقها في ذلك بالرجل أو المرأة حيث لا نص عليها بالخصوص وعدم دخولها تحت شي‌ء من العنوانين المذكورين فالواجب الأخذ بالاحتياط.

(الخامسة) ـ إذا أعتقت الأمة في أثناء الصلاة وهي مكشوفة الرأس وعلمت بذلك قال الشيخ (قدس‌سره). ان قدرت على ثوب تغطي رأسها وجب عليها أخذه وتغطية الرأس ، وان لم يتم لها ذلك إلا بان تمشي خطى قليلة من غير ان تستدبر القبلة كان مثل ذلك ، وان كان بالعبد منها وخافت فوات الصلاة أو احتاجت الى استدبار القبلة صلت كما هي وليس عليها شي‌ء ولا تبطل صلاتها. انتهى. ومرجعه الى ان الواجب عليها الستر إلا ان يستلزم تحصيله فعلا كثيرا أو يستلزم استدبارا فتقطع الصلاة مع سعة الوقت وتمضي مع عدمها. والى هذا القول مال العلامة في المنتهى فقال : وما ذكره في المبسوط هو الأقرب عندي. وقال الشهيد في الذكرى : ولو أعتقت الأمة في الأثناء وجب عليها الستر فان افتقرت الى فعل كثير استأنفت مع سعة الوقت وأتمت لا معه لتعذر الشرط حينئذ فتصلي بحسب المكنة. وهو راجع الى ما اختاره في المبسوط.

وقال الشيخ في الخلاف تستمر المعتقة على صلاتها وأطلق لأن دخولها كان مشروعا والصلاة على ما افتتحت عليه. قال في الذخيرة بعد نقل هذا القول تبعا لصاحب المدارك : وهو ظاهر المحقق في المعتبر ولا يخلو من قوة لأن القدر الثابت وجوب الستر إذا توجه التكليف بذلك قبل الدخول في الصلاة والمسألة محل تردد. انتهى.


أقول : اما ما ذكره من انه ظاهر المعتبر فليس كذلك بل ظاهره انما هو ما ذكره الشيخ في المبسوط حيث قال : لو أعتقت في الصلاة وأمكنها الستر من غير إبطال وجب وان خشيت فوت الصلاة واحتاجت الى فعل كثير استمرت. واما ما عللا به قوة القول المذكور عندهما فهو مردود بان اشتراط الصلاة بهذه الشروط من طهارة الساتر والقبلة ونحوهما دائر مدار الإمكان كائنا ما كان قبل الصلاة أو في أثنائها ، ألا ترى انه لو ظهرت له القبلة بعد الاشتباه في أثناء الصلاة وجب الاستدارة إليها في بعض الصور المتقدمة وما ذاك إلا من حيث الإمكان وعدمه. وبالجملة فالظاهر هو ما ذكره في المبسوط وهو القول المشهور الذي صرح به في المعتبر والذكرى كما عرفت.

ونقل في الذخيرة أيضا قولا بأنه يجب عليها ستر رأسها وان افتقرت الى فعل كثير استأنفت. واعترضه بان الصحيح ان الاستيناف انما يثبت إذا أدركت بعد القطع ركعة في الوقت وإلا وجب الاستمرار لان وجوب الستر مشروط بالقدرة عليه. ولم أقف على هذا القول في كلامهم سوى عبارة الشرائع حيث ذكر ذلك واعترضه في المدارك بما ذكره هنا ، بل ظاهر كلامهم ان الاستيناف انما هو مع سعة الوقت بان تدرك منه ولو ركعة وإلا استمرت كما عرفت مما قدمنا من عباراتهم في ما عدا الخلاف ، وقال في الدروس : ولو أعتقت في الأثناء وعلمت استترت فان استلزم المنافي بطلت مع سعة الوقت. ونحوه عبارته في البيان ايضا. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد عرفت مما تقدم ان الواجب على الرجل ستر العورتين : القبل والدبر ، وعلى المرأة ستر جميع بدنها ، وقد ذكر الأصحاب انه يستحب للرجل ستر جميع بدنه ويجزئه ان يصلي في ثوب واحد ، ويستحب للمرأة ان تصلي في ثلاثة أثواب : درع وخمار وملحفة.

أقول : اما ما يتعلق بالمرأة من الاخبار الدالة على الثياب التي ينبغي ان تصلي فيها فقد تقدم نقله ويأتي هنا جملة منها ايضا ان شاء الله تعالى.


واما بالنسبة الى الرجل فمن الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يصلي في قميص واحد أو في قباء طاق أو في قباء محشو وليس عليه إزار؟ فقال إذا كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس ، والثوب الواحد يتوشح به وسراويل كل ذلك لا بأس به. وقال إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن زياد بن سوقة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة ان دين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حنيف».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان الناس يقولون ان الرجل إذا صلى وأزراره محلولة ويداه داخلة في القميص انما يصلي عريانا؟ قال لا بأس».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان آخر صلاة صلاها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالناس في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه ألا أريك الثوب قلت بلى. قال فاخرج ملحفة فذرعتها فكانت سبعة أذرع في ثمانية أشبار».

وما رواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) قال : «لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار».

وعن إبراهيم الأحمري (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يصلي وأزراره محللة؟ قال لا ينبغي ذلك».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (٧) قال : «رأيت أبا جعفر

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٢٢ من لباس المصلي.

(٢ و ٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٣ من لباس المصلي.

(٧) رواه في الوسائل في الباب ٢٢ و ٢٨ و ٢٩ من لباس المصلى.


(عليه‌السلام) يصلى في إزار واحد ليس بواسع قد عقده على عنقه فقلت له ما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟ فقال إذا كان كثيفا فلا بأس به ، والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا يعني إذا كان ستيرا. قلت رحمك الله الأمة تغطي رأسها إذا صلت؟ فقال ليس على الأمة قناع».

وروى في الفقيه عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «المرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار؟ فقال تكون عليها ملحفة تضمها عليها».

وروى في الفقيه (٣) قال : «سأل يونس بن يعقوب أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي في ثوب واحد؟ قال نعم. قال قلت فالمرأة؟ قال لا ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا ان لا تجده».

وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يصلح للمرأة المسلمة ان تلبس من الخمر والدروع ما لا يوارى شيئا».

وعن علي بن محمد رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في رجل يصلى في سراويل ليس معه غيره؟ قال يجعل التكة على عاتقه».

وروى في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٦) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل؟ قال يحل التكة منه فيطرحها على عاتقه ويصلي. قال وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد بالسيف ويصلي قائما».

وروي في الفقيه (٧) قال : «سأل علي بن جعفر أخاه موسى (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٨ من لباس المصلي.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من لباس المصلي.

(٥) الوسائل الباب ٥٣ من لباس المصلي.

(٦) الوسائل الباب ٥٣ من لباس المصلي.

(٧) الوسائل الباب ٢٢ من لباس المصلى.


عن الرجل يصلي بالقوم وعليه سراويل ورداء؟ قال لا بأس به».

وروى في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال لا يصلح. وسألته عن السراويل هل يجوز مكان الإزار؟ قال نعم».

وروى في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «أدنى ما يجزئك ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف».

وقال في الفقيه ايضا (٣) «وقال أبو بصير لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما يجزئ للرجل من الثياب ان يصلي فيه؟ فقال صلى الحسين بن علي (عليهما‌السلام) في ثوب قد قلص عن نصف ساقه وقارب ركبتيه ليس على منكبيه منه إلا قدر جناحي الخطاف وكان إذا ركع سقط عن منكبيه وكلما سجد يناله عنقه فيرده على منكبيه بيده فلم يزل ذلك دأبه ودأبه مشتغلا به حتى انصرف».

وروي في التهذيب عن جميل (٤) قال «سأل مرازم أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا معه حاضر عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به؟ قال يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يتردى به».

وروى في الكافي والتهذيب عن رفاعة عن من سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر به؟ قال لا بأس به إذا رفعه الى الثديين». كذا في التهذيب وفي الكافي «إلى الثندوتين» بدل «الثديين» والثندوة بالمثلثة لحم الثديين أو أصله وفي رواية سفيان بن السمط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «الرجل إذا اتزر بثوب واحد الى ثندوته صلى فيه».

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من لباس المصلي.

(٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٢ من لباس المصلي.


وروى في كتاب الخصال بسند معتبر عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عليكم بالصفيق من الثياب فان من رق ثوبه رق دينه. وقال (عليه‌السلام) لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه ثوب يشف. وقال (عليه‌السلام) لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فإنه من أفعال قوم لوط. وقال (عليه‌السلام) تجزئ الصلاة للرجل في ثوب واحد يعقد طرفيه على عنقه وفي القميص الصفيق يزره عليه».

وروى في كتاب المكارم عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) انه قال : «ركعتان بعمامة أفضل من اربع ركعات بغير عمامة».

وفي كتاب المسائل لعلي بن جعفر رضي‌الله‌عنه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال ليطرح على ظهره شيئا. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل ورداء؟ قال لا بأس به. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال لا يصلح لها إلا ان تلبس درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال لا يصلح لها ان تصلي حتى تلبس درعها. وسألته عن السراويل هل يجزئ مكان الإزار؟ قال نعم. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال لا يصلح. وسألته عن المحرم هل يصلح له ان يعقد إزاره على عنقه في صلاته؟ قال لا يصلح ان يعقده ولكن يثنيه على عنقه ولا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ و ٢٤ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من لباس المصلى.

(٣) البحار ج ٤ ص ١٥٠ وفي الوسائل بالتقطيع في الباب ٢٢ و ٢٥ و ٢٨ من لباس المصلى والباب ٥٣ من تروك الإحرام.


يعقده. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما متفرقين. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أوجبه وحدها؟ قال إذا كان تحتها قميص فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يؤم في قباء وقميص؟ قال إذا كانا ثوبين فلا بأس».

أقول : وتحقيق البحث في هذه الأخبار يقع في مواضع (الأول) ما دل عليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم ـ من اعتبار كون الثوب صفيقا وصحيحته الثانية من كون درع المرأة كثيفا يعني ستيرا ومثله في الرواية التي بعدها ـ هو مستند الأصحاب فيما ظاهرهم الاتفاق عليه من اشتراط الستر في الثوب الذي يصلى فيه. والمراد منه ان لا يحكى لون البشرة وما هي عليه من بياض أو سواد أو حمرة.

وهل يعتبر كونه ساتر الحجم أم لا؟ صرح الفاضلان بالعدم وعليه أكثر المتأخرين وروى في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تصل فيما شف أو سف يعني الثوب الصيقل». وروى الشيخ في التهذيب عن احمد ابن حماد رفعه الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تصل في ما شف أو صف يعنى الثوب الصيقل». قال في الذكرى : معنى «شف» لاحت منه البشرة ومعنى «وصف» حكى الحجم ، قال وفي خط الشيخ ابي جعفر في التهذيب «أوصف» بواو واحدة والمعروف بواوين من الوصف. أقول : لا يخفى ان الرواية التي وصلت إلينا في كتب المحدثين نقلا عن التهذيب وفي كتاب التهذيب الذي بأيدينا انما هي بواو واحدة واما الذي في الكافي فإنما هو بالسين كما عرفت ، وعلى كلتا الروايتين فالراوي قد فسره بالصقيل فما ذكره (قدس‌سره) لا اعرف له وجها. ومما يدل على حصول الستر بمجرد خفاء اللون دون الحجم قول الصادق (عليه‌السلام) (٣) في حديث النورة «إن

__________________

(١ و ٢) رواه في الوسائل في الباب ٢١ من لباس المصلى.

(٣) ج ٥ ص ٥٣١.


النورة قد سترته». ومن المعلوم ان النورة انما تستر اللون دون الحجم.

بقي الكلام في قوله (عليه‌السلام) في حديث الخصال «عليكم بالصفيق من الثياب فان من رق ثوبه رق دينه». وقوله (عليه‌السلام) «لا يقومن أحدكم بين يدي الرب وعليه ثوب يشف». ومعنى «يشف» يعني تلوح منه البشرة ويظهر لونها ، والظاهر انه من قبيل الاخبار المتقدمة الدالة على اشتراط الستر ، ويحتمل ان يكون كلامه الأول محمولا على الرقيق الذي لا يبلغ الى حد رؤية اللون فيكون النهي محمولا على الكراهة ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب وقال الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط : يجوز إذا كان صفيقا وينكره إذا كان رقيقا ، وقال في الذكرى : تكره الصلاة في الرقيق الذي لا يحكى تباعدا من حكاية الحجم وتحصيلا لكمال الستر نعم لو كان تحته ثوب آخر لم يكره إذا كان الأسفل ساترا للعورة. انتهى. وربما أشعر آخر كلامه بأنه لو كان الأسفل غير ساتر فان الكراهة باقية وان حصل الستر الكامل بهما ، ويفهم منه حينئذ انه لو كان كل منهما لا يستر العورة وانما يحصل الستر بهما معا فإنه لا يجزئ ايضا والظاهر انه ليس كذلك إذ اعتبار شرطية الستر في الصلاة غير مقيدة بثوب واحد بل المراد ستر العورة كيف اتفق بثوب واحد أو ثياب متعددة أو غير الثياب مطلقا.

(الثاني) ـ أكثر هذه الاخبار المتقدمة قد دلت على الصلاة في الثوب الواحد الشامل للبدن ولو إزار أو ملحفة يعقد طرفيها على عنقه ، وجملة من الأصحاب صرحوا بأن الأفضل التعدد في الثياب :

قال في الذكرى بعد ان نقل جملة من اخبار الصلاة في ثوب واحد ما لفظه : وبعض العامة الفضل في ثوبين لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) قال : «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما». ولا بأس به والاخبار الأولة لا تنافيه لدلالتها على الجواز ويؤيده عموم قوله تعالى «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (٢) ودلالة

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٨٣.

(٢) سورة الأعراف ، الآية ٢٩.


الاخبار على ان الله تعالى أحق ان يتزين له (١) وأورد هذا في التذكرة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافتى به فيكون مع القميص إزار وسراويل مع الاتفاق على ان الامام يكره له ترك الرداء وقد رواه سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا ينبغي إلا ان يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها». والظاهر ان القائل بثوب واحد من الأصحاب انما يريد به الجواز المطلق ويريد به ايضا على البدن وإلا فالعمامة مستحبة مطلقا وكذا السراويل ، وقد روى تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول (٣) أما المرأة فلا بد من ثوبين درع وخمار إلا ان يكون الثوب يشمل الرأس والجسد ، وعليه حمل الشيخ (قدس‌سره) رواية عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في جواز صلاة المسلمة بغير قناع (٤) ويستحب ثلاثة للمرأة لرواية جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «درع وخمار وملحفة». انتهى.

أقول : الظاهر ان الرواية التي نقلها ونفي البأس عن القول بها عامية لعدم وجودها في أخبارنا وبه يشعر كلامه ايضا وأكثر الاخبار كما عرفت انما دل على الثوب الواحد ، ومنها ـ زيادة على ما تقدم ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن أبيه (٦) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في ثوب واحد». وعن ابي مريم الأنصاري في الصحيح (٧) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلنا له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف وهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء. الحديث».

__________________

(١ و ٣) ص ٣٢.

(٢) الوسائل الباب ٥٣ من لباس المصلى.

(٤) ص ١٢.

(٥) الوسائل الباب ٢٨ من لباس المصلي.

(٦) الوسائل الباب ٢٢ من لباس المصلى.

(٧) التهذيب ج ١ ص ٢١٦ وفي الوسائل بالتقطيع في الباب ٢٢ من لباس المصلى و ٣٠ من الأذان والإقامة.


نعم يدل على التعدد مما قدمناه قوله (عليه‌السلام) في آخر رواية علي بن جعفر الطويلة المنقولة من كتابه : «وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أوجبه وحدها. الى آخره». إلا ان مورده الإمامة لا مطلقا كما هو المدعى ، وحديث سليمان ابن خالد الذي ذكره مورده ايضا الإمامة خاصة فلا ينهض حجة في المدعى. وبالجملة فالاستحباب حكم شرعي يحتاج الى دليل واضح كالوجوب والتحريم إلا انه لما اشتهر بينهم المسامحة في أدلة السنن توسعوا في ذلك وهو خروج عن الطريق الواضح كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة في البحث معهم في هذا التسامح. نعم ما ذكره بالنسبة إلى المرأة من الثلاثة الأثواب قد تقدم في ما أوردناه من الاخبار هنا وفي ما تقدم ، ولعله من حيث ان جميع بدنها عورة فينبغي ان تبالغ في ستره بتعدد الثياب واما الرجل فليس كذلك.

(الثالث) ـ قد دلت صحيحة زياد بن سوقة على جواز الصلاة في الثوب الواحد وأزراره محلولة ونحوها مرسلة ابن فضال ، ودلت رواية غياث بن إبراهيم على النهي عن ذلك إذا لم يكن عليه إزار ونحوها رواية إبراهيم الأحمري ، والأصحاب هنا قد صرحوا باستحباب زر الأزرار وكراهة حلها جمعا بين الاخبار المذكورة ، وظاهر إطلاق عبائر جملة منهم كإطلاق الأخبار المجوزة جواز ذلك وان استلزم ظهور العورة حال الركوع للمصلي وغيره. ولا يخلو من الاشكال لما علم من اشتراط صحة الصلاة بستر العورة ، قال الشيخ في الخلاف على ما نقله في الذكرى : يجوز في قميص وان لم يزره ولا يشد وسطه سواء كان واسع الجيب أو ضيقه ، ثم نقل صحيحة زياد بن سوقة على اثر هذا الكلام ثم قال ولا تعارضه رواية غياث ثم أورد الرواية وحملها على الكراهة وقال المحقق في المعتبر : ولو كان جيبه واسعا بحيث لو ركع بانت له عورته لم يجب ستر ذلك وكانت صلاته ماضية وقد روى ذلك رجل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ثم نقل مرسلة الحسن بن علي بن فضال المتقدمة. ونسج على منواله العلامة فقال في المنتهى


ولا بأس ان يصلي الرجل في قميص واحد وأزراره محلولة واسع الجيب كان أو ضيقه رقيق الرقبة كان أو غليظها كان تحته مئزر أم لم يكن ، وقد روى حل الأزرار زياد بن سوقة ثم ساق الرواية الى ان قال : ولو كان الجيب واسعا تظهر له عورته لو ركع لم يجب ستر ذلك عن نفسه وكانت صلاته ماضية لان المقصود تحريم نظر غيره الى عورته ، ويؤيده ما رواه الشيخ (قدس‌سره) ثم أورد مرسلة ابن فضال. وإطلاق كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا الصحيحة المذكورة والمرسلة تساعد على ما ذكراه إلا انه قال في الذكرى في موضع آخر غير ما قدمنا ذكره : لا يجب زر الثوب إذا كان لا تبدو العورة منه حسبما افتى به الشيخ (قدس‌سره) وهو في رواية زياد بن سوقة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية ، ثم قال واشترطنا عدم بدو العورة ولو في حين ما لاختلال الشرط وفي رواية محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «إذا كان القميص صفيقا والقباء ليس بطويل الفرج فلا بأس». ولو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت الصلاة حينئذ. ولو برزت للمصلي لا لغيره فالأقرب البطلان إذا قدر رؤية الغير لو حاذى الموضع ، وأطلق في المعتبر الصحة إذا بانت له حال الركوع. والأقرب الاكتفاء بكثافة اللحية المانعة من الرؤية ، ووجه المنع انه غير معهود في الستر كما مر. (فان قلت) روى غياث ، ثم ساق الرواية ثم قال (قلت) حملها الشيخ (قدس‌سره) على الاستحباب مع إمكان حملها على ما تبدو معه العورة ، ويؤيد حمل الشيخ ما رواه إبراهيم الأحمري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. انتهى.

أقول : والتحقيق عندي في هذا المقام هو انه لما قام الدليل من خارج على وجوب ستر العورة في الصلاة والمتبادر في جميع واجباتها من قيام وقعود وركوع وسجود ونحو ذلك فالواجب حمل هذه الاخبار على ما تجتمع به مع تلك الأدلة ، ولا معنى لاستثناء رؤية المصلي نفسه دون غيره إذ وجوب ستر العورة ليس باعتبار وجود الناظر بالفعل

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من لباس المصلى.


وانما هو باعتبار ان لو كان ثمة ناظر لكان يراها وإلا لكان المصلي في الظلام أو في بيت يغلق عليه تصح صلاته وليس كذلك إجماعا. فما ذكره الشهيد (قدس‌سره) من هذا الكلام الأخير هو المعتمد إلا ان اكتفاءه بستر اللحية ضعيف لا ينبغي ان يلتفت اليه كما أشار اليه ، وحينئذ فلا بد من تأويل صحيحة زياد بن سوقة وإخراجها عن ظاهرها وحمل النهي في رواية غياث على ظاهرها من التحريم ونحوها رواية إبراهيم. وما يدعونه من ان لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة اصطلاح عرفي بين الناس وإلا فقد عرفت في غير موضع ان استعماله في التحريم في الأخبار أكثر كثير إلا انه يجب تقييد التحريم بما إذا استلزم ظهور العورة وعلى هذا فيحمل الخبران المجوزان على عدم ظهور العورة ، وعلى ذلك تجتمع الاخبار وتتفق مع تلك الأخبار الدالة على شرطية الستر في الصلاة كما لا يخفى. ويؤيد ما قلناه من المنع من حل الأزرار حال الصلاة حديث زياد بن المنذر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) وفيه ان حل الأزرار في الصلاة من عمل قوم لوط.

(الرابع) ـ قال في الذكرى : الأفضل للرجل ستر ما بين السرة والركبة وإدخالهما في الستر ، للخروج عن الخلاف ولانه مما يستحي منه ، وستر جميع البدن أفضل والرداء أكمل والتعمم والتسرول أتم لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فان الله أحق ان يتزين له». وروى (٣) «ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره». وكذا روى في العمامة (٤). انتهى. ولعله أشار بالرواية في العمامة الى ما قدمنا نقله عن كتاب مكارم الأخلاق ، والظاهر ان هاتين الروايتين انما هما من طرق العامة لعدم وجودهما في كتب أخبارنا ، قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) بعد نقل رواية المكارم المذكورة : الظاهر ان هذه الرواية عامية وبها استند الشهيد (قدس‌سره) وغيره ممن ذكر استحبابها في الصلاة ولم أر في أخبارنا ما يدل على ذلك

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من لباس المصلى.

(٢) المهذب ج ١ ص ٦٤.

(٣) الوسائل الباب ٦٤ من لباس المصلي.

(٤) الوسائل الباب ٦٤ من لباس المصلى.


نعم ورد استحباب العمامة مطلقا في اخبار كثيرة (١) وحال الصلاة من جملة تلك الأحوال ، وكذا ورد استحباب كثرة الثياب في الصلاة (٢) وهي منها ، وهي من الزينة فتدخل تحت الآية ، ولعل هذه الرواية مع تأيدها بما ذكرنا تكفي في إثبات الحكم الاستحبابي. ويمكن ان يقال انه انسب بالتواضع والتذلل ولذا ورد في بعض الاخبار الأمر به. ولعل الأحوط عدم قصد استحبابها في خصوص الصلاة بل يلبسها بقصد انها حال من الأحوال. انتهى.

وأقول : لا يخفى ما في كلام شيخنا المذكور من المجازفة جريا على وتيرة من تقدمه من الأصحاب ، فإن إثبات الأحكام الشرعية التي هي قول على الله تعالى ـ وقد استفاضت الآيات والروايات بالنهي عن القول عليه عزوجل بغير علم والزجر عن ذلك ـ والحكم بالاستحباب بمثل هذه الروايات العامية أو مع انضمام هذه التخريجات ـ مجازفة محضة في أحكامه سبحانه ، ومجرد كون ذلك للاستحباب لا يترتب على تركه العقاب لا يوجب التساهل إذا الكلام في انه قول عليه (عزوجل) بغير علم فيدخل تحت النواهي الشديدة المستفيضة في الباب ومن هنا يترتب عليه العقاب كما لا يخفى على اولى الألباب على ان ما ادعاه من استحباب كثرة الثياب في الصلاة لم نقف عليه في خبر من الاخبار كما تقدم القول في ذلك ، وغاية ما ربما يدعى حكاية الصلاة في ثوبين أو ثلاثة مثلا اما الأمر بذلك وانه الأفضل فالظاهر بل المقطوع به عدمه ، نعم ورد ذلك في المرأة كما تقدم. وبالجملة فالمستفاد من الأخبار المتقدمة استحباب الصلاة في الثوب الساتر لجميع البدن من القميص ونحوها ولو ستر اسافله خاصة واما الأفضل فوضع شي‌ء على أعاليه والأفضل ما يستره كملا من رداء وإزار ونحوهما ثم ما أمكن وكل ما كان أوسع فهو أفضل حتى ينتهي الأمر إلى تكة السروال والحبل ونحوهما.

(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف في انه مع عدم إمكان الستر بالثوب فإنه يجب بما

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أحكام الملابس.

(٢) الوسائل الباب ٦٣ من لباس المصلي.


أمكن من حشيش ونحوه وانما الخلاف مع وجوده ، ثم على الأول فهل يفرق في ما عداه أم لا بل يتخير؟ وتفصيل الكلام في المقام انه قد اختلف الأصحاب في المسألة فالمشهور ـ واليه ذهب الشيخ وابن إدريس والفاضلان والشهيد في البيان ـ انه يتخير بين الثوب والحشيش والورق والطين وليس شي‌ء من هذه الثلاثة مقيدا بحال الضرورة ، كذا نقله شيخنا في كتاب بحار الأنوار ، وفي الذخيرة ان المشهور المنسوب إلى هؤلاء المذكورين انما هو وجوب تقديم الثوب ثم التخيير بين الثلاثة المذكورة ، ويؤيده ان الذي في البيان انما يساعد ما نقله في الذخيرة ، وعبارة العلامة في الإرشاد ظاهرة في التخيير مطلقا ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، وكذا في القواعد على ما نقله عنه في الذخيرة وظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى التخيير في الأربعة المذكورة كما نقله شيخنا المجلسي ، وذهب الشهيد في الدروس الى وجوب الثوب ومع تعذره فكل ما يستر العورة ولو بالحشيش وورق الشجر ومع تعذره فبالطين ، وذهب في الذكرى الى التخيير بين الثوب والحشيش والورق فان تعذر فبالطين وقد تلخص من ذلك ان في المسألة أقوالا أربعة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود وان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم».

احتج القائلون بالقول الأول وهو التخيير بين الأربعة بحصول المقصود من الستر ولرواية علي بن جعفر المذكورة وحديث «النورة سترة» كما تقدم في آخر كتاب الطهارة (٢) كذا ذكره شيخنا الشهيد الثاني في الروض.

واستضعف هذا القول في المدارك لميله الى ان هذه الأشياء انما تجوز بتعذر الثوب ، والظاهر ان وجهه هو دعوى ان المتبادر من الساتر في الاخبار انما هو الثوب

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من لباس المصلى.

(٢) ج ٥ ص ٥٣١.


ورواية «النورة سترة» ضعيفة ومع الإغماض عن ضعفها فالإطلاق انما يحمل على الافراد الغالبة الشائعة دون الفروض النادرة كما تقرر في غير مقام ، ورواية على بن جعفر لا دلالة لها على التخيير مع وجود الثوب إذ موردها عدمه.

ومن ذلك يعلم دليل القول بوجوب الثوب ثم التخيير بين الثلاثة الباقية مع عدمه وهو القول الثاني ، وتقريب الاستدلال ان المتبادر من الأمر بالساتر هو الثوب فلا يجوز غيره مع وجوده ، ومع فقده فوجه التخيير بين الثلاثة الصحيحة المذكورة بحمل ذكر الحشيش في أولها على التمثيل كما يشير اليه قوله في آخرها «وان لم يصب شيئا يستر به عورته» مما يدل على ما هو أعم من الحشيش ، وقد عرفت من الاخبار ان النورة سترة ، وبذلك يثبت التخيير بين الافراد الثلاثة بعد فقد الثوب.

ويمكن المناقشة في دعوى تبادر الثوب من الأمر بالساتر بان المتبادر انما هو التغطية على وجه لا يمكن النظر اليه ، والحكم بالتستر بالحشيش في الرواية وقع تابعا للسؤال وهو تعذر الثوب وذلك لا يقتضي عدم جواز الستر به عند إمكان الثوب.

ويمكن دفعه بان إنكار دعوى تبادر الثوب من الساتر مجازفة ظاهرة إذ لا ريب ان ما جرت به العادة بعد وقت التكليف بل منذ خلقت الدنيا انما هو الستر بالثياب ودعوى خلاف ذلك مباهتة لا ينبغي الإصغاء لها. واما ما ذكره بالنسبة إلى الرواية فيكفينا فيها عدم الدلالة على التخيير مع وجود الثوب فان هذا القائل إنما يستدل بها على التخيير في الثلاثة بعد فقد الثوب كما عرفت. وبذلك يظهر لك قوة القول الثاني.

واستبعد في المدارك مساواة الطين للورق والحشيش كما هو مذهب أصحاب القول الثاني ، ولم يذكر وجه البعد في ذلك مع دلالة أخبار النورة على الستر به والطين مثله ، ولا وجه لتقديم الورق والحشيش عليه كما يدعيه ، وكلامه ظاهر في اختيار ما ذهب اليه الشهيد في الدروس كما تقدم.

ويمكن توجيه الدليل لهذا القول اما بالنسبة إلى وجوب تقديم الثوب فيما عرفت


آنفا واما بالنسبة إلى تقديم الورق والحشيش على الطين فبعدم فهم الطين من الساتر على الإطلاق كما ذكره في الذكرى وبقوله تعالى «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (١) والطين لا يعد زينة. وفي الثاني ما لا يخفى.

واستدل الشهيد في الذكرى على ما ذهب اليه ، اما على المساواة بين الثوب والورق والحشيش فبصحيحة علي بن جعفر المذكورة ، واما على عدم جواز الطين مع وجود شي‌ء من الثلاثة المذكورة فبما عرفت من عدم انصراف اللفظ اليه.

واعترضه شيخنا الشهيد في الروض فقال : والتحقيق ان خبر علي بن جعفر ظاهر في فاقد الثوب فلا يتم الاحتجاج به على التخيير بينه وبين الثوب ، وما ذكره من الحجة على تقديمهما على الطين آت في تقديم الثوب على غيره والزينة كما لا تتناول الطين كذا لا تتناول الحشيش ونحوه. انتهى. وهو جيد.

أقول : والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال إلا ان الأقرب بالنظر الى الصحيحة المذكورة هو وجوب تقديم الثوب لكونه هو المتبادر والفرد الشائع المتعارف من الساتر ومع تعذره فالتخيير بين كل ما يحصل به الستر ولو بالطين لاخبار النورة. والله العالم.

فروع

(الأول) ـ لو استتر بالطين مع وجود غيره فهل يصلي قائما بركوع وسجود أم يصلي إيماء؟ قال في الذكرى : وفي سقوط الإيماء هنا نظر من حيث إطلاق الستر عليه ومن إباء العرف. وأيد بعضهم ترجيح الإيماء بأن الظاهر من الأدلة تعين الإيماء عند تعذر الثياب وما يجري مجراها كالحشيش ، والأقرب عندي هو الصلاة قائما بركوع وسجود فان الشرط في صحة الصلاة كذلك هو ستر العورة والفرض حصوله بالطين استنادا الى اخبار النورة كما عرفت. وما ذكره في الذكرى من إباء العرف لا معنى له بعد دلالة

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ٢٩.


الاخبار على حصول الستر به وحصول الشرط بذلك. وما ذكره ذلك البعض مدخول بان المفهوم من تلك الاخبار ـ كما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى هو انه ينتقل إلى الإيماء ما لم يجد ساترا لعورته ـ ومنها صحيحة علي بن جعفر ـ وفيها «وان لم يجد شيئا يستر به عورته أومأ». وصحيحته المتقدمة (١) فإنها صريحة كما ترى في ان العاري ينتقل الى الحشيش ، ثم قال : «فان لم يجد شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم». وأكثر الاخبار انما تضمنت العريان وانه يصلي إيماء من غير تعرض للتعليق على عدم وجود شي‌ء ، وبالجملة فإن دعواه ظهور توقف تعين الإيماء على عدم الثياب ونحوها من الحشيش دعوى عارية عن الدليل بل هو على خلافها واضح السبيل.

ثم انه على تقدير الستر بالطين فهل يشترط فيه خفاء اللون والحجم معا أم يكفي خفاء اللون؟ ظاهر الشهيد في الذكرى الأول وقيل بالثاني وهو الأقرب إذ الظاهر من اخبار ستر النورة التي هي المستند في المقام انما هو ستر اللون خاصة.

(الثاني) ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو وجد العاري حفيرة يمكنه الركوع والسجود فيها وجب عليه ذلك ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها وسجد فيها وركع». قال المحقق في المعتبر : فاقد الستر لو وجد حفيرة دخلها وصلى قائما وركع وسجد ، وقال الشيخ يدخلها ويصلي قائما ولم يصرح بالركوع والسجود ، وهو مبنى على قوله بوجوب القيام مع أمن المطلع ، ومنع ذلك جمع من الجمهور ممن أوجب الصلاة جالسا (٣) لان الساتر لا يلتصق بجلد المصلي فجرى مجرى عدمه. لنا ـ ان الستر يحصل المنع عن المشاهدة ولا نسلم ان التصاق الساتر شرط ويؤيد ذلك ما رواه أيوب بن نوح ، ثم أورد الرواية المذكورة.

__________________

(١) ص ٣٤.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من لباس المصلي.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٩٢ والمهذب ج ١ ص ٦٥.


أقول : وعندي في هذا الحكم إشكال لأن المتبادر من الاخبار ان ستر العورة الواجب في الصلاة انما هو عبارة عن وضع شي‌ء عليها بحيث يحول بين الناظر إليها وبين رؤيتها ، ويؤيده الاختلاف في ستر الحجم والاتفاق على مجرد ستر اللون ، وهذا هو المتبادر من الساتر في الاخبار وفي كلامهم ، لا انه عبارة عن وضع الإنسان نفسه في مكان متسع لا يراه أحد وان كانت عورته مكشوفة ، وإلا لصحت صلاة من صلى عاريا في دار مغلقة عليه أو بيت مظلم لا يراه أحد والظاهر انه لا خلاف في عدم جواز ذلك ، ولا ريب أن الحفيرة المشتملة على الخلأ بحيث يركع ويسجد ويجلس فيها من قبيل ما ذكرناه وان تفاوت الاتساع قلة وكثرة. واما قول المحقق (قدس‌سره) في ما تقدم من كلامه ـ : لنا ان الستر بذلك يحصل المنع عن المشاهدة ولا نسلم ان التصاق الساتر شرط ـ ففيه انه لو تم لجاز الصلاة في البيت المغلق والظلام كما ذكرناه لصدق ما ذكره على ذلك. وكأنه اعتمد على هذا التعليل الواهي لضعف الرواية عنده فجعلها مؤيدة دون ان تكون دليلا وفيه ما عرفت ، على ان من الظاهر انه لو جلس أحد على رأس هذه الحفيرة في قبلة المصلي لرأي قبله البتة للخلإ الذي يركع ويسجد فيه ، نعم لو كانت الحفيرة ضيقة على وجه تلتصق بالبدن بحيث يقف فيها ويومي إيماء أمكن ستر العورة بذلك ، ولعل ذلك مراد الشيخ (قدس‌سره) ولذا لم يذكر الركوع والسجود في الحفيرة.

وقد نقل ابن فهد في كتاب الموجز قولا بأن الصلاة في الحفيرة بالإيماء وهذا القول هو الأنسب بما ذكرنا ، ولعل قائله نظر الى ما قلناه.

إلا ان الاشكال في الخبر المذكور ، وبالجملة فإني لا اعرف للعمل بالخبر المذكور وجها مع مخالفته للقواعد المستفادة من الأخبار إلا ان يكون هذا الموضع مستثنى من وجوب ستر العورة في الصلاة. والله سبحانه وقائله أعلم بحقيقة الحال. ولم أر من تنبه لما ذكرناه من أصحابنا (رضوان الله عليهم) على ان في الخبر المذكور أيضا إشكالا آخر لم أر من تنبه له ولا نبه عليه ، فان ظاهره انه مع تعذر الثوب وحصول الحفيرة فإنه يصلي في الحفيرة على


الوجه المذكور وان وجد ساترا من حشيش ونحوه مع ان صحيحة على بن جعفر المتقدمة في صدر المسألة دلت على انه في هذه الصورة ينتقل الى الستر بالحشيش ونحوه وعلى ذلك فتوى الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما عرفت ، وظاهر الجمع بين الخبرين يقتضي التخيير بين الأمرين وان الصلاة في الحفيرة بمنزلة الساتر من حشيش ونحوه ، وظاهر الأصحاب جعل الحفيرة مرتبة متأخرة عن الحشيش ونحوه بحمل إطلاق هذا الخبر على ما تقدم في صحيحة علي بن جعفر من الستر بالحشيش أولا. والظاهر ان ما ذكرنا من الجمع بالتخيير أقرب إلا ان يحمل صحيح علي بن جعفر على عدم وجود الحفيرة.

وظاهر المحقق في الشرائع ـ وهو ظاهر السيد السند أيضا في المدارك ـ اطراح الخبر المذكور والانتقال إلى الإيماء بعد فقد الساتر بجميع أنواعه ، وعلل ذلك في المدارك بضعف الخبر المذكور والالتفات الى عدم انصراف لفظ الساتر إلى الحفيرة. وبالجملة فالمسألة كما عرفت لا تخلو من شوب الاشكال. والله العالم.

(الثالث) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو وجد وحلا فهل يجب نزوله والاستتار به أم لا؟ قال في المعتبر : لو وجد وحلا أو ماء كدرا بحيث لو نزله ستر عورته لم يجب نزوله لان فيه ضررا ومشقة. وقال في الروض : ولو وجد وحلا أو ماء كدرا فالمشهور وجوب الاستتار بهما. وقال في الذكرى : ولو وجد وحلا ولا ضرر فيه تلطخ به ولو لم يجد إلا ماء كدرا استتر به مع إمكانه ، ثم نقل عن المعتبر انهما لا يجبان للمشقة والضرر.

والقائلون بالوجوب اختلفوا فقيل ان الوحل مقدم على الماء وان لم يستر الحجم لأنه أدخل في مسمى الساتر وأشبه بالثوب والطين المقدمين على الماء. واستظهره في الروض وقيل بتقديمهما على الحفيرة ، وقيل بتقديم الحفيرة على الماء الكدر وتأخير الطين عنه ، وقيل بتقديم الماء الكدر على الحفيرة مطلقا ، وقال ابن فهد في موجزه : ولو وجد الجميع قدم الحشيش وورق الشجر ثم الحفيرة ثم الماء الكدر ثم الطين ويومئ في الأخيرين.


وفصل شيخنا الشهيد الثاني في الروض فقال : والتحقيق ان السجود المأمور به في الحفيرة ان كان هو المعهود اختيارا فهو دال على سعة الحفيرة وحينئذ فيبعد تقديمها عليهما مع إمكان استيفاء الأفعال بهما فإنهما حينئذ ألصق بالساتر والحفيرة أشبه بالبيت الضيق الذي لا يعد ساترا فتقديمهما عليها أوضح ، بل الظاهر ان الوحل مقدم عليها مطلقا لعدم منافاته لاستيفاء الأفعال. واما الماء الكدر والحفيرة فإن تمكن من السجود فيهما ففيه ما مر وان تمكن في الماء خاصة فهو اولى بالتقديم وكذا لو لم يتمكن فيهما. ولو تمكن في الحفيرة دون الماء ففي تقديم أيهما نظر من كون الماء ألصق به وادخل في الستر ومن صدق الستر في الجملة وإمكان الأفعال وورود النص على الحفيرة دونه والاتفاق على وجوب الاستتار بها دونه فتقديمها حينئذ أوجه ، ولو لم يعتبر في الصلاة استيفاء الركوع والسجود كصلاة الخوف والجنازة سقط اعتبار هذا الترجيح ، واولى من الحفيرة الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه. انتهى. وفيه تأييد لما ذكرناه من ان المتبادر من الساتر انما هو اللاصق على البدن.

أقول : لا يخفى ان الكلام في هذه الفروع العارية عن النصوص مشكل ، والذي ورد في هذا الباب كما عرفت رواية علي بن جعفر ومرسلة أيوب بن نوح ، والاولى وان دلت على ان مرتبة الإيماء انما هي بعد عدم وجود شي‌ء يستر به عورته إلا ان انطلاق الساتر فيها الى ما ذكروه من الوحل الذي هو عبارة عن الماء والطين وكذلك الماء الكدر محل اشكال ، والأحكام الشرعية انما ترتب على الافراد المتبادرة من الإطلاق الكثيرة الدوران في الاستعمال دون الفروض النادرة. واما الثانية فقد عرفت ما فيها. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه متى لم يجد ساترا فإنه يصلي عريانا ولا تسقط الصلاة عنه بفقد الساتر ، وانما الخلاف في انه هل يصلي قائما مطلقا أو جالسا مطلقا أو قائما مع أمن المطلع وجالسا مع عدمه؟ أقوال أشهرها


القول الثالث ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه يصلي جالسا مومئا وان أمن المطلع ، وعن ابن إدريس انه يصلي قائما مومئا في الحالين.

والأصل في هذا الاختلاف اختلاف ظواهر الاخبار ، ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟ فقال يصلى إيماء فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان فيومئان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما برءوسهما. قال وان كانا في ماء أو بحر لجي لم يسجدا عليه وموضوع عنهما التوجه فيه يوميان في ذلك إيماء ورفعهما توجه ووضعهما». ورواه في الفقيه (٢) الى قوله : «برءوسهما» وزاد «ويكون سجودهما اخفض من ركوعهما».

وروى الشيخ عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة؟ قال يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس». ونحوه موثقة إسحاق بن عمار الآتية في المقام (٤) والحكم بالجلوس في الجماعة يقتضي وجوبه مطلقا إذ لا يعقل ترك الركن لتحصيل فضيلة الجماعة.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر. الحديث ، وقد تقدم في صدر سابق هذه المسألة وفيه «أومأ وهو قائم».

وروى في الفقيه مرسلا (٥) قال : «وروي في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة انه يصلي عريانا قائما ان لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة؟ قال يصلي عريانا قائما ان

__________________

(١ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٥٠ من لباس المصلى.

(٢) ج ١ ص ٢٩٦.

(٣) الوسائل الباب ٥١ من لباس المصلى.

(٤) ص ٤٨.


لم يره أحد فإن رآه أحد صلى جالسا».

وروى احمد بن ابي عبد الله البرقي في المحاسن في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «في رجل عريان ليس معه ثوب؟ قال إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما».

ونقل شيخنا المجلسي روح الله روحه (٢) عن نوادر الراوندي انه روى بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال علي (عليه‌السلام) في العريان ان رآه الناس صلى قاعدا وان لم يره الناس صلى قائما».

وروى في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) قال : «من غرقت ثيابه فلا ينبغي له ان يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثيابا فان لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء ويجعل سجوده اخفض من ركوعه ، فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى».

وفي رواية سماعة (٤) «عن من ليس معه إلا ثوب واحد وأجنب فيه انه يصلي عريانا قاعدا ويومئ». كذا في رواية الكافي وفي التهذيبين عوض «قاعدا» «قائما» وفي رواية محمد بن علي الحلبي (٥) في من كان كذلك «يجلس مجتمعا ويصلي ويومئ إيماء». وقد تقدمتا في مسألة جواز الصلاة في النجاسة مع تعذر الساتر وعدمه من كتاب الطهارة (٦).

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة وهي ـ كما ترى ـ ما بين مطلق في القيام ومطلق في الجلوس ومفصل بين أمن المطلع فيقوم وعدمه فيجلس وهي أكثر أخبار المسألة فيجب تخصيص الإطلاقين المذكورين بها وبه يظهر قوة القول المشهور.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من لباس المصلى.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٩٥.

(٣) الوسائل الباب ٥٢ من لباس المصلي.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٦ من النجاسات.

(٦) ج ٥ ص ٣٥٠.


قال في المدارك : واحتمل المصنف في المعتبر التخيير بين الأمرين استضعافا للرواية المفصلة وهو حسن وان كان المشهور أحوط.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) انه قدم في صدر المسألة ما يدل على اختياره القول بالتفصيل حيث انه ـ بعد نقل الأقوال الثلاثة وهي القول بالتفصيل أولا ثم قول المرتضى بالصلاة جالسا مطلقا ثم قول ابن إدريس بالصلاة قائما مطلقا ـ قال : والمعتمد الأول فإن فيه جمعا بين القولين الآخرين وهو صريح في فتواه بالقول المذكور فكيف عدل عنه هنا الى التخيير وجعل القول بالتفصيل طريق الاحتياط؟ والكلام في مقام واحد بلا فاصلة يعتد بها. وكيف كان فإن صحيحة ابن مسكان وان كانت كما ذكره وأمكن الجواب بان ابن مسكان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر حديثه ما اعتراه من الضعف بعده كما صرحوا به في أمثاله الا ان رواية المحاسن كما دريت صحيحة السند بلا ريب فإنه روى الخبر فيه عن أبيه عن ابن ابي عمير عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الله بن مسكان ، واستبعاد رواية ابن مسكان عن ابي جعفر (عليه‌السلام) بعيد فإن الطبقة لا تأباه وان كان انما عد في أصحاب الصادق (عليه‌السلام) وبالجملة فالقول بالتفصيل هو المعتمد للروايات المذكورة.

وينبغي التنبيه هنا على أمور بها يتم الكلام في المقام وتتضح المسألة بجميع ما هي عليه من الأقسام :

(الأول) ـ ظاهر الاخبار المفصلة انه يصلي قائما مع عدم المطلع حال دخوله في الصلاة وان جوز مجي‌ء أحد بعد ذلك ، لكن لو اتفق مجي‌ء أحد بعد الدخول فالظاهر انه ينتقل إلى الصلاة جالسا ، وإلا فلا وجه للتفصيل المذكور إذ مناط القيام هو عدم المطلع ومناط الجلوس وجوده ولا يعقل الفرق باعتبار الدخول وقبله وهو ظاهر ولم أقف على من تعرض لذلك والظاهر انه لا اشكال فيه.

(الثاني) ـ الظاهر من صحيحة زرارة ورواية أبي البختري أن الإيماء بالرأس


وقال في المدارك ان الواجب الإيماء في الحالين للركوع والسجود بالرأس ان أمكن والا فبالعينين. والظاهر انه مستنبط من حكم صلاة المريض وإلا فالروايات المذكورة لا اشارة فيها إليه إذ الظاهر منها انما هو ما قلناه. وأوجب الشهيد في الذكرى الانحناء فيهما بحسب الممكن بحيث لا تبدو معه العورة وان يجعل السجود اخفض محافظة على الفرق بينه وبين الركوع ، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين في السجود على الكيفية المعتبرة ، قال في المدارك : وكل ذلك تقييد للنص من غير دليل ، نعم لا يبعد وجوب رفع شي‌ء يسجد عليه لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الرحمن الواردة في صلاة المريض (١) : ويضع وجهه في الفريضة على ما امكنه من شي‌ء. انتهى. أقول : اما ما اعترض به على كلام الشهيد (قدس‌سره) من انه تقييد للنص بغير دليل فجيد في ما عدا خفض الرأس للسجود فإنه قد صرح به في الفقيه في آخر صحيحة زرارة المتقدمة كما ذكرناه وفي رواية أبي البختري فلا يرد ما ذكره فيه. واما ما ذكره من انه لا يبعد وجوب رفع شي‌ء يسجد عليه ففيه انه بعيد إذ الاستناد في ذلك الى الصحيحة المذكورة قياس لا يوافق أصولنا فان أحكام المريض لا تنسحب هنا والروايات الواردة في المسألة عارية عما ذكره ، وحينئذ فيرد عليه ما أورده على الشهيد (قدس‌سره) من انه تقييد للنص بغير دليل.

(الثالث) ـ المستفاد من الاخبار وكذا من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الإيماء في حالتي القيام والجلوس على وجه واحد بمعنى انه من قيام مع القيام ومن جلوس مع الجلوس ، ونقل شيخنا في الذكرى عن شيخه السيد عميد الدين انه كان يقوى جلوس القائم ليومي للسجود جالسا استنادا الى كونه حينئذ أقرب الى هيئة الساجد فيدخل تحت «فاتوا منه ما استطعتم» (٢) ورده جملة من المتأخرين بأن الوجوب حينئذ انتقل إلى الإيماء فلا معنى للتكليف بالممكن من السجود.

__________________

(١) ج ٦ ص ٤٠٨.

(٢) ج ٤ ص ٣٣٧.


أقول : ويرده صريحا قوله (عليه‌السلام) في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة «أومأ وهو قائم».

بقي الكلام في حال التشهد لو صلى قائما هل يتشهد من قيام أو يجلس في موضع التشهد ويتشهد ثم يقوم؟ لم أقف في كلام الأصحاب على ذكر لهذا الفرع ، والاخبار المتقدمة مطلقة لا دلالة فيها على شي‌ء من أحد الأمرين ، ويمكن القول بوجوب الجلوس في موضع التشهد ثم القيام لأن الإيماء في الركوع والسجود قائما أو جالسا انما صير إليه محافظة على ستر العورة والتشهد جالسا لا ينافي ذلك ان لم يؤكده فلا وجه لسقوط الجلوس البتة. إلا ان المسألة بعد غير خالية من شوب الاشكال.

(الرابع) ـ قد صرح الأصحاب بأنه يجب شراء الساتر بثمن المثل أو أزيد مع التمكن. ولو أعير وجب عليه القبول لحصول المكنة التي هي المدار في الوجوب وعدمه ، والظاهر انه لا خلاف في ذلك. ولو وهب له فنقل عن الشيخ (قدس‌سره) وجوب القبول وضعفه العلامة في التذكرة بأنه يستلزم المنة ورده جملة ممن تأخر عنه بالضعف لحصول المكنة كما تقدم «والظاهر انه لا خلاف فيه كما تقدم» (١) والظاهر ان ما استند اليه في التذكرة قد تبع فيه العامة كما يشعر به كلامه في المنتهى حيث قال : اما لو وجد من يهبه الثوب قال الشيخ يجب عليه القبول خلافا لبعض الجمهور (٢) وقول الشيخ جيد لانه متمكن فيجب كما يجب قبول العارية. احتج المخالف بأنه تلحقه المنة. وجوابه العار الذي يلحقه بسبب انكشاف عورته أعظم من المنة. انتهى. وهو جيد.

(الخامس) ـ لو ظن العاري وجود الساتر في الوقت فالظاهر وجوب التأخير وفاقا للمعتبر والمنتهى واستحسنه في المدارك ، اما إذا لم يظن ذلك فالمشهور عدم وجوب التأخير وبه صرح الشيخ واتباعه مسارعة إلى فضيلة أول الوقت وحذرا من عروض المسقط. وأوجبه المرتضى وسلار بناء على أصلهما من وجوب التأخير على ذوي الأعذار

__________________

(١) ما بين القوسين غير موجود في النسخ الخطية.

(٢) المغني ج ١ ص ٥٩٤.


أقول : ظاهر رواية أبي البختري المتقدمة يعطي التأخير إلا انها مع عدم صحتها ليست صريحة في الوجوب لما عرفت في ما تقدم من ان لفظ «ينبغي ولا ينبغي» في الاخبار من الألفاظ المتشابهة ، وكيف كان فهي دالة على رجحان التأخير.

(السادس) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم يجد إلا ثوب حرير أو ثوبا مغصوبا أو جلد ميتة أو جلد ما لا يؤكل لحمه لم يجز له الصلاة في شي‌ء من ذلك وصلى عاريا للنهي عن الصلاة في هذه الأشياء. وهو جيد بالنسبة الى ما عدا الثوب المغصوب لوجود الأخبار الدالة على ما أدعوها اما في المغصوب فسيأتي تحقيق الكلام فيه ان شاء الله تعالى واما في الثوب النجس فيبني على ما سبق من الخلاف في المسألة في كتاب الطهارة من جواز الصلاة في النجاسة مع تعذر ساتر غير النجس أو الانتقال إلى الصلاة عاريا.

(السابع) قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الستر يراعى من الجوانب الأربعة ومن فوق ولا يراعى من تحت فلو صلى على طرف سطح بحيث ترى عورته من تحت فإشكال ينشأ من ان وجوب الستر انما يراعى من الأماكن التي جرت العادة بالنظر إليها ، ومن ان الستر من تحت انما يغتفر إذا كان الصلاة على وجه الأرض كما هو الغالب. والمسألة غير منصوصة إلا ان الظاهر هو وجوب الستر لان اغتفاره في المواضع التي جرت العادة بعدم الرؤية فيها لا يوجب اغتفاره في ما يحصل فيه الرؤية ، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط الذي هو عندنا واجب في موضع اشتباه الحكم.

(الثامن) ـ لو كان في ثوبه خرق فان لم يحاذ العورة فلا اشكال ولو حاذاها بطلت صلاته للإخلال بشرطها ، ولو جمعه بيده بحيث يتحقق الستر بالثوب فلا إشكال في الصحة كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا ، ولو وضع يده عليه أو يد غيره في موضع يجوز له الوضع بحيث ان الستر انما استند الى اليد فقد صرح جمع من الأصحاب بالبطلان لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق الساتر. وهو قريب إلا ان


الحكم بذلك مع عدم النص في المسألة مشكل. ويمكن ان يقال بالصحة لأن عدم فهمه من إطلاق الساتر المأمور به لا ينافي حصول الستر به والمطلوب هو الستر وعدم رؤية الناظر بأي نحو اتفق ، ويؤيده ما تقدم (١) في صحيحة زرارة «فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وان كان رجلا وضع يده على سوأته». وكيف كان فالاحتياط في المسألة لعدم النص مطلوب.

(التاسع) ـ قد صرح بعض الأصحاب انه لو وجد ساترا لإحدى العورتين وجب ، وزاد بعض ان الاولى صرفه الى القبل لقوله (عليه‌السلام) في بعض الاخبار التي نقلناها في أحكام الخلوة (٢) :

«واما الدبر فمستور بالأليين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة».

(العاشر) ـ لو وجد الساتر في أثناء الصلاة فإن أمكن الستر به من غير مناف وجب وإلا فهل يجب قطع الصلاة مع سعة الوقت والصلاة في الساتر أو يستمر؟

وجهان ، للثاني منهما انه دخل دخولا مشروعا والابطال يحتاج الى دليل ، وللأول ان الصلاة عاريا انما جازت لضرورة فقد الساتر وبوجوده يرتفع العذر وتزول الضرورة.

والمسألة لعدم النص غير خالية من شوب الاشكال ، والاحتياط بإتمام الصلاة ثم الإعادة في الساتر لازم على كل حال. واما لو كان الوقت بعد القطع يضيق ولو عن ركعة فظاهرهم انه لا إشكال في وجوب الاستمرار ، والظاهر انه كذلك.

(الحادي عشر) ـ الظاهر انه لا خلاف في استحباب الجماعة للعراة رجالا كانوا أو نساء كما ذكره شيخنا في الذكرى حيث قال : يستحب للمرأة الصلاة جماعة رجالا كانوا أو نساء إجماعا لعموم شرعية الجماعة وأفضليتها.

وانما الخلاف في كيفيتها فالمشهور ـ وبه صرح الشيخ المفيد والسيد المرتضى ـ انهم يجلسون جميعا صفا واحدا ويتقدمهم الامام بركبتيه ويصلون جميعا بالإيماء ، واختاره

__________________

(١) ص ٤١.

(٢) ص ٦.


ابن إدريس وادعى عليه الإجماع وعليه تدل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (١)

وذهب الشيخ في النهاية إلى أن الامام يومئ ومن خلفه يركعون ويسجدون وعليه تدل موثقة إسحاق بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ قال يتقدمهم امامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم».

ويظهر من المحقق في المعتبر الميل الى هذه الرواية حيث قال ـ بعد نقل الخلاف في المسألة والاستدلال للشيخ بالرواية المذكورة ـ ما صورته : فهذه حسنة ولا يلتفت الى من يدعي الإجماع على خلافها.

واعترضه جمع : منهم ـ صاحب المدارك بل الظاهر انه أو لهم واقتفاه صاحب الذخيرة بان في سندها عبد الله بن جبلة وكان واقفيا وإسحاق بن عمار وكان فطحيا فلا يحسن وصفها بالحسن.

أقول : فيه ان الظاهر ان المحقق لم يرد بما وصفها به من الحسن ما توهموه من هذا المعنى المصطلح فان هذا الاصطلاح في تقسيم الاخبار الى الأقسام الأربعة انما حدث بعد عصر المحقق من العلامة أجزل الله تعالى إكرامه كما ذكره جملة من الأصحاب أو شيخه احمد بن طاوس كما ذكره بعضهم فهو لم يرد بوصفها بذلك من حيث السند وانما أراد من حيث المتن كما قد يصف بذلك بعض الاخبار الصحيحة السند أو الضعيفة كما لا يخفى على من تتبع كتابه ، وقد نبه على ذلك السيد المذكور في كتابه المشار إليه في مسألة الصلاة في النجاسة نسيانا حيث ان المحقق وصف صحيحة العلاء الدالة على عدم الإعادة (٣) بأنها حسنة فقال السيد (قدس‌سره) ومراده بالحسن هنا خلاف المعنى المصطلح عليه بين المحدثين بل حسن المضمون فان عادته (قدس‌سره) لم تجر بالتعرض

__________________

(١) ص ٤١.

(٢) الوسائل الباب ٥١ من لباس المصلى.

(٣) ج ٥ ص ٤٢٠.


لحال الروايات وما هي عليه من الصحة والتوثيق. ويزيده تأكيدا ما صرح به شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين فقال : ان التعرض لذلك في كتب الفروع انما حديث بعده (أعلى الله مقامه) وأول من تعرض لتفصيل ذلك من أصحابنا واهتم بشأنه في الكتب الاستدلالية العلامة أحله الله دار الكرامة. انتهى.

نعم في الرواية المذكورة إشكال آخر قد نبه عليه شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل القول بمضمونها عن المحقق : ويشكل بان فيه تفرقة بين المنفرد والجامع وقد نهى المنفرد عن الركوع والسجود كما تقدم لئلا تبدو العورة ، ثم نقل رواية عبد الله بن سنان التي هي مستند القول المشهور ، ثم قال : وبالجملة يلزم من العمل برواية إسحاق أحد أمرين اما اختصاص المأمومين بهذا الحكم واما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن المطلع ، والأمر الثاني لا سبيل اليه والأمر الأول بعيد. انتهى. وهو جيد.

وبما ذكرنا يعلم ان ما دل عليه خبر أبي البختري المتقدم ـ من انهم إذا كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى ـ يجب حمله اما على عدم امام يؤمهم أو على التقية فإنه قد نقل في الذكرى عن بعض العامة انه منع من الجماعة إلا في الظلمة حذرا من بدو العورة (١) واعترضه بانا نتكلم على تقدير عدمه. إلا ان ظاهر الصدوق في الفقيه القول بهذه الرواية صرح بذلك في آخر باب صلاة الخوف والمطاردة فقال ـ بعد ان ذكران العريان يصلي قاعدا ويضع يده على عورته وكذلك المرأة ثم يومئان إيماء ـ ما لفظه : وإذا كانوا جماعة صلوا وحدانا. ولم اطلع على من نقل خلافه في المسألة مع انه كما ترى ظاهر فيما قلناه ، وهو منه (قدس‌سره) عجيب لما عرفت من الاخبار الدالة على ذلك خصوصا مضافا الى عموم أخبار الجماعة. والله العالم.

(المطلب الثاني) ـ في ما يجوز لباسه للمصلي وما لا يجوز ، قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تجوز الصلاة في النجاسة الغير المعفو عنها ، وقد تقدم البحث

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٩٦.


في ذلك مستوفى في كتاب الطهارة. ولا تجوز أيضا في جلد الميتة ولا جلد غير مأكول اللحم وصوفه وشعره ووبره عدا ما يأتي استثناؤه ان شاء الله تعالى ، ولا في الحرير المحض للرجل ولا في الذهب له ايضا ولا في المغصوب ، ويجوز في ما عدا ذلك.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مقامات (الأول) في جلد الميتة وقد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على انه لا تجوز الصلاة فيه ولو كان مما يؤكل لحمه سواء دبغ أم لم يدبغ حتى من القائلين بطهارته بالدباغ.

ويدل عليه الاخبار المتكاثرة. فروى الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الميتة؟ قال : لا تصل في شي‌ء منه ولا شسع».

أقول : الشسع بالكسر ما يشد به النعل.

وروى الصدوق والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ فقالا ولو دبغ سبعين مرة».

وروى في كتاب الخصال بسنده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) قال : «لا يصلى في جلود الميتة وان دبغت سبعين مرة ولا في جلود السباع».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٤) قال : «لا يصلى بجلد الميتة ولو دبغ سبعين مرة إنا أهل بيت لا نصلي بجلود الميتة وان دبغت». الى غير ذلك من الاخبار الآتية ونحوها.

واما ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي كتاب العلل مسندا في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) ـ قال : «قال الله عزوجل لموسى

__________________

(١ و ٢ و ٥) الوسائل الباب ١ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٦ من لباس المصلى.

(٤) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٠٠.


فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ (١) لأنها كانت من جلد حمار ميت» ـ.

فقد أجيب عنه بالحمل على عدم علمه (عليه‌السلام) بذلك أو انه لم يكن يصلي فيها ان جوزنا الاستعمال في غير الصلاة أو انه لم يكن في شرعه تحريم الصلاة في جلد الميتة.

والحق في الجواب انما هو ما رواه في كتاب إكمال الدين (٢) في حديث سعد ابن عبد الله ودخوله على الإمام أبي محمد العسكري (عليه‌السلام) مع احمد بن إسحاق وعلى فخذه ابنه القائم عجل الله فرجه قال في حديثه : وهو غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، فسأله عن مسائل فقال سل قرة عيني وأومأ إلى الغلام ، فكان في ما سأله قال أخبرني يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى (عليه‌السلام) «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» (٣) فان فقهاء الفريقين يزعمون انهما من إهاب الميتة؟ فقال (عليه‌السلام) من قال ذلك فقد افترى على موسى (عليه‌السلام) واستجهله في نبوته لانه ما خلا الأمر فيهما من خطيئتين اما ان تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة؟ فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة وان كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس واطهر من الصلاة ، وان كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى انه لم يعرف الحلال والحرام ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه مما لم تجز وهذا كفر. قلت فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال ان موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال يا رب اني أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عن من سواك وكان شديد الحب لأهله فقال الله تبارك وتعالى «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» اي انزع حب أهلك من قلبك ان كانت محبتك لي خالصة. الحديث ،. وهو طويل أخذنا منه موضع الحاجة. وبه يظهر حمل الخبر الأول على التقية.

قال شيخنا في الذكرى : والمبطل للصلاة فيه علم كونه ميتة أو الشك إذا وجد

__________________

(١ و ٣) سورة طه ، الآية ١٢.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٠١.


مطروحا لأصالة عدم التذكية أو في يد كافر عملا بالظاهر من حاله أو في سوق الكفر ، ولو وجد في يد مستحل الميتة بالدبغ ففيه صور ثلاث (الاولى) ان يخبر بأنه ميتة فيجتنب لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة (الثانية) ان يخبر بأنه مذكى فالأقرب القبول لأنه الأغلب ولكونه ذا يد عليه ، فيقبل قوله فيه كما يقبل في تطهير الثوب النجس. ويمكن المنع لعموم «فَتَبَيَّنُوا» (١) ولأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تزول بدونه (الثالثة) ان يسكت ففي الحمل على الأغلب من التذكية أو على الأصل من عدمها الوجهان ، وقد روى في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني ادخل سوق المسلمين اعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أليس هي ذكية؟ فيقول بلى فيصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟ فقال لا ولكن لا بأس ان تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية. قلت وما أفسد ذلك؟ قال استحلال أهل العراق للميتة وزعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)». وفي هذا الخبر إشارة إلى انه لو أخبر المستحل بالذكاة لا يقبل منه لان المسؤول في الخبر ان كان مستحلا فذاك وإلا فبطريق الاولى. وعن ابي بصير عنه (عليه‌السلام) (٣) «كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) رجلا صردا لا تدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ فكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه والقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فيقول ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته». وفي هذا دلالة على جواز لبسه في غير الصلاة. انتهى. أقول : اما ما ذكره (قدس‌سره) مع علم كونه ميتة فمحل وفاق منا نصا وفتوى كما عرفت.

واما ما ذكره من الشك بجميع وجوهه التي ذكرها من كونه مطروحا أو في يد

__________________

(١) سورة الحجرات ، الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ٦١ من النجاسات.

(٣) الوسائل الباب ٦١ من لباس المصلى.


كافر أو في سوق فهو المشهور بينهم ، والأصح ـ كما قدمنا تحقيقه في آخر كتاب الطهارة في بحث الجلود ـ هو الطهارة وهو اختيار جملة من أفاضل متأخري المتأخرين.

واما ما ذكره في ما إذا وجد في يد مستحل الميتة بالدبغ فما اختاره في الصورتين الأولتين جيد لدلالة الاخبار ـ كما سلف وسيأتي ان شاء الله تعالى ـ على وجوب قبول قول ذي اليد في ما يخبر به من طهارة أو نجاسة أو حل أو حرمة.

واما قوله في الصورة الثانية : ويمكن المنع. الى آخره فالظاهر ضعفه لما حققناه في كتاب الطهارة من ان قول ذي اليد باعتبار دلالة الاخبار على وجوب العمل به كالشاهدين الذين أوجب الله سبحانه العمل بقولهما موجب للخروج عن عهدة التكليف كما لو شهد الشاهدان بطهارة الثوب أو ماء الطهارة أو نحو ذلك من شروط الصلاة.

واما ما ذكره في الصورة الثالثة مما يؤذن بالتوقف ففيه ان مقتضى القاعدة المنصوصة «ان كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» (١). هو حل الصلاة فيه ، و «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر» (٢). هو طهارته ومتى ثبتت الطهارة جازت الصلاة فيه ، ولا معارض لهذه الاخبار بل هي مؤيدة بالأخبار المستفيضة.

واما ما نقله من روايتي عبد الرحمن وابي بصير فهما معارضتان بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة من الاخبار الدالة على طهارة ما يشترى من الجلود من الأسواق من أي بائع كان والصلاة فيها ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك في كتاب الطهارة :

ومنها ـ صحيحة الحلبي (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الخفاف

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ما يكتسب به و ٦١ من الأطعمة المباحة و ٦٤ من الأطعمة المحرمة.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من النجاسات واللفظ «نظيف» بدل «طاهر».

(٣) الفروع ج ١ ص ١١٢ وفي الوسائل في الباب ٥٠ من النجاسات.


عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟ فقال صل فيها حتى يقال لك انها ميتة بعينها». وهو دال بإطلاقه على جواز ذلك من أي بائع كان مسلما أو كافرا مستحلا للميتة أو غير مستحل ، ونحوها صحيحته الأخرى (١) وفيها «اشتر وصل فيها حتى تعلم انه ميت بعينه».

ورواية الحسن بن الجهم (٢) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) اعترض السوق فاشتري خفا لا ادري أذكي هو أم لا؟ فقال صل فيه. قلت فالنعل؟ قال مثل ذلك. قلت اني أضيق من هذا؟ قال أترغب عما كان أبو الحسن (عليه‌السلام) يفعله؟». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المتقدمة في الموضع المذكور.

وحينئذ فيجب حمل هذين الخبرين على الاحتياط والاستحباب كما هو ظاهر لذوي الأفهام والألباب فلا دلالة لهما على ما زعمه (قدس‌سره) في هذا الباب. وبذلك يظهر ايضا ما في قوله : وفي هذا الخبر إشارة إلى انه لو أخبر المستحل بالذكاة. إلخ. فإنه كما عرفت مبني على الاستحباب من حيث التهمة والاحتياط لا من حيث عدم قبول قول ذي اليد ، على انه يمكن ان يستثني مقام التهمة من قبول قول ذي اليد مطلقا كما في هذا الموضع وله نظائر في الأحكام.

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك : وذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان المبطل للصلاة في الجلد علم كونه ميتة أو في يد كافر أو الشك في تذكيته لأصالة عدم التذكية ، وقد بينا في ما سبق ان أصالة عدم التذكية لا تفيد القطع بالعدم لان ما ثبت جاز ان يدوم وجاز ان لا يدوم فلا بد لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت وبالجملة فالفارق بين الجلد والدم المشتبهين استصحاب عدم التذكية في الجلد دون الدم ومع انتفاء حجيته يجب القطع بالطهارة فيهما معا لأصالة عدم التكليف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقي لهما. انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٠ من النجاسات.


قوله : «وبالجملة فالفارق. إلخ» إشارة الى ما تقدم منه (قدس‌سره) في بحث النجاسات والطهارات من انه إذا اشتبه الجلد واحتمل كونه منتزعا من ميتة أو مذكى وكذا الدم المشتبه بالطاهر والنجس فالفرق بينهما على مذهب الأصحاب باعتبار استصحاب عدم التذكية في الجلد فيكون نجسا بخلاف الدم ومتى قلنا ببطلان الاستصحاب فلا فرق بينهما ، ثم استدل على ذلك بأصالة عدم التكليف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقي لهما وأنت خبير بان هذا الاستدلال بالنسبة إلى الجلد لا يخلو من مصادرة لان هذا أول البحث وعين الدعوى ومطرح النزاع حيث ان الخصم يحكم بوجوب الاجتناب ونجاسة الملاقي لحكمه بكونه ميتة. والحق في الجواب انما هو ما أشرنا إليه آنفا من الاخبار الدالة على القاعدة الكلية المتفق عليها وهو «ان كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» (١). و «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر» (٢). و «لا أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم اعلم» (٣). ونحو ذلك ، ولا ريب ان الجلد هنا داخل تحت عموم هذه الكلية فيجب الحكم بطهارته وجواز ملاقاته برطوبة ، وهكذا يقال في الدم مع الاشتباه ، ويدل على خصوص ذلك رواية السكوني المتقدمة في الموضع المتقدم من كتاب الطهارة.

فائدتان

(الأولى) ـ قال السيد السند (عطر الله مرقده) في المدارك : واعلم ان مقتضى كلام المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما اختصاص المنع بميتة ذي النفس ، وهو كذلك للأصل وانتفاء ما يدل على عموم المنع.

أقول : الظاهر ان هذا الأصل هنا عبارة عن أصالة الإباحة التي هي البراءة الأصلية والخلاف فيها مشهور كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب ، الا ان السيد المذكور ممن يرى العمل بها كما هو المشهور بين الأصوليين ولذا تراه دائما يعتمد عليها ويطرح

__________________

(١ و ٢) ص ٥٣.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من النجاسات.


الأخبار الضعيفة باصطلاحه في مقابلتها ، واما على ما اخترناه وحققناه في مقدمات الكتاب وعليه جل المحدثين وجملة من الأصوليين أيضا فإنه لا يجوز العمل عليها كما تقدم محققا مشروحا.

واما ما ذكره من انتفاء ما يدل على عموم المنع فهو وان كان كذلك لكن يمكن الاستناد في ذلك الى إطلاق الأخبار فإنه أعم من ميتة ذي النفس وغيرها.

والى ذلك جنح شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين ونقله عن والده حيث قال : لا يخفى ان المنع من الصلاة في جلد الميتة يشمل بإطلاقه ميتة ذي النفس وغيره سواء كان مأكول اللحم أو لا ، وفي كلام بعض علمائنا جواز الصلاة في ميتة غير ذي النفس من مأكول اللحم كالسمك الطافي مثلا. والمنع من الصلاة في ذلك متجه لصدق الميتة عليه وكونه طاهرا لا يستلزم جواز الصلاة فيه ، وكان والدي (قدس‌سره) يميل الى هذا القول ولا بأس به. انتهى.

وفيه ان ما ذكره من صدق الإطلاق وان كان متجها إلا ان الإطلاق انما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة المتكررة فإنها هي التي ينساق إليها الذهن من الإطلاق دون الفروض النادرة كما عرفت في غير موضع وبه صرح الأصحاب في غير مقام.

(فان قلت) ان مقتضى ما ذكرتم في رد الاعتماد على الأصل المذكور هو المنع من الصلاة في جلود السمك ونحوها ومقتضى ما ذكرتم في رد ما ذكره شيخنا البهائي هو الجواز فما المعمول عليه عندكم؟

(قلت) الظاهر هو الجواز لكن لا للأصل المذكور بل للعمومات الدالة على شرطية الستر بأي ساتر كان والأمر بالصلاة في أي لباس كان خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي ولا دليل هنا على المنع من الصلاة في ذلك ، فما ذكره شيخنا البهائي (قدس‌سره) من الاستناد في المنع إلى إطلاق الميتة قد عرفت ما فيه.

واما قوله أخيرا «وكونه طاهرا لا يستلزم جواز الصلاة فيه» فمردود بان مقتضى


العمومات المذكورة ذلك حتى يقوم دليل على الاستثناء هنا كما قام الدليل على فضلات الحيوان الغير المأكول اللحم على القول بالتحريم ، إذ لا ريب ان هذه الجلود طاهرة في حال حياة حيوانها والموت لا ينجسها لعدم النفس فتجوز الصلاة فيها كسائر الملابس الطاهرة.

وممن اختاره الجواز في المسألة المذكورة شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة مستندا الى ما ذكرنا من الطهارة حال الحياة وان الموت غير منجس ، وأيده أيضا بأن المصنف وأكثر الأصحاب جوزوا الصلاة في جلد الخز وان كان غير مذكى مع كون لحمه غير مأكول فجوازها في جلد السمك أولى. إذا عرفت ذلك فاعلم ان المحقق الشيخ علي في شرحه على الألفية حكى عن المصنف في الذكرى انه نقل عن المعتبر دعوى إجماع الأصحاب على جواز الصلاة في جلد السمك وان كان ميتة وفي شرح القواعد نقل ذلك عن المعتبر بغير واسطة الذكرى ، وهو عجيب غريب حيث انه لا اثر لذلك في الكتابين قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في شرح الرسالة بعد نقل ذلك عنه ونسبته الى الوهم : ان المصنف لم ينقل ذلك عن المعتبر ولا هو موجود في المعتبر وانما الذي نقله عن المعتبر والموجود فيه الإجماع على جواز الصلاة في وبر الخز وان كانت ميتة لأنه طاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت ولكن عبارة الذكرى توهم كون البحث عن السمك وعند الاعتبار ومراجعة المعتبر ينجلي لك الحال واما جلد السمك فلم يذكراه في الكتابين. انتهى.

(الثانية) ـ قال في المدارك في هذا المقام : ولا فرق في الثوب بين كونه ساترا للعورة أم لا بل الظاهر تحريم استصحاب غير الملبوس ايضا لقوله (عليه‌السلام) (١) «لا تصل في شي‌ء منه ولا شسع».

أقول : في إطلاق الثوب على ما يؤخذ من الجلود تجوز وتسامح كما لا يخفى إذ

__________________

(١) ص ٥٠.


الظاهر انه انما يطلق على ما يتخذ من القطن أو الكتان أو الإبريسم ونحوها لا الجلود وان قطعت كتقطيع الثياب. واما ما ذكره من تحريم استصحاب غير الملبوس فلا يخلو من اشكال لأن الظاهر من النهي عن الصلاة في شي‌ء انما هو باعتبار كونه لباسا تحقيقا للظرفية المستفادة من لفظة «في» لا مستصحبا ولا محمولا ، فالنهي عن الصلاة في الذهب وفي الحرير ونحوهما انما هو باعتبار اللبس لا باعتبار مجرد الاستصحاب والحمل.

(المقام الثاني) ـ في جلد ما لا يؤكل لحمه وان دبغ وصوفه وشعره ووبره وريشه ، ويحرم الصلاة فيه بالإجماع كما نقله جمع من الأصحاب عدا ما استثنى مما يأتي ذكره في المقام ان شاء الله تعالى.

والأصل في ذلك الأخبار المتكاثرة : منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن ابن بكير (١) قال : «سأل زرارة أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فاخرج كتابا زعم انه إملاء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلى في غيره مما أحل الله اكله ، ثم قال يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة وان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ، وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شي‌ء منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه».

وصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الصلاة في جلود السباع فقال لا تصل فيها».

وموثقة سماعة (٣) قال : «سألته عن لحوم السباع وجلودها قال اما لحوم السباع من الطير والدواب فانا نكره واما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٦ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٥ من لباس المصلى.


وروى الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن إسماعيل البرمكي رفعه الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه.».

وروى فيه ايضا عن الحسن بن علي الوشاء رفعه (٢) قال : «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) يكره الصلاة في وبر كل شي‌ء لا يؤكل لحمه».

ورواه الشيخ في التهذيب ايضا ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني (٣) قال : «كتبت اليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيه».

ورواية علي بن أبي حمزة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله وأبا الحسن (عليهما‌السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال لا تصل فيها إلا فيما كان منه ذكيا. قال قلت أو ليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال بلى إذا كان مما يؤكل لحمه. قلت وما يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب».

وصحيحة ابي علي بن راشد (٥) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما تقول في الفراء أي شي‌ء يصلى فيه؟ فقال اي الفراء؟ قلت الفنك والسنجاب والسمور.

قال فصل في الفنك والسنجاب فاما السمور فلا تصل فيه. قلت فالثعالب يصلى فيها؟ قال لا ولكن تلبس بعد الصلاة. قلت أصلي في الثوب الذي يليه؟ قال لا».

ورواية مقاتل بن مقاتل (٦) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٧) «لا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه والصوف منه ولا يجوز الصلاة في سنجاب وسمور وفنك فإذا أردت الصلاة فانزع عنك

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢ من لباس المصلي.

(٥ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ٣ من لباس المصلي.

(٧) ص ١٦.


وقد اروى فيه رخصة ، وإياك ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب ، وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب. ولا تصل في جلد الميتة على كل حال». انتهى. الى غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى.

وتفصيل الكلام في هذا المقام يقع في مسائل

(الأولى) ـ ينبغي ان يعلم ان المستفاد من لفظة «في» الواقعة في هذه الأخبار ان المنع مختص بالملابس وما يتلطخ به اللباس من اللبن والبول والشعرات الملقاة على اللباس وسائر فضلات ما لا يؤكل لحمه ، وحينئذ فلا يدخل في ذلك المحمول فلو صلى الإنسان مستصحبا لعظم الفيل من مشط وغيره مما يحمل فلا بأس بالصلاة فيه ، وبما ذكرناه ايضا صرح المحدث المحسن الكاشاني في الوافي ، وكلمات الأصحاب في هذا المقام لا تخلو من الاختلاف والاضطراب كما تقدم في كتاب الطهارة وربما يأتي نحوه أيضا.

(المسألة الثانية) ـ لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في وبر الخز الخالص من مخالطة وبر الأرانب والثعالب ونحوهما مما لا تصح الصلاة فيه ، نقل الإجماع على ذلك جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة وابن زهرة والشهيد وغيرهم ، انما الخلاف في جلده فالمشهور في كلام المتأخرين ان حكم الجلد حكم الوبر ، وذهب ابن إدريس إلى العدم ونفى عنه الخلاف وتبعه العلامة في المنتهى على ما نقله في الذخيرة.

ومما يدل على الوبر الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) رجل وانا عنده عن جلود الخز فقال ليس بها بأس. فقال الرجل جعلت فداك انها في بلادي وانما هي كلاب تخرج من الماء؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل لا فقال لا بأس». وهذا الخبر بالتأييد أنسب من الاستدلال إذ ليس فيه تصريح بالصلاة.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من لباس المصلى.


وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري (١) قال : «رأيت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) يصلي في جبة خز».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن مهزيار (٢) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروني ، وكساني جبة خز وذكر انه لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٣) قال : «سألته عن لبس الخز فقال لا بأس به ان علي بن الحسين (عليه‌السلام) كان يلبس الكساء الخز في الشتاء فإذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه وكان يقول اني لأستحيي من ربي ان آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه».

وما رواه الشيخ في الموثق عن معمر بن خلاد (٤) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الصلاة في الخز فقال صل فيه».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن زرارة (٥) قال : «خرج أبو جعفر (عليه‌السلام) يصلي على بعض أطفاله وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز اصفر».

وعن ابن ابي يعفور (٦) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال لا بأس بالصلاة فيه. فقال له الرجل جعلت فداك انه ميت وهو علاجي وانا أعرفه؟ فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) انا أعرف به منك. فقال له الرجل انه علاجي وليس أحد أعرف به مني؟ فتبسم أبو عبد الله (عليه‌السلام) ثم قال له أتقول انه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقدت الماء ماتت؟ فقال الرجل صدقت جعلت فداك هكذا هو. فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) فإنك تقول انه دابة تمشي على اربع وليس

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٨ من لباس المصلي.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من لباس المصلي.


هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال الرجل اي والله هكذا أقول فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها».

ومما يدل على ان الجلد كالوبر في هذا الحكم ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد (١) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن جلود الخز فقال هو ذا نحن نلبس. فقلت ذاك الوبر جعلت فداك فقال إذا حل وبره حل جلده». واستدل على ذلك أيضا بالأصل مضافا الى الرواية المذكورة.

ويؤيده إطلاق الخز في موثقة معمر بن خلاد فإنه شامل للجلد والوبر ، ونحوه ما رواه الصدوق عن يحيى بن عمران (٢) انه قال : «كتبت الى ابى جعفر الثاني (عليه‌السلام) في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب الي بخطه : صل فيها».

ويؤيده أيضا إطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وأمثالها مما دل على جواز اللبس فإنه شامل لحال الصلاة وغيرها ، وعدم الاستفصال في مقام الاحتمال يدل على العموم كما ذكروه في غير مقام.

وظاهر الفاضل الخراساني هنا الطعن في الصحيحة المذكورة بأنها لا تصلح للاستدلال بها وانما تصلح للتأييد إذ ليس فيها تصريح بالصلاة. وفيه ان ظاهر تعليق حل الجلد على حل الوبر الشامل بإطلاقه للصلاة مع حل الصلاة في الوبر إجماعا نصا وفتوى هو حل الصلاة في الجلد ايضا ومن أجل ذلك استدل الأصحاب بالخبر المذكور إلا انه نقل شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (٣) عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم انه قال فيه : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣ من لباس المصلى.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٠١.


لا يصلى في ثوب مما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه ، فهذه جملة كافية من قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا يصلى في الخز ، والعلة في ان لا يصلى في الخز ان الخز من كلاب الماء وهي مسوخ إلا ان يصفي وينقى ، الى ان قال : وعلة ان لا يصلى في السنجاب والسمور والفنك قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المتقدم». ثم قال شيخنا المشار اليه بعد نقل الخبر : لعل مراده عدم جواز الصلاة في جلد الخز بقرينة الاستثناء وقد تقدم القول في الجميع.

أقول : وفي الاعتماد على مثل هذا الخبر اشكال مضافا الى عدم ثبوت الاعتماد على الكتاب المذكور وان مصنفه في عداد معتمدي العلماء غير مشهور.

حجة القول الثاني العمومات الدالة على المنع من كل شي‌ء من ما لا يؤكل لحمه خرج الوبر بالنص والإجماع وبقي الجلد تحت عموم المنع. والجواب عنه ما عرفت من دلالة صحيحة سعد ابن سعد المذكورة على ذلك بالتقريب الذي ذكرناه مع تأيدها بالأخبار المذكورة. إلا ان المسألة بعد لا تخلو من شوب الاشكال سيما مع ما عرفت من كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم.

بقي الكلام في ما لو خالط وبر الخز وبر غيره مما لا يجوز الصلاة فيه والمشهور كما عرفت المنع من الصلاة فيه.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن العدة عن احمد بن محمد رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الخز الخالص انه لا بأس به فاما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه الرضوي «وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب».

وروى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن أيوب بن نوح رفعه (٢) قال «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) الصلاة في الخز الخالص ليس به بأس واما الذي يخلط فيه الأرانب أو غيرها مما يشبه هذا فلا تصل فيه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من لباس المصلي.


وقد ورد ما يدل على خلاف ما دلت عليه هذه الاخبار وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن داود الصرمي عن بشر بن يسار (١) قال : «سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك». ورواه الشيخ في موضع آخر وكذلك الصدوق في الفقيه عن داود الصرمي (٢) قال : «سأل رجل أبا الحسن الثالث. الحديث». ونسبه الشيخ في التهذيبين الى الشذوذ واختلاف اللفظ في السائل والمسؤول ثم حمله على التقية. وما ذكره من الحمل على التقية جيد.

وقال المحقق في المعتبر : اما المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ففيه روايتان إحداهما رواية محمد بن يعقوب ثم ساق مرفوعة أحمد ورواية أيوب بن نوح ، والثانية رواية داود الصرمي ثم ذكرها ، ثم قال والوجه ترجيح الروايتين الأوليين وان كانتا مقطوعتين لاشتهار العمل بهما بين الأصحاب ودعوى أكثرهم الإجماع على مضمونهما. انتهى. أقول : ويزيدهما تأييدا عبارة كتاب الفقه الرضوي المذكورة ، وبه يظهر قوة القول المشهور وان الأظهر حمل الرواية المنافية على التقية.

وقال الصدوق في الفقيه : هذه رخصة الآخذ بها مأجور ورادها مأثوم والأصل ما ذكره أبي في رسالته الي : وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب. أقول : بل الأقرب حملها على التقية كما ذكرنا وسيأتي في المقام ما يوضحه.

إلا انه روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مما كتبه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة (٣) : روى عن صاحب العسكر (عليه‌السلام) انه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع : يجوز. وروى عنه ايضا انه لا يجوز فأي الأمرين نعمل به؟ فأجاب (عليه‌السلام) انما حرم في هذه الأوبار والجلود فأما الأوبار وحدها فحلال «وفي نسخة فكلها حلال». وقد سئل بعض العلماء عن معنى

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من لباس المصلى.


قول الصادق (عليه‌السلام): لا يصلى في الثعلب ولا الثوب الذي يليه فقال انما عنى الجلود دون غيره.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد نقل الخبر المذكور : ما ذكر في الخبر من الفرق بين الجلد والوبر خلاف ما يعهد في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وذكروا اتفاق الأصحاب على عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه وشعره ووبره عدا ما استثنى مما سيذكر. انتهى. أقول : بل خلاف ما دلت عليه الأخبار ايضا كما تقدم شطر منها في أول هذا المقام. وبالجملة فإن الرواية المذكورة غريبة مرجوعة إلى قائلها عجل الله فرجه.

فائدة

اعلم انه قد اختلف كلام العلماء في الخز فقال الشيخ الزاهد العابد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي (قدس‌سره) في كتاب مجمع البحرين : الخز بتشديد الزاي دابة من دواب الماء تمشي على اربع تشبه الثعلب ترعى في البر وتنزل البحر لها وبر يعمل منه الثياب تعيش في الماء ولا تعيش في خارجه وليس على حد الحيتان وذكاتها إخراجها من الماء حية ، قيل وقد كانت في أول الإسلام إلى وسطه كثيرة جدا. انتهى. وقال المحقق في المعتبر : والخز دابة بحرية ذات اربع تصاد من الماء وتموت بفقده ، قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) «ان الله أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها» كذا روى محمد بن سليمان الديلمي عن قريب عن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١). وعندي في هذه الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان ومخالفتها لما اتفقوا عليه من انه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك ولا من السمك إلا ما له فلس وحدثني جماعة من التجار انها القندس ولم أتحققه وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل ما ذكره المحقق من التوقف : قلت مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضر ضعف

__________________

(١) ص ٦١.


الطريق ، والحكم بحله جاز ان يستند الى حل استعماله في الصلاة وان لم يذك كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال ، ثم قال قلت لعله ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك وهو مشهور هناك ، ومن الناس من يزعم انه كلب الماء وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح لان الظاهر انه ذو نفس سائلة. والله اعلم. انتهى

أقول : والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بذلك زيادة على ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية ابن ابي يعفور المتقدمين ما رواه في التهذيب في باب المطاعم والمشارب عن محمد بن احمد عن احمد بن حمزة القمي عن محمد بن خلف عن محمد بن سنان عن عبد الله ابن سنان عن ابي يعفور (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أكل لحم الخز قال كلب الماء ان كان له ناب فلا تقربه وإلا فاقربه». وقال أحمد حدثني محمد بن علي القرشي عن الحسن بن احمد عن ابن بكير عن حمران بن أعين (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الخز فقال سبع يرعى في البر ويأوي الماء».

وروى في التهذيب ايضا عن محمد بن احمد عن احمد بن حمزة عن زكريا بن آدم (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) فقلت ان أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه قال فقال ان كان له ناب فلا تأكله ثم مكث ساعة فلما هممت بالقيام قال اما أنت فإني أكره لك اكله فلا تأكله».

ويستفاد من مجموع أخبار المسألة بضم بعضها الى بعض أمور : (الأول) ـ ان الخز دابة تمشي على اربع وانه كلب الماء كما نقل في الذكرى عن بعض الناس ، وقد وقع التصريح بكونه كلب الماء في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وهو وان كان في كلام السائل إلا ان الامام (عليه‌السلام) أقرّه عليه ، وفي رواية ابن ابي يعفور الثانية وقريب منها رواية حمران الدالة على انه سبع.

(الثاني) ـ ان منه ما له ناب ومنه ما لا ناب له وان الثاني يحل أكل لحمه كما صرحت

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٩ من الأطعمة المحرمة.


به رواية ابن ابي يعفور الثانية ورواية زكريا بن آدم دون الأول وهو ظاهر رواية ابن ابي يعفور الاولى ، وحينئذ فلا يلتفت الى استبعاد صاحب المعتبر ولا الى جواب صاحب الذكرى لاختصاص ما ذكراه بالبحري المحض كالسمك وهذا ليس كذلك كما عرفت وما اشتمل عليه خبر حمران من انه سبع يحمل على ذي الناب منه.

(الثالث) ـ انه بري بحري يرعى في البر ويأوي إلى البحر كما ذكره في كتاب مجمع البحرين وعليه دلت رواية حمران بن أعين ، وانه لو أخذ ومنع من البحر مات وان ذكاته موته في البر كما صرحت به رواية ابن ابي يعفور الاولى وهو ظاهر صحيحة عبد الرحمن وحكمه في ذلك حكم الحيتان ، ومن هنا ينقدح الإشكال الذي أشار إليه في الذكرى إذ الظاهر من كونه كلب الماء وانه على اربع قوائم يرعى في البر وانه سبع وذو ناب انه ذو نفس سائلة وان ذكاته انما هي بالذبح مع انه (عليه‌السلام) جعل حكمه حكم الحيتان في كون ذكاته بالموت خارج الماء ، وحينئذ فيجب القول باستثنائه من القاعدة المذكورة كما انه يجب استثناؤه من قاعدة تخصيص حل ما كان في البحر بما كان له فلس من السمك ، فان هذه الاخبار دلت على خروجه من القاعدتين المذكورتين بالنسبة الى ما لا ناب له منهما ، وقد حكم (عليه‌السلام) بالحل والذكاة كذلك في رواية عبد الله ابن ابي يعفور الاولى وبالثاني في صحيحة عبد الرحمن حيث ان ظاهرها نفى البأس عن الصلاة في جلده ، وبذلك يظهر ضعف ما نقله في المعتبر عن جماعة من التجار وكذلك ما ذكره في الذكرى مما يسمى في زمانه بوبر السمك ، ومن المحتمل قريبا حدوث هذه الأسماء لهذه الأشياء.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد كلام في المقام : إذا عرفت هذا فاعلم ان في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره ووبره اشكالا للشك في انه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة (عليهم‌السلام) أم لا بل الظاهر انه غيره لانه يظهر من الاخبار انه مثل السمك يموت بخروجه من


الماء وذكاته إخراجه منه ، والمعروف بين التجار ان الخز المعروف الآن دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من الماء ، الا ان يقال انهما صنفان بري وبحري وكلاهما يجوز الصلاة فيه وهو بعيد. ويشكل التمسك بعدم النقل واتصال العرف من زماننا الى زمانهم (عليهم‌السلام) إذ اتصال العرف غير معلوم إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين ايضا ، وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع ، فالاحتياط في عدم الصلاة فيه. انتهى. وهو جيد إلا ان قوله «مثل السمك يموت بخروجه من الماء» ليس كذلك إذ الظاهر منها انه يرعى في البر وانه لا يموت بمجرد الخروج كالسمك وانما يموت بحبسه عن الماء وعدم رجوعه اليه كما قدمنا ذكره. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز الصلاة في جلد السنجاب ووبره ، فذهب الشيخ في المبسوط وكتاب الصلاة من النهاية وأكثر المتأخرين إلى الجواز حتى قال في المبسوط : اما السنجاب والحواصل فلا خلاف في انه يجوز الصلاة فيهما. ونسبه في المنتهى الى الأكثر. وذهب الشيخ في الخلاف وفي كتاب الأطعمة والأشربة من النهاية إلى المنع واختاره ابن البراج وابن إدريس وهو ظاهر ابن الجنيد والمرتضى وابي الصلاح بل ظاهر ابن زهرة نقل الإجماع عليه واختاره في المختلف ونسبه الشهيد الثاني إلى الأكثر. وذهب ابن حمزة إلى الكراهة. وقال الصدوق في الفقيه وقال ابي في رسالته الي : لا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه وان كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه فانزعه وقد روى فيه رخصة. انتهى.

ومنشأ الخلاف في المقام اختلاف اخبارهم (عليهم‌السلام) واختلاف الانظار في الجمع بينها والافهام :

ومما يدل على القول بالجواز ما تقدم في المسألة السابقة من رواية علي بن أبي حمزة وصحيحة ابي علي بن راشد ورواية مقاتل بن مقاتل.


وما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال لا بأس بالصلاة فيه».

وعن الوليد بن ابان (٢) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) أصلي في الفنك والسنجاب؟ قال نعم. فقلت نصلي في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال لا تصل فيها».

وعن بشر بن يسار (٣) قال : «سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أصلي فيها لغير تقية؟ قال فقال صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب ولا السمور».

وروى الصدوق بسنده عن يحيى بن عمران (٤) انه قال : «كتبت الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطه الي صل فيها».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك فقال لا يلبس ولا يصلى فيه إلا ان يكون ذكيا».

ويؤيد ذلك إطلاق الاخبار الدالة على جواز لبسه وهي كثيرة.

واما ما يدل على المنع فجملة أخرى من الاخبار الدالة على المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وعلى الخصوص ما تقدم من موثقة عبد الله بن بكير المشتملة على المنع من السنجاب خصوصا ومن جميع ما لا يؤكل لحمه على أبلغ وجه ، وكلامه (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٤ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣ و ٧ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٣ من لباس المصلى. وفي بعض النسخ «بشير بن يسار» وفي بعضها «بشير بن بشار».

(٤) الوسائل الباب ٣ من لباس المصلى. وفي الفقيه المطبوع «يحيى بن ابى عمران».


في كتاب الفقه الرضوي وهو عين ما نقله الصدوق عن رسالة أبيه إليه بتغيير ما.

والمحقق في المعتبر حيث اختار القول بالجواز كما هو المشهور أجاب عن خبر ابن بكير بان خبر ابي على بن راشد خاص والخاص مقدم على العام ، وبان ابن بكير مطعون فيه وليس كذلك أبو علي بن راشد. ورد الأول بأن رواية ابن بكير وان كانت عامة إلا ان ابتناءها على السبب الخاص وهو السنجاب وما ذكر معه يجعلها كالنص في المسؤول عنه. والثاني بأن ابن بكير وان كان فطحيا لكنه من الشهرة والجلالة بمكان حتى قال الكشي انه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه واما أبو علي بن راشد فلم يذكره النجاشي ولا الشيخ في الفهرست نعم ذكره في كتاب الرجال ووثقه وترجيحه على ابن بكير محل نظر.

أقول : والحق هو حصول التعارض بين الأدلة المذكورة فلا بد من الجمع بينها ، ويمكن الجمع بأحد وجهين : اما حمل الأخبار الدالة على الجواز على التقية لموافقته أقوال العامة (١) واما حمل خبر المنع على الكراهة. ورجح الثاني بكثرة الأدلة الدالة على الجواز كما تقدم ومطابقة الأصل وان الحمل على التقية لا يخلو من اشكال ، فإن مذهب العامة جواز الصلاة في جلود ما لا يؤكل لحمه مطلقا والروايات الدالة على الجواز قد اشتملت على الجواز في السنجاب مع نفي ذلك عن غيره من السمور والثعالب وأمثالهما. ومن هذا الكلام يظهر قوة القول بالكراهة كما تقدم نقله عن ابن حمزة ، وهو ظاهر الصدوق في كتاب المجالس حيث قال : ولا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه ، وما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره ووبره إلا ما خصته الرخصة وهي الصلاة في السنجاب والسمور والفنك والخز ، والاولى ان لا يصلى فيها ومن صلى فيها جازت صلاته. وقال في المقنع : لا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك لما روى في ذلك من الرخص. والى ذلك يشير كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي المتقدم

__________________

(١) حياة الحيوان ج ٢ ص ٤١ والمغني ج ٨ ص ٥٩٢.


حيث انه بعد ان منع من الصلاة في السنجاب والفنك والسمور قال : «واروي فيه رخصة» ونحو ذلك عبارة الشيخ في الخلاف وسلار على ما نقله في المختلف فإنهما بعد ان ذكرا المنع مما لا يؤكل لحمه قالا ورويت رخصة في الصلاة في السنجاب والفنك والسمور. وظاهرهم جواز الصلاة في هذه الثلاثة على كراهة جمعا بين أخبار المسألة.

وقد روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال لمولانا الهادي (عليه‌السلام) لمحمد بن علي بن عيسى من طريق احمد بن محمد بن عياش الجوهري وعبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن احمد بن محمد بن زياد وموسى بن محمد عن محمد بن علي بن عيسى (١) قال : «كتبت الى الشيخ أعزه الله وأيده أسأله عن الصلاة في الوبر أي أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شي‌ء منه. قال فرددت الجواب انا مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه ان هو نزع وبره وليس يمكن الناس كلهم ما يمكن الأئمة (عليهم‌السلام) فما الذي ترى ان نعمل به في هذا الباب؟ قال فرجع الجواب الى : تلبس الفنك والسمور».

أقول : ومن هذه الرواية يمكن استنباط وجه جمع بين أخبار المسألة بإبقاء ما دل على المنع من الصلاة في غير المأكول على عمومه وحمل الرخصة الواردة في الثلاثة المتقدمة على أولوية هذه الثلاثة في مقام الضرورة والتقية ، وبه يندفع الاشكال المتقدم عن الحمل على التقية من حيث تضمن الأخبار للجواز في هذه الثلاثة مع المنع عن غيرها فإنه لا منافاة فيه من حيث الضرورة إلى لبس ما كان كذلك واندفاع التقية بأحد هذه الثلاثة. بقي الكلام في وجه الخصوصية لاختيار هذه الثلاثة وهو موكول إليهم (عليهم‌السلام).

ومما يعضد الحمل على التقية ما قدمناه في مقدمات الكتاب من ان الحمل على ذلك لا يختص بوجود قائل من العامة بل انهم (عليهم‌السلام) يقصدون إيقاع الاختلاف بين الشيعة لينزلوا من نظر العامة ويكذبوهم في النقل عن أئمتهم (عليهم‌السلام) ولا يعبأوا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من لباس المصلى.


بمذهبهم كما قدمنا تحقيقه ، وأنت إذا تأملت في اخبار هذه المسألة وجدتها كذلك ، فإنهم (عليهم‌السلام) تارة يفتون الشيعة بالحق وهو المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه بأتم تأكيد كما اشتملت عليه موثقة ابن بكير ونحوها وان لم يكن مثلها في التأكيد ، وتارة يفتونهم بجواز الصلاة في الجميع كصحيحة علي بن يقطين ، وتارة يخصصون الجواز بأفراد مخصوصة ، فمنها ـ ما اشتمل على استثناء السنجاب خاصة كرواية مقاتل بن مقاتل ، ومنها ـ ما أضيف إليه فيها الفنك كرواية ابي علي بن راشد ورواية الوليد بن أبان ، ومنها ـ ما أضيف إليه الحواصل الخوارزمية خاصة كرواية بشر بن يسار ، ومنها ـ ما دل على الجواز في الجميع إلا الثعالب كصحيحة الريان بن الصلت (١) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود؟ فقال لا بأس بهذا كله إلا الثعالب». فانظر الى هذا الاختلاف العظيم فهل له وجه غير ما ذكرناه؟

ويؤيد ذلك ايضا ما قدمناه في غير مقام من ان حمل النهي الذي هو حقيقة في التحريم على الكراهة في تلك الأخبار الدالة على النهي مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ، واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز لجواز الجمع بوجه آخر وان اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك ، على انه لو سلم فلا يجري في موثقة ابن بكير التي هي عمدة أخبار المسألة لوقوع النهي فيها على أبلغ وجه كما لا يخفى. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال والاحتياط في أمثال ذلك مما لا ينبغي تركه.

هذا ، وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه انما تجوز الصلاة فيه بناء على القول بالجواز مع تذكيته لانه ذو نفس سائلة قطعا ، قال في الذكرى : قد اشتهر بين التجار والمسافرين انه غير مذكى ولا عبرة بذلك حملا لتصرف المسلمين على

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من لباس المصلى.


ما هو الأغلب ، وأيده بعضهم بان متعلق الشهادة إذا كان غير محصور فلا يسمع نعم لو علم بذلك حرم.

فائدة

روى في التهذيب (١) عن أبي حمزة الثمالي قال : «سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليه‌السلام) عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما؟ قال أبو خالد ان السنجاب يأوي الأشجار قال فقال له ان كان له سبلة كسبلة السنور والفأرة فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه ، ثم قال اما انا فلا آكله ولا احرمه». وفي اللغة السبلة بالتحريك الشارب (٢) ومفهوم هذا الخبر ان ما ليس له سبلة فهو حلال اكله وتجوز الصلاة فيه ، ويؤيده قوله : «اما انا فلا آكله ولا احرمه» بحمل كلامه على ما ليس له سبلة بمعنى انه حلال على كراهية وتجوز الصلاة فيه. والحديث غريب والحكم به مشكل إذ لا أعرف قائلا به بل الظاهر الاتفاق على تحريمه مطلقا وان استثنى جواز الصلاة في جلده ووبره على القول بذلك.

والسنجاب ـ على ما ذكره في كتاب مجمع البحرين ـ حيوان على حد اليربوع أكبر من الفأرة شعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية وهو كثير في بلاد الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق الأملس. وقال في كتاب المصباح المنير : السمور كتنور دابة معروفة يتخذ من جلدها فراء مثمنة تكون في بلاد الترك تشبه النمس ومنه اسود لامع وأشقر ، وحكي لي بعض الناس ان

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٩٥ وفي الوسائل الباب ٤١ من الأطعمة المحرمة. وفي ما وقفنا عليه من نسخ الحدائق المطبوعة والمخطوطة (الكافي) بدل (التهذيب) ولم نجده في الكافي في مظانه وصاحب الوسائل لم يروه الا عن التهذيب كما في الوافي ج ١١ ص ١٥.

(٢) في مجمع البحرين مادة (سبل) : وفي حديث السنجاب إذا كان له سنبلة كسنبلة السنور والفأرة.


أهل تلك الناحية يصيدون الصغار منها فيخصون الذكر ويتركونه يرعى فإذا كان أيام الثلج خرجوا للصيد فما كان مخصيا استلقى على قفاه فأدركوه وقد سمن وحسن شعره. وقال في كتاب المجمع : الفنك كعسل دويبة برية غير مأكولة اللحم يؤخذ منها الفرو يقال ان فروها أطيب من جميع أنواع الفراء يجلب كثيرا من بلاد الصقالبة وهو أبرد من السمور واعدل وأحر من السنجاب صالح لجميع الأمزجة المعتدلة. وقال في كتاب حياة الحيوان الحواصل جمع حوصل وهو طير كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو ، قيل وهذا الطائر يكون بمصر كثيرا.

(المسألة الرابعة) ـ قد اختلف الاخبار في الثعالب والأرانب ، وقد تقدم في موثقة ابن بكير المنع من الثعالب بخصوصه مع المنع من كل ما لا يؤكل لحمه ، وصحيحة ابي علي بن راشد وفيها نهى عن الثعالب وعن الثوب الذي يليه ، ورواية مقاتل بن مقاتل وفيها أيضا النهي عن الثعالب ، وعبارة الفقه الرضوي فيها «إياك ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب» وهذه الروايات كلها قد تقدمت في صدر المقام ومنها ـ أيضا رواية الوليد بن ابان وفيها النهي عن الثعالب وان كانت ذكية ، ورواية بشر بن يسار وفيها «لا تصل في الثعالب» وقد تقدمتا في المسألة الثانية.

ويدل على المنع أيضا صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن جلود الثعالب أيصلى فيها؟ قال ما أحب ان أصلي فيها». ورواية جعفر بن محمد بن ابي زيد (٢) قال : «سئل الرضا (عليه‌السلام) عن جلود الثعالب الذكية؟ قال لا تصل فيها».

ويدل على ذلك ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يلبس فراء الثعالب والسنانير؟ قال لا بأس ولا يصلي فيه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٧ من لباس المصلى.


ويدل على ذلك أيضا صحيحة علي بن مهزيار (١) «عن رجل سأل الماضي (عليه‌السلام) عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها فلم أدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقع بخطه (عليه‌السلام) الثوب الذي يلصق بالجلد. قال وذكر أبو الحسن (عليه‌السلام) انه سأله عن هذه المسألة فقال لا تصل في الثوب الذي فوقه ولا في الثوب الذي تحته». هذا بالنسبة إلى الثعالب.

واما بالنسبة إلى الأرانب فمما يدل على ذلك صحيحة علي بن مهزيار (٢) قال : «كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها».

ورواية أحمد بن إسحاق الأبهري (٣) قال : «كتبت اليه : جعلت فداك عندنا جوراب. الحديث المتقدم».

ورواية سفيان بن السمط (٤) قال : «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن (عليه‌السلام) يسأله عن الفنك يصلى فيه؟ قال لا بأس. وكتب يسأله عن جلود الأرانب فقال مكروه».

ورواية محمد بن إبراهيم (٥) قال : «كتبت إليه أسأله عن الصلاة في جلود الأرانب فكتب مكروهة».

ويعضد ذلك ما دل على المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه مطلقا وما دل على النهي عن وبر الخز إذا كان مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب وقد تقدم الجميع ، هذا ما وقفت عليه من الاخبار الدالة على المنع.

وبإزائها من الأخبار ما يدل على الجواز ، ومن ذلك صحيحة الحلبي المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وصحيحة علي بن يقطين (٦) قال : «سألت أبا الحسن (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.

(٤) الوسائل الباب ٤ من لباس المصلي.

(٦) الوسائل الباب ٥ من لباس المصلى.


السلام) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال لا بأس بذلك».

وصحيحة جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال إذا كانت ذكية فلا بأس».

وصحيحة محمد بن عبد الجبار (٢) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) اسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟

فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه ان شاء الله».

ورواية الحسين بن شهاب (٣) قال : «سألته عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية أيصلى فيها؟ قال نعم».

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج (٤) قال : «سألته عن اللحاف من الثعالب أو الجرز منه أيصلى فيها أم لا؟ قال إذا كان ذكيا فلا بأس به». قال في الوافي : هكذا في نسخ التهذيب التي رأيناها ، قيل الجرز بكسر الجيم وتقديم المهملة على المعجمة من لباس النساء وفي الاستبصار «أو الخوارزمية» وكأنها الصحيح فيكون المراد بها الحواصل. انتهى ، وما استصحه هو الصحيح لما علم من حال الشيخ في التهذيب وما وقع له فيه من التحريف والتصحيف مما لا يعد ولا يحصى.

إذا عرفت ذلك فالظاهر من تتبع كلام الأصحاب انه لا قائل بهذه الأخبار الأخيرة إلا ما يظهر من المحقق في المعتبر ونحوه السيد السند في المدارك ، قال في المعتبر واعلم ان المشهور في فتوى الأصحاب المنع في ما عدا السنجاب ووبر الخز والعمل به احتياط في الدين ، ثم قال بعد ان أورد روايتي الحلبي وعلي بن يقطين المتقدمتين : وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل بهما عامل جاز وعلى الأول عمل الظاهرين من الأصحاب منضما الى الاحتياط للعبادة. وقال في المدارك ـ بعد ذكر

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.


المسألة والاستدلال على الجواز بصحيحتي علي بن يقطين والحلبي وصحيحة جميل ونقل كلام المحقق في المعتبر ما صورته : والمسألة قوية الإشكال من حيث صحة اخبار الجواز واستفاضتها واشتهار القول بالمنع بين الأصحاب بل إجماعهم عليه بحسب الظاهر وان كان ما ذكره في المعتبر لا يخلو من قرب. انتهى.

أقول : لما كان نظر المتصلبين من أصحاب هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاح انما هو الى الأسانيد من غير تأمل في متون الاخبار وكونها موافقة للقواعد الشرعية أم لا وموافقة لفتاوى الأصحاب أم لا ونحو ذلك من العلل المتطرقة إليها وقعوا في ما وقعوا فيه من هذه الإشكالات والترددات ، والمسألة بحمد الله سبحانه واضحة السبيل مكشوفة الدليل ، فان مقتضى القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهم‌السلام) بعرض الاخبار عند الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه هو العمل باخبار المنع المؤيدة باتفاق الأصحاب عليها سلفا وخلفا ، وهاتان الروايتان أعني صحيحتي ابن يقطين والحلبي قد دلتا على جواز الصلاة في جميع الجلود مما لا يؤكل لحمه لا بخصوص الأشياء المعدودة فيهما لقوله في إحداهما «وجميع الجلود» وفي الأخرى «وأشباهه» وهذا عين ما اتفقت عليه العامة (١) وخلاف ما اتفقت عليه الإمامية فأي أمر أظهر في الحمل على التقية من ذلك؟ ولكنهم حيث الغوا القواعد المروية عن أئمتهم (عليهم‌السلام) واعتمدوا على افكارهم وأنظارهم بل اخترعوا لهم في مقابلتها قواعد لم يرد بها نص ولا اثر عنهم (عليهم‌السلام) وقعوا في ما وقعوا فيه من أمثال هذا الكلام المنحل الزمام والمختل النظام. والى ما ذكرنا يشير كلام شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل كلام المعتبر المتقدم الدال على اختياره الجواز : قلت هذان الخبران مصرحان بالتقية لقوله في الأول «وأشباهه» وفي الثاني «وجميع الجلود» وهذا العموم لا يقوله الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فإن الحكم بالنظر الى ما ذكرناه

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٦٨.


من التقريب ظاهر لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه.

(المسألة الخامسة) ـ ظاهر الشيخ في المبسوط جواز الصلاة في الحواصل حيث قال في ما تقدم من عبارته المذكورة في صدر المسألة : واما السنجاب والحواصل فلا خلاف في انه يجوز الصلاة فيهما. وقيدها ابن حمزة وبعضهم بالخوارزمية ، وقد تقدم في رواية بشر بن يسار ما يدل على الجواز في الحواصل الخوارزمية. ومنع من ذلك الشيخ في النهاية وهو ظاهر الأكثر حيث لم يتعرضوا له. قال في الدروس وفي الحواصل الخوارزمية رواية بالجواز متروكة. وهو إشارة إلى رواية بشر المذكورة. وروى في كتاب البحار (١) عن كتاب الخرائج في حديث يتضمن خروج التوقيع من الناحية المقدسة بعد السؤال عما يحل ان يصلى فيه من الوبر ، وفيه «وان لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك ان تصلي فيه». وظاهره الجواز مع الضرورة. والقول بالجواز لا يخلو من قرب والاحتياط ظاهر. واما الفنك ونحوه مما عدا الخز والسنجاب والحواصل فلم أقف على قائل بجواز الصلاة فيه إلا ما يظهر من عبارتي الصدوق في المجالس والمقنع المتقدمتين بالنسبة إلى الفنك وان اختلفت فيه الاخبار كما عرفت مما تقدم.

(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في التكة والقلنسوة المعمولتين من وبر غير المأكول ، فقال الشيخ في النهاية : لا تجوز الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر الأرانب ويكره إذا عملا من حرير محض. واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى. وتردد في الدروس ثم قال ان الأشبه المنع والظاهر انه المشهور. وقال في المبسوط يكره الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه وكذا إذا كانا من حرير محض.

أقول : ويدل على الأول ما تقدم قريبا من صحيحة علي بن مهزيار (٢) قال : «كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب. الحديث».

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٩٨.

(٢) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلى.


ونحوها رواية أحمد بن إسحاق الأبهري ، ويعضدهما رواية إبراهيم بن محمد الهمداني (١) قال : «كتبت اليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيه». ويؤكد ذلك ما دل على النهي عن الصلاة في ذلك خصوصا وعموما.

ونقل في المختلف عن الشيخ الاستدلال على الجواز ـ كما ذهب إليه في المبسوط ـ بأنه قد ثبت للتكة والقلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما وان كانا نجسين أو من حرير محض فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب وغيرها. ثم أجاب عنه بالفرق بين الأمرين واحاله على ما بينه في ما مضى.

أقول : والأظهر الاستدلال للشيخ على هذا القول بصحيحة محمد بن عبد الجبار المتقدمة قريبا وقوله فيها بعد السؤال عن تكة تعمل من وبر الأرانب «وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه».

وأجاب الشهيد في الذكرى عن هذه الرواية (أولا) بأنها مكاتبة. و (ثانيا) بأنها تضمنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه جوازها من الوبر. ونحوه المحقق في المعتبر ايضا.

وأنت خبير بما فيه فان المكاتبة لا تقصر عن المشافهة متى كان المخبر عن كل من الأمرين ممن يوثق به ويعتمد عليه. واما قوله ـ وقبله المحقق كما أشرنا إليه ـ بأنها إنما تضمنت قلنسوة عليها وبر. إلخ فعجيب غاية العجب فإن الرواية وان تضمنت ذلك لكنها ايضا تضمنت التكة المعمولة من الوبر والجواب وقع عن الأمرين.

وبالجملة فتعارض الأخبار المذكورة ظاهر لا ينكر والأظهر عندي في الجمع هو حمل خبر الجواز على التقية لاستفاضة الأخبار بالمنع عموما وخصوصا عما لا يؤكل لحمه ، والجمع بالحمل على الكراهة ـ كما عليه من ذهب الى الجواز كما يظهر من المدارك ومثله المحقق في المعتبر ـ قد عرفت ما فيه في غير مقام مما تقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من لباس المصلى.


ثم انه لا يخفى عليك ما في مدافعة ما اختاره المحقق من القول بالجواز هنا لما اختاره في مسألة وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب من المنع للروايتين المتقدمتين وقد تقدم نقل كلامه ، فإنه ان كان الوبر المذكور مما لا تجوز الصلاة فيه فلا فرق بين كونه مغشوشا به غيره وبين كونه منفردا يصنع منه قلنسوة أو تكة بل الثاني أولى بالمنع وإلا فلا وجه لقوله بالجواز هنا ، وكذلك يرد على صاحب المدارك ايضا حيث انه في تلك المسألة نقل كلام المحقق وجمد عليه وهو مؤذن باختياره. والجواب ـ بأن صحيحة محمد بن عبد الجبار قد دلت على الجواز هنا وروايتا احمد وأيوب بن نوح دلتا على المنع في تلك المسألة فوجب القول بكل منهما في ما دل عليه ـ مردود بان هذه الروايات أيضا متعارضة متصادمة إذ المدار على جواز الصلاة في الوبر وعدمه منسوجا كان أو غير منسوج ، إذ لا يعقل لنسجه خصوصية تخرجه عما كان عليه أولا من حل أو حرمة ، فالقول بكل من الروايتين قول بالمتناقضين بل لا بد من الترجيح فيهما أو الجمع بينهما ، وقضية الترجيح العمل بالصحيحة المذكورة فيمتنع قولهما بالمنع في الوبر المخلوط والحال كما عرفت. وبالجملة فالتعارض والتدافع بين قوليهما ظاهر كما لا يخفى.

ثم انه لا يخفى انه قد وقع لصاحب المدارك سهو في هذا المقام حيث انه بعد ان نقل عن النهاية أولا القول بالمنع نقل عن النهاية أيضا القول بالجواز على كراهة ، وهذا القول انما هو في المبسوط لا النهاية كما جرى به قلمه هنا.

(المسألة السابعة) ـ قد تقدم في صحيحة ابي علي بن راشد النهي عن الصلاة في الثعالب وفي الثوب الذي يليه ، وتقدم أيضا في صحيحة علي بن مهزيار النهي عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها ثم فسره (عليه‌السلام) بالثوب الذي يلصق بالجلد ونقل في بقية الرواية ما يدل على الثوب الذي فوقه والثوب الذي تحته ، وتقدم أيضا في عبارة كتاب الفقه «وإياك ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب». وبذلك صرح الشيخ (قدس‌سره) في النهاية فقال : لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب


والأرانب ولا الذي فوقه على ما وردت به الرواية وقال في المبسوط : لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت الثعالب ولا الذي فوقه على ما وردت به الرواية. كذا نقله عنه في المختلف. وقال الصدوق : وإياك ان تصلي في الثعلب ولا في الثوب الذي يليه من تحته وفوقه.

واستشكل جملة من الأصحاب حمل النهي في الاخبار المذكورة على التحريم إلا ان يقال بنجاسة هذه الأشياء وملاقاتها بالرطوبة ، قال الشيخ في المبسوط على اثر العبارة المتقدمة : وعندي ان هذه الرواية محمولة على الكراهة أو على انه إذا كان أحدهما رطبا لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره. والعجب ان العلامة في المختلف نقل عنه العبارة المتقدمة خاصة وهو مما يؤذن بقوله بالتحريم مطلقا كما أطلقه في النهاية مع ان بقية كلامه في المبسوط يؤذن بالتأويل في تلك الرواية. وبما ذكره من التفصيل في المبسوط صرح المحقق في المعتبر وزاد : والخبر بالمنع مقطوع السند شاذ فيسقط اعتباره. وبنحو ذلك ايضا صرح العلامة في المختلف فقال : وعندي ان هذه الرواية محمولة على الكراهة أو على انه إذا كان أحدهما رطبا لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره ، ثم نقل عن ابن إدريس انه قال : لا بأس بالصلاة في الثوب الذي تحته أو فوقه وبر الأرانب أو الثعالب ، ثم استقر به وقال : لنا ـ انه صلى على الوجه المأمور به شرعا فيخرج عن العهدة ، ولأن المقتضي للصحة موجود والمعارض لا يصلح للمانعية إذ المعارض هنا ليس إلا مماسة الوبر وليس هذا من الموانع إذ النجس العيني إذا ماس غيره وهما يابسان لم تتعد النجاسة إلى الغير فكيف بهذا الوبر الذي ليس بنجس؟ ثم نقل عن الشيخ (قدس‌سره) انه احتج بأن الصلاة في الذمة بيقين ولا تبرأ إلا بمثله ولا يقين للبراءة مع الصلاة في الثوب الملاصق للوبر ، وبما رواه علي بن مهزيار عن رجل ثم أورد الرواية إلى آخرها كما قدمناه ، وقال : والجواب عن الأول انه قد حصل اليقين بالبراءة حيث قد وقع الفعل على الوجه المأمور به شرعا. وعن الثاني ان الرجل مجهول فجاز


ان يكون غير عدل مع إمكان حمل النهي على الكراهة كما حمله الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط.

أقول : لا يبعد عندي ان النهى في الاخبار المذكورة عن الصلاة في الثوب الذي تحت الجلد وفوقه انما هو باعتبار ما يسقط عليه من الوبر ويتناثر عليه في وقت لبسه له تحت الوبر كان أو فوقه ، وحينئذ فيكون فيه دلالة على عدم جواز الصلاة في الثوب الذي عليه شعر أو وبر ما لا يؤكل لحمه وسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى ، وإلا فالقول بالمنع من حيث النجاسة لا وجه له بالكلية لما ثبت من صحة التذكية لهذه الحيوانات خلافا للشيخ في السباع ، وانه مع اليبوسة لا تتعدى النجاسة لو ثبتت النجاسة ، وهذا كله ظاهر بل الظاهر انه لا وجه للمنع إلا ما ذكرناه. وان ثبت انه لا يتناثر من الوبر شي‌ء ولا يسقط منه شي‌ء على الثياب فلا مناص من جعل النهي تعبدا شرعيا أو محمولا على الكراهة ويؤيده ما ورد في رواية أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في الفراء فقال كان علي بن الحسين (عليه‌السلام) رجلا صردا لا تدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ وكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه والقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته». فإنه لا ريب ان نزع الفراء هنا محمول على الاستحباب لأصالة الطهارة كما تقدم تحقيقه وكذا الثوب الذي يليه بالطريق الأولى.

(المسألة الثامنة) ـ قطع الشهيدان وجماعة : منهم ـ صاحب المدارك ومن تبعه باختصاص المنع بالملابس فلو لم يكن كذلك كالشعرات الملقاة على الثوب لم يمنع عن الصلاة فيه ، وذهب الأكثر إلى عموم المنع كما نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما تقدم في موثقة ابن

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من لباس المصلى.


بكير (١) من قوله (عليه‌السلام): «وكل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه فاسدة. الحديث». فإنها شاملة للشعر الملقى على الثوب ، ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني المتقدمة في صدر هذا المقام ، وهي صريحة في عدم جواز الصلاة في الشعر والوبر الملقى على الثوب ، وصحيحة محمد بن عبد الجبار المتقدمة في روايات المسألة الثالثة (٢) وهي صريحة في جواز الصلاة فيه إذا كان ذكيا.

والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروض ان مستنده في ما ذهب اليه من الجواز في هذه المسألة هو الجمع بين الروايات المذكورة ، حيث انه بعد ذكر الأخبار المذكورة قال : وطريق الجمع حمل روايات المنع على الثوب المعمول من ذلك والجواز على ما طرح على الثوب من الوبر ، ثم قال وممن صرح بالجواز الشيخ والشهيد في الذكرى وهو ظاهر المعتبر ، وجمع الشيخ بينها بحمل الجواز على ما يعمل منها مما لا تتم الصلاة فيه وحده كالتكة والقلنسوة كما وقع التصريح به في مكاتبة العسكري (عليه‌السلام) (٣) انتهى.

أقول : فيه انك قد عرفت في ما قدمناه ان الأظهر حمل الجواز في صحيحة محمد ابن عبد الجبار على التقية ، على انه كيف يتم له الجمع بذلك وصحيحة محمد بن عبد الجبار المذكورة قد تضمنت جواز الصلاة في التكة المعمولة من وبر الأرانب ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني المصرحة بالمنع تضمنت الشعر والوبر الذي يسقط على الثوب ، فكيف يتم له الجمع بما ذكره واخبار المسألة كما ترى؟ ما هذه إلا غفلة بعيدة من مثل شيخنا المذكور منحه الله بالرفعة والحبور. واما ما نقله عن الشيخ من الجمع بين الاخبار المذكورة بحمل الجواز على ما يعمل منها مما لا تتم الصلاة فيه وحده والمنع في غيره فهو وان تم له بالنسبة الى هذه الروايات إلا انه يضعف بما دلت عليه روايتا علي بن مهزيار واحمد بن إسحاق الأبهري من المنع عن الصلاة في الجوارب والتكك المعمولة من وبر الأرانب. وبالجملة

__________________

(١) ص ٥٨.

(٢) تقدمت في المسألة الرابعة ص ٧٦.

(٣) ص ٧٦.


فإنه لا مخلص من هذه الإشكالات وكثرة هذه الاحتمالات إلا بحمل الروايات المذكورة على التقية كما ذكرناه. والله العالم.

(المسألة التاسعة) ـ الأظهر عندي عدم دخول فضلات الإنسان من شعره وريقه وعرقه ونحوها في حكم فضلات غير مأكول اللحم وان صدق عليه انه غير مأكول اللحم ، وكذا فضلة غير ذي النفس السائلة فإنها غير داخلة ايضا.

وبيان ذلك اما بالنسبة إلى فضلات الإنسان (فلو لا) ـ لا يخفى ان المتبادر من غير مأكول اللحم في تلك الاخبار المقابل ـ في كثير منها كموثقة ابن بكير وغيرها ـ بمأكول اللحم انما هو ما كان من سائر الحيوانات ذي النفس السائلة التي وقع ذكر جملة منها بالتفصيل في تلك الاخبار من الخز والسنجاب والفنك ونحوها مما تقدم ، وبعض الاخبار قد اشتمل على هذا العنوان وبعضها قد اشتمل على حيوانات معدودة وبعضها قد اشتمل على الأمرين ، وحينئذ فيحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها ، وبالجملة فإن الإنسان وان صدق عليه هذا العنوان لكن مرمى هذه العبارة في الاخبار والمتبادر منها بتقريب ما ذكرنا انما هو ما عداه من تلك الحيوانات التي جرت العادة باتخاذ الجلود منها والاشعار والأوبار والانتفاع بها في سائر وجوه المنافع.

و (ثانيا) ـ ما رواه علي بن الريان في الصحيح (١) قال : «كتبت الى ابي الحسن (عليه‌السلام) اسأله هل يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من قبل ان ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع يجوز». وصحيحته الأخرى (٢) قال : «سألت أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير ان ينفضه من ثوبه؟ قال لا بأس». والأولى شاملة لشعر الإنسان نفسه وأظفاره أو شعر غيره وأظفاره والثانية في شعر نفسه فقط ، ومنه يفهم غيرهما من الفضلات إذ العلة واحدة. ويعضد ذلك ما رواه في كتاب قرب الاسناد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٨ من لباس المصلي.


عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان عليا (عليه‌السلام) سئل عن البزاق يصيب الثوب قال لا بأس به». وإطلاق نفي البأس شامل لما نحن فيه.

و (ثالثا) ـ استلزام ذلك المنع من ثوب يعرق فيه الإنسان نفسه لنفسه وغيره أو ثوب يمخط فيه أو يبصق فيه ، والمنع من المصافحة والمعانقة في البلاد الحارة مع العرق فيهما أو أحدهما ، واللوازم كلها باطلة منفية بالآية والرواية للزوم الحرج والعسر (٢).

واما بالنسبة الى ما لا نفس له فلما تقدم من عدم تبادر ذلك من العنوان المذكور وعدم عد شي‌ء مما لا نفس له في عداد تلك الافراد ، وأصالة العدم حتى يقوم الدليل الواضح البيان ، ولأن إطلاق الألفاظ في الأحكام الشرعية انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة ، ولانه لو تم ذلك الزم الحكم بالمنع من الصلاة في الثوب والبدن الذي عليه فضلة الذباب ولزوم الحرج به ظاهر. ويعضد ذلك بابين وجه جواز الصلاة في الحرير الممزوج اتفاقا وما لا تتم الصلاة فيه وان كان خالصا على المشهور مع انه من فضلة ما لا يؤكل لحمه. وبذلك يظهر لك جواز الصلاة في الثوب الذي يسقط عليه العسل أو الشمع المتخذ منه وما يوضع منه تحت فص الخاتم ونحو ذلك. والله العالم.

تلخيص

قد ظهر مما قدمنا من الأبحاث وما سيأتي في المقام الثالث ان شاء الله تعالى ان ما دلت عليه موثقة ابن بكير المتقدمة (٣) من عموم التحريم في فضلة ما لا يؤكل لحمه لا بد فيه من ارتكاب التخصيص والتفصيل ، فان منه ما يجب إخراجه من هذه القاعدة كفضلات الإنسان وفضلات غير ذي النفس السائلة ، ومنه ما يجب استثناؤه للاخبار وإجماع الأصحاب كالحرير المنسوج بغيره ونحوه مما سيأتي والخز ، ومنه ما يجب إبقاؤه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من النجاسات.

(٢) ج ١ ص ١٥٥.

(٣) ص ٥٨.


تحت القاعدة المذكورة ، وحمل الأخبار الدالة على الجواز فيه على التقية وان قيل بمضمون هذه الاخبار وحمل اخبار المنع على الكراهة إلا انك قد عرفت ما فيه ، واما ما لم ترد الاخبار بالمعارضة فيه من الافراد فيجب إبقاؤه على ما دلت عليه الموثقة المذكورة لصراحتها في ذلك وعدم وجود المعارض.

(المسألة العاشرة) ـ قال العلامة في المنتهى : لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من غير مأكول اللحم لم تجز صلاته لانه مشروط بستر العورة مما يؤكل لحمه والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط.

أقول : الظاهر ان هذه شبهة عرضت في هذا المقام وإلا فالظاهر من الاخبار وكلام الأصحاب ان الشرط في الصلاة ستر العورة مطلقا إلا انه قد دلت جملة من النصوص على النهي عن الصلاة في أشياء وهي المعدودة في هذه المقامات وان لم يستر بها العورة ومنها ما يتخذ مما لا يؤكل لحمه كما عرفت من اخبار هذا المقام ، والمنع عن ذلك موقوف على معلومية كونه مما لا يؤكل لحمه فما لم يعلم كونه كذلك فليس بداخل تحت تلك الاخبار فيبقى على أصل الصحة ، وتعضده الأخبار الصحيحة الصريحة في «ان كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» (١). والمراد بالحل ما هو أعم من حل الأكل وهو حل الانتفاع. نعم ما ذكره هو الأحوط كما لا يخفى.

(المسألة الحادية عشرة) ـ قال في التذكرة : لو مزج صوف ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه ونسج منهما ثوب لم تصح الصلاة فيه تغليبا للحرمة على اشكال ينشأ من اباحة المنسوج من الكتان والحرير ومن كونه غير متخذ من مأكول اللحم ، وكذا لو أخذ قطعا وخيطت ولم يبلغ كل واحد منها ما يستر العورة.

أقول : الذي ينبغي ان يعلم في هذا المقام هو انه قد دلت الاخبار على النهي عن الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وعن الصلاة في الحرير ، ومقتضى هذا النهي هو العموم

__________________

(١) ص ٥٣.


لكون كل منهما خالصا أو ممزوجا ، نعم قام الدليل بالنسبة إلى الحرير وانه متى مزج بغيره مما يجوز الصلاة فيه ونسج معه فكان ثوبا واحدا على جواز الصلاة فيه فوجب استثناؤه من روايات المنع مطلقا وبقي غيره على حكم العموم ، وإلحاق أحدهما بالآخر محض قياس لا يوافق أصول المذهب فلا اشكال بحمد الله المتعال. ويعضد ذلك ما تقدم في وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب أو الثعالب فإن الأظهر الأشهر رواية وفتوى هو المنع من الصلاة فيه منسوجا أو ملقى على الثوب.

(المقام الثالث) ـ في الحرير ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم لبس الحرير المحض للرجال وبطلان الصلاة فيه ، قال في المعتبر : اما تحريم لبسه للرجال فعليه علماء الإسلام واما بطلان الصلاة فيه فهو مذهب علمائنا ووافقنا بعض الحنابلة (١).

أقول : اما ما يدل على تحريم لبسه للرجال فأخبار مستفيضة من طرق الخاصة والعامة ، فما ورد من طرق الأصحاب ما رواه الصدوق في الفقيه (٢) عن ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه‌السلام) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لعلي (عليه‌السلام) اني أحب لك ما أحب لنفسي واكره لك ما أكره لنفسي ، فلا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة ، ولا تلبس القرمز فإنه من أردية إبليس ، ولا تركب بميثرة حمراء فإنها من مراكب إبليس ، ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه». قال في الوافي : القرمز بالكسر صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم ، ولعل معنى الحديث الرداء المصبغ به من أردية إبليس ، وقد مضى نفى البأس عنه في كتاب الصلاة وجمع في الفقيه بين الخبرين بأن المنهي عنه ما كان من إبريسم محض. وميثرة الفرس بتقديم المثناة التحتانية على المثلثة لبدته. ويأتي تمام توضيحه في باب آلات الدواب. انتهى.

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٨٨.

(٢) ج ١ ص ١٦٤ وفي الوسائل الباب ٣٠ من لباس المصلى.


وما رواه الكليني في الموثق عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يصلح لباس الحرير والديباج فاما بيعهما فلا بأس».

وعن ابي داود يوسف بن إبراهيم (٢) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وعلي قباء خز وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع فقلت ان علي ثوبا اكره لبسه فقال وما هو؟ قلت طيلساني هذا. قال وما بال الطيلسان؟ قلت هو خز. قال وما بال الخز؟ قلت سداه إبريسم. قال وما بال الإبريسم؟ قال لا يكره ان يكون سدى الثوب إبريسم ولا زره ولا علمه وانما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء».

وما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن يوسف بن محمد بن إبراهيم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا وانما كره الحرير المبهم للرجال».

وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب». قال في الوافي الديباج يقال للحرير المنقوش فارسي معرب وكأن الحرير يطلق على ما لا نقش له ويقابل بالديباج. أقول : في كتاب مجمع البحرين ـ بعد ان ذكر ان الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم ـ وفي الخبر «لا تلبسوا الحرير والديباج». يريد به الإستبرق وهو الديباج الغليظ. ويمكن الجمع بين الكلامين بان اللفظ الذي وصفه به هنا باعتبار النقش كما ذكره في الوافي فلا منافاة.

وعن ليث المرادي (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كسى سامة بن زيد حلة حرير فخرج فيها فقال مهلا يا أسامة إنما

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ١٠ و ١٦ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من لباس المصلي.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلى.


يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك».

وعن سماعة في الموثق (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن لباس الحرير والديباج؟ فقال اما في الحرب فلا بأس به وان كان فيه تماثيل». الى غير ذلك من الاخبار.

ومما يدل على تحريم الصلاة فيه للرجال ما تقدم قريبا (٢) في صحيحة محمد بن عبد الجبار من قوله (عليه‌السلام) «لا تحل الصلاة في حرير محض».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن عبد الجبار ايضا (٣) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض».

وعن إسماعيل بن سعد الأحوص (٤) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) هل يصلى الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن سعد الأحوص (٥) قال : «سألته عن الثوب الإبريسم هل يصلي فيه الرجال؟ قال لا».

وعن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه».

واما ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح (٧) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب ديباج ، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس». فقد أجاب عنه الشيخ (قدس‌سره) بالحمل على حال الحرب لما ورد من جواز لبسه حينئذ

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من لباس المصلى.

(٢) ص ٧٦.

(٣ و ٦) الوسائل الباب ١٤ من لباس المصلي.

(٤ و ٧) الوسائل الباب ١١ من لباس المصلى.

(٥) التهذيب ج ١ ص ١٩٥ وفي الوسائل أشار إليه في الباب ١١ من لباس المصلي.


أو على ما إذا كان سداه أو لحمته غزلا أو كتانا. والأقرب عندي حمله على التقية.

ومن الاخبار المتعلقة بالمسألة ما رواه في الكافي عن سفيان بن السمط (١) قال : «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن (عليه‌السلام) يسأله عن ثوب حشوه قز يصلى فيه؟ فكتب لا بأس به». وروى في التهذيب عن الحسين بن سعيد (٢) قال : «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز ، فكتب اليه وقرأته : لا بأس بالصلاة فيه». وروى في الفقيه والتهذيب (٣) قال : «كتب إبراهيم بن مهزيار الى ابي محمد الحسن (عليه‌السلام) في الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا هل يصلي فيه؟ فكتب نعم لا بأس به».

وروى في الكافي في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر (٤) قال : «سأل الحسن بن قياما أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف أيصلى فيه؟ قال لا بأس وقد كان لأبي الحسن (عليه‌السلام) منه جبات». أقول : قال في المصباح المنير : القز معرب قال الليث هو ما يعمل منه الإبريسم ولهذا قال بعضهم القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق. وقال في الوافي : القز بالفتح والتشديد نوع من الحرير فارسي معرب.

وروى في كتاب الاحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية المقدسة (٥) «انا نجد بأصبهان ثيابا عتابية على عمل الوشي من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان». أقول : في القاموس الوشي نقش الثوب ويكون من كل لون ، وشى الثوب كوعى وشيا وشية حسنة نمنمه ونقشه وحسنه. وفي كتاب المصباح وشيت الثوب وشيا من باب وعد رقمته ونقشته فهو موشى والأصل على مفعول ، والوشي نوع من الثياب الموشية تسمية بالمصدر.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٦) «لا تصل في ديباج ولا في حرير ولا في

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٧ من لباس المصلي.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.

(٦) ص ١٦.


وشي ولا في ثوب من إبريسم محض ولا في تكة إبريسم وإذا كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيها». انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في المسألة وما دلت عليه هذه الاخبار يقع في مواضع

(الأول) قد عرفت إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على بطلان الصلاة في الحرير المحض ، ولا فرق في ظاهر الأصحاب بين ما كان ساترا للعورة ولا غيره ، ونسبه المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الى الشيخين والمرتضى واتباعهم. واستدل على البطلان مطلقا بأن الصلاة فيه منهي عنها والنهي في العبادة يستلزم الفساد لاستحالة كون الفعل الواحد مأمورا به منهيا عنه فمتى كان منهيا عنه لا يكون مأمورا به وهو معنى الفساد أقول : الأظهر في تعليل الفساد في هذا المقام انما هو من حيث استلزام مخالفة النهي عدم الامتثال لأوامر الشارع ولا ريب ان مبنى الصحة والبطلان انما هو على الامتثال وعدمه واما ما دلت عليه صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة من صحة الصلاة في ثوب الديباج ما لم يكن فيه تماثيل فقد تقدم الجواب عنه.

(الثاني) ـ الظاهر انه لا خلاف بينهم في ان البطلان انما هو مع الاختيار وإلا فلو اضطر الى لبسه لبرد أو حر أو نحوهما فلا بأس ، ونقل الإجماع عليه جمع من الأصحاب وكذا في حال الحرب وان لم يكن ضرورة ، نقل عليه الإجماع الشهيد في الذكرى ، ويدل على الأول مضافا الى الإجماع المنقول جملة من عمومات الاخبار مثل قولهم (عليهم‌السلام) (١) : «ليس شي‌ء مما حرم الله تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر اليه». وقولهم (عليهم‌السلام) (٢) «كل ما غلب الله عليه فالله اولى بالعذر». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون». ونحو ذلك. واما على الثاني فما تقدم من موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا وموثقة سماعة (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من قضاء الصلوات.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل في الصلاة.

(٤) ص ٨٨ و ٨٩.


ومثلهما ما رواه في الكافي عن إسماعيل بن الفضل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يصلح للرجل ان يلبس الحرير إلا في الحرب». وما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد بسنده عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «ان عليا (عليه‌السلام) كان لا يرى بلبس الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا». وما يظهر من المنافاة بين هذا الخبر وخبر سماعة المتقدم ـ من حيث نفى البأس وان كان فيه تماثيل في خبر سماعة واشتراط نفي البأس في هذا الخبر بما إذا لم يكن فيه تماثيل ـ فيمكن الجواب عنه بان نفى البأس في خبر سماعة محمول على نفي البأس عن التحريم خاصة وان بقيت الكراهة وهذا الخبر على نفي البأس عنهما أو بحمل ذلك الخبر على عدم الصلاة فيه وحمل هذا على الصلاة فيه.

واستثنى بعض الأصحاب لبسه للقمل قال في المعتبر : ويجوز لبسه للقمل لما روى (٣) «ان عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) القمل فرخص لهما في قميص الحرير». وقال الراوندي في الرائع : لم يرخص لبس الحرير لأحد إلا لعبد الرحمن بن عوف فإنه كان قملا ، والمشهور ان الترخيص لعبد الرحمن والزبير ويعلم من الترخيص لهما بطريق القمل جوازه لغيرهما بفحوى اللفظ. ويقوى عندي عدم التعدية. انتهى. وقال الصدوق في الفقيه «ولم يطلق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف وذلك انه كان رجلا قملا» وتوهم صاحب الذخيرة ان هذه العبارة من تتمة خبر ابي الجارود المتقدم فذكرها في الذخيرة في ذيل الخبر المذكور وهو سهو محض بل الظاهر انها من كلام الصدوق الذي يداخل به الاخبار فيقع فيه الاشتباه ولهذا لم يذكرها المحدثان في الوافي والوسائل ، ويدل عليه ايضا ان الصدوق نقل خبر ابي الجارود في كتاب العلل عاريا من ذلك. أقول : الظاهر ان هذه الرواية المشار إليها وان اشتهر نقلها حتى في كلام الصدوق انما وردت من طرق

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من لباس المصلي.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٨٩.


العامة لعدم وجودها في أخبارنا كما لا يخفى على من تتبعها من مظانها ولا سيما كتاب البحار الجامع لشوارد الاخبار وحينئذ فيضعف الاعتماد عليها.

(الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف أيضا في ان المعتبر في التحريم كون الثوب حريرا محضا كما دلت عليه صحيحتا محمد بن عبد الجبار واليه أشار بالمبهم في رواية يوسف بن محمد بن إبراهيم ، وعلى هذه الروايات يحمل ما أطلق من الاخبار وظاهر الأصحاب انه يحصل الحل بالامتزاج وان كان الخليط أقل بل ولو لم يكن إلا العشر كما نص عليه في المعتبر إلا ان يكون مستهلكا بحيث يصدق على الثوب انه حرير محض ، والى ذلك يشير قوله في صحيحة البزنطي : «والقز أكثر من النصف» المؤذن بغلبة القز على القطن الذي فيه ، وأظهر من ذلك موثقة إسماعيل بن الفضل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الثوب يكون فيه الحرير؟ فقال ان كان فيه خلط فلا بأس». وحينئذ فما ذكر في خبر الاحتجاج ونحوه من السدي أو اللحمة يمكن حمله على التمثيل كما يستفاد من ذكر المزج بالقطن والكتان فإنه لا ينحصر ذلك فيهما إجماعا بل كل ما تجوز الصلاة فيه من صوف ووبر ونحوهما مما يخرج به عن كونه حريرا محضا كما تشعر به عبارة كتاب الفقه.

ولو خيط الحرير بغيره من قطن ونحوه وان كثر لم يخرج عن التحريم ، وكذا لو جعل الثوب ملفقا من قطع حرير وغيره مما تجوز الصلاة فيه فإنه لا يخرج بذلك عما هو عليه من التحريم ، واولى من ذلك ما لو كانت بطانته أو ظهارته حريرا.

بقي الكلام في المحشو بالحرير فهل يكون كذلك في المنع أم تجوز الصلاة فيه؟ والى الثاني مال الشهيد في الذكرى ويظهر من شيخنا المجلسي في البحار الميل إليه أيضا. وبالأول قطع الفاضلان في المعتبر والمنتهى وهو الظاهر من الصدوق. ويدل على ما ذكره في الذكر الروايات الثلاث المتقدمة ، وحمل الصدوق في الفقيه القز هنا على قز الماعز والظاهر ان مراده شعره ، ولا يخفى ما فيه. وفي المعتبر نقل رواية الحسين بن سعيد التي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.


هي إحدى الثلاث المتقدمة وردها بالضعف لاستناد الراوي الى ما وجده في كتاب لم يسمعه من محدث ثم نقل تأويل الصدوق المذكور. وفي المنتهى نقلها ايضا وأجاب عنها بما ذكره الصدوق ولم يطعن بالضعف لما فيه من الضعف كما لا يخفى. والكل بمحل من التمحل كما لا يخفى على المصنف. قال في الذكرى ـ بعد ذكر الكلام في المسألة ونقل تأويل الصدوق وجواب صاحب المعتبر ـ ما لفظه : قلت يضعف الأول بأنه خلاف الحقيقة الظاهرة ، والثاني بان إخبار الراوي بصيغة الجزم والمكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة ، مع ان الخاص مقدم على العام فلو قيل بالعمل برواية الحسين لم يكن بعيدا. ويؤيده ما ذكره الصدوق في الفقيه انه كتب إبراهيم بن مهزيار الى ابي محمد (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر كما تقدم ثم قال أورده الصدوق بصيغة الجزم ايضا. انتهى. وهو جيد. وعلى هذا فيكون هذا الفرد مستثنى من كلية المنع من الصلاة في الحرير للأخبار المذكورة ، إلا ان ظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى ـ حيث لم يسندا الخلاف إلا الى الشافعي وكذا ظاهر عبارة الذكرى حيث قال فلو قيل. إلخ ـ كون الحكم بالمنع إجماعيا وقوفا على عموم اخبار المنع من الصلاة في الحرير فيشكل الخروج عنه ، إلا ان إلغاء هذه الاخبار مع تأيدها بمطابقة القاعدة في تقديم الخاص على العام وتخصيصه به أشكل. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت ولما سيأتي في المقام ايضا ان شاء الله تعالى.

(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف في جواز لبس الحرير في غير الصلاة للنساء نقل الإجماع على ذلك الفاضلان والشهيدان وغيرهم ، وانما وقع الخلاف في الصلاة لهن فيه فذهب الأكثر إلى الجواز ونقل عن الصدوق المنع ، قال في الفقيه ، وقد وردت الاخبار بالنهي عن لبس الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة فيه للرجال ووردت الرخصة في لبس ذلك للنساء ولم ترد بجواز صلاتهن فيه ، فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصهن خبر بالإطلاق لهن في الصلاة فيه كما خصهن بلبسه. انتهى. وفي هذا الكلام عندي نظر لم أقف على من تعرض له وذلك من


وجهين (أحدهما) ـ ان ظاهر كلامه انه انما استند في منع صلاة النساء في الحرير الى ان الرخصة إنما وردت لهن في لبسه ولم ترد بجواز صلاتهن فيه. ويرد عليه انه يكفي في صحة صلاتهن فيه العمومات الآمرة باللباس وستر العورة مطلقا خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي ، وحينئذ فيجوز لهن الصلاة فيه حتى يقوم دليل على المنع. و (ثانيهما) ان ما يؤذن به كلامه ـ من ان الاخبار الواردة بالنهي عن الصلاة في الحرير المحض شاملة بإطلاقها أو عمومها للرجال والنساء ـ محل منع ، فإن أكثر الاخبار انما اشتملت على السؤال عن الرجل فموردها الرجال خاصة ، وصحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان وان دلتا بإطلاقهما على المنع من الصلاة في الحرير المحض إلا أنهما مبنيتان على سبب خاص وهو القلنسوة التي هي من لباس الرجال خاصة فيضعف الاستناد إليهما في ذلك بحمل إطلاقهما على ما يشمل النساء.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظواهر الاخبار في المسألة لا تخلو من اختلاف ، ومنها موثقة ابن بكير عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «النساء تلبس الحرير والديباج إلا في الإحرام». وقضية الاستثناء جواز لبسهن له في الصلاة.

وقد تقدم في صدر المقام قوله (عليه‌السلام) في رواية أبي داود يوسف بن إبراهيم (٢) «وانما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء». إلا انه غير صريح في جواز الصلاة ، ونحوها رواية ليث المرادي في أمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأسامة بقسمة حلة الحرير بين نسائه.

ومنها ـ موثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض وهي محرمة فاما في الحر والبرد فلا بأس». وفيها اشعار ما بعدم لبسه في الصلاة.

وما رواه في الخصال بسنده عن جابر الجعفي (٤) قال سمعت أبا جعفر (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلي.


السلام) يقول : «ليس على النساء أذان ، الى ان قال ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد ، ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد».

والخبر ظاهر في ما ذهب اليه الصدوق. ورواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط ، الى ان قال وانما يكره الحرير المحض للرجال والنساء».

وهذه الرواية ان حملت على مجرد اللبس فهي معارضة بالأخبار المستفيضة والإجماع المدعى في جواز لبس النساء له في غير الصلاة فلا يتم تحريم لبسه عليهن كما في الرجال ، والأظهر حمل إطلاقها على الصلاة وحينئذ فتكون دالة على ما دلت عليه رواية جابر من التحريم في الصلاة فتكون مؤيدة لقول الصدوق ايضا ، فلو استدل الصدوق على ما ذهب اليه بهذه الروايات لكان وجها لا ما ذكره من التعليل العليل كما عرفت.

ومما يدل على ما ذهب اليه الصدوق ايضا ما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله من تصريح الأصحاب والاخبار بأنه لا يجوز الإحرام إلا في ما تجوز الصلاة فيه مع تصريح جملة من الاخبار المعتمدة بأنه لا يجوز للمرأة الإحرام في الحرير وان اختلف الأصحاب والاخبار في ذلك ايضا ولكن الترجيح للروايات الدالة على المنع كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى ، وبه يظهر قوة قول الصدوق (قدس‌سره) هنا ، وغاية ما يفهم من موثقة ابن بكير المتقدمة هو الدلالة بالمفهوم وهو ضعيف في مقابلة ما قلنا من الاخبار في الموضعين.

واما حمل بعض مشايخنا لما دل من الاخبار هنا على مذهب الصدوق على الكراهة فلا اعرف له وجها مع عدم المعارض لها صريحا بل يؤيدها ما ذكرنا مما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلى.


(الخامس) ـ اختلف الأصحاب في الصلاة في ما لا تتم فيه الصلاة منفردا من الحرير بمعنى ما لا يكون ساترا للعورة كالقلنسوة والتكة ونحوهما ، فالمشهور الجواز ونقل عن الشيخ المفيد والصدوق وابن الجنيد المنع ، والى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي في كتاب البحار والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في المفاتيح وقواه العلامة في المختلف وجعله الأقرب في المنتهى بعد الاستشكال في المسألة ، وبالغ الصدوق في الفقيه فقال : لا يجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم.

ويدل على القول الأول رواية الحلبي المتقدمة في صدر هذا المقام (١) وعلى القول الثاني صحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان (٢) ويؤيدهما عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير المحض وجمع الأصحاب بين الاخبار بحمل الصحيحتين المذكورتين على الاستحباب. وفيه (أولا) ان الجمع فرع التعارض كما صرحوا به في غير مقام والرواية المذكورة لضعفها لا تبلغ قوة في معارضة الصحيحتين المذكورتين سيما مع تأيدهما بما ذكرناه و (ثانيا) ما عرفت في هذا الجمع في غير مقام. و (ثالثا) انه كما يمكن الجمع بما ذكروه يمكن الجمع ايضا بحمل الرواية المذكورة على التقية فإن المنقول عن أبي حنيفة والشافعي واحمد في إحدى الروايتين جواز الصلاة في الحرير المحض (٣) وبالجملة فقوة القول الثاني ظاهرة وحمل الرواية المذكورة على التقية متعين.

بقي الكلام في مطلق الحرير مثل ما يخلط به الثوب أو يزر به أو يجعل علما فيه أو يكف به بان يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق والجيب ، وظاهر كلام الصدوق كما تقدم المنع من جميع ذلك حيث منع من تكة رأسها من إبريسم ، واما كلام أكثر الأصحاب فهو صريح في الجواز :

فاما بالنسبة الى ما يكف به فاستدل عليه الفاضلان بما رواه العامة عن عمر (٤)

__________________

(١ و ٢) ص ٨٩.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٨٧ و ٥٨٨.

(٤) المغني ج ١ ص ٥٨٨.


«ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع». ومن طريق الأصحاب بما رواه جراح المدائني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه كان يكره ان يلبس القميص المكفوف بالديباج».

وأنت خبير بان الاستدلال بهذه الرواية مبني على كون الكراهة في أخبارهم (عليهم‌السلام) بهذا المعنى المصطلح عليه ، وهو ليس بظاهر فان استعمالها في التحريم أكثر كثير فيها ، والحق كما حققناه في ما تقدم ان هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة التي لا تحمل على أحد المعنيين إلا مع القرينة ، على ان الرواية المذكورة معارضة بما دل على تحريم لبس الحرير مطلقا وعدم جواز الصلاة في حرير محض.

واما بالنسبة الى ما عدا ذلك فتدل عليه رواية يوسف بن إبراهيم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا وانما كره الحرير المبهم للرجال». وهي كما ترى دالة على استثناء الزر والعلم ـ كسبب ـ ما يجعل في الثوب علامة كطراز وغيره نص عليه في المصباح المنير. ويعضد ذلك ما تقدم من الاخبار الدالة على جواز الصلاة في الثوب الذي حشوه قز.

والاحتياط في الاجتناب في الجميع لما يظهر من الصحيحتين المتقدمتين من النهى عن الصلاة في الحرير المحض وعمومهما شامل لهذه الأشياء المذكورة. وكون ذلك جوابا عن شي‌ء مخصوص لا يوجب التخصيص لما تقرر من ان خصوص السؤال لا يوجب تخصيص عموم الجواب بل الجواب باق على عمومه. مع احتمال حمل الأخبار المذكورة كملا على التقية ، ويؤيده ما ورد في موثقة عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الثوب الذي يكون علمه ديباجا قال لا يصلى فيه». وهي ظاهرة في معارضة الرواية المذكورة بالنسبة إلى العلم ، وحملها في الذكرى على الكراهة. وفيه ما عرفت في

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١١ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.


غير مقام ، على انه لا يخفى ان غاية ما تدل عليه الرواية الاولى هو نفي البأس عن الثوب الذي يكون سداه وزره وعلمه حريرا وهو مطلق فيمكن حمله على غير الصلاة ، ومورد الموثقة المذكورة النهي عن الصلاة في الثوب الذي يكون علمه ديباجا ، فيمكن الجمع بين الخبرين بتخصيص إطلاق الأول بالموثقة المذكورة ويكون المعنى فيه انه لا بأس في ما عدا الصلاة فلا منافاة. وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف واشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

(السادس) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز افتراش الحرير والقيام عليه ، وتردد فيه في المعتبر ونسب الجواز إلى الرواية إيذانا بالتوقف ، وأشار بالرواية الى ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة عليه؟ قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه». قال في المعتبر بعد ذكر الرواية ، ومنشأ التردد عموم التحريم على الرجال. ورده في الذكرى بان الخاص مقدم على العام مع اشتهار الرواية. وقال في المدارك بعد نقل ذلك عن المعتبر : وهو ضعيف لأن النهي انما تعلق بلبسه ومنع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى. ثم قال وفي حكم الافتراش التوسد عليه والالتحاف به اما التدثر به فالأظهر تحريمه لصدق اسم اللبس عليه. انتهى. وقال في المختلف بعد ذكر الحكم المذكور : ومنع بعض المتأخرين من ذلك لعموم المنع من لبس الحرير. وليس بمعتمد لان منع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى. انتهى. أقول لا يبعد ان يكون كلام المختلف إشارة إلى منع صاحب المعتبر وان كان على جهة التردد حيث لم ينقل في ما وصل إلينا عن غيره. وبالجملة فالقول بما هو المشهور هو المعتمد للصحيحة المذكورة إلا انه قال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) ـ في تتمة العبارة المتقدم نقلها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من لباس المصلى.

(٢) ص ١٦.


عنه في عداد الروايات المتقدمة في أول هذا المقام ـ ما صورته : «ولا تصل على شي‌ء من هذه الأشياء إلا ما يصلح لبسه». وظاهره تحريم افتراش هذه الأشياء حال الصلاة والقيام عليها وكذا غيرها من جلد الميتة والذهب المعدود ايضا بعد الأشياء المذكورة في عبارته والأحوط المنع وان كان الجواز أظهر لما عرفت ، واما ما رجحه في المدارك من تحريم التدثر به لما ذكره من صدق اللبس عليه فلا يخلو من بعد فان دعوى صدق اللبس عرفا على التدثر غير خال من النظر ولهذا ان جده (قدس‌سره) جعل التدثر كالافتراش في الجواز.

(السابع) ـ هل يحرم على الولي تمكين الصبي من لبس الحرير؟ المشهور العدم وبه صرح الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، قال في المعتبر يحرم على الولي تمكين الصغير من لبس الحرير لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «حرام على ذكور أمتي» وقال جابر : «كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري» (٢) والأشبه عندي الكراهة لأن الصبي ليس بمكلف فلا يتناوله الخبر ، وما فعله جابر وغيره يحمل على التنزه والمبالغة في التورع. انتهى. وبنحوه صرح في المنتهى ومثلهما الشهيد في الذكرى بعد التردد ، ونقل في الذخيرة قولا بالتحريم استنادا الى ما تقدم. والظاهر ان الرواية الاولى لا دلالة فيها كما أشار إليه المحقق والثانية عامية ، وقضية الأصل العدم حتى يقوم الدليل.

(الثامن) ـ قد صرح غير واحد منهم بأنه لو لم يجد المصلي إلا الحرير ولا ضرر في التعري صلى عاريا عندنا لان وجوده كعدمه مع تحقق النهي عنه ، وجوزه العامة بل أوجبوه (٣) لأن ذلك من الضرورات. قالوا ولو وجد النجس والحرير واضطر إلى أحدهما لبرد ونحوه فالأقرب لبس النجس لأن مانعه عرضي. أقول : ويؤيده الأخبار الدالة على جواز الصلاة في الثوب النجس إذا لم يجد غيره وان لم يكن مضطرا الى لبسه وانه لا يصلي عاريا والحال كذلك (٤).

__________________

(١ و ٢) المغني ج ١ ص ٥٩١.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٩٥.

(٤) ج ٥ ص ٣٥١.


(المقام الرابع) ـ في الذهب ، اما تحريم لبس الذهب على الرجال فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وانما الخلاف في بطلان الصلاة في ما لا تتم الصلاة فيه كالخاتم ونحوه. فذهب الأكثر إلى البطلان وظاهر المحقق في المعتبر العدم حيث قال : لو صلى وفي يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردد أقربه انها لا تبطل لما قلناه في الخاتم المغصوب ، ومنشأ التردد رواية موسى بن أكيل النميري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «جعل الله الذهب حلية أهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه». انتهى وأشار بقوله «لما قلناه في الخاتم المغصوب» الى ما قدمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب من ان النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها.

أقول : ومما وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام زيادة على الرواية التي نقلها ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لانه من لباس أهل النار. وقال لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة».

وما رواه في كتاب الخصال بسنده عن جابر الجعفي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «يجوز للمرأة لبس الديباج ، الى ان قال ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك على الرجال».

وما رواه في التهذيب عن عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة». وقال في كتاب الفقه الرضوي (٥) «لا تصل في ديباج ولا في حرير». وقد تقدمت هذه العبارة ، الى ان قال بعدها : ولا تصل في جلد الميتة على كل حال ولا في

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٣٠ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ و ٣٠ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلي.

(٥) ص ١٦.


خاتم ذهب ولا تشرب في آنية الذهب والفضة ولا تصل على شي‌ء من هذه الأشياء. الى آخر ما تقدم قريبا.

وأنت خبير بأن الأخبار المذكورة قد اتفقت على النهي عن الصلاة في الخاتم من الذهب والنهي عن العبادة موجب لبطلانها بلا خلاف ولا اشكال ، وبه يظهر ضعف ما ذهب اليه المحقق (قدس‌سره) قال في الذكرى : ورابعها الذهب والصلاة فيه حرام على الرجال فلو موه به ثوبا وصلى فيه بطل بل لو لبس خاتما منه وصلى فيه بطلت صلاته. قال الفاضل لقول الصادق (عليه‌السلام) «جعل الله الذهب حلية لأهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه» رواه موسى بن أكيل النميري عنه (عليه‌السلام) (١). وفعل المنهي عنه مفسد للعبادة. وقوي في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب لإجرائه مجرى خاتم مغصوب والنهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها. انتهى. وربما يوهم كلامه هنا من حيث اقتصاره على نقل قولي الفاضلين في الخاتم التوقف إلا ان كلامه في الدروس والبيان ظاهر في اختيار المشهور حيث حكم بالبطلان في الخاتم ولو مموها. أقول : والحكم بالبطلان من هذه الاخبار أظهر من ان ينكر. وظاهره في كتبه الثلاثة جعل المموه بالذهب من خاتم وغيره كالذهب لصدق الصلاة في الذهب. وهو جيد ونقل عن ابي الصلاح ما يؤذن بالكراهة في الذهب. وهو ضعيف.

وكيف كان فينبغي ان يستثني من ذلك ما إذا دعت الضرورة إلى شد الأسنان به لما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) في حديث «ان أسنانه استرخت فشدها بالذهب».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الثنية تنفصم أيصلح ان تشبك

__________________

(١) ص ١٠١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣١ من لباس المصلي.


بالذهب وان سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟ قال نعم ان شاء فليضع مكانها ثنية شاة بعد ان تكون ذكية».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل تنفصم سنه أيصلح له ان يشدها بالذهب؟ وان سقطت أيصلح ان يجعل مكانها سن شاة؟ قال نعم ان شاء ليشدها بعد ان تكون ذكية».

أقول : ظاهر اشتراط الذكاة في السن التي يضعها انه لا يجوز وضع سن الميتة بل لا بد من تذكيتها بالذبح مع ان السن مما لا تحله الحياة فلا مانع من وضعه فإنه طاهر إجماعا كما تقدم تحقيقه في محله من كتاب الطهارة.

ويدل على ذلك زيادة على ما عرفت ما رواه في كتاب مكارم الأخلاق أيضا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سأله ابي وانا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه؟ قال لا بأس».

ولعل اشتراط الذكاة في السن في الخبرين المذكورين من جهة ما يصاحبها غالبا من اللحم عند قلعها من موضعها وإلا فالاشتراط مشكل. والله العالم.

(المقام الخامس) ـ في المغصوب ، ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على تحريم الصلاة في الثوب المغصوب ، ونسبه في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وصرح بذلك في النهاية فقال : لا تصح الصلاة في الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية عند علمائنا اجمع. وإطلاق أكثر غباراتهم شامل لما هو أعم من ان يكون ساترا للعورة أو غير ساتر ، بل صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه والشهيد في البيان حيث قال فيه : ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا فتبطل مع علمه بالغصب هذا مع ان صريح كلام الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا (رضوان الله عليهم) وخواص أصحاب الرضا (عليه‌السلام) هو الجواز كما نقله في الكافي في كتاب الطلاق

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣١ من لباس المصلي.


حيث قال ـ في مقام الرد على المخالفين في جواب من قاس صحة الطلاق في الحيض بصحة العدة مع خروج المعتدة من بيت زوجها ـ ما هذا لفظه : وانما قياس الخروج والإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى فيها فهو عاص في دخوله الدار وصلاته جائزة لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهي عن ذلك صلى أم لم يصل ، وكذلك لو ان رجلا غصب من رجل ثوبا أو أخذه فلبسه بغير اذنه فصلى فيه لكانت صلاته جائزة وكان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لان ذلك ليس من شرائط الفرض لان ذلك انى على حدة والفرض جائز معه ، وكل ما لم يجب إلا مع الفرض ومن أجل ذلك الفرض فان ذلك من شرائطه لا يجوز الفرض إلا بذلك على ما بيناه. وليكن القوم لا يعرفون ولا يميزون ويريدون ان يلبسوا الحق بالباطل. الى آخر ما ذكره (قدس‌سره). ومرجعه إلى انه حيث لم يشترط الإباحة في المكان واللباس بالنسبة إلى الصلاة كما ورد اشتراطها بستر العورة والقبلة وطهارة الساتر ونحوها فلا يكون الإخلال بها مضرا بالصلاة وموجبا لبطلانها ، فتجوز الصلاة حينئذ في المكان والثوب المغصوبين غاية الأمر انه منهي عن التصرف في المغصوب صلى فيه أو لم يصل ، وغاية ما يوجبه هذا النهي هو الإثم في التصرف بأي نحو كان. وهو كلام متين ومن ثم مال اليه المحدث الكاشاني في المفاتيح.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد نقل الكلام بطوله ما صورته : فظهر ان القول بالصحة كان بين الشيعة بل كان أشهر عندهم في تلك الأعصار. انتهى. أقول : ويؤيده ايضا ان صاحب الكافي قد نقل ذلك ولم ينكره ولم يطعن عليه في شي‌ء منه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا بد من نقل حجة القوم في هذا المقام وبيان ما يتوجه عليها من نقض وإبرام فنقول وبالله سبحانه الاعتصام من زيغ الافهام وطغيان الأقلام :

قال السيد السند (قدس‌سره) في كتاب المدارك بعد نقل كلام الأصحاب


(رضوان الله عليهم) وحكمهم بالبطلان في المسألة : واحتجوا عليه بان الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها لأنها تصرف في المغصوب والنهي عن الحركة نهى عن القيام والقعود والسجود وهو جزء الصلاة فتفسد لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده الى مالكه فإذا افتقر الى فعل كثير كان مضادا للصلاة والأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده فيفسد. ويتوجه على الأول ان النهي انما يتوجه الى التصرف في المغصوب الذي هو لبسه ابتداء واستدامة وهو أمر خارج عن الحركات من حيث هي حركات اعني القيام والعقود والسجود فلا يكون النهي متناولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ومع ارتفاع النهي ينتفي البطلان. وعلى الثاني ما بيناه مرارا من ان الأمر بالشي‌ء انما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو نفس الترك أو الكف لا الأضداد الخاصة الوجودية. والمعتمد ما اختاره المصنف في المعتبر من بطلان الصلاة ان كان الثوب ساترا للعورة لتوجه النهي إلى شرط العبادة فيفسد ويبطل المشروط لفواته ، وكذا إذا قام فوقه أو سجد عليه لان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود حيث انه نفس الكون المنهي عنه ، اما لو لم يكن كذلك لم تبطل لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة. أقول : لا يخفى انه قد كفانا المؤنة في رد الدليل المشهور بما ذكره.

بقي الكلام في ما استدل به واعتمده من كلام المحقق في المعتبر وظن انه جيد ومعتبر ، وينبغي ان يعلم أولا ان عبارة المعتبر هنا لا تخلو من قصور والسيد في ما نقله عنه قد أصلحه وزاد في العبارة ما يندفع به عنه الإيراد وان كان ما أصلحه به ايضا لا يوصل الى مطلوب ولا مراد كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى بوجه لا يتطرق اليه الفساد ، وذلك فإن أصل عبارة المعتبر هكذا : ثم اعلم اني لم أقف على نص عن أهل البيت (عليهم‌السلام) بإبطال الصلاة وانما هو شي‌ء ذهب اليه المشايخ الثلاثة منا واتباعهم والأقرب انه ان كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لأن


جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته اما لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب ، انتهى. وظاهره ـ كما ترى ـ تعليل البطلان في المواضع الثلاثة بكون كل منها جزءا من الصلاة وهو منهي عنه ، مع ان ستر العورة ليس جزء من الصلاة وانما هو من شروط صحتها ، والسيد كأنه تفطن لذلك فعدل عن تعليله وعلله بأنه شرط لها ولكنه بالنهي عنه يفسد ويبطل المشروط لفوات شرطه. وفيه انا لا نسلم فساد الشرط وبطلانه إلا إذا كان عبادة وإلا فغايته حصول الإثم خاصة ، وما نحن فيه كذلك فان ستر العورة ليس عبادة بل هو كإزالة النجاسة فإنها شرط في صحة الصلاة مع انه لا يقدح في الصلاة إزالتها بماء مغصوب أو آلة مغصوبة ونحو ذلك ، وحينئذ فتصح الصلاة في الساتر وان كان مغصوبا وان اثم من حيث الغصب.

واما ما علل به البطلان لو قام أو قعد فوقه أو سجد عليه ـ من ان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود والسجود في الصورة المذكورة والنهي عن العبادة موجب لبطلانها وببطلان الجزء يبطل الكل ـ فالجواب عنه انه ان أريد به النهي عنه من حيث عدم جواز الصلاة فيه فما ذكره من البطلان مسلم لكن الحال ليست كذلك لانه لم يرد نهي بهذا المعنى في المقام وإلا لسقط البحث من أصله ، وان أريد النهي عنه من حيث الغصب وقبح التصرف في مال الغير بدون اذنه فما ذكره من البطلان المترتب على ذلك ممنوع لان القدر المقطوع به من بطلان العبادة بتوجه النهي إليها انما هو إذا توجه إليها من حيث كونها عبادة لأن التعليق على الوصف مشعر بالعلية لا من جهة أخرى كما نحن فيه ، والنهي هنا انما توجه الى القيام على هذا الثوب المغصوب من حيث تحريم التصرف في المغصوب من دون اذن المالك لا من حيث عدم جواز الصلاة عليه. ولزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد مع اختلاف الحيثيتين غير ضائر إذ وجه المحالية بتكليف ما لا يطاق المترتب على ذلك انما يلزم مع اتحاد الجهة كما لا يخفى. ولم اطلع على من تفطن لهذه الدقيقة في المقام من علمائنا الاعلام وبها تنحل جميع الشبه التي طال فيها


الكلام واتسعت فيها دائرة الخصام وكثر فيها النقض والإبرام ، فإن ذلك مبني على شبهة النهي وانه متوجه إلى العبادة وهو موجب لبطلانها ، وهو على إطلاقه ممنوع كما عرفت فان ذلك مخصوص بما يتوجه إليها من حيث كونها عبادة مثل النهي عن السجود على ما لا يصح السجود عليه مما منع الشارع من السجود عليه ، واما النهي عن السجود على المغصوب فإنما هو من حيث كونه تصرفا في مال الغير بغير اذنه. وبذلك يظهر لك انه لا فرق بين استعمال المغصوب في هذه الأشياء الثلاثة التي عدها في المعتبر وتبعه من تبعه كالسيد المذكور وجده قبله وغيرهما ولا بين لبس المغصوب مطلقا لجريان ما ذكرناه في الموضعين والظاهر ان منشأ قولهم بالبطلان في الثلاثة المعدودة هو انه متى لم يكن أحد الثلاثة فإن النهي انما توجه الى ذلك اللباس والحركة فيه قياما وقعودا وركوعا وسجودا من حيث كونه تصرفا في مال الغير يغير اذنه وهذا أمر خارج عن الصلاة لا انه نهى عن ذلك من حيث كونها حركات في الصلاة ، بخلاف ما إذا كان أحد الثلاثة لعين ما تقدم نقله عن المدارك ، وقد عرفت ما فيه. ويمكن ان يكون للزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد وهو محال لو قيل بصحة الصلاة في هذه المواضع الثلاثة. وفيه ما عرفت من انه لا مانع منه مع اختلاف الجهتين ولزوم المحال انما يحصل مع اتحادهما كما لا يخفى.

وقد تلخص من هذا البحث ان المشهور هو بطلان الصلاة في المغصوب مطلقا كما تقدم وعلى مذهب المحقق ومن تبعه كالشهيدين في الذكرى والروض والسيد تخصيص البطلان بما إذا كان المغصوب ساترا للعورة أو مكانا للقيام عليه أو مسجدا وإلا فهي صحيحة عندهم فالقدر المجمع عليه بينهم هو هذا ، وقد عرفت ما في الجميع وبه يظهر قوة ما قدمناه عن الفضل بن شاذان (قدس‌سره).

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في تتمة الكلام الذي قدمنا نقله ذيل كلام الفضل بن شاذان : وكلام الفضل يرجع الى ما ذكره محققو أصحابنا من ان التكليف الإيجابي ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد وغيره


وكذا التكليف التحريمي متعلق بطبيعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد ، والنسبة بين الطبيعتين عموم من وجه فطلب الفعل والترك غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة حتى يلزم التكليف بما لا يطاق وانما جمع المكلف بينهما في فرد واحد باختياره ، فهو ممتثل للتكليف الإيجابي باعتبار ان هذا فرد الطبيعة المطلوبة وامتثال الطبيعة انما يحصل بالإتيان بفرد من إفرادها ، وهو مستحق للعقاب ايضا باعتبار كون هذا الفرد فرد الطبيعة المنهية. وقيل هذا القول غير صحيح على أصول أصحابنا لأن تعلق التكليف بالطبيعة مسلم لكن لا نزاع عندنا في ان الطبيعة المطلوبة يجب ان تكون حسنة ومصلحة راجحة متأكدة يصح للحكيم ارادتها وقد ثبت ذلك في محله ، وغير خفي أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات إلا من حيث التحصل الخارجي باعتبار أنحاء وجوداته الشخصية ، وحينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو اما ان يكون حسنا ومصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا ، وعلى الأول لا يصح النهى عنه ، وعلى الثاني لم يكن القدر المشترك بينه وبين باقي الأفراد مطلوبا للشارع بل المطلوب الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد فلا يحصل الامتثال بذلك الفرد لخروجه من افراد المأمور به. أقول : ويمكن المناقشة فيه بوجوه لو تعرضنا لها لخرجنا عما هو مقصودنا في هذا الكتاب. وبالجملة الحكم بالبطلان أحوط واولى وان كان إثباته في غاية الإشكال. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.

أقول : لا يخفى ان القائل بما نقله هنا هو الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه من القائلين بالقول المشهور من بطلان الصلاة في المغصوب مطلقا ، وشيخنا المذكور لم يتعرض لبيان المناقشة في كلامه بل اعتذر بما ذكره. ويمكن الجواب عما ذكره في خلاصة كلامه ونتيجة بحثه بقوله : «وحينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو اما ان يكون حسنا. إلخ» بأن يقال هنا فرد آخر غير ما ذكره من الفردين بان يكون حسنا من وجه وقبيحا من وجه ، وذلك بان يكون حسنا من حيث توقف العبادة عليه وان كان قبيحا من حيث التصرف في مال الغير بغير اذنه ، فهو ذو جهتين حسن من إحداهما قبيح من الأخرى فهو


داخل تحت كل من الطبيعتين باعتبار هاتين الجهتين والنهي انما صح عنه من الجهة الأخرى لا من الجهة الأولى التي هي جهة الحسن ، فلا يلزم ما ذكره وأطال به من اللازم على كل من الفردين اللذين ذكرهما إذ التقسيم غير منحصر فيهما مع وجود هذا الفرد الذي ذكرناه واما ما ذكره في الاعتراض على كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث أجاب في الروض عن حجة القول المشهور المتقدمة بنحو ما أجاب به سبطه في المدارك فقال في الذخيرة بعد نقل ذلك عنه : وفيه نظر لأن الإنسان إذا كان متلبسا باللباس المغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء في ان الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة لكونها محركة للشي‌ء المغصوب فيكون تصرفا في مال الغير بغير اذنه محرما فلا يصح التعبد به مع انه جزء من الصلاة ، واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة إلا مع اختلاف المتعلق لا مطلقا. انتهى. وفيه انه لا ريب ان التصرف في المغصوب وما يترتب عليه من التحريم والعقاب قد حصل بنفس اللبس فالتحريم ثابت له ابتداء واستدامة صلى فيه أو لم يصل تحرك فيه أو لم يتحرك ، ولا يعقل لهذه الحركة الركوعية أو السجودية خصوصية في هذا المقام ليترتب عليها شي‌ء من الأحكام ، فلا معنى لتفريعه على الحركة الركوعية بقوله «فيكون تصرفا في مال الغير فلا يصح التعبد به» إذ هو متصرف فيه حال قيامه وقعوده بل جميع أحواله ، وبذلك يظهر انه لا معنى لقوله : «فلا يصح التعبد به» إذ هذا التفريع فرع صحة ما زعمه من الاختصاص بالحركة الركوعية ونحوها إذ التصرف والتحريم كما عرفت قد حصل بمجرد اللبس واستدامته صلى فيه أو لم يصل ، غاية الأمر انه قد قارن التصرف المحرم هذه الحركات والسكنات في الصلاة والنهي عن المقارن لا يوجب التعدي الى ما قارنه ، وحينئذ فلا يكون النهي متناولا لجزء من الصلاة ولا شرطها ، ومع تسليم ما ذكره فالجواب عنه ما تقدم. وقوله في الإشارة إلى الجواب عن ذلك «واعتبار الجهتين غير نافع. إلخ» ممنوع فإن العلة التي عللوا بها ذلك انما تتم في ما إذا كان تعلق الأمر والنهي من جهة واحدة كما لا يخفى.


وبالجملة فإنه يكفينا التمسك بامتثال الأمر المتفق على كونه يقتضي الاجزاء ، وذلك فإنه إذا قال الشارع «صل بعد الطهارة مستقبل القبلة مستترا بثوب طاهر» مثلا فامتثل المكلف ذلك فلا ريب في صحة صلاته لما ذكرناه ، والحكم ببطلان عبادته لو كان المكان أو الثوب مغصوبا يحتاج الى دليل حيث ان العبادة صحة وبطلانا وزيادة ونقصانا وكمية وكيفية توقيفية والشارع لم يذكر في ما اشترطه من شروط الصلاة إباحة مكانه ولا ثوبه ، والدليل عندنا منحصر في الكتاب والسنة دون هذه التخريجات الفكرية التي يزعمونها أدلة عقلية مع اختلاف العقول فيها نقضا وإبراما كما في هذه المسألة وغيرها وقد حققنا في مقدمات الكتاب عدم جواز الاعتماد على الأدلة العقلية بل عدم وجودها بالكلية.

إلا انه قد ورد هنا بعض الاخبار مما يتسارع الى الفهم منها الدلالة على القول المشهور مثل ما رواه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار (١) عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة وكتاب بشارة المصطفى للطبري عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في وصيته لكميل «يا كميل انظر في ما تصلي وعلى ما تصلي ان لم يكن من وجهه وحله فلا قبول». وقريب منه ما رواه الصدوق مرسلا والكليني مسندا عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «لو ان الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه في ما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه في ما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق». وما ربما يقال ـ من ان عدم القبول انما هو بمعنى عدم ترتب الثواب ولا ينافي الصحة ـ فقد أبطلناه في جملة من زيرنا ولا سيما كتاب الدرر النجفية إلا ان باب التأويل فيهما غير منغلق.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها مطلوب لا ينبغي تركه على كل حال فان كلام الفضل لا يخلو من قوة كما عرفت في هذا المجال. والله العالم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من مكان المصلي.


فروع

(الأول) ـ قال في المنتهى : لا فرق بين ان يكون الثوب المغصوب ساترا أو غير ساتر بان يكون فوق الساتر أو تحته على اشكال. أقول : الظاهر ان وجه الاشكال عنده هو ما تقدم في كلام المحقق في المعتبر من تخصيصه التحريم بالساتر أو ما يقوم عليه أو يسجد عليه والجواز في ما عدا ذلك ، وهو في هذا الكتاب يحذو حذو المعتبر غالبا وفي هذا المقام توقف. وقد مضى تحقيق الكلام في المقام.

(الثاني) ـ قال في المنتهى ايضا : قيل تبطل الصلاة في الخاتم المغصوب وشبهه كالسوار والقلنسوة والعمامة. وفيه تردد أقربه البطلان. أقول : ومنشأ هذا التردد ايضا هو كلام المحقق في المعتبر حيث انه جزم بالصحة في الخاتم المغصوب ونحوه مما لا يستر العورة والعلامة هنا قد رجح القول المشهور.

(الثالث) ـ لو جهل أصل الغصب فالظاهر انه لا خلاف بينهم في الصحة لعدم توجه النهي ولزوم تكليف ما لا يطاق.

(الرابع) ـ لو علم بالغصب وجهل الحكم اعني تحريم الصلاة في المغصوب فالمشهور الحاقة بالعالم في عدم المعذورية ، وعلله في الذكرى بأنه جمع بين الجهل والتقصير في التعلم. ولا يخفى ما فيه ، ولهذا مال في المدارك إلى الحاقه بسابقه حيث قال بعد ان ذكر ان جاهل الغصب لا تبطل صلاته لارتفاع النهى : ولا يبعد اشتراط العلم بالحكم ايضا لامتناع تكليف الغافل فلا يتوجه إليه النهي المقتضي للفساد. وهو جيد إلا انه لم يقف عليه في غير هذا الموضع وغير هذا المقام من سائر الأحكام بل وافق الأصحاب في غير هذين المقامين في عدم معذورية جاهل الحكم كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى. وقد تقدم في مقدمات الكتاب البحث في المسألة ورجحنا معذورية جاهل الحكم مطلقا على تفصيل تقدم بيانه.


(الخامس) ـ قال في المنتهى : لو علم بالغصب في أثناء الصلاة نزعه ثم ان كان عليه غيره أتم الصلاة لأنه دخل دخولا مشروعا ، ولو لم يكن عليه غيره أبطل الصلاة وستر عورته ثم استأنف. انتهى. وهو جيد إلا ان إطلاقه الإبطال في ما لو لم يكن عليه غيره غير خال من نظر ، لانه لو لم يكن عليه غيره وأمكن تناول ما يستر به العورة من غير استلزام مبطل تناوله وستر عورته وتمم صلاته ولا يحتاج الى استئناف.

(السادس) ـ لو علم بالغصب ونسي فإن كان ناسيا للحكم اعني تحريم الصلاة في المغصوب مع تذكره الغصب فظاهر الأصحاب عدم المعذورية ، وعلله في الذكرى باستناده الى تقصيره في التحفظ ، وان كان ناسيا للغصب فظاهر المنتهى المعذورية حيث قال : لو تقدمه علم بالغصبية ثم نسي حال الصلاة فصلى فيه صحت صلاته لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». والقياس على النجاسة باطل. انتهى ونقله في المختلف والذكرى عن ابن إدريس. وظاهر كلام ابن إدريس في السرائر وجود قائل بوجوب الإعادة مطلقا. واختار في المختلف الإعادة في الوقت لا في خارجه ، قال : والوجه عندي الإعادة في الوقت لا خارجه (اما الأول) فلأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. و (اما الثاني) فلان القضاء فرض ثان يفتقر الى دليل مغاير لدليل التكليف المبتدأ. انتهى. وهو جيد واليه يميل كلام شيخنا في الذكرى واما القول بعدم وجوب الإعادة مطلقا ففيه ان ما استدلوا عليه به من الخبر المذكور لا يفي بالدلالة لاحتمال ان يكون المراد رفع المؤاخذة لا صحة الفعل.

ولصاحب الذخيرة هنا كلام لا يخلو من سهو وخلل لا بأس بنقله وبيان ما فيه قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : والناسي للحكم كجاهل الحكم ، ولو نسي الغصبية ففيه أوجه : (الأول) الإعادة في الوقت والقضاء خارجه ولا اعلم به قائلا. و (الثاني) الإعادة في الوقت دون القضاء وفي كلام ابن إدريس دلالة على انه قول

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل في الصلاة.


لبعض الأصحاب واختاره المصنف. و (الثالث) عدم الإعادة مطلقا واختاره ابن إدريس وهو أقرب ، لنا ـ ان النهي غير متعلق به في صورة النسيان فيبقى إطلاق التكليف بالصلاة سالما عن المعارض ، ووجوب التحفظ بحيث لا يعرض له النسيان غير ثابت. واما الاستدلال بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» ، وذكر الحديث ثم رده بنحو ما ذكرناه. ثم قال : احتج القائلون بوجوب الإعادة دون القضاء بأن الناسي مفرط لقدرته على التكرار الموجب للتذكار فإذا أخل به كان مفرطا ، ولانه لما علم كان حكمه المنع من الصلاة والأصل بقاء ذلك عملا بالاستصحاب. واما عدم وجوب القضاء فلانه تكليف جديد ولم يثبت. والجواب منع وجوب التكرار ومنع كونه موجبا للتذكار. إلخ.

وفيه (أولا) ان كلام ابن إدريس في السرائر ظاهر في وجود القول بوجوب الإعادة مطلقا لا التفصيل كما لا يخفى على من راجعه. و (ثانيا) ان من ذهب الى التفصيل ووجوب الإعادة في الوقت كالعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى انما علل ذلك بأنه متى ذكر في الوقت دخل تحت عهدة الخطاب لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه والوقت باق فيبقى تحت عهدة الخطاب حتى يأتي به كما عرفت من كلام المختلف ومثله الشهيد في الذكرى ، حيث قال : ويمكن القول بالإعادة في الوقت لقيام السبب وعدم تيقن الخروج من العهدة. لا انهم عللوه بما زعمه من ان الناسي مفرط. الى آخر كلامه. وبذلك يظهر لك ضعف ما اختاره من عدم وجوب الإعادة في الوقت لاعتماده في ذلك على رد دليل القائلين بالإعادة بزعمه وإلا فهو قد صرح بعدم دلالة الحديث الذي اعتمده في المنتهى والسرائر. قوله : لنا ـ ان النهي غير متعلق به في صورة النسيان (قلنا) نعم هذا الكلام تام لو استمر النسيان الى ان خرج الوقت اما لو ذكر في الوقت فما ذكره ممنوع لظهور ان ما اتى به ليس كما أمر به الشارع فهو باق تحت عهدة الخطاب لبقاء الوقت وتوجه الخطاب وهو السبب في التكليف بالعبادة. وبالجملة فالظاهر ان كلامه هنا ناشى‌ء عن عدم


المراجعة لكلام القائلين بالتفصيل وما ذكروه من التعليل.

(السابع) ـ لو اذن المالك للغاصب وغيره جازت الصلاة لكل من دخل تحت الاذن بلا اشكال ، بل الظاهر عدم تحقق الغصبية في حال الصلاة مع تعلق الاذن بالغاصب لان الاستيلاء في تلك الحال لا عدوان فيه : ولو اذن مطلقا فالظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ عدم دخول الغاصب في ذلك لقيام العادة بحقد المغصوب منه على الغاصب وميله عليه وطلب التشفي منه والغلبة عليه والانتقام منه ، والقلوب ـ كما قال سيد الأنبياء (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ـ مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها (١) فيكون هذا الظاهر بحسب العادة بمنزلة المخصص لذلك الإطلاق ، ولو فرض انتفاء ذلك بالقرائن وجب العمل بمقتضى الإطلاق.

(المطلب الثالث) ـ في ما يستحب ويكره. وتفصيل ذلك يقع في مواضع :

(منها) ـ انه يستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا بغير خلاف يعرف.

ويدل عليه ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة». وفي التهذيب «فإنه يقال ذلك من السنة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط».

وعن علي بن مهزيار في الصحيح (٤) قال «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) صلى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما».

وما رواه في الكافي عن محمد بن الحسين عن بعض الطالبيين يلقب برأس

__________________

(١) نهج الفصاحة ص ٢٧٥.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٧ من لباس المصلي.


المدري (١) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول أفضل موضع القدمين للصلاة النعلان».

وروى في كتاب العلل في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا أقيمت الصلاة لبس نعليه وصلى فيهما».

وأنت خبير بأنه قد وقع في عبارات الأصحاب التصريح بالعربية بمعنى انهم خصوا الاستحباب بالنعل العربية والروايات ـ كما ترى ـ مطلقة ، ولعل الوجه في ذلك فهمهم انها هي التي كانت متعارفة في وقتهم (عليهم‌السلام) والاحتياط يقتضي الاقتصار على ذلك وان كان ظواهر الأخبار الدلالة على ما هو أعم من العربية وغيرها.

وقد تقدم جملة من المستحبات في هذا الباب في الأبحاث السابقة كاستحباب ستر البدن كملا للرجل إذ الواجب هو ستر العورتين ، واستحباب وضع شي‌ء على عاتقه إذا صلى مكشوف الظهر ونحو ذلك مما تقدم ، وتقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك فلا ضرورة إلى إعادتها

و (منها) استحباب الطيب بالمسك وغيره ، فروى في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان إذا خرج عرفوا انه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) برائحته».

وعن الحسن بن علي عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان يعرف موضع سجود ابي عبد الله (عليه‌السلام) بطيب ريحه».

وعن علي بن إبراهيم رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) في حديث قال : «صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب».

وعن عبد الله بن الحارث (٦) قال : «كانت لعلي بن الحسين (عليه‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٦٣ من لباس المصلي.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤٣ من لباس المصلي.


قارورة مسك في مسجده فإذا دخل للصلاة أخذ منه فتمسح به».

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن المفضل بن عمر عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر». الى غير ذلك من الاخبار.

و (منها) ـ انه يكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة والخف والكساء وهو ثوب من صوف ومنه العباء ، كذا نقل عن الجوهري.

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن احمد بن محمد رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والعمامة والكساء».

وروى في كتاب الزي من الكتاب المذكور عن احمد بن ابي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه (٣) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكره السواد إلا في ثلاث : الخف والعمامة والكساء».

وعن حذيفة بن منصور (٤) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) بالحيرة فأتاه رسول ابي العباس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه اسود والآخر أبيض فلبسه ثم قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما إني ألبسه وانا اعلم انه لباس أهل النار».

أقول : في القاموس الممطر والممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر. ثم أقول : يحتمل ان يكون لبسه (عليه‌السلام) له في تلك الحال لضرورة دفع المطر أو تقية حيث انه المعمول عليه عند المخالفين يومئذ.

وروى الصدوق في الفقيه (٥) مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه قال في ما علم أصحابه «لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون».

وروى بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) انه قال

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من لباس المصلي.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٩ من لباس المصلي.


«أوحى الله الى نبي من أنبيائه قل للمؤمنين لا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يطعموا مطاعم أعدائي ولا يسلكوا مسالك أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي».

أقول : قال الصدوق في كتاب عيون الاخبار بعد نقل هذا الخبر بسند آخر عن علي بن ابي طالب عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : قال المصنف (رضي‌الله‌عنه) : لباس الأعداء هو السواد ، ومطاعم الأعداء هو النبيذ والمسكر والفقاع والطين والجري من السمك والمارماهي والزمير والطافي وكل ما لم يكن له فلس من السمك والأرنب والضب والثعلب وما لم يدف من الطير وما استوى طرفاه من البيض والدبا من الجراد وهو الذي لا يستقل بالطيران والطحال ، ومسالك الأعداء مواضع التهمة ومجالس شرب الخمر والمجالس التي فيها الملاهي ومجالس الذين لا يقضون بالحق والمجالس التي تعاب فيها الأئمة والمؤمنون ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد. انتهى. وحاصله يرجع الى التخصيص بالمحرمات في ما عدا اللباس حملا للنهي علي التحريم. والأظهر الحمل على ما هو أعم من التحريم أو الكراهة مثل لباس اليهود والنصارى ومآكلهم وكذا لباس المخالفين ومآكلهم المعلومة مخالفة ذلك للسنن النبوية والشريعة المحمدية (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويؤيده وقوع المناهي في الاخبار عن جملة من الأشياء من حيث دخولها في مضمون هذا الخبر مثل النهي عن البرطلة لأنها من زي اليهود (١) وإسدال الرداء لانه من زيهم (٢) وشم النرجس في الصوم لانه من فعل المجوس (٣) والأكل بالملاعق كما يفعله الروم والمخالفون لمخالفته لسنة الأكل باليد (٤) وجر الثياب على الأرض كما يفعلونه ايضا لمنافاته التشمير المأمور به (٥) وجز اللحى واعفاء الشوارب كما يفعلونه لمخالفته للسنة النبوية

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من أحكام الملابس.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٦٨ من آداب المائدة.

(٥) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام الملابس.


في العكس (١) وأمثال ذلك. فان الظاهر دخول الجميع تحت الخبر.

ثم أقول : لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه‌السلام) من هذه الاخبار لما استفاضت به الاخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان ، ويؤيده ما رواه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) عن البرقي في كتاب المحاسن (٢) انه روى عن عمر بن زين العابدين (عليه‌السلام) انه قال «لما قتل جدي الحسين المظلوم الشهيد لبس نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيرنها في حر أو برد وكان الامام زين العابدين (عليه‌السلام) يصنع لهن الطعام في المأتم». والحديث منقول من كتاب جلاء العيون بالفارسية ولكن هذا حاصل ترجمته.

وأشد السواد كراهة القلنسوة السوداء لما رواه في الكافي عن محسن بن احمد عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له أصلي في القلنسوة السوداء؟ فقال لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار». ورواه في الفقيه مرسلا (٤)

هذا ، ومما يدل على كراهة بعض الألوان غير السواد ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم». أقول : المفدم لغة الشديد الحمرة أو اللون ، وعلى الثاني فيكون تأكيدا للمشبع فيكون فيه دلالة على كراهة كل لون مشبع من حمرة أو صفرة أو خضرة أو نحو ذلك ، ومن هنا نقل عن الشيخ وابن الجنيد وابن إدريس كراهة الصلاة في الثياب المقدمة بلون من الألوان.

وما رواه في التهذيب عن يزيد بن خليفة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «انه كره الصلاة في المشبع بالعصفر المضرج بالزعفران». قال في الوافي : المضرج

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٧ من آداب الحمام.

(٢) ص ٤٢٠.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من لباس المصلي.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٥٩ من لباس المصلي.


بالضاد المعجمة والجيم المصبوغ بالحمرة دون المفدم وفوق المورد.

وما رواه في الكافي عن مالك بن أعين (١) قال : «دخلت علي ابي جعفر (عليه‌السلام) وعليه ملحفة حمراء شديدة الحمرة فتبسمت حين دخلت فقال كأني أعلم لم ضحكت ضحكت من هذا الثوب الذي هو علي ، ان الثقفية أكرهتني عليه وانا أحبها فأكرهتني على لبسها ، ثم قال انا لا نصلي في هذا ولا تصلوا في المشبع المضرج. قال ثم دخلت عليه وقد طلقها فقال سمعتها تبرأ من علي (عليه‌السلام) فلم يسعني ان أمسكها وهي تبرأ منه».

وبالجملة فالظاهر من الاخبار كراهية الصلاة في المفدم بمعنييه المتقدمين والمعصفر المضرج بالزعفران ، وبذلك صرح ايضا الفاضلان في المعتبر والمنتهى. اما لبسه في غير الصلاة فظاهر جملة من الاخبار جوازه وان الأئمة (عليهم‌السلام) كانوا يلبسونه في مقام استحباب إظهار الزينة كما عرفت من حديث مالك بن أعين المذكور ومثله اخبار أخر نقلها في الكافي في كتاب الزينة واللباس.

و (منها) ـ انه يكره ان يأتزر فوق القميص على المشهور ذكره الشيخان وأتباعهما ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلي ولا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية».

وانما حملنا لفظ «لا ينبغي» على الكراهة في الرواية مع ورود استعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثيرا كما تقدم ذكره في غير مقام لما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم البجليّ (٣) قال : «رأيت أبا جعفر الثاني (عليه‌السلام) يصلي في قميص قد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي». وفي الصحيح عن موسى بن عمر

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٩ من لباس المصلي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.


بن بزيع (١) قال «قلت للرضا (عليه‌السلام) أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة؟ فقال لا بأس به».

وأكثر المتأخرين ومنهم صاحب المدارك انما نقلوا رواية أبي بصير عن التهذيب وهي فيه هكذا قال : «لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية» ولهذا اعترض في المدارك بعد نقله عن الشيخ الرواية بهذه الصورة بأنها غير دالة على المدعى وانما تدل على كراهة التوشح فوق القميص وهو خلاف الاتزار. وأنت خبير بان الظاهر ان الرواية المذكورة في الكتابين واحدة لأن الشيخ انما رواها في التهذيب عن محمد بن يعقوب بالسند الذي في الكافي وأسقط منها موضع الاستدلال وهو ناشى‌ء عن الغفلة والاستعجال وانتقل نظره من لفظ القميص الأول الى الثاني فسقط ما بين ذلك. وأكثرهم لم يراجع الكافي في المقام. وما ذكرناه ظاهر لا يخفى على من له أنس بملاحظة كتاب التهذيب وتدبره ما وقع للشيخ في اخباره متنا وسندا من التغيير والتبديل والتحريف والتصحيف وقلما يخلو خبر من شي‌ء من ذلك. وبذلك يظهر ان ما اعترض به (قدس‌سره) على هذه الرواية ـ من عدم الدلالة في المقام وان تبعه من تبعه من الاعلام وطعنوا به على المتقدمين من عدم وجود مستند للقول بالكراهة ـ ليس في محله وممن وقع في ذلك ايضا صاحب المعتبر فنقل رواية أبي بصير من التهذيب وتبعه من تأخر عنه من غير ملاحظة لكتاب الكافي ، وحيث لم تكن مشتملة على الاتزار حكم بالجواز بغير كراهة للصحيحتين المتقدمتين ، والحق ما ذكرناه.

و (منها) ـ انه يكره التوشح والاخبار بذلك متكاثرة : منها ـ ما تقدم في رواية أبي بصير ، ومنها ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه والتوشح فوق القميص مكروه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.


ومنها ـ ما رواه في الفقيه عن زياد بن المنذر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «انه سأله رجل وهو حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس قميصه فوق إزاره فيصلي وهو كذلك؟ قال هذا من عمل قوم لوط. فقلت انه يتوشح فوق القميص؟ قال هذا من التجبر. الحديث». ورواه الشيخ في التهذيب (٢) ايضا.

ومنها ـ موثقة عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «سئل عن الرجل يؤم بقوم يجوز له ان يتوشح قال لا لا يصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق ثيابه وان كانت عليه ثياب كثيرة لأن الإمام لا يجوز له الصلاة وهو متوشح».

ومنها ـ ما رواه في كتاب العلل عن الهيثم بن واقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «انما كره التوشح فوق القميص لانه من فعل الجبابرة».

وما رواه فيه ايضا عن يونس عن جماعة من أصحابه عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٥) «انه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلي الرجل وهو متوشح فوق القميص؟ فقال لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٦) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فإنه من أفعال قوم لوط».

واما ما يدل على الجواز فحسنة حماد بن عيسى (٧) قال : «كتب الحسن بن علي ابن يقطين الى العبد الصالح (عليه‌السلام) هل يصلي الرجل الصلاة وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب نعم».

وما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل وقرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٨) قال : «سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

(٨) الوسائل الباب ٢٣ و ٢٤ من لباس المصلى.


الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك؟ قال لا بأس».

وقال في من لا يحضره الفقيه (١) بعد ان روى ما يدل على الكراهة : «وقد رويت رخصة في التوشح بالإزار فوق القميص عن العبد الصالح وعن ابي الحسن الثالث وعن ابي جعفر الثاني (عليهم‌السلام) وبها آخذ وافتي». وما ذكره من الرواية عن ابي جعفر الثاني وعن ابي الحسن الثالث (عليهما‌السلام) فلم تصل إلينا في ما وصل من المنقول ولكنه الصدوق في ما يقول.

وبما ذكرنا يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك حيث نفى الكراهة فقال : ولا يبعد عدم كراهة التوشح لما رواه حماد بن عيسى ، ثم أورد الرواية المتقدمة. والعجب انه نقل في صدر الكلام روايتي أبي بصير ومحمد بن إسماعيل المتقدمتين في صدر هذه الروايات وهما صريحتان في الكراهة مع ما علم من طريقته من عدم المناقشة في أدلة الاستحباب والكراهة

وظاهر الصدوق في ما ذكرناه من عبارته الجمع بين أخبار المسألة بحمل اخبار الجواز على الرخصة. وظاهر الشيخ في الجمع بين ما ذكره في كتابه من اخبار الطرفين هو حمل أخبار النهي على الالتحاف بالثوب كما تلتحف اليهود وان يشتمل به كما يفعلونه واخبار الجواز على ان يتوشح بالإزار ليغطي ما قد كشف منه ويستر ما تعرى من بدنه ، واحتج لهذا بما رواه في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن الرجل يشتمل في صلاته بثوب واحد؟ قال لا يشتمل بثوب واحد فاما ان يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس». وأنت خبير بأن حسنة حماد الدالة على الجواز صريحة في ان التوشح فوق القميص فلا يجري فيها ما ذكره ، وظاهر التعليلات الواردة في أخبار النهي ان المنع من ذلك انما هو حيث كونه فعل الجبابرة وأصحاب التكبر ، والتعليل بالتشبه باليهود انما ورد في إسدال الرداء واشتمال الصماء كما وقع في جملة من الأخبار فلا يتم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلى.


ما ذكره أيضا في اخبار النهي. وبذلك يظهر ان الأظهر ما ذكره الصدوق (قدس‌سره) من الجمع بالحمل على الرخصة.

بقي الكلام في معنى التوشح وانه عبارة عما ذا فنقل السيد في المدارك عن الجوهري قال يقال توشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلدهما. ونقل عن بعض أهل اللغة ان التوشح بالثوب هو إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم. أقول : وبالأول من هذين المعنيين صرح في القاموس فقال : توشح بسيفه وثوبه تقلد. وبالثاني صرح الفيومي في المصباح المنير فقال : وتوشح به وهو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم. ونحوه في كتاب المغرب قال : توشح الرجل وهو ان يدخل الرجل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعل المحرم وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى وتكون اليمنى مكشوفة. وقال في نهاية ابن الأثير : فيه «انه كان يتوشح بثوبه» اي يتغشى به والأصل فيه من الوشاح. ونقل عن النووي في شرح مسلم (١) ان التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر تحت يده اليمنى ثم يعقد هما على صدره ، والمخالفة بين طرفيه والاشتمال بالثوب بمعنى التوشح. ولا يخفى ما في هذه العبارات من الاختلاف ولعل الأظهر ما ذكره في كتاب المصباح المنير وفي المغرب لما ذكره الفقهاء في لبس ثوب الإحرام الأعلى من التوشح على النحو المذكور.

و (منها) ـ انه يكره اشتمال الصماء ، ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما اعلم ، والأصل فيه ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إياك والتحاف الصماء. قلت وما التحاف الصماء؟ قال ان تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد».

وروى في كتاب معاني الاخبار عن القاسم بن سلام بأسانيد متصلة بالنبي (صلى

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٢٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلى.


الله عليه وآله) (١) «انه نهى عن لبستين : اشتمال الصماء وان يلتحف الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شي‌ء» قال وقال الصادق (عليه‌السلام) «التحاف الصماء هو ان يدخل الرجل رداءه تحت إبطه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد». وظاهر الخبرين المذكورين كراهيته مطلقا ، والظاهر ان ذكر الأصحاب لهذا الحكم في هذا المقام انما هو من حيث عموم الأخبار المذكورة لحال الصلاة.

بقي الكلام في معناه وانه عبارة عما ذا قال في كتاب معاني الأخبار بعد ذكر الخبر المذكور فيه : قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب ان يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده. واما الفقهاء فإنهم يقولون هو ان يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. ثم قال : قال الصادق (عليه‌السلام) التحاف الصماء. الى آخر ما قدمناه. ثم قال وهذا هو التأويل الصحيح. انتهى. وقال الجوهري : قال أبو عبيد واشتمال الصماء ان تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم وهو ان يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا. وذكر أبو عبيد ان الفقهاء يقولون هو ان يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه فإذا قلت اشتمل فلان الصماء كأنك قلت اشتمل الشملة التي تعرف بهذا الاسم لان الصماء ضرب من الاشتمال. وذكر في القاموس نحوا منه. وقال الجزري : فيه «ولا تشتمل اشتمال اليهود» الاشتمال افتعال من الشملة وهو كساء يتغطى به ويتلفف فيه والمنهي عنه هو التجلل بالثوب وأسباله من غير ان يرفع طرفه ، ومنه الحديث «نهى عن اشتمال الصماء» وهو ان يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا ، وانما قيل له صماء لانه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع والفقهاء

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلى.


يقولون هو ان يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته. وقال النووي في شرح مسلم : يكره على الأول لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام أو غيره فيتعذر عليه أو يعسر ، ويحرم على الثاني ان انكشف بعض عورته وإلا يكره. وهو بمهملة ومد.

أقول : وعلى هذا النحو كلام جملة من علماء العامة ومنه يعلم معناه عند اللغويين منهم وعند فقهائهم. واما ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) فقال الشيخ في المبسوط والنهاية هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود وهو المشهور والمراد بالالتحاف ستر المنكبين. وقال ابن إدريس في السرائر : ويكره السدل في الصلاة كما يفعل اليهود وهو ان يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه ، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء وهو اختيار السيد المرتضى فاما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل ، قالوا هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده ويجعلهما جميعا على منكب واحد. أقول : ظاهر كلامه اتحاد السدل واشتمال الصماء وهو خلاف ما عليه الأصحاب كما سيأتي ان شاء الله تعالى قريبا ، وكيف كان فالعمل على ما دلت عليه صحيحة زرارة المتقدمة وهو قول الشيخ المتقدم وبه قال في المعتبر.

إلا انه بقي هنا شي‌ء وهو انه هل المراد من قوله (عليه‌السلام) في الخبر : «تدخل الثوب من تحت جناحك» بمعنى إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجناحين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثم جعلهما على منكب واحد بان يراد بالجناح الجنس أو ان المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثم وضعه على منكب واحد؟ كل محتمل إلا ان الأظهر الثاني حملا للفظ على ظاهره والا لكان الأظهر أن يقول «جناحيك».

و (منها) ـ كراهة الصلاة في عمامة لا حنك لها على المشهور وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وقال الصدوق في كتابه : وسمعت مشايخنا


(رضوان الله عليهم) يقولون لا تجوز الصلاة في الطابقية ولا يجوز للمعتم ان يصلي إلا وهو متحنك. وجملة من الأصحاب : منهم ـ صاحب المدارك وغيره صرحوا بان المستفاد من الاخبار كراهة ترك التحنك حال الصلاة وغيرها ولا خصوصية للصلاة بذلك وانما يكون دخولها من حيث العموم على نحو ما أشرنا إليه في اشتمال الصماء.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالتحنك ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن ابي عمير عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من تعمم ولم يتحنك فاصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وعن عيسى بن حمزة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وروي ابن بابويه في الفقيه في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وقال في الفقيه (٤) : وقال (عليه‌السلام) «اني لا عجب ممن يأخذ في حاجة وهو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته». وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم. وذلك في أول الإسلام وابتدائه» ثم قال وقد نقل عنه أهل الخلاف ايضا انه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط الى هنا كلام الفقيه.

ونقل العلامة في المختلف وكذا من تأخر عنه عن الصدوق القول بالتحريم وكلامه المتقدم نقله وان كان ظاهره التحريم إلا انه إنما أسنده إلى مشايخه إلا ان يقال انه باعتبار عدم إنكاره ورده دال على القول به وفيه ما فيه لإمكان توقفه.

وقال شيخنا البهائي (قدس‌سره) لم نظفر في شي‌ء من الأحاديث بما يدل على استحبابه لأجل الصلاة ، ومن ثم قال في الذكرى واستحباب التحنك عام ولعل حكمهم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من لباس المصلي.


في كتب الفروع بذلك مأخوذ من كلام علي بن بابويه فإن الأصحاب كانوا يتمسكون بما يجدونه في كلامه عند إعواز النصوص ، فالأولى المواظبة على التحنك في جميع الأوقات ومن لم يكن متحنكا وأراد ان يصلي به فالأولى ان يقصد انه مستحب في نفسه لا انه مستحب لأجل الصلاة. انتهى.

أقول : وعندي في ما ذكروه هنا من استحباب التحنك دائما إشكال لأن ذلك وان كان هو ظاهر الاخبار المتقدمة إلا ان هنا جملة من الاخبار ظاهرة المنافاة لذلك حيث ان ظاهرها ان المستحب للمعتم دائما انما هو الإسدال دون التحنك :

ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (١) «في قول الله عزوجل «مُسَوِّمِينَ» (٢) قال العمائم اعتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسدلها من بين يديه ومن خلفه واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه».

وعن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر».

وعن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «عمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا (عليه‌السلام) بيده فسدلها بين يديه من وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع ثم قال أدبر فأدبر ثم قال اقبل فأقبل ثم قال هكذا تيجان الملائكة».

وعن ياسر الخادم (٥) قال : «لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليه‌السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب فبعث الرضا (عليه‌السلام) اليه يستعفيه فألح عليه فقال ان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال له المأمون اخرج كيف شئت ، وساق الحديث الى ان قال : فلما طلعت الشمس قام (عليه‌السلام) فاغتسل واعتم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ من أحكام الملابس.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٢١.


منها على صدره وطرفا بين كتفيه. الخبر».

وروى الطبرسي في المكارم (١) بسنده «ان علي بن الحسين (عليه‌السلام) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه. الخبر».

ونقل السيد الزاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب الأمان عن ابي العباس بن عقدة (٢) في كتابه الذي سماه كتاب الولاية بإسناده قال : «بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم غدير خم الى علي (عليه‌السلام) فعممه واسدل العمامة بين كتفيه وقال هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم وذلك حجز بين المسلمين والمشركين. الى آخر الخبر». وقال في الحديث الآخر (٣) «عمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا (عليه‌السلام) يوم غدير خم عمامة سدلها بين كتفيه وقال هكذا أيدني ربي بالملائكة». ثم قال السيد أقول : هذا لفظ ما رويناه أردنا أن ندكره ليعلم وصف العمامة في السفر الذي نخشاه. انتهى.

أقول : وهذه الاخبار كلها ظاهرة في ما ذكرناه نيرة في ما سطرناه ومفهومها ان السنة في لبس العمامة انما هو بهذه الكيفية كما فعلوه (عليهم‌السلام) من إسدال أحد طرفي العمامة على الصدر والآخر بين الكتفين أو الاكتفاء بأحد الاسدالين دون الإدارة تحت الحنك الذي هو معنى التحنك.

ولم أقف على من تفطن لهذا الإشكال إلا شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار إلا انه وقع في ما هو أشكل منه فزعم حمل ما ذكرناه من الاخبار الدالة على الإسدال على انه التحنك المأمور به في تلك الأخبار المتقدمة مع ان التحنك لغة وعرفا كما ذكره علماؤنا (رضوان الله عليهم) انما هو ادارة جزء من العمامة تحت الحنك من أحد الجانبين الى الآخر والإسدال انما هو إرسال طرف العمامة على الصدر أو على القفاء من خلفه ، ولا بأس بنقل كلامه وبيان ما فيه من نقضه وإبرامه لئلا يغتر به من لم يعض

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من أحكام الملابس.


على المسألة بضرس قاطع ويحسبه الظمآن ماء وهو سراب لامع ، قال (طيب الله مرقده) بعد نقل اخبار التحنك المتقدمة ما صورته : ولنرجع الى معنى التحنك فالظاهر من كلام بعض المتأخرين هو ان يدير جزء من العمامة تحت حنكه ويغرزه في الطرف الآخر كما يفعله أهل البحرين في زماننا ويوهمه كلام بعض اللغويين ايضا ، والذي نفهمه من الاخبار هو إرسال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كما مر في تحنيك الميت وكما هو المضبوط عند سادات بني حسين أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف ولم يذكر في تعمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) الا هذا ، ولنذكر بعض عبارات اللغويين وبعض الاخبار ليتضح لك الأمر في ذلك ، قال الجوهري : التحنك التلحي وهو ان تدير العمامة من تحت الحنك. وقال الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير ادارة تحت الحنك ، وفي الحديث «انه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي». وقال التلحي تطويق العمامة تحت الحنك ، ثم ذكر الخبر. وقال الفيروزآبادي : اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك. وقال العمة الطابقية هي الاقتعاط. وقال تحنك أدار العمامة تحت حنكه. وقال الجزري : فيه «انه نهى عن الاقتعاط» هو ان يعتم بالعمامة ولا يجعل منها شيئا تحت ذقنه وقال : فيه «انه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي» هو جعل بعض العمامة تحت الحنك والاقتعاط ان لا يجعل تحت حنكه منها شيئا. وقال الزمخشري في الأساس : اقتعط العمامة إذا لم يجعلها تحت حنكه ، ثم ذكر الحديث. وقال الخليل في العين : يقال اقتعط بالعمامة إذا اعتم بها ولم يدرها تحت الحنك. واما الاخبار ، ثم نقل جملة ما قدمناه من الأخبار الدالة على الإسدال ، الى ان قال : وقال السيد ابن طاوس (قدس‌سره) روينا عن ابي العباس احمد بن عقدة. إلى آخر ما قدمنا نقله عنه ، ثم قال : وأقول : ولم يتعرض في شي‌ء من تلك الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها ، وأكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرناه إذ إدارة رأس العمامة من خلف الى الصدر إدارة أيضا ، بل كلام الجزري والزمخشري ـ حيث قالا ان


لا يجعل شيئا منها تحت حنكه ـ فيما ذكرناه أظهر ، والظاهر من كلام السيد ايضا ان فهمه موافق لفهمنا لانه قال أولا : الفصل الثاني في ما نذكره من التحنك بالعمامة عند تحقق عزمك على السفر لتسلم من الخطر ، ثم قال بعد إيراد الروايتين ما قدمنا ذكره ، فظهر انه فسر التحنك بما ورد شرحه في الروايتين من إسدال العمامة وروى الكليني والشيخ عن عثمان النوا (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اغسل الموتى قال أو تحسن؟.» ثم ساق الرواية وفيها قال : «خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها الى خلفه واطرح طرفيها على صدره». ثم قال : وكذا سائر أخبار تعميم الميت ليس فيها غير إسدال طرفي العمامة على صدره كما عرفت في باب التكفين. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من تعسف ظاهر وتكلف لا يخفى على الخير الماهر ، وينبغي ان يعلم أولا انه لا ريب ان كلمات أهل اللغة كلها منطبقة على الاخبار المتقدمة في التحنك ومتفقة معها على وجه لا يداخله التشكيك. والاخبار الأخيرة الدالة على الإسدال مخالفة لتلك الاخبار ولكلام أهل اللغة مخالفة ظاهرة والجمع بما ذكره بين الجميع تعسف ظاهر ، نعم يمكن الجمع بما سيأتي ذكره في آخر البحث.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن وجوه النظر في كلامه (قدس‌سره) عديدة :

(أحدها) ـ انه لا يخفى على ذي الذوق السليم والفهم القويم ان كلمات أهل اللغة التي نقلها كلها متفقة الدلالة ظاهرة المقالة في الانطباق على المعنى المشهور وان تفاوتت في البيان والظهور ولا سيما قول الجوهري «التلحي تطويق العمامة تحت الحنك» يعني جعلها كالطوق كما نقله عن علماء البحرين وهو مرادف لقوله أولا «التحنك التلحي وهو ان تدير العمامة من تحت الحنك» وإلا لزم الاضطراب في كلامه ، وحينئذ فحيثما ذكرت هذه العبارة أعني قوله : «تدير العمامة من تحت الحنك» فإنما المراد بها التطويق وجعلها كالطوق واين هذا من الإسدال الذي دلت عليه تلك الأخبار؟ وكذا قول الجزري في تفسير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من التكفين.


الاقتعاط : «هو ان يعتم بالعمامة ولا يجعل شيئا منها تحت ذقنه» المؤذن بان التلحي الذي هو مقابل الاقتعاط هو جعل شي‌ء من العمامة تحت الذقن ، وحينئذ فقوله في تتمة كلامه في تفسير التلحي : «هو جعل بعض العمامة تحت الحنك» يعني تحت الذقن والذقن مجمع عظمي اللحيين واين هذا من الإسدال؟ ومن هاتين العبارتين يعلم ما قلناه من انه حيثما قيل : «التحنك إدارة العمامة تحت الحنك» فان المراد به التطويق وجعلها تحت الذقن بان يخرج طرفها الى الجانب الآخر الذي هو غير ما دخلت منه.

و (ثانيها) ـ ان الحنك على ما يفهم من كلام أهل اللغة انما هو ما انحدر عن الذقن أو ما حاذاه من داخل الفم ، قال في القاموس : الحنك محركة باطن أعلى الفم من داخل والأسفل من طرف مقدم اللحيين. وقال في كتاب مجمع البحرين : والحنك ما تحت الذقن من الإنسان وغيره وأعلى داخل الفم والأسفل في طرف مقدم اللحيين من أسفلهما. انتهى. أقول : ومنه ما ورد في الاخبار من استحباب تحنيك المولود عند الولادة بالتمر أو الحلو أو ماء الفرات أو التربة الحسينية على مشرفها أفضل السلام والتحية (١) بمعنى إدخال ذلك الى حنكه وهو أعلى داخل الفم ، ولا ريب أن الإسدال الذي تضمنته تلك الروايات انما يمر بأعلى أحد اللحيين من اليسار أو اليمين لا بالأسفل والأسفل من كل من اللحيين هو مجمعهما المسمى بالذقن وهذا هو الذي أشارت إليه العبارتان المتقدمتان ، وحينئذ فالتحنك انما هو عبارة عن المرور بالعمامة على الحنك الذي هو هذا الموضع الذي يرجع الى الذقن واين هذا من الإسدال؟ وبذلك يظهر لك ما في قوله : «ان أكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرنا. إلخ» فإن فيه (أولا) منع صدق الإدارة لأن طرف العمامة لم يأت من الخلف حتى يحصل إدارته إلى الصدر وانما اتى من جانب واسدل من المكان الذي خرج منه ، ومع تسليمه فالمراد الإدارة تحت الحنك لا مطلقا والحنك قد عرفت معناه والإسدال لا يتصل به ولا يصل إليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من أحكام الأولاد.


و (ثالثها) ـ ان قوله : «لم يتعرض في شي‌ء من تلك الروايات لإدارة العمامة. إلخ» مسلم ومنه نشأ الاشكال وحصل في المسألة الداء العضال ، حيث ان هذه الروايات كلها اتفقت على ان السنة في العمامة انما هو الإسدال وتلك الأخبار المعتضدة بكلام أهل اللغة دلت على ان السنة في العمامة هو التحنك بها وهو الإدارة تحت الحنك كما عرفت ، وكيف كان فإنهم (عليهم‌السلام) لم يتعرضوا في هذه الاخبار الأخيرة إلى لفظ التحنك حتى يمكن تفسير التحنك بالإسدال كما زعمه (طاب ثراه) وجعله وجه جمع بين أخبار المسألة. وبحثنا وكلامنا انما هو في معنى التحنك وهو غير موجود فيها ، على ان روايات الإسدال مختلفة فبعضها يدل على إسدال طرف على الصدر وطرف من خلف وبعضها يدل على الإسدال من خلف خاصة ، وهو قد حمل الجميع على التحنك مع ظهور أن الإسدال من خلف لا يدخل في التحنك قطعا.

و (رابعها) ـ ان من العجب قوله بعد نقل كلام السيد رضي الدين بن طاوس (قدس‌سره) وكلامه الذي في البين «والظاهر من كلام السيد ايضا ان فهمه موافق لفهمنا لانه قال. إلخ» فإن فيه (أولا) ان الخبرين اللذين نقلهما عن السيد انما تضمنا إسدال العمامة من خلف بين الكتفين فكيف يمكن تفسير التحنك الذي هو الإدارة تحت الحنك كما عرفت بالإسدال من خلف؟ ما هو إلا سهو ظاهر نشأ من الاستعجال ، وهل يفهم أحد ممن له ذوق فضلا عن السيد المزبور وعن من مثله (طاب ثراه) لو لا الاستعجال في هذا المجال دخول الإسدال بين الكتفين تحت التحنك؟ و (ثانيا) ان نقله هنا عن السيد المزبور قد اشتمل على خلل وقصور. فان ظاهر كلامه هنا ونقله عن السيد ان السيد المذكور قال في الفصل المذكور في التحنك بالعمامة ولم يورد إلا هذين الخبرين فكلامه يدل حينئذ على انه فسر الإسدال في الخبرين بالتحنك الذي عنون به الفصل ، والحال ان الأمر ليس كذلك بل السيد لما عنون الفصل بما ذكره صدره أولا بما يدل على التحنك فقال : روينا ذلك من كتاب الآداب الدينية عن الطبرسي في ما رواه عن مولانا


موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «انا ضامن ثلاثا لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه : ان لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق». ورويناه ايضا عن البرقي من كتاب المحاسن بإسناده الى ابي الحسن (عليه‌السلام) ثم قال أقول : وقد روينا في العمامة عند التوجه للمهمات روايات عن ابي العباس احمد بن عقدة. إلى آخر ما قدمناه ، الى ان قال في آخر الكلام : أقول : هذا لفظ ما رويناه أردنا أن نذكره ليعلم وصف العمامة في السفر الذي نخشاه. ومن الظاهر ان الرواية الأولى التي نقلها عن الطبرسي والمحاسن هي التي عنون لها الفصل المذكور حيث اشتملت على ذكر التحنك وما نقله أخيرا عن ابن عقدة فإنما قصد به بيان استحباب العمامة على هذه الكيفية مطلقا لا بخصوص السفر ، ويشير اليه كلامه في الأخير وهو قوله : «هذا لفظ ما رويناه. إلخ» بمعنى بيان وصف العمامة في السفر ووصفها في الحضر ، ولو أراد السيد ما زعمه من حمل الروايتين الأخيرتين على الرواية الأولى بمعنى ان التحنك عبارة عما اشتملت عليه روايتا ابن عقدة لورد على السيد ايضا ما أوردناه عليه من ان دعوى كون الإسدال بين الكتفين تحنكا مما لا يقول به ادنى من له روية من الرجال فضلا عن العلماء الأعلام ذوي الكمال ، والشبهة التي عرضت لشيخنا المذكور انما هو من حيث الإسدال على الصدر بمرور العمامة على أحد اللحيين لا ما إذا كانت بين الكتفين وهذا بحمد الله ظاهر لكل ذي عينين.

و (خامسها) ـ ان ما استند اليه ـ من اخبار تحنيك الميت وإيراده رواية عثمان النوا الدالة على صورة التعميم وقوله بعدها «وكذا سائر أخبار تعميم الميت.» ـ ففيه انه لا يخفى ان ههنا حكمين أحدهما استحباب التعميم والآخر استحباب تحنيكه بالعمامة وليس كل خبر دال على التعميم يستلزم التحنيك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأخبار المسألة ، والتحنيك على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ومنهم المحقق

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٩ من آداب السفر.


في الشرائع هو ان يلف رأسه بها لفا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره وقد استندوا في ذلك الى رواية يونس ، قال السيد السند في المدارك بعد ذكر عبارة المصنف : واما استحباب إخراج طرفي العمامة من تحت الحنك وإلقائهما على صدره فمستنده رواية يونس عنهم (عليهم‌السلام) (١) قال : «ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويمد على صدره». ولا ريب ان هذه الهيئة تشتمل على التحنيك كما هو المشهور لا الإسدال ، لأنه متى أخذ طرف العمامة الذي من اليمين واخرج من تحت حنك الميت الى الجانب الأيسر وأخذ الخارج من الجانب الأيسر واخرج كذلك الى الجانب الأيمن فإن العمامة من الجانبين قد استوعبت الحنك وغطته وحصل بها التحنيك الذي ندعيه. والرواية التي أوردها لم يذكر فيها أزيد من التعميم وانه يطرح طرفي العمامة على صدره وليس فيها تعرض لذكر التحنيك بل هي مجملة كما يمكن حملها على التحنيك كما ذكرناه في رواية يونس يمكن حملها على مجرد الإسدال على الصدر من غير ان يدار بكل من الطرفين الى الجانب الآخر ويحنك بهما كما لا يخفى ، وهذا المعنى الثاني هو الذي فهمه منها السيد في المدارك فقال بعد نقل رواية يونس أولا ثم نقل جملة من الروايات ومنها رواية عثمان المذكورة :

والرواية الأولى هي المشهورة بين الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فكلام شيخنا المشار اليه (قدس‌سره) في هذا المجال لا يخلو من غفلة واستعجال أو اشتغال وتوزع في البال نعم يبقى الكلام في الجمع بين أخبار المسألة فإن الروايات المشتملة على التحنك لمن اعتم دالة بظاهرها على ما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من استحباب التحنك بالعمامة مطلقا لا بخصوص الصلاة وان السنة فيها ذلك ويعضده كلام أهل اللغة والروايات المشتملة على الإسدال دالة على انه المستحب دائما وهو خلاف التحنك كما ظهر لك ، والذي يقرب بخاطري العليل ويدور في فكري الكليل هو ان يقال لا ريب ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب التكفين.


اخبار التحنك بعضها دل على استحبابه في السفر وبعضها دل على استحبابه في السعي لقضاء الحاجة وبعضها بمجرد التعمم ، ولا يخفى ان المنافي لاخبار الإسدال ظاهرا انما هو اخبار القسم الثالث حيث انها ـ كما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ تدل على دوام ذلك واستمراره ما دام معتما ، وحينئذ فيمكن القول ببقاء اخبار الفردين الآخرين على ظاهرها من غير تأويل إذ لا منافاة فيهما فان موردها خاص بهذين الفردين فيختص بها أخبار الإسدال ، ووجه الجمع حينئذ هو حمل اخبار القسم الثالث على ان المراد التحنك وقت التعمم بان يدير العمامة بعد فراغه من التعمم تحت حنكه لا دائما كما فهمه الأصحاب وبما ذكرنا يشعر ظاهر الأخبار المذكورة فإن ظاهر قوله «ولم يتحنك» ـ من حيث كونه حالا من الفاعل في قوله : «من تعمم» والحال قيد في فاعلها ـ يعطي أن التحنك وقت التعمم ، واما استمرار ذلك فيحتاج الى دليل وليس إلا ما قدمنا مما هذه صورته ، وحينئذ تبقى اخبار الإسدال على ظاهرها فيكون المستحب دائما هو الإسدال والتحنك مخصوص بهذه الصور الثلاث. ولا قدح يتطرق الى ما ذكرناه إلا مجرد مخالفة الأصحاب في ما فهموه من هذه الاخبار حيث لم أقف على قائل بما ذكرناه لكن لا يحضرني وجه للجمع بينها غير ذلك ، والظاهر انه الى ذلك يشير ما قدمناه من كلام السيد ابن طاوس بالتقريب الذي قدمنا ذكره. والله العالم.

و (منها) ـ كراهة الإمامة بغير رداء ، والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا اعرف فيه مخالفا. وظاهر الشهيدين استحباب الرداء للمصلي مطلقا.

وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار : والذي يظهر لنا من الأخبار ان الرداء انما يستحب للإمام وغيره إذا كان في ثوب واحد لا يستر منكبيه أو لا يكون صفيقا وان ستر منكبيه لكنه في الإمام آكد ، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي به مع كونه في إزار وسراويل فقط يجوز ان يكتفي بالتكة والسيف والقوس ونحوها ، ويمكن القول باستحباب


الرداء مع الأثواب المتعددة أيضا لكن الذي ورد التأكيد الشديد فيه يكون مختصا بما ذكرناه.

وقال السيد السند في المدارك : وهذا الحكم أعني كراهة الإمامة بغير رداء مشهور بين الأصحاب واحتجوا عليه بصحيحة سليمان بن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء؟ قال لا ينبغي إلا ان يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها». وهي انما تدل كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده لا مطلقا ويؤكد هذا الاختصاص قول ابي جعفر (عليه‌السلام) لما أم أصحابه في قميص بغير رداء (٢) : «ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء». ثم نقل عن جده (قدس‌سره) انه قال وكما يستحب الرداء للإمام يستحب لغيره من المصلين وان كان للإمام آكد. قال واحتج عليه بتعليق الحكم على مطلق المصلي في عدة أخبار كصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «ادنى ما يجزئك ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف». وصحيحة عبد الله بن سنان (٤) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل فقال يحل التكة فيضعها على عاتقه ويصلي وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصل قائما». وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا». ثم قال : ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف لاختصاص الروايتين الأخيرتين بالعاري وعدم ذكر الرداء في الرواية الاولى بل أقصى ما تدل عليه استحباب ستر المنكبين سواء كان بالرداء أم بغيره. وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد وهي انما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده فإثبات ما زاد على ذلك يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول وبالله التوفيق لبلوغ المأمول ونيل المسؤول : لا يخفى ان المفهوم من تتبع

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من لباس المصلي.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٢٢ من لباس المصلي.


الأخبار ـ كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ـ ان الرداء في الصدر الأول ليس إلا من جملة الثياب التي يلبسها الناس يومئذ مثل القميص والقباء ونحوهما لا اختصاص له بمصل ولا غيره فضلا عن ان يكون إماما أو غير امام ، والمستفاد من اخبار هذا الباب انه يستحب للمصلي إماما كان أو غيره ان يصلي في ثوبين أحدهما فوق الآخر رداء كان الثوب الأعلى أو قباء أو غيرهما ، وانه متى كان ظهره مكشوفا فإنه يستحب تغطيته بان يضع على عاتقه رداء أو قباء أو نحو ذلك مما يستر ظهره ، ولو تعذر فإنه يجزئه ولو مثل حمائل السيف وتكة السروال ونحوهما ، وانه يتأكد ذلك في الموضعين في الامام ، وحينئذ فالسؤال والجواب في صحيحة سليمان بن خالد التي استندوا إليها في استحباب الرداء للإمام لا دلالة فيها على خصوصية الرداء ولا الإمام إلا من حيث السؤال ، والكلام فيها انما خرج مخرج التمثيل وإلا فهما من قبيل الأسئلة الآتية في كل مصل وفي كل ثوب ، وبه يظهر انه لا دلالة في الرواية على ما ادعوه ، ويؤيد ذلك ما أشار إليه السيد من الرواية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) وقوله : «ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء» فان فيه ما يشير الى عدم استحباب الرداء من حيث هو رداء ، ولا ينافي ما ذكرناه من استحباب الثوبين لجواز خروجها مخرج الجواز لأنهم كثيرا ما يتركون المستحبات ويفعلون المكروهات لبيان الجواز كما صرح به غير واحد من الأصحاب.

ثم ان مما يدل على ما ذكرناه من الأحكام مضافا الى الروايات المتقدمة صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال ليطرح على ظهره شيئا. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل ورداء؟ قال لا بأس به وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلى في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال لا يصلح لها إلا ان تلبس درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟

__________________

(١) ارجع الى ص ٢٦.


قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال لا يصلح ان تصلي حتى تلبس درعها. وسألته عن السراويل هل يجزئ مكان الإزار؟ قال نعم. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل وقلنسوة قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أوجبه وحدها؟ قال إذا كان تحته قميص فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يؤم في قباء وقميص؟ قال إذ كان ثوبين فلا بأس».

وأنت خبير بأنه يستفاد من مجموع هذه الأجوبة المنقولة عنه (عليه‌السلام) ما قدمنا ذكره من ستر أعالي البدن متى كان مكشوفا وعليه تدل صحيحة زرارة المتقدمة وما بعدها ، واستحباب الصلاة للرجل في ثوبين كما تدل عليه صحيحة سليمان بن خالد ، فإنها ليست إلا من قبيل هذه الأسئلة المتضمنة للثوبين ، وان وقع فيها السؤال عن الامام والرداء فليس الإمام إلا كغيره من المصلين وليس الرداء إلا كغيره من الثوبين في هذا الخبر ، نعم لو كان الرداء انما يختص لبسه بحال الصلاة لكان للتخصيص به وجه إلا ان الأمر ليس كذلك كما أشرنا إليه آنفا بل هو من جملة الثياب المتعارفة اللبس دائما فسبيله كسبيل غيره منها ، وبذلك يظهر انه لا اثر لاستحباب الرداء في الصلاة لإمام كان أو غيره كما يشير اليه كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره).

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قد اضطرب كلام جملة من علماء الخاصة والعامة في معنى الإسدال للرداء بعد اتفاقهم على كراهة السدل ، فقال في التذكرة : يكره السدل وهو ان يلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ولا يضم طرفيه بيده. وقال الشهيد (قدس‌سره) في النفلية هو ان يلتف بالإزار فلا يرفعه على كتفيه. وقال شيخنا الشهيد الثاني : واعلم انه ليس في الاخبار وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفية لبس الرداء بل هي مشتركة في انه يوضع على


المنكبين. وفي التذكرة هو الثوب الذي يوضع على المنكبين ، ومثله في النهاية. فيصدق أصل السنة بوضعه كيف اتفق ، لكن لما روى كراهة سدله ـ وهو ان لا يرفع أحد طرفيه على المنكب وانه فعل اليهود وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح ان يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أودعهما». ـ تعين ان الكيفية الخالية عن الكراهة هي وضعه على المنكبين ثم يرد ما على الأيسر على الأيمن ، وبهذه الهيئة فسره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) لكن لو فعله على غير هذه الهيئة خصوصا ما نص على كراهته هل يثاب عليه؟ لا يبعد ذلك لصدق مسمى الرداء وهو في نفسه عبادة لا يخرجها كراهتها عن أصل الرجحان ، ويؤيده إطلاق بعض الاخبار وكونها أصح من الاخبار المقيدة. انتهى. وقد تقدم كلام ابن إدريس الدال على كراهية السدل كما تفعله اليهود وهو ان يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه وان هذا هو اشتمال الصماء عند أهل اللغة.

أقول : مما وقفت عليه من الاخبار الدالة على النهي عن السدل ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) خرج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على قوم فرآهم يصلون في المسجد قد سدلوا أرديتهم فقال لهم ما لكم قد سدلتم ثيابكم كأنكم يهود خرجوا من فهرهم؟ ـ يعني بيعتهم ـ إياكم وسدل ثيابكم». وهذا الخبر هو الذي أشار إليه شيخنا الشهيد (قدس‌سره) وكذلك ابن إدريس ، ولا ريب ان هذا الخبر بحسب ظاهره مناف لصحيحة علي بن جعفر المذكورة في كلام شيخنا المشار إليه ، فإنها دالة على التخيير بين إرسال طرفي الثوب وبين وضعهما على اليمين وانما كره (عليه‌السلام) جمعهما على اليسار ، والظاهر ان تخصيص شيخنا المذكور الكيفية الخالية من الكراهة بصورة الجمع على اليمين حيث ان حديث زرارة قد عارض صورة الإسدال الذي هو أحد الفردين المخيرين واما صورة الوضع على اليمين فلا معارض

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلي.


لها فبقيت على أصل الاستحباب. وفيه ان ظاهر التخيير مساواة الأمرين في الاستحباب ويؤيده ما رواه في الفقيه عن عبد الله بن بكير (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه؟ قال لا بأس به».

والأظهر عندي في وجه الجمع بين الصحيحتين المذكورتين أحد أمرين : اما حمل رواية النهي عن الإسدال على ما إذا صلى في إزار بغير قميص كما يدل عليه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «انما كره السدل على الأزر بغير قميص فاما على القميص والجباب فلا بأس». واما على وضع الرداء على الرأس والتقنع به وإسداله ، وبه فسر الخبر المذكور في النهاية قال : فيه «انه نهى عن السدل في الصلاة» وهو ان يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه ، وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. وقيل هو ان يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير ان يجعلهما على كتفيه ، ومنه حديث على (عليه‌السلام) انه رأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم. انتهى. وظاهر كلام جملة من علمائنا وعلماء العامة ان اليهود كذلك يفعلون ، وحينئذ فيبقى ما دل عليه صحيح علي بن جعفر من التخيير بين الإسدال والوضع على اليمين صحيحا لا اشكال فيه ولا كراهة تعتريه. وكلامه في النهاية متضمن لتفسير الإسدال المكروه بمعنيين آخرين غير المعنيين المتقدمين.

(الثانية) ـ قال في المدارك : وينبغي الرجوع في الرداء الى ما يصدق عليه الاسم عرفا وانما تقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة كما تدل عليه رواية ابن سنان واما ما اشتهر في زماننا من اقامة غيره مقامه مطلقا فلا يبعد ان يكون تشريعا. انتهى.

أقول : فيه انه مبني على ثبوت استحباب الرداء بخصوصه وقد عرفت ما فيه وانه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلي.


محل المنع ويشير الى ما ذكرناه ما تقدم من كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) ايضا ، وقال شيخنا المشار إليه أيضا زيادة على ما تقدم : ويحتمل ان يكون القباء وشبهه أيضا قائما مقام الرداء بل الرداء شامل له ، وقال الفاضلان الرداء هو ثوب يجعل على المنكبين. وفي القاموس انه ملحفة. انتهى. وهو جيد إلا ان قوله : «بل الرداء شامل له» محل نظر فان الرداء لغة وعرفا ثوب مخصوص كغيره من الثياب المخصوصة المتعينة في حد ذاتها فكيف يحتمل دخول القباء ونحوه تحت إطلاقه؟ وعبارة الفاضلين لا دلالة لها على ما ادعاه لان مرادهما الإشارة إلى أنه ثوب معلوم يجعل على المنكبين إشارة إلى تبادره ومعلوميته كغيره من أصناف الثياب لا ان مرادهما اي ثوب كان وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار هو ما قدمنا تحقيقه من انه يستحب ان يكون على المصلي ثوبان أحدهما على الآخر كائنا من كان وكائنا ما كان.

(الثالثة) ـ قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحث عن الرداء : واما ما هو الشائع من جعل منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الأثواب المتعددة ففيه شائبة بدعة أقول : وجه البدعية ظاهر إذ فعل شي‌ء باعتقاد شرعيته وتوظيفه من الشارع والحال انه ليس كذلك تشريع. وقد حضرت في صغر سني بعض من يتسمى بالفضل ويدعيه يفعل ذلك في حال إمامته بالناس ولعل منشأ الشبهة عندهم اخبار وضع التكة وحمائل السيف ونحو ذلك ، ولم يتفطنوا الى ان ذلك مخصوص بمن كان ظهره مكشوفا كما هو مورد الأخبار.

(الرابعة) ـ روى في الكافي بسنده عن معلى بن خنيس عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ان عليا (عليه‌السلام) اشترى ثلاثة أثواب بدينار : القميص الى فوق الكعب والإزار الى نصف الساق والرداء من بين يديه الى ثدييه ومن خلفه الى ألييه ثم رفع يده الى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ثم قال هذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام الملابس.


اللباس الذي ينبغي للمسلمين ان يلبسوه. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ولكن لا يقدرون ان يلبسوا هذا اليوم ولو فعلنا لقالوا مجنون ولقالوا مراء والله تعالى يقول : «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» (١) قال وثيابك ارفعها ولا تجرها وإذا قام قائمنا كان هذا اللباس».

أقول : وفي هذا الخبر فوائد : (منها) ما قدمنا ذكره ردا على شيخنا المجلسي (قدس‌سره) من ان الرداء ثوب معلوم معهود لا كل ما يتردى به ليشمل مثل القباء والعباء ونحوهما. و (منها) ان السنة في الرداء ان يكون عرض الثوب بحيث يصل الى الأليين وطوله بقدر ما يصل الى ثدييه. و (منها) ان الرداء في زمان الصادق (عليه‌السلام) كان يزيد على ذلك كما يستفاد من تتبع الاخبار والسير بحيث انه يجر على الأرض. و (منها) جواز ترك السنة ان كانت مهجورة بين الناس وكان عامة الناس يعيبونها ويتكلمون في عرض من يفعلها ، قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : وفي الحديث دلالة على انه ينبغي عدم الإتيان بما لا يستحسنه الجمهور وان كان مستحبا كالتحنك بالعمامة في بلادنا. انتهى.

و (منها) ـ كراهة اللثام للرجل إذا لم يمنع القراءة والإحرام. وكذا الحكم في النقاب للمرأة ، وأطلق الشيخ المفيد في المقنعة المنع من اللثام للرجل وحمله في المعتبر على إرادته الكراهة. وهو حسن للأخبار الدالة على الجواز :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة». وفيه دلالة على انه مع عدم سماع الهمهمة يحرم كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا.

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال لا بأس بذلك».

__________________

(١) سورة المدثر ، الآية ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٥ من لباس المصلي.


وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن علي عن من ذكره من أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «انه قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة وثوبه على فيه».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي ويقرأ القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به».

واما ما يدل على الكراهة فهو ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٣) قال : «سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به وان كشف عن فيه فهو أفضل. قال وسألته عن المرأة تصلي متنقبة؟ قال ان كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وان أسفرت فهو أفضل».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له أيصلى الرجل وهو متلثم؟ فقال اما على وجه الأرض فلا واما على الدابة فلا بأس». قال في الوافي : لعل الوجه في الفرق ان الراكب ربما يتلثم لئلا يدخل فاه الغبار فيلزمه ذلك بخلاف الواقف على الأرض.

والشيخ قد حمل روايات نفي البأس على ما إذا سمع الهمهمة لصحيحة الحلبي المتقدمة والأظهر حمل ذلك على الجواز وان كان الأفضل عدمه لموثقة سماعة إلا ان الجواز مقيد بما إذا لم يمنع السماع لصحيحة الحلبي.

ومنها ـ ما ذكره جملة من الأصحاب من كراهة الصلاة في القباء المشدود إلا في الحرب ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة : ولا يجوز لأحد ان يصلي وعليه قباء مشدود إلا ان يكون في الحرب فلا يتمكن ان يحله فيجوز ذلك للاضطرار. وظاهره التحريم ونقل عن صاحب الوسيلة انه حرمة. قال الشيخ في التهذيب : ذكر ذلك علي بن الحسين ابن بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم اعرف به خبرا مسندا. وحاول الشهيد (قدس

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٥ من لباس المصلي.


سره) في الذكرى الاستدلال عليه بما رواه العامة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه قال : «لا يصلي أحدكم وهو محزم». ورد بأنه فاسد لان شد القباء غير التحزم ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شد الوسط. ومنهم من حمل القباء المشدود على القباء الذي شدت أزراره مع انهم صرحوا بكراهة حل الأزرار في الصلاة وانه من عمل قوم لوط كما ورد به الخبر (٢) إلا ان يخص كراهة حل الأزرار بالقميص الواسع الجيب كما تقدم تحقيقه. وبالجملة فإن الحكم لا مستند له ولا دليل عليه كما عرفت فتطويل البحث فيه مما لا ثمرة له مهمة.

ومنها ـ كراهة الصلاة في الحديد إذا كان بارزا غير مستور على المشهور وربما قيل بالتحريم ، قال الشيخ في النهاية : ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شي‌ء من حديد مشهر مثل السكين والسيف فان كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك. ونقل في المختلف عن ابن البراج انه عد في جملة ما لا تصح الصلاة فيه على حال ثوب الإنسان إذا كان فيه سلاح شهير مثل سكين أو سيف ، قال : وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد إلا ان يلفه بشي‌ء وإذا كان معه دراهم سود إلا ان يلفها بشي‌ء.

والذي وقفت عليه من الاخبار الواردة في هذا المقام كلها دالة على هذا القول ومنها ـ ما رواه الشيخ عن السكوني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد». وعن موسى بن أكيل النميري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «انه حلية أهل

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما وقفنا عليه من اخبار العامة نعم في نهاية ابن الأثير مادة «حزم» : وفيه «نهى ان يصلى الرجل بغير حزام». ومنه الحديث «نهى ان يصلى الرجل حتى يحتزم» والحديث الآخر انه أمر بالتحزم في الصلاة. وفي التذكرة في ما يكره فيه الصلاة «و» عن النبي «ص» «لا يصلى أحدكم إلا وهو محزم».

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من لباس المصلي.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٢ من لباس المصلي.


النار ، قال : وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فيحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة إلا ان يكون قبال عدو فلا بأس به. قال قلت فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنه أو في سراويله مشدودا ، والمفتاح يخشى ان وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد؟ قال لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنه نجس ممسوخ».

وروى في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لانه من لباس أهل النار. الحديث».

وعن احمد بن محمد بن ابي الفضل المدائني عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد». قال الكليني : وروى إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس.

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في القول المذكور والأصحاب لم يتمسكوا في مقابلتها الا بالأصل ، قال في المدارك بعد نقل قول الشيخ (قدس‌سره) في النهاية : والمعتمد الكراهة ، لنا على الجواز الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل ، وعلى الكراهة ما رواه الشيخ ، ثم نقل روايتي السكوني وموسى بن أكيل المذكورتين. وهذا الكلام جيد على أصله من رد الأخبار الضعيفة والاعتماد على الأصل في مقابلتها وان عمل بها في الكراهة والاستحباب وقد عرفت ما فيه في غير باب ، بل قال في المدارك هنا : ويمكن القول بانتفاء الكراهة مطلقا لضعف المستند. انتهى. وهو خلاف ما هو عليه في غير مقام من الأحكام كما لا يخفى على من لاحظ كتابه.

وبالجملة فالحكم عند من يحكم بصحة الاخبار ولا يرى العمل بهذا الاصطلاح

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٢ من لباس المصلي.


المحدث لا يخلو من اشكال إلا ان ظاهر حديث النميري ان العلة في المنع من الصلاة فيه انما هو من حيث انه نجس ممسوخ ، وقد قدمنا في كتاب الطهارة ان الأصح طهارته وحينئذ فيضعف الاعتماد على هذه الاخبار.

ويعضد ذلك ما رواه في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في ما كتبه الى صاحب الزمان عجل الله فرجه (١) «انه سأله عن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب في الجواب جائز».

ورواه الشيخ في كتاب الغيبة. وروى الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن عبد خير (٢) قال : «كان لعلي ابن ابي طالب (عليه‌السلام) أربعة خواتيم يتختم بها : ياقوت لنيله وفيروزج لنصره والحديد الصيني لقوته وعقيق لحرزه. الحديث». وفيه دلالة على جواز لبس الحديد الصيني إلا انه لا يدل على جواز الصلاة فيه صريحا ، مع ان ظاهر سند الخبر انه عامي فيضعف الاعتماد عليه في تخصيص اخبار المنع من الحديد مطلقا سيما وقد روى الشيخ في التهذيب في باب فضل الكوفة حديثا يتضمن كراهة التختم به.

وكيف كان فتسقط الكراهة بستره كما دلت عليه مرسلة الكليني وبه صرح الأصحاب ، قال في المعتبر وتسقط الكراهة مع ستره وقوفا بالكراهة على موضع الاتفاق ممن كرهه.

و (منها) ـ كراهة الصلاة في ثوب المتهم بعدم توقي النجاسات وكذا من يعلم انه لا يتوقى النجاسات على المشهور بين الأصحاب ومنهم الشيخ في النهاية حيث قال إذا عمل مجوسي ثوبا لمسلم يستحب ان لا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذا إذا استعار ثوبا من شارب خمرا ومستحل شي‌ء من النجاسات يستحب ان يغسل أولا ثم يصلى فيه. وقال الشيخ في المبسوط إذا عمل كافر ثوبا لمسلم فلا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذلك إذا صنعه له لأن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٢ من لباس المصلي.


الكافر نجس وسواء كان كافر أصل أو كافر ردة أو كافر ملة. وهو ظاهر في التحريم واختاره ابن إدريس وجعل قول الشيخ في النهاية خبرا واحدا أورده إيرادا لا اعتقادا بل اعتقاده وفتواه ما ذكره في المبسوط. وقال ابن الجنيد : فان كان استعاره من ذمي أو ممن الأغلب على ثوبه النجاسة أعاد خرج الوقت أو لم يخرج. وهو مؤذن بقول الشيخ في المبسوط مع انه قبل ذلك ـ على ما نقله العلامة في المختلف عنه ـ قال : واستحب تجنب ثياب المشركين ومن لا يؤمن على النجاسة من ثوبه والتنظيف لجسده منها وخاصة منازلهم وما سفل من أثوابهم التي يلبسونها وما يجلسون عليه من فرشهم ، ولو صلى عليه أو فيه ثم علم بنجاسته اخترت له الإعادة في الوقت وغير الوقت وهي في الوقت أوجب منها إذا خرج. انتهى ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة إلا ان يحمل كلامه الأول على الاستحباب وان كان خلاف ظاهره اعتمادا على ما قدمه من هذا الكلام المذكور. وقال الشيخ : يجوز للرجل ان يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة. وعد ابن البراج في المكروه ثوب المرأة للرجل وأطلق.

وأقول : قد تقدم في مباحث المقصد الثاني من الباب الخامس من كتاب الطهارة تحقيق ان الأصل في الأشياء الطهارة وانه لا يخرج عن أصالة الطهارة بمجرد ظن النجاسة بل لا بد من العلم ، وجملة الأخبار الدالة على هذا الأصل ، ومنها جملة من الاخبار في الثياب التي يعملها المجوس. وان بإزائها أخبارا دالة على خلاف ذلك من العمل بظن النجاسة ، وان الشيخ ومن تبعه قد حملوا الأخبار المخالفة على الاستحباب ، ولا بأس بنقل بعض اخبار الطرفين في المقام إذ ربما يعسر على الناظر هنا الرجوع الى ذلك الكتاب

فنقول : مما يدل على ما هو مقتضى القاعدة المتفق عليها صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا اغسلها وأصلي فيها؟

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٣ من النجاسات.


قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة».

وصحيحة عبد الله بن سنان (١) قال : «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر : اني أعير الذمي ثوبي وانا اعلم انه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه.».

ورواية المعلى بن خنيس (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود». الى غير ذلك من الاخبار المتعلقة بالثياب وغيرها.

ومما يدل على خلاف ذلك من البناء على ظن النجاسة كما هو مذهب المبسوط وابن إدريس صحيحة عبد الله بن سنان (٣) قال : «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصلي فيه حتى يغسله». ومن ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية أبي بصير المتقدمتان في المقام الأول من المطلب الثاني في ما يجوز لبسه للمصلي وما لا يجوز (٤) ونحوهما غيرهما مما تقدم ثمة.

واما ما يدل على الحمل على الاستحباب كما فهمه الأصحاب فرواية ابي علي البزاز عن أبيه (٥) قال : «سألت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل ان يغسل؟ قال لا بأس وان يغسل أحب الي».

وصحيحة الحلبي (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال يرش بالماء». والتقريب في هذا الخبر ما علم من الاخبار المتكاثرة من

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٧٤ من النجاسات.

(٢ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٧٣ من النجاسات.

(٤) ص ٥٢.


استحباب الرش في موضع يقين الطهارة إذا عرض ما يؤذن بظن النجاسة أو النفرة أو نحو ذلك كملاقاة الكلب والخنزير باليبوسة ونحوهما.

ومن الأخبار الظاهرة في هذه المسألة بالنسبة إلى المتهم بعدم توقي النجاسات ما رواه الكليني والشيخ عن العيص بن القاسم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخمارها؟ قال نعم إذا كانت مأمونة». ورواه الصدوق عن العيص وطريقه إليه في المشيخة صحيح فيكون الخبر صحيحا ، وهو دال بمفهومه على المنع من غير المأمونة.

و (منها) ـ كراهة صلاة المرأة في خلخال له صوت فلو كان أصم جاز من غير كراهة ، ويدل على كل من الحكمين ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله عن الخلاخل هل يصلح لبسها للنساء والصبيان؟ قال ان كانت صماء فلا بأس وان كان لها صوت فلا يصلح». ولا اختصاص للرواية بحال الصلاة كما يظهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) نعم تدل على ذلك بإطلاقها وقال ابن البراج لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت.

و (منها) ـ كراهة الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم كذلك على المشهور ، وقال الشيخ في المبسوط : الثوب إذا كان فيه تماثيل وصور لا تجوز الصلاة فيه. وقال فيه ايضا : لا تصل في ثوب فيه تماثيل ولا خاتم كذلك. ونحوه في النهاية. ونقل عن ابن البراج انه حرم الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة ولم يذكر الثوب. وظاهر كلام الأكثر عدم الفرق في المثال بين صور الحيوان وغيره وقال ابن إدريس : إنما تكره الصلاة في الثوب الذي عليه الصور والتماثيل من الحيوان فاما صور غير الحيوان فلا بأس. وقال في الذكرى : ولعله نظر الى تفسير قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من لباس المصلي.

(٣) سورة السبإ ، الآية ١٢.


فعن أهل البيت (عليهم‌السلام) (١) انها كصور الأشجار.

أقول : وها انا انقل هنا ما وصل الي من الاخبار المتعلقة بهذا المقام مما تضمن الثياب وغيرها واذيلها بما يفهم منها من الأحكام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن التماثيل في البيت؟ فقال لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك ومن خلفك أو تحت رجلك ، وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا».

وعن عبد الله بن سنان بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه كره ان يصلى وعليه ثوب فيه تماثيل».

وعن عمار بن موسى في الموثق (٤) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب في علمه مثال طير أو غير ذلك؟ قال لا. وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك؟ قال لا تجوز الصلاة فيه».

وروى الصدوق في حديث المناهي المذكور في الفقيه (٥) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ينقش شي‌ء من الحيوان على الخاتم».

وما رواه الصدوق عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «انه سأله عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو يصلي مربوطة أو غير مربوطة؟ قال ما اشتهى ان يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل ، ثم قال ما للناس بد من حفظ بضائعهم فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه ولا يجعل شيئا منها بينه وبين القبلة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساكن.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

(٥) الوسائل الباب ٤٦ من لباس المصلي.


وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه من التماثيل».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه».

وما رواه في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليه‌السلام) في حديث الأربع مائة (٣) قال : «لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه صورة ويجوز ان تكون الصورة تحت قدميه أو يطرح عليها ما يواريها ، ولا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ويجوز ان تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها في ظهره».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلي والتماثيل قدامي وانا انظر إليها؟ قال لا. اطرح عليها ثوبا ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا وصل».

وعن محمد بن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن التماثيل تكون في البساط لها عينان وأنت تصلي؟ فقال

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلى. ولم يصف هذه الرواية بالصحة فيما وقفنا عليه من النسخ والظاهر انها هي صحيحة محمد بن مسلم الآتية بعد صحيحة ليث المرادي التي يرويها عن الشيخ بمقتضى سياق كلامه ولم نعثر في كتب الحديث على رواية بهذا اللفظ إلا في موضع واحد من التهذيب فقط. نعم في مكارم الأخلاق ص ٢٩ رواية بهذا اللفظ : «لا بأس ان تكون التماثيل في البيوت إذا غيرت الصورة» وعليه فالرواية المذكورة تكون مكررة في كلامه (قدس‌سره).


ان كان لها عين واحدة فلا بأس وان كان له عينان فلا» ورواه في الكافي الا انه قال : «تقع عينك عليه وأنت تصلي».

وعن حماد بن عثمان في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ فقال لا بأس بذلك إذا كانت مواراة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان تصلي على كل التماثيل إذا جعلتها تحتك».

وعن ليث المرادي في الصحيح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال؟ فقال لا بأس ما لم تكن تجاه القبلة فإن كان شي‌ء منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه وصل ، وإذا كان معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها من بين يديك واجعلها من خلفك».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن فراش حرير ومصلى حرير ومثله من الديباج ، الى ان قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت فيه أنماط فيها تماثيل قد غطاها؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت على بابه ستر خارجه فيه التماثيل ودونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل؟ هل يصلح له ان يرخي الستر الذي ليس فيه تماثيل حتى يحول بينه وبين الستر الذي فيه تماثيل أو يجيف الباب دونه ويصلي؟ قال نعم لا بأس. وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة أو شبهه يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه؟ قال لا حتى يقطع رأسه أو يفسده وان كان قد صلى فليس عليه اعادة. وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها؟

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.


قال : لا تصل فيها وشي‌ء منها مستقبلك إلا ان لا تجد بدا فتقطع رؤوسها وإلا فلا تصل».

ورواه في كتاب المحاسن عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت على بابه ستر. الى آخر الأسئلة والأجوبة».

وما رواه في كتاب المكارم عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ربما قمت أصلي وبين يدي وسادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا. وقال قد أهديت الي طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر. وقال ان الشيطان أشد ما يهم بالإنسان إذا كان وحده».

وعن محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ قال لا بأس ما لم يكن فيه شي‌ء من الحيوان».

وعن ابي بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انما نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفر شبها؟ قال لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ إنما يكره منها ما نصب على الحائط والسرير».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل؟ فقال لا بأس بذلك».

وما رواه الكليني في الصحيح عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) (٦) «انه أراه خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) وفيه وردة وهلال في أعلاه».

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أحكام المساكن.

(٣) مكارم الأخلاق ص ٦٩.

(٤) مكارم الأخلاق ص ٦٩ ورواه في الوسائل عن الشيخ في الباب ٩٤ من ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب لباس المصلى.


وروى في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بتماثيل الشجر».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ فقال لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ، ويجوز ان تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها في ظهره».

هذا ما حضرني من الاخبار المتعلقة بهذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع :

(الأول) لا يخفى ان أكثر هذه الاخبار وان كان ظاهره التحريم باعتبار ظاهر النهي وما ورد من المبالغة في الزجر عن ذلك إلا ان جملة منها مما يدل على الجواز مثل صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة الدالة على نفى البأس عن صلاة الرجل وفي ثوبه دراهم وفيها تماثيل ، وصحيح البزنطي الدال على الوردة والهلال في خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) كما تقدم ، وصحيحة محمد بن مسلم الدالة على نفي البأس عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، وحديث الطنفسة المنقول من المكارم الدال على تغيير صورة الطير إلى صورة الشجر ، وبعض الأخبار الواردة بلفظ «لا اشتهي ولا أحب» مضافا ذلك الى اتفاق جمهور الأصحاب على الكراهة ، فالقول بالتحريم ضعيف.

(الثاني) ـ ان ظاهر أكثر الأخبار عموم الكراهة في الصورة من ذوي الأرواح وغيرها إلا ان صحيح زرارة الدال على نفي البأس عن تماثيل الشجر ـ وصحيحة

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٤ من ما يكتسب به.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساكن.

(٣) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلى ولا يخفى ان رواية أبي بصير ومحمد بن مسلم هي حديث الأربعمائة وقد تقدمت في الحديث ٨ من هذه الأحاديث.


محمد بن مسلم الدالة على زيادة الشمس والقمر على الشجر في ذلك ، وكذلك حديث الطنفسة ، وكذلك خبر البزنطي المذكور فيه خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) ـ يدل على تخصيص الكراهة بذي الروح كما ذهب اليه ابن إدريس.

ومن ذلك ينقدح هنا اشكال باعتبار الاستدلال بهذه الاخبار على عموم الكراهة حيث انها دلت على الجواز فتحمل أخبار النهي على الكراهة جمعا بينها وبين هذه الاخبار كما تقدم ، ومتى حملت هذه الاخبار على عدم تعلق الكراهة بغير ذي الروح وخصت الكراهة بذي الروح لم يبق دليل على الكراهة لأن الأخبار دالة على النهي الذي هو حقيقة في التحريم مؤكدا ذلك بما اشتملت عليه الاخبار من المبالغة في ذلك ولا معارض لها مع قول البعض بالتحريم كما عرفت.

نعم يمكن ان يستدل على ما ذهب اليه ابن إدريس من ان محل الخلاف في المسألة تجويزا ومنعا انما هو التماثيل من ذي الروح بما تضمنه جملة من هذه الاخبار مما يدل على كون المثال من ذوي الأرواح كالتصريح بالطائر في بعض وقطع الرأس في بعض وطمس العين في بعض ونحو ذلك.

ويعضده الأخبار الدالة على ان التحريم مخصوص بتصوير ذي الروح واما غير ذي الروح من الأشجار ونحوها فلا بأس بها فعن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «في تفسير قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...» (٢) هم المصورون يكلفون يوم القيامة ان ينفخوا فيها الروح». وفي حديث المناهي المروي في الفقيه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «من صور صورة كلفه الله يوم القيامة ان ينفخ فيها وليس بنافخ. الخبر».

ويعضد ذلك كلام بعض اللغويين الدال على ان التمثال انما هو ذو الروح ، قال المطرزي في المغرب التمثال ما تصنعه وتصوره مشبها بخلق الله من ذوات الروح والصورة عام ، ويشهد لهذا ما ذكر في الأصل انه صلى وعليه ثوب فيه تماثيل كره له ذلك ، قال

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساكن و ٩٤ من ما يكتسب به.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٥٧.


وإذا قطعت رؤوسها فليس بتماثيل. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير». كأنه شك من الراوي. واما قولهم ويكره التصاوير والتماثيل فالعطف للبيان ، واما تماثيل شجر فمجاز ان صح. انتهى. وقال في المصباح المنير : التمثال الصورة المصورة ، وفي ثوبه تماثيل اي صور حيوانات مصورة.

قال في الذكرى : خص ابن إدريس (قدس‌سره) الكراهة بتماثيل الحيوان لا غيرها كالأشجار وكأنه نظر الى تفسير قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» (٢) فعن أهل البيت (عليهم‌السلام) انها كصور الأشجار. وقد روى العامة في الصحاح (٣) «ان رجلا قال لابن عباس إني أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم ، وقال ان كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له». وفي مرسل ابن ابي عمير عن الصادق (عليه‌السلام) «في التماثيل في البساط لها عينان. الحديث». كما قدمناه (٤) ثم قال وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه». وأكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس وان أطلقه كثير من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انتهى كلامه زيد مقامه. وهو يؤذن بميله الى ما ذهب اليه ابن إدريس ولا يخلو من قوة كما عرفت وان كان العمل بالقول المشهور أحوط إلا انه ـ كما قدمنا ذكره ـ يلزم ما ذكره في المبسوط من القول بالتحريم في تمثال ذي الروح وهو الذي جعله ابن إدريس محل الخلاف في المسألة إذ الاخبار التي قدمناها ظاهرة في الجواز موردها تمثال غير ذي الروح وهو خارج عن محل البحث بناء على مذهب ابن إدريس. نعم يمكن الاستدلال على الكراهة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من مكان المصلي.

(٢) سورة السبإ ، الآية ١٢.

(٣) صحيح مسلم باب «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» من كتاب اللباس والزينة.

(٤) ص ١٥١.

(٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.


حينئذ بما في ألفاظ بعض تلك الاخبار من لفظ الكراهة ولفظ «لا أحب ولا اشتهي» ونحو ذلك. وفيه ما فيه سيما مع تصريح موثقة عمار المتقدمة المشتملة على تمثال الطير بعدم الجواز والنهي.

وبالجملة فالمسألة عند التأمل في أدلتها لا تخلو من شوب الاشكال ، والمتأخرون قد أخذوها مسلمة ولم يذكروا للكراهة دليلا منقحا ورواء نقل بعض هذه الاخبار وهي على ما عرفت ، وبذلك على ما ذكرنا ان صاحب الذخيرة قد استدل للقول بالكراهة هنا بموثقة عمار المذكورة وصحيحة محمد بن إسماعيل المشتملة على سؤاله من الرضا (عليه‌السلام) عن الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل ، ولم يذكر غيرهما ، وظاهره الاعتماد في الحكم بالكراهة على لفظه «كره» في هذه الرواية فنظمها مع موثقة عمار الدالة على عدم الجواز والنهي عن تمثال الطير دليلا واحدا لأجل هذا اللفظ مع ما صرح به هو وغيره من ان ورود لفظ الكراهة في الاخبار أكثر كثير في التحريم كما تقدم قريبا ، ومع هذا الاستدلال الظاهر الاختلال نقل قول ابن إدريس بالتخصيص بصور الحيوان وقول الشيخ في المبسوط وردهما بالضعف والحال ما ترى.

(الثالث) ـ ظاهر كثير من هذه الاخبار زوال الكراهة أو التحريم على القول به بقلع رأس الصورة لو كانت صورة حيوان أو طمس عين منها ، وظاهر ذلك نقص عضو من أعضاء تلك الصورة كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد ابن مسلم : «إذا غيرت الصورة منه» وفي هذا ما يؤيد أيضا قول ابن إدريس لأنه إذا زالت الكراهة عن صورة الحيوان بمجرد نقص عضو مع ان سائر اجزائه مماثلة لما وجد منها في الخارج فالشجر وأمثاله أولى بالجواز. وتزول الكراهة بما لو لم تكن الصورة في القبلة بل كانت عن يمين أو شمال أو تحت أو فوق ، وتزول ايضا بما لو كانت في القبلة والقى عليها سترا. واما ما رواه في كتاب المحاسن في الموثق عن علي بن جعفر (١)

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من مكان المصلى.


قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن البيوت يكون فيها التماثيل أيصلى فيها قال لا». فالظاهر تقييده بالأخبار المذكورة.

(الرابع) ـ قد اتفقت الاخبار على النهي عن الصلاة في الدراهم السود مصحوبة أو مطروحة بين يديه ، وتزول الكراهة بشدها في ثوب أو جعلها الى خلفه ، إلا ان ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج تضمنت انه يشدها في صلاته على ظهره ولا يجعلها مما يلي القبلة لأنه أبعد من توهم المشابهة لعبادة الأصنام التي على تلك الدراهم وهي السبب الموجب لكراهة الصلاة وهي بارزة ، لا بمعنى انه يطرحها خلفه وقت الصلاة فإنه مناف للحفظ الذي لأجله سوغ الصلاة فيها بل ربما كان ذلك أعظم في تشويش باله وعدم توجهه في الصلاة وإقباله ، وأوضح منه في الدلالة على ما ذكرنا حديث ابي بصير ومحمد ابن مسلم وهو الأخير من الاخبار. واما صحيحة ليث المرادي فالظاهر حملها على صورة عدم الخوف عليها وان تكون مطروحة على الأرض فإنه يجعلها من خلفه وان لم يشدها في شي‌ء. واما صحيحة حماد بن عثمان فغاية ما تدل عليه زوال الكراهة بمواراتها في أي جهة كانت وان كان الأفضل ان تكون مواراتها في جهة الخلف كما تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. والمستفاد من هذه الاخبار واخبار الدراهم البيض ان الدراهم في الصدر الأول بيض اي من فضة بيضاء ويكتب عليها أسماء الله تعالى كما تقدم في باب الحيض في حديث الدراهم البيض توضع على لحم الخنزير وتأخذها الزانية وفيها أسماء الله تعالى (١) وسود اى من فضة سوداء وعليها صور الأصنام. ولا يخفى ما في هذه المناسبة من الحسن في المقام.

(الخامس) ـ جميع ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب مخصوص بالتماثيل والصور المنقوشة على الثياب أو الستور أو الخاتم أو الجدران أو نحو ذلك ، اما لو كانت الصورة مستقلة غير منقوشة على شي‌ء كصورة طير ونحوه فلم يتعرضوا للكلام فيها ولا ذكرها في ما أعلم أحد. وظاهر قوله (عليه‌السلام) في حديث علي بن جعفر المتقدم

__________________

(١) ج ٣ ص ٤٨.


المنقول في كتابي قرب الاسناد والمحاسن وقوله فيه : «وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة يعبث به أهل البيت. إلخ» هو كراهة الصلاة في ذلك البيت الذي فيه تلك الصورة حتى يقطع رأس الصورة أو يفسدها بنقص بعض أعضائها ، ويحتمل كون تلك الصورة منقوشة على جدران البيت إلا ان الظاهر من كونها يعبث بها أهل البيت بمعنى اللعب بها انما هو الأول ، وحينئذ فالأحكام المذكورة جارية في التماثيل والصور منقوشة كانت أو مستقلة.

و (منها) ـ كراهة الخضاب عند الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه ، والاخبار الواردة في الصلاة في الخضاب لا تخلو من تدافع ، والشيخ جمع بينها بما ذكره من الكراهة فأثبته في مكروهات الصلاة ، والظاهر انه غير متعين للجمع ليكون حكما شرعيا بذلك.

ولا بد من نقل الأخبار المتعلقة بذلك وبيان ما اشتملت عليه ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يختضبان أيصليان وهما بالحناء والوسمة؟ فقال إذا أبرز الفم والمنخر فلا بأس».

وعن رفاعة (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المختضب إذا تمكن من السجود والقراءة أيصلي في حنائه؟ قال نعم إذا كانت خرقة طاهرة وكان متوضئا».

وعن محمد بن سهل بن اليسع الأشعري عن أبيه عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته أيصلي الرجل في خضابه إذا كان على طهر؟ فقال نعم».

وعن عمار الساباطي في الموثق (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تصلي ويداها مربوطتان بالحناء؟ فقال ان كانت توضأت للصلاة قبل ذلك فلا

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من لباس المصلي.


بأس بالصلاة وهي مختضبة ويداها مربوطتان».

وما رواه في الكافي عن ابي بكر الحضرمي في الصحيح اليه (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وعليه خضابه؟ قال لا يصلي وهو عليه ولكن ينزعه إذا أراد ان يصلي. قلت ان حناءه وخرقته نظيفة؟ فقال لا يصلي وهو عليه والمرأة أيضا لا تصلي وعليها خضابها».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الحسن عن مسمع بن عبد الملك (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا يصلي المختضب. قلت ولم؟ قال لانه محتضر».

وعن يونس بن عبد الرحمن عن جماعة من أصحابنا (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما العلة التي من أجلها لا يحل للرجل ان يصلى وعلى شاربه الحناء؟ قال لانه لا يتمكن من القراءة والدعاء».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصلح لهما ان يصليا وهما مختضبان بالحناء والوسمة؟ قال إذا برز الفم والمنخر فلا بأس».

وأنت خبير بأنه كما يحتمل حمل رواية الحضرمي على الكراهة كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه وجعلوه بذلك حكما شرعيا ومسألة مستقلة ، يمكن ـ بل هو الأظهر ـ حمل الخبر المذكور على المانع من القراءة أو من الإتيان بها على الوجه الأكمل كما يدل عليه خبر يونس المذكور ، وعلى هذا فالمنع محمول على التحريم على الأول وعلى الكراهة على الثاني.

و (منها) ـ كراهة ما يستر ظهر القدم مما لا ساق له وان قل على المشهور بين أكثر المتأخرين وبه صرح الشيخ في المبسوط وابن حمزة ، ومثلوا له بالشمشك والنعل السندي ، وصرح جملة من المتقدمين بالتحريم كالشيخين في المقنعة والنهاية وابن البراج

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من لباس المصلي.


وسلار والفاضلين. واما ما لا يستر الظهر أو يستره وله ساق وان قل كالخف والجورب ـ وظاهرهم انهما مما له ساق ـ والنعل العربية مما لا يستر ظهر القدم فلا خلاف فيه بينهم وقال في التذكرة انه موضع وفاق بين العلماء.

وغاية ما استدل به في المعتبر على القول بالتحريم فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعمل الصحابة والتابعين فإنهم لم يصلوا في هذا النوع. قال في المدارك : وهو استدلال ضعيف (أما أولا) فلأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع. ثم لو سلمنا ذلك لم يدل على عدم الجواز لجواز ان يكون تركه لكونه غير معتاد لهم لا لتحريم لبسه و (اما ثانيا) فلان هذا الاستدلال لو تم لاقتضى تحريم الصلاة في كل ما لم يصل فيه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو معلوم البطلان. انتهى. وهو جيد.

ثم ان ظاهرهم ان مستندهم في الحكم بالكراهة انما هو تفصيا من ارتكاب ما وقع فيه الخلاف ، ولا يخفى ما فيه فان الكراهة حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح. نعم نقل العلامة في المختلف وغيره عن ابن حمزة انه عد النعل السندي والشمشك في ما يكره الصلاة فيه ، قال وروى ان الصلاة محظورة في النعل السندي والشمشك. وهذه الرواية لم تصل إلينا ، وروى الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في كتاب الاحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية المقدسة (١) «هل يجوز للرجل ان يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطى الكعبين أم لا يجوز؟ فخرج الجواب جائز». قال في القاموس : البطيط رأس الخف بلا ساق. وهذا الخبر مما يؤيد القول بالجواز وهو المعتمد ، والاحتياط لا يخفى سيما مع دعوى ورود الخبر بالنهي كما يشعر به كلام ابن حمزة المتقدم.

و (منها) كراهة البرطلة جمعا بين ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه كره لباس البرطلة». وما رواه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٨ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٤٢ من لباس المصلى.


الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلى وعليه البرطلة؟ فقال لا يضره». ومما يؤيد الكراهة أيضا ما ورد من النهي عن الطواف بها (٢) معللا في بعض تلك الأخبار بأنها من زي اليهود ولأجل ذلك كرهوا الطواف فيها ، بل قيل بالتحريم ايضا كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج. والبرطلة بضم الباء الموحدة وإسكان الراء وضم الطاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة وربما خففت : قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما.

المقدمة السادسة في المكان

ولهم فيه تعريفات عديدة لا تخلو من مناقشات ، والأجود في تعريفه ـ كما ذكره السيد السند (قدس‌سره) بالنسبة إلى الإباحة ـ انه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط ، وباعتبار الطهارة انه ما يلاقي بدن المصلي أو ثيابه.

والبحث هنا يقع في مسائل (الأولى) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط الإباحة في المكان ونعني بها هنا ما قابل الغصب ، فيدخل فيها المملوك عينا ومنفعة ، والمأذون فيه بجملة أقسامه من الاذن الصريح خصوصا كأن يأذن بالصلاة فيه أو عموما كأن يأذن بالكون فيه أو بالفحوى كإدخال الضيف للضيافة ونحوه أو بشاهد الحال كالخانات والرباطات والصحاري وسائر الأماكن المأذون في غشيانها والاستقرار فيها كالحمامات ، ولا تجوز في المغصوب عينا أو منفعة كادعاء الوصية بها أو دعوى الاستيجار كذبا وكإخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع فيه. والفرق بين غصب العين وغصب المنفعة مع استلزامه التصرف في العين انه في صورة غصب المنفعة لا يتعرض للعين بغير الانتفاع فلو أراد المالك بيعها أو هبتها لم يمنعه منها بخلاف غصب العين فإنه يمنعه من جميع التصرفات.

هذا ، وقد تقدم نقل كلام الفضل بن شاذان في المقدمة الخامسة وصراحته في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من أحكام الملابس.


جواز الصلاة في المكان المغصوب وان اثم من حيث التصرف بغير اذن المالك بشي‌ء من هذه الأنحاء المذكورة.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى : اما المغصوب فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه ، واما بطلانها فقول الأصحاب وعليه بعض العامة (١) لتحقق النهي المفسد للعبادة (قالوا) النهي عن أمر خارج عن الصلاة كرؤية غريق يحتاج إلى إنقاذه وليس هناك غير هذا المصلى (قلنا) الحركات والسكنات اجزاء حقيقية من الصلاة وهي منهي عنها وإنقاذ الغريق أمر خارج.

وقال في المدارك : اجمع العلماء كافة على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع الاختيار ، وأطبق علماؤنا على بطلانها أيضا لأن الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض فلا تكون مأمورا بها ضرورة استحالة كون الشي‌ء الواحد مأمورا به ومنهيا عنه. وخالف في ذلك أكثر العامة (٢) وحكموا بصحتها بناء على جواز كون الشي‌ء الواحد مأمورا به منهيا عنه ، واستدلوا عليه بان السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنه يكون مطيعا عاصيا لجهتي الأمر بالخياطة والنهي عن الكون. وجوابه ان المأمور به في هذا المثال غير المنهي عنه إذ المأمور به الخياطة والمنهي عنه الكون وأحدهما غير الآخر بخلاف الصلاة الواقعة في المكان المغصوب فان متعلق الأمر والنهي فيهما واحد وهي الحركات والسكنات المخصوصة (فإن قلت) الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة فإذا تعلق به النهي اجتمع الواجب والمحرم في الشي‌ء الواحد وهو الذي أنكرتموه (قلت) هذا الاجتماع انما يقتضي فساد ذلك الكون خاصة لا الخياطة ، ووجوبه على تقدير تسليمه انما هو من باب المقدمة والغرض من المقدمة التوصل الى الواجب وان كانت منهيا عنها

__________________

(١ و ٢) نسب القرافي المالكي في الفروق ج ٢ ص ٥٨ البطلان إلى الحنابلة والصحة إلى المالكية والشافعية والحنفية.


لسقوط الطلب عندها كما هو في سلوك الطريق المغصوب الى الميقات عند وجوب الحج فتأمل. انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق ـ : الظاهر ان ما ذكره في الذكرى ـ من التعليل بكون الحركات والسكنات منهيا عنها والنهي في العبادة موجب للفساد ـ فهو عليل لا يهدي الى سبيل لما قدمنا تحقيقه في مسألة اللباس من ان القدر المعلوم المتفق عليه هو ان النهي إذا توجه للعبادة من حيث هي عبادة فهو مبطل لها ، واما إذا توجه إليها باعتبار أمر خارج فلا وعلى مدعى البطلان البيان واقامة الدليل والبرهان لما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في هذا المكان زيادة على ما تقدم ، وهذه الحركات والسكنات انما توجه النهي إليها من حيث انها تصرف في مال الغير بغير اذنه ، على انا قد قدمنا ايضا منع توجه النهي بالكلية فإن النهي انما توجه الى لبس هذا الثوب من أول الأمر غاية الأمر أنه قارنه الحركات والسكنات في هذا الثوب وأحدهما غير الآخر.

واما ما ذكره في المدارك من التعليل فالظاهر ايضا انه عليل لا يبرد الغليل ، فان للقائل أن يقول ان ما ذكره ـ من ان اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد محال وهو الذي بنى عليه الاستدلال ـ ان أريد به مع اتحاد جهتي الأمر والنهي فهو مسلم ولكن الأمر هنا ليس كذلك لما عرفت في مسألة اللباس ، وان أريد ولو مع اختلافهما فهو ممنوع وعلى المدعى إثباته بالدليل القاطع والبرهان الساطع وانى به؟ ومستند المنع ما قدمنا ثمة من انه مأمور بإزالة النجاسة عن الثوب والبدن لأجل الصلاة ومنهي عن الإزالة بالمغصوب مع انه لو أزالها بالماء المغصوب صح ذلك وجاز الدخول به في الصلاة ، وكذلك ما ذكره من سلوك الطريق المغصوب الى الحج فإنه مأمور به من حيث كونه مقدمة للواجب ومنهي عنه من حيث كونه تصرفا في مال الغير بغير اذنه فقد اجتمع الأمر والنهي في شي‌ء واحد. وبعين ذلك نقول في الصلاة فإن الحركات والسكنات التي هي عبارة عن القيام والقعود والركوع والسجود مأمور بها من حيث كونها اجزاء من الصلاة


وواجبات فيها ومنهي عنها من حيث كونها تصرفا في مال الغير فتصح الصلاة وان كانت كذلك ، ويؤيد ذلك إطلاق الأمر بالصلاة ، ومدعى منع الاجتماع في ذلك ومحاليته في ذلك عليه الدليل.

وبذلك يظهر ان ادعاء كون اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد محالا ليس على إطلاقه بل انما هو مع اتحاد جهتي الأمر والنهي كما ذكرناه ، والعامة إنما حكموا في هذه المسألة بالصحة لما ذكرناه من اختلاف الجهتين وإلا فإنهم وغيرهم من كافة العقلاء لا يجوزون اجتماع الأمر والنهي مع اتحاد الجهة فيهما ، ويظهر لك ذلك من مثال الخياطة الذي أوردوه لاختلاف الجهتين فيه كما هو ظاهر في ذلك ولذلك جعلوه مطيعا عاصيا باعتبارين.

واما ما أجاب به عن كلام المخالفين بقوله : «وجوابه ان المأمور به في هذا المثال غير المنهي عنه.» فهو مردود بما استشعره أخيرا من ان حاصل استدلالهم على اجتماع الأمر والنهى في مثال الخياطة ان الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة لأن الأمر بذي المقدمة أمر بها فيكون مأمورا به لأجل الخياطة وهو منهي عنه من حيث كونه تصرفا في المغصوب بغير اذن المالك فاجتمع الأمر والنهى في شي‌ء واحد.

واما جوابه عن ذلك بقوله : «قلت هذا الاجتماع انما يقتضي فساد ذلك الكون خاصة. إلخ» فهو خروج عن موضع البحث ، إذ الكلام في انه قد منع سابقا اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد وادعى انه محال ونقل عن العامة انهم حكموا بصحته واستدلوا على ذلك بمثال الخياطة ، والحال انه بمقتضى اعترافه بان الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة فيكون مأمورا به والحال انه منهي عنه من جهة التصرف في مال الغير فقد سلم اجتماع الأمر والنهى الذي منعه سابقا وادعى محاليته ، وجوابه هذا خارج عن محل البحث لأن صحة الفعل بعد ارتكاب المنهي عنه وعدم صحته لا مدخل لها في المقام ، انما الكلام في أنهم بنوا استدلالهم في هذه المسألة على بطلان الصلاة في المكان المغصوب


على انه يلزم من القول بالصحة اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد وهو محال عقلا وكل ما استلزم المحال فهو باطل ، والحال انه قد اعترف بصحة الاجتماع في مثال الخياطة بالتقريب المذكور ، وبه يتحقق بطلان دليلهم على بطلان الصلاة في المكان المغصوب. وجوابه بان هذا الاجتماع انما يقتضي. إلخ لا تعلق له بأصل المسألة بل يكفي الخصم اعترافه بصحة الاجتماع إذ منى دليلهم على عدم جواز الاجتماع كما عرفت. على ان التحقيق ان ما ذكره من صحة الحج وسقوط الواجب مع قطع الطريق المغصوب انما نشأ من حيث اختلاف جهتي الأمر والنهي كما ذكرنا لا من حيث ما ذكره ، الا ترى انه لو نهى الشارع عن سلوك الطريق المغصوب الى الحج وحج مع سلوكه للزم اجتماع الأمر والنهى في شي‌ء واحد من جهة واحدة ولزم منه فساد الحج البتة لرجوع النهي إليه بطريق الآخرة المستلزم لفساده ، والقول بصحة الحج هنا ممنوع ولا أظنه يقول به. ومثله يأتي في مثال الخياطة لو نهى السيد عن الخياطة في مكان مخصوص فإنه يلزم اجتماع الأمر والنهي من جهة واحدة في أمر واحد ، وحينئذ فحصول الامتثال ممنوع ، وحصول الامتثال في الفرض الأول انما نشأ من حيث اختلاف جهتي الأمر والنهي وان كانا في شي‌ء واحد لا من حيث ما ذكره. وجوابه بان الاجتماع انما يقتضي فساد الكون خاصة انما يتجه على الثاني واما على الأول فإنه يقتضي فساد الخياطة وعدم الامتثال لما أمر به السيد البتة. نعم يمكن الجواب عن مثال الخياطة بأن يقال انه على تقدير وجوب المقدمة مطلقا لنا ان نقول ان الكون هنا ليس مقدمة حتى يلزم ان يكون مأمورا به بل هو من لوازم وجود الجسم ، إذ المقدمة هي الطريق التي يتوصل بها الى الشي‌ء وظاهر ان الكون ليس كذلك فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد. ولو انه (قدس‌سره) أجاب بذلك لاندفع عنه ما ذكرناه من الإيراد وتم له المراد.

وبالجملة فالمسألة ـ كما قدمنا في حكم اللباس ـ لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها بالعمل على القول المشهور ، ويؤيده ما رواه ابن ابي جمهور في كتاب عوالي اللئالي


مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «روى عن الصادق (عليه‌السلام) انه سأله بعض أصحابه فقال يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما حال شيعتكم في ما خصكم الله إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال (عليه‌السلام) ما أنصفناهم إن آخذناهم ولا أحببناهم إن عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ونبيح لهم المتاجر لتزكو أموالهم». ولو لا إرسال الخبر في هذا الكتاب الذي قد اشتمل على نوع من التساهل في نقل الاخبار لما كان عنه معدل في الحكم بما ذكره الأصحاب إلا ان تأييده ظاهر بلا ارتياب. وقد تقدم في اللباس خبران آخران لا يخلوان من التأييد أيضا في هذا المقام.

ثم انه قال في المدارك على اثر الكلام المتقدم : ومن هنا يظهر رجحان القول بصحة الطهارة الواقعة في المكان المغصوب كما قطع به في المعتبر لان الكون ليس جزء منها ولا شرطا فيها فلا يؤثر تعلق النهي في فسادها.

أقول : فيه ان الكون وان كان كما ذكره ليس جزء من الطهارة ولا شرطا فيها إلا ان حركاته في حال الوضوء كالحركات التي في الصلاة فيأتي فيها ما ذكره في الحركات في الصلاة بعينه ، فان الوضوء شرعا عبارة عن هذه الأفعال المخصوصة من أخذ الماء باليد مثلا وصبه على الوجه وغسله به وهكذا في باقي الأعضاء. وبالجملة فإن الفرق بين حركات الوضوء وحركات الصلاة غير ظاهر فبعين ما يقال هناك يقال هنا.

قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : واختلفوا في بطلان الطهارة في المكان المغصوب فذهب المحقق الى العدم بناء على ان الكون ليس جزء منها ولا شرطا فيها واليه ذهب العلامة في المنتهى ، والفرق بين الطهارة والصلاة في ذلك مشكل إذ الكون كما انه مأخوذ في مفهوم السكون مأخوذ في مفهوم الحركة وليس الوضوء والغسل إلا حركات مخصوصة ، وليس المكان منحصرا في ما يعتمد عليه الجسم فقط

__________________

(١) المستدرك الوسائل الباب ٤ من الأنفال.


فإن الملك والأحكام الشرعية لا تتعلق به خاصة بل يعم الفراغ الموهوم أو الموجود فكل منهما عبارة حقيقة عن الكون أو يشتمل عليه. انتهى.

أقول : قال في المعتبر : مسألة ـ لا تصح الصلاة في مكان مغصوب مع العلم بالغصب اختيارا وهو مذهب الثلاثة واتباعهم ووافق الجبائيان واحمد في إحدى الروايتين وخالف الباقون (١) لنا ـ أنها صلاة منهي عنها والنهي يدل على فساد المنهي عنه (لا يقال) هذا باطل بالوضوء في المكان المغصوب ، وبإزالة عين النجاسة بالماء المغصوب وبان النهي يدل على الفساد حيث يكون متناولا لنفس العبادة ، وليس في صورة النزاع كذلك بل النهي متناول لعارض خارج عن ماهية الصلاة فلا يكون مبطلا (لأنا نقول) الفرق بين الوضوء في المكان المغصوب والصلاة فيه ان الكون بالمكان ليس جزء من الوضوء ولا شرطا فيه وليس كذلك الصلاة فإن القيام جزء من الصلاة وهو منهي عنه لانه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه وكذا السجود وإذا بطل القيام والسجود وهما ركنان بطلت الصلاة ، وازالة النجاسة ليست بعبادة إلا مع نية التقرب وإذا جاز ان تقع غير عبادة أمكن إزالة النجاسة وان كان المزيل عاصيا بالإزالة كما يصح ازالة عين النجاسة من الكافر والطفل ، اما الصلاة فإنها لا تقع إلا عبادة فلا تقع صحيحة مع النهى عنها. وقوله «النهى لم يتناول العبادة» قلنا النهى يتناول العبادة بطريق اللزوم لانه يتناول القيام والسجود ويلزم من بطلانهما بطلان الصلاة. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ما أشرنا إليه في مسألة اللباس من انه بمجرد لبس الثوب المغصوب يتحقق الغصب ويترتب الإثم ابتداء واستدامة وهو أمر خارج عن الحركات المخصوصة من حيث هي حركات اعنى القيام والقعود والركوع والسجود ، غاية ما في الباب انها قارنت ذلك التصرف المحرم المنهي عنه والنهي عن المقارن لا يوجب النهي عن المقارن الآخر ، فتوجه النهي إلى القيام والسجود كما ذكره ممنوع.

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ص ١٦٣.


و (ثانيا) ـ انه مع تسليم تعلق النهي بذلك فانا لا نسلم الفساد إلا إذا كان النهي عن هذه الأشياء من حيث الصلاة ، لأن النهي عن العبادة إنما يبطلها إذا توجه لها من حيث كونها عبادة ، واما لو توجه إليها باعتبار أمر خارج كما في ما نحن فيه فإنه في معنى النهي عن أمر خارج. ومدعى الإبطال في الصورة المذكورة عليه البيان فان المحال الذي رتبوه على الصحة في العبادة متى كانت منهيا عنها من حيث لزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد انما هو في ما إذا اتحدت جهتا الأمر والنهي كما تقدم ذكره لا مع التعدد كما عرفت.

و (ثانيا) ـ ان ما ذكره في الفرق بين الصلاة والوضوء غير موجه ولا ظاهر ، وذلك لان المكان كما يطلق على ما يستقل عليه الإنسان ويعتمد عليه كذلك يطلق على الفراغ الذي يشغله بدن الإنسان كما عرفت في تعريفه الذي ذكروه في هذا المقام من انه الذي يشغله بدن المصلي أو يعتمد عليه ، وحينئذ فللقائل ان يقول كما ان القيام في الصلاة منهي عنه لانه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه كذلك حركات اليد في الوضوء في هذا الفراغ منهي عنها لأنها حركات في المكان المنهي عن الحركة فيه وإذا بطلت هذه الحركات المنهي عنها بطل الوضوء. وبذلك يظهر انه لا فرق ـ لو ثبت ما ذكره ـ بين الصلاة والطهارة في المكان المغصوب.

و (رابعا) ـ ما ذكره في الذكرى من ان الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان فالأمر بها أمر بالكون مع انه منهي عنه. أقول كأنه يشير بذلك الى لزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد إلا انك قد عرفت ما فيه من انه مع تعدد جهتي الأمر والنهي فلا مانع من ذلك ولا محذور فيه.

واما ما أطال به في الذخيرة في الرد عليه فمما لا طائل تحته متى أحطت خبرا بما ذكرناه من التحقيق في المقام.

وبالجملة فالمسألة لخلوها من النصوص لا تخلو من شوب الاشكال ، والاعتماد على


التعليلات العقلية في الأحكام الشرعية مجازفة بل جرأة علي ذي الجلال ، ولا سيما مع ما عرفت من قبول الأمور العقلية للاختلاف باختلاف الأفكار والافهام وتطرق الاختلال.

هذا ، وممن صرح بطلان الطهارة في المكان المغصوب العلامة في النهاية والتذكرة قال : وكذا لو أدى الزكاة وقرأ القرآن المنذور في المكان المغصوب لا يجزئان. اما الصوم في المكان المغصوب فجزم بصحته لانه لا مدخل للكون فيه. وأورد عليه بعدم الفرق بين الصوم وقراءة القرآن مثلا.

إذا عرفت ذلك فتنقيح البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور :

(الأول) ـ الظاهر انه لا خلاف في معذورية جاهل أصل الغصب ، واما جاهل الحكم فالمشهور فيه عدم المعذورية ، ومال في المدارك تبعا لبعض مشايخه المحققين ـ والظاهر انه المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) ـ إلى المعذورية.

واما ناسي الغصب فظاهر الأصحاب ان الكلام فيه هنا كالكلام في اللباس ونحن قد قدمنا في ذلك البحث قوة التفصيل بين الوقت وخارجه والإعادة في الأول دون الثاني ، وصاحب المدارك قد اختار هنا ما اختاره المصنف من عدم الإعادة مطلقا ، حيث قال بعد ان ذكر ان صحة صلاة الجاهل بالغصب موضع وفاق بين العلماء : لان البطلان تابع للنهي وهو انما يتوجه الى العالم والأصح ان الناسي كذلك لارتفاع النهي بالنسبة اليه ولهذا اتفق الكل على عدم تأثيمه. انتهى. أقول لا يخفى ان هذا الكلام على إطلاقه لا يخلو من الإشكال لأنه لو تم لاقتضى اطراده في غير مقام من عبادات الناسي مع انه لا خلاف في بطلان صلاة من نسي ركنا من الصلاة ، وأيضا فإنه استفاضت الاخبار بوجوب إعادة الصلاة على من صلى في النجاسة ناسيا ، وقد علل (عليه‌السلام) في بعض تلك الأخبار وجوب الإعادة بإهماله التذكر حيث قال (عليه‌السلام) (١) «يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه». وهو ـ كما ترى ـ صريح

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من النجاسات.


في عدم معذورية الناسي لان العقوبة على النسيان وعدم التذكر لا تجتمع مع المعذورية ، وغاية ما يفيده حديث رفع القلم (١) هو عدم العقوبة لا صحة الصلاة وأحدهما غير الآخر وبذلك يظهر ما في استناده الى الاتفاق على عدم التأثيم.

وبالجملة فالمسألة بالنسبة إلى المكان واللباس غير منصوصة والتعليل المذكور لا يصلح لتأسيس حكم شرعي لما عرفت ، وأحكام الناسي في الاخبار في جملة من الأحكام مختلفة ففي بعضها كما تقدم انه غير معذور وفي بعض كنسيان الصوم والأكل فيه حكموا (عليهم‌السلام) بصحة الصوم وعدم وجوب الإعادة مطلقا. ومن ذلك يعلم انه ليس له حكم كلي ولا قاعدة مطردة فالواجب الوقوف على موارد النصوص في كل جزئي ورد الحكم فيه بالعموم أو الخصوص وإلا فالوقوف على ساحل الاحتياط. والله العالم.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب انه لا فرق في عدم جواز الصلاة في الملك المغصوب بين الغاصب وغيره ممن علم بالغصب. وجوز المرتضى والشيخ أبو الفتح الكراجكي الصلاة في الصحاري المغصوبة استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب ، ونفى عنه البعد شيخنا المجلسي في البحار. ولو صلى المالك في المكان المغصوب صحت صلاته إجماعا إلا من الزيدية على ما ذكره في الذكرى. ولو اذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة صحت لارتفاع المانع.

وقال الشيخ في المبسوط : لو صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجزئ الصلاة فيه ولا فرق بين ان يكون هو الغاصب أو غيره ممن اذن له في الصلاة فيه لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل هذه العبارة : واختلف في معناه ففي المعتبر ان الآذن المالك لانه قال الوجه الجواز لمن اذن له المالك ، وقال الفاضل الآذن

__________________

(١) المراد به حديث الرفع المروي في الوسائل في الباب ٥٦ من جهاد النفس وهو قوله «ص» «رفع عن أمتي تسعة أشياء : السهو والخطأ والنسيان. الحديث» ..


الغاصب. وكلاهما مشكل (اما الأول) فلما قاله في المعتبر. و (اما الثاني) فلانه لا يذهب الوهم الى احتمال جواز اذن الغاصب فكيف ينفيه الشيخ معللا بما لا يطابق هذا الحكم؟ ويمكن توجيه الأول بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة كما لو باعه فإنه باطل ولا يجوز للمشتري التصرف فيه. ويجوز ان يقرأ «إذن» بصيغة المجهول ويراد به الاذن المطلق المستند الى شاهد الحال فان طريان الغصب يمنع من استصحابه كما صرح به ابن إدريس ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وتعليل الشيخ مشعر بهذا. انتهى.

وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل عبارة الشيخ المذكورة : والظاهر ان مراده بالإذن إذن الغاصب وان كان الوهم لا يذهب إلى تأثير إذنه في الصحة ، إذ يمكن ان يكون الاشتراط مبنيا على العرف وان الغالب انه لا يتمكن الغير من الصلاة فيه الا بإذن الغاصب الغالب. وحمله على ارادة المالك كما هو ظاهر المعتبر بعيد جدا إذ لا جهة للبطلان حينئذ ووجهه في الذكرى بان المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة كما لو باعه فإنه باطل ولا يجوز للمشتري التصرف فيه. وفيه نظر لمنع الأصل وبطلان القياس فلا يتم الحكم في الفرع. ثم نقل ما احتمله في الذكرى من القراءة بصيغة المجهول وما فرعه عليه ، ثم قال : وليت شعري ما المانع من الحمل على ما ذكرناه مع انه أظهر في عبارته لفظا ومعنى وما الداعي إلى الحمل على ما يوجب تلك التكلفات؟ وسمعنا ان بعض أفاضل المتأخرين ممن ولى عصرنا زاد في الطنبور نغمة وحكم بأنه لا يجوز للمالك ايضا ان يصلي فيه لانه يصدق عليه انه مغصوب ، وهذا فرع ورود تلك العبارة في شي‌ء من النصوص ولا نص فيه على الخصوص بل انما يستدلون بعموم ما دل على عدم جواز التصرف في ملك الغير ثم يحتجون للبطلان بأن النهي في العبادة موجب للفساد ولا يجري ذلك في المالك ومن اذن له ، فكم بين من يحكم بجواز الصلاة وصحتها للغاصب وغيره وان منع المالك صريحا وبين من يقول بهذا القول؟ انتهى كلام شيخنا المشار اليه. وهو جيد. ولعمري ان


من عرف الشيخ وطريقته يقطع ويجزم بأنه لا يذهب الى هذه التدقيقات التي وجه بها في الذكرى كلام المحقق في المعتبر واحتمال القراءة بصيغة المجهول.

(الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو امره الآذن بالكون في المكان صريحا أو فحوى بالخروج قبل الاشتغال بالصلاة والوقت متسع فإنه يجب عليه الخروج على الفور لمنع التصرف في مال الغير بغير اذنه فكيف مع النهى صريحا؟ فلو اشتغل بالصلاة والحال هذه بطلت عندهم كما تقدم ذكره لتوجه النهي إلى العبادة الموجب لفسادها وفيه ما عرفت مما تقدم تحقيقه.

انما الخلاف في ما إذا اشتغل بالصلاة قبل الأمر بالخروج ، وفيه وجوه بل أقوال : (الأول) ـ وهو مختار العلامة في الإرشاد وجماعة ـ انه يجب عليه الخروج ويتمها وهو خارج ولا يقطعها ، وعللوه بان فيه جمعا بين حق الله تعالى وامره بإتمام العمل وعدم إبطال العمل وبين حق الآدمي. وأورد عليه بأنه يشكل باستلزامه فوات كثير من أركان الصلاة وبعض شرائطها مع إمكان الإتيان بها كاملة متى كان الوقت متسعا كما هو المفروض ووجوب أتمم العمل مطلقا بحيث يشمل محل النزاع ممنوع.

والثاني ـ وهو الظاهر من كلام الشيخ والمحقق واختاره في المدارك ـ قطع الصلاة مع سعة الوقت وإتمامها مشتغلا بالخروج مع ضيقه (اما الأول) فلعدم جواز الإتمام مستقرا لانه تصرف في ملك الغير بغير رضاه ، وعدم جواز الإتمام خارجا لاستلزامه فوات كثير من الأركان والشرائط والحال انه يمكن الإتيان بها على وجهها بعد الخروج و (اما الثاني) فلأنهما حقان مضيقان فيجب الجمع بينهما بحسب الإمكان وليس إلا ما ذكر

والثالث ـ الإتمام مستقرا مطلقا وهو اختيار الشهيد في الذكرى والبيان تمسكا بمقتضى الاستصحاب وان الصلاة على ما افتتحت عليه (١) وأورد عليه ان منعه ظاهر لتعلق النهي المنافي للصحة. ويزيده تأييدا بناء حق العبادة على التضييق.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من نية الصلاة.


و (الرابع) ـ الفرق بين الاذن بالصلاة والاذن بالكون المطلق فيتم في الأول مستقرا وهو مختار العلامة في أكثر كتبه ، واما في الثاني فاحتمل الأوجه الثلاثة في القواعد والتذكرة وفي النهاية احتمل الأوجه الثلاثة في صورة سعة الوقت واستقرب بطلان الصلاة في صورة الضيق.

و (الخامس) ـ الفرق بين الاذن في الصلاة أو في الكون المطلق أو بشاهد الحال أو الفحوى فيتمها في الأول مطلقا ويخرج في الباقي مصليا مع الضيق ويقطعها مع السعة ، ذهب اليه شيخنا الشهيد الثاني في الروض قال وهذا هو الأجود ، ثم قال ووجهه في الأول ان اذن المالك في الأمر اللازم شرعا يفضي الى اللزوم فلا يجوز له الرجوع بعد التحريم كما لو اذن في دفن الميت في أرضه أو اذن في رهن ماله على دين الغير فإنه لا يجوز له الرجوع بعدهما. وفي البواقي ان الاذن في الاستقرار لا يدل على إكمال الصلاة بإحدى الدلالات فإنه أعم من الصلاة والعام لا يدل على الخاص وشاهد الحال أضعف من الإطلاق. واما القطع مع السعة فلاستلزام التشاغل بها فوات كثير من أركانها مع القدرة على الإتيان بها على الوجه الأكمل بخلاف ما لو ضاق الوقت فإنه يخرج مصليا مومئا للركوع والسجود بحيث لا يتثاقل في الخروج عن المعتاد مستقبلا ما أمكن قاصدا أقرب الطرق تخلصا من حق الآدمي المضيق بحسب الإمكان. انتهى كلامه زيد مقامه.

قالوا وكذا يخرج متشاغلا بالصلاة لو امره بالخروج مع ضيق الوقت قبل الشروع في الصلاة جمعا بين الحقين كما تقدم.

أقول : لا يخفى ان المسألة لما كانت عارية من النصوص كثرت فيها الاحتمالات وتصادمت فيها التخريجات والحكم فيها مشكل لما عرفت ، والاحتياط مطلوب بل واجب لأن المسألة من الشبهات التي يجب فيها الاحتياط عندنا إلا ان الأقرب الى قواعدهم والأنسب بضوابطهم هو قطع الصلاة مع الاشتغال بها في سعة الوقت والإتيان بها كاملة الأفعال بعد الخروج ، واما مع ضيق الوقت فان مقتضى قواعدهم في مثل هذه الصورة


هو وجوب الإتمام مستقرا آتيا بأفعالها في المكان المغصوب ، وذلك فان اباحة المكان عندهم انما هو من شروط الصحة كستر العورة وطهارة الساتر ونحوهما ، وقد قرروا في الأصول ان شروط الصحة انما تجب مع الإمكان وإلا سقط اعتبارها ، وقد ساعدتهم الاخبار على ذلك لما ورد في من فقد الساتر انه يصلي عاريا ، ومن فقد الطهارة صلى بالنجاسة على أشهر القولين وأظهرهما ، ومن فقد القبلة صل الى اي جهة شاء أو الى أربع جهات (فان قيل) انا لا نمنع من الصلاة والإتيان بها بالكلية ليلزم ما ذكرتم فانا نوجب عليه الصلاة لكن بهذه الكيفية المتقدمة مشتغلا بالخروج (قلنا) من الظاهر ان الصلاة المأمور بها شرعا المنصرف إليها الإطلاق هي الصلاة المعهودة المشتملة على الإتيان بالأركان والواجبات على وجهها واستقبال القبلة ونحوها وهي المعلومة عن صاحب الشرع ، خرج ما خرج منها بدليل كصلاة المريض وصلاة الحرب وصلاة الخوف والصلاة في السفينة ونحو ذلك مما دلت عليه الأدلة الشرعية وبقي ما بقي. ويعضده انه لم يقم دليل على هذا الشرط من أصله أعني اشتراط الإباحة في المكان ، وبالجملة فالوقوف على جادة الاحتياط طريق السلامة من الوقوع في هذا الاحتباط. والله العالم.

(الرابع) ـ هل تبطل الصلاة تحت السقف والخيمة المغصوبين مع اباحة المكان أم لا؟ اشكال لا من حيث المكان إذ لا يدخل ذلك في تعريف المكان المتقدم وانما هو من حيث ان هذا تصرف في المغصوب إذ التصرف في كل شي‌ء بحسب ما يليق به وما أعد له ولا ريب ان الغرض من الخيمة والسقف هو الجلوس تحتهما ، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض بعد تعريف المكان بتعريفين ذكرهما والبحث فيهما ما لفظه : وعلى التعريفين لا تبطل صلاة المصلي تحت سقف مغصوب أو تحت خيمة مغصوبة مع اباحة مكانهما لانتفاء اسم المكان فيهما ، هذا من حيث المكان اما من حيث استلزام ذلك التصرف في مال الغير فيبني على ان منافاة الصلاة لحق الآدمي هل يعد مبطلا لها أم لا؟ بل يمكن بناؤها على حكم الصلاة في المستصحب المغصوب غير الساتر ، وقد تقدم الكلام فيه وان


الدليل العقلي لا يساعد على البطلان فإن النهي ضمنا انما يتوجه الى الضد العام للتخلص من المغصوب وهو تركه لا للاضداد الخاصة. وبالجملة فلا نص يعول عليه في أمثال ذلك ولا يتحقق بدونه الحكم ببطلان الصلاة بالنهي عما ليس شرطا للصلاة ولا جزء. والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى. أقول : وملخصه هو صحة الصلاة وان اثم من حيث التصرف في المغصوب بناء على ما قدمناه من ان التصرف في كل شي‌ء بحسب ما يليق به وما يترتب عليه من المنفعة. وهو جيد.

(الخامس) ـ هل يكفي في شاهد الحال في هذا المقام الدلالة الظنية أو لا بد من العلم؟ قولان ظاهر المشهور الأول وصرح جمع : منهم ـ السيد السند في المدارك بالثاني ، وأكثر الأصحاب فسره بما إذا كان هناك امارة تشهد بان المالك لا يكره وهو أعم من العلم.

ويمكن ان يؤيد القول المشهور بعمومات الأخبار الدالة على جعل الأرض مسجدا له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) فان المراد به محل الصلاة كما فسره به الأصحاب (رضوان الله عليهم) وأطلق السجود على الصلاة تسمية للكل باسم الجزء ، وفي بعض تلك الأخبار «جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا. الحديث» (٢). وفي بعض آخر «ان الله تعالى جعل لي الأرض مسجدا وطهورا أينما كنت أتيمم من تربتها وأصلي عليها» (٣).

وأنت خبير بأن الأنسب بسعة هذا الامتنان منه سبحانه على رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى أمته هو الاكتفاء بمجرد ظن الرضا ، على ان اعتبار العلم ينفي فائدة هذا الحكم إذ قلما يتحقق ذلك في مادة.

والظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الفاضل الخراساني في الذخيرة وشيخنا المجلسي في البحار ـ هو جواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر المالك بالكون فيه وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وان فرضنا عدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من التيمم.

(٢ و ٣) مستدرك الوسائل الباب ٥ من التيمم.


العلم برضا المالك هناك على الخصوص ، نعم لو ظهرت كراهة المالك لامارة لم تجز الصلاة فيه مطلقا. وكيف كان فالظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في الصحاري والبساتين إذا لم يتضرر المالك بها ولم تكن امارة تشهد بعدم الرضا وان لم يأذن المالك صريحا أو فحوى. وفي حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف به المصلي كالحمامات والخانات والأرحية ونحوها. ولا يقدح في الجواز كون الصحراء لمولى عليه بشهادة الحال ولو من الولي ، قال في الذكرى : ولو علم انها لمولى عليه فالظاهر الجواز لإطلاق الأصحاب وعدم تخيل ضرر لا حق به فهو كالاستظلال بحائطه ولو فرض ضرر امتنع منه ومن غيره. ووجه المنع ان الاستناد الى ان المالك اذن بشاهد الحال والمالك هنا ليس أهلا للإذن. إلا ان يقال ان الولي أذن هنا والطفل لا بد له من ولي. انتهى. وبالجملة فالعمدة عموم الأخبار المشار إليها آنفا إذا لم تخرج تلك الافراد منها بدليل. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تساوي الرجل والمرأة في موقف الصلاة وكذا تقدم المرأة مع عدم البعد والحائل ، فقال الشيخان وأبو الصلاح وابن حمزة بالمنع والظاهر انه المشهور بين المتقدمين وهو المختار ، وقال المرتضى في المصباح انه مكروه غير مبطل لصلاة أحدهما وبه قال ابن إدريس وهو المشهور بين المتأخرين.

والأصل في ذلك اختلاف الاخبار وبه اختلفت الانظار والأفكار ، وها انا اذكر لك ما وقفت عليه من الاخبار مذيلا لكل منها بما يكشف عن معناه نقاب الإبهام ومنبها على ما هو المستفاد منها في المقام على وجه تذعن اليه ثواقب الافهام :

فمن أخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي (صلى

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مكان المصلى.


الله عليه وآله) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد ان يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد».

أقول : هذا الخبر بحسب ظاهره مما يدل على الجواز وبه استدل في المدارك على ذلك إلا انه لم يذكر منه إلا الى قوله «وهو يصلي» وأسقط قوله «فإن النبي كان يصلي. إلخ» وأنت خبير بأنه وان دل على الجواز كما ذكروه إلا ان التعليل الذي اشتمل عليه الخبر لا يلائمه ولا ينطبق عليه ولهذا استظهر المحدث الكاشاني في الوافي حصول التصحيف في الخبر وان الصواب في العبارة «انه لا بأس ان تضطجع المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي» وتأوله بعض بتأويلات تخرجه عن الاستدلال لينطبق التعليل فيه على الكلام المتقدم ، وحينئذ فالخبر من حيث هذه العلة لا يصلح للاستدلال. والعجب من السيد (قدس‌سره) في تركه تتمة الخبر والحال كما ترى ومثل هذا معيب عند المحدثين كما نبه عليه غير واحد ، فإن التتمة المذكورة مما لها مدخل في الخبر من حيث التعليل ، ولهذا ان الناظر في الخبر بتمامه لا يخفى عليه ما فيه من العلة الموجبة لتوقفه عن الاستدلال به والناظر في ما ذكره من الخبر يجزم بصحة الاستدلال به على الجواز ، وبذلك يظهر العيب في ترك نقله بتمامه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب بسند فيه ابن فضال عن من أخبره عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه؟ قال لا بأس». وهذه الرواية بحسب ظاهرها دالة على الجواز إلا انه سيأتي في معارضتها ما هو أرجح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة فيجب حملها على وجود الحائل أو بعد عشرة أذرع كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) وهو وان كان بعيدا في حد ذاته إلا انه في مقام الجمع بينها وبين أخبار المسألة الآتية غير بعيد كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من انطباق أخبار المسألة كملا على المنع ، فإنه إذا اتفقت الأخبار كلها على ذلك ولم تخرج

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.


إلا هذه الرواية فالواجب ردها إليها وإلا فطرحها البتة.

ومنها ـ صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كان بينها وبينه قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فساعدا فلا بأس». أقول : وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على الجواز ايضا. وفيه انه لا يظهر وجه لاشتراط هذا المقدار المذكور في الرواية مع جواز المساواة ، فالظاهر حملها ـ كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من غيرها ـ على تقدم الرجل بهذا المقدار على المرأة فإنه كاف للجواز لحصول التقدم بذلك وانما الممنوع منه هو المساواة ، وكيف كان فظهور هذا الاحتمال مما يمنع من الاستناد إليها في الاستدلال.

ومنها ـ صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سأل عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد فقال إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذائه وحدها وهو وحده لا بأس». وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك ايضا على الجواز والظاهر هو حملها على ما حمل عليه سابقها من تقدم الرجل بالشبر ، والمراد بالمحاذاة في الخبر مجرد القرب لا المساواة في الموقف كما سيأتي نحوه في موثقة عبد الله بن بكير فلا منافاة. وبذلك صرح شيخنا البهائي زاده الله بهاء وشرفا في كتاب الحبل المتين فقال بعد حمل الخبر المذكور على ما ذكرناه : واما ما يترائى من منافاته لقوله (عليه‌السلام) «صلت بحذائه» فيمكن توجيهه بحصول المحاذاة بين بعض أعضائه وأعضائها في حالتي الركوع والسجود وهو كاف في إطلاق كون صلاتها بحذائه. انتهى.

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن ابي يعفور (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ فقال لا إلا ان تتقدم هي أو أنت ، ولا بأس ان تصلي وهي بحذائك جالسة أو قائمة». وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على ما اختاره من الجواز ، والظاهر ان بناء الاستدلال بها من حيث توهم حملها على جواز تقدم المرأة على

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.


الرجل حال صلاتهما معا ، وهو غلط بل سياق الرواية ينادي بأن المراد بالتقدم انما هو في ان يصلي الرجل أولا وحده أو المرأة وحدها ثم يصلي الآخر بعده وإلا فكيف يمنع (عليه‌السلام) المحاذاة ويجوز تقدم المرأة وهي أشد في المنع؟ ويعضده ايضا قوله في الخبر : «ولا بأس ان تصلي وهي بحذائك جالسة» وهو إشارة إلى ثبوت البأس في ما منع منه من المحاذاة حال الصلاة الذي تعلق به السؤال.

ومنها ـ صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة تصلى عند الرجل؟ فقال لا تصلى المرأة بحيال الرجل إلا ان يكون قدامها ولو بصدره». وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على ما ذهب اليه من الجواز ايضا وهي ظاهرة كغيرها مما عرفت من أكثر الأخبار المتقدمة في العدم ، نعم هي ظاهرة في الاكتفاء في تقدم الرجل المجوز لصلاته مع المرأة في مكان واحد بالتقدم ولو بمقدار صدره ، وهذا مما يقرب من اشتراط التقدم بشبر ونحوه.

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «في المرأة تصلي عند الرجل؟ فقال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس». وهذه ايضا مما استدل بها في المدارك على الجواز وهي في الدلالة على خلافه أظهر إذ ظاهرها انما هو الجواز مع الحائل ومفهومها ثبوت البأس مع عدم الحائل فهي عليه لا له.

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟ فقال لا ينبغي له ذلك فان كان بينهما ستر أجزأه». هكذا في رواية الكافي للخبر المذكور ورواه الشيخ في التهذيب بلفظ «شبر» وزاد «يعني إذا كان الرجل متقدما على المرأة بشبر» وهذه الزيادة يحتمل ان تكون من كلام الشيخ ويحتمل ان تكون من الراوي.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٨ من مكان المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلى.


قال في المدارك : ولفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة ، والظاهر ان الستر بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق ، وقال الشيخ في التهذيب ان المعنى ان الرجل إذا كان متقدما على المرأة بشبر أجزأه وهو بعيد. انتهى. أقول : ظاهره ان مبنى استدلاله بالخبر المذكور على ما ذكره من ان لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة. وفيه منع فإنه ان أراد ظهوره في عرف الناس فهو مسلم ولكن لا يجدي نفعا وان أراد في عرفهم (عليهم‌السلام) فهو ممنوع لما أوضحناه في غير مقام مما تقدم في مباحث الكتاب من ان الحق ان هذا اللفظ من الألفاظ المشتركة في عرفهم (عليهم‌السلام) فلا يحمل على أحد معنييه إلا مع القرينة والقرينة هنا ظاهرة في التحريم لان قوله (عليه‌السلام) «فان كان بينهما ستر أجزأه» يدل بمفهوم الشرط الذي هو حجة عنده وعند المحققين على عدم الاجزاء مع عدمه وحينئذ فتكون الرواية من أدلة الشيخين ومن تبعهما في القول بالتحريم. ومثل هذه الرواية ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي عن محمد الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟ قال لا ينبغي ذلك إلا ان يكون بينهما ستر فان كان بينهما ستر أجزأه». وهي أظهر في ما قلناه هذا كله على تقدير ما نقله من الرواية بلفظ الستر واما على ما في رواية الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب من لفظ الشبر بالشين المعجمة والباء الموحدة فالوجه فيه ما ذكره الشيخ من تقدم الرجل بهذا المقدار واستبعاده له بعيد كما أشار إليه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين.

ومنها ـ صحيحة حريز أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه؟ فقال إذا كان بينهما موضع رجل فلا بأس». والتقريب فيها ما تقدم في أمثالها من تقدم الرجل بذلك المقادير المذكورة إلا انه قدره هنا بموضع الرجل وهو ما يجعل على البعير كالسرج للفرس وهو يقرب من الذراع.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلى.


ومنها ـ رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل والمرأة يصليان في وقت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذائه؟ فقال لا إلا ان يكون بينهما شبر أو ذراع». والتقريب فيها ظاهر حيث نهى عن المحاذاة إلا مع تقدم الرجل بالشبر أو الذراع

وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : «سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ فقال لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة». وهي ظاهرة في التحريم كما اخترناه.

وصحيحة إدريس بن عبد الله القمي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وبحياله امرأة نائمة على فراشها جنبا؟ فقال ان كانت قاعدة فلا تضره وان كانت تصلي فلا». وهي كسابقتها ظاهرة في التحريم.

ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي والمرأة بحذائه يمنة أو يسرة؟ قال لا بأس به إذا كانت لا تصلى». وهي ظاهرة في المدعى ايضا.

وموثقة ابن بكير عن من رواه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه أو الى جانبه؟ فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس». وهي كالأخبار المتقدمة في الجواز بشرط تقدمه عليها بهذا المقدار الذي يقرب من شبر أو ذراع.

ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في المحمل؟ قال لا ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده». وهي صريحة في المطلوب كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المتضمنة للصلاة في المحمل أيضا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٤ من مكان المصلي.

(٥) الوسائل الباب ٦ من مكان المصلي.

(٦) الوسائل الباب ١٠ من مكان المصلى.


وموثقة عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وان كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وان كانت تصلي خلفه فلا بأس وان كانت تصيب ثوبه. الحديث».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يصلي الضحى وامامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع؟ قال لا بأس ليمض في صلاته».

أقول : ان المستفاد من هذه الاخبار بعد ضم مجملها الى مفسرها ومطلقها الى مقيدها ان الواجب في صلاة الرجل مع المرأة في مكان دفعة ان المرأة ان كانت متقدمة فلا بد من حاجز أو قدر عشرة أذرع فصاعدا ، وهكذا إذا كانت الى أحد جانبيه محاذية له في الموقف فلا بد من أحد الأمرين ، واما مع تأخرها ولو بشي‌ء من المقادير المذكورة في تلك الاخبار فإنه لا بأس وصلاة كل منهما صحيحة ولا يشترط هنا أزيد من ذلك.

وبذلك يظهر ما في كلامه في المدارك وكذا من تبعه حيث قال بعد نقل الأخبار التي أشرنا إلى انه استدل بها. ما صورته : وجه الدلالة من هذه الأخبار اشتراكها في عدم اعتبار الحائل أو التباعد بالعشرة وإذا انتفى ذلك ثبت الجواز مطلقا إذ لا قائل بالفصل ، وعلى هذا فيجب حمل الأخبار المقيدة على الاستحباب صونا للاخبار من التنافي ، ولا ينافي ذلك اختلاف القيود لان مراتب الفضيلة مختلفة ، وبالجملة فهذا الاختلاف قرينة الاستحباب. انتهى.

أقول : قد عرفت انه لا اختلاف هنا بين الأخبار المذكورة بل كلها متفقة الدلالة عدا رواية جميل المتقدمة أول الروايات على ما ذكرناه. قوله ـ وجه الدلالة من هذه الاخبار اشتراكها في عدم اعتبار الحائل أو التباعد ـ مردود بأن الحائل والتباعد المذكورين انما يعتبران في تقدم المرأة على الرجل أو محاذاتها لأحد جانبيه بحيث تساويه في الموقف

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من مكان المصلي.


لا في صورة تأخرها وان كان قليلا. ومنشأ الشبهة عنده ان أكثر الروايات الدالة على الشبر أو الذراع أو ما لا يتخطى ونحو ذلك من التقديرات المذكورة قد حملها على مساواة الرجل للمرأة في الموقف ولكن تتباعد عنه بهذه المقادير كما يشير اليه قوله : «ولا ينافي ذلك اختلاف القيود» يعني اختلاف التباعد بكونه بعشرة أذرع في بعض وقدر عظم الذراع في بعض وما لا يتخطى في ثالث وهكذا. وهو غلط محض فان هذه الروايات لإجمالها وان أوهمت ذلك لكن هنا أخبار أخر قد صرحت بما ذكرناه من ان المراد بهذه المقادير في تقدم الرجل على المرأة لا مع المحاذاة مثل موثقة ابن بكير الدالة على نفي البأس إذا كان سجودها مع موضع ركوعه ، وصحيحة زرارة الدالة على انه لا يجوز ان تصلي بحياله إلا ان يكون الرجل قدامها بصدره وهو مما يقرب من الشبر. وبذلك يظهر لك وجه حمل إجمال تلك الأخبار على هذين الخبرين وبه يحصل انتظام هذه الاخبار مع اخبار المنع الصريحة في التحريم كما قدمناها ، على ان ما ذكرناه ان لم يكن متعينا فلا أقل من ان يكون محتملا وبه يسقط استدلاله بهذه الأخبار وحينئذ فلا تصلح لمعارضة ما قدمناه من الأخبار الصريحة والظاهرة في التحريم حتى انه يرتكب الجمع بحمل ما ذكره من رواية عمار ونحوها على الكراهة زعما منه انحصار دليل التحريم في رواية عمار ونحوها مما ذكره ، واما على ما ذكرناه من القول بالتحريم وحمل إجمال تلك الروايات التي توهم فيها ما ذكرناه على الروايات المفصلة فإن الروايات تكون متفقة على تحريم تقدم المرأة ومساواتها للرجل إلا مع الحائل أو البعد بعشرة أذرع واما مع التأخر ولو بشي‌ء من تلك المقادير فلا إشكال في صحة صلاتهما.

ثم انه قال في المدارك بعد ما نقلناه عنه من الروايات وما ذيلها به مما أوضحنا بطلانه : احتج المانعون بموثقة عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «انه سئل عن الرجل.». ثم ذكرها كما قدمناه ثم قال وصحيحة محمد عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل. الخبر». وقد قدمناه ، ثم قال وصحيحة علي


ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن امام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه وهي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ فقال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة». والجواب بحمل النهي في الروايتين الأوليين على الكراهة وحمل الأمر بالإعادة في الرواية الأخيرة على الاستحباب صونا للاخبار عن التنافي ، مع ان الأمر بالإعادة لا يتعين كونه بسبب المحاذاة لاحتمال ان يكون بسبب اقتدائها في صلاة العصر بمن يصلي الظهر مع اعتقادها انها العصر فلا تدل على أحد الأمرين نصا. انتهى.

وفيه (أولا) ان دليل التحريم غير منحصر في ما ذكره لما عرفت من الاخبار التي قدمناها وبينا دلالتها على ذلك.

و (ثانيا) ما عرفته في غير موضع مما تقدم من انه لا دليل على هذا الجمع بين الاخبار من الحمل على الكراهة والاستحباب وان اتخذوه طريقا مهيعا في جميع الأبواب ، وكيف يحصل صون الاخبار عن التنافي مع تصريحهم في الأصول بأن الأصل في الأمر الوجوب وفي النهي التحريم وبموجب ذلك يلزم العقاب والعذاب على ترك ما أمر به وارتكاب ما نهى عنه ، مع ان الاستحباب مما يؤذن بجواز الترك والكراهة مما يؤذن بجواز الفعل ، فكيف مع هذا يحصل صون الاخبار عن التنافي ويخرج المكلف عن العهدة بما قالوه.

و (ثالثا) ما عرفت من انه لا معارض لهذه الأخبار الدالة على التحريم إلا ما توهمه من تلك الأخبار الواردة في المحاذاة المتضمنة للفصل بتلك المقادير المتقدمة ، والحال انك قد عرفت الوجه فيها وانها تنطبق مع هذه الاخبار على أحسن وجوه الانطباق وتتفق معها بأظهر وجوه الاتفاق. نعم تبقى رواية جميل المتقدمة وقد عرفت الجواب عنها.

و (رابعا) ان من العجيب قوله في الجواب عن صحيحة علي بن جعفر : «ان الأمر بالإعادة لا يتعين كونه بسبب المحاذاة. إلخ» وان تبعه فيه من تبعه فإن اسناد الابطال

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من مكان المصلي.


الى ما ذكره وقيامه احتمالا في معنى الرواية المذكورة يتوقف على وجود دليل على ذلك من خارج مع انه لا دليل ولا قائل بذلك والاستناد الى هذه الرواية في ذلك مصادرة في البين.

وبالجملة فإن التحقيق عندي في المسألة هو ما كشفت عنه نقاب الإبهام وأوضحته لجميع الافهام. والله العالم.

بقي في المقام فوائد يحسن التنبيه عليها (الاولى) قد صرح جمع من الأصحاب : منهم ـ العلامة والشهيدان والسيد السند في المدارك بأنه يشترط في تعلق الحكم بكل منهما كراهة وتحريما صحة صلاة الأخر لو لا المحاذاة بأن تكون جامعة لجميع الشرائط المعتبرة في الصحة سوى المحاذاة ، فلا يتعلق الحكم بالفاسدة بل تصح الأخرى من غير كراهة إذ الفاسدة في حكم العدم. واحتمل شيخنا الشهيد الثاني عدم الاشتراط لصدق الصلاة على الفاسدة ونفى عنه البعد في الذخيرة. أقول : كأنه لصحة قولهم انها صلاة فاسدة فإطلاق الصلاة أعم من الصحيحة والفاسدة.

ثم انهم ذكروا انه على الأول فالمعتبر في رفع المنع العلم بالفساد قبل الشروع ولو علم بعد الفراغ لم يؤثر في الصحة لأن الصلاة صارت باطلة بالمحاذاة على القول بالتحريم أو متصفة بالكراهة على القول الآخر ، وظهور الفساد بعد الفراغ لا يؤثر في صحتها أو زوال الكراهة عنها بعد ما ثبت اتصافها به.

أقول : الظاهر ان ما ذكروه من الحكم ـ بأنه متى ظهر الفساد بعد الفراغ فإنه لا يؤثر في صحة الصلاة من حيث بطلانها ظاهرا بالمحاذاة ـ مبني على مسألة أخرى وهو ان الصلاة إذا كانت صحيحة بحسب الواقع ونفس الأمر وان كانت بالنظر الى الظاهر باطلة فهل يحكم بصحتها باعتبار ما كانت عليه في الواقع أو يحكم بالبطلان بالنظر الى الظاهر؟ المشهور الثاني وعليه يتجه ما ذكره الأصحاب هنا من بطلان صلاة المحاذي لمن كانت صلاته صحيحة بحسب الظاهر لو لا المحاذاة وان كانت باطلة في نفس الأمر بغيرها إلا انه


انما علم بعد الفراغ فإنه يصدق على الصلاة المذكورة انها صحيحة في الواقع لبطلان تلك الصلاة الأخرى في الواقع وباطلة في الظاهر من حيث المحاذاة في تلك الصلاة الصحيحة ظاهرا ، اما على ما ذهب اليه جمع من الأصحاب من القول الأول في تلك المسألة ـ ومنهم ـ السيد السند في كتابه حيث قال في مسألة الصلاة قبل الوقت جاهلا أو ناسيا : ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت ففي الإجزاء نظر من حيث عدم الدخول الشرعي ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى. الى آخر كلامه ـ فالوجه هو الصحة إذ لا ريب ان ما نحن فيه كذلك لان المفروض ان تلك الصلاة فاسدة واقعا فهي في حكم العدم وان لم يعلم المحاذي لها إلا بعد الفراغ ، والمحاذاة الموجبة لبطلان الصلاة انما هي محاذاة الصلاة الصحيحة وهذه الصلاة قد ظهر بطلانها فلا تؤثر المحاذاة لها في بطلان صلاة المحاذي بعد ظهور ذلك ، فصلاة المحاذي خالية من المبطل بحسب الواقع وقت صلاته فتدخل تحت تلك المسألة ، فكيف اختار هنا ما ذهب إليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) والحال ان المسألتين من باب واحد.

والظاهر الرجوع في الفساد الى اخبار المصلي عن نفسه بفساد صلاته إلا ان يعلم ذلك بوجه آخر. واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال : «وهل يقبل قوله في الفساد؟ وجهان» مما يؤذن بتوقفه في ذلك ـ فالظاهر ضعفه وكيف لا يقبل قوله مع عموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (١). ونحوه من الأدلة العامة.

(الثانية) ـ إطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين اقتران الصلاتين أو سبق إحداهما في بطلان كل منهما ، ونقل عن جمع من المتأخرين تخصيص البطلان بالمقارنة والمتأخرة دون السابقة ، وإطلاق الروايات المتقدمة ظاهر في الدلالة على القول

__________________

(١) قال في الوسائل في الباب ٣ من كتاب الإقرار : روى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي «ص» انه قال : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ..


الأول ، وظاهر صحيحة علي بن جعفر المشتملة على قيام المرأة بحيال امام كان في صلاة الظهر يدل على الثاني فيمكن ان يقيد بها إطلاق تلك الاخبار ، ويؤيده ان المتبادر من جملة من عبارات تلك الأخبار ان المراد من قوله : «يصلي والمرأة بحياله» يعني يريد الصلاة ، وحاصل السؤال حينئذ انه هل يجوز له الدخول في الصلاة والحال هذه؟ ويؤكده ايضا انه لم يعهد في القواعد الشرعية بعد افتتاح الصلاة على الصحة تأثير فعل الغير بغير اختيار المكلف في إبطالها ، وبذلك يظهر قوة القول الثاني وهو الذي اختاره في المدارك فقال : وينبغي القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق انعقادها وفساد المتأخرة خاصة ومع الاقتران تبطل الصلاتان لعدم الأولوية. انتهى. وظاهره الاستناد إلى أصالة الصحة حتى يقوم دليل الابطال وهو قوى بناء على ما ذكرناه. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال فالاحتياط كما هو القول المشهور اولى. واما ما ذهب اليه بعضهم من عدم دلالة صحيحة علي بن جعفر على ما ذكرنا بناء على جواز استناد بطلان صلاتها الى ما قدمنا نقله عن صاحب المدارك ـ من ان العلة في فساد صلاتها الاقتداء في صلاة العصر بمن يصلي الظهر مع اعتقادها انها العصر ـ فقد عرفت انه خيال فاسد أوجبه التعصب في متابعة القول المشهور في تلك المسألة.

(الثالثة) ـ قد صرحوا أيضا بأنهما لو صليا ولم يعلم أحدهما بالاخر إلا بعد الفراغ صحت الصلاتان جميعا واما في الأثناء فان كلا منهما يستمر لسبق الانعقاد ، وممن صرح بذلك واختاره السيد السند في المدارك ، وقال في الذخيرة : ويحتمل قويا وجوب الإبطال في سعة الوقت ان لم يمكن ازالة المانع بدون المبطل. انتهى. أقول : لا يخفى ما في هذا الاحتمال من القوة وهو الأنسب عندي بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، فإن ما اعتمدوا عليه في تعليل الاستمرار من سبق الانعقاد لا يخلو من النظر ، ولا ريب ان هذه المسألة وان لم يقم عليها نص بالخصوص إلا ان النصوص في نظائرها من عروض البطلان في أثناء الصلاة كثيرة ولم يتضمن شي‌ء منها وجوب المضي على ذلك المبطل بل


فيها ما يدل على انه ان أمكن إزالته بما لا يبطل الصلاة وإلا قطع الصلاة كاخبار الرعاف في أثناء الصلاة (١) ووجود النجاسة في الثوب في الأثناء (٢) ونحو ذلك ، وبه يظهر قوة الاحتمال المذكور بل لا يبعد تعينه سيما مع موافقته للاحتياط. والمسألة حيث كانت عارية عن النصوص فالاحتياط فيها لازم والاعتماد على هذه التخريجات التي يذكرونها لا يخلو من مجازفة في أحكامه تعالى.

(الرابعة) ـ صرح شيخنا الشهيد الثاني بأنه يعتبر في الحائل ان يكون مانعا من الرؤية وهو ظاهر كلام سبطه السيد السند في المدارك ايضا حيث قال : ويعتبر فيه كونه جسما كالحائط والستر وكلام سائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) مطلق في ذلك وقد روى الثقة الجليل علي بن جعفر (رضي‌الله‌عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح ان يصلي في مسجد وحيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأة تصلي حياله يراها ولا تراه؟ قال لا بأس». ورواها الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه‌السلام) مثله (٤). وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال ان كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا بأس». وهما ـ كما ترى ـ صريحتا الدلالة في خلاف القول المذكور.

(الخامسة) ـ نقل عن العلامة في النهاية انه قال : ليس المقتضى للتحريم أو الكراهة النظر ، لجواز الصلاة وان كانت قدامه عارية ، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه وقريب منه في التذكرة. وقال الشهيد في البيان : وفي تنزيل الظلام أو فقد البصر منزلة الحائل نظر أقربه المنع ، واولى بالمنع منع الصحيح نفسه عن الأبصار. واستوجه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٤٤ من النجاسات.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٨ من مكان المصلي.


العلامة في التحرير الصحة في الأعمى واستشكل في من غمض عينيه. وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : والمراد بالحائل الحاجز بينهما بحيث يمنع الرؤية من جدار وستر وغيرهما. والظاهر ان الظلمة وفقد البصر كافيان فيه وهو اختيار المصنف في التحرير لا تغميض الصحيح عينيه مع احتماله. انتهى. والظاهر هو ما استظهره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين من عدم اجزاء شي‌ء من ذلك ، لان الوارد في النصوص اما بلفظ الحاجز كما في صحيحة محمد بن مسلم «إذا كان بينهما حاجز» أو بلفظ «ستر» كما في قوله في صحيحته الثانية «أو كان بينهما ستر أجزأه» أو الحائط كما في روايتي علي بن جعفر المتقدمتين ، وشي‌ء من هذه الألفاظ لا يصدق على ما ذكروه فيكون ما ذكروه خاليا من الدليل.

(السادسة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو اجتمعا في مكان واحد واتسع الوقت صلى الرجل أولا ، والظاهر ان الحكم على سبيل الأولوية والاستحباب وربما نقل عن الشيخ (قدس‌سره) القول بالوجوب إلا ان العلامة قال في المنتهى بعد ذكر الرواية : فلو خالف وصلت المرأة أولا صحت صلاتهما إجماعا. انتهى. ويدل عليه ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم في المرأة التي تزامل الرجل في المحمل حيث حكم فيها بصلاة الرجل أولا ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة أيضا وان كان العطف فيها بالواو المفيدة لمطلق الجمع إلا ان سياق الخبر يدل على انها بمعنى «ثم» وهو كثير الاستعمال في الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار. ولا ينافي ذلك ما تقدم في صحيحة عبد الله بن ابي يعفور من قوله «إلا ان تتقدم هي أو أنت» فإنه محمول على الجواز. هذا في غير المكان الذي تختص به المرأة أو تشارك فيه عينا أو منفعة ومعه فلا أولوية لتسلطها على ملكها إلا ان الأفضل لها تقديم الرجل لفحوى الخبرين المذكورين. ولو ضاق الوقت سقط الوجوب والاستحباب كما صرح به جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وفيه إشكال تأتي الإشارة إليه.


(السابعة) ـ قال شيخنا في الروض : مبدأ التقدير في العشرة أذرع من موقف المصلي إلى موقفها وهو واضح مع المحاذاة اما مع تقدمها فالظاهر انه كذلك ، لانه المفهوم من التباعد عرفا وشرعا كما نبهوا عليه في تقدم الامام على المأموم. ويحتمل اعتباره من موضع السجود لعدم صدق التباعد بين بدنيهما حالة السجود بذلك القدر ، وليس في كلامهم تصريح في ذلك بشي‌ء ، انتهى. أقول : ويؤيد الأول أيضا اعتبار ما لا يتخطى بين الامام والمأموم والمأمومين بعضهم مع بعض فإن مبدأ ذلك من الموقف الى الموقف.

(الثامنة) ـ قال الشيخ في المبسوط : فان صلت خلفه في صف بطلت صلاة من على يمينها وشمالها ومن يحاذيها من خلفها ولا تبطل صلاة غيرهم ، وان صلت بجنب الامام بطلت صلاتها وصلاة الامام ولا تبطل صلاة غيرهم. انتهى. ولا يخفى ما فيه من الاشكال ، والأظهر هو ما فصله في الروض حيث قال : لو صلت المرأة معه جماعة محاذية له فعلى القول بالتحريم تبطل صلاتها وصلاة الامام ومن على يمينها ويسارها ومن تأخر عنها مع علمهم بالحال ومع عدم العلم تبطل صلاتها لا غير ، ولو علم الإمام خاصة بطلت صلاتهما معا دون المأمومين ، وأطلق الشيخ (قدس‌سره) صحة صلاة المأمومين. وهذا كله انما يتم مع القول بأن الصلاة الطارئة تؤثر في السابقة أو على جواز تكبير المأموم مع تكبير الامام وإلا صحت صلاة الإمام لتقدمها ويبقى الكلام في المأمومين. انتهى. وهو جيد.

(التاسعة) ـ قد أطلق جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الحكم انما هو في حال الاختيار فلو ضاق الوقت والمكان فلا كراهة ولا تحريم ، قال في الفروض وربما استشكل الحكم مطلقا بناء على ان التحاذي مانع من الصحة مطلقا ، والنصوص مطلقة فالتقييد بحالة الاختيار يحتاج الى دليل. انتهى. ولا يخلو من قوة إلا انه يمكن ان يقال ان شروط الصحة انما تعتبر مع الإمكان كما تقدمت الإشارة إليه في غير مكان.

(العاشرة) ـ روى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن الفضيل عن


ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «انما سميت مكة بكة لأنها يبتك بها الرجال والنساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس بذلك انما يكره في سائر البلدان». أقول : والظاهر ان معنى «يبتك بها الرجال والنساء» اي يزدحمون ولم أقف في اللغة على معنى لهذا اللفظ والموجود في هذه المادة «يبتك» بمعنى القطع ومنه قوله سبحانه «فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ» (٢) اي قطعها ، وهذا المعنى غير مناسب في الخبر والمناسب فيه ما قدمناه (٣) وفي هذا الخبر ما يدل على استثناء مكة شرفها الله تعالى من هذا الحكم ، وربما أشعر ظاهره بتعلق الحكم بالبلد مطلقا إلا انه لا يبعد ارادة المسجد من هذا اللفظ باعتبار كونه مجمعا للرجال والنساء ولا سيما في حال صلاة الطواف ولا يحضرني الآن كلام لأحد من الأصحاب في ذلك.

(الحادية عشرة) ـ قال في الروض : لو كانت أعلى منه أو أسفل بحيث لا يتحقق التقدم والتأخر وأمكنت المشاهدة فهل هو ملحق بالتأخر أم بالتقدم؟ اشتراط العشرة في الرواية بالتقدم والمحاذاة يقتضي عدم اعتبارها هنا ، واشتراط نفي البأس بالصلاة خلفه يقتضي اعتبار العشرة هنا لعدم تحقق الخلفية فمفهوما الشرط متدافعان ، والظاهر انه ملحق بالتأخر لأصالة الصحة وعدم المانع خرج منه حالة التقدم والمحاذاة فيبقى الباقي ، مع ان فرض الرؤية في ذلك بعيد. انتهى. أقول : فرض المسألة المذكورة هو كون المرأة في مكان عال أو أسفل بحيث ان موقفها يكون محاذيا لموقف الرجل في جهة العلو أو السفل ، ومجرد فرض العلو والسفل في العبارة أعم من ذلك فكان الأولى ان يقول بحيث لا يتحقق التقدم والتأخر ولا المحاذاة يمينا أو يسارا فإنها

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

(٢) سورة النساء ، الآية ١١٩.

(٣) لا يخفى ان المصنف ضبط الكلمة في الحديث من مادة «بتك» ففرع عليه ما فرع والوارد في كتب الحديث «يبك» من مادة «بكك» وهي في اللغة بالمعنى المذكور. وقد أورد في مجمع البحرين هذه الفقرة من الحديث في المادة المذكورة. راجع الوسائل الباب ١١ من مكان المصلى.


قد تكون أعلى منه ولكنها في جهة اليمين عنه أو اليسار فتحصل المحاذاة والمساواة في فالموقف وان كانت في محل ارفع.

(الثانية عشرة) ـ قد طعن جملة من الأصحاب القائلين بالجواز في رواية عمار بأنها قد تضمنت أكثر من عشرة أذرع وهو خلاف الإجماع. وفيه ان الظاهر ـ وان كان غريبا غير مأنوس في كلامهم ـ ان المراد من هذه العبارة ونحوها عشرة أذرع فأكثر من قبيل قوله سبحانه «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» (١) اي اثنتين فما فوق ومثله في الأخبار غير عزيز مع ان رواية قرب الاسناد المتقدمة قد تضمنت العشرة.

(الثالثة عشرة) ـ قال في الروض : المراد بالمرأة البالغ لانه المتعارف ولأنها مؤنث المرء ، يقال مرء ومرأة وامرؤ وامرأة ، والمرء هو الرجل كما نص عليه أهل اللغة فلا يتعلق الحكم بالصغيرة وان قلنا ان عبادتها شرعية لعدم المقتضى له. ولا فرق فيها بين كونها مقتدية به أو منفردة للعموم. وكذا القول في الصبي. وفي بعض حواشي الشهيد (قدس‌سره) على القواعد ان الصبي والبالغ يقرب حكمهما من الرجل والمرأة وعنى بالبالغ المرأة لأن الصفة التي على «فاعل» يشترك فيها المذكر والمؤنث وكيف كان فالعمل على المشهور من اختصاص الحكم بالمكلفين لعدم الدليل الدال على الإلحاق. انتهى.

أقول : يمكن ان يكون مستند ما نقله عن الشهيد (قدس‌سره) ما يوجد في كتب اللغة من إطلاق الرجل على غير المكلف البالغ ، قال في القاموس : الرجل بالضم معروف وانما هو لمن شب واحتلم أو هو رجل ساعة يولد. وفي الصحاح هو الذكر من الناس. والاخبار قد اشتملت على لفظ الرجل كما عرفت فمتى صح إطلاقه على غير البالغ لغة صح ما ذكره الشهيد (قدس‌سره) إلا ان المستفاد من إطلاق العرف العام والخاص اعني عرفهم (عليهم‌السلام) انما هو البالغ خاصة ومتى أريد غيره عبر بلفظ الصبي ونحوه. والله العالم.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٢.


(المسألة الثالثة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا بأس ان يصلي الرجل في الموضع النجس إذا كانت النجاسة لا تتعدى الى ثوبه أو بدنه وكان موضع الجبهة طاهرا.

والكلام في مقامين (الأول) انه قد نقل عن ابي الصلاح انه اشترط طهارة مواضع المساجد السبعة ، وعن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه اعتبر طهارة مكان المصلي ، وربما نقل عنه انه اعتبر طهارة ما يلاصق البدن وان لم يسقط عليه. فاما القول الأول من هذين القولين فلم نقف له على دليل ولم ينقلوا له دليلا وقائله أعرف به. واما الثاني فنقلوا ان قائله احتج بنهيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن الصلاة في المجزرة وهي المواضع التي تذبح فيها الانعام والمزبلة والحمامات وهي مواطن النجاسة (١) فتكون الطهارة معتبرة. وأجيب عن ذلك بأنه يجوز ان يكون النهي عن هذه المواضع من جهة الاستقذار والاستخباث الدالة على مهانة نفس من يستقر بها فلا يلزم التعدية إلى غيرها ، وبالجملة فإن النهي عن ذلك نهى تنزيه فلا يلزم التحريم.

أقول : والمعتمد في رد هذين القولين الأخبار الدالة على جواز الصلاة في الأماكن النجسة مع عدم التعدي :

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال نعم».

وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة أيصلى عليها في المحمل؟ فقال لا بأس».

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٥٠ عن الترمذي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من النجاسات.


قال في الوافي : الشاذكونة بالفارسية الفراش الذي ينام عليه. انتهى (١).

وما رواه الشيخ عن ابن ابي عمير (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أصلي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة؟ قال لا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألته عن البواري يصيبها البول هل يصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير ان تغسل؟ قال نعم لا بأس».

وعن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليها؟ قال إذا يبست فلا بأس».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عمار في الموثق (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها؟ فقال إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها».

فاما ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن بكير (٦) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ فقال لا». وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (٧) عن محمد بن الوليد عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام). مثله ـ فحمله الأصحاب على الكراهة ، ويحتمل الحمل على تعدى النجاسة وكيف كان فهو لا يبلغ قوة في معارضة ما نقلناه من الاخبار المعتضدة بالأصل.

(الثاني) ـ ظاهر الأصحاب الاتفاق على اشتراط طهارة موضع الجبهة ، وقد نقل الإجماع عليه جماعة : منهم ـ العلامة في المنتهى والمختلف والشهيد في الذكرى وابن

__________________

(١) قال في البحار في ذيل حديث قرب الاسناد الآتي «بيان : الشاذكونة في أكثر النسخ بالذال المعجمة وفي كتب اللغة بالمهملة وقد يقال انه معرب شاديانه ، قال الفيروزآبادي الشادكونة بفتح الدال ثياب غلاظ مضربة تعمل باليمن.

(٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٠ من النجاسات.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من النجاسات.

(٧) ص ٨٠.


زهرة في الغنية ، ولا اعرف لهم دليلا على الحكم المذكور زيادة على الإجماع ، مع ان صاحب الذخيرة اعترضهم في دعوى الإجماع هنا حيث قال في هذا المقام بعد نقل دعوى الإجماع ما لفظه : لكن لا يخفى انه قد مر في كتاب الطهارة ان المحقق نقل عن الراوندي وصاحب الوسيلة أنهما ذهبا الى ان الأرض والبواري والحصر إذا أصابها البول وجففتها الشمس لا تطهر بذلك لكن يجوز السجود عليها. واستجوده المحقق ، وعلى هذا فدعوى الإجماع كلية محل تأمل. انتهى. أقول : الذي في المعتبر في ما حضرني من نسخه في مسألة تطهير الشمس هكذا : «وقيل لا تطهر ويجوز الصلاة عليها وبه قال الراوندي منا وصاحب الوسيلة وهو جيد» والموجود في هذه العبارة انما هو لفظ الصلاة لا السجود نعم لفظ السجود في عبارة الراوندي خاصة على ما نقله في المختلف واما عبارة صاحب الوسيلة فإنما هي بلفظ الصلاة ايضا على ما نقله في الذخيرة أيضا حيث قال في مسألة تطهير الشمس : وذهب صاحب الوسيلة ـ على ما في النسخة الموجودة عندي ـ إلى انها لا تطهر بذلك ولكن يجوز الصلاة عليها إذا لم يلاق شيئا منها بالرطوبة دون السجود عليها. وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في صحة الصلاة مع استثناء موضع السجود كما عليه الأصحاب. والذي يقرب عندي ان المحقق انما عبر بلفظ الصلاة في العبارة المتقدمة مع ان الموجود في عبارة الراوندي لفظ السجود حملا للسجود على الصلاة مجازا ، إلا انه لا يخفى على من راجع عبارة الرواندي المنقولة في المختلف انها لا تقبل ذلك. وكيف كان فالمخالفة لما ادعوه من الإجماع منحصرة في الراوندي

وأنت خبير بأن إطلاق الاخبار المتقدمة ظاهر في شمول موضع السجود والمسألة لذلك محل إشكال لأن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل والخروج عن ظواهر هذه الأخبار أشكل ، والاحتياط لا يخفى.

وكيف كان فههنا فوائد لا بد من التنبيه عليها (الاولى) قد صرح جملة منهم بأنه يجب تقييد النجاسة المتعدية المانعة من الصلاة فيها بغير المعفو عنها إذ لا منع من المعفو


وبذلك صرح شيخنا في الذكرى فقال ولو كان المكان نجسا بما عفى عنه كدون الدرهم دما ويتعدى فالظاهر انه لا يزيد على ما هو على المصلي. ونقل المحقق الشيخ علي في شرح القواعد عن فخر المحققين انه قال : الإجماع منا واقع على اشتراط خلو المكان من نجاسة متعدية وان كانت معفوا عنها في الثوب والبدن. وإطلاق عبارة المنتهى وان وافقت ما ذكره إلا ان دليله يؤذن بخلاف ذلك ، وكذا عبارة التذكرة تشعر بأن الإجماع مختص بالنجاسة التي لم يعف عنها.

والتحقيق عندي انه لا ثمرة مهمة في هذا التقييد بل ولا لذكر ذلك بالكلية ، وذلك فإنه من المعلوم ان المنع من الصلاة في الموضع النجس إذا استلزم ذلك تعدى النجاسة إلى ثوب المصلي أو بدنه انما هو الدليل العام الدال على اشتراط صحة الصلاة بطهارة بدن المصلي وثوبه مما لا يعفى عنه ، قال العلامة في المنتهى : ويشترط في المكان ان يكون خاليا من نجاسة متعدية إلى ثوب المصلي أو بدنه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لأن طهارة الثوب والبدن شرط في الصلاة ومع النجاسة المتعدية يفقد الشرط. انتهى. وحينئذ فإذا صلى الإنسان في موضع فيه نجاسة وتعدت اليه روعي فيها ما يراعى في غيرها من النجاسات الخارجة منه أو الواقعة عليه من كونها معفوا عنها أو غير معفو عنها ولا خصوصية للمكان تقتضي إفراده بالذكر إلا ان يكون الحامل لهم على ذلك خلاف فخر المحققين في المسألة كما قدمنا ذكره. وضعفه أظهر من ان يحتاج الى بيان.

(الثانية) ـ لو كانت الأرض نجسة وفرش عليها فرشا طاهرا فالظاهر انه على مذهب المرتضى لا مانع من الصلاة إذ المكان باعتبار الطهارة والنجاسة غيره باعتبار الإباحة والغصب كما تقدم في تعريف كل منهما.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المسجد يكون في الدار ، الى ان قال : وسألته

__________________

(١) اللفظ المذكور انما هو لحديث ابى الجارود برواية الكافي إلا الذيل ، راجع الوسائل الباب ١٠ و ١١ من أحكام المساجد.


عن المكان يكون خبيثا ثم ينظف ويجعل مسجدا؟ قال يطرح عليه من التراب حتى يواريه فان ذلك يطهره ان شاء الله». ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (١) انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام). الحديث.

وفي رواية محمد بن مصادف عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بأن يجعل على العذرة مسجدا». وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سئل أيصلح مكان حش ان يتخذ مسجدا؟ فقال إذا القى عليه من التراب ما يوارى ذلك ويقطع ريحه فلا بأس ، وذلك لان التراب يطهره وبه مضت السنة».

(الثالثة) ـ لو كان في مسجد الجبهة نجاسة لا تتعدى أو على نفس الجبهة نجاسة معفو عنها في الصلاة فإن استوعبت النجاسة المسجد والجبهة بطلت الصلاة وإلا صحت صلاته إذا حصل السجود على الطاهر منها في الصورتين المذكورتين.

(المسألة الرابعة) ـ قد اتفقت الاخبار وكلمة الأصحاب على المنع من الصلاة في مواضع زيادة على ما قدمناه إلا ان أكثرها كون المنع فيها منع كراهة وبعضها محل خلاف ، وها انا افصل ذلك كلا في موضع على حياله :

فأقول ـ وبالله تعالى الهداية إلى إدراك المأمول ـ روى الصدوق في الفقيه مرسلا وثقة الإسلام في الكافي مسندا عن عبد الله بن الفضل عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين والماء والحمام والقبور ومسان الطريق وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخ والثلج».

قال الصدوق في كتاب الخصال بعد نقل الخبر المذكور مسندا (٥) إلا انه أسقط منه «القبور» وزاد فيه «وادي ضجنان» ما صورته : هذه المواضع لا يصلي فيها الإنسان في حال الاختيار ، فإذا حصل في الماء والطين واضطر إلى الصلاة فيه فإنه يصلي إيماء ويكون

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من أحكام المساجد.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من مكان المصلي.


ركوعه اخفض من سجوده. واما الطريق فإنه لا بأس ان يصلى على الظواهر التي بين الجواد فاما على الجواد فلا يصلى. واما الحمام فإنه لا يصلى فيه على كل حال فاما مسلخ الحمام فلا بأس بالصلاة فيه لانه ليس بحمام. واما قرى النمل فلا يصلى فيها لانه لا يتمكن من الصلاة لكثرة ما يدب عليه من النمل فيؤذيه ويشغله عن الصلاة. واما معاطن الإبل فلا يصلى فيها إلا إذا خاف على متاعه الضيعة فلا بأس حينئذ بالصلاة فيها. واما مرابض الغنم فلا بأس بالصلاة فيها. واما مجرى الماء فلا يصلى فيه على كل حال لانه لا يؤمن ان يجري الماء اليه وهو في صلاته. واما السبخة فإنه لا يصلي فيها نبي ولا وصي نبي واما غيرهما فإنه متى دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة فيه مستوية في سجوده فلا بأس. واما الثلج فمتى اضطر الإنسان إلى الصلاة عليه فإنه يدق موضع جبهته حتى يستوي عليه في السجود. واما وادي ضجنان وجميع الأودية فلا يجوز الصلاة فيها لأنها مأوى الحياة والشياطين. انتهى.

وها انا اذكر المواضع التي اشتمل عليها الخبر المذكور وما ذكره الأصحاب زيادة على ذلك ووردت به الاخبار :

فأقول منها ـ الحمام والمشهور بين الأصحاب كراهة الصلاة فيه ، ونقل عن ابي الصلاح انه منع من الصلاة فيه وتردد في الفساد ، والأظهر الأول لمرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في بيت الحمام؟ قال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس». وما رواه في الفقيه في الصحيح عن علي بن جعفر (٢) «انه سأل أخاه موسى (عليه‌السلام) عن الصلاة في بيت الحمام؟ فقال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس». وهذان الخبران صريحان ـ كما ترى ـ في الجواز ، والأصحاب قد حملوا النهي في الحمام على الكراهة جمعا بينه وبين ما تقدم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٤ من مكان المصلي.


وظاهر ذلك عدم الفرق بين المسلخ وغيره والمفهوم من كلامي الصدوق في الفقيه والخصال كما تقدم والشيخ في التهذيب تخصيص روايتي الجواز بالمسلخ حيث قال في الفقيه : لا بأس بالصلاة في مسلخ الحمام وانما يكره في الحمام لأنه مأوى الشياطين. والشيخ بعد ان ذكر موثقة عمار حملها على المسلخ وصرح الشهيدان بنفي الكراهة في المسلخ ايضا. ولم نقف في الاخبار على تعرض لخصوص المسلخ بنفي ولا إثبات وإطلاق لفظ الحمام شامل له إلا ان الصدوق في الخصال بعد ان نفى البأس عن الصلاة فيه ادعى انه ليس بحمام. وفيه منع ظاهر فان كان ما ذكروه وجه جمع بين الأخبار فحمل النهى على الكراهة في غير المسلخ يحتاج الى دليل إذ هو حقيقة في التحريم واما تعليل الصدوق بأنه مأوى الشياطين فغير ظاهر من الاخبار ليصلح وجها للكراهة. ونقل عن العلامة في التذكرة انه احتمل ثبوت الكراهة في المسلخ وبنى الاحتمال على علة النهى فان كانت النجاسة لم تكره وان كانت كشف العورة فيكون مأوى للشياطين كره. ورد بأنه ضعيف لجواز ان لا يكون الحكم معللا أو تكون العلة غير ما ذكره. ولو جعل وجه الجمع بين هذه الأخبار ما صرحت به الروايتان الأولتان من تعليق نفي البأس على النظافة فيحمل ما دل على النهى على عدم النظافة لكان أقرب ، وعلى هذا فيكون النهي محمولا على التحريم لعدم نظافة المكان.

وكيف كان فإنه لا تكره الصلاة في سطح الحمام كما صرح به غير واحد من الأصحاب. والله العالم.

ومنها ـ بيوت الغائط ، عدها الأصحاب في هذا الباب ولم أقف في النصوص عليه بهذا العنوان ، والظاهر ان المراد به بيت الخلاء الذي هو بيت لذلك ، وظاهر الشيخ المفيد في المقنعة التحريم حيث قال : لا تجوز الصلاة في بيوت الغائط. وحمله الأصحاب على الكراهة لعدم ما يوجب التحريم إذ ليس إلا انها مظنة النجاسة وغاية ما يوجب ذلك الكراهة.

والأصحاب قد استدلوا على هذا الحكم بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد


ابن مروان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان جبرئيل أتاني فقال انا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه». وعن عمرو بن خالد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال جبرئيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان ولا بيتا يبال فيه ولا بيتا فيه كلب». وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من البعد عن المدعى إذ المدعى بيوت الغائط والبول لا يستلزم الغائط.

والذي وقفت عليه هنا مما يناسب ذلك ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة». وفي رواية «أو حمام» وما رواه في الكافي عن الفضيل بن يسار (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة؟ فقال تنح عنها ما استطعت». والظاهر ان ما اشتملت عليه هذه الرواية مكروه آخر غير ما نحن فيه وهو ان يصلي الى عذرة في قبلته كما ذكره بعض الأصحاب. وبالجملة فالمقام وان كان مقام كراهة يتسامح بينهم في دليله لكن الكلام في ان كون الحكم شرعيا يتوقف على الدليل الشرعي الواضح.

ومنها ـ مبارك الإبل وفي مرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة وغيرها معاطن الإبل وبه عبر بعضهم ايضا وهو مبارك الإبل حول الماء ، قال في الصحاح العطن والمعطن واحد الأعطان والمعاطن وهي مبارك الإبل عند الماء لتشرب علا بعد نهل. وقال في القاموس العطن محركة وطن الإبل ومنزلها حول الحوض. وكلامهما وكذا كلام غيرهما من أهل اللغة صريح في تخصيص اسم المعاطن بمبارك الإبل عند الشرب ، والمفهوم من كلام الأصحاب انه أعم من ذلك وبه صرح ابن إدريس في السرائر فقال بعد تفسير المعطن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٣ من مكان المصلي.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣١ من مكان المصلي.


بما نقلناه عن أهل اللغة : هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة إلا ان أهل الشرع لم يخصصوا ذلك بمبرك دون مبرك. انتهى. ولعلهم بنوه على عدم تعقل الفرق بين موضع الشرب وغيره ، وهو محتمل إلا انه لا يخلو من نوع اشكال لان من قواعدهم الرجوع في معاني الألفاظ بعد تعذر الحقيقة الشرعية والعرف الخاص الى كلام أهل اللغة.

ثم ان القول بالكراهة هو المشهور ونقل عن ابي الصلاح القول بالتحريم وهو ظاهر الشيخ المفيد في المقنعة أيضا أخذا بظاهر النهي.

ومن اخبار المسألة زيادة على ما تقدم في مرسلة عبد الله بن الفضل صحيحة محمد ابن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في أعطان الإبل فقال إذا تخوفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه وصل ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم».

وصحيحة على بن جعفر المروية في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الصلاة في معاطن الإبل أتصلح؟ قال لا تصلح إلا ان تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثم انضح بالماء ثم صل. وسألته عن معاطن الغنم أتصلح الصلاة فيها؟ قال نعم لا بأس به». وموثقة سماعة (٣) قال : «سألته عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم؟ فقال ان نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها فاما مرابض الخيل والبغال فلا».

وحمل الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب هذه الرواية على الضرورة والخوف على المتاع كما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة الحلبي (٤) «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال صل فيها ولا تصل في أعطان الإبل إلا ان تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشه بالماء وصل فيه».

أقول : ظاهر هذه الاخبار من حيث دلالتها على انه ان كان يخاف على متاعه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٧ من مكان المصلي.


الضيعة جاز له الصلاة فيه من غير كراهة بعد ان يكنسه ويرشه هو الدلالة على القول المشهور في تفسير أعطان الإبل بمباركها حيث كان من غير تقييد بما ذكره أهل اللغة ، بل الظاهر التخصيص بموضع النزول وذلك فان الظاهر من هذا الكلام هو ان القافلة متى نزلوا في مكان فجمالهم ورحالهم وأثقالهم في ذلك المكان وانه تكره الصلاة في ذلك المكان فينبغي ان يخرج الى مكان آخر خارج عن محل النزول إلا إذا كان يخاف من خروجه الضيعة على متاعه فإنه يصلي فيه ، وإلا فإنه لا مناسبة بين هذا التعليل وبين تخصيص المعاطن بمواضع السقي كما هو ظاهر فان موضع السقي ليس مقام متخذ للنزول ووضع الأثقال والأحمال فيه.

ثم ان ظاهر كلامهم انه لا فرق في الكراهة أو التحريم بين وجود الإبل في ذلك المكان وعدمه ، وبذلك صرح في المنتهى ايضا معللا بأنها بانتقالها عنه لا يخرج عن اسم المعطن إذا كانت تأوي اليه ، وظاهر هذا التعليل انه لو كان ذلك الموضع انما اتفق بروكها فيه مرة واحدة ثم لم تعد اليه لم يتعلق به الحكم.

ثم انه قد صرح الأصحاب أيضا بكراهة الصلاة في مرابط الخيل والبغال ، وعن ابي الصلاح هنا ايضا القول بالتحريم ، ومن الاخبار الدالة على النهي هنا أيضا موثقة سماعة المتقدمة ومثلها موثقته الأخرى (١) إلا انها مقطوعة وفيها زيادة الحمير على الخيل والبغال.

ومنها ـ مساكن النمل وهو المعبر عنه في خبر عبد الله بن الفضل المتقدم بقرى النمل وهو جمع قرية وهي مجتمع ترابها حول جحرتها ، ويدل على ذلك زيادة على الخبر المتقدم ما رواه في كتاب المحاسن بسنده عن عبد الله بن عطاء (٢) قال «ركبت مع ابي جعفر (عليه‌السلام) وسار وسرت حتى إذا بلغنا موضعا قلت الصلاة جعلني الله فداك قال هذا ارض وادي النمل لا يصلى فيه حتى إذا بلغنا موضعا آخر قلت له مثل ذلك فقال

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من مكان المصلى.


هذه الأرض مالحة لا يصلى فيها». أقول : نقل شيخنا في البحار ان في بعض النسخ «نصلي» في الموضعين بالنون وفي بعضها بالياء ، ثم قال : فعلى الأول ظاهره اختصاص الحكم بهم (عليهم‌السلام) فالمراد التحريم أو شدة الكراهة فلا ينافي حصول الكراهة في الجملة لغيرهم ورواه العياشي في تفسيره (١) إلا ان فيه هكذا «فسرنا حتى زالت الشمس وبلغنا مكانا قلت هذا المكان الأحمر فقال ليس يصلى ههنا هذه أودية النمال وليس يصلى فيها قال فمضينا إلى أرض بيضاء قال هذه سبخة وليس يصلى بالسباخ. قال فمضينا إلى أرض حصباء قال ههنا فنزل. الخبر». وظاهر الخبر كراهة الصلاة في وادي النمل وان لم تكن عند قرأها وجحرتها إلا ان يحمل على كون الوادي مملوء بذلك ، وربما علله بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بعدم انفكاك المصلى من أذاها وقتل بعضها. ويدل على الأول ما في كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : والعلة في جحرة النمل ان النمل ربما آذاه فلا يتمكن من الصلاة.

ومنها ـ مجاري المياه وهو المكان المعد لجريانه وان لم يكن فيه ماء ، وقد تقدم في كلام الصدوق تعليل النهي بأنه لا يؤمن ان يجري الماء اليه وهو في صلاته ، والظاهر انه لا دليل عليه إلا خبر عبد الله بن الفضل المتقدم صدر الكلام ، وظاهر الخبر المذكور أعم من ان يكون الماء موجودا فيه أم لا فلو قصر الحكم على ما إذا كان موجودا أو يخاف هجومه في حال الصلاة لكان أظهر.

وفي شمول الحكم للصلاة في السفينة باعتبار كونها في مجرى الماء وكذا على الساباط الذي على نهر يجري فيه الماء إشكال ينشأ من صدق الصلاة في مجرى الماء ، ومن ان المتبادر من العبارة هو إيقاع الصلاة في الأرض التي يجري فيها الماء فعلا أو قوة باعتبار إعدادها لذلك ، والاشكال في الساباط أضعف. وقد صرح في المنتهى بدخول هذين الفردين في حكم المسألة المذكورة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٥ من مكان المصلى.


وقيل بالكراهة في بطون الأودية التي يخاف فيها هجوم السيل ، والظاهر انه يرجع الى الأول لأن المراد بالمجاري ما يحصل فيه الجريان من واد وغيره ، وقد روى الشيخان في الكافي والتهذيب عن ابي هاشم الجعفري (١) قال : «كنت مع ابي الحسن (عليه‌السلام) في السفينة في دجلة فحضرت الصلاة فقلت جعلت فداك نصلي في جماعة؟ فقال لا يصلى في بطن واد جماعة». وهذا الخبر كما يدل على صدق الوادي على المجرى من حيث اتساعه كذا يدل على ان حكم الصلاة في السفينة إذا كانت في مجرى الماء حكم أصل المجرى. وبه يتجه دخول هذا الفرد تحت الحكم المذكور كما صرح به شيخنا المتقدم ذكره. ولعل التخصيص بالجماعة وقع من حيث سؤال السائل عن الجماعة فلا منافاة لما دل على الحكم المذكور مطلقا.

بقي هنا شي‌ء وهو انه قال في المدارك بعد تفسير مجرى المياه بأنها الأمكنة المعدة لجريانها فيها : وقيل تكره الصلاة في بطون الأودية التي يخاف فيها هجوم السيل ، قال في النهاية فإن أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا لظاهر النهي وعدمها لزوال موجبها ولم أقف على ما ادعاه من الإطلاق. انتهى. أقول : الظاهر ان ما ذكره من عد الأودية هنا بناء على دخولها تحت مجرى المياه باعتبار جريان السيول فيها فيصدق عليها مجرى المياه وحيث ان العلامة ادعى احتمال بقاء الكراهة وان أمن السيل تمسكا بالإطلاق رده السيد (قدس‌سره) بأنه لا نص في هذه المسألة بالكلية حتى يستند إلى إطلاقه.

أقول : اما النهي عن بطون الأودية فقد ورد وان لم يكن مشهورا إلا ان كون العلة فيه ما ذكره من هجوم السيل غير معلوم بل ربما علل بأمر آخر ، فالأظهر أن يجعل هذا فردا من افراد المسألة على حدة وهو كراهة الصلاة في بطون الأودية.

والذي يدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب المجالس في جملة المناهي المنقولة عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) قال : «ونهى ان يصلي الرجل في المقابر والطرق

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من مكان المصلى.


والأرحية والأودية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة».

وفي كتاب العلل لمحمد بن إبراهيم (١) قال : «لا يصلى في ذات الجيش ولا ذات الصلاصل ولا بطون الأودية. ، ثم ساق الكلام في باقي المناهي وذكر علل النهي الى ان قال : والعلة في بطون الأودية انها مأوى الحياة والجن والسباع. الى آخره»

وكلامه في جميع هذه العلل المذكورة في هذا الكتاب وان لم يسندها الى نص إلا ان الظاهر انه حيث كان من أصحاب الصدر الأول مثل أبيه وجده الذين لا يقولون إلا بالنصوص كما وصل إلينا في أكثر ما ذكره من هذه العلل فهو لا يقول هذا إلا بعد وصول نص اليه بذلك.

ومنها ـ الطين وقد تقدم ذكره في خبر عبد الله بن الفضل ، والمراد بالطين هنا الوحل الذي هو طين وماء ممتزجان وإلا فالطين اليابس لا مانع من الصلاة عليه ، ولهذا قال الصدوق (قدس‌سره) في ما تقدم نقله عنه : فان حصل في الطين والماء واضطر إلى الصلاة فإنه يصلي إيماء. إلخ. وعطف الماء عليه (٢) لانه فرد آخر لا يتيسر الصلاة فيه إلا كذلك كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

والظاهر ان النهي هنا محمول على التحريم ان استلزم الصلاة ثمة منع شي‌ء من واجبات الصلاة كالاستقرار في السجود ونحوه وإلا كره لما رواه عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه سأله عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ قال إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض».

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢٢.

(٢) كذا في النسخ والذي نقله عن الصدوق في ما سبق ص ١٩٨ انما اشتمل على عطف الطين على الماء على عكس قوله هنا وكذا في ما يأتي منه ايضا ص ٢٠٨ من نقله كما ذكرنا من عطف الطين على الماء. والله العالم.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من مكان المصلى.


فلو اضطر إلى الصلاة فيه أومأ كما ذكره الأصحاب ، ويدل عليه موثقة عمار ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر ان يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا؟ قال يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماء وهو قائم يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ويتشهد وهو قائم ثم يسلم».

وإطلاق الخبر وكذا إطلاق جملة من عبارات الأصحاب يدل على عدم وجوب الجلوس للسجود في الحال المذكورة وان أمكن ، وأوجب شيخنا الشهيد الثاني الجلوس وتقريب الجبهة من الأرض بحسب الممكن ، وبعض آخر بعد رد الرواية بضعف السند بناء على الاصطلاح المحدث قال بان وجوب الجلوس والإتيان بالممكن من السجود هو الاولى استنادا إلى انه لا يسقط الميسور بالمعسور (٢). وفيه ان وجوب الانحناء انما هو من باب المقدمة فوجوبه تابع لوجوب السجود الذي هو ذو المقدمة فمتى سقط وجوب ذي المقدمة سقط وجوبها. واما حديث «لا يسقط الميسور بالمعسور». فمع تسليم صحته لا يشمل ما نحن فيه إلا على تقدير كون وجوب الانحناء مستقلا ليس مترتبا على السجود والحال ان الأمر ليس كذلك. واما ضعف الخبر فمجبور بالشهرة والأمران اصطلاحيان فلا معنى للعمل بأحدهما وترك الآخر.

ومنها ـ الماء ويدل على المنع من الصلاة فيه زيادة على خبر عبد الله بن الفضل المتقدم ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يخوض الماء فتدركه الصلاة؟ فقال ان كان في حرب فإنه يجزئه الإيماء وان كان تاجرا فليقم ولا يدخله حتى يصلي».

وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٥ من مكان المصلي.

(٢) عوائد النراقي ص ٨٨ وعناوين مير فتاح ص ١٤٦ عن عوالي اللئالي عن على «ع».


وقد سأله إنسان عن الرجل تدركه الصلاة وهو في ماء يخوضه لا يقدر على الأرض؟ فقال ان كان في حرب أو في سبيل من سبيل الله فليومئ إيماء وان كان في تجارة فلم يك ينبغي له ان يخوض الماء حتى يصلي قال : قلت وكيف يصنع؟ قال يقضيها إذا خرج من الماء وقد ضيع».

وملخص ما اشتمل عليه الخبران انه ان كان الصلاة في الماء من حيث الضرورة كالحرب والخوف ونحو ذلك فليصل فيه إيماء وإلا فلا يجوز له الصلاة فيه. فلو صلى فيه والحال كذلك وجب القضاء لنقصان الصلاة فيه بالإيماء فلا تجزى اختيارا. واما الإيماء المذكور في الخبرين فينبغي تقييده بعدم إمكان ما ينوب الإيماء منابه فالإيماء عن الركوع انما يكون مع تعذره وإلا فإنه يركع وهكذا في السجود. ومن الظاهر في هذا الموضع وسابقه ان السجود متعذر فيومى له كما تقدم ، واما الركوع فهو مبني على ما ذكرناه ايضا من الإمكان وعدمه. واما ما تقدم في كلام الصدوق في صدر المسألة من قوله في الخصال : «فان حصل في الماء والطين واضطر إلى الصلاة فيه فإنه يصلى إيماء ويكون سجوده اخفض من ركوعه» فهو مبني على تعذر الركوع والسجود معا وإلا فلو تمكن من الركوع وجب كما تقدم في موثقة عمار في سابق هذا الموضع.

ومنها ـ مسان الطريق قال في القاموس : سنن الطريق مثلثة وبضمتين نهجه وجهته ومنه مسان الطريق. وقال في المغرب سنن الطريق معظمه ووسطه. ولعل المراد بالطريق الجادة أو العظيمة ولهذا وقع التفسير بالجادة في كلام جملة من الأصحاب.

والمشهور كراهة الصلاة فيها ونقل الأصحاب عن ظاهر الصدوق والشيخ المفيد التحريم ، وكأنه نظرا الى تعبيرهما بعدم الجواز في هذا المقام ، وهو وان كان ظاهرا في ذلك إلا انه قابل للحمل على تشديد الكراهة والتعبير بذلك مبالغة كما يقع مثله في الاخبار.


ومن اخبار المسألة صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في السفر؟ فقال لا تصل على الجادة واعتزل على جانبيها».

وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الصلاة في ظهر الطريق؟ فقال لا بأس بأن تصلى في الظواهر التي بين الجواد واما على الجواد فلا تصل فيها».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان يصلى بين الظواهر وهي الجواد جواد الطريق ويكره ان يصلى في الجواد».

وموثقة الحسن بن الجهم عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٤) قال : «كل طريق يوطأ فلا تصل عليه».

ورواية محمد بن الفضيل عن الرضا (عليه‌السلام) (٥) قال : «كل طريق يوطأ ويتطرق كانت فيه جادة أو لم تكن فلا ينبغي الصلاة فيه».

ومن هذين الخبرين يعلم تعميم الحكم للطريق مطلقا وان لم يكن جادة ، ومنهم من خص الحكم بالجواد وهي العظمى من الطرق التي يكثر سلوكها.

وأنت خبير بأنه لو لا اعتضاد القول بالكراهة بالشهرة بين الأصحاب لكان القول بما نسب الى الصدوق والمفيد من التحريم في غاية القوة ، فإن جل الأخبار مصرحة بالنهي الذي هو حقيقة في التحريم ، وغاية ما ربما يتمسك به للقول بالكراهة قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «ويكره ان يصلى في الجواد» وقوله (عليه‌السلام) في رواية محمد بن الفضيل : «فلا ينبغي» وورود هذين اللفظين بمعنى التحريم في الأخبار أكثر كثير كما تقدم التنبيه عليه في غير موضع.

ثم الظاهر انه لا فرق في الكراهة بين ان تكون الطريق مشغولة بالمارة وقت الصلاة أم لا لعموم الاخبار ، واما لو استلزمت الصلاة تعطيل المارة ومنعهم عن المرور

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٩ من مكان المصلي.


فلا ريب في التحريم في ظاهر الأصحاب بل الظاهر انه لا خلاف فيه ، وقد صرح جملة منهم بفساد الصلاة أيضا والظاهر ان وجهه عندهم من حيث ان الطريق ملك للمسلمين يتطرقون فيها فالتصرف فيها على وجه يوجب رفع حقهم محرم البتة.

بقي الكلام هنا في الحكم بفساد العبادة وهو بناء على المشهور من حمل النهي على الكراهة لا يخلو من اشكال ، نعم لو قلنا بظاهر ما دلت عليه هذه الاخبار من حمل النهي فيها على التحريم اتجه الأمران معا لزم من ذلك تعطيل المارة أم لا.

هذا كله في الطرق النافذة أما الطرق المرفوعة فلا إشكال في التحريم فيها لأنها ملك لأرباب البيوت التي تنفذ إليها.

ومنها ـ السبخة بفتح الباء وإذا كانت نعتا للأرض كقولك «الأرض السبخة» فهي بكسر الباء كذا نقل عن الخليل في كتاب العين ، وقال في الروض بعد قول المصنف «وارض السبخة» ما صورته : بفتح الباء واحدة السباخ وهو الشي‌ء الذي يعلو الأرض كالملح ويجوز كون السبخة بكسر الباء وهي الأرض ذات السباخ فتكون إضافة الأرض إليها من باب اضافة الموصوف الى صفته كمسجد الجامع والظاهر ان ما ذكره الخليل أقرب

ومن الاخبار في ذلك زيادة على الخبر المتقدم في صدر المسألة موثقة أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة في السبخة لم تكرهه؟ قال لأن الجبهة لا تقع مستوية. فقلت ان كان فيها أرض مستوية؟ فقال لا بأس».

وموثقة سماعة (٢) قال : «سألته عن الصلاة في السباخ فقال لا بأس». وصحيحة الحلبي (٣) وفيها «قال وكره الصلاة في السبخة إلا ان يكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستوية».

وروى في العلل عن داود بن الحصين بن السري (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) لم حرم الله تعالى الصلاة في السبخة؟ قال لأن الجبهة لا تتمكن عليها».

وحملها الأصحاب على الكراهة جمعا ، وقد تقدم في الموضع الرابع نقل روايتي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من مكان المصلي.


المحاسن والعياشي المتضمنتين لانه لا يصلى في أرض السبخة.

وروى في كتاب المحاسن عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن السبخة أيصلي الرجل فيها؟ فقال انما تكره الصلاة فيها من أجل أنها فتك ولا يتمكن الرجل يضع وجهه كما يريد. قلت أرأيت ان هو وضع وجهه متمكنا؟ فقال حسن». والظاهر ان قوله «فتك» من التفتيك وهو كناية عن كونها رخوة نشاشة لا تستقر الجبهة عليها. قال في القاموس : تفتيك القطن تفتيته. انتهى.

والمشهور بين الأصحاب هو الكراهة وظاهر الصدوق في كتاب العلل التحريم حيث قال : «باب العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في السبخة» وظاهر كلامه المتقدم نقله عن الخصال تخصيص التحريم بالنبي والامام ، وظاهر هذه الاخبار ان العلة في الكراهة هو عدم حصول كمال التمكن للجبهة في الوقوع على الأرض من حيث رخاوتها ومع حصول كمال التمكن بكسر الموضع وتسويته أو بان توجد ارض كذلك فلا كراهة وعلى ذلك يحمل إطلاق موثقة سماعة.

ومنها ـ الثلج وقد تقدم عده في خبر عبد الله بن الفضل ، والظاهر ان النهي عن الصلاة عليه هنا محمول على التحريم لان الثلج ليس بأرض حتى يجوز السجود عليه مع وجود الأرض ومع عدم التمكن من الأرض فلا إشكال في جواز السجود عليه مع الضرورة إلا ان يحمل على الصلاة عليه مع السجود على شي‌ء آخر فلا ينافي الكراهة.

ومن الأخبار الواردة في المقام رواية داود الصرمي (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) قلت اني اخرج في هذا الوجه وربما لم يكن موضع أصلي فيه من الثلج؟ فقال ان أمكنك ان لا تسجد على الثلج فلا تسجد وان لم يمكنك فسوه واسجد عليه».

ورواية منصور عن غير واحد من أصحابنا (٣) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من مكان المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.


السلام) انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ فقال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا».

وصحيحة معمر بن خلاد (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن السجود على الثلج؟ فقال لا تسجد على السبخة ولا على الثلج».

وموثقة عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي على الثلج؟ قال لا فان لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه».

أقول : الظاهر من موثقة عمار هو كراهة الصلاة على الثلج بمعنى القيام عليه في الصلاة أعم من ان يكون السجود عليه أو على غيره ، وباقي الأخبار قد اشتركت في النهي عن السجود عليه وانه مع عدم وجود الأرض يسجد على القطن أو الكتان أو ثوب من غيرهما وانه لا يسجد على الثلج إلا مع تعذر الثوب ونحوه. ويمكن حمل السجود في هذه الأخبار سؤالا وجوابا على الصلاة ، ويؤيده السؤال عن الصلاة في رواية الصرمي ووقوع الجواب بلفظ السجود ، وحينئذ فالأمر بجعل شي‌ء بينه وبينه في مرسلة منصور وقع على نحو الأمر ببسط الثوب عليه مع تعذر الأرض في رواية عمار ، وعلى هذا فلا تعرض فيها للسجود بمعنى وضع الجبهة بالكلية. وعندي ان هذا الوجه أقرب إذ لا بعد فيه إلا من حيث التجوز بإطلاق السجود على الصلاة ، ونظائره في الاخبار أكثر كثير ولا سيما اخبار «جعلت لي الأرض مسجدا.» (٣). اي مصلى ، وغيرها.

ومنها ـ مواضع بين الحرمين : (أحدها) البيداء وهي على ميل من ذي الحليفة مما يلي مكة وانما سميت بذلك لأنها تبيد جيش السفياني ومن ذلك ايضا سميت ذات الجيش

ويدل على ذلك من الأخبار صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق : البيداء وهي ذات

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٨ من مكان المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٧ من التيمم.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من مكان المصلى.


الجيش وذات الصلاصل وضجنان. وقال لا بأس ان يصلى بين الظواهر وهي الجواد جواد الطريق ويكره ان يصلى في الجواد».

وصحيحة ابن ابي نصر (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) انا كنا في البيداء في آخر الليل فتوضأت واستكت وانا أهم بالصلاة ثم كأنه دخل قلبي شي‌ء فهل نصلي في البيداء في المحمل؟ فقال لا تصل في البيداء. قلت فأين حد البيداء؟ فقال كان أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا بلغ ذات الجيش جد في السير ولا يصلى حتى يأتي معرس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). قلت واين ذات الجيش؟ قال دون الحفيرة بثلاثة أميال».

وصحيحة أيوب بن نوح عن ابي الحسن الأخير (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له تحضر الصلاة والرجل بالبيداء؟ فقال يتنحى عن الجواد يمنة ويسرة ويصلى».

وصحيحة علي بن مهزيار (٣) «انه سأل أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) عن الرجل يسير في البيداء فتدركه صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى يخرج وقتها كيف يصنع بالصلاة وقد نهى ان يصلي في البيداء؟ فقال يصلي فيها ويجتنب قارعة الطريق».

ومن هذين الخبرين يعلم حمل النهي في الخبرين الأولين على الكراهة.

قال ابن إدريس في تعداد ما يكره فيه الصلاة : والبيداء لأنها أرض خسف على ما روى في بعض الأخبار ان جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيخسف الله تعالى به تلك الأرض ، وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل واحد وهو ثلث فرسخ فحسب ، قال وكذلك يكره الصلاة في كل ارض خسف ولهذا كره أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الصلاة في أرض بابل. انتهى.

و (ثانيها) ـ ذات الصلاصل جمع صلصال ، قال ابن إدريس هي الأرض التي لها صوت ودوي. وبذلك فسرها العلامة في المنتهى. وقيل انه الطين الحر المخلوط بالرمل فصار

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من مكان المصلي.


يتصلصل إذا جف اي يصوت. وبه فسره الشهيد (قدس‌سره) ونقله الجوهري عن ابي عبيدة ونحوه كلام القاموس.

أقول : ان كان المراد من هذه التفسيرات في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) هو دوران الحكم بالكراهة مدارها فهو مشكل لان المفهوم من صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة ان هذا الاسم لموضع مخصوص كالاسمين الآخرين المذكورين معه في هذا الطريق بين الحرمين إلا اني لم أقف على تعيينه في الأخبار ولا كلام أحد من أصحابنا الأبرار.

و (ثالثها) وادي الشقرة لما رواه في الفقيه (١) مرسلا قال : «روى انه لا يصلى في البيداء ولا ذات الصلاصل ولا في وادي الشقرة ولا في وادي ضجنان».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن احمد بن محمد عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يصلى في وادي الشقرة». ورواه الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد مثله (٣).

قال ابن إدريس : تكره الصلاة في وادي الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحد الشقر موضع بعينه مخصوص سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن ، وليس كل واد يكون فيه شقائق النعمان تكره فيه الصلاة بل في الموضع المخصوص فحسب وهو بطريق مكة لأن أصحابنا قالوا تكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع من جملتها وادي الشقرة وقال العلامة في المنتهى : الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحد الشقر وهو شقائق النعمان وكل موضع فيه ذلك تكره الصلاة فيه ، وقيل وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق مكة ذكره ابن إدريس. والأقرب الأول لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليها. وقيل هذه مواضع خسف فتكره الصلاة فيها لذلك. انتهى. أقول : بل الأقرب ما ذكره ابن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من مكان المصلي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من مكان المصلي.


إدريس لما رواه البرقي في كتاب المحاسن بسنده عن عمار الساباطي (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تصل في وادي الشقرة فإن فيه منازل الجن». وقال في كتاب مجمع البحرين : في الحديث «نهى عن الصلاة في وادي شقرة» هو بضم الشين وسكون القاف وقيل بفتح الشين وكسر القاف موضع معروف في طريق مكة ، قيل انه والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وانها من المواضع المغصوب عليها. انتهى. أقول : بل الأظهر في وجه الكراهة هو ما ذكره (عليه‌السلام) في حديث عمار المذكور.

و (رابعها) ـ وادي ضجنان وضبطه بعضهم بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة اسم جبل بناحية مكة.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ـ ومنها يعلم وجه الكراهة ـ ما رواه في كتاب بصائر الدرجات بسند صحيح عن علي بن المغيرة (٢) قال : «نزل أبو جعفر (عليه‌السلام) في وادي ضجنان ، وذكر حديثا يقول في آخره وانه ليقال انه واد من أودية جهنم».

وروى في كتاب الخرائج والجرائح عن علي بن المغيرة (٣) قال : «نزل أبو جعفر (عليه‌السلام) بوادي ضجنان فسمعناه يقول ثلاث مرات : «لا غفر الله لك» فقال له ابي لمن تقول جعلت فداك؟ قال مر بي الشامي «لعنه الله» يجر سلسلته التي في عنقه وقد دلع لسانه يسألني ان استغفر له فقلت له لا غفر الله لك».

وعن عبد الملك القمي عن أخيه (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول بينا انا وابي متوجهين إلى مكة فتقدم أبي في موضع يقال له ضجنان إذ جاءني رجل في عنقه سلسلة يجرها فاقبل علي فقال اسقني فسمعه ابي فصاح بي وقال لا تسقه لا سقاه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من مكان المصلى.

(٣ و ٤) ص ١٣٤.


الله فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحه على وجهه في أسفل درك من النار فقال ابي هذا الشامي لعنه الله».

أقول : والمراد بالشامي في الخبرين المذكورين هو معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله تعالى في سورة الحاقة (١).

ومنها ـ القبور والمراد الصلاة عليها أو إليها أو بينها ، والمشهور بين الأصحاب الكراهة في الجميع ، وعن الشيخ المفيد (قدس‌سره) انه قال لا يجوز الصلاة الى شي‌ء من القبور حتى يكون بين الإنسان وبينه حائل ولو قدر لبنة أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع ، ثم قال وقد روى انه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر امام والأصل ما قدمناه. ونقل في المنتهى عن الصدوق ايضا القول بما ذهب اليه المفيد ، والظاهر انه اشارة الى ما ذكره في الفقيه حيث قال : واما القبور فلا يجوز ان تتخذ قبلة ولا مسجدا ولا بأس بالصلاة بين خللها ما لم يتخذ شي‌ء منها قبلة. انتهى. ونقل عن ابي الصلاح ايضا القول بالتحريم وانما تردد في الابطال

وها أنا أولا اذكر الأخبار المتعلقة بالمسألة ثم أعطف الكلام على تحقيق المقام بما ظهر لي من اخبارهم (عليهم‌السلام) :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يصلي بين القبور؟ قال لا يجوز ذلك إلا ان يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ثم يصلي ان شاء».

وعن علي بن يقطين (٣) قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه‌السلام) عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال لا بأس».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) «انه سأله عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال لا بأس به».

__________________

(١) الآية ٣٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٥ من مكان المصلي.


وعن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) في حديث المناهي (١) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان تجصص المقابر ويصلى فيها ، ونهى ان يصلى الرجل في المقابر والطرق. الحديث».

وفي حديث يونس بن ظبيان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى ان يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن عبد الله الحميري (٣) قال : «كتبت الى الفقيه (عليه‌السلام) اسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم‌السلام) هل يجوز ان يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم (عليهم‌السلام) ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز ان يتقدم القبر ويصلى ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب ـ وقرأت التوقيع ومنه نسخت ـ اما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خده الأيمن على القبر ، واما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام ولا يجوز ان يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلى عن يمينه وشماله».

وما رواه في الفقيه (٤) مرسلا قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فان الله عزوجل لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

وما رواه في التهذيب عن معمر بن خلاد في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة».

ومنها ـ صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٦) قال : «قلت له الصلاة بين القبور؟ قال صل في خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن ذلك وقال لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فان الله تعالى لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

__________________

(١ و ٢ و ٥) الوسائل الباب ٢٥ من مكان المصلي.

(٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٢٦ من مكان المصلي.


ورواية أبي اليسع المنقولة في الأمالي (١) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا اسمع قال إذا أتيت قبر الحسين (عليه‌السلام) اجعله قبلة إذا صليت؟ قال تنح هكذا ناحية». وروى بهذا المضمون خبرا آخر معه.

وما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الحميري (٢) «انه كتب الى الامام القائم (عليه‌السلام) يسأله انه هل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم (عليهم‌السلام) ان يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز ان يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) اما الصلاة فإنها خلفه ويجعل القبر امامه ولا يجوز ان يصلى بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن الإمام لا يتقدم ولا يساوى».

وروى الصدوق في كتاب عيون الاخبار في الموثق عن الحسن بن علي بن فضال (٣) قال : «رأيت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) وهو يريد ان يودع للخروج إلى العمرة فأتى القبر من موضع رأس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد المغرب فسلم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولزق بالقبر ثم انصرف حتى اتى القبر فقام الى جانبه يصلى فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريبا من الأسطوانة التي دون الأسطوانة المخلفة التي عند رأس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فصلى ست ركعات».

وروى جعفر بن محمد بن قولويه في كتاب كامل الزيارات عن محمد بن البصري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث زيارة الحسين (ع) قال : «من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله لقي الله تعالى يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شي‌ء يراه. الحديث».

وعن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث طويل (٥) قال : «أتاه رجل فقال له يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هل يزار والدك؟ قال نعم

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٩ من المزار.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٦ من مكان المصلي.


ويصلى عنده. وقال يصلى خلفه ولا يتقدم عليه».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه الاخبار يقع في مقامين (الأول) في حكم قبر الامام (عليه‌السلام) والصلاة عنده اما بالتقدم عليه أو المساواة له بان يكون مما يلي رأسه أو رجليه واما مع التأخر عنه ، فهذه مواضع ثلاثة لا بد فيها من تنقيح الكلام بما يدفع عنها غشاوة الإبهام وتوضيحها من اخبارهم (عليهم‌السلام) :

(الأول) ـ في حكم التقدم على القبر الشريف ، اعلم ان ظاهر المشهور في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) هو الجواز على كراهة ، وممن صرح بذلك الشهيد في الدروس فقال : ولو استدبر القبر وصلى جاز وان كان غير مستحسن إلا مع البعد. وقال العلامة في المنتهى بعد نقله صحيحة الحميري المتقدمة برواية الشيخ في التهذيب : واعلم ان المراد بقوله «لا يجوز ان يصلى بين يديه» الكراهة لا التحريم ، ويفهم من ذلك كراهة الاستدبار له في غير الصلاة. انتهى. وظاهره عدم المخالف في الحكم المذكور وإلا لذكره كما هي عادتهم في الكتب الاستدلالية. وهو الظاهر ايضا من كلام المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد حيث قال ـ بعد البحث عن حكم الصلاة الى القبور ونقل صحيحة الحميري في الرد على مذهب الشيخ المفيد (قدس‌سره) ـ ما صورته : فالقول بالكراهة غير بعيد في قبر غير المعصوم إلا ان يجعل القبر خلفه فإنه يكره حينئذ لما مر. انتهى. وملخصه اختيار كراهية الصلاة الى سائر القبور غير قبر المعصوم فإنه يجوز الصلاة إليه من غير كراهة للصحيحة المذكورة إلا ان يجعل قبر المعصوم خلفه فإنه تحصل الكراهة للرواية المذكورة. وهو الظاهر ايضا من كلام المحدث الكاشاني في المفاتيح حيث قال : ويكره ان يصلي بين المقابر إلا مع بعد عشر أذرع ، الى ان قال في سياق الكراهة وان يستدبر لقبره (عليه‌السلام) بل التقدم على ضريحه المقدس مطلقا كما في الصحيح بل لا يبعد تحريمه لظاهر النهي. وهو ظاهر المحقق أيضا في المعتبر كما ستقف عليه قريبا حيث طعن في الصحيحة المذكورة وردها بأشنع رد.


وبالجملة فإني لم أقف على من قال بالتحريم عملا بظاهر الصحيحة المذكورة سوى شيخنا البهائي (قدس‌سره) في ما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى في كلامه ثم اقتفاه جمع ممن تأخر عنه : منهم ـ شيخنا المجلسي ، وهو الأقرب عندي إذ لا معارض للخبر المذكور بل في الاخبار ما يؤيده مثل حديث هشام بن سالم المتقدم نقله عن كتاب كامل الزيارات حيث قال فيه : «يصلى خلفه ولا يتقدم عليه» والاستناد الى الأصل في مقابلة الخبر المذكور خروج عن مقتضى أصولهم وقواعدهم فان الخبر صحيح صريح ، ومن قواعدهم الخروج عن ذلك الأصل بالخبر الصحيح الصريح. ولا اعرف لهم مستندا في رد الخبر وتأويله بالحمل على الكراهة إلا التمسك بالأصل وقد عرفت ما فيه ، أو عدم القول بذلك من المتقدمين كما هو أحد أصولهم. ولا يخفى وهنه كما تقدم إيضاحه في مقدمات الكتاب. ولو اقتصروا على أقوال المتقدمين لما انتشر بينهم الخلاف في المسائل الشرعية والأحكام الفرعية الى ما هو عليه الآن كما لا يخفى على الفطن البصير ولا ينبئك مثل خبير.

(الموضع الثاني) ـ في حكم المحاذاة ، قد عرفت من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الموضع الأول القول بجواز التقدم فالمحاذاة بطريق اولى ، وقد تقدمت صحيحة الحميري الصريحة في جواز المحاذاة.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار الدالة على استحباب الصلاة عند الرأس ، ففي خبر جعفر بن ناجية عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صل عند رأس قبر الحسين عليه‌السلام». وفي رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ثم تدور من خلفه الى عند رأس الحسين (عليه‌السلام) وصل عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى. الى ان قال وان شئت صليت خلف القبر وعند رأسه أفضل». وفي رواية صفوان

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٩ من المزار.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ١٥٤.


عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «ثم قم فصل ركعتين عند الرأس». وفي رواية أخرى لصفوان عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ثم صل عند الرأس ركعتين». الى غير ذلك من الاخبار.

وبذلك صرح أيضا جملة من علمائنا الأعلام أعلى الله درجاتهم في دار السلام : منهم ـ الصدوق في الفقيه (٣) حيث قال في زيارة الإمامين الكاظمين (عليهما‌السلام): ثم صل في القبة التي فيها محمد بن علي (عليهما‌السلام) اربع ركعات بتسليمتين عند رأسه : ركعتين لزيارة موسى (عليه‌السلام) وركعتين لزيارة محمد بن علي (عليه‌السلام). وقال في زيارة الرضا (عليه‌السلام) نحوه (٤) وقال شيخنا الشهيد في الدروس في تعداد آداب الزيارة : وسادسها صلاة ركعتين للزيارة عند الفراغ وان كان زائرا للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ففي الروضة وان كان لأحد الأئمة (عليهم‌السلام) فعند رأسه. ونحوه في الذكرى. وبه صرح ايضا الشيخ المفيد (قدس‌سره) حيث حرم الصلاة خلف القبر كما تقدم في عبارته ، ثم قال : ويصلي الزائر مما يلي رأس الإمام (عليه‌السلام) فهو أفضل من ان يصلي الى القبر من غير حائل بينه وبينه على حال. وقال أيضا في زيارة الحسين (عليه‌السلام) : وصل عند الرأس ركعتين للزيارة وصل بعدهما ما بدا لك. وقال في زيارة الرضا (عليه‌السلام) مثله.

وأنت خبير بان المتبادر من كونها عند الرأس هو القيام بحذاء الرأس كما وقع نظيره في الاخبار من استحباب الجلوس عند الرأس والدعاء عنده أو يقف عند الرأس ويقول كذا وكذا ، فان المتبادر من هذه العندية في جميع هذه المواضع هو المحاذاة للرأس من غير تقدم ولا تأخر. ولو زعم زاعم ـ ان العندية أعم من المساواة أو التقدم قليلا والتأخر قليلا ـ قلنا مع تسليمه يكفينا في الدلالة على ما ندعيه العموم مع ظهور كونه

__________________

(١) البحار ج ٢٢ ص ١٥٩.

(٢) البحار ج ٢٢ ص ١٧٩.

(٣) ج ٢ ص ٣٦٣.

(٤) ج ٣ ص ٣٦٧.


أظهر أفراد العام.

وبالجملة فإن جل الاخبار وجملة كلام الأصحاب متفق على جواز ذلك الى ان نشأ في أيامنا هذه بعض من لم يعض على العلم بضرس قاطع ولم يعط التأمل حقه في أمثال هذه المواضع ويرتاع بأدنى شبهة تعرض لباله ويضعف عن ردها بفكره وخياله ، فحكم بتحريم الصلاة مع محاذاة قبر المعصوم (عليه‌السلام) حيث رأى حديث الاحتجاج المتقدم والجواب عنه (أولا) المعارضة بما هو أوضح سندا وأكثر عددا من الاخبار الدالة على استحباب الصلاة عند الرأس دون الخلف الذي اشتملت عليه هذه الرواية إذ المتبادر من الخلفية هو جعل القبر قبلة للمصلي فتكون هذه الرواية منافية للروايات المتقدمة مع تسليم ما ادعاه الخصم ايضا من الشمول للتقدم والتأخر قليلا ، وكذلك الروايات المتقدمة المانعة من الصلاة خلف القبر ، والترجيح لجملة هذه الروايات لما هي عليه من الكثرة والاستفاضة والاعتضاد بعمل الطائفة قديما وحديثا كما عرفت وستعرف.

و (ثانيا) انها معارضة بخصوص صحيحة الحميري المذكورة المنقولة في التهذيب وموثقة الحسن بن علي بن فضال المنقولة من عيون الأخبار المشتملة على ان الرضا (عليه‌السلام) قام الى جانب قبر جده (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولزق منكبه الأيسر بالقبر يعني عند رأسه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهي ظاهرة في المساواة ، وصحيحة الحميري كما عرفت صريحة في ذلك.

وبذلك صرح شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين حيث قال بعد نقل خبر الحميري المذكور بتمامه : هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع الجبهة على قبر الإمام ، الى ان قال وعلى عدم جواز التقدم على الضريح المقدس حال الصلاة لأن قوله (عليه‌السلام) «يجعله الامام» صريح في جعل القبر بمنزلة الإمام في الصلاة فكما انه لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام بأن يكون موقفه أقرب الى القبلة من موقف الامام بل يجب ان يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يمينا أو شمالا فكذا هنا ، وهذا هو المراد


هنا بقوله (عليه‌السلام) «ولا يجوز ان يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله». والحاصل ان المستفاد من هذا الحديث ان كل ما ثبت للمأموم من وجوب التأخر عن الإمام أو المساواة أو تحريم التقدم عليه ثابت للمصلي بالنسبة إلى الضريح المقدس من غير فرق فينبغي لمن يصلى عند رأس الإمام (عليه‌السلام) أو عند رجليه ان يلاحظ ذلك. وقد نبهت على ذلك جماعة من إخواني المؤمنين في المشهد الرضوي على مشرفه السلام فإنهم كانوا يصلون في الصفة التي عند رأسه (عليه‌السلام) صفين فبينت لهم ان الصف الأول أقرب الى القبلة من الضريح المقدس على صاحبه السلام ، وهذا مما ينبغي ملاحظته للمصلي في مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكذا في سائر المشاهد المقدسة على ساكنيها أفضل التسليمات. انتهى كلامه (أعلى الله في الخلد مقامه) وهو ظاهر الجودة والرشافة لمن رغب لتحقيق الحق واشتاقه ولم تأخذه في التعصب على الباطل حمية الجاهلية والحماقة.

وما ذكره بعض المتحذلقين ممن حكينا عنهم الخلاف في هذه المسألة ـ من احتمال عطف «ويصلى» في الخبر المذكور على قوله «ولا يجوز ان يصلي» أو قوله «لا يتقدم» ـ فهو تعسف ظاهر عند ذوي الأفهام بل هو مما ينزه عنه كلام الإمام الذي هو امام الكلام ، إذ لا يخفى على من مضغ ثلج البلاغة والفصاحة ومن سرح بريد نظره في تلك الساحة ان المتبادر من قول القائل «ما جاء زيد وجاءني عمر» هو نفي المجي‌ء عن زيد مع إثباته لعمرو لا نفيه عنه ، ومتى أريد نفيه عنه أعيد حرف النفي فقيل «ما جاءني زيد ولا عمرو» حسبما وقع في الخبر الذي استندوا اليه.

وكيف كان فلا ريب في ترجيح خبر التهذيب بصحة السند أولا ، وثانيا انه لا خلاف بين المحققين في ترجيح اخبار الكتب الأربعة المشهورة على غيرها بل المشهور عندهم عدم العمل بغير اخبار الكتب الأربعة لشهرتها ومعلوميتها ونحو ذلك مما ذكروه وان كنا لا نعتمده ، إلا انه في مقام التعارض بين ما فيها وفي غيرها فالترجيح لما فيها


البتة ولا سيما مع صحة السند وضعف المعارض ، فيتعين العمل بالرواية المذكورة وارجاء الرواية المقابلة إلى قائلها. ومع غض الطرف عن جميع ذلك فلنا ان نقول ان هذين الخبرين قد تعارضا فتساقطا فرجعنا إلى قضية الأصل. ولا ريب ان الأصل صحة الصلاة حتى يقوم دليل الابطال وليس فليس. والعجب من هؤلاء المتحذلقين انهم في جميع الأحكام متى تعارضت الاخبار جمعوا بينها بالكراهة والاستحباب كما هي القاعدة المطردة عند الأصحاب فكيف غفلوا عن ذلك في هذا المقام؟

(الموضع الثالث) ـ في حكم التأخر خلف القبر ، والمشهور بين الأصحاب الجواز على كراهة قبر امام كان أو غيره ، وقد تقدم نقل القول بالتحريم عن الصدوق والمفيد وابي الصلاح ، وهو ظاهر المحقق في المعتبر ايضا حيث انه ـ بعد ان نقل موثقة عمار ورواية معمر بن خلاد الدالتين على النهي عن الصلاة خلف القبر مطلقا ، ثم نقل كلام المفيد المتقدم وقوله فيه «وقد روى انه لا بأس. إلخ» ـ قال ولا ريب أن إطراحه هذه الرواية لضعفها وشذوذها واضطراب لفظها. انتهى. وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في موافقة الشيخ المفيد في ما ذهب اليه من التحريم خلف القبور مطلقا للروايتين المذكورتين في كلامه وتصويب الشيخ المفيد (قدس‌سره) في رد صحيحة الحميري الدالة على الأمر بالصلاة خلف الامام (عليه‌السلام).

ومنشأ هذا الاختلاف هو ما عرفت من الاخبار في المقام ، فما يدل على القول بالتحريم ما لم يحصل الفاصل أو البعد المذكور في موثقة عمار صحيحة معمر بن خلاد وموثقة عمار ورواية أبي اليسع وصحيحة زرارة ومرسلة الفقيه المتقدم جميع ذلك إلا ان بإزائها ما يدل على الجواز كصحيحة علي بن يقطين وصحيحة على بن جعفر وصحيحة الحميري ورواية الاحتجاج وغيرها مما تقدم جميعه.

والأصحاب قد جمعوا بين الجميع بحمل أخبار النهي على الكراهة حيث ان الأفضل ـ كما تقدم ذكره ـ هو الصلاة عند الرأس ، ويشير الى ذلك قوله (عليه‌السلام)


في رواية الثمالي المتقدمة في الموضع الثاني : «وان شئت صليت خلفه وعند رأسه أفضل» نعم اجراء هذا الحمل في صحيحة زرارة ومرسلة الفقيه لا يخلو من بعد ، ولهذا احتمل بعض مشايخنا في معناهما ان المراد انه لا يجوز ان يجعل قبره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قبلة يعني مثل الكعبة يصلى إليها من كل جهة ولا مسجدا يعني السجود على القبر. والظاهر عندي بعده ولا سيما في الصحيحة المذكورة لأن هذا الكلام وقع تعليلا للنهي عن اتخاذ شي‌ء من القبور قبلة وانما يصلى خلالها يعني من غير ان يجعل شيئا منها قبلة ، ومن الظاهر البين ان المراد من هذا الكلام انما هو النهي عن الصلاة خلفها لا استقبالها من جميع الجهات فلو حمل الكلام الذي وقع تعليلا على ما ذكروه لم يصلح للتعليل مع انه مسوق له نعم يمكن حمل الخبرين المذكورين على التقية لأن العامة قد رووا نحوه عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) كما نقله العلامة في المنتهى ، مع إمكان حمل الخبرين على التخصيص به (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دون سائر قبور الأئمة المعصومين (عليهم‌السلام) كما يؤذن به التعليل الذي في الخبر من التشبه باليهود.

وبالجملة فالظاهر عندي هو جواز الصلاة خلف قبورهم (عليهم‌السلام) وان كان على كراهية ، قال السيد السند في المدارك ـ بعد ان نقل كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) وبين انه أشار بالرواية إلى صحيحة الحميري المتقدمة ـ ما صورته : ولا بأس بالعمل بهذه الرواية لصحتها ومطابقتها لمقتضى الأصل والعمومات. وذكر المصنف في المعتبر انها ضعيفة شاذة. وهو غير واضح. انتهى.

(المقام الثاني) ـ في حكم سائر القبور ، والمشهور بين الأصحاب ـ كما عرفت ـ الحكم بالجواز على كراهة ، وتقدم ايضا مذهب المشايخ القائلين بالتحريم. واما الاخبار المتعلقة بذلك فقد عرفت دلالة صحيحة زرارة على جواز الصلاة خلال القبور والمنع من اتخاذها قبلة ومثلها صحيحة معمر بن خلاد ، والأصحاب قد حملوهما على الكراهة جمعا

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢.


بينهما وبين صحيحتي علي بن يقطين وعلي بن جعفر الدالتين على جواز الصلاة بين القبور.

ولقائل أن يقول من جانب القول بالتحريم ان صحيحتي علي بن يقطين وعلي بن جعفر انما دلتا على جواز الصلاة بين القبور وهو أعم من التوجه إليها وعدمه فغايتهما الدلالة على ذلك بالإطلاق ، والصحيحتان المعارضتان قد فصلتا بالفرق بين الصلاة خلالها فإنه جائز والصلاة إليها فإنه محرم ، وقضية القاعدة المقررة حمل المجمل على المفصل والمطلق على المقيد. نعم قد ورد جواز الصلاة خلف القبر صريحا بالنسبة إلى قبور الأئمة (عليهم‌السلام) كما تقدم ، فيجب تخصيص الصحيحتين المانعتين من الصلاة خلف القبور بها وان لم يقل به الشيخان المذكوران ومن تبعهما ، ويبقى ما عدا قبور الأئمة (عليهم‌السلام) تحت النهي المقتضي للتحريم من غير معارض ظاهر في المعارضة.

وبالجملة فالظاهر عندي من ضم الأخبار بعضها الى بعض في هذه المسألة هو انه تجوز الصلاة الى قبور الأئمة على كراهة واما غير الأئمة فالظاهر التحريم. واما موثقة عمار المتقدمة فقد عرفت ان الأصحاب يحملونها على الكراهة جمعا بينها وبين صحيحتي علي بن يقطين وعلي بن جعفر ، ويأتي على ما اخترناه من تخصيص الصحيحتين المذكورتين بالصلاة خلال القبور من غير استقبال شي‌ء منها ثبوت الكراهة في الصورة المذكورة دون صورة الاستقبال فهو باق على ظاهر النهي والتحريم المفهوم من قوله في الخبر «لا يجوز» وحينئذ فقوله «لا يجوز» محمول على ظاهره بالنسبة إلى صورة الاستقبال وعلى الكراهة بالنسبة الى ما عدا ذلك. وما يقال ـ من لزوم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه وهو ممنوع عند الأصوليين ـ مدفوع بما قدمنا في غير موضع من وجود ذلك في الاخبار في مواضع لا تحصى ، وقد صرح بجواز ذلك ايضا الشهيد في الذكرى في مسألة الصلاة في السنجاب والحواصل. هذا ، وجملة من الاخبار المتقدمة أيضا مجملة في النهي عن الصلاة في المقابر وفي بعضها على القبر.

وبالجملة فإنا لم نجد في الاخبار معارضا صريحا لصحيحة زرارة ومعمر بن خلاد


الدالتين على النهي عن اتخاذ القبور قبلة إلا الاخبار الدالة على الصلاة خلف قبور الأئمة (عليهم‌السلام) وقد عرفت ان الشيخين المتقدمين ومن تبعهما قد أطلقا الحكم بالتحريم إلا ان مقتضى التأمل في الأخبار تخصيص التحريم بغير قبور الأئمة (عليهم‌السلام) كما شرحناه وأوضحناه. والوجه في استثناء قبورهم (عليهم‌السلام) مزيد الشرف لها على غيرها. والاحتياط لا يخفى.

فروع

(الأول) ـ الحق جمع من الأصحاب بالقبور القبر والقبرين ، قال في البحار ومستنده غير واضح. أقول : ان كان هذا الإلحاق بالنسبة إلى الصلاة خلف القبر فإنه صحيح لان الحكم معلق باستقبال القبر ولا يشترط فيه التعدد ، وان كان بالنسبة إلى الصلاة على القبر فكذلك ، وان كان بالنسبة إلى البينية فما ذكره (قدس‌سره) من عدم وضوح المستند جيد لان مورد الاخبار القبور.

(الثاني) ـ قد عرفت في ما تقدم من كلام المفيد (قدس‌سره) بعد حكمه بالتحريم انه حكم بزواله بالحائل ولو قدر لبنة أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع ، وكذلك حكم الأصحاب بزوال الكراهة بذلك. وهو مشكل حيث انا لم نقف على مستنده ، والذي ورد في موثقة عمار زوال ذلك ببعد عشرة أذرع من الجوانب الأربعة إذا كانت الصلاة بين القبور. واكتفى الشيخ بكون القبر خلف المصلى عن البعد ، قال في الروض : وهو متجه مع عدم صدق الصلاة بين المقابر كما لو جعل المقبرة خلفه وإلا فقد تقدم اعتبار تأخر القبر عنه من خلفه عشرة أذرع. انتهى. وهو جيد. نعم لو كان الحائل جدارا ونحوه مما يخفى به القبر فلا إشكال في جواز الصلاة من غير تحريم ولا كراهة لأن القبر يخرج عن كونه قبلة ولانه يلزم الكراهة ولو كان بينهما جدران متعددة.

(الثالث) ـ قال في المنتهى : لو بنى مسجدا في المقبرة لم تزل الكراهة


لأنها لا تخرج عن الاسم. انتهى. والظاهر ان مراده ان اتخاذ المسجد في المقبرة لا يرفع كراهة الصلاة فيها من حيث المسجدية ، إلا ان ظاهر هذا الكلام يعطي جواز بناء المسجد في المقبرة ، وهو مشكل لما رواه في الفقيه عن سماعة بن مهران (١) قال : «وسأله سماعة بن مهران عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها؟ فقال اما زيارة القبور فلا بأس بها ولا يبنى عندها مساجد». ويؤيده ان الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في أن الأراضي المحبوسة على المنافع العامة كالشوارع والمشارع والطرق والمقابر والأسواق ونحوها لا يجوز التصرف فيها على وجه يمنع الانتفاع بها في ما هي معدة له.

(الرابع) ـ قال في الروض : وكما تكره الصلاة الى القبر تكره عليه من غير تحريم إلا ان يعلم نجاسة ترابه باختلاطه بصديد الموتى لتكرر النبش ويوجب التعدي اليه أو سجوده عليه ، وقال ابن بابويه يحرم. أقول : ويدل على النهي عن الصلاة على القبر عموم النهى عن الصلاة في المقابر وخصوص رواية ابن ظبيان المتقدمة.

ومنها ـ النار وقيدها بعضهم بالمضرمة وظاهر الاخبار العموم وعليه العمل ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في النهي عن الصلاة إليها.

ويدل عليه ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يصلى والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ قال لا يصلح له ان يستقبل النار».

وفي الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد. قلت إله ان يصلي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال نعم ، فان كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته. وعن الرجل يصلي وفي قبلته قنديل معلق وفيه نار إلا انه بحياله. قال إذا ارتفع كان شرا لا يصلى بحياله».

والمشهور ان النهي في هذين الخبرين محمول على الكراهة ، ونقل عن ابي الصلاح

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٥ من الدفن.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من مكان المصلي.


انه لا يجوز أخذا بظاهر النهي في الخبرين المذكورين.

ويدل على الجواز ما رواه الشيخ والصدوق عن عمرو بن إبراهيم الهمداني رفع الحديث (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا بأس ان يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، ان الذي يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه». ونسبه في التهذيبين الى الشذوذ والرخصة.

وقال في الفقيه بعد نقل صحيحة علي بن جعفر المذكورة : هذا هو الأصل الذي يجب ان يعمل به فاما الحديث الذي روى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ـ انه قال : «لا بأس ان يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه لأن الذي يصلى له أقرب إليه من الذي بين يديه». ـ فهو حديث يروى عن ثلاثة من المجهولين بإسناد منقطع يرويه الحسن بن علي الكوفي ـ وهو معروف ـ عن الحسين بن عمرو عن أبيه عن عمرو بن إبراهيم الهمداني ـ وهم مجهولون ـ يرفع الحديث قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ذلك» ولكنها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع فمن أخذ بها لم يكن مخطئا بعد ان يعلم ان الأصل هو النهي وان الإطلاق هو رخصة والرخصة رحمة. انتهى.

أقول : صورة سند الخبر المذكور في كتاب العلل «عن أبيه ومحمد بن الحسن عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن الحسن بن علي بن الحسين بن عمرو. الى آخر ما ذكره» وما ذكره (قدس‌سره) من حمل هذا الخبر على الرخصة يحتمل ان يكون مراده الجواز وان كان مكروها فيكون النهي في الخبر الأول محمولا على الكراهة كما هو المشهور فلا منافاة ، ويحتمل ان يكون مراده بخبر النهي التحريم وخبر الرخصة من حيث الضرورة مثل ان يجاء بالنار في قبلته وهو يصلى وهو لا يتمكن من الانحراف عنها ولا قطع الصلاة فيتم صلاته. ولعل الأول أقرب وان كان الثاني بلفظ

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من مكان المصلي.


الرخصة أنسب. ثم ان ما ذكره من قوله : «صدرت عن ثقات» موافق لما ذكره شيخ الطائفة في العدة الأصولية من ان أحاديث أصحابنا مأخوذة من أصول جمعها الثقات من قدمائنا وقد وقع إجماع الطائفة وفيهم الأئمة (عليهم‌السلام) على صحة تلك الأصول فلا يضر كون بعض رواتها ضعيفا أو مجهولا. انتهى وبذلك اعترف في هذا الخبر في المدارك فقال بعد نقل كلام الصدوق : وربما كان في هذا الكلام شهادة منه بصحة الرواية. أقول : بل فيه إشعار بالشهادة بصحة جميع الروايات لان جميع أصحاب الأصول معروفون عنده معلومون وان حصل في الطريق إليهم من يرمى بالضعف والمجهولية ونحوهما والمراد بالثقات هنا هو الحسن بن علي الكوفي ومن تقدمه في سند العلل المتقدم ويحتمل ان يكون المصنف نقل الخبر الذي في الفقيه من كتاب الحسن بن علي الكوفي أو من كتاب محمد بن احمد بن يحيى الأشعري كما نقله في التهذيب فيكون الثقات هم الرواة لتلك الأصول والسلسلة بين المصنف وبين أصحاب الأصول. ويظهر من الصدوق توثيق الحسن بن علي الكوفي وهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي فإن معنى قوله «معروف» يعنى بالوثاقة ولهذا وجه القدح الى من بعده ، وفيه رد على شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) حيث رد حديث الحسن بن علي الكوفي ورماه بالضعف في غير موضع من المسالك. واما وصف من روى عنهم الحسن بن علي بكونهم مجهولين يعني عند المصنف وعندنا حيث لم نقف على أحوالهم في ما وصل إلينا من كتب الاخبار ولا يستلزم ذلك كونهم مجهولين عند أصحاب الأصول الذين أخذوا عنهم.

أقول : والذي يختلج في بالي ويتردد في فكري وخيالي في معنى الخبر الذي حملوه على الرخصة ان المراد منه معنى آخر غير ما ذكروه ولعله الأقرب ، وهو انه لا يخفى ان الكراهة وعدمها في هذا المقام تتفاوت باعتبار أحوال المصلين وإقبالهم على الله سبحانه في صلاتهم وعدمه فمن كان وجه قلبه متوجها الى الله عزوجل لا الى غيره وفكره مستغرقا في مراقبته في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده فلا يضره ما يكون بين يديه من


هذه الأشياء ولا يشغله عن ملاحظته ، ومن لم يكن كذلك فهو المراد بأخبار النهي لأن هذه الأشياء تكون موجبة لشغل قلبه وتشويش فكره. ومما يؤيد ذلك ما رواه في كتاب التوحيد عن ابن ابي عمير (١) قال : «رأى سفيان الثوري أبا الحسن (عليه‌السلام) وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه فقال له ان الناس يمرون بين يديك وهم في الطواف؟ فقال (عليه‌السلام) الذي أصلي له أقرب من هؤلاء». وبمضمونه أخبار أخر ستأتي ان شاء الله تعالى.

إذا عرفت هذا فاعلم انه قد روى الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن جعفر الأسدي (٢) قال : «كان في ما ورد علي من محمد بن عثمان العمري عن القائم (عليه‌السلام): واما ما سألت عنه من أمر المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فان الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك؟ فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان والنيران يصلي والنار والصورة والسراج بين يديه ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران». ورواه الصدوق في كتاب كمال الدين مسندا عن محمد بن جعفر الأسدي. ويمكن حمل التفصيل في هذا الخبر على ان الكراهة بالنسبة إلى أولاد عبدة النيران والأوثان أشد واحتمال ارادة التحريم ليس بذلك البعيد أيضا إلا ان الظاهر ان الأول أقرب. والله العالم.

ومنها ـ صلاة الفريضة في جوف الكعبة على المشهور وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في صدر المقدمة الرابعة في القبلة.

ومنها ـ بيوت المجوس وعللوا ذلك بعدم انفكاكها عن النجاسة ، ولا يخفى ان هذه العلة جارية في غيرهم من اليهود والنصارى ونحوهم مع انهم لا يقولون بذلك بل العلة الحقيقية انما هو النص وهو ما رواه أبو بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في بيوت المجوس فقال رش وصل». وما رواه عبد الله بن سنان في

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣٠ من مكان المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من مكان المصلى.


الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس فقال رش وصل». وقد قطع الأصحاب بزوال الكراهة بالرش كما دل عليه الخبران.

وقد صرحوا بالكراهة أيضا في بيت فيه مجوسي وتجوز بلا كراهة إذا كان الذي فيه نصرانيا أو يهوديا ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن أبي أسامة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يصلى في بيت فيه مجوسي ولا بأس ان يصلى وفيه يهودي أو نصراني». وظاهر الخبرين الأولين كراهة الصلاة في بيته وان لم يكن فيه حتى يرشه وظاهر الثالث كراهة الصلاة في البيت الذي فيه المجوسي وان لم يكن بيته بل من حيث مجرد حضوره فيه ولهذا لم يذكر الرش هنا لتغاير العلتين في الخبرين والخبر الثالث قد رواه الشيخ عن أبي جميلة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) مثل خبر أبي أسامة.

وظاهرهم الجواز من غير كراهة في البيع والكنائس ، ونقل عن ابن إدريس وسلار وابن البراج انهم كرهوا الصلاة في البيع والكنائس محتجبين بعدم انفكاكها من النجاسة ، قال في المدارك وهو ضعيف.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البيع والكنائس يصلى فيها؟ قال نعم. قال وسألته هل يصلح نقضها مسجدا؟ فقال نعم».

وعن عبد الله بن سنان (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في البيع والكنائس فقال رش وصل. قال وسألته عن بيوت المجوس فقال رشها وصل». وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أيضا.

__________________

(١ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من مكان المصلى. والأولى رواية الشيخ والثالثة للكليني.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من مكان المصلي.


وما رواه في الكافي عن الحكم بن الحكم (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس فقال : صل فيها قد رأيتها ما أنظفها. قلت أيصلى فيها وان كانوا يصلون فيها؟ قال نعم أما تقرأ القرآن قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٢) صل إلى القبلة وغربهم».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال : «سألته عن الصلاة في البيعة فقال إذا استقبلت القبلة فلا بأس به».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٤) قال : «لا بأس بالصلاة في البيعة والكنيسة الفريضة والتطوع والمسجد أفضل».

أقول : لا يخفى ان هذه الروايات الواردة في المقام ما بين مطلق للجواز وما بين مقيد بالرش وقضية حمل المطلق على المقيد الكراهة حتى يحصل الرش الذي به تزول الكراهة. وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه ابن إدريس وسلار وابن البراج فلا معنى لفرقهم في هذا المقام بين بيوت المجوس التي اتفقوا فيها على الكراهة وبين البيع والكنائس التي حكموا فيها بعدم الكراهة ، فإن الرش ان كان لدفع الكراهة ففي الموضعين وان كان لا لذلك ولا يستلزم الكراهة ففي الموضعين ايضا ، فإثباتها في أحدهما دون الآخر مع اشتراك الدليل لا اعرف له وجها.

أقول : ومن الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن بواري اليهود والنصارى التي يقعدون عليها في بيوتهم أيصلى عليها؟ قال لا». أقول : حيث كان مقتضى

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من مكان المصلى والرواية في التهذيب دون الكافي.

(٢) سورة بني إسرائيل ، الآية ٨٦.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من مكان المصلي.

(٥) ص ٨٦ ورواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٢٤٢ راجع الوسائل الباب ٧٣ من النجاسات.


الأصل الطهارة فالخبر اما محمول على علم النجاسة فيكون النهي للتحريم أولا فيكون النهي محمولا على الكراهة.

وما رواه في الكافي عن عامر بن نعيم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن هذه المنازل التي ينزلها الناس فيها أبوال الدواب والسرجين ويدخلها اليهود والنصارى كيف نصلي فيها؟ قال صل على ثوبك».

أقول : يستفاد من هذين الخبرين كراهة الصلاة في بيوت اليهود والنصارى ومقاعدهم وان لم يذكره الأصحاب.

ثم انه هل يشترط إذن أهل الذمة في ذلك أم لا؟ مقتضى إطلاق النص وكلام الأصحاب هو الثاني ، واحتمل الشهيد في الذكرى الأول تبعا لغرض الواقف وعملا بالقرينة. والظاهر ضعفه لإطلاق الأخبار المذكورة وما دل عليه بعضها من جواز نقضها مسجدا ، قال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) بل لو علم اشتراطهم عند الوقف عدم صلاة المسلمين فيها كان شرطهم فاسدا باطلا وكذا الكلام في مساجد المخالفين وصلاة الشيعة فيها. انتهى.

ومنها ـ بيوت الخمور وبيوت النيران ، أقول : اما بيوت الخمور فيدل عليه قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) في موثقة عمار (٢) «لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر». وقال في المقنع : لا يجوز الصلاة في بيت فيه خمر محصور في آنية ، قال وروى انه يجوز. أقول : هذه العبارة مأخوذة من عبارة كتاب الفقه الرضوي (٣) حيث قال (عليه‌السلام) فيه «لا تصل في بيت فيه خمر محصور في آنية». وبنحو هذه العبارة عبر في من لا يحضره الفقيه ايضا. قال في المدارك : ومنع الصدوق في من لا يحضره الفقيه من الصلاة في بيت فيه خمر محروز في آنية مع انه حكم بطهارة الخمر واستبعده المتأخرون لذلك ولا بعد فيه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من مكان المصلى.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١١٣.


بعد ورود النص به. انتهى. أقول : فيه ان استبعاد المتأخرين ذلك يرجع الى الجمع بين هذين الحكمين وهو قوله بالكراهة هنا مع قوله بطهارة الخمر ، وهو في محله وذلك فإنه متى كانت الخمر طاهرة فسبيلها سبيل الأشياء الطاهرة في البيت فلا مناسبة للمنع من الصلاة والحال هذه وهذا المنع انما يلائم القول بالنجاسة ، فكلامهم في الحقيقة يرجع الى الاعتراض عليه في ذهابه إلى طهارة الخمر إذ لو كان طاهرا كما يدعيه لما حكم عليه بالكراهة هنا إذ لا يعقل للحكم بالكراهة هنا مناسبة على هذا التقدير.

واما بيوت النيران ـ والمراد بها ما أعدت لإضرام النار فيها كالفرن والأتون وان لم تكن موضع عبادتها ـ فقد ذكرها الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم أقف بعد الفحص على خبر يدل على كراهة الصلاة فيها كما اشتهر في كلامهم ، والعلامة في جملة من كتبه انما علل كراهة الصلاة فيها بكون الصلاة فيها تشبها بعبادتها. قال في المدارك : وهو ضعيف جدا والأصح اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران لأنها ليست موضع رحمة فلا تصلح لعبادة الله تعالى.

أقول : لا يخفى انه متى كانت المسألة عارية من النص وانما يراد التعليل بهذه المناسبات الاعتبارية فلا معنى لهذه الا صحية التي ادعاها ولا وجه لتضعيفه كلام العلامة فإنه إذا كفى في ثبوت الكراهة الأمور الاعتبارية المناسبة لتعظيم الصلاة فما ذكره العلامة فإنه إذا كفى في ثبوت الكراهة الأمور الاعتبارية المناسبة لتعظيم الصلاة فما ذكره العلامة متجه وان كان ما ذكره أوجه. نعم ذكر محمد بن علي بن إبراهيم في كتاب العلل المتقدم ذكره (١) في جملة ما عده من الأماكن التي تكره الصلاة فيها قال : ولا بيت فيه صلبان ، الى ان قال في بيان العلة : والعلة في بيت فيه صلبان انها شركاء يعبدون من دون الله تعالى فينزه الله تبارك وتعالى ان يعبد في بيت فيه ما يعبد من دون الله تعالى. انتهى. وفيه نوع ملائمة لما ذكروه في هذه المسألة إلا ان إثبات الحكم بمجرد ذلك لا يخلو من الاشكال.

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢٢.


ومنها ـ الغائط في قبلته أو حائط ينز من بالوعة. اما الأول فيدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن الفضيل بن يسار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة؟ قال تنح عنها ما استطعت. الحديث». واما الثاني فيدل عليه ما رواه في الكافي عن البزنطي (٢) «عن من سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها؟ فقال ان كان نزه من البالوعة فلا تصل فيه وان كان نزه من غير ذلك فلا بأس». والتقريب فيها انه وان كان موردها البول إلا انه متى ثبت ذلك في البول ففي الغائط بطريق اولى. وروى في الفقيه عن محمد بن أبي حمزة عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا ظهر النز من خلف الكنيف وهو في القبلة ستره بشي‌ء». ونقل في البحار (٤) عن كتاب الحسين بن عثمان قال : «روى عن ابي الحسن (عليه‌السلام) انه قال إذا ظهر النز إليك من خلف الحائط من كنيف في القبلة سترته بشي‌ء. قال ابن ابي عمير رأيتهم قد ثنوا بارية وباريتين قد ستروا بها».

ومنها ـ ان يكون بين يديه مصحف مفتوح ، وزاد بعضهم الإنسان المواجه والباب المفتوح فتكره الصلاة إليها.

أقول : اما الأول فاستندوا فيه الى رواية عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في الرجل يصلي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته؟ قال لا. قلت فان كان في غلاف؟ قال نعم».

قال في المدارك : والحق به الشارح كل مكتوب ومنقوش ، وهو جيد للمسامحة في أدلة السنن وان كان للمناقشة في أمثال هذه المباني المستنبطة مجال.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من مكان المصلي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من مكان المصلي.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من مكان المصلي.

(٥) الوسائل الباب ٢٧ من مكان المصلي.


أقول : لعل المستند لما نقله عن جده (قدس‌سره) ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في مصحف أو في كتاب في القبلة؟ قال ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها». والسيد السند حيث لم يقف على الرواية نسب ذلك الى الاستنباط والظاهر ان جده لم يقف عليها ايضا وانما ذكر الحكم بالتقريب الذي ذكره سبطه كما هي قاعدتهم في غير موضع لكن الخبر ـ كما ترى ـ ظاهر في الحكم المذكور فلا اشكال.

ثم العجب من السيد السند (قدس‌سره) انه مع اعترافه بكون ذلك من المباني المستنبطة كيف يذكر أولا انه جيد ويعلل ذلك بالمسامحة في أدلة السنن؟ أليس السنن من الأحكام الشرعية المتوقف تشريعها على الدليل؟ وهل تبلغ المسامحة في الأحكام الشرعية الى هذا المقدار؟ وغاية ما بلغ إليه الأصحاب بناء على هذا الاصطلاح المحدث هو الاكتفاء بالخبر الضعيف في ذلك لا مجرد القول من غير خبر قياسا على الأشباه والنظائر فإنه من القياس الممنوع منه ، على ان جمعا منهم نبهوا على انه ليس الاعتماد في ذلك على الخبر الضعيف بل على الاخبار المستفيضة الدالة على ان «من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب كان له وان لم يكن الأمر كما بلغه» (٢). وبالجملة فإن كلامه هنا لا يخلو من مسامحة.

واما الثاني فيمكن ان يكون المستند فيه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن علي ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له ان تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال يدرأها عنه فان لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته». ومورد الخبر وان كان أخص مما ذكروه إلا ان الظاهر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من مقدمة العبادات.

(٣) الوسائل الباب ٤٣ من مكان المصلي.


انه لا خصوصية للمرأة بذلك توجب قصر الحكم عليها خصوصا مع جواز النظر الى وجه الأجنبية فإن أكثر الأحكام انما خرجت سؤالا وجوابا في الرجال مع حكمهم فيها بالعموم للنساء إلا مع ظهور ما يوجب التخصيص ، ويؤيده ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) «انه كره ان يصلي الرجل ورجل بين يديه قائم».

واما الثالث فلم أقف له على دليل. والقول بالكراهة في هذين الموضعين الأخيرين منقول عن ابي الصلاح واعترف المتأخرون بعدم الوقوف له على دليل فيهما حتى ان المحقق في المعتبر إنما التجأ إلى انه أحد الأعيان فلا بأس باتباع فتواه. ونحن قد أثبتنا لك دليل الأول منهما. واما الثاني فلم نقف له على دليل. واما كلام المحقق هنا فلا يخفى ما فيه سيما مع ما علم من مناقشته للشيخ وأمثاله في طلب الأدلة وصحتها متى لم يصل اليه الدليل بل يناقشهم مع وجود الأدلة بزعم ضعفها ولم نره يعتمد على مجرد التقليد وحسن الظن بمن تقدمه من الأعيان إلا في هذا المكان. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في استحباب السترة بضم السين للمصلي في قبلته ونقل عليه في المنتهى الإجماع عن كافة أهل العلم.

وقد دل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ والكليني عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «كان طول رحل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذراعان وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه».

وما روياه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجعل العنزة بين يديه إذا صلى». أقول : والعنزة بفتح العين المهملة وتحريك النون وبعدها زاى : عصاه في أسفلها حربة

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٤ من مكان المصلي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من مكان المصلي.


وفي الصحاح أنها أطول من العصا واقصر من الرمح.

وما رواه في التهذيب عن غياث عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وضع قلنسوة وصلى إليها».

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرجل فان لم يجد فحجرا فان لم يجد فسهما فان لم يجد فليخط في الأرض بين يديه». قال في الوافي : «مثل مؤخرة الرحل» يعني بتلك المماثلة ارتفاعه من الأرض.

وعن محمد بن إسماعيل في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) «في الرجل يصلى؟ قال يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط».

وعن عبد الله بن ابي يعفور في الموثق (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل هل يقطع صلاته شي‌ء مما يمر به؟ فقال لا يقطع صلاة المسلم شي‌ء ولكن ادرأوا ما استطعتم».

وعن ابي بصير في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا يقطع الصلاة شي‌ء كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشي‌ء فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت».

وما رواه في الكافي عن علي رفعه عن محمد بن مسلم (٦) قال : «دخل أبو حنيفة على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال له رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم وفيه ما فيه فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ادعوا لي موسى فدعي فقال يا بني ان أبا حنيفة يذكر انك كنت تصلي والناس يمرون بين يديك فلم تنههم؟ فقال نعم يا أبت ان الذي كنت أصلي له كان أقرب الي منهم يقول الله تعالى : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من مكان المصلي.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١١ من مكان المصلي.


الْوَرِيدِ» (١) قال فضمه أبو عبد الله (عليه‌السلام) الى نفسه ثم قال بأبي أنت وأمي يا مستودع الأسرار». قال في الكافي : وهذا تأديب منه (عليه‌السلام) لا انه ترك الفضل. قال في الوافي بعد نقل ذلك عنه : أقول ليس في الحديث انه (عليه‌السلام) ترك السترة وانما فيه انه لم ينه الناس عن المرور فلعله لا يلزم نهى الناس بعد وضع السترة وانما اللازم حينئذ حضور القلب مع الله تعالى حتى يكون جامعا بين التوقير الظاهر للصلاة والتوقير الباطن لها ولهذا أدب (عليه‌السلام) أبا حنيفة بذلك وكأن هذا هو المراد من كلام صاحب الكافي.

وما رواه في التهذيب عن سفيان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه كان يصلي ذات يوم إذ مر رجل قدامه وابنه موسى (عليه‌السلام) جالس فلما انصرف قال له ابنه يا أبت ما رأيت الرجل مر قدامك؟ فقال يا بني ان الذي أصلي له أقرب الي من الذي مر قدامي».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي وامامه شي‌ء عليه ثياب؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي وامامه ثوم أو بصل نابت؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ قال لا يصلح له ان يستقبل النار. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي وامامه حمار واقف؟ قال يضع بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلى لا بأس. قلت فان لم يفعل وصلى أيعيد صلاته أو ما عليه؟ قال لا يعيد صلاته وليس عليه شي‌ء وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وامامه النخلة وفيها حملها؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في الكرم وفيه حمله؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل

__________________

(١) سورة ق ، الآية ١٥.

(٢) الوسائل الباب ١١ من مكان المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١١ و ٣٠ و ٣٧ و ٤٣ من مكان المصلى.


يكون في صلاته هل يصلح له ان تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال يدرأها عنه فان لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وامامه شي‌ء من الطير؟ قال لا بأس».

وروى في كتاب التوحيد بسنده عن منيف مولى جعفر بن محمد (١) قال : «حدثني سيدي جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) قال كان الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهما‌السلام) ـ وفي نسخة الحسين بدل الحسن ـ يصلي فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه فلما انصرف من صلاته قال له لم نهيت الرجل؟ فقال يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خطر في ما بينك وبين المحراب. فقال ويحك ان الله عزوجل أقرب الي من ان يخطر في ما بيني وبينه أحد».

أقول : وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع (الأول) ـ قد استفاضت هذه الاخبار باستحباب السترة للمصلي والظاهر ان الغرض منها منع المرور من بين يدي المصلي لئلا يشغل فكره عن إقباله على صلاته فكأنها بمنزلة تحجير المكان عن غيره ، ولهذا انه يجوز دفع المار كما يأتي ان شاء الله تعالى ولو استلزم أذاه اما إذا لم يضع السترة ولم يحجر الموضع بذلك فليس له ذلك ، وظاهر الاخبار الدالة على قول الأئمة (عليهم‌السلام) «ان الذي أصلي له أقرب من الذي يمر قدامي» ونحوه مما اشتملت عليه تلك الاخبار هو عدم السترة يومئذ ، وفيه إيماء الى ان الغرض من السترة ـ وهو عدم توزع الفكر بمرور المار ـ انما هو بالنسبة الى من لم يكن فكره في حال الصلاة مستغرقا مع الله سبحانه ، واما من كان فكره مستغرقا معه سبحانه وليس في قلبه شي‌ء سواه في تلك الحال ولا يشغله عنه شاغل ـ حتى انه روى (٢) «ان السهام التي ثبتت في بدن أمير المؤمنين

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من مكان المصلى.

(٢) في أسرار الشهادة ص ٢٥٥ طبعة ١٣١٩ ما ملخصه : ان أمير المؤمنين (ع) أصابت رجله نبلة في غزوة صفين واستحكمت فيها فلم يطق إخراجها فأخرجت منه في حال السجود ولم يحس بذلك أصلا.


(عليه‌السلام) من الحرب انما كانت تنزع وقت الصلاة لعدم إحساسه بذلك». ـ فلا تستحب بالنسبة إليه لعدم ما يترتب عليها فإنه حاصل بدونها إلا ان الظاهر تخصيص هذه المرتبة بهم (عليهم‌السلام) ومن قرب منهم وقد تقدم خبر آخر بهذا المعنى في مسألة كراهة استقبال النار (١) ويعضده مرفوعة عمرو بن إبراهيم الهمداني المتقدمة أيضا (٢) (لا يقال) ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يستتر كما دلت عليه الاخبار المتقدمة (لأنا نقول) انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان مكلفا بتشريع الشرائع وسن السنن والواجبات وتعليم الناس فلا منافاة وبالجملة فإن النهي عن الصلاة بدون السترة مخصوص بالفرد الأول والتجويز بالفرد الثاني ، وبذلك يظهر ما في كلامي صاحب الكافي والوافي من التكلف الذي لا ضرورة تلجئ اليه.

(الثاني) ـ قد دل خبر علي بن جعفر المذكور على استحباب السترة إذا صلى وفي قبلته حمار ولم يذكره أحد من الأصحاب في ما أعلم ، إلا ان الصدوق في الفقيه روى ذلك عن علي بن جعفر ايضا مع جملة من هذه السؤالات ، وهو يؤذن بقوله بذلك بناء على ما قدمه في صدر كتابه من انه لا يذكر فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته.

(الثالث) ـ الظاهر من هذه الاخبار استحباب الارتفاع في السترة بأن تكون عنزة ونحوها ولو قدر ذراع فيرتفع عن الأرض وهكذا الى ان ينتهي إلى مجرد الخط في الأرض ، والعلة في ذلك ظهور امارة التحجير فكلما كانت ارفع كانت أظهر للناظر والمارين ، هذا إذا كان في فضاء من الأرض ولو صلى في مسجد أو بيت قرب من حائطه. ونقل عن الجعفي ان الاولى بلوغ السترة ذراعا فما زاد.

(الرابع) ـ يستحب الدنو من السترة ، قال في الذكرى : يستحب الدنو من السترة لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته». وقدره ابن الجنيد بمربض الشاة لما صح من خبر سهل

__________________

(١) ص ٢٣١.

(٢) ص ٢٢٩.

(٣) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٥٨ عن ابى داود.


الساعدي (١) قال : «كان بين مصلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبين الجدار ممر الشاة». انتهى وقدره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بمربض عنز الى مربط فرس ، ونسبه في المدارك إلى الأصحاب مؤذنا بعدم وجود الدليل عليه مع انه روى الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز وأكثر ما يكون مربط فرس». ويؤيد ما ذكره في الذكرى ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) قال : «إذا قام أحدكم في الصلاة الى سترة فليدن منها فان الشيطان يمر بينه وبينها وحد في ذلك كمربض الثور».

(الخامس) ـ قال في الذكرى : إذا نصب بين يديه عنزة أو عودا لم يستحب الانحراف عنه يمينا ولا شمالا قاله في التذكرة ، وقال ابن الجنيد يجعله على جانبه الأيمن ولا يتوسطها فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة ، وقال بعض العامة ليكن على الأيمن أو على الأيسر. انتهى. أقول المفهوم من ظواهر الأخبار المتقدمة هو المحاذاة لها وما ذكره ابن الجنيد لا نعرف له وجها.

(السادس) ـ قال في الذكرى : سترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يأمر المؤتمين بسترة (٤) ولان ظهر كل واحد منهم سترة لصاحبه. أقول : تعليله الثاني انما يجري في الصف الثاني وما بعده نعم الأول منهما ظاهر العموم ولو للواحد الذي يقوم بجنب الامام.

(السابع) ـ قال العلامة : لو كانت السترة مغصوبة لم يحصل الامتثال لعدم الإتيان بالمأمور به شرعا. واعترضه في الذكرى بأنه يشكل بأن المأمور به الصلاة الى السترة وقد حصل وغصبيتها أمر خارج عن الصلاة كالوضوء من الإناء المغصوب. اما

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ٢٢٥.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من مكان المصلى.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٨ من مكان المصلى.

(٤) صحيح البخاري ج ١ ص ١٠١.


لو كانت نجسة لم يضر إلا مع نجاسة ظاهرة. انتهى. أقول : ما ذكره في رد كلام العلامة جيد. واما ما ذكره من استثناء النجاسة الظاهرة فلا اعرف له وجها إلا ان كان خبر الفضيل بن يسار المتقدم في مسألة كراهة استقبال الغائط ومورده الغائط ولا عموم فيه ينهض بالدلالة ، أو اخبار نز الكنيف والبالوعة وهي كذلك خاصة ، إلا ان يستنبط منهما العموم لجميع النجاسات بأي نحو كانت. ونقل في الذكرى عن ابي الصلاح في جملة ما عده مما يكره الصلاة إليه النجاسة الظاهرة ونحوه في المقنعة ، والظاهر انه جرى هنا على ذلك.

(الثامن) ـ قال في الذكرى ايضا : يستحب دفع المار بين يديه لقوله (عليه‌السلام) (١) : «لا يقطع الصلاة شي‌ء فادرأوا ما استطعتم». أقول : الاستدلال بالخبر المذكور مبني على ان معناه كما فهمه هو وغيره من الأمر بدفع المار يعني ادفعوا المار بما استطعتم من إشارة أو رمي شي‌ء أو دفع باليد أو نحو ذلك ، والظاهر عندي انما هو الدفع بجعل السترة فهو كناية عن الأمر بالسترة بمعنى ادفعوا ضرر مروره بالاستتار بالسترة فإنها متى وضعت لم يمر بينها وبين المصلي ، ويظهر هذا المعنى من رواية أبي بصير المتقدمة المتضمنة انه لا يقطع الصلاة شي‌ء كلب ولا حمار. الحديث.

(التاسع) ـ قال في الكتاب المذكور : لو احتاج في الدفع الى القتال لم يجز ورواية أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «فان ابي فليقاتله فإنما هو شيطان». للتغليظ أو يحمل على دفاع مغلظ لا يؤدى الى حرج ولا ضرر. أقول : الظاهر ان ما نقل من خبر الخدري انما هو من طريق العامة إذ لم نجده في أخبارنا نعم روى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٣) «انه سئل عن المرور

__________________

(١) ص ٢٣٩.

(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ١٠٣.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٧ من مكان المصلى. وليس فيه «ولو قاتلته» نعم هو موجود في البحار ج ١٨ الصلاة ص ١١٦.


بين يدي المصلي فقال لا يقطع الصلاة شي‌ء ولا تدع من يمر بين يديك ولو قاتلته». والظاهر حمله على ما ذكره (قدس‌سره) من التغليظ والمبالغة في الدفع.

(العاشر) ـ قال ايضا : هل كراهة المرور وجواز الدفع مختص بمن استتر أو مطلقا؟ نظر من حيث تقصيره وتضييعه حق نفسه وفي كثير من الاخبار التقييد بما إذا كان له سترة ثم لا يضره ما يمر بين يديه ، ومن إطلاق باقي الاخبار. ويمكن ان يقال بحمل المطلق على المقيد. أقول : الوجه انما هو الأول كما أشرنا اليه ومطلق الاخبار محمول على مقيدها كما ذكره فإنه مقتضى القاعدة في هذا الباب. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجوز السجود اختيارا إلا على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس عادة ، ولم يستثنوا من هذه القاعدة إلا القرطاس ، ونقل عن المرتضى في المسائل الموصلية كراهة السجود على ثياب القطن والكتان وفي المصباح وافق الأصحاب ، ويدل على الأول الاخبار المستفيضة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس».

وعن الفضل ابي العباس (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا القطن والكتان».

وعن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له اسجد على الزفت يعني القير؟ فقال لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شي‌ء من الحيوان ولا على طعام ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ولا على شي‌ء من الرياش».

وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال له :

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١ من ما يسجد عليه.

(٣) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.


«أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن هشام بن الحكم (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقلت له جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال لان السجود هو الخضوع لله عزوجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها. والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزوجل».

وروى في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يسجد الرجل على كدس حنطة ولا على شعير ولا على لون مما يؤكل ولا يسجد على الخبز».

وعن الأعمش عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا المأكول والقطن والكتان».

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٤) : «كل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في المطعم والمشرب من الثمر والكثر فلا يجوز الصلاة عليه ولا على ثياب القطن والكتان والصوف والشعر والوبر ولا على الجلد إلا على شي‌ء لا يصلح للبس فقط وهو مما يخرج من الأرض إلا ان تكون في حال ضرورة».

وقال أيضا في الكتاب المذكور : «إذا سجدت فليكن سجودك على الأرض أو على شي‌ء ينبت من الأرض مما لا يلبس ، ولا تسجد على الحصر المدينة لأن سيورها من جلود ، ولا تسجد على شعر ولا على وبر ولا على صوف ولا على جلد ولا على إبريسم ولا

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من ما يسجد عليه.

(٤) البحار ج ٨ الصلاة ص ٣٦٦ و ٣٦٧.


على زجاج ولا على ما يلبسه الإنسان ولا على حديد ولا على الصفر ولا على الشبه ولا على النحاس ولا على الرصاص ولا على آجر يعني المطبوخ ولا على الريش ولا على شي‌ء من الجواهر وغيره من الفنك والسمور والحواصل والثعالب ولا على بساط فيه الصور والتماثيل. وان كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك ان تحرق أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك فلا بأس ان تسجد على كمك إذا كان من قطن أو كتان».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان تحقيق البحث في هذه المسألة يتوقف على بسطه في مقامات

(الأول) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استثناء القرطاس من هذا الحكم في الجملة بل نقل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الإجماع على استثنائه مطلقا.

ويدل عليه مضافا الى ذلك صحيحة علي بن مهزيار (١) قال : «سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه‌السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز».

وصحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتابة». ولفظ الكراهة هنا مراد به المعنى المشهور لما دل عليه الخبر السابق من الجواز.

وصحيحة صفوان الجمال (٣) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماء». والظاهر ان المعنى في هذا الخبر انه حيث كانت صلاته (عليه‌السلام) في المحمل وقت السير فربما تمكن من السجود فيضع جبهته على القرطاس وربما لا يتمكن فيومى للسجود إيماء. وإطلاق هذه الاخبار يقتضي جواز السجود على القرطاس مطلقا سواء اتخذ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من ما يسجد عليه.


من القطن أو الإبريسم أو غيرهما ونقل عن العلامة في التذكرة انه اعتبر فيه كونه مأخوذا من غير الإبريسم لأنه ليس بأرض ولا من نبتها ، ويظهر من الشهيد في كتبه الثلاثة التوقف والاستشكال في السجود على القرطاس بقول مطلق حيث قال في كتاب البيان : ويجوز على القرطاس المتخذ من النبات ويشكل بأجزاء النورة. وقال في الدروس : ولا بأس بالقرطاس ويكره المكتوبات للقارئ المبصر ولو اتخذ القرطاس من القطن أو الكتان أو الحرير لم يجز. وقال في كتاب الذكرى بعد ذكر روايتي داود ابن فرقد وصفوان : وفي النفس من القرطاس شي‌ء من حيث اشتماله على النورة المستحيلة إلا ان نقول الغالب جوهر القرطاس أو نقول جمود النورة يرد إليها اسم الأرض ، الى ان قال : فرع ـ الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع إلا ان يقال ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوز له. وفيه بعد لاستحالتها عن اسم الأرض ولو اتخذ من القطن والكتان أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما وقد سلف.

أقول : الظاهر ان ما تكلفه هذان الفاضلان في المقام ـ بارتكاب تخصيص اخبار القرطاس بالمتخذ مما يجوز السجود عليه كما يعطيه قوله في التذكرة في تعليل المنع من السجود على المتخذ من الإبريسم بأنه ليس بأرض. وقوله في الذكرى في المتخذ من القطن والكتان ببناء ذلك على جواز السجود عليهما ـ منشأه الجمع بين اخبار المنع من السجود على غير الأرض وما أنبتت ما لم يكن مأكولا ولا ملبوسا وبين اخبار القرطاس بإرجاع اخبار القرطاس الى تلك الاخبار وتقييدها بها ، وهو مما لا يسمن ولا يغني من جوع وذلك فإنه لا ريب ان القرطاس قد خرج عن تلك الأشياء المتخذ منها كائنة ما كانت إلى حقيقة أخرى فلا يفيد كونه متخذا مما يصح السجود عليه فائدة ، ألا ترى انه قد امتنع السجود على المعادن وان كان أصلها الأرض باعتبار الحيلولة والانتقال من الأرضية إلى حقيقة أخرى والقرطاس لا يصدق عليه انه أرض ولا ما أنبتت ، وكونه كان قبل الاستحالة الى هذه الحقيقة مما يسجد عليه لا يجدى نفعا وإلا لجاز السجود


على المعادن بالتقريب المذكور. والحق انما هو استثناء القرطاس بهذه الاخبار من القاعدة المستفادة من تلك الاخبار ، وجميع ما ذكراه تقييد للنصوص من غير دليل واضح ولا برهان لائح فلا ينبغي ان يلتفت اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد صرح الأصحاب بكراهة السجود على القرطاس المكتوب وعليه تدل صحيحة جميل المتقدمة إلا انه يشترط في صحة السجود عليه متى كان مكتوبا ان يقع السجود على مكان خال من الكتابة إذا كان المكتوب به مما لا يصلح السجود عليه ولا فرق في ذلك بين القارئ والأمي ، ونقل عن الشيخ في المبسوط وابن إدريس تخصيص الكراهة بالقارئ البصير كما تقدم في عبارة الدروس وانه لا يكره في حق الأمي ولا في حق القارئ الذي لا يبصر ، وإطلاق النص يرده.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) المنع من السجود على القطن والكتان سواء كان قبل النسج أو بعده بل قال في المختلف انه قول علمائنا اجمع ، وخالف في ذلك المرتضى في المسائل الموصلية مع انه ذهب في الجمل والانتصار الى المنع ونقل فيه إجماع الطائفة ، وظاهر المحقق في المعتبر الميل الى الجواز على كراهية أيضا ، وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي أيضا كما ستقف عليه.

ونقل عن المرتضى انه احتج على ذلك بأنه لو كان السجود على الثوب المنسوج من القطن والكتان محرما محظور الجري في القبح ووجوب إعادة الصلاة واستئنافها مجرى السجود على النجاسة ومعلوم ان أحدا لا ينتهي الى ذلك. ولا يخفى ما فيه.

نعم يدل على ذلك جملة من الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) وكان الاولى الاستدلال بها في المقام دون هذه التخريجات الغثة التي تمجها الافهام :

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن داود الصرمي (١) قال : «سألت أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال جائز».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.


وعن منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابه (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا».

وعن الحسين بن علي بن كيسان الصنعائي (٢) قال : «كتبت الى ابي الحسن الثالث (عليه‌السلام) اسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب الي : ذلك جائز».

وعن ياسر الخادم (٣) قال : «مر بي أبو الحسن (عليه‌السلام) وانا أصلي على الطبري (٤) وقد ألقيت عليه شيئا اسجد عليه فقال لي مالك لا تسجد عليه أليس هو من نبات الأرض؟».

وأجاب الشيخ عن جميع هذه الاخبار بالحمل على حالة الضرورة أو التقية (٥) ورده المحقق في المعتبر بان في رواية الصنعائي التنصيص على الجواز مع انتفاء التقية والضرورة واستحسن حمل الأخبار المانعة على الكراهة. قال في المدارك : وهو محتمل لكن هذه الاخبار لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة الدالة بظاهرها على المنع المؤيدة بعمل الأصحاب. وظاهره الميل الى ما ذكره في المعتبر لو لا ضعف روايات الجواز. والمحدث الكاشاني في الوافي بعد ان نقل حمل الشيخ (قدس‌سره) لروايات الجواز استبعده وقال : والاولى ان يحمل النهي عنهما على الكراهة.

أقول وبالله التوفيق : لا يخفى ان ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) هنا من الجمع

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.

(٤) الطبري ثوب ينسب الى طبرستان أو طبرية بالفتح محلة من واسط. قال في الوافي ذيل هذا الخبر : الطبري كأنه كان من القطن أو الكتان كما يظهر من الاستبصار. انتهى. منه (قدس‌سره).

(٥) ارجع الى التعليقة رقم (١) ص ٢٥١.


بين الاخبار بحمل هذه الاخبار المجوزة على التقية أو الضرورة حمل جيد ، اما بالنسبة إلى التقية فلما استفاض عنهم (عليهم‌السلام) من عرض الاخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافهم والجواز مذهب العامة (١) من غير اشكال ، ويعضد ذلك صحة الاخبار الدالة على التحريم وتكاثرها عموما وخصوصا واعتضادها بعمل الطائفة قديما ودعوى الإجماع في المقام. واما ما ذكره في المعتبر من ان رواية الصنعاني نصت على الجواز مع انتفاء التقية والضرورة فليس بشي‌ء لأن المفهوم من الاخبار على وجه لا يعتريه الإنكار انهم انما يجيبون على ما يرونه من المصلحة لا بما يريد السائل فربما تركوا الجواب بالكلية وربما أجابوا بالتقية وربما أجابوا بما فيه التباس واشتباه لا يستفاد منه معنى ظاهر بالكلية ، وقد ورد عنهم (عليهم‌السلام) (٢) «ان الله سبحانه قد فرض عليكم السؤال ولم يفرض علينا الجواب بل ذلك إلينا ان شئنا أجبنا وان شئنا لم نجب». وبالجملة فإن مجرد طلب السائل لأن يكون الجواب لا على وجه التقية لا يوجب حمل الجواب على ما طلبه لما عرفت ، ويؤيد الحمل على التقية قوله (عليه‌السلام) في صحيحة علي بن يقطين (٣) : «لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية». واما الحمل على الضرورة فلما تقدم من كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي ونحوه ما رواه علي بن جعفر في كتابه والحميري في قرب الاسناد عنه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له ان يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟ قال إذا كان مضطرا فليفعل». وفي كثير من الأخبار الآتية ما يدل على ذلك. والله العالم.

(الثالث) ـ لا خلاف ولا إشكال في جواز السجود على ما منعت منه الاخبار المتقدمة في حال التقية والضرورة لسقوط التكليف في الحالين المذكورين وعلى ذلك

__________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص ١٦١.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٢١٠.

(٣) ص ٢٥٢.

(٤) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.


ايضا دلت الأخبار المتكاثرة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (١) قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه‌السلام) عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ قال لا بأس إذا كان في حال التقية». ورواه أيضا في موضع آخر (٢) وزاد «ولا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية».

ومنها ـ ما تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي وكذا صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن ابي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسجد على المسح؟ فقال إذا كان في تقية فلا بأس».

وعن عيينة بياع القصب (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ادخل المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلي على الحصى فابسط ثوبي فاسجد عليه؟ قال نعم ليس به بأس».

وعن القاسم بن الفضيل (٥) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك الرجل يسجد على كمه من أذى الحر والبرد؟ قال لا بأس به».

وعن احمد بن عمر (٦) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه؟ فقال لا بأس به».

وعن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) قال : «قلت له أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف اصنع؟ قال تسجد على بعض ثوبك. قلت ليس علي ثوب يمكنني ان اسجد على طرفه ولا ذيله؟ قال اسجد على ظهر كفك فإنها أحد المساجد».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من ما يسجد عليه.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.


وروى الصدوق في كتاب العلل عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف ان سجد على الرمضاء أحرقت وجهه؟ قال يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد». قال في الوافي : لعل المراد ان كفك أحد مساجدك على الأرض فإذا وضعت جبهتك عليها صارت موضوعة على الأرض بتوسطها.

ويستفاد من رواية أبي بصير الاولى تصريحا ومن الثانية تلويحا انه لا ينتقل الى السجود على بدنه إلا مع تعذر الثياب ، وبذلك ايضا صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) قال في الشرائع : ولا يسجد على شي‌ء من بدنه فان منعه الحر عن السجود على الأرض سجد على ثوبه فان لم يمكن فعلى كفه.

(الرابع) ـ ينبغي ان يعلم ان ما دلت عليه الاخبار المتقدمة من المنع من السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت انما هو بالنسبة إلى مسجد الجبهة خاصة لا غيرها من المساجد فإنه يجوز وقوعها على اي شي‌ء كان ، والظاهر ان الحكم بذلك إجماعي.

وعليه يدل من الاخبار ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل ابن يسار ويزيد بن معاوية عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.

(٢) الوسائل الباب ١ من ما يسجد عليه.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من لباس المصلى.


وروى في الكافي عن الحلبي (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفا من حصباء فجعله على البساط ثم سجد».

وعن حمران في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «كان ابي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد».

أقول : الطنفسة بتثليث الطاء والفاء بساط له خمل ، والخمرة بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم سجادة صغيرة ، قال في كتاب مجمع البحرين : قد تكرر في الحديث ذكر الخمرة والسجود عليها وهي بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمل بالخيوط وفي النهاية هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده ولا يكون خمرة إلا هذا المقدار. ومنه كان ابي يصلي على الخمرة يضعها على الطنفسة. انتهى. وقال في النهاية : وفي حديث أم سلمة «قال لها وهي حائض ناوليني الخمرة» هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسجية خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار ، وسميت خمرة لان خيوطها مستورة بسعفها ، وقد تكررت في الحديث وهكذا فسرت. وقد جاء في سنن ابي داود عن ابن عباس قال : «جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم» قال وهذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها.

أقول : بقي هنا شي‌ء وهو انه قد تقدم في كلام الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه النهي عن السجود على الحصر المدنية لان سيورها من جلود ، والمراد منها الخمرة لما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن الريان (٣) قال : «كتب بعض أصحابنا بيد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.

(٣) الفروع ج ١ ص ٩٢ والتهذيب ج ١ ص ٢٢٣ وفي الوسائل في الباب ١١ من ما يسجد عليه.


إبراهيم بن عقبة إليه ـ يعني أبا جعفر (عليه‌السلام) ـ يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية فكتب : صل فيها ما كان معمولا بخيوطة ولا تصل على ما كان معمولا بسيورة. قال فتوقف أصحابنا فأنشدتهم بيت شعر ل (تأبط شرا) العدواني (١) «فكأنها خيوطة ماري تغار وتفتل». وماري كان رجلا حبالا يعمل الخيوط» وظاهر هذين الخبرين النهي عن الخمرة المدنية لأنها تعمل بالسيور وهي الجلود مع ان الظاهر ان ما تعمل به من سيور أو خيوط يكون مستورا بسعف النخل الذي تعمل منه فالسجود انما يقع على السعف ، ولعل بناء الفرق في رواية علي بن الريان على ان ما يعمل بالخيوط تكون الخيوط فيه مستورة بالسعف واما ما يعمل بالسيور فإنها تظهر بين السعف أو تغطى على السعف فلا يقع السجود على السعف بالكلية فيكون النهي محمولا على التحريم ، أولا يحصل الجزء الأكمل من السجود فيكون النهي للكراهة ، قال في الذكرى : لو عملت بالخيوط من جنس ما يجوز السجود عليه فلا إشكال في جواز السجود عليها ولو عملت بسيور فان كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صح السجود ايضا ولو وقعت على السيور لم يجز وعليه دلت رواية ابن الريان. وأطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط. انتهى. وظني ان ما ذكرناه من التفصيل أظهر.

(الخامس) اختلفت الرواية في جواز السجود على القير ففي صحيحة زرارة المتقدمة النهي عن ذلك ، وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن عمرو بن سعيد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تسجد على القير ولا على القفر ولا على الصاروج». ورواه الكليني مثله إلا انه ترك ذكر القفر. وعن صالح بن الحكم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في السفينة؟ فقال ان رجلا سأل ابي عن الصلاة في السفينة فقال له أترغب عن صلاة نوح (عليه‌السلام) فقلت له آخذ معي مدرة

__________________

(١) كذا في فروع الكافي وفي التهذيب (الفهمي) بدل (العدواني) وكذا في تاج العروس مادة (إبط).

(٢) الوسائل الباب ٦ من ما يسجد عليه.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من القبلة.


اسجد عليها؟ قال نعم».

وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح (١) قال : «سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن السجود على القار قال لا بأس به». وروى في الصحيح عن منصور بن حازم عنه (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «القير من نبات الأرض». وفي كتاب المسائل لعلي ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يجزئه ان يسجد في السفينة على القير؟ قال لا بأس». وقد تقدم في اخبار الصلاة في السفينة (٤) في صحيحة معاوية بن عمار قال (عليه‌السلام) «ويصلى على القير والقفر ويسجد عليه». وروى الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمار (٥) قال : «سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده عن السجود على القفر وعلى القير فقال لا بأس به». وحمل الشيخ هذه الروايات على الضرورة أو التقية.

قال في الوافي : ويجوز حمل النهي على الكراهة. وقال في المدارك بعد ذكر صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن عمار الواردة في الصلاة في السفينة : ولو قيل بالجواز وحمل النهي على الكراهة أمكن ان لم ينعقد الإجماع على خلافه.

أقول : فيه (أولا) ان اخبار الجواز وان صح سندها كما هو المدار عليه عنده إلا ان اخبار النهي قد اعتضدت باتفاق الأصحاب ظاهرا وبالأخبار المتقدمة المصرحة بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت. و (ثانيا) ما عرفت في غير مقام مما تقدم مما في هذا الحمل من النظر. و (ثالثا) ان العامة متفقون على جواز السجود عليه كما نقله في البحار ، وحينئذ فالأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية المقررة عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) هو حمل اخبار الجواز على التقية ، لكنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم انهم (رضوان الله عليهم) قد نبذوا هذه القواعد وراء ظهورهم

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ من ما يسجد عليه.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٥ من ما يسجد عليه.


وعكفوا على قاعدة الجمع بين الاخبار بالكراهة والاستحباب.

ثم انه لا يخفى عليك انا قد أشرنا في غير موضع مما تقدم الى اضطراب كلام السيد السند (قدس‌سره) في حديث إبراهيم بن هاشم وعده في الضعيف تارة وفي الحسن اخرى وفي الصحيح تارة ، وفي هذا الموضع قد وصف رواية زرارة المتقدمة بالصحة في موضعين وفي طريقها إبراهيم بن هاشم ووصفها بالصحة أيضا في شرح قول المصنف : «وفي القطن والكتان روايتان» وفي شرح قوله : «المقدمة السابعة في الأذان والإقامة» قال وروى الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أذنت وأقمت. الحديث».

(السادس) ـ المراد بالمأكول هو ما يطرد اكله ويعتاد فلو أكل نادرا أو في الضرورة كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يكثر أكلها لم يعد مأكولا ولو أكل شائعا في قطر دون قطر فإشكال ينشأ من احتمال اختصاص كل قطر بمقتضى عادته ومن صدق المأكول عليه. ولعله أرجح مع كونه أوفق بالاحتياط ولو كان له حالتان يؤكل في إحداهما دون الأخرى جاز السجود عليه في إحداهما دون الثانية.

والظاهر انه لا يشترط في المأكول كونه بحيث ينتفع به بالفعل بل تكفي القوة القريبة فلو توقف الأكل على طحن أو طبخ أو نحوهما واللبس على غزل ونسج وخياطة لم يخرجه ذلك عن صدق المأكول والملبوس عليه قبل تلك الحال ، ونقل عن العلامة في التذكرة والمنتهى انه جوز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، وعلله في المنتهى بكونهما غير مأكولين عادة ، وعلله في التذكرة بأن القشر حائل بين المأكول والجبهة. ورد الأول بأن الافتقار الى العلاج لا يخرجهما عن كونهما مأكولين عادة. والثاني بأن العادة في الصدر الأول جرت بأكلهما غير منخولين كما لا يخفى على من راجع الاخبار ، ونقل ان أول من نخل الدقيق معاوية. مع ان النخل لا يأتي على جميع الاجزاء القشرية

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأذان والإقامة.


لان الاجزاء الصغيرة تنزل مع الدقيق فتؤكل ، وكونها تابعة للدقيق في الأكل لا يمنع من كونها مأكولة لصدق الأكل في الجملة. ونقل عن العلامة في النهاية انه جوز السجود على القطن والكتان قبل غزلهما وقوى جواز السجود على الكتان قبل غزله ونسجه وتوقف فيه بعد غزله. والمشهور بين الأصحاب المنع في الكل إلا انه نقل في كتاب البحار (١) عن كتاب تحف العقول قال «قال الصادق (عليه‌السلام) : وكل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل ان يصير مغزولا فإذا صار غزلا فلا تجوز الصلاة عليه إلا في حال الضرورة». وهو ظاهر في ما ذكره في النهاية ، وربما استفيد منه بطريق الفحوى الدلالة على جواز السجود على ما كان كذلك مما يتوقف الانتفاع به على علاج بان يكون ذكر الغزل من قبيل التمثيل.

(السابع) ـ لو وضع الإنسان تربة أو شيئا مما يصح السجود عليه تحت كور عمامته وسجد عليه ، أو لو كانت قلنسوته من النبات الغير المأكول ولا الملبوس عادة وسجد عليها فلا إشكال في صحة السجود كذلك ، ونقل عن الشيخ المنع من السجود على ما هو حامل له ككور العمامة وطرف الرداء ، قال في الذكرى : فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق وان جعل المانع نفس الحمل كمذهب بعض العامة (٢) طولب بدليل المنع ، مع انه قد روى أبو بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ثم أورد الرواية وقد تقدمت في المقام الثالث (٣) وأورد رواية أحمد بن عمر (٤) الدالتين على السجود على المحمول ، ثم قال وان احتج برواية الأصحاب عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) في السجود على العمامة «لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض». قلنا لا دلالة فيه على كون المانع الحمل بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه. انتهى. وهو جيد

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٣٦٦.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص ١٦٢.

(٣) ص ٢٥٢.

(٤) ص ٢٥٢.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من ما يسجد عليه.


(الثامن) ـ لا خلاف ولا إشكال في ان السجود على الأرض أفضل مما أنبتت لأنه أبلغ في التذلل والخضوع المطلوب في هذا المقام.

ويعضد ذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ عن إسحاق بن الفضل (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن السجود على الحصر والبواري فقال لا بأس وان تسجد على الأرض أحب الي فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يحب ذلك ان يمكن جبهته من الأرض فأنا أحب لك ما كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يحبه».

وروى الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «السجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزوجل». قال وقال الصادق (عليه‌السلام) (٣) «السجود على الأرض فريضة وعلى غير الأرض سنة».

أقول : قيل في معناه وجوه : (الأول) ما ذكره الأكثر من ان السجود على الأرض ثوابه ثواب الفريضة وعلى ما أنبتته ثوابه ثواب السنة.

(الثاني) ـ ان المستفاد من أمر الله تعالى بالسجود انما هو وضع الجبهة على الأرض إذ هو غاية الخضوع والعبودية واما جواز وضعها على غير الأرض فإنما استفيد من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقوله رخصة ورحمة.

(الثالث) ـ ان يكون المراد بالأرض أعم منها ومما أنبتته والمراد بغير الأرض تعيين شي‌ء خاص للسجود كالخمرة واللوح أو الخريطة من طين قبر الحسين (عليه‌السلام). ولا يخلو من بعد إلا انه يؤيده ما رواه الكليني مرسلا (٤) انه قال : «السجود على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنة». لكن يمكن إرجاع هذا الخبر الى الوجه الثاني بأن يحمل ذكر الخمرة على التمثيل لما كان غير ارض ، وحاصل المعنى ان السجود على الأرض فريضة

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من ما يسجد عليه.

(٤) الوسائل الباب ١١ من ما يسجد عليه.


وغيرها مما أمر به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووردت به السنة المطهرة من الخمرة ونحوها سنة ، وحينئذ فيبقى هذا الوجه على ما هو عليه من الضعف كما ذكرنا.

وأفضل افراد الأرض في السجود التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية ، فروى الصدوق (١) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) السجود على طين قبر الحسين (عليه‌السلام) ينور إلى الأرضين السبعة ، ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين (عليه‌السلام) كتب مسبحا وان لم يسبح بها».

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه (٢) «انه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر هل فيه فضل؟ فأجاب (عليه‌السلام) يجوز ذلك وفيه الفضل».

وروى الشيخ في كتاب المصباح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «كان لأبي عبد الله (عليه‌السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة ابي عبد الله (عليه‌السلام) فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال ان السجود على تربة ابي عبد الله (عليه‌السلام) يخرق الحجب السبع».

وروى الحسن بن محمد الديلمي في كتاب الإرشاد (٤) قال : «كان الصادق (عليه‌السلام) لا يسجد إلا على تربة الحسين (عليه‌السلام) تذللا لله واستكانة إليه».

فوائد : (الأولى) الحق سلار بالتربة الحسينية في استحباب السجود عليها اللوح المتخذ من خشب قبورهم (عليهم‌السلام) سواء في ذلك قبر الحسين وغيره من الأئمة (عليهم‌السلام) ولم نقف على مأخذه وبذلك اعترف شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية بعد نقل المصنف ذلك عنه.

(الثانية) ـ قال شيخنا المشار إليه في الشرح المذكور : ولا فرق في التربة الشريفة بين ما شوى منها بالنار وغيره في أصل الأفضلية لشمول التربة الواردة في الخبر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من ما يسجد عليه.


السابق لهما لكن يكره السجود على المشوي خصوصا إذا بلغ حد الخزف على الأقوى انتهى. أقول : لا يخفى ان هذه السبح المستعملة الآن من التربة المطبوخة فإنها تصير كالخزف فبعين ما يقال فيه من الخروج عن الأرضية بالطبخ وعدمه يقال فيها أيضا. ولي في ذلك توقف للشك في الخروج وعدمه والاحتياط فيها عندي واجب كما تقدم ويأتي ان شاء الله تعالى.

(الثالثة) ـ احتمل شيخنا المشار إليه في شرح النفلية حمل التربة في كلام المصنف على ما يعم ما اتخذ من قبر الحسين وغيره من الأئمة والأنبياء (عليهم‌السلام) الذين ثبت لهم تربة معينة وكذا الشهداء والصالحين ، قال إذ لا شك في تقدسها بواسطتهم كما تقدست التربة الحسينية بذلك وان كانت متظافرة بها ، وروى (١) «انهم كانوا يتخذون السبح من تربة حمزة (عليه‌السلام) قبل قتل الحسين (عليه‌السلام) وان فاطمة (عليها‌السلام) كانت لها سبحة منها فلما قتل الحسين (عليه‌السلام) اتخذت من تربته الشريفة وندب إليها الأئمة عليهم‌السلام». ومن قرائن إرادة العموم نقله عن سلار بعد ذلك اللوح المتخذ من خشب قبورهم (عليهم‌السلام) ولأن شرف التربة أقوى من شرف الخشب. انتهى.

أقول : يمكن تطرق البحث إليه بأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الواضح وما ذكره من التعليل المذكور لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية. ولم لا يجوز اختصاص الحسين (عليه‌السلام) بذلك؟ كما خص بان الشفاء في تربته واجابة الدعاء تحت قبته وجعل الأئمة من ذريته (٢) وان كان غيره من الأئمة والأنبياء والصلحاء من يرجى بهم ذلك ايضا.

(التاسع) ـ قد عرفت دلالة الأخبار المتكاثرة على انه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت وقضية ذلك دوران الصحة مدار صدق الأرضية بالنسبة إلى الأرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من التعقيب.

(٢) الوسائل الباب ٧٦ من المزار.


وقد حصل الاشكال بسبب ذلك هنا في أشياء : (الأول) الخزف وفي خروجه بالطبخ عن الأرضية تردد ، وظاهر المشهور بين المتأخرين جواز السجود عليه من غير تردد ولا نقل خلاف حتى ان العلامة في التذكرة استدل على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه وهو مشعر بان جواز السجود عليه أمر مسلم بين الكل ، والمحقق في المعتبر مع منعه من التيمم به لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض جوز السجود عليه فقال بعد المنع من التيمم لخروجه عن اسم الأرض : ولا يعارض بجواز السجود لانه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ وقد تقدم بيان ضعف هذا الكلام في باب التيمم من كتاب الطهارة. وبالجملة فالقائلون بالجواز انما جوزوا ذلك من حيث عدم خروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض كما صرح به الشهيدان وغيرهم وان صرحوا بالكراهة تفصيا من احتمال الخروج.

وممن صرح بالخروج المحقق كما عرفت واليه يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة والمتقدمون لم يتعرضوا لذكر هذه المسألة ، ويعضد هذا القول ما تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي من قوله في تعداد ما يمنع من السجود عليه : «ولا على آجر يعنى المطبوخ» وهذا التفسير يحتمل ان يكون منه (عليه‌السلام) أو من جامع الكتاب ، ومن الظاهر ان المنع انما هو من الجهة التي ذكرنا.

قال في المدارك : والاولى اجتنابه لما ذكره المصنف من خروجه بالطبخ عن اسم الأرض وان أمكن توجه المنع إليه فإن الأرض المحترقة يصدق عليها اسم الأرض عرفا. ويمكن ان يستدل على الجواز ايضا بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن الحسن ابن محبوب عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب اليه بخطه : ان الماء والنار قد طهراه». وجه الدلالة انها تدل بظاهرها على جواز السجود على الجص والخزف في معناه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨١ من النجاسات و ١٠ من ما يسجد عليه.


ويؤيده الأخبار الكثيرة المتضمنة لجواز السجود على القرطاس وصحيحة معاوية بن عمار المتضمنة لجواز السجود على القير (١) انتهى. وفيه بحث حررناه في شرحنا على الكتاب وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف والاحتياط فيها واجب وقد تقدم في باب التيمم ما فيه زيادة بيان لما اخترناه في المقام. واما صحيحة الحسن بن محبوب المذكورة فقد تقدم تحقيق معناها في كتاب الطهارة في مسألة تطهير النار من المطهرات العشرة فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.

و (الثاني والثالث) الجص والنورة قبل الإحراق وبعد الإحراق ، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك في باب التيمم من كتاب الطهارة ، والحكم في البابين واحد فإنه متى ثبتت الأرضية ترتب عليها جواز السجود والتيمم ومتى انتفت انتفيا.

(المسألة السابعة) ـ قد تقدم نقل اتفاق الأصحاب على طهارة موضع السجود وانه لا يجوز السجود على النجس وان لم تتعد نجاسته الى المصلى. ومن قواعدهم ايضا ان المشتبه بالنجس في حكم النجس في المواضع المحصورة ، وحينئذ فلو حصل الاشتباه في موضع محصور امتنع السجود عليه. وقد تقدم البحث في هذه المسألة منقحا في كتاب الطهارة في المسألة الرابعة من البحث الأول من المقصد الثاني من الباب الخامس في الطهارة من النجاسات من أبواب الكتاب المذكور.

تتمة في أحكام المساجد

قد استفاضت الاخبار بفضل بناء المساجد والسعي إليها والصلاة فيها ، قال الله تعالى «إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» (٢).

وروى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبيدة الحذاء (٣)

__________________

(١) ص ٢٥٦.

(٢) سورة التوبة ، الآية ١٨.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام المساجد.


قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة قال أبو عبيدة فمر بي أبو عبد الله (عليه‌السلام) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجدا فقلت له جعلت فداك نرجو ان يكون هذا من ذاك؟ فقال نعم».

وروى في الفقيه بإسناده عن ابي عبيدة الحذاء عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة. قال أبو عبيدة ومر بي وانا بين مكة والمدينة أضع الأحجار فقلت هذا من ذلك؟ فقال نعم».

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «ان الله إذا أراد ان يصيب أهل الأرض بعذاب قال لو لا الذين يتحابون في ويعمرون مساجدي ويستغفرون بالأسحار لو لا هم لأنزلت عذابي».

وروى احمد بن محمد البرقي في المحاسن بسنده عن هاشم الحلال (٣) قال : «دخلت انا وأبو الصباح على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال له أبو الصباح ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال بخ بخ تلك أفضل المساجد ، من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة».

وروى الشيخ في التهذيب عن علي بن الحكم عن رجل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «من مشى الى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرض السابعة».

وروى في كتاب عقاب الأعمال بسنده فيه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) قال : «من مشى الى مسجد من مساجد الله تعالى فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام المساجد.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من أحكام المساجد.


وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن الأصبغ عن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) (١) قال : «كان يقول من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله أو علما مستطرفا أو آية محكمة أو يسمع كلمة تدله على هدى أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يترك ذنبا خشية أو حياء».

وروى في الكافي في الصحيح عن جابر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجبرئيل يا جبرئيل أي البقاع أحب الى الله تعالى؟ قال المساجد ، وأحب أهلها الى الله أولهم دخولا وآخرهم خروجا منها».

وقال في الفقيه (٣) : «وروى ان الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض حتى لا يحاشي منهم أحدا فإذا نظر الى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلمون القرآن رحمهم‌الله فاخر ذلك عنهم».

وروى الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة».

وعن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) قال : «لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا».

وروى شيخ الطائفة في كتاب المجالس عن ابي ذر (رضي‌الله‌عنه) في حديثه الطويل مما أوصاه به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٦) قال : «يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة. فقلت بأبي أنت وأمي

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٦٨ من أحكام المساجد.

(٥) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

(٦) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٣٢ وفي الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد و ٢ من المواقيت.


يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف يعمر مساجد الله؟ قال لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها فان لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك ، يا أبا ذر ان الله يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة وتصلى عليك الملائكة ويكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات ويمحى عنك عشر سيئات. يا أبا ذر يقول الله ان أحب العباد الي المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم ، يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة : قراءة مصل أو ذاكر الله تعالى أو مسائل عن علم. الحديث».

وروى في كتاب الهداية مرسلا (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التوراة مكتوب ان بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي إلا ان على المزور كرامة الزائر ألا بشر المشاءين في الظلمات الى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة».

وروى الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق بن الزبير الخلقاني (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول شكت المساجد الى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله تعالى إليها وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ولا أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي».

أقول : يمكن حمل هذا الخبر على ظاهره بالنسبة الى من هجر المساجد تهاونا بحرمتها واستخفافا بما حث الله تعالى عليه من إتيانها ، ومثله في الاخبار غير عزيز وإلا فحمله على ظاهره مطلقا مشكل.

وروى الشيخان ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح أو الحسن

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٣٠ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.


عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بنى مسجده بالسميط ، ثم ان المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال نعم فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة ، ثم ان المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال نعم فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر ، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو أمرت بالمسجد فظلل فقال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو أمرت بالمسجد فطين فقال لهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا ، عريش كعريش موسى (عليه‌السلام) فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان جداره قبل ان يظلل قامة فكان إذا كان الفي‌ء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر. وقال السميط لبنة لبنة والسعيدة لبنة ونصف والأنثى والذكر لبنتان متخالفتان».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد ذكروا للمساجد أحكاما : مستحبات ومحرمات ومكروهات وغيرها ، فالواجب ذكر الجميع في مقامات أربعة :

(الأول) في المستحبات : ومنها ـ اتخاذ المساجد مكشوفة ، أما اتخاذها فقد عرفت استفاضة الاخبار به مضافا الى الإجماع من الخاصة والعامة ، واما استحباب كونها مكشوفة فاستدلوا عليه بما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن المساجد المظلمة أيكره الصلاة فيها؟ قال نعم ولكن لا يضركم اليوم ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك».

أقول : فيه ان ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان أو حسنته المتقدمة هو استحباب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من أحكام المساجد.


التظليل وهو الذي فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما شكوا إليه شدة الحر والمكروه انما هو التسقيف وهو الذي امتنع منه لما شكوا اليه المطر.

وشيخنا الشهيد في الذكرى بعد ان ذكر الحكم المذكور استشعر ما ذكرناه فقال في الجمع بين الخبرين المذكورين جاعلا التأويل في جانب خبر الحلبي : ولعل المراد به تظليل جميع المسجد أو تظليل خاص أو في بعض البلدان وإلا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحر والقر. وعلى هذا نسج من تأخر عنه.

أقول : الظاهر ان وجه الجمع بين الخبرين انما هو حمل التظليل في خبر الحلبي على التسقيف الذي ظهر كراهته من خبر عبد الله بن سنان ، ويؤيده انه هو الذي صار معمولا عليه بعد موته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذ المستفاد من الاخبار ان المساجد في زمن خلفاء الجور من الأموية والعباسية كانت مسقفة بل مزخرفة كما ستأتي الإشارة اليه ان شاء الله تعالى ، واليه يشير قوله (عليه‌السلام) : «ولو كان العدل لرأيتم. إلخ» إشارة إلى كسر تلك السقوف بعد قيام القائم (عجل الله فرجه) كما يدل عليه ما رواه في الفقيه مرسلا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى عليه‌السلام». وما رواه الشيخ في كتاب الغيبة بسنده عن ابي بصير (٢) قال : «إذا قام القائم (عليه‌السلام) دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشا كعريش موسى عليه‌السلام.». أقول : قال الجوهري العرش والعريش ما يستظل به. ومن ذلك يظهر ان المراد بالتظليل في خبر الحلبي انما هو السقوف فإنها هي التي يكسرها (عليه‌السلام) لا التظليل فإنه يجعل تلك المساجد بعد خراب السقوف مظللة. وهذا بحمد الله سبحانه أظهر ظاهر لكل ناظر.

ومنها ـ جعل الميضاة على أبوابها ، والمراد بالميضاة الموضع الذي يتطهر فيه من

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أحكام المساجد.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٧ من أحكام المساجد.


البول والغائط وهو كناية عن مواضع قذف النجاسة والتطهير منها.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم».

ونقل في البحار (٢) عن أصل من أصول أصحابنا بسنده فيه عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ضعوا المطاهر على أبواب المساجد».

ونقل في البحار (٣) عن الراوندي في النوادر بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلا بذكر الله تعالى وبيعكم وشراءكم وسلاحكم وجمروها في كل سبعة أيام وضعوا المطاهر على أبوابها».

وأيد بعض الأصحاب الحكم المذكور بأنها لو جعلت داخلها لتأذى المسلمون برائحتها وهو مطلوب الترك.

ونقل عن ابن إدريس انه منع من جعل الميضاة في وسط المسجد قال في الذكرى : وهو حق ان لم تسبق المسجد وهو جيد لانه متى بنى المسجد بعد تقدم المطهرة وجعل حولها بحيث تكون في وسطه فإنه لا موجب للمنع إلا من حيث عدم رعاية الأدب والاحترام المطلوب في هذا المكان.

واما حكم الوضوء في المسجد فقد تقدم في المسألة الثامنة عشرة من المسائل الملحقة بالوضوء من كتاب الطهارة إلا انه قال السيد السند هنا في المدارك : ولم يتعرض المصنف لحكم الوضوء في المسجد وقد قطع العلامة ومن تأخر عنه بكراهته من البول والغائط لما

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ و ٢٥ من أحكام المساجد والراوي في كتب الحديث هو (عبد الحميد).

(٢) ج ١٨ الصلاة ص ١٣٦.

(٣) ج ١٨ الصلاة ص ١٠٧.


رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط والبول». ويمكن حمل الوضوء فيها على الاستنجاء أو على ما يتناوله كما أومأ إليه في المعتبر. انتهى.

أقول : ظاهره انه مع حمل الوضوء في الخبر على الاستنجاء فغاية ما يدل عليه هو الكراهة. وهو على إطلاقه مشكل لأنهم وان صرحوا بطهارة ماء الاستنجاء إلا ان ذلك مشروط بشروط مذكورة ثمة وليس كل استنجاء يكون كذلك بل المعلوم عادة هو اختلال بعض الشروط وحينئذ فيكون نجسا ، وظاهر الأصحاب الاتفاق على تحريم إدخال النجاسة المتعدية الى المسجد وآلاته وبه صرح هو ايضا ، واليه يشير جملة من الاخبار مثل رواية تعاهد النعلين عند دخول المسجد (٢) ورواية أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتطهير بول الأعرابي في المسجد (٣) وظاهر قوله عزوجل «. فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (٤) وعلى هذا فالأظهر بناء على حمل الوضوء على الاستنجاء هو حمل الكراهة في الخبر على التحريم فإن إطلاقها بهذا المعنى أكثر كثير كما أشرنا إليه في غير موضع وبه اعترف السيد المشار إليه في مواضع من شرحه. والله العالم.

ومنها ـ تجمير المساجد في كل سبعة أيام وهذا الحكم وان لم يذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلا انه مدلول خبر الراوندي المذكور في سابق هذا الموضع ونحوه في كتاب دعائم الإسلام حيث قال عن علي (عليه‌السلام) (٥) قال : «جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وبيعكم وشراءكم وسلاحكم وجمروها في كل سبعة أيام وضعوا فيها المطاهر». وأصحابنا يكتفون في أدلة السنن بأمثال هذه الاخبار بل ما هو أضعف. وما تضمنه هذا الخبر من قوله : «وضعوا فيها المطاهر» الظاهر جعل «في» تعليلية مثل قوله (صلى الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من الوضوء.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أحكام المساجد.

(٣) ج ١ ص ٣٠٩.

(٤) سورة التوبة ، الآية ٢٨.

(٥) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٣٦.


عليه وآله) (١) «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها». فلا ينافي ما تقدم من استحباب جعلها على أبواب المساجد.

ومنها ـ جعل المنارة في الحائط لا في وسط المسجد ، وعلله العلامة في النهاية بما فيه من التوسعة ورفع الحجاب بين المصلين ، وأطلق الشيخ في النهاية المنع من جعل المنارة في وسط المسجد. قيل وهو حق ان تقدمت المسجدية على بنائها.

أقول : لم أقف في هذا المقام على خبر عنهم (عليهم‌السلام) نعم ورد ما يدل على النهي عن ارتفاع المنارة وبه قال الأصحاب أيضا حيث صرحوا بكراهة ارتفاع المنارة زيادة على سطح المسجد لئلا يشرف المؤذنون على جيران المسجد ، ويدل عليه ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) «ان عليا (عليه‌السلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد». ونقل شيخنا في البحار (٣) عن كتاب كشف الغمة نقلا من دلائل الحميري عن ابي هاشم الجعفري قال : «كنت عند ابي محمد (عليه‌السلام) فقال إذا خرج القائم أمر بهدم المنار والمقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي لأي معنى هذا؟ فاقبل علي فقال معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة».

أقول : قد ذكر بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) ان تطويل المنارة من بدع عمر. ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن جعفر (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال انما كان يؤذن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة». واما المقاصير وهي المحاريب الداخلة كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى فهي من بدع الأموية.

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ١١٤ عن ابن عمر قال : «قال رسول الله (ص) دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» ..

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام المساجد.

(٣) ج ١٨ الصلاة ص ١٣٤.


ومنها ـ تقديم الرجل اليمنى للدخول والرجل اليسرى للخروج ، قال في المدارك علله في المعتبر بان اليمين أشرف فيدخل بها الى الموضع الشريف وبعكسه الخروج. أقول : ظاهر اقتصار هذين الفاضلين على هذا التعليل عدم وقوفهما على نص يدل على ذلك مع انه روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن يونس عنهم (عليهم‌السلام) (١) قال قال : «الفضل في دخول المسجد ان تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت وباليسرى إذا خرجت».

ومنها ـ تعاهد نعله عند الدخول لما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «قال قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم».

وروى الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (٤). قال تعاهدوا نعالكم عند أبواب المساجد».

والمشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تفسير التعاهد باستعلام حالها عند الدخول استظهارا للطهارة. واحتمل بعض مشايخنا ان المراد بتعاهد النعل ان يودعه عند أمين ونحوه لئلا يشتغل قلبه في حال الصلاة به. والظاهر بعده ، قال الجوهري : التعهد التحفظ بالشي‌ء وتجديد العهد به وهو أفصح من قولك تعاهدت لان التعاهد انما يكون بين اثنين. قال شيخنا في البحار بعد نقل ذلك عنه : أقول ورود الرواية عن أفصح الفصحاء يدل على خطأ الجوهري بل يطلق التفاعل في ما لم يكن بين اثنين للمبالغة إذ ما يكون بين اثنين يكون المبالغة والاهتمام فيه أكثر. أقول : لا يخفى ان لفظ التعاهد قد ورد كثيرا في الاخبار وكلام البلغاء بمعنى التعهد كما ورد في تعاهد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من أحكام المساجد.

(٤) سورة التوبة ، الآية ٢٩.


الجيران وتعاهد القرآن وقولك فلان يتعاهدنا اي يراعينا ويحنو علينا ، وبالجملة فإن استعمال التعاهد بمعنى التعهد كثير شائع فلا منافاة بين ما ذكره الجوهري وبين وروده في الاخبار ولا ضرورة إلى تخطئة الجوهري فإن استعمال المجاز شائع في القرآن والاخبار أكثر من استعمال الحقائق ، فالتعاهد وان كان من حيث الأصل والحقيقة لا يستعمل إلا بين اثنين كما هو قاعدة باب التفاعل إلا انه يستعمل بمعنى التعهد مجازا شائعا.

ومنها ـ الدعاء عند دخول المسجد وعند الخروج منه واستحباب الوقوف والدعاء بعد الخروج فروى ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا دخلت المسجد فصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإذا خرجت فافعل ذلك».

وروى الشيخ في الموثق عن سماعة (٢) قال : «إذا دخلت المسجد فقل بسم الله والسلام على رسول الله (ص) ان الله وملائكته يصلون على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. وإذا خرجت فقل مثل ذلك».

وعن عبد الله بن الحسن (٣) قال : «إذا دخلت المسجد فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرجت فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك».

ورواه الحسن بن الشيخ الطوسي في مجالسه بسنده عن عبد الله بن الحسن عن امه فاطمة عن جدته فاطمة (عليها‌السلام) (٤) قالت : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا دخل المسجد صلى على النبي وقال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج من الباب صلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك». أقول : ومن هذا الخبر يعلم ان عبد الله بن الحسن في رواية التهذيب هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما‌السلام) وامه فاطمة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٩ من أحكام المساجد.

(٤) الوسائل الباب ٤١ من أحكام المساجد.


بنت الحسين (عليه‌السلام) وجدته فاطمة الزهراء (عليها‌السلام).

وروى في الكافي عن ابي حفص العطار شيخ من أهل المدينة (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى أحدكم المكتوبة وخرج من المسجد فليقف بباب المسجد ثم ليقل اللهم دعوتني فأجبت دعوتك وصليت مكتوبتك وانتشرت في أرضك كما أمرتني فأسألك من فضلك العمل بطاعتك واجتناب سخطك والكفاف من الرزق برحمتك».

ومنها ـ التطهير لدخول المسجد فروى الصدوق (٢) قال : «روى ان في التوراة مكتوبا ان بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي. الحديث». وقد تقدم نقلا عن هداية الصدوق ، ورواه أيضا في ثواب الأعمال وفي العلل (٣) كما مر.

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن العلاء بن الفضيل عن من رواه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا دخلت المسجد وأنت تريد ان تجلس فلا تدخله إلا طاهرا وإذا دخلته فاستقبل القبلة ثم ادع الله واسأله وسم حين تدخله واحمد الله وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومنها ـ كنسها وإخراج الكناسة ولا سيما يوم الخميس وليلة الجمعة لما رواه الشيخ عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فاخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له». ورواه الصدوق في كتبه مسندا في بعض ومرسلا في آخر (٦).

وروى في الأمالي بسنده عن سلام بن غانم عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٧) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال من قم مسجدا كتب الله له عتق رقبة ومن اخرج منه

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من أحكام المساجد.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام المساجد.


ما يقذي عينا كتب الله عزوجل له كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ». ورواه البرقي في المحاسن مثله.

ومنها ـ الإسراج فيها لما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن انس (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج». ورواه الصدوق في كتبه مرسلا في بعض ومسندا في آخر (٢) وإطلاق الخبر أعم من ان يكون في المسجد من يصلى أم لا وبه صرح بعض الأصحاب.

قالوا ولا يتوقف ذلك على اذن الناظر إذا كان ما يسرج به من مال المسرج نعم لو كان من مال المسجد توقف عليه. ولو لم يكن له ناظر معين وتعذر استئذان الحاكم جاز لآحاد ثقات المؤمنين تولى ذلك فعلا وإذنا كما في سائر الأمور الحسبية.

ومنها ـ تحية المسجد لما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار والخصال بسنده فيهما عن ابي ذر (رضي‌الله‌عنه) (٣) قال : «دخلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو في المسجد جالس فقال يا أبا ذر ان للمسجد تحية. قلت وما تحيته؟ قال ركعتان تركعهما. الحديث».

وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) في حديث المناهي قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين».

وروى في الذكرى عن أبي قتادة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) قال : «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع» وليدع الله تعالى عقيبهما وليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وان لم يصل جلس مستقبل القبلة وحمد الله وصلى على النبي ودعا

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٤ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٤٢ من أحكام المساجد.

(٤) الوسائل الباب ٦٧ من أحكام المساجد.

(٥) ارجع الى التعليقة ١ ص ٢٧٦.


الله وسأل حاجته. أقول : لا يبعد ان يكون هذا الخبر من طريق العامة (١) فإني لم أقف عليه في كتب أخبارنا ولا سيما البحار الجامع لجميع الاخبار.

ومنها ـ التطيب ولبس الثياب الفاخرة عند قصد المسجد والدعاء فيه لما رواه في الكافي عن الحسين بن يزيد عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) استقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبة خز ومطرف خز وعمامة خز وهو متغلف بالغالية فقال جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة إلى أين؟ فقال الى مسجد جدي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اخطب الحور العين الى الله عزوجل».

وعن محمد بن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) قال : «خرج علي بن الحسين (عليهما‌السلام) ليلة وعليه جبة خز وكساء خز قد غلف لحيته بالغالية فقالوا في هذه الساعة في هذه الهيئة إلى أين؟ فقال اني أريد أن أخطب الحور العين الى الله عزوجل في هذه الليلة».

ومنها ـ تعدد الصلاة في بقاع المسجد لما رواه الصدوق في كتاب المجالس (٤) عن مرازم عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال : «عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة».

(المقام الثاني) ـ في المحرمات وهي ـ على ما ذكره الأصحاب ـ أمور :

__________________

(١) في صحيح مسلم ج ٥ ص ٢٢٦ عن أبي قتادة «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» ..

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام المساجد.

(٤) ص ٢١٦ وفي الوسائل في الباب ١٠ من الوضوء و ٤٢ من مكان المصلي.


(الأول) إدخال النجاسة إليها ، وقد تقدم البحث في ذلك في صدر البحث الثاني من المقصد الثاني من الباب الخامس من كتاب الطهارة ، وقد أوضحنا ثمة انهم لا دليل لهم وراء الإجماع بالنسبة إلى النجاسة المتعدية إلا ان في اخبار تعاهد النعل عند دخول المسجد ما يشير الى ذلك والاحتياط ظاهر. وذكر جملة منهم تحريم إزالة النجاسة فيها وعلله في المعتبر بان ذلك يعود إليها بالتنجيس. ومقتضاه اختصاص التحريم بما إذا استلزمت الإزالة تنجيس المسجد ، ونقل عن المحقق الشيخ على عموم المنع وان كانت الإزالة في ما لا ينفعل كالكثير لما فيه من الامتهان المنافي لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «جنبوا مساجدكم النجاسة». وهو ضعيف.

و (الثاني) ـ زخرفتها ونقشها بالصور ، والمراد بالزخرفة النقش بالزخرف وهو الذهب وبالصور ما هو أعم من ذوات الأرواح وغيرها ، وبعضهم كالمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى عبر بالنقش مطلقا ، والشهيد في البيان حرم زخرفتها ونقشها وتصويرها بما فيه روح وكره غيره كالشجرة ، وفي الدروس كره الجميع.

واستدل عليه في المعتبر والمنتهى بأنه بدعة لم يفعل في زمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا أحد من الصحابة ، وبما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في المساجد المصورة فقال اكره ذلك ولكن لا يضركم ذلك اليوم ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك».

ورده جملة من المتأخرين ـ الظاهر ان أولهم السيد السند في المدارك ـ بضعف سند الرواية المذكورة لاشتماله على عدة من المجاهيل والضعفاء ، قال والتعليل الأول لا يعطى أزيد من الكراهة.

__________________

(١) قال في الوسائل في الباب ٢٤ من أحكام المساجد : روى جماعة من أصحابنا في كتب الاستدلال عن النبي «ص» انه قال «جنبوا مساجدكم النجاسة» ..

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.


أقول : ما ذكره في الجواب عن الأول جيد. واما الجواب عن الرواية فالأظهر ان يقال انما اشتملت على لفظ الكراهة وهو أعم من التحريم فلا تقوم حجة على التحريم ويعضد ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المسجد يكتب في القبلة القرآن أو شي‌ء من ذكر الله قال لا بأس. وسألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو اصباغ قال لا بأس». فإنه ظاهر في جواز النقش مطلقا. وما ذكره في الخبر من جواز كتابة القرآن والذكر في قبلة المسجد لا ينافي كراهة النظر اليه حال الصلاة كما تقدم. وبذلك يظهر لك ان ما ذكروه من التحريم هنا لا مستند له يعتمد عليه ، نعم الظاهر هو الكراهة في الصور واما النقش فلا.

و (الثالث) ـ بيع آلاتها وقيده جملة منهم بعدم الحاجة الى بيعها لعمارته أو عمارة غيره من المساجد فلو بدت الحاجة الى ذلك لما ذكر لم يحرم بيعها وكذا لو اقتضت المصلحة بيعها كما لو خيف عليها التلف أو كانت رثة لا ينتفع بها في المسجد ، قالوا وكما يجوز بيعها لعمارة مسجد آخر يجوز صرفها فيه بطريق اولى لاتحاد المالك وهو الله تعالى. أقول : والمسألة وان كانت عارية عن النصوص على الخصوص لكن كلامهم (رضوان الله عليهم) لا يخرج عن مقتضى الأصول المقررة والقواعد المعتبرة.

و (الرابع) ـ اتخاذها أو بعضها في ملك أو طريق بان يتملك ويتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم أو يتخذ طريقا دائما بحيث تنمحي صورة المسجدية على كلا الأمرين ، ولا ريب في التحريم حينئذ لأن ذلك تغيير للوقف وتخريب لموضع العبادة وكلاهما محرم لقوله سبحانه «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ... الآية» (٢) وحينئذ فيجب عليه إعادتها الى ما كانت عليه بل يجب ذلك على كل ذي قدرة ويد مبسوطة. واما جعلها طريقا مع بقاء المسجدية فسيأتي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٠٨.


ذكره ان شاء الله تعالى في المكروهات. وكذا لو زالت آثار المسجدية بالكلية فإنه لا يجوز تملكها لأن العرصة لا تخرج عن الوقف وما كانت عليه من المسجدية بزوال العمارة وخراب البناء بل أحكام المسجدية ثابتة لها وان كانت كذلك من غير شك ولا اشكال.

و (الخامس) ـ تمكين اليهود والنصارى من دخولها فروى الراوندي بسنده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليمنعن أحدكم مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخن الله تعالى قردة وخنازير ركعا سجدا».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «لتمنعن مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخنكم الله تعالى قردة وخنازير ركعا سجدا».

وظاهر الأصحاب ان منعهم على جهة الوجوب ، قال في الذكرى لا يجوز لأحد من المشركين الدخول في المساجد على الإطلاق ولا عبرة بإذن المسلم له لان المانع نجاسته للآية (٣) (فإن قلت) لا تلويث هنا (قلت) معرض له غالبا وجاز اختصاص هذا التغليظ بالكافر وقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) «من دخل المسجد فهو آمن». منسوخ بالآية وكذا ربط ثمامة في المسجد ان صح (٥). انتهى. قال شيخنا في البحار ويحتمل ان يكون القوم الممسوخة من النصاب والمخالفين وقد مسخوا الآن معنى بتركهم الولاية فلم يبق فيهم شي‌ء من الإنسانية وقد مسح الصادق (عليه‌السلام) يده على عين بعض شيعته فرآهم في الطواف بصور القردة والخنازير (٦). انتهى. أقول : وحينئذ فما ورد في هذين الخبرين من اضافة المجانين والصبيان محمول على

__________________

(١ و ٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢٧ و ١٣٦.

(٣) ص ٢٧٠.

(٤) الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٦٦ في فتح مكة.

(٥) أسد الغابة ج ١ ص ٢٤٦.

(٦) البحار ج ١١ ص ٧٤ والحديث بين الباقر «ع» وابى بصير.


الكراهة كما سيأتي في المقام الثالث ان شاء الله تعالى ويكون النهي هنا مستعملا في التحريم والكراهة ، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه كثير في الاخبار وقد تقدم أمثاله في غير موضع.

و (السادس) ـ إخراج الحصى وقيدها بعضهم بما إذا كانت تعد من اجزاء المسجد أو من آلاته اما لو كانت قمامة كان إخراجها مستحبا. واستدل القائلون بالتحريم على ذلك بما رواه وهب بن وهب عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح». وردها جملة من متأخري المتأخرين : أولهم ـ صاحب المدارك بضعف وهب بن وهب المذكور وانه لا تعويل على روايته (٢) وظاهرهم نفى الحكم بالكلية وان كان على جهة الكراهة ، واختار المحقق في المعتبر وجماعة كراهة ذلك. والأكثر حكموا بوجوب الإعادة الى ذلك المسجد ، وقال الشيخ لو ردها الى غيره من المساجد أجزأ كما دل عليه الخبر. ولعل قوله (عليه‌السلام) في الخبر «فإنها تسبح» إشارة إلى قوله عزوجل «وَإِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (٣) وكأن المراد بهذا الكلام التنبيه على انكم لا تقولوا انها جماد لا يضر إخراجها بل هي من المسبحين الذاكرين الله عزوجل فلا ينبغي إخراجها وأخلاء المسجد من تسبيحها «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» (٤).

(المقام الثالث) ـ في المكروهات وهي أمور منها ـ ان يجعل لها شرفا بضم الشين وفتح الراء جمع شرفة بسكون الراء كغرف وغرفة لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) «انه رأى مسجدا بالكوفة قد شرف فقال كأنه بيعة وقال ان المساجد تبنى جما لا تشرف». ورواه الصدوق في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام المساجد.

(٢) ارجع الى التعليقة ١ ص ٨١ ج ٢.

(٣) سورة بني إسرائيل ، الآية ٤٦.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٠٨.

(٥) الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.


العلل بسنده عن طلحة بن زيد مثله (١).

وروى الشيخ المفيد في الإرشاد عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا قام القائم (عليه‌السلام) لم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها جما».

والشرف ما يجعل في أعلى الجدران فتخرج عن الاستواء ، قال في النهاية : الجماء التي لا قرن لها ومنه حديث ابن عباس «أمرنا أن نبني المدائن شرفا والمساجد جما» الشرف التي طولت أبنيتها بالشرف واحدتها شرفة ، والجم التي لا شرف لها ، وجم جمع أجم ، شبه الشرف بالقرون.

ومنها ـ اتخاذ المحاريب في المسجد وقيدها جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالداخلة في الحائط ، قال في المدارك بعد ذكر ما ذكرناه : هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب واستدل عليه في المعتبر بما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٣) «انه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول كأنها مذابح اليهود». وهذه الرواية غير صريحة في كراهة المحاريب الداخلة في الحائط بل الظاهر منها كراهة المحاريب الداخلة في المسجد لأنها التي تقبل الكسر ، وذكر الشارح ان المراد بالمحاريب الداخلة في الحائط الداخلة كثيرا ولم أقف على نص يتضمن كراهة المحاريب الداخلة بهذا المعنى مطلقا. انتهى كلامه زيد مقامه. وهو جيد.

أقول : قد تقدم خبر ابي هاشم الجعفري عن ابي محمد (عليه‌السلام) (٤) الدال على ان القائم (عليه‌السلام) إذا قام أمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المساجد فيمكن حمل خبر طلحة المذكور على هذا ويختص الحكم حينئذ بالمقاصير وهي التي تبنى في المسجد دون المحاريب الداخلة في الحائط ويعضده أنه الأنسب بالكسر.

__________________

(١ و ٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢٨ و ١٣٢ وفي الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من أحكام المساجد.

(٤) ص ٢٧١.


وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : وكذا يكره المحاريب الداخلة في الحائط كثيرا أو في المسجد ، اما الأول فذكره جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم). منهم ـ المصنف ، واما الثاني فهو الظاهر من الرواية الدالة على الكراهة ، ثم ذكر مضمون رواية طلحة. وفيه انه متى كان ظاهر الرواية انما هو المعنى الثاني فاللازم خلو الأول من المستند إذ ليس إلا هذه الرواية فكيف قال بالكراهة على كلا المعنيين؟ إلا بان يكون مجرد المتابعة لما ورد نقله عن الجماعة المذكورين كما هو ظاهر كلامه ، وفيه ما لا يخفى.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار : حكم الأصحاب بكراهة المحاريب الداخلة وهي قسمان (الأول) الداخلة في المسجد بان يبنى جداران في قبلة المسجد ويسقف ليدخله الامام وكان خلفاء الجور يفعلون ذلك خوفا من أعاديهم. و (الثاني) الداخلة في البناء بان يبنى في أصل حائط المسجد موضع يدخله الامام ، والكسر الوارد في الخبر بالأول أنسب وان احتمل الثاني أيضا بهدم الجدار والأكثر اقتصروا على الثاني مع ان الأول أولى بالمنع ، والشهيد الثاني (قدس‌سره) عمم الحكم بالنسبة إليهما وقيد الدخول في الحائط بكونه كثيرا ، وبعض المتأخرين قصروا الحكم بالكراهة على الأول ولعله أوجه وان كان الأحوط تركهما. انتهى.

أقول : المفهوم من تتبع السير والاخبار وكلام جملة العلماء ولا سيما علمائنا الأبرار هو استحباب المحاريب في المساجد واستحباب صلاة الإمام فيه لا كراهته ، ومما يشير الى ذلك ما ذكروه في بحث القبلة من التعويل على محاريب المساجد وان محراب المعصوم (عليه‌السلام) موجب للعلم بالقبلة دون الظن ، وقد تقدم في بحث القبلة بالنسبة إلى محراب مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلام شيخنا الشهيد انه روى «انه لما أراد نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب» (١).

ويعضد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (٢) قال :

__________________

(١) ج ٦ ص ٢٩٥.

(٢) الوسائل الباب ٦١ من صلاة الجماعة.


«قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني أصلي في الطاق يعني المحراب؟ فقال لا بأس إذا كنت تتوسع به».

وما رواه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ صاحب بصائر الدرجات وصاحب الخرائج والجرائح بسنديهما عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث رؤية ابي بكر لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد موته في مسجد قبا في المحراب لما احتج عليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بنص الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليه فأنكر أبو بكر فقال له أترضى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال ومن لي به؟ قال فأخذ بيده فمضى به حتى ادخله مسجد قبا فإذا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قاعد في المحراب. الحديث (١).

وقد تقدم في اخبار استحباب السترة قول الرجل له (عليه‌السلام) (٢) «يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خطر بينك وبين المحراب».

وهذا كله انما يترتب على استحباب المحاريب في المساجد لا على كراهتها المؤذنة بمرجوحية فعلها وجعلها في المساجد.

وقد ورد في حديث وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المنقول في كتاب إرشاد الديلمي في خروج النبي في مرضه للصلاة لما علم ان أبا بكر يصلي بالناس (٣) ما هذا لفظه : «فأخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) والفضل بن العباس فاعتمدهما ورجلاه يخطان على الأرض من الضعف فلما خرج الى المسجد وجد أبا بكر قد سبق الى المحراب فاومأ اليه بيده فتأخر أبو بكر وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. الحديث». وهو صريح في استحباب المحراب كما ذكرنا.

وقال الله عزوجل «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ» (٤) وقال سبحانه «كُلَّما

__________________

(١) الخرائج والجرائح ص ١٣٢ طبعة ١٣٠١.

(٢) ص ٢٤١.

(٣) ج ٢ ص ١٧٤.

(٤) سورة مريم ، الآية ١٢.


دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ . الآية» (١).

والاخبار الدالة على اشتمال المساجد على المحاريب أكثر من ان تحصر وأشهر من ان تذكر ، وحينئذ فالواجب في هذا المقام تحقيق المعنى المراد بالمحراب وانه عبارة عما ذا فأقول قال في القاموس : المحراب الغرفة. وصدر البيت ، وأكرم مواضعه ، ومقام الامام من المسجد ، والموضع ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس ، ومحاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يجلسون فيها. وقال في كتاب مجمع البحرين بعد ذكر المعاني المتقدمة : وعن الأصمعي سمعي القصر محرابا لان المحراب مقدم المجالس وأشرفها وكذا من المسجد وعن ابن الأنباري سمى محرابا لانفراد الامام فيه وبعده من القوم ، يقال دخل الأسد محرابه اي غيلة والامام إذا دخل فيه يأمن من ان يلحق فهو حائز مكانا كأنه مأوى الأسد ، ويقال محراب المصلى مأخوذ من المحاربة لأن المصلي يحارب الشيطان ويحارب نفسه بإحضار قلبه. انتهى.

أقول : قد ظهر مما ذكرنا ان أحد معاني المحراب لغة هو المكان الذي ينفرد فيه الامام عن المأمومين ويدخله فهو حينئذ دائر بين أحد المعنيين المتقدمين إلا انه لما دلت أخبارنا على ان هذه المقاصير إنما أحدثت من خلفاء الجور ـ كما أشار إليه في خبر ابي هاشم الجعفري بقوله (عليه‌السلام) (٢) «انها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة». وصحيح زرارة الوارد في صلاة المأموم خلف المقاصير (٣) قال (عليه‌السلام): «هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وانما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة». ـ تعين حمل المحراب المستحب على المعنى الآخر وهو الداخل في الحائط.

بقي الكلام في قوله (عليه‌السلام) في خبر طلحة : «كأنها مذابح اليهود» قال

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٢.

(٢) ص ٢٧١.

(٣) الوسائل الباب ٥٩ من صلاة الجماعة.


في كتاب مجمع البحرين : والمذبح بالفتح الحلقوم ومذبح الكنيسة كمحراب المسجد والجمع المذابح سميت بذلك للقرابين. وفي النهاية المذبح واحد المذابح وهي المقاصير وقيل المحاريب. وقال في القاموس المذابح المحاريب والمقاصير وبيوت كتب النصارى ، الواحد كمسكين. انتهى. والواجب بمعونة ما ذكرناه من ثبوت استحباب المحاريب بالمعنى المتقدم حمل هذه المحاريب التي رآها (عليه‌السلام) في حديث طلحة على المقاصير. والله العالم.

ومنها ـ ان يتخذ طريقا ، وانما يكره الاستطراق إذا لم يستلزم تغيير صورة المسجد وخروجه عن المسجدية وإلا حرم كما تقدم ، ويدل على أصل الحكم حديث المناهي المتقدم في استحباب صلاة التحية.

ومنها ـ البيع والشراء وتمكين المجانين والصبيان ورفع الصوت ، وقيد بعضهم الصبيان بالذين لا يوثق بهم في التحفظ من النجاسات ، وكأنهم فهموا ان العلة في النهي عنهم من حيث كونهم مظنة النجاسات ، ويجوز ان يكون الوجه في المنع منهم ايضا هو اللعب في المسجد المنافي لتوقيره واحتشامه.

والذي يدل على أصل الحكم ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن أسباط عن بعض رجاله (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) جنبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين والصبيان والأحكام والضالة والحدود ورفع الصوت».

وعن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم. الحديث».

وقد تقدم في المقام الأول في استحباب جعل الميضاة على أبواب المساجد خبر الراوندي الدال على ذلك ايضا ، وفيه ما في الحديث الأول وزيادة السلاح ورفع الأصوات إلا بذكر الله.

قال شيخنا (قدس‌سره) في البحار في شرح هذا الخبر الأخير : لا خلاف

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٧ من أحكام المساجد.


في كراهة تمكين المجانين والصبيان لدخول المساجد ، وربما يقيد الصبي بمن لا يوثق به اما من علم منه ما يقتضي الوثوق به لمحافظته على التنزه من النجاسات وأداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه ولا بأس به. والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهة رفع الصوت في المسجد مطلقا وان كان في القرآن للاخبار المطلقة واستثنى في هذا الخبر ذكر الله وكذا فعله ابن الجنيد ، ولعله المراد في سائر الأخبار لحسن رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ فيها وان كان الأحوط عدم رفع الصوت في ما لم يتوقف الانتفاع به عليه ومعه يقتصر على ما تتأدى به الضرورة. والمشهور كراهة البيع والشراء فان زاحم المصلين أو تضمن تغيير هيئة المسجد فلا يبعد التحريم وبه قطع جماعة. واما السلاح فالمراد به تشهيره أو عمله والأحوط تركهما ، وروى الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن سل السيف في المسجد وعن بري النبل في المسجد وقال انما بنى لغير ذلك». وقال ابن الجنيد ولا يشهر فيه السلاح. واستحباب التجمير لم أره في غير هذا الخبر والدعائم ولا بأس بالعمل به. انتهى.

ومنها ـ القضاء بين الناس وإنفاذ الأحكام واقامة الحدود ، واستدل عليه برواية علي بن أسباط المتقدمة. والحكم بالكراهة هو المشهور وحكم الشيخ في الخلاف وابن إدريس بعدم الكراهة واستقر به في المختلف محتجا بان الحكم طاعة فجاز إيقاعها في المساجد الموضوعة للطاعات ، وبان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) حكم في مسجد الكوفة وقضى فيه بين الناس ودكة القضاء معروفة فيه الى يومنا هذا (٢) وأجاب عن الرواية بالطعن في السند واحتمال ان يكون متعلق النهي إنفاذ الأحكام كالحبس على الحقوق والملازمة عليها في المساجد. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن. وخص الراوندي الحكم المنهي عنه بما كان فيه جدل وخصومة. وربما قيل بتخصيص ذلك بدوام الحكم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد.

(٢) الخلاف ج ٢ ص ٢٣٠.


فيها واما إذا اتفق في بعض الأحيان فلا ، أو تخصيص الكراهة بما يكون الجلوس لأجل ذلك بخلاف ما لو كان الجلوس للعبادة فاتفق صدور الدعوى. والظاهر من خبر دكة القضاء يدفع هذين الوجهين الأخيرين إذ الظاهر من دكة القضاء والمشهور في جملة من الاخبار الدالة على تحاكم الناس اليه (عليه‌السلام) في المسجد (١) وقوع ذلك غالبا بل لم يذكر موضع آخر في جلوسه للحكومة بين الناس. واحتمل بعض مشايخنا تخصيص المنع بأوقات الصلاة فإنها توجب شغل خواطر المصلين أو بغير المعصوم (عليه‌السلام) فإنه يحتمل منهم الخطأ. ولا بأس به. واما كراهة إقامة الحدود كما تضمنه الخبر المشار اليه فلعله لاحتمال تلويث المسجد بخروج الحدث كما ذكره في المنتهى.

ومنها ـ تعريف الضالة وطلبها في المسجد كما ذكره الأصحاب وخبر علي بن أسباط المتقدم محتمل لهما بل يشملهما.

ويدل على خصوص الثاني ما رواه في الفقيه مرسلا (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال قولوا له لا رد الله عليك ، فإنها لغير هذا بنيت».

وروى في العلل في الصحيح عن الأشعري رفعه (٣) «ان رجلا جاء الى المسجد ينشد ضالة فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قولوا له لا رد الله عليك فإنها لغير هذا بنيت». قال (٤) : ورفع الصوت في المساجد مكروه وان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مر برجل يبرى مشاقص له في المسجد فنهاه وقال انها لغير هذا بنيت.

وروى في الفقيه في حديث المناهي المذكور في آخر الكتاب عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ينشد الشعر أو تنشد الضالة في المسجد».

__________________

(١) خلاف الشيخ ج ٢ ص ٢٣٠ وقد عقد الشيخ المفيد في إرشاده فصلا لقضاياه.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من أحكام المساجد.

(٤) العلل ص ١١٤.


ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الشعر أيصلح ان ينشد في المسجد؟ فقال لا بأس. وسألته عن الضالة أيصلح ان تنشد في المسجد؟ قال لا بأس». ورواه علي بن جعفر في كتابه والحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عنه (٢) فإنه دال على الجواز وان كان على كراهة.

وروى في كتاب دعائم الإسلام (٣) عن علي (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان تقام الحدود في المساجد وان يرفع فيها الأصوات وان تنشد فيها الضالة أو يسل فيها السيف ويرمى فيها بالنبل أو يباع فيها أو يشترى أو يعلق في القبلة منها سلاح أو يبرئ نبل».

ولم أقف في الاخبار على خبر صريح في تعريف الضالة كراهة أو جوازا بغير كراهة إلا على إطلاق خبر علي بن أسباط المتقدم ولعله كاف في ذلك.

ومنها ـ إنشاد الشعر لما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن جعفر بن إبراهيم ـ وكأنه الجعفري ـ عن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له فض الله فاك انما نصبت المساجد للقرآن». وقد تقدم في حديث المناهي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «انه نهى ان ينشد الشعر» وقد تقدم في رواية علي بن جعفر نفى البأس عن ذلك وهو غير مناف للكراهة.

إلا انه قد صرح جمع من الأصحاب باستثناء بعض الاشعار ، قال في الذكرى بعد إيراد خبر علي بن جعفر : وليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقل منه وتكثر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ و ٢٨ من أحكام المساجد.

(٣) ج ١ ص ١٨٠ طبعة مصر ١٣٧٠.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من أحكام المساجد.


منفعته كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب الله أو سنة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وشبهه لأن من المعلوم ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك. والحق به المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) مدح النبي ومرائي الحسين (صلوات الله عليهم) قال في المدارك : ولا بأس بذلك كله لصحيحة علي بن يقطين (١) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن إنشاد الشعر في الطواف فقال ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به». وقال في البحار بعد نقل ما ذكره الشهيد والشيخ علي : أقول ما ذكراه لا يخلو من قوة ويؤيده استشهاد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بالاشعار في الخطب وكانت غالبا في المسجد وما نقل من إنشاد المداحين كحسان وغيره أشعارهم عندهم (عليهم‌السلام) ولان مدحهم (عليهم‌السلام) عبادة عظيمة والمسجد محلها فيخص المنع بالشعر الباطل لما روى في الصحيح ، ثم نقل صحيحة علي بن يقطين المذكورة.

أقول ويؤيد ما ذكروه ما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (٢) قال : حدثني ابي قال حدثنا سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «بينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من القوم؟ قالوا وفد بكر ابن وائل فقال وهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟ قالوا بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فما فعل؟ قالوا مات ، ثم ساق الحديث الى ان قال : ثم قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة ، قال هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟ فقال بعضهم سمعته يقول :

في الأولين الذاهبين

من القرون لنا بصائر

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٤ من الطواف.

(٢) ص ٩٩.


لما رأيت مواردا

للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها

تمضي الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي الي

ولا من الباقين غابر

أيقنت اني لا محالة

حيث صار القوم صائر ... الحديث

انظر الى صراحة هذا الخبر مع صحة سنده في جواز الإنشاد في المسجد الحرام الذي هو أشرف البقاع بين يديه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وطلبه لذلك ، وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره أولئك الفضلاء (رضوان الله عليهم).

ومنها ـ البصاق والتنخم لما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) : «ان عليا (عليه‌السلام) قال البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه».

وعن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

وعن إسماعيل بن مسلم الشعيري عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «من وقر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد اعطى كتابه بيمينه».

وروى السيد الرضي في كتاب المجازات النبوية (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذا انقبضت واجتمعت». قال في النهاية : لينزوي اي ينضم وينقبض ، وقيل أراد أهل المسجد وهم الملائكة. انتهى.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٥) قال : «من وقر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام المساجد.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.


المسجد من نخامته لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد اعطى كتابه بيمينه ، وان المسجد ليلتوي عند النخامة كتلوي أحدكم بالخيزران إذا وقع به».

وروى في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ريقه صحة في بدنه وعوفي من بلوى في جسده».

وروى في كتاب المحاسن عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ذلك قوة في بدنه وكتب له بها حسنة وحط عنه بها سيئة ، وقال لا تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

وروى في ثواب الأعمال عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من تنخع في مسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء إلا أبرأته».

وبإزاء هذه الاخبار جملة من الاخبار الدالة على الجواز مثل ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد ان يبصق؟ فقال عن يساره وان كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة ويبزق عن يمينه وشماله».

وعن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) قال : «لا يبزقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه ولا عن يمينه وليبزق عن يساره وتحت قدمه اليسرى».

وروى في الفقيه (٦) مرسلا قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن البزاق في القبلة ،. قال ورأى (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين ابن

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٩ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام المساجد.

(٦) ج ١ ص ١٧٩ وفي الوسائل الباب ٤٤ من مكان المصلى و ٢٦ من قواطع الصلاة.


طاب فحكها ثم رجع القهقرى فنى على صلاته». قال «وقال الصادق (عليه‌السلام) وهذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة».

وروى الشيخ عن عبيد بن زرارة (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يصلى في المسجد فيبصق امامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه على الحصى ولا يغطيه». وعن محمد بن علي بن مهزيار (٢) قال : «رأيت أبا جعفر الثاني (عليه‌السلام) تفل في المسجد الحرام في ما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه».

ومورد هذه الاخبار الأخيرة البصاق خاصة ، وربما صار بعض الأصحاب الى عدم كراهته لهذه الاخبار وضعف ما دل على الكراهة ترجيحا لهذه الاخبار وخص الكراهة بالتنخم لسلامة أخبار النهي عن المعارض.

قال في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الاخبار : ولا يخفى ان ما دل على كراهة التنخم سالمة عن المعارض واما البصاق فيعارضه الروايات المذكورة مع كونها أكثر وأقوى منه فالحكم بكراهته محل تأمل.

أقول : لا يخفى انه لا منافاة بين ما دل على الجواز وبين ما دل على الكراهة لأن المرجع إلى انه جائز على كراهة ، ومجرد كثرة الأخبار الدالة على الجواز زيادة على ما قابلها لا يستلزم المنع من تقييدها بما دل على الكراهة وان قل كما هو القاعدة الجارية في غير مقام ، إذ متى صحت الاخبار في الباب فالعمل بها كملا بحسب الإمكان أولى من طرح بعضها ، نعم يفهم من ذلك ان البصاق أخف كراهة من التنخم ، على ان ما دل من هذه الاخبار على فعل الأئمة (عليهم‌السلام) يمكن استثناؤه وعدم تطرق الكراهة اليه واختصاص هذا الحكم بهم (صلوات الله عليهم) لتشرف المسجد ببصاقهم فلا كراهة في حقهم أو على بيان الجواز.

ومنها ـ قتل القمل ذكره الأصحاب ، قال في الذكرى بعد ان عد في المكروهات

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٩ من أحكام المساجد.


ترك قصع القمل : قاله الجماعة. وهو مؤذن بعدم الوقوف فيه على نص. وقال في المدارك واما كراهة قتل القمل واستحباب ستره بالتراب فلم أقف فيه على نص وأسنده في الذكرى الى الجماعة ولا بأس به لان فيه استقذارا تكرهه النفس فينبغي تركه وتغطيته بالتراب مع فعله.

أقول : روى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا وجد قملة في المسجد دفنها في الحصى».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا وجدت قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى».

ويمكن الاستدلال بهما للأصحاب على كراهة قتل القملة حيث انه (عليه‌السلام) بعد رؤيته لها لم يقتلها ولم بأمر بقتلها بل دفنها في الحصى وأمر بدفنها ففيه اشعار بما ذكروه ، فالأولى ان يجعل الحكم هكذا : ويكره قتل القمل بل ينبغي ان يدفن بالتراب حسبما دل عليه الخبر ، والأصحاب جعلوا الدفن بالتراب بعد القتل.

ومنها ـ النوم على المشهور في كلام المتقدمين ، واستدل عليه في المعتبر بما رواه الشيخ عن أبي أسامة زيد الشحام (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قول الله عزوجل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى (٤)؟ قال سكر النوم».

واعترضها جملة من المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك بأنها ضعيفة السند قاصرة الدلالة قال : والأجود قصر الكراهة على النوم في المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للأصل وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة (٥) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال لا بأس

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٠ من قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١ و ٣٥ من قواطع الصلاة.

(٤) سورة النساء ، الآية ٤٦.

(٥) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.


إلا في المسجدين مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمسجد الحرام. قال وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام فقلت له في ذلك فقال انما يكره ان ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس». انتهى.

وظاهره ـ كما ترى ـ عدم وجود دليل للقول المشهور بل الدليل على خلافه واضح الظهور لقوله (عليه‌السلام) في هذا الخبر لما سأله عن النوم في المساجد «لا بأس» ومن ثم قال في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور «قاله الجماعة» ثم ذكر حسنة زرارة المذكورة إيذانا بالطعن في القول المذكور.

أقول لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في هذا المقام انها لا تخلو من الاشكال الظاهر لذوي الأفهام لا بالنسبة إلى أصل الحكم المذكور فانا لم نقف فيه على دليل حسبما ذكره المتأخرون بل في موضعين مما تضمنته الحسنة المذكورة :

(أحدهما) ـ ما تضمنته من كراهية النوم في المسجدين فان فيه انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن معاوية بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النوم في المسجد الحرام والمسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال نعم فأين ينام الناس».

ونقل شيخنا المجلسي في كتاب البحار (٢) عن كتاب محمد بن المثنى انه روى عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال نعم».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.


عن النوم في المسجد الحرام فقال هل للناس بد ان يناموا في المسجد الحرام؟ لا بأس به. قلت الريح تخرج من الإنسان؟ قال لا بأس».

وعن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث».

وعن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن النوم في المسجد الحرام قال لا بأس وسألته عن النوم في المسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لا يصلح».

وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ دالة على الجواز وظاهرها عدم الكراهة إلا انها ربما أشعرت بكون ذلك ضرورة ولا سيما حديث المساكين في المسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولعل ذلك قبل بناء الصفة لهم.

و (ثانيهما) ـ ما تضمنته من قوله (عليه‌السلام) «انما يكره ان ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس» فإنه يؤذن بجواز النوم في هذه الزوائد التي زادتها الأموية في المسجد الحرام على ما كان في زمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع ان جملة من الاخبار قد دلت على ان هذه الزيادة لم تبلغ بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) :

ومنها ـ رواية جميل بن دراج (٣) قال : «قال له الطيار وانا حاضر هذا الذي زيد هو من المسجد؟ قال نعم انهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام». وروى في الكافي عن الحسن بن النعمان (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما زادوا في المسجد الحرام فقال ان إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) حدا

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٥ من أحكام المساجد.


المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة». قال : وفي رواية أخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «خط إبراهيم (عليه‌السلام) بمكة ما بين الحزورة إلى المسعى فذلك الذي خط إبراهيم يعني المسجد».

وروى في التهذيب عن الحسين بن نعيم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما زادوا في المسجد الحرام عن الصلاة فيه؟ فقال ان إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) حدا المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة فكال الناس يحجون من المسجد الى الصفا».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في كون هذه الزيادة التي وقع النوم فيها من المسجد القديم فتخصيصه (عليه‌السلام) حكم المسجدية بما كان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دون المسجد القديم مشكل إلا ان يقال بزوال حكم المسجدية عن ذلك المسجد القديم وتخصيص ذلك بما كان في زمانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو أشكل لدلالة الأخبار المذكورة ولا سيما رواية جميل على بقاء المسجدية في الموضع الذي خطه إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام). وبالجملة فإني لا يحضرني الآن الجواب عن هذا الاشكال ولم أعثر على من تعرض اليه من أصحابنا في هذا المجال.

ومنها ـ دخول من في فمه رائحة مؤذية من ثوم أو بصل أو نحوهما وتتأكد الكراهة في الثوم حتى روى إعادة الصلاة بأكله (٣).

والذي يدل على أصل الحكم جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٤) قال : «من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربن المسجد».

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن أكل الثوم فقال انما نهى رسول الله

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٥ من أحكام المساجد.

(٣) يأتي في الحديث الأخير.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام المساجد.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) عنه لريحه فقال من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا فاما من اكله ولم يأت المسجد فلا بأس».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن أكل الثوم والبصل والكراث فقال لا بأس بأكله نيا وفي القدور ، ولا بأس بأن يتداوى بالثوم ولكن إذا أكل ذلك أحدكم فلا يخرج الى المسجد».

وعن الحسن الزيات (٢) قال : «لما ان قضيت نسكي مررت بالمدينة فسألت عن ابي جعفر (عليه‌السلام) فقالوا هو بينبع فأتيت ينبع فقال لي يا حسن مشيت الى ههنا؟ فقلت نعم جعلت فداك كرهت ان اخرج ولا أراك فقال اني أكلت من هذه البقلة يعني الثوم فأردت أن أتنحى عن مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى احمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن عن الوشاء عن ابن سنان (٣) قال «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الكراث فقال لا بأس بأكله مطبوخا وغير مطبوخ ولكن ان أكل منه شيئا له أذى فلا يخرج الى المسجد كراهية أذاه من يجالس». ورواه الصدوق في العلل (٤) إلا انه قال : «عن أكل البصل والكراث».

وروى في كتاب العلل عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أكل هذه البقلة فلا يقرب مسجدنا ، ولم يقل انه حرام».

وروى الشيخ في الاستبصار بسند صحيح عن زرارة (٦) قال : «حدثني من أصدق من أصحابنا قال سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن الثوم فقال أعد كل صلاة صليتها ما دمت تأكله». ثم قال فالوجه في هذا الخبر ان نحمله على ضرب من التغليظ في

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام المساجد و ١٢٨ من الأطعمة المحرمة.

(٦) الوسائل الباب ١٢٨ من الأطعمة المحرمة.


كراهته دون الحظر الذي يكون من أكل ذلك يقتضي استحقاقه الذم والعقاب بدلالة الأخبار الأولة والإجماع الواقع على ان أكل هذه الأشياء لا يوجب إعادة الصلاة. انتهى.

ومنها ـ عمل الصنائع لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن سل السيف في المسجد وعن بري النبل في المسجد ، قال انما بنى لغير ذلك». قالوا ويستفاد من هذا التعليل كراهة عمل جميع الصناعات.

أقول : لم أقف لهذا الحكم على دليل ظاهر ولهذا نسبه في الذكرى الى الأصحاب مؤذنا بعدم الدليل عليه فقال في عد المكروهات : وترك عمل الصنائع مطلقا قاله الأصحاب وعليه نبه حديث بري النبل. انتهى. وأنت خبير بأنه قد مر هذا التعليل في غير خبر مما تقدم ولا ريب في إشعاره بذلك ولعله كاف في إثبات الحكم المذكور.

ومنها ـ سل السيف وتعليق السلاح ذكرهما جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الشهيد في البيان ، وفي الذكرى خص الكراهة بتعليق السلاح في المسجد الأكبر».

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على النهي عن سل السيف في المسجد.

وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته أيعلق الرجل السلاح في المسجد؟ فقال نعم واما في المسجد الأكبر فلا فإن جدي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى رجلا بري مشقصا في المسجد».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن السيف هل يصلح ان يعلق في المسجد؟ قال اما في القبلة فلا واما في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٣ من أحكام المساجد.


جانب فلا بأس». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (١).

وفي حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (٢) «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يسل السيف في المسجد». ورواه في الأمالي مثله (٣).

أقول : المستفاد من هذه الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض هو كراهة سل السيف في المسجد وتعليق السيف في القبلة خاصة واما في سائر جوانبه فلا بأس. واما تعليق السلاح الذي هو أعم من السيف والقوس والعصا ونحوها مما يتخذ سلاحا فجائز في المساجد إلا في المسجد الأكبر وفاقا للذكرى وخلافا للبيان ، وظاهر التعليل في صحيحة الحلبي ان النهي عن بري المشقص انما كان لكونه سلاحا لا لكونه صنعة كما تقدم في خبر محمد بن مسلم ، وكل من الخبرين المذكورين محمول على ظاهره. وهل المراد بالمسجد الأكبر المسجد الحرام أو جامع البلد؟ كل محتمل.

ومنها ـ كشف العورة مع عدم المطلع وإلا حرم والرمي بالحصى ورطانة الأعاجم. اما الأول فلما رواه في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة».

وهذا الخبر يدل على كراهة كشف هذه الأشياء المذكورة في المسجد وهي ليست من العورة على الأشهر الأظهر كما تقدم تحقيقه ولكنه جعلها في حكم العورة تأكيدا للكراهة ، وحينئذ فالظاهر ان المراد بالعورة انما هو ما يستحب ستره لا ما يجب.

واما الثاني فلما رواه الشيخ عن السكوني عنه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) «ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من أحكام المساجد.

(٥) الوسائل الباب ٣٦ من أحكام المساجد.


النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال ما زالت تلعن حتى وقعت ، ثم قال الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ثم تلا «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» (١) قال هو الخذف».

ويستفاد من هذا الخبر كراهة الخذف في غير المسجد ايضا ، ويدل عليه ما رواه الشيخ عن زياد بن المنذر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) في جملة حديث قال : «ان حل الأزرار في الصلاة والخذف بالحصى ومضغ الكندر في المجالس وعلى ظهر الطريق من عمل قوم لوط». ونقل في الروض عن الشيخ القول بالتحريم هنا.

وقال في الروض : المراد بالخذف هنا رمى الحصى بالكف كيف اتفق وان لم يكن على الوجه المذكور في رمى حصاة الجمار ، قال في الصحاح الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع. انتهى. واعترضه في الذخيرة بأن كلام أهل اللغة يخالف ذلك ثم نقل جملة من عبارتهم الدالة على نوع مخصوص كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج. أقول : ظاهر عبارة شيخنا المشار إليه انه لا يمنع ولا يخالف في كون الخذف عبارة عن هذا المعنى الذي نقله عن أهل اللغة وانما غرضه بيان ان هذه الخصوصية لا يترتب عليها معنى في هذا المقام ، فالقول بالتعميم أظهر لأن الظاهر ان النهي عنه من حيث كونه عبثا ولعبا منافيا للوقار والسكينة المطلوبين من المؤمن وحينئذ فلا يرد عليه ما أورده.

واما الثالث فلما رواه الشيخ ايضا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن رطانة الأعاجم في المساجد». ورواه في الكافي عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٤).

قال في الوافي : الرطانة بفتح الراء وكسرها والتراطن كلام لا يفهمه الجمهور وانما

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية ٢٨.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من أحكام المساجد.


هو مواضعة بين اثنين أو جماعة والعرب تخص بها غالبا كلام العجم. أقول : لا يخفى ان ما ذكره من المعنى للرطانة معنى غريب لم يذكره أحد في ما اعلم وكأنه إنما تكلفه فرارا عما نقله أخيرا عن العرب والمنقول في كلام أهل اللغة انما هو ما نقله عن العرب ، قال في القاموس الرطانة ويكسر الكلام بالأعجمية ، ورطن له وراطنه كلمه بها ، وتراطنوا تكلموا بها. انتهى. وحينئذ ففي الخبر المذكور ما يشير إلى كراهة الدعاء بالأعجمية لأن المساجد مواضع الدعوات وطلب الحاجات فإذا كان الكلام فيها بالأعجمية مكروها تعين الكلام في ما يأتي به من الدعوات بالعربية. والله العالم.

(المقام الرابع) ـ في بقية الأحكام المتعلقة بالمساجد وفيه مسائل :

(الأولى) ـ المفهوم من كلام جملة من متأخري الأصحاب أنه لا بد في ثبوت المسجدية وترتب أحكامها من صيغة الوقف الشرعية ليحصل بها الانتقال عن ملك المالك ونحوه ويختص بالجهة الموقوف عليها.

ولم أر من تعرض لبسط الكلام في هذا المقام إلا شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال : الخامس عشر ـ انما تصير البقعة مسجدا بالوقف اما بصيغة «وقفت» وشبهها واما بقوله : «جعلته مسجدا» ويأذن بالصلاة فيه فإذا صلى فيه واحد تم الوقف ، ولو قبضه الحاكم أو اذن في قبضه فالأقرب انه كذلك لان له الولاية العامة ، ولو صلى فيه الواقف فالأقرب الاكتفاء بعد العقد ، ولو بناه بنية المسجد لم يصر مسجدا نعم لو اذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا لان معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة وقال الشيخ في المبسوط إذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه فان نوى به ان يكون مسجدا يصلى فيه كل من أراد زال ملكه عنه وان لم ينو ذلك فملكه باق عليه سواء صلى فيه أو لم يصل. وظاهره الاكتفاء بالنية ، واولى منه إذا صلى فيه وليس في كلامه دلالة على التلفظ ولعله الأقرب. وقال ابن إدريس ان وقفه ونوى القربة وصلى فيه الناس ودخلوه زال ملكه عنه. انتهى كلام شيخنا المذكور.

أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في هذا المقام عن الأئمة الأطهار


(صلوات الله عليهم آناء الليل والنهار) ان ما ذكره الشيخ في المبسوط هو الأقرب الى ما دلت عليه والأنسب بما ندبت اليه ، وما ذكره غيره من اشتراط صيغة الوقف فلم أقف على خبر يشير اليه فضلا عن الدلالة عليه بل هي بالدلالة على خلافه أشبه.

فمن ذلك ما تقدم في صدر البحث من حسنتي ابي عبيدة الدالتين على جمعه الأحجار في الطريق بين المدينة ومكة ليبنى مسجدا ، ومنهما يظهر ان ما ذكره شيخنا المشار اليه من قوله : «ولو بناه بنية المسجد لم يصر مسجدا. إلخ» (١) فإن الإمامين (عليهما‌السلام) في هذين الخبرين قد اقرأ أبا عبيدة على حصول الثواب المذكور له بمجرد وضع هذه الأحجار لذلك وجعلها على هيئة المسجد والتحجير بها وقصده المسجدية

ومنها ـ ما رواه البرقي في كتاب المحاسن عن هاشم الحلال قال : «دخلت انا وأبو الصباح الكناني. الحديث». وقد تقدم أيضا في صدر البحث.

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ثمة أيضا في بناء مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حيث لم يتعرض لحكاية الوقف في أصل المسجد ولا في هذه الزيادات في كل مرة ، ولو كان ذلك شرطا في المسجدية لكان أولى بالحكاية والنقل من تلك الأمور المنقولة لما يترتب عليها من الأحكام بزعم أولئك الاعلام.

وقد ورد في بعض الاخبار التي لا يحضرني الآن موضعها (٢) انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد وروده المدينة اشترى تلك الأرض أو أعطاه إياها بعض المسلمين فخط فيها بيوته وموضع مسجده.

وتقييد إطلاق هذه الاخبار بصيغة الوقف بمعنى انه لا يكون مسجدا إلا بقول «وقفت» ونحوه يحتاج الى دليل وليس فليس ، بل هو أبعد بعيد من ظواهر تلك الاخبار ويشير الى ما ذكرنا قوله (عليه‌السلام) في غير خبر من الاخبار المتقدمة «فإنها لغير

__________________

(١) هكذا العبارة في النسخ ولا يخفى نقصها.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٠ كانت ارض المسجد ليتيمين فابتاعها رسول الله «ص» بعشرة دنانير.


هذا بنيت» ولم يقل «وقفت».

وكأنهم تمسكوا بأن الأصل بقاء الملك ما لم يحصل ناقل شرعي كالبيع والصدقة والوقف ونحوها ولم يثبت ان مجرد النية مع تصرف المسلمين موجب للخروج عن الملك. وهو اجتهاد في مقابلة النصوص واي مانع يمنع منه بعد دلالة الأخبار عليه كما عرفت؟ سيما مع تصريحهم بانتقال الملك في الهدايا والعطايا بالتصرف في العين وكذا في بيع المعاطاة مع عدم إدخالهم له في البيوع الناقلة.

ومما يعضد ما قدمناه من الاخبار الواضحة في ما ادعيناه الأخبار المتقدمة قريبا في حكم كراهة النوم في المساجد الدالة على تحديد إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) وخطهما للمسجد الحرام فإنها ظاهرة في انه بمجرد خطهما وتحجيرهما على هذا الموضع بقصد جعله مسجدا صار مسجدا ، ولو كان الوقف شرطا في ذلك لكان اولى بالتنبيه عليه والذكر لتوقف حصول المسجدية عليه وزوالها بدونه كما يدعونه.

وبالجملة فالأمر في هذا الباب أوسع مما ذكروه (رضوان الله عليهم) وظاهر شيخنا الشهيد الترجيح لما ذكره الشيخ من غير جزم به ولو تأمل ما ذكرناه من هذه الاخبار لم يتخالجه وصمة الشك في ذلك ولا الإنكار. والله العالم.

(المسألة الثانية) قد ورد في جملة من الأخبار استحباب اتخاذ الإنسان مسجدا في بيته ليصلي فيه ، وصرحت بأنه يجوز له تغييره وتبديله وانه ليس الحكم فيه كالمساجد العامة ، والظاهر ان الوجه فيه انه ليس إلا عبارة عن قطع جزء من البيت وأفراده للصلاة والخلوة فيه عن أهل البيت للتوجه والإقبال على العبادة وإطلاق المسجدية عليه تجوز.

والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك ما رواه في الكافي عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «اتخذ مسجدا في بيتك. الحديث».

وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبيد الله بن علي

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٩ من أحكام المساجد.


الحلبي (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن مسجد يكون في الدار فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه عن مكانه؟ فقال لا بأس بذلك. الحديث».

وروى في الكافي عن ابي الجارود (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن المسجد يكون في البيت فيريد أهل البيت ان يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه الى غير مكانه؟ قال لا بأس بذلك. الحديث».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المسجد يكون في الدار وفي البيت فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه الى غير مكانه؟ قال لا بأس بهذا كله. الحديث».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان علي (عليه‌السلام) قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير ولا بالصغير وكان إذا أراد ان يصلي في آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه ثم يذهب الى ذلك البيت فيصلي».

وروى في المحاسن عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «كان علي (عليه‌السلام) قد جعل بيتا في داره ليس بالصغير ولا بالكبير لصلاته وكان إذا كان الليل ذهب معه بصبي لا يبيت معه فيصلي فيه».

قال بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) يدل على استحباب ان لا يكون في البيت وحده في الليل وان كان في الصلاة كما دل عليه غيره بل يكون معه أحد وان كان صبيا أو الطفل متعين إذا كان مصليا لبعده عن الرياء وعدم منافاته لكمال الخشوع والإقبال على العبادة لعدم الاحتشام منه ، ويؤيده قوله في رواية الطيالسي «أخذ صبيا لا يحتشم منه» قوله (عليه‌السلام) «لا يبيت معه» اى لم يكن في سائر الليل عنده لانه (عليه‌السلام) كان مع أزواجه وسراياه ولم يكن يناسب كونه نائما معهن. انتهى.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من أحكام المساجد والحديث ٣ في التهذيب دون الكافي.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٦٩ من أحكام المساجد.


وروى ابن إدريس في السرائر نقلا من جامع البزنطي عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح له ان يجعله كنيفا؟ قال لا بأس». ورواه في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر مثله (٢).

وروى في قرب الاسناد عن مسعدة بن صدقة (٣) قال : «سمعت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) وسئل عن الدار والبيت يكون فيه مسجد فيبدو لأصحابه ان يتسعوا بطائفة منه ويبنوا مكانه ويهدموا البنية؟ قال لا بأس بذلك».

قال شيخنا الشهيد في الذكرى : لو اتخذ في داره مسجدا له ولعياله ولم يتلفظ بالوقف ولا نواه جاز له تغييره وتوسيعه وتضييقه لما رواه أبو الجارود عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ثم ذكر الرواية المتقدمة. قال في البحار بعد نقل ذلك : وقال الوالد (قدس‌سره) يمكن تخصيص العمومات بتلك الأخبار الصحيحة لكن الأحوط عدم التغيير مع الصيغة. انتهى. وقال العلامة في التذكرة : من كان له في داره مسجد قد جعله للصلاة جاز له تغييره وتبديله وتضييقه وتوسيعه حسبما يكون أصلح له لانه لم يجعله عاما وانما قصد اختصاصه بنفسه واهله ، ولرواية أبي الجارود وهل تلحقه أحكام المساجد من تحريم إدخال النجاسة اليه ومنع الجنب من استيطانه وغير ذلك؟ الأقرب المنع لنقص المعنى فيه. انتهى قال في البحار بعد نقله : وكلامه يشعر بالتردد مع الوقف كذلك ايضا كما احتمله الوالد (قدس‌سره) انتهى.

أقول : قد عرفت في المسألة السابقة انه لا دليل على اعتبار صيغة الوقف في المساجد العامة بل الأدلة ظاهرة في العدم وانما هذا أمر ذهبوا اليه بالتقريب المتقدم ذكره ثمة ، وهذه الاخبار الواردة في هذا المقام ليس فيها أزيد من الدلالة على اتخاذ موضع من داره للخلوة في الصلاة فيه وبذلك أطلق عليه لفظ المسجد ، والناس ظنوا من إطلاقهم (عليهم

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من أحكام المساجد.


السلام) لفظ المسجد عليه يومئذ انسحاب أحكام المساجد العامة إليه فكثر السؤال عن تغييره وتبديله وجعله حشا ونحو ذلك ، فأجابوا (عليهم‌السلام) بنفي البأس إيذانا بأنه ليس بمسجد حقيقة ولا يترتب عليه شي‌ء من أحكام المسجدية بالكلية وانما هو موضع اتخذ لذلك لقصد الفراغ والخلوة والتوجه للإقبال على العبادة ومتى أراد صاحبه تغييره غيره الى ما يريده ولا وجه لذكر الوقف هنا بالكلية ولو سلمنا اشتراطه في المساجد العامة لما عرفت من الغرض والسبب فيه ، ولكنهم (رضوان الله عليهم) بتدقيق أنظارهم يتكلفون أشياء لا ضرورة لها ولا دليل عليها كما عرفت من تكلفهم اشتراط الوقفية في المساجد العامة. وبالجملة فإنه ليس الفرق بين هذا المكان المسمى مسجدا وبين المساجد العامة إلا باعتبار قصد بنائها لعامة الناس لأجل العبادة وتسبيلها لهم وقصد القربة في ذلك بخلاف هذه فإنه لا يعتبر فيها أزيد مما ذكرناه. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من سبق الى مكان من المسجد أو المشهد فهو اولى به ما دام باقيا فيه ، فلو فارقه ولو لحاجة كتجديد طهارة وازالة نجاسة بطل حقه وان كان ناويا للعود إلا ان يكون رحله مثل شي‌ء من أمتعته ولو سبحة ونحوها باقيا فيه ، وقيده الشهيد (قدس‌سره) مع ذلك بنية العود وهو جيد فلو فارق لا بنيته سقط حقه وان كان رحله باقيا ، واحتمل الشهيد الثاني بقاء الحق حينئذ لإطلاق النص والفتوى ، ثم تردد على تقدير سقوط حقه في جواز رفع الرحل وعدمه وعلى تقدير الجواز في الضمان وعدمه ، ثم قال وعلى تقدير بقاء الحق لبقائه أو بقاء رحله فان أزعجه مزعج فلا شبهة في إثمه وهل يصير اولى بعد ذلك؟ يحتمله لسقوط حق الأول بالمفارقة وعدمه للنهي فلا يترتب عليه حق ، ويتفرع على ذلك صحة صلاة الثاني وعدمها. واشترط الشهيد في الذكرى في بقاء حقه مع بقاء الرحل ان لا يطول المكث ، وفي التذكرة استقرب بقاء الحق مع المفارقة لعذر كإجابة داع وتجديد وضوء وقضاء حاجة وان لم يكن له رحل قالوا ولو استبق اثنان دفعة الى مكان واحد ولم يمكن الجمع بينهما أقرع ،


ومنهم من توقف في ذلك. وقال الشهيد الثاني لا فرق في ذلك بين المعتاد لبقعة معينة وغيره وان كان اعتياد درس وامامة ، ولا بين المفارق في أثناء الصلاة وغيره للعموم ، واستقرب في الدروس بقاء أولوية المفارق في أثنائها اضطرارا إلا ان يجد مكانا مساويا للأول أو أولى منه محتجا بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها. هذا ملخص ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب.

واما الأخبار المتعلقة بذلك فالذي وقفت عليه منها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : قلت له نكون بمكة أو بالمدينة أو الحير أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي‌ء آخر فيصير مكانه؟ فقال من سبق الى موضع فهو أحق به يومه وليلته».

وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو أحق به الى الليل ، وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء».

وروى بعض أصحابنا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «إذا قام أحدكم من محله في المسجد فهو أحق به الى الليل».

وظاهر الخبر الأول بقاء حقه في ذلك المكان مدة يوم وليلة. واحتمل بعض الأصحاب كون الواو هنا بمعنى «أو» كما هو شائع الاستعمال ايضا فيصير المعنى انه أحق بقية يومه ان كانت المفارقة في اليوم وبقية ليلته ان كانت المفارقة في الليل ويؤيده الخبر الثاني والثالث ، وكيف كان فظاهر الأخبار الثلاثة بقاء حقه في المدة المذكورة مطلقا سواء كان له رحل أم لا نوى المفارقة أم لا؟ وفيه رد على القول المشهور من حكمهم بزوال حقه بالمفارقة وان كان ناويا للعود إلا ان يكون له رحل. والظاهر تقييد الأخبار

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٦ من أحكام المساجد.

(٣) في السراج المنير ج ١ ص ١٦٥ عن النبي «ص» «إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع اليه فهو أحق به» وفي رواية (من المسجد).


المذكورة بعدم نية المفارقة وإلا فلو نوى المفارقة ولم يضع رحلا يعلم به ارادة الرجوع ففي منع الغير عنه اشكال وإلا لزم تعطيل المكان من المنتفعين بغير أمر موجب لذلك وهو بعيد ، ويشير الى ذلك السؤال في الخبر الأول وكون الخروج للوضوء ونحوه. وقطع المحقق بعدم بطلان حقه لو كان قيامه لضرورة كتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو ضرورة إلى التخلي وان لم يكن رحله باقيا. وهو قوى موافق لظاهر الأخبار المذكورة.

بقي الإشكال في ما هو الآن معمول بين الناس من وضع ثوب أو سجدة أو تسبيح في المسجد أو الروضة الشريفة ثم يمضي الى ان يأتي وقت الحاجة اليه ، والظاهر التفصيل في ذلك بأنه ان كان قد جلس في المكان وتصرف فيه بالجلوس والصلاة ونحوها فان حقه باق إلى المدة المعلومة بالتفصيل المتقدم وان كان لم يجلس وانما وضع هذه العلامة لقصد التحجير عن تصرف الغير فوجهان أحدهما كالأول والثاني العدم ، ومنشأ ذلك من الشك في لفظ السبق في الاخبار المتقدمة وان كان الأقرب الأظهر هو السبق بمعنى الجلوس والتصرف على الوجه المتقدم وانما يقوم ويخرج عنه لأجل الاعذار والأغراض المتقدمة ، وربما احتمل حصول ذلك بمجرد التحجير بوضع ثوب ونحوه. وكيف كان فمع وضع الرحل وان كان قد جلس وتصرف لو اتفق ذلك في المسجد وأقيمت الصلاة ولم يحضر فالظاهر جواز التصرف في محله عملا بالأخبار الدالة على النهي عن الخلل والفرج في الصفوف واستحباب المسارعة إلى سدها فيقيد بها إطلاق هذه الاخبار لكونها أقوى دلالة وأصرح مقالة في الحكم المذكور. وكذا لو وضع ثوبا ونحوه في المشاهد المشرفة وغاب ينبغي التفصيل بما قلناه من التصرف بالجلوس وعدمه ولزوم تعطيل الزوار والمصلين وعدمه. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ المشهور في كلام الأصحاب جواز الوقف على المساجد لأنه في الحقيقة وقف على المسلمين حيث انه يرجع الى مصالحهم كالوقف على القناطر ونحوها

روى الشيخ في التهذيب والصدوق في كتاب العلل وكذا في كتاب الوقف من


كتاب من لا يحضره الفقيه عن ابي الصحاري عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت رجل اشترى دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلة أيوقفه على المسجد؟ قال ان المجوس أوقفوا على بيت النار».

والظاهر ان المعنى ان المجوس وقفوا على بيت النار فأنتم اولى بذلك على مساجدكم. وربما احتمل على بعد المنع بمعنى ان هذا من فعل المجوس فليس لكم الاقتداء بهم والمتابعة لهم. ولعله على هذا الاحتمال بنى الصدوق في كتاب الصلاة من كتاب من لا يحضره الفقيه فنقل الخبر بهذه الكيفية «وسئل عن الوقوف على المساجد فقال لا يجوز فان المجوس وقفوا على بيوت النار» (٢). وهذا أحد المفاسد في نقل الخبر بالمعنى واحتمال كون ما نقله خبرا مستقلا بعيد جدا بقرينة ما ذكرناه من ان الذي رواه هو في كتاب الوقف وكتاب العلل وغيره كالشيخ في التهذيب انما هو الخبر الذي ذكرناه. إلا ان صاحب الوسائل ادعى ان بعض نسخ العلل تضمنت «لا» بعد قوله : «أيوقفه على المسجد» قال «لا ان المجوس. إلخ» ولعله على ذلك بنى الصدوق في ما نقله من قوله «لا يجوز» وكيف كان فيمكن حمل النهي عن الوقف مع ثبوت ما ذكر من النهي على ان يكون الوقف بقصد تملك المسجد وهو ليس أهلا للملك بل لا بد من تقييد ذلك بمصالح المسلمين ليكون الوقف عليهم بل لو أطلق فإنه ينصرف إليها.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى : يستحب الوقف على المساجد وهو من أعظم المثوبات لتوقف بقاء عمارتها غالبا عليه التي هي من أعظم مراد الشارع ، ثم ذكر رواية الفقيه في كتاب الصلاة المتضمنة لقوله «لا يجوز» وقال : وأجاب بعض الأصحاب بأن الرواية مرسلة وبإمكان الحمل على ما هو محرم منها كالزخرفة والتصوير. انتهى.

نعم ذكر المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد نقله رواية الفقيه المذكورة وكذا الرواية الأخرى التي ذكرناها ـ ما صورته : المستفاد من الخبرين تعليل المنع بالتشبه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦٦ من أحكام المساجد.


بالمجوس ولعل الأصل فيه خفة مؤنة المساجد وعدم افتقارها الى الوقف إذا بنيت كما ينبغي وانما افتقرت اليه للتعدي عن حدها. انتهى. وظاهره متابعة الصدوق في ما نقله من الرواية وحمل الرواية الأخرى عليه بتقريب المعنى الثاني الذي أشرنا اليه ، وحينئذ فظاهر كلاميهما تحريم الوقف على المساجد فيصير مخالفا لما عليه الأصحاب في هذه المسألة.

وكيف كان فإن المسألة عندي لا تخلو من شوب الإشكال لإجمال الخبر المذكور وقرب قبوله للاحتمال بالتقريب الذي ذكره المحدث المشار اليه ولما ذكره الأصحاب من الأدلة العامة في المقام. والله العالم.

(المسألة الخامسة) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز نقض ما استهدم بفتح التاء والدال أي أشرف على الانهدام ، قالوا ولا ريب في جوازه بل قد يجب إذا خيف انهدامه على أحد من المترددين ويستحب إعادته وتجديده. قيل ويجوز النقض أيضا للتوسعة إذا احتيج إليها لأنه إحسان محض و «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (١).

أقول : الظاهر ان ما ذكروه لا اشكال فيه اما الأول فلما ندب اليه من بناء المساجد وتعميرها. واما الثاني فلما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان أو حسنته الواردة في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتوسعته مرتين (٢).

وقال الشهيد في الذكرى : ولو أريد توسعة المسجد ففي جواز النقض وجهان من عموم المنع ، ومن ان فيه احداث مسجد ، ولاستقرار قول الصحابة على توسعة مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد إنكارهم ولم يبلغنا إنكار علي (عليه‌السلام) وقد أوسع السلف المسجد الحرام ولم يبلغنا إنكار علماء ذلك العصر. انتهى.

أقول : الأظهر هو الاستناد في الحكم المذكور إلى رواية عبد الله بن سنان المذكورة فإنها ظاهرة في الجواز (٣).

واما ما ذكره بالنسبة إلى مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ـ وتوسعته بعد

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٩٠.

(٢ و ٣) ص ٢٦٦.


موته واستقرار قول الصحابة على ذلك وان عليا (عليه‌السلام) لم ينكره ـ ففيه أنه غفلة منه عما ورد عنه (عليه‌السلام) في إنكار ذلك إلا انه انما أنكر من حيث غصب البيوت التي أدخلت في المسجد ، ومن ذلك ما رواه في الكافي عن سليم بن قيس في خطبة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) قال «خطب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ثم ساق كلامه الى ان قال فيه : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ولو حملت الناس على تركها وحولتها الى موضعها والى ما كانت في عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي ، ثم عد جملة من ذلك وقال : ورددت دار جعفر الى ورثته وهدمتها من المسجد. الى ان قال : ورددت مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى ما كان عليه. الحديث». وهو أظهر ظاهر في إنكار ذلك وان الزيادة التي أحدثوها كانت غصبا كما ذكرنا ، والظاهر انه لو كانت الزيادة من الأراضي المباحة فلا اشكال. وقد ورد في تحديد مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما رواه في الفقيه عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله كم كان طول مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال كان ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسرا». والمعنى انه كان كل من طوله وعرضه ستين ذراعا فإنه إذا ضرب ذلك حصل منه العدد المذكور في الخبر ، وهل الزائد على هذا المقدار يثبت له حكم المسجدية في الجملة وان لم يكن في حكم مسجده (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ لا يبعد ذلك إذا لم يكن مغصوبا.

واما بالنسبة الى المسجد الحرام فقد تقدم في حسنة زرارة (٣) نوم الباقر (عليه‌السلام) في المسجد الحرام وقوله له لما سأله عن النوم ثمة : «إنما يكره ان ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». فإنه يؤذن بعدم ثبوت المسجدية في هذه الزيادة وعدم ترتب أحكام المسجدية عليها ، إلا انك قد عرفت ما في ذلك من

__________________

(١) روضة الكافي ص ٥٩ طبع سنة ١٣٧٧.

(٢) الوسائل الباب ٥٨ من أحكام المساجد.

(٣) ص ٢٩٣.


الاشكال بالأخبار التي أوردناها دالة على انها من المسجد القديم الذي خطه إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) ويمكن ان يقال مع الإغماض عن الاشكال المذكور ان المسجد الحرام الذي يثبت له الاحترام زيادة على غيره يقتصر فيه على ما رسمه المعصوم ولا يجوز الزيادة فيه بخلاف غيره من المساجد التي وضعت لصلاة الناس فيها ويمكن اجراء هذا الكلام أيضا في مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لاختصاصه بمزيد شرف على سائر المساجد كما سيأتي ان شاء الله تعالى في فضل الصلاة فيه زيادة على غيره فيمكن الحكم بتحريم الزيادة فيه وان لم يكن غصبا كما أشرنا إليه آنفا وحينئذ فيبقى هذا الحكم مختصا بغير المسجدين المذكورين.

واما الاحتجاج بعدم إنكار علماء ذلك العصر فهو أوهن من بيت العنكبوت وانه لا وهن البيوت ، لان البدع الصادرة عن خلفاء الجور الذين هم أئمة الحق عندهم جائزة بل واجبة الاتباع فكيف ينكرها علماؤهم ، الا ترى إلى اعذار علمائهم عن بدع الثلاثة المتقدمين بنحو ما قلناه من ان الخليفة له ان يعمل بما يراه الأصلح والاولى في جميع الأمور. وبالجملة فالأمر أظهر من ان ينكر ومن أحب تحقيق ذلك فليرجع الى كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد.

ثم انه صرح في الذكرى على تقدير جواز النقض بأنه لا ينقض إلا بعد الظن الغالب بوجود العمارة ، ولو أخر النقض إلى إتمامها كان أولى إلا مع الاحتياج الى الآلات واستحسنه جملة ممن تأخر عنه ولا بأس به.

ثم انه قد صرح الشهيدان (قدس‌سرهما) بأنه يجوز احداث باب زائد لمصلحة عامة كازدحام المسلمين في الخروج والدخول فيوسع عليهم : ولو كان لمصلحة خاصة كقرب المسافة على بعض المصلين احتمل جوازه ايضا لما فيه من الإعانة على القربة وفعل الخير. وكذا يجوز فتح شباك وروزنة للمصلحة العامة وفي جوازه للمصلحة الخاصة الوجهان

بقي الكلام في انه قد اشتهر في هذه الأعصار جواز حفر بئر في المسجد لأجل


وضوء المصلين ، وفيه عندي إشكال إلا ان تتقدم البئر على المسجدية فلا اشكال. ووجه ما ذكرناه من الاشكال سيما على قاعدة الأصحاب من اشتراط الوقفية ظاهر حيث ان ذلك مناف للوقف و «الوقوف على ما وقفت عليه» (١). ومع قطع النظر عن ذلك فظواهر الأخبار الدالة على ان المساجد انما بنيت للعبادة وتلاوة القرآن والدعاء ونحو ذلك وقولهم (عليهم‌السلام) «انها لغير هذا بنيت» (٢). وتوهم تعليل الجواز ـ بانقطاع أكثر المصلين لو لم يجز ذلك كما ذكره بعض ـ عليل لأن السنة الماضية في القرون الخالية انما هو الوضوء في البيوت وحضور المساجد سيما في الصدر الأول بمكة والمدينة لقلة المياه بهما يومئذ ولا يقاس هذا على ما تقدم من فتح باب وروزنة فإن ذلك معلوم المصلحة وخال من المفسدة بخلاف هذا فإن المفسدة فيه بتحجير المكان الذي فيه البئر عن الصلاة فيه ومنع الناس عن ذلك الموضع ظاهر. ولا يبعد بناء على ما قلنا بطلان الصلاة بالوضوء من تلك البئر أيضا لأنه متى ثبت كون ذلك على خلاف الوجه الشرعي كان من قبيل المغصوب فجميع التصرفات المترتبة على ذلك من قبيل التصرف في المغصوب إذ متى زالت الإباحة بالمعنى الأعم فليس إلا الغصب والاحتياط ظاهر. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ قد ذكر جمع من الأصحاب انه يجوز استعمال آلاته في غيره من المساجد ، وقيد ذلك بعضهم بما إذا كانت تلك الآلة فاضلة عن ذلك المسجد ومستغنى عنها فيه أو تعذر استعمالها فيه لاستيلاء الخراب عليه أو كون الآخر أحوج إليها منه لكثرة المصلين ونحو ذلك ، لان المالك واحد وهو الله سبحانه صرح بذلك الشهيدان ، وزاد شيخنا الشهيد الثاني فقال : واولى بالجواز صرف وقفه ونذره على غيره بالشروط وليس كذلك المشهد فلا يجوز صرف ماله الى مشهد آخر ولا مسجد ولا صرف مال المسجد اليه مطلقا. انتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وللنظر في هذا الحكم من أصله مجال والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد الى غيره مطلقا كالمشهد لتعلق النذر أو الوقف

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من الوقوف والصدقات.

(٢) ص ٢٨٧.


بذلك المحل المعين فيجب الاقتصار عليه. نعم لو تعذر صرفه فيه أو علم استغناؤه عنه في الحال والمآل أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد والمشاهد بل لا يبعد صرفه في مطلق القرب لان ذلك اولى من بقائه الى ان يعرض له التلف فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا و «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (١) انتهى.

أقول : لم أقف في هذا المقام على شي‌ء من الاخبار الظاهرة في تنقيح الكلام وقطع مادة النقض والإبرام سوى أخبار الإهداء والنذر والوصية إلى الكعبة الشريفة وسيجي‌ء الكلام فيها ان شاء الله تعالى في كتاب الحج :

ومنها ـ رواية ياسين الضرير (٢) «في رجل اوصى بألف درهم للكعبة فسأل أبا جعفر (عليه‌السلام) فقال ان الكعبة غنية عن هذا انظر الى من أم هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز ان يرجع الى أهله فادفعها إلى هؤلاء.».

وبمضمونه أخبار عديدة يأتي ذكرها ان شاء الله تعالى في الموضع المشار اليه ، والظاهر ان الحكم في المشاهد والكعبة واحد.

ومقتضى الأخبار المذكورة ان الواجب صرفه في تعمير المشهد والكعبة إذا احتيج الى ذلك وإلا فإنه يصرف في معونة الحجاج والزوار لذلك المشهد ، وبذلك صرح السيد المشار إليه في كتاب النذر من شرح النافع فقال : ولو نذر شي‌ء لأحد المشاهد المشرفة صرف فيه على حسب ما قصده الناذر ومع الإطلاق يصرف في مصالح المشهد ، ولو استغنى المشهد عنه في الحال والمآل فالظاهر صرفه في معونة الزوار لان ذلك اولى من بقائه على حاله معرضا للتلف فيكون صرفه على هذا الوجه إحسانا و «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (٣) انتهى. وبذلك ايضا صرح جده (قدس‌سره) في كتاب النذر من المسالك. ومن ذلك يظهر ما في قوله هنا «انه مع تعذر صرفه في ذلك المشهد يجوز

__________________

(١ و ٣) سورة التوبة ، الآية ٩٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من مقدمات الطواف.


صرفه في غيره من المساجد والمشاهد بل لا يبعد صرفه في مطلق القرب» فإنه بعيد كما عرفت والأقرب الى ما دلت عليه الاخبار المشار إليها هو ما ذكرناه وما ذكره في شرح النافع هذا بالنسبة إلى المشاهد المشرفة.

واما بالنسبة إلى المساجد لو حصل الاستغناء عمالها من الأوقاف والآلات ونحوها وما ذكروه (رضوان الله عليهم) في المقام فهو عندي محل اشكال لعدم الدليل الواضح والاستناد إلى إطلاق الآية المذكورة يتوقف على ثبوت كون ذلك إحسانا وهو محل البحث. وكان بعض مشايخنا المعاصرين في بلاد البحرين يعمدون في ما فضل من أموال المسجد عن تعميره الى التنمية وشراء العقارات بها وصرف حواصلها في مصالح المسجد من الحصر والتعمير ونحو ذلك. والله سبحانه اعلم.

تذنيب

في فضل المساجد وفضل الصلاة فيها وبيان اختلافها في الفضل :

ففي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي».

وعن معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الصلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فهو أفضل». وبهذا المضمون أخبار عديدة.

وروى الكليني والصدوق عن خالد بن زياد القلانسي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «مكة حرم الله وحرم رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحرم علي بن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٧ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد. وفي الفقيه «ابن ماد» وهو نفس «ابن زياد».


ابي طالب (عليه‌السلام) الصلاة فيها بمائة ألف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف درهم ، والمدينة حرم الله وحرم رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحرم علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم ، والكوفة حرم الله وحرم رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وحرم علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) الصلاة فيها بألف صلاة. وسكت عن الدرهم (١)».

وعن أبي حمزة الثمالي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «من صلى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة وكل صلاة يصليها الى ان يموت».

وعن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال «قال محمد بن علي الباقر (عليه‌السلام) صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره من المساجد».

وعن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال لي يا هارون بن خارجة كم بينك وبين مسجد الكوفة يكون ميلا؟ قلت لا. قال أفتصلي فيه الصلوات كلها؟ قلت لا. قال اما لو كنت بحضرته لرجوت ان لا تفوتني فيه صلاة ، أو تدري ما فضل ذلك الموضع؟ ما من عبد صالح ولا نبي إلا وقد صلى في مسجد كوفان حتى ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما اسرى الله به قال له جبرئيل أتدري أين أنت يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الساعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان قال فاستأذن لي ربي عزوجل حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين فاستأذن الله عزوجل فاذن له ، وان ميمنته لروضة من رياض الجنة وان وسطه لروضة من رياض الجنة وان مؤخره لروضة من رياض الجنة ، وان الصلاة المكتوبة فيه لتعدل ألف صلاة وان النافلة فيه

__________________

(١) هذا في الفقيه دون الكافي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٢ من أحكام المساجد.

(٤) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.


لتعدل خمسمائة صلاة وان الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة ، ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبوا».

وفي الفقيه عن ابي بصير (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول نعم المسجد مسجد الكوفة صلى فيه ألف نبي وألف وصي ومنه فار التنور وفيه نجرت السفينة ميمنته رضوان الله ووسطه روضة من رياض الجنة وميسرته مكر يعني منازل الشيطان».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) حد مسجد الكوفة آخر السراجين خطه آدم (عليه‌السلام) وانا أكره ان ادخله راكبا قيل له فمن غيره عن خطته قال اما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح (عليه‌السلام) ثم غيره أصحاب كسرى والنعمان ثم غيره زياد بن ابي سفيان».

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال علي (عليه‌السلام) صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة وصلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين صلاة وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنتي عشرة صلاة وصلاة الرجل في بيته صلاة واحدة».

أقول : في هذه الاخبار فوائد لطيفة ونكات شريفة يحسن التنبيه عليها في المقام بما تشتاقه الطباع وتلذه الافهام :

(الاولى) ـ ما تضمنه حديث القلانسي من قوله (عليه‌السلام) «مكة حرم الله وحرم رسوله. إلخ» لعل الوجه فيه ان كون مكة حرم الله عزوجل أي محترمة ومعظمة لأجله فلأنها مقر بيته الحرام الذي أوجب السعي اليه على من استطاع اليه الوصول من الأنام وأوجب تعظيمه وشرفه على سائر بقاع الإسلام ، واما كونه حرم الرسول وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) فاما باعتبار كونها بلدهما الأصلية ومنشأهما ووطنهما أو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٦٤ من أحكام المساجد.


باعتبار ان ما كان لله عزوجل فهو ثابت لهما بطريق النيابة فكل ما نسب اليه تعالى فهو ينسب إليهما وكل شي‌ء ينسب إليهما ينسب اليه عزوجل لاتحاده بهما ومزيد قربهما منه كما قرن نفسه عزوجل بهما في جملة من الآيات القرآنية نحو قوله تعالى «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا . الآية» (١) المفسر ذلك في الاخبار بأمير المؤمنين (عليه‌السلام) وقوله عزوجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (٢) إشارة الى ما ذكرناه.

واما كون المدينة حرم الله عزوجل فمن حيث سكنى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيها واتخاذه لها دار هجرة فعظمها لأجله وأوجب احترامها حتى بعدم قطع الشجر منها كما سيأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى. واما كونها حرم الرسول وعلي (عليهما الصلاة والسلام) فلأنها منشأهما ومقرهما بعد الهجرة ومدفن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حقيقة ومدفن علي (عليه‌السلام) تبعا حيث انه نفس الرسول ويؤيده ما نقله بعض مشايخنا من ورود بعض الاخبار بان الله عزوجل نقله إليها ، ولهذا يستحب زيارة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عند الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واما الكوفة فبالتقريب المتقدم في المدينة.

واما ان الصلاة في البلدان الثلاث بما ذكر في الخبر فالظاهر ان إطلاق البلد في المواضع الثلاثة مجاز عن المساجد الثلاثة ليوافق جملة الأخبار الواردة في الباب وان اختلفت زيادة ونقصانا إذ موردها انما هو المساجد.

ويعضد ذلك ئما رواه الشيخ عن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الصلاة في المدينة هل هي مثل الصلاة في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال لا ، ان الصلاة في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦٠.

(٢) سورة النساء ، الآية ٦٢.

(٣) الوسائل الباب ٥٧ من أحكام المساجد.


ألف صلاة والصلاة في المدينة مثل الصلاة في سائر البلدان».

واما ثواب التصدق فيمكن إبقاؤه على عمومه لعدم المعارض. واما السكوت عن الدرهم في الكوفة فهو مشعر بأنها كغيرها من البلدان إلا انه روى ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات بسنده عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «نفقة درهم بالكوفة تحسب بمائة درهم في ما سواها وركعتان فيها تحسب بمائة ركعة».

(الثانية) ـ لا يخفى ان الاخبار مما نقلناه هنا وما لم ننقله قد اختلفت في ثواب الصلاة في كل من هذه المساجد زيادة ونقصانا والظاهر عندي في الجمع بينها هو ان ذلك باعتبار اختلاف أحوال المصلين في صلاتهم وإقبالهم على الصلاة وقربهم منه تعالى وعدم ذلك بمعنى ان جميع الصلوات مشتركة من حيث هذا المكان وفضله في الطرف الأقل من الثواب الوارد في هذا المكان وهذه الزيادات إنما نشأت من أمور زائدة في تلك الصلوات كما ذكرنا ، وعليه يحمل ايضا ما ورد في ثواب الحج وزيارة الأئمة (عليهم‌السلام) ولا سيما زيارة الحسين (عليه‌السلام) من تفاوت الثواب قلة وكثرة والجميع محمول على تفاوت أحوال المكلفين في ما يأتون به. وما تكلفه جملة من الأصحاب في هذا المقام فالظاهر بعده وعدم الحاجة إليه.

نعم روى الشيخ في التهذيب في الحسن عن الوشاء عن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الصلاة في المسجد الحرام والصلاة في مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الفضل سواء؟ فقال نعم والصلاة في ما بينهما تعدل ألف صلاة». فإنه ظاهر في مساواة مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للمسجد الحرام في الفضل مع ان الاخبار مما قدمناه وتركناه متكاثرة بزيادة المسجد الحرام وان الصلاة فيه كألف صلاة في مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٦٣ من أحكام المساجد.


ويمكن الجواب برجوع المساواة إلى أصل الفضيلة بمعنى ان لهما الفضل على غيرهما من المساجد وان تفاوتا بالزيادة في أحدهما والنقيصة في الآخر ويكون قوله : «والصلاة في ما بينهما. إلخ» إشارة الى ذلك بمعنى انهما متساويان في أصل الفضل وان حصل التفاوت بينهما في ان الصلاة الواحدة في أحدهما بألف في الآخر وهو وان كان مجملا بالنسبة الى صاحب الفضيلة منهما إلا انه باعتبار ما ظهر في غير هذا الخبر من الأخبار الكثيرة الدالة على ان الفضل في جانب المسجد الحرام ويحمل عليه هذا الإجمال فلا إشكال.

(الثالثة) ـ ما تضمنه حديث الثمالي ـ من ان كل من صلى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة. إلخ ـ يحتمل حمله على عمومه من قبول كل صلاة صلاها أو يصليها الى يوم موته وان كانت باطلة وليس ببعيد من فضله سبحانه وكرمه ، واما ما لم يصلها بالكلية فلا تدخل في عموم الخبر. ويحتمل التخصيص بما إذا كانت صحيحة مجزئة لكنها غير مقبولة من حيث عدم الإقبال عليها كلا أو بعضا أو نحو ذلك من شروط القبول. ويحتمل ايضا انه لما كان الله عزوجل قد جعل صلاة المكتوبة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة كما في خبر القلانسي وغيره فمن الظاهر ان هذا العدد يأتي على صلاة الإنسان من أول عمره الى آخره غالبا فكل صلاة وقع الخلل فيها من صلواته يقوم مقامها ويسدها بعض هذه الأفراد المضاعفة فيكون مستلزما لقبول ما وقع الخلل فيه من صلواته بل ما تركه ايضا ، ورحمته سبحانه وفضله جل شأنه أوسع من ذلك وهو وجه لطيف عرض لي حال التصنيف.

(الرابعة) ـ ما تضمنه خبر هارون بن خارجة وخبر ابي بصير وما اشتملا عليه قد ورد مثله في عدة اخبار مثل ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب عن الحذاء عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «مسجد كوفان روضة من رياض الجنة صلى فيه ألف نبي وسبعون نبيا وميمنته رحمة وميسرته مكر ، فيه عصا موسى وشجرة يقطين

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.


وخاتم سليمان ومنه فار التنور ونجرت السفينة وهي صرة بابل ومجمع الأنبياء».

وفي حديث الكاهلي المروي في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «يمينه يمن ويساره مكر وفي وسطه عين من دهن وعين من لبن وعين من ماء شراب للمؤمنين وعين من ماء طهر للمؤمنين. الى ان قال وصلى فيه سبعون نبيا وسبعون وصيا أنا أحدهم ، وقال بيده في صدره».

وروى مؤلف المزار الكبير على ما نقله في البحار (٢) بسنده عن حبة العرني عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في حديث قال فيه «وصلى فيه ألف نبي وألف وصي وفيه عصا موسى وخاتم سليمان وشجرة يقطين ووسطه روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين : عين من ماء وعين من دهن وعين من لبن. الى ان قال ويحشر يوم القيامة منه سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب ، جانبه الأيمن ذكر وجانبه الأيسر مكر».

أقول : لا تنافي بين هذه الأخبار باعتبار ذكر عدد من صلى فيه من الأنبياء والأوصياء قلة وكثرة فجاز ان يذكرهم كلهم تارة وجاز ان يقتصر على أفضلهم أخرى إذ لا دلالة على الحصر في عدد.

واما الروضة التي في وسط المسجد بناء على رواية أبي بصير أو في وسطه ومقدمه وميمنته وميسرته ومؤخره بناء على الروايات الأخر فالظاهر انها عبارة عن الجنات التي تظهر بعد خروج القائم (عليه‌السلام) وينبغي حمل المسجد في هذه الاخبار على المسجد الأصلي الذي يأتي ذكره قريبا وبيان وقوع النقص فيه لما يستفاد من بعض الاخبار انه (عليه‌السلام) بعد ظهوره يعيده إلى أساسه الأصلي ويوسعه سعة زائدة ، وهذه العيون المذكورة من جملة ما في تلك الروضات التي تظهر بظهوره (عليه‌السلام).

ولا منافاة بين ما دل على ان ميسرته مكر وبين ما دل على ان ميسرته روضة لان

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من أحكام المساجد.

(٢) ج ٢٢ ص ٨٨.


المراد بالأول ما خرج عن هذه المسجد وبالثاني ما دخل في المسجد الأصلي من طرف اليسار

والظاهر ان تفسير المكر بمنازل الشيطان من كلام الصدوق (قدس‌سره) وهذا الخبر رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير (١) وفيه بعد قوله مكر «فقلت لأبي بصير ما يعني بقوله مكر؟ قال يعني منازل السلطان». وهذا الخبر ونحوه قد رواه العامة أيضا ، قال ابن الأثير في نهايته (٢) : أصل المكر الخداع ومنه حديث علي (ع) في مسجد الكوفة «جانبه الأيسر مكر» قيل كانت السوق الى جانبه الأيسر وفيها يقع المكر والخداع. انتهى. والأظهر ما ذكر في الخبرين من تفسير المكر بمنازل السلطان ، والظاهر ان المراد به قصر الامارة الذي هو محل الحكم والأمر والنهي ، وعليه ينطبق ايضا ما ذكره الصدوق لان منازل سلاطين الجور منازل الشياطين أو ان المراد بالشياطين هم حكام الجور.

واما ما قابل الميسرة في هذا الخبر ونحوه مما كان خارجا عن المسجد فيمكن حمله على الغري الذي هو موضع قبر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) والإشارة إليه بذلك وقع تقية ، ومثله قوله (عليه‌السلام) في حديث حبة العرني «ويحشر منه يوم القيامة سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب». يعني يحشرون من جنبه ، والمراد به الغري أيضا الذي قد استفاضت الأخبار بأنه قطعة من جنة عدن تكون فيها أرواح المؤمنين في عالم البرزخ ، والإجمال في التعبير عن ذلك صريحا كله للتقية.

واما ما دل على ان فيه عصا موسى (عليه‌السلام) فيحتمل انها مودعة فيه الى ظهور صاحب الزمان (عجل الله فرجه) وكذا خاتم سليمان (عليه‌السلام) ويحتمل ان العصا نبتت فيه ومنه أخذت ، وعليه يحمل ايضا «وفيه شجرة يقطين» يعني فيه نبتت ، ويؤيده ما نقله بعض مشايخنا قال انه يظهر من بعض الاخبار ان يونس (عليه‌السلام) خرج من الفرات.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٢) في مادة «مكر».


بقي الكلام في نجر السفينة في المسجد مع كراهة الصنائع في المساجد ولا سيما هذا المسجد ، فيمكن الجواب بتخصيص هذا الحكم بهذه الشريعة أو استثناء ذلك من الحكم المذكور

واما قوله في رواية الحذاء : «وهي صرة بابل» ففيه إشارة الى ان الكوفة من أرض بابل إذ المراد بالصرة الكناية عن الشي‌ء النفيس العزيز ، لأن أصل الصرة بمعنى صرة الدراهم وهي أنفس الأموال وأعزها. والمفهوم من خبر رد الشمس الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) ـ في أيام رجوعه من حرب الخوارج وتركه الصلاة الى ان عبر الفرات فصلى في الجانب الآخر ـ اختصاص بابل بذلك الجانب من الفرات ، ولعل الإضافة هنا مجاز باعتبار قربها من بابل وان ارض الخسف من بابل التي يكره الصلاة فيها مخصوص بذلك الموضع الذي عبر (عليه‌السلام) منه. والله العالم.

(الخامسة) ـ ان ما دل عليه مرسل الفقيه من قول الصادق (عليه‌السلام) «حد مسجد الكوفة آخر السراجين. إلخ». مما يدل على وقوع النقص في المسجد والحديث بهذه الكيفية قد رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن علي بن مهزيار بإسناد له (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) حد مسجد الكوفة. الحديث». إلا ان الكليني في الروضة والعياشي في تفسيره قد نقلاه بوجه ابسط عن المفضل بن عمر (٣) قال : «كنت مع أبي عبد الله (عليه‌السلام) بالكوفة أيام قدم علي ابي العباس فلما انتهينا إلى الكناسة نظر عن يساره ثم قال يا مفضل ههنا قتل عمي زيد ثم مضى حتى اتى طاق الرواسين وهو آخر السراجين فنزل فقال لي انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم (عليه‌السلام) وانا أكره ان ادخله راكبا فقلت له فمن غيره عن خطته؟ قال اما أول ذلك فالطوفان. الى آخر ما تقدم في خبر الفقيه».

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢١.

(٢) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٣) الروضة ص ٢٧٩ ومستدرك الوسائل الباب ٣٥ من أحكام المساجد.


ومما يدل على وقوع النقص في المسجد ما رواه في الكافي في خبر عن ابي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقوم على باب المسجد ثم يرمي بسمة فيقع في موضع التمارين فيقول ذلك من المسجد ، وكان يقول قد نقص من أساس مسجد الكوفة مثل ما نقص في تربيعه». وفي رواية أخرى نقلها في البحار (٢) عن مؤلف المزار الكبير قال «ولقد نقص منه اثنا عشر الف ذراع مما كان على عهدهم».

بقي الكلام في حكم هذا الناقص من المسجد الأول الزائد على ما هو عليه الآن هل يثبت له حكم المسجدية؟ إشكال ينشأ من ان ظاهر حديث المفضل ـ حيث ان الصادق (عليه‌السلام) نزل لما بلغ الى طاق الرواسين وأمر المفضل بالنزول معللا ذلك بأنه من المسجد وانه يكره دخوله راكبا ـ اجراء حكم المسجدية في ذلك الزائد ، ومن ان ظاهر خبر ابي بصير ـ الدال على ان عليا (عليه‌السلام) رمى بسهمه الى موضع التمارين وأخبر ان هذه المسافة كلها من المسجد مع انه لم ينقل عنه في زمانه إدخالها في المسجد ولا الأمر باحترامها واجراء حكم المسجدية عليها ، بل الظاهر انما هو العدم لتقريره الناس على تصرفهم في هذا الموضع بجعله سوقا وطريقا ومنازل ونحوها من التصرفات ـ هو العدم ، ولعل الترجيح للأخير إلا انه يمكن تطرق القدح اليه بعدم تمكنه (عليه‌السلام) من تغيير ما جرت عليه أئمة الجور قبله كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما كان عليه في أيام خلافته وان جل رعيته انما يرونه بعين التبعية لمن تقدمه. وكيف كان فإنه يجب ان يحمل فعل الصادق (عليه‌السلام) على الفضل والاستحباب.

والظاهر ان الكلام ههنا كالكلام في المسجد الحرام قبل الزيادة التي زادتها بنو أمية ، فإن ظاهر خبر زرارة المتقدم (٣) ـ المتضمن لنوم الباقر (عليه‌السلام) معه في تلك الزيادة وتجويزه النوم فيها معللا ذلك بأنها ليست من المسجد الذي في زمنه (صلى الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٢) ج ٢٢ ص ٨٨.

(٣) ص ٢٩٣.


عليه وآله) مع دلالة الأخبار الأخر على انها من المسجد القديم ـ هو عدم اجراء حكم المسجدية على ذلك الزائد وان كان داخلا في المسجد القديم ، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم ثبوت حكم المسجدية لما زاد على المسجد الموجود في زمنه (عليه‌السلام) وان كان داخلا في المسجد القديم.

ويمكن ان يكون الوجه في الجميع ان الاعتبار في رعاية حكم المسجدية على ما كان مسجدا في الإسلام بأن ثبت له المسجدية وسمى مسجدا بعد ظهور الشريعة المحمدية ، فإن البيع والكنائس السابقة في الملل المتقدمة كانت في تلك الملل يراعى فيها ما يراعى في المساجد من التوقير والتعظيم ، واما بعد الإسلام بالنسبة إلى المسلمين فإنه لا يراعى فيها ذلك لأنها ليست من مساجد الإسلام ، ولهذا ورد جواز نقضها وجعلها مساجد يجب احترامها كما يجب في المساجد المعمولة في الإسلام فكذلك المساجد التي في زمان الكفر وتلك الملل السابقة ، بل الاعتبار بما جرى عليه اسم المسجدية في الإسلام ، ويعضده تقرير النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الناس على مسجدية المسجد الحرام الموجود في زمنه دون ما زاد عليه. والله العالم.

نعم يبقى اشكال آخر بالنسبة إلى تغيير زياد ابن أبيه الذي وقع بعد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وثبوت المسجدية للجميع الموجود يومئذ. ويمكن التفصي عن ذلك بأنه لعدم معلوميته لنا الآن لا يلزمنا حكمه.

ويمكن تخصيص تغيير زياد باعتبار القبلة دون ارض المسجد كما يشير اليه ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في حديث له «حتى انتهى الى مسجد الكوفة وكان مبنيا بخزف ودنان وطين فقال ويل لمن هدمك وويل لمن سهل هدمك وويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة

__________________

(١) البحار ج ١٣ ص ١٨٦.


نوح (عليه‌السلام) طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة».

وروى محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده إلى حبة العرني في حديث عنه (عليه‌السلام) (١) قال : «كأني انظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل ، اما إن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته».

واما نسبته (عليه‌السلام) في هذا الخبر زيادا الى ابي سفيان فلعله خرج مخرج التقية لاشتهار ذلك بين الأموية حيث ان معاوية استلحقه وجعله أخاه لأبيه وإلا فهو مشهور بين علماء التاريخ بنسبته الى امه سمية أو يقال زياد ابن أبيه.

(السادسة) ـ ما تضمنه مرسل الفقيه عن علي (عليه‌السلام) في فضل الصلاة في المساجد المذكورة قد ورد مثله في ما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) إلا ان كتب الاخبار قد اختلفت في قوله : «وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة». ففي التهذيب في حديث السكوني المذكور وكذا في كتاب المحاسن كما هنا ولكن في أكثر نسخ الفقيه «مائة ألف صلاة» وكذا في كتاب ثواب الأعمال ، والظاهر زيادة لفظ «الف» من النساخ في الصدر الأول أو أحد الرواة واستمر عليها النسخ ، وعلى تقديره فيحمل المسجد الأعظم على المسجد الحرام ، وعلى تقدير النسخة الأخرى يحمل على المسجد الجامع.

وبيت المقدس بتخفيف الدال بمعنى القدس والطهارة كأن من يدخل فيه يطهر من الذنوب ، والمراد بكون الصلاة فيه تعدل ألف صلاة أي في البيوت وغير المساجد ويحتمل الحمل على الترتيب بالنسبة إلى الجامع وكذا الجامع بالنسبة إلى مسجد القبيلة وهكذا ولعل الأول أقرب.

والمراد بمسجد القبيلة هو مسجد المحلة المذكور في كلام الأصحاب بعنوان المحلة ووجه خروج هذه التسمية في الخبر انه كان في تلك الأوقات ولا سيما في الكوفة قبائل

__________________

(١) البحار ج ١٣ ص ١٩٢.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من أحكام المساجد.


العرب وكل قبيلة في محلة ولها مسجد فيها فنسب المسجد إلى القبيلة.

والمراد بمسجد السوق ما كان لأهل السوق واقعا في السوق أو الى جنبها لا ما اتصل بها وان كان جامعا أو مسجد قبيلة وإلا فكثير من المساجد الجامعة متصلة بالسوق ولا سيما المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وفي رواية التهذيب (١) «وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة». وكذا في بعض نسخ الفقيه وفي كتاب ثواب الأعمال ، قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقله الخبر على ما في التهذيب : بيان ـ لفظة «وحده» ليست في بعض نسخ الفقيه فان قلنا ان التضعيف في الأجر باعتبار الجماعة وكثرتها فإثباتها أوضح في مقابلة الوحدة بالجماعة (وان قلنا) انه باعتبار فضل المسجد من غير نظر الى الجماعة فاسقاطها أوضح في مقابلة كل من الوحدة والجماعة بمثله. انتهى.

أقول : قد روى الشيخ في كتاب المجالس عن الحسين بن عبيد الله عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي عن زريق الخلقاني (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة الرجل في منزله جماعة تعدل أربعا وعشرين صلاة وصلاة الرجل جماعة في المسجد تعدل ثمانيا وأربعين صلاة مضاعفة في المسجد. وان الركعة في المسجد الحرام ألف ركعة في سواه من المساجد وان الصلاة في المسجد فردا بأربع وعشرين صلاة. والصلاة في منزلك فردا هباء منثور لا يصعد منها الى الله تعالى شي‌ء. ومن صلى في بيته جماعة رغبة عن المساجد فلا صلاة له ولا لمن صلى معه إلا من علة تمنع من المسجد».

وروى فيه ايضا بالسند المذكور عن زريق المذكور (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.


(عليه‌السلام) يقول شكت المساجد الى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله عزوجل إليها وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ولا أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي». وفي جملة من الاخبار «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه» (١).

ووجه الجمع بينها وبين الخبر المذكور وأمثاله مما دل على صحة الصلاة في البيت وجوازها اما حمل التخلف عن المسجد على ما إذا كان لمجرد التهاون والاستخفاف وعدم المبالاة بما ورد في الصلاة فيه من الأجر والثواب واليه يشير خبر زريق الأول ، أو على قلة الأجر والثواب المترتب عليها حتى كأنه في حكم العدم ولعله الأظهر فإنهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يبالغون في الزجر عن المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات والحث على المستحبات بما يكاد يدخلها في الواجبات.

وكيف كان فمع العذر يكون مستثنى من الحكم المذكور ، ويدل عليه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «قال علي (عليه‌السلام) ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في المسجد إذا كان فارغا صحيحا». ومثله روى في التهذيب (٣) ايضا. والله العالم.

المقدمة السابعة في الأذان والإقامة

الأذان لغة الاعلام ومثله الإيذان ، ومنه قوله تعالى «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» (٤) اي اعلموا ، وعلى قراءة المد اي اعلموا من ورائكم بالحرب ، فالمد يفيد التعدي وفعله «أذن يأذن» ثم شدد للتعدية ، وشرعا أذكار مخصوصة موضوعة للاعلام بدخول أوقات الصلوات. والإقامة مصدر اقام بالمكان والتاء عوض عن الواو

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٧٩.


المحذوفة لأن أصله (إقوام) أو مصدر (أقام الشي‌ء) بمعنى ادامه ومنه «يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» وشرعا أذكار مخصوصة عند إقامة الصلاة.

والاخبار بفضله وثوابه ـ وانه من وكيد السنن وانه وحي من الله تعالى لا ما تزعمه العامة العمياء ـ حتى انهم أجمعوا عليه ـ من نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (١) ـ مستفيضة متواترة ، ولا بأس بنقل جملة منها لان كتابنا هذا ـ كما قدمنا ذكره ـ كتاب اخبار وأحكام :

فروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) عن عبد الله بن علي قال : «حملت متاعي من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا انا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طويل شديد الادمة أبيض الرأس واللحية عليه طمران أحدهما أسود والآخر أبيض فقلت من هذا؟ فقالوا هذا بلال مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأخذت الواحي فأتيته فسلمت عليه فقلت له السلام عليك ايها الشيخ فقال وعليك السلام فقلت يرحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال وما يدريك من انا؟ فقلت أنت بلال مؤذن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي ، قال ثم قال يا غلام من اي البلاد أنت؟ قلت من أهل العراق. قال بخ بخ ثم سكت ساعة ثم قال اكتب يا أخا أهل العراق بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله عزوجل شيئا إلا أعطاهم ولا يشفعون في شي‌ء إلا شفعوا. قلت زدني رحمك الله تعالى قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله عزوجل يوم القيامة وله عمل أربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠٩.

(٢) ج ١ ص ١٨٩ وفي الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.


الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن عشرين عاما بعثه الله عزوجل يوم القيامة وله من النور مثل زنة السماء. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن عشر سنين أسكنه الله مع إبراهيم الخليل في قبته أو في درجته. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن سنة واحدة بعثه الله عزوجل يوم القيامة وقد غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد. قلت زدني رحمك الله قال نعم فاحفظ واعمل واحتسب سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقريبا الى الله تعالى غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن عليه بالعصمة في ما بقي من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة. قلت زدني يرحمك الله حدثني بأحسن ما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ويحك يا غلام قطعت أنياط قلبي وبكى وبكيت حتى اني والله لرحمته ثم قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول إذا كان يوم القيامة وجمع الله عزوجل الناس في صعيد واحد بعث الله عزوجل إلى المؤذنين ملائكة من نور ومعهم ألوية واعلام من نور يقودون جنائب أزمتها زبرجد أخضر وخفائفها المسك الأذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما تقودهم الملائكة ينادون بأعلى صوتهم بالأذان. ثم بكى بكاء شديدا حتى انتحب وبكيت فلما سكت قلت مم بكاؤك؟ فقال ويحك ذكرتني شيئا سمعت حبيبي وصفيي عليه‌السلام يقول والذي بعثني بالحق نبيا انهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون الله أكبر الله أكبر فإذا قالوا ذلك سمعت لأمتي ضجيجا ، فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو؟ قال الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا اشهد ان لا إله إلا الله قالت أمتي إياه كنا نعبد في الدنيا فيقال صدقتم فإذا قالوا اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قالت أمتي هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله وآمنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هذا


الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله عزوجل ان يجمع بينكم وبين نبيكم فينتهي بهم الى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ثم نظر الي فقال ان استطعت ـ ولا قوة إلا بالله ـ ان لا تموت إلا وأنت مؤذن فافعل. فقلت يرحمك الله تفضل علي وأخبرني فاني فقير محتاج وأد الي ما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنك قد رأيته ولم أره وصف لي كما وصف لك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بناء الجنة فقال اكتب. الحديث».

وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من اذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة».

وعن محمد بن مروان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شي‌ء سمعه».

وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وإذا أقمت صلى خلفك صف من الملائكة».

وروى الصدوق مرسلا (٤) «ان حد الصف ما بين المشرق والمغرب». وروى ايضا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٥) انه قال : «من صلى بأذان واقامة صلى خلفه صفان من الملائكة لا يرى طرفاهما ومن صلى بإقامة صلى خلفه ملك».

وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي نجران رفعه (٦) قال : «ثلاثة يوم القيامة على كثبان المسك أحدهم مؤذن أذن احتسابا».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابن ابي عمير عن زكريا صاحب السابري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذن ،

__________________

(١ و ٢ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من الأذان والإقامة.


احتسابا ، وامام أم قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه».

وروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قامة وكان يقول لبلال إذا دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله تعالى قد وكل بالأذان ريحا ترفعه الى السماء وان الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالت هذه أصوات امة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتوحيد الله عزوجل فيستغفرون لامة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى يفرغوا من تلك الصلاة».

ورؤيا في الكتابين المذكورين عن هشام بن إبراهيم (٢) «أنه شكى الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) سقمه وانه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال ففعلت ذلك فاذهب الله عني سقمي وكثر ولدي قال محمد بن راشد وكنت دائم العلة ما انفك منها في نفسي وجماعة خدمي وعيالي حتى كأنني كنت أبقى وما لي أحد يخدمني فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فاذهب الله عني وعن عيالي العلل».

وروى في الكافي في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري (٣) قال : «سمعته يقول اذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من أجل الصبيان».

وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا أذنت فلا تخفين صوتك فان الله يأجرك مد صوتك فيه».

إذا عرفت ذلك فالكلام في هذا المقام يقع في المؤذن وما يؤذن له ويقام من الصلوات وكيفية الأذان والإقامة والأحكام المتعلقة بهما فههنا مقامات أربعة :

(الأول) ـ قد صرح جملة من الأصحاب انه يشترط في المؤذن المنصوب في البلد للأذان ان يكون مسلما عاقلا ذكرا ولا يشترط فيه البلوغ بل يكفي كونه مميزا.

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من الأذان والإقامة.


أقول : اما اشتراط الإسلام وان لا يكون كافرا فادعى عليه الإجماع جملة من الأصحاب ، ويدل عليه جملة من الاخبار الدالة على ان المؤذنين أمناء الناس على دينهم ومنها حديث بلال المتقدم والكافر ليس له أهلية الامانة.

وما رواه في الكافي في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «سئل عن الأذان هل يجوز ان يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز ان يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فان علم الأذان فأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به. الحديث» وفي بعض النسخ «ولا يعتد به».

وظاهر الخبر اشتراط الايمان فان لفظ العارف في الاخبار انما يطلق على العارف بالإمامة كما وقع في مواضع عديدة منها وهو الذي اختاره الشهيدان ، وظاهر عبارات أكثر الأصحاب اشتراط مجرد الإسلام فيكفي أذان المخالف بناء على حكمهم بإسلامه قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : وهل يشترط في المؤذن مع الإسلام الإيمان؟ ظاهر العبارة عدم اشتراطه وينبه عليه ايضا حكمهم باستحباب قول ما يتركه المؤذن فإنه يشمل بإطلاقه المخالف ، وهو ظاهر فيه فان غير الناسي من المؤمنين لا يترك منه شيئا بل لو تركه اختيارا لم يعتد بأذانه ، وروى ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه». والأصح اشتراط الايمان مع الإسلام لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «يؤذن لكم خياركم». خرج منه ما اجمع على جوازه فيبقى الباقي ولقول الصادق (عليه‌السلام) (٤) «لا يجوز ان يؤذن إلا رجل مسلم عارف». ولكونه أمينا. وهو الذي اختاره الشهيد فلا يعتد بأذانه وان أتمه لأن المانع الخلاف لا نقص الفصول. انتهى. وهو جيد وقوله «لان المانع الخلاف

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من الأذان والإقامة.


أي كونه مخالفا غير مؤمن ، وربما يتوهم الخلاف يعني في المسألة ، وهو غلط محض.

وهل يصير الكافر بتلفظه بالشهادتين في الأذان أو الصلاة مسلما فيعتد بأذانه أم لا؟ المنقول عن العلامة في التذكرة الأول لأن الشهادة صريح في الإسلام ، وقد قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها». وفيه ان مجرد التلفظ بذلك غير موجب للإسلام لوقوعه من غير العارف بمعنى اللفظ كالأعجم أو على جهة الاستهزاء أو الحكاية أو الغفلة أو التأويل كما يقوله النصارى من ان محمدا نبي إلى العرب خاصة (لا يقال) ان هذا يجري أيضا في ما لو تلفظ بالشهادتين حال دعوته إلى الإسلام فيلزم ان لا يتحقق به إسلامه مع انه خلاف النص والإجماع (لأنا نقول) ذكر الشهادتين في الأذان وفي الصلاة ليس موضوعا للدلالة على الإسلام والإنباء عن اعتقاده والتدين به بل للإعلام في الأذان وكونهما جزء من العبادة في الصلاة بخلاف التلفظ بهما عند الدعوة الى الإسلام فإنهما موضوعان للدلالة على اعتقاد قائلهما بمضمونهما وان لم يكن في الواقع معتقدا لذلك فلذلك حقن بهما ماله ودمه ، وبذلك صرح الشهيدان ايضا.

واما اشتراط كونه عاقلا غير مجنون فلرفع القلم عن المجنون (٢) فلا يعتد بعبادته والأمر فيه أظهر من ان يحتاج الى مزيد تطويل. نعم لو كان الجنون مما يعتوره أدوارا فلا مانع من الاعتداد بأذانه وقت إفاقته.

واما اشتراط الذكورة فهو على إطلاقه محل كلام إذ الظاهر انه لا خلاف في اعتداد النساء بأذان المرأة لهن ، قال في الذكرى : الأذان مشروع للنساء فيعتد بأذان المرأة لهن عند علمائنا وكذا لو أذنت للمحارم. وانما الإشكال في أذانها للأجانب ولعل المشترط هنا بنى على الأذان الإعلامي الذي على المنارة مثلا فيندفع عنه الإيراد بناء على ما اشتهر في

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٩.

(٢) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات والباب ٨ من مقدمات الحدود.


كلامهم من ان صوت المرأة عورة فلا يجوز لها إسماعه الأجانب ، إلا ان المنقول عن المبسوط هنا جواز إسماعها الأجانب والاعتداد به وان منعه من تأخر عنه ورد عليه في ذلك. وبالجملة فالمسألة مبنية عندهم على تحريم إسماع المرأة صوتها الرجال وهو مشهور عندهم ، والذي ثبت عندي ـ من تتبع الأخبار الكثيرة الدالة على تكلم النساء مع الناس في مجالس الأئمة (عليهم‌السلام) وكذا كلام فاطمة (عليها‌السلام) مع جملة من الصحابة وخروجها للمخاصمة في فدك في المسجد لجملة من فيه من الصحابة وإتيانها بعد المخاصمة والمجادلة بتلك الخطبة الطويلة المروية عند العامة والخاصة كما ذكرناها في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ـ هو خلاف ما ذكروه وبه يظهر جواز اذانهن للأجانب ولو الأذان الإعلامي ، إلا انه ينبغي التوقف فيه من جهة أخرى وهو ان الأذان الإعلامي عبادة شرعية مبنية على التوقيف ولم يرد عنهم (عليهم‌السلام) الاذن للنساء في ذلك ولا وقوعه من النساء في زمانهم ولا الإشارة إلى شي‌ء من ذلك في أخبارهم بل انما يقع في جميع الأعصار ـ وبه خرجت الاخبار ـ من الرجال خاصة فيبقى التوقف فيه من هذه الجهة لا من جهة كون سماع صوتهن عورة فإنه لم يثبت على إطلاقه وان دل ظواهر بعض النصوص النادرة على ذلك فهو محمول على حصول الريبة بذلك ولا إشكال في التحريم مع ذلك. واما الاعتداد بأذان المميز فنقل في الذكرى الإجماع عليه ، قال فاما المميز فيعتد بأذانه إجماعا منا. أقول : ويدل عليه

ما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول لا بأس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٢ من الأذان والإقامة.


وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان يؤذن العبد والغلام الذي لم يحتلم».

قال شيخنا في الروض والمراد بالمميز من يعرف الأضر من الضار والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس. واعترضه سبطه في المدارك بأنه مع عدم وضوح مأخذه رد إلى الجهالة.

أقول : لا يخفى ان الوارد في الاخبار المذكورة التي هي مستند الحكم المذكور انما هو الغلام قبل الاحتلام والتقييد بكونه مميزا انما وقع في كلامهم (رضوان الله عليهم) ولعل من عبر بذلك من المتقدمين فإنما أراد المراهق للبلوغ فإنه الأقرب الى عبارة الأخبار المذكورة. والظاهر ان ما أورده السيد على جده غير وارد ولو ثبت وجود هذا اللفظ في الاخبار فإنه متى ورد ذلك فالواجب بمقتضى قواعدهم الرجوع في معناه الى العرف ، وما ذكره جده هو مقتضى العرف في معنى التمييز.

(الثاني) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يستحب اتصاف المؤذن للاعلام بأمور (أحدها) العدالة لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «يؤذن لكم خياركم». وقوله (عليه‌السلام) (٣) «المؤذن مؤتمن». ولانه ربما قلده ذوو الاعذار. وقطع الأصحاب عدا ابن الجنيد بصحة أذان الفاسق لكونه عاقلا كاملا فيعتبر أذانه عملا بالإطلاق ومنع ابن الجنيد ضعيف. قال في الروض واعلم ان استحباب كون المؤذن عدلا لا يتعلق بالمؤذن لصحة أذان الفاسق مع كونه مأمورا بالأذان بل الاستحباب راجع الى الحاكم بان ينصبه مؤذنا لتعم فائدته.

و (ثانيها) ان يكون صيتا اي رفيع الصوت ليحصل الغرض من الأذان وهو

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٢٦ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ٣ من الأذان والإقامة.


الاعلام ، ويدل عليه ما تقدم من رواية عبد الله بن سنان الدالة على أمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا بالعلو على الجدار وان يرفع صوته بالأذان.

وفي الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك وافهمته (٢) وأفصح بالألف والهاء وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره ، وكلما اشتد صوتك من غير ان تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان أجرك في ذلك أعظم».

أقول : في هذا الحديث الشريف فوائد : منها ـ عدم اجزاء الأذان إذا لم يسمع نفسه والمراد منه الأذان الموظف في الصلاة عند إيقاعها جماعة أو فرادى إذا كان هو المؤذن.

ومنها ـ عدم الاجتزاء بسماع الهمهمة الغير المفهمة إذا كان المؤذن غيره كما أشار إليه بقوله «وافهمته» فإنه على ما ذكره شيخنا البهائي (قدس‌سره) بالبناء للمجهول ، قال وهو مضبوط كذلك في الكتب المعتبرة. ويحتمل عطفه على إسماع نفسه بان يكون عطفا تفسيريا واما الحمل على فهم معاني الأذان فبعيد جدا.

ومنها ـ استحباب الإفصاح بالألف والهاء وسيأتي ذكره في الباب ان شاء الله تعالى

ومنها ـ الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكره الإنسان أو سمعه سواء كان في أذان أو غيره ، وهو ظاهر في الوجوب كما حققناه في موضع أليق خلافا للمشهور بين الأصحاب.

ومنها ـ رفع الصوت بالأذان من غير ان يتعب نفسه والمراد به الأذان الإعلامي ، ويؤيده في ذلك ايضا ما ورد في رواية محمد بن مروان عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شي‌ء سمعه».

و (ثالثها) ان يكون حسن الصوت ، ذكره جمع منهم وعللوه بإقبال القلوب على

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ و ١٦ و ٤٢ من الأذان والإقامة.

(٢) كذا في الحبل المتين ص ٢٠٠ وفي كتب الحديث «أو فهمته».

(٣) الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.


استماعه. وفيه ما لا يخفى فان الاستحباب حكم شرعي وإثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العليلة مجازفة.

و (رابعها) ان يكون مبصرا ليتمكن من معرفة الأوقات ، ولو كان له من يسدده جاز بلا كراهة.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) انه قال : «لا بأس ان يؤذن الأعمى إذا سدد وقد كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو أعمى».

أقول : قد ورد أيضا في جملة من الاخبار عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا فإنه يؤذن بليل وإذا أذن بلال فأمسكوا». إلا ان يحمل أذان ابن أم مكتوم في هذا الخبر على بعض الأوقات التي يحصل له من يسدده فيها فلا اشكال

و (خامسها) ان يكون فصيحا ذكره بعضهم ، قال شيخنا الشهيد الثاني : الاولى ان يراد بالفصاحة هنا معناها اللغوي بمعنى خلوص كلماته وحروفه عن اللكنة واللثغة ونحوهما بحيث تتبين حروفه بيانا كاملا لا المعنى الاصطلاحي لأن الملكة التي يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح لا دخل لها في ألفاظ الأذان المتلقاة من غير زيادة ولا نقصان. انتهى.

أقول : وبهذا الشرط صرح في كتاب دعائم الإسلام نقلا عن علي (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «ليؤذن لكم أفصحكم وليؤمكم أفقهكم».

و (سادسها) ان يكون بصيرا بالأوقات عارفا بها ليأمن من الغلط ويقلده ذوو الاعذار. ولو اذن الجاهل في الوقت صح واعتد به لحصول المطلوب.

__________________

(١) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٥ من الأذان والإقامة.


و (سابعها) ان يكون متطهرا من الحدثين الأكبر والأصغر ، وهذا لا اختصاص له بالأذان الإعلامي بل يكون جاريا فيه وفي المؤذن لصلاته وحده أو جماعة. قال في المعتبر وعليه فتوى العلماء. وقال في المنتهى وعليه إجماع العلماء.

واستدل على استحباب الطهارة بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «حق وسنة ان لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر». قالوا ولانه من سنن الصلاة ويستحب فيها الطهارة كالتوجه.

وأنت خبير بما في هذه الأدلة ، اما الرواية فالظاهر انها عامية لعدم وجودها في أخبارنا. واما التعليل الأخير فعليل ولا اعرف لهم دليلا غير الإجماع المدعى في المقام. نعم سيأتي في رواية كتاب دعائم الإسلام ما يدل على ذلك.

واما الأخبار الدالة على صحة الأذان من غير طهارة فهي مستفيضة : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان يؤذن الرجل من غير وضوء ولا يقيم إلا وهو على وضوء».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يؤذن على غير طهور؟ قال نعم».

وعن ابي بصير في الموثق (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في حديث لا بأس ان تؤذن على غير وضوء».

وعن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٦) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول في حديث : ولا بأس ان يؤذن المؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل».

__________________

(١) منتخب كنز العمال على هامش مسند احمد بن حنبل ج ٣ ص ٢٧٦.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.


وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في إقامته؟ قال ان كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم اقامة».

وما رواه عاصم بن حميد في كتابه عن عمرو بن ابي نصر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ قال نعم ولا يقيم إلا وهو على وضوء.».

وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزئه ذلك؟ قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء. قلت فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته؟ قال لا».

أقول : وهذه الأخبار المشتملة على ذكر الإقامة قد اشتركت كلها في عدم صحة الإقامة إلا متطهرا وهي صريحة في مذهب المرتضى في المصباح والعلامة في المنتهى من القول بوجوب الطهارة في الإقامة وهو الأصح وان كان المشهور الاستحباب كالأذان ولا اعرف لهم دليلا على الاستحباب زيادة على التمسك بمقتضى الأصل. وحملهم هذه الاخبار على تأكد الطهارة في الإقامة يحتاج الى المعارض وليس إلا الأصل الذي قد قرروا في غير موضع انه يجب الخروج عنه بالدليل والدليل ـ كما ترى ـ واضح.

و (ثامنها) ان يكون قائما وهذا ايضا كسابقه في عدم الاختصاص لما رواه الشيخ عن حمران (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الأذان جالسا؟ قال لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.


والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكم الإقامة أيضا كذلك ، وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : ولا تجوز الإقامة إلا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع الاختيار. وهو صريح في اشتراطه القيام فيها وانها لا تجزئ مع القعود ، وقال ابن بابويه : ولا بأس بالأذان قائما وقاعدا ومستقبلا ومستدبرا وذاهبا وجائيا وهو على غير وضوء ، والإقامة على وضوء مستقبلا ، وان كان اماما فلا يؤذن إلا قائما.

أقول : والظاهر عندي من الاخبار المتكاثرة الواردة في هذا المقام هو ما ذكره شيخنا المفيد من وجوب القيام في الإقامة إلا مع العذر ، وها أنا أتلو عليك ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذن وهو راكب ، ويقيم وهو على الأرض قائم».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) يؤذن الرجل وهو قاعد؟ قال نعم ولا يقيم إلا وهو قائم».

وعن احمد بن محمد عن عبد صالح (عليه‌السلام) (٣) قال : «يؤذن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلا وهو قائم. وقال تؤذن وأنت راكب ولا تقيم الا وأنت على الأرض». ورواه الكليني بسنده عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) مثله.

وعن ابي بصير في الموثق (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا بأس ان تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلا من علة أو تكون في أرض ملصة أي ذات لصوص».

وعن يونس الشيباني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «قلت له أؤذن وانا راكب؟ قال نعم. قلت فأقيم وانا راكب؟ قال لا. قلت فأقيم ورجلي في الركاب؟

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.


قال لا. قلت فأقيم وانا قاعد؟ قال لا. قلت فأقيم وانا ماش؟ قال نعم ماش إلى الصلاة قال ثم قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة. قال قلت له قد سألتك أقيم وانا ماش قلت لي نعم فيجوز ان امشي في الصلاة؟ قال نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع امام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك ، وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة لأنه ان أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع».

وروى في الكافي عن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلا ان يكون مريضا وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المسافر يؤذن على راحلته وإذا أراد ان يقيم اقام على الأرض؟ قال نعم لا بأس».

وعن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «تؤذن وأنت جالس ولا تقيم إلا وأنت على الأرض وأنت قائم».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة؟ قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا حتى تنزل على الأرض».

وما رواه عاصم بن حميد في كتابه (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ وقد تقدم الى ان قال فقلت يؤذن وهو جالس؟ فقال نعم ولا يقيم إلا وهو قائم».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ١٢ من الأذان والإقامة.


وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) «لا بأس ان يؤذن الرجل على غير طهر ويكون على طهر أفضل ولا يقيم إلا على طهر».

وعنه (عليه‌السلام) (٢) «لا يؤذن الرجل وهو جالس إلا مريض أو راكب ولا يقيم إلا قائما على الأرض إلا من علة لا يستطيع معها القيام».

وأنت خبير بما فيها من الظهور ـ كالنور على الطور لا يعتريه خلل ولا قصور ـ في ما ادعيناه ، وتأويلها بتأكد الاستحباب في الإقامة زيادة على الأذان فرع وجود المعارض كما في الأذان وإلا فهو مجرد مجازفة في الأحكام المبنية على التوقيف عنهم (عليهم‌السلام)

و (تاسعها) ان يكون قيامه على مرتفع ، وهذا مخصوص بالأذان الإعلامي ليكون أبلغ في الاعلام ، ويدل عليه ما تقدم في رواية ابن سنان من أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا ان يعلو جدار المسجد ويؤذن.

واما استحبابه في المنارة كما ذكره جملة من الأصحاب ففيه انه قد روى علي بن جعفر (٣) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال انما كان يؤذن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة».

قال الشيخ في المبسوط : لا فرق بين ان يكون الأذان في المنارة أو على الأرض. مع انه قال فيه يستحب ان يكون المؤذن على موضع مرتفع. والوجه (٤) استحبابه في المنارة (أما أولا) فللأمر بوضع المنارة مع حائط المسجد غير مرتفعة ، روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) «ان عليا (عليه‌السلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد». ولو لا استحباب الأذان فيها لكان الأمر بوضعها عبثا. و (اما ثانيا) فلما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٢ من الأذان والإقامة.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام المساجد.

(٤) هذا كلام العلامة في المختلف.


(عليه‌السلام) (١) قال «كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وقد تقدم.

أقول : لا يخفى ان فيه زيادة على ما عرفت من حديث علي بن جعفر ان وضع المنارة والأمر بها لم يحصل من الامام (عليه‌السلام) حتى يسندها الى استحباب الأذان فيها بكون الأمر بوضعها عبثا ، والواضع لها انما هو الثاني في أيامه كما تقدم (٢) والظاهر انه (عليه‌السلام) لما كان غير متمكن من إزالة بدعة كما ينبغي فغاية ما امكنه المنع من ارتفاعها وأشرافها على بيوت الناس التي حول المسجد. وبالجملة فرواية علي بن جعفر صريحة في ان الأذان في المنارة ليس بسنة وان الأذان للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان على الأرض وغاية ما تدل عليه رواية ابن سنان هو الاستحباب على مرتفع ومفهوم رواية السكوني الاكتفاء في الارتفاع بسطح المسجد وان لم يكن في المنارة ، ولعل جعل المنارة حينئذ انما هو لأجل الطريق الى صعود السطح.

نعم يبقى الكلام في الجمع بين ما دل على كون الأذان له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان على الأرض وبين ما دل على الأمر بعلو الجدار. ويمكن الجمع اما بحمل الأذان على الجدار على كونه في بعض الأوقات وإلا فالغالب انما هو الأذان على الأرض أو بعد الأذان على الجدار باعتبار عدم ارتفاعه كالمنارة الطويلة من الأرض فهو كأنه ارض بالنسبة إلى المنارة المتعارفة يومئذ والتجوز بمثل ذلك شائع في أمثال هذا الكلام.

و (عاشرها) ان يكون مستقبلا للقبلة ونقل عليه الاتفاق ويتأكد في الشهادتين لقوله (عليه‌السلام) (٣) في صحيحة ابن مسلم «وقد سأله عن الرجل يؤذن وهو يمشي قال نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس». والمشهور انه كذلك في الإقامة أيضا وقال الشيخ المفيد انه لا يجوز الإقامة إلا

__________________

(١) ص ٣٣٢.

(٢) الوافي باب شرائط الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.


وهو قائم متوجه إلى القبلة. وظاهره وجوب الاستقبال فيها ، ونقله في المختلف عن المرتضى في المصباح والجمل. ونقل في الذخيرة عن المرتضى انه أوجب الاستقبال في الأذان والإقامة والمنقول في المختلف انما يدل على الإقامة خاصة.

والظاهر عندي من الاخبار هو ما ذهب اليه العمدتان المذكوران من وجوب الاستقبال في الإقامة لما تقدم في رواية يونس الشيباني ورواية سليمان بن صالح ، والتقريب فيهما انهما دلتا على ان الإقامة من الصلاة والداخل فيها داخل في الصلاة فيشترط في الإقامة ما يشترط في الصلاة من الشروط المتقدمة ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك ان شاء الله تعالى يقطع مادة الاستبعاد.

ويكره الالتفات بالأذان عندنا يمينا وشمالا سواء كان على المنارة أم لا خلافا للعامة قال في المنتهى : المستحب ثبات المؤذن على الاستقبال في أثناء الأذان والإقامة ويكره له الالتفات يمينا وشمالا ، وقال أبو حنيفة يستحب له ان يدور بالأذان في المأذنة وقال الشافعي يستحب له ان يلتفت عن يمينه عند قوله «حي على الصلاة» وعن يساره عند قوله «حي على الفلاح» (١).

أقول : روى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٢) قال : «يستقبل المؤذن القبلة في الأذان والإقامة فإذا قال «حي على الصلاة حي على الفلاح» حول وجهه يمينا وشمالا». والظاهر حمله على التقية لموافقته لقول الشافعي المذكور.

(الثالث) ـ لو وقع التشاح في الأذان فقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يقدم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات لأمن الغلط منه وتقليد أصحاب الأعذار له ومع التساوي يقرع بينهم.

قال في الروض : والاولى تقديم العدل على الفاسق والمبصر على الأعمى وجامع

__________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص ٢٣٠ و ٢٣١.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٥.


الصفات أو أكثرها على فاقدها وجامع الأقل ، فإن استووا فالأشد محافظة على الوقت على من ليس كذلك والأندى صوتا والأعف عن النظر ثم من يرتضيه الجيران ، ومع التساوي في جميع ذلك يقرع لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لفعلوا». ولقولهم (عليهم‌السلام) (٢) «كل أمر مجهول فيه القرعة». انتهى. ونحوه في الذكرى إلا انه لم يذكر الترجيح بالعدالة بل جعل ذلك منوطا بالعلم بالأوقات ثم أدرج هذه المعدودات تحته وعد الأندى صوتا ومن يرتضيه الجماعة والجيران.

وقال الشيخ في المبسوط : وإذا تشاح الناس في الأذان أقرع بينهم لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لفعلوا». ولم يذكر الترجيح بالأعلمية كما هو المشهور في كلام المتأخرين.

قال العلامة في التذكرة : وهذا القول جيد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين وان لم يتساووا قدم من كان أعلى صوتا وأبلغ في معرفة الوقت وأشد محافظة عليه ومن يرتضيه الجيران واعف عن النظر. وقريب منه كلامه في المنتهى.

وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : والذي يقتضيه النظر تقديم من فيه الصفات المرجحة في الأذان على غيره فان اشتركوا قدم جامع الكل على فاقد البعض وجامع الأكثر على جامع الأقل ، وينبغي تقديم العدل على الفاسق مطلقا لأن المؤذن أمين ولا امانة للفاسق إذ هي غير موثوق بها فيه ، ومع التساوي يقدم الأعلم بأحكام الأذان أو الأوقات كما في الذكرى لأمن الغلط معه ولتقليد أرباب الأعذار له والمبصر على الأعمى لمثل ذلك ، فان استووا فالأشد محافظة على الأذان في الوقت على من ليس

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠٥ «ان رسول الله «ص» قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لاستهموا» ..

(٢) الوسائل الباب ١٣ من كيفية الحكم.


كذلك لحصول غرض الأذان به ثم الأندى صوتا لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا». ثم الأعف عن النظر للأمن من تطلعه على العورات ثم من يرتضيه الجيران ثم القرعة. انتهى.

أقول : وكلامهم هنا يرجع الى ثلاثة أقوال في المسألة : (الأول) القول بتقديم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات ثم مع التساوي فالقرعة (الثاني) القول بتقديم ذي الأوصاف المعتبرة في المؤذن وهو قول الشهيدين والمحقق الشيخ علي وان اختلفوا في تلك الشروط زيادة ونقيصة (الثالث) الرجوع الى القرعة من أول الأمر كما هو ظاهر المبسوط والى الأول يميل كلامه في المدارك وجعل الثاني أولى ولم يتعرض للثالث

والمسألة عندي محل توقف لعدم النص القاطع لمادة الاشكال ، والرواية المنقولة في كلامهم الظاهر انها من روايات العامة إذ لم أقف عليها في أخبارنا بعد التفحص والتتبع

مع انها معارضة بما رواه الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٢) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للمؤذن في ما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله. قلت يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انهم يجتلدون على الأذان؟ قال كلا انه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله على النار».

ووجه المعارضة ان مقتضى الرواية الأولى رغبة الناس في الأذان بعد سماع ما فيه من الفضل حتى انهم ليقرعون عليه ودلالة هذا الخبر على عدم الرغبة فيه بعد سماع ما فيه من الفضل حتى انهم يطرحونه على ضعفائهم لذلك «وتلك لحوم» إشارة إلى أولئك الضعفاء المؤذنين.

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢١٠.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.


والظاهر ان أول من نقل هذا الخبر الشيخ في المبسوط وتبعه الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث لم يجدوا غيره في الباب إلا انه روى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثلاثة لو تعلم أمتي ما فيها لضربت عليها بالسهام : الأذان والغدو إلى الجمعة والصف الأول». وروى فيه ايضا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «انه رغب الناس وحثهم علي الأذان وذكر لهم فضائله فقال بعضهم يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لقد رغبتنا في الأذان حتى انا لنخاف ان تتضارب عليه أمتك بالسيوف فقال اما انه لن يعدو ضعفاءكم».

أقول : وهذا مضمون الحديث المتقدم نعم أخبار القرعة العامة (٣) ربما أيدت مذهب الشيخ في المبسوط.

قال في الذخيرة : والتحقيق ان اختلاف الصفات ان كان بحيث تختلف به مصالح المسلمين كان تقديم الراجح متجها وان لم يحصل التشاح وإلا فإثبات التقديم بهذه المرجحات محل اشكال لفقد النص الدال عليه وعدم استقلال العقل بإثبات هذه الأمور. انتهى. وهو جيد.

(الرابع) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الفاضلان بجواز الاجتماع في الأذان دفعة واحدة من جماعة والأفضل ان يؤذن كل واحد بعد فراغ الآخر ، وقيد بعضهم الأفضلية بسعة الوقت لذلك وفسرت سعة الوقت هنا بعدم اجتماع الأمر المطلوب في الجماعة من الامام ومن يعتاد حضوره معه من المأمومين فيجوز التعدد في هذه الصورة الى ان يجتمع الجميع لا ان المراد سعة الوقت باعتبار امتداد الوقت الى آخر وقت الاجزاء فان تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف شرعا مستبعد جدا. أقول : وبموجب هذا التفسير لا يكون الحكم كليا مع ان ظاهر القائل به كون ذلك كليا لا بخصوص الجماعة.

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.

(٣) ص ٣٤٦.


ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال لا ينبغي الزيادة على اثنين واستدل بإجماع الفرقة على ما رووه من «ان الأذان الثالث بدعة» (١). وقال ولده الشيخ أبو علي في شرح نهاية والده : والزائد على اثنين بدعة بإجماع أصحابنا.

وقال الشيخ في المبسوط يجوز ان يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد فإنه أذان واحد فاما إذا أذان واحد بعد واحد فليس ذلك بمسنون ولا مستحب. ولا بأس ان يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد لانه لا مانع منه. انتهى.

وفسر الفاضلان في المعتبر والمنتهى قوله : «واحدا بعد واحد» بان يبنى كل واحد على فصول الآخر وهو المعبر عنه بالتراسل فإنه على هذه الكيفية لا يصدق على واحد منهما انه مؤذن. واستبعد هذا التفسير جملة ممن تأخر عنهما وفسروه بما يدل عليه ظاهر اللفظ من الإتيان بأحد الاذانين بعد تمام الأخر ، وعللوا الكراهة فيه بأنه يقتضي تأخير الصلاة عن أول وقتها من غير موجب. وهو جيد. أقول : والظاهر ان الفاضلين انما اضطرهما الى هذا التفسير البعيد عن ظاهر اللفظ حكمهم بأفضلية أن يؤذن أحدهما بعد الآخر ولو كانوا أكثر من اثنين كما تقدم.

وبالجملة فإن كلامهم في هذه المسألة كما سبق في سابقتها خال من النص والذي يقتضيه النظر هنا هو الفرق بين الأذان الإعلامي وبين أذان الصلاة جماعة (اما الأول) فإن مقتضى التوقيف في العبادات وانها مبنية على الورود عن صاحب الشريعة هو كراهة الاجتماع في الأذان مطلقا دفعة أو ترتيبا بل ربما احتمل عدم المشروعية نعم لو اختلف الوقت أو المحل فلا بأس. و (اما الثاني) فالظاهر انه لا مانع منه مع تعدد الجماعات كما ذكره الشيخ في آخر عبارته في المبسوط من الجماعات المجتمعة في مسجد يؤذن لكل منها على حيالها وان اتفق في وقت واحد.

(الخامس) ـ اختلف الأصحاب في جواز أخذ الأجرة على الأذان فنقل عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجمعة.


الشيخ في الخلاف وجمع من الأصحاب انه لا يجوز أخذ الأجرة عليه لما رواه الشيخ مسندا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) ورواه الصدوق مرسلا عن علي (عليه‌السلام) (١) انه قال : «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا». ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) القول بالكراهة وهو ظاهر المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى واختاره في المدارك ، قال للأصل وانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم مع ضعف سنده بالسكوني وغيره.

أقول : قد روى الصدوق أيضا في الفقيه (٢) مرسلا قال : «اتى رجل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال يا أمير المؤمنين والله اني لأحبك فقال له ولكني أبغضك قال ولم؟ قال لأنك تبغي في الأذان كسبا وتأخذ على تعليم القرآن اجرا».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «من السحت أجر المؤذن». ثم قال في الكتاب المذكور : يعني إذا استأجره القوم يؤذن لهم. وقال لا بأس ان يجرى عليه من بيت المال.

وهذه الاخبار إذا ضم بعضها الى بعض لا تقصر عن افادة التحريم ، وقوله في المدارك بانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم لا اعرف له وجها مع تضمنه للنهي الذي هو حقيقة في التحريم ، نعم تطرق التأويل اليه بحمل النهي على الكراهة ممكن إلا انه فرع وجود المعارض واما طعنه فيه بضعف السند فقد عرفت ما فيه في غير مقام.

وبالجملة فالمتجه على قواعد أصحاب هذا الاصطلاح المحدث هو القول بالكراهة لضعف الأخبار المذكورة باصطلاحهم واما من لا يعمل به فالظاهر هو التحريم واقتران هذا الحكم في خبر السكوني ومرسل الفقيه بما هو متفق على استحبابه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٨ من الأذان والإقامة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.


وكراهته لا يوجب انسحاب ذلك الى الحكم المذكور لجواز اشتمال الخبر على أحكام متعددة كما ذكروه في غير موضع.

ثم ان ظاهرهم الاتفاق على جواز الارتزاق من بيت المال إذا اقتضته المصلحة لأنه معد لمصالح المسلمين والأذان من أهمها. والظاهر انه لو وجد من يتطوع به قدم على المرتزق ، صرح بذلك في الذكرى.

قيل والظاهر ان الإقامة كالأذان ، ونقل عن العلامة في النهاية عدم جواز الاستئجار عليها وان قلنا بجواز الاستئجار على الأذان فارقا بينهما بأن الإقامة لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة مراعاة الوقت. قال في المدارك وهو غير جيد إذ لا يعتبر في العمل المستأجر عليه اشتماله على الكلفة.

أقول : لا يخفى ان مورد الأخبار المتقدمة انما هو الأذان الإعلامي الذي هو محل البحث غالبا في المقام واما الأذان والإقامة المستحبان لكل من صلى الإتيان بهما من منفرد أو جامع فلا نص فيهما بوجه ، وتكلف البحث فيهما كما ذكروه لا وجه له وهو من باب «اسكتوا عما سكت الله عنه» (١). ولانه من المعلوم من الاخبار توجه الخطاب بهما الى المصلى نفسه والاكتفاء بفعل غيره عنه يحتاج الى دليل ، نعم قام الدليل بالنسبة الى الامام بأنه يجوز ان يؤذن له ويقام له ، فإن أرادوا هذا الموضع فهو ـ مع كونه خلاف المتبادر من ظواهر النصوص المتقدمة ـ مدخول بان الظاهر ان الخطاب فيه انما هو للإمام غاية الأمر انه ورد جواز فعل الغير له رخصة لأن الناس مكلفون بالاقتداء به في صلاته وهذا من جملة أفعال صلاته فلو لم يتبرع غيره بالأذان والإقامة له رجع الحكم اليه وكان عليه القيام بذلك ، ولا دليل على انه يجوز له الاستئجار على أذان ولا إقامة إذ غاية ما دل عليه الدليل حصول الرخصة له بتبرع الغير به والا فاصل الخطاب انما تعلق به من حيث ان الأذان والإقامة من جملة أفعال صلاته ومندوباتها ومكملاتها المطلوب إيقاعه

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٥٠.


منه ، وهذا بخلاف الأذان الإعلامي فإن الأمر به لم يتعلق بشخص بعينه وانما هو من قبيل المستحبات الكفائية التي من قام بها كفى في امتثال الأمر. وبالجملة فإنك إذا حققت النظر في المقام وتأملت في ما ذكرناه من الكلام علمت ان بحثهم هنا في غير الأذان الإعلامي لا معنى له بالكلية. والله العالم.

(المقام الثاني) ـ في ما يؤذن له ويقام من الصلوات ، لا ريب ولا إشكال في رجحان الأذان والإقامة في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء الجملة المصلين ذكورا واناثا فرادى وجماعة ، وهل هما على جهة الاستحباب في جميع هذه المواضع أو الوجوب أو في بعض دون بعض؟ خلاف يأتي تفصيله ان شاء الله تعالى ولا يؤذن لشي‌ء من النوافل ولا لشي‌ء من الفرائض غير الخمس اليومية بل يقول المؤذن «الصلاة» ثلاثا وورد ترك الأذان والاقتصار على الإقامة في مواضع ، وورد ايضا استحبابهما في غير الصلاة أيضا في مواضع.

وتفصيل هذه الجملة كما هو حقه يتوقف على بسطه في مسائل (الأولى) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الأذان والإقامة وجوبا واستحبابا عموما وخصوصا فذهب الشيخ في الخلاف إلى انهما مستحبان ليسا بواجبين في جميع الصلوات جماعة صليت أو فرادى. وهو اختيار السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية وهو مذهب ابن إدريس وسلار ، والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين.

وأوجب الشيخان الأذان والإقامة في صلاة الجماعة واختاره ابن البراج وابن حمزة. وأوجبهما السيد المرتضى في الجمل على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في حضر أو سفر وأوجبهما عليهم في السفر والحضر في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة وأوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل فريضة. وقال في المبسوط ومتى صلى جماعة بغير أذان ولا اقامة لم تحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية.

وقال ابن الجنيد : الأذان والإقامة واجبان على الرجال للجمع والانفراد والسفر


والحضر في الفجر والمغرب والجمعة يوم الجمعة والإقامة في باقي الصلوات المكتوبات التي تحتاج الى التنبيه على أوقاتها. وجعلهما أبو الصلاح شرطا في الجماعة.

وقال المرتضى في المسائل الناصرية : اختلف قول أصحابنا في الأذان والإقامة فقال قوم انهما من السنن المؤكدة في جميع الصلوات وليسا بواجبين وان كانا في صلاة الجماعة وفي الفجر والمغرب وصلاة الجمعة أشد تأكيدا ، وهذا الذي اختاره واذهب اليه وذهب بعض أصحابنا إلى انهما واجبان على الرجال خاصة دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر ، ويجبان عليهم جماعة وفرادى في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة والإقامة دون الأذان تجب عليهم في باقي الصلوات المكتوبات. وجعل في الجمل قوله في المسائل الناصرية رواية.

وقال ابن ابي عقيل : من ترك الأذان والإقامة متعمدا بطلت صلاته إلا الأذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة فإن الإقامة مجزية عنه ولا اعادة عليه في تركه واما الإقامة فإنه ان تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.

والأصل في هذا الاختلاف ما يتراءى من اختلاف الأخبار والواجب أولا نقل الأخبار الواردة في هذا الباب ثم الكلام فيها بما يميز القشر من اللباب وتحصل به الهداية إلى جادة الحق والصواب بتوفيق الملك الوهاب.

فأقول : الأول ـ ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته أيجزئ أذان واحد؟ قال ان صليت جماعة لم يجزئ إلا أذان واقامة وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك يجزئك إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي ان تؤذن فيهما وتقيم من أجل انه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات».

الثاني ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن الصباح بن سيابة (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ و ٧ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٦ من الأذان والإقامة.


(عليه‌السلام) لا تدع الأذان في الصلوات كلها فان تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير».

الثالث ـ ما رواه ايضا عن الحسن بن زياد (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة».

الرابع ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن».

الخامس ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».

السادس ـ ما رواه في الموثق عن سماعة (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تصلى الغداة والمغرب إلا بأذان واقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل».

السابع ـ ما رواه في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب».

الثامن ـ ما رواه في الصحيح عن عمر بن يزيد (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال ليس به بأس وما أحب ان يعتاد».

التاسع ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) «ان ادنى ما يجزئ من الأذان ان تفتتح الليل بأذان واقامة وتفتتح النهار بأذان واقامة ويجزئك في سائر الصلوات اقامة بغير أذان».

العاشر ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٨)

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ من الأذان والإقامة.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٦ من الأذان والإقامة.

(٨) الوسائل الباب ٢٧ من الأذان والإقامة.


قال : «سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن ويقيم».

الحادي عشر ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة تجزئ إقامة واحدة».

الثاني عشر ـ ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «يجزئ في السفر إقامة بغير أذان».

الثالث عشر ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر اقامة ليس معها أذان؟ قال نعم لا بأس به».

الرابع عشر ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «تجزئك اقامة في السفر».

الخامس عشر ـ ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا اقامة بغير أذان؟ قال نعم».

السادس عشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن صفوان بن مهران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) في حديث قال : «ولا بد في الفجر والمغرب من أذان واقامة في الحضر والسفر لانه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر وتجزئك اقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما يدل على الوجوب في الجماعة ـ كما هو أحد قولي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٥ من الأذان والإقامة.

(٦) الوسائل الباب ٦ من الأذان والإقامة.


الشيخين ومن تبعهما ـ الخبر الأول وبه احتج في التهذيب على ذلك.

وأجاب عنه في المدارك بضعف السند أولا ، وثانيا بالحمل على الاستحباب لان الاجزاء كما يجوز ان يراد به الاجزاء في الصحة يجوز ان يكون المراد به الاجزاء في الفضيلة ، ويؤيد ذلك قوله (عليه‌السلام) «وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك تجزئك اقامة» قال وهذا التنزيل لازم للشيخ حيث لا يقول بوجوب الإقامة.

أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم ان الطعن بضعف السند غير وارد على الشيخ ونحوه ممن لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم. واما الحمل على الاستحباب فهو فرع وجود المعارض فالواجب عليه ذكره ليتم له الجمع بينه وهذه الروايات بالحمل على الاستحباب مع الإغماض عما فيه مما عرفته سابقا في غير باب. واما الاستناد الى قوله (عليه‌السلام) «وان كنت وحدك. إلخ» ففيه ان الشيخ قائل بوجوب الإقامة أيضا كما هو أحد قوليه وان كان انما عبر هنا بالأذان فلا منافاة.

والأظهر عندي في الجواب عن ذلك انما هو بما دل عليه الخبر الثالث والخامس عشر من اكتفاء القوم مع الحضور بإقامة واحدة في الجماعة ، وفيهما إشعار بأن الغرض من الأذان هو الاعلام لمن لم يكن حاضرا من الجماعة المعتادين للصلاة جماعة في هذا المكان فمتى كانوا جميعا حاضرين سقط استحبابه واكتفى بالإقامة إلا انه أخص من المدعى.

ويمكن تأييد ذلك ايضا بالحديث التاسع الدال على الاكتفاء بالأذان في الصبح والمغرب وظاهر إطلاقه شمول الجماعة أيضا. وبالجملة فالاحتياط في الملازمة عليه في الجماعة.

ويظهر من المحدث الكاشاني الميل الى القول بالوجوب في الجماعة حيث قال في المفاتيح : وقيل بوجوبهما في الجماعة وفيه قوة.

واما ما يدل على الوجوب في الصبح والمغرب فالخبر الثاني والسادس والسابع والتاسع والسادس عشر إلا انه يعارضها جملة من الاخبار عموما وخصوصا كالخبر الثالث والرابع والخامس والثامن والخامس عشر ، لكن الجميع انما دل على ترك الأذان خاصة


دون الإقامة والتعارض بينهما انما حصل في الأذان وهذا الجمع بالاستحباب انما يتم فيه خاصة كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى. وبالجملة فالظاهر من الأخبار المذكورة بضم بعضها الى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها هو استحباب الأذان دون وجوبه في جماعة كانت أو فرادى.

وانما الإشكال في الإقامة فإن المشهور عندهم كونها كالأذان في ذلك مع ان الاخبار المتقدمة ـ كما رأيت ـ متفقة على الإتيان بها ولم ترخص في تركها صريحا ولا اشارة بل كلها مصرحة بالإتيان بها.

وأصحاب هذا القول انما استندوا في القول باستحبابها إلى الإجماع المركب حيث اعوزتهم النصوص بالعموم والخصوص الدالة على استحبابها أو تركها لتعارض ما دل على الأمر بالإتيان بها ، فقالوا ان كل من قال بوجوب الأذان قال بوجوب الإقامة ومن قال بالاستحباب فيه قال بالاستحباب فيها فالقول باستحبابه ووجوبها خرق للإجماع المركب ، كذا احتج به العلامة في المختلف وتبعه جملة ممن تأخر عنه وعليه جمد في المدارك والذخيرة ولا يخفى على المصنف ما فيه من الضعف وهل هو إلا من قبيل التشبث بالحشيش للغريق مع ما يعلم من عدم النجاة به من ذلك المضيق؟ وكيف لا ومثل هذين العمدتين قد تكلما في الإجماع وخرقاه في مواضع من كتابيهما وان استسلقوه في مثل هذا الموضع ومما يؤيد ما ذكرنا من الفرق بينهما وانه لا يلزم من استحبابه استحبابها انه قد رخص في الاخبار في الأذان على غير طهارة ولم يرخص في الإقامة إلا مع الطهارة ورخص في الأذان الى غير القبلة ولم يرخص في الإقامة إلا الى القبلة ، ورخص في الأذان قاعدا وراكبا وماشيا وكيف شاء ولم يرخص في الإقامة إلا قائما مستقبل القبلة ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك.

بل صرح جملة منها بما يومئ الى كونها من الصلاة كما صرحت به رواية سليمان بن صالح المتقدمة وكذا رواية يونس الشيباني المتقدمة أيضا.


وتؤكده رواية أبي هارون المكفوف (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك».

وفي موثقة عمرو بن ابي نصر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا».

وما دل عليه بعض الأخبار من جواز الكلام فيها معارض بما دل على إعادتها لو تكلم كصحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة».

الى غير ذلك من المؤيدات لما قلناه ولم أعثر على من تنبه لما قلناه في هذا المقام إلا على مجمل كلام لشيخنا غواص بحار الأنوار حيث قال في الكتاب المذكور بعد نقل الخلاف في وجوب الأذان والإقامة واستحبابهما ما صورته : إذا علمت هذا فاعلم ان الاخبار مختلفة جدا ومقتضى الجمع بينها استحباب الأذان مطلقا واما الإقامة ففيها إشكال إذ الاخبار الدالة على جواز الترك انما هي في الأذان وتمسكوا في الإقامة بخرق الإجماع المركب وفيه ما فيه. والأحوط عدم ترك الإقامة في الغداة والمغرب والجمعة ولا سيما في الحضر. انتهى.

وربما تعلق بعضهم هنا بحديث حماد (٤) وتعليم الصادق (عليه‌السلام) له الصلاة حيث لم يشتمل على الأذان ولا الإقامة ولو كانا واجبين لذكرا في مقام البيان. وهو أوهن متشبث لان ظاهر سياق الخبر ـ وامره حمادا بالصلاة بين يديه ثم قوله : «ما أقبح بالرجل منكم. إلخ» ووصف حماد لما فعله (عليه‌السلام) في تلك الركعتين ـ أن إنكاره (عليه‌السلام) انما كان بالنسبة إلى السنن والمستحبات التي وصفها حماد في حكايته فالمقصود بالتعليم انما هو ذلك ولم يكن القصد الى تعليمه الواجبات لان حمادا أجل من ان يجهل الواجبات في ذلك ، إلا ترى انه قال : «انا أحفظ كتاب حريز في الصلاة»

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ١ من الأفعال الصلاة.


مما يشعر بمعرفته بجميع أحكام الصلاة من واجب ومستحب. فكيف يدعى ان المراد تعليم حماد للصلاة كملا من واجب وغيره حتى يتجه الاحتجاج بالخبر على ان المقام مقام بيان فلو كان الأذان والإقامة واجبين لذكرا ، ما هذه إلا غفلة أو تغافل ولكن المضطر يتشبث بالاحتمالات البعيدة والتمحلات الغير السديدة.

وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الاشكال والإبهام يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة ، فإنه ـ بعد ان نقل الخلاف في المسألة وجملة من الاخبار واستشكل في الحكم باستحباب الإقامة من حيث عدم الترخيص فيها في الأخبار بل وقع الأمر بها في اخبار كثيرة واعترف بان في كثير من الأخبار التي قدمها ظهورا في وجوبها ، ونقل عن الشيخ انه ذكر أخبارا ثلاثة دالة على ان الإقامة من الصلاة لكن في طريقها ضعف ـ قال ما صورته : والأصح استحبابها للأصل بناء على انه خارج عن حقيقة الصلاة ، للاتفاق ، ولما دل على ان أول الصلاة التكبير فلا يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه ، ولعدم القائل بالفصل كما نقله المصنف في المختلف ولا شعار خبر زرارة وحماد بالاستحباب وعدم وضوح دلالة الأوامر في الاخبار السالفة على أكثر من التأكيد والرجحان المطلق. والاحتياط ان لا يترك بحال. انتهى.

وفيه زيادة على ما قد مر هنا ان الاستناد الى الأصل في مقابلة الدليل مما لا يعول عليه عند ذوي التحصيل ، وخروجها عن حقيقة الصلاة لا منافاة فيه للقول بالوجوب فان من قال بوجوب الأذان لم يدع كونه جزء من الصلاة فيجوز ان يكون واجبا خارجا فلا منافاة ، ولا ينافيه حينئذ ما دل على ان أول الصلاة التكبير ولا خبر حماد الذي استند اليه ، مع ما عرفت في الاستناد الى خبر حماد في هذا المقام من الوهن الذي لا يخفى على ذوي الأفهام.

واما قوله ـ فلا يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه ـ فممنوع فان يقين البراءة متوقف على الإتيان بالصلاة التي أولها التكبير كما ذكر مع كل ما


توقفت عليه من الشروط الواجبة الخارجة مما تقدم في المقدمات المتقدمة ومنها الإقامة المذكورة في هذه المقدمة كما هو المدعى ، والمدعى للوجوب ـ كما عرفت ـ لا يدعى دخولها في حقيقة الصلاة وانها جزء منها حتى انه متى انتفت الجزئية انتفى توقف اليقين بالبراءة من الصلاة عليها.

واما قوله ـ «ولعدم القائل بالفصل» إشارة إلى الإجماع المركب الذي احتج به في المختلف ـ فهو أوهن من بيت العنكبوت وانه لا وهن البيوت كما تقدم القول في ذلك مرارا ومن رجع الى كلامه وما أطال به في القدح في الإجماع في باب غسل الجنابة في مسألة الوطء في الدبر يعرف حقيقة ما سجلنا به عليه هنا.

واما قوله ـ «ولا شعار خبر زرارة» وهو ما قدمه في صدر البحث وصورته (١) «انه سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة». ـ ففيه وان كان قد سبقه الى الاستناد الى هذا الخبر وخبر حماد صاحب المدارك ايضا انه ليس في الخبر ـ كما ترى ـ أزيد من الدلالة على صحة الصلاة مع نسيان الإقامة الى ان دخل في الصلاة وهو لا يمنع من وجوبها فان واجبات الصلاة مغتفرة بالنسيان في أثناء الصلاة اتفاقا متى فات محل تداركها ، على ان هذه الرواية معارضة بما دل على خلافها كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال ان كان ذكره قبل ان يقرأ فليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليقم وان كان قد قرأ فليتم صلاته». ومثلها صحيحة الحسين بن ابي العلاء (٣) وصحيحة الحلبي (٤) «انه يعود للأذان والإقامة متى نسيهما ما لم يركع. الحديث». وهذه الروايات أرجح من تلك الرواية لصحتها وتعددها.

واما قوله ـ وعدم وضوح دلالة الأوامر في الاخبار السالفة على أكثر من التأكيد

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.


والرجحان المطلق ـ ففيه انه مجرد دعوى بلا دليل بل الدليل على خلافه واضح النهج والسبيل كما حققناه في مقدمات الكتاب بالآيات والروايات ، مضافا الى ما حققه أئمة الأصول من القول بالوجوب وقد تقدم الكلام في ذلك في مواضع من الكتاب زيادة على ما في المقدمات ، وأوضحنا ان في هذا القول الذي تفرد به هذا الفاضل خروجا من الدين من حيث لا يشعر قائله عصمنا الله تعالى من زلات الاقدام وطغيان الأقلام في أحكام الملك العلام.

(المسألة الثانية) ـ قد أجمع الأصحاب على مشروعية الأذان للنساء إلا انه لا يتأكد في حقهن كما في الرجال ، قال في المنتهى : ليس على النساء أذان ولا اقامة ولا نعرف فيه خلافا لأنهما عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بهما على الشرع ولم يرد. ويجوز ان تؤذن المرأة للنساء ويعتددن به ذهب إليه علماؤنا ، الى ان قال قال علماؤنا إذا أذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا يسمعه الرجال وهو عورة. وقال الشيخ يعتد بأذانهن للرجال وهو ضعيف لأنها إن جهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد وإلا فلا اجتزاء به لعدم السماع. انتهى أقول : الظاهر ان المراد من صدر كلامه هو نفي الوجوب لدلالة باقي الكلام عليه ، ويؤيده ما ذكره في التذكرة حيث قال يستحب في صلاة جماعة النساء ان تؤذن إحداهن وتقيم لكن لا تسمع الرجال عند علمائنا والاستحباب في حق الرجال آكد ، ثم قال ويجزئها التكبير والشهادتان لقول الصادق (عليه‌السلام) ثم نقل الخبر وسيأتي ان شاء الله تعالى (١)

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تؤذن للصلاة فقال حسن ان فعلت وان لم تفعل أجزأها أن تكبر وان تشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن زرارة في الصحيح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) النساء

__________________

(١) وهو صحيح عبد الله بن سنان.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الأذان والإقامة. والمروي عنه في كتب الحديث هو أبو جعفر «ع».


عليهن أذان؟ فقال إذا شهدت الشهادتين فحسبها».

وعن جميل بن دراج في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة أعليها أذان واقامة؟ فقال لا». ورواه في الكافي عن ابن ابي عمير في الصحيح مثله (٢).

وعن ابي مريم الأنصاري في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إقامة المرأة ان تكبر وتشهد ان لا إله إلا الله وان محمد عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة وتكفيها الشهادتان ولكن إذا أذنت وأقامت فهو أفضل». قال «وقال الصادق (عليه‌السلام) ليس على النساء أذان ولا اقامة. ولا جمعة ولا جماعة. الحديث».

وبإسناده في آخر الكتاب عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه عن جعفر ابن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) (٥) قال : «ليس على المرأة أذان ولا اقامة».

وروى في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة بن أعين عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٦) قال : «قلت له المرأة عليها أذان واقامة؟ فقال ان كانت سمعت أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين فان الله تبارك وتعالى قال للرجال أَقِيمُوا الصَّلاةَ (٧) وقال للنساء وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ (٨). الخبر».

وروى في كتاب الخصال (٩) في ما اوصى به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٤ من الأذان والإقامة.

(٧) سورة الأنعام ، الآية ٧١.

(٨) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

(٩) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.


(عليه‌السلام) «يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا اقامة».

وروى فيه بسنده عن جابر الجعفي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس على النساء أذان ولا اقامة».

والظاهر من مجموع هذه الاخبار بضم بعضها الى بعض هو استحباب الأذان والإقامة لهن لكن ليس على نحو ما ورد في حق الرجال فرخص لهن في تركه والاكتفاء بالتكبير والشهادتين خاصة عوضا عن الأذان وربما اجتزأت بالشهادتين ايضا عوضا عن الإقامة مع التكبير أو بدونه.

وظاهر هذه الأخبار هو أذانها لصلاتها منفردة فلا يدخل فيه الأذان الإعلامي كما تقدم تحقيقه في صدر المقام الأول ولا الأذان لجماعة النساء ، وما ذكره الأصحاب من أذانها لجماعة النساء والاعتداد به لهن فالظاهر انهم انما استندوا فيه الى الأدلة العامة في صلاة الجماعة وانه يجوز ان يتولى الأذان الإمام أو غيره وان هذا الحكم لا فرق فيه بين جماعة النساء والرجال.

قال المحقق في المعتبر ويجوز ان تؤذن للنساء ويعتددن به وعليه إجماع علمائنا لما روى من جواز إمامتها لهن (٢) وإذا جاز ان تؤمهن جاز ان تؤذن لهن لان منصب الإمامة أتم. وتسر أذانها. ولا تؤذن للرجال لان صوتها عورة ولا يجتزأ به ، وقال في المبسوط يعتد به ويقيمون لأنه لا مانع منه ، لنا ـ انها ان أجهرت فهو منهي عنه والنهي يدل على الفساد وان اخفتت لم يجتزأ به لعدم السماع.

أقول : وقد تقدم نحو هذا الكلام عن المنتهى ايضا وهو مبني على ما هو المشهور في كلامهم من تحريم سماع صوت الأجنبية ، وقد قدمنا انه لا دليل عليه بل ظاهر الاخبار الجواز ولعل كلام الشيخ في المبسوط مبني على ذلك ، الا انه يمكن تطرق الإشكال إلى

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة وفي البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٦٣ وكذا النسخ الخطية عن ابي جعفر «ع».

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجماعة.


اعتداد الرجال به وان جوزنا سماع صوت الأجنبية من حيث عدم ورود النقل بذلك والعبادات مبنية على التوقيف ، كذا صرح به في المدارك.

ويمكن الجواب بان ما يدل على الاعتداد بسماع الأذان وان كان ظاهره كون المؤذن رجلا إلا انه لا تعلم هنا خصوصية للرجل في ذلك ، فيتعدى الحكم بطريق المناط القطعي الى كل مؤذن من رجل وامرأة كما في سائر جزئيات الأحكام وان صرح بالرجل فإنهم لا يختلفون في تعدية الحكم الى النساء ما لم تعلم الخصوصية ، ولا يخفى على المتتبع ان أكثر الأحكام الشرعية المتفق على عمومها للرجال والنساء انما وردت في الرجال لكونه هو المسؤول عنه أو ان يقع ذلك ابتداء من الامام (عليه‌السلام) ولو خصت الأحكام بموارد الاخبار وان لم تعلم الخصوصية لضاقت الشريعة ولزم القول بجملة من الأحكام من غير دليل وهو ظاهر البطلان.

قال في الذكرى : وفي حكم المرأة الخنثى فتؤذن للمحارم من الرجال والنساء ولا جانب النساء لا لأجانب الرجال ، ثم قال ولعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة. انتهى.

أقول : لا يخفى ما بين هذين الكلامين من التدافع فان ظاهر الكلام الأخير انه يحرم على المرأة سماع صوت الرجل وانه عورة بالنسبة إليها كما يحرم عليها النظر اليه ومقتضى هذا ان الخنثى لا تؤذن لا جانب النساء من حيث احتمال الرجولية مع انه جوزه. ثم ان ما ذكره ـ من ان صوت الرجل عورة بالنسبة إلى المرأة كبدنه فيحرم عليها سماع صوته كما يحرم عليها النظر الى جسده ـ لم أقف له على دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل ، نعم تحريم النظر الى جسده منصوص اما سماع الصوت فلا ولا اعلم ايضا قائلا بذلك سواه ، وقد عرفت ان ما ظاهرهم الاتفاق عليه من تحريم سماع صوت المرأة لا دليل عليه بل الدليل دال على خلافه فالعكس اولى بالجواز. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد عرفت انه لا يؤذن لشي‌ء من النوافل ولا الفرائض


غير الخمس ، قال في المعتبر انه مذهب علماء الإسلام. ويعضده ان الأذان وظيفة شرعية فيتوقف كيفية وكمية ومحلا على الورود عن صاحب الشريعة والمنقول عنه فعله في الصلوات الخمس خاصة إلا ان الأصحاب ذكروا انه يقول المؤذن «الصلاة» ، ثلاثا ولم أقف عليه في غير صلاة العيد.

بقي هنا جملة من المواضع قد ورد فيها استحباب الأذان أو مع الإقامة غير الصلاة :

منها ـ الفلوات الموحشة كما ذكره في الذكرى ثم قال روى ابن بابويه عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «إذا تغولت بكم الغول فأذنوا». وفي الجعفريات عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة». ورواه العامة (٣) وفسره الهروي بان العرب تقول ان الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغول تغولا اي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق وتهلكهم وروى في الحديث «لا غول» وفيه إبطال لكلام العرب فيمكن ان يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات وان لم يكن له حقيقة. انتهى كلام الذكرى.

أقول : قال في كتاب دعائم الإسلام : وعن علي (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بالصلاة». وقال في النهاية الأثيرية فيه : «لا غول ولا صفر» الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم ان الغول في الفلاة تترآى للناس فتغول تغولا اي تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم اي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأبطله. وقيل قوله «لا غول» ليس نفيا لعين الغول ووجوده وانما فيه إبطال زعم العرب

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ٣٥ من الأذان والإقامة.

(٣) نهاية ابن الأثير مادة «غول» كما يأتي منه «قدس‌سره».


في تلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون المعنى بقوله «لا غول» انها لا تستطيع ان تضل أحدا ، ويشهد له الحديث الآخر «لا غول ولكن السعالى سحرة الجن» اي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخبيل ، ومنه الحديث «إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان». اي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى ، وهذا يدل على انه لم يرد بنفيها عدمها. انتهى.

ومنها ـ المولود يستحب الأذان في اذنه اليمنى والإقامة في اليسرى كما ورد عن الصادق (عليه‌السلام) (١).

ومنها ـ من ساء خلقه ، روى في كتاب المحاسن عن هشام بن سالم في الصحيح (٢) قال : «اللحم ينبت اللحم ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه». ومثله رواه في الكافي عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في الصحيح أو الحسن (٣).

وروى عن أبان الواسطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان لكل شي‌ء قرما وان قرم الرجل اللحم فمن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه اليمنى».

وروى فيه ايضا عن حفص (٥) الابار عن ابي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٦) قال «كلوا اللحم فان اللحم من اللحم ومن لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه وإذا ساء خلق أحدكم من انسان أو دابة فأذنوا في اذنه الأذان».

ومنها ـ ما تقدم في حديث سليمان بن جعفر الجعفري (٧) قال : «سمعته يقول اذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من أجل الصبيان». إلا انه يمكن حمله على أذان الصلاة. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من أحكام الأولاد.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ١٢ من الأطعمة المباحة.

(٥) وفي المحاسن ص ٤٦٦ والوسائل عن ابي حفص.

(٧) الوسائل الباب ١٨ من الأذان والإقامة.


(المسألة الرابعة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تارك الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة فنقل عن السيد المرتضى في المصباح والشيخ في الخلاف انه ان كان متعمدا مضى في صلاته وان كان ساهيا رجع ما لم يركع ، ونقل ذلك عن الأكثر. وقال الشيخ في النهاية من ترك الأذان والإقامة متعمدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذن وليقم ما لم يركع ثم يستأنف الصلاة ، وان تركهما ناسيا حتى دخل في الصلاة ثم ذكر مضى في صلاته ولا اعادة عليه ، وبه قال ابن إدريس وهو عكس القول الأول. وأطلق الشيخ في المبسوط فقال متى دخل منفردا في الصلاة من غير أذان واقامة استحب له الرجوع ما لم يركع ويؤذن ويقيم ويستقبل الصلاة فإن ركع مضى في صلاته. ولم يفرق بين العمد والنسيان. وقال ابن ابي عقيل من نسي الأذان في الصلاة الصبح والمغرب حتى اقام رجع فاذن واقام ثم افتتح الصلاة ، وان ذكر بعد ما دخل في الصلاة انه قد نسي الأذان قطع الصلاة واذن واقام ما لم يركع فان كان قد ركع مضى في صلاته ولا اعادة عليه ، وكذلك ان سها عن الإقامة من الصلوات كلها حتى دخل في الصلاة رجع الى الإقامة ما لم يركع فان كان قد ركع مضى في صلاته ولا اعادة عليه إلا ان يكون قد تركه متعمدا استخفافا فعليه الإعادة. وظاهر هذا القول هو الرجوع الى الأذان وحده في صلاتي الصبح والمغرب لو تركه ناسيا ما لم يركع ولو نسي الإقامة وحدها فإنه يرجع لها في جميع الصلوات ما لم يركع وان تركها عمدا فعليه الإعادة مطلقا. وما صرح به ابن ابي عقيل موافق لما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة الاولى من قوله : واما الإقامة فإنه ان تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل ان تركع فانصرف واذن وأقم واستفتح الصلاة وان كنت

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.


قد ركعت فأتم على صلاتك».

وعن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له رجل ينسى الأذان والإقامة حتى بكبر؟ قال يمضي على صلاته ولا يعيد».

وعن نعمان الرازي (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في الصلاة قال ان كان دخل المسجد ومن نيته ان يؤذن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف».

وعن ابي الصباح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل نسي الأذان حتى صلى؟ قال لا يعيد».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف يعيد صلاته؟ قال لا يعيدها ولا يعود لمثلها».

وعن داود بن سرحان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال ليس عليه شي‌ء».

وعن عبيد بن زرارة عن أبيه في الصحيح (٦) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة».

وعن علي بن يقطين في الصحيح (٧) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى ان يقيم الصلاة وقد افتتح؟ الصلاة قال ان كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته وان لم يكن فرغ من صلاته فليعد».

وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٨) انه قال : «في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة؟ قال

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٦ و ٨) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.

(٣ و ٤ و ٧) الوسائل الباب ٢٨ من الأذان والإقامة.


ان كان ذكر قبل ان يقرأ فليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليقم وان كان قد قرأ فليتم صلاته».

وروى في الفقيه (١) قال : «سأل زيد الشحام أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة. الحديث».

وما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر انه لم يقم؟ قال فان ذكر انه لم يقم قبل ان يقرأ فليسلم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم يقيم ويصلي وان ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته».

وعن زكريا بن آدم (٣) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وانا في القراءة اني لم أقم فكيف اصنع؟ قال اسكت موضع قراءتك وقل «قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة» ثم امض في قراءتك وصلاتك وقد تمت صلاتك».

أقول : والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو استحباب الرجوع الى الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ما لم يركع إذا ترك ذلك ساهيا ، إلا ان صحيح علي بن يقطين دل على وجوب الإعادة بنسيان الإقامة متى ذكر في أثناء الصلاة ، ولعله مستند ابن ابي عقيل في ما تقدم نقله عنه من وجوب الإعادة بترك الإقامة ، إلا ان مورد الرواية النسيان وكلام ابن ابي عقيل مقيد بالتعمد فلا يمكن جعلها مستندا له. والعلامة في المختلف قد حملها على ان المراد بما قبل الفراغ ما قبل الركوع ، ولا يخفى ما فيه من البعد والتمحل. وحملها الشيخ على الاستحباب قال في المعتبر وما ذكره محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر. انتهى. أقول وكيف كان فهذا الخبر وان صح سنده لا يبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه من الأخبار الدالة على صحة الصلاة بتركهما

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.


أو أحدهما فلا بد من ارتكاب التأويل فيه وان بعد أو طرحه.

ومورد هذه الاخبار كلها النسيان ولا تعرض فيها لحكم العمد بالكلية ومقتضى الأصل صحة الصلاة سيما على القول المشهور من استحباب الأذان والإقامة ، وعلى تقدير القول بالوجوب فإنه لا قائل بدخولهما في حقيقة الصلاة بل غايتهما ان يكونا من الواجبات الخارجة كما تقدم بيانه ، ومن ذلك يظهر قوة القول الأول.

بقي الكلام في صحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحسين بن ابي العلاء ورواية زيد الشحام الدالة على انه إذا نسي الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ثم ذكر قبل القراءة فإنه يصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو يسلم عليه ثم يقيم ويصلي ، فان ظاهر الأصحاب حملها على قطع الصلاة والرجوع.

قال في المدارك : والظاهر ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام عليه إشارة إلى قطع الصلاة ، ويمكن ان يكون ذلك نفسه قاطعا ويكون من خصوصيات هذا الموضع لان ذلك لا يقطع الصلاة في غير هذا المحل. انتهى.

أقول : من المحتمل قريبا في معنى الأخبار المذكورة ان المراد انما هو انه إذا ذكره في ذلك الوقت صلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال «قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة» كما هو ظاهر خبر زكريا بن آدم بل صريحه ، ونحوه في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال (عليه‌السلام) «فان استيقنت انك تركت الأذان والإقامة ثم ذكرت فلا بأس بترك الأذان وتصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة». وعلى هذين الخبرين يحمل إجمال الأخبار المذكورة إذ لا تصريح ولا ظهور فيها بقطع الصلاة وابطالها ولا إعادتها من رأس ، وحينئذ فمعنى قوله في حسنة الحسين بن ابي العلاء «ثم يقيم ويصلي» يعني يأتي بهذه العبارة مرتين ويستمر في صلاته ، وقول السيد هنا وقبله الشهيد في الذكرى ـ ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام عليه إشارة إلى

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٦.


قطع الصلاة ويكون ذلك قاطعا ويكون من خصوصيات هذا الموضع ـ بعيد غاية البعد. وبالجملة فإن خبري زكريا بن آدم وكتاب الفقه ظاهران بل صريحان في ما ذكرناه وتلك الأخبار مجملة والقاعدة في مثله حمل المجمل على المفصل.

نعم يبقى الاشكال من وجه آخر نبه عليه شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل خبر زكريا بن آدم : ويشكل بأنه كلام ليس من الصلاة ولا من الأذكار. وأجاب عنه شيخنا البهائي بالحمل على انه يقول ذلك مع نفسه من غير ان يتلفظ به وقوله (عليه‌السلام) «اسكت موضع قراءتك وقل.» ربما يؤذن بذلك إذ لو تلفظ بالإقامة لم يكن ساكتا في موضع القراءة ، وحمل السكوت على السكوت عن القراءة لا عن غيرها خلاف الظاهر. انتهى

وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول ان ما ذكره شيخنا المتقدم من كونه ليس من الصلاة ولا من الأذكار وان كان كذلك إلا ان النص متى دل على جوازه فلا وجه لرده ولا استبعاد فيه سيما مع وجود النظائر المتفق عليها بينهم ، وليس هذا بأبعد مما دلت عليه النصوص وقالوا به من غير خلاف يعرف من جواز الأفعال الخارجة عن الصلاة في أثناء الصلاة من غسل دم الرعاف وقتل الحية وإرضاع الصبي ونحو ذلك من الأفعال الخارجة عن الصلاة التي لو لا هذه النصوص الواردة بها لأبطلوا بها الصلاة البتة لكونها أفعالا أجنبية عنها خارجة عن حقيقتها ، والأمر في الموضعين كذلك غاية الأمر انه قد تكاثرت الاخبار بهذا الحكم حتى عدوه الى غير موارد النصوص بتنقيح المناط القطعي دون هذا الجزئي الذي هو محل البحث فيجب الاقتصار فيه على مورد النص.

هذا. واما ما ذكره ابن ابي عقيل ـ من القطع ما لم يركع والرجوع الى الأذان خاصة في صلاة المغرب والصبح. ونحوه ما ذكره المحقق في الشرائع من الرجوع الى الأذان مطلقا ـ فلم أقف فيه على دليل وبذلك اعترف في المدارك فقال : واعلم ان هذه الروايات إنما تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها وليس فيها ما يدل على جواز القطع لاستدراك الأذان مع الإتيان بالإقامة ، ولم أقف على مصرح به سوى


المصنف في هذا الكتاب وابن ابي عقيل على ما نقل عنه ، وحكى فخر المحققين في الشرح الإجماع على عدم الرجوع اليه مع الإتيان بالإقامة وعكس الشارح (قدس‌سره) فحكم بجواز الرجوع لاستدراك الأذان وحده دون الإقامة وهو غير واضح. انتهى.

(المسألة الخامسة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن القاضي للصلوات الخمس وان استحب له الأذان والإقامة لكل صلاة صلاة إلا انه رخص له في الاقتصار على أذان واحد في أول ورده. وظاهرهم ان الأذان والإقامة لكل صلاة أفضل وان الاقتصار على الأذان في الاولى من ورده دونه في الفضل ، وهو صريح عبارة الشرائع ، وجملة منهم عبروا بالسقوط بقول مطلق.

اما استحباب الأذان والإقامة لكل فريضة فاستدل عليه في المنتهى بقوله (عليه‌السلام) (١) : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته». وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان والإقامة لها فكذا قضاؤها ، ورواية عمار الساباطي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال نعم».

واعترضه في المدارك بان في الروايتين ضعفا في السند وقصورا من حيث الدلالة والظاهر ان ضعف الدلالة بالنسبة إلى الأول من حيث ان المتبادر من قوله : «كما فاتته» بجملة اجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة عنها. ويحتمل ـ ولعله الأظهر ـ حمل الخبر على كون الفائت فريضة واحدة فإنه يؤذن لها ويقيم. واما بالنسبة الى الثاني فلعدم دلالته على انه يعيد لكل صلاة مع انه يعارضه ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسى بن عيسى (٣) قال : «كتبت اليه رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل الباب ٨ من قضاء الصلوات.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من الأذان والإقامة.


واقامة؟ فكتب يعيدها بإقامة». وبالجملة فإن الدليل المذكور لا يخلو من القصور.

واما الاكتفاء بأذان واحد في أول ورده ثم الإقامة لكل صلاة فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر ويؤذن ويقيم في أولادهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة بغير أذان حتى يقضى صلاته».

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولادهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة».

وحكى الشهيد في الذكرى قولا بأن الأفضل ترك الأذان لغير الاولى لما روى (٣) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شغل يوم الخندق عن اربع صلوات فأمر بلالا فأذن للأولى واقام ثم أقام للبواقي من غير أذان». وهو حسن. قال في المدارك وهو حسن بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الاولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه. انتهى.

أقول : ما استدل به شيخنا الشهيد (قدس‌سره) هنا من الرواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانه شغل عن اربع صلوات يوم الخندق انما هي من طرق المخالفين وليس في أخبارنا لها اثر ولا توافق أصولنا ، فإن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم جواز ذلك عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعصمته المانعة عن جواز ذلك عليه ، ولأن الصلاة لها مراتب لا يحصل الفوات فيها إلا مع انقطاع الشعور بالكلية كما ذكروه في صلاة الحرب وصلاة المريض ، فلا حجة في الخبر المذكور ولا ضرورة تلجئ اليه حتى انه يتكلف بالذب عنه ودفع ما يرد عليه من الاشكال حيث قال (قدس‌سره) في المقام : ولا ينافي العصمة

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل الباب ٦٣ من المواقيت.

(٣) تيسير الوصول ج ٢ ص ١٩٠.


لوجهين (أحدهما) ما روى (١) من ان الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضى حتى نسخ ذلك بقوله تعالى «وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... الآية» (٢). (الثاني) جاز ان يكون ذلك لعدم تمكنه من استيفاء أفعال الصلاة ولم يكن قصر الكيفية مشروعا ، وهو عائد إلى الأول وعليه المعمول. انتهى.

أقول : وفي الثاني الذي عليه المعول عنده ان الاعتماد في ذلك على مجرد الاحتمال والجواز ـ بان يكون المعنى انه يحتمل ان يكون تركه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الصلاة من حيث عدم التمكن من استيفاء أفعالها ـ من قبيل الرمي في الظلام من حيث الخروج بذلك عن ظواهر الأدلة من غير مخصص في المقام ، إذ الأحاديث الدالة على قصر الكيفية في المواضع المنصوصة من خوف ومرض ونحوهما لا اشعار فيها بوقت دون وقت ولا زمان دون زمان ولا حال دون حال على ان الظاهر ان الرواية التي أشار إليها في الوجه الأول ليست من طرقنا ولعله لهذا عدل عن الاستناد إليها واعتمد على مجرد هذا الاحتمال والتجويز.

والعجب منه (قدس‌سره) وكذا من السيد السند في نقله له وجموده عليه بل استحسانه ذلك ، وكيف عولوا في الاستدلال على هذه الرواية العامية وروايات الأصحاب ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في ما دلت عليه هذه الرواية العامية كصحيحتي زرارة ومحمد ابن مسلم المتقدمتين ونحوهما ما في كتاب الفقه الرضوي (٣) حيث قال (عليه‌السلام) «وقال العالم من أجنب ثم لم يغتسل حتى يصلي الصلوات كلهن فذكر بعد ما صلى فان عليه الإعادة يؤذن ويقيم ثم يفصل بين كل صلاتين بإقامة». ويمكن حمل رواية «من فاتته فريضة» وكذا رواية عمار على الفريضة الواحدة لقوله في الأول «من فاتته فريضة» وفي الثاني «أعاد الصلاة» ولا كلام في استحباب الإعادة في الصلاة الواحدة وحينئذ فلا تنافي بين أخبار المسألة ، ومنه يظهر قوة ما ذكره السيد السند من قوله : بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الاولى

__________________

(١) لم نعثر على هذه الرواية حتى الآن بعد الفحص عنها في مظانها.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٠٣.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٦.


من الفوائت مع الجمع لكان وجها قويا. واما ما دلت عليه رواية موسى بن عيسى فهو محمول على الرخصة والجواز.

ثم انه مما يجب التنبيه عليه انه لا يخفى ان طعن السيد في سند خبر «من فاتته فريضة» بالضعف ليس في محله فان سنده حسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور الذي هو صحيح عندنا وعند جملة من المحققين إلا ان يكون ذلك طعنا منه في إبراهيم بن هاشم كما في غير موضع من اضطراب كلامه فيه ، لكن يرد عليه انه وصف رواية زرارة التي نقلها هنا بالصحة وفي سندها إبراهيم بن هاشم ايضا.

وقال الشهيد (قدس‌سره) في الدروس : ويجتزئ القاضي بالأذان لأول ورده والإقامة للباقي وان كان الجمع بينهما أفضل ، وهو ينافي سقوطه عن من جمع في الأداء إلا ان يقول السقوط فيه تخفيف أو ان الساقط أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الاولى لا الأذان الذكرى ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكرى. وهذا متجه. انتهى واعترضه في المدارك بعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلهما.

أقول : الظاهر ان مبنى المنافاة في كلام الدروس على انه لما كان الدليل على استحباب الجمع بين الأذان والإقامة في القضاء هو حديث «من فاتته فريضة.» بالتقريب الذي ذكره العلامة في المنتهى فجعل القضاء تابعا في ذلك للأداء والحال انهم صرحوا انه لو جمع بين الفرضين في الأداء سقط الأذان للثانية فحصول المنافاة والحال هذه مما لا ريب فيه ، فان إثباتهم له في القضاء انما هو بالتفريع على الأداء كما عرفته من استدلال العلامة والحال انه في الأداء ساقط في مقام الجمع كما عرفت. والظاهر ان هذا هو مراد شيخنا الشهيد (قدس‌سره) بالمنافاة في هذا المقام وهو ظاهر وان كان للمناقشة في أصل دليل المنافاة مجال ـ كما عرفت ـ آنفا من عدم ظهور الدليل الذي استند اليه العلامة في ما استدل به عليه.

واما جوابه في الدروس عن الاشكال المذكور ـ بان الساقط في صورة الجمع


في الأداء انما هو أذان الإعلام. إلخ» واليه يشير قوله في الذكرى كما سيأتي نقله ان شاء الله تعالى في مسألة الجمع : ان الساقط مع الجمع الغير المستحب أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام ـ ففيه انه لا يخفى ان المستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل الاستتار ولا الإنكار هو ان الأذان على نوعين (أحدهما) المقصود به الاعلام بدخول الوقت لكافة الناس وهذا الذي تقدمت أكثر الروايات في صدر المقدمة بالحث عليه وعلى ما فيه من الثواب. و (ثانيهما) الأذان والإقامة بالنسبة الى كل مكلف من ذكر وأنثى وهذا هو الذي تقدم الاختلاف فتوى ورواية في وجوبه واستحبابه في مواضع وافراد معينة. وهذا النوع الثاني لا ارتباط له بأول الوقت بل اي وقت صلى المصلي استحب له الإتيان به ، وهذا هو الذي خرجت فيه روايات القضاء بأنه يؤذن في أول ورده ثم يقيم لكل صلاة صلاة ولا تعلق لهذا بالإعلام لوقوعه في سائر أجزاء الوقت ، فقول شيخنا المشار اليه ـ ان الساقط في صورة الجمع في الثانية أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الاولى لا الأذان الذكرى ـ لا معنى له بالكلية لأنه لا يلزم ان تكون صلاته في أول الوقت حتى يكون أذان الاولى أذان إعلام ، ومع فرض كون صلاته في أول الوقت لا يعتبر في أذانه للصلاة الاولى ولا يشترط فيه قصد الاعلام ولا شروط الأذان الإعلامي بالكلية بل لو اذن خفيا وحده في مكان لا يراه أحد ولا يسمع صوته سامع فقد أدى السنة الموظفة. وبالجملة فإن هذا الذي تعلق به الخطاب لهذا المكلف بخصوصه من حيث صلاته المخصوصة لا مدخل له في أذان الإعلام. نعم قام الدليل على الاجتزاء بأذان الاعلام لمن سمعه على الخلاف الآتي ان شاء الله تعالى في العموم للإمام وغيره أو التخصيص بالإمام. وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) هنا لا اعرف له وجها وجيها. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في أذان العصر يوم الجمعة فأطلق الشيخ في المبسوط سقوطه وهو ظاهر المفيد في المقنعة على ما نقله الشيخ في التهذيب ، وقال الشيخ في النهاية انه غير جائز.


وقال ابن إدريس انه يسقط عن من صلى الجمعة دون من صلى الظهر ونقل ، ذلك عن ابن البراج في الكامل.

ونقل عن المفيد في الأركان وابن البراج انهما استحبا الأذان لعصر يوم الجمعة كغيره من الأيام ، قال في المدارك وهو اختيار المفيد (قدس‌سره) في المقنعة على ما وجدته فيها ، قال بعد ان أورد تعقيب الاولى : ثم قم فاذن للعصر وأقم الصلاة. قال والى هذا القول ذهب شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى وهو المعتمد لإطلاق الأمر الخالي من التقييد ثم نقل عن الشيخ في التهذيب انه احتج على ما حكاه من كلام المقنعة المتضمن للسقوط بما رواه في الصحيح عن ابن أذينة عن رهط : منهم ـ الفضيل وزرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين». وعن حفص ابن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة». ثم قال : ويتوجه عليه ان الرواية الأولى انما تدل على جواز ترك الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره وهو خلاف المدعى. واما الرواية الثانية فضعيفة السند قاصرة المتن فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتضمنة لمشروعية الأذان في الصلوات الخمس. انتهى المقصود من نقل كلامه.

احتج ابن إدريس على ما نقل عنه بأن الإجماع منعقد على استحباب الأذان لكل صلاة من الخمس خرج عنه المجمع عليه وهو من صلى الجمعة فيبقى الباقي على العموم. واعترض عليه بمنع الإجماع على السقوط مع صلاة الجمعة لتصريح بعض الأصحاب بالاستحباب مطلقا كما تقدم.

أقول وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق لا يخفى ان محل الخلاف في هذه المسألة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجمعة.


في كلامهم غير مشخص ولا معين من انه حال الجمع أو حال التفريق والمسألة بخصوصها خالية من النص إلا ان الذي يقتضيه النظر في الأخبار هو ان القول بالسقوط في عصر الجمعة انما يتم مع الجمع ، وذلك فإن السنة يوم الجمعة في صلاة الظهر حيث لا نافلة بعد الزوال كما في سائر الأيام هو ان يبادر بالصلاة بعد تحقق الزوال ، والسنة في صلاة العصر حيث لا نافلة يومئذ أن يصليها في وقت الظهر في سائر الأيام كما استفاضت بجميع ذلك الاخبار ومن هنا يعلم ان السقوط انما هو من حيث الجمع وان استدلال الشيخ على ما نقله عن المقنعة بصحيحة الرهط المذكورة جيد واعترض السيد عليه بأنه خلاف المدعى ليس في محله. لان المدعى ليس إلا ان عصر الجمعة يسقط أذانها يعني إذا اتى بها على الوجه المندوب اليه والمأمور به والموظف فيها من الجمع بينها وبين الظهر في وقت واحد كما ذكرناه. وقد صرح بذلك الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة في باب عمل ليلة الجمعة ويومها حيث قال : والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل قد ثبتت السنة به إلا في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل وهو السنة. انتهى. وهذا الكلام قد تقدم نقله في كلام السيد في المدارك في المسألة الخامسة من المسائل المرسومة في شرح قول المصنف «الثانية في المواقيت. إلخ» ومراد شيخنا المشار اليه الفرق بين الصلاتين بالنوافل الموظفة أو بالتأخير إلى المثل الثاني الذي هو وقت فضيلة العصر عندهم كما تقدم ، هذا في غير الجمعة واما يوم الجمعة فإن السنة فيه هو الجمع وعدم التفريق لا بنافلة ولا بزمان ، وحينئذ فما نقله السيد عن عبارة المقنعة من ذكر الأذان للعصر في العبارة المذكورة يمكن حمله على حصول التفريق بالوقت كما هو ظاهر سياق العبارة من الاشتغال بالأعمال والأذكار بعد صلاة الظهر الى دخول وقت العصر.

واما ما نقله السيد عن شيخه نور الله تربتيهما واختاره ان أريد به استحباب الأذان يوم الجمعة مطلقا ولو في صورة الجمع فهو باطل مردود بالصحيحة المذكورة وغيرها


مما دل على ما دلت عليه ، وان أريد مع التفريق فهو في محله وليس فيه منافاة لكلام الشيخ كما عرفت.

واما رواية غياث المذكورة فإنها لإجمالها وتعدد الاحتمال فيها لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات حكم شرعي ، وسيجي‌ء تحقيق الكلام في معناها في باب صلاة الجمعة ان شاء الله تعالى.

ومما يدل على سقوط أذان الثانية في صورة الجمع زيادة على صحيحة الرهط المتقدمة رواية صفوان الجمال (١) قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين. الحديث».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين».

ومما يدل على ان الجمع عبارة عن عدم النافلة بين الفرضين وانه مع النافلة لا جمع وان كان في وقت واحد موثقة محمد بن حكيم (٣) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع». وفي رواية أخرى له ايضا (٤) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما».

ومن هذه الاخبار يعلم حصول التفريق الموجب للأذان للثانية بالنافلة ، والظاهر ايضا حصوله بالتأخير إلى وقت الصلاة الثانية كما يفهم من كلام الشيخ والجماعة بل حصوله بالفصل بما يعتد به سيما مع تخلل بعض العوارض الخارجة الغير المرتبطة بالصلاة كما اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من المواقيت.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من المواقيت.


قال في الذكرى : ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين فالمشهور ان الأذان يسقط في الثانية ، قاله ابن ابي عقيل والشيخ وجماعة سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية لأن الأذان إعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول ، وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الاولى وان جمع بينهما في وقت الثانية اذن للثانية ثم اقام وصلى الاولى لمكان الترتيب ثم أقام للثانية. انتهى.

أقول : ما ذكره في تعليل سقوط أذان الثانية من ان الأذان إعلام بدخول الوقت عليل كما عرفت مما قدمنا بيانه إذ لا دليل عليه ، والأذان الإعلامي منفرد لا تعلق له بأذان الصلاة المخاطب به كل فرد فرد من افراد المكلفين بخطابهم بالصلاة لما أسلفناه من الأخبار المتعلقة بكل منهما على حدة والفروع والأحكام المترتبة على كل منهما على حدة. وأضعف من ذلك قوله : «وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الأولى. إلخ» فإنه لا دليل عليه وان وافقه الشهيد الثاني على ذلك وصار اليه والنصوص خالية من هذا التفصيل. والظاهر ان هذا الكلام مبني على ما ذكره أولا من ان الأذان للإعلام فإنه متى كان القصد به الاعلام يكون وظيفة صاحبة الوقت فيقصد به صاحبة الوقت خاصة وهو كالمبني عليه في الضعف وعدم الدليل. وأشد ضعفا في كلامه في هذا المقام ما ذكره من انه لو اتفق الجمع مع عدم استحبابه فإنه يسقط أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام ، وقد تقدم ما فيه. والله العالم.

(المسألة السابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط أذان عصر عرفة وعشاء المزدلفة.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «السنة في الأذان يوم عرفة ان يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من الأذان والإقامة.


وعن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين». الى غير ذلك من الأخبار الآتية في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

انما الخلاف بينهم في حكم السقوط في حال الجمع مطلقا وخصوص عصري الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة هل هو على سبيل الرخصة وان كان مستحبا أو الكراهة كما في سائر مكروهات العبادات أو انه محرم؟ أقوال ، فذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ العلامة إلى التحريم في الثلاثة الأخيرة وأطلق الباقون سقوطه مع مطلق الجمع.

واختلف كلام شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في المسألة ففي الذكرى توقف في كراهته في الثلاثة المشار إليها استنادا الى عدم وقوفه فيه على نص ولا فتوى ثم حكم بنفي الكراهة وجزم بانتفاء التحريم فيها وببقاء الاستحباب في الجمع بغير الثلاثة المذكورة مأولا الساقط بأنه أذان الاعلام وان الباقي أذان الذكر والإعظام. وقريب منه كلامه في الدروس فإنه قال : وربما قيل بكراهته في الثلاثة وبالغ من قال بالتحريم. وقال في البيان ان الأقرب ان الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيته. وتوقف في غيرها.

والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض والروضة هو التحريم في المواضع الأربعة حيث قال في الروضة بعد ذكرها : وهل سقوط الأذان في هذه المواضع رخصة فيجوز الأذان أم عزيمة فلا يشرع؟ وجهان من انه عبادة توقيفية ولا نص عليها هنا بخصوصه والعموم مخصص بفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه جمع بين الظهرين والعشاءين لغير مانع بأذان وإقامتين وكذا في تلك المواضع والظاهر انه لمكان الجمع لا لخصوصية البقعة ، ومن انه ذكر الله ولا وجه لسقوطه أصلا بل تخفيفا ورخصة. ثم استشكل في الوجه الثاني بمنع كونه بجميع فصوله ذكرا ، وبان الكلام في خصوصية العبادة لا في مطلق الذكر ، الى ان قال بعد نقل الخلاف : والظاهر التحريم في ما لا إجماع على

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من المواقيت.


استحبابه منها لما ذكرناه. انتهى.

وظاهر السيد السند في المدارك اختيار التحريم في خصوص عصر عرفة وعشاء المزدلفة خاصة حيث قال بعد إيراد صحيحة ابن سنان المتقدمة : وهل سقوط الأذان هنا على سبيل الرخصة أو الكراهة أو التحريم؟ أوجه ذهب الى كل منها ذاهب والأصح التحريم كما اختاره العلامة في المنتهى والشهيد في البيان لأنه مخالفة للسنة فيكون بدعة وقد صح عن الصادق (عليه‌السلام) (١) انه قال : «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار». وعلى نهجه نهج الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا للخبر المذكور وستعرف ما فيه ان شاء الله تعالى. واما في موضع الجمع فإنه قال : لا يبعد ان يقال انه مكروه في موضع يستحب الجمع بالمعنى المتعارف في العبادات بمعنى ان الإتيان به أقل ثوابا من الإتيان بالصلاة من غير تفريق ، قال واما في غير موضع استحباب الجمع فتركه مرخص فيه بمعنى عدم التأكيد في استحبابه كما في غيره لا انه مكروه أو مباح.

أقول وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق : الأظهر عندي في هذه المسألة ما رجحه شيخنا الشهيد الثاني (روح الله روحه) من التحريم في المواضع الأربعة المتقدمة الراجعة في التحقيق الى مطلق الجمع :

(اما أولا) فلان العبادات توقيفية مبنية على التوظيف من الشارع ولم يعلم منه الأذان للثانية في صورة الجمع مطلقا بل المعلوم من الاخبار خلافه وانه لا أذان ثمة :

فمنها ـ ما دل على حكاية فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفعل الأئمة (عليهم‌السلام) كما تقدم في صحيحة الرهط ورواية صفوان الجمال وصحيحة عبد الله بن سنان ، ومثلها رواية عبد الله بن سنان (٢) قال : «شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فحين كان قريبا من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من المواقيت.


ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس الى منازلهم ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك فقال نعم قد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عمل بهذا».

ومنها ـ ما دل على أمر المكلفين بذلك كصحيحتي عبد الله بن سنان ومنصور بن حازم المتقدمتين صدر هذه المسألة ونحوهما صحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في رجل يقطر منه البول من انه يتخذ كيسا يجعل فيه قطنا ، الى ان قال يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر بأذان وإقامتين يؤخر الظهر ويعجل العصر وكذا يؤخر المغرب ويعجل العشاء ويجمع بينهما بأذان وإقامتين».

ولم يرد في شي‌ء من روايات الجمع الإشارة فضلا عن التصريح الى أذان الثانية بالكلية ومنه يعلم انه لا أذان للثانية في صورة الجمع مطلقا من المواضع الثلاثة وغيرها لعدم ثبوت التعبد به ، والاستناد الى الأخبار المطلقة هنا ضعيف لان هذه الاخبار خاصة فيخصص بها إطلاق تلك الاخبار كما هو القاعدة المتفق عليها.

والعجب ان السيد السند (قدس‌سره) ذكر ـ في مسألة أذان المرأة للرجال الأجانب بناء على عدم تحريم سماع صوتها بعد ان نقل عن ظاهر المبسوط الجواز ـ ما صورته : ويمكن تطرق الإشكال إلى اعتداد الرجال بأذانهن على هذا التقدير ايضا لتوقف العبادة على التوقيف وعدم ورود النقل بذلك. انتهى ، وحينئذ فإذا احتاج الى التوقيف في هذه الصورة مع دخولها تحت إطلاق أخبار الأذان وعدم ورود نص في خصوصها بالمنع فكيف لا يحتاج الى التوقيف في ما دلت النصوص على السقوط فيه بل يعمل بإطلاق تلك الأخبار ويلغى هذه النصوص الدالة على السقوط أو يتأولها.

وقال أيضا في مسألة الأذان في قضاء الصلوات الخمس بعد ان نقل عن الأصحاب استحباب الأذان والإقامة لكل صلاة وكلام في البين : ولو قيل بعدم مشروعية الأذان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من نواقض الوضوء.


لغير الاولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فان الروايات ـ كما قدمناها في تلك المسألة ـ دلت على ان الأذان للأولى خاصة وان ما بعدها بإقامة إقامة فيخص بها أخبار الأذان المطلقة ، وبه يظهر ان التعبد به في هذه الصورة غير ثابت وكذا ما نحن فيه فان الاخبار كما عرفت قد تكاثرت في صورة الجمع بأنه يؤذن للأولى خاصة ويقيم للثانية من غير أذان. والتقريب المذكور الذي رجح به عدم إعادة الأذان في بقية الفرائض المقضية آت في ما نحن فيه فكيف غفل عن ذلك وحكم بالتحريم بعصر عرفة وعشاء المزدلفة ومثله الفاضل الخراساني الذي تبعه في تينك المسألتين المتقدمتين ايضا.

و (اما ثانيا) فلصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة والتقريب فيها ان الظاهر ـ كما صرح به جملة من الأصحاب ـ ان ترك الأذان في الصورتين المذكورتين فيها ليس الا لخصوص الجمع لا للبقعة وقد دلت على ان السنة هو ترك الأذان فيكون الآتي به مخالفا للسنة وليس بعد ذلك إلا كونه بدعة وبه يثبت ان الإتيان به في مقام الجمع ـ حيثما كان ـ بدعة.

ويعضد ما ذكرناه من ان ترك الأذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة انما هو من حيث الجمع لا لخصوص البقعة خبر حريز المذكور في السلس فإنه من الظاهر ان ذلك ايضا ليس من حيث خصوصية السلس بل من حيث مقام الجمع وان السنة في مقام الجمع حيثما كان وكيفما كان هو سقوط أذان الثانية فيجب اطراد الحكم في روايات المستحاضة الدالة على الجمع وان لم يصرح فيها بالأذان والإقامة بالتقريب المذكور في هذه الأخبار.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة هنا من الاحتمالات والمناقشات التي ليس في التعرض لنقلها كثير فائدة فضعفها يعلم مما حققناه. والله العالم.

(المسألة الثامنة) ـ لو صليت الفريضة جماعة في المسجد ثم جاء آخرون وأرادوا الصلاة جماعة أو فرادى لم يؤذنوا ولم يقيموا وبنوا على أذان الجماعة السابقة وإقامتها ما لم تتفرق الصفوف وإلا أذنوا وأقاموا ، قال الشيخ : والوجه ان الأذان إعلام بدخول الوقت


وقد حصل فلا معنى لإعادته اما إذا تفرقت الصفوف فان صلاته بعد ذلك كالصلاة المستأنفة. أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الضعف بل الوجه انما هو دلالة النصوص على ذلك :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي علي (١) قال : «كنا عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأتاه رجل فقال جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع. فقلت فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟ قال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم امام».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير (٢) قال : «سألته عن الرجل ينتهي الى الامام حين يسلم؟ فقال ليس عليه ان يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان».

وما رواه في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم؟ قال ان كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم وان كان تفرق الصف اذن واقام».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «دخل رجلان المسجد وقد صلى علي (عليه‌السلام) بالناس فقال لهما ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم».

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) انه كان يقول «إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى اهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه الى غيره حتى يصلي فيه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٥ من صلاة الجماعة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٥ من الأذان والإقامة.


وفي كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل ان يتفرقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان ، وان وجدتهم وقد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فاذن وأقم لنفسك».

قال في المدارك : بعد ان أورد مستندا للحكم المذكور رواية أبي بصير الثانية ورواية ابي علي : وعندي في هذا الحكم من أصله توقف لضعف مستنده باشتراك راوي الأولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية فلا يسوغ التعلق بهما.

أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية لأن ضعف هذين الخبرين بناء على تسليم هذا الاصطلاح مجبور بعمل الطائفة بهما إذ لأراد لهذا الحكم ولا مخالف فيه ، وقد سلم في غير موضع العمل بالخبر الضعيف المجبور بعمل الأصحاب وان خالف في مواضع أخر كما في هذا الموضع ، وقد عرفت ان هذين الخبرين معتضدان بغيرهما من الأخبار المذكورة.

إلا انه قد ورد ايضا ما ظاهره المناقضة لهذه الاخبار في ما دلت عليه من سقوط الأذان في هذه الصورة :

ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن الرجل أدرك الإمام حين سلم؟ قال عليه ان يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة». ورواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار مثله (٣).

وما رواه في الفقيه ايضا عن معاوية بن شريح (٤) في حديث قال : «ومن

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٢٢ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٥ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ٦٥ من صلاة الجماعة.


أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا اقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة».

والمحدث الكاشاني في الوافي حمل موثقة عمار على صورة التفرق ، والظاهر بعده حيث انها اشتملت على انه أدركه حين سلم وتفرق الناس حين التسليم خلاف المعروف المعهود بين الناس والموظف شرعا من الجلوس للتعقيب ولو قليلا. وذكر ايضا ـ بعد نقل رواية معاوية بن شريح وانها رويت في التهذيب عارية عن هذه الزيادة ـ انه يحتمل ان تكون هذه الزيادة من كلام الصادق (عليه‌السلام) ويحتمل ان تكون من كلام الصدوق

أقول : والظاهر حمل هذين الخبرين على الجواز على كراهية بمعنى حمل النهي في تلك الاخبار على الكراهة جمعا بين الأخبار ـ ولا ينافيه قوله في خبر ابي علي «ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع» فإنه محمول على تأكيد الكراهة ، وبذلك يظهر ان السقوط هنا ليس كالسقوط في ما تقدم من تلك الصور التي وقع فيها الاختلاف.

بقي في المسألة فوائد يحسن التنبيه عليها لضرورة الرجوع إليها : (الأولى) قال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب الفقيه : لا يجوز جماعتان في مسجد في صلاة واحدة. ثم نقل حديث ابي علي المتقدم في صدر المسألة ، وتبعه على هذا القول المحدث الكاشاني ، وهو بناء منهما على ان قوله (عليه‌السلام) في آخر الخبر «لا يبدو لهم امام» بالواو أو «لا يبدر لهم امام» بالراء عوض الواو أو «لا يبدر بهم» على اختلاف النسخ في هذا الخبر بمعنى لا يظهر لهم امام وهو كناية عن عدم الصلاة جماعة ، والمفهوم من كلام الأصحاب هو الجواز من غير خلاف ينقل في كلامهم لكن يراعى في الأذان والإقامة التفرق وعدمه كما دلت عليه الاخبار المتقدمة حتى اني لم أقف على ناقل لخلاف الصدوق هنا مع ان عبارته ـ كما ترى ـ صريحة في ذلك.

وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : وإذا صلى في مسجد جماعة لا يجوزان يصلى دفعة أخرى جماعة بأذان واقامة. وظاهر هذه العبارة تحريم الأذان والإقامة للجماعة


الثانية ان خص النهي بالرجوع الى القيد كما هو المشهور ، وان رجع الى القيد والمقيد كان فيه دلالة على تحريم الجماعة مرة ثانية مع الأذان والإقامة. والأمران مشكلان ، والشيخ في التهذيب بعد ان ذكر هذه العبارة أورد حديث ابي علي دليلا عليها ، ثم قال بعد نقل الحديث بتمامه : والذي يدل على ما قلناه من انه لا يؤذن ولا يقيم متى أرادوا الجماعة ما رواه محمد بن احمد بن يحيى ، ثم ساق رواية زيد بن علي المتقدمة. وحينئذ فمعنى آخر الخبر على ما فهمه الأصحاب انما هو لا يبدو لهم أو يبدر يعني بأذان واقامة. وهذا الخبر وان كان مجملا في الدلالة على هذا المعنى إلا ان حديث زيد المذكور صريح في ذلك. وما ذكره المحدث الكاشاني في تأويله ـ حيث انه اختار مذهب الصدوق من حمله على الرخصة في خصوص الاثنين حيث انه مورد الخبر ـ بعيد غاية البعد. والاحتياط لا يخفى.

(الثانية) ـ قد علق إعادة الأذان في خبري أبي بصير على تفرق الصف فان تفرقوا اذن واقام ، والتفرق يصدق بذهاب بعضهم وبقاء بعض ، وحينئذ فيؤذن ويقيم في هذه الصورة ولا يترك الأذان والإقامة إلا مع بقائهم جميعا الذي هو مصداق عدم التفرق ، وعلى هذا تلزم المنافاة لخبر ابي علي الدال على انه مع انصراف بعضهم وبقاء بعض فإنه لا يؤذن ولا يقيم ، فالواجب حمل التفرق في الخبرين المذكورين على انصراف الجميع وذهابهم كلهم جمعا بين الاخبار ، فلو بقي بعضهم ولو واحدا كفى في سقوط الأذان وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني. ويمكن جعل المناط في سقوط الأذان بقاءهم كملا أو بقاء الأكثر وان ذهب الأقل. إلا ان ظاهر خبر زيد النرسي مما يؤيد ظاهر الخبرين المذكورين ، فان الظاهر ان معناه هو انك إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم اي فرغوا من الصلاة ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد لم يتفرقوا يعني لم يخرجوا من المسجد بل بقوا مشتغلين بالتعقيب والذكر فإنه يجزيك أذانهم وإقامتهم ، وإذا وافيتهم وقد فرغوا من صلاتهم وهم جلوس لغير التعقيب بل لأمور أخر فأقم بغير أذان ، وان وجدتهم قد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذان وأقم. وهو غريب لا قائل به في ما اعلم.


وقال الشيخ في المبسوط : إذا اذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لمن يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له ان يؤذن في ما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا شي‌ء عليه. وظاهر كلامه يؤذن باستحباب الأذان سرا وان السقوط عام يشمل التفرق وعدمه وهو خلاف ظاهر الأخبار المتقدمة.

(الثالثة) ـ هل يكون الحكم هنا مقصورا على المسجد أو عام له ولغيره؟ وجهان بل قولان اختار أولهما المحقق في المعتبر والنافع والشهيد الثاني واختاره في المدارك عملا بمدلول الروايتين ، قال : ويجوز ان تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب امام المسجد الراتب بترك ما يحث على الاجتماع ثانيا. وقال في الذكرى : الأقرب انه لا فرق بين المسجد وغيره وذكره في الرواية على الأغلب.

أقول : لا يخفى ان أكثر أخبار المسألة المتقدمة قد اشتملت على المسجد وما أطلق منها فالظاهر حمله عليه لأن الأحكام الشرعية انما تبنى على الغالب المتكرر ولا ريب ان صلاة الجماعة انما تتكرر وتعاد في المساجد ووقوعها نادرا لعلة في بعض المواضع لا يقدح ، وحينئذ فإذا كان مورد النصوص المسجد فالخروج عن ذلك يحتاج الى دليل. وبالجملة فإنه يقتصر في ترك ما علم ثبوته واستحبابه بالأدلة القاطعة على الموضع المتيقن.

(الرابعة) ـ الظاهر شمول الحكم للجامع والمنفرد كما هو ظاهر كلام الأصحاب ونقل عن ابن حمزة انه خصه بالجماعة وهو ناشى‌ء عن الغفلة عن مراجعة الأخبار التي قدمناها فإنها صريحة في المنفرد.

(الخامسة) ـ هل يختص الحكم بالفريضة المؤداة أو يعم ما لو دخل الداخل وأراد ان يصلي قضاء؟ إشكال ينشأ من ان إطلاق النصوص بصلاة الداخل شامل للأداء والقضاء ، ومن ان قرائن الحال من قصد المسجد والمسارعة إلى الدخول مع الامام ونحو ذلك انما ينصرف إلى الأداء. ولم أقف على تصريح لأحد من الأصحاب بذلك.

(المسألة التاسعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في انه لو اذن المنفرد


ثم أراد الصلاة جماعة فإنه يعيد أذانه وإقامته.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن ويقيم». ورواه الكليني مثله (٢).

وطعن في المعتبر ومثله في المدارك في الرواية بضعف السند لان رواتها فطحية لكن قال في المعتبر ان مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة وهو ذكر الله وذكر الله حسن ، ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة وان نوى الانفراد ، وأيد ذلك بما رواه صالح بن عقبة عن ابي مريم الأنصاري (٣) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء ، واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك». قال وإذا اجتزأ بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى. انتهى.

وقال الشهيد في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور والاستدلال بالرواية المذكورة ما صورته : وبها أفتى الأصحاب ولا راد لها سوى الشيخ نجم الدين فإنه ضعف سندها بأنهم فطحية وقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة أولا لأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه اولى. قلت ضعف السند لا يضر مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نية السامع للجماعة فكأنه اذن للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.

قال في المدارك : بعد ان نقل ملخص هذا الكلام عن الذكرى : ويشكل بما

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٧ من الأذان والإقامة.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢١٦ وفي الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.


بيناه مرارا من ان مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف ، وان ظاهر الخبر ترتب الاجزاء على سماع الأذان من غير مدخلية لما عدا ذلك فيه ، الى ان قال والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر وان كانت الإعادة أولى. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لا وهن البيوت ـ مضاهية.

والكلام في هذا المقام اما بالنسبة الى صاحب المعتبر ففيه (أولا) انه قد صرح في صدر كتابه وجعله من المقدمات لمثل هذه الأحكام والأصول التي يجب البناء عليها في كل مقام بما صورته : قد أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا الى كل خبر وما فطنوا الى ما تحته من التناقض فان من جملة الأخبار قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «ستكثر بعدي الفالة على». وقول الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه». واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال كل سليم السند يعمل به وما علم ان الكاذب قد يصدق وما تنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل ، وأفرط آخرون في رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا. الى ان قال وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أقرب ، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب إطراحه ، ثم استدل على ذلك بأدلة من أحب الوقوف عليها فليرجع الى الكتاب المذكور. فانظر أيدك الله تعالى الى خروجه في هذا المقام عما قدمه وجعله أساسا لجملة الأحكام فان الخبر المذكور لا راد له من الأصحاب قبله كما سمعته من كلام شيخنا الشهيد فكيف استجاز هذا التناقض في كتابه.

و (ثانيا) انه قد اعتمد على الاخبار الموثقة في غير مقام من كتابه : منها ـ في باب غسل النفاس فإنه قال بعد نقل موثقة لعمار المذكور هنا ما صورته : وهذه وان كان

__________________

(١ و ٢) البحار ج ١ ص ١٣٧ و ١٣٩.


سندها فطحية لكنهم ثقات في النقل. وقال بعد نقل رواية عن السكوني : والسكوني عامي لكنه ثقة. فانظر الى هذا الاضطراب في كلامه.

و (ثالثا) انه من العجب طعنه في موثقة عمار واعتضاده برواية أبي مريم وهي في الضعف الى حد لا نهاية له ـ كما صرح به في المدارك ـ بصالح بن عقبة ، قال فقد قيل انه كان كذابا غاليا لا يلتفت اليه. انتهى.

واما بالنسبة الى صاحب المدارك فهو ايضا كذلك وأعظم من ذلك لتصريحه في غير موضع من كتابه بموافقة الأصحاب في مثل هذا الباب ، واستشكله بعد نقل كلام الذكرى ـ بقوله انه قد بين مرارا ان مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف ـ مردود بما قلناه حيث قال ـ في مسألة ما إذا أدرك الطهارة وركعة من الوقت بعد إيراد بعض الأخبار الضعيفة دليلا على ذلك ـ ما صورته : وهذه الروايات وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. وقال في مسألة غسل التوبة نقلا عن المحقق في المعتبر بعد ذكر رواية مرسلة باستحباب الغسل والطعن فيها ـ ما صورته : والمعتمد فتوى الأصحاب منضما الى ان الغسل خير. إلخ.

وجمد عليه. وقال في مسألة غسل المولود بعد ان نقل رواية سماعة الدالة على ان غسل المولود واجب : والمعتمد الاستحباب. مع انه لا دليل عليه وراء الرواية إلا عمل الأصحاب حيث ان المشهور الاستحباب. وقال في مسألة جواز غسل الجمعة يوم الخميس بعد نقل بعض الروايات الضعيفة : ولو لا ما اشتهر من التسامح في أدلة السنن لأمكن المناقشة في هذا الحكم. مع انه رد هذه الشهرة في صدر الكتاب فقال : وما قيل من ان أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لان الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام. وقال ـ بعد نقل مرسلة ابن ابي عمير الواردة في ضبط الكر بألف ومأتي رطل بعد ما نقل عن المعتبر ان على هذا عمل الأصحاب ـ ما صورته : وظاهره اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها فيكون الإجماع جابرا لإرسالها. انتهى.


وتستره في هذه العبارات في جبر الخبر الضعيف بالإجماع دون الشهرة وفرقه بين الأمرين مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، فإنه لا مدعى للإجماع في هذه المواضع التي أشرنا إليها مما اعتمدوا فيها على تلك الأخبار الضعيفة وانما المدعى شهرة العمل بها وعدم وجود الراد لها والمخالف فيها ، فتسميته له ـ في بعض المواضع التي يضطر الى العمل بها إجماعا ويجعله جابرا لضعف الخبر وفي الموضع الذي لا يرتضيه شهرة ويمنع كونه جابرا لضعفه ـ ترجيح من غير مرجح ناشئ مما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح. على ان الإجماع عنده ليس بدليل شرعي كما أشار إليه في صدر كتابه وذكر انه صنف رسالة في رده وان استسلقه تأييدا في بعض المواضع فكيف جاز له الاعتماد عليه في جبر الخبر الضعيف؟

هذا. واما ما ذكره في المعتبر ـ ومثله جمود السيد عليه في كتابه من تأييد ما ذكراه برواية أبي مريم الأنصاري ـ

ففيه (أولا) انه لا يخرج عن القياس لان المدعى الاجتزاء بأذان الإنسان نفسه متى أذن بنية الانفراد ومورد الرواية الاجتزاء بأذان الغير ، وكونه مفهوم أولوية لا يخرجه عن القياس كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.

و (ثانيا) ما ذكره شيخنا الشهيد (قدس‌سره) من الفرق. وما أجاب به في المدارك ـ من ان الظاهر ترتب الاجزاء على سماع الأذان وعدم مدخلية لما عدا ذلك ـ مردود بأنه لا ريب ان ظاهر سياق الخبر ان الباقر (عليه‌السلام) حين سماعه لأذان جعفر (عليه‌السلام) وإقامته كان قاصدا إلى الجماعة لقوله في الاعتذار إلى المأمومين عن ترك الأذان والإقامة «إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم» يعني في حال خروجه قاصدا الى المكان الذي فيه الجماعة ، فظاهر الخبر يدل على مدخلية قصد الجماعة كما ذكره شيخنا المذكور.

واما قوله في المدارك : «والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر» فقد ظهر لك بما ذكرناه انه غير معتمد ولا معتبر ، ونزيده بأنه متى ثبت استحباب الأذان


للجماعة وتأكده فيها بالأخبار حتى قيل بوجوبه كما عرفت فسقوطه في موضع من المواضع يحتاج الى دليل واضح وبرهان لائح سيما مع ورود الموثقة المذكورة بتأييد عموم تلك الأخبار. واما رواية أبي مريم فهي مع ضعف سندها عنده كما صرح به لا دلالة فيها على المدعى ، فبأي دليل استجاز الخروج عن مقتضى الاستحباب والتأكيد في تلك الاخبار؟ ما هذه إلا مجازفات ظاهرة ومناقشات قاصرة ، ولله در الفاضل الخراساني في الذخيرة في هذا المقام مع متابعته لصاحب المدارك في جل الأحكام حيث عدل عنه هنا وصرح باختيار القول المشهور. والله العالم.

(المقام الثالث) ـ في كيفية الأذان والإقامة

وفيه أيضا مسائل : (الأولى) ـ لا خلاف بين الأصحاب انه في غير الصبح لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت واما في الصبح فالمشهور الرخصة في تقديمه قبل الصبح ثم إعادته بعد طلوع الصبح ، قال ابن ابي عقيل. الأذان عند آل الرسول (صلوات الله عليهم) للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلا الصبح فإنه جائز ان يؤذن لها قبل دخول وقتها ، بذلك تواترت الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) (١) وقالوا «كان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان أعمى وكان يؤذن قبل الفجر ويؤذن بلال إذا طلع الفجر وكان (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول إذا سمعتم أذان بلال فكفوا عن الطعام والشراب».

ومنع ابن إدريس من تقديمه في الصبح ايضا وهو اختيار المرتضى في المسائل الناصرية ، ونقل عن ابن الجنيد وابي الصلاح والجعفي ، قال السيد (رضي‌الله‌عنه) في الكتاب المذكور : قد اختلفت الرواية عندنا في هذه المسألة فروى انه لا يجوز الأذان لصلاة قبل دخول وقتها على كل حال ، وروى انه يجوز ذلك في صلاة الفجر خاصة (٢) وقال أبو حنيفة ومحمد والثوري لا يؤذن للفجر حتى يطلع الفجر ، وقال مالك وأبو يوسف

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.


والأوزاعي والشافعي يؤذن للفجر قبل طلوع الفجر (١) والدليل على صحة مذهبنا ان الأذان دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها فلا يجوز قبل وقتها لانه وضع للشي‌ء في غير موضعه ، وايضا ما روى (٢) «ان بلالا اذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يعيد الأذان». وروى عياض بن عامر عن بلال (٣) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا». ومد يديه عرضا.

قال في المختلف بعد نقله : والجواب المنع من حصر فائدة الأذان في إعلام وقت الصلاة بل قد ذكرنا له فوائد قبل طلوع الفجر ، قال المفيد (قدس‌سره) الأذان الأول لتنبيه النائم وتأهبه لصلاته بالطهور ونظر الجنب في طهارته ثم يعاد بعد الفجر ولا يقتصر على ما تقدم ، إذ ذاك لسبب غير الدخول في الصلاة وهذا للدخول فيها. وعن الحديث الثاني بأنا نقول بموجبه إذ يستحب للمؤذن إعادة أذانه بعد الفجر. وعن الثالث بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) امره بذلك لان ابن أم مكتوم كان يؤذن قبل الفجر فجعل أذان بلال علامة على طلوعه. انتهى.

أقول : ومما يدل على القول المشهور زيادة على ما ذكره ابن ابي عقيل ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عمران بن علي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان قبل الفجر فقال إذا كان في جماعة فلا وإذا كان وحده فلا بأس».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت له ان لنا مؤذنا يؤذن بليل؟ فقال اما ان ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة واما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان».

__________________

(١) عمدة القارئ ج ٢ ص ٦٥٠.

(٢) سنن البيهقي ج ١ ص ٣٨٣.

(٣) سنن ابى داود ج ١ ص ٢١١ والراوي فيه شداد مولى عياض.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.


وعن ابن سنان (١) قال «سألته عن النداء قبل طلوع الفجر؟ فقال لا بأس واما السنة فمع الفجر وان ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر».

وروى الصدوق عن معاوية بن وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة واحدر إقامتك حدرا. قال وكان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال. فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته وقالوا انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ان بلالا يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم».

أقول : قد نقل صاحب الوسائل الحديث المذكور كما نقلناه وظاهره حمل قوله : «فغيرت العامة هذا الحديث. إلخ» على انه من قول الامام (عليه‌السلام) والأقرب انه من كلام الصدوق كما هي عادته في إدخال كلامه في الاخبار على وجه يحصل به الالتباس كما في هذا الموضع ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى فإنه نسب هذه الزيادة الى الصدوق.

وروى ثقة الإسلام في الصحيح وبسند آخر في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان بلال يؤذن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وابن أم مكتوم ـ وكان أعمى ـ يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر».

وعن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك».

أقول : والى هذه الاخبار أشار ابن ابي عقيل بتواتر الاخبار وهي ـ كما ترى ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.


واضحة الدلالة في المدعى إلا ان من شأن للسيد وابن إدريس الاعتماد على الأدلة العقلية بزعمهما وعدم مراجعة الأدلة السمعية كما لا يخفى على المتتبع لكلامهما العارف بقواعدهما ، ولا سيما المرتضى (رضي‌الله‌عنه) كما تصفحت جملة من كتبه فإنه في مقام الاستدلال على الأحكام التي يذكرها انما يورد أدلة عقلية ولا يلم بالأخبار بالكلية.

إلا ان هنا جملة من الروايات الدالة على مذهب المرتضى (رضي‌الله‌عنه) ومن تبعه نقلها شيخنا المجلسي في كتاب البحار (١) من كتاب زيد النرسي :

منها ـ عن ابي الحسن (عليه‌السلام) «انه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال شيطان ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال الأذان حقا».

ومنها ـ عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال لا إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع. قلت فان كان يريد ان يؤذن الناس بالصلاة وينبههم؟ قال فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي ب «الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم» يقولها مرارا وإذا طلع الفجر فلم يكن بينه وبين ان يقيم إلا جلسة خفيفة بقدر الشهادتين وأخف من ذلك».

ومنها ـ ايضا عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال «الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية وليس ذلك من أصل الأذان ولا بأس إذا أراد الرجل ان ينبه الناس للصلاة ان ينادي بذلك ولا يجعله من أصل الأذان فإنا لا نراه أذانا».

أقول : وكان الاولى بمن ذهب الى القول المذكور الاستناد الى هذه الاخبار إلا ان صحة الكتاب المذكور والاعتماد عليه محل اشكال. وكيف كان فالظاهر ان هذه الاخبار لا تبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من الأخبار المعتضدة بعمل أكثر الأصحاب وروايتها في الأصول المعتمدة ، ولا يبعد خروج هذه الاخبار مخرج التقية فإنه مذهب أبي حنيفة واتباعه كما تقدم ذكره (٢).

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ١٧٩.

(٢) ص ٣٩٤.


فرع

قال في الذكرى : لأحد لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر ، وتقديره بسدس الليل أو نصفه تحكم وروى (١) «انه كان بين اذاني بلال وابن أم مكتوم نزول هذا وصعود هذا» وينبغي ان يجعل ضابطا في التقديم ليعتمد عليه الناس. ولا فرق بين رمضان وغيره في التقديم. ولا يشترط في التقديم مؤذنان فلو كان واحدا جاز له تقديمه نعم يستحب له إعادته بعده ليعلم بالأول قرب الوقت وبالثاني دخوله لئلا يتوهم طلوع الفجر بالأول.

(المسألة الثانية) ـ قد اختلفت الأخبار وكذا كلمة الأصحاب في عدد فصول الأذان والإقامة ، والمشهور ان فصول الأذان ثمانية عشر فصلا : التكبير أولا أربعا ثم الشهادة بالتوحيد ثم الشهادة بالرسالة ثم (حي على الصلاة) ثم (حي على الفلاح) ثم (حي على خير العمل) ثم التكبير ثم التهليل مرتين في كل منها. واما الإقامة فهي سبعة عشر بإسقاط تكبيرتين من الأربع التي في الأذان وزيادة عوضهما (قد قامت الصلاة) مرتين قبل التكبير الأخير والاقتصار في التهليل على مرة في الآخر. قال في المعتبر : وفصوله على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا : الأذان ثمانية عشر والإقامة سبعة عشر ، وهو مذهب السبعة ومن وليهم. وقال في المنتهى ذهب إليه علماؤنا ونقل ابن زهرة إجماع الفرقة عليه. وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب انه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها (قد قامت الصلاة) مرتين. وقال ابن الجنيد التهليل في آخر الإقامة مرة واحدة إذا كان المقيم قد اتى بها بعد الأذان فإن كان قد اتى بها بغير أذان ثنى (لا إله إلا الله) في آخرها. وقال الشيخ في النهاية بعد ما ذكر الأذان والإقامة كما هو المشهور : هذا الذي ذكرناه هو المختار المعمول عليه ، وقد روى سبعة وثلاثون فصلا

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١ ص ٣٨٢.


في بعض الروايات وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا ، فاما من روى سبعة وثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات (الله أكبر) ويقول في الباقي كما قدمناه ، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا يضيف الى ما قدمناه قول (لا إله إلا الله) مرة أخرى في آخر الإقامة ، ومن روى اثنين وأربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير اربع مرات وفي أول الإقامة أربع مرات وفي آخرها ايضا مثل ذلك اربع مرات ويقول (لا إله إلا الله) مرتين في آخر الإقامة. فإن عمل عامل على احدى هذه الروايات لم يكن مأثوما. انتهى. وظاهره التخيير في جميع ما ورد والجمع بين الاخبار بذلك.

واما الاخبار الواردة في المسألة فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام عن إسماعيل الجعفي (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا فعد ذلك بيده واحدا واحدا : الأذان ثمانية عشر حرفا والإقامة سبعة عشر حرفا». وهذه الرواية إنما تنطبق على القول المشهور في عدد الفصول في كل منهما إلا انها مجملة في بيان الفصول وعدم معلومية النقص والزيادة.

ويؤيدها بالنسبة إلى عدد فصول الأذان وبيان الإجمال الذي فيه جملة من الروايات الآتية المشتملة على هذا العدد في فصول معينة وهي التكبير أربعا والشهادة بالتوحيد والرسالة. إلى آخر الفصول المذكورة فيها مرتين مرتين في الجميع. ولكن ينافيها بعض الأخبار الآتية الدالة على تثنية التكبير في الأول.

واما بالنسبة إلى الإقامة فأكثر الأخبار قد دل على التثنية في الفصول المتوسطة وانما الإشكال في التكبير في أولها والتهليل في آخرها فإن الأخبار قد اضطربت فيه ، وحينئذ فمتى دل الخبر المذكور على انها سبعة عشر فصلا مع ما عرفت من تثنية الفصول المتوسطة وعدم الاشكال فيها فهذا العدد لا يتم إلا بجعل التكبير مرتين في أولها والتهليل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.


مرة واحدة في آخرها وإلا فلو جعل التكبير أربعا كما تدل عليه الأخبار الآتية زاد العدد على السبعة عشر سيما إذا ثني التهليل في آخرها فإنها تصير عشرين فصلا.

وبالجملة فإنك متى لا حظت هذا العدد ـ وضممت إليه دلالة الأخبار على تثنية الفصول المتوسطة وانما الخلاف في الطرفين وان هذا العدد لا يتجه ولا يحصل إلا بتثنية التكبير في الأول ووحدة التهليل في الآخر ـ ظهر لك صحة ما ذكرناه. ويعضد ذلك شهرة العمل بها بين الأصحاب حتى ادعى عليه الإجماع كما عرفت. والشهرة وان لم تكن عندنا دليلا شرعيا لكنها مؤيدة.

ويؤكد ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاذ بن كثير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي ان هو اذن واقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله». فإنها ظاهرة في تخصيص النقص في تلك الرواية من بين سائر فصول الإقامة بالتهليل ، إذ الظاهر من هذه الرواية هو الاكتفاء عن الإقامة ـ عند ضيق الوقت عن الإتيان بها كملا. حيث قد عرفت سابقا ان الظاهر من الأخبار عدم جواز الإخلال بها في الصلاة ـ بهذه الفصول الثلاثة الأخيرة منها.

ويؤيده أيضا ما في كتاب فقه الرضا (عليه‌السلام) (٢) من وحدة التهليل في آخر الإقامة وان كان قد جعل التكبير في أولها أربعا فجعل فصولها تسعة عشر.

وما في كتاب دعائم الإسلام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى وتفرد الشهادة في آخر الإقامة تقول (لا إله إلا الله) مرة واحدة». وهذه الرواية منطبقة على المشهور بالنسبة إلى الإقامة. والكتاب المذكور وان كانت اخباره تقصر عن إثبات الأحكام الشرعية لعدم شهرة الاعتماد عليه لكنها لا تقصر عن التأييد.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الأذان والإقامة.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٢.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من الأذان والإقامة.


ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى». وما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : قال «يا زرارة تفتتح الأذان؟ بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وبتهليلتين». وهذه الرواية موافقة للمشهور في الأذان.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان قال تقول الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله».

وهذه الرواية مخالفة للقول المشهور من حيث نقص التكبيرتين من أول الأذان ، وحملها الشيخ على انه قصد إفهام السائل كيفية التلفظ بالتكبير وكان معلوما ان التكبير في أول الأذان أربع مرات. وحمله غيره على الاجزاء وبقية الأحاديث على الأفضلية ، قيل ولذلك استقر عليه عمل الشيعة.

وما رواه عن المعلى بن خنيس (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يؤذن فقال الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله.». وذكر ما في حديث عبد الله بن سنان المذكور. أقول : وهو منطبق على المشهور بالنسبة إلى الأذان.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة والفضيل بن يسار عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه‌السلام) واقام فتقدم رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.


وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فقلنا له كيف اذن؟ فقال الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله.». ثم ساق الأذان كما في الحديثين المتقدمين. ثم قال «والإقامة مثلها إلا ان فيها (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) بين (حي على خير العمل حي على خير العمل) وبين (الله أكبر) فأمر بها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله». أقول : هذا الخبر مخالف للقول المشهور في الأذان بنقصان تكبيرتين من اوله وفي الإقامة بزيادة تهليل في آخرها.

وما رواه الصدوق بإسناده عن ابي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعا ـ ورواه الشيخ عنهما ايضا ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه حكى لهما الأذان قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله ، والإقامة كذلك».

أقول : وهذا الخبر موافق للمشهور في الأذان ومخالف له في الإقامة من جهات ثلاث : (إحداها) زيادة تكبيرتين في الأول (الثانية) ترك (قد قامت الصلاة) بالكلية (الثالثة) زيادة تهليل في الآخر ، فهو أشد الأخبار مخالفة فيها.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأظهر عندي ان منشأ هذا الاختلاف انما هو التقية لا بمعنى قول العامة بذلك بل التقية بالمعنى الذي قدمناه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب ، ولكن الأمر مجهول في تعيينه في أي منها والأظهر هو الجواز بكل ما وردت به الروايات لاذنهم (عليهم‌السلام) وتوسيعهم في العمل والرد الى العالم من آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وان كان القول المشهور لا يخلو من قوة لما ذكرناه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.


في صدر الكلام. والله العالم.

وفي المقام فوائد (الأولى) قال شيخنا الصدوق في الفقيه بعد نقل خبر ابي بكر الحضرمي وكليب الأسدي : قال مصنف هذا الكتاب هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه والمفوضة (لعنهم الله) قد وضعوا اخبارا وزادوا في الأذان «محمد وآل محمد خير البرية» مرتين وفي بعض رواياتهم بعد «اشهد ان محمدا رسول الله» «اشهد ان عليا ولي الله» مرتين ومنهم من روى بدل ذلك «اشهد ان عليا أمير المؤمنين حقا» مرتين ، ولا شك في ان عليا ولي الله وانه أمير المؤمنين حقا وان محمدا وآل محمد (صلوات الله عليهم) خير البرية ولكن ليس ذلك في أصل الأذان. وانما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا. انتهى.

أقول : ظاهر قوله «هذا هو الأذان الصحيح» من غير إشارة إلى الإقامة مع تضمن الخبر لها يومئ الى ان مذهبه في الإقامة ليس كما دل عليه الخبر ، فقول شيخنا في البحار ـ بعد ان نقل عنه في الهداية انه صرح بتثنية التهليل في آخر الإقامة ، الى ان قال بعد نقل كلام الصدوق المذكور : وظاهره العمل بهذا الخبر في الإقامة أيضا ـ لا يخفى ما فيه فإنه ـ كما ترى ـ انما حكم بصحة الأذان ولم يتعرض لذكر الإقامة في هذا الكلام ، وهذا مما يومئ الى توقفه في الإقامة وانها ليست كذلك لا الى ان مذهبه ان الإقامة كذلك.

ثم ان ما ذكره (قدس‌سره) من قوله : «والمفوضة لعنهم الله. إلخ» ففيه ما ذكره شيخنا في البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ أقول لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها ، قال الشيخ في المبسوط : واما قول «اشهد ان عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذ الاخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ولو فعله الإنسان لم يأثم به غير انه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال في النهاية : فأما ما روي


في شواذ الأخبار من قول «ان عليا ولي الله وان محمدا وآله خير البشر». فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئا. وقال في المنتهى : واما ما روى في الشاذ من قول «ان عليا ولي الله ومحمد وآل محمد خير البرية» فمما لا يعول عليه. ويؤيده ما رواه الشيخ احمد بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) هؤلاء يروون حديثا في معراجهم انه لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رأى على العرش (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر الصديق) فقال سبحان الله غيروا كل شي‌ء حتى هذا؟ قلت نعم. قال ان الله عزوجل لما خلق العرش كتب عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي أمير المؤمنين عليه‌السلام) ثم ذكر (عليه‌السلام) كتابة ذلك على الماء والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل وجناحي جبرئيل وأكناف السموات والأرضين ورؤوس الجبال والشمس والقمر ، ثم قال (عليه‌السلام) فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فليقل علي أمير المؤمنين». فيدل على استحباب ذلك عموما والأذان من تلك المواضع ، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه (عليه‌السلام) ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية بل بقصد البركة لم يكن آثما فان القوم جوزوا الكلام في أثنائهما مطلقا وهذا من أشرف الأدعية والأذكار. انتهى. وهو جيد

أقول : أراد بالمفوضة هنا القائلين بأن الله عزوجل فوض خلق الدنيا الى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي (عليه‌السلام) والمشهور بهذا الاسم انما هم المعتزلة القائلون بأن الله عزوجل فوض الى العباد ما يأتون به من خير وشر.

(الثانية) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأذان والإقامة يقصران مع العذر وفي السفر ، وقال ابن الجنيد إذا أفرد الإقامة من الأذان ثنى (لا إله إلا الله) في آخرها وان اتى بها معه فواحدة ، وقال لا بأس للمسافر ان يفرد كلمات الإقامة مرة مرة

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٦٢.


إلا التكبير في أولها فإنه مرتان.

أقول : روى الشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة الحذاء (١) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال لا بأس به إذا كنت مستعجلا».

وعن بريد بن معاوية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة».

وعن نعمان الرازي (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر».

وعن بريد مولى الحكم عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته يقول لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلى من ان أؤذن وأقيم واحدا واحدا». أقول : يعني الاكتفاء بالإقامة على وجهها عن الأذان أحب إليه من الإتيان بهما على جهة التقصير.

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الإقامة مرة مرة إلا قول (الله أكبر الله أكبر) فإنه مرتان». وهذا الخبر ظاهر في ما تقدم نقله عن ابن الجنيد لكنه خص التكبير بالأول وظاهر الخبر الإطلاق فيشمل الأول والأخير.

(الثالثة) ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في اشتراط الترتيب بين الأذان والإقامة وبين فصول كل منهما لأنها عبادة شرعية مبنية على التوقيف فالواجب الإتيان بها على الوجه الذي ورد به الأمر وبدونه لا يكون مجزئا.

ويدل على ذلك مضافا الى ما ذكرنا ما رواه ثقة الإسلام عن زرارة في الصحيح

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢١ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ٢٠ من الأذان والإقامة.


عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره». ورواه الشيخ عن زرارة في الصحيح مثله (٢)

وعن عمار الساباطي في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أو معته يقول ان نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شي‌ء فان نسي حرفا من الإقامة عاد الى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع الى آخر الإقامة. الحديث».

وروى الصدوق (نور الله مرقده) في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) تابع بين الوضوء. الى ان قال وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأول فالأول ، فإن قلت «حي على الصلاة» قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت حي على الصلاة».

وعن عمار الساباطي في الموثق (٥) «انه سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة؟ قال يرجع الى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف الى آخره ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الرجل يخطئ في أذانه وإقامته قبل ان يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال ان كان أخطأ في أذانه مضى على صلاته وان كان في إقامته انصرف وأعادها وحدها وان ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته وأجزأه ذلك».

أقول : ما اشتمل عليه موثق عمار الأول ـ من انه متى نسي حرفا من الأذان حتى أخذ في الإقامة فإنه يمضي في الإقامة ـ محمول على الرخصة بخلاف الإقامة فإنه لا رخصة في المضي ما لم يدخل في الصلاة بل يرجع ويرتب وهو من قبيل ما تقدم من الفروق بين الأذان والإقامة ، ويؤكده خبر الحميري المذكور هنا. واما ما اشتمل عليه موثق عمار الثاني من الرجوع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٣ من الأذان والإقامة.


إلى الحرف الذي نسيه ثم يرتب عليه ما بعده فإنه مبني على ما هو الأصل في الحكم المذكور فلا منافاة. ومعنى اشتراط الترتيب بينهما وفيهما عدم اعتبارهما بدونه فلا يعتد بهما في الجماعة ويأثم لو اعتقدهما أذانا واقامة وغير ذلك مما يترتب على صحتهما. وقد علم من الروايات المذكورة انه لا فرق في عدم الاعتداد بغير المرتب بين كون فعله عمدا أو سهوا لان الترتيب شرط والمشروط عدم عند عدم شرطه كالطهارة إلا ما خرج بدليل. والله العالم.

(الرابعة) ـ يجوز الاقتصار على الإقامة بغير أذان جماعة وفرادى لعذر كان أو غيره كما تكاثرت به الاخبار :

ومنها ـ ما رواه الصدوق عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (١) في الصحيح قال : «يجزئ في السفر اقامة بغير أذان».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر اقامة ليس معها أذان؟ قال نعم لا بأس به».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن».

وعن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال :

«يجزئك اقامة في السفر».

وعن الحسن بن زياد (٦) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن علي بن رئاب في الصحيح (٧) قال : «سألت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٥ من الأذان والإقامة.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا اقامة بغير أذان؟ قال نعم».

أقول : والأصل في هذه الاخبار ان الأذان لما كان مستحبا وليس بواجب كما هو الأشهر الأظهر حسبما تقدم تحقيقه بخلاف الإقامة لما تقدم ايضا وردت الرخصة في تركه دونها لعذر كان أولا لعذر بخلافها فإنه لا بد من الإتيان بها ولم يرد الترخيص فيها في خبر من هذه الاخبار ولا غيرها وهو دليل ما قيل فيها من الوجوب كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

(المسألة الثالثة) ـ قد تقدم في المقام الأول جملة من المستحبات في الأذان والإقامة في شروط المؤذن وبقي جملة من ذلك مما يتعلق بالأذان والإقامة كراهة واستحبابا :

فمنها ـ انه يستحب الوقوف على أواخر الفصول في الأذان والإقامة إجماعا كما ادعاه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء. الحديث».

وعن زرارة (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء والإقامة حدر».

ورواه الشيخ مثله (٣). وروى الصدوق عن خالد بن نجيح عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف».

وعن خالد بن نجيح عنه (عليه‌السلام) (٥) انه قال : «الأذان والإقامة مجزومان». قال الصدوق وفي خبر آخر (٦) «موقوفان».

أقول : قد اشتملت هذه الاخبار على الأمر بالإفصاح بالألف والهاء ومثلها أيضا صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ١٥ من الأذان والإقامة.


ما أسمعت نفسك وافهمته (١) وأفصح بالألف والهاء. الحديث». وقد تقدم في صدر المقام الأول.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى : قلت الظاهر انه ألف «الله» الأخيرة غير المكتوبة وهاؤه في آخر الشهادتين ، وعن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «لا يؤذن لكم من يدغم الهاء» وكذا الالف والهاء في الصلاة من «حي على الصلاة».

وقال في المنتهى : يكره ان يكون المؤذن لحانا ويستحب له ان يظهر الهاء في لفظتي «الله» و «الصلاة» والحاء من «الفلاح» لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «لا يؤذن لكم من يدغم الهاء. قلنا وكيف يقول؟ قال يقول اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وقال ابن إدريس : ينبغي ان يفصح فيهما بالحروف وبالهاء في الشهادتين ، والمراد بالهاء هاء «إله» لا هاء «اشهد» ولا هاء «الله» لأن الهاء في «اشهد» مبينة يفصح بها لا لبس فيها ، وهاء «الله» موقوفة مبينة لا لبس فيها ، وانما المراد هاء «إله» فإن بعض الناس ربما أدغم الهاء في لا إله إلا الله. انتهى.

وقال الشيخ البهائي (قدس‌سره) بعد نقل ملخص ذلك عن ابن إدريس : هذا كلامه وكأنه فهم من الإفصاح بالهاء إظهار حركتها لا إظهارها نفسها.

واعترضه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) فقال انه لا وجه لكلامه أصلا إذ كونها مبينة لا يستلزم عدم اللحن فيها وكثير من المؤذنين يقولون «أشد» وكثير منهم لا يظهرون الهمزات في أول الكلمات ولا الهاءات في أواخرها فالأولى حمله على تبيين كل الف وهمزة وهاء فيهما. انتهى.

أقول : الظاهر ضعف هذه المؤاخذة من شيخنا المجلسي على شيخنا البهائي (عطر الله

__________________

(١) كذا في الحبل المتين ص ٢٠٠ وفي كتب الحديث «أو فهمته».

(٢) المغني ج ١ ص ٤٣٠.


مرقديهما) فان ما اعترض به عليه وارد ايضا على ابن إدريس فلا وجه لتخصيصه بهذه المؤاخذة وكلام شيخنا المذكور مبني على فهمه من كلام ابن إدريس وتخصيصه الإفصاح بهذا الموضع دون الموضعين المنفيين في كلامه ان الجميع مشترك في البيان والإفصاح بكل من الحروف المذكورة فلا وجه لافراده هذا الموضع إلا باعتبار الإفصاح بالحركة.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : ولو فرض ترك الوقف أصلا سكن أواخر الفصول ايضا وان كان ذلك في أثناء الكلام ترجيحا لفضيلة ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج ، ولو أعرب أواخر الفصول ترك الأفضل ولم تبطل الإقامة لأن ذلك لا يعد لحنا وانما هو ترك وظيفة وكذا القول في الأذان. اما اللحن ففي بطلانهما به وجهان وقد اختلف كلام المصنف فيه فحرمه في بعض كتبه وأبطلهما به والمشهور العدم. نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ «رسول الله» أو مد لفظة «أكبر» بحيث صار على صيغة «أكبار» جمع «كبر» وهو الطبل له وجه واحد اتجه البطلان. ولو أسقط الهاء من اسمه تعالى أو من الصلاة أو الحاء من الفلاح لم يعتد به لنقصان حروف الأذان فلا يقوم بعضه مقامه ولما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ثم أورد الحديث المتقدم في كلام المنتهى.

ومنها ـ ان يتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة بمعنى انه لما كان الأفضل كما تقدم هو الوقوف على أواخر الفصول فالأفضل أن يجعل الوقف على آخر الفصول في الإقامة اقصر منه على آخر فصول الأذان وهو المراد من الحدر هنا ، فإنه وان كان لغة بمعنى الإسراع ـ قال في الصحاح حدر في قراءته وأذانه يحدر حدرا أي أسرع ـ لكن المراد هنا الإسراع على الوجه المذكور لا ترك الوقف بالكلية لما عرفت سابقا من استحبابه في حد ذاته.

والذي يدل على هذا الحكم روايات : منها ـ ما تقدم (١) من قوله (عليه‌السلام)

__________________

(١) ص ٤٠٨.


في رواية زرارة «والإقامة حدر».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان فقال اجهر وارفع به صوتك فإذا أقمت فدون ذلك ، ولا تنتظر بأذانك ولا إقامتك إلا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا».

وما رواه في الكافي عن الحسن بن السري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «الأذان ترتيل والإقامة حدر». ورواه الشيخ مثله (٣) والترتيل لغة التأني.

ومنها ـ انه يستحب ان يفصل بين الأذان والإقامة بركعتين أو سجدة أو نحوهما مما يأتي ذكره ، قال في المعتبر ويستحب الفصل بينهما بركعتين أو بجلسة أو سجدة أو خطوة خلا المغرب فإنه لا يفصل بين اذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة وعليه علماؤنا. ونحوه في المنتهى. وكلامهما يشعر بدعوى الإجماع على ذلك. وقال الشيخ في النهاية ويستحب ان يفصل الإنسان بين الأذان والإقامة بجلسة أو خطوة أو سجدة وأفضل ذلك السجدة إلا في المغرب خاصة فإنه لا يسجد بينهما ويكفي الفصل بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة. وقال ابن إدريس من صلى منفردا فالمستحب له ان يفصل بين الأذان والإقامة بسجدة أو جلسة أو خطوة والسجدة أفضل إلا في الأذان للمغرب خاصة فإن الجلسة أو الخطوة السريعة فيها أفضل ، وإذا صلى جماعة فمن السنة ان يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء من نوافله ليجتمع الناس في زمان تشاغله بها إلا صلاة المغرب فإنه لا يجوز ذلك فيها.

أقول : قد ذكر جملة من المتأخرين ومتأخريهم انهم لم يقفوا على نص يتعلق بالخطوة وبه اعترف في الذكرى ، ولا على ما يتعلق بالفصل بالسجدة حتى ان الشهيد الثاني انما التجأ إلى إمكان دلالة ما ورد في حديث الجلوس عليه فإنه جلوس وزيادة وسيأتي لك ما يدل على الجميع.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ و ٨ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من الأذان والإقامة.


والواجب أولا ذكر ما وصل إلينا من الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) ليتضح لك ما في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في مواضع من هذا المقام من الغفلة الناشئة عن عدم إعطاء التأمل حقه في الأخبار :

فمن الأخبار المذكورة ما رواه في الكافي عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها».

وما رواه الشيخ عن الحسن بن شهاب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «لا بد من قعود بين الأذان والإقامة».

وعن سليمان بن جعفر الجعفري في الصحيح (٣) قال : «سمعته يقول افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين».

وعن إسحاق الجريري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال قال : «من جلس في ما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله».

وعن سيف بن عميرة عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فان بينهما نفسا».

أقول : لا يخفى ان جملة هذه الأخبار المتقدمة عموما في بعض وخصوصا في آخر ما عدا الرواية الأخيرة ظاهرة الدلالة في الفصل بالجلوس بين أذان المغرب وإقامتها.

ويعضدها ايضا ما رواه الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق (٦) قال «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من السنة الجلوس بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء ليس بين الأذان والإقامة سبحة ، ومن السنة ان يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر».

وما رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.


السائل بإسناده عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن الحسن ابن محمد بن سماعة عن الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (١) قال «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وقت المغرب فإذا هو قد اذن وجلس فسمعته وهو يدعو بدعاء ما سمعت بمثله فسكت حتى فرغ من صلاته ثم قلت يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قط؟ قال هذا دعاء أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ليلة بات على فراش رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو : يا من ليس معه رب يدعى يا من ليس فوقه خالق يخشى يا من ليس دونه إله يتقى يا من ليس له وزير يرشى يا من ليس له بواب ينادى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا يا من لا يزداد على عظم الجرم الا رحمة وعفوا صل على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل الجود والخير والكرم».

ولا يعارض هذه الاخبار إلا مرسلة سيف المذكورة وهي تقصر عن ذلك فرد هذه الأخبار على كثرتها وصحة بعضها في مقابلة هذا الخبر الضعيف مشكل مع إمكان حمله على ضيق الوقت.

قال السيد ابن طاوس في الكتاب المذكور : وقد رويت روايات ان الأفضل ان لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها وهو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق ، ولعل الجلوس بينهما في وقت دون وقت أو لفريق دون فريق. انتهى. وظاهره (قدس‌سره) الميل الى القول المشهور وحمل هذه الرواية على ما ذكره. وفيه ان ما ذكره من الروايات الدالة على ان الأفضل ان لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها لم يصل إلينا منها إلا المرسلة المذكورة والروايات كلها على خلافها كما عرفت.

ومن اخبار المسألة ما رواه السيد المذكور أيضا في الكتاب المشار اليه بسنده فيه

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.


عن ابي علي الأنماطي عن ابي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما‌السلام) (١) قال : «يؤذن للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر». أقول : ورواه الشيخ في التهذيب عن ابي علي صاحب الأنماط عن ابي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما‌السلام) مثله (٢).

وقد تقدم في رواية زريق المنقولة عن مجالس الشيخ «ان من السنة ان يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر». وهو مطلق فيجب حمله على هذا الخبر بان تكون الركعتان من الثمان الموظفة قبل كل من الفرضين.

وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) «ولا بد من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك ، وأقل ما يجزئ في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها ان يجلس بعد الأذان جلسة يمس فيها الأرض بيده».

وفيه إشارة الى أن الفريضة التي تكون قبلها صلاة يستحب ان يجعل منها ركعتين بين أذان تلك الفريضة وإقامتها ، وعلى ذلك تدل رواية أحمد بن محمد بن ابي نصر المتقدمة

ويعضدها ما تقدم في صحيحة ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث أذان الصبح قال : «السنة ان ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان».

وربما أشعرت هذه الروايات بان استحباب الفصل بالركعتين مخصوص بهذه الصلوات حيث ان قبلها صلاة إلا ان صحيحة الجعفري المتقدمة مطلقة في الأمر بالفرق بجلوس أو ركعتين فيمكن حمل إطلاقها على هذه الأخبار.

والمشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين مطلقا ولعلهم يحملون

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٣١ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من الأذان والإقامة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.


هذه الروايات على تأكد الفصل بالركعتين في هذه المواضع الثلاثة.

وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال إذا كنت اماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما وان كنت وحدك فلا يضرك قبلهما أذنت أو بعدهما». وهذه الرواية تدل على أفضلية الفصل بركعتي الفجر في الجماعة زيادة على ما تقدم من حيث انتظار الاجتماع للصلاة.

ومنها ـ ما رواه السيد المتقدم ذكره في كتاب فلاح السائل أيضا بسنده فيه عن بكر بن محمد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقول لأصحابه من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده «رب سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا» يقول الله تعالى ملائكتي وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين».

وما رواه ايضا فيه بسنده عن ابن ابي عمير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان والإقامة فلما رفع رأسه قال يا أبا عمير من فعل مثل فعلى غفر الله له ذنوبه كلها. وقال من اذن ثم سجد فقال (لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا) غفر الله له ذنوبه».

أقول : وهذان الخبران هما مستند المتقدمين في ما ذكروه من استحباب الفصل بالسجدة إلا انه لم يصل الى أكثر المتأخرين فوقعوا في ما وقعوا فيه من الاشكال وتمحلوا في طلب الدليل بالاحتمال.

ومنها ـ ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (٤) فقال (عليه‌السلام) «وان أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا وانما ذلك على الإمام

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.

(٤) ص ٦.


واما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثم يقول بالله استفتح وبمحمد أستنجح وأتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. وان لم تفعل أيضا أجزأك». أقول : وهذا هو دليل الخطوة التي ذكرها المتقدمون إلا ان كلامهم مطلق في ذلك بالنسبة الى كل مصل وظاهر الخبر التخصيص بالمنفرد.

ومنها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو تسبيح أو كلام». وزاد في الفقيه (٢) قال : «وسألته كم الذي يجزئ بين الأذان والإقامة من القول؟ قال الحمد لله».

وروى الشيخ في التهذيب عن عمار في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل نسي أن يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة؟ قال ليس عليه شي‌ء وليس له ان يدع ذلك عمدا. سئل ما الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال الحمد لله». أقول : والعمل بجميع ما اشتملت عليه هذه الاخبار حسن وان تفاوت في الفضل.

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان (٤) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) اذن واقام من غير ان يفصل بينهما بجلوس». أقول : لعله فصل بتسبيح أو تحميد أو نفس ان كان في المغرب.

وربما قيد بعضهم استحباب الفصل بالركعتين بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة والظاهر انه استند في ذلك الى ما تقدم في مقدمة الأوقات من المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة. وفيه اشكال لتعارض العمومين فتخصيص أحدهما بالآخر يحتاج الى دليل وان كان الاحتياط في ما ذكره. والله العالم.

ومنها ـ الترجيع وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيه (أولا) كراهة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.


وتحريما فقال الشيخ في المبسوط والخلاف انه غير مسنون ، وقال ابن إدريس وابن حمزة انه محرم وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، وذهب آخرون إلى الكراهة ، قال في المنتهى : الترجيع مكروه ذهب إليه علماؤنا. وهو مشعر بالاتفاق على الكراهة ولعله ـ وان بعد ـ أراد ما هو أعم من التحريم.

وثانيا ـ في حقيقته وانه عبارة عما ذا؟ فقال الشيخ في المبسوط انه تكرار التكبير والشهادتين في أول الأذان. وقال العلامة في المنتهى انه تكرار الشهادتين مرتين. وقال الشهيد في الذكرى انه تكرار الفصل زيادة على الموظف. وذكر جماعة من أهل اللغة : منهم ـ صاحب القاموس وصاحب المغرب انه تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفائهما. ونقل عن بعض أهل اللغة انه فسره بترديد القراءة.

أقول : لا يخفى ان الترجيع بأي معنى فسر مما ذكره الأصحاب ان اتى به المكلف من حيث اعتقاد كونه من الأذان فلا ريب في تحريمه لأن الأذان عبادة شرعية متلقاة من الشارع فالزيادة فيها باعتقاد انها منها تشريع محرم ، وان كان لا باعتبار ذلك فلا يبعد القول بالكراهة ، وبه يجمع بين القولين المتقدمين إذ مرجع قول الشيخ انه ليس بمسنون إلى انه مكروه أو محرم لأنها عبادة ومتى انتفت عنها المسنونية فليس إلا أحد الفردين المذكورين إذ لا معنى للجواز هنا بالمعنى الأخص. والى القول بالتحريم متى اعتقد الشرعية مال في المدارك والذخيرة ولا ريب فيه كما عرفت.

وذكر الشيخ وجمع من الأصحاب ـ بل نقل عليه في المختلف الاتفاق ـ انه لو قصد بالترجيع اشعار المصلين فلا منع فيه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لو ان مؤذنا أعاد في الشهادة وفي (حي على الصلاة أو حي على الفلاح) المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان اماما يريد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من الأذان والإقامة.


جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس». وظاهر هذه الرواية ربما دل على ما ذهب إليه في الذكرى من تفسير معنى الترجيع بحمل ما ذكر في الرواية على مجرد التمثيل.

ومما يدل على النهي عن الترجيع ما في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال (عليه‌السلام) بعد ذكر فصول الأذان وعددها «ليس فيها ترجيع ولا تردد ولا الصلاة خير من النوم». والظاهر ان عطف التردد تفسيري للترجيع. أقول : ومن المحتمل قريبا ان المراد بالترجيع المنهي عنه هنا هو ترجيع الصوت وترديده على جهة الغناء لا تكرار الكلمات كلا أو بعضا. والتعبير بالترجيع لم أقف عليه في شي‌ء من الأخبار سوى هذا الخبر وانما وقع ذلك في كلام الأصحاب وقد عرفت اختلافهم في معناه ورواية أبي بصير المذكورة انما اشتملت على لفظ الإعادة ، وذكرهم الترجيع والاختلاف فيه تحريما وكراهة وكذا في معناه مع عدم وروده في الأخبار عجيب إلا ان يكون المستند فيه هو كتاب الفقه المذكور ولا بعد فيه لما عرفت في غير موضع مما تقدم من وجود كثير من الأدلة التي أنكرها المتأخرون على المتقدمين في كتاب المذكور. والله العالم.

ومنها ـ التثويب وقد وقع الخلاف هنا أيضا في حقيقته وحكمه والمشهور بين الأصحاب انه عبارة عن قول «الصلاة خير من النوم» صرح به الشيخ في المبسوط وابن ابي عقيل والسيد المرتضى وغيرهم (رضوان الله عليهم) قال في المنتهى التثويب في أذان الغداة وغيرها غير مشروع وهو قول : «الصلاة خير من النوم» ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول الشافعي ، وأطبق أكثر الجمهور على استحبابه في الغداة ، لكن عن أبي حنيفة روايتان في كيفيته فرواية كما قلناه والأخرى ان التثويب عبارة عن قول المؤذن بين أذان الفجر وإقامته «حي على الصلاة» مرتين «حي على الفلاح» مرتين (٢)

__________________

(١) ص ٦.

(٢) بدائع الصنائع ج ١ ص ١٤٨ والبحر الرائق ج ١ ص ٢٧٤ والمبسوط ج ١ ص ١٣٠ الا ان فيهما «قدر ما يقرأ عشرين آية».


ثم قال في موضع آخر من المنتهى ايضا : يكره ان يقول بين الأذان والإقامة «حي على الصلاة حي على الفلاح» وبه قال الشافعي ، وقال محمد بن الحسن كان التثويب الأول «الصلاة خير من النوم» مرتين بين الأذان والإقامة ثم أحدث الناس بالكوفة «حي على الصلاة حي على الفلاح» مرتين بينهما وهو حسن. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة يقول بعد الأذان «حي على الصلاة حي على الفلاح» بقدر ما يقرأ عشر آيات. انتهى كلام المنتهى. وقال الشيخ في النهاية التثويب تكرير الشهادتين والتكبيرات زائدا على العدد الموظف شرعا. وقال ابن إدريس هو تكرير الشهادتين دفعتين لأنه مأخوذ من «ثاب» إذا رجع.

واما كلام أهل اللغة هنا فإنه قال في النهاية : الأصل في التثويب أن يجي‌ء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوب. وقيل انما سمى تثويبا من «ثاب يثوب» إذا رجع فهو رجوع الى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة فإن المؤذن إذا قال «حي على الصلاة» فقد دعاهم إليها فإذا قال بعدها «الصلاة خير من النوم» فقد رجع الى كلام معناه المبادرة إليها. واما في القاموس فإنه فسره بمعان : منها ـ الدعاء إلى الصلاة وتثنية الدعاء وان يقول في أذان الفجر «الصلاة خير من النوم» مرتين. وقال في المغرب التثويب القديم هو قول المؤذن في أذان الصبح «الصلاة خير من النوم» والمحدث «الصلاة الصلاة» أو «قامت قامت».

واختلفوا أيضا في حكمه لو لم يكن المقام مقام تقية فذهب ابن إدريس وابن حمزة وجمع من المتأخرين إلى التحريم وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، وقال الشيخ في المبسوط والمرتضى في الانتصار بالكراهة وهو اختيار المحقق ، وعن ابن الجنيد انه لا بأس به في أذان الصبح ، وعن الجعفي يقول في أذان صلاة الصبح بعد قوله «حي على خير العمل حي على خير العمل» «الصلاة خير من النوم» مرتين وليستا من أصل الأذان. هذا ما يتعلق بالمقام من كلام العلماء الاعلام.


واما ما يتعلق بذلك من اخبار أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام. فمنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال ما نعرفه». ورواه الكليني والصدوق وابن إدريس في السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (٢).

وعن زرارة في الصحيح (٣) قال : «قال لي أبو جعفر (عليه‌السلام) يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين وان شئت زدت على التثويب «حي على الفلاح» مكان الصلاة خير من النوم».

وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان ابي ينادي في بيته ب (الصلاة خير من النوم) ولو رددت ذلك لم يكن به بأس».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «النداء والتثويب في الإقامة من السنة».

وروى المحقق في المعتبر نقلا من كتاب احمد بن محمد بن ابي نصر عن عبد الله ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا كنت في أذان الفجر فقل (الصلاة خير من النوم) بعد (حي على خير العمل) ولا تقل في الإقامة (الصلاة خير من النوم) انما هذا في الأذان».

أقول : التحقيق في هذا المقام هو ما ذكرناه في سابقه من ان كلا من الأذان والإقامة عبادة شرعية متلقاة من الشارع ، وأخبارهما الواردة في كيفيتهما عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) خالية من هذه الزيادات في أثناء أحدهما أو بينهما كما تقدم ذكره وبه يظهر التحريم متى اعتقد دخولها في الكيفية أو التعبد بها ، ولما كان جمهور العامة على استحباب ذلك ـ كما تقدم في كلام المنتهى ويعضده ما تقدم في رواية زيد النرسي (٧)

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٢ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٩ و ٢٢ من الأذان والإقامة.

(٧) ص ٣٩٧.


«ان الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية». ـ فالواجب حمل ما دل على جوازه من الأخبار المذكورة هنا وغيرها على التقية.

واما ما ذكره المحقق في هذا المقام حيث قال بعد ان نقل عن الشيخ حمل الأخبار المذكورة على التقية : ولست ارى هذا التأويل شيئا فإن من جملة الأذان (حي على خير العمل) وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الأوجه ان يقال فيه روايتان عن أهل البيت (عليهم‌السلام) أشهرهما تركه. أقول : بل الأظهر هو ما ذكره الشيخ إذ هو الموافق لمقتضى الأخبار المستفيضة عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) من عرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافهم وان كان هو وغيره قد الغوا هذه القواعد المنصوصة وألقوها ورواء ظهورهم واتخذوا قواعد لا أصل لها في الشريعة كما أوضحناه في غير مقام مما تقدم.

واما ما توهم منه المنافاة للحمل على التقية ـ من قوله (عليه‌السلام) في الخبر الذي نقله : فقل «الصلاة خير من النوم» بعد «حي على خير العمل» ـ فيجب ارتكاب التأويل فيه بحمل قول «حي على خير العمل» خفية إذ ليس في الخبر تصريح بالإعلان بها ويكون المعنى انه إذا قال ذلك سرا قال بعدها «الصلاة خير من النوم» ويمكن ايضا ـ كما ذكره شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار ـ حمله على المماشاة مع العامة بالجمع بين ما ينفرد به الشيعة وبين ما ينفردون به ، وهو جيد. ومما يؤيد حمل الرواية المذكورة على التقية اشتمالها على التهليل في آخر الأذان مرة واحدة فإن العامة أجمعوا على الوحدة (١) كما ان الشيعة أجمعت على التثنية كما نقله شيخنا في البحار. وبالجملة فالحكم بالتحريم في المسألة أظهر الأقوال. والله العالم.

__________________

(١) اتفقت كتبهم في بيان فصول الأذان على ذلك حتى انهم في مقام بيان الاختلاف في كيفيته لا يذكرون خلافا في ذلك وكذا اخبارهم ، راجع المحلى ج ٣ ص ٢٣٩.


(المقام الرابع) ـ في الأحكام وقد تقدم جملة منها في الأبحاث السابقة وبقي مواضع :

(الأول) ـ أنه يستحب حكاية الأذان بلا خلاف كما ذكره في المنتهى ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كل شي‌ء».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لمحمد بن مسلم : يا ابن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن». ورواه في كتاب العلل مسندا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) انه قال «يا ابن مسلم. الحديث».

وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «روى انه من سمع الأذان وقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه».

وروى في العلل عن زرارة في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما أقول إذا سمعت الأذان؟ قال اذكر الله مع كل ذاكر».

وروى في الفقيه عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «من سمع المؤذن يقول اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال مصدقا محتسبا وانا اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اكتفى بهما عن من ابى وجحد وأعين بهما من أقر وشهد كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ومثل عدد من أقر وعرف».

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤٥ من الأذان والإقامة. والرواية رقم «٢» مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم «٦» للكافي.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام الخلوة.


وروى في كتاب العلل بسنده عن ابي بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال لان ذكر الله حسن على كل حال. ثم قال لما ناجى الله عزوجل موسى بن عمران قال موسى يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله تعالى اليه يا موسى انا جليس من ذكرني. فقال موسى يا رب اني أكون في حال أجلك أن ذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال».

وروى في كتاب العلل بسنده عن سليمان بن مقبل (٢) قال : «قلت لموسى ابن جعفر (عليه‌السلام) لأي علة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان ان يقول كما يقول المؤذن وان كان على البول والغائط؟ قال ان ذلك يزيد في الرزق».

وروى في الخصال بإسناده عن سعيد بن علاقة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٣) قال : «إجابة المؤذن تزيد في الرزق».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المقام فوائد (الأولى) الظاهر من الحكاية في هذه الاخبار هو الإتيان بجميع الفصول التي يأتي بها المؤذن وقال الشيخ في المبسوط روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «انه كان يقول إذا قال حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله». قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهذه الرواية مجهولة الإسناد. أقول : بل الظاهر انها عامية فإنه قد روى مسلم في صحيحة (٤) وغيره في غيره بأسانيد عن عمر ومعاوية «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال اشهد ان لا إله إلا الله قال اشهد ان لا إله إلا الله ثم قال اشهد ان محمدا رسول الله قال اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من أحكام الخلوة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٣٤ من الأذان والإقامة.

(٤) ج ٤ ص ٨٥ وسنن النسائي ج ٢ ص ٢٥.


ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة».

(الثانية) ـ قال في المبسوط من كان خارج الصلاة وسمع المؤذن يؤذن فينبغي ان يقطع كلامه ان كان متكلما وان كان يقرأ القرآن فالأفضل له ان يقطع القرآن ويقول كما يقول المؤذن لأن الخبر على عمومه. وهو جيد عملا بعموم الأخبار المذكورة.

ثم انه (قدس‌سره) صرح أيضا بأنه لا يستحب حكايته في الصلاة وبه قطع العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، وقال ايضا متى قاله في الصلاة لم تبطل صلاته إلا في قوله (حي على الصلاة) فإنه متى قال ذلك مع العلم بأنه لا يجوز فإنه يفسد الصلاة لأنه ليس بتحميد وتكبير بل هو من كلام الآدميين المحض ، فان قال بدلا من ذلك «لا حول ولا قوة إلا بالله» لم تبطل صلاته. وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب.

أقول : الظاهر ان الوجه فيه هو عدم تيقن العموم في الاخبار على وجه يشمل الصلاة مع ان بعض فصوله ليست ذكرا فيشكل الإتيان به في الصلاة فيكون موجبا لبطلانها كما ذكره ، وأنت خبير بان ظاهر هذه الاخبار إطلاق الذكر على الأذان بجميع فصوله من الحيعلات وغيرها فان ظاهر قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المروية في العلل المرسلة في الفقيه «لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء». هو كون مجموع الأذان ذكرا وان القصد إلى المبالغة في الإتيان بهذا الذكر ولو على هذه الحالة ثم أكده بقوله : «فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن» وهو كالصريح في ما ادعيناه والفصيح في ما وعيناه ، ونحوه رواية أبي بصير ايضا وقوله فيها : «فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله في تلك الحال لان ذكر الله حسن على كل حال». وهو ظاهر في ان جميع ما يقوله المؤذن ذكر الله ولو خص ذكر الله بما عدا الحيعلات لاختل النظام في هذا الكلام ، على ان الحيعلات بمقتضى كلامهم من الكلام المتعارف الذي ليس بذكر الله وهو مكروه على الخلاء اتفاقا نصا


وفتوى إلا ما استثنى فكيف يجامع هذا التأكيد بالإتيان به على الخلاء لو لم يكن ذكرا وبالجملة فإن ما ذكرناه هو ظاهر النصوص المذكورة كما عرفت وان كان الاحتياط في الوقوف على ما ذكروه.

(الثالثة) ـ لو فرغ من الصلاة ولم يحكه فالظاهر سقوط الحكاية لفوات محله صرح به جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد وغيره ، وقال الشيخ في المبسوط انه مخير واختاره العلامة في التذكرة ، وقال في الخلاف يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا. ولا ريب في ضعفها.

(الرابعة) ـ قال في الذخيرة : لو دخل المسجد والمؤذن يؤذن ترك صلاة التحية إلى فراغ المؤذن استحبابا ، قاله المصنف وغيره وهو حسن. انتهى.

أقول : لا اعرف لهذا الحسن وجها وجيها فإن شرعية صلاة التحية وقت الدخول وتأخيرها عن ذلك الوقت إخلال بها ، وبالجملة فهنا مستحبان تعارضا وتقديم أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل. نعم لو ثبت ان تأخير صلاة التحية عن وقت الدخول جائز وان وقتها لا يفوت بذلك تم ما ذكروه إلا ان الظاهر ان الأمر ليس كذلك.

(الخامسة) ـ ذكر جماعة من الأصحاب ان المستحب حكاية الأذان المشروع فلو لم يكن مشروعا كأذان العصر يوم عرفة ويوم الجمعة والأذان الثاني يوم الجمعة وكذا أذان المجنون والصبي الغير المميز لم يكن كذلك. وأنت خبير بان عد أذان العصر في يومي عرفة والجمعة ينبغي ان يكون مبنيا على القول بالتحريم وإلا فلو قيل بالكراهة كما هو أحد الأقوال المتقدمة في المسألة فلا.

وعد شيخنا الشهيد ايضا من ذلك أذان الجنب في المسجد ، وتنظر فيه في الذخيرة بأن تحريم الكون في المسجد لا يقتضي فساد أذانه. أقول : فيه انه مناف لما حققه في مسألة الصلاة في المكان المغصوب فإن المسألتين من باب واحد ، وهم قد ذكروا ثمة ان العبادة منهي عنها في هذا المكان والنهي في العبادة يستلزم الفساد وهذا يجري في الأذان أيضا. وقد


مضى تحقيق الكلام في ذلك وبيان الجواب عما احتجوا به على البطلان. وبالجملة فكلام شيخنا المشار اليه مبني على ذلك فلا وجه لاعتراضه عليه مع موافقته ثمة عليه.

(الموضع الثاني) ـ الكلام بعد الإقامة وقد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فالمشهور الكراهة وقيل بالتحريم ذهب اليه الشيخان في المقنعة والنهاية والمرتضى في المصباح وابن الجنيد واختاره المحدث الكاشاني في كتبه الثلاثة على تفصيل يأتي ، وهو الأظهر عندي أيضا.

ويدل على القول بالتحريم ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال نعم فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم امام فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان».

وما رواه في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام وأهل المسجد إلا في تقديم امام».

وعن سماعة في الموثق (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا ان يكون القوم ليس يعرف لهم امام».

ومما استدلوا به على القول المشهور صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال نعم».

ورواية الحلبي (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته؟ قال لا بأس».

وعن الحسن بن شهاب (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا بأس ان يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم ان شاء».

ونقل ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.


عن جعفر بن بشير عن عبيد بن زرارة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال لا بأس».

ومنه ايضا من الكتاب المذكور عن جعفر بن بشير عن الحسن بن شهاب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال لا بأس».

وأصحاب هذا القول حملوا الروايات المتقدمة على الكراهة الشديدة والشيخ (قدس‌سره) حمل هذه الأخبار على الضرورة أو ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف أو نحو ذلك.

وأنت خبير بأنه لا تنافي بين هذه الاخبار عند التأمل فيها بعين التحقيق والاعتبار ليحتاج الى الجمع بينها بما ذكره كل منهما ، وذلك فان مورد الأخبار المتقدمة الجماعة ومورد الأخبار الثانية المنفرد فالواجب في كل منهما بقاؤه على مورده ولا تنافي ، وبذلك يظهر لك ان الحق في هذه المسألة هو التفصيل بما ذكرناه لا ما ذكره كل منهما من العموم مع انه لا دليل عليه.

هذا. واما ما دلت عليه هذه الاخبار من جواز الكلام في الإقامة وبعدها فهي معارضة بالأخبار الدالة على النهي عن ذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ابي هارون المكفوف (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن ابي نصر (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا». ورواه في الكافي مثله (٥).

والقول بالتحريم كما هو ظاهر هذه الأخبار منقول عن الشيخ المفيد والمرتضى (رضي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.


الله عنهما) ويؤيده ما تقدم في روايتي سليمان بن صالح ويونس الشيباني مما يدل على انه إذا أخذ في الإقامة فهو في الصلاة ، وحينئذ فيراعى فيها ما يراعى في الصلاة كما عرفت من الأخبار المتقدمة في اشتراط كون الإقامة قائما مستقبل القبلة متطهرا وإعادتها مع اختلال هذه الشروط.

ويعضده ما ورد هنا ايضا من انه متى تكلم في إقامته فإنه يعيدها كما رواه زرارة في الصحيح (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إن تكلمت أعدت الإقامة». وبهذا الخبر يقيد إطلاق تلك الأخبار الواردة في جواز التكلم حال الإقامة أو بعدها فإنه وان جاز له ذلك لكن لا بد من إعادتها وعدم الاعتداد بها وبه يتم المطلوب كما ادعاه مفيد الطائفة ومرتضاها (رضي‌الله‌عنهما).

فائدة

روى الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى الصلاة ونهى عنه».

أقول : ظاهر هذا الخبر كراهة الكلام بين الأذان والإقامة في خصوص صلاة الغداة ولم يذكره أكثر الأصحاب وانما حكموا بكراهة الكلام أو تحريمه كما عرفت في خلال الإقامة أو بعد تمامها ، نعم نقل ذلك عن الفقيه يحيى بن سعيد في الجامع فإنه قال يكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة. ونحوه قال شيخنا الشهيد في النفلية ورواه ايضا الصدوق في وصية النبي لعلي عليهما الصلاة والسلام (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة. والراوي لهذه الرواية في كتب الحديث هو محمد بن مسلم ولم نعثر على رواية لزرارة بهذا اللفظ.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.


(الموضع الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز له ان يجتزئ به في الجماعة.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه».

وعن ابي مريم الأنصاري (٢) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلنا له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء ، واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك».

وعن عمرو بن خالد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «كنا معه فسمع اقامة جار له بالصلاة فقال قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا اقامة وقال يجزئكم أذان جاركم».

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) إطلاق النص والفتوى يقتضي انه لا فرق في المؤذن بين كونه مؤذن مصر أو مسجد أو منفردا ، وخصه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالأولين ومنع من الاجتزاء بأذان المنفرد. وأنت خبير بأنه لا يظهر لهذا التخصيص وجه بل لو ادعى عليه العكس لكان أظهر فإن الظاهر من الخبرين المذكورين كون كل من المؤذن والمقيم منفردا.

(الثاني) ـ قال في المدارك : الظاهر انه لا فرق في هذا الحكم بين الامام والمنفرد وان كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام ، لأنه إذا ثبت اجتزاء الامام بسماع الأذان فالمنفرد اولى. انتهى.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢١٦ وفي الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.


أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الوهن وتطرق الاشكال وان كان قد سبقه اليه الشهيد في الذكرى حيث قال : وفي اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر أقربه ذلك لانه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وفيه انه متى اعترف بكون مورد النصوص انما هو الامام كما يظهر من كلامهم فحمل المنفرد عليه قياس محض ، والتستر بكونه اولى وانه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لا يجدي نفعا ، على انه لو ثبتت الأولوية فالخروج عن القياس محل بحث قد سلف تحقيقه في مقدمات الكتاب. نعم يمكن ان يقال ان ظاهر إطلاق صحيحة ابن سنان المتقدمة يشمل المصلي منفردا وأكثر الأصحاب لم يذكروها في أدلة المسألة وانما ذكروا الروايتين الأخيرتين المشتملتين على الجماعة ، إلا أن لقائل أن يقول يمكن ان يكون إطلاقها محمولا على تقييد الروايتين المذكورتين. وبالجملة فإن مقتضى الأدلة ثبوت الأذان والإقامة مطلقا إلا ما قام الدليل الواضح على خروجه فيجب الحكم به ويبقى ما عداه ، ويعضده اقتضاء الاحتياط ذلك.

(الثالث) ـ المستفاد من روايتي أبي مريم وعمرو بن خالد الاجتزاء بسماع الإقامة أيضا إلا أن رواية أبي مريم قيدته بعدم الكلام بعد الإقامة أو في خلالها. وهو جيد لما عرفت آنفا من ان الكلام في الإقامة أو بعدها موجب لإعادتها ففي السماع بطريق اولى (١).

(الرابع) ـ هل يستحب إعادة الأذان والإقامة في هذه الصورة للسامع المنفرد على القول به أو للإمام أو لمؤذنه في الجماعة أم لا؟ وجهان أقربهما نعم لظاهر صحيحة ابن سنان فان ظاهر قوله : «وأنت تريد ان تصلي بأذانه» التخيير بين الصلاة وعدمها ، ويؤيده ان ظاهر سياق رواية أبي مريم المذكورة ان جميع ما ذكر فيها انما خرج مخرج الرخص ، والى ما ذكرنا يميل كلام السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني

__________________

(١) انظر الى انه كيف عمل بالأولوية في المقام مع نفيه ذلك في غير مقام لا سيما الموضع الثاني المتقدم على هذا الموضع فافهم. سيد على «قدس‌سره».


في الذخيرة. واولى بالإعادة ما إذا اتسع الوقت بين الأذان المسموع وبين صلاة المصلي به

وظاهر الشهيد في الذكرى التوقف في ذلك حيث قال : وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟ يحتمل ذلك وخصوصا مع اتساع الوقت. أقول قد تقدم ان المنفرد إذا أذن ثم أراد الجماعة أعاد أذانه والفرق بينه وبين السامع غير ظاهر.

وكيف كان فإنه يجب ان يستثني من هذا الحكم المؤذن والمقيم للجماعة فإنه لا يستحب الإعادة معه لأن أذانه وإقامته لهم ، واستدل عليه بإطباق المسلمين كافة على تركه ولو كان مستحبا لما أطبقوا على تركه.

(الخامس) ـ قال الشيخ في المبسوط إذا اذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لكل من يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له ان يؤذن ويقيم في ما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا شي‌ء عليه. انتهى. ووجهه غير واضح.

(الموضع الرابع) قال في الشرائع : من أحدث في أثناء الصلاة تطهر وأعادها ولا يعيد الإقامة إلا ان يتكلم. انتهى. وظاهره ان الحدث في الصلاة لا يوجب إعادة الإقامة مع انه قد صرح قبل هذه المسألة بان من أحدث في أثناء الإقامة فالأفضل أن يعيد الإقامة. وربما ظهر من كلامه في الموضعين الفرق بين الحدث في أثناء الإقامة فإنه يعيدها وبينه في أثناء الصلاة فلا يعيدها. وهو مشكل.

ومما يدل على إعادة الإقامة بتخلل الحدث ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في إقامته؟ قال ان كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم اقامة».

والسيد السند في المدارك انما استدل على ذلك بخبر ابي هارون المكفوف المتقدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.


وقوله (عليه‌السلام) فيه : «الإقامة من الصلاة» ثم قال ومن حكم الصلاة الاستئناف بطرو الحدث في أثنائها فتكون لإقامة كذلك انتهى. وهو ناشى‌ء عن عدم اطلاعه على الخبر المذكور.

وكيف كان فالظاهر هو إعادة الإقامة في صورة بطلان الصلاة بتخلل الحدث لانه لا يخرج عن وقوع الحدث بعد الإقامة وهو موجب لإعادتها.

(الموضع الخامس) ـ من صلى خلف من لا يقتدى به اذن لنفسه واقام فإن خشي فوت الركعة اقتصر على «قد قامت الصلاة» مرتين وتثنية التكبير والتهليل مرة ، قالوا ويأتي ببقية ما يتركه المؤذن بمعنى انه إذا أخل بشي‌ء من فصول الأذان استحب للمأموم الإتيان به.

فاما ما يدل على الحكم الأول فما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «اذن خلف من قرأت خلفه». ورواه الصدوق مرسلا (٢) وما تقدم في موثقة عمار المتقدمة في صدر المقام الأول (٣) من قوله (عليه‌السلام) حيث «سئل عن الأذان هل يجوز ان يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز ان يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فان علم الأذان واذن به ولم يكن عارفا لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به».

واما ما يدل على الحكم الثاني فهو ما رواه في الكافي عن معاذ بن كثير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي ان هو اذن واقام أن يركع فليقل (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله) وليدخل في الصلاة».

وعبارات الأصحاب هنا لا تخلو من خلل حيث انهم عبروا بقولهم اقتصر على تكبيرتين وقوله «قد قامت الصلاة».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٤ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ٢٦ من الأذان والإقامة.


قال في المدارك بعد ذكر عبارة المصنف بالصورة المذكورة والاستدلال لهم بالرواية المذكورة : وعبارات الأصحاب قاصرة عن افادة ما تضمنته فصولا وترتيبا ، ثم اعترض الرواية بأنها ضعيفة السند ومقتضاها تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة وهو مشكل جدا ، قال ومن ثم حمل جدي (قدس‌سره) في بعض حواشيه عبارة المصنف على ان المراد بفوات الصلاة فوات ما يعتبر في الركعة من القراءة وغيرها ، وهو مع مخالفته للظاهر بعيد عن مدلول الرواية إلا انه لا بأس بالمصير اليه. انتهى.

أقول : اما الطعن بضعف الرواية فقد عرفت ما فيه في غير موضع. واما الاستشكال من حيث دلالتها على تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة فليس في محله مع دلالة النص عليه.

ويؤيد ذلك ما هو أظهر دلالة على هذا الحكم كما رواه الشيخ في التهذيب عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن احمد بن عائذ (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) اني ادخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلونني الى ما ان أؤذن وأقيم فلا أقرأ شيئا حتى إذا ركعوا واركع معهم أفيجزئني ذلك؟ قال نعم».

وهذا الخبر وان حمله الشيخ في التهذيب على انه لم يزد على الحمد إلا انه جوز ايضا تخصيصه بحال التقية وهو الأظهر بسياق الخبر المذكور مع الخبر المتقدم. واما حمله على قراءة الحمد وانه لم يتمكن من الزيادة عليها فهو أبعد بعيد عن سياق الخبر.

واما حمل جده الفوات على ما ذكره ففيه ان الرواية ظاهرة في خوف فوات الركوع لقوله «فخشي ان هو أذان واقام أن يركع» لا فوات الصلاة. ثم تأويله بفوات ما يعتبر في الركعة من القراءة فإنه تكلف لا ضرورة تلجئ اليه مع وضوح النصوص

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٥٦ ورواه أيضا في ص ٢٥٦ عن البزنطي عن ابى الحسن «ع» إلا ان فيه هكذا «ولا اقرأ إلا الحمد حتى يركع». ورواه في الوسائل بالإسناد الثاني في الباب ٣٣ من صلاة الجماعة.


في المطلوب ، وهذا الاستبعاد الذي أوجب لهم هذه التكلفات مدفوع بظاهر الخبرين المذكورين.

واما ما ذكروه من استحباب إتيان المأموم بما أخل به الامام المخالف أو مؤذنه من الفصول فهو لا يخلو من الإشكال لدلالة الخبرين المتقدمين على عدم الاعتداد بأذان المخالف وانه يستحب للمأموم الإتيان بالأذان والإقامة لنفسه كما هو أصل المسألة فكيف يعتد بأذان المخالف ويبنى عليه ويتم ما نقصه؟ وما تكلفه شراح كلامهم في هذا المقام لهذه العبارة ـ من ان ذلك مستحب برأسه وان كان الأذان غير معتد به أو جعل هذه المسألة منفصلة عن الكلام السابق وانها محمولة على غير المخالف كناسي بعض فصول الأذان أو تاركه أو تارك الجهر تقية ـ فهو تمحل بعيد عن سياق كلام أولئك القائلين والله العالم.

ختام به الإتمام يشتمل على فصول من الأحكام

فصل

الأذان عند أهل البيت (صلوات الله عليهم) وحي نزل به جبرئيل (عليه‌السلام) على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واذن له به في صلاته بالنبيين والملائكة في حديث المعراج. وأطبق المخالفون على خلاف ذلك واحتجوا

بما رواه عبد الله بن زيد (١) قال «لما أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالناقوس ليجتمع به الناس طاف بي وانا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت أتبيع الناقوس؟ فقال وما تصنع به؟ قلت ندعو به الناس الى الصلاة. فقال ألا ادلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت بلى. قال تقول : الله أكبر. إلى آخر الأذان ، قال ثم استأخر غير بعيد ثم قال تقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر. إلى آخر الإقامة ، فلما أصبحت أتيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠٩ باختلاف في بعض الألفاظ.


فأخبرته بما رأيت فقال إنها رؤيا حق ان شاء الله تعالى فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت القى عليه ويؤذن به فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلله الحمد».

أقول : وقد كذب أهل البيت (عليهم‌السلام) هذه الرواية واستفاضت اخبارهم بأن الأذان والإقامة وحي من الله عزوجل كما ذكرناه :

فروى ثقة السلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لما هبط جبرئيل (عليه‌السلام) بالأذان على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان رأسه في حجر علي (عليه‌السلام) فأذن جبرئيل واقام فلما انتبه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال يا علي سمعت؟ قال نعم قال حفظت؟ قال نعم. قال ادع لي بلالا فعلمه فدعا علي (عليه‌السلام) بلالا فعلمه». ورواه الصدوق بطريقه إلى منصور بن حازم.

وفي الصحيح عن زرارة والفضيل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه‌السلام) واقام فتقدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة على صلاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالملائكة في السماء ايضا وكلها واردة في اخبار المعراج.

قال ابن ابي عقيل من متقدمي علمائنا : أطبقت الشيعة (٣) على ان الصادق (عليه‌السلام) لعن قوما زعموا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخذ الأذان من عبد الله بن

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من الأذان والإقامة.


زيد فقال ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون انه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد.

أقول : هذه الرواية قد نقلها في كتاب دعائم الإسلام عن الحسين (عليه‌السلام) (١) قال : «وروينا عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي (عليهما‌السلام) انه سئل عن قول الناس في الأذان ان السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأمر بالأذان؟ فقال (عليه‌السلام) الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون انه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد والأذان وجه دينكم؟ وغضب وقال بل سمعت ابي علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) يقول اهبط الله ملكا حتى عرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.». وساق حديث المعراج بطوله وما وقع فيه من الأذان والإقامة والصلاة.

وقال السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس (نور الله تعالى مرقده) في كتاب الطرائف : ومن طريف ما سمعت ووقفت عليه ان أبا داود وابن ماجة ذكرا في كتاب السنن (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هم بالبوق وأمر بالناقوس فأرى عبد الله بن زيد في المنام رجلا عليه ثوبان أخضران فعلمه الأذان».

أقول : وقد وقع في بعض الاخبار نسبة الرؤيا المذكورة الى ابي بن كعب وهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عمر بن أذينة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت جعلت فداك فيما ذا؟ فقال في أذانهم وركوعهم وسجودهم. فقلت انهم يقولون ان ابي بن كعب رآه في النوم فقال كذبوا فان دين الله أعز من ان يرى في النوم. قال فقال له سدير الصيرفي جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكرا فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان الله تعالى لما عرج بنبيه

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١ من الأذان والإقامة.

(٢) سنن ابى داود ج ١ ص ١٩٥ الى ٢٠٠ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٣٩.

(٣) الوافي باب بدو الصلاة وعللها وروى في الوسائل قطعة منه في الباب ١٥ من الوضوء.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى سماواته السبع.». ثم ساق (عليه‌السلام) الخبر وهو طويل جدا يشتمل على الأذان والصلاة وان ذلك كان في مبدأ التكليف. وما اشتمل عليه هذا الخبر من نسبة الرؤيا الى ابي بن كعب خلاف ما اشتهر بين الخاصة والعامة من انه عبد الله بن زيد كما تقدم. والله العالم.

فصل

روى الصدوق في كتاب العلل والعيون عن الفضل بن شاذان في ما رواه من العلل عن الرضا (عليه‌السلام) (١) «فان قال : أخبرني عن الأذان لم أمروا به؟ قيل لعلل كثيرة : منها ـ ان يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عن الصلاة وليكون ذلك داعيا الى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالإسلام مؤذنا لمن ينساها وانما يقال مؤذن لأنه يؤذن بالصلاة ، فإن قال فلم بدئ فيه بالتكبير قبل التهليل؟ قيل لأنه أراد ان يبدأ بذكره واسمه لان اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي اسم الله في أوله لا في آخره ، فان قال فلم جعل مثنى مثنى؟ قيل لان يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم ان سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ولأن الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، فان قال لم جعل التكبير في أول الأذان أربعا؟ قيل لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان ، فإن قال لم جعل بعد التكبير شهادتين؟ قيل لأن أول الإيمان انما هو التوحيد والإقرار لله عزوجل بالوحدانية والثاني الإقرار للرسول بالرسالة وان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأن أصل الإيمان انما هو الشهادة فجعل شهادتين شهادتين في الأذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين ، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.


الايمان لأن أصل الإيمان انما هو الإقرار بالله وبرسوله ، فان قال فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟ قيل لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة وهو نداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدم المؤذن قبلها أربعا : التكبيرتين والشهادتين وأخر بعدها أربعا : يدعو الى الفلاح حثا على البر والصلاة ثم دعا الى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي أدائها ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا وليختم كلامه بذكر الله تعالى كما فتحه بذكر الله ، فان قال فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير؟ قيل لان التهليل اسم الله في آخره فأحب الله ان يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه ، فان قال فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد مع ان اسم الله في آخرهما؟ قيل لان التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد من دون الله تعالى وهو أول الايمان وأعظم من التسبيح والتحميد».

فصل

روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابن ابي عمير (١) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن (حي على خير العمل) لم تركت من الأذان؟ فقال تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت أريدهما جميعا. فقال اما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة واما الباطنة فإن خير العمل الولاية فأراد من أمر بترك (حي على خير العمل) من الأذان ان لا يقع حث عليها ودعاء إليها».

وروى في الكتاب المذكور بسنده عن عكرمة (٢) قال : «قلت لابن عباس أخبرني لأي شي‌ء حذف من الأذان «حي على خير العمل»؟ قال أراد عمر بذلك ان لا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد فلذلك حذفها من الأذان».

ونظير هذا التعليل العليل ما نقله أولياؤه عنه أيضا في تحريم متعة الحج من قوله (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٠.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


«كرهت ان يخرجوا الى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» وقوله (١) «كرهت ان يكونوا معرسين تحت الأراك ثم يخرجون الى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» أرأيت ان الله عزوجل الذي أمر بهذين الحكمين لا يعلم بهذا الأمر الذي علل هذا المرتد به في كل من الموضعين فذهب ذلك عن علم الله سبحانه وانما اهتدى إليه هو؟ ولقد صدق عليه قوله عزوجل «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ» (٢).

وروى في كتاب معاني الأخبار بسنده عن محمد بن مروان عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «أتدري ما تفسير (حي على خير العمل)؟ قال قلت لا. قال دعاك الى البر أتدري بر من؟ قلت لا. قال الى بر فاطمة وولدها (عليهم‌السلام)».

أقول : لا منافاة بين هذه الاخبار وبين ما تقدم في علل الفضل بن شاذان من تفسير خير العمل بالصلاة فإن اخبارهم كالقرآن لها ظهر وبطن.

وفي كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (٤) قال : «علة الأذان ان تكبر الله وتعظمه وتقر بتوحيد الله وبالنبوة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحث على الزكاة ، ومعنى الأذان الاعلام لقوله تعالى «وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ» (٥) أي إعلام وقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «كنت أنا الأذان في الناس بالحج» وقوله «وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ» (٦) أي أعلمهم وادعهم ، فمعنى «الله» انه يخرج الشي‌ء من حد العدم الى حد الوجود ويخترع الأشياء لا من شي‌ء وكل مخلوق دونه يخترع الأشياء من شي‌ء إلا الله فهذا معنى «الله» وذلك فرق بينه وبين المحدث ، ومعنى «أكبر» أي أكبر من ان يوصف في الأول وأكبر من كل شي‌ء لما خلق الشي‌ء ،

__________________

(١) تيسير الوصول ج ١ ص ٢٨٨.

(٢) سورة محمد ، الآية ١٠.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٠.

(٤) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.

(٥) سورة التوبة ، الآية ٣.

(٦) سورة الحج ، الآية ٢٨.


ومعنى قوله «اشهد ان لا إله إلا الله» إقرار بالتوحيد ونفي الأنداد وخلعها وكل ما يعبد من دون الله ، ومعنى «اشهد ان محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» إقرار بالرسالة والنبوة وتعظيم لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وذلك قول الله عزوجل «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» (١) اي تذكر معي إذا ذكرت ، ومعنى «حي على الصلاة» أي حث على الصلاة ومعنى «حي على الفلاح» اي حث على الزكاة ، وقوله «حي على خير العمل» اي حث علي الولاية ، وعلة أنها خير العمل ان الأعمال كلها بها تقبل (٢) «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله» فالقى معاوية من آخر الأذان «محمد رسول الله» (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال أما يرضى محمد ان يذكر في أول الأذان حتى يذكر في آخره. ومعنى الإقامة هي الإجابة والوجوب ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الأذان ، ومعنى «قد قامت الصلاة» أي قد وجبت الصلاة وحانت وأقيمت ، واما العلة فيها فقال الصادق (عليه‌السلام) إذا أذنت وصليت صلى خلفك صف من الملائكة وإذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة. ولا يجوز ترك الأذان إلا في صلاة الظهر والعصر والعتمة يجوز في هذه الصلوات الثلاث اقامة بلا أذان والأذان أفضل ولا تجعل ذلك عادة. ولا يجوز ترك الأذان والإقامة في صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلة في ذلك ان هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل وملائكة النهار».

قال في البحار بعد نقل ذلك : لعل الحث على الزكاة في الأذان لكون قبول الصلاة مشروطا بها وكون الشهادة بالرسالة في آخر الأذان غريب لم أره في غير هذا الكتاب

فصل

روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال والمجالس والعيون بسنده عن عباس

__________________

(١) سورة الانشراح ، الآية ٤.

(٢) هكذا عبارة الحديث في المستدرك والبحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٨.


مولى الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول من قال حين يسمع أذان الصبح : اللهم إني أسألك بإقبال نهارك وادبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعاتك وتسبيح ملائكتك أن تتوب علي انك أنت التواب الرحيم وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو من ليلته تلك كان تائبا».

أقول : في رواية المجالس (٢) «كان أبو عبد الله الصادق (عليه‌السلام) يقول.» وفي كتاب مصباح الشيخ (٣) «اذن للمغرب وقل» وذكر الدعاء. قال في البحار : الباء في قولك «بإقبال نهارك» اما سببية أي كما أنعمت علي بتلك النعم فأنعم علي بتوفيق التوبة أو بقبولها ، أو قسمية ، ويحتمل الظرفية على بعد ، قوله «دعاتك» في بعض النسخ بالهمزة وفي بعضها بالتاء جمع داع كقاض وقضاة ، وبعده «وتسبيح ملائكتك» في أكثر الروايات وليس في بعضها.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٤) : «تقول بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآل محمد وأعط محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم القيامة سؤله آمين رب العالمين اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأقدمهم بين يدي حوائجي كلها فصل عليهم واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين واجعل صلاتي بهم مقبولة ودعائي بهم مستجابا وامنن علي بطاعتهم يا ارحم الراحمين. تقول هذا في جميع الصلوات وتقول بعد أذان الفجر اللهم إني أسألك بإقبال نهارك. الى آخر ما مر ، وان أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا. الى آخر ما تقدم في مسألة استحباب الفصل بين الأذان والإقامة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٩.

(٤) ص ٦.


وقال الشيخ في المصباح (١) : يستحب ان يقول في السجدة بين الأذان والإقامة «اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مستقرا وقرارا». وفي كتاب البلد الأمين (٢) «. ورزقي دارا وعيشي قارا واجعل لي عند قبر نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.». وفي الرسالة النفلية (٣) «. وعيشي قارا ورزقي دارا.» وفي بعض كتب الدعاء (٤) بعد ذلك «وعملي سارا» وفي بعضها (٥) «عند رسولك» بغير القبر. وفي الكافي في حديث مرفوع (٦) «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر نبيك قرارا ومستقرا».

قال شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية (٧) : «اللهم اجعل قلبي بارا» البار المطيع والمحسن والمعنى عليهما سؤال الله ان يجعل قلبه مطيعا لسيده وخالقه ومحسنا في تقلباته وحركاته وسكناته فإن الأعضاء تتبعه في ذلك كله «وعيشي قارا» الأجود كون القار هنا متعديا والمفعول محذوفا اي قارا لعيني ، يقال أقر الله عينك اي صادف فؤادك ما يرضيك من العيش فتقر عينك من النظر الى غيره قاله الهروي. ويجوز كونه لازما اي مستقرا لا يحوج الى الخروج إليه في سفر ونحوه ، وقد روى «ان من سعادة الرجل ان تكون معيشته في بلده» أو قارا في الحالة المهناة لا يتكدر بشي‌ء من المنغصات فيضطرب «ورزقي دارا» اي يزيد ويتجدد شيئا فشيئا كما يدر اللبن «واجعل لي عند قبر رسولك مستقرا وقرارا» المستقر المكان والقرار المقام أي اجعل لي عنده مكانا أقر فيه. وقيل هما مترادفان. ونقل المصنف في بعض تحقيقاته ان المستقر في الدنيا والقرار في الآخرة كأنه يسأل ان يكون المحيا والممات عنده واختص الدنيا بالمستقر لقوله تعالى «وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» (٨) والآخرة بالقرار لقوله تعالى «وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٧) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٨١.

(٦) الوسائل الباب ١٢ من الأذان والإقامة.

(٨) سورة البقرة ، الآية ٣٤.


الْقَرارِ» (١) وفيه ان القبر لا يكون في الآخرة وإطلاق الآخرة على الممات خاصة بعيد نعم في بعض روايات الحديث «واجعل لي عند رسولك» بغير ذكر القبر ويمكن تنزيل التأويل حينئذ عليه بان يكون السؤال بأن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : الظاهر ان استدراك شيخنا المذكور على المصنف ليس في محله فان باب المجاز واسع وقد ورد «ان من مات فقد قامت قيامته» مع ان الموت والانتقال الى عالم البرزخ ليس من القيامة حقيقة التي هي الدار الآخرة. وبالجملة فباب التجوز أوسع من ذلك. والله العالم.

__________________

(١) سورة المؤمن ، الآية ٤٢.


فهرس الجزء السابع

من كتاب الحدائق الناظرة

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

وجوب ستر العورة في الصلاة

٢

ما يستحب للرجل والمرأة من اللباس في الصلاة

٢٢

هل الستر شرط مع الذكر خاصة أو مطلقا؟

٣

هل يعتبر كون الثوب الذي يصلى فيه ساتر الحجم؟

٢٧

العورة التي يجب سترها في الرجل

٦

هل الأفضل تعدد الثوب في الصلاة؟

٢٨

العورة التي يجب سترها في المرأة

٧

هل الأفضل تعدد الثوب في الصلاة؟

٣٠

هل يجب على المرأة ستر شعرها في الصلاة؟

١٢

هل يجوز الصلاة مع ظهور العورة حال الركوع؟

٣١

جواز كشف الأمة والصبية رأسها في الصلاة

١٥

ما يستحب ستره للرجل

٣٢

لافرق بين أنواع الأمة في جواز كشف رأسها في الصلاة

١٦

هل يكفي ساتر أو يجب الثوب عند الامكان؟

٣٣

هل يستحب القناع للأمة في الصلاة؟

١٧

لو استتر المصلي بالطين فهل يركع ويسجد أو يومى؟

٣٦

ظاهر الصدوق في العلل تحريم الستر على الأمة

١٨

لو وجد العاري حفيرة يمكنا الركوع والسجود فيها

٣٧

الاشكال في عتق الأمة

١٩

هل يجب الاستتار بالوحل عند الضرورة؟

٣٩

حكم ما عدا الرأس في الأمة

١٩

كيفية صلاة العاري

٤٠

لو انعتق بعض الأمة

١٩

لو صلى قائما " مع عدم المطلع فانفق مجئ أحد بعد الدخول في الصلاة

٤٣

حكم الخنثى المشكل

٢٠

إذا أعتقت الأمة في أثناء الصلاة

٢١


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

تحقيق ان الايماء للركوع والسجود بماذا وكيف يكون؟

٤٣

من جلد الميتة في الصلاة

٥٧

الايماء في حالتي القيام والجلوس على وجه واحد

٤٤

لا تجوز الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه

٥٨

لو صلى العاري قائما فهل يتشهد من قيام أو يجلس في موضع التشهد؟

٤٥

المنع لا يشمل المحمول

٦٠

وجوب شراء الساتر مع التمكن وكذا قبول اعارته وهبته

٤٥

جواز الصلاة في وبر الخز

٦٠

جواز البدار وعدمه في صلاة العاري

٤٥

هل تجوز الصلاة في جلد الخز؟

٦٢

لو لم يجد الا ثوب حريرا " أو ثوبا مغصوبا أو جلد ميتة أو مالا يؤكل لحمه أو ثوبا " نجسا "

٤٦

حكم وبر الخز المخلوط بغيره مما لا تجوز الصلاة فيه

٦٣

الجهات التي يراعى الستر منها

٤٦

تعريف الخز

٦٥

لو كان في ثوبه خرق

٤٦

هل تجوز الصلاة في الخز المشهور في هذا الزمان؟

٦٧

لو وجد ساترا لاحدى العورتين

٤٧

هل تجوز الصلاة في جلد السنجاب ووبره؟

٦٨

لو وجد الساتر في أثناء الصلاة

٤٧

تعريف السنجاب والسمور والفنك والحواصل

٧٣

استحباب الجماعة للعراة وكيفيتها

٤٧

هل تجوز الصلاة في وبر الثعالب والأرانب؟

٧٤

ما يجوز لبسه للمصلى ومالا يجوز

٤٩

هل تجوز الصلاة في الحواصل؟

٧٨

لا تجوز الصلاة في جلد الميتة

٥٠

هل تجوز الصلاة في التكة والقلنسوة من وبر غير المأكول؟

٧٨

حكم الجلد إذا شك في التذكية

٥١

النهي عن الصلاة في الثوب الذي يلي وبر الثعلب

٨٠

هل يختص المنع بميتة ذي النفس؟

٥٥

هل تجوز الصلاة فيما يكون على

هل يحرم استصحاب غير الملبوس


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الثوب من غير المأكول؟

٨٢

هل يحرم على الولي تمكين الصبي من لبس الحرير؟

١٠٠

حكم فضلات الانسان

٨٤

لو لم يجد المصلي إلا الحرير

١٠٠

تلخيص ما دلت عليه موثقة ابن بكير

٨٥

الصلاة في ما لا تتم فيه من الذهب

١٠١

لو شك في كون الصوف أو الشعر من غير مأكول اللحم

٨٦

شد الأسنان بالذهب

١٠٢

الصلاة في الثوب المنسوج من ما يؤكل وما لا يؤكل

٨٦

الصلاة في الثوب المغصوب

١٠٣

حرمة لبس الحرير على الرجال

٨٧

هل يفرق في الصلاة في الثوب المغصوب بين الساتر وغيره؟

١١١

حرمة الصلاة في الحرير على الرجال

٨٩

الصلاة في ما لا تتم فيه من المغصوب

١١١

لافرق في البطلان بين ما كان ساترا " للعورة وغيره

٩١

لو جهل أصل الغصب

١١١

جواز صلاة الرجل في الحرير في الضرورة والحرب

٩١

لو علم بالغصب وجهل الحكم

١١١

لبس الرجل الحرير للقمل

٩٢

لو علم بالغصب في أثناء الصلاة

١١٢

جواز صلاة الرجل في الحرير الممزوج

٩٣

لو علم بالغصب ونسى

١١٢

لو خيط الحرير بغيره أو لفق الثوب من قطع حرير وغيره

٩٣

لو اذن المالك للغاصب وغيره

١١٤

حكم المحشو بالحرير

٩٣

استحباب الصلاة في النعل العربية

١١٤

هل يجوز للنساء الصلاة في الحرير؟

٩٤

استحباب التطيب في الصلاة

١١٥

الصلاة في ما لا تتم فيه من الحرير

٩٧

كراهة الصلاة في الثياب السود

١١٦

افتراش الحرير والقيام عليه ونحو ذلك

٩٩

تفسير ملابس أعداء الله ومطاعمهم ومسالكهم

١١٧

استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (ع)

١١٨

كراهة الصلاة في بعض الألوان غير السواد

١١٨


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

كراهة الاتزار فوق القميص

١١٩

أو خبط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الأثواب المتعددة

١٤١

كراهة التوشح

١٢٠

خبر المعلى بن خنيس في المقام وما يستفاد منه

١٤١

تفسير التوشح

١٢٣

كراهة اللثام للرجل

١٤٢

كراهة اشتمال الصماء

١٢٣

الصلاة في القباء المشدود

١٤٣

تعريف اشتمال الصماء

١٢٤

كراهة الصلاة في الحديد

١٤٤

الصلاة في عمامة لا حنك لها

١٢٥

كراهة الصلاة في ثوب المتهم بعدم التوقي من النجاسة

١٤٦

هل المستحب للمتعمم التحنك أو الاسدال؟

١٢٧

كراهة صلاة المرأة في خلخال له صوت

١٤٩

الفرق بين الاسدال والنحنك

١٢٨

كراهة الصلاة في ما فيه تماثيل

١٤٩

كلام المجلسي في الجمع بين اخبار الاسدال والتحنك

١٢٩

هل تختص الكراهة بما فيه تمثال ذي الروح؟

١٥٤

وجوه النظر في كلام المجلسي في المقام

١٣٠

ما تزول به الكراهة

١٥٧

الجمع بين أخبار المسألة

١٣٤

النهي عن الصلاة في الدراهم السود مصحوبة أو مطروحة بين يديه وما تزول به الكراهة

١٥٨

كراهة الإمامة بغير رداء

١٣٥

لا تختص الكراهة بالصور المنقوشة

١٥٨

كلام صاحب المدارك في المقام

١٣٦

كراهة الصلاة في الخضاب

١٥٩

تحقيق في ارتداء المصلي

١٣٦

الصلاة في ما يستر ظهر القدم

١٦٠

تعريف اسدال الرداء

١٣٨

الصلاة في البرطلة

١٦١

النهي عن اسدال الرداء

١٣٩

الجمع بين صحيحي زرارة وعلي بن جعفر في المقام

١٤٠

كلام صاحب المدارك المبتني على استحباب الرداء بخصوصه

١٤٠

حكم المجلسي ببدعية جعل منديل


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

اشتراط الإباحة في مكان المصلي

١٦٢

هل يعم الحكم الصلاة السابقة؟

١٨٧

حكم الجاهل بأصل الغصب والجاهل بالحكم

١٧٠

لو علم كل منهما بالآخر في الأثناء أو بعد الفراغ

١٨٨

حكم ناسي الغصب

١٧٠

هل يعتبر في الحائل ان يكون مانعا " من الرؤية؟

١٨٩

لافرق في عدم جواز الصلاة في المغصوب بين الغاصب وغيره

١٧١

هل يكفى في الحائل الظلمة وفقد البصر وتغميض العين؟

١٨٩

الصلاة في الصحارى المغصوبة

١٧١

لو اجتمعا في مكان واحد واتسع الوقت صلى الرجل أولا

١٩٠

لو صلى المالك في المكان المغصوب

١٧١

مبدأ التقدير في الأذرع

١٩١

لو اذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة

١٧١

لو صلت المراة خلف الامام في صف أو بجنبه

١٩١

تفسير كلام الشيخ في المقام

١٧١

هل يختص هذا الحكم بحال الاختيار؟

١٩١

لو رجع المالك عن اذنه قبل الشروع في الصلاة

١٧٣

ما يدل على استثناء مكة من هذا الحكم

١٩١

لو رجع المالك عن اذنه بعد الشروع في الصلاة

١٧٣

لو كانت المرأة أعلى من الرجل أو أسفل منه

١٩٢

الصلاة تحت السقف والخيمة المغصوبين

١٧٥

توجبه ما تضمن أكثر من عشرة أذرع

١٩٣

هل يكفي في شاهد الحال الظن؟

١٧٦

هل يعم الحكم الصبي والصبية؟

١٩٣

هل يجوز تساوي الرجل والمرأة في موقف الصلاة وهذا تقدم المرأة مع عدم البعد والحائل؟

١٧٧

الصلاة على الموضع النجس

١٩٤

هل يعتبر في الحرمة أو الكراهة في كل منهما صحة صلاة الآخر؟

١٨٦

اشتراط طهارة موضع الجبهة

١٩٥

انما تمنع المكان المتعدية إذا لم تكن معفوا عنها.

١٩٦


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لو كانت الأرض نجسة وفرش عليها فرش طاهر

١٩٧

كراهة الصلاة في وادي الشقرة

٢١٤

لو كانت في مسجد الجبهة نجاسة لا تتعدى أو على نفس الجبهة نجاسة معفو عنها في الصلاة

١٩٨

كراهة الصلاة في وادي ضجنان

٢١٥

المواضع التي نهى عن الصلاة فيها

١٩٨

الصلاة إلى القبور وعليها وبينها

٢١٦

كراهة الصلاة في الحمام

١٩٩

حكم التقدم في الصلاة على قبر المعصوم

٢١٩

كراهة الصلاة في بيوت الغائط

٢٠٠

حكم المحاذاة في الصلاة لقبر المعصوم

٢٢٠

كراهة الصلاة في مبارك الإبل

٢٠١

حكم الصلاة خلف قبر المعصوم

٢٢٤

كراهة الصلاة في مساكن النمل

٢٠٣

حكم سائر القبور

٢٢٥

كراهة الصلاة في مجاري المياه

٢٠٤

هل يلحق القبر والقبران بالقبور؟

٢٢٧

هل يشمل الحكم الصلاة في السفينة والساباط الذي على نهر يجري فيه الماء

٢٠٤

هل يزول الحكم بالحائل؟

٢٢٧

كراهة الصلاة في بطون الأودية

٢٠٥

لو بنى مسجدا " في المقبرة

٢٢٧

الصلاة في الطين

٢٠٦

الصلاة على القبر

٢٢٨

الصلاة في الماء

٢٠٧

كراهة الصلاة إلى النار

٢٢٨

الصلاة في مسان الطريق

٢٠٨

صلاة الفريضة في جوف الكعبة

٢٣١

لو استلزمت الصلاة في الطريق تعطيل المارة

٢٠٩

كراهة الصلاة في بيوت المجوس

٢٣١

كراهة الصلاة في السبخة

٢١٠

الصلاة في بيت فيه مجوسي

٢٣٢

الصلاة على الثلج

٢١١

لصلاة في البيع والكنائس

٢٣٢

كراهة الصلاة في البيداء

٢١٢

هل يشترط اذن أهل الذمة في ذلك؟

٢٣٤

كراهة الصلاة في ذات الصلاصل

٢١٣

كراهة الصلاة في بيوت الخمور

٢٣٤

الصلاة في بيوت النيران

٢٣٥

كراهة الصلاة والغائط في قبلته أو حائط ينز من بالوعة

٢٣٦

كراهة الصلاة إلى المصحف المفتوح

٢٣٦

كراهة الصلاة إلى الانسان المواجه

٢٣٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

استحباب السترة للمصلي

٢٣٨

غير الأرض والنبات بمسجد الجبهة

٢٥٣

الغرض من السترة واختصاص ذلك بغير المعصوم ومن قرب منه

٢٤١

تعريف الخمرة وحكم السجود عليها

٢٥٤

هل تستحب السترة إذا صلى وفى قبلته حمار؟

٢٤٢

هل يجوز السجود على القير؟

٢٥٥

استحباب الارتفاع في السترة

٢٤٢

تحديد المأكول والملبوس

٢٥٧

استحباب الدنو من السترة

٢٤٢

لو وضع ما يصح السجود عليه تحت كور العمامة وسجد عليه

٢٥٨

إذا نصب عنزة أو عود فهل يستحب الانحراف عنه؟

٢٤٣

السجود على الأرض أفضل

٢٥٩

سترة الامام سترة لمن خلفه

٢٤٣

أفضل افراد الأرض في السجود التربة الحسينية

٢٦٠

لو كانت السترة مغصوبة

٢٤٣

هل يلحق بالتربة الحسينية اللوح المتخذ من خشب قبورهم (ع)؟

٢٦٠

هل يستحب دفع المار بين يديه؟

٢٤٤

السجود على المشوي من التربة

٢٦٠

لو احتاج في الدفع إلى القتال

٢٤٤

هل يجوز السجود على الخزف؟

٢٦٢

هل تختص كراهة المرور وجواز الدفع بمن استتر؟

٢٤٥

السجود على الجص والنورة

٢٦٣

لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت غير المأكول والملبوس

٢٤٥

حكم السجود على الموضع المشتبه بالنجس

٢٦٣

جواز السجود على القرطاس

٢٤٧

فضل بناء المساجد

٢٦٣

عدم جواز السجود على القطن والكتان

٢٤٩

فضل السعي إلى المساجد

٢٦٤

جواز السجود على ما منعت منه الاخبار في التقية والضرورة

٢٥١

كيفية بناء مسجد النبي (ص)

٢٦٦

اختصاص المنع من السجود على

استحباب اتخاذ المساجد مكشوفة

٢٦٧

استحباب جعل الميضاة على باب المسجد

٢٦٨

حكم الوضوء في المسجد

٢٦٩


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

استحباب تجمير المساجد في كل سبعة أيام

٢٧٠

الحاجة إليه وعدم اقتضاء المصلحة

٢٧٨

جعل المنارة في الحائط لا في وسط المسجد

٢٧١

حرمة اتخاذ المسجد في ملك أو طريق

٢٧٨

استحباب تقديم الرجل اليمنى في دخول المسجد واليسرى في الخروج

٢٧٢

منع اليهود والنصارى من دخول المساجد

٢٧٩

استحباب تعاهد النعل في دخول المسجد

٢٧٢

حكم اخراج الحصى من المسجد

٢٨٠

استحباب الدعاء عند دخول المسجد والخروج منه

٢٧٣

كراهة جعل الشرف للمساجد

٢٨٠

استحباب التطهير لدخول المسجد

٢٧٤

هل يكره اتخاذ المحاريب في المساجد؟

٢٨١

استحباب كنس المسجد واخراج الكناسة منه

٢٧٤

تعريف المحراب

٢٨٤

استحباب الاسراج في المسجد

٢٧٥

كراهة اتخاذ المسجد طريقا "

٢٨٥

استحباب تحية المسجد

٢٧٥

كراهة البيع والشراء وتمكين المجانين والصبيان ورفع الصوت في المساجد

٢٨٥

استحباب التطيب ولبس الثياب الفاخرة عند قصد المسجد

٢٧٦

هل يكره القضاء وانفاذ الاحكام وإقامة الحدود في المساجد؟

٢٨٧

استحباب تعدد الصلاة في بقاع المسجد

٢٧٦

كراهة انشاد الشعر في المسجد

٢٨٨

حرمة ادخال النجاسة إلى المسجد

٢٧٧

استثناء بعض الاشعار من الكراهة

٢٨٨

هل تحرم زخرفة المساجد ونقشها بالصور؟

٢٧٧

كراهة البصاق والتنخم في المسجد

٢٩٠

حرمة بيع آلات المسجد عند عدم

الاخبار الدالة على جواز البصاق في المسجد

٢٩١

الجمع بين الطائفتين من الاخبار

٢٩٢

هل يكره قتل القمل في المسجد؟

٢٩٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل يكره النوم في غير المسجدين؟

٢٩٣

المشهد فهو أولى به

٣٠٦

الاشكال في كراهة النوم في المسجدين

٢٩٤

الكلام فيما هو معمول بين الناس من وضع شئ في المسجد ان المشهد والمضي إلى وقت الحاجة

٣٠٨

الاشكال في عدم كراهة النوم في زوائد المسجد الحرام

٢٩٥

جواز الوقف على المساجد

٣٠٨

كراهة دخول من في فمه رائحة مؤذية في المسجد

٢٩٦

هل يجوز نقض المسجد للتوسعة؟

٣١٠

هل يكره عمل الصنائع في المسجد؟

٢٩٨

احداث باب زائد للمسجد وفتح شباك وروزنة للمصلحة العامة

٣١٢

سل السيف وتعليق السلاح في المسجد

٢٩٨

هل يجوز حفر بئر في المسجد لوضوء المصلين؟

٣١٢

كراهة كشف العورة في المسجد مع عدم المطلع

٢٩٩

هل يجوز صرف آلات المسجد وماله في غيره؟

٣١٣

كراهة الرمي بالحصى في المسجد

٢٩٩

فضل المساجد والصلاة فيها واختلافها في ذلك.

٣١٥

كراهة رطانة الأعاجم في المسجد

٣٠٠

مكة حرم الله ورسوله وعلي بن أبي طالب (ع)

٣١٧

هل يعتبر في ثبوت المسجدية صيغة الوقف؟

٣٠١

المدينة والكوفة حرم الله ورسوله وعلي بن أبي طالب (ع)

٣١٨

استحباب اتخاذ المسجد في البيت

٣٠٣

اختلاف الاخبار في ثواب الصلاة في المساجد

٣١٩

استحباب ان لا يكون الشخص في بيت وحده في الليل وان كان في الصلاة

٣٠٤

ما تضمنه حديث الثمالي الوارد في الصلاة في المسجد الحرام

٣٢٠

هل تشمل أحكام المسجد مسجد البيت؟

٣٠٥

ما ورد من الاخبار في مسجد

من سبق إلى مكان من المسجد أو


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الكوفة وبيان ما تضمنته

٣٢٠

الاعتداد باذان المميز

٣٣٥

وقوع النقص في مسجد الكوفة

٣٢٣

تعريف المميز

٣٣٦

حكم الناقص من مسجد الكوفة

٣٢٤

استحباب ان يكون المؤذن عادلا

٣٣٦

ما تضمنه مرسل الفقيه من ان الصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة الف صلاة

٣٢٦

استحباب ان يكون المؤذن صيتا "

٣٣٦

المراد بمسجد القبيلة

٣٢٦

صحيح زرارة الوارد في رفع الصوت بالاذان وما يستفاد منه

٣٣٧

المراد بمسجد القبيلة

٣٢٧

هل يستحب في المؤذن ان يكون حسن الصوت

٣٣٧

المراد بمسجد القبيلة

٣٢٧

استحباب ان يكون المؤذن مبصرا "

٣٣٨

وجه الجمع بينها وبين ما دل على انه لا صلاة لجار المسجد إلا فيه

٣٢٨

هل يستحب ان يكون المؤذن فصيحا "؟

٣٣٨

استثناء مورد العذر من الحكم المذكور

٣٢٨

استحباب ان يكون المؤذن بصيرا " بالأوقات

٣٣٨

تعريف الاذان والإقامة

٣٢٨

استحباب الطهارة من الحدثين في الاذان ووجوبها في الإقامة.

٣٣٩

الاخبار في فضل الاذان

٣٢٩

استحباب القيام في الاذان

٣٤٠

اشتراط الاسلام في المؤذن

٣٣٢

وجوب القيام في الإقامة

٣٤١

هل يعتبر في المؤذن الايمان؟

٣٣٣

استحباب القيام على مرتفع في الاذان

٣٤٣

هل يصير الكافر بتلفظه بالشهادتين في الاذان أو الصلاة مسلما "؟

٣٣٤

استحباب استقبال القبلة في الاذان

٣٤٤

اشتراط كون المؤذن عاقلا.

٣٣٤

وجوب الاستقبال في الإقامة

٣٤٤

هل يجوز اذان المرأة للرجال الأجانب؟

٣٣٤

كراهة الالتفات في الاذان يمينا " وشمالا

٣٤٥

التشاح في الاذان

٣٤٥


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

الاجتماع في الاذان دفعة واحدة من جماعة.

٣٤٨

استحباب الاذان في اذن المولود

٣٦٦

اخذ الأجرة على الاذان

٣٤٩

استحباب الاذان في اذن من ساء خلقه

٣٦٦

جواز ارتزاق المؤذن من بيت المال

٣٥١

استحباب الاذان في البيت

٣٦٦

اخذ الأجرة على الاذان والإقامة المستحبين لكل صلاة

٣٥١

من دخل في الصلاة بلا اذان وإقامة

٣٦٧

ما يؤذن له ويقام من الصلوات

٣٥٢

الصلاة على النبي (ص) إذا تذكر ترك الاذان والإقامة

٣٧٠

حكم الاذان والإقامة

٣٥٢

هل يجوز القطع لاستدراك الاذان خاصة؟

٣٧١

الاخبار الواردة في حكم الاذان والإقامة

٣٥٣

هل يستحب الاذان والإقامة لكل صلاة في قضاء اليومية؟

٣٧٢

دليل وجوب الاذان والإقامة في الجماعة وجوابه

٣٥٥

القاضي للصلوات الخمس يكفيه الاذان في أول ورده

٣٧٣

دليل وجوب الاذان والإقامة في الصبح والمغرب وجوابه

٣٥٦

كلام الشهيد في الدروس وتأييده من جهة ونقده من جهة أخرى

٣٧٥

حكم الإقامة

٣٥٧

حكم اذان العصر يوم الجمعة

٣٧٦

استدلال الفاضل الخراساني على استحباب الإقامة والرد عليه

٣٥٩

تحقيق ان القول بسقوط الاذان في عصر الجمعة انما يتم مع الجمع

٣٧٧

الرخصة للنساء في ترك الاذان والإقامة

٣٦١

ما يتحقق به الجمع والتفريق بين الفرضين

٣٧٩

هل يعتد الرجال باذان المرأة؟

٣٦٣

كلام الشهيد في الذكرى التضمن سقوط الاذان للثانية في صورة الجمع ونقده

٣٨٠

لا يؤذن للنوافل ولا للفرائض غير اليومية

٣٦٤

استحباب الاذان في الفلوات الموحشة

٣٦٥


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

سقوط الاذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة

٣٨٠

المستحبة للاذان؟

٤٠٣

سقوط الاذان في الجمع مطلقا " وخصوص عصري الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة رخصة أو عزيمة؟

٣٨١

قصر الاذان والإقامة في العذر والسفر

٤٠٤

سقوط الاذان والإقامة بالجماعة السابقة ما لم تتفرق الصفوف

٣٨٤

اعتبار الترتيب بين الاذان والإقامة وفى فصولهما

٤٠٥

حكم الجماعتين في المسجد في صلاة واحدة

٣٨٧

جواز الاقتصار على الإقامة

٤٠٧

ما يتحقق به تفرق الصف

٣٨٨

استحباب الوقوف على أواخر الفصول في الاذان والإقامة

٤٠٨

هل يختص السقوط في هذا المورد بالمسجد؟

٣٨٩

استحباب التأني في الاذان والحدر في الإقامة

٤١٠

شمول الحكم للجامع والمنفرد

٣٨٩

استحباب الفصل بين الاذان والإقامة بركعتين أو سجدة أو غيرهما

٤١١

هل يختص السقوط بالفريضة المؤداة

٣٨٩

الاخبار الواردة في المقام

٤١٢

لو اذن المنفرد ثم أراد الصلاة جماعة اعاده

٣٨٩

الترجع في الاذان وحكمه

٤١٦

طعن المحقق وصاحب المدارك في سند الحكم المذكور

٣٩٠

التثويب في الاذان

٤١٨

الايراد على المحقق في المقام

٣٩١

حكم التثويب في الاذان

٤١٩

نقد كلام صاحب المدارك

٣٩٢

استحباب حكاية الاذان

٤٢٢

الايراد عليهما في جعل رواية أبي مريم مؤيدة

٣٩٣

الحكاية هي الاتيان بجميع الفصول التي يأتي بها المؤذن

٤٢٣

هل يجوز تقديم الاذان قبل الصبح؟

٣٩٤

قطع كلام وقراءة القرآن لحكاية الاذان

٤٢٤

هل يجوز تقديم الاذان قبل الصبح؟

٣٩٨

حكاية الاذان في الصلاة

٤٢٤

فصول الاذان والإقامة

٣٩٨

لو فرغ من الصلاة ولم يحكه

٤٢٥

هل الشهادة بالولاية من الأجزاء


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لو دخل المسجد والمؤذن يؤذن فهل يؤخر صلاة التحية إلى فراغ المؤذن

٤٢٥

المسجد لكل من يصلي تلك الصلاة فيه

٤٣١

المستحب حكاية الاذان المشروع

٤٢٥

حكم الحدث في أثناء الإقامة أو الصلاة

٤٣١

المستحب حكاية الاذان المشروع

٤٢٦

من صلى خلف من لا يقتدى به اذن لنفسه وأقام

٤٣٢

كراهة الكلام بين الاذان والإقامة في صلاة الغداة

٤٢٨

الاشكال في استحباب الاتيان بما أخل به الامام المخالف أو مؤذنه

٤٣٤

الاجتزاء في الجماعة بسماع الاذان

٤٢٩

الاذان وحي من الله تعالى

٤٣٤

لافرق بين كون المؤذن مؤذن مصر أو مسجد أو منفردا "

٤٢٩

علل الاذان وكيفيته

٤٣٧

لافرق في هذا الحكم بين الامام والمنفرد

٤٢٩

علة حذف (حي على خير العمل) من الاذان

٤٣٨

الاجتزاء بسماع الإقامة أيضا "

٤٣٠

الدعاء عند اذان الصبح والمغرب وبين الاذان والإقامة

٤٤٠

هل يستحب إعادة الاذان والإقامة في هذه الصورة؟

٤٣٠

معنى الدعاء الوارد بين الاذان والإقامة

٤٤٢

كفاية الاذان الواحد لصلاة في

الحدائق الناضرة - ٧

المؤلف:
الصفحات: 456